ظهور الإمام المهدي من وجهة نظر الاسلام والمذاهب وسائر الأمم

اشارة

ظهور الإمام المهدي من وجهة نظر الاسلام والمذاهب وسائر الأمم

تأليف: الحجة العلامة السيد أسدالله الهاشمي الشهيدي

ترجمة : علي عبد الكاظم المدني

مراجعة وإشراف : الشيخ قيس بهجت العطار

دارالعلوم للتحقيق و الطباعة والنشر والتوزيع

خيرانديش ديجيتالي : انجمن مددكاري امام زمان (عج) اصفهان

ص: 1

اشارة

ص: 2

ص: 3

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ

الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ

مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ

نَسْتَعِينُ اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ

صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ

الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلَا الضَّالِّينَ

ص: 4

الاهداء

إلي المصلح الموعود

إلي التاسع من ولد الحسين الشهيد

إلي مهدي آل محمد عجل الله فرجه الشريف

أهدي هذه الترجمة

ص: 5

ص: 6

المقدمة:

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام علي محمد وآله الطيبين الطاهرين، واللعنة الدائمة علي أعدائهم أجمعين إلي قيام يوم الدين.

أما بعد، فإن البشرية علي مختلف مراحلها، وبمرور قرونها وأجيالها، عرفت عقائد وأفكارا جمة، بعضها إلهية، وبعضها من نتائج عقولها وبنيات أفكارها.

وهذه الأفكار و تلك العقائد ، ربما تفاوتت وجودا وعدما، وقوة وضعفا، من فترة إلي أخري، ومن زمان إلي آخر، متأثرة بالظروف الحاكمة، وبالحكام وميولاتهم واتجاهاتهم، وبغير ذلك من المؤثرات والعلل والأسباب.

ولم يخرج عن هذه القاعدة إلا القليل من الأفكار والعقائد التي بقيت شاخصة حية نابضة علي مر العصور وكر الدهور، كالتوحيد، والنبوات، والأوصياء، وما شابهها من الأصول.

ومن هذه الأفكار التي أجمعت عليها الأمم والأديان والأنبياء والمصلحون، وبقيت ثابتة في بطون الكتب المقدسة عند الأمم، ووقفت شامخة تتحدي الظروف والعصور، هي فكرة ظهور المصلح المنقذ «الإمام الحجة عجل الله فرجه» في آخر الزمان ، ليملأ الأرض قسطا وعدلا بعد ما ملئت ظلما و جورا،فقد تظافرت عليها جميع الأديان والمذاهب القديمة والحديثة، وبشروا ونادوا بها.

وقد ألفت في هذا المجال عدة كتب قديما وحديثا، وتناولت هذا الموضوع بالتطويل والاختصار، وبمختلف اللغات والثقافات، محاولة إيصال الفكر الحق

ص: 7

إلي أكبر عدد من طالبي الحقيقة.

ومن هذه الكتب المهمة، هو كتاب «ظهور الإمام المهدي عليه السلام من وجهة نظر الإسلام والمذاهب وسائر الأمم»، للمؤلف المعاصر الفاضل البارع السيد أسدالله الهاشمي الشهيدي، ولأن هذا الكتاب يحتوي علي عيون المطالب وأمهات المسائل حول الإمام الحجة عليه السلام، وحقيق بأن يقرأ بتمعن وتأن للوقوف علي كنوزه ولئالئه .

وبما أن هذا الكتاب مؤلف باللغة الفارسية، لذا رأينا من الضروري ترجمته إلي اللغة العربية، ليكون التلاقح والإثمار بين اللغتين العربية والفارسية، فأنطنا هذه المهمة بالأخ الفاضل علي عبدالكاظم المدني ، فقام بها خير قيام، فلله دره وعليه أجره.

ثم راجعنا الترجمة وأصلحنا ما كان فيها من الخطأ، وما زاغ عنه نظره، واستدركنا بعض ما فاته من هوامش و تعليقات، ثم عرفنا قدر المستطاع ببعض أسماء الكتب وبعض الأعلام الأجنبية أو التي تمتد إلي لغات أخري

كالسنسكريتية وغيرها، لكي يتضح المطلب بشكل أدق، ويقف القارئ علي بعد المسألة بصورة أوضح.

ختاما : لقد بذلنا وسعنا في إخراج هذا الكتاب بأفضل شكل ممكن، فإن كان الصواب حليفنا فمن الله ومن رسوله ومن الأئمة المعصومين، وإلا فلتسعه عين الرضا.

قيس بهجت العطار

ص: 8

القسم الأول: المهدوية وفكرة ظهور الإمام المهدي عليه السلام

اشارة

وفيه:

1. ظهور الإمام المهدي عليه السلام في عقيدة المجتمع الإسلامي

2. أصالة المهدوية وإنكار بعض المتعصبين والمغرضين لظهور المهدي عليه السلام

3. ظهور الإمام المهدي عليه السلام في رأي الصحابة والتابعين

4. عقيدة الأقوام والأديان بظهور الإمام المهدي عليه السلام .

5. عقائد الأقوام المختلفة في العالم حول المصلح الموعود

6. أسماء الإمام المهدي عليه السلام المقدسة في الكتب الدينية لأهل الأديان

7. الاعتقاد بظهور الإمام المهدي عليه السلام مسألة عقلية ومنطقية

8. الاعتقاد بظهور الإمام المهدي عليه السلام مسألة فطرية

9. الاعتقاد بظهور الإمام المهدي عليه السلام اعتقاد ديني أصيل

10. عدم اختصاص عقيدة ظهور الإمام المهدي عليه السلام بالإسلام

ص: 9

ص: 10

بسم الله الرحمن الرحيم

«من هو الإمام المهدي عليه السلام »

مسألة المهدوية وفكرة ظهور الإمام المهدي عليه السلام - وأنه من سلالة أهل بيت النبوة الطاهرة، ومن ذرية مقام الولاية الرفيع؛ ابن عم، وخليفة، ووارث علوم رسول الله صلي الله عليه و آله، أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام ، ومن الذرية الطيبة لبنت النبي صلي الله عليه و آله سيدة نساء العالمين فاطمة الزهراء عليها السلام ، ومن ولد سيد أحرار العالم الإمام الحسين بن علي عليه السلام - هي واحدة من أهم المسائل العقائدية والأمور المعروفة في الإسلام.

المهدوية وفكرة ظهور الإمام المهدي عليه السلام في آخر الزمان من الأمور الجذرية والمتأصلة والقديمة في الإسلام التي لا تندرس أبدأ علي مر الزمان.

وبالرغم من مرور أربعة عشر قرنا، والتطور التكنولوجي السريع الحاصل والانحطاط الأخلاقي، والشعور بالقنوط، لم تقل أهمية المسألة، بل علي العكس ازدادت نموا وانتشارا ، وأخذ الاشتياق يدب في نفوس الموحدين والمحرومين ، والتطلع إلي ضرورة وجود الإمام المهدي عليه السلام وظهوره.

وقلما نجد مسألة أعارها الإسلام أهمية كالمهدوية، بل ربما يمكننا أن نقول أنه لم تصلنا روايات في أي موضوع كما وصلتنا في المهدوية.

وذلك للآيات القرآنية العديدة والمفسرة من قبل المعصومين بحق الإمام

ص: 11

المهدي عليه السلام، مضافا للروايات الكثيرة الواردة حول ظهوره عليه السلام عن طريق النبي صلي الله عليه و آله والأئمة المعصومين عليهم السلام والصحابة والتابعين، والتي تبين أوصاف وشمائل ودقائق حياة ذلك المنفرد في تجلي قدرة الله تعالي، وحتي الآن لدينا أكثر من ستة آلاف حديث من مصادر شيعية وسئية معتبرة مختصة بوجوده عليه السلام(1).

إن الإمام المهدي عليه السلام شخصية ممتازة إلهية ، فهو قائد رباني ، وخاتم الأوصياء، وآخر سفير لله تعالي، سيظهر في آخر الزمان ويستولي علي الكرة الأرضية بأسرها، ويطهرها من العقائد الفاسدة والحكومات الشيطانية ومن جميع القوي المخربة، ويملأ الأرض عدلا وأمنا وصلحا وصفاء علي أساس حكومة الحق والعدل، وهذه الفكرة هي فكرة ترتضيها جميع الفرق الإسلامية وتدافع عنها بقوة(2).

فالمهدوية - وفكرة ظهور الإمام المهدي عليه السلام، وانتشار العقيدة الإسلامية ، وانتصار الحق علي الباطل، وثبات القيم الإنسانية، وأخيرا تشكيل «مدينة فاضلة»(3)ودولة عالمية واحدة - لها جذور قرآنية عند المسلمين.

وقد وعد القرآن الكريم بانتصار الإسلام وغلبة الصالحين والمتقين علي

ص: 12


1- هذه الستة آلاف حديث المذكورة موجودة في الكتاب النفيس «منتخب الأثر»، تأليف المفكر العزيز آية الله لطف الله الصافي الكلبايكاني ، ففي هذا الكتاب 6207 أحاديث مع ذكر مصادرها، مأخوذة من 154 كتاب شيعي وسني معتبر .
2- للاطلاع علي ذلك أكثر، راجع القسم الرابع من هذا الكتاب ، تحت عنوان «اعتراف علماء أهل السنة بصحة أحاديث الإمام المهدي عليه السلام».
3- التعبير عن دولة الإمام الحجة عجل الله فرجه با «المدينة الفاضلة» تعبير مجازي ، يقصد به أن الدولة الفاضلة التي كان يطمح إليها المصلحون ومنهم أفلاطون ، لا يمكن تحقيقها إلا بالإمام الحجة عجل الله فرجه . المشرف.

الظلمة والمستكبرين، وقطع أيدي الجبارين والظالمين عن حمي المحرومين والمستضعفين، وأنه سوف يكون مستقبل مشرق للبشرية تحت ظل حكومة حق وعدل إلهي لجميع المسلمين وأتباع الديانات المختلفة(1).

إن هذه القضية حقيقة لها جذور عميقة لهجت بها الألسن منذ طلوع فجر الإسلام، وتشر بها النبي صلي الله عليه وآله وأئمة أهل البيت عليهم السلام الأمة الإسلامية، وصرحوا بظهور رجل من أهل بيت النبوة بأمر مدير العالم سبحانه وتعالي في آخر الزمان .

نحن سنزيد هذه المسألة بحثا وتفصيلا، ولكنا قبل ذلك - لإيضاح حقيقة المهدوية وواقعها - نطرح المسألة أولا بصورة موجزة من وجهة نظر المسلمين والمجتمع الإسلامي، ثم نقدم بين يدي القارئ الكريم ما جاء في الكتب الروائية الشيعة والسنية.

1. ظهور الإمام المهدي عليه السلام في عقيدة المجتمع الإسلامي:

اشارة

غير خفي علي العلماء والمفكرين وأهل العلم بأن المهدوية وفكرة ظهور الإمام المهدي عليه السلام في آخر الزمان تعد من الأمور الإسلامية الخطيرة، ومن الاعتقادات القطعية لعموم المسلمين - شيعة وسنة - خلال قرون وعصور متمادية ، حيث أجمعوا عليها والتزموا بها.

وتعتبر هذه العقيدة من المسائل المهمة والأساسية، خاصة لدي الشيعة التي عرفت بها بين المذاهب الإسلامية، لكن بعض الجهال أو المعاندين حاولوا

ص: 13


1- راجع حول الانتصار القطعي للصالحين والمتقين علي المستكبرين، ووعود وبشائر القرآن للمسلمين ، القسم الثامن من هذا الكتاب ، تحت عنوان «بشائر ظهور الامام المهدي في القرآن الكريم» ، فقد تناولناه هناك بالتفصيل.

حصرها بالشيعة فقط ، مع أن الحقيقة هي أنها لا تختص بهم، بل هي عقيدة يتفق عليها جميع المسلمين والفرق الإسلامية ؛ بل حتي الوهابية تعدها جزءا من عقائدها المسلمة وتدافع عنها وتعتبر التصديق بها واجبا علي كل مسلم، وأن المنكر لها ليس إلا جاهلا أو صاحب بدعة(1).

وملخص الكلام: أن ما يستفاد من المصادر الروائية المعتبرة للشيعة والسنة هو أن الاعتقاد بالمهدوية وظهور الإمام المهدي عليه السلام من ضروريات الدين الإسلامي، ومنكرها كافر. وعليه: فعموم الأمة الإسلامية تعتقد بظهور رجل من أهل بيت النبي صلي الله عليه و آله؛ ومن ذرية فاطمة عليها السلام يستولي علي كل بلدان العالم ويملأ الأرض قسطا وعدلا.

المهدوية وعقيدة ظهور المهدي الموعود عليه السلام في رأي المسلمين اعتقاد عميق و مذهبي ومن أهم معتقدات الشريعة الإسلامية . وهذه الفكرة من الاعتقادات الأساسية في الإسلام - سيما في الوسط الشيعي - لم يشبها ترديد ولا شك ولا ريب.

فغالب المسلمين - وخاصة الشيعة . يعتقدون بظهور الإمام المهدي، ويعتبرون ذلك من ضروريات الدين والمذهب، وقد بلغت الأخبار والروايات المختصة بحضرته حد التواتر (2)عن طريق السنة والشيعة.

ص: 14


1- راجع القسم الرابع «اعتراف علماء أهل السنة بصحة أحاديث الإمام المهدي عليه السلام».
2- الخبر المتواتر هو الخبر الذي ينقله جماعة كثيرون من الرواة ، بحيث تصل كثرتهم إلي حد يستحيل عادة اتفاقهم وتواطؤهم علي الكذب ، ويحصل من إخبارهم العلم بصحة الخبر ، ومثل هذه الرواية حجة . يقول ابن حجر العسقلاني في الصفحة 12 من كتاب «نزهة النظر»: الخبر المتواتر يفيد اليقين ، والعمل به لا يحتاج إلي بحث.

إن عموم المسلمين يعتقدون بظهور الإمام المهدي الموصوف في الروايات بأوصاف ك- (القرشي، الهاشمي، الفاطمي، العلوي، الحسني(1)، الحسيني)، وجاءت البشائر بظهوره عليه السلام علي لسان نبي الإسلام العظيم وأهل بيته الطاهرين موضحين أن أمره عليه السلام من الأمور الحتمية المسلم بها.

وعموم المسلمين يعتقدون أن ظهور الإمام عليه السلام في آخر الزمان هو وعد الله الحتمي، وبشائر ظهور ذلك الموعود العالمي في القرآن الكريم والروايات كثيرة وصريحة وواضحة، يعتقد عموم المسلمين علي أساسها بأن سوف يظهر رجل من أهل البيت عليهم السلام في آخر الزمان يؤيد الدين وينشر العدل - رغم أنوف أعداء الدين والإنسانية - ويسيطر علي جميع البلاد الإسلامية والعالمية.

ففي زمانه عليه السلام يعم الإسلام المعمورة، ويملأها العدل، وتهتز راية التوحيد في جميع أرجائها، ولا يبقي دي سون الإسلام، يكون نظاما عالميا علي أساس الإيمان بالله والأحكام الإسلامية، ويسود العالم دين واحد وقانون واحد ونظام واحد وقائد واحد، ويعم الصلح والصفاء الكرة الأرضية، وينتصر الحق والعدل، وينطمس الظلم وينتهي، إذ حين يعم العالم الظلم والفساد وتتسلط عليه الحكومات الظالمة بمقاييس غير عادلة، يستوجب اللطف والرحمة الإلهية ظهور المهدي الموعود عليه السلام،ويصبح ظهوره ضرورة من الضرورات الحتمية التي لابد منها، وأخيرا يجب ظهوره عليه السلام كما صرح به القرآن الكريم وأخبار أهل البيت عليهم السلام ، ليهدم عروش الظالمين، وتهتز راية الحق والعدل في جميع أرجاء المعمورة، ويستأصل الظلم ويقيم عالمة حرا عامرا، ويحرر الناس من ظلم

ص: 15


1- سيأتي توضيح معني كونه عليه السلام حسنيا . المشرف.

العبودية وسوء الاستثمار والاستعمار.

نعم، أيها القارئ الكريم يعتقد عموم المسلمين - سيما الشيعة - بظهور المهدي عليه السلام، ويعتبرونه أمرا محتوما مسلما لا شك فيه، ولا أثر لكفر الكافرين وعناد المعاندين في تحقق إرادة الله ومشيئته فيه، لهذا نري أن المنتظرين يتشوقون لسماع بشري ظهور المنجي الموعود ونداؤه يملأ العالم؛ يسمعونه ويستجيبون له مسرعين. والآن نذكر بعض المطالب المختصرة من أعماق بحر المتون الأصلية الإسلامية لنتعرف علي المهدي الموعود عليه السلام وعلي البشائر التي جاءت حوله:

لقد أفصحت المصادر الشيعة والسنية المعتبرة عن الإمام المهدي عليه السلام بما يلي: «هو حجة الله، خاتم الأوصياء، منجي الأمة، المهدي المنتظر، قائم آل محمد صلي الله عليه و آله، صاحب الأمر، صاحب الزمان، العادل ، بقية الله، صاحب السيف، مظهر الدين، الخلف الصالح، الباعث، الوارث، الصاحب، الخالص، صاحب الدار، المأمول، المؤمل (أمل المستقبل)، النائب، البرهان، الباسط، الثائر، المنتقم، السيد، الجابر (جابر اعوجاج الدين)، الخازن (خازن العلوم الإلهية )، أمير الأمراء، قاتل الجائرين، سيد العالمين، الإمام المنتظر لإقامة حكومة العدل الإلهي»(1).

أبوه : معدن العلم الالهي، الإمام الحسن العسكري عليه السلام.

وأمه : السيدة نرجس خاتون سيدة إماء العالم، من بيت شامخ وعائلة جليلة

ص: 16


1- دلائل الإمامة : 502، منتخب الأثر: 256، 324، 326، 326، 345، 346، 467، فرائد السمطين 2: 337، بشارة الإسلام : 49 و 66 ، نور الأبصار : 342، ينابيع المودة 3: 109 وغيرها من الكتب الروائية الأخري.

مرموقة، لم تلد غيره عليه السلام(1).

ولد في النصف من شعبان سنة خمس وخمسين ومائتين (255 ه-.ق)، في مدينة سامراء عاصمة العباسيين آنذاك (2) وهو من رسول صلي الله عليه و آله وكنيه.

أخفيت ولادته المباركة واسمه وشمائله وصفاته عن الأعداء؛ لأي جهاز الخلافة الظالم جد في العثور عليه عليه السلام والقضاء عليه، وكرس قواه حول بيت الإمام الحسن العسكري عليه السلام، واستعمل عشرات الجواسيس، وجعل علي أهل البيت عيونا ترقبهم ليعلم مولد بقية الله عليه السلام ويطفئ نوره، ولكن شاءت مشيئة الله تعالي أن يحفظ حجته من الأعداء(3).

بعد استشهاد والده العظيم الإمام الحسن العسكري عليه السلام في ليلة الثامن من ربيع الأول سنة 260 ه- تحمل أعباء الإمامة، واختار الغيبة بأمر الحكيم المتعال جل جلاله(4)

[ غيبته عليه السلام]

تنقسم غيبته عليه السلام إلي قسمين أساسيين:

1- «الغيبة الصغري» أو قصيرة الأمد، وهي من سنة 255 إلي 329 ه-. في هذه

ص: 17


1- بحارالأنوار 13:51 ، ينابيع المودة 3: 302 / الباب 79، مشارق الأنوار : 101، كمال الدين للصدوق 1: 307 الباب 27 ح 1.
2- الفصول المهمة : 293، ينابيع المودة 3: 138، الإتحاف: 179، اليواقيت والجواهر 3: 143، وفيات الأعيان 4: 176، غيبة الطوسي : 137.
3- بحارالأنوار 334:50 و 13:51 ، 25، 30 و 32، الكافي 505:1 ، منتخب الأثر : 286 و 288، الفصول المهمة : 290 ، الاتحاف بحب الأشراف: 179.
4- بحارالأنوار 50: 334 ح 9 ، الكافي 1: 503، المحجة البيضاء 4: 335، الإرشاد للمفيد 2: 334، وفيات الأعيان 4: 176 / الترجمة 562.

الغيبة كان يمكن للشيعة الاتصال بإمامهم عن طريق سفرائه الأربعة، فهؤلاء الأربعة هم نوابه الخاصون، وعن طريقهم يتيسر للشيعة الارتباط بالإمام المهدي عليه السلام وطرح مشاكلهم وأمورهم واستلام الحلول والأجوبة، وهم:

عثمان بن سعيد العمري.

ومحمد بن عثمان بن سعيد.

و حسين بن روح النوبختي.

وعلي بن محمد السمري، الذي برحلته انس؛ باب النيابة الخاصة.

2- «الغيبة الكبري» أو طويلة الأمد، وهي مستمرة حتي يومنا هذا. في هذه الفترة ليس للإمام نائب أو سفير خاص، ويتعذر اتصال عموم الناس به عليه السلام بشكل رسمي وواضح، بل عليهم أن يقلدوا نوابه العامين - أي الفقهاء المتقين المتورعين (1).

تبدأ الغيبة الصغري منذ ولادة صاحب العصر عليه السلام(2) إلي حين وفاة الرابع من سفرائه (3) أما مدة السفارة فتبدأ من رحلة الإمام الحسن العسكري عليه السلام وتستمر إلي وفاة علي بن محمد السمري(4). إذن مدة الغيبة الصغري 74 سنة، ومدةسفارة السفراء الأربعة 69 سنة وستة أشهر و 15 يوما .

ص: 18


1- ذكر المرحوم الشيخ الحر العاملي رضي الله عنه 48 رواية في كتابه الشريف وسائل الشيعة 18: 99 - 111 حول لزوم تقليد المراجع والفقهاء العظام.
2- منتصف شعبان ، 255 ه-. ق.
3- منتصف شعبان 329 ه. ق ، انظر الغيبة للشيخ الطوسي: 242، كشف الغمة 3: 320، حول وفاة علي بن محمد السمري الذي انسد باب السفارة برحلته ، وكذلك راجع بحارالأنوار 51: 360 باب أحوال السفراء .
4- بحارالأنوار 51: 336 و 6:53.

وعلي كل حال، فإن غيبة الإمام عليه السلام تعني اختفاءه عن أنظار الناس، لكنه موجود بين ظهرانينا، وإن حصل اتصال بينه وبين شيعته فإنما يقع بإذن الله تعالي وبشكل غير معروف.

والآن يظلنا عام 1414 ه-، أي يمر علي عمره الشريف 1159 عامة، وهو شاب نشيط قوي بإرادة الله ومشيئته الحكيمة(1). وشبابه هذا رغم تقدمه في السن أفضل دليل علي افتضاح المكذبين ومدعي المهدوية.

المهدي القائم عليه السلام هو آخر وارث لفضائل وكمالات أنبياء الله وأوليائه ، وهو أعقل الناس، وأعلمهم، وأعبدهم، وأطوعهم لله تعالي، وأكرمهم، وأشجعهم، وأرشدهم(2).

ستبدأ انطلاقته العظيمة من جانب الكعبة، يحق به المقاتلون الأتقياء المنتخبون الشجعان، الذين يبلغ عددهم عدد أهل بدر 313، يحيطون به كحصن منيع.

يصل نبأ ظهوره إلي جميع أنحاء العالم، وحينما يلبي دعوته عشرة آلاف نفر من المؤمنين - متحدين أقوياء كعدد أنصار النبي صلي الله عليه و آله في فتح مكة العظيم - يخرج عليه السلام من مكة(3) ويحرر الأمم من قيود أسرها بحرب ضارية.

جيش منقذ العالم لا يعرف الانكسار(4)، يسخر العالم تحت رايته ، ويقضي علي

ص: 19


1- منتخب الأثر : 285 و 221، كشف الغمة 3: 331، كمال الدين : 652 الباب 57 ح 12، بحارالأنوار 52: 285 و 322.
2- تحدثنا بالتفصيل حول هذا الموضوع في مواضيع مختلفة من الكتاب .
3- انظر بحارالأنوار 324:52 ح 37، كمال الدين : 670 الباب 58 ح 17.
4- انظر كمال الدين : 327 الباب 32ح 7 «وأنه لا ترد له راية» .

جميع الدول الظالمة والباطلة في العالم، ويقيم حكومة واحدة مبنية علي موازين العدل الإسلامي(1)، ويقود عباد الله الصالحون والمحسنون الكرة الأرضية ، والمظلومون والمستضعفون هم هؤلاء الذين يرثون الأرض وما فيها من نعم وقوئ كما وعد الله تعالي في كتابه الكريم: ( ونريد أن نمن علي الذين استضعفوا في الأرض ونجعلهم أئمة ونجعلهم الوارثين»(2)

4.وفي ظل هذه الحكومة يستأصل الظلم والجور والتجاوز والخيانة والتعدي علي الآخرين من قلوب العباد(3)، وتعم الأخوة والمحبة والعدل كل مكان(4). يحكم الإمام عليه السلام الناس علي سنة رسول الله صلي الله عليه و آله، ويقيمهم علي ملته وشريعته ، ويدعوهم إلي كتاب الله تعالي (5)، ولا تبقي في الأرض بقعة عبد فيها غير الله تعالي إلا عبد الله فيها ويكون الدين كله لله(6).

وأما الذين لا يخضعون لمنطق - ولا ينصاعون لبرهان، ويستمرون علي اتباع وساوس أنفسهم وإغواءات إبليس، ولن يخضعوا لحكومة الله أبدا . فسوف يبيدهم وكل جبار عنيد، ويهلك علي يده كل شيطان مريد(7).

ص: 20


1- منتخب الأثر: 292، 436، 470 و 471.
2- القصص : 5. جاء في مجمع البحرين حول هذه الآية الشريفة : نزلت هذه الآية في القائم عليه السلام . وكتب ابن أبي الحديد في شرح نهج البلاغة : يعتقد أصحابنا (المعتزلة) أن هذه الآية في الإمام الغائب الذي سيظهر ويحكم العالم بأسره. مجمع البحرين 5: 85 مادة «ضعف»، وشرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد 19 : 29 قسم الكلمات القصار رقم 205.
3- انظر بحارالأنوار 51: 144 ح 8، كمال الدين : 336 الباب 33 ح 7.
4- انظر بحارالأنوار 316:52 ح 11.
5- انظر منتخب الأثر : 183، بحارالأنوار 51: 73.
6- بحارالأنوار 146:51 ح 14، كمال الدين : 345 - 346 الباب 33 ح 31.
7- انظر بحارالأنوار 150:51 ح 2، كمال الدين : 368 الباب 34 ح6

وسوف ينتقم لدماء الشهداء سيما سيد الأحرار الإمام الحسين بن علي عليهما السلام من كل جلاد وسفاك (1).

ولا تدفن الأرض من بذرها شيئا إلا أخرجته، ولا السماء من قطرها شيئا إلا صبه الله عليهم مدرارا، وتخضر الأرض وتزدهر، وتصب السماء نعمها علي الأرض، وتتوفر النعمة، ويصفو العيش للناس بحيث يتمني الموتي أن يرجعوا للنيا ويعيشوا فيها مرة أخري(2).

وإذا قام الإمام القائم وضع يده علي رؤوس العباد فجمع به عقولهم وأكمل به أخلاقهم(3). وتشرق الأرض بنور ربها، وتعمر البلاد بأمره، ويسودها الأمان وتذهب الشحناء من قلوب العباد ... حتي تمشي المرأة بين العراق إلي الشام لا تضع قدميها إلا علي النبات، وعلي رأسها زنبيلها، لا يهيجها سبع ولا تخافه(4) . ويقسم الأموال بين الناس بالسوية(5). ويعم السخاء عموم الناس حتي يأتي الرجل إلي كيس أخيه فيأخذ حاجته ويرجعه إليه بعد أن يصبح موسرا(6).

وتتسع رقعة التربية والتعليم في زمانه حتي يظهر أضعاف العلوم والمعارف التي جاء بها الرسل(7). ويرتقي مستوي العلم إلي درجة عالية جدا حتي أن المرأة

ص: 21


1- انظر مكيال المكارم 63:1 ح 120، بحارالأنوار 218:44ح7.
2- انظر مستدرك الحاكم : 465، منتخب الأثر : 146، الفصل 2، الباب الأول ح 13.
3- انظر بحارالأنوار 52: 336 ح 71.
4- انظر بحارالأنوار 316:52 ح 11، مكيال المكارم 101:1 ح228.
5- عقد الدرر: 40، مسند أحمد 3: 37، منتخب الأثر: 147.
6- انظر الاختصاص للمفيد : 24، بحارالأنوار 52 : 372 ح 164.
7- بحارالأنوار 52: 336 ح 73.

لتقضي في بيتها بكتاب الله تعالي وسنة رسوله صلي الله عليه و آله(1).

زبدة الكلام: لقد سمي العلماء والصالحون ذلك الزمن بالعصر الذهبي، وأطلقوا عليه أسماء منها «المدينة الفاضلة» و «مدينة الشمس» و «أرض الدورادو»(2). وقد بشر القرآن الكريم إجمالا بتحقق هذا العصر؛ حيث يقول:

«وعد الله الذين آمنوا منكم وعملوا الصالحات ليستخلفنهم في الأرض كما استخلف الذين من قبلهم وليمكنن لهم دينهم الذي ارتضي لهم وليبدلنهم من بعد خوفهم أمنا يعبدوني لا يشركون بي شيئا ومن كفر بعد ذلك فأولئك هم الفاسقون»(3).

بشر المؤمنون الصالحون بأربع في هذه الآية الكريمة :

1- سيقود الإمام المهدي عليه السلام - آخر حجة الله - الحكومة العالمية الموحدةويحكمها بواسطة المؤمنين الصالحين.

2 - يعم النظام الإسلامي الكامل العالم، وتطبق قوانينه المنجية بشكل كامل.

3- يستبدل خوف وهلع الناس بالأمن والطمأنينة.

4 - يعبد الجميع الله الواحد وتقطع جذور الشرك والكفر وعبادة الأصنام .

ص: 22


1- بحارالأنوار 352:52 ح 106.
2- المدينة الفاضلة تعبير أفلاطون . وأرض إلدورادو تعبير فولتير، ومدينة الشمس تعبير توماس كامبانيلا. المؤلف. الدرادو : اسم المملكة وهمية بالغة الثراء ، يقال أنها تقع علي نهر الأمازون ، وقد أصبح هذا الاسم شائع الاستخدام في وصف أي مكان اسطوري به ثروات غير معلومة. كتاب مدينة الشمس للكاتب توماس كمبانيلا (1623م) يصف فيه المؤلف مجتمعا مثاليا يحكمه كاهن فيلسوف .
3- النور: 55.

وملخص هذه الفقرات الأربع ، هي الجملة المشهورة والمعروفة لدي الشيعة والسنة - المنقولة في كتبهم المعتبرة، وهي أكثر ما جرت علي لسان النبي صلي الله عليه وآله وأهل بيته عليهم السلام، مصرحة بظهور القائم عليه السلام - وهي: «يملأ الأرض قسطا وعده كما ملئت ظلما وجورا»(1).

يبقي أي وقت ظهور منجي العالم غير محدد(2)، وسبب ذلك يتعلق بأقوال وأفعال الناس بشكل مباشر.

هذه خلاصة ما تعتقد به الأمة الإسلامية - سيما الشيعة الاثني عشرية، الذين يعتقدون به ويرتقبون لظهوره، ويبرؤون من المتشبثين بالحرية وحقوق الإنسان الذين متن طابت لهم منافعهم سحقوا تلك المزاعم تحت أقدامهم . وهذه العقائد هي موجز الأخبار المنقولة بواسطة العلماء والمحدثين الشيعة والسنة من عصر المعصومين حتي يومنا هذا، المروية في كتبهم المعتبرة والقيمة حول المهدي الموعود عليه السلام، عن لسان النبي وسائر الأئمة المعصومين عليهم السلام ، خصوصا الشيعة الذين جمعوها ودونوها وتحملوا ما تحملوا من المشقة والعناء ليوصلوها إلينا سالمة بلا تحريف ولا تصرف حفظا للأمانة .

2. أصالة المهدوية وإنكار بعض المغرضين لظهور المهدي عليه السلام :

المهدوية وعقيدة ظهور الإمام المهدي عليه السلام من المسائل الإسلامية المشهورة

ص: 23


1- منتخب الأثر : 247 - 249، الفصل 2، الباب 25، وهذا الكتاب القيم «منتخب الأثر، مليء بهذا التعبير الذي نقلته كتب الشيعة والسنة بكثرة.
2- منتخب الأثر : 30، ح 41، كفاية الأثر: 168 باب ما روي عن الحسن بن علي عليه السلام» الحديث الأخير، وباب ما جاء عن علي بن الحسين عليهما السلام».

والهامة جدا، ولها أصول ثابتة في الكتاب والسنة. وقد جاءت في مصادر أهلالسنة روايات عن طريق النبي صلي الله عليه و آله والأئمة المعصومين عليهم السلام والصحابة والتابعين حول الإمام المهدي عليه السلام، وكذا وردت الأخبار بكثرة في أهم مصادرهم الحديثية المعتبرة والمعروفة و «مسند أحمد بن حنبل»(1)و «الصحاح الستة»(2).

ومع ذلك نري بعض المتعصبين والمغرضين والمنحرفين، أو الأشخاص المعاندين القاصرين، وأكثر من ذلك بعض المثقفين المغرورين - من أهل السنة - الذين يرون عملهم فوق الحق والحقيقة، ويقارنون كل شيء بمعلوماتهم العليلة ؛ فإذا لم يتماش معها شكوا به وترددوا واعترضوا عليه وأنكروه وإن كان أمرا بينا جليا ... وبعد مضي 14 قرنا علي هذه الحقيقة . ونحن في عصر التطور والعلم - يغضون الطرف عن كل ما جاء في كتبهم ويعتبرون عقيدة ظهور الإمام المهدي عليه السلام ليست إلا أسطورة تعتقد بها الشيعة(3)، غافلين عن أن هذه العقيدة مسألة متأصلة ومتجذرة في الإسلام، وغير مختصة بالتشيع، بل هي عقيدة إسلامية ثابتة وخالصة قبل أن تكون شيعية، وقد انقضي 14 قرنا من عمرها، أجمع فيها عليها المسلمون والعلماء والكتاب والمحققون والمحدثون - من الشيعة والسنة - وألفوا فيها الكتب وكثيرا من المقالات، ولدينا حتي الآن أكثر من

ص: 24


1- لاحظ : مسند أحمد بن حنبل 1: 84، 99، 376 و ج 2: 336 وج 3: 17، 26، 28، 36،98، 317، 345، 346، 386 وج 5: 577 وج316:6 .
2- الصحاح الستة أوثق كتب أهل السنة وهي : صحيح البخاري ، وصحيح مسلم ، وسنن أبي داود ، وسنن الترمذي ، وسنن النسائي ، وسنن ابن ماجة.
3- راجع كتاب «دانشمندان عامه ومهدي موعود عليه السلام».

خمسين كتابا معتبرا من علماء السنة (1)، وهناك ما يربو علي الألف مجلد مستقل حولها(2). وهذا دليل قاطع علي وجودها وأصالتها.

من الطبيعي أننا لسنا بصدد الرد علي افتراءات هؤلاء المعاندين، فقد أجابهم المحققون والعلماء وأصحاب القلم الحر المنصفون في العالم قبل هذا، وأعطوا المطلب حقه، ولكن ما يجب علي الإنسان المسلم أن يكتبه ويقوله ويعلنه بصراحة هو أن المهدي الموعود عليه السلام ليس إنسانا عاديا أو بطلا وهميا، بل هو حجه الله وخليفة النبي صلي الله عليه و آله والإنسان الإلهي ومظهر قدرة الله ، فقبوله وإنكاره من قبل شخص أو فئة لا يقلل من عظمته وجلاله قد أنملة؛ لأنه كالشمس التي تدخل كل بيت فتحت نافذته عليها وإن رفض دخولها صاحب البيت، ولا يحول دون إشراقها غيم الكفر الصدئ، ولا يؤثر علي مكانة الشمس الوهاجة من لم يرد وصال سناها من الخفايش.

نعم، ظهور المهدي عليه السلام المبارك من الوعود الإلهية المحتومة، ولن يخلف الله وعده، وسيتحقق قيام ذلك المصلح العظيم بلا شك، وسينتصر ويملأ الأرض قسطا وعدلا كما ملئت ظلما وجورا، لا يؤخره لحظة إنكار المنكرين، ولا يضره اعتراض المعترضين الذين يتصرفون بلا اكتراث للدلائل والبراهين الواضحة، ولا ينصتون لنداء الحق، نعم سيتحقق الظهور بلا شك وليس هناك من يقف أمام ذلك.

ص: 25


1- انظر أسماءها في كتاب «الإمام المهدي» لمحمد علي دخيل : 260، وكتاب «او خواهد آمد» : 79 - 84.
2- «انتظار بذر انقلاب» : 16، و «روزگار رهايي» 16:1 .

«وَيَسْتَنبِئُونَكَ أَحَقٌّ هُوَ ۖ قُلْ إِي وَرَبِّي إِنَّهُ لَحَقٌّ ۖ وَمَا أَنتُم بِمُعْجِزِينَ» (1).(2)

«فَوَرَبِّ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ إِنَّهُ لَحَقٌّ مِّثْلَ مَا أَنَّكُمْ تَنطِقُونَ»(3).

3. ظهور الإمام المهدي عليه السلام في رأي الصحابة والتابعين

اشارة

لو غضضنا النظر عن القرن الذي نحن فيه، عصر التضارب والتضاد والجدال والتمدن - القرن الرابع عشر الهجري - وبحثنا المسألة في عصر الرسالة، لرأينا أن مسألة المهدوية وظهور الإمام المهدي عليه السلام خلال القرون الأربعة عشر الماضية كانت مطروحة بين جميع المسلمين وكبار صحابة رسول الله صلي الله عليه و آله والتابعين وأتباع التابعين وباقي طبقات الرواة، منذ ذلك الزمن إلي يومنا هذا، والروايات المتعلقة به عليه السلام جاءت بكل صفاته وشمائله وعلاماته، وقد جمعها كبار العلماء والمحدثين الإسلامتين وألف بعضهم كتبا مستقلة في هذا المجال.

إن كثيرا من الشخصيات العلمية والأدبية والسياسية المعروفة أظهروا اعتقادهم وإيمانهم بهذه المسألة في أشعار وكتب وثقوها في مناسبات عديدة، وألقوا فيها خطابات سجلت في كتب التاريخ لتصل إلي الأجيال المقبلة.

وفي هذه المسألة توجد لدينا دلائل كثيرة جدا في كتب الحديث والتاريخ والتفسير واللغة والجغرافية والرجال والعقائد والكلام، وحتي الشعر والأدب

ص: 26


1- ان يونس: 53.
2- قيل : تشير هذه الآية إلي مدة تمهيل الناس حين غياب الرسل وتكذيبهم ونزول العذاب عليهم ، وتبشر بظهور المهدي عليه السلام المبارك لهداية الأمة الإسلامية حين انحرافها. غيبة الطوسي: 110 نقلا عن «روزگار رهايي» 1: 71.
3- الذاريات: 23 حيث روي عن الإمام زين العابدين عليه السلام وابن عباس في تفسير هذه الآية أن المراد منها هو قيام القائم عليه السلام . غيبة الطوسي : 110، ينابيع المودة 3: 245 ح 31.

العربي والفارسي، وهذه دلالة علي أصالة المهدوية وحقيقة هذا الاعتقاد الإسلامي الكبير، وإليك بعض ما جاء عنهم:

عن ابن عباس قال : إني لأرجو أن لا يذهب الليل والنهار حتي يبعث الله منا أهل البيت من يقيم لهذه الأمة أمرها، فتي شابا، لم تلبسه الفتن ولم يلبس الفتن ... فقيل له : أعجزت عنه شيوخكم وترجوه لشبابكم؟ قال: إن الله عز وجل يفعل ما يشاء(1).

ربما يقال: أن ابن عباس لم يقصد الإمام المهدي عليه السلام قصد شخصا آخر غيره، ولكن الروايات الصريحة المنقولة عنه كرارا تكشف عن أن مراده الإمام المهدي عليه السلام(2).

يقول عبدالله بن عمر: «المهدي، الذي ينزل عليه عيسي بن مريم ويصلي خلفه عيسي»(3).

ويقول عثمان بن عفان : سمعت رسول الله صلي الله عليه و آله يقول: «الأئمة عليهم السلام بعدي اثنا عشر، تسعة من صلب الحسين ، ومنا مهدي هذه الأمة، من تمسك من بعدي بهم فقد استمسك بحبل الله ، ومن تخلي منهم فقد تخلي من الله»(4).

ويقول حذيفة بن اليمان : سمعت رسول الله صلي الله عليه و آله يقول: «ويح هذه الأمة من ملوك جبابرة كيف يقتلون ويطردون المسلمين ... فإذا أراد الله تبارك وتعالي أن

ص: 27


1- الملاحم والفتن : 343ح 507، الحاوي للفتاوي 2: 48 و 58، منتخب الأثر: 163.
2- راجع : الملاحم والفتن للسيد ابن طاوس: 96 و 97 ح 64 ، و 135 ح 153، و 161 ح 211، و 177 ح 239، و 240 ح 460، و 345 ح 509.
3- الملاحم والفتن : 180 الباب 197 ح 245.
4- انظر كفاية الأثر: 93.

يعيد الإسلام عزيزا قصم كل جبار عنيد - وهو القادر علي ما يشاء - وأصلح الأمة بعد فسادها. يا حذيفة ، لو لم يبق من الدنيا إلا يوم واحد لطول الله ذلك اليوم حتي يملك رجل من أهل بيتي يطهر الإسلام ولا يخلف وعده»(1).

وعن طاوس بن اليمان، قال : وددت لو أني لا أموت حتي أدرك زمان المهدي؛ يزاد المحسن في إحسانه، ويتاب علي المسيء من إساءته، وهو يبذل المال، ويشتد علي العمال، ويرحم المساكين(2).

وعن ابن سيرين: قد كان (المهدي عليه السلام) يفضل علي بعض الأنبياء عليهم السلام(3).

وقال كعب الأحبار : إني لأجد المهدي مكتوبا في أسفار الأنبياء، ما في حكمه ظلم ولا عنت(4).

وقال في موضع آخر: إن القائم المهدي من نسل علي، أشبه الناس بعيسي بن مريم خلقا وخلقا وسيماء وهيئة، يعطيه الله جل وعز ما أعطي الأنبياء ويزيده ويفضله(5).

وقال صعصعة بن صوحان : إلي الذي يصلي خلفه عيسي بن مريم هو الثاني عشر من العترة، التاسع من ولد الحسين بن علي عليهما السلام ، وهو الشمس الطالعة من مغربها، يظهر عند الركن والمقام، فيطهر الأرض، ويضع ميزان العدل، فلا يظلم

ص: 28


1- بشارة الإسلام: 32، بحارالأنوار 51: 83 ح 28، ينابيع المودة 3: 298، غاية المرام : 700 منتخب الأثر : 149.
2- عقد الدرر: 143، الملاحم والفتن : 148 الباب 151 ح 180.
3- عقد الدرر : 149.
4- عقد الدرر: 41.
5- بحارالأنوار 52 : 226 ح 89، غيبة النعماني : 146 الباب 10ح 4.

أحد أحدا(1) .

ويقول زيد الشهيد: بنا عرف الله، وبنا عبد الله، ونحن السبيل إلي الله، ومنا المصطفي والمرتضي، ومنا يكون المهدي قائم هذه الأمة... ثم يجعل خروج قائمنا فيملأها قسطا وعدلا كما ملئت جورا وظلما(2).

شعر حكيم بن عياش الكلبي شاعر بني أمية :

لقد جاء في أكثر مصادر التاريخ السنية أنه عندما قام زيد بن علي ابن الإمام زين العابدين - ضد حكومة الجبار هشام بن عبدالملك، ولم يوفق إلي ما أراد، وقتل وصلب علي جذع نخلة - خاطب حكيم بن عياش الكلبي - وهو من أشد أعداء أهل بيت النبوة - بني هاشم بهذا البيت:

صلبنا لكم زيدا علي جذع نخلة ***ولم أر مهيديا علي الجذع يصلب

ويقصد أن المهدي إذا ظهر يفتح جميع البلدان ويستولي علي كل المماليك، إذن فكيف يكون زيد هو المهدي وقد قتل وصلب ؟!

واعتبر بعض المؤرخين والمفكرين المنحرفين من العامة هذا الشعر دليلا علي خرافية المهدوية !! بينما هو دليل علي واقعيتها؛ لأنه أنشد في القرن الثاني من قبل متعصب لبني أمية يقر فيه بأن الإمام المهدي من ولد الرسول الأكرم صلي الله عليه و آله،ومن نسل علي وفاطمة عليهما السلام الطاهر، كما جاء في الروايات بأنه يقوم ضد الجبابرة والمستبدين وينتصر عليهم، فهذا الشاعر يقول مصرحا بأن زيدة لو كان هو المهدي عليه السلام لما انكسر ولما فشلت ثورته ولما قتل، لأنا قد سمعنا أن المهدي عليه السلام

ص: 29


1- الإمام المهدي : 85 ح 12، كمال الدين : 527 الباب 47 ح 1.
2- بحارالأنوار 201:46 ذيلالحديث 77، والإمام المهدي : 87 ح 22.

لا يعرف الانكسار أبدا. ونترك الحكم للقارئ بأن يعتبره دليلا علي الاعتقاد بالمهدوية أو دليلا علي خرافية ظهوره عليه السلام ؟(1)

قول الخليفة العباسي المنصور :

عن سيف بن عميرة، قال: كنت عند أبي جعفر المنصور فسمعته يقول ابتداء من نفسه: يا سيف بن عميرة، لابد من مناد ينادي باسم رجل من ولد أبي طالب من السماء، فقلت: يرويه أحد من الناس ؟ قال : والذي نفسي بيده لسمعت أذني منه يقول: لابد من مناد ينادي باسم رجل من السماء، قلت: يا أمير المؤمنين، إن هذا الحديث ما سمعت بمثله قط، فقال: يا سيف، إذا كان ذلك فنحن أول من يجيبه، أما إنه أحد بني عمنا، قلت: أي بني عمكم؟ قال: رجل من ولد فاطمة عليهما السلام ، ثم قال: يا سيف، لولا أني سمعت أبا جعفر محمد بن علي يحدثني به ، ثم حدثني به أهل الدنيا، ما قبلت منهم، ولكنه محمد بن علي(2).

قول هارون الرشيد :

روي سليمان بن إسحاق بن سليمان بن علي بن عبدالله بن عباس - وهو من بني العباس ومن أحفاد عبدالله بن عباس - قال: حدثني أبي قال: كنت يوما عند الرشيد فذكر المهدي وما ذكر من عدله فأطنب في ذلك، فقال الرشيد: إني

ص: 30


1- روي ابن حجر العسقلاني الشافعي في كتابه الإصابة تحت ترجمة حكيم بن عياش الكلبي 1: 398 عن فوائد الكوكبي بأن حكيم بن عياش الكلبي قد هلك شر هلاك بسبب دعاء الإمام الصادق عليه السلام عليه . وقصة هلاكه هي : عندما سمع الإمام الصادق عليه السلام شعر هذا الشاعر الأموي ، تأثر أشد التأثر، ورفع يديه إلي السماء وهما ترعشان قائلا : اللهم إن كان كاذبا فسلط عليه كلبك ، فخرج حكيم قاصدا الكوفة ، فبينا هو في الطريق إذ اعترضه أسد وهجم عليه وافترسه.
2- عقد الدرر: 110، إرشاد المفيد: 337، الكافي 8: 209، بحارالأنوار 52: 288، المهدي : 51.

أحسبكم أنكم تحسبون أن أبي المهدي !! حدثني أبي ، عن أبيه، عن جده، عن ابن عباس، عن أبيه العباس بن عبدالمطلب : أن النبي صلي الله عليه وآله قال له: «يا عم، يملك من ولدي اثنا عشر خليفة، ثم يكون أمور كثيرة وشدة عظيمة، ثم يخرج المهدي من ولدي - يصلح الله أمره في ليلة - فيملأ الأرض عدلا كما ملئت جورا، ويمكث في الأرض ما شاء الله»(1).

4. عقيدة الأقوام والأديان بظهور الإمام المهدي عليه السلام:

اشارة

انتظار ظهور المصلح الكبير الإلهي أمل المستقبل، وحلول الصلح والعدل الدائم أمر فطري طبيعي يتعلق بذات الإنسان ووجوده وليس له زمان ولا مكان، ولا يختص بقوم أو شعب دون آخر، فجميع الأفراد وفق فطرتهم يرغبون في ظهور قائد إلهي ينجي العالم من ظلم الظالمين واستبداد المستبدين بتأييد الله تعالي و تسديده، لينهي التخريب والبلاء، وينقذ الناس مما يعانونه من مأساة ومن عدم الأمان، ويحقق لهم حياة سعيدة متناسبة مع مقام الإنسانية.

لذا جاء في جميع المذاهب والديانات العالمية بأن مصلحا سيظهر في آخر الزمان ينهي كل جرم وظلم وخيانة، ويقيم حكومة واحدة علي أساس العدل والحرية الحقيقية، ووردت بشائرها علي لسان الأنبياء والسفراء الإلهيين، وقد كتب أحد الكتاب المعروفين في هذا المجال ما يلي:

موضوع الظهور وعلائمة من المواضيع المهمة لدي كافة المذاهب العالمية، فضلا عن إيمانهم الذي يشكل حجر الأساس لهذا المعتقد، إذ كل من يهتم

ص: 31


1- غاية المرام : 704، فرائد السمطين 2: 329ب 61 ح 579، الإمام المهدي : 307.

بمستقبل البشرية ويبغي التكامل الروحي - حين ييئس من الناس، ويشاهد البشرية تنحط يوما بعد يوم، ورغم كل هذا التطور العلمي والفكري المدهش تتجه نحو الفساد و تبتعد عن الله تعالي و تخالف أوامره - يتوجه بفطرته الذاتية لله العظيم، ويستعينه لإزالة الظلم والفساد.

لهذا نري أن أمنية ظهور مصلح عالمي عظيم موجودة في قلوب المتدينين علي مر القرون والعصور، ليست عند أصحاب المذاهب الكبيرة كالزرادشتية واليهود والمسيح والمسلمين فحسب، بل توجد آثارها في كتب الصين القديمة، وفي عقائد الهنود، وعند الاسكندنافيين، بل حتي في أوساط المصريين القدماء، والمكسيكيين، ونظائرهم(1).

نعم، إن عقيدة ظهور مصلح كبير رباني في آخر الزمان هي واحدة من المسائل الهامة جدا والحساسة، ليست في الإسلام المبين فقط بل عند جميع الأديان السماوية العالمية الكبيرة مثل المسيحية واليهودية والزرادشتية - وباقي أصحاب الأديان الأخري، بل حتي المذاهب الإلحادية كلها تعتقد بهذه المسألة.

ولا يخفي أن أتباع الأديان والمذاهب المختلفة وسائر الشعوب والأقوام السالفة اختلفوا في تسمية ذلك المصلح العظيم ، فمثلا سماه المسلمون «المهدي الموعود المنتظر»، وأطلق عليه أتباع سائر الأديان والمدارس الفكرية والأمم والشعوب المحرومة «المصلح العالمي» أو «المصلح الغيبي» أو «المنقذ الكبير» أو «المنجي السماوي» أو «المنجي الأعظم» ، فهم يختلفون في تسميته لكنهم يتفقون

ص: 32


1- مقدمة كتاب «مهدي موعود» ترجمة المجلد الثالث عشر من بحارالأنوار الطبعة القديمة :177، «مهدي انقلابي بزرگ» : 57 نقلا عن كتاب «علائم الظهور» .

علي أوصافه العامة وخططه الإصلاحية وحكومته العالمية المبنية علي العدل والحرية وظهوره في آخر الزمان. ومما يلفت النظر أن مجموعة من كبار العلماء والفلاسفة في الفترة الأخيرة وعلي صعيد واسع راحوا يعتقدون بضرورة إقامة حكومة عالمية واحدة: «ففي العصر الأخير ساؤقت هذه الفكرة التطور العلمي في شتي المجالات العلمية وقفت فوق حدود الأديان والعقائد والمذاهب، بل أصبحت من المسائل الحيوية المطروحة للبحث»(1).

نعم أيها القارئ الكريم، يعتقد اليوم كثير من العلماء والفلاسفة المشهورون في العالم بضرورة تشكيل حكومة عالمية واحدة مبنية علي أساس العدل والحرية، للتخلص من الأوضاع الناتجة عن تطور التكنولوجيا السريع والمنافسات العسكرية السقيمة، والألعاب السياسية الخطيرة، والشعور باليأس والقنوط(2).

إذن المهدوية - رغم الأفكار السقيمة لبعض المنحرفين، الذين يظنون أن هذه العقيدة خاصة بالمسلمين، أو من معتقدات الشيعة، ويسعون لحصرها في مدرسة فكرية خاصة - لا تختص بالمسلمين ولا بالشيعة، بل هي من العقائدالمشتركة بين الأمم والشعوب وأتباع الأديان، وحتي المدارس الفكرية المختلفة ، ويشاركهم في ذلك الفلاسفة والعلماء والمفكرون(3).

ص: 33


1- او خواهد آمد: 75.
2- راجع : القسم الحادي عشر تحت عنوان : «أعتراف العلماء بضرورة حكومة عالمية» .
3- لقد تحدثنا مفضلا عن اعتقاد الأمم والشعوب بظهور المهدي علي في القسم التاسع ، تحت عنوان «بشائر ظهور المهدي الموعود عليه السلام في الكتب المقدسة».

اصالة الاعتقاد بظهور المنجي:

الاعتقاد بظهور منج سماوي عظيم، والتطلع إلي مستقبل مشرق مزيل للخوف والاضطراب، وانجلاء الظلام بمن ظهور الشخصية الإلهية السامية، وانتفاء أسباب الظلم والجهل في أرجاء المعمورة، لها من الثوابت الاعتقادية العامة المتداولة بين جميع الناس في كل زمان ومكان.

وقد كانت هذه العقيدة موجودة . في عرض حياة الإنسان، وفي أوساط الأمم، علي ما وصل إلينا من تحقيقات المفكرين الإسلاميين - حتي بين الأقوام الأخري في العالم، مثل السلافيين(1) والألمانيين والاسينيين (2)

ص: 34


1- السلافيون أو السلاف : اسم يطلق علي أي من مجموعات الشعوب العديدة التي يعيش معظمها في أوربا، والسلافيون حوالي 275 مليون نسمة وهم يتكلمون بلغات متشابهة تسمي اللغات السلافية أو السلافونية . عاش أقدم السلافيين منذ ما يزيد علي 5000 عام في منطقة تشكل الآن جزءأ من شمال غربياوكرانيا، وجنوب شرقي بولندا، وقد هاجروا إلي أجزاء أخري من أوربا في السنوات الواقعة ما بين 200 و500 م، وأما السلافيون الآخرون الذين هاجروا إلي المنطقة الواقعة جنوب شرقي أوربا فقد أصبحوا يعرفون باسم البلقانيين . يصنف المؤرخون السلافيين إلي ثلاث مجموعات رئيسية هي: 1. الشرقية 2۔ الغربية 3. الجنوبية . وهذا التصنيف مبني علي أساس المناطق التي تعيش فيها هذه الشعوب. المشرف.
2- الاسينيون : فرقة يهودية تعتقد بأن الرجل الغني الذي لا يشرك الناس فيما لا حاجة له به من ماله فهو لص. وهي نسبة إلي كلمة «اسين» وتعني باليونانية الصامتين أو الممارسين ، أو الأتقياء أو الورعين ، وقد أطلقت هذه التسمية علي طائفة من بني إسرائيل نشأت قبيل العهد المسيحي (30- 150 قبل الميلاد)، آمنت بأن الله هو الخالق الوحيد، ولها شرائع محددة ملتزمة بالطهارة والعبادة ، وهي تختلف اختلافا جوهريا عن سائر فرق اليهود، وكانوا يعتقدون - رغم قلتهم - بأنهم يعرفون الحقيقة وأن معظم اليهود علي ضلال. استمرت هذه الطائفة إلي عام 68 للميلاد حيث قضي عليها الرومان . المشرف.

والسلت(1)، إذ كلهم يعتقدون بظهور مصلح في آخر الزمان، يمحو الظلم والجور، ويقيم دولة عالمية واحدة، ويحكم بين الناس بالعدل والإنصاف.

فالذي نستفيده من تاريخ الأمم أن العقيدة والإيمان بظهور قائد مقتدر إلهي، ومصلح في آخر الزمان باسم «المنجي الموعود العالمي»، مسألة متجذرة ومتأصلة بينهم ؛ إذ تطمح البشرية بأنظارها إلي هذا المصلح السماوي ليأخذ بيدها، وتنتظره بقلوب متلهفة لظهوره.

إن فكرة ظهور المنجي الموعود عند اليهود والنصاري بمختلف طوائفهم من الأمور الحتمية والمسلم بها والمفروغ عنها، ونذكر إليك مزيدا فيما يلي:

انتظار ظهور «المنجي» عند اليهود والنصاري:

كتب الكاتب الأمريكي في كتاب «قاموس الكتاب المقدس» - حول انتشار الاعتقاد بانتظار وظهور «المنجي العالمي الكبير» بين اليهود . ما يلي : كان العبرانيون ينتظرون قدوم المسيح المبارك جيلا بعد جيل، وجاءت البشائر والوعود بوجوده المبارك مكررة في الزبور وفي كتب الأنبياء، خاصة كتاب «إشعياء»، حتي قدم يحين المعمدان وبشرهم كذلك بقدومه، ولكن اليهود لم يدركوا معني تلك النبوءات وظنوا أن المسيح سيصبح سلطان زمانه ، فينقذهم من أيدي الظالمين والمستكبرين، ويحقق لهم ذروة المجد والعظمة والرقي(2).

ص: 35


1- السلت أو السليت : قبائل بدائية ، استوطنت عام 700 قبل الميلاد أرجاء متفرقة من وسط و شمال غرب أوربا ، وهم من أول الشعوب التي صنعت الحديد في أوربا ، عثر علي أقدم الشواهد علي السلت في هولستات بالقرب من سالزبيرج بالنمسا، وبحلول القرن السادس قبل الميلاد انتشر السلت في فرنسا والبرتغال واسبانيا والجزر البريطانية، وينحدر الشعب البريطاني والبلجيكي والاسكتلندي الحالي من تلك القبائل . المشرف.
2- او خواهد آمد: 32، نقلا عن قاموس الكتاب المقدس: 806.

ويشتكي الكاتب من اليهود ويذكر أنهم أخذوا يتذمرون ولم يؤمنوا بدعوة المسيح الحقيقي - سلطان العالم - الذي كانوا ينتظرونه بحرارة، لذلك اتخذوه عدوا واعتبروه مجرما ضد الشعب الإسرائيلي، وأن تعاليمه تتهافت مع أهداف الكتب المقدسة (العهد القديم)، واضطروا إلي محاكمته وحكمه بالإعدام، فشعروا بالغبن وعادوا ينتظرون المسيح الموعود لإزالة الظلم والجور.

فالمسيحيون رغم أنهم يعتقدون أن عيسي عليه السلام هو المسيح الموعود، لكنهم ينتظرون عودته في آخر الزمان ؛ لأنهم يشعرون بعدم انقيادهم له بالكامل.

وحسب ما كتب السيد هاكس الأمريكي في كتابه «قاموس الكتاب المقدس» أن كلمة «ابن الانسان» وردت 80 مرة في الإنجيل وملحقاته ( العهد الجديد)، يتطابق 30 موردا منها مع صفات عيسي عليه السلام(1)، و 50 موردا الأخري تصف المصلح المنجي الذي سيظهر في آخر الزمان(2).

المدعون أنهم المسيح:

الاعتقاد بظهور منج عالمي عظيم، والشوق لظهور هذا القائد السماوي، عقيدة أساسية متأصلة عند اليهود والنصاري، وقد برز منهما علي طول التاريخ عدة أفراد يدعون أنهم المسيح الموعود كذبا وزورا، ويذكر صاحب «قاموس الكتاب المقدس» عدد المدعين المفترين قائلا: ظهر 24 مسيحيا كاذبة بين بني إسرائيل، أشرهم «بركوكبة» الذي ظهر في أوائل القرن الثاني ، وكان هذا الدجال المعروف يدعي أنه رأس ورئيس وسلطان اليهود.

ص: 36


1- او خواهد آمد : 33، نقلا عن قاموس الكتاب المقدس : 219.
2- نفس المصدر .

وظهر في المائة الثانية عشرة حوالي 10 أشخاص يزعمون كذبا أنهم المسيح، واستقطبوا عددا من الناس، مسببين فتنا وحروبا راح فيها عدد كبير طعم لشفار السيوف.

وكان آخر المدعين هو «مردخاي» الألماني الذي ظهر في سنة 1683م، وأصبح سببا لاشتعال فتنة ونائرة فساد، وعندما التهبت نيران الفتنة فير واختفي أثره.

وكتب كاتب «ديباجه اي بر رهبري» بعد نقل هذه الحوادث من كتاب «قاموس الكتاب المقدس» ما يلي:

من المؤسف أنه لم يكن لمؤلف «قاموس الكتاب المقدس» الأمريكي - والذي كتبه باللغة الفارسية وعاش في همدان - بائع طويل في تعداد المدعين للمسيح الموعود، وكذا حول آخر نفر ظهر من المدعين ، فلقد كان عدد هؤلاء المعين أكثر مما ذكره، وكذلك ظهور «مردخاي» الألماني في القرن السابع عشر لم يكن آخر قيام تذكره المسيحية، وإنما ظهر ستة أشخاص في بريطانيا في القرن الثامن عشر والتاسع عشر يدعون أنهم المسيح الموعود، وسببوا اضطرابات، وقد حكم علي بعضهم (1).

وبمحاذاة الدين المسيحي ، من الطبيعي أن يظهر بين اليهود من يدعي ذلك، ومن هؤلاء «داود آل روي»، وهو يهودي إيراني ظهر في أواسط القرن 19، مدعيا أنه المسيح الموعود (2).

ص: 37


1- ديباجه اي بر رهبري : 95، 96.
2- ديباجه اي بر رهبري : 101، 102.

5. عقائد الأقوام المختلفة في العالم حول المصلح الموعود:

إن فكرة ظهور المصلح العالمي في آخر الزمان أمر عام لا يختص بقوم دون قوم، ولا مذهب دون مذهب، علي اختلاف مشاربهم، ومنشأ هذه الفكرة هي بشائر أنبياء الله الخالصة للمؤمنين ولكل الأحرار، إضافة إلي الدافع الفطري والميول الباطنية التي تجعلهم يرغبون في إحقاق الحق والعدل وإقامة حكومة المملح والأمن في العالم.

وقد صرح بالمهدي أنبياء الله أثناء تبليغ رسالتهم كجزء منها، ووعدوا الناس بظهور مصلح عالمي عظيم في آخر الزمان، ينقذهم من الظلم والظالمين، ويملأ المعمورة قسطا وعدلا ، ويقتلع الفساد والظلم من العالم.

فلنمر مرورا سريعا علي أفكار و عقائد الأمم المختلفة في العالم، مثل: مصر القديمة ، الهند، الصين، إيران، واليونان، فبمجرد نظرة علي أساطير الأقوام البشرية المختلفة تتبين لنا الحقيقة جيدا بأن الجميع في انتظار المصلح الموعود رغم اختلاف عقائدهم وتفكرهم، ولتصويب المدعي نعكس عقائد الأقوام والأمم المختلفة مفهرسة بما يلي:

1- يعتقد الإيرانيون في الماضي أن «غرشاسب»(1)بطلهم التاريخي حي راقد في «كابل»، يحرسه مائة ألف من الملائكة حتي يستيقظ يوم ظهوره لإصلاح العالم.

ص: 38


1- غرشاسب أو كرشاسب : ملك وبطل من أعظم أبطال إيران ، اسمه عند الفرس «كرزاسبه» ، وقد ورد ذكره في الأوستا ، كما ورد عندهم : أن المجد الإلهي حينما فارق جمشيد للمرة الثالثة أخذه «كرزاسبه» الجريء أشد الرجال بعد زرادشت. وكان غرشاسب يحكم في شرق أفغانستان وشمال الهند.. المشرف.

2- يعتقد جمع آخر من الإيرانيين أن «كيخسرو»(1)عندما نظم دولته وأقام حكومته القوية سلم أمور دولته إلي ابنه وذهب إلي الجبال ورقد هناك إلي أن يظهر ويخرج الجبابرة من العالم.

3- قوم «السلاف» يعتقدون أن رجلا يظهر من المشرق يوخد قبائلهم ويحكم بها العالم.

4 - الألمانيون معتقدون بظهور شخص منهم يحكمون به العالم.

5- الصربيون ينتظرون ظهور «ماركوكر اليويج»(2).

6 - البراهمة : منذ الزمان الغابر يعتقدون بظهور «فيشنو»(3)علي فرس أبيض وبقبضته سيف ناري، يقتل المعاندين، ويدخل الناس في دينهم، وبذلك يصلون إلي السعادة .

7- سكان جزر بريطانيا من قبل قرون وهم يأملون وينتظرون ظهور «آرثر» يوما ما من جزيرة «أفلون» الذي سيسلط «السكسون»(4)، علي الكرة الأرضية

ص: 39


1- كيخسرو : أحد ملوك الفرس القدماء ، يقولون أنه ذهب إلي الجبل واختفي في البرد والثلج ، وذهب الأبطال للعثور عليه فهلكوا، ويؤمنون أنه سيرجع إليهم. المشرف.
2- «ماركوكر اليويج» : هو مخلص الصربيين . المشرف.
3- فيشنو أو ويشنو : هو أحد الأقانيم الثلاثة الرئيسية في الديانة الهندوسية ، فالأول «براهما» وهو خالق الكون ، والإقنوم الثاني هو «فيشنو» ويتمتع فيشنو حسب اعتقاد الهندوس بطبيعة عطوفة ، ويسمونه الحافظ ، وهم يؤمنون بأنه يحاول أن يكفل السعادة البشرية ، ويعتقد الهندوس بأن فيشنو سيرجع إلي الأرض يوما ما ليمحق الشر كله ويبدأ عصرا ذهبيا جديدا للانسانية ، والإقنوم الثالث هو «شيفا» (المدمر). المشرف.
4- السكسون: قبائل جرمانية استقرت في انجلترا خلال القرنين الخامس والسادس الميلادي بعد أن غزوا بريطانيا وهزموا السلتيين ، وفي القرن الثامن الميلادي هزم شارلمان السكسون الذين بقوا في القارة وأجبرهم علي اعتناق النصرانية، وضم بلادهم لتصبح جزءا من امبراطورية ، وصارت بلاد السكسون جزءا من المانيا . المشرف.

وينالون سعادة الدنيا .

8- «الأسينيون» يعتقدون بظهور قائد في آخر الزمان يفتح للناس أبواب السماء الملكوتية.

9- «السلت» يقولون أنه بعد الفوضي سيظهر «بوريان بو رو بهم» ويحكم العالم.

10 - الإسكندنافيون (1)يعتقدون بابتلاء الناس وأن الحروب العالمية ستقضي علي الأقوام حينما يظهر «أودن» بقوة إلهية ويتغلب عليها.

11 - أقوام أوربا المركزية ينتظرون ظهور «بوخص»(2).

12 - أقوام أمريكا المركزية يعتقدون أن «كوتزلكوتل»(3) منقذ العالم سوف ينتصر بعد وقوع حوادث في العالم.

ص: 40


1- الاسكندنافيون : هم سكان النرويج والسويد والدنمارك وآيسلندا، وكانوا قبل تحولهم إلي المسيحية يعتقدون بوجود تسعة عوالم ، منها عالم الأمير؛ مثل «أودن»، الذي هو إله الحكمة والحرب عندهم . وإيمانهم به كايمان المسيح بعيسي عليه السلام، أنه بشر وله صبغة إلهية . المشرف.
2- كان الوثنيون يذغون «بوخص» ابن المشتري من العذراء : المخلص ، الابن الوحيد ، الفادي ، وكانوا يقولون : لما كثر الشر في الأرض طلب بندورا وتوسل إلي المشتري سيد الألهة كي يأتي ويخلص الناس ، فاستجاب المشتري لهم وجعل ابنه «بوخص» مخلصا للمذنبين في العالم، وتعهد بوخص الفادي بتحرير الأرض من الأوزار وأنه سيطيعه الناس ويرتلون التسابيح لاسمه. وإيمانهم به أيضا كايمان المسيح بعيسي عليه السلام من حيث حلول اللاهوت بالناسوت. المشرف.
3- كان سكان المكسيك قبل أجيال عديدة يعبدون إلهامخلصا «كوتزلكوتل» ولد من عذراء بتول طاهرة، ويقولون أنه أتي به رسول من السماء. المشرف.

13 - الصينيون يعتقدون بظهور «كرشنا»(1) الينجي العالم.

14 - الزرادشتية يعتقدون أن «سوشيانس»(2)( منجي العالم الكبير) ينشر الدين في العالم، ويقضي علي الفقر والعوز، وينجي أهل الخير من كل شر، ويوحد أهل العالم في فكرهم وقولهم وعملهم.

15 - قبائل «اي پوور»(3)يعتقدون أنه سيأتي علي الدنيا يوم وهي خالية من الحروب بسبب ملك عادل في آخر الزمان.

16 - مجموعة من المصريين عاشوا حوالي عام 3000 قبل الميلاد في مدينة منفيس»، وكانوا يعتقدون أن سلطانا في آخر الزمان يسيطر علي الدنيا بقوة غيبية .

17 - مجموعة أخري من المصريين القدماء يعتقدون بظهور مبعوث الله في آخر الزمان بجانب الكعبة، يسخر

العالم.

ص: 41


1- كرشنا: هو الأقنوم الثاني من الأقانيم الهندية الثلاثة «الأب والابن والروح القدس»، ولد من العذراء ديفاكي في كهف ، وأضاء الكهف حين ولادته ، أمر الملك «كانسا» بقتل جميع الأطفال الذين يولدون في نفس الليلة التي ولد بها «كرشنا» ، وقد صنع كرشنا كثيرا من المعجزات ، مات ثلاثة أيام ثم قام وصعد إلي السماءوسيعود في اليوم الأخير ليدين العالم. وقد انتشر الثالوث البوذي هذا في الهند والصين واليابان . المشرف.
2- يؤمن الزرادشتيون بأنه في الثلاثة آلاف سنة الأخيرة من عمر العالم، سيظهر ثلاثة مخلصين، بين كل واحد منهم والآخر ألف سنة ، الأول : أوشيدار (هوشيدر) ، أي الخير، والثاني : أوشيدار ماه (هوشيدرماه)، والثالث والأخير هو سوشيانت أو سوشيانس ، فيهزم كل قوي الشر ، ويصل اعالم إلي حال الكمال ، ويهزم الموت والمرض والفوضي، ويحيي من ماتوا من قبل، وينقاد له كل الناس، وهو المخلص والمنقذ. وقد ذكر في «الأوستاه و «بندهش» و «لكات» من كتب الزرادشتيين. المشرف.
3- قبائل «اي پوور» لم أقف عليها . والذي عثرت عليه هو الحكيم «ايبور»، الحكيم المصري في زمن الملك بيبي الثاني (في أواخر الأسرة السادسة من الفراعنة) وواجهه وكانت أكبر ثورة في تاريخ مصر . المشرف.

18 - الطوائف والأقوام الهندية المختلفة - حسب ما جاء في كتابهم المقدس - هم في انتظار مصلح سيظهر ويقيم حكومة عالمية واحدة.

19 - يقول اليونانيون سيظهر «كالويبرك»(1)(المنجي العظيم) لنجاة العالم.

20 - اليهود يعتقدون بظهور «ماشيح»(2)(المهدي الكبير) وأنه يحكم العالم إلي الأبد. ظانين أنه من أولاد إسحاق، في حين أن كتابهم المقدس يصرح بأنه من أولاد إسماعيل.

21 - النصاري يعتقدون كذلك بوجود الإمام المهدي عليه السلام وأنه سيظهر في آخرالزمان ويحكم العالم، لكنهم يختلفون في أوصافه (3).

وهذا الذي قدمناه أيها القارئ الكريم وإن كان لا يتطابق بالكامل مع مواصفات الإمام المهدي عليه السلام. حتي أن بعضها لا تتوافق مع المهدي الموعود في الإسلام أبدا . لكنه يحكي لنا عن حقيقة مسلم بها وهي:

إن الأفكار والعقائد والآراء جاءت بمضامين مختلفة، لكنها تبشر بمستقبل مشرق، وبظهور مصلح عالمي في آخر الزمان، وهذا يدل علي أن مصدر الجميع هو الوحي، ولكن انسلخ بعضهم تدريجيا عن هذه الحقيقة لعدم وصول نور الحقيقة والهداية إلي النواحي البعيدة المدي، فلم يبق عندهم إلا الهيكل العام الفكرة المهدي الموعود والمصلح العالمي.

ومن الطبيعي أن بقاء هذه الفكرة سليمة طوال القرون المتمادية يزيد من أهمية

ص: 42


1- كالويبرك : بمعني المنجي العظيم أو المنقذ الكبير . المشرف.
2- ماشيح : هو المسيح بالعبرية ، ولكن المسيح عندهم غير عيسي عليه السلام ، بل يؤمنون بأن عيسي عليه السلام ادعي المسيحية وأنه يريد أن يضلهم، وهم ينتظرون المسيح الأصلي . المشرف .
3- او خواهد آمد : 87 - 88.

المسألة والقطع بفكرة المهدوية وظهور المصلح العالمي. وإذا غضضنا النظر عن خصوص كلمة «المهدي» وسائر الألفاظ التي يطلقها أتباع سائر الأديان والمذاهب العالمية المختلفة، وأسميناه «المنجي العظيم السماوي» أو «المصلح العالمي» أو «المنقذ الإلهي»، لارتفع هذا الاختلاف الاسمي أيضا.

6. أسماء الإمام المهدي عليه السلام المقدسة في الكتب الدينية لأهل الأديان :

وهذا قسم من الأسماء المباركة للإمام المهدي عليه السلام التي جاءت بألفاظ مختلفة في كتب مذاهب أهل الأديان المختلفة العالمية، نقدمها للقراء الكرام:

1. «الصاحب» - في صحف إبراهيم.

2. «القائم» - في الزبور الثالث عشر.

3. «القيدمو» - في التوراة التركومية .

4. «ماشيح» (المهدي الكبير) - في التوراة العبرانية .

5. «الممهيد الآخر» - في الإنجيل.

6. «سروش ايزد» - في زمزم زردشت.

7. «بهرام» - في ابستاق زند و پازند.

8. «بنده يزدان» - في زند و پازند.

9. «لند بطاوا» - في ألف رسالة الهنود .

10. «شماخيل» - في ارماطس .

11. «خوراند» - في جاويدان .

12. «خجسته» (أحمد) - في كندرال فرنگيان.

ص: 43

13. «خسرو» - في كتاب المجوس.

14. «ميزان الحق» - في الكتاب الأثري للنبي .

15. «پرويز» - في كتاب برزين آذر فارسيان .

16. «الفردوس الأكبر» - في كتاب قبروس الروم.

17. «كلمة الحق» - في الصحيفة السماوية .

18. «لسان الصدق» - في الصحيفة السماوية.

19. «الصمصام الأكبر» - في كتاب كندرال.

20. «بقية الله» - في كتاب دوهر.

21. «القاطع» - في كتاب القنطرة .

22. «المنصور» - في كتاب ديد البراهمة.

23. «ايستاده» (القائم) - في كتاب شاكموني .

24. «فيشنو» - في كتاب ريك فيدا، ماندالاي (1).

25. «فرخنده» (محمد) - في كتاب وشن جوك .

26. «راهنما» (هادي، ومهدي) - في كتاب باتنكل.

27. «ابن الإنسان» -في العهد الجديد (الأناجيل وملحقاتها).

28. «سوشيانس» - في كتاب زند و هومون يسن من كتب الزرادشتية .

ص: 44


1- ريك فيدا : اسم عام يطلق علي الكتب المقدسة الهندوسية ، تحتوي الفيدا علي الاساسات المذهبية التي تعني بالآلهة الهندوسية ، وكلمة فيدا تعني المعرفة ، وتضم الفيدا أربعة أسفار، حيث تبدأ بالأقدم ، وهي : ريك فيدا، ساما فيدا، ياجور فيدا، الآثارفا فيدا. ومعني ريك فيدا : الفيدا النارية ، وهي مجموعة من الأناشيد الدينية الهندوسية التي يتضرع بها الهندوس أمام آلهتهم. المشرف.

29. «خردشهر ايزد» جاء في كتاب شابوهرگان الكتاب المقدس للمانوية ترجمة مولر: إنه يجب أن يظهر في آخر الزمان ويظهر العدل في الأرض.

30. «فيروز» ( المنصور) - في كتاب النبي إشعياء(1).

بالإضافة إلي هذه الأسماء جاءت أسماء أخرئ للإمام المهدي عليه السلام في كتب أهل الديانات المقدسة لم نأت بها وما للاختصار(2).

فها قد وردت الأسماء المقدسة ك-«صاحب» و «القائم» و «القاطع» و «المنصور» و «بقية الله» في كتب الملل المختلفة، وهي من ألقاب الحجة ابن العسكري عليه السلام الخاصة التي صرحت بها الروايات الإسلامية، وعبر عنه بها الأئمة المعصومون في كثير من الروايات، وهذا يكشف عن حقيقة أن موعود جميع الأمم والملل هوالوجود المقدس، المنتظر، الغائب ، الحجة ابن الحسن العسكري عليه السلام.

7. الإعتقاد بظهور الإمام المهدي عليه السلام المسألة عقلية ومنطقية :

لو ألقينا نظرة علي الوضع الحالي للعالم لشاهدنا السير التصاعدي في الحروب، والجرائم، وإراقة الدماء، والتضارب، والاختلافات الدولية، وبلوغ

ص: 45


1- لقد جاءت أسماء المهدي عليه السلام مفضلة في الكتب المعينة بذلك ، ونحن نقلنا هذه الأسماء من: النجم الثاقب : 31 - 70، كتاب «يأتي علي الناس زمان»: 708 - 711، أقوال الأئمة 1: 329، او خواهد آمد : 64- 70؛ إلزام الناصب 1: 481 - 491.
2- لا يخفي أن أسماء وكني وألقاب الإمام المهدي عليه السلام قد ذكرت بالتفصيل في الكتابين القيمين : «إلزام الناصب» تأليف المرحوم الحائري اليزدي ، والكتاب القيم النفيس «النجم الثاقب» تأليف المحدث النوري طاب ثراه.وقد جاء في كتاب إلزام الناصب 186 اسمة ، وفي النجم الثاقب 182 اسما. ويمكن لطالب شرح و معني هذه الألفاظ والأسماء أن يراجع كتاب النجم الثاقب صفحة 31 إلي 70، والمجلد الأول من كتاب إلزام الناصب صفحة 481 إلي 491.

النهاية في الابتذال والتفسخ والمفاسد الأخلاقية والاجتماعية، وهنا تطرح بعض الأسئلة، وهي:

هل ستسير الأوضاع بهذا المنوال ؟

هل ستتسع رقعة الخيانة والجرائم والدمار بهذا المنوال ؟

هل سيستمر الظلم والاستعمار كما هو عليه الآن؟

هل تبتلع هذه الانحرافات العقائدية والمفاسد الأخلاقية والظلم الاجتماعي، البشرية كوحل متعفن ؟ أم هناك أمل بنجاة البشرية وإصلاح المجتمع؟

يجب أن نقول في جواب هذه الأسئلة: أن هناك أملا لنجاة البشر وإصلاحه عقليا، فإنه سيأتي يوم تنقشع فيه الغيوم السوداء المظلمة، ويتوقف الطوفان المدمر والسيول الجارفة، وينتهي الفساد، ويتبعه صفاء السماء وبزوغ الشمس الوهاجة، وهذه الدوامات المرعبة ستزول من أمام البشر، وستلوح بوادر ساحل النجاة، فالعالم ينتظر قيام مصلح عظيم إلهي يحوله إلي العدل والحق، وينجي البشرية من الظلمة والظلم والفساد والتيه والدمار .

وإليك دليلين عقليين لإيضاح هذه المسألة:

ألف) إن نظام الكون يلقننا درسا بأن البشرية يجب أن تخضع في نهاية المطاف لقانون العدالة وتسلم لنظام عادل ثابت شاءت أم أبت.

ولتوضيح المسألة نقول: إن العالم كما نعلم مجموعة أنظمة وقوانين منظمة وهذا يدل علي أن العالم واحد متلائم ومترابط، ومسألة النظم والقانون من المسائل المهمة والجذرية. والمنظومات العالمية . كبيرها وصغيرها، حتي الذرة التي يمكن تجمع الملايين منها علي رأس إبرة - تابعة لنظام دقيق معين ومبرمج.

ص: 46

وكذلك أجهزة جسم الإنسان المختلفة، تبدأ من خلية صغيرة ثم الدماغ والأعصاب والقلب والجهاز التنفسي وسائر الأعضاء والجوارح، كل منها يتبع نظاما دقيقا كالساعة ويعمل بدقة تتصاغر أمامها حواسيب العالم المنظمة.

زبدة الكلام: أن هناك نظاما سائدا علي العالم الذي نعيش فيه، وهو أن الظواهر الطبيعية تسير علي نظام يستحيل تحققه تبعا لحركات فوضوية، فالكائنات تسير بحركة معينة، مثل جيش عظيم مقسم إلي مجاميع منظمة تتحرك بدقة نحو مقصد معين

إذن هل يمكن أن يكون الإنسان - كجزء من هذا الكل المنتظم - غير منسجم معه ويعيش الحروب وإراقة الدماء والظلم والاستبداد الاجتماعي ؟!

وهل تتحكم مظاهر عدم الانتظام - من عدم العدالة والتفسخ الأخلاقي والاجتماعي - علي المجتمعات البشرية إلي الأبد ؟!

وهل يعقل أن الله يخول جميع موجودات العالم في نظامه المدهش لما تحتاج إليه بلطفه وعنايته، ويمنح الإنسان عينا باصرة، وأذنا سامعة، وعقلا وذكاء كافيا ، ثم يتركه سدئ في وادي الحيرة والضلالة ليعيش بلا تظم ولا عدالة ؟!

هل يمكن أن يسد الله تعالي جميع احتياجات هذا الإنسان ثم يحرمه من دليلي عالم مقتدر معصوم متصل بالغيب يرشده إلي سعادته ؟!

لا شك عقلا في ضرورة وجود قائد إلهي سماوي لإقامة النظم والقانون، ومنع الهرج والمرج، وقطع الفتنة والفساد، وتطبيق القسط والعدالة، ولهذا قال أمير المؤمنين عليه السلام في إحدي خطبه في نهج البلاغة : «الله يلي لا تخلو الأرض من قائم لله بحجة إما ظاهرا مشهورا وإنا خائفا مغمورا؛ لئلا تبطل حجج الله

ص: 47

وبناته»(1).

والحاصل: أن مشاهدة نظام الكون والخلقة يوجهنا نحو حقيقة ، هي : إن العالم والمجتمعات البشرية سوف تخضع بالنهاية أمام النظام والعدالة، وستعود إلي مسيرها الأصلي.

ب) السير التكاملي للمجتمعات البشرية دليل آخر لمستقبل البشرية المشرق؛ فليس بإمكاننا إنكار الحقيقة، وهي : إن المجتمعات البشرية - منذ أن عرفت نفسها - في حال تطور مستمر، تسير نحو الرقي والتكامل، ولم تسكن في أي مرحلة من المراحل.

في الجوانب المادية - كالمأكل والملبس والمسكن وباقي مستلزمات الحياة - كانت المجتمعات تعيش مراحل بدائية جدا، أما اليوم فعلي العكس عما مضي، فقد وصلت مرحلة التطور حدا يحير العقول ويبهر الأنظار، ومن المسلم أنه ما يزال مستمرا في تطوره التصاعدي.

ومن الناحية العلمية والثقافية أيضا ما يزال العالم يتقدم ويتوصل إلي اختراعات واكتشافات وتقنية حديثة، وقد حصل علي اكتشافات جديدة ومعلومات حديثة، وهو يزداد تقدم يوما بعد يوم.

وأخيرا سيشمل قانون التكامل هذا، الجوانب الأخلاقية والمعنوية والاجتماعية، ويقود الإنسانية نحو قوانين عدل و صلح وعدالة ثابتة، وستنمو الفضائل الأخلاقية، ونحن اليوم إذا لاحظنا الانحطاط الأخلاقي وهو يزداد في

ص: 48


1- نهج البلاغة فيض ، الكلمات القصار رقم 139 ص 1158، منتخب الأثر : 270. وقريب من هذا المضمون في بحارالأنوار 52 : 192 عن الإمام الصادق عليه السلام .

دنيانا، والبشرية تتخبط في دوامات الفساد والانحراف، علمنا أن هذا أيضا سيهنيئ الأرضية لثورة تكاملية.

ومن المعلوم الذي لا يخفي بأنا لا نقول بتشجيع الفساد، ولكن نقول: عندما يصل الفساد ذروته لابد أن يحدث الانقلاب المعنوي التكاملي ، كردة فعل ، لترجع البشرية إلي إنسانيتها؛ لأن الناس عندما وقعوا في فخ البلاء، ووصلوا إلي طريق مسدود، وذاقوا طعم وبال ذنوبهم، ولم يحققوا أي شيء، وبلغت أرواحهم التراقي، فلابد أن يكونوا مستعدين لقبول أسس السعادة التي تعرض عليهم من قبل قائد رباني وديني.

إذن، نظرا إلي ما مضي نصل لهذه النتيجة، وهي: أن عقيدة ظهور الإمام المهدي عليه السلام مسألة عقلية ومنطقية، لا تحتاج إلي أي بيان؛ لأنها يصدق بها كل إنسان عاقل ويؤيدها كل مفكر.

8. عقيدة ظهور الإمام المهدي عليه السلام مسألة فطرية

إن عقيدة ظهور الإمام المهدي عليه السلام مسألة طبيعية وفطرية محضة، ممتزجة مع طبع الإنسان، عمرها بعمر البشرية. ولا نحتاج إلي برهان ودليل لإثبات هذا المدعي ، إذ يكفينا أن نعلم أن الأمم والشعوب رغم الاختلافات الحاصلة في تفكرهم وآرائهم وعاداتهم وعقائدهم وميولهم وتطلعاتهم الباطنية، يرغبون في الصلح والعدالة ويحبونها، وطبيعتهم تبغي حياة عارية من الحروب.

إننا نري أن جميع الناس وفي كل الأزمنة ينهضون ويكافحون من أجل رزقي أفضل وحياة رغيدة، وينتظرون تحقق النصر النهائي، ويصرخون في وجه الظلم

ص: 49

والطغيان، ويطلبون الناصر والمعين علي الجبابرة وطواغيت الزمان، وهذا دليل قاطع علي أصالة هذا الميل الباطني والفطري لمسألة المهدوية ؛ لأن الفطرة هي : الإلهام والإدراك الباطني، وإرادة الإنسان الطبيعية وميله الباطني، ولا يحتاج الإنسان إلي دليل ليرتضي فكرة المهدوية، لأنه يؤمن بها فطريا بلا دليل ولا برهان، فهي كالإحساس بالعطش والجوع، اللذين هما أمر فطري وطبيعي أيضا لا يحتاج إلي دليل، إذن العطش والشعور بالجوع والرغبة في الماء والطعام يدل علي تواجد المأكل والمشرب في العالم، وقد جعلت الرغبة إليه في طبيعة البشر.

من هنا نستطيع أن نستنتج بسهولة أن انتظار الناس للمصلح العالمي الكبير - الذي ينتظرون قدومه ليلا ونهارا، ليملأ الأرض قسطا وعدلا ، ويقلع الظلم والجور - دليل علي أن الوصول إلي هذه المرحلة من الرقي في تكامل البشرية ميسور، وأن حب وعلاقة ظهور ولي الله المطلق أمر مرتكز في نفوس البشرية فردا فردا.

ولو لم يكن الصلاح والعدل والأمن والصفاء فطريا، لما استطاع المتكبرون والمتجاوزون وبغاة السلطة أن يحكموا الناس بغطاء راية العدل والصلح والتعايش السلمي، ولما وصلوا إلي أهدافهم المشؤومة، فهم يلبسون الظلم والباطل لباس العدل والحق، ويخدعون الناس ويستضعفونهم ويتسلطون عليهم بأسماء وعناوين فارغة.

أليس هذا دليلا علي أن فطرة الناس تطلب الحق والعدل، وتنفر من الظلم والباطل؛ ولذا يتعلق هؤلاء الطغاة بها ؟!!

ص: 50

نعم أيها القارئ العزيز؟

«إن انتظار الفرج والاعتقاد به «المهدي الموعود» أو ب-«آخر منج»، هو شوق و ميل باطني ، وقد وعد الإسلام وسائر الأديان ب-«المحرر العظيم»، ولم يتركوا هذا الميل والشوق سدي، إذ هو كسائر الميول يزداد ويقل، ويشتد ويضعف حسب الظروف. فالأوضاع الملتهبة وعدم الأمان والظلم والاستبداد في المجتمع يزيد من الإيمان بعقيدة «المنجي العظيم»، ويتحول هذا الشوق القديم في لحظات العسرة والضيق والضعف إلي لهب الاحتياج الشديد، ثم تكون حصيلة هذا الشوق والتلهف ازدياد التلهب لظهور «آخر منج» عند المجتمعات»(1).

نعم؛ حقيقة المهدوية في الواقع هي نهاية مسير المجتمعات البشرية نحو أمة واحدة، يسودها التعاون والأمن والسعادة والرفاه العام، وهي حكومة حق وعدل، ونجاة المستضعفين وهلاك المستكبرين، وغلبة جند الله علي جند الشيطان ، وتحقق حكومة المؤمنين والصالحين بقيادة موعود الأنبياء والأديان، وهذا مطلوب كل فطرة سليمة ، والمطلوب الطبيعي لكل انسان سليم وذي وجدان حي.

أي إنسان شريف وفاضل يقبل بالظلم والاستبداد ؟ وأي إنسان عاقل صاحب فكر حر يدافع عن الطواغيت وأتباعهم وعن الأنظمة الاستبدادية ؟ وأي منصف صاحب وجدان إذا رأي الظلم والاستبداد المفرط . وانقسام الشعوب إلي غالب و مغلوب ، وظالم و مظلوم، وقاهر ومقهور، ومتطور ومتخلف - لا يحرك ساكنا ولا يتألم ولا يصرخ ؟! كيف يرضي وجدانه دون النهوض بفطرته الإنسانية ضد مظاهر القبح والنفرة ؟!

ص: 51


1- او خواهد آمد : 47.

نعم، سيكون قيام الإمام المهدي العالمي، ويتحقق الوعد الرباني، وسينجي عالم الإنسانية وينتشلها من الفساد والزيغ، ويدحر أنصار الظلم والاستكبار، ويخرس أصواتهم ويجفف أقلامهم.

9.إن الاعتقاد بظهور الإمام المهدي عليه السلام اعتقاد ديني أصيل:

لا شك أن عقيدة ظهور الإمام المهدي عليه السلام اعتقاد ديني و مذهبي أصيل له جذور قوية قويمة لدي جميع أتباع أديان العالم.

خلافا لمن في قلوبهم مرض، الذين يظنون أن مسألة المهدوية وانتظار ظهور الإمام المهدي عليه السلام وضعت لتسكين جروح البشرية، وتشتت العالم الإسلامي بعد رحلة النبي صلي الله عليه و آله، أو أنها من صنع الشيعة، فهذه المسألة لاتختص بالإسلام والتشيع، بل إن عقيدة ظهور منج سماوي عظيم هي عقيدة عالمية مشتركة، وهي من المسائل العظيمة والحساسة للمذاهب والأديان، ومن آمال البشرية، التي يتزامن عمرها التاريخي مع عمر الإنسان، ويتزامن عمرها في الإسلام مع عمر الإسلام.

وعلي أساس البشائر الكثيرة الواردة في الكتب المقدسة لأهل الأديان الحاكية عن ظهور منج عظيم، وعد جميع أنبياء الله العظام الناس بظهور مصلح عالمي في آخر الزمان ، وكانت هذه المسألة جزء من رسالتهم، ولم يكن هناك أي ترديد في أن هذه العقيدة مسألة اعتقادية أصيلة، ولها جذورها المتأصلة في عمق الوجود الإنساني، وقد بلغ لها الأنبياء وسفراء الله المؤمنون ووضحوها ورسموا وحددوا علائم الظهور .

«لقد ثبت في محله أن الاعتقادات الدينية لها جذور أكيدة في فطرة الناس،

ص: 52

ومن هنا يوجد التناسب الكامل بين التعاليم الدينية ومطالب الإنسان الداخلية، فالتعاليم الدينية في الحقيقة هي التي تعين وتؤمن وتكمل خلق البشر.

يعني أن العقيدة الدينية لها وجود في عمق فطرة الإنسان، ويوجد هذا الميل الباطني في عمق الإنسان، وهو وإن كان كسائر الميول قابلا للزيادة والنقصان، والشدة والضعف حسب الظروف، لكنه لا يمكن أن ينعدم أصل وجوده»(1).

المستفاد من الآيات الشريفة والروايات الإسلامية هو: أن الدين جزء من طبيعة الإنسان وفطرته ووجوده جعله الله توأما لها، فالانسان يدرك أو يعقل كليات ذلك؛ مثل التوحيد وشكر المنعم والوصول إلي العلة عن طريق المعلول، لكنه يحتاج إلي بعث الأنبياء والرسل لدرك جزئيات ذلك، ليوضحوا فطرية الدين للناس أكثر فأكثر، كما جاء في القرآن الكريم :«فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفًا ۚ فِطْرَتَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا ۚ لَا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ ۚ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ»(2).

إذ يستفاد من هذه الآية الشريفة أن الدين والمذهب بشكل عام أمر فطري وطبيعي، وهو يشكل جزءا من ذات البشر وطبيعته، لأن الله عز وجل خلق الإنسان متامة للدين لا ينفك عنه أبدا.

وقال النبي الأكرم صلي الله عليه و آله: «كل مولود يولد علي الفطرة حتي يكون أبواه يهودانه وينصرانه»(3). إذ يستفاد من هذا الحديث الشريف أن الأسس الأولية لقبول الدين موجودة في فطرة أطفال البشر، وبامكان الأب والأم اللذين يعدان المربيين الأصليين

ص: 53


1- او خواهد آمد : 46.
2- الروم : 30.
3- بحارالأنوار 3: 281 ح 22.

للأولاد أن يستفيدا من رأس المال الفطري هذا، ويدينوا أولادهم بما يشاؤون، ولو لم يكن طلب المذهب في فطرة الإنسان وطبعه لم يكن تمذهب الآباء مجديا الأولادهم، ولم يتمسك الإنسان بالدين راغبا طيلة حياته ، ولم يتبعه بلا استفسار .

علي كل حال : إن إيقاظ فطرة البشر وتحريك معنوياته هي إحدي وظائف أنبياء الله العظام، الذين جاءوا ليوردوا الناس لأداء عهد الفطرة، وليذكروهم نعم الله المنسية، وليبعثوا قوئ العقل الباطنية بدعوتهم، كما جاء في خطبة أمير المؤمنين عليه السلام حول بعثة الأنبياء عليهم السلام :

«فبعث [ الله ] فيهم رسله ، وواتر إليهم أنبياءه ، ليستأدوهم ميثاق فطرته، ويذكروهم منسي نعمته ، ويحتجوا عليهم بالتبليغ ، ويثيروا لهم دفائن العقول ...»(1).

إذن عقيدة ظهور الإمام المهدي عليه السلام . أو بتعبير آخر: عقيدة ظهور «المنجي السماوي الكبير» - من المسائل القديمة في الأديان وفي الإسلام، ووردت بشكل واسع في الكتب المقدسة لأهل الأديان والمذاهب المختلفة في العالم، سيما في الدين الإسلامي، ووصلت هذه السعة إلي حد صار يرئ نورها عند المتشرعة وغيرهم، فمن المعلوم أنها مهمة وحياتية، مثلها كمثل الاعتقاد بالذات المقدسة ، فهي عقيدة دينية ومذهبية أصيلة، ولها ميل باطني و محل راسخ في عمق فطرة الإنسان، فكلما ضاقت الدنيا ببني البشر - وبلغت الأرواح التراقي من ظلم الظلمة وطغيانهم، ولم يكن طريق خلاص - ازداد شعورهم بضرورة ذلك المصلح السماوي وأحيوه في قلوبهم ........

ص: 54


1- نهج البلاغة ، فيض، الخطبة 1ص33، وصبحي الصالح ، الخطبة 1 ص 43.

لهذا توجهت كل الأديان والمذاهب المختلفة - بما فيها الدين الإسلامي المبين - لهذا الميل الباطني والمطلوب النفساني، ووعدت أتباعها بظهور قائد سماوي منج في آخر الزمان .

لقد جاءت بشائر «المنجي الموعود» في الروايات الإسلامية تحت عنوان «المهدي الموعود» و صرحت بها الأنبياء أولو العزم علهم السلام من قبل الإسلام بستين قرنا - قبل 6000 سنة - ووصلت إلينا نسلا عن نسل.

إذن لم تكن بشائر «المنجي الموعود» - أو بعبارة أخري «المصلح العالمي الموعود» - متعلقة باليوم أو بالأمس أو منذ عشرة قرون أو عشرين قرنا، كما لم تكن مختصة بهذا الدين أو ذاك، أو بهذا الشعب أو ذاك ، بل كانت متداولة بين گل الشعوب وبين أصحاب الأديان منذ الزمن الغابر .

ومن الجدير بال كر هو أن أكثر بشائر الظهور التي نقلت عن طريق أنبياء الله قد تحققت وما زال يتحقق بعضها في عصرنا الراهن.

فمن الطريف أنا نجد عيانا أن العشرات من علائم الظهور قد تحققت في زماننا هذا واحدة تلو الأخري، والتي جاءت علي لسان الرسول الأكرم صلي الله عليه و آله والأئمة من أهل البيت لعليهم السلام من قبل 14 قرنا كمقدمة لظهور حضرته عليه السلام.

10. عدم اختصاص عقيدة ظهور الإمام المهدي عليه السلام بالإسلام :

المستندات والأدلة التاريخية تدل علي أن هذا الاعتقاد عالمي عام وشامل، لا ينحصر بالإسلام، ولا بمذهب التشيع، ولا يختص بالمذاهب الشرقية والغربية، ولإثبات ما نقول يكفينا أن نشير إلي أنموذج من اعترافات أحد المستشرقين

ص: 55

المتعصبين اليهود.

يقول جولدسپهر المستشرق اليهودي المتعصب عن عالمية مسألة الانتظار،وعمومية انتظار مختلف الأقوام لظهور «المنجي العظيم»:

الاعتقاد بعودة وظهور «المنجي الموعود» لا يختص بالإسلام .. بل نستطيع أن نجد أعتقادات مشابهة كثيرة لدي أقوام آخرين...

علي اعتقاد الهندوس «فيشنو»(1)سوف يظهر بمظهر «كالكي»(2)في آخر هذا الزمان، يمتطي فرسا أبيض، وبيده سيف ناري، وسيحرر أرض آريا من أيدي الظالمين - يعني المسلمين الفاتحين -

وفي أوساط المغول هذه العقيدة متداولة حتي اليوم ( 1910م)، وهي أن «جنكيز خان» وعد قبل موته أنه سيظهر بعد ثمانية أو تسعة قرون وسينجي المغول من هيمنة الصينيين.

وفي أوساط الشعوب الشرقية والغربية - وحتي في وسط الهنود الحمر الأمريكيين - يوجد اعتقاد مشابه حول ظهور أو رجوع «المنجي الموعود» (3).

فعقيدة ظهور «مصلح عالمي عظيم» تلاحظ عند كثير من المجتمعات القديمة، وهي عند المسلمين «انتظار الفرج»، وهذه العقيدة في الحقيقة لها أبعاد مختلفة ، فلسفية ، اجتماعية، سياسية، ثقافية ، و دينية. ولهذا نري أن جميع أهل الأديان

ص: 56


1- تقدم أن فيشنو أو ويشنو هو ثاني الأقانيم الثلاثة عند الهندوس . المشرف.
2- كالكي : إله الغد. وقد ورد في «أوبانيشاد» من الكتب الهندية المقدسة ص 373: كالكي وهو المظهر العاشر «ويشنو» يظهر بعد الانقضاء العام أو عصر الحديد ، راكبا علي جواد أبيض ، حاملا سيفه البراق كما الشهاب المذنب، فيهتك الأشرار، ويجدد الحياة ، ويعيدالطهر والبراءة . المشرف.
3- او خواهد آمد: 30 و 31.

والمذاهب، والفلاسفة، وعلماء المجتمع، وعلماء علم النفس، والمتخصصين، وأتباع الأحزاب، والمذاهب، بحثوا فيها كثيرا، ولهذا ف-«اليهود بجميع فرقهم ينتظرون ظهور المسيح الموعود ليحقق العدالة الحقة في العالم آخر الزمان.

والمسيحيون بجميع فرقهم ينتظرون عودة المسيح الطاهر لينشر أساس العدالة في العالم آخر الزمان.

والمسلمون بمذاهبهم المختلفة ينتظرون ظهور الإمام المهدي عليه السلام - ورجوع النبي عيسي عليه السلام - ليقيم حكومة العدل والحق في آخر الزمان في كافة أرجاء المعمورة من أولها إلي آخرها»(1).

ص: 57


1- . روزگار رهايي 59:1 .

ص: 58

القسم الثاني: بشارة الإسلام بظهور الإمام المهدي عليه السلام

اشارة

وفيه :

1. المهدي الموعود عليه السلام في الإسلام

2. المهدي الموعود عليه السلام عند الشيعة

3. المهدي الموعود عليه السلام عند أهل السنة

4. خصائص الإمام المهدي عليه السلام في الروايات

5. عدد الروايات الواردة حول الإمام المهدي عليه السلام

ص: 59

ص: 60

تحدثنا سابقا حول ظهور مصلح عالمي عظيم لقلع الظلم والفساد، وانتهينا إلي أن تصور هذا القيام معقول و ممكن من ناحية دينية ومذهبية، ومن نظر الفطرة والطبيعة، والعقل والمنطق.

والآن نريد أن نسلط الضوء علي هذه الشخصية الفريدة التي تتحقق علي يديها الأهداف الأصيلة للأنبياء والأولياء والالهيين، ويشرق العالم بظهورها المبارك.

فنقول: إذا أردنا الوصول إلي حقيقة هذا الموضوع يجب علينا أن نطرح مقدمة، وهي:

من أوليات تحقق أي نظام شامل وكامل - ولو لإدارة عائلة تتكون من عدة أفراد به وجود إدارة وقيادة صحيحة؛ لأي من المسلم به أن لا دوام للمجتمع بلا قائد ، وكذا القافلة بلا حاد، والجيش بدون قائد، إذ كل شيء يرتبط ويتعلق بالإرادة والقيادة الصحيحة.

إذن لا شك بأنه من وجود قائد مطلع، وفريد، ومقتدر، ومعصوم من الخطأ والذنب، وله إحاطة كاملة علي كل العالم، مستند علي قدرة أزلية، لقيام نظام عالمي شامل، والتسلط والسيطرة علي القوي العظمي وغيرها، ولتطبيق العدالة والأمن العام.

نظرا لهذه المقدمة . وبما أن نظام «الإمامة والقيادة» في الإسلام نظام رباني،

ص: 61

ومقام الإمامة مقام و منصب رباني، و«الإمام» قائد ديني وفكري وسياسي للمسلمين، وولي أمرهم وخليفة الله في الأرض - يكون ظهور الإمام المهدي عليه السلام بلا أدني شك أمير منطقي بالكامل وضروري للوصول إلي أهداف الإسلام التوحيدية، ولتحقيق كل الوعود القرآنية، وإقامة حكومة عالمية واحدة؛ لأن الإمام آخر حجة لله، والمعصوم الوحيد الذي جاءت بشاره ظهوره المبارك للناس في القرآن الكريم والروايات الإسلامية والكتب السماوية.

والآن نبحث مسألة المهدوية وعقيدة ظهور المصلح العالمي الفريد عند الإسلام والمسلمين، وفي المصادر الإسلامية - الشيعة والسنية - لنعلم أي شخصية هذه التي يقدمها الإسلام لإحراز مقام القيادة في الحكومة الإلهية.

سا

1. المهدي الموعود ي عليه السلام الإسلام

الدين الإسلامي المبين دين سماوي كامل وشامل وخاتم للأديان، وقد نظر منذ الأيام الأولي لطلوع فجره - عندما كان غريبا في أفق مكة، ولما يستقم عوده بعد من شدة إيذاء كفار قريش ومشركي مكة - نظر إلي مسألة المهدوية نظرة شاملة وعميقة ومستقبلية، وبشر المسلمين بنور العاقبة في المستقبل.

فقد جاء في المصادر الإسلامية: أن الرسول الأكرم صلي الله عليه و آله كان يحدث بانتصار الإسلام ومستقبل العالم ومصير البشرية، وهو في إبان الغربة والوحدة واستفحال الشرك، وذلك حينما لم يكن أحد يصدق أنه سوف يتجاوز حدود جزيرة العرب !! والشاهد علي ذلك الآيات القرآنية العديدة التي نشرها نبي الإسلام الكريم له والأئمة المعصومين علم بوجود الإمام المهدي عليه السلام المقدس وظهوره

ص: 62

المبارك. يضاف إلي هذا مئات الأحاديث المعتبرة والمتواترة المنقولة عن أكابر علماء و محدثي الشيعة والسنة في المصادر المعتبرة والموثقة المصرحة بالمهدي الموعود عليه السلام وحكومته العالمية الواحدة.

والآن نوضح عقيدة ظهور المهدي عليه السلام عند الشيعة والسنة، لنعرف أهمية مسألة المهدوية في الإسلام، ونشير إلي بعض الروايات المهتمة بهذه المسألة من المصادر الموثقة الشيعة والسنية . علي أن هناك روايات عديدة مختصة بظهور الإمام المهدي عليه السلام نشير إليها باختصار فيما بعد تحت بعض العناوين

2. المهدي الموعود عليه السلام عند الشيعة:

المهدوية وبشارة ظهور الإمام المهدي عليه السلام عند الشيعة من المسائل المهمة والحياتية جدا، بحيث أصبح الاعتقاد بها كالاعتقاد بوقوع القيامة ، وتكذيبها وتصديقها كالتكذيب والتصديق بالرسول الكريم صلي الله عليه و آله، وقد وردت روايات كثيرة في هذا الباب عن طريق الأئمة المعصومين عليهم السلام، إليك قسما منها:

قال رسول الله صلي الله عليه و آله: «من أنكر القائم من ولدي فقد أنكرني»(1).

وفي حديث آخر عنه صلي الله عليه و آله : «من أنكر القائم من ولدي في زمان غيبته مات ميتة جاهلية»(2)

وقال في حديث آخر صلي الله عليه و آله: «من أطاعه أطاعني ، ومن عصاه عصاني ، ومن أنكره في غيبته فقد أنكرني ، ومن كذبه فقد كذبني ، ومن صدقه فقد صدقني»(3).

ص: 63


1- بحارالأنوار 51: 23ح20.
2- بحارالأنوار 51: 73ح 21.
3- بحارالأنوار 51: 73ح 19.

قال صلي الله عليه و آله : «لا تقوم الساعة حتي يقوم القائم الحق ما ، وذلك حين يأذن الله عز وجل له ، فمن تبعه نجا، ومن تخلف عنه هلك ، الله الله عباد الله ! فائتوه؛ ولو علي الثلج ، فإنه خليفة الله عز وجل وخليفتي»(1).

وقال أمير المؤمنين عليه السلام : «لا تخلو الأرض من قائم لله بحجة ، إماظاهرا مشهورا ، وإما خائفا مغمورا ، لئلا تبطل حجج الله وبيناته»(2).

وقال الإمام الحسن المجتبي عليه السلام: «إن الأئمة منا، وإن الخلافة لا تصلح إلا فينا ، وإن الله جعلنا أهلها في كتابه وسنة نبيه»(3).

وقال الإمام الحسين عليه السلام : «قائم هذه الأمة هو التاسع من ولدي ، وهو صاحب الغيبة ، وهو الذي يقسم ميراثه وهو حي»(4).

وقال الإمام زين العابدين عليه السلام: «.. لا تخلو الأرض إلي أن تقوم الساعة من حجة ، ولولا ذلك لم يعبد الله ...»(5) .

وقال الإمام الباقر عليه السلام: «من المحتوم الذي حتمه الله قيام قائمنا، فمن شك فيما أقول لقي الله وهو به كافر وله جاحد»(6).

وقال الإمام الصادق عليه السلام: «من أقر بجميع الأئمة وجحد المهدي كان كمن أقر بجميع الأنبياء وجحد محمدا صلي الله عليه و آله نبوته»(7).

ص: 64


1- بحارالأنوار 15:51 ح 2، منتخب الأثر: 204، كفاية الأثر: 106.
2- نهج البلاغة فيض : 1158، وصبحي الصالح : 635 ، الكلمات القصار رقم 139.
3- الاحتجاج للطبرسي 2:6.
4- بحارالأنوار 51: 133، منتخب الأثر: 207 ح 8، كمال الدين : 317 الباب 30 ح 2.
5- منتخب الأثر: 271ح3، إثبات الهداة 1: 133 ، ينابيع المودة 3: 361 الباب 89ح 3.
6- بحارالأنوار 51: 139 ح 13، منتخب الأثر: 212، غيبة النعماني: 86 ح 17.
7- بحارالأنوار 51: 143 ح 4، وص 145 ح 10، منتخب الأثر: 218 و 219.

وقال الإمام الكاظم عليه السلام: «من أنكر واحدا من الأحياء فقد أنكر الأموات»(1).

وقال الإمام الجواد عليه السلام: «إذا ما ابني علي بدا سراج بعده ثم خفي ، فويل للمرتاب وطوبي للغريب الفار بدينه»(2).

المقصود من السراج - في كلام الإمام الجواد عليه السلام - هو الإمام الحسن العسكري عليه السلام، والمقصود من السراج الخفي الإمام المهدي عليه السلام.

وقال الإمام الحسن العسكري عليه السلام: «أما إن المقر بالأئمة بعد رسول الله صلي الله عليه و آله المنكر لولدي كمن أقر بجميع أنبياء الله ورسله ثم أنكر نبوة محمد رسول الله صلي الله عليه و آله، والمنكر لرسول الله صلي الله عليه و آله كمن أنكر جميع الأنبياء ؛ لأن طاعة آخرنا كطاعة أولنا ، والمنكر لآخرنا كالمنكر لأولنا» (3).

وقال الإمام المهديعليه السلام: «من أنكرني فليس مني ، وسبيله سبيل ابن نوح»(4).

فمسألة المهدوية عند الشيعة، وبشارة ظهور ذلك المصلح الرباني ، مسألة عريقة أصيلة تعود أصالتها إلي عصر النبي الكريم صلي الله عليه و آله، وفي أول أيام بزوغ فجر الإسلام.

وتعتقد الشيعة أنه بالإضافة إلي الآيات العديدة الواردة في القرآن الكريم ، والمفسرة من قبل الأئمة المعصومين عليهم السلام بوجود الإمام المهدي الموعود عليه السلام ،هناك مئات من الأحاديث المعتبرة والمتواترة الصادرة عن الرسول الكريم صلي الله عليه و آله

ص: 65


1- الكافي 1: 373، غيبة النعماني : 129.
2- بحارالأنوار 51: 157 ح 3، بشارة الإسلام ، الباب العاشر : 164.
3- بحارالأنوار 160:51 ح، منتخب الأثر : 226، إعلام الورئ : 442.
4- بحارالأنوار 180:53 ح10، غيبة الشيخ الطوسي : 176، احتجاج الطبرسي 2: 283 ، كمال الدين : 483 الباب 45 ح 4.

وخلفائه عليه السلام ، تبين صفاته وخصوصياته و جزئيات حياته عليه السلام، وتصرح بغيبته بعد الولادة مرتين، وأنه سوف يظهر بعد غيبته الكبري، ويقيم حكومة عالمية واحدة ، ويملأ الأرض قسطا وعدلا.

ويعتقد الشيعة أيضا - وفق ما جاء في الروايات - بأن المهدي الموعود عليه السلام سر من أسرار الله تعالي الخفية وآخر حجة لله ، يغيب عن الأنظار بعد ولادته، ويظهر بعد مدة مديدة، وهو حجة الله وخليفة الله وبقية الله.

المهدي الموعود من سلالة نبي الله الطاهرة وأمير المؤمنين علي والزهراء سلام الله عليهم، والتاسع من ولي الإمام الحسين عليه السلام، وولد الإمام الحسن العسكري عليه السلام المباشر.

عقيدة الشيعة الاثني عشرية بالإمام المهدي عليه السلام أنه سمي النبي صلي الله عليه و آله وكنيه، ولايزال حيا حتي يظهر بإذن الله ويملأ الأرض قسطا وعدلا.

وتعتقد الشيعة - وفق وغد الأنبياء السالفين عليهم السلام، وبشائر الكتب الدينية القديمة، ووعود صريح القرآن - أنه عندما تخلو الأرض من الأخلاق والمعنويات، ويسودها الظلم والفساد، وتتهيأ أسباب الظهور، فسوف يظهر الإمام المهدي الا بأمر الله ، ويملأ الأرض قسطا وعدلا ، ويقضي علي كل الآلام.

وعقيدة الشيعة - علي أساس العقل والوجدان والكتاب والسنة - أنه سوف لن تبقي علي وجه البسيطة حكومة باطلة مع ظهور ولي الله وقيام الموعود عليه السلام، بل ستتلاشي وتندثر كل المذاهب والحكومات القوية واحدة تلو الأخري، وترفع الحدود الجغرافية المرسومة بين الدول، وتنعدم مظاهر الشرك والكفر والإلحاد والظلم، وتسود العدالة المجتمع، ويعود كل حق لصاحبه، ويعيش الناس قاطبة

ص: 66

في نعيم وهدوء، ولن يبقي للظلم والاستبداد ذكر، فهي إذن حكومة واحدة تحكم الكون، وهي قائمة علي أساس عدل الإسلام وأحكام القرآن السماوية المنجية .

جعلنا الله من أنصاره والفائزين بلقائه

3. المهدي الموعود عليه السلام عند أهل السنة

قد يتصور بعض الأفراد رجما بالغيب أن عقيدة ظهور الإمام المهدي عليه السلام المبارك وكل مصادرها و مستنداتها تختص بالشيعة، وكذا يتصورون أن رواة الأحاديث المتعلقة بظهوره هم علماء وأكابر الشيعة، لذلك يجب أن نلفت النظر إلي أن عقيدة ظهور الإمام المهدي عليه السلام المبارك لا تختص بالشيعة فحسب، بل يوافقنا فيها الكثير من الفرقالإسلامية، ويعتبرونها جزءا من العقائد القطعية والمسلم بها.

إن الإيمان بعقيدة ظهور الإمام المهدي عليه السلام أصيل ومتجذر وهام في الإسلام، بحيث إن علماء وكبار العامة - مثلهم كمثل علماء الشيعة - يعتبرونه ضرورة من ضروريات الدين الإسلامي المبين، وأن منكره خارج عن الدين الإسلامي.

وفي هذا المجال نقل علماء العامة روايات عن النبي الكريم صلي الله عليه و آله أنه صلي الله عليه و آله، قال : «من كذب بالمهدي فقد كفر»(1).

وقد أفتي بعض علماء العامة بمضمون هذا الحديث، وفي هذا الباب روئ الشيخ سليمان القندوزي الحنفي في ينابيع المودة - نقلا عن كتاب فرائد

ص: 67


1- عقد الدرر : 157، منتخب الأثر: 149، البرهان : 170 الباب 12ح 2.

السمطين - عن جابر بن عبدالله الأنصاري، عن النبي صلي الله عليه و آله، أنه قال: «من أنكر خروج المهدي فقد كفر بما أنزل علي محمد صلي الله عليه و آله»(1).

لقد وردت الأحاديث المرتبطة بالإمام المهدي عليه السلام- اضافة إلي كتب الشيعة - في كثير من كتب السنة المعروفة، وذكرت أكثرها بعض خصال الإمام، وميزاته نسبيا، وحياته، وعلائم ظهوره، ومحل بيعته، وعدد أصحابه ، ومكان ظهوره، وأمورة أخري تتعلق به عليه السلام.

هذا مضافا إلي تصريح هؤلاء العلماء في 35 كتابا بأن الإمام المهدي عليه السلام ابن الإمام الحسن العسكري المباشر، حتي اعترف كثير منهم بأن هذه الأحاديث المتعلقة بالإمام المهدي عليه السلام مشهورة أو متواترة.

نحن نحتكم إلي وجدان المنصفين، ونضع أمام القراء الكرام صورة موجزة لهذا المعتقد الذي ورد في المصادر المعتبرة عند أهل السنة، وحتي في الصحاح الستة، وهي أشهر الكتب الروائية وأوثقها لديهم:

فكتاب مسند أحمد بن حنبل(2) من الكتب القديمة والمعتبرة عند أهل السنة . وقد ورد في هذا الكتاب 136 حديثا حول الإمام المهدي عليه السلام. ثم محمد بن إسماعيل البخاري (3) نقل في صحيحه «كتاب الأحكام» - بالرغم

ص: 68


1- ينابيع المودة 3: 108، الباب 78ح 1، فرائد السمطين 2: 334، وانظر «البرهان في علامات مهدي آخر الزمان»: 177 - 183 للاطلاع علي المزيد من فتاوي علماء العامة في هذا المضمار
2- الإمام أحمد بن حنبل ، إمام فرقة الحنابلة من أهلالسنة ، عاصر الإمام التاسع والعاشر عليهما السلام ، ومات عام 241 ه-.
3- محمد بن إسماعيل البخاري أشهر محدثي أهل السنة ، كان معاصرا للإمام الحسن العسكري عليه السلام ، مات سنة 256 ه- بعد سنة من ولادة الإمام الحجة عليه السلام.

من تعصبه علي أئمة أهل البيت عليهم السلام- أحاديث تصرح أن خلفاء النبي صلي الله عليه و آله اثنا عشر كلهم من قريش بهم يعز الإسلام ويعلو.

وفي «كتاب الأنبياء» باب نزول عيسي بن مريم عليه السلام نقل مناصرة عيسي للإمام المهدي عليه السلام.

وفي ذلك الزمان كان مسلم بن حجاج النيسابوري، المتوفي سنة 261 ه-، وهو بالرغم من أنه سعي كالبخاري لعدم ذكر الإمام المهدي عليه السلام اسما، لكنه ذكر في كتابه - صحيح مسلم، ثاني كتب الصحاح، في كتاب الفتن وأشراط الساعة وباب نزول عيسي عليه السلام - بعض الروايات المرتبطة بالإمام المهدي عليه السلام.

وبعده ابن ماجة القزويني المتوفي سنة 275 ه-؛ حيث ذكر في كتابه «السنن» - وهو من الصحاح الستة - أحاديث تتعلق بالإمام المهدي عليه السلام في باب خروج الإمام المهدي عليه السلام.

وكذا أبو داود السجستاني المتوفي عام 275 ه-؛ حيث ذكر في قسم من كتابه السنن - وهو من كتب الصحاح الستة - حول الإمام المهدي عليه السلام تحت عنوان «كتاب المهدي عليه السلام»

ومحمد بن عيسي الترمذي المتوفي عام 279 ه-؛ ذكر في كتاب الفتن من سننه -وهو من الصحاح الستة - روايات عن الإمام المهدي عليه السلام.

هؤلاء الستة هم من أعاظم محدثي أهل السنة ، وقد ذكروا الروايات المتعلقة بالإمام المهدي عليه السلام، عن طريق عمر بن الخطاب، عبدالله بن مسعود، عبدالله بن عباس، ثوبان، جابر بن عبدالله الأنصاري، جابر بن سمرة، عبدالله بن عمر، عبدالله بن عمرو بن العاص، أنس بن مالك، أبي سعيد الخدري، أم سلمة زوج

ص: 69

النبي صلي الله عليه و آله، وغيرهم(1).

علي كل حال: يفهم من خلال المصادر التاريخية وأحاديث العامة، أن مسألة ظهور الإمام المهدي عليه السلام متفق عليها، وأ إجماع المسلمين قائم عليها.

ومن جانب آخر تصدر في كل عصر كتب مختلفة حول المهدوية، بحيث صدر حتي الآن أكثر من خمسين كتابا مستقلا حول الإمام المهدي عليه السلام، وهذا دليل علي أهمية المهدوية عند المسلمين.

وقد ذكر الأستاذ محمد علي دخيل في كتابه القيم «الإمام المهدي عليه السلام» اسم 205 كتاب لكبار علماء السنة، 30 نفرا منهم أفردوا كتبا مستقلة حول الإمام المهدي عليه السلام و 31 نفرا منهم وضعوا في كتبهم فصولا حول الإمام المهدي عليه السلام ، و 144 نفر الباقين أوردوا في كتبهم روايات حول الإمام المهدي عليه السلام بنسب متفاوتة(2).

وإليك بعض هذه الأحاديث الواردة في الكتب الروائية السنية المعتبرة، حتي أن بعضها جاء في الصحاح الستة، وهي:

1- روي أحمد بن حنبل في مسنده ، عن النبي الأكرم صلي الله عليه و آله: «أبشركم بالمهدي، يبعث في أمتي علي اختلاف من الناس وزلازل ، فيملأالأرض قسطا وعدلا كما ملئت جورا و ظلما ، يرضي عنه ساكن السماء والأرض ، يقسم المال صحاحا .

فقال له رجل: ما «صحاحا»؟

قال صلي الله عليه و آله : بالسوية بين الناس .

ص: 70


1- انظر كتاب «دانشمندان عامه ومهدي موعود عليه السلام»:13 - 15.
2- انظر أسماءهم في كتاب الإمام المهدي عليه السلام : 260 - 275، وكتاب «او خواهد آمد»: 79 - 85، وكتاب «موعودي كه جهان در انتظار اوست»: 51 - 68.

قال : ويملأ الله قلوب أمة محمد غني ويسعهم عدله ، حتي يأمر مناديا فيقول : من له في مالي حاجة ؟ فما يقوم من الناس إلا رجل فيقول : آئت السادن - يعني الخازن - فقل له : إن المهدي يأمرك أن تعطيني مالا ، فيقول له : احث، حتي إذا جعله في حجره و أبرزه ندم فيقول :كنت أجشع أمة محمد صلي الله عليه وآله نفسا ، أو عجز عني ما وسعهم ؟!

قال : فيرده فلا يقبل منه ، فيقال له : إنا لا نأخذ شيئا أعطيناه»(1).

وكذا روي أحمد بن حنبل في مسنده، عن أبي سعيد الخدري، قال: قال رسول الله صلي الله عليه و آله: «تملأ الأرض ظلما وجورا ، ثم يخرج رجل من عترتي يملك سبعا - أو تسعا فيملأ الأرض قسطا وعدلا»(2).

2- وروي محمد بن إسماعيل البخاري - أشهر محدثي أهل السنة، في كتابه الصحيح» - عن أبي هريرة، قال : قال رسول الله صلي الله عليه وآله : «كيف أنتم إذا نزل ابن مريم فيكم وإمامكم منكم ؟»(3)

وكذا روي عن سعيد بن المسيب، عن أبي هريرة، عن النبي الأكرم صلي الله عليه و آله أنه قال :

«والذي نفسي بيده ! ليوشك أن ينزل فيكم ابن مريم حكما عدلا ، فيكسر الصليب ، ويقتل الخنزير ، ويضع الجزية، ويفيض المال حتي لا يقبله أحد حتي تكون السجدة الواحدة خير من الدنيا وما فيها».

3- وروي مسلم بن الحجاج النيسابوري في كتابه الصحيح - الكتاب الثاني

ص: 71


1- مسند أحمد بن حنبل 3: 38.
2- مسند أحمد بن حنبل 3: 28.
3- صحيح البخاري 4: 933 الباب 945 ح 1601.

المعروف من الصحاح - عن أبي سعيد الخدري وجابر بن عبدالله الأنصاري، أن النبي الأكرم صلي الله عليه و آله قال : « يكون في آخر الزمان خليفة يقسم المال ولا يعده»(1).

وروي مسلم أيضا في صحيحه عن جابر بن عبدالله الأنصاري، قال: قال رسول الله صلي الله عليه و آله

: «يكون في أمتي خليفة يحثي المال حثيا، لا يعده عددا»(2) .

4 - وروي ابن ماجه في كتابه «السنن» - فصل «أبواب الفتن»، باب خروج المهدي عليه السلام - عن أميرالمؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام ، عن رسول الله صلي الله عليه و آله، أنه قال : «المهدي ما أهل البيت ، يصلحه الله في ليلة»(3).

وروي ابن ماجة في سننه أيضا في حديث رواه علقمة، عن عبدالله، عن رسول الله صلي الله عليه و آله، قال: «يا أهل البيت اختار الله لنا الآخرة علي الدنيا ، وإن أهل بيتي سيلقون بعدي بلاء و تشريدا و تطريدا ، حتي يأتي قوم من قبل المشرق معهم رايات سود ، فيسألون الخير فلا يعطونه ، فيقاتلون فينصرون ، فيعطون ما سألوا فلا يقبلونه حتي يدفعوها إلي رجل من أهل بيتي، فيملأها قسطا كما ملؤوها جورا ، فمن أدرك ذلك منكم فليأتهم ولو حبوا علي الثلج»(4).

5- وروي أبو داود السجستاني في كتابه «السنن» - أحد الصحاح الستة - عن أبي الطفيل، عن أمير المؤمنين علي عليه السلام ، عن رسول الله صلي الله عليه و آله ، أنه قال: «لو لم يبق من الدهر إلا يوم البعث الله رجلا من أهل بيتي يملاها عدلا كما ملئت جورأ»(5).

ص: 72


1- صحيح مسلم 2: 672، كتاب الفتن وأشراط الساعة ح69.
2- صحيح مسلم 2: 672، كتاب الفتن وأشراط الساعة ح 67.
3- سنن ابن ماجه 2: 1367 باب خروج المهدي عليه السلام ، ح 4085.
4- سنن ابن ماجه 2: 1369 باب خروج المهدي عليه السلام ، ح 4082.
5- سنن أبي داود 2: 207.

وروي كذلك في كتابه عن أبي سعيد الخدري، قال: قال رسول الله صلي الله عليه وآله :

«المهدي متي ، أجلي الجبهة ، أقني الأنف ، يملأ الأرض قسطا وعدلا كما ملئت جورا و ظلما ، يملك سبع سنين».

- وروي أبو عيسي محمد بن عيسي بن سورة الترمذي - في كتابه «الجامع الصحيح» المعروف ب-«سنن الترمذي» - عن عبدالله بن عمر، عن النبي الأكرم صلي الله عليه و آله، قال: «لا تذهب الدنيا حتي يملك العرب رجل من أهل بيتي يواطئ اسمه اسمي»(1).

وكذا روي الترمذي في سننه عن أبي هريرة، عن رسول الله صلي الله عليه و آله، قال: «لو لم يبق من الدنيا إلا يوم لطول الله ذلك اليوم حتي يلي»(2).

7- وروي أبو عبدالرحمان أحمد بن شعيب المعروف بالنسائي في سننه . وهو من الصحاح الستة - في كتاب الجهاد «غزوة الهند»، عن ثوبان خادم رسول الله صلي الله عليه و آله، قال : قال النبي الأكرم صلي الله عليه و آله: «عصابتان من أمتي أحرزهما الله من النار ، عصابة تغزو الهند ، وعصابة تكون مع عيسي بن مريم عليه السلام»(3)

وروي عن سننه - في «غاية المرام» و «ينابيع المودة» في باب ما جاء في العرب والعجم» في الجلد الثالث - عن مسعدة، [عن جعفر، عن أبيه، عن جده] ، عن النبي الأكرم صلي الله عليه و آله قال : «أبشروا وبشروا، إنما أمتي كالغيث لا يدرئ آخره خير أم أوله ، أو كحديقة أطعم منها فوج عاما ثم أطعم منها فوج عامة ، لعل آخرها فوجا يكون أعرضها عرضا وأعمقها عمقا وأحسنها حسنا ، كيف تهلك أمة أنا

ص: 73


1- سنن الترمذي 4: 505، الباب 52 باب ما جاء في المهدي عليه السلام ، كتاب الفتن ح 2230.
2- سنن الترمذي 4: 505 الباب 52 باب ما جاء في المهدي عليه السلام ؛ كتاب الفتن ح 2231.
3- سنن النسائي ، الباب 41، غزوة الهند ص 32 ح 3175.

أولها و المهدي أوسطها و المسيح آخرها ، ولكن بين ذلك ثبج أعوج ليسوا متي ولا أنا منهم»(1).

إلي هنا نقلنا قليلا من كثير الروايات من كتب المحدثين المعروفة والمعتبرة لأهل السنة، وكان هذا ردا علي الأشخاص المتعصبين الذين لهثوا وراء أهوائهم، ونهضوا لمواجهة الشيعة واعتبروا المهدوية خرافة تختص بهم. ونحن نأمل أن ينتبهوا يوما كي لا يسرفوا في ظلم ميراث نبيهم صلي الله عليه و آله وعترته الطاهرة أكثر من هذا.

هذا، والروايات الواردة عن النبي صلي الله عليه و آله، وأئمة أهل البيت عليهم السلام المروية عند الشيعة والسنة - لم تكتفي بذكر المحليات عن الإمام عليه السلام ، بل أفصحت عن أوصافه وخصوصياته وشمائله، لذلك سنسرد للقارئ الكريم قسما منها.

4- خصوصيات الإمام المهدي عليه السلام في الروايات:

وردت روايات مختلفة - نقلتها الشيعة والسنة - عن نبي الإسلام العظيم وأئمة أهل البيت عليهم السلام حول الإمام المهدي عليه السلام وصفاته ونسبه الرفيع، وهي:

المهدي عليه السلام من العرب.

ص: 74


1- غاية المرام : 697 ح43 ، ينابيع المودة 3: 388 ح 21، الإمام المهدي عليه السلام : 257، وكثير من المصادر الأخري. وقد نقل المرحوم السيد هاشم البحراني (المتوفي سنة 1107 ه-) في كتاب «غاية المرام» هذا الحديث عن الجزء الثالث من صحيح النسائي ، وقد تقل الشيخ سليمان القندوزي الحنفي (المتوفي سنة 1294 ه-) في كتاب «ينابيع المودة» هذا الحديث عن كتاب «غاية المرام» للبحراني ، مع أن هذا الحديث غير موجود في النسخ الحالية المطبوعة ، ولا يعلم لماذا لا يوجد هذا الحديث في الكتاب المذكور ؟! في حين أن صاحب «مفتاح كنوز السنة» يقول : «حديث نزول عيسي عليه السلام رواه البخاري ومسلم والنسائي وابن ماجة وأحمد بن حنبل وأبو داود الطيالسي في أحاديث متعددة» ! انظر منتخب الأثر : 479 و 600 ، الفصل 7، الباب 8.

ص: 75

المهدي عليه السلام من أولاد الإمام زين العابدين عليه السلام .

المهدي عليه السلام من أولاد الإمام محمد الباقر عليه السلام.

المهدي عليه السلام من أولاد الإمام الصادق عليه السلام.

المهدي عليه السلام من أولاد الإمام موسي الكاظم عليه السلام .

المهدي عليه السلام من أولاد الإمام الرضا عليه السلام.

المهدي عليه السلام من أولاد الإمام محمد التقي عليه السلام.

المهدي عليه السلام من أولاد الإمام الهادي عليه السلام.

المهدي عليه السلام من أولاد الإمام الحسن العسكري عليه السلام.

المهدي عليه السلام شبيه النبي صلي الله عليه و آله.

المهدي عليه السلام إمام صالح.

المهدي عليه السلام أحد سادة أهل الجنة .

المهدي عليه السلام يظهر بعد الملوك الظلمة.

المهدي عليه السلام خليفة الله.

المهدي عليه السلام غيبتان .

المهدي عليه السلام واحد في كل العالم.

المهدي عليه السلام يملأ الأرض عدلا.

لا خير في الحياة بعد المهدي عليه السلام(1) .

ص: 76


1- للاطلاع علي مجموع الأحاديث الواردة في هذا المجال ، راجع كتاب «منتخب الأثر» تأليف آية الله لطف الله الصافي ، وكتاب «البيان» للكنجي الشافعي، وكتاب «المهدي الموعودالمنتظر» تحقيق نجم الدين العسكري ، وسائر الكتب المربوطة بهذا البحث.

نلفت نظر القارئ الكريم إلي أنه قد وردت لكل من هذه الصفات رواية مستقلة في كتب الشيعة والسنة.

5- عدد الروايات الواردة حول الإمام المهدي عليه السلام :

الروايات الواردة حول الإمام المهدي عليه السلام عن طريق النبي صلي الله عليه و آله والأئمة المعصومين عليه السلام في المصادر المعتبرة لعلماء الشيعة والسنة كثيرة لا حصر لها، ولذا نكتفي بسرد قائمة لبعضها نقدمها أمام القارئ الكريم:

1. وردت 48 رواية تصرح بأن الإمام المهدي عليه السلام كني النبي صلي الله عليه و آله وسميه .

2- وردت 136 رواية تصرح بأن المهدي عليه السلام هو الإمام الثاني عشر وآخر قائد.

3- وردت 214 رواية تصرح بأنه العاشر(1) من أولاد أميرالمؤمنين علي عليه السلام .

4 - وردت 192 رواية تصرح بأنه من أولاد فاطمة الزهراء عليها السلام .

5- وردت 308 رواية تصرح بأنه التاسع من ولد الإمام الحسين عليه السلام .

6- وردت 185 رواية تصرح بأنه الثامن من ولد الإمام السجاد عليه السلام.

7- وردت 103 رواية تصرح بأنه السابع من ولد الإمام الباقر عليه السلام.

8- وردت 202 رواية تصرح بأنه السادس من ولد الإمام الصادق عليه السلام.

9 - وردت 199 رواية تصرح بأنه الخامس من ولد الإمام الكاظم عليه السلام .

10 - وردت 95 رواية تصرح بأنه الرابع من ولد الإمام الرضا عليه السلام.

11 - وردت 90 رواية تصرح بأنه الثالث من ولد الإمام الجواد عليه السلام.

ص: 77


1- أي أنه العاشر بالتسلسل أبا عن جد ، دون الإمام الحسن عليه السلام. المشرف .

12 - وردت 90 رواية تصرح بأنه الثاني من ولد الإمام الهادي عليه السلام.

13 - وردت 293 رواية تصرح بأنه ابن الإمام الحسن العسكري المباشر ومن صلبه.

14 - وردت 293 رواية تصرح بولادته المباركة .

15 - وردت 14 رواية تصرح بخفاء ولادته.

16 - وردت 318 رواية تصرح بطول عمره الشريف.

17 - وردت 91 رواية تصرح بغيبته الكبري عن الأنظار.

18 - وردت 10 روايات تصرح بغيبته الكبري والصغري.

19 - وردت 15 رواية تصرح بأن دينه الإسلام المبين وكتابة القرآن .

20 - وردت 47 رواية تصرح بدعوته العالم لدين الإسلام المبين، وأنه يحكم العالم بحكومة عالمية واحدة وفق قانون الإسلام.

21 - وردت 123 رواية تصرح بأنه يبسط العدالة الاجتماعية علي الكرة الأرضية، ويقيم دولته علي أساس العدل الإجتماعي في جميع شؤون المجتمع، ويملأ الأرض قسطا وعدلا ومعرفة بالله بعدما ملئت ظلما وجورا وانحرافا.

22 - وردت 19 رواية تصرح بأنه يطهر الأرض من الكفر والشرك .

23 - وردت 12 رواية تصرح بأن الإسلام سيملا شرق العالم وغربه .

24 - وردت 7 روايات تصرح بأن الإيمان والأمان سيعمان في حكومته العادلة.

25 - وردت 7 روايات تصرح بأن الناس سيصبحون أتباع دين واحد، وأن شعوب العالم سوف تنضم تحت لواء الإسلام.

ص: 78

26 - وردت 7 روايات تصرح بأنه يقوم بالسيف.

27 - وردت 5 روايات تصرح بأن في ظل حكومته العادلة تعمر البلاد وتكمل العقول.

28 - وردت 23 رواية تصرح بأنه وارث الأنبياء وتظهر علي يديه معجزاتهم وخصائصهم

29 - وردت 7 روايات تصرح بأن زمان ظهوره غير معلوم وأن الوقاتين كاذبون.

30 - وردت 25 رواية تصرح بأن أصحابه 313 نفر، يجتمعون إليه من أقطار العالم بطرفة عين.

31- وردت 29 رواية تصرح بأن النبي عيسي علا يقتدي به بالصلاة.

32 - وردت 27 رواية تصرح بأن مناديا ينادي من السماء باسمه ووصفه، ويسمع ذلك الصوت من في العالم.

33 - وردت 657 رواية تصرح بأن لظهوره المبارك علائم ودلائل سوف تتحقق قبل قيامه .

ص: 79

ص: 80

القسم الثالث: معرفة المهدي الموعود عليه السلام

اشارة

وفيه:

1. المهدي عليه السلام موعود الإسلام من العرب

2. المهدي عليه السلام من كنانة

3. المهدي عليه السلام من قريش

4. المهدي عليه السلام من بني هاشم .

5.المهدي عليه السلام من أولاد عبدالمطلب

6. المهدي عليه السلام من أولاد أبي طالب

7. المهدي عليه السلام من عترة النبي صلي الله عليه و آله

8. المهدي عليه السلام من أهل بيت النبي صلي الله عليه و آله

6. المهدي عليه السلام سمي النبي صلي الله عليه و آله

10. المهدي عليه السلام من أولاد النبي صلي الله عليه و آله

11. المهدي عليه السلام من أولاد أميرالمؤمنين عليه السلام

12. المهدي عليه السلام من أولاد فاطمة الزهراء عليها السلام

13. المهدي عليه السلام من أولاد الحسنين عليه السلام

14. المهدي عليه السلام من أولاد الإمام الحسين عليه السلام

ص: 81

15. المهدي عليه السلام التاسع من أولاد الإمام الحسين عليه السلام

16. المهدي عليه السلام من أولاد الإمام زين العابدين عليه السلام

17. المهدي عليه السلام من أولاد الإمام الباقر عليه السلام

18. المهدي عليه السلام من أولاد الإمام الصادق عليه السلام

19. المهدي عليه السلام من أولاد الإمام الكاظم عليه السلام

20. المهدي عليه السلام من أولاد الإمام الرضا عليه السلام

21. المهدي عليه السلام من أولاد الإمام الجواد عليه السلام

22. المهدي عليه السلام من أولاد الإمام الهادي عليه السلام

23. المهدي عليه السلام من أولاد الإمام العسكري عليه السلام

24. الإمام المهدي عليه السلام من ذوي القربي

25. الإمام المهدي عليه السلام من ذرية النبي صلي الله عليه و آله

ص: 82

جاء في الروايات الشيعية والسنية أن اسمه المبارك اسم النبي الأكرم صلي الله عليه و آله، اختار الله تعالي ورسوله صلي الله عليه و آله هذا الاسم «محمد» له قبل ولادته بسنوات، ويعرفه جميع المسلمين به. له عدة كني، والمفروغ منها كنية جده رسول الله صلي الله عليه و آله «أبو القاسم» ، ويكني أبو عبدالله ، أبو جعفر، وأبو صالح أيضا.

أوصاف الإمام المهدي وألقابه عليه السلام المشهورة والمعروفة الواردة في روايات الفريقين والبشائر المذكورة في كتب المتشرعين الدينية، التي تدل علي مقامه الشامخ وشخصيته العظيمة الفريدة، وأنه عليه السلام آخر حجج الله ، هي:

الإمام، الإمام الثاني عشر، الإمام المنتظر، أمير الأمراء، صفوة إبراهيم، البرهان، بقية الله، بقية حجج الله، بقية آدم، بقية إبراهيم، ابن آدم، التقي، الثائر، المنتقم، الحجة، حجة الله ، حجة آل محمد صلي الله عليه و آله، خاتم الأوصياء ، عيبة علم الله ، الخالص، الخلف الصالح، خليفة الله، خير أمة محمد صلي الله عليه و آله، خير الناس، ذخيرة نوح، ذو الخلل، ذو الشامتين ، ذو الغيبة، منقذ الأمة، الزكي، السلطان، السيد، الشريد، الصاحب، صاحب الأمة، صاحب الراية المحمدية، صاحب الدار، صاحب الزمان ، صاحب السيف، صاحب الغيبة، الطاهر، الطريد، الطيب، العادل، باسط العدل، الغريب، القائم، قائم آل محمد صلي الله عليه و آله، قائم أهل البيت عليهم السلام ، القائم بالحق، القائم بالسيف، القائم المنتظر، القائم المهدي، المأمول، المبارك، المجهول،

ص: 83

مظهر الدين، المنتقم، المنصور، المهدي، مهدي آل محمد صلي الله عليه و آله، مهدي الأمة، المهدي المنتظر(1).

والآن نذكر قسما من الروايات الواردة علي لسان جده رسول الله صلي الله عليه و آله ولسان آبائه الطاهرين، للتعرف أكثر فأكثر علي آخر إمام حق.

1. المهدي عليه السلام موعود الإسلام من العرب:

المهدي عليه السلام موعود الإسلام من العرب علي ما جاء في الروايات المتواترة فجميع الروايات التي بحوزتنا تدل علي أن الإمام المهدي عليه السلام من العرب، ولكن علي كل حال ننقل رواية لإثبات الأمر.

جاء رجل إلي أمير المؤمنين عليه السلام فقال له: يا أمير المؤمنين بننا بمهديكم هذا ؟ فقال: «إذا درج الدارجون ، وقل المؤمنون ، وذهب المجلبون ، فهناك». فقال: يا أمير المؤمنين من الرجل ؟ فقال عليه السلام: «من بني هاشم ، من ذروة طود العرب»(2).

2. المهدي عليه السلام من أولادكنانة:

نقل المقدسي الشافعي في كتابه عقد الدرر، عن قتادة ، قال : قل لسعيد بن المسيب: المهدي حق ؟ قال : حق. قلت: ممن ؟ قال : من كنانة. قلت: ثم ممن؟ قال : من قريش. قلت: ثم ممن ؟ قال : من بني هاشم.قلت: ثم ممن ؟ قال : من ولد

ص: 84


1- لقد وردت هذه الأوصاف والألقاب التي ذكرنا بعضها في الروايات الشيعية والسنية وبشائر الكتب المقدسة لأهل الديانات ضمن حديث أو أحاديث في مختلف المصادر تفسيرية وروائية وتاريخية .
2- غيبة النعماني 1: 212 الباب 13ح 1 ، بحارالأنوار 115:51 ح 14.

فاطمة عليهما السلام(1) .

والمقصود من كنانة هو: كنانة بن خزيمة بن مدركة بن الياس بن مضر بن نزار بن معد بن عدنان (جد نبي الإسلام صلي اله عليه و آله). وقال آية الله السيد صدر الدين في كتابه «المهدي عليه السلام» نقلا عن كتاب سبائك الذهب: «إن بني كنانة مجموعة من مضر و مضر له أولاد كانوا آباء وأجداد النبي إلي أن ينتهي إلي النضر»(2).

3. الإمام المهدي عليه السلام من قريش:

روي ابن حجر الهيتمي في الصواعق المحرقة عن اثنين من كبار علماء أهل السنة - أحمد والماوردي - عن النبي الأكرم صلي الله عليه و آله حول بشارة ظهور الإمام المهدي عليه السلام أنه قال: «أبشروا بالمهدي ، رجل من قريش ، من عترتي ، يخرج في اختلاف من الناس و زلزال ، فيملأ الأرض عدلا وقسط كما ملئت ظلما و جورا، ويرضي عنه ساكن الأرض والسماء ، ويقسم المال صحاحا بالسوية»(3).

وفي هذا الباب روئ عدة من علماء الشيعة والسنة - مثل المرحوم السيد ابن طاوس رحمةالله في كتاب «الملاحم والفتن»، ويوسف بن يحيي المقدسي الشافعي في كتاب «عقد الدرر»، وعلي المتقي الهندي في كتاب «البرهان في علامات مهدي آخر الزمان» - عن إسحاق بن يحيي بن طلحة التيمي ، عن طاوس، قال : ودع عمر

ص: 85


1- عقد الدرر : 22.
2- المهدي المنتظر : 47 «المهدي من كنانة» .
3- الصواعق المحرقة : 166 الباب 11 (فضائل أهل البيت النبوي)، مسند أحمد بن حنبل 3: 37، إسعاف الراغبين المطبوع في حاشية نور الأبصار : 148، الفصول المهمة : 297 الباب 12.

بن الخطاب البيت ، ثم قال : والله ! ما أدري أدع خزائن البيت وما فيه من السلاح والمال أم أقسمه في سبيل الله؟

فقال له علي بن أبي طالب عليه السلام: «امض فلست بصاحبه ، إنما صاحبه منا، شاب من قريش يقسمه في سبيل الله تعالي في آخر الزمان»(1).

والمراد من قريش، النضر بن كنانة. وذكر العلامة دهخدا في موسوعته: «أن قريش اسم لقبيلة، والدها نضر بن كنانة؛ سميت بقريش لتواجدها في مكة وأطراف الكعبة»(2).

4. المهدي عليه السلام من بني هاشم:

قال قتادة: قلت لسعيد بن المسيب : أحق المهدي؟ قال: نعم، هو حق. قلت: ممن هو؟ قال: من قريش. قلت: من أي قريش ؟ قال : من بني هاشم(3).

5. المهدي عليه السلام من أولاد عبدالمطلب :

روي المقدسي الشافعي في كتابه «عقد الدرر» - عن جماعة من أهل السنة مثل ابن ماجة في كتابه السنن، والحافظ الطبراني في كتابه المعجم، وأبي نعيم الاصفهاني - عن أنس بن مالك، عن رسول الله صلي الله عليه و آله، قال :

ص: 86


1- الملاحم والفتن : 152 الباب 157، عقد الدرر : 154 الباب 7، البرهان : 86 الباب 1ح38، منتخب الأثر : 162 ح 65.
2- وتوجد أقوال أخرئ لا نجد حاجة لذكرها، من طلبها فليراجع «لغت نامه دهخدا» وكتاب «المهدي» للمرحوم آية الله السيد صدر الدين الصدر .
3- عقد الدرر : 44 الباب الأول ، الملاحم لابن المنادي : 179 ح 121.

«نحن سبعة بنو عبدالمطلب سادات أهل الجنة : أنا وأخي علي وعمي حمزة وجعفر والحسن والحسين و المهدي»(1).

6. المهدي عليه السلام من أولاد أبي طالب:

روي في كتاب «عقد الدرر» و «روضة الكافي» و «إرشاد المفيد»: عن سيف بن عميرة، قال : كنت عندأبي جعفر [المنصور] فسمعته يقول ابتداء من نفسه : يا سيف بن عميرة لابد من مناد ينادي باسم رجل من ولد أبي طالب من السماء، فقلت: يرويه أحد من الناس؟ قال : والذي نفسي بيده لسمع أذني منه يقول: لابد من مناد ينادي باسم رجل من السماء، قلت: يا أمير المؤمنين ! إن هذا الحديث ما سمعت بمثله قط ! قال: يا سيف .... إنه أحد بني عمنا ، قلت : أي بني عمكم؟ قال : رجل من ولد فاطمة عليها السلام(2).

7. الإمام المهدي عليه السلام من عترة النبي صلي الله عليه و آله:

روي صاحب عقد الدرر، عن أبي سعيد الخدري، عن رسول الله صلي الله عليه و آله، قال : «لا تقوم الساعة حتي تملأ الأرض ظلما وعدوانا ، ثم يخرج من عترتي - أو من

ص: 87


1- عقد الدرر : 194 الباب 7، سنن ابن ماجة 2: 269، باب خروج المهدي ، كتاب الفتن ، ينابيع المودة 3: 226 الباب 73 ح 19، مستدرك الحاكم 3: 211، بحارالأنوار 51: 65، الصواعق المحرقة : 235 ، منتخب الأثر: 145، بشارة الإسلام: 286 و 290 ، ذخائر العقبي : 15، غيبة الشيخ الطوسي : 113.
2- عقد الدرر : 149 الفصل 3، الكافي 8: 209، إرشاد المفيد : 337، بحارالأنوار 52: 288، المهدي : 51.

أهل بيتي - من يملاها قسطا وعدلا كما ملئت ظلما وعدوانا»(1).

ونقل ابن حجر المكي، عن أحمد بن حنبل والماوردي ، أن رسول الله صلي الله عليه وآله قال : «أبشروا بالمهدي، رجل من قريش ، من عترتي»(2).

وفي مسند أحمد بن حنبل، عن أبي سعيد الخدري: إن رسول الله صلي الله عليه وآله قال : «تملأ الأرض ظلما و جورا ، ثم يخرج رجل من عترتي يملك سبعا - أو تسعا - فيملأ الأرض قسطا وعدلا»(3).

وكتب في كتاب «مطالب السؤول» عن معني العترة: قيل العشيرة، أي الطائفة، العائلة، والأقارب. وهناك قول آخر وهو أن العترة بمعني الذرية، أي النسل والأولاد، وكلاهما يصدقان علي آل النبي صلي الله عليه وآله؛ لأنهم طائفة، عائلة ، أقارب، نسل، وأولاد النبي صلي الله عليه وآله .

أما العشيرة بمعني الأهل والعيال فهؤلاء كانوا كذلك، وأما الذرية فبمعني أولاد البنت، ويدل علي هذا قول الله تعالي عن إبراهيم عليه السلام حيث قال: «وَهَارُونَ ۚ وَكَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ وَزَكَرِيَّا وَيَحْيَي وَعِيسَي وَإِلْيَاسَ ۖ كُلٌّ مِّنَ الصَّالِحِينَ»(4)

ذكر الله تعالي أسماء الأنبياء في هذه الآية واعتبرهم ذرية وأولاد نبيه إبراهيم علي ، ومنهم نبي الله عيسي الذي يتصل نسبه بالنبي إبراهيم عليه السلام عن طريق

ص: 88


1- عقد الدرر : 36 الباب1 ح3.
2- الصواعق المحرقة 2: 479.
3- مسند أحمد 3: 28.
4- الأنعام : 84 و 85.

أمه مريم عليها السلام(1) .

8. الإمام المهدي عليه السلام من أهل بيت النبي صلي الله عليه و آله:

جاء في سنن الترمذي، عن عبدالله بن مسعود، عن رسول الله صلي الله عليه و آله أنه قال: «لو لم يبق من الدنيا إلا يوم لطول الله ذلك اليوم حتي يبعث رجلا متي - أو من أهل بيتي - يواطئ اسمه اسمي ، يملأ الأرض قسطا وعدلا كما ملئت ظلما وجورا»(2).

وفي كتاب كنز العمال، عن أبي هريرة، قال: «لو لم يبق من الدنيا إلا ليلة لطول الله تعالي تلك الليلة حتي يلي رجل من أهل بيتي»(3).

وفي سنن أبي داود، أن النبي صلي الله عليه و آله قال: «لو لم يبق من الدهر إلا يوم لبعث الله رجلا من أهل بيتي يملأها عدلا كما ملئت جورا(4).

وفي سنن ابن ماجة ، عن أبي هريرة، عن النبي صلي الله عليه و آله، قال: «لو لم يبق من الدنيا إلا يوم، لطوله الله تعالي حتي يملك رجل من أهل بيتي»(5).

وجاء في سنن ابن ماجة . ومصادر أخري - عن أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام ، عن رسول الله صلي الله عليه و آله، قال : «المهدي ما أهل البيت ، يصلحه الله في

ص: 89


1- المهدي : 56، نقلا عن مطالب السؤول : 22.
2- التاج الجامع للأصول 5: 343 قال : رواه أبو داود الترمذي ، كتاب الفتن وعلامات الساعة ، وانظر سنن أبي داود 309:2 ح 4282، كتاب المهدي، وسنن الترمذي 3: 343 ح 2331،و 2332 باب ما جاء في المهدي ، بحارالأنوار 102:51 ضمن الحديث 39.
3- كنز العمال 7: 187.
4- سنن أبي داود 2: 207 ح 4283.
5- سنن ابن ماجة ، باب الجهاد 2: 928 ح 2779

ليلة»(1).

وجاء في مستدرك الحاكم، عن أبي سعيد الخدري ، عن رسول الله صلي الله عليه و آله، قال : «المهدي ما أهل البيت».

ثم قال الحاكم: هذا الحديث صحيح علي شرط الشيخين - أي مسلم والبخاري - ولم يخرجاه(2).

وجاء في كتاب مطالب السؤول حول معني «أهل البيت» ما نصه:

«فقد قيل : هم من ناسبه إلي جده الأدني، وقيل : من اجتمع معه في رحم، وقيل : من اتصل به بنسب أو سبب. وهذه المعاني كلها موجودة فيهم عليهم السلام، فإنهم يرجعون بنسبهم إلي جده عبدالمطلب، ويجتمعون معه في رحم، ويتصلون به بنسبهم وسبهم، فهم أهل بيته حقيقة، فالآل وأهل البيت سواء؛ احد معناهما علي ما شرح فحقيقتهما ثابتة لهم عليهم السلام»(3).

وقد روي مسلم في صحيحه، بسنده عن يزيد بن حيان، قال: انطلقت أنا و حصين بن سبرة وعمر بن مسلم إلي زيد بن أرقم، فلما جلسنا إليه قال له حصين : لقد لقيت يا زيد خيرا كثيرا ، حدثنا يا زيد ما سمعت من رسول الله صلي الله عليه و آله. قال : يابن أخي لقد كبر سني وقدم عهدي ونسيت الذي كنت أعي من رسول الله صلي الله عليه و آله، فما أحدثكم فاقبلوه وما لا فلا تكلفونيه، ثم قال : قام رسول الله صلي الله عليه و آله يوما فيناخطيبا بماء يدعي خما بين مكة والمدينة ، فحمد الله وأثني عليه ووعظ وذكر، ثم قال: «أما بعد أيها الناس ، إما أنا بشر يوشك أن يأتي رسول ربي فأجيب ،

ص: 90


1- سنن ابن ماجة ، باب خروج المهدي عليه السلام 2: 269 ح 4085، منتخب كنز العمال : 549.
2- مستدرك الحاكم 4: 557.
3- مطالب السؤول : 22 - 23 مقدمة المؤلف .

وأنا تارك فيكم الثقلين ، أولهما كتاب الله فيه الهدي والنور فخذوا بكتاب الله واستمسكوا به ..... وأهل بيتي ، أذكركم الله في أهل بيتي ، أذكركم الله في أهل بيتي».

فقال له حصين : ومن أهل بيته يا زيد؟ أليس نساؤه من أهل بيته ؟ قال : نساؤه من أهل بيته، ولكن أهل بيته من حرم الصدقة بعده(1).

وكذا نقل مسلم في صحيحه ضمن حديث آخر أن الرواة قالوا: . فقلنا: من أهل بيته ؟ نساؤه؟

قال: لا، وأيم الله ! إن المرأة تكون مع الرجل العصر من الدهر ثم يطلقها فترجع إلي أبيها وقومها، أهل بيته أصله وعصبته الذين حرموا الصدقة بعده(2).

9. الإمام المهدي عليه السلام سمي النبي صلي الله عليه و آله:

جاء في سنن الترمذي وسنن أبي داود - و مصادر أخري كثيرة عن رسول الله صلي الله عليه و آله، قال: «لا تذهب الدنيا حتي يملك العرب رجل من أهل بيتي ، يواطئ اسمه اسمي»(3).

وفي مسند أحمد بن حنبل ، عن عاصم، عن زر، عن عبدالله بن مسعود، عن رسول الله صلي الله عليه و آله، قال : «لا تنقضي الأيام ولا يذهب الدهر حتي يملك العرب رجل

ص: 91


1- انظر صحيح مسلم 2: 450 كتاب فضائل الصحابة ، باب فضائل علي عليه السلام ح 36، كتاب المهدي : 58 - 59 تأليف المرحوم آية الله صدرالدين الصدر، وكذلك ترجمة كتاب المهدي عليه السلام: 62 بقلم المفكر المحترم محمد جواد النجفي.
2- صحيح مسلم 2: 451 كتاب الفضائل، باب فضائل علي عليه السلام ح 37.
3- سنن الترمذي 74:9 ، سنن أبي داود 4: 106 - 107، عقد الدرر: 27 الباب 2، حلية الأولياء 5: 75.

من أهل بيتي اسمه يواطئ اسمي»(1).

وفي إرشاد المفيد، عن رسول الله صلي الله عليه و آله، قال: «لن تنقضي الأيام والليالي حتي يبعث الله رجلا من أهل بيتي ، يواطئ اسمه اسمي ، يملأها عدلا وقسطا كما ملئت ظلما»(2).

10. المهدي عليه السلام من أولاد النبي صلي الله عليه و آله:

وجاء في كتاب «عقد الدرر» وتذكرة الخواص، نقلا عن عبدالله بن عمر: أن رسول الله صلي الله عليه و آله قال: «يخرج في آخر الزمان رجل من ولدي ، اسمه كاسمي ، وكنيته ككنيتي ، يملأ الأرض عدلا كما ملئت جورا ، فذلك المهدي»(3).

وفي رواية أخري، عن جابر بن عبدالله ، عن رسول الله صلي الله عليه و آله، قال : «المهدي من ولدي ، اسمه اسمي ، وكنيته كنيتي ، أشبه الناس بي خلقا وځلقا»(4) .

ونقل جلال الدين السيوطي في كتابه «الحاوي للفتاوي» حديثا مفصلا عن حذيفة ، قال : عندما كان رسول الله صلي الله عليه و آله يتحدث عن خروج السفياني وظهور الإمام المهدي عليه السلام ، قام إليه رجل اسمه عمران بن حصين وقال : يا رسول الله ! كيف نعرف المهدي عليه السلام؟

قال : «هو رجل من ولدي كأنه من رجال بني إسرائيل ، عليه عباءتان

ص: 92


1- مسند أحمد 76:1 ، تفسير السيوطي 6: 58.
2- إرشاد المفيد: 326، بحارالأنوار 240:52 ، الفصول المهمة : 291 الفصل 12، حلية الأولياء 75:5 .
3- عقد الدرر: 32، تذكرة الخواص: 363
4- فرائد السمطين 2: 335، بحارالأنوار 13ح71:51

قطوانيتان ، كأن وجهه الكوكب الدري ، في خده الأيمن خان أسود ، ابن أربعين سنة ... فيبايع له بين الركن والمقام، ثم يخرج متوجها إلي الشام وجبريل علي مقدمته وميكائيل علي ساقته ، فيفرح به أهل السماء وأهل الأرض والطير والوحوش و الحيتان في البحر»(1).

وروي السيد ابن طاوس رحمة لله في كتاب الملاحم والفتن، عن حذيفة ، عن جابر بن عبدالله الأنصاري ، عن النبي صلي الله عليه وآله : أنه كان ذات يوم جالسا بين أصحابه إذ هبط عليه جبرئيل عليه السلام فقال : .... قال : هي الخمسة الأنهر: سيحون وجيحون والفراتان ونيل مصر، وقد جعلت هذه الخمسة الأنهر لك ولأهل بيتك وشيعتك، ويقول: وعزتي وجلالي كل من شرب منها قطرة واحدة، وقام الخلائق للحساب يوم الحساب، لن أدخل الجنة أحدا إلا من رضيت عنه وجعلته من مائها في حلي، فعند ذلك تهلل وجه النبي صلي الله عليه وآله وقال: «يا أخي لوجه ربي الحمد والشكر» ، فقال له جبرئيل : أبشرك يا رسول الله بالقائم من ولدك، لا يظهر حتي يملك الكفار(2) الخمسة الأنهر، فعند ذلك ينصر الله أهل بيتك علي أهل الضلال، ولم يرفع لهم راية أبدا إلي يوم القيامة . فسجد النبي صلي الله عليه وآله شكر لله .....(3).

ص: 93


1- الحاوي للفتاوي 2: 82 باب «الآثار الواردة في المهدي» عليه السلام ، عقد الدرر: 119 و 120.
2- من الجدير بالذكر أن دجلة والفرات والنيل في العصر الراهن في أيادي المستعمرين ، وفي الحقيقة يسيطر عليها الغربيون، وسيحون وجيحون بيد الكفار رسميا لأنها تقع في روسية ، تنبع من جبال «تيان شان» وتروي أراضي تركمنستان وأزبكستان في جمهورية قزاقستان في بحيرة آرال ، واليوم يسمي سيحون ب-«سيرداريا» وجيحون ب «آموداريا» . (انظر هامش «روزگار رهاني» 2: 958 و 985).
3- الملاحم والفتن: 368 ح 540، الصراطالمستقيم 2: 258 ، إلزام الناصب 2: 125 مختصرا

11. المهدي عليه السلام من أولاد الإمام علي عليه السلام:

روي في كتاب ينابيع المودة ، عن ابن عباس، قال: قال رسول الله صلي الله عليه وآله : «وإن عليا وصيي ، ومن ولده القائم المنتظر المهدي ، الذي يملأ الأرض قسطا وعدلا كما ملئت جورا و ظلما ، والذي بعثني بالحق بشيرا ونذيرا إن الثابتين علي القول بإمامته في زمان غيبته لأعز من الكبريت الأحمر»(1).

وكذا روي في كتاب ينابيع المودة، عن أمير المؤمنين عليه السلام، قال : قال رسول الله صلي الله عليه وآله: «يا علي ! أنت وصيي ، حربك حربي ، وسلمك سلمي ، وأنت الإمام وأبو الأئمة الأحد عشر الذين هم المطهرون المعصومون ، ومنهم المهدي الذي يملأ الأرض قسطا وعدلا ، فويل لمبغضيهم»(2).

وروي في بحارالأنوار، عن عبدالله بن عمرو بن العاص، قال: قال رسول الله صلي الله عليه وآله: «المهدي هو رجل من ولد هذا - وأشار بيده إلي علي بن أبي طالب عليه السلام- به يمحق الله الكذب ، ويذهب الزمان الكلب ، وبه يخرج ذل الرق من أعناقكم» (3).

وكذا روي في بحارالأنوار، عن أبي عبدالله جعفر بن محمد، عن آبائه عليهم السلام ، قال: قال علي عليه السلام: «أما والله لأقتلن أنا وابناي هذان ، وليبعث الله رجلا من ولدي آخر الزمان يطالب بدمائنا ، وليغيبن عنهم تمييزا لأهل الضلالة»(4).

ص: 94


1- ينابيع المودة 3: 296 الباب 78 ح 8.
2- ينابيع المودة 1: 203 الباب 16 ح 10، منتخب الأثر: 56 ح 1.
3- بحارالأنوار 51: 75ح 29، غيبة الشيخ الطوسي : 114.
4- بحارالأنوار 112:51 ح7، غيبة النعماني : 140ح 1.

12. المهدي عليه السلام من أولاد السيدة فاطمة عليها السلام:

جاء في سنن أبي داود، عن أم سلمة، قالت: سمعت رسول الله صلي الله عليه وآله يقول: «المهدي من عترتي ، من ولد فاطمة صلي الله عليه وآله»(1).

وفي كتاب ينابيع المودة، عن أبي أيوب الأنصاري رحمة الله، قال : إن النبي صلي الله عليه وآله مرض فأتته فاطمة عليها السلام ويكت، فقال: «يا فاطمة ! ... والذي نفسي بيده منا مهدي هذه الأمة ، وهو من ولدك»(2).

وجاء في كنز العمال : إن أمير المؤمنين علي عليه السلام قال : «المهدي رجل منا من ولد فاطمة»(3).

وكتب ابن أبي الحديد المعتزلي في ذيل الخطبة 16 في «شرح نهج البلاغة»: وأكثر المحققين علي أنه من ولد فاطمة عليها السلام(4)

4. وقال في ذيل الخطبة 92: عقيدة الإمامية أن الإمام المهدي عليه السلام إمامهم الثاني عشر، وابن جارية باسم «نرجس»، ولكن عقيدتنا المعتزلة أن الإمام المهدي عليه السلام من أولاد فاطمة عليها السلام والآن غير موجود، وسوف يولد من جارية في آخر الزمان (5).

بالإضافة إلي هذا، الأحاديث المنقولة في كتب الستة تعضد عقيدة الشيعة وتؤيدها؛ لأن في هذه الأحاديث ورد أن الإمام المهدي هو الثاني عشر، والتاسع من ولد الحسين عليه السلام، والرابع من ولد الإمام الرضا عليه السلام ، وابن الإمام الحسن

ص: 95


1- سنن أبي داود 4: 87. وورد في كثير من المصادر المعتبرة
2- ينابيع المودة 3: 269 الباب 73ح 33.
3- كنز العمال 261:7
4- شرح نهج البلاغة ، لابن أبي الحديد 1: 281، ذيل الخطبة 16.
5- شرح نهج البلاغة ، لابن أبي الحديد 59:7 ذيل الخطبة 92.

العسكري المباشر. وجاء في كثير من مصادر أهل السنة التاريخية أن الإمام المهدي عليه السلام ابن الإمام العسكري عليه السلام ، ولد من أم تدعي نرجس، وذلك في منتصف شعبان عام 255 ه- في مدينة سامراء(1).

إذن الإمام المهدي عليه السلام قد ولد، وهو الآن حي يرزق بين ظهرانينا، غائب عن الأنظار حتي يأذن الله له بالظهور، فيظهر ويملأ الأرض قسطا وعدلا.

13. المهدي عليه السلام من أولاد الحسنين عليهما السلام :

ورد في كتاب «فرائد السمطين» - ضمن حديث طويل - عن علي بن هلال، عن أبيه، قال: دخلت علي رسول الله صلي الله عليه و آله وهو في الحالة التي قبض فيها، فإذا فاطمة عليها السلام عند رأسه ، فبكت حتي ارتفع صوتها، فرفع رسول الله إليها رأسه فقال : «حبيبتي فاطمة ما الذي يبكيك ؟ فقالت: أخشي الضيعة من بعدك، فقال: يا حبيبتي ! أما علمت ... وما سبطا هذه الأمة وهما ابناك الحسن و الحسين ، وهما سيدا شباب أهل الجنة، يا فاطمة والذي بعثني بالحق إن منهما مهدي هذه الأمة»(2).

وفي ذخائر العقبي عن أبي أيوب الأنصاري عن رسول الله صلي الله عليه و آله قال: «يولد

ص: 96


1- لمزيد الإطلاع راجع «المهدي الموعود المنتظر» 1: 182 الباب 16، الإمام المهدي : 279، والقسم الخامس من هذا الكتاب الإمام المهدي الموعود في أقوال أعاظم علماء أهل السنة» .
2- أورد هذا الحديث كثير من علماء السنة والشيعة موجزا ومبسوطا ، وللوقوف علي مزيد من مصادره راجع : عقد الدرر: 275، ذخائر العقبي : 135، مجمع الزوائد 9: 165، فرائد السمطين 2: 84ح 403، ينابيع المودة 209:2 فضائل الحسنين ح 608، بحارالأنوار 51: 78 79، غاية المرام : 699، بشارة الإسلام : 33.

منهما [الحسن والحسين عليهما السلام]علي مهدي هذه الأمة»(1).

وتقل في ينابيع المودة عن كتاب «جواهر العقدين» قوله : وقد ظهرت بركات دعائه عليه السلام وقت تزويج علي بفاطمة عليها السلام في نسل الحسن والحسين، فكان من نسلهما من مضئ ومن يأتي ، ولو لم يأت في الآتين إلا الإمام المهدي عليه السلام لكفي(2).

وسبب كونه عليه السلام من أولاد الحسنين عليه هو أن أم الإمام الباقر عليه السلام فاطمة بنت الإمام الحسن عليه السلام زوجة الإمام السجاد عليه السلام ، إذن فهو ينتسب إلي الإمام الحسن عليه السلام من الأم، وإلي الإمام الحسين عليه السلام من الأب، فيكون حسينيا وحسنيا، وكذا باقي أئمة أهل البيت عليهم السلام بعد الإمام الباقر عليه السلام .

14. المهدي عليه السلام من أولاد الإمام الحسين عليه السلام:

روي في عقد الدرر، عن حذيفة بن اليمان، قال: خطبنا رسول الله صلي الله عليه و آله يوما وبين لنا ما يكون إلي يوم القيامة ... إلي أن قال صلي الله عليه و آله: «لو لم يبق من الدنيا إلا يوم واحد لطول الله تعالي ذلك اليوم حتي يخرج رجل من ولدي اسمه اسمي»، فقام إليه سلمان رحمة الله وقال : يا رسول الله من أي ولدك ؟ قال صلي الله عليه و آله: «من هذا» ؛ وأشار إلي الإمام الحسين عليه السلام (3).

وروي قاضي القضاة رحمه الله تعالي عن كافي الكفاة أبي القاسم إسماعيل بن عباد رحمه الله بإسناد متصل بعلي عليه السلام أنه ذكر المهدي وقال: «إنه من ولد

ص: 97


1- ذخائر العقبي : 136
2- ينابيع المودة 3: 261 الباب 73ح 2، جواهر العقدين 2: 255، الصواعق المحرقة : 163.
3- عقد الدرر : 46 الباب 1، ذخائر العقبي : 136، فرائد السمطين 2: 325 ح 575، غاية المرام : 699.

الحسين عليه السلام» وذكر حليته فقال: «رجل أجلي الجبين ، أقني الأنف، ضخم البطن ،أزيل الفخذين ، أبلج الثنايا» .

ثم قال ابن أبي الحديد بعد نقل هذا الحديث : وذكر هذا الحديث بعينه عبدالله ابن قتيبة في كتاب غريب الحديث (1).

15. المهدي عليه السلام التاسع من أولاد الإمام الحسين عليه السلام :

عن سلمان الفارسي، قال: دخلت علي رسول الله صلي الله عليه و آله، وإذا الحسين بن علي علي فخذه، وهو يقبل عينيه ويلثم فاه ، وهو يقول: «أنت سيد ابن سيد أخو سيد ، أنت إمام ابن إمام أخو إمام ، أنت حجة ابن حجة أخو حجة ، وأنت أبو حجج تسع ، تاسعهم قائمهم»(2).

وفي كتاب كمال الدين : عن الرضا عليه السلام، عن آبائه، عن أمير المؤمنين عليه السلام أنه قال للحسين عليه السلام: «التاسع من ولدك هو القائم بالحق، المظهر للدين ، الباسط للعدل»(3).

وروي في كتاب ينابيع المودة، عن الإمام الحسين عليه السلام أنه قال: دخلت علي جدي رسول الله صلي الله عليه و آله فأجلسني علي فخذه، وقال لي : «إن الله اختار من صلبك يا حسين تسعة أئمة ، تاسعهم قائمهم ، وكلهم في الفضل والمنزلة عند الله سواء»(4) .

ص: 98


1- شرح نهج البلاغة ، لابن أبي الحديد 1: 281 - 282.
2- ينابيع المودة 3: 394 الباب 94 ح 44، مقتل الخوارزمي 1: 146 الفصل 7.
3- كمال الدين : 304 الباب 25 ح 16، بحارالأنوار 51: 110ح 2، إعلام الوري : 426، بشارة الإسلام : 52.
4- ينابيع المودة 3: 395 الباب 94 ح 45.

وفي كتاب «كفاية الأثر» عن عبدالرحمن بن سليط، عن الإمام الحسين عليه السلام ، قال: «متا اثنا عشر مهديا ، أولهم أمير المؤمنين علي عليه السلام، وآخرهم التاسع من ولدي ، وهو القائم بالحق، يحيي الله به الأرض بعد موتها، ويظهر به دين الحق علي الدين كله ولو كره المشركون»(1).

16. المهدي عليه السلام أولاد الإمام زين العابدين عليه السلام:

روي في ينابيع المودة، عن جابر بن عبدالله الأنصاري، قال: دخل جندل بن جنادة بن جبير اليهودي علي رسول الله صلي الله عليه و آله، فقال : يا محمد!... إني رأيت البارحة في النوم موسي بن عمران عليه السلام، فقال : يا جندل ! أسلم علي يد محمد خاتم الأنبياء واستمسك بأوصيائه من بعده، فقلت: فلله الحمد أسلمت وهداني بك، ثم قال : أخبرني يا رسول الله عن أوصيائك من بعدك لأتمسك بهم، قال: «أوصيائي الاثنا عشر»، قال جندل : هكذا وجدناهم في التوراة، وقال: يا رسول الله سمهم لي . فقال صلي الله عليه و آله: «أولهم سيد الأوصياء أبو الأئمة علي ، ثم ابناه الحسن والحسين فاستمسك بهم ولا يغرنك جهل الجاهلين ، فإذا ولد علي بن الحسين زين العابدين يقضي الله عليك ، ويكون آخر زادك من الدنيا شربة لبن تشربه» ، فقال جندل : وجدنا في التوراة وفي كتب الأنبياء عليهم السلام : «ايليا وشبرا وشبيرا»، فهذه أسماء علي والحسن والحسين؛ فمن بعد الحسين وما أسماؤهم ؟ قال : «إذاانقضت مدة الحسين فالإمام ابنه علي ويلقب بزين العابدين ، فبعده ابنه محمد

ص: 99


1- كفاية الأثر: 232، منتخب الأثر: 205 ح ، إعلام الوري : 406، كمال الدين : 317 الباب 30ح 3.

يلقب بالباقر، فبعده جعفر يدعي بالصادق ، فبعده ابنه موسي يدعي بالكاظم ، فبعده علي يدعي بالرضا، فبعده ابنه محمد يدعي بالتقي والزكي، فبعده ابنه علي يدعي بالنقي والهادي ، فبعده ابنه الحسن يدعي بالعسكري، فبعده ابنه محمد يدعي بالمهدي، والقائم ، والحجة ، فيغيب ثم يخرج ، فإذا خرج يملا الأرض قسطا وعدلا كما ملئت جورا و ظلما».

ثم قال: «طوبي للصابرين في غيبته ، طوب للمقيمين علي محبتهم»(1).

شمل هذا الحديث أسماء الأئمة المعصومين عليهم السلام ، ويستفاد منه أن الإمام المهدي من أولاد الإمام زين العابدين عليه السلام، ولا شك أن الروايات المصرحة بأن الإمام المهدي عليه السلام من أولاد الإمام زين العابدين كثيرة، لا تنحصر بالحديث المذكور، بل بلغ عددها - وفقا لإحصاء بعض المحققين - 185 حديثا (2)

17. المهدي عليه السلام من أولاد الإمام الباقر عليه السلام :

نقل كتاب ينابيع المودة عن جابر بن يزيد الجعفي ، قال : سمعت جابر بن عبدالله الأنصاري يقول: قال لي رسول الله صلي الله عليه و آله : «يا جابر إن أوصيائي وأئمة المسلمين من بعدي أولهم علي ، ثم الحسن ، ثم الحسين ، ثم علي بن الحسين ، ثم محمد بن علي المعروف بالباقر - وستدركه يا جابر ، فإذا لقيته فاقرئه مني السلام - ثم جعفر بن محمد ، ثم موسي بن جعفر ، ثم علي بن موسي ، ثم محمد بن علي ، ثم علي بن محمد ، ثم الحسن بن علي ، ثم القائم ؛ اسمه اسمي وكنيته

ص: 100


1- ينابيع المودة 3: 283 - 285، الباب 76ح 2، كفاية الأثر : 57. 61.
2- منتخب الأثر : 210.

كنيتي ، محمد بن الحسن بن علي ، ذاك الذي يغيب عن أوليائه غيبة ...»(1).

18. المهدي عليه السلام أولاد الإمام الصادق عليه السلام :

روي كتاب ينابيع المودة، عن الإمام الصادق عليه السلام ، قال : «الخلف الصالح من ولدي ، وهو المهدي»(2).

وروي الشيخ الصدوق في كتاب كمال الدين، عن حيان السراج، عن السيد إسماعيل بن محمد الحميري، قال : قلت للصادق جعفر بن محمد عليه السلام: يابن رسول الله، قد روي لنا أخبار عن آبائك عليهم السلام في الغيبة وصحة كونها، فأخبرني بمن تقع ؟ فقال عليه السلام: «ستقع بالسادس من ولدي ، والثاني عشر من الأئمة الهداة بعد رسول الله صلي الله عليه و آله» (3).

وكذا روي في كتاب كمال الدين، عن عبدالله بن أبي يعفور، عن الإمام الصادق عليه السلام ، قال : من أقر بالأئمة من آبائي وولدي وجحد المهدي من ولدي كان كمن أقر بجميع الأنبياء وجحد محمد صلي الله عليه و آله نبوته ، فقلت: يا سيدي ومن المهدي من ولدك ؟ قال : الخامس من ولد السابع ، يغيب عنكم شخصه ولا يحل لكم تسميته (4).

ص: 101


1- ينابيع المودة 3: 398 - 399، الباب 94 ح 54.
2- ينابيع المودة 3: 392 الباب 94 ح 37، غاية المرام : 701.
3- كمال الدين : 33 و 342 الباب 33ح 23، بحارالأنوار 145:51 ح 12.
4- كمال الدين : 338 الباب 33 ح 12.

19. المهدي عليه السلام من أولاد الإمام الكاظم عليه السلام:

روي في كتاب فرائد السمطين وعنه في ينبايع المودة، عن ابن عباس، قال: قدم يهودي علي رسول الله صلي الله عليه و آله يقال له نعثل، فقال له: يا محمد إني أسألك عن أشياء تلجلج في صدري منذ حين، فإن أجبتني عنها أسلمت علي يديك، قال : «سل يا أبا عمارة». فسأل عن صفات الله وأجابه الرسول صلي الله عليه و آله.

ثم قال : فأخبرني عن وصيك من هو؟ فما من نبي إلا وله وصي، وإن نبينا موسي بن عمران أوصئ يوشع بن نون، فقال: «نعم، إن وصيي علي بن أبي طالب ، وبعده سبطاي الحسن والحسين ، يتلوه تسعة أئمة من صلب الحسين أئمة أبرار»، قال: يا محمد! فسمهم لي. قال: «نعم، إذا مضي الحسين فابنه علي ، فإذا مضي علي فابنه محمد ، فإذا مضئ محمد فابنه جعفر ، فإذا مضي جعفر فابنه موسي ، فإذا مضي موسي فابنه علي ، فإذا مضي علي فابنه محمد ، ثم ابنه علي ، ثم ابنه الحسن ، ثم الحجة ابن الحسن ، فهذه اثنا عشر أئمة عدد نقباء بني إسرائيل».

قال: فأين مكانهم من الجنة ؟ قال صلي الله عليه و آله: «معي في درجتي». قال: أشهد أن لا إله إلا الله، وأنك رسول الله، وأشهد أنهم الأوصياء من بعدك، ولقد وجدت هذا في الكتب المتقدمة وفيما عهد إلينا موسي بن عمران عليه السلام : أنه إذا كان آخر الزمان يخرج نبي يقال له : أحمد، وهو خاتم الأنبياء لا نبي بعده، فيخرج من صلبه أئمة أبرار عدد الأسباط(1).

ص: 102


1- جاءت هذه العبارة في كتاب ينابيع المودة:«فيكون أوصياوه بعد اثني عشر»،وهذه هي الأصلح،لأن الإمام علي بن أبي طالب عليه السلام ليس من صلب النبي صلي الله عليه و آله ،اللهم إلا أن الجملة المذكور من باب التغليب،كما ورد في بعض الروايات «اثنا عشر من ولدي»

قال صلي الله عليه و آله: «يا أبا عمارة أتعرف الأسباط ؟» قال: نعم يا رسول الله، كانوا اثني عشر، أولهم لاوي بن برخيا، وهو الذي غاب عن بني إسرائيل غيبة ثم عاد فأظهر الله به شريعته بعد اندراسها، وقاتل قرسطيا الملك حتي قتله.

قال صلي الله عليه و آله: «كائن في أمتي ما كان في بني إسرائيل حذو النعل بالنعل و القذة بالقذة ، وإن الثاني عشر من ولدي يغيب حتي لا يرئ ، ويأتي علي أمتي زمن لا يبقي من الإسلام إلا اسمه ولا يبقي من القرآن إلا رسمه، فحينئإ يأذن الله تبارك وتعالي له بالخروج ، فيظهر الله الإسلام به ويجدد الدين»، ثم قال صلي الله عليه و آله: «طوبي لمن أحبهم و تبعهم ، والويل لمن أبغضهم وخالفهم ، وطوبي لمن تمسك بهداهم». فأنشأ نعثل شعرا(1) في مدح الرسول والأئمة عليهم السلام.

هذا الحديث المبارك يكشف عن أن الإمام المهدي عليه السلام من أولاد الإمام موسي ابن جعفر والخامس من ولده.

وروي الطوسي في كتاب الغيبة، عن الإمام الصادق عليه السلام - ضمن حديث طويل - قال: «يظهر صاحبنا وهو من صلب هذا . وأومأ بيده إلي موسي بن جعفر عليه السلام .فيملأها عدلا كما ملئت جورا وظلما ، و تصفو له الدنيا»(2). وروي الصدوق في كتاب كمال الدين، عن يونس بن عبدالرحمان، قال: دخلت علي موسي بن جعفر عليه السلام فقلت له: يابن رسول الله ! أنت القائم بالحق ؟ فقال: «أنا القائم بالحق ، ولكن القائم الذي يطهر الأرض من أعداء الله ويملأها عدلا كما ملئت جورا هو الخامس من ولدي ، له غيبة يطول أمدها خوفا علي

ص: 103


1- فرائد السمطين 2: 133 - 135 الباب 31ح 430، ينابيع المودة 3: 281 الباب 76ح 1.
2- الغيبة للطوسي : 28.

نفسه ، يرتد فيها أقوام ويثبت فيها آخرون»، ثم قال عليه السلام: «طوبي لشيعتنا المتمسكين بحبنا في غيبة قائمنا ، الثابتين علي موالاتنا والبراءة من أعدائنا، أولئك منا ونحن منهم ، قدر ضوابنا أئمة ورضينا بهم شيعة فطوبي لهم ، هم والله معنا في درجتنا يوم القيامة»(1).

20. المهدي عليه السلام من أولاد الإمام الرضا عليه السلام:

روي في كتاب فرائد السمطين، عن دعبل بن علي الخزاعي - شاعر أهل البيت عليهم السلام- قال: أنشدت مولاي علي بن موسي الرضا عليه السلام قصيدتي التي أولها:

مدارس آيات خلت من تلاوة *** ومنزل وحي مقفر العرصات

فلما انتهيت إلي قولي:

خروج إمام لا محالة خارج *** يقوم علي اسم الله والبركات

يمير فينا كل حق وباطل *** ويجزي علي النعماء والنقمات

بكي الرضا عليه السلام بكاء شديدا، ثم رفع رأسه إلي فقال لي: «يا خزاعي نطق روح القدس علي لسانك بهذين البيتين ، فهل تدري من هذا الإمام ؟ ومتي يقوم ؟» فقلت: لا يا مولاي، إلا أني سمعت بخروج إمام منكم يطهر الأرض من الفساد ويملأها عدلا كما ملئت جورا، فقال: «يا دعبل الإمام بعدي اسمه محمد ابني، وبعد محمد ابنه علي ، وبعد علي ابنه الحسن ، وبعد الحسن ابنه الحجة القائم ، المنتظر في غيبته ، المطاع في ظهوره، لو لم يبق من الدنيا إلا يوم واحد لطول

ص: 104


1- كمال الدين 2: 361 الباب 34ح 2، كفاية الأثر: 265، منتخب الأثر: 219ح3، بحارالأنوار 51: 151ح6.

الله ذلك اليوم حتي يخرج فيملاها عدلا كما ملئت جورا»(1).

وروي في كتاب فرائد السمطين، عن الإمام الرضا عليه السلام أنه قيل له: يا ابن رسول الله ومن القائم منكم أهل البيت ؟ قال : «الرابع من ولدي ، ابن سيدة الإماء ، يطهر الله به الأرض من كل جور ، ويقدسها من كل ظلم»(2).

21. المهدي عليه السلام من أولاد الإمام الجواد عليه السلام:

2 : قال الإمام الجواد لعبدالعظيم الحسني: «يا أبا القاسم ، إن القائم ما هو المهدي الذي يجب أن ينتظر في غيبته ويطاعفي ظهوره، وهو الثالث من ولدي»(3).

22. المهدي عليه السلام من أولاد الإمام الهادي عليه السلام:

روي الصدوق في كتاب كمال الدين، عن صقر بن أبي دلف، قال: سمعت أباجعفر محمد بن علي بن موسي الرضا عليه السلام يقول: «الإمام بعدي ابني علي ، أمره أمري وقوله قولي وطاعته طاعتي»، ثم سكت. فقلت له: يابن رسول الله فمن الإمام بعد علي ؟ قال : «ابنه الحسن»، قلت: يابن رسول الله فمن الإمام بعد الحسن ؟ فبكي عليه السلام بكاء شديدا ثم قال: «إن من بعد الحسن ابنه القائم بالحق المنتظر»، فقلت له: يابن رسول الله ولم سمي القائم؟ قال: «لأنه يقوم بعد موت ذكره وارتداد أكثر القائلين بإمامته» ، فقلت له : ولم سمي المنتظر؟ قال: «إن له غيبة يكثر أيامها ويطول أمدها ، فينتظر خروجه المخلصون، وينكره المرتابون،

ص: 105


1- فرائد السمطين 2: 337 - 338 الباب 11ح 591، بحارالأنوار 154:51 ح 4.
2- فرائد السمطين 2: 336 - 337ح 590.
3- كمال الدين : 377، كفاية الأثر: 277.

ويستهزئ به الجاحدون ، ويكذب فيها الوقاتون ، ويهلك فيها المبطلون وينجو فيها المسلمون»(1).

وكذا روي الطبرسي في كتاب إعلام الورئ، عن المفضل بن عمر، قال: دخلت علي سيدي جعفر بن محمد عليه السلام، فقلت: يا سيدي لو عهدت إلينا في الخلف من بعدك ؟ فقال لي: «يا مفضل ، الإمام من بعدي ابني موسي ، والخلف المأمول المنتظر، م ح م د ابن الحسن بن علي بن محمد بن علي بن موسي»(2) .

وروي في كفاية الأثر، عن مسعدة، قال : كنت عند الصادق عليه السلام إذ أتاه شيخ كبير قد انحني، متكئا علي عصاه، فسلم فرد أبو عبدالله عليه السلام الجواب ، ثم قال: يا ابن رسول الله ناولني يدك أقبلها، فأعطاه يده فقبلها، ثم بك، فقال أبو عبدالله عليه السلام: ما يبكيك يا شيخ ؟» قال : جعلت فداك أقمت علي قائمكم منذ مائة سنة ؛ أقول هذا الشهر وهذه السنة، وقد كبرت سني ودق عظمي واقترب أجلي ولا أري ما أحب، أراكم مقتلين مشردين، وأري عدوكم يطيرون بالأجنحة، فكيف لا أبكي ؟! فدمعت عينا أبي عبدالله عليه السلام ثم قال : «يا شيخ ، إن أبقاك الله حتي تري قائمناكنت معنا في السنام الأعلي ، وإن حلت بك المنية جئت يوم القيامة مع ثقل محمد صلي الله عليه و آله ونحن ثقله ؛ فقد قال صلي الله عليه و آله: إني مخلف فيكم الثقلين فتمسكوا بهما لن تضلوا : كتاب الله ، وعترتي أهل بيتي»(3).

ص: 106


1- كمال الدين 2: 378 الباب 36ح3، كفاية الأثر: 279، منتخب الأثر: 223ح2، إعلام الوري : 436، بحارالأنوار 51: 157 ح 5.
2- إعلام الوري : 429، كمال الدين 2: 334 الباب 33 ح 4.
3- حديث الثقلين من الأحاديث المتواترة والمشهورة والمقبولة لدي الفريقين، وقد نقلته المصادر بطرق متعددة ، من طلب المزيد منها فليراجع الكتاب الثمين كتاب الغدير، وعبقات الأنوار ، والمراجعات للمرحوم شرف الدين ، وباقي كتب الحديث.

فقال الشيخ: لا أبالي بعد ما سمعت هذا الخبر.

قال: «يا شيخ ، إن قائمنا يخرج من صلب الحسن ، والحسن يخرج من صلب علي ، وعلي يخرج من صلب محمد ، ومحمد يخرج من صلب علي، وعلي يخرج من صلب ابني هذا وأشار إلي موسي عليه السلام . وهذا خرج من صلبي ، نحن اثنا عشر كلنا معصومون مطهرون». ثم قال : «يا شيخ ، والله لو لم يبق من الدنيا إلا يوم واحد لطول الله ذلك اليوم حتي يخرج قائمنا أهل البيت(1)، ألا وإن شيعتنا يقعون في فتنة وحيرة في غيبته ، هناك يثبت علي هداه المخلصون ، اللهم أعنهم علي ذلك»(2).

أكثر الأحاديث المتقدمة تدل علي أن الإمام المهدي عليه السلام من أولاد الإمام علي النقي الهادي عليه السلام ، وأشار إلي ذلك آية الله لطف الله الصافي الگلپايگاني في كتابه القيم «منتخب الأثر»، وقال بأن الإمام المهدي عليه السلام من أولاد الإمام الهادي عليه السلام، والأحاديث الهادية لذلك بلغ عددها 90 حديثا منها الحديث المذكور، وأشار إلي باقي الأحاديث بصورة موجزة(3).

23. المهدي عليه السلام من أولاد الإمام الحسن العسكري عليه السلام:

روي موفق بن أحمد الخوارزمي - الحنفي المسمي ب-«صدر الأئمة» عند أهل

ص: 107


1- هذا الحديث من الأحاديث المعروفة والمشهورة والمقبولة لدي الشيعة والعامة ، نقل بألفاظ وعبارات متقاربة في أهم المصادر السنية والشيعة المعتبرة ؛ الحديثية منها والتاريخية.
2- كفاية الأثر : 260، منتخب الأثر: 254 ، المهدي الموعود المنتظر 1: 173 ح 4.
3- انظر الكتاب النفيس منتخب الأثر: 225.

السنة - في كتابه مقتل الحسين عليه السلام، عن أبي سلمي راعي إبل رسول الله صلي الله عليه و آله، قال : سمعت رسول الله صلي الله عليه و آله يقول: «ليلة أسري بي إلي السماء قال لي الجليل جل جلاله : «آمَنَ الرَّسُولُ بِمَا أُنزِلَ إِلَيْهِ مِن رَّبِّهِ»(1)ما قلت : «وَالْمُؤْمِنُونَ» قال تعالي : صدقت يا محمد ، من خلقت في أمتك ؟ قلت : خيرها ، قال : علي بن أبي طالب ؟ قلت : نعم يا رب.

قال : يا محمد ، إتي اطلعت علي الأرض اطلاعة فاخترتك منها فشققت لك اسما من أسمائي ، فلا أذكر إلا ذكرت معي، فأنا المحمود وأنت محمد ، ثم اطلعت الثانية فاخترت منها عليا وشققت له اسما من أسمائي ، فأنا الأعلي وهو علي .

يا محمد ، إتي خلقتك و خلقت عليا وفاطمة والحسن والحسين والأئمة من ولدهمن شبح نوري ، وعرضت ولايتكم علي أهل السماوات وأهل الأرض ، فمن قبلها كان عندي من المؤمنين ، ومن جحدها كان عندي من الكافرين .

يا محمد ، لو أن عبدا من عبيدي عبدني حتي ينقطع أو يصير كالشن البالي ، ثم أتاني جاحدا لولايتكم، ما غفرت له حتي يقر بولايتكم.

يا محمد ، أتحب أن تراهم ؟ قلت : نعم يا رب، فقال لي : التفت عن يمين العرش ، فالتفت فإذا أنا بعلي وفاطمة والحسن والحسين وعلي بن الحسين ومحمد بن علي وجعفر بن محمد و موسي بن جعفر وعلي بن موسي و محمد بن علي وعلي بن محمد و الحسن بن علي والمهدي في ضحضاح من نور قياما يصلون ، وهو في وسطهم - يعني المهدي - كأنه كوكب دري.

ص: 108


1- البقرة : 285.

وقال تعالي : يا محمد هؤلاء الحجج، وهو الثائر من عترتك، وعزتي وجلالي إنه الحجة الواجبة لأوليائي ، والمنتقم من أعدائي»(1).

نعم أيها القارئ الكريم ! المهدي الموعود المنتظر عليه السلام هو ابن الإمام الحسن العسكري المباشر، وقد ذكر الرسول الأكرم صلي الله عليه و آله نسبه بصراحة ضمن حديث مفصل نقله شيخ الإسلام الحمويني الشافعي وجماعة من علماء الإمامية هكذا: «إن الله تعالي ركب في صلب الحسن (العسكري) عليه السلام نطفة مباركة زكية طيبة، طاهرة مطهرة، يرضي بها كل مؤمن ممن قد أخذ الله ميثاقه في الولاية، ويكفر بها كل جاحد، فهو إمام تقي نقي ، سار مرضي ، هاد مهدي، يحكم بالعدل ويأمر به، يصدق الله عز وجل ويصدقه الله في قوله ... معه صحيفة مختومة فيها عددأصحابه بأسمائهم وبلدانهم وطبائعهم وحلاهم وكناهم»(2).

24. المهدي عليه السلام من ذوي القربي:

روي القندوزي في كتاب ينابيع المودة عن صحيح البخاري ومسلم: سئل ابن عباس عن هذه الآية:«قُل لَّا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَي»(3)، فقال سعيد بن جبير: هي قربي آل محمد صلي الله عليه و آله(4)

وكذا روي عن مسند أحمد، عن سعيد بن جبير، عن إبن عباس، قال: لما

ص: 109


1- مقتل الخوارزمي 1: 95 ، فرائد السمطين 319:2 ح 571.
2- فرائد السمطين 2: 158، بحارالأنوار 310:52 ح 4و ج 207:36 ، إعلام الوري : 381، منتخب الأثر: 131 ، بشارة الإسلام : 8.
3- الشوري : 23.
4- ينابيع المودة 1: 315، الباب 32، ح 2. ولا يخفي عليك أن سعيد بن جبير أجاب قبل أن يجيب ابن عباس . المشرف.

نزلت و «قُل لَّا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَي»، قالوا: يا رسول الله ، من هؤلاء الذين وجبت لنا مودتهم ؟ قال : «علي وفاطمة والحسن والحسين عليهم السلام»(1).

وذكر ابن حجر الهيتمي المكي في كتاب الصواعق المحرقة ، وكذا أورده بعض المفسرين والمحدثين: لما جيء بعلي بن الحسين عليه السلام أسيرا فأقيم علي درج دمشق، قام رجل من أهل الشام فقال : الحمد لله الذي قتلكم واستأصلكم، فقال له علي بن الحسين عليه السلام: «أقرأت القرآن ؟» فقال: نعم، قال: «ماقرأت «قُل لَّا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَي»؟ قال : وإنكم لأنتم هم ؟ قال: «نعم»(2).

وبما أن الإمام المهدي عليه السلام من أولاد النبي صلي الله عليه و آله، وأميرالمؤمنين وفاطمة الزهراء عليهما السلام إذن هو داخل ضمن آية ذوي القربي .

25. المهدي عليه السلام من ذرية النبي صلي الله عليه و آله

روي القندوزي وغيره ، عن رسول الله صلي الله عليه و آله ، قال : «إن الله عز وجل جعل ذرية كل نبي في صلبه ، وجعل ذريتي في صلب علي بن أبي طالب»(3).

وجاء في كتاب تحف العقول في خبر طويل: قال هارون مخاطبا الإمام موسي ابن جعفر عليهما السلام : ما لكم لا تنسبون إلي علي وهو أبوكم، وتنسبون إلي رسول الله صلي الله عليه و آله وهو جد كم؟ فقال موسي عليه السلام: «إن الله نسب المسيح عيسي بن مريم عليه السلام إلي خليله إبراهيم عليه السلام بأمه مريم ... في قوله : «وَمِن ذُرِّيَّتِهِ دَاوُودَ وَسُلَيْمَانَ

ص: 110


1- ينابيع المودة 315:1 الباب 32.
2- الصواعق المحرقة : 170 ، تفسير الدر المنثور 6: 7، تفسير الطبري 25:25
3- ينابيع المودة 2: 90، الباب 56، ح 191، الصواعق المحرقة : 156، مناقب الخوارزمي 328 - 329 الفصل 19 ح 339.

وَأَيُّوبَ وَيُوسُفَ وَمُوسَي وَهَارُونَ ۚ وَكَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ وَزَكَرِيَّا وَيَحْيَي وَعِيسَي وَإِلْيَاسَ ۖ كُلٌّ مِّنَ الصَّالِحِينَ»(1) ........»(2).

وهذان الحديثان الشريفان يدلان بصراحة علي أن أولاد فاطمة الزهراء عليها السلام هم ذرية رسول الله صلي الله عليه و آله، إذن الإمام المهدي المنتظر عليه السلام من آل محمد، وذوي القربي، ومن أولاد أميرالمؤمنين، وفاطمة الزهراء عليهما السلام ، فيكون من ذرية النبي صلي الله عليه و آله.

ص: 111


1- الأنعام : 84 و 85.
2- تحف العقول : 473. وقد جاء الحديث المذكور في كثير من المصادر الشيعية موجزا ومبسوطا، منها : عيون الأخبار 1: 81، احتجاج الطبرسي 2: 161، بحارالأنوار 10: 241 ح 2 عن تحف العقول، 48: 121 - 125ح 1 عن الاختصاص، و 125 - 128ح 2 عن عيون أخبار الرضا وح3 عن الاحتجاج ، نور الثقلين 1: 743.

ص: 112

القسم الرابع: اعتراف علماء أهل السنة بصحة أحاديث الإمام المهدي عليه السلام

اشارة

وفيه:

ا. سند تأريخي و مستند حي

2. توضيح منشور علماء الحجاز بإيجاز

3. ما هي تخرصات المنكرين لوجود الإمام المهدي عليه السلام

ص: 113

ص: 114

لم يكتف علماء أهل السنة بنقل الروايات المتعلقة بالإمام المهدي عليه السلام في صحاحهم وباقي كتبهم المعتبرة، بل أذعنت مجموعة كبيرة من شخصياتهم البارزة بشهرة هذه الأحاديث وتواترها.

وهنا نأتي باعترافات بعض العلماء لمزيد الاطلاع، وهي:

1. كتب العالم المصري المعروف محمد الشبلنجي في كتابه «نور الأبصار»: تواترت الأخبار عن النبي صلي الله عليه و آله علي أن المهدي من أهل بيته، وأنه يملأ الأرض عدلا(1) .

2. وقال الشيخ محمد صبان في كتابه «إسعاف الراغبين»: وقد تواترت الأخبار عن النبي صلي الله عليه و آله بخروجه، وأنه من أهل بيته، وأنه يملأ الأرض عدلا ، وأنه يساعد عيسي عليه السلام علي قتل الدجال باب لد بأرض فلسطين، وأنه يؤم هذه الأمة ويصلي عيسي خلفه(2).

3. ويقول ابن حجر العسقلاني عن الأخبار والأحاديث المتعلقة بالإمام المهدي عليه السلام في كتابه «فتح الباري»: تواترت الأخبار بأن المهدي من هذه الأمة وأن عيسي عليه السلام يصلي خلفه(3).

ص: 115


1- نور الأبصار : 189.
2- إسعاف الراغبين المطبوع بهامش نور الأبصار : 152.
3- فتح الباري 7: 169، كتاب احاديث الأنبياء ، باب نزول عيسي عليه السلام .

4. ونقل ابن حجر الهيتمي المكي في كتابه «الصواعق المحرقة» عن أبي الحسن الآبري قوله: وقد تواترت الأخبار واستفاضت بكثرة رواتها عن المصطفي صلي الله عليه و آله بخروجه، وأنه من أهل بيته، وأنه يملأ الأرض عدلا(1).

5. وقال أبو الطيب السيد محمد صديق الحسيني البخاري القنوجي الهندي في كتابه «الإذاعة لما كان وما يكون بين يدي الساعة»: وأحاديث المهدي بعضها صحيح وبعضها حسن وبعضها ضعيف، وأمره مشهور بين الكافة من أهل الإسلام علي ممر الأعصار، وأنه لابد في آخر الزمان من ظهور رجل من أهل البيت النبوي، يؤيد الدين ويظهر العدل، ويتبعه المسلمون، ويسمي بالمهدي، ويكون خروج الدجال من بعده من أشراط الساعة الثابتة، وأحادث الدجال وعيسي أيضا بلغت حد التواتر(2).

6. وقد جمع الشيخ منصور علي ناصف . وهو من علماء جامع الأزهر المعروفين - في كتابه المعروف «التاج الجامع للأصول» الأحاديث المعتبرة من كتب الأحاديث المرتبطة بالإمام المهدي عليه السلام، و قرضه ستة من كبار علماء مصر، وشرحوا أحاديثه في كتاب يسمي «غاية المأمول». يقول الشيخ منصور في الجلد الخامس في كتاب الفتن وعلامات الساعة : الباب السابع في الخليفة المهدي رضي الله عنه : اشتهر بين العلماء - سلفا وخلفا - أنه في آخر الزمان لابد من ظهور رجل من أهل البيت يسمي المهدي، يستولي علي الممالك الإسلامية، ويتبعه المسلمون ويعدل بينهم، ويؤيد الدين ... وقد روي أحاديث المهدي جماعة من

ص: 116


1- الصواعق المحرقة 2: 480.
2- الإذاعة لما كان ويكون بين يدي الساعة : 53 و 126.

خيار الصحابة، وأخرجها أكابر المحدثين، كأبي داود والترمذي وابن ماجة والطبراني وأبي يعلي والبزار والإمام أحمد والحاكم - رضي الله عنهم أجمعين - ولقد أخطأ من ضعف أحاديث المهدئ كلها كابن خلدون و غيره ....

وقال منصور علي ناصف بعد أن أشار إلي كتاب «الشوكاني» - وهو من علماء العامة المعروفين - حول تواتر الأحاديث المربوطة بالإمام المهدي عليه السلام وخروج الدجال ورجوع عيسي عليه السلام: «هذا يكفي لمن كان عنده ذرة من إيمان وقليل من إنصاف»(1).

7. وكتب عالم الحجاز المعروف و مفتي مكة أحمد زيني دحلان في كتابه «الفتوحات الإسلامية»: الأحاديث الحاكية عن المهدي كثيرة ومتواترة، بعضها صحيح وبعضها ضعيف، لكنها تفيد اليقين لكثرة الأحاديث والمحدثين.

ثم قال : كتب محمد بن عبدالرسول البرزنجي في آخر كتاب «الإشاعة في أشراط الساعة»: إن أخبار المهدي الموعود متواترة ، مسلم بها.

قال: ويعلم من هذه الأحاديث أن الإمام المهدي عليه السلام من أولاد فاطمة ويملأ الأرض قسطا وعدلا(2)

8. الوهابيون مع أنهم من أكثر الفرق الإسلامية السنية تطرفا، خضعوا إلي مسألة المهدوية وقبلوا تواتر أحاديثها، ووقفوا في صف فرق المسلمين ودافعوا عنها، واعتبروها من العقائد القطعية والمسلم بها .1.

ص: 117


1- انظر كتاب «التاج الجامع للأصول» 5: 341 و 360.
2- الفتوحات الإسلامية 2: 300.299 .

1. سند تأريخي ومستند حي:

ولدعم هذا المقال إليك منشورا هاما صدر عن رابطة العالم الإسلامي - المركز الديني المهم للوهابيين - في جواب مسلم غيني : بعد التحية ؛ جوابا عما يسأل عنه المسلم الغيني في شأن المهدي المنتظر، عن موعد ظهوره، وعن المكان الذي يظهر منه، وعن ما يطمئنه عن المهدي عليه السلام، هو: محمد بن عبدالله الحسني العلوي الفاطمي المهدي الموعود المنتظر. موعد خروجه في آخر الزمان، وهو من علامات الساعة الكبري، يخرج من المغرب، ويبايع له في الحجاز في مكة المكرمة بين الركن والمقام، بين باب الكعبة المشرفة والحجر الأسود عند الملتزم. ويظهر عند فساد الزمان وانتشار الكفر وظلم الناس، يملأ الأرض عدلا و قسطا كما ملئت جورا وظلما، يحكم العالم كله وتخضع له الرقاب بالإقناع تارة وبالحرب أخري. وسيملك الأرض سبع سنين، وينزل عيسي عليه السلام من بعده فيقتل الدجال، أو ينزل معه فيساعده علي قتله بباب لد بأرض فلسطين، وهو آخر الخلفاء الراشدين الاثني عشر الذين أخبر عنهم النبي - صلوات الله وسلامه عليه - في الصحاح. وأحاديث المهدي واردة عن الكثير من الصحابة يرفعونها إلي رسول الله صلي الله عليه و آله، منهم: عثمان بن عفان، وعلي بن أبي طالب عليه السلام، وطلحة بن عبيدالله ، وعبد الرحمان بن عوف، وعبدالله بن عباس، وعمار ياسر، وعبدالله بن مسعود، وأبو سعيد الخدري، وثوبان، وقرة بن إياس المزني، وعبدالله بن حارث ، وأبوهريرة، وحذيفة بنيمان، وجابر بن عبدالله ، وأبو أمامة، وجابر بن ماجد، وعبدالله بن عمر، وأنس بن مالك، وعمر بن حصين، وأم سلمة. لقد نقل هؤلاء العشرون وغيرهم أحاديث المهدي، ونقلت نصوص عن الصحابة تصرح

ص: 118

بظهور المهدي عليه السلام ، يمكن أن نجعلها إلي جانب روايات الرسول صلي الله عليه و آله؛ لأن مسألة الظهور ليست من الأمور التي يمكن الاجتهاد فيها.

أحاديث المهدي المنتظر عليه السلام عن الرسول الأكرم ، وما بينه الصحابة اعتمادا علي قول رسول الله صلي الله عليه و آله، وشهادتهم في حكم الحديث، جاءت في كثير من الكتب الإسلامية المعروفة ومصادر أحاديث الرسول صلي الله عليه و آله؛ أعم من السنن والمعاجم والمسانيد، منها: سنن أبي داود، وسنن الترمذي، وسنن ابن ماجة، وسنن أبي عمرو الداني، ومسند أحمد، وأبي يعلي، والبزار، وصحيح الحاكم، ومعاجم الطبراني ، والروياني ، والدارقطني ، وأبو نعيم في كتاب «أخبار المهدي»، والخطيب في «تاريخ بغداد»، وابن عساكر في «تاريخ دمشق»، وغيرهم.

وكتب بعض العلماء الإسلاميين كتبا خاصة حول المهدي عليه السلام، منهم: أبو نعيم في «أخبار المهدي»، وابن حجر الهيتمي في «القول المختصر في علامات المهدي المنتظر»، والشوكاني في «التوضيح في تواتر ما جاء في المنتظر والدجال والمسيح»، وإدريس العراقي المغربي في «المهدي»، وأبو العباس بن عبد المؤمن المغربي في «الوهم المكنون في الرد علي ابن خلدون»، وآخر من كتب مبسوطا في هذا المجال مدير جامعة المدينة الإسلامية في أعداد من مجلة الجامعة المذكورة.

وقد نص علي أن أحاديث المهدي متواترة جمع من الأعلام قديما وحديثا، منهم: السخاوي في «فتح المغيث»، ومحمد بن أحمد السفاريني في «شرح العقيدة»، وأبو الحسن الآبري في «مناقب الشافعي»، وابن تيمية في فتاويه ، والسيوطي في «الحاوي»، وألف إدريس العراقي حول «المهدي»، والشوكاني في

ص: 119

«التوضيح في تواتر ما جاء في المنتظر والدجال والمسيح»، ومحمد بن جعفر الكناني في «نظم المتنائر في الحديث المتواتر»، وأبو العباس بن عبد المؤمن في «الوهم المكنون من كلام ابن خلدون»؛ إنما إشكالية ابن خلدون في أن أحاديث المهدي مجعولة موضوعة لا أساس لها، ولكن رده كبار وأئمة علماء المسلمين، سيما ابن عبدالمؤمن ؛ حيث كتب في رده كتاب خاصا سمي «الوهم المكنون في كلام ابن خلدون» طبع قبل 30 سنة في الشرق والغرب، ونض الحفاظ والمحدثون علي أن أحاديث المهدي فيها الصحيح والحسن، و مجموعها متواتر مقطوع بتواتره وصحته، وأن الاعتقاد بخروج المهدي واجب، وأنه من عقائد أهل السنة والجماعة ولا ينكره إلا جاهل بالسنة ومبتدع في العقيدة (1).

2. توضيح منشور علماء الحجاز بإيجاز:

اشارة

في رأينا أن مفاد هذا المنشور واضح وصريح لا يحتاج إلي مزيد من البيان ؛ لأن مستنداته قد دونت بشكل لا يمكن لأحد إنكارها ، إنما الاختلاف علي ما جاء في المنشور وعقيدة الشيعة هو: أن اسم والد الإمام المهدي عليه السلام قد ذكر أنه عبدالله ، لكن من مسلمات الشيعة أن أباه عليه السلام هو الإمام الحسن العسكري عليه السلام. وأصل المغالطة هو أنه قد جاءت في بعض روايات أهل السنة - مثل سنن أبي داود - نقلا عن النبي صلي الله عليه و آله عبارة: «ان اسم أبيه اسم أبي»، بينما الدلائل تشيرإلي أن أصل العبارة: «اسم أبيه اسم ابني»، أي الإمام الحسن المجتبي عليه السلام، وحصل هذا

ص: 120


1- انظر آخر كتاب البيان للكنجي الشافعي ، المطبوع مع «أحاديث المهدي من مسند أحمد بن حنبل» في سنة 1410 ه- ق ، الطبعة الخامسة ، مؤسسة النشر الاسلامي ، في قم.

الخطأ واللبس لهم بسبب هذا التصحيف. وهذا ما أيده الكنجي الشافعي في كتاب «البيان في أخبار صاحب الزمان»، وهناك أقوال كثيرة لعلماء وكتاب الشيعة والسنة في هذا المجال لا ضرورة لذكرها.

علي كل حال، لا اعتبار في عبارة اسم والد الإمام المهدي عليه السلام الواردة في منشور علماء الحجاز وفي بعض روايات العامة، وذلك لأسباب:

أولا : عدم وجود هذه العبارة في أكثر الروايات والكتب المعتبرة لأهل السنة .

ثانيا: وردت هذه العبارة صحيحة في رواية ابن أبي ليلي المعروفة بلفظ «اسمه اسمي واسم أبيه اسم ابني» أي الحسن المجتبي عليه السلام.

ثالثا: الروايات المتواترة والقطعية الواردة عن أهل البيت عليهم السلام تشهد بأن اسم والد الإمام المهدي عليه السلام هو الحسن.

رابعا : بعض روايات أهل السنة تصرح بأن الإمام المهدي عليه السلام ابن الإمام الحسن العسكري عليه السلام، وقد أيد هذا الموضوع - وأقر بأن الإمام المهدي الموعود هو ابن الإمام الحسن العسكري عليه السلام- بعض أكابرهم مثل محمد بن يوسف الكنجي في كتاب «البيان»، ومحيي الدين العربي في «الفتوحات المكية» - علي ما نقل عنه الشعراني - وعبدالوهاب الشعراني في كتاب «يواقيت وجواهر» المبحث (65)، ومحمد بن طلحة الشافعي في كتاب «مطالب السؤول»، وابن الصباغ المالكي في «الفصول المهمة» وآخرون غيرهم.

خامسا: الظاهر أنه لا اعتبار في مستند هذه العبارة؛ لأن تسمية والد الإمام المهدي عليه السلام ب-«عبدالله» علي ما جاء في منشور علماء الحجاز لم ينقلها أحد سوي أبي داود، وراويها «زائدة» كان يتصرف ويزيد في الأحاديث، علي ما صرح به

ص: 121

الكنجي الشافعي(1). إذن رواية كهذه لا يعتني بها.

سادسا: في الحقيقة أن عبارة «اسم أبيه اسم أبي» في رواية أبي داود - وعلي ما قال الكنجي الشافعي - أضافها «زائدة» في آخر الرواية، ومع ذلك استند إليها، وقد أصبحت هذه الزيادة منشأ الخلاف في اسم والد الإمام المهدي عليه السلام، ولها جذور موضوعة؛ ولوضع النقاط علي الحروف نلفت نظر القارئ الكريم لتيارين تأريخيين حتي يتبين لأهل التحقيق زيف القسم الأخير من الرواية ويقفوا علي حقيقتها.

واقعتان تاريخيتان :

1.كتب المؤرخ المدقق الشهير ابن الطقطقي في تاريخه : هو محمد بن عبدالله المحض ابن الحسن بن الحسن بن علي بن أبي طالب عليه السلام. كان النفس الزكية من سادات بني هاشم ورجالهم فضلا وشرفا ودينا وعلما وشجاعة وفصاحة ورئاسة وكرما ونبلأ، وكان في ابتداء الأمر قد شيع بين الناس أنه المهدي الذي بشر به ، وأثبت أبوه هذا في نفوس طوائف من الناس، وكان يروي أن الرسول صلوات الله عليه وسلامه قال : لو بقي من الدنيا يوم لطول الله ذلك اليوم حتي يبعث فيه مهدينا أو قائمنا، اسمه كاسمي واسم أبيه كاسم أبي، فأما الإمامية فيروون هذا الحديث خاليا من «واسم أبيه كاسم أبي»، فكان عبدالله المحض يقول للناس عن ابنه محمد: هذا هو المهدي الذي بشر به، هذا محمد بن عبدالله ، .. ثم عضد ذلك أن أشراف بني هاشم بايعوه (2)ورشحوه للأمر فقدموه علي نفوسهم، فزادت رغبته في

ص: 122


1- انظر البيان في أخبار صاحب الزمان المطبوع في آخر كفاية الطالب : 483 الباب الأول.
2- مثل كثير من بني العباس ، حتي المنصور الدوانيقي قبل تسلمه الخلافة ، وأخوه السفاح، حيث بايعوه بعنوان أنه خليفة ، مقابل حكومة بني أمية .

طلب الأمر، وزادت رغبة الناس فيه(1).

إذن ليس من البعيد وضع عبارة «واسم أبيه اسم أبي» من قبل الأب أو الابن أو أتباعهما وأنصارهما، ليتمكنوا من خداع عوام الناس ويعرفوا لهم المهدي الكاذب أي «النفس الزكية» بدلا من المهدي الموعود حقا، وحصلوا علي نجاح ما في هذا المجال، ولكن لم يمض وقت طويل حتي كشفت الأستار وظهر كذبهم.

2.كتب أبو الفرج الأصفهاني : إن المنصور كان يريد البيعة للمهدي، وكان ابنه جعفر يعترض عليه في ذلك، فأمر بإحضار الناس فحضروا، وقامت الخطباء فتكلموا، وقالت الشعراء فأكثروا في وصف المهدي وفضائله، وفيهم مطيع بن إياس، فلما فرغ من كلامه في الخطباء وإنشاده في الشعراء قال للمنصور: يا أمير المؤمنين حدثنا فلان عن فلان أن النبي صلي الله عليه و آله قال : «المهدي منا محمد بن عبدالله ، وأمه من غيرنا، يملؤها عدلا كما ملئت جورا» وهذا العباس بن محمد أخوك يشهد علي ذلك ، ثم أقبل علي العباس، فقال له: أنشدك الله هل سمعت هذا؟ فقال: نعم، مخافة من المنصور، فأمر المنصور الناس بالبيعة للمهدي. قال : ولما انقضي المجلس وكان العباس بن محمد لم يأنس به، قال: أرأيتم هذا الزنديق إذ كذب علي الله تعالي ورسوله صلي الله عليه و آله حتي استشهدني علي كذبه، فشهدت له خوفا، وشهد كل من حضر علي بأني كاذب ...(2).

علي كل حال، عندما تراجع تاريخ وشرح أبي الفرج الأصفهاني والدكتورة سميرة مختار الليثي (3) وما كتبوه عن محمد بن عبدالله المعروف ب «النفس الزكية»،

ص: 123


1- تاريخ الفخري : 166-165.
2- الأغاني 13: 287، لسان الميزان 6: 68.
3- جهاد الشيعة :146.111

وادعاء المهدوية والخلافة، وكذا تصرفات ورود فعل المنصور الدوانيقي، وادعاء المهدوية لولده «المهدي العباسي»، يتضح لك جيدا أن هؤلاء كانوا بصدد فرض مهدوية الإسلام علي الناس تحت عنوان «محمد بن عبدالله» لنفسه أو لابنه؛ مستغلين الحديث بإضافة عبارة إلي الحديث المقطوع به المنقول عن الصحابة والتابعين و عظماء الإسلام عن النبي الأكرم صلي الله عليه و آله حول الإمام المهدي عليه السلام ، فخدعوا الناس ليصلوا إلي أهدافهم بأيسر الطرق وأسهلها.

إذن يمكن أن نقول بلا شك : أن عبارة «واسم أبيه اسم أبي» الواردة في آخر رواية أبي داود - والتي أخذها علماء العامة كدليل لا يقبل النقاش - إنما هي موضوعة ومختلفة من قبل هؤلاء وأتباعهم وعملائهم

ولإثبات هذا المطلب وإثبات الحقيقة نذكر رواية أخري نقلها أبو الفرج الاصفهاني حول المهدي العباسي عن المنصور الدوانيقي . كتب أبو الفرج الأصفهاني في مقاتل الطالبيين، عن يوسف بن قتيبة، «قال : أخبرني أخي مسلم ابن قتيبة، قال : أرسل إلي أبو جعفر [المنصور] فدخلت عليه فقال : قد خرج محمد بن عبدالله وتسمي بالمهدي، ووالله ما هو به، وأخري أقولها لك لم أقلها الأحد قبلك، ولا أقولها لأحد بعدك: وابني والله ما هو بالمهدي الذي جاءت به الرواية، ولكني تيمنت به وتفاءلت به»(1).

أما ما ذكره علماء الحجاز من أن الإمام المهدي عليه السلام حسني؛ فلذلك لأن أم الإمام الباقر عليه السلام هي بنت الإمام الحسن المجتبئ عليه السلام، وعلي هذا فالأئمة من بعده عليهما السلام حسنيون حسينيون، والإمام المهدي عليه السلام حفيد الإمام الحسين عليه السلام من

ص: 124


1- مقاتل الطالبيين : 218.

جهة أبنائه وحفيد الإمام الحسن عليه السلام من جهة بناته . إذن كون الإمام المهدي عليه السلام حسنيا ليس بضائر.

ثم إن ما مر علي قرائنا الكرام إنما هو نماذج من أقوال واعترافات كبار علماء أهل السنة، وإقرارهم بمجيء رجل من آل البيت يسمي الإمام المهدي عليه السلام ، و قبولهم الأحاديث المتعلقة به عليه السلام .

والآن ينبغي علينا أن نري ماذا يقول المخالفون لوجود الإمام المهدي عليه السلام ؟ وما هو منطقهم؟

3. ماهي تخرصات المنكرين لوجود الإمام المهدي عليه السلام ؟

اشارة

بالرغم من أن مسألة ظهور الإمام المهدي عليه السلام مشهورة ومعروفة بين علماء العامة، واعترف عدد كبير من أكابرهم بأن الأحاديث المذكورة مشهورة ومتواترة، لكن بعض متعصبيهم قدح بالمسألة رغم وضوحها، وهم قليل ، مثل أحمد أمين المصري في كتاب «المهدي والمهدوية في الإسلام»، وسعد محمد حسن في كتاب «المهدوية في الإسلام»، وفريد وجدي في كتاب «دائرة المعارف» مادة «سلم»، والطنطاوي في «تفسير الجواهر»، ومحمد عبدالله عنان في كتاب «مواقف حاسمة» ؛ فإنهم ترددوا وأنكروا المهدوية وغضوا النظر عما جاء في كتب علمائهم ومفاخرهم، حتي أنهم اعتبروا ظهور الإمام المهدي عليه السلام أسطورة مختصة بالشيعة، وكأن لا رأي لأهل السنة فيه !!

ولتنوير الأفكار نضع الآن أمام القراء الأعزاء أقوال عدد من أئمة المخالفين المنكرين لوجود الإمام المهدي عليه السلام ، ليتضح مدي ابتعادهم عن الحق والحقيقة

ص: 125

وحتي عن ضروريات مذهبهم وعن أصحاب عقيدتهم .

1. ابن حزم الأندلسي وضلاله العجيب!

المتقدم في هذا المجال هو ابن حزم الأندلسي (المتوفي سنة 456 ه-)، إذ أصبح إنكار هذا الرجل السني المتظاهر بالعلم - لوجود الإمام المهدي المنتظر عليه السلام ، وما كتب في كتابه «الفصل»، والتهم التي قالها علي ابن الإمام الحسن العسكري عليه السلام . أصبح منشأ انحراف مجموعة أخرئ ؛ سيما كتاب العامة المعاصرين أمثال أحمد أمين المصري.

كتب ابن حجر العسقلاني في ذيل ترجمة «ابن حزم» من كتاب «السان الميزان»: فتمالأ عليه فقهاء عصره وأجمعوا علي تضليله وشنعوا عليه وحذروا أكابرهم من قبيله ونهوا عوامهم عن الاقتراب منه(1).

هذا المطرود من قبل أهل مذهبه ، كتب بمنتهي الوقاحة في كتاب «جمهرة أنساب العرب» عن الإمام الحسن العسكري عليه السلام قائلا: فأما الحسن، فهو آخر أئمة الرافضة، ولم يعقب !! وادعي الرافضة أن جارية له اسمها «صقيل» ولدت منه بعد موته! وهذا كذب(2).

2. الخطيب البغدادي

الشخص الثاني الذي لم يذكر اسما للإمام المهدي هو الخطيب البغدادي (المتوفي 463ه-)، وذلك عندما أورد اسم الإمام الحسن العسكري عليه السلام فكتب:

ص: 126


1- لسان الميزان 4: 200 ، الترجمة 531 «علي بن أحمد بن سعيد بن حزم» .
2- جمهرة أنساب العرب : 61.

«أبو محمد الحسن بن علي»(1)، ولم يذكر له ولدا(2). 3. ابن كثير الشامي

ذكر ابن كثير الشامي (المتوفي سنة 774 ه-) في تاريخه المعروف «البداية والنهاية»، الجلد 13، ذيل حوادث سنة 254 ه- الإمام علي النقي الهادي، وقال : «وهو والد الحسن بن علي العسكري»(3)، ولم يذكر الإمام الحسن العسكري عليه السلام منفردا كعالم من علماء عصره.

والأعجب من أقوال ابن حزم المتهرئة وأفكاره السقيمة ومؤيديه، قول العلامة السمناني - علي ما نقل الجامي في كتاب «شواهد النبوة»، والقاضي حسين الدياربكري في «تاريخ الخميس» - حيث قال: ولد محمد بن الحسن العسكري عليه السلام، ووصل إلي مقام القطبية، ثم توفي !!(4)

والأغرب من قول العلامة السمناني ، قول الحافظ الذهبي في «تاريخ الإسلام»؛ حيث قال : محمد بن الحسن، ولد سنة 258 أو 256 ه-، بقي سنتين بعد أبيه، وفقد بعدها ولم يعلم كيف توفي ! (5)

والأدهي من قول هذين الشخصين، قول ابن حجر الهيتمي المكي، علي ما

ص: 127


1- تاريخ بغداد 7: 366
2- أقول : لعل اعترافه بتكنية الإمام الحسن العسكري عليه السلام ب «أبي محمد» ، خير دليل علي وجود وولادة ابنه الإمام المنتظر . المشرف.
3- البداية والنهاية 17:11 .
4- انظر تاريخ الخميس 2: 289. ونص عبارته هي: «قال الشيخ علاء الدولة أحمد بن محمد السمناني رضي الله عنه في ذكر الأبدال وأقطابهم : وقد وصل إلي الرتبة القطبية محمد بن الحسن العسكري ... وبقي في الرتبة القطبية تسع عشرة سنة ثم توفاه الله بروح وريحان» !!! المشرف.
5- تاريخ الإسلام 113:19 ، حوادث 51 - 60.

ذكر في كتاب «الصواعق المحرقة» عن أهل البيت عليهم السلام، حيث كتب عن الإمام العسكري عليه السلام: «لم يخلف غير ولده أبي القاسم محمد الحجة، وعمره عند وفاة أبيه خمس سنين، لكن آتاه الله فيها الحكمة، ويسمي: القائم المنتظر».

ومع هذا الاعتراف أتبع كلامه في كتابه بقوله: «قيل اختفي في المدينة وغاب فلم يعرف أين ذهب !»(1)

الفضيحة إلي أين؟

وصلت فضيحة هؤلاء إلي حد أن المحدث السني الكبير «ملا علي القارئ» كتب كتابا خاصا للرد عليهم سماه «الرد علي من حكم وقضي بأن المهدي الموعود جاء مضي».

اليت هؤلاء المتعصبين والمعاندين فكروا قليلا وتأملوا بالروايات الواردة في الكتب المعتبرة لأهل السنة الحاكية عن الإمام المهدي المنتظر عليه السلام وظهوره في آخر الزمان، وبآراء بعض المشاهير من العلماء الذين ذكروا في كتبهم ان محمد بن الحسن العسكري عليه السلام هو الحجة القائم، وأقروا بوجوده إماما للشيعة، فلو فكروا بذلك لما سقطوا في وحل الاستكانة والخضوع أمام محكمة التاريخ والوجدان وأمام أحرار العالم المنصفين.

ص: 128


1- الصواعق المحرقة : 208 آخر الفصل الثالث، قبل الخاتمة ، الإمام المهدي عند أهل السنة : 371

القسم الخامس: الإمام المهدي الموعود عليه السلام في أقوال أعاظم علماء أهل السنة

اشارة

وفيه:

1. العلماء الذين يعتقدون أن الإمام المهدي علي ابن الإمام الحسن العسكري عليه السلام

2. خرافة السرداب

ص: 129

ص: 130

تحدثنا عن إحدي المسائل المتفق عليها عند الشيعة والسنة وهي المهدوية وعقيدة ظهور الإمام المهدي عليه السلام، وكذلك عن اعتراف العديد من علماء أهل السنة بصحة وتواتر أحاديث المهدي عليه السلام، وهنا نطرح آراء مجموعة من علمائهم حول الإمام المهدي عليه السلام، لكي يتضح إجماع المسلمين في هذه المسألة أكثر.

ابن أبي الحديد المعتزلي يقول: وقد وقع اتفاق الفرق من المسلمين أجمعين علي أن الدنيا والتكليف لا ينقضي إلا عليه(1).

محمد أمين السويدي يقول: الذي اتفق عليه العلماء أن المهدي هو القائم في آخر الوقت، وأنه يملأ الأرض عدلا ، والأحاديث فيه وفي ظهوره كثيرة(2).

ويقول ابن منظور مؤلف كتاب «لسان العرب»: المهدي الذي قد هداه الله إلي الحق، وقد استعمل في الأسماء حتي صار كالأسماء الغالبة، وبه سمي المهدي الذي بشر به النبي - صلي الله عليه [وآله ]وسلم - أنه يجيء في آخر الزمان(3).

وابن الأثير يقول: المهدي الذي بشر به رسول الله - صلي الله عليه [وآله] وسلم - أنه يجيء في آخر الزمان(4) .

ص: 131


1- شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد 96:10 .
2- سبائك الذهب : 78، هامش منتخب الأثر: 34، الإمام المهدي : 300.
3- لسان العرب 354:15 مادة «هدي».
4- النهاية لابن الأثير 5: 254 مادة «هدي» .

والزبيدي مؤلف كتاب «تاج العروس» يقول: المهدي : الذي بشر به أنه يجيء آخر الزمان ، جعلنا الله من أنصاره(1).

ابن حجر المكي يقول: وقد ظهرت بركة دعائه - صلي الله عليه [وآله] وسلم -في نسلهما (يعني علي وفاطمة عليهما السلام ) فكان منه من مضي ومن يأتي، ولو لم يكن في الآتين إلا الإمام المهدي عليه السلام لكفي (2).

وقال في مكان آخر: الإمام المهدي المنتظر عليه السلام واحد لا ثاني له(3).

ويقول شمس الدين الذهبي: إن الإمام المهدي من أولاد الإمام الحسن العسكري عليه السلام، وهو باق إلي أن يأذن الله له بالخروج، فيملأ الأرض قسطا وعدلا كما ملئت ظلما وجورا(4).

ويقول شمس الدين القرطبي : إن جميع ملوك الدنيا كلها أربعة: مؤمنان وكافران، فالمؤمنان سليمان بن داود والإسكندر، والكافران نمرود وبخت نضر، وسيملكها من هذه الأمة خامش وهو المهدي عجل الله تعالي فرجه (5).

والمقدسي الشافعي من علماء القرن السابع الهجري يقول في ديباجة كتاب «عقد الدرر في أخبار المنتظر» بعد أن اشتكي الزمان وكثرة الفتن: فزعم بعضهم أن نار الحرب لا تزداد إلا تضرما واستعارا .. وتشبثت بأذيال الأحاديث الواردة في هذا المعني ، فقلت له: نحن نسلم صحة هذه الأحاديث و نتلقاها بالسمع والطاعة،

ص: 132


1- تاج العروس 408:10 .
2- الصواعق المحرقة : 163.
3- المهدي : 87.
4- المهدي الموعود المنتظر 1: 197.
5- تذكرة القرطبي : 607، إلزام الناصب 2: 305، المهدي : 85، عقد الدرر: 19. 20.

لكن ليس فيها ما يدل علي استمرار هذا الأمر إلي أن تقوم الساعة، ولعل زواله يكون عند خروج الإمام المهدي، واضمحلاله منوط بظهور سره المخفي ، فقد بشرت بظهوره أحاديث جمة دونتها في كتبهم علماء هذه الأمة، وأن الله تعالي يبعث من يمهد لولايته تمهيدا يتهدم له شوامخ الأطواد، ويجمع علي مولاته الحاضر والباد، فيملك الأرض حزنا وسهلا ويملأها قسطا وعدلا(1).

والبخاري (المعروف بخواجه پارساي) يقول: و مناقب المهدي - رضي الله عنه ، صاحب الزمان، الغائب عن الأعيان، الموجود في كل زمان - كثيرة. وقد تظاهرت الأخبار علي ظهوره وإشراق نوره، يجدد الشريعة المحمدية، ويجاهد في الله حق جهاده، ويطهر من الأدناس أقطار بلاده، زمانه زمان المتقين، وأصحابه خلصوا من الريب، وسلموا من العيب، وأخذوا بهديه وطريقه ، واهتدوا من الحق إلي تحقيقه، به ختمت الخلافة والإمامة، وهو الإمام من لدن مات أبوه إلي يوم القيامة، وعيسي عليه السلام يصلي خلفه ويصدقه علي دعواه ويدعو إلي ملته التي هو عليها، والنبي - صلي الله عليه وآله وسلم - صاحب الملة(2).

ومحيي الدين العربي يقول: واعلموا أنه لابد من خروج المهدي عليه السلام، لكن لا يخرج حتي تمتلئ الأرض جورا وظلما، فيملأها قسطا وعدلا ... وهو من عترة رسول الله صلي الله عليه و آله من ولد فاطمة - رضي الله تعالي عنها - جده الحسين بن علي بن

ص: 133


1- عقد الدرر : 5.
2- كشف الأستار: 59، البرهان علي وجود صاحب الزمان : 67، الإمام المهدي : 303، المجالس السنية 5: 580 نقلا عن الإمام المهدي عليه السلام.

أبي طالب، ووالده الإمام حسن العسكري عليه السلام(1) .

ويقول مؤلف كتاب «إرشاد المستهدي»:

إياك أيها اللبيب والشك والشبهة في ظهور المهدي؛ لأنه إكمال الإيمان بالله وبرسوله وبما جاء به، والنبي صادق مصدق، ولا شبهة أن المهدي الموعود عليه السلام لم يظهر حتي الآن ومن زعم ذلك فهو كذاب ؛ لعدم توفر العلامات والصفات التي أوردتها الروايات فيهم. وظهور المهدي ومعرفته مشهور بين، وسيكون قبل نزول عيسي عليه السلام، وحسب ما جاءت به الأخبار فإن لقاءه بالمسيح أمر ثابت وبديهي . ومن يطلب المزيد يمكنه مراجعة الكتب المسطورة في هذا المجال، ونعمد هنا في كتاب «إرشاد المستهدي» إلي إثبات تواتر روايات الظهور باختصار (2)..

ويقول في موضع آخر حول أحاديث الظهور:

ذكر عامة المحدثين وغيرهم هذه الأحاديث والآثار في كتبهم، والإيمان بظهور المهدي - رضي الله عنه - مشهور و معروف بين الصحابة؛ وأصحاب هذه العقيدة والإيمان أخذوه عن الرسول، وكذا الأخبار والمراسيل الواردة عن التابعين ؛ لأنهم لم يجتهدوا من عند أنفسهم(3).

ص: 134


1- اليواقيت والجواهر 2: 562، المبحث 65 ، إسعاف الراغبين المطبوع في حاشية نور الأبصار 154.
2- امامت و مهدويت 2: 315 و 316.
3- امامت و مهدويت 2: 315 و 316.

1. العلماء الذين يعتقدون أن الإمام المهدي عليه السلام ابن الإمام الحسن العسكري عليه السلام:

ذكرنا فيما سبق أن أكثر أكابر علماء العامة بل الأغلبية الساحقة يعتقدون أن الإمام المهدي حقيقة، ويقولون أنه من أهل بيت النبي صلي الله عليه و آله، وفاطمي وعلوي، من نسل الإمام الحسين، لكنه سيولد في آخر الزمان ويملأ الأرض قسطا وعدلا وهو شاب.

ومن الذين يعتبرون الإمام المهدي عليه السلام من نسل الإمام الحسين عليه السلام كان ولا زال أشخاص ذوو وجدان حي مراعون لأمانة نقل الحديث والتاريخ، قالوا بكامل الصراحة: إن الإمام المهدي من سلالة النبي الطاهرة، ومن نسل الإمام الحسين، وهو ليس إلا ابن الإمام الحسن العسكري عليه السلام.

أعلن هؤلاء بصراحة من غير عمالة إلي حكومات بني أمية وبني العباس - التين طالما ارتبط بها علماء العامة - وبعيدا عن العصبية: أن أبا القاسم محمد بن الحسن العسكري عليه السلام، المولود سنة 255 ه- ( أو غيرها علي أقوال)، في مدينة سامراء، وفي بيت الإمام الحسن العسكري عليه السلام، والإمام الثاني عشر عند الشيعة، هو الإمام المهدي عليه السلام ؛ لأن مجموع الروايات المنقولة عن أكابر العامة حول الإمام المهدي المنتظر صحيحة ومعتبرة تنطبق عليه عليه السلام، ولا يمكن أن يكون المهدي شخصا آخر غيره.

ولا يخفي أن منهم من اكتفي بذكر اسم ابن الإمام العسكري عليه السلام أو ذكر ولادته، ولم يشر إلي أنه «المهدي الموعود»، والمدهش أن حتي العدد القليل الذي لا يتجاوز عدد الأصابع، القائلين بأن الإمام المهدي توفي بعد ولادته - مثل علاء الدولة السمناني ، والحافظ الذهبي، وكذا ابن حجر المكي - يقرون بأن الإمام

ص: 135

المهدي عليه السلام هو ابن الإمام الحسن العسكري عليه السلام؛ لأن معظم الذين أخبروا عن ولادة الإمام محمد بن الحسن العسكري عليه السلام- من العامة - لم ينبسوا ببنت شفة في أنه كيف أصبح ؟ وأين ذهب؟ وماذا كان مصيره؟ ولكن هؤلاء العدد القليل المتعصبين المعاندين قالوا من عن أنفسهم بوفاة الإمام المهدي عليه السلام؛ لصرف أفكار الشيعة عن الانتظار، ولتكون المهدوية وانتظار ظهور الإمام المهدي عليه السلام في طي النسيان حسب تصورهم الساذج.

علي كل حال : أقر عدد كبير من أكابر علماء العامة والمؤرخين والمحدثين والحفاظ بالوجود المقدس للإمام المهدي الموعود ز، وأنه ابن الإمام الحسن العسكري عليه السلام، وإليك نماذج مختصرة من أقوالهم:

1- ابن أبي الثلج البغدادي (المتوفي سنة 326 ه-)، عاش في بغداد، وعاصر نواب الإمام ولي العصر عليه السلام، وكان أستاذ أبي الحسن الدارقطني علي ما قاله الخطيب البغدادي في «تاريخ بغداد».

قال ابن أبي الثلج في كتاب «مواليد ووفيات الأئمة»(1)عند ذكره أولاد الإمام أبي محمد الحسن العسكري عليه السلام: ولد للحسن بن علي عليه السلام محمد وموسي وفاطمة وعايشة(2)... إلي أن نقل عند ولادة الإمام الحجة - محمد بن الحسن - قول الإمام الحسن العسكري في كلام كثير: «زعمت الظلمة أنهم يقتلونني ليقطعوا هذا..

ص: 136


1- كتاب مواليد الأئمة لابن أبي الثلج، المطبوع مع كتاب الغيبة للشيخ المفيد، ونوادر الراوندي ، عام 1370 ه- في النجف الأشرف.
2- نلاحظ أسماء محمد، موسي، فاطمة ، وعايشة ، كأبناء للإمام الحسن العسكري هنا فقط ، ونقل سائر علماء العامة منه ، لكن المشهور - كما نعلم - أنه ليس للإمام الحسن العسكري ولد سوي المهدي ، أي محمد بن الحسن الحجة عليه السلام.

النسل ؛ كيف رأوا قدرة القادر؟!» وسماه المؤمل.

وكتب في باب ذكر أمهات الأئمة عليهم السلام: أم القائم حكيمة، ويقال نرجس، ويقال سوسن، قال [محمد] ابن همام: حكيمة هي عمة أبي محمد، وهي حدثت بولادة صاحب الزمان ، وهي روت أن أم الخلف اسمها نرجس(1).

2- علي بن الحسين المسعودي (المتوفي سنة 346 ه-)، مؤرخ معروف وعالم جغرافي شهير، يعتبره العامة من العلماء المشهورين.

ذكر في الجزء الرابع من كتابه مروج الذهب - الذي فرغ من تأليفه سنة 67 ه- ۔ عن الإمام المهدي نلاحظ أسماء محمد، موسي، فاطمة ، وعايشة ، كأبناء للإمام الحسن العسكري هنا فقط ، ونقل سائر علماء العامة منه ، لكن المشهور - كما نعلم - أنه ليس للإمام الحسن العسكري ولد سوي المهدي ، أي محمد بن الحسن الحجة عليه السلام.: توفي أبو محمد الحسن بن علي ... ابن الحسين بن علي ابن أبي طالب نلاحظ أسماء محمد، موسي، فاطمة ، وعايشة ، كأبناء للإمام الحسن العسكري هنا فقط ، ونقل سائر علماء العامة منه ، لكن المشهور - كما نعلم - أنه ليس للإمام الحسن العسكري ولد سوي المهدي ، أي محمد بن الحسن الحجة عليه السلام. في سنة 260 ه-، في سن 29 سنة زمن المعتمد العباسي، وهو أب الإمام المهدي المنتظر عن الإمام الثاني عشر للشيعة (2).

وكتب المسعودي أيضا في كتاب «التنبيه والإشراف» - الذي فرغ من تأليفه قبل موته بسنة أي سنة 345 في مدينة فسطاط مصر : عند تأليف هذا الكتاب الإمام المنتظر للشيعة محمد بن الحسن... ابن علي بن أبي طالب عليه السلام(3)

3- أحمد بن حسين البيهقي الشافعي (المتوفي سنة 458 ه-)، الذي قال بحقه أمام الحرمين عبد الملك الجويني علي ما نقل ابن خلكان : ما من شافعي إلا وللشافعي عليه منة إلا أحمد البيهقي فالمئة له عليه.

كتب البيهقي في كتابه «شعب الايمان» عن الإمام المهدي نلاحظ أسماء محمد، موسي، فاطمة ، وعايشة ، كأبناء للإمام الحسن العسكري هنا فقط ، ونقل سائر علماء العامة منه ، لكن المشهور - كما نعلم - أنه ليس للإمام الحسن العسكري ولد سوي المهدي ، أي محمد بن الحسن الحجة عليه السلام: اختلف الناس في الإمام المهدي، فتردد جمع وأوكلوا العلم به إلي الله ؛ يعتقدون أن الإمام

ص: 137


1- مواليد الأئمة : 10.9 .
2- مروج الذهب 4: 112.
3- التنبيه والإشراف : 198۔199.

المهدي من أولاد فاطمة بنت رسول الله صلي الله عليه و آله ومتي ما شاء الله يخلقه ويبعثه لنصرة دينه. ويقول جمع آخر: ولد الإمام المهدي عليه السلام في يوم الجمعة منتصف شعبان سنة 255 ه-، وهو الإمام الملقب بالحجة والقائم المنتظر، دخل سرداب(1) سامراء واختفي عن أنظار الناس، ينتظرون خروجه، يقولون: هو حي سيظهر يملأ الأرض قسطا وعدلا كما ملئت ظلما وجورا........

ثم قال : ولا منع في بقائه وطول عمره عقلا مثل بقاء عيسي والخضر عليهما السلام ، والمعتقدون بهذا هم الشيعة الإمامية؛ يوافقهم فيها جمع من أهل العرفان(2).

4 - الشيخ أحمد الجامي (المتوفي 536 ه-)، عارف معروف و مشهور، أثني عليه عبدالرحمان الجامي في كتاب «نفحات الأنس» عند عد مشايخ الصوفية ، وهو من القائلين بأن الإمام المهدي عليه السلام ابن الإمام الحسن العسكري عليه السلام.

وقد أنشد أشعارا في الأئمة الاثني عشر، وفي الإمام المهدي الموعود عليه السلام علي ما نقل صاحب «ينابيع المودة»:

من ز مهر حيدرم هر لحظه در دل صد صفاست *** و از پس حيدر حسن ما را امام و رهنماست

همچو كلب افتاده ام بر آستان بوالحسن ***خاك نعلين حسين اندر دو چشمم توتياست

عابدين تاج سر و باقر دو چشم روشنم ***دين جعفر بر حق است و مذهب موسي رواست

ص: 138


1- اعتمد أكثر علماء السنة علي هذا في اختلاقهم خرافة السرداب، وطعنوا أحيانا بالشيعة بناء علي ذلك ، وستقف علي تفصيل ذلك في آخر هذا القسم.
2- المهدي الموعود المنتظر 1: 182 الباب 16، كشف الأستار: 98.

إلي موالي وصف سلطان خراسان را شنو*** ذره اي از خاك قبرش دردمندان را دواست

پيشواي مؤمنان است اي مسلمانان تقي *** گر نقي را دوست داري بر همه مذهب رواست

عسكري نور دو چشم عالم است و آدم است ***همچو يك مهدي سپهسالار در عالم كجاست

شاعران از بهر سيم و زر سخنها گفته اند *** أحمد جامي غلام خاص شاه أولياست(1)

5 - فخر الدين الرازي (المتوفي 606 ه-)، عالم، مفكر، فيلسوف، مفسر،و محقق رفيع الشأن من العامة . كتب عند د فرق الشيعة في كتابه «الفرق»:

الثالث عشر: المنتظرون، هؤلاء يعتقدون أن الإمام بعد الإمام الحسن العسكري عليه السلام هو ابنه ، غائب عن الأنظار وسيظهر. وهذا مذهب الإمامية في زماننا، وهم يدعون: «اللهم صل علي محمد المصطفي، وعلي المرتضي، وخديجة الكبري، وفاطمة الزهراء، والحسن الزكي، والحسين الشهيد بكربلاء،

ص: 139


1- ينابيع المودة 3: 350.349 .حبي لحيدر يغمر صفاء قلبي مئات المرات / نأتم من بعده بالحسن، الإمام المرشد أنا ككلب في فناء أبي الحسن / تراب قدم الحسين إئمد لبصري زين العابدين تاج والباقر قرة عيني / دين جعفر علي الحق ومذهب موسي جار يا سادتي اسمعوا نعت سلطان خراسان / ذرة من تراب قبره شفاء للمرضي أيها المسلمون إن التقي إمام المؤمنين / وحب النقي جار عند المذاهب العسكري قرة عيني الكون والانسان / وأين نجد قائمة كالمهدي ؟! أنشد الشعراء للمال أقوالا /، وأحمد الجامي عبد قين لسيد الأولياء

وعلي بن الحسين زين العابدين، ومحمد بن علي الباقر، وجعفر بن محمد الصادق، وموسي بن جعفر الكاظم، وعلي بن موسي الرضا، ومحمد بن علي التقي ، وعلي بن محمد النقي، والحسن بن علي، ومحمد بن الحسن العسكري الإمام القائم المنتظر ...(1)

فالفخر الرازي مع ما نعلمه من تحامله علي الشيعة في موارد عديدة من تفسيره الكبير وباقي مؤلفاته ولكن لم يمنعه ذلك من ذكر الحقيقة - مثله كمثلابن حجر . فقد خط الحق والحقيقة في بعض الأحيان، ولم يستطع إخفاءها رغم تعصبه، وذلك مثل قوله في تفسيره الكبير عن الإخفات والجهر ب-«بسم الله» في الصلاة : وأما أن علي بن أبي طالب ز كان يجهر بالتسمية فقد ثبت بالتواتر، و من اقتدئ في دينه بعلي بن أبي طالب فقد اهتدئ، والدليل عليه قوله عليه السلام : اللهم أدر الحق مع علي حيث دار..

إلي أن يقول: إن الدلائل العقيلة موافقة لنا، وعمل علي بن أبي طالب عليه السلام معنا، ومن اتخذ علي إمامة فقد استمسك بالعروة الوثقي في دينه ونفسه(2).

- اقوت الحموي (المتوفي سنة 676ه-)، عالم جغرافي مشهور.

يقول في كتاب «معجم البلدان» تحت لفظة «سامراء»: وبها السرداب المعروف في جامعها الذي تزعم الشيعة أن مهديهم يخرج منه (3)...... سامراء خربت إلا يسيرا منها في زمن المستعين - الخليفة العباسي - وفي زمان المعتضد خربت حتي لم

ص: 140


1- هذا الكتاب مع 14 مقالة له ولغيره من العلماء ، ترجم وطبع من قبل السيد محمد باقر السبزواري ؛ أستاذ جامعة إلهيات طهران.
2- التفسير الكبيرللفخر الرازي 1: 168، في تفسير سورة الحمد ، الباب 4 المسألة و الحجة 5.
3- يجب التنبه إلي أن الشيعة لا تعتقد ذلك، وسنبحث ذلك مفصلا من بعد.

يبق منها إلا موضع المشهد الذي تزعم الشيعة أن به سرداب القائم المهدي.. وبسامراء قبر الإمام علي بن محمد بن علي بن موسي بن جعفر، وابنه الحسن بن علي العسكريين، وبها غاب المنتظر في زعم الشيعة الإمامية(1).

7 - الشيخ فريد الدين العطار النيسابوري: العارف المشهور في القرن السابع الهجري، والمقتول سنة 927 ه، أثني عليه جلال الدين المولوي البلخي - شاعر كتاب «مثنوي» المشهور، رغم منزلته في العرفان - ومدحه قائلا:

هفت شهر عشق را عطار گشت*** ما هنوز اندر خم يك كوچه ايم (2)

يقول فريد الدين العطار في كتاب «مظهر الصفات»:

مصطفي ختم رسل شد در جهان*** مرتضي ختم ولايت در عيان

ج مله فرزندان حيدر أوليا *** جمله يك نورند حق كرد اين ندا(3)

ثم يعد أسماء الأئمة عليهم السلام، وحينما يصل إلي إسم إمام الزمان بقية الله عليه السلام يقول:

هزاران اوليا روي زمين *** از خدا خواهند مهدي را يقين

يا إلهي مهديم از غيب آر *** تا جهان عدل گردد آشكار

مهدي هادي است تاج اتقيا *** بهترين خلق برج أوليا

اي ولاي تو معين آمده *** بر دل و جانها همه روشن شده

اي تو ختم أولياي اين زمان *** وز همه معني نهاني جان جان

ص: 141


1- انظر كتاب معجم البلدان 3: 20 رقم 6202، لفظة «سامراء» .
2- لقد جال عطار مدن الحب السبعة /ونحن لازلنا في منعطف الزقاق .
3- جعل المصطفي خاتم الرسل في العالم / والمرتضي خاتم الأوصياء عيانا گل اولاد حيدر أولياء/ الهم من نور واحد وهذا ما نادن به الحق تعالي

اي تو هم پيدا و پنهان آمده *** بنده عطارت ثنا خوان آمده(1)

8- محيي الدين العربي (المتوفي سنة 638 ه-)، هو قطب العارفين، ورئيس الشريعة والطريقة، والواصل إلي الحق ؛ اعترف له بذلك علماء العامة عموما وعرفاء الشيعة خصوصا، يقول في المهدي عليه السلام:

وهو من عترة رسول الله صلي الله عليه وسلم، من ولد فاطمة رضي الله عنها، جده الحسين بن علي بن أبي طالب، ووالده الحسن العسكري ابن الإمام علي النقي ابن الإمام محمد التقي ابن الإمام علي الرضا ابن الإمام موسي الكاظم أبن الإمام جعفر الصادق ابن الإمام محمد الباقر ابن الإمام زين العابدين علي ابن الإمام الحسين ابن الإمام علي بن أبي طالب رضي الله عنه. يواطئ اسمه اسم رسول الله صلي الله عليه وسلم، يبايعه المسلمون بين الركن والمقام، يشبه رسول الله صلي الله عليه وسلم في الخلق وينزل عنه في الخلق ؛ إذ لا يكون أحد مثل رسول الله صلي الله عليه وسلم في أخلاقه والله تعالي يقول:«وإنك لعلي خلق عظيم »(2).

هو أجلي الجبهة، أقني الأنف، أسعد الناس به أهل الكوفة، يقسم المال بالسوية، ويعدل في الرعية . يعز الله به الإسلام بعد ذله، ويحييه به بعد موته،

ص: 142


1- ينابيع المودة 3: 350 - 351. مئات آلاف من أولياء الله علي وجه الأرض / يبغون من الله ظهور المهدي يا إلهي أظهر المهدي من عالم الغيب / لتظهر دنيا العدل به المهدي هو الهادي ، تاج الأتقياء / أفضل الخلق وذروة الأولياء يا من تعين ولاؤه / وتبين للقلوب والنفوس يا سيدي أنت خاتم أوصياء العصر / أنت غائب بالمعني الكامل يا من هو الظاهر والباطن / جاءك عطار مادحا
2- اليواقيت والجواهر 2: 562 - 563 المبحث 56.

يضع الجزية ويدعو إلي الله بالسيف، فمن أبي قيل ، و من نازعه خذل، يظهر من الدين ما هو عليه الدين في نفسه حتي إن كان رسول الله صلي الله عليه وسلم حيا لحكم به، فلا يبقي في زمانه إلا الدين الخالص(1).

9 - الشيخ عبدالرحمان الصوفي، من كبار مشايخ الصوفية، يقول عن الإمام المهدي عليه السلام في «مرآة الأسرار»:

ذكر شمس الدين والدولة، هادي الملة والدولة، خليفة أحمد الطاهر، إمام الحق : أبو القاسم محمد بن الحسن رضي الله عنه، هو الإمام الثاني عشر من أئمة أهل البيت، وأمه أم ولد تدعي نرجس، ولد ليلة الجمعة الخامس عشر من شعبان سنة 255 ه-... في سر من رأي - سامراء - .

يواطئ اسمه وكنيته اسم وكنية الرسول، وألقابه الشريفة: المهدي، الحجة، القائم، المنتظر، صاحب الزمان، والخاتم الثاني عشر.

توفي والده وهو ابن خمس سنين؛ حيث استلم مقاليد الإمامة كما وهب الله تعالي يحيي بن زكريا الحكمة في طفولته، ووهب عيسي بن مريم عليه السلام مقاما رفيعا في الصبا، كذا جعله إماما في صغر سنه.

ثم يقول: وخوارق العادات التي صدرت منه أكثر من أن تحصي في هذا الموجز... روي الشيخ محيي الدين العربي في «الفتوحات»، ومولانا عبدالرحمان الجامي في «شواهد النبوة»، أحواله وكمالاته وحقيقة ولادته وغيبته مبسوطا عن أئمة أهل بيت العترة وأرباب السير علي أحسن وجه.

وصف الشيخ سعد الدين الحموي كتابا أرفقه أمور كثيرة حول الإمام

ص: 143


1- كشف الأستار : 49- 50.

المهدي عليه السلام لا يمكن لأحد وضع الأقوال والتصرفات فيها، ولقد ذكر في كتابه : عندما يظهر المهدي تظهر الولاية المطلقة، ويمحق الظلم ويزول اختلاف المذاهب، وكما وردت أوصافه الحميدة في الأحاديث النبوية يظهر المهدي في آخر الزمان، ويطهر الربع المسكون من الأرض، ويقيمهم علي مذهب واحد(1).

10 - الشيخ سعد الدين الحموي (المتوفي سنة 650 ه-.)، عالم مشهور وعارف معروف، نائب الشيخ نجم الدين الكبيري، صنف كتابا مستقلا في حالات وصفات الإمام صاحب الزمان عليه السلام يتماشي مع عقيدة الشيعة، كتصنيف كتاب «مرآة الأسرار» لعبد الرحمان الصوفي.

يقول الشيخ عزيز الدين النسفي - علي ما قاله صاحب ينابيع المودة - في رسالة باللغة الفارسية حول النبوة والولاية: قال شيخ الشيوخ سعد الدين الحموي - قدس الله سره -: في الأديان التي سبقت نبينا محمدا صلي الله عليه و آله، لم يكن اسم «ولي» بل اسم «نبي»، والمقربون الله هم ورثة أصحاب الشريعة يدعون أنبياء، ولم يكن إلا صاحب الشريعة في كل دين، إذن كان عدد معدود من الأنبياء في دين آدم عليه السلام هم ورثته، يدعون الناس إلي دينه، وكذا في دين نوح وإبراهيم وموسي وعيسئ.

ولما جاء الدين الجديد وشريعة محمد الجديدة من الله تعالي وجد اسم «ولي»في دين محمد صلي الله عليه و آله، واصطفي الله تعالي اثني عشر شخصا من أهل بيت محمد ،صلي الله عليه و آله جعلهم ورثته والمقربين إليه، وخصهم بولايته، وجعلهم خلفاء محمد صلي الله عليه و آله وورثته، وقال في حقهم: «العلماء ورثة الأنبياء» و «علماء أمتي كأنبياء بني إسرائيل»، أما آخر ولي وآخر نائب، فهو الولي والنائب الثاني عشر خاتم

ص: 144


1- كشف الأستار: 49، المهدي الموعود المنتظر 205:1 .

الأولياء وهو المهدي صاحب الزمان. يقول الشيخ: إنما الأولياء في العالم اثناعشر لا أكثر (1).

11 - كمال الدين محمد بن طلحة الشافعي (المتوفي سنة 650 ه-)، يعد من أجلة علماء وفقهاء العامة المعروفين والمشهورين.

كتب في «مطالب السؤول في مناقب آل الرسول صلي الله عليه و آله»: الباب الحادي عشر عن الإمام أبي محمد الحسن بن علي عليهما السلام ، مولده سنة 231 ه-... وأما مناقبه، فاعلم أن المنقبة العليا والمزية الكبري التي خصه الله بها... أن المهدي محمد نسله المخلوق منه، وولده المتسب إليه، وبضعته المنفصلة عنه(2).

وقال في ترجمة الإمام الحجة عليه السلام: الباب الثاني عشر في أبي القاسم محمد بن الحسن الخالص، بن علي المتوكل، بن محمد القانع ، بن علي الرضا، بن موسي الكاظم بن جعفر الصادق، بن محمد الباقر، بن علي زين العابدين بن الحسين الزكي، بن علي المرتضي أميرالمؤمنين بن أبي طالب عليهم السلام، المهدي، الحجة، الخلف الصالح المنتظر عليهم السلام ورحمة الله وبركاته (3).

وكتب ابن طلحة في «الدر المنظم» - علي ما قاله الشيخ سليمان الحنفي في «ينابيع المودة» -: إن الله تبارك وتعالي خليفة يخرج في آخر الزمان - وقد امتلأت الأرض جورا وظلما فيملؤها قسطا وعدلا - ولو لم يبق من الدنيا إلا يوم واحد حتي يلي ، هذا الخليفة من ولد فاطمة الزهراء رضي الله عنها، وهو أقني الأنف، أكحل الطف، و علي خده الأيمن خال، يعرفه أرباب الحال، اسمه محمد.. وهذا

ص: 145


1- ينابيع المودة 3: 352 الباب 87. طبع دار أسوة في قم.
2- مطالب السؤول 2: 147 - 148.
3- مطالب السؤول 2: 151 - 152.

الإمام المهدي القائم بأمر الله يرفع المذاهب فلا يبقي إلا الدين الخالص...(1).

12 - الحافظ محمد بن يوسف الكنجي الشافعي (المتوفي سنة 658ه-)، سماه ابن الصباغ المالكي في كتابه «الفصول المهمة» بالحافظ، واعتمد ابن حجر العسقلاني علي رواياته في «فتح الباري في شرح صحيح البخاري».

يقول الكنجي في «كفاية الطالب» عن الإمام الحسن العسكري: أبو محمد الحسن العسكري ... المدفون في بيته الواقع في مدينة سامراء، وخلف ولدا وهو الإمام المنتظر صلوات الله عليه، ونختم كتابنا باسمه، وسنبحث عنه مفصلا في موضع آخر(2).

ثم تحدث في كتابه الآخر المعروف «البيان في أخبار صاحب الزمان» مفصلا حول الإمام، وبوب الروايات الواردة حوله عليه السلام تحت عناوين مختلفة، وكتب في الباب 25 تحت عنوان «في الدلالة علي جواز بقاء المهدي عليه السلام حيا باقيا»: هو حي موجود باقي منذ غيبته إلي الآن، ولا امتناع في بقائه عقلا(3).

13 - مولانا جلال الدين الرومي البلخي (المتوفي سنة 672 ه-)، شاعر كتاب «المثنوي»، يقول باشتياقه الخاص في ديوان «شمس التبريزي»:

اي سرور مردان علي، مردان سلامت ميكنند *** وي صفدر مردان علي، مردان سلامت ميكنند

ص: 146


1- ينابيع المودة 214:3الباب 68.
2- كفاية الطالب : 458.
3- انظر كتاب «البيان في أخبار صاحب الزمان» الباب 25، لتعرف جيدا حقيقة عقيدة الشيعة في المهدي الموعود ، ففيه استدلالات وشروح منطقية ومفضلة لهذا العالم .

با قاتل كفار گو، با دين و با ديندار گو*** با حيدر كرار گو، مستان سلامت مي كنند

با درج دو گوهر بگو، با برج دو اختر بگو ***و با شبر و شبير گو، مستان سلامت مي كنند

با زين دين عابد بگو، با نور دين باقر بگو ***با جعفر صادق بگو، مستان سلامت ميكنند

با موسي كاظم بگو، با طوسي عالم بگو ***باتقي قائم بگو، مستان سلامت ميكنند

با مير دين هادي بگو، با عسكري مهدي بگو ***با آن ولي مهدي بگو، مستان سلامت ميكنند

با باد نوروزي بگو، با بخت فيروزي بگو *** با شمس تبريزي بگو، مستان سلامت ميكنند(1)

14 - ابن خلكان الأشعري الشافعي (المتوفي سنة 681 ه-)، عالم ومؤرخ مشهور، معروف به «قاضي القضاة».

ص: 147


1- ينابيع المودة 3: 351، يقول الشيخ سليمان القندوزي الحنفي صاحب ينابيع المودة : أنشأ هذه الأبيات المولي الرومي في ديوانه الكبير المرتب علي حروف الهجاء. يا سيد الرجال ، يا علي يخصك الرجال بالسلام / با رئيس الرجال يا علي، يخصك الرجال بالسلام قل لقاتل الكفرة ، قل للدين والمتدين / قل لحيدر الكرار، يخصك السكاري بالسلام قل لخزانة الجوهرتين ، قل لبرج النجمين / قل لشبر وشبير ، يخضكما السكاري بالسلام قل لزين الدين العابد، قل لنور الدين الباقر / قل لجعفر الصادق ، يخصكم السكارن بالسلام قل لموسي الكاظم ، قل للعالم الطوسي / قل للتقي القائم ، يخصكم السكارئ بالسلام قل لأمير الدين الهادي، قل للعسكري المهدي / قل للولي المهدي، يخصكم السكار بالسلام قل والصبا النيروزية ، قل والحظ الفيروزي / قل مع شمس التبريزي، يخضك السكارن بالسلام

كتب في تأريخه المشهور «وفيات الأعيان» بعد ذكره شيئا عن حياة الإمام المهدي عليه السلام : أبو القاسم محمد بن الحسن العسكري بن علي الهادي بن محمد الجواد، ثاني عشر الأئمة الاثني عشر علي اعتقاد الإمامية، المعروف بالحجة، وهو الذي تزعم الشيعة أنه المنتظر والقائم والمهدي، وهو صاحب السرداب عندهم، وأقاويلهم فيه كثيرة، وهم ينتظرون ظهوره في آخر الزمان من السرداب بس من رأي ، كانت ولادته منتصف شعبان سنة خمس وخمسين ومائتين، ولما توفي أبوه كان عمره خمس سنين(1).

فابن خلكان وإن لم يقر في هذه المقالة أي أبا القاسم محمد بن الحسن العسكري هو المهدي الموعود، ويقول: الإمام الثاني عشر باعتقاد الإمامية والمعروف«بالحجة»، ولكن من المناسب هنا أن نسأل : من هو أبو القاسم محمد ابن الحسن العسكري الذي هو كني رسول الله صلي الله عليه و آله، وسميه، والتاسع من أولاد الإمام الحسين بن علي علي المصطفين، والذي نقل قاضي القضاة ولادته، ويقول: هو المنتظر، القائم، والمهدي بعقيدة الشيعة ؟! |

لماذا لا يقول قاضي القضاة شيئا عن مصيره؟ ولماذا لا يعترف بأنه المهدي الموعود؟ ألم يقل النبي الأكرم صلي الهه عليه و آله: المهدي من ولدي ، من أولاد علي وفاطمة الزهراء عليهما السلام؟ ألم يقروا أن هؤلاء هم أفضل أهل زمانهم، والفرع الطيب لشجرة النبوة ؟!

إذن من هو محمد بن الحسن الذي ذكروا اسمه وأقروا بولادته وأنه ابن الإمام الحسن العسكري ؟! |

ص: 148


1- وفيات الأعيان 4: 176، رقم 562.

15 - حمد الله المستوفي القزويني (المتوفي 730 ه-)، مؤلف كتاب «نزهة القلوب» في الجغرافية، وكتاب «تاريخ گزيده»، ألف كلا الكتابين باللغة الفارسية، وهو من كتاب العامة المعروفين.

كتب في كتابه الأخير أي «تاريخ گزيده» عن الإمام الثاني عشر عليه السلام ضمن شرح تاريخ حياة الأئمة المعصومين عليهم السلام: المهدي محمد بن الحسن العسكري ... ابن علي المرتضي، الإمام الثاني عشر، وخاتم المعصومين، كان إماما لمدة أربع سنوات ونصف، ولد ليلة الخميس في منتصف شعبان سنة 255 ه- في سامراء، وغاب في شهر رمضان سنة 264 ه- وله من العمر تسع سنوات (1)(2).

16 - الحافظ شمس الدين محمد الذهبي (المتوفي سنة 748 ه-)، المؤرخ المشهور، والعالم المتعصب المعروف.

يقول في كتاب «دول الإسلام»: وفيها (أي سنة 260 ه-) قبض الحسن بن علي ابن الجواد بن الرضا العلوي، أحد الأئمة الاثني عشر الذين تعتقد الرافضة فيهم العصمة، وهو والد المنتظر محمد بن الحسن عليه السلام.(3)

وكتب في كتاب «العبر في خبر من غبر» في ذيل حوادث سنة 260 ه-: وفيها قبض الحسن بن علي بن محمد بن جعفر الصادق، أحد الأئمة الاثني عشر الذين تعتقد الرافضة فيهم العصمة، وهو والد المنتظر محمد صاحب السرداب (4).

ص: 149


1- القول الصحيح والمشهور أن الإمام بقية الله عليه السلام ولد ليلة الجمعة اصف من شعبان ، وكان له آخر لقاء عام عند صلاته علي جنازة أبيه الإمام الحسن العسكري عليه السلام في سنة 260 ه- ثم اختفي وغاب .
2- تاريخ گزيده : 209.
3- تاريخ الإسلام 113:19 الحوادث 51 - 60.
4- العبر في خبر من غبر 1: 373.

بالاضافة إلي هذا كتب الذهبي في تاريخ الاسلام»: محمد بن الحسن العسكري ... أبو القاسم العلوي الحسيني، آخر إمام للشيعة، والمنتظر الذي يعتقدون فيه أنه المهدي، وصاحب الزمان، والخلف الحجة، وصاحب سرداب سامراء.

ثم يقول الذهبي : تنتظر الشيعة ظهوره ك- 450 سنة، ويقولون أنه دخل السرداب في دار أبيه وأمه تنظر إليه فلم يعد يخرج إليها، وذلك في سنة خمس وستين ومائتين وعمره يومئذ تسع سنين.

وكتب ضمن كلام له عن الإمام الحسن العسكري عليه السلام - بعد ما قال هو أبو الحجة -: تزعم الرافضة أنه يعيش في السرداب منذ 450 سنة، حي موجود، وهو صاحب الزمان، وعنده علم الأولين والآخرين، ويعترفون أنه لم يره أحد(1).

تنبيه : ذكر الذهبي أمورا خلاف الواقع لابد من التنبيه عليها والإجابة عنها:

أ- ليس من عقيدة الشيعة أن الإمام صاحب الزمان عليه السلام يعيش في السرداب، ولم يحدثنا التاريخ أو مورد آخر أنه دخل السرداب وأمه تنظر إليه ، اللهم إلا عند الذهبي ومن سلك مسلكه.

ب - عقيدة الشيعة أن الإمام المهدي عليه السلام لا يظهر من سرداب سامراء، بل ظهوره المبارك من مكة المكرمة من بين الركن والمقام، ودار أبيه ليست إلا مكان غيبته عليه السلام .

ج - لم يقل شخص ولم يشر أحد من المؤرخين إلي أن المهدي موعود الشيعة انعدم في سرداب سامراء، بل تعتقد الشيعة بوجوده وحياته وأنه سيظهر بإذن الله .

ص: 150


1- تاريخ الإسلام 113:19 الحوادث 51- 60، دانشمندان عامه ومهدي موعود: 80.

إذن لم يقل أحد بموت المهدي الموعود عليه السلام إلا علاء الدولة السمناني والذهبي وابن حجر وأضرابهم من المتعصبين المعاندين.

د. غاب المهدي الموعود عليه السلام وعمره يومئذ خمس سنوات . لا تسع - كما صرح به أكثر أكابر علماء العامة المنصفين

ه- - عقيدة الذهبي كعقيدة علماء العامة بأن النبي عيسي والخضر والياس والدجال والشيطان أحياء إلي آخر الدهر، فلماذا يتردد تارة في حياة آخر إمام معصوم من أولاد النبي الأكرم صلي الله عليه و آله، ويسخر منها، ويطعن بها تارة أخري ؟!

و - الإمامة وفق عقيدة الشيعة ونص القرآن الكريم عهد من الله ، والإمام خليفة الله وصفوته(1)، ولذا يكون عنده علم الأولين والآخرين، والإمام المهدي عليه السلام كذلك - بشهادة علماء السنة كما مضي وسيأتي - مثل النبي عيسي ويحيي عليهما السلام؛ علمهما الله تعالي الحكمة في الطفولة واختارهما للنبوة، فكذلك اختار الله تعالي الإمام المهدي عليه السلام في طفولته وأعطاه العلم والحكمة وعلم ما كان وما يكون.

ز- لم ولن تعترف الشيعة في زمان ما بعدم رؤية الإمام المهدي عليه السلام، بل رآه في مرحلة طفولته قبل غيبته - في حياة أبيه الإمام الحسن العسكري عليه السلام. حوالي 50 شخصا، وفي مجلس مكون من 40 شخصا من خواص شيعة الإمام الحسن العسكري عليه السلام، عرضه علي عليهم وأكد علي إمامته عليه السلام(2)، وكذا رآه المئات في غيبته الصغري والكبري، وقصصهم مسطورة في كتب الشيعة، منها:الكتاب

ص: 151


1- إشارة إلي الآية الشريفة :«وَإِذِ ابْتَلَي إِبْرَاهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِمَاتٍ فَأَتَمَّهُنَّ ۖ قَالَ إِنِّي جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِمَامًا ۖ قَالَ وَمِن ذُرِّيَّتِي ۖ قَالَ لَا يَنَالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ»البقرة : 124.
2- انظر ينابيع المودة 3: 323 - 328 الباب 28، بحارالأنوار 19/26:52 .

الشريف «بحارالأنوار»(1).

ح . فضلا عن كل هذا، يكفينا إقرار الذهبي بوجود ولد للإمام الحسن العسكري عليه السلام باسم محمد، أن نقول: هو المهدي الموعود عليه السلام ، لوجود النصوص المتواترة عند الفريقين عن النبي الأكرم صلي الله عليه و آله أنه قال: «أسمه اسمي وكنيته كنيتي»(2).

17 ۔ محمد خاوند شاه، المعروف ب-«الميرخواند» (المتوفي سنة 903 ه-)، عامي متعصب جدا ، حتي أنه أثني علي معاوية.

ذكر في كتاب «روضة الصفا» تحت عنوان «ذكر أحوال محمد بن الحسن بن علي رضي الله عنهم» : كنيته أبو القاسم، والإمامية يقولون هو الحجة القائم، والمهدي المنتظر، وصاحب الزمان ، كانت ولادة الإمام المهدي رضي الله عنه - المسمي باسم رسول الله صلي الله عليه و آله، والمكني بكنيته - في سر من رأي (أي في سامراء)، ليلة النصف من شعبان، سنة 255 ه-، وحين قبض والده كان عمره خمس سنوات، أعطاه الله تعالي الحكمة في صغر سنه، كما جعل الله النبي يحين إمام في سن الطفولة وعيسي نبيا مرسلا وهو صبي (3).

18 - الملا حسين الكاشفي (المتوفي 910 ه-)، عالم مشهور، مؤلف كتاب «جواهر التفسير»، وصهر عبد الحمان الجامي.

يقول في آخر كتاب «روضة الشهداء»(4)؛ عن الإمام الحجة بن الحسن عل : هو

ص: 152


1- انظر بحارالأنوار 1:52 - 77، مهدي موعود : 719. 841.
2- تذكرة الخواص: 363، كفاية الأثر: 67، منتخب الأثر: 182، ينابيع المودة 3: 395 الباب 94.
3- تاريخ روضة الصفا 3: 59.
4- مع أن المعروف هو أن ملا حسين الكاشفي شي ، ويظهر ذلك أيضا من خلال كتاباته وقلمه ، لكنه مع ذلك كان أول من كتب كتابا فارسيا حول مصائب شهداء كربلاء، وهو هذا الكتاب «روضة الشهداء»، ومنه أخذت كلمة «روضه خوان». [أي قراءة النياحة]

الإمام الثاني عشر، وكنيته أبو القاسم، وتلقبه الإمامية : بالحجة والقائم والمهدي والمنتظر وصاحب الزمان، وبعقيدتهم هو خاتم الأئمة الاثني عشر، ولادته في سرداب سر من رأي ( سامراء)، واختفي في داره، وذكر في الشواهد: عندما ولد كان مكتوبا علي ذراعه الأيمن: «جَاءَ الْحَقُّ وَزَهَقَ الْبَاطِلُ ۚ إِنَّ الْبَاطِلَ كَانَ زَهُوقًا»(1)(2)

19- خواند مير، مؤرخ مشهور، مؤلف كتاب «حبيب السير»، وهو كتاب تاريخ باللغة الفارسية ، (توفي سنة 942 ه-)، وهو ابن بنت «ميرخواند» مؤلف كتاب «روضة الصفا».

يقول عند شرح حياة الأئمة المعصومين في الجلد الثاني من كتاب «حبيب السير»: ذكر الإمام المؤتمن أبي القاسم محمد بن الحسن عليه السلام، كان الميلاد السعيد الدر خزانة الولاية، وجوهر معدن الهداية ، علي قول أكثر أهل الرواية، في النصف من شعبان سنة 255 ه- في سامراء.. وهذا الإمام الهمام اسمه اسم رسول الله

صلي الله عليه و آله، وكنيته كنيته صلي الله عليه و آله، ومن ألقابه: المهدي المنتظر، والخلف الصالح، وصاحب الزمان، والحجة، والقائم. غاب سنة 265 ه- في سرداب سر من رأي ( سامراء)، زمن الخليفة العباسي المعتمد..... وتزعم الشيعة الاثني عشرية أنه سيظهر كالشمس في رابعة النهار، وأن الإمام المهدي عليه السلام من أولاد الإمام الحسين عليه السلام ، بل من المسلم أن صاحب الزمان هو محمد بن الحسن العسكري عليه السلام، وسيظهر بعد غيبة طويلة، وينزل عيسي بن مريم عليه السلام من السماء ويصلي خلفه، ويكون له تابعا

الان

ص: 153


1- عليه السلام
2- روضة الشهداء : 519

ومطيعا...(1).

20 - شمس الدين محمد بن طولون الدمشقي (المتوفي سنة 953 ه-).

كتب في كتاب «الأئمة الاثني عشر» عن الإمام المهدي : الحجة المهدي، أبو القاسم، محمد بن الحسن بن علي الهادي بن محمد الجواد بن علي الرضا بن موسي الكاظم بن جعفر الصادق بن محمد الباقر بن علي زين العابدين بن الحسين بن علي بن أبي طالب رضي الله عنهم، الإمام الثاني عشر بعقيدة الشيعة، والمعروف بالحجة، وهو الإمام المنتظر والقائم المهدي عند الشيعة، ولد رضي الله عنه يوم الجمعة النصف من شعبان سنة 255 ه-، كان عمره عند رحلة أبيه عليهم السلام خمس سنوات(2).

21 - الشيخ عبدالله الشبراوي الشافعي (المتوفي سنة 1172 ه-)، كان من كبار علماء مصر، مهابا محترما عند الخاص والعام، ومن رجال الدولة ومقاماتها في مصر، وأصبح رئيسا لجامع الأزهر في سنة 1137 ه-.

يقول في كتابه المعروف «الإتحاف بحب الأشراف» عن الإمام المهدي الموعود عليه السلام: الثاني عشر من الأئمة أبو القاسم محمد الحجة الإمام، قيل: هو المهدي المنتظر. ولد الإمام محمد الحجة ابن الإمام الحسن الخالص رضي الله عنه بسر من رأي ليلة النصف من شعبان سنة خمس وخمسين ومائتين، وكان الإمام محمد الحجة يلقب أيضا بالمهدي، والقائم، والمنتظر، والخلف الصالح، وصاحب الزمان، وأشهرها المهدي (3).

ص: 154


1- حبيب السير 2: 113.100 .
2- الأئمة الاثنا عشر : 117.
3- الإتحاف بحب الأشراف: 179.

22 - القاضي جواد الساباطي الحنفي البصري (المتوفي حدود سنة 1250 ه-)، من أهل البحرين، عاش في البصرة ، كان نصرانيا وأسلم وتستن.

يقول في كتاب «البراهين الساباطية» - بعد نقل عبارة من كتاب إشعياء النبي باللغة العبرية وترجمتها للعربية - في رد تأويل علماء اليهود والنصاري لتلك العبارة: «هذه العبارة نص صريح علي وجود الإمام المهدي رضي الله عنه؛ لأن المسلمين متفقون علي أن المهدي يحكم علي الباطن ولا يسأل البينة ولا يحكم بمجرد الشهود وظاهر الأمر».

ثم يقول: «اختلف المسلمون في الإمام المهدي عليه السلام، وفي عقيدة أصحابنا . أهل السنة والجماعة - هو رجل من أولاد فاطمة عليها السلام، اسمه محمد، واسم أبيه عبدالله (1) واسم أمه آمنة(2).

والإمامية تقول: هو محمد بن الحسن العسكري (3)، ولد في سامراء من جارية اسمها نرجس، سنة 255 ه-، زمن خلافة المعتمد العباسي، غاب وظهر، ثم غاب مرة أخري وهذه الغيبة الكبري، ومتي ما شاء الله ظهر. وعقيدة الشيعة هنا أقرب إلي نصوص النبي صلي الله عليه وآله الصريحة، وبما أن غايتي هي الدفاع عن أمة محمد صلي الله عليه و آله من غير تعصب لذا نقلت لكم أيها القراء هذه الأقوال لتكونوا علي بينة من أن أقوال الشيعة عن الإمام المهدي عليه السلام أقرب إلي أقوال رسول الله صلي الله عليه و آله.

ص: 155


1- لم يأت في الأحاديث الصحيحة والمعتبرة أن اسم أب الإمام صاحب الزمان عبدالله ، وقد تقدم توضيح ذلك عند التعليق علي منشور علماء الحجاز ، واسم أمه نرجس طبق روايات الشيعة.
2- إن اسم والدة الإمام الحجة علا طبق روايات الشيعة هو «نرجس» كما يذكر في هذا المتن بعد قليل نقلا عن الإمامية .
3- انظر كشف الأستار: 52.

23 - الشيخ سليمان القندوزي الحنفي البلخي (المتوفي سنة 1294 ه-)، من كبار علماء العامة وعرفائهم، وصاحب كتاب «ينابيع المودة» القيم الحاوي علي فضائل و مناقب أهل بيت العصمة والطهارة عليهم السلام، صرح به في عدة أبواب أن موعود الإسلام الإمام المهدي عليه السلام هو الإمام الثاني عشر وابن الإمام الحسن العسكري عليه السلام.

كتب عن الإمام المهدي عليه السلام في آخر الباب 79: فالخبر المعلوم والمحقق عند ثقات العلماء المعتمدين أن ولادة القائم عليه السلام كانت ليلة الخامس عشر من شعبان سنة خمس وخمسين ومائتين في بلدة سامراء(1).

وكتب في آخر الباب 86: وأما شيخ المشايخ العظام - أعني حضرة شيخ الإسلام أحمد الجامي النامقي - والشيخ عطار النيشابوري، وشمس الدين التبريزي، وجلال الدين مولانا الرومي، والسيد نعمة الله الولي، والسيد النسيمي وغيرهم - هؤلاء كلهم من العامة - ذكروا في أشعارهم في مدائح أهل البيت الطيبين رضي الله عنهم مدح المهدي في آخرهم متصلا بهم، فهذه أدلةعلي أن المهدي ولد أولا رضي الله عنه ، ومن تتبع آثار هؤلاء الكاملين العارفين يجد الأمر واضحة عيانا (2).

24 - السيد مؤمن الشبلنجي المصري (من علماء آخر القرن الثالث عشر). كتب في كتاب نور الأبصار - الذي فرغ من تأليفه سنة 1290 ه-. عن الإمام

ص: 156


1- ينابيع المودة 3: 306، الباب 79.
2- ينابيع المودة 3: 348 الباب 86

المهدي عليه السلام: في ذكر مناقب محمد بن الحسن الخالص بن علي الهادي بن محمد الجواد بن علي الرضا بن موسي الكاظم بن جعفر الصادق بن محمد الباقر بن علي زين العابدين بن الحسين بن علي بن أبي طالب عليهم السلام . أمه: أم ولد يقال لها نرجس، وقيل صقيل، وقيل سوسن. وكنيته: أبو القاسم، ولقبه الإمامية بالحجة، والمهدي، والخلف الصالح، والقائم، والمنتظر، وصاحب الزمان، وأشهرها المهدي. صفته : شاب، مربوع القامة، حسن الوجه والشعر، يسيل شعره علي منكبيه ، أقني الأنف، أجلي الجبهة. بوابه: محمد بن عثمان. وهو آخر الأئمة الاثني عشر علي ما ذهب إليه الإمامية .

ثم يقول: قال في كتاب «الفصول المهمة»: غاب في السرداب والحرس عليه ، وقال في الصواعق : هو الذي يسمي القائم المنتظر(1).

25 - خير الدين الزركلي (المعاصر) في كتاب الأعلام، البالغ عشرة مجلدات، والذي شرح فيه مشاهير العلماء والشخصيات المعروفة موجزا باللغة العربية وعلي العكس من أغلب كتب العامة ذكر فيه رجال الشيعة البارزين والأئمة بشكل مجمل كما هو معتاد.

قال عن الإمام المهدي عليه السلام: محمد بن الحسن العسكري (الخالص) بن علي الهادي ، أبو القاسم، آخر الأئمة الاثني عشر عند الإمامية، وهو المعروف عندهم بالمهدي، وصاحب الزمان، والمنتظر، والحجة، وصاحب السرداب. ولد في سامراء، ومات أبوه وله من العمر نحو خمس سنين. ولما بلغ التاسعة أو العاشرة

ص: 157


1- نور الأبصار : 185، طبع اجنو ، دار الفكر 1399 ، وص 342 طبع دار الجيل ، بيروت .

أو التاسعة عشرة دخل سردابا في دار أبيه بسامراء و لم يخرج منه(1).

هذا عدد من العلماء الذين أقروا بولادة الإمام المهدي عليه السلام، وأنه ابن الإمام الحسن العسكري عليه السلام، وهناك عدد كثير آخر من العلماء اعترفوا بولادة الإمام وأنه ابن الإمام الحسن العسكري لم نأت بأسمائهم للاختصار.

طريفة : من الطريف إضافة إلي ما قلنا أنه كتب علي جدران مسجد النبي صلي الله عليه و آله في المدينة المنورة أسماء أئمة الشيعة المعصومين المباركة، ومنها الاسم المبارك للإمام المهدي عليه السلام. وهذا أول دليل وشهادة صادقة علي أن المهدي الموعود لا يكون إلا محمد بن الحسن العسكري عليه السلام، وهو القائم المنتظر وصاحب الزمان علي ما هي عليه عقيدة الشيعة الإمامية.

وكتب العالم الجليل آية الله لطف الله الصافي في كتاب «الإمامة والمهدوية»: ولحسن الحظ هناك عامل تفاهم مشترك... بين الشيعة والعامة، وهو: وجود أسماء الأئمة الاثني عشر عليهم السلام علي جدران مسجد النبي صلي الله عليه و آله المقدس في المدينة الطيبة ، كتبت عند تجديد بناء المسجد في زمن الملك سعود بن عبدالعزيز وفيصل، ورأيت في أحد الكتب التأريخية أن أسماء أئمة أهل البيت عليهم السلام كانت مكتوبة علي الجدران بشكل متصل، وعندما جدد بناء مسجد النبي صلي الله عليه وآله فرقت وفصلت وكتب في هذه الفواصل أسماء الصحابة وأسماء أئمة المذاهب الأربعة للعامة. والعبارة المكتوبة لاسم الإمام المهدي عليه السلام هي: «محمد المهدي رضي الله عنه»، وهي تكون في الوسط مقابل الداخل من الباب المجيدي للصحن

ص: 158


1- الأعلام 6: 80. وقد تفرد الزركلي بهذه العبارة ، وأكثر العامة متفقون علي أن غيبة الإمام المهدي في الخامسة من عمره الشريف حين وفاة أبيه الإمام الحسن العسكري عليه السلام سنة 260 ه-، وأنه في هذه السنة غاب في داره .

المقدس(1).

وكتب مؤلف كتاب «علماء العامة والمهدي الموعود» المحترم : كتب علي جدران مسجد النبي الجديدة الإحداث أسماء الخلفاء الأربعة، والعشرة المبشرة، وأئمة المذاهب الأربعة، وأسماء الأئمة الاثني عشر، وأكابر العلماء، بأمر ملوك الحجاز في عصرنا المعروفين بتعصبهم وغلوهم الديني، وكتب كل اسم منها في دائرة كبيرة بحروف ذهبية بارزة، وكتب أسماء أهل البيت عليهم السلام بألقابهم المخصوصة كما تعتقد الشيعة، وهي كما يلي : علي المرتضي رضي الله عنه ، حسن المجتبي رضي الله عنه، حسين الشهيد رضي الله عنه، علي زين العابدين رضي الله عنه ، محمد الباقر رضي الله عنه، جعفر الصادق رضي الله عنه، موسي الكاظم رضي الله عنه ، علي الرضا رضي الله عنه، محمد التقي رضي الله عنه، علي النقي رضي الله عنه ، حسن العسكري رضي الله عنه ، محمد المهدي رضي الله عنه(2).

ولمزيد الاطلاع نذكر أن الخليفة العباسي أحمد بن المستضيء بنور الله - والذي كان من أفضل وأعلم خلفاء بني العباس - أمر في سنة 606 ه- بترميم وإصلاح السرداب المنسوب إلي الإمام صاحب الزمان عليه السلام، ووضعوا بين الصقة والسرداب بابا رائعا بديعا من خشب الساج، وكتبوا عليه: «بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ ،قُل لَّا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَي ۗ وَمَن يَقْتَرِفْ حَسَنَةً نَّزِدْ لَهُ فِيهَا حُسْنًا ۚ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ شَكُورٌ»(3) هذا ما أمر بعمله سيدنا ومولانا الإمام المفترض

ص: 159


1- امامت و مهدويت 2: 298، الهامش.
2- دانشمندان عامه ومهدي موعود: 158.
3- الشوري : 23

الطاعة علي جميع الأنام، أبو العباس أحمد الناصر لدين الله، أمير المؤمنين، وخليفة رب العالمين، الذي طبق البلاد إحسانه وعدله ... وحسبنا الله ونعم الوكيل، وصلي الله علي سيدنا خاتم النبيين وعلي آله الطاهرين وعترته وسلم تسليما».

وكتب خلف الباب في داخل الصفة : «بسم الله الرحمن الرحيم، محمد رسول الله ، أمير المؤمنين علي ولي الله ، فاطمة، الحسن بن علي، الحسين بن علي ، علي ابن الحسين، محمد بن علي، جعفر بن محمد، موسي بن جعفر ، علي بن موسي، محمد بن علي ، علي بن محمد، الحسن بن علي، ومحمد بن الحسن القائم بالحق عليهم السلام»(1).

وكتب المرحوم المحدث عباس القمي في «تتمة المنتهي» عن هذا الباب: هذا الباب موجود في زماننا أي سنة 1335 ه-، ونقوشه بأجود ما يكون، وتعتبر صناعته من نفائس الدهر حقا، وبالرغم من مضي الزمان - وعدم الاعتناء به، وعليه آثار الشمع والسراج المحترق - لا زال يظهر كأحسن الجواهر(2).

وقال العالم الجليل المحدث النوري في «كشف الأستار» - بعدما ذكر ترميم السرداب الشريف بأمر الناصر لدين الله -: لو لم يكن الناصر معتقدا أن السرداب منسوب للإمام المهدي عليه السلام أو مكان ولادته أو محل غيبته ومقام ظهور كراماته ، لما أمر بترميمه وبنائه، ولا أنفق الأموال الطائلة لتزيينه، ولو أجمع العلماء في عهد الناصر علي إنكار وجود الإمام المهدي عليه السلام وتولده لما وقع ما وقع عادة ولم يرمم

ص: 160


1- كشف الأستار: 43.
2- تتمة منتهي الآمال 3: 368.

السرداب بتلك الكيفية البديعة كما هو المعروف.

إذن كان بلا شك بين علماء ذلك العصر من يشاركه في العقيدة بعيدا عن التعصب والزيغ، ويعتقد أن المهدي الموعود عليه السلام الذي غاب في السرداب لم يكن إلا ابن الإمام الحسن العسكري عليه السلام، ولهذا نهض الناصر بترميم سرداب سامراء وتزيينه (أي مكان غيبة الإمام المهدي عليه السلام).

ثم يقول المحدث النوري رحمةالله متابعا حديثه: العلة التي لأجلها أوردنا الخليفة العباسي الناصر ضمن العلماء المعتقدين بوجود الإمام المهدي عليه السلام هي أنه كان مميزا في الفضل والعلم من بين المحدثين في عصره، ولذا روي عنه ابن سكينة وابن الأخضر وابن النجار وابن الدامغاني(1).

يتضح مما نقلناه أن موعود الإسلام المهدي عليه السلام عند أكثر علماء العامة هو: «أبو القاسم محمد ابن الإمام الحسن العسكري عليه السلام من أولاد النبي صلي الله عليه و آله، وفاطمي وعلوي، والتاسع من أولاد الإمام الحسين عليه السلام؛ لأن الأكثرية القريبة من الإجماع قالت: أن أبا القاسم محمد بن الحسن العسكري عليه السلام ولد في مدينة سامراء سنة 255 ه-، وهو سمي النبي صلي الله عليه و آله وكنيه، والخلف الصالح، والمهدي، والحجة، والقائم المنتظر، والغائب، وهذه الصفات والشمائل لا تتطابق إلا مع ابن الإمام الحسن العسكري عليه السلام، لا مع الذين ادعوا المهدوية قبل ولادته عليه السلام وبعدها.

2. خرافة السرداب :

أغلب علماء العامة المتعصبين . وحتي بعض المنصفين - عندما يصفون الإمام صاحب الزمان عليه السلام يسموه ب-«صاحب السرداب»، وقالوا: تزعم الشيعة أن إمامهم

ص: 161


1- كشف الأستار: 43.

غاب في السرداب ويعيش هناك، ويخرج أو يظهر من السرداب، أو أنه دخل السرداب وأمه تنظر إليه فلم يعد يخرج.

والآن نبحث هذا الموضوع وندرسه:

«كيف غاب الإمام بقية الله عليه السلام؟ وأين؟ ومتي ؟ هذا سؤال طالما تعرضت له الشيعة في العالم من قبل أعداء أهل البيت عليهم السلام.

كان آخر لقاء عام للإمام بقية الله عليه السلام مع الشيعة عند صلاته علي جنازة أبيه الإمام الحسن العسكري عليه السلام في يوم 8 ربيع الأول سنة 260 ه-، حصل هذا اللقاء في دار أبيه الإمام الحسن العسكري عليه السلام في سامراء، وغاب ولم يحصل بعد هذا لقاء عام ورسمي.

دار الإمام الحسن العسكري عليه السلام حاله كحال بعض دور العراق، يحتوي علي غرفة للرجال وغرفة للنساء وسرداب فيه غرف للرجال والنساء يلتجئون إليهفي الصيف الحار لبرودته.

كان هذا السرداب محل سكن وعبادة الإمام الهادي عليه السلام والإمام الحسن العسكري عليه السلام والإمام بقية الله عليه السلام، واللقاءات مع الإمام صاحب العصر عليه السلام في عهد أبيه حصلت في هذه الدار وهذا السرداب.

وبعد شهادة الإمام الحسن العسكري عليه السلام كانت الشيعة تسلك هذا الطريق الدخولهم إلي سامراء الزيارة قبر العسكريين عليهما السلام ، وبعد زيارة قبر هذين الإمامين الهمامين عليهما السلام يصلون تبركا في مكان عبادة الأئمة الثلاثة ويزورون ذلك المكان .

استغل أعداء أهل البيت تقديس الشيعة لهذا السرداب فتقولوا علي الشيعة أنهم يقولون أن الإمام صاحب الزمان عليه السلام اختفي في السرداب. ولكن الشيعة براء

ص: 162

منزهون من هذا الاعتقاد، إذ دليل قدسية السرداب هو كونه مبوأ وعبادة وتضرع ثلاثة أئمة معصومين، وسكن السيدة حكيمة - عمة الإمام الحسن العسكري عليه السلام - والسيدة الجليلة أم الإمام صاحب الزمان عليه السلام، وهو بالأخص مكان رؤية الإمام ولي العصر والزمان عليه السلام في عهد أبيه الإمام الحسن العسكري عليه السلام

نحن لم نعتقد بما تقولوه أبدا، لكنا سمعنا من أعداء الشيعة فقط:

أن الإمام ولي العصر عليه السلام اختفي في بئر في السرداب ، ويبقي هناك إلي يوم الظهور.

ويبقي هذا ادعاء مفتقرا إلي بينة من كتب الشيعة أو أحاديث الشيعة أو أقوال علماء الشيعة، ودونه خرط القتاد، فهو اتهام عار من الدليل لا يثبت»(1).

قال المرحوم المحدث الميرزا حسين النوري في خاتمة كتاب «كشف الأستار» عن سرداب سامراء: نحن طالعنا وتتبعنا كتب علماء الشيعة عما قالوا عن السرداب ، فلم تر أثرا يذكر، بل لم يذكر بعنوان سرداب الغيبة أبدأ(2).

وكذا المرحوم آية الله الصدر يقول عن هذه المسألة في كتاب «المهدي»: غيبة الإمام أبي القاسم محمد بن الحسن عليه السلام عندنا الإمامية صحيحة، ولكن ما يقوله بعض عوام الشيعة وكثير من خواص العامة لم أعرفه ولم أجد له دليلا(3).

بعد كل هذا نري عالم العامة الكبير ابن خلدون يقول في كتابه المعروف «بالمقدمة»: الشيعة يزعمون أن الثاني عشر من أئمتهم هو محمد بن الحسن

ص: 163


1- روزگار رهايي 1: 287 - 288.
2- كشف الأستار: 212.
3- المهدي : 162- 163.

العسكري، ويلقبونه المهدي، دخل في سرداب بداره بالحلة(1)، وتغيب حين اعتقلت أمه وغاب هناك، وهم إلي الآن ينتظرونه ويسمونه المنتظر لذلك، ويقفون في كل ليلة بعد صلاة المغرب بباب هذا السرداب وقد قوموا مركبا فيهتفون باسمه ويدعونه للخروج حتي تشتبك النجوم، ثم ينفضون ويرجئون الأمر إلي الليلة الآتية، وهم علي ذلك لهذا العهد(2).

وكتب العلامة الفقيد الشيخ عبدالحسين الأميني رحمةالله في كتابه القيم «الغدير» ردا علي تهم القصيمي مؤلف كتاب «الصراع بين الإسلام والوثنية»: وفرية السرداب أشنع وإن سبقه إليها غيره من مؤلفي أهل السنة، لكنه زاد في الطنبور نغمات بضم الحمير إلي الخيول، وادعائه اطراد العادة في كل ليلة واتصالها منذ أكثر من ألف عام !!

الشيعة لا تري أن غيبة الإمام في السرداب ، ولا هم غيبوه فيه، ولا أنه يظهر منه، وإنما اعتقادهم المدعوم بأحاديثهم أنه يظهر بمكة المعظمة تجاه البيت، ولم يقل أحد في السرداب أنه مغيب ذلك النور، وانما هو سرداب دار الأئمة بسامراء، وإن من المطرد إيجاد السراديب في الدور وقاية من قايظ الحر، وإنما اكتسب هذا السرداب بخصوصه الشرف الباذخ لانتسابه إلي أئمة الدين، وأنه كان مبوأ لثلاثة منهم عليهم السلام كبقية مساكن هذه الدار المباركة، وهذا هو الشأن في بيوت الأئمة عليهم السلام ومشرفهم النبي الأعظم صلي الله عليه و آله في أي حاضرة كانت، فقد أذن الله أن ترفع ويذكر فيها اسمه.

ص: 164


1- الحلة : مدينة من كبار مدن العراق ، تقع بين بغداد والكوفة . (ترجمة عن كتاب دهخدا).
2- مقدمة ابن خلدون 1: 249 الفصل 27، طبع دار الفكر، بيروت .

وليت هؤلاء المتقولين في أمر السرداب اتفقوا علي رأي واحد في الأكذوبة حتي لا تلوح عليها لوائح الافتعال فتفضحهم، فلا يقول ابن بطوطة في رحلته 2: 198: إن هذا السرداب المنوه به في الحلة، ولا يقول القرماني في «أخبار الدول»: إنه في بغداد، ولا يقول الآخرون: إنه بسامراء، ويأتي القصيمي من بعدهم فلا يدري أين هو فيطلق لفظ السرداب ليستر سوءته(1).

وكذلك كتب العالم الفقيد السيد محمد سعيد الهندي رحمة الله مؤلف كتاب «الإمام الثاني عشر» في تخطئة تهمة السرداب: موضوع السرداب من التهم السقيمة والمدهشة التي نسبت إلينا؛ لأنه لم يرو عن طريق الشيعة في هذه المسألة ولو حديث واحد، ولم يذكر المخالفون اسم كتاب شيعي صرح بهذه القضية، ولم ينقل عن عالم منا ذكرها، وفضلا عن هذا: الغيبة في السرداب وبقاء الإمام عليه السلام هناك لم ترو في أي كتاب شيعي(2).

ويجب أن ننبه إلي أن ذكر سرداب سامراء ورد في بعض كتب الأدعية وغيرها، ففيه تقرأ بعض الأدعية والزيارات، وهذا لا يعني أن السرداب مكان غيبة الإمام صاحب الزمان وأن الإمام باقي فيه، بل كما ذكرنا أن السرداب كان دار ثلاثة أئمة معصومين عليهم السلام منهم الإمام الحسن العسكري عليه السلام والإمام ولي العصر، ولذا تقرأ فيه الأدعية والزيارات.

نعم أيها القارئ الكريم، قصة سرداب سامراء أسطورة صنعها ورتبها أعداء أهل بيت العصمة والطهارة عليهم السلام، ونحن لا نعتقد قط أن غيبة الإمام كانت في

ص: 165


1- الغدير 3: 308 و 309.
2- دانشمندان عامه ومهدي موعود : 39.

السرداب أو أنه يظهر من هناك، بل نحن كبقية الشيعة في الاعتقاد علي طول التاريخ بأن الإمام المهدي عليه السلام يسيح في أقطار الأرض برعاية الله تعالي وألطافه، ويحج البيت الحرام في كل عام، ويزور قبور أجداده الطاهرين عليهم السلام في المدينة والعراق وطوس، ثم يعود مع أصحابه البالغ عددهم 30 شخصا إلي موطنهم في المناطق النائية من العالم وبعيدا عن رصد الأعداء.

نحن نعلنها صريحة أن قدسية السرداب جاءت بهذا الدليل، وهذه القدسية لا تختص بهذا المكان، بل كل بقعة إذا أخر أن أحد الأئمة المعصومين عبد الله تعالي فيها نتبرك بها، وكل مكان إذا علمنا أن الإمام صاحب الزمان عليه السلام زاره مرة أو لحظة واحدة نتبرك فيه ، كمسجد السهلة في الكوفة، ومسجد جمكران في قم، وغيرها، وليس لنا سر اعتقادي آخر أبدا.

فنحن إذا زرنا مسقط رأس الإمام بقية الله عليه السلام، كذلك نزور مسقط رأس رسول الله صلي الله عليه و آله ونتبرك به بالرغم من ممانعة شرطة السعودية ؛ لأي حب محمد و آل محمد خالط لحمنا ودمنا، وحينما لا يمكننا اللقاء بإمامنا - والحجة المولي والسيد والقائد . فأينما علمنا أنه حل نزور ذلك المكان، وأينما علمناه استنشق في مكان ما تبركنا في ذلك المكان، فكيف ببقعة عاش فيها ثلاثة أئمة معصومين قطعا ، وسهروا الليالي عابدين الله تعالي و متضرعين إليه حتي الصباح، وولد فيها حجة الله ، وانطبعت أنفاسه علي أبوابها وجدرانها، وهو يأتي إليها كل عام لزيارة القبور الشريفة لأبيه وجده وأمه وعمته (1).

ص: 166


1- روزگار رهايي 288:1

القسم السادس: قضاء سقيم وتحكم عشوائي

اشارة

يشمل:

1. عقيدة المستشرق الأوربي «مارجيليوث» عن الإمام المهدي عليه السلام

2. عقيدة العالم الإسلامي الهندي سيد أمير علي

3. محمد أحمد السوداني وادعاؤه المهدوية

4. اعتراف «جيمس دار مشتيتر» بأصالة المهدوية

5. مدعو المهدوية واستغلال عنوان المهدي الموعود عليه السلام.

ص: 167

ص: 168

أكثر علماء العامة - بما يقارب الاجماع - أقروا بأحاديث ظهور الإمام المهدي عليه السلام ، ونقل عدد كبير من أكابرهم هذه الروايات في كتبهم عن النبي الأكرم صلي الله عليه و آله وكبار الصحابة والتابعين وشهدوا علي صحتها وتواترها، وحتي أ جمعا كثيرا من هؤلاء اعترفوا بمولد ابن للإمام الحسن العسكري باسم الإمام المهدي عليه السلام.

ولكن بعض المستشرقين الغربيين المغرضين، وقليلا من المفكرين الشرقيين والإسلاميين المتأثرين بأفكار المستشرقين الغربيين، ردوا هذا الأصل الإسلامي المسلم به، واعتقدوا أن الإيمان بوجود المهدي الموعود عليه السلام إنما هو رد فعل الوضع المسلمين المزري علي مرور التاريخ الإسلامي المظلم، بل أضوا علي أن

فكرة المصلح العالمي دخلت علي المسلمين من اليهود والنصاري.

1. عقيدة المستشرق الأوربي «مارجيليوث» عن الإمام المهدي عليه السلام

اشارة

من المدهش جدا أن بعض الباحثين الغربيين مثل «مارجيليوث» أنكر أحاديث الإمام المهدي ؟ بعدما حقق في مسألة المهدوية، معتبرا أن الاعتقاد بظهور موعود الإسلام المهدي ناتج من الظلم والاضطهاد والتمييز في المجتمع الإسلامي، والاضطراب وأوضاع العالم الإسلامي المؤسفة بعد رحلة الرسول الأكرم صلي الله عليه و آله.

ص: 169

يقول مؤلف كتاب «ديباجه اي بر رهبري» عن هذه المسألة:

تردد «مارجيليوث» - المستشرق الأوربي الكبير، في مقالته التي كتبها عن الإمام المهدي عليه السلام لدائرة معارف الدين والأخلاق سنة 1915 ميلادي، بعد نقده المبسوط للأحاديث المربوطة بالإمام المهدي عليه السلام ومنشأ بروز هذه العقيدة - في أصلالأحاديث الواردة عن النبي صلي الله عليه و آله، وكذا الاعتقاد بالإمام المهدي عليه السلام، وعزا ذلك إلي أوضاع العالم الإسلامي المضطربة والمتدهورة بعد رحلة نبي الإسلام .(1)

ويستمر مارجيليوث بالقول: مهما فسرنا الأحاديث لا يمكن أن نتصور أو نجد دلية قانعا بأن نبي الإسلام صلي الله عليه و آله وعد بظهور المهدي لإحياء وتقوية وإعزاز الإسلام، ولكن نتيجة للحروب الداخلية التي شملت جيلا كاملا بعد وفاة النبي صلي الله عليه و آله، والاضطرابات وعدم الاستقرار في العالم الإسلامي، تبلورت فكرة ظهور المنجي، مقتبسين ذلك من اليهود والنصاري، ينتظرون رجوع المسيح بالترتيب (2).

رد نظرية مارجليوث:

نظرا لعدم صدق المستشرقين ، ولنواياهم المريضة ومعلوماتهم المحدودة عن الإسلام، ومطالعتهم المختصرة نتيجة لعدم معرفتهم باللغة والمجتمع، نظرا لكل ذلك نحن لا نعلم أي مصدر إسلامي معتبر طالعه المستر مارجيلوث ؟ وأي كتب قرأها ولم يجد دليلا مقنعا في المصادر الإسلامية المعتبرة ؟ وكيف ؟ وكل العلماء والمحققين الإسلاميين أقروا بصحة تلك الروايات بلا استثناء، فحتي ابن خلدون

ص: 170


1- ديباجه اي بر رهبري : 200.
2- ديباجه اي بر رهبري : 201.

المعروف بمخالفته لأحاديث الإمام المهدي عليه السلام شهد بصحة بعضها، وصرحت أقلام عدد كبير من أكابر وعلماء المسلمين بتواتر الأحاديث المربوطة بالإمام المهدي عليه السلام، فهي غير قابلة للإنكار أبدا، ولكن «المستر مارجيليوث» ما استطاع أن يقتنع ؟! كيف؟ وقد نقل هذه الأحاديث كل المحدثين الإسلاميين وعلماء الشيعة والسنة في مصادرهم الروائية المعتبرة،وحتي المذاهب المتعصبة - مثل الوهابيين - نقلت هذه الأحاديث في أهم مصادرهم وأقروا بصحة بعضها وصراحتها وأنها غير قابلة للإنكار، ولكن «المستر مارجيليوث» ينكرها ؟! ألم يكفنا 6207 حديث من 154 كتاب شيعي وسني نقلت شمائل وأوصاف المهدي الموعود عليه السلام، واعتراف العلماء والمتضلعين بالحديث بصحتها، أن نستغني عن فكر اليهود والنصاري، وتكون دليلا مقنعا لأصالة عقيدة ظهور الإمام المهدي عليه السلام؟! هذه أسئلة ينبغي أن يجيب عليها! |

نحن نعتقد أن المستشرقين - مثل مارجيليوث - بسبب افتقارهم للمعلومات الكافية تأثروا بابن خلدون وأنكروا الأحاديث الحاكية عن الإمام المهدي عليه السلام، في حين أن منطق ابن خلدون عليل جدا، والذي حدا به لمخالفة الأحاديث المذكورة هو تعصبه المذهبي الخاص ونواياه السقيمة

مسألة خافية علي الجميع

لا بأس أن نشير إلي نقطة مهمة خفيت علي جميع الكتاب الشرقيين والغربيين وحتي علي كثير من المفكرين الإسلاميين، ونكشف الغطاء عن مخالفة ابن خلدون للأحاديث المربوطة بالإمام المهدي عليه السلام:

كل ما نستفيده من المصادر المهمة والموثقة التاريخية - وحتي من مقدمة ابن

ص: 171

خلدون - هو: أن ابن خلدون كان أندلسيا، واستوطن مصر، ولم تكن له علاقة حسنة مع خلفاء مصر الفاطميين الشيعة، لذلك حاول بعد رده وإنكاره للأحاديث المبشرة بالإمام المهدي عليه السلام أن يثبت للذين كانوا يظنون أن المهدي الفاطمي - رئيس سلسلة السلاطين الفاطميين في مصر - هو المهدي الموعود أنه ليس هو مهدي الإسلام الموعود. ولذلك بدأ بحثه بعنوان «في أمر الفاطمي وما يذهب إليه الناس في شأنه»(1)، ولإثبات أن عبيدالله بن محمد - رئيس سلسلة السلاطين الفاطميين في مصر، وجدهم الذي قام وثار في شمال أفريقيا علي الأمراء «ذوي الأغلبية السنية» وأسس مدينة «المهدية» - ليس هو المهدي الموعود، وهدم الأحاديث الحاكية عن الإمام المهدي عليه السلام ببراهين واهية ، ليهدم بزعمه المهدي الفاطمي، غافلا عن أنه بفعله العليل هذا وجه ضربة للأحاديث المتعلقة بالإمام المهدي الموعود عليه السلام.

بالنظر إلي كل ما مضي ظن البعض أن ابن خلدون قصد بالرجل الفاطمي الإمام المهدي عليه السلام، مع أنه لم يكن كذلك كما أوضحنا؛ إذ عن المهدي الفاطمي عبيدالله ابن محمد جد السلاطين الفاطميين في مصر، ولذلك عندما ارتطم بالروايات المنقولة في المصادر السنية المعتبرة أقر بصحة بعضها، وإن كان اعتقاد كهذا لا يجدي ؛ لا فاقد الشيء لا يعطيه.

علي كل حال: نستخلص من آخر بحثه أنه كانت له عقيدة بظهور رجل من أهل البيت عليهم السلام باسم المهدي في آخر الزمان، ولكن ما هو عماد عقيدته ؟ الظاهر

ص: 172


1- مقدمة ابن خلدون: 388، الفصل 53 «في أمر الفاطمي وما يذهب إليه الناس في شأنه وكشف الغطاء عن ذلك».

أنها الروايات التي أنكرها!

الخلاصة: مهما فسرنا كلام ابن خلدون المشؤش حول المهدوية وانتشارها ورواجها وقبولها في عصره، فإنه نظرا لظهور أمور خاصة بالعالم الإسلامي، ولنوايا البعض من هذه الفكرة واستغلالها لتمرير أهدافهم تحت غطاء المهدي الموعود، نجد أن ابن خلدون تنصل عن اعتقاده بالحقيقة للحد من هولاء المنتفعين منها، وفي الواقع أنه لكشف المهدي الفاطمي - رئيس سلالة السلاطين الفاطميين في مصر - شكك في صحة بعض الأحاديث المتعلقة بالإمام المهدي عليه السلام !!

وبطريقته غير العلمية هذه سقط من أعين العلماء والأكابر والمفكرين والمؤرخين وباقي طبقات الناس وحتي جيل المستقبل، وعرف كمخالف للأحاديث الناطقة عن المهدي الموعود عليه السلام، وأعطي المبرر للمستشرقين الغربيين المغرضين - أمثال مارجيليوث - أن يمشوا عقائد الإسلام والأحاديث الإسلامية، وأن يقول مرجيليوث: ليس هناك دليل مقنع لوجود الإمام المهدي عليه السلام، وإن الأحاديث الواردة عن نبي الإسلام المبشرة بظهور المهدي ليعز الإسلام، غير صحيحة !!

2. عقيدة العالم الإسلامي الهندي سيد امير علي:

اشارة

الأعجب من نظرية المستشرق الأوربي نظرية العالم الإسلامي الهندي سيد أمير علي ، حيث كتب في كتاب «روح الإسلام» عن تاريخ نشأة العقائد الإسلامية ، ثم سرد باختصار كيفية الاعتقاد «بمهدي الإسلام الموعود» قائلا:

ص: 173

عند ملاحظة التشابه بين الشيعة والسنة حول المهدي والأديان السابقة ترتفع إشكالية صعوبة التصور. فظلم وقتل السلوكيين(1) للزرادشتية أصبح سببا لولادة عقيدة عندهم هي : ظهور منج سماوي باسم «سوشيانس»(2)يظهر من خراسان وينقذهم من ذل أسر الأجانب لهم، وعلل مشابهة جعلت اليهود يلتهب شوقهم لطلوع نجم المسيح واليهود ينتظرون «المسيح الموعود»حتي الان.

العامة في الإسلام اعتقادهم كاعتقاد اليهود بأن المهدي منجي الإسلام العظيم لم يلد بعد. النصاري يقولون: بعث المسيح وذهب وسيعود. الشيعة الاثنا عشرية كالنصارئ في انتظار ظهور ورجعة المهدي الحي الغائب لبسط العدل والرفاه.

ثم يبحث هذا العالم علي الانتظار ومنشأة عند الأديان، وسبب اختلافه عند كل الأديان، قائلا: ظروف العصر الإسلامي التي بلورت عقيدة المهدي الموعود عند الشيعة والسنة مرت بعينها في تاريخ الأديان الأخري، وفي الوقت الذي ترفع فيه الأيدي في الإسلام نحو السماء للدعاء راجين ظهور منج سماوي لينقذ العالم من الظلم، تتمتم شفاه الداعين لذلك من أبناء إسرائيل وأتباع المسيح (3)،

ص: 174


1- السلوكيون: سلالة حكمت إيران بعد موت الإسكندر ، إذ كان أحد قواده اسمه «سلوكوس» استطاع إقامة حكومة السلوكيين في مدينة «سلوكية» قرب بابل ، حاول السلوكيون ترويج الدين والثقافة واللغة اليونانية في إيران. وقد حكم إيران بعد السلوكيين الأشكانيون، ثم الساسانيون الذين انقرضوا علي يد المسلمين . المشرف.
2- في المعتقد الزرادشتي سيظهر ثلاثة منقذين مخلصين : الأول ظهر قبل زرادشت ب-(1000) سنة وهو «هوشيدر»، والثاني يظهر بعد زرادشت ب-(200) سنة وهو «هوشيدرماه» ، والثالث سيظهر بعد زرادشت ب(3000) سنة وهو «سوشيانس» أو «سوشيانت» وهو الذي سينشر العدل في الدنيا بعد ظلم يدوم أمده . وقد تقدم زيادة إيضاح في القسم الأول من هذا الكتاب . المشرف.
3- ديباجه اي بر رهبري : 202 - 203.

وبهذا سقط الفيلسوف المحقق الديني «سيد أمير علي» في فخ ومكر المستشرقين الغربيين، وأصبحت عقيدته كبعض المستشرقين من أن ظهور عقيدة المهدي تولدت نتيجة مخاض الاضطرابات والاضطهاد في العالم الإسلامي، غافلا عن أن عقيدة ظهور الإمام المهدي عليه السلام عقيدة أصيلة دينية ومذهبية، مذكورة في جميع الكتب الدينية والملل المختلفة للعالم، حتي أن كثرة مصادرها و مستنداتها الإسلامية دعت العالم العامي المعروف مؤلف كتاب «التاج» الأن يقول: لا يتردد في صحة وأصالة الأحاديث والاعتقاد بظهور الإمام المهدي الموعود عليه السلام من كانت له ذرة من الإيمان وقليل من الإنصاف.

هل الظلم والحرمان هما منشأ الاعتقاد بظهور الإمام المهدي عليه السلام؟

علي خلاف تصور المتصورين من أن الظلم والحرمان هما سبب بروز عقيدة ظهور الإمام المهدي عليه السلام، والقائلين: كلما ازداد الاضطهاد والحرمان الاجتماعي والسياسي والاقتصادي وغيره ازداد التمسك بعقيدة ظهور المنجي العظيم. علي خلاف أولئك نقول: ليس منشأ هذه العقيدة الأصيلة هو الشعور بالحرمان والظلم والاضطهاد والتمييز الطبقي، إذ العقيدة بظهور منج عظيم عقيدة متأصلة ودينية وفطرية، مثل الخوف والغضب والعطش وسائر الميول النفسية، والاعتقاد بهذه العقيدة يكون في حال الرفاه والاطمئنان تارة وفي حال الحرمان والاضطهاد تارة أخري، وهذا دليل علي فطريتها، نعم يزداد الشوق والتطلع لمنج عظيم كلما ازداد الظلم والتمييز والحرمان والفساد والانحطاط في المجتمع؛ لأن الشوق إلي اليوم الموعود وتطبيق الشعار الإنساني الأصيل بحاجة إلي قائد يتوقد في عمق الإنسان، وهؤلاء يبحثون عن قائد مرشد رحيم وأسوة مقتدر لينقذهم من الظلم والفساد .

ص: 175

فعلي هذا، الإنسان في صراع شوق البحث عن أفضل القادة بأمل اليوم الموعود، وهذا الشوق والأمل يتوقد في نفوسهم لحد أي البعض أخطأوا الهدف واقتدوا بقادة ليسوا بقادة حق، ظانين أنهم وجدوا ضالتهم، ولذا تفانوا فيالتضحية والإيثار. .

وكما يقول مؤلف «ديباجه اي بر رهبري»: بناء علي هذا، البشرية في الحقيقة تعيش في حلمها ورؤياها الذهبية بحكومتها اللائقة في المدينة الفاضلة لمنتظري المسيح ومريدي الخضر وعشاق المهدي، وشوقها المتوقد اللاهب والعميق لأجل القطب والمرشد والمنشود والإمام، وأخيرا لمنجي البشرية العظيم، وفي الحقيقة إن بغيتهم «أفضل القادة»(1).

إذن الشعور بعدم الأمن وشيوع الفتن والاضطراب في المجتمع، يستطيع أن يكون سببا لتقوية الميل إلي منج موعود؛ لأن هذه العقيدة دينية ثابتة ممتزجة مع فطرة الإنسان، ولإيضاح هذا الموضوع أكثر إليك هذا الحادث التاريخي المهم:

3. محمد أحمد السوداني وادعاؤه المهدوية :

في القرن التاسع عشر كانت الهيمنة الاستعمارية الإنجليزية علي نصف العالم، وكان نصيب السودان من القهر والعذاب والذل أكثر من غيرها؛ لأن السودان تحملت الأذي ضعفين، أستغلت من قبل المصريين تارة، ومن البريطانيين تارة أخري، فتحملوا أذاهم وقهرهم وذلهم، بحيث كان كثير من الشباب السوداني الأبرياء يباعون قهرا كعبيد وجواري في الأسواق العالمية، والضرائب المرهقة

ص: 176


1- ديباجه اي بر رهبري : 91-92.

المفروضة عليهم انهكت هذه الطبقة الفقيرة والمحرومة.

في هذا الوقت قام شيخ من الدولة الجارة «مراكش» من مدينة «سنوس» يبشر المحرومين بظهور المهدي المنجي العادل، وبالفعل لم تمض الأيام حتي ظهرشات درويش باسم «محمد أحمد بن عبدالله دنقلي» في سنة 1297 ه-، والتف حوله أتباعه بعنوان أنه المهدي المنتظر، وفجأة هاجت أمواج الاضطراب في السودان، والتحق به الناس المظلومون، وبواسطة القوي المنتظرة استطاع أن يشكل من البؤساء جيشا محاربا لم يدحر القوات المصرية فحسب بل دمر كذلك القوات البريطانية المجهزة والمدربة، مما أدي إلي رفع معنوياتهم لحد أن أحدهم كان يمسك الجندي المحارب البريطاني بيد ويقطع رقبته بضربة سيف واحدة ، وقتل العديد من القادة البريطانيين في هذه الحرب مثل: الكولونيل هيكس، والجنرال استوارت، والجنرال جوردن.

وجاء هيكس ب- 12 ألف عسكري من المشاة مع آلاف الجمال والخيل، و 20 مدفعا لحرب الدراويش، لكن ما انقضت الحرب إلا ولم يبق من جنود هيكس إلا 300 نفر مجروحين في أرض المعركة، وعند مقتل الجنرال جوردن حرر محمد أحمد الخرطوم.

واستدعي البرلمان البريطاني جلاد ستون رئيس الوزراء البريطاني آنذاك لاستيضاح انكسارهم المخزي علي أيدي عدة من الدراويش، فاضطر لحمل القرآن بيده أمام أعضاء البرلمان البريطاني والقول: مادام هذا الكتاب هو الحاكم علي عقول الشرقيين يتعذر نفوذنا وحكومتنا علي هذه الدول، ولا يتيسر لنا

ص: 177

تحقيق أهدافنا(1).

نعم، بنقل هذا النموذج المختصر يتضح أن أصالة المهدوية تصبح كالشمس المشرقة، وأن ظهور الإمام المهدي عليه السلام اعتقاد ديني و مذهبي عميق، لذلك تبقي قلوب المحرومين مليئة بالعشق مادام أفضل المنجين «المهدي الموعود» لم يظهر بعد، سيما عندما يصيبهم اليأس والقنوط في لحظات العسرة، فإنهم يتضرعون إلي السماء داعين بظهور المبعوث السماوي، وهذه حقيقة لا يشوبها الكذب.

4. اعتراف «جيمس دار مشتيتر» بأصالة المهدوية

عندما دحر محمد أحمد السوداني القوات البريطانية في سنة 1885م، عقدت جامعة «السوربون» الفرنسية مؤتمرا من الأساتذة والمحققين، داعية «دار مشتيتر» المستشرق والناطق بالفرنسية ليقف خلف مكبرة الصوت ويخدش ويشوه أصالة الاعتقاد بظهور الإمام المهدي عليه السلام؛ لكي يقلل من تعرض المستعمرات الفرنسية الإسلامية لخطر الثورة عليها، فوقف المستشرق الفرنسي «دار مشتيتر» خلف المنصة وتكلم عن ظهور ونهضة محمد أحمد «مدعي المهدوية» قبل موته المفاجئ والمشكوك بأربعة أشهر. قال - بعدما اعترف بأصالة المهدوية وعقيدة ظهور المنجي، ضمن بحثه المطول في باريس -: التاريخ في هذه الدنيا يعيد نفسه بهذا الوضع الغريب سيما في العالم الإسلامي، فلو نقل لكم تاريخ مدعي المهدوية في الماضي لرأيتم أن مهدي اليوم بين تاريخ الماضي والحاضر

ص: 178


1- انتظار بذر انقلاب: 170 -172 ، نقلا عن مجلة القانون ، سنة 1331، سلسلة مقالات عبدالهادي الحائري .

والمستقبل، مهدي اليوم لم يكن الأول من نوعه في الظهور، ولن يكون الأخير بالتأكيد، مدعو المهدوية كثيرون وسيكونون بعد اليوم أيضا، النفوذ السحري لهؤلاء وتبشيرهم لمنالهم لابد أن يكون ماله الياس في نهاية المطاف، وقد حدث هذا في العالم الإسلامي وسيحدث مرارا، عقيدة ظهور المهدي ظهرت منذ بزوغ فجر الإسلام، وسيظهر معو المهدوية مادام هناك مسلم واحدا(1).

نعم أيها القارئ العزيز، مع أن المستشرق والناطق باللغة الفرنسية «دار مشتيتر» أراد بخطابه هذا أن يطعن بأصالة ظهور الإمام المهدي عليه السلام، لكنه اعترف بأصالة المهدوية في خطابه، وقال بأن انتظار ظهور المهدي كان منذ الأيام الأولي للإسلام.

ومن هنا يعلم أن أدلة عقيدة ظهور الإمام المهدي عليه السلام محكمة ومتأصلة ومقنعة، لحد أنها ما استطاع أن ينكرها أحد وإن كان غير مسلم، إذ اعتبرها من الأمور الاعتقادية للمسلمين، وذكر أن عقيدة ظهور المهدي الموعود نشأت منذ فجر الإسلام عند المسلمين.

ومن المؤسف جدا أن بعض المتلبسين بلباس المسلمين، وبعض الباحثين من ذوي الاتجاهات الفلسفية، سقطوا متأثرين بأفكار الغربيين المغرضين، وسعوا بأدلتهم البليدة لإظهار عقيدة الإمام المهدي عليه السلام وكأنها عقيدة دخيلة.

5. مدعو المهدوية واستغلال عنوان المهدي الموعود:

من أدلة المخالفين للمهدوية في عدم قبولهم الأحاديث المبشرة بالإمام

ص: 179


1- او خواهد آمد : 43 - 44، نقلا عن «المهدي»: 4-3 ، دار مشتيتر ، ترجمة محسن جهانسوز.

المهدي عليه السلام، هو زعمهم أن هذه الأخبار والأحاديث استغلت لمصالح مدعي المهدوية، وهم كثيرون علي طول التاريخ الإسلامي.

ونجيب هؤلاء السطحيين السذج وذوي الأفكار السقيمة، وفي الحقيقة المغرضين وغير المنطقيين: إن هذا الادعاء بنفسه أحد البراهين الواضحة علي أصالة المهدوية ؛ لأنه لو لم تكن لها أصالة لما ادعاها أحد ولم ينتسب إليها.

ودليل هذا أن الفراعنة علي مر التاريخ ادعوا الربوبية ؛ لأن الرب له أصالة ووجود وهذا مسلم وواضح للجميع، ولذا أراد جمع أن يحل محل تلك الحقيقة . و مسيلمة ادعي النبوة؛ لأن النبوة لها أصالة، ولذا أراد جمع أن يحل محل الأنبياء. وكذا المهدوية لها أصالة؛ ولذا ادعاها مثل: أبي محمد عبيد الله (المهدي الفاطمي) رئيس سلالة السلاطين الفاطميين في مصر، ومحمد أحمد السوداني، والباب علي محمد الشيرازي، وآخرون، وأرادوا أن يحلوا محل الإمام المهدي عليه السلام. إذن ظهور مدعي المهدوية دليل علي أصالة المهدوية وحقيقتها

ولو تعمقنا قليلا بنظرة يسيرة في مسألة المهدوية لوقفنا علي حقيقة وهي: كلماازداد الحيف والظلم والتمييز والفساد علي الشعوب - والناس تعتبر هذه الأمور من علائم ظهور الإمام المهدي عليه السلام - ازداد دعاؤهم وتضرعهم إلي الله تعالي وفق فطرتهم لإزالة الظلم والخيانة والجناية، ولينقذهم من هذا الوضع المؤسف. وهنا يري المتربصون والمراؤون الأرضية مساعدة لتمرير أهدافهم المريضة، فيبادرون إلي ادعاء المهدوية مستفيدين من سلامة عقائد الناس، ويظهرون للناس باسم المهدي الموعود، وتنطوي هذه المزاعم علي بعض السذج فيبادرون لإجابة دعوتهم ويلتفون حولهم مجيبين لهم.

ص: 180

نعم، هذه الحقيقة - أي المهدوية - تعرضت علي طول التاريخ إلي استغلالها وسوء الاستفادة منها! ولكن أي حقيقة في العالم لم تتعرض إلي الاستغلال وسوء الاستفادة؟ هل كان زاعمو الألوهية أو النبوة أو باقي المقامات المعنوية قليلين ؟ وهل كانت الأديان الوضعية في العالم قليلة؟ فهل يجب علينا أن نتنصل عن جميع الحقائق من أجل أهواء عدة من الظالمين والمنحرفين وطلاب الرئاسة وننكر ربوبية الله ونبؤة الأنبياء ؟! وهل كان استغلال القوي المادية علي طول التاريخ قليلا ؟ فهل يتحتم علينا أن نعدم ونهدم هذه القوي؟

كتب صاحب قاموس الكتاب المقدس: ظهر حوالي 10 أشخاص في القرن الثاني عشر الميلادي زعموا أنهم المسيح، وانجذب لهم جمع من الناس، وأدي هذا الأمر إلي الفتنة وألهب نيران الحرب وراح ضحيتها جمع كثير. فهل يجب أن ننكر المسيح عليه السلام بسبب استغلال اسمه وعنوانه ؟!

الخلاصة: إن الاستغلال وسوء الاستفادة من حقيقة ما لا يدل علي بطلانها، بل يكون دليلا وبرهانا لاثبات ووجود تلك الحقيقة، وللحد من الاستغلال وسوء الاستفادة يجب علي المسلمين الرجوع إلي مصادرهم للتعرف علي الإمام المهدي عليه السلام وشمائله وصفاته ؛ لكي لا يقعوا في أخطاء تؤدي إلي إنكاره.

ص: 181

ص: 182

القسم السابع: مسألة الانتظار

اشارة

يشمل: .

1. ضرورة دراسة المفاهيم الاسلامية

2. المعني اللغوي للانتظار

3. الانتظار في المذاهب

4. انتظار الفرج في الإسلام .

5. انتظار الفرج عند الانظمة المتسلطة

6. المفهوم الصحيح للانتظار

7. الانتظار أهم دافع للتحرك

8. فوائد الانتظار ودوره في بناء المجتمع

ص: 183

ص: 184

إن حياة الناس - طبقا لكثير من آيات القرآن الكريم والروايات الواردة عن الأئمة المعصومين عليهم السلام - مرهونة بنعمة الانتظار سواء الفردية منها والاجتماعية ، وإذا خلت الحياة من الانتظار والأمل أصبحت حياة فارغة لا معني لها. كل ما يبعث الروح في حياة الإنسان ويسهل له الصعاب والحزن هو الأمل والانتظار، فالإنسان يتحمل الصعاب والمشقات ويسير في سفينة الأمل والأمنيات في إعصار بحر الحياة المتلاطم، ولولا الأمل لما رضعت أم طفلها، ولم يغرس فلاح شجرة، ولم يسع رجل لتكوين عائلة، ولم ير أب أولاده، ولم يحرث فلاح أرضه، ولم يتاجر تاجر، ولم يحكم حاكم دولة، إذن إذا فقد الإنسان الأمل والمجتمع الانتظار، تصبح حياة الإنسان هيكلا شاخصا، فاقدة المعني، وبحلاوة الانتظار تصفو الحياة وتشرق وتصبح طيبة، وتبعث فيها الحركة والنشاط ويتطلع لإدامة الحياة.

1.ضرورة دراسة المفاهيم الاسلامية :

في هذا الزمان العسير والمضطرب أصبحت جميع الإمكانات المادية في قبضة الحكومات الاستكبارية السياسية العظيمة، والسياسيون المخادعون والمسؤولون العلمانيون يفرضون عقائدهم وآراءهم وأفكاراهم السقيمة

ص: 185

والمنافية للمذهب، بواسطة وسائل الإعلام العالمية علي أتباع سائر الأديان ومذاهب العالم، فعلي كل مسلم وكل شخص يريد أن يطلع علي مفاهيم الإسلام السامية وبرامجه التربوية الحياتية، يجب عليه قبل كل شيء أن يفهم ويعرف الألفاظ والمصطلحات الإسلامية جيدا ؛ لأن الفوضوية عمت في هذا الوقت،والأنظمة والأحزاب اتخذت موضعا معاديا لله وللدين وبالأخص مخالفتهم للإسلام والتشيع، والمبطلون والأنظمة الفاسدة ومفسدو العالم يبلغون أفكارهم وطرقهم ضد الدين، ويحاولون جاهدين بأنواع الدسائس تحريف الواقع وقلب المفاهيم الحقيقية للمصطلحات الإسلامية، وطرح شعارات خلابة وجذابة، بألفاظ مغرية يزرقونها للناس بعنوان أنها الفلسفة العالمية الوحيدة، وأنها العالم المتحضر، ويحرمون المسلمين من المعرفة الكافية عن المصطلحات والشعائر الدينية، ويربطون مصير الدين الطاهر المحمدي بمصير التوراة والإنجيل.

فلو علمت المفاهيم الواقعية والألفاظ الإسلامية والمعاني الحقيقية بصورة جيدة لزال الغبار عما لفقه جمع من الضالين عن الدين والمذهب. فإذا لم تطرح المفاهيم الواقعية والمصلحات الإسلامية كما هي - ويكشف النقاب عن المتمرسين المتلاعبين بالسياسة، والمغرضين، ولصوص العقيدة - لم يكن الضرر علي المسلمين بأقل من ضرر الظلال المبين.

إذن يجب علينا نحن المسلمين في هذا الوقت أن ننهض ونسعي أكثر فأكثر لحفظ الآثار الإسلامية الأصيلة، وتراثنا الإسلامي الأصيل، وصيانة الشقافة الإسلامية الغنية، وأن نكون سدا حائلا من أن تطال آفة التحريف وشراق العقيدة هوية تأريخنا وأصالتنا وتراثنا الثقافي .

ص: 186

علي كل حال، هناك ألفاظ كثيرة في الدين الإسلامي المقدس مثل: القسط، العدل، الزهد، القناعة، التوكل، التسليم، الخلافة، الولاية، الإمامة، المهدوية، الدعاء والزيارة، لها مفاهيم تختص بها، والزيغ عن فهم معانيها الحقيقية يساوي الضياع في أصل الدين أو في فرع من فروعه وعمود من أعمدتهالأساسية. ومن هذه الألفاظ، لفظ الانتظار، المتعلق بظهور آخر حجة الله ، ومصلح آخر الزمان الإمام المهدي عليه السلام ، فإن الأجانب يحاولون بتبليغهم وتلقينهم السيئ والمغرض أن يظهروه كعامل انحطاط وتخلف، في حين أن انتظار ظهور الإمام المهدي عليه السلام من أهم المعتقدات الإسلامية التي تلعب دورا في صنع التاريخ.

ولمعرفة الانتظار كاملا ، نبحث أؤلأ المعني والمفهوم اللغوي والمذهبي لكلمة الانتظار، ثم نتحدث عن انتظار الفرج في الإسلام ودلائله في القرآن والروايات، ثم نبحث انتظار الفرج من وجهة نظر الأنظمة المتسلطة والفهم الخاطئ لبعض الأحزاب والمذاهب لهذه العقيدة الأصلية، وفي النهاية نطرح عددا من الروايات الحاكية عن الانتظار وأصله البناء وبعثه الروح والحركة في الحياة، وقد أوضحنا أن انتظار الفرج من الآمال والأمنيات القديمة للبشر، وأنه المحرك للشعوب والمذاهب العالمية الكبيرة، وأنه في أعماق وجود الناس والمجتمعات البشرية .

2. المعني اللغوي للانتظار:

الانتظار في اللغة بمعني الترقب لحظور الشخص والتأمل بالمستقبل؛ حسنا كان أو سيئا، قبيحة أو جميلا، مرغوبا فيه أو مرغوبا عنه. والحاصل من المعني اللغوي هو أن من عمل عملا سيئا أو قبيحا فهو ينتظر

ص: 187

جزاءه، ومن بذر بذرا في الأرض ينتظر حصاده بعد نموه واخضراره،وأخيرا من عمل خيرا وإحسانا ينتظر يوما ينال فيه جزاءه .

3. الانتظار في المذاهب:

الانتظار في المذهب هو: حالة مركبة من الإيمان بالله والاعتقاد الكامل والراسخ بأصول الدين، والشوق والوه لظهور قائد رباني سماوي يتمكن أن يحكم العالم تحت راية دين واحد، ويحد الظالمين وينشر دين التوحيد والعبودية لله، ويحكم الكرة الأرضية بالقسط والعدل بعون الله تعالي، ويوقار مشعل الأمل في النفوس، ويحول آمال الناس وسلوكهم الفردي والاجتماعي نحو الكمال.

الانتظار في الدين والمذهب أمل وأمنية، أمل في المستقبل يبشر بالسعادة ، وأمنية بأن ينجي العالم من المفاسد والمصائب ويأخذ به نحو الصلاح والخير، وتتحول الدنيا إلي مدينة فاضلة في ظل العدل الإلهي

هذا معني انتظار الفرج في الدين، أي في الحقيقة الانتظار طريق لتحقيق الحق والعدل والنصر وتحكيم نظام العدل الإلهي، فعلي هذا انتظار الفرج حديث نفوس كل الناس بلا ريب، والتطلع المشترك لكل شعوب العالم، ولا يعرف زمانا ولا مكانا، ولا يختص بقوم أو مجموعة دون أخري، وكما قال أحد الكتاب المعروفين: «الاعتقاد بوجود قائم في آخر الزمان يتطلب معجزة وخرقا للعادة، ليملأ الأرض قسطا وعدلا كما ملئت ظلما وجورا، ويحكم أساس الدين، وهذه العقيدة عند أكثر المذاهب حتي عند مصر القديمة، وهي واحدة من أقدم وأهم

ص: 188

آمال البشرية ، فلا عجب أن نري في كل زمان إنسانا يتطلع إلي مستقبل أفضل... والإيمان هو الدافع الأصلي لهذه العقيدة»(1).

نعم أيها القارئ العزيز، الدافع الأصلي لعقيدة ظهور الإمام المهدي عليه السلام وانتظار فرج آخر حجة الله هو الإيمان، فالإيمان دافع قوي جدا، يري الإنسان من خلاله السعادة والرفاه لوجوده، ولا يفقد أمله ومعنوياته أبدأ إثر غدر الزمان وشدة بلايا الحياة ، فهو ينهض ويسعي وينطلق، يأمل من الله الأجر، ويدعوه تبارك وتعالي : اللهم صل عليه، وقرب بعده .. وثبت به القلب، وأقم به الحرب»(2).

والآن نبحث أدلة انتظار الفرج من القرآن والروايات ليتضح هذا المطلب بشكل كامل.

4. انتظار الفرج في الإسلام:

اشارة

انتظار الفرج في الإسلام - سيما عند مذهب الشيعة الحق - هو: الإيمان الراسخ بإمامة وولاية الإمام صاحب الزمان عليه السلام، والأمل بظهوره المبارك، وأنه آخر حجة الله، ونجاة المستضعفين من المستكبرين، ونهاية الملوك الطواغيت، ونصر المؤمنين المؤر، وبداية حكومة الصالحين إلي نهاية الدنيا، وأن أس اعتقاد الإسلام هو: التوحيد، ورسالة النبي صلي اله عليه و آله، وإمامة الأئمة المعصومين عليهم السلام، وتحقق وعد الله تعالي الذي لا يخلف.

انتظار الفرج في الإسلام - في الحقيقة - هو نوع من التأهب، تأهب للتطهير

ص: 189


1- مقدمة كتاب «مهدي موعود» : 178
2- مفاتيح الجنان : 531.

والحياة السليمة، والابتعاد عن المعاصي ، والوصول إلي تزكية النفس، والاستعداد الحركة مستمرة دائمة، وسعي دؤوب من غير ملل، متزامن معتربية النفس وتهذيب الآخرين وإيجاد الأرضية لذلك، وأخيرا الاستعداد لمشاركة القوات في نهضة الإمام المهدي عليه السلام السماوية العظيمة، حيث إن نقطة انطلاقها هو الظهور المبارك للإمام صاحب الزمان عليه السلام، وخاتمها هو إزالة الظلمة والفساد والجهل والجنايات ودحر الطواغيت، ونتيجتها إقامة حكومة العدل الإلهي وتحقق قول الله تعالي ووعده بعزة المؤمنين.

وبعد ما تبينت أهمية الانتظار في حياة الإنسان، نبحث الآن انتظار الفرج في الإسلام لندرك مفهومه الصحيح.

ولتوضيح المطلب نذهب الآن إلي المتون الإسلامية الأصيلة، وروايات النبي والأئمة المعصومين عليهم السلام لبحث معاريض ما وصلنا من الآيات والروايات المختلفة عن الأئمة المعصومين عليهم السلام حول الانتظار وأهمية هذه العقيدة الأصيلة .

أ: انتظار الفرج في القرآن :

المسألة المهمة التي يفتخر بها المسلمون علي طول التاريخ والتي هي جوهر أملهم - خاصة الشيعة - هي مسألة الانتظار، والوعود الإلهية التي لا خلف لها حول مستقبل الإسلام ونصر المؤمنين النهائي والمستضعفين والمحرومين، فمنذ بزوغ فجر الإسلام ومنذ السنوات الأولي لبعثة النبي الأكرم صلي الله عليه و آله وعد المسلمون بمستقبل مشرق.

اتخذ المسلمون وبالأخص الشيعة - من يوم بعثة رسول الله صلي الله عليه و آله وإلي يومنا

ص: 190

هذا، بسبب الوعود التي بشر بها نبي الإسلام الأكرم المسلمين عن طريق آيات القرآن الكريم المباركة - اتخذوا تمام الوعود بجد واعتقاد عميق وراسخ. وعلي الرغم من تحملهم المصاعب والمصائب في جميع مراحل تاريخ الإسلام المختلفة لم يفقدوا الأمل، ووضعوا هذا الاعتقاد الإسلامي الأصيل نصب أعينهم دائما .

عقيدة المسلمين - علي أساس نصوص القرآن الكريم الصريحة التي وعدهم بها - هي أن وفق قانون الخلقة وسنة الحياة، لابد أن يسير التاريخ علي ضوء السنن الإلهية والوعود الربانية ، فإذا تصرمت عدة أيام من الدنيا لصالح الظالمين والمتجاوزين والطالحين فعاقبة حكومة العالم المطلقة ستكون بيد الصالحين والعباد، وسيمحق الظالمون والطواغيت والمستكبرون، وأخيرا ستعم العالم أجمع العدالة والأمن الحقيقي علي أساس القانون الإلهي.

المسلمون وكل الشيعة عندهم إيمان راسخ بهذه العقيدة البناءة، إن الحق أصيل، والباطل عارضي ، وكل عارضي يزول؛ بسهولة أو بصعوبة، عاجلا أم اجلا، وفي المستقبل البعيد أو القريب سينتصر الحق وينشر جناحه علي كل مكان شاءوا أم أبوا، وسيزهق الباطل والمبطلون ويقضي عليهم؛ لأن تحقيق الحق والعدل سنة إلهية وإرادة ربانية ووعد إلهي حتمي ، والله لا يخلف وعده الذي وعد عباده الصالحين به.

علي كل حال: في الإسلام والقرآن وعند المسلمين، تعد مسألة الانتظار والأمل بالمستقبل و حاكمية الحق المطلق علي كل العالم في آخر الزمان واحدة من مسائل الإسلام الحياتية، وقد طرح القرآن الكريم هذه المسألة بعنوان الوعد الإلهي الذي

ص: 191

لا يخلف؛ قاطعا بها بما للكلمة معني، وبشر المسلمين بكامل الصراحة بنصر الإيمان الإسلامي المؤزر، ومستقبل الدين المحمدي الطاهر المشرق، ولم يدع الأحد شكا وترديدا وإبهاما .

وفي هذا المجال، وردت آيات كثيرة في القرآن الكريم، نذكر بعضا منها:

أ- جاء في الآية 33 من سورة التوبة، حول عالمية الدين الإسلامي وغلبته علي كل أديان العالم:«هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَي وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَي الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ» .

2 - الآية 32 من سورة التوبة تحكي عن إرادة الله تعالي لتكامل نور الإسلام: «يُرِيدُونَ أَن يُطْفِئُوا نُورَ اللَّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَيَأْبَي اللَّهُ إِلَّا أَن يُتِمَّ نُورَهُ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ».

3- وعد الله المؤمنين والصالحين في الآية 55 من سورة النور: «وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَي لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُم مِّن بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا ۚ يَعْبُدُونَنِي لَا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئًا ۚ وَمَن كَفَرَ بَعْدَ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ ».

4 - جاء في الآية 51من سورة غافر ان الله سينصر رسله: «إِنَّا لَنَنصُرُ رُسُلَنَا وَالَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ يَقُومُ الْأَشْهَادُ».

5- ورد في الآيتين 105 - 106 من سورة الأنبياء عن وعد الله تعالي للمؤمنين والصالحين بتمكينهم من الأرض: «وَلَقَدْ كَتَبْنَا فِي الزَّبُورِ مِن بَعْدِ الذِّكْرِ أَنَّ الْأَرْضَ يَرِثُهَا عِبَادِيَ الصَّالِحُونَ* إِنَّ فِي هَذَا لَبَلَاغًا لِّقَوْمٍ عَابِدِينَ . »

6 - الآية 5 من سورة القصص تحكي عن مستقبل المستضعفين وحكومتهم علي الكرة الأرضية:«وَنُرِيدُ أَن نَّمُنَّ عَلَي الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الْأَرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ

ص: 192

أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ الْوَارِثِينَ»

7 - الآيتان 28 - 29 من سورة السجدة تتحدثان عن يوم قيام منجي البشرية وعاقبة الكافرين :«وَيَقُولُونَ مَتَي هَذَا الْفَتْحُ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ*قُلْ يَوْمَ الْفَتْحِ لَا يَنفَعُ الَّذِينَ كَفَرُوا إِيمَانُهُمْ وَلَا هُمْ يُنظَرُونَ».

8- الآيات 171 - 173 من سورة الصافات تحكي عن نصرة الله تعالي لأنبيائه ورسله وغلبتهم: «وَلَقَدْ سَبَقَتْ كَلِمَتُنَا لِعِبَادِنَا الْمُرْسَلِينَ* إِنَّهُمْ لَهُمُ الْمَنصُورُونَ *وَإِنَّ جُندَنَا لَهُمُ الْغَالِبُونَ.»

9 - الآية 41 من سورة الحج تحكي عن قيادة وحكومة المؤمنين بالحق، ونظامهم الاجتماعي والاقتصادي والسياسي، وأن الله تبارك وتعالي وعدهم النصر : «الَّذِينَ إِن مَّكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنكَرِ ۗ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الْأُمُورِ».

يستفاد من مجموع الآيات التي ذكرت أن للعالم يوما يحكمه به الصالحون والمؤمنون ويبسطون أيديهم علي الدنيا بأسرها، وحسب الروايات وبشائر جميع أنبياء الله تبارك وتعالي إلي ذلك العصر المشرق - والفترة الذهبية التي تنتظرها البشرية وجميع المسلمين و شيعة العالم - هو ذلك يوم قيام منجيعالم البشرية ، وزمان عظمة ظهور المهدي الموعود عليه السلام المبارك.

ولقيام هذا المصلح العالمي وموعود القرآن الكريم نتائج أفصحت البشائر عنها في أربعة أركان نذكرها للقارئ الكريم، وهي :

1- ستقام حكومة عالمية واحدة عادلة علي أساس التوحيد والعبودية لله تعالي ، بقيادة موعود القرآن، يديرها الصالحون والمؤمنون.

ص: 193

2- تحكم القوانين الإسلامية الرفيعة العالم بأسره، ويسوده نظام الحكم الإلهي الكامل

3- سيزول الرعب والخوف من الناس، ويحل الأمن والاطمئنان في البسيطة.

4 - سيعبد الجميع الله ويوحدونه، ويمحق الاستعباد والعبودية وعبادة الأصنام.

ب: انتظار الفرج في الروايات الإسلامية:

«انتظار الفرج» في لسان الروايات الإسلامية يحكي عن أمل وتطلع لمستقبل أفضل وحياة كريمة، معمما نظرة إيجابية بالنسبة لتيار نظام الطبيعة الكلي والتكامل التاريخي والاطمئنان بمستقبل مشرق، مبعدأ التشاؤم عن عواقب الناس. فانتظار الفرج أصل إسلامي كلي مصدره آيات القرآن المجيد، وذلك الأصل هو حرمة اليأس والقنوط من لطف و رحمة الله تبارك وتعالي .

عقيدة المسلمين - وفق ما جاءت به بشائر القرآن الكريم ونبي الإسلام الأكرم صلي الله عليه و آله وخلفاؤه المعصومون عليهم السلام - هي أن الله تبارك وتعالي سيبعث رجلا من أولاد نبي الإسلام صلي الله عليه و آله في آخر الزمان يعز به الدين. هذا الموعود العزيز - علي أساس أصح وأقوي المصادر الإسلامية، وبشائر أنبياء الله والكتب المذهبية لأهل الأديان - هو الثاني عشر من خلفاء رسول الله صلي الله عليه و آله، وهو من أولاد أميرالمؤمنين والزهراء عليهما السلام المعصومين، سمي نبي الله صلي الله عليه و آله وكنيه، وله عند المسلمين ألقاب وأسماء مختلفة، مثل: المهدي، القائم، المنتظر، صاحب الأمر، صاحب الزمان، حجة الله ، بقية الله ، والخلف الصالح.

ص: 194

وإليك نماذج من تلك الروايات:

قال رسول الله صلي الله عليه و آله: «لو لم يبق من الدنيا إلا يوم لطول الله ذلك اليوم حتي يبعث رجلا متي - أو من أهل بيتي - يواطئ اسمه اسمي ، يملأ الأرض قسطا وعدلا كما ملئت ظلما وجورا»(1).

وقال صلي الله عليه و آله في حديث آخر: «أبشركم بالمهدي ، يملأ الأرض قسطا وعدلا كما ملئت جورا و ظلما ، يرضي عنه ساكن السماء وساكن الأرض»(2).

وعنه صلي الله عليه و آله في حديث آخر: «لا تنقضي الساعة حتي يملك الأرض رجل من أهل بيتي ، يملأ الأرض عدلا كما ملئت جورا» (3).

وقال أمير المؤمنين عليه السلام : «المهدي منا في آخر الزمان ، لم يكن في أمة من الأمم مهدي ينتظر غيره»(4).

يستفاد من هذا الحديث الشريف أن الإمام المهدي الموعود المنتظر عليه السلام واحد في كل العالم، ومن أولاد رسول الله صلي الله عليه و آله وفاطمة الزهراء عليهما السلام وعلي المرتضي عليه السلام، ويظهر في آخر الزمان ، وليس في الإمام المهدي عليه السلام تعدد بل هو شخص واحد، وكما يقال : هو الإمام المهدي الشخصي وليس النوعي .

وقال الإمام الحسين عليه السلام : «منا اثنا عشر مهديا ، أولهم أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام وآخرهم التاسع من ولدي ، وهو الإمام القائم بالحق، يحيي الله

ص: 195


1- كتاب التاج الجامع للأصول 5: 343، بحارالأنوار 51: 74 ح 27وغيرها من كتب الحديث .
2- الفصول المهمة : 297، مسند أحمد 3: 37، التاج الجامع للأصول 5: 343، كتاب الفتن وعلامات الساعة ، وكثير من مصادر الحديث الأخري ،
3- المهدي الموعود المنتظر 1: 94 ح 90، بحارالأنوار 51: 78.
4- منتخب الأثر: 171 ح 90، دلائل الإمامة للطبري : 256.

به الأرض بعد موتها، ويظهر به دين الحق علي الدين كله ولو كره المشركون»(1).

وقال الإمام الباقر عليه السلام : «إن الدنيا لا تذهب حتي يبعث الله عز وجل رجلا منا أهل البيت يعمل بكتاب الله ، لا يري فيكم منكرا إلا أنكره» (2).

وقال الإمام الصادق عليه السلام : «الخلف الصالح من ولدي ، وهو المهدي، اسمه محمد ، وكنيته أبو القاسم ، يخرج في آخر الزمان» (3).

وعن أحمد بن زياد الأزدي، قال: سألت سيدي موسي بن جعفر عليه السلام... ويكون في الأئمة من يغيب ؟ قال: «نعم يغيب عن أبصار الناس شخصه ولا يغيب عن قلوب المؤمنين ذكره ، وهو الثاني عشر منا، يسهل الله له كل عسير ، ويذلل له كل صعب ، ويظهر له كنوز الأرض ، ويقرب له كل بعيد ، ويبيد به كل جبار عنيد ، ويهلك علي يده كل شيطان مريد، ذاك ابن سيدة الإماء، الذي تخفي علي الناس ولادته ، ولا يحل لهم تسميته حتي يظهره الله عز وجل فيملأ به الأرض قسطا وعدلا كما ملئت جورا و ظلما »(4).

نكتفي بهذا المقدار من الروايات، لأن كل ما قيل قليل؛ لكثرة الروايات الواردةعن الأئمة المعصومين عليهم السلام حول المستقبل وانتظار فرج آخر حجة الله تبارك وتعالي من الأئمة المعصومين عليهم السلام .

ص: 196


1- بحارالأنوار 51: 133 ح4، منتخب الأثر: 205 ح4، كفاية الأثر: 232، كمال الدين : 317 الباب 30ح 3.
2- الكافي 8: 396 ح 597، بشارة الإسلام : 246.
3- ينابيع المودة : 589 الباب 94، منتخب الأثر: 214 الباب 13 ح 1.
4- كمال الدين : 368-369 الباب 34ح6، بحارالأنوار 150:51 ح 2.

5. انتظار الفرج عند الأنظمة المتسلطة:

اشارة

الانتظار علي ضوء تعاليم جميع الأديان السماوية موجود عند الناس أجمع، ونړئ أرضيته في كل المجتمعات البشرية المتحضرة منها والبدوية، ولكن المستكبرين يحاولون ويسعون دائما إلي تضعيف وتقليل المبادئ العقائدية لدي المجتمعات، ويشيعون أن الانتظار سبب الركود والاضمحلال، وأين الإيمان بمستقبل أفضل هو رد فعل الطبقات المحرومة المغلوبة، ومسكن مؤقت يتلبس بلباس المذهب.

ونري أن مسألة الانتظار والاعتقاد بظهور آخر حجة الله تعالي - الإمام المهدي عليه السلام - هي إحدي المسائل الاعتقادية الإسلامية المهمة التي طالما تعرضت لهجوم لصوص العقيدة خلال 14 قرنا بقساوة؛ لأن المستعمرين والمستغلين يرون هذه العقيدة هي العقبة لمآربهم الاستعمارية، ولذا جهدوا بأنواع المكائد ليسقطوها ويعتبروها مما لا طائل فيه، وظنت فئة غافلة - تبعةلهؤلاء - أن انتظار الفرج وعقيدة ظهور الإمام عليه السلام سبب للسكون والتخلف. والواقع أن البحث في هذه الفكرة الأصيلة والبناءة والحيوية يبين سقم عقيدة وطريقة هاتين الفرقتين كلتيهما.

هل الانتظار سبب للخمول ؟

ولتبيين مدي عدم مصداقية هؤلاء الظالمين المتبرقعين بالهداية، والمتظاهرين كذبا بحملهم لهموم الناس وغمومهم، ولكشف النقاب عن وجه هؤلاء المخادعين والمنافقين والمحتالين، يجب أولا أن نوضح المفهوم الصحيح للانتظار قليلا، ثم نعطف القول علي انتظار الفرج وأهميته في الإسلام، لنوضح أن

ص: 197

انتظار الفرج والإيمان والعقيدة بالظهور هل يجعل الإنسان مغفلا غارقا في الخيال غافلا عن كل شيء؟ أو علي العكس مما قال هؤلاء يكون الإيمان والعقيدة بالظهور نوع دعوة ونهضة وكفاح وبناء فردي و اجتماعي؟ وهل الانتظار والعقيدة بظهور مصلح في آخر الزمان دعوة للجمود والسكوت والتراخي، أم حركة وتحمل المسؤلية ؟ وأخيرا هل الإيمان وعقيدة الظهور سبب سكون وعزلة وتخلف، أو عامل حركة ومقاومة و تطور ونضال ؟

6. المفهوم الصحيح للانتظار:

الانتظار بمفهومه المذهبي أمل بالمستقبل، مستقبل يتخلص فيه العالم من الاستعباد والاستبداد و تسلط الأنظمة الخاطئة، وينهي الأنظمة المعادية للإنسانية ، لتصبح الحياة حياة صلح وصفاء وطمأنينة وأمن، بعدما كانت حافلة بالحروب والقتل الفظيع، وينتصر أصحاب الحق ويسحق المبطلون.

والآن نبحث عن مثل هذا المفهوم للانتظار ونوضحه بإيجاز، فنقول: كل ما يستفاد من مجموع الآيات والروايات الإسلامية ومفهوم كلمة الانتظار هو:

إن الانتظار عامل تطور وإصلاح لجميع أبعاد حياة الإنسان الفردية منها والاجتماعية، وسبب للكفاح والتطور وديمومة يقظة المجتمع، وأخيرا هو سبب الحركة والقيام، ومن العقائد البناءة للتاريخ والثورة الإسلامية، وبذر قيام الإمام المهدي عليه السلام العالمي .

ولكن كما قلنا: للأسف اعتبر أعداء الإسلام وجمع من المخدوعين الجهلة أو الضعفاء والمنحرفين، اعتبروا الانتظار عامة للخمول والتخلف، وأنه يحتم علي

ص: 198

الإنسان أن يترك كل سعي ومحاولة إصلاح، ويستسلم ويصمت أمام الظلم والفساد والاضطهاد ، كميت الأحياء في تابوت الانتظار، غارق في سباته الدائم لا حراك له ، وإذا أراد التعجيل بظهور الموعود العالمي والمصلح الغيبي وإنهاء الظلم والجنايات يجب عليه أن يجور ويحفز علي اتساع رقعة الفساد حتي يمتلأ العالم ظلما و جورا ، فبذلك يقترب ظهور الإمام المهدي الموعود عليه السلام !

في حين أن هذا الاستنباط أخطأ وأضيع وأضل مفهوم عرف عن الانتظار،لأن هذا ليس مفهوم الانتظار، بل هذا تزييف للحقيقة والواقع؛ لأن الانتظار يستلزم الاستعداد و التأهب ،فنحن نري أن أكثر الناس توانيا و كسلا عندما ينتظر ضيفا عزيزا يجب عليه أن يهيئ قبل مجيئه ما يستلزم لراحته وتضييفه من كل الجهات، ولذلك يهيئ نفسه وعائلته لاستقبال الضيف العزيز، حتي إنه يكسح طريقه وينضحه بالماء، بل أكثر من هذا إنه إذا علم أن هناك من يتعرض له من المغرضين عند وصوله يقوم بتحصين وتحكيم بيته، ويسلح نفسه وأهل بيته(1).

7. الانتظار أهم دافع للتحرك :

اشارة

إذا نظرنا إلي المفهوم الواقعي للانتظار نري أنه ليس من الإنصاف أن نعتبره سببا للخمول والانحلال ؛ لأنه كما قلنا بمعني الأمل والأمنية، والتطلع والتمني لا شك أنهما من أهم العوامل المؤثرة لتحرك الإنسان في حياته، فهو يولد الجاذبية ويسدد الإنسان ويبعث فيه الحركة، إن جوهرة الأمل هي النظرة التفاؤلية لمستقبل البشر، ورصيدها بشاره الله تعالي الحتمية والقطعية لنصرة المستضعفين والحكام

ص: 199


1- انتظار بذر انقلاب: 91.

الصالحين وكون العاقبة للمتقين.

والآن لتوضيح هذا الموضوع كاملا نقتم مسألة الانتظار إلي عدة فقرات :

1- قيمة الانتظار وأهميته في الروايات الإسلامية .

2 - الآثار الحيوية للانتظار ودوره في بناء المجتمع.

3- الانتظار سبب للمقاومة والصمود.

4 - الانتظارعامل بقاء مجتمع التشيع.

قيمة الانتظار وأهميته في الروايات الاسلامية :

طبق الروايات الكثيرة الواردة عن النبي صلي الله عليه و آله والأئمة المعصومين عليهم السلام حول انتظار فرج الإمام صاحب الزمان عليه السلام، يرتبط انتظار الفرج بالأهداف الإنسانية السامية الرفيعة، ويحث الإنسان علي العمل الصالح والأفعال الحسنة، ورعاية حقوق الناس، وطرد القوي الظالمة خلال حياته، ويقيمه علي أصح الاعتقادات الدينية والمذهبية الثابتة، بالإضافة إلي هذا يهيئ المؤمنين والمنتظرين للجهاد والكفاح، والتضحية والإيثار والقتال، والصمود أمام الظلم والجور، ويسعي ويحاول لإقامة نظام العدل والحق والحقيقة والطمأنينة والرفاه العام؛ ولذا اعتبر هذا الأصل المحفز في الإسلام عبادة، وجاء في أقوال الأئمة المعصومين عليهم السلام : إنه من أفضل العبادة. وفي هذا وردت روايات كثيرة نشير إلي بعضها:

قال النبي الأكرم صلي الله عليه و آله: «انتظار الفرج عبادة». وفي رواية أخري: «أفضل أعمال أمتي انتظار فرج الله عز وجل»(1).

ص: 200


1- بحارالأنوار 122:52 ح 1.

وقال أمير المؤمنين عليه السلام: «أفضل العبادة الصمت وانتظار الفرج»(1).

وجاء في باب مواعظه عليه السلام، حين سأله شخص: أي الأعمال أحب إلي الله عزوجل ؟ قال : «انتظار الفرج»(2).

وقال الإمام زين العابدين عليه السلام: «انتظار الفرج من أعظم العمل»(3)

3.وقال في حديث آخر: «ما ضر من مات منتظرا لأمرنا أن لا يموت في وسط فسطاط المهدي وعسكره»(4)

وقال الإمام الصادق عليه السلام: «اعلموا أن المنتظر لهذا الأمر له مثل أجر الصائم القائم»(5).

وجاء عنه عليه السلام في حديث طويل قوله: «... أن من انتظر أمرنا وصبر علي ما يري من الأذي والخوف هو غدا في زمرتنا»(6).

وجاء في حديث آخر: «من مات منكم وهو منتظر لهذا الأمر كمن هو مع القائم في فسطاطه»، قال الراوي : ثم مكث هنيئة ثم قال: «لا ، بل كمن قارع معه بسيفه»، ثم قال: «لا والله إلاكمن استشهد مع رسول الله صلي الله عليه و آله»(7).

فحالة انتظار إمام يبسط العدل تجعل الإنسان يطلب العدل والقسط، ويعادي

ص: 201


1- كشكول الشيخ البهائي : 151.
2- بحارالأنوار 52 : 122 ذح3.
3- منتخب الأثر : 244 ح 1 ، نقلا عن كمال الدين للصدوق. [ ولم نعثر عليه فيه. المشرف ]
4- الكافي 8: 37ح 7.
5- الكافي 2: 122 ح 4.
6- الكافي 1: 372ح6.
7- بحارالأنوار 126:52 ح18 نقلا عن محاسن البرقي 1: 174 الباب 38 ح 151، منتخب الأثر: 498 ح 13.

الظلم والظالمين، وله دور تربوي وبناء للمنتظرين أمام تيارات الزمان وصعوباته، وكل ما يحل بهم من نكبات واضطهادات، ويجعلهم صامدين ومقاومين بإرادة وتماسك لا ينثني، ويولد عندهم الشجاعة والهمة العالية والنظرة المستقبلية البعيدة، ويكونون ثابتين و مستقيمين علي أقوم الاعتقادات - رغم وجود الطرق المنحرفة والمكائد الشيطانية التي رسمها ووسعها الضالون والظالمون وأعداء الدين والإنسانية - ويبعث المرء علي العمل بصلابة بتكليفة الديني الإسلامي من غير ضعف وانحلال ويأس، ويجعله يسعي نحو المقاصد الإسلامية المتعالية ، ولذا بلغ حده في الأهمية وعد عبادة، بل من أفضل العبادات في الروايات .

8. فوائد الانتظار ودوره في بناء المجتمع:

اشارة

الانتظار باعث علي الحركة والنشاط، خلافا لمن ظن أنه سبب للخمول والانحلال، لذا يحث الانسان للتهيؤ ويسدده لطريق الحق والعدالة ويرغبه لإزالة الباطل، فله دور تربوي مهم و حياتي . إن انتظار الفرج - طبقأ لآيات القرآن الكريم وروايات النبي صلي الله عليه وآله وأئمة أهل البيت عليهم السلام الكثيرة . أحد العقائد البناءة والثورية، ومن أهم العوامل الملهمة والباعثة لإيجاد أرضية تكامل وتحول للناس تسيرهم نحو حكومة العدل والإيمان، والانتظار في الإسلام - سيما عند المذهب الحق، مذهب الشيعة - هو المحرك المثير وينبوع المقاومة، والإيثار والنهوض والحركة المستمرة .

فعلي هذا، أول نقطة يجب الانتباه إليها هي المعرفة والاطلاع علي محتوي الانتظار والميل والتعلق به، إذن يجب أن نري في هذا الجانب ما هي الخصائص

ص: 202

والفضائل التي جعلها أئمة وأولياء الدين لمنتظري ظهور الإمام المهدي عليه السلام وأنصاره، ولتنوير الأذهان إليك بعض هذه الصفات:

«هدي للمتقين الذين يؤمنون بالغيب »، قال : من أقر بقيام القائم عليه السلام أنه حق، «ويقيمون الصلاة ومما رزقناهم ينفقون»(1).

وهم أهل القناعة والاعتصام.. خصهم الله باحتمال الضيم في الدنيا .. وجبلهم علي خلائق الصبر... برأهم الله من طهارة الولادة... مقدسة قلوبهم من دنس النفاق، مهذبة أفئدتهم من رجس الشقاق، لينة عرائكهم(2).

أجرأ من ليث وأمضي من سنان(3).

رهبان بالليل أسوة بالنهار(4).

مثلهم في الأرض كمثل المسك يسطع ريحه فلا يتغير أبدا(5).

فلا يثبت عليه إلا من قوي يقينه، وصخت معرفته، ولم يجد في نفسه حرجا مما قضينا وسلم لنا أهل البيت(6).

فمن أدرك زمانه فليتمسك بدينه، ولا يجعل للشيطان إليه سبيلا بشكه (7).

وإن قلوبهم أشد من زبر الحديد، لو مروا بالجبال الحديد لتدكدكت(8).

ص: 203


1- تفسير نور الثقلين 31:1 ، طبع مؤسسة اسماعيليان ، قم.
2- انظر كمال الدين : 445 - 452 / ضمن الحديث 19 وهو حديث طويل .
3- بحارالأنوار 318:52 الباب 27 ح 17.
4- منتخب الأثر: 490 ح 1.
5- كمال الدين 1: 268 الباب 24ح 12.
6- كمال الدين324:1 ح 8.
7- بحارالأنوار 68:51 ح 10 ، إثبات الهداة 3: 459ح 97.
8- الزام الناصب 1: 67.

الانتظار ومسؤولية المنتظرين المؤمنين :

بالنظر إلي مجموع الآيات والروايات والأدعية والزيارات المتعلقة بمسألة الانتظار، وكذلك بالتدقيق والتأمل للمفهوم الواقعي لكلمة الانتظار، يتضح معني منتظري ظهور الإمام المهدي عليه السلام الصادقين بصورة جيدة، وهو أنهم يتحملون عبئا ثقيلا ومسؤولية خطيرة؛ لأنه يجب عليهم تهذيب أنفسهم، وإرشاد الآخرين ، وتهيئة العدة للظهور، فتقع علي عاتقهم ثلاث مسؤوليات: تهذيب النفس، تهذيب الآخرين، وتهيئة الأرضية، وهذا يترتب عليه إصلاح الأفراد والمجتمع وصيانته من الفساد، والباعث للفلاح والنجاة والأمل، والاستعداد لظهور منجي البشرية وقبول الإمام المعصوم الغائب عليه السلام. ولتبيين هذه الفقرات نشرحها بقدر ما تحتاجه من البيان:

1- تهذيب النفس:

مسؤولية الإنسان المنتظر الأولي هي: تهذيب النفس وتربية جسمه وروحه، والاستعداد لظهور الإمام الغائب عليه السلام، لأن الشوق للقاء الإمام عليه السلام يقوم الإنسان ويهيئه لدرك ظهوره عليه السلام، والاستعداد لا يتيسر إلا باتباع أوامر الحق والأئمة المعصومين عليهم السلام؛ لأن التهيؤ ليس ادعاء فحسب، بل هو إيمان وعمل يبلورالاستعداد .

وقد عبر القرآن الكريم عن أنصار الإمام المهدي عليه السلام ومنتظرية الواقعيين ب-«عباد الله الصالحين» و «المتقين» ، «يؤمنون بالله» و «يعملون صالحا»، والروايات الإسلامية تحكي عن هؤلاء أنهم عرفوا الله كما يحب أن يعرفوه، وأنهم

ص: 204

متورعون، يقرون بولاية الأئمة المعصومين عليهم السلام، ويعتقدون بإمامة الإمام الغائب عليه السلام، ويتخلقون بمكارم الأخلاق متمسكين بالآداب والأخلاق الدينية ، ويزدادون إيمانا ويقينا، ويستمون لأمر الدين وأهل البيت عليهم السلام، وإليك بعض الأحاديث الناطقة بما قلناه :

قال النبي الأكرم صلي الله عليه و آله: «ثلاث من كن فيه وجد حلاوة الإيمان : أن يكون الله ورسوله أحب إليه مما سواهما، وأن يحب المرء لا يحبه إلا الله ، وأن يكره أن يعود في الكفر بعد إذ أنقذه الله منه ، كما يكره أن يلقي في النار»(1).

وقال صلي الله عليه و آله- عن عقيدة ظهور الإمام المهدي عليه السلام، والإيمان والاعتقاد بولايته وإمامته، وأوصاف المؤمنين ومنتظري الظهور الحقيقيين والمولعين والهائمين والمحبين للإمام المهدي عليه السلام، وصبرهم وحلمهم في ثباتهم علي الحق والحقيقة في زمان غيبته عليه السلام العضوض والصعب - «طوبي للصابرين في غيبته طوبي للمقيمين علي محبته ! أولئك الذين وصفهم الله في كتابه وقال :«هُدًي لِّلْمُتَّقِينَ ، الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ»(2)

وفي هذا الباب قال صلي الله عليه و آله - عن غيبة الإمام صاحب الزمان عليه السلام ومسؤولية المنتظرين المؤمنين في زمان الغيبة -: «والذي بعثني بالحق بشيرا ، ليغيبن القائم من ولدي بعهد معهود إليه متي، حتي يقول أكثر الناس : ما الله في آل محمد حاجة ، ويشك آخرون في ولادته ، فمن أدرك زمانه فليتمسك بدينه ، ولا يجعل

ص: 205


1- الجامع الصغير 1: 135، حرف الثاء ح 3415
2- ينابيع المودة 101:3 ، والآية في سورة البقرة : 3.2 .

للشيطان إليه سبيلا بشكه ، فيزيله عن ملتي ويخرجه من ديني، فقد أخرج أبويكم من الجنة من قبل ، وإن الله عز وجل جعل الشياطين أولياء للذين لا يؤمنون»(1).

وقال أمير المؤمنين عليه السلام : «انتظروا الفرج ولا تيأسوا من روح الله ، فإن أحب الأعمال إلي الله عز وجل انتظار الفرج . الآخذ بأمرنا معنا غدا في حظيرة القدس ، والمنتظر لأمرنا كالمتشحط بدمه في سبيل الله»(2).

وقال عليه السلام عن غيبة الإمام بقية الله عليه السلام : «.... المهدي الذي يملأها قسطا وعده كما ملئت ظلما وجورا ، تكون له حيرة وغيبة يضل فيها أقوام ويهتدي فيها آخرون ...أولئك خيار هذه الأمة مع أبرار هذه العترة»(3).

وقال عليه السلام - في بعض خطبه في نهج البلاغة عن صعوبات ومشقة زمن الغيبة -:«وذلك زمان لا ينجو فيه إلا كل مؤمن ومني، إن شهد لم يعرف ، وإن غاب لم يفتقد ، أولئك مصابيح الهدي ، وأعلام السري ، ليسوا بالمسابيح ، ولا المذاييع البذر أولئك يفتح الله لهم أبواب رحمته ، ويكشف عنهم ضراء نقمته »(4).

وقال الإمام زين العابدين عليه السلام: «وإن للقائم منا غيبتين، إحداهما أطول من الأخري ، أما الأولي ... وأما الأخري فيطول أمدها حتي يرجع عن هذا الأمر أكثر من يقول به ، فلا يثبت عليه إلا من قوي يقينه ، وصحت معرفته ، ولم يجد

ص: 206


1- بحارالأنوار 68:51 ح 10، منتخب الأثر: 262، بشارة الإسلام : 23 ، إلزام الناصب 1: 265، إثبات الهداة 3: 459 ح 97.
2- بحارالأنوار 123:52 ح7.
3- غيبة الشيخ الطوسي : 204 ، إعلام الوري : 425.
4- نهج البلاغة فيض : 305ح 102، وصبحي الصالح : 149 /خ 103.

في نفسه حرجا مما قضينا وستم لنا أهل البيت»(1).

وقال الإمام الباقر عليه السلام ليزيد بن معاوية العجلي في تفسير الآية «يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اصْبِرُوا وَصَابِرُوا وَرَابِطُوا »(2): «اصبروا علي أداء الفرائض ، وصابروا علي أذية عدوكم ، ورابطوا إمامكم المهدي المنتظر»(3).

وعندما لخص الإمام الباقر عليه السلام العقائد الاسلامية لأبي الجارود قال : «ديني ودين آبائي الذي ندين الله تعالي به ، شهادة أن لا إله إلا الله ، وأن محمدا رسول الله ، والإقرار بما جاء به من عند الله ، والولاية

لوليتنا، والبراءة من عدونا، والتسليم لأمرنا، وانتظار قائمنا ، والاجتهاد والورع»(4).

وقال الإمام الصادق عليه السلام: «إن لنا دولة يجيء الله بها إذا شاء». ثم قال : «من سره أن يكون من أصحاب القائم فلينتظر ، وليعمل بالورع ومحاسن الأخلاق وهو منتظر، فإن مات وقام القائم بعده كان له من الأجر مثل أجر من أدركه ، فجدوا وانتظروا ، هنيئا لكم أيتها العصابة المرحومة»(5).

وقال عليه السلام في حديث آخر: «من دين الأئمة الورع والعقة والصلاح ... وانتظار الفرج بالصبر»(6).

وفي حديث آخر عنه عليه السلام رواه الصيقل عن أبيه، قال : كنت أنا والحارث بن المغيرة وجماعة من أصحابنا جلوسا وأبو عبدالله عليه السلام يسمع كلامنا، فقال لنا:

ص: 207


1- كمال الدين : 323 الباب 31 ح 8، بحارالأنوار 134:51 ح 1.
2- آل عمران : 200.
3- منتخب الأثر : 515 ج 8، نقلا عن ينابيع المودة 3: 236 الباب 71ح4 .
4- الكافي 2: 22 ح 10، منتخب الأثر: 498 ح15.
5- غيبة النعماني : 200 الباب 16ح11، بحارالأنوار 140:52 ح 50، منتخب الأثر: 497 ح 9.
6- بحارالأنوار 122:52 ح 1 ، منتخب الأثر : 498 ح 10.

«في أي شيء أنتم ؟ هيهات هيهات، لا والله لا يكون ما تمدون إليه أعينكم حتي تغربلوا، لا والله لا يكون ما تمون إليه أعينكم حتي تمحصوا، لا والله لا يكون ما تمدون إليه أعينكم حتي تميزوا، لا والله لا يكون ماتمدون إليه أعينكم إلا بعد إياس ، لا والله لا يكون ما تمدون إليه أعينكم حتي يشقي من يشقي ويسعد من يسعد»(1).

وقال الإمام الكاظم عليه السلام: «إذا فقد الخامس من ولد السابع فالله الله في أديانكم لايزيلنكم أحد عنها ، يابني إنه لابد لصاحب هذا الأمر من غيبة حتي يرجع عن هذا الأمر من كان يقول به ، إنما هي محنة من الله امتحن الله بها خلقه ، ولو علم آباؤكم وأجدادكم دينا أصح من هذا لاتبعوه»(2).

وقال الإمام الرضا عليه السلام: «أما والله لا يكون الذي تمدون إليه أعينكم حتي تميزوا تمحصوا ، و حتي لا يبقي منكم إلا الأندر ، ثم تلا: «أم حسبتم أن تتركوا ولما يعلم الله الذين جاهدوا منكم»(3) ويعلم الصابرين»(4).

وفي حديث آخر عن معمر بن خلاد، قال : سمعت أبا الحسن عليه السلام يقول: «الم أَحَسِبَ النَّاسُ أَن يُتْرَكُوا أَن يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لَا يُفْتَنُونَ»(5) ثم قال لي: «ما الفتنة» ؟ فقلت: جعلت فداك الذي عندنا أن الفتنة في الدين، ثم قال: «يفتنون

ص: 208


1- الكافي 1: 370 ح 6 ، إلزام الناصب 1: 261.
2- كفاية الأثر : 264، بشارة الإسلام : 157، غيبة الطوسي : 104، غيبة النعماني : 154ح 11، منتخب الأثر : 218 ح 1.
3- التوبة : 6.
4- غيبة الطوسي: 204، بحارالأنوار 113:52 ح 24
5- العنكبوت : 1و 2.

كما يفتن الذهب»، ثم قال: «يخلصون كما يخل الذهب»(1).

وقال الإمام الجواد عليه السلام : «إذا مات ابني علي بدا سراج بعده ثم خفي ، فويل للمرتاب وطوبي للغريب الفار بدينه ، ثم يكون بعد ذلك أحداث تشيب فيها النواصي ، ويسير الصم الصلاب»(2).

عني عليه السلام بالسراج الإمام الحسن العسكري عليه السلام، والسراج الخفي الإمام المهدي عليه السلام

.

ونقل الشيخ الصدوق في كتاب «كمال الدين» عن السيد عبدالعظيم الحسني ، قال : دخلت علي سيدي علي بن محمد عليه السلام، فلما بصر بي قال لي : «مرحبا بك يا أبا القاسم ، أنت ولينا حقا» . قال : فقلت له: يا ابن رسول الله، إني أريد أن أعرض عليك ديني، فإن كان مرضيا ثبت عليه حتي ألقي الله عز وجل.

فقال: «هات يا أبا القاسم».

فقلت: إني أقول: إن الله تبارك وتعالي واحد، ليس كمثله شيء، وإن محمدا صلي الله عليه و آله عبده ورسوله وخاتم النبيين فلا نبي بعده إلي يوم القيامة ، وإن شريعته خاتمة الشرائع فلا شريعة بعدها إلي يوم القيامة ، وأقول: إن الإمام والخليفة وولي الأمر بعده أمير المؤمنين علي بن أبي طالب، ثم الحسن، ثم الحسين، ثم علي بن الحسين ، ثم محمد بن علي ، ثم جعفر بن محمد، ثم موسي بن جعفر، ثم علي بن موسي ، ثم محمد بن علي ، ثم أنت يا مولاي.

فقال صلي الله عليه و آله: «ومن بعدي الحسن ابني ، فكيف للناس بالخلف من بعده» ؟

ص: 209


1- الكافي 1: 370 ح 4، إرشاد المفيد: 329، غيبة النعماني : 202 الباب 12ح 2، بحارالأنوار115:52 ح 35، منتخب الأثر: 315.
2- بشارة الإسلام : 164، بحارالأنوار 157:51 ح 3، غيبة النعماني : 186ح37.

قال : فقلت: و كيف ذاك يا مولاي ؟

قال: «لأنه لا يري شخصه ولا يحل ذكره باسمه ، حتي يخرج فيملأ الأرض قسطا وعدلا كما ملئت جورا وظلما».

قال : فقلت: أقررت، وأقول: إن وليهم ولي الله، وعدوهم عدو الله ، وطاعتهم طاعة الله، ومعصيتهم معصية الله، وأقول: إن المعراج حق، والمساءلة في القبر حق، وإن الجنة حق، والنار حق، والصراط حق، والميزان حق، وإن الساعة آتية لا ريب فيها، وإن الله يبعث من في القبور، وأقول: إن الفرائض الواجبة بعد الولاية : الصلاة والزكاة والصوم والحج والجهاد والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.

فقال الإمام علي بن محمد صلي الله عليه و آله: «يا أبا القاسم، هذا والله دين الله الذي ارتضاه لعباده ، فاثبت عليه ثبتك الله بالقول الثابت في الحياة الدنيا والآخرة»(1).

وعن وكيل الإمام الحسن العسكري عليه السلام في قم أحمد بن اسحاق [الأشعري] ، قال : دخلت علي أبي محمد الحسن بن علي عليه السلام وأنا أريد أن أسأله عن الخلف من بعده ، فقال :.... فنهض مسرعا فدخل البيت ، ثم خرج وعلي عاتقه غلام كأن وجهه الفجر ليلة البدر، من أبناء ثلاث سنين، فقال: «يا أحمد بن إسحاق ، مثله في هذه الأمة مثل الخضر ، ومثله مثل ذي القرنين ، والله ليغيبن غيبة لا ينجو من الهلكة فيها إلا من ثبته الله عز وجل علي القول بإمامته ، ووققه فيها للدعاء بتعجيل فرجه»....

قلت: يا ابن رسول الله، وإن غيبته لتطول؟

قال: «إي وربي حتي يرجع عن هذا الأمر أكثر القائلين به ، ولا يبقي إلا من

ص: 210


1- كمال الدين 2: 379 الباب 37 ح 1.

أخذ الله عز وجل عهده لولايتنا، وكتب في قلبه الإيمان وأيده بروح منه» ...(1).

وورد كتاب من الإمام ولي العصر عليه السلام إلي الشيخ المفيد فيه: «ونحن نعهد إليك أيها الولي المخلص المجاهد فينا الظالمين ، أيدك الله بنصره الذي أيد به السلف من أوليائنا الصالحين ، إنه من اتقي ربه من إخوانك في الدين ، وخرج مما عليه إلي مستحقيه ، كان آمن من الفتنة المضلة»(2).

وورد عليه كتاب آخر من قبله صلوات الله عليه: «... فيعمل كل امرئ منكم ما يقرب به من محبتنا، وليتجنب ما يدنيه من كراهيتنا وسخطنا ، فإ أمرنا يبغته فجأة حين لا تنفعه توبة ، ولا ينجيه من عقابنا ندم علي حوبة»(3).

يتضح من نص هذا الكتاب أن لو ثبتنا علي اعتقادنا، وراجعنا أنفسنا وسرنا كما أمرنا الأئمة المعصومون عليهم السلام ، لكنا في أمان من الفتن، وكذا إذا أردنا تعجيل ظهور الإمام صاحب الزمان عليه السلام يجب علينا أن نتسلح بسلاح التقوي، ونكون أوفياء مع الإمام الحي الحاضر والغائب عن الأنظار، وأن نهذب ونقوم أنفسنا بما يتناسب والإنسان المؤمن، ونعيش حالة الانتظار، لأنه ما يحبسه عنا إلا أعمالنا السيئة ، كما أشار عليه السلام إلي هذه الحقيقة في كتابه إلي الشيخ المفيد رحمة الله: «... ولو أن أشياعنا وفقهم الله لطاعته علي اجتماع من القلوب في الوفاء بالعهد عليهم ، لما تأځر عنهم اليمن بلقائنا ، ولتعجلت لهم السعادة بمشاهدتنا علي حق المعرفة و صدقها

ص: 211


1- بشارة الإسلام : 168 ، كمال الدين 2: 385 الباب 38ح 1 ، منتخب الأثر: 228 ح 5.
2- بحارالأنوار 53: 177، التوقيع الثامن ، نقلا عن الاحتجاج للطبرسي 2: 325. وفي بعض النسخ «الفتنة المطلة» و «الفتنة المظلة».
3- الاحتجاج للطبرسي 2: 323، بحارالأنوار 176:53 ، التوقيع السابع .

منهم بنا ، فما يحبسنا عنهم إلا ما يتصل بنا مما نكرهه ، ولا نؤثره منهم»(1).

نعم، الخطوة الأولي للانتظار هي تهذيب النفس، إذ يجب علي المنتظر أن يقوم نفسه ويربي جسمه وروحه، ويبقي علي ولائه للأئمة المعصومين عليهم السلام ، وهذا ليس من الصعب ؛ لأن الإنسان الذي يعيش حالة شوق الانتظار يهذب نفسه بما يتناسب مع من ينتظره.

والآن إليك هذه القصة المدهشة التي صنعت من شاب بسيط شخصية كبيرة، نسردها من علي لسانه:

كنت شابا من دمشق، وكنت صائغا (2)، وكنا نجتمع يوما في الجمعة علي اللهو واللعب والخمر، [فجاء لي التنبيه منه تعالي يوما ، فقلت لنفسي : ألهذا خلقت ؟!فتركت ما هم فيه وهربت منهم، فتبعوني فلم يدركوني] (3)فدخلت جامع بني أمية، فوجدت شخصا يتكلم علي الكرسي في شأن المهدي ز، فاشتقت إلي لقائه ، فصرت لا أسجد سجدة إلا وسألت الله تعالي أن يجمعني به، فبينما أنا ليلة بعد صلاة المغرب أصلي صلاة السنة إذا بشخص جلس خلفي وحش علي كتفي، وقال لي : قد استجاب الله دعاءك يا ولدي، ما لك؟ أنا المهدي. فقلت: تذهب معي إلي الدار ؟ فقال: نعم، وذهب معي. فقال لي : أخي لي مكانا أنفرد فيه ، فأخليت له مكانا، فأقام عندي سبعة أيام بلياليها، ولقنني الذكر. وكانت عمامته كعمامة العجم، وعليه جبة من وبر الجمال . فلما انقضت السبعة أيام خرج فودعته وقال لي : ...... يكفيك ما حصل لك متي، فما ثم إلا دون ما وصل إليك مني، فلا

ص: 212


1- بحارالأنوار 53: 177، التوقيع الثامن .
2- في بعض المصادر : «وكنت مشتغلا بحياكة العباءات». المشرف.
3- أضفناها من المصدر ليتضح المعني بصورة أفضل. المشرف.

تتحمل منه أحد بلا فائدة. فقلت: سمعا وطاعة. وخرجت أودعه، فأوقفني عند عتبة الدار وقال : من هنا. وسألت المهدي عن عمره، فقال: يا ولدي عمري الآن ستمائة سنة وعشرون سنة(1).

كانت هذه قصة الشيخ حسن العراقي الطريفة، والذي رواها وصدقها الشيخ عبدالوهاب الشعراني العالم السني المشهور، الذي كان رجلا صالحا عابدة زاهدا وعارفا .

2. تهذيب الآخرين :

علي ضوء التعاليم الإسلامية الرفيعة وتوصيات أئمة الدين عليهم السلام ، يعد السعي لإيجاد الدافع والمحفز لمعرفة العلوم الإسلامية أسمي خدمة إنسانية، وأفضل عمل اجتماعي، وأحسن خطوة إسلامية ، وأهم التكاليف الإلهية الواجبة، فيجب علي كل إنسان واع ويقظ وله القدرة علي تحمل هذا العبء أن يسارع بلا وهن

التحمل هذه المسؤولية والقيام بها.

إذن مما لا ريب فيه أن اصلاح الإنسان ذاته فقط لا يكفي ولا ينفع ، بل علي كل إنسان مسلم منتظر أن يسعي بكل طاقته . في نفس الوقت الذي يهذب نفسه - التقويم الآخرين إن استطاع ذلك؛ لكي يطلع هؤلاء علي ما يتناسب مع المقام الشامخ لآخر حجة الله تعالي ويوم ظهوره العظيم ولزوم انتظار الفرج؛ «لأن رسالة الانتظار العظيمة مع أضلي «تهذيب الآخرين» كنار وقعت في أرض ذات قصب فأضاءت وسرت لما حولها وامتد نورها للأجيال القادمة، فكل قلب مضيء يوقد

ص: 213


1- الإمام الثاني عشر : 40 - 41 نقلا عن الشيخ الوهاب الشعراني في «لواقح الأنوار في طبقات الأخبار» 2: 139، النجم الثاقب 662.

آلاف القلوب حتي تبقي هذه الرسالة الإنسانية تتناقل في الصدور علي مر التاريخ إلي يوم الظهور»(1).

وإليك ثلاثة أحاديث تبين أهمية تهذيب الآخرين:

1- عن جابر الجعفي ، قال : دخلنا علي أبي جعفر محمد بن علي عليه السلام ونحن جماعة بعد ما قضينا نسكنا، فودعناه وقلنا له: أوصنا يا ابن رسول الله . فقال : «ليعن قويكم ضعيفكم ، وليعطف غنيكم علي فقيركم ، ولينصح الرجل أخاه كنصحه لنفسه ، و أكتموا أسرارنا، ولا تحملوا الناس علي أعناقنا . وانظروا أمرنا وما جاءكم عنا، فإن وجدتموه في القرآن موافقا فخذوا به، وإن لم تجدوه موافقا وردوه ، وإن اشتبه الأمر عليكم فقفوا عنده وردوه إلينا حتي نشرح لكم من ذلك ما شرح لنا ، فإذا كنتم كما أوصيناكم ولم تعدوا إلي غيره فمات منكم ميت قبل أن يخرج قائمنا كان شهيدا، ومن أدرك قائمنا فقتل معه كان له أجر شهيدين ، ومن قتل بين يديه عدوا لنا كان له أجر عشرين شهيدا»(2).

2 - وعن حماد السمندي (السمندري)، قال: قلت لأبي عبدالله عليه السلام جعفر بن محمد: إني أدخل بلاد الشرك، وإن من عندنا يقولون: إن مت ثم حشرت معهم، قال : فقال لي: «يا حماد ، إذا كنت ثم تذكر أمرنا وتدعو اليه» ؟ قال: قلت: نعم، قال: «فإذا كنت في هذه المدن - مدن الإسلام - تذكر أمرنا وتدعو إليه» ؟ قال : قلت: لا. فقال لي: «إنك إن مث تم تحشر أمه وحدك ، ويسعي نورك بين يديك»(3).

ص: 214


1- انتظار بذر انقلاب : 97.
2- بحارالأنوار122:52 ح 5.
3- وسائل الشيعة 11: 77ح6، أمالي الطوسي : 46 ح 54.

3- وقال الإمام الهادي عليه السلام: «لولا من يبقي بعد غيبة قائمنا من العلماء الداعين إليه ، والدالين عليه ، والذابين عن دينه بحجج الله ، والمنقذين لضعفاء عباد الله من شباك ابليس ومردته ، ومن فخاخ النواصب ، لما بقي أحد إلا ارتد عن دين الله . ولكتهم الذين يمسكون أزمة قلوب ضعفاء الشيعة كما يمسك صاحب السفينة سكانها ، أولئك هم الأفضلون عند الله عز وجل»(1).

نعم! هؤلاء العلماء الربانيون قد حفظوا الإسلام خلال 14 قرنا، بينوا مسائله الصعبة والمبهمة للمسلمين، ونجوهم من شباك ومكر الشياطين، وثبتوا قلوب الشيعة علي المعتقدات الصحيحة الإسلامية.

3- إيجاد الأرضية:

كل ما ذكر في الروايات حول قيام السيد الحسني ، وثورة الهاشمي الخراساني، أو قيام اليماني قبل ظهور امام الزمان عليه السلام، هي نماذج لإعداد الناس لظهور الإمام المهدي عليه السلام.

ومن الطبيعي أن لا تحصل هذه الأمور بلا تمهيد، بل إن بعض الحوادث الواقعة قبل الظهور تحث المنتظرين المؤمنين علي السعي والعمل ومواجهة الصعوبات لرفعها حفظ للدين، ولابد لهم من إعداد العدة والعدة للدفاع عن أنفسهم، كما أمر الله تعالي حيث قال: «وَأَعِدُّوا لَهُم مَّا اسْتَطَعْتُم مِّن قُوَّةٍ وَمِن رِّبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللَّهِ وَعَدُوَّكُمْ وَآخَرِينَ مِن دُونِهِمْ لَا تَعْلَمُونَهُمُ اللَّهُ يَعْلَمُهُمْ ۚ وَمَا تُنفِقُوا مِن شَيْءٍ فِي سَبِيلِ اللَّهِ يُوَفَّ إِلَيْكُمْ وَأَنتُمْ لَا تُظْلَمُونَ »(2).

ص: 215


1- المحجة البيضاء 1:32 بحارالأنوار 2:6ح 12، تفسير الإمام العسكري: 364 - 365 1. المحجة البيضاء 1: 32، بحارالأنوار :2 ح 225الاحتجاج 08:1 9، 290:2 .
2- الأنفال : 60.

إذن، الاستعداد وإيجاد الأرضية وإعداد العدة اللازمة لقيام الغائب العظيم هو أحد أبعاد الانتظار، ويشير لذلك الحديث التالي:

عن عمرو بن شمر الجعفي ، قال : قال لي أبو جعفر محمد بن علي عليهما السلام : «من ارتبط فينا دابة كان له وزنها ووزن وزنها ما كانت عنده ، ومن ارتبط فينا سلاحا كان له وزنه ما كان عنده»(1).

بلي أيها القارئ العزيز، إن الإنسان المنتظر يكون بين أمرين، بين «اليأس والرجاء» ، فهو دائما في حالة حركة مستمرة بدون توقف، ولذلك يكون مل المنتظرين الواقعيين كمل المجاهدين في سوح القتال الآخذين أهبة الاستعداد الكامل بانتظار أمر الهجوم.

الانتظار مركز مرابطة للكفاح والنهضة:

انتظار الفرج من أعظم مراكز المرابطة للكفاح والنهضة حسب ما جاءت به الروايات، ولذا ثبت المسلمون واستقاموا - سيما الشيعة - مقابل الظلم والفساد والمستكبرين وأنواع البلايا والرزايا، فإنه يثبتهم علي البلاء والصعوبات ويحثهم ويدفعهم علي الصمود أمام ترغيب وترهيب ومضايقات أعداء الاسلام، بحيث لا ايهابون أحدا ولا يخشون شيئا، لا ينفكون عن كفاحهم ونضالهم، يقيمون ثابتين علي عقيدتهم.

فالانتظار ثروة روحية عظيمة للمؤمنين المنتظرين والمستضعفين، والانتظار في الإسلام - سيما عند مذهب التشيع؛ مذهب الحركة والسعي - يدفع الناس للمقاومة والكفاح والجهاد، ويطمعهم بظهور ثورة إلهية وروحانية واجتماعيةفي

ص: 216


1- الكافي 8: 381ح 576.

العالم، فيتطلع المنتظرون إلي نظرة مستقبلية ، تثبت قلوبهم وترص صفوف الحق أمام الباطل، وتحث المحقين والمصلحين والمؤمنين لمواصلة طريق الحق والعدالة صامدين أمام الفساد والظلم، وفي نهاية المطاف يصنع من هؤلاء ناس كالجنادل لا ينثنون.

إذن ليس اعتباطا أن نري الروايات الاسلامية قد اعتبرت انتظار الفرج عبادة بل من أفضل العبادات. نعم! انتظار الفرج في الإسلام عبادة، ولهذا يكون المنتظر بين قطبين بين «اليأس والرجاء»، لا يشك ولا يتردد عند ما يواجه أمواج الحياة العظيمة المظلمة التي تكدر حياة الناس، ويتحمل أنواع وألوان الأذي والإهانة من المنحرفين، باقيا ثابتا ومستقيما علي عقيدته كالجبل، ولا يتردد في حقانية عقيدته أدني تردد، بل يعده من أفضل العبادات؛ لأن الاعتراف بالحق، والمحافظة علي عقائد انتظار ظهور الإمام المهدي عليه السلام - من المبدأ إلي المعاد، والإيمان بسواد في بياض(1)، في ظل الحكومات الباطلة، رغم ما عمله المستكبرون طوال تاريخ الإسلام من طرق خرافية وشباك شيطانية، في مقابل المنتظرين المؤمنين - ليس بسهل هين حسب ما جاءت به الأخبار عن النبي صلي الله عليه و آله والأئمة المعصومين عليهم السلام .

وإليك بعض الروايات الواردة في هذا المقام:

قال جابر: قال النبي الأكرم صلي الله عليه و آله: «المهدي من ولدي الذي يفتح الله به مشارق الأرض ومغاربها، ذاك الذي يغيب عن أوليائه غيبة لا يثبت علي القول بإمامته إلا من امتحن الله قلبه للإيمان» . فقلت: يا رسول الله ! هل لأوليائه الانتفاع به في

ص: 217


1- أي الإيمان المطلق بمجرد وصول الأخبار إليهم المكتوبة بحبر أسود علي ورق أبيض . المشرف .

غيبته؟ فقال: «والذي بعثني بالحق نبيا إنهم يستضيؤون بنوره وينتفعون بولايته في غيبته كانتفاع الناس بالشمس إذا سترها سحاب . يا جابر ! هذا من مكنون سر الله ، ومخزون علمه ، فاكتمه إلا عن أهله»(1).

وجاء في حديث آخر عن رسول الاسلام الأكرم صلي الله عليه و آله، مخاطبا أمير المؤمنين عليه السلام حول اعتقاد الشيعة وإيمانهم في آخر الزمان، مادحا إيمان هذا الجمع الصابر والمؤمن، حيث قال صلي الله عليه و آله: «يا علي ، واعلم أن أعجب الناس إيمانا وأعظمهم يقينا قوم يكونون في آخر الزمان ، لم يلحقوا النبي ، وحجب عنهم الحجة ، فآمنوا بسواد في بياض»(2).

وفي حديث آخر يصف استقامة المؤمنين المنتظرين: قال رسول الله صلي الله عليه و آله ذات يوم وعنده جماعة من أصحابه: «اللهم لقني إخواني» مرتين، فقال من حوله من أصحابه: أما نحن إخوانك يا رسول الله ؟ فقال: «لا ، إنكم أصحابي، وإخواني قوم في آخر الزمان آمنوا بي ولم يروني ، لقد عرفنيهم الله بأسمائهم وأسماءآبائهم من قبل أن يخرجهم من أصلاب آبائهم وأرحام أمهاتهم ، لأحدهم أشد بقية علي دينه من خرط القتاد في الليلة الظلماء، أو كالقابض علي جمر الغضا ، أولئك مصابيح الدجي ، ينجيهم الله من كل فتنة غبراء مظلمة»(3).

وفي آخر قول النبي صلي الله عليه و آله: «سيأتي قوم من بعدكم : الرجل الواحد منهم له أجر خمسين منكم»، قالوا: يا رسول الله نحن كنا معك ببدر وأحد وحنين ونزل فينا

ص: 218


1- ينابيع المودة 3: 238 الباب 71ح 11، كمال الدين : 253 الباب 23ح3.
2- بحارالأنوار 125:52 ح 12، كمال الدين : 288 الباب 25ح8.
3- بحارالأنوار 123:52 ح8، بصائر الدرجات : 104 الباب 14 ح 4.

القرآن ! فقال: «إنكم لو تحملون لما حملوا لم تصبر واصبرهم»(1).

يلاحظ من هذه الروايات أن رسول الإسلام الأكرم صلي الله عليه و آله، اعتبر المؤمنين المنتظرين إخوانه، وأثني عليهم لصبرهم وتحملهم ومقاومتهم للصعوبات، وسر ذلك هو ما يتحملونه من الأذي والشدائد في زمان الغيبة، وثباتهم علي الحق والحقيقة .

وقال الإمام الحسين عليه السلام : «له غيبة يرتد فيها أقوام، ويثبت علي الدين فيهاآخرون، فيؤذون ويقال لهم :«متي هذا الوعد إن كنتم صادقين»(2)؟ أما إن الصابر في غيبته علي الأذي والتكذيب بمنزلة المجاهد بالسيف بين يدي رسول الله صلي الله عليه و آله»(3)

وقال الإمام زين العابدين عليه السلام: «تمتد الغيبة بولي الله الثاني عشر من أوصياء رسول الله والأئمة بعده ، يا أبا خالد إن أهل زمان غيبته ، القائلين بإمامته ، المنتظرين لظهوره، أفضل أهل كل زمان ؛ لأن الله تعالي ذكره أعطاهم من العقول والأفهام والمعرفة ما صارت به الغيبة عندهم بمنزلة المشاهدة ، وجعلهم في ذلك الزمان بمنزلة المجاهدين بين يدي رسول الله صلي الله عليه و آله بالسيف، أولئك المخلصون حقا ، وشيعتنا صدقا ، والدعاة إلي دين الله سرا وجهرا»(4).

وفي حديث آخر عن أبي خالد الكابلي، قال: قال علي بن الحسين عليه السلام: «لوددت أني تركت فكلمت الناس ثلاثا ثم قضي الله في ما أحب، ولكن عزمة

ص: 219


1- بحارالأنوار: 52: 130 ح 26.
2- يونس : 48، الأنبياء : 38، النمل : 71، سبأ : 29، يس : 48، الملك : 25.
3- بحارالأنوار 51: 133 ح4، كمال الدين 1: 317ح 3.
4- الاحتجاج 50:2 ، بحارالأنوار 387:26 ح 1، 122:52 ح ، منتخب الأثر: 244 الباب 24 ح 1

من الله أن نصبر ، ثم تلا هذه الآية : «وَلَتَعْلَمُنَّ نَبَأَهُ بَعْدَ حِينٍ»(1)، ثم تلا أيضا قوله :«وَلَتَسْمَعُنَّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِن قَبْلِكُمْ وَمِنَ الَّذِينَ أَشْرَكُوا أَذًي كَثِيرًا ۚ وَإِن تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا فَإِنَّ ذَلِكَ مِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ»(2) »(3)

ونقل زرارة أحد حواريي الإمام الصادق عليه السلام، قال : سمعت أبا عبد الله عليه السلام يقول:«للقائم غيبة قبل أن يقوم» . فقلت: ولم؟ قال: «يخاف» وأومأ بيده إلي بطنه، ثم قال: «يا زرارة وهو المنتظر، وهو الذي يشك في ولادته ، فمنهم من يقول مات أبوه ولا خلف ، ومنهم من يقول حمل ، ومنهم من يقول غائب ، ومنهم من يقول ولد قبل وفاة أبيه بسنتين ، وهو المنتظر، غير أن الله يمتي قلوب الشيعة ، فعند ذلك يرتاب المبطلون»(4).

ودخل جمع من أصحاب الصادق عليه السلام عليه فرأوه جالسا علي التراب وهو يبكي بكاء الواله الثكلي ، ذات الكبد الحري.. وهو يقول: «سيدي غيبتك نفت رقادي ، وضيقت علي مهادي ، وابتزت [وأسرت - خ ل] أمتي راحة فؤادي ، سيدي غيبتك أوصلت مصابي بفجائع الأبد، وفقد الواحد بعد الواحد يفني الجمع والعدد ، فما أحس بدمعة ترقا من عيني ، وأنين يفتر من صدري، عن دوارج الرزايا وسوالف البلايا ، إلا مثل لعيني عن غوابر [عوائر - خ ل] أعظمها وأفظعها ، وبواقي [وتراقي - خ ل] أشدها وأنكرها ، ونوايب مخلوطة بغضبك،

ص: 220


1- ص: 88.
2- آل عمران : 186.
3- تفسير البرهان 1: 330، غيبة النعماني : 198 الباب 11ح 11.
4- الكافي 1: 337 ح 5، غيبة النعماني : 166 الباب 10ح6، منتخب الأثر: 501 الباب 3 الفصل 10ح 1.

ونوازل معجونة بسخطك»، قال سدير:... فقلنا لا أبكي الله يابن خير الوري عينيك، من أي حادثة تستنزف دمعتك وتستمطر عبرتك ؟ وأية حالة حتمت عليك هذا المأتم؟

قال: فزفر الصادق عليه السلام زفرة انتفخ منها جوفه، واشتد منها خوفه، وقال:«ويلكم إني نظرت في كتاب الجفر(1) صبيحة هذا اليوم .. وتأملت فيه مولد قائمنا و غيبته ، وإبطاءه و طول عمره ، وبلوي المؤمنين في ذلك الزمان ، وتولد الشكوك في قلوبهم من طول غيبته ، وارتداد أكثرهم عن دينهم ، وخلعهم ربقة الإسلام من أعناقهم التي قال الله تعالي جل ذكره :«وَكُلَّ إِنسَانٍ أَلْزَمْنَاهُ طَائِرَهُ فِي عُنُقِهِ»(2)، يعني : الولاية ، فأخذتني الرقة واستولت علي الأحزان»(3).

وعن عمار الساباطي ، قال : قلت لأبي عبد الله عليه السلام أيما أفضل؛ العبادة في السر مع الإمام منكم المستتر في دولة الباطل، أو العبادة في ظهور الحق ودولته مع الإمام منكم الظاهر؟ فقال: «يا عمار ، الصدقة في السر والله أفضل من الصدقة في العلانية ، وكذلك والله عبادتكم في السر مع إمامكم المستتر في دولة الباطل ، و تخوفكم من عدوكم في دولة الباطل، وحال الهدنة أفضل ممن يعبد الله جل ذكره في ظهور الحق مع إمام الحق الظاهر في دولة الحق، وليست

ص: 221


1- الجفر : كتاب فيه علم المنايا والبلايا والرزايا والآجال ، وعلم ما كان وما يكون إلي يوم القيامة . وقد أعطي الله هذا الكتاب إلي النبي صلي الل هعليه و آله والأئمة المعصومين عليهم السلام ، وهو الآن في يد الإمام الحجة عليه السلام. للمزيد من الاطلاع راجع الكافي 1: 239، ينابيع المودة 3: 52 و 56 و 67 ، إلزام الناصب : 7-9 و 72
2- الإسراء : 13.
3- غيبة الطوس: 105، بشارة الإسلام : 145، بحارالأنوار219:01 ح 9، منتخب الأثر: 259، كمال الدين : 352 - 353 الباب 33ح 50، ومصادر أخري.

العبادة مع الخوف في دولة الباطل مثل العبادة مع الأمن في دولة الحق».. قال : قلت: كيف صرنا نحن اليوم أفضل أعمالا من أصحاب الإمام الظاهر منكم في دولة الحق ونحن علي دين واحد؟ فقال عليه السلام: «إنكم سبقتموهم إلي الدخول في دين الله عز وجل، وإلي الصلاة والصوم والحج وإلي كل خير وفقه ، وإلي عبادة الله عز وجل سرا من عدوكم مع إمامكم المستتر ، مطيعين له ، صابرين معه ، منتظرين لدولة الحق، خائفين علي إمامكم وأنفسكم من الملوك الظلمة ، تنظرون إلي حق إمامكم وحقوقكم في أيدي الظلمة، قد منعوكم ذلك واضطروكم إلي حرث الدنيا وطلب المعاش ، مع الصبر علي دينكم وعبادتكم وطاعة إمامكم والخوف من عدوكم ، فبذلك ضاعف الله عز وجل لكم الأعمال ، فهنيئا لكم». قلت: جعلت فداك فما تري إذا ؛ أن نكون من أصحاب القائم ويظهر الحق، ونحن اليوم في إمامتك وطاعتك، أفضل أعمالا من أصحاب دولة الحق والعدل ؟ فقال عليه السلام: «سبحان الله ! أما تحبون أن يظهر الله تبارك وتعالي الحق والعدل في البلاد، ويجمع الله الكلمة، ويؤلف الله بين قلوب مختلفة ، ولا يعصون الله عز وجل في أرضه، وتقام حدوده في خلقه ، ويرد الله الحق إلي أهله ، فيظهر حتي لا يستخفي بشيء من الحق مخافة أحد من الخلق ؟ أما والله يا عمار لا يموت منكم ميت علي الحال التي أنتم عليها إلا كان أفضل عند الله من كثير من شهداء بدر وأحد ، فأبشروا»(1).

ونقل الإمام الصادق عليه السلام خبر لوح أمه فاطمة الزهراء عليها السلام في حديث طويل .حيث بين الله تبارك وتعالي فيه حال المؤمنين زمن غيبة الإمام صاحب

ص: 222


1- الكافي 1: 333 - 335 ح 2، منتخب الأثر : 496 الباب 2 الفصل 10ح8.

الزمان عليه السلام-: «سيذل أوليائي في غيبته ، ويتهادون برؤوسهم مرعوبين و جلين ، تصبغ الأرض بدمائهم ، ويفشو الويل والرنين في نسائهم ، أولئك أوليائي حقا ، بهم أدفع كل فتنة عمياء حندس ، وبهم أكشف الزلازل ، وأدفع الآصار والأغلال ، «أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِّن رَّبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ ۖ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ» (1)»(2).

وروي محمد بن إبراهيم النعماني في غيبته، عن إبراهيم بن هلال، قال: قلت لأبي الحسن موسي بن جعفر عليه السلام: جعلت فداك مات أبي علي هذا الأمر، وقد بلغت من السنين ما قد ترئ ، أموت ولا تخبرني بشيء ؟! فقال: «يا أبا اسحاق، أنت تعجل» ، فقلت: إي والله أعجل، ومالي لا أعجل وقد بلغت أنا من السن ما قد ترين، فقال: «أما والله يا أبا اسحاق ما يكون ذلك حتي تميزواو تمحصوا، وحتي لا يبقي منكم إلا الأقل»(3).

وعن يونس بن عبدالرحمن، قال: دخلت علي موسي بن جعفر عليه السلام ... قال عليه السلام : «طوبي لشيعتنا المتمسكين بحبنا في غيبة قائمنا ، الثابتين علي موالاتنا والبراءة من أعدائنا ، أولئك منا ونحن منهم ، قد رضوا بنا أئمة ، ورضينا بهم شيعة ، فطوبي لهم ثم طوبي لهم ، هم والله معنا في درجتنا يوم القيامة»(4).

وجاء في مكاتبة الإمام الحسن العسكري عليه السلام إلي الشيخ علي بن الحسين بن بابويه : «بسم الله الرحمن الرحيم ، الحمد لله رب العالمين ، والعاقبة للموحدين

ص: 223


1- البقرة : 157.
2- عيون الأخبار 1: 35، معاني الأخبار: 373، بشارة الإسلام : 13، منتخب الأثر: 135 الباب 8 الفصل 1.
3- غيبة النعماني : 208 الباب 12 ح 14.
4- كفاية الأثر: 265، كشف الغمة 314:3 ، إعلام الوري : 407، بحارالأنوار 151:51 ح، إلزام الناصب : 68، منتخب الأثر: 219.

والنار للملحدين ، ولا عدوان إلا علي الظالمين ، ولا إله إلا الله أحسن الخالقين ، والصلاة علي خير خلقه محمد وعترته الطاهرين . أما بعد ، أوصيك يا شيخي ومعتمدي وفقيهي أبا الحسن علي بن الحسين بن بابويه القمي - وفقك الله المرضاته ، وجعل من ولدك أولادا صالحين برحمته - بتقوي الله، وإقام الصلاة ، وإيتاء الزكاة فإنه لا تقبل الصلاة من مانعي الزكاة ، وأوصيك بمغفرة الذنب ، وكظم الغيظ ، وصلة الرحم ، ومواساة الأخوان ، والسعي في حوائجهم في العسر واليسر ، والحلم عند الجهل ، والتفقه في الدين ، والتثبت في الأمور ، والتعهد للقرآن ، وحسن الخلق ، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ... فاعمل بوصيتي وأمر جميع شيعتي بما أمرتك به حتي يعملوا عليه ، وعليك بالصبر وانتظار الفرج ، فإن النبي صلي الله عليه وآله قال : أفضل أعمال أمتي انتظار الفرج ، ولا تزال شيعتنا في حزن حتي يظهر ولدي الذي بشر به النبي صلي الله عليه وآله؛ حيث قال : إنه يملأ الأرض قسطا وعدلا كما ملئت ظلما وجورا ، فاصبر يا شيخي ومعتمدي أبا الحسن ، وأمر جميع شبعتي بالصبر ، فإن الأرض الله يورثها من يشاء ، والعاقبة للمتقين ، والسلام عليك وعلي جميع شيعتنا ورحمة الله وبركاته ، وحسبنا الله ونعم الوكيل ، نعم المولي ونعم النصير»(1).

يستفاد من هذه الرسالة الشريفة أن من لوازم الظهور تعبئة جمع كبير من الأبطال المتقين والمجربين؛ لنصرة المهدي عليه السلام . إذن يجب علي الشيعة أن يعدوا قبل كل شيء المقاتلين الأتقياء المخلصين، ويسعون جادين لتربية وتهيئة هؤلاء للمستقبل. إذن الصبر هو نوع من النزال والمبارزة؛ حيث يحصل في موضع

ص: 224


1- منتخب الأثر : 232 - 235 الباب 21 الفصل 2.

الصبر والانتظار، وإن لم يحصل في الظاهر تقدم ملموس كما في سوح القتال، لكنه مفيد ونافع من حيث كونه مانعا وعائقا من تقدم العدو، فالشخص المنتظر يحفظ نفسه ودينه في كمين الصبر وموضع الكفاح والاستقامة ، كما يهب علي العدو ويضطره الي التراجع عن هذا الموضع ، وهذا تكتيك لابد منه لتوفير العدة المطلوبة إلي أن يحين الأوان. وللأهمية الماسة أوصي الإمام الحسن العسكري عليه السلام والد الشيخ الصدوق في مكاتبته بالصبر والانتظار، وطلب منه أن يوصي الشيعة بذلك، ليستعدوا لتعبئة قوات شيعية في الحرب المصيرية ليوم ظهور الإمام المهدي عليه السلام.

وقال الإمام صاحب الزمان عليه السلام: «نحن وإن كا ثاوين بمكاننا النائي عن مساكن الظالمين ، حسب الذي أراناه الله تعالي لنا من الصلاح ، ولشيعتنا المؤمنين في ذلك ، ما دامت دولة الدنيا للفاسقين ، فإنا يحيط علمنا بأنبائكم، ولا يعزب عنا شيء من أخباركم ، ومعرفتنا بالزلل الذي أصابكم ، مذ جنح كثير منكم إلي ما كان السلف الصالح عنه شاسعا ، ونبذوا العهد المأخوذ منهم وراء ظهورهم ، كأنهم لا يعلمون أنا غير مهملين لمراعاتكم، ولا ناسين لذكركم، ولولا ذلك لنزل بكم اللأواء واصطلمكم الأعداء»(1).

نعم، الانتظار سبب المقاومة والصمود، ويجعل أصحاب الحق والعدالة والإسلاميين صامدين أمام الاضطهاد والظلم والاضطرابات وصعوبات الزمان، ويزيد وهج أملهم وثبات أقدامهم واستقامتهم دائما، ويشوقهم ويشجعهم لأداء طقوسهم الدينية والمذهبية، ويزيد نفوسهم شوقا ونشاطا.

ص: 225


1- احتجاج الطبرسي 2: 322، بحارالأنوار 175:53 ، إلزام الناصب 1: 465.

إن الانتظار في مواجهة الحق والباطل عامل يرص صفوف أهل الحق، ويبشرهم بنصر الله والفتح في المستقبل، ويبشرهم ويطلع نفوسهم علي القرآن حيث يقول: «انتظروا إني معكم من التمرين»(1).

الانتظار يرفض الأنظمة المتسلطة والمنحرفة، وينهض لمقاومة الظلم والفساد والزيغ، ويدفع المنتظرين للحركة والنهضة والثورة، ويصنع منهم رجالا ثورتين ومقاومين أحرارا، ويجعلهم ثابتين ومستقيمين كالسد الحديدي أمام المجرمين والمتسلطين.

هذا الانتظار يسلح المنتظرين الصادقين بالعفة والتقوي والورع، بحيث لن يرزحوا تحت نير الظلم، ولا يأبهوا بظالم، ولا يستسلموا له، ويبقون في الانتظار أعزاء مرفوعي الرأس، إلي أن يلبوا النداء بعدما يشنف أسماعهم من الكعبة.

هذه هي الفلسفة الاجتماعية الكبيرة لانتظار الفرج، وهي أحد الأسرار المهمة الغيبة الإمام صاحب الزمان عجل الله تعالي فرجه الشريف، ولهذا يكون جزاء منتظري الظهور مثل جزاء المجاهدين في طريق الحق بل كجزاء شهداء بدر وأحد. إن مثل هذا الانتظار، هل هو سبب حركة ونهضة ومقاومة وصمود، أم سبب اضمحلال وركود؟ هذا الانتظار يجعل من الإنسان شخصا متعهدا مسؤوط، وصامدة ثابتة بإرادة ونفوذ لا يثني ، أو يجعله منح وذليلا ومسلوب الإرادة ؟ إن الآخرين إذا فسروا الانتظار بتفسير آخر واعتبروه سببا للانحطاط والسقوط فما تفسيرهم ذاك إلا لخداع الناس وللوصول لأهدافهم المشؤومة، لكنهم لن ينالوا ما أرادوا أبدا.

ص: 226


1- الأعراف: 71، يونس: 103.

الانتظار سبب بقاء المجتمع الشيعي:

كل ما يستفاد من البحوث العلمية الدقيقة والعميقة في أبعاد الانتظار المختلفة - الفلسفية والتاريخية والسياسية والاقتصادية والثقافية والاجتماعية، في تاريخ فلسفة الأديان و آيات القرآن الكريم والأخبار والأحاديث الاسلامية - هو: أن الانتظار في أطروحته الكلية والعامة - وعلي مستوي العالم - سبب بقاء نسل البشرية، وسر وجود الأديان والمذاهب الإلهية برمتها، وكذلك اليوم هو من أكبر عوامل بقاء المجتمع الاسلامي والتشيع الصادق في وسط المجتمعات البشرية . فإن لم نقل أنه العامل الوحيد تقل أنه من أهم العوامل التي حفظت الشيعة من الزوال والاندراس، أمام كل حكومات الظلم والجور، وأجهزة الفساد، علي طول تاريخ الشيعة المجيد، والانتظار والاعتقاد بظهور الإمام المهدي عليه السلام علي مرور الزمان - رغم كل الحرمان والعذاب والأذي والسجن والتبعيد الذي تلقاه الشيعة من الحكام الظلمة - حفظهم من الزوال والانقراض.

ولم يحدثنا تاريخ الإسلام الحافل بالأحداث عن فرقة أو جماعة تحملت الأذي من العدو والصديق بقدر ما تحملته الطائفة الشيعية، لكنها ما زالت مرفوعة الرأس مثل جبل ثابت راسخ يناطح السحاب، وهي في حالة تطور ورقي يوما بعد يوم.

«إذن فلسفة الانتظار الاجتماعية هي عقيدة استمرار صراع الحق والباطل حتي النصر النهائي ، وروح الثورات، وقيام الشيعة والمسلمين ضد الباطل والاستغلال، منذ رحلة رسول الله صلي الله عليه و آله وشهادة أمير المؤمنين وسيد الشهداء عليهما السلام وحتي يومنا

ص: 227

هذا»(1).

نعم، المجمع الشيعي علي طول تاريخ حياته المليء بالآلام، يزر في الوقت نفسه بالمفاخر الممتزجة بالشهادة ونزف الدماء وقطع الأيدي والأرجل والقتل والأذن والتعذيب الذي لا يطاق، وبهذا الانتظار والأمل تحركوا وقاوموا حكومات الجبابرة وسياسات الحيل والخديعة، وهيؤوا الأرضية الكاملة للبقاء.

فلو لم يكن الانتظار و عقيدة الظهور لم يصب المسلمون - سيما الشيعة - إلي مستقبل مشرق، وعقيدة النصر النهائي للحق، ومستقبل ثورة الإسلام العالمية ، ولاندحروا قطعة واستسلموا للحكومات الجائرة والقوي الاستعمارية، ولربما لم تبق لهم في التاريخ عين تطرف.

«من أهم الأسرار الخفية لبقاء التشيع هي روح الانتظار الذي ملأ وجود كل شيعي، ولا يزال الدافع للحركة والسعي والنهوض والقيام، وسدا مانعا من اليأس وعدم التحمل والضياع، وكما قال الدكتور علي الوردي أستاذ علم الاجتماع في جامعة بغداد: التشيع «بركان خامد» في جبل الاسلام، يزفر ويهتز بين الحين والآخر زفرات هادئة تسفر عن ثورات العالم الإسلامي»(2).

إقرار أعداء الإسلام ببنائية الانتظار:

إن انتظار ظهور الإمام المهدي عليه السلام في الحقيقة هو نواة الثورات الشيعية علي طول تاريخ حياة الإسلام، وهذا أمر بديهي ومفروغ منه، حتي أقر ببنائية الانتظار مخالفو الإسلام الشرقيون والغربيون رغم عنادهم ولجاجهم مع الإسلام والقرآن

ص: 228


1- إمامت و مهدويت 1: 353.
2- انتظار بذر انقلاب: 164.

والمسلمين و مذهب التشيع التربوي، ورغم أنهم لا يتحرجون من كل كذب وافتراء واتهام، لكنهم يقولون بصراحة عن بنائية الانتظار ويعتبرونه من العقائد الثورية النادرة للتشيع، وإليك أقوال بعضهم:

يقول «پتروشفسكي» المؤرخ والخبير في شؤون إيران في روسية - في تبرير تاريخنا وفق ضوابطهم الحزبية مستعينا بالمسخ والتحريف -: «انتظار المهدي في عقيدة الناس كان له الأثر الكبير علي الثورات التي حدثت في إيران في القرن الثالث عشر، ولكن في القرن الرابع عشر والخامس عشر ترسخت هذه العقيدة أكثر وتوسعت ... وينقل ياقوت الحموي قصة تربوبية، يقول: يخرج أكابر مدينة كاشان كل يوم فجرا إلي أطراف المدينة بفترس مرين و مهيأ لكي يركبه الإمام المهدي عليه السلام حين ظهوره، وكذلك في زمن حكومة «السربداران» في سبزوار... بحيث يقول «ميرخواند» في «روضة الصفا»: يقودون في كل صباح ومساء فرسا الانتظار صاحب الزمان عليه السلام»(1).

في عقيدتنا أن كل ما جهد السيد «پتروشفسكي» - المؤرخ والخبير الروسي في شؤون إيران أن يقوله هو أساطير عملها أعداء التشيع، وكان له اليد الطولي في تعليل هذه الخرافات، لكن عجبا له كيف لم يخطر بباله أن كل ما تقولوه يحكي عن أن اليقظة والاطلاع والبصيرة والاستعداد والسعي هي حصيلة الانتظار الثوري للتشيع، ومثل هذا الإقرار والاعتراف الصريح لا يتماشي مع نظرية أن «الدين أفيون الشعوب» وعامل الانحطاط والتخلف، فلو تنبهوا لذلك لأعادوا النظر في مثل هذه التعابير الناطقة عن عقيدة الانتظار المنقذة والمنشطة.

ص: 229


1- اي. پ پتروشفسكي ، نهضة سربداران خراسان ، ترجمة كريم كشاورز: 15 و 16.

«جيمس دار مشتيتر»(1)- المستشرق الفرنسي، واللغوي المعروف، الذي حاله كحال الغربيين يحاول الطعن في أصالة الاعتقاد بظهور الإمام المهدي عليه السلام بشدة - يقول: «يخرج كل يوم بعد صلاة العصر مائة فارس في الحلة الواقعة قرب بغداد، شاهرين سيوفهم، ويقتادون من حاكم المدينة فرسا مزين ومهيا و ... وينادون : نقسم عليك بالله يا صاحب الزمان، نقسم عليك بالله إلا ما ظهرت. .

... الصفوية وإن كانوا سادة ومن أولاد أميرالمؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام يعتبرون أنفسهم نواب الإمام وحكاما موقتين آنئين ويقدمون الإمام المهدي علي أنفسهم. وكان ملوك الصفوية يجهزون فرسين مسرجين في قصرهم في أصفهان للإمام المهدي عليه السلام»(2).

نقول: لا يهمنا مدي حقانية ما قاله هذا المستشرق واللغوي الفرنسي، ولكن كلامنا في أن هذا المستشرق فهم جيدا أن انتظار قيام قائم آل محمد هو قطب رحي المقاومة والاستقامة النادرة للشيعة أمام المستعمرين والمتسلطين، لذا حذر الأوربيين المستعمرين الناهبين من: «أن قوما تربوا علي أحاسيس كهذه يمكن قتلهم لا تطويعهم»(3).

نعم أيها القارئ العزيز، الانتظار في مذهب التشيع ليس لفظا أو قولا، وليس هو توقعا فارغا وأمنية مجردة، بل هو فكر وفعل، عمل وحركة، نضال وكفاح،

ص: 230


1- جيمس دار مشتيتر (1849 - 1894 م) مستشرق فرنسي ، من أساتذةمعهد فرنسا، تتبع فكرة المهدي منذ نشأة الإسلام إلي 1885 م، وركز علي الآثار الفارسية والزرادشتية . المشرف .
2- دار مشتيتر، مهدي از صدر اسلام تا قرن 13 هجري ، ترجمة محسن جهانسوز : 38 و 39.
3- دار مشتيتر، مهدي از صدر اسلام تا قرن 13 هجري ، ترجمة محسن جهانسوز: 79.

سعي ومحاولة، صبر و مقاومة، جهاد وتضحية، لذا فهو مبدأ تمام الحركات والانتفاضات الإسلامية والثورات والكفاح الشعبي، من رحلة رسول الإسلام الأكرم صلي الله عليه و آله وإلي يومنا هذا.

الحاصل: يتضح مما ذكرنا أن :

«الانتظار ليس مسكنا آنيا، بل نهضة دائمة علي الظلم، وليس تصرا بل انتفاضة وتحرك لإحقاق الحق وإزهاق الباطل. الانتظار نوع ثورة تحول و تكامل هادف يحكي عن معني، يحتم الدفاع الدائم عن الهدف، فهو ثروة روحية لتكامل وعلؤ وحفظ الجوانب الإنسانية والأيدلوجية. الانتظار عامل حركة، أسلحة قوية وقطاعة لروح الموت، نجاة من العزلة، عامل للتحول، وعلي هذا فكل انتظار خلاف هذا فهو للسفهاء عديمي الشخصية»(1).

والآن ننظر من خلال دائرة «انتظار المنجي»إلي منتظر الظهور الصادق، أي درجة نال من الرقي والكمال والتضحية والإيثار؟ وماذا يفعل في مسقط رأس إمامة المعصوم مدينة سامراء الذي أمره أوضح من الشمس في رابعة النهار -؟ وكيف يقف مناديا القائم مجددا العهد معه للجهاد بين يديه بحماس وشوق وإيثار،قائلا: «و أشهدك يا مولاي ... وهو عهدي إليك ... فلو تطاولت الدهور، و تمادت الأعمار، لم أزدد فيك إلا يقينا ، ولك إلا حبا ، وعليك إلا متكلا؟ ومعتمدا ، ولظهورك إلا متوقعا ومنتظرا، ولجهادي بين يديك مترقبا، فأبذل نفسي ومالي وولدي وأهلي وجميع ما خولني ربي بين يديك ، والتصرف بين

ص: 231


1- مسأله انتظار : 103.

أمرك»(1).

فهل رأيت حقا هذه العلاقة والحب والعاطفة والمودة لأحد من الأئمة العاديين غير المعصومين؟ يخاطب الإنسان بحرقة صادقا مخلصا ومضطربا يناجي محبوبه ويبثه من خلال إطار الانتظار المنقذ، يتململ من ألم الفراق والبعد، وينطق بشوق عن العهد والإيثار والانتظار والجهاد، معلنا استعداده وكله أمل وشوق، ويستظل متألما في ساحة محبوبه، فاديا نفسه لثورته العظيمة.

تالله هل سمعت كلاما أكثر أملا وتضرعا وأنينا أحر من هذا؟

والآن أيها المطالع الرشيد نرجع إلي المواضيع التي أوردناها في بداية هذا البحث بعنوان: «انتظار الفرج عند الأنظمة المتسلطة»، وفكر مرة أخري بنظرة علمية ، لتري المدعين كذبا كيف يفترون علي دين الله، ويكيلون التهم ويقولون : أن انتظار فرج الإمام صاحب الزمان سبب الانحطاط والتخلف، بينما هذه التهم والافتراءات أليق بساحة أصحابها القذرين مسؤدي وجه التاريخ.

نستخلص مما قدمنا نتائج مهمة حول الانتظار، وهي:

1- انتظار الفرج وعد إلهي حتمي .

2 - انتظار الفرج عبادة.

3- انتظار الفرج إيمان بالغيب.

4 - انتظار الفرج إقرار واعتراف بالتوحيد ورسالة نبي الإسلام صلي الله عليه و آله،والأئمة المعصومين عليهم السلام.

5 - انتظار الفرج سعي ومحاولة وبناء.

ص: 232


1- مفاتيح الجنان ، الباب الثالث ، الزيارة الثانية للإمام صاحب الزمان عليه السلام

-6 - انتظار الفرج عامل الكفاح والاستقامة والصمود.

7 - انتظار الفرج نداء وصرخة من الأعماق، واعتراض وإعراض، وعدم اعتناء بالأنظمة الحالية، ورفض الحكومات، وإعراض عن قوي الحكام المستبدين والمغرورين والمتكبرين.

8 - انتظار الفرج - بغيو الجاذب والدافع، «أي: اليأس والرجاء» - أحد العوامل الأساسية للتحرك في تاريخ البشرية، يفكك الغيوم السوداء واليأس من سماء الروح والفكر والعقل الإنساني، ويبعدها عن المنتظرين الواقعيين، ويحدو بهؤلاء بسرعة مدهشة نحو الرقي والكمال، وسد مانع من الاستسلام والاندحار أمام الباطل، وبهذه الطريقة يعبأ هؤلاء كقوات للتضحية والفداء والإيثار لمستقبل نير في طريق صيانة الحق، ويزيد التهيؤ والاستعداد، وينضج الأفكار، ويؤجج الحب، ويسهل الإسراع في الثورات للوصول إلي إقامة مجتمع إسلامي أصيل وكامل بمعني الكلمة.

إذن انتظار الفرج ليس عامل ركود وانحطاط واضمحلال وتخلف ، بل يعتبر أحد أهم وأكبر عوامل التطور، ومصدر شعور دائمي يعطي المنتظرين إحساسا بالأمل والطموح؛ لكي لا يستسلموا للمتسلطين والمستكبرين والظالمين، ولكي ينهضوا بلا وقفة لإحقاق حقوقهم الضائعة، ومقاومة خدع ومكر سياسات الحكومات الجائرة، بقوات دفاعية دائمة ومستمرة كمقدمة لحرب واسعة، لنجاة المظلومين من مخالب الظالمين، وتستمر إلي قيام قائم آل محمد صلي الله عليه و آله، وقوات هذه الحرب الخالدة هم المنتظرون المؤمنون الحذرون اليقظون الواعون في موضع الصبر والانتظار تحت ظل الكتمان والسكوت، سائرين بعهدهم المقدس

ص: 233

نحو انتظار فرج آخر حجة الله تعالي في الليل والنهار، وبظهور الإمام الغائب وقيامه المقدس يملأ الأرض قسطا وعدلا.

ودليل هذا الانتظار هي بشائر القرآن الكريم الصريحة والروايات المعتبرة والمتواترة المصرحة بأن مسألة ظهور الإمام المهدي الموعود عليه السلام والأمل بالمستقبل هو وعد إلهي لا يخلف ، وأمل المسلمين بمستقبل مشرق ومنير، ووعد هؤلاء بالفتح والنصر النهائي، وصرح القرآن قاطعة بأن الأرض سيرثها الصالحون والمتقون ويحكمون العالم، وسطوي بساط الظلم للأبد، وتطهر البشرية من الوث الطالحين.

ص: 234

القسم الثامن: بشائر ظهور الإمام المهدي في القرآن الكريم

اشارة

يشمل:

1، سورة البقرة

2. سورة آل عمران

3. سورة النساء

4. سورة الأنفال

5. سورة التوبة

6. سورة هود

7. سورة إبراهيم

8. سورة الحجر

9. سورة الإسراء

10. سورة مريم

11. سورة النور

12. سورة القصص

13. سورة السجدة

14. سورة الفتح

ص: 235

ص: 236

إن كل المفاهيم والمعتقدات الإسلامية الأصيلة في المجتمع الإسلامي متأتية من كلام رباني بلا ترديد، والاعتقاد بظهور الإمام المهدي عليه السلام واحد من هذه الاعتقادات الإسلامية الأصيلة، تجلت صورتها الكلية وثروتها الإمامية في كتاب الله «القرآن الكريم». وهذا الكتاب السماوي العظيم طرح هذه المسألة مثل باقي المسائل وتحتها بأصولها الكلية ، وبشر بذلك اليوم المبارك جميع المسلمين. وقد وردت عن هذه المسألة عدة آيات في القرآن الكريم، فسرها وأولها النبي صلي الله عليه وآله وأئمة الدين عليهم السلام بوجود المهدي المقدس عليه السلام وظهوره المبارك.

ولمزيد الاطلاع وإثبات ما قلناه إليك الآيات الممولة والمفسرة بالوجود المقدس للإمام المهدي عليه السلام:

1. سورة البقرة:

الآية الأولي :«هُدًي لِّلْمُتَّقِينَ*الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ»(1).

جاء في حديث طويل عن جابر بن عبدالله الأنصاري، قال: دخل جندل بن جنادة بن جبير اليهودي علي رسول الله صلي الله عليه و آله، فأسلم بعدما أجابه رسول الله صلي الله عليه و آله عن أسئلته ، ثم قال: أخبرني يا رسول الله عن أوصيائك من بعدك لأتمسك بهم.

ص: 237


1- البقرة : 2 و 3.

قال : أوصيائي الاثناعشر ... ثم عدهم واحدا بعد واحد، إلي أن قال: «فبعده ابنه الحسن يدعي العسكري ، فبعده ابنه محمد يدعي بالمهدي والقائم والحجة ، فيغيب ثم يخرج ، فإذا خرج يملأ الأرض قسطا وعدلا كما ملئت جورا و ظلما ، طوبي للصابرين في غيبته ، طوبي للمقيمين علي محبتهم ، أولئك الذين وصفهم الله في كتابه ، وقال :«هُدًي لِّلْمُتَّقِينَ* الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ» ...(1).

وقال الإمام الصادق عليه السلام في تفسير هذه الآية: «المتقون شيعة علي عليه السلام، وأماالغيب فهو الحجة الغائب عليه السلام(2)».

وفي حديث آخر عن أبي عبدالله عليه السلام في قول الله عز وجل «الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ» قال: من أقر بقيام القائم عليه السلام أنه حق(3).

كل ما يستفاد من هذه الأحاديث وغيرها هو: أن المتقين هم المؤمنون بالإمام المهدي عليه السلام وغيبته ؛ لأن الغيب خارج عن دائرة الحواس الخمس، ولذا يعتبر الله تبارك والآخرة من الغيب؛ لأنه لا يدرك بالحواس الخمس، فكذلك الإمام المهدي عليه السلام من الغيب ؛ لأنه في زمان غيبته لا يري رؤية عيان، بمعني أنه لا يراه أحد أو يراه ولا يعرفه، ويتشرف بزيارته عدد قليل محدود (4).

الآية الثانية : «وَإِذِ ابْتَلَي إِبْرَاهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِمَاتٍ فَأَتَمَّهُنَّ»(5) .

عن المفضل بن عمر، قال: سألت الإمام جعفر الصادق عليه السلام عن قوله عز وجل :

ص: 238


1- ينابيع المودة 3: 283 الباب 76.
2- بحارالأنوار 52:51 ح 29.
3- بحارالأنوار 52:51 ح 28
4- موعود قرآن : 10.
5- البقرة : 124.

وَإِذِ ابْتَلَي إِبْرَاهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِمَاتٍ .... » ، قال: «هي الكلمات التي تلقاها آدم من ربه فتاب عليه، وهو أنه قال : يا رب أسألك بحق محمد وعلي وفاطمة والحسن والحسين إلا تبت علي ، فتاب الله عليه إنه هو التواب الرحيم» ، فقلت له: يا ابن رسول الله فما يعني بقوله: «فَأَتَمَّهُنَّ» قال: «يعني أتمهن إلي القائم المهدي اثنا عشر إماما ، تسعة من ولد الحسين عليه السلام»(1).

ولتوضيح هذا الحديث الشريف ينبغي التنبه إلي ما يلي:

«الابتلاء بمعني الامتحان والاختبار، ومعني الحديث أن الله تبارك وتعالي امتحن واختبر خليله ونبيه إبراهيم بالأسماء المباركة لرسول الله صلي الله عليه و آله والأئمة الاثني عشر عليهما السلام . ولكن ما هي حقيقة هذا الامتحان ؟ لم تفصح الآية الكريمة عن ذلك، ولكن أوضحته الأحاديث الشريفة؛ فذكرت بأن الامتحان كان هو الخضوع أمام فضل ومرتبة هؤلاء؛ أي: رسول الله صلي الله عليه و آله وأهل البيت عليهم السلام ومتابعته (يعني إبراهيم عليه السلام) لهم عليهم السلام» (2).

الآية الثالثة : «وَلَنَبْلُوَنَّكُم بِشَيْءٍ مِّنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِّنَ الْأَمْوَالِ وَالْأَنفُسِ وَالثَّمَرَاتِ ۗ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ»(3) .

عن محمد بن مسلم، عن جعفر الصادق عليه السلام، قال: «إن قدام القائم علي علامات بلوي من الله للمؤمنين». قلت: وما هي ؟ قال: «هذه الآية ؛ قال تعالي :

ص: 239


1- معاني الأخبار: 126، نور الثقلين 1: 120 ح 338، ينابيع المودة 1: 290 الباب 26 ح 6، إلزام الناصب 179:1 .
2- موعود قرآن : 12.
3- البقرة : 155.

«وَلَنَبْلُوَنَّكُم بِشَيْءٍ مِّنَ الْخَوْفِ» و نلقيهم بالأسقام، «وَالْجُوعِ» و بغلاء أسعارهم ، «وَنَقْصٍ مِّنَ الْأَمْوَالِ» بالقحط ، «وَالْأَنفُسِ» بموت ذائع ، «وَالثَّمَرَاتِ» و بعدم المطر ، «وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ» و عند ذلك [بخروج القائم] ». ثم قال: «يا محمد ، هذا تأويله «وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلَّا اللَّهُ ۗ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ»(1)، ونحن الراسخون في العلم»(2).

2. سورة آل عمران:

«أَفَغَيْرَ دِينِ اللَّهِ يَبْغُونَ وَلَهُ أَسْلَمَ مَن فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ طَوْعًا وَكَرْهًا وَإِلَيْهِ يُرْجَعُونَ»(3) جاءت بعض روايات الأئمة المعصومين عليهم السلام المفسرة لهذه الآية الشريفة ، والدالة علي عالمية دين التوحيد و آخر دين الله، و حاكميته علي العالم، و إليك بعضها:

1- قال الإمام الباقر عليه السلام في حديث طويل فيه أمر القائم إذا خرج، قال عليه السلام : «ولا تبقي أرض إلا نودي فيها بشهاة أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله صلي الله عليه و آله، وهو قوله تعالي : «وله أسلم من في الشماوات والأرض...» ، ولا يقبل الجزية كما قبلها رسول الله صلي الله عليه و آله، وهذا معني قوله تعالي :«وقاتلوهم حتي

ص: 240


1- آل عمران : 7.
2- ينابيع المودة 3: 235 الباب 21ح 2. وانظر قريبا منه في كمال الدين : 649 الباب 57 ح3، والغيبة للنعماني : 250 الباب 14 ح 5.
3- آل عمران : 83.

لَا تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ كُلُّهُ لِلَّهِ»(1)»(2).

2۔ ونقل عن الإمام الصادق عليه السلام في تفسير قوله :«وَلَهُ أَسْلَمَ مَن فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ طَوْعًا وَكَرْهًا» ، قال : «إذا قام القائم عليه السلام لا يبقي أرض إلا نودي فيها بشهادة أن لا إله إلا الله وأن محمد رسول الله

صلي الله عليه و آله»(3).

3- وقال ابن بكير: سألت الإمام الكاظم عليه السلام عن هذه الآية الشريفة فقال : «أنزلت في القائم عليه السلام إذا خرج باليهود والنصاري والصابئين والزنادقة وأهل الردة والكفار في شرق الأرض وغربها ، فعرض عليهم الإسلام، فمن أسلم طوعا أمره بالصلاة والزكاة وما يؤمر به المسلم ويجب الله عليه ، ومن لم يسلم ضرب عنقه حتي لا يبقي في المشارق والمغارب أحد إلا وحد الله»(4).

3. سورة النساء:

«وَإِن مِّنْ أَهْلِ الْكِتَابِ إِلَّا لَيُؤْمِنَنَّ بِهِ قَبْلَ مَوْتِهِ ۖ وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يَكُونُ عَلَيْهِمْ شَهِيدًا»(5)0

قبل الشروع بتفسير الآية الشريفة يجب أن نذكر أن هناك احتمالين لضمير

ص: 241


1- الأنفال : 39
2- المحجة : 50۔ 51، تفسير العياشي 2: 60 أواخر الحديث 59 وهو حديث طويل رواه عبد الأعلي الحلبي عن الباقر عليه السلام.
3- ينابيع المودة 3: 236 الباب 71ح 3، تفسير نورالثقلين 1: 362ح 229، تفسير العياشي 1: 183ح 81. .
4- تفسير العياشي 1: 207ح 82، تفسير نور الثقلين 1: 362 ح 230، اثبات الهداة 3: 549 ح 552، المحجة : 50
5- النساء : 159.

موته»، الأول: رجوعه إلي أهل الكتاب، والثاني لعيسي عليه السلام. فعلي الأول يكون معني الآية الشريفة: لا يموت أحد من أهل الكتاب إلا وهو مؤمن بعيسئ عليه السلام ، وعلي الثاني : إن أهل الكتاب يؤمنون بعيسي عليه السلام قبل موته، فبعض مفسري العامة ذهبوا إلي الاحتمال الأول مما ألزمهم تأويلات غريبة وعجيبة للآية الشريفة، ولكن علي المعني الثاني يستقيم معني الآية جدا؛ لأن وفق عقيدة المسلمين القطعية أن النبي عيسيعليه السلام حي يرزق، وسينزل من السماء بعد ظهور الإمام بقية الله عليه السلام، ويكون من أنصاره وأصحابه(1)

ونأتي بروايتين تبركا عن الأئمة المعصومين عليهم السلام لتفسير هذه الآية الشريفة :

1- روي العلامة القندوزي الحنفي في تفسير هذه الآية، عن محمد بن مسلم عن الإمام محمد الباقر عليه السلام ، قال : «إن عيسي عليه السلام ينزل قبل يوم القيامة إلي الدنيا ، فلا يبقي أهل مكة - يهودي ولا غيره - إلا آمنوا به قبل موتهم ، ويصلي عيسي خلف المهدي عليه السلام»(2)

ونقل مثل هذه الرواية العلامة ابن الصباغ المالكي(3)، ونقلها آخرون في كتبهم .

2- وروي كثير من كبار علماء الشيعة - في ذيل هذه الآية، في كتب التفسير والحديث - عن شهر بن حوشب ، قال : قال لي الحجاج: يا شهر، آية في كتاب الله قد أعيتني ، فقلت: أيها الأمير أية آية هي؟ فقال: قوله : «وإن من أهل الكتاب إلا ليؤمن به قتل مؤيه » والله إني لآمر باليهودي والنصراني فتضرب عنقه ثم أرمقه بعيني فما أراه يحرك شفتيه حتي يخمد، فقلت: أصلح الله الأمير ليس علي ما.

ص: 242


1- رجعت يا دولت كريمة : 28. ولمزيد الاطلاع انظر تفسير الدر المنثور 2: 427.
2- ينابيع المودة 3: 237 الباب ح6
3- الفصول المهمة : 295 الباب 12.

تأولت ، قال : كيف هو؟ قلت: إن عيسي ينزل قبل يوم القيامة إلي الدنيا، فلا يبقي أهل ملة - يهودي ولا غيره - إلا آمن به قبل موته، ويصلي خلف المهدي، قال : ويحك ، أني لك هذا؟ ومن أين جئت به ؟ فقلت: حدثني به محمد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب عليه السلام ، فقال : جئت والله بها من عين صافية(1).

وكذلك نقل هذا الحديث في كتب العامة، وصرحوا في كثير من كتبهم الروائية والكلاميةوالتفسيرية أن ضمير «موته» يرجع إلي النبي عيسي عليه السلام .(2)

علي كل حال: إن النبي عيسي عليه السلام ينزل من السماء عند ظهور الإمام المهدي عليه السلام قبل قيام القيامة، ويصلي عيسي عليه السلام خلف المهدي عليه السلام مقتديا به، فالنصاري يؤمنون بالإمام صاحب الأمر عليه السلام بسبب صلاة النبي عيسي عليه السلام خلفه (3)، واليهود كذلك يؤمنون بالمهدي عليه السلام؛ لأنه لا يستخرج ألواح التوراة التي فيها علامات الإمام المهدي عليه السلام وخصائص الإمامة من فلسطين أو من غار في أنطاكية ، ويؤمن به أتباع الأديان الأخري لما يرون من معجزاته عليه السلام.

4. سورة الأنفال :

«وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّي لَا تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ كُلُّهُ لِلَّهِ»(4).

عن محمد بن مسلم، قال: قلت للباقر عليه السلام: ما تأويل قوله تعالي في الأنفال:

ص: 243


1- تفسير القمي 1: 165، تفسير البرهان 1: 426، تفسير نور الثقلين 1: 571 و 622، تفسير مجمع البيان 3: 211، المحجة : 62، تفسير الصافي 2: 350.
2- انظر تفسير الفخر الرازي 3: 505، الدر المنثور 2: 241.
3- سنتكلم حول نزول عيسي عليه السلام بالتفصيل في القسم الآتي .
4- الأنفال : 39.

«وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّي لَا تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ كُلُّهُ لِلَّهِ»قال: «لم يجئ تأويل هذه الآية ، فإذا جاء تأويلها يقتل المشركون حتي يوحدوا الله عز وجل، وحتي لا يكون شرك ، وذلك في قيام قائمنا»(1).

وفي رواية أخري عنه عليه السلام، قال : «لم يجئ تأويل هذه الآية، وإذا قام قائمنا بعد سيرئ من يدركه ما يكون من تأويل هذه الآية ، وليبلغ دين محمد صلي الله عليه و آله ما بلغ الليل ، حتي لا يكون شرك علي ظهر الأرض»(2).

هنا نكتة مهمة يجب الالتفات إليها، وهي: أن تعابير هذا الحديث رائعة جدا، بالأخص تمثيل شمولية الدين بمشمولية الليل للكرة الأرضية ؛ لأن شمولية الليل أوسع من النهار، إذ من الممكن أن تكون هناك نقطة في العالم لم يصلها نور، أما الليل فيغطي الكرة الأرضية بأسرها، ولا تستثني أي نقطة من ذلك. فعند بزوغ شمس الإمامة تشرق الأرض بنور الله تعالي، وتتضح آثار نور القيام العظيم في جميع ذرات العالم(3).

نعم، لم يتحقق تأويل هذه الآية إلي الآن؛ لأنه - كما نعلم - لم يحكم دين الحق علي جميع الكرة الأرضية، لا في زمان رسول الله صلي الله عليه و آله ولا في دور أحد الخلفاء، ولا في أي زمن من زمان الأوصياء، وما حدث مثل هذا أبدا ، إذن لا شك أن مثل هذا الوضع لم يحصل حتي عصر الإمام المهدي صلي الله عليه و آله.

ص: 244


1- ينابيع المودة 3: 239 الباب 21ح 12، تفسير مجمع البيان 4: 834.
2- تفسير العياشي 60:2 ح48، إثبات الهداة 3: الباب 32 ح 58 ، تفسير البرهان 3: 81، تفسيرالصافي 3: 340.
3- جهان بعد از ظهور : 75.

5. سورة التوبة :

«هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَي وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَي الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ»(1).

تكرار هذه الآية المباركة في ثلاث سور من سور القرآن الكريم يبين أهمية الوعد الإلهي جيدا، ولكن المهم أن هذا الوعد الإلهي متي يتحقق ؟

من المسلم أن هذا الوعد الرباني لم يتحقق حتي الآن، وما زالت الأديان الباطلة والأديان السماوية المحترفة موجودة علي وجه البسيطة، وبلا ريب أن الله تعالي لم يخلف وعده . إذن يجب أن نعلم - طبق الروايات والمستندات الاسلامية المعتبرة - متي يتحقق هذا الوعد السماوي؟

كل ما يستفاد من الروايات المعتبرة والأحاديث الإسلامية - المتواترة المروية من الشيعة والسنة - أن هذه الآية المباركة تتعلق بظهور الإمام المهدي عليه السلام المبارك، لأن الدين الإسلامي سيكون الحاكم علي الدنيا في زمن حكومة الإمام المهدي عليه السلام في العالمية، وستتبع البشرية دينا واحدا، ولا يبقي أثر من الأديان الباطلة والمحرفة علي وجه الأرض.

ولإثبات هذا المطلب نأتي بعدد من الأحاديث، وهي:

1- قال المقداد بن الأسود: سمعت رسول الله صلي الله عليه و آله يقول: «لا يبقي علي ظهر الأرض من بيت مدر ولا وبر إلا أدخل الله عليهم كلمة الإسلام بعز عزيز أو ذل ذليل ؛ يعزهم الله فيجعلهم من أهلها ، أو يذلهم فلا يدينوا لها»(2).

ص: 245


1- التوبة : 33، الفتح: 28، الصف:9
2- مستدرك الحاكم 4: 476 ح8324، تفسير مجمع البيان 5 : 38 بأدني تفاوت

2 - نقل المرحوم المحدث البحراني في ذيل هذه الآية في كتاب «المحجة» حديث عن عمران بن ميثم ، عن عباية بن ربعي : أنه سمع أمير المؤمنين عليه السلام يقول:«هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَي وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَي الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ» «أظهر ذلك بعد ؟ كلا والذي نفسي بيده ! حتي لا تبقي قرية إلا وينادي فيها بشهادة أن لا إله إلا الله ، وأن محمدا رسول الله صلي الله عليه و آله بكرة وعشيا»(1).

3- نقل مجاهد في تفسير هذه الآية عن ابن عباس ، قال : لا يكون ذلك حتي لا يبقي يهودي ولا نصراني ولا صاحب ملة إلا دخل في الإسلام، حتي يأمن الشاة والذئب والبقرة والأسد والإنسان والحية، وحتي لا تقرض فارة جرابا ، وحتي توضع الجزية، ويكسر الصليب، ويقتل الخنزير، وذلك قوله:«وليظهره علي الدين كله ولو كرة المشرون »(2)، وذلك يكون عند قيام القائم عليه السلام.(3)

4 . وقال الإمام الباقر عليه السلام في تفسير هذه الآية: «ذلك يكون عند خروج المهدي من آل محمد ، فلا يبقي أحد إلا أقر بمحمد صلي الله عليه و آله»(4)

»2. 5. قال أبو بصير: سألت أبا عبدالله عليه السلام عن قول الله تعالي في كتابه :«هو الذي أرسل مموله بالهدي ودين الحق ليظهره علي الدين كله ولو كرة المشرون»، فقال : «والله ما أنزل تأويلها بع» ! قلت: جعلت فداك ومتي ينزل؟ قال: «حتي يقوم القائم إن شاء الله ، فإذا خرج القائم لم يبق كافر ولا مشرك إلا كره خروجه ، حتي لو كان كافر أو مشرك في بطن صخرة لقالت الصخرة: يا مؤمن في بطني

ص: 246


1- المحجة : 86.
2-
3- بحارالأنوار 61:51 ح 59، تأويل الآيات الظاهرة 2: 689 ح 9.
4- مجمع البيان 5: 38، المحجة : 87.

كافر أو مشرك فاقتله ، قال : فينحيه الله فيقتله»(1).

6. سورة هود:

«بَقِيَّتُ اللَّهِ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ»(2)

4. قال الإمام الباقر عليه السلام في تفسير هذه الآية: «فإذا خرج أسند ظهره إلي الكعبة ، واجتمع إليه ثلاث مائة وثلاثة عشر رجلا ، وأول ما ينطق به هذه الآية :«بقيه الله خير لكم إن گشم مؤمنين»، ثم يقول : أنا بقية الله في أرضه ، فإذا اجتمع إليه العقد - وهو عشرة آلاف رجل - خرج ، فلا يبقي في الأرض معبود دون الله عز وجل من صنم و غيره إلا وقعت فيه نار فاحترق»(3).

7. سورة إبراهيم:

«وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا مُوسَي بِآيَاتِنَا أَنْ أَخْرِجْ قَوْمَكَ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَي النُّورِ وَذَكِّرْهُم بِأَيَّامِ اللَّهِ ۚ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِّكُلِّ صَبَّارٍ شَكُورٍ»(4)

نقل الشيخ سليمان القندوزي الحنفي في «ينابيع المودة»، عن الإمام الباقر عليه السلام في تفسير:«دو گرهم بأيام الله»، قال عليه السلام: «أيام الله ثلاثة : يوم يقوم1.

ص: 247


1- المحجة : 85، بحارالأنوار 60:51 ح 58، ينابيع المودة 3: 239 الباب 71ح 14، منتخب الأثر: 294 الباب 35 الفصل 2 ح 4.
2- هود : 86.
3- نور الأبصار : 349، الفصول المهمة : 303 الباب 12، بحارالأنوار 192:52 ح 24، المهدي في القرآن : 76.
4- سورة إبراهيم : 5.

القائم عليه السلام، ويوم الكرة ، ويوم القيامة»(1).

وروي عن الإمام الصادق عليه السلام مثله(2) .

وجاء في تفسير علي بن إبراهيم القمي: «أيام الله ثلاثة : يوم القائم عليه السلام، ويوم الموت، ويوم القيامة» (3).

كما لاحظت أيها القارئ العزيز، علي ما جاءت به روايات الأئمة المعصومين عليهم السلام أن هناك ثلاثة أيام عرفت بأيام الله، وذكرت هذه الأيام في مقدمة تعليمات موسي عليه السلام.

وأولها اليوم العالمي لظهور الإمام المهدي عليه السلام، والحق أننا نستطيع أن نقول أن هذا يوم من أيام الله العظيمة، وأن نسميه بحق «يوم الله» ؛ لأن ذلك اليوم يوم طلوع فجر الحكومة العالمية الواحدة القائمة علي العدالة والحرية، ويوم طي بساط الظلم والجور والاستبداد والاستعمار من أنحاء العالم، ويوم تحطيم الأصنام وفك القيود، وانهدام قصور الظالمين، وانعدام كل القوي الظالمة فيأرجاء المعمورة .

اليوم الثاني من أيام الله يوم الرجعة، ففي ذلك اليوم يرجع إلي الدنيا عباد الله الصالحون ويحكمون العالم بأسره (4).

اليوم الثالث من أيام الله يوم القيامة، وفي ذلك اليوم يجمع الناس من الأولين

ص: 248


1- ينابيع المودة 3: 242 الباب 71ح 24.
2- ينابيع المودة 3: 242 الباب 71، المحجة : 108.
3- لمزيد الاطلاع انظر الخصال : 108، معاني الأخبار : 366، تفسير الصافي 4: 225 ، تفسير البرهان 2: 305، تفسير نور الثقلين 2: 526.
4- حول الرجعة - ثاني أيام الله - وعودة مجموعة من عباد الله المخلصين للدنيا ، انظر كتاب «رجعت يا دولت كريمه» وسائر الكتب التي تعني بذلك .

والآخرين في عرصة القيامة خائفين وجلين، ويشاهدون سلطان الله تعالي القاهر بأم أعينهم، وجزاء أعمالهم السيئة والحسنة.

8. سورة الحجر:

«قَالَ رَبِّ فَأَنظِرْنِي إِلَي يَوْمِ يُبْعَثُونَ*قَالَ فَإِنَّكَ مِنَ الْمُنظَرِينَ*إِلَي يَوْمِ الْوَقْتِ الْمَعْلُومِ»(1).

عن الحسن بن خالد، قال: قال الإمام علي بن موسي الرضا عليه السلام: «لا دين لمن لاورع له ، ولا إيمان لمن لا تقية له ، وإن أكرمكم عند الله أتقاكم ، يعني أعملكم بالتقية» ، فقيل له: يا ابن رسول الله إلي متي ؟ فقال : «إلي يوم الوقت المعلوم وهو يوم خروج قائمنا» ... قيل له: يا ابن رسول الله ومن القائم منكم أهل البيت ؟ قال : «الرابع من ولدي ، ابن سيدة الإماء ، يطهر الله تعالي به الأرض من كل جور، ويقدسها من كل ظلم»(2).

9. سورة الإسراء:

«وَمَن قُتِلَ مَظْلُومًا فَقَدْ جَعَلْنَا لِوَلِيِّهِ سُلْطَانًا فَلَا يُسْرِف فِّي الْقَتْلِ ۖ إِنَّهُ كَانَ مَنصُورًا»(3).

ص: 249


1- الحجر: 36- 38.
2- فرائد السمطين 2: 337 الباب 61 من السمط الثاني، بشارة الإسلام : 187 الباب 9، كمال الدين 2: 371 الباب 35 ح 5، ينابيع المودة 3: 387 الباب 94 ح 19، منتخب الأثر: 220 الباب 17 الفصل 2، المهدي الموعود المنتظر 1: 167.
3- الإسراء : 33.

قال العلامة القندوزي في ينابيع المودة عن تفسير هذه الآية: إنها نزلت في الإمام الحسين والمهدي عليها السلام، وروي عن الإمام الباقر عليه السلام قال: «إن الحسين عليه السلام قتل مظلوما، ونحن أولياؤه ، والقائم منا يطلب ثار الحسين عليه السلام، فيقتل من رضي بقتله ، حتي يقال : قد أسرف في القتل»(1).

وروي العياشي في تفسيره عن سلام بن المستنير، عن الإمام الباقر عليه السلام في قوله:«وَمَن قُتِلَ مَظْلُومًا فَقَدْ جَعَلْنَا لِوَلِيِّهِ سُلْطَانًا فَلَا يُسْرِف فِّي الْقَتْلِ ۖ إِنَّهُ كَانَ مَنصُورًا» قال: «هو الحسين بن علي عليه السلام قتل مظلوما ، ونحن أولياؤه ، والقائم منا إذا قام طلب بثار الحسين ، فيقتل حتي يقال : قد أسرف في القتل»، وقال: «المقتول الحسين ، ووليه القائم ، والإسراف في القتل أن يقتل غير قاتله (2)،«إِنَّهُ كَانَ مَنصُورًا»، فإنه لا يذهب من الدنيا حتي ينتصر برجل من آل رسول الله صلي الله عليه و آله يملأ الأرض قسطا وعدلا كما ملئت جورا وظلما»(3).

و روي في كامل الزيارات، عن محمد بن سنان، قال: سأل رجل الإمام الصادق عليه السلام عن تفسير هذه الآية:«وَمَن قُتِلَ مَظْلُومًا فَقَدْ جَعَلْنَا لِوَلِيِّهِ سُلْطَانًا فَلَا يُسْرِف فِّي الْقَتْلِ ۖ إِنَّهُ كَانَ مَنصُورًا»، قال عليه السلام: «ذلك قائم آل محمد ، يخرج فيقتل بدم الحسين عليه السلام، فلو قتل أهل الأرض لم يكن مسرفا ، وقوله :«ولا يشرف في القتل»، لم يكن ليصنع شيئا يكون سرفا» ، ثم قال أبو عبدالله عليه السلام: «يقتل والله

ص: 250


1- ينابيع المودة 3: 243 الباب 71 ح 27، المحجة : 128.
2- لماذا الإمام المهدي عليه السلام يقتل ذراري قتلة الحسين عليه السلام؟ يتضح معني هذه العبارة في الأحاديث الآتية .
3- تفسير العياشي 2: 313ح 67، بحارالأنوار 44: 218ح7، تفسير البرهان 2: 419، تفسير نور الثقلين 3: 163ح201.

ذراري قتلة الحسين عليه السلام بفعال آبائهم»(1).

وفي كتاب «عيون الأخبار»، عن عبد السلام بن صالح الهروي، قال : قلت لأبي الحسن الرضا عليه السلام: يا ابن رسول الله ما تقول في حديث روي عن الصادق عليه السلام أنه قال: «إذا قام القائم عليه السلام قتل ذراري قتلة الحسين عليه السلام بفعال آبائهم» ؟ فقال : «هو كذلك»، قلت: فقول الله عز وجل«وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَي»(2) ما معناه ؟ فقال : «صدق الله في جميع أقواله، لكن ذراري قتلة الحسين عليه السلام يرضون بفعال آبائهم ويفتخرون بها ، ومن رضي شيئأ كمن أتاه ، ولو أن رجلا قتل في المشرق فرضي بقتله رجل في المغرب ، لكان الراضي عند الله عز وجل شريك القاتل ، وإنما يقتلهم بالقائم إذا خرج لرضاهم بفعل آبائهم»(3) .

المقصود من نقل هذه الأحاديث والأخبار: أن الإمام الحسين عليه السلام قتل مظلوما ، وإلي الآن لم يقتص لدمه الطاهر، وجعل الله تعالي الإمام المهدي عليه السلام - من أولاد الإمام الحسين عليه السلام - الوارث لدمه والطالب بثأره عليه السلام، وأعطاه القوة والسلطان، وسماه بالمنصور، ومتي ما أذن الله تعالي بظهوره يظهر بقدرة وقوة الله تعالي وتأييده، ويروي سيفه من الجبارين والظالمين والمتكبرين.

ص: 251


1- كامل الزيارات : 63 الباب 18 ح 5.
2- الأنعام : 164.
3- عيون أخبار الرضا عليه السلام : 212 ح5 الباب 28 «فيما جاء عن الإمام علي بن موسي الرضا عليه السلام من الأخبار المتفرقة»، إلزام الناصب 1: 72.

10. سورة مريم:

«حَتَّي إِذَا رَأَوْا مَا يُوعَدُونَ إِمَّا الْعَذَابَ وَإِمَّا السَّاعَةَ فَسَيَعْلَمُونَ مَنْ هُوَ شَرٌّ مَّكَانًا وَأَضْعَفُ جُندًا*وَيَزِيدُ اللَّهُ الَّذِينَ اهْتَدَوْا هُدًي...» »(1).

جاء عن الإمام الصادق عليه السلام في تفسير هذه الآية الشريفة : «أما قوله «حَتَّي إِذَا رَأَوْا مَا يُوعَدُونَ» فهو خروج القائم ، وهو الساعة في «فسيعلمون » ذلك اليوم ما نزل بهم من الله علي يدي قائمه ، فذلك قوله :«مَنْ هُوَ شَرٌّ مَّكَانًا» ، يعني عند القائم « وأضعف جندا »»(2).

11. سورة النور:

«وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَي لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُم مِّن بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا ۚ يَعْبُدُونَنِي لَا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئًا»(3)

قال العلامة النيسابوري في تفسير «غرائب القرآن» في تفسير قوله تعالي :«الذين يؤون بالغيب»، قال : ...المراد بالغيب المهدي المنتظر الذي وعد الله به في القرآن، وورد في الخبر «وعد الله الذين آموا منكم وعملوا الصالحات ليستخلفهم في الأرض »: «لو لم يبق من الدنيا إلا يوم واحد لطول الله ذلك اليوم حتي يخرج رجل من أمتي ، يواطئ اسمه اسمي ، وكنيته كنيتي ، يملأ

ص: 252


1- مريم: 75 و 76.
2- الكافي 1: 431، بحارالأنوار 51: 63 ، إلزام الناصب 1: 73.
3- النور: 55.

الأرض قسطا وعدلا كما ملئت جور و ظلما»(1).

12. سورة القصص :

«وَنُرِيدُ أَن نَّمُنَّ عَلَي الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الْأَرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ الْوَارِثِينَ»(2).

جاء عن الإمام الباقر والصادق عليها السلام: «إن هذه الآية مخصوصة بصاحب الأمر الذي يظهر في آخر الزمان ، ويبيد الجبابرة والفراعنة ، ويملك الأرض شرقا وغربا ، فيملاها عدلا كما ملئت جورا »(3).

روي العلامة القندوزي - ضمن حديث طويل - عن الإمام أبي محمد الحسن العسكري عليه السلام: ... «فلما كان اليوم السابع - أي من ولادة الإمام المهدي عليه السلام -... وقال : تكلم يا بني ، فشهد الشهادتين ، وصلي علي آبائه واحدا بعد واحد ، ثم تلا:«وَنُرِيدُ أَن نَّمُنَّ عَلَي الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الْأَرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ الْوَارِثِينَ» (4).

13. سورة السجدة:

«قُلْ يَوْمَ الْفَتْحِ لَا يَنفَعُ الَّذِينَ كَفَرُوا إِيمَانُهُمْ وَلَا هُمْ يُنظَرُونَ»(5).

ص: 253


1- منتخب الأثر : 150 الباب 1 الفصل 2، موعود قرآن : 85.
2- القصص : 5.
3- تفسير البرهان 58:6 ح 13، عن تفسير كشف البيان للشيباني .
4- ينابيع المودة : 302 الباب 79.
5- السجدة : 29.

جاء في تفسير هذه الآية عن الإمام الصادق عليه السلام : «يوم الفتح يوم تفتح الدنيا علي القائم عليه السلام، ولا ينفع أحدا تقرب بالإيمان ما لم يكن قبل ذلك مؤمنا، وأما من كان قبل هذا الفتح مؤمنا بإمامته و منتظرا لخروجه فذلك الذي ينفعه إيمانه ، ويعظم الله عز وجل عنده قدره وشأنه، وهذا أجر الموالين لأهل البيت عليهم السلام»(1).

14. سورة الفتح:

«لِيُظْهِرَهُ عَلَي الدِّينِ كُلِّهِ ۚ وَكَفَي بِاللَّهِ شَهِيدًا»(2) .

نقل الحافظ أبو عبدالله الكنجي الشافعي في كتاب «البيان»، والعلامة مؤمن بن حسن الشبلنجي في تفسير هذه الآية الشريفة، عن سعيد بن جبير، قال: هو المهدي من ولد فاطمة عليها السلام (3).

وفي تفسير هذه الآية الشريفة رواية أخري عن الإمام الصادق عليه السلام ، قال : «إنها نزلت في القائم من آل محمد صلي الله عليه و آله، وهو الإمام الذي يظهره الله علي الدين كله ، فيملأ الأرض قسطا وعدلا كما ملئت جورا وظلما ، وهذا مما ذكرنا أن تأويله بعد تنزيله»(4).

بالنظر إلي الآيات الشريفة التي ذكرت، وعشرات من الآيات الأخري، يتبين هذا المعني بصورة جيدة: وهو أنه سيأتي علي الدنيا يوم يغلب فيه الدين الإسلامي المقدس علي جميع الأديان، ولا يبقي في البسيطة إلا الدين الإسلامي،

ص: 254


1- ينابيع المودة : 246 الباب 71، منتخب الأثر : 470 الفصل 7 الباب 1، المحجة : 174.
2- الفتح: 28.
3- نور الأبصار : 186، البيان المطبوع ملحقا بكفاية الطالب : 528 الباب 25.
4- تفسير القمي 2: 317، بحارالأنوار 50:51 ح 22، المحجة : 208.

والبشرية في انتظار ذلك العصر المشرق والزمان الذهبي ، وهو يوم الظهور العظيم لمنقذ البشر، والزمان المبارك لظهور الإمام المهدي الموعود عليه السلام.

ولا يخفي أن الآيات المباركة التي شرت وأولت بوجود الإمام المهدي المقدس، وذكرت في المصادر الشيعة والسنية كثيرة، ولو أردنا حصرها لطال بنا المقام وابتعدنا عن الهدف، ولذا نكتفي بهذا المقدار(1) .

ص: 255


1- ومن أراد التفصيل أكثر فبامكانه مراجعة الكتب التي تناولت الموضوع، مثل بحارالأنوار،ج51، باب الآيات المأولة ، وإلزام الناصب، وينابيع المودة، وموعود قرآن ، وسائر كتب التفاسير.

ص: 256

القسم التاسع: بشائر ظهور الإمام المهدي عليه السلام المبارك في الكتب المقدسة وأخبار أهل البيت عليهم السلام

اشارة

وهي :

1. الإمام المهدي الموعود عليه السلام في الكتب المقدسة عند الهنود

2. بشارات ظهور الإمام المهدي عليه السلام في التوراة

3. بشارات ظهور الإمام المهدي عليه السلام في الإنجيل

4. بشارات ظهور الإمام المهدي عليه السلام في مصادر الزرادشتية

ص: 257

ص: 258

مر في البحوث السابقة أن مسألة ظهور الإمام المهدي عليه السلام في آخر الزمان واندراس الظلم والجور من المسائل الإسلامية الأساسية، وقطعت باقي الأديان والمذاهب المختلفة الحاكمة علي الكرة الأرضية بحتميتها، وأنها حاصلة لا محالة، فعلي أساس تعاليم الأنبياء وبشائر الكتب السماوية لن يستمر الوضع الحالي علي ما هو عليه، وسيدور الزمان لصالح المحرومين عاجلا أم آجلا - بالرغم من عوامل التشاؤم المفرط لمستقبل البشرية في العالم - ويتغير العالم ويتدبل الفساد الاجتماعي والنزاع إلي صلح وأمان وفق ما وعد به الأنبياء والبشائر

السماوية.

نظرة المستقبل للعالم ومصير البشر واضح جلي، يتبين من خلال نظرة بسيطة الكتب أهل الأديان المذهبية، بأن العالم عندما يغرق في الفتن والاضطرابات، ويضطرم بنار الظلم وعدم العدالة والحروب المدمرة والجور، وعجز حكام العالم عن إدارة الدول، وإخفاقهم في إخماد نار الفتن والحروب، في مثل هذا الظرف الحساس والمتدهور سيظهر مصلح عالمي عظيم بقدرة إلهية أزلية، يلملم العالم ويكبح جماح الذين أطلقوا العنان من المتكبرين والمتجبرين والمتسلطين، وينهي بؤس وحرمان وظلمة أيام البشرية .

ص: 259

ولحسن الحظ إننا عندما نراجع كتب الأديان السماوية نراها قد شحنت بالأمل وبشائر اليوم الموعود ووعود ظهور ذلك المصلح العالمي، وقد يتعجب البعض عندما يري الأديان والمذاهب العالمية الكبيرة - أعم من الوثنية واليهودية والمسيحية والمجوسية ودين الاسلام المبين - تنطق عن مصلح يظهر في آخر الزمان، ويختم جنايات وخيانات الناس، ويقيم حكومة عالمية واحدة علي أساس العدل والحرية، بل إن بشارة هذا المصلح العالمي العظيم قد جاءت بالأخص في الإسلام والقرآن بشكل أكمل وأجمل وأعمق وأجمع، والمفرح أن الأكثرية تتفق - طبق ما جاء في الكتب السماوية - علي ظهور مصلح عالمي عظيم؛ إن لم نقل أنها كلها تنطبق علي آخر حجة الله من أئمة الشيعة المعصومين عليهم السلام؛ الإمام المهدي الموعود عليه السلام.

نعم أيها القارئ العزيز، إن بشائر المصلح العالمي العظيم وظهور الإمام المهدي عليه السلام المبارك - بالإضافة إلي ذكرها في القرآن الكريم - جاءت في كتب الأديان المذهبية ، مثل : كتاب الزند(1)، كتاب جاماسب(2)، كتاب شاكموني (3)، كتاب

ص: 260


1- كتاب الزند : وهي الشروح التي جاءت علي الأوستا «الابستاق» ، وقد فقدت أغلب هذه الشروح ولم يصل إلينا منها إلا القليل . المشرف.
2- كتاب جاماسب : وهو منظومة تشتمل علي تنبؤات جاماسب الحكيم ۔ وزير غشتاسب . بالحوادث التي ستحدث في ختام الألف عام الأولي بعد زرادشت . المشرف
3- شاكموني : أحد عظماء كفرة الهند، وكتابه من الكتب المقدسة عند البراهمة، ويقولون أنه بعث لأهل خطا وختن . وفي بعض المصادر أن أصله «شاكياموني» وهو لقب لبوذا بمعني «حكيم قبيلة شاكياس»، أو أصله «سكياموني» بمعني المعتكف . المشرف.

جوك(1)، كتاب ديد براهمه(2)، كتاب ناسك(3)، كتاب باتيكل(4)، كتاب دادنج(5)، كتاب صفنيا النبي(6)، كتاب إشعياء، كتاب وحي كودك (7)، كتاب النبي حكي(8)، كتاب مكاشفات يوحنا اللاهوتي ، كتاب النبي دانيال، إنجيل متي، إنجيل لوقا، إنجيل مرقس، وباقي الكتب والألواح المذكورة، وفي كل هذه الكتب وردت بشائرظهور الإمام المهدي عليه السلام بعبارات و مضامين تعضد أصالة وحقيقة المهدوية وتعتبر هذه العقيدة عامة ومشتركة بين كل الطوائف والأمم، وإن كانت الكتب السماوية - غير القرآن الكريم - أصابها التزوير والتحريف، ولكن يري بين طياتها مطالب مصونة من التحريف، وفيها عبارات وجمل حاكية عن ظهور مصلح عالمي.

ص: 261


1- هو وشن - أو ويشن - جوك، وسيأتي أن «جوك» إمام الهندوس الجوكيين والذي يعتبرونه نبيا . وفي إلزام الناصب 1: 145 ما ذكره صاحب الوش المسمي بجوك. المشرف.
2- هو من كتب البراهمة المقدسة ، ويقال له : «كتاب ديد» و «كتاب ديده» و «كتاب ديداند» . المشرف.
3- ناسك : أحد أنبياء كفرة الهند، وهم يزعمون أن الانسان حاله كالنبت ، ينبت فيخضر ثم يصفر ويذبل فييبس ويبلي ، وكتابه من الكتب المقدسة عند الهنود . المشرف.
4- باتيكل أو باسك : من الكتب المقدسة عند الهندوس . المشرف.
5- دادنج أو دادنك : من الكتب البوذية المقدسة . المشرف.
6- هذا وما بعده من الأسماء - عدا وحي كودك - من أسماء أنبياء الكتاب المقدس في عهديه القديم والجديد. المشرف.
7- وحي كودك : بمعني تنبؤات طفل. وهو كتاب ألفه أحد علماء اليهود في يزد بعد أن أسلم في عام 1238 ه-، وأدرج فيه تنبؤات طفل ولد في بعض قري أورشليم ببيت المقدس قبل بعثة النبي بسبعين سنة ، وسجد بعد الولادة ثم رفع رأسه وتكلم بعجائب وملاحم حول مولد النبي محمد صلي الله عليه و آله ومبعثه ، وآخر الزمان و ظهور الحجة عليه السلام .المشرف.
8- كذا في المتن الفارسي والظاهر أنه النبي حجي ، انظر الكتاب المقدس: 1110. المشرف .

ومن الطريف أن كل الكتب المقدسة المعروفة بالكتب السماوية لأهل الأديان - والتي عرف من جاء بها ك-«نبي » - صحت بالمهدي الموعود بكثرة؛ وإن كنا لا نقر بسماوية هذه الكتب، ولسنا علي يقين من أن الذين جاءوا بها أنبياء، بل اعتقادنا أن هؤلاء إما إنهم كانوا أنبياء حقا، أو إنهم استلهموا هذه المطالب من كتب وتعاليم الأنبياء السابقين.

والمدهش أن بعض هذه الكتب صرحت بألقاب الإمام المهدي عليه السلام الخاصة وأسمائه المباركة، بل حتي سلسلته النسبية عليه السلام، أي أنه من سلالة نبي آخر الزمان الطاهرة، ومن أولاد بنت ذلك النبي ، وآخر وصي له صلي الله عليه و آله

ولإثبات المدعي إليك شطرة من بشائر ظهور الإمام المهدي عليه السلام في الكتب المذهبية لأتباع الأديان، منها الكتب المقدسة للهنود، اليهود، المسيح، الزرادشتية، وسائر الكتب المعروفة عند أتباعها بالكتب السماوية، ليتضح جيدا أصالة المهدوية والاعتقاد العالمي بظهور الإمام المهدي عليه السلام المبارك.

1. الإمام المهدي الموعود عليه السلام في الكتب المقدسة عند الهنود:

اشارة

الكتب المذهبية المقدسة عند الهنود . والمعروفة عندهم بالكتب السماوية، وعرف الذين جاءوا بها بعنوان أنبياء - تصرح بالوجود المقدس للإمام المهدي عليه السلام وظهوره المبارك بكثر نأتي يقسم منها للقارئ العزيز:

الف) بشارة ظهور الإمام المهدي عليه السلام في كتاب «اوپانيشاد»:

يعتبر كتاب «اوپانيشاد» واحدا من الكتب المعتبرة ومصادر الهنود، وقد جاءت فيه بشارة ظهور المهدي الموعود عليه السلام:

ص: 262

«هذا مظهر فيشنو(1)(المظهر العاشر) يظهر علي فرس أبيض ، شاهرا سيفه اللامع، علي شكل نجمة مذئبة في عصر الانقضاء أو العصر الحديدي ، ويقضي علي كل الأشرار ، ويعيد الخلقة إلي طراوتها ونقائها ... المظهر العاشر هذا يظهر في آخر الزمان»(2).

لو تأملنا قليلا في جمل البشارة السالفة يتضح لنا أن المقصود من «مظهر فيشنو» هو الوجود المقدس للإمام الحجة بن الحسن العسكري عليه السلام؛ لأنه وفق الروايات الإسلامية المتواترة أن الإمام المهدي عليه السلام يظهر في آخر الزمان بالسيف، ويقضي علي جبابرة وظلمة الأرض، وفي زمن حكومة مظهر قدرة الله هذا، سيجد العالم خلقا جديدا.

وفي هذا الباب جاءت روايات وأحاديث كثيرة جدا في كتب الشيعة والسنة عن نبي الإسلام الأكرم صلي الله عليه و آله والأئمة المعصومين عليهم السلام، إليك شطرا منها لتوضيح عبارات البشائر المذكورة:

1- الإمام المهدي عليه السلام يظهر في آخر الزمان :

روي الشيخ الطوسي في غيبته ، عن أبي سعيد الخدري، قال: سمعت رسول الله صلي الله عليه و آله يقول علي المنبر: «إن المهدي من عترتي من أهل بيتي ، يخرج في آخرالزمان ، تنزل له السماء قطرها ، وتخرج له الأرض بذرها ، فيملأ الأرض عدلا وقسط كما ملأها القوم ظلما و جورا »(3).

ص: 263


1- تقدم أن فيشنو أو ويشنو هو ثاني الأقانيم الثلاثة عند الهندوس . المشرف.
2- اوپانيشاد 2: 637.
3- غيبة الطوسي : 111 و 180، بحارالأنوار 76:51 ح 20، إثبات الهداة 3: 502 ح 294، منتخب الأثر: 169ح 81

وفي عقد الدرر: عن أبي سعيد الخدري ، قال : قال رسول الله صلي الله عليه و آله: «يقوم في آخر الزمان رجل من عترتي ، شاب ، حسن الوجه ، أقني الأنف ، يملأ الأرض قسطا وعدلا كما ملئت ظلما وجورا»(1).

وجاء في دلائل الإمامة ، عن أبي سعيد الخدري، قال: قال رسول الله صلي الله عليه و آله: «أبشروا بالمهدي ، فانه يأتي في آخر الزمان ، علي شدة وزلازل ، يسع الله له الأرض عدلا وقسطا»(2).

وفي روايات أهل البيت عليهم السلام، عن الإمام الباقر عليه السلام، قال : «دولتنا آخر الدول ، ولن يبقي أهل بيت لهم دولة إلا ملكوا قبلنا، لئلا يقولوا إذا رأوا سيرتنا : إذاملكنا سرنا مثل سيرة هؤلاء ، وهو قول الله عز وجل : « والعاقبة للمتقين »(3).

وفي رواية أخري عن الإمام الصادق عليه السلام، قال :

لكل أناس دولة يترقبونها *** ودولتنا في آخر الدهر تظهر(4)

2 - يظهر المهدي عليه السلام راكبا علي فرس محجل :

هذه البشارة الثانية جاءت في كتاب «اوپانيشاد»، وجاءت في أخبار المعصومين عليهم السلام، وإليك بعض هذه الروايات:

جاء في حديث عن أمير المؤمنين عليه السلام- عند ظهور الإمام المهدي المبارك وحركته عليه السلام من النجف نحو مسجد السهلة - قال: «كأني به وقد عبر من وادي

ص: 264


1- عقد الدرر: 39 الباب 3.
2- دلائل الإمامة : 250، منتخب الأثر: 171 ح 88.
3- غيبة الطوسي: 282، بحارالأنوار 52: 332 ح 58، اثبات الهداة 3: 516 ح 369، والآية 128 من سورة الأعراف ، والآية 83 من سورة القصص .
4- بحارالأنوار 51: 143ح 3، منتخب الأثر: 149ح 84.

السلام إلي مسجد السهلة ، علي فرس محجل له شمراخ يزهر ، وهو يدعو ويقول في دعائه ...»(1).

وفي هذا الباب قال الإمام الصادق عليه السلام: «كأني أنظر إلي القائم علي ظهر النجف ، فإذا استوي علي ظهر النجف ركب فرسا أدهم أبلق بين عينيه شمراخ، ثم ينتفض به فرسه ، فلا يبقي أهل بلدة إلا وهم يظنون أنه معهم في بلادهم»(2) .

وقال إمام الشيعة السادس عليه السلام في حديث آخر: «كاني بالقائم عليه السلام علي ظهر النجف ليس درع رسول الله صلي الله عليه و آله، فيتقلص عليه ، ثم ينتفض بها فيستدير عليه ، ثم يغشي الدرع بثوب إستبرق ، ثم يركب فرسا له أبلق بين عينه شمراخ، ينتفض به ، لا يبقي أهل بلير إلا أتاهم نور ذلك الشمراخ حتي تكون آية له»(3).

وقال الإمام السابع للشيعة؛ الإمام الكاظم عليه السلام: لما يقوم القائم عليه السلام يركب أفضل وأقوي وأسرع الدواب(4).

3- المهدي عليه السلام يقوم بالسيف:

المتفرد من بين الأئمة المعصومين عليهم السلام لقيام الخلافة الإسلامية والحكومة العالمية الواحدة، الذي يشهر السيف، ويقمع المخالفين، وينتصر في حرب الحق علي الباطل، هو الإمام المهدي عليه السلام، وبهيبته الربانية وعظمته الإلهية وسيفه البتار ينقاد إليه كل المتكبرين والطواغيت والظلمة، ولن يجرؤ أحد علي مخالفته مهما

ص: 265


1- دلائل الإمامة : 244، بحارالأنوار 391:52 ح 214، منتخب الأثر: 519.
2- كمال الدين : 671 الباب 58ح22، بحارالأنوار 325:52 ح 40.
3- العدد القوية: 74 ح 124، بحارالأنوار 391:52 ح 214، بشارة الإسلام: 200، إلزام الناصب 2: 297.
4- يأتي علي الناس زمان 2: 543/ ح 95

بلغت قوته.

وفي هذا الباب جاءت روايات كثيرة في المصادر المعتبرة الشيعة والسنية عن رسول الله صلي الله عليه و آله والأئمة المعصومين عليهم السلام لإثبات المطلوب - إليك قسما منها :

1- في كتاب فرائد السمطين في حديث طويل - يصف فيه قيام الإمام المهدي عليه السلام العظيم - عن أبي بن كعب، عن نبي الإسلام الأكرم صلي الله عليه و آله، قال : «له سيف مغمد ، فإذا حان وقت خروجه اقتلع ذلك السيف من غمده ، وأنطقه الله عز وجل، فناداه السيف : اخرج يا ولي الله فلا يحل لك أن تقعد عن أعداء الله ، فيخرج ويقتل أعداء الله حيث ثقفهم ، ويقيم حدود الله ، ويحكم بحكم الله»(1).

2. وفي كتاب كفاية الأثر، عن الإمام الصادق، عن آبائه، عن أميرالمؤمنين عليه السلام ، قال : قال رسول الله صلي الله عليه و آله: «يا علي أن قائمنا إذا خرج يجتمع إليه ثلاثمائة وثلاثة عشر رجلا عدد رجال بدر، فإذا كان وقت خروجه يكون له سيف مغمود ناداه السيف : قم يا ولي الله فاقتل أعداء الله»(2).

3. ونقل العلامة القندوزي الحنفي في كتاب «ينابيع المودة» ، وجمع آخر من كبار محدثي الشيعة في خطبة طويلة عن أمير المؤمنين عليه السلام، قال فيها عن الإمام المهدي عليه السلام: «يظهر صاحب الراية المحمدية ، والدولة الأحمدية، القائم بالسيف والمال ، الصادق في المقال ، يمهد الأرض ، ويحيي الستة والفرض»(3).

ص: 266


1- فرائد السمطين 2: 159 الباب 35، إعلام الوري : 403، بشارة الإسلام : 12، بحارالأنوار 311:52 ح 4 و 208:36 ، إلزام الناصب 204:1 ، كمال الدين : 268 الباب 24 ح 11.
2- كفاية الأثر : 213، بحارالأنوار 304:52 ح 72.
3- ينابيع المودة 3: 208 الباب 68 ، بشارة الإسلام: 85، إلزام الناصب 2: 241، منتخب الأثر: 158.

4 - وفي غيبة النعماني، عن بشر بن غالب الأسدي، قال: قال لي الحسين بن علي عليه السلام : «يا بشر ما بقاء قريش إذا قدم القائم المهدي منهم خمسمائة رجل فضرب أعناقهم صبرا ، ثم قدم خمسمائة فضرب أعناقهم [صبرا] ، ثم قدم خمسمائة فضرب أعناقهم صبرا» ؟ قال : فقلت: أصلحك الله أيبلغون ذلك ؟ فقال الحسين بن علي عليهما السلام: «إن مولي القوم منهم»(1).

5 - وروي الصدوق في كمال الدين، عن سعيد بن جبير، قال: سمعت سيد العابدين علي بن الحسين عليهما السلام يقول: «في القائم ستة من سبعة أنبياء : سنة من أبينا آدم، وسنة من نوح ، وسنة من إبراهيم ، وسنة من موسي ، وسنة من عيسي ، وسنة من أيوب ، وسنة من محمد صلوات الله عليهم ، فأما من آدم ونوح فطول العمر ، وأما من إبراهيم فخفاء الولادة واعتزال الناس ، وأما من موسي فالخوف و الغيبة ، وأما من عيسي فاختلاف الناس فيه ، وأما من أيوب فالفرج بعد البلوي ، وأما من محمد فالخروج بالسيف»(2).

6- وفي بحارالأنوار، عن غيبة النعماني ، عن زرارة، عن أبي جعفر عليه السلام، قال : قلت له: صالح من الصالحين سمه لي - أريد القائم عليه السلام ؟ فقال : «اسمه اسمي»، قلت: أيسير بسيرة محمد صلي الله عليه و آله ؟ قال: «هيهات هيهات يا زرارة مايسير بسيرته» ، قلت: جعلت فداك لم؟ قال: «إن رسول الله صلي الله عليه و آله سار في أمته باللين ؛ كان يتألف الناس ، والقائم لا يسير بالقتل ، بذلك أمر في الكتاب الذي معه أن

يسير بالقتل ولا يستتيب أحدا ، ويل لمن ناواه» (3).

ص: 267


1- غيبة النعماني : 235 الباب 13 ح 23، بحارالأنوار 349:52 ح 100.
2- بحارالأنور 217:51 ح 4، منتخب الأثر : 300 ح 1 ، كمال الدين : 322 الباب 31ح 3.
3- بحارالأنوار 52 : 353ح 109، غيبة النعماني : 231 الباب 13 ح 14.

وفي حديث آخر رواه محمد بن مسلم، قال: دخلت علي أبي جعفر عليه السلام... فقال لي مبتدئا ... «وأما شبهه من جده المصطفي صلي الله عليه و آله فخروجه بالسيف وقتله أعداء الله و أعداء رسوله صلي الله عليه و آله والجبارين و الطواغيت ، وأنه ينصر بالسيف والرعب ، وأنه لا تردله راية»(1).

كل ما يستفاد من هذه الروايات أن الإمام المهدي عليه السلام يقوم بالسيف، وجاء عين هذا في كتاب «اوپانيشاد».

4 - المهدي عليه السلام يعيد الصفاء إلي العالم:

جاء في حديث عن أمير المؤمنين عليه السلام، قال : «سيأتي الله بقوم يحبهم الله ويحبونه ، ويملك من هو بينهم غريب ، وهو المهدي ، أحمر الوجه ، بشعره صهوبة ، يملأ الأرض عدلا بلا صعوبة ، يعتزل في صغره عن أمه وأبيه ، ويكون عزيزا في مرباه ، فيملك بلاد المسلمين بأمان ، ويصفو له الزمان ، ويسمع كلامه ويطيعه الشيوخ والفتيان ، ويملأ الأرض عدلا كما ملئت جورا ، فعند ذلك كملت امامته ، وتقررت خلافته، والله يبعث من في القبور«فَأَصْبَحُوا لَا يُرَي إِلَّا مَسَاكِنُهُمْ»(2)، وتعمر الأرض وتصفو ، وتزهو الأرض بمهديها ، وتجري به أنهارها، و تعدم الفتن والغارات ، ويكثر الخير والبركات»(3).

وروي في هذا الباب عن أميرالمؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام، قال : «فيبعث المهدي عليه السلام إلي أمرائه بسائر الأمصار بالعدل بين الناس ، وترعي الشاة والذئب في مكان واحد ، وتلعب الصبيان بالحيات والعقارب ، لا يضرهم شيء،

ص: 268


1- بحارالأنوار 218:51 ح6 ، كمال الدين : 327 الباب 32 ح 7.
2- الأحقاف : 25.
3- ينابيع المودة 3: 338 الباب 84.

ويذهب الشر ويبقي الخير ، ويزرع الإنسان مدا يخرج له سبعمائة مدا(1)، كما قال الله تعالي :«كَمَثَلِ حَبَّةٍ أَنبَتَتْ سَبْعَ سَنَابِلَ فِي كُلِّ سُنبُلَةٍ مِّائَةُ حَبَّةٍ ۗ وَاللَّهُ يُضَاعِفُ لِمَن يَشَاءُ»(2)، ويذهب الربا والزنا، وشرب الخمر والياء ، وتقبل الناس علي العبادة والمشروع والديانة والصلاة في الجماعات ، وتطول الأعمار، وتؤدي الأمانة، وتحمل الأشجار، وتتضاعف البركات ، وتهلك الأشرار، ويبقي الأخيار، ولا يبقي من يبغض أهل البيت عليهم السلام»(3)

وروي عن الإمام الصادق عليه السلام- في حديث تغيير العالم عند ظهور الإمام صاحب الزمان عليه السلام في ظل الآية الشريفة:«وَأَشْرَقَتِ الْأَرْضُ بِنُورِ رَبِّهَا»(4)-: «إن قائمنا إذا قام أشرقت الأرض بنور ربها ، واستغني العباد عن ضوء الشمس ، وذهبت الظلمة ، ويعمر الرجل في ملكه حتي يولد له ألف ذكر، لا تولد فيهم أنثي ، وتظهر الأرض كنوزها حتي تراها الناس علي وجهها، ويطلب الرجل منكم من يصله بماله ويأخذ من زكاته لا يوجد أحد يقبل منه ذلك ، استغني الناس بما رزقهم الله من فضله»(5).

ب) بشارة ظهور الإمام المهدي عليه السلام في كتاب «ناسك»:

كتاب «ناسك» من الكتب المقدسة السماوية للهنود، جاءت فيه بشارة ظهور الإمام المهدي عليه السلام بما يلي :

ص: 269


1- المد يعادل 750 غراما تقريبا .
2- البقرة : 261.
3- عقد الدرر: 211- 212 الباب 7.
4- الزمر: 69.
5- بحارالأنوار 52: 337 ح 77.

«تنتهي الدنيا بملك عادل في آخر الزمان ، إمام الملائكة والناس ، والحق والصدق معه ، وتظهر له الأرض كنوزها والجبال والبحار ، ويخبر عن السماء والأرض وعن كل شيء ، ولم يولد في الدنيا أعظم منه»(1).

لا يخفي أن المقصود بالملك العادل وموعود كل الملل هو الوجود المقدس للحجة بن الحسن العسكري عليه السلام، لأنه وفقا للروايات الإسلامية ووعود الأنبياء الرجل الوحيد الذي يقوم بالعدل والقسط، ويقلع الظلم والجور، ويملأ الأرض قسطا وعدلا ، وتظهر له الأرض كنوزها، والبحار والجبال، ويظهر في آخر الزمان، ويقلب الدنيا رأسا علي عقب، وتثمر علي يديه تطلعات الأنبياء لإقامة العدالة الاجتماعية، وأمره مطاع من كل مخلوقات العالم.

علي كل حال: في هذه البشارة وبشائر سائر الكتب المقدسة لأهل الأديان أصبح موضوع الظهور المبارك للإمام المهدي عليه السلام واضحا جليا، ولا يحتاج إلي تفسير وتوجيه، ولكن لتبيين كل مضامين البشارات المذكورة في الأحاديث الإسلامية نوضح بعض العبارات المتعلقة بها.

المقصود من الملك العادل الإمام المهدي الموعود عليه السلام:

عند البحث في آيات القرآن الكريم يتجلي أن هدف الخلقة وإرسال الرسل - ابتداء من نبي الله آدم عليه السلام وإلي نبي الإسلام الأكرم صلي الله عليه و آله- هو إقامة العدالة الاجتماعية والأمن والأمان للعباد في الأرض، وقد صرح القرآن الكريم بذلك : «لَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا بِالْبَيِّنَاتِ وَأَنزَلْنَا مَعَهُمُ الْكِتَابَ وَالْمِيزَانَ لِيَقُومَ النَّاسُ

ص: 270


1- علائم الظهور للكرماني : 18، لمعات النور في كيفية الظهور 19:1 ، نور الأنوار : 86 النور السابع ، بشارات العهدين : 246.

بِالْقِسْطِ»(1).

فقد جاء في هذه الآية الشريفة أن هدف إرسال الرسل ونزول الكتاب والميزان هو إقامة العدل والقسط علي الأرض، ولم تر البشريه ذلك حتي يومنا هذا كما نعلم، فهل من الممكن أن لا يتحقق هدف الخلقة؟ ويكون إرسال الأنبياء والرسل والكتب السماوية عبثا ولغوا؟ وهل يخلف الله ما وعد به الأنبياء والنبي الأكرم صلي الله عليه و آله؟

من المسلم أن لا يحصل مثل هذا الخلف، ومتي ما شاء الله وقع الأمر، وتنجز. كل الوعود، وتتحقق إرادة الله تعالي.

علي أية حال : وعد رسول الإسلام الأكرم صلي الله عليه و آله وأئمة أهل البيت عليهم السلام بيوم الظهور الإلهي ، وهو يوم تحقق وعود الله، وإليك شطرا من الأحاديث المصرحة بذلك:

1- المهدي عليه السلام يملأ الأرض قسطا وعدلا :

من خصائص الإمام المهدي عليه السلام أنه يملأ الأرض قسطا وعدلا ، وهذه الصفة طالما تكررت عن النبي صلي الله عليه و آله وأهل البيت عليهم السلام بعبارة: «يملأ الأرض عدلا وقسطا كما ملئت ظلما وجورا».

2 - دولة الإمام المهدي عليه السلام آخر الدول:

نقل الشيخ المفيدة رحمة الله في كتاب الإرشاد: أن قيام قائم آل محمد صلي الله عليه و آله ودولة أهل البيت عليهم السلام آخر الدول، فعن الإمام الصادق عليه السلام: «إذا قام القائم عليه السلام حكم بالعدل ، وارتفع في أيامه الجور ، وأمنت به السبل ، وأخرجت الأرض بركاتها ، ورد كل

ص: 271


1- الحديد : 25.

حق إلي أهله ، ولم يبق أهل دين حتي يظهروا الإسلام ويعترفوا بالإيمان - أما سمعت الله سبحانه يقول :«وَلَهُ أَسْلَمَ مَن فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ طَوْعًا وَكَرْهًا وَإِلَيْهِ يُرْجَعُونَ»(1)- وحكم بين الناس بحكم داود و حكم محمد صلي الله عليه و آله، فحينئذ تظهر الأرض كنوزها ، وتبدي بركاتها، ولا يجد الرجل منكم يومئذ موضعا لصدقته ولا لبره ، لشمول الغني جميع المؤمنين».

ثم قال: «إن دولتنا آخر الدول ، ولم يبق أهل بيت لهم دولة إلا ملكوا قبلنا، لئلا يقولوا إذا رأواسيرتنا : إذا ملكنا سرنا بمثل سيرة هؤلاء، وهو قول الله تعالي : « والعاقبة للمتقين »(2).

3- الحق مع الإمام المهدي عليه السلام وفيه:

ورد هذا العنوان ضمن بشارة كتاب «ناسك» حول موعود الأمم، ويفهم منها: أن الذي يظهر في آخر الزمان هو الإمام المهدي عليه السلام، ولتوضيح هذا المطلب أكثر إليك بعض الروايات عن الأئمة المعصومين عليهم السلام:

1- روي عبدالله بن عمر حديثا عن رسول الله صلي الله عليه و آله له أنه قال: «يخرج المهدي وعلي رأسه غمامة فيها ملك ينادي : هذا خليفة الله المهدي فاتبعوه»(3).

2 - وعن حذيفة بن اليمان، عن رسول الله صلي الله عليه و آله- في قصة السفياني وما يفعله من الفجور والقتل - قال: «فعند ذلك ينادي منابر من السماء : يا أيها الناس إن الله قد قطع عنكم يد الجبارين والمنافقين وأشياعهم ، وولاكم خير أمة محمد ،

ص: 272


1- آل عمران : 83.
2- إرشاد المفيد: 364، بحارالأنوار338:52 ح 83، والآية 128 سورة الأعراف .
3- منتخب الأثر: 448 ح 4.

فالحقوا به بمكة فاته المهدي»(1).

3- وعن شهر بن حوشب ، قال : قال رسول الله صلي الله عليه و آله : «في المحرم ينادي مناد من السماء : ألا إن صفوة الله من خلقه لا يعني المهدي - فاسمعوا له وأطيعوا»(2).

4 - وقال أمير المؤمنين عليه السلام: «إذا نادي مناد من السماء : إن الحق في آل محمد ، فعند ذلك يظهر المهدي علي أفواه الناس ؛ يشربون ذكره ، فلا يكون لهم ذكر غيره»(3).

5 - وقال الإمام الباقر عليه السلام : «ينادي مناد من السماء باسم القائم فيشيع من بالمشرق ومن بالمغرب ، لا يبقي راقد إلا استيقظ ، ولا قائم إلا قعد، ولا قاعد إلا قام علي رجليه فزعا من ذلك الصوت ، فرحم الله من اعتبر بذلك الصوت فأجاب ، فإن الصوت صوت جبرئيل الروح الأمين»(4).

6. وقال الإمام الرضا عليه السلام: «وهو الذي ينادي مناد من السماء يسمعه جميع أهل الأرض بالدعاء إليه ، يقول : ألا إن حجة الله قد ظهر عند بيت الله فاتبعوه، فإن الحق معه وفيه»(5).

4- كنوز العالم في حوزة الإمام المهدي عليه السلام:

هذا العنوان مستنبط من الروايات المتواترة، وورد في بشارة الظهور الأنفة ،

ص: 273


1- عقد الدرر: 35، منتخب الأثر: 449 ح 9.
2- عقد الدرر : 156.
3- منتخب الأثر : 163 ح 66، بشارة الإسلام : 183.
4- منتخب الأثر: 449 ح 12، غيبة النعماني: 254 الباب 13ح16، بحارالأنوار 52: 230 ح 96.
5- كفاية الأثر: 271، بحارالأنوار 322:52 ، ينابيع المودة 3: 109 الباب 78 و ص 164 الباب 94، منتخب الأثر: 220 ح 1.

وهذا الأمر وإن كان من الأمور الواضحة عندنا ولا يحتاج إلي تبيين ، ولكن علي كل حال نشير إلي هذه المسألة من خلال الروايات الإسلامية الشيعة والسنية المسلم بها، والتي نقلت في الكتب المعتبرة عن ظهور الإمام المهدي عليه السلام، والقائلة أن الكنوز المخفية في الأرض والجبال والبحار متعلقة بالإمام المهدي عليه السلام، وهذا واحد من امتيازات حكومة الحق لآخر حجة لله ، ولم يشاركه أحد فيه، نعم جاءت روايات كثيرة في هذا الموضوع عن النبي صلي الله عليه وآله وعن الأئمة المعصومين عليهم السلام، هاك نصوص بعضها:

1- جاءت روايات كثيرة عن أيام الظهور العظيم لإمام القسط والعدل، حيث إن نبي الإسلام صلي الله عليه وآله قال ضمن حديث طويل عن زمان حكومة الإمام المهدي عليه السلام:

و تخرج له الأرض أفلاذ كبدها»(1).

2 - وفي رواية أخري قال رسول الله صلي الله عليه وآله- عن زمان الظهور المبارك للإمام المهدي -: «و تلقي الأرض أفلاذ كبدها» ، فقال ابن عباس: أي شيء أفلاذ كبدها؟ قال رسول الله صلي الله عليه وآله: «أمثال الأسطوانة من الذهب و الفضة»(2).

3. وفي حديث آخر قال النبي صلي الله عليه وآله: «يستخرج الكنوز، ويفتح مدائن الشرك»(3).

4 . وفي رواية أخري عن أمير المؤمنين عليه السلام ، قال : «و تظهر له الكنوز»(4).

5. وروي عن الإمام الصادق عليه السلام أنه قال: «تظهر الأرض كنوزها وتبدي

ص: 274


1- منتخب الأثر : 168 الفصل 2 الباب 1ح78.
2- مستدرك الحاكم 4: 559.
3- بحارالأنوار 51: 80ح 12، ينابيع المودة 3: 296 الباب 78 آخر الحديث 4
4- الاحتجاج 2: 11، بحارالأنوار 20:44 ح 4.

بركاتها»(1).

5- الإمام المهدي عليه السلام يخبر عن السماء والأرض:

بما أن الإمام المهدي عليه السلام آخر حجة لله، ومقيم الحكومة العالمية الواحدة، وآخر إمام حق من الأئمة الاثني عشر، فطبق بشائر القرآن الكريم الصريحة، والروايات المعتبرة الإسلامية، وبشارات الكتب المقدسة السماوية، يظهر الإمام في آخر الزمان، وينازل كل الأنظمة الظالمة ويبيرهم بقدرة الله تعالي ، وتصبح في الكرة الأرضية حكومة واحدة وأمة واحدة ودولة واحدة.

ومن المناسب قبل أن نبدأ الحديث عن العنوان الآنف نوضح قليلا حول مقام الإمامة والإمام، ليتضح لنا مقام الإمام بقية الله عليه السلام الرفيع، ولنعلم كيف يحكم إنسان واحد العالم، وينقذ البشرية من شر الظلم والجور، ويوحد الناس تحت ظل حكومة واحدة.

مقام الإمامة . طبق الآيات والروايات - مقام شامخ أعطاه الله تعالي لخاصة أوليائه واصطفاهم لقيادة خلقه، وأعطاهم كل ما تتطلب الإمامة والقيادة، وأيدهم بقوته وسددهم بقدرته، وبهم يكمل الدين.

إذن الإمامة مقام الأنبياء و ميراث الأولياء والأوصياء، والإمام أمين الله في الأرض، وحجة الله علي الناس، وخليفة الله في المعمورة، وحافظ دين الله وشريعته. ولذلك يتحلي الإمام بشرائط خاصة، منها:

1- يجب أن يكون الإمام معصوما .

2- يجب أن يكون الإمام عادلا .

ص: 275


1- إرشاد المفيد: 364.

3- الإمام صفوة الله.

4 - يجب أن يكون الإمام أعلم الأمة.

إذن الإمام الذي يظهر ليؤمن للناس السعادة المعنوية والمادية، وبعنوان حجة الله وخليفة الله وبقية الله ، يجب أن يتحلي بالشروط التي ذكرناها آنفا، ويحيط علمه بدائرة ما سوي الله، وأن يكون عالما بما كان وما يكون، ويميز المنافق من المؤمن، ولا يخطأ ولا يشتبه في إدارة الأمور السياسية وحاكميتها، ولا يتأثر بسوي الحق.

فهذه الخصائص - طبق وعود القرآن الكريم الصريحة والروايات الإسلامية ،وآراء كل علماء الإسلام العظام - تتمثل في وجود المهدي الموعود المقدس عليه السلام، مشيد الحكومة العالمية الواحدة ؛ لأنه:

أولا: صفوة الله.

ثانيا : أعطاه الله تبارك وتعالي الولاية التكوينية .

ثالثا : عنده علم الأولين والآخرين.

رابعا: وارث الأنبياء.

خامسا : تنحصر به إقامة حكومة الله، وطي بساط الظلم والجور، واجتثاث أنظمة الكفر والإلحاد.

ولدرك المكانة العلمية لآخر حجة لله تعالي ، الإمام صاحب الزمان عليه السلام، ومقامه الشامخ، نشير إلي بعض الأحاديث المبينة لذلك:

1- قال النبي الأكرم صلي الله عليه و آله: «اثنا عشر من أهل بيتي أعطاهم الله تعالي فهمي

ص: 276

وعلمي و حكمتي ، وخلقهم من طينتي»(1).

2 - قال أميرالمؤمنين عليه السلام: «فإنا أعطينا علم المنايا والبلايا ، والتأويل والتنزيل ، وفصل الخطاب ، وعلم النوازل والوقائع ، فلا يعزب عنا شيء»(2).

وقال في حديث آخر: «السماوات والأرض عند الإمام كه من راحته ؛ يعرف ظاهرها من باطنها ، ويعلم بها من فاجرها»(3).

3- قال الإمام الحسن المجتبي عليه السلام: «و إن العلم فينا ونحن أهله ، وهو عندنا مجموع كله بحذافيره ، وإنه لا يحدث شيء إلي يوم القيامة حتي أرش الخدش إلا وهو عندنا»(4).

4 - قال الإمام الحسين عليه السلام: «أ تقن الناس العلم من عندنا فعلموا وجهلنا ؟! هذا ما لا يكون»(5).

5 - قال الإمام زين العابدين عليه السلام: «ليس بين الله وبين حجته حجاب ، ولا لله دون حجته سر، نحن أبواب الله ، ونحن الصراط المستقيم، ونحن عيبة علم الله وتراجمة وحيه ، ونحن أركان توحيده و موضع سره»(6).

- قال الإمام الباقر عليه السلام: «و تنام عينه ولا ينام قلبه ... ويري من خلفه كما يري من أمامه ... وهو محدث إلي أن تنقضي أيامه»(7).

ص: 277


1- كشف الغمة 2: 507، منتخب الأثر: 32 ح 48.
2- إلزام الناصب 2: 246.
3- بحارالأنوار 25: 173ح38 .
4- الاحتجاج للطبرسي 2: 6.
5- الكافي 1: 398ح 2، بصائر الدرجات : 12ح 3.
6- ينابيع المودة 3: 174 الباب 89ح 1.
7- الكافي 1: 388 ح 8، بحارالأنوار 25: 168.

وقال عليه السلام في حديث آخر: «نحن خزان علم الله ، ونحن تراجمة وحي الله ، ونحن الحجة البالغة علي من دون السماء ومن فوق الأرض»(1).

وقال عليه السلام عن علم الإمام المهدي عليه السلام: «إن العلم بكتاب الله عز وجل وسنة نبيه صلي الله عليه و آله ينبت في قلب مهدينا كما ينبت الزرع عن أحسن نباته ، فمن بقي منكم حتي يلقاه فليقل حين يراه : السلام عليكم يا أهل بيت الرحمة والنبوة، ومعدن العلم وموضع الرسالة»(2).

7- قال الإمام الصادق عليه السلام: «إن الدنيا تمثل للإمام في مثل فلقة الجوز، فما يعرض لشيء منها، وإنه ليتناولها من أطرافها كما يتناول أحدكم من فوق مائدته ما يشاء ، فلا يعزب عنه منها شيء»(3).

وقال عليه السلام في حديث آخر: «إن الإمام ليسمع في بطن أمه ... فإذا صار الأمر إليه جعل الله له عمودا من نور يبصر به ما يعمل أهل كل بلدة»(4).

وقال عليه السلام عن علم الإمام المهدي عليه السلام: «إذا تناهت الأمور إلي صاحب هذا الأمر رفع الله تبارك و تعالي له كل منخفض من الأرض ، وخفض له كل مرتفع ، حتي تكون الدنيا عنده بمنزلة راحته ، فأيكم لو كانت في راحته شعرة لم يبصرها ؟! »(5)

إذن تحصل مما مضي أن الشخصية الفريدة والمثالية - الذي يخبر عن السماء

ص: 278


1- الكافي 1: 192 ح 3.
2- بحارالأنوار 36:51 ح 5، كمال الدين : 653 الباب 57 ح 18.
3- الاختصاص للمفيد : 217، بحارالأنوار 367:25 ح 11.
4- الكافي 1: 387ح 4.
5- بشارة الإسلام : 243.

والأرض، والحجة علي كل الناس، ويعلم بما في الكون، والمنجي ، وآخر حجج الله - هو الإمام المهدي عليه السلام الذي لا يخفي عليه شيء من أسرار العالم.

6- لم يولد في الدنيا من هو أعظم منه منزلة:

نقل صاحب عقد الدرر عن عظمة منزلة الإمام المهدي عليه السلام ومقامه الرفيع في رواية عن الإمام محمد الباقر عليه السلام قال: «نظر موسي بن عمران عليه السلام في السفر الأول إلي ما يعطي قائم آل محمد، فقال موسي : رب اجعلني قائم آل محمد ، فقيل له : إن ذاك من ذرية أحمد، ثم نظر في السفر الثاني فوجد فيه مثل ذلك ، فقال مثل ذلك ، فقيل له مثل ذلك ، ثم نظر في السفر الثالث فرأي مثله، فقال مثله ، فقيل له مثله»(1).

ج) بشارة ظهور الإمام المهدي عليه السلام في كتاب «پاتيكل»:

كتاب «پاتيكل» من كتب الهنود المقدسة، وصاحبه من أعاظم كفار الهند، وباعتقاد أتباعه أن هذا الكتاب كتاب سماوي، وقد جاءت فيه بشارة ظهور الإمام المهدي عليه السلام:

«تجدد الدنيا في آخر الزمان و حيئ ، ويظهر قائد من أولاد إمامي العالم العظيمين : أحدهما ناموس آخر الزمان ، والآخر الصديق الأكبر ، يعني وصيه الكبير ، واسمه «پشن»، واسم صاحب الملك الجديد «راهنما» ، يكون ملكا بالحق، وخليفة «رام»، وصاحب المعاجز ، كل من لجأ إليه واهتدي بدين آبائه يكون أبيض الوجه عند «رام» . ودولته طويلة الأمد ، وعمره- أي ابن الناموس.

ص: 279


1- عقد الدرر: 47 آخر الباب الأول و 212 آخر الباب التاسع ، غيبة النعماني : 240 الباب 13 ح 34، بحارالأنوار 51: 77ح 35.

الأكبر - طويل ، وتنتهي الدنيا به ، ويسخر من ساحل البحر المحيط ، وجزائر سرانديب ، وقبر الأب آدم عليه السلام، وجبال القمر ، إلي شمال هيكل زهرة، وإلي سيف البحر والمحيط ، ويهدم معبد الأصنام «سومنات». و «ججرنات» بأمره ينطق ويسقط ، ثم يحطمه ويلقيه في البحر ، ويحطم كل صنم أينما كان»(1).

جاءت في هذه البشارة ألفاظ وتعابير لربما فيها غموض للقراء، فنوضح هذا الغموض:

1- المراد من «ناموس آخر الزمان»، الناموس الأعظم الإلهي، هو : خاتم الأنبياء محمد بن عبدالله صلي الله عليه و آله.

2 - «پشن» اسم أميرالمؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام باللغة الهندية .

3- صاحب الملك الجديد، آخر حجة الله تعالي الإمام صاحب الزمان عليه السلام.

و «راهنما» الاسم المبارك للإمام المهدي عليه السلام أعظم حجج الله الهادين، وكذلك من أسمائه المقدسة «الهادي» و «المهدي» و «القائم بالحق».

- كلمة «رام» باللغة السنسكريتية هي اسم الذات المقدسة «الله» .

5 - جملة «من لجأ إليه واهتدي بدين آبائه يكون أبيض الوجه عند الله» صريحة بأن الإمام المهدي عليه السلام يدعو العالم إلي دين آبائه عليهم السلام؛ وهو دين الإسلام.

6- «سومنات» كانت معبدا للأصنام في «كجرات» علي ما قال العلامة دهخدا في قاموس اللغة، وقيل : هدمها السلطان محمود الغزنوي، وكتر «منات» من الأصنام المشهورة في ذاك المعبد. وقيل : هذه لغة هندية مفرسة، وذلك كان اسما

ص: 280


1- علائم الظهور للكرماني: 117، اللمعات للشيرازي 1: 18، نور الأنوار - النور السابع ، بشارات العهدين : 246 نقلا عن كتاب زبدة المعارف، ذخيرة الألباب وتذكرة الأولياء

الصنم مركب من كلمتين من «سوم، نات»: بمعني أنموذج القمر؛ لأن «سوم» بمعني القمر باللغة الهندية، و «نات» للتعظيم، فإن شئت مزيد الإطلاع فراجع قاموس اللغة لدهخدا مادة «سومنات».

7- وأما «ججرنات» فهو اسم لصنم باللغة السنسكريتية، والهنود يعتبرونه مظهر الله.

د) بشارة ظهور الإمام بقية الله عليه السلام في كتاب «وشن جوك»

في كتاب «جوك» إمام الهندوس الجوكيين، والذي يعتبرونه نبيا، جاءت بشارة ظهور الإمام بقية الله عليه السلام ورجعة جمع من الأموات في ظل حكومته العادلة :

«تكون آخر الدنيا يقبضة شخص يحب الله ومن خاصة أوليائه ، اسمه «خجسته» و «فرخنده» ، يجدد العالم ويمحق المساوئ ، يحيي أصحاب البدع في الأديان والذين أضاعوا حق الله ورسوله ويحرقهم ، يحكم هو وقومه مدة «كرور» أي أربعة آلاف سنة»(1).

هاتان الكلمتان «فرخنده» و «خجسته» معناهما في العربية ( محمد و محمود)، وهما من الأسماء المباركة للإمام المهدي عليه السلام، ويحتمل أن يكون المراد منهما «محمد» و «أحمد»؛ لأنه قد جاء في الروايات الإسلامية أن للإمام المهدي عليه السلام اسمين: أحدهما مخفي والآخر معلن، فأما المخفي فأحمد، وأما المعلن فمحمد.

وفي هذا المجال ورد حديث عن أمير المؤمنين عليه السلام، حيث قال أميرالمؤمنين عليه السلام المنبر : «يخرج رجل من ولدي في آخر الزمان ، أبيض مشرب حمر، مبدح البطن ، عريض الفخذين ، عظيم مشاش المنكبين ، بظهره شامتان : شامة علي

ص: 281


1- بشارات العهدين : 272 ، علائم الظهور للكرماني : 18.

لون جلده ، وشامة علي شبه شامة النبي صلي الله عليه و آله، له اسمان : اسم يخفي ، واسم يعلن ، فأما الذي يخفي فأحمد ، وأما الذي يعلن فمحمد ، فإذا هز رايته أضاء لها ما بين المشرق والمغرب، ووضع يده علي رؤوس العباد ، فلا يبقي مؤمن إلا صار قلبه أشد من زبر الحديد وأعطاه الله قوة أربعين رجلا ، ولا يبقي ميت إلا دخلت عليه تلك الفرحة في قلبه وفي قبره، وهم يتزاورون في قبورهم ، ويتباشرون بقيام القائم عليه السلام»(1).

تنبيه : إن تعيين مدة دولة الإمام المهدي عليه السلام بأربعة آلاف سنة لا تتماشي مع الروايات الإسلامية والمصطلحات الرياضية، لأن هناك اختلافا في الروايات الإسلامية عن فترة حكومته الحقة عليه السلام، ولم تتعين مدة حكومته عليه السلام بصورة قطعية، وكذلك كلمة «كرور» في المصطلحات الرياضية القديمة حاكية عن 500 ألف سنة، فلا تنطبق مع التفسير المذكور.

ه) بشارة ظهور الإمام صاحب الزمان عليه السلام في كتاب «ديد»

كتاب «ديد»(2)من كتب الهنود المقدسة، جاءت فيه بشارة ظهور الإمام المهدي عليه السلام كما يلي:

«بعد خراب الدنيا يظهر ملك في آخر الزمان ، اسمه منصور ، مجاب الدعوة ، يميز الكافر من المؤمن ، يقود الخلق ويحكم قبضته علي العالم ، وتدين البشرية بدينه»(3).

جاء في بعض روايات الأئمة المعصومين عليهم السلام أن «منصورة، أحد الأسماء

ص: 282


1- بحارالأنوار 51: 35ح ، كمال الدين : 652 الباب 57ح 17.
2- وقد يقال له «ديد براهمة». المشرف.
3- بشارات العهدين : 245، علائم الظهور للكرماني: 18، او خواهد آمد : 66.

المباركة للإمام المهدي عليه السلام، وقد فسرت هذه الآية الشريفة:«ومن قتل مظلومة فقد جعلنا لوله شلطانة فلا يشرف في القتل إنه گان منصورة»(1) بالإمام المهدي عليه السلام - آخر حجج الله والطالب بدم المظلومين - والمنصور، والمؤيد من الله تبارك وتعالي(2).

وفي هذا جاءت رواية عن الإمام الباقر عليه السلام، قال : «القائم ما منصور بالرعب ، مؤيد بالنصر، طوئ له الأرض ، وتظهر له الكنوز، ويبلغ سلطانه المشرق والمغرب»(3).

ولا يخفي أن مضمون هذه البشارة - وكذلك البشارات الأخري في كتب أتباع الأديان المقدسة - جاء في الروايات الإسلامية بكثرة، وسنذكر بعضا منها في الوقت المناسب، وما أوردناه هنا إنما هو للاطلاع فقط.

و) الظهور في «كتاب دادتك»:

جاءت بشارة ظهور الإمام القائم عليه السلام في «كتاب دادتك»(4) - من كتب البراهمة الهنود - كما يلي:

«في آخر الزمان بعد أن لم يبق من الإسلام - بظلم الظلمة ، وفسق العلماء ، وجور الحكام، ورياء الزاهدين ، وخيانة الأمناء، وحسد الحساد - إلا اسمه، وتملأ الدنيا ظلما وجورا ، وتصبح الملوك قساة وظلمة ، والرعية جفاة ، ويعيب بعضهم البعض الآخر، ويغرق العالم بالكفر والضلال والفساد ، هناك تظهر بد

ص: 283


1- الاسراء : 33.
2- للمزيد من الاطلاع انظر كتاب المحجة : 127. 129.
3- بحارالأنوار 191:52 ح 26، بشارة الإسلام: 99، منتخب الأثر: 292.
4- ذكر في بعض المصادر باسم «دادنك». المشرف.

الحق وآخر خليفة «ممتاطا»(1)، ويبسط يده علي شرق العالم وغربه ، ويظل العالم بظله ، ويقتل الكثير من الظلمة ، ويهدي الخلق ، ولا يقبل من أحد إلا الحق والصدق ، وهذه تحدث في إمرة الأتراك علي المسلمين»(2).

كل ما جاء في هذه البشارة والبشارات التي سبقتها عن ظهور الإمام المهدئ عليه السلام تتطابق مع الروايات الإسلامية بحذافيرها، وقد يتصور البعض أن بعض هذه الأقوال لا تخلو من مبالغة، فيجب الانتباه إلي أن هذه الأقوال جاءت ضمن علائم ظهور الإمام المهدي في الروايات الإسلامية. ومن هذه الروايات حديثان طويلان مفضلان، أحدهما عن الرسول الكريم صلي الله عليه و آله، والآخر عن الامان الصادق عليه السلام، نطوي كشحة عن الإتيان بهما للاختصار، ومن شاء الاطلاع عليهما فليراجع المصادر المذكورة في الهامش.

ز) بشارة ظهور الإمام حجة الله عليه السلام في كتاب «ريك فيدا، ماندالاي»:

جاءت بشارة ظهور الإمام حجة الله عليه السلام في كتاب «ريك فيدا، ماندالاي»(3) -وهو من كتب الهند المقدسة - كما يلي:

«يظهر فيشنو المنجي بين الناس .. وهو أقوي وأشد من كل أحد، سيفه كالنجمة المذنبة بيد، وخاتمه المضيء باليد الأخري ، وعند ظهوره تظلم الشمس و القمر ، وتكون زلازل»(4).

ص: 284


1- ممتاطا : معناه محمد باللغة الهندية .
2- علائم الظهور للكرماني : 18، او خواهد آمد: 80.
3- تقدم بيان معني «ريك فيدا» في القسم الأول من هذا الكتاب. المشرف.
4- او خواهد آمد: 65 نقلا عن كتاب «ريك فيدا، ماندالاي»: 4 و 16 و 24.

هذه البشارة تنبئ عن ظهور إنسان عظيم رفيع الشأن، وبعض علامات ظهوره تقول أنه يظهر بالسيف الناري كالنجمة المذنبة، وهذه العبارة - أي القيام بالسيف . عبارة دقيقة ولطيفة، ومضمونها جاء في روايات ظهور الإمام ولي العصر الإسلامية؛ لأنه علي أساس الروايات الإسلامية المتواترة - الواردة في ظهور منجي البشرية الأوحد، ومظهر قدرة الله، ومنقذ الناس من الشرك والكفر، وعبادة الأصنام، والظلم والجور، والزيغ عن جادة الحق والحقيقة أنه يقوم بالسيف.

وفي هذا روي حديث عن الإمام الصادق عليه السلام في تفسير الآية الشريفة:«وَلَنُذِيقَنَّهُم مِّنَ الْعَذَابِ الْأَدْنَي دُونَ الْعَذَابِ الْأَكْبَرِ»(1)، قال: «الأدني : القحط والجدب ، والأكبر : خروج القائم المهدي عليه السلام بالسيف في آخر الزمان»(2).

إذن مما لا شك فيه أن المقصود من ظهور الإنسان الرفيع الشأن في البشارة المذكورة، هو: الوجود المقدس لقائم آل محمد صلي الله عليه وآله الذي يظهر بالسيف.

ولكن كيف يتمكن شخص واحد أن يحكم قبضته علي العالم، ويفتح كل البلدان، وتخضع له رقاب الشعوب بدون أن يملك أسلحة عصرية متطورة، و آلات ووسائل حربية؟ سؤال يطرح نفسه، جاء جوابه في الروايات الإسلامية، ونحن لكي لا نتعب القارئ بالانتظار نشير إلي بعض النقاط التي تقتضي الدراسة قبل الجواب، منها:

ص: 285


1- السجدة : 21.
2- المحجة : 173.

1- يجب الانتباه إلي أن حرب الإمام المهدي عليه السلام مع الكفار والظلمة وأتباعهم هي حرب حق وعقيدة، وأصحابه وأنصاره الذين يلتفون حوله عند ظهوره يقاتلون قدما عن إيمان وعقيدة وبإرادة فولاذية وعقيدة راسخة لنصرة الحق؛ لينالوا إحدي الحسنيين: إما النصر أو الشهادة .

2- عند الظهور يبايع الإمام عليه السلام أكثر من تسعة آلاف في مكة، ثم يزحف الإمام عليه السلام نحو يثرب تاركا مكة بفرقة مسلحة ومجهزة بأنواع الأسلحة المتطورة التي تفوق أسلحة عصره، ويقضي مدة شهرين بين مكة والمدينة وبيت المقدس والشام والكوفة، وتستسلم له العرب، وينضم المؤمنون تحت لوائه، ويشكل من الشرق الأوسط صفا مرصوصا واحدا وجيشا قويا لم يعهد له مثيل.

3 - يسأم الناس قبيل ظهوره المبارك من الفتن والفوضي والحرب والانقلابات العسكرية، وتبلغ أرواحها التراقي من مطرقة الحرب والاضطرابات والخناق والتفرقة والظلم، فتكون هذه فرصة متاحة لظهور مصلح إلهي؛ ولذا يهرعون كالسيل لنفحة أمل المصلح الرباني، ويبايعونه ليؤمن لهم خير الدنيا والآخرة، وينجيهم بحد السيف وقدرة الله القهارة من البلاء والتشويش والقلق، والمتسلطين والمستكبرين والمتجاوزين والغزاة، ويخلص المحرومين والمستضعفين والمظلومين من مخالب المستكبرين والمجرمين.

4 - يحمل الإمام عليه السلام معه مواريث الأنبياء للتدليل علي حقه؛ من عهود اليهود والمسيحية والإسلام - وإن كان هذا الميراث لا يرتبط بالات ووسائل الحرب . وهذا دليل قاطع علي ربانية الثورة العالمية للإمام المهدي عليه السلام، مما يحدث فجأة عند الناس هزة فكرية وعقائدية، وسيطرة معنوية .

ص: 286

5 - سيقف السلاح المتطور متزامنا مع تحرك سلاح الايمان وتابوت السكينة بوجه القنابل الذرية والهيدروجينية والنيتروجينية، ويتغلب علي جميع الأسلحة، وينتصر جيش الحق ويندحر جيش الباطل، ويجتث الظالمين سيف العدل الإلهي الذي في قبضة يد الله الإمام ولي العصر عليه السلام ، ويتنفس المظلومون والمحرومون الصعداء، وترفرف راية التوحيد والعدالة والحرية خفاقة علي البسيطة، وبأمر الخالق تختص رئاسة دولة الحق الربانية وحاكمية العالم بآخر شمس للولاية والإمامة ؛ قائم آل محمد الإمام الحجة بن الحسن العسكري عليه السلام.

نعم، طبق الروايات الواردة عن طريق الأئمة المعصومين عليهم السلام، يقوم آخرحجة الله بالسيف الذي يسل من غمده، ويستقر في يد ولي الله المطلق، ليغلق هامة الظلم والجور والطواغيت، وينقذ المظلومين من يد الظالمين، فلا يثبت له أحد مهما بلغت قوته.

وأما أنه كيف يتمكن فرد واحد أن يحكم قبضته علي العالم بالسيف في عصر الذرة والقنابل النيتروجينية والأسلحة الذرية والتطور؟ فنقول لجواب هذه الأوهام:

1- إن استعمال مثل هذه الأسلحة المبيدة لنسل الإنسان - والتي لا تميز بين الصديق والعدو - لا ينسجم مع تطلعات حامل أكبر لواء للعدل العالمي، والذي هدفه سحق الظلم والظالمين.

2 - إن مثل هذه النهضة - مهما كانت الفرصة متاحة لها - لا تنفك عن المعجزة والنصرة الإلهية الخاصة .

ص: 287

3 - إن تطور الأسلحة المدهش والمحير لابد أن يضطر البشرية يوما إلي تحطيم وتدمير تلك الأسلحة الذرية - حفظا لأنفسهم - وإلي الإجماع علي منعها وحظر استعمالها.

4 - إن أكثر شعوب العالم يتبعون ذلك الحاكم العظيم - الإمام المهدي عليه السلام- للتخلص من شر الفساد والحياة التي لا تطاق، إلا القليل منهم ممن يحارب الإمام عليه السلام، وعامة مسيحيي العالم يبايعون الإمام عليه السلام، لصلاة المسيح خلفه ومتابعته اياه.

نعم، أصبح من المسلم أن المسيح عليه السلام يكون من أتباع وأنصار الإمام المهدي عليه السلام في نهضته العالمية، وتشهد لنزول المسيح في آخر الزمان الروايات الإسلامية المتواترة، ونصوص من الإنجيل بشرت بذلك، وهي تصدق هذا الادعاء الذي نقوله(1).

إلي هنا كان كل ما قلناه - أيها القارئ الكريم - توضيحا لجزء من بشارة كتاب «ريك فيدا، ماندالاي» من كتب الهند المقدسة حول قيام منجي البشرية الإمام ولي العصر عليه السلام، والذي أوضحناه بالآيات والروايات بشكل مختصر، وسنسلط الضوء لحد ما علي باقي أجزاء البشارة المذكورة لاحقا من خلال الروايات علي لسان نبي الإسلام العظيم صلي الله عليه و آله والأئمة المعصومين عليهم السلام، ولذا لا نزيد علي هذا ونوكل الأمر إلي ما يأتي

ح - بشارة ظهور آخر حجة الله عليه السلام في كتاب «شاكموني»:

يعتبر كتاب «شاكموني» من كتب الهنود المقدسة، وتعتقد كفرة الهند أن

ص: 288


1- بشارات العهدين : 259.

صاحبه كان نبي بعث لأهل «خطا» و «ختن»، وقد جاءت فيه بشارة ظهور آخر حجة الله الإمام ولي العصر كما يلي:

يملك الدنيا في آخر الزمان سيد الكونين «جشن» العظيم، ويملك مشارق الأرض ومغاربها ، ويركب علي السحاب ، و تطيعه الملائكة، وتخدمه الإنس والجن ، ويتسلط من أعلي السودان تحت خط الاستواء ، إلي أرض «التسعين» تحت القطب الشمالي، ومن ماوراء البحار والأقاليم السبع وحدائق إرم إلي بستان شداد، ويوحد دين الله ويحييه واسمه «القائم» و «العارف»(1).

«جشن» اسم نبي الإسلام صلي الله عليه و آله باللغة الهندية، وجاء في البشارة الآنفة أن اسم ابنه العظيم «القائم والعارف» كما تسميه الشيعة.

وأما ما جاء في هذه البشارة من ركوبه السحاب فهو من أبرز خصائص هذا الموعود السعيد، ولم يذكر في البشارة السالفة وبشارات الإنجيل مكررا فحسب بل جاء في الروايات الإسلامية المتواترة بصورة جادة وخارقة للعادة، لأن نبي الإسلام صلي الله عليه و آله به والأئمة المعصومين عليهم السلام أخبروا عن خرق العادة في أيام ظهور ولي الله المطلق عليه السلام في انطلاقه وسيره عليه السلام، وبشروا أنصاره أن الإمام المهدي عليه السلام يظهر و هو راكب علي السحاب مقتدرا.

ولإثبات هذا الادعاء و تثبيت منتظري ظهور منجي العالم الوحيد نشير إلي بعض الأحاديث الواردة في ذلك:

1- نقل العلامة المجلسي ضمن حديث عن النبي صلي الله عليه و آله ، قال فيه رسول الله صلي الله عليه و آله:«لما عرج بي إلي السماء نوديت يا محمد ... ولأطهر الأرض بآخرهم من

ص: 289


1- بشارات العهدين : 242، علائم الظهور للكرماني: 17، او خواهد آمد: 65.

أعدائي ، ولا ملكته مشارق الأرض ومغاربها، ولأسخرن له الرياح ، ولأذللن له السحاب الصعاب ، ولأرقيته في الأسباب ، ولأنصرته بجندي ، ولأمدنه بملائكتي ، حتي يعلن دعوتي ، ويجمع الخلق علي توحيدي ، ثم الأديمن ملكه ، ولأداول الأيام بين أوليائي إلي يوم القيامة»(1).

2 - وفي حديث عن الإمام الباقر عليه السلام، قال: «أما إن ذا القرنين قد ځير السحابين ، فاختار الذلول وذخر لصاحبكم الصعب». فقيل له: وما الصعب ؟ فقال: «ما كان من سحاب فيه رعد و صاعقة وبرق فصاحبكم يركبه ؛ أما إنه سيركب السحاب ، ويرقي في الأسباب ، أسباب السماوات السبع والأرضين السبع»(2).

2-بشارات ظهور الإمام المهدي عليه السلام في التوراة:

اشارة

التوراة تعتبر من الكتب السماوية، وما زالت مقبولة عند أهل الكتاب، وقد جاءت فيها بشارات كثيرة عن ظهور المهدي الموعود و ظهور مصلح عالمي في آخر الزمان، وجاءت مضامين تلك البشارات في القرآن الكريم والأحاديث الإسلامية المتواترة القطعية علي نطاق واسع، وهذا يبي أن مسألة المهدوية لا تختص بالإسلام.

وهنا نأتي ببعض هذه البشارات ونوضح بعض نكاتها، لكي يتضح للجميع قيام حكومة عالمية واحدة وتبديل كل الأديان والمذاهب إلي دين حق واحد.

ص: 290


1- بحارالأنوار 312:52 ح 5، علل الشرائع 7:1 الباب 7ح 1، عيون أخبار الرضا عليه السلام 2: 238 الباب 26 ح 22.
2- بحارالأنوار 321:52 ح 27 ، بصائر الدرجات : 429 الباب 3ح 15.

وجدير بالذكر أن كتاب «العهد العتيق» - أي : التوراة وملحقاته . وكذا كتاب الإنجيل يذكران رجعة النبي عيسي عليه السلام ، وبما أن رجعته مرتبطة بظهور الإمام المهدي السلام لذا جئنا بعبارات من التوراة ضمن بشائر ظهور الإمام المهدي السلام ، ليعلم أن اليهود علي أساس ما في كتبهم المذهبية يعتقدون كاعتقاد المسلمين بالرجعة وعودة المسيح السلام ، وفي هذا المجال لا يترددون في أنه سيأتي يوم يرجع فيه عيسي روح الله السلام إلي الأرض، ويعاقب بعضهم وينتقم من البعض الآخر، وإن كان كثير منهم يؤمن ويستسلم ويخضع للحق؛ لمايرون من آيات ومعجزات علي يد الإمام المهدي السلام وعيسي المسيح السلام. وإليك شطرا من البشائر التي وردت في التوراة وملحقاته:

الف - بشارة ظهور الإمام المهدي عليه السلام في زبور داود:

جاءت في زبور النبي داود عليه السلام - تحت عنوان «المزامير» - بشائر ظهور الإمام المهدي عليه السلام بين طيات كتاب «العهد العتيق» في أماكن وفصول مختلفة ، ونستطيع القول أن في كل قسم من الزبور إشارة لظهور الإمام المهدي عليه السلام، وبشارة بنصر الصالحين علي الأشرار وقيام حكومة عالمية واحدة، وتبديل الأديان إلي دين واحد ثابت وخالد وقيم

ومن الطريف أن المطالب التي نقلها القرآن الكريم عن الزبور حول ظهور الإمام المهدي عليه السلام هي مذكورة في الزبور الفعلي بعينها مصانة من التحريف والتزوير ؛ يقول القرآن الكريم:«وَلَقَدْ كَتَبْنَا فِي الزَّبُورِ مِن بَعْدِ الذِّكْرِ أَنَّ الْأَرْضَ يَرِثُهَا عِبَادِيَ الصَّالِحُونَ»(1)، والمقصود «بالذكر» في هذه الآية الشريفة توراة.

ص: 291


1- الأنبياء : 105.

موسي يتبعها زبور داود.

هذه الآية تبشر بمستقبل مشرق، سيستأصل الشر والفساد من عالم الإنسانية ، ويمحق الأشرار والظلمة، ويرث الأرض الصالحون واللائقون؛ لأن كلمة الوراثة والميراث تستعمل في اللغة عندما يفني شخص أو مجموعة وينتقل ماله ومقامه وكل ما يحوزه إلي شخص أو مجموعة أخري بالوارثة.

علي كل حال: هذه الآية الشريفة - طبق الروايات الإسلامية المتواترة من طريق الشيعة والسنة - متعلقة بظهور الإمام المهدي عليه السلام، وقد نقل القرآن الكريم هذا المطلب عن زبور النبي داود عليه السلام، وإليك النص من الزبور:

(9) لأ عاملي الشر يقطعون ، والذين ينتظرون الرب هم يرثون الأرض . (10) بعد قليل لا يكون الشرير . تطلع في مكانه فلا يكون (11) أما الودعاء فيرثون الأرض ويتلذذون في كثرة السلامة . (12) الشرير يتفكر ضد الصديق ويحرق عليه أسنانه . (13) الرب يضحك منه لأنه رأي أن يومه آت. (14) الأشرار قد سلوا السيف ومدوا قوسهم لرمي المسكين والفقير ، لقتل المستقيم طريقهم ، سيفهم يدخل في قلبهم وقسيهم تنكسر . (16) القليل الذي للصديق خير من ثروة أشرار كثيرين . (17) لأن سواعد الأشرار تنكسر وعاضد الصديقين الرب . (18) الرب عارف أيام الكملة وميراثهم إلي الأبد يكون . (19) لا يخزون في زمن السوء وفي أيام الجوع يشبعون . (20) لأن الأشرار يهلكون وأعداء الرب كبهاء المراعي . فنوا . كالدخان فنوا . (22) لأن المباركين منه يرثون الأرض ، والملعونين منه يقطعون . (29) الصديقون يرثون الأرض ويسكنونها إلي الأبد (34) انتظر الرب واحفظ طريقه فيرفعك لترث الأرض .

ص: 292

إلي انقراض الأشرار تنظر. (38) أما الأشرار فيبادون جميعا . عقب الأشرار ينقطع(1).

وقال في فصل آخر: (10) قولوا بين الأمم : الرب قد ملك . أيضا تثبتت المسكونة فلا تتزعزع . بدين الشعوب بالاستقامة . (11) لتفرح السماوات ، ولتبتهج الأرض ، وليعج البحر وملؤه . (12) ليجذل الحقل وكل ما فيه ، لتترنم حينئذ كل أشجار الوعر . (13) إمام الرب لأنه جاء ، جاء ليدين الأرض ، ليدين المسكونة بالعدل والشعوب بأمانته(2).

ويقول في المزمور 72 عن نبي الإسلام الأكرم وابنه باسط العدل الإمام المهدي عليه السلام :

(1) اللهم اعط أحكامك للملك ، وبرك لابن الملك (2) يدين شعبك بالعدل ومساكينك بالحق (3) تحمل الجبال سلاما للشعب والآكام بالبر . (4) يقضي المساكين الشعب . يخلص بني البائسين ويسحق الظالم . (5) يخشونك ما دامت الشمس وقدام القمر إلي دور فدور . (6) ينزل مثل المطر علي المراعي المجزوزة ومثل الغيوث الذارفة علي الأرض (7) يشرق في أيامه الصديق وكثرة السلام إلي أن يضمحل القمر (8) ويملك من البحر إلي البحر ومن النهر إلي أقاصي الأرض . (9) أمامه تجثو أهل البرية وأعداؤه يلحسون التراب . (10) ملوك ترشيش والجزائر يرسلون تقدمة . ملوك شبا وسبا يقدمون هدية

ص: 293


1- العهد العتيق ، كتاب المزامير ، المزمور 37، المقاطع 9 - 38.
2- العهد العتيق ، كتاب المزامير ، المزمور 96، المقاطع 10 - 13.

(11) ويسجد له كل الملوك . كل الأمم تتعبد له (12) لأنه ينجي الفقير المستغيث والمسكين إذ لا معين له (13) يشفق علي المسكين والبائس ويخلص أنفس الفقراء (14) من الظلم والخطف يفدي أنفسهم ويكرم دمهم في عينيه (15) ويعيش ويعطيه من ذهب «شبا» ويصلي لأجله دائما . اليوم كله يباركه (16) تكون حفنة بر في الأرض في رؤوس الجبال . تتمايل مثل لبنان ثمرتها ويزهرون من المدينة مثل عشب الأرض (17) يكون اسمه إلي الدهر. قدام الشمس يمتد اسمه ويتباركون به . كل أمم الأرض يطوونه (18) مبارك الرب الله إله إسرائيل الصانع العجائب وحده (19) ومبارك اسم مجده إلي الدهر، ولتمتلئ الأرض كلها من مجده . آمين آمين [20] تمت صلوات داود بن يسي(1).

توضيح البشارة السالفة بإيجاز :

لا يخفي علي أرباب الفضل والعلم، وأهل البحث والاطلاع، والذين لهم باع في روايات أهل البيت عليهم السلام والقرآن الكريم، أن المراد بالملك في هذه البشارة هو: نبي الإسلام الأكرم محمد بن عبدالله صلي الله عليه و آله، وابن الملك الإمام المهدي عليه السلام أعظم وأكمل مظهر عدل الله، وأشير إلي بعض خصائصه وشمائله في هذه البشارة.

ولكن بعض مفكري اليهود وعلماءهم ظنوا أن المعني بالملك في هذا المقطع هو النبي داود، وابن الملك ابنه النبي سليمان، وأرادوا بهذا التصور الخاطئ أن

ص: 294


1- العهد العتيق ، كتاب المزامير ، المزمور 72 المقاطع 1۔ 20، نقلا عن بشارات العهدين : 248، وأنيس الأعلام 5: 92- 93. وسيأتي شرح معني كلمة «بي» بعد قليل.المشرف.

يحرفوا البشارة عن بعثة خاتم الأنبياء صلي الله عليه و آله وبشارة ظهور خاتم الأوصياء الإمام الحجة بن الحسن العسكري عليه السلام. ولكن هذا الفكر سقيم وغير مقبول لعدة نقاط :

أولا: لأن النبي داود عليه السلام من الأنبياء التابعين لشريعة التوراة، ولم يكن صاحب شريعة وأحكام جديدة حتي يدعو: «اللهم اعط شرعك وأحكامك للملك، وعدالتك لابن الملك»، فهذا الأصل يتطلب شريعة مستقلة جديدة، ولم يكن للنبي داود ذلك.

ثانيا: يتضح من سياق الدعاء أن دعاء النبي داود عليه السلام وطلب الشرع والأحكام والعدالة ينبئ عن طلبه لشخصيتين عظيمتين سماويتين، لأحدهما مقام سلطان الأنبياء وصاحب شريعة وأحكام جديدة، والآخر مظهر العدالة التامة وصاحب مقام الولاية المطلقة و منتظر سائر الأمم.

ثالثا: الصفات التي ذكرتها المقاطع المزبورة لابن الملك من العظمة والقدرة والشوكة والسلطة لا تتوافق مع النبي سليمان ولا غيره من الأنبياء السماويين؛ لأنه لم يكن ملك سليمان بأوسع من ملك أبيه داود عليه السلام، ولم ينطمس الظلم والجور في عهده .

رابعا: احتمل بعض علماء العهدين - أي العهد العتيق والعهد الجديد، التوراة والإنجيل - واستدلوا بأمور علي أن الدعاء كان من كلام سليمان وليس من كلام داود، وسليمان أصبح صاحب مقام وكتاب بعد موت أبيه، فليس من المعقول أن يدعو لأبيه المتوفي بشريعة جديدة

وإن لم يصح احتمال هؤلاء وكان الكلام لداود فنحن أشرنا إلي أن الدعاء كان

ص: 295

لشخصيتين عظيمتين تظهران بالمستقبل.

خامسا: يستفاد من المقطع 20 أن تمام المقاطع - التي ذكرت كدعاء جري علي لسان النبي داود عليه السلام - متناسبة ومقام النبؤة - الذي هو أعلي مدارج الكمال والعبودية - لأي مقام الدعاء والاستدعاء من الباري تعالي يقتضي أن يكون العبد في منتهي الخضوع والخشوع والانكسار مقابل الخالق، وأن يفرغ من لسان يقر بتذلله وصغره وعجزه، عاريا من الأنانية والغرور، طالبا منه تبارك وتعالي، لا أن يقابل سلطان الحق ومالك ملوك العالم بأن يدعو نفسه ملكا ويسمي ابنه ابن الملك.

سادسا : صرحت عدة مقاطع من البشارة المذكورة بأن سلطان ودعوة ابن الملك عامة وعالمية، وأن قدرته وجبروته المعنوية تشمل السلاطين والمقتدرين في العالم، وأن دولته تعم الكرة الأرضية بأسرها، وهذا بالضبط مثل ما ورد في أخبار الأئمة المعصومين عليهم السلام في حق شخصية الإمام المهدي عليه السلام المثالية.

سابعا : إن ما أشير إليه في المقطع (7) لخواص أصحابه الذين يزهرون حين إشراق شمس العدل الإلهي المنيرة، وأنه يظهر في المجتمع العالمي الكبير رجال مستقيمون، صديقون في قولهم وفعلهم، ويتحقق السلام والسعادة والرفاه والتوفيق، وتطيب الحياة، نتيجة هيمنة منجي العالم الوحيد ودولته العادلة عليه السلام، - يتطابق تماما مع ما جاء في الروايات الاسلامية : «دولتنا آخر الدول» .

ثامنا: حكي المقطعان 17 و 18 أنه مازال العالم باقيا والشمس مشرقة في السماء فسوف تشرق شمس قائم آل محمد صلي الله عليه و آله المضيئة علي روح العالم،

ص: 296

وترحب جميع القبائل به وتمتلئ الأرض من جلاله وعظمته(1)، وهذا هو ما صرحت به الروايات الإسلامية المستفيضة والمتواترة في ظهور الإمام المهدي عليه السلام، الذي ندر ما نجد حديثا خاليا من عبارة: «يملأ الأرض قسط وعدلا كما ملئت ظلما وجورا»(2).

إذن مما لا شك فيه ولا ترديد أن المقصود ب «الملك» في المزمور 72 من زبور داود عليه السلام هو النور القدسي لنبينا محمد بن عبدالله عليه السلام سيد الرسل وخاتم النبيين ، والمقصود من «ابن الملك» هو الإمام صاحب الزمان المهدي الموعود عليه السلام خليفته بالحق الثاني عشر، الذي يظهر بمشيئة الله في اليوم الموعود، ويملأ الأرض قسطا وعدلا كما ملئت ظلما وجورا، ويقضي علي المتكبرين والمتسلطين، ويشرق كالشمس والقمر علي روح العالمين، وستكون حكومته الإلهية الحقة إلي الأبد وقيام القيامة. اللهم عجل فرجه وسهل مخرجه.

ولا يخفي عليك أن بشائر ظهور الإمام المهدي عليه السلام كثيرة، جاءت في أكثر من 35 قسما من 150 فصل من المزامير، ومن أراد التفصيل أكثر فليراجع متن المزامير في العهد العتيق.

ب - بشارة ظهور الإمام المهدي عليه السلام في كتاب «إشعياء النبي»:

«إشعياء» أحد أنبياء أتباع التوراة، وقد جاءت في كتابه بشائر كثيرة عن ظهور الإمام المهدي عليه السلام، وللاستدلال بالكتاب المذكور نقل قسما من البشائر أولا، ثم

ص: 297


1- لمزيد الاطلاع انظر أنيس الأعلام في نصرة الإسلام 5: 92 - 96 و 7: 387 - 398
2- انظر منتخب الأثر : 247 - 250.

نوضح بعض المسائل المتعلقة بها؛ لكي يتضح أن عقيدة ظهور مصلح عالمي لا تختص بالمسلمين، بل هي عامل مشترك بين المسلمين وجميع أهل الكتاب .

جاء في بشارة كتاب إشعياء:

«ويخرج قضيب من جذع يسئ(1)، وينبت غصن من أصوله ، ويحل عليه روح الرب، روح الحكمة والفهم، روح المشورة والقوة، روح المعرفة ومخافة الرب، ولذته تكون في مخافة الرب ، فلا يقضي بحسب نظر عينيه ، ولا يحكم بحسب سمع أذنيه ، بل يقضي بالعدل للمساكين ، ويحكم بالإنصاف لبائسي الأرض ، ويضرب الأرض بقضيب فمه، ويميت المنافق بنفخة شفتيه ، ويكون البر منطقة متنيه ، والأمانة منطقة حقويه ، فيسكن الذئب مع الخروف ، ويربض النمر مع الجدي ، والعجل و الشيل والمس معا ، وصبي صغير يسوقها ، والبقرة والدبة ترعيان ، تربض أولادهما معا ، والأسد كالبقر يأكل تبنا ، ويلعب الرضيع علي السرب الصل ويمد الفطيم يده علي جحر الأفعوان ، لا يسوءون ولا يفسدون في كل جبل قدسي ؛ لأن الأرض تمتلئ من معرفة الرب كما تغطي المياه البحر»(2).

المقصود من القضيب الذي يخرج من جذع «يسي» واحد من أربع شخصيات روحانية عظيمة من أعاظم قادة البشر، وهم: النبي داود، النبي سليمان، النبي

ص: 298


1- «يسي» تعني القوي، وهو أبو داود عليه السلام وحفيد «راعوت» ، وكان مشهورا جدا حتي أنهم كانوا يسمون داود «ابن يشي»، مع أن داود كان من أنبياء بني إسرائيل ، وكان مشهورا وذا شخصيته عظيمة مشهورة . (قاموس الكتاب المقدس). وأما «راعوت» فهي امرأة من «مؤاب» مدينة في شرق بحر لوط، تزوجت ب-«يوغي» ورزقت منه ولدا اسمه عويد - عويبد - وهو جد داود عليه السلام . (قاموس دهخدا : 86، حرف الراء).
2- التوراة ، كتاب إشعياء النبي الباب 11 ، المقاطع 10-1 .

عيسي، والإمام الحجة بن الحسن العسكري عليه السلام، ولكن بالبحث والتدقيق الكامل في الآيات الآنفة يتضح أن المعني من القضيب الذي يخرج من جذع «يسي» هو قائم آل محمد فقط وليس أحدا من الأنبياء ؛ لأن النبي داود وسليمان عليه السلام ولدا ابن يسي، وعيسي ابن مريم عليه السلام حفيد ابنته، والإمام قائم آل محمد من طرف أمه السيدة نرجس التي هي بنت يسوعا ابن قيصر ملك الروم ومن نسل داود، وأمها من أولاد حواريي النبي عيسي، ويتصل نسبه الشريف بشمعون الصفا وصي النبي عيسي ، فيكون حفيد بنت يسي.

وجاء في عبارة من هذه البشارة أنه «لا يقضي بحسب نظر عينيه، ولا يحكم بحسب سمع أذنيه»، وهذه الجملة تشير إلي حكومة الإمام المطلقة العادلة، وأنه يحكم بالحق والواقع، ولا يحتاج إلي شاهد وبينة، ولا يطلب شاهدا من أحد، وهذا كما جاء في الروايات الاسلامية أنه: «يحكم بحكم داود ومحمد صلي الله عليه و آله» ،ويحكم بعلمه اللدتي.

وجاء في عبارة أخري من هذه البشارة أن في حكومته العادلة «يسكن الذئب مع الخروف ويربض النمر مع الجدي ... لا يسوون ولا يفسدون»، وهذه الجملة تشير إلي أن العدل والقسط يبسط جناحه في حكومته، ويتعايش الأليفون مع الوحوش جنبا إلي جنب، ويتخلون عن روح البهيمية والوحشية، ولا يؤذون أي موجود كما حكت الأخبار والأحاديث: «و تصطلح في ملكه السباع ، واصطلحت السباع ، و تأمن البهائم»(1).

ص: 299


1- بشارة الإسلام : 197 و 247، مستدرك الحاكم : 514، بحارالأنوار 280:52 ح 6، منتخب الأثر: 474.

وجاء في آخر عبارة من البشارة السالفة: «الأرض تمتلئ من معرفة الرب كما تغطي المياه البحر»، وهذا المطلب ينبئ عن واقع وهو: أن في زمن ذلك الموعود السماوي يحدث تحول علمي وثقافي عظيم؛ بحيث يؤمن جميع الناس بالله الواحد وتفتح أنواع العلوم المختلفة أبوابها، ويرتقي المستوي العلمي للبشر، فيصلون خلال مدة قصيرة إلي ما كانت البشرية تطوي الخطي إليه بآلاف السنين، وتكمل العقول وتزدهر الألباب، وتندرس الأنانية والحرص، ويصل الناس إلي الكمال والبلوغ العقلي والأخلاقي والإنساني، ويندثر الظلم والفشل والعجز والجهل، ويبدؤون بحياة رغيدة مشرفة؛ كما نطق بذلك حديث الإمام الباقر عليه السلام : «إذا قام قائمنا وضع يده علي رؤوس العباد ، فجمع به عقولهم [وأكمل به أخلاقهم - خ ل] وكملت به أحلامهم»(1).

وقال عليه السلام في حديث آخر: «وتؤتون الحكمة في زمانه حتي أن المرأة لتقضي في بيتها بكتاب الله وسنة رسول الله»(2).

وفي حديث آخر عن الإمام الصادق عليه السلام، قال: «إن قائمنا إذا قام مد الله لشيعتنا في أسماعهم وأبصارهم حتي لا يكون بينهم وبين القائم بريد(3)، يكلمهم فيسمعون ، وينظرون إليه وهو في مكانه»(4)

وقال عليه السلام في حديث آخر: «إن المؤمن في زمان القائم عليه السلام وهو بالمشرق

ص: 300


1- بحارالأنوار 52: 336 ح 71، منتخب الأثر: 483، الكافي 25:1 ح 21، الخرائج والجرائح 84:2 ح 57.
2- بحارالأنوار 352:52 ح 106، غيبة النعماني : 239 ح 30، بشارة الإسلام: 242.
3- كلمة البريد تشمل بريد الرسائل، والتلغراف ، والهاتف ، والتلفزيون وأمثالها.
4- الكافي 8: 241، بحارالأنوار 52: 336 ح 72، منتخب الأثر: 783.

ليري أخاه الذي في المغرب ، وكذا الذي في المغرب يري أخاه الذي بالمشرق»(1).

وجاء في حديث آخر: «العلم سبعة وعشرون حرفا ، فجميع ما جاءت به الرسل حرفان ، فلم يعرف الناس حتي اليوم غير الحرفين ، فإذا قام قائمناأخرج الخمسة والعشرين حرفا فبتها في الناس ، وضم إليها الحرفين ، حتي يبثها سبعة وعشرين حرفا »(2).

وفي حديث آخر عنه عليه السلام حول قادة الإمام الحجة بن الحسن عليه السلام: «إذا قام القائم بعث في أقاليم الأرض في كل إقليم رجلا ، يقول : عهدك في كفك (3)، فإذا ورد عليك أمر لا تفهمه ولا تعرف القضاء فيه فانظر إلي كفك واعمل بما فيها»(4).

نحن لا ندرك المعني الواقعي لهذا الحديث ، ولا نعلم كيف يتبن حكم الأمور في كف هؤلاء، هل يكتب حكم الأحداث بإعجاز ؟ أو في يدهم كتاب فيه حكم كل الحوادث ؟ أم بحوزتهم جهاز مثل اللاسلكي أو أكثر تطورا وأدق يتصلون بواسطته بالحجة عليه السلام؟ لا ندري ، ولكن علي أية حال هذا الحديث يدل علي حقيقة وهي: أن في ذلك العصر المنير يبلغ العلم ذروته، ولا نستطيع الآن فهمه أو دركه . بالإضافة إلي هذا يستفاد من هذه الروايات عدة أمور نشير إليها باختصار:

أ: عند قيام قائم آل محمد صلي الله عليه و آله وإقامة الحكومة العالمية الواحدة وقيادة الناس تتكامل عقولهم وعلمهم بنور ذلك المصلح العالمي؛ حيث يمحق الشرك والكفر

ص: 301


1- منتخب الأثر : 483 ح3، حق اليقين لشبر : 229 ح 1.
2- بحارالأنوار 336:52 ح 73 ، إلزام الناصب 2: 307.
3- ورد في بعض النسخ . في هذا المورد والذي بعده - «كتف» بدل «كف» .
4- غيبة النعماني : 319 الباب 21ح8، بحارالأنوار 52 : 365ح 144.

والإلحاد والنفاق، ويسحق الفساد الأخلاقي والانحراف، وتعم العدالة الاجتماعية كل أصناف الناس، ويتحلي جميع الناس بالأخلاق الإسلامية الحميدة، وتروج المعارف والثقافة الإسلامية بين الناس بشكل رائق، ويحكم الدين الإسلامي وكلمة التوحيد في كل مكان.

ب: تصبح أجهزة الاتصال العامة ووسائل الإعلام قوية ومتطورة وفعالة، بحيث لا يبقي وجود للبريد والتلغراف والهاتف وما شابهها، ويتيسر للناس الاتصال بالإمام ولي العصر أينما كانوا، وفي أي مدينة كانت، ويمكنهم رؤيته وسماع صوته الملكوتي ويأخذون تعاليمهم الدينية منه مباشرة.

ج: لا يقتصر الاتصال المباشر علي مستوي الدولة بل يعم العالم أجمع، فيمكن الاتصال المباشر للمؤمنين بعضهم مع البعض الآخر أينما كانوا، ويحتمل أن يكون هذا الاتصال عن طريق جهاز أكثر تطورا وأكمل من التلفاز الهاتفي، بحيث تيري طرفا الاتصال أحدهما الآخر ويسمع صوته حيثما كان.

إذن بالنظر إلي كل ما سلف يتحصل : أن القضيب الذي يخرج من جذع «يسي»هو المهدي الموعود عليه السلام ، الذي لا يحكم علي البسيطة والربع المسكون منه فقط بل علي الكون أجمع، ويملأ الأرض قسطا وعدلا ، ويرقي البشر إلي أعلي مدارج الكمال .

وجاء في بشارة أخري من كتاب «إشعياء» حول ظهور قائم آل محمد صلي الله عليه و آله: «ويكون في آخر الأيام ... وتجري إليه كل الأمم ... فيقضي بين الأمم وينصف الشعوب كثيرين ، فيطبعون سيوفهم سككا، ورماحهم مناجل . لا ترفع أمة علي

ص: 302

أمة سيفا ، ولا يتعلمون الحرب في ما بعد»(1).

كل ما يفهم من هذه البشارة هو: أنه بعد قيام الإمام المهدي الموعود العظيم تلتف الأمم حوله عليه السلام، ويجمع الناس بأطيافهم ومذاهبهم وأديانهم تحت راية الإسلام والتوحيد، ويعاقب الكثيرين، ويطبق عدالته بين الناس بحكم آل داود، ويحل القضايا علي أساس الحق والواقع، ويحكم البسيطة بأسرها، ولن ترفع أمة علي أمة سيفا، ويخلو العالم من الحرب وإراقة الدماء والخوف، ويعيش الناس مع بعضهم في صلح و صفاء واطمئنان.

إذن كل ما جاء في عبارات البشارة الآنفة هو أن الكل يخبرون عن مجيء إنسان عظيم ورفيع يتسلط علي كل العالم، ويملأ الأرض قسطا وعدلا بحد لا يجرؤ معه أحد أن يعتدي علي الآخرين بعد؛ لأنه يخشي إن فعل ذلك أن يخبر عنه ويقع في يد العدالة ، كما جاء في حديث عن رسول الله صلي الله عليه وآله قال: «لا تقوم الساعة حتي تكلم السباع الإنسان ، و حتي تكلم الرجل عذبه سوطه وشراك نعله ، وتخبره بما أحدث أهله من بعده»(2).

وهناك بشائر أخري من كتاب إشعياء:

وردت في كتاب إشعياء النبي بشائر كثيرة حول منجي العالم، أشار أكثرها إليبرامج ذلك المصلح العالمي، إليك شطرا منها:

1- بسط العدالة الاجتماعية والأمن العام.

2- تنعم العباد وإعمار البلاد.

ص: 303


1- التوراة ، كتاب إشعياء النبي الباب الثاني ، المقاطع 2- 4.
2- مستدرك الحاكم 4: 467، الدر المنثور 6: 56 عن ابن أبي شيبة وأحمد والحاكم.

1- بسط العدالة الاجتماعية والأمن العام:

ورد في شطر من بشائر كتاب إشعياء أن العدالة الاجتماعية في زمان الإمام المهدي عليه السلام تهيمن علي الجميع، ويستقر الأمن العام بحيث يعيش الناس في صلح و صفاء وإخلاص، وتتعايش البهائم باطمئنان جنبا إلي جنب «فيسكن في البرية الحق، والعدل في البستان يقيم . ويكون صنع العدل سلاما ، وعمل العدل سكونا وطمأنينة إلي الأبد . ويسكن شعبي في سكن السلام، وفي مساكن مطمئنة ، وفي محلات أمينة»(1).

لا شك أن هذه البشارة تشير إلي زمان الإمام المهدي الموعود عليه السلام ، لأنه عليه السلام الوحيد الذي يملأ الأرض قسطا وعدلا ، ويستأصل جذور الظلم والفساد، ويعيد الصفاء والإخاء إلي عالم الإنسانية. ولتوضيح تمام زوايا البشارة المذكورة التي تخبر عن دولة منجي العالم السعيدة، نأتي ببعض الأحاديث المتعلقة بهذا الموضوع:

ا- رويت أحاديث متواترة من الشيعة والسنة عن رسول الله صلي الله عليه و آله حول ظهور الإمام المهدي ، قال : «فيملأ الأرض قسطا وعدلا ، كما ملئت جورا وظلما»(2).

2 - روي أبو سعيد الخدري ، عن النبي الأكرم صلي الله عليه و آله، قال : «تأوي إليه أمته كما تأوي النحل إلي يعسوبها ، يملأ الأرض عدلا كما ملئت جورا ، حتي يكون

ص: 304


1- الكتاب المقدس ، كتاب إشعياء النبي الباب 32، المقاطع 16- 18.
2- عقد الدرر: 219 الباب 8، مستدرك الحاكم : 465، البيان للكنجي الشافعي : 93 الباب 1. ومصادر أخري كثيرة معتبرة من مصادر السنة ؛ انظر منتخب الأثر: 247 الفصل 2 الباب 25 والمهدي الموعود المنتظر عند أهل السنة والإمامية : 18 الباب 1 ح 15.

الناس علي مثل أمرهم الأول ، لا يوقظ نائما ولا يهريق دما»(1).

3- وكذلك روي أبو سعيد الخدري، عن النبي صلي الله عليه و آله- في وصف الإمام المهدي عليه السلام . قال : «يرضي عنه ساكن السماء وساكن الأرض ، لا تدع السماء من قطرها شيئا إلا صبته مدرارا ، ولا تدع الأرض من نباتها شيئا إلا أخرجته ؛ حتي يتمني الأحياء الأموات»(2).

4 - وروي أبو سعيد الخدري، عن النبي صلي الله عليه و آله ، قال: «يخرج في آخر أمتي المهدي ، يسقيه الله الغيث ، وتخرج الأرض نباتها ، ويعطي المال صحاحا ، وتكثر الماشية ، وتعظم الأمة»(3).

5 - وروي حذيفة اليماني ، عن النبي الأكرم صلي الله عليه و آله، قال: «فيفرح به أهل السماء وأهل الأرض ، والطير والوحوش ، و الحيتان في البحر»(4)

يستفاد من هذه الروايات أن دولة الإمام المهدي عليه السلام العادلة تغطي كل الناس والموجودت والطيور والمجترات والحيوانات الأهلية والوحشية، والكل تعيش تحت ظل دولة الإمام حجة الله العادلة في أمن واطمئنان ، ولذا تغمر الموجودات والمخلوقات الفرحة والسرور من خير وبركة وجود ذلك الموعود السماوي وحكومته العادلة.

2- تنعم العباد وإعمار البلاد:

ورد في أقسام أخري من بشائر كتاب إشعياء النبي أن في ذلك الزمان ينطوي

ص: 305


1- الملاحم والفتن : 147 الباب 149، منتخب الأثر: 478 ح 2 الفصل 7 الباب 7ح 2، البرهان للمتقي الهندي : 78 الباب 1ح19.
2- عقد الدرر: 38 الباب 1، بحارالأنوار 104:51 ، ينابيع المودة 3: 258 الباب 72ح 11.
3- مستدرك الحاكم 4: 588، منتخب الأثر: 473 الفصل 7 الباب 4 ح 1.
4- الحاوي للفتاوي 2: 82، منتخب الأثر : 473 الباب 3ح 3.

بساط الظلم وتنبسط العدالة وينعدم الفقر الاقتصادي ، وتسد حاجة الناس المادية والمعنوية، ويتخلقون أجمعهم بالأخلاق الإسلامية الحميدة، ويرتفع ستار الظلام، ويتنعم الناس في حياتهم: «لا يتعبون باطلا ، ولا يلدون للرعب ؛ لأنهم نسل مباركي الرب وذريتهم معهم . ويكون أي قبل ما يدعون أنا أجيب ، وفيما هم يتكلمون بعد أنا أسمع . الذئب و الحمل يرعيان معا ، والأسد يأكل التين كالبقر . أما الحية فالتراب طعامها. لا يؤذون ولا يهلكون في كل جيل قدسي قال الرب»(1).

هذه البشارة تخبر كذلك عن ظهور شخصية عظيمة لا نظير لها، وأن في زمان حكومته الحقة تزال كل الصعاب والعقبات، وفي ظل إجراء أحكام الله وتطبيق الحق والعدل والقانون ما ينزل من السماء إلا الخير والبركة، ولا يري من الأرض إلا النعمة والنفع، ويعيش الناس متنعمين في راحة واطمئنان، لا يذكرون ظلم العهد السابق وحرمانه.

إذن ليس هناك شك و ترديد في أن الشخصية العظيمة والمثالية التي نري تنعم العباد وإعمار البلاد إحدي برامجها الإلهية - هو الإمام المهدي الموعود عليه السلام الذي ببركته ينعم الله تعالي علي خلق الكرة الأرضية بالنعم الوافرة.

وفي هذا جاءت روايات كثيرة عن رسول الله صلي الله عليه و آله، والأئمة المعصومين، إليك قسما منها:

ا- قال رسول الله صلي الله عليه و آله: «تنعم أمتي في زمن المهدي نعمة لم يتنعموا مثلها قط ، يرسل السماء عليهم مدرارا ، ولا تدع الأرض شيئا من نباتها إلا أخرجته ،

ص: 306


1- الكتاب المقدس ، كتاب إشعياء النبي الباب 65 المقاطع 23 - 25.

والمال يومئذ كدوش ، يقوم الرجل يقول : يا مهدي أعطني ، فيقول : خذ»(1).

2 - وقال رسول الله صلي الله عليه و آله في حديث آخر: «يرضي به ساكن السماء ، يقسم المال صحاح»، قلنا: وما الصحاحا» قال : «بالسوية بين الناس ، فيملأ الله قلوب أمة محمد غني ، ويسعهم عدله»(2).

3- جاء في خطبة لأمير المؤمنين عليه السلام - يصف فيها أمن واطمئنان الناس في ذلك الزمان المليء بالخير والبركة من خلال تفسير الآية الشريفة :«ثُمَّ رَدَدْنَا لَكُمُ الْكَرَّةَ عَلَيْهِمْ وَأَمْدَدْنَاكُم بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَجَعَلْنَاكُمْ أَكْثَرَ نَفِيرًا »(3) - قال: «و الذي فلق الحبة وبرأ النسمة ليعيش إذ ذاك ملوك ناعمين ، ولا يخرج الرجل منهم من الدنيا حتي يولد لصلبه ألف ذكر ، آمنين من كل بدعة وآفة ، والتنزيل(4) عاملين بكتاب الله وسنة رسوله ، قد اضمحلت عليهم الآفات والشبهات»(5).

4- عن الحسن بن محبوب، عن عمرو بن شمر، عن جابر ، قال : دخل رجل علي أبي جعفر الباقر عليه السلام فقال له: عافاك الله اقبض مني هذه الخمسمائة درهم، فإنها زكاة مالي ، فقال له أبو جعفر عليه السلام: «خذها أنت فضعها في جيرانك من أهل الإسلام والمساكين من أخوان المسلمين»، ثم قال: «إذا قام قائم أهل البيت

ص: 307


1- عقد الدرر : 195 الباب 7، الملاحم والفتن : 169 الباب 153، الفتن لنعيم بن حماد : 253 ح 992.
2- مسند أحمد 3: 427، الملاحم والفتن : 323 الباب 24، الحاوي للفتاوي 2: 58، كنز العمال 14: 261.
3- الإسراء : 6.
4- كذا، والذي أراه أنها مصحفة عن «والتنزيل». المشرف.
5- تفسير العياشي 2: 282 ح 22 ، تفسير البرهان 408:2 ، تفسير نور الثقلين 3: 139، بحارالأنوار 51: 57 ح 48.

قسم بالسوية، وعدل في الرعية ، فمن أطاعه فقد أطاع الله ، ومن عصاه فقد عصي الله ، وإنما سمي المهدي لأنه يهدي إلي أمر خفي . ويستخرج التوراة وسائر كتب الله عز وجل من غار بأنطاكية (1)، ويحكم بين أهل التوراة بالتوراة ، وبين أهل الإنجيل بالإنجيل ، وبين أهل الزبور بالزبور ، وبين أهل القرآن بالقرآن ، ويجمع إليه أموال الدنيا من بطن الأرض وظهرها ، فيقول للناس : تعالوا إلي ما قطعتم فيه الأرحام ، وسفكتم فيه الدماء الحرام، وركبتم فيه ما حرم الله عز وجل ، فيعطي شيئا لم يعطه أحد كان قبله ، ويملأ الأرض عدلا وقسطا ونورا كما ملئت ظلما و جورا وشرا »(2)

ولا يخفي عليك أن الإمام المهدي عليه السلام لم يكن يقضي بين أهل الكتاب بالتوراة والإنجيل والزبور علي ما في كتبهم من قوانين ؛ لأنه مما لا ترديد فيه أن الإمام عليه السلام من أتباع دين الإسلام والشريعة المحمدية الطاهرة، ومأمور بتطبيق الأحكام والحدود الإلهية، وإحياء السنة النبوية والقرآن الكريم، وتشهد التوراة والإنجيل والزبور بخاتمية الشريعة النبوية للشرائع والأديان السماوية.

إذن معني حكم الإمام عليه السلام بين أهل الكتاب بالتوراة والإنجيل والزبور هو: أنه عليه السلام يظهر ما خفي منها، ويحتج علي هؤلاء بما جاء من أخبار في هذه الكتب حول الشريعة المحمدية الطاهرة وخاتمة نبي الإسلام الأكرم وظهوره المبارك ، ويحجهم بالدليل والبرهان ، وهذه تعد أحد معاجز الإمام، ولذلك يسلم الكثير من هؤلاء ويؤمنون ويلتحقون به

ص: 308


1- أنطاكية : مدينة معروفة في جنوب تركيا.
2- غيبة النعماني : 342 الباب 13 ح 26، بحارالأنوار350:52 ح 103.

وهذا المعني طبيعي إذا كان المقصود من الحكم الاستدلال والاحتجاج، وأما إذا كان المقصود منه القضاء والأمر الإلهي طبق ما في التوراة والإنجيل الحاليين فيكون لهذه العبارات معني آخر، سنشير إليه في البشارات الآتية.

ويحتمل أن يكون معني ذلك هو قلع و قمع اليهود ومحاكمتهم عند نزول النبي عيسي عليه السلام ودخوله القدس، وقضاء عيسي والمهدي عليهم السلام بين هؤلاء، كما حكت الروايات الإسلامية عن ذلك.

علي كل حال: نحن وضعنا نقاط حروف هذه المسألة في محلها، وسنشير إليها في بشارات ظهور الإمام المهدي عليه السلام من الإنجيل. والآن نعود إلي الروايات الأخري عن الأئمة المعصومين عليهم السلام، الناطقة بالرفاه العام وعمران العالم في ظل حكومة الإمام المهدي عليه السلام الحقة.

5۔ عن ابن بكير، عن حمران ، عن أبي جعفر عليه السلام، قال : «كأتني بدينكم هذا لا يزال موليا يفحص بدمه ، ثم لا يرده عليكم إلا رجل منا أهل البيت ، فيعطيكم في السنة عطاءين ، ويرزقكم في الشهر رزقين ، وتؤتون الحكمة في زمانه حتي أن المرأة لتقضي في بيتها بكتاب الله تعالي وسنة رسول الله صلي الله عليه و آله»(1).

6. وفي رواية أخري عن محمد بن مسلم الثقفي ، قال : سمعت أباجعفر محمد ابن علي عليه السلام يقول: «القائم منا منصور بالرعب ، مؤيد بالنصر، تطوي له الأرض ، و تظهر له الكنوز ، ويبلغ سلطانه المشرق والمغرب ، ويظهر الله عزوجل به دينه علي الدين كله ولو كره المشركون ، فلا يبقي في الأرض خراب

ص: 309


1- غيبة النعماني: 239 الباب 13 ح 30، بشارة الإسلام : 283 الباب 3،بحارالأنوار 352:52 ح106.

إلا وعمر»(1).

يستفاد من هذه الرواية أن في زمن سلطان ذلك الإمام العادل يمحق الجور، ويندرس الظلم والظالم، ويعمر العالم في ضوء عدالة ذلك المصلح الإلهي الواقعية ويتحرر، لأنه كل ما يري في العالم من خراب هو آثار الظلم والظالمين والمستكبرين والمستعمرين المتسلطين وجنايات الجناة. ولو أن الحكام المستبدين والمتسلطين لم يظلموا رعيتهم وشعوب الدول لعاد العالم إلي إعماره وحريته، ويصبح نورا دائم السرور والفرح، ولم يعد أثر للخراب والدمار والأكواخ بعد. ولكن ماذا نفعل، وقد أصبح الحل والعقد بيد الجناة يفعلون ما شاءوا، والناس مغلوبون علي أمرهم.

نعم، الإعمار والحرية كلمتان مقدستان طالما تعرضتا للغارات علي طول التاريخ أكثر من غيرهما، وكل ظالم قبض علي الحكم باسم الإعمار وتطبيق الحرية . أما عند طلوع ذلك المصلح الإلهي العظيم، وإحكام سيطرته علي الأمور، فإنه يتحقق الإعمار وتبسط الحرية خيوطها حقا، ويشرق العالم بنور ربه ، كما أفصحت عشرات الأحاديث عن ذلك، منها حديث طويل عن الإمام الباقر عليه السلام قال فيه: «ووسع الطريق الأعظم ، وكسر كل جناح خارج في الطريق ، وأبطل الكنف و الميازيب إلي الطرقات ، ولا يترك بدعة إلا أزالها، ولا ستة إلا أقامها»(2).

7- روي محمد بن سنان، عن عبدالله بن يحيي الكاهلي، عن الإمام

ص: 310


1- إعلام الوري : 463، بشارة الإسلام : 117، منتخب الأثر: 292 الفصل 2 الباب 35.
2- إرشاد المفيد : 365، غيبة الطوسي: 283، بشارة الإسلام : 258، بحارالأنوار 52: 339 ح 84.

الصادق عليه السلام، قال: «تواصلوا وتباروا و تراحموا، فو الذي فلق الحبة وبرا النسمة ، ليأتين عليكم وقت لا يجد أحدكم لديناره و در همه موضعا»(1).أي لا يجد الإنسان موضعا لديناره ودرهمه في زمان ظهور الإمام القائم بعليه السلام ؛ لغني الناس بفضل الله وفضل وليه.

وقال عليه السلام في حديث آخر: «إذا قام القائم عليه السلام حكم بالعدل ... وحكم بين الناس بحكم داود و حكم محمد صلي الله عليه و آله، فحينئذ تظهر الأرض كنوزها ، وتبدي بركاتها ، ولا يجد الرجل منكم يومئذ موضعا لصدقته ولا بره ؛ لشمول الغني جميع المؤمنين»(2).

يتحصل من هذه الروايات أن الكل يتنعمون بنعم الله الوافرة في زمن الإمام المهدي عليه السلام الشامخ، وير كل حق إلي أهله، ويرتفع الحسد والحقد والعداء ، بالاضافة إلي غناء الناس، وكذلك قلوبهم تفعم بالفتوة والفضل، وبالنتيجة يغطي الأمن والاطمئنان الكرة الأرضية، ويكون العالم عامرا حرا، وتعيش الناس في نعيم واطمئنان كامل في ظل عدالته الحقة، وتشمل رحمة الله المطلقة كل موجودات العالم في عهد ولي الله الأعظم، وتتنعم كل الأحياء بالنعم الإلهية المطلقة، وهكذا تنبسط الحرية، ولا يزاحم البعض البعض الآخر، وحتي الوحوش والحشرات والزواحف لا يؤذي أحدها الآخر.

ج - بشارة ظهور الإمام المهدي عليه السلام في كتاب يوئيل النبي:

جاءت في كتاب يوئيل النبي - من الأنبياء التابعين للتوراة - بشارة ظهور الإمام

ص: 311


1- غيبة النعماني : 150 الباب 10ح8.
2- إرشاد المفيد 2: 384، إعلام الوري 2: 290، بحارالأنوار 52: 338 ح 83، منتخب الأثر : 308 الفصل 2 الباب 43.

المهدي عليه السلام ، ونزول النبي عيسي عليه السلام، ومحاكمة إسرائيل في ذلك اليوم المصيري ، كما يلي:

«أجمع كل الأمم وأنزلهم إلي وادي يهوشافاظ ، وأحاكمهم هناك علي شعبي و ميراثي إسرائيل الذين يددوهم بين الأمم ، وقسموا أرضي ، وألقوا قرعة علي شعبي ، وأعطوا الصبي بزانية ، وباعوا البنت بخمر ليشربوا»(1).

وجاء في قسم آخر من هذا الكتاب :

«تنهض وتصعد الأمم إلي وادي يهوشافاظ(2)، لأني هناك أجلس لأحاكم جميع الأمم من كل ناحية . أرسلوا المنجل لأن الحصيد قد نضج ، هلموا دوسوا لأنه قد امتلأت المعصرة، فاضت الحياض لأن شرهم كثير»(3).

وفي هذا الباب يقول في كتاب النبي عاموس: «لذلك هكذا أصنع بك يا إسرائيل . فمن أجل أتي أصنع بك هذا فاستعد للقاء إلهك يا إسرائيل»(4).

إن هذه العبارات - كما تلاحظ - تخبر عن نزول النبي عيسي عليه السلام وقضائه في يوم الله، يوم الظهور.

وورد في كتاب هوشع النبي خطابا لليهود حول رجعة النبي عيسي عليه السلام: «لأني الأفرايم(5) كالأسد ، ولبيت يهوذا(6) كشبل الأسد ، فإني أنا أفترس وأمضي وآخذ

ص: 312


1- الكتاب المقدس ، كتاب يوئيل النبي ، الإصحاح الثالث ، المقاطع 2 و 3.
2- وادي يهوشافاظ : اسم صحراء قرب القدس، تعرف الآن باسم وادي «قدرون». (قاموس دهخدا ، حرف القاف ، قدران : 177).
3- الكتاب المقدس ، كتاب يوئيل النبي ، الإصحاح الثالث ، المقاطع 12 و 13.
4- الكتاب المقدس ، كتاب النبي عاموس ، الباب ، المقاطع 12 و 13.
5- الابن الثاني للنبي يوسف عليه السلام.
6- ابن النبي يعقوب ، والأخ الأكبر ليوسف من أم أخري اسمها ليا - لاياليا - من نسلها النبي داود وملوك بني إسرائيل وعيسي . (كتاب قاموس دهخدا، حرف الياء ، يهودا) .

ولا منقذ . أذهب وأرجع إلي مكاني حتي يعترفوا بإثمهم ويطلبوا وجهي . في ضيقهم يبكرون إلي»(1).

يقول المؤلف: الروايات الإسلامية أخبرت بإسهاب عن نزول النبي عيسي عليه السلام ، ودلت بعض آيات القرآن الكريم علي ذلك، والطوائف الإسلامية كلها تعتقد برجعة النبي عيسي عليه السلام للأرض، وأنه يصلي خلف الإمام المهدي عليه السلام ويكون من أتباعه ومعاونيه، ونحن أتباع القرآن والأئمة المعصومين عليهم السلام ننقل شطرا من كتاب التوراة ونوضحه للجميع بعد نقل بشارات الإنجيل.

د- بشارة ظهور الإمام المهدي عليه السلام في كتاب النبي زكريا:

وردت في كتاب النبي زكريا - أحد أنبياء بني إسرائيل العظام التابعين للتوراة - بشارة منجي العالم الأوحد كما يلي:

«هو ذا يوم للرب يأتي فيقسم سلبك في وسطك . واجمع كل الأمم علي أورشليم المحاربة ، فتؤخذ المدينة وتنهب البيوت و تفضح النساء، ويخرج نصف المدينة إلي السبي ، وبقية الشعب لا تقطع من المدينة ، فيخرج الرب ويحارب تلك الأمم كما في يوم حربه يوم القتال . وتقف قدماه في ذلك اليوم علي جبل الزيتون الذي قدام أورشليم من الشرق ... ويكون يوم واحد معروف للرب. ويكون الرب ملكا علي كل الأرض . في ذلك اليوم يكون الرب وحده واسمه وحده»(2) .

هنا نكتة لابد من الإشارة إليها، وهي : إن كلمة «الله» تطلق في العهدين - (أي

ص: 313


1- التوراة ، كتاب هوشع النبي الباب 5، المقاطع 14 و 15.
2- التوراة ، كتاب النبي زكريا الباب 14 المقاطع 10.1 .

التوراة والانجيل) - علي النبي عيسي عليه السلام غالبا ، وهنا حصل ذلك.

ومن الطريف أن هناك تطابقا دقيقا بين قسم من بشارة التوراة الآنفة، وبين الروايات الإسلامية في مكان نزول النبي عيسي، وتسمية ذلك اليوم بيوم الله (1)، وعالمية الإسلام، وسقوط النظام المحتل للقدس.

ويجب الالتفات إلي أن طبق آيات القرآن الكريم قد تحقق ذلك في الماضي، أي زمن نبوخذ نصر، وسيتحقق مرة أخري - طبقا لوعود القرآن الكريم الصريحة،وبشائر ظهور الإمام المهدي عليه السلام- في يوم الظهور، يوم الله، وستحرر قبلة المسلمين الأولي من مخالب اليهود إلي الأبد، ويعبد الله وحده في العالم، ويصل نداء التوحيد إلي كل الكرة الأرضية.

علي أية حال: هناك توافق دقيق بين هذه البشارة والروايات الإسلامية عن مصير اليهود المغرورين؛ لأن المتحصل من الأحاديث هو إبادة اليهود وعدم بقاء شخص واحد منهم في فلسطين بسبب طغيانهم وعنادهم وفسادهم في الأرض.

ولنقف الآن علي مصير اليهود المشؤوم والذليل، والغدة السرطانية، من خلال الوعود الإلهية ، فإليك شطرا من الروايات الكاشفة عن طغيان وتكبر اليهود وهلاكهم في القدس:

1- مصير اليهود المغرورين:

نقل ابن كثير الدمشقي في «البداية والنهاية» حديثة عن رسول الله صلي الله عليه و آله- حول حرب اليهود مع المسلمين، وأن هذه الحرب تزداد ضراوة يوما بعد يوم حتي نصر المسلمين ودحر اليهود - قال: «لا تقوم الساعة حتي يقاتل المسلمون

ص: 314


1- لمزيد الاطلاع راجع ما مر في القسم الثامن ، تحت عنوان «بشائر ظهور الإمام المهدي عليه السلام في القرآن الكريم» .

اليهود ، فيقتلهم المسلمون حتي يختبئ اليهودي من وراء الحجر والشجر ، فيقول الحجر - أو الشجر -: يا مسلم يا عبدالله ، هذا اليهودي من خلفي فتعال فاقتله ، إلا الغرقد ، فانه شجر اليهود»(1).

2 - طرد اليهود من الأراضي الإسلامية:

نقل العلامة المجلسي في بحارالأنوار - في باب الرجعة، حول طرد اليهود والنصاري من الأراضي الإسلامية - حديثا عن عباية الأسدي، قال: سمعت أمير المؤمنين عليه السلام يقول وهو متكئ وأنا قائم عليه: «لأبنين بمصر منبرا منيرا ، ولأنقضن دمشق حجرا حجرا ، ولأخرجن اليهود والنصاري من كل كور العرب ، ولأسوق العرب بعصاي هذه».قال: قلت له: يا أمير المؤمنين كأنك تخبر أنك تحيي بعد ما تموت ! فقال: «هيهات يا عباية ذهبت في غير مذهب ، يفعله رجل مني»(2).

أشار الإمام أمير المؤمنين عليه السلام في عبارة الحديث الأخيرة «يفعله رجل مني» إلي الإمام القائم والحجة المنتظر. إذن تتحقق الأمور المذكورة كلها بعد ظهور الإمام، وبقيامه المقدس يبدل الدول المستعمرة إلي دولة إسلامية خالصة نقية ، ويخرج اليهود والنصاري من الأراضي الإسلامية، ويقوم العرب بعصا أمير المؤمنين الموروثة من الأئمة عليهم السلام، ويجبرهم علي قبول الحق.

3- الصهيونية و تشكيل دولة باسم إسرائيل:

نقل مؤلف كتاب «عقائد الإمامية» عن قيام اليهود في الشرق الأوسط وتشكيل دولة باسم إسرائيل في أرض فلسطين، وأخيرا كيف تتمزق دولتهم علي أيدي

ص: 315


1- البداية والنهاية لابن كثير 1: 143.
2- . 2. معاني الأخبار : 407، بحارالأنوار 53: 5

العرب والمسلمين ، وبالخصوص جيش القوة الذي يأتي من العراق لإبادة اليهود، نقل في هذا حديثا عن أمير المؤمنين عليه السلام ، قال : «وستأتي اليهودمن الغرب لإنشاء دولتهم بفلسطين»، قال الناس: يا أبا الحسن أن تكون العرب؟ أجاب عليه السلام : «آنذاك تكون مفككة القوي، مفككة العري ، غير متكاتفة وغير مترادفة». ثم سئل عليه السلام : أيطول هذا البلاء؟ قال: «لا ، حتي إذا أطلقت العرب أعتتها، ورجعت إليها عوازب أحلامها، عندئذ يفتح علي يدهم فلسطين ، وتخرج العرب ظافرة وموحدة ، وستأتي النجدة من العراق كتب علي راياتها القوة (1)، و تشترك العرب و الإسلام كاقة لتخلص فلسطين ، معركة وأي معركة في جل البحر ، تخوض الناس في الدماء ، ويمشي الجريح علي القتيل». ثم قال عليه السلام: «وستفعل العرب ثلاثا ، وفي الرابعة يعلم الله ما في نفوسهم من الثبات و الإيمان فيرفرف علي رؤوسهم النصر». ثم قال : «وأيم الله ليذبحن ذبح النعاج حتي لا يبقي يهودي في فلسطين»(2). بالنظر إلي عبارة أميرالمؤمنين عليه السلام : «و تشترك العرب والإسلام كاقة لتخلص فلسطين»، أي تشترك العرب والمسلمون من غير العرب لنجاة فلسطين، وتأتي النجدة من العراق قبيل الظهور بزعامة السيد الحسني الخراساني وقيادة شعيب بن صالح. فالظاهر أن دحر دولة إسرائيل علي يد السيد الحسني الخراساني ناتج عن أرضية ظهور الإمام المهدي عليه السلام وسير الإمام تجاه بيت المقدس(3).

ص: 316


1- يظهر أن هذه الكلمة إشارة إلي هذه الآية الكريمة : «وأعدوا لهم ما استطعتم من قوة ».
2- عقائد الإمامية 1: 270.
3- لمزيد الاطلاع راجع كتاب «زمينه سازان» .

ه- - بشارة ظهور الإمام المهدي عله السلام في كتاب النبي حزقيال:

جاء في هذا الكتاب حول ظهور الإمام المهدي الحجة ابن الحسن عليه السلام - ومصير النظام الإسرائيلي، وعالمية دين التوحيد، وإقامة الأحكام والحدود الإلهية في ذلك العصر المنير - ما يلي:

«وأنت يا ابن آدم فهكذا قال السيد الرب . قل لطائر كل جناح ولكل وحوش البر : اجتمعوا وتعالوا احتشدوا من كل جهة إلي ذبيحتي التي أنا ذابحها لكم، ذبيحة عظيمة علي جبال إسرائيل لتأكلوا لحما وتشربوا دما. تأكلون لحم الجبابرة ، و تشربون دم رؤساء الأرض ، كباش وحملان وأعتدة و ثيران ، كلها من مسمنات باشان . وتأكلون الشحم إلي الشبع ، و تشربون الدم إلي السكر من ذبيحتي التي ذبحتها لكم . فتشبعون علي مائدتي من الخيل والمركبات والجبابرة، وكل رجال الحرب ، يقول السيد الرب . وأجعل مجدي في الأمم، وجميع الأمم يرون حكمي الذي أجريته ، ويدي التي جعلتها عليهم . فيعلم بيت إسرائيل أني أنا الرب إلههم من ذلك اليوم فصاعدا. وتعلم الأمم أن بيت إسرائيل قد أجلوا بإثمهم ؛ لأنهم خانوني فحجبت وجهي عنهم ، وسلمتهم ليد مضايقيهم ، فسقطواكلهم بالسيف»(1).

تنبيه : ان عبارة «ابن الإنسان» ككلمة «المسيح» لا تعني النبي عيسي عليه السلام ، بل المراد منها الإمام المهدي عليه السلام، لأي عبارة «ابن الإنسان» تكررت في الإنجيل 80 مرة، لم يقصد منها المسيح إلا في 30 مرة (2).

ص: 317


1- كتاب حزقيال : الباب 39 المقاطع 17 - 23.
2- انظر قاموس الكتاب المقدس: 219 مادة «ابن الأخت» .

و - بشارة ظهور الإمام المهدي عليه السلام في كتاب النبي حجي:

النبي «حجي» أحد أنبياء أتباع التوراة، جاءت في كتابه بشارة ظهور الإمام المهدي عليه السلام كما يلي:

«لأنه هكذا قال رب الجنود ، هي مرة بعد قليل ، فأزلزل السماوات والأرض والبحر واليابسة . وأزلزل كل الأمم ، ويأتي مشتهي كل الأمم ، فأملأ هذا البيت مجدا، قال رب الجنود ... مجد هذا البيت الأخير يكون أعظم من مجد الأول قال رب الجنود ، وفي هذا المكان أعطي السلام يقول رب الجنود»(1).

هذه البشارة - بعد ما تشير إلي تحقق بعض علائم الظهور في السماء والأرض والبحار كباقي كتب الأنبياء السالفة - تشير إلي قيام حكومة عالمية واحدة، معدودة من آخر الدول، تقام علي يد منجي العالم الأوحد، وتنبسط علي يديه المباركة العدالة والسعادة الشاملة، وهو بغية كل الطوائف والشعوب؛ لأن عبارة «مشتهي كل الأمم»، تشير إلي رجعة المسيح ونزوله في بيت المقدس، وظهور الإمام بقية الله عليه السلام، الذي يقيم الصلاة هناك مقتديا به النبي عيسي عليه السلام. أضف إلي هذا أن ترجمة هذه العبارة من البشارة باللغة العربية والتركية هي :«ستحقق جميع أمنيات الأمم»(2)، وهذا المعني يتماشي والروايات الإسلامية ؛ لأنه جاء ضمن رواية طويلة عن أميرالمؤمنين عليه السلام حول ظهور الإمام المهدي عليه السلام قوله عليه السلام(مخاطبة الإمام الحسين عليه السلام): «ثم يظهر أمير الأمرة، وقاتل الكفرة ، السلطان المأمول، الذي تحير في غيبته العقول ، وهو التاسع من ولدك»(3).

ص: 318


1- الكتاب المقدس ، كتاب النبي حجي : الباب 2 المقاطع 6 - 9.
2- روزگار رهائي 1: 564.
3- منتخب الأثر: 467 الفصل 6 الباب 10 ، نقلا عن كتاب كشف الأستار ، الإمام المهدي : 191.

وفي حديث آخر عن الإمام الحسن العسكري عليه السلام قال - حين ولد الحجة عليه السلام -: «زعم الظلمة أنهم يقتلونني ليقطعوا هذا النسل ، فكيف رأوا قدرة الله ؟! وسقاه المؤمل»(1).

وورد في قسم من دعاء الافتتاح الذي يستحب قراءته في كل ليلة من شهر رمضان، والذي يتم بأمر الإمام صاحب الزمان عليه السلام بطلب من أحد الشيعة: «اللهم صل علي ولي أمرك ، القائم المؤمل ، و العدل المنتظر»(2).

إذن مما لا ترديد فيه أن المعني ب-«مشتهي كل الأمم» هو المهدي الموعود عليه السلام، الذي تنتظر ظهوره المبارك جميع الأمم والممالك والطوائف بفارغ الصبر، ويكتونه بالمصلح الغيبي والعالمي.

والمحصل: بحسب النصوص الإسلامية المتواترة وكتب الأنبياء المقدسة، أن حامل لواء النهضة العالمية النادرة، والذي يوقظ شعوب العالم، والذي هو مراد و منتظر أهل الدنيا، هو: الإمام محمد بن الحسن العسكري عليه السلام المهدي قائم آل محمد صلي الله عليه و آله، الذي يملأ بيت الله جلالا ، ويظلل العالم بدين الله، والذي ليس هو إلا رغبة أهل الأديان والملل والطوائف، ومنجي البشرية بعنوان أنه إمامهم وحامل هذا اللواء بينهم، بل حتي الذين لا يتبعون الشرائع السماوية ينتظرون في غياهب الجور والخوف مصلحا

عالميا(3).

ص: 319


1- غيبة الطوسي : 134، كتاب مواليد ووفيات الأئمة لابن أبي الثلج البغدادي : 22 دانشمندان عامه و مهدي موعود : 41.
2- إقبال الأعمال : 324، زاد المعاد للمجلسي - الترجمة الفارسية : 116، مفاتيح الجنان ، أعمال ليالي شهر رمضان ، دعاء الافتتاح . وكثير من كتب الأدعية الأخري .
3- بشارات العهدين:239

وأما المقصود من «بيت الله» الذي ورد في هذه البشارة، فيحتمل أن يكون مكة المكرمة، أي أن طلوع شمس الإمام المهدي عليه السلام الذي يصدح بنداء الإسلام من هناك، ويحتمل أن يكون القدس الذي يصبح في عصر الإمام عليه السلام من أعظم مراكز العلم الإسلامية، كما جاء في الخبر: «وينزل بيت المقدس» يعني الإمام المهدي عليه السلام(1).

ز - بشارة ظهور الإمام المهدي عليه السلام في في كتاب ضئيا النبي:

جاءت في كتاب صفنيا النبي - أحد أنبياء أتباع التوراة - بشارة ظهور الإمام ولي العصر : «الرب عادل في وسطها لا يفعل ظلما . غدا غداة يبرز حكمه إلي النور لا يتعذر . أما الظالم فلا يعرف الخزي ، قطع أمما خربت شرفاتهم ، أقفرت أسواقهم بلا عابر ، وصارت مدنهم بلا إنسان بغير ساكن . فقلت : إنك لو تخشينني و تقبلين التأديب فلا ينقطع سكنها حسب كل ماعينته عليها . لكن بكرواو أفسدوا جميع أعمالهم. لذلك فانتظروني يقول الرب إلي يوم أقوم إلي السلب ، لأن حكمي هو يجمع الأمم، وأحشر الممالك لأصب عليهم سخطي واحتدام غضبي ، لأنه بنار غيرتي تؤكل كل الأرض . لأني حينئير أول الشعوب إلي شفة نقية ليدعواكلهم باسم الرب ليعبدوه بكتف واحدة جنبا إلي جنب»(2).

ح - بشارة ظهور الإمام المهدي عليه السلام في كتاب دانيال النبي:

جاءت بشارة ظهور الإمام المهدي عليه السلام في كتاب النبي دانيال متطابقة مع بشارات الأنبياء السابقين :

ص: 320


1- بشارات العهدين : 239، الهامش.
2- الكتاب المقدس ، كتاب صفنيا النبي الباب 3 المقاطع 5 - 9.

«الرئيس العظيم القائم لبني شعبك ، ويكون زمان ضيق لم يكن منذ كانت أمة إلي ذلك الوقت ، وفي ذلك وقت ينجي شعبك كل من يوجد مكتوبا في السفر . وكثيرون من الراقدين في تراب الأرض يستيقظون ، هؤلاء إلي الحياة الأبدية ، وهؤلاء إلي العار للازدراء الأبدي . والفاهمون يضيؤون كضياء الجلد ، والذين ردوا كثيرين إلي البر كالكواكب إلي أبد الدهور . أما أنت يا دانيال فأخف الكلام ، واختم السفر إلي وقت النهاية . كثيرون يتصفحونه والمعرفة تزداد ... طوبي لمن ينتظر»(1).

هناك عدة نقاط في هذه البشارة نوضح بعضها باختصار:

1 - الشخص الذي عبر عنه في صدر البشارة ب-«القائم» هو قائم آل محمد صلي الله عليه و آله أعظم خلفاء أنبياء الله ، ويلبي تطلعات كل الأنبياء في حكومته الحقة، ويحكم الكرة الأرضية بدين الله.

2 - المقصود من «زمان الضيق» هو زمن الجور والصعاب والظلم والاضطهاد الذي يحصل في العالم قبل ظهور الإمام المهدي عليه السلام، فبعضهم من أنصار الإمام المهدي عليه السلام يقاتلون في ركابه ، والبعض الآخر يعاقبون بسوء أعمالهم.

وفي هذا الباب وردت روايات كثيرة عن الأئمة المعصومين عليهم السلام نطوي عنها كشحا خشية الإطالة ، ومن شاء مزيد الاطلاع فليراجع الكتب المتعلقة بالرجعة.

3. بشارات ظهور الإمام المهدي عليه السلام في كتاب الإنجيل:

اشارة

علي أساس بشائر الإنجيل الكثيرة يظهر المسيح عليه السلام في فلسطين بعيد قيام

ص: 321


1- كتاب النبي دانيال ، الباب 12، المقاطع 1- 12.

القائم عليه السلام وينصره ويصلي خلفه، فبهذا يتضح الأمر لليهود والنصاري وأتباعه فيسلمون ويصبحون من حماة الإمام المهدي عليه السلام ، ولذا أوصي عليه السلام في آخر أيام حياته - بل في أدوار حياته كلها - أنصاره وطلابه برجعته إلي الأرض، مؤكدا علي ذلك، وأمرهم بالانتظار والتهيؤ واليقظة والحذر، ونحن نأتي ببعض بشائر الانجيل إثبات لهذا الأمر وإيقاظا للمسلمين.

أ- إنجيل متي:

«ثم خرج يسوع من الهيكل . فتقدم تلاميذه لكي يروه أبنية الهيكل . فقال لهم يسوع : أما تنظرون جميع هذه الحق أقول لكم إنه لا يترك هاهنا حجر علي حجر لا ينقض . وفيما هو جالس علي جبل الزيتون تقدم إليه التلاميذ علي انفراد قائلين : قل لنا متي يكون هذا ؟ وما هي علامة مجيئك وانقضاء الدهر ؟ فأجاب يسوع وقال لهم : انظروالايضلكم أحد. فان كثيرين سيأتون باسمي قائلين : أنا هو المسيح ويضلون كثيرين . وسوف تسمعون بحروب وأخبار حروب . انظروا لا ترتاعوا . لأنه لا بد أن تكون هذه كلها . ولكن ليس المنتهي بعد . لأنه تقوم أمة علي أمة ، ومملكة علي مملكة ، وتكون مجاعات وأوبئة وزلازل في أماكن . ولكن هذه كلها مبتدأ الأوجاع . حينئذ إن قال لكم أحد : هو ذا المسيح هنا أو هناك ، فلا تصدقوا. لأنه سيقوم مسحاء كذبة وأنبياء كذبه، ويعطون آيات عظيمة وعجائب حتي يضلوا لو أمكن المختارين أيضا. ها أنا قد سبقت وأخبرتكم . فإن قالوا لكم : ها هو في البرية ، فلا تخرجوا. ها هو في المخادع فلا تصدقوا. لأنه كما أن البرق يخرج من المشارق ويظهر إلي المغارب هكذا يكون أيضا مجيء ابن الإنسان . وللوقت بعد ضيق ، تلك الأيام تظلم الشمس ،

ص: 322

والقمر لا يعطي ضوءه ، والنجوم تسقط من السماء، وقوات السماوات تتزعزع . وحينئذ تظهر علامة ابن الإنسان في السماء ، وحينئذ تنوح جميع قبائل الأرض ، ويبصرون ابن الإنسان آتيا علي سحاب السماء بقوة ومجد كثير ... فمن شجرة التين تعلموا المثل . متي صار غصنها رخصا وأخرجت أوراقها تعلمون أن الصيف قريب ، هكذا أنتم أيضا متي رأيتم هذا كله فاعلموا أنه قريب علي الأبواب . الحق أقول لكم ...... السماء والأرض تزولان ولك كلامي لا يزول . وأما ذلك اليوم وتلك الساعة فلا يعلم بهما أحد ولا ملائكة السماوات إلا أبي وحده . وكما كانت أيام نوح كذلك يكون أيضا مجيء ابن الإنسان ... اسهروا إذا لأنكم لا تعلمون في أية ساعة يأتي ربكم . واعلموا هذا إنه لو عرف رب البيت في أي هزيع يأتي السارق لسهر ولم يدع بيته ينقب . لذلك كونوا أنتم أيضا مستعدين لأته في ساعة لا تظنون يأتي ابن الانسان . فمن هو العبد الأمين الحكيم الذي أقامه سيده علي خدمه ليعطيهم الطعام في حينه . طوبي لذلك العبد الذي إذا جاء سيده يجده يفعل هكذا»(1).

«ومتي جاء ابن الإنسان في مجده وجميع الملائكة القديسين معه ، فحينئذ يجلس علي كرسي مجده . ويجتمع أمامه جميع الشعوب فيميز بعضهم من بعض كما يميز الراعي الخراف من الجداء . فيقيم الخراف عن يمينه والجداء عن اليسار . ثم يقول الملك للذين عن يمينه : تعالوا يا مباركي أبي رثوا الملكوت المعد لكم منذ تأسيس العالم»(2).

ص: 323


1- الكتاب المقدس ، إنجيل متي الباب 24 المقاطع 1- 8، 23 - 37، 42-46.
2- الكتاب المقدس ، إنجيل متي الباب 20 المقاطع 31- 34.

فقال لهم يسوع : الحق أقول لكم ، إنكم أنتم الذين تبعتموني في التجديد ، متي جلس ابن الإنسان علي كرسي مجده تجلسون أنتم أيضا علي اثني عشر كرسيا ، تدينون أسباط إسرائيل الاثني عشر . وكل من ترك بيوتا أو إخوة أو أخوات أو أبا أو أما أو امرأة أو أولاد أو حقوط من أجل اسمي يأخذ مائة ضعف ويرث الحياة الأبدية»(1).

ب - إنجيل مزقس:

«وفيما هو خارج من الهيكل قال له واحد من تلاميذه : يا معلم انظر ما هذه الحجارة وهذه الأبنية ؟ فأجاب يسوع وقال له : انتظر هذه الأبنية العظيمة . لا يترك حجر علي حجر لا ينقض . وفيما هو جالس علي جبل الزيتون تجاه الهيكل سأله ... قل لنا : متي يكون هذا ؟ وما هي العلامة عندما يتم جميع هذا ؟ فأجابهم يسوع وابتدأ يقول : انظروا لا يضلكم أحد. فإن كثيرين سيأتون باسمي قائلين إني أنا هو. ويضلون كثيرين . فإذا سمعتم بحروب و بأخبار حروب فلا ترتاعوا. لأنها لابد أن تكون ولكن ليس المنتهي بعد . لأته تقوم أمة علي أمة ومملكة علي مملكة ، وتكون زلازل في أماكن، وتكون مجاعات و اضطرابات ، هذه مبتدأ الأوجاع. فانظروا إلي نفوسكم . لأنهم سيسلمونكم إلي مجالس ، وتجلدون في مجامع ، وتوقفون أمام ولاة وملوك من أجلي شهادة لهم ... وأما ذلك اليوم وتلك الساعة فلا يعلم بهما أحد، ولا الملائكة الذين في السماء ، ولا الابن ، إلا الأب. انظروا. اسهروا وصلوا لأنكم لا تعلمون متي يكون الوقت . كأنما إنسان سافر ترك بيته وأعطي عبيده السلطان ولكل واحد عمله ، وأوصي

ص: 324


1- الكتاب المقدس ، إنجيل متي الباب 29 المقاطع 28 و 29

البواب أن يسهر . اسهروا إذا. لأنكم لا تعلمون متي يأتي رب البيت أمساء أم نصف الليل أم صياح الديك أم صباحا ؟!لئلا يأتي بغتة فيجدكم نياما . وما أقوله لكم أقوله للجميع اسهروا»(1).

ج - انجيل لوقا:

«لتكن أحقاؤكم ممنطقة ، وسرجكم موقدة. وأنتم مثل أناس ينتظرون سيدهم متي يرجع من العرس ، حتي إذا جاء وقرع يفتحون له للوقت . طوبي الأولئك العبيد الذين إذا جاء سيدهم يجدهم ساهرين . الحق أقول لكم، إنه يتمنطق ويجعلهم يلجؤون ويقوم ويخدمهم ... فكونوا أنتم إذا مستعدين ، لأنه في ساعة لا تظنون يأتي ابن الإنسان»(2).

«وتكون علامات في الشمس والقمر والنجوم . وعلي الأرض كرب علي أممم واقعة في حيرة . البحر و الأمواج تضج . والناس يغشي عليهم من خوف وانتظار ما يأتي علي المسكونة ؛ لأن قوات السماوات تتزعزع . وحينئذ يبصرون ابن الإنسان آتية في سحابة بقوتي ومجير كثير»(3).

كما أوضحنا سابقا ليس المقصود من «ابن الإنسان» المسيح؛ لأنه وفق ما كتبه السيد «هاكس» الأمريكي في قاموس الكتاب المقدس: إن هذه العبارة جاءت في الإنجيل وملحقاته 80 مرة، ثلاثون منها تتطابق مع عيسي المسيح، والخمسون الأخري تحكي عن منج يظهر في آخر الزمان بالعز والمجد ويكون عيسي معه ، ولا يعلم بساعة ظهوره ويومه إلا الله، وهذا ليس إلا الإمام المهدي عليه السلام آخر حجة

ص: 325


1- الكتاب المقدس ، إنجيل مرقس الباب 13 المقاطع 1- 9 و 32 - 37.
2- الكتاب المقدس ، إنجيل لوقا الباب 12 المقاطع 35. 40.
3- الكتاب المقدس ، إنجيل لوقا الباب 21 المقاطع 25 - 27.

الله تعالي.

د- انجيل يوحنا:

«كذلك أعطي الابن أيضا أن تكون له حياة في ذاته . وأعطاه سلطانا أن يدين أيضا لأنه ابن الإنسان . لا تتعجبوا من هذا . فإنه تأتي ساعة فيها يسمع جميع الذين في القبور صوته ، فيخرج الذين فعلوا الصالحات إلي قيامة الحياة ، والذين عملوا السيئات إلي قيامة الدينونة»(1).

ه- - مكاشفة يوحنا:

«وظهرت آية عظيمة في السماء : امرأة متسربلة بالشمس ، والقمر تحت رجليها ، وعلي رأسها إكليل من اثني عشر كوكبا . وهي حبلي تصرخ متمخضة و متوجعة لتلد . وظهرت آية أخري في السماء . هو ذا تين عظيم أحمر له سبعة رؤوس وعشرة قرون، وعلي رؤوسه سبعة تيجان . وذنبه كسح ثلث نجوم السماء فطرحها إلي الأرض . والتنين وقف أمام المرأة العتيدة أن تلد حتي يبتلع ولدها متي ولدت . فولدت ابنا ذكرا عتيدا أن يرعي جميع الأمم بعصأ من حديد . واختطف ولدها إلي الله وإلي عرشه ... وحدثت حرب في السماء . ميخائيل وملائكته حاربوا التنين وملائكته ، وحارب التنين وملائكته. ولم يقووا فلم يوجد مكانهم بعد ذلك في السماء . فطرح التنين العظيم الحية القديمة المدعو إبليس ، والشيطان الذي يضل العالم كله طرح إلي الأرض وطرحت معه ملائكته»(2).

قال مفسروا الإنجيل في تفسير المقاطع السالفة: الشخص المقصود في هذه

ص: 326


1- الكتاب المقدس ، إنجيل يوحنا الباب و المقاطع 26 - 28.
2- الكتاب المقدس ، مكاشفة يوحنا الباب 12 المقاطع 1- 5، 7. 9.

البشارة لم يخلق بعد. وأوكلوا تفسيرها إلي المستقبل ولم يعينوا ظهوره. ولكن لو تأملنا هذه المقاطع قليلا لخرجنا بنتيجة هي : إن الشخص المبشر به في المكاشفة هو أعظم مولود في عالم الإنسانية ، ممتاز لا مثيل له، يضطر فيغيب عن الأنظار متن من الزمان ، لقيام حكومة الحق الإلهية وهدم عروش الظالمين، وسيخفي الله تعالي ويستر مظهر نوره و منجي الإنسانية عن أنظار الأشرار والشياطين من الجن والإنس، إلي أن يظهره تعالي إن شاء في زمن ما، ويحكم البشرية بعصا حديدية .

والآن وبعد ذكر وتفصيل بشائر الأنبياء والقرآن الكريم والروايات الإسلامية ، يتضح أن مكاشفة يوحنا اللاهوتي في البشارة السابقة منوطة بموعود الأمم الإمام محمد بن الحسن العسكري عليه السلام، الذي يقوم بالسيف ويحكم بعصة حديدية .

ولتوضيح المطلب نأتي بشروح للمكاشفة الآنفة:

«المقصود بالمرأة المذكورة في المكاشفة . وأم الشخص المبشر به، والمتسربلة بالشمس، والقمر تحت رجليها، وعلي رأسها أكليل من اثني عشر كوكبة - أم الإمام المهدي عليه السلام السيدة نرجس الطاهرة. والشمس والده الإمام الحسن العسكري عليه السلام. وأشرقت كل أنوار النبوة والإمامة المضيئة في رحم السيدة نرجس الطاهر، ليتجلي خليفة ومظهر كل هؤلاء عليهم السلام ، وتأتي بمن اجتمعت فيه تلك الأنوار، حاملا لواء الثورة العالمية.

والمقصود من القمر - الذي تحت رجليها السيدة حكيمة عمة الإمام الحسن العسكري عل ، قابلة السيدة نرجس عند ولادتها بالإمام المهدي عليه السلام ، والتي كانت متلهفة لاحتضانه عليه السلام بفارغ الصبر.

وعلي رأسها إكليل من اثني عشر كوكبة، هم: خاتم الأنبياء صلي الله عليه و آله، وبضعته

ص: 327

الصديقة الطاهرة فاطمة الزهراء عليها السلام ، والأئمة العشرة من الإمام أمير المؤمنين عليه السلام إلي الإمام علي بن محمد الهادي عليه السلام، فمقام الإمام المهدي عليه السلام الشامخ - وسلطته وزعامته الروحية - مركب من هذه الأنوار الملكوتية السماوية.

والتنين العظيم الأحمر، هو: الشيطان وأتباعه الذين كانوا ومازالوا متربصين الهدم صرح الأديان المنيف، والقضاء علي الأنبياء والأولياء الإلهين، وكما أشارت المكاشفة الرابعة: «وذنبه كسح ثلث نجوم السماء فطرحها إلي الأرض»، ويطمع بالقضاء علي صاحب راية العدل العالمي المجتمعة فيه كل نجوم الولاية السماوية.

نعم، الشيطان هو الذي تقمص الخلافة بعد رحلة نبي الإسلام صلي الله عليه و آله وأعاق مسير الحكومة الإسلامية ، وبواسطة ذنبه «عبده قنفذ» ضرب بضعة النبي صلي الله عليه و آله ضربا مبرحا وكسر ضلعها وأسقط طفلها «المحسن»، فكسح ثلث نجوم السماء، وهو الثالث من أولادها الذكور، وقتل من كان يجب أن يكون أبا لمجموعة أخري من ذرية النبي صلي الله عليه و آله.

وتلبس ذلك الشيطان في ولادة الإمام المهدي عليه السلام بلباس الخلفاء العباسيين، وبالأخص المعتمد والمعتصم العباسيين وأتباعهما في زمان الإمام الحسن العسكري عليه السلام ، فجهدوا بكل طاقاتهم للقضاء علي ذلك الموعود العالمي السعيد. وكما تشهد به التواريخ والآثار، زرعوا العيون والجواسيس علي بيت الإمام ليخبروهم عند ولادتي مولود ذكر فيقتلوه، ولكن الإرادة الإلهية الحتمية . وكما أشارت مقاطع المكاشفة السالفة - صانت المرأة وطفلها من الخلايا الجاسوسية التي نشرها سلاطين الجور كالسيل في كل مكان، ولم تنفعهم مراقبة الليل والنهار

ص: 328

لمباغته ذلك الموعود العالمي».(1).

وجاءت بشارة ظهور الإمام المهدي عليه السلام في قسم آخر من مكاشفة يوحنا اللاهوتي كما يلي:

«ثم رأيت السماء مفتوحة، وإذا فرش أبيض ، والجالس عليه يدعي أمينا وصادقا ، و بالعدل يحكم ويحارب . وعيناه كلهيب نار ، وعلي رأسه تيجان كثيرة، وله اسم مكتوب ليس أحد يعرفه إلا هو . وهو متسربل بثوب مغموس بدم ، ويدعي اسمه كلمة الله . والأجناد الذين في السماء كانوا يتبعونه علي خيل بيض ، لابسين بزا أبيض ونقية . ومن فمه مخرج سيف ماض لكي يضرب به الأمم ، وهو سيرعاهم بعصا من حديد ... ورأيت ملاكا واحدا واقفة في الشمس ، فصرخ بصوت عظيم قائلا لجميع الطيور الطائرة في وسط السماء : هلم اجتمعي إلي عشاء الإله العظيم لكي تأكلي لحوم ملوك ولحوم قواد ولحوم أقوياء ولحوم خيل ...»(2).

وبنظرة إجمالية ودقيقة في البشارات السابقة المتعلقة بظهور آخر حجة لله، يمكننا القول أنها جاءت كما وصفتها أخبارنا الإسلامية.

و - رسالة بولس الرسول إلي أهل روما:

«فإني أحسب أن آلام الزمان الحاضر لا تقاس بالمجد أن يستعلن فينا»(3).

«... والقائم ليسود علي الأمم عليه سيكون رجاء الأمم»(4).

ص: 329


1- بشارات العهدين : 265-267.
2- الكتاب المقدس، مكاشفة يوحنا الرسول الباب 19 المقاطع 18.11 .
3- رسالة بولس الرسول إلي أهل رومية الباب 8 المقطع 18.
4- رسالة بولس الرسول إلي أهل رومية الباب 15 المقطع 12.

هذه التعابير الدقيقة جاءت في الأحاديث الإسلامية، ومن الطريف أن البشائر التي ذكرناها من التوراة وردت في الإنجيل العربي بعبارة «القائم» و «سيادة الأمم» و «رجاء الأمم».

«فإننا نقول لكم هذا بكلمة الرب : إننا نحن الأحياء الباقين إلي مجيء الرب، لانسبق الراقدين ، لأن الرب نفسه بهتاف صوت الملائكة وبوق الله سوف ينزل من السماء ، والأموات في المسيح سيقومون أولا ، ثم نحن الأحياء الباقين سنخطف جميعا معهم في السحب لملاقاة التي في الهواء. وهكذا نكون كل حين مع الب»(1).

وأنت أيها القارئ العزيز ترين موارد التطابق بين بشائر العهد الجديد والروايات الإسلامية، منها:

1- نزول النبي عيسي عليه السلام .

2 - الصيحة من السماء

3- إحياء جمع من الصالحين .

4 - مجيئهم علي السحاب .

5 - خطف أنصار الإمام ولي العصر عليه السلام من المحاريب وفرشهم وانتقالهم علي السحاب .

كل هذه الأمور جاءت في الأحاديث الإسلامية حذو القذة بالقذة مع فقرات الإنجيل.

ص: 330


1- رسالة بولس الرسول الأولي إلي أهل تسالونيكي الباب 4 المقاطع 15-17.

ز - أعمال الرسل:

«ولما قال هذا ارتفع وهم ينظرون ، وأخذته سحابة عن أعينهم . وفيما كانوا يشخصون إلي السماء وهو منطلق إذا رجلان قد وقفا بهم بلباس أبيض . وقالا : أيها الرجال الجليلون ما بالكم واقفين تنظرون إلي السماء ؟ إن يسوع هذا الذي ارتفع عنكم إلي السماء سيأتي هكذا كما رأيتموه منطلقا إلي السماء»(1).

ومن الطريف عبارة أخري نقلها عبدالله بن سليمان من الإنجيل، قال: «قرأت في الإنجيل ... قال تعالي لعيسي : أرفعك إلي ثم أهبطك في آخر الزمان لتري من أمة ذلك النبي العجائب ، ولتعينهم علي اللعين الدجال ، أهبطك فيوقت الصلاة لتصلي معهم ، إنهم أمة مرحومة»(2).

نزول النبي عيسي عليه السلام من السماء:

نزول النبي عيسي عليه السلام إلي الأرض في زمن ظهور الإمام بقية الله عليه السلام من العقائد القطعية لجميع المسلمين وكل الطوائف الإسلامية، ودلت عليها بعض الآيات القرآنية، ونطقت عن رجوع النبي عيسي عليه السلام مئات الأحاديث عن طرق الشيعة والسنة، وإذا تردد بعض المتعصبين من أهل السنة - لإمر ما - في ظهور الإمام المهدي عليه السلام ، فإنهم لم يترددوا في نزول النبي عيسي عليه السلام . فنزول النبي عيسي عليه السلام من السماء من الأمور القطعية عند الشيعة، وأنه يصلي خلف الإمام المهدي عليه السلام في القدس، وينصره ويصبح من معاونيه ، ووردت في هذا المجال روايات كثيرة في المصادر الحديثية، الشيعية منها والستية، إليك شطرا منها:

ص: 331


1- الكتاب المقدس ، أعمال الرسل : 187 الباب 1 المقاطع 9. 11.
2- بحارالأنوار 181:52 ح 1.

1- روي أبو سعيد الخدري ، عن النبي الأكرم صلي الله عليه و آله، قال : «ما الذي يصلي عيسي بن مريم خلفه»(1).

2. وفي حديث آخر عن عبدالله بن عباس ، عن رسول الله صلي الله عليه و آله، قال: «لن تهلك أمة أنا في أولها ، وعيسي بن مريم في آخرها ، و المهدي في وسطها»(2).

3- ونقل صاحب عقد الدرر حديثا عن أبي هريرة، عن النبي صلي الله عليه و آله، قال : «كيف أنتم إذا نزل ابن مريم فيكم ، وإمامكم منكم ؟!»(3).

4 - وفي صحيح البخاري، عن أبي هريرة، عن الرسول الأكرم صلي الله عليه و آله ، قال : «والذي نفسي بيده ليوشك أن ينزل فيكم ابن مريم حكما عدلا ، فيكسر الصليب ، ويقتل الخنزير ، ويضع الجزية ، ويفيض المال حتي لا يقبله أحد»(4).

5 - وروي ابن ماجة في سننه ، عن أبي أمامة الباهلي ، عن رسول الله صلي الله عليه و اله، قال : خطبنا رسول الله صلي الله عليه و آله وذكر الدجال .. فأين العرب، يا رسول الله يومئذ ؟ قال : «هم يومئذ قليل ، وجلهم ببيت المقدس ، وإمامهم مهدي رجل صالح ، فبينما إمامهم قد تقدم يصلي بهم الصبح ، إذ نزل عيسي بن مريم حين كبر للصبح، فرجع ذلك الإمام ينكص ، ليتقدم عيسي يصلي بالناس ، فيضع عيسي بده بين كتفيه فيقول : تقدم فصلها ، فإنها لك أقيمت ، فيصلي بهم إمامهم»(5).

6. وجاء في حديث آخر عن النبي صلي الله عليه و آله ، قال : «فينزل عيسي بن مريم عليه السلام ،

ص: 332


1- بحارالأنوار 51: 84، منتخب الأثر: 316 الفصل 2 الباب 48، بشارة الإسلام : 320 قسم السيرة الباب 38. 2.
2- بحارالأنوار 51: 85، منتخب الأثر : 155ح 45 الفصل 2 الباب 1.
3- عقد الدرر : 291 الباب 10.
4- صحيح البخاري 2: 1073، كتاب الأنبياء ، باب نزول عيسي بن مريم عليه السلام .
5- عقد الدرر: 231 الباب 10، سنن ابن ماجة 2: 526.

فيقول أميرهم : تعال صل بنا ، فيقول : لا ، إن بعضكم علي بعض أمراء تكرمة الله تعالي لهذه الأمة»(1).

7- و في أحاديث أخري عن طريق أهل السنة ، قال السدي : «يجتمع المهدي و عيسي بن مريم ، فيجيء وقت الصلاة ، فيقول المهدي لعيسي : تقدم ، فيقول عيسي : أنت أولي بالصلاة ، فيصلي عيسي وراءه مأموما»(2).

8- وفي حديث آخر: «ينزل عيسي علي ثنية (أي عقبة) بالأرض المقدسة يقال لها : أفيق ، فيأتي بيت المقدس والناس في صلاة الصبح ، فيتأخر الإمام - أي المهدي - فيقدمه عيسي ويصلي خلفه علي شريعة محمد ، ويقول : أنتم أهل بيت لا يتقدمكم أحد»(3).

9. وفي حديث آخر عن رسول الله صلي الله عليه و آله- يحكي فيه عن خروج الدجال وقتله بيد النبي عيسي عليه السلام . قال : «فيبعث الله عيسي بن مريم كأنه عروة بن مسعود ، فيطلبه فيهلكه، ثم يمكث الناس سبع سنين ليس بين اثنين عداوة»(4).

10 . وفي حديث آخر عن النبي الأكرم صلي اله عليه و آله، قال: «يلتفت المهدئ وقد نزل عيسي بن مريم كأنما يقطر من شعره الماء ، فيقول المهدي : تقدم وصل بالناس ، فيقول عيسي بن مريم : إما أقيمت الصلاة لك»(5).

11 . وفي هذا الباب قال رسول الله صلي اله عليه و آله : «إن خلفائي وأوصيائي وحجج الله

ص: 333


1- عقد الدرر : 229 الباب 10 البرهان للمتقي الهندي : 158.
2- منتخب الأثر: 479 الفصل 7 الباب 8ح 2.
3- يوم الخلاص : 344.
4- صحيح مسلم 4: 2259 ح 116
5- عقد الدرر : 229، البرهان للمتقي الهندي : 160 الباب 9 ح 9.

علي الخلق بعدي الاثنا عشر ، أولهم علي ، و آخرهم ولدي المهدي ، فينزل روح الله عيسي بن مريم فيصلي خلف المهدي، وتشرق الأرض بنور ربها ، ويبلغ سلطانه المشرق والمغرب»(1).

والمحل: هو أن الروايات الواردة عن رسول الإسلام الكريم والأئمة المعصومين عليهم السلام حول نزول النبي عيسي عليه السلام وصلاته خلف الإمام المهدي عليه السلام كثيرة جدا ، نكتفي بالأحاديث التي ذكرناها، والآيات الكريمة التي مرت في بشائر ظهور الإمام المهدي عليه السلامخ - كالآية 159 من سورة النساء - بشأن نزول النبي عيسي عليه السلام، فلم نأت بها هنا تجنبا للتكرار، فمن شاء فليراجع هناك.

4-بشارات ظهور الإمام المهدي عليه السلام في مصادر الزرادشتية

جاءت في مصادر الزرادشتية تصريحات كثيرة بظهور الإمام المهدي عليه السلام، هاك بعضها:

1- كتاب «الزند» من كتب الزرادشتية المقدسة، جاء فيه انقراض الأشرار بعد انطماس شوكة الجبارين والظالمين، ووقوع زمام أمور الأمم بيد الصالحين : «فرقة الشيطان في حرب و نزاع دائم مع الرب علي الأرض ، وغالبا ما يكون النصر حليف الشيطان ، ولكن ليس بحد محو الو واندراسه ، وعند الشدة يأتي المدد من إله السماء اور مزد لأبناء إيران ، وحربه تطول تسعة آلاف سنة، ويكون النصر المؤزر نصيب إيزدان ، وينقرض الشيطان وتنتهي قدرته في الأرض والسماء ، وبعد نصر إيزدان و قطع نسل الشيطان يصل العالم إلي

ص: 334


1- ينابيع المودة 3: 295 الباب 78 ح 2.

سعادته المنشودة ، ويجلس الإنسان علي كرسي السعادة»(1).

2- في قسم «كاتها» أحد أركان الأوستا (2)الأربعة، جاء في الفصل 8 - 9 منه بشائر ظهور الإمام المهدي عليه السلام - وسيطرته علي العالم في قيامه العظيم الذي سيكون في آخر الزمان وفق وعود الأنبياء - كما يلي: «يا مزدا ! لما يحين عقاب المذنبين يقيم بهمن دولتك للذين سلموا الكذب إلي أيدي الصدق ، ونرجو أن تكون من الذين يبتدئون حياة جديدة» .

3- وجاء أيضا في هذا القسم من «كاتها» تحت عنوان «صباح اليوم» بشارة ظهور منجي البشرية الوحيد الذي يظهر في آخر الزمان : «متئ يا مزدا يحين صباح اليوم ؟ ويعم دين الصدق العالم عن طريق تعاليم المحررين الواسعة الحكيمة ؟ من هم أولاء الذين يعينهم بهمن ، اصطفيتك لأطلعك يا أهورا» .

كتب مؤلف كتاب «بشارات العهدين» بعد نقل هاتين البشارتين عن «كاتها» : إن مترجم «كاتها» فسر في الهامش بهمن - المذكور في البشارتين كحامل لواء النهضة الأخيرة - بأنه خليفة رب أهورامزدا، المقتدر والتقي والنقي، وعلي هذا الأصل يكون توضيح البشارتين من «كاتها» كما يلي: «ستكون مجازاة المذنبين في آخر الزمان قبل وقوع القيامة علي يد خليفة القدرة والصدقوالقدسية والعدالة ؛ والدولة المباركة ليست إلا لمن ستم الكذب إلي أيدي الصدق ، هؤلاء الذين

ص: 335


1- بشارات العهدين : 237.
2- الأوستا ويقال الأفستان آن لغة أوستا انتشرت في إيران، والأثر الوحيد المتبقي من هذه اللغة هو الكتاب المقدس لدي الزرادشتيين، ويسمي الأوستا، وأقدم النصوص من هذا الكتاب هي أناشيد زرادشت التي تسمي «كاتها» أو «كاهان»، ولغة هذا الكتاب عموما لها ارتباط قوي باللغة السنسكريتية . المشرف.

جعلوا القبائح في طي النسيان . نعم ، ذلك الزمان المشرق حقا هو الفجر الذي تتنفس فيه الدولة الإلهية الحقة ، ويغمر دين الحق الأيدي العالم بأسره، وتقام فيه جميع تعاليم أنبياء الله ، و سينشر خليفة القدر والعدل الإلهي تعاليم كل القادة العظام الصالحة». من الواضح أن الجملتين بشارة جلية عن ظهور موعود الإسلام الإمام قائم آل محمد وإن لم يذكر اسمه عليه السلاما فيهما، فسلطته العامة وعدالته الشاملة علي العالم - التي بشرت بها هاتان البشارتان - أدل دليل علي ذلك الرجل الإلهي العظيم (1).

4 - نقل «جاماسب» في كتابه المعروف ب «جاماسب نامه» حوادث الماضي والمستقبل، وبين أحوال الملوك والأنبياء والأوصياء والأولياء نقلا عن لسان زرادشت ضمن مطالب، وأخبر عن نبي الإسلام الأكرم ودولة الإمام المهدي عليه السلام ورجعة جمع من الأموات، بما يلي: «رسول العرب آخر رسول يظهر بين جبال مكة ، ويركب و قومه الجمال ، يأكل مع عبيده ، ويجلس بطريقتهم ، ليس له ظل، ويري من خلفه كما يري من أمامه . دينه أشرف الأديان ، وكتابه يبطل كل الكتب ، و تمحق دولته ملوكية العجم ، و تزيح دين المجوس و البهلوي، ويخمد نار سديرا ، ويهدم بيوت النيران ، ويختم أيام البيشداديين والكيانيين والساسانيين والأشكانيين». ثم يقول حول ظهور المهدي عليه السلام المبارك هكذا: «ومن أولاد بنت هذا النبي - المسماة بشمس العالم وسيدة النساء - يحكم الدنيا وسط مكة بحكم الرب كآخر خليفة لذلك النبي ، وتصل دولته بالقيامة ، وتأتي الدنيا بعد ملكه إلي

ص: 336


1- بشارات العهدين . الاستدراكات ، بعد مقدمة الطبعة الثانية : 11.10 .

آخرها ، تزوج السماء وتغوص الأرض و تزول الجبال ، فيأخذ الشيطان الذي هو ضد الرب وعبده العاصي فيسجنه ويقتله . يدعي مذهبه بالبرهان القاطع والحق، ويدعو الناس إلي الرب، ويحيي الخلق محسنهم ومسيئهم ، فيجزي المحسن ويعاقب المسيء، ويحيا كثير من الأبرار والأنبياء ومسيئي العالم وأعداء الله والكفار ، ويحيي من ملوك قومهم من فتن الناس في الدين وقتل الأبرار . ويقتل من تبعهم والمجرمين . اسم هذا الملك بهرام ... ظهوره في آخر الدنيا ، وخروجه في زمن تغلب العرب الفرس ، وتخرب أمصار عمان علي يد السلطان العربي ، فيخرج ويحارب ويقتل الدجال ، ثم يسخر القسطنطينية ويقيم علوم الإيمان والإسلام هناك . عصا موسي الحمراء وخاتم سليمان و تاجه معه ، يطيعه الجن والإنس والشياطين والطيور والوحوش .يوحد العالم علي دين واحد، ولا يبقي من دين الزرادشتي أثر، يخدمه جميع الحكماء وأولاد الحور والشياطين والطيور وجميع أطياف الحيوان والسحب والرياح والبيض كل في خدمته»(1).

لقب «جاماسب» في الأدب العربي والفارسي ب-«الحكيم»، ونسبوا إليه غيبيات ، والظاهر أنه كان حكيما منجما .

وقال صاحب كتاب «حبيب السير»: هو من تلامذة لقمان وأخ غشتاسب(2)، وكان متضلعا في علم النجوم.

ويقول العلامة دهخدا في كتابه «لغت نامه» عنه: وجدت منه رسالة باللغة

ص: 337


1- لمعات النور 1: 23. 25.
2- أو «كشتاسب».

الفارسية القديمة واسمها سيرة الملوك وأسرار العجم، وعنوانها باسم الملك غشتاسب ، بين فيها نظريات الكواكب بالرموز، وعمل تفؤلا وقتيا حسب مقارنات النجوم وحكم علي أساسها. ويقال : تطلع إلي مستقبل خمسة آلاف سنة، وأخبر عن السلاطين والأنبياء، وعبر عن النبي موسي ب-«الراعيالأحمر»، وعن المسيح ب«النبي راكب الحمار» ونعته باسم أمه، وعبر عن الرسول العربي به «مهرآزما»، وبعض إخباراته وأقواله عن الزمن الماضي وقعت صحيحة، والبعض الآخر مخالفة، والله أعلم بالصواب (1).

وكتب مؤلف كتاب «بشارات العهدين» في الهامش - بعد نقل البشارة من كتاب «جاماسب» -ما يلي:

كتب أصحاب السير والتواريخ: كان ظهور جاماسب أو غشتاسب بن سهراب في سنة 4996 بعد هبوط آدم عليه السلام

، و تعلم عند زرادشت لبرهة من الزمن، وتتلمذ مدة أخري علي «جنكر مكهاجه» الهندي. وتطلع في كتابه «جاماسب نامه» المستقبل خمسة آلاف سنة، وقبره في خفرك فارس(2).

5- وكذا جاء في كتاب «جاماسب» بعض مضامين البشارات السابقة حول دولة الإمام المهدي عليه السلام المباركة، وصلح البهائم، وطمس أصول الظلم والفساد، وقيام الحكومة العالمية الواحدة، واجتماع البشرية علي دين الإسلام المبين، وأن الإمام المهدي عليه السلام من أتباع ذلك الدين الإسلامي المبين، وتابع دين جده النبي الأكرم صلي الله عليه و آله:

ص: 338


1- لغتنامه دهخدا : 6469، الغمود 1.
2- بشارات العهدين : 243.

«يظهر رجل في أرض العرب - من بني هاشم ، ضخم الجثة والساق والرأس ، علي دين جده - بجيش عظيم ، ويتوجه إلي إيران ويعمرها، ويملأ الأرض عدلا ، وبعدله يستقي الذئب و البقر معا ، و تكثر الناس وتزداد أعمارهم ،بحيث يري الإنسان 50 رجلا وأنثي من أولاده ، و تمتلئ الجبال والصحاري بالناس والحيوانات كحفل عرس . والكل يدينون بدين مهرآزماي (أي دين النبي محمد صلي الله عليه و آله) ، وينتهي الجور والاضطراب من العالم ، بحد ينسون التسليح ، وإذا وصفنا حسن تلك الحياة يتبين لنا مرارة ما نحن فيه»(1).

6 - أخبر في كتاب «الزند» و «هومن يسن»(2)عن ظهور شخصية عديمة النظير باسم «سوشيانس» (المنجي العظيم)، ويقول عن علائم ظهوره:

«تظهر في السماء علامات مدهشة تدل علي ظهور منجي العالم ، وتبعث ملائكة للشرق والغرب بأمره ، ويبعثون إلي العالم»، وعندها يشير إلي مقاومة الأشرار له، ويبشر أخيرة بانصياع الجميع له(3).

7- حينما يسأل «غشتاسب» عن كيفية ظهور «سوشيانس» وكيفية حكمه، يجيب جاماسب الحكيم تلميذ زرادشت ويوضح: «سوشيانس ، منجي العالم العظيم ، ينشر الدين في العالم ، وينفي العوز والفقر، وينقذ ايزدان من مخالب الشيطان ، يجمع العالم علي عقيدة واحدة ودين وقول واحد»(4).

من الضروري أن نذكر هنا هذه النكتة: إن الاعتقاد بظهور «سوشيانس» كان

ص: 339


1- بشارات العهدين : 258، نقلا عن «جاماسب نامه».
2- «الزند» من كتب الزرادشتية المقدسة . «هومن يسن»هو شرح و تفسير للأوستا . المشرف.
3- او خواهد آمد : 108.
4- او خواهد آمد : 121- 122.

معروفا ومتداولا في الأوساط الإيرانية آنذاك، بحيث كانوا يلجأون عند اليأس والقنوط إلي ذكر ظهور مقتدر ينجيهم حين الانكسار في الحروب وشدائد الحياة ، والشاهد علي ذلك: أنه بعد موت القائد «رستم فرخ زاد» في حرب القادسية ، وعند فرار «بزرجمهر» آخر ملك ساساني مع عائلته ، خاطب إيوانه حين خروجه من قصر المدائن قائلا: «السلام عليك أيها الإيوان ، ها أنا ذا منصرف عنك ، وراجع إليك أنا أو رجل من ولدي لم يذن زمانه»(1).

كل ما مضي كان نماذج من بشائر كتب أهل الأديان المقدسة قدمناها للقراء الأعزاء، وكلها بشرت بمضامين مختلفة عن ظهور مصلح عالمي عظيم في آخر الزمان باسم المهدي الموعود. وهذه شهادة علي أن مسألة ظهور الإمام المهدي عليه السلام لا تختص بالإسلام، بل هي عند جميع الملل والأمم من الأمور القطعية و المسلمة، وستحقق بدون ترديد.

نعم طبق وعود الأنبياء وبشائر الكتب السماوية المقدسة سيأتي يوم يظهر فيه خليفة قدرة الله وقدسه وعدالته ، آخر خليفة لرسول الله صلي الله عليه و آله، يقيم الحكومة العالمية الواحدة، المهدي الموعود المنتظر، وبظهور ولي الله المطلق يزاح ستار الظلام وينطوي ، ولا يبقي له أثر، ويشرق العالم بأسره.

ص: 340


1- بحارالأنوار 164:51 .

القسم العاشر: دين العالم في المستقبل

اشارة

ويشمل:

1. القرآن ودين العالم في المستقبل

2. الروايات الإسلامية ودين العالم في المستقبل

3. الإسلام دين الله الدائم

4. دعوة نبي الإسلام عامة وعالمية

5. رسول الله صلي الله عليه و آله خاتم الأنبياء

6. القرآن الكريم خاتم الكتب السماوية

7. دين الإسلام خاتم الأديان

ص: 341

ص: 342

تنبئ الآيات والروايات والكتب السماوية المقدسة أن للعالم يوما تتبدل فيه الدول الصغيرة منها والكبيرة بدولة واحدة، وترفع الحدود الجغرافية، وتشكل حكومة عالمية واحدة قائمة علي أساس العدالة والحرية، ويحكم العالم دين و قانون واحد وقائد واحد.

وهنا سؤال يطرح نفسه وهو : أي دين يحكم العالم في ذلك الزمان ؟ و قوانين أي كتاب سماوي تطبق ؟ للجواب علي هذا السؤال نذهب إلي القرآن والسنة ونجيب عليه من زوايا مختلفة.

1. القرآن ودين العالم في المستقبل :

جاء في الآية 33 من سورة التوبة حول عالمية الإسلام وغلبته علي الأديان ما يلي: «بِالْهُدَي وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَي الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ ».

وفي الآية 55 من سورة النور وعد الله المؤمنين الصالحين الخلافة في الأرض بالدين الذي ارتضاه لهم: «وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَي لَهُمْ ».

ص: 343

بين في الآية 3 من سورة المائدة الدين المرضي : «الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا».

يتبين من هذه الآيات أن الإسلام يغلب علي الأديان ويحكم الأرض كلها، ولم يتحقق هذا الوعد الالهي حتي الآن وسيتحقق بيد الصالحين

2. الروايات الإسلامية ودين العالم في المستقبل:

جاءت في المصادر الشيعية والسنية المختلفة روايات كثيرة جدا عن مستقبل العالم وعالمية الإسلام، نأتي بشطر منها للقراء الأعزاء وإن كنا سنأتي بها في البحوث الآتية بالتفصيل، ولكن علي أية حال إليك نماذج من هذه الروايات التنوير الأذهان :

يقول الرسول الأكرم صلي الله عليه و آله عن دين العالم في المستقبل : «تملأ الأرض من الإسلام ، ويسلب الكفار ملكهم ، ولا يكون ملك إلا الإسلام، وتكون الأرض كفاثور الفضة»(1).

وقال في حديث آخر مؤكدا علي عالمية الإسلام في زمان الإمام المهدي عليه السلام : «ليدخلن هذا الدين علي ما دل عليه الليل»(2).

وقال الإمام الحسين عليه السلام : «التاسع من ولدي وهو الإمام القائم بالحق، يحيي الله به الأرض بعد موتها، ويظهر به دين الحق علي الدين كله ولو كره

ص: 344


1- الملاحم والفتن : 173 الباب 178. والفائور: الخوان ، أو طست أو جام من فضة أو ذهب . المشرف.
2- المجازات النبوية : 419، منتخب الأثر: 160 الفصل 2 الباب اح 57.

المشركون»(1).

وقال الإمام السجاد عليه السلام: «إن الإسلام قد يظهره الله علي جميع الأديان عند قيام القائم عليه السلام»(2).

وعن الإمام الباقر عليه السلام: «القائم منا منصور بالرعب ، مؤيد بالنصر ، تطوي له الأرض ، و تظهر له الكنوز، ويبلغ سلطانه المشرق والمغرب ، ويظهر الله به دينه علي الدين كله ولو كره المشركون»(3).

وقال الإمام الصادق عليه السلام : «إذا قام القائم لا يبقي أرض إلا نودي فيها بشهادةأن لا إله إلا الله ، وأن محمدا رسول الله»(4)

إذن يستفاد من مجموع الروايات الأنفة أن دين الإسلام يغطي العالم بأسره، ويظهر علي الدين كله بقيام الإمام المهدي عليه السلام ، ويشكل الحكومة العالمية الواحدة، ويحقق عولمة الإسلام والوعود الإلهية. وهنا لمزيد البيان ننظر إلي الموضوع الأنف من زاوية أخري:

3. الإسلام دين الله الدائم :

المستفاد من البحث في آيات القرآن الكريم: أن الدين علي طول تاريخ البشر واحد ألا وهو الإسلام، وشرعت الشرائع في عصر كل صاحب شريعة باسم الإسلام إلي زمان رسالة خاتم الأنبياء محمد بن عبدالله صلي الله عليه و آله ؛ حيث بلغت الذروة

ص: 345


1- كفاية الأثر: 232، بحارالأنوار 51: 133 ح 4، إلزام الناصب 216:1 ، منتخب الأثر : 205 ح 4.
2- ينابيع المودة 3: 78، منتخب الأثر : 294 ح 5.
3- بحارالأنوار 191:52 ح 24 ، منتخب الأثر: 292.
4- تفسير العياشي 1: 183، بحارالأنوار 340:52 ح 89.

في الكمال، فسميت شريعة خاتم الرسل والمراتب به.

إذن طبق الدلائل والتوضيحات التي سنأئي بها من القرآن الكريم، سيتضح أن جذور كل الأديان واحدة، وأن الأنبياء من النبي آدم عليه السلام إلي خاتم الأنبياء دعوا الناس إلي توحيد الله، ولكن الدين الجامع والكامل والمرضي عند الله من بين سائر الأديان السماوية هو دين الإسلام الذي ختمت النبوة به ببعثة خاتم الأنبياء فلا نبي بعده، وأصبح دين الحق وخاتم الأديان كاملا وخالدا. ولذا حصر القرآن الدين بالإسلام، ولم يقبل ممن اعتنق دينا غيره.

علي كل حال: الإسلام علي ضوء الآيات الكاشفة عن آثار وحقيقة الإسلام هو دين الحق الوحيد، ودين الله، ودين التوحيد، ودين كل الأنبياء الذين دعوا إليه، ولا دين حق غيره، وكل تعبير عن دين الحق إن لم يكن الإسلام معنيا به فليس بحق، لأننا لم نجد لدين الحق اسما أفضل من الإسلام، ولا يمكن أن نتصور للإنسان كمالأ ورفعة في غيره.

ولذا ذكر الله تعالي في القرآن الكريم - عند ذكره المتمسكين بدين الحق عن لسان النبي إبراهيم، والنبي إسماعيل، وحواريي النبي عيسي، وأولاد النبي يعقوب، وبلقيس، وفرعون - لفظ الإسلام، مسلم، ومسلمين. وإليك بعض الآيات التي تشير إلي ذلك:

1-«إِنَّ الدِّينَ عِندَ اللَّهِ الْإِسْلَامُ»(1).

2-«مِّلَّةَ أَبِيكُمْ إِبْرَاهِيمَ ۚ هُوَ سَمَّاكُمُ الْمُسْلِمِينَ مِن قَبْلُ»(2).

ص: 346


1- آل عمران : 19.
2- الحج : 78.

3-«وَأَسْلَمْتُ مَعَ سُلَيْمَانَ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ »(1).

4-»َنحْنُ أَنصَارُ اللَّهِ آمَنَّا بِاللَّهِ وَاشْهَدْ بِأَنَّا مُسْلِمُونَ»(2).

5 -«لَا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِّنْهُمْ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ*َمَن يَبْتَغِ غَيْرَ الْإِسْلَامِ دِينًا فَلَن يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الْآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ »(3).

6-«فَمَا وَجَدْنَا فِيهَا غَيْرَ بَيْتٍ مِّنَ الْمُسْلِمِينَ »(4).

7-«قَالُوا نَعْبُدُ إِلَهَكَ وَإِلَهَ آبَائِكَ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ إِلَهًا وَاحِدًا وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ»(5).

8-«وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلًا مِّمَّن دَعَا إِلَي اللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحًا وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ»(6).

يستفاد من هذه الآيات أن كل الشرائع السماوية سميت في لغة صاحب الشريعة الإسلام، وإن كنا نعرفها بأسماء أخري اتخذت لامناسبات شتي؛ مثل اليهودية والمسيحية وغيرها، وليس هناك تعارض بين تلك الأسماء وبين كون اسم الأديان الكلي عند الله هو الإسلام، لأن أصل الأديان السماوية واحد كما قلنا، إذ أفقها واسع شفي قلوب الأنبياء عن طريق رسل الوحي، وبلغ قمة كماله وتمامه برسالة خاتم الأنبياء صلي الله عليه و آله.

نعم، الدين عند الله الإسلام، وهو التسليم مقابل دعوة الفطرة، التسليم مقابل

ص: 347


1- النمل : 44.
2- آل عمران : 52.
3- آل عمران : 84 و 85.
4- الذاريات: 36.
5- البقرة : 133.
6- فصلت : 33

وحدانية الله ، التسليم مقابل قدرة الله تعالي وعظمته الأزلية السرمدية. وإذا سمي دين خاتم الأنبياء صلي الله عليه و آله واختص بهذا الاسم، فذلك لأنه بمعني التسليم المحض، ولم يرتض الإسلام من أحد إلا التسليم مقابل هذا الدين وقبول أحكامه و قوانينه ؛ لأن الله واحد ودين الحق واحد، وهو الإسلام الذي ليس في مفهومه شرك ولا كفر ولا إلحاد.

وكما قال الدكتور الفرنسي جوستاف لوبون (1): «التوحيد تاج افتخار تؤج الإسلام به من بين الأديان»(2).

الإسلام يدعو الناس للتوحيد والبشرية لديني واحد، ويسوق البشر بتعليماته إلي مجتمع واحد، ولم يعر أهمية للاعتبارات والامتيازات التي رسمت علي الأمم الصغيرة منها والكبيرة علي أثر القومية واللون والجنس، بل يعتبر العالم بأسره وأرض الله الواسعة وطنا للإنسان. وعلي ما قال أحد العلماء المحققين: «إن فكرة تعايش البشرية في وطن واحد - بغض النظر عن الجنس واللونواللغة والحدود الجغرافية - هدية الإسلام للمدنية»(3).

نعم، إنما الإسلام دين الحق الوحيد، ودين أهل العالم أجمع، ودين المجتمعات البشرية، ودعوته علي أساس الإيمان بالله والتوحيد الخالص، ونفي كل شرك وكفر وإلحاد، الإسلام المنجي الوحيد و عامل الوحدة، والدين الكامل

ص: 348


1- جوستاف لوبون (1841 - 1931م) كاتب فرنسي وباحث في علم النفس والاجتماع، تميز با سهاماته العديدة في مجال علم النفس الاجتماعي ، من أهم مؤلفاته : حضارة العرب ، روح الجماعات ، السنن النفيسة لتطور الأمم ، فلسفة التاريخ، الحشد . المشرف .
2- تاريخ تمدن اسلام و عرب : 142، نقلا عن كتاب «إمامت و مهدويت» .
3- إمامت و مهدويت 2: 62.

والجامع، الذي جاءت أحكامه ومقرراته وأهدافه التوحيدية - مثل وحدة الدين والمجتمع، وحدة النظام والقانون، وحدة القيادة - لنجاة البشر وسعادة عامة الناس .

الإسلام دين أساسه التوحيد والإيمان والاعتقاد بالله وحده، وبهذا الاعتقاد يغير نوع تفكر الإنسان ويرقي أفكار المجتمع، ويمد في مدن فكرهم. تلتف الأمم حوله بعيدة عن القومية واللون واللغة، ويؤمن لهم سعادة الدنيا والآخرة ، فهو يروم تحرير البشر من نير العادات القبيحة والآداب السيئة، والاستعمار، والاستثمار، والاستبعاد. ولذا دعا القرآن الكريم البشرية بأعلي صوته إلي دين وهدفي واحد، والتضامن والوحدة العامة، قائلا: «يَا أَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْا إِلَي كَلِمَةٍ سَوَاءٍ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ أَلَّا نَعْبُدَ إِلَّا اللَّهَ وَلَا نُشْرِكَ بِهِ شَيْئًا وَلَا يَتَّخِذَ بَعْضُنَا بَعْضًا أَرْبَابًا مِّن دُونِ اللَّهِ ۚ فَإِن تَوَلَّوْا فَقُولُوا اشْهَدُوا بِأَنَّا مُسْلِمُونَ »(1).

الإسلام دين لا يبغي إلا حكم الله وأحكامه، والحاكم بينهم كتاب الله، وإمام الأمير هو الشخص المنصوب من الله ، ولذا يقاوم كل مظاهر الشرك وعبادة الأوثان، وأنواع الظلم والفساد؛ لكي لا يدعي أحد قيموميته علي المجتمع ولا يتسلط علي مصيره، فيعيش الجميع آمنين مطمئنين تحت ظلال حكومة الله وتعاليم الإسلام السامية.

جاء الإسلام ليوحد الشعوب والأمم، ويجعلها أمة واحدة، ويستأصل كل جذور التناحر والتضاد والاختلاف والفرقة ، المتأتية من الكفر والشرك وعبادة غير الله ، ويقضي علي كل فرقة قومية، وطنية، جغرافية، حزبية، ويطمس الاختلافات

ص: 349


1- آل عمران : 64.

الدينية حتي يخضع ويخشع الناس أجمع أمام الله تعالي ويعبدوه وحده، ويعيشوا في ظل حكومة دين واحد وقائد واحد وقانون أساسي واحد.

فالإسلام قبل أن يكون دين لمجتمع أو لأمة هو دين للمجتمعات البشرية والأمم، ودين عالمي ، لا يقاس بأي من الأنظمة الحاكمة في العالم. إذن الإسلام ونظامه لا يختص بأمة أو مجتمع أو منطقة دون أخري، بل هو دين عالمي جامع، فعلي الجميع أن يحتضنوه، ويعبدوا ربا واحدا، ويعيشوا في أمة واحدة، تحت رعاية قانون ونظام إلهي، ويقبلوا الإسلام بعنوان كونه أرقي وأكمل مشروع للوحدة، ويخضعوا له إلي أن يظهر علي الدين كله، ويصبح الدين خالصة لله .

ولتكميل البحث نبحث مسألة خاتمية الإسلام والقرآن والنبي الأكرم صلي الله عليه و آله من خلال القرآن والروايات الإسلامية تحت عدة عناوين:

4. دعوة نبي الإسلام عامة وعالمية :

علي أساس الأدلة الكثيرة التي وردت في القرآن الكريم، والروايات الإسلامية، علمنا أن رسالة رسول الإسلام الكريم عامة وعالمية، ونبو ته صلي الله عليه و آله لا نحد بزمان خاص ومدة معينة، بل هي مستمرة حتي انقراض العالم، وتقع مسؤولية قيادة البشرية علي عاتق ذلك النبي الإلهي العظيم ما دامت البشرية قائمة علي الكرة الأرضية ، وإليك بعض آيات القرآن الكريم الناطقة بذلك:

1- سورة النساء الآية 79: «وَأَرْسَلْنَاكَ لِلنَّاسِ رَسُولًا».

2 - سورة الأعراف الآية 158: «قُلْ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ جَمِيعًا».

3- سورة سبأ الآية 28:«وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا كَافَّةً لِّلنَّاسِ».

ص: 350

4 - سورة الأنبياء الآية 107: «وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِّلْعَالَمِينَ»

وبالنظر إلي سعة معني و مفهوم الكمالات التي ذكرت في القرآن الكريم، حول رسالة رسول الإسلام الكريم - مثل: العالمين، الناس، كاقة، جميعة - تكون شمولية دعوة النبي الأكرم صلي الله عليه و آله وعالمية الدين الإسلامي المقدس واضحة للجميع، لا تفتقر إلي تفسير.

5. رسول الله صلي الله عليه وآله خاتم الأنبياء:

اشارة

قال تعالي في الآية 40 من سورة الأحزاب: «مَّا كَانَ مُحَمَّدٌ أَبَا أَحَدٍ مِّن رِّجَالِكُمْ وَلَكِن رَّسُولَ اللَّهِ وَخَاتَمَ النَّبِيِّينَ ».

إن كلمة «خاتم» جاءت في مقام التعريف بوجود خاتم الأنبياء محمد المصطفي صلي الله عليه و آله المقدس، ولكن فسرها البعض - عن جهل و عدم علم، والبعض الآخر للخداع ولوساوس شيطانية - بمعني خائم الإصبع، وبما أن الخاتم زينة فيكون خاتم الأنبياء بمعني زينة الأنبياء، وعلي هذا لا يمكن استنباط خاتميته صلي الله عليه و آله للأنبياء من هذه الآية.

لذا ينبغي أن نسلط الضوء علي هذه الكلمة ، ليتضح مقدار جهل أو تجاهل الذين فروا كلمة خاتم بالمعني الأنف.

ما هو الخاتم ؟ قال أرباب اللغة: إن معني خاتم هو الشيء الذي بواسطته يختم، وكذا جاء بمعني الشيء الذي يختم به الأوراق وأمثالها. وذكروا الخاتم أيضا في كتب اللغة بمعني الآخر وخاتمة الشيء، ولم يفرقوا بين فتح التاء وكسرها. وجاءت في أقرب الموارد والقاموس كلمة خام بكسر التاء وفتحها

ص: 351

بمعني آخر القوم وعاقبة الشيء وغيره. وقال في مجمع البحرين: خاتم النبيين بمعني : آخرهم ليس بعده نبي.

ولا يخفي أن من معاني «الختم» النهاية ، كما قال الراغب في مفرداته : ختمت القرآن، إذا قرأته إلي آخره. وقال الجوهري في الصحاح : ختمت القرآن، أي بلغت آخره. وقال ابن منظور في لسان العرب: ختم فلان القرآن، إذا قرأه إلي آخره . وكذا قال : خاتم كل شيء نهايه وآخره، وخاتمة السورة آخر السورة .

وقال ابن الأثير في نهايته عن خاتم السلطان: هو يحتاج لخاتم لختم مكتوبه . جاء هذا المعني؛ لأن كلمة «خاتم» من أصل مادة «ختم» بمعني النهاية، ولذا قيل للشيء الذي يختمون به الرسائل: خاتم؛ لأن من المتعارف سابقا نقش الأشخاص أسماءهم علي فصوص خواتيمهم، وبها يختمون المكاتيب والمستندات فتكون النهاية، ولذا نجد أن من الأمور التي تطرح عند التعرض الحالات وشمائل النبي والأئمة المعصومين عليهم السلام والشخصيات الأخري هي نقوش خواتيمهم.

جاء في بعض التواريخ أن من جملة حوادث السنة السادسة للهجرة اخاذ النبي الأكرم صلي الله عليه و آله خاتما منقوشا بعد ما قيل له: إلي الملوك لا يقرؤون مكاتيب غير مختومة(1) .

وجاء في كتاب الطبقات : كتب رسول الله صلي الله عليه و آله إلي قيصر أو إلي الروم ولم يختمه، فقيل له : إن كتابك لا يقرأ إلا أن يكون مختومة، فاتخذ رسول الله صلي الله عليه و اله

ص: 352


1- سفينة البحار 1: 376 مادة «ختم» .

خاتما فضة فنقشه، و نقش «محمد رسول الله»(1).

وفي الكافي حديث عن الإمام الصادق عليه السلام حول نقش خاتم النبي صلي الله عليه و آله قال فيه عليه السلام : «كان نقش خاتم النبي محمد رسول الله»(2).

وقال جرجي زيدان في كتاب «تاريخ التمدن الإسلامي»في ذيل كلمة «خاتم»: حين هم نبي الإسلام بمكاتبة ملوك الفرس وامبراطور الروم، قيل له : إن ملوك الفرس لا يقرؤون كتابا غير مختوم، فاتخذ خاتما من فضة نقشه «محمد رسول الله صلي الله عليه و آله»(3).

بهذا البيان يتضح جيدا أن كلمة «خاتم» أصلها من «ختم» بمعني الخاتمة والنهاية ، وإن أطلقت علي خاتم الزينة. وفي الماضي كانوا يسمون الخواتم التي يختمون بها المكاتيب «خاتم».

بالإضافة إلي هذا استعملت هذه المادة في القرآن الكريم في موارد متعددة ، جاءت كلها بمعني الخاتمة والختم، منها: «خَتَمَ اللَّهُ عَلَي قُلُوبِهِمْ وَعَلَي سَمْعِهِمْ... »(4) ؛ و «الْيَوْمَ نَخْتِمُ عَلَي أَفْوَاهِهِمْ »(5).

وفي موارد أخري أيضا جاءت كلمة «نختم» بمعني الخاتمة والختم.

أدلة خاتمة نبي الإسلام في الروايات:

إن ما ذكرناه من الآيات القرآنية وإن كان وافيا لإثبات شمولية دعوة النبي صلي الله عليه و آله

ص: 353


1- الطبقات الكبري 1: 322، ذكر خاتم رسول الله .
2- الكافي 6: 473 ح 1، سنن البيهقي 10: 128 باب ختم الكتاب .
3- قاموس القرآن 2: 226.
4- البقرة : 7.
5- يس : 65.

وخاتمته، ولكن يجب أن تنبه علي أن أدلة خاتمة النبي صلي الله عليه و آله لا تنحصر بالآيات فقط، بل جاءت في كثير من الروايات علي لسانه صلي الله عليه و آله ولسان الأئمة المعصومين عليهم السلام ، وإليك شطرا منها:

1- جاء في حديث مشهور نقلته أكثر المصادر السنية عن النبي صلي الله عليه و آله، قال : «إن مثلي و مثل الأنبياء من قبلي كمثل رجل بني بيتا فأحسنه و أجمله ، إلا موضع لبنة من زاوية ، فجعل الناس يطوفون به ويعجبون له ويقولون : هلا وضعت هذه اللبنة ؟ قال : فأنا اللبنة ، وأنا خاتم النبيين»(1). وجاء في ذيل حديث آخر عن النبي صلي الله عليه و آله قوله: «فأنا موضع اللبنة ، جئت فختمت الأنبياء»(2).

2- حديث المنزلة المعروف المتعلق بمسألة خلافة أميرالمؤمنين عليه السلام لرسول الله صلي الله عليه و آله في المدينة عند ذهابه صلي الله عليه و آله الحرب تبوك، جاء هذا الحديث في الكتب الشيعة والسنية المختلفة، ونقله أكثر أكابر أهل السنة عن النبي صلي الله عليه و آله، قال: «أنت مني بمنزلة هارون من موسي إلا أنه لا نبي بعدي»(3).

3- وجاء في نهاية خطبة حجة الوداع - التي أجملها رسول الله صلي الله عليه و آله بعنوان وصية جامعة للناس - قول رسول الله صلي الله عليه و آله: «ألا فليبلغ شاهد كم غائبكم ؛ لا نبي بعدي ، ولا أمة بعدكم»(4).

4- وجاءت خاتمية نبي الإسلام صلي الله عليه و آله صريحة في كثير من خطب نهج البلاغة،

ص: 354


1- صحيح البخاري 3: 10973، كتاب المناقب ، الباب 18، الحديثان 3534 و 3535.
2- صحيح مسلم: 52 كتاب الفضائل ح 15 - 16.
3- الصواعق المحرقة : 177، تاريخ بغداد 7: 453، ذخائر العقبي : 79.
4- بحارالأنوار 21: 381 ح 8.

منها : الخطبة الأولي في نهج البلاغة؛ حيث قال أمير المؤمنين عليه السلام - بعد ما سرد سير الأنبياء الماضين -: «بعث الله سبحانه محمدا رسول الله لإنجاز عدته وإتمام نبوته»(1).

وفي خطبة أخري يصف فيها نبي الإسلام، قال: «أمين و حيه ، وخاتم رسله، وبشير رحمته ، و نذير نقمته»(2).

وفي خطبة أخري يقول لا حول بعثته : «أرسله علي حين فترة من الرسل ، و تنازع من الألسن ، فققي به الرسل ، وختم به الوحي»(3).

4 - وفي حديث عن الإمام الحسن المجتبي عليه السلام، قال: «جاء نفر من اليهود إلي رسول الله صلي الله عليه و آله، فقالوا: يا محمد أنت الذي تزعم أنك رسول الله ، وأتك الذي يوحي إليك كما يوحي إلي موسي بن عمران ؟ فسكت النبي ساعة ثم قال : نعم ، أنا سيد ولد آدم ولا فخر ، وأنا ختم النبيين ، وإمام المتقين ، ورسول رب العالمين»(4).

6- وروي في حديث عن الإمام الباقر عليه السلام ، قوله: «لقد ختم الله بكتابكم الكتب ، وختم بنبيكم الأنبياء»(5).

7- وروي في هذا الباب حديث عن الإمام الصادق عليه السلام، قال فيه: «إن الله ختم بنبيكم النبيين فلا نبي بعده أبدا ، وختم بكتابكم الكتب فلا كتاب بعده أبدأ»(6).

ص: 355


1- نهج البلاغة فيض: 35 خ 1.
2- نهج البلاغه فيض : 558 خ 172.
3- نهج البلاغة فيض : 412خ 132.
4- تفسير الصافي 2: 243 ح 108، أمالي الصدوق : 254 ح 279.
5- الكافي 1: 177 ح 4.
6- الكافي 1: 269 ح 3.

فالأحاديث الإسلامية الواردة في هذا الباب كثيرة جدا، بحيث ذكر كتاب «معالم النبوة» 135 حديثا في ذلك من كتب علماء الإسلام، نقلا عن نبي الإسلام الأكرم وباقي أئمة الإسلام العظام.

6. القرآن الكريم خاتم الكتب السماوية:

اشارة

مما لا ترديد فيه أن القرآن الكريم أعظم هدية إلهية للبشرية، يدعوها إلي النجاة والسعادة الأبدية، وهو أدل دليل من بين كل المعجزات وخرق العادات الصادرة عنه صلي الله عليه و آله علي حقانية الإسلام ورسالة نبي الإسلام الخالدة.

أجمعت الفرق الإسلامية علي أن القرآن معجزة سماوية عظيمة، وأنه الكتاب الأفضل، وفوق فكر البشر وعلمهم، بالإضافة إلي أنه محور الاتحاد والاتفاق بين المسلمين مما يمكنه أن يكون مرجعا لحل الاختلافات، راسما خطوط الدين الأصلية لكل من يبتغي الحق.

القرآن كتاب أتم الحجة علي العالمين بإعجازه، وعرج بطلاب الحق إلي المدارج الروحانية والعقلية العالية، وأذل وأقعد الخفافيش والمعاندين والظالمين، وبقي كما هو علي مرور القرون والعصور لم تتطاول إليه يد التغيير والتحريف، ولم ولن يستطع أحد أن يأتي بمثله ولو باية واحدة .

وقد ضمن الله تبارك وتعالي بقاءه إلي الأبد، وصانه من التزوير، فيكون أهم سند لإثبات المعارف والأحكام الإسلامية، وكما قال تبارك وتعالي : «إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ »(1).

ص: 356


1- الحجر: 9.

القرآن كتاب نزل لسعادة البشرية، وانعكست فيه تطلعات البشر، وهو مصدر هداية لرواد الحق، ورحمة وبشرين بالنعم الأبدية الخالدة، كما قال تعالي : «وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَانًا لِّكُلِّ شَيْءٍ وَهُدًي وَرَحْمَةً وَبُشْرَي لِلْمُسْلِمِينَ»(1).

وقال تعالي في آية أخري: «َّما فَرَّطْنَا فِي الْكِتَابِ مِن شَيْءٍ »(2).

وفي أخري قال سبحانه: «وَلَا رَطْبٍ وَلَا يَابِسٍ إِلَّا فِي كِتَابٍ مُّبِينٍ»(3).

نعم، وإن نزل القرآن في زمان معين، وخاطب أناسا خاصين، وفي مكان محدد، ولكنه مع ذلك حطم حد الزمان والمكان وعلا فوق ذلك كله، ولم يحد بزمان ولا مكان؛ لأن هذا الكتاب السماوي العظيم يختلف عن باقي الكتب السماوية الأخري التي نزلت محدودة لزمان ومكان معينين، إذ هو كتاب أبدي وخالد إلي انقراض البشر، وسيبقي منارا للتائهين وبغاة الحق.

نعم، القرآن كتاب يحمل بين طياته أنواع شواهد الإعجاز وأقسامه. ألفاظه إعجاز، ومعانيه أكثر. وتتدفق من كل آياته عيون العلم والحكمة، وهو معجزة ناطقة عالمية، وخالدة وروحانية، بل هو أعظم معجزة، وخاتم الكتب السماوية، وأفضل شاه صدق لنبي الإسلام الأكرم

علي أية حال : هذا الكتاب الإلهي العظيم أفصح في عدة من آياته أنه خاتم الكتب السماوية، ومنع نزول كتاب سماوي بعده، وإليك نماذج من تلك الآيات:

1- قال تعالي في الآية 115 من سورة الأنعام: «َتَمَّتْ كَلِمَتُ رَبِّكَ صِدْقًا وَعَدْلًا ۚ لَّا مُبَدِّلَ لِكَلِمَاتِهِ ۚ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ» .

ص: 357


1- النحل : 89.
2- الأنعام : 38.
3- الأنعام : 59.

2 - وقال تعالي في الآية 27 من سورة الكهف: «وَاتْلُ مَا أُوحِيَ إِلَيْكَ مِن كِتَابِ رَبِّكَ ۖ لَا مُبَدِّلَ لِكَلِمَاتِهِ وَلَن تَجِدَ مِن دُونِهِ مُلْتَحَدًا».

3- وقال سبحانه في الآيتين 41 و 42 من سورة السجدة (فصلت): «إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِالذِّكْرِ لَمَّا جَاءَهُمْ ۖ وَإِنَّهُ لَكِتَابٌ عَزِيزٌ لَّا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِن بَيْنِ يَدَيْهِ وَلَا مِنْ خَلْفِهِ ۖ تَنزِيلٌ مِّنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ » .

يتحصل من هذه الآيات أن للقرآن الكريم الحاكمية المطلقة والغلبة التامة علي جميع الكتب السماوية ؛ لأنه حسب الآيات المذكورة لا يستطيع أحد أن يبطل حقائقه ، ولا ينسخ ولا ينقص منه آية ولا كلمة، ولا يضاف إليه شيء، ولا يصيبه البطلان والنسخ، ولا تناله يد التحريف.

وبالجملة: القرآن كتاب لن يصيبه الباطل أبدأ ؛ لأنه كتاب سماوي لا يقاوم، نزل من الله تعالي الحكيم القدير، وآياته محكمة وخالدة، وكل ما قالته الذات المقدسة الأحدية فهو نابع من الحكمة والمصلحة. لذا فالقرآن كتاب خالد دوما وامام ومنار للبشر إلي نهاية العالم، وملجأ الضالين، وخاتم كتب الأنبياء كلهم، وأنوار هدايته أبدية مستمرة ما طلعت الشمس والقمر.

خاتمية القرآن في الروايات:

بالإضافة إلي الآيات التي نطقت بخاتمية القرآن، جاءت روايات عن الأئمة المعصومين عليهم السلام تصرح بذلك، وإليك بعضها:

قال أمير المؤمنين عليه السلام : «واعلموا أنه ليس علي أحلي بعد القرآن من فاقة ، ولا الأحد قبل القرآن من غني»(1).

ص: 358


1- نهج البلاغة فيض : 567، وصبحي الصالح : 252 خ 176.

وقال الإمام السجاد عليه السلام : «اللهم إنك أعنتني علي ختم كتابك الذي أنزلته نورا ، وجعلته مهيمنا علي كل كتاب أنزلته ، وفضلته علي كل حديث قصصته ، و فرقانا فرقت به بين حلال و حرامك ، وقرآنا أعربت به عن شرائع أحكامك ، وكتاب فصلته لعبادك تفصيلا،ووحيا أنزلته علي نبيك محمد صلي الله عليه و آله تنزيلا»(1).

وفي حديث آخر أكد الإمام الباقر عليه السلام خاتمية القرآن، وقال حول جامعته: «إن الله تعالي لم يدع شيئا تحتاج إليه الأمة إلي يوم القيامة إلا أنزله في كتابه وبينه لرسوله»(2).

وقال الإمام الصادق عليه السلام : «إن الله تبارك وتعالي لم يجعله لزمان دون زمان ، ولناس دون ناس ، فهو في كل زمان جديد ، وعند كل قوم غض إلي يوم القيامة»(3).

وعن الإمام الرضا عليه السلام، قال : «القرآن ... هو حبل الله المتين ، وعروته الوثقي، وطريقته المثلي ، المؤدي إلي الجنة ، والمنجي من النار ، لا يخلق من الأزمنة ، ولا يغث علي الألسنة، لأنه لم يجعل لزمان دون زمان ، بل جعل دليل البرهان ، وحجة علي كل إنسان»(4).

كان هذا قليلا من كثير الروايات الشاهدة علي خاتمة القرآن، وأبدية هذاالكتاب السماوي العظيم بعنوان أنه آخر كتاب تنحصر به الهداية ، ومأوي البشرية إلي القيامة.

ص: 359


1- الصحيفة السجادية ، الدعاء 42.
2- بصائر الدرجات : 6، بحارالأنوار 92 : 84 ح 16.
3- بحارالأنوار 2: 280 ح 44.
4- عيون أخبار الرضا عليه السلام 2: 130، بحارالأنوار 92 : 14ح6.

نعم، القرآن خاتم الكتب السماوية، ولن يأتي بعده كتاب ، وهو كتاب لا زال يدعو الناس بطراوتة هاديا كما في زمان النبي صلي الله عليه و آله، ولن يفلح تطور العلم والعقل ومضي الزمان في أن يدرسه، لأن هذا الكتاب الإلهي العظيم كتاب هداية ونور ورحمة ، كتاب أحكام و قوانين شاملة، وكتاب خالد للبشرية، جعله الله حجة وبرهانا لكل الناس ولكل الأزمنة، وهاديا لهم في كل شؤون حياتهم إلي انقراض العالم.

7. دين الإسلام خاتم الأديان :

إن دين الإسلام المبين - طبق صريح آيات القرآن الكريم والروايات الواردة عن المعصومين عليهم السلام - دين أبدي وخالد، وإن رب العالمين العظيم اصطفاه من بين الأديان السماوية، وجعل عمره ممتدا بعمر عالم الإنسان والحياة البشرية، وأحكامه وقوانينه محكمة وثابتة، وأقره كخاتم للأديان. والآيات الدالة علي ذلك في القرآن الكريم كثيرة، نكتفي بذكر بعضها:

1- سورة آل عمران الآية 19 ، قال تعالي :«إِنَّ الدِّينَ عِندَ اللَّهِ الْإِسْلَامُ » .

2 - وكذلك في سورة آل عمران الآية 85، قال تعالي : «وَمَن يَبْتَغِ غَيْرَ الْإِسْلَامِ دِينًا فَلَن يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الْآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ ». 3- في سورة المائدة الآية 3، قال تعالي : «الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا».

4- وقال تعالي في سورة البينة الآية 5:«وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاءَ وَيُقِيمُوا الصَّلَاةَ وَيُؤْتُوا الزَّكَاةَ ۚ وَذَلِكَ دِينُ الْقَيِّمَةِ».

ص: 360

يتضح من هذه الآيات أن دين الإسلام المبين هو دين الله تعالي الخالص وأفضل طريق هداية ، ودين قويم لا يزول، والديانة بغيره غير مقبولة إلي زوال العالم. وإنما هو الدين الجامع والكامل ومرضي الرب وخاتم الأديان كلها، وإتمام النعمة وإكمال الدين في أحكامه وقوانينه السماوية القويمة والمحكمة إلي حد أنها تبقي أبدية وخالدة إلي يوم القيامة، ولن يقبل الله ممن ابتغي دينا غيره بل يحاسبه علي ذلك.

علي أية حال: وإن كانت الآيات التي ذكرناها كافية لإثبات خاتمية الإسلام، ولكن يجب الانتباه إلي أن دليل خاتمية الإسلام لا ينحصر بها، بل هناك آيات أخري في القرآن الكريم تدل علي ذلك، وكذا وردت روايات كثيرة عن النبي صلي الله عليه و آله والأئمة المعصومين عليهم السلام تصرح بأبدية الإسلام وخلوده ، إليك شطرا منها:

1- نقل التفسير الكبير للفخر الرازي، و تفسير مجمع البيان، و تفسير القرطبي ، وصحيح البخاري حديثا معروفا عن النبي صلي الله عليه و اله، قال فيه: «بعثت أنا والساعة كهاتين»(1).

هذه العبارة كناية عن أن عمر شريعة النبي صلي الله عليه و آله مساوية لعمر العالم، أي أن دينه أبدي وخالد وخاتم للشرائع .

2. ونقل عنه تا حدي معروف آخر، قال فيه: «حلالي حلال إلي يوم القيامة ، وحرامي حرام إلي يوم القيامة»(2).

وهذا التعبير يدل أيضا علي بقاء الشريعة إلي نهاية العالم .

ص: 361


1- تفسير الرازي 29: 29، مجمع البيان 7: 39 الآية الأولي من سورة الأنبياء ، تفسير القرطبي ذيل الآية 18 من سورة محمد ، صحيح البخاري 6: 554 في تفسير سورة النازعات .
2- بحارالأنوار 2: 260ح17.

3- وصرح أمير المؤمنين عليه السلام بأبدية الإسلام ضمن خطبة له في نهج البلاغة، قائلا: «ثم إن هذا الإسلام دين الله الذي اصطفاه لنفسه ، واصطفاه علي عينه ، وأصفاه خيرة خلقه، وأقام دعائمه علي محبته ، أذل الأديان بعزته ، ووضع الملل برفعه ، وأهان أعداءه بكرامته ، وخذل محاديه بنصره، وهدم أركان الضلالة بركنه ... ثم جعله لا انفصام لعروته ، ولا فك لحلقته ، ولا انهدام الأساسه ، ولا زوال لدعائمه ، ولا انقلاع لشجرته ، ولا انقطاع المدته ، ولا عفاء الشرائعه ، ولا جذ لفروعه»(1).

4 . وفي حديث آخر نقله الكافي عن الإمام الصادق عليه السلام قال: «حلال محمد صلي الله عليه و آله حلال أبدأ إلي يوم القيامة ، وحرامه حرام أبدا إلي يوم القيامة، لا يكون غيره ولا يجيء غيره»(2).

إلي هنا بحثنا مسألة خاتمية الاسلام من القرآن والروايات الإسلامية التي تشهد بوضوح أن الدين منحصر بالإسلام، ولا يأتي بعده دين ولا شريعة غيره، ولن يقبل من ابتغي دينا غيره. فتحصل:

1- أن الدين عند الله الإسلام، والإسلام دين الحق، ودين الله، ودين التوحيد، ودين الأنبياء أجمع، ودين أمم العالم والبشرية، ولن يقبل من أحد دي غير الإسلام .

2 - أن رسالة رسول الإسلام الأكرم صلي الله عليه و آله عالمية وشاملة، وأي النبي الأكرم بعث الهداية وإرشاد العالمين ك :

ص: 362


1- افة . 1. نهج البلاغة فيض : 638 خ189، وصبحي الصالح313خ 189.
2- الكافي 58:1 ح 19.

3- أن القرآن الكريم هو القانون الأساسي للإسلام، والكتاب الوحيد الذي تناول أبعاد حياة الإنسان بكاملها، وجاء لهناء البشر والبشرية أجمع.

4- أن من أبعاده القيادة والإمامة وزعامة وتنظيم وتدبير أمور المجتمع ، إمامة وقيادة الناس كافة، والإمام يتعلق بكل أطياف المجتمع ، كما قال الله تعالي في القرآن الكريم للنبي إبراهيم عليه السلام:«إِنِّي جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِمَامًا»(1).

إلي هنا يتحصل مما قلناه : أين الإسلام بتعليماته وتشريعاته وقوانينه الجامعة والكاملة - من حيث نظرته العالمية، وشموليتها، ومن حيث تأمينه الاحتياجات الفردية والاجتماعية، المادية منها والمعنوية، الكافلة لسعادة البشرية، وتماشيه مع جميع مراحل الحياة والأزمنة بكل تطورها وتكامل العقل والعلم - لابد أن ينتهي إلي حكومة عالمية موحدة، ونظام إسلامي عادل، يصبح الله سبحانه وأحكامه وتعاليم الإسلام السامية محورا لجميع الأمور فيه.

إذن لا شك في وجود ارتباط كامل بين قيام حكومة عالمية واحدة، وظهور الإمام المهدي المبارك، وعالمية الإسلام، وتحقق بشائر القرآن الكريم، فظهور الإمام المهدي عليه السلام أمر حتمي ولازم ؛ لأن الإسلام لا يتم، والرسالة العالمية لا تنجز دورها المنشود ، بلا تحقق وعود القرآن الكريم وظهور الإمام صاحب الزمان .

ص: 363


1- البقرة : 124.

ص: 364

القسم الحادي عشر: العالم قبل الظهور

اشارة

ويشمل:

1. آثار التطور الصناعي المشوومة

2. انتقاد علماء الغرب للتحضر الحالي

3.اختراع الاسلحه الفتاكه و التكاليف الباهضه

4.الحرب العالميه الثالثه حصيله التطور الصناعي

5. ضرورة اقامة حكومه عالميه

6.اعتراف العلماء بضرورة حكومه عالميه

7. خبر سطيح الكاهن حول المصلح الموعود

ص: 365

ص: 366

لو نظرنا نظرة عاجلة إلي تاريخ التمدن المعاصر تبين لنا جليا حقيقة، وهي: أن بشرية اليوم لا تري نفسها سعيدة هانئة في تطور العالم السريع والهائل، بل علي العكس تشعر بالمسكنة والذل والحيرة بكل وجودها، لا ملجأ لها، تلعن الحياة الآلية والتطور الصناعي ؛ لأنها تري المصادمات والاضطرابات والاضطهادات ناتجة عن التمدن الصناعي هذا، والحياة الآلية ألما يتمخض عن هذا التطور الصناعي والحياة الآلية بكثير من المشكلات الاجتماعية الفعلية؛ ألم تقم أسس قصور المتكبرين الخاوية علي أساس تشبثهم بهذه الاختراعات ؟ يشيدون كل يوم قصر شامخة أضخم من سابقه ليبعدوا الإنسان عن نفسه وربه، وينهبوا ثروات الشعوب وذخائرها.

ألم يكن أساس القتل والغارات، وتخريب المدن والقري، وضياع الناس، وطرد الآلاف المؤلفة من الأبرياء؛ نساء ورجالا وأطفالا وشيوخا وشبابة، ألم يكن كل هذا وذاك بسبب التطور السريع للصناعة والتكنولوجيا والفنون المعاصرة، التي سلبت من الناس أمنها واطمئنانها وراحتها، وستستمر إلي تأجيج الحرب العالمية الثالثة التي تعرض البشرية إلي الزوال والفناء ؟!

ألم ينتشر من التمدن الفعلي الخوف والوحشة والاضطراب والضيق والحيرة في كل مكان ؟! والكل عاض علي أنامله حيرة من تسابق الأسلحة، والتنافس

ص: 367

الخطر للقوي العالمية لئلا يشتعل فتيل الحرب العالمية الثالثة وتلتهم البشرية ؟!

اليوم اتضح للجميع الفساد الأخلاقي ، واتساع رقعة الجرائم والجنايات، وعدم الانصياع للقانون وتعدي حدوده، وأقلق ذلك حتي أرباب السياسة وأعاظم حكام العالم، وبان للناس جميعا . جاهلهم وعالمهم - أ الظلم والفساد والتجاوز والجنايات والقتل والحروب الطويلة غمرت العالم وانهكت الناس؛ حتي أنها لم تأمل بعد بأبسط الإصلاحات، وعجزت عن ذلك المجتمعات الدولية.

اليوم ثبت للجميع - بالرغم من الإشاعات البراقة لحل مشكلات العالم - بأن وضع العالم الحالي ممزر و متشنج ومخيف وموحش، فمع كل محاولات المجتمعات الدولية والمؤتمرات الطويلة والمتعبة لازالت هناك كثير من المسائل الدولية العالقة، مثل : إقرار الصلح الدائم، نزع السلاح الشامل، التعايش السلمي، حظر انتشار الأسلحة الذرية، عدم التدخل بشوون الدول الداخلية، التسابق الخطير لدول العالم العظمي، تسابق الأسلحة، الحروب غير الهادفة في أقطاب العالم، وغيرها.

يتعمق الفارق الطبقي يوما بعد يوم بين الأمم الغنية والفقيرة علي أثر الاستعمار والاقتصاد الاستعماري، وارتفاع الجرائم والجنايات بشكل مفرط أدي إلي مواجهة أجهزة الشرطة والأمن مشكلة كبيرة، وانعدام الأخلاق والمعنويات ، وضعف مباني الإيمان والعقيدة و تزلزلها أصبح سببة لبروز أنواع الفساد الأخلاقي والمشاكل الاجتماعية»(1).

نعم، هذه أوضاع العالم في الوقت الراهن، وهذا نتاج التطور الصناعي،

ص: 368


1- نور مهدي عليه السلام : 113.

و حقيقة وواقع العصر الذهبي الزاهر ! والان نشرح آثار التطور الصناعي المشوومة بشيء من التفصيل:

1. آثار التطور الصناعي المشؤومة

اشارة

لا يخفي علي أحد أن التطور الصناعي في العالم الفعلي لم يوفر أسباب السعادة والراحة للبشرية، بل واجهها بكل قدراته ومظاهره الخداعة، وسحق أسس كل الفضائل الأخلاقية والإنسانية، وفكك أواصر العوائل، وجعل عالم البشرية يموج في الخوف والاضطراب ؛ ليطوي بآثار الشؤم التي حملها ملف المجتمعات البشرية مقدمة إليها حوادث منهكة.

والآن نبحث باختصار عن ثلاث معضلات اجتماعية في هذا القرن، ليتضح أن التمدن الفعلي سبب انحطاط البشر، وسقوط واضمحلال القيم الإنسانية والأخلاقية، وحط من شأن الإنسانية وأهبط قدرها ومنزلتها:

1- اليأس والقنوط:

أحد العوارض المشؤومة للتطور الصناعي الذي ابتليت به البشرية، هو كابوس اليأس والقنوط المرعب. فاليأس والقنوط يسريان في شؤون حياة الناس في عالمنا كالمرض المعدي والمسري، أو كمكروب التل والسرطان القاتل، ويهددان الأمم كبلاء عام.

من المؤسف أن هذا البلاء الفتاك - الذي يعد من المعضلات الاجتماعية في قرننا - بسط ظله الثقيل علي الكرة الأرضية، وسلب أمن الناس وهدوءهم، ولم يبي فسحة أمل للمحرومين والمعذِّبين.

ص: 369

ترتفع أرقام الانتحار يوما بعد يوم نتيجة هذا الكابوس الموحش، وينتحر كل يوم أكثر من ألف شخص في العالم، ويبلغ عدد الذين لم يوفقوا لذلك إلي ثمان أضعاف !!

كابوس اليأس والقنوط هو الذي يخبط الآلاف من الشباب المثقفين بمخالب خطر الإدمان، وما زالت الأمم البشرية ترتطم بصعوبات عديدة، وزاد عند المصابين بالأمراض النفسية بحيث سمي هذا القرن بقرن الأمراض النفسية.

«في الوقت الحاضر هناك أكثر من 33 مليون مريض نفسي يعالجون في 150 مستشفي ومستوصف، وهناك في الولايات المتحدة الأمريكية لوحدها 1/800/000 سرير في المستشفيات والمراكز المختصة للمرضي النفسانيين.

يصرف الأمريكيون 2/500/000 دولار في كل سنة لشراء الأقراص المهدئة والمنومة ليتمكنوا من تسكين بعض التشنجات العصبية ويناموا بعض الوقت.

في ألمانيا هناك 670 نوعا من الأدوية المهدئة في متناول أيدي الناس. وفي فرنسا تنفق سنويا 300 مليون فرنك لاستعمال الأقراص المسكنة. وفي إيران تضاعف عدد المرضي النفسانيين إلي 75 ضعفا في الأربعين سنة الأخيرة، ويضاف في كل سنة إلي مجانين القطر 40 ألف مجنون»(1).

يقول «ويل كارنجي» في كتاب «آيين زندگي»: «من المؤسف أن مصابي الأمراض العصبية والنفسية يشغلون أكثر من نصف أسرة المستشفيات في عصرنا»(2).

ص: 370


1- روزگار رهايي12:1 .
2- آيين زندگي: 10.

نعم، إن تطور العلوم الطبيعية وصناعات المكننة صرف الحياة عن طريقها الأصلي المستقيم، وولد المصائب والمصاعب، وهدد سعادة الإنسان، وأصاب كثيرا من الناس بالكآبة، وجعلهم بلا حراك كالأموات يشعرون بعبثية لا جدوي منها، وأن الحياة تافهة لا معني لها، ولذا يقدمون علي الانتحار للتخلص من الوضع المأساوي.

يقول أطباء النفس: «لقد أحكم مرض الكآبة طوقه علي الناس وعشعش في أرواحهم بسرعة، لذا ينبغي أن نسمي هذا القرن بقرن الكآبة . في دنيا اليوم هناك مائة مليون مريض نفسي ، ويضاف إليهم الملايين من المصابين في كل سنة»(1).

في المدن الكبيرة العظيمة المباني و ... يزداد الشعور بالكآبة، فالإنسان يعيش وهو يري حياته فارغة بسبب العزلة وعدم المودة، ولذا يذوق طعم التعب والملل في حياته قبل كل شيء(2).

ارتفاع نسبة الجرائم والجنايات ، وشدة القساوة التي تترفع عنها حتي الوحوش والسباع . وذلك في الممالك والأمم التي تعتبر أنظمتها الاجتماعية طليعة وجود المدينة الفاضلة - إنما هي حصيلة سلطة المكننة والأوضاع التي تمت الإشارة إليها».

علي كل حال ، دنيانا اليوم مؤلمة وموجعة، والعالم الحالي مليء بالألم والغم والعذاب، ولا يمكن علاجه إلا عن طريق العودة إلي الله والمعنويات والتمسك بالدين والمذهب.

ص: 371


1- أخلاق فلسفي 2: 33.
2- گفتار فلسفي 2: 33، نقلا عن «غربت غرب» : 6.

ولو لم يكن للدين نفع، ولم يكن مقترنا بالواقع، وكان كذبا بالمرة - والعياذ بالله . فلا يمكن تعريته من هذه الفائدة العظيمة، وهي : أنه أفضل حائل بين الإنسان وارتكاب الجرائم والجنايات، وحثه علي الصلاح؛ لأي الدين القويم هو الناهي الناس عن القبائح والأمر بالفضائل.

... فإذا حكم الإيمان والعقيدة في المجتمع يمكننا القول أنه سيصبح نموذجا اللجنة ، لا يتعرض أحد لآخر، وهناك يقنع كل إنسان بحقه ، فلا سرقة ولا غش ولا انتحار ولا قتل ولا تجاوز. ولكن من المؤسف أننا نري في الفترة الأخيرة اجتثاث جذور العقيدة والإيمان - بسبب عوامل مختلفة نطوي عنها الآن كشحا - وحلول العقائد المنحرفة أو الممسوخة وبعض التعاليم المرفوضة محلها، والتي ما استطاعت أن تملأ الفراغ الحاصل من الإنفلات عن العقيدة ، فساقت الناس إلي انحرافات خطرة. ومما لا شك فيه أن البشرية مادامت لا تنتفع بثروة الإيمان والعقيدة القيمة فسوف يكون يومها أسوأ من أمسها، وقد جاء تصوير هذه الحالة في هذا النص القرآني الكريم: «وَمَنْ أَعْرَضَ عَن ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنكًا»(1)»(2).

لحسن الحظ، إن ثمة جماعة من العلماء وعلماء النفس يبحثون عن علاج البشرية الصعب من خلال العودة إلي المعنويات، ويستعينون بالأديان لإزالة اليأس والقنوط من أفق حياة الناس، وإعادة شعاع الأمل في نفوسهم.

يقول الدكتور «كارل»: أنا كطبيب يجب أن أقول: رأيت في فترة طبابتي مرضي لم ينجع فيهم أي علاج، لكنهم حصلوا علي نتيجة عن طريق اللجوء إلي الأسس

ص: 372


1- طه : 124.
2- بلاهاي اجتماعي قرن ما: 39.

الدينية، وشفوا من مرضهم وتخلصوا من الحزن والكآبة (1).

ويقول «مونتسكيو»(2)في كتاب «روح القوانين»: إن الإنسان عرضة لآلاف الأهواء والميول، وبما أنه موجود حساس، ومخلوق كهذا يمكن أن ينسي خالقه في كل لحظة، وقد ينسي نفسه، بل من الممكن أن ينسي الآخرين، لذا دعاه الله تعالي العالم بالقوانين المذهبية لنفسه ؛ لكي لا يغفل عن ربه وخالقه (3).

ويقول «ايغوشافاروتيج»، أستاذ الرياضات في جامعة موسكو: كل ما تحتاجه هو التغيير والتحول الروحي، فينبغي لنا العودة إلي الله وإلي أنفسنا (4).

ويقول «ديل كارنيجي»(5): الدين يلهمني الإيمان والأمل والشجاعة، ويبعد عني الاضطراب والخوف والهيجان والقلق، ويرسم هدفي في الحياة ... إن أحدث علم اليوم - أي علم النفس - يعلم ما علمت الأنبياء به .... ويقول أحد كبار هذا العلم : المعتقد بالمذهب حقا لن يصاب بالأمراض العصبية أبدأ ... لو لم يكن للمذهب حقيقة لأصبحت الحياة لعبا وعبثا ولهو ليس إلا... ويقول وليم جيمس : الإيمان

ص: 373


1- گفتار فلسفي أخلاق 2: 108، نقلا عن «سيري در جهان دانش»: 73.
2- مونتسكيو (1689م - 1755م): فيلسوف فرنسي ، من أعماله الرئيسية «روح القوانين» (1748م)، الذي كان ذا تأثير كبير علي كتابة الدساتير في جميع انحاء العالم. واسمه الحقيقي تشارلزدي سكوندات». المشرف.
3- روح القوانين : 4.
4- أخلاق فلسفي 2: 95، نقلا عن جريدة «كيهان» العدد 10510.
5- ديل كارنيجي : رائد امريكي في مجال الخطابة وتطوير الشخصية ، واشتهر من خلال إرشاد الآخرين إلي النجاح ، وقد بيع من كتابه «كيف تكسب الأصدقاء وتؤثر في الناس» (1936م) أكثر من 10 ملايين نسخة ، ومن بين كتبه الأخرئ «كيف تدع القلق وتبدأ الحياة» (1948م)، و «فن الخطابة والناس المؤثرون في الأعمال» (1931م) الذي أصبح من الكتب المدرسية . المشرف .

أحد القوي التي يعيش البشر بمدده، وفقدائه الكامل بمنزلة اضمحلال البشر(1). ويقول «فيكتور هيجو»: أري تعليم المذهب اليوم أوجب من كل وقت، كلما يتقدم الإنسان يجب أن يكمل إيمانه و تستحكم عقيدته أكثر من قبل برأيي ، لقد حل بنا شقاء في عصرنا، لعله خصنا، وقد طوق الإنسان نفسه بهذه الحياة الدنيوية، وبما أنه جعل الحياة المادية الدنيوية هدفه وأمنيته فعاقبته الفناء والعدم، وتزداد في ذلك الوقت المآسي والشدائد، وزاد في محنته وعذاب الحياة، أي تصبح الحياة جهنم حقا، تتعرض أحوال الناس للتقلب والتوتر. يجب علينا إن كنا مقنين أو قسيسين أو كتاب أن تعبي القوي الاجتماعية بأنواعها المختلفة لتخفيف محن الناس؛ نحتهم علي الدعاء ونؤملهم بالقيامة وبحياة المستقبل؛ وبأن العدل والجزاء هناك ، ونصرخ عالية : إن كل من حل به بلاء لا يذهب سدي ويجزي عليه خيرا، والموت ليس عدما . نحن لا ننسي ونذكر الجميع أن لو كانت عاقبة الإنسان عدما لما كانت للحياة قيمة.

وما يجعل العناء ممتعة ويضفي عليه قدسية - ويزيد الإنسان طاقة، ويجعله إنسانة عاقلا ورحيما وصبورا وباترا و عادلا ، ومتواضعا في رفعة شأنه، ومستعدا التقبل العلم والمعرفة - هو علمه أن لو جزنا من هذه الدنيا المظلمة انتقلنا إلي عالم الصفاء والنور. وأنا معتقد جدا بذلك العالم النقي، وفكرته دائما نصب عيني أصدقها بالكامل. وبعد البحث والمطالعة والاختبار أيقن عقلي بها وطابت روحي لها، متيقنا مشتاقة إلي تعليم و ترويج و تبليغ الدين(2).

ص: 374


1- آيين زندگي : 188 - 189.
2- قسم من خطاب فيكتور هيجو في مجلس الأعيان الفرنسي . انظر كتاب «آيين سخنوري» للفروغي 2: 320-325.

2- شيوع الفساد الأخلاقي وكثرة الانحراف:

للأسف يجب أن نعترف بهذه الحقيقة المرة، وهي: أن التطور الصناعي يزيد في حيرة الناس كل يوم،ويقحمهم في وادي الضلالة، ويعطف بالإنسان إلي العالم المادي وشؤونه؛ بحيث يغفل عن الله والمعنويات؛ يستصغر الإيمان وينسي مسؤوليته أمام الله تبارك وتعالي.

البعض يقول مفرطا بوقاحة: عبادة الله رجعية، والدين خرافة، والتقوي والأخلاق الإنسانية وهم، ولذا وعلي أثر هذا الذنب الكبير الذي لا يغتفر أسقطوا الإنسانية وتلاشت قيمها، وتفككت العلائق الروحية والمعنوية واحدة بعد الأخري، ومال البشر إلي العصيان والطغيان، وغشي الفساد الأخلاقي أفق حياة الإنسان كسحابة سوداء.

«ألم و الحياة العصرية المستوي الأخلاقي والفكري للناس ؟ لماذا تنفق البلايين في كل سنة لمكافحة الجناة؟ واللصوص وقطاع الطرق يسرقون المصارف ويقتلون الشرطة، ويختطفون الأطفال ويقتلونهم أو يحتجزونهم كرهائن، بالرغم من إنفاق الأموال الباهضة لعلاج هذه الظواهر المشينة ؟ ومن المناسب أن نتساءل عندما نري سير التطور الصناعي القهقرائي، أليس منشأ هذا الانحطاط منا؟ »(1)

في عالمنا المتمدن بالرغم من الاهتمام الكبير للدول المتطورة باستقرار الأمن وحفظ نظام المدن الكبيرة، وتشكيل منظمات واسعة، وتجهيز الشرطة بأحدث ما يمكن تجهيزه للسيطرة علي الأمن والاستقرار، بالرغم من ذلك ارتقت الجرائم

ص: 375


1- گفتار فلسفي 2: 21، نقلا عن «إنسان ناشناخته» : 265.

والجنايات سلم الصعود، وازدادت أرقام الجرم والمجرمين وفقا لما قررته الإحصائيات السنوية.

«ازدادت نفوس الأمريكيين من سنة 1966 إلي 1971 بنسبة 5٪، وكان متوقعا ازدياد الجرائم بهذه النسبة أيضا، ولكن نسبة الجرائم وصلت في هذه السنوات الخمس إلي 74%، وبالمقارنة بين سنتي 1960 و 1970 وصلت النسبة إلي حد مدهش، بحيث وقعت في سنة 1960 في كل 58 دقيقة جريمة، وفي سنة 1970 وصلت النسبة إلي كل 33 دقيقة جريمة. وفي سنة 1960 وقعت سرقة في كل 6 دقائق ، ولكن في سنة 1970 وقعت في كل 91 ثانية سرقة. والاغتصاب وصل من كل 34 دقيقة مرة إلي كل 14 دقيقة مرة»(1).

بالنظر إلي إحصائيات الجرائم والجنايات التي تتصاعد في بقاع العالم في كل يوم بصورة مدهشة ، واجهت أجهزة الأمن والشرطة والقضاء صعوبات ومشاكل عجيبة ؛ فمما لا شك فيه أن أوضاع العالم الفعلية مؤلمة، ومستقبل العالم يتجلي مظلما ومبهما وبائسة أمام أنظارنا.

«هل من اليسير أن تقع جريمة كبيرة في كل 25 دقيقة، وفي كل 24 ساعة 30 حالة قتل، 50 حالة اغتصاب، 730 سرقة كبيرة، وحوالي 3000 سرقة صغيرة، في دولة متطورة ومتحضرة مثل أمريكا التي قد تكون من ناحية التحضر والثقافة فريدة في العالم ؟ أو لا ينبئ هذا عن كارثة شاملة خطيرة ؟!»(2)

علي أي حال: مما لا ترديد فيه أن دنيا اليوم المتمدنة - بسبب تطور العلوم

ص: 376


1- گفتار فلسفي 2: 25، نقلا عن مجلة «نسل نو» السنة 3، العدد 7، الصفحة 18، نقلا عن مجلة أمريكية .
2- روح البشر : 32، بسوي جهان أبدي : 8

الطبيعية والصناعات - ضعضعت حياة الإنسان بأسرها، وأطلقت العنان لإرضاء الشهوات وغرائز النفس، وهيات الأرضية لنزوات الإنسان والمفاسد الأخلاقية علي نطاق واسع، فانفلت أكثر الناس عن أسس العقيدة، وتجؤوا إثر تلك الصنمية الحديثة، ولذا تفشت الأمراض الأخلاقية في الأمم بسرعة مدهشة ، واتسعت أنواع وأقسام الجنايات والخيانات والمفاسد يوما بعد يوم حتي في دول العالم المتمدن، ومازالت الجرائم والجنايات تزداد آن بعد آن .

يقول «ويل ديورانت»: طرحت أكادمية «ديجون» عام 1749 سؤالا بهذا المضمون: هل أعان إحياء العلوم والآداب والفنون علي إفساد الأخلاق أم علي تطهيرها؟(1) وعينت جائزة لأفضل إجابة، وقد نال جواب «جان جاك روسو» الجائزة لأنه كان يعتقد أن تطور العلوم والصناعات في أوربا قد ضعف الأخلاقيات و حجم أهل التقوي»(2).

والجدير بالذكر أنه يمر علي هذا السؤال و جوابه أكثر من قرنين، ونحن نلاحظ علي أرض الواقع ازدياد الانحطاط الأخلاقي والجرائم والجنايات متزامنا مع التطور المدهش للعلوم الطبيعية والصناعات. وهذه الحقيقة المرة واضحة ومشهودة في أخبار وإحصائيات الجنايات المنتشرة في العالم، ويتضح بمطالعتها مقدار السقوط الأخلاقي لبشر اليوم في عصر التمدن والثقافة، وأنه كيف غاص في وحل الفساد والضياع.

المسألة المهمة هي أن المحتمل من الروايات الإسلامية: أن مستقبل العالم من

ص: 377


1- قصة الحضارة : 12833/ روسو والثورة .
2- گفتار فلسفي ، أخلاق 1: 230، نقلا عن جريدة «اطلاعات» ، رقم 15084، نقلا عن «تاريخ فلسفه ».

حيث الفساد والانحطاط يكون أكثر سوءا مما عليه الآن؛ لأن أئمة الإسلام الكرام عليهم السلام صرحوا في كثير من الأحاديث أن في زمن غيبة الإمام المهدي عليه السلام تزداد الجرائم والجنايات والكذب والخيانة والتجاوز والاعتداء والسرقة، وأنواع القبائح والفضائح، وتكثر الرذيلة والذنب بحد يشمل كل العالم، ولكن هذه الأيام المظلمة والسيئة لا تبقي إلي الأبد، بل سيطلع الفجر يوما ما ويغير أوضاع العالم والظلم والجور، وملأ الأرض قسطا وعدلا كما ملئت ظلما وجورا.

3 - سباق التسلح وتنافس القوي العالمية الخطيرة:

في العصر الحالي يعاني الإنسان اليوم علي وجه البسيطة من مصاعب لا تحصن إثر التطور السريع في العلوم الطبيعية. وهذا عرض البشر لمخاطر كثيرة وكبيرة، وجعل الإنسان ينكفئ علي نفسه، وسخر قسما كبيرا من القوي العلمية والصناعية لسباق التسلح.

القتل والتخريب، والجرائم والجنايات، وشوق الدول المتطورة لتصنيع الأسلحة المدمرة الفتاكة الاستثمار واستعمار الشعوب والدول الضعيفة - والتسلح بالأسلحة المخربة والمدمرة لفناء البشر.

وفي العصر الراهن تتحلي الدول الصناعية المتطورة بكل الإمكانات المادية والرفاهية، ومع كل هذا فهي فاقدة للاستقرار الفكري والاطمئنان، تعيش حالة خوف ورعب من تجاوز واعتداء بعضها علي البعض الآخر؛ ولذا يتسلحون في كل يوم بأسلحة أكثر فتكا وقوة؛ لكي يصونوا أنفسهم من صولة الآخرين.

سباق الأسلحة وكثرة الأسلحة العصرية المتطورة ينبئ عن هذه الحقيقة: إن بشر عالمنا تبدل إلي وحش مفترس نسي الإنسانية ، وترك سجاياها، وحول دنيانا

ص: 378

إلي مخازن للبارود مهيئة للانفجار في كل لحظة.

تتراءي الوحشه والاضطراب في كل مكان، والكل يخشي من وقوع حرب عالمية ثالثة تجتث أصول البشرية، وفي هذه البرهة تولد عند دول العالم المتطورة سوء ظن وشكوك بعضهم البعض الآخر بسبب حب التوشع والهيمنة، وليس هناك اطمئنان من اعتداء وهجوم أحدهما علي الآخر، ولذا انهمك جمع غفير من المهندسين المثقفين والمتخصصين بالعمل برواتب ومزايا خاصة؛ لتصنيع أحدث الأسلحة.

مسابقات الأسلحة الذرية الجنونية بين دول القوي العظمي المتطورة يجسم لنا انفجار العالم، ولازلنا نري بأعيينا كيف تنفق كل من الدول العظمي ملايين الدولارات لمحو غيرها وسحق الدول الأضعف، وكأنها باستمرار هذا الوضع تتهيأ لفناء الحياة والبشرية من علي المعمورة.

ويقول خبير سياسي عالمي في هذا المجال : «الأسلحة التي في حوزة أمريكا الآن قادرة علي أن تعدم خصمها - أي الاتحاد السوفياتي - 25 مرة، والأسلحة التي عند خصمها الاتحاد السوفياتي قادرة علي أن تهدم أمريكا 10 مرات، وكلا القدرات الموجودة عندنا وعند الاتحاد السوفياتي قادرة علي أن تفني البشرية 7 مرات»(1).

يقول «أنشتاين» - العالم والرياضي المعروف في أحد خطاباته: «البشر بمفترق طريقين، الحياة والممات، فهل يختار طريق الصلح والأمان، أم يستمر

ص: 379


1- حكومت عدل گستر : 211، نقلا عن «استراتژي صلح كندي» : 66.

في طريق الجاج والعناد؟»(1).

وقال هذا العالم في خطابه الآخر في مؤتمر نزع السلاح سنة 1932 م: «مثل تطور الماضين الباهر بيد هذا الجيل كشفرة قاطعة بيد طفل في الثالثة من عمره. أليس من المرعب أن نري قصور المحاكم شاهقة لإعدام المجرمين، ومن جهة أخري يجدون الآخرين لقتل الناس ؟! تأمل لحظة هذا التهافت القبيح !»(2).

نعم، أصبح وضع العالم الفعلي مرعبا ومقلقا، بحد جعل العلماء والمفكرين والسياسيين ومصلحي العالم في دوامة من اليأس والقلق. ولتوضيح ذلك إليك شرح التقرير المنشور من قبل «منظمة انسيتوي العالمية للصلح» حول مخزون العالم من القنابل النووية.

لكل نفر 15 طن من مادة ال-«تي - ان - تي»:

«أعلنت منظمة انسيتوي العالمية للصلح المستقرة في ستوكهولم: أن مخزون القنابل النووية في العالم بلغ حدا لو قسم علي أهل العالم لنال كل منهم 15 طنا من مادة ال-«تي - ان - تي». والأسلحة الذرية التي بحوزة حلف الناتو وحلف وارشو، بإزاء كل نفر 60 طنا.

كان هذا التقرير للإحصاء المريع قسما من مضمون كتاب «التسلح في عصر الذرة»، المنتشر بمناسبة مرور السنة العاشرة علي تأسيس منظمة انسيتوي العالمية للصلح. وهذه مؤسسة مستقلة أسسها البرلمان السويدي في سنة 1966 بمناسبة

ص: 380


1- حكومت عدل گستر : 211، نقلا عن «دنيايي كه من مي بينم» : 67 و 72. ويقول أنشتاين أيضا : إن اليوم الذي يسود العالم كله الصلح والصفاء ويكون الناس متحانين متآخين ليس ببعيد. المشرف.
2- حكومت عدل گستر : 212.

مرور 150 سنة لاستقرار الصلح في دولة السويد، لدراسة سبل تقوية الصلح.

و نشرحسب تخمين معتدل في هذا التقرير المذكور أن حدود 50 ألف «ميغاطن»(1)قنبلة ذرية مخزونة في العالم، وتبلغ أسلحة أمريكا والاتحاد السوفياتي النووية فقط - عدا الأسلحة النووية الاستراتيجية - 150 ألف قنبلة نووية تقريبا، من نوع القنابل التي ألقيت علي مدينة «هيروشيما».

وكذا جاء في هذا التقرير : أن أوروبا تختزن لوحدها حوالي 10 آلاف قنبلة ذرية تكتيكية، في حين لو ألقي عدد قليل من هذه القنابل علي تلك القارة لتركها ومن عليها بلقعا، بالإضافة إلي الخسائر الفادحة المتأتية من الإشعاعات النووية الحاصلة بعد القصف»(2).

نعم، ابن اليوم لم يستطع أن يسعد البشر ويخفف من آلامه، رغم التطور السريع في مجال الصناعة والعلم الذي مكنه أن يطأ القمر بأقدامه، فقد عجز عن حل أبسط المشاكل السياسية للمجتمعات البشرية، وها هي اليوم نيران الحرب والعنصرية والانحطاط الأخلاقي في العالم تضطرم اضطراما. وراح الخوف والوحشة والاضطراب والقلق والأسي واليأس والقنوط يحكم أرجاء، فلا يهدأ بال لدولة متطورة أو غير متطورة، فهي تمضي أيامها بالشعاب والمرارة.

«أزمة العصر الراهن سرقت النوم من عيون متفكري العالم ومصلحية، فهم يتطلعون إلي المستقبل بنظرات غريبة دقيقة؛ لأنهم يرون البشرية قد ملأت مفاعلاتها بأخطر وسائل الإبادة، واختزنت من الأسلحة النووية ما يمكن

ص: 381


1- ميغاطن : هي وحدة لقياس شدة انفجار القنبلة الهيدروجينية ، وأما القنابل الذرية فتقاس شدتها وقدرة تدميرها بالكيلوطن . المشرف.
2- حكومت عدل گستر: 224.

منها فقط أن يبيد كافة أمصار الأرض»(1).

2. انتقاد علماء الغرب للتحضر الحالي:

من المؤسف أن تطور العلوم الطبيعية واتساع سلطة المكنة لم يعد سببا للانحطاط الأخلاقي - وتحقير الإنسانية، وضياع قيمها في المجتمعات البشرية ، وجلب الويلات والمصائب الجمة في شؤون حياة الإنسان المختلفة - فحسب، بل أعطي للدول المتقدمة مجالا واسعا لحيازة آلات الحرب المتطورة، وجهز القوي العالمية بأقوي أسلحة الدمار الشامل ؛ الأمر الذي يهدد حياة وبقاء النسل البشري علي الكرة الأرضية، ولذا انتقد علماء الغرب هذا التمدن الفعلي وآثاره المشؤومة منذ مدة مديدة، ونهض عدد كبير منهم رافضا هذا التطور بالدليل والبرهان.

يعتقد جل علماء الغرب أن نفوذ سلطة المكننة العميق في جميع مظاهر حياة المجتمعات الغربية، حطم شخصية الإنسان، ونفي الإرادة والاستقلال، وقل من خلاقية الفكر وابتكار العلم، وجعل من الناس آلات صناعية.

يقول الدكتور «كارل» في مقدمة كتابه : وصل التطور الآلي إلي نقطة لايليق به النصر؛ لأنه يحدو نحو الانحطاط ؛ بحيث سحر جمال العلوم الطبيعية الفارغ البشر، وأنساهم أن أجسامهم وأرواحهم تابعة لقوانين مذهلة لا تتغير كقوانين النجوم، ولا يتأتي من تمردهم علي هذه القوانين إلا الضرر.

إذن من الضروري أن يتعرف الإنسان علي القوانين التي تربطه والطبيعة

ص: 382


1- اسرار عقب ماندگي شرق : 224.

والآخرين، وكذلك علي انسجام العلوم. وفي الحقيقة يجب أن نعرف الإنسان وأن نهتم به قبل كل شيء؛ لأن انحطاطه يؤدي إلي زوال حضارتنا، بل يزيل عظمة عالم الكواكب(1).

وفي هذا الباب يقول «لوي منفورد» في كتاب «أسطورة الآلة»: في الوقت الحاضر يتبع الغرب الآلة ؛ أي في الحقيقة أن الآلة هي التي تعين نوع حياتهم و تصوغها، والدول والمنظمات وإن كانت في الظاهر مقتدرة مختارة لكنها في الواقع عارية من الاختيار، وتتبع الآلة ومنطقها الخاص .

لقد تسلطت الأشياء والأجسام (أي البضاعة والإنتاج الآلي) علي الأوساط الاجتماعية المختلفة، وتزداد هذه السلطة المرعبة والفارغة والجامدة وتتقدم يوما بعد يوم

أصبح الناس والآلة توأما، مصيرهم واحد، وإنجاز العمل يعزي للأنظمة والتشكيلات الآلية، ولا ينعكس من الأفراد أي إبداع ، فظلت هيمنة الآلة كل شيء حتي العدالة والحرية والديمقراطية والرفاه، ولذا بات الأشخاص أمام هذاالنظام الاجتماعي العظيم كالآلة ؛ عديمي الإرادة والإحساس بشخصيتهم الإنسانية ، وعرفوا جيدا أن الدور في هذه النظم الجديدة قد تحول إلي الآلة دونهم(2).

ويقول «لوكونت دونون»(3): لقد تم التطور المادي السريع الناس، ولم يدع مجالا لحل المشاكل الواقعية، أي المسائل الإنسانية . وبدءا من سنة 1880 افتتن الناس بعظمة الاختراعات الجديدة المتتالية، فجعلهم كأطفال ذهبوا لمشاهدة

ص: 383


1- گفتار فلسفي ، أخلاق 2: 3، نقلا عن «انسان ناشناخته» : 7.
2- گفتار فلسفي ، أخلاق 2: 32، نقلا عن «غربت غرب»: 5.
3- لوكونت دونوئ : عالم بيولوجي فرنسي . المشرف.

ألعاب سيرك كبير لأول مرة فافتتنوا ونسوا أكلهم ونومهم، وأصبح هذا العرض المجلل مظهرة لواقع، وبدت القيم الإنسانية مظلمة أمام هذا النجم الجديد، وحلت بالمرتبة الثانية . كان الكثير من المفكرين مطلعين علي هذا السير الخاطئ وصوا بخطره، لكنهم لم يجدوا آذانا صاغية ؛ لأنه ظهر في الدنيا صنم جديد عجيب، وأصبح تعلق الناس بهذه الأشياء الجديدة عبادة صنمية، وصار العالم يتبدل كل يوم ويبدل لباس أمسه بلباس فاخر أفضل، وبات البشر مقهورا لقوي العلم غير المحدودة، فلم ينفع بعد نص الناصحين(1).

علي كل حال: مما لا شك ولا ترديد فيه أن التحضر الفعلي الحاكم في العالم لا يتماشي وطبيعة الإنسان وفطرته ؛ لأن الاهتمام في هذا التحضر بالجانب الحيواني للإنسان بلغ أوجه، وأهمل الجانب المعنوي الذي يشكل النصف المهم منه - ولذا لم يمكن لهذا التحضر أن يسعد الإنسان مع كل بريقه وزبرجه، ولم يداو آلام الناس ، ولم يعد الطريق لرفاهم وسعادتهم. «إن هيكل الحضارة الجديدة المذهل لا يتناسب مع الإنسان؛ لأنه لم يشيد وطبيعته وفطرته ومتطلباته ، ولا يليق بنا بالرغم من صنعه لنا وبأيدينا؛ لأنه وليد اكتشافات اتفاقية وتصورات وأهواء و نظريات و ميول. ومن الواضح أن العلم ما و تكامل بظهور عدة نوابغ بشكل عفوي، ولم يتبع منهجا مرسوما، ولم يكن منطلقا من إصلاح واقع الإنسان»(2).

ولا يخفي أن من المسائل التي دعت علماء الغرب ينظرون نظرة تشاؤمية إلي التحضير الجديد ودفعتهم للانتقاد، هي مسألة عدم الاستفادة العادلة من العلم

ص: 384


1- گفتار فلسفي ، أخلاق 19:2 ، نقلا عن «سرنوشت بشر»: 1.
2- گفتار فلسفي ، أخلاق 4:2 ، نقلا عن «إنسان ناشناخته»: 22.

والفن الحالي، وعدم مراعاة مصالح الناس والشعوب في هذه المنفعة؛ لأن بعض الدول استغلت قوي العلم والصناعة والف، وسيرتها لمقاصدها غير الإنسانية .

«ومن المسائل التي لفتت نظر محققي منظمة اليونسكو هو رأي وسلوك الشباب تجاه العلوم والتكنولوجيا؛ أي أنهم حاولوا أن يفهموا كيف ينظر الجيل الشاب للعلوم والتكنولوجيا؟ وما هي نظرياتهم عنها وعن مستقبلها؟ وللاطلاع علي هذا الأمر، تشكل مجمع قبل سنتين في هولندا بعنوان: «الشباب والعلم الحاضر في المجتمعات»، وكان المجتمعون جماعة من علماء الدول الغربية ، واليابان، وعددا من العلماء الشباب من الدول النامية، وكان الهدف من تشكيله الاطلاع علي آراء العلماء الشباب حول دور العلوم في المجتمع، وهاك بعض نتائج مذاكرات و مطالعات ذلك المجمع:

كان رأي العلماء الشباب من دول أمريكا وأروبا الغربية - مثل فرنسا وألمانيا وهولندا، حول العلوم والتكنولوجيا الجديدة - سلبيا وانتقاديا، قائلين: إن العلم لم يطرح حلولا مناسبة لمسائل عالمنا المهمة المتمثلة بالانفجارات الذرية ، المخاطر الناشئة من اختبارات الأسلحة الذرية ، انعدام وفساد البيئة ، ضياع المنابع الطبيعية ، تقليل المواد المعدنية، ازدياد عدد السكان، التخلف والفقر الاقتصادي ، ليس هذا فحسب، بل أصبح منشأ لكثير من الصعاب.

كان رأي العلماء الشباب هو السعي لعلم ذي طابع إنساني أكثر، يكون في خدمة الإنسان والأهداف الإنسانية حقا، ويجب سحق المصالح الفردية لكي يشق العلماء طريقهم نحو مسؤوليتهم الاجتماعية.

وبالجملة: فقد تغير حسن ظنهم المفرط بالنسبة للعلوم الجديدة وشكوا

ص: 385

وترددوا؛ لقد كانوا يعتقدون أن العلم الجديد لم يبحث جزئيات الحقائق، ولم يغتين بكلياتها، وأفصحوا عن رأيهم: أن نظرة وطريقة العلوم المتعارفة الجديدة يجب أن تتغير في باب التعليم والتحقيق، وكذلك في مجال استعمال التحقيقات العلمية في الصناعة، ويجب علي العلم أن يلبي التطلعات العالمية ومصلحة المجتمعات العامة، ويخرج من قبضة عدد معدود من دول العالم، وتبع طرق وقواعد تيسر للجميع الانتفاع من هذه العلوم، وأخيرا : لماذا هذا التفاوت بالانتفاع من هذه التكنلوجيا بين الدول؟»(1)

نعم، التطور الصناعي والآلئ بعد أن كان في خدمة الناس ورفاههم، أصبح وسيلة لتسخيرهم كوسائل و آلات حربية متطورة، وكأقوي وسائل فتاكة وتخريبية بيد جناة التاريخ.

وإذا كانت آثار الحرب العالمية الثانية ملايين من القتلي ، وآلاف من المعوقين، و تخريب مناطق الحرب، فواقع اليوم يخبر عن اندراس البشر، والخبراء يخبرون عن ذلك في حرب عالمية ثالثة محتملة، ويحتملون بوقوعها محو البشرية من علي الكرة الأرضية.

يقول «راسل» في كتابه : القنبلة الذرية وأكثر منها الهيدروجينية باتتا سببا لبروز اضطرابات جديدة جعلت من نتاج العلم عرضة للترديد أكثر فأكثر ، حتي أن بعض كبار العلماء أقروا بخطر محو الحياة من علي الكرة الأرضية، فإن صح احتمال وقوع الحروب في المستقبل فلابد لنا أن نقبل أحد خيارين: إما أن نطلق العنان للبشر لينهي حياته بنفسه، أو نرفع اليد عن بعض حرياتنا المنشودة. ولعلنا اليوم

ص: 386


1- گفتار فلسفي ، أخلاق 2: 35 - 36، نقلا عن «غربت غرب»: 51.

نعيش آخر مرحلة للحياة البشرية، فإن صح هذا فنحن مدينون للعلم في محو الحياة والقضاء عليها !! (1)

علي أية حال: اليوم لا يخفي علي أحد أن القوي العلمية والأمور الفنية والصناعة استغلت، وأضاعت حقوق الأمم، وجلبت للناس الشقاء والعناء. ألم تنفق في كل ساعة من ساعات الدنيا مليارات الدولارات للتسلح الدفاعي ، وملايين الدولارات لأجهزة الشرطة والقضاء، وفي نفس الوقت تزداد الجرائم لحظة بلحظة وأنا بعد آن؟! وقد وضع الجناة المتمرسون أنفسهم قيمين علي الناس؛ يتسابقون بالأسلحة المتطورة والخطرة لبقاء تسلطهم وتفوق أنظمتهم، وهذا يدل علي أن الطريق الذي سلكه البشر اليوم طريق خاطئ ، وإذا استمر الوضع كما هو فالعالم أمام مستقبل سيئ .

«ويقول الخبراء طبق إحدي الإحصائيات : مازال ينفق لتسليحات حكومات العالم ألف مليون دولار في كل دقيقة، مما يعادل 60 ألف مليون دولار في كل ساعة»(2).

3. اختراع الأسلحة الفتاكة والتكاليف الباهضة:

مما يبعث علي الأسف والحياء أن دنيا اليوم المتحضرة، تنفق أموالا طائلة التصنيع الأسلحة المتطورة بحجة حفظ أمن العالم، ولا تنفق شر هذه الأموال للتربية وتنمية الشعور بالمسؤولية، وإحياء السجايا الإنسانية، وهما العاملان

ص: 387


1- تأثير علم بر اجتماع : 146.
2- إمامت و مهدويت 2: 60، نقلا عن جريدة «رستاخيز» ، العدد 899، نقلا عن التقرير السنوي ۔ سنة 1978م - مؤسسة التحقيق العالمية ، المستقرة في استوكهولم

الأصليان لحفظ الأمن

وكتب كاتب كتاب «البشرية المضطربة» الدكتور «آدولف هوده» في إحدي الجرائد الألمانية : نفقات سباق التسليحات في السنوات العشر المقبلة 4000 مليارد دولار. لماذا لا يفيق العالم ؟ ولماذا لا تنفق هذه الأمول للتعليم والتربية ومكافحة الفقر؟ حقا ألا يمكن إبعاد شبح الحرب عن أذهان الناس بهذه الأموال ؟! فلماذا لا يستيقظ البشر ؟ لماذا يفكر الإنسان في أن يعبئ نفسه للحرب ليلا ونهارا ؟ فإذا استمر تكرنا بهذا المنوال فستضمحل القيم الإنسانية.

إن تكاليف التسلح أكثر بكثير من تكاليف التعليم العام في عالمنا الحالي، وتقول الأمم المتحدة: إن معدل مصارف جندي واحد 7800 دولارا في السنة، بينما لا يتجاوز معدل مصارف طالب 100 دولار في السنة. أي عالم هذا ؟ لماذا لا ننهض لنجاة البشر ؟ (1)

وهنا نسأل: ما الهدف من كل هذه المصارف والتكاليف الباهضة؟ هل انطوي دور حياة الإنسان والإنسانية ؟ هل قنط البشر من التربية والمعنويات وإحياء الأخلاق الإنسانية ؟ هل انحط الإنسان في دور التمدن الصناعي ولا يحده إلا الحرب والدمار واختراع الأسلحة العصرية المتطورة والفتاكة؟ ألا يكشف سباق التسلح وازدياد الأسلحة القتالة والمدمرة عن هذا الواقع؟

للأسف تبدل الإنسان في هذا العالم إلي مفترس و متجاوز ومتسلط، وجعل الإنسانية وراء ظهره، وراح يحث الخطي بمخالب أشد وأسنان أمضي من المفترسات لكي يصنع فاجعة عظيمة وموحشة، ويمحو البشرية بيده .

ص: 388


1- گفتار فلسفي ، أخلاق 2: 29- 30، نقلا عن جريدة «كيهان» بتاريخ 1351/2/21 ه- ش .

ألم يتجه العالم - بهذه الأسلحة الجديدة والمتطورة والمخربة يوما بعد يوم، بيدالجناة والحكام والمستبدين والمتسلطين والمغرورين والمتوسعين - نحو كارثة عظيمة ؟ وهل يمكن القول أن صنع هذه الأسلحة المدمرة والخطرة بأموال عظيمة لا تحصي كان عبثا؟

ولذا عند النظر لهذه الحقيقة يقول الخبراء العالميون: «إن مخزون القنابل النووية لدول العالم العظيمة يكفي لفناء الكرة الأرضية ليس لمرة واحدة بل 7 مرات»(1).

ألا يدل هذا الأمر علي أن عالمنا عليل وينحدر نحو كارثة عظيمة مذهلة ؟ بدون ترديد وبنظرة عابرة، تشهد القرائن أن الدنيا زاحفة نحو كارثة متولدة من تر العواطف، وازدياد الهوة بين المجتمعات الغنية والفقيرة، والاختلافات والمصادمات بين الدول الكبيرة والصغيرة، وازدياد الجنايات، والانحطاط الأخلاقي والروحي والفكري، و محصول الحياة الآلية وأمثالها»(2).

4. الحرب العالمية الثالثة حصيلة التطور الصناعي:

يستفاد من الروايات الإسلامية وإخبارات الأئمة: أن قبل ظهور الإمام ولي العصر عليه السلام تظهر الفتن والاضطرابات والانقلابات العسكرية، وخلال حرب عالمية يفني ثلث العالم، ويعقبه فناء ثلث آخر بمرض الطاعون.

ولتوضيح هذا المطلب إليك بعض الروايات :

ص: 389


1- مهدي انقلابي بزرگ : 17.
2- مهدي انقلابي بزرگ : 17.

1- روي عن أمير المؤمنين عليه السلام أنه قال: «لا يخرج المهدي حتي يقتل ثلث، ويموت ثلث، ويبقي ثلث»(1).

2 - وفي حديث آخر عنه عليه السلام ، قال : «بين يدي القائم عليه السلام موت أحمر ، و موت أبيض ... فأما الموت الأحمر فبالسيف ، وأما الموت الأبيض فالطاعون»(2).

3- ونقل أبو بصير ومحمد بن مسلم حديثا عن الإمام الصادق عليه السلام ، قال فيه : «لا يكون هذا الأمر حتي يذهب ثلثا الناس» . فقيل له : فإذا ذهب ثلثا الناس فما يبقي ؟ فقال عليه السلام: «أما ترضون أن تكونوا الثلث الباقي ؟!»(3)

4 . ونقل البزنطي عن الإمام الرضا عليه السلام، قال: «قدام هذا الأمر قتل بيوح» . قلت: وما البيوح؟ قال: «دائم لا يفتر»(4)

5- ووجد علي ظهر كتاب حديث مكتوب بخط الإمام الحسن العسكري عليه السلام ، قال فيه: «شيعتنا الفئة الناجية والفرقة الزاكية ، صاروا لنا ردءا وصوتا، وعلي الظلمة إلبا وعونا ، سيفجر لهم ينابيع الحيوان بعد لظي النيران»(5).

6 . وقال الإمام المهدي عليه السلام لبعض من تشرف بلقائه عن بعض علائم الظهور: «علامة ظهور أمري كثرة الهرج والمرج والفتن»(6).

ص: 390


1- عقد الدرر : 63.
2- غيبة النعماني : 277 ح 61، غيبة الطوسي : 267، بحارالأنوار 211:52 ح 59، عقد الدرر : 65
3- بحارالأنوار 207:52 ح 44.
4- بحارالأنوار 182:52 ح6، بشارة الإسلام: 162 الباب 9 «في علامات الظهور عن علي بن موسي عليه السلام»،
5- بشارة الاسلام: 168، بحارالأنوار 75: 378، نوائب الدهور 3: 336.
6- بشارة الاسلام : 169، بحارالأنوار 320:51 .

ونحن نكتفي بهذا المقدار من الروايات، وإن كان ما ورد عن النبي صلي الله عليه و آله، والأئمة المعصومين عليهم السلام حول علائم الظهور وفتن واضطرابات آخر الزمان كثيرا جدا.

وهنا نبحث مطلبا، وهو: قد يتصور البعض أن الروايات التي عكست حوادث وحروب آخر الزمان لا تخلو من إغراق ، ولكن الأمر ليس كذلك؛ فتلك الحوادث المتعلقة في آخر الزمان وردت في الكتب السماوية المقدسة علي لسان الأنبياء الماضين عليهم السلام ، وهذا يدل علي أن الحرب سيشتعل فتيلها في العالم عاجلا أم آجلا، وهي واقعة لا محالة، ولا تنتهي الحوادث الكثيرة الحاصلة في العالم إلا بظهور المنجي عليه السلام.

وإليك بشائر من التوراة والإنجيل:

جاء في التوراة: «ويكون في كل الأرض يقول الرب أن ثلثين منها يقطعان ويموتان ، و الثلث يبقي فيها . وأدخل الثلث في النار وأمحصهم كمحص الفضة ، وأمتحنهم امتحان الذهب . هو يدعو باسمي وأنا أجيبه . أقول هو شعبي وهو يقول الرب إلهي»(1).

وفي الإنجيل: «و تكون علامات في الشمس والقمر والنجوم . وعلي الأرض كرب أمم بحيرة ، البحر والأمواج تضج. والناس يغشي عليهم من خوف و انتظار ما يأتي علي المسكونة»(2).

نعم أيها القراء الأعزاء، يتحصل من مجموع الروايات و اخبارات الأئمة، أن مسألة الحرب في العالم اليوم - وإراقة الدماء، والمصادمات، والمناوشات -

ص: 391


1- التوراة ، كتاب زكريا النبي الباب 13، المقاطع 8 و 9.
2- إنجيل لوقا الباب 21، المقاطع 25 و 26.

ستنتهي إلي الحرب العالمية الثالثة، وظهور منجي العالم الوحيد، وبزوغ شمس الإمامة من أفق مكة المكرمة، فيقتل الظالمين والمتجاوزين، وينتقم لدماء المظلومين من الظالمين ، ويرجع كل حق إلي صاحبه، ويختم الشقاء إن شاء الله.

5.ضرورة إقامة حكومة عالمية:

مما لا شك فيه بالنظر إلي الوضع الحالي أن عالمنا في حالة سقوط، وأن البشر ينحدر نحو الزوال، وباستمرار هذا الوضع فإن بغاة الحرب وطلابها المتمرسين سيعلنون الحرب العالمية الثالثة، ويبذلون العالم إلي تل من تراب ورماد .

من جهة أخري رجعت نوافذ الأمل للتخلص من هذا الوضع، والمنظمات التي أسست لهذا الغرض لم تعط ثمارها، وأصبحت آلات بيد الدول العظمي ، إذن ما العمل ؟ كيف سيكون مستقبل البشرية بتصرفات قوي العالم السياسية الخطرة؟ هل سيستمر الوضع الحالي وينجر إلي فناء البشر ؟ وإذا وقعت حرب عالمية ثالثة فماذا سيجري علي سكان العالم؟

إن جواب كل عاقل يهتم بمصير البشرية هو: لابد من تشكيل حكومة عالمية واحدة مبنية علي أساس العدل والحرية؛ لانتشال العالم من الوضع المزري والحروب المدمرة، وتخليصه من المناوشات. وهنا يري علماء النفس والباحثون علاج هذه الآلام الوحيد في الرجوع إلي المعنويات؛ لكي يزاح كابوس اليأس والقنوط الموحش من أفق حياة الناس بمدير ومعونة الأديان والمذاهب، ويشرق نور الأمل والتطلع في العيون الحائرة لسكان العالم مرة أخري(1).

ص: 392


1- آيين زندگي ل-«ديل كارنيجي» : 50 الفصل الخامس «كيف تبعد عنك الاضطراب والقلق» .

نعم، الناس في كل زمان ومكان يتوقون - بسبب خناق الظالمين لهم طبق فطرتهم الذاتية - ظما للعدل والحرية، ويبحثون بلهفة عن منج لينقذهم مما هم فيه من الوضع المؤسف. وهذا هو الأمر الذي كان يتطلع إليه الأنبياء والمصلحون والأحرار وخبار العالم علي طول التاريخ، وللأسف لم يتحقق هذا الأمل والتطلع كما أرادوا، ونأمل أن يتحقق بالقريب العاجل بيد منجي البشرية الإمام المهدي الموعود عليه السلام ، إن شاء الله تعالي.

6. اعتراف العلماء بضرورة حكومة عالمية :

الاعتقاد بمستقبل نير وقيام حكومة عالمية واحدة سبيل الله وطريق المعنوية، والمتطابق مع الفطرة والطبيعة، ولذا يشترك الفلاسفة ومفكرو العالم العظام - الماديون منهم والالهيون - بهذه العقيدة، وينتظرون يوما تقام فيه حكومة عالمية واحدة علي أساس المعايير الإلهية والإنسانية، وتبلور عالم جديد، ينظري تحت ظل راية واحدة وقيادة واحدة، ينقذهم من الآلام والعذاب.

«فالطريق الوحيد الذي رسمه المفكرون العظام للتخلص من الحروب والتخاصم والتشنج الذي سينتهي إلي الحرب العالمية الثالثة - هو: يجب أن نزيل فكرة «التفضيل العرقي» من عقولنا، وتحل محلها «العالم وطني»، ونردم الحدود الجغرافية، ونشيد حكومة عالمية واحدة قوامها العدل والحرية»(1).

وإليك نصوص ونظريات بعض علماء العالم المشهورين:

1- أنشتاين - العالم الفيزيائي الكبير - يعتقد أنه يمكن ويجب أن تعيش

ص: 393


1- او خواهد آمد : 75.

طوائف العالم المختلفة تحت ظل راية واحدة في صلح و مساواة وأخوة، وراح يقول في أهمية الحكومة العالمية الواحدة في حياة الإنسان: «تعدد الحكومات يؤدي إلي فناء البشر شئنا أم أبينا، وللناس أحد خيارين: إما أن تقام حكومة عالمية بإدارة قوة عالمية، أو أن تبقي الحكومات الفعلية كما عليه الآن وسيؤدي هذا إلي انعدام البشرية»(1).

2 - برتراندراسل - عالم و فيلسوف بريطاني مشهور - دافع بقوة عن لزوم قيام حكومة عالمية واحدة، ويعتقد أن عدم تشكيلها ينجر إلي انعدام البشر. وكتب ضمن بحث مهم: «ليس هناك عقبة في طريق إقامة إمبراطورية عالمية واسعة، وبما أن آثار دمار حروب القرون الماضية لا تزال عالقة، فإما أن نختار حكومة عالمية واحدة، أو نعود إلي عصر البربرية ونرضي بقطع نسل البشر»(2).

ويشير هذا العالم في مكان آخر إلي سبب الحروب وتضارب منافع الحكومات المتعددة، ويؤكد مرة أخري علي لزوم تشكيل حكومة واحدة ، ويقول: «إن لم تلق الحكومة العالمية الواحدة بظلالها علي الدنيا، فالتنافس بين الدول المختلفة لنيل القدرة قائم، وبما أن ازدياد عدد السكان يصحب معه خطر الجوع، فإن الاقتدار الوطني هو الطريق الوحيد لصده .. وهذه الحقائق تثبت لنا بأن لا ثبات ولا دوام لدنيا العلم إلا بحكومة عالمية»(3).

3 - فولتير الفرنسي: «وما تمني أحد العظمة لمنه إلا علي حساب شقاء

ص: 394


1- جهان بعد از ظهور : 80، نقلا عن «مفهوم نسبيت انشتاين»: 35.
2- تأثير علم بر اجتماع : 56.
3- تأثير علم بر اجتماع : 199.

وضياع الآخرين»(1).

4 - البروفسور آرنولد توينبي (2)- من الشخصيات البريطانية المفكرة - أشار في مؤتمر صلح نيويورك إلي ضرورة تشكيل حكومة عالمية واحدة، وقال: «الطريق الوحيد للصلح ونجاة البشر هو قيام حكومة عالمية واحدة، والحد من انتشار الأسلحة النووية»(3).

5- وليم لوكا اريسون، فيلسوف امريكي : «نحن نقر بمملكة واحدة وقانون واحد وقاضي واحد وحاكم واحد، وكل مدن الدنيا مدننا، وكل فرد من المجتمعات البشرية ابن مدينتنا وابن وطننا. نحن نحب مدننا بقدر ما نحب مدن الآخرين»(4).

6- دانتي(5)، أديب إيطالي شهير: «من الواجب أن تأتمر الأرض ومن يعيش عليها من الناس بأمر أمير وأحد يملك كل ما يحتاجون إليه ؛ لكي لا تقع حرب، ويسود الصلح والاستقرار»(6).

ص: 395


1- إمامت و مهدويت 2: 332، الهامش.
2- آرنولد جوزيف توينبي (1989م - 1975م) : مؤرخ مشهور، أصبح استاذا للتاريخ العالمي في جامعة لندن عام 1925م. المشرف.
3- حكومت عدل گستر : 225 ، نقلا عن «مشكلات روز واطلاعات» العدد 11617.
4- إمامت و مهدويت 2: 332.
5- دانتي أليجيري (1265م . 1321م) : أحد أكبر شعراء ايطاليا في القرون الوسطي، تعد ملحمته «الكوميديا الإلهية» من بين الأعمال الكبري في عالم الأدب . يعد دانتي مفكرا شهيرا وواحدا من أكبر مثقفي عصره. ولد دانستي بفلورنسا وتلقي تعليما زاخرا بموضوعاته الكلاسيكية والنصرانية . المشرف.
6- إمامت و مهدويت 2: 332.

7- كانت (1)الفيلسوف الألماني المشهور: «استقرار النظام العالمي يتطلب وضع قانون عالمي واحد، وهذه هي غاية الأديان، وما جاء به الأنبياء في العهد السابق تحقيقا لهذا الأمر، وهكذا أرادوا أن يزيلوا الظلمة بالنور»(2).

نعم، ظهرت اليوم شريحة واسعة في العالم من علماء وعلماء النفس، راسمة طريق نجاة البشر بالعودة إلي ذاته، وإقامة حكومة عالمية واحدة، معتقد بعدم استمرارية أوضاع العالم الحالية، وأن العالم علي مفرق طريقين : الحياة والممات.

إن عناية العلماء الخاصة بالعودة إلي المعنوية، و«تشكيل حكومة عالمية واحدة»، يدل علي يأسهم من حملة مشعل الفكر والعلوم المادية، وأصحاب التحضر، وحكومات العالم الفعلية، وانقطاع أملهم من مزاعم دعاة الحرية والإنسانية لتحرير المحرومين والمستضعفين من مخالب جناة التاريخ.

هذا اليأس الكامل من حملة العلوم المادية والتحضر الفعلي وحكومات العالم طفح وبا علي شريحة من العلماء بعد التأكد والانتباه لخطر التطور الصناعي،وبعد أن لاحت معالمه لهم وللمفكرين والخيرين، فوقفوا مع المحرومين والمستضعفين في خندق واحد؛ ليسوقوا قافلة البشرية نحو المعنويات، مستضيئين بهداية وتعاليم القادة السماويين، والحركة المباركة للجيل الجديد نحو الطريق السوي، موقدة مشعلا هادي للتائهين في ظلمة الضلالة والجهالة، مهيئة أرضية عامة الأفكار لظهور المصلح العالمي.

ولا يخفي أن هدفنا من نقل نظريات هؤلاء العلماء ليس هو تبين أن الحكومة

ص: 396


1- إ يمانويل كانت : فيلسوف ألماني عاش في القرن الثامن عشر الميلادي ، صاحب الفلسفة النقدية أو الفلسفة المتعالية ، وهي جمع بين الفلسفتين العقلائية والتجريبية . المشرف.
2- بياد حضرت مهدي عليه السلام : 62.

العالمية الواحدة التي أذعنوا لها وأقروا بها، هي الحكومة العالمية الإسلامية الواحدة التي يعتقد بها المسلمون وبالأخص الشيعة؛ لأن الحكومة العالمية التي أشار إليها أكثر هؤلاء العلماء لن تتحقق، وإذا تحققت فلا ضامن(1) لتطبيق قوانينها وإجراءاتها، فإذا تحققت وحصلت في العالم - علي جهة فرض المحال - فسيكون حالها حال المنظمات والمجاميع الدولية عديمة المنفعة والفائدة.

كل ما نريد أن نقوله هو: أن علماء ومفكري العالم المطلعين علي خطورة القنابل النووية، تتطابق نظراتهم مع نظرة الإسلام والميول الفطرية للبشر، وأن اعتقادهم بالحكومة العالمية والواحدة يتماشي وعقيدة الإسلام والشيعة، هذا من جهة، ومن جهة أخري نري كيف أن دنيا اليوم تقترب تدريجيا وخطوة خطوة من الأهداف الإسلامية، والناس يهيوون أنفسهم لتقبل حكومة عالمية إسلامية ، وظهور المصلح الرباني والموعود السماوي.

فتحصل مما ذكرنا: أن الظروف الحاكمة علي الخلق والناس منفك عن الفطرة وطبيعة الإنسان، والمتسلط علي الدنيا سبيل الشيطان والأهواء، والمتغلب علي المجتمعات الشهوات ولوث الشرك القائم بخلاف القيم الإلهية والفطرية ، فالانسلاخ من هكذا نظام طبعا يتطلب طفرة سريعة وثورة عامة وعارمة.

نعم، لقد أصبح هدف أكثر الناس في عالمنا هذا الاستبداد والاستغلال والأهواء، ونبذوا الفضائل والعدل والإنصاف والفتوة وراء ظهورهم، وأزيلت الأخلاق والمعنويات من المجتمعات البشرية، وانبهر الناس بالتقدم العلمي والفتي وسحروا بعالم الطبيعة بحيث أنساهم عالم الخلقة، فتنصلوا عن العقيدة،

ص: 397


1- أي لا شخص معصوم يضمن عدالة إجراءات وتطبيقات قوانين هذه الحكومة . المشرف.

وغضوا النظر عن المعارف الإلهية، واختاروا طريق العصيان والطغيان وسبيل الشيطان .

فما أحوجنا في هذه الظروف إلي إمام عادل وقائد رباني ، يأتي بقدرة جبارة، وأمر لا يتغير، وبقوة أزلية سرمدية، يطهر الأرض من وجود الظالمين والجناة ، وينجي الأمة من الفساد والضلال، والناس من مخالب الظلم والجور، ويرسي العدالة في العالم، ويقيم القيم الإنسانية في المجتمع، ويهدي هذا الجيل البعيد عن الأخلاق والمعنويات إلي الله، ويستأصل الكفر والإلحاد، ويسود العالم الاطمئنان والاستقرار، ولا يبقي أثرا للظلم والجهل، والكل يودون الله ويعبدونه، ولا يري من أحد إلا التقوي والفضيلة والصفاء، ولا يخشي أحد أحدا.

علي أية حال: البحث في نظام الخلقة وقانون التكامل، واللوازم الاجتماعية ، والمتطلبات الفطرية والطبيعية، والولع بالعدالة والصلح، وبشائر الكتب السماوية ، كل هذه تدل علي عدم استمرارية أوضاع العالم الحالي علي ما هي عليه، وأن العالم بانتظار صبح مشمس، وفي المستقبل القريب سيتغير وجه العالم القبيح، وتتحرر البشرية من قبضة الظلم والجور، وينتهي الفساد والانحراف ، و تهتز راية التوحيد علي كل البسيطة خفاقة، وتمتلئ الدنيا بالقسط والعدل.

وجدير بالذكر أنه قد اتضح من خلال الآيات والروايات وبشائر الكتب المقدسة أن المصلح الموعود من نسل نبي الإسلام، واسمه المهدي.

ومن المناسب أن نشير هنا إلي أن مسألة ظهور الإمام المهدي عليه السلام- و تشكيل الحكومة العالمية الواحدة علي يد ذاك المصلح الغيبي، وعالمية الإسلام - بالإضافة إلي أن الروايات الإسلامية أشارت إليها، كذلك أشار إليها بعض المتنبئين

ص: 398

من الكهنة، ونقدم إلي القراء الأعزاء تنبؤة واحدة عن أشهر المتنبئين في التاريخ:

7. خبر سطيح الكاهن حول المصلح الموعود:

نقل العلامة المجلسي في «بحارالأنوار» خبرا عن «مشارق الأنوار» للحافظ رجب البرسي - من علماء الشيعة ومحدثيهم - حول ظهور الإمام صاحب الزمان عليه السلام، عن سطيح الكاهن، قال : إن ذايزن الملك أرسل إلي سطيح لأمر شك فيه ، فلما قدم عليه أراد أن يجرب علمه قبل حكمه، فخبأ له دينارا تحت قدمه ، ثم أذن له فدخل، فقال له الملك: ما خبأت لك يا سطيح؟

فقال سطيح : حلفت بالبيت والحرم، والحجر الأصم، والليل إذا أظلم، والصبح إذا تبسم، وبكل فصيح وأبكم، لقد خبأت لي دينارا بين النعل والقدم .

فقال الملك: من أين علمك هذا يا سطيح؟

فقال : من قبل أخ لي جني ينزل معي أني نزلت .

فقال الملك : أخبرني عما يكون في الدهور.

فقال سطيح: إذا غارت الأخيار، وقادت الأشرار، و كذب بالأقدار، وحمل المال بالأوقار، وخشعت الأبصار، لحامل الأوزار، وقطعت الأرحام، وظهرت الطعام، المستحلي الحرام ، في حرمة الإسلام، واختلفت الكلمة، وخفرت الذمة ، وقلبي الحرمة، وذلك عند طلوع الكوكب الذي يفزع العرب، وله شبيه الذنب ،فهناك تنقطع الأمطار، وتجف الأنهار، وتختلف الأعصار، وتغلو الأسعار، في جميع الأقطار.

ثم تقبل البربر بالرايات الصفر، علي البراذين البتر، حتي ينزلوا مصر ، فيخرج

ص: 399

رجل من ولد صخر(1)، فيبدل الرايات السود بالحمر، فيبيح المحرمات، ويترك النساء بالدايا معلقات، وهو صاحب نهب الكوفة ...

فعندها يظهر ابن النبي المهدي، وذلك إذا قيل المظلوم بيثرب، وابن عمه في الحرم، و ظهر الخفي، فوافق الوسمي، فعند ذلك يقبل المشؤوم، بجمعه الظلوم، فتظاهر الروم، بقتل القروم، فعندها ينكسف كسوف، إذا جاء الزحوف، وصف الصفوف.

ثم يخرج ملك من صنعاء اليمن، أبيض كالقطن اسمه حسين أو حسن، فيذهب بخروجه غمر [عمر - خ ل] الفتن، فهناك يظهر مباركا زكيا، وهاديا مهديا، وسيدا علويا ، فيفرح الناس إذا أتاهم، بمن الله الذي هداهم، فيشف بنوره الظلماء، ويظهر به الحق بعد الخفاء، ويفرق الأموال في الناس بالسواء، ويغمد السيف فلا يسفك الدماء، ويعيش الناس في البشر والهناء، ويغسل بماء عدله عين الدهر من القذاء، ويرد الحق علي أهل القري، ويكثر في الناس الضيافة والقري، ويرفع بعدله الغواية والعمي، كأنه كان غبار فانجلي ، فيملأ الأرض عدلا وقسطأ والأيام حبا (2).

سنظل بأمل ذلك اليوم وشوقي انتظار طلوعه المبارك، وظهور أمل كل الأمم؛ آخر حجج الله تعالي الإمام المهدي عليه السلام، واستقرار حكومته الفاضلة في الكرة الأرضية ، ليظلل القسط والعدل العالم بأسره، وتستضيء العيون التي رمدت من طول الانتظار بشروق شمسه الوقادة .

ص: 400


1- صخر : اسم أبي سفيان والد معاوية ، والمقصود من العبارة هنا السفياني المشهور .
2- بحارالأنوار 51: 162، مشارق أنوار اليقين في أسرار أمير المؤمنين عليه السلام : 130.

القسم الثاني عشر: الصورة الحقيقية لظهور الإمام المهدي عليه السلام:

اشارة

ويشمل

1. بعض خصائص الإمام المهدي عليه السلام؟

2. أنصار الإمام المهدي عليه السلام

3. وقت ظهور الإمام المهدي عليه السلام

. مدة حكومته الحقة

ص: 401

ص: 402

إن الدين الإسلامي المبين - طبق آيات القرآن الكريم السالفة - دين البشرية في العالم، ودين أمم العالم. ووعد الله بغلبة هذا الدين الحنيف علي الدين كله، وإقامة نظام العالم علي أساس الإيمان بالله ، والأحكام الاسلامية، وقوانين القرآن الكريم الخالد؛ حيث تطبق العدالة بما تحمل الكلمة من معني، وتعيش البشرية بنعمة الأمن والاطمئنان، وهو الذي أرسل وله بالهدي ودين الحق ليظهره علي الدين كله 4، تأويل هذه الآية يتحقق عند ظهور الإمام المهدي إلا علي ما نطقت به روايات الأئمة المعصومين عل الكثيرة.

وبالنظر إلي الآيات التي يرت، ووعد الله للبشرية عن مستقبل الإسلام والعالم، نقف علي حقيقة قرآنية وأمر محتوم لا يخلف ، وهو : بسط الإسلام في العالم وغلبته علي سائر الأديان، وتشييد حكومة عالمية واحدة بقيادة الصالحين في آخر الزمان .

ومما لا ترديد فيه أن هذا الوعد الإلهي لم يتحقق كما أراد الله تعالي منذ بزوغ فجر الإسلام وإلي الآن، لأن الأديان الباطلة والمحرفة مازالت تحكم في العالم علي كثير من الناس .

إذن هل يمكن القول بأن الله تعالي يخلف ما وعد - والعياذ بالله - ؟ مما لا ريب

ص: 403

ولا شك فيه أن الله تعالي لن يخلف وعده ؛ إذ يقول القرآن الكريم عن ذلك: «فَلَا تَحْسَبَنَّ اللَّهَ مُخْلِفَ وَعْدِهِ رُسُلَهُ»(1).

إذن لا ريب أن دين الإسلام سيغلب كافة الأديان في يوم ما، ولا يحكم الدنيا دين غيره آنذاك. ولتحقق هذا الوعد الإلهي لابد من وجود قائد إلهي وسماوي وروحاني يظهر مؤيدا بقدرة الله اللامحدودة، ويقيم الحكومة الإسلامية العالمية الواحدة علي أساس العدالة والحرية، ويسوق كافة الناس بحرب ضروس إلي كلمة التوحيد، ويبدل الكرة الأرضية بدولة واحدة وأمة واحدة وحكومة واحدة ، ويجتث الكفر والإلحاد، ويمحو الفقر والجهل والظلم بتطبيق الأحكام الإسلامية .

«... الإسلام لا يعترف ولا يقر بالحدود الجغرافية والسياسية التي بنيت في العالم علي القومية واللغة، وكذا الظروف الإقليمية والجغرافية وأمثالها، ويعتبر العالم وأرض الله الواسعة وطنا للإنسان، ويؤمن بضرورة قيام حكومة عالمية واحدة تحقق تطلعات الناس الواقعية، وحل مشكلات العالم المستعصية والتزمت الديني والقومي والعرقي بطرح شعار «العالم وطني»، كما وحد الإسلام بين العربي والرومي والفارسي والتركي والحبشي حين طلوعه في وسط التعصبات الدينية والقومية.

وإذا لم يطبق هذا الطرح آنذاك كاملا؛ لعدم تحمل أفكار الناس لحكومة موحدة، فهذا لا يعني استمرارية الحال علي ما هو عليه، بل - وفق قانون التكامل

ص: 404


1- إبراهيم : 47.

وعلي ما نطقت به الآيات والروايات - سيتولد هذا الاستعداد في عالم البشرية ، وسيأتي يوم تغمر الصحو فيه أفكار الناس، وسييأسون من القوانين الوضعية والبرامج المختلفة والمحكام الطواغيت، ولا يجدون بدا لحل معضلاتهم إلا ابتغاء سبيل الأنبياء

نعم، ذخر الله تبارك وتعالي المهدي الموعود عليه السلام لمثل هذا اليوم الحساس، وأودعه قوانين و برامج الإسلام الحياتية، وبلا ترديد فإن المهدي الموعود عليه السلام سيظهر في وقت فيه الناس مستعدون لقبول حكومة عالمية واحدة؛ ولذا تنحل الحكومات الوضعية في العالم بسرعة الواحدة تلو الأخري، ويتوحد الناس في مشارق الأرض ومغاربها تحت راية التوحيد»(1).

كل ما يتحصل من وعود القرآن الكريم الصريحة عن مستقبل الإسلام هو : أن العالم سيكون أمة واحدة ومجتمعا واحدة، وأن العالم - مهما كان ومهما حصل؛ حربا أم صلحا - سيقترب نحو هذا الهدف، ويمضي باتجاه حكومة عالمية موحدة ، حكومة كان تحقيقها خلال الأربعة عشر قرنا الماضية محاط عاديا، لكن أصبح إمكان تحقيقها اليوم - مع تطور البشر السريع في العلم والصناعة والتكنولوجيا أكثر فأكثر - بحد صرح معه كثير من علماء وسياسي العالم بضرورتها و تقبلها بعنوان أنها برنامج مهم و متيسر. إن المجتمعات البشريةتعد نفسها لمثل هذا اليوم لما لاقت من ظلم وجور الحكام .

ص: 405


1- او خواهد آمد : 151.

والآن هنا سؤال يطرح نفسه : ما هي مؤهلات الإمام المهدي عليه السلام التي تؤهله للنزال مع دول العالم العظمي والغلبة عليهم، وقيام حكومة واحدة لإدارة العالم؟ وما هي خصوصيات أنصاره الذين ينصرونه في تشكيل حكومته الشاملة ؟

نجيب علي هذين السؤالين من خلال الآيات والروايات:

1. بعض خصائص الإمام المهدي عليه السلام

أ- يظهر الإمام المهدي عليه السلام ومعه مواريث الأنبياء عليهم السلام

المستفاد من مجموع الروايات الواردة في موضوع ظهور الإمام المهدي عليه السلام ، أن ظهوره عليه السلام المبارك يكون علي أساس قدرة الله تعالي غير المحدودة، لهذا يسخر الله تبارك وتعالي لوليه الأعظم كل وسائل وإمكانات الغلبة والنصر، ومنها مواريث أنبياء الله العظام: كخاتم سليمان عليه السلام ، وقميص النبي آدم عليه السلام الخاص، وعصا موسي عليه السلام، وسيف وقميص رسول الله صلي الله عليه و آله، وباقي مواريث أنبياء الله العظام.

«لم يكن رمز سيطرة النبي سليمان عليه السلام علي العالم وسلطته علي كل الموجودات في الأرض إلا خاتمه الأعظم، وهذا الخاتم بكامل خصوصياته بيد مولانا و مولي العالم الإمام صاحب الزمان عليه السلام.

عصا النبي موسي - التي ضرب بها نهر النيل فانفلق اثني عشر فرقا فكان كل فرق كالطود العظيم، وغرق فرعون وجنوده البالغ عددهم مليون جندي - هذه

ص: 406

العصا عند بقية الله الأعظم عليه السلام الآن»(1).

علما بأن هذه الآلات والإمكانات المحيرة للعقول والتي تفوق تصور الإنسان، لن تكون عند أحد، بل هي منحصرة بالإمام المعصوم المذخور لإصلاح العالم، فهو المتغلب علي هواه، والذي بيده زمام الغرائز، لا يزيغ ولا يغلط.

ولإيضاح المطلب إليك بعض الروايات:

1- نقل حذيفة بن اليمان حديث عن نبي الإسلام الأكرم صلي الله عليه و آله حول بعض فتوحات الإمام المهدي عليه السلام ، قال فيه: «ويستخرجون منها حلي بيت المقدس ، والتابوت الذي فيه السكينة ، ومائدة بني إسرائيل ، ورضاضة الألواح، وعصا موسي ، و منبر سليمان ، و قفيزين (2) من الم الذي أنزل الله تعالي علي بني إسرائيل ؛ أشد بياضا من اللبن»(3).

2 - وفي رواية أخري، عن سليمان بن عيسي، قال: بلغني: «أته علي يدي المهدي يظهر تابوت السكينة من بحيرة طبرية ، حتي يحمل فيوضع بين يديه بيت المقدس ، فإذا نظرت إليه اليهود أسلمت إلا قليلا منهم»(4).

تنبيه: «إن جواهر بيت المقدس من أعظم وأثمن نفائس العالم، مخفية تحت الأرض، ويستخرجها بقية الله الأعظم. أما تابوت السكينة فيمكن القول أنه من

ص: 407


1- جهان بعد از ظهور: 55.
2- القفيز : وحدة من وحدات الوزن ، تعادل 90 رطلا عراقيا .
3- عقد الدرر : 197، الزام الناصب 2: 299.
4- الملاحم والفتن : 150 الباب 154.

الأسرار الإلهية، وقيل: أنه كلما حملوه إلي مدينة حرقها، وإلي أي دولة حملوه يدرسها ويعدمها من الوجود، مثله كمثل قنابل اليوم الذرية والهيدروجينية والنيترونية بل أشد منها، وهكذا يجهز الله تبارك وتعالي حجته بعصا موسي، وتابوت السكينة؛ حتي لا تثبت أسلحة القرن الحاضر أمامها»(1).

3- قال أمير المؤمنين عليه السلام ضمن حديث: «همهمة همهمة ، و ليلة مظلمة ، خرج عليكم الإمام عليه قميص آدم ، وفي يده خاتم سليمان، وعصا موسي عليه السلام»(2).

4 - وقال عليه السلام في خطبة طويلة بعد ذكر أصحاب القائم : «ويسير نحو الكوفة علي سرير النبي سليمان ..... و بيمينه عصا موسي ، وجليسه روح الأمين و عيسي ابن مريم ، متشحا ببرد النبي ، متقلدا بذي الفقار ، ووجهه كدائرة القمر في ليالي كماله ، يخرج من بين ثناياه نور كالبرق الساطع ، علي رأسه تاج من نور»(3).

5 . وقال الإمام الباقر عليه السلام عن عصا النبي موسي عليه السلام: «كانت عصا موسي لآدم عليه السلام، فصارت إلي شعيب ، ثم صارت إلي موسي بن عمران ، وإنها لعندنا ، وإن عهدي بها آنفا وهي خضراء كھيئتها حين انتزعت من شجرتها ، وإنها لتنطق إذا استنطقت ، أعدت لقائمنا عليه السلام يصنع بها ما كان يصنع موسي ، وإنها لتروع وتلقف ما يأفكون وتصنع ما تؤمر به»(4).

ص: 408


1- روزگار رهايي 1: 520.
2- الكافي 1: 231 ح 4.
3- إلزام الناصب 2: 230
4- الكافي 1: 231 ح 1. وانظر أوصاف عصا موسي عليه السلام في مجمع البحرين 2: 6 مادة «أرب» .

6- وقال علي في حديث له: «إذا ظهر القائم عليه السلام ظهر براية رسول الله صلي الله عليه و آله، وخاتم سليمان ، وحجر موسي وعصاه»(1).

7- وفي حديث آخر يخبر عليه السلام عن اسم الإمام المهدي عليه السلام: «إنما سمي المهدي مهديا ، لأنه هدي إلي أمر خفي ، ويستخرج التوراة وسائر كتب الله عز وجل من غار ، ويحكم بين أهل التوراة بالتوراة ، وبين أهل الإنجيل بالإنجيل ، وبين أهل الزبور بالزبور ، وبين أهل القرآن بالقرآن»(2).

8- وعن يعقوب السراج، قال: قلت لأبي عبدالله عليه السلام : متي فرج شيعتكم؟ قال: «إذا ... وخرج صاحب هذا الأمر من المدينة إلي مكة بتراث رسول الله صلي الله عليه و آله» ، فقلت : ما تراث رسول الله صلي الله عليه و آله؟ قال : «سيف رسول الله صلي الله عليه و آله، ودرعه ، وعمامته ، وبرده ، و قضيبه ، ورايته ، ولامته ، وسرجه ، حتي ينزل مكة ، فيخرج السيف من غمده ، ويلبس الدرع ، وينشر الراية والبردة والعمامة ، ويتناول القضيب بيده ، ويستأذن الله في ظهوره»(3).

نعم، الإمام المهدي عليه السلام يظهر بمواريث الأنبياء، وبها يتم الحجة علي جميع أمم الدنيا المختلفة والمسلمين، ولا يترك عذرا لأهل الأديان حتي يدخل الجميع في الإسلام، ولا تبقي بقعة في الأرض إلا نودي عليها ب-«لا إله إلا الله، ومحمد رسول الله صلي الله عليه و آله ».

ص: 409


1- غيبة النعماني : 238 ح 28.
2- غيبة النعماني : 237 ح 26.
3- الكافي 8: 226 ح 285، بحارالأنوار 301:52 ح 66.

ب - الإمام المهدي عليه السلام تنصره الملائكة

روايات الأئمة المعصومين عليهم السلام الحاكية عن عدد أصحاب الإمام المهدي عليه السلام كثيرة، تعين عددهم ب-313 شخصا هم قادة جيش ودولة الإمام عليه السلام، بهم يفتح الله تبارك وتعالي مشارق الأرض ومغاربها، ويؤيده بالملائكة، وينجز وعده، ويستأصل الكفر والشرك والإلحاد، ويظهر دين الحق علي الأرض.

وإليك قسما من الروايات الواردة في هذا الباب:

1- عن ابن عباس ، قال : قال رسول الله صلي الله عليه و آله: «إن الله تبارك و تعالي اطلع إلي الأرض اطلاعة فاختارني منها فجعلني نبيا . ثم اطلع الثانية فاختار منها عليا فجعله إماما ، ثم أمرني أن أخذه أخا ووصيا خليفة ووزيرا ، فعلي مني وأنا من علي ، وهو زوج ابنتي ، وأبو سبطي الحسن والحسين . ألا وإن الله تبارك و تعالي جعلني وإياهم حججا علي عباده ، وجعل من صلب الحسين عليه السلام أئمة يقولون بأمري، ويحفظون وصيتي ، التاسع منهم قائم أهل بيتي ، ومهدي أمتي ، أشبه الناس بي في شمائله وأقواله وأفعاله، يظهر بعد غيبة طويلة، وحيرة مضلة ، فيعلن أمر الله ، ويظهر دين الحق، ويؤيد بنصر الله ، وينصر بملائكة الله ، فيملا الأرض عدلا وقسطا كما ملئت جورا و ظلما»(1).

2. ونقل الإمام الحسن المجتبي عليه السلام حديثا عن أمير المؤمنين عليه السلام، قال فيه: «يبعث الله رجلا في آخر الزمان وكلب من الدهر وجهل من الناس ، يؤيده الله

ص: 410


1- كفاية الأثر: 10، منتخب الأثر: 81، كمال الدين : 257 الباب 24 ح 2.

بملائكته ، ويعصم أنصاره، وينصره بآياته ، ويظهره علي الأرض حتي يدينوا طوعا أو كرها ، يملأ الأرض عدلا وقسطأ ونورا وبرهانا ، يدين له عرض البلاد وطولها . لا يبقي كافر إلا آمن ، ولا طالح إلا صلح»(1).

3- وروي أبو حمزة الثمالي ، عن الإمام الباقر عليه السلام ، قال : «لو قد خرج قائم آل محمد ، نصره الله بالملائكة المسومين والمردفين والمنزلين والكروبيين . يكون جبرئيل أمامه، و ميكائيل عن يمينه ، وإسرافيل عن يساره، و الرعب يسير مسيرة شهر أمامه وخلفه وعن يمينه وعن شماله ، والملائكةالمقربون حذاءه ... ومعه سيف مخترط ، يفتح الله له الروم والديلم والسند و السند وكابل شاه والخزر»(2).

4 - وروي عبدالرحمن بن كثير، عن الإمام الصادق عليه السلام في تفسير الآية الشريفة: «أَتَي أَمْرُ اللَّهِ فَلَا تَسْتَعْجِلُوهُ »(3)، قال عليه السلام: «هو أمرنا ، أمر الله عز وجل ألا نستعجل به ، حتي يؤيده بثلاثة أجناد : بالملائكة ، وبالمؤمنين ، وبالرعب ، وخروجه كخروج رسول الله»(4)

5 - وروي أبان بن تغلب ، عن الإمام الصادق عليه السلام ، قال: «فينحط عليه ثلاث عشر ألف ملك وثلاثمائة وثلاثة عشر ملكا»، قلت : كل هؤلاء الملائكة ؟ قال :

ص: 411


1- بشارة الاسلام : 197، بحارالأنوار 280:52 ح 6، منتخب الأثر : 487 ح 2.
2- غيبة النعماني : 234ح 22، بشارة الاسلام : 118.
3- النحل : 1.
4- غيبة النعماني : 243 الباب 13 ح 43، المحجة فيما نزل في القائم الحجة : 115.

«نعم ، الذين كانوا مع نوح في السفينة ، والذين كانوا مع إبراهيم حين ألقي في النار ، والذين كانوا مع موسي حين فلق البحر لبني إسرائيل ، والذين كانوا مع عيسي حين رفعه الله إليه ، و أربعة آلاف ملك مع النبي صلي الله عليه و آله مسومين ، يؤذن لهم في القتال ... وكل هؤلاء في الأرض ينتظرون قيام القائم عليه السلام»(1).

يستفاد من هذه الروايات أن ملائكة الله المقربين يكونون خدام مهدي آل محمد صلي الله عليه و آله ،وينصرونه في تشكيل الحكومة العالمية الواحدة والخلافة الإسلامية ، وإقرار العدالة والأحكام الإسلامية .

2. أنصار الإمام المهدي عليه السلام:

أ - القرآن وأنصار الإمام المهدي عليه السلام

كثير من آيات القرآن الكريم أولت و فسرت بأنصار الإمام المهدي عليه السلام :

1۔ «فَاسْتَبِقُوا الْخَيْرَاتِ ۚ أَيْنَ مَا تَكُونُوا يَأْتِ بِكُمُ اللَّهُ جَمِيعًا » (2).

قال الإمام الباقر عليه السلام في تفسير هذه الآية : «الخيرات الولاية ، وقوله تبارك و تعالي : «أين ما تكونوا يأتي بكم الله جميعا »(3) يعني أصحاب القائم الثلاثمائة والبضعة عشر رجلا ، قال : هم والله «الأمة المعدودة» ، قال : يجتمعون والله في ساعة واحدة قزع كقزع الخريف»(4).

ص: 412


1- كامل الزيارات : 130 الباب 41 ح 5.
2- البقرة : 148.
3-
4- الكافي 8: 313، غيبة النعماني : 282، بحارالأنوار 52: 288 ح 26، بشارة الإسلام : 121

2- «وَلَئِنْ أَخَّرْنَا عَنْهُمُ الْعَذَابَ إِلَي أُمَّةٍ مَّعْدُودَةٍ لَّيَقُولُنَّ مَا يَحْبِسُهُ ۗ أَلَا يَوْمَ يَأْتِيهِمْ لَيْسَ مَصْرُوفًا عَنْهُمْ وَحَاقَ بِهِم مَّا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ»(1).

قال الإمام الباقر والصادق عليها السلام في تفسير هذه الآية: «إن الأمة المعدودة هم أصحاب المهدي في آخر الزمان ثلاثمائة وثلاثة عشر رجلا ، كعدة أهل بدر، يجتمعون في ساعة واحدة كما يجتمع قزع الخريف»(2).

وقال الإمام الصادق عليه السلام: «العذاب خروج القائم عليه السلام، والأمة المعدودة أهل بدر وأصحابه»(3). إذن يكون المعني: « ولي أ نا عنهم العذاب إلي أي معدودة » أصحاب القائم في آخر الزمان، «وليقو ما يخبشه » ، أي يقولون : لو يقوم القائم علي حد الاستهزاء ، فقال الله تعالي :«ألا يوم ييهم لي مروفا عنهم وحاق بهم ما كانوا به شهزون »(4)

وليس المعني بالعذاب في الآية الشريفة عقاب الآخرة، بل ينالهم العقاب في الدنيا قبل الآخرة .

3-«مَن يَرْتَدَّ مِنكُمْ عَن دِينِهِ فَسَوْفَ يَأْتِي اللَّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ أَذِلَّةٍ عَلَي

ص: 413


1- هود : 8.
2- ينابيع المودة 3: 241 الباب 71.
3- غيبة النعماني: 241.
4- تفسير البرهان 209:2 ، إلزام الناصب 2: 344، تفسير الصافي 4: 12.

الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَي الْكَافِرِينَ»(1).

روي سليمان بن هارون العجلي ، قال : سمعت جعفر الصادق عليه السلام يقول: «إن صاحب هذا الأمر - يعني القائم المهدي - محفوظ ، لو ذهب الناس جمعيا أتي الله بأصحابه ، وهم الذين قال الله فيهم « فَإِن يَكْفُرْ بِهَا هَؤُلَاءِ فَقَدْ وَكَّلْنَا بِهَا قَوْمًا لَّيْسُوا بِهَا بِكَافِرِينَ »(2)، وهم الذين قال الله فيهم :«يا أيها الذين آمنوا من يرتد... » الآية» (3).

4- «وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ....»(4).

قرأ الإمام زين العابدين عليه السلام آية: «ت خلفهم في الأرض »، فقال: «والله هم محبونا أهل البيت ، يفعل الله ذلك بهم علي يد رجل منا، وهو مهدي هذه الأمة ، قال رسول الله صلي الله عليه و آله: لو لم يبق من الدنيا إلا يوم لطول الله ذلك اليوم حتي يأتي رجل من عترتي اسمه اسمي ، يملأ الأرض قسطا وعدلا ، كما ملئت ظلما وجورا»(5). 5- «الَّذِينَ إِن مَّكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ

ص: 414


1- المائدة : 54.
2- الأنعام: 89.
3- ينابيع المودة 3: 237 ح 8
4- النور : 55.
5- ينابيع المودة 3: 245 الباب 71ح 33، مجمع البيان 7: 240، المحجة : 151 و 152.

وَنَهَوْا عَنِ الْمُنكَرِ ۗ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الْأُمُورِ»(1).

عن أبي الجارود، عن الإمام الباقر عليه السلام ، قال : «هذه الآية نزلت في المهدي وأصحابه ، يملكهم الله مشارق الأرض ومغاربها ، ويظهر الله بهم الدين حتي لا يري أثر من الظلم والبدع»(2).

يستفاد من الآيات السالفة أن أنصار الإمام المهدي عليه السلام يتمتعون بقدرة غير طبيعية؛ بحيث يلتحقون بالإمام عليه السلام بمكة من بقاع الأرض المختلفة بلحظة واحدة، هؤلاء قوم يحبهم الله ويحبونه، يقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة ويأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر، يملكهم الله في الأرض، ويعذب الكافرين بأيديهم.

نواصل بحثنا مستعينين بالروايات.

ب - أنصار الإمام المهدي عليه السلام في الروايات :

يبلغ عند خواص الإمام المهدي عليه السلام طبق الروايات 313 نفر، كلهم من الموالين والمولعين بيت العصمة والطهارة عليهم السلام ، يهبون لنصرة الإمام المهدي عليه السلام حين ظهوره، وللتعرف علي خصائصهم نأتي بقسم منها:

1- عن الإمام الباقر عليه السلام، قال: «كأتي بأصحاب القائم وقد أحاطوا بما بين الخافقين ، ليس من شيء إلا وهو مطيع لهم ، حتي سباع الأرض وسباع الطير تطلب رضاهم [في] كل شيء، حتي تفخر الأرض علي الأرض ، و تقول : مربي

ص: 415


1- الحج: 41.
2- ينابيع المودة : 3: 244 الباب 71ح 29 ، بحارالأنوار47:51 - 48 ح 9.

اليوم رجل من أصحاب القائم»(1).

2- وروي في هذا عن الإمام الباقر عليه السلام ، قال : «فيبعث الثلاثمائة والبضعة عشر رجلا إلي الآفاق كلها ، فيمسح بين أكتافهم وعلي صدروهم فلا يتعايون في قضاء ، ولا تبقي أرض إلا نودي فيها شهادة أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، وأن محمدا رسول الله صلي الله عليه و آله، وهو قوله تعالي :«وله أشلم من في السماوات والأرض طوعا وكرها وإليه ترجعون »(2)

3- عن أبان بن تغلب ، قال: كنت مع جعفر بن محمد عليه السلام في مسجد مكة وهو آخذ بيدي ، وقال : «يا أبان ، سيأتي الله بثلاثمائة وثلاثة عشر رجلا في مسجدكم هذا ، يعلم أهل مكة أنه لم يخلق آباؤهم ولا أجدادهم بعد، عليهم السيوف ؛ مكتوب علي كل سيف اسم الرجل واسم أبيه و حليته و نسبه ، ثم يأمر مناديا فينادي : هذا المهدي يقضي بقضاء داود وسليمان لا يسأل علي ذلك بينة»(3).

4 - المفضل بن عمر ، قال : قال أبو عبدالله عليه السلام : «إذا أذن الإمام دعا الله باسمه العبراني ، فأتيحت له صحابته الثلاثمائة وثلاثة عشر ؛ قزع كقزع الخريف ، وهم أصحاب الألوية ، منهم من يفقد عن فراشه ليلا فيصبح بمكة ، ومنهم من يري يسير في السحاب نهارا ، يعرف باسمه واسم أبيه و حليته و نسيه» . قلت: جعلت فداك أيهم أعظم ايمانا ؟ قال : «الذي يسير في السحاب نهارا ، وهم المفقودون ،

ص: 416


1- بحارالأنوار 327:52 ح 43.
2- بحار الأنوار 345:52 . والآية 83 من سورة آل عمران .
3- غيبة النعماني : 313 الباب 20 ح 5، بحارالأنوار 52: 369 ح 155.

وفيهم نزلت هذه الآية «أَيْنَ مَا تَكُونُوا يَأْتِ بِكُمُ اللَّهُ جَمِيعًا»(1).

5 - عن مسعدة: أن أبابصير قال لجعفر بن محمد عليه السلام : هل كان أميرالمؤمنين يعلم مواضع أصحاب القائم كما كان يعلم عدتهم؟ فقال جعفر بن محمد عليه السلام: «إي والله يعرفهم بأسمائهم وأسماء آبائهم رجلا فرجلا ، و مواضع منازلهم»، فقال : جعلت فداك فكل ما عرفه أميرالمؤمنين فقد عرفه الحسن، وكل ما عرفه الحسن فقد صار علمه إلي الحسين، وكل ما عرفه الحسين فقد صار علمه إليكم؟ فأخبرني جعلت فداك بنعتهم فذاك نبتغي . فقال جعفر عليه السلام: «إذا كان يوم الجمعة بعد الصلاة فأتني»، فأتيته فقال: «أين صاحبك الذي يكتب لك ؟» فقلت: شغله شاغل، وكرهت أن أتأخر عن وقت حاجتي ، فقال لرجل : «اكتب له»:

«بسم الله الرحمن الرحيم، هذا ما أملاه رسول الله صلي الله عليه و آله أميرالمؤمنين ، وأودعه إياه من تسمية أصحاب القائم ، وعدة من يوافيه من المفقودين عن فرشهم وقبائلهم ، والسائرين إلي مكة في ليلة ، وذلك عند استماع الصوت في السنة التي يظهر فيها أمر الله عز وجل، وهم النجباء والفقهاء والحكام علي الناس ...» وعندها يعدهم الإمام ويعين أمكنتهم واحدة بعد واحد، ثم يقول:

«فهؤلاء ثلاثمائة وثلاثة عشر رجلا بعدد أهل بدر ، يجمعهم الله عز وجل بمكة في ليلة واحدة ، وهي ليلة الجمعة ، فيصبحون بمكة في بيت الله الحرام لا يتخلف منهم رجل واحد ، فينتشرون بمكة في أزقتها، ويطلبون منازل

ص: 417


1- غيبة النعماني : 313ح 3، بحارالأنوار 52 : 368 ح 153. والآية 148 من سورة البقرة .

يسكنونها ، فينكر هم أهل مكة ، وذلك لأنهم لم يعلموا بقافلة قد دخلت من بلدة من البلدان لحج ولا لعمرة ولا تجارة ، فيقول من يقول من أهل مكة بعضهم البعض : أما ترون قوما من الغرباء في يومنا هذا لم يكونوا قبل هذا ؟ ليس هم من أهل بلدة واحدة ولا من قبيلة واحدة ولا معهم أهل ولا دواب.

فبينا هم كذلك إذ أقبل رجل من بني مخزوم ، فيتخطي رقاب الناس ، ويقول : رأيت في ليلتي هذه رؤيا عجيبة وأنا لها خائف و قلبي منها وجل ، فيقولون : سر بنا إلي فلان الثقفي ، فاقصص عليه رؤياك ، فيأتون الثقفي ، فيقول المخزومي : رأيت سحابة انقضت من عنان السماء ، فلم تزل حتي انقضت علي الكعبة ما شاء الله ، وإذا فيها جراد ذو أجنحة خضر ، ثم تطايرت يمينا وشمالا لا تمر ببلد إلا أحرقته ولا بحصن إلا حطمته ، فيقول الثقفي : لقد طرقكم في هذه الليلة جند من جنود الله جل وعز، لا قوة لكم بهم.

فيقولون : أما والله لقد رأينا عجبا ، ويحدثونه بأمر القوم، ثم ينهضون من عنده ، فيهمون بالوثوب بالقوم وقد ملأ الله قلوبهم رعبا وخوفا ، فيقول بعضهم البعض وهم يأتمرون بذلك : يا قوم لا تعجلوا علي القوم ، ولم يأتوكم بمنكر ولا شهروا السلاح ولا أظهروا الخلاف، ولعله أن يكون في القوم الرجل من قبيلتكم ، فإن بدا لكم من القوم أمرتنكرونه . فأخرجوهم ، أما القوم فمتتكون ، سيماهم حسنة ، وهم في حرم الله جل وعز، الذي لا يباح من دخله حتي يحدث فيه حادثة ، ولم يحدث القوم ما يجب محاربتهم .

ص: 418

فيقول المخزومي وهو عميد القوم : أنا لا آمن أن يكون وراءهم مادة فإذا التأمت إليهم انكشف أمرهم وعظم شأنهم ، فتهتموهم وهم في قلة من العدد وغرة بالبلد قبل أن تأتيهم المادة ، فإن هؤلاء لم يأتوكم إلا وسيكون لهم شأن ،وما أحسب تأويل رؤيا صاحبكم إلا حقا.

فيقول بعضهم لبعض : إن كان من يأتيكم مثلهم فإنه لا خوف عليكم منهم ؛ لأنه لا سلاح معهم ولا حصن يلجأون إليه وإن أتاكم جيش نهضتم إلي هؤلاء فيكونون كشربة ظمآن . فلا يزالون في هذا الكلام و نحوه حتي يحجز الليل بين الناس فيضرب الله علي آذانهم بالنوم ، فلا يجتمعون بعد انصرافهم إلي أن يقوم القائم ، فيلقي أصحاب القائم بعضهم بعضا، بنو أب وأم افترقوا غدوة واجتمعوا عشية».

فقال أبو بصير : جعلت فداك ليس علي ظهرها مؤمن غير هؤلاء؟

قال : «بلي ، ولكن هذه العدة التي يخرج فيها القائم ، وهم النجباء ، وهم الفقهاء، وهم الحكماء ، وهم القضاة الذين يمسح بطونهم وظهورهم فلا يشكل عليهم حكم»(1).

3. وقت ظهور الإمام المهدي عليه السلام:

اشارة

من الأسئلة التي كانت وما زالت هو السؤال عن وقت ظهور الإمام

ص: 419


1- دلائل الإمامة : 554۔ 561، الملاحم والفتن : 375. 380، تفسير البرهان 1: 163.

المهدي عليه السلام، وطالما سئل الأئمة عليه السلام عنه، ولأهميته جاءت به روايات كثيرة لم تعين وقت ظهوره عليه السلام، وتخض علمه بالله وحده .

ونشير إلي بعض الروايات الصريحة والمعتبرة الواردة عن الأئمة المعصومين عليهم السلام في هذا الباب.

1- روي جلال الدين السيوطي في «الدر المنثور» في تفسير الآية الشريفة : «فَهَلْ يَنظُرُونَ إِلَّا السَّاعَةَ أَن تَأْتِيَهُم بَغْتَةً»(1)، عن أبي هريرة ، قال : إن أعرابيا سأل رسول الله صلي الله عليه و آله فقال : متي الساعة ؟ فقال : «إذا ضيعت الأمانة فانتظر الساعة»، قال: يا رسول الله وكيف إضاعتها؟ قال: «إذا وسد الأمر إلي غير أهله فانتظر الساعة»(2).

2 - وكذلك روي السيوطي ، عن ابن مردويه ، عن أبي هريرة، قال: أتي رجل فقال : يا رسول الله متي الساعة ؟ قال : «ما السائل بأعلم من المسؤول»، قال : فلو علمتنا أشراطها؟ قال : «تقارب الأسواق» . قلت: وما تقارب الأسواق ؟ قال : «أن يشكو الناس بعضهم إلي بعض قلة إصابتهم ، ويكثر ولد البغي ، وتفشو الغيبة ، ويعظم رب المال ، وترتفع أصوات الفساق في المساجد، ويظهر أهل المنكر ، ويظهر البناء»(3).

علما أن كلمة الساعة وردت في أحاديث شريفة كثيرة، والمتحصل منها أن

ص: 420


1- محمد: 18.
2- تفسير الدر المنثور 7: 468، الجزء السادس والعشرون .
3- تفسير الدر المنثور 9: 50.

كلمة الساعة في مصطلح الشرع المقدس تطلق علي شيئين: الأول ظهور الإمام عليه السلام ، والثاني يوم القيامة. إذن المقصود من الساعة إما ظهور الإمام المهدي عليه السلام أو الظهور والقيامة؛ لأي هذين الزمانين يشتركان في كثير من العلائم؛ سواء يوم القيامة أو يوم الظهور الذي يكون سرورا ورحمة للمؤمنين، وعذابا ونقمة علي الكافرين والمنافقين، واختص الله تبارك وتعالي بعلم وقت هذين اليومين،ولم يطلع أحدا من أنبيائه وأوصيائه عليهما ، كما يعلم من الأحاديث الاتية:

3- في حديث عن الإمام الحسن المجتبي عليه السلام ، قال : «سألت جدي رسول الله صلي الله عليه و آله؛ عن الأئمة بعده ، فقال : الأئمة بعدي عدد نقباء بني إسرائيل اثنا عشر ، أعطاهم الله علمي وفهمي ، وأنت منهم يا حسن ، فقلت : يا رسول الله فمتي يخرج قائمنا أهل البيت ؟ قال : يا حسن إنما مثله كمثل الساعة - ثقلت في السماوات والأرض - لا يأتيكم إلا بغتة»(1).

4 - وفي أصول الكافي ، وغيبة النعماني، وبحارالأنوار، رواية عن فضيل بن يسار ، عن أبي جعفر عليه السلام ، قال : قلت له : إن لهذا الأمر وقتا؟ فقال: «كذب الوقاتون ، كذب الوقاتون ، كذب الوقاتون»(2).

5 - وروي الشيخ الطوسي في غيبته، عن فضيل ، قال : سألت أبا جعفر عليه السلام هل

ص: 421


1- كفاية الأثر: 168، منتخب الأثر: 30 ح 41.
2- الكافي 1: 368 ح 5، غيبة النعماني : 294 الباب 16 ح13، بحارالأنوار 52: 118 ح 45.

لهذا الأمر وقت؟ فقال: «كذب الوقاتون ، كذب الوقاتون ، كذب الوقاتون»(1).

6- وروي الكليني في الكافي عنه عليه السلام ضمن حديث طويل، قال : «فاسألونا، فإن صدقناكم فأقروا وما أنتم بفاعلين ، أما علمنا فظاهر ، وأما إبان أجلنا -الذي يظهر فيه الدين منا حتي لا يكون بين الناس اختلاف - فإن له أجلا من ممر الليالي والأيام ، إذا أتي ظهر ، وكان الأمر واحدا»(2).

7- وروي الشيخ الطوسي في غيبته، والنعماني في غيبته ونقله المجلسي في بحارالأنوار - عن عبد الرحمن بن كثير ، قال : كنت عند أبي عبدالله عليه السلام إذ دخل عليه مهزم الأسدي، فقال: أخبرني جعلت فداك متي هذا الأمر الذي تنتظرونه؟ فقد طال، فقال: «يا مهزم، كذب الوقاتون ، وهلك المستعجلون ، نجا المسلمون ، وإلينا يصيرون»(3).

8- وروي في غيبة الشيخ الطوسي، عن محمد بن مسلم، عن أبي عبدالله عليه السلام، قال: «من وقت لك من الناس شيئا فلا تهاب أن تكذبه ، فلسنا نوقت لأحد وقتا» (4).

. وجاء في غيبة الشيخ الطوسي، عن محمد بن مسلم، عن أبي عبدالله ، قال: سألته عن القائم، فقال: «كذب الوقاتون ، إنا أهل بيت لا نوقت»، ثم قال :

ص: 422


1- غيبة الطوسي : 262 ، منتخب الأثر : 463 ح 1.
2- الكافي 1: 251.
3- غيبة الشيخ الطوسي: 262، غيبة النعماني: 294 الباب 16ح 11، بحارالأنوار 103:52 ح7.
4- غيبة الشيخ الطوسي : 262، بحارالأنوار 104:52 ح8

«أبي الله إلا أن يخلف وقت الموقتين»(1).

10 - وعن المفضل بن عمر، قال : سألت سيدي الصادق عليه السلام: هل للمأمور المنتظر المهدي عليه السلام من وقت موقت يعلمه الناس؟ فقال: «حاش لله أن يوقت ظهوره بوقت يعلمه شيعتنا» ، قلت: يا سيدي ولم ذاك ؟ قال: «يَسْأَلُونَكَ عَنِ السَّاعَةِ أَيَّانَ مُرْسَاهَا ۖ قُلْ إِنَّمَا عِلْمُهَا عِندَ رَبِّي ۖ لَا يُجَلِّيهَا لِوَقْتِهَا إِلَّا هُوَ ۚ ثَقُلَتْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ ۚ لَا تَأْتِيكُمْ إِلَّا بَغْتَةً»(2)، وهو الساعة التي قال الله تعالي : «يَسْأَلُونَكَ عَنِ السَّاعَةِ أَيَّانَ مُرْسَاهَا»(3)، وقال :«عِندَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ»(4)، ولم يقل إنها عند أحد ، وقال : «فَهَلْ يَنظُرُونَ إِلَّا السَّاعَةَ أَن تَأْتِيَهُم بَغْتَةً ۖ فَقَدْ جَاءَ أَشْرَاطُهَا »(5)، وقال : «وَمَا يُدْرِيكَ لَعَلَّ السَّاعَةَ تَكُونُ قَرِيبًا»(6) ، «يَسْتَعْجِلُ بِهَا الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِهَا ۖ وَالَّذِينَ آمَنُوا مُشْفِقُونَ مِنْهَا وَيَعْلَمُونَ أَنَّهَا الْحَقُّ ۗ أَلَا إِنَّ الَّذِينَ يُمَارُونَ فِي السَّاعَةِ لَفِي ضَلَالٍ بَعِيدٍ»(7) . قلت: فما معني يمارون ؟ قال : «يقولون متي ولد؟ ومن رأي ؟ وأين يكون ؟ ومتي يظهر ؟ وكل ذلك استعجالا لأمر الله ، و شكا في قضائه ، ودخولا في قدرته ، أولئك الذين خسروا الدنيا و إن للكافرين لشر مآب». قلت: أفلا يوقت له وقت؟ فقال: «يا

ص: 423


1- غيبة النعماني : 294 الباب 16ح 12.
2- الأعراف: 187.
3- النازعات : 42.
4- لقمان : 34.
5- محمد صلي الله عليه و آله : 18.
6- الأحزاب : 63.
7- الشوري : 18.

مفضل ، لا أوقت له وقتا ، ولا يوقت له وقت، إن من وقت لمهدينا وقتا فقد شارك الله تعالي في علمه ، وادعي أنه ظهر علي سره»(1).

11 . وقال الإمام موسي بن جعفر عليه السلام لعلي بن يقطين: «يا علي الشيعة تربي بالأماني ... وقال علي بن يقطين : ولو قيل لنا أن هذا الأمر لا يكون إلا إلي مائتي سنة أو ثلاثمائة سنة ليست القلوب و قست ، ورجعت عامة الناس عن الإيمان إلي الإسلام ، ولكن قالوا : ما أسرعه ، وأقربه ، تألفا لقلوب الناس و تقريبا للفرج»(2). 12 - وروي في كتاب ينابيع المودة وفرائد السمطين ومصادر أخري، عن دعبل بن علي الخزاعي ، عن الإمام الرضا عليه السلام قال : «... وبعد الحسن ابنه الحجة القائم ، وهو المنتظر في غيبته ... وأما متي يقوم ، فإخبار عن الوقت ، لقد حدثني أبي ، عن آبائه ، عن رسول الله صلي الله عليه و آله، قال : مثله كمثل الساعة لا تأتيكم إلا بغتة»(3).

13 - وجاء في توقيع الإمام صاحب الزمان عليه السلام لإسحاق بن يعقوب: «وأماظهور الفرج فإنه إلي الله ، وكذب الوقاتون»(4).

وبالإضافة إلي هذه الروايات جاء عدم توقيت الظهور في كتب أهل الأديان،

ص: 424


1- بحارالأنوار 1:52 ۔ 3.
2- غيبة النعماني : 295 إلباب 16 ح 14، الكافي 1: 369ح6.
3- فرائد السمطين 2: 338 ، ينابيع المودة 3: 309 الباب 80 ح 1، منتخب الأثر: 221.
4- غيبة الطوسي : 176، كشف الغمة 2: 531، بحارالأنوار 180:53 ح 10.

وبالأخص التوراة والإنجيل، وإليك بعضها:

أ- التوراة : «ويكون في آخر الأيام ... وتجري إليه كل الأمم ... فيقضي بين الأمم ، وينصف لشعوب كثيرين ... لا ترفع أمه علي أم سيفا ، ولا يتعلمون الحرب في ما بعد»

*أ- التوراة : «ويكون في آخر الأيام ... وتجري إليه كل الأمم ... فيقضي بين الأمم ، وينصف لشعوب كثيرين ... لا ترفع أمه علي أم سيفا ، ولا يتعلمون الحرب في ما بعد»(1).

«إن توانت فانتظرها لأنها ستأتي إتيانا ولا تتأځر ... بل يجمع إلي نفسه كل الأمم ، ويضم إلي نفسه جميع الشعوب»(2).

ب - الإنجيل: «إذ هو أيضا ابن إبراهيم ؛ لأن ابن الإنسان قد جاء لكي يطلب ويخلص ما قد هلك ... إن ملكوت الله عتيد أن يظهر في الحال ... تاجروا حتي آتي»

*ب - الإنجيل: «إذ هو أيضا ابن إبراهيم ؛ لأن ابن الإنسان قد جاء لكي يطلب ويخلص ما قد هلك ... إن ملكوت الله عتيد أن يظهر في الحال ... تاجروا حتي آتي»(3).

«وأما ذلك اليوم وتلك الساعة فلا يعلم بهما أحد، ولا ملائكة السماوات ، إلا أبي وحده ، وكما كانت أيام نوح كذلك يكون أيضا مجيء ابن الإنسان ، لذلك كونوا أنتم أيضا مستعدين ؛ لأنه في ساعة لا تظنون يأتي ابن الإنسان»(4).

«وأما ذلك اليوم وتلك الساعة فلا يعلم بهما أحد، ولا الملائكة الذين في السماء ، ولا الابن ، إلا الأب ، انظروا ، اشهوا وصلوا ؛ لأنكم لا تعلمون متي يكون الوقت ، اشهروا إذا ؛ لأنكم لا تعلمون متي يأتي رب البيت أمساء أم

ص: 425


1- التوراة ، كتاب إشعياء النبي الباب الثاني ، المقاطع 2- 4.
2- التوراة ، كتاب حبقوق ، الباب 2، المقاطع 3- 5.
3- انجيل لوقا الباب 19، المقاطع 8- 13.
4- انجيل متي الباب 24، المقاطع 36، 37، 44.

نصف الليل أم صياح الديك أم صباحأ ... أقول لكم ما أقول للجميع : اسهروا»(1).

بالنظر إلي ما سلف يتبين أن أمر الظهور مختص بالله وحده، لا يعلم وقته أحد إلا هو . إذن كل من وقت كذب؛ لأن إرادة الله ومشيئته لا تخضع لإرادة الناس، ولا يعجل العجلتهم ؛ لأن من يخاف الفوت يعجل ، والله تعالي لا يفوته شيء ومتي ما شاء فعل

4. مدة حكومته الحقة:

أحيانا يطرح سؤال، وهو: ما مدة حكومة الإمام المهدي عليه السلام؟

و جوابه: جاءت روايات كثيرة ومختلفة تجيب عن هذا السؤال من الكتب الشيعة والسنية، إليك منها:

1- روت أم سلمة زوج النبي صلي الله عليه و آله في ضمن حديث عنه صلي الله عليه و آله، قال : «فيلبث سبع سنين»(2).

2 - ونقل أبو سعيد الخدري، عن رسول الله صلي الله عليه و آله، قال : « يعيش في ذلك سبع سنين أو ثمان سنين»(3).

3 - ونقل حذيفة اليماني ضمن حديث عن النبي الأكرم صلي الله عليه و آله، قال : «فيمكث أربعين سنة»(4).

4 - وجاء في كتب العامة عن أمير المؤمنين صلي الله عليه و آله، قال : «فيمكث علي ذلك سبع

ص: 426


1- انجيل مرقس الباب 13، المقاطع 32، 33، 35.
2- سنن أبي داود 4: 108.
3- المهدي الموعود المنتظر 1: 335، البيان الباب 6.
4- عقد الدرر: 307 الباب 11.

سنين ، مقدار كل سنة عشر سنين من سنيكم هذه ، ثم يفعل الله تعالي ما يشاء»(1).

5 - وجاء في ذيل خطبة البيان عن أمير المؤمنين عليه السلام ، قال: «فيمكث في قومه ثمانين سنة»(2).

6- وروي عن الإمام الحسين عليه السلام أنه قال: «يملك المهدي علا تسعة عشر سنة وأشهرا»(3).

7- وروي أبو الجارود، عن الإمام الباقر عليه السلام ، قال: «إن القائم يملك ثلاثمائة وتسع سنين كما لبث أهل الكهف في كهفهم ، يملأ الأرض عدلا وقسط كما ملئت ظلما وجورا ، ويفتح الله له شرق الأرض وغربها»(4).

8- روي أبو بصير ، عن أبي جعفر عليه السلام ، قال : «فيمكث علي ذلك سبع سنين، مقدار كل سنة عشر سنين من سنيكم هذه ، ثم يفعل الله ما يشاء» . قال : قلت له : جعلت فداك، فكيف تطول السنين ؟ قال : «يأمر الله تعالي الفلك باللبوث ، وقلة الحركة ، فتطول الأيام لذلك و السنون» . قال : قلت له : إنهم يقولون: إن الفلك إذا تغير فسد، قال : «ذلك قول الزنادقة ، فأما المسلمون فلا سبيل لهم إلي ذلك ، وقد شق الله القمر لنبيه صلي الله عليه و آله، ورد الشمس من قبله ليوشع بن نون ، وأخبر بطول يوم القيامة ، وأنه كألف سنة مما تعدون»(5).

ص: 427


1- عقد الدرر : 305.
2- الزام الناصب 2: 232.
3- عقد الدرر: 305.
4- غيبة الطوسي: 283.
5- بحارالأنوار 339:52 ح 84، إرشاد المفيد: 365.

9- ونقل السيد رضي الدين علي بن طاوس، عن كتاب جعفر بن محمد الكوفي ، باسناده إلي حمران، قال: «عمر الدنيا مائة ألف سنة ، لسائر الناس عشرون ألف سنة ، و ثمانون ألف سنة لآل محمد صلي الله عليه و آله»

(1).

وجاءت في هذا المقام روايات كثيرة عن الأئمة المعصومين عليهم السلام ، نكتفي بما أوردناه منها للاختصار.

وعند تفحص الروايات الحاكية عن مدة حكومة الإمام صاحب الزمان عليه السلام، نجد فيها اختلافا كثيرا؛ لتعيين بعضها 7، 8، 9، 14، 20، 21، 22، 30، 40، 70، 140، وفي روايات أخري 309 سنة(2). وإن كان بعض الروايات يمكن حملها علي عدد آخر، مثل الروايات الناطقة ب- 7 و 70 سنة، و 14 و 140، إذ يمكن الجمع بينها ؛ فإن الروايتين الرابعة والثامنة المنقولتين عن أمير المؤمنين والإمام الباقر عليه السلام تكشفان سبب الجمع، أي أن كل سنة من ذلك الزمان تعادل 10 سنوات من زماننا.

ولكن مع كل هذا لا يمكن القول أن مدة حكومته الحقة هي هذه المدة اليسيرة؛ لأن حكومة الأنبياء التي أجهدوا أنفسهم في الإفصاح عنها، وبشروا الناس وأملوهم بها، وخضتها آيات كثيرة من آيات القرآن الكريم(3)، وحكت آلاف الأحاديث عن ذلك الزمان المبارك، وانتظره آلاف الشيعة سنوات وقرونا بشوق

ص: 428


1- بحارالأنوار 116:53ح 22.
2- المهدي الموعود المنتظر 1: 322 الباب 21.
3- انظر كتاب «المحجة فيما نزل في القائم الحجة» .

ولهفة . لا يمكن أن يكون زمانها يسيرا.

لذا من الأفضل أن نقول بما جاء في الروايات الناطقة بقيام حكومة الإمام المهدي عليه السلام الحقة إلي نهاية العالم، كما جاء في خطاب الله تبارك وتعالي لنبيه صلي الله عليه و آله في ليلة المعراج، قال: «ولأنصرته بجندي ، ولأمدته بملائكتي ، حتي يعلن دعوتي ، ويجمع الخلق علي توحيدي ، ثم الأديمن ملكه ، ولأداولن الأيام بين أوليائي إلي يوم القيامة»(1).

نعم أيها القارئ العزيز، كل ما يتحصل من مجموع روايات أهل البيت عليهم السلام والشواهد والقرائن هو أن مدة حكومة الإمام المهدي كغيبته عليه السلام علمها عند الله تبارك و تعالي.

اللهم عجل فرج مولانا وإمامنا، واجعلنا من خلص أنصاره وشيعته المنتظرين له بصدق، وترحم علينا بأن نقضي ما بقي من عمرنا في دولته وزمانه المبارك .

نأمل يوم ظهور ذلك القائد الرباني العظيم، آخر حجة الله وموعود الأمم؛ ليروي العالم بظل حكومة عالمية واحدة من العدل والحرية.

ص: 429


1- علل الشرائع 1: 7، بحارالأنوار 312:52 ح 5.

ص: 430

ثبت المصادر والمراجع

[أ]

1- الأئمة الاثنا عشر (الشذرات الذهبية في تراجم الأئمة الاثني عشر عند الإمامية): لشمس الدين محمد بن علي بن طولون، ت 953، منشورات الرضي - قم، تحقيق صلاح الدين المنجد.

2 - الإتحاف بحب الأشراف: للشيخ عبدالله بن محمد بن عامر الشبراوي الشافعي، ت 1171 ه-، منشورات الرضي - قم، عن طبع المطبعة الأدبية بمصر.

3 - إثبات الهداة بالنصوص والمعجزات : للحر العاملي، محمد بنالحسن، ت 1104 ه-، المطبعة العلمية في قم، في سبع مجلدات.

4-أحاديث المهدي من مسند أحمد بن حنبل : جمع وطبع مؤسسة النشر الإسلامي، ط. الخامسة، 1415 ه-.

الاحتجاج علي أهل اللجاج : لأبي منصور أحمد بن علي بن أبي طالب الطبرسي، ت 560، مطبعة النعمان - النجف، 1966م - 1386 ه-. تعليق محمد باقر الخرسان.

ص: 431

6- الاختصاص : للشيخ المفيد، محمد بن محمد بن النعمان العكبري البغدادي ، ت 413 ه-، مكتبة الزهراء - قم، 1982 م.

7 - الإذاعة لما كان ويكون بين يدي الساعة : لأبي الطيب محمد بن صديق حسن القنوجي البخاري الهندي ، ت 1397 ه-، دار الكتب العلمية - بيروت.

8 - الإرشاد في معرفة حجج الله علي العباد : للشيخ المفيد ؛ محمد بن محمد بن النعمان العكبري البغدادي، ت 413 ه-، طبع و تحقيق مؤسسة آل البيت - قم ، الطبعة الثانية 1416 ه-.

9- استراتژي صلح كندي (أي استراتيجية صلح كندي ): نقل عنه في كتاب «حكومت عدل گستر» فانظر حرف الحاء.

10 - أسرار عقب ماندگي شرق (أي أسرار تخلف الشرق): لناصر مكارم الشيرازي ، ( معاصر)، ط. نسل جوان - قم، 1348 ه-. ش.

11 - إسعاف الراغبين في سيرة المصطفي وفضائل أهل بيته الطاهرين : لأبي العرفان محمد بن علي الصبان الشافعي، ت 1206 ه-. طبع بهامش نورالأبصار، طبعة مصر بمكتبة الجمهورية.

12 - الإصابة في تمييز الصحابة : لأحمد بن علي بن محمد الشافعي، المعروف بابن حجر العسقلاني ، ت 852 ه-. دار الكتب العلمية - بيروت، 1415 ه-، تحقيق عادل أحمد عبد الموجود.

13 - إعلام الوري بأعلام الهدي: لأبي علي الفضل بن الحسن الطبرسي، ت 548 ه-. طبع و تحقيق مؤسسة آل البيت - قم، الطبعة الأولي 1417 ه-.

ص: 432

14 - الأغاني : لعلي بن الحسين، المعروف بأبي الفرج الأصفهاني، ت 356 ه-. ط. دار إحياء التراث العربي - بيروت ، بالأوفسيت عن طبعة مؤسسة جمال في القاهرة، 1383 ه . 1963 م.

15 - إقبال الأعمال : لأبي القاسم علي بن موسي بن طاوس الحسني ، ت 664 ه-. منشورات الأعلمي - بيروت، 1617 ه . 1996 م.

16 - أقوال الأئمة: للسيد علي أكبر الواعظ، المعروف بمحب الإسلام الموسوي، ط، انتشارات كتابفروشي إسلام - طهران.

17 - إلزام الناصب في إثبات الحجة الغائب : للشيخ علي اليزدي الحائري، ت 1333 ه-. ط. مؤسسة الأعلمي - بيروت، 1397 ه- - 1977 م.

18 - الإمام الثاني عشر: للسيد محمد سعيد الموسوي اللكهنوي آل صاحب العبقات، ط. الغري 1355 ه-.

19 - الإمام المهدي عليه السلام: لعلي محمد علي دخيل، (معاصر)، ط. دارالمرتضي ۔ بيروت، 1403 ه-.

20 - الإمام المهدي عليه السلام عند أهل السنة : للشيخ مهدي الفقيه الإيماني ، ت 1628 ه، وهي فصول مستلة من مؤلفات العامة في الإمام المهدي عليه السلام ، ط. بيروت 1402 ه-.

21 - إمامت و مهدويت (أي الإمامة والمهدوية): لآية الله لطف الله الصافي الكلبايكاني ، دفتر انتشارات اسلامي - قم، 1406 ه-.

ص: 433

22 - انتظار بذر انقلاب (أي الانتظار بذر الثورة): لحسين تاجري، انتشارات بدر - ايران، 1358 ه-. ش - 1399 ه-. ق.

23 - إنسان ناشناخته (أي الإنسان المجهول): نقل عنه في كتاب «گفتار فلسفي»، فانظر حرف الكاف .

24- او بانيشاد : أحد كتب الهندوس المقدسة، متزجم عن اللغة السنسكريتية .

25 - او خواهد آمد (أي هو سيأتي ): لداود إلهامي ، وعلي أكبر مهدي پور، نشر المرتضي - قم، 1403 ه-.

26 - أنيس الأعلام في نصرة الإسلام: لمحمد صادق فخر الإسلام، ط . المكتبة المرتضوية - طهران.

27 - آيين زندگي (أي طريقة الحياة): تأليف ديل كارنيجي، ترجمه إلي الفارسية جهانگير أفخمي ، الطبعة الأولي لانتشارات أرمغان . والطبعة الثانية بترجمة محمود آذين فر.

28 - آيين خوري (أي طريقة الخطابة): لمحمد علي فروغي ، الطبعة الثانية لانتشارات زوار - طهران.

[ب ]

29 - بحارالأنوار الجامعة لدرر أخبار الأئمة الأطهار: للعلامة المولي الشيخ محمد باقر المجلسي، ت 1111 ه- ط مؤسسة الوفاء - بيروت، 1403 ه- - 1983م.

ص: 434

30 - البداية والنهاية : لأبي الفداء إسماعيل بن كثير الدمشقي ، ت 774 ه-. ط . دار إحياء التراث العربي - بيروت، 1608 ه. - 1988 م، تحقيق علي شيري .

31 - البرهان (البرهان في علامات مهدي آخر الزمان): لعلاء الدين علي ابن حسام الدين، المعروف بالمتقي الهندي، ت 975ه-، ط. مطبعة الخيام - قم، 1399 ه، تحقيق علي أكبر غفاري.

32 - البرهان علي وجود صاحب الزمان : للسيد محسن الأمين العاملي، ت 1371 ه-، ط. مكتبة نينوي الحديثة - طهران.

33 - البرهان في تفسير القرآن : للسيد هاشم بن سليمان بن إسماعيل التوبلي البحراني ، ت 1107 ه أو 1109 ه-. ط . مؤسسة إسماعيليان - طهران.

34 - بشارة الإسلام: للسيد مصطفي بن إبراهيم بن حيدر الحسني الحسيني الكاظمي، ت حدود 1336 ه-. ط. مكتبة نينوي الحديثة - طهران.

35 - بشارات العهدين : وهو كتاب يجمع بشارات الأنبياء في العهدين القديم والجديد.

36 - بصائر الدرجات : لأبي جعفر محمد بن الحسن بن فروخ الصفار، ت 290 ه-، نشر مؤسسة الأعلمي - بيروت، 1404 ه-. تحقيق وتعليق ميرزا محسن كوچه باغي.

37 - بلاهاي اجتماعي قرن ما (أي مصائب قرننا الاجتماعية): تأليف عدة من المؤلفين، هم: علي حجتي كرماني ، محمد شبستري، عباسعلي عميد زنجاني ، حسين حقاني ، زين العابدين قرباني .

ص: 435

38 - به سوي جهان أبدي (أي نحو العالم الأبدي ): لزين العابدين قرباني، ط. مؤسسة مطبوعات طباطبائي - قم

39 - به ياد حضرت مهدي (أي في ذكري المهدي ): لأحمد قاضي زاهدي كلبايكاني ، ط. انتشارات معارف إسلامي - قم. الطبعة الأولي 1362 ه-.ش.

40 - البيان في أخبار صاحب الزمان: لأبي عبد الله محمد بن يوسف بن محمد القرشي الكنجي، المقتول سنة 658 ه-. ط. مطبعة النعمان - النجف الأشرف، 1382 ه- - 1962 م، بتقديم السيد محمد مهدي الخرسان الموسوي.

[ت]

41- تأثير علم بر اجتماع (أي تأثير العلم علي المجتمع): تأليف برتراند راسل، ترجمه إلي الفارسية الدكتور حيدريان، ط. انتشارات بابك - طهران.

42 - تاج العروس من جواهر القاموس : للسيد محمد مرتضي الحسيني الواسطي الزبيدي ، ت 1205 ه-. ط. المطبعة الخيرية - مصر، 1306 ه-.

43 - التاج الجامع للأصول في أحاديث الرسول صلي الله عليه و آله: للشيخ منصور بن علي بن ناصف المصري، من علماء الأزهر، والمدرس بالجامع الزينبي، ت 1371 ه-. ط. مطبعة عيسي البابي الحلبي في القاهرة.

44 - تاريخ الإسلام ووفيات المشاهير والأعلام: لشمس الدين محمد بن أحمد بن عثمان الذهبي، ت 748 ه-. ط. دار الكتاب العربي - بيروت، الطبعة الأولي 1407 ه- . 1987 م، تحقيق الدكتور عمر عبد السلام تدمري .

ص: 436

45 - تاريخ بغداد: لأبي بكر أحمد بن علي، المعروف بالخطيب البغدادي، ت463 ه-. دار الكتب العلمية - بيروت، الطبعة الأولي 1417 ه-، تحقيق مصطفي عبد القادر عطا.

46 - تاريخ تمدن اسلام و عرب (ترجمة كتاب حضارة العرب): تأليف الدكتور غوستالبون الفرنسي، ترجمة سيد هاشم الرسولي المحلاتي الحسيني، ط. كتابفروشي اسلامية - طهران. سنة 1354 ه-. ش.

47 - تاريخ الخميس في أحوال أنفس نفيس : لحسين بن محمد بن حسن الديار بكري، ت 983 ه-. ط. المطبعة الوهبية - مصر، 1383 ه-.

48 - تاريخ روضة الصفا (روضة الصفا في سيرة الأنبياء والملوك والخلفا): لمحمد ابن سيد برهان الدين خاوند شاه، الشهير ب-« ميرخواند»، ت 903 ه-. ط. طهران سنة 1379 ه-. وهو كتاب فارسي.

49 - تاريخ گزيدة (أي التاريخ المنتخب): الأحمد بن أتابك بن حمد بن نصر القزويني ، المعروف ب-«حمد الله المستوفي القزويني»، ت 750 ه-. انتشارات أمير كبير - طهران، الطبعة الثانية ، سنة 1362 ه-. ش.

50 - تتمة المنتهي : وهو المجلد الثالث من كتاب منتهي الآمال ، للشيخ عباس ابن محمد رضا القمي، ت 1359 ه-. ط. انتشارات داوري - قم

51 - تحف العقول عن آل الرسول: لأبي محمد الحسن بن علي بن الحسين ابن شعبة الحراني ، من أعلام القرن الرابع. طبع مع الترجمة الفارسية في كتابفروشي إسلامية - طهران، بتصحيح علي أكبر غفاري.

ص: 437

52- تذكرة خواص الأمة : ليوسف بن فرغلي بن عبد الله، المعروف بسبط ابن الجوزي ، ت 654. ط. مكتبة نينوي - طهران ، بتقديم السيد محمد صادق بحر العلوم.

53 - التذكرة في أحوال الموتي وأمور الآخرة: لشمس الدين أبي عبد الله محمد بن أحمد بن فرج الأنصاري الأندلسي، ت 671 ه-. ط. دار الكتب العلمية - بيروت .

54 - ترجمة كتاب المهدي : الترجمة بقلم الأستاذ محمد جواد نجفي = انظر كتاب المهدي المنتظر.

55 - تفسير البرهان = البرهان في تفسير القرآن.

56 - تفسير السيوطي - الدر المنثور في التفسير بالمأثور.

57 - تفسير الصافي : للمولي محمد حسن بن مرتضي بن محمود، المعروف بالفيض الكاشاني، ت 1091 ه-. طبع مؤسسة الهادي - قم، الطبعة الثانية 1416 ه-.

58 - تفسير الطبري = جامع البيان عن تأويل آي القرآن.

59 - تفسير العياشي : لمحمد بن مسعود بن عياش السلمي : ت 320ه-. ط . المكتبة العلمية الإسلامية - طهران. سنة 1380 ه-. تحقيق السيد هاشم الرسولي المحلاتي.

60- تفسير الفخر الرازي = التفسير الكبير .

61 - تفسير القمي : لعلي بن إبراهيم بن هاشم القمي، ت 329 ه-، ط.مؤسسة دار الكتاب - قم، الطبعة الثالثة 1404 ه-، تحقيق السيد طيب الموسوي الجزائري .

ص: 438

62 - التفسير الكبير : لأبي عبد الله محمد بن عمر، المعروف بفخر الدين الرازي ، ت 606 ه-. الطبعة الأولي بالمطبعة البهية بمصر.

63 - تفسير نور الثقلين : للشيخ عبد علي بن جمعة العروسي الحويزي، نت 1112 ه-، ط. مؤسسة إسماعيليان - قم، الطبعة الرابعة 1412 هم، تحقيق السيد هاشم الرسولي المحلاتي.

64- التنبيه والإشراف : لعلي بن الحسين بن علي المسعودي، ت 364ه-، ط. دار الصاوي - القاهرة، سنة 1357 ه-.

[ج ]

65 - جاماسب نامه : أحد الكتب المقدسة عند الزرادشتية .

66 - جامع البيان عن تأويل آي القرآن: لأبي جعفر محمد بن جرير بن يزيد الطبري، ت 310 ه-. ط. دار الفكر - بيروت، 1415 ه- . 1995 م. ضبط و توثيق و تخريج صدقي جميل العطار

67 - الجامع الصغير في أحاديث البشير النذير: لجلال الدين عبد الرحمن ابن أبي بكر السيوطي، ت 911 ه-. ط. دار الفكر - بيروت، الطبعة الأولي 1401 ه-.

68 - جهاد الشيعة : للدكتورة سميرة مختار الليثي ، ( معاصرة) ط. هيئة أنصارأهل البيت عليهم السلام ، سنة 1404 ه-، بالأونسيت عن طبعة مصر.

69 - جمهرة أنساب العرب : لأبي محمد علي بن أحمد بن سعيد بن حزم الأندلسي، ت 456 ه-. ط. دار الكتب العلمية - بيروت. الطبعة الأولي 1403 ه- . 1983 م.

ص: 439

70- جهان بعد از ظهور (أي العالم بعد الظهور): لمحمد خادمي شيرازي . ط. مؤسسة نشر و تبليغ - طهران، 1406 ه-.

[ح]

71 - حبيب السير في أخبار أفراد البشر: لغياث الدين محمد بن همام الدين الحسيني، المعروف ب-«خواند مير»، ت 942 ه-. ط. مطبعة الحيدري - طهران . وهو كتاب فارسي .

72 - حق اليقين في معرفة أصول الدين : للسيد عبد الله شبر الحسيني الكاظمي، ت 1243 ه. ط. دار الكتاب الاسلامي - قم

73 - حكومت عدل گستر (أي الحكومة المشيعة للعدل): لحسين حيدري كاشاني ، ط. قم، 1357 ه-. ش.

74 - حلية الأولياء وطبقات الأصفياء: لأبي نعيم أحمد بن عبد الله بن أحمد ابن إسحاق بن موسي بن مهران الأصبهاني، ت 430 ه-. الطبعة الخامسة بدار الكتاب العربي - بيروت، 1410 ه- - 1987 م، بالأونسيت عن طبعة مطبعةالسعادة بمصر.

75 - الحاوي للفتاوي : لجلال الدين عبد الرحمن بن أبي بكر السيوطي ، ت 911 ه-. ط. دار الكتب العلمية - بيروت، 1403 ه- - 1983 م.

ص: 440

[د]

76 - دانشمندان عامه ومهدي موعود (أي علماء العامة والمهدي الموعود): لعلي دواني، ط. دار الكتب الإسلامية - طهران، 1353 ه-. ش.

77 - الدر المنثور في التفسير بالمأثور: لجلال الدين عبد الرحمن بن أبي بكر السيوطي، ت 911 ه-. ط. الفتح - جدة، ونشر دار المعرفة - بيروت، الطبعة الأولي 1365 ه-.

78 - دلائل الإمامة : لمحمد بن جرير بن رستم الطبري الإمامي، من أعلام القرن الخامس، تحقيق و نشر مؤسسة البعثة - قم، الطبعة الأولي 1413 ه-.

79 - دنيايي كه من مي بينم (أي الدنيا التي أنا أراها): نقل عنه في كتاب «حكومت عدل گستر»، فانظر حرف الحاء.

80-ديباجه اي بر رهبر(أي في مقدمة للقيادة): للدكتور ناصر الدين صاحب الزماني ، ط. مؤسسة عطائي للمطبوعات - طهران.

[ذ]

81 - ذخائر العقبي في مناقب ذوي القربي : لأبي العباس أحمد بن عبد الله ابن محمد الطبري الشافعي، المعروف بمحب الدين الطبري، ت 694 ه-. نشر مكتبة القدسي - القاهرة، 1356 ه-.

ص: 441

[ر]

82- رجعت يا دولت كريمه (أي الرجعة أو الدولة الكريمة): لمحمد خادمي شيرازي ، ط . مؤسسة نشر و تبليغ - طهران.

83- روح بشر (أي روح البشر): للدكتور ناصر الدين صاحب الزماني، ط. طهران . في مجلدين.

86- روح القوانين : تأليف مونتسكيو، العالم الفرنسي . طبع في طهران.

85 - روزگار رهائي أي يوم الخلاص): وهو ترجمة كتاب يوم الخلاص لكامل سليمان ( معاصر)، ترجمة علي أكبر مهدي پور، نشر آفاق - طهران، 1408 ه-

86- روضة الشهداء: للمولي حسين الواعظ الكاشفي السبزواري، ت 910 ه-. طبع مكررا في طهران. وهو كتاب فارسي.

87 - روضة الصفا في سيرة الأنبياء والملوك والخلفا = تاريخ روضة الصفا

[ز]

88 - زاد المعاد : للعلامة المولي الشيخ محمد باقر المجلسي، ت 1111ه-، طبع مع ترجمته الفارسية، الطبعة الحجرية.

89- زمينه سازان ظهور حضرت مهدي عليه السلام : وهو ترجمة كتاب «الممهدون للمهدي»، للشيخ علي الكوراني العاملي ( معاصر).

ص: 442

[س ]

90 - سبائك الذهب في معرفة قبائل العرب : للشيخ محمد أمين بن علي بن محمد سعيد السويدي البغدادي الحنفي ، ت 1246 ه-. ط. دار الكتب العلمية - بيروت، 1406 ه-.

91 - سرنوشت بشر (أي مصير البشر): نقل عنه في كتاب «گفتار فلسفي»، فانظر حرف الكاف.

92 - سفينة البحار ومدينة الحكم والآثار: للشيخ المحدث عباس بن محمد رضا القمي، ت 1359 ه. طبعة حجرية، ط. مؤسسة انتشارات فراهاني - طهران .

93 - سنن ابن ماجة: لأبي عبدالله محمد بن يزيد بن ماجة القزويني ، ت 275 ه-. ط. دار الفكر - بيروت، تحقيق محمد فؤاد عبدالباقي .

94 - سنن أبي داود : لأبي داود سليمان بن الأشعث السجستاني. ت 275 ط. دار الفكر - بيروت، الطبعة الأولي 1410 ه- - 1990 م، تحقيق سعيد محمد اللحام.

95 - سنن البيهقي = السنن الكبري.

96 - سنن الترمذي : لأبي عيسي محمد بن عيسي بن سورة الترمذي ، ت 279 ه-. ط. دار الفكر - بيروت، 1403 ه-، تحقيق عبد الوهاب عبد اللطيف.

97 - السنن الكبري (سنن البيهقي ): لأبي بكر أحمد بن الحسين بن علي البيهقي ، ت 458 ه-. ط. دار الفكر - بيروت، بالأوغسيت عن طبعة مجلس دائرة المعارف العثمانية - حيدر آباد الدكن .

ص: 443

98 - السنن الكبري (سنن النسائي ): لأبي عبد الرحمن أحمد بن شعيب بن علي النسائي ، ت 303 ه-. ط. دار الفكر - بيروت، الطبعة الأولي 1348 ه- - 1930 م.

99 - سيري در جهان دانش (أي جولة في دنيا العلم): نقل عنه في كتاب «گفتار فلسفي»، فانظر حرف الكاف. [ش]

100 - شرح نهج البلاغة : لعبد الحميد بن أبي الحديد المعتزلي ، ت 656 ه-. ط. دار إحياء الكتب العربية - القاهرة، الطبعة الأولي 1378 ه- . 1959 م، تحقيق محمد أبو الفضل إبراهيم

[ص]

101 - صحيح البخاري : لأبي عبدالله محمد بن إسماعيل البخاري ، ت 256 ه-. ط. دار الفكر - بيروت 1401 ه- . 1981 م، بالأونسيت عن طبعة دار الطباعة العامرة باسطنبول.

102۔ صحيح مسلم : لأبي الحسين مسلم بن الحجاج النيسابوري، ت 261 ه-. ط. دار الفكر - بيروت. طبعة مصححة ومقابلة علي عدة مخطوطات ونسخ معتمدة.

ص: 444

103 - الصحيفة السجادية الكاملة : للإمام زين العابدين علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب عليه السلام ، المستشهد 94 ه-. نشر جامعة مدرسي الحوزة العلمية -قم

104 - الصراط المستقيم إلي مستحقي التقديم : للعلامة زين الدين أبي محمد علي بن يونس العاملي النباطي البياضي، ت 877 ه-. ط. المكتبة المرتضوية - طهران، الطبعة الأولي 1384 ه-. تحقيق محمد باقر البهبودي.

105 - الصواعق المحرقة في الرد علي أهل البدع والزندقة : لأحمد بن حجر الهيتمي المكي الشافعي، ت 976 ه-. ط. مكتبة القاهرة 1385 ه، تحقيق عبد الوهاب عبد اللطيف.

[ط]

106 - الطبقات الكبري : لأبي عبد الله محمد بن سعد بن منيع البصري الزهري، ت 230 ه. ط. دار صادر - بيروت. بتقديم إحسان عباس .

[ع]

107 - العبر في خبر من غبر: لشمس الدين محمد بن أحمد بن عثمان الذهبي ، ت 748 ه-. ط. دار الكتب العلمية - بيروت، 1405 ه-. تحقيق أبو هاجر محمد السعيد بن بسيوني زغلول.

108- عبقات الأنوار في إمامة الأئمة الأطهار: للعلامة السيد حامد حسين اللكهنوي، ت 1246 ه. لخصه آية الله السيد علي الميلاني (المعاصر)، وسماه «خلاصة عبقات الأنوار». نشر مؤسسة البعثة - قم، 1606 ه-.

ص: 445

109 - عقائد الإمامية الاثني عشرية : للسيد إبراهيم بن ساجدين الموسوي الأبهري الزنجاني، ت 1420 ه-، ط. انتشارات حضرت مهدي - قم، 1363 ه- ش.

110- عقد الدرر في أخبار المنتظر : ليوسف بن يحيي بن علي بن عبد العزيز المقدسي الشافعي السلمي، من علماء القرن السابع. انتشارات مسجد صاحب الزمان - قم ، الطبعة الأولي 1416 ه-. تحقيق عبد الفتاح محمد الحلو و علي نظري منفرد.

111- علائم الظهور: للميرزا محمد الكرماني ، المدعو ب-«ناظم الإسلام». طبع في طهران سنة 1329 ه-. ويعرف الكتاب أيضأ ب «التحفة المهدية» .

112 - علل الشرائع : للشيخ الصدوق؛ محمد بن علي بن الحسين بن بابويه القمي، ت 381 ه-. ط. المكتبة الحيدرية - النجف الأشرف 1385 ه- . 1966 م.

113- عيون أخبار الرضا عليه السلام: للشيخ الصدوق؛ محمد بن علي بن الحسينبن بابويه القمي، ت 381 ه-. ط. مؤسسة الأعلمي - بيروت. الطبعة الأولي 1404 ه- - 1984 م. تحقيق الشيخ حسين الأعلمي.

[غ]

114 - غاية المرام وحجة الخصام في تعيين الإمام من طريق الخاص والعام: للسيد هاشم بن سليمان بن إسماعيل التوبلي البحراني، ت 1107 ه- طبعة حجرية سنة 1272 ه- - إيران.

ص: 446

115 - الغدير في الكتاب والسنة : للعلامة الشيخ عبد الحسين بن أحمد الأميني، ت 1392 ه+-. ط. دار الكتاب العربي - بيروت، 1397 ه- - 1977 م.

116 - غربت غرب (أي غربه العزب): نقل عنه في كتاب «گفتار فلسفي»،فانظر حرف الكاف.

117 - الغيبة : لمحمد بن إبراهيم بن جعفر النعماني ، المعروف بابن أبي زينب، من أعلام القرن الرابع. ط. مكتبة الصدوق - طهران. تحقيق علي أكبر غفاري.

118 - الغيبة : لشيخ الطائفة ، أبي جعفر محمد بن الحسن الطوسي، ت 460 ه-. ط. مؤسسة المعارف الإسلامية - قم. الطبعة الأولي 1411 ه-. تحقيق عباد الله الطهراني وعلي أحمد ناصح

[ف]

119 - فتح الباري شرح صحيح البخاري : لأبي الفضل أحمد بن علي بن محمد، المعروف بابن حجر العسقلاني ، ت 852 ه-. ط. دار المعرفة والنشر - بيروت، الطبعة الثانية بالأونسيت عن الطبعة الأولي للمطبعة الأميرية ببولاق - مصر، 1301 ه-.

120 - الفتن : لأبي عبد الله نعيم بن حماد المروزي، ت 229 ه-. ط. دار الفكر - بيروت، 1414 ه - 1993 م، تحقيق سهيل زكار.

121 - الفخري في الآداب السلطانية والدول الإسلامية: لمحمد بن علي بن طباطبا، المعروف بابن الطقطقي ، الطبعة الأولي لمنشورات الشريف الرضي - قم 1414 ه.

ص: 447

122 - فرائد السمطين في فضائل المرتضي والبتول والسبطين والأئمة من ذريتهم: لشيخ الإسلام إبراهيم بن محمد بن المؤيد الجويني الخراساني ، ت 730 ه-. الطبعة الأولي لمؤسسة المحمودي - بيروت، 1398 ه- - 1978 م. تحقيق محمد باقر المحمودي

123 - الفرق (اعتقادات فرق المسلمين والمشركين): لأبي عبد الله محمد بن عمر، المعروف بفخر الدين الرازي ، ت 606 ه-. ترجمه إلي الفارسية مع 14 مقالة أخري وطبعها السيد محمد باقر السبزواري ؛ استاذ جامعة الإلهيات في طهران.

124 - الفصول المهمة في معرفة أحوال الأئمة : للعلامة علي بن محمد بن أحمد المالكي، المعروف بابن الصباغ المالكي ، ت 855 ه-، ط. مطبعة العدل - النجف الأشرف، 1950 م. تقديم توفيق الفكيكي .

125 - الفتوحات الإسلامية : للعلامة السيد أحمد زيني دحلان المكي الشافعي ، ت 1304 ه، الطبعة الأولي في مصر 1323 ه-.

[ق]

126 - قاموس دهخدا - لغت نامه دهخدا.

127 - قاموس قرآن: للسيد علي أكبر القرشي، ط. دار الكتب الإسلامية - طهران.

128 - قاموس الكتاب المقدس: لنخبة من الأساتذة ذوي الاختصاص ومن اللاهوتيين، من منشورات مكتبة المشعل - بيروت، بإشراف رابطة الكنائس الإنجيلية في الشرق الأوسط، الطبعة السادسة 1981م.

ص: 448

129 - قاموس كتاب مقدس : ترجمة وتأليف المستر هاكس الأمريكي ، الطبعة الأولي في بيروت 1928م. وهو كتاب فارسي.

[ك]

130 - الكافي : للإمام أبي جعفر محمد بن يعقوب الكليني، ت 328 ه-، نشر دار الكتب الإسلامية - طهران ، الطبعة الثالثة 1388 ه-، تحقيق علي أكبر غفاري.

131- كامل الزيارات : لأبي القاسم جعفر بن محمد بن قولويه القمي ، ت 368 ه-، نشر الفقاهة - قم، الطبعة الأولي 1417 ه-، تحقيق الشيخ جواد القيومي .

132 - كتاب ريك فيدا، ماندالاي = نقل عنه كتاب «أو خواهد آمد» فانظر حرف الألف.

133 - الكتاب المقدس : مجمع الكنائس الشرقية، دار المشرق - بيروت .

134 - كشف الأستار عن وجه الغائب عن الأبصار: للميرزا حسين بن محمد تقي النوري الطبرسي، ت 1320 ه-. ط. مكتبة نينوي - طهران، 1401 ه، تحقيق السيد علي الميلاني.

135- كشف الغمة في معرفة الأئمة : لأبي الحسن علي بن عيسي بن أبي الفتح الإربلي ، ت 693 ه-، ط. دار الأضواء - بيروت، الطبعة الثانية 1405 ه- 1985 م.

136 - الكشكول: للشيخ بهاء الملة والدين محمد بن الحسين بن عبد الصمد الحارثي العاملي، المشهور بالشيخ البهائي ، ت 1031 ه، مؤسسة انتشارات فراهاني - طهران.

ص: 449

137 - كفاية الأثر في النص علي الأئمة الاثني عشر: لأبي القاسم علي بن محمد بن علي الخزاز، من علماء القرن الرابع ، انتشارات بيدار، مطبعة الخيام - قم، الطبعة الأولي 1401 ه-. تحقيق عبد اللطيف الكوهكمري.

138 - كفاية الطالب في مناقب علي بن أبي طالب عليه السلام: لأبي عبد الله محمد ابن يوسف بن محمد القرشي الكنجي الشافعي، المقتول سنة 658 ه-، الطبعة الثالثة لدار إحياء تراث أهل البيت - طهران، 1404 ه-. تحقيق محمد هادي

139 - گفتار فلسفي ، أخلاق (أي مقولات الشيخ الفلسفي - الأخلاق): للشيخ الخطيب محمد تقي الفلسفي ت 1410 ه-، في مجلدين، طبع الأول سنة 1397 ه-، وطبع الثاني سنة 1400 ه-، كلاهما طبع هيئت نشر معارف اسلامي - طهران.

140- كمال الدين وتمام النعمة : للشيخ الصدوق؛ أبي جعفر محمد بن علي ابن الحسين بن بابويه القمي، ت 381 ه-. مؤسسة النشر الإسلامي التابعة لجماعة المدرسين - قم، 1405 ه-. تحقيق علي أكبر غفاري.

141 - كنز العمال في سنن الأقوال والأفعال : للشيخ المحدث علاء الدين علي بن حسام الدين، المعروف بالمتقي الهندي، ت 975 ه-. مؤسسة الرسالة - بيروت، 1409 ه- - 1989 م. ضبط وتصحيح بكري حياني وصفوة السقا .

ص: 450

[ل]

142- لسان العرب : لأبي الفضل محمد بن مكرم بن منظور الافريقي المصري، ت 711 ه-. نشر أدب الحوزة - قم، 1405 ه-.

143 - لسان الميزان : أحمد بن علي بن محمد الشافعي ، المعروف بابن حجر العسقلاني ، ت 852 ه-، مؤسسة الأعلمي - بيروت، الطبعة الثانية 1390 ه-. 1971 م، بالأوفسيت عن طبعة حيدر آباد الدين - الهند، 1329 ه-.

144 - لغت نامه دهخدا (قاموس دهخدا): للميرزا علي أكبر خان القزويني الأصل الطهراني المولد، المعروف ب «دهخدا»، ت 1334 ه-. ش. وهو موسوعة علمية لغوية تاريخية جغرافية، مرتبة علي حروف المعجم.

145 - لمعات النور في كيفية الظهور : لآغا جلال الدين محمد ابن الشيخ أبي تراب الشيرازي. وهو مجلدان في بشارات الظهور وإثبات المهدوية. طبع إيران سنة 1336 ه-. ألفه سنة 1330 ه-.

146 - لواقح الأنوار في طبقات الأخبار (طبقات الشعراني الكبري): للشيخ عبد الوهاب بن أحمد الشعراني الشافعي، ت 973 ه-. ط. دار العلم للجميع - القاهرة، 1374 ه- . 1956 م، بإشراف لجنة من العلماء برئاسة الشيخ أحمد سعد علي .

ص: 451

[م]

147 - المجازات النبوية (مجازات الآثار النبوية): للشريف الرضي؛ أبي الحسن محمد بن الحسين بن موسي الموسوي، ت 406 ه-، نشر مكتبة بصيرتي - قم، تحقيق طه محمد الزيني.

168 - المجالالسنية في مناقب و مصائب العترة النبوية : للسيد محسن الأمين العاملي ، ت 1371 ه-. في خمسة أجزاء، طبع في مطبعة النعمان - النجف الأشرف 1384 ه- - 1965 م. والأول والثاني والثالث في مطبعة الآداب 1385 ه والرابع في المطبعة العلمية 1380 ه-.

149 - مجمع البحرين ومطلع الثيرين: للشيخ فخر الدين بن محمد علي بن أحمد بن طريح، النجفي الطريحي، ت 1085 ه-، مكتب نشر الثقافة الإسلامية ، الطبعة الثانية 1408 ه-. تحقيق السيد أحمد الحسيني.

150 - مجمع البيان في تفسير القرآن: للشيخ أبي علي الفضل بن الحسن بن الفضل الطبرسي، ت 548 ه-. مؤسسة الأعلمي - بيروت، الطبعة الأولي 1415 ه-، تحقيق لجنة من العلماء

151 - مجمع الزوائد ومنبع الفوائد: للحافظ نور الدين علي بن أبي بكر الهيثمي المصري الشافعي، ت 807 ه-، ط. دار الكتب العلمية - بيروت 1408 ه- - 1988 م، بالأونسيت عن طبعة مكتبة القدسي بالقاهرة.

152 - المحاسن : لأبي جعفر أحمد بن محمد بن خالد البرقي ، ت 274 ه-، دار الكتب الإسلامية - طهران، تحقيق السيد جلال الدين الحسيني الأرموي.

ص: 452

153 - المحجة البيضاء في إحياء الإحياء: للمولي محمد المدعو بمحسن بن الشاه مرتضي الكاشاني ، المعروف بالفيض الكاشاني ، ت 1091 ه-، مؤسسة النشر الإسلامي - قم، 1340 ه-. ش. تحقيق علي أكبر غفاري. 154 - المحجة فيما نزل في القائم الحجة عليه السلام: للسيد هاشم بن سليمان بن إسماعيل التوبلي البحراني ، ت 1107 ه- أو 1109 ه-، طبع في قم - ايران ، بتحقيق السيد محمد منير الميلاني.

155 - مختصر بصائر الدرجات : لعز الدين الحسن بن سليمان الحلي ، من أعلام القرن الثامن ، مؤسسة النشر الإسلامي - قم، الطبعة الأولي، 1421 ه-، تحقيق مشتاق المظفر.

156 - المراجعات: السيد الإمام عبد الحسين شرف الدين ، ت 1377 ه-، نشر الجمعية الإسلامية، الطبعة الثانية 1402 ه- - 1982 م، تحقيق حسين الراضي.

157 - مروج الذهب : للمؤرخ الثبت علي بن الحسين بن علي المسعودي، ت 346 ه-، ط. مطبعة السعادة - مصر، الطبعة الثانية 1384 ه. 1964 م، تحقيق محمد محيي الدين عبد الحميد.

158 - مسأله انتظار (أي مسألة الانتظار): للدكتور علي قائمي ، طبع انتشارات هجرت - قم. ولم تذكر سنة الطبع.

159 - المستدرك علي الصحيحين: للحاكم النيسابوري ، أبي عبد الله محمد ابن عبد الله بن محمد الضبي الشافعي، ت 405 ه-. ط. دار المعرفة - بيروت 1406 ه، تحقيق الدكتور يوسف المرعشلي.

ص: 453

160 - مسند أحمد: لأحمد بن محمد بن حنبل الشيباني ، ت 241 ه-، ط. دار صادر - بيروت، بالأوفسيت عن طبيعة المطبعة الميمنية في مصر، سنة1313 ه-. بتصحيح محمد الزهري الغمراوي.

161 - مشارق أنوار اليقين في أسرار أمير المؤمنين عليه السلام: للحافظ الشيخ رجب بن محمد بن رجب البرسي الحلي ، ت 813 ه-، مؤسسة الأعلمي - بيروت، الطبعة الأولي 1419 ه-، تحقيق علي عاشور.

162 - مطالب السؤول في مناقب آل الرسول : لأبي سالم كمال الدين محمد ابن طلحة الشافعي، ت 952 ه-. ط. مؤسسة أم القري - بيروت، الطبعة الأولي 1420 هم، تحقيق ماجد أحمد العطية.

163 - معاني الأخبار: للشيخ الصدوق؛ أبي جعفر محمد بن علي بن الحسين ابن بابويه القمي، ت 381 ه-، انتشارات اسلامي - قم، 1361 ه-. ش، تحقيق علي أكبر غفاري.

164 - معجم البلدان : لياقوت بن عبدالله الحموي البغدادي ، ت 626 ه-، ط. دار إحياء التراث العربي - بيروت، 1399 ه- - 1979 م.

165 - مفاتيح الجنان : للشيخ عباس بن محمد رضا القمي، ت 1359 ه- مطبوع عدة طبعات حجرية وحروفية.

166 - مفهوم نسبيت اينشتين (أي مفهوم نسبية انشتاين): نقل عنه في كتاب «جهان بعد از ظهور»، فانظر حرف الجيم.

ص: 454

167 - مقاتل الطالبيين : لعلي بن الحسين، المعروف بأبي الفرج الأصفهاني ، ت 356 ه-. ط. المكتبة الحيدرية - النجف الأشرف، تحقيق كاظم المظفر.

168- مقتل الحسين عليه السلام: للحافظ الموفق بن أحمد بن محمد البكري الحنفي، المعروف بأخطب خوارزم، ت 568 ه-. ط. دار أنوار الهدي - قم، الطبعة الأولي 1418 ه-. تحقيق الشيخ محمد السماوي.

169 - مقدمة ابن خلدون: لعبد الرحمن بن محمد بن خلدون الحضرمي المغربي ، ت 808 ه-، ط. دار إحياء التراث العربي - بيروت، الطبعة الرابعة. ضمن تاريخ ابن خلدون.

170 - مكيال المكارم في فوائد الدعاء للقائم عليه السلام : لأبي عبد الله الحاج ميرزا محمد تقي الموسوي الأصفهاني، (معاصر)، مؤسسة الأعلمي - بيروت، الطبعة الأولي 1421 ه-. تحقيق علي عاشور.

171 - الملاحم والفتن (التشريف بالمنن في التعريف بالفتن): لأبي القاسم رضي الدين ، علي بن موسي بن جعفر بن محمد بن طاوس الحسني ، ت 664 ه-، نشر وتحقيق مؤسسة صاحب الأمر - اصفهان ، الطبعة الأولي 1416 ه-.

172 - المناقب : للحافظ الموفق بن أحمد بن محمد البكري الحنفي ، المعروف بأخطب خوارزم، ت 568 ه-، مؤسسة النشر الإسلامي - قم، الطبعة الثانية 1411 ه-، تحقيق مالك المحمودي.

173 - منتخب الأثر في الإمام الثاني عشر: للشيخ لطف الله الصافي الكلبايكاني ( معاصر)، مكتبة الصدر - طهران.

ص: 455

174 - المهدي (القول المختصر في علامات المهدي المنتظر): لأحمد بن حجر الهيتمي المكي الشافعي ، ت 974 ه-، نشر مؤسسة بضعة المصطفي عليها السلام- قم، 1419 ه-. تحقيق الشيخ عبد الكريم العقيلي .

175 - مهدي از صدراسلام تا قرن 13 (أي المهدي من صدر الإسلام إلي القرن الثالث عشر): تأليف جيمس دار مشتيتر، ترجمة وتعليق محسن جهانسوز، طبع كتابفروشي أدب - طهران.

176 - مهدي انقلابي بزرك (أي المهدي الثائر الكبير): لناصر مكارم الشيرازي ( معاصر)، مؤسسة مطبوعاتي هدف - قم. وطبع أخيرا بتبديل اسمه إلي «حكومت جهاني مهدي»، أي حكومة المهدي العالمية.

177 - المهدي في القرآن : لآية الله العظمي السيد صادق ابن السيد مهدي الشيرازي ( معاصر)، ط. مؤسسة الوفاء - بيروت، 1398 ه-.

178 - المهدي المنتظر عليه السلام : لآية الله السيد صدر الدين بن السيد اسماعيل بن السيد صدر الدين الصدر، ت 1373 ه-، بنياد بعثت - طهران.

179 - مهدي موعود (أي المهدي الموعود): وهو ترجمة المجلد الثالث عشر من مجلدات البحار القديم، ترجمة علي دواني ( معاصر)، طبع دار الكتب الإسلامية - طهران.

180 - المهدي الموعود في القرآن الكريم : للسيد محمد حسين الرضوي (معاصر)، ط. مكتبة النجاح - طهران، 1402 ه-.

ص: 456

181- المهدي الموعود المنتظر عند أهل السنة والإمامية : للشيخ نجم الدين جعفر بن محمد العسكري، ط. دار الزهراء - بيروت.

182 - مواليد الأئمة (تاريخ الأئمة): لأبي بكر محمد بن أحمد بن عبد الله بن إسماعيل بن أبي الثلج البغدادي، ت 325 ه-، طبع مع غيبة المفيد ونوادر الراوندي في النجف الأشرف 1370 ه-.

183 - موعود قرآن (أي موعود القرآن): لآية الله العظمي السيد صادق ابن السيد مهدي الشيرازي ( معاصر)، ط. مؤسسة الإمام المهدي - قم، 1401 ه-.

184 - موعودي كه جهان در انتظار اوست (أي الموعود الذي ينتظره العالم): لعلي الدواني ، ط. دار العلم - قم، 1349 ه-. ش.

[ن ]

185 - النجم الثاقب في أحوال الإمام الغائب عليه السلام: للميرزا حسين بن محمد تقي النوري الطبرسي، ت 1320 ه-. ط. مكتبة الجعفري - مشهد المقدسة، 1361 ه-. وهو كتاب فارسي .

186 - نزهة النظر شرح نخبة الفكر في مصطلح أهل الأثر: أحمد بن علي ابن محمد الشافعي، المعروف بابن حجر العسقلاني، ت 852 ه-. ط. المكتبة العلمية في المدينة المنورة، سنة 1975 م، تحقيق محمد سلطان النمنكاني.

187 - النهاية في غريب الحديث والأثر: لمجد الدين المبارك بن محمد بن الأثير الجزري، ت 606 ه-. ط. دار الكتب العلمية - بيروت ، الطبعة الأولي 1618 ه 1997 م.

ص: 457

188 - نهج البلاغة : هو المختار من كلام و خطب ورسائل أميرالمؤمنين علي ابن أبي طالب عليه السلام، جمع واختيار الشريف الرضي؛ أبي الحسن محمد بن الحسين بن موسي الموسوي، ت 406 ه-. وقد استفاد المؤلف من طبعة فيض الإسلام، والطبعة التي شرحها صبحي الصالح.

189 - نهضت سربداران خراسان أي حركة سربدارانية خراسان): تأليف اي. پ. پطروشفسكي، ترجمه إلي الفارسية كريم كشاورز، طبع انتشارات پيام - طهران.

190 - نوائب الدهور في علائم الظهور: للسيد حسن ميرجهاني، ت 1413، انتشارات كتابخانه صدر - طهران، الطبعة الثانية 1369 ه-. ش.

191 - نور الأبصار في مناقب آل النبي المختار: للشيخ مؤمن بن حسن مؤمن الشبلنجي، ت حدود 1290 ه-. طبع أجنو دار الفكر 1399 ه-، وطبع دار الجيل، كما نص علي ذلك المؤلف في الهوامش.

192 - نور الأنوار: للمولي علي أصغر بن علي أكبر البروجردي، المولود 1231 ه-، طبع سنة 1301 ه-.

193 - نور الثقلين = تفسير نور الثقلين.

194 - نور مهدي (أي نور المهدي ): وهي مجموعة مقالات فارسية حول الإمام المهدي عليه السلام ، لمجموعة من الكتاب ، ط. آفاق - طهران 1401 ه-. ق.

ص: 458

[و]

195-وسائل الشيعة إلي تحصيل مسائل الشريعة: للمحدث الشيخ محمد بن الحسن بن علي ، الحر العاملي، ت 1104 ه-. ط. دار احياء التراث العربي -بيروت، عن طبعة دار الكتب الإسلامية.

196 - وفيات الأعيان وأنباء أبناء الزمان : لأحمد بن محمد بن أبي بكر بن خلكان، ت 681 ه-، ط. منشورات الرضي، قم، الطبعة الثانية 1406 ه-، بالأوفسيت عن طبعة مصر، بتحقيق الدكتور إحسان عباس .

[ي ]

197 - يأتي علي الناس زمان : للسيد محمود موسوي ده سرخي اصفهاني، طبع قم، سنة 1408 ه-.

198 - ينابيع المودة لذوي القربي : لسليمان بن إبراهيم بن محمد الحسيني البلخي القندوزي الحنفي ، ت 1294 ه-. ط. دار الأسوة - قم، الطبعة الأولي 1419 ه-، تحقيق السيد علي جمال أشرف الحسيني.

199 - اليواقيت والجواهر في بيان عقائد الأكابر: للشيخ عبد الوهاب بن أحمد الشعراني الشافعي، ت 973 ه-. ط. مطبعة البابي الحلبي وأولاده بمصر 1378 ه- - 1959 م.

200 - يوم الخلاص: كامل سليمان ( معاصر)، طبع عدة طبعات، منها طبعة مؤسسة أنصار الحسين عليه السلام الثقافية - طهران.

ص: 459

ص: 460

فهرست المطالب

المقدمة :...7

القسم الأول

المهدوية وفكرة ظهور الإمام المهدي ...9

من هو الإمام المهدي....11

1. ظهور الإمام المهدي في عقيدة المجتمع الإسلامي : ....13

غيبته ...17

2. أصالة المهدوية وإنكار بعض المغرضين لظهور المهدي: ...23

3. ظهور الإمام المهدي في رأي الصحابة والتابعين ...26

شعر حكيم بن عياش الكلبي شاعر بني أمية : ...29

قول الخليفة العباسي المنصور:...30

ص: 461

قول هارون الرشيد :..30

4. عقيدة الأقوام والأديان بظهور الإمام المهدي:....31

اصالة الاعتقاد بظهور المنجي:... 34

انتظار ظهور «المنجي» عند اليهود والنصاري: ...35

المدعون أنهم المسيح:...36

5. عقائد الأقوام المختلفة في العالم حول المصلح الموعود : ...38

6. أسماء الإمام المهدي المقدسة في الكتب الدينية لأهل الأديان : ...43

7. الإعتقاد بظهور الإمام المهدي مسألة عقلية ومنطقية :...45

8. عقيدة ظهور الإمام المهدي مسألة فطرية ...49

9. إن الاعتقاد بظهور الإمام المهدي اعتقاد ديني أصيل :...52

10. عدم اختصاص عقيدة ظهور الإمام المهدي بالإسلام :... 55

القسم الثاني

بشارة الإسلام بظهور الإمام المهدي ...59

1. المهدي الموعود في الإسلام ...62

2. المهدي الموعود عند الشيعة : ...63

3. المهدي الموعود عند أهل السنة...67

ص: 462

4۔ خصوصيات الإمام المهدي في الروايات:...74

ه - عدد الروايات الواردة حول الإمام المهدي...77

القسم الثالث

معرفة المهدي الموعود ...84

1. المهدي موعود الإسلام من العرب:...84

2. المهدي من أولاد كنانة :...84

3. الإمام المهدي من قريش :...85

4. المهدي من بني هاشم:. ...86

5.المهدي من أولاد عبدالمطلب : ...86

6. المهدي من أولاد أبي طالب ...87

7. الإمام المهدي من عترة النبي : ....87

8. الإمام المهدي من أهل بيت النبي : ...89

9. الإمام المهدي سمي النبي : ...91

10. المهدي من أولاد النبي : ...92

11. المهدي من أولاد الإمام علي : ...94

12. المهدي من أولاد السيدة فاطمة :...95

ص: 463

13. المهدي من أولاد الحسنين : ... 96.

14.المهدي من أولاد الإمام الحسين : ...97.

15.المهدي التاسع من أولاد الإمام الحسين : ... 98

16. المهدي من أولاد الإمام زين العابدين: ...99

17. المهدي من أولاد الإمام الباقر : ... 100.

18.المهدي من أولاد الإمام الصادق :...101.

19.المهدي من أولاد الإمام الكاظم : ...102.

20.المهدي من أولاد الإمام الرضا: ...104.

21.المهدي من أولاد الإمام الجواد : ... 105.

22.المهدي من أولاد الإمام الهادي : ...105

23. المهدي من أولاد الإمام الحسن العسكري : ...107

24. المهدي من ذوي القربي : ....109

25. المهدي من ذرية النبي : ...110

القسم الرابع

اعتراف علماء أهل السنة بصحة أحاديث الإمام المهدي ...113

1. سند تأريخي و مستند حي:...118

ص: 464

2. توضيح منشور علماء الحجاز بايجاز :...120

واقعتان تاريخيتان :..122

3. ما هي تخرصات المنكرين لوجود الإمام المهدي؟ ...125

الفضيحة إلي أين؟...128

القسم الخامس

الإمام المهدي الموعود في أقوال أعاظم علماء أهل السنة ... 129

1. العلماء الذين يعتقدون أن الإمام المهدي ابن الإمام الحسن العسكري: ... 135

2. خرافة السرداب ...161

القسم السادس

قضاء سقيم وتحكم عشوائي ...167.

1.عقيدة المستشرق الأوربي «مارجيليوث» عن الإمام المهدي ... 169

رد نظرية مارجيليوث: ...170

مسألة خافية علي الجميع ... 171

2. عقيدة العالم الإسلامي الهندي سيد أمير علي : ... 173

ص: 465

هل الظلم والحرمان هما منشأ الاعتقاد بظهور الإمام المهدي ؟... 175

3. محمد أحمد السوداني وادعاؤه المهدوية:..176

4. اعتراف «جيمس دار مشتيتر» بأصالة المهدوية ... 178

5. مدعو المهدوية واستغلال عنوان المهدي الموعود : ...179

القسم السابع

مسألة الانتظار ...183

1. ضرورة دراسة المفاهيم الاسلامية :..185

2. المعني اللغوي للانتظار: ...187

3. الانتظار في المذاهب ...188

4. انتظار الفرج في الإسلام: ....189

أ: انتظار الفرج في القرآن :...190

ب : انتظار الفرج في الروايات الإسلامية :...194

5. انتظار الفرج عند الأنظمة المتسلطة:...197

هل الانتظار سبب للخمول ؟ ...197

6. المفهوم الصحيح للانتظار:...198

7. الانتظار أهم دافع للتحرك : ...199

ص: 466

قيمة الانتظار وأهميته في الروايات الاسلامية : ... 200

8. فوائد الانتظار ودوره في بناء المجتمع: ... 202

الانتظار و مسؤولية المنتظرين المؤمنين ...204

الانتظار مركز مرابطة للكفاح والنهضة :...216

الانتظار سبب بقاء المجتمع الشيعي :...226

إقرار أعداء الإسلام ببنائية الانتظار: ...228

القسم الثامن

بشائر ظهور الامام المهدي في القرآن الكريم...235

1. سورة البقره: ... 237

2. سورة آل عمران : ...240

3. سورة النساء:.. 241.

سورة الأنفال :...243

5. سورة التوبة :...245

6. سورة هود: ...247

7. سورة إبراهيم: ...247

8. سورة الحجر :...249

ص: 467

9. سورة الإسراء: ...249

10.سورة مريم:...252

11. سورة النور:...252

12. سورة القصص : ...253

13. سورة السجدة :...253

14.سورة الفتح:...254

القسم التاسع

بشائر ظهور الإمام المهدي المبارك في الكتب المقدسة وأخبار أهل البيت:... 257

1. الإمام المهدي الموعود في الكتب المقدسة عند الهنود: ...262

الف) بشارة ظهور الإمام المهدي في كتاب «اوپانيشاد»: ... 262

ب) بشارة ظهور الإمام المهدي في كتاب «ناسك»: ... 269

ج) بشارة ظهور الإمام المهدي في كتاب «پاتيكل»: ... 279

د) بشارة ظهور الإمام بقية الله في كتاب «وشن جوك»... 281

ه-) بشارة ظهور الإمام صاحب الزمان في كتاب «دادتك» : ... 282

و) الظهور في «كتاب دادتك» : ... 283

ز) بشارة ظهور الإمام حجة الله في كتاب «ريك فيدا، ماندالاي» :... 284

ص: 468

ح - بشارة ظهور آخر حجة الله في كتاب «شاكموني»... 288

2 - بشارات ظهور الإمام المهدي في التوراة :...290

الف - بشارة ظهور الإمام المهدي في زبور داود: ...291

ب - بشارة ظهور الإمام المهدي في كتاب «إشعياء النبي» :... 297

ج - بشارة ظهور الإمام المهدي في كتاب يوئيل النبي : ...311

د - بشارة ظهور الإمام المهدي في كتاب النبي زكريا: ...313

ه- - بشارة ظهور الإمام المهدي في كتاب النبي حزقيال : ...317

و - بشارة ظهور الإمام المهدي في كتاب النبي حجي: ...318

ز - بشارة ظهور الإمام المهدي في كتاب صفنيا النبي :... 320

ح - بشارة ظهور الإمام المهدي في كتاب دانيال النبي :...320

3. بشارات ظهور الإمام المهدي في كتاب الإنجيل : ... 321

أ - إنجيل مني : ...324

ب - إنجيل مرقس ...324

ج - انجيل لوقا: ...325

د - انجيل يوحنا: ...326

ه- - مكاشفة يوحنا: ...326

و - رسالة بولس الرسول إلي أهل روما:...329

ز - أعمال الرسل:...331

ص: 469

نزول النبي عيسي من السماء...331

4 - بشارات ظهور الإمام المهدي في مصادر الزرادشتية ... 334

القسم العاشر

دين العالم في المستقبل ...341

1. القرآن ودين العالم في المستقبل : ...341

2. الروايات الإسلامية ودين العالم في المستقبل:...343

3. الإسلام دين الله الدائم:..345

4. دعوة نبي الإسلام عامة وعالمية :...350

5. رسول الله خاتم الأنبياء: ...351

أدلة خاتمية نبي الإسلام في الروايات : ...353

6. القرآن خاتمة القرآن في الروايات : ...356

7. دين الإسلام خاتم الأديان : ...360

ص: 470

القسم الحادي عشر

العالم قبل الظهور ...365

1. آثار التطور الصناعي المشؤومة :..369

ا- اليأس والقنوط: ...369

2 - شيوع الفساد الأخلاقي وكثرة الانحراف: ...375

3 - سباق التسلح وتنافس القوي العالمية الخطيرة : ...378

3. انتقاد علماء الغرب للتحضر الحالي : ...382

3. اختراع الأسلحة الفتاكة والتكاليف الباهضة :.. 387

4. الحرب العالمية الثالثة حصيلة التطور الصناعي : ...389

5. ضرورة إقامة حكومة عالمية : ... 392.

6.اعتراف العلماء بضرورة حكومة عالمية : ... 393.

7خبر سطيح الكاهن حول المصلح الموعود...399

القسم الثاني عشر

الصورة الحقيقية لظهور الإمام المهدي ...401

1. بعض خصائص الإمام المهدي ...406

ص: 471

أ-يظهر الإمام المهدي ومعه مواريث الأنبياء: ... 406

ب - الإمام المهدي تنصره الملائكة ...410

2.أنصار الإمام المهدي...412

أ- القرآن وأنصار الإمام المهدي ...412

ب - أنصار الإمام المهدي في الروايات : ...415

3. وقت ظهور الإمام المهدي :...419

أ- التوراة : ...424

ب - الإنجيل ...425 .

4.مدة حكومته الحقة : ...426

ثبت المصادر والمراجع ...431

فهرست المطالب ...461

ص: 472

تعريف مرکز

بسم الله الرحمن الرحیم
هَلْ یَسْتَوِی الَّذِینَ یَعْلَمُونَ وَالَّذِینَ لَا یَعْلَمُونَ
الزمر: 9

عنوان المکتب المرکزي
أصفهان، شارع عبد الرزاق، سوق حاج محمد جعفر آباده ای، زقاق الشهید محمد حسن التوکلی، الرقم 129، الطبقة الأولی.

عنوان الموقع : : www.ghbook.ir
البرید الالکتروني : Info@ghbook.ir
هاتف المکتب المرکزي 03134490125
هاتف المکتب في طهران 88318722 ـ 021
قسم البیع 09132000109شؤون المستخدمین 09132000109.