مصباح المنهاج (المزارعة و المساقاة، و الجعالة، و السبق و الرماية، و الشركة، و المضاربة، و الوديعة، و العارية)

اشارة

مصباح المنهاج (المزارعة و المساقاة، و الجعالة، و السبق و الرماية، و الشركة، و المضاربة، و الوديعة، و العارية)

تاليف: السيد محمد سعيد الطباطبايي الحكيم

دارالهلال - نجف اشرف

ص: 1

اشارة

ص: 2

مصباح المنهاج (المزارعة و المساقاة، و الجعالة، و السبق و الرماية، و الشركة، و المضاربة، و الوديعة، و العارية)

تاليف: السيد محمد سعيد الطباطبايي الحكيم

دارالهلال - نجف اشرف

ص: 3

مصباح المنهاج (المزارعة و المساقاة، و الجعالة، و السبق و الرماية، و الشركة، و المضاربة، و الوديعة، و العارية)

تاليف: السيد محمد سعيد الطباطبايي الحكيم

دارالهلال - نجف اشرف

ص: 4

كتاب المزارعة والمساقاة

اشارة

ص: 5

ص: 6

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين. والصلاة والسلام علي سيدنا محمد وآله الطاهرين، ولعنة الله علي أعدائهم أجمعين إلي يوم الدين.

ص: 7

ص: 8

(9) كتاب المزارعة والمساقاة (1) وهما عقدان (2) لازمان (3)

(1) لقد جري (قدس سره) علي ما في الشرائع والنافع والوسائل من جمعهما في كتاب واحد. ولعله لاشتراكهما أو تشابههما في كثير من الأحكام، ولأنهما قد يكونان في عقد واحد وأرض واحدة، كما لو كان في الأرض أصول ثابتة تحتاج للخدمة والسقي، ومساحة صالحة لأن يزرع فيها. ولعله لذا جمعهما في النهاية في باب واحد، وفي الغنية في فصل واحد، وفي التذكرة في مقصد واحد... إلي غير ذلك. والأمر سهل.

(2) بلا إشكال ولا خلاف ظاهر. لابتنائهما علي التزام صاحب الأرض بتسليمها للعامل أو تمكينه منها من أجل أن يزرعها أو يسقي الأصول الثابتة فيها ويخدمها، والتزام العامل بالعمل الذي يتفقان عليه، في مقابل حصة من الحاصل، مع ابتناء أحد الالتزامين علي الآخر.

أما إذا لم يكن في البين التزام متبادل بين الطرفين، بل مجرد التزام من صاحب الأرض للعامل بحصة من الحاصل علي تقدير العمل، فلا يكون ذلك عقداً، بل جعالة. ويجري عليه أحكامها. ويأتي في ذيل الكلام في عقد المزارعة ما ينفع في المقام.

(3) بلا إشكال ظاهر. بل ولا خلاف، وادعي الإجماع عليه في كلام غير واحد. ويقتضيه أصالة اللزوم في العقد، التي سبق الكلام فيها في أول الفصل الرابع من كتاب البيع عند الكلام في الخيارات الثابتة فيه. ولم ينقل الخلاف في ذلك إلا من

ص: 9

لا يبطلان إلا بالتقايل (1)، أو بفسخ أحدهما إن كان للفاسخ الخيار (2). وفيه فصلان:

بعض العامة في المساقاة، كما ذكر ذلك في التذكرة والجواهر مع التعرض في الثاني لوجهه، ورده بما لا يسعنا إطالة الكلام فيه بعد ظهور ضعفه، كما يظهر بمراجعته.

(1) فقد صرح غير واحد ببطلان المزارعة به، وفي الرياض: «بلا خلاف يعرف، بل قيل: كأنه إجماع». ولعل عدم تعرض كثير منهم لذلك في المساقاة لوضوحه، أو اكتفاء بما ذكروه في المزارعة. وكيف كان فيقتضيه ما تقدم في خاتمة كتاب البيع من جريان الإقالة في جميع العقود إلا ما قام الدليل علي عدم جريانها فيه، وليس منه المقام.

(2) الظاهر ثبوت الخيار فيها بأمور:

الأول: اشتراط الخيار في ضمن العقد، لعموم نفوذ الشرط. وقد تقدم في الفصل الرابع من كتاب البيع عند الكلام في اشتراط الخيار في البيع ما ينفع في المقام.

الثاني: ما إذا تخلف أحد الطرفين عما يجب عليه بمقتضي العقد، كما إذا امتنع المالك من تسليم الأرض أو العامل عن العمل في الوقت المحدد أو نحو ذلك. فيثبت للآخر خيار تخلف الشرط. وقد تقدم في أحكام الشروط ما ينفع في المقام.

الثالث: ما إذا تخلف الوصف الذي ابتني عليه العقد في الأرض أو الأصول التي هي موضوع العقدين، كما يظهر مما تقدم في ذيل مبحث الخيار من كتاب البيع.

الرابع: ما إذا خرجت المعاملة عن الوضع الطبيعي المرغوب فيه، لغبن أو عيب أو نحوهما. لما سبق في كتابي البيع والإجارة من كون ذلك من موجبات الخيار. ويظهر مما سبق هناك جريان ذلك في جميع العقود بالشروط المتقدمة في البيع.

نعم يختص البيع بثبوت الأرش مع العيب، وببعض الخيارات، كخيار المجلس، ولا مجال لجريانها في غيره من العقود - ومنها المقام - بعد اختصاص دليلها به.

هذا وظاهر جماعة وصريح آخرين عدم بطلانهما بموت أحد المتعاقدين.

ص: 10

(11)

لكن في المبسوط: «إذا ماتا أو مات أحدهما انفسخت المساقاة كالإجارة عندنا. ومن خالف في الإجارة خالف ههنا». وفي التنقيح وعن المهذب البارع والمقتصر إحالة الكلام في ذلك علي الإجارة.

وقد سبق في كتاب الإجارة الاستدلال علي البطلان ببعض الوجوه الاعتبارية التي لو تمت قد تجري في المزارعة والمساقاة معاً. لكنها غير تامة، كما سبق. كما أن الخبر المتقدم هناك مختص بالإجارة. وقد سبق هناك الإشكال في الاستدلال به، فضلاً عن التعدي من مورده للمزارعة والمساقاة بعد مخالفة البطلان للقاعدة. نعم يتجه البطلان بموت العامل مع أخذ مباشرته قيداً في العقد، نظير ما سبق هناك، من دون فرق بين المزارعة والمساقاة.

ص: 11

ص: 12

(13) (13)

الفصل الأول: في المزارعة

ولابد فيها من الإيجاب والقبول (1) الدالين علي المعاملة علي الأرض بحصة من حاصلها (2).

(1) كما هو الحال في سائر العقود. ويجري فيهما ما سبق في البيع من الكلام في شروط العقد، وأنه هل يعتبر فيه اللفظ، أو خصوص بعض الألفاظ.

كما يجري ما سبق من الكلام في شروط المتعاقدين. ومنه الكلام في عقد الصبي وعقد المكره والفضولي وغير ذلك، لعدم خصوصية البيع في ذلك.

كما أن موضوع العقد لما كان هو عمل العامل المستلزم للتصرف في نفسه دون ماله، فيجري فيه ما سبق في المسألة الرابعة من كتاب الإجارة من الكلام في إجارة السفيه نفسه، وقد سبق من سيدنا المصنف (قدس سره) الإشكال في نفوذها، وسبق منّا الجزم بعدم نفوذها إلا بإذن الولي. فراجع، فإن المقامين من باب واحد.

(2) لأن ذلك هو مضمون المزارعة، كما طفحت بذلك عباراتهم. وقد جعله في الجواهر الفرق بين المزارعة والإجارة، حيث لا يجوز إجارة الأرض بحصة من حاصلها، كما سبق في كتاب الإجارة.

لكن ذلك - لو تم - راجع إلي الفرق بينهما شرعاً، لا إلي الفرق بينهما مفهوماً. مع أنه يختص بما إذا كان البذر من العامل، حيث يكون هو المستفيد من الأرض في

ص: 13

مقابل الحصة للمالك.

أما إذا كان البذر من صاحب الأرض فيكون هو المستفيد من عمل العامل في مقابل الحصة، ويشبه إجارة العامل بالحصة.

كما أنه إذا كان البذر منهما فيكون صاحب الأرض مستفيداً من عمل العامل في مقابل استفادة العامل من منفعة الأرض، ولا دخل للمعاملة في الحصة إلا مع اختلاف نسبتهما في البذر عن نسبتهما في الحاصل. ويصعب جداً البناء علي اختلاف مفهوم المزارعة باختلاف الصور المذكورة.

ومن هنا كان الظاهر اختلاف المعاملتين سنخاً، فالإجارة تبتني علي المعاوضة بين منفعة الأرض والأجرة، أو بين عمل العامل والأجرة، فالأجرة تخرج عن ملك المستأجر بالمعاوضة بعد أن تكون في ملكه بالأصل. كما أن منفعة الأرض أو عمل العامل يكونان مملوكين للطرف الآخر بالمعاوضة بعد أن يكونا لصاحبهما بالأصل.

أما المزارعة فهي لا تبتني علي المعاوضة، بل علي محض الاتفاق بين الطرفين علي عمل الزارع في الأرض، وانقسام الحاصل بين الطرفين، إما ابتداء خروجاً عن مقتضي الأصل من تبعية النماء للأصل في الملكية، أو بعد دخوله في ملك صاحب البذر لكن من دون أن يبتني علي المعاوضة بينهما.

أما بناء علي المعاوضة فالنماء تابع للبذر في الملكية، ثم يخرج عن ملك صاحب البذر للطرف الآخر بعنوان المعاوضة. ويأتي إن شاء الله تعالي في المسألة السادسة ما ينفع في المقام. فلاحظ.

هذا ولا إشكال في مشروعيتها عندنا، بل عند أكثر علماء الإسلام، كما في المسالك. ونصوصنا بها - كدعاوي الإجماع عليها - مستفيضة.

وعن بعض العامة المنع منها مطلقاً أو إلا في بعض الموارد الخاصة، لبعض الوجوه أو النصوص الضعيفة التي لا تنهض في قبال ما عرفت، كما يظهر بمراجعة

ص: 14

الخلاف والتذكرة وغيرهما مما يتضمن التعرض لأقوال العامة.

بقي شيء. وهو أنه قال في العروة الوثقي: «إذا أذن لشخص في زرع أرضه علي أن يكون الحاصل بينهما، بالنصف أو الثلث أو نحوهما، فالظاهر صحته، وإن لم يكن من المزارعة المصطلحة. بل لا يبعد كونه منها أيضاً». وما ذكره أخيراً من كونها من المزارعة المصطلحة هو الذي استظهره بعض الأعاظم في حاشيته وبعض مشايخنا (قدس سره) في منهاجه، وقد يظهر من غيرهما.

وقد استشكل فيه سيدنا المصنف (قدس سره) بأن المزارعة المصطلحة من العقود اللازمة، كما صرحوا بذلك من دون إشكال بينهم، والإذن في المقام ليس عقداً، فضلاً عن أن يكون لازماً. وعليه جري بعض مشايخنا (قدس سره) في حاشيته علي العروة الوثقي وفي تدريسه لها، كما تضمنه تقريره.

نعم إذا رجع إذن صاحب الأرض في زراعة أرضه إلي إنشائه إيجاب عقد المزارعة ورجع زرع المأذون إلي قبول الإيجاب المذكور بالفعل تم العقد. وكذا إذا رجع إذن صاحب الأرض إلي الإذن بإيقاع عقد المزارعة وتولي الزارع طرفي العقد، بحيث يكون زرعه متفرعاً علي العقد الذي حصل.

لكن الظاهر خروج الوجهين معاً عن مفروض الكلام، واحتياجهما لعناية خاصة. ولاسيما أن ظاهر حال العامل ليس هو قبول الإيجاب أو إيقاع العقد، بل الجري العملي علي مقتضي الإذن، نظير عمل العامل في الجعالة، وفي سائر موارد الإذن في العمل. بل قد لا يكون أهلاً لإيقاع العقد أو قبوله، لقصوره، كما نبّه لذلك في الجملة سيدنا المصنف (قدس سره).

ومن هنا ينحصر الوجه في ذلك بدعوي: أن المزارعة عند العرف علي قسمين: عقدية، وهي التي تعرض لها الأصحاب، وإذنية، وهي التي محل الكلام. وعموم الوفاء بالعقود وإن لم يشمل الثانية، إلا أنه يكفي في إثبات صحتها إطلاق صحيح

ص: 15

ويجب فيها أمور (1):

حلبي عن أبي عبد الله (عليه السلام): «قال: لا بأس بالمزارعة بالثلث والربع والخمس»((1))، كما أشار لذلك في الجملة بعض محشي العروة الوثقي.

لكن لو تم إطلاق الصحيح في نفسه فإثبات الدعوي المذكورة من أجل شموله لهذا القسم لا يخلو عن إشكال. ولاسيما مع ظهور إطباقهم علي أن المزارعة من العقود، الراجع لانحصارها بالقسم الأول. إذ كيف يمكن مع ذلك القطع بعمومها للقسم الثاني في عهد صدور الصحيح، ليحرز عمومها للقسمين، ويستدل به علي الصحة فيهما معاً؟!.

نعم يمكن تصحيح المعاملة المذكورة وإن لم تكن من المزارعة ولا من العقود. بلحاظ كونها مقبولة عند العقلاء بمرتكزاتهم بملاك الجعالة. وبها يخرج عن أصالة تبعية النماء للأصل في الملكية، وأصالة ضمان عمل العامل ومنفعة الأعيان - ومنها الأرض في المقام - بأجرة المثل، نظير ما تقدم مفصلاً في المسألة السادسة من كتاب الإجارة، فإنهما من باب واحد. ويأتي في كتاب الجعالة إن شاء الله تعالي بعض العمومات الشاملة للمقام في الجملة. فراجع.

(1) ينبغي الكلام قبل ذلك في أن مقتضي القاعدة الأولية في المقام هو صحة المعاملة ما لم يثبت بالدليل الخاص البطلان، أو هو البطلان ما لم يثبت بالدليل الخاص الصحة. يظهر من كلام غير واحد الثاني، لوجوه:

الأول: أن المزارعة مبنية علي الغرر، لعدم العلم بحصول شيء معين لكل من الطرفين. وهو كما تري! مبني علي عموم مانعية الغرر، وقد تقدم منّا غير مرة عدم ثبوت العموم المذكور في البيع فضلاً عن غيره من وجوب التكسب.

خصوصاً مثل هذه المعاملات التي تكون أركانها من الأعمال والمنافع غير

********

((1) وسائل الشيعة ج: 13 باب: 8 من أبواب كتاب المزارعة والمساقاة حديث: 7.

ص: 16

(17)

معلومة الإنتاج، ويكون الإقدام عليها برجاء تحصيل الفائدة مع مسيس الحاجة لذلك، فكما يقدم الإنسان علي العمل في زراعة أرضه لنفسه برجاء تحصيل الفائدة من دون علم بها يقدم المتعاملان علي بذل الأرض للزراعة والعمل لها كذلك.

بخلاف بذل الأرض للسكن وبذل عمل الخياطة ونحوهما، فإن ترتب الفائدة عليها معلوم لا يحتمل تخلفه. وقد سبق في المسألة السابعة والخمسين من كتاب الإجارة ما قد ينفع في المقام.

الثاني: ما قد يدعي من حمل عموم نفوذ العقود علي العقود المتعارفة، ومنها المزارعة والمساقاة ونحوهما. حيث يلزم من ذلك الاقتصار في العقود المذكورة علي المتيقن من أفرادها، لأنه هو الذي يحرز دخوله في عموم نفوذ العقد، دون الأفراد المشكوكة منها، لعدم إحراز كونه من العقود المتعارفة.

وفيه: أنه لا وجه لقصر عموم النفوذ علي العقود المتعارفة. ولاسيما بعد كون العموم المذكور ارتكازياً، كما يظهر بالرجوع لأدلته التي سبق الكلام فيها في أوائل مقدمة كتاب التجارة.

علي أن هذا الوجه - لو تم - إنما يقتضي التوقف في المعاملة إذا شك في صدق عنوان أحد العقود المعروفة عليها، دون ما إذا علم بصدقه وشك في صحته للشك في اشتراط شيء فيه شرعاً.

الثالث: أن اشتراط الحصة من الحاصل لغير مالك البذر مخالف للكتاب، لتبعية النماء للأصل في الملكية شرعاً.

وفيه: أن تبعية النماء للأصل في الملكية ليست مستفادة من أدلة شرعية تشمل بإطلاقها صورة اشتراط الخلاف، ليكون الشرط المذكور مخالفاً للكتاب، بل هي ثابتة ببناء العقلاء المعلوم إمضاؤه شرعاً، وهو يقصر عن صورة اشتراط الخلاف، فلا يكون الشرط مخالفاً للكتاب. ومن هنا يتعين البناء علي صحة المعاملة، عملاً بعموم نفوذ العقود ما لم يثبت البطلان. فلاحظ.

ص: 17

الرابع: ما ذكره بعض مشايخنا (قدس سره) من أن عمومات وإطلاقات الوفاء بالعقد تقصر عن مثل المزارعة مما يتضمن تمليك المعدوم - كالحاصل في المقام - بالفعل.

وفيه: أن المراد بتمليك المعدوم بالفعل، إن كان هو فعلية ملكيته. فهو ممتنع عقلاً، ولا يمكن البناء عليه حتي مع قيام الدليل الخاص، لأن الملكية نسبة قائمة بالمملوك، فيمتنع فعليتها إلا مع فعلية المملوك، لكونه أمراً خارجياً موجوداً بالفعل، أو معني في الأمر الخارجي، كالمنافع التي لها نحو من الوجود الاعتباري، بحيث يكون مملوكاً فعلاً وإن كان ظرفه متأخراً، أو لكونه ذمياً له نحو من الوجود الاعتباري الفعلي في الذمة.

لكن المزارعة ونحوها لا تقتضي ملكية شيء فعلاً قبل وجوده، بل ملكيته بعد وجوده. غايته أن سبب ملكيته هو العقد الإنشائي الفعلي، ولا محذور في ذلك، لتقصر عنه عمومات وإطلاقات الوفاء بالعقد.

ودعوي: أن التعليق في الإنشائيات مبطل لها إجماعاً، إلا في موارد خاصة.

مدفوعة.. أولاً: بأن ذلك يختص بتعليق مضمون الأمر المنشأ في العقد أو الإيقاع، كتعليق البيع أو الطلاق أو العتق علي مجيء زيد، أو حلول الشهر. دون ما إذا كان الأمر المنشأ فعلياً يستلزم أمراً معلقاً، كالإجارة بشرط ضمان العين المستأجرة ولو مع عدم التفريط، وبيع الشاة بشرط أن للبائع أول مولود منها بعد البيع.

والمزارعة ونحوها من ذلك، لأنها تتضمن ثبوت الحق فعلاً علي صاحب الأرض ببذلها للزرع، وثبوت الحق علي العامل بأن يزرع. غايته أنها تتضمن تبعاً لذلك ملك شيء من الحاصل عند ظهوره.

فهي في ذلك نظير بيع الثمرة قبل ظهورها، فإنه وإن كان لا يقتضي تملكها فعلاً، بل معلقاً علي ظهورها، إلا أن ذلك ليس تمام المضمون المنشأ، بل المضمون المنشأ هو ملكية العوض فعلاً في مقابل حق فعلي في الأصول يقتضي ملكية الثمرة حين ظهورها، كما ذكرنا ذلك في أواخر المسألة الحادية عشرة من فصل بيع الثمار من

ص: 18

كتاب البيع.

وثانياً: أن ذلك لا يرجع إلي قصور عمومات صحة العقود وإطلاقاتها عن مورد التعليق، بل إلي الخروج عنها بالإجماع المذكور، فلابد من عموم الإجماع لكل مورد يقع الكلام فيه، فمع الشك في عمومه لبعض الموارد يتعين البناء علي الصحة، لعموم نفوذ العقود، ومع عمومه يكون هو الدليل علي البطلان، فيخرج عما نحن فيه من الكلام في مقتضي القاعدة في موارد عدم الدليل الخاص.

علي أن ما ذكره (قدس سره) إن رجع إلي نفي صدق العقد علي ما يقتضي ملك المعدوم، وأن نفوذه بملاك آخر غير ملاك نفوذ العقود ففيه: أنه لا إشكال في صدق العقد عليه عرفاً.

وإن رجع إلي امتناع نفوذ العقد الذي يقتضي ملك المعدوم. فهو لا يناسب ما هو المعلوم من نفوذ هذا العقد وأمثاله - كالمساقاة والمضاربة - في الجملة.

وإن رجع إلي أن نفوذ هذه العقود وإن كان ممكناً، إلا أن عمومات نفوذ العقد لما كانت واردة مورد الجري علي ما عليه العرف من نفوذ العقد ارتكازاً، فهي تقصر عن مثل هذه العقود، لعدم بناء العرف بمرتكزاتهم علي نفوذها، بل لابد في نفوذها من دليل تعبدي خاص.

ففيه: أن مثل هذه العقود شائعة عند العرف، بسبب حاجتهم إليها، بنحو يظهر في بنائهم علي نفوذها جرياً علي مرتكزاتهم.

وقد يؤيد ذلك ما ورد في مضاربة العباس بماله((1))، حيث يبعد جداً حمله علي خصوص زمان إسلامه. كما أن من القريب جداً أن اليهود هم الذين طلبوا من رسول الله (ص) أن يدع أرض خيبر في أيديهم يعملون فيها، فأجابهم إلي ذلك، كما تضمنته بعض النصوص المروية بطرق العامة((2)). حيث يظهر من ذلك معروفية هذه المعاملة

********

((1) راجع وسائل الشيعة ج: 13 باب: 1 من أبواب كتاب المضاربة.

((2) الخلاف ج: 3 ص: 474. صحيح مسلم ج: 5 ص: 26.

ص: 19

(20)

(الأول): أن تكون الحصة المشروطة للزارع مشاعة في جميع النماء (1) فلا يختص أحدهما بنوع دون الآخر (2).

من غير طريق الشارع الأقدس.

الخامس: ما ذكره (قدس سره) في كتاب المساقاة - وأشار إليه في الجواهر - من أن مقتضي قوله تعالي: لاَ تَأْكُلُواْ أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ إِلاَّ أَن تَكُونَ تِجَارَةً عَن تَرَاضٍ(((1))) النهي عن كل معاملة لا تكون تجارة عن تراض، وحيث لا تكون العقود المتضمنة لتمليك المعدوم منها تعين البناء علي النهي عنها ما لم يثبت جوازها ونفوذها بالدليل المخرج عن العموم المذكور.

وفيه.. أولاً: أن الحصر في المقام إضافي، إذ لا ريب في جواز أكل المال بوجوه كثيرة غير التجارة، كما تقدم منّا التعرض لذلك عند الكلام في اعتبار المالية في العوضين في أوائل مقدمة كتاب التجارة. خصوصاً بناء علي ما ذكرناه في أول المقدمة المذكورة من اختصاص التجارة بالبيع دون بقية المعاملات.

وثانياً: أنه لو تم عموم الحصر في الآية الشريفة لجميع المعاملات فلا يتضح الوجه في قصورها عما إذا كان أحد العوضين معدوماً حين إجراء العقد، بحيث لا يشمل مثل بيع الثمار.

وبذلك ظهر أن مقتضي عموم نفوذ العقد هو صحة المعاملة في المقام ما لم يثبت بالدليل الخاص البطلان.

(1) بلا خلاف ولا إشكال فيه في الجملة. ويأتي إن شاء الله تعالي تمام الكلام في ذلك.

(2) كما في المبسوط والغنية والسرائر والمهذب والشرائع وجملة من كتب العلامة، ونفي الخلاف فيه في المبسوط والغنية والسرائر والتذكرة.

********

((1) سورة النساء الآية: 29.

ص: 20

واستدل له بصحيح الحلبي عن أبي عبد الله (عليه السلام): «قال: لا تقبل الأرض بحنطة مسماة، ولكن بالنصف والثلث والربع والخمس لا بأس به»((1))، لظهوره في اختصاص قبالة الأرض بالإشاعة.

بل يظهر من مجموع النصوص ابتناء المزارعة والمساقاة علي الإشاعة. لكن لا ظهور للصحيح في اشتراط القبالة بالإشاعة، بل في جوازها معها في مقابل المنع من القبالة بحنطة مسماة، نظير ما تضمن عدم جواز إجارة الأرض بشيء من حاصلها، فلا ينافي جوازها بوجه آخر غير الوجهين المذكورين، ومنه ما نحن فيه.

كما أن ابتناء المزارعة علي الإشاعة وإن كان قريباً جداً، كما يظهر بملاحظة النصوص، ولا أقل من كونه المتيقن منها، إلا أن ذلك لا ينافي صحة المعاملة في المقام علي أنها معاملة خاصة وإن لم تكن مزارعة، لعموم نفوذ العقود ولزومها بناء علي ما سبق آنفاً من شموله لأمثال هذه المعاملات.

هذا وقد استدل علي المنع في المبسوط بلزوم الغرر، لأنه قد ينمو أحدهما ويهلك الآخر. ويشكل بعدم الدليل علي عموم مانعية الغرر. بل سبق منّا عدم وضوح مانعية الغرر في البيع، فضلاً عن مثل هذه المعاملات المبنية علي الغرر، لظهور أن الحصة في المزارعة حتي مع الإشاعة. وتعيين حصة كل منهما غير معلومة المقدار، بل ولا الحصول، لاحتمال عدم إنتاج الزرع، أو تلف الناتج كله قبل بلوغه.

ومثله ما في التذكرة قال: «لأن الخبر ورد بالنهي عنه من غير معارض. ولأنه ربما تلف ما شرطه أحدهما لنفسه أو لصاحبه، فينفرد الآخر بالغلة وحده».

إذ فيه: أنه لم يتضح المراد بالخبر الناهي بعد ما سبق من عدم دلالة صحيح الحلبي علي النهي عن مورد الكلام، وعدم ثبوت عموم النهي عن الغرر.

وأما احتمال انفراد أحدهما بالغلة لتلف ما يجعل للآخر، فكأنه يشير به إلي ما

********

((1) وسائل الشيعة ج: 13 باب: 8 من أبواب كتاب المزارعة والمساقاة حديث: 3.

ص: 21

ذكره قبل ذلك من المنع من انفراد أحدهما بالغلة. لكنه - لو تم - إنما يقتضي احتمال البطلان ووقوع المعاملة مراعاة بذلك، فإن انفرد أحدهما بالغلة لتلف ما عيّن للآخر انكشف بطلانها، وإلا صحّت، ولا وجه للجزم ببطلانها.

مع أنه لم يتضح الوجه في امتناع انفراد أحدهما بالغلة، إذ ليس في المقام إلا نصوص الإشاعة المتقدمة. ولو تمت دلالتها علي اختصاص صحة المعاملة علي الأرض بصورة الإشاعة كانت هي الدليل علي البطلان في المقام بلا حاجة إلي هذا الوجه، لفرض عدم الإشاعة فيه. لكن سبق عدم دلالتها علي ذلك، وأن المتيقن منها ابتناء المزارعة علي ذلك، من دون أن ينافي صحة المعاملة بوجه آخر وإن لم تكن مزارعة.

فلم يبق في المقام إلا شبهة الإجماع. ولا مجال للخروج بها عن عمومات نفوذ العقد ولزومه، لعدم وضوح حصول إجماع تعبدي بعد عدم التعرض لذلك إلا في عصر تدوين الفتاوي من دون أن يكون مورداً للنصوص ولا شيوع الابتلاء بالمسألة، بحيث يمكن الاطلاع علي حكمها من سيرة متصلة بعصور المعصومين (صلوات الله عليهم)، بل يقرب ابتناء ذهاب من بني علي البطلان علي دعوي مخالفة عقد المزارعة ونحوه للقاعدة، ولزوم الاقتصار علي المتيقن في الخروج عنها، أو علي دعوي ظهور النصوص في قصر الصحة علي صورة الإشاعة، أو نحو ذلك مما ظهر ضعفه، ومنه ما سبق من المبسوط والتذكرة. وقد تكرر منّا نظير ذلك في كثير من الموارد.

ومنه يظهر الحال فيما لو انفرد أحدهما بتمام الحاصل. كما لو أراد صاحب الأرض أن يستصلح أرضه أو يعرف مدي صلوحها للزراعة، ولم يتيسر له من يزارعه عليها بحصة من الحاصل، فاتفق مع العامل أن يزرعها لنفسه ببذر منه أو من العامل، أو أراد العامل أن يظهر خبرته في الزراعة، ولم يتيسر له من يزارعه بحصة من الحاصل، فاتفق مع صاحب الأرض أن يمكنه من زراعتها له ببذر منه أو من صاحب الأرض، أو نحو ذلك. فإنه يتعين البناء علي صحة المعاملة بأحد الوجهين، لعموم نفوذ العقود

ص: 22

(23)

الثاني: تعيين المدة (1)

ولزومها، وإن خرجت عن المزارعة المعهودة.

وقد يستأنس لذلك بموثق الحلبي عن أبي عبد الله (عليه السلام): «سألته عن الأرض يأخذها الرجل من صاحبها، فيعمرها سنتين ويردها إلي صاحبها عامرة وله ما أكل منها. قال: لا بأس به»(((1)))، فإنه وإن كان الظاهر منها كون تمام الحاصل في مقابل عمارة الأرض، لا في مقابل زرعها، الذي هو محل الكلام، إلا أنه قد يستفاد منه العموم لمحل الكلام بإلغاء خصوصية المورد. ولاسيما أن زراعة الأرض قد تكون سبباً في بقاء قابليتها للزرع بسهولة.

وأظهر من ذلك معتبر أبي بردة بن رجا: «سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن القوم يدفعون أرضهم إلي رجل، فيقولون: كلها وأدّ خراجها. قال: لا بأس به. إذا شاؤوا أن يأخذوها أخذوها»(((2))). ولعله إلي هذا يرجع ما في العروة الوثقي من أنه لم يصح مزارعة، حيث قد يظهر في إمكان صحته وإن لم يكن مزارعة. فلاحظ. والله سبحانه وتعالي العالم العاصم.

(1) كما صرح به جمهور الأصحاب، بل الظاهر عدم الخلاف فيه. ولا ينبغي الإشكال في لزوم التعيين في مقابل الإهمال والترديد، لامتناع استحقاق المردد.

وأما التعيين في مقابل العموم والإطلاق، بحيث لا تصح المزارعة في سنة من سنين فكذلك إذا لم يذكر صريحاً ولا انصرافاً من بيده من المتعاقدين تطبيق الكلي علي الفرد وتعيين الوفاء عنه به، لرجوعه إلي الإهمال، أما مع ذكر من بيده التطبيق منهما فالظاهر الصحة مع العموم، نظير ما سبق في الإجارة. وقد تقدم هناك ما ينفع في المقام.

********

((1) وسائل الشيعة ج: 13 باب: 16 من أبواب كتاب المزارعة والمساقاة حديث: 8.

((2) وسائل الشيعة ج: 13 باب: 17 من أبواب كتاب المزارعة والمساقاة حديث: 3.

ص: 23

بالأشهر أو السنين (1) أو الفصل الذي يكون فيه الزرع (2).

وأما التعيين في مقابل الجهالة - كما لو تعاقدا علي السنة التي أجازت الدولة الزرع فيها، وكانا يجهلانها عند العقد - فظاهرهم البناء علي لزومه وبطلان العقد مع الجهل. وكأنه للغرر. لكنه ممنوع كبروياً، لما تكرر منّا من عدم الدليل علي عموم مانعيته. بل لا يطرد صغروياً، إذ كثيراً ما لا تختلف السنين في قيمة العمل.

ويظهر من مفتاح الكرامة الاستدلال للزوم تعيين المدة بحديث أبي الربيع الشامي عن أبي عبد الله (عليه السلام): «سألته عن أرض يريد رجل أن يتقبلها، فأي وجوه القبالة أحل؟ قال: يتقبل الأرض من أربابها بشيء معلوم إلي سنين مسماة، فيعمر ويؤدي الخراج...»((1)). وقد تقدم عند الكلام في اعتبار العلم بالعوضين من كتاب الإجارة تقريب اعتبار سند الحديث.

كما يظهر مما تقدم هناك الإشكال في دلالته.. تارة: بأن القبالة غير المزارعة، بل هي بالمساطحة الشائعة في عصورنا أشبه. وأخري: بأن السؤال ليس عن الوجه الحلال من القبالة، بل عن الوجه الأحل. ولعل الجواب بذلك لأنه الأبعد عن المشاكل والخصومة التي قد تؤدي للحرمة. فراجع.

مضافاً إلي قرب كون المراد بالسنين المسماة ما يساوق تعيين السنين في مقابل الإهمال والإبهام، لا في مقابل الجهل مع التعين الواقعي، الذي هو محل الكلام.

(1) كما هو المذكور في كلمات الأصحاب صريحاً أو ظاهراً، علي ما يأتي إن شاء الله تعالي.

(2) كما جعله وجهاً في الشرائع. لكن مع كون الأشبه عدم الاكتفاء به، كما قوّي عدم الاكتفاء به في التذكرة والمسالك، بل جزم بذلك في القواعد. وهو ظاهر إطلاقهم لزوم تعيين المدة. بل في التذكرة: «يشترط في المزارعة تقدير المدة وتعيينها

********

((1) وسائل الشيعة ج: 13 باب: 18 من أبواب كتاب المزارعة والمساقاة حديث: 5.

ص: 24

بالأيام والشهور المضبوطة، فلا تجوز مع جهالة المدة إجماعاً». وقد علل في كلام غير واحد بأنه عقد لازم كالإجارة، وبذلك يفترق عن المضاربة التي لا يعتبر فيها تعيين المدة.

وهو كما تري، فإن لزوم تعيين المدة بالنحو المذكور في العقد اللازم خال عن الدليل. وأشكل من ذلك استدلالهم عليه بلزوم الغرر، فإن المزارعة لما كانت متقومة بإدراك الزرع، فتحديدها بإدراكه أدفع للغرر والخطر المالي - لو كان محذوراً - من تحديدها بالأيام والشهور.

ومن هنا كان المتعين الاكتفاء به، عملاً بعموم نفوذ العقد. وهو المناسب للسيرة، لأنه المناسب لوضع المزارعة. ولو كان البناء علي الخروج عن ذلك والتزام التحديد بالأيام والشهور لكثر الابتلاء بما إذا لم يدرك الزرع فيها، أو أدرك قبلها، واحتيج للسؤال عن حكم ذلك، مع أنه ليس لذلك في النصوص عين ولا أثر.

بل في معتبر إبراهيم الكرخي: «قلت لأبي عبد الله (عليه السلام): أشارك العلج [المشرك. فقيه] فيكون من عندي الأرض والبذر والبقر، ويكون علي العلج القيام والسقي [والسعي. فقيه] والعمل في الزرع حتي يصير حنطة وشعيراً. وتكون القسمة، فيأخذ السلطان حقه [حظه. فقيه]، ويبقي ما بقي علي أن للعلج منه الثلث ولي الباقي. قال: لا بأس بذلك...»((1)) فإنه ظاهر أو صريح في الاكتفاء بجعل المدة إدراك الزرع.

هذا مضافاً إلي أن قوام المزارعة لما كان هو إدراك الزرع يكون ذكر الأجل لاغياً، لأنه إن كان أكثر من زمان إدراك الزرع فلا موضوع للزيادة، وإن كان دونه كان منافياً للمزارعة، وإن كان بقدره فلا أثر لذكره.

نعم يمكن ذكره علي أنه شرط خارج عن المزارعة زائد عليها، بأن تكون المزارعة إلي حين بلوغ الزرع، مع اشتراط عدم تجاوز ذلك الأجل الخاص، بحيث لو تجاوزه كان للمشترط الفسخ، وعدم الالتزام بالعقد، إما مع ضمان منفعة الأرض أو

********

((1) وسائل الشيعة ج: 13 باب: 10 من أبواب كتاب المزارعة والمساقاة حديث: 1.

ص: 25

(26)

الثالث: تعيين الحصة بالكسر المشاع (1)، مثل النصف والربع ونحوهما.

عمل العامل بأجرة المثل - كما لعله مقتضي إطلاق العقد - أو مع هدرهما أو غير ذلك حسبما يتفقان عليه وتكون فائدة الشرط المذكور حمل العامل علي التعجيل بالعمل أو غير ذلك. فلاحظ.

(1) أما كون الحصة بالكسر المشاع، دون مقدار محدد بالكيل أو الوزن، فهو المصرح به في كلام جمهور الأصحاب، ويظهر من مساق كلماتهم المفروغية عنه في الجملة، وفي الغنية والسرائر نفي الخلاف فيه ممن أجاز المزارعة. وقد استدل عليه بالأصل. ويظهر ضعفه مما تقدم في أول الفصل.

غاية الأمر أنه تقدم عند الكلام في اشتراط القدرة علي التسليم من فصل شروط العوضين من كتاب البيع أنه لابد من إحراز سلامة شيء في المعاوضة، وأنه مع عدم إحراز سلامته لابد من الضميمة، ولا يبعد جريان ذلك في المقام أيضاً، وحيث لا يحرز سلامة المقدار المعين من الحاصل لابد من ضميمة شيء معلوم الحصول له.

ومثله الاستدلال عليه بأن الظاهر من مجموع النصوص ابتناء المزارعة علي ذلك. إذ فيه: أن ذلك لا ينافي صحة المعاملة مع عدم الإشاعة وإن لم تكن مزارعة، عملاً بعموم نفوذ العقد.

فالعمدة في المقام صحيح الحلبي المتقدم عن أبي عبد الله (عليه السلام): «قال: لا تقبل الأرض بحنطة مسماة، ولكن بالنصف والثلث والربع والخمس لا بأس به. وقال: لا بأس بالمزارعة بالثلث والربع والخمس»((1))، لظهور صدره في المنع من تقبل الأرض بالحنطة المسماة وإن لم تكن مزارعة. وإن تقبلها لا يصح إلا بحصة مشاعة.

نعم تقدم في المسألة السابعة والخمسين من كتاب الإجارة جواز إجارة الأرض

********

((1) وسائل الشيعة ج: 13 باب: 8 من أبواب كتاب المزارعة والمساقاة حديث: 3.

ص: 26

بالطعام من غير حاصلها، فيخرج به عن إطلاق الصحيح. علي أن من القريب اختصاص الصحيح بما إذا كان المقدار المسمي من الحاصل، بقرينة ما تضمنه من الجواز بالحصة المشاعة الذي يراد به الحصة من الحاصل، كما هو المعهود في المزارعة.

وأما تعيين الحصة فظاهر بعض كلماتهم وصريح آخر اشتراطه، بل لعله لا خلاف فيه. وإهمال بعضهم له لوضوحه، لما هو المعروف من مبانيهم في سائر العقود.

ولا إشكال في لزوم التعيين في مقابل الإبهام أو التردد بين المراتب في نسبة الحصة المجعولة لأحدهما، كما لو ترددت الحصة بين الربع والخمس مثلاً. لما تكرر منّا من امتناع الإبهام والتردد في الأمر المستحق. ومنه ما إذا زارعه علي شيء من الحاصل أو جزء منه أو سهم أو نحوها، فإنه حيث لا يراد به المسمي المتحقق بأقل شيء، يتعين رجوعه للتردد والإبهام.

وأما ما ورد في الوصية من حمل العناوين الثلاثة علي مقادير خاصة((1)). فهو - لو تم العمل به - تعبد شرعي مخرج عن الإبهام في مقام الاستحقاق ليس البناء علي اطراده بنحو يشمل المقام، كما نبّه لذلك في التذكرة.

وأما الإهمال وعدم ذكر الحصة، فإن رجع إلي عدم جعل الحصة لأحدهما وعدم استحقاقه شيئاً فهو يرجع إلي ما سبق في الشرط الأول من الكلام في انفراد أحدهما بتمام الحاصل. وإن رجع إلي جعل حصة له من دون تحديد لها فهو داخل في الإبهام والترديد الذي سبق امتناعه.

وأما التعيين في مقابل الجهل مع التعين في الواقع، كما لو زارعه علي ما زارع عليه فلان من دون معرفتهما حين العقد بمقداره فلزومه يبتني علي عموم مانعية الغرر بالمعني الذي جروا عليه، والذي سبق منّا الإشكال فيه.

********

((1) راجع وسائل الشيعة ج: 13 باب: 54، 55، 56 من أبواب كتاب الوصايا.

ص: 27

(28)

الرابع: تعيين الأرض وحدودها (1). ولو عين كلياً موصوفاً

(1) كما في العروة الوثقي. والظاهر مفروغية الأصحاب عنه في الجملة وإن لم يذكروه صريحاً، وإنما ذكروا ما يأتي من اعتبار كون الأرض صالحة للزرع. لما هو المعلوم من مبانيهم في نظائر المقام من اعتبار العلم بأركان العقد.

وكيف كان فلا ينبغي الإشكال في لزوم التعيين في مقابل الإبهام والترديد، لما تكرر منّا من امتناع الترديد في موضوع الحق. ومنه ما إذا كان الموضوع هو الكلي في المعين - كجريب من هذه الأرض - مع عدم تعيين من بيده التعيين منهما. وأما مع تعيين من بيده التعيين منهما ولو بانصراف الإطلاق إليه فلا يلزم الترديد.

ومن هنا قرب في العروة الوثقي جوازه مع عدم الاختلاف بين أجزاء الأرض في الجهات المرغوبة في الزراعة، بخلاف ما إذا كانت مختلفة في ذلك، للزوم الغرر.

وقد استشكل فيه سيدنا المصنف (قدس سره) بعدم الدليل علي مانعية الغرر في المقام، لما تكرر منّا ومنه من عدم ثبوت عموم مانعية الغرر في المعاملات، وإنما الوارد مانعيته في البيع، علي كلام منّا فيه تقدم في محله. لكن الظاهر عدم لزوم الغرر في المقام، إذ مع كون التعيين بيد المالك يكون الإقدام علي الأقل، ودفع الأحسن تفضل من المالك زائد عن مقتضي الحق، ومع كون التعيين بيد الزارع يكون الإقدام علي الأحسن، والاكتفاء بما دونه تفضل من العامل، نظير ما تقدم منّا في المسألة الثالثة من كتاب الإجارة عند الكلام في اعتبار العلم بالعوضين. فراجع.

نعم لابد في البناء علي الصحة حينئذٍ من دخول المعاملة في عموم يقتضيها. وهو ظاهر بناء علي شمول عمومات نفوذ العقد للمزارعة، كما تقدم منّا في أول الفصل.

أما بناء علي ما سبق من بعض مشايخنا (قدس سره) من قصورها عنها فقد استدل عليه بإطلاق قوله (عليه السلام): «لا بأس بالمزارعة بالثلث والربع والخمس»((1)).

********

((1) وسائل الشيعة ج: 13 باب: 8 من أبواب كتاب المزارعة والمساقاة حديث: 3، 7.

ص: 28

(29)

علي وجه لا غرر فيه كفي (1).

الخامس: كون الأرض قابلة للزراعة (2)

ودعوي: أن من القريب جداً وروده لبيان أصل مشروعية المزارعة بالحصة المشاعة، في مقابل المنع من تقبل الأرض بمقدار معين من الحاصل، كما تقدم في صحيح الحلبي عند الكلام في لزوم إشاعة الحصة من دون أن يكون له إطلاق من سائر الجهات، لينفع فيما نحن فيه.

مدفوعة بأن فصل السائل بين الكلامين بمثل: «وقال» ظاهر في كون الثاني كلاماً مستقلاً. ولاسيما مع إفراده بالذكر في صحيحه الآخر((1)). وحينئذٍ يتم الإطلاق فيه.

مضافاً إلي صحيح محمد بن مسلم: «سألته عن المزارعة وبيع السنين. قال: لا بأس»((2))، حيث لا إشكال في ظهوره في العموم بسبب ترك الاستفصال.

(1) الظاهر أن المراد به الكلي في الذمة الذي يكون المرجع في تعيينه من تنشغل به ذمته، وهو صاحب الأرض. ويظهر الحال في اشتراط عدم لزوم الغرر حينئذٍ مما تقدم.

(2) كما صرح به جمهور الأصحاب، علي اضطراب في كلماتهم. ولا ينبغي الإشكال فيه، لأن المزارعة لما كانت مبنية علي محاولة الزرع واكتساب الحاصل منه فلا موضوع لها مع عدم قابلية الأرض للزرع، إما لذاتها لكونها صخرية أو سبخة، أو لعدم تحقق وسائل زرعها لتعذر وصول الماء إليها مثلاً. بل لا يمكن القصد إليها مع الالتفات لذلك، فإيقاع العقد معه يكون لغواً خالياً عن القصد، فيبطل حتي لو صادف خطأ الاعتقاد بعدم قابليتها للزرع، بأن كانت قابلة له واقعاً.

لكن في الإرشاد: «ولو زارع علي ما لا ماء له بطل، إلا مع علمه» ونحوه عن

********

((1) وسائل الشيعة ج: 13 باب: 8 من أبواب كتاب المزارعة والمساقاة حديث: 7.

((2) وسائل الشيعة ج: 13 باب: 8 من أبواب كتاب المزارعة والمساقاة حديث: 9.

ص: 29

الروض، وفي الشرائع: «ولو زارع عليها أو آجرها للزراعة ولا ماء لها مع علم المزارع لم يتخير، ومع الجهالة له الفسخ» ونحوه في التذكرة والقواعد. وهو بظاهره ينافي ما سبق. كما نبّه له غير واحد.

ومن هنا قد يحمل - كما عن الميسي - ما إذا أمكن تحصيل الماء لها بوجه غير معتاد تكلف المالك له، كحفر بئر وشق نهر، ولا يمكن الزرع إلا بقيام العامل أو المستأجر به.

وهذا وإن لم يناسب بعض كلماتهم أو كلها، إلا أنه لو تم تعين ما سبق من الإرشاد والروض من بطلان المزارعة مع الجهل أو صحتها من دون خيار، ولا مجال للبناء علي الصحة مع الخيار، كما سبق من الشرائع وغيره. لأن صاحب الأرض إذا كان جاهلاً بحالها أيضاً، واعتقدا معاً إمكان زرعها بماء متيسر بلا كلفة، فظهر الأمر علي خلاف ما قصدا، وأنه لابد فيه من تحصيل أحدهما للماء تعين البطلان، لظهور عدم تحقق موضوع العقد، وهو الزرع علي فرض تيسر الماء. واتفاقهما بعد ذلك علي وجه خاص مزارعة جديدة غير ما اتفقا عليه.

وإن كان المالك عالماً بحال الأرض وقصد تكلف العامل تحصيله تعين البطلان أيضاً، لابتناء المزارعة علي إلزام العامل بالزرع مع اختلاف صاحب الأرض والعامل في الأمر الملزم به حينئذٍ، فصاحب الأرض يقصد إلزامه بالزرع عن طريق تهيئته للماء اللازم له، والعامل يقصد إلزام نفسه بالزرع من طريق استعمال الماء الموجود والمهيأ له، وذلك يرجع إلي عدم التطابق بين الإيجاب والقبول المبطل للعقد. نظير ما تقدم في المسألة السابعة والستين من كتاب الإجارة، وما يأتي هنا في الشرط السادس.

وإن قصد المالك إلزام نفسه بتهيئة الماء تعينت الصحة من دون خيار، لاتفاقهما علي الأمر الملزم به، وهو إلزام العامل بالزرع في فرض تهيؤ الماء، والجهل بكيفية تهيئته لا أثر له في حق العامل، ليوجب الخيار له.

نعم يتجه صحة العقد مع الخيار في إجارة الأرض المذكورة للزراعة، لأن الإجارة لا تتضمن استحقاق المؤجر علي المستأجر زراعة الأرض، ليجري ما سبق،

ص: 30

(31)

ولو بالعلاج (1).

السادس: تعيين كون البذر وسائر المصارف علي أحدهما المعين أوكليهما (2). ويكفي وجود القرينة علي التعيين ولو كانت هي التعارف.

بل مجرد استحقاق المؤجر زراعتها من دون نظر لكيفية الزراعة التي يستحقها. غاية الأمر أن المتعارف في الأرض التي تستأجر للزراعة أن تكون ذات ماء، والمفروض أن المستأجر قد أقدم حين الإجارة علي ذلك، فتخلفه لا يوجب إلا الخيار، نظير الخيار مع العيب، كما لعله ظاهر.

(1) لكفاية ذلك في تحقق موضوع المزارعة. نعم لابد من تعيين من عليه القيام بالعلاج، نظير ما يأتي في الشرط السادس إن شاء الله تعالي.

(2) كما صرح بذلك في البذر في التذكرة وجعله الأصح في الإيضاح وجامع المقاصد.

والوجه فيه: أن قوام المزارعة وركنها لما كان هو استحقاق الزراعة علي العامل، فالاستحقاق المذكور.. تارة: يكون بنحو يقتضي تحقيق الزراعة في ظرف وجود مقدماتها من بذر وماء وعوامل وغيرها. وأخري: يكون بنحو يقتضي تحقيقها بتحقيق مقدماتها المذكورة. فعدم تعيين أحد الأمرين حينئذٍ إن رجع إلي إهمالهما تحديد الأمر المستحق، لزم الإهمال والإبهام في الأمر المستحق، الذي هو ممتنع في نفسه. ولاسيما مع كون استحقاقه ركناً في العقد. وإن رجع إلي قصد كل منهما أمراً غير ما قصده الآخر، لزم عدم التطابق بين الإيجاب والقبول المبطل للعقد، نظير ما تقدم آنفاً، وفي المسألة السابعة والستين من كتاب الإجارة.

نعم لو اتفقا علي أمر معين في الواقع مجهول لهما حين العقد، كما لو زارعه علي نحو ما يزارع عليه زيد أرضه من دون أن يعلما بتفصيله حين العقد، فلا يلزم شيء من المحذورين، وينحصر وجه بطلانه بالغرر الذي يظهر منهم البناء علي مانعيته، وإن لم

ص: 31

يتضح لنا وجهه، نظير ما تقدم في الشرط الثالث وغيره.

هذا وفي القواعد: «والإطلاق يقتضي كون البذر علي العامل. ويحتمل البطلان». وقد يوجه استفادة ذلك من الإطلاق بوجوه:

الأول: أن ذلك هو الأصل في المزارعة، كما في جامع المقاصد والروضة قال في الأول: «والأصل في ذلك قصة خيبر ومزارعة النبي (ص) اليهود عليها علي أن يزرعوها ولهم شطر ما يخرج منها. وظاهر هذا أن البذر من أهل خيبر».

وفيه: أن هذا وحده - لو تم - لا يكفي في حمل الإطلاق عليه ما لم يبلغ حد التعارف بحيث يكون قرينة حالية في عرف المتعاقدين، فيخرج عن مفروض الكلام، كما أشار إليه في جامع المقاصد أيضاً.

الثاني: صحيح يعقوب بن شعيب عن أبي عبد الله (عليه السلام) وفيه: «وسألته عن المزارعة. فقال: النفقة منك والأرض لصاحبها، فما أخرج الله من شيء قسم علي شطر. وكذلك أعطي رسول الله (ص) خيبر حين أتوه، فأعطاهم إياها علي أن يعمروها ولهم النصف مما أخرجت»((1)). فإن مقتضي إطلاق النفقة فيه العموم لكل ما يتوقف عليه خروج الحاصل.

وفيه: أن مقتضي الجمود عليه انحصار المزارعة بأمرين.. أحدهما: اختصاص العامل بالنفقة. ثانيهما: تنصيف الحاصل بين الطرفين، لأن الشطر هو النصف. ولا إشكال بعد النظر في كلمات الأصحاب والنصوص - ومنها ما يأتي - في عدم توقفها علي أحدهما، فضلاً عنهما معاً، فلابد من حمله علي بيان أحد أفراد المزارعة، ولو بلحاظ دليل تشريعها، وهو قضية خيبر.

وأما ما ذكره سيدنا المصنف (قدس سره) من أن المتيقن من ذلك صحة المعاملة بوجه آخر، ولو لعموم صحة العقد، ولا ملزم بكونها مزارعة، ليلزم الخروج عن ظاهر

********

((1) وسائل الشيعة ج: 13 باب: 10 من أبواب كتاب المزارعة والمساقاة حديث: 2.

ص: 32

صحيح يعقوب. فهو بعيد جداً.

حيث لا يناسب كلمات الأصحاب، لظهور مفروغيتهم عن كونها مزارعة، ومن البعيد خطؤهم في مفهوم المزارعة التي هي معاملة شائعة عند العرف.

كما أنه لا يناسب موثق سماعة أو صحيحه: «سألته عن مزارعة المسلم المشرك، فيكون من عند المسلم البذر والبقر، وتكون الأرض والماء والخراج والعمل علي العلج. قال: لا بأس به...»((1)).

علي أنه لا مجال لذلك بالإضافة إلي مقدار الحصة، لاستفاضة النصوص بعدم اختصاص المزارعة بالنصف((2)).

مع أنه لو تم أن المزارعة شرعاً مختصة بما تضمنه صحيح يعقوب، إلا أنه لا إشكال في خروج العرف في معناها عن ذلك إلي ما هو الأعم. وعليه يحمل كلام المتعاقدين، فيحتاج التقييد بأحد الوجوه في كلامهما إلي القرينة.

الثالث: أن المزارعة حيث كانت تقتضي الزراعة علي العامل فاللازم عليه تهيئة مقدماتها، وتحمل نفقاتها. ويظهر الجواب عنه مما سبق من اختلاف نحو إلزام العامل بالزرع.

ويناسب ذلك معتبر إبراهيم الكرخي المتقدم: «قلت لأبي عبد الله (عليه السلام): أشارك العلج [المشرك. فقيه] فيكون من عندي الأرض والبذر والبقر، ويكون علي العلج القيام والسقي [والسعي. فقيه] والعمل في الزرع حتي يصير حنطة أو شعيراً، وتكون القسمة، فيأخذ السلطان حقه [حظه. فقيه] ويبقي ما بقي علي أن للعلج منه الثلث، ولي الباقي. قال: لا بأس بذلك. قلت: فلي عليه أن يرد عليّ مما أخرجت الأرض البذر ويقسم ما بقي؟ قال: إنما شاركته علي أن البذر من عندك، وعليه السقي و

********

((1) وسائل الشيعة ج: 13 باب: 12 من أبواب كتاب المزارعة والمساقاة حديث: 1.

((2) راجع وسائل الشيعة ج: 13 باب: 8 من أبواب كتاب المزارعة والمساقاة وغيرها.

ص: 33

(34)

(مسألة 1): يجوز للعامل أن يزرع بنفسه وبغيره (1) وبالشركة مع

والقيام [القيام والسعي. فقيه]»((1)). لظهوره في أن تعيين نحو استحقاق الزراعة علي العامل - وأنه يقتضي تحمله للبذر أو بعضه أولا يقتضيه - تابع للشرط. ومن هنا لا مخرج عما سبق.

ثم إنه زاد في العروة الوثقي أنه لابد من تعيين المزروع مع اختلاف الأغراض فيه، إلا أن يراد التعميم. ويظهر الوجه فيه مما سبق. إذ بعد عدم إرادة التعميم فمع اختلافهما في التعيين بقصد كل منهما إلي غير ما قصده الآخر يلزم عدم التطابق بين الإيجاب والقبول، ومع إهمالهما يلزم إهمال الأمر المستحق، وكلاهما مبطل للعقد.

وهذا يجري في جميع الخصوصيات المتعلقة بمضمون العقد، حيث يتعين مع العلم بعدم إرادة الإطلاق تعيين الخصوصية التي يبتني عليها العقد من دون فرق بين ما تختلف فيه الأغراض وما لا تختلف.

نعم لو كان المراد بالتعيين العلم في مقابل الجهل مع التعين الواقعي، دفعاً للغرر، اتجه التخصيص بما تختلف فيه الأغراض بلحاظ اختلاف المالية. لكن سبق عدم اشتراط التعيين بمعني العلم وعدم مانعية الغرر.

(1) كما في الغنية والسرائر وظاهر النهاية. بل يظهر مما ذكروه من جواز مزارعة الغير ومشاركته المفروغية عنه. ويظهر منهم أن الوجه فيه إطلاق المزارعة، وفرض عدم اشتراط المباشرة.

لكن ذلك موقوف علي أن يكون مفاد العقد بينهما ثبوت الحق لمالك الأرض علي المزارع أن تُزرع الأرض، أما لو كان مفاده أن يزرعها فهو يقصر عن زرع غيره لها. والظاهر أن قرائن الأحوال في تعيين أحد الأمرين تختلف باختلاف المزارعين وباختلاف الظروف المحيطة بالعقد من عادة أو نحوها، كما تختلف في عموم الاكتفاء

********

((1) وسائل الشيعة ج: 13 باب: 10 من أبواب كتاب المزارعة والمساقاة حديث: 1.

ص: 34

غيره (1)، إلا أن تشترط المباشرة.

بعمل الغير لما إذا كان مستقلاً في العمل أو اختصاصه بما إذا كان تحت نظر المزارع الأصلي وتابعاً له.

ومع فقد القرائن يتعين التعرض لذلك في العقد، لئلا يلزم الإهمال في موضوع العقد أو عدم التطابق بين الإيجاب والقبول، نظير ما تقدم في تعيين المزروع وغيره.

(1) الظاهر أن مراده (قدس سره) شركته في العمل معه متبرعاً عنه أو مستأجراً من قبله أو غير ذلك. وحينئذٍ يجري فيه ما سبق. هذا وقد ذكر الأصحاب في المقام أمرين:

الأول: جواز مزارعة المزارع لغيره، كما في الشرائع والقواعد وكثير مما تأخر عنهما، ونفي في الجواهر وجدان الخلاف فيه.

ويقتضيه - مضافاً إلي عموم نفوذ العقود - صحيح إسحاق بن عمار عن أبي عبد الله (عليه السلام): «قال: إذا تقبلت أرضاً بذهب أو فضة فلا تقبلها بأكثر مما تقبلتها به، وإن تقبلتها بالنصف والثلث فلك أن تقبلها بأكثر مما تقبلتها به، لأن الذهب والفضة مضمونان»((1)). وموثق الحلبي: «قلت لأبي عبد الله (عليه السلام): أتقبل الأرض بالثلث أو الربع، فأقبلها بالنصف. قال: لا بأس به...»((2)) وغيرهما.

بل الظاهر شيوع ذلك بنحو يمكن تحصيل السيرة المتصلة بعصور المعصومين (عليهم السلام) عليه. فلاحظ.

وربما استدل عليه بإطلاق أدلة المزارعة، لأنه لا يعتبر في صدق المزارعة ملكية الأرض، بل تكفي ملكية منفعتها بإجارة أو غيرها. وقد يستشكل فيه بأنه وإن سبق منّا في الشرط الرابع تقريب ثبوت الإطلاق لأدلة المزارعة. إلا أن عمومه بلحاظ من له السلطنة عليها لا يخلو عن إشكال. والمتيقن من أدلة المزارعة عدم اعتبار ملكية

********

((1) وسائل الشيعة ج: 13 باب: 21 من أبواب كتاب الإجارة حديث: 2.

((2) وسائل الشيعة ج: 13 باب: 21 من أبواب كتاب الإجارة حديث: 1.

ص: 35

الأرض والاكتفاء بالسلطنة عليها ولو بملكية منفعتها، وهو غير حاصل في المقام، إذ الذي يستحقه العامل هو العمل في الأرض لا غير. والأمر سهل بعد ما سبق. ومنه يظهر جواز المزارعة بالأكثر، بحيث يفضل للمزارع الأول شيء، كما صرح به في النصوص السابقة. ويقتضيه إطلاق نفوذ العقود.

الثاني: جواز مشاركة المزارع لغيره، كما في النهاية والمهذب والوسيلة والشرائع والقواعد وكثير مما تأخر عنها، ونفي في الجواهر وجدان الخلاف فيه. والظاهر أن مرادهم به أن يشاركه في العمل بنسبة من الحصة له، لا بأجرة معينة.

وقد يستفاد مما سبق، حيث قد يفهم عرفاً من جواز مزارعته بلحاظ تمام العمل جواز مزارعته بلحاظ بعضه. مضافاً إلي عمومات نفوذ العقد التي تقدم الاستدلال بها فيما تقدم أيضاً.

أما لو كان المراد بها بيع بعض الحصة التي له بعوض معلوم، كما يظهر من المسالك فيخرج عما سبق. لكن قد يستشكل فيه بعدم إحراز سلامة الحصة له، وبعدم معرفة مقدارها تبعاً لعدم معرفة مقدار الثمرة، وبما سبق من بعض مشايخنا (قدس سره) من عدم جواز تمليك ما لم يوجد بعد، إلا بدليل خاص.

نعم سبق منّا منع الأخير، بل الثاني أيضاً، لعدم ثبوت عموم النهي عن الغرر، فلم يبق إلا الأول. وينحصر الخروج عنه بالضميمة، بناء علي ما سبق منّا في مبحث اعتبار القدرة علي التسليم من كتاب البيع من عموم دليلها وعدم اختصاصه ببيع العبد الآبق. فراجع.

هذا والتشريك في المزارعة بالمعني الذي ذكره الأصحاب.. تارة: يكون بالاشتراك بينهما في تمام الأعمال مقابل شيء من حصة المزارع. وأخري: يكون بتوزيع الأعمال بين المزارع وشريكه مع تقسيم الحصة بينهما، كما لو كان علي المزارع السقي والبذر مثلاً وعلي الشريك بقية الأعمال، كبذر الحب وتنقية الأنهر وقلع النبات الغريب وغير ذلك. لعدم الفرق بين الوجهين بالنظر لدليل التشريك المتقدم.

ص: 36

(37) بقي شيء. وهو أنه قد صرح غير واحد ويظهر من آخرين أن جواز مزارعة الغير وتشريكه في المزارعة مقتضي إطلاق عقد المزارعة، ولا يحتاج إلي استئذان صاحب الأرض فيهما إلا مع تقييد المزارعة بالمباشرة.

نعم وقع الكلام بينهم في توقف تسليم الأرض للمزارع الثاني أو الشريك مع الإطلاق علي إذن صاحب الأرض أو جوازه بدون إذنه، لأنه إذا كان مقتضي الإطلاق الإذن في المزارعة فهو يقتضي الإذن في لازمها، وهو تسليم الأرض.

ويظهر الحال في الأمر الأول مما سبق هنا في تعقيب كلام سيدنا المصنف (قدس سره) من أنه لابد في لزوم المباشرة وعدمه من التعرض لذلك في متن العقد ولو بقرائن الأحوال.

وأما الثاني فإن كان المراد بتسليم الأرض تمكينه من العمل فيها فالظاهر عدم وجوب استئذان مالك الأرض فيه، إذ بعد فرض إطلاق المزارعة بحيث لا تلزم المباشرة علي المزارع الأول فلابد من إطلاق الإذن له في العمل بنحو يشمل عمل غيره، لأن الإذن في الشيء إذن في لازمه.

وإن كان المراد به تسليم الأرض له بنحو يكون هو المستولي عليها دون المزارع الأول، فالظاهر لزوم الاستئذان فيه، لعدم استلزام المزارعة له، بل يمكن مزارعة الشخص ليعمل في الأرض مع بقائها تحت يد مالكها وإشرافه عليها.

وحينئذٍ لا يكون مقتضي إطلاق المزارعة بنحو لا تقتضي المباشرة مستلزماً للإذن في استيلاء غير المزارع الأول عليها، بل يتعين جواز عمل المزارع الثاني فيها من دون أن يستلمها ويستولي عليها، إلا بإذن المالك المستفاد صريحاً أو بقرائن الأحوال. وقد تقدم في المسألة الخمسين من كتاب الإجارة ما ينفع في المقام. فراجع، فإن المقامين من باب واحد.

ثم إنه قال في المسالك:

«واشترط بعضهم في جواز مزارعته غيره كون البذر منه، ليكون تمليك الحصة منوطاً به... ولأن البذر إذا كان من صاحب الأرض

ص: 37

فالأصل أن لا يتسلط عليه إلا مالكه، أو من أذن له، وهو الزارع».

وفي مفتاح الكرامة: «أنا تتبعنا كتب الأصحاب من المقنع إلي المسالك، فلم نجد أحداً حكاه، ولا نقل حكايته من الخاصة والعامة».

وكيف كان فكأن مرجع الوجه الأول من الاستدلال المتقدم إلي أن الحاصل لما كان نماء البذر فمقتضي تبعية النماء للأصل في الملكية عدم جواز تمليك الحصة منه لغير مالك البذر. ومرجع الثاني إلي أن التصرف في البذر بالسقي ونحوه مما يتوقف عليه الزرع لا يتسلط عليه إلا مالكه أو من أذن له، وإذا كان مالكه صاحب الأرض فهو لم يأذن إلا لمن زارعه هو، دون من يزارعه العامل أو يشاركه.

لكن يندفع الأول بأن المفروض أن المزارع الأول قد ملك الحصة التي له بالمزارعة فله أن يملكها أو يملك بعضها لمن يزارعه هو أو يشاركه. نعم ليس له أن يملك ما زاد عليها، لعدم ملكه للزيادة، ولا خلاف ولا إشكال في ذلك.

كما يندفع الثاني بأنه حيث كان المفروض عدم اشتراط المباشرة، وأن العمل المستحق بالمزارعة يعم عمل غير المزارع، فتصرف المزارع الثاني مأذون فيه بمقتضي المزارعة الأولي. وإلا لامتنع مزارعة الغير أو مشاركته حتي مع كون البذر للمزارع الأول، لاستلزامه التصرف في الأرض التي هي ليست ملكاً له، ولا يحق له الإذن في التصرف فيها، كما نبّه لذلك سيدنا المصنف (قدس سره).

بل حتي لو اشترط مباشرته للعمل بنفسه يصح له مزارعة غيره أو مشاركته إذا اشترط قيامه بنفسه بالعمل عن ذلك الغير تبرعاً أو بأجرة، كما نبّه له بعض مشايخنا (قدس سره). لعدم المحذور فيه بعد عدم منافاته لشرط المباشرة في المزارعة الأولي.

إلا أن يشترط عليه في المزارعة الأولي أن لا يخرج المزارعة عن نفسه، لأن صاحب الأرض يأبي أن يراجع غيره ويتعامل معه ولو بقسمة الحاصل، أو لغير ذلك.

نعم ذلك خارج عن مفروض كلامهم، لأن ظاهره فرض كون المزارع الثاني

ص: 38

(39)

(مسألة 2): إذا عيّن صاحب الأرض زرعاً بعينه (1) تعيّن (2)

هو العامل، ولذا يتوقف عندهم علي عدم اشتراط المباشرة. فلاحظ.

(1) لا يخفي أن المزارعة لما كانت عقداً لازماً قائماً بالطرفين فالتعيين في موضوعه والإطلاق تابع للطرفين معاً ولا يختص بصاحب الأرض، ولو اتفقا علي حال فليس لصاحب الأرض ولا للعامل فرض غيره. وهذا بخلاف مثل الوكالة التي هي عقد جائز، حيث يمكن وقوعها علي نحو الإطلاق، ثم للموكل التقييد، فيكون مرجعه إلي العدول عن الوكالة السابقة إلي وكالة جديدة بالمقيد. وحتي هذا راجع إلي اتفاقهما معاً علي المقيد وإلا لم يكن المقيد موضوعاً للوكالة، بل لمجرد الإذن من الموكل السابق. إذ لا يحتاج الإذن إلي قبول.

(2) بلا إشكال ظاهر، ونفي الخلاف فيه في الرياض، وادعي الإجماع عليه في الغنية. لعموم نفوذ العقود والشروط.

لكن في الشرائع والتذكرة والتحرير وظاهر الإرشاد جواز التعدي للأخف ضرراً علي الأرض. وكأنه لأن الإذن في الأشد ضرراً يقتضي الإذن في الأخف بالأولوية.

وفيه: أن ذلك إنما يتم إذا كان تعيين المزروع في العقد بلحاظ مقدار إضراره بالأرض من دون نظر لخصوصيته. أما إذا كان بلحاظ خصوصيته - لكونه مورد الحاجة أو لكثرة الحاصل منه أو لكونه أسرع إنتاجاً أو غير ذلك - فلا وجه للتعدي عنه للأخف، بل يتعين التقيد بما تضمنه العقد.

ولعله لذا أطلق في القواعد أن المالك يتخير مع التعدي عما عين في العقد بين الحصة وأجرة المثل، علي ما يأتي الكلام فيه. حيث يظهر من ذلك عدم جواز التعدي مطلقاً، لمخالفته لمقتضي العقد أو الشرط المستلزمة لجواز فسخ المالك والرجوع لأجرة المثل.

ص: 39

لكن مما سبق يظهر أن المتعين التفصيل بين ما إذا كان تعيين المزروع بلحاظ إضراره بالأرض وما إذا كان بلحاظ خصوصيته. غاية الأمر أن الأول يحتاج إلي عناية وقرينة.

هذا وفي فرض عدم جواز الخروج عما عين لو زرع العامل غير المعين فقد صرح من سبق بتخيير المالك بين أخذ أجرة المثل - الراجع لفسخ العقد - وأخذ الحصة - الراجع للعمل بمقتضي العقد - لكن مع أرش الأرض لو كان المزروع هو الأضر. وكأن وجه التخيير بين الحصة وأجرة المثل هو مخالفة الزارع للشرط المقتضي لخيار صاحب الأرض بين العمل بمقتضي العقد وفسخه.

وقد استشكل في ذلك في جامع المقاصد والمسالك والروضة بأن الحصة المسماة في العقد إنما هي من الزرع المعين فيه، فكيف تستحق من غيره؟!. وهو مبني علي كون الزرع المعين مقوم لموضوع العقد.

وقد منع من ذلك في الجواهر، مدعياً أن ذلك شرط زائد علي موضوع المزارعة، لأن المزارعة ليست إلا زرع الأرض بحصة من حاصلها كائناً ما كان، وليس تعيين المزروع إلا شرطاً لا أثر له لتخلفه إلا الخيار.

لكن قال سيدنا المصنف (قدس سره): «وهو كما تري، فإن الخصوصيات المقومة للمزارعة - من زارع ومزروع ومكان الزرع وزمانه - لابد أن تكون قيوداً لموضوع المزارعة، ويمتنع أن تكون شروطاً لها مجعولة بجعل مستقل، لأنها عينية غير قابلة للجعل المختص بالأمور الاعتبارية».

ويندفع بأن الشرط المدعي لا يرجع إلي اشتراط خصوصية الأمور المذكورة نفسها، بل إلي أن المأخوذ في قوام المزارعة هو الأمر الأعم، كمطلق الزرع في المقام، مع اشتراط تحقيق المطلق بالخصوصية المذكورة، ومن المعلوم أن اشتراط ذلك أمر قابل للجعل زائداً علي جعل المزارعة علي المطلق. نظير ما إذا زارعه واشترط عليه أن يكون المباشر للزرع فلاحاً خاصاً تابعاً له.

ص: 40

نعم لا يبعد كون المفهوم عرفاً من اشتراط نوع خاص من الزرع كونه مقوماً للمزارعة الواقعة بينهما، بحيث يكون تخلفه خروجاً عن مقتضاها، كما سبق من جامع المقاصد وغيره. غاية الأمر أنه يمكن إرادة اشتراط ذلك زائداً علي المزارعة بعناية وقرينة مخرجة عما يفهم من تعيين خصوصية المزروع بطبعه.

هذا ولو تم تقوم المزارعة بخصوصية المزروع المعينة في العقد - كما ذكره من سبق - فزرع العامل لغيره وإن خرج عن المزارعة الواقعة بينهما، إلا أن العامل حيث قصد زرعه بالحصة المذكورة في العقد فمرجعه إلي قصد مزارعة أخري غير المعقود عليها، وهي مزارعة فضولية يمكن لصاحب الأرض إمضاؤها والقبول بها، فيستحق الحصة من المزروع، كما يمكن له عدم إمضائها والرجوع لأجرة المثل للأرض.

والفرق بين ذلك وما سبق من الجواهر من البناء علي كون الخصوصية شرطاً أنه بناء علي الشرطية يستحق صاحب الأرض الحصة بالمزارعة الواقعة بينهما، وله فسخها - لمخالفة الشرط - والرجوع لأجرة المثل. أما بناء علي أن خصوصية المزروع قيد في المزارعة فصاحب الأرض يستحق بدواً أجرة المثل، لعدم العمل بالمزارعة الواقعة بينهما، إلا أن له إمضاء المزارعة التي قصدها الزارع، ويستحق بذلك الحصة.

ثم إنه سبق من الفاضلين أنه لو زرع الأرض كان لصاحب الأرض لو اختار الحصة أرش الأرض أيضاً. وقد علله في الجواهر بضمان النقص الحاصل في الأرض بسبب زرع الأضر.

لكن سبق أن استحقاق الحصة يبتني إما علي عموم المزارعة الواقعة بينهما للمزروع وهو الأضر، أو علي إمضاء المزارعة الأخري التي قصدها الزارع. وعلي كلا الوجهين لا مجال لاستحقاق الأرش، لأن ضرر الأرض الحاصل بزرع الأضر مقتضي المزارعة المفروض استحقاق الحصة بسببها.

ودعوي: أنه أقدم علي الرضا بالحصة من دون تعرض الأرض للضرر المذكور. مدفوعة بأنه إنما أقدم علي عدم إضرار الزرع بالأرض مع الحصة من الزرع المشروط،

ص: 41

(42) وإلا تخير الزارع فيزرع ما يشاء (1).

(مسألة 3): يجوز اشتراط شيء معين لأحدهما (2)

والمفروض عدم حصوله، وإنما أخذ الحصة من الزرع الواقع، وهي مما لم يقدم عليها ولا علي شيء معها وإنما استحقها بمزارعة تقتضيها وتقتضي الضرر تبعاً لها، ولا وجه مع ذلك لضمان الضرر. فلاحظ.

(1) هذا إذا أمكن إطلاق المزارعة، بحيث تقتضي التعميم، أما إذا علم بعدم إرادة الإطلاق بالنحو المذكور فلابد من تعيين المزروع في متن العقد حتي لو كان بالاتكال علي التعارف، كما تقدم منّا في أواخر الكلام في شروط المزارعة.

(2) كما في المختلف. وعن الكفاية أنه غير بعيد، وفي التحرير أن في البطلان بذلك نظر، وفي القواعد أن في البطلان به إشكال. وكأنه لعموم نفوذ العقد والشرط، بناء علي ما تقدم من شمول العموم المذكور لمثل المزارعة مما يتضمن تمليك أمر غير موجود أو مجهول.

لكن في صحيح الحلبي عن أبي عبد الله (عليه السلام): «قال: لا تقبل الأرض بحنطة مسماة، ولكن بالنصف والثلث والربع والخمس لا بأس به...»((1)). فإن بني علي ظهوره في لزوم الإشاعة في الثمرة فهو ظاهر في لزومها في تمام الثمرة، لا في الجملة ولو في بعضها. وإن بني علي ظهوره في جواز الإشاعة لا في لزومها - كما سبق منّا عند الكلام في الشرط الأول - فلا يبعد ظهوره في المقابلة بين المقدار المعين والإشاعة، والمنع من الأول مطلقاً ولو في بعض الثمرة. فتأمل جيداً.

ودعوي: أن عدم صحته مزارعة لا ينافي صحته في نفسه لعمومات النفوذ وإن لم يكن مزارعة. مدفوعة بأن ظاهر الصحيح انحصار القبالة الصحيحة بذلك، لا توقف وقوعها مزارعة عليه. ولعله لذا جزم بالبطلان جماعة، وفي المسالك وعن

********

((1) وسائل ج: 13 باب: 8 من أبواب كتاب المزارعة والمساقاة حديث: 3.

ص: 42

إذا علم ببقاء غيره لهما (1).

لكفاية أنه المشهور، وعن المفاتيح أنه الأشهر.

(1) لم أعثر عاجلاً علي التقييد بذلك في كلماتهم. نعم علل في الشرائع والتذكرة وغيرهما المنع من الشرط المذكور بجواز أن لا تحصل الزيادة. وهو يقتضي قصور المنع عما لو علم بحصولها، بل عما لو حصلت واقعاً وإن لم يعلم حين العقد، كما نبّه له سيدنا المصنف (قدس سره).

لكن قال (قدس سره): «لا يخفي ضعف التعليل، فإن الاحتمال المذكور لا يبطل المزارعة في صورة عدم الشرط فكيف صار يبطلها مع فرضه؟!». وهو راجع إلي أنه لا يشترط في المزارعة العلم بسلامة الحاصل الذي يقسم بينهما. ومن هنا لا يتضح الوجه في التقييد المذكور. بل يتعين البناء علي الصحة مطلقاً، عملاً بعموم نفوذ العقد والشرط، أو علي البطلان مطلقاً، كما هو غير بعيد، للصحيح المتقدم.

هذا وقد صرح جماعة بجواز اشتراط أحدهما علي الآخر شيئاً من ذهب أو فضة في الذمة زائداً علي الحصة، بل حتي من غيرهما، كما هو مقتضي إطلاق الشرائع والتذكرة وغيرهما، وهو المشهور، كما في المسالك والجواهر، بل في المسالك: «والقول بالمنع لا نعلم القائل به». لكن ظاهر الشرائع وصريح التذكرة وجود القائل بذلك.

وكيف كان فمقتضي عموم نفوذ العقد والشرط الجواز، ولا مخرج عن ذلك، لظهور اختصاص صحيح الحلبي المتقدم بالحصة من الحاصل والمقدار المعين منه، بل لا إشكال في جواز قبالة الأرض في الجملة - ولو بنحو الإجارة - بمقدار معين في الذمة.

وقد استدل في مفتاح الكرامة وعن غيره - مضافاً إلي ذلك - بحديث محمد بن سهل عن أبيه: «سألت أبا الحسن موسي (عليه السلام) عن الرجل يزرع الحراث بالزعفران، ويضمن له علي أن يعطيه في كل جريب يمسح عليه وزن كذا وكذا درهماً. فربما نقص

ص: 43

وغرم، وربما استفضل وزاد. قال: لا بأس به إذا تراضيا»((1)).

ولا يبعد اعتبار سنده، إذ ليس فيه من لم ينص علي توثيقه غير محمد بن سهل، ومن القريب جداً استفادة وثاقته من رواية غير واحد من الأعيان عنه منهم أحمد بن محمد بن عيسي الذي حكي عنه أنه أخرج البرقي من قم لأنه يروي عن الضعفاء ويعتمد المراسيل. فإن ذلك وإن لم يكن قادحاً فيه ولا مبرراً لإخراجه من قم، ولذا حكي عن أحمد تراجعه عن ذلك، إلا أن إقدام أحمد علي ذلك لا يتناسب مع كونه بنفسه يروي عن الضعفاء. ومثله ما عن نصر بن الصباح من أنه كان لا يروي عن ابن محبوب من أجل أن أصحابنا يتهمون ابن محبوب في روايته عن أبي حمزة الثمالي ثم تاب ورجع عن هذا القول. ويؤيد وثاقة محمد بن سهل رواية الصدوق (قدس سره) للحديث عن كتاب محمد بن سهل في الفقيه الذي صرح بأنه لا يروي فيه إلا ما هو حجة بينه وبين الله تعالي ويفتي به، وأنه مأخوذ من كتب مشهورة عليها المعول عند الطائفة.

وأما دلالته فقد استشكل فيها سيدنا المصنف (قدس سره) بظهور الحديث في اشتراط حصة معينة من الحاصل لا من غيره. ويندفع بأنه كالصريح في أن المشروط لصاحب الأرض مقدار معين من جنس الحاصل في ذمة المزارع، لا من عين الحاصل، كما في المزارعة، وإن كان وفاؤه قد يكون من عين الحاصل. ولذا قال السائل: «فربما نقص وغرم»، فإن غرمه فرع انشغال الذمة به. علي أنه إذا صح اشتراط مقدار معين من الحاصل صح اشتراط مقدار معين من غيره أو في الذمة بعدم الفصل أو بالأولوية.

فالعمدة في الإشكال في الاستدلال بالحديث أنه أجنبي عن محل الكلام، لظهوره في إجارة الأرض بالمقدار المعين، لا في مزارعتها به، للاقتصار فيه علي المقدار المضمون من دون إشارة معه للحصة المشاعة، التي لابد منها في المزارعة. ومن هنا كان الظاهر انحصار الدليل بالعمومات المشار إليها آنفاً.

بقي في المقام أمران:

********

((1) وسائل الشيعة ج: 13 باب: 14 من أبواب كتاب المزارعة والمساقاة حديث: 1.

ص: 44

(45) (45) الأول: صرح جماعة ممن أجاز الشرط المذكور بكراهته. ولم يتضح الوجه في ذلك. قال في مفتاح الكرامة: «وأما الكراهة فالظاهر انعقاد الإجماع عليها في المساقاة، ولا فرق ولا فارق...»، ثم حاول الاستدلال علي ذلك بما لا مجال لإطالة الكلام فيه، لوضوح ضعفه. فراجع.

الثاني: قال في المسالك بعد أن تعرض للخلاف في الشرط المذكور: «وعلي القول بالجواز يكون قراره مشروطاً بالسلامة، كاستثناء أرطال معلومة من الثمرة في البيع. ولو تلف البعض سقط منه بحسابه، لأنه كالشريك وإن كانت حصة معينة. مع احتمال أن لا يسقط منه شيء بتلف البعض متي بقي قدر نصيبه، عملاً بإطلاق الشرط». وصرح في النهاية والمهذب في المساقاة بسقوط الشرط المذكور مع تلف الثمرة بآفة سماوية.

لكن لا مجال لقياس المقام باستثناء أرطال معلومة من الثمرة في البيع، لوضوح كون المستثني هناك جزءاً من عين الثمرة المبيعة، والمشروط هنا مباين لها موجود في الخارج أو متعلق بالذمة، فهو مباين لها، فلا وجه لدخول النقص عليه، كما نبّه لذلك غير واحد.

ومن ثم احتمل في الجواهر أو مال إلي أن مراد الشهيد (قدس سره) ذلك في الصورة الأولي، وهي ما إذا كان المشروط مقداراً من الحاصل.

لكن ذلك خلاف ظاهر ما سبق من المسالك جداً. علي أن الأمر حتي في ذلك يختلف باختلاف القصد من الشرط، فإن أريد تقديم المقدار المشروط علي القسمة، نظير اشتراط استثناء الخراج، تعين عدم دخول النقص عليه، وإن أريد به مجرد استحقاقه في الحاصل نظير استحقاق الحصة تعين دخول النقص عليه، كما لعله ظاهر. ويأتي إن شاء الله تعالي في المسألة الحادية عشرة من الفصل الثاني ما ينفع في المقام.

هذا وعلي القول بدخول النقص عليه فالظاهر اختصاصه بما إذا كان التلف

ص: 45

(46)

ويجوز اشتراط مقدار البذر لمن كان منه (1)

عد نضوج الحاصل وصلوحه للقسمة، دون ما إذا كان راجعاً إلي حصول الآفة المانعة من بلوغ بعض الحاصل، نظير ما سبق في بيع الثمرة، لأنهما عرفاً من باب واحد. فراجع ما تقدم في المسألة العاشرة من فصل بيع الثمار. والله سبحانه وتعالي العالم.

(1) كما في النهاية والمهذب والسرائر واستحسنه في التحرير، وهو مقتضي ما سبق من المختلف وغيره من إطلاق جواز اشتراط شيء معين من الحاصل. ومنع منه في جامع الشرائع والإيضاح وجامع المقاصد والروضة وغيرها، وهو مقتضي إطلاق من سبق منه المنع من اشتراط شيء لأحدهما من الحاصل.

والظاهر أن مورد كلامهم ما إذا كان البذر من أحدهما دون الآخر، بحيث لو لم يحصل شيء أو تلف الحاصل لا يرجع بشيء علي صاحبه، دون ما إذا كان منهما معاً، وبذله أحدهما علي أن يرجع علي صاحبه بما يقابل حصته منه تبعاً لحصته من الحاصل، حيث يكون الرجوع حينئذٍ بمقدار البذر لهما معاً، لا لخصوص أحدهما.

وكيف كان فكأن وجه المنع إما قصور العمومات عن مثل المزارعة، أو ما في التنقيح من أنه قد لا يزيد عن مقدار البذر شيء، فيلزم الغرر، أو ظهور صحيح الحلبي السابق في اعتبار كون حصة كل منهما مشاعة في تمام الحاصل.

لكن سبق المنع من الأول. وكذا الثاني، ولاسيما مع ابتناء المزارعة علي الغرر. مضافاً إلي أن عدم إخراج مقدار البذر حينئذٍ يستلزم خسارة باذل البذر له بتمامه، فيلزم الغرر له من هذه الجهة زائداً علي الغرر في أصل المزارعة. فلم يبق إلا الثالث.

لكن سبق في معتبر إبراهيم الكرخي: «قلت لأبي عبد الله (عليه السلام): أشارك العلج [المشرك. فقيه] فيكون من عندي الأرض والبذر والبقر، ويكون علي العلج القيام والسقي [والسعي. فقيه] والعمل في الزرع حتي يصير حنطة أو شعيراً، وتكون القسمة فيأخذ السلطان حقه [حظه. فقيه] ويبقي ما بقي علي أن للعلج منه الثلث ولي

ص: 46

لباقي. قال: لا بأس بذلك. قلت: فلي عليه أن يرد علي مما أخرجت الأرض البذر ويقسم ما بقي؟ قال: إنما شاركته علي أن البذر من عندك وعليه السقي والقيام [القيام والسعي. فقيه]»(((1))).

وهو ظاهر في أن منشأ عدم استثناء مقدار البذر قبل القسمة ليس هو امتناع استثنائه مطلقاً، بل هو الشرط الحاصل بينهما من كون البذر من صاحب الأرض مطلقاً كالبقر والأرض، وأنه لو لم يكن الشرط بينهما كذلك، بل تحمله للبذر إذا لم يف الحاصل به كان له استثناؤه.

وأما ما ذكره بعض مشايخنا (قدس سره) من ظهوره في بيان أن الحاصل قد نتج من أمرين البذر من جهة والعمل من جهة أخري فيكون موزعاً بينهما، فهو علي عدم جواز استثناء مقدار البذر أدل.

فهو كما تري، إذ لا تعرض في الجواب للحاصل ولا لكيفية قسمته، وإنما تضمن تعليل عدم الاستثناء بالاشتراط المذكور لجواز الاستثناء مع الاشتراط، لارتفاع المانع.

وفي صحيح يعقوب بن شعيب عنه (عليه السلام): «سألته عن الرجل تكون له الأرض من أرض الخراج، فيدفعها إلي الرجل علي أن يعمرها ويصلحها ويؤدي خراجها، وما كان من فضل فهو بينهما...»(((2))). وهو وإن لم يصرح فيه بالبذر، إلا أن من المعلوم أن المطلوب ممن يدفع له الأرض ليس خصوص عمرانها وإصلاحها بمثل شق الأنهار فيها وحرثها، بل ما يعم زرعها، لأنه هو المطلوب بالأصل والذي يؤدي منه الخراج، ويكون منه الفضل. فيدل علي جواز استثناء جميع مؤن الزرع، ومنها البذر. ومن هنا لا ينبغي الإشكال في ذلك.

********

((1) وسائل الشيعة ج: 13 باب: 10 من أبواب كتاب المزارعة والمساقاة حديث: 1.

((2) وسائل الشيعة ج: 13 باب: 10 من أبواب كتاب المزارعة والمساقاة حديث: 2.

ص: 47

(48) واستثناء خراج السلطان (1) وما يصرف في تعمير الأرض (2).

(مسألة 4): يجوز لكل من صاحب الأرض والزارع أن يخرص الزرع (3)

(1) لا شبهة في ذلك، كما في مجمع الفائدة ومفتاح الكرامة. واستدل عليه في الأول بالنص والإجماع. وكأن مراده بالنص صحيح يعقوب بن شعيب ومعتبر الكرخي المتقدمان.

(2) بلا إشكال ظاهر. ويقتضيه صحيح يعقوب بن شعيب المتقدم. والمنصرف منه خصوص العمران الذي يكون مقدمة للزرع.

(3) لما كان لزوم الخرص مشروطاً برضاهما معاً لما يتضمنه من تعيين حق كل منهما في المجموع، فهو عقد يقوم بهما معاً، وينسب لهما معاً. ونسبته لأحدهما مع اعتبار رضا الآخر إنما هو بلحاظ سبقه بعرضه علي صاحبه.

وكيف كان فقد صرح بذلك جمهور الأصحاب. والنصوص به مستفيضة، كصحيح يعقوب بن شعيب: «سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن المزارعة. فقال: النفقة منك والأرض لصاحبها، فما أخرج الله من شيء قسم علي الشرط. وكذلك قبل رسول الله (ص) خيبر... فلما بلغ الثمر أمر عبد الله بن رواحة فخرص عليهم النخل، فلما فرغ منه خيّرهم، فقال: قد خرصنا هذا النخل بكذا وكذا صاعاً، فإن شئتم فخذوه وردوا علينا نصف ذلك، وإن شئتم أخذناه وأعطيناكم نصف ذلك. فقالت اليهود: بهذا قامت السماوات والأرض»(((1)))، وغيره(((2))). ولم يعرف الخلاف فيه إلا من السرائر. وقد تقدم الكلام فيه وفي بعض فروعه في المسألة الثامنة عشرة من فصل بيع الثمار من كتاب البيع.

********

((1) وسائل الشيعة ج: 13 باب: 10 من أبواب بيع الثمار حديث: 5.

((2) راجع وسائل الشيعة ج: 13 باب: 10 من أبواب بيع الثمار، وباب: 14 من أبواب كتاب المزارعة والمساقاة.

ص: 48

بعد إدراكه (1)

(1) كما في مجمع الفائدة. وقد عبر بالبلوغ في المهذب والمسالك والرياض ومفتاح الكرامة. ويقتضيه مرسل محمد بن عيسي عن بعض أصحابه: «قلت لأبي الحسن (عليه السلام): إن لنا أكرة فنزارعهم [فيجيئون] فيقولون قد حزرنا هذا الزرع بكذا وكذا، فأعطوناه ونحن نضمن أن نعطيكم حصته [حصتكم] علي هذا الحزر. قال: وقد بلغ؟ قلت: نعم. قال: لا بأس...»(((1))).

لكن قد يشكل الاستدلال به بلحاظ إرساله، وعدم وضوح انجباره بعمل الأصحاب، لقلة المصرحين بذلك خصوصاً من القدماء. وما ذكره سيدنا المصنف (قدس سره) من أن ظاهر المسالك المفروغية عن ذلك لا يخلو عن إشكال، كالإشكال بالاكتفاء بذلك في جبر ضعفه.

ومثله ما ذكره (قدس سره) من الاستدلال بالصحاح المتضمنة إرسال النبي (ص) عبد الله بن رواحة لأهل خيبر بعد ما أدركت الثمرة أو بلغت فخرصها عليهم وخيّرهم قال (قدس سره): «فإن ذكر القيد المذكور في مقام البيان يدل علي اعتباره في الحكم».

إذ فيه: أن ذلك إنما يتم إذا كان في مقام شرح الخرص المشروع، ولا ظهور لهذه النصوص - ومنها ما تقدم - في ذلك، بل في مجرد حصوله بالنحو المذكور من دون ظهور لها في التحديد والحصر.

ومن هنا فقد استدل علي ذلك بعض مشايخنا (قدس سره) بأن صحة قسمة المعدوم تحتاج إلي دليل. لكن المراد بذلك إن كان هو القسمة المقتضية لفعلية ملكية أحد الطرفين للقسم المعين له فهو ممتنع، لامتناع ملكية المعدوم. وإن كان المراد هو ثبوت حق له في الزرع يقتضي ملكيته للقسم المعين من الحاصل حين ظهوره فلا محذور فيه، بل هو مقتضي عموم نفوذ العقود. نظير ما تقدم في تقريب شمول عمومات النفوذ

********

((1) وسائل الشيعة ج: 13 باب: 10 من أبواب بيع الثمار حديث: 4.

ص: 49

بمقدار معين منه بشرط رضا صاحبه (1)، فيكون الزرع له ولصاحبه المقدار المعين (2). وإذا تلف الزرع أو بعضه كان عليهما معاً (3).

ثل المزارعة.

نعم قد يقال: الخرص هو الحدس في تقدير الشيء. وحيث كان الغرض منه تعيين حق كل منهما وكان موضوع حق كل منهما هو الثمرة البالغة وهي التي يراد تسليمها لمن يرضي بالخرص تعين كونها هي الموضوع للخرص، وانصراف إطلاق النصوص والفتوي لذلك، كما تضمنه المرسل. وأما تقدير ما يبلغ من الثمرة بمقدار خاص قبل بلوغها لدفع الحصة منه بعد البلوغ فليس خرصاً لموضوع الحق، بل مصالحة عن الحق قبل تحقق موضوعه. وهي معاملة أخري قد تقتضي صحتها عمومات الصلح، لولا قرب نهوض المرسل بالمنع منه، لقرب انجباره بعمل الأصحاب، لما ذكرنا من انصراف إطلاق الفتوي لمضمونه. فتأمل جيداً.

هذا وفي المسالك والرياض وعن المفاتيح والكفاية أن معيار البلوغ انعقاد الحب، وعن المهذب البارع: «وإنما يجوز بعد صيرورته سنبلاً». ولم يتضح الوجه في ذلك لظهور البلوغ والإدراك في النصوص في نضوج الثمرة، بحيث تصلح للقطف. كما أن المراد بالخرص دفع المقدار الذي يقتضيه من الثمرة الناضجة.

(1) بلا إشكال ظاهر. وبه صرح غير واحد. وقد تقدمت منّا الإشارة إلي وجهه. نعم قد يظهر من صحيح يعقوب بن شعيب المتقدم ونحوه لزوم اختيار أحد شقّي الترديد بمجرد عرض أحدهما له. لكن لابد من حمله علي مجرد كون الخرص بالنحو المذكور مبنياً علي الإنصاف من دون إلزام بقبوله. غاية الأمر أنه لو قبل به الطرف الآخر كان لازماً عليهما، كما سبق في المسألة الثامنة عشرة من فصل بيع الثمار.

(2) يعني: من الحاصل نظير الكلي في المعين.

(3) هذا إذا رجع الخرص إلي استحقاق كل منهما للمقدار المعين من نفس

ص: 50

(51)

(مسألة 5): إذا بطلت المزارعة، فإن كان البذر لمالك الأرض كان الزرع له (1)، وعليه للزارع أجرة عمله (2).

الحاصل، كما لعله مفروض كلامهم هنا. أما إذا رجع إلي استحقاقه له في ذمة صاحبه مع استقلال صاحبه بتمام الحاصل فلا وجه لتحمله النقص، كما تقدم في المسألة المذكورة. فراجع.

(1) كما صرح به غير واحد، بل الظاهر عدم الخلاف فيه، كما لا ينبغي الإشكال فيه. لتبعية النماء في الملكية لأصله، وهو البذر في المقام.

(2) كما صرحوا به من دون ظهور إشكال بينهم، بل يظهر منهم إرساله إرسال المسلمات. لاحترام عمله عرفاً وارتكازاً بعد عدم صدوره علي نحو المجانية، بل مبنياً علي العقد مع انتفاع المالك به، نظير ما تقدم في الإجارة. فراجع المسألة الثامنة والعشرين والثامنة والسبعين من كتاب الإجارة. كما يتعين ضمانه أجرة آلات الزارع وعوامله التي استعملها في الزرع بملاك ضمانه لعمله.

هذا وقد خص في العروة الوثقي الضمان بالعمل بالزرع، كنثر البذر وسقيه ونحوهما، دون مقدمات ذلك كحفر النهر وكري الأرض ونحوهما. وكأنه لكون موضوع المعاملة التي اقتضت العمل هو الزرع، دون المقدمات المذكورة، وإن قام بها الزارع تبعاً.

لكن الظاهر عموم الضمان لكل ما يكون القيام به من شؤون الزارع بما هو زارع، بحيث يؤتي به في مقابل الحصة المتوقعة لا مجاناً من دون أن يقابل بشيء، لتسقط حرمته بذلك.

نعم ما كان خارجاً عن ذلك مما يعد من المقدمات عرفاً، كنقل آلات العمل، يتجه عدم ضمانه، لعدم الاتيان به في مقابل الحصة، بل مجاناً من أجل تحقيق العمل المقابل بالحصة، فلا وجه لضمان مالك الزرع له.

ص: 51

(52) (52)

وإن كان للزارع كان الزرع له (1) وعليه لصاحب الأرض أجرة أرضه (2). وإن كان لهما معاً كان الزرع لهما علي النسبة (3). ولكل منهما علي صاحبه

الأول: أن هذا لا يجري فيما إذا كان البطلان بسبب عدم كمال صاحب الأرض، فإن عمل العامل وإن لم يكن مجانياً، إلا أن ملاك الضمان لما كان هو استيفاء العمل، فالاستيفاء موقوف علي الاعتداد بقصد المستوفي للاستيفاء، أما مع عدم الاعتداد بقصده - لقصوره - فلا مجال لتضمينه، لأن التضمين نحو من المسؤولية فلا تترتب مع عدم الاعتداد بالقصد. بخلاف استيفاء المنفعة المباشرة فإن ملاك الضمان فيها الإتلاف الخارجي من دون أن يؤخذ فيه القصد. فلاحظ.

الثاني: أنه قد يقيد الضمان - كما في كلام غير واحد - بما إذا لم يعلم العامل بفساد المعاملة. لدعوي: أنه مع علمه بذلك يكون مقدماً علي كون عمله مجاناً بلا عوض فتسقط حرمته. لكن العلم بالفساد لا يقتضي الإقدام علي المجانية، ولا يقتضي هدر حرمة المال والعمل علي ما تقدم في أواخر المسألة الثالثة عشرة من فصل شروط العقد من كتاب البيع. فراجع.

(1) لما سبق من تبعية النماء للأصل في الملكية ويظهر منهم المفروغية عنه كسابقه.

(2) بلا إشكال ظاهر ولا خلاف. لضمانه منفعتها بالاستيفاء. كما يجب عليه تفريغها مما أشغلها به من آلات ونحوها، ويضمن نقصها بمثل الحفر ونحوه، لانكشاف عدم استحقاقه ذلك، كما هو ظاهر. ويضمن أيضاً أجرة آلات صاحب الأرض وعوامله التي استعملها في الزرع بعين ملاك ضمانه لأجرة أرضه.

(3) يعني: نسبة حصة كل منهما من البذر. ووجهه ظاهر.

ص: 52

أجرة ما يخصه من تلك النسبة (1).

(1) فصاحب الأرض يستحق علي الزارع من أجرة أرضه بنسبة حصة الزارع من البذر والزرع، والزارع يستحق علي صاحب الأرض من أجرة عمله بنسبة حصة صاحب الأرض من البذر والزرع. ويظهر وجهه مما سبق.

ويجري نظير ذلك فيما لو كان البذر من ثالث لو تم ما يأتي في المسألة التاسعة. حيث يتعين حينئذٍ كون الزرع لصاحب البذر، وعليه أجرة الأرض لصاحبها، وأجرة العمل للزارع، لعين ما سبق.

بقي في المقام أمران:

الأول: لو ظهر بطلان المزارعة قبل إدراك الزرع فإن كان البذر للمالك فلا إشكال، وإن كان للزارع فهل لمالك الأرض إزالته - كما ذكره بعض مشايخنا (قدس سره) - أو يجب عليه إبقاؤه؟

لم أعثر عاجلاً علي من تعرض للفرض المذكور ممن سبق. نعم تعرضوا لنظيره، وهو ما إذا انقضت المدة في الإجارة والمزارعة قبل إدراك الزرع. حيث اختلفوا في وجوب إبقائه علي المالك بأجرة، أو تخييره بين ذلك وقلعه مع دفع الأرش، أو أن له قلعه من دون أرش إلي غير ذلك. وقد تقدم نظيره أيضاً في فصل الخيار من كتاب البيع فيما إذا فسخ المغبون وكانت العين مشغولة بمثل الزرع مما يتضرر صاحبه بقلعه.

وقد ذكرنا هناك أن مقتضي قاعدة نفي الضرر في حق صاحب الزرع قصور سلطنة مالك الأرض عن قلعه، بل يتعين عليه إبقاؤه بأجرة المثل، أو قلعه مع تدارك ضرر صاحبه. إلا أن يكون بقاؤه مضراً بصاحب الأرض، فتسقط قاعدة الضرر في حق صاحب الأرض، ويكون مقتضي قاعدة السلطنة في حقه جواز مطالبته بقلعه من دون أرش علي تفصيل تقدم هناك. فراجع المسألة الثلاثين من الفصل المذكور، فإن المقامين من باب واحد.

ص: 53

(54)

(مسألة 6): إذا تسلم الزارع الأرض فلم يزرع حتي انقضت المدة ففي ضمانة أجرة المثل لصاحب الأرض (1)

الثاني: يأتي في المسألة الثامنة إن شاء الله تعالي عدم ترتب الضمان في بعض صور البطلان. فراجع.

(1) كما في الشرائع والتذكرة والتحرير والإرشاد والمسالك وغيرها. قال سيدنا المصنف (قدس سره): «وهو المنسوب إلي ظاهر الأصحاب في كلام غير واحد». وكأنه للبناء علي ضمان المنافع غير المستوفاة.

واستشكل فيه في الجواهر بعدم العدوان في اليد، لتكون مضمنة. لكن الإذن في قبض الأرض تبعاً لعقد المزارعة يختص بما إذا زرع الأرض، ولا إذن مع عدم زرعها، فتكون اليد حينئذٍ عدوانية مضمنة.

وقد خصه في المسالك بما إذا كان مختاراً في عدم الزرع، دون ما إذا كان مضطراً، لعدم التقصير حينئذٍ. لكن الاضطرار إنما يرفع الإثم دون الضمان بعد قصور الإذن في القبض عن صورة عدم الزرع، كما نبّه له غير واحد.

نعم تكرر من سيدنا المصنف (قدس سره) ومنّا الإشكال في ضمان المنافع غير المستوفاة، بل سبق منّا المنع منه.

قال سيدنا المصنف (قدس سره): «إلا أن يقال: يكفي في الضمان عموم قاعدة ما يضمن بصحيحه يضمن بفاسده، ولما كانت منفعة الأرض مضمونة في المزارعة الصحيحة بالحصة فهي مضمونة في المزارعة الفاسدة بالأجرة. كذا استدل. وفيه تأمل».

ولعل منشأ التأمل أن القاعدة المذكورة إنما تقتضي الضمان مع تحقق مقتضيه من يد أو استيفاء أو نحوهما، في مقابل قاعدة ما لا يضمن بصحيحه لا يضمن بفاسده، الراجعة إلي عدم الضمان مع الفساد حتي مع وجود المقتضي له، كالعارية بالعقد الفاسد إذا قبضها المستعير فاستوفي منفعتها أو تلفت هي عنده، حيث لا يضمنها

ص: 54

وإن كانت تحت يده ولا يضمن منفعتها وإن استوفاها، لابتناء عقد العارية علي عدم ضمانهما.

أما مع عدم وجود المقتضي للضمان فلا مجال للضمان بالعقد الفاسد حتي لو كان ضمانياً، كما لو اشتري بالبيع الفاسد عيناً فأودعها عند البائع وتلفت، حيث لا مجال للبناء علي ضمان المشتري لها للقاعدة المذكورة. وما ذلك إلا لعدم المقتضي له بعد فرض عدم وضعه يده علي العين التي اشتراها.

علي أنه لم يتضح الوجه في بطلان المزارعة في المقام، فإن عدم زرع الزارع في تمام المدة مع إمكانه فيها لا يفسد المزارعة، بل ينهي أمدها، كما لو زرعها. فلاحظ.

ومثله ما يظهر منه (قدس سره) من أن الضمان في المقام من ضمان المعاوضة، قال (قدس سره): «إذ المزارعة إما أن تكون عبارة عن بذل الأرض في مقابل العمل، أو بذل الأرض في مقابل الحصة من الزرع، كما قد يظهر من الأصحاب، وكيف كان فهي معاوضة، فإذا بطلت، لعدم العمل أو لعدم الحصة كان موضوعها مضموناً بضمان المعاوضة، وهو نوع آخر من أنواع الضمان، لا يكون باليد ولا يكون بالإتلاف، فإن المبيع مضمون علي المشتري إذا قبضه فتلف ففسخ البيع، وكذلك الثمن مضمون علي البائع فتلف ففسخ البيع، وكذلك الحكم في سائر المعاوضات إذا وقع القبض، فإن القبض موجب للضمان عند بطلان المعاوضة وإن كان قبضاً لماله لا لمال غيره. ومنها المقام، فإن الأرض إذا قبضها العامل من المالك ليزرعها فلم يفعل مضمونة علي العامل عند انفساخ المزارعة بتعذر العمل أو بتعذر الحصة».

إذ فيه.. أولاً: أن المزارعة ليست معاوضة بين منفعة الأرض والعمل، لأن فائدة كل من الأرض والعمل هو الحاصل المشترك بين صاحب الأرض والزارع، ولا يختص صاحب الأرض بفائدة العمل، ولا الزارع بفائدة الأرض. كما أنها ليست معاوضة بين منفعة الأرض والحصة، لظهور أن الحصة قد تكون بمقتضي الأصل لصاحب الأرض بلا حاجة إلي عوض، كما إذا كان البذر منه أو منهما معاً، وضوح

ص: 55

أن مفاد المزارعة لا يختلف باختلاف صورها من حيثية كون البذر من صاحب الأرض أو من الزارع أو منهما معاً. مضافاً إلي أن الحصة قد لا تحصل، لعدم إنتاج الزرع، فكيف تكون طرفاً للمعاوضة مع منفعة الأرض التي تبتني المزارعة علي استيفائها؟!. ومن ثم سبق منّا عند الكلام في حقيقة المزارعة أنها ليست من المعاوضات، بل هي تبتني علي محض الاتفاق بين الطرفين علي توزيع المسؤوليات والحاصل بين الطرفين.

نعم لا إشكال في أنها لا تبتني علي بذل العمل أو منفعة الأرض مجاناً، بحيث يكون مهدوراً من قبل صاحبه، كما في العارية والعمل التبرعي، ليكون ذلك مانعاً من ضمانهما لو تحقق مقتضيه.

وثانياً: أن ضمان المعاوضة راجع أن ملك التالف للمضمون بضمان المعاوضة لا يرفع ضمانه بعد أن أخذه مضموناً بالثمن لا مجاناً، وذلك إنما يكون بعد الفراغ عن تحقق سبب الضمان، كقبض أحد العوضين في البيع وقبض الأجرة واستيفاء المنفعة في الإجارة ونحوها. ومن الظاهر في المقام عدم استيفاء الزارع منفعة الأرض، بل فاتت منفعتها تحت يده من دون استيفاء. فإن قلنا بضمان المنافع غير المستوفاة تعين الضمان في المقام - كما سبق - من دون حاجة لضمان المعاوضة، لقصور الإذن في قبض الأرض عن صورة عدم زرعها، فهي كالمغصوبة، وإن قلنا بعدم ضمان المنافع غير المستوفاة لم ينفع ضمان المعاوضة في إثبات الضمان في المقام.

ويظهر من بعض مشايخنا (قدس سره) أن منشأ الضمان هو تفويت الزارع منفعة الأرض علي مالكها. ولذا عممه إلي ما إذا كانت الأرض تحت يد مالكها، لكنه لا يعلم بأن الزارع لم يزرعها، لنسبة تفويت منفعة الأرض للعامل حينئذٍ، بخلاف ما إذا كان عالماً بذلك، حيث يكون هو المفوت للمنفعة علي نفسه عرفاً.

لكن لم يتضح الوجه في مضمنية تفويت المنفعة لها، كما سبق منّا في المسألة الخامسة والعشرين من كتاب الإجارة وغيرها. ولو تم فقد لا يصدق التفويت من لزارع لو كانت الأرض تحت يده، لعجزه عن العمل. بل قد يستند التفويت لغيره،

ص: 56

كما لو حبسه الظالم. وقد يستند التفويت له لو كانت الأرض تحت يد صاحبها وعلم بعدم زرع الزارع لها، كما لو لم يتيسر له من يزرعها بدله.

هذا وقد ذكر في المقام وجوه أخر..

الأول: ما ذكره في العروة الوثقي احتمالاً. وهو ضمان العامل ما يعادل الحصة المسماة للمالك بحسب التخمين في تلك السنة. وكأنه لأنها هي حق مالك الأرض بمقتضي عقد المزارعة، فيكون الزارع ضامناً لها بتركه للعمل.

وفيه: أن ملكية صاحب الأرض للحصة ليست فعلية. حيث لا يملك الحصة خارجاً، لعدم وجودها، ولا في ذمة العامل، لعدم ابتناء عقد المزارعة علي ذلك، ولاسيما مع عدم اطراد اليقين بحصولها، بل قد يحتمل عدم حصولها، لعدم إنتاج الزرع.

غاية الأمر أنه يملك الحصة علي تقدير إنتاج الزرع ووجود الحاصل، فترك الزرع لا يتلف الحصة المملوكة لصاحب الأرض، ليكون ضامناً لها، بل لا يحصل معه الموضوع لها، وهو حاصل الأرض، ولا يتضح الوجه في الضمان بذلك.

ومثله دعوي: أنه بترك العمل قد فوّت عليه الحصة، إذ لا دليل علي مضمنية التفويت، ولاسيما مع عدم اليقين بحصول الحصة علي تقدير العمل.

الثاني: ضمان قيمة ما يناسب الحصة من منفعة الأرض وعمل العامل، كربع كل منهما أو ثلثه أو نصفه. وفي العروة الوثقي أنه الأوجه من بقية الوجوه التي ذكرها. وكأنه لأن الحصة من الحاصل نتيجة النسبة المذكورة من منفعة الأرض والعمل، فيكون ملكه للحصة نتيجة لملكهما، فيكونان مضمونين علي العامل. وهو يناسب كون المضمون من منفعة الأرض خصوص منفعة زرعها، لأنها هي التي تكون الحصة نتيجة لها.

وفيه.. أولاً: أن مفاد عقد المزارعة ملكية صاحب الأرض للحصة، لا ملكيته

ص: 57

نشئها من منفعة الأرض والعمل. بل ملكيته لمنفعة الأرض تابعة لملكيته للأرض، ولا دخل لعقد المزارعة فيها.

وثانياً: أن ذلك يبتني علي ضمان منفعة الأرض والعمل بالتفويت. وقد سبق منّا هنا الإشكال في ضمان منفعة الأرض بالتفويت، كما سبق في المسألة الثامنة من كتاب الإجارة المنع من ضمان العمل بالتفويت.

الثالث: ما ذكره سيدنا المصنف (قدس سره) من ضمان قيمة العمل بتمامه لأن المزارعة مأخوذة من الزرع، فهي مبنية علي المعاوضة بين منفعة الأرض وعمل الزارع، والحصة من سنخ الشرط. ومرجع ذلك إلي ملكية صاحب الأرض عمل الزارع، فيضمنه الزارع له إذا لم يأت به.

وفيه.. أولاً: أن مجرد كون المزارعة مأخوذة من الزرع لا يستلزم ابتناءها علي المعاوضة بين منفعة الأرض والعمل، بحيث يملك صاحب الأرض عمل الزارع، بل الظاهر ابتناؤها علي توزيع المسؤوليات والنتائج من دون معاوضة تقتضي تبادل الملكيتين، بل مجرد نحو من الاستحقاق نظير استحقاق الشرط، كما ذكرناه آنفاً، فلا يكون العمل مضموناً بقيمته، كما لا يكون الشرط مضموناً.

وثانياً: ما ذكره هو (قدس سره) من أنه ليس البناء علي ضمان العمل المملوك بفوته، كما سبق في المسألة الثامنة من كتاب الإجارة علي ما أشرنا إليه آنفاً، وإن كان هو قد لا يناسب بعض كلماته في كتاب الإجارة. فراجع.

هذا وقد يقال: المزارعة وإن لم تكن معاوضة، والتفويت وإن لم يكن من حيث هو سبباً للضمان، إلا أن صاحب الأرض قد بذل منفعة أرضه بناء علي تعهد الزارع بالعمل بأمل تحصيل الحصة من الحاصل، فمع إهمال العامل وتركه للعمل تفوت علي صاحب الأرض منفعة أرضه، والتفويت في المقام لما كان مبتنياً علي التعهد العقدي من قبل العامل كان مضمناً له عرفاً، نظير الضمان بالمعاوضة. فإن فوت المنفعة في المقام علي صاحب الأرض مجاناً مما تأباه المرتكزات العرفية جداً.

ص: 58

نعم المتيقن من ذلك ما إذا فاتت المنفعة علي صاحب الأرض، إما لكون الأرض تحت يد العامل، أو لكونها تحت يد صاحبها، إلا أنه بسبب العقد وانتظار عمل العامل لم يتيسر له الانتفاع بالأرض لا في منفعة الزرع ولا في منفعة أخري مثلها أو أحسن منها. دون ما إذا تيسر له الانتفاع بالوجه المذكور، فانتفع أو لم ينتفع تسامحاً.

بل لو تيسر له الانتفاع بما دونها من المنافع من دون أن يفسخ المزارعة لم يبعد استثناء ما يحصل له منها مما يضمنه الزارع من قيمة منفعة الزرع.

كما أن اللازم عدم زيادة قيمة منفعة الأرض عن قيمة الحصة المتوقعة للمالك علي تقدير عمل الزارع، لأن ذلك في نفسه قريب عرفاً وإن لم يتضح الوجه فيه، كما سبق. ولا أقل من كون الاقتصار في الموردين علي الأقل هو المناسب للزوم الاقتصار علي المتيقن من الضمان الذي هو خلاف الأصل.

هذا إذا لم يستوف العامل شيئاً من منفعة الأرض. أما مع استيفائه، فإن لم تكن المنفعة المستوفاة مضادة لمنفعة الزرع، بحيث يمكن الجمع بين المنفعتين تعين ضمانه لهما معاً. وإن كانت مضادة لها تعين ضمانه أغلي المنفعتين وأكثرهما قيمة، نظير ما تقدم منّا في المسألة الواحدة والأربعين من كتاب الإجارة فيما إذا استعمل المستأجر العين المستأجرة في منفعة أخري غير المستأجر عليها.

هذا ولو امتنع المالك من تسليم الأرض أو بذلها للزرع خروجاً عن مقتضي المزارعة كان للعامل إجباره مع الإمكان. كما يكون له الفسخ بمضي المدة التي ينبغي له تسليمها أو بذلها فيها، نظير ما ذكرناه فيما إذا امتنع المشروط عليه من تنفيذ الشرط.

ولو لم يفسخ فإن قلنا هناك بضمان العامل الحصة للمالك أو بضمان ما يناسبها من منفعة الأرض وعمل الزارع تعين البناء علي ضمان المالك للزارع حصته أو ما يناسبها منهما، لعين ما يذكر هناك.

كما أنه لو قلنا هناك بضمان العامل للمالك قيمة عمله، لكونه عوضاً عن منفعة الأرض، كما هو مقتضي الوجه الأخير تعين هنا ضمان المالك للعامل قيمة منفعة الزرع

ص: 59

(60)

للأرض، بعد فرض ملك العامل لها بمقتضي المعاوضة.

أما لو قلنا هناك بضمان العامل للمالك قيمة منفعة الأرض، فإن كان الوجه فيه ضمان المعاوضة، كما سبق من سيدنا المصنف (قدس سره) فقد قرب (قدس سره) ضمان مالك الأرض هنا للعامل قيمة عمله، لأنه قد بذل نفسه للعمل، وهو بمنزلة استيفاء عمله، كما ذكروه في الإجارة، فيكون مضموناً علي مالك الأرض بضمان المعاوضة أيضاً.

أما لو كان منشأ ضمان منفعة الأرض هناك هو ضمان المنافع غير المستوفاة للأرض التي وضع يده عليها أو تفويت منفعتها فلا مجال للضمان هنا، لعدم تفويت صاحب الأرض علي العامل شيئاً يملكه. غايته أنه قد منعه من العمل الذي لو حصل لملك الحصة. ولا دليل علي الضمان به.

نعم بناء علي ما سبق في وجه ضمان منفعة الأرض من ابتناء تفويتها علي التعهد العقدي من قبل العامل، فالمناسب في المقام البناء علي ضمان عمل العامل للتفويت بالنحو المذكور. ويجري فيه ما سبق من التفصيل.

بقي شيء. وهو أنه لو غصب الأرض شخص ثالث بنحو يمنع العامل من الزرع، الذي اتفق عليه مع مالك الأرض فلا إشكال في ضمانه لصاحبها ما يستوفيه من منافعها. وفي ضمانه ما لم يستوفه منها ما تقدم.

كما لا مجال لضمانه عمل العامل وقيمة منفعة الأرض للمالك للوجه المتقدم منّا، إذ لا موضوع له بعد عدم كون الغاصب طرفاً في العقد، فلا يكون تفويته عليه مبتنياً علي تعهد عقدي منه.

نعم لو قلنا بضمان المالك للعامل شيئاً بمنعه له من العمل لأحد الوجوه المتقدمة الأخري يتعين ضمان الغاصب له أيضاً بنفس الملاك. وحينئذٍ فإن كان الغصب قبل تسليم الأرض للعامل كان له الفسخ، فإن فسخ لم يكن له شيء علي الغاصب، كما لو غصب أرضاً لا مزارعة فيها. وإن لم يفسخ كان الغاصب ضامناً له كما يضمن للمالك.

ص: 60

أما إذا كان الغصب بعد تسليم الأرض للعامل فقد ذكر في العروة الوثقي أنه ليس له الفسخ. وعلله بعض مشايخنا (قدس سره) بتمامية العقد بالتسليم. وكأنه قاسه علي الإجارة، حيث بني فيها - كغير واحد - علي استقرارها بالتسليم.

لكن الظاهر الفرق بينهما بأن الإجارة معاوضة تبتني علي التسليم والتسلم، فيمكن دعوي استقرارها باستقرار الأجرة علي المؤجر بتسليم العين له، لأن تسليم المنفعة التي هي طرف المعاوضة لا يكون إلا بذلك. وحينئذٍ يكون فوت المنفعة علي العامل ومن ماله بسبب الغصب بعد ذلك، لعدم خروج من المالك عن مقتضي وظيفته.

أما المزارعة فهي لا تقتضي ملكية أحدهما لشيء فعلاً، بل استحقاق كل منهما علي الآخر العمل من أجل ملكيته للحصة بعد ظهور الحاصل، وتسليم الأرض إنما يكون مقدمة لذلك من دون أن يكون به تسليم لطرف المعاوضة. وحيث كان الغصب نحواً من النقص في موضوع المزارعة تعين ثبوت الخيار للعامل به مطلقاً ولو بعد استلامه للأرض.

أما لو قلنا بعدم ضمان مالك الأرض للعامل شيئاً لو امتنع من تسليمه الأرض تعين عدم ضمان الغاصب له أيضاً. وحينئذٍ لا أثر للعقد في حق العامل، ليقع الكلام في أن له الفسخ أو ليس له.

هذا كله إذا منع الغاصب العامل من الزرع الذي اتفق عليه مع المالك. أما إذا لم يمنعه، بل رضي بأن يزارعه بحصة من الزرع المذكور لكل منهما. فالظاهر أن له العمل حينئذٍ، لأنه يستحقه بمقتضي المزارعة التي بينه وبين مالك الأرض.

لكن يشاركه حينئذٍ مالك الأرض في حصته التي تسلم له من المزارعة مع الغاصب، فيقتسمانها بالنسبة التي اتفقا عليها في المزارعة التي وقعت بينهما. وتكون لحصة التي يأخذها الغاصب نقصاً من الحاصل موزعاً عليهما معاً، كما هو الحال في سائر أسباب النقص الطارئة علي الحاصل.

ص: 61

(62) (62) وعدم ضمانه قولان لا يخلو أولهما من وجه (1). والأحوط الصلح.

(مسألة 7): يجوز أن يشترط مع الحصة ذهباً أو فضة علي كراهة (2).

(مسألة 8): إذا غرقت الأرض قبل القبض أو بعده قبل ظهور الزرع بطلت المزارعة (3).

ن العامل أجنبياً عن الأرض، ولا يحل له العمل فيها. ويكون ضمان الغاصب للمالك لا غير. فلاحظ. والله سبحانه وتعالي العالم.

(1) الظاهر أن مراده به ما تقدم منه (قدس سره) من ضمان المعاوضة، الذي سبق منّا الإشكال فيه.

(2) تقدم منّا الكلام في ذلك في المسألة الثالثة، لمناسبته لها. فراجع.

(3) بلا إشكال ظاهر، لتقوم المزارعة بالزرع، فمع تعذره بسبب الغرق يتعين بطلانها، لعدم الموضوع لها. ويجري ذلك في جميع موارد طروء ما يوجب امتناع الزرع المتفق عليه.

لكن في الشرائع: «ولو انقطع الماء في أثناء المدة فللمزارع الخيار»، ونحوه في القواعد والإرشاد والتذكرة والتحرير واللمعتين وعن الروض وغيرها، فإن الخيار فرع الصحة.

قال في المسالك تعقيباً علي كلام الفاضلين: «وكأنهما نظرا إلي صحة العقد ابتداءً، فتستصحب، والضرر اللاحق للزارع بانقطاع الماء ينجبر بتسليطه علي الفسخ. وفيه نظر». ولعل وجه النظر أنه لا مجال للاستصحاب مع القطع بالبطلان، لامتناع موضوع المزارعة، وهو الزرع. بل يتعين البناء علي انكشاف بطلان المزارعة من أول لأمر، كما لو علم قبل إيقاعها بحصول ذلك.

نعم لو لم يكن الغرق أو انقطاع أو نحوهما قهرياً - كما لعله مفروض كلامهم في

ص: 62

وإذا غرق بعضها يخير العامل في الباقي بين الفسخ والإمضاء (1). وإذا غرقت بعد ظهور الزرع (2)

لمقام - بل كان مستنداً لأحدهما أو لشخص ثالث تعين صحة المزارعة حين وقوعها. ولذا يكون فعل ذلك من أحدهما خروجاً عن مقتضاها وتعدياً علي الآخر، ومن الشخص الثالث تعدياً عليهما معاً، لمنافاته لحقهما الثابت بها. وحينئذٍ يتعين البناء علي بطلانها من حين حصول المانع المذكور.

هذا وقد يحمل ما سبق منهم في فرض انقطاع الماء علي ما إذا أمكن الزرع بتحصيل الماء بوجه متكلف علي خلاف ما أقدم عليه المتعاقدان، كما قد يناسبه ما في الإرشاد والقواعد من أنه لو زارعه علي ما لا ماء له صحّ مع علمه بذلك، حيث لا وجه للصحة حينئذٍ إلا إمكان تحصيل الماء بوجه متكلف. وقد تقدم في الشرط الخامس ما ينفع في المقام. وحينئذٍ لا يكون نظيراً للمقام.

نعم الحمل المذكور لا يناسب ما في الشرائع والتذكرة من تعليل الخيار مع انقطاع الماء في الأثناء بعدم الانتفاع، لظهور أن عدم الانتفاع يقتضي البطلان. ومن ثم لا تخلو كلماتهم عن الاضطراب والإشكال. وكيف كان فالمتعين ما سبق من البطلان في محل الكلام للوجه المتقدم.

(1) بلا إشكال ظاهر، لتبعض الصفقة. ولا أقل من كونه عيباً لم يقدم عليه حين العقد. هذا ومن الظاهر أن المراد بالإمضاء مجرد عدم الفسخ، لمضي العقد معه بنفسه.

(2) يعني: قبل بلوغ الحاصل، بحيث يصلح للقطف والانتفاع. أما إذا بلغ ذلك فالظاهر عدم الإشكال في استقرار المزارعة، فإن أمكن القطف اقتسما الحاصل علي النسبة المتفق عليها بينهما. وإن تعذر بحيث يتلف كله أو بعضه يقع النقص عليهما معاً، كما لو عرض التلف علي الحاصل بعد القطف قبل القسمة.

ص: 63

ففي البطلان إشكال (1).

(1) كأن منشأ الإشكال هو التردد في أن قِوام المزارعة هو الاشتراك في الحاصل، فمع تعذر حصوله ينكشف عدم الموضوع لها أو ارتفاعه المستلزمين لانكشاف البطلان من أول الأمر، أو بعد ذلك، أو أن مقتضاها الاشتراك في الزرع من أول ظهوره المستلزم للاشتراك في الحاصل المترتب عليه، فمع تعذر الحاصل بسبب الطارئ المذكور لا ينكشف بطلان المزارعة لحصول موضوعها بلحاظ الاشتراك فيما ظهر من الزرع، وإن لم يترتب تمام الغرض منها، وهو ظهور الحاصل والاشتراك فيه.

هذا ولا يبعد كون مقتضي إطلاق العقد الثاني، لما هو المرتكز عرفاً من اشتراكهما في الزرع من حين ظهوره، وفي جميع ما عدا الحاصل من شؤون الزرع، كالحطب ونحوه من مخلفات الزرع بعد إخراج الحاصل.

ودعوي: أن ذلك ليس لكون موضوع المزارعة أصل الزرع الحاصل من تحولات البذر، بل هو اشتراك بالتبع للاشتراك في الحاصل مع كون الموضوع هو الحاصل المفروض عدم تحققه. ولذا لا تصح المزارعة مع العلم حين العقد بحصول العارض في الأثناء قبل بلوغ الحاصل.

مدفوعة بأنه لا وجه للاشتراك في الأمور المذكورة تبعاً بعد فرض خروجها عن موضوع المزارعة، بل حيث فرض في العقد انقسامه بينهما فالمتعين اختصاص صاحب البذر بها.

وأما عدم صحة المزارعة مع العلم حين العقد بحصول العارض في الأثناء. فهو ممنوع. نعم لا مجال حينئذٍ لجعل موضوع القسمة في العقد هو الحاصل من الثمرة بعد فرض عدم وجوده، لامتناع القصد له حينئذٍ، ويكون جعله في العقد مستلزماً للغوية العقد عرفاً وعدم ترتب الأثر عليه. نظير ما إذا استأجره علي بناء الدار بتمامها مع العلم بتعذر بنائها كذلك، بخلاف ما إذا استأجره علي ذلك غفلة عن تعذره،

ص: 64

حيث يتحقق القصد لمضمونه، ويصح العقد ويترتب الأثر عليه فيما يمكن، ويتعين تبعض الصفقة.

ودعوي: أن لازم ذلك امتناع اشتراط اختصاص أحدهما بالأمور المذكورة، لما سبق في المسألة الثالثة من لزوم الاشتراك في تمام الحاصل لا في بعضه، مع قضاء المرتكزات المتشرعية إمكان ذلك، بل لا يبعد قيام السيرة عليه.

مدفوعة بأنه - لو تم جواز ذلك - فقد تقدم أن دليل المنع من الاشتراك في بعض الحاصل قوله (عليه السلام) في صحيح الحلبي: «لا تقبل الأرض بحنطة مسماة، ولكن بالنصف والثلث والربع والخمس» وهو ظاهر في لزوم الإشاعة في تمام الحاصل المقصود بالأصل وهو الثمرة، كالحنطة والشعير، دون غيره مما تقتضي المزارعة بطبعها الاشتراك فيه مثل ما نحن فيه.

ثم إن لازم ذلك هو تبعض الصفقة بلحاظ مراتب الزرع وتحولاته من البذر إلي بلوغ الحاصل، الراجع إلي بطلان المزارعة بلحاظ المراتب المتأخرة عن الغرق وصحتها بلحاظ المراتب السابقة عليه.

ثم إن الغرق وأمثاله مما يوجب بطلان المزارعة إن استند إلي مالك الأرض أو إلي العامل يقتضي رجوع الآخر عليه فيما بذله من منفعة الأرض أو العمل، فيضمنه له بأجرة المثل، لاحترام المنفعة أو العمل بعد عدم بذل صاحبهما لهما مجاناً، بل جرياً علي مقتضي العقد الراجع لتعهد كل منهما بإنفاذه والجري علي مقتضاه، فيتحمل درك التالف من يخرج عن مقتضي تعهده. كما يضمن ما فات الآخر من منفعة الأرض أو العمل الذي به إكمال المزارعة علي النحو الذي تقدم في المسألة السادسة.

كما أن العامل إذا كان هو السبب يضمن بقية أضرار الأرض التي حصلت نتيجة ما قام به. كما يضمن المسبب البذر لو تلف علي الآخر، لعين ذلك. أما إذا لم يستند الحادث لأحدهما فلا مجال للضمان، لعدم خروج كل منهما عن مقتضي العقد، ليتحمل درك ذلك. وليس مبني العقد علي المعاوضة ليتجه ضمان كل

ص: 65

منهما لما يستوفيه بضمان المعاوضة بعد انكشاف بطلان العقد.

مضافاً إلي أن المزارعة كثيراً ما يتوقع معها عروض ما يمنع من إكمال العمل علي مقتضاها من زوابع محرقة للزرع أو عطش متلف له أو أمطار وفيضانات مانعة من إكمال العمل، أو سلطان يمنع منه، والإقدام عليها مع ذلك لا يبتني عرفاً علي التعهد بتدارك ما يحصل من الأضرار علي الطرفين، كما أن المرتكزات العرفية لا تقتضي الضمان منهما حينئذٍ، بل ذلك بنظر العرف بلاء واقع علي الطرفين، كتلف الحاصل بعد بلوغه وصلوحه للقطف أو بعد قطفه.

نعم لو علم أحدهما بالحال من أول الأمر وأقدم علي العقد ضمن العالم منهما للآخر بملاك الخديعة والتغرير، علي ما تقدم منّا في المسألة التاسعة عشرة من الفصل الثاني في شروط المتعاقدين من كتاب البيع. فراجع.

وبذلك يظهر الحال في عروض أحد هذه الأمور في الأثناء بنحو يقتضي البطلان من حينه وتبعض الصفقة، كما سبق. فإن كان العارض مسبباً عن أحدهما كان للآخر خيار تبعض الصفقة، فإن لم يفسخ شارك في الزرع الموجود ويجري بالنسبة لما فاته من منفعة الأرض أو العمل علي ما سبق في المسألة السادسة.

وإن فسخ كان الزرع لصاحب البذر. فإن كان صاحب البذر هو العامل وكان هو السبب في حدوث المانع من استمرار المزارعة وكان الفاسخ هو صاحب الأرض ضمن العامل له منفعة الأرض التي استوفاها بالزرع، كما يضمن الضرر الطارئ علي الأرض بفعله.

وإن كان السبب هو صاحب الأرض وكان الفاسخ هو العامل ضمن لصاحب الأرض منفعة الأرض التي استوفاها في مدة الزرع.

وإن كان صاحب البذر هو صاحب الأرض وكان هو السبب في حدوث المانع ففسخ العامل ضمن له صاحب الأرض عمله الذي استوفاه منه في الزرع الحاصل. وإن كان السبب هو العامل والفاسخ صاحب الأرض ضمن للعامل ما استوفاه من

ص: 66

(67)

(مسألة 9): في جواز عقد المزارعة بين أكثر من اثنين - بأن تكون لأرض مثلاً من واحد، والبذر من آخر، والعمل من ثالث، والعوامل من رابع، وهكذا - قولان، أقواهما العدم (1). نعم إذا وقع العقد بين جماعة علي

عمله في الزرع بأجرة المثل، وضمن له العامل ما حصل للأرض والزرع الموجود من الضرر.

وإن لم يستند المانع لأحدهما اشتركا في الزرع، ولا ضمان لأحدهما علي الآخر. فلاحظ. والله سبحانه وتعالي العالم العاصم.

(1) كما في جامع المقاصد والمسالك ومفتاح الكرامة والجواهر. لأن المتيقن من المزارعة ما كان بين طرفين لا أكثر، كما يظهر بمراجعة النصوص، ومنها نصوص خيبر. وظاهر القواعد والتحرير والإيضاح التردد، كالتذكرة، بل قد يظهر من ذيل كلامه فيه الميل للعدم.

وقرب صحته مزارعة في مجمع الفائدة والحدائق ومحكي الكفاية وغيرها. لعموم أدلة المزارعة، وخصوص نصوص خيبر، لأن طرف المعاملة فيها هم اليهود وهم كثيرون.

وفيه: أنه لم نعثر في نصوص المزارعة علي إطلاق يشمل مفروض الكلام. بل هي بين ما ورد في بيان أصل مشروعيتها وما ورد في بيان بعض أحكامها، والكل قد تضمن وقوعها بين طرفين أو لم يتعرض فيه لعدد الأطراف.

بل في صحيح يعقوب بن شعيب عن أبي عبد الله (عليه السلام):

«وسألته عن المزارعة. قال: النفقة منك والأرض لصاحبها. فما أخرج الله من شيء قسم علي الشطر...»((1)). وهو ظاهر في انحصار المزارعة بما إذا كانت بين طرفين لا أكثر. إلا أنه حيث كان ظاهراً في لزوم تحمل العامل جميع النفقات، وهو غير لازم نصاً وفتوي، تعين حمله علي

********

((1) وسائل الشيعة ج: 13 باب: 10 من أبواب كتاب المزارعة والمساقاة حديث: 2.

ص: 67

النحو المذكور لم يبعد القول بصحته (1)،

يان شرحها في الجملة من دون تحديد تام، فلا ينهض بالاستدلال علي المنع.

وأما نصوص خيبر فهي - كما ذكره غير واحد - إنما تدل علي جواز الكثرة في أحد طرفي العقد، وهو العامل، بحيث يكون العمل موزعاً عليهم، ولا إشكال في ذلك. كما لا إشكال في جواز التعدد في الطرف الآخر، وهو صاحب الأرض، بأن تكون مشتركة بين أكثر من واحد، وإنما الإشكال في زيادة أطراف العقد علي اثنين بحيث يختص كل منهم بأمر لا يشاركه فيه غيره، كما هو محل الكلام.

نعم لا يبعد صدق المزارعة في عرفنا علي المعاملة المذكورة. لكن قد يكون منشؤه مشابهتها للمزارعة المعهودة التي هي مورد النصوص والمتيقن من المزارعة في عصر صدورها، ولا طريق لإحراز كونها منها، كي يشملها إطلاق النصوص. ومن ثم يصعب جداً إثبات كونها من المزارعة الشرعية المعهودة.

(1) كما هو مقتضي القول بصحتها مزارعة مما تقدم. ويظهر ممن سبق منه المنع من كونها مزارعة المنع من صحتها مطلقاً، كما يقتضيه النظر في مساق كلامهم واستدلالهم، ولا أثر للتفصيل المذكور في كلامهم.

وكيف كان فيشهد للصحة عموم أدلة نفوذ العقود. وأما ما في المسالك من أن العقد يتم بين اثنين موجب، وهو صاحب الأرض، وقابل، فدخول ما زاد يخرج العقد عن وضعه، أو يحتاج إثباته إلي دليل. ففيه: أن انحصار العقد بذلك هو الذي يحتاج إلي دليل بعد عموم نفوذ العقد، وصدقه عرفاً مع زيادة الأطراف علي اثنين.

ومثله ما سبق في أول الفصل من بعض مشايخنا (قدس سره) وذكره هنا من قصور العموم المذكور عن مثل عقد المزارعة مما يتضمن تمليك المعدوم، كما يظهر بالرجوع لما ذكرناه هناك.

وكذا ما في مفتاح الكرامة من حمل العموم المذكور علي العقود المعروفة المتداولة

ص: 68

حين نزول الآية الشريفة. حيث لا شاهد علي ذلك، كما سبق في أول هذا الفصل. بل الظاهر منه الجنس. علي أن الدليل علي عموم النفوذ لا يختص بالآية الشريفة، كما يظهر مما سبق منّا في أوائل مقدمة كتاب التجارة، بل سبق هناك أدلة أخر لا إشكال في عمومها. فراجع.

وفي الجواهر أنه قد يستفاد المنع مما تضمن من النصوص النهي عن أن يجعل للبذر ثلث وللبقر ثلث وللأرض ثلث((1))، معللاً في بعضها بأنه إنما يحرم الكلام. قال: «وإلا كان ما في هذه النصوص قطعاً، إذ لم أرَ أحداً أفتي بمضمونها سوي ما يحكي عن ابن الجنيد... وعن ابن البراج...».

وهو كما تري، فإن التعليل كالصريح في اختلاف التحريم والتحليل باختلاف صورة العقد مع الاتحاد في النتيجة، من دون نظر لأطراف العقد.

بل هذه النصوص بين ما هو صريح وظاهر في وقوع الشرط المنهي عنه بين طرفين لا أكثر. ففي معتبر أبي الربيع الشامي عن أبي عبد الله (عليه السلام): «أنه سئل عن الرجل يزرع أرض رجل آخر، فيشترط عليه ثلثاً للبذر وثلثاً للبقر. قال: لا ينبغي أن يسمي بذراً ولا بقراً، ولكن يقول لصاحب الأرض: ازرع أرضك ولك منها كذا وكذا نصف أو ثلث أو ما كان من شرط، ولا يسمي بذراً ولا بقراً، فإنما يحرم الكلام»((2)) ونحوه غيره، وإن كان دونه في الظهور، ولا أقل من عدم ظهورها في تجاوز أطراف العقد الاثنين. ومن ثم كانت استفادة ذلك من النصوص المذكورة غريبة جداً.

نعم عن مجاهد: «في أربعة نفر اشتركوا في زرع علي عهد رسول الله (ص)، فقال أحدهم: عليّ الفدان، وقال الآخر: فلي الأرض، وقال الآخر: فلي البذر، وقال الآخر: فلي العمل. فجعل النبي (ص) الزرع لصاحب البذر، والأجرة لصاحب

********

((1) راجع وسائل الشيعة ج: 13 باب: 8 من أبواب كتاب المزارعة والمساقاة.

((2) وسائل الشيعة ج: 13 باب: 8 من أبواب كتاب المزارعة والمساقاة حديث: 10.

ص: 69

لأرض، وجعل لصاحب العمل كل يوم درهماً، ولصاحب الفدان شيئاً معلوماً»((1)). وقد حكي في التذكرة عن بعض العامة الاستدلال به للبطلان في المقام.

لكنه لا ينهض بالاستدلال بعد عدم روايته من طرقنا. مع أنه لم يتضمن اتفاقهم علي حصة معينة من الحاصل لكل منهم، ليكون الحكم المذكور من النبي (ص) راجعاً إلي بطلان ما تعاقدوا عليه، بل لعل حكمه (ص) وارد لبيان حق كل منهم تبعاً للقاعدة في فرض عدم العقد المخرج عنها. ومن هنا لا مخرج عن مقتضي عموم نفوذ العقود القاضي بصحة العقد المذكور.

هذا وفي الجواهر - بعد أن مال للمنع - قال: «وأما ما في أيدي الناس الآن من اشتراك المالك والفلاح وصاحب البذر أثلاثاً فقد يقال: إنها بعقدين، لا عقد واحد، بمعني أن المزارعة تكون بين صاحب الأرض والبذر، ثم صاحب البذر الذي هو المزارع يزارع الفلاح علي النصف من حصته مثلاً، أو تكون بين صاحب الأرض والفلاح، ثم هو يزارع صاحب البذر بالنصف من حصته مثلاً، لما ستعرف من أن للمزارع أن يزارع. وإلا كانت محل إشكال. اللهم إلا أن يجعل ذلك مثلاً سيرة كاشفة عن جواز مثل ذلك. لكن لا ريب في أن الأحوط خلافه».

لكن مثل هذه السيرة لا تنهض بالاستدلال بعد عدم ثبوت اتصالها بعصور المعصومين (صلوات الله عليهم)، ليكشف عدم ردعهم عنها عن إمضائهم لها. كما أن تعدد العقد يرجع لما تقدم في المسألة الأولي من جواز تشريك المزارع غيره. وهو يبتني علي تحمل المزارع المسؤولية عن الجميع بمقتضي العقد الأول مع صاحب الأرض، ثم يكون مقتضي العقد الثاني توزيع العمل بينه وبين الثالث، بحيث يكون الثالث مسؤولاً له وحده، لا لهما معاً، كما لو كان أطراف العقد من أول الأمر أكثر من اثنين.

********

((1) تذكرة الفقهاء ج: 2 ص: 340. والرواية موجودة في كتب العامة لكن مع جعل عبارة: «وألغي صاحب الأرض»، بدل: «والأجرة لصاحب الأرض». المغني لعبد الله بن قدامة ج: 5 ص: 595. الشرح الكبير لعبد الرحمن بن قدامة ج: 5 ص: 593.

ص: 70

ولا تجري عليه أحكام المزارعة من حيث هي (1).

فلاحظ.

(1) لما سبق من عدم ثبوت عموم المزارعة له. لكن لم يتضح اختصاص المزارعة بحكم مخالف للقاعدة. نعم سبق عدم جواز المزارعة بمقدار معين من الحاصل، بل لابد من كونها بحصة مشاعة منه. لكن الدليل علي ذلك صحيح الحلبي عن أبي عبد الله (عليه السلام): «قال: لا تقبل الأرض بحنطة مسماة، ولكن بالنصف والثلث والربع والخمس لا بأس به»(((1))). وموضوعه قبالة الأرض دون خصوص المزارعة. والظاهر صدق القبالة في محل الكلام. وقد تقدم عند الكلام في الشرط الثالث من شروط المزارعة ما قد ينفع في المقام.

إلي هنا انتهي الكلام في عقد المزارعة يوم الثلاثاء السادس والعشرين من شهر شوال سنة 1431 ه -.

********

((1) وسائل الشيعة ج: 13 باب: 8 من أبواب كتاب المزارعة والمساقاة حديث: 3.

ص: 71

ص: 72

(73) (73)

الفصل الثاني: في المساقاة

ولابد فيها من الإيجاب والقبول (1) الدالين علي المعاملة علي خدمة الأصول المغروسة بحصة من ثمرتها (2). ويجب فيها أمور:

(1) كما هو الحال في سائر العقود. وقد تقدم في المزارعة ما ينفع في المقام من حيثية شروط العقد ولزومه، وعموم نفوذ العقود له، والاكتفاء في ترتب أثرها بالإذن، وغير ذلك. فراجع.

(2) لأن ذلك هو قوام المساقاة، وإن لم يرد العنوان المذكور في اللغة ولا في النصوص، وإنما يستفاد المضمون المذكور من النصوص، ومما عليه العرف عند إيقاع المعاملة المذكورة.

ومن القريب ابتناؤها علي جعل الحصة علي تقدير وجودها عوضاً عن خدمة الأصول المغروسة، كما لا يبعد ذلك أيضاً في الحصة من الربح في المضاربة.

ويناسبه في المقام ما في صحيح يعقوب بن شعيب عن أبي عبد الله (عليه السلام): «وسألته عن الرجل يعطي أرضه وفيها رمان أو نخل أو فاكهة، فيقول: اسق هذا من الماء أو اعمره ولك نصف ما أخرج. قال: لا بأس»((1)).

********

((1) الكافي ج: 5 ص: 268، واللفظ له. كتاب من لا يحضره الفقيه ج: 3 ص: 154. تهذيب الأحكام ج: 7 ص: 198. وسائل الشيعة ج: 13 باب: 9 من أبواب كتاب المزارعة والمساقاة حديث: 2.

ص: 73

(74)

الأول: أن تكون معلومة معينة عندهما (1).

فهي من سنخ الإجارة، لكن بعوض غير معلوم المقدار، ولا موجود فعلاً، بل ولا معلوم الحصول، كما أن بيع الثمرة لا يكون المبيع فيه معلوم المقدار ولا موجوداً فعلاً ولا معلوم الحصول.

وإن شئت قلت: ليس مبني المساقاة علي فعلية المعاوضة بين العمل والحصة، لعدم العلم بحصول العوض، بل علي الإلزام بالعمل علي أن تكون الحصة عوضاً له علي تقدير وجودها. كما هو الحال في بيع الثمار. وبذلك تفترق عن المزارعة التي سبق عدم ابتنائها علي المعاوضة، بل علي مجرد توزيع المسؤوليات والحاصل.

(1) أما التعيين في مقابل الترديد والإبهام فلا إشكال في اعتباره في عقد المساقاة، لاقتضاء العقد نحواً من الحق للطرفين في الأصول المغروسة، ولا واقع للمردد ليكون موضوعاً للحق المذكور.

نعم يمكن المساقاة علي أحد البساتين مثلاً بنحو الكلي في المعين، أو علي بستان كلي في الذمة، نظير ما تقدم في الإجارة والمزارعة. ويجري فيهما جميع ما تقدم هناك. فراجع.

وأما العلم المقابل للجهل فقد صرح باعتباره في القواعد. قال في جامع المقاصد: «إما بأن تكون مرئية مشاهدة وقت العقد، أو موصوفة بوصف يرفع الجهالة» ونحوه في التحرير. واكتفي في التذكرة ومحكي الروض بالرؤية قبل العقد، نظير ما ذكروه في البيع. واقتصر علي المشاهدة والرؤية في الغنية والإرشاد، وقد ينصرف للرؤية حين العقد. وفي مفتاح الكرامة: «وتركه الباقون لظهوره». وكأنه يرجع لدعوي الإجماع عليه.

وكيف كان فلا يبعد ابتناؤه علي عموم مانعية الغرر، خرج عنه الجهالة بمقدار الحصة المغتفر في المساقاة قطعاً، ويبقي الجهل بالأصول المغروسة مشمولاً للعموم،

ص: 74

(75)

الثاني: تعيين مدة العمل (1)،

كما أشار إليه في جامع المقاصد. ويظهر ضعفه مما تكرر منّا من عدم ثبوت العموم المذكور. علي أنه لم يتضح اطراد لزوم الغرر بعد تبعية العمل والحصة كثرة وقلة لمقدار الأصول المغروسة.

ومثله ما في جامع المقاصد من أنها معاملة لازمة فلابد فيها من العلم إلا ما استثناه الشارع. إذ لم يذكر في كلماتهم دليل علي الكبري المذكورة كي ينظر في مفاده وحجيته.

ومن هنا تبتني المسألة علي الكلام في عموم نفوذ العقد، فإن قلنا بقصوره عن مثل هذا العقد مما يتضمن تمليك أمر معدوم - كما سبق من بعض مشايخنا (قدس سره) - تعين الاقتصار فيه علي المتيقن، وهو صورة العلم حال العقد بالأصول المغروسة وخصوصياتها التي تختلف فيها الأغراض. وإن قلنا بعمومه لها - كما سبق منّا - يتعين عدم اعتباره.

(1) كما صرح به جمهور الأصحاب، وفي المختلف والتنقيح أنه المشهور، وفي المبسوط والتذكرة الإجماع علي ذلك، وفي المسالك: «واعلم أن الاتفاق علي اشتراط تقديرها في الجملة كما قررناه. أما تركها رأساً فيبطل العقد قولاً واحداً». نعم لم يتعرض لذلك في المقنعة والمراسم مع تعرضهما لها في المزارعة. كما لم يتعرض في النهاية لها فيهما معاً.

وكيف كان فلا إشكال في لزوم التعيين في مقابل الإبهام والترديد. لما سبق في تعيين الأصول. وقد تقدم في المزارعة ما ينفع في ذلك.

وأما التعيين في مقابل الجهل - كما لو ساقاه كما ساقي زيد في نخله، مع الجهل بمدة مساقاة زيد - فقد يستدل عليه.. تارة: بالإجماع. وأخري: بلزوم الغرر. وثالثة: بأنه عقد لازم فلابد فيه من تعيين المدة.

ص: 75

إما بالأشهر أو بالسنين (1)، وإما ببلوغ الثمرة المساقي عليها (2).

عموم النهي عن الغرر. بل قد لا يطرد. ومثله عموم لزوم تعيين المدة في العقد اللازم، نظير ما تقدم في اعتبار العلم بالأصول المغروسة.

ودعوي: أنه مع لزوم العقد فحيث لا يمكن إطلاق لزوم العمل عليه وتأبيد ذلك فلابد من تعيينها. وكأنه لذا بني في الحدائق لزوم تعيين المدة علي لزوم العقد. مدفوعة بأن امتناع الإطلاق والتأبيد مع اللزوم يقتضي تعيين المدة في الجملة ولو مع جهالة قدرها حين العقد إذا كانت محدودة بوجه.

ومثل ذلك ما يظهر من مفتاح الكرامة من الاستدلال بمعتبر أبي الربيع الشامي عن أبي عبد الله (عليه السلام): «عن أرض يريد الرجل أن يتقبلها، فأي وجوه القبالة أحل؟ قال: يتقبل الأرض من أربابها بشيء معلوم إلي سنين مسماة، فيعمر ويؤدي الخراج...»(((1))). وقد تقدم منه نظير ذلك في المزارعة، وتقدم منّا الإشكال فيه.

بل هو هنا أشكل، لأن موضوع هذه المعاملة الأصول دون الأرض، فلا مجال لاحتمال دخول هذه المعاملة في قبالة الأرض التي هي مورد الحديث.

ومن هنا يبتني الكلام في ذلك علي الكلام في عموم نفوذ العقود، نظير ما تقدم في اعتبار العلم بالأصول المغروسة. فراجع.

(1) وعليه اقتصر جمهور الأصحاب. لكن مع اشتراط حصول الثمرة في المدة المذكورة علماً أو ظناً بسبب العادة. وكأنه لأن قوام المساقاة حصول الثمرة، وبدونها تلغو.

(2) كما في الحدائق وعن ابن الجنيد، وفي مجمع الفائدة أنه غير بعيد، وفي التذكرة: «لم يجز علي إشكال» وفي القواعد: «ولو قدر المدة بالثمرة فإشكال».

********

((1) وسائل الشيعة ج: 13 باب: 18 كتاب المزارعة والمساقاة حديث: 5.

ص: 76

(77)

لكن لا وجه للإشكال بعد عموم أدلة النفوذ، كما يظهر مما تقدم في المزارعة، فإنهما في ذلك علي نهج واحد. مضافاً إلي صحيح يعقوب بن شعيب المتقدم، حيث تضمن الاتفاق بين الطرفين من دون تعرض للمدة، بل اقتصر فيه علي المشاركة في الثمرة، الظاهر في أن المعيار علي نضوجها. ومن هنا يتعين البناء علي الاكتفاء به. بل لما كان قوام المساقاة بلوغ الثمرة كان التحديد بغيره لاغياً.

غاية الأمر أنه قد يؤخذ شرطاً زائداً عليها، كما لو تعلق غرض مالك الأصول بسقيها في المدة الخاصة ولو بعد نضوج الثمرة أو بعد قطفها، نظير ما سبق في المزارعة.

بقي شيء. وهو أن بعض مشايخنا (قدس سره) قرّب جواز إيقاع عقد المساقاة علي نحو الدوام وبنحو التأبيد. ومال إلي ظهور أخبار خيبر في ذلك، لعدم تضمنها تحديد كون الأرض بأيدي اليهود. ولاسيما أن في بعض أخبار العامة أن النبي (ص) جعل لنفسه الخيار، وأنه متي أراد أن يخرجهم من الأرض كان له ذلك(((1))). فإنه كالصريح في التأبيد وعدم التحديد بمدة معينة. بل لعل هذا هو المتعارف في المزارعة والمساقاة معاً. فإن أصحاب الأراضي يعطون أراضيهم وبساتينهم إلي الفلاحين ليزرعوها ويسقوها من غير تحديد بوقت معين.

لكن الظاهر رجوع ذلك إلي تجديد عقد المزارعة والمساقاة في كل موسم للزراعة أو في كل سنة ولو بنحو المعاطاة، أو إلي الإذن بسقيها بالحصة من ثمرتها نظير ما تقدم في المزارعة الإذنية التي تشبه الجعالة من دون أن تكون عقداً.

ولذا قد يخلف الأبناء الآباء بطول المدة، مع وضوح عدم نفوذ معاملة الآباء علي الأبناء. وقد يعرض أحد الطرفين عن المعاملة مع الآخر، لعدم قناعته بالبقاء معه أو استغنائه عن العمل أو غير ذلك، من دون أن يشترط لنفسه الخيار من أول الأمر، بخلاف الإعراض في أثناء السنة أو الموسم، فإنه يحتاج إلي عناية واتفاق خاص.

كما أنه قد يري أحدهما التبديل في بعض خصوصيات المعاملة، فيطلب ذلك

********

((1) صحيح مسلم ج: 5 ص: 27.

ص: 77

(78)

(الثالث): إمكان حصول الثمرة فيها (1).

من صاحبه، ولا يري صاحبه إلزامه بالبقاء علي النحو الأول، لابتناء المعاملة حين إيقاعها بالخصوصيات السابقة علي البقاء والاستمرار.

وأما عدم التعرض في نصوص خيبر للمدة فهو بسبب ورودها لبيان مشروعية المزارعة والمساقاة من دون نظر لحدود ما وقع، ولذا سيقت لبيان جواز المزارعة والمساقاة في موارد السؤال مع غلبة تعيين المدة فيها.

وأما ما في بعض نصوص العامة من جعل النبي (ص) لنفسه الخيار في إجلائهم. فهو - لو تم - راجع لدفع توهم التزامه (ص) بإقرارهم في خيبر سكناً واكتساباً لهم تبعاً لرضاه بعملهم فيها، بحيث لا يحق له إجلاؤهم منها حتي لو أعرض عن عملهم فيها. أو التزامه (ص) بتجديد العقد لهم كل سنة وإن تعاقبت أجيالهم، نظير ما شاع في عصورنا من أولوية المستأجر الدافع للسرقفلية للمؤجر بأولويته بالمكان المستأجر، بحيث يكون علي المستأجر تجديد العقد معه في السنين المتعاقبة، وليس له الامتناع من تأجيره له بعد ذلك.

هذا مضافاً إلي أن التأبيد والاستمرار حيث لا يراد به الاستمرار مادامت الأرض موجودة، بحيث لا يحق لصاحبها قلع غرسها ولا بيعها، ويلزم ورثته ببذلها للمساقاة، كما لا يحق للعامل إلزام ورثته بالعمل بدله ولو من تركته، فلابد من تحديدها بحدّ يتناسب مع أوضاعهما ومصالحهما، أو يرجع لما سبق من البناء علي تجديد المساقاة في كل عام أو موسم، أو المساقاة الإذنية، مادام أحد الوجهين يتناسب مع مصالحهما وأغراضهما.

(1) يعني: في الأصول التي يراد سقيها. وهو ظاهر، لأن الثمرة هي المقابلة بالعمل، فلا موضوع للمعاملة بدونها. نعم يأتي في الشرط السابع الكلام فيما يطلب لورقه - كالحناء - ونحوه.

ص: 78

(79)

(الرابع): تعيين الحصة (1) وكونها مشاعة في الثمرة (2).

(1) أما التعيين في مقابل الإبهام والترديد فلا إشكال في اعتباره، كما يظهر مما سبق في الشرطين الأولين. ومنه ما إذا ساقاه علي أن يكون لأحدهما شيء من الحاصل أو جزء منه أو نحوهما، فإنه حيث لا يراد منه المسمي المتحقق بأقل شيء يرجع للترديد والإبهام. وقد سبق في الشرط الثالث من شروط المزارعة ما ينفع في المقام.

وأما التعيين في مقابل الجهل مع التعين الواقعي، كما لو ساقاه علي ما ساقي زيد علي نخله مع الجهل حين العقد بمقدار الحصة التي عينها زيد، فبناءً علي ما سبق منّا من شمول عموم نفوذ العقد لمثل هذه العقود ينحصر دليله بالغرر والإجماع. ويظهر الكلام فيهما مما سبق في المدة.

هذا ولو ساقاه علي أن يكون تعيين الحصة تابعاً لاختيار أحدهما، فإن قصدا فعلية استحقاق ما يختاره بعد ذلك نظير الشرط المتأخر رجع للجهالة. وإن قصدا استحقاق ما يختاره عند اختياره - كما هو الظاهر منه عرفاً - رجع للتعليق في بعض أركان العقد، ولا يخلو عن إشكال. فلاحظ.

(2) كما طفحت بذلك كلماتهم، ونفي في الجواهر الخلاف فيه. وإليه يرجع ما في المبسوط من أن موضع المساقاة علي الاشتراك بلا خلاف بين من أجازها. وقد تقدم منهم نظير ذلك في المزارعة.

وتقدم منّا الاستدلال عليه في الجملة بصحيح الحلبي عن أبي عبد الله (عليه السلام): «قال: لا تقبل الأرض بحنطة مسماة، ولكن بالنصف والثلث والربع والخمس لا بأس به»(((1))). وقد ذكرنا هناك أنه لا يدل علي اشتراط القبالة بالإشاعة، بل في جوازها معها في مقابل المنع من القبالة بحنطة مسماة، نظير ما تضمن المنع من إجارة الأرض بشيء من حاصلها.

********

((1) وسائل الشيعة ج: 13 باب: 8 من أبواب كتاب المزارعة والمساقاة حديث: 3.

ص: 79

فلا يجوز أن يجعل للعامل ثمرة شجر معين دون غيره (1). نعم يجوز

علي أن جريان ذلك في المقام لا يخلو عن إشكال، لما سبق عند الكلام في الشرط الثاني من عدم صدق قبالة الأرض علي المساقاة، لأن موضوعها الأصول المغروسة، دون الأرض.

اللهم إلا أن يدعي إلحاق المساقاة بالمزارعة في مثل ذلك، لأنهما من سنخ واحد عرفاً وبعد النظر في النصوص، فقد تضمنت أن رسول الله (ص) أعطي خيبر بالنصف أرضها ونخلها((1)) وإعطاء الأرض يكون بالمزارعة عليها، وإعطاء النخل يكون بالمساقاة عليها. لكنه لا يخلو عن إشكال.

نعم تقدم منّا عند الكلام في اشتراط القدرة علي التسليم من فصل شروط العوضين أنه لابد من إحراز شيء من كل من العوضين ولو بالضميمة المعلومة الحصول، وحيث لا يحرز في المقام سلامة الشيء المعين من الثمرة فلابد من الضميمة، كما أشرنا لنظير ذلك في المزارعة بغض النظر عن الصحيح المتقدم.

(1) كما صرح به جمهور الأصحاب، ونفي الخلاف فيه في الغنية. وقد تقدم نظير ذلك منهم في المزارعة، وتقدم المنع منه. والمقام أولي بذلك، لما ذكرناه آنفاً من قصور صحيح الحلبي عن المساقاة. ولعله لذا منع من ذلك في العروة الوثقي في المزارعة وأجازه في المساقاة.

ومثله ما إذا اختص أحدهما بالثمرة، حيث يظهر منهم المنع في المقامين، بل هو صريح بعضهم. ومقتضي عموم نفوذ العقد الصحة فيهما معاً، وإن لم يكن بعنوان المزارعة والمساقاة. وقد تقدم هناك ما ينفع في المقام.

نعم لا يبعد خروج الوجهين معاً عن المساقاة عرفاً. لكن لا مانع من صحتهما لا بعنوان المساقاة، نظير ما تقدم في المزارعة. فراجع.

********

((1) راجع وسائل الشيعة ج: 13 باب: 8 من أبواب كتاب المزارعة والمساقاة.

ص: 80

(81)

اشتراط ثمرة معينة لأحدهما زائداً علي حصته المشاعة (1) إذا علم وجود ثمرة غيرها (2).

(الخامس): تعيين ما علي المالك من الأمور (3)، وما علي العامل من

(1) كما في العروة الوثقي لعموم الوفاء بالشرط. ومنع منه في الشرائع والقواعد والتذكرة والتحرير والإرشاد وجامع المقاصد وغيرها. لخروجه عن وضع المساقاة. ولأنه قد لا يحصل ما زاد علي الشرط، فلا يكون للآخر شيء.

والأول - لو تم - إنما يقتضي عدم صحته مساقاة، لا عدم صحته مطلقاً ولو كان عقداً آخر. والثاني لا يبطل المساقاة مع عدم الشرط، إذ قد لا يحصل شيء من الثمرة، فكيف يبطلها مع الشرط؟!.

نعم لو تم إلحاق المساقاة بالمزارعة والأصول بالأرض فقد يتجه المنع من الشرط المذكور، كما يظهر بالرجوع لما سبق في المزارعة. كما يتعين المنع منه بناء علي قصور عموم نفوذ العقد عن مثل هذه العقود. لكن سبق المنع من ذلك.

(2) نظير ما تقدم منه (قدس سره) في المزارعة، وإن سبق الإشكال فيه. فراجع.

(3) فإن قوام المساقاة لما كان هو خدمة الأصول المغروسة من أجل أن تثمر فاستحقاق ذلك علي العامل بمقتضي العقد.. تارة: يكون بنحو يقتضي خدمتها في ظرف وجود مقدماتها من ماء وعوامل وآلات وغيرها. وأخري: يكون بنحو يقتضي خدمتها بتهيئة المقدمات المذكورة، فعدم تعيين أحد الوجهين إن رجع إلي إهمال تحديد الأمر المستحق منع من صحة العقد، لاستحالة الإبهام والترديد في الحق، كما تكرر منّا في نظائر المقام. وإن رجع إلي اختلافهما في الأمر المقصود بالاستحقاق لزم عدم التطابق بين الإيجاب والقبول المبطل للعقد.

نعم قد يرجع ذلك إلي اتفاقهما علي أمر معين في الواقع مجهول لهما حين العقد، كما لو ساقاه علي ما ساقي عليه زيد عماله مع جهلهما حين العقد بخصوصياته. ولا يلزم

ص: 81

(82)

الأعمال (1). ويكفي الانصراف إذا كان قرينة علي التعيين (2). السادس: أن تكون قبل ظهور الثمرة (3) أو بعده قبل البلوغ إذا كان يحتاج إلي عمل من سقي أو غيره (4). أما إذا لم يحتج علي ذلك ففي صحتها

معه شيء من المحذورين. وينحصر الوجه في البطلان معه بالغرر أو بلزوم الاقتصار في المساقاة ونحوها علي المتيقن لقصور عموم نفوذ العقد عنها. وقد تقدم منّا غير مرة ضعف الوجهين معاً، نظير ما تقدم عند الكلام في الشرط السادس للمزارعة.

وقد أطال الأصحاب في تحديد ما علي المالك من المقدمات بما لا يرجع إلي محصل ظاهر بعد ما ذكرنا. إلا أن يرجع إلي تحديد ما هو المتعارف بنظرهم أو عرفهم. لكنه يختلف باختلاف الأمكنة والأزمنة، ولا مجال لإعطاء الضابط فيه.

(1) الكلام فيه هو الكلام في سابقه.

(2) لعل الأولي أن يقول: ويكفي التعارف إذا كان قرينة علي التعيين. وذلك بأن يكون معلوماً لهما. وإلا فالانصراف بنفسه راجع إلي التعيين. ولعله لذا اقتصر عليه في العروة الوثقي. إلا أن يراد به ما يعم الانصراف البدوي، فيكون المراد من التقييد الاحتراز عنه، وقصر الأمر علي الانصراف المستحكم. أو يكون المراد الاحتراز عما إذا لم يعتمدا عليه، لجهلهما أو جهل أحدهما به. فلاحظ.

(3) فتصح المساقاة حينئذٍ بلا إشكال، كما لا خلاف فيه نصاً وفتوي، بل الإجماع بقسميه عليه. كذا في الجواهر. وهو متيقن من مورد المساقاة.

(4) فقد صرح بصحة المساقاة فيما إذا كان العمل موجباً لزيادة الثمرة في المبسوط والوسيلة والشرائع والنافع والتذكرة والقواعد والإرشاد والتحرير واللمعتين وجامع المقاصد والمسالك ومجمع الفائدة وغيرها. ولا يبعد كون مرادهم من زيادة الثمرة ما يعم صلاحها ولو بكمال نضوجها أو الحفاظ علي روائها وعدم تعرضها للضمور والجفاف. كما صرح بعضهم بالاكتفاء بذلك ولا يبعد رجوع ما

ص: 82

في المتن إليه.

وكيف كان فقد استدل عليه.. تارة: بحصول الفائدة من العمل. وأخري: بأن العقد حينئذٍ أبعد عن الغرر للوثوق بالثمرة، فيكون أولي مما لو كانت معدومة. وثالثة: بإطلاق النصوص.

ويندفع الأول بأنه لم يتضح ابتناء المساقاة علي ترتب مطلق الفائدة علي العمل الذي هو الركن فيها، ولذا يأتي منهم عدم صحة المساقاة مع نضوج الثمرة بلحاظ قطفها وتجفيفها ونحوهما، فضلاً عن مثل حراستها عن عبث الوحش بها.

والثاني بعدم وضوح ابتناء تشريع المساقاة علي اغتفار مرتبة من الغرر، ليكون العقد أولي بالصحة مع لزوم الأقل منها. ولاسيما أن مقتضاه أولوية الصحة مع نضوج الثمرة، نظير ما تقدم في سابقه. علي أن ذلك لو تم إنما يقتضي صحة العقد، لا كونه مساقاة.

وأما الثالث فهو موقوف علي ورود نصوص تتضمن شرح المساقاة، لينظر في إطلاقها، ولم نعثر علي ذلك، بل هي واردة لبيان مشروعيتها، والاستدلال عليها بقضية خيبر الظاهر منها كون التعامل مع اليهود قبل ظهور الثمرة.

وأما ما في صحيح يعقوب بن شعيب المتقدم في أول الفصل عن أبي عبد الله (عليه السلام): «سألته عن رجل يعطي الرجل أرضه، وفيها رمان أو نخل أو فاكهة، ويقول: اسق هذا من الماء واعمره ولك نصف ما أخرج. قال: لا بأس».

فهو إن حمل علي ما أخرج قبل إعطاء الأرض له ليعمل فيها اختص بما نحن فيه، وإن حمل علي ما أخرج بعد السقي والعمل في الأرض اختص بالصورة الأولي. ولا مجال للحمل علي الصورتين معاً، لأنه وإن أمكن تصور الجامع بينهما بلحاظ تأثير العمل والسقي في الثمرة، إلا أنه حيث كان الموضوع في الصحيح هو إخراج الثمرة فلا جامع بين الإخراجين عرفاً، ليمكن حمل الإخراج المذكور عليه.

ص: 83

بلحاظ القطف والحفظ إشكال (1). علي هذا فحيث كانت الصورة الأولي هي المعروفة الشائعة تعين حمل الصحيح عليها، دون محل الكلام. ومن هنا لا مجال للاستدلال علي محل الكلام بإطلاق نصوص المساقاة.

فالعمدة في المقام عموم نفوذ العقد، حيث لا إشكال في شموله له حتي بناء علي ما سبق من بعض مشايخنا (قدس سره) في أول فصل المزارعة من قصوره عن تمليك المعدوم، لفرض وجود الثمرة، وإذا شارك العامل المالك فيها في أول ظهورها بقي علي شركته فيها مهما نمت ونضجت.

نعم لو ظهر بعض الثمرة دون بعض وقصد الشركة في الجميع قصر عموم النفوذ عن تمام مضمون العقد الواقع بينهما بناء علي ما سبق منه (قدس سره). نعم تقدم هناك ضعف المبني المذكور.

ومثله ما في الجواهر من احتمال حمل عموم نفوذ العقد علي خصوص العقود المتعارفة، ومنها المساقاة التي سبق خروج هذه الصورة عن المتيقن منها، علي ما ذكرناه هناك أيضاً. فراجع.

نعم العموم المذكور لا ينهض بإثبات كون العقد مساقاة. وهو غير مهم.

(1) فقد صرح جماعة بالبطلان إذا لم يكن العمل موجباً لزيادة الثمرة. وعن الكفاية أنه لا نعرف في ذلك خلافاً. بل ادعي الإجماع عليه في التذكرة وجامع المقاصد والمسالك والروضة ومحكي شرح الإرشاد لفخر المحققين وغيرها.

لكن أطلق الصحة مع بقاء عمل للعامل وإن قلّ في الخلاف والغنية، كما أطلق في السرائر صحة المساقاة بعد ظهور الثمرة. بل صرح في محكي المهذب البارع وإيضاح النافع بعموم العمل الباقي للجداد - وهو القطف - والحفظ عن النقص والتلف. قال في الأول: «فلو صارت رطباً تاماً، وهي مفتقرة إلي الجداد والتشميس والكبس في

ص: 84

(85)

السابع: أن تكون المعاملة علي أصل ثابت (1).

الظروف جازت المساقاة عليها».

هذا والظاهر خروجه عن المساقاة عرفاً. ولا أقل من خروجه عن المتيقن من أدلتها، كما يظهر مما سبق. وينحصر الأمر بعموم نفوذ العقود الذي سبق أنه المرجع في أمثال المقام وأنه يقتضي صحة العقد وإن لم يكن مساقاة. بل هو المرجع حتي بناء علي ما سبق من بعض مشايخنا (قدس سره) من قصوره عن شمول العقود المتضمنة لتمليك المعدوم. لفرض وجود الثمرة وبلوغها في المقام، فتمليك الحصة منها تمليك لموجود.

بل حتي علي المشهور من قصور العموم المذكور بلحاظ مانعية الغرر من صحة المعاملة، لعدم اليقين بحصول الثمرة والجهل بمقدارها لو حصلت المستلزم للجهل بمقدار الحصة المجعولة للمعاملة. وذلك لفرض وجود الثمرة في مفروض الكلام، ويكفي في رفع الغرر مشاهدتها، ولا يعتبر العلم بكيلها أو وزنها، لأنها لا تباع كيلاً أو وزناً إلا بعد قطفها وعرضها في الأسواق.

هذا ولا مجال لدعوي لزوم الخروج عن عموم نفوذ العقد بدعوي الإجماع علي البطلان هنا ممن تقدم. لا لما ذكره سيدنا المصنف (قدس سره) من احتمال كون مرادهم أنه لا تصح مساقاة، لا مطلقاً، بحيث يبطل العقد. فإنه بعيد جداً، بل لا ينبغي الإشكال فيه بعد النظر إلي كلماتهم في أن مرادهم بطلان العقد. بل لعدم نهوض مثل هذا الإجماع بالحجية، بعد انعقاده في عهد تدوين الفتاوي، وقرب ابتنائه علي مخالفة الصحة للقاعدة عندهم، كما تقدم في نظائر المقام.

(1) كما صرح بذلك جمهور الأصحاب، وفي التذكرة في بيان شروط الأشجار: «الأول: أن يكون المساقي عليه شجراً ثابتاً... فكل ما لا أصل له ولا يسمي شجراً لا تصح المساقاة عليه، كالبطيخ والقثاء وقصب السكر والباذنجان والبقول التي لا تثبت في الأرض، ولا تجَزّ إلا مرة فلا تصح المساقاة عليه إجماعاً. وأما ما يثبت في

ص: 85

أما إذا لم يكن ثابتاً - كالبطيخ والباذنجان ونحوهما - فالظاهر أنه لا تجري عليها أحكام المساقاة (1). نعم لا يبعد القول بصحتها في نفسها نظيرالجعالة (2). كما أن الظاهر جواز المساقاة علي الشجر الذي لا ثمر له وينتفع

الأرض ويجز مرة بعد أخري فكذلك إذا لم يسم شجراً...».

لكن في الخلاف أن المساقاة تصح في البقل الذي يجز جزة بعد جزة، وفي الجامع في بيان شروط المساقاة: «وأن يكون علي أصل ثابت يستنمي، كالنخل والكرم والشجر والباذنجان». ولعله لذا نسب المنع للمشهور في محكي شرح الإرشاد للفخر والمهذب البارع والكفاية.

وكيف كان فوجه الاقتصار علي الضابط المتقدم هو اختصاص نصوص المساقاة في خيبر وصحيح يعقوب بن شعيب المتقدم في أول الفصل بالنخل والشجر والفاكهة، ولا عموم في أدلتها لما عداها مما تقدم.

لكن من القريب جداً إلغاء خصوصية موارد النصوص المذكورة عرفاً وفهم العموم لكل أصل يستنمي، كما تقدم من الجامع. بل ربما يفهم منها بضميمة أدلة المزارعة العموم لما إذا كان الموضوع بذراً أو زرعاً لم يظهر، ولم يصر بعد ذا أصول، من أجل خدمته حتي يثمر.

ولا أقل من كون الصحة في الجميع مقتضي عموم نفوذ العقد، الذي تكرر منّا عدم قصوره عن العقود المذكورة. غاية الأمر أنه لا ينهض بإثبات كون المعاملة مساقاة، نظير ما تقدم.

(1) لم يتضح اختصاص المساقاة بأحكام مخالفة للقواعد العامة، ليترتب أثر علي التفصيل المذكور.

(2) من الظاهر أن الجعالة ليست عقداً، ولا هي لازمة. كما أنها تقتضي ملكية العامل الجعل بعد العمل من دون حق له قبله. والمفروض في محل الكلام إيقاع العقد

ص: 86

بورقه، كالحناء ونحوها (1). الملزم للعامل بالعمل والمقتضي لثبوت الحق له في الأصول بنحو يقتضي الحفاظ عليها، لتكون له الحصة من ثمرتها. فالمقام نظير الإجارة، بل المساقاة إن لم يكن منها، لا نظير الجعالة.

(1) كما في التذكرة والقواعد والتحرير والإيضاح وجامع المقاصد والمسالك والروضة ومحكي المهذب البارع وإيضاح النافع والروض وغيرها، وفي غاية المراد لعله الأقرب. وقد يستفاد ممن أطلق جوازها في الشجر كما في الخلاف والنهاية والمهذب، مدعياً في الأول الإجماع عليه.

وفي الشرائع أنه يجوز علي تردد، وتنظر فيه في الإرشاد واللمعة. وقد يظهر المنع من كل من خصّ موضوع المساقاة بالأصل الثابت ذي الثمر، أو جعل مفادها الاشتراك في الثمر.

وكيف كان فصحيح يعقوب بن شعيب مختص بالشجر المثمر، ونصوص خيبر بين ما اقتصر فيه علي النخل وما تضمن أنها دفعت لليهود علي أن يعمروها ولهم نصف ما أخرجت من دون تعرض للأصول التي فيها، وحيث إنها قضية في واقعة فلا إطلاق لها يشمل الشجر غير المثمر والذي يطلب لورقه أو نحوه.

وأما ما في جامع المقاصد من أن وجود ذلك في خيبر وإن لم يثبت بالنقل، إلا أنه يكاد يكون معلوماً. فعهدته عليه. علي أنه لو تم فهو إنما ينفع إذا كان موضوعاً لعقد المساقاة الذي أوقع معهم، ولم يكن معفواً عنه لهم، لعدم أهميته، أو لعدم سهولة ضبط وقته. ولا شاهد علي ذلك.

بل الاقتصار في جملة من النصوص علي النخل، مع التصريح بأنه لما أدركت الثمرة بعث (ص) عبد الله بن رواحة فخرصها عليهم، يناسب اختصاص المعاملة معهم بالثمر الذي ينضبط وقت إدراكه.

ص: 87

(88)

وبذلك يظهر حال ما في بعض روايات العامة من أنه صلي الله عليه و آله و سلم عامل أهل خيبر بالشطر مما يخرج من النخل والشجر((1)). فإنه - علي ضعفه في نفسه - وإن تضمن الشجر، إلا أنه لا يعلم وجود الذي لا ثمر له فيها، ولا كونه موضوعاً للعقد معهم، نظير ما تقدم. بل التعبير بما يخرج من الشجر يناسب الثمر الذي هو عرفاً مباين للشجر خارج منه، دون الورق الذي هو جزء منه.

وقريب منه في ذلك مرسل دعائم الإسلام عن أبي عبد الله (عليه السلام): «أنه سئل عن المساقاة. فقال: هو أن يعطي الرجل أرضه وفيها أشجار أو نخل، فيقول: اسق هذا من الماء واعمره واحرثه ولك مما تخرج كذا وكذا بشيء يسميه، فما اتفقا عليه من ذلك فهو جائز»((2)). مضافاً إلي ضعفه بالإرسال. ومن هنا لا مجال لاستفادة عموم نصوص المساقاة لذلك.

نعم من القريب جداً إلغاء خصوصية موارد النصوص عرفاً، وفهم العموم منها. وإلا فالمتيقن من النصوص النخل والرمان والفاكهة، مع مفروغية الأصحاب (رضوان الله تعالي عليهم) عن العموم لكل شجر مثمر ولو مثل شجر الجوز واللوز. ولا وجه لذلك إلا إلغاء خصوصية مورد النصوص، وهو جار في المقام.

مضافاً إلي أن ذلك مقتضي عموم نفوذ العقد، نظير ما تقدم فيما لم يكن له أصل ثابت. ثم إن غير واحد ممن تقدم عمم جواز المساقاة فيما يطلب ورده، كالورد والنيلوفر والياسمين. والكلام فيه هو الكلام فيما سبق.

بقي شيء. وهو أنه قال في المبسوط: «إذا كان الوَدِيّ مقلوعاً فساقاه علي أن يغرس، فإذا علق وحمل فله نصف الثمرة، والمدة يعلق في مثلها إن علق، فالمساقاة باطلة، لأنها تصح علي أصل ثابت يشتركان في فوائده، فإذا كانت الأصول مقلوعة لم تصح المساقاة». وعليه جري في السرائر والشرائع والقواعد والتذكرة والتحرير

********

((1) الخلاف ج: 3 ص: 376. المعجم الكبير للطبراني ج: 11 ص: 301.

((2) مستدرك الوسائل ج: 13 باب: 7 من أبواب كتاب المزارعة والمساقاة حديث: 1.

ص: 88

والإرشاد وغيرها، وفي جامع المقاصد أنه لا شك فيه، وقال: «ولم ينقل في ذلك خلاف إلا من أحمد». كما نفي الخلاف فيه إلا من بعض العامة في المسالك. وظاهر التذكرة الإجماع عليه.

وقد يعلل في كلماتهم.. تارة: بأن الغرس ليس من عمل المساقاة. وأخري: بزيادة الغرر، لاحتمال عدم علوق المغروس في الأرض.

وهو كما تري، لاندفاع الأول بأن عدم لزومه في المساقاة من حيث هي لا يستلزم مانعيته بحيث لا يمكن اشتراطه. والثاني بعدم ثبوت عموم مانعية الغرر. فالعمدة في المقام قصور نصوص المساقاة عنه.

ودعوي: أن بقاء خيبر بيد اليهود مدة طويلة يستلزم عادة غرسهم فيها ولو بدلاً عن النخيل الذي تطول به المدة حتي لا يحمل بعد أو يقل حمله.

مدفوعة بقرب تجدد المساقاة بينهم وبين النبي (ص) والمسلمين كل عام، فلا يكون المغروس حديثاً مورداً للمساقاة إلا بعد أن يبلغ ويصلح للإنتاج.

ولاسيما بعد ما تضمنته بعض النصوص من أن النبي (ص) أعطي اليهود خيبر أرضها ونخلها((1))، حيث تضمنت كون الموضوع هو النخل دون مثل الوديّ. غاية الأمر أنهم يغرسون عند الحاجة لمصلحتهم، أو لاشتراط ذلك عليهم، من دون أن يكون الغرس مورداً للمساقاة.

ومثلها دعوي: إلغاء خصوصية موارد النصوص وفهم العموم منها عرفاً لما نحن فيه. فإنها ليست من الوضوح بحيث تصلح للاستدلال.

فالعمدة في المقام عموم نفوذ العقد، حيث يقتضي صحة العقد المذكور وإن لم يدخل في المتيقن من المساقاة، بناء علي ما تكرر منّا من عدم قصوره عن مثل هذه العقود.

********

((1) وسائل الشيعة ج: 13 باب: 8 من أبواب كتاب المزارعة والمساقاة حديث: 2.

ص: 89

(90) (90)

(مسألة 10): إذا بطلت المساقاة كان للعامل أجرة المثل (1)، وكان تمام النماء لمالك الشجر (2).

(مسألة 11): يجوز اشتراط شيء من الذهب أو الفضة للعامل زائداًعلي الحصة من الثمرة (3). وهل يجب الوفاء به إذا لم تسلمالثمرة؟ قولان،

وأما الإجماع - لو تم - فلا مجال للخروج به عن العموم بعد عدم وضوح كونه إجماعاً تعبدياً، بل الظاهر ابتناؤه علي عموم مانعية الغرر الذي تكرر منّا عدم ثبوته. ويأتي إن شاء الله تعالي في المسألة الخامسة عشرة ما ينفع في المقام. ثم إن ذلك يجري في غير الوديّ، كزرع النوي، وغرس صغار الشجر وزرع حبه، كما هو ظاهر.

(1) كما صرح بذلك جمهور الأصحاب، ويظهر من بعض كلماتهم المفروغية عنه. وهو كذلك. لاستيفاء صاحب الأصول عمله من دون أن تسقط حرمة عمله بقصده المجانية.

نعم لابد من كمال صاحب الأصول، بحيث يترتب الأثر علي تصرفه. كما لا فرق في الضمان بين العلم بالبطلان والجهل، نظير ما تقدم في المزارعة. فراجع.

كما أنه لو كان البطلان لانكشاف تعذر إثمار الشجر لطارئ قهري، كظهور آفة في الشجر أو زحف جراد أو نحو ذلك، فالظاهر عدم ضمان شيء للعامل. لابتناء المعاملة من أول الأمر علي توقع ذلك، وعدم بناء العرف علي الضمان بسببه. وقد تقدم نظير ذلك في المزارعة، وإن اختلفت المساقاة عنها في بعض الجهات، كما يظهر بالرجوع للمسألة الخامسة من فصل المزارعة. فلاحظ.

(2) بلا خلاف ولا إشكال، وأرسل في كلماتهم إرسال المسلمات، لتبعية النماء للأصل في الملكية.

(3) كما صرح به جماعة كثيرة، نظير ما تقدم منهم في المزارعة، وفي الجواهر: «بلا خلاف أجده، كما اعترف به غير واحد».

ص: 90

بل أقوال، أظهرها الوجوب (1)،

ويقتضيه عموم أدلة نفوذ الشروط. وبذلك يظهر جواز اشتراط ذلك لمالك الشجر علي العامل أيضاً، كما يظهر من تتمة كلام سيدنا المصنف (قدس سره). وبه صرح غير واحد. كما يظهر جواز اشتراط أمر آخر غير الذهب والفضة، كما في التذكرة.

نعم العمومات المذكورة إنما تنفع بناء علي شمول نفوذ العقد للمساقاة. أما بناء علي قصورها عنه وأن الدليل النصوص الخاصة فالنصوص تقصر عن صورة اشتمالها علي الشرط المذكور، لانحصارها بنصوص خيبر وصحيح يعقوب بن شعيب وهي مختصة بصورة عدم الشرط المذكور، ولا إطلاق لها يشمل صورة تضمن العقد له. وإذا كان مقتضي الأصل بطلان عقد المساقاة تعين بطلان الشرط الذي يتضمنه.

ودعوي: أن صحة الشرط مقتضي عموم أدلة نفوذ الشرط، لا عموم أدلة نفوذ العقد. مدفوعة بأن أدلة نفوذ الشرط إنما تقتضي نفوذ الشرط في ضمن العقد الصحيح، فإذا لم يكن هناك دليل يقتضي صحة العقد الذي تضمن الشرط، بحيث يشمل حالة تضمنه له، تعين بطلانه وبطلان الشرط الذي تضمنه.

اللهم إلا أن تحمل المساقاة علي المزارعة في عموم النفوذ، لإطلاق بعض نصوص المزارعة بنحو يشمل صورة اشتمالها علي الشرط المذكور. لدعوي: أن العقدين من سنخ واحد. فتأمل.

هذا وقد صرح كثير منهم بكراهة ذلك، نظير ما تقدم منهم في المزارعة. ولم يتضح وجهه، كما سبق هناك. بل في المهذب بعد أن ذكر جواز الشرط وكراهته قال: «والأحوط تركه». وهو لا يخلو عن تدافع، كما لم يتضح وجهه بعد ما سبق. (1) كما في العروة الوثقي. لعموم الوفاء بالشرط بعد فرض صحته تبعاً لصحة العقد حين وقوعه. ويظهر من مفتاح الكرامة أن الإطلاق المذكور مخالف لما هو المعروف من الأصحاب. بل قال في وجه السقوط مع كون الشرط علي العامل:

ص: 91

«الأصل في ذلك الإجماع علي الظاهر، إذ لا خلاف إلا من الكافي».

وكيف كان فيظهر من الجواهر وغيره عدم صحة العقد مع عدم خروج الثمرة، وأنه ينكشف بذلك بطلانه من أول الأمر، لأن مفاد العقد هو المعاوضة بين عمل العامل والثمرة.

واستدل سيدنا المصنف (قدس سره) علي ذلك بظاهر قوله في صحيح يعقوب بن شعيب المتقدم في أول الفصل: «اسق هذا من الماء واعمره ولك نصف ما أخرج» وبظاهر روايات خيبر. فمع عدم خروج الثمرة ينكشف عدم وجود أحد العوضين المستلزم لبطلان المعاوضة.

وأكد ذلك بعض مشايخنا (قدس سره) بما أشير إليه في الجواهر من أنه لو انكشف قبل العمل أو في أثنائه عدم ظهور الثمرة في وقتها لم يجب علي العامل العمل، ولا إتمامه. وذكر (قدس سره) أن ذلك لا ينافي عدم ضمان المالك للعامل قيمة عمله حينئذٍ، لأن العامل قد أقدم علي كون عمله مجانياً غير مضمون له علي تقدير عدم خروج الثمرة، فيكون قد أهدر حرمة عمله من غير جهة الثمرة، كما أشار لذلك في الجواهر أيضاً.

وفيه: أن مفاد عقد المساقاة عرفاً هو إلزام العامل بالعمل مطلقاً، وإلزام مالك الأصول بتمكينه منه كذلك برجاء حصول الثمرة. وليست الحصة إلا عوضاً علي تقدير وجودها نظير بيع الثمار، كما سبق عند الكلام في تعريف المساقاة. وصحيح يعقوب بن شعيب ونصوص خيبر لا تشهد بأكثر من ذلك.

ولا مجال للبناء علي أن مفاد العقد إلزامهما بالعمل والتمكين منه بملاك المعاوضة فعلاً بين العمل والحصة، بحيث تكون المعاوضة محتملة معلقة علي وجود الحصة في وقتها التي هي العوض. وإلا كان لزوم العمل علي العامل ولزوم التمكين منه علي المالك معلقين علي وجود الثمرة في وقتها واقعاً، فلو شك في وجودها كان استصحاب عدم وجودها في وقتها - بناء علي التحقيق من جريان الاستصحاب في الأمور المستقبلية - محرزاً لبطلان المساقاة وعدم وجوبهما، بل هو مقتضي أصل البراءة

ص: 92

لو لم يجر الاستصحاب المذكور.

مع أن مقتضي ذلك جواز امتناع العامل عن العمل، وجواز عدم تمكين المالك له منه، حتي مع العلم بحصول الثمرة علي تقدير العمل، لأن موضوع المعاوضة إذا كان هو الثمرة الحاصلة بسبب العمل فمع عدم العمل - لامتناع العامل أو عدم تمكين المالك - لا تخرج الثمرة بسببه، فينكشف بطلان العقد والمعاوضة من أول الأمر، فلا عقد ولا معاوضة، ليكون الامتناع عن العمل أو المنع منه منافياً له، ليحرم. ولا يظن بأحد البناء علي شيء من ذلك.

وأما ما سبق من أنه لو انكشف قبل العمل أو في أثنائه عدم ظهور الثمرة في وقتها لم يجب علي العامل العمل ولا إتمامه. فهو - لو تم - لا يشهد لما ذكروه من البطلان من أول الأمر، بل يجتمع مع ما ذكرنا من ابتناء العقد علي الإلزام بالعمل برجاء حصول الثمرة، حيث يرتفع موضوع المعاملة باليأس منها.

علي أنه لو فرض أن رجاء حصول الثمرة من سنخ الداعي لإيقاع العقد، لا قيداً في موضوعه، تعين إكمال العمل، كما لو كانت الأصول المغروسة تحتاج للسقي والخدمة علي كل حال، لئلا تتلف أو تخرج عن قابلية الإنتاج، فساقاه علي أن يسقيها ويخدمها في هذا العام علي كل حال، علي أن له حصة من الثمرة لو خرجت. وإن لم يبعد خروج ذلك عن منصرف المساقاة، واحتياجه لعناية خاصة.

وبالجملة: الظاهر عدم بطلان العقد حين وقوعه بمجرد عدم خروج الثمرة في وقتها، وإنما يبطل إذا لم تكن قابلة للإثمار لهرم ونحوه، بحيث يقع العقد علي أصول ليس من شأنها الإثمار. ولعله خارج عن مفروض كلامهم. وقد تقدم في المسألة الواحدة والثمانين من كتاب الإجارة ما ينفع في المقام.

ثم إنه لو تم ما ذكروه من بطلان الشرط تبعاً لبطلان العقد بعدم ظهور الثمرة فيقع الكلام في أمرين:

الأول: أن ذلك لا يجري في تلف الثمرة بعد نضوجها وقطفها أو صلوحها

ص: 93

للقطف، إذ لا إشكال في تحقق العوض المستلزم لصحة العقد والمعاوضة، فيصح الشرط، ويجب الوفاء به.

أما لو ظهرت الثمرة وتلفت قبل الإدراك ففي الجواهر: «فقد يقال: إن مبناه اعتبار الإدراك في الفائدة التي هي ركن في المساقاة، لعدم النفع بها دونه، وعدمه، فعلي الأول يتجه البطلان، بخلاف الثاني».

لكن لما كان منشأ البطلان عندهم عدم تحقق العوض. فاللازم رجوع المبنيين المذكورين إلي أن العامل يملك الحصة من الثمرة من حين ظهورها أو بعد بلوغها. ولا يظن بأحد البناء علي الثاني. بل يأتي في المسألة الرابعة عشرة الإجماع علي الأول.

وعلي ذلك يتعين صحة العقد والمعاوضة بعد فرض ملك العامل للعوض. ومجرد عدم ترتب النفع عليه لا يقتضي بطلان العقد بعد صحته، ليترتب عليه سقوط الشرط، كما لعله ظاهر.

الثاني: لو خرج بعض الثمرة دون بعض فقد قرب في الجواهر عدم جريان ما سبق، لما ذكره هو - وسبقه إليه في جامع المقاصد وغيره - من أن العوض في المساقاة ما يخرج من الثمرة قليلاً كان أو كثيراً، فيصح العقد والشرط تبعاً له.

لكن ذكر بعض مشايخنا (قدس سره) أن عقد المساقاة ينحل إلي عقود متعددة بعدد الأشجار، فإن كان غير المثمر قليلاً لا يعتد به عرفاً - كشجرة واحدة من مائة شجرة - فلا أثر له، حيث لا يبعد تعارف ذلك. أما إذا كان معتداً به فالمتعين بطلان المساقاة بالإضافة إليه وصحتها في الباقي، كما يتعين البناء علي بطلان الشرط، لأنه ملحوظ بإزاء العقد الواقع علي المجموع، فمع فرض عدم صحته بمجموعه لا موضوع للشرط.

وهذا منه (قدس سره) مبني علي أخذ الثمرة بمجموعها في موضوع المعاوضة المدعاة. وحيث لم يتضح لنا ابتناء المساقاة علي المعاوضة بالوجه الذي ذكروه، بحيث ينكشف بطلانها بعد ظهور الثمرة فلا يتيسر لنا تجديد كيفية جعل الثمرة عوضاً، وأنه بنحو

ص: 94

صرف الوجود فلا يلزم تبعض الصفقة في المقام، كما سبق من الجواهر، أو بنحو المجموع، ليلزم تبعضها كما ذكره (قدس سره). نعم قد تكرر منّا إنكار انحلال العقد إلي عقود متعددة بعدد أجزاء موضوعه.

كما سبق في المسألة العشرين من فصل شروط المتعاقدين من كتاب البيع صحة العقد مع تبعض الصفقة بالإجماع وبناء العقلاء وبعض النصوص، ومقتضي ذلك صحة الشرط تبعاً له. ولا يتضح لنا مبناه (قدس سره) في الشرط مع تبعض الصفقة في سائر الموارد، وأنه مع عدم فسخ العقد ممن تبعضت عليه هل يري سقوط الشرط المأخوذ في العقد، أو عدم سقوطه؟

هذا وحيث سبق عدم انكشاف بطلان العقد بعدم ظهور الثمرة فلابد من النظر في بقية الوجوه التي قد يستدل بها علي سقوط الشرط بعدم ظهور الثمرة أو تلفها.

ولا ينبغي الإشكال في سقوط الشرط المذكور لو أخذ الأمر المشروط - كالذهب والفضة - مقيداً بالحصة، بحيث يكون معها زائداً عليها، حيث لا موضوع له مع فرض عدمها. إلا أن الظاهر خروج ذلك عن مفروض كلامهم، لابتنائه علي عناية خاصة حين الاشتراط، بل المفهوم من الشرط استحقاق الأمر المشروط مطلقاً زائداً علي الحصة، لا مقيداً بها.

ومن هنا فقد استدل علي سقوطه في كلام غير واحد مع عدم خروج الثمرة أو تلفها بأنه يكون من أكل المال بالباطل، لأن الشرط جزء من العوض، فمع عدم حصول الثمرة لا يحصل العامل علي شيء، فكيف يخسر مع عمله الفائت عليه شيئاً آخر؟! ونبّه غير واحد علي اختصاص ذلك بما إذا كان الشرط للمالك علي العامل، أما إذا كان للعامل علي المالك فلا يكون أكله له أكلاً بالباطل، بل في مقابل عمله. ثم وقع الكلام بينهم في أنه مع نقص الثمرة هل يقع النقص علي الشرط أو لا يقع؟ لأن العوض الثمرة في الجملة قليلة كانت أو كثيرة علي ما تقدم الكلام فيه بناء علي بطلان

ص: 95

بلا فرق بين أن يكون الشرط للمالك وأن يكون للعامل (1)، ولا بين صورة عدم الظهور الثمرة أصلاً وصورة تلفها بعد الظهور (2).

المساقاة مع عدم ظهور الثمرة ولغير ذلك مما لا مجال لإطالة الكلام فيه.

وكيف كان فقد تكرر منّا أن الشرط ليس جزءاً من العوض، واستحقاقه بمقتضي الشرط لا بمقتضي المعاوضة، وبعد فرض صحة العقد ونفوذ الشرط لا وجه لسقوطه.

ومثله ما يظهر من جامع المقاصد من أن نفوذ الشرط علي العامل مع التلف ضرر عليه، فينتفي بالحديث. إذ فيه: أن دليل نفي الضرر يقصر عن ذلك، لأن العامل هو الذي أوقع الضرر علي نفسه بقبوله بالشرط، علي أن الضرر قد يحصل مع ظهور الثمرة لقلتها أو قلة قيمتها بنحو لا يناسب الشرط.

هذا وقد تقدم في المسألة الثالثة في فروع المزارعة من المسالك توجيه دخول نقص الثمرة علي الشرط بقياسه علي استثناء أرطال معلومة في بيع الثمار، وسبق هناك الإشكال في القياس المذكور. ومن هنا لا مخرج عن عموم نفوذ الشرط بعد فرض صحته تبعاً لصحة العقد، كما سبق.

(1) فقد صرح بعدم الفرق بينهما في سقوط الشرط في النهاية والمهذب والسرائر والتذكرة والتحرير، وهو مقتضي إطلاق اللمعتين. واقتصر في الشرائع والقواعد في سقوطه علي ما إذا كان الشرط للمالك علي العامل. بل صرح بعدم التعميم لصورة العكس في جامع المقاصد والمسالك وغيرهما.

(2) فقد صرح بعدم الفرق بينهما في سقوط الشرط في القواعد وظاهر جامع المقاصد وغيره، واقتصر في سقوطه علي التلف في الشرائع والتذكرة والتحرير وظاهر الإرشاد واللمعتين. بل في النهاية والمهذب والسرائر الاقتصار علي ما إذا كان التلف بآفة سماوية.

ص: 96

(97)

(مسألة 12): يجوز تعدد المالك واتحاد العامل (1)، فيساقي الشريكان

(1) الظاهر عدم الخلاف في ذلك، حيث تعرضوا لحكم اختلاف حصص الملاك المتعددين، بنحو يظهر فيه المفروغية عن جواز تعدد العمال.

وقد يستدل عليه بنصوص خيبر بلحاظ أن الأرض المفتوحة عنوة ملك لعموم المسلمين. لكن ذلك لا يرجع إلي شركة المسلمين فيها، بحيث يملك كل منهم جزءاً مشاعاً منها وإن قلّ، بل إلي قصرها علي مصالحهم، نظير العين الموقوفة علي العناوين العامة، فهي مختصة بجهة واحدة مثلها.

نعم لا إشكال في إلغاء خصوصية وحدة المالك عرفاً، بل من القريب قيام السيرة علي ذلك، بلحاظ شيوع الاشتراك في الأرض في المواريث وغيرها من دون أن يمنع ذلك عندهم من المساقاة، وإلا لظهر واتضح بسبب شيوع الابتلاء بها أيضاً.

نعم ذكر في المبسوط أنه يجوز اختلاف حصة العامل مع أحد المالكين عن حصته مع الآخر. وعليه جري في الشرائع والقواعد والتذكرة والتحرير والإرشاد وجامع المقاصد والمسالك وغيرها.

ويظهر من المبسوط والتذكرة وغيرهما رجوع ذلك إلي عقدين مع كل من المالكين في الحصة المشاعة له من الأرض والأصول المغروسة فيها.

وربما أرجع إلي عقد واحد علي مجموع الأرض والأصول مع الأطراف الثلاثة العامل والمالكين، بناء علي ما سبق في المسألة التاسعة من الفصل الأول من إمكان زيادة أطراف العقد الواحد علي الاثنين.

وكيف كان فهو خارج عن المتيقن من أدلة المساقاة. ودعوي: ابتناء الأول علي إلغاء خصوصية كون موضوع المساقاة تمام الأرض عرفاً، وفهم العموم للحصة المشاعة منها. لا تخلو عن خفاء.

ولذا يصعب جداً دعوي ذلك فيما إذا استأجره أحدهما للعمل في حصته

ص: 97

عاملاً واحداً. ويجوز العكس (1)، فيساقي المالك الواحد عاملين بالنصف له مثلاً، والنصف الآخر لهما (2)،

مشاعة من الأصول المغروسة بأجر معين، وساقاه الآخر علي حصته المشاعة من تلك الأصول بحصة من حصته من الثمرة.

ومن هنا يتعين ابتناء ما ذكروه علي ما سبق منّا من عموم نفوذ العقود لمثل هذه المعاملات، ولا مجال لتصحيحه بأدلة المساقاة. فلاحظ.

(1) الظاهر عدم الخلاف في ذلك وإن لم يتعرض له بعض من تعرض لما قبله. حيث تعرضوا لحكم اختلاف حصص العمال المتعددين، بنحو يظهر في المفروغية عن جواز تعدد العامل، نظير ما تقدم في سابقه.

ويقتضيه نصوص خيبر، لظهورها في تعامل النبي (ص) مع جماعة اليهود الذين كانوا فيها، لا مع واحد منهم مع كون الباقين عمالاً عنده بأجور معينة أو بحصص من حصته من الثمرة. مضافاً إلي قرب إلغاء خصوصية وحدة العامل لو كانت هي المتيقن ولم يكن للنصوص ظهور يشمل صورة تعدد العامل، نظير ما تقدم في سابقه.

(2) فيقتسمانه بالسوية.

هذا وقد ذكر في المبسوط أيضاً أنه يجوز اختلاف حصص العاملين، كما لو قال لهما: ساقيتكما علي أن يكون للكبير منكما ثلث الثمرة وللصغير سدسها والباقي لي. وعليه جري في القواعد والتذكرة والتحرير وجامع المقاصد وغيرها.

ويجري فيه ما تقدم في سابقه من خروجه عن المتيقن من أدلة المساقاة، سواء رجع إلي عقد واحد بين الأطراف الثلاثة أم إلي عقدين كل منهما متعلق بالحصة المشاعة لمالك الأرض والأصول المغروسة. كما لو استأجر المالك أحدهما علي السقي والعمل في حصته المشاعة منهما بأجر معين، وساقي الآخر علي حصته الأخري منها

ص: 98

(99)

ويجوز تعددهما معاً (1).

(مسألة 13): خراج الأرض علي المالك (2)، وكذا بناء الجدران

بحصة من الثمرة. ويتوقف صحته علي عموم نفوذ العقود.

ومثله ما إذا اصطلحا علي توزيع العمل بينهما مع اختلاف نصيبهما بعد اشتراكهما فيه بالسوية بمقتضي إطلاق عقد المساقاة بينهما وبين المالك، كما إذا ساقاهما المالك بالنصف - حيث سبق أنه يصير بينهما بالسوية - وبعد ذلك اتفقا بينهما علي توزيع العمل أثلاثاً، بأن يعمل أحدهما يومين بالثلث ويعمل الآخر يوماً بالسدس، أو علي توزيع سنخ العمل بينهما، فيسقي أحدهما مثلاً بالثلث، ويشذب الآخر الغصون بالسدس، أو غير ذلك.

وكذا إذا عامل المالك شخصاً واحداً بحصة من الثمرة، واستعان العامل بغيره بجزء مشاع من حصته.

فإن كلا الوجهين خارج عن المساقاة، وتبتني صحته علي شمول عموم نفوذ العقد لمثل هذه العقود.

(1) لعين ما سبق في تعدد أحد الطرفين.

هذا وقد تقدم في المسألة التاسعة من المزارعة الكلام في إيقاعها بين أكثر من طرفين. وهو يجري في المقام، كما إذا كانت الأرض والأصول المغروسة لواحد وآلة السقي لآخر والعمل من ثالث، وتعاقدوا علي أن لكل منهم حصته من الثمرة، لاشتراك المقامين في مباني الصحة والفساد، كما يظهر بمراجعتها.

(2) كما في المبسوط والشرائع والنافع، ونفي الإشكال فيه في الجواهر، وذلك لاختصاص وظيفة العامل بخدمة الأصول المغروسة من أجل حصول الثمرة أو الاستفادة فيها، ولا دخل للخراج بها. ولعل عدم تعرض بعضهم له لوضوحه.

نعم صرح في الشرائع وغيره بجواز اشتراطه علي العامل أو بينهما. لعموم نفوذ

ص: 99

وعمل الناضح (1) ونحو ذلك مما لا يرجع إلي الثمرة (2)، وإنما يرجع إلي غيره من الأرض أو الشجر (3).

(مسألة 14): العامل في المساقاة يملك الحصة من الثمرة من حين الظهور (4)،

الشروط، نظير ما تقدم في المسألة الحادية عشرة من جواز اشتراط شيء من الذهب أو الفضة علي أحدهما.

وربما اعتبر في جواز الشرط المذكور العلم بمقدار الخراج دفعاً للضرر. ويظهر ضعفه مما تكرر منّا من عدم ثبوت عموم مانعية الغرر في البيع، فضلاً عن غيره، خصوصاً الشروط التي كثيراً ما تبتني علي الجهالة.

(1) كأن المراد آلة السقي ونقل الماء للأرض كالناعور والماطور في عصورنا. ومما تقدم في الشرط السادس من شروط المساقاة يتضح وجوب اتفاقهما حين العقد علي من يتحمل ذلك، وأنه يكفي في ذلك القرائن العامة، كالتعارف ونحوه. فراجع.

(2) يعني: من حيثية إنتاج الشجر لها ونموها وجودتها ونحو ذلك، دون مثل حفظها من السرقة ببناء الجدران ونحوه. لكن ذلك لا يجري في عمل الناضح لتوقف حصول الثمرة عليه. ومن ثم ذكرنا لزوم اتفاقهما حين العقد علي من يتحمله منهما.

(3) الظاهر أن مثل تقليم الشجر وقطع الزوائد من غصونه داخل في عمل العامل وإن لم ينفع الثمرة في عام المساقاة. وإنما ينفعها بعد ذلك، لعموم قوله في صحيح يعقوب بن شعيب المتقدم في أول الفصل: «اسق هذا واعمره ولك نصف ما أخرج». ولا أقل من لزوم اتفاقهما حين العقد علي دخوله فيما علي العامل أو خروجه عنه. وكيف كان فلا إشكال في جواز اشتراط شيء من ذلك علي العامل. لعموم نفوذ الشروط، نظير ما تقدم.

(4) كما هو المعروف من مذهب الأصحاب (رضوان الله تعالي عليهم)، وعن

ص: 100

(101)

الكفاية نفي معرفة الخلاف فيه، ونفاه فيه صريحاً في جامع المقاصد. بل ظاهر التذكرة وصريح الروضة والرياض الإجماع عليه.

ويقتضيه ما تضمنه الاتفاق بين الطرفين - كما تضمنته النصوص - علي أن للعامل الحصة مما أخرجت، كالنصف أو الثلث، فإن الظاهر من ذلك الاشتراك بينهما في الخارج، وحيث يصدق عنوان الخارج علي الثمرة من حين ظهورها تعين الاشتراك فيها بينهما من ذلك الحين.

ولم يعرف الخلاف في ذلك إلا من الشافعية في أحد القولين، وهو ملكه بالقسمة، كالعامل في القراض. قال في التذكرة: «والأصل ممنوع. والفرق قائم، فإن الربح في القراض وقاية لرأس المال...». وسبقه إلي بعض ذلك في المبسوط في الجملة.

نعم يتجه ما ذكروه لو كان مفاد المساقاة انشغال ذمة المالك للعامل بنصف الثمرة، بحيث تكون القسمة مقدمة للوفاء، لا تمييزاً لحصة كل من الشريكين الثابتة في الثمرة بتمامها.

لكنه خلاف مفاد العقد، وإلا كان الأولي بهم الاستدلال بذلك. مضافاً إلي أن لازمه جواز تصرف المالك بتمام الثمرة بنحو لا يمنع من الوفاء المذكور، وتحمل المالك وحده النقص الوارد علي الثمرة قبل القسمة. ولا يظن بأحد البناء علي ذلك.

هذا وقد أشار في العروة الوثقي لثمرات كثيرة للحكم المذكور لا مجال لإطالة الكلام فيها، بل نقتصر علي ما ذكره جمهور الأصحاب، وهو وجوب الزكاة علي العامل إذا بلغت حصته النصاب، كما هو المشهور علي ما في جامع المقاصد والمسالك، وفي السرائر أنه مذهب أصحابنا بغير خلاف بينهم.

ومراده من عدا ابن زهرة في الغنية، حيث قال في كتاب المزارعة والمساقاة: «فأما الزكاة فإنها تجب علي مالك البذر أو النخل. فإن كان ذلك لمالك الأرض فالزكاة عليه، لأن المستفاد من ملكه من حيث كان نماء أصله، وما يأخذه المزارع أو المساقي كالأجرة عن عمله، ولا خلاف أن الأجرة لا تجب فيها الزكاة. وكذا إذا كان البذر

ص: 101

للمزارع، لأن ما يأخذه صاحب الأرض كالأجرة عن أرضه...».

وهو كما تري، فإن المعيار في وجوب الزكاة ملكه للغلة حين صدق العناوين الخاصة عليها، والمفروض حصول ذلك في المقام. ولو كان (قدس سره) مخالفاً فيه كان الأولي له الاستدلال بذلك - كما نبّه له بعضهم - لا بما ذكره من أنه كالأجرة، فإن الأجرة من الغلات - لو تم قياس المقام عليها - إنما لا تجب فيها الزكاة إذا ملكها صاحبها بعد صدق العناوين الزكوية عليها، دون ما إذا ملكها قبل ذلك، كما لو كانت الأجرة هي الزرع قبل ظهور الثمرة فيه، حيث يتعين وجوب الزكاة عليه حينئذٍ.

لكن في الجواهر: «لعل ابن زهرة لحظ عدم الوجوب في الأجرة عن العمل، باعتبار عدم استحقاق تسلمها إلا بعد تمام العمل، والزكاة يعتبر فيها التمكن من التصرف في المال المملوك. أو أنه لحظ وجوبها بعد المؤنة والفرض كون العمل في مقابلها، فهو حينئذٍ مؤنته...».

ويندفع الأول - مع عدم مناسبته لكلام ابن زهرة - بأن اعتبار القدرة علي التصرف في الغلات يراد به ما يقابل التعذر الخارجي بغصب ونحوه أو الشرعي الذي يكون إخراج الزكاة منافياً له، كما في نذر التصدق بالمال، دون ما كان بسبب تكليف شرعي لا ينافي إخراج الزكاة، كما لو توقف التصرف في الثمرة علي العبور في الأرض المغصوبة، ومنه المقام. حيث يلزم من التصرف في الثمرة قبل العمل منافاة حق المالك في العمل والعين. وإلا لسقطت الزكاة عن المالك أيضاً، لمنافاتها لحق العامل في العين، بل في جميع موارد الشركة في الثمرة لحرمة تصرف الشريك في المال المشترك بغير إذن شريكه.

كما يندفع الثاني بأن المراد بالمؤنة ما عدا العمل من النفقات، وإلا لزم استثناء عمل الإنسان لزرع نفسه.

وأما ما في الجواهر من الفرق بأن العمل في المقام طرف للمعاوضة مع الثمرة، وعمل الإنسان لزرع نفسه ليس طرفاً للمعاوضة، بل الزرع من سنخ الفائدة المترتبة

ص: 102

علي العمل من دون معاوضة بينهما.

فلا يتضح كونه فارقاً. مع أنه لو سلم اقتضي استثناء قيمة المثل للعمل، ودفع الزكاة عن الزائد عليه من الثمرة لو كان. علي أن الظاهر عدم استثناء المؤنة في الزكاة علي ما حقق في محله.

ومثل ذلك يجري في شراء الثمرة قبل ظهورها سنة أو أكثر مع الضميمة أو بدونها. فإن الظاهر ثبوت الزكاة علي المشتري من دون استثناء الثمن.

هذا مضافاً إلي النصوص الواردة في المزارعة كصحيح أبي بصير ومحمد بن مسلم عن أبي جعفر (عليه السلام): «أنهما قالا له: هذه الأرض التي يزارع أهلها ما تري فيها؟ فقال: كل أرض دفعها إليك السلطان فما حرثته فيها فعليك مما أخرج الله منها الذي قاطعك عليه، وليس علي جميع ما أخرج الله منها العشر، وإنما عليك العشر فيما يحصل في يدك بعد مقاسمته لك»((1))، وما في صحيح أحمد بن محمد بن أبي نصر: «ذكرت لأبي الحسن (عليه السلام) الخراج وما سار به أهل بيته. فقال: ما أخذ بالسيف فذلك إلي الإمام يقبله الذي يري - وقد قبل رسول الله (ص) خيبر - وعليهم في حصصهم العشر، ونصف العشر»((2)) وغيرهما.

وهي صريحة في وجوب الزكاة علي المتقبل الذي هو العامل في المزارعة في حصته. وهي وإن وردت في أرض الخراج التي هي للمسلمين والتي يقبلها الإمام أو السلطان، إلا أن المعاملة مع الإمام والسلطان من أفراد المزارعة، وهي مورد السؤال في الصحيح الأول، وهي التي استدل علي مشروعيتها في النصوص بسيرة النبي (ص) في أرض خيبر، كما أشير إليه في الصحيح الثاني.

نعم تضمن بعض النصوص الأخر عدم وجوب الزكاة علي المتقبل لكن ليس بناء الأصحاب علي العمل بها، كما يظهر بالرجوع لكلامهم في كتاب الزكاة. ومن هنا

********

((1) وسائل الشيعة ج: 6 باب: 7 من أبواب زكاة الغلات حديث: 1.

((2) وسائل الشيعة ج: 6 باب: 7 من أبواب زكاة الغلات حديث: 3.

ص: 103

(104)

وإذا كانت المساقاة بعد الظهور ملك الحصة بمجرد العقد (1).

(مسألة 15): المغارسة باطلة (2). وهي أن يدفع أرضه إلي غيره

ا ينبغي الإشكال في المسألة.

ثم إنه قد أطال في السرائر في الرد علي ابن زهرة، وأطال من بعده في التعقيب علي ذلك بما لا يسعنا التعرض. كما أنه مما تقدم يظهر جريان جميع ما سبق في المزارعة وعدم اختصاصه بالمساقاة.

(1) كما هو مقتضي المعاوضة التي يتضمنها العقد. وحينئذٍ يتعين في وجوب الزكاة عليه ملكه لها قبل صدق العناوين الزكوية. أما إذا كان بعده فتجب علي المالك. وحينئذٍ فتحمله لها بتمامها في حصته أو استثناؤها من مجموع الثمرة قبل القسمة تابع لكيفية اتفاقهما في العقد.

نعم يمكن ابتناء العقد علي انشغال ذمة المالك بالحصة للعامل من دون أن يكون شريكاً فيها. فلا يملكها إلا بالقسمة والقبض. لكنه خلاف مورد كلامهم.

(2) كما في الشرائع والتذكرة والقواعد والتحرير والإرشاد واللمعتين وجامع المقاصد والمسالك وغيرها. وظاهر التذكرة والمسالك ومحكي الكفاية وصريح جامع المقاصد ومجمع الفائدة الإجماع عليه، وفي الجواهر أن الإجماع بقسميه عليه.

وقد استدل عليه في كلام غير واحد بأن العقود توقيفية، ولم يثبت مشروعية العقد المذكور. لكن يكفي في إثبات مشروعيته عمومات نفوذ العقد. وقد تكرر منّا المنع من حملها علي خصوص العقود المعهودة المعروفة.

ولعله لذا قال في مفتاح الكرامة: «وظاهر مجمع البرهان التوقف في البطلان لولا الإجماع، لمكان العمومات. وكذا الكفاية والمفاتيح، بل في الأخير نسبته إلي القيل».

هذا وقد منع بعض مشايخنا (قدس سره) من شمول العمومات للمقام لوجوه:

ص: 104

الأول: أن ظاهر العمومات المذكورة اتحاد زمان الإنشاء والمنشأ، بحيث يكون الأثر فعلياً مقارناً للإنشاء. وعليه يبتني مانعية التعليق من صحة العقد. وذلك غير حاصل في المقام، لبقاء الأمر الذي يغرس في ملك صاحبه حين العقد، ولا يشاركه فيه صاحبه إلا بالغرس الذي هو متأخر عن العقد.

وفيه.. أولاً: أن المنشأ مع التعليق، ليس هو المضمون الفعلي، ليكون منفصلاً عن العقد، بل تعليق المضمون علي الشرط الذي يكون له نحو من الوجود الاعتباري، وهو متصل بالعقد، وفعلية تحقق المضمون تبعاً لفعلية الشرط بعد ذلك من شؤون التعليق المذكور، فهو غير مترتب علي العقد رأساً، ليلزم محذور انفصال المنشأ عن الإنشاء، بل بتوسط المضمون التعليقي المترتب علي العقد والمتصل به. ومن ثم ينحصر الدليل علي بطلان التعليق بالإجماع لو تم.

بل يظهر منه (قدس سره) في مسألة اعتبار التنجيز في العقد من كتاب البيع عدم صحة الوجه المتقدم، وأن مقتضي عمومات النفوذ نفوذ المضمون العقدي معلقاً كان أو منجزاً.

وثانياً: أن مفاد عقد المغارسة ليس مجرد ملكية صاحب الأرض لحصة من الشجر المغروس بغرسه، فإن ذلك إيقاع مجرد إن صدر من العامل صاحب الغرس فهو أشبه بالجعالة، وإن صدر من صاحب الأرض فهو أشبه بإباحة الغرس في الأرض بالثمن، وهو الحصة في الغرس.

بل مفاد العقد المذكور استحقاق كل من صاحب الأرض والطرف الآخر أن يغرس في الأرض علي أن يكونا شريكين في المغروس. ومن الظاهر أن الاستحقاق المشترك بينهما فعلي الحصول حين العقد، والاشتراك في المغروس بعد غرسه من متممات مضمون العقد لا يرجع إلي كون العقد تعليقياً، بل هو كالاشتراك في الثمرة بعد ظهورها في المزارعة والمساقاة، والاشتراك في الربح بعد ظهوره في المضاربة.

وثالثاً: أن ما ذكره (قدس سره) إن رجع إلي إنكار صدق العقد في المقام فيدفعه عدم

ص: 105

الإشكال في صدقه. وإن رجع إلي قصور عمومات النفوذ عنه فلا يتضح الوجه فيه. ولاسيما مع كون بعض أدلة النفوذ المرتكزات العقلائية التي لا يفرق فيها بين أنواع العقود، ولا ينحصر بالآية الشريفة التي قد يتوهم انصرافها للعقود المعهودة حين نزولها.

الثاني: جهالة فترة الملكية، حيث لا حدّ للعمل الذي التزم به الغارس بالنسبة إلي الأشجار، فإنه غير محدود بوقت معين، فإن كان مبهماً امتنع ملكه علي العامل، لامتناع ملك المبهم، وإن كان مؤقتاً ببقاء الأشجار تعين بطلانه للجهل بمدة بقائها.

ولا يخفي أن مرجع ذلك ليس إلي الجهل بفترة الملكية، بل إلي الجهل بمقدار العمل المملوك. وكأن ذلك هو المراد له.

وهو يبتني علي الاتفاق بينهما علي خدمة الغارس للأشجار المغروسة مدة مبهمة، أو مادامت موجودة. والأول لا إشكال في مبطليته للعقد، لما تكرر منّا من امتناع استحقاق المبهم. أما الثاني فلا محذور فيه.

غاية الأمر أنه ثبت اعتبار العلم في الجملة في البيع، ولا دليل علي عموم اعتباره في العقود، بل لا إشكال في عدم اعتباره في بعضها، كالمضاربة والمزارعة والمساقاة وغيرها.

وأما ما ذكره (قدس سره) من أن ذلك إنما هو فيما لا دخل له في مالية الشيء، وإلا فلا يصح العقد مع الجهالة حينئذٍ. فغريب، إذ الكلام إنما هو في اعتبار العلم فيما له الدخل في المالية، لشبهة الغرر. أما ما لا دخل له في المالية فلا إشكال في عدم اعتبار العلم به حتي في البيع.

وأظهر من ذلك ما إذا لم يبتن الاتفاق بينهما علي خدمة الغارس للأشجار بعد غرسها، بل علي مجرد الغرس، بحيث تستحكم الأشجار في الأرض، ثم تكون خدمتها عليهما معاً كسائر الشركاء، كما لو اشتري نصف شجر البستان مشاعاً.

ص: 106

حيث لا يجب علي الغارس حينئذٍ إلا الغرس بالنحو المذكور، وهو عمل محدود يتسامح في جهالته عرفاً. ولو فرض مانعيتها من صحة العقد أمكن التخلص منها بتحديد العمل بمدة يقطع باستحكام الغرس فيها.

الثالث: جهالة المنفعة التي يبذلها مالك الأرض فيما إذا لم تبتن المعاملة علي مشاركته في الأرض.

وفيه: أن المنفعة التي يستحقها الغارس في الأرض هي التي يقتضيها غرس الأشجار فقط، أو مع خدمتها مادامت باقية، وهي محدودة يتسامح في جهالتها عرفاً، ولا دليل علي مانعيتها، كما لو اشتري نصف شجر البستان مشاعاً.

ومن هنا لا ينبغي الإشكال في نهوض العمومات بإثبات صحة العقد المذكور.

نعم قد يدعي لزوم الخروج عنه بالإجماع، كما يظهر من بعضهم. قال في الجواهر: «وما عساه يظهر من بعض النصوص محمول علي وقوع ذلك بعقد صلح أو إجارة جامعة للشرائط، لا علي مشروعية هذا العقد علي نحو عقد المزارعة، فإن الإجماع بقسميه علي بطلانه». ولم يتضح مراده بالنصوص المذكورة. إلا أن يكون نظره إلي إطلاق نصوص المزارعة، بدعوي شموله لزرع الأشجار والأصول الثابتة.

لكن من القريب انصرافها إلي ما هو الشائع من زرع ما لا ثبات له، بل ينتهي بانتهاء مواسمه السنوية. ولا أقل من كون ذلك هو المتيقن من معني المزارعة عرفاً.

وأما الإجماع فمن القريب حصوله، فإنه وإن لم أعثر عاجلاً علي من تعرض للحكم المذكور قبل المحقق في الشرائع، إلا أنه المناسب لكلماتهم في المزارعة والمساقاة من اقتصارهم علي المتيقن منها بنظرهم، والبناء علي بطلان ما عداه.

نعم استشكل سيدنا المصنف (قدس سره) في التعويل عليه. قال: «لم يتضح أن مراد القائلين بالبطلان هو البطلان مطلقاً، بل من الجائز أن يكون مراد بعضهم - بل أكثرهم - البطلان بعنوان المساقاة، فلا تجري أحكامها، لا البطلان تعبداً مطلقاً».

ص: 107

ليغرس فيها علي أن يكون الشجر المغروس بينهما علي السوية أو التفاضل علي حسب القرار الواقع بينهما (1)، فإذا اتفق وقوعها كان الغرس لمالكه (2). فإذا كان هو صاحب الأرض استحق عليه العامل أجرة المثل (3)، وإن

».

لكنه كما تري لا يناسب استدلالهم علي البطلان بتوقيفية العقود، ومخالفة هذا العقد للأصل، ولا حكمهم ببقاء الغرس لمالكه، وثبوت أجرة المثل لصاحب الأرض أو للعامل وغير ذلك من لوازم عدم ترتب الأثر علي العقد.

فالعمدة في وهن الإجماع ما تكرر منّا من عدم التعويل علي الإجماعات الحاصلة في عهد تدوين الفتاوي في المسائل الخالية عن الأخبار، والتي لا يشيع الابتلاء بها في عصور المعصومين (صلوات الله عليهم)، ليمتنع عادة خفاء حكمها علي الأصحاب (رضوان الله عليهم).

ولاسيما مع ظهور عدم ابتناء فتاواهم في المقام وأمثاله علي الإجماع المذكور، بل علي مخالفة هذه العقود للأصل، لابتنائها علي الغرر الذي استحكم في نفوسهم مانعيته من صحة المعاملة إلا أن يقوم الدليل الخاص علي الصحة. وقد تكرر منّا عدم تمامية المبني المذكور. فلاحظ. والله سبحانه وتعالي العالم العاصم.

(1) قال في القواعد: «سواء شرط للعامل جزءاً من الأرض أو لا»، وفي مفتاح الكرامة: «كما صرح به جماعة. وهو قضية إطلاق الباقين. وكذلك لا فرق بين أن يكون الغرس من العامل - كما طفحت بذلك عباراتهم جميعاً - وبين أن يكون من مالك الأرض». ويظهر الوجه في تعميم المنع أو الجواز مما سبق في وجهيهما.

(2) يعني: بقي علي ملك مالكه. وهو مقتضي البطلان المصرح به في كلماتهم.

(3) يعني: لعمله. كما صرحوا به أيضاً تبعاً لبطلان العقد. لعدم ابتناء عمله علي المجانية لتهدر حرمته، بل علي الضمان في مقابل الحصة من الغرس فقط أو منه ومن الأرض، فمع عدم سلامة ذلك له، لفرض بطلان العقد، يتعين ضمانه بأجرة

ص: 108

(109)

كان هو العامل استحق عليه مالك الأرض أجرة مثل أرضه (1). هذا علي ما ذكره الأصحاب. ولا تبعد الصحة إذا كان الغرس من المالك، فيكون قول المالك: «من غرس غرسي في أرضي فله نصفه» نظير: «من رد عبدي فله نصفه» وتجري عليه أحكام الجعالة (2). أما إذا كان الغرس من العامل فتصوير الجعالة فيه لا يخلو من غموض وإشكال (3). اللهم إلا أن يكون

المثل، نظير ما تقدم في المسألة الخامسة في فرض بطلان المزارعة. ويجري فيه ما تقدم من الكلام في توقف استحقاقه الأجرة علي جهله ببطلان المعاملة وعدمه.

(1) كما صرحوا به أيضاً تبعاً لبطلان العقد. ويظهر الوجه فيه مما تقدم في سابقه. ويظهر من جملة من كلماتهم أن له قلع الغرس مع ضمان أرش النقص. والظاهر أنه يجري فيه مما تقدم في المسألة الخامسة في فرض بطلان المزارعة. فراجع.

(2) فقد تقدم في المسألة السادسة من كتاب الإجارة أنه وإن لم يثبت إطلاق لأدلة الجعالة، وإنما ورد فيها نصوص قليلة في موارد قليلة، إلا أنها من المعاملات العرفية المقبولة بمقتضي مرتكزاتهم، وهو بضميمة النصوص المذكورة كافٍ في استفادة عموم مشروعيتها، وذلك يجري في المقام.

لكن ذلك من مالك الأرض بمجرده غير ملزم للعامل بالعمل ولا للمالك ببذل الأرض، وإنما يترتب الأثر عليه بعد العمل، وهو الغرس. والكلام إنما هو في العقد الملزم لهما بالأمرين، والذي ينحصر الدليل عليه بعموم نفوذ العقد الذي سبق التعويل عليه في المقام.

(3) كأنه لأن العامل في المقام - وهو الغارس - هو الدافع للجعل، وهو الحصة في المغروس الذي يملكه بتمامه قبل الغرس. والجعالة مبنية علي أخذ العامل الجعل، لا دفعه له. إلا أن ترجع إلي قول العامل لصاحب الأرض: إن مكنتني حتي أغرس غرسي في أرضك فلك نصفه، حيث يكون نصف الغرس في مقابل تمكين المالك

ص: 109

(110)

معاملة أخري داخلة في عمومات الصحة. وهو غير بعيد (1). وكذا في الصورة الأولي، فتكون أيضاً عقداً لا جعالة (2).

للعامل من غرس غرسه في أرضه.

علي أنه يمكن تصحيحها بإرجاعها إلي الإباحة بالعوض، بأن يبيح صاحب الأرض غرس الشجر في أرضه علي أن يكون له نصفه، كما يبيح صاحب الفندق المبيت في فندقه وصاحب الحمام الغسل في حمامه بأجر معين. وقد تقدم الكلام في ذلك مفصلاً في المسألة السادسة من كتاب الإجارة، وذكرنا هناك أنها - كالجعالة - ليست عقداً. فراجع.

(1) كما يظهر مما تقدم في أصل المسألة.

(2) لعين ما تقدم في سابقه. وسبق أن العقد يقتضي لزوم العمل علي العامل وتمكين صاحب الأرض له منها بمجرد وقوعه، بخلاف الجعالة والإباحة بالعوض.

هذا شرح تمام ما ذكره سيدنا المصنف (قدس سره) من كتاب المزارعة والمساقاة. وقد أهمل (قدس سره) التعرض لكثير من الفروع التي ذكرها الأصحاب (رضوان الله عليهم) في المقام. وقد يحسن بنا التعرض لبعضها..

الأول: قال في المبسوط: «إذا ساقاه علي ودي علي أنه إذا كبر وحمل فله نصف الثمرة ونصف الودي فالعقد باطل، لأن موضوع المساقاة علي أن يشتركا في الفائدة دون الأصول»، ونحوه في السرائر، وعليه جري في الإرشاد، ومحكي الروض، وجعله الأصح في الإيضاح وجامع المقاصد، والأوجه في المسالك.

لكن الوجه المتقدم من المبسوط والسرائر إنما يجري في فرض كون الحصة من الأصول عوضاً عن العمل، كالحصة من الثمرة، دون ما إذا كانت شرطاً خارجاً عن العوض، كاشتراط الذهب والفضة الذي صرحوا بلزومه وصحة العقد معه.

مع أن خروجه عن وضع المساقاة لا يمنع من صحته في نفسه لعموم نفوذ

ص: 110

العقد. وكأنه لذلك قال في الشرائع بعد أن منع من ذلك: «وفيه تردد»، وقال في القواعد: «علي إشكال». بل مال في مجمع البرهان للصحة.

هذا وقد ذكر بعض مشايخنا (قدس سره) أنه مع أخذه الحصة من الأصول بنحو الجزئية من العوض يرجع إلي اشتراط عمل العامل في ملكه، وهو خارج عن وضع المساقاة.

لكن يكفي في خروجه عن وضع المساقاة أخذ الحصة المذكورة جزءاً من العوض مع غض النظر عن استلزامه عمل العامل في ملكه، لما هو المعلوم من أن المعهود من المساقاة اختصاص العوض بالحصة من الثمرة.

وأما اللازم المذكور فهو إنما يلزم فيما إذا كانت ملكية العامل للحصة من الأصول من حين العقد، لا بعد العمل، مع أن الحصة المجعولة حيث فرضت في كلماتهم مشاعة في الأصول فعمل العامل في المجموع يكون عملاً في ملكه وملك غيره، وربما كان اشتراطه من أجل حصة المالك في الأصول، لا من أجل حصة العامل فيها وإن كان العمل في أحدهما ملازماً للعمل في الآخر.

نعم لو كانت حصة العامل من الثمرة مساوية لحصته من الأصول كان ملكه لتلك الحصة من الثمرة مقتضي تبعية النماء للأصل، لا بسبب العمل للمالك، ويكون عمله في حصة المالك من الأصول غير مقابل بشيء من الثمرة، بل مقابل حصته من الأصل. وهو خارج عن المساقاة. وكأن ذلك هو المنظور له (قدس سره). وكذا لو كانت حصته من الثمرة أقل من حصته من الأصول.

لكن ذلك يجري حتي لو كانت الحصة من الأصول شرطاً خارجاً عن قوام المعاملة، كما هو ظاهر.

أما لو زادت حصته من الثمرة علي حصته من الأصول فتكون الزيادة المذكورة في مقابل عمله في حصة المالك من الأصول، وتدخل في المساقاة، كما لعله ظاهر.

كما أنه لو لم يكن المجعول للعامل حصة مشاعة، بل أشجاراً معينة واشترط

ص: 111

(112)

عليه العمل فيها كان ذلك خارجاً عن وضع المساقاة. لكن الشرط المذكور لا يمنع من صدق المساقاة بالإضافة إلي الأشجار التي للمالك، ولا من صحتها.

وكيف كان فقد تكرر منّا أن الخروج عن وضع المساقاة ليس محذوراً بعد عموم نفوذ العقود. فلاحظ.

الثاني: إذا هرب العامل أو امتنع من العمل بعد العقد، لم تبطل المساقاة بلا ريب، كما في جامع المقاصد، وقطعاً، كما في الجواهر. وصرح به غير واحد، وهو ظاهر آخرين، وفي مفتاح الكرامة دعوي الاتفاق عليه.

ويقتضيه عموم نفوذ العقد، معتضداً بما هو المرتكز عرفاً من كون العامل معتدياً في استمراره علي الامتناع من العمل ما لم يفت محله.

هذا وفي التحرير أن للمالك الفسخ بمجرد هروب العامل، ومال إليه في مجمع الفائدة والجواهر وغيرهما. لكن اقتصر في الإرشاد علي ما إذا لم يوجد متبرع بالعمل عنه. وزاد في الشرائع والتذكرة والقواعد وجامع المقاصد والمسالك وغيرها علي ما تعذر قيام الحاكم بذلك ولو بالاستئجار عنه من ماله أو بإقراضه أو نحو ذلك، وفصّل في المبسوط في الأمرين بما لا يسعنا إطالة الكلام فيه.

وكيف كان فكأن ذلك منهم للاقتصار في الخروج عن عموم نفوذ العقد علي المتيقن، كما صرح به غير واحد في نظائر المقام.

لكن الظاهر أن العموم المذكور ليس تعبدياً، بل هو وارد جرياً علي ما عليه العقلاء وإمضاءً لسيرتهم الارتكازية علي نفوذ العقد، ومبني العقلاء في العقود علي أن لزوم تنفيذها والجري عليها في حق كل طرف مشروط بعدم خروج الطرف الآخر عن مقتضاها، أما مع خروج أحد الطرفين عنه فكما يكون للآخر إلزامه بالرجوع والجري علي مقتضي العقد يكون له الرجوع عن أصل العقد وفسخه.

ومن هنا لا مجال للبناء علي عموم لزوم العقد بنحو يمنع من الفسخ مع هرب

ص: 112

العامل أو امتناعه عن العمل. بل يتعين جواز الفسخ للمالك، كما تكرر منّا في نظائر المقام.

نعم قد يشكل الفسخ مع وجود المتبرع عن العامل إذا لم تؤخذ مباشرة العامل شرطاً في العقد، لعدم خروج العامل حينئذٍ عن مقتضي العقد بهروبه. فتأمل.

كما أنه إذا رجع هروب العامل إلي رفع يده عن العقد يتم بالفسخ من قبل المالك بالتقايل الذي لا إشكال في مشروعيته منهما. وإن لم يبعد خروج ذلك عن مفروض كلامهم.

هذا وحيث كان مصحح الفسخ خروج العامل عن مقتضي العقد فلا يفرق فيه بين ظهور الثمرة وعدمه مادام قد بقي عمل يلزم العامل القيام به بمقتضي العقد.

لكن منع من الفسخ بعد ظهور الثمرة في جامع المقاصد والمسالك. لإمكان بيع حصة العامل منها وإكمال العمل من ثمنها. بل في الأول أنه يتعين عليهم تقييد إطلاق جواز الفسخ بذلك.

وكأنه لأن منشأ جواز الفسخ عندهم لزوم الضرر علي المالك، المرتفع حينئذٍ، لا ما ذكرنا من الوجه الذي هو شامل لذلك.

إذا عرفت هذا فمع جواز الفسخ للمالك مع تعذر الإجبار أو نحوه أو مع إمكانه - علي الكلام المتقدم - فإن فسخ قبل العمل فلا شيء للعامل. وإن فسخ بعده كان له أجرة المثل لعمله، لابتناء العمل علي الضمان بالحصة لا علي المجانية، نظير ما تقدم في المسألة الخامسة فيما إذا تبين بطلان المزارعة.

وإن لم يفسخ كان له إجباره علي العمل، أو الاكتفاء بعمل من يتبرع عنه به، فإن تعذر جري عليه حكم الممتنع، وهو الرجوع للحاكم مع تيسره، وإلا استعان المالك ببعض عدول المؤمنين ليشرف علي التصرف الأصلح للممتنع من أجل أداء ما عليه من الحق، إما باستئجار من يعمل بدله من ماله الموجود، أو الاقتراض علي حصته من

ص: 113

(114)

لثمرة، أو بمساقاة من يعمل بجزء من حصته من الثمرة أو بتمامها، بناء علي ما يأتي إن شاء الله تعالي الكلام فيه من جواز المساقاة للعامل أو غير ذلك مما يختلف باختلاف الأشخاص والظروف المحيطة بالواقعة.

هذا كله إذا اطلع المالك علي هرب العامل أو امتناعه بنحو يسعه تدارك الأمر. أما إذا اطلع عليه بعد فوت الأوان - بأن مضي وقت العمل ولم تخرج الثمرة أو نقصت أو تضررت - فالأصحاب لم يتعرضوا لذلك. ولعلهم اكتفوا بما تقدم منهم في المزارعة فيما إذا ترك العامل العمل.

وكيف كان فلا ينبغي الإشكال في ضمان العامل الضرر الذي يصيب الأصول بترك العمل إذا جعلها المالك تحت يده، كما هو الحال في سائر موارد تفريط الأمين في أمانته. وفي ضمانه ما عدا ذلك إشكال، والأمر محتاج لمزيد من التأمل.

هذا ولو امتنع المالك من تسليم الأصول وتمكين العامل من سقيها وخدمتها فقد ظهر مما سبق جواز إجبار العامل المساقي له علي تمكينه من ذلك. كما يجوز له الفسخ بمضي مدة يقتضي العقد التسليم فيها مع تعذر الإجبار، بل مطلقاً. وأما لو لم يفسخ ففي ضمان المالك له ما فاته من العمل ما تقدم في المسألة السادسة من أحكام المزارعة فيما لو امتنع المالك من تسليم الأرض.

كما أنه لو غصبت الأصول من ثالث مع منع العامل من العمل أو عدم منعه يجري ما سبق هناك في غصب الأرض، فإن المقامين علي نهج واحد. فلاحظ. والله سبحانه وتعالي العالم.

الثالث: لا إشكال مع عدم اشتراط المباشرة علي العامل في جواز استعانته بغيره تبرعاً أو بأجرة معينة. وإنما الكلام في مساقاته لغيره، بحيث يكون له حصة من الثمرة.

قال في الشرائع: «ليس للعامل أن يساقي غيره، لأن المساقاة إنما تصح علي أصل مملوك للمساقي». وتبعه في المنع في التذكرة والقواعد والإرشاد واللمعتين وجامع

ص: 114

المقاصد والمسالك وغيرها. وهو الظاهر من المبسوط، للوجه المتقدم من الشرائع.

والوجه المذكور هو الذي يقتضيه الجمود علي نصوص المساقاة، وهي صحيح يعقوب بن شعيب المتقدم في أول الفصل، ونصوص خيبر. وليس في المقام إطلاق يقتضي مشروعية المساقاة من العامل الذي لا يملك الأصول، وإنما يستحق العمل فيها من أجل الثمرة.

وأما ما ذكره بعض مشايخنا (قدس سره) من أنه بعد أن ثبت بالمساقاة الأولي هذا الحق للعامل فنقله للغير لا يحتاج للدليل الخاص، بل هو مقتضي قاعدة السلطنة في حق العامل.

ففيه: أن الشك في المقام ليس في سلطنة العامل علي نقل الحق المذكور، بل في مشروعية النقل المذكور ذاتاً، لاحتمال اختصاص مشروعية المساقاة - المفروض عندهم مخالفتها للأصل - بمالك الأصول.

نعم ذكر سيدنا المصنف (قدس سره) أن الجمود علي مورد النصوص يستلزم عدم مشروعية المساقاة ممن يشتري الثمرة سنين علي أن يكون هو المتصدي لإصلاح الثمرة ونحوه ممن يكون من شأنه التصدي لإصلاح الثمرة من دون أن يكون مالكاً للأصول.

ومرجع ذلك في الحقيقة إلي إلغاء خصوصية موارد النصوص عرفاً وفهم العموم منها، كما تقدم منّا في بعض الفروع السابقة. كما يناسبه ورود نظير ذلك في المزارعة، حيث سبق جواز مزارعة العامل غيره، وظهور كون العقدين من سنخ واحد، ولذا تضمنت النصوص الاستشهاد لمشروعية عقد المزارعة بسيرة النبي (ص) في خيبر التي أظهر ما فيها المساقاة، حيث تعرضت النصوص المذكورة لخرص عبد الله بن رواحة التمر علي اليهود. ولعله لذا كان المحكي عن ابن الجنيد جواز مشاركة العامل المساقي غيره، الراجع إلي مساقاته ببعض الحصة والعمل.

وقال في مفتاح الكرامة بعد أن ذكر وجه الفرق بين المزارعة والمساقاة: «ويبقي

ص: 115

الكلام في تسليم هذا الفرق، وفي مجمع البرهان أنه غير مسلم... ولعله لذا ترك ذلك معظم الأصحاب مع تصريحهم في المزارعة بجواز المشاركة والمزارعة، فلعلهم أحالوا ما هنا علي ما هناك».

ويزيد الأمر وضوحاً بلحاظ ما سبق منّا من أن نفوذ عقد المساقاة مقتضي عموم نفوذ العقود، وهو كما يقتضي نفوذ العقد الذي تضمنته النصوص الخاصة الواردة في المساقاة يقتضي نفوذ ما يشابهه مما لم تتضمنه ومنه المقام. غايته أنه لا يحرز كونه مساقاة، وهو غير مهم، كما تقدم نظيره.

هذا وقد يقال بالتفصيل بوجهين:

الأول: التفصيل بين ما إذا ظهرت الثمرة وما إذا لم تظهر، فتجوز للعامل المساقاة في الأول، لأنه له حقاً فيما يساقي عليه، دون الثاني.

وفيه: أن المدعي هو اشتراط ملكية المساقي للأصول، وهو المتيقن من نصوص المقام، وبظهور الثمرة يكون للعامل الحق فيها لا في الأصول. مع أنه تقدم في الشرط السادس أن جواز المساقاة بعد ظهور الثمرة ليس مقتضي إطلاق نصوص المقام، بل مقتضي عموم نفوذ العقود، وكما هو يقتضي ذلك يقتضي جواز المساقاة في المقام مطلقاً، بلا حاجة إلي تكلف التعليل بثبوت الحق للعامل فيما يساقي عليه.

الثاني: التفصيل بين ما إذا أذن مالك الأصول للعامل بمساقاة غيره وما إذا لم يأذن في ذلك. لكن لا يخفي أن مورد الكلام ما إذا لم تشترط في المساقاة الأولي مباشرة العامل، كما هو الغالب. وحينئذٍ ليس الإشكال مع عدم إذن المالك للعامل في مساقاة غيره إلا تسليمه الأصول له وجعلها تحت يده من دون إذن المالك، ويظهر الحال فيه مما تقدم في المزارعة. فراجع.

هذا وفي المختلف: «والتحقيق أن المالك إن أذن للأول في مساقاة الثاني صحت، وكان الأول كالوكيل لا حصة له في النماء. وإن لم يأذن فالثمرة للمالك، وعليه أجرة المثل للثاني، ولا شيء للأول».

ص: 116

(117)

وهو كما تري! إذ مع فرض مشروعية المساقاة للعامل في حصته كيف يكون الإذن له فيها بمنزلة التوكيل من قبل المالك في إجرائها مع المالك، مع وضوح أن المأذون فيه هو إجراؤها مع العامل وفي حصته؟! ومع فرض عدم مشروعية المساقاة للعامل في حصته يتعين لغوية الإذن المذكور، لا وقوع المساقاة المأذون فيها مع المالك.

وعلي كلا الوجهين يتوجه الإشكال في وجه بطلان مساقاة المالك مع الأول بعد كونها عقداً لازماً لا يبطل إلا بالتقايل الذي لم يفرض قصدهما له بالإذن المذكور.

ومن هنا يتعين دوران الأمر بين لغوية الإذن المذكور، لعدم مشروعية الأمر المأذون فيه، وصحته ووقوع المساقاة المأذون فيها مع العامل، كما هو المقصود لهما، وتقدم أنه الأولي بالنظر للأدلة.

بقي أمران:

أولهما: أنه بعد ما سبق من جواز المساقاة للعامل فهو إنما يتسلط علي حصته من الثمرة، وليس له أن يجعل لمساقيه ما زاد عليها، لأنه حق لمالك الأصول، فلا سلطنة له عليه. كما أنه يجوز أن يجعل لمساقيه بعض حصته، بحيث يفضل له شيء، عملاً بعموم نفوذ العقد، المؤيد أو المعتضد بما سبق في المزارعة من النصوص. فراجع.

ثانيهما: أنه كما يجوز مساقاة العامل لغيره يجوز مشاركته لغيره في العمل والحصة علي نحو ما سبق في المزارعة، لعدم الفرق بينهما بالنظر للوجه المتقدم. فلاحظ. والله سبحانه وتعالي العالم العاصم.

الرابع: إذا عجز العامل عن إكمال العمل في المساقاة، فإن اشترط في العقد مباشرته العمل بنفسه تعين بطلانها، لارتفاع الموضوع، كما لو احترقت الأصول المغروسة. واستحق أجرة المثل لعمله، لاحترامه بعد وقوعه جرياً علي المساقاة لا مجاناً. وإن لم تشترط مباشرته بقي العمل في ذمته وتعين عليه إبراؤها بطلب العمل من الغير تبرعاً عنه أو بأجرة، فإن تعذر ذلك عليه بطلت المساقاة، كما لو اشترطت مباشرته.

ص: 117

(118)

وقريب من ذلك ما لو مات قبل إكمال العمل، فإنه يتعين البطلان مع اشتراط المباشرة، كما سبق في أول الكتاب. ويتعين حينئذٍ استحقاقه لأجرة المثل. ومع عدم الشرط المذكور يثبت حق العمل من أجل إكمال المساقاة وتحصيل الحصة من الثمرة للوارث. لكن لا يجبر علي ذلك، كما في المبسوط - علي تقدير القول بعدم بطلان المساقاة - والتحرير والقواعد والتذكرة وجامع المقاصد والمسالك وغيرها، إذ لا يتحمل الوارث ما علي الميت من مال أو حق.

نعم لو كان للميت تركة ثبت الحق فيها، وأنجز العمل منها، وإلا بطلت المساقاة وثبت علي المالك أجرة المثل، نظير ما سبق في العاجز. ثم إن ما ذكرناه في عجز العامل وموته يجري في المزارعة، لعين ما سبق.

الخامس: صرح غير واحد بجواز المساقاة علي ما لا يحتاج للسقي، بل تسقيه الأمطار أو تمتص عروقه الرطوبة من الأرض. وفي التذكرة: «ولا نعرف فيه مخالفاً عند من يجوز المساقاة».

وقال في الاستدلال عليه: «لأن الحاجة تدعو إلي المعاملة في ذلك كدعائها إلي المعاملة فيما يحتاج إلي السقي، فكان جائزاً كغيره، لوجود العلة فيهما معاً». وهو - كما تري - بالقياس أشبه.

ومثله ما ذكره سيدنا المصنف (قدس سره) من الاستدلال بإطلاق مثل قول أبي عبد الله (عليه السلام) في صحيح يعقوب بن شعيب: «وكذلك أعطي رسول الله (ص) خيبر حين أتوه، فأعطاهم إياها علي أن يعمروها ولهم النصف مما أخرجت»(((1))). قال (قدس سره): «فإنه شامل للمقام. وحكاية الإمام (عليه السلام) ذلك يدل علي العموم، كما سبق».

إذ فيه: أن المحكي في كلام الإمام (عليه السلام) لما كان قضية في واقعة لا إطلاق لها فلا مجال لاستفادة الإطلاق من حكايتها. نعم لو أحرز أن في أراضي خيبر ما لا يحتاج إلي السقي كان دليلاً علي العموم. لكن لا طريق لإحراز ذلك.

********

((1) وسائل الشيعة ج: 13 باب: 10 من أبواب كتاب المزارعة والمساقاة حديث: 2.

ص: 118

(119)وأما ما ذكره بعض مشايخنا (قدس سره) من الاطمئنان بذلك، لأن النخل بفضل عمق عرقه في الأرض يكون مستغنياً عن السقي غالباً. فهو لا يخلو عن إشكال، لأن ذلك قد يتجه إلي الأراضي الندية، دون مثل أرض الحجاز.

فالعمدة في المقام أن الكلام المذكور قد وقع في ضمن حديث قال فيه السائل: «وسألته عن المزارعة فقال: النفقة منك والأرض لصاحبها، فما أخرج الله من شيء قسم علي الشطر. وكذلك أعطي...» فإن سوق قضية خيبر شاهداً لمشروعية المزارعة التي لم يتضمن الحديث تقييدها بالسقي يناسب كون معيار المشروعية مطلق العمارة من أجل الثمرة ولو من دون سقي.

هذا مضافاً إلي قرب إلغاء خصوصية السقي في صحيح يعقوب بن شعيب المتقدم في أول الفصل عرفاً، وفهم أن المدار علي العمارة من أجل الإنتاج. ولا أقل من كون ذلك مقتضي عموم نفوذ العقد وإن لم يحرز كونه مساقاة، كما تقدم في نظائره.

السادس: إذا اختلفت أنواع ثمرة البستان أو أصنافها فقد صرح جماعة من الأصحاب (رضوان الله تعالي عليهم) بجواز اختلاف حصة العامل من كل منها، بل قد يظهر من بعضهم المفروغية عنه، لعدم استدلالهم عليه، وإنما تعرضوا للزوم معرفة العامل بمقدار كل من الأنواع دفعاً للغرر، بل نفي في الجواهر الخلاف والإشكال في أصل الحكم. وقد استدل عليه في الخلاف بعموم الأخبار.

وهو كما تري! لانحصار أخبار المساقاة بنصوص خيبر المختصة بالتمر مع فرض وحدة الحصة فيها، وبصحيح يعقوب بن شعيب المتقدم في أول الفصل المفروض فيه وحدة الحصة مع اختلاف أنواع الثمر.

ومثله ما في المبسوط من حمله علي ما إذا كان كل منها في حائط منفرد. فإنهبالقياس أشبه. مع أن الحكم في المقيس عليه إنما تنهض به النصوص مع تعدد عقد المساقاة. وانفراد كل حائط بعقد يخصه، دون ما إذا كان المجموع بعقد واحد.

وكذا ما ذكره بعض مشايخنا (قدس سره) من انحلال عقد المساقاة علي الكل إلي عقود

ص: 119

(120)

متعددة. إذ فيه: أن الانحلال المذكور - لو تم - ليس عرفياً، ليكون مشمولاً للنصوص.

ومن ثم ينحصر الأمر بإلغاء خصوصية موارد النصوص عرفاً، وفهم العموم منها لو تم. وبعموم نفوذ العقود الذي تكرر منّا التمسك به، وإن لم يحرز به كون العقد مساقاة.

ثم إن ما ذكروه من اعتبار العلم بقدر كل صنف في فرض اختلاف الحصص باختلاف الأجناس مبني علي عموم مانعية الغرر، الذي تكرر منّا عدم ثبوته. ولاسيما في مثل المقام مما ابتنت فيه المعاملة علي الغرر، لعدم العلم بحصول الثمرة، فضلاً عن قدرها.

مضافاً إلي ما ذكره غير واحد من لزوم الغرر مع الجهل بمقدار كل صنف حتي مع اتفاقها في مقدار الحصة، فإن الحصة في الكل وإن كانت واحدة، إلا أن اختلاف قيمة الأصناف مستلزم للغرر مع جهالة قدر كل منها.

وبذلك يظهر أنه لا مجال للبناء علي الشرط المذكور.

السابع: قال في المبسوط: «إذا ساقاه علي أنه لو سقاها بماء السماء أو سيح فله الثلث، وإن سقاها بالنضح أو الغرب فله النصف، فالمساقاة باطلة، لأن هذا عمل مجهول غير معين، ولأن نصيبه من الثمرة سهم غير معين»، ونحوه في التذكرة والقواعد والتحرير وغيرها. وفي الرياض وعن الكفاية أنه الأشهر.

ولعله لقوله في الشرائع: «ولو ساقاه بالنصف إن سقي بالناضح وبالثلث إن سقي بالسايح بطلت المساقاة، لأن الحصة لم تتعين. وفيه تردد»، وإلا فلم يعرف من صرح بالصحة في ذلك، كما في مفتاح الكرامة.

نعم قال جماعة ممن سبق بجواز نظيره في الإجارة في مثل ما إذا قال له: إن خطته فارسياً فلك درهم، وإن خطته رومياً فلك درهمان. وربما يفرق بينهما بورود النص الخاص هناك، أو بقصور عموم نفوذ العقد عن المقام.

ص: 120

وكيف كان فقد تكرر منّا امتناع ملك الأمر المردد وكونه موضوعاً للاستحقاق. وربما يوجه بذلك المنع هنا. كما قد يوجه بمانعية الجهالة في العمل والحصة، التي تكرر منهم البناء عليها في كثير من الموارد، وإن سبق منّا الإشكال في ذلك. إلا أن التردد في المقام علي وجهين:

الأول: أن يبتني علي الاقتصار علي الأقل مهما أمكن، ولا ينتقل للأكثر إلا عند الضرورة، كما هو الظاهر في المثال المذكور، حيث يراد الاقتصار علي السيح والمطر مع تيسرهما، ومع عدمه ينتقل بالسقي بالواسطة. والظاهر رجوع الاتفاق بينهما حينئذٍ علي جعل الحصة الأقل علي أصل السقي والعمل، واشتراط الزيادة إن احتاج للواسطة. ومن هنا يتعين البناء علي الصحة، لتعيين العمل المجعول، وهو الأعم، والحصة، وهي الأقل، والزيادة من سنخ الشرط الخارج عن أصل المعاملة.

الثاني: أن يبتني علي تخيير العامل بين الوجهين، كما إذا قال له: إن سقيته نهاراً فلك الثلث، وإن سقيته ليلاً فلك النصف، فيكون نظير ما سبق في الإجارة فيما لو قال: إن خطته فارسياً فلك درهم، وإن خطته رومياً فلك درهمان.

فإن أمكن إرجاعه للأول جري عليه حكمه، بأن يكون المراد في المثال إلزامه بمطلق السقي بالثلث، ومع اشتراط الزيادة إذا جعل السقي ليلاً.

وإلا أمكن تصحيحه بأن يكون العامل ملزماً حين العقد بالعمل بأحد الوجهين لا بنحو الترديد، بل بنحو الواجب التخييري، مع إلزام المالك بكل من الحصتين بخصوصيتها لا من حين العقد، بل عند تحقق موضوعها، نظير الجعالة التي تستحق بالعمل، لا بمجرد جعل المالك. غايته أنها جعالة لازمة مأخوذة في العقد، نظير ما تقدم منّا في الإجارة مع تعدد الأجر تبعاً لتعدد العمل. فراجع المسألة السابعة من كتاب الإجارة.

ويمكن إرجاع الوجه الأول إلي ذلك أيضاً إن لم يتم توجيهه بما سبق.

نعم ذلك خارج عن وضع المساقاة الذي تضمنته النصوص، لابتنائها علي

ص: 121

(122)

الإلزام بالعمل المحدد علي نحو الواجب التعييني، وعلي تمليك حصة معينة حين العقد، نظير الأجرة.

وحينئذٍ إن لم يمكن استفادة مشروعية ذلك من نصوص المقام بضميمة إلغاء مواردها عرفاً، فلا أقل من استفادة مشروعيته من عموم نفوذ العقد، وإن لم يحرز به كونه مساقاة، كما تقدم في غير مورد.

ثم إن هذا يجري في المزارعة، حيث يمكن الترديد فيها بالوجهين بلحاظ نوع المزروع، وبلحاظ كيفية العمل وغير ذلك.

الثامن: إذا لم تشترط مباشرة العامل فعمل غيره، فإن قصد التبرع عنه فلا إشكال، وإن قصد التبرع عن المالك أو لم يقصد شيئاً فالظاهر نفوذ المساقاة وعدم بطلانها وبقاء الحصة بتمامها، عملاً بعموم النفوذ. ووجوب العمل علي العامل بمقتضي المساقاة إنما يقتضي العمل منه مع الحاجة إليه، لا مع الاستغناء عنه بعمل الغير، كما لو استغني عن السقي بالمطر، أو عن التلقيح أو قطع بعض الغصون الزائدة بهبوب الرياح.

اللهم إلا أن يقال: يختص ذلك بما إذا كان الاستغناء عن عمل العامل بنحو قليل يتعارف حصوله. أما إذا كان بنحو معتد به غير متوقع الحصول مخرج عما تبتني عليه المساقاة عرفاً، فالمتعين بطلان المساقاة بفقد أحد أركانها. ويجري ما يأتي في فرض اشتراط المباشرة بنحو التقييد.

وأما مع اشتراط المباشرة، فإن رجع الشرط المذكور إلي تقييد العمل الذي هو موضوع العقد، بحيث يكون عمل غيره رافعاً لموضوع العقد تعين بطلان العقد سواء كان عمل المتبرع باستعانة العامل به أم بدونها، كما لو استأجره علي أن يخيط ثوبه فخاطه غيره.

ويتعين حينئذٍ استحقاق العامل أجرة المثل لما عمل لا غير، بناء علي ما هو غير بعيد من ارتباطية العمل عرفاً في مثل المساقاة حيث تكون الثمرة نتيجة مجموع العمل.

ص: 122

(123)

أما بناء علي انحلاله عرفاً نظير عمل الأجير بالإضافة إلي الأجرة، بحيث توزع الحصة علي أجزاء العمل عرفاً، فالمتعين استحقاق العامل من الحصة بنسبة عمله.

وفي ثبوت خيار تبعض الصفقة للمالك حينئذٍ ثم دفعه للعامل أجرة المثل إذا فسخ إشكال، للإشكال في ثبوت الخيار مع تعذر إرجاع العوض. علي ما سبق تفصيل الكلام فيه في المسألة الثانية والعشرين من كتاب الإجارة. فراجع.

وإن رجع الشرط المذكور إلي اشتراط ذلك زائداً علي موضوع العقد، تعين صحة العقد وثبوت الخيار للمالك. فإن فسخ جري حكم بطلان العقد المتقدم. فلاحظ.

التاسع: لو ظهرت الأصول مغصوبة، فإن أجاز المالك عقد المساقاة فلا إشكال، حيث يكون هو طرف المساقاة مع العامل. وإن لم يجزه لم يترتب الأثر علي المساقاة وكانت الثمرة للمالك - لأنها نماء ملكه - وللعامل علي المساقي أجرة المثل لعمله، كما في المبسوط والشرائع وجملة من كتب العلامة وغيرها. لأنه استوفي عمله بحمله عليه وإيقاع عقد المساقاة معه. نظير ما لو ظهرت العين المستأجرة علي العمل فيها مستحقة.

ولو ظهر ذلك بعد اقتسامهما للثمرة وتلفها عندهما جري حكم ضمان اليد والإتلاف. فإن كانت الثمرة تبعاً للأصول في يد المساقي ولم يكن للعامل إلا العمل، ثم أخذ حصته من الثمرة بعد أن قام المساقي بالقسمة، كان للمالك الرجوع علي المساقي بحصته من الثمرة، وجري في حصة العامل حكم تعاقب الأيدي. فله الرجوع علي كل منهما. لكن يرجع المساقي بما دفعه بدلاً عنها علي العامل، لاستقرار الضمان عليه لتلفها عنده.

وإن كانت الثمرة في يد العامل لدفع المساقي الأصول للعامل ولم يسترجعها منه إلا بعد قسمة العامل للثمرة ودفعه حصة المساقي منها له انعكس الحكم، وكان للمالك الرجوع علي العامل بحصته، وجري في حصة المساقي حكم تعاقب الأيدي،

ص: 123

فيرجع بها المالك علي كل منهما، لكن يرجع العامل علي المساقي بما يدفعه بدلاً عنها.

وإن كانت الثمرة تحت يد كل منهما بحيث يستقل كل منهما بها وبالتصرف فيها، جري حكم تعاقب الأيدي في حصة كل منهما علي النهج السابق. وإن كانت الثمرة تحت يدهما معاً بحيث لا يستقل كل منهما بها حتي اقتسماها وانفرد كل بحصته كان للمالك الرجوع علي كل منهما بحصته، ولا يجري حكم تعاقب الأيدي حينئذٍ، لعدم استقلال كل منهما باليد في حصة الآخر، لا قبل القسمة ولا بعدها، وإنما اليد عليها قبل القسمة واحدة فيشتركان في ضمانها بضمان واحد.

نعم إذا اختلفت حصتهما كان الزائد مشتركاً بينهما بالضمان الأول قبل القسمة وجري علي نصفه حكم تعاقب الأيدي.

كما أنه لو كان هناك تغرير وخديعة كان للمغرر الرجوع علي من غرّه بما ضمن، كما تقدم غير مرة في نظائر المقام. فتأمل جيداً. والله سبحانه وتعالي العالم العاصم.

العاشر: الظاهر جواز قبالة الرجل الأرض الخربة من أهلها مدة معينة علي أن يعمرها، بحيث يجعلها صالحة للإنتاج بعد أن لم تكن كذلك، ويكون له ما يخرج منها أو من الشجر الذي يغرسه فيها في المدة المذكورة، ثم يرجعها لهم بعمارتها، نظير المساطحة المتعارفة في عصورنا.

كما تضمنه موثق الحلبي عن أبي عبد الله (عليه السلام): «سألته عن الأرض يأخذها الرجل من صاحبها فيعمرها سنتين ويردها إلي صاحبها عامرة وله ما أكل منها. قال: لا بأس»((1)).

وهو وإن تضمن أن المدة سنتين لكن الظاهر إلغاء خصوصية المدة. وربما يحمل علي ذلك صحيحه الآخر عنه (عليه السلام): «أنه قال في القبالة أن تأتي الأرض الخربة فتقبلها من أهلها عشرين سنة. فإن كانت عامرة فيها علوج فلا يحل قبالتها، إلا أن يتقبل

********

((1) وسائل الشيعة ج: 13 باب: 16 من أبواب كتاب المزارعة والمساقاة حديث: 8.

ص: 124

أرضها فيستأجرها من أهلها...»((1))، حيث لم يتضمن ذكر الأجر لها إلا في فرض عمارتها. مضافاً إلي أنه مقتضي عموم نفوذ العقود. فلاحظ. والله سبحانه وتعالي العالم. والحمد لله رب العالمين.

انتهي الكلام في فصل المساقاة ليلة السبت السادس من شهر ذي الحجة الحرام سنة ألف وأربعمائة وإحدي وثلاثين للهجرة النبوية علي صاحبها وآله أفضل السلام والتحية. وبذلك انتهي الكلام في كتاب المزارعة والمساقاة بقلم العبد الفقير (محمد سعيد) عفي عنه نجل آية الله (السيد محمد علي الطباطبائي الحكيم) دامت بركاته. في النجف الأشرف علي مشرفه الصلاة والسلام.

********

((1) وسائل الشيعة ج: 13 باب: 18 من أبواب كتاب المزارعة والمساقاة حديث: 3.

ص: 125

ص: 126

كتاب الجعالة

ص: 127

ص: 128

الحمد لله رب العالمين. والصلاة والسلام علي سيدنا محمد وآله الطاهرين، ولعنة الله علي أعدائهم أجمعين إلي يوم الدين.

ص: 129

ص: 130

(131) (131) كتاب الجعالة

الجعالة من الإيقاعات (1)

(1) كما هو مقتضي التصريح بعدم الحاجة فيها للقبول في الشرائع والتحرير واللمعة، كما جعلها في قسم الإيقاعات في الشرائع. نعم ذكر أنها عقد جائز كالمضاربة. لكن بقرينة ما سبق منه يقرب ابتناؤه علي التسامح والتجوز.

وهذا بخلاف غيره ممن عبر بذلك أو نحوه، ولم يصرح بأنها إيقاع أو أنها لا تحتاج إلي قبول، كما في المبسوط والوسيلة والتذكرة والإيضاح، وهو ظاهر من صرح بأنه لا يعتبر فيها القبول اللفظي، كما في القواعد والدروس والروضة، وفي جامع المقاصد ظاهرهم أنها من العقود.

وكأنه بلحاظ توقف استحقاق الجعل علي الإتيان بالعمل بقصده، لا تبرعاً، فيكون ذلك قبولاً فعلياً، وبه يتم العقد، كما ذكر ذلك في جامع المقاصد وغيره.

لكن الظاهر عدم صدق العقد بذلك، لعدم تضمنه التزام العامل بمضمون الإيجاب، بل مجرد كون الجعل داعياً للعمل. مضافاً إلي ما نبّه له في الجواهر من استحقاق الصبي الجعل وإن لم يأذن له الولي ليصح منه القبول الفعلي. بل الظاهر أن وضوح ذلك يغني عن إطالة الكلام فيه. ومن ثم لا مجال للاستدلال عليه بعموم نفوذ العقد.

نعم لا يبعد شمول عموم نفوذ الشروط له، لأنه وإن سبق منّا في مقدمة

ص: 131

كتاب التجارة عدم عموم الشرط للجعل الابتدائي، إلا أن المفروض في المقام هو التزام الجاعل علي نفسه بالجعل مشروطاً بالعمل، لا مطلقاً. كالتزام المطلق بالطلاق. والظاهر كفاية ذلك في صدق الشرط وإن لم يكن مبنياً علي التزام طرف آخر له بشيء، كما في العقد.

مضافاً إلي قضاء المرتكزات العقلائية بنفوذ الالتزام المذكور علي الجاعل، كما أشرنا إلي ذلك في المسألة السادسة من كتاب الإجارة، معتضداً بصحيح علي بن جعفر عن أخيه أبي الحسن (عليه السلام): «سألته عن جعل الآبق والضالة. قال: لا بأس به»((1)). ونحوه خبر وهب عن الإمام الصادق((2)) (عليه السلام).

وكأنه إلي هذا يرجع ما في الجواهر من الاستدلال علي عدم الحاجة للقبول بصدق عنوان الجعالة بدونه. وإلا فعنوان الجعالة لم يؤخذ في دليل النفوذ، لينظر في تحديد مفهومه. وترتب الأثر عليه إنما هو ببناء العقلاء معتضداً بما تقدم من النصوص، ويكفي بنظرهم الإيجاب من دون قبول.

هذا وربما استدل بنصوص أخر((3)). لكن بعضها وارد في أخذ الجعل علي العمل إذا أمر به الجاعل، وبعضها وارد لبيان جواز أخذ الأجر علي بعض الأعمال - كالسمسرة والمداواة - من دون نظر فيه إلي كيفية المعاملة، وأنها بنحو الجعالة المصطلحة أو الإجارة المبنية علي الالتزام والالتزام بين الطرفين. فلا تنهض بإثبات نفوذ الوعد المجرد الذي هو محل الكلام، خصوصاً فيما إذا لم يحرز تحقق المطلوب من العمل، كردّ الضالة والآبق، لاحتمال عدم عثور العامل عليهما.

وهذا بخلاف حديثي علي بن جعفر ووهب المتقدمين، لقرب كون المراد بهما ما

********

((1) وسائل الشيعة ج: 16 باب: 1 من أبواب كتاب الجعالة حديث: 1.

((2) وسائل الشيعة ج: 17 باب: 21 من أبواب اللقطة حديث: 1.

((3) راجع وسائل الشيعة ج: 12 باب: 85 من أبواب ما يكتسب به، وباب: 20 من أبواب أحكام العقود. وج: 16 باب: 4، 6 من أبواب كتاب الجعالة.

ص: 132

(133)

لابد فيها من الإيجاب (1) عامّاً، مثل: من رد عبدي الآبق أو بني جداري هو المعهود الشائع بين الناس من وعد صاحبهما بالجعل لرادهما.

ومثله الاستدلال في المبسوط والتذكرة وغيرهما بقوله تعالي: وَ لِمَنْ جاءَ بِهِ حِمْلُ بَعِيرٍ وَ أَنَا بِهِ زَعِيمٌ. ((1)) إذ هو - مع ابتنائه علي استصحاب أحكام الشرائع السابقة، وعلي أن المنادي جار علي شريعة يوسف (عليه السلام)، لا علي دين الملك - يشكل بأن الآية الشريفة إنما تضمنت صدور الوعد المذكور دون نفوذه وإلزام القائل به شرعاً.

وأضعف منه استدلاله بخبر مسمع بن عبد الملك عن أبي عبد الله (عليه السلام): «قال: إن النبي (ص) جعل في جعل الآبق ديناراً إذا أخذه في مصره، وإن أخذه في غير مصره فأربعة دنانير»(((2))).

إذ هو - مع ضعفه سنداً - إنما يتضمن - كبعض روايات العامة(((3))) - استحقاق الجعل المذكور شرعاً تعبداً لا بسبب جعل مالك الآبق ذلك علي نفسه الذي هو محل الكلام. وهو أمر آخر يأتي الكلام فيه إن شاء الله تعالي.

وقد يرجع إليه ما في معتبر غياث بن إبراهيم عن جعفر عن أبيه: «أن علياً (عليه السلام) قال في جعل الآبق: إن المسلم يرد علي المسلم»(((4))) وإن لم يخل عن إجمال. إذ قد يكون وارداً للردع عن استحقاق لجعل بمجرد الرد، وبيان أن المسلم من شأنه أن يرد علي أخيه، فلا ينبغي له أن يطالب بالجعل. ومن هنا فالعمدة ما سبق.

(1) كما صرحوا بذلك بنحو يظهر منهم المفروغية عنه. نعم الظاهر عدم اعتبار الإنشاء القولي، بل يكفي بيان ذلك بأي وجه كان. وأظهرها في عصورنا الإعلان

********

((1) سورة يوسف الآية: 72.

((2) تهذيب الأحكام ج: 6 ص: 398.

((3) المغني ج: 6 ص: 382.

((4) وسائل الشيعة ج: 16 باب: 50 من أبواب كتاب العتق حديث: 2. وكتاب من لا يحضره الفقيه ج: 3 ص: 88.

ص: 133

فله كذا، وخاصاً، مثل إن خطت ثوبي فلك كذا (1). ولا تحتاج إلي القبول، لأنها لا تجعل عنواناً لغير الجاعل (2)، حتي يحتاج إلي قبوله، بخلاف المضاربة والمزارعة والمساقاة ونحوهما.

الكتبي، لكفاية ذلك في الاستحقاق تبعاً للمرتكزات العقلائية التي عليها المعول في تحديد الجعالة بعد عدم الإطلاق في النصوص.

(1) اقتصر كثير منهم علي الأول. لكن الظاهر مفروغيتهم عن كفاية الثاني، كما صرح بها بعضهم. بل لعله الأولي بالنفوذ بمقتضي مبانيهم، لما فيه من تعيين طرف الإيقاع.

(2) لم يتضح كون ذلك معياراً في الفرق بين العقد والإيقاع. علي أن المراد بالعنوان إن كان خصوص ما يتقوم بصدور الشيء من الشخص كالبائع والمشتري والمؤجر والمستأجر أو حلوله به كالزوج والزوجة، فبعض العقود لا يقتضي ذلك في الطرفين، بل يقتضي عنوان الفاعل في أحدهما والمفعول به أوله في الآخر، كالمضارِب والمضارَب والساقي والمساقي، والواهب والموهوب له وإن أريد به ما يعم ذلك فبعض الإيقاعات يقتضي ذلك كالمطلِّق والمطلَّقة، ومنه في المقام الجاعل والمجعول له.

فالعمدة في الفرق بين العقد والإيقاع هو ابتناء العقد علي الالتزام بالمضمون الواحد من الطرفين حتي في مثل الهبة والوكالة، لالتزام الطرفين في الأول بانتقال الموهوب وتملكه من الواهب للموهوب له، والتزامهما في الثاني بقيام الوكيل مقام الموكل وتحمله المسؤولية فيما وكل فيه. أما الإيقاع فهو لا يبتني إلا علي الالتزام من طرف واحد وإن ترتب الأثر في حق غيره، كما في المقام - علي ما سبق بيانه - وفي الطلاق والإذن المجرد وغيرها.

وربما يرجع إلي ما ذكرنا ما ذكره بعض مشايخنا (عليه السلام) من التعليل بأن الجعالة ليست معاملة بين طرفين حتي يحتاج إلي قبول. وإلا فالمعاملة عرفاً ليست بذلك

ص: 134

(135) (135)

لوضوح، لتجعل معياراً في المقام.

بقي في المقام أمران:

الأول: أن الجعالة لما كانت إيقاعاً ونحواً من التصرف الاعتباري يتضمن جعل الحق علي الجاعل فلابد من كمال الجاعل، بحيث تكون له السلطنة علي نفسه وماله. وإليه يرجع ما في الشرائع وغيره من أنه يشترط فيه أن يكون أهلاً للاستئجار، ونفي في التذكرة والجواهر وجدان الخلاف فيه.

وقد تقدم في أول كتاب الإجارة التعرض لذلك، مع الكلام في حجر البالغ السفيه علي نفسه، بحيث لا تصح منه الإجارة علي العمل، وهو يجري في المقام فيما لو كان الجعل عملاً يقوم به الجاعل، لا مالاً منه. كما لعله ظاهر. فراجع.

كما لا إشكال ظاهراً في عدم اعتبار ذلك في العامل، وفي التذكرة أنه يدخل فيه الصبي قطعاً. نعم اشترطوا فيه أهلية العمل. والظاهر عدم إرادتهم الأهلية التكوينية، لأنها شرط واقعي لا يحتاج إلي بيان، بل ليس مرادهم إلا الأهلية الشرعية، كما يناسبه تفريعهم عليه - كما في التذكرة وغيره - عدم جواز الجعل للكافر علي أن يستوفي الدين من المسلم، والإشكال في جواز الجعل له علي أن يرد العبد المسلم الآبق، وهو يرجع إلي عدم شرعية العمل في حق المجعول له. الذي يأتي الكلام فيه عند الكلام في شروط العمل المجعول عليه.

وحيث كانت الصغريات التي ذكروها هنا ليست مورداً للابتلاء في عصورنا هذه فلا ينبغي إطالة الكلام فيها هنا. ولاسيما أنه قد تقدم ما ينفع في المقام في المسألة الثالثة من الفصل الثالث عشر في بيع الحيوان من كتاب البيع. فراجع.

الثاني: قال في المقنعة: «إذا وجد الإنسان عبداً آبقاً أو بعيراً شارداً فرد علي صاحبه كان له علي ذلك جعل إن كان وجده في المصر فدينار قيمته عشرة دراهم جياداً، وإن كان وجده في غير المصر فأربعة دنانير قيمتها أربعون درهماً جياداً. بذلك ثبتت السنة عن النبي (ص). وإن كانت الضالة غير العبد والبعير فليس في جُعل

ص: 135

ردها شيء موظف، لكنه يرجع فيه إلي عادة القوم فيما يبذلونه لمن وجدها ونحو ذلك. وإذا جعل صاحب الضالة لمن ردها جعلاً فواجب عليه الخروج إليه منه علي ما سماه من قدره». ونحوه في النهاية والوسيلة، إلا أنهما لم يشيرا للنص.

وصرح في الخلاف باختصاص نص أصحابنا في التحديد بما تقدم وروايتهم بالعبد الآبق، وأنهم ذكروا في غيره الرجوع لأجرة المثل مدعياً إجماعهم علي الأمرين. وظاهرهما استحقاق الأجر المحدد أو أجرة المثل بمجرد الرد وإن لم يجعل المالك شيئاً، بل وإن لم يستدع الرد.

لكن حمل في المبسوط النص المشار إليه علي أن ذلك هو الأفضل من دون أن يكون واجباً علي المالك مادام لم يجعل شيئاً. وفي المهذب أن العمل علي ذلك في العبد الآبق والبعير فيما إذا لم يتفقا علي تعيين الجعل، وفي السرائر أن ذلك فيما أطلق المالك الجعل ولم يقدره بتقدير، لأن ذلك هو العرف الشرعي فيهما، فيكون هو المرجع مع الإطلاق ويرجع في غيرهما لأجرة المثل، لعدم عرف للشارع فيه. وعلي ذلك جري في القواعد والإرشاد وغيرهما. وكذا في الشرائع والنافع والتذكرة، لكن مع الاقتصار في التقدير المذكور علي العبد الآبق.

والظاهر أن ذلك منهم يبتني علي العمل برواية مسمع المتقدمة، والتي ينجبر ضعفها بعمل المشهور، كما ذكره غير واحد. بل عن المقتصر أن العمل بها وبما ألحق بها صار قريباً من الإجماع. وإنما الاختلاف بينهم في دلالتها ومفادها.

لكنها - كما تري - مختصة بالعبد الآبق وظاهرة في الوجوب، ولا قرينة علي ما تقدم من المبسوط من حملها علي الاستحباب، كما لا شاهد علي ما تقدم من غير واحد من إلحاق البعير بالآبق. كما أن مقتضي إطلاقها عدم توقف التقدير المذكور علي ما إذا أطلق المالك الجعل ولم يعينه، بل يشمل ما إذا لم يجعل أصلاً، وحتي إذا لم يستدع العمل.

نعم قد يستبعد ذلك بلحاظ أن المالك قد لا يكون في مقام الاهتمام بإرجاع

ص: 136

لغير للآبق، إما لوهنه عليه، أو لأنه يريد عتقه، أو لأمله بعجزه عن الاستمرار في الإباق، لعدم تيسر أسباب العيش له، فيرجع وحده، أو لأنه يأمل أن يتبرع بعض معارفه ومحبيه بإرجاعه له مجاناً، أو لأنه قد سعي لتحصيله ببعض الطرق المغنية عن إرجاع الشخص الذي قام بالعمل... إلي غير ذلك. فمن البعيد جداً إلزامه بدفع الجعل المقدر أو أجرة المثل من دون أن يعلن عن ذلك، ويكون في مقام الاهتمام بإرجاع من أرجعه لما فقده وجعل شيء له في مقابله.

ولعله لذا قال في السرائر: «فلا يظن ظان ويتوهم متوهم أن من ردّ شيئاً من الضوال والآبق واللقطة يستحق علي صاحبه جعلاً من غير أن يجعله له، فإن ذلك خطأ فاحش وقول فظيع...».

بل قد يظهر منه حمل كلام من سبق منه الإطلاق علي خصوص صورة الجعل من دون تعيين للمجعول. ولاسيما أن المردود قد لا تبلغ قيمته المقدار المحدد في الرواية ومن ثم استشكل في ثبوت المقدار المذكور حينئذٍ في القواعد.

وكيف كان فذلك بمجموعه يوجب الريب في الإطلاق، ويلزم بالاقتصار علي المتيقن، وهو صورة بذل المالك للجعل من دون تعيين، كما جري عليه من سبق.

اللهم إلا يقال: بعد أن كان ذلك مخالفاً لظاهر الرواية في نفسه، وتقييداً لإطلاقها من دون قرينة تتضمنها، فكما يمكن التخلص من المحذور المتقدم به يمكن التخلص منه بالمحافظة علي إطلاقها مع الخروج عن ظهورها في الوجوب وحملها الاستحباب، كما تقدم من المبسوط، وليس الأول بأولي من الثاني. مع أنه لا مجال لاستفادة استحقاق الأجر والرجوع لأجرة المثل في بقية الضوال لا منها ولا من غيرها. ومن هنا لا مجال للخروج عن مقتضي الأصل من عدم الاستحقاق.

هذا كله في الضالة أما في غيره من الأعمال فلا إشكال في عدم الاستحقاق مع عدم الجعل ممن يؤتي بالعمل له، وفي الرجوع لأجرة المثل مع الجعل منه بوجه مبطل للجعالة. فلاحظ. والله سبحانه وتعالي العالم العاصم.

ص: 137

(138)

وتصح علي كل عمل محلل مقصود عند العقلاء (1).

(1) الظاهر عدم الإشكال والخلاف في الصحة حينئذٍ، ونفي وجدان الخلاف فيه في مفتاح الكرامة. بل قد يظهر من كلماتهم المفروغية عنه.

أما اعتبار كون العمل مقصوداً عند العقلاء فالظاهر أن مرادهم به ما يكون له بسبب اعتدادهم به مالية بنظرهم، بحيث يبذل المال بإزائه نوعاً. وهو يبتني علي اعتبار المالية في العوضين، الذي تكرر منّا الإشكال فيه. وتقدم بعض الكلام في ذلك في ذيل الكلام في شروط الإجارة، كما تقدم الكلام فيه مفصلاً في المسألة الرابعة من مقدمة كتاب التجارة.

وأما اعتبار كون العمل محللاً فلأن مبني الجعالة ليس علي مجرد الوعد بالجعل علي تقدير العمل، بل علي كون الجعل أجراً علي العمل وعوضاً عنه، فمع فرض حرمة العمل يتعين عدم نفوذ الجعل عليه، كما يظهر مما سبق في اشتراط إباحة العمل في موضوع الإجارة.

وحتي لو كان مبني الجعالة علي مجرد الوعد بالجعل علي العمل من دون أن يكون أجراً عليه وعوضاً عنه، فحيث يبتني علي التشجيع علي العمل والحثّ عليه فلا مجال لعموم نفوذه بحيث يشمل العمل المحرم، لإباء المرتكزات الشرعية عن حلية التشجيع علي المعصية ونفوذه.

بل يعم ذلك ما لو لم يكن معصية في نفسه، إلا أن مقدمته المنحصرة محرمة، كجعل الجاعل الجعل للحائض علي كنس المسجد المحلل في نفسه والموقوف علي المحرَّم وهو مكثها فيه مدة الكنس.

نعم إذا لم يتوقف العمل الذي يتوقف عليه الجعل علي الحرام، إلا أن المجعول له جاء به من طريق المقدمة المحرمة فلا مانع من عموم الجعالة له واستحقاقه الجعل به، كما إذا جعل الرجل الجعل علي كنس المسجد، فكنسه وهو جنب. ومنه ما إذا كان

ص: 138

جعول له عاماً فجاء بالعمل من عصي بمقدمته، كما لو قال: من كنس المسجد هذا اليوم فله كذا فكنسته الحائض.

كما أنه يتعين البناء علي قصور المنع من النفوذ عن صورة جهل العامل بحرمة العمل إلي حين إكماله. نظير ما تقدم في الإجارة. غايته أن الإجارة حيث كانت تبتني علي إلزام العامل بالعمل فحرمة العمل واقعاً تمنع من نفوذها وتقتضي بطلانها واقعاً والانتقال لأجرة المثل. أما الجعالة فهي لا تقتضي إلزام العامل بالعمل، بل مجرد استحقاقه الجعل عليه، فلا محذور في نفوذها إذا لم يلزم منها التشجيع علي المعصية، لجهل العامل بالحرمة، فيتعين استحقاق الجعل المسمي وعدم الانتقال لأجرة المثل، كما أشرنا إلي ذلك في الشرط السادس من شروط المنفعة في الإجارة.

هذا وفي مفتاح الكرامة: «والمراد بالمحلل في كلامهم الجائز بالمعني الأعم، ليشمل المباح والمندوب والمكروه، حيث يكون مقصوداً. ولابد من إخراج الواجب منه فلا تصح عليه الجعالة، كما لا تصح الإجارة».

وقد صرح بعدم جواز الجعالة علي الواجب في التذكرة والدروس واللمعتين والمسالك وغيرها. والظاهر عدم الخلاف فيه بينهم، وأن المقام نظير الإجارة، كما صرح بذلك في بعض كلماتهم. وقد علل في التذكرة بأنه لا يصح أخذ العوض علي الواجب. وهو يبتني علي ما سبق من كون الجعل عوضاً عن العمل، لا وعداً صرفاً. فإن مرجع عوضيته عنه إلي إيقاع العمل للجاعل، واستحقاق الجعل عليه متفرع عن ذلك.

لكن ذلك يقتضي اختصاص المنع بما إذا كان الواجب غير قابل للنيابة، أما إذا كان قابلاً له فلا مانع من أخذ الأجرة عليه وإن وجب علي الفاعل كفاية، غايته أن الممتثل يكون هو المنوب عنه الدافع للعوض، دون الفاعل المباشر.

كما أن ذلك يجري في المستحب أيضاً، فيجوز أخذ الجعل عليه إذا كان قابلاً للنيابة، دون ما إذا لم يكن قابلاً لها، نظير ما تقدم منّا في المسألة الخامسة والستين

ص: 139

(140)

ويجوز أن يكون مجهولاً (1).

من كتاب الإجارة، وأطلنا الكلام فيه في المسألة الثامنة والعشرين من مقدمة كتاب التجارة.

وأما المكروه فالظاهر عدم الخلاف في جواز الجعالة عليه. وهو كذلك إذا ابتنت الجعالة علي تعلق غرض الجاعل بتحصيل العمل لنفسه. أما إذا ابتنت علي مجرد التشجيع علي فعل المكروه وتجاهل كراهته فلا يخلو نفوذها شرعاً عن إشكال. لمنافاته للكراهة تبعاً للمرتكزات العقلائية والمتشرعية. ولعل ذلك خارج عن مورد كلامهم. فلاحظ.

(1) كما صرح به جمهور الأصحاب. وفي التذكرة والروضة الإجماع علي عدم اعتبار العلم فيه. نعم في الوسيلة: «وتصح بشرطين: تعيين العمل والأجرة». وربما عدّ ذلك منه خلافاً في المسألة، كما يظهر من مفتاح الكرامة. لكنه غير ظاهر، لاحتمال إرادته التعيين في مقابل الإبهام، دون العلم في مقابل الجهل الذي هو محل الكلام. ولاسيما مع حكمه بالصحة في مثل ردّ العبد والضالة الذي عدّوه من موارد الجهالة.

وكيف كان فلا إشكال ظاهراً في عدم اعتبار العلم في المقام بالنظر للمرتكزات العقلائية التي عليها المعول في تحديد الجعالة، كما سبق.

نعم يشكل عدّهم من موارد الجهل بالعمل ردّ الآبق والضالة اللذين هما من موارد النصوص، بلحاظ الجهل بالمسافة التي يتوقف الردّ علي قطعها.

إذ فيه: أن الجعل ليس علي قطع المسافة المجهولة، بل علي نفس الردّ المعلوم، فالجهالة في مقدمة العمل المجعول عليه لا فيه نفسه، ومثل ذلك لا يمنع حتي من الإجارة، فيجوز الإجارة علي مثل غسل الثوب ولو مع الجهل بمقدار الماء الذي يحتاج إليه. غاية الأمر أن مثل ذلك يختلف عن موضوع الإجارة باحتمال تعذر حصوله، وهو أمر آخر غير الجهالة به.

ص: 140

(141)

كما يجوز في العوض أن يكون كذلك (1) إذا كان بنحو لا يؤدي إلي

كما أنه لا إشكال في اغتفار ذلك في الجعالة، لأنه المتيقن من دليلها، ومنها النص المتقدم. فالأولي التمثيل للجهل بالعمل بمثل ردّ الضال من قطيع الغنم مع الجهل بعدده حين جعل الجعل، وبمثل بناء ما سقط من جدار الدار مع الجهل بمقدار الساقط منه حين الجعل أيضاً.

نعم لو تعذر العلم بمقدار العمل المطلوب ولو بعد ذلك أشكل صحة الجعالة، لعدم تيسر إحراز استحقاق الجعل. وكأنه إلي ذلك نظر في مفتاح الكرامة بقوله: «وليعلم أن العمل لو كان مجهولاً بالكلية لا يصح الجعل عليه. فمرادهم المجهول في الجملة». والأمر محتاج لمزيد من التأمل.

وأظهر من ذلك ما إذا كان العمل مردداً. لما ذكرناه غير مرة من عدم قابلية المردد لأن يكون موضوعاً للاستحقاق. إلا أن يرجع إلي التعليق علي التعيين المتأخر عن جعل الجعل، كما لو قال: من ردّ إحدي الضالتين فله كذا، ويتم تعيين المطلوب منهما غداً من قبلي أو من قبل زيد مثلاً. لعدم ابتناء الجعالة علي فعلية استحقاق الجعل، ليمتنع الترديد في موضوع الاستحقاق، معلقاً علي العمل المفروض تأخره عن التعيين. فهو كما لو قال: من ردّ الضالة التي يعينها زيد فله كذا. وهو يرجع في الحقيقة إلي الجهالة، لا إلي الترديد. فلاحظ.

(1) قال في الشرائع: «وأما العوض فلابد أن يكون معلوماً بالكيل أو الوزن أو العدد إن كان مما جرت العادة بعدّه»، ونحوه في التذكرة والإرشاد. وهو المناسب لما في المبسوط من اشتراط العلم فيه. وقد يحمل عليه ما في الوسيلة من اعتبار التعيين فيه، وإن لم يبعد حمله علي ما يقابل الترديد، نظير ما تقدم في العمل. وفي جامع المقاصد أن الأصحاب أطلقوا عدم جواز كون الجعل مجهولاً، وفي مجمع الفائدة أنهم ذكروا ذلك، وفي المسالك وعن الكفاية والمفاتيح أنه المشهور.

ص: 141

لكن لم يتضح الوجه في ذلك - كما نبّه له غير واحد - خصوصاً بعد ابتناء الجعالة علي الغرر، لاتفاقهم - كما سبق - علي عدم قدح الجهالة في العمل. كما لا يقدح احتمال تعذره.

وقد استدل عليه في التذكرة بوجوه لا مجال لإطالة الكلام فيها، لأنها لا تخرج عن الاستحسان الذي لا ينهض بالحجية. بل هو لا يناسب قوله بعد ذلك: «ولو قال: من ردّ عبدي فله نصفه أو ربعه فالأقوي الجواز للأصل»، مع وضوح أنه كثيراً ما تكون قيمة العبد مجهولة.

ومثله ما في القواعد والتحرير من أنه لو قيل بجواز الجهالة إذا لم تمنع من التسليم كان حسناً، مع التمثيل له بما إذا كان الجعل جزءاً من موضوع العمل، نظير ما تقدم من التذكرة، وقواه في جامع المقاصد، ثم قال: «وعلي هذا فيصح جعل صبرة معينة من الطعام وإن لم يعلم قدرها».

بل أطلق في الدروس عدم اعتبار العلم في الجعالة. لكنه قال بعد ذلك في فروع العوض: «ولو كان مجهولاً فأجرة المثل قولاً واحداً». وصرح في اللمعة بأن جهالة العوض لا تبطل الجعالة، بل تقتضي ثبوت أجرة المثل، بينما جعل في المبسوط ثبوت أجرة المثل حينئذٍ بسبب بطلان الجعالة، كما هو مبناهم في سائر المعاوضات. ومن هنا كانت كلماتهم في غاية الاضطراب اختياراً ودليلاً.

وكيف كان فالظاهر عدم اعتبار العلم بالعوض إذا كان معيناً في الواقع. عملاً بالمرتكزات العقلائية من دون أن يكون في البين ما يخرج عنها. وأما عموم النهي عن الغرر فقد تكرر منّا غير مرة عدم ثبوته. ولو فرض ثبوته فلابد من قصره علي المعاوضات المبنية علي تبادل الملكيتين، دون مثل الجعالة مما يرجع إلي ضمان العمل بعد وقوعه من دون إلزام بالعمل نفسه، فإنه نظير العمل برجاء كسب المال، كالصيد والغوص والبحث عن المعادن والأموال المدفونة في الخرائب ونحوها. ومنه الأمر بالعمل من دون تعيين لأجره اتكالاً علي أجرة المثل التي كثيراً ما لا تعلم إلا بعد العمل.

ص: 142

التنازع (1) مثل: من رد عبدي فله نصفه، أو هذه الصبرة أو هذا الثوب.

هذا وقد استدل في المسالك علي جواز الجهالة في العوض بما تضمن أن من قتل قتيلاً فله سلبه((1)) مع جهالة السلب. لكنه لا يخلو عن إشكال، فإن الظاهر أن ذلك جعل ابتدائي، علي أنه حكم شرعي، أو بمقتضي ولاية النبي (ص)، لا أنه جعل علي القتل وعوض عنه، بل القتل من باب الجهاد الواجب علي القاتل مجاناً وإن لم يكن للمقتول سلب. فالعمدة ما سبق. فلاحظ.

(1) لعله يرجع إلي ما سبق من التذكرة والقواعد وغيرهما من مانعية الجهالة إذا كانت مانعة من التسليم. لكن لم يتضح المنشأ لذلك ولا الضابط له.

ويظهر منهم أن من موارد ذلك الكلي ذو الأفراد المختلفة اختلافاً فاحشاً، كالثوب والكتاب. لكنه غير ظاهر، بل هو ليس من موارد الجهل، لأن الكلي يجزي فيه المسمي، كما أشار إليه في مجمع الفائدة.

ومثله ما إذا قال: إذا عملت كذا أرضيك. لظهور أن المجعول حينئذٍ ليس هو الإرضاء بنفسه، بل المراد هو الإذن أو طلب العمل لا بنحو المجانية، من دون تعيين جعل خاص، وهو يقتضي استحقاق أجرة المثل، كما أشرنا إليه آنفاً. وأما الوعد بأن يعطيه ما يرضيه. فهو وعد صرف لا أثر له ولا يجب الوفاء به.

نعم لو كان المراد أن يجعل له بالفعل ما يرضيه بعد ذلك، نظير الشرط المتأخر، بحيث لو رضي بشيء خاص انكشف أنه هو المجعول من أول الأمر، فهو مجهول حين الجعل متعين في الواقع. ولا وجه لأن يكون منشأ للتنازع، ولا لتعذر التسليم. كما لا وجه للمنع منه والبناء علي بطلان الجعالة معه. لكن حمل الكلام علي ذلك بعيد جداً، بل الظاهر ما سبق.

********

((1) الخلاف ج: 4 ص: 187. صحيح البخاري ج: 4 ص: 58.

ص: 143

(144)

وإذا كان العوض مجهولاً محضاً، مثل: من رد عبدي فله شيء (1) بطلت وكان للعامل أجرة المثل (2).

(مسألة 1): إذا تبرع العامل بالعمل فلا أجرة له (3)، سواء أجعل لغيره (4)

(1) مما سبق يظهر أن هذا ليس مجهولاً، بل كلي يكفي فيه المسمي إن لم ينصرف إلي قسم خاص، فيكفي فرد من ذلك القسم.

(2) يظهر منهم المفروغية عن ثبوت أجرة المثل مع بطلان الجعالة. وكأنه لاحترام العمل، لصدوره مبنياً علي الضمان من قبل الجاعل، لا علي التبرع والمجانية، لتهدر حرمته، فمع عدم صحة ضمانه بالوجه المتفق عليه بينهما يتعين ضمانه بأجرة المثل، نظير ما تقدم في العمل المستأجر عليه.

نعم لا مجال لذلك إذا كان البطلان لقصور الجاعل، لأن الضمان الذي تبتني عليه الجعالة نحو من الالتزام لا ينفذ عليه مع قصوره ورفع القلم عنه، نظير ما تقدم في المسألة الثامنة والعشرين من كتاب الإجارة. فلاحظ.

(3) الظاهر عدم الإشكال ولا الخلاف فيه بينهم، ويظهر من بعض كلماتهم المفروغية عنه. وهو المناسب لما سبق من جماعة من أن الجعالة من العقود، وأنه يكفي فيها القبول الفعلي، لظهور أن القبول الفعلي لا يكون بالعمل تبرعاً، بل غاية ما يمكن دعواه حصوله بالعمل بقصد استحقاق الجعل جرياً علي مقتضي الإيجاب، وإن تقدم منّا المنع من ذلك أيضاً. فراجع.

وكيف كان فهو مقتضي الأصل، فإن المتيقن من الأدلة المتقدمة ما إذا كان العمل جرياً علي مقتضي الجعالة، لا بقصد التبرع والمجانية.

(4) بل حتي لو جعل الجاعل الجعل بنحو يعم القائم بالعمل أو يخصه فإنه لا يستحق الجعل مع التبرع، وإن لم يذكروه لما سبق من المفروغية عنه.

ص: 144

(145)

هذا وقد ذكروا أنه لو كان الجعل علي ردّ الآبق أو الضالة لشخص خاص فردّ غيره فهو متبرع. والظاهر أن مرادهم ما إذا كان ردّ الغير بقصد أخذ الجعل لا بقصد التبرع، وأن مرادهم بأنه متبرع أنه بحكم المتبرع، لعدم شمول الجعل له. وإليه يرجع قوله في الشرائع: «كان عمله ضائعاً». غاية الأمر أنه في الضالة يبتني علي عدم استحقاق الأجر بردها ابتداءً من دون جعل من المالك الذي سبق الكلام فيه.

لكن في المسالك: «هذا إذا شرط علي المجعول له العمل بنفسه أو قصد الراد العمل لنفسه أو أطلق، أما لو ردّه نيابة عن المجعول له - حيث يتناول الأمر النيابة - كان الجعل لمن جعل له». ونحوه في مفتاح الكرامة مع احتماله حمل إطلاق الشرائع علي ذلك.

وفيه: أن النيابة عن الغير إنما تشرع في أداء الحق الذي عليه، وحيث كان العمل في الجعالة غير مستحق علي المجعول له فلا تشرع النيابة فيه. نعم إذا صحّ نسبة عمل الغير للمجعول له، لأمره به أو استئجاره له أو نحو ذلك، اتجه استحقاقه الجعل مع فرض عدم اشتراط المباشرة عليه في الجعالة، كما نبّه لذلك في الجواهر.

ومثله ما في التذكرة من أنه لو ردّه عبد المجعول له استحق الجعل، قال: «لأن ردّ عبده كردّه، ويده كيده». إذ فيه: أن ذلك لا يكفي في نسبة عمل العبد لسيده بحيث يشمله إطلاق الجعل له، إلا أن يكون بأمره له بذلك، كما في غير العبد، كما ذكره في الجواهر أيضاً.

بقي شيء، وهو أنه لو عمل لا بقصد التبرع، بل بقصد أخذ الجعل من دون أن يعلم بصدور الجعل من الجاعل، فهل يستحق الجعل؟ استشكل في ذلك في القواعد. وفي الإيضاح أن الأصح الاستحقاق، وفي الدروس أنه الأقرب، وقد يظهر الميل إليه من الجواهر، لصدق الجعالة عليه مع فرض شمول الصيغة له وقصده أخذ الجعل وعدم التبرع. وإليه قد يرجع ما في الإيضاح.

واستثني من ذلك في جامع المقاصد ما إذا كان العامل عالماً بأن الردّ من دون

ص: 145

(146)

أم لم يجعل (1).

(مسألة 2): يجوز أن يكون الجعل من غير المالك (2)، كما إذا قال: من

الجعل غير موجب للاستحقاق وإن قصد العامل العوض، لأنه لا ينفك عن قصد التبرع. وفي مفتاح الكرامة أنه لا إشكال في عدم الاستحقاق حينئذٍ، وأن مرادهم ما إذا لم يعلم بذلك.

لكنه لم يتضح صدق التبرع بذلك، بل العلم بعدم الاستحقاق شرعاً لا ينافي البناء علي أخذ العوض وعدم الإتيان بالعمل مجاناً. ومن هنا لا مجال للاستثناء المذكور.

نعم لم يتضح الوجه في الاستحقاق في الصورتين معاً، لأن الجعالة تصدق بمجرد الإنشاء وإن لم يقبل أحد أو لو لم يعمل، لما سبق أنها من الإيقاعات. ولا إشكال في عدم كونها بنفسها سبباً لفعلية الاستحقاق، كما لم يصل لنا من الشارع الأقدس معيار الاستحقاق بها، ليؤخذ به بإطلاقه. والمتيقن من بناء العقلاء علي الاستحقاق بها ما إذا قام العامل بالعمل جرياً علي مقتضي الجعالة، ومن أجل الحصول علي الجعل الذي تضمنته، بحيث يجعل عمله في مقابل الجعل معوضاً به وسبباً في استحقاقه، وهو غير حاصل في المقام.

نعم لا يبعد الاستحقاق فيما إذا أتي بالعمل برجاء جعل شيء عليه من قبل الجاعل، بحيث يكون عمله في مقابل الجعل لو صادف جعله، لا مجاناً - كما في المتبرع - ولا للبناء علي أخذ جعل عليه من دون جعل جاعل، كما في محل الكلام. فلاحظ. والله سبحانه العالم العاصم.

(1) أما مع قصد التبرع فلا إشكال ظاهراً في عدم الاستحقاق، كما سبق. وإنما كلامهم مع عدم قصد التبرع، حيث سبق من بعضهم الاستحقاق في ردّ الضالة، علي التفصيل المتقدم.

(2) كما في الشرائع والتذكرة والقواعد والتحرير والإرشاد واللمعتين

ص: 146

والمسالك وغيرها، ونفي الريب فيه في جامع المقاصد، وفي الجواهر: «بلا خلاف ولا إشكال».

والظاهر أن ملاك المسألة كون الجعل من غير المنتفع بالعمل عرفاً، سواءً كان في ملكه، كما لو قال: من أسرج لزيد فرسي فله درهم، أم في غير ملكه، كما في المثال المذكور في المتن. في مقابل ما إذا كان الجعل من المنتفع بالعمل عرفاً، سواءً كان في ملكه، كما لو قال: من ردّ عبدي فله كذا. أم في غير ملكه، كما لو قال: من داوي ولدي أو فرش لي في المسجد أو أسرج لي فرس زيد فله كذا.

وكيف كان فقد قال في الجواهر في الاستدلال علي المدعي: «لما عرفته من أن الجعالة من التسبيب الذي لا يعتبر فيه ملك عوض بعوض، كالبيع والإجارة».

لكن من الظاهر صحة الإجارة من غير المنتفع بالعمل، كما لو استأجره علي أن يخيط ثوب غيره أو يبني داره. غايته أن الذي يملك العمل المستأجر عليه علي الأجير حينئذٍ هو المؤجر، لا مالك العين الذي ينتفع بالعمل. بل سبق منّا في المسألة الأولي من فصل شروط العقد من كتاب البيع إمكان كون العوض من غير من دخل المعوض في ملكه.

وكيف كان فلا إشكال في إمكان النفوذ في المقام. إلا أن ذلك وحده لا يكفي في النفوذ بعد عدم إطلاق لدليل نفوذ الجعالة، كما كان لدليل نفوذ العقد. بل ينحصر وجه الصحة بعموم المرتكزات العقلائية التي عرفت أنها عمدة الدليل في الجعالة، مؤيدة أو معتضدة بعموم نفوذ الشروط، بناء علي ما سبق منّا من صدق الشرط عليها. ومعه لا يحتاج لإثبات إمكان النفوذ في المقام بالنظر لمقتضي القاعدة، حيث ينهض ذلك بإثبات نفوذها ولو علي خلاف مقتضي القاعدة.

نعم لابد من حلية العمل في غير الملك، لإذن المالك أو عموم الجهة الموقوف عليها أو نحو ذلك، وإلا بطلت الجعالة عليه لما سبق.

ثم إنه قال في الجواهر بعد ذلك: «نعم لو قصد المتبرع المالك فأجاز لزمه بناء

ص: 147

(148)

خاط ثوب زيد فله درهم، فإذا خاطه أحد لزم القائل الدرهم دون زيد (1). (مسألة 3): يستحق الجعل بالتسليم (2) إذا كان المجعول عليه

علي جريان الفضولي فيه. بل وكذا لو قصد الرجوع به عليه». لكن سبق في كتاب البيع أن نفوذ عقد الفضولي بالإجازة هو مقتضي عموم نفوذ العقود، وحيث لا عموم للنفوذ في الإيقاع فلا مجال لنفوذه إلا أن يقتضيه دليله، ولا يبعد بالنظر للمرتكزات العقلائية التي هي عمدة الدليل علي نفوذ الجعالة البناء علي نفوذها بالإجازة.

وأظهر من ذلك ما لو تم صدق الشرط عليها، لأن عموم نفوذ الشروط كعموم نفوذ العقود يشمل ما يصدر من الفضولي بإجازة الأصيل. ويظهر أثر ذلك فيما إذا قام العامل بالعمل قبل أن يعلم بالإجازة. أما إذا قام به بعد أن علم بها فلا إشكال في النفوذ، لأن الإجازة إن لم تنفذ بها جعالة الفضولي فهي بنفسها تنفذ علي المجيز، لكونها جعالة منه عرفاً.

وأما إذا قصد الجاعل الجعل من ماله لكن مع الرجوع علي المالك بما يدفعه، وهو الذي ذكره في الجواهر أخيراً، فإن أذن له المالك بذلك قبل أن يجعل فلا إشكال ظاهراً في استحقاقه الرجوع علي المالك، لأنه أذن له في خسارة ماله علي أن يضمنه له، نظير ما إذا قال: أدّ ديني، أو ألق متاعك في البحر، وعليّ التدارك. وكذا لو أراد الرجوع في الجعالة قبل العمل، فطلب منه عدم الرجوع فيها علي أن يضمن له خسارته. لعين ما سبق. أما بدون ذلك فرضا المالك بالرجوع عليه لا يزيد علي الوعد الابتدائي الذي لا يجب الوفاء به.

(1) لا منشأ لتوهم لزوم الجعل علي المالك بعد عدم صدور الجعل منه، غاية الأمر أن تبطل الجعالة - لو لم يتم ما سبق - فإما أن لا يستحق العامل شيئاً أو يستحق علي الجاعل أجرة المثل. فكان الأولي لسيدنا المصنف (قدس سره) نفي بطلان الجعالة.

(2) قال في المبسوط: «ولو قال: من جاءني بعبد آبق من البصرة فله دينار،

ص: 148

فجاء به من واسط، فإنه يستحق نصف دينار، لأنه عمل نصف العمل». وقريب منه في التذكرة.

وزاد في المبسوط: «لو قال: إن جئتني بعبدي فلك كذا فجاء به إلي باب البلد ثم هرب فإنه لا يستحق شيئاً، لأنه ما جاء به، لأن المقصود من المجيء به التسليم».

وقال في التذكرة: «استحقاق العامل للجعل موقوف علي تمام العمل، فلو سعي في طلب الآبق فردّه فمات في الطريق... أو هرب... فلا شيء للعامل، لتعلق الاستحقاق بالرد، وهو المقصود، ولم يحصل... فلو قال: من خاط ثوبي فله درهم فخاط واحد بعضه ثم أهمل لم يستحق شيئاً، مع احتمال استحقاقه. ولو مات فاحتمال الاستحقاق أقوي... ولو قال: إن خطت هذا القميص فلك درهم فخاط بعضه، فإن تلف في يد الخياط لم يستحق شيئاً، وإن تلف في يد ربّ الثوب بعد ما سلمه إليه استحق من الأجرة بنسبة ما عمل».

واقتصر في الشرائع والقواعد والتحرير والدروس وكثير غيرها علي أنه لا يستحق الجعل إلا بالتسليم، ونفي في الجواهر وجدان الخلاف فيه.

والذي ينبغي أن يقال: التبعيض.. تارة: يكون في مقدمة العمل المجعول عليه. وأخري: يكون في نفس العمل المجعول عليه.

أما الأول فكما في مثل قطع المسافة في ردّ العبد الآبق والضالة ونحوهما. ولا ينبغي الإشكال في عدم الاستحقاق به مع عدم تحقق نفس العمل المجعول عليه، لعدم كون قطع المسافة مثلاً موضوعاً للجعل، ولا للغرض إلا بلحاظ ترتب الرد عليه، فمع عدم ترتبه لا يتحقق شيء من موضوع الجعل ولا الغرض.

لكن في القواعد: «ويحتمل الاستحقاق مع الموت بالنسبة»، ونحوه في الروضة. قال: «لأن المانع من قبل الله تعالي لا من قبل العامل». وزاد في جامع المقاصد: «ولأن الرد الممكن عادة قد حصل، وتسليمه من الموت ليس داخلاً تحت قدرة البشر». بل في الإيضاح: «والأولي هو الاستحقاق مع الموت خاصة وهو أقوي عندي». وفيه: أن

ص: 149

الفرق ضعيف، كما في المسالك، ولعله لذا سبق من التذكرة الجزم بالعموم.

وأما مع تحقق العمل المجعول عليه، كما لو قال: من ردّ عبدي من البصرة إلي بغداد فردّه من واسط، فإن كان ذكر المبدأ قيداً في الجعل يتعين عدم استحقاق شيء، كما لو كان المالك في المثال يعتقد أن العبد الآبق إذا دخل واسط سهل عليه إرجاعه إلي بغداد من دون حاجة إلي جعل.

وإن كان ذكر المبدأ لمجرد اعتقاد المالك وجود العبد فيه من دون أن يكون دخيلاً في الجعل تعين استحقاق تمام الأمر المجعول.

وإن كان ذكر المبدأ لدخله في مقدار الأمر المجعول دون أصل الجَعل، بحيث يرجع إلي انحلال الأمر المجعول وتوزيع أجزائه علي أجزاء المسافة، تعين التوزيع الذي سبق من المبسوط. لكنه يحتاج إلي عناية خاصة.

وأما الثاني فكما في مثل خياطة الثوب وبناء الجدار. وحينئذٍ إن كان الغرض متعلقاً بالمجموع بنحو الارتباطية، ولم يتيسر الإتمام للجاعل تعين عدم استحقاق شيء مع التبعيض، كما لو أراد من بناء الجدار منع السارق أو الماء من دخول الدار. لعدم وفاء المأتي به بشيء من الغرض.

وإن تيسر الإتمام للجاعل، أو لم يكن الغرض متعلقاً بالمجموع بنحو الارتباطية، فالظاهر الاستحقاق بالنسبة مع عجز العامل عن الإتمام لموت أو مرض أو نحوهما، عملاً بالمرتكزات العقلائية التي هي الدليل في المقام. بل لا يبعد عموم ذلك للعجز العرفي بلحاظ لزوم محذور مهم من إتمام العمل.

وأما مع قدرة المجعول له علي الإتمام وامتناعه من دون عذر فالأمر لا يخلو عن إشكال، وإن لم يبعد بناء العقلاء علي عدم استحقاقه شيئاً، لهدر العامل حرمة عمله بامتناعه عن الإتمام، بخلاف صورة العجز. فتأمل جيداً. والله سبحانه وتعالي العالم.

ص: 150

(151)

التسليم (1). أما إذا كان المجعول غيره، كما إذا قال: من أوصل عبدي إلي البلد كان له درهم، استحق العامل الدرهم بمجرد الإيصال إلي البلد وإن لم يسلمه إلي أحد (2). وإذا قال: من خاط هذا الثوب فله درهم، استحق الخياط الدرهم بمجرد الخياطة (3).

(مسألة 4): الجعالة جائزة (4)، يجوز للجاعل الرجوع فيها قبل

(1) صريحاً أو ظاهراً، كما لو قال: من ردّ عبدي أو متاعي فله كذا.

(2) كما في الروضة ومجمع الفائدة. ولا ينبغي الإشكال فيه للإتيان معه بالأمر المجعول عليه. إلا أن ينصرف إلي إرادة تمكين المالك منه، فلابد منه في استحقاق الجعل. لكنه خارج عن مفروض كلامهم.

(3) كما في مجمع الفائدة. لتحقق العمل المجعول عليه. ويظهر مما سبق من التذكرة في صورة الإتيان ببعض العمل اعتبار تسليم العين التي يتعلق بها العمل في استحقاق الجعل، كما هو صريح المسالك.

وهو متجه في فرض أخذ تسليمها شرطاً صريحاً أو ضمنياً في الجعل. أما في غير ذلك فكأنه يبتني علي ما تقدم في فصل التسليم من الإجارة من الكلام في استحقاق تسليم الأجرة بإكمال العمل أو بتسليم موضوعه. وقد تقدم أن الظاهر الأول.

مضافاً إلي الفرق بينهما بأن الإجارة من المعاوضات المبنية علي التسليم والتسلم زائداً علي المعاوضة المقومة لها، والجعالة ليست كذلك، بل هي مبنية علي مجرد استحقاق الجعل بالإتيان بالعمل، ومع استحقاقه يتعين تسليمه. فلاحظ.

(4) كما صرح به جمهور الأصحاب، وعن الكفاية أنه لا يعلم فيه خلافاً، بل نفي في المسالك الخلاف فيه، وادعي في التذكرة الإجماع عليه.

ويكفي فيه بناء العقلاء الذي هو عمدة الدليل علي نفوذ الجعالة. علي أنه

ص: 151

العمل (1)،

مقتضي الأصل بعد ما سبق من عدم عموم يقتضي النفوذ، ليكون مقتضي إطلاقه اللزوم، مع ما هو المعلوم من عدم اقتضاء الجعالة ملكية الجعل ولا العمل بمجرد إنشائها، ليكون مقتضي الاستصحاب بقاء ملكيته بعد الرجوع عنها.

وأما ما سبق منّا من أن نفوذ الجعالة مقتضي عموم نفوذ الشروط فبناء العقلاء علي عدم لزوم الجعالة يرجع إلي أن مثل هذا الشرط إنما ينفذ مادام جاعله مصراً عليه إلي حين العمل، دون ما إذا عدل عنه قبل العمل. وحيث لم يكن نفوذ الشروط ولزومها تعبدياً محضاً، بل هو جارٍ علي مقتضي المرتكزات العقلائية تعين حمله في المقام علي ذلك.

وقال في التذكرة: «لأن الجعالة تشبه الوصية من حيث إنها تعليق استحقاق بشرط، والرجوع عن الوصية جائز، وكذا ما يشبهها». وهو - كما تري - بالقياس أشبه ويستغني عنه بما سبق. ثم إن المذكور في كلماتهم أنها جائزة من الطرفين. وكأنه يبتني علي كونها عندهم من العقود، كما سبق وسبق ضعفه. وربما يأتي تمام الكلام في ذلك.

(1) وهو المتيقن من الإجماع الذي سبق منهم. لكنه لا يخلو عن إشكال فيما إذا لزم من الرجوع الإضرار بالعامل، كما إذا تحمل مؤنة الإعداد للعمل، بحيث يكون الرجوع عن الجعالة مفوتاً عليه المؤنة المذكورة. ومنه ما إذا كان لاختيار أصحاب العمل العمال وقت خاص فلم يرجع الجاعل إلا بعد أن فات وقت الاختيار علي العامل بحيث يتعطل عن العمل ويفوت عليه الكسب.

اللهم إلا أن يقال: مع التفات الطرفين معاً لذلك يرجع الجعل من الجاعل وتهيئة المقدمات من العامل إلي الاتفاق بينهما علي التزام الجاعل بالجعل للعامل مهما أراد العمل بحيث لا يرجع عنه، ثم قبول العامل بذلك عند الشروع في المقدمات. وهو نحو من العقد المعاطاتي يجب علي الجاعل الوفاء به، وإن كان للعامل العدول

ص: 152

(153)

وفي أثنائه (1).

عن العمل.

ويجري نظير ذلك في حق الجاعل إذا كان عدول العامل عن العمل مضراً به، كما لو هيأ بعض الأمور التي تتلف عليه لو ترك العامل العمل، أو كان حضور العامل للعمل موجباً لانصراف غيره عنه، بحيث لا يتيسر للجاعل تحصيل العمل مع حاجته إليه، فيرجع الاتفاق بينهما إلي التزام العامل بالعمل في مقابل الجعل المذكور بحيث لا يرجع عنه، ويكون قبول الجاعل بحضوره لأن يعمل له. وليس للعامل حينئذٍ الرجوع، بل يكون الرجوع للجاعل لا غير.

وقد يجري ذلك في حقهما معاً، كما لو كان كل منهما يتضرر بعدول الآخر، فيرجع ذلك لالتزام كل منهما للآخر بما من شأنه القيام به، ويكون ذلك ملزماً لهما معاً بحيث لا يرجع عنه إلا بالتقايل وبرضاهما معاً.

أما مع غفلتهما أو غفلة أحدهما عن ذلك، بحيث لا يتحقق بينهما الاتفاق بأحد الوجوه المذكورة، فلا منشأ لإلزام الجاعل بالاستمرار علي الجعل، ولا لإلزام العامل بالعمل. والإضرار بأحد الطرفين وحده لا يمنع من الرجوع بعد عدم استناده للجعل من الجاعل ولا للحضور للعمل من العامل، لعدم ابتنائهما علي الإلزام.

(1) كما صرح به غير واحد، وفي الجواهر أنه ظاهر كثير وصريح بعض. نعم في المبسوط: «وإن أراد الجاعل الرجوع بعد أن تلبس بها فليس له ذلك، إلا أن يبذل له أجرة ما قد عمل». وفي المختلف أنه المعتمد. وقريب منه في الشرائع والإرشاد ومحكي التبصرة.

ومقتضي الجمود عليه اللزوم ما لم يدفع أجرة ما عمله المجعول له. لكن في المسالك: «وليس كذلك إجماعاً، بل متي فسخ لزمه الأجرة». بل في مجمع الفائدة أنه تسامح في العبارة. وفي مفتاح الكرامة أنه ليس بمراد قطعاً لأجل الإجماع المذكور.

ص: 153

لكن إذا رجع في أثنائه كان للعامل أجرة المقدار الذي عمل (1).

وهو قريب جداً، إذ لو كان المراد ذلك لكان اللازم الاحتياج للفسخ بعد دفع الأجرة، لأن دفع الأجرة ليس رافعاً لنفوذ العقد، بل للزومه فهو سبب في صيرورته قابلاً لأن يفسخ. وهو بعيد جداً. كما أنه خال عن الدليل.

هذا وعن ابن الجنيد: «ولو جعل عاماً لمن جاء بالآبق فخرج الناس عند عمومهم [علمهم. ظ] بما جعل من الجعل، فأشهد المولي علي نفسه بأنه قد فسخ ما كان جعله لم ينفسخ ذلك». ومقتضاه عدم جواز الفسخ للجاعل بعد الشروع في مقدمات العمل، فضلاً عن الشروع فيه. لكن المرتكزات العقلائية تأبي ذلك.

نعم لابد من علم المجعول له بالفسخ، فإن لم يعلم به حتي أتم العمل تعين استحقاقه للجعل، كما في التذكرة والتحرير والدروس واللمعتين وجامع المقاصد والمسالك ومجمع الفائدة وغيرها، لقضاء المرتكزات العقلائية بذلك، وإلا لانفتح باب التحايل علي الناس وكسب نتيجة جهودهم مجاناً. ومن هنا لا مجال لما في الجواهر من أنه لا يخلو عن إشكال إن لم يكن إجماعاً. إذ لا مجال لدعوي الإجماع مع قلة من تعرض لذلك، ولا مجال للبناء علي عدم الاستحقاق بعد ما سبق.

وربما يحمل ما سبق من ابن الجنيد علي ذلك، كما يناسبه فرضه الإشهاد الذي يقرب كون الحاجة إليه من أجل التخلص من الجعل عند إكمال العمل. والحاصل: أنه لا مجال للمنع من الرجوع عن البذل بمجرد الشروع في العمل، فضلاً عن الشروع في مقدماته.

نعم إذا لزم الإضرار بالعامل مع الالتفات لذلك منهما رجع إلي الاتفاق بينهما علي الاستمرار في الالتزام بالجعل نظير ما سبق منّا في صورة الرجوع قبل الشروع في العمل. فلاحظ.

(1) كما صرح به كل من تعرض لجواز الرجوع في الأثناء، وإن سبق أن الجمود

ص: 154

علي بعض عباراتهم يقتضي توقف جواز الرجوع علي دفع الأجرة المذكورة. ويظهر من مساق كلماتهم وصريح بعضها أن المراد من العمل يعم ما يأتي به من مقدمات الأمر المجعول عليه الجعل، كالخروج في طلب الآبق الذي هو مقدمة للأمر المجعول عليه، وهو ردّه.

لكن المراد من أجرة المقدار الذي عمله العامل.. تارة: أجرة المثل له، كما في التذكرة. وأخري: جزء من الجعل بنسبة المقدار المأتي به من العمل، نظير موارد تبعض الصفقة في البيع والإجارة، كما هو صريح الدروس والمسالك والروضة وظاهر اللمعة، بل يظهر من مفتاح الكرامة استفادته من كل من عبر بالأجرة.

أما الأول فكان الوجه فيه ما أشار إليه غير واحد من أن مقتضي الفسخ عدم ثبوت المضمون المجعول، وحيث كان عمل العامل محترماً لصدوره بداعي الجعل لا مجاناً تعين ضمانه بأجرة المثل. ولعله لذا حكم مع الموت في أثناء العمل باستحقاقه من الجعل بنسبة ما عمل، لعدم كون الموت فسخاً للجعالة، بل مبطلاً لها.

لكن الظاهر أن الرجوع في المقام ليس فسخاً، لما سبق من عدم كون الجعالة عقداً، بل هي أشبه بالوعد الذي يكون الرجوع فيه عدولاً عنه لا فسخاً له. وكما لا أثر للعدول بعد إكمال العمل بالإضافة إلي تمام العمل كذلك لا أثر للعدول بعد الشروع في العمل بالإضافة إلي ما وقع منه، بل يتعين الاستحقاق بالنسبة لما عمل، تبعاً للمرتكزات العقلائية، وهو مقتضي الوجه الثاني.

هذا فيما إذا كان العمل المأتي به بعض العمل. كما إذا كان الجعل علي بناء جدار أو نقل شيء مسافة معينة وإن كانت مجهولة، سواءً تعلق غرض الجاعل بمجموع العمل بنحو الارتباطية أم بنحو الانحلال، لأن فوت غرض الجاعل في الأول وعدم ترتب شيء منه علي المقدار المأتي به من العمل ناشئ من قبله وبسبب رجوعه عن الجعل.

أما إذا كان المأتي به مقدمة للعمل. فإن كانت مقدمة منفصلة عن العمل

ص: 155

المجعول عليه، كتهيئة مقدمات البناء لو كان موضوعاً للجعل فالظاهر عدم ثبوت شيء من الجعل بسببها علي الجاعل مع رجوعه عن الجعل، لخروجه عن موضوع الجعل.

إلا أن يبتني الشروع في تهيئة المقدمات المذكورة علي تعهد الجاعل بعدم الرجوع عن الجعل، علي ما سبق توضيحه عند الكلام في الرجوع قبل الشروع في العمل. ويلحق بها مثل تهيئة مقدمات السفر فيما إذا كان الجعل علي ردّ الآبق أو الضالة المتوقف علي السفر.

وإن كانت المقدمة ثمرتها العمل المجعول عليه، بحيث يترتب عليها رأساً، كالسفر لردّ الآبق أو الضالة، فإن كان شيئاً محدداً حين جعل الجاعل علي نتيجته، فلا يبعد بناء العرف علي التوزيع بالنسبة، لأن المطلوب وإن كان هو النتيجة، إلا أن المقابل بالجعل عرفاً هو مجموع العمل بنحو الارتباطية، فيتوزع الجعل علي أجزائه.

وأما إذا لم يكن شيئاً محدداً أو لم يكن حصول النتيجة معلوماً - كما لو احتمل العجز عن العثور علي الآبق أو الضالة أو عن ردّهما بعد العثور عليهما - تعين مقابلة الجعل بالنتيجة لا غير من دون نظر للمقدمة، ويتعين ضمان ما حصل من العمل بأجرة المثل.

أما أصل الضمان فلاحترام العمل بعد صدوره من أجل تحصيل الجعل لا مجاناً، وكون الجاعل هو السبب في بذله من العامل وضياع ثمرته عليه.

وأما كونه بأجرة المثل فلعدم كونه مقابلاً بالجعل، بل الجعل من سنخ الداعي له. وقد تعرض لذلك في الجملة في الجواهر، وإن خالف في بعض الفروض المتقدمة.

هذا وفي جامع المقاصد في التعقيب علي استحقاق أجرة ما عمل قبل الفسخ: «ويشكل علي ذلك أنه إذا جعل له علي ردّ الضالة، ثم فسخ وقد صارت بيده، فإنه لا يكاد يتحقق للفسخ معني حينئذٍ، إذ لا يجوز له تركها. وتسليمها إلي وكيل المالك أو الحاكم بمنزلة ردّها».

ص: 156

(157)

والذي ينبغي أن يقال: إذا كان العمل لا يقبل التبعيض شرعاً أو خارجاً، كما لو جعل الجعل علي الاعتكاف عن ميته فرجع بعد إكمال يومين، أو تعذر إيصال الضالة بغير الوجه الذي جعل الجعل عليه، تعين الإكمال واستحقاق تمام الجعل، لعدم الموضوع عرفاً للرجوع، كما لو تم العمل.

وإن كان العمل قابلاً للتبعيض - كما لو كان الجعل علي إرجاع الضالة للمالك، فأذن حين رجوعه عن الجعل بتسليمها لشخص في الطريق - جري ما سبق من التفصيل.

هذا وقد تقدم حكم رجوع العامل عن العمل قبل إكماله في المسألة الثالثة. وقد فرض في كلماتهم فسخاً من العامل للجعالة لجوازها في حقه. ويظهر ضعفه مما سبق في أول البحث من أن الجعالة إيقاع لا عقد، فلا موضوع للفسخ فيها من قبل العامل. ومنه يظهر أنه لو رجع العامل عن العمل لم يبطل حكم الجعالة، فله العمل بعد ذلك عملاً بها ويستحق الجعل.

وهذا بخلاف ما لو كانت عقداً، حيث قد يدعي أنه لا مجال لقبول العامل بها بعد فسخه لها، كما يظهر بمراجعة كلماتهم. ولا ينبغي إطالة الكلام في ذلك بعد وضوحه. فلاحظ. والله سبحانه العالم.

بقي شيء. وهو أنه قال في التذكرة: «وكما تنفسخ الجعالة بالفسخ تنفسخ بالموت، فلو مات قبل العمل بطلت. وكذا لو مات بعد التلبس قبل إكمال العمل. ولا شيء للعامل فيما يعمل بعد الموت، لأنه متبرع بالنسبة إلي الوارث». وقريب منه في القواعد. وقد يظهر من عدم التعقيب عليه في الإيضاح وجامع المقاصد إقراره.

ولا إشكال في ذلك في صورة علم العامل بموت الجاعل، لا لأن العقد الجائز ينفسخ بالموت كما يظهر من مفتاح الكرامة، بل لعدم ترتب الأثر علي التزام الجاعل بموته بمقتضي المرتكزات العقلائية القطعية.

وأما مع جهل العامل بموته ففي مفتاح الكرامة: «والظاهر أن له الأجرة مع

ص: 157

(158)

(مسألة 5): إذا جعل جعلين بأن قال: من خاط هذا الثوب فله درهم، ثم قال: من خاط هذا الثوب فله دينار. كان العمل علي الثاني (1)

عدم علمه بموته وعلم الوارث بالجعالة». لكن لم يتضح دخل علم الوارث بالجعالة في ذلك بعد عدم فرضه إقراره لها، بحيث يكون هو جاعلاً كالموروث. بل حتي مع إقراره لها فاستحقاق العامل الجعل منه موقوف علي القول باستحقاق العامل الجعل إذا لم يعلم بالجعالة، الذي سبق الكلام فيه في المسألة الأولي.

ومن هنا كان الظاهر تردد الأمر بين استحقاقه الجعل مطلقاً وإن لم يعلم الوارث بالجعالة، وعدم استحقاقه له كذلك وإن علم الوارث بها. والأقرب للمرتكزات الأول، وأن العامل يستحق الجعل علي الموروث الجاعل إذا لم يعلم بموته، كما إذا رجع ولم يعلم برجوعه. لعين ما سبق فيه، فيتعلق بتركته، ويجب علي الوارث أداؤه منها مع وفائها به. نعم إذا لم تف به لم يجب علي الوارث شيء إلا أن يكون قد أقرّ جعالة مورثه، وقلنا باستحقاق العامل الجعل إذا لم يعلم بالجعالة.

(1) كما صرح به جماعة كثيرة، ونفي في الجواهر الخلاف والإشكال فيه. ووجهه ظاهر في مفروض كلامهم من كون الجعل الثاني عدولاً عن الأول، إذ بعد ما سبق من جواز رجوع الجاعل عن الجعالة يتعين عدم ترتب الأثر علي الأول بعد فرض العدول عنه، والعمل علي الثاني، لعدم المانع من نفوذه.

نعم المتيقن من ذلك ما إذا علم العامل بعدوله. أما إذا لم يعلم به، فاستحقاقه الثاني مبني علي استحقاق العامل الجعل إذا لم يعلم بالجعالة. بل قد يتجه حينئذٍ استحقاق الجعلين معاً، لما سبق من استحقاق العامل الجعل مع عدول الجاعل إذا لم يعلم بعدوله. لكن الظاهر عدم بنائهم علي ذلك.

كما أن المرتكزات العقلائية تأباه جداً، بل يتعين حينئذٍ تخييره بين الجعلين. أما بناء علي عدم استحقاقه الجعل مع عدم علمه بالجعالة فيتعين استحقاقه الجعل الأول

ص: 158

فإذا خاط الخياط لزم الجاعل الدينار لا الدرهم (1). ولو انعكس الفرض لزم الجاعل الدرهم لا الدينار. وإذا لم تكن قرينة علي العدول من الأول إلي الثاني وجب الجعلان معاً (2).

لذي شرع في العمل بداعيه لا غير.

ولو علم بالعدول في أثناء العمل المجعول عليه كان له من كل من الجعلين بنسبة ما عمله اعتماداً عليه. أما إذا كان علمه بالعدول بعد شروعه في المقدمات التي تكون نتيجتها العمل الذي عليه الجعل، فله الاستمرار في العمل بلحاظ الجعالة الثانية لا غير، وله العدول عن العمل إهمالاً للجعالة الثانية، ويكون بلحاظ الجعالة الأولي كما لو عدل الجاعل عن الجعالة في أثناء المقدمات المذكورة، حيث سبق أن العامل يستحق أجرة المثل لما عمله من المقدمات.

نعم إذا كان العدول من الأقل للأكثر فهو عرفاً ليس عدولاً من الجعالة الأولي للثانية، بل جعالة أخري للزائد إضافة للجعالة المتضمنة للأقل، فلا يترتب أثر البطلان علي الجعالة الأولي. وحتي العدول من الدرهم للدينار إذا كان الجاعل بحيث لو طلب منه الدرهم لرضي بدفعه، فإنه يكون من العدول من الأقل للأكثر عرفاً، لا من أحد المتباينين للآخر.

(1) لعين ما سبق في الفرض الأول، ويجري فيه ما سبق فيه.

(2) إذ لا مانع من تعدد الجعل. أما مع وحدة الجاعل - كما هو مفروض الكلام - فظاهر، لرجوعه إلي أن الأجر علي العمل كلا الجعلين.

وأما مع تعدده فلأن الجاعل في الجعالة لا يملك العمل علي العامل، ليمتنع ملكية العمل لأكثر من واحد، بل كل ما في الأمر أن الجعل يكون عوضاً عن العمل وجزاءً عليه، لا هبة ابتدائية، ولا محذور في تعدد العوض والجزاء للعمل الواحد من شخص واحد، فضلاً عن شخصين. ولاسيما مع صحة ذلك بمقتضي المرتكزات

ص: 159

(160)

(مسألة 6): إذا جعل جعلاً لفعل فصدر جميعه من جماعة كل واحد منهم بعضه كان للجميع جعل واحد (1) لكل واحد منهم بعضه بمقدار عمله (2). ولو صدر الفعل بتمامه من كل واحد منهم كان لكل واحد منهم

لعقلائية التي هي عمدة الدليل في المقام.

(1) كما في المبسوط والسرائر والشرائع وجملة من كتب العلامة وغيرها. وفي الجواهر: «بلا خلاف ولا إشكال». ووجهه ظاهر، لنسبة العمل للجميع بنحو المجموعية، فيشتركون في استحقاق الجعل، ولا وجه لاستقلال كل منهم بجعل بعد وحدة الجعل، ولا لانفراد أحدهم بالجعل الواحد بعد عدم استقلاله بالعمل.

نعم إذا كان اشتراك بعضهم بقصد إعانة غيره فقد ذكر غير واحد أن الجعل يكون بتمامه للمعان. وكأنه يبتني علي ما سبق في المسألة الأولي من بعضهم من قبول العمل للنيابة. وقد تقدم الإشكال فيه، وأن المتيقن ما إذا صح إسناد الفعل للمنوب عنه لتسبيبه له باستئجار أو طلب، وذلك جارٍ في المقام.

إلا أن يستفاد من إطلاق الجاعل العموم للمعان، كما هو غير بعيد، لتعارف الإعانة في كثير من الأعمال بحيث يكون الجعل لمن يهتم بالعمل ويتصدي له، سواء استقل به أم استعان بغيره أو أعانه غيره وقام بالعمل معه تبعاً إحساناً منه إليه، لا في قباله وشريكاً معه فيه، ليشاركه في الجعل.

هذا ولو غض النظر عن ذلك فالمعين لا يكون متبرعاً بالعمل للجاعل، لعدم قصده ذلك، بل علي أن يكون عمله مقابلاً بالجعل. غايته أنه يعتقد خطأ أن جعل عمله يكون للمعان، وهو في الحقيقة له، فيشارك المعان في الجعل، وله أن يتنازل عن حقه فيه. فلاحظ.

(2) هذا إذا كان العمل قابلاً للتبعيض عرفاً، كبناء الجدار وصبغ الدار ونقل المتاع مسافة معينة، لتوزيع الجعل علي أجزاء العمل عرفاً، سواءً كان العمل ارتباطياً

ص: 160

(161)

جعل تام (1).

(مسألة 7): إذا جعل جعلاً لمن رده من مسافة معينة فرده من بعضها كان له من الجعل بنسبة عمله مع قصد الجاعل التوزيع (2).

ام انحلالياً. أما إذا كان أمراً بسيطاً كردّ العبد الآبق أو الضالة فمقتضي إطلاق غير واحد الشركة في الجعل تساويهم فيه، بل هو صريح بعضهم، كالمحقق في الشرائع، وفي الجواهر: «بلا خلاف ولا إشكال». وهو مقتضي القاعدة بعد تساويهم في نسبة العمل إليهم. ولا أثر لاختلافهم في الجهد المبذول، لأن الجعل في مقابل النتيجة التي يشتركون في نسبتها إليهم من دون تفاضل.

(1) كما صرح به من سبق، وفي المختلف أنه المشهور، وفي الجواهر: «بلا خلاف معتد به ولا إشكال». وعلله غير واحد بصدور عمل تام من كل منهم.

وفي المختلف: «وهو جيد. لكن يحتمل التساوي، فيستحق الداخلون كلهم ديناراً واحداً، لأنه المبذول، والعموم يقتضي التشريك، لا الزيادة علي المبذول».

لكنه إنما يتم إذا استفيد من كلام الجاعل بذل دينار واحد لا غير لمن يدخل بنحو صرف الوجود الصادق علي دخول القليل والكثير دفعة أو تدريجاً. نظير ما لو قال: عندي درهم واحد أشتري به طعاماً أبذله لمن يكون في داري ظهراً.

كما أنه لو استفيد من كلامه جعل الدينار الواحد لمن يصدق بدخوله دخول الدار تعين انفراد الأول بالدينار مع التعاقب، واشتراك المتعدد فيه مع دخولهم دفعة، نظير ما لو قال: هذا الدينار لمن يدخل داري.

إلا أن ذلك كله يحتاج إلي قرينة لا تناسب إطلاق كلام الجاعل المفروض في كلامهم، بل هو ظاهر في أن لكل من يدخل ديناراً بنحو العموم الاستغراقي. وبذلك ظهر أن موضوع الاحتمال الذي ذكره غير مفروض كلامهم.

(2) كما في الجواهر، لرجوع ذلك إلي جعل أجزاء الجعل مقابل أجزاء العمل

ص: 161

(162)

(مسألة 8): إذا تنازع العامل والمالك في الجعل وعدمه (1)، أو في تعيين المجعول عليه (2)،

نحو الانحلال. لكن أطلق في المبسوط أن من ردّ العبد الابق من نصف الطريق فله نصف الأجرة. وعليه جري في الوسيلة. وإليه يرجع إلي ما في الشرائع وجملة من كتب العلامة والدروس من أن له من الجعل بالنسبة. ولم يتضح وجهه.

ومثله ما في الجواهر من أنه مع عدم قصد الجاعل التوزيع يتعين استحقاق العامل أجرة المثل لما عمل، لأنه عمل محترم. إذ فيه: أن احترام العمل لا يقتضي ضمان الجاعل له ما لم يكن هو المستدعي له، ومع عدم قصده التوزيع من جعل الجعل علي الإتيان به من الأبعد لا يكون مستدعياً له. وقد تقدم في المسألة الثالثة ما ينفع في المقام.

(1) بأن أتم العامل العمل للمالك، وادعي عليه أنه قد جعل جعلاً عليه وطالبه به، فأنكر المالك ذلك. وقد صرح جماعة كثيرة بأن القول قول المالك بيمينه. وفي الجواهر: «بلا خلاف أجده فيه». وجهه ظاهر، لمخالفة قول العامل للأصل، فيكون هو المنكر. وذلك يجري لو كان المدعي عليه الجعل غير المالك، حيث تقدم في المسألة الثانية جواز الجعل من غيره.

ومثله ما إذا قلنا في ردّ الآبق والضالة وغيرها باستحقاق العامل أجراً معيناً أو أجرة المثل شرعاً مع عدم تعيين صاحبها جعلاً معيناً - كما سبق من المقنعة وغيره - فادعي المالك أنه قد جعل جعلاً معيناً غير ما عين شرعاً أو دونه، وأنكر العامل من أجل أن يطالب بالأجر المعين شرعاً. فإن أصالة عدم تعيين الجعل تقتضي كون العامل هو المنكر الذي يقبل قوله بيمينه. وبالجملة منكر الجعل هو المنكر الذي يقبل قوله، سواءً كان هو المالك أم غيره ولو كان هو العامل.

(2) بأن أتم العامل العمل للمالك، وادعي عليه أنه قد جعل جعلاً عليه وطالبه به، فأنكر المالك ذلك، وادعي أنه قد جعل الجعل المذكور علي عمل آخر غير

ص: 162

أو القدر المجعول عليه (1)، أو في سعي العامل (2)، كان القول قول المالك. وإذا تنازعا في تعيين الجعل ففيه إشكال. والأظهر مع التنازع في قدره يكون

لذي قام به العامل. وقد صرحوا أيضاً بأن القول قول المالك بيمينه. وفي الجواهر: «بلا خلاف أجد فيه أيضاً». ويظهر وجهه مما سبق، لأن الأصل عدم جعل الجعل علي العمل المأتي به. ولا يعارضه أصالة عدم الجعل علي العمل الآخر، لعدم الأثر له بعد فرض عدم قيام العامل به. ويجري فيه ما تقدم في سابقه.

(1) يعني: في قدر العمل المجعول عليه. كما إذا ردّ أحد العبدين الآبقين مثلاً مدعياً أن المالك قد جعل الجعل عليه أو علي ردّ أحدهما، وادعي المالك أن الجعل علي ردّهما معاً، لأصالة عدم الجعل علي ما حصل.

غايته أنه إذا ابتنت الجعالة علي التوزيع والانحلال استحق من الجعل بالنسبة. لكن في التذكرة عند الكلام في الجعل: «ولو قال: من ردّ عبديّ فله كذا. فردّ أحدهما استحق نصف الجعل قاله بعض الشافعية. وفيه عندي نظر. أما لو كان الجعل علي شيء تتساوي أجزاؤه ويقسط عليها بالسوية لتساوي العمل فيها كان الحكم ذلك».

ويشكل بأنه مع ابتناء الجعالة علي التوزيع يتعين التبعيض في الجعل بالنسبة بلحاظ قيمة المأتي به لمجموع العمل المجعول عليه مع عدم تساوي الأجزاء، ومع عدم ابتنائها علي التوزيع يتعين عدم التبعيض في الجعل ولو مع تساوي الأجزاء. وقد اضطرب نقلهم عن التذكرة في المقام، والموجود فيه ما سبق. فلاحظ.

(2) بأن ادعي العامل أن الأمر المجعول عليه قد حصل بسعيه وعمله، فأنكر المالك وادعي أنه لم يستند إليه، كما لو ادعي العامل أنه ردّ العبد الآبق، وأنكر المالك ذلك وادعي أنه رجع بنفسه معك أو ردّه شخص آخر. والمثالان المذكوران أولي مما في الشرائع والتذكرة والدروس وغيرها من فرضه فيما لو قال المالك: حصل في يدك قبل الجعل، وقال العامل: أخذته بعده. إذ المثال المذكور يبتني علي عدم استحقاق الجعل

ص: 163

القول قول مدعي الأقل (1)

بالردّ لو حصل الأمر المجعول علي ردّه في يد العامل قبل الجعل وردّه بعده، وهو لا يخلو عن كلام أو تفصيل.

وكيف كان فالمصرح به في كلام من سبق وغيرهم أن القول قول المالك في نفي السعي الموجب لاستحقاق الجعل. ولا ينبغي الإشكال فيه، لمطابقته للأصل، فيكون هو المنكر الذي عليه اليمين.

(1) فقد احتمل في القواعد تقديم قول المالك - وهو مدعي الأقل - وجزم به في التذكرة، وقواه في الدروس واللمعتين والمسالك، وحكاه في الدروس عن ابن نما. واستدل له بأنه منكر للزيادة لمخالفتها للأصل، كما في الإجارة، فيقبل قوله بيمينه. لكن قال في الشرائع: «وهو خطأ، لأن فائدة يمينه إسقاط دعوي العامل، لا ثبوت ما يدعيه الحالف».

وفيه - كما نبّه له غير واحد ممن سبق -: أن مدعاه لا يثبت بيمينه، بل لكونه متيقناً من دعوي الخصمين بعد نفي الزيادة باليمين المذكورة. كما التزم (قدس سره) بنظيره في الاختلاف في قدر الأجرة وفي قدر المستأجر عليه، حيث التزم في الأول بأن القول قول المستأجر، وفي الثاني بقبول قول الآخر.

وأما ما في الجواهر من احتمال كون الواقع خلافهما. ففيه: أنه لا يعتد بالاحتمال المذكور بعد اتفاق الخصمين علي نفيه واستحقاق الأقل الذي يدعيه المالك.

هذا مضافاً إلي أن الجعالة لما كانت إيقاعاً من وظيفة الجاعل، فيقبل قوله فيه وفي حدوده، كما يقبل قول الزوج في الطلاق، نظير قول صاحب اليد فيما تحت يده، ويكون مخالفه مدعياً ليس له علي صاحبه إلا اليمين. وبذلك يتضح أن قبول قوله في الأقل أولي من قبول قول المستأجر إذا ادعي قلة الأجرة، لأن الإجارة عقد قائم بالطرفين، ولا مرجح لقول المستأجر إلا الأصل.

ص: 164

ومن جميع ما سبق يظهر ضعف ما في الشرائع من أنه مع يمين الجاعل علي نفي ما يدعيه العامل فالثابت أقل الأمرين مما يدعيه العامل وأجرة المثل، وتبعه عليه في التحرير والإرشاد والإيضاح وعن غيرها. بدعوي اعتراف العامل بعدم استحقاق ما زاد علي ما يدعيه من أجرة المثل. وزاد في الإرشاد والإيضاح ما إذا نقص الأقل المذكور عما يدعيه المالك، فيثبت للعامل ما يدعيه المالك. وكأنه لاعتراف المالك باستحقاق العامل له.

إذ فيه: أن أجرة المثل إنما تثبت مع بطلان الجعالة، وهما يتفقان علي صحتها. وليس خلافهما إلا في المقدار المستحق والمجعول.

وأضعف منه إطلاق ثبوت أجرة المثل في المبسوط والخلاف وعن ابن البراج. لما أشير إليه في كلام من سبق من أنه قد ينافي إقرار كل منهما، كما لو كانت أجرة المثل أكثر مما يدعيه العامل أو أقل مما يدعيه المالك.

وأما ما في الخلاف من الاستدلال عليه بأنه قد ردّ عليه ما أبق منه. فهو كما تري، إذ الردّ بنفسه لا يقتضي ثبوت أجرة المثل إلا مع الاستدعاء من دون جعل شيء معين. بناء علي ما سبق في ذيل الكلام في حقيقة الجعالة. والمفروض في المقام جعل شيء معين وإن اختلفا في مقداره.

هذا وقد احتمل غير واحد التحالف، بل يظهر من جامع المقاصد القول به، لأن كل واحد مدعٍ ومدعي عليه، فلا ترجيح لأحدهما. وفيه: أن المالك لا يدعي علي العامل شيئاً، بل هو منكر لما يدعيه العامل، ويتفق مع العامل فيما يدعيه هو له.

نعم قد يتجه التحالف بناء علي أن المعيار في تعيين المدعي والمنكر علي صورة الدعوي. لكن الظاهر أنه لا مجال له في المقام، لما سبق من قبول قول الجاعل في الجعالة، لأنها إيقاع. مع أن الظاهر أن المعيار علي نتيجة الدعوي، وهو يقتضي كون المنكر هو المالك لا غير.

ص: 165

ومع التنازع في ذاته (1) يكون القول قول الجاعل في نفي دعوي العامل (2)

علي أنه لو تم لزوم التحالف فالمتعين بعده ثبوت الأقل، وهو ما يدعيه المالك، لأنه المتيقن، دون الزائد عليه، عملاً بالأصل، كما تقدم. وأما ما ذكروه في باب التداعي من التحالف ثم البناء علي البطلان. فهو لو تم فالمتيقن منه ما إذا لم يكن متيقن في الواقعة. أما معه - كما في المقام - فالمتعين البناء عليه والرجوع للأصل في الزائد. فلاحظ.

(1) كما إذا ادعي أحدهما أن الجعل كتاب خاص والآخر أن جعل ثوب خاص.

(2) حيث سبق حجية قول الجاعل في تعيين الجعل، فيكون قول العامل مخالفاً للحجة، ويكون هو المدعي والمالك منكراً، فيقبل قوله بيمينه.

مضافاً إلي مخالفة دعوي العامل للأصل، لتضمنها حقاً علي الجاعل، بخلاف دعوي المالك، فإنها لا تتضمن ذلك، بل تتضمن حقاً للعامل من دون أن تتضمن حقاً عليه، ليكون مدعياً عليه، ويكونا متداعيين.

بخلاف ما إذا اختلف البائع والمشتري في تعيين الثمن، لأن المشتري يدعي استحقاق المبيع في مقابل الثمن الذي يدعيه، كما أن البائع يدعي استحقاق المبيع في مقابل الثمن الذي يدعيه هو، ولا متيقن في البين، فيكونان متداعيين. وقد حكموا بسقوط دعويهيما معاً بيمينيهما، ثم بطلان البيع.

وبذلك يظهر ضعف القول بالتحالف كما في جامع المقاصد، وجعله الأقوي في الدروس والأصح في المسالك والمتعين في الروضة. كما أنه حكم في الأخيرين بثبوت أجرة المثل علي تفصيل فيما إذا زادت عما يدعيه العامل أو نقصت عما يدعيه المالك.

مع أنه إن بني علي انفساخ الجعالة بالتحالف، كما ذكروه مع التحالف في البيع، لزم الرجوع لأجرة المثل مطلقاً، لتعذر إرجاع العمل، فيتعين ضمانه بأجرة المثل. وإن

ص: 166

ويجب عليه إيصال ما يدعيه إلي العامل (1).

بني علي عدم انفساخها يلحقه حكم العلم الإجمالي باستحقاق العامل أحد الأمرين. وينحصر الأمر فيه بالتصالح بينهما، أو بما يأتي علي المختار.

ومثله في الإشكال الاكتفاء بيمين المالك - كما ذكرنا - لكن مع الرجوع لأجرة المثل، كما في الشرائع والتحرير والإرشاد والإيضاح وغيرها علي التفصيل المتقدم في كلماتهم. لما سبق من أنه لا وجه للرجوع لأجرة المثل بعد عدم بطلان الجعالة بالذات وعدم انفساخها بحسم الدعوي. فلاحظ.

(1) إن كان المراد بذلك وجوبه شرعاً في حق الجاعل ففيه: أن الثابت عليه واقعاً هو ما جعله، وظاهراً هو ما يعتقد أنه جعله وإن كان هو ما يدعيه العامل أو ما لا يدعيه كل منهما إذا كان يعلم من نفسه كذبه فيما ادعاه.

علي أنه لم يتضح الوجه في وجوب إيصاله وتحمل مؤنة ذلك، بل المتيقن وجوب بذله له والتخلية بينه وبينه، كما ذكره بعض مشايخنا (قدس سره)، لحرمة حبس الحق عن صاحبه، كما أنه يحرم عليه التصرف فيه من دون إذنه.

وإن كان المراد بذلك إلزام العامل أو الحاكم له به، لإقراره بجعله له. فلا مجال له بعد إقرار العامل بعدم استحقاقه له وعدم جعله من قبل الجاعل.

نعم إذا كذب العامل نفسه، يتجه إلزام الجاعل بما يدعيه إن بقي الجاعل مصراً علي دعواه، لأن تساقط الإقرارين حين اجتماعهما لا ينافي حجية إقرار الجاعل إذا بقي مصراً عليه بعد تراجع العامل عن إقراره. كما أنه إذا كذب الجاعل نفسه وصدق العامل يتجه إلزامه بما يدعيه العامل، لعين ما سبق. وإلا فلا مجال لإلزام الجاعل بشيء. بل يتعين الصلح بينهما في حل النزاع.

ومع عدمه فإن علم العامل صدق الجاعل كان له في حكم نفسه أخذ ما يدعيه الجاعل. وكذا إذا احتمل ذلك، لكفاية إقرار الجاعل في حقه بعد احتمال صدقه.

ص: 167

(168)

أما إذا اعتقد كذب الجاعل فإن علم من حال الجاعل أو ظهر له من كلامه رضاه بأخذه بدلاً عما جعله فلا إشكال، وإن لم يحرز ذلك كان له - مع تحقق شرط المقاصة - أخذه مقاصة عما يعتقد جعل الجاعل له وأنه هو حقه. لكن لابد من عدم زيادة قيمته عما يعتقد استحقاقه له، وإلا وجب عليه إرجاع الزيادة، كما هو الحال في جميع موارد المقاصة. أما مع عدم تحقق شرط المقاصة فالأمر مشكل.

هذا وحيث انتهي الكلام هنا فالمناسب التعرض لبعض فروع الجعالة التي لم يتعرض لها سيدنا المصنف (قدس سره) فإن ما يأتي في المسألة التاسعة خارج عن الجعالة، بل هو من العقود، فتقديم الفروع المذكورة عليه إلحاقاً بالجعالة أولي من تأخيرها عنه.

الأول: قال في الشرائع: «لا يستحق العامل الأجرة إلا إذا بذلها الجاعل أولاً، فلو حصلت الضالة في يد إنسان قبل الجعل لزمه التسليم ولا أجرة» ونحوه في القواعد والتحرير والإرشاد والتذكرة في أواخر الكلام في الصيغة وغيرها. وقد استدل له بوجوب الردّ عليه، فلا يستحق به أجرة.

ودعوي: أن الواجب عليه بذله له والتخلية بينه وبينه في مقابل حبسه عنه، دون الردّ عليه. مدفوعة بأن ذلك إنما يتم بدون الردّ إذا أعلمه بالحال، وطلب منه المالك الردّ بنفسه في مقابل الجعل. أما إذا لم يعلمه حتي ردّه عليه، فلا تتحقق التخلية والبذل إلا بالردّ الواجب عليه.

نعم إذا تيسر له الردّ إلي وكيل المالك، وكان المجعول عليه الردّ لنفس المالك، استحق الجعل بالردّ للمالك، لعدم وجوبه عليه، ويكفي في براءة ذمته من عهدة العين تسليمها للوكيل.

هذا وفي مسائل العمل من التذكرة: «لو قال: من ردّ عليّ مالي فله كذا، فردّه من كان المال في يده، نظر، فإن كان في ردّه من يده كلفة ومؤنة كالعبد الآبق استحق الجعل، وإن لم يكن كالدراهم والدنانير فلا، لأن ما لا كلفة فيه لا يقابل بالعوض». واستحسنه في جامع المقاصد.

ص: 168

(169)

لكنه - مع عدم مناسبته لما سبق منه، وعدم اطراده في كلا المثالين، إذ قد لا تلزم كلفة في ردّ الآبق، وتلزم الكلفة في ردّ الدراهم والدنانير، لبعد من هما في يده عن المالك - يشكل بأنه لا يعتبر في العمل المجعول عليه الكلفة علي العامل، بل غاية ما قيل باعتباره هو كونه معتداً به عند العقلاء ولو لاهتمام الجاعل به، وهو حاصل في المقام.

ولذا ذكر نفسه (قدس سره) أن المالك لو بذل الجعل لمن يدله علي ماله استحق من يدله عليه الجعل إذا لم يكن المال في يده، معللاً بغلبة المشقة علي المالك في البحث عنه. مع وضوح أن الدال علي المال قد لا يتحمل كلفة في ذلك.

الثاني: قال في التذكرة: «والأقوي أن يد العامل علي ما يحصل في يده إلي أن يردّه يد أمانة. ولم أقف فيه علي شيء. لكن النظر يتقضي ذلك. لأصالة البراءة». وهو كما تري! لأن أصالة البراءة لا تقتضي كونه أمانة، بل غاية الأمر عدم الضمان ظاهراً.

واستدل له في الدروس بصحيح غياث بن إبراهيم عن أبي عبد الله (عليه السلام) في حديث عن أمير المؤمنين (عليه السلام): «وقال في رجل أخذ آبقاً فأبق منه. قال: ليس عليه شيء»((1))، ونحوه موثق السكوني((2))، وخبر الحسن بن صالح((3)). وهي تكفي في إثبات حكم الأمانة، وهو عدم الضمان. ومقتضي إطلاقها عدم الفرق بين جعل شيء علي ردّه وعدمه، فتنفع في المقام. لكنها مختصة بالعبد الآبق، فلا مجال للتعميم لغيره من موارد الجعالة، خصوصاً مثل البعير الذي ورد النهي عن أخذه((4)).

فالعمدة في المقام: أن الجعالة من المالك تقتضي إذنه في قبض الشيء الذي يجعل الجعل علي ردّه، والجعالة من غير المالك لا تنفذ ولا يجوز العمل عليها إلا مع

********

((1) وسائل الشيعة ج: 16 باب: 49 من أبواب كتاب العتق حديث: 1.

((2) وسائل الشيعة ج: 16 باب: 49 من أبواب كتاب العتق حديث: 3.

((3) وسائل الشيعة ج: 16 باب: 49 من أبواب كتاب العتق حديث: 2.

((4) راجع وسائل الشيعة ج: 17 باب: 13 من أبواب كتاب اللقطة.

ص: 169

(170)

ذن المالك أو من يقوم مقامه في قبض ماله. ومع الإذن المذكور يكون أمانة مالكية، فتترتب أحكامها عليه. ومثله ما لو استدعي الردّ أو أذن فيه من دون أن يذكر جعلاً، أو مع التصريح بكونه مجاناً. وبذلك يظهر عدم الحاجة لأصالة البراءة، كما تقدم من التذكرة.

وأما مع عدم إذن المالك في أخذها، فإن لم يكن مالكها معلوماً فالمأخوذ لقطة تجري عليها أحكامها. وإن كان مالكها معلوماً فإن أحرز رضاه بأخذها جاز أخذها شرعاً. لكن لا يكون بذلك أمانة. غاية الأمر أنه إن صادف رضا المالك وجواز الأخذ واقعاً فلا دليل علي الضمان، لأن المتيقن من دليله ما إذا لم يكن مرخصاً شرعاً في وضع اليد علي المال. وإن لم يصادف رضاه فمقتضي القاعدة الضمان.

نعم في معتبر الحسين بن زيد عن جعفر عن أبيه (عليهما السلام): «كان أمير المؤمنين (عليه السلام) يقول في الضالة يجدها الرجل فينوي أن يأخذ لها جعلاً فتنفق. قال: هو ضامن. فإن لم ينوِ أن يأخذ لها جعلاً ونفقت فلا ضمان عليه»((1)). وبه يخرج عن مقتضي القاعدة المتقدمة.

ثم إن ظاهر الحديث أو المتيقن منه صورة الأخذ برجاء الجعل أو لتخيل استحقاقه من دون سبق جعل من المالك، بحيث يكون الأخذ من أجله، كما هو المناسب لعدم تعريف الجعل، ولانصراف إطلاق الحديث إلي أخذ الضالة من حيث هي ضالة، كما هو شائع. لا بلحاظ أمر زائد علي ذلك، وهو كونها مورداً للجعالة. ومن هنا لا ينهض الحديث بالخروج عما سبق من عدم ضمان الجعالة، لأنها أمانة مالكية. فلاحظ.

الثالث: قال في الدروس: «وعلف الدابة ونفقة العبد علي المالك علي الأقوي» ونحوه في جامع المقاصد مع التعميم لجميع ما يلزم المال الذي يكون مورداً للجعالة. وقد علل فيه بأن يد العامل كيد الوكيل.

********

((1) وسائل الشيعة ج: 17 باب: 19 من أبواب كتاب اللقطة حديث: 1.

ص: 170

(171)

(مسألة 9): عقد التأمين للنفس أو المال - المعبر عنه في هذا العصر ب - (السيكورته) - صحيح بعنوان المعاوضة ان كان للمتعهد بالتأمين عمل محترم له مالية وقيمة عند العقلاء (1)، من وصف نظام للأكل والشرب أو غيرهما أو وضع محافظ علي المال أو غير ذلك من الأعمال المحترمة، فيكون نوعاً من المعاوضة (2) وأخذ المال من الطرفين حلال.

وهو كما تري، لأن تحمل المالك مؤنة المال مع الوكالة ليس حكماً شرعياً، لينظر في عموم دليله أو ملاكه للعامل في الجعالة، بل يبتني علي ظهور حال الموكل في ذلك، بحيث يستفاد من الوكالة صريحاً أو تبعاً، وذلك لا يستلزم ظهور حال الجاعل في ذلك، ولذا لا إشكال ظاهراً في تحمل العامل مؤنة نقل المال، مع عدم تحمل الوكيل لها. ومن هنا يتعين اختلاف الحال في المقام باختلاف القرائن المحيطة بالجعالة.

والمتعين مع عدم ظهور حال المالك في تحمل نفقة المال الذي يكون مورداً للجعل هو تحمل العامل لها. وإلا كان مفرطاً بالمال الذي هو أمانة في يده، ولاسيما مع عدم الملزم له بوضع يده علي المال، ليستبعد تكليفه بمؤنته زائداً علي ذلك. فلاحظ. والله سبحانه وتعالي العالم.

(1) بناء علي اعتبار المالية في طرف المعاوضة. وإن تكرر منا المنع من ذلك. فراجع المسألة الرابعة من مقدمة كتاب التجارة.

(2) وجود العمل المذكور وحده لا يكفي في صدق المعاوضة ما لم يكن هو المقابل بالمال المدفوع من قبل الطرف الآخر، نظير أجرة الطبيب علي تطببه، والظاهر أنه ليس كذلك في عقد التأمين، بل هو عمل تقوم به شركة التأمين من أجل التحفظ علي الشيء المؤمَّن عليه لتتجنب الخسارة التي تتحملها بتلفه بمقتضي عقد التأمين، فهو جهد لها متفرع علي العقد، لا مقوم له، بحيث يكون طرفاً للمعاوضة. وبذلك يظهر أن المعاملة في المقام ليست من المعاوضات.

ص: 171

وإلا فالعقد باطل (1)، وأخذ المال حرام. نعم إذا كان بعنوان الهبة المشروطة، فيدفع مقداراً من المال هبة، ويشترط علي المتهب دفع مال آخر علي نهج خاص بينهم، فأخذ المال من الطرفين حلال. وكذا إذا كان بعنوان المصالحة

(1) قد يتجه في البطلان لو رجع التأمين إلي القرض، بحيث يدفع العميل المال قرضاً للشركة علي أن توفيه إياه بمقداره أو بزيادة عليه عند تلف الأمر المؤمن عليه، للجهل بوقت تلف الأمر المؤمن عليه، ليحل وقت الوفاء. بل قد يجهل أصل التلف، كما لو كان الأمر المؤمن عليه مالاً، والقرض المؤجل إن صح فلابد عندهم فيه من معرفة الأجل وتحديده. علي أن المدفوع وفاء قد يزيد علي القرض، فيلزم الربا المحرم.

لكن الظاهر أن التأمين - ولو ببعض وجوهه - لا يبتني علي الإقراض المبني علي تمليك المال مضموناً علي الآخر، بل علي مجرد التمليك، تبعاً للالتزام المتبادل بين الطرفين بدفع المال من المؤمن وبتحمل درك المؤمن عليه من الشركة، سواء قصد به أحد الوجهين الآتيين بعنوانه أم لم يقصد، ومع ذلك لا مجال للبطلان وتحريم المال.

ودعوي: أنه من سنخ القمار المحرم في نفسه، والذي يحرم اكتساب المال بسببه. مدفوعة بأن القمار من الأعمال المبتنية علي نحو من العمل واللعب، والتأمين معاملة صرفة لا عمل فيها. غايته أنه معاملة غير مضمونة الربح والخسارة فقد يربح فيها العميل وقد يخسر، وهذا وحده ليس محذورًا في نفسه، فضلاً عن أن يكون ملحقاً بالقمار.

فيجوز مثلاً الاستئجار علي الحفر والتنقيب للعثور علي الماء أو المعدن من دون إحراز ذلك مع عدم الإشكال في جوازه.

ومثلها دعوي: كون المعاملة غررية. لاندفاعها بما تكرر منا من عدم ثبوت عموم النهي عن الغرر، بل عدم إمكان الالتزام بذلك، والذي ورد هو النهي عن بيع الغرر. ولو تم الاستدلال به لوجوب العلم بمقدار الأمر المستحق فيصعب

ص: 172

علي أن يدفع المراجع مالاً بنهج خاص. ولعل هذا الأخير هو المتعارف في هذا العصر (1).

التعدي منه لغير البيع من المعاوضات، كالإجارة، فضلاً عن المعاملات غير المبنية علي المعاوضة، كالمقام. ومن هنا لم يتضح منشأ احتمال بطلان المعاملة وجهة المال في التأمين.

(1) الظاهر ابتناء المعاملة في عصورنا علي استحقاق العميل المال علي الشركة بنحو شرط النتيجة، لا علي استحقاقه دفع المال من قبلها بنحو شرط الفعل. وبهذا كانت أقرب إلي الصلح منها إلي الهبة المشروطة لكن لا علي النحو المذكور للصلح في المتن. نعم في صدق الصلح عليها إشكال، كما يظهر مما سبق منا في أول كتاب التجارة عند الكلام في مفاد أدلة الصلح.

فالعمدة في المقام أدلة نفوذ العقد، بناء علي ما تكرر منا من عدم اختصاصه بالعقود المتعارفة في عهد التشريع. فلاحظ. والله سبحانه وتعالي العاصم.

انتهي الكلام في كتاب الجعالة ليلة السبت السابع عشر من شهر صفر الخير سنة ألف وأربعمائة واثنتين و ثلاثين للهجرة. بقلم العبد الفقير محمد سعيد الطباطبائي الحكيم عفي عنه حامداً مصلياً مسلّماً.

ص: 173

ص: 174

(175)

كتاب السبق و الرماية

ص: 175

ص: 176

الحمد لله رب العالمين. والصلاة والسلام علي سيدنا محمد وآله الطاهرين، ولعنة الله علي أعدائهم أجمعين إلي يوم الدين.

ص: 177

ص: 178

(179) كتاب السبق والرماية

(مسألة 1): لابد فيهما من إيجاب وقبول (1)،

(1) مقتضي ذلك أنهما من العقود، كما هو ظاهر غير واحد من الأصحاب، بل جمهورهم، وإن اختلفوا في لزوم العقد وجوازه.

وظاهر الشرائع والمسالك أن مقتضي كونه عقداً لزومه، كالإجارة، ومقتضي كونه إيقاعاً جوازه، لتقومه بالبذل، كالجعالة.

لكنه خلاف ظاهرهم أو صريحهم. ولاسيما مع ما هو المعلوم من وجود عقود جائزة وإيقاعات لازمة، ومع ما سبق في الجعالة من شيوع القول بينهم بأنها عقد جائز.

نعم ما سبق من تقومه بالبذل، فيكون إيقاعاً من وظيفة الباذل فقط، متين جداً، لأن العمل المترتب عليه ممن له البذل بقصد استحقاق المال المبذول ليس التزاماً بمضمون الإيجاب، ليكون قبولاً، ويتم به العقد، بل مضمون الإيجاب من سنخ الداعي له، الذي يؤتي بالعمل جرياً عليه، نظير ما سبق في الجعالة.

مضافاً إلي عدم الإشكال ظاهراً في استحقاق المحجور عليه المال المبذول بالعمل بقصد استحقاقه وإن لم يأذن له الولي فيه، نظير ما سبق أيضاً هناك. ولا يفرق في ذلك بين كون البذل من أحد القائمين بالعمل أو منهم جميعاً وكونه من أجنبي.

نعم إذا كان البذل من أكثر من واحد، وابتني بذل كل منهم علي بذل الآخر

ص: 179

(180)

وإنما يصحان (1)

كان عقداً بينهم، وهم أطرافه، فلابد من التزامهم كلهم به. ولا يكون قبوله بالعمل، بل لا يخرج العمل عما سبق من كونه جرياً عليه مع كونه داعياً للعمل.

وحينئذٍ إن ابتني البذل المتفق عليه بينهم علي الاستمرار، وعدم رجوع كل منهم فيه، تعين لزوم العقد المذكور وعدم جواز الرجوع لكل منهم فيه، عملاً بعموم الشرط المذكور. وإن لم يبتن علي ذلك، بل علي مجرد بذل كل منهم منوطاً ببذل الآخرين جاز الرجوع لكل منهم فيه، لعدم منافاة ذلك لمضمون العقد، فلا ينهض دليل نفوذ العقد بالمنع منه.

كما أنه لو ابتني البذل من طرف واحد أو أكثر علي تعهد العامل بالعمل، بأن ابتني بذل المال علي أن يلتزم المتسابقان بالتسابق ورضي المتسابقان بذلك، رجع ذلك إلي العقد بين المتسابقين من جانب والباذل من جانب آخر، وصح العقد المذكور ولزم، عملاً بعموم لزوم العقود. فهو نحو من الجعالة اللازمة من طرف الباذل والمبنية علي لزوم التسابق من الطرف الآخر، نظير ما تقدم منّا في المسألة السابعة من كتاب الإجارة فيما لو استأجر شخصاً علي أن يخيط ثوبه بدرهم إن كانت الخياطة بدرز وبدرهمين إن كانت بدرزين. وقد تقدم في ذيل الكلام في أصالة اللزوم في العقود من أول فصل الخيارات ما ينفع في المقام فراجع.

(1) ذكر الأصحاب رضوان الله تعالي عليهم أنه لا يصح السبق والرماية في غير النصل أو الخف أو الحافر، ولا يظهر منهم الخلاف في ذلك، عدا ما يأتي من صاحب الحدائق، بل صرح بنفيه فيه في التنقيح، وعن المهذب الإجماع عليه، كما صرح بالإجماع في التذكرة والمسالك في غير واحد من صغريات ذلك، وهو ظاهر المبسوط. وفي الجواهر: «بلا خلاف أجده فيه بيننا، بل الإجماع بقسميه عليه».

ويقتضيه النصوص، كصحيح حفص عن أبي عبد الله (عليه السلام): «قال: لا سبق إلا

ص: 180

في خف أو حافر أو نصل. يعني النضال»((1)) ونحوه صحيح عبد الله بن سنان عنه((2)). وقريب منه موثق الحسين بن علوان عنه((3)) (عليه السلام) ونحوها مرسلاً دعائم الإسلام ودرر اللآلئ((4)).

نعم في حديث العلاء بن سيابة: «سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن شهادة من يلعب بالحمام. قال: لا بأس إذا كان لا يعرف بفسق. قلت: فإن من قبلنا يقولون قال عمر: هو شيطان. قال (عليه السلام): سبحان الله! أما علمت أن رسول الله قال: إن الملائكة لتنفر عند [عن] الرهان وتلعن صاحبه، ما خلا الحافر والخف والريش والنصل، فإنها تحضره الملائكة. وقد سابق رسول الله (ص) أسامة بن زيد وأجري الخيل»((5))، وفي حديثه الآخر: «سمعته يقول: لا بأس بشهادة الذي يلعب بالحمام، ولا بأس بشهادة [صاحب. يب] السباق المراهن عليه، فإن رسول الله (ص)، قد أجري الخيل وسابق، وكان يقول: إن الملائكة يحضر الرهان في الخف والحافر والريش. وما سوي ذلك قمار حرام»((6)) وفي خبر زيد الترسي: «وإياكم والرهان إلا رهان الحافر والريش، فإنه يحضره الملائكة»((7)) وفي مرسل الصدوق: «قال الصادق (عليه السلام) إن الملائكة لتنفر عند الرهان وتلعن صاحبه ما خلا الحافر والريش والنصل. وقد سابق رسول الله (ص) أسامة بن زيد وأجري الخيل»((8)).

********

((1) وسائل الشيعة ج: 13 باب: 3 من أبواب كتاب السبق والرماية حديث: 1.

((2) وسائل الشيعة ج: 13 باب: 3 من أبواب كتاب السبق والرماية حديث: 2.

((3) وسائل الشيعة ج: 13 باب: 3 من أبواب كتاب السبق والرماية حديث: 4.

((4) مستدرك الوسائل ج: 14 باب: 3 من أبواب كتاب السبق والرماية حديث: 3، 8.

((5) وسائل الشيعة ج: 18 باب: 54 من أبواب كتاب الشهادات حديث: 3.

((6) وسائل الشيعة ج: 18 باب: 54 من أبواب كتاب الشهادات حديث: 2، وج: 13 باب: 3 من أبواب كتاب السبق والرماية حديث: 3 مع اختلاف يسير.

((7) مستدرك الوسائل ج: 12 باب: 3 من أبواب كتاب السبق والرماية ح: 1.

((8) وسائل الشيعة ج: 13 من أبواب كتاب السبق والرماية حديث: 6. كتاب من لا يحضره الفقيه ج: 4 ص: 42 حديث: 136.

ص: 181

ولأجل هذه النصوص ذهب في الحدائق إلي جواز المسابقة بالحمام، مع اعترافه بأن ظاهرهم الاتفاق علي الحصر في الثلاثة التي تضمنتها النصوص الأولي، وأن غيرها غير وارد في الأخبار.

قال: «وحملهم علي عدم الوقوف علي شيء من هذه الأخبار من الصدر السابق منهم - كالشيخ الذي هو أول من صرح بهذا الحكم - إلي أن وصلت النوبة إلي هؤلاء المتأخرين لا يخلو من بعد. وأبعد منه أنهم يقفون عليها ولا يقولون بها ولا يتعرضون للجواب عنها بوجه من الوجوه».

نعم قال في الوسائل في أحكام السبق والرماية تعقيباً علي حديث ابن سيابة الثاني: «قال بعض فضلائنا: الحمام في عرف أهل مكة والمدينة يطلق علي الخيل. فلعل المراد من الحديث، بدلالة استدلاله (عليه السلام) بحديث الخيل، فيحصل الشك في تخصيص الحصر السابق بغير الحمام».

لكن لم يتضح طريقه لإثبات ذلك. وغاية ما عثرت عليه ما في لسان العرب من أن الحمامة من الفرس القص، وما فيه أيضاً وفي غيره من أن القص هو الصدر أو الشاش المغروز فيه شراسيف الأضلاع. وهو راجع إلي كون إطلاق الحمام علي الخيل بلحاظ كونه جزءاً منها. ولو تم لكان المناسب تنبيه الأصحاب علي ذلك في شرح هذه النصوص - خصوصاً مع ذكرهم الأولين في باب الشهادات - حيث يناسب ذلك بيان أن المراد بها غير ما هو الظاهر منها والشائع من اللعب بالحمام الذي هو من الطير.

فلعل الأولي الجواب عنها بما أشار إليه في الجواهر من قرب حمل الريش في الثاني والثالث علي السهم ذي الريش ليناسب النصوص الأُول المتضمنة بدله علي النصل. ولا ينافيه التصريح في صدره بقبول شهادة الذي يلعب بالحمام، لاحتمال عدم سوق الحصر تعليلاً له، بل لخصوص جواز شهادة صاحب السباق المراهن عليه، ولا يراد به السباق بالحمام، بل خصوص السباق بالخف والحافر والنصل، كل ذلك ليناسب الحصر في النصوص الأول.

ص: 182

ولأجل ذلك أيضاً قد يحمل الريش في الرابع علي السهم، ويكون عطف النصل عليه من عطف العام علي الخاص. وهو المناسب لما في التحرير من الاستدلال بما تضمن الأربعة علي جواز الثلاثة. مضافاً إلي الإشكال في اعتبارها بل وضوح ضعف سند الرابع بالإرسال.

وأما الأول فلا مجال للإشكال في دلالته، لصراحته في سوق الحصر فيه تعليلاً لجواز اللعب بالحمام. كما أنه يظهر من الوسائل اعتبار سنده، لأنه قال: «محمد بن علي بن الحسين بإسناده عن العلاء بن سيابة» وسند الصدوق إلي العلاء بن سيابة معتبر. كما أن العلاء بن سيابة نفسه معتبر أيضاً، لأنه من رجال تفسير القمي.

لكن لم يقل في الفقيه: وروي العلاء بن سيابة. كما هو دأبه في غالب من يروي عنه، بل قال: «وروي عن العلاء بن سيابة...» ويحتمل في مثل ذلك - ولو بعيداً - إرساله للحديث عن العلاء من دون أن يأخذه من كتابه الذي ذكر سنده له في المشيخة. فتأمل.

مضافاً إلي مخالفة القول بجواز المسابقة في الحمام للنصوص الأول، وظهور الإجماع من أصحابنا علي عدم جوازه، بل هو ظاهر المبسوط وصريح التذكرة والمسالك، خلافاً لما عن بعض العامة، مع شيوع اللعب به، فيبعد خطؤهم في ذلك جداً.

ويناسب ذلك معتبر الجعفريات عن جعفر بن محمد (عليهما السلام): «قال رسول الله (ص): الحمامات الطيارات حاشية المنافقين»((1)) ومعتبره الآخر عنه (عليه السلام): «أن النبي (ص) رأي رجلاً يرسل طيراً فقال: شيطان يتبع شيطاناً»((2)).

وذلك بمجموعه موجب للريب في النصوص المذكورة المسقط لها عن الحجية.

هذا وأما المغالبة في غير الثلاثة المذكورة من دون رهن فالظاهر جوازها، علي

********

((1) مستدرك الوسائل ج: 14 باب: 4 من أبواب كتاب السبق والرماية حديث: 5.

((2) مستدرك الوسائل ج: 14 باب: 4 من أبواب كتاب السبق والرماية حديث: 6.

ص: 183

في السهام (1)، والحراب (2)، والسيوف (3)،

ما تقدم في المسألة التاسعة عشرة من مقدمة كتاب التجارة. فراجع.

(1) وهي المتيقن من النصوص المتقدمة والفتاوي، حيث لا إشكال في دخولها في النصل. وكأن عدم ذكره في التذكرة لوضوحه، أو لكونه في مقام التعرض لما وقع الكلام فيه.

(2) كما في الشرائع والنافع والإرشاد والتحرير واللمعتين وغيرها. أو كأنه لدخولها في النصل، ولابتناء الحرب بها غالباً علي الرمي. ويأتي تمام الكلام في ذلك إن شاء الله تعالي.

(3) كما في المبسوط والشرائع والنافع والتذكرة والإرشاد والتحرير واللمعتين وغيرها. كما ذكر غير واحد منهم الرماح أيضاً. لعموم النصل، كما في كلام غير واحد من اللغويين. ويناسبه العرف.

لكن من الظاهر أنه لا يراد بالرهان عليها الرهان علي الرمي بها، بل علي الضرب بها، كما لعله المراد بالتردد بهما في التذكرة. وحينئذٍ لا يكفي في إثبات مشروعيته عليها عموم النصل لهما، بل لابد معه أيضاً من عموم متعلق النصل المراهن عليه لذلك. ولا مجال لاستفادة ذلك من حذف متعلق النصل في النصوص السابقة، لأن مقتضاه العموم لمثل المراهنة علي سرعة صنعه أو تحديده أو صقله أو إجادة أحد هذا الأعمال وغير ذلك، مع العلم بعد إرادة العموم المذكور. فلابد من كون المراد عملاً معهوداً شائعاً عند العرف، بحيث يفهم من الإطلاق. وكما يمكن الحمل علي العمل الذي هو من شؤون الحرب، ليشمل الأمرين المذكورين، يمكن الحمل علي خصوص الرمي.

بل يتعين الثاني، لأنه الأمر الشائع المعهود، ولاسيما مع تفسيره في الصحيحين المتقدمين بالنضال، الذي هو المباراة في رمي السهام، فإنه إن كان تفسيراً من الإمام (عليه السلام) كان نصاً في ذلك، وإن كان تفسيراً من الراوي عنه كان دليلاً علي كونه هو

ص: 184

الشائع المعهود الذي فهمه من الإطلاق. هذا ويأتي في المسألة الثانية إن شاء الله تعالي تمام الكلام في الإطلاق.

مضافاً إلي ما في معتبر الجعفريات: «قال رسول الله (ص): كل لهو باطل إلا من كان من ثلاثة رميك عن قوسك وتأديبك فرسك وملاعبتك أهلك»((1))، ونحوه مرفوع عبد الله بن المغيرة((2)) مؤيدين بما تقدم في حديثي العلاء بن سيابة وزيد النرسي من ذكر الريش بدل النصل، حيث تقدم أن مقتضي الجمع بينهما وبين نصوص النصل حمل الريش فيهما علي السهم ذي الريش.

ولعله لذا كان ظاهر المحكي عن ابن الجنيد الاقتصار علي ذي النصل من السهام. وقد يظهر من القواعد، لاقتصاره في الرمي علي أقسام رمي السهم، من دون إشارة لغيره من أنواع السلاح. بل حتي من صرح بعموم النصل لغير السهم اقتصر في الرماية علي بيان حال السهام، حيث يظهر من ذلك أنه هو الشايع المعهود في المقام.

نعم قد يلحق بالسهم الحربة، لأن الحرب بها يبتني علي الرمي بها. وإن كان كفاية ذلك إشكال. لقرب كون شيوع التسابق بالسهام جعلها هي الأمر المعهود عند العرف الذي ينسبق من الإطلاق، كما هو المناسب للصحيحين المتقدمين. فلاحظ.

هذا وبناء علي عموم النصل فقد يعم لغير الأمور المذكورة في كلمات الأصحاب. قال في المسالك تعقيباً علي ما ذكره في الشرائع من دخول السهم والنشاب والحراب والسيف: «واعلم أن حصر النصل فيما ذكر هو المعروف لغة وعرفاً، فلا يدخل فيه مطلق المحدد كالدبوس وعصا المداقق إذا جعل في رأسها حديدة ونحو ذلك». عملاً بالأصل السابق. قال في الصحاح: «النصل نصل السهم والسيف والسكين والرمح.

ويحتمل الجواز بالمحدد المذكور، إما بادعاء دخولها في النصل، أو لإفادتها فائدة النصل في الحرب. وقد كان بعض مشايخنا المعتمدين يجعل وضع الحديدة في عصا

********

((1) راجع مستدرك الوسائل ج: 14 باب: 13 من أبواب كتاب السبق والرماية.

((2) وسائل الشيعة ج: 13 باب: 1 من أبواب كتاب السبق والرماية حديث: 25.

ص: 185

والإبل (1)، والفيلة (2)،

المداقق حيلة علي جواز الفعل، نظراً إلي دخوله بذلك في النصل».

ويشكل - كما في الجواهر - بأنه لا وجه لاحتمال ذلك بعد اعترافه بانحصار النصل في الأمور المذكورة لغة وعرفاً. حيث لا مجال معه لاستفادته من النصوص. كما أن إلحاقه بموردها حكماً مع خروجه عنه موضوعاً يحتاج إلي دليل، ولا يكفي فيه ترتب الفائدة المذكورة عليها، وإلا جري ذلك في تحديد الخشب الصلب، حيث ينفذ في الأمر المرمي به كالنصل.

نعم الاختصاص المذكور يحتاج إلي إثبات وكلام اللغويين لا يخلو عن اختلاف، كاختلاف الأصحاب، ومن المحتمل أو القريب سوق الأمور المذكورة في كلامهم أو كلام بعضهم لبيان مصاديق النصل من دون حصر بها، وأن النصل كل معدن من حديد أو نحوه له طرف محدد بارز. ولا أقل من الاحتمال الموجب لإجمال الحصر، فيكون المرجع القاعدة القاضية بالنفوذ، كما يظهر مما سبق في أول المسألة من كونه من سنخ الجعالة. فلاحظ.

(1) بلا إشكال ولا خلاف ظاهر، بل صرح بعدم الخلاف فيها في المسالك. لكونها متيقنة من الخف بسبب شيوعها في ظرف صدور النصوص، ولدلالة بعض النصوص علي وقوع المسابقة بها في عصر النبي((1)) (ص) وإن لم يخل سندها عن ضعف. وبذلك يخرج عن ظاهر معتبر الجعفريات المتقدم ويحمل ذكر الخيل علي التمثيل فيه أو نحوه.

(2) كما في المبسوط والسرائر والشرائع وجامع الشرائع والتذكرة والقواعد والمختلف والتحرير واللمعتين وغيرها، ويظهر من المسالك الإجماع عليه. لعموم الخف له، كما في كلام غير واحد.

(1) وسائل الشيعة ج 13 باب: 3 من أبواب كتاب السبق والرماية حديث: 5، وباب: 4 منها حديث: 4.

********

((1) وسائل الشيعة ج 13 باب: 3 من أبواب كتاب السبق والرماية حديث: 5، وباب: 4 منها حديث: 4.

ص: 186

والخيل (1)، والبغال والحمير (2).

لكن لم يتضح الوجه فيه بعد اقتصار غير واحد من اللغويين فيه علي البعير، وعن ابن سيدة: «وقد يكون من الخف النعام سووا بينهما للتشابه». وفي لسان العرب: «وقيل: لا يكون الخف من الحيوان إلا للبعير والنعامة». وفي القاموس: «الخف بالضم مجمع فرسن البعير، وقد يكون للنعام، أو الخف لا يكون إلا لهما».

ولاسيما مع اختلاف وضع قدم البعير عن قدم الفيل، حيث يكون ساق البعير أقل قطراً من قدمه فهو كالغاطس فيه كما يغطس قدم الإنسان في خفه بخلاف ساق الفيل، فإن المقدم لا يخرج عنه إلا قليلاً بمقدار بروز أصابعه القصيرة التي تكاد تنعدم في بعض أقسامه، ولا يظهر منها إلا الأظافر، ويتراوح عددها في القدم من الثلاثة إلي الخمسة.

نعم قد يتسع قطر القدم في بعض أقسامه حسبما رأيناه في بعض الصور. وفي كفاية ذلك في صدق الخف إشكال مع تميزه بحجم لا يشابه خف البعير، ومع وجود الأصابع له، ومع كون منصرف النص والفتوي الإشارة بذي الخف لجنس من الحيوان يشتمل علي الخف، لا ما يعم الصنف منه. خصوصاً بعد ما سبق من اللغويين.

ولعله لذا كان ظاهر ما عن ابن الجنيد التوقف في غير الخيل والإبل من الحيوان. كما يظهر من مجمع الفائدة التوقف في الفيلة. بل الاقتصار في الخف علي الإبل كالصريح من النافع، بل هو صريح التنقيح، وإليه مال في الرياض.

(1) بلا إشكال ولا خلاف ظاهر، وعن ابن الجنيد الإجماع عليه. لأنه المتيقن من الحافر. ولورود النصوص - وفيها المعتبر - بوقوع المسابقة عليها من النبي (ص) أو بإقراره((1)).

(2) كما في المبسوط والسرائر والشرائع والنافع والمختلف وغيرها مما تقدم،

(1) راجع وسائل الشيعة ج: 13 باب: 1، 3، 4 من أبواب كتاب السبق والرماية.

********

((1) راجع وسائل الشيعة ج: 13 باب: 1، 3، 4 من أبواب كتاب السبق والرماية.

ص: 187

ولا يصحان في غير ذلك (1).

وهو المعروف بين الأصحاب، ونفي الخلاف فيه في المسالك، وظاهر التذكرة الإجماع عليه. لعموم الحافر لهما.

واستشكل فيه في الرياض بانصرافه عنهما، لأن الغالب في الحرب هو الخيل، ولذا اختصت بالنصوص من بين ذوات الحافر. وكأنه عليه يبتني ما تقدم من الإسكافي.

لكن في كفاية ذلك في الخروج عن الإطلاق إشكال، بل منع، فإن وضوح عموم الحافر لهما لا يناسب إرادة خصوص الخيل منه، بل المناسب حينئذٍ ذكر الخيل بدلاً عنه. فلاحظ

(1) كما صرح به جمهور الأصحاب. وفي الجواهر: «بلا خلاف أجده بيننا، بل الإجماع بقسمية عليه». ويقتضيه - مضافاً إلي ذلك - الحصر بالثلاثة في النصوص السابقة.

لكن في منهاج بعض مشايخنا (قدس سره): «ولا يبعد صحة المسابقة في جميع الآلات المستعملة في الحرب، كالآلات المتداولة في زماننا».

لكن لم أعثر في النصوص علي ما يشهد بذلك، بل ولا ما يناسبه، عدا ما في مرفوع عبد الله بن المغيرة: «قال: قال رسول الله (ص) في قول الله عزوجل:

وأعدو لهم ما استطعتم من قوة ومن رباط الخيل قال: الرمي»(((1))).

ولو غض النظر عن سنده فلا ظهور له في تعليل المشروعية بالحرب. مضافاً إلي أنه إذا استفيد كون الاستعداد للحرب حكمة في تشريع المسابقة لم ينفع ذلك في الخروج عن ظهور النصوص المتقدمة في الحصر بالأمور الثلاثة. وإن استفيد كون الحرب علة يدور الحكم مدارها وجوداً وعدماً فكما يلزم التعدي لآلات الحرب المستجدة يلزم

********

((1) وسائل الشيعة ج: 13 باب: 2 من أبواب كتاب السبق والرماية حديث: 3.

ص: 188

(189)

(مسألة 2): يجوز أن يكون العوض عيناً وديناً (1)،

التعدي لآلات الحرب الأخري الموجودة في عصور المعصومين صلوات الله عليهم، كالرمي بالمنجنيق، ورمي الحجارة باليد ورمي الجلاهق بقوسها، والضرب بالجريد ونحوه. بل يلزم عدم جواز المسابقة بالأمور المنصوصة إذا لم يكن من أجل الاستعداد للحرب، أو إذا هجرت فيها كما يلزم اختلاف ما يشرع السباق به باختلاف البلاد والشعوب لو اختلفت فيما يتعارف عندها الحرب به. وكل ذلك لا يناسب النصوص المتقدمة وما عليه الأصحاب.

(1) كما في المبسوط والشرائع والتذكرة وغيرها. وظاهرهم المفروغية عنه. ومرادهم بالدين ما يقابل العين، وهو الكلي الذي يثبت في ذمة الدافع له بالسبق وقد يستدل عليه بإطلاق نصوص الحصر المتقدمة، بناء علي أن السبق فيها بفتح الباء، وهو العوض.

لكن الظاهر عدم الإطلاق فيها حتي علي المبني المذكور، لأن نفي السبق في غير الثلاثة المذكورة إنما يدل علي مشروعيته فيها في الجملة، لأن نقيض السالبة الكلية موجبة مهملة في قوة الجزئية.

نعم قد يستفاد ذلك منها بلحاظ إطلاقها المقامي، لأن الترخيص في السبق من دون تحديد له ظاهر في التحويل فيه علي ما عند العرف، ولا يفرق عندهم بين الوجهين.

وبذلك يظهر إمكان الاستدلال بإطلاقها المقامي حتي بناء علي أن السبق فيها بسكون الباء وهو نفس الاستباق، لأن شيوع جعل الرهن عليه يوجب ظهوره في جواز ذلك، وإلا كان المناسب التنبيه للمنع منه.

ولاسيما مع التصريح في بعض النصوص المتقدمة في أوائل المسألة الأولي بجواز الرهن في الأمور المذكورة، ومع صحيح حفص بن البختري عن أبي عبد الله (عليه السلام):

ص: 189

(190)

وأن يبذله أجنبي (1)

«أنه كان يحضر الرمي والرهان»((1)) ومعتبر أبي بصير عنه (عليه السلام): «قال: ليس شيء تحضره الملائكة إلا الرهان ومداعبة الرجل أهله»((2)). لدلالتهما علي جواز الرهان ولا يراد به إلا الرهان في الثلاثة المذكورة، ومن المعلوم عموم الرهان للصورتين معاً.

مضافاً إلي أنه قد يدل علي جواز كونه ديناً معتبر غياث بن إبراهيم عن أبي عبد الله عن أبيه عن علي بن الحسين (عليهم السلام): «أن رسول الله (ص) أجري الخيل، وجعل سبقها أواقي من فضة»((3))، وقريب منه خبر أبي البختري((4)). حيث يبعد حملهما علي المعين.

كما قد يدل علي جواز كونه عيناً موثق طلحة بن زيد عن أبيه (عليهما السلام): «أن رسول الله (ص) أجري الخيل التي أضمرت من الحصي [الحفي] إلي مسجد بني زريق، وسبقها من ثلاث نخلات، فأعطي السابق عذقاً، وأعطي المصلي عذقاً، وأعطي الثالث عذقاً»((5))، لقرب كون النخلات معينة. بل الإنصاف أن الأمر أظهر ذلك، حيث لا يحتمل عرفاً الفرق في الجواز بين الوجهين. فلاحظ.

(1) إجماعاً، كما في الشرائع وظاهر المبسوط والتذكرة والمسالك. بل إذا الباذل الإمام صح بإجماع المسلمين، كما في الثلاثة الأخيرة. ويقتضيه - مضافاً إلي ذلك، وإلي الإطلاق المقامي الذي تقدم - موثق طلحة بن زيد ومعتبر غياث بن إبراهيم المتقدمان ومعتبر الحسين بن علوان، عن أبي عبد الله (عليه السلام): «أن رسول الله (ص) سابق بين الخيل وأعطي السوابق من عنده»((6)) وغيرها.

********

((1) وسائل الشيعة ج: 13 باب: 2 من أبواب كتاب السبق والرماية حديث: 4.

((2) وسائل الشيعة ج: 13 باب: 2 من أبواب كتاب السبق والرماية حديث: 1.

((3) وسائل الشيعة ج: 13 باب: 4 من أبواب كتاب السبق والرماية حديث: 2.

((4) وسائل الشيعة ج: 13 باب: 4 من أبواب كتاب السبق والرماية حديث: 4.

((5) وسائل الشيعة ج: 13 باب: 2 من أبواب كتاب السبق والرماية حديث: 1.

((6) وسائل الشيعة ج: 13 باب: 4 من أبواب كتاب السبق والرماية حديث: 4.

ص: 190

أو أحدهما (1) أو من بيت المال (2). ويجوز جعله للسابق (3) وللمحلل (4). وليس المحلل شرطاً (5).

(1) بأن يستحقه غير الباذل من الباذل إن سبقه، وإن سبق الباذل لم يستحق شيئاً، بل يبقي ما بذله له، وكذا إن لم يسبق أحدهما بقي ما بذله كل منهما له. كل ذلك للإطلاق المقامي المشار إليه آنفاً.

(2) هذا داخل في بذله من الأجنبي. نعم هو موقوف علي كون التسابق صلاحاً للمسلمين، كما إذا كان فيه قوة علي الجهاد لصالحهم، ليتحمل بيت مالهم الخسارة من أجله، كما هو ظاهر.

(3) يعني: سواءً كان أحد المتراهنين أم المحلل. والمحلل هو الذي يدخل مع المتسابقين فيما تسابقا فيه من دون أن يتحمل شيئاً. كما يأتي في المسألة الخامسة.

(4) يعني: إذا سبق، بحيث لو سبق غيره لم يستحق شيئاً، وبقي السبق لباذله. وكذا لو سبق المحلل وأحدهما، لعدم سبق المحلل لهما معاً. إلا أن يراد بسبقه ما يعم ذلك، وكل ذلك للإطلاق المقامي المشار إليه آنفاً.

(5) كما صرح به غير واحد، وظاهر التذكرة الإجماع عليه. ولم يعرف الخلاف فيه إلا من العامة ومن ابن الجنيد منّا. قال في المختلف: «السَبَق إن كان من ثالث أو من أحدهما جاز وإن لم يدخل المحلل إجماعاً، وإن أخرج كل منهما سبقاً وقالا: من سبق فله العوضان، قال ابن الجنيد: لم يصح إلا بالمحلل. روي أبو هريرة عن النبي صلي الله عليه وآله أنه قال: من أدخل فرساً بين فرسين وقد أمن أن يسبق فهو قمار، ومن أدخل فرساً بين فرسين وهو لا يأمن أن يسبق فليس بقمار. وإذا كان مع أمن أن يسبق يكون قماراً فمع عدمه أولي. واشترط أيضاً المحلل في النضال».

وفيه.. أولاً: أن الخبر ضعيف في نفسه.

وثانياً: أن الاستدلال به موقوف علي كون يسبق بالبناء للفاعل، بمعني: أيس

ص: 191

(192)

(مسألة 3): المعروف أنه لابد في المسابقة من تقدير المسافة (1)

أن يسبق، ولا شاهد علي ذلك، ولعل الأقرب كونه بالبناء للمفعول، لأنه الأنسب بالمعني الحقيقي للأمن.

وثالثاً: أنه أعم من المدعي، لأنه يشمل ما لو كان السبق من أحدهما أو من ثالث. ومن هنا يتعين البناء علي عدم اشتراط المحلل، لا لأصالة الإباحة، كما في المبسوط، لأنها لا تنهض بإثبات نفوذ الرهان، بحيث يملك السابق الرهن، بل للإطلاق المشار إليه آنفاً.

(1) فقد ذكره جمهور الأصحاب. ولا ينبغي الإشكال فيه لو أريد به ما يقابل الإهمال والترديد، لما تكرر منّا من امتناع الإهمال في موضوع الحق، سواء أريد به الأمر المستحق أم سبب استحقاقه. وكذا لو أريد به ما يقابل اختلاف الأطراف فيه، لابتناء الاستباق علي اتفاق الأطراف.

وأما التعين في مقابل الإطلاق، فلا دليل عليه، كما لو اتفقا علي السير إلي مسافة أقصاها معين واكتفي في انتهاء التسابق بتحقق السبق ولو في أثنائها، بحيث يستحق المال المجعول بذلك من دون حاجة إلي الاستمرار في التسابق إلي نهايتها وتحقق السبق حينئذٍ.

ومثله التعيين في مقابل الجهل مع التعين واقعاً، كما إذا اتفقا علي حدّ خاص لا يعرفان مقدار بعده عن مبدأ انطلاقهما في السير. حيث لا منشأ لاحتمال شرطيته إلا النهي عن الغرر، وقد تكرر منّا المنع عن مانعيته في البيع، فضلاً عن غيره من المعاوضات، وعن غير المعاوضات، كالمقام، حيث إن المال المشروط ليس عوضاً عن السبق، فضلاً عن قطع المسافة، بل هو من سنخ الهدية اللازمة.

وبذلك يظهر حال ما استدل به علي اعتبار تعيين المسافة في كلماتهم. ولعل أوفاها ما في الجواهر. قال: «للغرر. ولأنه مع تعيين الغاية قد يديمان السير فتهلك

ص: 192

والغرض (1)،

الدابة. ولأن من الخيل ما يقوي سيره في ابتداء المسافة ثم يأخذ بالضعف، وهو عتاق الخيل، ومنها بالعكس وهو هجانها، وصاحب الأول يريد قصر المسافة، والآخر يريد طولها، فيؤدي عدم التعيين حينئذٍ إلي النزاع المعلوم من الشارع إرادة حسمه».

حيث ظهر حال الأول، وهو الغرر. كما أن الثاني إنما يتجه مع عدم التعيين أصلاً. والبطلان حينئذٍ للإهمال، لا خوف هلاك الدابة. وأما الثالث فإن رجع إلي اختلافهما في قدر المسافة فلا إشكال في البطلان. وكذا إذا رجع إلي الإهمال، حيث يريد كل منهما تطبيق المهمل علي ما يريده. وإن رجع إلي النزاع مع الإطلاق بالوجه الذي ذكرنا أو مع تعيين غاية مجهولة المسافة فالنزاع بلا حق، وليس علي الشارع منع وقوعه.

ثم إنه (قدس سره) قد رتب علي ذلك أنه لا يجوز استباقها من دون غاية، لمعرفة أيهما يقف. لكن الظاهر أن امتناع ذلك ليس لما سبق، بل لخروجه عن موضوع الحصر الذي تضمنته النصوص السابقة، لظهورها في التسابق المقصود به تحقيق السبق، لا الوقوف أو غيره من آثار السير، كإجهاد الدابة أو غيره.

(1) يعني: الغاية التي ينتهي إليه التسابق. وقد صرح باشتراط تعيينه في المبسوط والسرائر والشرائع والجامع والتذكرة والتحرير والقواعد والإرشاد واللمعتين وغيرها. ويظهر من مساق كلماتهم المفروغية عنه.

ولا ينبغي الإشكال فيه لو أريد منه التعيين مقابل الإهمال، أو في مقابل الاختلاف فيه، نظير ما تقدم في سابقه.

بخلاف ما لو كان المراد به ما يقابل الإطلاق، كما لو اتفقا علي ما يعينه أحد الأطراف المعين، أو شخص ثالث معين. ومثله ما لو كان في مقابل الجهل مع التعين الواقعي، كما لو كان هناك غرض معروف لعامة الناس يجهل الأطراف حاله، وأرادوا

ص: 193

وتعيين الدابة (1)،

أخذه موضوعاً في المسابقة. لعين ما تقدم في سابقه.

(1) كما صرح بذلك جمهور الأصحاب بنحو يظهر في مفروغيتهم عنه. وقد علل في كلماتهم بأن الغرض من المسابقة امتحان الدابة وبذلك فرقوا بينه وبين القوس في الرمي، فلا يجب عندهم تعيينه، لأن الغرض من الرمي معرفة حذق الرامي، ولا دخل للقوس في ذلك.

وهو كما تري، حيث لا دليل علي تعيين الغرض بالوجه المذكور في الموردين معاً، بل قد يكون الغرض من المسابقة هو تمرين الفارس. كما أن خصوصية القوس والسهم قد تكون دخيلة في تمرين الرامي وحذقه. نعم تقدم في معتبر الجعفريات أن تأديب الفرس ليس من اللهو الباطل. وهو لا يكفي في تعيين الغرض من المسابقة.

مع أنه يكفي في ترتب الغرض الذي ذكروه في المسابقة حصوله بالإضافة إلي الدابة التي تتحقق المسابقة بها وإن لم تعين بشخصها حين الالتزام بالمسابقة، بل أخذت بنحو الكلي.

وأشكل من ذلك ما ذكره غير واحد من لزوم المشاهدة وعدم الاكتفاء بالوصف، إذ فيه: أن الوصف إذا وصف كان لمعين كان بمنزلة مشاهدته في التعيين.

بل يكفي في التعيين الإشارة للمعين من دون وصف، مثل ما في الاصطبل، أو الأبيض من هذه الأفراس.

نعم لو كان اعتبار التعيين من أجل رفع الغرر احتاج للمشاهدة أو الوصف. لكن تقدم عدم مانعية الغرر في المقام.

كما أنه إذا رجع الوصف إلي تحديد الكلي وتقييده رجع إلي أخذ الكلي، الذي سبق الكلام فيه.

ومثله في الإشكال ما في المبسوط والسرائر والقواعد والتذكرة من أنه إذا عين

ص: 194

وتساويهما في احتمال السبق (1)،

القوس بشخصها في الرمي لم يتعين، وكان له إبدالها إذا انكسرت. إذ فيه: أنه لا وجه لفساد الشرط المذكور.

وأما ما في التذكرة من أنه قد يعرض له أحوال خفية تحوجه إلي الإبدال، وفي منعه منه تضييق لا فائدة فيه. فهو - كما تري - لا يرجع إلي محصل ينهض بالاستدلال، والخروج عن عموم نفوذ الشرط.

وأشكل من ذلك ما في المبسوط والتذكرة من الجمع بين ذلك وإفساد الشرط المذكور للعقد. إذ هو كالجمع بين المتنافيين، لظهور أنه لا موضوع للإبدال مع فساد العقد.

والحاصل: أنه لا مخرج في المقامين عن مقتضي الإطلاق المقامي المشار إليه آنفاً من عدم لزوم التعيين في مقابل الإطلاق، ولا في مقابل الجهل مع التعين واقعاً. كما أنه لو اشترط المعين نفذ الشرط ولم يبطل، فضلاً عن أن يبطل السبق والرماية.

(1) كما في الشرائع والنافع والتذكرة والتحرير والقواعد واللمعتين وغيرها. وصريح بعضهم أن المراد اشتراكهما في أصل الاحتمال، كما عبر بذلك في الإرشاد واللمعة، لا في مرتبته، كما قد يوهمه إطلاق بعضهم.

وكيف كان فمبني الرهان عرفاً علي فرض احتمال الفوز به، ولا يجري مع ابتنائه علي القطع بعدمه. نعم لا يقدح القطع المذكور من بعض الأطراف أو من الأجنبي. بل لو قطع الجميع إلا أن بعضهم كابر مخالفاً قطعه، بحيث ابتني الرهان علي دعوي احتمال الفوز به، كفي في صحة الرهن عند العرف، فيصح بمقتضي الإطلاق المقامي للنصوص الذي تقدم الكلام فيه.

وأما التساوي في مرتبة احتمال السبق فلا مجال لاعتباره بالنظر للإطلاق المقامي المذكور. بل لا يبعد عدم القائل به، وإن سبق أن بعض كلماتهم قد توهمه.

ص: 195

ولابد في الرماية من تقدير الرشق (1)،

(1) وهو بكسر الراء رمي السهام. وقد صرح باشتراط تعيينه أو تعيين مقداره أو العلم به - علي اختلاف عباراتهم - في المبسوط والسرائر والشرائع والجامع والنافع والتذكرة والتحرير والإرشاد واللمعة وجامع المقاصد وغيرها، وفي الرياض أنه المشهور. وقد استدل عليه بأنه العمل المقصود والمعقود عليه. قال في المسالك: «فلو لم يعين أمكن أن يطلب المسبوق الرمي بمقتضي العقد ليلحق أو يسبق ويمتنع الآخر، فيحصل التنازع علي وجه لا سبيل إلي دفعه ولا غاية يتفقان عليها».

لكن هذا يقتضي التعيين في الجملة في مقابل الإهمال المطلق، الذي لا إشكال في مانعيته، كما تكرر منا، ولا يقتضي تحديد العدد، كما هو ظاهرهم، بل هو صريحهم، فضلًا عن لزوم العلم به في فرض تعينه واقعاً.

هذا وقد ذكروا أن الرهن في الرماية (تارة): يبتني علي المبادرة، التي يكون المعيار في السبق فيها علي سبق أحدهما الآخر في الإصابة، فمن أصاب أولًا بمقدار معين مرةً أو أكثر فهو السابق وإن أخطأ بعد ذلك. (وأخري): يبتني علي المحاطة، والتي يكون المعيار في السبق فيها علي كثرة الإصابة، فمن كان أكثر إصابة من صاحبه بمقدار معين مرةً أو أكثر فهو السابق.

وقد استشكل في القواعد في اعتبار تعيين مقدار الرمي في المبادرة، بل قوي عدمه في الإيضاح والجواهر. بدعوي: أنه يكفي تقدم أحدهما الآخر في الإصابة في حصول المقصود وإن لم يكمل العدد.

لكن ذلك قد يجري في المحاطة أيضاً، كما إذا كان أقصي عدد الرمي المتفق عليه عشرين فأصاب أحدهما في أحد عشر وأخطأ الآخر فيها، حيث يعلم بسبق الأول علي كل حال بلا حاجة إلي إكمال العدد.

وقد ظهر بذلك أنه لابد من تعيين مقدار عدد الرمي في الجملة، مثل أن لا يزيد

ص: 196

وعدد الإصابة (1) وصفتها (2)،

علي عشرين، إلا أنه متي حصل السبق لأحدهما بنحو المبادرة أو المحاطة، بحيث يتعذر سبق الآخر له حتي لو أكمل العدد، لم يلزم إكماله وإلي ذلك يرجع ما ذكره غير واحد ممن اعتبر تعيين عدد الرشق من أنه لا يحبب إكمال العدد مع ظهور سبق أحد الطرفين، بحيث يمتنع سبق الآخر.

وأظهر من ذلك ما لو كان العدد معيناً واقعاً، إلا أنه مجهول للأطراف حين اتفاقها علي الرمي. كما لو ترامي جماعة خاصة علي نهج خاص، فاتفقت أخري علي أن تترامي علي نهجهم من دون أن تحيط بخصوصياته حين اتفاقها. حيث لا محذور فيه إلا الغرر الذي تكرر منّا عدم مانعيته.

(1) كما صرح به من سبق وغيرهم. قال في المسالك: «فلو عقد علي أن الناضل منهما أكثرهما إصابة من غير بيان العدد لم يصح عندنا». وظاهره الإجماع عليه، وفي الرياض أنه المشهور.

ولم يتضح الوجه فيه، لوضوح أنه يكفي في سبق أحدهما في المبادرة تقدمه علي الآخر في الإصابة ولو مرة واحدة، وفي المحاطة مجرد كون أصابته أكثر من إصابة صاحبه، سواء لزمهما عدد خاص من الرمي أم لم يلزمهما، مع تعيين أكثر الرمي الذي هو موضوع الإصابة، كما يظهر مما سبق في تعيين الرمي، ومقتضي الإطلاق المقامي المشار إليه آنفاً الاكتفاء بذلك، واشتراط تعيين عدد الإصابة زائداً علي ذلك يحتاج إلي دليل يخرج به عن الإطلاق المذكور. ولعله لذا كان ظاهر الرياض والجواهر ومحكي الكفاية التوقف في ذلك أو الميل لعدمه.

(2) فقد ذكروا لإصابة السهم الهدف صوراً كثيرة اقتصر في الشرائع علي ستة منها، وهي الحابي والخاصر والخازق والخاسق والمارق والخارم. قال: «فالحابي ما زلج علي الأرض ثم أصاب الغرض، والخاصر ما أصاب أحد جانبيه، والخازق ما خدشه،

ص: 197

وقدر المسافة (1)،

والخاسق ما فتحه وثبت فيه، والمارق الذي يخرج من الغرض نافذاً، والخارم الذي يخرم حاشيته». وأنهاها غيره إلي أكثر من ذلك علي اختلاف بينهم في تفسير بعضها.

وكيف كان فقد اعتبر تعيين صفة الإصابة في المبسوط والسرائر والشرائع والنافع والتحرير والإرشاد واللمعة. قال في الجواهر: «للغرر مع عدمه. وفيه: أن الإطلاق يقتضي جواز اشتراط مطلق الإصابة التي هي قدر مشترك بين الجميع».

وما ذكره متين، لكن بعد حمل الإطلاق علي الإطلاق المقامي المشار إليه، لما سبق في المسألة الثانية من عدم تمامية الإطلاق اللفظي.

ولعله لذا صرح في التذكرة بعد اشتراط ذكر الصفة، وقوّاه في جامع المقاصد، والمسالك والروضة وهو ظاهر القواعد، لأنه وإن اشترط ذكر الصفة، إلا أنه ذكر أنه مع الإطلاق يحمل علي الخواصل، وقد سبق منه أن فسّر الخاصل بالمصيب للغرض كيفما كان.

هذا وأما مع تعيين عدد الإصابة أو صفتها واقعاً وجهل الأطراف به حين الاتفاق علي الرماية - كما لو اتفقوا علي الرماية علي نهج رماية جماعة أخري مجهول لهم - فلا محذور فيه إلا الغرر الذي ظهر حاله مما سبق.

(1) يعني: مسافة الرمي، وهو ما بين موقف الرامي والغرض. وقد صرح باشتراط العلم به في المبسوط والسرائر والشرائع والنافع وجامع الشرائع والتذكرة والقواعد والتحرير والإرشاد واللمعتين وغيرها. وهو ظاهر لو كان المراد التعيين في مقابل الإهمال أو الاختلاف بين الأطراف فيه أما لو كان في مقابل الإطلاق، فلا ملزم به، كما لو عين مكان الهدف وتردد موقف الرامي بين الأبعد والأقرب، بحيث يتخير ما شاء.

وأما ما في التذكرة وغيره من أن الأغراض تختلف باختلاف المسافة والإعلام

ص: 198

يرفع النزاع. فهو كما تري لا ينهض دليلاً بعد رضاهما بالإطلاق، حيث لا يكون النزاع معه مشروعاً.

ومثله التعيين في مقابل الجهل مع التعيين واقعًا، كما يظهر مما سبق في نظائره.

هذا كله في الرهان علي إصابة الهدف بالوجهين من المبادرة والمحاطة. أما الرهان علي الإبعاد في الرمي، فمن كان أبعد رمياً كان هو السابق، فلا موضوع معه لهذا الشرط. إنما الكلام في مشروعيته، فقد صرح بها في النافع والإرشاد والقواعد، وقواه في التذكرة والتحرير وظاهر جامع المقاصد، واستظهر في الرياض عدم الخلاف فيه، وفي مجمع الفائدة: «وكأنه مجمع عليه».

وقد استدل عليه.. تارة: بما في التذكرة وغيره من أن الإصابة وإن كانت مطلوبة في النضال، إلا أن البعد مطلوب فيه أيضاً. وأخري: بعموم الأدلة.

ويظهر ضعف الأول مما سبق في المسألة الأولي من عدم ظهور الأدلة في كون الحاجة للقتال علة يدور الحكم مدارها وجودًا وعدمًا.

كما يظهر ضعف الثاني مما تقدم أيضاً من منع العموم، للعلم بعدم إرادة كل فعل متعلق بالنصل، بل الإرشاد إلي فعل خاص معهود معروف. مضافاً إلي أن مفاد الحصر جواز الرهان علي النصل في الجملة، لأن نقيض السالبة الكلية موجبة مهملة في قوة الجزئية.

فلم يبق إلا الإطلاق المقامي الذي يصعب إثبات عمومه للمقام، لعدم وضوح معرفيته حين صدور نصوص الحصر المتقدمة، بحيث يشمله الإطلاق المذكور، بل لا يبعد كون المعهود الشائع عندهم الأول، بحيث ينصرف إليه إطلاق الحصر، ويكون مقتضاه عدم مشروعيته في غيره.

ولاسيما تفسير النصل في صحيحي حفص وابن سنان - المتقدمين عند الكلام في موضوع السبق - بالنضال، بضميمة قوله في لسان العرب: «وخرج القوم ينتضلون

ص: 199

والغرض (1)، وتماثل صنف الآلة، بأن تكون كلها من السهام والحراب (2).

إذا استبقوا في رمي الأغراض». لظهوره في اختصاص النضال برمي الغرض.

وأما احتمال الإجماع عليه أو نفي الخلاف فيه فلا مجال له بعد النظر في كلمات الأكثر، لذكرهم الغرض في الرماية وكأنه من لوازمها ومقوماتها، وظهور الاستدلال المتقدم من العلامة في التذكرة في إلحاق المدعي برمي الغرض اجتهادًا منه لوحدة الملاك، لا لعموم الرماية له نصًا وفتوي.

هذا وفي جامع المقاصد بعد التعليل بما سبق: «واعلم أن التعليل المذكور يشعر بجواز المناضلة علي التباعد إلي جهة فوق، للاحتياج إليه إذا كان العدو في علوّ».

بل ربما يمكن التوسع لغير ذلك من وجوه الاحتياج في الحرب، كالهدف المنصوب في ظهر حيوان شارد، حيث قد يحتاج لحذق الرامي، بحيث يستطيع رمي العدو حال سيره أو عدوه. فلاحظ.

(1) كما صرح به من سبق منه التصريح بلزوم تقدير المسافة. ويجري فيه ما سبق من إمكان فرض الإطلاق فيه بحيث يشمل ما بين حدين في السعة والضيق. لكن لابد فيه من جعل اختيار الفرد فيه منوطاً بشخص خاص، وإلا كان مبهماً لإمكان اختلافهما في تعيينه. إلا أن يشكل بلزوم التعليق الذي قد يظهر منهم مانعيته. فتأمل.

هذا وأما الجهل به حين الاتفاق علي الرماية مع تعينه في نفسه فلا محذور فيه، كما يظهر مما سبق. ثم إن غير واحد اعتبر مع معرفة مقدار الغرض معرفة مكانه ووضعه من حيثية الارتفاع والانخفاض. ويجري فيه ما سبق.

(2) فقد توقف في جواز عدم الاختلاف فيها في التذكرة، وصرح بعدمه في جامع المقاصد. ولا يبعد خروج الاختلاف المذكور عن الوضع الشائع في الرهان، فيقصر عنه الإطلاق المقامي المشار إليه آنفاً. هذا كله بناء علي مشروعية الرماية بالحراب، وقد تقدم الكلام في ذلك.

ص: 200

ولا يشترط تعيين شخص السهم أو القوس (1). لكن في أكثر الشروط المذكورة في المقامين نظر (2).

هذا وقد صرح باعتبار التماثل في جنس الآلة في الشرائع والقواعد واللمعة. وفسره غير واحد بصنف السهام من العربية والفارسية. وصرح بجواز الاختلاف فيهما في المبسوط والتذكرة والتحرير وغيرها. غاية الأمر أن بعضهم ذكر أن مقتضي الإطلاق التساوي في الجنس، وأن الاختلاف إنما يصح مع الشرط.

وكيف كان فالظاهر أن مقتضي الإطلاق المقامي المشار إليه آنفاً جواز الاختلاف فيه. وأما احتياجه للشرط فهو مبني علي أن مقتضي العادة الاتفاق فيه، بحيث ينصرف إليها الإطلاق، ولعله يختلف باختلاف الأعراف.

(1) بلا إشكال ولا خلاف، بل صرح بعضهم بعدم تعينه بالتعيين. كما تقدم عند الكلام في اشتراط تعيين الدابة. فراجع.

(2) كما يظهر بالنظر لما سبق.

هذا وقد ذكروا شروطًا أخر.. منها: العلم بقدر السبق المجعول للفائز. وقد صرح باعتباره جل الأصحاب، حذرًا من الغرر، كما قيل. ويظهر الإشكال فيه مما تكرر منا من عدم مانعية الغرر. نعم لابد من تعيينه في مقابل الإهمال، كما سبق في غير واحد مما تقدم، ولعله إليه يرجع ما في الجواهر، حيث قال: «حيث يشترط يجب معرفته بما يرتفع معه النزاع، ولا دليل علي اعتبار أزيد من ذلك».

بل في مجمع الفائدة أنه يمكن الاكتفاء بمثل ما يعنيه زيد. لكنه إنما يتم إذا كان التعيين كاشفًا عن المقدار المجعول أو المستحق، أما إذا كان سبباً في استحقاقه فيشكل بأن المعهود في المعاملة المذكورة أن الاستحقاق إنما يكون بالسبق لا بالتعيين. نعم لو كان التعيين قبل الاستباق فالجري عليه يرجع إلي إيقاع الاتفاق علي السبق أو الرماية بعد التعيين. فلاحظ.

ص: 201

ومنها: تعيين أطراف الاستباق فقد ذكره في الرمي في التحرير والقواعد والتذكرة. قال في الأخير: «يشترط تعيين المتراميين، لأن العقد عليهما، والمقصود به حذقيهما، وإنما يعرف حذقهما إذا تعينا. ولأن التعويل في المناضلة علي الرامي، كما أن التعويل في المسابقة علي المركوب، فاشترط تعيين الرامي هنا كما يشترط تعيين المركوب هناك، فلا يجوز إيراده علي الذمة».

وهو كما تري لا ينهض بالاستدلال علي تعيين الرامي في الرماية، فضلاً عما يظهر منه من عدم اشتراط تعيين الراكب المسابق في المسابقة.

نعم لا يراد بعدم اعتبار التعيين في الرامي والمسابق كونه في الذمة، إذ لا معني لذلك، فضلًا عن أن يكون مرادًا في المقام. كما لا يراد بعدم اعتباره جواز الإهمال والترديد فيه، لما تكرر منّا من امتناع الترديد في موضوع الحق.

بل المراد به جواز الإطلاق، كما لو قال الباذل للسَبَق: هذا لمن يسابق أو يرامي فيسبق. كما يجوز الجهل به مع تعينه واقعاً، كما لو تسابق جماعة، فبذل شخص لهم سبقاً إن أعادوا المسابقة من دون أن يعرفهم حين البذل. فإن مقتضي الإطلاق المقامي المشار إليه آنفاً الصحة من دون مخرج عنه.

ومنها: تعيين كون المراماة بنحو المحاطة أو المبادرة، كما في المبسوط والتذكرة. وتردد في اشتراطه في النافع، واستظهر عدمه في الشرائع والتحرير، بل جزم بذلك في والقواعد والإرشاد واللمعتين وظاهر جامع الشرائع وغيرها.

وحيث لا إشكال في اختلاف مقتضاهما فلا مجال للإبهام من حيثيتهما، كما يظهر مما سبق. كما لا مجال للإطلاق إلا مع جعل جهة خاصة لها حق التعيين. أو مع انصراف الإطلاق إلي خصوص أحدهما، بحيث يكون هو الظاهر منه. وهو راجع إلي التعيين.

ولا يبعد كونه مراد من سبق منه عدم وجوب التعيين، وإن اختلفوا في مقتضي الإطلاق. ففي الجامع أنه يحمل علي المبادرة، وفي اللمعتين وجامع المقاصد أنه يحمل

ص: 202

(203)

(مسألة 4): إذا قالا بعد أن أخرج كل منهما سبقاً من نفسه وأدخلا محللاً: من سبق منّا ومن المحلل فله العوضان. فمن سبق من الثلاثة فهما له (1).

علي المحاطة، وفي الرياض أنه الأشهر. والظاهر أن المعيار فيه عرف الأطراف المعنية. ولا يسعنا تحديده، إذ ربما يختلف باختلاف الأزمنة والأمكنة. فلاحظ.

ومنها: جعل السبَق للسابق، كما في القواعد وغيره. والظاهر أن عدم ذكر كثير منهم لوضوحه، لتقوم المسابقة بذلك، فيكون هو الظاهر من نصوص الحصر المتقدمة، التي مقتضاها النهي عن الرهن غير الذي تضمنته.

ومنها: أن يكون أطراف الاستباق ممن من شأنه القتال، فلا يشرع السبق والرماية للنساء كما في التذكرة. ولم أعثر عاجلًا عليه في غيره.

ويظهر الإشكال فيه مما تقدم في ذيل المسألة الأولي من عدم الدليل علي كون الاستعداد للقتال علة يدور الحكم مدارها وجودًا وعدمًا، ليخرج بذلك عن إطلاق الأدلة. ومجرد تعارف التسابق بين الرجال لا ينهض بقصر الحكم عليهم بعد عدم خصوصيتهم فيه بنظر العرف.

وفي الجواهر: «وفيه منع، خصوصًا في مثل الصبيان بعد العقد من أوليائهم». لكن ربما يقصر وجه المنع المذكور عن الصبيان، بلحاظ أن في تسابقهم استعداداً للقتال ولو بلحاظ ما بعد بلوغهم، فهو كتسابق الرجال حال السلم من أجل الاستعداد للحرب عند الحاجة إليها. فالعمدة ما سبق. وربما يكون هناك أمور أخر ذكرت شروطًا في المقام لا يسعنا الكلام فيها، لظهور حالها.

(1) بلا إشكال ظاهر وبه صرح من يأتي. لكن السابق من الباذلين لا يستحق ما بذله بالسبق، بل لملكه له بالأصل، فسبقه يمنع من خروجه عن ملكه من دون أن يكون سبباً في ملكه له، كما هو ظاهر.

ص: 203

فإن سبقا فلكل ماله (1)، وإن سبق أحدهما والمحلل فللسابق ماله ونصف الآخر والباقي للمحلل (2).

(1) كما في المبسوط والشرائع والتذكرة والقواعد والتحرير والإرشاد وجامع المقاصد والمسالك وغيرها. وقد علل في كلام غير واحد باستوائهما في السبق. وهو ظاهر لو كان المراد بالسبق سبق واحد من بين الكل، حيث لا سبق في المقام بعد كون السابق اثنين. أما إذا كان المراد بالسابق ما يعم الأكثر من واحد، كما هو مقتضي ما يأتي في الصورة الثالثة، فالمتجه اشتراكهما في المالين معاً، فإن تساويا وكانا في الذمة فلكل ماله، وإن كان أحدهما أكثر شارك باذل الأقل باذل الأكثر في الزيادة، وإن كانا عينين كانا شريكين فيهما معاً.

اللهم إلا أن يراد بجعل السبق في المقام أن فرض سبقهما معاً راجع إلي عدم السبق من كل منهما، فلا يستحق شيئًا بسبقه، بل يبقي كل من المالين المبذولين لصاحبه. فكأنه قيل: إن سبقنا المحلل كان له ما بذلناه معاً، وإلا فإن سبقتك كان لي ما بذلته أنت، وإن سبقتني كان لك ما بذلته أنا. وحينئذٍ فسبقهما معاً للمحلل من دون سبق أحدهما للآخر خارج عن الفروض الثلاثة، ولا يترتب عليه أثر، بل يبقي كل من المالين المبذولين لصاحبه.

أو يراد بدفع كل منهما للسَبَق ليس هو استحقاق السابق له، بل استحقاقه علي المسبوق، فإن لم يكن الباذل مسبوقاً لا يستحق عليه ما بذله، وحيث لا مسبوق منهما في الفرض يبقي لكل منهما ما بذله. وكأنه إلي هذا يرجع ما في الجواهر. لكنه - كسابقه - يحتاج إلي قرينة خاصة أو عامة، ولو كانت هي عرف المتسابقين.

(2) كما صرح به من سبق. وهو يبتني علي ما أشرنا إليه آنفاً من كون المراد بالسابق ما يعم الأكثر من واحد. وحينئذٍ يتجه اشتراكهما في المالين.

إلا أن يراد ما ذكرناه أخيراً في الفرض السابق من عدم استحقاق السابق للمال

ص: 204

(205) (205)

(مسألة 5): المحلل هو الذي يدخل بين المتراهنين ولا يبذل معهما عوضاً (1)، بل يجري دابته بينهما (2)، أو في أحد الجانبين علي وجه يتناوله العقد علي أنه إن سبق بنفسه أو مع غيره أخذ العوض (3) أو بعضه علي حسب الشرط، وإن لم يسبق لم يغرم شيئاً.

(مسألة 6): إذا فسد العقد فلا أجرة للغالب (4)، ويضمن العوض

المبذول، بل استحقاق المال المبذول علي باذله بصيرورته مسبوقاً، وحيث لم يكن السابق من الباذلين مع المحلل مسبوقاً فلا يستحق عليه ما بذله، بل ينحصر المستحق بالسبق بما بذله المسبوق منهما، فيتعين حينئذٍ قسمته بينهما لا غير. وقد سبق أنه يحتاج إلي قرينة. فلاحظ.

(1) ومن هنا ينحصر بما إذا كان العوض من المتراهنين جميعًا، ولا موضوع له فيما إذا كان من أحدهم أو من أجنبي. وقد تقدم في المسألة الثانية من المختلف دعوي الإجماع علي عدم اشتراط المحلل حينئذٍ. ولعلها ترجع إلي ما ذكرنا من عدم الموضوع له.

(2) في التذكرة أن ذلك هو الأفضل، قال: «لأنه لما دخل بينهما للتحليل دخل بينهما في الجري. ولأنهما بإخراج السبق متنافران، فدخل بينهما ليقطع تنافرهما». وكلا الوجهين لا يخلو عن إشكال ظاهر. بل مقتضي الثاني اختصاص المحلل بالسبق دون الرماية، لأن تصاحبهما في الجري قد يجر للاحتكاك والتنافر، ولا يجري ذلك في الرماية، مع التصريح فيه وفي غيره بجريه فيها. كما أنه يظهر من تتمة كلامه أن ذلك مقتضي الإطلاق، بحيث لا يسوغ الخروج عنه إلا برضاهما. وهو غير ظاهر الوجه أيضًا. بل مقتضي الإطلاق اختيار كل منهم ما شاء، ومع عدم إرادة الإطلاق لابد من تعيين موضعه في العقد. وإلا بطل، للزوم الإهمال الذي تكرر منّا مبطليته.

(3) كان المناسب أن يقول: أخذ السَبَق، لما يأتي من عدم كونه عوضاً.

(4) كما في الشرائع والمسالك في الجملة، ونسب للشيخ (قدس سره) وإن كان كلامه

ص: 205

في المبسوط لا يناسبه، لأنه - كالتذكرة - اقتصر علي بيان القولين والاحتجاج لكل منهما. والعمدة في الدليل له الأصل لو لم تتم حجة القول بالضمان.

وذهب للضمان في القواعد والتحرير وجامع المقاصد وغيرها. واستدل له بحمله علي المعاوضات كالبيع والإجارة وغيرهما. وإليه يرجع الاستدلال في كلام غير واحد بقاعدة ما يضمن بصحيحه يضمن بفاسده.

وأجيب عن ذلك.. تارة: بما في المبسوط وغيره من اختصاص ذلك بما إذا كان العمل الفائت علي العامل يعود نفعه للباذل، كالإجارة والجعالة والمضاربة، دون مثل المقام مما لا يكون كذلك، بل يكون نفعه للعامل نفسه.

وأخري: بما في المسالك من اختصاص ضمان الأعمال بما إذا تضمن العقد أمر الباذل للعامل بالعمل، ولا أمر في المقام. قال: «نعم لو اتفق وقوع العقد بصيغة تقتضي الأمر بالفعل، وجوزناه، اتجه وجوب أجرة المثل. إلا أن هذا خارج عن وضع الصيغة المعهودة، بل يتفق، حيث لا نخصه بعبارة، بل كل لفظ دلّ عليه، كالجعالة».

ويندفع الأول بأن عود النفع للباذل غير شرط في الضمان لا في الإجارة ولا في الجعالة، حيث قد يكون النفع لغيره من الجهات الخاصة والعامة، بل قد يعود للفاعل نفسه، كما لو قصد الباذل تمرينه.

ومثله الثاني فإن الإجارة لا تتضمن الأمر بالفعل، بل مجرد استحقاقه بالعوض، كما أن الجعالة كثيراً ما لا تتضمن إلا الوعد بالجعل وبذله بإزاء العمل.

فالعمدة في المقام أن البذل في المقام لا يتضمن تعويض العمل بالمال المبذول، بحيث يكون العمل مضموناً به كما في الإجارة والجعالة وغيرهما، بل مجرد دفعه تشجيعاً علي العمل، نظير الجائزة والهدية. وبذلك يخرج عن موضوع قاعدة ما يضمن بصحيحه يضمن بفاسده. وإن كان هو غير مهم بعد أن لم تكن القاعدة منصوصة.

وحتي لو تضمنت الصيغة الأمر فلا يراد استيفاء الآمر عمل المأمور علي أن

ص: 206

إذا ظهر مستحقاً للغير (1)

يكون له في مقابل المستبق المجعول، بل مجرد التشجيع، والإرشاد لفائدة التسابق في نفسه، أو لاستحقاق السبق بسببه، ومثل هذا الأمر لا يقتضي الضمان. فلاحظ.

هذا وبناء علي لزوم أجرة المثل فهل المعيار فيها علي قيمة العمل الصادر من السابق - كالركض في المسافة المحدودة، وعدد الرمي - أو علي ما تجري المسابقة به في تلك المدة في عرف الناس غالبًا، لأن السبق إنما علي المسابقة، لا علي العمل بذاته.

قال في التذكرة: «وهذا وإن كان أقرب، لكن يشكل بانتفاء العرف فيه بين الناس». وفي جامع المقاصد: «وما ذكره صحيح، لكن انتفاء العرف لا يوجب العدول إلي الطرف الآخر الضعيف، فإن أمكن الوقوف عليه، وإلا اصطلحا».

وهو كما تري، فإن انتفاء العرف راجع إلي عدم وجود قيمة المثل للعمل، لا إلي الجهل بها مع وجودها، ليرجع للصلح. ومن ثم لا يخلو الأمر عن إشكال.

نعم لو كان هناك تعارف علي قدر معين ولم يتيسر لهما الوقوف عليه، فإن تردد بين الأقل والأكثر تعين الاقتصار علي الأقل، وإن تردد بين المتباينين تعين الصلح.

(1) كما في الشرائع والتحرير والقواعد. وقد فرق في الأول بين المقام وسائر صور فساد المسابقة في أصل الضمان. وأما في الأخيرين فالتفريق بينهما في كيفية الضمان لا في أصله.

ولم يتضح وجه الفرق في الموردين، لعدم الفرق بينهما في فساد المسابقة المستلزم لعدم استحقاق السَبق، فلا وجه لضمانه بمثله أو قيمته.

أما لو فرض أن احترام العمل موجب لضمانه فالمتعين ضمانه بأجرة المثل، كما نبه لذلك في جامع المقاصد والجواهر.

ولعله إذا كان ظاهر التذكرة عدم الفرق فيهما، حيث أطلق الكلام في الضمان مع الفساد، وتقدم منه الكلام في كيفيته.

ص: 207

مع عدم إجازته (1) وكون الباذل غاراً (2). ويحصل السبق بتقدم العنق أو

نعم لما كان منشأ الضمان في المقام عند سيدنا المصنف (قدس سره) هو التغرير لا الفساد - كما سيأتي - فقد يدعي أن اللازم تحمل الغار درك الأمر الذي غر به، وهو السَبَق المبذول. ويأتي الكلام في ذلك إن شاء الله تعالي.

لكن التغرير لا يختص بما إذا كان السَبق مستحقًا، بل يمكن جريانه في سائر موارد الفساد، كما لو اتكل السابق علي الباذل أو غيره في تحديد شروط المسابقة التي يكون تخلفها موجباً لفسادها.

إلا أن يختص ضمان الغار بما إذا كان طرفًا في المعاملة، علي ما تقدم الكلام فيه في المسألة التاسعة عشرة من فصل شروط المتعاقدين من كتاب البيع. وحينئذٍ يختص الضمان بما إذا كان الغار هو باذل السبق. فلاحظ.

(1) كأنه لأنه مع إجازته ينفذ البذل، كما لو وقع من المالك، ويستحق السابق المال المبذول. لكن تقدم في المسألة الأولي أن السبق والرماية يتقومان بالبذل وهو إيقاع، وجريان حكم الفضولي في الإيقاع يحتاج إلي دليل خاص، وهو مفقود في المقام.

نعم إذا كانت الإجازة قبل الشروع في الاستباق كنت بنفسها بذلًا للمستبق ويصدق عليها السبق والرماية. بخلاف ما إذا كانت بعد الشروع فيه أو بعد الفراغ، فإنها لا تزيد علي الوعد، ولا تقتضي استحقاق المسبق. غاية الأمر أن صاحب المال إن نفذ وعده حصل السابق علي السبق علي النحو الذي بذله الباذل، ولم يخسر شيئًا، وإلا فالأمر كما لو لم يجز المالك.

(2) كأنه لأن التغرير من أسباب الضمان. لكن سبق منّا في المسألة التاسعة عشرة من الفصل المشار إليه آنفًا اختصاص ذلك بما إذا كان الغار خادعًا للمغرور، لعلمه بالحال، أما إذا لم يكن خادعًا له لجهله بالحال كالمغرور فلا ضمان عليه.

علي أن المتيقن من ذلك ضمان الخسارة المسببة عن الخديعة، دون مثل السبق

ص: 208

الكتد (1) وهو العظم الناتئ بين الظهر وأصل العنق

الذي تقدم من أنه ليس عوضاً عن العمل، بل هو من سنخ الهدية والجائزة فلا يكون فوته علي السابق خسارة، بل هو فوت نفع.

ولو فرض كونه عوضاً عن العمل فالخسارة تكون في نفس العمل، لذهابه علي العامل من دون عوض، وذلك يقتضي ضمانه بأجرة المثل للعمل، لا ضمان السبق المبذول. ومجرد إقدامه علي استحقاقه لا يصحح صدق الخسارة عليه بعد عدم استحقاقه واقعاً.

(1) كما ذكره في الجملة جمهور الأصحاب ونسب للأكثر في كلام غير واحد منهم، وإن اختلفوا بين من عطف ب - (أو)، كما في المبسوط والسرائر والجامع والمختلف ومن عطف بالواو، كما في الخلاف والشرائع وجملة من كتب العلامة.

ويظهر من بعض كلماتهم رجوع أحدهما للآخر. بل صريح بعضها أن المعيار علي السبق ببعض البدن وهو يكون بالسبق بالكتد، وأن ذكر العنق لملازمته في الجملة. وعليه لا يكون الاقتصار علي العنق في اللمعة خلافاً في ذلك.

وكيف كان فإطلاق السبق عرفاً ظاهر في إرادة السبق بالبدن ولو ببعضه دون الأطراف، فلو سبق بيديه أو برقبته لمده مع تأخر البدن لم يكن سابقاً، كما أنه لو حاذت أطراف أحدهما أول بدن الآخر مع تأخر بدنه عنه لم يمنع ذلك من سبق الآخر له. وذلك يناسب ما سبق من بعضهم من أن المعيار علي الكتد.

هذا ولم يعرف الخلاف في ذلك منّا إلا من الإسكافي، فجعل المعيار علي السبق بالأذنين. للنبوي: «بعثت والساعة كفرسي رهان كاد أن يسبق الآخر بأذنه»(((1))).

وهو كما تري، إذ هو - مع الغض عن سنده - لم يرد لبيان معيار استحقاق السَبَق، ولا لبيان مقتضي إطلاق السبق. فلا مخرج عما سبق.

********

((1) كنز العمال ج: 14 ص: 195، 547.

ص: 209

نعم يمكن الخروج عن مقتضي الإطلاق المذكور بجعل معيار استحقاق السَبَق أمراً آخر، كالسبق باليدين أو بالأذنين.

كما أنه لو فرض عدم إرادة الإطلاق المذكور أو عدم ظهور الإطلاق فيما ذكرنا في بعض الأعراف لزم اتفاقهما علي المعيار في السبق وتحديده بضميمة القرينة الخاصة أو العامة، لما تكرر منّا من مانعية الإهمال من صحة المعاملة.

وبذلك يظهر الحال في الإبل، حيث يتعين حمل إطلاق السبق فيها بالسبق ببعض البدن ولو بالمنحر. فلاحظ.

والله سبحانه وتعالي العالم العاصم. انتهي الكلام في كتاب السبق والرماية ضحي الأربعاء السابع عشر من شهر ربيع الثاني سنة 1432. والحمد لله رب العالمين. وهو حسبنا ونعم الوكيل.

ص: 210

(211)

كتاب الشركة

ص: 211

ص: 212

الحمد لله رب العالمين. والصلاة والسلام علي سيدنا محمد وآله الطاهرين، ولعنة الله علي أعدائهم أجمعين إلي يوم الدين.

ص: 213

ص: 214

(215) كتاب الشركة

(مسألة 1): تصح الشركة في الأموال (1)،

(1) وهي اصطلاحاً وعرفاً اشتراك أكثر من شخص واحد في ملكية مال واحد بنحو الإشاعة، الراجع لملكية كل منهم حصة منه مشاعة في كل جزء منه، أما لو اختص كل منهم بجزء منه معين، بحيث يمتاز الجزء المملوك لكل منهم عن الجزء المملوك الآخر فهو ليس من الشركة في شيء.

والظاهر أن مراده هنا بالشركة في الأموال هو الشركة العقدية، كما يناسبه بقية الأقسام التي ذكرها، في مقابل الشركة في المال بوجوه أخر تأتي في المسألة الثانية.

وهي كسائر العقود لابد فيها.. أولاً: من كمال المتعاقدين وإن كانا وكيلين أو وليين. وثانياً: من إيقاع العقد المتضمن للتشريك بين المالين سواء كان بالقول مثل: تشاركنا في هذين المالين. أم بغيره، كجمع المالين في محل الشركة بقصد الاشتراك، فهي حينئذٍ نظير العقد المعاطاتي.

وهي ترجع في الحقيقة إلي تعويض الحصة المشاعة من أحد المالين بالحصة المشاعة من المال الآخر. ومن ثم قد يعتبر في لزومها افتراق المتعاقدين كما يظهر مما عن ابن الجنيد. وإن لم يخل ذلك عن الإشكال لاختصاص خيار المجلس بالبيع، وامتياز البيع عنها بالفرق بين الثمن والمثمن. بل هي بالصلح أشبه.

وأما مثل شراء أحد الشخصين نصف مال الآخر أو هبته له بنحو الإشاعة فهو

ص: 215

(216) (216)

عقد بيع أو هبة بنحو الشركة، وليس عقد شركة. وإن كان قد يسمي تشريكاً بلحاظ ذلك.

بقي في المقام أمور:

الأول: صرح جمهور الأصحاب باعتبار اتحاد الجنس في الشركة. فإن كان مرادهم بذلك توقف الشركة العقدية التي تقدم الكلام فيها علي ذلك فلا يتضح الوجه فيه بعد عموم نفوذ العقود. وإن كان مرادهم توقف الشركة بالمزج عليه فيأتي الكلام فيه إن شاء الله تعالي في المسألة الثانية.

الثاني: صرح جمهور الأصحاب باعتبار امتزاج المالين في الشركة، وفي السرائر وظاهر التذكرة الإجماع عليه. ولم يتضح الوجه فيه لو أريد ذلك في الشركة العقدية التي سبق الكلام فيها، كما هو ظاهرهم. بل هو خلاف عموم نفوذ العقد والصلح ونحوها. وبذلك يخرج عن مقتضي الأصل الذي استدل به في المبسوط وغيره، حيث ذكر أن حصول الشركة مع المزج مجمع عليه وبدونه مختلف فيه.

وأضعف من ذلك ما ذكره من أنه مع عدم المزج قد يتغير سعر أحد المالين فينفرد أحد الشريكين بالزيادة من الثمن، وهو خلاف وضع الشركة.

إذ فيه: أن انفراد أحد الشريكين بالزيادة فرع عدم حصول الشركة، أما مع حصولهما - كما هو مقتضي عمومات النفوذ - فيتعين اشتراكهما في الزيادة.

ومثله ما ذكره أيضاً من أن الاشتراك هو الاختلاط في اللغة، فينبغي أن يراعي معني الاختلاط.

إذ فيه: أن الاختلاط الخارجي غير مأخوذ في مفهوم الاشتراك في الملكية، بل هما متباينان مفهوماً ومصداقاً. وقد صرح غير واحد بأنه يمكن حصول الشركة فيما لا يمتزج ببيع أحد الشريكين نصف ماله بنصف مال الآخر. ولا يتضح الفرق بين ذلك وما ذكرناه من كون مضمون العقد نفس الاشتراك في المالين بعد عموم نفوذ

ص: 216

(217)

العقود.

ومن ثم قد يظهر من ابن الجنيد فيما حكي عنه عدم توقف الشركة العقدية علي الامتزاج قال: «لو تلف مال أحد الشركاء قبل انعقاد الشركة باختلاط المالين أو بالافتراق كان ما تلف من مال صاحبه، وإن كان التلف بعد العقد والافتراق كان من مالهما جميعاً».

ويترتب علي ذلك جواز الشركة العقدية فيما لا يقبل الامتزاج، كالأعيان الذمية، والأعيان المميزة في نفسها والمتفقة جنساً كمجاميع الشياه، والمختلفة جنساً كالشياه والإبل.

غايته أنه مع اتفاق الجنس في المثليات تكون نسبة حصة كل من الأطراف من المجموع بنسبة ما كان له قبل الشركة إلي المجموع.

ومع اختلاف الجنس أو اتفاقه في القيميات تكون نسبة حصة كل من الأطراف بنسبة قيمة ما كان له قبل القسمة إلي قيمة المجموع إلا أن يشترط في عقد الشركة اختلاف نسبة حصة كل منهم عن ذلك، فينفذ الشرط المذكور، لرجوعه إلي نحو من التفاضل في القيمة بين العوضين، ولا محذور في ذلك في غير الأجناس الربوية.

الثالث: هل يعتبر العلم بقدر كل من المالين قبل الشركة العقدية أو لا؟ أطلق في القواعد عدم صحة الشركة في المجهول والجزاف، وقيده في التذكرة والتحرير بما إذا لم يمكن العلم به بعد المزج بناء فيهما علي اعتبار المزج في الشركة.

لكن مقتضي عموم نفوذ العقد عدم اعتبار ذلك مطلقاً. غايته أنه مع تعذر العلم به يشتبه مقدار حق كل منهما بالآخر. وهو ليس محذوراً، فيكون كما لو علما بالمقدار ثم نسياه بعد المزج، أو جهلا نسبة كل من المالين للآخر في الشركة بالمزج.

وأظهر من ذلك ما إذا جهلا حين العقد مقدار كل من المالين مع علمهما بنسبة كل منهما للآخر.

ص: 217

(218)

الرابع: صرح جمهور الأصحاب بأن الشركة من العقود الجائزة، وفي الغنية والتذكرة الإجماع عليه. وبالنظر في جملة من كلماتهم يظهر أن الجواز بلحاظ جواز الرجوع لكل من الشركاء في الإذن في التصرف والتكسب بالمال الذي هو موضوع الشركة.

والذي ينبغي أن يقال: إن الشركة العقدية كثيراً ما تبتني زائداً علي الاشتراك في المال علي التكسب بالمال المشترك، بالاتجار به أو استنمائه أو غيرهما من وجوه الاسترباح. بل ذلك هو الغرض نوعاً منها. وذلك علي نحوين..

الأول: أن يكون غرضاً من الاشتراك في المالين من دون أن يؤخذ في عقد الشركة، فيرجع ذلك إلي التوكيل أو الإذن من جميع الأطراف للكل أو للبعض بالتصرف في المال بالنحو المذكور، أو به وبما زاد عليه، كالحفظ وبقية وجوه التصرف. ومن المعلوم عندهم جواز الرجوع في التوكيل والإذن.

لكن ذلك ليس رجوعاً في نفس عقد الشركة، لظهور أن الوكالة عقد آخر غير عقد الشركة، والإذن في التصرف إيقاع لا عقد، ويجوز الرجوع فيه مطلقاً أو في الجملة.

أما عقد الشركة نفسه فلا مجال للبناء علي جوازه بعد عموم نفوذ العقود. غاية الأمر أنه يمكن فسخه بالتقابل من الطرفين أو باشتراط الخيار لهما أو لأحدهما لكن مع بقاء أعيان الأموال التي هي موضوع الشركة وامتيازها وعدم التصرف فيها تصرفاً له دخل في قيمتها. أما بدون ذلك فلا مجال للفسخ.

نعم يشرع طلب القسمة في الشركة العقدية وغيرها في الجملة، كما يأتي في المسألة السادسة إن شاء الله تعالي. إلا أن ذلك ليس فسخاً للشركة، بل هو من لواحقها المترتبة عليها، نظير الطلاق بعد النكاح، بيع المشتري ما اشتراه علي من باعه عليه. وذلك يجري في الشركة غير العقدية أيضاً.

الثاني: أن يؤخذ التكسب بالمال في ضمن عقد الشركة، كما جرت عليه

ص: 218

الشركات ذات الأنظمة الخاصة في عصورنا. وحينئذٍ يتعين العمل علي النحو الذي تضمنه العقد من تعيين المباشر للتكسب بالمال والأجر الذي يستحقه والمدة التي تبقي فيها الشركة، بحيث لا يحق لبعض أطرافها طلب القسمة، وغير ذلك من الشروط المشروعة التي تقدم تحديدها في مبحث الشروط وكذا الحال لو أخذ التكسب بالمال المشترك شرطاً أو جزءاً من مضمون عقد آخر. كل ذلك لعموم نفوذ العقد والشرط.

وأما الإجماع المدعي في كلماتهم علي أن الشركة جائزة، وعليه رتب في كلام غير واحد عدم لزوم شرط التأجيل فيها. فليس بنحو ينهض بالخروج عن مقتضي العمومات المشار إليها. ومثله ما في الجواهر من الاستدلال علي عدم لزوم شروط التأجيل بحيث يمنع من طلب القسمة بالإجماع علي كونها عقداً جائزاً من حيثية الطلب المذكور.

كل ذلك لما تكرر منا من عدم نهوض الإجماع المنعقد في عهد تدوين الفتاوي من دون ظهور شيوع الابتلاء بالمسألة في عصور المعصومين (صلوات الله عليهم)، ولا نصوص واردة عنهم ولو كانت ضعيفة.

ولاسيما مع قرب اختلاط الشركة العقدية في المال بالإذن في التصرف في كلماتهم الذي يشيع تبعيته لها، حيث صرح غير واحد برجوع الشركة للإذن أو التوكيل في التصرف، وهما غير لازمين عندهم كما سبق. فلا مخرج عما ذكرنا. وربما يأتي في المسألة الخامسة ما ينفع في المقام.

وبذلك يظهر أن ما اشتهر بينهم، بل ادعي الإجماع عليه، من بطلان الشركة بالموت وغيره مما يبطل العقود الجائزة والإذنية، إن تم يختص بالقسم الأول من الشركة. أما الثاني فهو عقد لازم لا يبطل إلا بالتقابل.

غاية الأمر أن سهم الشريك يجري عليه حكم سائر أمواله مع بقائه علي إشاعته فينتقل إلي وارثه بالموت، ويكون موضوعاً لحق الغرماء بالفلس وغير ذلك.

وكيف كان فبلحاظ هذين الوجهين قد يتجه تقسيم الشركة إلي جائزة ولازمة.

ص: 219

(220)

ولا تصح في الأعمال (1). بأن يتعاقدا علي أن تكون أجرة عمل كل منهما

وأما بلحاظ أصل الاشتراك في المال مع قطع النظر عن التصرف فيه والتكسب به فالشركة لازمة لا ترتفع إلا بالقسمة.

(1) كما ذكره جمهور الأصحاب، وفي الجواهر: «بلا خلاف معتد به أجده فيه، بل الإجماع بقسميه عليه، بل المحكي منها مستفيض أو متواتر». وفي مفتاح الكرامة بعد أن نقل دعوي الإجماع عن جماعة قال: «فكأنهم أجمعوا علي نقل الإجماع، إذ هو محكي في سبعة عشر كتاباً أو أكثر كما سمعت، وهو معلوم محصل قطعاً».

وقد استدل عليه في كلماتهم - مضافاً إلي ذلك - بأمور:

الأول: قصور عموم الوفاء بالعقود و الشروط عن العقد المذكور، لأنه من العقود الجائزة، فلم يبق إلا التراضي الذي لا يفيد الملك بل الإباحة، ولا مجال لها مع رجوعهما أو أحدهما وندمه، كما في مفتاح الكرامة.

وفيه: أنه لو تم الجواز فهو راجع إلي جواز فسخ العقد بنحو يمنع من العمل عليه بعد الفسخ مع بقاء الأثر المترتب عليه قبله، نظير ما سبق في الجعالة.

الثاني: لزوم الضرر منه. وفيه: - مع عدم اطراده - أن قاعدة نفي الضرر تقصر عن صورة الإقدام علي الضرر، وهو حاصل في المقام بإقدامهما علي العقد الذي يتوقع حصول الضرر منه.

الثالث: لزوم الغرر منه. ويظهر ضعفه مما تكرر منا من عدم ثبوت عموم نفي الضرر في البيع، فضلاً عن غيره من المعاملات.

الرابع: مخالفتها للأصل، لاختصاص عموم نفوذ العقود بالعقود المعهودة المعروفة من الشارع الأقدس. ويظهر ضعفه مما تكرر منا من أن اختصاص العموم المذكور بذلك مخالف لظاهره من دون وجه.

وأما الإجماع فلا مجال للتعويل عليه بعد قرب استناد المجمعين إلي بعض

ص: 220

مشتركة بينهما (1)، فإذا تعاقدا علي ذلك بطل، وكان لكل أجرة عمله. نعم

الوجوه السابقة، وعدم وضوح كونه إجماعاً تعبدياً بعد عدم وضوح شيوع الابتلاء بذلك في عصور المعصومين (عليهم السلام)، ليبعد خطأ المجمعين في معرفة رأيهم (عليهم السلام) فيه.

فالعمدة في المقام أن قوام المعاوضة بين العمل والأجرة هو دخول الأجرة في ملك صاحب العمل الذي هو العامل، فمشاركة غيره له فيها خروج عن مقتضي المعاوضة المفروض إمضاؤها شرعاً. كما أن العمل بالضمان يقتضي شرعاً ملك العامل أجرة المثل، فمشاركة غيره له فيها مخالف للحكم الشرعي المذكور.

وبذلك يكون عقد الشركة المذكور مخالفاً للحكم الشرعي، فيتعين بطلانه، كالشرط المخالف له.

هذا ولم يعرف الخلاف في ذلك إلا ما ينسب لابن الجنيد وإن كان المحكي من كلامه ظاهراً في البناء علي البطلان. قال في المختلف: «المشهور بين علمائنا أن شركة الوجوه باطلة، وكذا شركة الأعمال. وقال ابن الجنيد: ولو اشترك رجلان بغير رأس مال علي أن يشتريا ويبيعا جاز ذلك. ولو اشترك رجلان علي أن من أحدهما بذر وبقر وعلي الآخر العمل والخراج كانت الشركة جائزة بينهما. ولو اشترك رجلان علي أن يعملا عملاً لكل واحد منهما فيه عمل مفرد، وتكون أيديهما جميعاً في العمل وتقسم الأجرة بينهما لم أجز ذلك، لأن الأجرة عوض عن عمل، فإذا لم يتميز عمل كل واحد منهما لم آمن أن يلحق أحدهما غبن أو أن يأخذ ما لا يستحقه فإن تتاركا الفضل وتحالّا، أو تضمن أحدهما بالعمل ثم قسمه علي الآخر من غير شركة جاز ذلك».

وهو - كما تري - كالصريح في بطلان شركة الأعمال، وأن لكل عامل أجرة عمله بتمامها ولا يتشاركان في أجر الجميع إلا بالتتارك والتحال، أو بتشريك الأجير صاحبه في العمل المستأجر عليه بنصف أجرته.

(1) صرح في التذكرة وغيره بعموم الشركة في الأعمال الممنوع منها عندهم

ص: 221

لو صالح كل منهما صاحبه علي أن تكون نصف منفعة نفسه بنصف منفعة صاحبه مدة معينة، فقبل الآخر صح (1)، وكان عمل كل منهما مشتركاً بينهما. وكذا لو تصالحا علي أن يعطي كل منهما نصف أجرته للآخر (2).

للحيازة، كالصيد والاحتطاب والاحتشاش. ووجهه ظاهر إذا كان المفروض الاشتراك في الأمر المحاز مع قصد الحائز منهم الحيازة لنفسه. لما هو المعلوم من كون المحاز حينئذٍ ملكاً للحائز شرعاً، فيكون عقد الشركة مخالفاً للحكم الشرعي، نظير ما تقدم في الإجازة. أما لو كان المراد به أن يقصد الحيازة لأطراف الشركة فلا محذور فيه، حيث سبق منّا في المسألة الواحدة والستين من كتاب الإجارة قبول الحيازة للنيابة.

(1) لعموم نفوذ الصلح. وحينئذ يكون الاشتراك في الأجر مسبباً عن الاشتراك في ملكية العمل الذي يكون الأجر بإزائه. وكذا لو أريد بشركة الأعمال ما يعم الحيازات، لما سبق في المسألة الواحدة والستين من كتاب الإجارة من أن ملكية عمل الحائز تقتضي ملكية الأمر المحاز، فإذا ملك الشريك في المصالحة المذكورة نصف عمل شريكه كان له نصف ما حازه.

(2) لعموم نفوذ الصلح أيضاً، لكن هذا لا يقتضي الاشتراك في الأجر، بل ملكية نصفه لكل منهما بإعطاء صاحبه له - المفروض وجوبه بمقتضي المصالحة المذكورة - من دون أن يملكه قبل الإعطاء.

نعم لو كان مفاد المصالحة ملك كل منهما نصف أجر صاحبه بعد دخوله في ملكه - بمقتضي الإجارة ونحوها - وفي رتبة متأخرة عنه اشتركا في الأجر من أن يتوقف علي الإعطاء. كما لو قال أحدهما لصاحبه: صالحتك علي أن يكون لكل منا نصف أجر صاحبه الذي يملكه بسبب الإجارة أو العمل فقبل الآخر. ولا محذور في المصالحة المذكورة، بل مقتضي عمومات نفوذ العقود والصلح نفوذها.

ولعل ذلك هو المراد هنا، لأنه هو الذي ذكره (قدس سره) في مستمسكه، بأن يكون

ص: 222

(223)

ولا تصح في الوجوه بأن يتعاقدا علي أن يشتري كل منهما مالاً بثمن في ذمته إلي أجل (1) ثم يبيعانه، ويكون ربحه بينهما والخسران عليهما (2). ولا

إعطاء لكل منهما النصف لصاحبه لصيرورته ملكاً له بالمصالحة المذكورة، من دون أن يكون هو السبب في ملكه له، كما هو مقتضي الجمود علي ما في المتن.

هذا ويمكن تحقق نتيجة الشركة المذكورة بوجه ثالث لعله الأيسر علي الناس والأقرب لسيرتهم، وهو أن يتفق الأطراف علي أن يكون كل منهم وكيلاً عن الباقين في إيقاع الإجارة عن الكل، بحيث تنشغل ذممهم جميعاً بالعمل. ثم يقوم كل منهم بالعمل علي مقتضي الإجارة التي أوقعها وفاء عن الكل، حيث تقدم في كتاب الإجارة إجزاء عمل النائب في الوفاء عن الأجير واستحقاقه الأجر.

وكذا الحال في العمل المضمون في مثل الجعالة والعمل استجابة لأمر الغير، حيث يمكن مع الوكالة المذكورة إيقاع كل منهم العمل عن الكل، لا عن خصوص نفسه، فيستحق كل منهم الجعل والأجر بنحو الشركة.

ومثله الوكالة بالنحو المذكور في مثل حيازة المباحات، بناء علي ما سبق في المسألة الواحدة والستين من كتاب الإجارة من قبول الحيازة للنيابة.

(1) لا حاجة للتقيد المذكور، بل تجري المعاملة المذكورة حتي مع الشراء بالذمة من دون ذكر الأجل، بحيث يكون للبائع المطالبة بالثمن متي شاء.

(2) كما فسرها بذلك غير واحد، وفي التذكرة وغيره أن ذلك أشهر الوجوه في تفسيرها وقد صرح جمهور الأصحاب بعدم صحة الشركة بالوجه المذكور، بل لعله مجمع عليه. نعم نسب لابن الجنيد صحتها، لقوله: «لو اشترك رجلان بغير رأس مال علي أن يشتريا ويبيعا بوجوهما لجاز».

وقد استدل علي البطلان من بعضهم بما سبق منهم في شركة الأعمال. وتقدم ضعفه.

ص: 223

(224)

والتحقيق في وجهه أنه مع اختصاص كل منهما بماله الذي اشتراه يتعين اختصاصه بثمنه إذا باعه رابحاً كان أو خاسراً، ولا مجال لمشاركة غيره له في ربحه وخسارته، لأنه خلاف مقتضي عقد البيع المفروض إمضاؤه، فيكون عقد الشركة المذكور مخالفاً للحكم الشرعي، ويتعين بطلانه. نظير ما سبق في شركة الأعمال.

نعم لا محذور في الشركة المذكورة لو رجعت إلي مصالحة كل منهما لصاحبه علي أن يتحمل عنه نصف خسارته التي حصلت له فيما باعه وبشركه في نصف ربحه الذي حصل له فيه، بحيث يكون تحمل نصف الخسارة والمشاركة في الربح في مرتبة متأخرة عن حصولهما بتمامها للبائع نفسه، نظير ما سبق في شركة الأعمال أيضاً. لعمومات نفوذ العقد والصلح.

وأظهر من ذلك ما لو رجعت المصالحة المذكورة إلي إعطاء الرابح منهما نصف ربحه للآخر من دون أن يشركه فيه، وتدارك كل منهما خسارة صاحبه من دون أن يشركه فيها، نظير ما تقدم من شركة الأعمال أيضاً.

هذا كله إذا كان موضوع الاتفاق بينهما هو شراء كل منهما لنفسه. أما إذا كان موضوعه هو شراء كل منهما لهما معاً وفي ذمتهما، بحيث يرجع إلي توكيل منهما لصاحبه أو إذنه له في أن يشتري له معه ويشركه في الشراء - نظير ما تقدم منّا في شركة الأعمال - فلا إشكال حينئذٍ في اشتراكهما في الربح والخسارة، كما أشارة إليه في التحرير وربما يحمل عليه ما عن ابن الجنيد.

هذا وقد فسر في التذكرة شركة الوجوه بوجوه أخر..

الأول: أن يبتاع وجيه في الذمة، ويفوض بيعه إلي خامل، ويشترط أن يكون الربح بينهما.

الثاني: أن يشترك وجيه لا مال له وخامل ذو مال، ليكون العمل من الوجيه والمال من الخامل، ويكون المال في يده لا يسلمه إلي الوجيه، والربح بينهما.

ص: 224

(225)

تصح شركة المفاوضة (1)، بأن يتعاقدا علي أن يكون ما يحصل لكل منهما من ربح تجارة أو زراعة أو إرث أو غير ذلك بينهما، وما يرد علي كل منهما من غرامة (2) تكون عليهما معاً، فلو تعاقدا في المقامين علي ما ذكر كان لكل

الثالث: ما اقتصر عليه في القواعد، وهو أن يبيع الوجيه مال الخامل بزيادة ربح، ليكون الربح بينهما.

والظاهر صحة الجميع، حيث لا موجب لاحتمال البطلان إلا الجهل حين الاتفاق بينهما بأجرة من يتولي البيع. وهو ليس محذوراً، فإنه نظير الجعالة. نعم الوجوه المذكورة تشترك في عدم تحمل المباشر للبيع الخسارة. وهو لا يناسب الشركة، فجعله من وجوهها محض اصطلاح لا مشاحة فيه.

(1) كما صرح به جمهور الأصحاب، وظاهر غير واحد وصريح آخرين الإجماع عليه. وفي الجواهر دعوي الإجماع بقسميه عليه. وقد استدل عليه في كلام بعضهم - مضافاً إلي ذلك - بما سبق منهم في شركة الأعمال والوجوه، وسبق ضعفه.

فالعمدة في البطلان أن صيرورة الأرباح لصاحبها ورود الخسارات عليه مقتضي الحكم الشرعي فعقد الشركة فيها مخالف للحكم الشرعي، فيتعين بطلانه، نظير ما سبق في الوجهين الأولين.

(2) كما هو مقتضي إطلاق بعضهم. واستثني في مفتاح الكرامة من ذلك قوت اليوم وثياب البدن وجارية يتسري بها، فيختص كل منهما بالغرامة فيما يحتاجه من ذلك. بل زاد الجناية علي الحر وبذل الخلع والصداق إذا لزم أحدهما.

بل مقتضي الجمود علي عبارة المبسوط واختصاص الغرامة التي يشتركان منها بما يتسبب عن الغصب والكفالة، وعلي عبارة القواعد اختصاصه بما يتسبب عن الغصب والبيع الفاسد.

كما اقتصر في التحرير في بيان شركة المفاوضة علي الشركة في الربح، ولم يذكر

ص: 225

منهما ربحه وعليه خسارته (1). نعم إذا تصالحا علي أنه إن ربح أحدهما أعطي صاحبه نصف ربحه، وإن خسر أحدهما تدارك صاحبه نصف خسارته صح في المقامين (2).

الخسارة. والظاهر أن تحديد موضوع الشركة تابع لهما، والتسمية محض اصطلاح لا مشاحة فيه.

(1) لأن ذلك مقتضي بطلان الشركة المذكورة.

(2) لعموم نفوذ الصلح، لكن ذلك لا يقتضي الشركة في الربح والخسارة، بل ملك كل منهما لنصف ربح صاحبه له بإعطائه له، وتدارك نصف خسارته بدفع بدله له. وليس هو من الشركة في شيء.

نعم تحصل الشركة أو ما يشبهها لو كان مفاد المصالحة ملك كل منهما لنصف ربح الآخر في رتبة متأخرة عن دخول تمام الربح في ملكه - نظير مشاركة عامل المضاربة في الربح - وضمان كل منهما عن صاحبه نصف خسارته بعد وقوعها بتمامها عليه، بحيث يستحق عليه النصف المذكور، وإن كان تمام الخسارة ثابتاً في ذمة مَن وقعت عليه بالأصل بحيث يكون هو المطالب به، لأن المستحق للدرك غير ملزم بالعقد المذكور، ليكون حقه في ذمتهما معاً، بحيث لا يحق له مطالبة من وقعت عليه بها بتمامها.

وكيف كان فلا مانع من مثل هذه المصالحة، بل مقتضي عموم نفوذ الصلح صحتها ولزومها. وكأنه إلي ذلك نظر بعض الأعاظم (قدس سره) في حاشيته علي العروة الوثقي، حيث ذكر أنه يمكن تصحيح ترتب مضمون شركة المفاوضة بالاشتراط في ضمن عقد لازم وإلا فالشرط المخالف للحكم الشرعي باطل كالعقد المخالف له.

وكأن ذكره الاشتراط في ضمن عقد لازم من أجل أن عقد الشركة عندهم جائز يمكن التراجع عنه، فلا يحصل المطلوب.

ص: 226

(227)

(مسألة 2): تتحقق الشركة في المال باستحقاق الشخصين فما زاد مالاً واحداً عيناً كان أو ديناً بإرث أو وصية (1)، أو بفعلهما معاً، كما إذا حفرا بئراً، أو اصطادا صيداً، أو اقتلعا شجرة (2)

لكن سبق أن الجواز في الشركة بلحاظ تضمنها الإذن أو التوكيل في التصرف بالمال المشترك، وهما غير لازمين. وذلك يختص بالشركة في الأموال. أما بقية أنواع الشركة فهي تبتني علي الإلزام والالتزام من الطرفين، والمتعين لزومها في مضمونها، ومنه المصالحة المذكورة. ومن ثم يتعين لزومها بنفسها بلا حاجة إلي إنشاء مضمونها بصورة الشرط في ضمن عقد لازم.

(1) أو غيرهما من وجوه الاستحقاق، كما لو وهب العين الواحدة مالكها لأكثر من شخص، وكما لو اشتري أكثر من شخص واحد عيناً واحدة، ونحو ذلك. لكن الشركة المذكورة ليست عقدية، لعدم إنشائها في ضمن عقد، وإن تسببت عن عقد، كالشراء والهبة.

(2) الاقتلاع بنفسه لا يكون سبباً للتملك، ما لم يرجع إلي نيتهما حيازة الشيء الذي يقلع، ومثله الصيد. بل لا يبعد ذلك في مثل حفر البئر، فلا يكفي في التملك ما لم يرجع إلي نية تملك نتيجة العمل.

هذا وفي المسالك أن الشركة إنما تحقق في الجملة، وأنه يكون لكل منهما من الأمر المحاز بنسبة عمله، ويختلف ذلك بالقوة والضعف. قال: «ولو اشتبه مقدار كل واحد فطريق التخلص بالصلح، أو تمليك كل واحد ما بقي له عند الآخر، بناء علي جواز هبة المجهول».

لكن الظاهر أنه مع اتفاقهما في قصد نسبة معينة بينهما في الأمر المحاز يتعين ترتبها، بناء علي ما سبق في المسألة الواحدة والستين من كتاب الإجارة من قبول الحيازة للنيابة، لرجوع ذلك إلي نيابة كل منهما عن الآخر في الحيازة له بالنسبة المذكورة.

ص: 227

أو نحو ذلك من الأسباب الاختيارية وغيرها (1). وقد تكون بمزج المالين علي نحو يرتفع الامتياز بينهما (2)

وأما مع عدم قصدهما ذلك، بل قصدا مجرد الحيازة فالمتعين الاشتراك بينهما بالسوية، لعدم قبول الحيازة للتبعيض، بل هي أمر بسيط، فمع اشتراكهما فيه يتعين اشتراكهما في الأمر المحاز، كما نبه لذلك في الجملة في الجواهر.

نعم لو استقل كل منهما بحيازة جزء من الأمر المحاز يتيعن اختصاصه بما حازه، فإذا اختلطت الأجزاء ولم تتميز أو امتزجت جري عليه ما يجري مع اختلاط المالين أو امتزاجهما، ويتعين مع الجهل بمقدار مال كل منهما الرجوع للصلح ونحوه. والظاهر خروج ذلك عن محل كلامهم هنا.

(1) كما لو استولد شخص جارية مشتركة بين شخصين أو أتلف مالاً لهما، حيث يشتركان في الولد أو في قيمة المال التالف.

(2) كما في الشرائع والتذكرة والمسالك واللمعتين، ونسب لغيرهما علي إشكال في النسبة، وفي الجواهر: «بلا خلاف أجده فيه، بل لعل الإجماع بقسميه عليه».

نعم ذكر في الجواهر أن الشركة في مثل ذلك إنما تكون إذا كان المزج بقصد الشركة. أما بدونه فهو لا يوجب الشركة الحقيقية المتقومة بالإشاعة، بل يبقي لكل منهما ماله بعينه. غاية الأمر أنه يعامل معاملة الشركة، ويجري حكمها في الجملة، علي ما يأتي توضيحه إن شاء الله تعالي.

ولعله إلي هذا يرجع ما في العروة الوثقي من أن الشركة في المقام ظاهرية. وإلا فلا معني لشركة ظاهرية يعلم بعدم تحقق الشركة الواقعية معها.

أما سيدنا المصنف (قدس سره) فقد ادعي أن حصول الشركة الحقيقية في الامتزاج الرافع للتميز بين المالين من الأحكام العرفية الممضاة لدي الشارع الأقدس. قال: «بل ذلك في الجملة من الضروريات الفقهية والعرفية، وقد حكي عن التذكرة الإجماع

ص: 228

(229)

عليه، وفي المسالك أنه لا خلاف فيه».

غاية الأمر أنه (قدس سره) خص ذلك بما إذا كان المالان متحدي الجنس والوصف، وفيما عدا ذلك تكون الشركة حكمية، بمعني أنه يحرم تصرف كل من المالكين بدون أذن الآخر، ويجوز لكل منهما المطالبة بالقسمة، وأن العوض يكون مشتركاً بينهما، سواء انتفي التمييز، مثل خلط الأدهان وخلط الدهن بالدبس، أم لا، مثل خلط الحنطة بالشعير وخلط الحنطة الجيدة بالرديئة.

لكن الإنصاف أن المتيقن من بناء العرف هو إجراء أحكام الشركة المذكورة في كلامه (قدس سره) ونحوها، ككون تلف البعض من حصتهما معاً. ومنشؤه تعذر التمييز بنظرهم، بحيث لا يمكن اختصاص التصرف أو التلف بأحد المالين. ولذا تجري عندهم هذه الأحكام لو تحقق موضوعها - كالبيع والتلف - قبل فصل أحد الخليطين عن الآخر في مورد إمكان الفصل بينهما مع عدم الإشكال في عدم حصول الشركة الحقيقية حينئذٍ.

أما حصول الشركة الحقيقية فلا يتضح بناء العرف عليه، بل الظاهر عدمه. ولذا لو أدركنا بوجه يخفي علي العرف أن أحد المالين يختص بالنقص بمضي المدة، لتبخر أو نحوه، تعين اختصاص النقص بصاحبه. كما أن لكل منهما أن يستقل ببيع عين ماله حال الامتزاج، فيكون المشتري هو الشريك حكماً بدلاً عن البائع، ويجزي مالك المد من دقيق الحنطة مثلاً لو امتزج بمد منه لغيره أن يدفعه للفقير كفارة عنه، فيكون الفقير شريكاً حكماً لذلك الغير بدلاً عن الدافع. كل ذلك لعدم كون الامتزاج سبباً في تبدل المملوك حقيقة.

وأما الفرق بين اتحاد الجنس والوصف واختلافهما، فهو أمر لا يدركه العرف، فلا يفرق بين مزج زيت الزيتون بمثله، ومزجه بزيت الذرة مثلاً.

ودعوي: أن العرف وإن بني حصول الشركة الحقيقية في الجميع، إلا أن بناءه لا ينفع ما لم يثبت إمضاؤه شرعاً، ولا طريق لذلك إلا مع اتفاق الجنس والوصف،

ص: 229

لاختصاص بناء الأصحاب علي الشركة الحقيقية به.

مدفوعة.. أولاً: بأن المتيقن من بناء العرف هو جريان أحكام الشركة المشار إليها آنفاً، دون الشركة الحقيقية، كما سبق.

وثانياً: بأن مثل هذا البناء العرفي الارتكازي - لو تم - حجة ما لم يثبت الردع عنه شرعاً، ولا يحتاج لإحراز إمضائه، كما ذكرناه غير مرة، فيكفي في البناء علي الشركة الحقيقية مع اختلاف الجنس والوصف وإن لم يثبت إمضاؤه شرعاً. إلا أن يثبت الردع عنه، ودون إثباته في المقام خرط القتاد.

وثالثاً: بأنه لا يظهر من كلمات الأصحاب الفرق بين الموردين. علي أن بناءهم لم يبلغ حدّ الإجماع، ليصلح لإثبات الإمضاء، لقلة من تعرض لذلك، وظاهر كلام جملة منهم سوق ذلك لبيان عدم الفرق في المزج الذي هو عندهم شرط في الشركة العقدية بين الاختياري منهما والقهري عليهما، لا كون المزج عندهم سبباً في الشركة الذي هو محل الكلام في المقام.

ولم يدع في التذكرة الإجماع علي ذلك، بل علي مشروعية شركة العنان التي هي الشركة في المال في مقابل بقية وجوه الشركة المتقدمة، ومعقد نفي الخلاف في المسالك لا يخلو عن غموض، كما يظهر بمراجعته. بل صرح بعضهم بأن الشركة بالمزج مما أضافه المتأخرون لأسباب الشركة.

ورابعاً: بأنه لا مجال للتعويل علي الإجماع في المقام، لعدم وضوح كونه إجماعاً تعبدياً. بل لعله يبتني علي وحدة المال عرفاً بعد عدم تميز الأجزاء بعضها عن بعض الملزم بالإشاعة في المملوك الواحد مع تعدد المالكين له، مع الغفلة أو التغافل عن تميز الأجزاء دقة. أو يبتني علي اختلاط الشركة الحكمية بالشركة الحقيقية عليهم. ولاسيما مع وضوح اضطراب كلماتهم في الشركة، وفي تحديد أسبابها.

ومن هنا لا مخرج عن المتيقن في المقام، وهو الشركة الحكمية. وإن كان الفرق بين الشركتين عملاً غير ظاهر إلا مع اختلاف الجنس في بعض الفروع المشار إليها آنفاً

ص: 230

(231)

مع الاتحاد بالجنس كمزج الحنطة بالحنطة والماء بالماء، واختلافه (1)، كمزج دقيق الحنطة بدقيق الشعير ودهن اللوز بدهن الجوز.

ونحوها مما يأتي وغيره، وقد يغفل عنه عرفاً. فلاحظ.

(1) تقدم منه (قدس سره) البناء مع الاختلاف علي الشركة الحكمية. فإما أن يبتني ذلك منه علي العدول عما سبق منه من التفصيل، أو علي إغفال الفرق بين الشركتين بسبب عدم ظهور الفرق بينهما عملاً لعامة المكلفين الذين هم المعنيون بالخطاب في هذا الكتاب.

بقي في المقام شيء. وهو أن الظاهر بعد النظر في كلمات الأصحاب في الموارد المختلفة بناؤهم علي أن اشتراك صاحبي المالين الممزوجين مع اتحادهما في الجنس والصفة بنسبة كمية المالين، ومع اختلافهما في أحدهما بنسبة قيمة كل من المالين لقيمة الآخر. وهو المطابق للمرتكزات العرفية التي هي المنشأ للبناء علي حصول الشركة بالمزج.

ويناسبه - وإن لم يكن منه - معتبر إسحاق بن عمار: «قال أبو عبد الله (عليه السلام) في الرجل يبضعه الرجل ثلاثين درهماً في ثوب، وآخر عشرين درهماً في ثوب، فبعث الثوبين، ولم يعرف هذا ثوبه ولا هذا ثوبه. قال: يباع الثوبان فيعطي صاحب الثلاثين ثلاثة أخماس الثمن، والآخر خمسي الثمن...»((1)).

ودعوي: أن الثاني يستلزم الربا إذا كانا من المكيل أو الموزون وكانا متحدي الجنس أو بحكم المتحدين، كالحنطة والشعير. مثلاً إذا كان الجيد بقدر الرديء وزناً وكانت قيمته ضعف قيمة الرديء، فبالمزج يستحق مالك الجيد ثلثي المجموع ومالك الرديء ثلثه. وهو راجع إلي تبديل ثلثي الرديء بثلث الجيد.

مدفوعة.. أولاً: بأن الربا يختص بالمعاوضات، والشركة بالمزج حكم تعبدي

********

((1) وسائل الشيعة ج: 13 باب: 11 من أبواب كتاب الصلح حديث: 1.

ص: 231

لا يرجع إلي المعاوضة.

وثانياً: بأنه لا موضوع لذلك بناء علي ما سبق من أن الشركة في المقام حكمية لا حقيقية، حيث يرجع ذلك إلي بقاء كل من المالين لصاحبه. غاية الأمر جريان حكم الشركة علي المجموع في التلف والضمان والمعاوضة ونحوهما، فإذا أتلف متلف في الفرض السابق نصف المجموع فقد أتلف علي مالك الرديء ما يساوي قيمته وعلي مالك الجيد ما يساوي قيمته، وهي ضعف قيمة التالف من الرديء. وهو يطابق عملاً اشتراكهما بالتثليث.

نعم قد يشكل الأمر في القسمة، لرجوعها في مثل الفرض المتقدم إلي تبديل ثلثي الرديء بثلث الجيد بعد فرض بقاء كل منهما حين الامتزاج علي ملك صاحبه. فينحصر الأمر فيها بمثل بيع المجموع وتقاسمهما الثمن علي النسبة المذكورة. فلاحظ.

هذا كله إذا بقيت قيمة كل من المالين علي حالها بالمزج أو ارتفعت أو انخفضت بنسبة واحدة، بخلاف ما إذا اختلفت قيمة أحدهما دون الآخر. كما قد يتصور في مثل خلط الزيت بالنفط، حيث تذهب فوائد الزيت التي يتميز بها عن النفط، ولا يبقي صالحاً إلا للحرق، فقد يصير بقيمة النفط حينئذٍ، بحيث يكون قيمة الممزوج منه بقدر قيمة النفط المساوي له في المقدار. وحينئذٍ يتعين الاشتراك بين المالكين في المجموع بنسبة كمية كل من الجنسين الممتزجين، لاتفاقهما في القيمة حين الامتزاج وإن اختلفا فيها قبله.

وكذا الحال إذا اختلفا فيها معاً حين الامتزاج علي خلاف نحو اختلافهما فيها قبله، حيث يتعين اشتراكهما فيها بنسبة قيمتهما حين الاختلاف، لا بنسبة قيمتهما قبله.

وبذلك يظهر أنه لو اختلفت قيمة أحدهما بعد الامتزاج بمدة عما كانت عليه حين الامتزاج يتعين اختلاف نسبتهما في الشركة في المجموع عما كانت عليه حين الامتزاج. مثلاً لو اختلط صاع من دقيق الحنطة بصاع من دقيق الشعير، وكانت قيمة صاع دقيق الحنطة حين الامتزاج درهمين وقيمة صاع دقيق الشعير درهماً، فيكون

ص: 232

(233)

(مسألة 3): يلحق كلاً من الشريكين من الربح والخسران بنسبة ماله (1) فإن تساويا في الحصة كان الربح والخسارة بينهما بالسوية وإن اختلفا فبالنسبة.

لصاحب الحنطة ثلثي المجموع. فإذا ارتفع دقيق الحنطة إلي ثلاث دراهم وارتفع دقيق الشعير إلي درهمين تعين اختلاف النسبة في المجموع عما كانت، فيكون لصاحب دقيق الحنطة ثلاثة أخماس ولصاحب دقيق الشعير خمسان.

غايته أنه لابد من سريان ارتفاع السعر لحال الامتزاج وعدم اختصاصه بالخالص من الجنسين، لما سبق من أن المعيار في الشركة علي النسبة بين المالين حين الامتزاج، لا حين الخلوص.

نعم لو كانت الشركة بالامتزاج حقيقية لم تتبدل النسبة بتبدل القيمة، لأن المال الذي تتبدل قيمته مشترك بينهما. لكن عرفت المنع من ذلك، بل لا يبعد عدم بناء الأصحاب عليه في الفرض المذكور لو التفت له.

هذا ولو اشتبه الحال ولم يتيسر تحديد القيم حال الامتزاج تعين الرجوع في جميع الفروض والصور المتقدمة للصلح.

هذا هو الذي تقتضيه القواعد التي يتعين التعويل عليها بعد أن لم تكن الشركة بالامتزاج منصوصة، ولا مورداً لإجماع تعبدي ينهض بالحجية. ولاسيما بعد عدم تعرض القدماء لها، غاية الأمر أنها مطابقة في الجملة لمرتكزات العقلاء وسيرتهم، والمتيقن منها ما لا ينافي مقتضي القواعد الذي سبق التعرض له. فلاحظ. والله سبحانه وتعالي العالم العاصم.

(1) بلا إشكال ظاهر، وبه صرح جمهور الأصحاب، وفي الجواهر: «بلا خلاف في شيء من ذلك، مع اتفاقهما في العمل واختلافهما فيه، بل الإجماع بقسميه عليه». لأنه مقتضي الشركة بطبعها، فإن فرض الشياع في ملك كل منهما يقتضي الشياع

ص: 233

(مسألة 4): إذا اشترط المساواة في الربح والخسران مع اختلاف الحصص أو اشترطا الاختلاف مع تساوي الحصص يصح إذا كان للمشروط له عمل (1)

بنفس النسبة في بدله، وذلك مستلزم لحفظ النسبة في الربح والخسارة، وكذا في التلف لو حصل.

وتشهد به - مضافاً إلي ما سبق - النصوص في الجملة. كمعتبر إسحاق بن عمار: «قلت لأبي إبراهيم (عليه السلام): رجل يدل الرجل علي السلعة، ويقول: اشترها ولي نصفها، فيشتريها الرجل وينقد من ماله. قال: له نصف الربح. قلت: فإن وضع يلحقه من الوضيعة شيء؟ قال: نعم عليه الوضيعة كما يأخذ الربح»((1)) وقريب منه أو عينه موثقه((2)). وقد يستفاد من غيرها.

هذا ولو كان العمل لأحدهما أو زاد من أحدهما فربما يتوهم زيادة ربحه تبعاً لزيادته في العمل. لكن موضوع الشركة والربح والخسران هو المال، والعمل خارج عن ذلك، فلا وجد لدخله في الربح، غاية الأمر أنه إن ابتني علي أن يكون مضموناً يثبت أجره في الذمة، من دون أن يتحمله مال الشركة، كما لعله ظاهر.

(1) كما ذكره في الجملة في المبسوط والشرائع وجامع المقاصد، وهو لازم لكل من أطلق جواز شرط الزيادة في الربح لأحدهما، كما يأتي إن شاء الله تعالي، وفي غاية المراد أن جواز الشرط حينئذٍ ظاهر، وظاهر التذكرة الإجماع عليه. وإن كان ذلك لا يناسب إطلاق بطلان الشرط في كلام جماعة، علي خلاف منهم في مبطليته للعقد وعدمها، بل صرح في الغنية وجامع الشرائع بأن الربح في الفرض يقسم علي نسبة المال ويستحق العامل أجرة عمله.

********

((1) وسائل الشيعة ج: 13 باب: 14 من أبواب بيع الحيوان حديث: 4.

((2) وسائل الشيعة ج: 13 باب: 1 من أبواب كتاب الشركة حديث: 4.

ص: 234

(235)

هذا وفي المبسوط بعد الحكم بالصحة حينئذٍ أن الشركة حينئذٍ شركة قراض، وفي الإيضاح أنها شركة وقراض وفي الشرائع أنها بالقراض أشبه. وكأنه لأنها قد تفقد بعض شروط القراض عندهم.

وكيف كان فكلماتهم في المقام في غاية الاضطراب والإشكال، ولا يسعنا التعرض لها والتعقيب عليها، ولاسيما مع ظهور حال كثير منها بملاحظة ما سبق منا في أثناء هذا الشرح.

نعم تقدم أن مقتضي الشياع في الأصل ثبوته بنسبته في البدل، المستلزم للاشتراك في الربح والخسارة بالنسبة، فاشتراط خلاف ذلك راجع إلي مخالفة الشرط للحكم الشرعي المستفاد من إمضاء المعاملات الواقعة علي المال المشترك، فيبطل.

نعم لو رجع الشرط إلي استحقاق الشريك الزيادة في الربح بعد دخولها في ملك الشريك الآخر فلا محذور فيه، كما في المضاربة.

وعلي ذلك ذكر سيدنا المصنف (قدس سره) أن ظاهر اشتراط جعل الزيادة في الربح لأحدهما في غير مقام المعاوضة - لعدم العمل ممن يجعل له الزيادة - هو جعله له ابتداء علي خلاف مقتضي المعاملات الواقعة علي المال المشترك، فيتعين بطلانه.

وهذا بخلاف ما إذا جعلت له الزيادة في مقابل عمل يقوم به، لأن العمل المذكور حيث يكون في مصلحة الشريك فظاهر جعل العوض له جعله من ماله، وذلك يرجع إلي فرض دخول الزيادة في ملك الشريك - كما هو مقتضي المعاملة الواقعة علي المال - ثم خروجها من ملكه ودخولها في ملك العامل عوضاً عن عمله، ولا محذور في ذلك، كما سبق.

لكن هذا لو تم فالتفصيل بين الصورتين لا يرجع إلي التفصيل بينهما ثبوتاً، بل إلي التفصيل بينهما في مقام الإثبات، لدعوي ظهور الشروط مع عدم العمل في إرادة ملك المشروط له للزيادة من الربح ابتداء، ومع العمل في إرادة ملكه لها بعد

ص: 235

دخولها في ملك الشريك. فلو فرض في الصورة الأولي قصدهما ملك الشريك للزيادة بعد دخولها في ملك شريكه صح الشرط، ولو فرض في الثانية قصدهما ملكه لها ابتداء من دون أن تكون في مقابل العمل المفروض تعين بطلان الشرط، كما نبّه (قدس سره) لذلك.

هذا ومن الظاهر أن مجرد وجود العمل من المجعول له الزيادة لا يقتضي كون الزيادة في مقابله ما لم يلحظ ذلك حين الاشتراط بأن تجعل الزيادة عوضاً عن العمل نظير المضاربة.

كما أنه لا يفرق في ذلك بين اختصاص العمل بمن تجعل له الزيادة واشتراكهما فيه، بل حتي لو كان الآخر أكثر عملاً، فإن عمل أحد الشريكين بنسبة من الربح لا ينافي كون عمل الآخر مجانياً أو بأجرة المثل أو بأجرة معينة تؤخذ من مال الشركة أو تكون في ذمة الشريك.

ثم إن ما ذكره (قدس سره) من أنه مع عدم العمل يكون ظاهر الشرط دخول الزيادة من الربح في ملك المشروط ابتداءً لا بعد دخولها في ملك الشريك غير ظاهر المنشأ، بل ليس المستفاد من الشرط إلا حصول الزيادة للشريك من دون نظر لكيفية حصولها، وحيث كان ذلك ممكناً بدخولها في ملك الشريك أولاً ثم انتقالها منه للمشروط له تعين صحة الشرط.

وقد يؤيد ذلك ما في صحيح رفاعة: «سألت أبا الحسن (عليه السلام) عن رجل شارك في جارية له، وقال: إن ربحنا فيها فلك نصف الربح، وإن كانت وضيعة فليس عليك شيء. فقال: لا أري بهذا بأساً إذا طابت نفس صاحب الجارية»((1)). فإن حال الوضيعة حال الربح في التفصيل المتقدم، ومع ذلك أطلق الإمام (عليه السلام) صحة الشرط من دون تفصيل في قصدهما بالوجه المتقدم.

لكن في معتبر أبي الربيع الشامي عن أبي عبد الله (عليه السلام): «قال في رجل شارك رجلاً في جارية فقال: إن ربحت فلك، وإن وضعت فليس عليك شيء. قال: لا بأس

********

((1) وسائل الشيعة ج: 13 باب: 14 من أبواب بيع الحيوان حديث: 1.

ص: 236

وإلا لم يصح الشرط (1).

بذلك إذا كانت الجارية للقائل»((1)). وحيث كان التفصيل المذكور تعبدياً فلا طريق لإحراز تأييد المدعي بالنص. والعمدة ما سبق.

(1) مما سبق يظهر أن مراده (قدس سره) عدم صحته لدعوي ظهور الشرط في انتقال الزيادة في الربح للمشروط ابتداء، فلو فرض قصدهما له بعد دخولها في ملك الشريك صح الشرط.

أما الأصحاب فلا نظر لهم إلي ذلك، بل أطلق في الانتصار جواز شرط التفاضل في الربح والخسارة مع تساوي المالين، وأطلق العلامة في جملة من كتبه جواز اشتراط اختلاف نسبة الربح والوضيعة عن نسبة المالين، وحكاه عن والده وعن ظاهر ابن الجنيد، وتبعه في الإيضاح ومحكي غيره، وفي الانتصار أن ذلك من متفردات الإمامية، وعليه إجماعهم. كما قد يظهر من موضع من التذكرة دعوي الإجماع عليه أيضاً.

وقد استدل عليه في كلماتهم بعمومات الوفاء بالعقود والشروط. وهو يتجه إذا كان الشرط في عقد الشركة أو في عقد آخر غيرها.

وأما ما في جامع المقاصد من أنه أكل للمال بالباطل. فيظهر اندفاعه مما تكرر منّا من أنه لا يراد به أكل المال بلا عوض، بل أكله بالطرق الباطلة، مثل أكله في مقابل الحرام. فراجع المسألة الرابعة من مقدمة كتاب التجارة.

ومثله دعوي أن عقد الشركة جائز، فلا ينفذ الشرط فيه. لاندفاعها:

أولاً: بأن الشرط في ضمن العقد الجائز لازم ما لم يفسخ. بل حتي لو فسخ، إذ الفسخ إنما يقتضي عدم الاستمرار في الجري علي العقد، لا ارتفاع الآثار المترتبة قبل الفسخ. ولذا لا إشكال ظاهراً في أن فسخ عقد الوكالة لا يوجب خروج العوض الذي يشرطه الوكيل لنفسه بدلاً عن عمله في عقدها عن ملكه.

********

((1) وسائل الشيعة ج: 13 باب: 14 من أبواب بيع الحيوان حديث: 2.

ص: 237

وثانياً: بما سبق في أول الكلام في الشركة من أن عقد الشركة لازم في مضمونه، وهو التشريك بين المالين.

وأما إذا كان الشرط المذكور بعد حصول الشركة بأحد أسبابها بأن يبتني علي الإذن في العمل بشرط زيادة نسبة الربح أو الخسارة فلا يكون عقداً، لعدم ابتنائه علي الإلزام والالتزام، بل علي مجرد الإذن بالعمل مبنياً علي الشرط المذكور.

وأما ما يظهر من سيدنا المصنف (قدس سره) من كون الأمر المشروط في مقابل الإذن، فيكون عقداً. فهو ممنوع، بل الأمر المشروط يبتني عليه الإذن من دون مقابلة بينهما وتعاوض. بل المقام أشبه بالجعالة التي هي ليست عقداً، وإن كانت نافذة ببناء العقلاء، بمعني ترتب الأمر المشروط ولزومه بتحقق العمل. وقد تقدم في المسألة السادسة من كتاب الإجارة ما ينفع في المقام. كما تقدم في أول كتاب الجعالة تقريب عموم دليل نفوذ الشروط لها. فراجع.

نعم إذا كان التزام كل منهما بشيء علي نفسه مبنياً علي التزام الآخر بشيء كذلك كان عقداً، كما لو اتفقا علي إلزام أحدهما بالعمل في مقابل التزام الآخر له بالزيادة في الربح، أو علي إلزام أحدهما بزيادة في الخسارة عليه في مقابل التزام الآخر بزيادة في الربح له.

أما إذا لم يكن الالتزام بالزيادة في الربح أو الخسارة متفرعاً علي الإذن في العمل بالمال المشترك، ولا مأخوذاً في عقد الشركة أو غيره، فهو مجرد وعد لا يجب الوفاء به، لعدم صدق العقد ولا الشرط ولا الجعالة عليه.

كما إذا اتفق الشريكان في المال بعد تحقق الاشتراك فيه علي اختصاص أحدهما بالزيادة في الربح أو في الخسارة بلحاظ ارتفاع القيمة السوقية أو نزولها من دون أن يبتني عليه الإذن في العمل والاتجار بالمال.

ثم إنه مما تقدم يظهر أن دليل الصحة لو تم إنما ينهض بها فيما إذا كان الشرط المذكور غير مناف لمقتضي المعاملة الواقعة علي المال المشترك، بأن لم يقصد تحمل

ص: 238

(239)

(مسألة 5): لا يجوز لأحد الشريكين التصرف في العين المشتركة بدون إذن شريكه (1). وإذا أذن له في نوع من التصرف لم يجز التعدي إلي

المشروط له للخسارة الحاصلة بالمعاملة ودخول الربح الحاصل بها في ملكه ابتداء، بل بعد دخولها في ملك الشريك.

هذا ولو تم بطلان الشرط المذكور فلا إشكال ظاهراً في عدم بطلان الشركة به بمعني الاشتراك في المال. ولاسيما إذا كان الاشتراط حين الإذن في العمل بعد تحقق الاشتراك فيه.

كما أن الظاهر عدم بطلان الشركة بمعني الإذن في العمل، لعدم تقييد الإذن بصحة الشرط شرعاً، بل غاية الأمر ابتناء الإذن علي تخيل صحة الشرط المذكور، فهو كالداعي للإذن لا يقتضي ارتفاع الإذن بتخلفه، بحيث يكون التصرف فضولياً غير نافذ بنفسه، بل يتعين نفوذ التصرف واشتراكهما في الربح والخسارة بنسبة المالين.

وحينئذٍ إن كان الشرط المذكور في مقابل عمل للمشروط له، بحيث يكون عوضاً عنه، يتعين ضمان العمل بأجرة المثل، نظير ما لو بطلت المضاربة. وإن لم يكن الشرط في مقابل العمل، بحيث يكون عوضاً عنه يتعين عدم ضمان العمل، لابتنائه علي المجانية.

ومن ذلك يظهر ضعف ما سبق من الغنية وجامع الشرائع من إطلاق ضمان العمل بأجرة المثل. إلا أن يحمل ذلك منهما علي الصورة الأولي. فلاحظ. والله سبحانه وتعالي العالم.

(1) بلا إشكال ولا خلاف في ذلك ظاهراً، وبه طفحت عباراتهم. وذلك لمنافاة التصرف المذكور لسلطنة الشريك الآخر علي ماله. من دون فرق في ذلك بين الشركة العقدية وغيرها.

نعم له أن يتصرف في حصته المشاعة علي إشاعتها ببيع أو هبة أو غيرهما، عملاً

ص: 239

نوع آخر (1)، نعم إذا كان الاشتراك في أمر تابع مثل البئر (2) والطريق غير النافذ والدهليز ونحوها مما كان الانتفاع به مبنياً عرفاً علي عدم الاستئذان جاز التصرف وإن لم يأذن الشريك (3)، وإذا كان ترك التصرف موجباً لنقص العين - كما لو كانا مشتركين في طعام - فإذا لم يأذن الشريك رجع إلي

بمقتضي سلطنته علي ماله من دون منافاة لسلطنة شريكه، لعدم ملكه لها فيكون الآخر هو الشريك في العين بدلاً عن الشريك الأول، كما لو مات الشريك فصارت حصته لوارثه.

ولعله عليه يحمل قوله في المبسوط: «وإذا عقدا الشركة علي المالين وخلطاهما كان لكل منهما أن يتصرف في نصيبه، ولا يجوز أن يتصرف في نصيب شريكه حتي يأذن له فيه».

هذا كله إذا لم يؤخذ الاتجار بالمال والتصرف فيه شرطاً في عقد الشركة أو في عقد آخر، أما لو أخذ كذلك فالمتعين جواز التصرف بالنحو الذي يقتضيه العقد والشرط المذكورين بلا حاجة إلي إذن الشريك، عملاً بعمومات نفوذ العقد والشرط الموجبين لقصور سلطنة الشريك، كما لعله ظاهر. وتقدم التعرض له في أوائل المسألة الأولي. فراجع.

(1) لعين ما سبق، وبالتفصيل السابق.

(2) يعني: التي كان يتعارف إنشاؤها بين دارين أو نحوهما. أما البئر المستقلة التي يحفرانها للانتفاع بمائها بسقي زرع أو بيع أو نحوهما فهي كسائر المشتركات المتعارفة، وتجري عليها أحكامها.

(3) بلا إشكال ظاهر. وبه تقضي مرتكزات العقلاء والمتشرعة، وشيوع سيرتهم تبعاً لها في جميع العصور. نعم الظاهر أن ذلك ليس حكماً تعبدياً مخالفاً لقاعدة السلطنة، بل لابتناء إيقاع الاشتراك في الأمور المذكورة ارتكازاً علي ذلك، بنحو يرجع

ص: 240

الحاكم الشرعي ليأذن في أكله أو بيعه أو نحوهما ليسلمه من الضرر (1).

إلي نحو من الاتفاق العقدي، ولو كان معاطاتياً. فهما حينما يشرعان بحفر البئر أو بجعل الطريق بينهما من الأرض المملوكة لهما أو نحوهما يبتني عملهما علي ذلك، لكونه هو المتعارف المقصود لهما ارتكازاً. حيث يوجب الاتفاق المذكور قصور سلطنة أطراف الاشتراك عن المال بالنحو المنافي له، فلا يجب استئذانه، ولا يشرع منه المنع من العمل علي ذلك.

ولذا لو اتفقوا حين جعل الطريق أو حفر البئر أو نحو ذلك علي وجه آخر فلا إشكال ظاهراً في وجوب العمل عليه.

وذلك شاهد بما سبق منّا في أول المسألة الأولي من أن عقد الشركة إن ابتني علي التصرف في المال لزوم بالوجه الذي يتضمنه العقد. فلاحظ.

(1) فإن قاعدة سلطنة الإنسان علي ماله لو لم تقصر عما إذا لزم الإضرار به، لعدم بلوغه حد السرف، فلا أقل من قصورها عما إذا لزم الإضرار بمال غيره، وهو حصة الشريك في المقام. غاية الأمر أن ذلك لا يقتضي سلطنة الشريك علي تمام المال، بل يكون مورداً لولاية الحسبة المختصة بالحاكم الشرعي مع إمكان الرجوع إليه، ومع تعذره يتعين الاقتصار علي المتيقن بعده، وهو عدول المؤمنين، ومع تعذر الرجوع لهم يرجع لغيرهم من ذوي الإنصاف عرفاً، ثم يستقل الشريك بالتصرف.

نعم يلزم الاقتصار في جميع الصور علي أقرب وجوه التصرف لصلاح المال، اقتصاراً علي المتيقن في الخروج عن عموم حرمة التصرف الخارجي في ملك الغير، وأصالة عدم نفوذ التصرف الاعتباري فيه.

هذا ولو اختلفا في التصرف الذي يختار في المال المشترك، بنحو لا يمكن الجمع بين الوجهين، ويلزم تعطيل المال بسبب اختلافهما، تعين رفع الأمر للحاكم الشرعي، دفعاً للضرر بالملاك المتقدم.

ص: 241

وكذا إذا كانا شريكين في دار فتعاسرا أو امتنع أحدهما من الإذن في جميع التصرفات بحيث أدي ذلك إلي الضرر (1) فيرجع إلي الحاكم الشرعي (2) ليأذن في التصرف الأصلح حسب نظره (3). (مسألة 6): إذا طلب أحد الشريكين القسمة فإن لزم الضرر منها لنقصان في العين أو القيمة (4)

أما لو ابتنت الشركة علي اختيار التصرف الأصلح، واختلفا في تعيين الأصلح رجع ذلك للتداعي بينهما في استحقاق التصرف الذي يختاره كل منهما. والمرجع فيه الحاكم الشرعي بلا إشكال.

(1) لا يبعد العموم لما إذا كان الامتناع من التصرف موجباً لتعطيل المال وعدم الانتفاع بالوجه المعد له، فإن تفويت النفع بالوجه المذكور ضرر عرفاً، وإن لم يكن ضرراً حقيقة، بل فوت نفع لا غير. فلاحظ.

(2) لعين ما سبق من كون المورد من صغريات ولاية الحسبة المختصة به مع إمكان الرجوع إليه، ولغيره مع تعذره علي التفصيل المتقدم.

هذا كله إذا لم يؤخذ في عقد الشركة تعيين من له التصرف منهما أو من غيرهما، أو من يكون محكماً عند الاختلاف بينهما، وإلا كان العمل علي مقتضي عقد الشركة المذكور، كما يظهر مما سبق في أوائل المسألة الأولي.

(3) لأن ذلك هو المتيقن من مورد ولاية الحسبة. نعم اذا اتفقا معاً علي عدم الرضا به انتقل الي ما دونه مما هو الأصلح من غيره، جمعاً بين مقتضي ولاية الحسبة الثابتة له وولايتهما علي مالهما بعد فرض اتفاقهما علي عدم الرضا بما هو الأصلح بنظره.

(4) لم يتضح المراد بنقصان من العين من دون نقص في القيمة، فإن القسمة لا تقتضي النقص الخارجي في العين، وإلا لم تكن قسمة، غاية الأمر أن تقتضي نقص القيمة، بأن يكون مجموع قيمة كل من القسمين دون قيمة الكل قبل القسمة.

ص: 242

(243)

بما لا يتسامح فيه عادة لم تجب إجابته (1) وإلا وجبت الإجابة (2)

اللهم إلا أن يريد بذلك ما إذا لم يصلح كل من القسمين للانتفاع المطلوب من العين قبل القسمة، كالدار الصغيرة تقسم فلا يصلح كل من قسميها للسكن وإن أمكن الانتفاع به في غير السكن، كجعله محلاً تجارياً.

لكن ذلك غالباً يوجب نقص القيمة. مع أن في ما نعيته من الإجبار علي القسمة إذا لم يوجب نقص القيمة إشكالاً. فتأمل جيداً.

(1) بلا إشكال ولا خلاف ظاهر. ويكفي فيه خروجه عن المتيقن مما يأتي من دليل إجبار الممتنع من القسمة، فيكون المرجع قاعدة السلطنة في حق الشريك، الممتنع. ومعه لا حاجة للاستدلال عليه بقاعدة نفي الضرر، والنهي عن السرف والتبذير، كما في الجواهر. مضافاً الي الإشكال في الثاني بأن تحمل الضرر المالي لبعض الدواعي العقلائية - ومنها تجنب مشاكل الشركة في المقام - لا يصدق عليه الإسراف ولا التبذير.

ولذا حكم (قدس سره) بمشروعية القسمة لو رضيا بها، بل لعله المشهور. خلافاً للشرايع، حيث يظهر منه عدم مشروعية القسمة حتي مع التراضي. وفي المسالك أنه غير معروف. وكيف كان فهو خلاف قاعدة السلطنة علي المال في حق كل من الشريكين، كما لعله ظاهر.

هذا والمصرح في كلام غير واحد أن الضرر المانع من وجوب الإجابة هو الضرر في حق المطلوب منه القسمة. أما الضرر في حق الطالب لها فلا يكون مانعاً إذا رضي بتحمله تجنباً لمشكلة الشركة. وهو في محله، ويناسبه المرتكزات العقلائية والمتشرعية التي يأتي الكلام فيها. فلاحظ.

(2) كما ذكره جمهور الأصحاب بنحو يظهر من بعضهم إرساله إرسال المسلمات. قال في الجواهر عند الكلام في إجبار الممتنع عنها: «بلا خلاف أجده فيه،

ص: 243

ويجبر عليها لو امتنع (1)، نعم إذا اشترط أحد الشريكين في عقد لازم عدم

بل الظاهر الاتفاق عليه. ولعله العمدة بعد قاعدة وجوب إيصال الحق الي مستحقه مع عدم الضرر والضرار».

وفيه: أن الامتناع عن القسمة ليس حبساً للحق عن مستحقه، بعد كون المال المشترك تحت يدهما معاً، بل إلزام الشريك بالقسمة مناف لقاعدة السلطنة في حقه.

وأما عدم الضرر والضرار فإن أريد به تقييد حرمة حبس الحق، بأن يجوز حبس الحق إذا لزم الضرر والضرار - كما لعله ظاهر كلامه - أشكل بأن قاعدة نفي الضرر لما كانت امتنانية أشكل نهوضها بجواز حبس الحق عن صاحبه، لمنافاتها للامتنان في حقه. وإن أريد به الاستدلال علي حرمة الامتناع عن القسمة أشكل بأنه يختص بما إذا كان بقاء الشركة مضراً بالمال.

فالعمدة في المقام: أن المطالبة بالقسمة فيما إذا لم تضر بالمال من الحقوق العرفية، كما أشار لذلك في الجملة بعض مشايخنا قد سره في كتاب القضاء. وحينئذٍ يجب الجري عليها ما لم يثبت ردع الشارع عنها، وهو غير ثابت، بل ظهور الاتفاق علي ذلك والمفروغية عنه ينهض دليلاً علي الإمضاء، لشيوع الابتلاء بالمسألة في جميع العصور في مثل المواريث والوصايا والديات وغيرها، فيمتنع عادة خطأ جمهور الأصحاب في ذلك. بل من القريب أن يكون منشأ مفروغيتهم عن ذلك هو البناء العرفي المشار إليه، لعدم ظهور دليل تعبدي ينهض به فلاحظ.

(1) بلا إشكال ظاهر، وقد سبق أنه معقد الإجماع المتقدم من الجواهر. والوجه فيه: أنه بعد ثبوت الحق في المطالبة بالقسمة يكون الامتناع منها تعدياً يسقط حرمة الممتنع، ويوجب قصور سلطنته. فيكون المورد من موارد ولاية الحسبة الثابتة للحاكم الشرعي مع إمكان الرجوع إليه، ثم لغيره من المراتب علي النحو المتقدم.

ص: 244

(245)

القسمة إلي أجل بعينه لم تجب الإجابة حينئذ إلي أن ينتهي الأجل (1).

(1) عملاً بعمومات نفوذ العقد والشرط. من دون فرق بين أخذه في عقد الشركة وأخذه في عقد آخر. وما يظهر من غير واحد من عدم نفوذ الشرط المذكور في عقد الشركة أو مطلقاً في غير محله، كما يظهر مما تقدم في أوائل الكلام في المسألة الأولي. بل لا يبعد الاكتفاء بابتناء الشركة عادة علي الاستمرار مدة معينة وإن لم يبلغ حد الشرط، لخروج ذلك عن المتيقن من ثبوت حق القسمة عرفاً الذي تقدم الاستدلال به علي وجوب الإجابة إليها. فتأمل جيداً.

هذا وقد ذكروا أنه لو ظهر بعد القسمة أن سهم بعض الشركاء معيب كان له فسخ القسمة. وهو متجه، لأن القسمة معاملة خاصة تبتني ضمناً علي عدم العيب فيجري فيها ما يجري في سائر المعاملات إذا ظهر الحال علي خلاف ما ابتنت عليه.

نعم لو أقدموا علي القسمة مع احتمال العيب، أو أسقطوا بعد القسمة الخيار المذكور، فلا خيار.

بقي شيء. وهو أنه إذا لزم من القسمة الضرر أو لم تكن العين المشتركة قابلة للقسمة فلا إشكال في أن لكل من الشركاء بيع حصته المشاعة علي الباقين وعلي الأجنبي، لعموم سلطنته علي ماله. غايته أن للشركاء مع البيع علي الأجنبي الشفعة بشروطها.

أما لو لم يتيسر له ذلك، لعدم تيسر من يرضي بشراء المشاع فظاهر الأصحاب عدم الإجبار علي البيع، بل يظهر من بعض كلماتهم فيما لو توقفت القسمة علي الرد المفروغية عنه.

لكن ذكر بعض مشايخنا (قدس سره) في منهاجه وفي كتاب القضاء من تكملته أن له طلب بيع العين بتمامها وتقسيم الثمن. لدعوي: قيام سيرة العقلاء علي ذلك.

وما ذكره قريب جداً بالنظر لشيوع الابتلاء بذلك في الميراث ونحوه، ولولا

ص: 245

(مسألة 7): يكفي في تحقق القسمة تعديل السهام (1)

ذلك لاضطربت الأمور، ولتعذر تنفيذ وصية الميت من العين رأساً، واقتصر علي تنفيذها من قيمة المنفعة تدريجاً. بل تعذر إخراج الثلث من العين، واقتصر علي إنفاق منفعة الثلث في الجهات التي أرادها الميت.

ودعوي: أن مقتضي ما تضمن أن الميراث بعد الوصية هو وجوب البيع من أجل تنفيذ الوصية، بنحو يلزم به الورثة، ثم قسمة الميراث بعد ذلك، من دون أن يتوقف علي ثبوت حق الشريك في طلب البيع.

مدفوعة: بأن المراد بتقديم الوصية علي الميراث تقديمها علي لحاظ سهام الورثة، لا أولويتها منه، كما في الدين، ولذا يلحقها النقص الطارئ علي التركة، ولا يلحق الدين. وحينئذٍ يكون حق الميت كبقية حقوق الورثة سهماً مشاعاً في التركة، ولا يلزم فرزه فيما لا يقبل القسمة إلا بناء علي وجوب البيع. ومن هنا كان ما ذكره (قدس سره) قريباً جداً. وإن كان الأمر محتاجاً لمزيد من التأمل.

(1) ذكروا أن العين المشتركة.. تارة: تكون متساوية الأجزاء في القيمة، كالحبوب والأدهان، والنقود، والثياب التي تكون من جنس واحد بقيمة واحدة بعدد قابل للقسمة علي سهام الشركة، والدور كذلك.

وأخري: تكون مختلفة الأجزاء في القيمة - كالثياب المختلفة الجنس أو الصفة والدور كذلك - مع إمكان تعديل السهام فيها بملاحظتها، كما لو اشترك شخصان بالسوية في خمس ثياب قيمة اثنين منها عشرة دراهم وقيمة الثلاثة الأخري عشرة دراهم أيضاً.

وثالثة: تكون مختلفة الأجزاء في القيمة مع تعذر تعديل السهام فيها بملاحظتها، كما لو كانت قيمة الثياب في الفرض السابق متساوية، حيث لا تمكن القسمة إلا بالرد، بأن يأخذ كل منهما ثوبين ويبقي الخامس يأخذه أحدهما ويدفع لشريكه نصف قيمته.

ص: 246

(247)

ثم القرعة (1).

أما الأولان فلا إشكال في إمكان تعديل السهام وفي الإلزام بالقسمة فيهما عندهم. وقد سبق الوجه فيه. وأما الأخير فتعديل السهام بالرد ثم الإلزام بالقسمة فيه يبتني علي ما سبق الكلام فيه من الإلزام بالبيع عند تعذر قسمة العين، لأن رد الفرق بجنس آخر إن لم يكن بيعاً فهو من سنخه.

(1) ظاهرهم المفروغية عن توقف إلزام الشركاء بمقتضي القسمة علي القرعة. وقد يستدل لهم - مضافاً إلي ذلك - بأمور.. الأول: عدم انتقال الحق من المشاع إلي العين بدونها.

الثاني: عموم أن القرعة لكل أمر مشكل، ومنه المقام، لأن لكل من الأطراف الامتناع من الرضا بما يجعل له، ولا حل لذلك إلا القرعة.

الثالث: ظهور جملة من النصوص في ابتناء قسمة الفيء علي القرعة، كمعتبر جميل بن دراج عن أبي عبد الله (عليه السلام): «قال: إنما تضرب [تصرف] السهام علي ما حوي العسكر»(((1)))، وما تضمن إقراع أمير المؤمنين (عليه السلام) في قسمة الفيء بين أصحاب الأسباع(((2))).

ويندفع الأول بأن الأصل إنما يتجه مع اتفاقهم علي القسمة أو فرضها عليهم شرعاً وتشاحهم في المقسوم، ولا مجال له في المقام، حيث فرض فيه طلب القسمة من بعضهم، فإن إلزام باقي الشركاء بالقسمة تبعاً لطلب بعضهم مخالف للأصل، والمتيقن مما سبق هو إلزامهم بالقسمة في الجملة، أما إلزامهم بما تقتضيه القرعة فهو المحتاج للدليل، إذ يكفي في استجابتهم لطلب القسمة رضاهم بأخذ طالبها ما يختارونه له من دون إجحاف مالي به.

********

((1) وسائل الشيعة ج: 11 باب: 41 من أبواب جهاد العدو وما يناسبه حديث: 6.

((2) وسائل الشيعة ج: 11 باب: 41 من أبواب جهاد العدو وما يناسبه حديث: 14.

ص: 247

وفي الاكتفاء بمجرد التراضي وجه (1)،

ومنه يظهر الحال في الثاني، حيث لا إشكال في المقام بعد كون مقتضي الأصل عدم الاستجابة لطلب القسمة بالنحو الذي تلزم به القرعة. علي أنه تقدم في المسألة التاسعة والثلاثين من مقدمة كتاب التجارة عدم ثبوت العموم المذكور.

يندفع الثالث بأن النصوص واردة في قسمة المال العام علي أصحابه، وهي مفروضة عليهم جميعاً، لأن كلاً منهم يريد الاستقلال بحقه، أو لأن الإمام (عليه السلام) يريد إيصال حق كل واحد له، وعدم بقاء ما لهم عنده. علي أن معتبر جميل قد روي في الوسائل عن التهذيب بنسختين كما سبق: «تضرب» و «تصرف»، والموجود في التهذيب الثانية لا غير، وهي أجنبية عما نحن فيه.

كما أن ما تضمن إقراع أمير المؤمنين (عليه السلام) بين أصحاب الأسباع - مع غض النظر عن سنده - يختص بالأسباع، دون حق الشركاء في كل سبع. بل لا إشكال في عدم إقراع أصحاب الأسباع في توزيع السبع بين مستحقيه، لتعسره تعسراً يلحق بالتعذر عرفاً. ومن ثم لا يبعد كون ذلك منه (عليه السلام) لمزيد التورع التفضلي من دون أن يكون لازماً عليه، لعموم ولايته.

فلم يبق في المقام إلا الإجماع. والتعويل عليه - لو تم - لا يخلو عن إشكال، لقرب اعتمادهم أو اعتماد بعضهم علي النصوص التي سبق الإشكال في الاستدلال بها. فتأمل جيداً. والله سبحانه وتعالي العالم.

(1) وقد صرح بالاكتفاء به في المبسوط واللمعتين والحدائق وحكاه عن الأردبيلي، وقد يظهر من الشرايع، وذلك لعموم سلطنة الناس علي أموالهم بعد عدم ما يقتضي التقييد بالقرعة، فإن العموم المذكور كما يقتضي السلطنة علي نقل الحق من التعيين للإشاعة بالشركة العقدية يقتضي السلطنة علي نقله من الإشاعة للتعيين بالقسمة.

ص: 248

(249)

لكن الاحوط استحباباً خلافه (1).

(مسألة 8): تصح قسمة الوقف مع الملك الطلق (2) ولا تصح قسمة

بل الظاهر قيام السيرة علي ذلك في المثليات المتفقة في الصفات، حيث لا مصلحة في خصوصياتها الفردية نوعاً، ويناسبه بعض النصوص(((1))).

كما لا يظن بأحد الرجوع للقرعة وعدم الاكتفاء بالتراضي فيما لو عدلت السهام فيما تختلف خصوصياته الفردية من المثليات والقيميات، وكان ما يناسب رغبة كل من الشريكين منها غير ما يناسب الآخر، فرضي كل منهم بما يناسبه، كما لو اشتركا في ثياب وفراش، ورغب أحدهما في الثياب والآخر في الفراش، أو اشترك شخصان في قطعة أرض بين داريهما وأراد كل واحد منهما إلحاق حصته منها بداره. ومن ثم لا ينبغي الإشكال في كفاية التراضي بالقسمة.

(1) كأنه لما في الجواهر عن ظاهر كثير أو الجميع من لزوم القرعة. ولعله لذكرهم لها في كيفية القسمة. لكن من القريب حمله علي صورة الحاجة إليها، لعدم التراضي بينهم بدونها ويناسب ذلك ما سبق من غير واحد من عدم الحاجة إليها مع التراضي مع أنهم ذكروها في كيفية القسمة، كغيرهم.

هذا ويأتي من سيدنا المصنف (قدس سره) في المسألة السادسة من كتاب الدين عدم صحة قسمة الدين. ولعل الله سبحانه وتعالي يوفق للاستدلال علي ذلك هناك.

(2) كما ذكره غير واحد. ويظهر من بعض كلماتهم المفروغية عنه. والوجه فيه ما سبق في قسمة الملك. نعم صرح غير واحد بعدم جوازه فيما إذا استلزم الرد علي الوقف. لأنه نظير بيع الوقف، وهو غير جائز. أما إذا استلزم الرد علي الملك فحيث لا يكون الرد من الوقف بعينه بل من متبرع فلابد من عدم صيرورة ما يقابل

********

((1) وسائل الشيعة ج: 13 باب: 11 من أبواب كتاب الصلح حديث: 1، وباب: 13 منها حديث: 1، وج: 18 باب: 21 من أبواب كيفية الحكم وأحكام الدعوي حديث: 5.

ص: 249

(250)

* الوقف في نفسه إذا كانت منافية لشرط الواقف (1) وإلا صحت (2).

(مسألة 9): الشريك المأذون لا يضمن ما في يده من المال المشترك إلا بالتعدي أو التفريط (3).

المردود وقفاً بمجرد الرد، بل يبقي الراد مشاركاً للوقف، إلا أن يلحق حصته بالوقف ويجعلها وقفا علي نهج الوقف السابق. فلاحظ.

(1) كما إذا وقف علي أولاده وقف ترتيب، فأرادت الطبقة الأولي قسمة الوقف، حيث يلزم من قسمته انتقال حصة أحد الفريقين بانقراضه لذريته وإن لم ينقرض الفريق الآخر، وهو مناف لشرط الواقف.

(2) كما إذا وقف النصف المشاع من العين علي زيد وذريته، والنصف الآخر منها علي عمر وذريته. حيث لا تكون قسمة العين بين الفريقين منافية لشرط الواقف، بل ينفرد كل فريق بما يكون له بعد القسمة، كما كان ينفرد بحصته المشاعة قبلها.

وقد صرح بجواز القسمة حينئذٍ غير واحد. والوجه فيه ما سبق في وجه أصل القسمة. نعم لا مجال لقسمة الرد هنا، لما سبق من امتناع الرد علي الوقف.

كما أنه لابد في نفوذ قسمة الوقف مطلقاً من كون المتولي لها هو ولي الوقف الذي ينفذ تصرفه علي جميع البطون. ولا يكفي تولي المنصوب من قبل البطن الطالب لها الذي هو وكيل عنهم لا غير، لعدم نفوذ تصرفه علي بقية البطون. وقد أطال في الجواهر في نقل كلماتهم في المقام مما يرجع للتفصيل في أقسام الوقف، وانتهي في التعقيب عليها إلي ما ذكرنا. فراجع.

(3) كما صرح بذلك جمهور الأصحاب، ونفي في الجواهر الخلاف والإشكال فيه. ويظهر الوجه فيه مما تقدم في المسألة الثانية والثلاثين من كتاب الإجارة، حيث ذكرنا أن الأمين الذي لا يضمن لا يختص بالمستأمن المحض، وهو الودعي، بل يعم كل مأذون في الاستيلاء علي المال. وقد تقدم هناك ما ينفع في المقام فراجع. كما إنه

ص: 250

(251)

(مسألة 10): تكره مشاركة الذمي (1).

يترتب علي كونه أميناً قبول قوله في جميع شؤون ما يكون تحت يده من التلف أو الخسارة والربح وغير ذلك، كما لعله ظاهر.

(1) كما ذكره غير واحد وإن أطلق بعضهم الكافر. وفي المبسوط: «والخلاف دعوي الإجماع عليه إلا من الحسن البصري» ونسبه إلي علمائنا في التذكرة. ويشهد به صحيح ابن رئاب: «قال أبو عبد الله (عليه السلام): لا ينبغي للرجل المسلم أن يشارك الذمي، ولا يبضعه بضاعة، ولا يودعه وديعة، ولا يصافيه المودة»(((1))). وقد رواه في قرب الإسناد لكن فيه: «لا ينبغي للرجل المؤمن منكم». وهو إن لم يكن في نفسه ظاهراً في الكراهة، أو مجملاً بحيث تكون هي المتيقن منه، فلا أقل من لزوم حمله عليها بضميمة ظهور مفروغية الأصحاب عن الجواز. ولاسيما مع صراحة بعض النصوص في جواز مزارعته(((2))) التي هي نحو من الشركة.

نعم في موثق السكوني عنه (عليه السلام): «أن أمير المؤمنين (عليه السلام) كره مشاركة اليهودي والنصراني والمجوسي، إلا أن تكون تجارة حاضرة لا يغيب عنها المسلم»(((3))). ويناسبه ما رواه العامة عن عطاء. قال: «نهي رسول الله (ص) عن مشاركة اليهودي والنصراني، إلا أن يكون الشراء والبيع بيد المسلم»(((4))). ولذا حكي عن الحسن البصري والثوري وأحمد بن حنبل أنه لا بأس بمشاركة اليهودي والنصراني، إلا أنهما لا يخلوان بالمال، ويكون الشراء والبيع بيد المسلم.

لكن من القريب الجمع بين الصحيح والموثق بأن الكراهة في المقام بملاكين: بملاك المخالطة والموادة، وهي مطلقة، كما تضمنه الصحيح، وبملاك الاحتياط

********

((1) وسائل الشيعة ج: 13 باب: 2 من أبواب كتاب الشركة حديث: 1.

((2) راجع وسائل الشيعة ج: 13 باب: 2 من أبواب كتاب المزارعة.

((3) وسائل الشيعة ج: 13 باب: 2 من أبواب كتاب الشركة حديث: 2.

((4) المغني والشرح الكبير ج: 5 ص: 110.

ص: 251

(252) (252)

للتحفظ علي حال المال وعدم التعامل بوجه محرم، وهي مقيدة، كما تضمنه الموثق.

ثم إن الصحيح وإن تضمن الذمي والموثق قد تضمن اليهودي والنصراني والمجوسي، إلا أنه يتعين التعميم لمطلق الكافر بالأولوية العرفية ولعله لذا أطلق بعضهم كما سبق. فلاحظ.

بقي شيء، وهو أن سيدنا المصنف (قدس سره) قد اختصر كتاب الشركة فأهمل كثيراً من فروعها مما ذكره الأصحاب رضوان الله تعالي عليهم وغيره مما استجد الابتلاء به. وقد تقدم منّا التعرض لبعضها في تعقيب كلامه (قدس سره).

ويحسن بنا التعرض لبعض ما يشيع الابتلاء به مما لم يتقدم، مع عدم إغفال ما سبق التنبيه عليه من أن الشركة بلحاظ العمل بالمال والتكسب به يبتني.. تارة: علي مجرد الإذن، فتكون جائزة وأخري: علي الإلزام العقدي، فتكون لازمة.

الأول: إذا اشتري بعض الشركاء من مال الشركة كان الشراء بالإضافة الي حصته صورياً، لعدم صحة البيع مع وحدة المالك، بل هو يرجع إلي إبدالها له من الشركة بما له من غيرها، ليكون البدل مالاً للشركة بدلاً عما خرج منها. ويجري ذلك في حصته من الربح في هذه المعاملة، فإنها ليست ربحاً في الحقيقة مع فرض لغوية البيع في حصته.

وحينئذٍ لو كان في الشركة من يعمل بحصة من الربح فقد يشكل استحقاقه حصة من هذا الربح بعد عدم كونه ربحاً حقيقة. إلا أن يكون المراد من الربح الذي يجعل للعامل حصته منه ما يعم مثل هذا الربح الصوري، كما هو الظاهر، فيصح، لعموم نفوذ الشرط، بناء علي ما سبق في أوائل مبحث الشركة من قبولها للشروط المتضمنة للمال، كزيادة ربح أحد الشريكين.

الثاني: إذا اقترض الشريك من مال الشركة بإذن بقية الشركاء لم يصح الاقتراض في حصته، لامتناع اقتراض الإنسان من ماله. فإذا أرجع المقدار الذي استدانه دخلت حصته منه في الشركة مجدداً، نظير ما إذا زاد الشركاء في مال الشركة. وحينئذ إن كانت

ص: 252

(253) (253)

الشركة لازمة كان ملزماً بإرجاعه، لابتناء رضاهم بالاقتراض في فرض لزوم الشركة علي لزوم إرجاع ما يقترض من مالها. وإن كانت جائزة لم يكن ملزماً بإرجاعه، بل ليس عليه إلا إرجاع حصة الشركاء لهم.

غاية الأمر أن بقاء نسبة سهمه من الشركة - التي يتبعها بقاء نسبة من الربح والخسارة - يتوقف علي إرجاع ما اقترضه، لابتناء الشركة علي ذلك.

الثالث: إذا كان نظام الشركة اللازمة يسمح ببيع سهامها، فباع أحد الشركاء سهمه، جاز شراء السهم منه. وحينئذٍ يجري علي المشتري نظام الشركة ويلزم به، كما كان البايع يلزم به. ويترتب الأثر الشرعي لملكه للسهم، فيكون مورد للخمس لو زاد عن المؤنة. ولو كان في جملة مملوكات الشركة من ينعتق علي المشتري فإنه ينعتق بتمامه ويضمن حصة الشركاء أو يستسعي العبد فيما زاد علي سهم المشتري، كما لعله ظاهر. كما أنه إذا كانت بعض مكاسب الشركة محرمة لم يجز شراء ما يقابل تلك المكاسب من السهم، ولا يملك المشتري نسبة من أرباحها. ولا ينفذ نظام الشركة المتعلق بالجهة المحرمة.

الرابع: لا إشكال في أن الدين يقع مورداً للشركة القهرية، كما لو مات شخص عن دين له علي غيره فاشترك فيه ورثته. كما أشرنا في ذيل المسألة الأولي إلي إمكان وقوعه موضوعاً للشركة العقدية، فإذا أراد جماعة تأسيس شركة بمبلغ معين، فكما يجوز لكل منهم أن يعين ما يقابل أسهمه في الشركة من النقود الموجودة عنده، فيدفعها للشركة، له أن يعينه في الدين الذي له في ذمة الغير من أفراد أو مؤسسات أهلية، فيدفع للشركة صكاً مقابل الدين المذكور، ليسجل في حساب الشركة.

وحينئذٍ إن قبضت الشركة الدين فذاك، وإن لم تقبضه، فإن كان لقصور في الدين حين دفعه للشركة، لعجز المدين عن دفعه، أو امتناعه منه، أو تعذر الوصول إليه وأخذه منه، كان لأطراف الشركة فسخ الشركة فيه، لأنه نحو من العيب الموجب للخيار. وإلا كان من جملة الخسائر الواردة علي الشركة التي يتحملها جميع أطرافها،

ص: 253

(254) (254)

كما لو تيسر لإدارة الشركة قبضه، لكنها تأخرت عن ذلك حتي تعذر استيفاؤه بوجه غير متوقع، بحيث لا تكون مفرطة عرفاً. أما إذا كانت مفرطة في عدم قبضه كان علي الإدارة ضمانه لجميع الشركاء.

الخامس: من الظاهر أنه إذا اشتري بعض الشركاء لنفسه فليس له أن يدفع من مال الشركة إلا مع إذن الشركاء أو من يقوم مقامهم الراجع للإذن في الاقتراض من مال الشركة أو للتبرع له من بعض مالها. وإلا كان خائناً.

وحينئذٍ إن اشتري بعين المال لم ينفذ البيع. فإن كان قد نوي اقتراض المال قبل الشراء به أمكن تصحيح البيع بها بإجازة الشركاء للاقتراض، وإن لم ينو اقتراضه، فإن نوي غصبه أمكنه تصحيح البيع، لكنه يقع لهم فيملكون المبيع بدلاً عن الثمن، كما ذكروه في مسألة بيع الغاصب من مباحث بيع الفضولي. وإن لم ينو غصبه، بل نوي الشراء لنفسه بمال غيره، فإمكان تصحيح البيع بالإجازة يبتني علي ما هو الظاهر من إمكان خروج العوض من ملك من لم يدخل المعوض في ملكه.

لكن مع الإجازة منهم لا يكون مديناً لهم بشيء. لرجوعها الي دفعهم الثمن عنه. إلا أن تكون الإجازة في مقابل دفعه بدل الثمن لهم.

أما إذا كان الشراء في الذمة فلا إشكال في صحة الشراء، لسلطنته علي نفسه، وليس الفضولي إلا الوفاء بمال الشركة.

السادس: إذا كان لشخص عروض قيمته عشرون ديناراً مثلاً ولآخر عروض قيمته ثلاثون ديناراً مثلاً واشتبه أحد العروضين بالآخر، بحيث لا يتميز الأغلي منها من الأرخص، فإن خير أحدهما الآخر فاختار فلا إشكال، لرجوعه للصلح بينهما علي تعيين ما يملكه كل منهما. ولو بتبديله بالآخر.

وإلا فإن كان غرض كل منهما الحفاظ علي مقدار مالية ماله أمكن ذلك ببيعهما معاً ثم يقسم ثمنهما عليهما علي النسبة، حفاظاً علي مالية مال كل منهما.

ص: 254

(255)

وقد تضمن ذلك كله حديث إسحاق بن عمار: «قال أبو عبد الله (عليه السلام) في الرجل يبضعه الرجل ثلاثين درهماً في ثوب، وآخر عشرين درهماً في ثوب، فبعث الثوبين ولم يعرف هذا ثوبه، ولا هذا ثوبه. قال: يباع الثوبان فيعطي صاحب الثلاثين ثلاثة أخماس الثمن، والآخر خمسي الثمن. قلت: فإن صاحب العشرين قال لصاحب الثلاثين: اختر أيهما شئت. قال: أنصفه»((1)).

وإن كان غرضهما أو غرض أحدهما الحفاظ علي خصوصية العين فالمرجع الصلح بينهما ولو برضاهما بالقرعة. ولا مجال لإلزامهما بها، بناء علي ما تكرر منا من عدم ثبوت عموم يقتضي الرجوع للقرعة مع الاشتباه.

وكذا يتعين الصلح لو كان الاشتباه في المالكين مع تمييز العينين، كما لو عرف في الفرض السابق العروض الذي قيمته عشرون والعروض الذي قيمته ثلاثون، وتردد المالك لكل منهما بين الشخصين.

السابع: كما تقع الشركة في الأموال الخارجية والذمية - علي ما سبق - تقع في الحقوق، كحق الخيار وحق الشفعة بناء علي أنه يورث. إلا أن الحقوق المذكورة بسيطة غير قابلة للقسمة عرفاً. ومن ثم لا مجال لإعمال كل منهم سلطنته فيما يرجع إليه من الحق حتي بنحو الإشاعة، بل يتعين عدم نفوذ تصرفهم في الحق إلا باجتماعهم واتفاقهم. وقد تقدم في الفصل الخامس في أحكام الخيار من كتاب البيع ما ينفع في المقام. فراجع.

نعم يمكن تعدد الحق تبعاً لتعدد الأشخاص، فيستقل كل منهم بإعماله، كما في حق القصاص وهو خارج عن محل الكلام من الشركة في الحق. والله سبحانه وتعالي العالم العاصم. والحمد لله رب العالمين.

انتهي الكلام في كتاب الشركة ليلة الثلاثاء الثاني والعشرين من شهر جمادي

********

((1) وسائل الشيعة ج: 13 باب: 11 كتاب الصلح حديث: 1.

ص: 255

الأولي سنة ألف وأربعمائة واثنتين وثلاثين للهجرة بقلم العبد الفقير محمد سعيد الطباطبائي الحكيم عفي عنه. حامداً مصلياً مسلماً.

ص: 256

(257)

كتاب المضاربة

ص: 257

ص: 258

الحمد لله رب العالمين. والصلاة والسلام علي سيدنا محمد وآله الطاهرين، ولعنة الله علي أعدائهم أجمعين إلي يوم الدين.

ص: 259

ص: 260

(261)

كتاب المضاربة

وهي أن يدفع الإنسان إلي غيره مالاً ليتجر فيه (1) علي أن يكون له حصة من الربح (2)

(1) مع بقاء المال في ملك الدافع، بحيث يكون الاتجار له، والآخذ للمال عاملاً عنده. أما إذا كان الاتجار للعامل، إلا أنه يستفيد من المال في تجارته لنفسه، فهو راجع في الحقيقة لإقراض المال للمدفوع له، ويتعين حينئذٍ كون تمام الربح للعامل. وإذا ابتني دفع المال حينئذٍ علي اشتراكهما في الربح كان قرضاً ربوياً محرماً. وربما يختلط ذلك علي عوام الناس بالمضاربة مع أنه ليس منها.

(2) يعني مشاعة. أما إذا كان مقداراً معيناً من الربح فليس هو مضاربة، لعدم مناسبته لمفهومها عرفاً ولا شرعاً. بل الظاهر عدم صحة المعاملة، لعدم إحراز تحقق العوض، وقد تقدم عند الكلام في اشتراط القدرة علي التسليم في البيع لزوم إحراز سلامة شيء من العوض.

نعم مع العلم بتحقق الربح فالظاهر صحة المعاملة لعموم نفوذ العقد ويأتي عند الكلام في شروط المضاربة ما ينفع في المقام.

هذا وأما إذا كان أجره شيئاً معيناً من غير الربح مع كون تمام الربح للمالك فهو بضاعة. كما صرح به غير واحد.

لكن في المراسم: «والمضاربة أن يسافر رجل بمال رجل فله أجرة مثله». وهو

ص: 261

ولا تصح إلا بالأثمان من الذهب والفضة (1)،

غريب لعدم كون ذلك معني المضاربة شرعاً ولا عرفاً.

إلا أن يريد بذلك بطلان عقد المضاربة وعدم ترتب الأثر عليه، ومن أجل ذلك تلزم أجرة المثل، كما في المقنعة والكافي. بل في النهاية أيضاً، لكنه قال بعد ذلك: «وقد روي أنه يكون للمضارب من الربح بمقدار ما وقع الشرط عليه من نصفه أو ربع أو أقل أو أكثر». إلا أنه رجع فصرح بعدم لزوم الشرط، وأن العمل عليه باختيار المالك.

وكيف كان فهو غريب منهم، لمخالفته للنصوص الكثيرة الظاهرة أو الصريحة في لزوم الشرط، وظهور عمل الأصحاب عليها بنحو يظهر في مفروغيتهم عن صحة العقد كبقية المسلمين. ولذا قيل بمخالفتهم في ذلك لإجماع المسلمين. وإن كان الأهم من ذلك هو مخالفتهم للنصوص المعول عليها عند الأصحاب.

والغريب عدم الإشارة للخلاف المذكور في المبسوط ولا في التهذيب الذي هو في الأصل شرح للمقنعة، بل ظاهرهما المفروغية عن مشروعية عقد المضاربة، بل استدل عليه في الأول بالكتاب والإجماع.

(1) وهي الدنانير والدراهم المسكوكة، كما صرح به جمهور الأصحاب، وظاهر التذكرة الإجماع عليه، وهو صريح جامع المقاصد والمسالك والروضة ومحكي المفاتيح وفي مفتاح الكرامة: «لا ريب في صحة ما في التذكرة، لأنه محصل معلوم». وفي الجواهر: «بلا خلاف أجده في شيء منه، بل الإجماع بقسميه عليه». وفي المسالك أنه العمدة، وقريب منه في الروضة والجواهر.

لكن لم أعثر عاجلاً علي من ذكر الشرط المذكور قبل الشيخ (قدس سره) في المبسوط والخلاف ولم يتعرض له في المقنعة والنهاية والكافي والمراسم، بل أطلقوا الحكم علي عنوان المضاربة. كما أنه تردد في الشرايع في جواز القراض بالنقرة، واستشكل في المنع

ص: 262

منه في الإرشاد، وعن ظاهر ولده في شرحه. بل يظهر من غاية المراد التردد في أصل الشرط، لأنه ذكر استدلالهم للمنع بالوجه الاجتهادي الثاني الآتي، وحاول الجواب عنه.

علي أن الإجماع المذكور - لو تم - لا ينهض بالحجية، لما تكرر منا من عدم حجية الإجماع الحاصل في عهد تدوين الفتاوي في المسائل الخالية عن النصوص والتي هي ليست مورداً لسيرة متصلة بعصور المعصومين صلوات الله عليهم، لقرب استنادها لبعض الوجوه الاجتهادية، كما يناسبه في المقام الاستدلال في الخلاف والغنية وجواهر القاضي بأن جواز المضاربة بالدراهم والدنانير مجمع عليه، وغيره مختلف فيه.

وهو راجع للاستدلال بأصالة عدم نفوذ المعاملة إلا في المتيقن لمخالفتها للأصل، بعد البناء علي قصر عموم نفوذ العقود علي العقود المعروفة في عصر التشريع، أو علي تخصيصه بعموم مانعية الغرر بلحاظ الجهل في المقام بمقدار العمل ومقدار الربح المقابل له، فيقتصر في الخروج عنه علي المتيقن.

ومثله الاستدلال باختلاف قيمة العروض، فإذا أريد تمييز الربح ربما ارتفعت قيمته فيستغرق رأس المال الربح لو حصل، وربما نقصت قيمته فيكون بعض رأس المال ربحاً. الي غير ذلك من الوجوه الاجتهادية التي يظهر حالها مما يأتي. وبالجملة: لا مجال لإحراز كون الإجماع تعبدياً كاشفاً عن رأي المعصوم.

ولعله لذا لم يظهر الاستدلال به قبل المسالك، بل ولا دعواه قبل التذكرة مع شيوع الاستدلال به في فروع الفقه من القدماء، خصوصاً الخلاف والغنية. ومن هنا لا مجال للخروج بالإجماع المدعي عن عموم نفوذ العقود.

هذا وقد يستشكل في التمسك بالعموم المذكور بوجوه..

الأول: أن العموم المذكور يقصر عن العقود الجائزة، ومنها عقد المضاربة، لأن جواز فسخها ينافي عموم وجوب تنفيذها والجري عليها.

ص: 263

وفيه: أن المضمون العقدي في المضاربة - وهو لزوم العمل علي العامل في مقابل الحصة من الربح ما دامت المضاربة قائمة - لازم لا يجوز التراجع عنه، وإنما يجوز التراجع عن الاستمرار في المضاربة، وهو أمر لم يؤخذ في العقد، فلا يكون التراجع منافياً للزوم العقد.

نعم لو أخذ الاستمرار شرطاً فيه لزم الجري عليه، كما يأتي في المسألة الأولي إن شاء الله تعالي. وقد تقدم منّا في أوائل فصل الخيار من كتاب البيع ما ينفع في المقام.

الثاني: ما يظهر من غير واحد وتقدم التعرض له من خروج هذا العقد عن القاعدة لابتنائه علي الغرر. ويظهر اندفاعه مما تكرر منا من عدم ثبوت عموم مانعية الغرر في البيع فضلاً عن غيره من العقود.

الثالث: قصور العموم المذكور عما يتضمن تمليك أمر معدوم، وهو في المقام الحصة من الربح، كما ذكره بعض مشايخنا (قدس سره) هنا وفي المزارعة والمساقاة. وقد تقدم في أوائل الكلام في المزارعة الجواب عن ذلك.

الرابع: أن مقتضي المعاوضات المتعاقبة في المضاربة كون الربح للمالك، لأنه إما أن يكون جزءاً من الثمن والذي هو عوض البيع المملوك للمالك ومقتضي المعاوضة دخول العوض في ملك مالك المعوض أو يكون بسبب ارتفاع قيمة العروض المملوك للمالك. فيبقي بتمامه للمالك.

وفيه: أن مقتضي الجمع بين مفاد المعاوضة ومفاد عقد المضاربة هو انتقال الحصة من الربح للعامل في رتبة متأخرة عن دخولها في ملك المالك. كما أن ملكية العامل لحصته في العروض عند ارتفاع سعره أمر ممكن عقلاً، فيتعين البناء عليه تبعاً لعموم نفوذ العقد. وكذلك الحال في صيرورة الربح الذي يثبت للعامة حصة فيه وقاية لرأس المال بحيث يتدارك به الخسارة في المعاملات المتأخرة عن حصول الربح.

الخامس: ما أشرنا إليه آنفاً من حمل عموم نفوذ العقود علي العقود المتعارفة في عصر التشريع، والمتيقن من المضاربة في العصر المذكور هو المضاربة بالنقدين. ويندفع

ص: 264

(265) (265)

بما تكرر منّا من منع قصر العموم المذكور علي ذلك.

ومن هنا يتعين البناء علي شمول عموم نفوذ العقود لمثل هذه المعاملات، فيتعين العمل عليه في المقام بعد عدم المخرج عنه.

نعم لابد من الاتفاق بينهما علي تعيين رأس المال الذي يكون ما زاد عليه ربحاً يستحق العامل حصة فيه. وما نقص عنه خسارة يتحملها المالك وهو في النقود الرائجة في عصورنا ظاهر.

وأما في غيرها من العروض فما كان منها مثلياً يمكن الاتفاق بينهما.. تارة: علي أن رأس المال هو مقداره المدفوع في المضاربة، ويكون هو المعيار في الربح والخسارة، كعشرين مثقالاً من الذهب ومائتي مثقال من الفضة أو ألف رطل من الحنطة مثلاً.

وأخري: علي أن رأس المال هو قيمته من النقد حين دفعه في المضاربة، كما احتمله في غاية المراد، وإن وجهه بما لا يخلو عن ضعف، ولا يسعنا التعرض له. ولو لم يسهل تحديد قيمته دقة أمكن التصالح بينهما علي تحديدها.

بقي في المقام أمور:

الأول: أن بعض مشايخنا (قدس سره) مع ما سبق منه من قصور عموم نفوذ العقود عن عقد المضاربة صرح بجواز المضاربة بالعروض. وكأنه لما تضمنته النصوص من فرض المضاربة بالمال الصادق علي العروض.

وفيه: أنه لو تم عموم المال للعروض، إلا أنه لا إطلاق للنصوص المذكورة في المقام، لعدم ورودها لبيان أصل مشروعية المضاربة، بل وردت في مقام البيان من جهات أخر، كحكم المضاربة بمال اليتيم، وحكم ضمان العامل، وحكم موت العامل قبل إرجاع مال المضاربة... إلي غير ذلك مما يمنع من انعقاد ظهور لها في إطلاق مشروعية المضاربة بالمال. فلاحظ.

الثاني: أنه صرح غير واحد بعدم صحة المضاربة بالدين، وهو معقد الإجماع

ص: 265

(266)

المتقدم من المسالك والجواهر، وظاهر معقده المتقدم من الروضة.

وقد استدل له بعض مشايخنا (قدس سره) بأن النصوص قد تضمنت إعطاء المال، وهو لا يصدق في الدين.

وفيه.. أولاً: أن جملة من النصوص لم تتضمن ذلك، بل تضمنت المضاربة بالمال، ونصوص الإعطاء لم ترد مورد الحصر. وثانياً: أن المراد من الإعطاء ليس هو الإعطاء الخارجي، بل مجرد التمكين من المال، ولذا يشمل ما إذا كان المال وديعة عند العامل أو عند غيره فأذن له في أخذه منه. فالعمدة في المقام موثق السكوني عن أبي عبد الله (عليه السلام): «قال: قال أمير المؤمنين (عليه السلام) في رجل له علي رجل مال، فيتقاضاه ولا يكون عنده. فيقول: هو عندك مضاربة. قال: لا يصلح حتي تقبضه منه»((1)).

ولعل عدم تعرض من سبق له واعتمادهم علي الإجماع لضعف حديث السكوني عندهم، أو لعدم ظهور «لا يصلح» عندهم في المنع.

لكن تقدم غير مرة اعتبار حديث السكوني. كما أن قوله: «لا يصلح» إن لم يكن ظاهراً في المنع مطلقاً، فلا أقل في ظهوره في المعاملات، بحيث يظهر عدم صحتها وعدم ترتب الأثر عليها.

نعم يختص الموثق بالدين الذي يكون علي العامل، فتعميم المنع للدين علي غيره يتوقف علي إلغاء خصوصية مورده وفهم العموم منه عرفاً. وهو لا يخلو عن إشكال، حيث قد يكون منشأ المنع شبه الربح الحاصل للمالك بالمضاربة مع المدين بفائدة الدين الربوية، خصوصاً إذا كان جعله مضاربة هو مأخوذاً شرطاً في مقابل تأخير أدائه. وذلك لا يجري في الدين الذي يكون علي غير العامل اذا أريد بالمضاربة به استيفاء العامل له وعمله به.

الثالث: أن التعامل علي المنفعة يكون علي وجهين.. أحدهما: أن تلحظ ماليتها

********

((1) وسائل الشيعة ج: 13 باب: 5 من أبواب كتاب المضاربة حديث: 1.

ص: 266

ليعمل العامل ببدلها ويتجر به، كما لو دفع الدار صاحبها أو مستأجرها للعامل ليؤجرها مدة معينة ويتجر بأجرتها. وحينئذٍ يجري عليها ما سبق في المضاربة بغير النقدين.

اللهم الا أن يستشكل في صدق المضاربة بذلك، لأن المتيقن من المضاربة عرفاً ما يبتني علي الاتجار بالمال وذلك يكون بالبيع والشراء، ويشكل صدقه في المنفعة التي من شأنها أن يتعامل عليها بنحو الإجارة. والاتجار بعد ذلك بالأجرة لا يكفي بعد كون الموضوع هو المنفعة نفسها.

إلا أن يرجع العقد الي إيقاع المضاربة بالأجرة معلقاً علي ملك المضارب لها، أو الي التوكيل في إيقاع المضاربة بالأجرة الحاصلة بعد الإجارة. وكلاهما يخرج عن محل الكلام. مع الإشكال في الأول من جهة التعليق.

نعم لو تم عدم صدق المضاربة أمكن تصحيح العقد علي أنه معاملة خاصة وإن لم تكن مضاربة، عملاً بعموم نفوذ العقد.

ثانيهما: أن تلحظ المنفعة بنفسها وسيلة للربح وكسب المال من دون لحاظ ماليتها وإبدالها والاتجار ببدلها.

كما إذا اتفق صاحب المال مع صاحب المحل التجاري علي أن يتجر فيه ويكون الربح بينهما، أو اتفقا مع ثالث علي أن يتجر بالمال في المحل ويكون الربح بينهم، أو اتفق صاحب السيارة أو الشبكة مع السائق أو الصياد علي أن يعمل بالعين ويكون الحاصل بينهما. ولا إشكال في خروج المعاملة عن المضاربة عرفاً. لكن الظاهر صحتها، لعمومات نفوذ العقد، نظير ما تقدم في الوجه الأول.

ص: 267

(268)

فلا تصح بالأوراق النقدية ولا بالفلوس ولا النيكل ولا بغيرها من المسكوكات المعدودة من الأثمان كما لا تصح أيضاً بالعروض. فإذا أريد المعاملة علي الفلوس أو النيكل أو العروض أو نحوها قصدا المعاملة بنحو الجعالة، فتجري عليها أحكام الجعالة لا المضاربة (1).

(1) يظهر مما ذكره (قدس سره) في مستمسكه أن الوجه في ذلك عدم إحراز صدق المضاربة عرفاً بغير النقدين. وحمل الإجماع علي اشتراط النقدين في المضاربة علي اشتراطهما في صدق المضاربة علي المعاملة، لا في صحتها مطلقاً ولو بعنوان آخر. وقد ذكر نظير ذلك في المضاربة في الدين والمنفعة.

لكن الظاهر صدق المضاربة عرفاً، وأن المعيار فيها عندهم علي الاتجار بالمال في مقابل حصة من ربحه، خصوصاً ما يتمحض في المالية من دون اهتمام بخصوصيته نوعاً، وهو النقود.

وهو الظاهر من موثق السكوني المتقدم، لأنه تضمن إبقاء الدائن دينه ليكون مضاربة، ولم ينكر الإمام (عليه السلام) صدق المضاربة علي ذلك، بل أنكر صحة المعاملة.

كما أن النظر في كلمات الأصحاب شاهد بعدم سوقهم الشرط المذكور لتحديد مفهوم المضاربة، بل لتحديد ما يصح منها في مقابل بعض العامة. ولذا رتبوا علي ذلك ثبوت أجرة المثل للعامل.

ولاسيما أنه لم يتضح وجود فرق مهم في الآثار بين المضاربة والجعالة ليهتم الأصحاب بتحديد موضوعه، بل لا أثر في كلماتهم لشيء من ذلك.

نعم الفرق المهم بينهما أن المضاربة عقد يقتضي إلزام العامل بالعمل في مقابل الحصة من الربح، أما الجعالة فهي بطبعها إيقاع يتضمن الوعد بالجعل علي العمل من دون إلزام بالعمل.

لكن لا يظن منه (قدس سره) إرادة ذلك، ولذا فرضها معاملة بنحو الجعالة، والمعاملة

ص: 268

(269) (269)

تبتني علي الإلزام من الطرفين، فهي في المقام عقد يبتني علي الإلزام بالعمل في مقابل الجعل، كما هو متقضي تمسكه في المقام بعموم نفوذ العقد، ولذا ذكرنا عدم فرق مهم بينها وبين المضاربة وعدم نظر الأصحاب لتشخيص المفهوم، بل المنظور لهم شروط صحة المعاملة وترتب الأثر عليها.

وعلي ذلك إن بني علي التعويل علي الإجماع تعين البناء علي البطلان، وإن بني علي عدم التعويل عليه - كما سبق - تعين البناء علي صحة المعاملة مضاربة وترتب أثرها.

هذا وقد أهمل سيدنا المصنف (قدس سره) التعرض لبعض الشروط أو ما قيل بشرطيته، إما لوضوحه اختصاراً، أو لعدم بنائه علي شرطيته. ويحسن بنا التعرض لتمام ما قيل بشرطيته استيفاء للكلام في المقام.

الأول: كمال المتعاقدين وعدم الحجر عليهما للصبا أو الجنون أو الرق أو عدم الرشد حتي في العامل، بناء علي ما سبق منا في المسألة الثانية من كتاب الإجارة ويأتي تفصيل الكلام فيه في كتاب الحجر من عموم الحجر علي غير الرشيد حتي لنفسه، وعدم اختصاصه بماله.

وكذا لابد من عدم الحجر علي صاحب المال المفلس، لابتناء المضاربة علي التصرف في المال. وهو محجور عليه فيه. ولا يعتبر ذلك في العامل، لأن مضاربته ليست تصرفاً في ماله، بل في نفسه، ولا حجر عليه فيها.

كما أن الظاهر أن الحجر لأحد الأسباب المذكورة لا يقتضي سقوط عبارته عن الاعتبار مع تحقق القصد منه، بحيث تلغو، بل يترتب الأثر عليها مع توكيل من له التصرف أو وليه أو وكيله أو إذنهم، خلافاً لما ذهب إليه بعضهم من عدم الاعتبار بعبارة الصبي وإنشائه مطلقاً، أو في خصوص ماله، كما يظهر مما سبق منا عند الكلام في شروط المتعاقدين من كتاب البيع.

الثاني: تعيين المال في مقابل الترديد، فلو دفع إليه كيسين فقال: قارضتك

ص: 269

بأحدهما لم يصح، كما صرح به في الشرايع والقواعد وغيرهما.

ويقتضيه ما تكرر منا من أن المردد لا وجود له، فلا يكون طرفاً في مضامين العقود التي هي نحو نسبة اعتبارية. إلا أن يرجع إنشاء القراض بما يختاره العامل معلقاً علي اختياره له. فيبطل للتعليق، المانع عندهم من صحة المعاملة. أو إلي توكيل العامل في إيقاع عقد المضاربة منجزاً علي ما يختاره منها، بأن يكون هو المتولي لطرفي العقد. ولا محذور فيه. لكنه خارج عن مفروض كلامهم.

هذا وقد ذكر بعض مشايخنا (قدس سره) أنه يمكن إيقاع المضاربة علي عنوان أحدهما كما يمكن تعلق العلم بعنوان أحدهما، فكل منهما بخصوصيته وإن لم يكن موضوعاً للمضاربة، إلا أن العنوان المذكور هو الموضوع لها. فيكون اختيار التطبيق علي أحدهما بعينه موكولاً للمالك أو العامل حسبما يتفقان عليه.

لكن هذا راجع إلي كون موضوع المضاربة هو الكلي في المعين، ويكون دفع الفرد وفاء بها، لا لكونه الموضوع لها، وليس الموضوع هو الفرد المردد، نظير ما تقدم في الإجارة. ولو تم أمكن تعلقه بالكلي في الذمة، كألف دينار، كما تقدم هناك.

ولا يبعد تماميته، لأن المضاربة لما كانت تقتضي استحقاق العمل علي العامل أمكن تعلقها بالكلي، وليست هي صفة تختص عرفاً بالفرد الخارجي، كالزواج والطلاق والوقف.

نعم صحته تتوقف علي عموم يقتضي الصحة، كما تقدم منا شمول عمومات الوفاء بالعقود للمضاربة.

لكن تقدم منه (قدس سره) المنع من ذلك. وأما نصوص المضاربة فليس فيها إطلاق ينهض بعموم الصحة، لورود إطلاقاتها لبيان أحكام أخر، كما تقدم.

بل سبق منه (قدس سره) الاستدلال لامتناع المضاربة بالدين بتضمن نصوص المضاربة عنوان الإعطاء، وهو يقصر عن الدين، ومن الظاهر أن الإعطاء كما يقصر

ص: 270

(271)

عن الدين يقصر عن المردد وعن الكلي.

نعم تقدم منّا المنع من الاستدلال المذكور في الخروج عن عموم نفوذ العقد.

الثالث: العلم بقدر المال، كما في المهذب والشرايع والنافع والتذكرة، والإرشاد، وغيرها، ولعله ظاهر اعتبار العلم بمال المضاربة في الغنية والسرائر، كما يستفاد من كل من لم يكتف بالمشاهدة، كالشيخ في الخلاف وجماعة كثيرة، وفي مجمع البرهان وعن الكفاية أنه المشهور، وفي الرياض أنه الأشهر، وعليه عامة من تأخر.

لكن صرح في المبسوط بصحة المضاربة مع جهالة المال، ويكون القول قول العامل حين المفاصلة، أو الرجوع للبينة إن تيسرت، وقريب منه في الجامع، وفي المختلف أنه أجود، وفي مجمع البرهان أنه غير بعيد. كما استشكل في القواعد في بطلان المضاربة بالجزاف مع المشاهدة. وظاهر كلامهم أن محل الكلام ما يمكن معرفة مقداره بعد العقدولو بقول العامل.

وكيف كان فيظهر من بعضهم الاستدلال علي اعتبار العلم بالمقدار حين العقد بلزوم الغرر مع الجهل.

ويندفع.. أولاً: بما تكرر منّا من عدم ثبوت عموم مانعية الغرر من البيع فضلاً عن غيره.

وثانياً: بأن الغرر إنما يلزم من الجهل بالعوضين في المعاوضات بلحاظ الإقدام فيها علي بذل المال بإزاء ما لا يعلم مقدار ماليته بسبب الجهل بمقداره، فيلزم الإقدام علي الخطر المالي. وذلك قد يلزم في المقام مع الجهل بمقدار حصة العامل من الربح، لأنها هي العوض عن العمل، أما مع العلم بها والجهل بمقدار رأس المال فلا يلزم شيء من ذلك، لانحفاظ حصة العامل من الربح المقابلة لجهده مهما كان قدر رأس المال. واختلاف مقدار الربح تعباً لاختلاف مقدار رأس المال ليس محذوراً، لابتناء المضاربة علي ذلك. بل قد تكون خسارة العامل أكثر مع كثرة رأس المال، لزيادة جهده مع قلة الربح أو فقده.

ص: 271

(272)

ولعله لذا قال في الجواهر: «والتحقيق - إن لم يكن إجماع - عدم قدح الجهالة التي تؤول الي علم، نحو أن يقع العقد علي ما في الكيس مثلاً ثم يعدانه بعد ذلك... أما الجهالة التي لا تؤول الي علم فالظاهر عدم جوازها. لعدم إمكان تحقق الربح معها، وهو روح هذه المعاملة».

لكن ما ذكره أخيراً في وجه الجزم بالبطلان فيما لا يؤول الي العلم لا يرجع الي محصل، لظهور أن روح المضاربة أصل الربح لا تحققه والعلم به وبقدره والجهل المذكور إنما يمنع من الثاني، وهو ليس محذوراً، كما لو نسيا مقدار رأس المال بعد العلم به حين العقد، حيث يتعين الرجوع معه للقواعد المقررة في اشتباه الحقوق.

والظاهر أن مقتضي الأصل البناء علي الأقل في الربح الذي يختص بالعامل، لأن الربح جزء من الثمن إن كان بسبب الاتجار، ومتحد مع العين المملوكة إن كان بسبب ارتفاع السعر، ومقتضي الأصل في كليهما العدم وكون تمام الثمن لمالك المثمن وتمام العين في ملك المالك الأول، ودخول بعضهما في ملك العامل حادث مخالف للأصل.

نعم لابد في البناء علي عدم مانعية الجهل بقسميه في المضاربة من ثبوت عموم أو إطلاق يقتضي الصحة. وقد سبق عدم نهوض نصوص المضاربة بذلك.

وأما عمومات نفوذ العقود فقد سبق الكلام في شمولها لمثل المضاربة، وأن المختار شمولها لذلك، فتنفع في المقام.

وهي وإن كانت تثبت صحة العقد في المقام من دون أن تحرز كونه مضاربة، إلا أن الظاهر صدق المضاربة عليه عرفاً، لتقومها بالاتجار بمال الغير بإزاء حصة من الربح، واعتبار العلم بمقدار العوضين لو كان شرطاً فيها فهو شرط في صحتها، من دون أن يكون مأخوذاً في مفهومها. ولعله لذا يأتي من سيدنا المصنف (قدس سره) في المسألة الثالثة عدم اشتراط العلم بقدر المال. فلاحظ.

الرابع: أن لا يكون رأس المال بيد المالك، كما في القواعد والتحرير، وإن

ص: 272

(273)

اختلفا في اشتراط اشتراكهما في وضع اليد عليه من دون أن يستقل به المالك، فأجازه في الأول، وتنظر فيه في الثاني. ومنع من الشرط المذكور في التذكرة، وقرب جواز اشتراط كون المال في يد المالك، فضلاً عن اشتراكهما في وضع اليد عليه. قال في مفتاح الكرامة: «وقد خلت عنه كتب الأصحاب قاطبة من المقنع والمقنعة الي الرياض، بل ظاهراً أكثرها عدمه، حيث يذكرون سائر الشرائط ويتركونه».

هذا وقد تكرر منا عدم الإطلاق في نصوص المضاربة، وحينئذٍ يبتني نفي الشرط المذكور علي ما سبق أيضاً من شمول عمومات نفوذ العقد لمثل المضاربة. وهي وإن لم تنهض بإثبات كون العقد مضاربة، إلا أن الظاهر صدقها عليه عرفاً، ولا مجال لما يظهر من سيدنا المصنف (قدس سره) من التوقف في ذلك.

الخامس: أن لا يخرج الربح عنهما، فإن شرط شيء منه لأجنبي، فإن كان له عمل صح، وإلا بطل قولاً واحداً كما في المبسوط، وعليه جري في المهذب والشرايع والقواعد والتذكرة والإرشاد والتحرير وغيرها.

والذي ينبغي أن يقال: الأجنبي إذا لم يكن طرفاً في العقد فاستحقاقه ما يجعل له ابتداء مناف لسلطنته علي نفسه. مضافاً الي أن مبني العقد علي جعل الحقوق بين أطرافه بعضهم علي بعض دون غيرهم ممن هو أجنبي عن العقد. ولذا سبق منا في مباحث الخيار من كتاب البيع أنه لا يجوز اشتراط الخيار لأجنبي علي أن يكون هو الذي يملك حق الخيار.

غاية الأمر أن يكون إعمال الخيار المشترط لأحد الطرفين مشروطاً بنظر الأجنبي من دون أن يستحق بنفسه الخيار، بحيث له إسقاطه والمصالحة عليه ونحو ذلك مما هو من لوازم استحقاقه.

ونظيره في المقام أن يشترط لأحد الطرفين حصة من الربح يدفعها لثالث مجاناً أو في مقابل عمل يقوم به. ولا يملكها الا برضاه بعد ذلك. ولا ينبغي الإشكال في جوازه، لرجوعه الي زيادة حصة المشروط له منهما، من دون أن ينافي انحصار الربح

ص: 273

(274)

بهما. كما أنه لو كان الشرط لكل منهما علي الآخر كان المقدار المشروط من حصتهما معاً غايته أن التعامل بين المشروط له والأجنبي لابد أن يكون مشروعاً في نفسه، وهو أمر آخر غير مشروعية نفس الشرط بين الطرفين.

وأما إذا كان طرفاً في العقد فإن كان في مقابل عمل يقوم به من سنخ التجارة - كالمشاركة في بيع البضاعة أو في شرائها أو الانفراد بأحد الأمرين وانفراد الآخر بالثاني، بحيث يرجع الي تعدد العامل - فالظاهر معه صدق المضاربة علي العقد وصحته عملاً بعمومات نفوذ العقد.

وإن كان في مقابل عمل يقوم به ليس من سنخ الاتجار - كالدعاية للبضاعة، وحراستها فيشكل معه صدق المضاربة علي العقد لقرب ابتناء المضاربة عرفاً علي الاتجار - فلا يتمحض العقد المذكور في المضاربة. وحينئذٍ تبتني صحته علي نهوض عمومات نفوذ العقد بإثبات صحة مثل هذه العقود المستحدثة، ويكون فيها أحد العوضين - وهو الربح في المقام - غير متحقق الحصول ومجهول المقدار.

وكذا الحال لو كان جعل الحصة له من الربح من دون عمل يقوم به، بل تبرعاً من طرفي العقد أو من أحدهما له. فلاحظ.

السادس: كون الربح مشتركاً بينهما فلو اختص به أحدهما لم يقع مضاربة قطعاً، لما سبق من تقومها عرفاً بالاتجار بمال الغير بحصة من الربح.

والظاهر عدم الخلاف بينهم في ذلك. بل يظهر من بعض كلماتهم المفروغية عن عدم صحة المعاملة في نفسها ما لم ترجع الي إحدي المعاملات المعهودة، ولو بقرينة تحتف بالكلام، كالبضاعة المبنية علي الاتجار بمال الغير مجاناً، أو بعوض معين، غير الحصة من الربح، والقرض المتمحض في تمليك المال للعامل مضموناً عليه، فيختص الربح علي تقدير الاتجار به بالعامل. لأنه جزء ملكه أو عوضه.

لكنه غير ظاهر. بل يمكن صحة المعاملة في نفسها لو تعلق الغرض لهما بحاق مضمونها، وابتنت علي الالتزام من كل منهما للآخر بشيء. بحيث يصدق به العقد.

ص: 274

(275)

كما لو كان العامل لا يحسن الاتجار أو لا يعرف به بين الناس ولم يكن له مال يتجر به، ولا يتيسر له من يضاربه بماله، فأراد أن يحصل علي أحد الأمرين بالاتفاق مع صاحب المال علي أن يمكنه من الاتجار بماله مدة معينة مع كون تمام الربح لصاحب المال. وربما تكون حينئذٍ بضاعة مجانية لازمة، وإن لم يبعد بناؤهم علي عدم مشروعية ذلك، لعدم لزوم البضاعة المذكورة.

وكما لو كان لصاحب المال محل تجاري لا يتيسر له إدارته بنفسه ولا بغيره مضاربة أو بضاعة، ولا يري في هجر المحل المذكور صلاحاً، فيتفق مع العامل علي أن يدفع له مالاً يتجر به في المحل المذكور مدة معينة - مع بقاء المال في ملكه غير مضمون علي العامل - في مقابل تمام ربح المال، فيكون الربح بتمامه للعامل عوضاً عن إشغاله المحل المذكور في المدة المذكورة. ولا مانع من صحة العقد بالوجهين، عملاً بعمومات نفوذ العقد، بناء علي ما سبق منا من شمولها لأمثال هذه العقود.

ولو فرض عدم ابتنائهما علي الالتزام العقدي من الطرفين، بل علي مجرد الإذن في العمل بالمال بأحد الوجهين كانت الصورة الأولي بضاعة مجانية غير لازمة، والثانية جعالة، ولا إشكال في الأمرين. وللأصحاب رضوان الله تعالي عليهم كلام طويل في تحديد مفاد خصوصيات الألفاظ وصيغ العقد لا يسعنا متابعتهم فيه.

السابع: أن يكون الاشتراك بنحو الإشاعة، لا بنحو آخر، كما صرح بذلك الأصحاب بنحو يظهر منهم الاتفاق عليه، وفي الجواهر: «فلو كان لأحدهما شيء معين منه والباقي للآخر بطل إجماعاً».

ولا ينبغي الإشكال في أن مقتضي المضاربة عرفاً هو الإشاعة، كما يظهر بسبر النصوص أيضاً. فلو شرط شيئاً معيناً من الربح لأحدهما والباقي للآخر لم يقع مضاربة.

بل ظاهرهم أو صريحهم عدم صحة العقد المذكور. وهو المتعين بناء علي قصور عمومات الوفاء بالعقد عن مثل هذه العقود المبنية علي عدم وجود أحد العوضين

ص: 275

حين العقد وعدم العلم بوجوده وقدره في وقته.

أما بناء علي عدم قصورها عنه - كما سبق - فينحصر الدليل عليه بالإجماع. وقد تكرر منّا الإشكال في نهوضه بالاستدلال. وأما النصوص فلم نعثر فيها علي ما ينهض بالمنع من صحة العقد، وغاية ما تدل عليه هو أخذ الإشاعة في مفهوم المضاربة، كما سبق.

نعم قد يستدل علي البطلان فيما إذا عبرا بالمضاربة واشترطا ذلك بمنافاة الشرط المذكور لمقتضي العقد.

لكنه يندفع بأن مبطلية الشرط المنافي لمقتضي العقد إنما هي لامتناع جعل المتنافيين، وهو إنما يلزم في المقام إذا قصد المتعاقدان المتنافيين، حيث يلزم من إمضاء ما قصدا جعل الشارع للمتنافيين، وهو ممتنع.

ومن البعيد جداً تحقق ذلك منهما، بل الظاهر أن إطلاقهما المضاربة يبتني علي الخطأ منهما في مفهومها وتخيلهما أنها عبارة عن العمل بشيء من الربح وإن لم يكن حصة مشاعة، أو علي التوسع في إطلاقها، واستعمالها في المعني المذكور مجازاً بقرينة اشتراطهما ذلك.

وأشكل من ذلك ما ذكره في الشرايع والتذكرة والقواعد وغيرها من البطلان لو شرط لأحدهما شيء معين والباقي بينهما علي نحو الإشاعة. إذ قد علل في كلامهم بأنه قد لا يزيد الربح علي الأمر المعين، فلا تحصل بينهما الشركة. وهو كما تري، إذ لو غض النظر عن عدم اطراده فلا إطلاق لدليل اعتبار الشركة في المضاربة، بنحو يقتضي البطلان في المقام، والمتيقن اعتبارها في الجملة، وهي حاصلة في الفرض.

نعم تكرر منّا عدم الإطلاق في نصوص المضاربة بنحو يقتضي عموم صحتها في تمام أفرادها، فضلاً عما يشك في صدقها عليه، كما في المقام.

فالعمدة عمومات الوفاء بالعقود التي وقع الكلام في نهوضها بالاستدلال في

ص: 276

(277) (277) (277)

أمثال المقام، وسبق منا نهوضها به.

الثامن: تعيين الحصة في مقابل الإبهام، كما لو ضاربه علي أن له شيئاً من الربح أو حصة منه. إذ بعد العلم بعدم إرادة المسمي مهما قل بل لا حد للمسمي عرفاً ولا دقة فلابد من إرادة المبهم. وقد تكرر منا عدم قابلية المبهم للجعل والاستحقاق.

إلا أن يرجع الي اشتراط ما يعينه المالك بعد ذلك، الراجع الي اشتراط التعيين واستحقاقه فعلاً، ثم استحقاق ما عين بعد تعيينه، فيخرج عن وضع المضاربة، لعدم فعلية الاستحقاق في مقابل العمل المفروض.

وفي صحته حينئذٍ لعمومات نفوذ العقود إشكال، حيث لا يبعد بناء العرف علي عدم صحة مثل ذلك. فتأمل جيداً.

التاسع: العلم حين العقد بالحصة، ولا يكفي تعينها واقعاً، كما لو ضاربه علي ما ضارب به زيد أمواله مع جهلهما به فعلاً، أو علي ما ضاربه عليه به في العام الماضي مع نسيانهما له فعلاً. كما في المبسوط والمهذب والقواعد والتذكرة وجامع المقاصد.

ويظهر من المبسوط حمله علي الإجازة وقياسه عليها. ولم يتضح وجهه حتي لو تم ذلك في الإجارة، لابتناء المضاربة علي الجهالة بما لا تبتني عليه الإجارة، كالجهالة بمقدار الربح المستلزم للجهالة بمقدار الحصة حتي مع تعيينها.

وأما عدم الوثوق باستعلام الحال فهو - مع عدم اطراده - ليس محذوراً، كما لو نسيا مقدار الحصة بعد العقد. فلم يبق إلا قصور عمومات النفوذ لعموم مانعية الغرر، أو غير ذلك مما تقدم منّا المنع منه.

العاشر: أن لا يكون رأس المال بمقدار يعجز العامل عن الاتجار به، وإلا بطل، كما في الجواهر والعروة الوثقي، وعليه جري جملة من محشيها وشراحها. قال في الجواهر: «لعل المتجه في مفروض المسألة الفساد، من دون فرق بين حالي العلم والجهل، وذلك لمعلومية اعتبار قدرة العامل علي العمل في الصحة، نحو ما ذكروه في

ص: 277

الإجارة، ضرورة لغوية التعاقد مع العاجز عن العمل الذي هو روح هذه المعاملة».

وأما ما ذكره بعض السادة المعاصرين (قدس سره) في حاشيته علي العروة الوثقي من الفرق بين الإجارة والمضاربة، لابتناء الإجارة علي تملك العمل، ولا مجال له مع العجز، أما المضاربة فهي لا تقتضي إلا تملك الربح المتأخر عن العمل.

فهو لو تم لا ينافي تقوم المضاربة بالعمل، فإنه ركنها. ومثلها في ذلك المزارعة والمساقاة، ولذا يكون العمل مستحقاً علي العامل، ولو لم يعمل مع قدرته علي العمل كان خارجاً عن مقتضي العقد.

نعم قد يقال: المضاربة وإن كانت متقومة بالعمل، إلا أنه يكفي فيها عرفاً توقع القدرة علي العمل والاتجار بالمال، فلو انكشف العجز ولو بموت العامل أو مرضه بطلت من حين انكشافه. ولذا تترتب آثارها قبل ذلك، كتحمل مال المضاربة نفقة السفر ونفقة مقدمات الاتجار بالمال، ولوازمه.

وكذا لو جهلا مقدار ما يطيق العامل الاتجار به من المال، فدفع المالك أكثر مما هو قادر علي الاتجار به واقعاً، وأطلق يده فيه بأجمعه برجاء قدرته علي الاتجار به، فإنه يجري عليه بتمامه حكم مال المضاربة مما تقدم بيانه وغيره، ومنه انجبار خسارته بالربح، كما لو اشتري بضاعة بتمام المال برجاء ظهور الربح بتيسر بيعها، فلم يتيسر بيعها حتي تلف بعضها بغير تفريط، وباع الباقي وربح فيه، فإن الربح يكون وقاية لرأس المال، بتمامه ولا مجال للبناء علي بطلان المضاربة بالمقدار التالف الذي لا يطيق الاتجار مع الباقي، فلا ينجبر تلفه بالربح... إلي غير ذلك.

فالمضاربة في ذلك نظير المزارعة التي ذكروا في شروطها قابلية الأرض للزراعة، مع عدم الإشكال ظاهراً في أنه لو اعتقد الطرفان قابلية الأرض لها فأوقعا عقد المزارعة وأخذ العامل البذر فبذره، ثم انكشف عدم قابلية الأرض للزرع فتلف البذر لم يضمنه العامل. ولو كان الشرط هو قابلية الأرض للزراعة واقعاً فبانكشاف عدم قابليتها له ينكشف بطلان المزارعة من أول الأمر وعدم الإذن في البذر المبتني

ص: 278

عليها، فيتعين ضمان العامل له بملاك الإتلاف غير المأذون فيه، من قبل المالك.

ثم إنه قال في المبسوط: «إذا دفع إليه مالا قراضاً وهو يعلم أنه لا يقدر أن يتجر بمثله لكثرته أو لضعفه عن ذلك مع قلته، فعليه الضمان، لأنه مفرط في قبضه» ونحوه في المهذب، ولعله إليه يرجع ما في الشرايع وجملة من كتب العلامة وغيرها من إطلاق الضمان من دون تقييد بعلم العامل بالعجز.

لكن قال سيدنا المصنف (قدس سره) بعد البناء علي بطلان المضاربة في المقام لفقد شرطها وهو القدرة علي العمل: «هذا ولكن الضمان في المقام مخالف لقاعدة ما لا يضمن بصحيحه لا يضمن بفاسده، فإن مال المضاربة غير مضمون علي العامل في المضاربة الصحيحة، فلا يكون مضموناً عليه في الباطلة...». ثم أخذ في الاستدلال علي القاعدة. وقريب منه ما ذكره بعض مشايخنا (قدس سره) في المقام.

ولعله لذا صرح بعدم الضمان بعض الأعاظم (قدس سره) في حاشيته علي العروة الوثقي، وبناه السيد الاصفهاني (قدس سره) في حاشيته عليها تمامية القاعدة المذكورة.

هذا ومن الظاهر أن مبني القاعدة هو ابتناء العقد علي دفع المالك المال غير مضمون علي الآخذ، وذلك كما يجري مع صحة العقد يجري مع فساده.

وهو لو تم إنما يجري مع قصد الطرفين إيقاع عقد المضاربة، وذلك إنما يكون مع اعتقادهما قدرة العامل علي الاتجار بالمال أو توقعهما ذلك، ثم انكشف العجز عنه، حيث يلزم بطلان المضاربة حينئذ أو انكشاف بطلانها من أول الأمر، علي الكلام السابق.

أما مع علم العامل حين أخذ المال بالعجز عن الاتجار به وجهل المالك بذلك فالعامل خائن في أخذه للمال، لأن أخذه المال علي خلاف الوجه الذي ابتني دفعه له عليه، لظهور أن المالك قد استأمنه علي المال ليتجر به، وأخذه هو علي أن لا يتجر به، فيتعين ضمانه، نظير ما إذا دفع الثوب للخياط علي أن يخيطه وأخذه الخياط وهو لا يعلم أنه لا يخيطه لعجزه عن خياطته أو لعزمه علي عدم الوفاء بالإجارة علي الخياطة.

ص: 279

وبذلك يظهر عموم الضمان لصورة صحة المضاربة، لقدرة العامل علي العمل، ولكن مع عزمه علي عدم تنفيذها، نظير ما ذكرناه في أخذ الخياط الثوب مع عزمه علي عدم خياطته.

نعم لو عدل عن عزمه المذكور وعمل بالمال أو خاط الثوب فقد حقق شرط المالك في الاستئمان وتعين عدم الضمان.

هذا والمفروض في كلام من سبق عجز العامل عن الاتجار بالمال لضعفه أو بتمام المال لكثرته وإن كان يقدر علي الاتجار ببعضه. ومن الظاهر أن ذلك لا يمنع من قصد المضاربة بالمال أو بتمامه مع الجهل بالعجز.

فيتعين البناء علي صحتها في خصوص المقدار الذي يمكن الاتجار به لو كان بناء علي أن الشرط هو القدرة الواقعية من باب تبعض الصفقة، أو في تمام المال بناء علي ما سبق منا من أن الشرط هو توقع القدرة، غايته أنها تبطل في المقدار الذي يعجز عنه عند ظهور العجز. كما نبه له غير واحد.

وكيف كان فيتعين ترتب أثرها في المقدار الذي يتجر به، وعدم ضمان الكل بناء علي ما سبق من عدم الضمان مع انكشاف بطلان المضاربة.

أما مع علم العامل بالعجز عن الاتجار بالمال أو بتمامه - كما هو المصرح به في المبسوط والمهذب - فيشكل صحة المضاربة، لتعذر قصد العامل بالمال أو بتمامه حينئذٍ، بل لابد من عدم قصده المضاربة أو قصده المضاربة بالبعض، فمع جهل المالك بعجزه وقصده المضاربة بالمال أو بتمامه لا يتحقق القبول من العامل أو لا يتطابق الإيجاب والقبول منهما، ويتعين بطلان العقد رأساً في تمام مضمونه.

اللهم إلا أن يقال: عجز العامل عن الاتجار لا يمنع من قصد إنشاء المضاربة أو قبولها علي الوجه الذي قصده المالك، فهو في جعله علي نفسه الاتجار بالمال الذي هو مفاد المضاربة كمن ينشئ الالتزام بالعمل علي نفسه بإجارة أو شرط وهو عالم بعجزه عنه، لأن الإنشاء خفيف المؤونة. وحينئذٍ يتم العقد، لكن يبطل أو تتبعض الصفقة.

ص: 280

نعم يتعين ضمانه للمقدار الذي يعلم من نفسه العجز عن الاتجار به إذا لم يتجر به، لما سبق من خيانة العامل في أخذه، لأنه أخذه علي خلاف الوجه الذي استأمنه عليه المالك.

وربما يدعي ضمان الجميع وإن كان قادراً علي الاتجار بالبعض، بل يظهر من مفتاح الكرامة أنه هو القول المعروف بين الأصحاب.

وقد يستدل عليه.. أولاً: باشتراك الجميع في كونه موضوعاً للعقد الفاسد. وثانياً: بأن وضع اليد علي الجميع منهي عنه. وثالثاً: بعدم تميز الزائد عن غيره.

ويندفع الأول بأن العقد إنما يفسد بالإضافة الي الزائد لا غير، كسائر موارد تبعض الصفقة. مع أن منشأ الضمان ليس هو فساد العقد، علي ما سبق، بل الخيانة في قبض المال علي خلاف الوجه الذي استؤمن عليه، وهو يختص بالزائد.

كما يندفع الثاني بأن النهي إنما هو عن قبض الزائد لا غير، كما لو أذن المالك لشخص في أن يوصل لزيد عشرة دراهم من ماله فأخذ عمداً أو خطأ اثني عشر درهما.

وأما الثالث فهو لا يقتضي ضمان الكل، بل ضمان المشاع بالنسبة مع وضع اليد علي المجموع دفعة واحدة، أما مع التدرج في الأخذ فهو يقتضي ضمان الأخير مع تميزه، لأنه هو المأخوذ بلا حق، إما لما ذكرنا من الخيانة في أخذه، أو لبطلان المضاربة بالإضافة إليه، بناء علي ما سبق من تبعض الصفقة.

وأما مع اشتباهه بالمأخوذ أولاً فالمتعين الرجوع للقواعد المقررة في اشتباه الحقوق، وأظهرها التصالح.

هذا ولا إشكال في عدم الضمان مع علم المالك بحال العامل، كما نبّه له غير واحد، حيث لا يبتني استئمانه عليه حينئذٍ علي الاتجار به، ليكون العامل خائناً له بأخذه، كما لا يرجع دفعه إلي قصد المضاربة به، ليكون فسادها موجباً للضمان بناء علي

ص: 281

(282)

ما سبق من بعضهم.

ومما سبق يظهر حال كثير من كلماتهم في المقام، لاختلافنا معهم في مباني المسألة. فلاحظ. والله سبحانه وتعالي العالم.

الحادي عشر: أن يكون العمل المقصود بالأصل هو الاتجار بالمال والتكسب به بالبيع والشراء، ليكون الاشتراك بينهما في الربح، دون غيره مما يوجب زيادة القيمة، كما لو دفع له ذهباً أو فضة ليصوغهما أو ثوباً ليخيطه أو خشباً لينجره أو نحو ذلك، علي أن تكون زيادة قيمة العين بسبب العمل الذي أحدثه فيها بينهما. وكذا لو دفع له مالاً ليشتري به بعض المواد ليبيعها بعد تصنيعه لها ويشتركان في زيادة قيمتها بسبب التصنيع. وقد صرح بالشرط المذكور في المبسوط والتذكرة والقواعد والتحرير وغيرها، بل لعله لا خلاف فيه، حيث قد يظهر بسبر كلماتهم المفروغية عنه.

قال في التذكرة: «لأن هذه الأعمال مضبوطة يمكن الاستئجار عليها، فاستغني به عن القراض فيها، وإنما يسوغ القراض فيما لا يجوز الاستئجار عليه، وهو التجارة التي لا يمكن ضبطها، ولا معرفة قدر العمل فيها ولا قدر العوض، والحاجة داعية إليها، فللضرورة مع جهالة العوضين شرع عقد المضاربة».

وهو - كما تري - لا ينهض بالاستدلال.. أولاً: لأن الحاجة أو الضرورة لا تكفي في إحراز تشريع ما لم تثبت شرعيته بنفسه.

وثانياً: لأنه كما يمكن الاستغناء عن المعاملات المذكورة بالإجارة علي الأعمال التي تبتني عليها، كذلك يمكن الاستغناء عن المضاربة بالاستئجار علي الاتجار بالمال، فيكون أخذ المال معه بضاعة بأجرة، ولا إشكال في صحة المعاملة المذكورة. ومعه ترتفع الحاجة أو الضرورة للمضاربة، كما ترتفع الحاجة أو الضرورة للمعاملات المذكورة بالاستئجار علي الأعمال التي تبتني عليها.

والذي ينبغي أن يقال: الظاهر عدم صدق المضاربة عرفاً علي المعاملات المذكورة، لتقومها بالاتجار، وإن كان ما في المبسوط من أنها قراض فاسد قد يوهم

ص: 282

(283)

البناء علي صدقها. وإن فرض صدقها فقد تكرر منا أنه لا دليل ينهض بإثبات عموم صحة كل مضاربة.

وحينئذٍ ينحصر الأمر بعمومات نفوذ العقد، فإن كانت تنهض بإثبات صحة مثل هذه العقود - كما سبق منّا - تعين البناء علي صحتها، وإن لم تكن مضاربة، وإلا فالمتعين بطلانها وإن كانت مضاربة.

هذا ولا إشكال في عدم قدح اشتراط العمل الذي هو من شؤون الاتجار ولوازمه العرفية، كخدمة العروض حذراً من تلفه ونقله وحراسته. بل إطلاق المضاربة يقتضي تحمل العامل له. كما صرح بذلك غير واحد. ووجهه ظاهر.

بقي شيء، وهو أنه قال في الشرايع: «لو شرط أن يشتري أصلاً يشتركان في نمائه - كالشجر أو الغنم - قيل: يفسد، لأن مقتضاه التصرف في رأس المال. وفيه تردد». والبطلان هو المصرح به في المبسوط والسرائر والجامع وجملة من كتب العلامة وغيرها، وفي الجواهر أنه لم يعثر علي قائل بالصحة من أصحابنا. وهو يبتني علي ما سبق.

كما أنه قال في الجواهر: «نعم لو قال له: اشتره وما يحصل من ارتفاع قيمته ومن نمائه فهو بيننا فالأقوي الصحة، لإطلاق الأدلة. كما أنه لو اتفق نماء أعيان المضاربة قبل بيعها شارك في النماء قطعاً. ودعوي: اعتبار شراء مع بيع ولو مرة واحدة. واضحة المنع».

لكن ما ذكره من الإطلاق قد تكرر منا المنع منه. وصدق المضاربة في مفروض كلامه لا يخلو عن إشكال أو منع، لابتناء المضاربة نوعاً علي الاسترباح بالبيع والشراء، بلحاظ الفرق بين الثمنين، ومشاركة العامل في العين تبعاً لزيادة قيمتها ليس للاكتفاء بزيادة القيمة في تحقق موضوع المضاربة، بل هو أمر تابع للربح المقصود بالأصل، وهو الحاصل بتعاقب البيع والشراء كالنماء الحاصل للعين في مدة المضاربة.

ولذا يشكل صدق المضاربة لو قال له: اشتر لي طعاماً مثلاً علي أن تشاركني فيه

ص: 283

(284)

ثم إنك عرفت أن مقتضي المضاربة الشركة في الربح ويكون للعامل ما شرط له من الحصة ربعاً أو نصفاً أو غير ذلك. وإذا وقعت فاسدة كان للعامل أجرة المثل (1). ويكون تمام الربح لصاحب المال (2).

(مسألة 1): المضاربة من العقود الجائزة (3)

إذا زادت قيمته الي شهر فنقتسمه من دون أن نبيعه.

ومن هنا فالظاهر ابتناء الكلام في هذا الفرض علي ما ذكرناه في الفرض الذي اقتصر عليه في الشرايع، والذي قوي في الجواهر عدم الصحة فيه لعدم وضوح صدق المضاربة عليه. فلاحظ.

(1) بلا خلاف ولا إشكال ظاهر، بل يظهر منهم في الفروع المختلفة المفروغية عنه. لاحترام عمل العامل بعد عدم وقوعه بنحو المجانية ووقوعه للمالك مبنياً علي ضمانه له، ومقتضاها ضمانه بأجرة المثل بعد عدم ضمانه بالحصة من الربح، لفرض فساد المضاربة.

نعم لا مجال لذلك إذا كان الفساد لقصور صاحب المال، لابتناء ضمان العمل علي استيفاء صاحب المال له مضموناً بالحصة من الربح، فمع عدم صحة الضمان بذلك لبطلان المضاربة يتعين ضمانه له بأجرة المثل. وذلك يختص بما إذا كان قصد المستوفي للعمل معتداً به لكماله، نظير ما تقدم منا في المسألة الخامسة من كتاب المزارعة والمساقاة.

(2) بلا خلاف ولا إشكال ظاهر، وظاهر جملة من كلماتهم المفروغية عنه أيضاً. لتبعية الربح للأصل الذي هو ملكه، لأنه جزء من عوضه بل قد يكون متحداً معه، كما لو ارتفع سعر العروض قبل بيعه.

(3) كما صرح به جمهور الأصحاب، ويظهر من كلماتهم المفروغية عنه، ونفي الخلاف فيه في المسالك، وادعي الإجماع عليه في التذكرة، وفي الجواهر: «بلا خلاف

ص: 284

فيه، بل الإجماع بقسميه عليه. وهو الحجة في الخروج عن قاعدة اللزوم».

لكن يظهر مما سبق الإشكال في الاستدلال بالإجماع المذكور. ولاسيما مع قرب ابتنائه علي ما يأتي الكلام فيه من كون العقد إذنياً.

ومن ثم ذكر بعض مشايخنا (قدس سره) أن الدليل علي ذلك ليس الإجماع، بل قصور أدلة اللزوم عن شمول العقود الإذنية التي لا تتضمن التزام الطرفين بشيء، كي يلزما بما التزما به، بل مجرد الإباحة والإذن في التصرف، نظير العارية، فلا يكون الرجوع عنها من أحدهما نقضاً لالتزامه، لينافي عموم نفوذ العقود.

وذلك هو الظاهر من جملة كلماتهم في المقام وفي سائر العقود الإذنية، كالوكالة والوديعة والعارية، كما تردد في كلماتهم أن المضاربة تبتني علي الإذن والتوكيل.

لكن من الظاهر أن المضاربة لا تتقوم بإذن المالك للعامل في الاتجار بماله، بل تبتني علي التزام العامل بالاتجار بالمال، بحيث لا يجوز له ترك المال عنده أو عند المالك من دون أن يعمل فيه ما دامت المضاربة باقية، والتزام المالك في مقابل ذلك بأن للعامل حصة من الربح، ولذا كانت من العقود، بل كانت لازمة في ذلك، تبعاً لعموم لزوم العقود، فليس لأحدهما فسخها، بحيث يرجع تمام الربح للمالك ويستحق العامل عن عمله أجرة المثل كما لو شرع فسخ الإجارة.

غاية الأمر أنها لا تبتني علي إلزام الطرفين بالاستمرار علي ذلك، بحيث ليس لهما إنهاء المضاربة، كما لا تبتني علي الاستمرار. فعدم لزوم الاستمرار عليها ليس لعدم لزوم عقدها، بل لعدم ابتناء مضمونها الذي يتضمنه عقدها علي الاستمرار. وفسخها بعدم الاستمرار عليها ليس فسخا، بل إنهاء لها، وإنما يكون فسخها بالبناء علي رجوع تمام الربح للمالك وعدم مقابلة عمل العامل بالحصة، المستلزم لضمان المالك له بأجرة المثل، نظير فسخ الإجارة، علي ما تقدم وقد تقدم في أوائل فصل الخيار من كتاب البيع ما ينفع في المقام.

هذا كله في المضاربة بالمال علي الإطلاق، بحيث يبتني علي تكرار الاتجار به بل

ص: 285

وبربحه الحاصل في الأثناء أيضاً، كما لو فتح صاحب المال للعامل محلاً تجارياً ودفع إليه مالاً ليعمل فيه، أو كان للعامل محل تجاري فدفع إليه شخص مالاً ليعمل له فيه.

أما لو كانت محدودة من أول الأمر بالاتجار مرة واحدة - كما كان يشيع دفع صاحب المال مقداراً منه لآخر ليجلب له بضاعة من بلد آخر ليبيعها في بلده بحصة من الربح - فالظاهر أخذ إكمال الاتجار المذكور في مضمون العقد، بحيث يكون الرجوع عنه خروجاً عن مقتضي العقد، ومنافياً لتنفيذه اللازم بمقتضي العمومات.

بل الظاهر في القسم الأول أيضاً ابتناء العقد علي الاستمرار مدة معتداً بها من شأنها ظهور حال الاتجار المقصود لهما في كونه مربحاً أو غير مربح، بحيث يكون العدول قبلها نقضاً للعقد والاتفاق السابق بينهما، ينافي عموم لزوم الوفاء بالعقد.

ويأتي عدم نهوض الإجماع المدعي علي جواز العقد بالاستدلال، لينهض بالخروج عن مقتضي العموم المذكور، فيتعين البناء علي ذلك. وربما يأتي في المسألة الثامنة ما ينفع في المقام.

وأظهر من ذلك ما إذا اشترطا صريحاً الاستمرار عليها مدة معينة بحيث لا يحق لأحدهما الرجوع عنها، حيث يتعين نفوذ الشرط المذكور عملاً بعموم نفوذ الشروط، بل وعموم لزوم نفوذ العقود، لأن الشرط جزء من العقد، وإن كان خارجاً عن نفس المضاربة وغيرها من المضامين العقدية المقصودة بالأصل.

وأما الإشكال في نفوذ الشرط المذكور بعدم لزوم الشرط في العقد الجائز، لأن الشرط لا يزيد علي أصل العقد.

ففيه.. أولاً: أن عقد المضاربة لازم في مضمونه، كما سبق، ولا يراد بفسخه رفع اليد عن مضمونه رأساً، كما في صورة التقايل، ليرتفع الشرط تبعاً للعقد، بل إنهاؤه مع بقاء الالتزام بمضمونه فيما سبق.

وثانياً: أن جوازه بمعني جواز الرجوع عنه وإنهائه لما كان الدليل عليه منحصراً

ص: 286

(287)

تبطل بالموت (1)

بالسلطنة علي النفس والمال فلا مجال لعمومه لصورة شرط عدم الرجوع، لأن دليل نفوذ الشرط مقدم علي قاعدة السلطنة. وبعبارة أخري: الشرط في المقام يجعل العقد لازماً، كما يجعل اشتراط الخيار في العقد اللازم بطبعه العقد جائزاً.

وأضعف منه ما في الشرايع والقواعد وغيرها وقد يرجع إليه ما في المبسوط من منافاة ذلك لمقتضي العقد.

إذ فيه: أن مضمون العقد هو الاتجار بالمال في مقابل الحصة من الربح، ولا نظر فيه للرجوع في المضاربة وعدمه، وإنما هو مقتضي قاعدة السلطنة، كما سبق.

فلم يبق في المقام الا ظهور بناء الأصحاب (رضوان الله تعالي عليهم) علي بطلان الشرط، ونفي الخلاف فيه في الجواهر، وفي مفتاح الكرامة: «ولولا اتفاق الكلمة هنا علي بطلان الشرط لأمكن القول بصحته».

لكن لا مجال للخروج بذلك عن عمومات نفوذ العقود والشروط، لقرب ابتناء ذلك علي ما سبق منهم من جواز عقد المضاربة، كما هو صريح التذكرة، وليس هو إجماعاً تعبدياً ينهض بالاستدلال. ومع ذلك كيف يمكن التعويل علي الإجماع المذكور؟! ولاسيما مع ظهور اضطراب كلماتهم في المقام، وضعف الوجوه التي اعتمدوها في ذلك. فلاحظ والله سبحانه وتعالي العالم العاصم.

(1) كما في المبسوط والشرايع والنافع وجامع الشرايع والتذكرة والقواعد والإرشاد وغيرها. والظاهر عدم الإشكال فيه بينهم ولا الخلاف.

هذا وظاهر سيدنا المصنف (قدس سره) أن ذلك من أحكام العقد الجائز. ولم يتضح الوجه في ذلك، فإن الهبة الجائزة لا تبطل بموت أحد الطرفين. نعم علل في الشرايع بأنها في المعني وكالة. وهو الظاهر من غيره.

وهو راجع الي ما سبق من أنها من العقود الإذنية، وأنها تبتني علي الإذن في

ص: 287

العمل بالمال ما داما ملتزمين بالمضاربة من دون إلزام بها، واستحقاق لدوامها. فمع سقوط أحدهما عن قابلية الإذن أو عدم الاعتداد بإذنه يتعين انتهاؤها، وعدم العمل علي مقتضاها.

وبذلك يظهر قصور ذلك عما إذا ابتنت علي الاستمرار مدة معينة بنفسها أو باشتراط التوقيت فيها، كما سبق تقريبه منا. لأن مرجع ذلك الي ثبوت حق لكل منهما علي الآخر بالاستمرار عليها في تلك المدة، فيكون ذلك الحق ثابتاً للعامل في المال حتي بعد انتقاله للوارث بموت المالك، فليس له منعه عن العمل به في تلك المدة، وثابتاً للوارث علي العامل بعد موت المالك، فله إلزامه بالعمل في المدة المذكورة.

نعم لا مجال لذلك في موت العامل، لأن موضوع المضاربة هو العمل بنفسه أو بإشرافه فيرتفع موضوعها بموته، ويتعين بطلانها.

إلا أن تلغي خصوصية الشخص في المضاربة، كما في الشركات المستحدثة في عصورنا التي تبتني إدارتها علي أنظمة معينة بحيث تكون باقية لا تتأثر بموت أصحاب السهام أو تبدلهم ببيعهم لأسهمهم، ولا بموت أحد أفراد مجلس إدارة الشركة المسؤولة بالعمل بالمال، فيتعين بقاء المضاربة مع موتهم، نظير ما سبق في موت المالك.

وإنما لم يستثن الأصحاب من الحكم ببطلان المضاربة بالموت صورة لزومها وتوقيتها بنفسها أو بالشرط، من أجل ما سبق من إطلاقهم جواز المضاربة، وعدم قابليتها للتوقيت.

ثم إنهم فرعوا علي ذلك أنه لا مجال لبقاء المضاربة والاستمرار عليها حتي بإذن وارث المالك. إذ بعد بطلانها لا معني للاستمرار عليها. كما لا يجوز للوارث تجديد المضاربة مع عدم نض العروض، بناء علي ما سبق منهم من اشتراط كون مال المضاربة من النقدين.

وإنما يمكنه التجديد مع نض المال، بحيث تكون مضاربة جديدة بين العامل

ص: 288

(289)

أو الجنون (1).

والوارث بالنقدين اللذين ورثهما من المضارب الأول. لكن ذلك لا يخلو عن عناية وكلفة. ومن ثم لا يبعد كون السيرة علي خلافه.

ولعله لذا حاول في العروة الوثقي تصحيحه بإجازة الوارث مضاربة المورث بنحو يرجع الي إبقائها والاستمرار عليها من دون إنشاء مضاربة جديدة. وهو لا يرجع الي محصل ظاهر بعد فرض البطلان، كما ذكره غير واحد. فينحصر الامر في تصحيحها بالبناء علي جواز المضاربة بالعروض، كما تقدم منا تقريبه. فتأمل جيداً.

(1) كما في القواعد والتذكرة وجامع المقاصد والمسالك وزاد في الثلاثة الأخيرة عروض الإغماء لأحدهما والحجر عليه للسفه، وهو متقضي إطلاق الخروج عن أهلية التصرف في الإرشاد. ويقتضيه ما تقدم منهم من أنها في معني الوكالة.

لكن يظهر مما سبق أن كونها في معني الوكالة ليس لتقومها بالإذن والتوكيل، بل هي متقومة بالالتزام بالعمل بالمال والاتجار به في مقابل حصة من الربح، غاية الأمر أنها تبتني علي الاستمرار ما داما راضيين بها مستمرين عليها. فسقوط أحدهما عن أهلية التصرف إنما يقتضي عدم جواز الاستمرار فيها، لعدم السلطنة علي التصرف لعدم الاعتداد برضا المالك بالتصرف المستفاد من إذنه فيه سابقاً بضميمة أصالة عدم عدول الإنسان عن رأيه المعول عليها عند العقلاء، حيث قد يفقد الرأي حينئذٍ فلا موضوع للأصل المذكور، ولو فرض أن بقي له رأي فلا يعتد به عند العقلاء.

وحينئذٍ لا مانع من الاستمرار فيها بتجدد السلطنة، لإذن وليه في الاستمرار فيها. نظير ما إذا أمر المالك العامل بالتوقف عن العمل مؤقتاً من دون إنهاء للمضاربة، حيث لا مانع من رجوعه عن ذلك وأمره له بالعمل من دون تجديد للمضاربة، ليحتاج لتحقق شروطها حين التجديد. وكما لو أوقع ولي المالك أو العامل المضاربة، ثم استقل المولي عليه وارتفع الحجر عنه، حيث لا إشكال ظاهراً في أن له الاستمرار

ص: 289

(290) (290)

عليها من دون حاجة للتجديد.

وهذا بخلاف الموت حيث يرتفع معه الموضوع، وإذن الوارث ليس لقيام سلطنته مقام سلطنة المورث، بل لاستقلاله بالسلطنة، مع ارتفاع موضوع السلطنة التي يبتني عليها استمرار المضاربة التي أوقعها المورث. وإن كان الأمر محتاجاً لمزيد من التأمل. ومن الله سبحانه وتعالي نستمد العون والتسديد.

بقي في المقام أمران:

الأول: أن الجنون والإغماء.. تارة: يكونان مستحكمين، بحيث لا يتوقع زوالهما في المستقبل المنظور. وأخري: يكونان مؤقتين، كالجنون الإدواري والإغماء بسبب التخدير ونحوه.

أما في الصورة الأولي فيجري ما سبق من الكلام في الاكتفاء بإذن الولي وعدمه.

وأما في الصورة الثانية فلا دليل علي بطلان العقد الجائز، بل هو كالنوم عرفا، ولذا يغفل عن بطلان العقود الجائزة به، بحيث تحتاج للتجديد بعد الإفاقة منه. وبذلك يمكن الاستدلال بالسيرة العقلائية والمتشرعية علي عدم مبطليته لها. ولا أقل من كون ذلك متقضي الأصل من دون مخرج عنه ظاهر.

ولا مجال للاستدلال بالإجماع لو فرض عموم معقد الفتاوي. ولاسيما مع عدم ذكر غير واحد لهما في مبطلات العقود الجائزة، بل اقتصر بعضهم علي بيان جواز العقد من دون تعرض لمبطلاته، كما اقتصر آخرون في مبطلات العقد الجائز علي الموت والجنون.

علي أنه لا مجال للتعويل علي الإجماع في مثل هذه المسائل المحررة في عهد تدوين الفتاوي من دون أن تكون مورداً للنصوص أو لسيرة متصلة بعصور المعصومين (صلوات الله عليهم) لتكشف عن رأيهم كما تكرر منّا ذلك في كثير من المسائل.

الثاني: أن مقتضي إطلاقهم جواز عقد المضاربة أن لكل منهما الفسخ سواء

ص: 290

(291)

(مسألة 2): يجب علي العامل أن يقتصر علي التصرف المأذون (1) فإذا

أعلم الآخر أم لم يعلمه، كما قد يظهر من بعض كلماتهم في بعض العقود الجائزة، ومنه ما يأتي في الوديعة إن شاء الله. بل قد يستفاد ذلك مما في التذكرة من أنه لا يعتبر في فسخ كل منهما حضور الآخر ورضاه.

ومقتضي ذلك أنه لو تعذر إعلام المالك للعامل بفسخه للعقد، فبقي العامل يتجر بالمال لم يستحق الحصة من الربح المتجدد. كما لا وجه لثبوت أجرة بالمثل له بعد عدم أمر المالك له به. ومجرد عدم إقدامه علي المجانية في العمل لا يكفي في ضمان عمله علي المالك بعد عدم أمره له به.

بل يجري ذلك حتي لو تمكن المالك من إعلامه فلم يفعل. إلا أن يظهِر له عدم الفسخ، حيث يكون ضامناً لعمله بملاك التغرير. كما أنه لو تعذر إعلام العامل للمالك فاللازم عليه حفظ المال حيث يبقي أمانة صرفة، وحينئذٍ يلزم تجميد المال وفوت الانتفاع به علي المالك. نعم يجب علي العامل إعلام المالك بالفسخ مع تيسر ذلك له، لأن المالك إنما أذن له في وضع يده من أجل الاتجار به، فيحرم عليه وضع يده عليه مع تجميده إلا بإذن المالك بعد إعلامه بالفسخ.

لكن الالتزام باللازمين المذكورين في حق العامل والمالك مما تأباه المرتكزات العرفية جداً. بل حتي ضمان المالك عمل العامل مع تغريره له بأجرة المثل من دون أن يستحق الحصة من الربح المتجدد مما تأباه المرتكزات العرفية أيضاً.

ومن هنا يقرب عدم ترتب الأثر علي الفسخ من كل منهما إلا مع إعلام الآخر. نظير ما سبق في المسألة الرابعة من كتاب الجعالة من أن رجوع الجاعل في الجعالة إنما يمنع من استحقاق العامل الجعل مع علمه بالرجوع. وكذا ما تضمنته النصوص من أن الوكيل لا ينعزل حتي يبلغه العزل. فلاحظ. والله سبحانه وتعالي العالم العاصم.

(1) كما صرحوا به في كثير من الشروط بنحو يظهر في التسالم علي الكبري

ص: 291

أمره أن يبيعه بسعر معين أو بلد معين أو سوق معين فتعدي إلي غيره لم ينفذ تصرفه، وتوقف علي الأجازة (1)،

المذكورة. ويقتضيه عموم نفوذ الشروط، فإن الالتزام العقدي بينهما بمفاد المضاربة - من استحقاق العمل علي العامل واستحقاق الحصة من الربح علي المالك - قابل للشرط، ويشمله عموم الشروط. ومجرد جواز عقد المضاربة عندهم لا ينافي لزوم الشرط فيها ما لم تفسخ.

مضافاً الي أن وضع العامل يده علي المال وتصرفه فيه تصرفاً خارجياً أو اعتبارياً لما كان منافياً لحرمة المال ولسلطنة مالكه عليه لزم الاقتصار فيه علي المقدار والحال المأذون فيهما من قبل المالك، وهو خصوص ما اقتضاه الشرط، كما هو ظاهر.

هذا وقد يظهر منهم لزوم الاقتصار علي التصرف المأذون فيه حتي مع تجدد الشرط والطلب من المالك بعد عقد المضاربة.

وهو ظاهر في فرض جواز المضاربة إن رجع الي فسخ المضاربة وتجديدها مشروطة بالأمر المطلوب جديداً. لكنه موقوف علي تحقق شروطها حين التجديد. وكذا إذا رجع الي اشتراط بقاء المضاربة وعدم إنهائها بفعل الأمر المذكور. ولا يتضح وجهه في غير ذلك بعد ما سبق من لزوم العمل علي المضاربة ما لم تفسخ.

وأظهر من ذلك ما لو كانت المضاربة لازمة، حيث سبق منا إمكان ذلك، فإن مقتضي نفوذها ولزومها قصور سلطنة المالك علي ماله وإلزامه بمقتضي العقد علي الوجه الذي أوقعه من إطلاق أو تقييد، كما هو ظاهر.

(1) عملاً بمقتضي القاعدة، لقصور سلطنة العامل عن التصرف غير المأذون فيه، فلا ينفذ إلا بإجارة المالك الذي له السلطنة، كما في سائر موارد عقد الفضولي.

بل قد يدعي أنه لو أجاز المالك انفرد بالربح ولا يشاركه العامل فيه، لخروج المعاملة عن المضاربة بسبب مخالفة الشرط المأخوذ فيها، والإجارة إنما تقتضي نفوذها،

ص: 292

لا دخولها في المضاربة، لأنه أمر واقعي غير تابع لسلطنة المالك.

إلا أن يقال: حيث أوقعها العامل علي أنها معاملة مضاربة فإجازتها إنما تقتضي نفوذها علي النحو الذي أوقعت عليه، فهي ترجع إلي إسقاط الشرط ورفع اليد عنه. فتأمل.

وكيف كان فذلك كله مخالف للنصوص الكثيرة المعول عليها عند الأصحاب المتضمنة ضمان العامل مع المخالفة، مع الحكم باشتراكهما في الربح، المستلزم لنفوذ المعاملة بلا حاجة إلي إجازة المالك.

كصحيح الحلبي عن أبي عبد الله (عليه السلام): «في الرجل يعطي مالاً مضاربة فيخالف ما شرط عليه. قال: هو ضامن والربح بينهما»((1)). وصحيحه الآخر عنه (عليه السلام): «قال: المال الذي يعمل به مضاربة له من الربح، وليس عليه من الوضيعة شيء، إلا أن يخالف أمر صاحب المال»((2)). وزاد في صحيحه الثالث: «فإن العباس كان كثير المال، وكان يعطي الرجال يعملون به مضاربة، ويشترط عليهم أن لا ينزلوا بطن واد ولا يشتروا أذكية رطبة، فإن خالفت شيئاً مما أمرتك به فأنت ضامن المال»((3)). وصحيحه الرابع عنه (عليه السلام): «أنه قال في الرجل يعطي المال فيقول له: أيت أرض كذا وكذا ولا تجاوزها واشتر منها. قال: فإن جاوزها وهلك المال فهو ضامن. وإن اشتري متاعاً فوضع فيه فهو عليه، وإن ربح فهو بينهما»((4)). وصحيح جميل عنه (عليه السلام): «في رجل دفع إلي رجل مالاً يشتري به ضرباً من المتاع مضاربة، فذهب فاشتري غير الذي أمره. قال: هو ضامن والربح بينهما علي ما شرط»((5))، وغيرها.

وقد أطال سيدنا المصنف (قدس سره) في محاولة الجمع بين النصوص والقاعدة.

********

((1) وسائل الشيعة ج 13 باب: 1 من أبواب كتاب المضاربة حديث: 5.

((2) وسائل الشيعة ج 13 باب: 1 من أبواب كتاب المضاربة حديث: 4.

((3) وسائل الشيعة ج 13 باب: 1 من أبواب كتاب المضاربة حديث: 7.

((4) وسائل الشيعة ج 13 باب: 1 من أبواب كتاب المضاربة حديث: 2.

((5) وسائل الشيعة ج 13 باب: 1 من أبواب كتاب المضاربة حديث: 9.

ص: 293

وما ذكره يبتني علي أمرين:

الأول: أن ما يذكره المالك.. تارة: يكون قيداً في المضاربة بحيث يكون تخلفه موجباً لخروج المعاملة عن موضوعها، لأخذه في مقومات المضاربة مثل المبيع والثمن ومكان البيع وزمانه والبايع والمشتري وغيرها.

وأخري: يكون شرطاً فيها، خارجاً عنها لعدم أخذه في مقوماتها، بل هو مجهول بجعل مستقل عنها شرطاً فيها ومقتضي القاعدة نفوذ المعاملة بتخلفه، لعدم خروجها عن موضوع المضاربة وإن كان للمالك فيها الخيار بملاك خيار تخلف الشرط.

وهو (قدس سره) وإن لم يصرح بذلك، إلا أنه يفهم من مساق كلامه.

وثالثة: يكون أمراً ونهياً من المالك من دون أن يكون دخيلاً في المضاربة لا قيداً ولا شرطاً فيها، فلا يكون تخلفه موجباً لقصور المورد عن موضوع المضاربة، بل يتعين نفوذ المعاملة فيه من دون حاجة إلي تنفيذ المالك. كما لا خيار للمالك بملاك تخلف الشرط.

الثاني: أن ما يكون قيداً في المضاربة - وهو القسم الأول - (تارة): يكون قيداً واقعياً، كما لو نهاه عن الاتجار بالأكفان أو البيع حال الجنابة.

وأخري: يكون قيداً ظاهرياً تحفظاً علي المال، كالنهي عن شراء بعض الأجناس أو في بعض المواضع المعرضة للتلف أو الخسارة.

وفي الأول يتعين عدم نفوذ البيع لو وقع علي خلاف الشرط إلا بإجازة المالك. أما في الثاني فالمتعين نفوذه إذا صادف الربح في البيع بلا حاجة للإجازة، لانكشاف الإذن فيه واقعاً غير المنافي للمنع منه فظاهراً تحفظاً علي المال، لعدم التنافي بين الحكم الواقعي والظاهري.

ونتيجة لهذين الأمرين ينحصر - بمقتضي القاعدة - عدم نفوذ المعاملة مع مخالفة المالك واحتياجها للإجازة بما إذا كان الأمر المخالف قيداً واقعياً، دون ما إذا كان قيداً

ص: 294

ظاهرياً، أو كان شرطاً خارجاً عن المعاملة مأخوذاً فيها بجعل مستقل عنها، وهو القسم الثاني، فضلاً عما إذا كان أمراً أو نهياً خارجاً عنها، الذي هو القسم الثالث.

أما النصوص فلا يظهر منها عموم صحة المعاملة مع المخالفة بنحو يشمل المخالفة للقيد الواقعي، بل هي بين ما ورد في القسم الثالث، وما ورد في القيد الظاهري، كصحيح جميل، وما لا ظهور له في الاشتراك في الربح مع المخالفة، بل في مجرد الضمان، كصحيح الحلبي الثاني والثالث وغيرها مما اقتصر فيه علي الضمان مع المخالفة.

نعم مقتضي إطلاق صحيح الحلبي الأول الاشتراك في الربح حتي مع المخالفة للقيد الواقعي. قال (قدس سره): «لكن الخروج به عن القواعد في صورة التقييد الواقعي مشكل مع احتمال الحمل علي غيره».

هذا ومن الظاهر لا أثر لهذا التفصيل في فتواه المتقدمة، بل أطلق توقف نفوذ المعاملة علي إجازة المالك.

مع أن التفصيل المذكور غير ظاهر في نفسه. ولا مجال لحمل النصوص عليه.

أولاً: لظهور بعض النصوص المتقدمة في عدم الفرق بين الأمر والشرط والقيد، كصحيح الحلبي الثالث، حيث تضمن صدره الضمان مع مخالفة أمر المالك، ثم استشهد (عليه السلام) بقضية العباس المتضمنة للشرط، مع كون أحد الشرطين أمراً خارجاً عن المعاملة، وهو عدم النزول في بطن واد، والآخر دخيلاً في ركنها الذي عبر عنه (قدس سره) بالقيد، وهو عدم شراء ذا كبد رطبة.

ولاسيما أن المناسبات الاتكازية تقضي بكون الضمان بملاك التعدي، وهو إنما يكون مع قصور الإذن عن صورة المخالفة. بل لو فرض عموم الإذن لها في الصورة الثالثة فلا وجه لحرمة المخالفة تكليفاً بعد جواز التصرف بالمال، لعموم الإذن المستفاد من المضاربة، وعدم مخالفة التصرف للشرط، ليحرم بملاك مخالفة الشرط، مع عدم الإشكال ظاهراً في عدم المنشأ لوجوب طاعة المالك غير ذلك.

ص: 295

وثانياً: لأن التقييد تحفظاً علي المال لا يرجع إلي كون القيد ظاهرياً مع عموم الإذن لصورة فقد القيد، بل هو قيد واقعي من أجل التحفظ علي المال، يوجب قصور الإذن واقعاً، فالتحفظ علي المال من سنخ الحكمة من إطلاق القيد، ولا يرجع إلي قصور التقييد عن صورة سلامة المال، ولذا لا يظن به (قدس سره) ولا بغيره الالتزام بنظير ذلك في الوكالة.

وإنما يكون التقييد ظاهرياً مع تعدد جعل الأمرين، كما لو أنشأ المالك المضاربة بوجه ثم جعل أمارة علي تعيين مراده، فأخطأت الأمارة وقامت علي التقييد مع كون مراده واقعاً الإطلاق، وهو أجنبي عما نحن فيه.

وثالثاً: لأن حمل صحيحي الحلبي الثاني والثالث ونحوهما علي بيان خصوص الضمان مع المخالفة من دون نظر لحكم الربح مخالف لظاهرها جداً، لأن الظاهر رجوع التقييد فيها بعدم مخالفة المالك لخصوص الحكم بعدم ضمان العامل، دون ما تضمنه صدرها من الاشتراك في الربح، ولاسيما بلحاظ ما تضمنه صحيحه الثالث من الاستشهاد بكلام العباس المتقصر علي التضمين، ولو رجع إليهما معاً لبقي حكم الربح مع المخالفة مسكوتاً عنه مع شدة الحاجة لبيانه.

ولا أقل من لزوم حملها علي ذلك بقرينة صحيحه الأول والرابع وغيرهما.

ورابعاً: لأن حمل صحيح جميل علي كون الأمر بشراء المتاع من أجل التحفظ علي المال لتخوف الخسارة في غيره بلا شاهد، بل قد يكون من أجل أن المتاع الذي أمر بشرائه مرغوباً فيه لذاته أو لأنه أكثر ربحاً بنظر الآمر، فيتعين عمومه لذلك بمقتضي ترك الاستفصال فيه. وحينئذٍ لا يكون حصول الربح مع المخالفة مستلزماً لحفظ غرض صاحب المال من الأمر، ليجري فيه ما ذكره (قدس سره) من كون القيد ظاهرياً لا ينافي عموم الإذن واقعاً. ومثله في ذلك صحيح الحلبي الرابع - وإن لم يذكره (قدس سره) - لتضمنه تعيين مكان الشراء.

وخامساً: أنه لا مجال للإشكال في إطلاق صحيح الحلبي الأول، ومجرد احتمال

ص: 296

نعم إذا أطلق صاحب المال الإذن ولم يعين تصرف كيف شاء (1) علي الوجه اللائق في نظره (2).

حمله علي غيره لو نفع لا يمنع منه، بنحو يخرج به عن القاعدة، لأن إطلاق الخاص مقدم علي عموم العام، وهو في المقام القاعدة.

ومن هنا يتعين البناء علي ما تضمنته هذه النصوص من الاشتراك في الربح مع مخالفة أمر المالك وشرطه، المستلزم لنفوذ المعاملات التي يوقعها العامل وترتب حكم المضاربة عليها. ويتعين الخروج بهذه النصوص عن مقتضي القاعدة الذي جري عليه (قدس سره) في فتواه هنا.

وكأن ذلك من الشارع الأقدس لتجنب المشاكل الكثيرة اللازمة من الجري علي مقتضي القاعدة، لغلبة عدم تيسر الإحاطة بالمعاملات التي يجريها العامل في مدة العمل، ولا الإحاطة بأطرافها، فضلاً عن إقناعهم بخروج العامل عما حدد له، وغلبة كون نفوذ المعاملة مع المخالة هو الأصلح للمالك وإن فات غرضه من التحديد الذي جعله. فلاحظ.

(1) عملاً بإطلاق الإذن المستفاد من إطلاق العقد.

(2) لأن وظيفته بمقتضي العقد استصلاح المال من حيثية الاتجار به، فإيكال الأمر إليه بمقتضي إطلاق العقد يقتضي الاكتفاء بإعمال نظره فيه، فتنفذ المعاملة وإن أخطأ، كما هو الحال في الوكيل.

ولخصوص صحيح محمد بن قيس أو ابن ميسر: «قلت لأبي عبد الله (عليه السلام): رجل دفع إلي رجل ألف درهم، فاشتري أباه وهو لا يعلم. فقال يقوم فإذا [فإن. فقيه] زاد درهماً واحداً أعتق واستسعي في مال الرجل»((1)). لظهور انكشاف عدم الصلاح في المعاملة المذكورة، ومع ذلك لم يحكم الإمام (عليه السلام) ببطلان الشراء.

********

((1) وسائل الشيعة ج: 13 باب: 8 من أبواب كتاب المضاربة حديث: 1.

ص: 297

(298) (298)

(مسألة 3): لا يشترط العلم بمقدار المال (1)، وإن كان أحوط.

(مسألة 4): يملك العامل الحصة بالظهور (2)

(1) تقدم الكلام في ذلك مفصلاً في الشرط الثالث من الشروط التي ألحقناها بالكلام في مال المضاربة. فراجع.

(2) يعني: بزيادة قيمة الأعيان التي هي من مال المضاربة، ولا يتوقف علي إنضاض المال، كما في الشرايع والنافع وجملة من كتب العلامة وشروحها وغيرها، وفي المبسوط أنه الأظهر في روايات أصحابنا، وفي مجمع الفائدة وعن الكفاية أنه المشهور، وفي المسالك: «هذا هو المشهور بين الأصحاب، بل لا يكاد يتحقق فيه مخالف، ولا نقل في كتب الخلاف عن أحد من أصحابنا ما يخالفه».

وقد استدل عليه في كلام غير واحد بإطلاق النصوص الكثيرة المتضمنة اشتراكهما في الربح.

وهو يبتني علي صدق الربح بارتفاع القيمة مطلقاً، كما قد يظهر منهم هنا أو في خصوص أموال التجارة، كما سبق من سيدنا المصنف (قدس سره) وغيره في كتاب الخمس.

لكن سبق منا هناك المنع من ذلك، وأن إطلاقه تسامحي بلحاظ قابلية المال لحصول الربح ببيعه، أو بلحاظ الأوْل والمشارفة.

ومثله دعوي: أنه مملوك وليس للمالك، فيتعين كونه للعامل.

لظهور اندفاعه بأنه إذا لم يصدق الربح بلحاظ الزيادة في القيمة فلا موضوع للملك، بل ليس الموجود إلا العين وهي بتمامها ملك للمالك كما كانت قبل ارتفاع القيمة.

اللهم إلا أن يدعي أن المراد بالربح في خصوص المضاربة ما يعم ذلك، لابتنائها علي الاهتمام بارتفاع القيمة. ولذا كان المرتكز عدم جواز استقلال المالك بالأعيان مع ارتفاع قيمتها إذا تحقق الفسخ قبل الإنضاض، وكذا إذا بطلت المضاربة بأحد أسباب

ص: 298

البطلان كالموت ونحوه، كما نبه له في الجملة سيدنا المصنف (قدس سره).

بل لا ينبغي التوقف في ذلك بلحاظ ما سبق في الصحيح الوارد فيما إذا اشتري العامل أباه، حيث تضمن انعتاقه بمجرد ارتفاع قيمته، لظهور كون انعتاقه بسبب ملك العامل لجزء منه، الذي هو من صغريات انعتاق الأب علي ولده. بل التنبيه في السؤال فيه علي كون شراء الأب كان عن جهل من العامل ظاهر في المفروغية عن أنه لا ينبغي له شراؤه مع العلم بحاله. وما ذلك إلا لوضوح تعرضه للعتق بملك العامل لبعضه بسبب ارتفاع سعره، وهو خلاف مصلحة المضاربة.

لكن استشكل في ذلك في الجواهر، فإنه بعد أن منع من صدق الربح في المقام فلا يملك العامل شيئاً من المال بارتفاع القيمة، قال: «نعم لا بأس أن يقال: إنه بالظهور ملك العامل أن يملك، بمعني أن له الإنضاض ولو قدر رأس المال، فيتحقق الربح حينئذٍ، ويتبعه تحقق الملك... بل لعله الوجه في خبر العتق ذلك أيضاً، بناء علي الاكتفاء بمثل ذلك في العتق المبني علي السراية، فإن ملك أن يملك جزءاً من الأب أيضاً موجب كالملك نفسه». وكأن مرجع ما ذكر إلي أنه بارتفاع سعر الأعيان يثبت للعامل حق فيها يؤول لملك الربح

وفيه.. أولاً: أن نصوص المضاربة كالصريحة في أن العامل يملك الحصة من الربح الحاصل فعلاً لا بلحاظ القدرة علي تحصيله.

وثانياً: أن العامل قد لا يملك الانضاض لعدم كون التعجيل به صلاحاً لمال المضاربة، أو لمنع المالك من التعجيل، أو لعدم تيسره.

وثالثاً: أنه لا مجال لاحتمال عموم الاكتفاء في الانعتاق بملك أن يملك. ولذا الا يحتمل الانعتاق بمجرد اشتراط أن يشتري أحد عموديه في ضمن عقد لازم، بل لابد فيه من فعلية الشراء.

ورابعاً: أن الإنضاض موجب لصيرورة الأب في ملك المشتري وخروجه عن مال المضاربة، الذي هو موضوع حصة العامل، فملك العامل الإنضاض لا يجعله

ص: 299

مالكاً لأن يملك جزءاً من أبيه، بل لأن يملك جزءاً من ثمن أبيه، ولا إشكال في عدم كفاية ذلك في الانعتاق عليه.

غاية الأمر أن يحتمل عقلاً ابتناء الانعتاق علي ذلك في خصوص المقام تعبداً، وهو ليس احتمالاً عرفياً من الصحيح، بحيث يمنع من ظهوره في الملك. بل لا يحتمل كونه هو المنشأ للسؤال، لما هو المعلوم من أن الشايع بين المتشرعة المرتكز في أذهانهم هو الانعتاق بملك العمودين، لا باستحقاق أن يملك ملك ثمنهما، فلابد من كونه هو المنشأ للسؤال، ويستفاد من الجواب عرفاً الجري علي ذلك، وأن ترتب الانعتاق إنما هو من أجله.

كما أن ما ذكره (قدس سره) من منع صدق الربح في المقام بزيادة القيمة لا يناسب ما سبق منه - في ذيل الشرط الحادي عشر من الشروط المذكورة للمضاربة - من الاكتفاء في صدق المضاربة بشراء واحد، كما يظهر بمراجعته.

والحاصل: أن عدم صدق الربح بالمعني المعهود عرفاً لا ينافي صدقه بمعني آخر تبتني عليه المضاربة له نحو من الوجود يقتضي الاشتراك في الأعيان قبل إنضاضها، ويكون الصحيح شاهداً علي ذلك، بحيث يكون هو مقتضي ظهوره العرفي.

وبذلك يظهر الإشكال فيما ذكره سيدنا المصنف (قدس سره) في وجه المنع من دلالة الصحيح علي المدعي، كما يظهر بالرجوع إليه والتأمل فيه. كما يظهر الإشكال فيما قد يظهر من القواعد من التوقف في الحكم.

هذا والذي يظهر من كلمات أصحابنا أن القول أو الاحتمال المقابل للمشهور عندنا هو الملك بالإنضاض، لما سبق من عدم صدق الربح قبله.

أما عند العامة - كما يظهر من المبسوط والتذكرة - فهو توقف الملك علي القسمة، لدعوي أن الربح وقاية لرأس المال، فلو ملك العامل الحصة بمجرد ارتفاع قيمة الأعيان أو بالإنضاض قبل القسمة لزم اشتراكهما في التلف الطارئ علي المال بعد الظهور والإنضاض قبل القسمة، وعدم تحمل الربح وحده له.

ص: 300

ويندفع بما نبّه له غير واحد من أن ذلك لا ينافي ملك العامل الحصة قبل القسمة، بل غاية ما يقتضيه هو عدم استقرار ملكه لها إلا بالقسمة. كيف؟! ولو توقف ملك العامل للحصة علي القسمة فلا يكون له المطالبة بها، لعدم ثبوت الحق له في المال. كما يكون للمالك الاستقلال بالمال لو فسخ المضاربة قبل القسمة. فلاحظ.

هذا وقد حكي الفخر في الإيضاح عن والده العلامة (قدس سرهما) أن في المسألة أقوالاً ثلاثة، وزاد عليها قولاً رابعاً. بعضها لا يخلو عن غموض، ولا يسعنا إطالة الكلام فيها بعدما سبق، وبعد تعرض غير واحد لها. فراجع.

بقي شيء. وهو أنهم قد صرحوا بأن ملك العامل للربح بالظهور متزلزل، لانجبار الخسارة المتجددة به، لأن الربح وقاية لرأس المال، كما أشرنا إليه آنفاً، وفي التذكرة: «ولا نعلم في هذا خلافاً» وفي المسالك: «وهو محل وفاق»، وفي جامع المقاصد: «وقد أجمع علماء الإسلام علي ذلك». ويظهر من بعض كلماتهم المفروغية عنه.

وقد استدل عليه في جامع المقاصد وغيره بموثق إسحاق بن عمار عن أبي الحسن (عليه السلام): «سألته عن مال المضاربة. قال: الربح بينهما والوضيعة علي المال»((1)) قال: «لأن المال يتناول الأصل والربح».

وهو كما تري فإن المال وإن كان يتناول الأصل والربح، إلا أن مال المضاربة الذي هو موضوع السؤال يختص بالأصل الذي هو مقابل للربح، ويكون الربح منه.

ويظهر من غير واحد توجيه ذلك بأنه مقتضي المضاربة، وأن المراد فيها بالربح الذي يستحق العامل حصة منه ما زاد علي رأس المال، وبعد تدارك نقصه بسبب الخسران الطارئ.

وهو غير بعيد في الجملة، لاختلاف المعاملات الواردة علي المال في الربح

********

((1) وسائل الشيعة ج: 17 باب: 3 من أبواب كتاب المضاربة حديث: 5.

ص: 301

والخسران وعدم انضباطها نوعاً بل قد يربح المال كله في شهر مثلاً، ثم يتجدد الخسران في الشهر اللاحق، لاستمرار دورانه في التجارة، فلو كان المراد بالربح الذي يستحق العامل منه الحصة، هو الربح الحاصل في كل معاملة أو في كل زمان بنحو الانحلال أو لصعب ضبطه، واحتاج إلي عناية ليس البناء في المضاربة عليها نوعاً.

وبذلك يتعين الخروج عن إطلاق الصحيح الوارد فيما إذا اشتري العامل أباه المتضمن أنه إذا زادت قيمته ينعتق في حصة ولده ويستسعي في الباقي((1)) والمتقدم في أواخر المسألة الثانية، فيحمل علي ما إذا لم يسق الخسران بقدر الزيادة المذكورة أو أكثر من مال المضاربة.

اللهم إلا أن يقال: الجبر في رتبة متأخرة عن ظهور الربح وملك العامل للحصة منه؛ وحينئذٍ يملك العامل الحصة ممن ينعتق عليه لو زادت قيمته حتي لو سبق الخسران في غيره. فينعتق عليه، ولا يمنع الجبر من ملكه له.

هذا ويظهر من غير واحد أن المدار في تدارك الخسران بالربح الحاصل علي بقاء المضاربة في المال وعدم فسخها. ورتبوا علي ذلك أنه لو قسم الربح بعد ظهوره وأخذ العامل حصة منه، ثم تجدد الخسران بعد القسمة تعين عليه إرجاع ما أخذ. ونفي في الجواهر الريب فيه. وهو إنما يتجه إذا كان الجبر المذكور مقتضي المضاربة لدعوي ابتنائها علي سلامة رأس المال للمالك وعدم استحقاق العامل شيئاً إلا بعد ذلك.

وهو غير ظاهر، والمتيقن مما سبق هو الجبر لاتفاقهما عليه المستكشف من عدم اهتمامهما بضبط المعاملات المربحة عن غيرها. ولا ملزم بالبناء عليه فيما إذا اتفقا علي عدم الجبر بتمييز المعاملات التي يقع الجبر فيها عن غيرها، كما هو ظاهر حالهما عند قسمة الربح، لظهوره في بنائهما علي استقلال العامل فيما يقسم له منه، وأن الجبر إنما يكون بين المعاملات المتجددة، دون السابقة علي الجبر، إلا مع التصريح بخلاف ذلك، وأن الجبر يشمل الربح المقسوم.

********

((1) وسائل الشيعة ج: 13 باب: 8 من أبواب كتاب المضاربة حديث: 1.

ص: 302

وكذا إذا اتفقا مثلاً علي الجبر بين خصوص أفراد المعاملات الجارية في خصوص بعض أنواع البضاعة، وأن لكل بضاعة معاملاتها الخاصة بها، فيكون الجبر بينها، من دون أن يتعدي للمعاملات الجارية في البضاعة الأخري.

ولا ملزم بتوقف عدم الجبر في الأول علي إنهاء المضاربة بالقسمة واستئناف مضاربة أخري بعدها، وفي الثاني علي تعدد المضاربة بتعدد البضاعة.

وبالجملة: ليس الجبر مقتضي مفهوم المضاربة، بحيث لا يمكن الخروج عنه إلا بفسخها وإنهائها، بل هو أمر خارج عنها تابع لاتفاق الطرفين سعة وضيقاً.

ودعوي: أن في جبر الخسارة المتجددة بالربح السابق بعد ملك العامل لحصته نحو من تضمين العامل للخسارة المذكورة، فإذا كان ذلك مقتضي المضاربة أمكن البناء عليه كحكم شرعي، يبتني علي استثناء ذلك مما دل علي عدم ضمان العامل. أما إذا كان مقتضي اتفاقهما الخارج عن المضاربة رجع ذلك إلي اشتراطهما الضمان علي العامل، ويأتي في آخر المسألة إن شاء الله تعالي المنع من ذلك، وبطلان الشرط المذكور، بل مبطليته للمضاربة.

مدفوعة.. أولاً: بأن ظاهر دليل بطلان شرط ضمان العامل هو بطلان شرط ضمانه في ذمته، لا ضمانه في ربح مال المضاربة.

وثانياً: بأن السيرة علي عدم ضبط المعاملات الواقعة علي المال في المضاربة وتمييز المشتمل منها علي الربح من المشتمل علي الخسارة كما يمكن أن تكون دليلا علي استثناء الضمان المذكور من عموم عدم ضمان العامل للخسارة، يمكن أن تكون دليلاً علي استثناء شرط الضمان في موردها من عموم بطلان شرط الضمان ومبطليته للمضاربة لو كان شاملاً في نفسه للمقام.

هذا ولو فرض أن جبر الربح للخسارة مقتضي نفس المضاربة فلا ملزم بكونه مقوماً لها بحيث يكون شرط عدم الجبر منافياً لمقتضي العقد، بل يمكن أن يكون مقتضي إطلاقها بنحو يمكن الخروج عنه بالشرط.

ص: 303

ولا محذور في اشتراط عدم جبر الخسارة بالربح الراجع لاشتراط عدم ضمان العامل الخسارة في ماله المذكور، بل هو مقتضي عموم نفوذ الشرط، وليس هو كاشتراط الضمان علي العامل مورداً للنهي شرعاً.

وعلي هذا إذا اتفقا علي استمرار العمل علي المضاربة بعد قسمة الربح من دون جبر للخسارة المتجددة بالربح المقسوم - كما هو ظاهر حال القسمة - نفذ الشرط المذكور. فلاحظ.

هذا وقد سيق التلف في كلماتهم مساق الخسارة في الانجبار بالربح، بنحو قد يظهر في المفروغية عن انجباره بالربح مثلها. غاية الأمر أنه لم يجزم في الشرايع والقواعد وبعض ما تأخر عنهما بالانجبار مع التلف قبل الدوران في التجارة، مع ذهاب المشهور للعموم له، لما سبق منهم من دعوي ابتناء المضاربة علي سلامة تمام رأس المال للمالك. وقد سبق منّا الإشكال في ذلك.

نعم لا إشكال بملاحظة السيرة في جبر التلف الحاصل بعد الشروع في التجارة مما هو من شؤونها، كضياع بعض المال، وخطأ الحساب، وتلف بعض البضاعة، وضريبة السلطان عليها، ونحو ذلك.

أما ما يطرأ علي المال أو البضاعة مما هو خارج عن ذلك فلا يتضح البناء علي الجبر فيه، كما لو صادر السلطان نصف البضاعة أو سرق سارق بعد ظهور الربح فيها وكذا لو تلف بعض المال بعد الإنضاض وبعد إكمال العمل المطلوب في المضاربة أو قبله إذا كان قد ظهر الربح فيه أو نحو ذلك.

ولا أقل من كون الجبر في ذلك مخالفاً لمقتضي الأصل، لثبوت حصة العامل بنحو الإشاعة في مجموع المال، بناء علي ما سبق في أول المسألة من ملك العامل الحصة بظهور الربح، فخروج حصة العامل في الباقي من المال عن ملكه بسبب تلف التالف يحتاج إلي دليل.

وأظهر من ذلك ما إذا كان التلف قبل الدوران في التجارة، لرجوع ذلك إلي

ص: 304

(305)

ولا خسران عليه (1)

نقصان مال المضاربة، فيكون الربح في الحقيقة لخصوص الباقي لا لجميع المال، فلا وجه لانجبار التالف به بعد عدم كونه ربحاً له.

بل لا يظن بالمالك ولا بالعامل حينئذٍ القصد إلي المضاربة بنحو يتدارك بربح الباقي ما تلف من المال. كما لا يظن بالعرف البناء علي ذلك.

هذا وحيث سبق منّا أن الانجبار يبتني علي قصدهما له فالمتعين تبعيته لقصدهما التفصيلي أو الإجمالي سعة وضيقاً. وما ذكرناه إنما هو لتشخيص قصدهما الإجمالي، وإن أمكن الخروج عنه إذا صرحا بخلافه. فلاحظ. والله سبحانه وتعالي العالم.

(1) كما صرح به جمهور الأصحاب، بنحو يظهر منهم التسالم عليه، ونفي الخلاف فيه بل ادعي الإجماع عليه في الجواهر.

ويقتضيه - مضافاً إلي عموم عدم ضمان الأمين الذي تقدم الاستدلال عليه في المسألة الثانية والثلاثين من كتاب الإجارة - النصوص الخاصة المستفيضة، كصحيح محمد بن قيس عن أبي جعفر (عليه السلام): «قال: قال أمير المؤمنين (صلوات الله عليه): من اتجر مالاً واشترط نصف الربح فليس عليه ضمان»((1))، وموثق إسحاق بن عمار عن أبي الحسن (عليه السلام): «سألته عن مال المضاربة قال: الربح بينهما والوضيعة علي المال»((2)) وغيرهما، ومنها النصوص الآتية في حكم اشتراط الضمان، والواردة في مخالفة العامل أمر المالك المتقدم بعضها في المسألة الثانية، حيث تضمن جملة منها اشتراط الضمان بالمخالفة.

نعم في صحيح الكاهلي عن أبي الحسن موسي (عليه السلام): «في رجل دفع إلي رجل مالاً مضاربة، فجعل له شيئاً من الربح مسمي، فابتاع المضارب متاعاً فوضع فيه.

********

((1) الكافي ج: 5 ص: 24. وسائل الشيعة ج: 13 باب: 2 من أبواب كتاب المضاربة حديث: 2.

((2) وسائل الشيعة ج: 13 باب: 2 من أبواب كتاب المضاربة حديث: 5.

ص: 305

بدون التفريط (1)

قال: علي المضارب من الوضيعة بقدر ما جعل له من الربح».

لكن لا مجال للخروج به عن النصوص المستفيضة المعول عليها عند الأصحاب، خصوصاً في هذه المسألة الشايعة الابتلاء، حيث يمتنع عادة خطأ الأصحاب فيها. فهو من المشكل الذي يرد علمه إلي أهله.

وقد حمله الشيخ علي ما إذا كان المضارب شريكاً، علي ما هو دأبه في محاولة الجمع بين الأخبار مهما أمكن. لكنه يقتضي تحمله من الوضيعة بقدر نسبة شركته، لا بنسبة ما جعل له من الربح في المضاربة.

ومثله ما في الرسائل من احتمال الحمل علي التفريط. إذ هو يقتضي تحمله تمام الوضيعة، لا بالنسبة المذكورة، كما هو ظاهر. فالعمدة ما سبق.

(1) كما يظهر من كلماتهم المتفرقة المفروغية عنه. لما هو المعلوم من أن المقام من صغريات الأمانة التي يختص عدم الضمان فيها بصورة عدم التعدي والتفريط.

ومنه يظهر الضمان أيضاً بالتعدي عما عينه المالك والخروج عن شرطه، كما صرح به الأصحاب من دون إشكال أو خلاف، وتضمنته النصوص الكثيرة التي تقدم بعضها في المسألة الثانية. فراجع.

هذا وقد تقدم في كتاب الإجارة أن الضمان في الأمانات مع التعدي والتفريط يختص بما إذا كان ترتب التلف أو النقص لهما، فلو لم يترتب عليهما وحصلا بعد ذلك فلا ضمان، وذلك يجري في المقام.

وأما مخالفة شرط المالك في المقام فإطلاق جملة من النصوص المتقدمة وإن كان يقتضي الضمان حتي لو لم يستند التلف أو الخسارة لها، إلا أن من القريب جداً انصرافه عن ذلك، واختصاصه بما إذا كانت المخالفة هي المنشأ لهما، تبعاً لمناسبة الحكم والموضوع. ولاسيما مع اختصاص بعض النصوص به، كقوله (عليه السلام) في صحيح

ص: 306

(307)

وإذا اشترط عليه تحمل الخسران لم يصح الشرط (1)

الحلبي الوارد في اشتراط المالك السفر لأرض خاصة: «فإن جاوزها وهلك المال فهو ضامن»(((1))). وأظهر منه قوله في حديث الكناني: «فعصي فخرج به إلي أرض أخري فعطب المال»(((2))). وهما وإن لم ينهضا بتقييد المطلقات، لعدم التنافي بينهما، لاتفاقهما في الإثبات، إلا أنهما يناسبان الانصراف المشار إليه آنفاً. فلاحظ. والله سبحانه وتعالي العالم.

(1) كما في التذكرة والتحرير ويظهر من القواعد والإيضاح وغير واحد من شروحها المفروغية عنه.

وقد استدل عليه في كلام غير واحد بمخالفته لمقتضي العقد. ولم يتضح وجهه، لتقوم المضاربة برأس المال والربح والعمل، ولا دخل لعدم ضمان رأس المال فيها، وإنما هو من شؤون الأمانية اللازمة لها. وعدم الضمان في الأمانة من حيث هي لا ينافي التضمين بالشرط الزائد عليها، نظير ما تقدم منا في المسألة الثانية والثلاثين من كتاب الإجارة فراجع.

ومثله ما يظهر من سيدنا المصنف (قدس سره) من احتمال كون عدم الضمان في المضاربة ليس لعدم المقتضي للضمان، بل لوجود المقتضي لعدمه، فيكون اشتراط الضمان مخالفاً للكتاب، فيبطل، بناء علي ما سبق منه (قدس سره) في مبحث الشرط من أن معيار المخالفة للكتاب مخالفة الحكم الشرعي الناشئ عن المقتضي.

لما تقدم منّا هناك من عدم كون ذلك معياراً في المخالفة للكتاب، بل المعيار فيه كون الحكم موجباً لقصور السلطنة عن جعل مضمون الشرط. ولا مجال لذلك في المقام، لأن عموم سلطنة العامل علي نفسه يقتضي سلطنته علي تحمل مسؤولية المال

********

((1) وسائل الشيعة ج: 13 باب: 1 من أبواب كتاب المضاربة حديث: 2.

((2) وسائل الشيعة ج: 13 باب: 1 من أبواب كتاب المضاربة حديث: 6.

ص: 307

بحيث يدفع بدله مع الخسران، نظير ما تقدم في ضمان العين المستأجرة.

علي أنه لم يتضح من النصوص المتضمنة لنفي الضمان أو قصره علي صورة مخالفة شرط المالك كون عدم الضمان للمقتضي، ولا يتضح الفرق بينها وبين نصوص عدم ضمان العين المستأجرة، حيث تقدم منه (قدس سره) هناك صحة اشتراط ضمانها في الإجارة. ويظهر منه (قدس سره) في مستمسكه الاعتراف بذلك وإن لم يناسب فتواه هنا.

ولأجل ذلك صرح في العروة الوثقي بصحة شرط الضمان في المضاربة، وأمضاه جملة من محشيها.

نعم صرح بعض مشايخنا (قدس سره) بأنه لابد من كون مضمون الشرط تدارك الخسارة من ماله، دون انشغال الذمة بالمال، وهو يبتني علي مسلكه في الشروط من أنها إنما تتعلق بالأفعال، دون النتائج، كانشغال الذمة.

وسبقه إلي ذلك السيد الإصفهاني (قدس سره)، لكن مع لزوم كون الشرط في عقد آخر غير عقد المضاربة. وكأنه للبناء علي عدم نفوذ الشرط فيها، لجواز عقدها.

لكن سبق منّا في كتاب الإجارة وغيره جواز اشتراط مثل هذه النتائج الراجعة لمجرد الاستحقاق أو لسقوط الحق. كما سبق في أوائل الكلام في عقد المضاربة نفوذ الشرط فيها. فراجع.

نعم في حديث عبد الملك: «سألت بعض هؤلاء - يعني أبا يوسف وأبا حنيفة - فقلت: إني لا أزال أدفع المال مضاربة إلي الرجل فيقول: قد ضاع أو ذهب. قال: فادفع إليه أكثره قرضاً والباقي مضاربة. فسألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن ذلك. فقال: يجوز»((1)). وقريب منه أحاديث أخر رويت عنه((2)). وظاهرها أو صريحها المفروغية عن عدم صحة اشتراط الضمان في المضاربة بطبعها، وأن التضمين يحتاج إلي عناية في كيفية المضاربة.

********

((1) وسائل الشيعة ج: 13 باب: 2 من أبواب كتاب المضاربة حديث: 2.

((2) راجع وسائل الشيعة ج: 13 باب: 2 من أبواب كتاب المضاربة.

ص: 308

ويشير إلي ذلك ما عن نواد أحمد بن محمد بن عيسي عن أبيه قال: «قال أبو عبد الله (عليه السلام): كان للعباس مال مضاربة فكان يشترط أن لا يركبوا بحراً ولا ينزلوا وادياً، فإن فعلتم فأنتم ضامنون.

فأبلغ ذلك رسول الله (ص) فأجاز شرطه»((1)) إذ لو كان اشتراط الضمان جائزاً فلا حاجة للسؤال من النبي (ص) عن اشتراطه مع مخالفة الشرط.

بل قد يستفاد ذلك أيضاً من صحيح الحلبي عنه (عليه السلام): «أنه قال في المال الذي يعمل به مضاربة: له من الربح وليس عليه من الوضيعة شيء، إلا أن يخالف أمر صاحب المال، فإن العباس كان كثير المال، وكان يعطي الرجال يعملون به مضاربة، ويشرط عليهم أن لا ينزلوا بطن واد، ولا يشتروا ذا كبد رطبة، فإن خالفت شيئاً مما أمرتك به فأنت ضامن المال»((2)). فإن الاستشهاد فيه بقضية العباس إنما يحتاج إليه إذا كان التضمين منافياً لوضع المضاربة.

كما قد يستفاد ذلك أيضاً من صحيح إسحاق بن عمار عن أبي الحسن (عليه السلام): «سألته عن مال المضاربة. قال: الربح بينهما والوضيعة علي المال»((3)). لظهوره في شرح المضاربة وبيان مقتضاها شرعاً. غاية الأمر أنه مختص بالوضيعة المقابلة للربح ولا يعم التلف الطارئ علي المال.

ومن ثم يقرب خصوصية عقد المضاربة من بين العقود الأمانية في عدم صحة اشتراط الضمان فيه ابتداء في غير صورة مخالفة الشرط. ولا أقل من التوقف في ذلك. بل هو المتعين بلحاظ ما يأتي في حديثي محمد بن قيس. فلاحظ.

********

((1) وسائل الشيعة ج: 13 باب: 1 من أبواب كتاب المضاربة حديث: 12.

((2) وسائل الشيعة ج: 13 باب: 1 من أبواب كتاب المضاربة حديث: 7.

((3) وسائل الشيعة ج: 13 باب: 3 من أبواب كتاب المضاربة حديث: 5.

ص: 309

في بطلانها بذلك إشكال (1).

(1) ففي التذكرة أن الأقرب البطلان وفي القواعد أنه الوجه، وعليه جري في الإيضاح وجامع المقاصد. وهو المتعين بناء علي منافاة الشرط لمقتضي العقد أو علي أن الشرط الفاسد مفسد للمعاملة، كما أشير إليه في كلماتهم.

لكن سبق عدم منافاة هذا الشرط لمقتضي العقد، كما أن منافاة الشرط للكتاب لا تقتضي بطلان العقد به علي التحقيق، كما ذكرناه في مبحث الشرط. وعليه جري سيدنا المصنف (قدس سره).

ومن ثم لا يبعد كون منشأ توقفه في صحة العقد هنا ما صرح به بعض الأعاظم (قدس سره) أيضاً في حاشيته علي العروة الوثقي، وهو أن عقد المضاربة عندهم إذنياً، نظير الوكالة، وحينئذٍ قد يشكل إطلاق العقد والإذن بنحو يشمل صورة بطلان الشرط وعدم الإلتزام به.

لكن سبق عند الكلام في جواز عقد المضاربة عدم تمحض عقد المضاربة في الإذن، بل هو يبتني علي الإلزام والالتزام. وحينئذٍ لو فرض بطلان الشرط فحيث لا يكون بطلانه لمخالفة مقتضي العقد - كما سبق - يتعين كون بطلانه لمخالفة الكتاب، وهو لا يقتضي بطلان العقد، كما سبق في مباحث الشرط.

وقد تحصل: أنه لابد من البناء علي صحة العقد، إما مع بطلان الشرط - كما لعله المشهور - أو مع صحته، كما سبق ممن عرفت. هذا كله بحسب القواعد المعول عليها في سائر الموارد.

لكن في ذيل صحيح محمد بن قيس السابق: «وقال: من ضمن تاجراً فليس له إلا رأس ماله [المال] وليس له من الربح شيء»((1)) ونحوه موثقه، إلا أن فيه: «من

********

((1) وسائل الشيعة ج: 13 باب: 4 من أبواب كتاب المضاربة حديث: 2.

ص: 310

ضمن مضاربة...»((1)). ومقتضاهما جريان حكم الدين علي العقد مع اشتراط الضمان لا فساده رأساً، لبطلان العقد بالشرط، ولا بقاءه مضاربة وجريان حكمها عليه.

وظاهر المشايخ الثلاثة وصاحب الوسائل التعويل عليها. وهو صريح الغنية والنافع والتذكرة والرياض وظاهر غيرها، بل في الغنية الإجماع عليه. وعليه جري بعض السادة المعاصرين (قدس سره) في حاشيته علي العروة الوثقي.

وقد استشكل فيهما بوجهين:

الأول: ما ذكره سيدنا المصنف (قدس سره) من أنه من قبيل ما أرسل عن النبي (ص): «الخراج بالضمان». وهو مذهب المخالف وغير معمول به عندنا.

ويندفع بأنه لا قرينة في الحديثين علي ابتناء الحكم علي ذلك، ولاسيما مع اختلاف موردهما عن موضوع الحكم عندهم، لأن الموضوع عندهم الضمان الشرعي بغصب العين، والخراج عبارة عن منفعتها الخارجية، ومورد الحديثين الضمان بالشرط، والفائدة فيهما هي الربح المعاملي وارتفاع القيمة السوقية.

بل قد يبتني الحكم فيهما علي مشابهة الربح في المقام للفائدة الربوية، بلحاظ مشابهة رأس المال مع اشتراط ضمانه للدين، فلو شرع الشرط المذكور أمكن التذرع بالمضاربة لتحصيل الفائدة من المال مع التحفظ عليه، نظير ما ورد في من باع بثمن حالاً وبآخر مؤجلاً من ان البيع يكون بأقل الثمنين وأبعد الأجلين((2)).

ولعل ذلك هو منشأ ما سبق في أحاديث عبد الملك وغيرها من ظهور المفروغية عن عدم مناسبة شرط الضمان للمضاربة بطبعها.

الثاني: ما ذكره بعض مشايخنا (قدس سره) من أن الصحيح وارد في إقراض المال، لا في دفعه مضاربة مع اشتراط الضمان علي تقدير التلف، كما هو محل الكلام، لظهور قوله (عليه السلام): «من ضمن تاجراً...» في تضمينه المال ابتداء، الذي هو مفاد القرض، لا

********

((1) وسائل الشيعة ج: 13 باب: 4 من أبواب كتاب المضاربة حديث: 4.

((2) راجع وسائل الشيعة ج: 12 باب: 2 من أبواب أحكام العقود.

ص: 311

في اشتراط الضمان عليه علي تقدير التلف، مع بقائه علي ملكه.

وفيه: أن التضمين ابتداء كما يمكن أن يراد به نقل المال عن الملك مع الضمان فيكون إقراضاً في مقابل نقل المال عن الملك بلا ضمان كما في الهبة، يمكن أن يراد به جعله في مسؤولية الضامن مع بقائه علي ملك صاحبه، كما هو المراد باشتراط الضمان في العارية، ويكون أثره تحمل دركه علي تقدير التلف.

بل التعبير عن الإقراض بالتضمين غير معهود في الاستعمالات العرفية، لعدم تقوم الإقراض بالتضمين، بل بالنقل عن الملك المبني علي الضمان، فهو تمليك مبني علي الضمان، لا تضمين، وليس التضمين إلا جعل الضمان بنفسه الذي هو مفاد شرط الضمان.

ويؤكد ذلك الموثق، للتصريح فيه بالتضمين في المضاربة، فهو صريح في أن مورده عقد المضاربة إذا أخذ الضمان شرطاً فيه.

نعم من القريب جداً رجوعهما لحديث واحد، والاختلاف بينهما بسبب النقل بالمعني. لكن الموثق صالح لتفسير الصحيح، وحمله علي المضاربة.

ومن ثم يظهر من الأصحاب فهم المضاربة من الحديثين، لإيرادهما لهما في باب: المضاربة وباب تضمين العامل فيها.

وبما ذكرنا صرح في محكي، الوافي قال: «أريد بالحديثين أن في المضاربة لا ضمان علي العامل، فإن اشترط عليه الضمان يصير قرضاً»، وظاهر الحدائق أو صريحه موافقته في ذلك.

ومن الغريب ما ذكره بعض مشايخنا (قدس سره) من نسبة حمل الحديثين علي القرض للوافي والحدائق.

نعم الظاهر أنه لا يصير قرضاً حقيقة، لأن القرض معاملة خاصة تحتاج إلي قصد وإنشاء، والمفروض عدم القصد والإنشاء إلا للمضاربة، بل هو بحكم القرض

ص: 312

(313)

(مسألة 5): إذا اختلف المالك والعامل في قدر رأس المال (1)

في ضمان العامل للمال وانتقاله إليه، ليصير عوضه وربحه بتمامه له.

نعم المتيقن من ذلك ما لو لم يبق المال بعينه لتلفه أو دورانه في التجارة، أما مع بقائه عند العامل فهو باق علي ملك صاحبه فله المطالبة به، ولو لاستصحاب ملكه له. ولا مجال لذلك في القرض.

هذا ولا يفرق في ذلك بين اشتراط الضمان بنحو شرط النتيجة واشتراط تدارك الخسارة، ودفع العامل بدلها من ماله، لأن ذلك هو المفهوم عرفاً من إطلاق التضمين في الحديثين، والتفريق بين الوجهين مما يغفل العرف عنه.

كما لا يفرق فيه بين اشتراط تحمل العامل الخسارة بتمامها واشتراط اشتراكهما في ذلك بنسبة الربح أو بوجه آخر، للإطلاق المذكور، فلاحظ.

(1) فقد صرح جمهور الأصحاب بأن القول حينئذٍ قول العامل، وظاهر التذكرة الإجماع عليه. وقد استدل عليه في المبسوط وغيره بأن الأصل عدم قبض العامل للزائد.

هذا وقد استشكل في موضع من القواعد في إطلاق الحكم المذكور. بل خصه في جامع المقاصد والمسالك بما إذا لم يظهر ربح، دون ما إذا ظهر ربح بحيث يرجع قول العامل إلي دعوي استحقاقه حصة من المال، كما لو كان المال ثلاثة آلاف باقية، فادعي المالك أن رأس المال ألفان، ليشاركه العامل في خصوص الألف الثالث، وادعي العامل أنه ألف، ليشارك المالك في تمام الألفين الآخرين.

وكذا لو تلف المال في الفرض بتفريط من العامل، حيث يلزم علي العامل علي دعوي المالك ضمان ألفين وحصة المالك من الألف الثالث وعلي دعواه ضمان خصوص الألف وحصة

ص: 313

المال أو لكونه ربحاً له، فيعود له إن كان موجوداً، ويضمن له إن كان تالفاً بتفريط، ودعوي العامل مشاركته له في بعضه تحتاج إلي إثبات.

وقد أقرهما علي ذلك غير واحد ممن تأخر عنهما.

ومن ثم استشكل علي الإيضاح في قصر قبول قول العامل علي ما إذا تلف المال بتفريط منه، فيغرم الأقل، لأصالة عدم انشغال ذمته بالأكثر.

وجه الإشكال: أنه مع قبول قول المالك في ملكه لتمام المال - كالألفين وحصته من الثالث في الفرض السابق - ولذا يجب إرجاعه له لو لم يتلف يتعين ضمان العامل له بتمامه بالإتلاف.

نعم أشار في الإيضاح لتوجيه قبول قول العامل مطلقاً بأن المال لما كان تحت يده فمقتضي القاعدة البناء علي ملكه له بتمامه إلا ما يعترف بأنه ملك لصاحب المال.

وقد أجاب عن ذلك سيدنا المصنف (قدس سره) بأن ذا اليد لما أقر بأن أصل المال للمالك احتاج في إثبات دعوي الاستحقاق إلي بينة، ومع عدمها يقدم قول المالك، لسقوط يد العامل عن الحجية بهذا الإقرار.

وكأنه إليه يرجع ما ذكره بعض مشايخنا (قدس سره) من سقوط حجية اليد مع اعتراف صاحبها بانتقال المال إليه من غيره وإنكار غيره ذلك، حيث ينقلب المدعي منكراً والمنكر مدعياً.

لكن ذلك كله إنما يتجه فيما إذا ادعي صاحب اليد هبة العين ممن قبله وأنكر من قبله الهبة، أو ادعي مستوفي المنفعة العارية وأنكر مالك العين ذلك مدعياً الغصب، ومثلهما في المضاربة ما إذا اختلفا في مقدار حصة العامل مع الاتفاق علي مقدار رأس المال، لأن انتقال الحصة الزائدة للعامل موقوف علي اشتراطها في العقد، ومع الشك فيه فالأصل عدمه، وتبعية الربح للمال وصيرورته لصاحبه.

أما في المقام فالمفروض اتفاقهما علي حصة العامل من الربح، والخلاف في

ص: 314

مقدار رأس المال، والأصل - كما سبق من المبسوط - عدم قبض العامل للزائد، كي يستثني من الربح الحاصل.

وبعبارة أخري: المفروض الاتفاق بينهما في إمكان مشاركة العامل في المال. وحينئذٍ فالخلاف بينهما في منشأ اشتراكه إن كان للخلاف في حصته فحيث كان مقتضي الأصل عدم زيادة الحصة فالقول قول المالك. أما إذا كان للخلاف في مقدار رأس المال فحيث كان مقتضي الأصل عدم زيادته فالمتعين قبول العامل.

ودعوي: أن الأصل المذكور لا يحرز كون تمام ما زاد علي ما يدعيه العامل ربحاً له بخصوصه، كي تخرج حصة العامل منه بتمامه. ففي الفرض السابق وإن كان مقتضي الأصل عدم قبض الألف الثاني، إلا أن ذلك لا يحرز كون تمام الألفين الباقيين ربحاً لخصوص الألف الذي يعترف العامل بقبضه، ليشترك هو والمالك فيهما بتمامهما.

مدفوعة بأنه يكفي في إحراز ذلك قول العامل، لقبول قول صاحب اليد فيما تحت يده بعد قضاء الأصل السابق بعدم قبول قول المالك في دفعه الزائد علي ما يدعيه العامل واستحقاقه له بنفسه أصالة، لا بما هو ربح يشاركه فيه العامل. علي أن المال حيث كان تحت يد العامل فالمتعين قبول قوله في ملكه الحصة منه بعد اعتراف المالك بعدم انفراده بغير رأس المال المفروض قضاء الأصل بأنه الأقل.

ولولا ذلك للزم قبول قول المالك لو ادعي أنه زاد بعد عقد المضاربة في رأس المال وأنكر العامل ذلك، لأن الأصل إذا لم ينفع في دفع احتمال الزيادة فكما لا ينفع في الزيادة من أول الأمر لا ينفع في الزيادة المتجددة، ولا يظن الالتزام من أحد بذلك.

والمتحصل: أنه يتعين عموم قبول قول العامل في تعيين رأس المال لصورة وجود الربح، كما هو المشهور، بل سبق أن ظاهر التذكرة الإجماع عليه، لما عرفت من مطابقته للأصل.

ص: 315

وفي التلف (1) وفي عدم التفريط (2) وفي الخسران (3) كان القول قول

(1) صرح جمهور الأصحاب بقبول قول العامل فيه، ونفي الخلاف فيه في الرياض. وفي المسالك: «لا فرق في ذلك بين دعواه تلفه بأمر خفي - كالسرق - أو ظاهر - كالحرق - ولا بين إمكان إقامة البينة عليه وعدمه عندنا. لكونه أميناً، فيقبل قوله فيه كسائر الأمناء». بل يكفي كونه صاحب يد، ويقبل قول صاحبها فيما تحت يده، ولذا صرحوا بقبول قول الغاصب فيه.

غايته أنه يضمن التالف. ولا مجال للضمان هنا بعد كون العامل أميناً. وقد تقدم في خبر عبد الملك بن عتبة ما يظهر منه المفروغية عنه.

نعم تقدم في المسألة الثالثة والثلاثين من كتاب الإجارة عدم قبول قول الأجير في تلف العين التي تحت يده في الجملة. وربما يأتي نظيره في دعوي المستعير والمرتهن تلف العين المستعارة والمرهونة. وحمل المقام علي ذلك - كما يظهر من بعض مشايخنا (قدس سره) - غير ظاهر الوجه. ولا أقل من عدم كونه أولي من حمل المقام علي الوديعة التي ثبت فيها قبول قول الودعي في التلف. فلاحظ.

(2) فقد صرح بقبول قول العامل فيه في القواعد والتحرير والإرشاد وجامع المقاصد ومجمع الفائدة وغيرها. وفي مفتاح الكرامة: «وهو قضية قواعد الباقين، لأنه منكر. ولهذا قال في الرياض إنه لا خلاف فيه».

وإنما صار منكراً مع أن التفريط قد يكون بأمر عدمي - كعدم نشر الثياب وعدم إطعام الدواب ونحوهما - لأنه صاحب يد وأمين يقبل قوله فيما تحت يده وفي أمانته. مع أن هذه الأمور ليست موضوعاً للضمان بعناوينها، بل بلحاظ ما يستلزمها من التفريط والخروج عن مقتضي الاستئمان، ولا أصل يحرز ذلك، بل مقتضي الأصل عدمه. ومثل ذلك الخيانة، كما في التحرير.

(3) فقد صرح جمهور الأصحاب بقبول قول العامل فيه، لعين ما تقدم في

ص: 316

العامل، وإذا اختلفا في رد المال كان القول قول المالك (1) علي الأقوي،

سابقه. وفي التذكرة: «هذا إذا كان الخسران في موضع يحتمل، بأن عرض في الأسواق كساد، ولو لم يحتمل لم يقبل».

لكن المعيار إن كان هو احتمال أحد المتداعيين فالمفروض أن العامل يدعي الخسران، ومقتضي دعواه العلم به. كما أن المالك ينكره. وإن كان هو احتمال الحاكم فهو يبتني علي أن للحاكم الحكم بعمله، والتحقيق عدمه. فلاحظ.

(1) كما في الشرايع والنافع وجملة من كتب العلامة وشروحها وغيرها، وعن الكفاية وأنه الأشهر، وزاد في الرياض بل لعله عليه عامة من تأخر. وقد استدل عليه في كلامهم بأنه هو المنكر، لموافقة قوله للأصل.

وظاهر التحرير التوقف، وصريح المبسوط تقديم قول العامل مع تصريحه بأنه أحد القولين في المسألة. وكأنه لأنه أمين، كالودعي.

لكن المتيقن من قبول قول الأمين قبوله فيما تحت يده فيما لا يتعلق بالغير، كالتلف والخسارة ونحوهما، دون مثل الرد مما هو مشترك بينه وبين المالك المفروض إنكاره في المقام.

وثبوت ذلك في الودعي بالإجماع ونحوه - لو تم - لا يقتضي ثبوت ذلك في المقام بعد الفرق بينهما بأن الودعي يقبض المال لمصلحة المالك فهو محسن محض، بخلاف مثل المضارب ممن يقبضه لمصلحة نفسه ومصلحة المالك معاً، كما نبه لذلك في المبسوط، فإنه - بعد أن ذكر في المسألة قولين، وأن الصحيح منهما هو قبول قول العامل - قال: «وجملته: أن الأمناء ثلاثة أضرب: من يقبل قوله في الرد قولاً واحداً، ومن لا يقبل قوله في الرد قولاً واحداً، ومختلف فيه. والأصل فيه: أن من قبض الشيء لمنفعة مالكه قُبِل قوله في رده، وهو المودع والوكيل. وكل من قبض الشيء ومعظم المنفعة له لم يقبل قوله في الرد قولاً واحداً، كالمرتهن والمكتري، وكل من قبض العين

ص: 317

(318)

ليشتركا في الانتفاع فعلي وجهين، كالعامل في القراض والوكيل بجعل...».

بل فهم في مفتاح الكرامة من آخر كلامه هذا التوقف في المسألة بعد الجزم سابقاً بقبول قول العامل. لكن الظاهر أن مراده به مجرد ثبوت الخلاف في القسم الثالث، من دون عدول عما سبق منه من الجزم بتقديم قول العامل في المقام.

وكيف كان فلا مخرج عما ذكرنا من مخالفة قول العامل للأصل، فلا يقبل قوله، بل القول قول المالك في عدم الرد.

نعم لو احتمل المالك صدقه فليس له اتهامه وطلب البينة منه ولا اليمين، بل عليه قبول قوله، كما يظهر مما يأتي في الوديعة. وإنما له مخاصمته مع علمه بكذبه، وحينئذٍ يكون القول قول المالك كما سبق.

بقي في المقام أمران:

الأول: أنه قال في جامع المقاصد بعد الحكم بتقديم قول المالك: «إذا قدمنا قول المالك في عدم الرد يلزم تخليد حبس العامل، لأنه بدعواه الرد إن كان في الواقع صادقاً امتنع أخذ المال منه مرة أخري، لأنه ليس عنده، وإن كان كاذباً فظاهر حاله أنه لا يظهر تكذيب نفسه، فيلزم تخليد حبسه في كثير من الصور. إلا أن يحمل كلامهم علي أن الواجب حبسه إلي أن يحصل اليأس من ظهور العين، ثم يأخذ منه البدل للحيلولة. ولم أظفر في كلامهم بشيء في تنقيح ذلك». وقريب منه في المسالك.

ولا يظهر منهما ما نسبه سيدنا المصنف (قدس سره) لهما من الاستدلال بذلك علي تقديم قول العامل. بل مجرد الكلام في الموقف من العامل بعد فرض تقديم قول المالك.

ومن الظاهر أنه لا موضوع للحبس مع عدم بسط يد الحاكم.

وغاية ما يقال أن علي العامل دفع المقدار المدعي، إما لكونه عين المال المستحق أو بدلاً عنه، يأخذه المالك إذا كان صادقاً، إما لكونه حقه أو لكونه بدلاً عن حقه

ص: 318

(319)

وكذا إذا اختلفا في قدر نصيب العامل (1).

للحيلولة، أو مقاصة.

لكن ذلك موقوف علي ثبوت ضمانه للعين بتعديه عليها أو بحبسها مع إمكان تسليمها للمالك. ومجرد عدم ثبوت صدقه في دعوي الرد لا يقتضي ذلك، لإمكان ضياع العين أو تلفها من دون تفريط منه وخطئه في دعوي الرد. بل حتي مع كذبه في ذلك لا ضمان عليه حينئذٍ، لأن الكذب المذكور ليس من أسباب الضمان إذا لم يثبت بسبب سابق.

وأما مع بسط يد الحاكم فله حبسه تعزيراً إن قامت الأمارة علي امتناعه من دفع العين مع قدرته عليها ومطالبة المالك بها. نظير حبس الغاصب لو امتنع من تسليم العين المغصوبة.

ومجرد عدم قبول قوله في دفع العين لا يستلزم ذلك، لإمكان خطئه، أو فقده للعين ولو تقصيراً فنهرب عن الضمان بدعوي تسليمها للمالك وحينئذٍ يجري ما سبق في صورة عدم بسط يد الحاكم. ويأتي نظير ذلك في الوديعة إن شاء الله تعالي.

الثاني: قال سيدنا المصنف (قدس سره) بعد الحكم بتقديم قول المالك: «نعم إذا كان المالك قد أمره بالرد إلي موضع معين عند انتهاء المضاربة فادعي العامل ذلك لم يبعد القبول، كغيره من الأعمال المتعلقة به بالنسبة إلي المال، لاختصاص الفعل به حينئذٍ».

بل هو المتعين، لما هو المعلوم من أن من ملك شيئاً ملك الإقرار به، وأن قول الوكيل يقبل في إيقاع ما وكل فيه. نعم إذا أمره بدفعه لشخص خاص فادعي دفعه له وأنكر ذلك الشخص جري حكم إنكار المالك، لعين ما سبق.

(1) كما في المبسوط والشرايع وجملة من كتب العلامة وغيرها، ونسبه في التذكرة لعلمائنا بنحو يظهر في الإجماع عليه. ولعل ما في الرياض من أنه الأشهر وما عن الكفاية من أنه المشهور بلحاظ ما يأتي إن شاء الله من جامع المقاصد، الذي لم

ص: 319

يتضح كونه خلافاً في المسألة.

والوجه فيه ما ذكره غير واحد من أن الأصل تبعية الربح للأصل، فيتقصر في الخروج عنه علي المتيقن.

وزاد في التذكرة أن المالك منكر. والظاهر رجوعه للأول، بلحاظ نتيجة الدعوي. أما بلحاظ صورتها فهو مدع كالعامل.

وأشكل من ذلك ما ذكره من أن الاختلاف في فعل المالك، وهو أبصر به وأعرف. إذ فيه: أن تعيين حصة العامل فعلهما معاً، ولا يختص بالمالك، لفرض كون المضاربة عقداً. نعم يتجه فيما إذا كانت المضاربة بنحو الجعالة، حيث تكون إيقاعاً يقبل في تحديده قول الجاعل، كما تقدم منا في الجعالة. لكنه خارج عن مفروض كلامهم. فالعمدة الأول.

هذا وفي جامع المقاصد: «وهذا واضح إن كان الاختلاف قبل حصول الربح، لأن المالك متمكن من منع الربح كله بفسخ العقد. وأما بعد حصوله فكل منهما مدع ومدعي عليه، فإن المالك يدعي استحقاق العمل الصادر بالحصة الدنيا والعامل ينكر ذلك، فيجيء القول بالتحالف إن كانت أجرة المثل أزيد مما يدعيه المالك. ولا أعلم الآن لأصحابنا قولاً بالتحالف، وإنما القول بالتحالف مع الاختلاف في الربح مطلقاً قول الشافعي».

لكن المعيار في تشخيص المدعي والمنكر إن كان هو صورة الدعوي فلا فرق في كون المورد من التداعي بين النزاع قبل ظهور الربح والنزاع بعده. ومجرد استحقاق المالك - بل والعامل - فسخ المضاربة في الأول لا أثر له في صورة الدعوي. علي أن المضاربة قد تكون لازمة لا يحق للمالك فسخها، كما نبه له في الجواهر.

وإن كان هو نتيجة الدعوي - كما هو الظاهر - فلا فرق في كون المالك منكراً بين الصورتين، للعلم بعد استحقاق العامل أجرة المثل، بل حصة من الربح، لفرض صحة المضاربة، وإنما يشك في استحقاقه الزيادة، والأصل عدمه كما سبق. ومن هنا

ص: 320

(321) (مسألة 6): ينفق العامل في السفر من أصل المال (1) قدر

لا مخرج عما عليه الأصحاب.

(1) كما صرح به جمهور الأصحاب وصريح الخلاف والسرائر وظاهر التذكرة الإجماع عليه. لصحيح علي بن جعفر عن أخيه أبي الحسن (عليه السلام): «قال في المضارب [المضاربة] ما أنفق في سفره فهو من جميع المال. وإذا قدم بلده فما أنفق فمن نصيبه» ونحوه موثق السكوني عن أبي عبد الله (عليه السلام) عن أمير المؤمنين (عليه السلام). ومرسل الصدوق عن أمير المؤمنين((1)) (عليه السلام).

ونسبه في جامع المقاصد ومجمع البرهان ومحكي إيضاح النافع للمشهور، وفي المسالك وعن الكفاية والمفاتيح أنه الأشهر. قال في مفتاح الكرامة: «ولا يعجبني، لندرة المخالف جداً». وكأنه لأنه لم يعرف الخلاف في ذلك إلا من المبسوط، حيث ذكر أن الأقوي أن لا ينفق منه مطلقاً، كما في الحضر، لأنه دخل علي أن يكون له من الربح سهم معلوم فليس له أكثر من ذلك، لأنه ربما لا يربح المال أكثر من هذا القدر. ثم ذكر أنه لو قيل بأن له الإنفاق منه فالأصح أنه إنما ينفق منه فرق ما بين نفقة السفر والحضر، لا تمام النفقة.

وهو منه (قدس سره) غريب جداً بعد أن روي صحيح علي بن جعفر في التهذيب، وأفتي بمضمونه في النهاية والخلاف مستدلاً في الثاني بإجماع الفرقة وأخبارهم.

ومثله ما قد يظهر من القواعد من التوقف في المسألة واحتمال أن يتحمل مال المضاربة خصوص الفرق بين نفقتي السفر والحضر. بل قرب الاحتمال المذكور في كشف الرموز. حيث لا وجه له مع النص المعتبر، المعول عليه عند الأصحاب (رضوان الله تعالي عليهم).

هذا ومقتضي إطلاق النص والفتوي عدم الفرق بين علمهما بالحكم المذكور

********

((1) وسائل الشيعة ج: 13 باب: 6 من أبواب كتاب المضاربة حديث: 1 وذيله.

ص: 321

(322)

وجهلهما به. لكن عن إيضاح النافع أن في لزومها مع جهلهما به نظر، لعدم التراضي عليها، إلا أن يقال: إن مثلها مستثني، لعدم الخسران علي العامل. وفيه تأمل.

وكأن مراده بما ذكره أخيراً أن النفقة من سنخ الخسارة التي لا يتحملها العامل، وهي مجهولة حين العقد. ووجه التأمل أن استثناء الخسارة لا يقتضي جواز إيقاعها بإنفاق المال بغير إذن المالك، بل يتعين ضمان العامل لها لو أوقعها. فالعمدة في المقام أن اعتبار تراضيهما بها أو إذن المالك فيها مخالف لإطلاق النص والفتوي، فلا مجال للبناء عليه.

بقي في المقام أمور:

الأول: أنهم صرحوا بأنه ليس للمضارب السفر إلا بإذن المالك، وصريح الخلاف والغنية والسرائر الإجماع عليه، وهو ظاهر جامع المقاصد والمسالك ومحكي المفاتيح.

وقد استدل عليه غير واحد بأن فيه تغريراً بالمال. وحيث عممه غير واحد لما إذا كان الطريق مأموناً فلابد من كون مرادهم بالتعزير ما يعم التغرير نوعاً.

لكن من الظاهر أن مقتضي إطلاق عقد المضاربة إيكال الأمر للعامل في أن يعمل بما يراه صلاحاً للمال، من دون فرق بين السفر وغيره، فيتعين العمل علي ذلك.

بل قد يجب السفر، كما لو تعرض المال في البلد للخطر، وكان السفر آمن له. وإن كان فيه خطر بمرتبة أضعف. ومانعية خطر السفر الشخصي فضلاً عن النوعي تحتاج إلي دليل.

وما في جامع المقاصد من قصور الإطلاق عن السفر في غاية المنع، إلا مع القرينة ولو كانت هي شاهد الحال. فيخرج عن محل الكلام.

كما لا مجال للخروج عما ذكرنا بدعاوي الإجماع المتقدمة. لما تكرر منّا من عدم التعويل علي الإجماعات الحاصلة في عهد تحرير الفتاوي، من دون ظهور استنادها

ص: 322

(323)

لرأي المعصومين (صلوات الله عليهم)، خصوصاً مع ظهور كلام كثير منهم في التعويل في الحكم علي الوجه المتقدم.

وأشكل من ذلك ما في جامع المقاصد من الاستدلال بالنصوص المتضمنة للضمان بالسفر مع نهي المالك عنه، كصحيح محمد بن مسلم عن أحدهما (عليهما السلام): «سألته عن الرجل يعطي المال مضاربة، وينهي أن يخرج به، فخرج. قال: يضمن المال، والربح بينهما»(((1))) وغيره. وكأنه لما سبق منا عند الكلام في مخالفة شرط المالك من قضاء المناسبات الارتكازية بأن منشأ الضمان العدوان.

لكن من الظاهر خروجها عن محل الكلام من فرض الإطلاق. إذ لا إشكال في عدم جواز مخالفة المالك في السفر وغيره مما لا إشكال عندهم في جوازه مع عدم نهيه عنه. وما في مفتاح الكرامة من أن فيه نوع دلالة غريب. ولعله لذا لم يتعرض للحكم المذكور في الشرايع وغيره.

لكن في مفتاح الكرامة: «وتركه في كلام الأكثر لظهوره. مع أنه يستفاد من حكمهم بالضمان قولاً واحداً». وهو منه (قدس سره) تخرص لا شاهد له. والمعلوم من حكمهم بالضمان ما إذا نهي المالك عن السفر، كما تضمنته النصوص.

الثاني: قال في التذكرة: «هذا كله في السفر المباح. أما لو خالف المالك فسافر إلي غير البلد الذي أمره بالسفر إليه فإنه لا يستحق النفقة، سواء قل الربح أو كثر» ونحوه كلام غيره.

والوجه فيه: انصراف النصوص للسفر الذي تقتضيه المضاربة، وصلاح المال، دون غيره مما لا تقتضيه، كالسفر الذي يخص العامل، أو تقتضي عدمه، كالسفر المنهي عنه من قبل المالك، أو الذي يضر بالمال.

نعم يكفي في إباحة السفر الإذن المستفاد من الإطلاق من دون حاجة للإذن

********

((1) وسائل الشيعة ج: 13 باب: 1 من أبواب كتاب المضاربة حديث: 1.

ص: 323

(324) (324)

الخاص، كما يظهر مما سبق.

الثالث: قال في المسالك: «ولا يعتبر في النفقة ثبوت الربح، بل ينفق من أصل المال إن لم يكن ربح وإن قصر المال. نعم إن كان ربح فهي مقدمة علي حق العامل» ونحوه كلام غيره. ومنهم العلامة في التذكرة.

والأول مقتضي إطلاق النص. وأما الثاني فلأن المراد بالربح عرفاً ما زاد علي نفقة التجارة.

لكن في الرياض أن مقتضي إطلاق النص والفتوي إنفاقها من الأصل ولو مع حصول الربح، ثم قال: «ولكن ذكر جماعة إنفاقها منه دون الأصل، وعليه فليقدم علي حصة العامل».

وفيه: أن النص لم يتضمن الإنفاق من أصل المال، بل من جميعه، وقد عرفت معني الربح عرفاً. ولعله لذا ذكر في الجواهر أنه من غرائب الكلام.

ثم إنه قال في الجواهر: «نعم إن لم يكن ثم إجماع أمكن القول بأن النفقة إنما تكون للعامل، حيث يكون الربح في المال يحتملها أو بعضها، فتخرج منه حينئذٍ علي المالك والمضارب، وإلا فلا نفقة له... ولعله أوفق بالأصل والنص، إلا أنا لم نجده قولاً لأحد».

هذا ولكن حيث كان السفر الذي هو موضوع الإنفاق في النص هو السفر الذي يقتضيه صلاح المال - كما سبق - فلا ملزم بالتقييد المذكور، بل يتعين الإنفاق فيه مطلقاً وإن لم يكن ربح، كما لو كان السفر لتجنب الخسارة أو للتخفيف منها، كما لو كان إنضاض المال في الحضر أضر عليه من إنضاضه في السفر.

الرابع: من المعلوم انصراف النفقة في النص للنفقة بالنحو المتعارف. وبه صرح غير واحد. فلو زاد علي ذلك كان عليه. ولو أخذه من مال المضاربة ضمنه. أما لو قتر علي نفسه فلا يستحق الفرق من مال المضاربة. لظهور النص في تحمل مال المضاربة

ص: 324

(325)

ما أنفق، لا في استحقاق مقدار النفقة منه. وإن لم ينفق. ولعله إليه يرجع ما في التذكرة من أن هذه النفقة مواساة. وكذا لو أنفق من مال نفسه عمداً أو جهلاً بالحكم المذكور أو استضافه شخص فكفاه مؤنة النفقة.

نعم لو تعارف مكافأة المضيف، فإن كان لأمر يخص العامل لم تخرج المكافأة من مال المضاربة، وإن كان لمصلحة المضاربة - كما لو كافأه من أجل أن يستغني باستضافته له عن الإنفاق من مالها - لم يبعد جواز المكافأة من مال المضاربة، لأنها نحو من النفقة لصالحها.

ولاسيما مع ورود ذلك في الإجارة. ففي صحيح سليمان بن سالم: «سألت أبا الحسن (عليه السلام) عن رجل استأجر رجلاً بنفقة ودراهم مسماة علي أن يبعثه إلي أرض، فلما أن قدم أقبل رجل من أصحابه يدعوه إلي منزله الشهر والشهرين، فيصيب عنده ما يغنيه عن نفقة المستأجر، فنظر الأجير إلي ما كان ينفق عليه في الشهر إذا هو لم يدعه فكافأه به الذي يدعوه، فمن مال من تلك المكافأة، أمن مال الأجير أو من مال المستأجر؟ قال: إن كان في مصلحة المستأجر فهو من ماله، وإلا فهو علي الأجير...»((1)). فإن المناسبات الارتكازية تقضي بإلغاء خصوصية مورده والتعدي لما نحن فيه.

لكن ذلك ليس لدخول المكافأة المذكورة في النفقة التي تضمنتها النصوص السابقة، بل لكونها مالاً مبذولاً لمصلحة المضاربة، نظير سائر المصانعات والهدايا والرشوات لصالحها. فلاحظ.

الخامس: المراد بالسفر العرفي دون الشرعي الذي يجب فيه تقصير الصلاة والإفطار، كما في التنقيح والمسالك وغيرها. لظهور إطلاق النص.

واختصاص بعض أقسام السفر بالأحكام الخاصة المعهودة لا يوجب تبدل معني السفر شرعاً أو عند المتشرعة، بحيث يختص بموضوع الأحكام المذكورة، ويكون هو المفهوم من إطلاقه في النص، كما ذكره سيدنا المصنف (قدس سره).

********

((1) وسائل الشيعة ج: 13 باب: 10 من أبواب كتاب الإجارة حديث: 1.

ص: 325

(326)

السادس: قال في الشرايع: «ولو كان لنفسه مال غير مال القراض فالوجه التقسيط». وجري علي ذلك في التذكرة والتحرير ومقتضي إطلاق القواعد والإرشاد وغيره واحد من شروحهم وسبقهم إلي ذلك في المبسوط علي تقدير القول بإنفاق العامل من مال المضاربة. وعلله في المسالك وغيره بأن السفر لأجلهما، فنفقته عليهما.

لكنه غير ظاهر، بل إن كانت داعوية المضاربة تامة، بحيث لو لم يكن غيرها لسافر، تعين جواز الإنفاق من مال المضاربة وحده، لصدق موضوع الإنفاق الذي ينصرف له النص، وهو السفر الذي تقتضيه المضاربة. ومجرد وجود داع آخر مالي أو غير مالي تام الداعوية أيضاً أو لا غير مانع من صدق موضوع الإنفاق المذكور.

وإن لم تكن داعويتها تامة فالظاهر عدم جواز الإنفاق، سواء كانت متممة للداعي الآخر، أم كان الداعي الآخر تام الداعوية. لعدم تحقق موضوع الإنفاق المذكور.

نعم لو تعددت المضاربات، فحيث صدق عنوان المضارب أو المضاربة بلحاظ جميعها، فإن كان الداعي للسفر مجموعها من دون أن يستقل كل منها بالداعوية فالموضوع وإن لم يتحقق بالإضافة إلي كل منها، إلا أنه يتحقق بالإضافة إلي مجموعها، وهو وإن خرج عن المتيقن من مدلول النص، لانصراف النص للمضاربة الواحدة، إلا أن المناسبات الارتكازية تقتضي إلحاقه به والإنفاق من الجميع بنحو التوزيع.

أما لو كان كل منها مستقلاً بالداعوية فالموضوع وإن تم بالإضافة إليه، إلا أن الإنفاق حيث لم يكن قابلاً للتعدد، فالمناسبات الارتكازية في الماليات تقتضي التوزيع، دون التخيير، لأنه الأقرب عرفاً للإنصاف.

نعم ما كان منها غير دخيل في الداعوية خارج عن موضوع الإنفاق وإن استفيد من السفر عرضاً.

ثم إن المعروف بينهم أن التوزيع بين ماله ومال المضاربة أو بين أموال المضاربات التي عنده بنسبة المالين أو الأموال دون نسبة العمل.

ص: 326

(327)

وعلل في المسالك وغيرها بأن المال هو موضوع الإنفاق. ولم يتضح وجه التعليل به.

وأشكل منه ما في ظاهر التذكرة من التفصيل بين ما إذا كان التوزيع بين ماله ومال المضاربة وما إذا كان بين أموال المضاربات، ففي الأول يكون التوزيع بنسبة المال وفي الثاني بنسبة العمل. إذ لم يتضح الفرق بينهما، كما لم يتضح دخل العمل في المقام، لظهور أن النفقة ليست من سنخ الأجرة علي العمل لتتوزع أجزاؤها علي أجزائه، بل تحملها حكم تعبدي تابع لموضوعه. والأظهر هو التوزيع بالسوية بين أموال المضاربات، لصدق الموضوع بالإضافة إليها علي نحو واحد.

وأما في ماله وأموال المضاربة فقد سبق أنه لا مجال للتوزيع بل إما أن تكون النفقة بتمامها من مال المضاربة أو لا يتحمل مال المضاربة شيئاً منها. فلاحظ. والله سبحانه وتعالي العالم.

السابع: قال في التذكرة: «لو مرض فافتقر إلي الدواء فهو محسوب عليه» ونحوه في المسالك وغيره.

وخصه في الجواهر بما إذا منعه المرض من العمل، أما إذا لم يمنعه فهو يستحق النفقة. غاية الأمر أنه يشكل شمول النفقة للدواء، بناء منه (قدس سره) علي أن المراد بالنفقة هنا هو المراد بالنفقات الواجبة للزوجة والأرحام، والتي استشكل في شمولها للدواء.

لكن الظاهر شمول النفقة بإطلاقها للدواء. ولو تم عدم وجوبه في نفقة الزوجة أو الأرحام فهو للدليل الخاص الذي لا يتعدي منه للمقام.

كما أن التفصيل فيه بين ما يمنع من العمل وما لا يمنع منه إن ابتني علي التفصيل في أصل وجوب النفقة - كما قد يظهر منه - أشكل بمخالفته لإطلاق النص المتقدم، وقد سبق أن النفقة ليست من سنخ الأجرة علي العمل، ليرتفع موضوعها مع تعذره. وإن ابتني علي التفصيل في خصوص الدواء حتي بناء علي دخوله في النفقة فلم يتضح الوجه في خصوصيته في التفصيل. ومن هنا يتعين البناء علي عموم النفقة

ص: 327

(328)

في المقام للدواء.

نعم لا يبعد انصراف النص عن النفقة في المرض وغيره من الطوارئ المانعة من العمل مدة طويلة، بحيث لا يكون من شأنه العمل عرفاً. ولاسيما إذا صدق أن الاستمرار في السفر للتداوي لا للعمل. وإن كان الأمر محتاجاً لمزيد من التأمل.

الثامن: صرح غير واحد بأن للمالك اشتراط أن لا ينفق العامل في السفر من مال التجارة، وللعامل أن يشترط الإنفاق منه حتي في الحضر.

والوجه فيه عموم نفوذ الشرط من دون أن ينهض النص المتقدم بالخروج عنه، لأن استحقاق العامل الإنفاق في السفر شرعاً لا ينافي استحقاق المالك عليه بالشرط عدم إعمال حقه المذكور، وعدم استحقاقه الإنفاق حضراً لا ينافي استحقاقه له بالشرط.

غايته أنه من اشتراط مال لا بنحو الإشاعة زائداً علي الحصة المبنية علي الإشاعة. والظاهر أنه لا محذور فيه عملاً بعموم الشرط. وقد تقدم في الشرط السابع من الشروط التي تعرضنا لها ما ينفع في المقام.

ومنه يظهر جواز اشتراط تحديد النفقة علي خلاف ما يقتضيه إطلاق النص، بالوجه المتقدم في الفروع السابقة، لأنه لا يخرج عن اشتراط الإنفاق أو عن اشتراط عدمه.

نعم ذكروا أنه لابد من تعيين مقدار النفقة مع اشتراطها. ولا إشكال في لزوم تعيينها في مقابل الترديد والإبهام، لما تكرر منا من امتناع استحقاق المردد. أما في التعيين مقابل الجهل مع التعيين الواقعي فلزومه يبتني علي مانعية الغرر في الشرط، التي تكرر منا أيضاً المنع عنها.

ص: 328

(329)

(مسألة 7): قيل: إن الإطلاق يقتضي الشراء بعين المال لا بالذمة (1). وفيه إشكال بل منع.

(1) كما في الشرايع والنافع ويفهم من غيرهما، وفي الحدائق أنه قد ذكره جملة من الأصحاب، بل ربما نسب للمشهور. نعم صرح في المختلف بجواز الشراء نسيئة، المستلزم لعدم الشراء بعين المال.

وقد استدل في الجواهر لما ذكروه من وجوب الشراء بعين المال بأنه المفهوم أو المتيقن من الإطلاق. ثم قال: «لكن قد يشكل ذلك باقتضاء الإطلاق عرفاً الشراء بالذمة علي وجه الحلول وإرادة الدفع من مال المضاربة، كما هو المتعارف بين الناس، من غير فرق بين الملاك والعمال والوكلاء وغيرهم. نعم ليس له الشراء في الذمة علي إرادة الرجوع عليه بغير مال المضاربة، فإنه ليس في الإطلاق ما يشعر بالإذن بذلك». وما ذكره (قدس سره) متين في الجملة ولاسيما بملاحظة السيرة القطعية. ويأتي تمام الكلام في ذلك إن شاء الله تعالي.

لكن قال في المسالك في الاستدلال علي لزوم الشراء بعين المال: «لما في شرائه في الذمة من احتمال الضرر، إذ ربما يتلف رأس المال، فتبقي عهدة الثمن متعلقة بالمالك، وقد لا يقدر عليه، أو لا يكون له غرض في غير ما دفع. ولأن المقصود من العقد أن يكون ربح المال بينهما، ولا يكون ذلك إلا إذا اشتري بالعين، لأن الحاصل بالشراء في الذمة ليس ربح هذا المال».

ومرجع الوجه الأول إلي أن ذلك مقتضي إطلاق المضاربة، وإن أمكن عمومها له بالتنصيص عليه لرضي المالك بتحمل الضرر المذكور. أما الوجه الثاني فهو راجع إلي ابتناء المضاربة ثبوتاً علي ذلك، لعدم إمكان مشاركة العامل في الربح إلا به.

ومن الظاهر أن الوجه الأول يبتني علي أنه مع الشراء في الذمة يلزم المالك الدفع من مال آخر لو تلف مال المضاربة.

ص: 329

وقد أنكر ذلك سيدنا المصنف (قدس سره) مدعياً أنه لو تم جواز الشراء في الذمة إلا أنه مقيد بالوفاء من مال المضاربة، فمع تلفه يتعين بطلان الشراء. قال (قدس سره): «كما إذا اشتري ولي الزكاة شيئاً بمال الزكاة، فتلف المال قبل الوفاء، فإنه يبطل، فلا يكلف بدفع الثمن من ماله».

وهو الذي احتمله في مجمع الفائدة. بل سبق من الجواهر تقريبه، إلا أنه التزم بأنه لو تلف مال المضاربة حينئذ لزم المالك الدفع من غيره. قال: «لما عرفته من تناول الإطلاق الإذن علي الوجه المزبور المفروض وقوعه». وهو كما تري لا يناسب ما سبق منه من فرض تقييد الوفاء من مال المضاربة، دون غيره.

إلا أن يرجع ما سبق منه إلي أن التقييد بالدفع من مال المضاربة منوط بوجوده، أما مع تلفه فلابد من الدفع من غيره. لكن لا مجال لفهم ذلك من الإطلاق بعد تحديد مال المضاربة بالمقدار المعين.

بل الإنصاف أن حمل الإطلاق علي جواز الشراء في ذمة المالك في غاية الإشكال مع ما هو المعلوم من تعيين المالك المال الخاص للمضاربة، حيث يناسب ذلك تعلق معاملات المضاربة به، لا بالمالك. ومقتضي الجمع بين ذلك وما سبق من قيام السيرة علي عدم الشراء بعين مال المضاربة هو كون الثمن حقاً في مال المضاربة وقائماً به قيام الكلي في المعين مع كون مال المضاربة من سنخ الثمن كالنقود، وقيام الحق بموضوعه مع كونه من سنخ آخر، كما لو كان مال المضاربة عروضاً وكان الثمن نقداً، نظير قيام الدين بتركة الميت وقيام الزكاة بالنصاب لو لم تكن من سنخه. غايته أن العامل يكون مسؤولاً به في طول قيامه بموضوعه، نظير ما لو باع العين ولم يسلمها رأساً.

والظاهر أن ذلك يجري في نظائر المقام، ومنها شراء ولي الزكاة بما لها إذا لم يكن الثمن معيناً، فإن الثمن يكون حقاً في المال الزكوي والولي مسؤول بتسليمه، لا ديناً علي الولي، والوفاء من الزكاة.

نعم يمكن الثاني أيضاً مع عموم ولايته لذلك وقصده له. لكنه يحتاج إلي عناية.

ص: 330

(331)

وبذلك يظهر أن من أوجب الشراء بعين مال المضاربة ومنع من الشراء في الذمة إن أراد ما يعم ذلك فهو في محله. وإن أراد لزوم الشراء بعين خاصة معينة من مال المضاربة - كما هو المنساق من كلامهم - فلا ريب في بطلانه بالنظر للسيرة القطعية التي عليها ينزل الإطلاق، ويحتاج الخروج عنها إلي عناية. ولاسيما أنه كثيراً ما يحتاج للشراء بالنقد ومال المضاربة كله عروض أو ديناً في ذمة الآخرين.

كما يظهر أنه لو صرح المالك عند العقد بعدم لزوم الشراء بعين المال، فكما يمكن أن يريد الشراء بذمته مقيداً بالوفاء من مال المضاربة يمكن أن يريد الشراء بثمن مستحق في مال المضاربة، وتعيين أحد الأمرين تابع للقرينة، وإن لم يبعد الانصراف لما ذكرنا، لأنه الشايع ارتكازاً.

هذا ومما سبق يظهر حال الوجه الثاني الذي تقدم من المسالك، حيث لا موقع له بعد ما ذكرنا من قيام الثمن بمال المضاربة وكونه حقاً فيه، إذ يكون الربح ربحاً لمال المضاربة لا لغيره. ولو فرض كونه في ذمة المالك مع التقييد بالوفاء من مال المضاربة، كما سبق من سيدنا المصنف (قدس سره) أمكن دعوي أن التقييد المذكور يكفي في نسبة الربح لمال المضاربة عرفاً بقرينة السيرة التي سبق التعرض لها.

وبذلك يظهر جواز الشراء بثمن مؤجل إلي أمد معين. وهو يرجع إلي اشتراط تأخير تسليم الثمن بناء علي ما ذكرنا من كونه كلياً في المعين، وإلي الشراء نسيئة بناء علي كونه في ذمة المالك مشروطاً بالوفاء من مال المضاربة.

بقي في المقام أمران:

الأول: أنه لو فرض كون مقتضي السيرة الشراء في الذمة مع التقييد بالوفاء من مال المضاربة، فكما يمكن الشراء في ذمة المالك يمكن الشراء في ذمة العامل، لعدم الفرق بينهما بعد وقوع الشراء لمال المضاربة المتميز عن مال كل منهما بخصوصيته وبعد إمكان الوفاء من غير مال المدين، ولاسيما مع ظهور الربح الموجب لاشتراكهما في مال المضاربة.

ص: 331

(332) (332)

نعم لا يجوز له الشراء بأكثر من ثمن المثل إلا إذا اقتضت المصلحة ذلك (1).

لكن الظاهر مفروغيتهم عن عدم جواز الشراء لمال المضاربة في ذمة العامل. وهو مؤيد لما ذكرنا من حمل السيرة علي الشراء بمال المضاربة، بحيث يقوم حق البايع به، لا بذمة المالك.

الثاني: أن الكلام المذكور يجري فيما لو كان المبيع من مال المضاربة كلياً، كثوب بصفات خاصة، أو منّاً من حنطة، كما نبه له في الجملة في العروة الوثقي، فإن مقتضي ما ذكروه من لزوم الشراء بعين المال المنع من ذلك، مع قيام السيرة عليه، فيتعين كون المبيع في ذمة البايع مشروطاً بالوفاء من مال المضاربة، أو كونه قائماً بمال المضاربة بحيث يكون حقاً فيه نظير الكلي في المعين أو نظير ثبوت الدين في تركة الميت، علي ما تقدم الكلام فيه.

(1) قال في الخلاف: «إذا دفع إليه مالاً قراضاً وقال له: اتجر به، أو قال له: اصنع ما تري، أو تصرف كيف شئت، فإنه يقتضي أن يشتري بثمن مثله نقداً بنقد البلد»، ونحوه في المبسوط. وعليه جري جماعة ممن تأخر عنه مع الإطلاق، علي اختلاف منهم في بعض الخصوصيات غير الدخيلة في ملاك الحكم. والظاهر أن ذلك منهم يعم البيع أيضاً، كما هو صريح اللمعة. لوحدة الملاك.

وفي المسالك والروضة فرق بين الشراء بنقد البلد فأجاز مخالفته مع التصريح المذكور في كلام الشيخ، بل مع الإطلاق أيضاً، والشراء حالاً وبقيمة المثل فلم يجز مخالفته مع التصريح المذكور، فضلاً عن الإطلاق. بل لابد في جوازهما من التصريح بهما.

لكن ما ذكروه في غاية المنع، لما هو المعلوم من أن وظيفة العامل مراعاة مصلحة المال، وما هو الأقرب للاسترباح والأبعد عن الخسارة، فاللازم مع الإطلاق - فضلاً عن التصريح بالوجه المتقدم - محافظته علي ذلك بأي وجه كان

ص: 332

(333) (مسألة 8): إذا فسخ المالك المضاربة قبل ظهور الربح ففي استحقاق العامل أجرة المثل قولان (1) أقواهما العدم،

بل قد لا يجوز له الاقتصار علي ما ذكروه، فلا يجوز له الشراء بثمن المثل مع تيسر الشراء بأقل منه، ولا الاقتصار علي ثمن المثل إذا لم يتيسر له وتيسر له الشراء بالأكثر مع قيام الأمارة علي تيسر البيع له بعد ذلك بربح عليه، حيث يكون التقيد بثمن المثل سبباً لفوت الربح عليه. وهكذا الحال في بقية الأمور المذكورة. كما يجري ذلك في البيع أيضاً، لعين ما سبق.

وكأنه لذلك قال في المختلف بعد أن حكي ما سبق عن الخلاف والمبسوط: «والوجه عندي أن له البيع كيف شاء، سواء كان بثمن المثل أو لا، وبنقد البلد أو لا، وحالاً أو لا، لأنه جعل المشيئة إليه. نعم إنه منوط بالمصلحة». بل عرفت أنه يكفي في ذلك الإطلاق، كما هو ظاهر النافع وصريح التنقيح والرياض ومحكي المفاتيح.

وأما ما في الجواهر من التسليم بذلك مع التعميم المتقدم من الشيخ (قدس سره) دون الإطلاق، لانصرافه إلي المتعارف. ففيه: أنه لو سلم كون ذلك هو المتعارف فالانصراف إليه بدوي لا يقتضي قصور الإطلاق مع ما أشرنا إليه من القرينة العامة علي أن وظيفة العامل مراعاة ما هو الأصلح في مقام الاسترباح. فلاحظ.

(1) فقد صرح باستحقاقه لها في الشرايع والنافع والتذكرة والإرشاد والإيضاح واللمعة وجامع المقاصد ومحكي الروض. وتنظر فيه في القواعد والتحرير والمسالك والروضة ومجمع الفائدة والرياض ومحكي الكفاية والمفاتيح. بل ربما مال في المسالك وبعض من تقدم ذكره بعده للعدم، كما صرح به في العروة الوثقي، وعليه جري غير واحد من شراحها ومحشيها.

وقد يستدل للضمان باحترام عمل العامل بعد عد

ص: 333

إليها بالفسخ تعين استحقاقه أجرة المثل.

وقد يدفع بأنه رضي بالحصة علي تقدير حصولها، والمفروض عدم حصولها، وأن للمالك الفسخ في كل وقت، فلا منشأ لاستحقاقه شيئاً بدل الحصة المجعولة.

لكن في جامع المقاصد: «ويضعف بأن المالك أذن له في العمل في مقابل الحصة من الربح علي تقدير حصوله، وذلك يقتضي عدم العزل قبله، فإذا خالف فعزل قبله فقد فوت عليه الحصة، فتجب عليه أجرة مثل عمله، كما سبق في المجعول له إذا عزل بعد الشروع في العمل».

ولا يخفي ما في ظاهره من الإشكال، فإن الالتزام بأن ذلك يقتضي عدم العزل قبله، لا يناسب فرض جواز الفسخ للمالك.

بل إن كان مراده عدم العزل قبل ظهور الربح مطلقاً مهما طالت المدة فهو خلاف المقطوع به من وضع المضاربة. كيف؟! ولازمه عدم الفسخ وضمان الأجرة علي تقديره حتي لو قلبه العامل مراراً متعددة ولم يحصل ربح، بل وإن خسر، كما نبه له في الجواهر.

وإن كان مراده عدم العزل، بعد الشروع في العمل قبل ظهور حال الاتجار المقصود لهما وأنه مربح أو غير مربح فهو مناسب لما سبق منّا في المسألة الأولي من ابتناء المضاربة عرفاً علي الاستمرار مدة معتداً بها من شأنها ظهور حال الاتجار المقصود لهما في كونه مربحاً أو غير مربح، فتكون لازمة في المدة المذكورة لا يرفع اليد عنها إلا برضاهما معاً، وليس مبني كلامهم في المقام علي ذلك، بل علي جواز فسخ كل منهما مطلقاً.

نعم ما ذكره (قدس سره) في آخر كلامه من تشبيه المقام بالجعالة لا يخلو عن وجه، فإنه تقدم أن الجاعل وإن كان له الرجوع عن الجعالة إلا أنه إذا رجع عنها بعد شروع العامل في العمل كان للعامل من الجعل بنسبة ما عمل إن كان الأمر المجعول عليه قابلاً للتبعيض، وإلا كان له أجرة المثل لما عمل، حتي إذا احتمل عدم ترتب الأمر

ص: 334

المجعول وعدم استحقاق الجعل بالعمل، كما لو جعل علي رد ضالته جعلاً، فخرج بعض الناس بحثاً عنها، فعدل الجاعل عن جعله، لأنه عمله مستنداً لحث الجاعل بجعل الجعل فلا يذهب هدراً.

وذلك يجري في المقام، لأن فسخ المضاربة في حقيقته رجوع عنها لا فسخ لها، ولذا تترتب آثارها السابقة علي الفسخ من ثبوت الحصة للعامل في الربح الحاصل، وخروج النفقة في السفر من أصل المال وغيرهما. وحيث كان عمل العامل مستنداً لحث المالك بجعل الحصة له من الربح تعين كونه مضموناً. بل تزيد المضاربة علي الجعالة بأن عمل العامل يكون محقوقاً للمالك في مقابل الحصة، فهو كالمضمون بضمان المعاوضة بالبيع والإجارة ونحوهما، فمع تعذر العوض المذكور بفسخ المالك للمضاربة وعدوله عنها يكون مضموناً عليه بأجرة المثل.

ومن ثم كان اسحقاق أجرة المثل مقتضي المرتكزات العقلائية.

ولولا ذلك لتيسر للمالك استغلال العامل بإيقاع المضاربة معه، حتي إذا عمل في المال وحصل منه مقدمات الاسترباح فسخ المضاربة، وانتفع بعمله مجاناً، وهو مما تأباه المرتكزات العقلائية جداً، لمجانبته للإنصاف.

نعم لابد من كون المضمون خصوص العمل الواقع من العامل بداعي احتمال الربح الذي فوته عليه المالك بالفسخ، بأن فسخ قبل مضي المدة التي يتوقع فيها ظهور الربح، كما لو اشتري العامل بالمال بضاعة يتوقع ظهور الربح فيها ففسخ المالك قبل ظهور الحال. أما لو فسخ بعد ظهور حال العمل وأنه لم يترتب عليه الربح فلا وجه لضمان المالك أجرة العمل، لأنه لم يفوت علي العامل شيئاً، بل ظهر أن العمل غير مربح، والعامل قد أقدم علي هدر عمله مع عدم كونه مربحاً.

وذلك يجري حتي لو كان الفسخ في أثناء العمل إذا علم عدم ترتب الربح بأكماله، لخصوصية في البضاعة التي اشتراها، أو لبعض الطوارئ الأخر.

وبذلك يظهر أن العامل إذا قلب المال مراراً فلم يربح، ثم شرع في تقليبه

ص: 335

بداعي الربح، ففسخ المالك قبل الإكمال وظهور الحال، فلا يضمن للعامل إلا أجرة العمل الذي فسخ في أثنائه، لاختصاص التفويت به، دون ما قبله، لظهور عدم ترتب الربح عليه لا من جهة الفسخ.

إلا أن يكون للتقليبات السابقة دخل في ترتب الربح علي التقليب الأخير، كما لو أوجبت ظهور محل العمل والمباشر له، وفرض احترامهما علي الناس وتوجههم لهما، بحيث يكون سبباً لترتب الربح علي الأمد البعيد.

وإلي ذلك يرجع ما في الجواهر فإنه - بعد أن أنكر علي من سبق إطلاق استحقاق العامل أجرة العمل - قال: «نعم قد يقال بالأجرة فيما لو عمل العامل وفسخ المالك قبل إتمام عمله المحتمل حصول الربح به، باعتبار احترام عمله، وإقدامهما علي الربح المترتب عليه والفرض احتماله، فبالفسخ تفوت الحصة ولكن العمل علي احترامه. ورضاهما بهذا العقد الجائز المسلط علي الفسخ في جميع الأوقات لا ينافي ثبوت الأجرة له من جهة أخري. ويمكن حمل عبارة المصنف علي ذلك. كما أن منه يظهر لك ما في المسالك من عدم الفرق بين صورتي الفسخ قبل الإنضاض وبعده».

وأما إشكاله علي ما في المسالك من عموم عدم الأجرة علي العمل لما إذا كان الفسخ قبل الإنضاض. فكأنه بلحاظ أنه قد يظهر الربح بالإنضاض. فيكون فسخ المالك قبله مفوتاً له علي العامل، ويتعين عليه ضمان عمل العامل بأجرة المثل بناء علي ما ذكره. وقد ظهر اختلاف الحال في ذلك باختلاف الموارد مما سبق منّا قريباً عند الكلام في الفسخ في أثناء العمل وفي الفسخ بعد تقليب المال مراراً.

هذا كله بناء علي ما يظهر منهم التسالم عليه من جواز عقد المضاربة وسلطنة كل منهما علي فسخه مطلقاً. أما بناء علي ما سبق منا من إمكان لزومه بالشرط الصريح أو الضمني فلا موقع لهذا الكلام، حيث لا ينتهي أمد العمل بالعقد في فرض توقع ترتب الربح علي العمل إلا برضاهما معاً، للزومه بمقتضي الشرط الضمني. وحينئذٍ يمكن ابتناء رضاهما بذلك علي ضمان عمل العامل بأجرة المثل أو بغيرها أو علي عدم

ص: 336

(337)

واولي منه بذالك مالو كان الفسخ من العامل (1) اوحصل الانفساخ القهري (2) بموت اثر جنون

ضمانه، ويترتب أثر ذلك.

(1) قال في التذكرة: «فإن فسخا العقد أو أحدهما فإن كان قبل العمل عاد المالك في رأس المال... وإن كان قد عمل فإن كان المال ناضاً ولا ربح فيه أخذه المالك أيضاً وكان للعامل أجرة عمله إلي ذلك الوقت...».

وهو كالصريح في ضمان المالك لعمل العامل حتي مع فسخ العامل وحده. ولم أعثر علي من وافقه في العموم المذكور. ولم يتضح وجهه حتي لو تم ما سبق في صورة فسخ المالك، إذ المقام نظير ما إذا عدل المجعول له عن تحقيق العمل المجعول عليه بعد الشروع في مقدماته وقبل تحقيق شيء منه، لأن الأمر المجعول عليه في المقام والمقابل بالحصة هو السعي لتحقيق الربح بنحو الإرتباطية، والمفروض عدوله عن ذلك قبل إكمالها.

(2) يشكل عدم الاستحقاق حينئذٍ، كما يظهر مما سبق في كتاب الجعالة في فرض موت الجاعل، لأن الكلام فيهما بملاك واحد. فلاحظ.

بقي في المقام أمران:

الأول: إذا انفسخ عقد المضاربة وفي المال دين فالمشهور - كما قيل - وجوب جبايته علي العامل. وبه صرح في المبسوط والخلاف والوسيلة وجامع الشرايع والقواعد والتذكرة والتحرير وجامع المقاصد والمسالك، وهو المناسب لما في الشرايع والإرشاد وعن الروض من أن عليه جباية السلف.

وقد استد عليه.. تارة: بأنه مقتضي حديث: «علي اليد ما أخذت حتي تؤدي». وأخري: بأن الدين ملك ناقص، والذي أخذه كان ملكاً تاماً، فيجب إرجاعه كما أخذه. وثالثة: بأن مقتضي عقد المضاربة إرجاع المال بعد انتهائها.

ص: 337

ويندفع الأول بما تكرر منّا من عدم نهوض الحديث بالاستدلال، لضعفه سنداً. وقد تقدم تفصيل الكلام في ذلك في المسألة الثالثة من فصل شروط العقد من كتاب البيع. مضافاً إلي أنه لما كان أخذ المال وإقراضه بإذن المالك، فلا مجال لاحتمال عموم الحديث له، بل هو مختص بالأخذ بغير حق.

ومنه يظهر اندفاع الثاني. مع أن دعوي أن الدين ملك ناقص لا ترجع إلي محصل ظاهر. نعم لا إشكال في عدم تحقق الأداء معه.

وأما الثالث فيندفع بأن عقد المضاربة لا يقتضي إلا ملك صاحب المال لمقدار ماله مع وجوده من دون أن يملك العامل منه شيئاً بسبب عمله، وأما وجوب الإرجاع فهو راجع إلي عدم جواز حبس المال عن صاحبه وحرمة وضع اليد عليه بدون إذنه، وكلاهما غير لازم في المقام.

إلا أن يرجع الوجه المذكور إلي أن إرجاع المال وتقاضي الدين وإن لم يكن مقوماً لعقد المضاربة، إلا أنه شرط ضمني مأخوذ فيه بسبب تعارف ذلك، لأنه هو المقرض، فهو الأقدر والأعرف بطريق استرجاع المال.

لكنه لو تم فالمتعين منه ما إذا انتهي أمد المضاربة المتوقع بظهور الخسران أو الربح بحيث يكون من شأنهما إنهاء المضاربة وأخذ كل ذي حق حقه، دون ما إذا حصل الفسخ قبل ذلك، خصوصاً إذا كان الفاسخ هو المالك، حيث لا يظهر بناء العرف علي بقاء العامل مرتبطاً بالمضاربة ومسؤولاً بتبعاتها من دون أن يكون له العمل فيها. ولاسيما أن الدين قد يكون مؤجلاً ويكون اهتمامه بتقاضيه مانعاً له من انشغاله بعمل يتكسب به، ويصلح به أمره.

ولعله لذا حكي عن حواشي الشهيد احتمال عدم الوجوب، وإليه مال في مجمع الفائدة واستظهره في الجواهر والعروة الوثقي وغيرهما.

نعم استثني بعض الأعاظم في حاشيته علي العروة الوثقي ما إذا كان الفسخ من العامل، فحكم بوجوب جباية الدين عليه حينئذٍ. وكأنه لتجنب كون فسخ العامل

ص: 338

(339)

مضراً بالمالك.

لكن من الظاهر أن ذلك لا يطرد في الدين. مع أنه بعد فرض كون الفسخ حقاً للعامل فإقدام المالك علي المضاربة إقدام علي الضرر المذكور، فتقصر عنه القاعدة. وتكليف العامل حينئذٍ بجباية الدين يرجع إلي وجوب تدارك ضرر المالك عليه. وقاعدة الضرر لا تنهض بذلك.

إلا أن يرجع إلي أن اهتمام المالك ارتكازاً بتجنب الضرر المذكور يكون قرينة علي اشتراطهما ضمناً حين إيقاع عقد المضاربة عدم إيقاع العامل للمالك في الضرر المذكور، إما بتجنب الفسخ قبل الجباية، أو بالتزامه بالجباية لو فسخ، فتكون الجباية مقتضي الشرط المذكور، لا من أجل قاعدة نفي الضرر. وإن كان الأمر محتاجاً لمزيد من التأمل.

الثاني: إذا حصل الفسخ وبالمال عروض ففي موضع من المبسوط أن للمالك إلزامه ببيعه. وعليه جري في جامع الشرايع والقواعد. ويظهر منهم أن الوجه فيه لزوم إرجاع المال كما أخذه. ويظهر ضعفه مما سبق في الأمر الأول. ولعله لذا توقف فيه غير واحد، بل منع منه في الشرائع والإرشاد وغيرهما. وهو المتعين. هذا مع عدم الربح، أما مع ظهوره أو احتماله فقد اضطربت فيه كلماتهم.

ومن القريب أن يكون منشأ ذلك وما سبق في الأمر الأول وفي أول المسألة من استحقاق العامل أجرة المثل هو ما سبق منّا في المسألة الأولي من ابتناء المضاربة ارتكازاً علي اللزوم مدة معتداً بها يظهر فيها حال العمل أنه مربح أو غير مربح، حيث يتعين تعيين المدة المذكورة حين العقد صريحاً أو ضمناً، مع الاتفاق من أول الأمر صريحاً أو ضمناً بسبب عرف معاملي قائم علي كيفية الخروج عنها من حيثية جباية الديون وإنضاض المال وعدمها، ثم عدم الخروج عن ذلك قبل المدة المذكورة بالفسخ إلا باتفاقهما علي كيفية تصفية المال.

إلا أن بناءهم علي جواز عقد المضاربة وعدم صحة اشتراط تحديدها بمدة

ص: 339

(340)

معينة، بل يجوز الرجوع لكل منهما متي شاء، أوجب اضطراب الأمر عليهم في تبعات الفسخ من الجهات المذكورة. فلاحظ. والله سبحانه وتعالي العالم.

هذا وقد اختصر سيدنا المصنف (قدس سره) كتاب المضاربة، وأهمل كثيراً من الفروع المتعلقة به وقد سبق منا التعرض لكثير منها في المواضع المناسبة عند تعقيب كلماته. وبقي جملة منها يحسن بنا التعرض لها تتميماً للكلام في الكتاب المذكور.

الأول: قال في المبسوط: «إذا خلط العامل مال القراض بمال نفسه خلطاً لا يتميز فعليه الضمان كالمودع والوكيل، لأنه صيره كالتالف بدلالة أنه لا يقدر علي رد المال إلي ربه بعينه». وتبعه في الحكم المذكور جماعة ممن تأخر عنه.

ويظهر من مساق كلماتهم المنع من مطلق ما يوجب الشركة في المال ولو مع غير العامل، كما هو المناسب للتعليل المتقدم من المبسوط. ويجري ذلك في الشراء بمال المضاربة بنحو الإشاعة، حيث تكون البضاعة مشتركة بين مال المضاربة وغيره.

هذا وقد علل في كلام غير واحد بما سبق من المبسوط. وهو كما تري! ضرورة أن مبني المضاربة ليس علي حفظ المال وإرجاعه بعينه، كالوديعة بل علي الاتجار به وحفظ ماليته، والاسترباح به كالوكالة، والشركة لا تمنع من ذلك، بل قد تنفع فيه.

وأما ما ذكره بعض مشايخنا (قدس سره) من أن ظاهر كلام المالك مع الإطلاق هو الاتجار بالمال بشخصه لا مع خلطه بغيره. فهو في غاية المنع بعد كون المهم هو حفظ مالية المال مع الاسترباح به.

ثم إنه قد استثني من ذلك في التذكرة والقواعد وغيرهما ما إذا أذن له المالك ولو بنحو العموم، بأن قال مثلاً: اعمل برأيك.

لكن الإذن بالنحو المذكور لا يصحح الخروج عن مقتضي المضاربة، ولذا لا يظن بهم الاكتفاء به في جواز الخلط في الوديعة. فإن كان الخلط منافياً لمقتضي المضاربة لم ينفع الإذن المذكور في جوازه، وإلا كفي الإطلاق في جوازه بلا حاجة للإذن بالنح

ص: 340

(341)

المذكور.

ومن هنا كان الظاهر جواز الخلط والشركة في الاتجار بالمال ونحو ذلك مع الإطلاق، الظاهر في إيكال الأمر للعامل في اختيار ما يراه صلاحاً للمال غير مضر بالاسترباح.

الثاني: إذا كان المال مشتركاً بين اثنين مثلاً كان لهما أن يضاربا عاملاً واحداً بحصة معينة من ربح مال الشركة بلا خلاف ولا إشكال ظاهر. لعموم دليل نفوذ العقد، ولإلغاء خصوصية وحدة المالك عرفاً في نصوص المضاربة.

وحينئذٍ إن كان ما يخصهما من الربح موزعاً بينهما بنسبة حقهما في أصل المال فلا إشكال، كما إذا كان المال بينهما بالتساوي وجعلا للعامل نصف الربح، ويبقي لكل منهما ربعه.

أما إذا كان اشتراكهما فيما يخصهما من الربح علي خلاف نسبة حقهما من المال، كما لو كان لأحدهما في الفرض المذكور السدس وللآخر الثلث فقد منع منه في المبسوط والمهذب. للبناء علي امتناع اختلاف نسبة الشريكين في الربح عن نسبتهما في أصل المال، كما تقدم في المسألة الرابعة من كتاب الشركة عن جماعة.

ومن ثم قد يمكن التخلص عن المحذور بتعدد المضاربة، بأن يضارب كل من الشريكين العامل في خصوص حصته من المال بالنسبة التي يريدها، ففي الفرض السابق مثلاً يضارب أحدهما العامل بثلث الربح، والآخر بثلثيه. فيكون للأول سدس ربح المجموع، وللثاني ثلثه، وللعامل نصفه. غاية ما يلزم كون مال المضاربة مشاعاً، ولا محذور في ذلك بعد صدق المضاربة عرفاً، وعموم نفوذ العقود.

نعم حيث سبق منّا في المسألة الرابعة من كتاب الشركة صحة الشرط المذكور إذا كان في ضمن التزام عقدي أو نحوه تعين البناء علي الصحة في المقام ولو مع وحدة المضاربة.

ص: 341

(342)

هذا وأما لو تعدد العامل في المال الواحد فلا إشكال ظاهراً في جواز اختلاف العمال في مقدار حصة كل منهم، كما صرحوا بذلك، إذ لا منشأ للمنع منه.

الثالث: قال في المبسوط: «إذا أراد رب المال أن يشتري شيئاً من مال القراض لم يصح، لأن المال ملكه، فلا يشتري ملكه بملكه» وجري علي ذلك غير واحد ممن تأخر عنه. ونفي الخلاف والإشكال فيه في الجواهر وهو كذلك. لما ذكره من الوجه.

غايته أنه يختص بما إذا لم يكن قد ظهر في المال ربح تثبت للعامل حصته فيه، وإلا صح الشراء في تلك الحصة.

نعم عدم صحة الشراء للوجه المذكور لا يمنع من جواز التبديل بين العين التابعة للمضاربة والثمن الذي يدفعه مالكها بحيث يصير الثمن من مال المضاربة بدلاً عن المثمن، وتجري عليه أحكامه. وإذا كان فيه ربح شاركه فيه العامل إذا كان مرادهما من الربح الذي يتم الاشتراك فيه ما يعم ذلك. نظير ما تقدم منّا في شراء الشريك من مال الشركة في ذيل كتاب الشركة.

ويجري نظير ذلك في شراء العامل بمال المضاربة من المالك بضاعة خارجة عن المضاربة، وتكون بعد شرائها من مال المضاربة.

هذا وقد صرح في القواعد وغيره بجواز شراء العامل من المضاربة قبل ظهور الربح وثبوت حصة له في المال. وقد يستشكل فيه فيما إذا كان الشراء مشتملاً علي الربح، حيث يلزم من ثبوت حصة له في الربح المذكور خروجها منه إليه من دون صدق المعاوضة بالإضافة إليها. لكنه يندفع بما أشير إليه في بعض الفروع السابقة من أن انتقال الحصة من الربح للعامل في رتبة متأخرة عن دخول الثمن بتمامه - ومنه تمام الربح - في ملك صاحب المال، كما هو مقتضي المعاوضة، فالحصة من الربح في المقام لا تثبت للعامل رأساً، بل تخرج منه للمالك، ثم ترجع منه للعامل عوضاً عن عمله.

نعم لو كان شراء العامل بعد ظهور الربح وثبوت حصة له في المال لا يتحقق البيع بالإضافة إلي الحصة المذكورة، كما نبهوا لذلك، ويجري فيها ما سبق في شراء

ص: 342

(343)

المالك من مال المضاربة. فلاحظ.

الرابع: الظاهر جواز اشتراط كل من الطرفين علي الآخر عملاً أو مالاً خارجاً عن مال المضاربة، لعموم نفوذ الشروط.

لكن في التحرير: «الثالث: اشتراط ما ليس من مصلحة العقد ولا من مقتضاه، مثل اشتراط النفع ببعض السلع، مثل لبس الثوب واستخدام العبد وركوب الدابة، وضمان العامل المال أو بعضه فهذه الشروط كلها باطلة، تفسد العقد إن اقتضت جهالة الربح. وإلا فلا، علي إشكال». ونحو عن العامة. قال في مفتاح الكرامة: «ولعلهم يستندون إلي أن هذا العقد علي خلاف الأصل، فيقتصر فيه علي المتيقن».

لكن سبق المنع من مخالفة هذا العقد للأصل. كما تكرر منّا أنه إذا لم يكن العقد مضاربة أمكن صحته علي أنه عقد مستقل يصح بمقتضي عموم نفوذ العقد. علي أن الظاهر عدم خروجه بالشروط المذكورة عن كونه مضاربة عرفاً. كما في سائر العقود المشتملة علي الشروط الزائدة علي مضامينها.

هذا وفي جامع المقاصد بعد أن نسب للتحرير البطلان قال: «وهو حق، فإن العقد جائز من الطرفين. لكن لم يذكروا حكم ما إذا عمل العامل ولم يف بالشرط وظهر ربح. والذي يقتضيه النظر أن للمالك الفسخ، لفوات ما جري عليه التراضي، فيكون للعامل أجرة المثل».

وما ذكره في فرض ما إذا لم يف العامل بالشرط وظهر الربح وإن كان جيداً. إلا أن حمل البطلان في التحرير علي عدم لزوم العمل بلحاظ جواز عقد المضاربة بعيد جداً. بل هو لا يناسب كونه مبطلاً لعقد المضاربة.

مع أنه سبق في المسألة الأولي أن عقد المضاربة لازم بلحاظ مضمونه من مقابلة عمل العامل بالحصة من الربح، وأن الكلام إنما هو في استمراره. كما تكرر منّا أن جواز العقد لا ينافي لزوم الشرط الذي يتضمنه ما لم يفسخ. والحاصل: أن المتيقن البناء علي لزوم الشرط لما سبق. ولعله لذا صرح بصحة بعض الشروط في التذكرة

ص: 343

والقواعد وغيرهما.

نعم وقع الكلام فيما إذا اشترط المالك علي العامل أن يعمل له في مال آخر بضاعة، فمنع منه في المهذب. قال: «لأن العامل في المضاربة لا يعمل عملاً لا يستحق في مقابله عوضاً، فبطل الشرط، فإذا بطل الشرط بطلت المضاربة، لأن قسط العامل يكون مجهولاً فيه...».

ثم علل الجهالة بأن الحصة المجعولة للعامل في المضاربة لما كانت مشروطة بالشرط المذكور كان للشرط قسط من الحصة، فبتخلفه ينقص منها ما يقابله، وحيث كان مجهولاً كانت مجهولة. وقد سبقه الاستدلال المذكور في المبسوط، وإن قوي أخيراً صحة الشرط.

ويشكل ما سبق من المهذب بأن مقتضي المضاربة إنما هو مقابلة عمل العامل في خصوص مال المضاربة بالحصة وعدم مجانيته، لا مقابلة كل عمل بمال حتي لو كان خارجاً عن المضاربة لازماً للشرط، كما نبه لذلك غير واحد. كما أنه تكرر منا أن الشرط لا قسط له من العوض، فلا يلزم من بطلان الشرط جهالة حصة العامل. كيف ولو كان للشرط قسط من الحصة التي للعامل في المقام لم يلزم مجانية العمل الذي تضمنه الشرط، فلا يتم الوجه الذي ساقه لبطلانه.

ولعله لذا سبق من المبسوط في صحة الشرط واستحسنه في الشرايع، وجري عليه في جامع الشرايع والقواعد والتذكرة وغيرها.

نعم صرح في المبسوط وجامع الشرايع بعدم لزوم الشرط المذكور، معللاً في الأول بأن البضاعة غير لازمة. لكن عدم لزوم عقد البضاعة - لو تم - لا ينافي لزوم البضاعة في المقام بلحاظ أخذها شرطاً في عقد المضاربة، كسائر الشروط المأخوذة فيه.

هذا كله في الشروط الخارجة عن الربح. وأما إذا اشترطا حصة من الربح لغيرهما من دون أن يقوم بعمل - شخصاً كان أو جهة عامة أو خاصة كإعانة فقير أو بناء مسجد أو نحو ذلك - فقد منع منه في المبسوط والمهذب والشرايع وجملة من كتب

ص: 344

العلامة وغيرها، وفي المبسوط: «بطل قولاً واحداً» لدعوي: أن وضع المضاربة علي أن الربح للمالك وللعامل بعمله.

وكأنه لظهور بعض النصوص في ابتناء المضاربة علي اشتراك الربح بين العامل والمالك، كصحيح إسحاق بن عمار عن أبي الحسن (عليه السلام): «سألته عن مال المضاربة. قال: الربح بينهما والوضيعة علي المال»((1)).

لكن الشرط المذكور لا يكون حقاً للمشروط له بعد عدم كونه طرفاً في المعاملة، بل هو حق للمشترط منهما، ولذا يكون له إسقاطه، فهو لباً جزء من حصته. وإذا اشترطاه معاً كان حقاً لهما معاً وجزءاً من الربح الذي يكون مقتضي المضاربة انحصاره بهما، فلهما الاتفاق علي إسقاطه ورفع اليد عنه.

علي أنه لو فرض خروج العقد بذلك عن المضاربة أمكن تصحيحه علي أنه عقد آخر يكون مقتضي عموم نفوذ العقود والشروط نفوذه بشرطه، كما سبق منّا في بعض الفروع.

أما لو صرح بكون المشروط من حصة أحدهما فالأمر أظهر، كما لو جعلا الربح بتمامه بينهما واشترط أحدهما علي الآخر أن يدفع من حصته لغيره.

لكن تنظر فيه في التحرير، وفي التذكرة: «لم يلزم الشرط، فإن أوجبه فالأقوي البطلان»، ولم يظهر الوجه في ذلك بعد عموم أدلة النفوذ. وهل يلتزم بذلك لو شرط صرف الحصة في جهة خاصة، كنفقة عياله أو حجه أو زيارته؟

هذا وقد أطبقوا علي أنه لو اشترط للأجنبي حصة من الربح في مقابل عمل يقوم به صح، وكان كما لو تعدد العامل. وقد أطلق الأكثر العمل.

لكن مقتضي الوجه المتقدم للمنع من جعل الحصة له مجاناً هو لزوم كون العمل الاتجار بالمال، دون غيره من الأعمال المتعلقة بالتجارة، كحراسة المال ونقله ونحوهما.

********

((1) وسائل الشيعة ج: 13 باب: 3 من أبواب كتاب المضاربة حديث: 45.

ص: 345

(346) (346)

لظهور اقتضاء المضاربة كون حصة العامل في مقابل خصوص الاتجار بالمال، وبقية الأعمال خارجة عن ذلك، وإن لزمت عليه.

وكأنه إلي هذا يرجع قوله في جامع المقاصد: «ولابد من تعيين العمل المشترط عليه، وكونه من أعمال التجارة»، ونحوه في المسالك معللاً بما ذكرنا.

كما أنه إن اشترك معهما في العقد، بحيث كان طرفاً ثالثاً فيه فهو يتوقف علي مشروعية توزيع الأعمال علي أكثر من عامل في المضاربة الواحدة، بحيث يكون كل عامل مسؤولاً بنوع من العمل، ونصوص المضاربة لا تنهض بذلك، لعدم الإطلاق فيها. وإن لم يشترك معهما في العقد، بل اشترطت الحصة لمن يرضي بها في مقابل العمل الخاص، فخروجه من نصوص المضاربة أظهر. فلاحظ.

الخامس: يمكن تحقيق نتيجة المضاربة بطريق الجعالة، بأن يجعل صاحب المال لمن يتجر بماله حصة من الربح بنحو الإطلاق أو مع تعيين العامل. ولا فرق بينها وبين المضاربة إلا في ابتناء المضاربة علي إلزام العامل بالعمل، بحيث يجب عليه ما لم تفسخ، بخلاف الجعالة، حيث لا تبتني علي ذلك، بل علي مجرد جعل الحصة للعامل في تقدير العمل، نظير الفرق بين الإجارة والجعالة.

السادس: تعرض الأصحاب إلي مضاربة العامل غيره بالمال الذي أخذه بنحو المضاربة. وحيث كان ذلك نحواً من التصرف في مال المالك تعين توقفه علي إذنه المستفاد صريحاً أو ضمناً، ولو بسبب تعارف ذلك أو نحوه، نظير ما سبق في إجارة العين المستأجرة.

إذا عرفت هذا فقد ذكروا أن المضارب الأول.. تارة: يضارب بالمال لنفسه كما يضارب المالك لنفسه. وأخري: يضارب للمالك، بحيث يكون العامل الثاني بدلاً عنه في العمل للمالك.

ومن الظاهر أن مرجع الثاني إلي رفع اليد عن المضاربة الأولي وفسخها وإبدالها بالمضاربة الثانية، لأن المال لا يتحمل مضاربتين من شخص واحد.

ص: 346

فالمهم في المقام الصورة الأولي، والتي هي نظير استئجار الأجير شخصاً يقوم بدله بالعمل المستأجر عليه. ويظهر من بعض كلماتهم المفروغية عن صحة ذلك في الجملة مع إذن المالك.

وكأنه لأنه يكفي في المضاربة السلطنة علي المال المفروض حصولها من إذن المالك، وانتفاعه بالعمل ولو بلحاظ تحقق الوفاء به عما التزمه للمالك من العمل بعد فرض عدم أخذ المباشرة قيداً في المضاربة الأولي، كما يستفاد من إذن المالك له في أن يضارب، فهو نظير مزارعة العامل لغيره.

وإنما الكلام في أنه هل له أن يضارب بأقل مما ضاربه به المالك، كما لو ضاربه المالك بالنصف وضارب هو الثاني بالثلث، ليبقي له سدس الربح.

وقد منع منه في الشرايع والتذكرة وغيرهما، بدعوي: أن العامل إنما يستحق الربح بعمله، والمفروض أنه لا عمل له في المقام، لقيام العامل الثاني بتمام العمل.

وفيه: أنه بعد فرض عدم اشتراط المباشرة في المضاربة الأولي، وأن العامل فيها يضارب في المضاربة الثانية لنفسه، فعمل المضارب الثاني بمنزلة عمله، نظير عمل وكيله أو أجيره، فهو في المقام يستحق الحصة التي عينها له المالك، في مقابل العمل الملزم به بمقتضي المضاربة الأولي والذي قام به عنه المضارب الثاني، وعليه الحصة التي عينها للعامل الثاني في مقابل قيامه بالعمل المذكور، ويبقي له فرق ما بين الحصتين. ومقتضي عمومات نفوذ العقد جواز ذلك.

بل قد يستفاد من صحيح إسحاق بن عمار عن أبي عبد الله (عليه السلام): «قال: إذا تقبلت أرضاً بذهب وفضة فلا تقبلها بأكثر مما تقبلتها به، وإن تقبلتها بالنصف والثلث فلك أن تقبلها بأكثر مما تقبلتها به، لأن الذهب والفضة مضمونان»((1)). بلحاظ أن مقتضي التعليل فيه جواز ربح العميل الأول إذا كان الأمر المتقبل به غير مضمون، ومنه المقام.

********

((1) وسائل الشيعة ج: 13 باب: 21 من أبواب كتاب الإجارة حديث: 2.

ص: 347

(348) (348)

اللهم إلا أن يقال: لما كان التعليل تعبدياً فلا مجال للتعدي به عن مورده، ليتجه الاستدلال به في المضاربة. فالعمدة في المقام عمومات نفوذ العقد.

نعم في حديث نوادر أحمد بن محمد بن عيسي عن أبيه: «سئل أبو جعفر (عليه السلام) عن رجل أخذ مالاً مضاربة أيحل له أن يعينه غيره بأقل مما أخذ؟ قال: لا»((1)). وهو صريح في المنع من المضاربة بالأقل.

ويظهر من الوسائل أن الكتاب المذكور من الكتب المعتمدة المعروفة. فالتعويل علي الحديث المذكور في البناء علي المنع والخروج عن العمومات قريب جداً.

هذا وأما إذا كان التعاقد علي بعض العمل بشيء من الربح فالمتعين البناء علي جوازه من دون نظر لنسبة العمل المذكور إلي الربح المجعول للعامل الثاني، عملاً بالعمومات بعد خروجه عن مورد الحديث المتقدم. فلاحظ. والله سبحانه وتعالي العالم العاصم.

السابع: إذا خرج العامل عن وظيفته فلم يتجر عصي بمخالفة مقتضي العقد. لكن لا يضمن للمالك شيئاً، لعدم الموجب للضمان. نعم يكون معتدياً في حبس المال، لابتناء الإذن له في قبضه علي عمله فيه واتجاره به، ولا إذن له في أخذه بدون ذلك. ويتعين ضمانه له لو نقص أو تلف.

الثامن: تقدم في آخر المسألة العاشرة من كتاب الشركة كراهة مشاركة الذمي، بل مطلق الكافر لصحيح ابن رئاب: «قال أبو عبد الله (عليه السلام): «لا ينبغي للرجل المسلم أن يشارك الذمي، ولا يبضعه بضاعة، ولا يودعه وديعة، ولا يصافيه المودة»((2))، وموثق السكوني عنه (عليه السلام): «أن أمير المؤمنين (عليه السلام) كره مشاركة اليهودي والنصراني والمجوسي، إلا أن تكون تجارة حاضرة لا يغيب عنها المسلم»((3)).

********

((1) وسائل الشيعة ج: 13 باب: 14 من أبواب كتاب المضاربة حديث: 1.

((2) وسائل الشيعة ج: 13 باب: 2 من أبواب كتاب الشركة حديث: 1.

((3) وسائل الشيعة ج: 13 باب: 2 من أبواب كتاب الشركة حديث: 2.

ص: 348

وهما وإن لم يتضمنا المضاربة إلا أن من القريب جداً استفادة العموم لها منهما عرفاً. ومن ثم ذكر بعضهم كراهة مضاربتهم.

وقد تقدم هناك الكلام في عموم الكراهة وخصوصها بنحو يغني عن التعرض له هنا. ولنقتصر في فروع المضاربة علي ذلك. وقد أعرضنا عن كثير من الفروع التي ذكرها الأصحاب (رضوان الله تعالي عليهم)، إما لعدم الابتلاء بها، أو لندرته، أو لظهور حالها بلحاظ الضوابط التي سبق الكلام فيها في كثير من كتب المعاملات، أو لغير ذلك.

وقد انتهي الكلام إلي هنا ليلة الإثنين العشرين من شهر شوال سنة ألف وأربعمائة واثنتين وثلاثين للهجرة النبوية علي صاحبها وآله أفضل الصلوات وأزكي التحيات. في النجف الأشرف ببركة الحرم المقدس المشرف، علي مشرفه أفضل الصلاة والسلام. بقلم العبد الفقير (محمد سعيد) نجل آية الله (السيد محمد علي الطباطبائي الحكيم) (قدس سره). والحمد لله علي تيسيره وتسهيله والصلاة والسلام علي رسوله الأمين وآله الكرام أعلام الهدي ومصابيح الظلام.

ص: 349

ص: 350

(351)

كتاب الوديعة

ص: 351

ص: 352

الحمد لله رب العالمين. والصلاة والسلام علي سيدنا محمد وآله الطاهرين، ولعنة الله علي أعدائهم أجمعين إلي يوم الدين.

ص: 353

ص: 354

(355)

كتاب الوديعة

وهي من العقود الجائزة (1)

(1) من الطرفين بلا خلاف، كما في المسالك وغيره، وبالإجماع، كما في التذكرة، وفي الجواهر: «بلا إشكال ولا خلاف، بل الإجماع بقسميه عليه. وهو الحجة في تخصيص الآية وغيرها من أدلة اللزوم».

لكن من الظاهر أن المراد بجواز العقد في المقام ليس إلا جواز إنهاء الاستيداع واسترجاع المال وإرجاعه، وهو لا ينافي مفاد عقد الوديعة، لعدم ابتنائه علي التأبيد وقطع علاقة المالك بالمال، بحيث لا يرجع له. فلا يكون جواز العقد منافياً لعموم الوفاء بالعقود - الذي هو دليل اللزوم - وتخصيصاً له.

وبعبارة أخري: لما لم يكن مفاد الوديعة التأبيد، بل الحفظ للمالك موقتاً، ولم يتضمن العقد تحديد أمد الاستيداع، كان المستفاد من إطلاقه إيكال إنهائه لكل من طرفي العقد. وعليه لا يكون الفسخ منهما منافياً لمقتضي العقد، ليكون جوازه منافياً لعموم الوفاء بالعقد الذي هو دليل لزومه ومخصصاً له، كما سبق من الجواهر. بل هو في الحقيقة ليس فسخاً للعقد، وإنما هو إنهاء لمضمونه، نظير ما تقدم في المضاربة.

وهذا بخلاف العقود ذات المضامين الإنشائية التي من شأنها البقاء، فإنه لا يشرع إنهاء مضمونها، فلا يكون ترك العمل عليها إلا بفسخها ورفع مضمونها بعد ثبوته، وهو ينافي نفوذ العقد، وينافي عموم الوفاء به، فيكون جوازه تخصيصاً للعموم

ص: 355

(356)

المذكور.

نعم لا يلزم ذلك مع اشتراط الخيار في العقد، فإن الرجوع حينئذٍ وإن كان فسخاً للعقد ورفعاً لليد عن مضمونه بعد ثبوته، إلا أنه لا ينافي عموم الوفاء بالعقد - الذي هو دليل اللزوم - لأن الشرط جزء من العقد، فالعمل عليه لا ينافي الوفاء بالعقد.

هذا كله مع إطلاق عقد الوديعة. أما مع اشتراط الأجل فيه فالظاهر بناؤهم علي بطلان الشرط المذكور، كما يظهر مما سبق منهم في المضاربة، لأنهما من باب واحد.

لكن لم يتضح الوجه في ذلك بعد عموم نفوذ العقود والشروط. نظير ما تقدم منا في المضاربة. فراجع.

بقي شيء. وهو أن مقتضي جواز عقد الوديعة أمران:

الأول: بطلانها بما تبطل به العقود الجائزة. وقد تقدم الكلام فيه في المسألة الأولي من كتاب المضاربة. ويجري هنا ما سبق هناك من عدم تقوم العقد بالإذن، بل بالإلزام والالتزام بالحفظ. غاية الأمر أنها تبتني - مع عدم اشتراط التوقيت - علي الاستمرار ما داما راضيين بها مستمرين عليها. وهو لا يقتضي البطلان بمثل جنون المودع، بل التوقف لعدم السلطنة، فلا مانع من الاستمرار عليها بإذن الولي، ولا حاجة إلي الاستيلاء منه. وإن كان قد يدعي رجوع أحدهما للآخر، لعدم الفرق بينهما عملاً، بخلاف المضاربة. فراجع.

نعم لا مجال لذلك مع جنون الودعي، لعدم أهليته للاستيداع. غاية الأمر أنه يمكن استيداع الولي، وليس هو استمرار لاستيداع المولي عليه، بل مباين له.

الثاني: أن مقتضاه جواز فسخ كل منهما لها وإن لم يرض الآخر، كما تقدم هناك أيضاً، وتقدم أيضاً أن اللازم إعلام الطرف الآخر بالفسخ، ولا يترتب أثره بدونه. ولا يبعد جريان ذلك في المقام، فإنه وإن لم يظهر له أثر في وجوب حفظ العين، لوجوب

ص: 356

(357)

ومفادها الائتمان في الحفظ (1).

(مسألة 1): يجب حفظ العين بمجري العادة (2) وإذا عين المالك

حفظ الإنسان لما تحت يده حتي لو كان غاصباً، إلا أن أثره يظهر في كيفية الحفظ، حيث يتعين مع بقاء الوديعة مراعاة الوجه الذي عينه المالك، ومع ارتفاعها مراعاة الوجه المناسب بنظر الودعي، حيث تكون الوديعة أمانة شرعية في حقه. كما أنه إذا احتاج حفظ الوديعة إلي مؤنة ونفقة قد أقدم عليها حين الاستيداع، كان عليه تحملها ما دامت الوديعة باقية، دون ما إذا ارتفعت. وإن كان الأمر محتاجاً لمزيد من التأمل.

(1) بحيث يتمحض في ذلك. وبذلك يختلف عن بقية الأمانات، كالعين المستأجرة والمرهونة والعارية ومال المضاربة والمال الموكل في التصرف فيه ببيع أو إجارة أو نحوهما، فإن الغرض من الائتمان فيها ليس هو الحفظ، بل هو أمر آخر.

ولو رخص المودع في التصرف في الوديعة لم تخرج عن كونها وديعة، ولا تصير عارية، لأن الترخيص في الانتفاع ليس مقصوداً بالأصل بل تبعاً، بخلاف العارية، فإن الغرض المقصود منها هو الترخيص في الانتفاع والائتمان في الحفظ هو التابع. والأمر سهل.

هذا والظاهر أن الوديعة بما لها من مفهوم متقومة بالقبض، المبتني علي الاستئمان في الحفظ، ولا تصدق بمجرد إنشاء الاستئمان من المودع وقبوله من الودعي، ولا يترتب عليهما الأثر. وكذا الحال في العارية.

(2) كما طفحت عبارات الأصحاب بذلك أو بما يرجع إليه. لأن ذلك مقتضي إطلاق الاستئمان عرفاً. بعد أن لم يعين المالك ولا الشارع نحواً خاصاً في الحفظ، كما ذكر ذلك في الجملة غير واحد.

هذا وفي المسالك: «ولا فرق في الحفظ بما جرت به العادة بين علم المودع بأن المستودَع قادر علي تحصيل الحرز المعتبر وعدمه، فلو أودعه دابة مع علمه بأنه لا

ص: 357

(358)

محرزاً تعين (1)،

إصطبل له، أو مالاً مع علمه بأنه لا صندوق له ونحو ذلك لم يكن عذراً». وقد تبعه علي ذلك غير واحد.

وهو جيد، لأنه لما كان مقتضي إطلاق الاستئمان هو الحفظ بالنحو المتعارف فكما يجب علي المستودَع استعمال آلته الموجودة عنده يجب عليه تحصيل تلك الآلة مع فقده لها. إلا أن يكون علم المودع بفقد المستودَع لها قرينة علي اكتفائه بالميسور له من طرق الحفظ مع فقدها، وعدم كونه في مقام تكليفه بتحصيلها، كما يتضح ذلك في صورة علمه بعجزه عن تحصيلها.

بقي شيء. وهو أنه لا ريب في عدم ضمان الوديعة مع عدم التعدي ولا التفريط. ويظهر من جملة من كلماتهم المفروغية عن ذلك، والنصوص به في الجملة مستفيضة تقدم بعضها في المسألة الثانية والثلاثين من كتاب الإجارة.

بل يظهر من جملة كلماتهم عدم صحة اشتراط الضمان فيها. ولم يتضح الوجه في ذلك بعد عموم نفوذ الشروط. وقد تقدم في المسألة المذكورة ويأتي في المسألة الثانية من كتاب العارية ما ينفع في المقام.

(1) فلا يجوز النقل إلي ما دونه إجماعاً، كما في المسالك، وقطعاً، كما في التحرير، وقد يظهر من بعض كلماتهم المفروغية عنه. وهو كذلك، لأنه من أظهر أفراد التعدي. وفي صحيح الصفار: «كتبت إلي أبي محمد (عليه السلام): رجل دفع إلي رجل وديعة [وأمره أن يضعها في منزله أو لم يأمره. فقيه] فوضعها في منزل جاره، فضاعت، هل يجب عليه إذا خالف أمره وأخرجها عن ملكه؟ فوقع (عليه السلام): هو ضامن لها إن شاء الله»((1)).

وأما إلي المساوي فالجواز صريح المبسوط والتذكرة. لأن الغرض من تعيين الحرز الخاص مرتبة من التحفظ علي الوديعة به من دون اهتمام بخصوصيته.

********

((1) وسائل الشيعة ج: 13 باب: 5 من أبواب كتاب الوديعة حديث: 1.

ص: 358

(359)

فلو خالف ضمن (1) إلا مع الخوف (2) إذا لم ينص المالك علي الخوف وإلا

لكن تنظر في التحرير، بل منع منه في المختلف والإرشاد والإيضاح وجامع المقاصد والمسالك وغيرها، معللاً في بعضها باختلاف الأغراض في اختيار مواضع الحفظ من دون نظر للعلة. بل مال بعضهم للمنع من النقل للأحرز، وبه صرح في الروضة، وهو مقتضي إطلاق غير واحد. وإن كان ظاهر الإيضاح والمحكي عن غير واحد الإجماع علي جوازه.

والذي ينبغي أن يقال: إن قامت القرينة علي أن اختيار المودِع للحرز الخاص بلحاظ مرتبة التحفظ فيه جاز النقل للماثل بنظره، فضلاً عن الأحرز. لعدم صدق التعدي به، ولانصراف الصحيح عنه. وإلا لزم الاقتصار عليه وعدم النقل حتي للأحرز. لصدق التعدي به وعموم الصحيح له.

وأما الاكتفاء بنظر المستودَع في تشخيص ذلك فهو موقوف - زائداً علي ما سبق - علي قيام القرينة علي إيكال المودِع التشخيص لنظره.

هذا كله مع عدم النهي عن النقل من الحرز المعين، أما معه فالمصرح به في المبسوط والشرايع والقواعد وغيرها عدم جواز النقل مطلقاً. بل في التنقيح والمسالك الإجماع علي الضمان والحرمة حينئذٍ.

وفيه: أنه مع قيام القرينة علي أن التعيين بلحاظ مرتبة التحفظ فالمنهي إنما يقتضي عدم النقل لما هو دون المعين في المرتبة دون المساوي، فضلاً عن الأحرز. ومع عدمه لا يجوز النقل حتي مع عدم النهي، كما سبق.

اللهم إلا أن يدعي أن النهي قرينة علي اهتمام المودع بشخص الحرز من دون نظر لمرتبة الحفظ. فلاحظ.

(1) لما هو المعلوم من ضمان الأمانة مع التعدي الحاصل في الفرض.

(2) كما صرح جمهور الأصحاب بذلك. بنحو يظهر في المفروغية عنه. وكأن

ص: 359

ضمن حتي مع الخوف (1)

مرادهم به طرو سبب للخوف غير محتسب عند الاستيداع، حيث ينصرف تعيين المودع للحرز عن الصورة المذكورة بعد فرض أن تعيينه للحرز من أجل حفظ الوديعة، فيتعين قيام المستودع بوظيفته في حفظ الوديعة بنقلها عن موضع الخوف والخطر، كما لو لم يعين المالك موضعاً للحرز.

نعم لابد من تعذر استئذان المودع في النقل عند طروئه، نظير ما يأتي في الخلط.

(1) لصدق التعدي والخروج عن مقتضي الأمانة حينئذٍ.

لكن قال في الشرايع: «ولو قال: لا تنقلها من هذا الحرز ضمن بالنقل كيف كان، إلا أن يخاف تلفها وإن قال وإن تلفت». ونحوه في القواعد والإرشاد وقريب منه في التذكرة، وعليه جري غير واحد ممن تأخر عنهما. ومقتضاه جواز النقل مع الخوف حتي مع تعميم المالك للتلف، فضلاً عن خوفه.

لأنه ليس للمالك النهي عن النقل مع الخوف، لحرمة إتلاف المال، لما فيه من الإسراف والتبذير، وحينئذٍ لا يجب علي المستودَع متابعته، بل قد تحرم، علي ما يأتي الكلام فيه.

لكن يشكل بأن الخوف لا يستلزم التلف. ولاسيما أن المراد به خوف المستودَع، لأن المال تحت يده، وقد لا يثق المودع بتشخيصه، ويكون وثوقه بالحرز الذي عينه أقوي من وثوقه بتشخيص المستودع.

بل حتي لو وثق بتشخيصه فلا دليل علي وجوب الاحتياط مع خوف الضرر علي المال، وليس هو كخوف الضرر علي النفس.

نعم قد يدعي وجوب النقل مع اليقين بالتلف بدونه، لما سبق من حرمة إتلاف المال.

لكن لو تم تحريم إتلاف المال لما سبق فهو لا يستلزم وجوب حفظه، خصوصاً

ص: 360

من مثل السرقة ونحوها مما لا يتلف به المال، بل يضيع علي صاحبه لا غير، وخصوصاً علي غير المالك.

ومن هنا قد يقال بجواز النقل وعدم وجوبه. لكن يشكل جوازه إذا لم يكن منع المالك عن النقل لسفه منه، لحرمة التصرف في المال بدون إذن مالكه، خصوصاً إذا احتمل كون منعه لغرض عقلائي، وإن جهله المستودَع.

ودعوي: أن اشتراط جعل الوديعة في الحرز الخاص حينئذٍ مناف لمقتضي عقد الوديعة، لتقومه بالاستئمان للحفظ.

مدفوعة.. أولاً: بأن مقتضي عقد الوديعة حفظها في الجملة، من دون أن ينافي تعريضها للتلف. بإذن المالك في بعض الأحوال، كما لو أذن له أو اشترط عليه أن يبذلها لشخص خاص أو جهة خاصة عند الحاجة.

وثانياً: بأن الشرط المذكور لو كان منافياً لعقد الوديعة فهو لا يبطل العقد، بل يجعله عرفاً عقداً آخر، نظير الوكالة في بعض التصرفات الخاصة في المال.

وثالثاً: بأن بطلان العقد لا يقتضي جواز الخروج بالمال المأخوذ بسببه عما أذن فيه المالك.

ثم إنهم صرحوا بعدم الضمان مع عدم النقل حتي لو قيل بوجوبه، فضلاً عما إذا قيل بجوازه من دون وجوب، لأن إتلاف المال بإذن المالك لا يكون مضمناً، فضلاً عن تركه بإذنه حتي يتلف. وأما مع النقل فإن قلنا بجوازه فلا إشكال في عدم الضمان، لعدم كون اليد عدوانية. وإن قلنا بحرمته فالمتعين الضمان إذا أدي إلي التلف أو النقص. وأما إذا لم يؤد إليهما فضمان العين بالتلف أو النقص المتأخرين يبتني علي أن خروج الأمين عن مقتضي الاستئمان هل يوجب ضمانه للعين مطلقاً، بحيث لا يخرج عن الضمان إلا بتسليمها للمالك كما هو المعروف بينهم، أو لا بل تبقي علي حكم الأمانة في عدم الضمان، ويختص الضمان بما إذا أدي الخروج عن مقتضي الاستئمان للنقص أو التلف، كما سبق منا تقريبه في المسألة الثانية والثلاثين من كتاب الإجارة،

ص: 361

(362) (362)

وكذا يضمن لو تصرف فيها تصرفاً منافياً للاستئمان (1)

ويأتي بعض الكلام فيه في المسألة الثالثة هنا. فراجع.

(1) لما كان مبني الاستئمان علي إيكال حفظ العين ورعاية مصلحتها للأمين، فالخروج عن مقتضاه إنما يكون بأحد أمرين: التفريط بالعين بتعريضها للنقص أو التلف، والتعدي عليها بفعل ما يضرّ بها أو يتلفها.

وتشخيص ذلك مع إطلاق الاستئمان موكول لنظر الأمين. أما مع إعمال المستأمِن نظره في طريقة الحفظ والرعاية بجعلها في مكان خاص أو حالة خاصة أو اشتراطه ذلك، فيكون مقتضي الاستئمان الحفاظ علي ذلك وعدم التعدي بالخروج عنه. ومن ثم ذكروا أن الخروج عن مقتضي الاستئمان يكون بالتفريط بالعين والتعدي عليها ومخالفة المالك بتغيير ما صنعه أو اشترطه لحفظ العين.

ويترتب علي ذلك حرمة الأمور المذكورة تكليفاً كما أنها موجبة للضمان علي ما تقدم في المسألة الثانية والثلاثين من كتاب الإجارة ويأتي الكلام في ذلك في المسألة الثالثة هنا.

بقي في المقام أمران:

الأول: ذكر الأصحاب أن من أسباب الضمان استعمال الوديعة كلبس الثوب وركوب الدابة ووضع الطعام في الإناء ونحو ذلك.

وهو المتعين في صورة منافاته لحفظ الوديعة، لكونه موجباً لنقص قيمتها، كبعض الأشياء الجديدة أو استهلاك طاقتها كالمشي في الخف مدة معتداً بها، أو الخطر عليها والتفريط بها كاستعمال الأواني من القوارير.

أما لو لم يوجب ذلك - كلبس الودعي الثوب لمعرفة مناسبته لحجمه - فلم يتضح الوجه في لزوم الضمان به. غاية الأمر أن يحرم تكليفاً إذا لم يحرز رضا المالك به. نعم لو استفيد من الاستيداع المنع من الاستعمال حتي بالوجه المذكور فلا يبعد صدق

ص: 362

(363)

التعدي والخيانة بذلك. فلاحظ.

الثاني: قال في المبسوط: «وإن عزم علي أن يتعدي فيها لا يضمن عندنا... لأنه لم يقع التعدي». وبذلك صرح في الشرايع والقواعد والتحرير لكن استشكل فيه في التذكرة وإن لم يبعد بملاحظة مجموع كلامه ميله لعدم الضمان. والمتعين، وهو المتعين، ولو لعموم عدم ضمان الأمين من دون ظهور مخرج عنه.

ولا وجه لقياسه بما إذا أخذ اللقطة لنفسه من دون عزم علي إجراء حكمها، لأنه في تناوله للقطة بالوجه المذكور غاصب، لعدم الإذن له لا من المالك ولا من الشارع.

اللهم إلا أن يقال: حرمة غصب اللقطة لا ينافي جواز التقاطها عند نية الغصب، لأن الغصب لا يكون بنفس الالتقاط مع جوازه، بل بالخروج عن مقتضي الوظيفة في اللقطة، ولذا لو أخذها لنفسه بتخيل جواز ذلك لم يكن غاصباً واقعاً، كالقابض بالعقد الفاسد. وحينئذٍ يتعين عدم ضمانه بمجرد الالتقاط بنية الأخذ لنفسه حتي لو علم بحرمة الأخذ، بل يضمن بالخروج عن مقتضي الوظيفة في اللقطة نظير ما ذكرناه هنا.

هذا ولكن قال في الجواهر: «أما لو نوي الغصب في استدامة القبض صار ضامناً وغاصباً، لكونه كما لو قبضها من أول الأمر علي وجه الخيانة، لا الأمانة». وقد يناسبه ما في كتاب الغصب من القواعد.

لكن نية الغصب إن رجعت إلي فسخ عقد الوديعة وقبض العين علي نحو الغصب. فيخرج عن عموم عدم ضمان الأمين موضوعاً. فهو يبتني علي نفوذ الفسخ من دون إعلام المالك الذي سبق الإشكال فيه.

أما إذا رجعت إلي نية غصب العين مع كونها وديعة، من دون فسخ لعقدها فمقتضي عموم عدم ضمان الأمين عدم ضمانه بالنية المذكورة، حتي تخرج العين عن كونها وديعة بحبسها عن المالك بعد فسخه للوديعة بها ومطالبته، أو يحصل التعدي

ص: 363

وموجباً لصدق الخيانة كما إذا خلطها بماله (1)

عليها مع بقائها وديعة بالتفريط بها أو نحو ذلك.

ويجري ذلك حتي في نية الغصب عند الاستيداع. فإنها إن رجعت إلي إيهام قبول الوديعة من دون قبول لها حقيقة وقبض العين غصباً تعين الضمان من أول الأمر. وإن رجعت إلي العزم علي الغصب مع قبول الوديعة حقيقة وقبض العين بناء علي ذلك تعين عدم الضمان حتي تخرج عن كونها وديعة أو يحصل التعدي عليها.

ودعوي: عدم رضا المالك بقبضها لو علم بعزم الودعي علي الغصب. مدفوعة بعدم منافاة ذلك لقصد الوديعة وإذنه في القبض بناء علي ذلك، نظير تخلف الداعي في العقود والإيقاعات. فلاحظ. والله سبحانه وتعالي العالم.

(1) أو مال غيره. بل صرح بعضهم أن الخلط مضمن وإن كان بمال آخر للمودع. قال في المبسوط: «وأما الكيسان إذا خلطهما، فإنه يكون مضموناً عليه، لأنه خلطهما بغير رضا صاحبه، فكان متعدياً بالخلط، فضمنهما بكمالهما». وقريب منه في الشرايع وجملة من كتب العلامة وغيرها.

ولا إشكال فيه لو كان موجباً لنقص المالين، كما لو اختلفا في الجودة والرداءة أو في بعض الصفات التي تختلف بها الرغبات. وكذا لو كان بفتح ختم كل منهما إذا كان للختم أهمية عرفاً، أو كان مع نهي المالك، كما يظهر مما سبق. أما بدون ذلك فلا يتضح الوجه فيه بعد عدم صدق التعدي عليه.

وأما تعليله بكونه تصرفاً غير مأذون فيه. كما تقدم من المبسوط، وذكره غيره فيدفعه أن إطلاق الاستيداع يقتضي الإذن في التصرف غير المنافي للاستئمان. وإلا فلا يظن بأحد البناء علي توقف كل تصرف علي الاستئذان منه، لما في ذلك من الكلفة علي المستودَع. مع أن حرمة التصرف تكليفاً لا تقتضي الضمان إذا لم يناف الاستئمان، كما يأتي من سيدنا المصنف (قدس سره).

ص: 364

(365)

بحيث لا تتميز (1)، أو أودعه كيساً مختوماً ففتح ختمه (2)، أو أودعه طعاماً فأكل منه (3)

(1) كما في المبسوط والسرائر والشرايع وجملة من كتب العلامة والشهيدين وغيرها، ونفي وجدان الخلاف فيه في الجواهر. لابتناء الوديعة علي أن ترجع إلي المالك كما سلمها، بحيث يتصرف بعينها من دون أن يعيقه شيء، والخلط يمنع عن ذلك، فيكون تعدياً محرماً ومضمناً.

نعم قد يطرأ ما يخرجه عن التعدي، بل يجعله مقتضي الاستئمان، كما لو اتفق بوجه غير محتسب انحصار الحرز بالحرز الذي فيه ماله ولم يتيسر تمييز المالين، مع تعذر استئذان المودِع في الخلط. أما لو كان ذلك بوجه محتسب حين الإيداع تعين تنبيه المالك لذلك وحرم قبول الوديعة بدونه.

ثم إنه بناء علي ما سبق منّا في كيفية الضمان يتعين كون المضمون هو النقص الحاصل من الخلط لا غير.

(2) كما في المبسوط والسرائر والشرايع وجملة من كتب العلامة وغيرها. لظهور جعل الختم ونحوه في إرادة عدم الفك اهتماماً بالحفظ، أو لكونه موجباً لزيادة الرغبة في الشيء.

نعم قد تقوم القرينة علي عدم قصد المالك منع المستودَع، كما لو دفع إليه مفتاح الحرز، أو علمه كيف يحل شدّ الكيس.

كما أنه قد يطرأ ما يخرجه عن التعدي، كما إذا خشي من أخذ الظالم للمال إذا رأي الحرز مثلاً، لأن فيه علامة المودع، وهو في مقام أخذ ماله واستصفائه، نظير ما سبق في الخلط، وعلي التفصيل المتقدم فيه.

(3) قطعاً فإنه: أظهر وجوه التعدي، وحينئذٍ لا إشكال في ضمان المقدار المأكول، كما أنه لو أوجب نقص قيمة الباقي كان النقص مضموناً.

ص: 365

أو دراهم فاستقرض بعضها (1)،

(1) من الظاهر أن القرض يبتني علي ضمان المال المقترض وديعة كان أو غيرها. وإنما الإشكال في أن الاقتراض من التعدي علي الوديعة، فيحرم تكليفاً ولا يملك أولاً. صرح بالأول في المبسوط، ونسب الثاني لقوم. وكأن مراده بعض العامة، كما يناسبه وجه الاستدلال الذي نسبه إليهم، وإلا فظاهر حال الأصحاب هو الأول بلحاظ ما ذكروه من شدة التقيد في التصرف في الوديعة بل هو كالصريح من المقنعة والنهاية.

لكن في صحيح حبيب الخثعمي عن أبي عبد الله (عليه السلام): «قلت له: الرجل يكون عنده المال وديعة يأخذ منه بغير إذن؟ فقال: لا يأخذ إلا أن يكون له وفاء. قال: قلت: أرأيت إن وجد من يضمنه ولم يكن له وفاء وأشهد علي نفسه الذي يضمنه يأخذ منه؟ قال: نعم»((1)) وفي خبر علي بن جعفر المروي في قرب الإسناد: «سألته عن رجل كان عنده وديعة لرجل فاحتاج إليها هل يصلح له أن يأخذ منها - وهو مجمع أن يردها - بغير إذن صاحبها؟ فقال: إذا كان عنده وفاء فلا بأس أن يأخذ ويرده»، ونحوه ما في مستطرفات السرائر عن جامع البزنطي صاحب الإمام الرضا (عليه السلام)((2)). وهي متفقة علي جواز الاقتراض من دون استئذان مع القدرة علي الوفاء. بل مقتضي الصحيح الاكتفاء بوجود الضامن.

نعم في السرائر بعد ذكر حديث البزنطي أنه لا يلتفت له، لندرته، وانعقاد إجماع الأصحاب علي تحريم التصرف في الوديعة بغير إذن ملاكها. ويناسبه ما سبق منهم. ومن ثم قد توهن هذه النصوص بإعراض الأصحاب عن مضمونها.

لكن ظاهر الصدوق العمل بصحيح الخثعمي، لذكره له في الباب المناسب، بل

********

((1) وسائل الشيعة ج: 13 باب: 8 من أبواب كتاب الوديعة حديث: 1.

((2) وسائل الشيعة ج: 13 باب: 8 من أبواب كتاب الوديعة حديث: 2 وذيله.

ص: 366

وإذا أودعه كيسين فتصرف في أحدهما ضمنه دون الآخر (1).

قد يظهر ذلك من التهذيب، لذكره في أوائل باب الوديعة في سياق النصوص المتضمنة لأحكامها التي عليها المعول عندهم من دون تعقيب منه عليه.

ولعل عدم ذكر الأصحاب له لأنهم بصدد بيان أسباب الضمان المعلوم ابتناء الاقتراض عليه - كما سبق - فلا حاجة لذكره، مع غفلتهم أو مع إغفالهم الفرق بين صدق التعدي به - الموجب لتحريمه تكليفاً وعدم تملكه - وعدمه، وإلا كان المناسب تعرضهم لذلك وبيان موقفهم من النصوص المذكورة.

ومن ثم يشكل تحقق الإعراض الموهن. ولاسيما مع تعدد النصوص، واحتمال العمل بها من قِبَل من كانت فتاواهم تعرف من طريق رواياتهم، وكون بعض ما ذكره أهل الفتوي من مصاديق التعدي يبتني علي اجتهادات غير ظاهرة الوجه.

ثم إن الأثر لذلك كما يظهر في الحرمة التكليفية يظهر في أنه مع صدق التعدي المحرم يكون المقترض غاصباً خارجاً عن مقتضي الاستئمان، فلا تبرأ ذمته بالوفاء ورد ما أخذه علي أنه أمانة، كما صرح به في المبسوط، بل تتوقف براءته علي إيصال المال للمالك، أو إذنه بإرجاعه في ضمن الوديعة. ومع عدم صدق التعدي يبقي حكم الأمانة وتبرأ ذمته بالوفاء ورد ما أخذه، فيرجع أمانة غير مضمونة.

هذا ولو بني علي العمل بالنصوص المذكورة يتعين الاقتصار علي ما إذا لم يصرح المودع أو يظهر منه المنع من التصرف في المال المودع بمثل ختم الكيس وإقفال الصندوق اللذين فيهما، لظهور النصوص في الترخيص من حيثية عدم الاستئذان في الاقتراض، ولا تعم حيثية المنع منه، فلا مخرج عن عموم المنع من التعدي بالإضافة إلي الحيثية المذكورة. فلاحظ. والله سبحانه وتعالي العالم العاصم.

(1) بلا إشكال ظاهر. ويستفاد مما ذكروه في التعدي علي بعض أجزاء الوديعة الواحدة إذا لم يصدق عليه التعدي علي الجميع، كما إذا أودعه دراهم غير موضوعة في

ص: 367

(368)

وإذا كان التصرف لا يوجب صدق الخيانة كما إذا كتب علي الكيس بيتاً من الشعر أو نقش عليه نقشاً أو نحو ذلك فإنه لا يوجب ضمان الوديعة (1) وإن كان التصرف حراماً لكونه غير مأذون فيه (2).

(مسألة 2): يجب علي الودعي علف الدابة وسقيها (3)

حرز مختوم، بل في ظرف مكشوف، فأخذ بعضها. فإنهم صرحوا باختصاص الضمان بما أخذ، لاختصاص سبب الضمان - وهو التعدي - به، بخلاف ما إذا كان التعدي بهتك الحرز، حيث يكون تعدياً علي جميع المال الموضوع، فيكون الضمان به عندهم، لا بالأخذ المختص بالبعض.

(1) لعدم الموجب لضمانها بعد فرض عدم التعدي عليها، نظير ما في المبسوط من أنه إذا خرق الكيس من فوق الشد أو الختم ضمن نقص الكيس دون ما فيه، لعدم هتك حرزه.

(2) أما إذا استفيد الإذن في التصرف من إطلاق الإيداع أو أحرز رضا المالك به فلا حرمة، كما هو ظاهر.

(3) كما صرح به جمهور الأصحاب، بل لا إشكال ولا خلاف فيه، كما في الرياض والجواهر، بل في الأول الإجماع أيضا. لأنه مقتضي حفظ الوديعة الذي سبق أنه من وظيفة الودعي، فيكون ترك ذلك تفريطاً، ولذا جعلوه من موجبات الضمان.

ولا فرق في ذلك بين أمر المالك به وعدمه، كما صرحوا به أيضاً. لما سبق من أن قيام الودعي بحفظ الوديعة مقتضي الاستيداع، فلا يتوقف وجوبه وصدق التفريط بتركه علي نص المالك عليه.

إنما الكلام فيما إذا نهاه عن السقي والعلف فقد صرح في المبسوط والشرايع وجملة من كتب العلامة وغيرها بوجوب السقي والعلف خلافاً علي المالك حينئذٍ.

وقد يظهر من بعض كلماتهم أن ذلك لأمرين.. الأول: أنه مقتضي الاستئمان.

ص: 368

ويرجع به علي المالك (1).

و الثاني: لوجوبه شرعاً، لأن لها حرمة.

لكن الأول في غاية المنع، لأن نهي المالك يقتضي تقييد الاستئمان بغير هذه الحيثية. نظير ما تقدم فيما لو نهي المالك عن نقل الوديعة من الحرز مع الخوف، وتقدم هناك ما ينفع في المقام.

وأما الثاني فهو إنما يقتضي وجوب السقي والعلف بمقتضي ولاية الحسبة وبشروطها، ومنها تعذر الرجوع للمالك، وعدم كون الأصلح له من الإنفاق علي الحيوان والرجوع عليه بيع الحيوان أو ذبحه أو قتله أو تسييبه ليعلف ويستقي ما يجد أين يجد.

وذلك إنما يتجه في مثل الضالة - التي هي من أقسام اللقطة - ومال الغائب ونحوهما. أما في المقام فالمتعين عدم قبول الأمانة مع النهي المذكور. وعدم التورط في المشكلة.

ولو فرض قبولها غفلة عن ذلك جري ما سبق من كون وجوب السقي بمقتضي ولاية الحسبة، وبشروطها. ولو قبل تسامحاً وعصياناً فربما يجب عليه العلف والسقي من ماله، لأنه أوقع نفسه في المحذور الشرعي بقبوله. فتأمل جيداً.

(1) كما صرحوا بذلك، بل لا ريب فيه عندهم إذا أمره بالسقي والعلف، كما في مفتاح الكرامة، لأن الأمر بإنفاق المال في صالح الآمر يقتضي ضمانه. بل قد يدعي ذلك مع إطلاق الاستيداع من دون أمر، لأنه يقتضي حفظ الأمانة، وهو لا يتم في المقام إلا بالإنفاق، فيكون كما لو أمر به. بل قد يجري ذلك مع النهي، لاحترام الحيوان شرعاً.

لكن يظهر الحال في صورة النهي مما سبق. وأما مع الأمر أو الإطلاق فظهور احتياج الوديعة في المقام للسقي والعلف مستلزم لمعرفة مراد الطرفين كيفية تحقيقهما،

ص: 369

(370)

* (مسألة 3): إذا فرط الودعي ضمن (1). ولا يزول الضمان (2) إلا

بالإنفاق علي الحيوان من مال المودع، أو من مال الودعي ثم الرجوع عليه، أو بدون رجوع في مقابل الانتفاع بالحيوان أو بنمائه، أو بدون مقابل تبرعاً وإحساناً، أو بتسريح الحيوان ليرعي في المراعي المباحة التي يسهل علي الودعي السيطرة عليه فيها أو غير ذلك. ولا ضابط لذلك، بل هو تابع للاتفاق بينهما صريحاً أو بقرائن الأحوال، ومنها التعارف. وعليه يتعين العمل علي طبق الاتفاق المذكور.

نعم قد يحدث ما يمنع من العمل عليه بوجه غير محتسب حين الاستيداع. وحينئذٍ يكون وجوب السقي والعلف مقتضي ولاية الحسبة وبشرائطها المشار إليها آنفاً.

(1) بلا إشكال ولا خلاف. وكذا إذا تعدي علي العين أو خالف أمر المالك فيها، كما أشرنا إليه في المسألة الأولي هنا، وتقدم الاستدلال عليه في المسألة الثانية والثلاثين من كتاب الإجارة.

(2) تقدم في المسألة الثانية والثلاثين من كتاب الإجارة أن التفريط بالأمانة والتعدي عليها هل يوجبان ضمان خصوص ما يترتب عليهما من نقصها أو تلفها، أو يقتضيان خروجها عن حكم الأمانة، فتكون كالعين المغصوبة مضمونة حتي بالإضافة إلي النقص والتلف اللاحقين. وذكرنا أن المعروف بين الأصحاب الثاني، بل ادعي عليه إجماعهم، وعليه جري سيدنا المصنف (قدس سره) هنا، ولكن الظاهر بعد النظر في الأدلة الأول. وقد أطلنا الكلام فيه هناك بما يغني عن إعادته هنا، لأن المقامين من باب واحد بعد اشتراكهما في كون العين أمانة، التي تضمنت الأدلة أن الأصل فيها عدم الضمان.

نعم يتجه ضمان العين مطلقاً إذا خرجت عن كونها أمانة، كما لو حبس الودعي والمستعير العين عن المالك، أو حبس المستأجر العين بعد انتهاء مدة الإجارة أو تعدي

ص: 370

بالرد إلي المالك أو الإبراء منه (1).

بها عما استؤجرت له أو نحو ذلك.

(1) كما في الخلاف والشرايع والتحرير والتذكرة وغيرها. وقد يحمل عليه ما في المبسوط والغنية والسرائر من خروجه عن الضمان بما إذا قال له المالك: قد أبرأتك من ضمانها وجعلتها وديعة عندك. حيث لا يبعد أن يكون منشأ البراءة عندهم هو إبراء المالك لا تجديد الاستيداع لها من دون قبض من المالك، للاستدلال في الأخيرين بما استدل به غيرهم للقول المذكور من أن الضمان حق للمالك، فله الإبراء منه.

وهو يبتني علي أن ضمان العين الموجودة بأحد أسبابه حكم فعلي يقتضي تحمل دركها لو حصل، وحيث كان الحكم المذكور حقاً للمالك كان له إسقاطه، كما نبّه له في المسالك.

لكنه غير ثابت، بل من القريب أن يكون حكماً تعليقياً راجعاً إلي انشغال الذمة بها أو بدركها عند تعرضها للتلف أو النقص، وهو حكم شرعي لا يقبل الإسقاط، والقابل للإسقاط هو الدرك الذي تنشغل به الذمة فعلاً بعد حصول النقص أو التلف، وإسقاطه قبل ذلك إسقاط لما لم يجب. ولا أقل من احتمال ذلك بنحو يشك في ترتب الأثر علي الإبراء.

اللهم إلا أن يقال: كما يشك في ترتب الأثر علي الإبراء حينئذٍ يشك في انشغال الذمة بالعين أو بالدرك عند طروء النقص أو التلف، ومقتضي الاستصحاب براءتها وعدم انشغالها.

نعم بناء علي ما سبق منا من اختصاص الضمان بما إذا خرجت العين عن كونها أمانة وصارت مغصوبة فلا مجال للاكتفاء بالإبراء ما دامت تحت يد الضامن، لأن الغصب باستمراره موجب لاستمرار الضمان شرعاً، فالإبراء من الضمان السابق لا ينافي استمراره باستمرار الغصب. ولا ينفع الإبراء في الخلاص من الضمان إلا إذا

ص: 371

(372)

كانت العين قد خرجت عن يد الضامن قبله. ولو لغاصب آخر، أو كان مرجع الإبراء إلي الإذن له في إبقاء العين تحت يده وتجديد الاستئمان له.

هذا وقد صرح غير واحد ممن سبق وغيرهم بالاكتفاء في سقوط الضمان بالإذن في إبقاء العين تحت يده وتجديد الاستئمان من دون حاجة إلي أن يقبضها المالك منه ثم يرجعها إليه. وهو يبتني علي خروجها بالتعدي والتفريط عن كونها أمانة. ولا مجال للبناء علي ذلك، كما تقدم منا توضيحه عند الكلام في تحديد الضمان من المسألة الثانية والثلاثين من كتاب الإجارة. نعم من القريب استلزام الإذن المذكور الإبراء من الضمان عرفاً، فيجري ما سبق. فلاحظ. والله سبحانه وتعالي العالم.

بقي شيء. وهو أن ظاهر الأصحاب انحصار سبب ضمان الوديعة بالتعدي والتفريط، وعدم ضمانها بالشرط، بل يبطل الشرط المذكور، كما هو صريح المبسوط والسرائر والجامع والتحرير في المقام، وهو المناسب لما ذكره جماعة من بطلان الشرط المذكور في الإجارة، كما تقدم في المسألة الثانية والثلاثين من كتاب الإجارة.

وكأنه لما دل علي عدم ضمان الأمين، كما هو مقتضي الاستدلال عليه في السرائر بأنه شرط يخالف الكتاب والسنة.

لكن تقدم في المسألة المذكورة من كتاب الإجارة أن الحكم بعدم ضمان الأمين لا ينافي تضمينه نفسه بالشرط، ولاسيما مع ثبوت صحة شرط ذلك في العارية. ومن الغريب ما في التحرير من تعميم الحكم ببطلان الشرط المذكور لكل ما أصله الأمانة.

هذا وقد استدل في التذكرة علي عدم ضمان الوديعة بأن الضمان ينافي الأمانة. وهو لو تم يقتضي بطلان الشرط لمنافاته لمقتضي العقد.

لكنه ممنوع، ولاسيما مع ثبوت الضمان في العارية في الجملة، بل حتي في غيرها مع التعدي والتفريط بناء علي ما سبق منا في المسألة المذكورة من كتاب الإجارة من عدم خروج الأمانة بها عن كونها أمانة. وقد تقدم هناك ما ينفع في المقام. فراجع.

ص: 372

(373)

(مسألة 4): يجب علي الودعي أن يحلف للظالم (1). ويوري إن

هذا وفي صحيح زرارة: «سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن وديعة الذهب والفضة. قال: فقال: كل ما كان من وديعة ولم تكن مضمونة لا تلزم»((1)). وظاهره أن الوديعة كالعارية قد تكون مضمونة بالشرط.

وحمله علي ضمانها بالتعدي والتفريط - كما جعله أحد الوجهين في محكي تحف العقول - بعيد جداً، لأنه حكم الوديعة، بسبب طارئ، وظاهر السؤال هو السؤال عن حكمها في نفسها، ولذا خصه السائل بالذهب والفضة اللذين ورد ضمانهما في العارية بأنفسهما ولو مع عدم التعدي والتفريط.

ومجرد مخالفته للمشهور لا يمنع من التعويل عليه بعد أن كان الظاهر اعتمادهم علي ما سبق من الوجه الذي عرفت ضعفه، ومع استدلال مثل العلامة في التذكرة بالصحيح لبيان عدم ضمان الوديعة، حيث لا يبعد الغفلة منهم عن ظهوره فيما ذكرنا. مضافاً إلي ظهور حال الكليني في التعويل عليه، لجعله له في باب ضمان العارية والوديعة، بل قد يظهر ذلك من التهذيب أيضاً.

ومن هنا يتعين البناء علي صحة الشرط المذكور عملاً بعموم نفوذ الشرط المعتضد في المقام بالصحيح المتقدم».

(1) كما صرح به غير واحد، بل لا إشكال فيه ولا خلاف ظاهراً. لما دل علي جواز اليمين لدفع الظلم من النصوص الكثيرة(((2)))، ومنها صحيح إسماعيل بن سعد الأشعري عن أبي الحسن الرضا (عليه السلام) في حديث قال: «وعن رجل يخاف علي ماله من السلطان، فيحلف لينجو به منه. قال: لا جناح عليه. وسألته هل يحلف الرجل علي مال أخيه كما يحلف علي ماله؟ قال: نعم»(((3))). وقريب منه غيره.

********

((1) وسائل الشيعة ج: 13 باب: 4 من أبواب كتاب الوديعة حديث: 4.

((2) راجع وسائل الشيعة ج: 16 باب: 12 من أبواب كتاب الأيمان.

((3) وسائل الشيعة ج: 16 باب: 12 من أبواب كتاب الأيمان حديث: 1.

ص: 373

أمكن (1). ولو أقر له ضمن (2).

وفي صحيح أبي الصباح عن أبي عبد الله (عليه السلام) أنه قال في حديث: «ما صنعتم من شيء أو حلفتم عليه من يمين في تقية فأنتم منه في سعة»((1)).

ومنه يظهر العموم لأمانة غير المؤمن، لصدق التقية بالحفاظ عليها بعد ما يأتي من وجوبه، وإذا جاز وجب مقدمة لحفظ الأمانة الواجب. ولو غض النظر عن ذلك فالظاهر بملاحظة النصوص أن وجوب حفظ الأمانة أهم من حرمة اليمين، فيقدم عند التزاحم.

(1) كما في الغنية والسرائر والشرايع والنافع وجملة من كتب العلامة واللمعتين وغيرها. لظهور النصوص الدالة علي جواز الحلف كذباً للضرورة والتقية ودفع الظالم في أن الترخيص بملاك الاضطرار مع ثبوت ملاك الحرمة، لا مع قصوره. ولاسيما قوله (عليه السلام) في صحيح أبي بكر الحضرمي تعقيباً علي الحكم بجواز الحلف: «يا أبا بكر إن الله عز وجل يعفو والناس لا يعفون»(((2))). ولا أقل من كون ذلك مقتضي الجمع عرفاً بين إطلاق دليل التحريم في سائر الموارد ودليل رفعه للضرورة والتقية.

وحينئذٍ يقصر عن صورة عدم الاضطرار للكذب، لالتفات الحالف للتورية، وقدرته عليها من دون أن يظهر للظالم، ويكون مقتضي عموم حرمة الحلف كذباً وعموم وجوب حفظ الوديعة هو اختيار التوبة في حفظها. وقد تقدم في المسألة الخامسة والثلاثين من مقدمة كتاب التجارة ما ينفع في المقام. فراجع.

(2) أما الضمان مع الإقرار له ابتداء من دون أن يسأله أو يطلب منه اليمين فهو المصرح به في كلام جمهور الأصحاب بنحو يظهر المفروغية عنه. وهو كذلك، لأنه من أظهر أفراد التفريط.

********

((1) وسائل الشيعة ج: 16 باب: 12 من أبواب كتاب الأيمان حديث: 2.

((2) وسائل الشيعة ج: 16 باب: 12 من أبواب كتاب الأيمان حديث: 11.

ص: 374

(375)

(مسألة 5): يجب رد الوديعة إلي المودع أو وارثه بعد موته (1) وإن كان كافراً (2)،

وأما الإقرار له فراراً من الحلف كاذباً فهو المصرح به في السرائر والتحرير والقواعد وجامع المقاصد. وهو مقتضي ما سبق من غير واحد من جواز الحلف به. إذ بعد جوازه يكون تركه تفريطاً مضمناً. وأظهر من ذلك ما إذا كان الظالم يكتفي بنفيه وجود الأمانة عنده كذباً من دون أن يكلفه باليمين، إذ لا إشكال في جواز الكذب وإذا كان صلاحاً ولدفع الظلم. بل لا يبعد عدم وجوب التورية حينئذٍ، كما تقدم في المسألة الخامسة والثلاثين من مقدمة كتاب التجارة.

هذا ولو جهل جواز الكذب أو الحلف كاذباً حينئذٍ فأقر للظالم بها فراراً منها لم يبعد عدم الضمان، لعدم صدق التفريط عرفاً، نظير ما لو جهل أو غفل عن بعض وجوه التخلص الخارجية، كدفع الوديعة لمن لا يجرأ الظالم علي أخذها منه. ومجرد تقصيره في تعلم الحكم شرعاً لا يصدق معه التفريط بالوديعة عرفاً.

نعم لو التفت للمسألة وأمكنه السؤال فأهمل ثم ابتلي بمطالبة الظالم بالوديعة صدق التفريط حينئذٍ وتعين الضمان. ولابد من مزيد من التأمل.

(1) العطف ليس للتخيير بل التقسيم والترتيب بمعني أنه يجب دفعها للمودع نفسه مع مطالبته أو تخوف تعذر الوصول إليه، ومع تعذر ذلك بموته يجب دفعها لوارثه. كل ذلك لأنه مقتضي الاستئمان، ووجوب أداء الأمانة الذي استفاضت به الأدلة.

ودعوي: أن ذلك لا يتم في الوارث، لعدم تحقق الاستئمان منه. مدفوعة بأنه لما كان من شأن الأمانة عرفاً دفعها للوارث مع موت المالك فلا يبعد استفادته من دليل وجوب أداء الأمانة. بل لا يبعد قصد المستأمِن ذلك ارتكازاً عند الاستئمان. فلاحظ.

(2) كما صرح به جمهور الأصحاب، وفي المختلف وجامع المقاصد والمسالك

ص: 375

أنه المشهور. لإطلاق النصوص الكثيرة المؤكدة علي أداء الأمانة واجتناب الخيانة((1))، وخصوص النصوص الكثيرة المتضمنة وجوب أداء الأمانة للبر والفاجر، وللناصب والحروري، وقاتل أولاد الأنبياء وقاتل أمير المؤمنين والحسين (صلوات الله عليهما) والمجوسي ونحو ذلك(((2))) مما يظهر منه خصوصية الأمانة في الأهمية مع قطع النظر عن حرمة المستودع وحرمة ماله. حيث يناسب ذلك عموم وجوب أداء الأمانة لغير محترم المال.

ولا أقل من عموم الفاجر له. ولاسيما مع سوق أداء الأمانة في سياق بر الوالدين والوفاء بالعهد اللذين لا إشكال في عموم وجوبهما للكافر. ويؤيد ذلك ما ورد من وجوب الوفاء للحربي بالأمان علي دمه(((3))).

ولم ينسب الخلاف في ذلك إلا للحلبي فذكر أن المودع إذا كان حربياً وجب علي الودعي أن يحمل ما أودعه إلي سلطان الإسلام العادل، واستحسنه في التنقيح.

وهو كما تري خروج عن إطلاق النصوص المعول عليها وعلي عمومها عند الأصحاب بغير وجه ظاهر.

مضافاً إلي الإشكال فيما ذكره.. تارة: بأنه لا منشأ له بعد ما ثبت من جواز تملك نفس الحربي واسترقاقه(((4))) فضلاً عن ماله حيث لا موجب بعد لمراجعة الإمام وإنما يجب مراجعته في غنائم الحرب لصيرورتها ملكاً له أو للمحاربين. وأخري: بأنه لا وجه لتخصيص ذلك بالحربي بعد عموم هدر الدم والمال للناصب علي تفصيل مذكور في محله.

هذا ولكن قال الحلبي في الكافي: «وإن كان المودع لا يملك الوديعة أو لا

********

((1) راجع وسائل الشيعة ج: 13 باب: 1 من أبواب كتاب الوديعة.

((2) راجع وسائل الشيعة ج: 13 باب: 2 من أبواب كتاب الوديعة.

((3) راجع وسائل الشيعة ج: 11 باب: 20، 21 من أبواب جهاد العدو.

((4) راجع وسائل الشيعة ج: 13 باب: 2، 3 من أبواب بيع الحيوان.

ص: 376

يصح منه الإيداع - كالغاصب والكافر الحربي - فعلي المودع ان يحمل ما أودعه الحربي إلي سلطان الإسلام العادل (عليه السلام) ويرد المغصوب إلي مستحقه... فإن تعذر ذلك في المسألتين فعلي المودع حفظ الوديعة إلي حين التمكن من إيصالها الي مستحق ذلك والوصية بها إلي من يقوم مقامه فيها، ولا يجوز ردها إلي المودع مع الاختيار».

وهو صريح في عدم ابتناء الحكم المتقدم علي عدم احترام مال الحربي، ليرد عليه ما تقدم مما أشير إليه أو إلي بعضه في كلمات الأصحاب (رضوان الله تعالي عليهم)، بل يبتني علي أحد أمرين ينبغي النظر فيهما وفيما يترتب عليهما.

الأول: أن الحربي لا يملك الوديعة، فلا يحل ردها له. ولا يتضح الوجه في ذلك عدا ما في بعض النصوص من أن المشركين مماليك((1))، بناء علي أن المملوك لا يملك.

وهو لو تم لا ينافي جريان أحكام الحرية عليه والملك علي ماله إذ لا إشكال في جواز المعاوضة معه، وجواز استرقاقه، كما سبق، واحترام ماله إذا صار ذمياً.

علي أن عدم ملكه لما في يده إن رجع إلي كونه مباحاً أصلياً فلا وجه لمراجعة الإمام فيه، بل يجوز تملكه». وإن رجع إلي كونه ملكاً للمسلمين أو للإمام فلا إشكال عندهم في جواز تملكه بالاستيلاء عليه من دون حاجة لاستئذان الإمام، ولو لعموم الإذن منه في ذلك.

الثاني: أنه يملك ولا يصح منه الاستيداع. وهو الأظهر في كلامه المتقدم. لكن لم يتضح الوجه فيه. مع أنه لو تم يجري في ماله ما سبق. فلاحظ.

ثم إن جملة من النصوص المذكورة وإن وردت في الوديعة، إلا أن موضوع الحكم فيها الأمانة وفي غيرها التي هي أعم منها، حيث تشمل كل مال لا يبتني دفعه للغير علي استئمانه، وحفظه لصاحبه، كالعين المستأجرة والمرهونة والعارية وغيرهما. بل يشمل حتي مثل القرض، لابتنائه علي الاستئمان. ويناسبه قوله تعالي: «فإن أمن بعضكم بعضاً فليود الذي ائتمن أمانته»((2))، وغير واحد من النصوص((3)) وغيرها.

********

((1) وسائل الشيعة ج: 12 باب: 7 من أبواب الربا حديث: 3، 4.

((2) سورة البقرة الآية: 283.

((3) وسائل الشيعة ج: 13 باب: 4 من أبواب الدين والقرض حديث: 2، وباب: 5 منها حديث: 1، 3.

ص: 377

إلا إذا كان المودع غاصباً فيجب ردها إلي مالكها (1) فإن ردها إلي المودع ضمن (2). ولو جهل المالك عرف بها، فإن لم يعرفه تصدق بها عنه، فإن لم

بل يشمل حتي مثل نصح المستشير وكتمان حديث من يأتمن علي حديثه، لابتنائهما علي الاستئمان وتناسب النصوص((1)).

(1) قال في مفتاح الكرامة: «قد ذكر ذلك في المقنع وجميع ما تأخر عنه إلا المبسوط والتحرير واللمعة، فلم يتعرضوا لها». والظاهر أن عدم تعرضهم لذلك ليس لخلافهم فيه، بل لعدم الحاجة له لوضوحه. لعدم صحة الوديعة من الغاصب، فلا تجري أحكامها، بل يتعين الرجوع في المال للقاعدة أو الأدلة الخاصة، علي ما يأتي الكلام فيه إن شاء الله تعالي.

(2) قطعاً. لصيرورة المال مضموناً عليه بضمان اليد بعد عدم صحة الوديعة من الغاصب، فيكون قبض المال منه مضمناً. ومجرد الجهل بكونه غاصباً - لو كان - لا يرفع الضمان، بل لا يقتضي إلا العذر الرافع للعقاب. وحينئذٍ لا مخرج عن الضمان إلا بإجراء الوظيفة الشرعية علي المال.

ولاسيما مع كون الرد للغاصب بمنزلة الإتلاف عرفاً. إلا أن يكون الغاصب في مقام الرد للمالك، فالرد له لا يعد إتلافاً عرفاً، إلا أنه لا يرفع الضمان بعد أن لم يكن مأذوناً في قبض المال من قبل المالك. فيتعين بقاء الضمان إلي أن تصل للمالك.

********

((1) وسائل الشيعة ج: 8 باب: 23، 71 من أبواب أحكام العشرة، وج: 13 باب: 2 من أبواب كتاب الوديعة حديث: 8.

ص: 378

(379)

يرض بذلك (1) ضمنها (2).

(1) يعني: في فرض العثور عليه بعد التصدق بالمال.

(2) كما هو ظاهر المقنع والفقيه أو صريحها وصريح النهاية والشرايع والنافع والجامع وكشف الرموز والتذكرة والقواعد وغيرها، وحكي عن ابن الجنيد، وفي المسالك والرياض وعن الكفاية والمفاتيح أنه المشهور. لحديث حفص بن غياث: «سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن رجل من المسلمين أودعه رجل من اللصوص دراهم أو متاعاً واللص مسلم، هل يرد عليه؟ قال: لا يرده، فإن أمكنه أن يرده علي أصحابه فعل، وإلا كان في يده بمنزلة اللقطة يصيبها فيعرفها حولاً، فإن أصاب صاحبها ردها عليه، وإلا تصدق بها. فإن جاء طالبها بعد ذلك خيره بين الأجر والغرم، فإن اختار الأجر فله. وإن اختار الغرم غرم له وكان الأجر له»(((1))). وبذلك يخرج المال المذكور عن حكم مجهول المال من تحديد التعريف باليأس عن الوصول للمالك ومن عدم الضمان لو لم يرض المالك بالتصدق.

وطعن فيه في المختلف بضعف السند. وكأنه لأن فيه القاسم بن محمد الإصفهاني الذي لا نص علي توثيقه. لكن عمل من سبق في المختلف إن لم يكن شاهداً بوثاقة الرجل فلا أقل من كونه جابراً للحديث المذكور. كما نبه له غير واحد. ولعله لذا ذكر بعد ذلك أن قول الشيخ لا يخلو عن قوة.

علي أن من القريب البناء علي وثاقته لكونه من رواة تفسير القمي، لأن القمي وإن روي غير مرة عن أبيه عن القاسم بن محمد من دون توصيف بالأصفهاني، وأبوه يروي عن القاسم بن محمد الجوهري والقاسم بن محمد الأصفهاني معاً، إلا أن بعض تلك الروايات رواها الصدوق عن أبيه عن سعد بن عبد الله عن القاسم بن محمد

********

((1) وسائل الشيعة ج: 17 باب: 18 من أبواب كتاب اللقطة حديث: 1.

ص: 379

الأصفهاني((1)). وهي مروية في تفسير القمي عن أبيه عن القاسم بن محمد في تفسير قوله تعالي: فالذين آمنوا به وعزروه... من سورة الأعراف. كما روي الكليني عن علي بن إبراهيم عن أبيه وعلي بن محمد القاساني جميعاً عن القاسم بن محمد الأصفهاني((2)) وروي الرواية بعينها في تفسير القمي عن أبيه عن القاسم بن محمد في تفسير قوله تعالي: قد نعلم إنه ليحزنك الذي يقولون... من سورة الأنعام، حيث يشهد ذلك بأن المراد من القاسم بن محمد الراوي للروايتين المذكورتين في تفسير القمي هو الأصفهاني.

هذا وفي المقنعة: «وإن لم يعرف أربابها أخرج منها الخمس إلي فقراء آل محمد (عليهم السلام) وأيتامهم وأبناء سبيلهم وصرف منها الباقي إلي فقراء المؤمنين». ونحوه في المراسم. ولم يتضح الوجه فيه، غاية الأمر أنه نسب لبعض مقاربي عصرنا القول في مطلق المجهول بإخراج الخمس منه وصرفه في مصارفه، وتملك الباقي، لدعوي استفادة ذلك من بعض نصوص الخمس علي ما تقدم منّا في المسألة التاسعة والثلاثين من مقدمة كتاب التجارة وتقدم دفعه.

وفي الغنية في فرض عدم معرفة المالك: «حملها إلي الإمام العادل، فإن لم يتمكن لزمه الحفظ بنفسه في حياته وبمن يثق به بعد وفاته إلي حين التمكن من المستحق»، ونحوه في السرائر، وحكي عن أبي الصلاح في الكافي، ومال إليه في المختلف بدواً وإن ذكر بعد ذلك أن قول الشيخ لا يخلو عن قوة، كما سبق. وفي الإيضاح والتنقيح وعن حاشية الإرشاد أنه أقوي.

واستدل عليه في الأولين بعد التعرض للقول الأول - تبعاً للرواية من دون أن يظهر منهما توهينها - بأنه أحوط.

(1) معاني الأخبار ص: 51 باب: معاني أسماء محمد وعلي وفاطمة والحسن والحسين (عليهم السلام) طبع النجف الأشرف.

(2) الكافي ج: 2 ص: 88 باب الصبر حديث: 3.

********

((1) معاني الأخبار ص: 51 باب: معاني أسماء محمد وعلي وفاطمة والحسن والحسين (عليهم السلام) طبع النجف الأشرف.

((2) الكافي ج: 2 ص: 88 باب الصبر حديث: 3.

ص: 380

(381)

لكن الاحتياط لا ينهض بالمنع من العمل بالرواية. مضافاً إلي المنع من كونه أحوط، لأن المال كثيراً ما يتعرض للتلف أو الضياع. بطول المدة وتعاقب الأيدي، وهو مضمون علي الودعي لما سبق من بطلان الوديعة.

كما استدل عليه في الإيضاح أيضاً بعصمة المال. لكن عصمة المال ترجع إلي احترامه من دون أن تنهض بتعيين الوظيفة الشرعية فيه، فإذا نهضت به الرواية لما سبق تعين العمل بها.

بقي في المقام أمور:

الأول: لا يبعد انصراف التعريف في كلام سيدنا المصنف (قدس سره) إلي التعريف حولاً، الذي هو اللازم في اللقطة كما ينصرف الفحص في مجهول المالك إلي ما إذا أوجب اليأس من العثور علي المالك. وهو المناسب للحديث المتقدم، لأن الظاهر اعتماده (قدس سره) عليه، لا علي نصوص مجهول المالك، لأن المعيار فيها علي اليأس من المالك، من دون خصوصية للتعريف، ولعدم تضمنها الضمان للمالك لو لم يرض بالتصدق كما جري (قدس سره) عليه في حكم مجهول المالك من المسألة التاسعة والثلاثين من مقدمة كتاب التجارة.

لكن في الجواهر أن المعيار في الفحص علي اليأس من معرفة المالك كما هو الحال في مجهول المالك. وحمل ذكر الحول في الحديث إما علي غلبة حصول اليأس بذلك، أو علي بيان حكم اللقطة، من دون أن يكون مورداً للتنزيل منزلتها، بل يختص التنزيل منزلتها بالتصدق لا غير.

وهو كما تري خروج عن ظاهر النص والفتوي، لو لم يكن مقطوعاً به منهما. لما هو المعلوم من عدم خصوصية الحول في اليأس. ولقوة ظهور رسوق الحول فيهما لبيان جهة التنزيل. ولاسيما أن في جملة من كلماتهم ذكر الحول ابتداءً من دون تعرض للتنزيل منزلة اللقطة. بل كيف يجتمع ذلك مع دعواه عملهم بالحديث. إذ لعلهم عملوا بنصوص مجهول المالك لا به.

ص: 381

(382) (382)

الثاني: مقتضي الجمود علي الحديث المتقدم وجوب التصدق وعدم جواز حبس المال وحفظه ثم الوصية به. وكذلك الحال في عبارة النهاية، ومثلها المقنع والفقيه، للاقتصار فيهما علي رواية الحديث.

لكن عبر في الشرايع بجواز التصدق، وعلقه في النافع ومحكي التبصرة علي مشيئة الودعي، وصرح بالتخيير بين الأمرين في القواعد والإرشاد والتذكرة والمسالك، وفي جامع المقاصد أنه المشهور.

وكأنه للجمع بين الحديث والقاعدة ولو لحمل الحديث علي مجرد الترخيص في التصدق دفعاً لتوهم الحظر. ولتجنب مشاكل حفظ المال ومتاعبه.

لكنه غير ظاهر، خصوصاً إذا احتمل تعرض المال للنقص أو التلف بطول المدة أو بتعاقب الأيدي، حيث يتعين تجنب الاحتمال المذكور بالتصدق الذي هو الوظيفة المنصوصة التي يعلم بالخروج بها شرعاً عن تبعة وضع اليد علي مال الغير.

نعم مع الاطمئنان بسلامة المال والاحتمال بوجه معتد به بالعثور علي المالك بعد الحول يبعد الإلزام بالتصدق ولاسيما مع ما يلزمه من التعرض لاحتمال الضمان.

لكن في كفاية ذلك في الخروج عن إطلاق النص إشكال.

الثالث: لم يتعرض الأكثر لجواز تملك الودعي المال مع الضمان في المقام، بنحو يظهر منهم عدم جوازه. لكن في القواعد: «وليس له التملك علي إشكال».

ووجه الإشكال أن الحديث الذي هو دليل المسألة قد تضمن تنزيل المال المغصوب في المقام منزلة اللقطة، ومن أحكام اللقطة عندهم جواز التملك. وهو المناسب لما في الفقيه من جعل الحديث المذكور في باب ما يكون حكمه حكم اللقطة، وما في كتاب اللقطة من النهاية من أن وديعة اللص بحكم اللقطة سواء، وإن اقتصر هو في كتاب الوديعة علي التصدق.

لكن في استفادة عموم التنزيل من الحديث إشكال، فإن ذلك إنما يتعين مع

ص: 382

(383) (383)

الاقتصار علي التنزيل، أما حيث ألحق ببيان خصوص الحكم المذكور بتفاصيله فهو إن لم يظهر في اختصاص التنزيل به فلا أقل من كونه مانعاً من ظهور التنزيل في العموم، نظير احتفاف الكلام بما يصلح للقرينية.

اللهم إلا أن يقال: التصدق بالإضافة إلي أطراف التخيير في اللقطة ليس حكماً مبايناً لها، كمباينته لحرمة التفريط بها مثلاً، بل هو راجع إلي حكم تخييري واحد ذي طرفين أو أطراف ثلاثة، فمقتضي التنزيل في المقام ثبوته فيه علي نحو ثبوته في اللقطة. أما وجوبه تعييناً فهو حكم مباين لحكم اللقطة فلا مجال لحمل التنزيل عليه. ومن هنا يتعين جريان حكم اللقطة في المقام، وهو - كما يأتي في محله - التخيير بين أمرين: إبقائه عنده مع معاملته معاملة ماله، والتصدق به، وهو الأفضل. وفي كلام الحالين هو ضامن له إذا وجد صاحبه. أما التمليك فلا دليل عليه، كحفظه لمالكه من دون ضمان.

الرابع: اقتصر في المهذب علي التصدق، وفي الإرشاد: «ولو جهله تصدق وضمن أو أبقاها أمانة ولا ضمان» وعدم التعرض فيهما للتعريف حولاً يناسب عملهما بنصوص مجهول المالك لا بحديث حفص. ولا ينافيه الحكم في الثاني بالضمان، لأنه المعروف بينهم في مطلق مجهول المالك.

وكيف كان فلا وجه لإهمالهما التعريف حولاً بعد تضمن الحديث المتقدم له، وقد عرفت اعتباره في نفسه. ولاسيما مع عمل من سبق به.

نعم حيث كان الظاهر عدم ثبوت اعتباره في نفسه عند بعض مشايخنا (قدس سره) وعدم بنائه علي ضعف السند بعمل الأصحاب اتجه له الاكتفاء بإطلاق التعريف والحكم بعد الضمان للمالك، كما هو مبناه في سائر أفراد المال المجهول مالكه.

الخامس: صرح في المقنعة بأن وديعة الغاصب إذا اختلطت بحلال وحرام وجب علي الودعي إرجاعها بتمامها إليه. وعليه جري في النهاية والمراسم والوسيلة والغنية والسرائر والشرايع والنافع والجامع والإرشاد وغيرها. ونسبه الفخر في الإيضاح ومحكي شرح الإرشاد للأصحاب، وفي جامع المقاصد لإطلاقهم، بل في

ص: 383

الغنية والسرائر دعوي الإجماع عليه.

قال في النهاية: «لأنه لا يتميز المغصوب من غيره». وهو - كما تري - لا ينهض بتحليل تسليم المال المغصوب للغاصب.

ومثله ما قد يقال من تقديم احترام المال المعلوم مالكه علي المال المجهول مالكه بعد عدم معرفته ليرده عليه. إذ فيه: أن احترام المال كما يقتضي رده لمالكه مع معرفته يقتضي إجراء الوظيفة الشرعية فيه مع تعذر معرفته، ولا مرجح للأول.

وأما الإجماع المدعي في المقام فلا مجال للتعويل عليه بعد عدم ثبوته في نفسه، كما تكرر منا في الإجماعات المدعاة في عصر تدوين الفتاوي في الفروع غير الشايعة الابتلاء. ولاسيما مع ظهور حال الشيخ في عدم التعويل عليه، بل علي ما ذكره من الوجه.

ولعله لذا استشكل في الحكم في القواعد. وفي التذكرة بعد أن ذكر قول المشهور قال: «ويحتمل عندي رد قدر ما يملكه اللص، واحتفاظ الباقي لمالكه، والقسمة هنا ضرورية». وفي الإيضاح أن الأولي التسليم للحاكم. وإن كان هو لا يناسب ما ذكره من حجية الإجماع المنقول بخبر الواحد. إذ لو تم ذلك تعين الخروج به عن مقتضي القواعد من حرمة رد المغصوب للغاصب. نعم حيث سبق عدم حجيته تعين ما ذكره من التسليم للحاكم من أجل ولايته حسبة علي القسمة وعلي المال بعدها. وعليه جري في التنقيح وجامع المقاصد والمسالك. وإن لم يبعد لزوم التعريف بالمال بعد القسمة، كما لو كان تمام الوديعة غصباً.

أما لو تعذر الدفع للحاكم ففي التنقيح أنه يرده للغاصب. قال: «عملاً بالإجماع المذكور، لأن الإجماع المنقول حجة». وهو كما تري، لما سبق من عدم نهوض الإجماع بالاستدلال. ولو نهض به تعين الخروج به عن مقتضي القواعد وعدم الدفع للحاكم مع إمكانه. ولذا احتمل في جامع المقاصد حينئذٍ ما سبق من التذكرة، وقواه في المسالك.

ص: 384

هذا ولو لم يعرف مقدار المغصوب من غيره، لتتسني القسمة فلا يبعد وجوب مدافعة الغاصب مع الإمكان إلي أن يعترف بقدر معين - كما احتمله في المسالك - لعدم المرجح علي حق المغصوب بحيث يجوز دفع المغصوب إليه، بل هو في اعتدائه بكتمان مقدار الغصب ومنعه من إجراء الوظيفة الشرعية عليه أولي بسقوط حرمة ماله وجواز حبسه عنه.

ومن الغريب ما في الجواهر من حمل كلام الأصحاب علي خصوص هذه الصورة، لفرضهم تعذر التمييز، وذلك إنما يكون لتعذر القسمة بسبب الجهل بالمقدار، وحينئذٍ يكون الوجه رد الجميع للغاصب، إما لملكه المال المختلط بأجمعه وضمانه حق المغصوب بالمثل أو القيمة، أو لأن وظيفته المصالحة مع الحاكم لتعيين المقدار الذي للمغصوب من المال. مضافاً إلي الإجماع المزبور. وسبقه إلي بعض ذلك في مفتاح الكرامة.

إذ فيه.. أولاً: أنه لا مجال لحمل كلام الأصحاب علي خصوص هذه الصورة، لأن مرادهم بتعذر التمييز بيان كيفية الخلط والمزج، ولا نظر لهم لتعذر قسمته للجهل بمقداره.

وثانياً: أنه لا ريب في أن مزج الغاصب مال المغصوب بماله لا يوجب تلفه عرفاً، بحيث يكون الجميع له، ويضمن المال المغصوب بالمثل أو القيمة، بل يوجب الشركة لا غير، وإلا فليس ذلك بأولي من أن يكون التالف ماله هو، ويكون الجميع للمغصوب منه.

وثالثاً: أن كون وظيفته الرجوع للحاكم في المصالحة أو القسمة لا يقتضي جواز أو وجوب تسليم المال بأجمعه له بعد ثبوت حصة المغصوب منه فيه. ولاسيما مع عدم إحراز قيامه بوظيفته أو إحراز عدم قيامه بها، حيث يكون ذلك تضييعاً للمال.

ورابعاً: أن الإجماع لا ينهض بالاستدلال، كما سبق. ولو نهض به تعين البناء علي وجوب الإرجاع للغاصب مطلقاً، كما هو ظاهرهم أو صريحهم.

ص: 385

(386)

ولو أجبره الغاصب علي أخذها منه لم يضمن (1).

(1) سياق الكلام يناسب كون المراد ما إذا أجبره المستودع الغاصب علي استرجاع الوديعة المغصوبة التي سبق الكلام فيها، ولم يمكنه من إجراء الوظيفة المتقدمة فيها. وظاهره (قدس سره) المفروغية عن جواز ردها إليه. وبه في الجملة صرح في المقنعة والنهاية والمراسم والتذكرة والمسالك وغيرها.

وكأنه لعموم رفع الإكراه. لكن وروده مورد الامتنان يناسب قصوره عما إذا أوجب الضرر علي الغير، كما في المقام.

نعم لو يئس من الوصول للمالك لم يبعد عموم نفي الإكراه له، لوقوع الضرر المالي علي المالك علي كل حال. فلم يبق إلا وجوب إجراء الوظيفة المتقدمة التي نتيجتها للمالك ثواب الصدقة، ولعل ما يحصل عليه المالك في الآخرة نتيجة غصب الغاصب لا يقصر عنه، بل قد يزيد عليه، فلا يكون رفع وجوب التصدق بالمال منافياً للامتنان في حقه. بل لا يبعد ذلك مع احتمال عدم العثور علي المالك. فتأمل.

وحتي مع العلم بالعثور علي المالك إذا كانت الوديعة مما لا يطلب إلا لماليته من دون أهمية لخصوصيته، فبناء علي ما يأتي من الضمان إذا كان الودعي قادراً علي الوفاء، لا يكون الإرجاع للغاصب مضراً بالمالك عرفاً، فلا موجب لقصور عموم دليل رفع الإكراه.

كما أنه لو تعرض الودعي لضرر يجب دفعه - كما يناسبه تعبير بعض من سبق بالخوف علي النفس - فالظاهر ارتفاع حرمة تسليم المال المغصوب بالمزاحمة حتي لو علم بالقدرة علي الوصول للمالك. بل لا يبعد ذلك فيما إذا خشي الضرر الشديد المجحف به، مالياً كان أو غيره، لبعد تكليف الشارع له بتحمله. وإن كان الأمر محتاجاً لمزيد من التأمل.

وكيف كان فقد يظهر من حكمهم بجواز تسليم المال للغاصب من دون

ص: 386

تنبيه علي الضمان عدمه، كما صرح به سيدنا المصنف (قدس سره). وفي مفتاح الكرامة «الذي تقتضيه قواعد الوديعة أن لا رجوع له عليه. وقد تقدم مثله فيما إذا أكرهه الظالم علي دفعها إليه».

لكنه كما تري! لبطلان وديعة الغاصب. فيد الودعي في المقام ليست أمانية، بل عادية، وإن لم يتعمد العدوإن لجهله بالحال، كما لو وهبه الغاصب المال، حيث لا إشكال ظاهراً عندهم في ضمانه له.

ولا وجه لتنظيره بما إذا أخذ الظالم الوديعة قهراً، لأن يد الودعي مع صحة الوديعة غير مضمنة، فلو تم عدم الضمان هناك - علي ما يأتي الكلام فيه إن شاء الله تعالي - فهو لا ينافي الضمان هنا.

ولعله لذا قال في المسالك: «وفي الضمان نظر. والذي يقتضيه قواعد الغصب أن للمالك الرجوع علي أيهما شاء. وإن كان قرار الضمان علي الغاصب». نعم لم يتجه وجه النظر منه مع ذلك، لعدم المخرج عن القواعد المذكورة.

بقي الكلام في أخذ الظالم الوديعة التي أودعها المالك من الودعي. ولا ينبغي الإشكال في وجوب الامتناع مع القدرة. وأما مع العجز فإن كان للخوف علي النفس ونحوه مما يحرم التعرض له فلا إشكال في جواز تمكين الظالم منها. وإن كان لغير ذلك مما يصدق معه الإكراه فمقتضي عموم رفع الإكراه الجواز، كما صرح به الأصحاب، بل لا يبعد عدم الخلاف فيه.

ودعوي: أن وروده مورد الامتنان يوجب قصوره عن المقام، لما فيه من الإضرار بالمالك نظير ما تقدم في وديعة الغاصب.

مدفوعة بالفرق بأن وجوب الحفظ هناك بملاك حرمة المال. الشاملة لحال الإكراه، فيتوقف سقوطها علي تخصيصه لها، ولا مجال له مع منافاته لحق المالك، كما سبق. أما وجوبه هنا فهو من أجل الاستئمان وحرمة الخيانة والتفريط، والاستئمان إنما يقتضي الحفظ بالوجه المتعارف، دون ما إذا لزم منه الضرر المعتد به، حيث لا يكون

ص: 387

عدم الحفظ حينئذٍ تفريطاً بالأمانة وخيانة لها عرفاً، فالإكراه في المقام يوجب قصور دليل وجوب الحفظ، لا تخصيصه، ليجري ما سبق في وديعة الغاصب.

ومنه يظهر عدم الضمان، كما هو ظاهر أو صريح جمهور الأصحاب، لأن سببه التعدي والتفريط، والخيانة، وقد ذكرنا عدم صدقها.

وقد يدعي أن ذلك إنما يتم إذا أخذ الظالم العين بنفسه من دون أن يدفعها الودعي إليه، حيث لا ضمان علي الودعي حينئذٍ قولاً واحداً، كما في مفتاح الكرامة. أما إذا أجبر الظالم الودعي علي دفعها إليه فدفعها فالمتعين ضمانه، لأنه مباشر في دفع المال إلي غير مالكه، كما في التذكرة، وهو في معني إتلاف المال، ودليل عدم ضمان الأمين ناظر لضمان اليد دون ضمان الإتلاف، كما في الجواهر. وكأنه لذا ذهب إلي الضمان في الغنية والكافي، بل فيه أنه لا يجوز له تسليمها وإن خاف القتل. وهو غريب. وإلي القول بالضمان يرجع ما في التذكرة والتحرير من أنه لا يضمن، لكن للمالك الرجوع عليه أو علي الظالم، وفي التذكرة أنه لو رجع عليه رجع هو علي الظالم، لأن ذلك هو حكم الضمان مع تعاقب الأيدي.

وكيف كان فلا مجال لدعوي الضمان في المقام، إذ لو تم صدق الإتلاف بذلك إلا أن عموم ضمان الأمين ما لم يكن مفرطاً أو معتدياً كما يقدم علي عموم الضمان باليد يقدم علي عموم الضمان بالإتلاف.

ولاسيما أنه لا عموم ولا إطلاق لدليل الضمانين المذكورين، وإنما استفيد الأول من بناء العقلاء، والثاني منه ومن النصوص الواردة في الموارد المتفرقة. ولا مجال لاستفادة العموم منها لمثل المقام. ولعله لذا صرح في القواعد والمختلف بعدم الضمان، كما عليه جمهور الأصحاب. فلاحظ.

ص: 388

(389)

وإذا أودعه الكافر الحربي حرمت عليه الخيانة (1) ولم يصح له التملك للمال ولا بيعه (2).

(1) كما هو مقتضي إطلاق الكافر في كلام الأصحاب. لما سبق من عموم وجوب أداء الأمانة للكافر والفاجر الشامل له. ولاسيما مع سوقه في سياق وجوب بر الوالدين والوفاء بالعهد الشامل لهما قطعاً. نعم سبق من الحلبي ما ينافي ذلك، وسبق ضعفه.

(2) كما هو ظاهر الأصحاب أو صريحهم. لظهور حرمة الخيانة ووجوب الإرجاع في حرمة المال، بحيث لا يشرع تملكه. تخصيصاً لعموم عدم احترام مال الحربي.

لكن استصعب في الجواهر ذلك. كما استصعب الجمع بين جواز تملكه ووجوب إرجاعه حتي مع التملك، جمعاً بين الدليلين. بل قرب تقديم ما دل عدم احترام مال الحربي، ولو لقصور ما دل علي وجوب أداء الأمانة عن صورة عدم احترام المال، كما يناسبه التعليل في بعض النصوص بأنا معهم في هدنة(((1))). لظهوره في أن علة وجوب أداء الأمانة لهم الهدنة العاصمة لأموالهم، والمفروض عدم حرمة مال الحربي، لعدم الهدنة معه.

وفيه: أن ما ذكره من استبعاد الجمع بين جواز التملك ووجوب الإرجاع وإن كان متيناً، لأنه عرفاً كالجمع بين المتنافيين، إلا أنه لا مجال لتقديم دليل احترام مال الحربي علي وجوب أداء الأمانة، لما سبق.

وأما ما ذكره من أن التعليل بالهدنة ظاهر في منشأ وجوب أداء الأمانة احترام المال بسببها، فلا يشمل صورة عدم احترام المال. ففيه: أن ذلك لا يناسب النصوص المتضمنة وجوب أداء الأمانة للنصاب مع صراحة بعض النصوص بعدم احترام

********

((1) وسائل الشيعة ج: 13 باب: 2 من أبواب كتاب الوديعة حديث: 3، 10.

ص: 389

(390)

(مسألة 6): إذا اختلف المالك والودعي في التلف (1)

أموالهم((1)).

ولعل التعليل بالهدنة من أجل أنها سبب في الحكم بملكيتهم لما تحت أيديهم من الأموال مع عدم صحة كثير من أسباب التملك التي جروا عليها، لا من أجل احترام أموالهم.

هذا ويظهر منه (قدس سره) أن جواز المقاصة من الوديعة يبتني علي ذلك، وأنه إن قلنا بعموم وجوب رد الأمانة علي غير محترم المال تحرم المقاصة من الوديعة، وإن قلنا بقصوره عنه حلت المقاصة منها، لابتناء جواز المقاصة علي هدر حرمة المال.

لكن الأمر ليس كذلك، بل المقاصة من الوديعة مورد للنصوص الخاصة، وقد تضمن بعضها المنع منها((2))، وصرح بعضها بالجواز((3))، ومقتضي الجمع بين الطائفتين الحمل علي الجواز مع الكراهة، علي ما يأتي في آخر كتاب الغصب إن شاء الله تعالي.

(1) ففي الشرائع أنه لو ادعي التلف فالقول قوله مع اليمين، ونحوه في التحرير والإرشاد والتبصرة محكي وغيرها، وفي المسالك وعن الكفاية أنه المشهور. بل صرح في القواعد والتذكرة بعدم الفرق بين كون سبب التلف المدعي ظاهراً وخفياً، وظاهر الثاني الإجماع عليه. ثم حكي عن الشافعي استثناء ما إذا ادعي سبباً ظاهراً لم يعرف وقوعه، فيكلف بالبينة، وقال: «ولا بأس بهذا القول عندي».

وسبقه إلي ذلك في المبسوط. قال: «والفرق بينهما أن الحريق والغرق لا يخفي، ويمكن إقامة البينة عليها. وليس كذلك السرقة، فإنه يتعذر إقامة البينة عليها». ونحوه في جواهر القاضي.

********

((1) وسائل الشيعة ج: 6 باب: 2 من أبواب ما يجب فيه الخمس حديث: 6.

((2) وسائل الشيعة ج: 12 باب: 83 من أبواب ما يكتسب به حديث: 3، 11.

((3) وسائل الشيعة ج: 12 باب: 83 من أبواب ما يكتسب به حديث: 2، 8، 9.

ص: 390

وهو كما تري بالاستحسان أشبه منه بالاستدلال. فلا يخرج به عما تقتضيه القواعد من قبول قول الإنسان فيما تحت يده بعد كونه أميناً غير ضامن.

غاية الأمر أن عليه اليمين عند التداعي. ولعله لذا رماه في الرياض بالشذوذ.

بل عن المقنع عدم تكليفه باليمين، وقال في الفقيه: «ومضي مشايخنا (رضي الله عنهم) علي أن قول المودع مقبول، فإنه مؤتمن، ولا يمين عليه»((1)). وهو ظاهر النهاية، حيث اقتصر علي قبول قوله من دون أن يشير لليمين.

وقد يستدل عليه بموثق مسعدة بن صدقة. المروي في قرب الإسناد عن جعفر بن محمد عن أبيه (عليهما السلام): «أن رسول الله (ص) قال: ليس لك أن تتهم من قد ائتمنته، ولا تأتمن الخائن وقد جربته»((2))، ونحوه أو عينه معتبره المروي في الكافي والتهذيب((3)) وموثقه الآخر المروي في قرب الإسناد((4))، بضميمة أن اليمين يبتني علي نحو من الاتهام. وما رواه في المختلف والوسائل عن المقنع قال: «سئل الصادق (عليه السلام) عن المودع إذا كان غير ثقة هل يقبل قوله؟ قال: نعم، ولا يمين عليه»((5)).

لكن النهي عن اتهام الودعي في أحاديث مسعدة وإن كان يقتضي قبول قوله وعدم تكليفه باليمين، لما سبق من ابتنائه علي نحو من الاتهام، إلا أنه يقصر عن صورة يقين المودع بكذبه، حيث لا يبتني تكليفه باليمين علي اتهامه، بل علي إحراجه لعله يدفع الحق الذي عنده، فلا ينهض برفع اليد عن عموم تكليف المنكر باليمين إذا كذبه المستأمن.

وأما المرسل فإرساله وعدم وضوح انجباره بعمل الأصحاب مانع من التعويل عليه. ولاسيما مع عدم العثور عليه في الطبعة الحجرية ولا الطبعة الحديثة من

********

((1) من لا يحضره الفقيه ج: 3 ص: 194.

((2) وسائل الشيعة ج: 13 باب: 4 من أبواب كتاب الوديعة حديث: 10.

((3) وسائل الشيعة ج: 13 باب: 9 من أبواب كتاب الوديعة حديث: 1.

((4) وسائل الشيعة ج: 13 باب: 4 من أبواب كتاب الوديعة حديث: 9.

((5) وسائل الشيعة ج: 13 باب: 4 من أبواب كتاب الوديعة حديث: 7.

ص: 391

المقنع المطبوع، بل ليس الموجود في (باب الرهن والوديعة والعارية وغير ذلك) منه مما يتعلق بالوديعة إلا قوله: «وصاحب الوديعة والرهن مؤتمنان». ومن ثم لا يخلو الأمر عن غموض.

وقد يظهر من بعض كلماتهم الاستدلال بالمرسل: «روي أنه قال رجل للصادق (عليه السلام) إني ائتمنت رجلاً علي ما أودعته عنده فخانني وأنكر مالي. فقال: لم يخنك الأمين، ولكن ائتمنت أنت الخائن»((1)). ونحوه المرسل الآخر((2)).

لكنهما - مع ضعفهما - أجنبيان عما نحن فيه واردان للتنبيه لواقع الأمر، ولا قرينة علي سوق ذلك للكناية عن عدم استحقاق المودع شيئاً علي الودعي في مقام التداعي واستنقاذ الحق.

فلم يبق إلا ما سبق من الفقيه من نسبة عدم تكليف الودعي باليمين للمشايخ، بناء علي أنه من تتمة ما نسبه إليهم، وليس قولاً له متفرعاً علي ما نسبه لهم من قبول قوله. وفي بلوغه مرتبة الإجماع الحجة إشكال. ولاسيما قرب حمله علي ما تضمنته أحاديث مسعدة المتقدمة من النهي عن اتهامه الذي سبق قصوره عن صورة تكذيب المستأمن له.

هذا وفي الوسيلة: «وإذا ادعي من عنده الوديعة هلاكها قبل قوله بغير يمين ما لم يظهر منه خيانة». وقد يرجع إليه ما عن ابن الجنيد وأبي الصلاح من أنه لا يمين إلا مع التهمة. وقد يظهر من مفتاح الكرامة الميل إليه ومن التنقيح التوقف.

وكيف كان فقد يستدل عليه بمرسل الغنية: «وروي أنه لا يمين عليه إذا كان ثقة غير مرتاب به»((3))، ومرسل دعائم الإسلام عن جعفر بن محمد (عليهما السلام): «أنه قال: صاحب الوديعة والبضاعة مؤتمنان، والقول قول المودع إذا قال: ذهبت الوديعة. وإن

********

((1) وسائل الشيعة ج: 13 باب: 4 من أبواب كتاب الوديعة حديث: 6.

((2) وسائل الشيعة ج: 13 باب: 4 من أبواب كتاب الوديعة حديث: 8.

((3) غنية النزوع ج: 1 ص: 284 فصل الوديعة.

ص: 392

(393)

اتهم استحلف»((1)).

لكنهما لا ينهضان بالاستدلال في أنفسهما، فضلاً عن الخروج بهما عن عموم تكليف المنكر باليمين، أو عموم أحاديث مسعدة الناهية عن اتهامه.

وقد تحصل من جميع ما سبق أنه لا يكلف باليمين إلا أن يكذبه المستودع، جمعاً بين عموم تكليف المنكر باليمين وأحاديث مسعدة.

بقي شيء. وهو أن المعروف بينهم أن دعوي التلف إنما تسمع من الودعي إذا ادعاه ابتداءً، دون ما إذا كان ذلك من بعد إنكار الوديعة، وإقامة صاحبها البينة عليها. لأنه بإنكاره للوديعة قد كذب نفسه في دعوي التلف وأقر بعدمه وبعدم سقوط استحقاق الرد عليه من جهته.

ومنه يظهر أنه لا تسمع منه دعوي النسيان، لأن النسيان وإن كان ممكناً ومحتملاً، إلا أن دليل حجية الإقرار يدفعه.

وبذلك يظهر ضعف ما عن ابن الجنيد من أنه لو أنكر الوديعة ثم أقر بها وادعي هلاكها قبل دعواه بيمينه، لأن إنكاره يجوز أن يكون عن سهو ونسيان. حيث يظهر مما سبق عدم التعويل علي احتمال النسيان في الخروج عن مقتضي الإقرار حتي لو ادعاه، فضلاً عما إذا لم يدعه.

ومثله ما في الشرايع، حيث قال: «ولو قيل تسمع دعواه وتقبل بينته كان حسناً». إذ فيه: أن المقر لا تسمع منه دعوي مخالفة لإقراره، ولا تسمع منه بينة عليها.

علي أنه لم يتضح الوجه في انقلاب وظيفته من اليمين للبينة بسبب الإنكار. ودعوي: أنه بالإنكار يصير خائناً، ويخرج عن الأمانة. ممنوعة. فإن مجرد الإنكار لا يستلزم الخيانة. إلا أن يستلزم تعمد حبس العين علي المالك مع العلم بكونها أمانة، وهو غير مفروض في المقام، بل قد لا يكون المالك في مقام المطالبة بالعين، كما قد

********

((1) مستدرك الوسائل ج: 14 باب: 8 من أبواب كتاب الوديعة حديث: 1.

ص: 393

* وعدم التفريط (1)

يكون الودعي معذوراً في إنكاره لنسيان أو نحوه.

علي أنه لو حصلت منه الخيانة لم تمنع من قبول دعواه في التلف، لقبول قول صاحب اليد فيما تحت يده. غايته أنه يكون ضامناً بسبب الخيانة.

هذا وقد حكم في المختلف بعدم قبول يمين الودعي علي التلف ولا بينته، لكن له إحلاف المالك علي عدم التلف. وهو كما تري! إذ مع سماع دعواه يتعين قبول بينته أو يمينه، ومع عدم سماعها - لما سبق من مخالفتها لإقراره - لا وجه لاستحقاقه اليمين علي خصمه.

وقال في المبسوط بعد أن ذكر القول بعدم سماع البينة: «وقال قوم: إنه ينظر، فإن شهدت بالتلف بعد إنكاره وجحده لم يسمع، وإن شهدت بأنها تلفت قبل الإنكار والجحود قبلت، لأن الوديعة إلي حين تلفها كان المودع علي أمانته، وطريان الجحود لا يقدح في أمانته. والأول أقوي. والثاني أيضاً قريب».

وكأن التفصيل المذكور يبتني علي أن الخيانة هي المنشأ لعدم سماع دعواه. ويظهر حاله مما سبق من منع ذلك كبروياً وصغروياً، وأن عدم سماع الدعوي للإقرار الذي لا يفرق فيه بين الحالين.

ثم إنه حيث سبق أن إنكار الوديعة لا يستلزم خيانته فلا مجال لمطالبته بالبدل علي تقدير إصراره علي التلف وعدم وجود الوديعة عنده، ويجري فيه ما يأتي عند الكلام في الاختلاف في دعوي الرد. فلاحظ.

(1) ففي النهاية أنه لو اختلفا في التفريط فالقول قول الودعي مع يمينه. وعليه جري في الغنية والسرائر والنافع وغيرها. والظاهر أن عدم تصريح غيرهم به ليس لخلافهم فيه، بل لعدم تعرضهم للفرع المذكور. ولذا نفي الخلاف فيه في الرياض إلا في لزوم اليمين فيه، فيأتي فيه خلاف الصدوق المتقدم، لعموم دليله.

ص: 394

والرد (1)

لكن مما تقدم يظهر أنه يقصر عما نحن فيه إذا دعوي المستودع التفريط علي العلم بوقوعه من الودعي، فلا يبتني تكليفه له باليمين علي اتهامه. كما أن مرسلي المقنع والغنية لا ينهضان بالاستدلال، علي ما سبق. فلا مخرج عن عموم تكليف المنكر باليمين.

(1) ففي المبسوط أن دعوي الرد تقبل بيمينه. وعليه جري في جواهر القاضي والسرائر والشرايع والنافع والجامع وكتاب الوكالة من التذكرة وفي التحرير والإيضاح واللمعتين وجامع المقاصد والمسالك وغيرها. وفي التنقيح والمسالك والروضة أنه المشهور، وفي السرائر وعن المهذب البارع الإجماع عليه.

واستشكل فيه في كتاب الوديعة من التذكرة والإرشاد والقواعد وكتاب الوكالة من المختلف. بل جزم بعض مشايخنا بأن القول قول المالك بيمينه.

وقد استدل في كلماتهم علي تقديم قول العامل بأن الاستيداع والاستثمان يقتضي قبول قوله، لأنه محسن لا سبيل عليه. غاية الأمر أنه خرج عن ذلك اليمين بالإجماع. وهذا بخلاف مثل المستأجر والمرتهن والمضارب والمستعير ممن يقبض الأمانة لمصلحة نفسه، حيث لا يكون محسناً، فيجري عليه حكم المدعي من التكليف بالبينة.

وفيه: أن ذلك لا يخرج عن الاستحسان غير الصالح للاستدلال.

ونفي السبيل عن المحسنين إنما ورد في قوله تعالي: لَيْسَ عَلَي الضُّعَفاءِ وَ لا عَلَي الْمَرْضي وَ لا عَلَي الَّذِينَ لا يَجِدُونَ ما يُنْفِقُونَ حَرَجٌ إِذا نَصَحُوا لِلّهِ وَ رَسُولِهِ ما عَلَي الْمُحْسِنِينَ مِنْ سَبِيلٍ وَ اللّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ ((1)). وهو ظاهر في نفي مؤاخذة المكلف علي ترك ما هو مطلوب بطبعه إذا كان تركه له لقصور فيه مع حسن نيته، ولا عموم له لغير المؤاخذة مما تقتضيه القواعد الشرعية في مقام الثبوت - كالضمان بالإتلاف غير

********

((1) سورة التوبة الآية: 91.

ص: 395

(396)

المتعمد - أو مقام الإثبات، كالبينة واليمين في المقام. وإلا فثبوت اليمين في المقام ليس إجماعياً، كما يظهر مما تقدم، ليكون هو المخرج القطعي عن مقتضي عموم نفي السبيل لو تم، بل ليس الدليل عليه إلا عموم تكليف المنكر باليمين، وهو كعموم التكليف المدعي بالبينة، وإنما الكلام في تعيين المدعي من المنكر في المقام.

وإنما سبق قبول قول الودعي في التلف، وعدم تكليفه بالبينة، لقبول قول الإنسان فيما تحت يده، فيكون قوله مطابقاً للحجة، كقبول قول صاحب اليد في دعواه ملكيته لما تحت يده.

ولا مجال لذلك فيما إذا كان الأمر الذي يدعيه متعلقاً بخصمه وهو ينكره، كالإرجاع في المقام، والشراء والاستيهاب وغيرها، بل يكون هو المدعي. ويكلف حينئذٍ بالبينة.

نعم تقدم أن مقتضي أحاديث مسعدة عدم اتهام المودع للودعي. وهو كما يقتضي عدم تكليفه بهما معاً، كما يظهر مما تقدم.

ولا يفرق في جميع ذلك بين أقسام الأمين، ولا يختص بالودعي بعد ما سبق من أن تمحض أمانته بالإحسان لا يصلح فارقاً، ولا ينهض بجعله منكراً، ولا بعدم تكليفه بالبينة.

بقي في المقام أمران:

الأول: أنه لو فرض ثبوت دعوي المستأمن في جميع الصور المتقدمة - إما لتكليف الأمين باليمين ونكوله عنه، أو لحلف المستأمن به بعد رد اليمين عليه، أو لتكليف الأمين بالبينة وعجزه عنها ثم حلف المستأمن - فإن كانت دعوي المستأمن تقتضي الضمان، كدعواه التفريط فلا إشكال، حيث يتعين تكليف الأمين بالبدل.

أما إذا لم تقتض الضمان، كدعواه عدم التلف أو عدم الرد فإن تراجع الأمين عن دعواه وأرجع العين فلا إشكال أيضاً. أما إذا أصر علي دعواه ولم يرجع الأمانة

ص: 396

لدعواه عدم وجودها عنده فما هو الحل؟

قال في مبحث المضاربة من جامع المقاصد بعد أن قوي تقديم قول المالك إذا اختلف مع العامل في رد مال المضاربة: «إذا عرفت ذلك فههنا سؤال، وهو أنا إذا قدمنا قول المالك في عدم الرد يلزم تخليد حبس العامل، لأنه بدعواه الرد إن كان صادقاً امتنع أخذ المال منه مرة أخري، لأنه ليس عنده، وإن كان كاذباً فظاهر حاله أنه لا يظهر تكذيب نفسه، فيلزم تخليد حبسه في كثير من الصور. إلا أن يحمل كلامهم علي أن الواجب حبسه إلي أن يحصل اليأس في ظهور العين، ثم يأخذ منه البدل للحيلولة. ولم أظفر في كلامهم بشيء منقح في ذلك».

وفيه.. أولاً: أنه لا موضوع للحبس مع عدم بسط يد الحاكم، غايته أن له الحكم بالضمان.

وثانياً: أنه لم يتضح الوجه في جواز حبسه بعد عدم ثبوت عدوانه، خصوصاً في حق الحاكم، لأن الحكم شرعاً بكذب دعواه لا يستلزم عدوانه في عدم تسليم العين، لإمكان تعذر التسليم في حقه بسبب آخر غير ما ادعاه، كضياع العين أو تلفها بوجه غير مضمن قد جهله أو نسيه، أو بالسبب الذي ادعاه لخطأ الحكم واقعاً، فإن التعبد شرعاً بصحة الحكم وعدم صحة دعواه لا تقتضي التعبد بعدوانه في دعواه وفي حبس العين نتيجة لها.

ومثل ذلك ما ذكره أخيراً من أخذ بدل الحيلولة منه بعد اليأس من تسليمه العين. فإن دفعه لبدل الحيلولة فرع ضمانه للعين، ومجرد الحكم شرعاً ببطلان دعواه لا يقتضي ذلك بعد كونه أميناً لا يضمن إلا بالتعدي والتفريط غير الثابتين في المقام.

وعلي ذلك يتعين أنه لا أثر للحكم ببطلان دعواه إلا إحراجه لعله يظهر حقيقة يتعمد إخفاءها.

نعم قد يقطع المستأمِن بعدوان الأمين المستلزم لضمانه، فله أن يأخذ حقه منه ولو بنحو المقاصة. لكنه خارج عن محل الكلام. وقد تقدم نظير ذلك في المسألة

ص: 397

(398)

وقيمة العين (1) كان القول قول الودعي مع يمينه. وإذا اختلفا في أنها دين

الخامسة من كتاب المضاربة.

كما أنه تقدم منا في المسألة الثالثة والعشرين من كتاب الإجارة تضمين الأجير مع الشك في عدوانه في الجملة، وورد نحو ذلك في الرهن. ولا مجال للتعدي عن ذلك لبقية الأمانات بعد مخالفة الحكم للقاعدة.

الثاني: وهو أنه صرح في التحرير بأن الودعي لو ادعي الرد إلي غير من ائتمنه - كالوارث - أو ادعي وارث الودعي الرد إلي المالك فلا يقبل قوله إلا بالبينة، وبالأول صرح في التذكرة، كما صرح بنظير ذلك في كتاب الوكالة من المبسوط والشرايع وغيرهما.

لكن الدليل علي قبول قول الودعي في رد الوديعة للمالك إن كان هو الإحسان في حفظ المال فهو يجري في المقام ونحوه من الأمانات الشرعية.

وأما الاستئمان المالكي فهو وإن كان غير حاصل في المقام، إلا أنه لا شاهد علي خصوصيته إلا أحاديث مسعدة المتقدمة المتضمنة عدم اتهام المستأمِن للمستأمَن، وقد سبق أنه يقتضي عدم تكليفه لا بالبينة ولا باليمين مع الشك في جميع الأمانات، مع أنه سبق منهم إطلاق تكليفه باليمين.

وعلي كل حال يجري ما سبق من الكلام في أثر الحكم بعدم قبول دعوي الأمين. فلاحظ. والله سبحانه وتعالي العالم.

(1) فقد صرح بقبول قول الودعي فيها في الكافي والسرائر وكشف الرموز والقواعد والإرشاد والمختلف والتحرير واللمعتين وغيرها، وفي الشرايع والنافع أنه أشبه. وعليه جروا هم وغيرهم في العارية. لأصالة عدم وجوب الزائد.

وفي المقنعة والنهاية والغنية أنه يقبل قول المالك بيمينه. وذكروا مثل ذلك في العارية، ووافقهم في الوسيلة هناك، وهو يناسب حمل (المودع) في كلامه في الوديعة

ص: 398

علي الكسر فيوافق من سبق. كما حكاه في المختلف هناك عن ابن البراج. بل ادعي في الغنية هناك الإجماع عليه. وفي المختلف أنهم احتجوا ببطلان الأمانة بالخيانة.

وهو كما تري!.. أولاً: لاختصاصه بما إذا كان الضمان بسبب تعمد التفريط، دون ما إذا أتلفه عن عذر من جهل أو غيره، أو كان الضمان بالشرط في العارية. بل حتي في الوديعة، علي ما سبق من جواز اشتراطه فيها.

وثانياً: لأنه يبتني علي بطلان الأمانة بالخيانة الذي سبق منا في المسألة الثانية والثلاثين من كتاب الإجارة المنع منه.

وثالثاً: لأن الخروج عن الأمانة لا يجعله مدعياً، بعد كون المدعي له الأقل، بل هو منكر في نفي الزائد، فيتعين قبول قوله بيمينه، كما نبه له في المختلف وغيره.

هذا وفي السرائر أن ما ذكره الشيخ (قدس سره) خبر واحد لا يرجع به عن الأدلة ويخص به العموم. وظاهره وجود خبر في المسألة، بل في الكافي بعد ما سبق منه من قبول الودعي: «وقد روي أن اليمين في القيمة علي المودِع. وفي هذا نظر». وفي كشف الرموز: «وإني اعتبرت الأحاديث فما ظفرت بحديث يؤيد هذا القول».

لكن قد يؤيده صحيح أبي ولاء عن أبي عبد الله (عليه السلام) الوارد في تجاوز المستأجر بالعين المستأجرة عن مورد الإجارة. وفيه بعد الحكم بأن المستأجر غاصب: «فقلت له: أرأيت لو عطب البغل أو نفق أليس كان يلزمني؟ قال: نعم. قيمة بغل يوم خالفته. قلت: فإن أصاب البغل كسر أو دبر أو غمز. قال: عليك قيمة ما بين الصحة والسيب يوم ترده عليه. فقلت: من يعرف ذلك؟ قال: أنت وهو. إما أن يحلف هو علي القيمة فيلزمك. فإن رد عليك اليمين فحلفت علي القيمة لزمه ذلك. أو يأتي صاحب البغل بشهود يشهدون أن قيمة البغل حين اكتري كذا وكذا فيلزمك»((1)).

ولعله لذا حكم بتقديم قول المالك في القيمة علي الغاصب في المقنعة والنهاية

********

((1) وسائل الشيعة ج: 13 باب: 17 من أبواب كتاب الإجارة حديث: 1.

ص: 399

وإن صرح في غيرهما بتقديم قول الغاصب حتي في المبسوط ومحكي الخلاف.

وكيف كان فقد يتم الاستدلال به في المقام بدعوي أن المستفاد منه تقديم قول المالك علي قول الضامن من دون خصوصية للغاصب، خصوصاً إذا كان الضامن معتدياً، كالمفرط في المقام.

اللهم إلا أن يكون منشأ ما تضمنه الصحيح من تقديم قول صاحب البغل أن من شأنه معرفة قيمة البغل، لأنه المباشر للتعامل بالبغال، فيكون من صغريات الرجوع لأهل الخبرة، وإن كان هو المدعي. وقد يناسب ذلك اكتفاؤه ببينته علي دعواه لو تيسرت له، مع أن البينة من وظيفة المدعي.

ومن هنا يشكل استفادة العموم من الصحيح لجميع موارد الغصب، فضلاً عن التعدي لغيره من موارد الضمان، كالمقام. ولاسيما مع احتمال وهنه في مورده بإعراض المشهور عنه.

وأشكل منه التعويل علي الإجماع المتقدم من الغنية في العارية. لوهنه في نفسه، خصوصاً بعد خلاف المشهور له، وعدم تعويلهم عليه، وبعد اختصاصه بالعارية.

وبالجملة: لا مجال للخروج في المقام عما تقتضيه القاعدة من قبول قول مدعي الأقل - وهو المستعين والودعي ونحوهما - لمطابقة قوله للأصل، فيكون هو المنكر، كما عليه المشهور.

نعم لوتيسر الرجوع لأهل الخبرة في تقويم التالف فالظاهر من سيرة العقلاء حجية قولهم كسائر موارد الرجوع لأهل الخبرة في الحدسيات، ويكون قولهم حاكماً علي الأصل المتقدم.

ثم إنه لا إشكال ظاهراً في تكليف الودعي باليمين. وما سبق من عدم جواز اتهامه مع الشك يقصر عن مثل تحديد القيمة من الأمور الحدسية، وإن كانت متعلقة بالأمانة، لقصور النصوص عن ذلك، لعدم كونه موضوع الاستئمان. ولاسيما إذا

ص: 400

أو وديعة مع التلف كان القول قول الملك مع يمينه (1).

رجع الخلاف للتخطئة. فلاحظ.

(1) كما في النهاية والسرائر والتذكرة، بل الظاهر عدم الخلاف فيه. ويشهد به صحيح إسحاق بن عمار: «سألت أبا الحسن (عليه السلام) عن رجل استودع رجلاً ألف درهم فضاعت. فقال الرجل كانت عندي وديعة، وقال الآخر: إنما كانت لي عليك قرضاً. فقال: المال لازم له، إلا أن يقيم البينة أنها كانت وديعة عنده»((1)).

وصحيحه الآخر عن أبي عبد الله (عليه السلام): «في رجل قال لرجل: لي عليك ألف درهم. فقال الرجل لا، ولكنها وديعة. فقال أبو عبد الله (عليه السلام): القول قول صاحب المال مع يمينه»((2)).

وإنما الإشكال والخلاف في أن الصحيحين مخالفان للقاعدة، فيقتصر علي موردهما، أو مطابقان لها، فيتعدي عنه - تبعاً لهما - إلي جميع موارد الخلاف في حصول السبب الرافع للضمان، كالخلاف في المضاربة والقرض بعد التلف من أجل ضمان المال، والخلاف في البيع والهبة من أجل استحقاق البدل، والخلاف في العارية والإجارة من أجل ضمان المنفعة.

وربما استدل علي أن مقتضي القاعدة الضمان بعموم ضمان اليد في الأعيان وضمان الاستيفاء في المنافع. بضميمة الأصل المحرز لعدم حصول الرافع للضمان، كالاستئمان والبذل المجاني للعين أو المنفعة.

لكن لا مجال لذلك، لاختصاص ضمان اليد بصورة وضع اليد علي مال الغير بلا حق، وهو غير حاصل في المقام، لاتفاق المتنازعين علي كون وضع اليد بحق إما لكونه مالكاً، كما في الاختلاف في البيع والهبة، أو لتردده بين المالك والمأذون من قبل

********

((1) وسائل الشيعة ج: 13 باب: 7 من أبواب كتاب الوديعة حديث: 1.

((2) وسائل الشيعة ج: 13 باب: 18 من أبواب كتاب الرهن حديث: 1.

ص: 401

المالك، كما في الاختلاف في القرض والوديعة أو المضاربة. وإنما يجري ذلك في مثل الاختلاف في الهبة أو العارية والغصب، فإن استصحاب عدم الهبة أو العارية يحرز كون وضع اليد علي ملك الغير بلا حق، فيتجه الحكم بالضمان.

كما أن الضمان بالاستيفاء يتوقف علي عدم ملك المنفعة وعدم الإذن في استيفائها مجاناً، وهو غير حاصل أيضاً، لاتفاقهما فيهما علي عدم اجتماع الأمرين، وإنما يختلفان في ملكها بالإجارة أو الإذن في استيفائها مجاناً بالعارية، وإنما يجري ذلك فيما إذا اختلفا بعد استيفاء المنفعة في العارية أو الغصب، فإن استصحاب عدم العارية يحرز استيفاء منفعة للعين المملوكة للغير بلا حق.

ومنه يظهر الإشكال فيما ذكره بعض مشايخنا (قدس سره) في فرض الخلاف في القرض والمضاربة من أن استصحاب عدم المضاربة وإن لم يحرز القرض، إلا أنه يحرز عدم إذن المالك في إبقاء المال عند العامل، فيحرز بذلك ضمانه له.

إذ فيه: أن ضمان المال لمالكه لعدم إذنه في التصرف فيه مما يتفقان علي عدمه لعدم الموضوع له، لأن المالك يدعي ارتفاع موضوع الضمان المذكور بخروج المال عن ملكه بالقرض، والعامل وإن كان يعترف ببقاء المال علي ملك مالكه، إلا أنه يدعي ارتفاع موضوع ضمانه بإذن المالك في التصرف فيه، فلم يبق إلا دعوي الضمان بالقرض، التي لا طريق لإثباتها، بل مقتضي الأصل عدمها.

هذا وقد يدعي أن الأصل احترام المال، لا بمعني حرمة التصرف فيه، بل بمعني عدم ذهابه علي مالكه مجاناً من دون درك ما لم يثبت سبب موجب لذلك من هبة أو استئمان أو بذل للمنفعة أو نحو ذلك، وعليه جري صحيحا إسحاق المتقدمان.

وفي كتاب العارية من مفتاح الكرامة أن هذا الأصل قد طفحت به العبارات من الخاصة والعامة في الباب وباب المزارعة وغيرهما من غير تأمل ولا خلاف، فكأنه مجمع عليه. وفي الجواهر بعد التعرض لقول الشيخ (قدس سره) من تقديم قول مدعي العارية علي قول مدعي الإجارة أن الظاهر مفروغيتهم عن هذا الأصل في غير هذا المقام.

ص: 402

لكن يصعب إثبات إجماع تعبدي علي الأصل المذكور ينهض بالاستدلال بنفسه. ولاسيما بعد ما تقدم من الشيخ من تقديم قول مدعي العارية علي قول مدعي الإجارة ووافقه في الغنية وحكي عن بعض متأخري المتأخرين.

فلابد إما من الاستدلال عليه بصحيحي إسحاق بدعوي إلغاء خصوصية موردهما وفهم العموم منهما. وإما من دعوي أن الأصل المذكور عقلائي ارتكازي لابد من العمل عليه ما لم يثبت الردع عنه، ولم يثبت ذلك، بل ثبت الجري عليه في صحيحي إسحاق.

لكن يصعب الأول، بل لا مجال له لو لم يثبت الثاني، حيث يكون الحكم تعبدياً في الصحيحين مخالفاً لمقتضي الأصل النافي للضمان، فيقتصر فيهما علي موردهما.

وأما الثاني فهو غير بعيد، لأن احترام المال في نفسه يقتضي عرفاً عدم التعويل علي احتمال إسقاط المالك لحرمته في حق الغير، بل لابد من إثبات ذلك. وقد اعترف بذلك سيدنا المصنف (قدس سره) في مسألة اختلاف المالك والعامل في القرض والمضاربة بعد تلف المال.

إلا أنه قال: «لكن الظاهر اختصاصه بصورة دعوي الاستحلال، مثل دعوي الهبة في مقابل دعوي البيع، أو دعوي العارية في مقابل دعوي الإجارة، أما إذا لم يكن استحلال - مثل المقام - فلا دليل علي الضمان المذكور، بل الارتكاز لا يساعد عليه. وكذلك مورد مصحح استحقاق المتقدم، فإن الحكم فيه علي خلاف الارتكاز، فيقتصر علي مورده لا غير».

وكأن مراده بدعوي الاستحلال - بقرينة الأمثلة - ما إذا كان المدعي لغير المالك هو تحليل المال من قبل المالك وهدر حرمته بتمليكه له مجاناً أو تسليطه علي إتلافه كذلك، كما في العارية المبنية علي بذل المنفعة، بخلاف دعوي الاستئمان - في مثل الوديعة ومال المضاربة - المبني علي بقاء احترام المال وإن لم يكن مضموناً علي من تحت يده إذا لم يكن تلفه مستنداً إليه.

ص: 403

ويظهر من تقريرنا لدرسه (قدس سره) أن المنشأ لذلك اختصاص أصالة الاحترام الارتكازية بالإتلاف، وأنه إذا كان المدعي للمتلف تسليط المالك علي إتلاف المال مجاناً، دفعاً للضمان عن نفسه، لم يقبل قوله، بخلاف ما إذا كان المدعي له لدفع الضمان هو الاستئمان المبني علي احترامه للمال، وإنما لا يضمنه إذا لم يكن تلفه بسببه.

وهو يقصر عن صورة الاختلاف بين البيع والهبة. لعدم ابتناء الهبة علي تسليط المالك علي إتلاف المال، بل رفع اليد عن مالية المال بتمليكه مجاناً.

وكيف كان فما ذكره (قدس سره) من الفرق غير ظاهر، بل الظاهر عموم الجهة الارتكازية للجميع، فإن الاستئمان يبتني علي إسقاط المالك حرمة ماله بلحاظ ضمان اليد في حق الأمين، وإن لم يسقطها بلحاظ ضمان الإتلاف. كما أن الهبة تقتضي هدر حرمة المال بتمليكه مجاناً. فلاحظ.

بقي شيء. وهو أن قاعدة الاحترام بالمعني المتقدم لو تمت فهي إنما تدفع دعوي آخذ المال في عدم الضمان، من خصوصية الثمن والأجرة وغيرهما، بل مقتضي قاعدة الاحترام الضمان بالمثل لا غير. فإن كان الضمان المدعي للمالك هو الضمان بالمثل فلا إشكال، كما في دعواه القرض في مقابل دعوي الوديعة أو دعوي المضاربة. وإن كان المدعي له هو الضمان بوجه آخر، كالثمن والأجر المسميين في مقابل دعوي الهبة والعارية، تعين الاقتصار علي قيمة المثل أو أجرة المثل إلا أن تزيد علي ما يدعيه المالك، فيقتصر علي ما يدعيه، لاعترافه بعدم استحقاقه لما زاد عليه.

ودعوي: أنه يعلم بعدم استحقاق خصوص المثل، لعدم تحقق سببه، وإنما يتردد الأمر بين عدم الاستحقاق أصلاً واستحقاق المسمي بخصوصيته.

مدفوعة بأن الحكم بالمثل لا يبتني علي الحكم باستحقاقه بخصوصيته، بل علي كونه المقدار الممكن إثباته بقاعدة الاحترام من مدعي المالك - بعد عدم المثبت لتمام ما يدعيه - وإن أمكن ثبوت تمام ما يدعيه واقعاً من دون حجة علي إثباته. نظير ما إذا ادعي زيد إقراض عمرو مائة دينار، وأقام بينة علي إقرار عمرو بانشغال ذمته لزيد

ص: 404

بتسعين ديناراً.

وأما ما ذكره سيدنا المصنف (قدس سره) من أن الحكم بالمثل من قبيل الحكم الواقعي جعله الشارع الأقدس للحاكم لحسم النزاع وفصل الخصومة، مع بقاء الحكم الواقعي في حق الخصمين بحاله.

فقد يشكل بعدم وضوح تشريع حكم للحاكم غير ما هو موضوع النزاع بين الخصمين. وهذا بخلاف ما ذكرنا، حيث يرجع إلي حكمه بثبوت المقدار الممكن إثباته من دعوي أحد الخصمين. خصوصاً علي ما هو الظاهر - واختاره هو (قدس سره) - من أن المعيار في تعيين المدعي من المنكر علي الغرض، من الدعوي، لا علي صورتها، ومن المعلوم أن الغرض من الدعوي استحقاق البدل.

وأشكل منه ما ذكره (قدس سره) واستبعده من ابتناء حكم الحاكم في المقام علي الصلح القهري بين الخصمين. إذ فيه: أن لازمه سقوط الحكم الواقعي الثابت في حقهما قبل الرجوع للحاكم، بحيث لا يجب بعد حكم الحاكم علي كل منهما الجري عليه والخروج عن تبعته. نظير ما لو تردد حق زيد علي عمرو بين العشرة والثلاثين فتصالحا علي عشرين، حيث لا يجب عليهما بعد الصلح العمل علي الواقع الأولي لو انكشف لهما. والبناء عليه في المقام يحتاج إلي دليل خاص غير عمومات أدلة القضاء.

ثم إن قبول قول المالك بالنحو المذكور حيث كان في مقام التداعي يتعين معه إجراء بقية أحكام التداعي، وهو تكليفه باليمين لنفي دعوي خصمه تحقق سبب نفي الضمان، وتكليف خصمه باليمين لنفي دعوي المالك خصوصية الضمان لو اقتضت الزيادة علي قيمة أو أجرة المثل، كما نبه له بعضهم، بل لعله مراد كثير منهم، وإن كان الجمود علي عبارتهم قد لا يناسبه. فلاحظ والله سبحانه وتعالي العالم العاصم.

ص: 405

(406)

(مسألة 7): لا يصح إيداع الصبي والمجنون (1) فإن لم يكن

(1) أما إذا كان المودع هو الصبي والمجنون فبلا خلاف ولا إشكال في الجملة. لقصورهما، فلا ينفذ تصرفهما في مالهما، ومنه الإيداع. ومما سبق منا في كتاب البيع يظهر صحة إيداعهما لمالهما بإذن الولي مع تحقق القصد منهما. كما يصح إيداعهما حينئذٍ لمال غيرهما بإذن صاحب المال، خلافاً للمشهور في الموردين. فراجع.

هذا وقد استثني العلامة في التذكرة والقواعد وغير واحد ممن تأخر عنه ما إذا خاف تلف المال تحت يدهما، فأخذه لحفظه لصاحبه حسبة.

وقد استدل له في التذكرة وغيره بعموم نفي السبيل علي المحسنين. ويظهر ضعفه مما تقدم منا في صورة الاختلاف في الرد من المسألة السابقة من قصور العموم المذكور عن مثل الضمان.

فالعمدة في المقام قصور دليل ضمان اليد عن صورة الترخيص الشرعي في أخذ المال، فضلاً عن صورة الأمر به ولو استحباباً. لما تكرر منّا - وتقدم مفصلاً في المسألة الثالثة عشرة من فصل شروط العقد من كتاب البيع - من أنه لا إطلاق يتضمن الضمان المذكور، وإنما استفيد من بناء العقلاء مؤيداً ببعض النصوص المتفرقة الدالة عليه في الجملة، والمتيقن منه اليد العدوانية غير المرخص فيها.

وبذلك يظهر حال ما في الجواهر من أن الحسبة والإحسان، يسوغان الإقدام ولا يرفعان الضمان، لعدم التنافي بين الحكم التكليفي والوضعي المذكورين. إذ فيه: أن عدم التنافي بين الحكمين إنما يقتضي البناء علي الضمان مع عموم دليله، لصورة الترخيص، لا مع قصوره عنها، كما ذكرنا.

نعم لا يصلح ذلك لأن يكون استثناء من الضمان مع بطلان الوديعة، لأن المعيار فيه رجحان أخذ المال منهما شرعاً حفاظاً عليه ولو مع عدم الاستيداع منهما، بل كان أخذه قهراً عليهما أو إغفالاً لهما.

ص: 406

مميزاً لم يضمن الوديعة حتي إذا أتلف (1)، وإذا كان مميزاً ضمن

كما أنه لا يكفي القطع بجواز أخذ المال منهما خوفاً عليه من التلف في نفي الضمان، بل لابد من إصابته للواقع، فلو قطع بجواز أخذه منهما خوفاً عليه من التلف ثم ظهر أن الولي قد تعمد دفعه لهما ليعبثا بها لصلاح ذلك بنظره، وأنه لا يري صلاحاً في أخذه منهما، فالمتعين الضمان في حق الآخذ، لعدم الإذن الشرعي في أخذ المال واقعاً، نظير المقبوض بالعقد الفاسد، كما لعله ظاهر.

كما أنهم صرحوا أيضاً بعدم البراءة بدفع المال لهما وإرجاعه. وهو المتعين، كما يتعين حرمته تكليفاً بعد فرض قصورهما وعدم سلطنتهما علي المال.

نعم لو كان الولي يرضي بالدفع لهما جاز الدفع لهما وبرئ به من الضمان، كما هو مقتضي ولايته.

هذا كله فيما إذا كان المودع هو الصبي والمجنون. وأما إذا كانا ودعيين - كما هو مورد كلام سيدنا المصنف (قدس سره) - فالمصرح في كلامهم عدم صحة الوديعة أيضاً، بل الظاهر عدم الخلاف فيه والإشكال. لظهور أن الاستيداع يبتني علي مسؤولية الودعي بالوديعة بنحو يقتضي حفظها، وهو نحو من التصرف الاعتباري في نفس المودع، وهما فاقدان للسلطنة عليها.

ويجري في استيداعهما بإذن الولي ووكالتهما في الاستيداع عن غيرهما ما سبق.

(1) كما قد يظهر من الجواهر، وصرح به في كتاب الحجر من جامع المقاصد، وإن قرب الضمان في كتاب الوديعة منه. والوجه في عدم الضمان أن تسبيب المالك للإتلاف عرفاً بتسليمه المال له أقوي من مباشرتهما الإتلاف في فرض عدم تمييزهما، وبذلك يصح نسبة الإتلاف له، ويكونان كالآلة.

وإن شئت قلت: لما كانت قاعدة الضمان بالإتلاف ارتكازية جري عليها الشارع الأقدس لا تعبدية محضة، فتطبيقها يكون تابعاً للمرتكزات أيضاً. وفي المقام

ص: 407

بالإتلاف (1). وهل يضمن بمجرد القبض وإن لم يكن مفرطاً اشكال (2)

وإن صح نسبة الإتلاف لهما لمباشرتهما له، إلا أنه يصح أيضاً نسبته للمالك بتسبيبه له بتسليم الوديعة لهما، بل هو الأقوي في التأثير عرفاً، فيرفع الضمان عنهما. وهذا بخلاف ما إذا باشرا الإتلاف من دون تسبيب من غيرهما، حيث ينسب الإتلاف لهما لا غير، فيترتب عليه الأثر - وهو الضمان - عرفاً.

ويجري ذلك أيضاً لو كان دافع المال لهما غير المالك، فيكون هو الضامن ويستقر الضمان عليه دونهما.

وأما ضمان اليد المقتضي للضمان ولو مع عدم الإتلاف فلا مجال له في حقهما، لا لما في بعض كلماتهم من قصور دليل التكليف بالحفظ والأداء عنهما، لأن الضمان من سنخ الوضع، بل لقصور دليله عن مثل هذه اليد المبنية علي تسليط المالك صاحبها علي المال بنحو يعرضه للتلف غير المضمن.

(1) كما صرح به غير واحد. لاستناد الإتلاف عرفاً لهما، دون دافع المال لهما. حتي لو كان مفرطاً عرفاً. بل هو نظير دفعه لمن يعلم من حاله عدم الالتزام الديني من المكلفين. ومجرد عدم تكليفهما بحفظ المال أو بأداء البدل لا ينافي الضمان، الذي هو حكم وضعي يقصر عنه حديث رفع القلم.

وما يظهر من بعضهم من التنافي بينهما، بل مرجع الضمان إلي وجوب الحفظ وأداء البدل علي تقدير التلف، في غير محله قطعاً.

(2) لم أعثر عاجلاً علي كلام لهم في ذلك، وإنما كلامهم في الضمان بالإتلاف - كما سبق - أو بالتفريط والإهمال.

وكأن منشأ احتمال الضمان هو وضع اليد بلا حق، لفرض بطلان الوديعة. لكن الظاهر قصور ضمان اليد عما إذا كان وضع اليد علي العين مبنياً علي عدم ضمانها، لإسقاط المالك حرمتها، كما في الأمانات وإن كانت فاسدة. وقد تقدم في المسألة الثانية

ص: 408

نعم اذا كان باذن الولي لم يضمن بالقبض (1) ويضمن بالاتلاف وفي ضمانه بالتفرطط والاهمان اشكال (2)

والثلاثين من كتاب الإجارة ما ينفع في المقام.

(1) لصحة الأمانة بناء علي ما سبق منا في أول المسألة من صحة عقد الصبي والمجنون بإذن الولي مع تمييزهما وتحقق القصد لمضمون العقد منهما.

(2) لا يبعد أن يكون مفروض كلامه (قدس سره) صورة بطلان الوديعة، كما هو مفروض كلام الأصحاب، للبناء منهم علي عدم صحة إيداع الصبي والمجنون مطلقاً، ويكون المفروض في كلامه عدم إذن الولي رجوعاً إلي ما يظهر من أول المسألة.

وقد نفي الضمان في المبسوط والسرائر والشرايع وجملة من كتب العلامة وغيرها، وفي الجواهر أنه المشهور.

وقد علل في كلامهم بأن المودع قد ضيع ماله وأتلفه. لكن تفريط صاحب المال بماله بدفعه لمن لا يؤمن عليه، أو لمن لا يجب عليه حفظه، لا يرفع الضمان مع تحقق سببه. فلابد من النظر في تحقق سبب الضمان وعدمه في المقام.

وقد يدعي عموم ضمان اليد في المقام، لأن المسقط له - كما تقدم - هو إسقاط المالك لحرمة ماله بدفعه علي أن لا يكون مضموناً، وهو غير حاصل في المقام، لأن الدفع بالنحو المذكور مختص بما إذا كان المدفوع إليه المال في مقام الحفاظ عليه والقيام بمقتضي الأمانة فيه، دون ما إذا صار في مقام الإهمال والتفريط، بل يبتني تسليطه علي المال علي ضمانه له حينئذٍ.

ومجرد عدم تكليفه شرعاً بحفظ المال والقيام بمقتضي الأمانة فيه لا ينافي ابتناء دفع المال إليه علي ذلك وعلي الضمان بدونه، لأن المفروض قصدهما الاستئمان في دفع المال وأخذه.

وكأنه إلي هذا يرجع ما في المبسوط في بيان حجة القول بالضمان، الذي ذهب

ص: 409

إليه غير واحد ممن تأخر عنه.

لكن لازم ذلك ترتب أثر شرط ضمان الأمانة علي الصبي، كما في العارية. وكذا في الإجارة والوديعة علي ما سبق الكلام فيه. لأن دفع المالك المال له يبتني علي تمسك المالك بحرمته مطلقاً وعدم هدرها بحال.

بل يجري ذلك حتي مع عدم شرعية شرط الضمان، كما في المضاربة. لاختصاص دليل عدم صحة الشرط المذكور وعدم نفوذه بالعقد الصحيح. أما مع بطلان العقد - كما في المقام - فالمرجع القاعدة، المفروض اقتضاؤها الضمان، لعدم إقدام المالك حين تسليم المال علي هدر حرمته، بل التمسك بها مطلقاً.

ومن الظاهر أنه يصعب البناء جداً علي الضمان في هذه الموارد ونحوها.

ومن هنا فقد يدعي قصور ضمان اليد عما إذا كان المالك هو المسلط لصاحبها علي ماله. غاية الأمر أن الآخذ للعين إذا ابتني أخذه لها علي حفظ حرمتها وضمانها بالمثل - كما في شرط الضمان - أو بالمسمي - كما في المقبوض بالعقد الفاسد - ألزم بذلك.

وذلك يختص بما إذا كان نافذ التصرف في نفسه شرعاً، أما إذا لم ينفذ تصرفه المذكور، كما في المقام - لما فيه من جعل السبيل علي نفسه فيشمله عموم رفع القلم - فلا يترتب الأثر علي أخذه بالوجه المذكور، ولا ضمان عليه. وعلي ذلك لا مجال للاستدلال بعموم ضمان اليد في المقام.

وأما ما دل علي ضمان الوديعة بالتعدي والتفريط فمن الظاهر قصوره عن مثل المقام مما فرض فيه عدم نفوذ عقد الوديعة، لعدم تحقق موضوع الضمان.

نعم لو أذن الولي في الاستيداع صحت الوديعة، وترتب أثرها من الضمان بالتعدي والتفريط لعموم دليله. ومجرد عدم تكليف الودعي المميز بالحفظ لرفع القلم لا ينافي ذلك.

كما يتعين ثبوت ضمان اليد عليه لو خرجت عن كونها وديعة وصارت يده

ص: 410

عليها يد عادية مضمنة، كما لو حبس الوديعة عن المالك بعد مطالبته بها.

لكنه خارج عن مفروض كلام الأصحاب، وليس مفروض كلامهم إلا صورة عدم صحة الوديعة، لعدم نفوذ تصرف الصبي والمجنون. الذي سبق قصور دليل ضمان اليد عنه.

وأظهر من ذلك صورة الإكراه علي الاستيداع، أو طرحها عنده من دون قبول منه للاستيداع، فإن قصور ضمان اليد عن صورة إكراه المالك علي أخذ المال أو طرحه عند الغير من دون رضاه بذلك أظهر من قصوره عن محل الكلام.

ومن هنا صرح بعدم الضمان وعدم وجوب الحفظ حينئذٍ في الشرايع وجملة من كتب العلامة واللمعتين وغيرها بنحو لا يظهر الخلاف والإشكال منهم فيه، بل قد يظهر في المفروغية عنه.

نعم قد وقع الكلام من غير واحد في الوظيفة بعد ذلك. والكلام في مقامين:

المقام الأول: فيما لو طرح المالك الوديعة عنده ولم يحصل منه ما يدل علي الرضا قولاً ولا فعلاً. وفي المسالك أنه لا يجب عليه الحفظ، ولو تركه لم يضمن، لكن لو ذهب المالك ولم يأخذها معه وجب الحفظ وجوبا كفائيا من باب المعاونة علي البر وإعانة المحتاج.

ويشكل بعدم الدليل علي وجوب أحد الأمرين المذكورين، فضلاً عن كليهما. كما لا دليل علي وجوب حفظ مال الغير. ولاسيما إذا فرط المالك به بتركه عند غيره من دون رضاه.

نعم قد يدعي ضمانه باستمرار وضع يده عليه بعد ذهاب المالك. لكنه غير ظاهر إذا لم يحصل منه إيهام للمالك بالرضا ببقائه عنده. لعدم الدليل علي مضمنية مثل هذه اليد.

كما لا مجال لتوهم صيرورته أمانة شرعية. لاختصاص ذلك بما إذا كان قد

ص: 411

وضع يده عليها باختياره لحفظها حسبة، كالمأخوذ من يد الصبي إذا أخيف عليه من التلف، دون مثل المقام مما فرض فيه وضع المالك لها عنده من دون رضاه.

وحينئذٍ يجوز له نقلها من مكانها إذا كان إبقاؤها فيه مضراً به أو محرجاً له. لقاعدة نفي الضرر والحرج. ولا تعارض بمثلها في حق المالك بعد أن كان هو الذي عرض ماله للخطر بدفعها عند من لا يجب عليه حفظها.

بل هو مقتضي قاعدة السلطنة علي المكان في حق الذي هي عنده من دون حاجة للزوم الضرر أو الحرج عليه من الإبقاء. ولا تعارض بحرمة التصرف في مال الغير بنقله. لقصور دليلها عما إذا كان المالك قد اعتدي بوضعه في ملك غيره.

نعم كلما كان المكان المنقول إليه أحري بحفظها كان أفضل، وإن لم يكن لازماً بعد أن لم يكن هناك منشأ لوجوب حفظها عليه. بل يجوز له إخراجها عن ملكه وإن تعرضت للتلف.

غاية الأمر أنه يحرم عليه إتلافها ويضمن بذلك، لعدم الموجب لجواز الإتلاف وعدم المخرج عن قاعدة سببيته للضمان.

كما أنه لا ملزم له بالمبادرة لإرجاعها للمالك، ولا يضمن بترك ذلك بعد أن لم يكن معتدياً في صيرورتها تحت يده، بل كان المالك هو المعتدي بوضعها عنده.

نعم لو مات المالك فحيث لا عدوان من ورثته يتعين عليه المبادرة لإعلامهم بها واستعداده لتسليمها لهم.

المقام الثاني: فيما لو أكرهه المالك علي الاستيداع وأخذ الوديعة نتيجة لذلك. قال في المسالك بعد الحكم بعدم وجوب الحفظ مع الإكراه: «لكن يجب تقييده بما إذا لم يضع عليها يده بعد زوال الإكراه مختاراً. فإنه يجب عليه الحفظ باليد الجديدة وإن لم يجب بالإكراه».

لكن المراد بوضع اليد عليها بعد زوال الإكراه إن كان بعد خروجها عن يده

ص: 412

(413)

نتيجة عدم وجوب الحفظ عليه بالإكراه، كالحيوان يخرج بنفسه، أو يأخذه شخص آخر ثم يتركه. فإن قصد بأخذه لها قبول الوديعة بعد إبائه لها لم يبعد ترتب حكم الوديعة لتمامية العقد.

أما إذا أخذها لا بنية قبول الوديعة تعين ضمانها بضمان اليد، لعدوانه بعد عدم إذن المالك بأخذها علي هذا الوجه، وعدم إكراهه له علي هذا الأخذ.

وإن كان المراد بوضع يده عليها بعد زوال الإكراه هو استمرار وضع يده عليها من حين الإكراه إلي ما بعد زواله. فإن كان بحضور المالك، بحيث يسعه إعلامه بعدم قبوله الوديعة وإرجاع العين له أو التخلية بينه وبينها، جري ما سبق من التفصيل أيضاً، لعين ما سبق. وإن كان بغياب المالك فالظاهر أنه يجري ما سبق في المقام الأول، لعدم الدليل علي الضمان بمثل هذه اليد المستندة لدفع المالك للعين بوجه غير مضمن. بل إلزامه بالمبادرة لإيصالها للمالك بعد إكراه المالك له علي أخذها بعيد جداً.

وأبعد منه براءته من الضمان بإخراجها عن يده لغير المالك ولو بإلقائها في الطريق وعدم برائته منه بإبقائها في يده من دون أن يتكلف الحفظ. فلاحظ. والله سبحانه وتعالي العالم العاصم.

هذا وقد بقي في المقام فروع ذكرها الأصحاب وأهملها سيدنا المصنف (قدس سره) وقد يظهر الحال في جملة منها مما سبق، لأنها في الحقيقة راجعة إلي الكلام في صغريات للكبريات المتقدمة، كما يأتي منه (قدس سره) التعرض لبعضها في كتاب الصلح.

لكن قد يحسن منا التعرض لبعض ما أهمله (قدس سره)..

الأول: من المعلوم أن مبني الاستيداع علي حفظ الوديعة للمالك ما لم يطالب بها، فلا يجب علي المودع مراجعة المالك فيها واستيذانه فيها في إبقاءها عنده ما دام تاركاً لها غير مطالب بها.

نعم لو نسي المالك الوديعة أو غفل عنها، بحيث يظهر من حاله أن عدم مطالبته

ص: 413

(414)

بها لذلك، لا لعدم تعلق غرضه باسترجاعها، فلا يبعد وجوب تنبيهه علي الودعي، لأن تركها عنده حينئذٍ نحو من الحبس ينافي مقتضي الاستئمان عرفاً.

وبعبارة أخري: سبق عند الكلام في جواز عقد المضاربة وبطلانه بالجنون أن الاستمرار في العقد الجائز يبتني علي استمرار الرضا به من الطرفين المستفاد من الرضا بإيقاعه، بضميمة أصالة عدم عدول الإنسان عن رأيه، فمع سقوط رأيه عن الاعتبار بالجنون ونحوه لا اعتداد باستمراره لو بقي له رأي. وذلك يجري عرفاً في فرض استحكام النسيان، بحيث يظهر من حاله أن عدم استرجاع الوديعة لذلك لا للرضا ببقائها.

بل لا يبعد جريان ذلك مع حصول ما يثير احتمال ذلك بوجه معتد به. فلاحظ.

الثاني: صرح الأصحاب رضوان الله تعالي عليهم بوجوب رد الوديعة عند مطالبة المالك بها. ومقتضي الجمود علي عباراتهم هو وجوب التسليم علي الودعي المستلزم لوجوب تحمل مؤنته مالية كانت أو جسدية.

لكن الظاهر أن الواجب هو التخلية بين المالك وبينها في مقابل حبسها عليه ومنعه منها، من دون أن يجب عليه التسليم، كما صرح بذلك في التذكرة والمسالك والروضة، ويستفاد من جامع المقاصد. ولعله مراد الجميع.

لأن ذلك هو مقتضي الائتمان عرفاً في مقابل الخيانة بمنعه منها وحبسها عنه. وأما الأمر بأداء الأمانة في الكتاب المجيد والسنة الشريفة فالمناسبات الارتكازية تقتضي حمله علي الردع عن الخيانة والخروج عن مقتضي الاستئمان، فهو مساوق لما دل علي وجوب رعاية الأمانة والعهد والثناء علي ذلك. من دون أن يراد به وجوب التسليم تعبداً زائداً.

وعلي ذلك فمؤنة الاستلام علي المالك لا علي الودعي، كما صرح به في التذكرة أيضاً. نعم لو كان الودعي قد اختار وضع الوديعة في مكان يحتاج تحصيل المالك لها منه إلي مؤنة جسدية أو مادية من دون أن يكون المالك قد عينه له، تعين علي الودعي

ص: 414

(415)

القيام بذلك، لأنه مقتضي الاستئمان عرفاً.

إلا أن يكون وضعه لها في المكان المذكور لطارئ غير محتسب عند الاستيداع، بحيث يتوقف عليه حفظ الوديعة الواجب عليه بمقتضي الاستئمان. حيث لا يجب عليه تحمل نفقة الحفظ التي لم يبتن الاستئمان عليها، بل يتحملها المالك.

الثالث: قال في التذكرة: «لو طلب المالك الوديعة فقال: لا أرد عليك حتي تشهد بالقبض فالأقرب أن المالك إن كان وقت الدفع أشهد عليه بالإيداع فللمستودع ذلك، ليدفع عن نفسه التهمة، وإن لم يكن المالك أشهد عليه عند الإيداع لم يكن له ذلك ويكون ضامناً». وفي المسالك أنه جيد. وكأن وجه ضمانه تأخيره التسليم مع المطالبة.

لكن في كتاب الوكالة من التذكرة: «كل من عليه حق أو لديه مال لغيره يجب عليه رده علي مالكه عند الطلب. فإن قال من في يده المال أو عليه: لا أدفع المال إليه إلا بالإشهاد فالأقرب أن له ذلك، سواء كان مما يقبل قوله فيه - كالوديعة وشبهها - أو لم يكن - كالدين والغصب وشبههما - وسواء كان علي من في يده المال بينة بالمال أو لا بينة عليه، احترازاً من لزوم اليمين، وللإنسان غرض في التحرز من الإقدام علي اليمين وإن كان صادقاً. لقوله تعالي: ولا تجعلوا الله عرضة لأيمانكم. وعادة الأمناء التحرز من الأيمان». وعن الكفاية في الوديعة أنه لا يخلو عن قوة.

والذي ينبغي أن يقال: إن لم يلزم من الإشهاد تأخير الأداء جاز لمن عليه الحق طلبه. بل قد يستحب. لما ورد في الموارد المتفرقة من الأمر به في الكتاب المجيد والسنة الشريفة، حيث قد يستفاد من ذلك عموم استحبابه. ولما فيه من تجنب النزاع والخصومة المرغوب عنها شرعاً.

نعم إذا كان قد أقدم حين أخذ المال علي الكتمان والتستر، وكان الإشهاد منافياً لذلك، لم يكن له طلب الإشهاد من دون فرق بين أن يكون للمالك بينة علي الحق وأن لا يكون له بينة عليه. حيث يكون طلبه حينئذٍ منافياً للاستئمان وللشرط الضمني

ص: 415

(416) (416)

المفروض.

أما إذا لزم من الإشهاد تأخير الأداء المفروض فوريته، فإن كان من عليه الحق واثقاً بصاحب الحق آمناً من خصومته لم يكن له طلب الإشهاد، حيث لا عذر له في الخروج عن مقتضي الفورية. وإلا جاز له التوثق لنفسه من الخصومة بما تيسر له من الطرق حسب اختلاف الظروف والأشخاص، ومن ذلك طلب الإشهاد. لكون خوف الخصومة من الأعذار العرفية في الخروج عن مقتضي الفورية.

نعم لا مجال لذلك في المعتدي في جعل الحق علي نفسه، كالغاصب والمماطل في وفاء الدين ونحوهما، لأنه بعدوانه عرّض نفسه للخصومة، فليس له حبس الحق عن صاحبه.

الرابع: إذا عجز الودعي عن حفظ الوديعة، أو ظهرت له أمارة علي العجز، أو خافه بوجه معتد به، وجب عليه مراجعة المالك مع تيسرها له، خروجاً عن مقتضي الاستئمان. فإن تعذرت وجب عليه التوثق علي المال بأقرب الوجوه للسلامة، بنظره، خروجاً عن مقتضي الاستئمان. ولا ينحصر الأمر بالإشهاد، بل قد لا ينفع، أو يتيسر ما هو الأوثق منه.

واللازم مراجعة الحاكم الشرعي، لاحتمال ولايته علي الغائب في مثل ذلك. لكن لا يجوز له العمل بما يختاره له إذا كان غيره أوثق بنظره. لعدم ثبوت ولايته. وإن كان ظاهر كلماتهم المفروغية عنها.

ومن ذلك ما إذا خاف الودعي الموت علي نفسه بالوجه الذي لم يكن متوقعاً حين الاستيداع، بحيث يحرز إقدام المالك عليه.

الخامس: إذا مات المالك بطلت الوديعة، حيث تصير للورثة من دون استيداع منهم. وحرم حبسها عليهم، ووجبت المبادرة بمراجعتهم.

إلا أن تكون مشروطة من قبل الودعي بأجل معين، بناء علي ما سبق منا من

ص: 416

(417)

جواز ذلك، حيث يثبت للودعي الحق في تأخيرها بسبب الشرط.

كما أن من المعلوم أنه لا يكفي إيصالها لبعضهم بل لابد من إيصالها للكل، إما باتفاقهم علي شخص خاص أو بتوزيعها عليهم بنحو يصل لكل ذي حق حقه.

وإذا كان للمالك وصية تعم الوديعة كفي إيصالها للوصي، وإذا لم يعين الموصي وصياً خاصاً فظاهر حاله أن الورثة هم الأوصياء، فيكفي إيصالها إليهم.

نعم إذا عين وصياً خاصاً وتعذر إيصال حق الميت له فلا مجال لدفعه للورثة، بل يتعين الاقتصار علي إيصال حقوقهم، ويتولي الودعي بنفسه إنفاذ الوصية بعد مراجعة الحاكم الشرعي، لاحتمال ولايته، نظير ما سبق.

ونظير ذلك ما إذا علم بخيانة الورثة وعدم عملهم عليها. بل قد يتعين عليه حينئذٍ إنفاذ الوصية بتمامها أو بما يتيسر منها من الوديعة وعدم الاقتصار علي حصة الوديعة منها. إذ مع عدم إنفاذهم الوصية مما تحت أيديهم ينحصر حق الميت بالوديعة وإن استوعبها.

السادس: إذا تعذر في الوديعة الوصول للمالك للجهل به وبوارثه وجب الانتظار بالمال والفحص عن صاحبه، ثم التصدق به، كما في مجهول المالك واللقطة، إلا أنه يفترق عنهما، بأمرين:

الأول: أنه لا يكفي الفحص عنه حتي يحصل اليأس من العثور عليه بالفحص، كما في المجهول، أو بعد السنة، كما في اللقطة. لقصور نصوصهما عن الوديعة.

بل يجب الانتظار - ولو بالوصية بالمال إذا خاف الودعي الموت - حتي يعلم بعدم العثور علي المالك ولا علي وارثه ولو صدفة، لأن ذلك هو المتيقن في جواز التصدق، وفي الخروج عن عهدة المال.

غاية الأمر أنه إذا احتاج بقاء الوديعة إلي مؤونة - من نفقة أو أجرة مكان - فحيث لا يجب علي الودعي القيام بها إذا لم يكن قد أقدم عليها حين الاستيداع. كما

ص: 417

أن تحمل المودع لها - ولو بتحميل الوديعة نفسها لها حتي تستغرق قيمتها - مضربه، فاللازم مراجعة الحاكم الشرعي لاستبدالها بما لا يحتاج للنفقة ببيعها أو نحوه، وإذا لم يتيسر مراجعته استقل الودعي بذلك، لأنه الأقرب في حفظ الوديعة. وكذا إذا كان استبدالها أصلح، لطارئ آخر.

الثاني: أنه لو صادف العثور علي المالك أو وارثه بعد التصدق، فاللازم الاحتياط بالضمان له إذا لم يرض بالصدقة اقتصاراً علي المتيقن في الخروج عن مقتضي الاستئمان. فلاحظ. والله سبحانه وتعالي العالم العاصم.

وبذلك ينتهي الكلام في كتاب الوديعة. وكان الفراغ منه ضحي الأربعاء التاسع عشر من شهر ذي الحجة الحرام سنة ألف وأربعمائة واثنتين وثلاثين للهجرة النبوية علي صاحبها وآله أفضل الصلاة والتحية. بقلم العبد الفقير (محمد سعيد) الطباطبائي الحكيم عفي عنه، حامداً مصلياً مسلماً.

ص: 418

(419)

كتاب العارية

ص: 419

ص: 420

لحمد لله رب العالمين. والصلاة والسلام علي سيدنا محمد وآله الطاهرين، ولعنة الله علي أعدائهم أجمعين إلي يوم الدين.

ص: 421

ص: 422

(423)

كتاب العارية

* وهي عقد (1)،

(1) كما صرح بذلك جمهور الأصحاب، وظاهرهم المفروغية. ولم يتضح الوجه فيه، لابتناء العقد علي التزام كل من الطرفين بشيء علي نفسه بنحو يكون التزام كل منهما مبنياً علي التزام الآخر، كما تقدم في تعريف عقد البيع.

وهو غير حاصل في العارية لتمحضها في بذل المعير منفعة العين المستعارة في الانتفاع مجاناً، من دون التزام منه علي نفسه بشيء.

كما أن المستعير لا يلتزم علي نفسه بشيء، بل أخذه للعين وانتفاعه بها يبتني علي محض الجري علي بذل المعير وإذنه، كسائر موارد الإذن في التصرف، حيث يجري المأذون علي الإذن من دون التزام بشيء.

غاية الأمر توقف العارية علي قبض المستعير للعين واستيلائه عليها واستقلاله بها، كما أشرنا إليه في تعريف عقد الوديعة، ولا تصدق بدون ذلك، كالإذن في دخول المنزل والانتفاع بما فيه من متاع.

وحتي لو اشترط فيها الضمان فالمعار وإن كان يلتزم به علي نفسه، إلا أن ذلك لا يكفي في صدق العقد، لأن المعير لا يلتزم بشيء علي نفسه، بل ليس منه إلا مجرد الإذن، وليس هو من سنخ الالتزام، كما سبق.

كما أنه بناء علي صحة اشتراط الأجل في العارية، ولزومها بذلك، بحيث لا

ص: 423

(424) (424)

ثمرته التبرع بالمنفعة (1).

يكون للمعير الرجوع عن بذل المنفعة، فذلك وإن كان نحواً من الالتزام من المعير، إلا أنه لا يكفي في صدق العقد بعد عدم التزام المستعير بشيء.

نعم إذا كان الأجل شرطاً لكل منهما علي الآخر صدق العقد. وكذا لو اشترط الأجل علي المعير والضمان علي المستعير، لتحقق الالتزام من كل من الطرفين مبتنياً علي الالتزام من الآخر. لكن العقد حينئذٍ مجموع المنشأ من العارية والشرط لا العارية وحدها التي هي موضوع تعاريفهم.

هذا وأما الاستئمان فهو ليس عقدياً في المقام، بل خارجي متقوم بدفع العين غير المبني علي هدر حرمتها تبعاً للعارية، كدفعها تبعاً للإجارة والمضاربة وغيرهما من العقود، وليس الاستئمان العقدي إلا الوديعة. ولو فرض كونه عقدياً فهو أمر آخر غير العارية التي هي موضوع تعاريفهم. فلاحظ.

(1) كما في الشرايع. ومن الظاهر أنه لا يراد به التبرع علي نحو التمليك، كما في الهبة للمنفعة، بل مجرد البذل والإذن في الانتفاع مجاناً. ومن الظاهر أن ذلك هو مفاد العارية، لا ثمرتها. نعم ثمرتها المترتبة عليها هي الإباحة شرعاً.

ومما سبق يظهر الإشكال فيما في التذكرة من الاستدلال علي مشروعيتها بأنه لما جازت هبة الأعيان جازت هبة المنافع ولذلك صحت الوصية بالأعيان والمنافع جميعاً. للإشكال فيه - مضافاً إلي كونه بالقياس أشبه - بأن الهبة نحو من التمليك والعارية لا تقتضي تملك المنفعة، بل مجرد الإذن في استيفائها، كما سبق.

بقي أمران:

الأول: أنه يعتبر في المعير أن يكون جائز التصرف غير محجور عليه، سواء كانت العارية عقداً أم متمحضة في الإذن، لأن المحجور عليه لا عبرة بعقده ولا بإذنه في ماله.

ص: 424

نعم بناء علي ما هو التحقيق من عدم سقوط عبارة الصبي المميز عن الاعتبار تصح إعارته لماله بإذن وليه، كما تصح وكالته عن الغير فيما يصح للموكل إعارته.

بل صرح في الشرايع بجواز إعارة الصبي بإذن الولي وعليه جري في القواعد والإرشاد واللمعة وعن غيرها، وفي التحرير مع التقييد بالتمييز، مع أن بناءهم علي سقوط عبارة الصبي عن الاعتبار. ومن ثم استشكل فيه في الجواهر بأن الإذن لا يجعل المسلوب غير مسلوب كما هو مفروغ منه في غير المقام.

وفي المسالك وغيره أنه يكفي في العقود الجائزة إذن من بيده الإذن، وهو حاصل في المقام بإذن الولي للصبي.

لكن ذلك وحده لا يكفي في صدق العقد حتي الجائز. ولاسيما أنه قد لا يتضمن تعيين المعار، بل يكون تعيينه تابعاً للصبي المأذون. مع أنه يختص بالصبي المميز، ويجري حتي في المجنون. مع أنهم لم يذكروه في بقية العقود الجائزة، كما ذكر ذلك كله في الجواهر.

وكأن ذكرهم ذلك هنا يناسب ما سبق منا من عدم كون العارية عقداً، حيث يتجه حينئذٍ توجيهه بما سبق من المسالك. فلاحظ.

وأما المستعير فبناء علي ما سبق منا من تمحض العارية في الإذن وعدم كونها عقداً تصح استعارته. نعم لا يصح اشتراط الضمان عليه، لعدم أهليته لقبول الشرط. وأما بناء علي ما ذكروه من كونها عقداً فلا تصح إعارته فضلاً عن شرط الضمان فيها. والكلام في ضمانه للعين المعارة - مع التمييز وبدونه، ومع شرط الضمان وبدونه، ومع إذن الولي وبدونه، ومع إتلافه لها وبدونه - يظهر مما تقدم في المسألة السابعة من كتاب الوديعة، لأنهما من باب واحد.

كما يظهر بالتأمل في ذلك عدم ضمانه لعارية الذهب والفضة مع عدم التمييز مطلقاً. وأما مع التمييز فيضمن بالإتلاف مطلقاً. وأما بالإهمال والتفريط فإن قلنا بكونها عقداً وكانت بإذن الولي فهو ضامن، وإن لم تكن بإذن الولي فلا ضمان، لعدم

ص: 425

(426)

صحتها حينئذٍ فلا يتحقق منه الملزم بالضمان. ودليل ضمان اليد يقصر عما إذا كانت اليد بسبب تسليط المالك، كما أشرنا له هناك.

وإن لم تكن عقداً فمقتضي إطلاق دليل ضمان عارية الذهب والفضة هو الضمان. وإن كان الأمر لا يخلو عن إشكال. فلاحظ. والله سبحانه وتعالي العالم العاصم.

الثاني: الظاهر مفروغية الأصحاب بعد البناء علي كون العارية عقداً عن كونه جائزاً في حق كل من الطرفين، كما صرح جمهور الأصحاب، وادعي الإجماع عليه في الجملة في التذكرة والتحرير والمسالك، وفي الجواهر. بلا خلاف أجده، بل لعل الإجماع بقسميه عليه». وقد ذكروا أن فائدة التوقيت فيها عدم جواز تصرف المستعير في العين ووجوب المبادرة لإرجاعها بعد الوقت من دون أن يمنع من الرجوع لهما فيه.

قال في التذكرة: «لأن العارية تبرع وتفضل بالمنفعة، فلا يناسب الإلزام فيما يتعلق بالمستقبل». وهو كما تري لا يرجع إلي محصل ينهض بالاستدلال.

ولعل الأولي الاستدلال بأن مبني العارية لما كان هو الرجوع وعدم انقطاع علقة المالك بالعين فعدم تحديد الوقت لهما لابد أن يرجع إلي استحقاق كل منهما الرجوع متي شاء. نظير ما تقدم في الوديعة، وتقدم هناك ما ينفع في المقام.

وأما بناء علي ما سبق منا من عدم كونها عقداً، بل تمحضها في الإذن في أخذ العين والتصرف فيها، فالأمر أظهر. لظهور أن الإذن لا يبتني علي إلزام الطرفين، بل للآذن أن يرجع في إذنه، كما لا يجب علي المأذون العمل به.

هذا كله مع الإطلاق. أما مع التوقيت، فيتجه جواز الرجوع فيه إذا كان المراد به مجرد تحديد الزمان المأذون فيه، لعين ما سبق مع الإطلاق من جواز رجوع الآذن عن إذنه، وعدم وجوب العمل به علي المأذون.

أما إذا كان المراد به إلزام أحد الطرفين أو كليهما به، فلا يتضح الوجه في جواز

ص: 426

(427)

الرجوع عنه. بل مقتضي عموم نفوذ الشرط نفوذه حينئذٍ.

كما لو كان المالك في مقام السفر في الوقت المذكور مثلاً، ولا يسهل عليه استرجاع العين قبل مضي ذلك الوقت، فيخير المستعير بين أن لا يستعير أو يستعير إلي الوقت الخاص، فيأخذ المستعير العين ويمكنه منها علي الشرط المذكور.

أو كان المستعير بنحو لا يناسب حاله استرجاع العين قبل مضي الوقت الخاص، فيخير المالك بين أن لا يعيره - فيستعير من غيره، أو يشتري ما يريد استعارته منه - أو يعيره في تمام الوقت، فيعيره المالك ويأخذ منه العين علي الشرط المذكور.

وأما الإجماع المدعي فهو - لو تم - لا ينهض بالخروج عن العموم المذكور بعد عدم وضوح كونه إجماعاً تعبدياً يكشف عن رأي المعصومين صلوات الله عليهم، لظهوره في عصر تدوين الفتاوي، واحتمال ابتنائه علي بعض الوجوه الاجتهادية، أو علي الغفلة عن مثل هذه الفروض، أو نحو ذلك، كما تكرر منا في نظائر المقام.

بقي شيء. وهو أن الأصحاب استثنوا من جواز الرجوع في العارية الإعارة لدفن ميت محترم. حيث ذكروا أنه ليس له نبش القبر وإخراج الميت، كما في المبسوط والشرايع وجملة من كتب العلامة وغيرها، وفي التذكرة: «ولا نعلم فيه خلافاً». ولا يبعد كون مراده نفيه حتي من العامة، وفي جامع المقاصد والمسالك دعوي الإجماع عليه.

هذا والظاهر أن مرادهم ما إذا أذن في دفن ميت في أرضه. لكنه ليس من العارية في شيء، لابتناء العارية علي قبض العين المعارة، بحيث تكون تحت يد المستعير مؤقتاً، كما سبق في تعريفها. أما مجرد الإذن في وضع شيء فيها دائماً أو مؤقتاً فهو كدخول الزوجة دار زوجها والضيف دار مضيفه.

وكيف كان فالمأذون فيه.. تارة: هو دفن الميت في أرضه كما يدفن في بقية الأرضين بأن يتخذ له قبر في الأرض المذكورة، ومقتضي ذلك تعيين المكان بالدفن المأذون فيه لأن يكون قبراً له، وهو نحو من الصدقة يكون لازماً، ويخرج به المكان عن

ص: 427

(428)

(مسألة 1): كل عين مملوكة يصح الانتفاع بها مع بقائها تصح إعارتها (1).

ملك صاحبه، كما ذكرناه في المسألة الثالثة والتسعين من أحكام الأموات من كتاب الطهارة من هذا الشرح. وذلك هو المانع من إخراجه، دون لزوم الهتك.

وأخري: هو دفنه مؤقتاً، كما لو لم يتيسر مكان لدفنه، بالوجه الدائم أو كان عزم ولي الميت علي نقله، بعد دفنه - كما يتعارف في عصورنا - فالمتعين الاقتصار علي مقدار ما أذن فيه، وبعده يجب نقله، كما لو دفن في أرض مغصوبة.

كما أنه إذا أذن في دفنه في مدة محددة، فإن ابتني ذلك منه علي مجرد الإذن من دون التزام من الآذن بتلك المدة علي نفسه كان له الرجوع قبلها، لعدم المخرج عن قاعدة السلطنة. إلا أن يلزم محذور شرعي من العدول عما أذن فيه، كهتك الميت المحترم، فلا أثر لرجوعه.

وإن ابتني علي إلزام نفسه بالمدة تعين إلزامه بها، كما إذا تيسر لولي الميت مكان آخر، فلم يرض بدفن ميته في أرض الآذن إلا بشرط الالتزام بالمدة، فرضي صاحب الأرض بذلك، فدفن ميته بناء عليه.

والوجه فيه: أنه نحو من الشرط الماضي عليه شرعاً وعرفاً. نظير ما تقدم منا في توقيت العارية. وتكفي قرائن الأحوال في تعيين أحد الأمرين، ولزوم العمل عليه.

ويجري ذلك في نظائر المقام مما يبتني فيها الإعارة أو الإذن في التصرف علي التوقيت.

(1) ظاهره تحديد موضوع العارية وحصره بذلك. وهو قطعي بالإضافة إلي ما يكون الانتفاع به بإتلافه، كبذل الطعام للأكل والزيت للسراج ونحوهما، فإنه وإن كان جائزاً لسلطنة المالك علي ملكه، إلا أنه ليس عارية، لابتناء العارية علي الرجوع لصاحبها، وأخذ ذلك في مفهومها.

ص: 428

كما أنه.. تارة: يبتني علي التبرع به والمجانية. وأخري: يبتني علي الضمان بالمثل أو بقيمة المثل أو بالمسمي. وهو الإباحة بالعوض. وقد تقدم في المسألة السادسة من كتاب الإجارة ما ينفع في المقام.

وأما بالإضافة إلي ما يكون الانتفاع به بالاستفادة من نمائه، كإعارة الشاة للبنها والبستان لثمره فليس بناؤهم علي ذلك، حيث صرحوا من دون ظهور خلاف منهم بجواز إعارة الشاة للبنها، وفي مفتاح الكرامة: «وقد أخذه جماعة في باب الإجارة مسلماً، وظاهرهم أنه إجماعي».

واستدل عليه في التذكرة بما رواه العامة عن النبي (ص) أنه قال: «المنحة مردودة»(((1)))، وبصحيح الحلبي عن أبي عبد الله (عليه السلام): «في الرجل يكون له الغنم يعطيها بضريبة سنة شيئاً معلوماً أو دراهم معلومة من كل شاة كذا وكذا. قال: لا بأس بالدراهم، ولست أحب أن تكون بالسمن»(((2)))، وقريب منه غيره. قال في التذكرة: «وإذا جاز ذلك مع العوض فبدونه أولي».

وهو كما تري! حيث لا مجال للاستدلال بالنبوي مع وضوح ضعفه. والظاهر أن ذكره (قدس سره) له لرد بعض العامة المانعين منه.

وأما الأولوية التي ادعاها فهي غير ظاهرة. مع أنها - لو تمت - تقتضي صحة المعاملة المذكورة، لا كونها عارية، كما هو المدعي لهم.

فلم يبق إلا ظهور الإجماع المدعي. وفي نهوضه بالاستدلال إشكال، فضلاً عن التعدي عن مورده، كما لعله ظاهر.

ومن ثم قال في المسالك: «وفي تعدي الحكم عن موضع الوفاق إن كان - وهو إعارة الغنم للبن - نظر. لعدم الدليل مع وجود المانع، وهو إن الإعارة مختصة في

********

((1) عن مسند أحمد ج: 6 ص: 358 حديث: 2179. وغيره. ورواه في مستدرك الوسائل عن عوالي اللآلي ج: 13 باب: 4 من أبواب الدين والقرض حديث: 4.

((2) وسائل الشيعة ج: 12 باب: 9 من أبواب عقد البيع وشروطه حديث: 1.

ص: 429

(430)

وتجوز إعارة ما تملك منفعته وإن لم تملك عينه (1).

الأصل بالأعيان ليستوفي منها المنافع. والنص من طرقنا غير واضح، ومن طرق العامة لا يدل علي غير الشاة».

نعم لا يتضح اختصاص المنيحة بالشاة، بل لا يبعد عمومها لكل ذات لبن، كما يظهر من بعض أهل اللغة. ولعله المعروف في عصورنا.

فالعمدة في المقام أنه لا أثر للنزاع في صدق العارية في المقام وعدمه، إذ لا إطلاق لأدلة العارية يقتضي صحة تمام أفرادها. كما لا وجه لانحصار الحلّ بها بعد عموم ما دل علي جواز التصرف في مال الغير بإذنه. ومجرد عدم وجود النماء حين الإذن لا يمنع من صدق الإذن في التصرف فيه، بنحو يسوغ العمل عليه حين حصوله.

ومن هنا يتعين البناء علي جواز التصرف في النماء وإن لم يكن ذو النماء عارية، والتعدي لغير الشاة من كل ذي نماء.

بل الظاهر قيام سيرة المتشرعة عليه متصلة بعصور المعصومين صلوات الله عليهم، لشيوع استعارة مثل الدار المشتملة علي البئر التي يستقي منها الماء وعلي الشجر الذي فيه الثمر.

نعم لو كان المراد تمليك النماء أشكل بامتناع تمليكه فعلاً قبل وجوده. وتمليكه معلقاً علي وجوده ممتنع، للإجماع علي امتناع التعليق في مضمون العقد.

إلا أن يراد الإذن في تملكه بعد وجوده، فلا مانع منه. وكذا لو كان التملك شرطاً في ضمن عقد، كالإجارة، إذ لا مانع من التعليق في مضمون الشرط التابع.

(1) كما في القواعد ويناسبه اقتصار بعضهم علي اعتبار سلطنة المعير، وفي التذكرة والقواعد والتحرير اشتراط ملكيته للمنفعة، وإن ذكر في مفتاح الكرامة عدم العثور علي اشتراط ذلك.

لكن الجمود علي عبارة الوسيلة يقتضي اعتبار ملكية المعير للعين. ولم يتضح

ص: 430

(431)

(مسألة 2): ينتفع المستعير علي العادة الجارية (1)، ولا يجوز له التعدي عن ذلك، فإن تعدي ضمن (2) ولا يضمن مع عدمه (3)

الوجه فيه بعد عموم السلطنة علي المنفعة المملوكة كالعين.

بل مقتضي العموم المذكور الاكتفاء بإباحة المنفعة للمعير وإن لم يملكها، كما قد يتصور في العين الموقوفة والموصي بالانتفاع بها. كما صرح به في مفتاح الكرامة، ولعله مراد الكل. نعم لا إشكال في اعتبار عدم أخذ مباشرته في الاستيفاء، كما هو ظاهر.

(1) كما في الشرايع والقواعد، وقد يظهر من بعض كلماتهم المفروغية عنه. لأنه المفهوم من الإطلاق، وغيره يحتاج للتنبيه تعميماً أو تقييداً، كما لعله ظاهر.

(2) لخروجه عن المأذون فيه. هذا ولا ينبغي الإشكال في ضمان نفس المنفعة، إن كانت لها قيمة، لعدم بذلها من المالك، فتكون مضمونة بالاستيفاء. كما لا إشكال في ضمان العين أو نقصها لو تلفت أو نقصت بالاستعمال.

أما لو لم يترتب علي الاستعمال أحد الأمرين فالظاهر عدم ضمان العين أو نقصها لو حصلا بعد ذلك بسبب آخر غير التعدي، بناء علي ما سبق منا في المسألة الثانية والثلاثين من كتاب الإجارة من اختصاص مضمنية التعدي والتفريط بما يترتب عليهما. فراجع.

(3) كأنه في فرض عدم التفريط في الحفظ، حيث لا إشكال في عدم الضمان مع عدمهما، فإن ذلك حكم الأمانة بأنواعها علي ما سبق في المسألة الثانية والثلاثين من كتاب الإجارة. وفي صحيح الحلبي عن أبي عبد الله (عليه السلام): «قال: صاحب الوديعة والبضاعة مؤتمنان. وقال: ليس علي مستعير عارية ضمان، وصاحب العارية والوديعة مؤتمن»(((1)))، ونحوه غيره، ويأتي بعضه إن شاء الله تعالي.

كما لا إشكال أيضاً في الضمان مع أحد الأمرين من التعدي والتفريط،

********

((1) وسائل الشيعة ج: 13 باب: 1 من أبواب كتاب العارية حديث: 6.

ص: 431

وذلك الحكم في جميع الأمانات، كما سبق في المسألة المذكورة وعدم تعرض سيدنا المصنف (قدس سره) للضمان مع التفريط لوضوحه.

هذا وفي صحيح مسعدة بن زياد عنه (عليه السلام): «سمعته يقول: لا غرم علي مستعير عارية إذا هلكت أو سرقت أو ضاعت إذا كان المستعير مأموناً»((1))، وفي صحيح عبد الله بن سنان: «سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن العارية فقال: لا غرم علي مستعير عارية إذا هلكت إذا كان مأموناً»((2))، وفي موثق محمد بن مسلم عن أبي جعفر (عليه السلام): «سألته عن العارية يستعيرها الإنسان فتهلك أو تسرق. فقال: إن كان أميناً فلا غرم عليه»((3)). وفي مرسل الكليني عنه (عليه السلام): «أنه قال: إذا كان مسلماً عدلاً فليس عليه ضمان»((4)).

قال في الوسائل بعد ذكر هذا المرسل: «أقول: لعل المراد به أن العدل لا يفرط في العارية، فلا يضمن».

لكنه خلاف ظاهر المرسل المذكور وبقية النصوص المتقدمة، بل ظاهرها التفصيل في الضمان بين المأمون أو العدل وغيره.

ولا أثر لذلك في كلماتهم. علي أنه لا يخلو عن غرابة، لعدم ظهور المنشأ عرفاً لدخل العدالة أو الأمانة ثبوتاً في الضمان.

نعم تقدم منّا في المسألة الثانية والثلاثين من كتاب الإجارة أنه مع الشك في تفريط الأجير إنما يقبل قوله في نفي التفريط إذا كان أميناً، وإلا فعليه الإثبات في الجملة، للنصوص الواردة هناك. وورد نحوه في الجملة في الرهن.

ومن هنا يقرب حمل هذه النصوص علي ذلك، لولا ظهور إعراض الأصحاب عن هذه النصوص، لعدم تعقيبهم عليها، ولا تنبيههم لمضمونها.

********

((1) وسائل الشيعة ج: 13 باب: 1 من أبواب كتاب العارية حديث: 10.

((2) وسائل الشيعة ج: 13 باب: 1 من أبواب كتاب العارية حديث: 3.

((3) وسائل الشيعة ج: 13 باب: 1 من أبواب كتاب العارية حديث: 7.

((4) وسائل الشيعة ج: 13 باب: 1 من أبواب كتاب العارية حديث: 2.

ص: 432

(433)

اللهم إلا أن يكون عدم تعقيبهم عليها لعدم تصديهم لحكم الشك ومقام الإثبات واقتصارهم علي بيان حكم الضمان ثبوتاً. ولاسيما مع ظهور اعتماد مشايخ الحديث الثلاثة عليها، ولاسيما الكليني، لإيراده لها في باب ضمان العارية. ومن هنا يقرب البناء علي ذلك. فلاحظ. والله سبحانه وتعالي العالم العاصم.

بقي شيء. وهو أنه قال في القواعد: «لو تلفت بالاستعمال - كثوب انمحق باللبس - فإشكال، ينشأ من استناد التلف إلي مأذون فيه، ومن انصراف الإذن غالباً إلي استعمال غير متلف».

وهو كالصريح في انه مع عموم الإذن للاستعمال المتلف لا ضمان، وإنما الإشكال في عموم الإذن للاستعمال الذي يترتب عليه التلف.

أما الأول فلا ينبغي الإشكال فيه بالنظر لإطلاق نصوص المقام. ولقصور دليل الضمان بالإتلاف عما إذا لم يتجاوز المتلف الحد المأذون فيه، كما تقدم في المسألة الخامسة والثلاثين من كتاب الإجارة.

وأما الثاني فهو يختلف باختلاف الموارد، فإن كان الاستعمال المتلف متميزاً يسهل معرفته أو التحفظ عنه عند الشك فيه فالظاهر الانصراف عنه، كما لو استعار إناءً من قوارير، فإن الإذن في استعماله ينصرف عن استعماله في المواد الشديدة الحرارة التي يتعرض معها للكسر. وكذا إذا استعار ثوباً فألبسه بديناً يتعرض به للتمزق... إلي غير ذلك.

وإن لم يكن متميزاً ولا يسهل التحفظ عنه فلا يقصر الإطلاق عنه، ويتعين عدم الضمان معه. ويجري التفصيل المذكور حتي فيما يوجب نقص العين دون تلفها.

نعم النقص المترتب علي الاستعمال نوعاً بحيث يكون من لوازمه عادة لا يمنع من شمول إطلاق الإذن في العارية للاستعمال المسبب له، وإلا لزم لغوية العارية، كما لعله ظاهر.

ص: 433

(434)

إلا أن يشترط عليه الضمان (1)

هذا وقد صرح بعدم الضمان بالاستعمال المتلف في الشرايع، وموضع من القواعد، وفي التحرير والإرشاد والروضة وغيرها. ومن البعيد إرادتهم العموم لما إذا كان الاستعمال المتلف متميزاً يسهل التحفظ منه.

وربما حاول بعضهم الجمع بين كلامي القواعد بحمل كلامه الأول علي فرض لا يناسب ما ذكره في وجه الإشكال. ومن ثم لا يسعنا التعرض له. ومن أراده فليرجع لمفتاح الكرامة.

(1) كما صرح به جمهور الأصحاب، وادعي عليه الإجماع صريحاً في جامع المقاصد والمسالك، وظاهراً في الغنية والتذكرة، وفي الجواهر: «للإجماع بقسميه».

ويقتضيه عموم دليل نفوذ الشروط، بناء علي ما سبق منّا في المسألة الثانية والثلاثين من كتاب الإجارة وفي غيرها من الأمانات من أنه لا ينافي ما دل علي عدم ضمان الأمانة، لأن عدم ضمانها من حيثية الاستئمان لا ينافي ضمانها بالشرط ولا يفرق في ذلك بين جميع الأمانات. عدا مال المضاربة للنصوص الخاصة، كما سبق في محله.

ودعوي: أنه بناء علي ما سبق منا من عدم كون العارية عقداً، بل هي متمحضة في الإذن، يكون الشرط ابتدائياً، وقد سبق في أوائل مقدمة كتاب التجارة قصور عمومات نفوذ الشرط عن الشرط الابتدائي، لعدم صدق الشرط عليه.

مدفوعة بأن المراد من الشرط الابتدائي الذي يقصر عنه العموم هو الالتزام المجرد، كالالتزام بدفع دينار لزيد، أما الالتزام المبني علي عمل للملتزم له - كبذل العين في المقام، فيصدق عليه الشرط ويشمله العموم، نظير ما سبق منا من الاستدلال علي نفوذ الجعالة بالعموم المذكور. فراجع.

هذا وفي التذكرة وغيره أن الوديعة أمانة لا تستعقب انتفاع الأمين بها، فلا يليق فيها الضمان وإن شرطه، بخلاف العارية. وهو لا يرجع إلي محصل ظاهر ينهض

ص: 434

(435)

بالاستدلال. علي أنه لا يناسب ما سبق منه في المسألة الثانية والثلاثين من كتاب الإجارة من عدم صحة اشتراط ضمان العين المستأجرة، مع أن المستأجر يأخذ العين للانتفاع بها، وليس هو كالودعي. فالعمدة ما سبق.

هذا مضافاً في المقام للنصوص الخاصة، كصحيح الحلبي عن أبي عبد الله (عليه السلام) أنه قال في حديث: «إذا هلكت العارية عند المستعير لم يضمنه، إلا أن يكون اشترط عليه»((1)). ونصوص استعارة النبي (ص) الدروع من صفوان بن أمية((2)). وغيرها.

بقي شيء. وهو أنه سبق في المسألة الثالثة عشرة من فصل شروط العقد من كتاب البيع أن الضمان عرفاً إنما يكون للمثلي بمثله وللقيمي بقيمته. وهو كما يجري في أسباب الضمان العرفية يجري في أسباب الضمان الشرعية. تنزيلاً لأدلة الضمان الشرعية في كيفية الضمان علي ما عليه العرف بمقتضي إطلاقاتها المقامية بعد عدم شرحها لكيفية الضمان.

وذلك يجري أيضاً في الضمان بالشرط الذي لا إشكال في مشروعيته في العارية، وإن كان الظاهر عموم مشروعيته لجميع الأمانات عدا مال المضاربة.

والوجه في حمل شرط الضمان علي الضمان بالوجه المذكور هو ظهور إطلاق الشرط في كلام الطرفين علي الضمان بالوجه العرفي، كسائر مفردات الشرط التي يتضمنها كلامهما. بل هو الظاهر من نصوص المقام بمقتضي إطلاقاتها المقامية، كما في سائر موارد أدلة الضمان بالأسباب الشرعية له.

نعم يمكن خروج طرفي الشرط عن الوجه العرفي في الضمان، لتبعية تحديد الشرط لهما، ومقتضي عموم أدلة نفوذ الشرط نفوذه علي الوجه الذي قصداه.

والظاهر صدق الضمان في المثلي بالقيمة كما يصدق بالمثلي، لتمحضها في حفظ مالية المضمون وتحمل دركه، وإن كان المثل مقدماً عرفاً.

********

((1) وسائل الشيعة ج: 13 باب: 1 من أبواب كتاب العارية حديث: 1.

((2) وسائل الشيعة ج: 13 باب: 1 من أبواب كتاب العارية حديث: 2، وباب: 2 منها حديث: 1، 2.

ص: 435

(436)

أو تكون العين من الذهب أو الفضة (1) وإن لم يكونا مسكوكين علي إشكال ضعيف،

أما ضمان القيمي بغير القيمة، فإن أريد به تدارك ماليته بكل ماله مالية من دون تقييد بشيء خاص، بحيث يشمل القيمة لو اختارها الضامن. فالظاهر صدق الضمان عليه أيضاً.

أما لو أريد التدارك بشيء خاص غير القيمة فالظاهر عدم صدق الضمان عليه، لعدم دخل الخصوصية في حفظ المالية. بل يرجع اشتراطه إلي اشتراط التعويض بالشيء الخاص، أو استحقاقه علي تقدير التلف، وكلاهما خارج عن الضمان، وإن أمكن نفوذ الشرط المذكور، لعموم نفوذ الشرط.

(1) أما إذا كانا مسكوكين دراهم ودنانير فالظاهر عدم الخلاف في ضمانهما، بل يظهر من جملة من كلماتهم المفروغية عنه. وهو المتيقن من النصوص الآتية.

ومقتضي إطلاق النص والفتوي عدم الفرق بين رواج التعامل بهما وعدمه إذا كانا مسكوكين للتعامل بهما، بحيث يصدق أنهما درهم أو دينار، وإن هجر التعامل بهما بعد ذلك، كما شاع في عصورنا.

وأما إذا لم يكونا مسكوكين فالضمان هو مقتضي إطلاق جماعة من الأصحاب، وقد أطال في مفتاح الكرامة في تقريب كونه المشهور بينهم بل عدم ظهور الخلاف فيه بين متقدميهم، وإنما استشكل في التذكرة في ضمان المصوغ، وتنظر فيه في القواعد، وظاهر التنقيح ومحكي المفاتيح عدم الترجيح. بل قوي في الإيضاح اختصاص الضمان بالدراهم والدنانير، ووافقه في الرياض ومحكي إيضاح النافع والكفاية.

قال في التنقيح: «هل حكم المصوغ حكم النقدين في الضمان مع الإطلاق أم لا؟ وجهان. أحدهما: الضمان، لإطلاق النص. و ثانيهما: العدم، لأن العلة في ضمان النقدين ضعف منفعتهما مع بقاء عينهما، فأشبه إعارتهما القرض، فلذلك ضمنا،

ص: 436

(437)

بخلاف الحلي، فإن الانتفاع به قوي، وهو اللبس وما يضاهيه». وهو كما تري تخرص لا يخرج به عن الإطلاق.

فالعمدة في المقام اختلاف النصوص فقد أطلق في بعضها ضمان عارية الذهب والفضة، كصحيح زرارة: «قلت لأبي عبد الله (عليه السلام): العارية مضمونة؟ فقال: جميع ما استعرته فتوي فلا يلزم تواه إلا الذهب والفضة، فإنهما يلزمان، إلا أن تشترط عليه أنه متي توي لم يلزمك تواه. وكذلك جيمع ما استعرت فاشترط عليك لزمك. والذهب والفضة لازم لك وإن لم يشترط عليك»(((1)))، وحديث إسحاق بن عمار عن أبي عبد الله أو أبي إبراهيم (عليهما السلام): «قال: العارية ليس علي مستعيرها ضمان، إلا ما كان من ذهب أو فضة، فإنهما مضمونان اشترطا أو لم يشترطا»(((2))).

والظاهر اعتبار سند الحديث، لأن الصدوق رواه بطريقه إلي إسحاق بن عمار، وأبوه (رضي الله عنه) عن عبد الله بن جعفر الحميري عن علي بن إسماعيل عن صفوان. وكلهم من الأعيان عدا علي بن إسماعيل. والظاهر أنه ابن عيسي الذي هو من رجال كامل الزيارات، كما قرب ذلك بعض مشايخنا (قدس سره)، لقرائن معتمدة ذكرها في ترجمة ابن عيسي.

بقي شيء، وهو أن الكشي روي عن نصر بن الصباح أن علي بن إسماعيل ثقة، وهو علي بن السندي، وأن السندي لقب إسماعيل، وذكر بعض مشايخنا (قدس سره) أن ذلك لم يثبت، لعدم ثبوت وثاقة نصر بن الصباح.

قال (قدس سره): «نعم اختار الوحيد (قدس سره) اتحاد علي بن السندي مع علي بن عيسي من جهة اتحاد الراوي والمروي عنه في موارد. وسيجيء الكلام فيه في علي بن السندي».

وذكر (قدس سره) في ترجمة علي المذكور أن موارد الاختلاف بين الرجلين في الراوي والمروي عنه أكثر من موارد الاتفاق، فكيف يمكن الجزم باتحادهما؟!.

********

((1) وسائل الشيعة ج: 13 باب: 3 من أبواب كتاب العارية حديث: 2.

((2) وسائل الشيعة ج: 13 باب: 3 من أبواب كتاب العارية حديث: 4.

ص: 437

لكن الحديث المتقدم وذيله الآتي في المسألة الثالثة كما رواهما الصدوق (قدس سره) بسنده عن الحميري عن علي بن إسماعيل عن صفوان كما تقدم، كذلك رواهما الشيخ (قدس سره) بسنده عن محمد بن علي بن محبوب عن علي بن السندي عن صفوان، وهو يناسب اتحاد الرجلين جداً بنحو ينهض قرينة علي صدق نصر بن الصباح في دعوي الاتحاد. ولاسيما مع بعد خطأ نصر في الدعوي المذكورة، لقرب كونها عن حس من دون داع له ظاهر في الكذب فيها. فلاحظ.

وكيف كان فمقتضي الحديثين المتقدمين عموم ضمان عارية الذهب والفضة.

لكن في صحيح عبد الله بن سنان: «قال أبو عبد الله (عليه السلام): لا تضمن العارية إلا أن يكون قد اشترط فيها ضمان، إلا الدنانير فإنها مضمونة وإن لم يشترط فيها ضماناً»((1)) كذا رواه في الكافي والاستبصار، ورواه في التهذيب عن ابن مسكان عنه (عليه السلام). وفي الصحيح عن عبد الملك بن عمرو عنه (عليه السلام) قال: «ليس علي صاحب العارية ضمان إلا أن يشترط صاحبها، إلا الدراهم، فإنها مضمونة اشترط صاحبها أو لم يشترط»(((2))).

وقد حاول غير واحد دعوي عدم التنافي بين الطائفتين، لأنها مثبتة للضمان، ولا تنافي بين العام والخاص المثبتين، بل يتعين العمل بالعام.

لكنه إنما يتجه إذا لم يدل الخاص علي الحصر. أما مع دلالته عليه - كما في المقام بلحاظ الاستثناء - فالمتعين التنافي، حيث يكون مقتضي الطائفة الثانية عدم الضمان في الذهب والفضة غير المسكوكين، ومقتضي الطائفة الأولي الضمان فيهما.

فإن تقدم الخاص تعين البناء علي عدم الضمان. ولو فرض عدم وضوح الحال تعين التساقط، والرجوع لعموم عدم الضمان في العارية والأمانات. ومن ثم ذهب من سبق إلي اختصاص الضمان بالنقدين، كما يظهر بالرجوع لكلماتهم.

لكن الإنصاف أنه لا مجال لذلك، لأن الأمر يدور بين حمل عموم الذهب

********

((1) وسائل الشيعة ج: 13 باب: 3 من أبواب كتاب العارية حديث: 1.

((2) وسائل الشيعة ج: 13 باب: 3 من أبواب كتاب العارية حديث: 3.

ص: 438

(439)

والفضة علي خصوص النقدين، وحمل الحديثين الأخيرين علي مجرد بيان الضمان في النقدين من دون حصر بهما.

والأول بعيد جداً، لأنه حمل علي الفرد النادر، لعدم معروفية الاستفادة من النقدين في غير التعامل، بحيث تبقي العين.

ومن ثم قد يحمل ما تضمن الضمان فيهما علي فرض التعامل بهما، الراجع لاقتراضهما، وإلي كون استثنائهما من عدم ضمان العارية منقطعاً.

ولو حمل علي الاستثناء المتصل بلحاظ الانتفاع بهما بمثل التزين فلا إشكال في ندرته، بنحو يتعذر عرفاً حمل ما دل علي ضمان عارية الذهب والفضة علي خصوصه مع شيوع استعارة المصوغ منهما للتزين.

فالمتعين هو الثاني، وهو حمل حديثي النقدين المتقدمين علي مجرد بيان ضمان عاريتهما من دون حصر بهما، فلا ينافي عموم ضمان عارية الذهب والفضة. ولاسيما مع انفراد كل منهما بنقد واحد، وعدم جمعهما في حديث واحد، حيث يتعين عدم إرادة الحصر في كل منهما ولو بلحاظ النقد الآخر. ومن ثم يتجه ما ذكره سيدنا المصنف (قدس سره) من ضعف الإشكال في العموم. فلاحظ. والله سبحانه وتعالي العالم.

بقي شيء، وهو أن المحكي عن ابن الجنيد ضمان عارية الحيوان ولو مع عدم الشرط. وقد استدل له بعموم ضمان اليد، وبخبر وهب عن جعفر عن أبيه (عليهما السلام): «أن علياً (عليه السلام) كان يقول: من استعار عبداً مملوكاً لقوم فعيب فهو ضامن. وقال: من استعار حراً صغيراً فعيب فهو ضامن»((1)).

ويندفع بما تكرر منا من عدم ثبوت عموم ضمان اليد. ولو ثبت فهو مخصص بنصوص عدم ضمان العارية والأمانة. وأما الخبر فلا مجال للاستدلال به مع ضعفه.

علي أنه معارض بصحيح محمد بن قيس عن أبي جعفر (عليه السلام): «قال: قضي أمير

********

((1) وسائل الشيعة ج: 13 باب: 1 من أبواب كتاب العارية حديث: 11.

ص: 439

(440)

ولو اشترط عدم الضمان فيهما صح (1).

(مسألة 3): إذا نقصت العين المستعارة بالاستعمال المأذون فيه لم تضمن (2).

المؤمنين (عليه السلام) في رجل أعار جارية فهلكت من عنده ولم يبغها غائلة، فقضي أن لا يغرمها المعار، ولا يغرم الرجل إذا استأجر الدابة ما لم يكرهها أو يبغها غائلة»(((1))).

فيتعين حمل خبر وهب - لو غض النظر عن ضعفه - علي صورة التفريط، أو غيره من موجبات الضمان.

(1) كما في الشرايع وجملة من كتب العلامة واللمعتين وغيرها ونسب للمبسوط وإن لم أجده فيه. وفي جامع المقاصد: «أما مع اشتراطه فإنه يسقط قطعاً». لعموم نفوذ الشرط.

ودعوي: أنه إسقاط لما لم يجب. مدفوعة بأن الضمان إن كان معني قائماً بالعين حين استعارتها قبل تلفها فهو إسقاط لما يجب عند الشرط، نظير ما تقدم في اشتراط سقوط خيار المجلس. فراجع.

وإن كان هو تحمل الدرك عند التلف فالمراد بالشرط سقوطه حينئذٍ. ولا يمنع منه كونه شرط نتيجة، لما تكرر منّا من أن النتائج إذا كانت راجعة للاستحقاق أو عدمه أمكن اشتراطها. وبذلك يظهر صحة اشتراط عدم الضمان مع التعدي والتفريط.

هذا مضافاً في المقام إلي صحيح زرارة المتقدم في ضمان عارية الذهب والفضة، حيث صرح فيه بصحة الشرط المذكور. فلاحظه.

(2) كما صرح به غير واحد. ولا إشكال فيه إذا كان النقص ملازماً للاستعمال. وأما مع عدم ملازمته له، فيجري فيه ما سبق في المسألة الثانية عند الكلام في التلف بسبب الاستعمال المأذون فيه، كما أشرنا إليه هناك. فراجع.

********

((1) وسائل الشيعة ج: 13 باب: 1 من أبواب كتاب العارية حديث: 9.

ص: 440

وإذا استعار من الغاصب ضمن (1). فإن كان جاهلاً رجع علي المعير بما أخذ منه (2) إذا كان قد غره (3).

(1) سواءً كان غصبه بوضع يده علي العين أم بتعديه عليها بإعارتها من دون إذن مالكها، كما نبه لذلك في مفتاح الكرامة، وإن كان مورد كلام بعضهم الثاني.

وكيف كان فيقتضيه - مضافاً إلي عموم ضمان اليد، كما تقدم منا توضيحه في المسألة الخامسة عشرة من فصل شروط المتعاقدين من كتاب البيع - قوله (عليه السلام) في ذيل معتبر إسحاق بن عمار المتقدم في ضمان عارية الذهب والفضة: «إذا استعيرت عارية بغير إذن صاحبها فهلكت فالمستعير ضامن»((1)). وقد تقدم أن الشيخ رواه أيضاً بسند معتبر، بناء علي ما تقدم هناك من تقريب أن علي بن السندي هو علي بن إسماعيل. فراجع.

(2) أما إذا لم يأخذ المالك منه وأبرأه من الضمان فلا رجوع علي الغار، كما يظهر مما سبق في المسألة التاسعة عشرة من فصل شروط المتعاقدين من كتاب البيع في فروع بيع الفضولي.

(3) الذي يظهر منه (قدس سره) في غير مورد أن معيار الغرور كون الغار سبباً في وقوع المغرور في المحذور بسبب جهل المغرور بالحال من دون تنبيه الغار له، دون ما إذا لم يكن هو السبب في وقوعه في المحذور، كما لو قال له: مقتضي كوني صاحب يد أني مالك ولي أن أعيرك، وربما يكون مخطأ، فاكتفي المستعير بذلك، وانكشف خطأ اليد فضمن.

لكن الظاهر عدم الاكتفاء بالغرور بالنحو المذكور، بل لابد معه من كون الغار خادعاً غاشاً له، لعلمه بعدم أهليته لدفع العين للمغرور، إلا أنه خدعه وأظهر له أهليته له. وقد تقدم تفصيل الكلام في المسألة المذكورة من كتاب البيع. فراجع.

********

((1) وسائل الشيعة ج: 13 باب: 4 من أبواب كتاب العارية حديث: 1.

ص: 441

(442)

(مسألة 4): إذا أذن له في انتفاع خاص لم يجز التعدي عنه إلي غيره وإن كان معتاداً (1).

(مسألة 5): تصح الإعارة للرهن (2)

بقي شيء. وهو أنه صرح في الشرايع بجواز إعارة المستعير بإذن المالك. والظاهر عدم الخلاف في ذلك. ولا ينبغي إشكال فيه، لأن الإعارة وإن لم تكن من منافع العين التي تكون موضوعاً للعارية، فهي خارجة عن العارية، إلا أنها تصح بسبب إذن المالك فيها، كما لو أذن فيها لغير المستعير أو وكله فيها.

ومن هنا تخرج العين بالإعارة المأذون فيها عن كونها عارية للمستعير الأول، وتكون عارية للمستعير الثاني لا غير، ويكون الضمان بالشرط أو إذا كان ذهباً أو فضة أو مع التفريط علي المستعير الثاني من دون أن يضمن المستعير الأول، لا في عرض ضمانه ولا في طوله.

نعم لو اشترط عليه في الإذن بالإعارة الضمان ضمن. لكن لعموم نفوذ الشرط، لا لنصوص ضمان العارية بالشرط. فلاحظ.

(1) كما هو مقتضي إطلاقهم الضمان مع تجاوز التصرف المأذون فيه. والوجه فيه حرمة التصرف في مال الغير بغير إذنه، فضلاً عما إذا منعه عنه. والتحديد بمقتضي العادة إنما هو مع الإطلاق، لظهوره في الإيكال إليها، ولا مجال له مع التصريح بخلافه. ولذا يجوز التعدي عن المتعارف مع إذن المالك فيه.

هذا وأما الضمان بفعل ما نهي عنه المالك فيجري فيه ما تقدم فيما لو تعدي في الانتفاع عن مقتضي العادة من المسألة الثانية.

(2) كما صرح به جمهور الأصحاب، بل المسلمين، وفي المسالك: «أجمع العلماء علي جواز رهن مال الغير بإذنه علي دينه في الجملة»، ونحوه عن المفاتيح، وعن مجمع البرهان أنه لا شك في أنه جائز مجمع عليه، وفي الجواهر: «وإذا رهن مال غيره بإذنه

ص: 442

(443)

صح بلا خلاف فيه بيننا، بل الإجماع بقسميه عليه عندنا».

والمعروف بين الأصحاب أنه عارية، وفي التذكرة: «وهل يكون سبيل هذا العقد سبيل العارية أو الضمان؟ الحق عندنا الأول، وهو أحد قولي الشافعي، لأنه قبض مال غيره لمنفعة نفسه منفرداً، فكان عارية، كما لو استعاره للخدمة. ولأن الضمان يثبت في الذمة، وهنا يثبت في رقبة العبد».

وقد أشار بالثاني إلي رد القول الثاني للشافعي، وهو أنه ضمان من مالك العين لدين الراهن في رقبة العين التي دفعها، لا في ذمته. ومرجع رده إلي أن المعهود من الضمان هو الضمان في الذمة لا في رقبة العين، والمفروض عدم انشغال ذمة مالك العين بدين المرتهن، بل يثبت حق المرتهن في العين وذمة الراهن لا غير.

هذا ولكن حيث لا نص في المسألة يتضمن حكمها فالظاهر أنه لا إطلاق لأدلة العاوية يقتضي شمولها لمثل هذه المنفعة، والمتيقن من معناها عرفاً غير شامل لها. بل يختص بالمنافع المبنية علي تقليب العين والتصرف بها خارجاً مع إمكان إرجاعها متي أراده أحدهما.

ولذا لا إشكال في عدم شمول إطلاق العارية لهذه المنفعة، فلا يجوز رهنها إلا بإذن خاص من المالك، وذلك كما يمكن أن يكون لانصراف إطلاق العارية عنها، كانصرافه عن التصرفات المنهكة للعين، يمكن أن يكون لعدم صدق العارية بلحاظها، كالانتفاع بالعين بإتلافها بالأكل ونحوه. ويأتي عند الكلام في ضمان المستعير العين لو بيعت في الدين ما يؤيد ذلك، وقد نبه لذلك في الجملة في الجواهر. فراجع.

كما لا إشكال في عدم كون المقام من الضمان المعروف عند الإمامية الذي هو عبارة عن نقل الدين من ذمة المضمون عنه إلي ذمة الضامن، ولا من الضمان في مثل الكفالة العرفية المبني علي انشغال ذمة الضامن في طول ذمة المضمون عنه، بناء علي صحته.

بل هو معاملة خاصة ترجع إلي ثبوت حق الدائن في العين بنحو له استيفاء دينه

ص: 443

منها في الجملة في طول انشغال ذمة المدين بالدين.

وكما يمكن أن يكون ذلك في عين للمدين يمكن أن يكون في عين لغيره. وليس الدليل عليه أدلة العارية، ولا أدلة الضمان، بل عمومات نفوذ العقد، لأن طرف العقد في الحقيقة هو مالك العين.

وذلك يكون علي صورتين.. الأولي: أن يباشر هو رهنها، كما إذا رأي الدائن قد طلب من المدين الرهن، ولم يكن عند المدين ما يرهنه، فأراد إعانته، فباشر بنفسه رهن عينه عند الدائن علي دين المدين.

الثانية: أن يأذن للمدين أن يرهن عينه علي دينه، إما بتسليمه إياها من أجل أن يرهنها، فيشبه العارية في تسليم العين - والظاهر أنها محل كلامهم - أو من دون أن يسلمه إياها، بل يسلمها بعد إيقاع المدين عقد الرهن المأذون فيه من قبله إلي المرتهن رأساً، أو يتفق مع المرتهن - ولو بواسطة المدين المأذون في الرهن - علي أن لا يدفعها إليه، بل تبقي عنده مرهونة علي دين المدين.

وإطلاق الراهن في هذا الفرض علي المدين، مبني علي نحو من التسامح بلحاظ مباشرته لعقد الرهن، كسائر الوكلاء والمأذونين في إيقاع العقد عن الغير، وإلا فالراهن في الحقيقة هو مالك العين المرهونة الذي باشر رهنها أو أذن للمدين فيه.

إذا عرفت هذا فقد قال في المبسوط في الثمرة بين كونه ضماناً وكونه عارية: «فمن قال: إنه ضمان فلا يجوز إلا أن يكون ما يرهنه من الدين معلوم الجنس والقدر، وهل أنه حال أو مؤجل، لأنه لا يجوز ضمان مال مجهول. ومن قال: هو عارية جوز مع الجهالة، لأنه يجوز أن يستعير عبداً للخدمة ويستخدمه فيما شاء من الأعمال، ولا يجب ذكر المدة فيه» ونحوه في الدروس.

ولعله لذا صرح بجواز الإطلاق من دون تعيين في الجامع والقواعد وقواه في رهن التحرير. وقد يستفاد من إطلاق الإرشاد واللمعة. لكن في عارية التحرير أن في اشتراط العلم بقدر الدين وجنسه إشكال وظاهر الروضة التوقف، بل في التذكرة

ص: 444

(445)

وجامع المقاصد لزوم التعيين، دفعاً للغرر. قال في جامع المقاصد: «لأنه مع اللزوم لا فرق بين كونه عارية وضماناً».

ومقتضي التعليل المذكور عدم الفرق في لزوم التعيين بين الإطلاق والتصريح بالتعميم.

لكن صريح التذكرة وجامع المقاصد والمسالك والروضة أن محل الكلام هو الإطلاق، أما مع التصريح بالتعميم فلا إشكال في الصحة وتخيير المستعير أن يرهن كيف شاء، قال في جامع المقاصد: «إن سوغ له الرهن كيف شاء فلا بحث في استناد ذلك إلي اختياره».

وهو كما تري! فإن من المعلوم من مبانيهم عدم جواز الإقدام علي الغرر. وإذا جاز الإقدام عليه فكما يمكن استفادته من التعميم يمكن استفادته من الإطلاق.

وكيف كان فقد تكرر منا أن الغرر ليس محذوراً في المعاملات عدا البيع في الجملة، فضلاً عن الإذن، كما هو المفروض في المقام، لأن محل كلامهم هو الإذن في الرهن. فلاحظ.

بقي شيء. وهو أنه إذا عين المستعير للرهن في المقام قدر الدين الذي يرهن عليه، وكونه حالاً أو مؤجلاً، وقدر الأجل، فدفع العين بناء علي ذلك لم يكن للمستعير الخروج عما عين.

وإذا خرج عنه كان رهنه فضولياً، كما في جامع المقاصد والمسالك والروضة. وقد يرجع إليه ما في المبسوط وجامع الشرايع وموضع من التحرير من أنه لا يصح. بل قد يرجع إليه ما في الدروس والقواعد وعارية التحرير من أن له فسخه. وإن كان الجمود عليه يقتضي الصحة وثبوت الخيار. ولا وجه له بعد عدم إذن المالك.

نعم صرحوا بأنه يجوز الرهن بالأقل، وفي مفتاح الكرامة: «كأنه مما لا خلاف فيه» قال في المبسوط: «لأن الإذن في الكثير إذن في القليل»، وقريب منه في الدروس.

ص: 445

وللمالك المطالبة بالفك بعد المدة (1).

والأولي ما ذكره غير واحد من استفادة الإذن فيه بالفحوي.

كما أنه قال في المبسوط: «وإن زاد عليه كانت الزيادة باطلة. وفي الناس من قال: يبطل الجميع بناء علي تفريق الصفقة». واحتمل الأول في الدروس، واختاره علي إشكال في التحرير، وتردد بين الوجهين في التذكرة والقواعد وجامع المقاصد.

لكن لا ينبغي الإشكال في عدم النفوذ، لا لتبعض الصفقة، بل لوحدة الرهن وابتنائه علي رهن المجموع علي المجموع، وهو غير مأذون فيه.

نعم لو ابتني الرهن علي الانحلال، بمعني أن العين بتمامها مرهونة علي كل جزء من الدين صح في المقدار المأذون فيه، كما في جامع المقاصد. لكن الفرض المذكور غير متعقل أو يحتاج إلي عناية خاصة.

كما أنه لو تميز الدين المأذون في الرهن عليه عن غيره، ورهن عليهما معاً دفعة واحدة، تعين تبعض الصفقة، ونفذ الرهن في المأذون فيه وتوقف علي الإجازة في الآخر.

ثم إن ما ذكرنا من عدم الصحة مع المخالفة يجري في كل مخالفة لشرط إذن المالك، كتعيين المرتهن وأجل الدين وغير ذلك، كما هو ظاهر.

(1) صرح غير واحد بأن للمالك المطالبة بالفك عند حلول الدين، وفي الجواهر: «بلا خلاف أجده فيه»، وفي مفتاح الكرامة: «فكأنه إجماعي. ولا فرق بين أن يكون مؤجلاً من أصله فيحل أو حالاً من أصله».

وكأن ذلك منهم للبناء علي جواز الرجوع في العارية، ووجوب إرجاعها عند المطالبة، فمع إمكان الإرجاع بفك الرهن يجب المبادرة لذلك.

وقد يقال لأجل ذلك بوجوبه مع المطالبة قبل حلول الدين لو تيسر للمدين الفك. لكن سبق أن المقام ليس من العارية، بل يتمحض في الإذن في الرهن. وحينئذٍ

ص: 446

بل قيل له المطالبة قبلها (1)

لا وجه للمطالبة بالفك ووجوب الإجابة لذلك.

إلا أن يستفاد بقرائن المقام اشتراط الإذن في الرهن بالفك متي أراد المالك، أو في وقت خاص، فيجب عملاً بالشرط. ولا يبعد ظهور تحديد مدة الدين حين الاستئذان في الرهن في اشتراط الفك علي المستأذن بعد مضيها.

أما مع حلول الدين من أول الأمر فلابد من قيام القرينة علي أحد الأمرين، وإلا لم يجب الفك. وأظهر من ذلك ما إذا عينت مدة الدين، فإن اشتراط الفك إذا أراد المالك قبلها يحتاج إلي عناية خاصة، ولا مجال للبناء عليه بدونها، كما لعله ظاهر.

نعم لا إشكال في جواز الرجوع قبل إيقاع عقد الرهن، كما صرح به بعضهم، لأن للآذن الرجوع في إذنه قبل العمل عليه، إلا إذا ابتني الإذن علي الإلزام والالتزام بالبقاء عليه، كما يظهر مما تقدم في أول الكلام في العارية، وإن لم يكن المقام منها - كما سبق - لأنهما من باب واحد.

(1) كما يظهر مما في المبسوط ورهن التذكرة من بناء المسألة علي كون المقام من العارية، كما هو مختارهما، بل قطع في عارية الجامع والتذكرة بذلك، معللين بجواز الرجوع في العارية.

واستشكل فيه في القواعد وعارية التحرير ومحكي التلخيص. وظاهر الدروس التوقف. بل في رهن التحرير أن الأقرب عدم جواز الرجوع حينئذٍ، وجعله الأقوي في الإيضاح، وجزم به في جامع المقاصد، وهو ظاهر المسالك والروضة. وعلل في كلام غير واحد بأن العارية للعقد اللازم تلزم بلزومه.

وهو لا يرجع إلي محصل ظاهر، فإن لزوم عقد الرهن إنما يقتضي عدم بطلانه بمطالبة المعير بالفك، وليس الكلام في ذلك، بل في وجوب إجابة المستعير لمطالبة المعير بالفك وإرجاع العين له مع قدرته علي ذلك، الذي هو مقتضي جواز العارية.

ص: 447

(448)

* ولا يبطل الرهن (1). وإذا لم يفك الرهن جاز بيع العين في وفاء الدين (2).

فهو نظير ما إذا أذن في وضع العارية في مكان مقفل، حيث لا يمنع من الرجوع وطلب إرجاع العارية بفتح القفل مع القدرة علي ذلك.

فالعمدة ما عرفت من خروج المقام عن العارية، وعدم الدليل علي وجوب الإجابة للفك. علي أنه لو كان من العارية فقد سبق منّا أن العارية قد تلزم بالشرط، كما سبق أنه لا يبعد رجوع تعيين مدة الدين إليه.

(1) الظاهر عدم الخلاف في ذلك، بل قد يظهر من بعض كلماتهم المفروغية عنه. لأنه عقد لازم أذن فيه مالك العين المرهونة، سواء قلنا بأنه معير للراهن أم لم نقل بذلك، كما سبق منّا، ولا موجب لخروجه عن اللزوم.

لكن في رهن الإيضاح احتمال بطلان الرهن، أو عدم جواز وضع المرتهن يده علي العين المرهونة، بل يرجع للحاكم في تعيين من يضعها عنده. وإن اختار هو لزوم العارية، ولم يعول علي الاحتمالين علي طول في كلامه ولا يسعنا التعرض له بعد ما عرفت. كما يأتي في ذيل الكلام في هذه المسألة من القواعد الإشكال في لزوم الصبر إلي انقضاء المدة.

نعم استدل عليه في الإيضاح بإطلاق الصحيح عن أبي عبد الله (عليه السلام): «في رجل استعار ثوباً ثم عمد إليه فرهنه، فجاء أهل المتاع إلي متاعهم. قال: يأخذون متاعهم»((1))، لكن ظاهره رهن المستعير له من دون إذن أهله. ولا أقل من انصراف إطلاق العارية عن مثل الرهن من الانتفاع بالعين، فلا مجال لاستفادته من إطلاق السؤال، ليكون مما نحن فيه.

(2) كما صرح به غير واحد بنحو يظهر منهم المفروغية عنه، وإنما الكلام عندهم فيما يستحقه المالك بدلاً عما دفعه، علي ما يأتي الكلام فيه.

********

((1) وسائل الشيعة ج: 13 باب: 5 من أبواب كتاب العارية حديث: 1.

ص: 448

والوجه فيه ظاهر بعد ما سبق من عدم بطلان الرهن مع مطالبة المالك بالفك، فضلاً عما إذا لم يطالب به. فإن مقتضي بقاء الرهن وعدم بطلانه جريان حكمه، وهو بيع العين المرهونة في وفاء الدين.

نعم ذكروا في مباحث الرهن أنه لا يجوز للمرتهن بيع العين إلا بإذن الراهن. ومرادهم به المدين المباشر للرهن.

وهو إنما يتجه هنا إذا استفيد من إذن المالك في الرهن إيكال أمر البيع للمدين المأذون في الرهن، كما هو مقتضي الإطلاق إذا جري الراهن علي الوجه الذي ابتني عليه الإذن في الرهن، بأن كان العجز عن وفاء الدين أو الامتناع عن وفائه متوقعاً حينه.

ولا مجال له إذا لم يبتن علي ذلك. كما إذا كان مصراً علي القدرة علي الوفاء، أو امتنع من الوفاء مع قدرته عليه من دون تنبيه علي ذلك حين الاستئذان في الرهن، أو ألزمه المالك بمراجعته عند تعذر الوفاء ليقرضه أو يهبه ما يفي به. حيث يلزم حينئذٍ تنبيه المرتهن لذلك، ليقع الرهن علي الوجه المأذون فيه.

وحينئذٍ يتعين استئذان المالك، ولا يكتفي باستئذان المدين، أو لا أهمية له، عملاً بمقتضي القاعدة من لزوم استئذان المالك في البيع بعد فقد الدليل الخاص في المسألة. ولذا صرح غير واحد بلزوم استئذان المالك، بل قد يظهر من جامع المقاصد المفروغية عنه.

نعم لو لم يؤخذ ذلك شرطاً في الإذن في الرهن، بل كان من سنخ الداعي تعين الرجوع لإطلاق الإذن الذي سبق أن مقتضاه إيكال الأمر في الإذن للمدين المباشر للرهن. غاية الأمر أن يكون المستأذن في الرهن خائناً للمالك غاشاً له، إذا تعمد بيان خلاف الواقع.

ص: 449

(450)

وحينئذٍ يضمن المستعير العين (1) بما بيعت به (2)،

(1) كما صرح الأصحاب بذلك، بل ظاهرهم المفروغية عن أصل الضمان، وإنما الكلام في كيفيته. وكأن ذلك لجعلهم المقام من العارية، لوضوح ابتناء العارية علي إرجاع العين، فإذا كان بتوقع إفضاء التصرف إلي تعذر إرجاعها يتعين ابتناؤها علي إرجاع بدلها حينئذٍ.

لكن تقدم أن المستعير إذا لم يتجاوز التصرف المأذون فيه، فصادف تعذر إرجاع العين لتلف أو غيره فلا ضمان عليه، كما لو تلف الثوب المستعار للبس أو شردت الدابة من دون تفريط من المستعير.

فالعمدة في المقام: أن استدعاء ما من شأنه أن يترتب عليه الخسارة للعين أو المنفعة ظاهر في التعهد بضمانها، كما في طلب ضمان الدين بالمعني المعروف للضمان عند الإمامية، وما إذا طلب من المالك إلقاء متاعه في البحر أو تعريضه للتلف، أو القيام بعمل له قيمة.

نعم لو قامت القرينة علي إرادة التبرع تعين عدم الضمان. وأظهر من ذلك ما إذا تبرع صاحب العين أو المنفعة بها ابتداء من دون استدعاء، نظير ما تقدم منّا من فرض ابتداء المالك بالرهن من دون طلب من المدين، كما لعله ظاهر.

وهذا يؤكد ما سبق منا من خروج المقام عن العارية، لابتناء العارية علي الاستئمان وبذل المنفعة مجاناً، من دون ضمان للعين إلا مع الشرط.

(2) كما صرح بذلك غير واحد، بل يظهر من بعض كلماتهم المفروغية عنه. وعلل في جامع المقاصد وغيره بأن الثمن ملكه، لأن العين باقية علي ملكه إلي زمان البيع.

وهو يتجه فيما إذا وفي به الدين - كما لعله مورد كلام بعضهم - لأن الراهن انتفع به في وفاء دينه والظاهر ابتناء الإذن في الرهن علي الضمان حينئذٍ.

وكذا إذا زاد عليه ورجع إلي الراهن، حيث يجب عليه إرجاعه إلي صاحبه، ولا

ص: 450

إلا أن تباع بأقل من قيمة المثل (1)،

وجه لتملكه له، ولا لحبسه عن صاحبه.

وكذا إذا لم يرجع إليه بتفريط منه، لابتناء الإذن في الرهن في المقام علي اشتراط السعي علي الراهن في إرجاع الزائد كما لعله ظاهر. ومثله ما إذا رجع إليه وتلف في يده بنحو مضمن.

أما إذا لم يرجع إليه من دون تفريط منه أو تلف في يده بوجه غير مضمن فلم يتضح الوجه في ضمانه له إذا زاد عن قيمة المثل، لأن ضمان المال بسبب تعريضه للخسارة الذي سبق أنه الوجه في ضمان العين المرهونة في المقام - إنما هو بمثله إذا كان مثلياً وبقيمة المثل إذا كان قيمياً.

نعم لو قلنا بضمان العين علي الراهن في المقام مطلقاً، وقلنا بقيام ثمنها مقامها في ذلك، تعين ضمانه. ويأتي الكلام في الأول إن شاءالله تعالي. ولا يتضح الوجه في الثاني. فلاحظ.

(1) فيجب إرجاع قيمة المثل، كما في جامع الشرايع وجملة من كتب العلامة (قدس سره) والدروس وجامع المقاصد والمسالك والروضة وغيرها وظاهر المبسوط والشرايع واللمعة. ويظهر فيه الوجه فيما سبق.

وقد تعرض في جامع المقاصد للإشكال في ذلك من وجهين.. الأول: أن البيع إن كان برضا المالك لم يستحق إلا الثمن، وإن لم يكن برضاه بطل.

وأجاب عنه بما قد يرجع إلي أن لزوم رضاه بالبيع من أجل مراعاة حق المرتهن بسبب تعذر وفاء الدين من غيره لا ينافي ضمان الفرق له بسبب الضرر الذي وقع عليه من عقد الرهن الذي استدعاه منه الراهن المدين.

لكنه إنما يتجه إذا لم يفهم من رضاه بالبيع بالأقل الاكتفاء في الضمان به والتنازل عن الفرق.

الثاني: أن قيمة المثل هي التي تتعلق الرغبة بالعين في مقابلها نوعاً، ومثل هذه

ص: 451

(452)

وفي ضمان الراهن العين لو تلفت بغير الفك اشكال (1)

القيمة يجب مراعاتها في بيع العين المرهونة، لأنها ملك الغير.

وأجاب عنه بأن ذلك لا ينافي عدم وجود الباذل لقيمة المثل لطارئ خاص يوجب قلة الطلب، فيضطر للبيع بأقل من قيمة المثل من أجل أداء حق المرتهن.

وهو يبتني علي جواز الإلزام بالبيع في الحال المذكور من أجل حق المرتهن، وعدم وجوب الانتظار دفعاً لضرر المالك أو الراهن. وهو لا يخلو عن إشكال، بل منع علي ما يأتي في كتاب الرهن.

ولعله لذا صرح في الدروس ببطلان البيع إذا كان النقص عن قيمة المثل بما لا يتغابن بمثله، وأن صحة البيع مع ضمان النقص يختص بما إذا كان النقص بما يتغابن بمثله.

وإن كان هو أيضاً لا يخلو عن إشكال، لأن فرض التغابن بالزيادة والنقيصة إن رجع إلي عدم تحديد قيمة المثل وترددها بين القيمتين فالمتعين عدم ضمان الفرق، إذ لا نقص حقيقة، وإلا أشكل صحة البيع، لما سبق من لزوم الضرر من المبادرة له.

(1) فقد صرح في المبسوط بضمانه للرهن لو تلف في يد المرتهن بناء علي كونه عارية، كما هو مختاره، وبه صرح أيضاً في رهن التحرير فيما إذا كان التلف بغير تفريط، وأطلق ضمانه له بالتلف في الشرايع، والقواعد والإيضاح واللمعة وجامع المقاصد، وقيده في المسالك والروضة بما إذا كان التلف بعد الرهن، بنحو قد يظهر في اتفاقهم علي ضمانه حينئذٍ. وصرح بعموم الضمان لما إذا كان في يد المستعير الراهن في التذكرة وجامع المقاصد ومحكي قواعد الشهيد.

وقد استدل علي الضمان في كلماتهم بأنها عارية مضمونة. ويظهر ضعفه مما سبق من عدم كونها عارية، والموجب للضمان هو استدعاء المدين من المالك تعريض ماله للتلف برهنه له، وهو إنما يقتضي ضمانه له بالتلف الذي استدعي تعريضه له.

وأما التلف في يد المدين قبل الرهن فلا وجه لضمانه بعد كونه وكيلاً علي رهن

ص: 452

العين أميناً عليها. وكذا التلف في يد المرتهن من دون تفريط، لعدم استدعائه له.

نعم لو كان التلف في يد المرتهن بتفريط منه فالضامن بسببه وإن كان هو المرتهن، إلا أنه لا يبعد تكليف الراهن بالسعي لأخذ البدل منه وإيصاله للمالك، لابتناء الإذن علي تكليفه بإرجاع العين أو بدلها، نظير ما يزيد عن الدين من قيمتها لو بيعت. وهو أمر آخر غير الضمان.

بل حتي لو قلنا بأن المقام من العارية، فإن ضمانها في المقام ليس مطلقاً كضمانها بالشرط، وكما لو كانت ذهباً أو فضة، لعدم الدليل علي ذلك. بل المتيقن منه الضمان بفك الدين لا غير.

ومما ذكرنا يظهر عدم ضمانها حتي لو كانت ذهباً أو فضة، لعدم كونها عارية حينئذٍ، لتشملها نصوص ضمانهما. نعم قد تضمن بالشرط، كما ذكره بعض مشايخنا (قدس سره). لكن لا لما دل علي ضمان العارية بالشرط، لما سبق من عدم كونها عارية، بل لعمومات نفوذ الشروط.

هذا وفي الجواهر - مع ما سبق في أول الكلام في المسألة من تنبيهه لما ذكرناه من خروج ذلك عن العارية - قرب الضمان. وأطال في الاستدلال عليه بما لا يرجع إلي محصل ظاهر، كما يظهر بمراجعته. وقال في آخر كلامه في فرض التلف قبل الرهن: «وأقربها به المقبوض بالسوم. بل لعل المدرك فيهما واحد عند التأمل».

لكن المقبوض بالسوم إنما يضمن إذا ابتني دفعه للآخذ علي الضمان، كما هو الظاهر فيما إذا أخذه وغاب به عن المالك، دون ما إذا قبضه بحضرته لعرض المالك له لاختبار حاله من أجل الترغيب في شرائه. وأين هذا مما نحن فيه مما فرض فيه الإذن في الرهن كسائر المأذونين.

وكأنه لما ذكرنا قرب في أواخر كتاب الرهن من التذكرة عدم الضمان لو تلف في يد المستعير قبل الرهن. وإن كان ذلك مخالفاً لما سبق منه. بل صرح في عارية التحرير باختصاص الضمان بالفك وبالتلف عن تفريط. قال: «ولو تلف من غير تفريط لم

ص: 453

(454)

يكن علي أحدهما ضمانه». واحتمل ذلك في الدروس، بناء علي كونه عارية، معللاً بأن العارية أمانة عندنا.

هذا وأما المرتهن فقد صرح غير واحد بعدم ضمانه مع عدم التفريط، ونفي وجدان الخلاف فيه في الجواهر، وفي مفتاح الكرامة كأنه اتفاقي. والوجه فيه أنه أمين كسائر أفراد المرتهن.

وإن كان قد يظهر من القواعد وجود من يحتمل ضمانه، قال في محكي كنز الفوائد في تعليل الاحتمال المذكور مع الحكم بضعفه: «لأن العارية للرهن مضمونة، ويد المرتهن مترتبة علي يد الراهن المستعير، وهي يد ضمان، فتكون المترتبة كذلك».

وهو كما تري لا يرجع إلي محصل ينهض بالاستدلال.

بقي شيء. وهو أنه قال في آخر كتاب العارية من القواعد: «لو أذن المالك في الإجارة أو الرهن لزمه الصبر إلي انقضاء المدة. علي إشكال. فتقدر المدة في الإجارة. ويضمن المستعير في المضمونة دون المستأجر والمرتهن».

وظاهره صحة العارية للإجارة، بحيث يبقي المستعير مستعيراً في مدة الإجارة ولذا حكم بضمانه في العارية المضمونة. وقد يظهر من غير واحد من شراح كلامه إقراره، بل هو صريح جامع المقاصد. كما قد يظهر ذلك من التذكرة، وقد يحتمل من التحرير.

وهو من الغرائب. إذ لا إشكال في صحة الإجارة في مدتها وملك المستأجر المنفعة فيها، واستقلاله بها، ومع ذلك كيف تكون عارية في حق المؤجر؟! من دون فرق في ذلك بين أن يؤجرها ليدفع الأجرة للمالك، وأن يؤجرها لينتفع بالأجرة باقتراضها منه أو بذله أو هبته إياها. ومجرد انتفاعه بالإجارة في الثاني لا يجعل العين عارية، لأن الانتفاع حينئذٍ في الحقيقة بالأجرة لا بالعين. كما أن الانتفاع المذكور بالأجرة بإتلافها، لا مع بقاء عينها.

نعم لو كانت الأجرة مما يمكن الانتفاع به مع بقاء عينه أمكن تجديد العارية لها دون العين. فالمقام نظير ما لو دفع ماله إليه ليبيعه ببيع الخيار إلي أجل وينتفع بثمنه.

ص: 454

وكيف كان فلا ينبغي الإشكال في خروج ذلك عن العارية وعدم ترتب أحكامها ومنها الضمان لو كانت مضمونة. خلافاً لما سبق منه.

نعم لو اشترط عليه ضمانها ضمن، لكن لعموم نفوذ الشرط، لا لنصوص ضمان العارية، نظير ما سبق قريباً في تعقيب كلام بعض مشايخنا (قدس سره).

ومن الغريب إشكاله في لزوم الانتظار بالإجارة والرهن إلي انقضاء المدة بعد لزوم العقدين ووقوعهما بإذنه. وتقدم عند الكلام في بطلان الرهن بمطالبة المالك بالفك ما ينفع في المقام. فراجع.

هذا ما تيسر لنا من الكلام في هذه المسألة وقد اضطربت فيها كلمات الأصحاب واختلفت أشد الاختلاف. ولعله لعدم النص فيها، وتمحضها في الاجتهاد والارتكازيات التي كثيراً ما تختلط علي صاحبها ويضطرب فيها. فلاحظ. والله سبحانه وتعالي العالم العاصم.

ولنكتف بهذا المقدار من الكلام في العارية، وإن بقيت بعض الفروع التي ذكرها الأصحاب، لظهور حكم كثير منها مما سبق في الوديعة وغيرها من الأمانات.

وبذلك انتهي الكلام في العارية شرحاً لكتاب (منهاج الصالحين) لسيدنا الجد الأستاذ مرجع الطائفة آية الله العظمي السيد محسن الطباطبائي الحكيم (قدس سره) ليلة الإثنين الثالث والعشرين من شهر محرم الحرام سنة ألف وأربعمائة وثلاث وثلاثين لهجرة سيد المرسلين عليه وآله أفضل الصلاة والسلام. في النجف الأشرف ببركة الحرم المشرف علي مشرفه الصلاة والسلام. بقلم العبد الفقير (محمد سعيد) عفي عنه خلف سماحة آية الله (السيد محمد علي الطباطبائي الحكيم) (قدس سره).

والحمد لله علي تيسيره وتسهيله. ونسأله التسديد والتوفيق وقبول الأعمال وصلاح الأحوال وحسن المنقلب والمآل. إنه أرحم الراحمين وولي المؤمنين. وهو حسبنا ونعم الوكيل.

ص: 455

ص: 456

المحتويات

(9) كتاب المزارعة والمساقاة (1) 9

(11) في حقيقة المزارعة..... 11

(13) الفصل الأول: في المزارعة.....

(13) توقف المزارعة علي العقد الدال عليها..... 13

(17) مقتضي الأصل الأولي في المزارعة..... 17

(20) الأول: أن تكون الحصة مشاعة..... 20

(23) الثاني: تعيين المدة..... 23

(26) الثالث: تعيين الحصة بالكسر المشاع..... 26

(28) الرابع: تعيين الأرض وحدودها..... 28

(29) الخامس: أن تكون الأرض قابلة للزراعة..... 29

(31) السادس: تعيين مصاريف المزارعة علي أحدهما..... 31

(34) جواز زارعة العامل بنفسه وبغيره..... 34

(37) عدم الاحتياج إلي الاستئذان في زراعة الغير..... 37

(39) اعتبار التعيين إذا عيّن صاحب الأرض زرعاً بعينه..... 39

(42) جواز اشتراط شيء معين لأحدهما..... 42

(45) الأول: تصريح جماعة بكراهة الشرط المذكور..... 45

(45) الثاني: ما ذكره في المسالك..... 45

(46) جواز اشتراط مقدار البذر..... 46

(48) جواز خرص الزرع..... 48

(51) الكلام فيما إذا بطلت المزارعة..... 51

(52) الأول: عدم جريان الكلام المتقدم فيما إذا كان البطلان بسبب عدم كمال صاحب الأرض..... 52

(52) الثاني: الكلام في تقييد الضمان بما إذا لم يعلم العامل بفساد المعاملة 52

(54) إذا انقضت المدة ولم يزرع المزارع..... 54

ص: 457

(60) الكلام فيما لو غصب الأرض شخص ثالث..... 60

(62) جواز اشتراط الذهب أو الفضة مع الحصة..... 62

(62) الكلام فيما إذا غرقت الأرض قبل القبض..... 62

(67) عقد المزارعة بين أكثر من اثنين..... 67

(73) الفصل الثاني: في المساقاة.....

(73) لزوم الإيجاب والقبول في عقد المساقاة..... 73

(74) الأول: أن تكون معلومة..... 74

(75) الثاني: تعيين مدة العمل..... 75

(77) ما ذكره السيد الخوئي (قدس سره) من جواز إيقاع عقد المساقاة علي نحو الدوام..... 77

(78) الثالث: إمكان حصول الثمرة في المدة..... 78

(79) الرابع: تعيين الحصة وإشاعتها..... 79

(81) الخامس: تعيين ما علي المالك من الأمور..... 81

(82) السادس: أن تكون قبل ظهور الثمرة..... 82

(85) السابع: أن تكون المعاملة علي أصل ثابت..... 85

(88) ما ذكره الشيخ (قدس سره) في المبسوط..... 88

(90) الكلام فيما إذا بطلت المساقاة..... 90

(90) الكلام في اشتراط شيء من الذهب أو الفضة للعامل..... 90

(97) الكلام في تعدد المالك واتحاد العامل..... 97

(99) في كون خراج الأرض علي العامل..... 99

(101) الكلام في وقت ملك الحصة..... 101

(104) الكلام في المغارسة..... 104

(109) في إرجاع المغارسة إلي الجعالة في بعض الوجوه..... 109

(110) الأول: ما ذكره في المبسوط فيما إذا ساقاه علي ودّي..... 110

(112) الثاني: إذا هرب العامل أو امتنع عن العمل بعد العقد..... 112

(114) الثالث: جواز استعانة العامل بغيره تبرعاً أو بأجرة مع عدم اشتراط المباشرة..... 114

(117) الرابع: إذا عجز العامل عن إكمال العمل في المساقاة..... 117

(118) الخامس: الكلام في جواز المساقاة علي ما لا يحتاج للسقي..... 118

(119) السادس: إذا اختلفت أنواع ثمرة البستان..... 119

(120) السابع: ما ذكره في المبسوط فيما إذا ساقاه علي جعل الحصة مختلفة بين ما إذا سقي بماء السماء وبين ما إذا سقي بالنضح..... 120

(122) الثامن: ما لو عمل الغير مع عدم اشتراط المباشرة..... 122

(123) التاسع: لو ظهرت الأصول مغصوبة..... 123

ص: 458

(131) كتاب الجعالة..... 131

(131) الكلام في كون الجعالة إيقاعاً..... 131

(133) اعتبار الإيجاب في الجعالة..... 133

(135) الأول: اعتبار كمال الجاعل..... 135

(135) الثاني: ما ذكره في المقنعة..... 135

(138) الكلام في صحة الجعالة علي كل عمل محلل مقصود عند العقلاء..... 138

(140) جواز كونه مجهولاً..... 140

(141) الكلام في جواز كون العوض مجهولاً..... 141

(144) الكلام فيما لو تبرع العامل بالعمل..... 144

(145) فيما لو عمل لا بقصد التبرع..... 145

(146) جواز كون الجعل من غير المالك..... 146

(148) في استحقاق الجعل بالتسليم..... 148

(151) الكلام في جواز عقد الجعالة..... 151

(153) الكلام في الرجوع في الجعالة في أثناء العمل..... 153

(157) ما ذكره في التذكرة من انفساخ الجعالة بالموت..... 157

(158) الكلام فيما لو جعل جعلين لعمل معين..... 158

(160) إذا جعل جعلاً لفعل فصدر من جماعة..... 160

(161) الكلام في عمل العامل بعض العمل..... 161

(162) الكلام في التنازع بين المالك والعامل..... 162

(168) الأول: ما ذكره في الشرائع من عدم استحقاق العامل الأجرة إلا مع بذل الجاعل لها أولاً..... 168

(169) الثاني: ما ذكره في التذكرة أن يد العامل علي ما يحصل أمانة..... 169

(170) الثالث: ما ذكره في الدروس من أن النفقات علي المالك..... 170

(171) في عقد التأمين للنفس أو المال.......... 171

(175) كتاب السبق والرماية.....

(179) اعتبار الإيجاب والقبول..... 179

(180) في موارد صحة السبق والرماية..... 180

(189) جواز كون العوض عيناً وديناً..... 189

(190) جواز بذل الأجنبي للعوض..... 190

(192) ما يعتبر في السبق والرماية..... 192

(203) إذا قالا من سبق منّا ومن المحلل فله العوضان..... 203

(205) الكلام في المحلل..... 205

(205) الكلام فيما لو فسد عقد السبق والرماية..... 205

ص: 459

(211) كتاب الشركة.....

(215) فيما تصح فيه الشركة..... 215

(216) الأول: الكلام في اعتبار اتحاد الجنس في الشرك..... 216

(216) الثاني: الكلام في اعتبار امتزاج المالين..... 216

(217) الثالث: الكلام في اعتبار العلم بقدر كل من المالين قبل الشرك..... 217

(218) الرابع: كون الشركة من العقود الجائزة..... 218

(220) عدم صحة الشركة في الأعمال..... 220

(223) الكلام في شركة الوجوه..... 223

(224) ما فسّره العلامة (قدس سره) في التذكرة من شركة الوجوه..... 224

(225) الكلام في شركة المفاوضة..... 225

(227) ما تتحقق به الشركة في المال الواحد..... 227

(229) الشركة بالامتزاج..... 229

(231) اعتبار اشتراك صاحبي المالين بنسبة كمية المالين 231

(233) في لحوق الخسارة والربح علي كل منهما بنسبة ماله..... 233

(235) في اشتراط مساواة الربح والخسارة مع تفاوت الحصص أو العكس..... 235

(239) عدم جواز التصرف في العين المشتركة إلا مع الإذن..... 239

(243) في طلب القسمة..... 243

(245) الكلام في فرض لزوم الضرر من القسمة..... 245

(247) كفاية تعديل السهام في تحقيق القسمة..... 247

(249) الكلام في قسمة الوقف مع الملك المطلق..... 249

(250) عدم ضمان الشريك المأذون إلا مع التعدي أو التفريط 250

(251) كراهة مشاركة الذمي..... 251

(252) الأول: إذا اشتري بعض الشركاء من مال الشركة..... 252

(252) الثاني: إذا اقترض الشريك من مال الشركة بإذن بقية الشركاء..... 252

(253) الثالث: إذا كان نظام الشركة يسمح ببيع سهامها فباع أحد الشركاء..... 253

(253) الرابع: في وقوع الدين مورداً لشركة القهرية..... 253

(254) الخامس: إذا اشتري بعض الشركاء لنفسه..... 254

(254) السادس: إذا اشتبه أحد المالين بالآخر..... 254

(255) السابع: وقوع الشركة في الحقوق 255

(257) كتاب المضاربة.....

(261) فيما تصح فيه المضاربة..... 261

ص: 460

(265) الأول: الكلام فيما ذكره السيد الخوئي (قدس سره) من صحة المضاربة بالعروض..... 265

(265) الثاني: الكلام في المضاربة بالدين..... 265

(266) الثالث: في وجهي التعامل علي المنفعة..... 266

(268) الكلام في عدم صحة المضاربة بالفلوس ونحوها..... 268

(269) الأول: كمال المتعاقدين..... 269

(269) الثاني: تعيين المال في مقابل التبديل..... 269

(271) الثالث: العلم بقدر المال..... 271

(272) الرابع: أن لا يكون رأس المال بيد المالك..... 272

(273) الخامس: أن لا يخرج الربح عنهما..... 273

(274) السادس: أن يكون الربح مشتركاً بينهما..... 274

(275) السابع: أن يكون الاشتراك بنحو الإشاعة..... 275

(277) الثامن: تعيين الحصة في مقابل الإبهام..... 277

(277) التاسع: العلم حين العقد بالحصة..... 277

(277) العاشر: أن لا يكون رأس المال بمقدار يعجز العامل عن الاتجار به..... 277

(282) الحادي عشر: أن يكون العمل المقصود بالأصل هو الاتجار بالمال والتكسب به..... 282

(283) ما ذكره في الشرائع..... 283

(284) في جواز عقد المضاربة..... 284

(287) بطلان المضاربة بالموت..... 287

(289) بطلان المضاربة بالجنون..... 289

(290) الأول: في حكم صورتي الجنون والإغماء..... 290

(290) الثاني: مقتضي جواز إطلاق عقد المضاربة جواز الفسخ..... 290

(291) لزوم اقتصار العامل علي التصرف المأذون فيه..... 291

(298) عدم اشتراط العلم بمقدار المال..... 298

(298) في ملك العامل الحصة بالظهور..... 298

(305) الكلام في عدم خسران العامل..... 305

(307) في اشتراط تحمل الخسارة..... 307

(313) الكلام في اختلاف المالك والعامل..... 313

(318) الأول: ما ذكره في جامع المقاصد..... 318

(319) الثاني: ما ذكره سيدنا المصنف (قدس سره)..... 319

(321) في إنفاق العامل في السفر..... 321

(322) الأول: الكلام في عدم جواز سفر المضارب إلا بإذن المالك..... 322

(323) الثاني: إذا سافر إلي غير البلد الذي أمره المالك بالسفر إليه..... 323

ص: 461

(324) الثالث: الكلام في النفقة..... 324

(324) الرابع: انصراف النفقة للنفقة بالنحو المتعارف..... 324

(325) الخامس: المراد بالسفر العرفي دون الشرعي..... 325

(326) السادس: الكلام فيما لو كان لنفسه مال غير مال المضاربة..... 326

(327) السابع: الكلام فيما لو مرض فافتقر إلي الدواء..... 327

(328) الثامن: للمالك اشتراط أن لا ينفق العامل في السفر من مال التجارة والعكس..... 328

(329) في اقتضاء الإطلاق الشراء بعين المال وعدمه..... 329

(331) الأول: لو فرض كون مقتضي السيرة الشراء في الذمة..... 331

(332) الثاني: اختصاص الكلام المتقدم فيما لو كان المبيع كلياً..... 332

(332) عدم جواز الشراء بأكثر من ثمن المثل إلا مع المصلحة..... 332

(333) إذا فسخ المالك المضاربة قبل ظهور الربح..... 333

(337) الأول: إذا فسخ عقد المضاربة وفي المال دين..... 337

(339) الثاني: إذا حصل الفسخ وبالمال عروض..... 339

(340) الأول: إذا خلط العامل مال المضاربة بمال نفسه..... 340

(341) الثاني: إذا كان المال مشتركاً بين اثنين كان لهما أن يضاربا عاملاً واحداً..... 341

(342) الثالث: إذا أراد صاحب المال أن يشتري شيئاً من مال المضاربة..... 342

(343) الرابع: الظاهر جواز اشتراط كل من الطرفين علي الآخر..... 343

(346) الخامس: إمكان تحقيق نتيجة المضاربة بالجعالة..... 346

(346) السادس: فيما لو ضارب العامل غيره بالمال الذي أخذه بنحو المضاربة..... 346

(348) السابع: في خروج العامل عن وظيفته..... 348

(348) الثامن: في كراهة مضاربة الذمي..... 348

(351) كتاب الوديعة.....

(355) في جواز عقد الوديعة..... 355

(356) في مقتضي جواز عقد الوديعة..... 356

(357) في معيار حفظ العين..... 357

(358) لا ريب في عدم ضمان الوديعة مع عدم التعدي أو التفريط..... 358

(359) إذا خالف ما عيّنه المالك بالحفظ ضمن..... 359

(362) لو تصرف في العين تصرفاً منافياً للاستئمان..... 362

(362) الأول: ما ذكره الأصحاب (رضي الله عنهم) أن من أسباب الضمان استعمال الوديعة..... 362

(363) الثاني: ما ذكره في المبسوط من أنه لو عزم علي التعدي لا يضمن..... 363

(365) في ذكر موارد التصرف الموجب للتعدي..... 365

ص: 462

(368) وجوب علف الدابة علي الودعي..... 368

(370) في تفريط الودعي وضمانه..... 370

(372) ظاهر الأصحاب انحصار سبب ضمان الوديعة بالتعدي والتفريط..... 372

(373) في وجوب حلف الودعي للظالم..... 373

(375) في وجوب ردّ الوديعة إلي المالك أو وارثه..... 375

(379) فيما لو جهل مالك الوديعة..... 379

(381) الأول: الكلام في تحديد التعريف..... 381

(382) الثاني: مقتضي الجمود علي الحديث المتقدم..... 382

(382) الثالث: الكلام في جواز تملك الودعي المال..... 382

(383) الرابع: اقتصار المهذب والإرشاد علي التصدق..... 383

(383) الخامس: ما ذكره في المقنعة في وديعة الغاصب..... 383

(386) في إجبار الغاصب علي أخذ الوديعة..... 386

(389) حرمة خيانة وديعة الكافر الحربي..... 389

(390) في اختلاف المالك والودعي..... 390

(393) في دعوي التلف..... 393

(396) الأول: الكلام فيما لو فرض ثبوت دعوي المستأمن..... 396

(398) الثاني: الكلام فيما لو ادعي الودعي الرد إلي غير من ائتمنه..... 398

(406) في عدم صحة إيداع الصبي والمجنون..... 406

(413) الأول: عدم وجوب مراجعة المالك في إبقاء الوديعة مادام تاركاً لها..... 413

(414) الثاني: وجوب رد الوديعة عند المطالبة بها..... 414

(415) الثالث: الكلام في الإشهاد علي ردّ الوديعة..... 415

(416) الرابع: إذا عجز الودعي عن حفظ الوديعة..... 416

(416) الخامس: إذا مات المالك بطلت الوديعة..... 416

(417) السادس: إذا تعذر الوصول للمالك..... 417

(419) كتاب العارية.....

(423) الكلام في كون العارية عقداً 423

(424) في ثمرة العارية..... 424

(424) الأول: يعتبر في المعير أن يكون جائز التصرف..... 424

(426) الثاني: كون العارية عقداً جائزاً..... 426

(427) في استثناء الأصحاب الإعارة لدفن الميت..... 427

ص: 463

(428) في معيار الأعيان التي تصح إعارتها..... 428

(430) جواز إعارة ما تملك منفعته..... 430

(431) في انتفاع المستعير بالعين..... 431

(433) لو تلفت العارية بالاستعمال..... 433

(434) الكلام في اشتراط الضمان..... 434

(435) الكلام في الضمان..... 435

(436) في عارية الذهب والفضة..... 436

(437) الكلام في توثيق علي بن السندي..... 437

(439) في ضمان عارية الحيوان..... 439

(440) إذا نقصت العين المستعارة بالاستعمال..... 440

(442) إذا أذن في انتفاع خاص حرم التعدي عنه إلي غيره..... 442

(443) في صحة الإعارة للرهن..... 443

(445) إذا عيّن المستعير للرهن لم يكن له الرجوع..... 445

(448) الكلام في جواز بيع العين في وفاء الدين..... 448

(450) ضمان المستعير العين بما بيعت به..... 450

(452) الكلام في ضمان الراهن العين إذا تلفت بغير الفك..... 452

(454) فيما لو أذن المالك في الإجارة أو الرهن..... 454

ص: 464

تعريف مرکز

بسم الله الرحمن الرحیم
هَلْ یَسْتَوِی الَّذِینَ یَعْلَمُونَ وَالَّذِینَ لَا یَعْلَمُونَ
الزمر: 9

عنوان المکتب المرکزي
أصفهان، شارع عبد الرزاق، سوق حاج محمد جعفر آباده ای، زقاق الشهید محمد حسن التوکلی، الرقم 129، الطبقة الأولی.

عنوان الموقع : : www.ghbook.ir
البرید الالکتروني : Info@ghbook.ir
هاتف المکتب المرکزي 03134490125
هاتف المکتب في طهران 88318722 ـ 021
قسم البیع 09132000109شؤون المستخدمین 09132000109.