تاريخ مقام صاحب العصر والزمان عليه السلام في الحلة

اشارة

تاريخ مقام صاحب العصر والزمان عليه السلام في الحلة

تاليف: احمد علي مجيد الحلي

مركز الدراسات التخصصية في الامام المهدي عج

ص: 1

اشارة

تاريخ مقام صاحب العصر والزمان عليه السلام في الحلة

تاليف: احمد علي مجيد الحلي

مركز الدراسات التخصصية في الامام المهدي عج

ص: 2

الأهداء:

الي الكهف الحصين و غياث المضطر المستكين و ملاذ المؤمنين.

إن حقوق إمامنا صاحب العصر و الزمان أرواحنا فداه علينا كثيرة:

فهو العمود بين السماء و الارض...

و هو الشمس التي حجبتها غيوم ذنوبي الكثيرة.(1)

فأي حقّ منه لا أستطيع أن أقابله بالشكر و الاحسان.

فكل شكر اليه، هو بالحقيقة منه و اليه.

و يقال إن النبي سليمان بن داود عليه السّلام قبل هدية القنبرة.

و كانت تلك الهدية جرادة.

فعلّ إمام زماني يقبل هديتي هذه المتواضعة فهي منه و اليه.

و هديتي له عبارة عن بحث تاريخي عن مقامه عجّل اللّه تعالي فرجه الشريف في الحلة الفيحاء.

ليفي لنا الكيل و يتصدق علينا ان اللّه يجزي المتصدقين.

إذ مسنا الضر و هو الرحمة للعالمين.

خادمه احمد علي مجيد

ص: 3


1- اشارة الي الحديث المروي عنه عجّل اللّه تعالي فرجه الشريف: «و اما وجه الانتفاع بي في غيبتي فكالأنتفاع بالشمس اذا غيبتها السحاب عن الابصار» كشف الغمة، ج 3، ص 34.

ص: 4

الدرة البيضاء:

هذه إضمامة عطرة تفضل بها سماحة العلامة الجليل السيد...(1)

مؤرخا بها عملنا المتواضع هذا قائلا:

بيراع أحمد خطّ سفر فوائد هو (مصدر) للباحثين و (مورد)

ل (مقام مهدي الهدي) سطعت به أنوار قدس للضلال تبدّد

ذاك الّذي في الحلّة الفيحاء قد باهي به تاريخه المتجدّد

تمضي القرون و نشره متأرّج و الذكر منه في الزّمان مخلّد

هو للملائكة (المطاف) فركّع منهم بذيّاك (المقام) و سجّد

و لشيعة الكرّار فيه تضرّع و توسّل و تبتّل و تهجّد

قد فاز أحمد مذ تتبّع جاهدا حرما لنسبته الدّليل يؤكّد

أكرم به إذ أرّخوا: من فائز بالدّرّة البيضاء وافي أحمد

90 + 98 + 242 + 845 + 97 + 53 سنة 1425 ه

و من غريب اتفاق هذا التاريخ ان لي أخا في اللّه اسمه فائز و هو أول من شجعني علي كتابة هذا الكتاب، دون علم السيد المؤرخ لهذا الكتاب، فخرج تاريخ اتمام الكتاب، باسم فائز و الحمد للّه رب العالمين.

***

ص: 5


1- و السيد هذا هو من نزلاء مدرسة الامام الاكبر الشيخ محمد حسين آل كشف الغطاء، في النجف الأشرف و من تواضعه، طلب مني أن لا أذكر اسمه رغم شهرته.

ص: 6

بسم اللّه الرحمن الرحيم

مقدمة المركز:

الحمد للّه رب العالمين و الصلاة و السلام علي أشرف المرسلين سيدنا محمد و آله الطيبين الطاهرين المعصومين المنتجبين و لا سيما صاحب العصر و ناموس الدهر بقية اللّه في أرضه و حجته علي عباده سمي رسول اللّه صلي اللّه عليه و آله و كنيه الحجة بن الحسن المهدي العسكري أرواحنا لتراب مقدمه الفداء.

و اللعنة الدائمة علي أعداءهم أجمعين من الأولين و الآخرين خاصة المنكرين للإمام المهدي عجّل اللّه تعالي فرجه الشريف و المشككين فيه.

من الأمور الثابتة عن أهل بيت العصمة و الطهارة الندب الي احياء امرهم و التأكيد عليه حيث ورد عن الإمام الصادق عليه السّلام أنه قال: «احيوا أمرنا رحم اللّه من احيا امرنا» و ورد عنه عليه السّلام انه قال لبعض اصحابه «تجلسون و تتحدثون قال نعم جعلت فداك قال: ان تلك المجالس أحبها» و هذه النصوص و غيرها تكتشف بما لا يشوبه شك اهمية احياء أمرهم صلوات اللّه عليهم بين مختلف الطبقات الاجتماعية و العلمية و الفكرية، و التأكيد علي مسألة التذكير بهم و بمناقبهم و خصوصياتهم بالدعوة المتكررة منهم عليهم السّلام لحضور مواليهم في مقاماتهم و زيارتها و عمارتها و توجيه اذهان الأمة الي اهميتها لما في تشييد المقامات المنسوبة لأهل الكمالات من دور مهم في شد الناس الي دينهم و الي أئمتهم و هو منهج الهي أول من أمر به و أسسه اللّه تبارك

ص: 7

و تعالي حيث جعل الكعبة البيت الحرام محلا يؤمه الحجيج لا لحاجة منه اليهم بل لتوثيق ارتباطهم بربهم و لم يكن هذا المورد خاصا بالبيت الحرام بل هناك مجال أخر دعي اللّه فيها بعض الأنبياء ان يجعلوا من بعض الأماكن محالا تكون عنصرا لتوثيق الترابط بين العباد و ربهم حيث قال تبارك و تعالي مخاطبا موسي و هارون عليهما السّلام وَ اجْعَلُوا بُيُوتَكُمْ قِبْلَةً و قال: وَ اتَّخِذُوا مِنْ مَقامِ إِبْراهِيمَ مُصَلًّي .

و أثني اللّه تبارك و تعالي علي الذي بني مسجدا علي الكهف الذي لجأ اليه الصالحون بعد ان بعثهم من لبثهم فيه ثلاثمائة سنة و ازدادوا تسعا «لَنَتَّخِذَنَّ عَلَيْهِمْ مَسْجِداً» .

و قد شاع بين المسلمين زيارة قبر رسول اللّه صلي اللّه عليه و آله و الاحتفاء به و التبرك بالمساجد التي صلي فيها او زيارة قبور الشهداء لما لها بالاضافة الي بعدها الديني و التاريخي من دور مهم في ربط العباد بربهم و دينهم و تأكيد عقيدتهم و حفظ سلامة مسيرتهم الفكرية و العلمية و العقائدية.

و قد اهتم الأئمة عليهم السّلام تأسيا بالرسول الأكرم صلي اللّه عليه و آله بالاهتمام بالمواضع ذات البعد الديني حيث اشتهر عنه صلي اللّه عليه و آله انه كان يحتفظ بشيء من تراب الموضع الذي استشهد فيه الامام الحسين عليه السّلام بعد عشرات السنين، و وقف أمير المؤمنين عليه السّلام و قد فاضت به الالام و الحسرة عند مروره في كربلاء عند الموضع الذي سيضم شهداء العترة الطاهرة.

و من المواضع التي كانت محل اهتمام أهل البيت عليهم السّلام المواضع التي تخص ايام الظهور المبارك للمولي صاحب الزمان أرواحنا لتراب مقدمه الفداء فنجد في روايات متعددة الاشادة بمسجد السهلة و مسجد الكوفة لكون الأول محل سكناه و الثاني موضع حكمه صلوات اللّه عليه.

ص: 8

بل هناك اهتمام خاص من الناحية المقدسة عجّل اللّه تعالي فرجه الشريف في بعض المواضع و المحال و التي منها مسجد جمكران في مدينة العلم و الفقاهة قم المشرفة حيث وردت الروايات عن الثقات و الاجلة بان امر بناء هذا المسجد الشريف كان صادرا عنه صلوات اللّه عليه.

و من هنا فان مسألة الاهتمام بالمواضع المنسوبة للإمام الحجة عجّل اللّه تعالي فرجه الشريف يجب ان تنال الاهتمام اللائق بها لعدة أمور:

1 - ان الاهتمام بهذه الاماكن من شأنه ان يوثق ارتباط الناس بالإمام المهدي عليه السّلام و هو أمر مندوب شرعا.

2 - ان هذه المواضع لما لها من اهمية و قدسية يجب ان تكون مركزا لنشر العقيدة و بناءها بناء صحيحا.

3 - الاهتمام بهذه المقامات بالاضافة الي دوره العلمي و الفكري و العقائدي من شأنه ان يحفظ التراث الشيعي الذي غالبا ما يتعرض بسبب السياسات الهوجاء للنواصب للتدمير و التضيع.

4 - ان هذه المقامات تكشف عن البعد الحضاري للشيعة و تكشف بالملازمة عقيدتهم بائمتهم خاصة الإمام المهدي عجّل اللّه تعالي فرجه الشريف.

5 - ان هذه المواضع لم تأت من عدم بل هي محال لنزول الفيوضات و اجابة الدعوات و حل المشكلات و مثل هذه المواضع لا يصح اهمالها و تركها لما لها من آثار مهمة.

و مركز الدراسات التخصصية في الإمام المهدي عجّل اللّه تعالي فرجه الشريف لما يشعر به من اهمية نشر العقيدة في الإمام المنتظر أرواحنا لتراب مقدمه الفداء و اهمية احياء كل ما له علاقة به صلوات اللّه عليه تبني نشر ما خطه يراع الأخ الفاضل أحمد

ص: 9

الحلي الذي قدم دراسة وافية حول تاريخ مقام الإمام المهدي عجّل اللّه تعالي فرجه الشريف في الحلة و ضم اليه جملة من الأبحاث الأخري التي جعلت من الكتاب مفتاحا لمن يريد دراسة تاريخ الامام المهدي عجّل اللّه تعالي فرجه الشريف و الحلة الفيحاء المحروسة.

و في الختام نسأل اللّه تعالي أن يجعل اعمالنا موضع رضا سيدنا و مولانا صاحب العصر صلوات اللّه عليه و ان يوفقنا ان نكون جنودا في الذود عن ساحه قدسه و ان يرزقنا في الدنيا رؤيته و نصرته و يمتعنا بالطافه و رعايته، و يرزقنا في الآخرة شفاعته و شفاعة آبائه الطاهرين صلوات اللّه عليهم أجمعين.

مدير المركز السيد محمد القبانچي

ص: 10

بسم اللّه الرحمن الرحيم

المقدمة:

الحمد للّه الذي جعل الكرامات لأصحاب المقامات و خصهم بالمآثر الخالدات و الصلاة و السلام علي فخر الكائنات و علة الموجودات سيد الانام المظلل من حر الهجير بالغمام محمد بن عبد اللّه المؤيد بالبراهين و المعجزات و علي آله الطاهرين أئمة الخلق المعصومين من كل رجس و هنات و بعد:

فان العناية بآثار أولياء اللّه و الاهتمام بتعظيمها من الامور اللازمة لأن فيها إعلاء لشعائر اللّه تعالي كما يستأنس بذلك بقوله تعالي وَ اتَّخِذُوا مِنْ مَقامِ إِبْراهِيمَ مُصَلًّي (1) و ان من الآثار الخالدة و المقامات المقدسة هو مقام بقية اللّه في أرضه الخلف الصالح إمامنا المهدي عجل اللّه فرجه و سهل اللّه مخرجه في الحلة الفيحاء هذا المقام الشريف الذي مرت عليه قرون متطاولة و هو قائم يطاول عوادي الزمن و يتحدي عبث الصروف و كنت منذ حقبة من الزمان مولعا بتتبع آثاره و تنسم أخباره، فلم أجد سفرا يضم بين دفتيه ما يتعلق به و يستوفي تاريخه، بل ألفيت أخبارا متناثرة هنا و هناك لا تشبع نهم الباحث و لا تروي ظمأ المتتبع فحزّ في نفسي أن يظل تاريخ المقام الشريف في زاوية الظل لم تسلط عليه الاضواء الكاشفة فهزني باعث الولاء لعترة النبي النجباء الا أن أتتبع أخبار هذا المقام المبارك باحثا في بطون الكتب القديمة و الحديثة من مخطوط و مطبوع و لم أكتف بما وقفت عليه من مصادر في مكتبات

ص: 11


1- البقرة: 125.

العراق بل سافرت الي بلاد اخري منقبا في مخطوطاتها و مطبوعاتها مستفيدا من بعض الاشارات في الوقوف علي مظان الفائدة مما يتعلق بهذا الاثر الخالد، و شفعت ذلك باستحفاء السؤال من الباحثين المحققين و الشيوخ المعمرين من أهل الحلة في ما يتصل بموضوع هذا البحث، و من الجديد فيما قمت به في هذه الدراسة الرائدة اني وقفت علي أقدم تاريخ يشار فيه الي مقام المهدي هذا و يعود الي ما قبل سنة 636 ه بالبحث الميداني مع الاحتفاظ بفضل العلامة الحجة السيد محمد صادق بحر العلوم باشارته الي هذا التاريخ نقلا عن السيد حسن الصدر عن مصادره المخطوطة، و من الجديد فيها أيضا اني حاولت جاهدا جمع المخطوطات التي أشارت الي موضوع البحث و رتبتها ترتيبا زمنيا كما سيراه القارئ الكريم و لم تفتني الاستفادة من بعض الحكايات المروية في الكتب القديمة، كما استطردت الي ذكر مساحة المقام و انها كانت واسعة جدا بحيث انها كانت تشتمل علي مدرسة علمية معروفة تعرف ب (مدرسة صاحب الزمان) و قد وثق هذا التحقيق ما ذكر في جملة من المخطوطات انها كتبت في تلك المدرسة و ألمحت في ضمن هذه الدراسة الي ما يتعلق بالجامع المجاور للمقام الشريف، و قد قسمّت بحوث الكتاب علي اثني عشر بابا:

الباب الأوّل: (الحلة مدينة النور الذي لا يطفيء).

الباب الثاني: (في معرفة تأريخ المقام من خلال المخطوطات).

الباب الثالث: (في ذكر تأريخ المقام من خلال الحكايات).

الباب الرابع: (في ذكر من زار مقام صاحب الزمان أرواحنا فداه في الحلة).

الباب الخامس: (في ذكر عمارة مقام صاحب الزمان أرواحنا فداه في الحلة).

ص: 12

الباب السادس: (في ذكر المساحة الاصلية للمقام و تأريخ الجامع الكبير المجاور له).

الباب السابع: (في ذكر مدرسة صاحب الزمان ارواحنا فداه المجاورة للمقام).

الباب الثامن: (في ذكر سدنة و أوقاف مقام صاحب الزمان ارواحنا فداه في الحلة).

الباب التاسع: (في موقع و وصف مقام صاحب الزمان أرواحنا فداه في الحلة).

الباب العاشر: (في عدة أمور تتعلق بزيارة مولانا صاحب الزمان أرواحنا فداه في هذا المقام).

الباب الحادي عشر: (في ذكر من شاهد الامام صاحب الزمان أرواحنا فداه من أهل الحلة) مع ذكر ملحق يتضمن ذكر المشاهد المشرفة في مدينة الحلة الفيحاء.

الباب الثاني عشر: (في ذكر صور فوتغرافية و صور لمخطوطات تخص المقام).

و قبل الختام التمس من اخواني المؤمنين و لا سيما أهل البحث و التحقيق أن ينبهوني علي ما قد يجدونه من الخطأ غير المقصود مما طغي به القلم و زاغ عنه البصر فأن الانسان موضع الغلط و النسيان و الكمال للّه و العصمة لأهلها، و الحمد للّه الذي بنعمته تتم الصالحات.

المؤلف أحمد علي مجيد

ص: 13

ص: 14

الباب الأول الحلة مدينة النور الذي لا يطفئ

اشارة

ص: 15

ص: 16

الحلة لغويا:

الحلة: بكسر الحاء المهملة و تشديد اللام، تقال علي عدة أشياء:

1 - القوم النزول و فيهم كثرة.

2 - شجر شائك أصغر من العوسج.

3 - علم لعدة أماكن:

أ - حلة بني قيل بشارع ميسان بين واسط و البصرة.(1)

ب - حلة بني دبيس بن عفيف الاسدي،(2) قرب الحويزة بين واسط و البصرة و الاهواز.

ج - الحلة، قرية كبيرة قرب الموصل تسمي حلة بني الرزاق.(3)

د - حلة بني مزيد، و هي المقصودة بالبحث هنا و كانت تسمي الجامعين.

قال الحموي في كتاب (معجم البلدان) ما ملخصه: إن الحلة مدينة كبيرة بين الكوفة و بغداد كانت تسمي الجامعين، و كان أول من عمّرها و نزلها سيف الدولة صدقة بن منصور بن دبيس بن علي بن مزيد(4) الاسدي و ذلك في محرم سنة 495 ه و كانت أجمة تأوي اليها

ص: 17


1- قد ذكرت بكتاب (تقويم البلدان) بحلة بني صلد، راجع رياض العلماء 370/1.
2- ورد في المصدر السابق (الاشعري)، فلاحظ.
3- انظر: المصدر السابق.
4- ورد اسمه في المصدر السابق (مؤيد) و الاصح (مزيد)، فلاحظ.

السباع فنزل بها بأهله و عساكره و بني بها المساكن الجليلة و الدور الفاخرة و تأنق أصحابه في مثل ذلك فصارت ملجأ و قد قصدها التجار فصارت أفخر بلاد العراق و أحسنها مدة حياة سيف الدولة.(1)

أقول: نورد هنا عدة فوائد، منها انها سميت ب (الحلة السيفية)، نسبة الي ممصرها سيف الدولة صدقة، و أول من سمّاها بالسيفية الامام أمير المؤمنين عليه السّلام في حديث مدح الحلة الذي نذكره في الباب الثالث من كتابنا هذا، و منها انها سمّيت ب (المزيدية)، نسبة الي الجد الاعلي لمؤسسها صدقة بن منصور بن دبيس بن علي بن مزيد.

و منها ان (الجامعين) ذكرت في كتاب (التاريخ الكامل) لأبن الاثير قبل سنة 495 ه (2)

موقع الحلة

: هي بين النجف و بغداد، فهي تبعد عن بغداد نحو 100 كم، و عن النجف نحو 60 كم و عن بابل نحو 7 كم.

الحلة بلدة النور

: الحلة، هي وريثة بابل، و كانت بابل و سوراء و حواليهما معقل العلم قبيل الاسلام و بعده و مركز الاصطكاك العقلي بين مفكري الامم من الهند و ايران من الشرق و السريان و الآراميين من الغرب، ثم صارت معقل الشيعة، و منها كان الشيعة ببغداد يستلهمون المنعة و القوة، و بعد الاضطهاد السلجوقي لهم و إحراق مكتباتهم و التجاء الشيخ الطوسي رحمه اللّه منها الي النجف في سنة 448 ه، تعاون المزيديون و الاكراد الجاوانيون القاطنون بمطيرآباد و أسدآباد و النيل

ص: 18


1- انظر: تاريخ الحلة ج 1 /ص 1، كذلك سفينة البحار ط، ح، ج 2 /ص 299.
2- انظر: تاريخ الحلة ج 1 /ص 1.

حوالي بابل، مع السباسيري ببغداد فألغوا الخلافة العباسية في سنة 450 ه و خطبوا للمستنصر الفاطمي، ثم بعد قتل السباسيري و رجوع الاتراك السلجوقيين و الخلافة العباسية الي بغداد، قام سيف الدولة صدقة بن دبيس المزيدي مع الجاوانيين ببناء الحلة، فصارت مركز الشيعة و ذلك في المحرم سنة 495 ه و بقيت كذلك حتي سقوط بغداد 656 ه (1)

فكانت في حقبة من الزمن حاضرة من الحواضر العلمية و مثابة لطلاب العلوم الدينية و دارسي فقه آل محمد صلي اللّه عليه و آله و قد بلغت أوجها في هذا المضمار في القرن السابع الهجري، و كان لامتيازها هذا بواعث و أسباب منها: كونها من معاقل الشيعة الامامية منذ تأسيسها حتي اليوم و منها: قربها من مدينة النجف الأشرف التي كانت عاصمة العلم و ما زالت، فان هذا القرب كان له الاثر الفاعل في إذكاء جذوة التفاعل بين الحاضرتين الشيعيتين، النجف و الحلة، فان يأفل نور العلم فيها فتلك قبور العلماء فيها زيت النور، و إن يخفت مرة أخري فهاهم طلبة العلم من الحليين في النجف لأخذ العلم اليها، كي لا يطفئ فيها نور العلم، منذ تأسيسها و إلي الآن.

***

ص: 19


1- انظر: الانوار الساطعة ص 8.

ص: 20

الباب الثاني في معرفة تاريخ المقام من خلال المخطوطات

اشارة

ص: 21

ص: 22

أهتمت الشريعة السماوية بطلب العلم اذ نطقت عن لسان رسولها صلي اللّه عليه و آله:

«طلب العلم فريضة علي كل مسلم» و ما طلب العلم إلاّ سمة العلوّ، و شتان بين المتعلم و الجاهل و ما أحلي أن يكون العالم مخلصا و ما إخلاصه إلاّ محض عبادة و تأدب و ارتباط مع صاحب السماء، فتعلّم العلماء كيف يدوّنون علمهم من وعاة العلم و دعاته و هم الانبياء و الأوصياء عليهم الصلاة و السلام، فهذا الإمام أمير المؤمنين عليه السّلام في حديثه يقول: «ان كمال الدين طلب العلم و العمل به» و في حديث آخر «إن طلب العلم أوجب عليكم من طلب المال» و قد دأب علماؤنا الاعلام علي تدوين شتّي فنون العلم و تقييد مسائله و تصنيف موضوعاته و بذلوا في ذلك من الجهود العظيمة ما استفرغوا به الوسع و أمكنتهم الطاقة لتعود ثمرات جهودهم علي أمتهم بالخير العميم و العطاء الجسيم، حتي أخذوا يرتقون بأممهم الي حيث الرّقي، فنحن نشكر لهم ذلك أيّما شكر و ذلك لحفظهم تراث الدين و علم النبي صلي اللّه عليه و آله و أوصيائه عليهم السّلام و ما أحلي أن يكون جمع هذا التراث و العلم في مكان هو مرآة لوجه اللّه تعالي(1) و في بلد العلم و في عصر العلم، الحلة و ما أدراك ما الحلة بلد الاربعمائة مجتهد في عصر واحد، مدينة يبلغ).

ص: 23


1- ورد عنهم في دعاء الندبة (أين وجه اللّه الذي يتوجه اليه الاولياء) و في مكان آخر (اين وجه اللّه الذي منه يؤتي).

بها الرجل الاجتهاد قبل سن بلوغه(1) مدينة يوصّي فيها الولد من قبل أبيه و عمره سبع سنين بالكتابة، ففي كتاب (كشف المحجة) للسيد الأجل ابن طاووس الحلي و هو وصايا لولده، قال لولده: يرفعه الي المفضل بن عمر قال: قال أبو عبد اللّه عليه السّلام «اكتب و بث علمك في إخوانك، فإن مت فورّث كتبك بنيك، فإنه يأتي علي الناس زمان هرج ما يأنسون فيه الا بكتبهم».(2)

فما ذكر تاريخها إلي الآن الاّ دلالة علي محض الاخلاص و التقي:

إذا ما بناء شاده العلم و التّقي تهدمت الدنيا و لم يتهدّم

فهي في علم التاريخ، و هي في علم الفقه، و هي في علم الاصول، و هي في علم الادب، و هي في علم الرجال و هي و هي... و قد حفظ لنا التاريخ شيئا من ذلك الاخلاص، حفظ لنا مخطوطات خطت بيد الامانة و التقوي في هذا المقام الشريف و كان من محاسن الاقدار أن اللّه سبحانه و تعالي حرّك فينا الهمة و قوّي العزم و شد الأزر في أن يكون لنا شرف التتبع و البحث لجمع هاتيك المخطوطات و التنويه عنها ليتعرف العالم الاسلامي علي قدم هذا المقام و قدسيته، و هو مكان شاء اللّه أن يرفعه و يذكر فيه اسمه و يسبّح له بالغدو و الآصال، و لا يظن المرء أن هذه المخطوطات الست التي نحن بصدد الحديث عنها هي الوحيدة التي كتبت في هذا المقام، فالمئات من المخطوطات

ص: 24


1- اشارة الي العلامة الحلي: و هذا ليس ببعيد فقد ذكر السيد حسن الصدر رحمه اللّه عن بلوغ درجة الاجتهاد لعدة من العلماء قبل بلوغهم فمنهم السيد صدر الدين العاملي و الفاضل الهندي.
2- انظر: الكافي ج 1 /ص 52 /حديث 11.

الحلية التي وصلت حتي الي المتحف البريطاني عليها عبارة كتبت بالحلة المحروسة دون ذكر لعبارة (كتبت داخل هذا المقام) و ذلك لشهرة المقام التي جعلت الناسخ لا يذكر تلك العبارة، غير المخطوطات التي ضاعت عنّا من جراء الحروب و التلف و الحرق و غيرها من الآفات الطبيعية... الخ،(1) فبعد هذا كله تعال معي أيها الباحث عن تاريخ المقام الشريف لنطلعك في هذا الباب عن كل ما يتعلق بتلك المخطوطات التي حصلنا علي ذكرها أو صورة منها بالسفر و الحضر:

المخطوطة الاولي: (636 ه/ 1216 م) مخطوطة الشيخ ابن هيكل

إن أهم ما يرشدنا في هذه المخطوطة الي تأريخ مقام صاحب الزمان عجّل اللّه تعالي فرجه الشريف بالحلة هو وجود تأريخ لعمارة المقام سنة 636 ه فيظهر منها أن المقام كان قبل هذا التاريخ بسنوات عدة، و لكن و للأسف الشديد لم أعثر أنا علي تأريخ قبل هذا التأريخ أي بقي تأريخه غامضا علينا نحو مئة و أربعين سنة من سنة 495 ه و هي سنة تمصير الحلة الي سنة 636 ه، و لكن اعتناء العلماء بهذا المقام و زيارتهم إياه و عمارته

ص: 25


1- و من العجيب ان كتب السيد الاجل ابن طاووس ت 664 ه، المطبوعة التي تربو علي العشرين لا يوجد فيها ذكر لهذا المقام، و هذا لا يعني عدم الاثبات فكثير من كتبه رحمه اللّه فقدت منا، و لقد أحصي الشيخ المحقق، فارس الحسون لهذا السيد خمسة و خمسين كتابا عن لسان السيد نفسه و هي الآن ما بين مطبوع و مخطوط و مفقود، و ربما ذكر السيد هذا المقام في كتابه المفقود (الكرامات) الذي نوه عنه في كتابه الامان ص 127، فلاحظ.

و الدرس فيه يدل علي عنايتهم به و أي عناية، فلا بد من أثر و علي قولهم «الأثر يدل علي المسير» و الآن نأتي علي تفصيل ما ذكرناه:

قال المحقق الحجة السيد محمد صادق بحر العلوم (1315 - 1399 ه) في تحقيقه لكتاب (لؤلؤة البحرين) للشيخ يوسف البحراني رحمه اللّه ص 272 ناقلا عن آية اللّه العظمي السيد ابي محمد الحسن الصدر في كتابه النفيس (تكملة أمل الآمل): «رأيت بخط الشيخ الفقيه الفاضل علي بن فضل اللّه بن هيكل الحلي - تلميذ ابي العباس ابن فهد الحلي ما صورته: حوادث سنة 636 ه، فيها عمّر الشيخ الفقيه العالم نجيب الدين محمد بن جعفر بن هبة اللّه بن نمّا الحلي بيوت الدرس الي جانب المشهد المنسوب الي صاحب الزمان عليه السّلام بالحلة السيفية، و أسكنها جماعة من الفقهاء».

أقول: إن من هذه الاسطر نستخرج عدة فوائد فمنها:

1 - وجود عمارة للمقام الشريف قبل سنة 636 ه

2 - وجود مدرسة بجانب المقام قبل سنة 636 ه (و هي المدرسة التي أتكلم عليها فيما بعد).

3 - إن ابن نما هذا لم يؤسس المدرسة هذه بل عمّرها من خراب أو صدع وقع فيها.

4 - كان لا يسكن هذه المدرسة إلاّ الفقهاء (بصريح قول ابن هيكل).

و الآن نأتي علي ذكر مصدر المخطوطة:

أقول: كتاب (تكملة أمل الآمل في علماء جبل عامل) للعلامة الشريف شيخ المحدثين آية اللّه في العالمين أبي محمد السيد حسن بن الهادي بن

ص: 26

محمد علي من آل صدر الدين الموسوي العاملي (1272-1354 ه) صاحب التصانيف المنيفة علي التسعين و التي لم يطبع منها الاّ نحو عشرين و فيها أسمي الفوائد و أجود العوائد،(1) و يا حبذا لو يلتفت اليها، طبع الجزء الاول من هذا الكتاب و هو ما يخص علماء جبل عامل في سنة 1406 ه في قم المقدسة باشراف مكتبة السيد المرعشي رحمه اللّه و بتحقيق السيد أحمد الحسيني (دامت بركاته) و بقي منه جزءان في غير علماء جبل عامل لم يطبعا، و لأن ابن نما من غير علماء جبل عامل فمن المؤكد أن هذه العبارة موجودة في الاجزاء الباقية لهذا الكتاب.

و أما ابن هيكل: فهو الشيخ الجليل علي بن فضل اللّه بن هيكل الحلي تلميذ الشيخ أبي العباس أحمد بن فهد الحلي الذي توفي سنة 841 ه له كتاب الادعية و الاوراد و الختوم.

أقول: انني من خلال كتاب (الذريعة الي تصانيف الشيعة) استقصيت كتب ابن هيكل رحمه اللّه و الموجودة في مكتبة السيد حسن الصدر رحمه اللّه في الكاظمية، حتي يتسني لي معرفة مصدر قوله الذي نقله عنه (أي قول ابن هيكل) فظهر لي ان لأبن هيكل في هذه المكتبة عدة مخطوطات و جميعها بخط يده، فبعضها له (أي من تآليفه) و بعضها لأستاذه (أي ابن فهد) و بعضها لعلماء الامامية، و خدمة للتاريخ و المذهب فانا ذاكرها لعل اللّه يختار من يحيي تلك الآثار القيمة التي لم تر النور الي الان فالتي له و بخط يده:6.

ص: 27


1- من أراد التفصيل عن ترجمته و كتبه و مكتبته فعليه بكتاب (المسلسلات في الاجازات) لجامعه الحجة السيد محمود المرعشي ج 2 /ص 100-106.

1 - كتاب الادعية و الاوراد - راجع الذريعة ج 1 ص 393.

2 - مقالة في فضل صلاة الجماعة - راجع الذريعة ج 21 ص 403.

و التي لأستاذه الشيخ أحمد بن فهد الحلي رحمه اللّه و بخط يده هي:

1 - المسائل الشامية في فقه الامامية (الاولي) راجع الذريعة ج 5 ص 223.

2 - المسائل الشامية في فقه الامامية (الثانية) راجع الذريعة ج 5 ص 224.

3 - التواريخ الشرعية عن الائمة المهدية - راجع الذريعة ج 4 ص 475.

4 - الخلل في الصلاة - راجع الذريعة ج 7 ص 247.

5 - رسالة في كثير الشك - راجع الذريعة ج 17 ص 282.

6 - الادعية و الختوم.

7 - رسالة في فضل صلاة الجماعة.

و التي لغيره من العلماء رحمه اللّه و بخط يده:

1 - (مسار الشيعة) للشيخ المفيد رحمه اللّه.

2 - (واجبات الصلاة الثمانية) لفخر المحققين رحمه اللّه.

3 - (الآداب الدينية للخزانة المعينية) لأمين الاسلام ابي علي الطبرسي ت 548.(1)

أقول: و أما الشيخ محمد بن نما المذكور، فهو الشيخ نجيب الدين أبو ابراهيم محمد بن جعفر بن أبي البقاء الرئيس العفيف هبة اللّه بن نما بن علي بن حمدون الربعي الحلي الشهير بابن نما، هو منا.

ص: 28


1- أنظر: الذريعة في اجزائها.

مشايخ سديد الدين يوسف بن المطهر و المحقق الحلي و يروي عنه أيضا رضي الدين علي و ابو الفضائل احمد ابنا موسي بن طاووس، و الشيخ نجيب الدين يحيي (جامع الشرائع) و ولداه جعفر و أحمد، و يروي عنه شمس الدين محمد بن أحمد بن صالح القسيني باجازات آخرها جمادي الأولي سنة 637 ه و يروي هو عن والده جعفر بن علي في شوال سنة 556 ه الصحيفة السجادية فظهر ان بين سماع المترجم له للصحيفة سنة 556 ه و بين إجازته للقسيني 637 ه إحدي و ثمانين سنة و هذا يستلزم عمرا طويلا.(1)

المخطوطة الثانية: (سنة 677 ه/ 1256 م) نهج البلاغة

اشارة

إن أهم ما يرشدنا الي تاريخ المقام في هذه المخطوطة انها كتبت في داخل مقام صاحب الزمان عجّل اللّه تعالي فرجه الشريف سنة 677 ه كما صرح به جمع من العلماء، و سوف نأتي علي ذكر كلامهم، و لتسليط الضوء علي هذه النسخة، نأتي علي ذكر أصل الكتاب و جامعه و أحوال الناسخ و مواصفات تلك النسخة و مكانها، و هذا المطلب يتطلب ذكر عدة أمور فلنأت علي ذكرها.

في أصل الكتاب و جامعه:

نهج البلاغة: كتاب عربي، اشتهر في مملكة الادب الأممي، اشتهار الشمس في الظهيرة، و هو صدف لآلئ من الحكم النفيسة، ضم بين دفتيه 242 خطبة و كلاما و 78 كتابا و رسالة و 498 كلمة من يواقيت

ص: 29


1- انظر: الانوار الساطعة ص 154.

الحكمة و جوامع الكلم لأمير المؤمنين عليه السّلام، و يعدّ الكتاب الوحيد الذي جمع بأسلوب فريد روايات منتقاة من بليغ آثاره و بديع كلامه عليه السّلام و الذي وصف بأنّه دون كلام الخالق و فوق كلام المخلوقين، و الذي حظي عبر القرون، استنساخا و شرحا و تعليقا من قبل أعلام البلاغة و الأدب، و حملة العلم و الحديث جيلا بعد جيل و تم شرحه شروح عديدة، تربو علي السبعين، و ألفت عنه مؤلفات كثيرة.

الجامع لنهج البلاغة: السيد محمد بن أبي أحمد الحسين بن موسي بن محمد بن موسي بن ابراهيم ابن الامام موسي بن جعفر عليهما السّلام المشهور بالشريف الرضي رحمه اللّه (359-406 ه) الذي جمعه خلال 17 عاما تقريبا.(1)

أحوال الناسخ: السيد نجم الدين أبو عبد اللّه الحسين بن اردشير بن محمد الطبري الآبدارآبادي،(2) من تلاميذ نجيب الدين يحيي بن أحمد بن يحيي بن سعيد الحلي ت 690 ه كتب له اجازة علي نسخة (نهج البلاغة) في 677 ه وصفه فيها: بالسيد الاجل الاوحد الفقيه العالم الفاضل المرتضي نجم الدين ابو عبد اللّه الحسين...(3) كما كتب نسخة من كتاب (النهاية) للشيخ الطوسي رحمه اللّه و اتمها في يوم الثلاثاء 15 شهر ربيع الاول سنة 681 ه، و قرأ الكتاب علي العلامة الحلي فأجازه باجازتين في شهر ربيع الآخر و جمادي الآخرة من سنة 681 ه

ص: 30


1- انظر: مجلة تراثنا عدد 65، كذلك طبقات أعلام الشيعة (القرن الخامس).
2- ضبطه الشيخ آغا بزرك في الانوار الساطعة ص 2 (آبدار اوادي) و ضبطه السيد أحمد الحسيني في تراجم الرجال ص 162 (الأندراوذي).
3- أنظر: الانوار الساطعة ص 46.

و قال في الاجازة الاولي، قرأ علي الشيخ العالم الفقيه الفاضل الكبير الزاهد المحقق العلامة نجم الملة و الدين عز الاسلام و المسلمين...

قراءة مهذبة تدل علي فضله و تنبئ عن علمه.(1)

تاريخ النسخ: يوم السبت من أواخر شهر صفر سنة 677 ه

مكان النسخ: مقام صاحب الزمان عجّل اللّه تعالي فرجه الشريف في الحلة السيفية.

مواصفات النسخة: النسخة مقروءة أكثر من مرة علي غير واحد من أعلامنا و عليها إنهاءاتهم و إجازاتهم و رواياتهم للكتاب بأسانيدهم عن مؤلفه الشريف الرضي رحمه اللّه.

ثم بعد ذلك هي مقابلة و مصححة بخطوط العلماء:

ففي نهاية المخطوط:

«تم الكتاب بعون اللّه و حسن توفيقه... يوم السبت من [أ] و اخر صفر سنة سبع و سبعين و ستمائة فرغ من نقله الحسين بن اردشير الطبري الاندراوذي بالحلة السيفية في مقام صاحب الزمان عليه السّلام»، و التاريخ يصلح ان يقرأ سبع و سبعين كما قرأه صاحب رياض العلماء، حيث رأي هذه النسخة في أصفهان و ترجم لكاتبها في رياض العلماء 36/2، كما قرأها الاستاذ دانش بزوه و تحدث عنها في نشرة المكتبة المركزية لجامعة طهران 421/5.

و رآها شيخنا صاحب الذريعة رحمه اللّه في مكتبة العلامة الاديب الشيخ محمد السماوي رحمه اللّه و ترجم لكاتبها في اعلام القرن السابع من طبقات اعلام الشيعة و قرأ تاريخ النسخة (سبع و ستين)، و هذه المخطوطة قرأها كاتبها علي

ص: 31


1- تراجم الرجال ج 1 /ص 167.

الشيخ نجيب الدين يحيي بن أحمد بن يحيي بن الحسن بن سعيد الهذلي الحلي (601-689 ه)، فكتب له الانهاء في آخرها:

«أنهاه أحسن اللّه توفيقه قراءة و شرحا لمشكله و غريبه نفعه اللّه و إيانا به و بمحمد و آله، و كتب يحيي بن احمد بن يحيي بن الحسن بن سعيد الهذلي الحلي بالحلة حماها اللّه في صفر سنة سبع و ستين (و سبعين) و ستمائة».

و كتب له أيضا بأول النسخة اجازة برواية الكتاب عن مؤلفه الشريف الرضي رحمه اللّه و نصها: «قرأ عليّ السيد الأجل الاوحد، الفقيه العالم الفاضل، المرتضي نجم الدين ابو عبد اللّه الحسين بن اردشير بن محمد الطبري - أصلح اللّه أعماله و بلغه آماله بمحمد و آله - كل هذا الكتاب من أوله الي آخره، فكمل له الكتاب كلّه، و شرحت له في أثناء قراءته و بحثه مشكله، و أبرزت له كثيرا من معانيه، و أذنت له في روايته عني، عن السيد الفقيه العالم المقرئ المتكلم محي الدين ابي حامد محمد بن عبد اللّه بن علي بن زهرة الحسيني الحلبي رضي اللّه عنه، عن الشيخ الفقيه رشيد الدين ابي جعفر محمد بن علي بن شهر آشوب المازندراني، عن السيد ابي الصمصام ذي الفقار بن [محمد بن](1) معد الحسني المروزي، عن ابي عبد اللّه محمد بن علي الحلواني، عن السيد الرضي ابي الحسن محمد بن الحسين بن موسي بن محمد الموسوي.

ص: 32


1- زيادة عما في رياض العلماء و فيه معد الحسيني و ليس الحسني و الذي عليه الكثير أنه ذو الفقار بن معبد و ذكر صاحب كتاب (عمدة الطالب) في أولاد موسي الجون ابن عبد اللّه المحض ابن الحسن المثني ابن الامام الحسن عليه السّلام و هو المعروف لكن الشيخ منتجب الدين رفع نسبه في الفهرست الي إسماعيل بن ابراهيم ابن الامام موسي الكاظم عليه السّلام و نقل كلامه المعلّق علي (العمدة) في عقب اسماعيل.

و عنه عن الفقيه عز الدين ابي الحارث محمد بن الحسن بن علي الحسيني البغدادي، عن قطب الدين ابي الحسين الراوندي عن السيدين المرتضي و المجتبي ابني الداعي [الحسني](1) عن ابي جعفر الدوريستي عن السيد الرضي فليروه [عني متي شاء و أحب...] سنة سبع و سبعين و ستمائة» و قد حصل في هذا الموضع طمس و تلف ذهبا بتوقيع المجيز، لكن الظاهر انه هو نجيب الدين يحيي بن سعيد الحلي لتشابه خط الاجازة و الانهاء، و لأن الشيوخ المذكورين في الاجازة هم من مشايخه رحمهم اللّه جميعا.

ثم انتقلت المخطوطة من الحلة الي النجف الأشرف فقرئت علي السيد محمد بن ابي الرضا العلوي، فاما أنّ كاتبها قرأها أو قرأها غيره و هو الاظهر و قد كتب الآوي بخطه: «انهاه ادام اللّه بقاه قراءة مهذبة و كتب محمد بن ابي الرضا».

ثم قوبلت النسخة في النجف الاشرف بنسخة صحيحة من نهج البلاغة بالحضرة الغروية مشهد أمير المؤمنين عليه السّلام و سجل بهوامشها كثير من فوائد شرح نهج البلاغة لأبن ميثم البحراني، و كان الفراغ من المقابلة و كتابة الحواشي أواخر شهر رمضان سنة 726 ه.. ثم رجعت الي الحلة إذ كان علي مخطوطتنا هذه سوي ما تقدم من الميزات إجازة من الشيخ حسن بن الحسين بن الحسن السرابشنوي بخطه في ذي الحجة سنة 728 ه بالحلة، و لكن أصابها تلف منذ عهد صاحب الرياض فلم يسجل لنا منه في رياض العلماء 37/2 إلا أول الاجازة و هو:

ص: 33


1- في رياض العلماء (الحلبي).

قرأ عليّ هذا الكتاب المسمي بنهج البلاغة المولي المعظم ملك الصلحاء سيد الزهاد و العباد... كما كتب في آخرها... و ما توفيقي إلاّ باللّه عليه توكلنا، و هو حسبنا، نعم الوكيل و نعم المولي و نعم النصير، و ذلك في رجب من سنة أربعمائة «و هذا يدل أن النسخة منقولة من علي نسخة المؤلف الشريف، أو من نسخة كتبت علي عهده».

و كانت هذه المخطوطة الثمينة في مكتبة العلامة السماوي و انتقلت بعد وفاته الي مكتبة آية اللّه الحكيم العامة في النجف الاشرف و رقمها هناك 139.

عدد الورقات: 332.

حجم الورق: قطع وزيري، سميك 16 * 24.

نوع الخط: نستعليق جيد.

عدد السطر: 18.

طول السطر: 5، 11 سم.

مكان النسخة: مكتبة اية اللّه الحكيم رقم 139.

يقول كاتب السطور انني بفضل اللّه و منّه علي رأيت نسخة مصورة عن النسخة الاصلية في هذه المكتبة و لم أر النسخة الاصلية لأنها محفوظة فيها، و بحق هي من نفائس مخطوطاتنا.

ملاحظة: توجد نسخة اخذت عن النسخة الاصلية أوردناها في الباب الثاني عشر من كتابنا هذا. راجع عن هذه النسخة:

1 - من نوادر مخطوطات مكتبة آية اللّه الحكيم العامة ص 87 - 89 و تصوير نماذج منها في نهايته.

ص: 34

2 - الذريعة الي تصانيف الشيعة ج 24 ص 413.

3 - طبقات اعلام الشيعة (القرن 7 ص 46).

4 - رياض العلماء ج 2 ص 36 و 37.

5 - اعيان الشيعة الحديثة ج 5 ص 451.

6 - مصادر نهج البلاغة ج 1 ص 192 و 193.

7 - نشرة المكتبة المركزية لجامعة طهران ج 5 ص 421.

8 - مجلة تراثنا عدد 5 ص 79-81.

المخطوطة الثالثة: (في بداية القرن الثامن الهجري) الدرة النضيدة في شرح الأبحاث المفيدة

اشارة

إن أهم ما يرشدنا الي تأريخ المقام في هذه المخطوطة هو أنها كتبت مجاور مقام صاحب الزمان أرواحنا فداه في الحلة السيفية، و لكن و للأسف الشديد لم يذكر في النسخة تأريخ صريح، لأن نسخة الكتاب مخرومة الآخر، و لتسليط الضوء علي هذه النسخة، نأتي علي ذكر أصل الكتاب و مؤلفه و أحوال الشارح للكتاب و مواصفات تلك النسخة، و مكانها، و هذا المطلب يتطلب ذكر عدة أمور، فلنأت علي ذكرها.

الأمر الأول: في أصل الكتاب و مؤلفه

.

أقول: إن أصل الكتاب هو (الأبحاث المفيدة في تحقيق العقيدة) و هو في علم الكلام، و هو مختصر لكتاب (منهاج الهداية و معراج الدراية)،(1) و هو من تآليف آية اللّه العلامة الشيخ جمال الدين

ص: 35


1- هذا ما صرح به مؤلفه العلامة اعلي اللّه مقامه في اجازته للسيد مهنا بن سنان رحمه اللّه عند سرد مؤلفاته و هي ضمن المسائل المهنائية - انظر: بحار الانوار، ج 104، ص 148.

أبي منصور الحسن ابن الشيخ سديد الدين يوسف ابن زين الدين علي بن المطهر الحلي المولود في 29 من شهر رمضان سنة 648 ه و المتوفّي في يوم السبت الحادي و العشرين من المحرم سنة 726 ه، و لم نر موجبا لذكر ترجمة له رحمه اللّه، لأن الكتب الرجالية و الفقهية و الحديثية و غيرها تعطرت بأريج ذكره، و مثلي لا يستطيع وصف مثله.

الأمر الثاني: في ذكر عدة فوائد تخص هذه النسخة الخطية.

اشارة

الفائدة الاولي: في اسم المخطوطة.

(الدرة النضيدة في شرح الابحاث المفيدة) أقول إني لم ار من سمّي هذا الكتاب بهذا الاسم سوي ثلاثة أعلام و هم:

1 - مؤلف الكتاب: و هو الناسخ له و هذا ما صرح به في مقدمة الكتاب.

2 - الواقف للنسخة: و هو الشيخ اسد اللّه بن محمد مؤمن الخاتوني العاملي المشهدي و هو ما كتبه علي ظهر النسخة.

3 - السيد محسن الأمين العاملي رحمه اللّه: في كتابه أعيان الشيعة و هو الذي رأي تلك النسخة بعينه، و قرأ ما صرح به المؤلف و الواقف علي ظهر النسخة، علما أنّ جميع من كتب عن هذه النسخة سمّاها ب (شرح الابحاث المفيدة في تحصيل العقيدة) دون ذكر الاسم.

الفائدة الثانية: في أحوال الشارح و هو الناسخ للمخطوطة.

أقول: هو الشيخ عز الدين ابو محمد الحسن بن ناصر بن ابراهيم الحداد العاملي، و انفرد السيد الامين في أعيانه بتسميته بمحمد حسن.

في ثناء العلماء عليه:

قال الميرزا الافندي رحمه اللّه: الفاضل الكامل العالم الكافل

ص: 36

المعروف بأبن حداد العاملي، و له من المؤلفات كتاب (طريق النجاة) و ينقل عن كتابه هذا الكفعمي رحمه اللّه في حواشي المصباح و العجب، ان الشيخ المعاصر لم يورده في الآمل، و وصفه بمكان آخر بالشيخ الجليل... و لم أعثر علي عصره الي الآن، و اعلم انه قد يتوهم ان ابن الحداد العاملي هذا هو بعينه الحداد الحلي، و هو غلط فاحش، لأن اسمه الشيخ جمال الدين أحمد بن محمد ابن الحداد الحلي تلميذ العلامة أعلي اللّه مقامه.(1)

و قال الخاتوني (و هو الواقف للنسخة): الشيخ الامام الفاضل الكامل انموذج السلف بقية الخلف عين أعيان الزمان عز الملة و الدين أبو محمد حسن بن ناصر الدين ابراهيم الحداد العاملي قدّس سرّه.(2)

الفائدة الثالثة: في عصر المؤلف و النسخة.

أقول: قرأ بعض عليه كتاب (قواعد الاحكام) للعلامة الحلي رحمه اللّه فكتب له إنهاء في الخامس من جمادي الآخرة سنة 725 ه (3)

كما قرأ عنده محمد بن الحسن بن محمد الغزنوي كتاب (شرائع الاسلام) فكتب له إنهاء في آخر الجزء الاول منه بتاريخ 21 محرم سنة 739 ه (4)

ص: 37


1- انظر: رياض العلماء ج 1 /ص 322، و 346، و اراد بالمعاصر رحمه اللّه: الشيخ محمد بن الحسن الحرّ العاملي ت 1104 ه صاحب كتاب (أمل الآمل) و هو صاحب كتاب (وسائل الشيعة).
2- انظر: اعيان الشيعة، ج 9 /ص 178.
3- انظر: تراجم الرجال السيد احمد الحسيني ج 1 /ص 160.
4- أنظر: المصدر السابق ص 146.

و قرأ عليه محمد بن ابراهيم كتابا للعلامة الحلي رحمه اللّه سنة 725 ه فكتب له في آخره: أنهاه أيده اللّه تعالي و أبقاه قراءة و بحثا و استشراحا و حفظا و ضبطا لما... فصل في معانيه نفعه اللّه تعالي و ايانا بذلك بمحمد و آله الطاهرين، و ذلك في عدة مجالس آخر (ها) خامس جمادي الاخرة سنة 725 ه كتبه العبد... حسن بن ناصر بن ابراهيم العاملي،(1)

كما كتب علي نسخة (قواعد الاحكام في مسائل الحلال و الحرام) للعلامة الحلي رحمه اللّه و هي نسخة عصر المصنف، انهاء الحسن بن ناصر بن ابراهيم العاملي في سنة 725 ه (2)

و لا يبعد أن يكون الشارح من تلاميذ العلامة الحلي رحمه اللّه ت (726 ه)، بل هو المؤكد حسب التواريخ المذكورة آنفا و علي هذا ثبت لدينا ان عصر كتابة النسخة هو الربع الاول من القرن الثامن الهجري.

الفائدة الرابعة: في توهم البعض بأن شرح الابحاث المفيدة لغير ابن الحداد العاملي رحمه اللّه.

أقول: ان البعض توهم في نسبة الشارح لهذا الكتاب، فقد نسب هذا الشرح الي الشيخ ناصر بن ابراهيم البويهي الاحسائي العاملي المتوفي بالطاعون في سنة 853 ه و المجاز من قبل العلامة البياضي رحمه اللّه صاحب كتاب (الصراط المستقيم)، و هو من علماء المائة التاسعة و هو

ص: 38


1- انظر: مكتبة العلامة الحلي، ص 129، (ها) زيادة يقتضيها السياق.
2- انظر: الذريعة ج 17 /ص 176، و قد اورده الشيخ صاحب الذريعة بأسم (الحسين) و الأصح كما اثبتناه، و لعل الحسين تصحيف و كثيرا ما يحدث بين اسمي الحسن و الحسين، او لعله من خطأ النساخ.

صاحب الحاشية علي القواعد للعلامة و حواش كثيرة علي كتب الفقه و وقع هذا الاشتباه في كل من الكتب التالية:

1 - الذريعة الي تصانيف الشيعة (للشيخ اغا بزرك الطهراني)، ج 3 ص 57.

2 - معجم المؤلفين (لعمر كحالة)، ج 13 ص 67.

3 - مقدمة تحقيق كتاب (قواعد الاحكام) للعلامة الحلي رحمه اللّه ص 49 تحقيق مؤسسة النشر الاسلامي ط 1 (1412 ه قم المقدسة).

4 - فهرس الكتب الخطية في مكتبة الامام الرضا عليه السّلام (آستان قدس رضوي) ط 2 ج 13 ص 132 تحت رقم 141، تحقيق سيد علي اردلان جوان/فارسي.

و الظاهر ان اصل الاشتباه من هذا الكتاب، لاعتماد الجميع علي اعتقاد صحة ما في الفهرست.

الفائدة الخامسة: في مواصفات النسخة.

بداية النسخة: بعد البسملة الحمد له و الصلاة علي نبيه صلي اللّه عليه و آله... فقد سألني بعض أصحابي الكريم لدي و الواجب الحق عليّ المفتخر بأعظم جرثومة و المنتسب الي أكرم أرومة إملاء شرح المباحث المفيدة في تحصيل العقيدة من تصنيف شيخنا الامام(1)... بكتاب موسوم بالدرة النضيدة...

نهاية النسخة: النهاية و للأسف الشديد مخرومة الآخر، و لكن يظهر أن الذاهب منها شيء قليل لأن فيها قبل الاخر بورقتين الفصل الثامن في المعاد.

ص: 39


1- ثم اخذ بنعت العلامة الحلي رحمه اللّه و كلمة شيخنا تدل علي انه من تلامذة العلامة الحلي رحمه اللّه.
ما كتب علي ظهر النسخة:

خط المؤلف: ابتدأت في تصنيفه ثامن عشرين شعبان و فرغت في أربع عشرين رمضان فكان مجموع المدة ستة و عشرين يوما و ذلك في الحلة مجاور مقام صاحب الزمان علي ساكنه أفضل الصلاة و السلام.(1)

خط الواقف: كتاب (الدرة النضيدة في شرح الابحاث المفيدة) تصنيف الشيخ الامام الفاضل الكامل انموذج السلف بقية الخلف عين أعيان الزمان عز الملة و الدين ابو(2) محمد حسن بن ناصر الدين ابراهيم الحداد العاملي قدّس سرّه.

الواقف للنسخة: الشيخ أسد اللّه بن محمد مؤمن الخاتوني، سنة الوقف: 1067 ه

كاتب النسخة: بخط يد المؤلف نفسه.

نوع الخط: نستعليق تحريري.

عدد الورقات: 49 ورقة.

حجم الورقة: 20 * 11 سم.

عدد الأسطر: 30 سطر في الورقة الوحدة.

لون الغلاف: بني (دارسيني).

مكان النسخة: مشهد/مكتبة الإمام الرضا عليه السّلام (آستان قدس رضوي) رقم 141.

ص: 40


1- قال السيد محسن العاملي رحمه اللّه: و لكنه مع الاسف لم يذكر التاريخ و هذا الشرح بهذه السرعة يدل علي كمال فضله.
2- كذا في الاصل، و صوابها: ابي محمد.

أقول: لا يبعد أن يكون المؤلف كتب هذه النسخة في مدرسة صاحب الزمان عجّل اللّه تعالي فرجه الشريف الواقعة بجانب هذا المقام كما صرحنا به في المخطوطة الاولي من هذا الباب.

يقول كاتب هذه السطور: إن من فضل اللّه و مننه السابغة عليّ أن وفقني لرؤية تلك النسخة و ذلك في خلال زيارتي الرابعة لسيدي و مولاي الإمام علي بن موسي الرضا عليه السّلام و في الأول من شهر جمادي الآخرة من سنة 1425 ه و ذلك بفضل الجهود المشكورة من قبل ادارة المكتبة الرضوية علي المنسوبة اليه أفضل الصلاة و السلام، و قبّلت النسخة و وضعتها علي عيني تبركا بها، لكن في البداية لم ار ما رآه صاحب الاعيان علي ظهر النسخة من خط المؤلف و الواقف و بعد تفحصي للنسخة ظهر أن ورقة وضعت علي ظهر النسخة في أثناء تجليدها فأخفت ما كتب علي ظهر النسخة، فأخبرت ادارة المكتبة بأهمية ما كتب علي ظهرها، فقامت ادارة المكتبة بجهود مشكورة و بدون تلف لما كتب علي ظهر النسخة برفع تلك الورقة التي اخفت تلك المعالم، و طلبوا مني أن اصحح ما وقع من الاشتباه عند صاحب الفهرست عن هذه النسخة، فكتبت في ورقة معزولة اسم النسخة و مؤلفها الأصلي و عصره و ارفقت الورقة التي كتبتها مع النسخة الأصلية و هذا بمنّه و فضله سبحانه عليّ و الحمد للّه رب العالمين.

راجع عن هذه النسخة الخطية:

1 - أعيان الشيعة، العاملي، ج 44 ص 86 طبعة قديمة، و ج 9 ص 178 طبعة حديثة.

ص: 41

2 - فهرست مكتبة الامام الرضا (آستان قدس رضوي) / فارسي ج 13 طبعة 2 ص 132 رقم 141 تحقيق سيد علي اردلان جوان.

ملاحظة: توجد صورة لتلك النسخة اخذت عن النسخة الخطية أوردتها في الباب الثاني عشر من كتابنا هذا.

المخطوطة الرابعة: (في سنة 723 ه/ 1302 م) تحرير الاحكام الشرعية علي مذهب الامامية

اشارة

إن أهم ما يرشدنا الي تاريخ المقام في هذه المخطوطة، هي أنها كتبت في داخل المقام سنة 723 ه، و لتسليط الضوء علي النسخة نأتي علي ذكر اسم النسخة و مؤلفها و أحوال الناسخ و مواصفات تلك النسخة و مكانها و هذا المطلب يتطلب عدة أمور فلنأت علي ذكرها:

الأمر الأول: في اسم الكتاب و مؤلفه.

(تحرير الأحكام الشرعية علي مذهب الأمامية)، تأليف: العلامة الحلي رحمه اللّه الشيخ جمال الدين أبي منصور الحسن بن يوسف بن المطهّر الأسدي (648-726 ه)، من المتون الفقهية المهمة للعلامة رحمه اللّه صاحب الموسوعات الفقهية و المصنفات الاصولية و الكلامية، و هو دورة كاملة من الطهارة الي الديات، يشتمل علي معظم المسائل الفقهية، مع إيراد أكثر المطالب التكليفية الشرعية الفرعية، من غير تطويل بذكر حجة و دليل، مقتصرا علي مجرد الفتوي، تاركا الأستدلال، مستوعبا الفروع و الجزئيات، مستخرجا لفروع لم يسبق إليها، مرتبا علي ترتيب كتب الفقه في أربع قواعد في العبادات،

ص: 42

المعاملات، الإيقاعات، الأحكام، صنفه العلامة في 10 ربيع الأول من سنة 690 ه (1)

الأمر الثاني: في اسم الناسخ و أحواله.

اسم الناسخ: محمود بن محمد بن بدر.

أقول: و أحتمل أنه محمود بن محمد بن بدر الرازي الغزي المجاور بالحرم الشريف الغروي الناسخ لكتاب (مختلف الشيعة في أحكام الشريعة) للعلامة الحلي رحمه اللّه و فرغ من نسخه يوم الأربعاء 24 شوال سنة 737 ه و نسخة الكتاب المذكور هي الموجودة في مكتبة الآخوند في همدان و تحت رقم 4591.(2)

أقول: و يظهر منها أنه انتقل الي الغري بعد وفاة العلامة رحمه اللّه.

مكان النسخ: في مقام صاحب الزمان عجّل اللّه تعالي فرجه الشريف بالحلة.

تأريخ النسخ: فرغ منها يوم الثلاثاء سادس رجب سنة 723 ه (و هي نسخة عصر المؤلف).

مواصفات النسخة: (تحتوي علي القاعدة الأولي و الثانية)، و بها سقط في أولها و آخرها، استنساخها غير جيد، و يوجد في (نهاية القاعدة الأولي) تاريخ النسخ، و في حاشيتها توجد تصحيحات، كما يوجد عليها إنهاء المؤلف للكتاب في 26 جمادي الآخرة سنة 724 ه

ص: 43


1- انظر: مجلة تراثنا عدد 68 و كتاب الذريعة ج 3 /ص 378.
2- انظر: مكتبة العلامة الحلي ص 177، علما انني كتبت (همدان) بالدال المهملة مع ان حقها ان تكتب بالمعجمة (همذان) و بفتح الميم لكن جرينا علي شائع الاستعمال عند المتاخرين و (همدان) بفتح الهاء و سكون الميم و بالدال المهملة اسم قبيلة يمانية (قحطانية) كانت من شيعة الامام امير المؤمنين عليه السّلام.

عدد الورقات: 261.

عدد الأسطر: 26 سطر.

حجم الورقة: 23 * 16 سم.

لون الغلاف: أحمر، العطف بنّي.

مكان النسخة: قم المقدسة، مكتبة السيد المرعشي رحمه اللّه رقم (6732).

يقول كاتب هذه السطور: إنّ من فضل اللّه و مننه السابغة عليّ أن وفقني لرؤية تلك النسخة و ذلك في خلال زيارتي الخامسة لسيدي و مولاي علي بن موسي الرضا عليه السّلام، في آخر شهر شعبان من سنة 1425 ه، و ذلك بفضل الجهود المشكورة من قبل إدارة مكتبة السيد المرعشي رحمه اللّه في بلدة قم المقدسة المحروسة بالعلم و العلماء و بخصوص جهود الحجة السيد محمود المرعشي (دامت بركاته)، و هي من نفائس مخطوطات تلك المكتبة بحيث انني رأيت النسخة محفوظة في صندوق زجاجي مفرغ من الهواء في معرض نفائس مخطوطات تلك المكتبة.

أقول: و الآن نأتي علي وصف ما رأيته في آخر تلك النسخة.

تمت القاعدة الاولي و هي العبادات من كتاب التحرير و يتلوه الجزء الثاني منه و هي القاعدة الثانية في المعاملات و فرغ من تسويد مصنفه حسن بن يوسف بن مطهر ليلة الثلاثاء عاشر ربيع الاول من سنة تسعين و ستمائة و الحمد للّه وحده و صلي اللّه علي سيدنا محمد النبي و آله الطاهرين.

و كتب الناسخ: هذه صورة خط المصنف دام ظله و أبقاه و فرغ

ص: 44

العبد الاصغر من كتابته و هو محمود بن محمد بن بدر و قد... يوم الثلاثاء سادس من شهر رجب الاصم عام ثلاثة و عشرين و سبعمائة في...(1) صاحب الزمان بالحلة المحروسة حماها اللّه اللهم اغفر لنا و لوالدينا و لجميع المؤمنين و المؤمنات بحق محمد و آله الاخيار الابرار، بلغت المقابلة بنسخة الاصل.

خط المؤلف: انهاه... اللّه تعالي... مجالس آخرها سادس عشرين جمادي الآخر من سنة اربع و عشرين و سبعمائة كتبه حسن يوسف المطهر (كذا) الحلي... حامدا مسلما مستغفرا (علما ان خط العلامة عليها بدون نقط).

أقول: لعل إنهاء العلامة الحلي رحمه اللّه علي هذه النسخة في مقام صاحب الزمان عجّل اللّه تعالي فرجه الشريف و نسخ كتبه من قبل تلامذته أو النساخ في عصره في هذا المقام دليل علي أن المقام كان موضع درسه، فاذا كان موضع درسه فهو بعينه موضع درس ولده فخر المحققين رحمه اللّه.(2)

راجع عن هذه النسخة:

ص: 45


1- و للأسف الشديد قد سقطت كلمة مقام من أثر تلف وقع علي النسخة بسبب حشرة الارضة.
2- كما صرح به ولده محمد فخر المحققين ت 771 ه حينما أجاز الشيخ زين الدين علي ابن عز الدين حسن بن مظاهر، فكتب بخط يده في آخر اجازته لهذا الشيخ ما صورته (و كتب محمد بن الحسن بن يوسف بن المطهر في عاشر ربيع الاول لسنة خمس و خمسين و سبعمائة ببلدة الحلة بمجلس والدي الذي كان في حياته يدرس به و الحمد للّه وحده...). انظر: بحار الانوار ج 107 /ص 181.

1 - مكتبة العلامة الحلي للمحقق السيد عبد العزيز الطباطبائي رحمه اللّه ص 97.

2 - فهرست مكتبة السيد المرعشي رحمه اللّه ج 17 ص 285 رقم 6732.

ملاحظة: توجد صورة لتلك النسخة اخذت عن النسخة الخطية أوردتها في الباب الثاني عشر من كتابنا هذا.

المخطوطة الخامسة: (سنة 776 ه/ 1355 م) قواعد الأحكام في معرفة الحلال و الحرام

اشارة

و أهم ما يرشدنا في هذه المخطوطة انها كتبت في مقام صاحب الزمان عجّل اللّه تعالي فرجه الشريف في سنة 776 ه و هذا ما نطلبه نحن في بحثنا هذا و لمعرفة الامور التي تخص تلك النسخة نأتي علي ذكر عدة أمور مهمة منها:

الأمر الاول: وقفة مع الكتاب و مؤلفه.

(قواعد الاحكام في معرفة الحلال و الحرام): هو كتاب في الفقه و مسائل الحلال و الحرام من تصانيف آية اللّه العلامة الحلي رحمه اللّه المتوفي سنة 726 ه، و هو أجل ما كتب في الفقه الجعفري بعد كتاب (شرائع الاسلام) فهو حاو لجميع أبواب الفقه، و قد لخص مؤلفه فتاواه، و ألفه بالتماس ولده فخر الدين و ختمه بوصية غراء لولده فخر الدين، و قد اعتمد عليه كافة المتأخرين و علقوا عليه الحواشي و شرح شروحا كثيرة.(1)

إسم الناسخ: جعفر بن محمد العراقي و أخوه الحسين بن محمد العراقي.

ص: 46


1- انظر: الذريعة ج 14، ص 17.

تاريخ النسخ: هناك اختلاف يسير بين صاحب فهرست مكتبة الآخوند في همدان و بين السيد المحقق عبد العزيز الطباطبائي رحمه اللّه في كتابه (مكتبة العلامة الحلي)، حول تاريخ بداية و نهاية نسخ النسخة، و أظن من كلام السيد الطباطبائي في وصفه النسخة انه رآها، فلنأت علي قولهما: قال صاحب الفهرست (ما ترجمته بالعربية): البداية في يوم السبت أول جمادي الآخرة 776 ه (خمسين سنة بعد وفاة المؤلف) قام كاتب هذه النسخة بعد اتمام كتابتها بمقابلتها و تصحيحها و كتب في آخرها: قمت بمقابلة و تصحيح هذه النسخة مع نسخة صحيحة موجودة في مدرسة صاحب الزمان بمدينة الحلة في فصل حار و بتعب شديد، حتي أتممت المقابلة في 12 جمادي الأول سنة 786 ه ثم يضيف: فرغت من قراءة و حل الكلمات المشكلة في 18 شهر رمضان 786 ه

و قال الطباطبائي رحمه اللّه في كتاب (مكتبة العلامة الحلي): فرغ منها يوم السبت غرة جمادي الآخرة ثم قابلها و صححها علي نسخة مصححة معتمدة في مقام صاحب الزمان بالحلة سنة 776 ه جزءان في مجلد.(1)

مواصفات النسخة: الحجم وزيري، يوجد في عدة مواضع عبارة (بلغت المقابلة) و كذلك توجد حواش عديدة من الكاتب في هذه النسخة، و في أول الكتاب توجد بعض الفروع تم نقلها من (الرسالة الحائرية) و توجد بعض الاوراق ساقطة في أول الكتاب.

أقول: قال السيد الطباطبائي رحمه اللّه: بعد إيراد الكلام عن هذه النسخة.

ص: 47


1- انظر: مكتبة العلامة الحلي ص 144.

مخطوطة أخري (أي من كتاب قواعد الاحكام) كتبها حسين بن محمد العراقي لأبنه سعد الدين محمد، و انتهي في غرة جمادي الآخرة سنة 776 ه في الحلة في مدرسة صاحب الزمان، قابله جعفر بن محمد العراقي (و اظنه اخا الكاتب) في 18 رمضان سنة 786 ه

كما كتب المحقق الحجة آية اللّه العظمي السيد محمد مهدي الخرسان (دام ظلّه) في بعض افاداته الخطية و نقلته عنه في منزله قائلا:

أو ثمة مدرسة باسم صاحب الزمان قد اندثرت، و قد كتب الاخوان جعفر و الحسين ابنا محمد كتاب (قواعد الاحكام) للعلامة كتب كل منهما مجلدا في سنة 776 ه و صححاه علي نسخة صحيحة في مدرسة صاحب الزمان بالحلة، و النسخة لا تزال موجودة في مكتبة غرب بهمدان.

مكان النسخة: مكتبة الآخوند في همدان في ايران و برقم 927.

راجع عن هذه النسخة:

1 - فهرست نسخه هاي خطي كتابخانه ها، رشت و همدان/ فارسي، ج 17 ص 1346 رقم 927.

2 - مكتبة العلامة الحلي للمحقق الطباطبائي رحمه اللّه، ص 144.

المخطوطة السادسة: (سنة 957 ه/ 1537 م) المختصر النافع

و أهم ما يرشدنا في تاريخ المقام في هذه النسخة وجوده بوجود المدرسة التي بجانبه و التي سوف نتحدث عنها فيما بعد، حيث تاريخ هذه

ص: 48

النسخة سنة 975 ه، فلنأت علي أهم ما يخصنا عن هذه النسخة:

أقول: (المختصر النافع) لنجم الدين أبي القاسم جعفر بن الحسن بن يحيي بن سعيد الحلي المشهور بالمحقق علي الاطلاق، وحيد عصره، كان ألسن أهل زمانه و أقومهم بالحجة و أسرعهم استحضارا، تشهر ربيع الآخر سنة 676 ه، و هو خال العلامة الحلي رحمه اللّه و كتابه هذا لخصه من كتابه (شرائع الاسلام في مسائل الحلال و الحرام) و هو مرتب علي أربعة أقسام العبادات و العقود و الايقاعات و الأحكام.

تاريخ النسخ: 16 شهر ربيع الأول سنة 957 ه

مكان النسخ: مدرسة صاحب الزمان عجّل اللّه تعالي فرجه الشريف في الحلة السيفية.

مكان النسخة: ايران - مشهد (خراسان) في مكتبة عبد الحميد مولوي الشخصية.

هذا ما نقلته من بعض افادات آية اللّه السيد الحجة محمد مهدي نجل المحقق السيد آية اللّه حسن الخرسان، و ذلك في شهر رمضان سنة 1425 ه بعد حضورنا مجلس العزاء و الدرس و تلقي ما يلقيه علينا من درر التحقيق و التدقيق في الروايات الحديثية و التاريخية و الحمد للّه رب العالمين.

أقول: هذا آخر ما حصلت عليه من ذكر مخطوطات تتعلق في تاريخ مقام صاحب الزمان عجّل اللّه تعالي فرجه الشريف في الحلة.

***

ص: 49

ص: 50

الباب الثالث في ذكر تاريخ مقام صاحب الزمان عجّل اللّه تعالي فرجه الشريف من خلال الحكايات

اشارة

ص: 51

ص: 52

ورد في كتاب (السلطان المفرج عن أهل الإيمان)(1) ثلاث حكايات وقعت ببركة صاحب المقام عجّل اللّه تعالي فرجه الشريف في القرن الثامن الهجري، لم تقترن الحكاية الأولي بتاريخ لكن الحكايتين التاليتين ورد فيهما تاريخ صريح، فلنورد الحكاية الأولي ثم الثانية و الثالثة تباعا...

و قبل أن ننقل الحكايات الثلاث، نذكر ترجمة صاحب الكتاب، و ثناء العلماء عليه حتي يتبين لنا صدقه في النقل.

أقول: إن مؤلف كتاب (السلطان المفرج عن أهل الإيمان)، هو السيد بهاء الدين علي ابن السيد غياث الدين عبد الكريم بن عبد الحميد بن عبد اللّه بن أحمد بن حسن بن علي بن محمد بن علي غياث الدين(2) ابن السيد جلال الدين عبد الحميد(3) بن عبد اللّه بن أسامة(4) بن أحمد بن علي بن محمد بن عمر(5) بن يحيي (القائمه.

ص: 53


1- نقلا عن بحار الأنوار/للعلامة المجلسي (أعلي اللّه مقامه).
2- الذي خرج عليه جماعة من العرب بشط سوراء بالعراق و حملوا عليه و سلبوه فمانعهم عن سلب سراويله فضربه أحدهم فقتله و كان عالما تقيّا.
3- الذي يروي عنه محمد بن جعفر المشهدي في المزار الكبير و قال فيه: أخبرني السيد الأجل العالم عبد الحميد بن التقي عبد اللّه بن أسامة العلوي الحسيني رضي اللّه عنه في ذي القعدة من سنة ثمانين و خمسمائة قراءة عليه بحلة الجامعين.
4- متولّي النقابة بالعراق.
5- الرئيس الجليل الذي رد اللّه علي يده الحجر الأسود لما نهبت القرامطة مكة في سنة ثلاث و عشرين و ثلاثمائة و أخذوا الحجر و أتو به إلي الكوفة و علقوه في السارية السابعة من المسجد التي كان ذكرها أمير المؤمنين عليه السّلام فإنه قال ذات يوم بالكوفة: لا بد أن يسلب في هذه السارية و أومي إلي السارية السابعة و القصة طويلة و بني قبة جده أمير المؤمنين عليه السّلام من خالص ماله.

بالكوفة) ابن الحسين (النقيب الطاهر ابن أبي عاتقة أحمد الشاعر المحدث) ابن أبي علي عمر بن أبي الحسين يحيي(1) ابن أبي عاتقة الزاهد العابد الحسين(2) بن زيد الشهيد ابن علي زين العابدين ابن الحسين بن علي بن أبي طالب عليهم السّلام النيلي(3) النجفي النسابة.

و هو من مشايخ العلامة أبي العباس أحمد بن فهد المجاز منه في 791 ه أدرك أواخر عهد فخر المحققين ت 771 ه و السيدين العلمين عميد الدين و ضياء الدين و الشهيد محمد بن مكي العاملي و يروي عنهم جميعا، كما يروي عن الشيخ المقرئ و الحافظ شمس الدين محمد بن قارون و غيرهم.

و أما كتابه هذا فقد نقل عنه الشيخ حسن بن سليمان الحلي (من علماء القرن التاسع) في كتابه (مختصر بصائر الدرجات) ص 176، و العلامة المجلسي رحمه اللّه في (بحار الأنوار)، و الميرزا الافندي رحمه اللّه في (رياض العلماء) و البهبهاني رحمه اللّه في (الدمعة الساكبة).

ص: 54


1- من أصحاب الكاظم عليه السّلام المقتول سنة خمسين و مئتين الذي حمل رأسه في قوصرة إلي المستعين.
2- الملقب بذي الدمعة الذي رباه الإمام الصادق عليه السّلام و أورثه علما جمّا.
3- النيل: بلدة تقع علي نهر النيل، و هو يتفرع من نهر الفرات العظمي احتفره الحجاج بن يوسف الثقفي سنة 82 ه و هي مركز الإمارة المزيدية قبل تأسيس الحلة.

و يظهر من بعض حكايات الكتاب أن تاريخ كتابته سنة 789 ه (1) و للسيد هذا كتب أخري لا أري بايراد أسمائها هنا بأسا:

أ - كتاب الأنوار المضيّة في الحكم الشرعية.

ب - كتاب الغيبة.

ج - كتاب الدر النضيد في تعازي الحسين الشهيد.

د - سرور أهل الإيمان.

ه - كتاب الانحراف من كلام صاحب الكشاف.

و - كتاب الأنصاف في الرد علي صاحب الكشاف.

ز - كتاب شرح المصباح للشيخ الطوسي.

ي - كتاب الرجال (ينسب اليه).

في الثناء عليه:

قال تلميذه ابن فهد الحلي رحمه اللّه ت 841 ه: حدثني المولي السيد السعيد الإمام بهاء الدين...

و قال تلميذه الشيخ حسن بن سليمان الحلي رحمه اللّه: و مما رواه لي و رويته عنه السيد الجليل السعيد الموفق الموثق بهاء الدين...

و قال العلامة المجلسي رحمه اللّه: السيد النقيب الحسيب بهاء الدين...

و قال الميرزا الافندي رحمه اللّه: السيد المرتضي النقيب الحسيب

ص: 55


1- و للاسف الشديد ان هذا الكتاب لم يطبع إلي الآن برغم وجود نسخه الخطية في المكتبات العامة فمن قلمنا هذا ندعو مؤسسات النشر و التأليف إلي اخراجه للطبع و طبع كتب هذا السيد الجليل و تحقيقها خدمة للمذهب الإمامي و احياء لآثار هذا السيد الجليل.

النسابة الكامل السعيد الفقيه الشاعر الماهر العالم الفاضل الكامل صاحب المقامات و الكرامات العظيمة قدس اللّه روحه الشريفة كان من أفاضل عصره... و قال الميرزا النوري رحمه اللّه: السيد الأجل الأكمل الارشد المؤيد العلامة النحرير،(1) كان حيا سنة 800 ه

الحكاية الأولي:

اشارة

حكاية أبي راجح الحمامي الشيخ الذي أصبح شابا

نقل العلامة المجلسي (1037-1111 ه) في بحار الانوار عن كتاب (السلطان المفرج عن أهل الايمان) تأليف العامل الكامل السيد علي بن عبد الحميد النيلي النجفي، انه قال: فمن ذلك ما اشتهر و ذاع، و ملأ البقاع، و شهد بالعيان أبناء الزمان، و هو قصّة أبي راجح الحمامي بالحلة، و قد حكي ذلك جماعة من الاعيان الاماثل، و أهل الصدق الافاضل، منهم الشيخ الزاهد العابد المحقق شمس الدين محمد بن قارون سلّمه اللّه تعالي قال:

كان الحاكم بالحلة شخصا يدعي مرجان الصغير، فرفع إليه أنّ أبا راجح هذا يسبّ الصحابة، فأحضره و أمر بضربه فضرب ضربا شديدا مهلكا علي جميع بدنه، حتي انه ضرب علي وجهه فسقطت ثناياه، و أخرج لسانه فجعل فيه مسلّة من الحديد، و خرق انفه، و وضع فيه شركة من الشعر و شدّ فيها حبلا و سلمه الي جماعة من أصحابه،

ص: 56


1- انظر: رياض العلماء ج 4 /ص 88 /و 124-130، خاتمة المستدرك ط. ح ص 435، سفينة البحار ج 2 /ط. ح/ص 248، الذريعة في أجزائها و طبقات أعلام الشيعة.

و أمرهم أن يدوروا به أزقّة الحلة، و الضرب يأخذه من جميع جوانبه، حتي سقط الي الارض و عاين الهلاك، فأخبر الحاكم بذلك، فأمر بقتله، فقال الحاضرون انه شيخ كبير، و قد حصل له ما يكفيه، و هو ميّت لما به فاتركه و هو يموت حتف أنفه، و لا تتقلّد بدمه، و بالغوا في ذلك حتي أمر بتخليته و قد انتفخ وجهه و لسانه، فنقله أهله في البيت و لم يشكّ أحد أنه يموت من ليلته.

فلما كان من الغد غدا عليه الناس فاذا هو قائم يصلّي علي أتم حالة، و قد عادت ثناياه التي سقطت كما كانت، و اندملت جراحاته، و لم يبق لها أثر، و الشجّة قد زالت من وجهه!

فعجب الناس من حاله و ساءلوه عن أمره فقال: اني لما عاينت الموت و لم يبق لي لسان اسأل اللّه تعالي به فكنت اسأله بقلبي و استغثت الي سيدي و مولاي صاحب الزمان عليه السّلام.

فلما جنّ عليّ الليل فاذا بالدار قد امتلأت نورا و إذا بمولاي صاحب الزمان عليه السّلام قد أمرّ يده الشريفة علي وجهي و قال لي: (اخرج و كدّ علي عيالك، فقد عافاك اللّه تعالي) فأصبحت كما ترون.

و حكي الشيخ شمس الدين محمد بن قارون المذكور قال:

و أقسم باللّه تعالي إن هذا ابو راجح كان ضعيفا جدا، ضعيف التركيب، اصفر اللون، شين الوجه، مقرض اللحية، و كنت دائما أدخل في الحمام الذي هو فيه، و كنت دائما أراه علي هذه الحالة و هذا الشكل.

فلما أصبحت كنت ممن دخل عليه، فرأيته و قد اشتدّت قوته و انتصبت قامته، و طالت لحيته، و احمر وجهه، و عاد كأنّه ابن عشرين سنة و لم يزل علي ذلك حتي أدركته الوفاة.

ص: 57

و لما شاع هذا الخبر و ذاع، طلبه الحاكم و أحضره عنده و قد كان رآه بالأمس علي تلك الحالة، و هو الان علي ضدّها كما وصفناه، و لم ير لجراحاته أثرا، و ثناياه قد عادت، فداخل الحاكم في ذلك رعب عظيم، و كان يجلس في مقام الأمام عليه السّلام في الحلة و يعطي ظهره القبلة الشريفة، فصار بعد ذلك يجلس و يستقبلها، و عاد يتلطّف بأهل الحلة، و يتجاوز عن مسيئهم، و يحسن الي محسنهم، و لم ينفعه ذلك بل لم يلبث في ذلك الا قليلا حتي مات.(1)

أقول: روحي و أرواح العالمين لك الفداء.

إيه أيتها الجوهرة المحفوفة بالاسرار كم جهلناك و كم بخسناك حقك؟!

كم أغفلنا ذكرك و انشغلنا بغيرك كم سرحنا أفكارنا بعيدا عنك؟

أتراك تعطف علينا اليوم بنظرة من تلك التي مننت بها علي ذاك الرجل صاحب الحمام (العمومي)، فتمسح قلوبنا بذاك الاكسير؟!...

فنحن في هذا الحمي.

بحث حول الحكاية:

أقول: إن هذه الحكاية مشهورة و متواترة النقل في عصر المؤلف السيد بهاء الدين و تناقلها علماء الحلة، انظر إلي قول السيد في بداية الحكاية (فمن ذلك ما اشتهر و ذاع و ملأ البقاع و شهد بالعيان أبناء الزمان... و قد حكي ذلك جماعة من الأعيان الأماثل و أهل الصدق الأفاضل).

ص: 58


1- انظر: بحار الانوار ج 52 /ص 71؛ النجم الثاقب ج 2 /ص 219.

في أحوال راوي الحكاية و عصرها:

أقول: إن راوي الحكاية هو شمس الدين محمد بن قارون الذي لم أجد له ترجمة في كتب الرجال، فللفائدة و الاستدراك علي الكتب الرجالية نذكر ترجمته:

قال السيد بهاء الدين: انه من الأعيان و أهل الصدق الأفاضل، و قال عنه أيضا الشيخ الزاهد العابد المحقق شمس الدين محمد بن قارون،...(1) المحترم العامل الفاضل...(2) الشيخ العالم الكامل القدوة المقرئ الحافظ المحمود المعتمر شمس الحق و الدين محمد بن قارون.(3)

و كما قال عنه الشيخ شمس الدين محمد بن قارون السيبي،(4)

و كما وصفه أيضا الشيخ عز الدين حسن بن عبد اللّه بن حسن التغلبي ب (الشيخ الصالح محمد بن قارون)،(5) كان حيا سنة 759 ه

فهو يعد من مشايخ السيد بهاء الدين، يعني أن شمس الدين كان بالقطع معاصرا للشهيد الأول (734-786 ه) فاذن وجود شمس الدين محمد بن قارون في بداية القرن الثامن الهجري حيا و روايته لهذه الحكاية، يدل علي أن الحكاية وقعت في النصف الأول من هذا

ص: 59


1- انظر: بحار الأنوار/المجلسي رحمه اللّه، ج 52 /ص 71.
2- انظر: المصدر السابق ص 72.
3- انظر: جنة المأوي/النوري رحمه اللّه ص 202.
4- نسبة إلي (السيب) بكسر أوله و سكون ثانيه، و هو نهر في ذنابة الفرات بقرب الحلة، و عليه بلد يسمي باسمه.
5- كتاب الدر النضيد في تعازي الحسين الشهيد نقلا عن رياض العلماء ج 2 /ص 11.

القرن السالف الذكر و الدليل علي ذلك الحكاية الثانية التالية و التي يرويها أيضا شمس الدين محمد بن قارون و الحاصلة في سنة 744 ه

و هو غير الشيخ الفقيه الصالح شمس الدين محمد بن أحمد بن صالح السيبي القسيني، تلميذ السيد فخار بن معد الموسوي المجاز منه سنة 630 ه (و هي سنة وفاة السيد فخار) و هو صغير لم يبلغ الحلم و أجازه الشيخ والده أحمد سنة 635 ه و أجازه الشيخ محمد بن أبي البركات اليماني الصنعاني سنة 636 ه و المجيز لنجم الدين طومان بن أحمد العاملي سنة 728 ه فإن هذا الشيخ متقدم علي الشيخ شمس الدين محمد بن قارون السيبي.(1)

تنبيه لكل نبيه:

قال ابن بطوطة في رحلته (سافرنا من البصرة فوصلنا إلي مشهد علي ابن ابي طالب رضي اللّه عنه و زرنا، ثم توجهنا إلي الكوفة فزرنا مسجدها المبارك ثم إلي الحلة حيث مشهد صاحب الزمان و اتفق في بعض الأيام أن وليها بعض الامراء فمنع أهلها من التوجه علي عادتهم الي مسجد صاحب الزمان و انتظاره هنالك و منع عنهم الدابة التي كانوا يأخذونها كل ليلة من الأمير فأصابت ذلك الوالي علة مات منها سريعا فزاد ذلك في فتنة الرافضة و قالوا انما أصابه ذلك لأجل منعه الدابة فلم تمنع بعد).(2)

أقول: ان كلام ابن بطوطة المتقدم آنفا هو في زيارته الثانية للحلة، فابن بطوطة مرّ في الحلة مرتين الأولي كانت سنة 725 ه في عهد الوالي (حسن

ص: 60


1- انظر: الذريعة إلي تصانيف الشيعة/الطهراني رحمه اللّه ج 1 /ص 229 و 220.
2- انظر: رحلة ابن بطوطة ج 2 /ص 174.

الجلايري) و الثانية بعد عودته من بلاد الهند و الصين و التتر و بينهما عدة سنين، و أظن ان الوالي المذكور في حكاية أبي راجح الحمامي و المذكور في زيارة ابن بطوطة الثانية واحد باعتبار أن عصر الحكايتين واحد و ان الوالي المذكور في الحكايتين كان يؤذي أهل الحلة (فالأمر ليس أمر انتظار صاحب الزمان و لا أمر الدابة)، و قد مات بفعله هذا، و هذا عن أهل الحلة ليس ببعيد ففيهم بقول أمير المؤمنين عليه السّلام: (يظهر بها قوم أخيار لو أقسم أحدهم علي اللّه لأبر قسمه).(1)

الحكاية الثانية:

حكاية ابن الخطيب و عثمان و المرأة العمياء التي أبصرت

و نقل من ذلك الكتاب عن الشيخ المحترم العامل الفاضل شمس الدين محمد بن قارون المذكور قال:

كان من أصحاب السلاطين المعمر بن شمس يسمي مذوّر، يضمن القرية المعروفة ببرس، و وقف العلويين، و كان له نائب يقال له: ابن الخطيب و غلام يتولّي نفقاته يدعي عثمان، و كان ابن الخطيب من أهل الصلاح و الايمان بالضدّ من عثمان و كانا دائما يتجادلان، فاتفق انهما حضرا في مقام ابراهيم الخليل عليه السّلام بمحضر جماعة من الرّعيّة و العوام فقال ابن الخطيب لعثمان: يا عثمان الان اتضح الحق و استبان، أنا أكتب علي يديّ من أتولاه، و هم علي و الحسن و الحسين، و اكتب أنت من تتولاه ابو بكر و عمر و عثمان، ثم تشدّ يديّ و يدك، فأيّهما احترقت يده بالنار كان علي الباطل، و من سلمت يده كان علي الحق، فنكل عثمان، و أبي أن يفعل، فأخذ الحاضرون من الرّعيّة

ص: 61


1- انظر: بحار الأنوار/المجلسي رحمه اللّه ج 6 /ص 122.

و العوان بالعياط عليه، هذا و كانت ام عثمان مشرفة عليهم تسمع كلامهم فلمّا رأت ذلك لعنت الحضور الذين كانوا يعيّطون علي ولدها عثمان و شتمتهم و تهدّدت و بالغت في ذلك فعميت في الحال! فلما أحست بذلك نادت الي رفقائها فصعدن اليها فاذا هي صحيحة العينين! لكن لا تري شيئا، فقادوها و أنزلوها، و مضوا بها الي الحلة و شاع خبرها بين أصحابها و قرائبها و ترائبها، فاحضروا لها الاطباء من بغداد و الحلة، فلم يقدروا لها علي شيء، فقال لها نسوة مؤمنات كنّ أخدانها: ان الذي أعماك هو القائم عليه السّلام فأن تشيعتي و تولّيتي و تبرأتي (كذا)(1) ضمنا لك العافية علي اللّه تعالي، و بدون هذا لا يمكنك الخلاص، فأذعنت لذلك و رضيت به، فلما كانت ليلة الجمعة حملنها حتي أدخلنها القبة الشريفة في مقام صاحب الزمان عليه السّلام و بتن بأجمعهنّ في باب القبة، فلما كان ربع الليل فاذا هي قد خرجت عليهنّ و قد ذهب العمي عنها! و هي تقعدهنّ واحدة بعد واحدة و تصف ثيابهنّ و حليّهنّ، فسررن بذلك، و حمدن اللّه تعالي علي حسن العافية، و قلن لها: كيف كان ذلك؟! فقالت: لما جعلتننّي في القبة و خرجتنّ عني أحسست بيد قد وضعت علي يديّ، و قائل يقول: اخرجي قد عافاك اللّه تعالي. فانكشف العمي عني و رأيت القبة قد امتلأت نورا و رأيت الرجل، فقلت له: من أنت يا سيدي؟ فقال: محمد بن الحسن، ثم غاب عني، فقمن و خرجن الي بيوتهنّ و تشيّع ولدها عثمان و حسن اعتقاده و اعتقاد أمه المذكورة، و اشتهرت القصة بين أولئك الأقوام و من سمع هذا الكلام و اعتقد وجود الأمام عليه السّلام و كان ذلك في سنة أربع و اربعين و سبعمائة.(2)

ص: 62


1- كذا ورد في المطبوع و الاصح (تشيعت و توليت و تبرأت).
2- انظر: بحار الانوار ج 52 /ص 72؛ النجم الثاقب ج 2 /ص 220.

أقول: حدثت هذه الكرامة سنة (744 ه/ 1323 م) و راويها محمد بن قارون المتقدم ذكره و ترجمته في الحكاية الأولي من هذا الباب.

و برس: بضم الباء و سكون الراء و السين المهملة ناحية من ارض بابل و هي بحضرة الصرح (صرح نمرود بن كنعان) و هي الآن قرية معروفة بقبل الكوفة و ينسب إليها الحافظ رجب البرسي رحمه اللّه.

و مقام ابراهيم الخليل عليه السّلام: موجود الي زماننا هذا و يقع بالحلة في تلك القرية (تشرفت بزيارته انا عدة مرات).

الحكاية الثالثة:

اشارة

حكاية شفاء الشيخ جمال الدين الزهدري

و ذكر هناك أيضا: أي (في كتاب السلطان المفرج عن أهل الايمان).

و من ذلك بتأريخ صفر سنة سبعمائة و تسع و خمسين حكي لي المولي الاجل الامجد العالم الفاضل، القدوة الكامل، المحقّق المدقّق، مجمع الفضائل و مرجع الافاضل، افتخار العلماء في العالمين، كمال الملة و الدين، عبد الرحمن ابن العمّاني (كذا)، و كتب بخطه الكريم، عندي ما صورته:

قال العبد الفقير الي رحمة اللّه تعالي عبد الرحمن بن ابراهيم القبائقي:(1) اني كنت أسمع في الحلة السيفية حماها اللّه تعالي ان المولي الكبير المعظم جمال الدين ابن الشيخ الاجل الاوحد الفقيه القارئ نجم الدين جعفر ابن الزهدري كان به فالج، فعالجته جدّته لأبيه بعد موت أبيه بكل علاج للفالج فلم يبرأ، فأشار عليها بعض

ص: 63


1- هكذا ورد في الاصل و الصحيح العتائقي.

الاطباء ببغداد فأحضرتهم فعالجوه زمانا طويلا فلم يبرأ، و قيل لها: ألا تبيّتينه تحت القبة الشريفة بالحلة المعروفة بمقام صاحب الزمان عليه السّلام لعل اللّه تعالي يعافيه و يبرأه، ففعلت و بيّتته تحتها و ان صاحب الزمان عليه السّلام أقامه و أزال عنه الفالج.

ثم بعد ذلك حصل بيني و بينه صحبة حتي كنّا لم نكد نفترق، و كان له دار المعشرة، يجتمع فيها وجوه أهل الحلة و شبابهم و أولاد الاماثل منهم، فاستحكيته عن هذه الحكاية، فقال لي:

إني كنت مفلوجا و عجز الاطباء عني، و حكي لي ما كنت اسمعه مستفاضا في الحلة من قضيته و ان الحجة صاحب الزمان عليه السّلام قال لي: (و قد أباتتني جدّتي تحت القبة): قم.

فقلت: يا سيدي لا أقدر علي القيام منذ سنتي، فقال: قم باذن اللّه تعالي و أعانني علي القيام، فقمت و زال عني الفالج (أي شلل الاعضاء).

و انطبق عليّ الناس حتي كادوا يقتلونني، و أخذوا ما كان عليّ من الثياب تقطيعا و تنتيفا يتبرّكون فيها، و كساني الناس من ثيابهم، و رحت الي البيت، و ليس بيّ أثر الفالج، و بعثت الي الناس ثيابهم، و كنت أسمعه يحكي ذلك للناس و لمن يستحكيه مرارا حتي مات رحمه اللّه.(1)

بحث حول الحكاية:

تاريخ الحكاية: أقول، إنّ تاريخ نقل هذه الحكاية هو سنة (759 ه - 1338 م).

ص: 64


1- انظر: بحار الانوار ج 52 /ص 73.

راوي الحكاية: الشيخ العالم الفاضل المحقق المدقق الفقيه المتبحر كمال الدين عبد الرحمن بن محمد بن ابراهيم ابن العتايقي(1)

الحلي الامامي، كان معاصرا للشهيد الاول رحمه اللّه و بعض تلامذة العلامة الحلي رحمه اللّه، و قال البعض انه ادرك العلامة، تلمذ علي يد نصير الدين علي بن محمد الكاشي ت 755 ه، و كان من مشايخ السيد بهاء الدين علي بن عبد الحميد النجفي، و يروي عن جماعة منهم جمال الدين الزهدري، توفي بعد سنة 788 ه التي الف فيها كتابه (الارشاد في معرفة الابعاد) و هو صاحب التصانيف الكثيرة و الموجود بعضها في الخزانة الغروية، و لا أري بأسا بايراد اسمائها هنا فله كتاب (شرح علي نهج البلاغة) و كتاب (مختصر الجزء الثاني من كتاب الاوائل لأبي هلال العسكري) و كتاب (الاعمار) و كتاب (الاضداد في اللغة) و كتاب (الايضاح و التبيين في شرح منهاج اليقين) و كتاب (اختيار حقائق الخلل في دقائق الحيل) و كتاب (صفوة الصفوة) و كتاب (اختصار كتاب بطليموس) و كتاب (الشهدة في شرح معرف الزبدة) و كتاب (الايماقي) و كتاب (في التفسير و هو مختصر تفسير القمي) و كتاب (الارشاد) و (الرسالة المفيدة لكل طالب مقدار ابعاد الافلاك و الكواكب) و له (شرح علي الجغميني) و له (شرح التلويح)، و غيرها من الكتب في شتي أنواع العلوم، و للأسف الشديد ان كتبه لم تر النور

ص: 65


1- العتائقي نسبة الي العتائق قرية بقرب الحلة المزيدية، و ليس بالقبائقي كما في نسخ البحار المطبوعه فانه تصحيف، كما اني لم ارّ من الرجاليين من ذكره بابن العماني بل المشهور انه ابن العتائقي و لعلها تصحيف ايضا او من خطأ النساخ.

الي الآن مع كثرتها سوي كتابه (الناسخ و المنسوخ) فمن قلمنا هذا ندعو دور النشر و التأليف لأخراج كتبه خدمة للمذهب الامامي و احياء لآثار هذا الشيخ الجليل، و صرح جمع من العلماء كالسيد محسن الأمين رحمه اللّه و الشيخ عباس القمي رحمه اللّه و الشيخ اغا بزرك الطهراني بمشاهدة كتبه في الخزانة الغروية و كتب أخري لغيره بخط يده ذكر فيها نسبه و تأريخه من (738-788 ه).(1)

صاحب الحكاية: الشيخ جمال الدين بن نجم الدين جعفر الزهدري، لم أجد له ذكرا في كتب الرجال و انما وقفت علي ترجمة والده الاجل الشيخ جعفر الزهدري صاحب كتاب (ايضاح ترددات الشرائع)(2) و يظهر من ثناء ابن العتائقي عليهما، عظيم منزلتهما و جلالتهما.

و بهذه الحكاية انتهي ما أردنا نقله من حكايات كتاب (السلطان المفرج عن اهل الايمان).

الحكاية الرابعة:

اشارة

حكاية ابن ابي الجواد النعماني

قال العالم الفاضل المتبحّر النقّاد الآميرزا عبد اللّه الاصفهاني الشهير بالافندي في المجلد الخامس من كتاب (رياض العلماء

ص: 66


1- انظر: رياض العلماء ج 3 /ص 103، سفينة البحار ط. ج/ج 2 /ص 157، كذلك الذريعة في اجزائها.
2- و قد طبع الكتاب في زماننا هذا بجهود العلامة الحجة السيد محمود المرعشي في قم المقدسة و قد رأيت نسخته المطبوعة.

و حياض الفضلاء) في ترجمة الشيخ ابن ابي الجواد النّعماني(1) انه ممن رأي القائم عليه السّلام في زمن الغيبة الكبري، و روي عنه عليه السّلام، و رأيت في بعض المواضع نقلا عن خط الشيخ زين الدين علي بن الحسن بن محمد الخازن الحائري تلميذ الشهيد انه قد رأي ابن ابي جواد النعماني مولانا المهدي عليه السّلام فقال له:

يا مولاي لك مقام بالنعمانية و مقام بالحلة، فأين تكون فيهما؟

فقال له: أكون بالنعمانية ليلة الثلاثاء و يوم الثلاثاء، و يوم الجمعة و ليلة الجمعة أكون بالحلة و لكن أهل الحلة ما يتأدّبون في مقامي، و ما من رجل دخل مقامي بالأدب يتأدّب و يسلم عليّ و علي الأئمة و صلّي عليّ و عليهم اثني عشر(2) مرة ثم صلي ركعتين بسورتين، و ناجي اللّه بهما المناجاة إلاّ اعطاه تعالي ما يسأله احدها المغفرة.

فقلت: يا مولاي علمني ذلك.

فقال: قل «اللهم قد أخذ التأديب مني حتي مسني الضر و أنت أرحم الراحمين، و ان كان ما اقترفته من الذنوب استحق به أضعاف أضعاف ما أدبتني به، و أنت حليم ذو أناة تعفو عن كثير حتي يسبق عفوك و رحمتك عذابك» و كررها عليّ ثلاثا حتي فهمتها(3).(4)

ص: 67


1- النعمانية: بليدة بناها النعمان بن المنذر و تقع بين واسط و بغداد في نصف الطريق علي ضفة دجلة معدودة من اعمال الزاب الاعلي.
2- هكذا ورد في المطبوع و الاصح اثنتي عشرة.
3- قال المؤلف رحمه اللّه: يعني حفظتها.
4- انظر: النجم الثاقب/النوري رحمه اللّه ج 2 /ص 138.

بحث حول الحكاية:

راوي الحكاية: زين الدين علي بن أبي محمد الحسن بن محمد الخازن الحائري، تلميذ الشهيد الاول (734-786 ه) و قد أجازه الشهيد الاول سنة 784 ه و هو من مشايخ العلامة أبي العباس أحمد بن فهد الحلي و يروي عنه، و أجازه في سنة 791 ه و يعبر عنه بالشيخ علي الخازن الحائري، و هو من علماء المائة الثامنة، قال عنه الشهيد الاول رحمه اللّه في إجازته له:

المولي الشيخ العالم التقي الورع المحصل العالم بأعباء العلوم الفائق أولي الفضائل و الفهوم زين الدين أبو علي...(1)

صاحب الحكاية: ابن أبي الجواد النعماني، لم أجد له ترجمة في كتب الرجال، سوي ما ترجمه ناقل الحكاية الافندي رحمه اللّه في كتابه رياض العلماء الذي فقد معظم مجلداته، و يظهر من راوي الحكاية الشيخ علي الخازن الذي هو من تلاميذ الشهيد الاول رحمه اللّه أنّ ابن ابي الجواد من طبقة الشهيد الاول، أي من تلامذة العلامة الحلي رحمه اللّه.

أقول: و لا يبعد اتحاده بالشيخ الفاضل العالم المتكلم عبد الواحد بن الصفي النعماني، صاحب كتاب (نهج السداد في شرح رسالة واجب الاعتقاد) الذي نسبه اليه الكفعمي رحمه اللّه في حواشي مصباحه و يؤيد ما قلناه آنفا قول المتبحر الخبير الافندي رحمه اللّه في كتاب رياض العلماء ج 3 ص 279 قال: «و أظن أنه من تلامذة الشهيد أو تلامذة تلامذته» فلاحظ.

ص: 68


1- انظر: رسائل الشهيد الاول ص 304 و طبقات اعلام الشيعة للطهراني رحمه اللّه.

أقول: و من خلال هذه الحكاية نستدل علي شهرة المقام في ذلك القرن إذ الرجل من النعمانية و يسأله عن مقامه عليه السّلام في الحلة. و يستدل أيضا علي استحباب زيارة المقام الشريف في الحلة في ليلة الجمعة و يومها لوجود الإمام به، و ربما ينفي الزائر للمقام هذا الكلام، فنقول له: إن الأمام عجّل اللّه تعالي فرجه الشريف ليس بغائب و لكن هو غائب عمّن هو غائب عن اللّه.

و علي أهل الحلة و غيرهم أن يتأدّبوا بمقامه جلّ التأدب (فلا لاختلاط الرجال بالنساء في المصلي، و لا لتبرج النساء، و لا...) مما يصل الي سوء الادب بمحضر نائب الملك العلام، فان أهل الحلة أشاد بهم أمير المؤمنين عليه السّلام و أيّ إشادة، فليكونوا دائما مصداق حديث مولاهم و مولاي علي بن أبي طالب عليه السّلام.

فقد ذكر الشيخ عباس القمي في كتابه وقائع الايام ص (302):

روي أصبغ بن نباتة قال: صحبت مولاي أمير المؤمنين عليه السّلام عند وروده صفين، و قد وقف علي تل ثم أومأ الي أجمة ما بين بابل و التل قال: مدينة و أي مدينة.

فقلت له: يا مولاي أراك تذكر مدينة أكان هناك مدينة و انمحت آثارها؟ فقال عليه السّلام: لا و لكن ستكون مدينة يقال لها الحلة (السيفية) يمدّنها رجل من بني أسد يظهر بها قوم أخيار لو أقسم أحدهم علي اللّه لأبرّ قسمه.(1)

***

ص: 69


1- انظر: بحار الانوار، 122/6 رواية 55.

ص: 70

الباب الرابع في ذكر من زار مقام صاحب الزمان أرواحنا فداه في الحلة

اشارة

ص: 71

ص: 72

أقول: قبل الشروع في ذكر من زار المقام، إن الزائرين لهذا المقام المنيف يختلفون من حيث الطبقات، فمنهم العلماء المؤلفون، و منهم النساخ، و منهم الامراء، و منهم الولاة، و منهم الرحالة، و منهم من شاهد كرامة، و أنا ذاكرهم بعد حسب التسلسل التاريخي لزياراتهم.

1 - في آخر شهر صفر سنة 677 ه/ 1256 م:

زار المقام السيد نجم الدين أبو عبد اللّه الحسين بن أردشير بن محمد الطبري و أنهي في هذا التأريخ نسخ كتاب (نهج البلاغة) للسيد الرضي (أعلي اللّه مقامه).(1)

2 - في سادس رجب سنة 723 ه/ 1302 م:

زار المقام محمود بن محمد بن بدر و فرغ في هذا التاريخ من نسخ كتاب (تحرير الاحكام الشرعية) للعلامه الحلي رحمه اللّه في داخل المقام، و أنهي العلامة الحلي رحمه اللّه تأليفه هذا في 26 جمادي الآخرة سنة 724 ه ذكر ذلك في نهاية القاعدة الأولي في مخطوطته.(2)

3 - في سنة 725 ه/ 1304 م:

زار المقام الرحالة ابن بطوطة، و سوف نأتي علي ذكر كلامه في آخر هذا الباب.

ص: 73


1- انظر: اعيان الشيعة، الأمين رحمه اللّه ج 5 /ص 455، تحت رقم 985، (بتصرف).
2- انظر: مكتبة العلامة الحلي، الطباطبائي رحمه اللّه، ص 79، (بتصرف).

و ابن بطوطة هو: شمس الدين أبو عبد اللّه محمد بن عبد اللّه بن محمد بن إبراهيم اللواتي الطنجي المغربي ولد سنة 703 ه بطنجة، و تقلب في بلاد العراق و مصر و الشام و اليمن و الهند، و دخل مدينة دهلي و اتصل بملكها، و ساح في الاقطار الصينية و التترية و أواسط افريقية و بلاد السودان و الاندلس، ثم انقلب الي المغرب و اتصل بالسلطان ابي عنان من ملوك بني مدين، و زار ضريح أمير المؤمنين عليه السّلام سنة 725 ه، و استغرقت رحلته 27 سنة و كان معاصرا لفخر المحققين ابن العلامة الحلي و ألف كتابه (تحفة النظار في غرائب الامصار و عجائب الاسفار) المعروف برحلة ابن بطوطة، و مات في مراكش سنة 779 ه (1)

4 - في ثامن عشر شعبان سنة... (بداية القرن الثامن الهجري):

زار المقام أبو محمد الحسن الحداد العاملي، و صنف في هذا التاريخ، كتابه (الدرة النضيدة في شرح الابحاث المفيدة) للعلامة الحلي رحمه اللّه، و أنهاه في السادس و العشرين من شهر رمضان، و ذلك في الحلة مجاورا مقام صاحب الزمان عجّل اللّه تعالي فرجه الشريف علي ساكنه أفضل الصلاة و السلام، علما أن هذا الكتاب خلا من التاريخ السنوي، و لكن مصنفه كان حيا سنة 739 ه (2)

5 - في بداية القرن الثامن الهجري:

زار المقام حاكم الحلة، المسمي بمرجان الصغير،

ص: 74


1- انظر: تاريخ الكوفة، البراقي رحمه اللّه، تحقيق ماجد العطيه، ص 39، (بالهامش).
2- انظر: اعيان الشيعة/الامين رحمه اللّه، ج 9 /ص 179 /تحت رقم 363، (بتصرف).

و كان هذا الحاكم شديد البغض للشيعة الامامية، و كان كلما يدخل في هذا المقام يعطي ظهره القبلة الشريفة إذا جلس فيه، و عند ما شاهد قضية أبو راجح الحمامي، تغيرت عقيدته، و صار يستقبل القبلة إذا جلس فيه.(1)

6 - في سنة 744 ه/ 1323 م:

زارت المقام أم عثمان، المرأة العمياء التي كشف بصرها في داخل المقام، و باتت فيه هي و بعض النسوة المؤمنات، و كانت أم عثمان هذه سنية فتشيعت هي و ولدها عثمان بعدما كشف اللّه بصرها ببركة صاحب الزمان أرواحنا فداه.(2)

7 - في سنة 759 ه/ 1338 م:

زار المقام، المولي الكبير المعظم جمال الدين بن نجم الدين جعفر الزهدري، و بات فيه، و كان مصابا بالفالج فشفي من ليلته.(3)

8 - في غرة جمادي الآخرة سنة 776 ه/ 1355 م:

زار المقام، جعفر بن محمد العراقي، و فرغ في هذا التاريخ، من نسخ كتاب (قواعد الاحكام في مسائل الحلال و الحرام) للعلامة الحلي رحمه اللّه، في داخل هذا المقام.(4)

ص: 75


1- انظر: حكاية أبو راجح التي أوردناها في الباب الثالث.
2- انظر: النجم الثاقب/النوري رحمه اللّه ج 2 /ص 222.
3- انظر: النجم الثاقب/النوري رحمه اللّه ج 2 /ص 223.
4- انظر: مكتبة العلامة الحلي/الطباطبائي رحمه اللّه، ص 143، تحت رقم 24، (بتصرف).

9 - في سنة 961 ه/ 1540 م:

اشارة

زار المقام، سيد علي رئيس، و كان هذا السيد مرسلا من قبل سلطان مصر، و كان أمير قبطانيته، و أرسله الي العراق لغرض إحضاره السفن الموجودة في ميناء البصرة الي مصر، كما زار هذا المبعوث مشهد الشمس و مقام عقيل أخي الامام علي عليه السّلام في الحلة ثم عاد الي بغداد.(1)

أقول: قد وعدنا القارئ الكريم، بنقل كلام ابن بطوطة، المشار اليه آنفا علي نحو الاجمال و هذا موضع ذكره، قال في رحلته الموسومة (تحفة النظار): «... و نزلنا برملاحة، و هي بلدة حسنة بين حدائق نخل، و نزلت بخارجها و كرهت دخولها لأن أهلها روافض و رحلنا منها الصبح فنزلنا مدينة الحلة، و هي مدينة مستطيلة مع الفرات و هو بشرقيها و لها أسواق حسنة جامعة للمرافق و الصناعات و هي كثيرة العمارة و حدائق النخل منظمة بها داخلا و خارجا، و دورها بين الحدائق و لها جسر عظيم معقود علي مراكب متصلة منتظمة في ما بين الشاطئين الي خشبة عظيمة مثبتة بالساحل، و أهل هذه المدينة كلهم إمامية اثنا عشرية، و هم طائفتان أحداهما تعرف بالاكراد، و الاخري تعرف بأهل الجامعين، و الفتنة بينهم متصلة و القتال قائم أبدا، و بمقربة من السوق الاعظم مسجد علي بابه ستر حرير مسدول و هم يسمونه مشهد صاحب الزمان، و من عادتهم أن يخرج في كل ليلة مائة رجل من أهل المدينة، عليهم السلاح و بأيديهم سيوف مشهورة فيأتون أمير المدينة بعد صلاة العصر فيأخذون منه فرسا ملجما أو بغلة، كذلك

ص: 76


1- انظر: تاريخ الحلة/ابن كركوش رحمه اللّه، ص 115، (بتصرف).

و يضربون الطبول و الانفار و البوقات أمام تلك الدابة يتقدمها خمسون منهم و يتبعها مثلهم و يمشي آخرون عن يمينها و شمالها و يأتون مشهد صاحب الزمان فيقفون بالباب و يقولون:

باسم اللّه يا صاحب الزمان، باسم اللّه أخرج قد ظهر الفساد و كثر الظلم، و هذا أوان خروجك فيفرق اللّه بك بين الحق و الباطل، و لا يزالون كذلك و هم يضربون الابواق و الاطبال و الانفار الي صلاة المغرب و هم يقولون إن محمد بن الحسن العسكري دخل ذلك المسجد و غاب فيه، و انه سيخرج و هو الامام المنتظر عندهم».(1)

أقول: بعد قوله هذا ياللّه من تلك الاعاجيب، و يا غوثاه من هذه الاكاذيب، أفلا يليق بهذا الشيخ المؤرخ أن ينطق صدقا، أم هو علي ما ألفي عليه السلف، فأن أردت أن انطق برد كلامه يكفيني كلامه أنه كره دخول برملاحة (قضاء ذي الكفل) قبل الحلة لأن أهلها روافض، فما الذي جعله يدخل مدينة الحلة و أهلها بقوله كلهم إمامية اثنا عشرية، فليته لم يدخلها و لم يرها كسابقتها (برملاحة)، و نحن نسأل ابن بطوطة، أيجوز دخول بلاد الكفر و الاصنام و لا يجوز دخول بلد الروافض الاسلام؟ و الحال إن رحلته طفحت بذكر دخوله الي بلاد الكفر.

و أما إذا أردنا الرد علي كلامه أقول:

أولا: انه لا يخفي علي أحد انه لم يعهد لأحد من الأئمة الاثني عشر، و لم يعرف لهم مكث في الحلة، و لا سكني، و لا دار، و لا سرداب اختفي فيه الامام الثاني عشر عجّل اللّه تعالي فرجه الشريف بل لم تكن الحلة في زمانهم

ص: 77


1- انظر: رحلة ابن بطوطة ص 139.

موجودة!! و تعلم يا عزيزي القارئ إن الامام أرواحنا فداه ولد في سامراء سنة 255 ه و الحلة مصرت سنة 495 ه علي يد سيف الدولة صدقة المزيدي الاسدي.

و ثانيا: إن ابن بطوطة انفرد في كلامه هذا، كما انفرد بأشياء كثيرة في رحلته هذه، فمثلا سمي ملك الايلخانيين (خدا بنده) ناصر الشيعة الذي تشيع علي يد العلامة الحلي رحمه اللّه، و معربها عبد اللّه (بخر بنده) و معربها عبد الحمار، و ما كلامه هذا إلا لحقد علي مذهب الامامية، و قد قدمنا ذكر من زار هذا المقام من العلماء و النّساخ و عامة الناس في عصره، فهلا ذكر أحدهم ما رآه ابن بطوطة؟ و هلا ذكر لنا ابن جبير في رحلته، ما رآه ابن بطوطة في الحلة و هو أسبق منه؟ و مع ذلك فان تاريخ الحلة في تلك الفترة كان حافلا باعلام عظام كالعلامة الحلي رحمه اللّه، و ولده فخر المحققين رحمه اللّه، و المقداد السيوري رحمه اللّه و أحمد بن فهد رحمه اللّه و الحافظ رجب البرسي و أضرابهم، فهل يعقل و يقبل أن يجري ما ذكره ابن بطوطة بتفاصيله غير المضبوطة و لا ينكره أحد منه؟

و ثالثا: إن كذبه ظاهر من عبارته «و من عادتهم أن يخرج في كل ليلة مائة رجل من أهل المدينة عليهم السلاح و بأيديهم سيوف مشهورة فيأتون أمير المدينة بعد صلاة العصر» فمالهم يخرجون في كل ليلة و يأتون أميرهم لطلب الفرس بعد صلاة العصر؟ أما كان الاجدر أن يطلبوا الفرس بعد صلاة المغرب؟ أليس هذا مما يضحك الثكلي.

و رابعا: انه لم يرد في كتب الشيعة قط ما يؤيد كلامه، و كلهم متفقون علي أن خروجه بأبي هو و أمي من مكة المكرمة المعظمة، فهذه كتبهم طفحت بحديث خروجه من مكة.

ص: 78

و خلاصة القول أري انه رأي كثرة العلماء و الطلبة علي مدرسة صاحب الزمان عجّل اللّه تعالي فرجه الشريف المتصلة بالمقام و التي موقعها في ظهر المقام و بني علي آثارها مسجد لاخواننا السنة، و هو جامع الحلة الكبير و بالخصوص إن سنة وروده للحلة هي آخر سنة من حياة العلامة الحلي رحمه اللّه فبدلا من أن يمدح علماء الشيعة و توافدهم علي معاهد العلم و العلماء، حسد القوم و لم يبين لنا صدق ما رآه فأخذ يصف لنا النخيل و الحدائق و الانهار، و يدع ذكر علمائها الابرار و أهلها الاخيار، كعادته عند ما دخل إلي بغداد، وصف لنا قبر أبي حنيفة و قبور أحمد بن حنبل و الجنيد و بشر الحافي و لم يذكر إلاّ شيئا يسيرا من الذكر عن قبري الإمامين الهمامين موسي بن جعفر و محمد بن علي الجواد عليهما أفضل الصلاة و السلام فهل يخفي القمر في الليلة الظلماء؟ و لكن أبي الشيخ المؤرخ إلا ما وجد عليه الاباء (شنشنة أعرفها من أخزم)، و مما لا يخفي علي المتتبع إن رحلة ابن بطوطة، طفحت بكثير من الأغلاط و الأخطاء الخططية و التأريخية حتي أنه أخطأ في تعيين قبور جماعة من المشاهير كبشر الحافي مثلا، فقد جعل قبره في الجانب الشرقي من بغداد مع أنه مدفون في مقبرة باب حرب، في أعلي الجانب الغربي من بغداد (في الشمال الغربي من مقابر قريش، مدينة الكاظمية الحالية) و مهما يكن فلم أقف علي ما ذكره ابن بطوطة عند غيره ممن ذكر الحلة من قبل و من بعد، و هذا دليل ضعف الخبر، و لو كان له أثر لأشتهر.

***

ص: 79

ص: 80

الباب الخامس في ذكر عمارة مقام صاحب الزمان أرواحنا فداه في الحلة

اشارة

ص: 81

ص: 82

إن الباحث عن تاريخ عمارة مقام صاحب الزمان أرواحنا فداه في الحلة، يجد أن تأريخ هذا المقام ظل متواكبا مع تاريخ الحلة من أبان بزوغ عصرها العلمي، فهو فيها كالقلب من الجسد، فتجد فيه العالم و المتعلم و الوالي و الرعية و المعافي و السقيم، حتي أنه ما مرّ بالحلة من وافد إلا و تشرف بمشهد صاحب الزمان أرواحنا فداه، فذاك ابن بطوطة و ذا سيد علي رئيس المصري و غيرهم، و لو لا حقد المتعصبين لذكر لنا التاريخ عدة من الزائرين لهذا المقام الشريف، و سوف نذكر في هذا الباب تاريخ عمارة المقام حسب التسلسل التاريخي لها:

1 - في القرن السادس الهجري:

لا علم لنا بتاريخ عمارة المقام و إنشائها في هذا القرن، إلا انها كانت موجودة، و بحسب التواريخ التالية، و للأسف الشديد فقد كتاب (المناقب المزيدية في أخبار الدولة الاسدية)(1) للمؤلف أبي البقاء هبة اللّه بن نما، فأن البلاد الاسلامية خلت من هذه النسخة، سوي نسخة واحدة موجودة في المتحف البريطاني و تحت رقم (230296) و لا بد من ذكر لهذا المقام في هذا الكتاب لأن مؤلفه كان من رجال ذلك القرن.

2 - في القرن السابع الهجري:

كانت العمارة موجودة، و منذ بدأ هذا القرن و هذا ما نجده في

ص: 83


1- انظر: تاريخ الحلة/ابن كركوش رحمه اللّه ج 2 /ص 50، علما ان هذا الكتاب لم يذكر في كتاب (الذريعة الي تصانيف الشيعة) للشيخ اغا بزرك الطهراني فهو مما يستدرك عليه.

ما كتبه الشيخ الفاضل علي بن فضل اللّه بن هيكل الحلي تلميذ أبي العباس ابن فهد الحلي ما صورته:

حوادث سنة (636 ه): فيها عمّر الشيخ الفقيه العالم نجيب الدين محمد بن جعفر بن هبة اللّه بن نما الحلي بيوت الدرس الي جانب المشهد المنسوب الي صاحب الزمان عليه السّلام بالحلة السيفية، و أسكنها جماعة من الطلبة.(1)

سنة (677 ه): في داخل المقام نسخ السيد الحسين الطبري رحمه اللّه كتاب (نهج البلاغة).(2)

3 - في القرن الثامن الهجري:

اشارة

كانت عمارة المقام شامخة في قلب الحلة و علي شهرة واسعة من الذكر من قبل الخاص و العام ففي بداية هذا القرن و في داخل المقام كتب الشيخ محمد حسن بن ناصر الحداد كتابه الدرة النضيدة.(3)

و في سنة (723 ه): في داخل المقام نسخ محمود بن محمد بن بدر كتاب (تحرير الاحكام الشرعية) للعلامة الحلي رحمه اللّه.(4)

في سنة (776 ه): في داخل المقام نسخ جعفر بن محمد العراقي كتاب (قواعد الاحكام) للعلامة الحلي رحمه اللّه.(5)

ص: 84


1- انظر: لؤلؤة البحرين/البحراني رحمه اللّه ص 272 تحقيق السيد محمد صادق بحر العلوم رحمه اللّه.
2- انظر: الباب الثاني من كتابنا هذا.
3- انظر: الباب الثاني من كتابنا هذا.
4- انظر: المصدر السابق.
5- انظر: المصدر السابق.

و أما وصف عمارة المقام في القرن الثامن الهجري فعلي ما يلي:

محراب المقام: ورد ذكر المحراب علي لسان الراوي لحكاية (أبي راجح الحمامي) و هو الشيخ محمد بن قارون، و الحاصلة في هذا القرن قائلا:

(و كان يجلس في مقام الامام عليه السّلام في الحلة و يعطي ظهره القبلة الشريفة، فصار بعد ذلك يجلس و يستقبلها)،(1) و القبلة الشريفة كناية عن محراب المقام.

باب المقام: ورد ذكر باب المقام علي لسان (ابن بطوطة) في رحلته الحاصلة في سنة 725 ه قائلا: «و بمقربة من السوق الاعظم مسجد علي بابه ستر حرير مسدول و هم يسمونه مشهد صاحب الزمان».(2)

قبة المقام: ورد ذكر لقبة المقام في هذا القرن أربع مرات في حكاية (ابن الخطيب و عثمان) الحاصلة في سنة 744 ه قائلا (أي الراوي للحكاية): «فلما كانت ليلة الجمعة حملنها حتي أدخلنها القبة الشريفة في مقام صاحب الزمان عليه السّلام... و بتن باجمعهنّ في باب القبة...

لما جعلتنني في القبة و خرجتنّ... و رأيت القبة قد امتلأت نورا».(3)

و ذكرت القبة ثانية في هذا القرن في حكاية (جمال الدين الزهدري) الحاصلة في سنة 759 ه علي لسان الراوي لها مرتين قائلا:

«و قيل لها ألا تبيتينه تحت القبة الشريفة بالحلة المعروفة بمقام صاحب الزمان عليه السّلام... و قد أباتتني جدتي تحت القبة».(4)

ص: 85


1- انظر: الباب الثالث من كتابنا هذا.
2- انظر: الباب الرابع من كتابنا هذا.
3- انظر: الباب الثالث من كتابنا هذا.
4- انظر: المصدر السابق.

و آخر الذكر لعمارة هذا المقام هو ما جري علي لسان (ابن ابي الجواد النعماني حينما سأل الامام القائم عجّل اللّه تعالي فرجه الشريف قائلا: «يا مولاي لك مقام بالنعمانية و مقام بالحلة فأين تكون فيهما؟».(1)

4 - في القرن التاسع الهجري:

و في سنة (873 ه/ 1452 م): قال الغياثي في تأريخه في حوادث تلك السنة: «أرسل حسن علي، أمير بغداد، جيشا الي الحلة للقضاء علي حكومة شاه علي بن اسكندر، فلما وصل الجيش الي قلعة بابل رأي قراغول (حراس) فجرت معركة بين الطرفين، ثم اصطلحوا و عاب القرغول أميرهم و قالوا لهم، الجسر منصوب نمضي علي غفلة، و ساروا و عبروا الجسر و الناس يظنونهم القرغول الذين أرسلوا و مضوا الي أن وصلوا الي دار السلطان و أحاطوا بها و كان ابن اسكندر و ابن قرا موسي في القلعة فأخذوهما عريانين و قتلوا ابن قرا موسي، و أما ابن اسكندر فألقي بنفسه الي صاحب الزمان، و قال: كنت درويشا و جاء بي ابن قرا موسي قهرا و طلب الامان...».(2)

أقول: هكذا وردت العبارة في تاريخ الغياثي و الظاهر ان المقصود بعبارة (فالقي بنفسه الي صاحب الزمان) أنه القي بنفسه الي مقام صاحب الزمان ارواحنا فداه، داخلا بذمته آملا منه أن يتركوه لأنه احتمي بصاحب الزمان عجّل اللّه تعالي فرجه الشريف و يؤيد كلامنا هذا، انه لا يوجد شيء ينسب الي صاحب الزمان عجّل اللّه تعالي فرجه الشريف في الحلة سوي هذا المقام الشريف،

ص: 86


1- انظر: الباب الثالث من كتابنا هذا.
2- انظر: تأريخ الحلة، لأبن كركوش ج 1 /ص 110.

فحذف كلمة مقام أو مشهد من العبارة إما أن تكون من سهو النّساخ، أو انما وردت علي سبيل المجاز و الأتساع بحذف المضاف و هو شائع في لغة العرب و محاوراتهم و به نطق القرآن الكريم في قوله تعالي:

وَ سْئَلِ الْقَرْيَةَ الَّتِي كُنّا فِيها وَ الْعِيرَ الَّتِي أَقْبَلْنا فِيها وَ إِنّا لَصادِقُونَ (1) و التقدير علي ما أجمع عليه المفسرون، أهل القرية و أهل العير، كما أنه شائع في لغتنا اليوم، فيقول أحدنا زرت عليا عليه السّلام و زرت الحسين عليه السّلام يريد انه زار كلا من مشهدهما.

5 - في القرن العاشر و ما بعده:

ذكرت عمارة المقام عند ما زاره سيد علي رئيس المرسل من قبل سلطان مصر سنة 961 ه (2) و في عهد الدولة الصفوية (930 - 1120 ه) ذكرت عمارة المقام أيضا حينما عينت تلك الدولة (ال القيم) لسدانة المقام.(3)

6 - في القرن الرابع عشر:

في سنة (1317 ه/ 1896 م)،(4) سعي لعمارة مقام الغيبة الواقع في الحلة العلامة الكبير السيد محمد ابن السيد مهدي ابن السيد حسن ابن السيد احمد القزويني (1262-1335 ه) الذي كان يهتم بعمارة الاثار التأريخية.

ص: 87


1- أنظر: سورة يوسف، آية 82 العير: القافلة.
2- أنظر: الباب الرابع من كتابنا هذا.
3- انظر: الباب الثامن من كتابنا هذا.
4- ذكر السيد محسن أمين العاملي رحمه اللّه في كتابه أعيان الشيعة ج 47، ص 72 إن تاريخ عمارة المقام سنة 1315 ه و الحال انها حصلت في سنة 1317 ه حسب ما أرخه الشاعر محمد الملا في قصيدته، و هو ما كتب علي باب المقام أيضا.

أقول: بقيت هذه العمارة الي سنتنا هذه و هي سنة 1425 ه و قد أرخ تلك العمارة الشيخ محمد الملا(1) ت 1322 ه في آخر قصيدة له قائلا:

محمدا فيك العلا قسمت(2) آخيت(3) اسمك اشتق من الحمد

بأنك الحائز علما به تهدي الي الايمان و الرشد

شيدت للقائم من هاشم مقام قدس شامخ المجد

فلم يزل تهتف فيك العلي(4) علي لسان الحر و العبد

ذا خلف المهدي قد(5) ارخوا (شاد مقام الخلف المهدي)(6)

و الشعر هذا موجود و مكتوب الي الآن علي باب المقام كتب بالقاشي الازرق، و لم يتغير الي الان و أنا نقلته هنا علي ما كتب علي باب المقام و قد أورد الشيخ الخاقاني رحمه اللّه في كتابه (شعراء الحلة ج 5 ص 242) هذا الشعر باختلاف يسير، أوردته بالهامش.2.

ص: 88


1- هو الشيخ محمد بن حمزه بن حسين بن نور علي التستري الاهوازي الحلي المعروف بالملا، أديب كبير، و خطيب مفوه، و مربي ممتاز هاجر جده الاعلي من تستر الي الحلة قبل قرنين من الزمن، و ذكره صاحب الحصون المنيعة في ج 2 ص 33 فقال: كان شاعرا ماهرا اديبا طريفا، نظم الشعر في صباه فاعاد الي الفيحاء عهد الصفي الحلي في تحري البديع و الفن فيه حتي أصبح علما من أعلام هذا الفن.
2- الأصح (محمد) ورد في شعراء الحلة (محمد فيك العلا اقسمت).
3- هكذا ورد في الاصل و الذي يقتضيه السياق (حيث) و ورد في شعراء الحلة (ان اسمك...).
4- ورد في شعراء الحلة (فلم يزل يهتف فيك الثنا).
5- ورد في شعراء الحلة (ذا خلف المهدي مذ ارخوا).
6- انظر: شعراء الحلة/الخاقاني رحمه اللّه ج 5 /ص 242 و كذلك أعيان الشيعة/الامين رحمه اللّه ج 47 /ص 72.

كما ان الحاج عبد المجيد العطار (1282-1342 ه) أرخ هذه العمارة ببيتين من الشعر ضمنهما ب (28) تاريخا قائلا:

توقع جميل الاجر في حرم البنا بصاحب عصر ثاقب باسمه السنا

بفتحك بالنصر العزيز رواقا نجدّ اقترابا ما أجار وراقا(1)(,2)

7 - في القرن الخامس عشر الهجري:

سنة 1422 ه/ 2001 م:

سعي المرجع الديني الاعلي آية اللّه العظمي السيد علي الحسيني السيستاني دام ظله الوارف بتجديد عمارة المقام و بجهود بعض المؤمنين الخيرين، بالرغم من تلك الظروف الحرجة من محاربة و طمس آثار التشيع من قبل حزب البعث الحاكم آنذاك و تضمن هذا التجديد:

1 - تغليف القبة المنيفة السامية الشامخة للمقام بالقاشي الازرق.

2 - تغليف أرضية المقام و جدرانه بالمرمر الفاخر.

3 - تزيين سقف المقام و القبة من الداخل بالمرايا.

4 - تغيير الآيات التي كتبت علي واجهة المقام.

ص: 89


1- و يلحق هنا في تأريخ المقام في هذا القرن قول المرحوم الشيخ جعفر ال محبوبة ت 1377 ه في كتابه ماضي النجف و حاضرها ج 1 ص 95 (حدثني بعض الثقاة المتتبعين للاثار و الاخبار انه وجد في بعض الكتب المؤلفة في غيبة الامام عجّل اللّه تعالي فرجه الشريف ان للحجة عجّل اللّه تعالي فرجه الشريف مقاما في النعمانية، و في الحلة، و في مسجد السهلة، و في النجف).

5 - تكييف المقام و إنارته بالمصابيح و الثريا.

و لقد أرخ هذه العمارة الشاعر السيد عصام الحسيني السويدي قائلا:

يا حجة اللّه التي في أرضه للعبد

شدنا مقامك علّنا نحظي بنيل السّعد

أرواحنا قبل الحجا رة سابقت و الايدي

بالحمد تمّ مؤرخا (أنظر مقام المهدي) 1422 ه

و الشعر هذا مكتوب علي لوحة وضعت فوق باب المقام من الداخل.

أقول: و في تلك السنة أي سنة 1422 ه و في حكم حزب البعث الظالم جاءت بعثة من بغداد من دائرة الاوقاف و الشؤون الدينية، و كان بنيتها دراسة هدم المقام كليا بحجة توسعة جامع الحلة الكبير و ان المقام لا قيمة له، فأجابهم أحد الموظفين في دائرة الاوقاف و الشؤون الدينية في الحلة، بأن أصل الجامع هو من المقام، فولوا مدبرين و أبي اللّه الاّ ان يتم نوره و لو كره المشركون، و هذا مما اشتهر عند أهل الحلة و سمعته منهم، و هو أيضا ما أخبرني به أحد موظفي دائرة الوقف الشيعي، و كان هذا الموظف هو الراد علي تلك البعثة، و قال ما مضمونه: «علي ان اللّه عزّ و جلّ انطقني في أن أقول أن الجامع هو أصلا من المقام».

علما انني احتفظت ببعض الاوراق التي تخص تلك العمارة الاخيرة و سوف أوردها في الباب الثاني عشر من كتابنا هذا.

و من الذين قالوا شعرا بمناسبة هذه العمارة أيضا الاستاذ (عبد العظيم الحاج رحيم الصفار الخفاجي) أحببت إيراده هنا قائلا:

ص: 90

في الحلة اثر يتجدد من آثار آل محمد

يتوارثه أهل بلادي ابناء آباء عن جد

حتي يرث الارض جميعا الصالح من آل محمد

قد شيده من قد سلفوا و بأيدي الابناء تجدد

رحم اللّه الماضي منهم و الحاضر يحفظه الاوحد

و القادم يتصل بهم و سيبقي البنيان مشيد

قف و اخلع نعليك و صلّ في هذا المحراب الأمجد

و اهتف (يا ابن الحسن المهدي يا غائبا جددا جدّد)

و تتميما للفائدة في آخر هذا الباب نذكر ترجمة السيد العلامة الكبير محمد القزويني رحمه اللّه للتبرك بذكره الشريف، و قد حفلت بترجمته العاطرة كثير من كتب التراجم، و نحن نختصر ما ورد في (الكني و الالقاب) للشيخ المرحوم عباس القمي رحمه اللّه، ج 3 ص 51، قائلا: «سلالة الفقهاء و سلافة الادباء ابو المعز السيد محمد ابن السيد مهدي حسن ابن السيد احمد الذي هو أول من انتقل من قزوين الي العراق و قطن النجف الاشرف ابن محمد بن الحسين ابن الامير ابي القسم امير الحاج في الدولة الصفوية ينتهي نسبه الي محمد بن زيد الشهيد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب عليه السّلام ولد في الحلة سنة 1262 ه و أخذ في التعلم الي أن راهق البلوغ فهاجر هو و أخويه الاعلام و هم الميرزا جعفر و السيد حسين المتوفي سنة 1325 ه الي النجف مقر العلم و العلماء و منتدي الادب و الادباء فأتقن العلوم العقلية و النقلية علي كثير من الاساتذة العظام و الفضلاء الفخام و كان بعكس

ص: 91

أبيه قليل التأليف و التصنيف لا يكاد يرتضي ما صنفه حتي يغيره بعد الملاحظة و المراجعة فظهر له منظومة في المواريث و رسالة في علم التجويد و منسك في الحج و ديوان شعره و له اثار إصلاحية كاصلاح نهر الحلة و تعمير قبور العلماء في الحلة كقبر المحقق و ال طاوس و ابن ادريس و الشيخ و رام و غيرهم و مقام الغيبة و تجديد مقام مشهد الشمس و لما خلت الحلة من أعلام هذه الاسرة و استأصل الموت شأفتهم كتب اليه الحليون و حثوه علي المجئ فلبي دعوتهم فهاجر الي الحلة سنة 1313 ه فاستقبله جمهورهم علي مسافة ميلين و كان يوما مشهودا كيوم وفاته و أخذت العلماء و الشعراء يفدون عليه لتهنئته، و كان في الحلة الي أن باغتته المنية و أنشبت فيه أظفارها و ذلك في أول سنة 1335 و نقل الي النجف الاشرف و دفن في مقبرة ال قزوين قدّس سرّه).

***

ص: 92

الباب السادس في ذكر المساحة الأصلية للمقام و تاريخ الجامع الكبير المجاور للمقام

اشارة

ص: 93

ص: 94

هذا الباب من أبواب كتابنا يتضمن فوائد مهمة تتعلق بأمور تأريخية كادت أن تنسج عليها عناكب النسيان و كشف حقائق حاولت طمسها و التضبيب عليها أيدي العبث و التمويه، و لتسليط الضوء علي هذه الامور لا بدّ من جمع حقائق تخص مساحة المقام الاصلية التي صارت تتضائل جيلا بعد جيل، فالمساحة الكلية للمقام اليوم هي نحو 35 مترا مربعا، و لقد علمت أنه في سنة (1422 ه/ 2001 م) أرادوا هدم المقام بحجة جعله بيتا خاصا لأمام و خطيب أهل السنة في جامع الحلة الكبير المجاور للمقام، لكن أبي اللّه إلاّ أن يتم نوره، حيث أن النقول التاريخية المبثوثة في المصادر المعتبرة تثبت سعة مساحة المقام الشريف كما يظهر ذلك مما جمعناه من شوارد متناثرة و موارد مشتتة في بطون الكتب و طيات الآثار و قد استعنا اللّه تعالي في جمعها و تصنيفها أولا فأولا و دونك التفصيل:

أولا: في مساحة المقام الاصلية و أن الجامع الكبير المجاور له تابع للمقام الشريف:

أ - إن اسم جامع الحلة الكبير عند أهل الحلة مشهور ب (جامع الغيبة) و قد أخذوا هذا الاسم و الشهرة علي جهة التسالم يدا عن يد و خلفا عن سلف.

ب - إن مقام الغيبة الآن يحتوي علي القبة فقط دون منارة و الحال إن

ص: 95

مقامات الائمة عليهم السّلام و مشاهدهم علي كثرتها في العراق لم نرها خالية من المنارة و هذا مما يدل علي أن الجامع الذي يحتوي علي المنارة و هو بدون قبة و المقام الذي يحتوي علي القبة و بدون منارة مكان واحد.

ج - أن جامع الحلة الكبير يحتوي علي المنارة فقط دون القبة و الحال ان المساجد الاسلامية علي كثرتها في العالم الاسلامي صغيرها و كبيرها تحتوي علي منارة و قبة و هذا يدل علي أن الجامع الذي يحتوي علي منارة بدون قبة و المقام الذي يحتوي علي قبة بدون منارة مكان واحد و خصوصا إذا ما عرفنا أن الكتابة التي كانت علي المنارة (أي حولها من الاعلي) كانت تحتوي علي لفظ الجلالة و اسم الرسول و أهل بيته الاثني عشر صلوات اللّه عليهم أجمعين، و في عام (1395 ه/ 1975 م) هدمت تلك المنارة و كتابتها ضاعت علينا و جعل بدلها منارة جديدة و كتب عليها سورة الاخلاص لتغيير تلك المعالم و الخصائص التاريخية.

حدثني بذلك أقدم موظف في دائرة الوقف الشيعي (و قد رغب بعدم ذكر اسمه) و كان مشرفا علي بناء تلك المنارة الجديدة و ذكر لي انه رأي تلك الكتابة القديمة التي علي المنارة السابقة الذكر، و كان باني المنارة الجديدة من أهالي الديوانية و كان القاشي المكتوب عليه أسماء الائمة الاثني عشر عليهم السّلام محفوظا لمدة في دائرة الاوقاف، و طلبت منه تصويره فوتو غرافيا فقال لا أعلم أين هو الآن، و كذلك سألنا الوجيه الشاعر عبد الامير محمود الجبوري صاحب كتاب (صرخة الثقلين) في مدح و رثاء أهل البيت عليه السّلام و هو رجل كبير السن، انه هل رأي تلك الكتابة؟ قال: نعم، و سألنا الوجيه أمجد هلال

ص: 96

مبارك و هو من مواليد 1935 م و محله قريب من الجامع الكبير، فقال انا رأيت تلك المنارة و ما هو مكتوب عليها سابقا، و انها هدّمت في سنة 1975 م و بني علي أسها منارة جديدة و ذلك لتغيير معالم ذلك الجامع، منكرا ما قاله لي موظف من دائرة الوقف الشيعي بأن المنارة القديمة كانت آيلة للسقوط، فقال الحاج أمجد انه لم تكن آيلة للسقوط، و انها هدمت بسبب ما عليها من الاسماء الطاهرة، كما ذكر لي هذا الرجل أن مقام الغيبة كان في وسط الجامع الكبير و بقرب المنارة التي في الجامع و لكثرة زائري المقام من الرجال و النساء و بغية عدم اختلاطهم جعل مقام رمزي للأمام عليه السّلام خاص بالنساء في جنوب الجامع و من ثم اختزل هذا المقام الذي كان خاصا بالنساء و اغتصب المقام الاصلي الذي هو في الجامع من قبل الدولة العثمانية، ثم قال هذا ما سمعته من والدي هلال عبود و هو من مواليد 1898 م و من أهل السوق القدماء.

أقول: و هذا لا يبعد مما عرفناه من أفعال الدولة العثمانية و ما نثبته تأريخيا بعد هذه الاسطر كاف، و كان سبب تدويني لأقوال هذا الرجل، لقربه من الجامع، و لكبر سنه، و لعلاقة أجداده بتاريخ هذا الجامع كما ستعرف، كما ذكر لي السيد حيدر آل وتوت صاحب كتاب (المزارات و مراقد العلماء في الحلة الفيحاء) إن رجلا من آل القيم و هم من سدنة المقام لقرون رأي تلك الكتابة، و مما يؤيد هذا الكلام قرب المسافة بين المنارة و القبة، و هذا ما تراه في الصورة الفوتغرافية التي نوردها في آخر الكتاب، إذ المسافة بينهما تبعد نحو 25 مترا.

ص: 97

ح - ما ذكره الشيخ محمد علي اليعقوبي رحمه اللّه في كتابه (البابليات) ج 2 ص 105 في ترجمة الملا محمد القيم، قال: (ابو الحسن محمد بن يوسف بن ابراهيم بن اسماعيل بن سلمان بن عبد المهدي، و كان جده هذا سادنا و قيما علي مقام الامام المهدي عليه السّلام الواقع في سوق الهرج في الحلة المسمي بالغيبة و هو المقام الذي ذكره ابن بطوطة في رحلته و ابن خلدون في مقدمته، و كان السادن المذكور يتولي أيضا أوقاف الجامع الكبير الذي يجاوره مقام الغيبة جنوبا و ذلك قبل أربعة قرون تقريبا، كما تحكيه الصكوك و الوثائق التي بأيدي هذه الاسرة من الحكومتين الصفوية و العثمانية، و من ثم عرفوا بآل (القيم) و هم حتي اليوم يستغلون ثمرة تلك الاوقاف الواقعة شمالي الحلة في الموضع المعروف ب [الزوير]).

أقول: إن هذا الكلام يدل علي أن أوقاف الجامع و المقام و هي الواقعة في الموضع المعروف ب (الزوير) كانت واحدة، كما إن الرجل المتولي عليها واحد، و هذا مما يؤيد أن المكان (أي المقام و الجامع) كان واحدا.

ز - قول الرحالة ابن بطوطة في رحلته في أثناء زيارته الاولي للحلة في سنة 725 ه «و بمقربة من السوق الاعظم مسجد علي بابه ستر حرير مسدول و هم يسمونه مشهد صاحب الزمان، و من عادتهم أن يخرج في كل ليلة مائة رجل من أهل المدينة، عليهم السلاح و بأيديهم سيوف مشهورة فيأتون أمير المدينة بعد صلاة العصر فيأخذون منه فرسا ملجما أو بغلة، كذلك و يضربون الطبول و الانفار و البوقات أمام تلك الدابة تتقدمها خمسون منه و يتبعها مثلهم و يمشي

ص: 98

آخرون عن يمينها و شمالها و يأتون مشهد صاحب الزمان فيقفون بالباب...».(1)

و قوله في زيارته الثانية: «ثم الي الحلة حيث مشهد صاحب الزمان و اتفق في بعض تلك الايام أن وليها بعض الامراء فمنع أهلها من التوجه علي عادتهم الي مسجد صاحب الزمان...».(2)

فلنستخرج من كلامه ما يهمنا:

1 - قوله عن موضع المقام (و بمقربة من السوق الاعظم مسجد علي بابه حرير مسدول و هم يسمونه مشهد صاحب الزمان) أنظر قوله من السوق الاعظم، و لم يقل أن موضعه خارج السوق، كما هو الآن، و خصوصا إذا ما عرفنا أن السوق كان أضيق من الآن بكثير فلقد وسّع مرتين مرة في أواخر العهد العثماني (في عهد الوالي عمر باشا) و في عهد الستينات الميلادية من عصرنا هذا.

2 - وصف المقام و مساحته: مرة ذكره بأنه مسجد صاحب الزمان و مرة مشهد صاحب الزمان و أنه من السوق و أنه يسع لنحو مئة رجل، فهذا الوصف الذي قال عنه ابن بطوطة لا يشبه وصف المقام الحالي و ذلك لمساحته الصغيرة التي لا تزيد علي 39 مترا مربعا، فأن المقام الآن لا يسع لعشرين رجلا، ثم لو أن المقام علي موضعه الحالي في ظهر السوق و مساحته الصغيرة لو كان هكذا في عصر ابن بطوطة لما التفت اليه ابن بطوطة و لما نوه عنه أصلا لما عرفت من تعصبه4.

ص: 99


1- أنظر: رحلة ابن بطوطة ص 139.
2- أنظر: المصدر السابق ص 174.

لأهل السنة و لو كان الجامع الذي بظهر المقام و هو لأهل السنة الآن موجودا في عصر ابن بطوطة لأشاد به و تبجح بذكره أي تبجح.

ط - موضع الشباك الحالي في داخل المقام: دأب الشيعة أن يضعوا في مقامات أئمتهم (شباكا) أو نحو ذلك و علي جهة القبلة فهذا مسجد السهلة و مقاماته و كذلك مسجد الكوفة و مقاماته و غيرها من المقامات المشهورة عند الشيعة، لكن ما نراه الآن أن شباك هذا المقام يقع في ظهر القبلة بالنسبة للمصلي في داخل المقام و هذا يخالف القاعدة و مما يؤيده قول الشيخ محمد بن قارون في حكاية أبي راجح الحمامي التي أوردناها في الباب الثالث (كان حاكم الحلة المسمي مرجان الصغير كلما يدخل هذا المقام يعطي ظهره القبلة الشريفة إذا جلس فيه و عند ما شاهد قضية أبو راجح الحمامي، تغيرت عقيدته، و صار يستقبل القبلة إذا جلس فيه) أنتهي.

و الحال أن في الوقت الحالي جميع الداخلين للمقام حالهم كحال هذا الحاكم في جلوسه الأول، لأن القبلة الشريفة كناية عن هذا الشباك الموضوع في جهة القبلة.

ظ - قول الراوي في حكاية ابن الخطيب، التي أوردناها في الباب الثالث (و بتن بأجمعهنّ بباب القبة) أي مجموعة النساء اللواتي كنّ يرافقن أم عثمان، و الحال أن من يبيت الآن بباب القبة ينام في وسط السوق لضيق المحل.

م - قول الشيخ الزهدري في حكايته الواردة في الباب الثالث من كتابنا هذا (و انطبق عليّ الناس حتي كادوا أن يقتلونني، و أخذوا ما كان عليّ من

ص: 100

الثياب تقطيعا و تنتيفا يتبركون فيها، و كساني الناس من ثيابهم، و رجعت الي البيت) و الحال أن مساحة المقام الحالية لا تسع لدخول القليل من الناس فضلا عن الكثير منهم كما وصفهم ابن الزهدري.

و - قول السيد حيدر آل وتوت في كتابه (المزارات و مراقد العلماء في الحلة الفيحاء) أن هناك من أخبرني أن مساحة مقام الأمام المهدي عليه السّلام المشار اليها قد تم اختصارها بسبب بناء الجامع المعروف بجامع الحلة الكبير الذي يقام فيه خطبة الجمعة و صلاة الجماعة عند أخواننا السنة حيث انضم قسم كبير من أرض المقام و أصبح ضمن الجامع.

و هذا يكفي لاثبات المساحة الأصلية للمقام.

ثانيا: في تأريخ الجامع الكبير في الحلة و أن أصله للشيعة لا لأهل السنة:

اشارة

أقول: أرجو أن لا يتصور القاريء في كلامي هذا أنني أريد أن أثير نعرات طائفية فالأخوان أخوان و نحن متأدبون بأداب أئمتنا عليهم السّلام و علمائنا الأعلام و خصوصا إذا ما عرفنا أن فقيه عصره آية اللّه العظمي السيد علي الحسيني السيستاني دام ظله أفتي في الظروف الحالية بعدم جواز أخذ جوامع أهل السنة منهم، و الحال هنا يختلف لأن أصل الجامع هذا للشيعة و أخذ منهم قسرا من قبل الحكومات الظالمة الحاكمة للعراق، و الآن فلنتعرض لذكر تأريخ هذا الجامع.

الأمر الأول: (في تشيع أهل الحلة).

1 - قال ابن بطوطة عند دخوله الحلة في سنة 725 ه (و أهل هذه المدينة كلهم إمامية أثنا عشرية).(1)

ص: 101


1- أنظر: رحلة ابن بطوطة ص 139.

2 - قال السيوطي ت 911 ه في (البغية/ 151) حاكيا عن الذهبي: في ترجمة (أحمد بن علي بن معقل الأزدي المهلبي الحمصي، الأديب الغالي في التشيع أنه ولد سنة 567 ه و هاجر من حمص الي الحلة و تعلم الرفض هناك عن أهلها).(1)

3 - قال السيد محسن الأمين العاملي رحمه اللّه ت 1371 ه: (و تشيع أهل الحلة مشهور معروف من قديم الزمان و كانت دار العلم للشيعة في القرن الخامس و ما بعده و اليها الهجرة و خرج منها جماعة من أجلاء علماء الشيعة و فقهائهم و أدبائهم).(2)

4 - و ذكر آية اللّه العظمي الشيخ المجتهد الاكبر الأمام محمد حسين آل كاشف الغطاء رحمه اللّه في مقدمة كتاب (البابليات) للشيخ اليعقوبي رحمه اللّه: (أن للحلة مميزات أربعا و منها تشيعها من أول تأسيسها الي عصرنا هذا)، و هذه الأقوال الأربعة تدل علي أن الحلة لم تعرف التسنن إلا في أواخر الدولة العثمانية.

الأمر الثاني: في تأريخ الجامع الكبير في الحلة.

التاريخ الأول:

قلنا سابقا إن آل القيم كانوا هم المتولين علي أوقاف الجامع و المقام معا و كانت هذه الأوقاف في موضع يقال له (الزوير) ولدي هذا البيت صكوك و وثائق تثبت توليتهم من قبل الحكومتين الصفوية و العثمانية منذ أربعة قرون، و كان من مشاهير هذا البيت الملا محمّد القيم (ت 1293 ه).(3)

ص: 102


1- أنظر: الأنوار الساطعة (ق 7) ص 8.
2- أنظر: أعيان الشيعة، 201/1.
3- أنظر: (البابليات) 105/2 و (شعراء الحلة) 417/4.

التاريخ الثاني:

في تأريخ الأستحواذ علي الجامع: ذكر الشيخ علي الخاقاني رحمه اللّه في كتابه (شعراء الحلة) 280/4، في ترجمة الملا مبارك الحلي المتوفي سنة 1270 ه، قائلا: «هو ملا مبارك بن محمد صالح بن مبارك بن محمود بن أحمد بن حاج حسين الزبيدي الحلي،...(1) كان من الشخصيات المرموقة في وسطه ثري الجاه و المال ثقة في النفوس قوي الأرادة و النفوذ، و أسرته و علي رأسهم هو كثيرا ما خرجت علي طاعة الحكومة التركية و ناضلتها و قد أقلقتها ردحا من الزمن الي ان قست معها بمصادرة أملاك المترجم له و أوقاوفه و منها الجامع الواقع في السوق الكبير في الحلة بمحلة جبران فقد غصبته الحكومة من ملا مبارك و جعلت فيه إماما و غيرت لونه و شعاره (أي من التشييع الي التسنن) و كانت له أراضي واسعة (أي الجامع) في الزراعة تدعي (الزوير) و دور كثيرة فصادرتها أيضا».

أقول: إن الظاهر من التاريخ الاول للجامع الوارد أعلاه أن الملا مباركا كان متوليا علي الجامع و أوقافه من قبل ال القيم حسب ما ورد أعلاه و ذلك لأطمئنان النفس اليه و ثقته و يدل علي هذا رعايته لأملاك و مصالح الفقيه الكبير السيد مهدي القزويني (ت 1300 ه) و ان الاستحواذ علي الجامع كان قبل وفاة الملا مبارك سنة (1270 ه/ 1850 م).).

ص: 103


1- أقول: أني رأيت من أحفاد أخيه و سألته عن تأريخ الجامع و منارته و هو الوجيه (أمجد بن هلال بن عبود بن مهدي بن محمد صالح... الخ، و هم يرجعون الي آل صياد فخذ من عشيرة البو سلطان من زبيد).

التاريخ الثالث:

سنة 1292 ه مات في هذه السنة متصرف الحلة شبلي باشا العريان و دفن في هذا الجامع.(1)

التاريخ الرابع:

في حادثة عاكف التركي 1335 ه

فرق عاكف عسكره في طرقات الحلة و سورها و دوائر الحكومة، طلبا للفارين من ساحات القتال من الحليين، و جعل بعضا من الجنود علي منارة الجامع الكبير لأرتفاعها علي دور البلد، و هذا من استهتار عاكف لأن بيوت اللّه يجب أن تكون بعيدة عن الاغراض الحربية.(2)

التاريخ الخامس:

في شهر رمضان سنة 1338 ه، نادي مناد في أسواق الحلة ان الليلة يقام اجتماع في الجامع الكبير يتلي فيه كتاب العلامة الشيرازي، و ما ان حل الوقت المضروب حتي هرع الناس الي الجامع فغص الجامع علي اتساعه بالحاضرين، و ارتقي الخطيب الشيخ محمّد).

ص: 104


1- تولي أمر الحلة في اخر أيام عمر باشا، و هو من دروز سوريا و كانت توليته الحلة سنة 1275 ه و قد شغل هذا المنصب عدة سنين، و كان له نفوذ كبير حارب به الخزاعل و خضد شوكتهم ثم نقل من الحلة الي بغداد و ذلك أثر شكوي تقدم بها أهالي محلة التعيس لأنه اجبرهم علي دفع مبلغ مقابل مواد مسروقة من كنيسة لليهود في تلك المحلة، ثم تولي متصرفية الحلة سن 1290 الي 1292 ه ثم مات أثر مرض الطاعون و في رواية انه مات مسموما اثر خلاف مع و الي بغداد، راجع تاريخ الحلة ج 1 ص 164 (بتصرف).
2- أنظر: تاريخ الحلة ج 1 /ص 164 (بتصرف).

الشهيب و تلا رسالة الشيرازي، و كانت تتضمن حث العراقيين علي المطالبة بحقوقهم المشروعة بالطرق السلمية، ثم القيت بعض الخطب و القصائد الحماسية فالتهبت نفوس الجماهير بالحماس الوطني.(1)

التاريخ السادس:

سنة 1351 ه في هذه السنة من أواخر صفر الخير دفن في هذا الجامع السيد عبد السلام بن السيد عبد اللّه بن السيد عبد الحافظ.(2)

التاريخ السابع:

(1387 ه/ 1967 م) جددت عمارة الجامع و هناك من حدثني أن الجامع كان بمستوي منخفض عن أرض السوق عليه آثار القدم و أرضيته من الحصا و التراب و منارته تعلوها أسماء اهل البيت عليه السّلام فاقتطعت مساحة من أرضه في عمارته الأخيرة علي يسار الداخل اليه و جعلت سوقا يسمي ب (سوق الاوقاف) و هو الآن مشهور عند أهلر.

ص: 105


1- أنظر: تاريخ الحلة ج 1 /ص 174.
2- ولد المترجم سنة 1292 ه في محلة الاكراد بالحلة كان قد جاء جده عبد الحافظ المذكور الي الحلة بانتقاله من بلدة هيت و قرأ علي بعض علماء السنة و بعد أن حصل علي علم جم عين مدرسا و خطيبا و اماما و واعظا في الحلة و هو رجل فاضل و له مؤلفات منها كتاب درة الواعظين و له كشكول و له مجاميع أخري و قد رثاه قاسم بن محمد الملا راجع كتاب (لب الالباب) تأليف محمد صالح السهروردي ص 144، أقول: سمعت حكاية ينقلها أكثر اهل الحلة و هي أن السيد عبد السلام المذكور صعد المنبر يوما و قال لا يدخل رجل الجنة الا بصك من أمير المؤمنين علي عليه السّلام و ذكر استدلالا لحديثه فبعد هذه الحادثة قامت الدولة بطرده من الجامع فقامت الشيعة بتعهد أمره، فأوصي أن يدفن بالنجف لكن الوصية لم تنفذ و دفن بهذا الجامع المذكور.

الحلة بسوق (و حودي شعيلة) و علي يمين الداخل اليه هدمت (المرافق العامة) قديما و جعلت بمكانها سوق أخري و بالجملة جعلت الاوقاف السنية دكاكين و أسواقا حول الجامع تربو علي المئة و من أرضية الجامع هذا يذهب ريعها الي دائرة الوقف السني من ذلك الزمن الي هذا الزمن فهذه دعوي الي دائرة الوقف الشيعي في بغداد و الحلة لتتبع هذا الامر خصوصا بعد ما أوضحنا الأمر حول أصل ملكية الجامع، و جدّد باب الجامع أيضا في هذه العمارة.

أقول: و في 8 شوال من سنتنا هذه سنة 1425 ه زرت الجامع و سجلت ما كتب علي بابه و هو باب كبير من خشب الساج كتب في أعلاه قوله تعالي إِنَّما يَعْمُرُ مَساجِدَ اللّهِ... الآية.

ثم كتب شعر تحت هذه الآية نصّه:

تقدست يا جامع المسلمين و عطر محرابك المنبر

أراك تنير طريق الصلاح لمن هلّلو فيك أو كبّروا

و بابك تاريخه (فوقه فهذا هو الجامع الأكبر)

جددت (كذا) عمارته ديوان الاوقاف 1387 ه

و طلبت من إمام و خطيب الجامع الشيخ عبد الستار محمود الديلمي أن أقف علي قبر السيد عبد السلام فأجابني الي ذلك و فتح لي حجرة قديمة في اخر الجامع رأيت فيها أربعة قبور فعلي اليمين قبر مرتفع عن الارض بنحو متر أو أكثر تعلوه صخره من المرمر الابيض كتب عليها اسم صاحب القبر و هو عبد السلام الحافظ و عليها قصيدة رثاء فيها تاريخ وفاته، و في الوسط قبران يرتفعان عن الارض نحو شبر

ص: 106

واحد و بدون اسم و أظن ان أسماءهما طمسا لقدمهما و من المحتمل أن أحد هذه القبور قبر متصرف الحلة شبلي باشا كما ذكرنا، و عن اليمين قبر مرتفع نحو متر أو أكثر، لكن لوحته البيضاء (نوع مرمر) مخلوعة و قد جعلت علي جانب من القبر و كتب عليها هذا قبر (محمد المعصوم بجلي بك) لكن تاريخ وفاته قد عدت عليه عوادي الدهر فمحت رسومه.

التاريخ الثامن:

سنة (1395 ه/ 1975 م) هدمت منارة الجامع القديمة التي يعلوها اسم الجلالة و اسم النبي محمد صلي اللّه عليه و آله و أهل بيته الاثني عشر و استبدلت بها منارة مرتفعة أيضا تعلوها سورة الاخلاص.

أقول: فبعد أن اثبتنا مساحة المقام الاصلية يظهر لنا موضع مدرسة صاحب الزمان عليه السّلام المجاورة للمقام فاما أن تكون هي المقتطعة من أرض الجامع أو مقابل باب الجامع علي الجانب الاخر من السوق الذي هو الان سوق الصاغة لان هذا السوق بني في الثمانينات من عصرنا هذا علي آثار مدرسة دينية قديمة فيها بعض القبور لسادة أجلاء و علماء أفاضل، هذا ما حدثني به من رأي تلك المدرسة و هم أكثر من واحد، و لا يخفي علي القارئ اللبيب مغزي اختيار هذا المكان جامعا لأهل السنة دون غيره من الاماكن في الحلة.

***

ص: 107

ص: 108

الباب السابع في ذكر مدرسة صاحب الزمان عجّل اللّه تعالي فرجه الشريف المجاورة للمقام

ص: 109

ص: 110

مما يعرفه كل باحث في تاريخ الحلة، و تراجم علمائها، ان أولئك العلماء الاعلام، لا بد أن يكون لهم مدارس و معاهد علمية يلقون فيها دروسهم و يحاضرون بها تلامذتهم، و ينسخون فيها كتبهم، و لم يرد في التواريخ إحصاء دقيق لهاتيك المدارس و المعاهد العلمية، فلا بد أن تكون مدرسة مقام صاحب الزمان عجّل اللّه تعالي فرجه الشريف و التي تقع بجانبه من جملة المدارس التي كانت تضم طلبة العلوم الدينية في الحلة الفيحاء، و قد دلت الأثار التي وقفنا عليها في بعض المخطوطات (كما أشرنا اليها سابقا في الباب الاول من كتابنا هذا) علي وجود مدرسة تعرف ب (مدرسة صاحب الزمان) و لا يختلج في نفس المتتبع ريب أن مشاهير أعلام الحلة كابن إدريس و آل نما و آل طاووس و المحقق و العلامة كانوا يلقون دروسهم في هذه المدرسة، لبركتها و كونها متصلة بمقام بقية اللّه الخلف المهدي عليه السّلام و الآن نأتي علي ما عثرنا عليه من التواريخ التي تخص تلك المدرسة المباركة:(1)ا.

ص: 111


1- اقول: أنني وجدت في كتاب (ديوان الشيخ يعقوب) للشيخ محمد علي اليعقوبي رحمه اللّه ص 106 بالهامش أن دبيس بن سيف الدولة صدقة بن منصور المزيدي ت 529 ه، شيد أبوه من عمارات الحلة و توسيع نطاق مدارسها و معاهدها العلمية و الادبية (أنتهي) و باعتبار أن المقام و مدرسته الدينية من تلك المعاهد العلمية و الادبية ربما شملتها رعاية ذلك الأمير، علما ان الشيخ يوسف كركوش رحمه اللّه في كتابه (تاريخ الحلة) و السيد هادي كمال الدين رحمه اللّه في كتابه (فقهاء الفيحاء) لم يذكرا هذه المدرسة بتاتا.

التاريخ الأول:

قال ابن هيكل رحمه اللّه في حوادث سنة 636 ه فيها عمر الشيخ محمد بن نما الحلي بيوت الدرس الي جانب المشهد المنسوب الي صاحب الزمان عليه السّلام بالحلة السيفية و أسكنها جماعة من الطلبة.(1)

أقول: يظهر من العبارة المذكورة آنفا:

أولا: أن المدرسة كانت موجودة قبل هذا التاريخ أي (636 ه) و أن الشيخ الجليل محمد بن جعفر بن نما لم يكن هو المؤسس، بل كان المعمر لها و الساعي بتجديدها.

ثانيا: اهتمام العلماء الاجلاء أمثال الشيخ ابن نّما بتلك المدرسة المباركة.

ثالثا: يظهر من عظيم منزلتها أنه لا يسكنها إلا الفقهاء من الطلبة.

التاريخ الثاني:

في بداية القرن الثامن صرح أبو محمد الحسن بن ناصر الحداد العاملي و هو من تلاميذ العلامة الحلي رحمه اللّه بكتابة كتابه (الدرة النضيدة في شرح الابحاث المفيدة) مجاور مقام صاحب الزمان عليه السّلام بالحلة.(2)

أقول: يظهر من عبارة التاريخ الاول أن ابن الحداد العاملي كتب مخطوطته بهذه المدرسة المجاورة للمقام إذ أن معني كلمتي جانب و مجاور واحد.).

ص: 112


1- أنظر: الباب الأول (المخطوطة الأولي).
2- انظر: الباب الأول (المخطوطة الثالثة).

التاريخ الثالث:

في سنة 776 ه نسخ حسين بن محمد العراقي لأبنه سعد الدين محمد كتاب (قواعد الاحكام) للعلامة الحلي رحمه اللّه و انتهي من نسخه غرة جمادي الآخرة من تلك السنة في مدرسة صاحب الزمان عليه السّلام.(1)

التاريخ الرابع:

في سنة 786 ه قابل جعفر بن محمد العراقي نسخته من كتاب (قواعد الاحكام) للعلامة الحلي رحمه اللّه علي نسخة صحيحة موجودة في مدرسة صاحب الزمان عليه السّلام.(2)

التاريخ الخامس:

في 16 شهر ربيع الاول سنة 957 ه نسخ بمدرسة صاحب الزمان عليه السّلام كتاب (المختصر النافع) للمحقق الحلي رحمه اللّه.(3)

أقول: و بعد سنة 957 ه ضاعت علينا أخبار تلك المدرسة العريقة التي كانت ماثلة لعدة قرون، و بعد التحقيق يظهر أن فترة ضياع ذكرها هي فترة الاحتلال العثماني للعراق (914-1335 ه) يقابلها (1535-1917 م) ذلك الحكم الذي جهد في طمس آثار مذهب الامامية و طبيعي أن ذلك المحتل العنصري المتزمت لا تطيب نفسه علي أن تكون للمذهب الامامي الشيعي مدرسة خاصة به فعلي ما احتمل أن أرضيّة بناية جامع الحلة الكبير التابع لأبناء السنة و الذي يقع).

ص: 113


1- انظر: الباب الأول (المخطوطة الخامسة).
2- المصدر السابق.
3- أنظر: الباب الأول (المخطوطة السادسة).

بظهر المقام مباشرة هي أصل تلك المدرسة علما أن مساحة واسعة من تلك الارضية اقتطعت منه في عام (1387 ه/ 1967 م) و جعلت دكاكين و أسواقا تنوف علي المئة، جعل ريعها لدائرة الوقف السني من ذلك العصر و ذلك في عهد الزعيم عبد الرحمن عارف الذي كثر في عصره أعداء الاسلام من الشيوعيين و البعثيين و غيرهم و الذين توغلوا في عامة دوائر الدولة و أكملوا لعب الكرة التي لعبها العثمانيون.

و حدثني رجل من موظفي دائرة الوقف الشيعي في الحلة انه رأي مساحة الجامع قبل عمارته الاخيرة عبارة عن مساحة تحوطها حجر قديمة علي هيئة بيوت الدرس في المدارس الدينية القديمة، و كذلك حدثني بذلك الوجيه أمجد بن هلال بن مبارك و انه رأي تلك الحجر، فعظمت تك المصيبة يوم هدمت تلك العمارة القديمة التابعة أصلا للمقام من قبل السياسات الظالمة و جعلها محلات تجارية و أحسب أن الحلة فقدت مادتها المعنوية يوم أخذت تلك الاراضي المقدسة كما تبع هذا الحكم حزب البعث الظالم و أراد هدم قبر المحقق الحلي رحمه اللّه بحجة التوسعة و لو لا جهود الخيرين لهدم، كما هدم حرم قبر الشيخ محمد بن نما الحلي رحمه اللّه و قبر السيد محمد بن طاووس رحمه اللّه و قبر السيد محمد المنتجب رحمه اللّه و غيرها من القبور بحجة التوسعة و تهديم المدارس الدينية القديمة و جعلها أسواقا كسوق الصّاغة في السوق الكبير الذي كان أصله مدرسة دينية ماثلة للعيان و ذلك في أواخر السبعينات الميلادية، و إنا للّه و إنا إليه راجعون.

و بعد هذا التاريخ كله فهذه دعوة حرة الي كل من يهمه الامر،

ص: 114

و خاصة دائرة الوقف الشيعي في التطلع علي هذا الامر و خاصة بعدما سهلنا لهم الامر بجمع تلك الحقائق و المعلومات التي أوردنا فيها تاريخ المدرسة من خلال الكتب المطبوعة و المخطوطة.

أقول: و لا يتعجب المرء و يستغرب من قولي هذا، فسأذكر مثالا واحدا يدل علي أفعال الدولة العثمانية و في الحلة خاصة، الدولة التي حاولت طمس آثارنا الشيعية مدة أربعمائة سنة من الظلم و الفقر و الاضطهاد.

و المثال هذا هو حول المدرسة الزينبية:(1)خ.

ص: 115


1- أقول: قد ذكرت هذه المدرسة في عدة مصادر بعدة أسماء كما يلي: 1 - المدرسة الزعية تاريخ الحلة 105/1، 94/2 و 98. 2 - المدرسة الشرعية تاريخ الحلة 105/1. 3 - المدرسة الزعنية: أ - فقهاء الحلة 299/1 (السيد هادي كمال الدين). ب - تتميم الرجال المصدر السابق (السيد علي بن عبد الحميد النيلي). 4 - المدرسة الزينية: أ - الفوائد الرجالية 107/3 (السيد مهدي بحر العلوم). ب - مجلة معهد المخطوطات العربية 152/3. 5 - المدرسة الزينبية: أ - مقدمة كتاب (المهذب البارع) 11/1 (تحقيق الشيخ مجتبي العراقي). ب - تأريخ الحلة 145/1. و هذا ما اخترناه لأن هذا الاسم يوحي ان المدرسة سميت تبركا بأسم السيدة زينب بنت أمير المؤمنين عليها السّلام و لا وجه بتسميتها بالزعنية أو الزعية أو غيرها فانه تصحيف ل (الزينبية) أو من خطأ النساخ.

كانت هذه المدرسة في الحلة تضم فئة من رجال العلم و الادب و الفلسفة، و لم تكن بغداد في ذلك الوقت تضاهيها من هذه الناحية، فقد هاجر عنها العلماء و رجال الفكر الي أنحاء أخري، و كان أكبر مدرسي هذه المدرسة الشيخ جمال الدين أبو العباس أحمد بن فهد الحلي (841 ه/ 1757 م) و قد تخرج منها علي يدي ابن فهد رحمه اللّه جماعة من العلماء الافاضل منهم عز الدين المهلبي و الشيخ عبد الشفيع بن فياض الاسدي الحلي صاحب كتاب (تحفة الطالبين في أصول الدين) و كتاب (الفرائد الباهرة) و السيد محمد بن فلاح المشعشع، و أضرابهم من علماء ذلك العصر، و موقع تلك المدرسة في رأس سوق الهرج في الحلة، و في مدة حكم الوالي رؤوف باشا سنة 1289 ه و تحت شعار نشر العلم (كلمة حق يراد بها باطل) قامت بتغيير اسم تلك المدرسة الي المدرسة الرشيدية(1) و جعل المدرسة من انشاءات و مشاريع الدولة العثمانية(2)

و الحال أن المدرسة الزينبية من مدارس الحلة، إبان نهضتها في القرون الوسطي و آثارها الي الآن باقية في عصرنا، فمن خلال قلمنا هذا ندعو دائرة الآثار، و دائرة الوقف الشيعي للأطلاع علي هذا الامر.

ملاحظة: كان الحديث عن المدرسة الزينبية في الحلة في هذا الباب لسببين:5.

ص: 116


1- أقول: أن الظاهر اسم المدرسة (الرشدية) و ليس (الرشيدية) و ذلك لما أحصيته من ذكر هذا الاسم علي ثلاث مدارس في بغداد (في تلك الفترة)، راجع كتاب بغداد القديمة ص 25 و 26 لعبد الكريم العلاّف (و مؤلف هذا الكتاب كان حيا في تلك الفترة).
2- انظر: تاريخ الحلة ج 1 /ص 145.

أولهما: الدعوة الي إحياء ذكر تلك المدرسة التاريخية، و الأهتمام بالمدارس العلمية، و ملاحظة طمس الآثار الشيعية، من قبل السياسات الحاكمة.

و ثانيهما: حتي لا يشتبه الامر، علي المتتبع لأثار مدرسة صاحب الزمان عجّل اللّه تعالي فرجه الشريف، الواقعة جوار المقام في سوق الصفارين بالقرب من سوق الهرج، فأن اثار المدرسة الزينبية (الرشدية) الآن في نهاية سوق الهرج كما صرح به صاحب كتاب تاريخ الحلة (الشيخ يوسف كركوش).

***

ص: 117

ص: 118

الباب الثامن في ذكر سدنة و أوقاف مقام صاحب الزمان أرواحنا فداه في الحلة

اشارة

ص: 119

ص: 120

الأمر الأوّل: في ذكر سدنة المقام:

اهتم الشيعة الامامية بمشاهد العترة الطاهرة، فبقوا يحافظون علي تلك المشاهد المنسوبة اليهم، بالعمارة بعد العمارة، و في كل مشهد من تلك المشاهد المعظمة وضعوا طائفة وظيفتها أن تهتم بتنظيف تلك المشاهد و العناية بها، و احترام زائريها و تقديم الخدمات لهم، و سموا تلك الطائفة بالسدنة، و من تلك المشاهد، مشهد صاحب الزمان أرواحنا فداه في الحلة، فان مشهده لم يخل من تلك الطائفة لكن التاريخ لم يحفظ لنا أسماء من تلك الطائفة، إلا ما وجدته من اسم واحد، و بيت واحد، و هو بيت (آل القيم) و أكرم به من بيت، فبخدمتهم لهذا المقام الشريف نالوا ذلك اللقب السامي، و قد نال هذا البيت الحظ الأوفر من تلك السدانة و بحقبة زمنية تقدر بنحو ثلاثة قرون أو أكثر، يستلمها خلف عن سلف و كابر عن كابر، فقد ذكرهم الشيخ الخاقاني رحمه اللّه في كتابه (شعراء الحلة) قائلا: إن صاحب كتاب (ديوان القيم) الذي جمعه الشيخ محمد علي اليعقوبي رحمه اللّه، هو حسن بن الملا محمد بن يوسف بن إبراهيم بن إسماعيل بن سلمان بن عبد المهدي، و كان جده هذا سادنا علي مقام الغيبة التي في نهاية سوق الهرج من جهة الغرب و من هنا جاءهم لقب (القيم) و كانت السدانة لهم من لدن دولة الصفويين في العراق (930-1120 ه) و هم حتي

ص: 121

اليوم يستغلون ثمرة أوقاف الزوير الواقعة في شمال الحلة، ولد المترجم له أي الشاعر سنة 1276 ه (1)

أقول: ربما ان أوقاف الزوير الواقعة في شمال الحلة هي مما وقفه الحكام الصفويّون للمقام الشريف، و كان هذا من عادتهم مع المشاهد الشريفة.

و من ثمّ انتقلت السدانة الي بيت آخر من بيوتات الحلة و لمدة قصيرة، و من بعد تحولت الي بيت آخر ثالث يدعي ب (ال الصفار).

و كان السادن الأول منهم الحاج حميد حسين الظاهر الصفار الخفاجي الذي خدم المقام نحوا من أربعة عقود و كان معروفا بتدينه و ورعه و توفي هذا السادن سنة (1408 ه) ثم استلم السدانة بعده ولداه عبد اللّه و عبد علي اللذان كانا يسعيان بين حقبة و أخري لترميم و صيانة و تطوير المقام و بالشكل اللائق و ببعض جهود الخيرين دامت توفيقاتهم و أخبرني سادن المقام عبد اللّه الصفار عن كرامة رآها بأم عينيه أحببت تدوينها هنا و هي من إملائه عليّ قال: في سنة (1408 ه/ 1988 م) و في الشهر الخامس و في يوم الجمعة حدثت كرامة في هذا المقام و هي:

كان مفتاح باب المقام عند رجل كبير السن و كان مؤمنا اسمه حمزة الحمود (ابو ابراهيم الصفار) أمر هذا الرجل من قبل سدنة المقام لغيابهم عنه في تلك المدة بفتح و غلق باب المقام، و عند ما اغلق البابد.

ص: 122


1- انظر: شعراء الحلة/الخاقاني رحمه اللّه ج 3 /ق 1 /ص 50 (بتصرف) و ذكر لي بعض اهل العلم الثقاة انه سأل الحاجّ خليلا القيّم حفيد الحاج حسن القيم المذكور عن نسبهم فاجابه انهم ينتمون الي بني اسد.

ليلة الجمعة اغفل أمرا مهما و هو أن بعضا من النساء و ضعن بعض الشموع و مباشرة علي كرسي خشب قديم كان داخل المقام، و كان المقام مفروشا بحصير من النايلون (البلاستك) لان الموسم كان صيفا، فأغفل الرجل إطفاء تلك الشموع التي وضعت علي الكرسي مباشرة، فجاء يوم الجمعة صباحا لفتح باب المقام فوجد أمرا عجيبا! قد حدث و هو أن الكرسي قد احترق بأكمله و لم يبق إلا رماد و لم يروا أثرا لاحتراقه علي الحصير سوي بقع صغيرة بقدر الدرهم و الحصير لم يحترق فاجتمع الناس لرؤية هذه الكرامة و أخذ الناس رماد ذلك الكرسي للتبرك فببركة صاحب هذا المقام لم يحترق الحصير و لو احترق الحصير لحرق المقام بأكمله لكن أبي اللّه الا أن يتم نوره و لو كره المشركون.

أقول: لقد انطفأ النور الناتج من احتراق الكرسي عند ما حضر النور الالهي تواضعا منه لذلك النور المقدس فخمدت تلك النيران ببركات يمن وجوده عليه السّلام كما خمدت نيران كسري ببركات يمن جده صلي اللّه عليه و آله.

الأمر الثاني: في ذكر الأوقاف الخاصة بالمقام:

دأبت الشيعة الامامية (أنار اللّه برهانهم) بجعل وقف من الاراضي أو المشاريع الخيرية و ذلك لتعاهد عمارة تلك المشاهد بالبناء و التعمير و قد قدمنا ذكر أوقاف الزوير الواقعة في شمال الحلة التي من المحتمل أن تكون خاصة بهذا المقام، و الان نأتي علي ما تبقي من الذكر، أقول: إنني زرت في سنة 1425 ه دائرة الوقف الشيعي في الحلة فعثرت في طيات مخزوناتها علي أوراق عثمانية يدّعي فيها وجود مقام للأمام المهدي عجّل اللّه تعالي فرجه الشريف في منطقة المدحتية

ص: 123

التابعة للحلة و رقم المقاطعة المدّعي فيها وجود هذا المقام هو قطعة 114 و 11 أو 14 و 15 العوادل خيكان الغربي و خيكان الشرقي/مدحتية، كما عثرت في أوراق عثمانية أخري علي ادّعاء وجود مقام آخر للأمام المهدي عجّل اللّه تعالي فرجه الشريف في قضاء الكفل التابع للحلة و رقم المقاطعة المدّعي فيها وجود هذا المقام هو 5 و 6 م 2 هور الشوك/كفل، جار ابن الجباوي، و الذي اعتقده أن الموضعين المذكورين ليس فيهما مقامان للأمام المهدي عجّل اللّه تعالي فرجه الشريف لعدم وجود عين و لا أثر لهما و لو كان لهما وجود لما طمست آثارهما و درست معالمهما و أغلب الظن أنهما من جملة المواضع الموقوفة علي مقام الامام المهدي عجّل اللّه تعالي فرجه الشريف في الحلة الذي كتبنا هذا البحث في تحقيقه، و قد لا يبعد أن يكون ذكر هذين المقامين في المكانين المزبورين هو من تزويرات الدولة العثمانية المتعصبة علي الشيعة تعصبا لا هوادة فيه (و توظيفا) لهذا التعصب و بدافع التشويش و التضبيب علي عقائد الشيعة اختلقت لهم ما لم يعرفوه و لم ينقله منهم ناقل.

ص: 124

الباب التاسع في موقع و وصف مقام صاحب الزمان أرواحنا فداه في الحلة

ص: 125

ص: 126

يقع المقام في مركز مدينة الحلة السيفية في منطقة تدعي (السنية) و في سوق الصفارين علي يمين الداخل الي هذا السوق، و يقع علي يسار الداخل للسوق الكبير، و خلف جامع الحلة الكبير بالضبط.

و المشهور عند أهل الحلة (مقام الغيبة) مشتقة من الغائب الذي هو اسم من أسمائه عليه السّلام.

و في يوم 2 من شهر ربيع الأول من سنة 1425 ه تشرفت بزيارة المقام كما كنت أتردد عليه كثيرا و خاصة عند نزولي في الحلة و هي البلدة التي ولدت فيها في سنة 1391 ه في منزل يقع بالقرب من قبر المحقق الحلي صاحب كتاب (شرائع الاسلام) ثم انتقلت الي الارض المقدسة التي حوت جسد أمير المؤمنين عليه السّلام و عشت بجواره متنعما مدة حياتي سوي خمس سنين و أشهر قضيتها في الحلة أوائل عمري.

و عودا الي بدء أقول: إن المقام يطل علي السوق بمساحة قدرها (5، 9 م) و المساحة الكلية للمقام بنحو (35 م 2) و يتوسط واجهة المقام باب من خشب الساج ارتفاعه (2 م) و يعلو الباب شعر يؤرخ عمارة السيد القزويني (1317 ه) و يعلو واجهة المقام آية التطهير جددت عام (1422 ه) و زيارة مختصرة للامام عجّل اللّه تعالي فرجه الشريف و زينت واجهة المقام بالزخارف الاسلامية، و يقع علي يمين الداخل من الخارج مكان للوضوء. و عند الدخول للمقام تري أمامك شباك مصنوع من خشب الساج علوه (75، 1 م) و عرضه (1 م) تعلوه زيارة للامام عجّل اللّه تعالي فرجه الشريف و هي الزيارة

ص: 127

المعروفة ب (السلام علي الحق الجديد)(1) كتبت بالقاشي الازرق و عند توجهك الي جهة القبلة يكون الشباك خلفك و باب المقام أمامك و كتب علي لوح فوق الباب من الداخل شعر يؤرخ العمارة الاخيرة و هي في سنة (1422 ه) ثم يعلو الباب الدعاء المعروف (يا من أظهر الجميل) (دعاء أهل البيت المعمور) و عليه تأريخ كتابته عام (1417 ه/ 1996 م) و كتب بالقاشي الازرق، و القبة من الداخل مزينة و كتب فيها آية النور و أسماء اهل البيت عليه السّلام يعلوها لفظ الجلالة و تتوسطها ثريا جميلة و فاخرة، و صعدنا علي مكان مرتفع لنشاهد القبة الشريفة السامية المنيفة فرأيتها قد جدد تغليفها حديثا و هي خالية من الكتابة و التأريخ سوي أسماء المعصومين عليهم السّلام و هي شامخة ظاهرة للعيان من بعد، و من خلال قلمنا هذا ندعو العلماء الأعلام و دائرة الوقف الشيعي و الاخوة المؤمنين و المؤسسات الخيرية الذين يريدون أن يعظموا شعائر اللّه ان يلتفتوا لتوسعة حرم المقام الذي لا يتجاوز مساحته سوي (35 م 2) و ذكرنا أنّ المقام كان أوسع بكثير و لكن... فان مساحته لا تليق و عمره التأريخي و ذلك بضم بعض المحلات الي مساحته حتي تشملهم رعاية الأمام عليه السّلام و لطفه.

***ة.

ص: 128


1- هذه الزيارة موجودة في كتاب (مفاتيح الجنان) و هي زيارة مطلقة يزار بها في كل الازمنة و الامكنة، نقلها السيد ابن طاووس في كتابه (مصباح الزائر)، و لم أوردها هنا خوف الاطالة.

الباب العاشر في ذكر عدة أمور تتعلق بزيارة مولانا صاحب الزمان ارواحنا فداه في هذا المقام

اشارة

ص: 129

ص: 130

الأمر الأوّل: في أن هذا المقام بيت من بيوت اللّه تعالي يجب تعظيمه:

قال المحدث النوري رحمه اللّه: و ليس خفيا أن من جملة الأماكن المختصة المعروفة بمقامه صلوات اللّه عليه مثل: وادي السلام و مسجد السهلة. و الحلة، و مسجد جمكران في خارج قم، و غيرها، و الظاهر انه تشرف في تلك المواضع بعض من رآه أرواحنا فداه أو ظهرت هناك معجزة و لهذا دخلت في الاماكن الشريفة المباركة، و أن هناك محلّ أنس و هبوط الملائكة و قلة الشياطين، و هي أحد الاسباب المقربة لاجابة الدعاء و قبول العبادة.

و جاء في بعض الأخبار: ان اللّه عزّ و جلّ يحب أن يعبد في الاماكن التي هي أمثال هذه الاماكن مثل المساجد و مشاهد الائمة عليهم السّلام و مقابر أولاد الائمة و الصالحين و الابرار في أطراف البلاد، و هي من الألطاف العينيّة (الغيبية خ. ل) الإلهية للعباد الضالّين و المضطرّين و المرضي و المستدينين و المظلومين و الخائفين و المحتاجين و نظائرهم من أصحاب الهموم و موزّعي القلوب و مشتّتي الظاهر و مختلّي الحواسّ، فإنّهم يلجئون الي هناك و يتضرّعون و يتوسلون الي اللّه عزّ و جلّ بصاحب ذلك المقام، و يطلبون علاج أوجاعهم و شفاءهم و دفع شر الاشرار و كثيرا ما يجابون فيعود الذي ذهب الي هنا مريضا مشافي مشافيا، و يذهب المظلوم فيرجع بظلامته، و يذهب المضطرب فيرجع هادئ البال، و بالطبع فكلّما يسعي أن يكون هناك أكثر ادبا و احتراما فسوي يري خيرا أكثر، و يحتمل انّ جميع تلك المواضع داخلة في جملة

ص: 131

بيوت اللّه تعالي الّتي أمر أن ترفع و يذكر فيها اسم اللّه عزّ و جلّ و مدح من سبّح الحقّ تعالي بكرة و أصيلا و لا يسع المقام تفصيلا أكثر من هذا.(1)

الامر الثاني: في استحباب زيارة مولانا صاحب الزمان ارواحنا فداه في كل زمان و مكان.

قال العلامة المجلسي رحمة اللّه عليه: اعلم انّه يستحبّ زيارته صلوات اللّه عليه في كل مكان و زمان، و في السرداب المقدس، و عند قبور أجداده الطاهرين صلوات اللّه عليهم أجمعين افضل، و في الازمنة الشريفة لا سيّما ليلة ميلاده و هي النصف من شعبان علي الاصح، و ليلة القدر التي تنزل عليه فيها الملائكة و الروح انسب.(2)

نذكر الان رواية يستفاد منها هذا المطلب:

روي سليمان بن عيسي، عن أبيه قال: قلت لأبي عبد اللّه عليه السّلام:

كيف أزورك إذا لم أقدر علي ذلك؟ قال: قال لي:

يا عيسي، إذا لم تقدر علي المجيء، فاذا كان يوم الجمعة فاغتسل او توضأ، و اصعد الي سطحك، و صلّ ركعتين و توجّه نحوي، فانّه من زارني في حياتي فقد زارني في مماتي، و من زارني في مماتي فقد زارني في حياتي.

بيان: هذا الخبر يدل علي أن زيارة الامام الحي أيضا تجوز بهذا الوجه، فهذا مستند لزيارة القائم صلوات اللّه عليه في أي مكان أراد.(3)

ص: 132


1- انظر: النجم الثاقب/النوري رحمه اللّه ج 2 /ص 139.
2- انظر: البحار/المجلسي رحمه اللّه ج 102 /ص 119.
3- انظر: البحار/المجلسي رحمه اللّه ج 101 /ص 366.

و قال الشيخ الجليل تقي الدين ابراهيم الكفعمي: يستحب زيارة المهدي عليه السّلام في كل مكان و زمان، و الدعاء بتعجيل فرجه صلوات اللّه عليه عند زيارته.(1)

الأمر الثالث: في استحباب زيارته ارواحنا فداه في هذا المقام ليلة الجمعة و يومها.

أقول: روي لنا، كما نقلناه في الباب الثاني من كتابنا هذا، عن ابن أبي الجواد النعماني ما مضمونه أن الامام صاحب الزمان عليه السّلام موجود في هذا المقام ليلة الجمعة، و يوم الجمعة، و ليعلم القارئ العزيز، أن يوم الجمعة هو أصلا يومه، و باسمه، و يستحب فيه زيارته إذ هو اليوم المتوقع فيه ظهوره، فلا بأس بأن يزار الامام عليه السّلام بما يزار به يوم الجمعة و هي «السلام عليك يا حجة اللّه في أرضه، السلام عليك يا عين اللّه في خلقه، السلام عليك يا نور اللّه الذي يهتدي به المهتدون، و يفرج به عن المؤمنين، السلام عليك أيها المهذب الخائف، السلام عليك ايها الولي الناصح، السلام عليك يا سفينة النجاة، السلام عليك يا عين الحياة، السلام عليك صلي اللّه عليك و ال بيتك الطيبين الطاهرين، السلام عليك عجل اللّه لك ما وعدك من النصر و ظهور الامر، السلام عليك يا مولاي، انا مولاك عارف باولاك و اخراك، اتقرب الي اللّه تعالي بك و بال بيتك، و انتظر ظهورك و ظهور الحق علي يديك و أسال اللّه ان يصلي علي محمد و ال محمد، و ان يجعلني من المنتظرين لك، و التابعين و الناصرين لك علي اعدائك، و المستشهدين بين يديك في جملة اوليائك، يا مولاي يا صاحب الزمان، صلوات اللّه عليك و علي ال بيتك، هذا يوم الجمعة و هو يومك

ص: 133


1- انظر: البلد الامين/الكفعمي رحمه اللّه ص 432.

المتوقع فيه ظهورك، و الفرج فيه للمؤمنين علي يديك، و قتل الكافرين بسيفك، و انا يا مولاي فيه ضيفك و جارك، و انت يا مولاي كريم من اولاد الكرام، و مأمور بالضيافة و الاجارة، فاضفني و أجرني، صلوات اللّه عليك و علي أهل بيتك الطاهرين».

قال السيد الاجل رضي الدين علي بن طاووس: و أنا أتمثل بعد هذه الزيارة بهذا الشعر و اشير اليه عليه السّلام و اقول:

نزيلك حيث ما اتجهت ركابي و ضيفك حيث كنت في البلاد(1)

الامر الرابع: في زيارة خاصة للامام صاحب الزمان أرواحنا فداه فيها هذا المقام.

أقول: نقل ابن ابي الجواد النعماني زيارة خاصة لهذا المقام و هي مما رواه عنه عليه السّلام.

قال الامام القائم عجّل اللّه تعالي فرجه الشريف: «و ما من رجل دخل مقامي بالادب يتأدب و يسلم عليّ و علي الائمة و صلي عليّ و عليهم اثني عشر(2) مرة ثم صلي ركعتين بسورتين، و ناجي اللّه بهما المناجاة إلا اعطاه اللّه تعالي ما يسأله أحدها المغفرة».

فقال النعماني: يا مولاي علمني ذلك؟ (أي المناجاة)

فقال: قل «اللهم قد أخذ التأديب مني حتي مسني الضر و أنت أرحم الراحمين و إن كان ما اقترفته من الذنوب استحق به أضعاف ما أدبتني به و أنت حليم ذو أناة تعفو عن كثير حتي يسبق عفوك و رحمتك عذابك».(3)

ص: 134


1- انظر: مفاتيح الجنان/القمي رحمه اللّه ص 143.
2- هكذا ورد في اصل المطبوع و الاصح (اثنتي عشرة).
3- انظر: رياض العلماء/للأفندي رحمه اللّه عن النجم الثاقب للنوري رحمه اللّه ج 2 /ص 138.

الامر الخامس: في علّة اشتهار زيارته ارواحنا فداه في مقاماته المنسوبة اليه في ليلة الاربعاء.

أقول: لم أجد رواية صريحة تنص علي استحباب زيارته عجّل اللّه تعالي فرجه الشريف في ليلة الاربعاء خاصة سوي قول السيد ابن طاووس رحمه اللّه في مصباح الزائر قال: «إذا أردت أن تمضي الي السهلة فاجعل ذلك بين المغرب و العشاء الاخرة من ليلة الاربعاء، و هو أفضل من غيره».(1)

و لعل اشتهار زيارة أوليائه من شيعته و محبيه في تلك الليلة أصلها من هذا القول، و ذلك لمنزلة القائل به عندهم حفظهم اللّه و أيدهم.

و من عادة أهل الحلة النجباء، أنهم خصصوا يوم الثلاثاء بأكمله للنساء فقط، فهنّ يجتمعن في هذا المقام الشريف و في هذا اليوم لبث شكواهنّ الي إمام زمانهن ارواحنا فداه.

الامر السادس: في تأكيد الدعاء بالفرج لأمامنا صاحب الزمان ارواحنا فداه في هذا المقام.

قال الميرزا محمد تقي الاصفهاني رحمه اللّه في كتابه مكيال المكارم، عند ذكر الامكنة التي يتأكد فيها الدعاء له عليه السّلام و منها:

المقامات المنسوبة اليه، و مشاهده، و مواقفه المباركة بيمن وقوفه عليه السّلام فيها، كمسجد الكوفة، و مسجد السهلة، و مسجد صعصعة، و مسجد جمكران و غيرها، لأنّ عادة أهل المودّة جارية علي انّهم إذا شهدوا موقفا من مواقف محبوبهم تذكّروا لأخلاقه، و تألّموا لفراقه، و دعوا في حقّه، بل يأنسون بمواقفه، و منزله حبّا له، كما قيل:

ص: 135


1- انظر: مصباح الزائر/السيد ابن طاووس رحمه اللّه ص 54.

امرّ علي الديار ديار ليلي اقبّل ذا الجدار و ذا الجدارا

فما حبّ الديار شغفن قلبي و لكن حبّ من سكن الديارا

و قيل أيضا في هذا المعني:

و من مذهبي حبّ الديار لأهلها و للناس فيما يعشقون مذاهب

فينبغي للمؤمن المخلص إذا دخل السرداب المباركة(1) أو شهد موقفا من مواقفه الكريمة المشرّفة، أن يتذكّر صفات مولاه، من صفات الجمال و الجلال، و الكمال و ما هو فيه من بغي أهل العناد و الضلال، و يتفجّع غاية التفجّع من تصوّر تلك الاحوال، و يسأل من القادر المتعال أن يسهّل فرج مولاه، و يعطيه ما يتمنّاه، من دفع الاعداء و نصر الاولياء.

هذا، مضافا إلي أنّ المقامات المذكورة مواقف عبادته و دعائه عليه السّلام.

فينبغي للمؤمن المحبّ التأسّي به في ذلك، فانّ الدعاء بتعجيل فرجه، و كشف الكرب عن وجهه، من أفضل العبادات، و أهمّ الدعوات.(2)

الامر السابع: في سرعة اجابة الدعاء في هذا المقام الشريف.

سألت أحد المجاورين للمقام، و هو السيد عصام الحسيني السويدي، هل من كرامة رأيتها بالعيان حتي أدونها؟ قال: لم ار بالعيان، و لكن كثرة توافد الزائرين للمقام تدل علي سرعة الاجابة فيه و حدوثها عاجلة و هي مما جرّب كثيرا، أقول و أنا الفقير، إن أهل الحلة يعتقدون اعتقادا شديدا بهذا المقام، و صاحبه عليه السّلام، و لذلك يتوافدون

ص: 136


1- هكذا ورد في المطبوع من كتاب (مكيال المكارم) ط 4 و الاصح (المبارك).
2- انظر: مكيال المكارم/الاصفهاني رحمه اللّه ج 2 ص 64.

عليه بكثرة، و انني ما زرت هذا المقام و وجدته فارغا قط، حتي في وقت الظهيرة، و حتي في أثناء عمارته و بدون انقطاع، و من عادة أهل الحلة من رجال و نساء أن يفرقوا بعض الحلوي في المقام الشريف، بعد إجابة دعواتهم، حتي اني في بعض زياراتي للمقام أكلت من تلك الحلوي، التي تفرق علي زائري المقام الشريف.

***

ص: 137

ص: 138

الباب الحادي عشر في ذكر من شاهد الامام صاحب الزمان ارواحنا فداه من أهل الحلة

اشارة

ص: 139

ص: 140

ورد في سير كثير من أعلام الشيعة الامامية (أنار اللّه برهانهم) انهم تشرفوا بلقاء الامام الحجة المهدي عجّل اللّه تعالي فرجه الشريف و قد دون بعض العلماء الاعلام كالعلامة المجلسي رحمه اللّه و الميرزا النوري رحمه اللّه في كتبهم، تلك اللقاءات و كان لعلماء مدينة الحلة من ذلك نصيب موفور و حظ غير منقوص و يمكن أن يستأنس أن لقاء بعضهم و تشرّفه به عجّل اللّه تعالي فرجه الشريف في هذا المقام فاتصل خبر هذا اللقاء المبارك، و هذا لا يمنع أن يكون الامام عجّل اللّه تعالي فرجه الشريف قد شرف هذا الموضع قبل هؤلاء الاجلاء، و ان اللّه تعالي جعل لهذا الموضع من القدسية ما خصه بكثرة وجوده فيه، و معلوم أن اللّه خصّ بعض الامكنة، كما خصّ بعض الازمنة، بخصائص تشريف و تعظيم، فكان من موارد هذا التشريف و التعظيم هو هذا الموضع المبارك الشريف، و قد حفظ لنا التاريخ أسماء جماعة من أعاظم علماء الحلة، و لقد أسلفنا ذكر ثلاثة منهم، في الباب الثالث من كتابنا هذا و هم:

أبو راجح الحمّامي (صاحب الحمام العمومي في الحلة).

و أم عثمان (المرأة التي كشف بصرها برؤية طلعته المباركة).

و الشيخ جمال الدين الزهدري (الذي شفي من الفالج ببركة يده عجّل اللّه تعالي فرجه الشريف).

و الان نأتي علي من لم نذكرهم و هم: (و ذكرهم في هذا الباب، حسب التسلسل التاريخي).

1 - السيد رضي الدين محمد بن محمد الآوي الحسيني رحمه اللّه ت (654 ه): و أما حكاية لقائه علي ما نقله العلامه الحلي رحمه اللّه في كتاب (منهاج الصلاح) قال:

ص: 141

نوع آخر من الاستخارة رويته عن والدي الفقيه سديد الدين يوسف بن علي بن المطهر رحمه اللّه عن السيد رضي الدين الآوي الحسيني رحمه اللّه عن صاحب الامر عجّل اللّه تعالي فرجه الشريف و هو:

أن يقرأ فاتحة الكتاب عشر مرات، و أقلّه ثلاث مرات، و الأدون منه مرة، ثم يقرأ (انا انزلناه) عشر مرات، ثم يقرأ هذا الدعاء ثلاث مرات: «اللهم اني استخيرك بعلمك بعواقب الامور، و استشيرك لحسن ظنّي بك في المأمول و المحذور، اللهم إن كان الامر الفلاني قد نيطت بالبركة اعجازه و بواديه و حفّت بالكرامة أيامه و لياليه، فخر لي خيرة درك شموسه ذلولا و تقعص أيامه سرورا، اللهم إمّا أمر فأأتمر، و إما نهي فانتهي اللهم اني استخيرك برحمتك خيرة في عافية».

ثم يقبض علي قطعة من السبحة و يضمر حاجته، و يخرج إن كان عدد تلك القطعة زوجا فهو افعل، و إن كان فردا لا تفعل، أو بالعكس.(1)

و قد نقل العلامة النوري رحمه اللّه لقاء ثانيا لهذا السيد الآوي نقل فيه السيد دعاء العبرات المشهور و لم أنقله هنا خوفا من الاطالة و من أراده فليراجع، النجم الثاقب ج 2 ص 127، جنة المأوي ص 221، كما نقل السيد رضي الدين ابن طاووس هذا الدعاء عن السيد نفسه في كتاب (مهج الدعوات).

2 - السيد الاجل صاحب الكرامات الباهرات السيد علي بن موسي بن جعفر بن طاووس (ت 664 ه): و قد صرح في مطاوي كتبه بتلك اللقاءات و من خلال فقرات من كتابه (كشف المحجة لثمرةد.

ص: 142


1- انظر: النجم الثاقب/النوري رحمه اللّه، ج 2 ص 126، و قد نقل الشهيد الاول في الذكري هذه الاستخارة عن السيد.

المهجة) الذي كتبه لولده و كان عمره حينئذ سبع سنين استدل شيخنا الميرزا حسين النوري رحمه اللّه صاحب كتاب مستدرك الوسائل ان باب لقائه إياه صلوات اللّه عليه كان مفتوحا دائما و أبدا له.

قال العلامة الحلي في حقه في إجازته الكبيرة: (و كان رضي الدين علي رحمه اللّه صاحب كرامات حكي لي بعضها و روي لي والدي رحمة اللّه عليه البعض الآخر و كان أعبد من رأيناه من أهل زمانه).

و لقد نقل العلامة النوري لهذا السيد عدة لقاءات و سوف نذكر هنا لقاءين.

اللقاء الاول: قال السيد الجليل القدر علي بن طاووس في كتاب (مهج الدعوات): (و كنت أنا بسر من رأي فسمعت سحرا دعاءه عليه السّلام فحفظت منه عليه السّلام من الدعاء لمن ذكره من الاحياء و الاموات (و ابقهم) أو قال: «و أحيهم في عزنا و ملكنا و سلطاننا و دولتنا» و كان ذلك في ليلة الاربعاء ثالث عشر ذي القعدة سنة ثمان و ثلاثين و ستمائة.(1)

اللقاء الثاني: و ذكر في ملحقات كتاب أنيس العابدين انه نقل عن ابن طاووس رحمه اللّه انه سمع سحرا في السرداب عن صاحب الامر عليه السّلام انه يقول:

«اللهم ان شيعتنا خلقت من شعاع أنوارنا و بقية طينتنا، و قد فعلوا ذنوبا كثيرة اتكالا علي حبّنا و ولايتنا، فان كانت ذنوبهم بينك و بينهم فاصفح عنهم فقد رضينا، و ما كان منها فيما بينهم فأصلح بينهم و قاص بها عن خمسنا، و أدخلهم الجنّة و زحزحهم عن النار، و لا تجمع بينهم و بين أعدائهم في سخطك».(2)0.

ص: 143


1- أنظر: النجم الثاقب، النوري رحمه اللّه، ج 2، ص 120.
2- أنظر: النجم الثاقب، النوري رحمه اللّه، ج 2، ص 120.

3 - رجل اسمه عبد المحسن: و هو من الزاهدين العابدين المتمسكين بحبل ولائه عليه السّلام و أرسل الامام عليه السّلام علي يديه رسالة خاصة الي السيد ابن طاووس.

و أما حكاية لقائه بالامام فلقد أوردها العلامة النوري في كتبه و نحن نتبرك بذكرها (و الكلام للسيد ابن طاووس).

«... و توجهنا من هناك لزيارة أول رجب بالحلة، فوصلنا ليلة الجمعة سابع عشر جمادي الآخرة بحسب الاستخارة، فعرّفني حسن بن البقلي يوم الجمعة المذكورة أن شخصا يقال له: عبد المحسن، من أهل السواد(1) قد حضر بالحلة و ذكر أنه قد لقيه مولانا المهدي صلوات اللّه عليه ظاهرا في اليقظة، و قد أرسله الي عندي برسالة فنفذت قاصدا و هو محفوظ بن قرا فحضر ليلة السبت ثامن عشر من جمادي الآخرة المقدم ذكرها، فخلوت بهذا الشيخ عبد المحسن، فعرفته هو رجل صالح، لا يشك النفس في حديثه، و مستغن عنا و سألته فذكر أن اصله من حصن بشر و انه انتقل الي الدولاب الذي بازاء المحولة المعروفة بالمجاهديّة، و يعرف الدولاب بابن أبي الحسن، و انه مقيم هناك و ليس له عمل بالدولاب و لا زرع، و لكنه تاجر في شراء غليلات و غيرها، و انه كان قد ابتاع غلة من ديوان السرائر و جاء ليقبضها، و بات عند المعيدية في المواضع المعروفة بالمحبر.

فلما كان وقت السحر كره استعمال ماء المعيدية، فخرج فقصد النهر، و النهر في جهة المشرق، فما احسّ بنفسه إلا و هو في تل السلامق.

ص: 144


1- قال المؤلف رحمه اللّه: يعني قري العراق.

في طريق مشهد الحسين عليه السّلام في جهة المغرب و كان ذلك ليلة الخميس تاسع عشر شهر جمادي الاخرة من سنة احدي و أربعين و ستمائة التي تقدم شرح بعض ما تفضل اللّه عليّ فيها و في نهارها في خدمة مولانا أمير المؤمنين عليه السّلام.

فجلست أريق ماء و إذا فارس عندي ما سمعت له حسا و لا وجدت لفرسه حركة و لا صوتا، و كان القمر طالعا، و لكن كان الضباب كثيرا.

فسألته عن الفارس و فرسه، فقال: كان لون فرسه صداء(1) و عليه ثياب بيض و هو متحنّك بعمامة و متقلد بسيف.

فقال الفارس لهذا الشيخ عبد المحسن: كيف وقت الناس؟ قال عبد المحسن: فظننت انه يسأل عن ذلك الوقت، قال: فقلت الدنيا عليه(2) ضباب و غبرة، فقال: ما سألتك عن هذا، أنا سألتك عن حال الناس، قال: فقلت الناس طيبين مرخّصين آمنين(3) في أوطانهم و علي أموالهم.

فقال: تمضي الي ابن طاووس، و تقول له كذا و كذا، و ذكر لي ما قال صلوات اللّه عليه ثم قال عنه عليه السّلام: فالوقت قد دنا، فالوقت قد دنا.

قال عبد المحسن: فوقع في قلبي و عرفت نفسي انه مولانا صاحب الزمان عليه السّلام، فوقعت علي وجهي و بقيت كذلك مغشيا عليّ الي أن طلع الصبح، قلت له: فمن أين عرفت انه قصد ابن طاووس عني؟ قال: ما أعرف من).

ص: 145


1- أي احمر غامق مائل للسواد.
2- كذا ورد في المطبوع و الاصح عليها.
3- هكذا ورد في النص و الاصح بالرفع أي (طيبون، مرخصون، امنون).

بني طاووس إلا أنت، و ما في قلبي إلا انه قصد بالرسالة اليك، قلت: أي شيء فهمت بقوله عليه السّلام فالوقت قد دنا، فالوقت قد دنا هل قصد وفاتي (قد دنا) ام (قد دنا وقت ظهوره) صلوات اللّه و سلامه عليه؟ فقال: بل قد دنا وقت ظهوره صلوات اللّه عليه.

قال: فتوجهت ذلك الوقت الي مشهد الحسين عليه السّلام و عزمت انني الزم بيتي مدة حياتي أعبد اللّه تعالي، و ندمت كيف ما سألته صلوات للّه عليه عن أشياء كنت اشتهي اسأله فيها.

قلت له: هل عرّفت بذلك أحدا؟ قال: نعم، عرّفت بعض من كان عرف بخروجي من المعيدية، و توهموا اني قد ظللت و هلكت بتأخيري عنهم، و اشتغالي بالغشية التي وجدتها، و لأنهم كانوا يروني طول ذلك النهار يوم الخميس في أثر الغشية التي لقيتها من خوفي منه عليه السّلام فوصيّته أن لا يقول ذلك لأحد أبدا و عرضت عليه شيئا، فقال: انا مستغن عن الناس و بخير كثير.

فقمت أنا و هو فلما قام عني نفذت له غطاء و بات عندنا في المجلس علي باب الدار التي هي مسكني الان بالحلة، فقمت و كنت أنا و هو في الروشن(1) في خلوة، فنزلت لأنام فسألت اللّه زيادة كشف في المنام في تلك الليلة اراه أنا.

فرأيت كأن مولانا الصادق عليه السّلام قد جاءني بهدية عظيمة، و هي عندي و كأنني ما أعرف قدرها، فاستيقظت و حمدت اللّه، و صعدت الروشن لصلاة نافلة الليل و هي ليلة السبت ثامن عشر جمادي الآخرةة.

ص: 146


1- الروشن: الكوة.

فأصعد فتح(1) الابريق الي عندي فممدت يدي فلزمت عروته لأفرغ علي كفي فأمسك ماسك فم الابريق و أداره عني و منعني من استعمال الماء في طهارة الصلاة، فقلت: لعل الماء نجس فأراد اللّه أن يصونني عنه فان للّه عزّ و جلّ عليّ عوائد كثيرة أحدها مثل هذا و أعرفها.

فناديت الي فتح، و قلت: من أين ملأت الابريق؟ فقال: من المصبّة، فقلت: هذا لعله نجس فاقلبه و طهره(2) و املأه من الشط فمضي و قلّبه و أنا اسمع صوت الابريق و شطفه و ملأه من الشط، و جاء به فلزمت عروته و شرعت اقلب منه علي كفي فأمسك ماسك فم الابريق و أداره عني و منعني منه، فعدت و صبرت، و دعوت بدعوات، و عاودت الابريق و جري مثل ذلك، فعرفت أن هذا منع لي من صلاة الليل تلك الليلة، و قلت في خاطري لعل اللّه يريد أن يجري عليّ حكما و ابتلاء غدا و لا يريد أن ادعو الليلة في السلامة من ذلك، و جلست لا يخطر بقلبي غير ذلك.

فنمت و أنا جالس، و إذا برجل يقول لي (يعني عبد المحسن الذي جاء بالرسالة) كان ينبغي ان تمشي بين يديه، فاستيقظت و وقع في خاطري انني قد قصرت في احترامه و اكرامه، فتبت الي اللّه جلّ جلاله و اعتمدت ما يعتمد التائب من مثل ذلك، و شرعت في الطهارة فلم يمسك أبدا فم الابريق و تركت علي عادتي فتطهرت و صليت ركعتين فطلع الفجر فقضيت نافلة الليل، و فهمت انني ما قمت بحق هذه».

ص: 147


1- فتح: اسم غلامه.
2- قال المؤلف رحمه اللّه: «في نسخة الفاضل الهندي: فاشطفه، و هي الأصح لغة، و بقرينة ما يأتي».

الرسالة، فنزلت الي الشيخ عبد المحسن و تلقيته و أكرمته، و أخذت له من خاصّتي ستة دنانير و من غير خاصّتي خمسة عشر دينارا مما كنت أحكم فيه كمالي و خلوت به في الروشن، و عرضت ذلك عليه، و اعتذرت اليه، فامتنع من قبول شيء أصلا، و قال: إن معي مائة دينار و ما آخذ شيئا، اعطه لمن هو فقير، و امتنع غاية الامتناع.

فقلت: إن رسول مثله (عليه الصلاة و السلام)، يعطي لأجل الاكرام لمن أرسله لا لأجل فقره و غناه، فامتنع، فقلت له (مبارك) اما الخمسة عشر، فهي من غير خاصّتي، فلا أكرهك علي قبولها و أما هذه الستة دنانير فهي من خاصّتي فلا بد أن تقبلها مني فكاد أن يؤيسني من قبولها، فألزمته فأخذها، و عاد تركها، فألزمته فأخذها، و تغديت أنا و هو، و مشيت بين يديه كما امرت في المنام الي ظاهر الدار و أوصيته بالكتمان، و الحمد للّه و صلي اللّه علي سيد المرسلين محمد و آله الطاهرين».(1)

3 - اسماعيل بن الحسن الهرقلي:(2) و أما حكاية لقائه بالامام عجّل اللّه تعالي فرجه الشريف نقلا عن كتاب (كشف الغمة) قال العالم الفاضل علي بن عيسي الاربلي:

«... و حدثني بهما جماعة من ثقات إخواني كان في البلاد الحلية شخص يقال له اسماعيل بن الحسن الهرقلي من قرية يقال لها هرقل، مات في زماني و ما رأيته، حكي لي ولده شمس الدين قال: حكي لي والدي انه خرج فيه (و هو شباب) علي فخذه الايسر توثة(3) مقدار قبضة الانسان، و كانت فية.

ص: 148


1- انظر: النجم الثاقب، النوري رحمه اللّه ج 2 ص 105.
2- هرقل: قرية من قري الحلة.
3- التوثة: بثرة متقرحة.

كل ربيع تشقق و يخرج منها دم وقيح، و يقطعه ألمها عن كثير من أشغاله، و كان مقيما بهرقل، فحضر الحلة يوما و دخل الي مجلس السعيد رضي الدين علي بن طاووس رحمه اللّه و شكا اليه ما يجده منها و قال: أريد أن اداويها فأحضر له أطباء الحلة و أراهم الموضع، فقالوا: هذه التوثة فوق العرق الاكحل و علاجها خطر و متي قطعت خيف أن ينقطع العرق فيموت، فقال له السعيد رضي الدين (قدس اللّه روحه): أنا متوجه الي بغداد و ربما كان أطباؤها أعرف و أحذق من هؤلاء فاصحبني فأصعد معه و أحضر الاطباء فقالوا كما قال أولئك فضاق صدره، فقال له السعيد: إن الشرع قد فسح لك في الصلاة في هذه الثياب و عليك الاجتهاد في الاحتراس، و لا تغرر بنفسك فاللّه تعالي قد نهي عن ذلك و رسوله، فقال له والدي: إذا كان الامر علي ذلك و قد وصلت الي بغداد فأتوجه الي زيارة المشهد الشريف بسرّ من رأي علي مشرفه السلام، ثم انحدر الي أهلي فحسّن له ذلك، فترك ثيابه و نفقته عند السعيد رضي الدين و توجّه، قال: فلما دخلت المشهد و زرت الائمة عليه السّلام و نزلت في السرداب و استغثت باللّه تعالي و بالامام عليه السّلام و قضيت بعض الليل في السرداب و بتّ في المشهد الي الخميس، ثم مضيت الي دجلة و اغتسلت و لبست ثوبا نظيفا، و ملأت ابريقا كان معي، و صعدت أريد المشهد، فرأيت أربعة فرسان خارجين من باب السور، و كان حول المشهد قوم من الشرفاء يرعون أغنامهم فحسبتهم منهم فالتقينا فرأيت شابين أحدهما عبد مخطوط و كل واحد منهم متقلد بسيف، و شيخا منقبا بيده رمح و الآخر متقلد بسيف، و عليه فرجية(1) ملونة فوق السيف و هو متحنك بعذبته، فوقف الشيخ صاحب الرمح يمين الطريق و وضع كعبهس.

ص: 149


1- الفرجية: نوع من انواع الملابس.

في الارض، و وقف الشابان عن يسار الطريق، و بقي صاحب الفرجية علي الطريق مقابل والدي، ثم سلموا عليه فرد عليهم السلام، فقال له صاحب الفرجية: أنت غدا تروح الي أهلك؟ فقال: نعم، فقال له: تقدم حتي ابصر ما يوجعك؟ قال: فكرهت ملامستهم، و قلت في نفسي أهل البادية ما يكادون يحترزون من النجاسة: و أنا قد خرجت من الماء و قميصي مبلول، ثم اني بعد ذلك تقدمت اليه فلزمني بيده و مدّني اليه و جعل يلمس جانبي من كتفي الي أن أصابت يده التوثة فعصرها بيده، فأوجعني ثم استوي في سرجه كما كان، فقال لي الشيخ: أفلحت يا اسماعيل، فعجبت من معرفته باسمي، فقلت: أفلحنا و أفلحتم إن شاء اللّه، فقال لي الشيخ: هذا هو الامام، قال: فتقدمت اليه فاحتضنته و قبلت فخذه، ثم انه ساق و انا امشي معه محتضنه، فقال: ارجع فقلت: لا أفارقك أبدا فقال: المصلحة رجوعك، فأعدت عليه مثل القول الاول، فقال الشيخ: يا اسماعيل ما تستحي، يقول لك الامام مرتين ارجع و تخالفه؟ فجبهني بهذا القول فوقفت فتقدم خطوات و التفت الي و قال: إذا وصلت بغداد فلا بد أن يطلبك ابو جعفر (يعني الخليفة المستنصر رحمه اللّه) فاذا حضرت عنه و أعطاك شيئا فلا تأخذه و قل لولدنا الرضي ليكتب لك الي علي ابن عوض، فانني أوصيه يعطيك الذي تريد.

ثم سار و أصحابه معه، فلم أزل قائما أبصرهم الي أن غابوا عني، و حصل عندي أسف لمفارقته فقعدت الي الارض ساعة ثم مشيت الي المشهد، فاجتمع القوّام حولي و قالوا: نري وجهك متغيرا أوجعك شيء؟ قلت:

لا، قالوا: أخاصمك أحد؟ قلت: لا، ليس عندي مما تقولون خبر، لكن اسألكم هل عرفتم الفرسان الذين كانوا عندكم؟ فقالوا: هم من الشرفاء

ص: 150

أرباب الغنم: فقلت: لا، بل هو الامام عليه السّلام فقالوا: الامام هو الشيخ أو صاحب الفرجية؟ فقلت: هو صاحب الفرجية: فقالوا: أريته المرض الذي فيك؟ فقلت:

هو قبضه بيده و أوجعني، ثم كشفت رجلي فلم أر لذلك المرض أثرا، فتداخلني الشك من الدهش، فأخرجت رجلي الاخري فلم أر شيئا، فأنطبق الناس عليّ و مزقوا قميصي فأدخلني القوّام خزانة و منعوا الناس عني، و كان ناظرا بين النهرين بالمشهد، فسمع الضجة و سأل عن الخبر فعرفوه، فجاء الي الخزانة و سألني عن اسمي و سألني منذ كم خرجت من بغداد؟ فعرفته اني خرجت في أول الاسبوع، فمشي عني، و بتّ في المشهد و صليت الصبح و خرجت و خرج الناس معي الي أن بعدت عن المشهد، و رجعوا عني و وصلت الي أوانا(1) فبتّ بها و بكرت منها أريد بغداد فرأيت الناس مزدحمين علي القنطرة العتيقة يسألون من ورد عليهم عن اسمه و نسبه و اين كان، فسألوني عن اسمي و من اين جئت، فعرفتهم فاجتمعوا عليّ و مزقوا ثيابي و لم يبق لي في روحي حكم، و كان ناظر بين النهرين كتب الي بغداد و عرفهم الحال ثم حملوني الي بغداد و ازدحم الناس عليّ و كادوا يقتلونني من كثرة الزحام، و كان الوزير القمي رحمه اللّه قد طلب السعيد رضي الدين رحمه اللّه و تقدم أن يعرفه صحة هذا الخبر.

قال: فخرج رضي الدين و معه جماعة فوافينا باب النوبي،(2)

فرد أصحابه الناس عني، فلما رآني قال: أعنك يقولون؟ قلت: نعم،د.

ص: 151


1- أوانا: بلدة كثيرة البساتين نزهة من نواحي دجيل بغداد بينها و بين بغداد عشرة فراسخ.
2- باب النوبي: من ابواب دار الخلافة العباسية في الجانب الشرقي من بغداد.

فنزل عن دابته و كشف عن فخذي فلم ير شيئا، فغشي عليه ساعة و أخذ بيدي و أدخلني علي الوزير و هو يبكي و يقول: يا مولانا هذا أخي و أقرب الناس الي قلبي، فسألني الوزير عن القصة فحكيت له، فأحضر الاطباء الذين أشرفوا عليها و أمرهم بمداواتها فقالوا: ما دواؤها الاّ القطع بالحديد و متي قطعها مات، فقال لهم الوزير: فبتقدير أن تقطع و لا يموت في كم تبرأ؟ فقالوا: في شهرين، و تبقي في مكانها حفيرة بيضاء لا ينبت فيها شعر، فسألهم الوزير. متي رأيتموه؟ قالوا:

منذ عشرة أيام، فكشف الوزير عن الفخذ الذي كان فيه الالم و هي مثل اختها ليس فيها أثر أصلا، فصاح أحد الحكماء: هذا عمل المسيح، فقال الوزير: حيث لم يكن عملكم فنحن نعرف من عملها، ثم انه أحضر عند الخليفة المستنصر رحمه اللّه فسأله عن القصة فعرّفه بها كما جري فتقدّم له بألف دينار، فلما حضرت قال: خذ هذه فأنفقها، فقال: ما أجسر آخذ منه حبّة واحدة، فقال الخليفة: ممن تخاف؟ فقال: من الذي فعل معي هذا، قال: لا تأخذ من أبي جعفر شيئا؟ فبكي الخليفة و تكدر، و خرج من عنده و لم يأخذ شيئا.

قال: أفقر عباد اللّه تعالي الي رحمته علي بن عيسي عفا اللّه عنه:

كنت في بعض الايام أحكي هذه القصة لجماعة عندي، و كان هذا شمس الدين محمد ولده عندي و أنا لا أعرفه فلما انقضت الحكاية قال: أنا ولده لصلبه، فعجبت من هذا الاتفاق و قلت: هل رأيت فخذه و هي مريضة؟ فقال: لا لأني أصبو عن ذلك و لكني رأيتها بعد ما صلحت و لا أثر فيها، و قد نبت في موضعها شعر، و سألت السيد صفي

ص: 152

الدين محمد بن محمد بن بشر العلوي الموسوي، و نجم الدين حيدر بن الايسر رحمهما اللّه، و كانا من أعيان الناس و سراتهم و ذوي الهيئات منهم، و كانا صديقين لي و عزيزين عندي، فأخبراني بصحة هذه القصة، و أنهما رأياها في حال مرضها و حال صحتها و حكي لي ولده هذا انه كان بعد ذلك شديد الحزن لفراقه عليه السّلام، حتي انه جاء الي بغداد و أقام بها في فصل الشتاء، و كان كل أيامه يزور سامراء و يعود الي بغداد فزارها في تلك السنة أربعين مرة طمعا ان يعود له الوقت الذي مضي أو يقضي له الحظ فيما قضي و من الذي أعطاه دهره الرضا، أو ساعده بمطالبه صرف القضا، فمات رحمه اللّه بحسرته، و انتقل الي الآخرة بغصته، و اللّه يتولاّه و إيانا برحمته بمنه و كرامته».(1)

أقول: و لقد نظم لقاء اسماعيل الهرقلي بالامام عجّل اللّه تعالي فرجه الشريف الشيخ محمد السماوي رحمه اللّه في ارجوزته (و شائح السراء في شأن سامراء) فأحببت إيرادها هنا قال:

و ذكر الوزير فخر الامة فيما أفاده بكشف الغمة

بأنّ اسماعيل بن الحسن الهرقلي نسبة للوطن

قد آلمته توثة تقيح في رجله فليس يستريح

و أشغلته عن مجاري العادة في الصوم و الصلاة و العبادة

فجاء للرضي(2) يشكو العله إذ لم يفد شيئا طبيب الحله

فأصعد الشاكي الي بغداد مستحضرا أطبة البلاد4.

ص: 153


1- انظر: كشف الغمة/علي بن عيسي الاربلي رحمه اللّه، ج 2، ص 493-497.
2- هو السيد الرضي علي بن طاووس المتوفي سنة 664.

فقال كل هي ذات رجع و ليس تنفك بغير القطع

قال فلا لكنني استشفع سادة سامراء ثم ارجع

فسار ثم زارهم و راحا لدجلة يغسل ما قد قاحا

و عاد فاستقبله فوارس يقدمهم فتي لهم موانس

و خلفه شيخ وراه اثنان مرتبو السير علي عنان

فصد عنهم بغية احتياط و جار علي لاحبة الصراط

فعارضوه و الفتي ترجلا يمسح بالراحة منه الارجلا

و قال لا تمض غدا بل بعد غد و لا تنل جدوي خليفة البلد

و اذهب الي علي بن عوض يعطيك من دراهمي ما يقتضي

ثم ارتقي متن الجواد و وثب و لحظه ترنو الي عن كثب

قال فقال الشيخ و هو متكي علي القنا أفلحت فيما تشتكي

قلت فمن ذا قال لي الإمام فساق شوق و حدا التزام

فقال لي ارجع قلت لا و المحيي فقال لي الشيخ الا تستحي

ترد قول صاحب الزمان و انت ذو هدي و ذو ايمان

فعدت حتي أن مضت تلك الغرر نظرت في رجلي فلم أجد أثر

ثم شككت فنظرت الثانية فكانت الاولي لها مساوية

فرحت في نهجي فابتداني بعض يسالون عن الفرسان

قالوا اكان منهم تعدي فقلت فيهم الامام المهدي

و نظروا رجلي فمزقوا الردا تبركا و سار من سار غدا

فسلبتهم في الطريق جمهره و صار للرضي من قد اخبره

ص: 154

و سرت بعدهم فصادفت الرضي مستقبلا مستخبرا عن عرضي

فقبل الرجل و قال بابي موضع كف الحاضر المغيب

ثم مضي بي للوزير القمي فاحضر الاولي اتو في سقمي

و سالهم عني فقالوا يقطع قال انظروا فضاع ذاك الموضع

فقال قائل بلا تلويح هذا و ربي عمل المسيح

ثم مضوا بي للقا المستنصر و كان طالب اللقا من خبري

حتي اذا استخبر قال يتبع بالف دينار فقلت قد منع

فلامني الرضي في كفافي فقلت لم اجسر علي الخلاف

ثم ذهبت لعلي بن عوض في الحلة الفيحا فاعطي ما فرض

قال الوزير و نقلت ذا الخبر في مجلسي يوما لبعض من حضر

فقال بعض الحاضرين قيلي انا محمد بن إسماعيل

و قد رأيته علي الحالين و كان ما قلت بغير مين

فزدت اعجابا بنقلي المعجزه الي ابن من ادركه و انتهزه

و بشهادة ابنه المنادي بصحة المعجز و الاسناد(1)

3 - العلامة الحلي (648-726 ه): الحسن بن سديد الدين و مقامه أشهر من أن يذكر، و للعلامة الحلي رحمه اللّه علي ما نقله العلماء رحمه اللّه لقاءان مع الامام المهدي عجّل اللّه تعالي فرجه الشريف، و أما حكاية لقائه الاول بالامام عجّل اللّه تعالي فرجه الشريف علي ما نقله لنا السيد حسن الابطحي في كتابه اللقاء مع الامام صاحب الزمان عجّل اللّه تعالي فرجه الشريف (ص 157) قال:

كان في عصر العلامة الحلي (رضوان اللّه تعالي عليه) أحد المخالفين لأهل3.

ص: 155


1- انظر: و شائح السراء في تأريخ سامراء/السماوي رحمه اللّه، ص 11-13.

بيت العصمة و الطهارة و كان قد كتب كتابا في الرد علي الشيعة و كان ينتفع به في المجالس الخاصة و العامة كما أنه لم يسمح باعطاء الكتاب لأي فرد كان حتي لا يقع في أيدي المعارضين و يستفيدون منه للرد عليه، لكن العلامة الحلي (عليه الرحمه) مع ما كان عليه من العظمة و الجلال و العلم الوفير فكّر في طريقة للحصول علي هذا الكتاب فتقدم الي ذلك الرجل صاحب الكتاب و قدم نفسه باعتباره طالب علم لديه و بقي مدة يدرس علي يديه حتي وثق به و أصبح من أقرب أصدقائه و في أحد الايام طلب العلامة الحلي منه ذلك الكتاب و لما كانت له تلك المكانة المحمودة لديه، لم يستطع أن يرده و قال:

لكنني لن و لم أسمح لنفسي أن أعطي هذا الكتاب لأحد أكثر من ليلة واحدة، فرضي العلامة الحلي بهذا الشرط و أخذ الكتاب، وفور وصوله للدار بدأ ينقل محتويات الكتاب بكل سرعة حتي يتمكن من اتمامه في تلك الليلة، و لما انتصف الليل شعر العلامة بضغط السهر عليه و لم يستطع مغالبة الكري، و في هذه الاثناء دخل عليه ضيف نوراني جليل ملأ الغرفة برائحة زكية و انوار متلألئة و قال له: ثم يا حلي ودع كتابة بقية المحتويات عليّ، فيغط العلامة (رضوان اللّه تعالي عليه) في نوم عميق دون أن يجادل أو يستفسر الامر، و عند ما استيقظ في الصباح هرع الي الكتاب ليري ما جري له و إذا به يجده منقولا نقلا كاملا و في نهاية الكتاب كتبت العبارة التالية (كتبه الحجة).(1)

أقول: و انا الفقير حتي انني كنت أظن أن منشأ هذا المقام ربما نشأ من هذا اللقاء أي ان أصل المقام هو دار العلامة الحلي و من ثم7.

ص: 156


1- انظر: اللقاء مع الامام صاحب الزمان عجّل اللّه تعالي فرجه الشريف/الابطحي، ص 157.

استبعدته بالتأريخ الذي قدمناه في الباب الثاني و الذي يحكي عن وجود المقام في سنة (636 ه) و هذا التأريخ قبل ولادة العلامة الحلي باثنتي عشرة سنة.

حكاية اللقاء الثاني للعلامة الحلي رحمه اللّه:

كان العلامة الحلي في إحدي ليالي الجمعه قد تشرف بزيارة سيد الشهداء عليه السّلام و كان لوحده راكبا علي حماره و بيده سوط، و في أثناء الطريق صاحبه شخص عربي و كان راجلا، ثم تكلما في المسائل العلمية و العلامة يسأله عن مشكلاته في العلوم واحدة تلو الاخري، و كان هذا الشخص يجيب عليها و يقوم بحلها حتي انجر الحديث الي إحدي المسائل، فأفتي ذلك الشخص بخلاف ما يراه العلامة الحلي و قال:

لن يرد حديث عندنا يؤيد هذه الفتوي، فقال الرجل:

«إن حديثا في هذا الباب قد ذكره الشيخ الطوسي في (التهذيب) فتصفح كتاب التهذيب، و في الصفحة الفلانية و السطر الفلاني تجده مذكورا».

فأخذت العلامة الحيرة، من يكون هذا الشخص؟

فسأل الرجل و قال: هل يمكن في زمان الغيبة الكبري أن نري صاحب الامر عجّل اللّه تعالي فرجه الشريف أو، لا؟

و في هذه الاثناء سقط السوط من يد العلامة، فأخذ الرجل السوط من الارض و وضعه بيد العلامة.

و قال: «و كيف لا يمكن أن يري صاحب الزمان عجّل اللّه تعالي فرجه الشريف و الحال أن يده في يدك».

ص: 157

فسقط العلامة و بدون اختيار من حماره الي الارض و هو يقبل قدمي الامام عجّل اللّه تعالي فرجه الشريف و أغمي عليه، و لما انتبه لن ير أحدا، و بعد أن رجع الي البيت تصفح كتاب (التهذيب) فوجد الحديث المذكور في تلك الصفحة و ذلك السطر، كما دله عليه.

و بعد ذلك كتب العلامة بخطه علي حاشية (التهذيب): و هذا الحديث هو الذي أرشدني اليه صاحب الامر.(1)

3 - السيد مهدي ابن السيد حسن القزويني الحلي (ت 1300 ه):

نقل العلامة النوري رحمه اللّه في كتبه (خاتمة المستدرك، النجم الثاقب، جنة المأوي) لهذا السيد ثلاث حكايات للقائه بحجة اللّه في أرضه أعني صاحب الامر و الزمان عجّل اللّه تعالي فرجه الشريف و نحن نتبرك هنا بذكرها.

حكاية اللقاء الأوّل في إظهار قبر ابي يعلي (الحمزة العلوي العباسي):

(2)

قال العلامة النوري رحمه اللّه، نقلا عن السيد محمد ابن السيد مهدي القزويني المذكور: و حدثني الوالد أعلي اللّه مقامه قال: لازمت الخروج الي الجزيرة مدة مديدة لأجل إرشاد عشائر بني زبيد الي مذهب الحق، و كانوا كلهم علي رأي أهل التسنن، و ببركة هداية الوالد قدّس سرّه و إرشاده، رجعوا الي مذهب الامامية كما هم عليه الآن، و هم عدد كثير يزيدون علي عشرة آلاف نفس، و كان في الجزيرة مزار معروف بقبر الحمزة بن الكاظم، يزوره الناس و يذكرون له كرامات كثيرة، و حوله قرية تحتوي علي مائة دار تقريبا.

ص: 158


1- انظر: اسوة العارفين/محمود البدري، ص 285.
2- و قبره في الحلة في قضاء المدحتية مشهور و يعرف بالحمزة الغربي.

قال قدّس سرّه: فكنت استطرق الجزيرة و أمر عليه و لا أزوره لما صحّ عندي أن الحمزة بن الكاظم مقبور في الرّي مع عبد العظيم الحسني، فخرجت مرة علي عادتي و نزلت ضيفا عند أهل تلك القرية، فتوقّعوا مني أن أزور المرقد المذكور فأبيت و قلت لهم: لا أزور من لا أعرف، و كان المزار المذكور قلّت رغبة الناس فيه لاعراضي عنه، ثم ركبت من عندهم و بتّ تلك الليلة في قرية المزيدية، عند بعض ساداتها، فلما كان وقت السحر جلست لنافلة الليل و تهيأت للصلاة، فلما صليت النافلة بقيت أرتقب طلوع الفجر، و أنا علي هيئة التعقيب إذ دخل عليّ سيد أعرفه بالصلاح و التقوي، من سادة تلك القرية، فسلم و جلس.

ثم قال: يا مولانا بالامس تضيفت أهل قرية الحمزة و ما زرته؟ قلت: نعم، قال: و لم ذلك؟ قلت: لأني لا أزور من لا أعرف و الحمزة بن الكاظم مدفون بالرّي، فقال: ربّ مشهور لا أصل له، ليس هذا قبر الحمزة بن موسي الكاظم و ان اشتهر انّه كذلك، بل هو قبر ابي يعلي حمزة بن القاسم العلوي العباسي أحد علماء الاجازة و أهل الحديث، و قد ذكره أهل الرجال في كتبهم، و أثنوا عليه بالعلم و الورع.

فقلت في نفسي: هذا السيد من عوام السادة، و ليس من أهل الاطلاع علي الرجال و الحديث، فلعله أخذ هذا الكلام عن بعض العلماء، ثم قمت لأرتقب طلوع الفجر، فقام ذلك السيد و خرج و أغفلت أن اسأله عمّن أخذ هذا لأن الفجر قد طلع، و تشاغلت بالصلاة فلما صليت جلست للتعقيب حتي طلعت الشمس، و كان معي جملة من كتب الرجال فنظرت فيها و إذا الحال كما ذكر، فجاءني أهل

ص: 159

القرية مسلّمين عليّ و في جملتهم ذلك السيد، فقلت: جئتني قبل الفجر و أخبرتني عن قبر الحمزة أنه أبو يعلي حمزة بن القاسم العلوي، فمن أين لك هذا و عمّن أخذته؟ فقال: و اللّه ما جئتك قبل الفجر و لا رأيتك قبل هذه الساعة، و لقد كنت ليلة أمس بائتا خارج القرية - في مكان سماه - و سمعنا بقدومك فجئنا في هذا اليوم زائرين لك.

فقلت لأهل القرية: الآن ألزمني الرجوع الي زيارة الحمزة فأني لا أشك في أن الشخص الذي رأيته هو صاحب الامر عليه السّلام قال: فركبت أنا و جميع أهل تلك القرية لزيارته، و من ذلك الوقت ظهر هذا المزار ظهورا تاما علي وجه صار بحيث تشدّ الرحال اليه من الاماكن البعيدة.

قلت: في رجال النجاشي: حمزة بن القاسم بن علي بن حمزة بن الحسن بن عبيد اللّه بن العباس بن علي بن أبي طالب عليه السّلام أبو علي ثقة جليل القدر من أصحابنا كثير الحديث له كتاب (من روي عن جعفر بن محمد عليهما السّلام من الرجال)، و يظهر من كلمات العلماء و الاساتذة أنه من علماء الغيبة الصغري و كان معاصرا للصدوق علي بن بابويه.(1)

حكاية اللقاء الثاني: أحببت ايرادها هنا، لما فيها من رعاية الامام ارواحنا فداه لزائري الامام الحسين عليه السّلام.

قال السيد محمد القزويني رحمه اللّه، و سمعت أيضا مشافهة و بالسند المذكور المؤيد المتقدم ذكره، و سمعت أيضا مشافهة عن نفس المرحوم قدّس سرّه انه قال: خرجت يوم الرابع عشر من شهر شعبان من الحلة أريد زيارة الحسين عليه السّلام ليلة النصف منه، فلما وصلت الي شط 1.

ص: 160


1- انظر: النجم الثاقب/النوري رحمه اللّه ج 2، ص 319-321.

الهندية، و عبرت الي الجانب الغربي منه، وجدت الزوار الذاهبين من الحلة و أطرافها، و الواردين من النجف و نواحيه، جميعا محاصرين في بيوت عشيرة بني طرف من عشائر الهندية، و لا طريق لهم الي كربلاء لأن عشيرة عنزة قد نزلوا علي الطريق، و قطعوه عن المارة، و لا يدعون أحدا يخرج من كربلاء و لا أحد يلج الاّ انتهبوه.

قال: فنزلت علي رجل من العرب و صليت صلاة الظهر و العصر، و جلست أنتظر ما يكون من أمر الزوار، و قد تغيمت السماء و مطرت مطرا يسيرا، فبينما نحن جلوس إذ خرجت الزوار بأسرها من البيوت متوجهين نحو طريق كربلاء، فقلت لبعض من معي: اخرج و اسأل ما الخبر؟

فخرج و رجع إلي و قال لي: إن عشيرة بني طرف قد خرجوا بالاسلحة النارية، و تجمعوا لايصال الزوار الي كربلاء، و لو آل الامر الي المحاربة مع عنزة فلما سمعت قلت لمن معي:

هذا الكلام لا أصل له، لأن بني طرف لا قابلية لهم علي مقابلة عنزة في البر، و أظن هذه مكيدة منه لاخراج الزوار عن بيوتهم لانهم استثقلوا بقائهم عندهم، و في ضيافتهم.

فبينما نحن كذلك إذ رجعت الزوار الي البيوت، فتبين الحال كما قلت فلم تدخل الزوار الي البيوت و جلسوا في ضلالها و السماء متغيمة، فأخذتني لهم رقة شديدة، و أصابني انكسار عظيم، و توجهت الي اللّه بالدعاء و التوسل بالنبي و آله، و طلبت إغاثة الزوار مما هم فيه.

فبينما أنا علي هذا الحال إذ أقبل فارس علي فرس رابع(1) كريمع.

ص: 161


1- لعله رائع و كان القدماء يحفّفون الهمزة فيكتبونه رايع.

لم أر مثله و بيده رمح طويل و هو مشمر عن ذراعيه، فأقبل يخب به جواده حتي وقف علي البيت الذي أنا فيه، و كان بيتا من شعر، مرفوع الجوانب، فسلم فرددنا عليه السلام ثم قال: يا مولانا - يسميني بأسمي - بعثني من يسلم عليك، و هم كنج محمد آغا و صفر آغا، و كانا من قوات العساكر العثمانية يقولان فليأت بالزوار فانا قد طردنا عنزة عن الطريق و نحن ننتظره مع عسكرنا في عرقوب السليمانية علي الجادة.

فقلت له: و أنت معنا الي عرقوب السليمانية؟ قال: نعم، فأخرجت الساعة و إذا قد بقي من النهار ساعتان و نصف تقريبا، فقلت:

بخيلنا، فقدمت الينا فتعلق بي ذلك البدوي الذي نحن عنده و قال:

يا مولاي لا تخاطر بنفسك و بالزوار و أقم الليلة حتي يتضح الامر، فقلت له: لا بد من الركوب لادراك الزيارة المخصوصة، فلما رأتنا الزوار قد ركبنا، تبعوا أثرنا بين حاشر و راكب فسرنا و الفارس المذكور بين أيدينا كأنه الاسد الخادر و نحن خلفه، حتي وصلنا الي عرقوب السليمانية فصعد عليه و تبعناه في الصعود، ثم نزل و ارتقينا علي أعلي العرقوب فنظرنا و لم نر له عينا و لا أثرا، فكأنما صعد في السماء أو نزل في الارض و لم نر قائدا و لا عسكرا.

فقلت لمن معي: ابقي شك في أنه صاحب الامر؟ فقالوا: لا و اللّه، و كنت - و هو بين أيدينا - أطيل النظر اليه كأني رأيته قبل ذلك، لكنني لا أذكر أين رأيته فلما فارقنا تذكرت أنه هو الشخص الذي زارني بالحلة و أخبرني بواقعة السليمانية، و أما عشيرة عنزة، فلم نر لهم أثرا في منازلهم، و لم نر أحدا نسأله عنهم سوي انا رأينا غبرة شديدة مرتفعة في كبد البر، فوردنا كربلاء تخب بنا

ص: 162

خيولنا فوصلنا الي باب البلاد و إذا بعسكر علي سور البلد فنادوا من أين جئتم؟ و كيف وصلتم؟ ثم نظروا الي سواد الزوار ثم قالوا: سبحان اللّه هذه البرية قد امتلأت من الزوار، أجل أين صارت عنزة؟ فقلت لهم: اجلسوا في البلد و خذوا أرزاقكم و لمكة رب يرعاها، ثم دخلنا البلد فاذا انا بكنج محمد آغا علي تخت قريب من الباب، فسلمت عليه فقام في وجهي، فقلت له: يكفيك فخرا أنك ذكرت باللسان، فقال: ما الخبر؟ فأخبرته بالقصة.

فقال لي: يا مولاي من أين لي علم بأنك زائر حتي أرسل لك رسولا، و ان عسكري منذ خمسة عشر يوما محاصرون في البلد لا نستطيع أن نخرج خوفا من عنزة، ثم قال: فأين صارت عنزة؟

فقلت: لا علم لي سوي اني رأيت غبرة شديدة في كبد البر كأنها غبرة الظعائن ثم أخرجت الساعة و إذا قد بقي من النهار ساعة و نصف، فكان مسيرنا كله في ساعة و بين منازل بني طرف و كربلاء ثلاث ساعات ثم بتنا تلك الليلة في كربلاء، فلما أصبحنا سألنا عن خبر عنزة، فأخبر بعض الفلاحين الذين في بساتين كربلاء قال: بينما عنزة جلوس في أنديتهم و بيوتهم إذا بفارس قد طلع عليهم علي فرس مطهم، و بيده رمح طويل، فصرخ فيهم بأعلي صوته، يا معاشر عنزة قد جاء الموت الزؤام عساكر الدولة العثمانية تجبهت عليكم بخيلها و رجلها، و ها هم علي أثري مقبلون فارحلوا و ما أظنكم تنجون منهم.

فألقي اللّه عليهم الخوف و الذل حتي أن الرجل يترك بعض متاع بيته استعجالا بالرحيل، فلم تمض ساعة حتي ارتحلوا بأجمعهم و توجهوا نحو البر، فقلت له: صف لي الفارس؟ فوصف لي و إذا هو

ص: 163

صاحبنا بعينه، و هو الفارس الذي جاءنا و الحمد للّه رب العالمين، و الصلاة و السلام علي محمد و آله الطاهرين.(1)

7 - حكاية اللقاء الثالث للسيد القزويني رحمه اللّه و تشرف معه رحمه اللّه رجل اسمه علي و جماعة من أهل الحلة، و الحكاية علي ما نقلها العلامة النوري رحمه اللّه عن السيد محمد ابن السيد مهدي القزويني رحمه اللّه قال:

بسم اللّه الرحمن الرحيم حدثني بعض الصلحاء الابرار من أهل الحلة قال: خرجت غدوة من داري قاصدا دار كم لأجل زيارة السيد أعلي اللّه مقامه فصار ممري في الطريق علي المقام المعروف بقبر السيد محمد ذي الدمعة فرأيت علي شباكه الخارج الي الطريق شخصا بهي المنظر يقرأ فاتحة الكتاب، فتأملته فاذا هو غريب الشكل، و ليس من أهل الحلة.

فقلت في نفسي: هذا رجل غريب قد اعتني بصاحب هذا المرقد، و وقف و قرأ له فاتحة الكتاب، و نحن أهل البلد نمر و لا نفعل ذلك، فوقفت و قرأت الفاتحة و التوحيد، فلما فرغت سلمت عليه، فرد السلام، و قال لي: يا علي أنت ذاهب لزيارة السيد مهدي؟ قلت: نعم، قال: اني معك.

فلما صرنا ببعض الطريق قال لي: يا علي لا تحزن علي ما أصابك من الخسران و ذهاب المال في هذه السنة، فانك رجل امتحنك اللّه بالمال فوجدك مؤديا للحق و قد قضيت ما فرض اللّه عليك، و أما المال فانه عرض زائل يجيء و يذهب، و كان قد أصابني خسران في تلك السنة لم يطلع عليه أحد مخافة الكسر، فاغتممت في نفسي و قلت:

سبحان اللّه كسري قد شاع و بلغ حتي الي الإجانب، الا اني قلت له في8.

ص: 164


1- انظر: جنة المأوي/النوري رحمه اللّه، ص 288.

الجواب: الحمد للّه علي كل حال فقال: إن ما ذهب من مالك سيعود اليك بعد مدة، و ترجع كحالك الاول، و تقضي ما عليك من الديون.

قال: فسكتّ و أنا مفكر في كلامه حتي انتهينا الي باب داركم، فوقفت و وقف، فقلت: ادخل يا مولاي فانا من أهل الدار فقال لي:

ادخل أنت أنا صاحب الدار، فامتنعت فأخذ بيدي و أدخلني أمامه فلما صرنا الي المسجد وجدنا جماعة من الطلبة جلوسا ينتظرون خروج السيد قدّس سرّه من داخل الدار لأجل البحث، و مكانه من المجلس خال لم يجلس فيه أحد احتراما له، و فيه كتاب مطروح.

فذهب الرجل، و جلس في الموضع الذي كان السيد قدّس سرّه يعتاد الجلوس فيه ثم أخذ الكتاب و فتحه، و كان الكتاب شرائع المحقق قدّس سرّه ثم استخرج من الكتاب كراريس مسودة بخط السيد قدّس سرّه، و كان خطه في غاية الضعف لا يقدر كل أحد علي قراءته، فأخذ يقرأ في تلك الكراريس و يقول للطلبة: ألا تعجبون من هذه الفروع و هذه الكراريس؟ هي بعض من جملة كتاب مواهب الافهام في شرح شرائع الاسلام و هو كتاب عجيب في فنه لم يبرز منه الا ست مجلدات من أول الطهارة الي أحكام الاموات.

قال الوالد أعلي اللّه درجته: لما خرجت من داخل الدار رأيت الرجل جالسا في موضعي فلما رآني قام و تنحي عن الموضع فألزمته بالجلوس فيه، و رأيته رجلا بهي المنظر، و سيم الشكل في زي غريب، فلما جلسنا أقبلت عليه بطلاقة وجه و بشاشة، و سؤال عن حاله و استحييت أن اسأله من هو و أين وطنه؟ ثم شرعت في البحث فجعل الرجل يتكلم في المسألة التي نبحث عنها بكلام

ص: 165

كأنه اللؤلؤ المتساقط فبهرني كلامه فقال له بعض الطلبة: اسكت ما أنت و هذا، فتبسم و سكت.

قال رحمه اللّه: فلما انقضي البحث قلت له: من أين كان مجيئك الي الحلة؟ فقال: من بلد السليمانية، فقلت: متي خرجت؟ فقال: بالامس خرجت منها، و ما خرجت منها حتي دخلها نجيب باشا فاتحا لها عنوة بالسيف و قد قبض علي أحمد باشا الباباني المتغلب عليها، و أقام مقامه أخاه عبد اللّه باشا، و قد كان أحمد باشا المتقدم قد خلع طاعة الدولة العثمانية و ادعي السلطنة لنفسه في السليمانية.

قال الوالد قدّس سرّه: فبقيت مفكرا في حديثه و ان هذا الفتح و خبره لم يبلغ الي حكام الحلة، و لم يخطر لي أن اسأله كيف وصلت الي الحلة و بالامس خرجت من السليمانية، و بين الحلة و السليمانية ما تزيد علي عشرة أيام للراكب المجد.

ثم ان الرجل أمر بعض خدمة الدار أن يأتيه بماء فأخذ الخادم الاناء ليغترف به ماء من الجب فناداه لا تفعل! فان في الاناء حيوانا ميتا، فنظر فيه، فاذا فيه سامّ أبرص ميت فأخذ غيره و جاء بالماء اليه فلما شرب قام للخروج.

قال الوالد قدّس سرّه: فقمت لقيامه فودعني و خرج فلما صار خارج الدار قلت للجماعة: هلا أنكرتم علي الرجل خبره في فتح السليمانية، فقالوا: هلا أنكرت عليه؟

قال: فحدثني الحاج علي المتقدم بما وقع له في الطريق و حدثني الجماعة بما وقع قبل خروجي من قراءته في المسودة، و إظهار العجب من الفروع التي فيها.

ص: 166

قال الوالد أعلي اللّه مقامه: فقلت: اطلبوا الرجل و ما أظنكم تجدونه هو و اللّه صاحب الامر روحي فداه فتفرق الجماعة في طلبه فما وجدوا له عينا و لا اثرا فكأنما صعد في السماء او نزل في الارض.

قال: فضبطنا اليوم الذي أخبر فيه عن فتح السليمانية فورد الخبر ببشارة الفتح الي الحلة بعد عشرة أيام من ذلك اليوم، و أعلن ذلك عند حكامها بضرب المدافع المعتاد ضربها عند البشائر، عند ذوي الدولة العثمانية.(1)

تنبيه لكل نبيه:

(عن أحوال السيد محمد ذي الدمعة و نسبه و موضع قبره).

قال العلامة النوري رحمه اللّه بعد إيراد هذه الحكاية: الموجود فيما عندنا من كتب الانساب أن اسم ذا(2) الدمعة حسين و يلقب أيضا بذي العبرة، و هو ابن زيد الشهيد ابن علي بن الحسين عليهما السّلام و يكني بأبي عاتقة، و إنما لقب بذي الدمعة لبكائه في تهجده في صلاة الليل، و رباه الصادق عليه السّلام فأرّثه علما جمّا و كان زاهدا عابدا و توفي سنة خمس و ثلاثين و مائة و زوّج ابنته بالمهدي الخليفة العباسي و له أعقاب كثيرة، و لكنه سلمه اللّه أعرف بما كتب (أي القزويني)، قال الشيخ محمد حرز الدين رحمه اللّه: أبو دميعة محمد بن علي بن الحسين ذي الدمعة الساكبة ابن زيد الشهيد ابن علي بن الحسين بن علي بن ابي طالب أمير المؤمنين عليه السّلام، مرقده في الحلة بالقرب من مرقد الشيخ الجليل

ص: 167


1- انظر: كتاب جنة المأوي، العلامة النوري رحمه اللّه، ص 104-108.
2- هكذا ورد في الاصل و الصحيح ذي الدمعة.

نجيب الدين أبي زكريا المشهور بابن سعيد الهذلي الحلي في الجهة الغريبة له. و قد اشتهر في مدينة الحلة اشتهارا يعتد به عند الحليين بأن صاحب هذا القبر هو السيد محمد أبو دميعة و قيل: أن هذه البقعة هي موضع قبر الحسين بن زيد الملقب بذي الدمعة الساكبة، و قال حفيده محمد حسين حرز الدين: يقع قبره (بمحلة الطاق) علي الشارع العام، في السوق، مشيد عليه آثار القدم، يقع في غرفة صغيرة في وسطها شباك خشبي هو رسم القبر، و كان عليه ستار أخضر، فوق القبر لوحة مكتوب عليها هذا مرقد (السيد محمد بن السيد علي بن الحسين الملقب بذي الدمعة ابن زيد الشهيد).

عليه قبة بيضاء متوسطة الحجم و الارتفاع، أمام القبر صحن دار صغير فيه نخلة و سدرة و كان قبره عند ما زرناه مزدحما بالزائرين، و كانت زيارتنا له عصر يوم الجمعة 10 شوال سنة 1387 ه (و توجد صورة لهذا المرقد في كتاب مراقد المعارف).(1)

أقول: أما نسبه الصحيح علي ما ضبطه صاحب كتاب (المزارات و مراقد العلماء في الحلة الفيحاء) لمؤلفه السيد حيدر بن السيد موسي و توت الحسيني (و مؤلف هذا الكتاب يرجع لصاحب القبر).

العلامة الجليل و الفقيه العابد السيد محمد الملقب بالمنتجب بن السيد علي بن السيد الحسين (صاحب لقب وطوط) بن العلامة الفقيه السيد مراد صاحب كتاب (خير الزاد في الرحلة الي العباد) بن السيد1.

ص: 168


1- أنظر: مراقد المعارف، محمد حرز الدين، ص 98-101.

حسن بن خميس بن يحيي بن هزال بن علي بن محمد بن ابو عبد اللّه(1) الحسن الاطروش بن النقيب الفقيه ابو الحسن علي بن الفقيه ابو طالب محمد نقيب العلويين بن نقيب النقباء ابو علي الفقيه عمر بن النقيب الفقيه يحيي بن النقيب الحسين النسابة (اول نقيب للعلويين) بن الفقيه العالم احمد المحدث بن الفقيه الشريف عمر بن الفقيه يحيي بن قدوة الفقهاء ذي الدمعة الساكبة بن زيد الشهيد بن الامام علي السجاد بن الحسين بن علي بن ابي طالب عليهم السّلام.

موقع قبره السابق:

يقع في الحلة في محلة الطاق مقابل مرقد دبيس بن علي المزيدي، و كان هناك في السابق سوق صغير بالقرب من مرقده يعرف بسوق المنتجب يعرفه كافة الحليين و لكن بسبب التوسع الذي حصل في الشارع المعروف اليوم بشارع الامام علي عليه السّلام فقد تم نقل رفاته، و قد تهدم القبر و ضاعت كل معالمه و ضاع معه السوق و اندثر بعد تهدم القبر و نقله، و اشتهر هذا السيد رحمه اللّه بالمنتجب لكثرة طهارته.

ص: 169


1- هكذا ورد بالكنية في كتاب (المزارات و مراقد العلماء في الحلة الفيحاء) لكن الصحيح و الذي حققه العلامة النسابة السيد مهدي الوردي الكاظمي، و نقله عن العلامة الدكتور حسين علي ال محفوظ في (موسوعة العتبات المقدسة) قسم الكاظمين ج 3 ص 66 انه عبد اللّه الملقب بالبهائي بن ابي القاسم بن ابي البركات بن القاسم بن علي بن شكر بن ابي محمد الحسن الاسمر بن النقيب شمس الدين ابي عبد اللّه احمد بن النقيب ابي الحسن علي بن ابي طالب محمد بن الشريف الجليل ابي علي عمر... الي اخر النسب المذكور اعلاه. و الذي نقلناه من الموسوعة هو الثابت و المتواتر في كتب الانساب من مشجر و مبسوط.

موقع قبره الحالي:

يقع في منطقة الحي الجمهوري قرب مقام الامام الصادق عليه السّلام و بالقرب من مرقد السيد عبد اللّه الفارس في ساحة دار مسيجة، يقع الضريح في ركنها الخارجي و هو عبارة عن دكة القبر فقط، و لا يعلوه شباك أو أي بناء آخر و بالقرب منه قبور تنتسب لبعض العلويين لا أعرف شيئا عنه.(1)

أقول: إن هذا القبر و للاسف الشديد هدم في عصر حزب البعث الكافر بحجة التوسعة (و عداء هذا الحزب لدين الاسلام و رسوله (ص) مشهور). و بني في مكان هذا القبر سينما تدعي (سينما بابل) و هي قائمة الي الان، و أهل الحلة يعرفون أن صاحب السينما اثر هذا الفعل يقع بالنكبة بعد النكبة، و هناك من حدثني من أهل الحلة عن سوء عاقبة كل من أمر بهدم القبر و نقل رفاة هذا السيد بحيث أصبحوا يسألون الناس (و انا للّه و انا اليه راجعون).

فمن قلمنا هذا ننادي الشرفاء و الخيرين من أهل الحلة لبناء هذا القبر من جديد و خصوصا بعدما عرفنا وقوف الحجة عجّل اللّه تعالي فرجه الشريف علي قبره و قراءته الفاتحة لصاحب هذا القبر، و عجبا لأهل الحلة كيف تركوا هذا السيد مدة ثلاثين عاما من غير إقامة مشهد عليه.

8 - السيد حيدر ابن السيد سليمان الحلي رحمه اللّه: الحسيب الاديب خريت صناعة الشعر الذي ما اختلف أحد في تقواه، و لقاؤه مع الامام عجّل اللّه تعالي فرجه الشريف مشهور و متداول علي ألسن الخطباء و أهل المنابر و مضمون حكايته:(2)

ص: 170


1- انظر: كتاب المزارات و مراقد العلماء في الحلة الفيحاء/للسيد حيدر آل وتوت.
2- الحكاية لم اجدها انا مدونة فهي عن لسان اهل المنابر و كتبتها هنا بتعبيري الخاص.

«إن السيد حيدر الحلي كان من عادته في كل سنة أن ينشئ قصيدة رثاء للامام الحسين عليه السّلام و ينشدها أمام قبره في يوم عاشوراء و عند ما نظم قصيدته العينية (التي يستنهض بها الامام الحجة عجّل اللّه تعالي فرجه الشريف) سرا بينه و بين المولي عزّ و جلّ، إذ لم يطلع عليها أحد بعد فذهب الي كربلاء في يوم عاشوراء لينشد قصيدته العينية الجديدة عند الامام الحسين عليه السّلام و في الطريق رافقه سيد اعرابي و قال له بعد السلام: يا سيد حيدر انشدني قصيدتك العينية فأنشده قصيدة عينية سابقة اخري (للسيد نفسه) غير التي في خاطره فقال: لا أريد هذه، أريد قصيدتك التي أنت ذاهب من أجلها، فقرأها له و التي مطلعها.

مات التصبّر في انتظارك أيها المحي الشريعة

فانهض فما أبقي التحمل غير أحشاء جزوعة

أتري تجيء فجيعة بأمض من تلك الفجيعة

حيث الحسين علي الثري خيل العدا طحنت ضلوعه

و رضيعه بدم الوريد مخضب فاطلب رضيعه(1)

فأخذ السيد الاعرابي بالبكاء و قال: يا سيد حيدر كفي... كفي و اللّه ان الامر ليس بيدي، و اختفي عن أنظار السيد فعرف السيد انه الامام عجّل اللّه تعالي فرجه الشريف إذ لم يطّلع أحد علي قصيدته و ناداه باسمه بدون سابق معرفة، و كلامه له بكفي... كفي.

و هناك ندبة شجية أنشأها السيد حيدر الحلي رحمه اللّه بأمر سيد الفقهاء السيد مهدي القزويني رحمه اللّه النزيل في الحلة في السنة التي صار8.

ص: 171


1- انظر: ديوان السيد حيدر الحلي ج 1 ص 88.

عمر باشا واليا علي أهل العراق، و شدد عليهم و أمر بتحرير النفوس لاجراء القرعة، و أخذ العسكر من أهل القري و الانصار سواء الشريف فيه و الوضيع و العالم فيه و الجاهل، و العلويّ فيه و غيره، و الغني فيه و الفقير، فاشتد عليهم الامر و عظم البلاء و ضاقت الارض، و منعت السماء فأنشأ السيد هذه الندبة المشجية، فرأي واحد من صلحاء المجاورين في النجف الاشرف الحجة المنتظر عليه السّلام فقال له ما معناه:

قد أقلقني السيد حيدر قل له: لا يؤذيني فان الامر ليس بيدي، و رفع اللّه عنهم القرعة في أيامه و بعده بسنين، و هي هذه:

يا غمرة من لنا بمعبرها موارد الموت دون مصدرها

يطفح موج البلا الخطير بها فيغرق العقل في تصوّرها

ضاقت و لم يأتها مفرّجها فجاشت النفس من تحيّرها

لم صاحب الامر عن رعيّته أغضي فغضت بجور أكفرها

ما عذره نصب عينه اخذت شيعته و هو بين أظهرها

سيفك و الضرب إن شيعتكم قد بلغ السيف حزّ منحرها

مات الهدي سيدي فقم و أمت شمس ضحاها بليل عيثرها

فالنطف اليوم تشتكي و هي في الارحام منها الي مصوّرها

فاللّه يا ابن النبي في فئة ما ذخرت غيركم لمحشرها

ماذا لأعدائها تقول إذا لم تنجها اليوم من مدمرها

ماتت شعار الايمان و اندفنت ما بين خمر العدي و ميسرها

ص: 172

فدعوة الناس إن تكن حجبت لأنها ساء فعل أكثرها

فربّ جري حشي لواحدها شكت الي اللّه في تصورها

توشك أنفاسها و قد صعدت أن تحرق القوم في تسعرها(1)

لقد ذكر العلامة النوري رحمه اللّه في كتابه جنة المأوي هذه الندبة بخمسة و ثلاثين بيتا و اقتصرنا نحن علي خمسة عشر بيتا خوف الاطالة من أرادها فليراجع جنة المأوي صفحة 161 و 162.

***5.

ص: 173


1- انظر: جنة المأوي/النوري رحمه اللّه ص 105.

ص: 174

ملحق للباب الحادي عشر في ذكر جملة من مشاهد الحلة و قبور أعلامها

ص: 175

ص: 176

عدت عوادي الأيام و صروف الزمان و ما فتئت تفعل ذلك علي كثير من الاثار الجليلة و المشاهد المشرفة و لا يختص هذا ببقعة دون أخري علي ما لا يخفي علي الباحث المتتبع و مما شمله الضياع و الاندثار قبور كثير من علماء الامامية و انطماس مشاهدهم و لم يبق لها عين و لا أثر و ربّ قبر لأحد أولئك الأعاظم عرف في زمان ثم درس في زمان آخر و جهل موضعه ثم أخذت الآراء تتباين في تحديد موضع قبره و مما يرجح العناية و الاهتمام بهذا الجانب عدة أمور منها:

ما ورد من ثواب زيارة أولاد الأئمة عليه السّلام و المشاهير من محدثي الشيعة و علمائهم الحافظين لأثار الأئمّة الطاهرين عليه السّلام، فقد روي الثقة الجليل الشيخ جعفر بن قولويه القمي عن عمرو بن عثمان الرازي قال:

سمعت أبا الحسن الإمام موسي بن جعفر عليهما السّلام يقول: «من لم يقدر أن يزورنا فليزر صالحي موالينا يكتب له ثواب زيارتنا، و من لم يقدر علي صلتنا فليصل موالينا يكتب له ثواب صلتنا».(1)

و منها انه إذا اراد الداخل إلي مدينة الحلة أن يزور الإمام صاحب الزمان عجّل اللّه تعالي فرجه الشريف في مقامه المشهور بها ربّما يتسني له زيارة بعض تلك المشاهد و منها انه يتسني للقارئ العزيز معرفة بقاء عمارة مقام صاحب الزمان أرواحنا فداه ببقاء عمارة تلك المشاهد المشرفة، و منها معرفة القارئ العزيز بمنزلة مدينة الحلة من خلال معرفة من دفن فيها4.

ص: 177


1- انظر: مفاتيح الجنان/القمي رحمه اللّه ص 914.

من عظماء الامامية الاجلاء و لهذه الامور مجتمعة رأيت من المناسب هنا أن أذيل ما كتبته عن مقام سيدنا و مولانا صاحب الزمان أرواحنا فداه بهذا الملحق الذي أحصيت فيه نحو خمسين مشهدا في مدينة الحلة توثيقا لها و تعميما للفائدة، و لم نسلك خطة التفصيل و من رام الوقوف علي تمام الكلام عليها فليراجع كتاب (المزارات و مراقد العلماء في الحلة الفيحاء) للأستاذ الباحث السيد حيدر ابن السيد موسي آل وتوت الحسيني (سلمه اللّه و نفع به)، و قد التزمت في ذكر هاتيك المشاهد بالتسلسل الهجائي و اللّه المستعان.

1 - ابراهيم القطيفي رحمه اللّه: هو الشيخ الجليل العلامة ابراهيم بن سليمان القطيفي الاصل، الغروي الحلي المسكن و المدفن، يقع مرقده في (محلة الطاق) بالقرب من مرقد العلامة ابن فهد الاحسائي (من علماء القرن العاشر).

2 - ابراهيم ابن الامام موسي الكاظم عليه السّلام: هو السيد ابراهيم ابن الامام موسي بن جعفر عليه السّلام يقع المرقد المنسوب اليه في منطقة تعرف اليوم ب (الحي الجمهوري) قرب باب المشهد.

3 - ابراهيم بن احمد الموسوي رحمه اللّه: يقع مرقده في (سرداب تحت جامع الامام علي عليه السّلام) الواقع في محلة الطاق مطلا علي شارع الامام علي عليه السّلام و صاحب القبر مجهول.

4 - ابراهيم بن محمد رحمه اللّه (سيد ابراهيم): و يقع مرقده في (محلة التعيس) خلف بناية بلدية مدينة الحلة، و احتمل السيد حيدر ال وتوت من انه الشيخ (ابراهيم بن محمد بن احمد بن صالح الحلي) الذي يروي عن السيد الجليل علي بن موسي بن طاوس رحمه اللّه.

ص: 178

5 - الشيخ احمد بن ادريس الحلي رحمه اللّه: يقع في (حي راغب) بالقرب من مرقد الشيخ محمد بن ادريس الحلي رحمه اللّه مطلا علي الشارع العام و صاحب هذا القبر مجهول.

6 - أحمد بن الحسن المثني بن الحسن السبط عليه السّلام: يقع مرقده في (محلة جبران) علي مقربة من مرقد الشيخ ابراهيم القطيفي رحمه اللّه.

7 - أحمد بن فهد الاحسائي رحمه اللّه: هو الشيخ العلامة شهاب الدين أحمد بن فهد بن حسن بن محمد بن ادريس بن فهد الاحسائي رحمه اللّه، مولدا الحلي مدفنا، يقع مرقده في (محلة الطاق) في شارع الكوازين سابقا، المعروف في هذه الايام ب (سوق الحطابات) (توفّي في اوائل القرن التاسع).

8 - السيد جمال الدين ابو الفضائل أحمد بن سعد الدين موسي بن جعفر بن طاوس الحسني رحمه اللّه: يقع مرقده في (محلة الجباويين) في حجرة داخل مسجد يعرف بأسمه (مسجد ابي الفضائل) ت (673 ه).

9 - السيد أحمد ابن الامام موسي الكاظم عليه السّلام: يقع مرقده في (محلة التعيس) قرب شارع المحافظة القديمة و في نهاية ممر ضيق.

10 - جلال الدين أحمد ابن الفقيه رحمه اللّه: السيد العلامة الفقيه الزاهد نقيب العلويين جلال الدين أبو القاسم الطاهر احمد بن الفقيه يحيي بن أبي طاهر... يقع مرقده ضمن مرقد الشيخ الجليل محمد بن ادريس رحمه اللّه صاحب السرائر.

11 - نبي اللّه أيوب عليه السّلام: يقع مرقده الشريف علي يسار الطريق المؤدي الي ناحية القاسم عليه السّلام و علي مقربة من مركز المدينة و يبعد عن الطريق العام نحو (1 كم).

ص: 179

12 - بكر بن الامام علي عليه السّلام: يقع مرقده خارج مدينة الحلة علي يمين الذاهب الي النجف الاشرف.

13 - الشيخ جعفر بن الحسن الهذلي رحمه اللّه (المحقق الحلي): هو الشيخ الجليل و العلامة الكبير إمام الطائفة و زعيمها المطلق في عصره، نجم الدين ابو القاسم جعفر بن ابي يحيي الحسن ابن نجيب الدين يحيي بن الحسن بن سعيد الهذلي المعروف بالمحقق الحلي، يقع مرقده في محلة (الجباويين) و علي واجهة الشارع الذي يعرف باسمه شارع (ابو القاسم)، ت (676 ه).

14 - الشيخ جعفر بن نما الحلي رحمه اللّه: نجم الدين جعفر بن نجيب الدين محمد بن جعفر بن هبة اللّه أبي البقاء محمد بن نما الحلي الربعي، يقع مرقده في (محلة الجباويين) علي الشارع العام مقابل حديقة عامة تعرف ب (متنزه الشعب).

15 - الجومرد: يقع مرقده في (محلة الطاق) و بالقرب من مرقد الشيخ أحمد بن فهد في شارع مطل علي السوق الكبير (مجهول).

16 - الشيخ حسن الدمستاني رحمه اللّه: يقع مرقده في (محلة الجباويين) علي مسافة قريبة من مرقد السيد أبي الفضائل بن طاووس الحلي رحمه اللّه وفاته 23 شهر ربيع الاول سنة 1181 ه

17 - الحسن بن موسي الكاظم عليه السّلام: يقع مرقده خلف (سوق الخضار القديم) في ساحة لوقوف السيارات و بالقرب من بداية سوق الحلة الكبير السوق المسقف.

18 - الامير دبيس بن علي المزيدي: من أمراء الحلة و النيل

ص: 180

يقع مرقده في (محلة الطاق) مطلا علي شارع الامام علي عليه السّلام ضمن مرقد يحيي بن احمد بن سعيد الهذلي رحمه اللّه.

19 - شبر و شبير ابنا طاوس: يقع مراقدهما(1) ضمن (جامع السنية) بالقرب من جسر سعد بن أبي وقاص (جسر الهنود) مجهولان.

20 - ابن العرندس رحمه اللّه: الشيخ الجليل صالح بن عبد الوهاب المعروف ب (ابن العرندس) يقع مرقده في (محلة جبران) شارع المفتي.

21 - السيد نظام الدين الحلي رحمه اللّه: العلامة الجليل السيد نظام الدين عبد الحميد بن مجد الدين أبي الفوارس محمد الاعرجي رحمه اللّه يقع مرقده في (محلة الجباويين) علي ملتقي شارعين خلف مرقد محمد بن نما رحمه اللّه.

22 - صفي الدين عبد العزيز بن سرايا الحلي رحمه اللّه: الشاعر العلامة و الاديب الفهامة الشيخ صفي الدين عبد العزيز بن سرايا الحلي الطائي الملقب ب (صفي الدين الحلي) يقع مرقده في (محلة الشاوي) علي مقربة من مرقد السيد علي بن طاوس رحمه اللّه.

23 - السيد الجليل عبد الكريم بن طاوس رحمه اللّه: يقع مرقده في (محلة الشاوي) خلف مرقد عمه.

24 - السيد عبد اللّه الفارس المشهور ب (الفارسي): يقع مرقده في نهاية (منطقة الحي الجمهوري).)

ص: 181


1- لا تكاد العرب في لغتها العالية تضيف المثني الي المثني الا مجموعا قال تعالي في سورة (التحريم) إِنْ تَتُوبا إِلَي اللّهِ فَقَدْ صَغَتْ قُلُوبُكُما فأضاف كلمة (قلوب) الي المثني. (فلاحظ)

25 - السيد عبد اللّه العتائقي الحسني رحمه اللّه: يقع مرقده في (قرية العتائق).

26 - علاء الدين الشفهيني رحمه اللّه: يقع مرقده في (محلة المهدية).

27 - ابن حماد الليثي كمال الدين علي بن حسين الواسطي الحلي رحمه اللّه: يقع مرقده في (محلة الجامعيين) بالقرب من مرقد الشاعر الخليعي رحمه اللّه.

28 - علي بن الحسين بن القاسم بن حمزه العلوي رحمه اللّه: يقع مرقده في (المحاويل) التابع لمدينة الحلة، و في نسبة هذا القبر اليه خلاف.

29 - الشيخ جمال الدين الخليعي رحمه اللّه: يقع مرقده في (محلة الجامعيين) علي مقربة من مرقد ابن حماد الليثي رحمه اللّه.

30 - الشيخ علي الشافيني رحمه اللّه: يقع مرقده في (محلة الطاق) مطلا علي شط الحلة.

31 - السيد الجليل العابد علي بن طاوس الحسني رحمه اللّه: يقع مرقده في (محلة الجامعين).

32 - السيد علي الحديدي رحمه اللّه: علي بن يحيي بن حديد الحسيني يقع مرقده في (محلة الجباويين)، (من علماء القرن الحادي عشر).

33 - الشيخ علي بن محمد السكوني رحمه اللّه: العالم النحوي يقع مرقده في (محلة الجباويين) في شارع موازي لشارع ابو القاسم.

34 - السيد عمران ابن الامام علي عليه السّلام: يقع مرقده علي يسار الذاهب الي مدينة بغداد في قرية (جمجمة).

35 - قاسم بن أحمد الحسيني رحمه اللّه: يقع مرقده في (محلة الجامعين).

36 - الشيخ محمد بن ادريس الحلي رحمه اللّه: صاحب السرائر و قبره في الحلة مشهور في (حي راغب).

ص: 182

37 - الشيخ نجيب الدين محمد بن نما الحلي رحمه اللّه: يقع مرقده في (محلة الجباويين) في جامع يعرف باسمه.

38 - السيد محمد بن زيد الشهيد عليه السّلام: يقع مرقده في (محلة الطاق) خلف شارع الجسر، و لا تصح نسبته اليه و قد يكون من البطون النازلة من السادات العلويين.

39 - الشيخ محمد بن شجاع الانصاري الحلي رحمه اللّه: يقع مرقده في (محلة المهدية).

40 - السيد محمد المنتجب رحمه اللّه: يقع مرقده قرب مقام الامام الصادق عليه السّلام بالقرب من مرقد السيد عبد اللّه الفارس.

41 - السيد محمد أبو عربيد رحمه اللّه: يقع مرقده في حي (مصطفي راغب) علي الشارع مقابل مرقد الشيخ محمد بن ادريس رحمه اللّه.

42 - السيد شرف الدين محمد بن طاوس رحمه اللّه: دفن جوار السيد أحمد أبي الفضائل رحمه اللّه.

43 - الشيخ ورّام الحلي بن أبي الفوارس رحمه اللّه: يقع مرقده الشريف في (محلة التعيس) بالقرب من مدرسة الزهراء عليه السّلام الابتدائية.

44 - الشيخ يحيي بن أحمد بن سعيد الهذلي رحمه اللّه: يقع مرقده في (محلة الطاق) مطلا علي الشارع العام المسمي بشارع الامام علي عليه السّلام.

هذا إضافة الي المقامات المشهورة في الحلة و المنسوبة الي الائمة عليهم السّلام، فمنها مقام الامام علي عليه السّلام المعروف بمشهد الشمس و موقعه في مدينة الحلة مشهور، و مقام الإمام عليّ عليه السّلام الثاني في

ص: 183

(محلة الشاوي)(1) و مقام الامام الصادق عليه السّلام في منطقة الحي الجمهوري و مقام الخضر عليه السّلام في (محلة التعيس).

و أنا أضع اللمسات الاخيرة علي هذا المجهود المتواضع، الذي هو باكورة أعمالي في مجال التأليف أجدني ملزما بازجاء اسمي آيات الشكر و الثناء لكل من أخذ بعضدي و شجعني في هذه المهمة و اخص بالذكر الاخوة العاملين في المكتبات العامة و منها:

مكتبة الامام أمير المؤمنين عليه السّلام، النجف الأشرف.

مكتبة الامام الحكيم قدّس سرّه، النجف الأشرف.

مكتبة الامام الأكبر محمد الحسين آل كشف الغطاء قدّس سرّه.

مكتبة الامام الرضا عليه السّلام (آستانة رضوي)، مشهد.

مكتبة السيد شهاب الدين المرعشي قدّس سرّه، قم المقدسة.

و (كذا) أشكر كل من قدّم لي معلومة كانت نقطة إضاءة في طريق البحث و أخص بالذكر أعضاء (هيئة خدمة أهل البيت) عليهم السّلام - الحلة.

وفق اللّه الجميع لما يحبه و يرضاه.

و أخيرا تم بحمد اللّه و نعمته و مننه عليّ كتاب الدرة البيضاء الذي هو أول تأريخ كتب في حق مقام الامام المهدي عجّل اللّه تعالي فرجه الشريف في الحلة الفيحاء فأرجو أن تغفر زلاتي في كتابة هذه السطور فإنها أول محاولة لي و من المعلوم ان الجواد يكبو، و علم اللّه اني جمعت هذا التاريخا.

ص: 184


1- في المقام الاول ردت الشمس علي مولانا أمير المؤمنين عليه السّلام بعد قفوله من حرب الخوارج (النهروان) و أحسب ان في المقام الثاني مدح أمير المؤمنين عليه السّلام أهل الحلة الذي أشرنا اليه في الباب الثالث من كتابنا هذا.

حتي لا يضيع حقه في بطون الكتب راجيا من ربي أن يعفو عن زللي و من إمامي عليه السّلام أن يقبل هذا القليل.

كتبه بيده الدائرة أحمد بن علي بن مجيد بن سلمان بن سدخان العنزي الحلي النجفي في 15 من شهر شوال سنة 1425 ه و هو اليوم الذي ردت فيه الشمس لأمير المؤمنين علي عليه السّلام في الحلة.

***

ص: 185

ص: 186

الباب الثاني عشر في ذكر صور فوتغرافية و صور لمخطوطات تخص المقام

ص: 187

ص: 188

صورة

صورة رقم (1) المقام من الخارج

ص: 189

صورة

صورة رقم (2) باب المقام

ص: 190

صورة

صورة رقم (3) شعر محمّد الملا فوق باب المقام

ص: 191

صورة

صورة رقم (4) شباك المقام من الداخل

ص: 192

صورة

صورة رقم (5) جانب من القبة الشريفة من الداخل

ص: 193

صورة

صورة رقم (6) تابع صفحة 95 يظهر فيها أن القبة و المنارة لمكان واحد

ص: 194

صورة

الصفحة الأولي من المخطوطة الثانية نهج البلاغة سنة 677 ه/ 1256 م مكتبة آية اللّه الحكيم رقم 139

ص: 195

صورة

الصفحة الأخيرة من المخطوطة الثانية تابع صفحة 29

ص: 196

صورة

ظهر النسخة من المخطوطة الثالثة الدرة النضيدة في شرح الأبحاث المفيدة بداية القرن الثامن الهجري مشهد/مكتبة الإمام الرضا عليه السّلام (آستان قدس رضوي) رقم 141.

تابع صفحة 35

ص: 197

صورة

الصفحة الأولي من المخطوطة الثالثة

ص: 198

صورة

الصفحة الأخيرة من المخطوطة الرابعة (تحرير الأحكام الشرعية علي المذهب الإمامية) سنة 723 ه/ 1302 م

و يظهر في آخرها علي جهة يمين الصفحة خط العلامة الحلي (و هو بدون نقاط) مكان النسخة: قم المقدسة مكتبة السيد المرعشي رحمه اللّه رقم 6732

ص: 199

صورة

وثيقة رقم (1) تخص العمارة الأخيرة للمقام في سنة 1422 ه/ 2001 م برعاية آية اللّه العظمي السيد عليّ الحسيني السيستاني (دام ظله) تابع صفحة 89

ص: 200

صورة

وثيقة رقم (2) تخص العمارة الأخيرة للمقام في سنة 1422 ه/ 2001 م برعاية آية اللّه العظمي السيد عليّ الحسيني السيستاني (دام ظله) تابع صفحة 89

ص: 201

ص: 202

استدراك:

قال المبشر الأنكليزي الدكتور (دوايت دونالدسون) نقلا عن كتاب موسوعة العتبات المقدسة:

«... هذا و أن السماح للطائفة الشيعية بأن تجعل مقرها، بعد سقوط البويهيين، فيما يقرب من الحلة حيث يتسني لهم أن يفاوضوا هولاكو خان بعد استيلائه علي بغداد للمحافظة علي العتبات، قد أدي إلي نشوء فكرة أن الإمام المنتظر سيظهر في تلك المدينة (الحلة)...».(1)

أقول لهذا الدكتور المؤرخ المحترم؟! بأنه لو ترك التأريخ لأهل الإسلام المتمسكين به كان أفضل له من هذا الهراء، إذ المعلوم أن أهل مكّة أدري بشعابها، و أهل الدار أدري بالتي فيها! فليعلم المبشر أن الدولة البويهية ظهرت في سنة 322 ه و أنقرضت سنة 438 ه ثم جاءت بعدها دولة السلاجقة ثم دولة الخوارزمشاهية التي انتهت علي يد جنكيز خان و هولاكو و أن الحلة مصرت سنة 495 ه و علي يد سيف الدولة صدقة، فكان بين انقراض دولة آل بوية و بين تمصير الحلة 57 سنة! و أن أقدم تأريخ عثرنا عليه للمقام كان سنة 636 ه حسب ما ذكرناه في الباب الأوّل من كتابنا هذا، و دلّ هذا التأريخ

ص: 203


1- موسوعة العتبات المقدسة/جعفر الخليلي: ج 12 /ص 266 نقلا عن كتاب دونالدسون: ni malsI fO yrotsiH trohsA noigileR eti ihS ehT.M thgiwD,nosdlanoD .)3391 nodnoL,cazuL(.karI aisreP

الذي ذكرناه علي أن المقام كان موجودا قبل تلك السنة أي سنة 636 ه، بينما دخول هولاكو إلي بغداد و سقوطها علي يديه كان سنة 656 ه فبين هذا التأريخ و هذا عشرون سنة، فبعد هذا العرض التأريخي فما يكون؟ أو ليس كان من الأحري أن يترك التأريخ لأهله، فإذا كانت هذه الأغلاط التأريخية و العقائدية التي نطق بها قلم المبشر المذكور بعدة أسطر، فكيف بمن تتبع كتابه و قرأه، أو ليس هذه من المصائب التي ابتلي بها الإسلام و أهله.

***

ص: 204

مصادر التحقيق

اشارة

أسوة العارفين: إعداد و ترجمة محمود البدري/الطبعة الثانية/مكتبة فدك/قم سنة 1424 ه.

أعيان الشيعة: السيد محسن أمين العاملي/ط بيروت الجديدة و كذلك ط بيروت القديمة.

الأنوار الساطعة في المائة السابعة: الشيخ آغا بزرك الطهراني/الناشر دار الكتاب العربي/بيروت سنة 1972 م.

البابليات: محمّد عليّ اليعقوبي/النجف/الزهراء/ 1370 ه.

بحار الأنوار: محمّد باقر المجلسي/طهران/مط حيدري 1385.

بغداد القديمة: عبد الكريم العلاف/الدار العربية للموسوعات.

البلد الأمين: الشيخ إبراهيم الكفعمي/ايران.

تاريخ الحلة: الشيخ يوسف كركوش الحلي/منشورات الشريف الرضي/ الطبعة الأولي/سنة 1385 ه.

تاريخ الغياثي: تحقيق طارق نافع الحمداني/بغداد مط اسعد 1975 م.

تاريخ الكوفة: السيد حسين البراقي/تحقيق ماجد العطية/الحيدرية.

تراجم الرجال: السيد أحمد الأشكوري الحسيني/قم.

تكملة أمل الآمل: السيد حسن الصدر/تحقيق السيد أحمد الحسيني/قم.

جنة المأوي: المطبوع مع البحار ج 53 /طهران مط حيدري.

رحلة ابن بطوطة: ابن بطوطة/مصر/ 1377.

ص: 205

رياض العلماء و حياض الفضلاء: الميرزا عبد اللّه الأفندي الأصفهاني/تحقيق السيد أحمد الحسيني/الخيام سنة 1401 ه.

الدر النضيد في تعازي الحسين الشهيد: السيد عليّ بن عبد الكريم الحلي/نقلا عن كتاب دار السلام للعلامة النوري.

الذريعة: آغا بزرك الطهراني/طبعات مختلفة.

سفينة البحار: الشيخ عباس القمي/طبعة حجرية/المطبعة العلمية في النجف الأشرف/سنة 1355 ه.

السلطان المفرج عن أهل الإيمان: السيد عليّ بن عبد الكريم النيلي/نقلا عن كتاب بحار الأنوار للعلامة المجلسي.

شعراء الحلة: عليّ الخاقاني/النجف/الحيدرية/ 1372 ه.

فقهاء الفيحاء: هادي كمال الدين/بغداد المعارف 1962.

فهرس الكتب الخطية في مكتبة الإمام الرضا عليه السّلام: آستان قدس رضوي/ج 13 /تحقيق عليّ أردلان.

فهرس مكتبة السيد المرعشي: ج 17 /قم/فارسي.

فهرس مكتبتي رشت و همدان: فارسي/ج 17.

الفوائد الرجالية: السيد محمّد مهدي بحر العلوم/تحقيق السيدين محمّد صادق و الحسين آل بحر العلوم/النجف.

لؤلؤة البحرين: الشيخ يوسف البحراني/تحقيق السيد محمّد صادق بحر العلوم/النجف/النعمان/ 1386.

اللقاء مع الإمام صاحب الزمان عليه السّلام: السيد حسن الأبطحي/بيروت.

كشف الغمة في معرفة الأئمة: عليّ بن عيسي الأربلي/قم/العلمية 1381 ه.

ص: 206

كشف المحجة: السيد عليّ بن طاووس/ط النجف.

مجلة تراثنا: الأعداد 5 و 65 و 68 /مؤسسة آل البيت عليهم السّلام.

المختار من الصحيفة المهدية: السيد مرتضي المجتهدي/دار الثقلين/قم.

مراقد المعارف: الشيخ محمّد حرز الدين/الطبعة الأولي/من الآداب سنة 1389 ه.

المزارات و مراقد العلماء في الحلة الفيحاء: السيد حيدر آل وتوت/قيد الطبع.

مستدرك الوسائل: الميرزا حسين بن محمّد تقي النوري/ايران ط ح 1316 ه.

المسلسلات في الاجازات: الجامع السيد محمود المرعشي/ط الأولي/قم.

مصباح الزائر: السيد عليّ بن طاووس/تحقيق مؤسسة آل البيت/قم.

مفاتيح الجنان: الشيخ عباس القمي/مط دار الأضواء بيروت.

مكتبة العلامة الحلي: السيد عبد العزيز الطباطبائي/مؤسسة آل البيت/قم.

مكيال المكارم في فوائد الدعاء للقائم عليه السّلام: الميرزا محمّد تقي الموسوي الاصفهاني/مؤسسة الإمام المهدي/الطبعة الرابعة/سنة 1422 ه.

من نوادر مخطوطات مكتبة آية اللّه الحكيم العامة: محمّد هادي الأميني/ النجف الأشرف.

موسوعة العتبات المقدسة: جعفر الخليلي/ج 12.

النابس في القرن الخامس: الشيخ آغا بزرك الطهراني/الناشر دار الكتاب العربي/بيروت سنة 1391 ه.

النجم الثاقب في أحوال الإمام الغائب: الميرزا حسين النوري/الطبعة أنوار الهدي/الطبعة الأولي/سنة 1415 ه/ترجمة و تحقيق السيد ياسين الموسوي.

وشايح السراء في شأن سامراء: الشيخ محمّد السماوي/الأولي/مط دار النشر التأليف النجف الأشرف.

وقائع الأيام: الشيخ عباس القمي/بيروت.

ص: 207

المخطوطات

الدرة النضيدة في شرح الأبحاث المفيدة: الحسن بن ناصر الحداد العاملي.

نهج البلاغة: بخط الحسين بن أردشير الطبري.

بعض أفادات: آية اللّه العظمي السيد محمّد مهدي الخرسان (دام ظله).

***

اللقاءات

الأستاد مدير الوقف الشيعي في الحلة و بعض من موظفي تلك الدائرة.

الوجيه أمجد بن هلال آل مبارك الزبيدي.

الشاعر عبد الأمير محمود الجبوري.

سادن المقام عبد اللّه الصفار.

أعضاء من هيئة خدمة أهل البيت عليهم السّلام في الحلة.

***

ص: 208

فهرست الموضوعات

الإهداء 3

الدرة البيضاء 5

مقدمة المركز 7

المقدمة 11

الباب الأوّل: الحلة مدينة النور الذي لا يطفئ 15

الحلة لغويا و مختصر في تأسيسها 17

في موقع الحلة 18

الحلة بلدة النور 18

الباب الثاني: في معرفة تاريخ المقام من خلال المخطوطات 21

الحلة مدينة العلم و العلماء 21

المخطوطة الأولي: مخطوطة الشيخ ابن هيكل 25

في ذكر أقدم تاريخ للمقام 26

في فوائد عن كتاب تكملة أمل الآمل 26

في أحوال الشيخ ابن هيكل الحلي 26

في ذكر مخطوطات أخر لابن هيكل 28

في أحوال الشيخ نجيب الدين محمّد بن نمّا الحلي 28

المخطوطة الثانية: نهج البلاغة 29

ص: 209

في تاريخ النسخة 29

في أحوال أصل الكتاب و جامعه 29

أحوال الناسخ 30

في مكان النسخة و مواصفاتها 31

في ما كتب بمقدمة النسخة 31

في ذكر اجازة الشيخ يحيي بن سعيد الهذلي لنجيب الدين محمّد بن نما 31

في أحوال النسخة 34

في مصادر النسخة 34

المخطوطة الثالثة: الدرة النضيدة في شرح الأبحاث المفيدة 35

في الكتاب و مؤلفه 35

في اسم المخطوطة 35

في أحوال المؤلف و هو الناسخ 35

في عصر المؤلف و النسخة 36

في دفع توهم مهم يخص النسخة 36

في مواصفات النسخة و ما كتب علي ظهرها 40

في ذكر رؤيتي للنسخة 41

في مصادر ذكر النسخة 41

المخطوطة الرابعة: تحرير الأحكام الشرعية علي مذهب الإمامية 42

في تاريخ النسخة 42

في اسم الكتاب و مؤلفه 42

في أحوال الناسخ و النسخة 43

ص: 210

في ذكر رؤيتي للنسخة 44

في ما كتب في آخر النسخة 44

في مصادر ذكر النسخة 46

المخطوطة الخامسة: قواعد الأحكام في معرفة الحلال و الحرام 46

وقفة مع الكتاب و مؤلفه 46

في مواصفات النسخة 47

في مصادر ذكر النسخة 48

المخطوطة السادسة: المختصر النافع 48

في تاريخ النسخة و مكانها 49

الباب الثالث: في ذكر تاريخ المقام من خلال الحكايات 51

في فوائد تتعلق بكتاب السلطان المفرج و أحوال مؤلفه 53

الحكاية الأولي: حكاية أبي راجح الحمامي 56

بحث حول الحكاية 58

في أحوال راوي الحكاية و عصرها 59

في ذكر تنبيه يتعلق بالحكاية 60

الحكاية الثانية: حكاية ابن الخطيب و عثمان و المرأة العمياء 61

في ذكر فوائد تتعلق بالحكاية 63

الحكاية الثالثة: حكاية شفاء الشيخ جمال الدين الزهدري 63

بحث حول الحكاية 64

في أحوال راوي الحكاية و ذكر مؤلفاته 65

في أحوال الشيخ الزهدري 65

ص: 211

الحكاية الرابعة: حكاية ابن أبي الجواد النعماني 66

بحث حول الحكاية 68

في أحوال راوي الحكاية 68

في مدح أمير المؤمنين عليه السّلام لأهل الحلة 69

الباب الرابع: في ذكر من زار مقام صاحب الزمان عليه السّلام في الحلة 71

في من زاره في القرن السابع الهجري 74

في من زاره في القرن الثامن الهجري 74

في من زاره في القرن العاشر الهجري 76

في ذكر ابن بطوطة للمقام 77

في الرد علي كلام ابن بطوطة 77

الباب الخامس: في ذكر عمارة المقام 81

في القرن السادس الهجري 83

في القرن السابع الهجري 83

في القرن الثامن الهجري 84

في وصف عمارة المقام في القرن الثامن 85

في القرن التاسع الهجري 86

في القرن العاشر الهجري و ما بعده 87

في القرن الرابع عشر الهجري 87

في ذكر شعر الشيخ محمّد الملا 88

في ذكر شعر الحاج عبد المجيد العطار 89

في عمارة المقام في القرن الخامس عشر 89

ص: 212

في ذكر شعر للسيد عصام السويدي 90

شعر للأستاذ عبد العظيم الصفار 90

في ترجمة السيد محمّد القزويني 91

الباب السادس: في المساحة الأصلية للمقام و تاريخ الجامع المجاور له 93

في اثبات أن جامع الحلة الكبير تابع للمقام 95

في تاريخ هدم منارة الجامع الكبير التي كانت عليها أسماء المعصومين 97

في ذكر مساحة المقام الأصلية 98

في ذكر تاريخ الجامع الكبير و أن أصله للشيعة 101

في شهرة تشيع أهل الحلة 101

في ذكر التاريخ الأوّل للجامع الحلة الكبير 102

في تاريخ الأستحواذ علي الجامع 103

في ذكر عدة حوادث تتعلق بالجامع 103

في ترجمة عبد السلام الحافظ 105

في ذكر تاريخ عمارة الجامع الأخيرة 105

في ذكر زيارتي لهذا الجامع 106

في موقع مدرسة صاحب الزمان عليه السّلام 107

الباب السابع: في ذكر مدرسة صاحب الزمان عليه السّلام المجاورة للمقام 109

في عدة تواريخ تتعلق بتلك المدرسة 110

في بعض أعمال الدولة العثمانية في مدينة الحلة 113

في ذكر المدرسة الزينبية 115

الباب الثامن: في ذكر سدنة المقام و الأوقاف الخاصة به 119

ص: 213

في ذكر سدنة المقام 121

في ذكر كرامة حدثت في داخل المقام 122

في ذكر الأوقاف الخاصة بالمقام 123

الباب التاسع: في موقع و وصف مقام صاحب الزمان عليه السّلام في الحلة 125

في الدعوة لتوسيع المقام الشريف 127

الباب العاشر: في ذكر أمور تتعلق بزيارة الإمام عليه السّلام في هذا المقام 129

في أن هذا المقام بيت من بيوت اللّه يجب تعظيمه 131

في استحباب زيارته عليه السّلام في كل مكان و زمان 132

في استحباب زيارته عليه السّلام في هذا المقام ليلة الجمعة و يومها 133

في ذكر زيارة خاصة للإمام عليه السّلام في يوم الجمعة 134

في ذكر زيارة خاصة للإمام عليه السّلام في هذا المقام 134

في علة اشتهار زيارته عليه السّلام في مقاماته في ليلة الأربعاء 135

في تأكيد الدعاء بالفرج للإمام عليه السّلام في هذا المقام 135

في سرعة اجابة الدعاء في هذا المقام 136

الباب الحادي عشر: في ذكر من شاهد الإمام عليه السّلام من أهل الحلة 139

حكاية لقاء السيد رضي الدين محمّد الآوي بالإمام عليه السّلام 141

ذكر لقاءات السيد عليّ بن طاووس بالإمام عليه السّلام 142

حكاية لقاء الشيخ عبد المحسن في عصر السيد ابن طاووس 144

حكاية لقاء إسماعيل الهرقلي بالإمام عليه السّلام 148

نظم الحكاية شعرا 153

حكاية لقاء العلامة الحلي بالإمام عليه السّلام 155

ص: 214

حكاية اللقاء الثاني للعلامة الحلي 157

من لقاءات السيد القزويني بالإمام عليه السّلام 158

اللقاء الأوّل و اظهار قبر الحمزة العلوي في الحلة 158

في أحوال الحمزة العلوي 158

في حكاية اللقاء الثاني للسيد القزويني بالإمام عليه السّلام 160

حكاية اللقاء الثالث له بالإمام عليه السّلام 164

في أحوال السيد محمد ذي الدمعة و موقع قبره 167

حكاية لقاء السيد حيدر الحلي بالإمام عليه السّلام 170

في ذكر ندبة شجية للإمام عليه السّلام 171

ملحق للباب الحادي عشر: في ذكر جملة من مشاهد الحلة 175

الباب الثاني عشر: في ذكر صور فوتغرافية و صور لمخطوطات 187

استدراك 203

مصادر التحقيق 205

فهرست الموضوعات 209

ص: 215

تعريف مرکز

بسم الله الرحمن الرحیم
هَلْ یَسْتَوِی الَّذِینَ یَعْلَمُونَ وَالَّذِینَ لَا یَعْلَمُونَ
الزمر: 9

عنوان المکتب المرکزي
أصفهان، شارع عبد الرزاق، سوق حاج محمد جعفر آباده ای، زقاق الشهید محمد حسن التوکلی، الرقم 129، الطبقة الأولی.

عنوان الموقع : : www.ghbook.ir
البرید الالکتروني : Info@ghbook.ir
هاتف المکتب المرکزي 03134490125
هاتف المکتب في طهران 88318722 ـ 021
قسم البیع 09132000109شؤون المستخدمین 09132000109.