أروع القصص في من رأي المهدي عليه السلام في غيبته الكبري

اشارة

أروع القصص في من رأي المهدي ( عليه السلام) في غيبته الكبري

الشيخ ماجد ناصر الزبيدي

دار المحجة البيضاء دار الرسول الأكرم «ص»

الطبعة الأولي

1426 ه - 2005م

خيرانديش ديجيتالي : انجمن مددكاري امام زمان (عج) اصفهان

ص: 1

اشارة

بسم الله الرحمن الرحيم

ص: 2

أروع القصص في من راي المهدي ( عليه السلام)

في غيبته الكبري

تأليف

الشيخ ماجد ناصر الزبيدي

دار المحجة البيضاء دار الرسول الأكرم «ص»

ص: 3

جميع الحقوق محفوظة

الطبعة الأولي

1426 ه - 2005م

حارة حريك - شارع الشيخ راغب حرب - قرب نادي السلطان

ص.ب. 5479 / 14. هاتف: 03/287179 - تلفاكس: 01/552847

دارالمحجة البيضاء

للطباعة والنشر و التوزيع

E-mail:almahajja@terra.net.lb

www.daralmahaja.com

info@daralmahaja.com

ص: 4

الإهداء

إلي سيد الكونين

إلي ولده صاحب العصر والزمان ..

إلي من يملأ الأرض قسطاً وعدلاً كما ملئت ظلما وجوراً...

إلي السيد علي نور محي الحسني، وإلي الأخوين رضا الزبيدي وأحمد الزبيدي ...

وإلي سلمان جابر الناصري وإلي السيد عادل كاظم العوادي...

الهدي عملي هذا، سائلين الله أن يوفقنا ويسددنا إلي الصواب والتوفيق .

المؤلف

ص: 5

ص: 6

بسم الله الرحمن الرحيم

المقدمة

الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام علي سيد المرسلين وعلي آله الطيبين الطاهرين واللعنة الدائمة علي أعدائهم أجمعين إلي قيام يوم الدين ...

كثيراً ما نسمع عن مقابلات بعض الأشخاص للإمام المهدي (عليه السلام) في الغيبة الكبري، فمنها من يمكن تصديقه لنظافة وطهارة الشخص والآخر مشكك فيه والله العالم ... وأخري تجد فيها أمر اعجازي وأخري لا.. حتي كثر القيل والقال ...

وهنا ربما قائلاً يقول: هل أن مشاهدات المهدي (عليه السلام) علي حقيقته، في غيبته الكبري، يحتاج إلي درجة عالية من الإيمان والوثاقة ، كما يميل إليه بعض الباحثين أو لا يحتاج؟

يكون الجواب هو كالآتي: لا شك أن كل من اطلع علي تاريخ الغيبة الصغري يعرف أن تلك الدرجة العليا، كانت شرطاً في مشاهدة صاحب الأمر المهدي (عليه السلام) في غيبته الصغري، حيث لم يكن

ص: 7

أبوه الإمام العسكري (عليه السلام) يطلع أحداً عليه إلا من الموثوقين الخاصين، وكذلك كان ديدن المهدي (عليه السلام) بعد وفاة أبيه. ما عدا حوادث قليلة جداً ظهر (عليه السلام) للمنحرفين من أصحابه لمصالح معينة ، وبشكل مأمون.

وأما في عصر الغيبة الكبري.. فلا أشك أن الأغلب هو اختصاص المقابلة بالخاصة الموثوقين. كما لا شك في أن الإمام المهدي (عليه السلام) قد يخص بعض الموثوقين، بأكثر من مقابلة واحدة، ولعلها تصل إلي عدد منهم من المقابلات لدي عدد منهم.

كما لا شك في أن المصالح الإسلامية، قد تقتضي ظهوراً للمنحرفين ، إذا كان بنحو مأمون النتيجة. ومعه، فينبغي أن يقال: أن نفس النسبة في الغيبة الصغري، تتكرر بكشل أو آخر، في الغيبة الكبري أيضاً، بين الموثوقين والمنحرفين. وهذا كلّه واضح لا غبار عليه.. لا بحسب القواعد العامة، ولا بحسب أخبار المشاهدة، إذ أن المنقول من المقابلات مع غير الموثوقين، مشابه لهذه النسبة تقريباً .

ولكن الذي ينبغي أن نلتفت إليه، هو وجود فرق أساسي ما بين حال المهدي (عليه السلام) في غيبته الصغري وحاله في غيبته الكبري، فهو في الكبري أكثر أمناً وأبعد عن التفات الأذهان إليه، فتنفتح له فرصة

ص: 8

أكبر في مقابلات الناس، بما فيهم غير الموثوقين والمنحرفين أيضاً. مع الالتزام بتخطيط معين يضمن عدم الاطلاع علي حقيقته إلا بعد الفراق .

وهذا واضح، بعد معرفة أن السلطات الحاكمة في الغيبة الصغري كانت تطارد الإمام المهدي (عليه السلام)، وهناك قسم من الناس يعرفونه ويعرفون والده، وخاصة في القسم الأول من تلك الفترة . وأما في الغيبة الكبري، فقد ابتعدت الأنظار عنه، وخفي شكله بالمرة عن سائر البشر، وأيست السلطات عن مطاردته، بل أنكرت وجوده تماماً. وكل ذلك يكون في مصلحة حرية تنقلاته ومقابلاته، كما هو واضح.

ومن هنا نكاد نشخص بوضوح، أن نسبة مقابلاته مع غير الموثوقين، أكثر إلي حد واضح من نسبتها في الغيبة الصغري، وأما المنحرفون، فالمقابلة معهم أقل من ذلك العدد بكثير، ولا تكون إلا فيما إذا توقف عليه عرض كبير، ولم يكن تنفيذه عن طريق المقابلة مع أحد الموثوقين أو غير المنحرفين.

ولعل قائل يقول: ما هي التخطيطات التي يضعها المهدي (عليه السلام) لأجل ضمان عدم التفات الرائي إلي حقيقته في أثناء المقابلة؟ .

ص: 9

أقول: إن المقابلة، قد تقتضي، بحسب المصلحة، أن يكشف المهدي عن حقيقته في أثنائها، وقد يكون الرائي عارفاً له من مقابلة سابقة، كما قد يحصل للموثوقين الخاصين. وقد تقتضي المقابلة أن لا يعرفه الرائي إلا بعد المفارقة، فيما إذا لم يكن بتلك الدرجة العليا من الوثاقة ، فضلاً عما إذا لم يكن موثوقاً أو كان منحرفاً.

ففي مثل ذلك يحتاج المهدي (عليه السلام) إلي التخطيط بنحو يدع الرائي غافلاً عن حقيقته إلي حين الفراق، علي أن يفهم بعد ذلك أن الذي كان قد رآه .. هو المهدي (عليه السلام).

وأساليب التخطيط الذي كان وما يزال يضعها المهدي (عليه السلام) في سبيل ذلك، بحسب ما ورد في أخبار المشاهدة ، عديدة ، يمكن تلخيصها فيما يلي:

1- إبداله لزيه وواسطة نقله، فنراه كثيراً ما يكون مرتدياً العقال العربي، علي اختلاف الأشكال، فتارة نراه بزي البدو، وثانية بزي مهيب لطيف وثالثة بزي فلاح يحمل مسحاته، ورابعة بزي سيد جليل من رجال الدين.

كما أن واسطة نقله قد تكون هي الجمل في عدد من المرات كما قد تكون هي الفرس، كما قد يواكب الرائي ماشياً، وقد لا تحتاج المقابلة

ص: 10

إلي سير و انتقال . وأخري يتكلم بلغات مختلفة حسب الحاجة .

2- إقامته للمعجزة التي تكون دالة علي حقيقته.

3- ابتعاده عن الرائي في أثناء الحادثة، وقبل انتهاء حاجته، وإيكال إنهائها إلي غيره .. هو أما نفس صاحب الحاجة كما في بعض المقابلات وقد يكون هو خادم الإمام (عليه السلام)، وقد يكون هو شخص آخر عابر للطريق .

4- وقوع الرائي والرائين أو إيقاعهم، في ظروف وقتيه خاصة ، بحيث يرتج عليهم باب السؤال عن حقيقته المهدي واسمه وبلدته . وهذا واضح من عدد من الروايات، فإن الرائي قد يكون مهتماً بحاجته جداً أو مذهولاً نتيجة لالتفاته إلي معجزة واضحة أوجدها المهدي (عليه السلام)، أو مشغولاً بنفسه كالصلاة أو المرض أو ضيق البال ونحو ذلك.

5- تجنب كل ما من شأنه إلفات النظر إلي حقيقته، كالإشارة إلي عنوانه صراحة أو كناية .. بل قد يتجنب الجواب لو سئل عن اسمه وكنيته ومكانه،ولا يجيب بما يدل علي حقيقته.

وأخيراً يجب علينا معرفة الأغراض والمقاصد العامة التي يقصدها

ص: 11

المهدي (عليه السلام) من عمله خلال المقابلة، والمقصود من الأغراض العامة، ما يكون مستهدفاً لأثر إسلامي اجتماعي أكبر من الأفراد وأوسع ...

أقول: تنقسم الأغراض والأهداف العامة في أعمال الإمام المهدي (عليه السلام) في غيبته الكبري، إلي عدة أقسام:

1- إنقاذ الشعب المسلم من براثن تعسف وظلم بعض حكامه المنحرفين، وخاصة فيما يعود إلي قواعده الشعبية من الخير والسلامة .

2- إنقاذ الشعب المسلم من براثن الاشقياء والمعتدين، وعصابات اللصوص المانعين عن الأعمال الإسلامية الخيرة.

3- إلفات نظر الآخرين إلي عدم تحقق شرط الظهور الموعود، والتأكد علي أن الأمة لم تبلغ إلي المستوي المطلوب من الوعي والشعور بالمسؤولية الذي تستطيع معه أن تحمل عاتقها الآثار الكبري في اليوم الموعود.

4 - إرجاعه (عليه السلام) للحجر الأسود إلي مكانه من الكعبة .

- أما الأهداف والمقاصد الخاصة، التي يقصدها الإمام (عليه السلام) خلال مقابلاته. مما يمت بالنفع - بشكل رئيسي مباشر - إلي

ص: 12

شخص معينأو أشخاص قلائل. سواء كان له خ بشكل غير مباشرخ نفع اجتماعي ملحوظ أو لم يكن، والأهداف المندرجة تحت هذا العنوان متعددة نذكر منها:

1- هداية الشخص وتقويمه، وضمه في النتيجة إلي الشعب المسلم الذي يؤمن بالمهدي (عليه السلام) .. بعد إحراز نيته والعزم علي اتباع الهدي إن ظهر لديه .

2- انتصاره لأحد طرفي الجدل عند وقوع الجدل بين اثنين ، واقتضاء المصلحة الانتصار لأحد الطرفين.

3- حله لبعض المسائل المعضلة التي قد يشكل حلها علي فطاحل العلماء.

4- إخباره ببعض الأخبار السياسية الهمة في زمانها، قبل أن يعرفها الناس، نتيجة لضعف وسائل الإعلام في ذلك العصر.

5- نصحه للآخرين ورفعه لمعنوياتهم، وتوجيههم التوجيه الصالح، بعد أن كانوا قد مروا في بعض الحالات الصعبة والمشكلات المحزنة بالنسبة إليهم.

6- تقديم المساعدة المالية للآخرين .

ص: 13

7- شفاؤه لأمراض مزمنة بعد أن عجز عنها الأطباء، وأخذت من صاحبها مأخذها العظيم.

8- هدايته للتائهين في الصحراء والمتخلفين عن الركب إلي مكان استقرارهم وأمنهم. وقد يقرن ذلك بإقامة الحجة علي الرائي للتوصل إلي هدايته. كما سمعنا في الهدف الأول، وأمثلة كثيرة إن شاء الله سيأتي ذكرها.

9- تعليمه الأدعية والأذكار ذات المضامين العالية الصحيحة، لعدد من الناس.

10- حثّه علي تلاوة الأدعية الواردة عن آبائه المعصومين (عليهم السلام)، بما فيها من مضامين عاليه وحقائق واعية تربوية وفكرية .

11- حثّه علي احترام الوالدين المسنين، واحترام الكبير للصغير والصغير للكبير .

وفي آخر المطاف أقول أردنا من هذا الكتاب أن نثبت وجود الإمام القائم (عليه السلام) لكي يترك بعض المتحذلقين أن يدخلو الشكوك علي الناس البسطاء أعانهم الله ووفقهم لمعرفة الصواب والبعد عن آراء المتحذلقين وعن أعمال الشياطين، آمين رب العالمين، والحمد لله رب العالمين.

الشيخ ماجد ناصر الزبيدي

18/ شعبان / 1425ه

بيروت - لبنان

ص: 14

الحكاية الأولي: قصة إسماعيل الهرقلي

قال العالم الفاضل علي بن عيسي الإربلي في (كشف الغمة):

حدثني جماعة من ثقاة إخواني أنه كان في بلاد الحلة شخص يقال له: إسماعيل بن الحسن الهرقلي من قرية يقال لها: «هر قل»، مات في زماني وما رأيته، حكي لي ولده شمس الدين قال:

حكي لي والدي أنه خرج «فية» وهو شاب علي فخذه الأيسر توثة(1) مقدار قبضة الإنسان، وكانت في كل ربيع تتشقق ويخرج منها دم وقيح، ويقطعه آلمها عن كثير من أشغاله، فحضر إلي الحلة يوماً ودخل إلي مجلس السيد رضي الدين علي بن طاووس وشكا إليه ما يجده ، فأحضره له السيد أطباء الحلة وآراهم الموضع فقالوا: هذه التوثة فوق العرق الأكحل، وعلاجها خطر، فمتي قطعت خيف أن ينقطع العرق فيموت.

فقال له السيد: أنا متوجه إلي بغداد، وربما كان أطباؤها أعرف

ص: 15


1- التوثه أو التوثة: خمة متدلية كالتوت، قد تكون حمراء. وقد تصير سوداء.

وأحذق من هؤلاء، فاصحبني، فصحبه فأحضر الأطباء فقالوا كما قال أولئك، فضاق صدره، فقال له السيد: إن الشرع قد فسح لك في الصلاة في هذه الثياب، وعليك الاجتهاد في الاحتراس.

فقال والدي: إذا كان الأمر هكذا وقد حصلت في فأتوجه إلي زيارة المشهد الشريف بسر من رأي، ثم توجه إلي هناك.

يقول صاحب (كشف الغمة): حدثني ولده قال : قال لي أبي:

لما دخلت المشهد وزرت الإمامين الهمامين علي النقي والحسن العسكري (عليهما السلام) نزلت السرداب ، وأستغثت بالله تعالي وبصاحب الأمر (عليه السلام)، وقضيت الليل في السرداب ، حتي إذا كان الصباح مضيت إلي دجلة فاغتسلت وغسلت ثيابي، وملأت إبريقاً كان معي وصعدت أريد المشهد لمعاودة الزيارة، فرأيت أربعة فرسان خارجين من باب السور وكان حول المشهد قوم من الشرفاء يرعون أغنامهم، فحسبتهم منهم، فالتقينا فرأيت شابين يتقلد كل منهما سيفاً، وشيخاً منقباً بيده رمح. والآخر متقلد بسيف وعليه فرجية ملونة فوق السيف، وهو متحنك بعذبته فوقف الشيخ صاحب الرمح بين الطريق، و وضع كعب رمحه في الأرض ووقف الشابان عن يسار الطريق ، وبقي صاحب الفرجية علي الطريق ، مقابلاً لي، ثم سلموا علي فرددت .

ص: 16

(عليهم السلام)، فقال لي صاحب الفرجية: أتروح إلي أهلك غداً؟ ، قلت: نعم، قال: تقدم حتي أبصر ما يوجعك.

قال : فكرهت ملامستهم، وقلت في نفسي: أهل البادية ما يكادون يحترزون من النجاسة، وأنا قد خرجت من الماس و قميصي مبلول . ثم إنني مع ذلك تقدمت إليه، فلزمني بيدي، ومدني إليه، وجعل يلمس جانبي من كتفي إلي أن أصابت يده التوثة. فعصرها بيده فأوجعني، ثم استوي في سرج فرسه كما كان ، فقال لي الشيخ: أفلحت يا إسماعيل !

فتعجبت من معرفته باسمي، فقلت: أفلحنا وأفلحتم إن شاء الله، فقال: هذا هو الإمام، فتقدمت إليه فاحتضنته وقبلت فخذه، ثم إنه ساق وأنا أمشي معه محتضنه فقال: إرجع ، فقلت: لا أفارقك أبداً ! فقال : المصلحة رجوعك، فأعدت عليه مثل القول الأول، فقال الشيخ: ما تستحيي ! يقول لك الإمام مرتين: إرجع ، وتخالفه؟!

فجبهني بهذا القول فوقفت، فتقدم خطوات والتفت إلي وقال إذا وصلت بغداد فلا بد أن يطلبك أبو جعفر، يعني الخليفة المستنصر فإذا حضرت عنده وأعطاك شيئاً فلا تأخذه ، وقل لولدنا الرضي ليكتب لك إلي علي بن عوض، فإنني أوصيه يعطيك الذي تريد.

ثم سار وأصحابه معه، فلم أزل قائماً أبصرهم حتي بعد وا، وحصل

ص: 17

عندي أسف لمفارقته، فقعدت علي الأرض ساعة، ثم مشيت إلي المشهد، فاجتمع القوام حولي وقالوا: نري وجهك متغيراً، أوجعك شيء؟ ، قلت: لا، قالوا: خاصمك أحد؟، قلت: لا، ليس عندي مما تقولون خبر، لكن أسألكم: هل عرفتم الفرسان الذين كانوا عندكم، فقالوا: هم من الشرفاء أرباب الغنم، فقلت: بل هو الإمام (عليه السلام)، فقالوا: الإمام هو الشيخ أو صاحب الفرجية؟، فقلت: هو صاحب الفرجية، فقالوا: أريته المرض الذي فيك؟، فقلت: هو قبضه بيده وأوجعني، ثم كشفت رجلي فلم أر لذلك المرض أثراً، فتداخلني الشك من الدهش، فأخرجت رجلي الأخري فلم أر شيئاً، فانطبق الناس علي ومزقوا قميصي، فأدخلني القوام خزانة ومنعوا الناس عني.

وكان ناظر «بين النهرين» بالمشهد، فسمع الضجة وسأل عن الخبر فعرفوه، فراح ليكتب الواقعة، وبت في المشهد، وصليت الصبح وخرجت، وخرج الناس معي إلي أن بعدت عن المشهد، فرجعوا عني، ووصلت إلي «أواني»(1) فبت بها وبكرت منها أريد بغداد، فرأيت الناس مزدحمين علي القنطرة العتيقة يسألون كل من ورد عليهم عن اسمه ونسبه وأين كان، فسألوني عن اسمي ومن أين جئت فعرفتهم، فاجتمعوا علي ومزقوا ثيابي، وكادت روحي تفارق مني

ص: 18


1- أواني، بالألف المقصورة : بلدة في ناحية بغداد

الجسد. وكان ناظر بين النهرين» كتب إلي بغداد وعرفهم الحال ، وخرج السيد رضي الدين ومعه جماعة، فردوا الناس عني، وسألني: أعنك يقولون؟، قلت: نعم، فنزل عن دابته وكشف فخذي فلم ير شيئاً، فغشي عليه ساعة، ثم انتبه فأخبرني أن الوزير طلبه وأدخلني علي الوزير، وكان قمياً، فقال له: يا مولاي، هذا أخي وأقرب الناس إلي قلبي.

فسألني الوزير عن القصة فحكيت له، فأحضر الأطباء الذين أشرفوا علي علتي فسألهم عنها وعن مداواتها فقالوا: ما دواؤها إلا القطع ، ومتي قطعها مات، فقال: فبتقدير أن يقطع ولا يموت، في كم تبرأ؟ فقالوا: في شهرين، ويبقي في مكانها حضيرة بيضاء لا ينبت فيها شعر ، الفخذ التي كان فيها الألم فإذا هي مثل أختها ليس فيها أثر أصلاً.

فصاح أحد الأطباء - وكان نصرانياً - : هذا والله من عمل المسيح ! فقال الوزير : حيث لم يكن عملكم فنحن نعرف من عملها.

ثم إن الوزير بعث بي إلي الخليفة المستنصر، فسألني عن القصة فعرفته بها كما جرت، فتقدم لي بألف دينار فقال: خذ هذه فأنفقها۔ فقلت: ما أجسر أخذ منها حبة واحدة ، فقال : من تخاف ؟، فقلت: من

ص: 19

الذي فعل بي هذا، قال لي: لا تأخذ من أبي جعفر شيئاً، فبكي الخليفة ، وخرجت من عنده ولم آخذ شيئاً.

يقول صاحب (كشف الغمة): كان من محاسن ما اتفق لي أني كنت يوماً أحكي هذه القصة لجماعة عندي، وكان شمس الدين محمد ولد إسماعيل عندي وأنا لا أعرفه، فلما انقضت الحكاية قال: أنا ولده لصلبه فعجبت من هذا الاتفاق وقلت له: هل رأيت فخذه وهي مريضة ؟ فقال: لا، فقد كنت صغيراً، ولكني رأيتها بعدما صلحت، ولا أثر فيها، وقد نبت في موضعها شعر؛ وكان أبي يحضر إلي بغداد كل سنة ويزور سر من رأي كل يوم من إقامته هناك عله يفوز برؤيته (عليه السلام) فلم يكتب له ذلك، وقد زار سامراء أربعين مرة، ثم مات رحمه الله بحسرته.

ص: 20

الحكاية الثانية: تأثير رقعة الاستغاثة

وهي قصة العابد الصالح التقي المرحوم السيد محمد بن السيد عباس العاملي، الساكن أيام حياته في قرية «جبشيت»(1) من قري جبل عامل؛ هو من بني أعمام السيد النبيل والعالم المتبحر الجليل السيد صدر الدين العاملي الأصفهاني، صهر شيخ فقهاء عصره الشيخ جعفر النجفي أعلي الله مقامهما.

و كان من قصة السيد محمد المكور انه من كثرة تعدي اهل الجور عليه(2) خرج من وطنه خائفاً هارباً من شدة فتره وقلة بضاعته، فلم يكن عنده يوم خروجه إلآ ما يسد قوت يومه، وأن متعففاً لا يسأل أحداً.

وساح في الأرض من دهره، ورأي في أيام سياحته في نومه ويقظته عجائب كبيرة؛ إلي أن انتهي أمره إلي مجاورة النجف الأشرف، وسكن في بعض الحجرات الفوقانية من الصحن المقدس، وكان في

ص: 21


1- جبشيت: اسم مختصر من «جب شيث نبي الله» وهو اسم بنر هناك تنسب إلي ذلك النبي (عليه السلام )
2- كانوا يريدون إدخاله في سلك عسكر هم

شدة الفقر، ولم يكن يعرفه بتلك الصفة إلا قليل، حتي توفي رحمه الله في النجف الأشرف بعد خمس سنوات من يوم خروجه من قريته.

قال الراوي: وكان أحياناً يراودني، وكان كثير العقة والحياء، يحضر عندي أيام إقامة التعزية، وربما استعار مني بعض كتب الأدعية، وكان كثيراً ما لا يتمكن لقوته إلا علي تميرات، وكان يواظب علي الأدعية المأثورة لسعة الرزق، حتي أنه ما ترك شيئاً من الأذكار المروية والأدعية المأثورة.

واشتغل بعض أيامه علي عرض حاجته علي صاحب الزمان (عليه السلام) أربعين يوماً، فكان يكتب حاجته، ويخرج كل يوم قبل طلوع الشمس من البلد، من الباب الصغير الذي يخرج منه إلي البحر، ويبعد عن طرف اليمين مقدار فرسخ أو أزيد، بحيث لا يراه أحد، ثم يضع عريضته في بندقه من طين، ويودعها أحد نوابه (عليه السلام)، ويرميها في الماء إلي أن مضي عليه ثمانية أو تسعة وثلاثون يوماً.

قال يوماً بعد رجوعه: كنت في غاية الملالة وضيق الخلق، أمشي مطرقاً رأسي، فإذا أنا برجل كأنه لحق بي من ورائي، وكان في زي العرب ، فسلم علي، فرددت عليه السلام؛ بأقل ما يرد، وما التفت إليه لضيق خلقي ، فسايرني مقداراً وأنا علي حالي ، فقال بلهجة أهل قريتي:

ص: 22

سيد محمد، ما حاجتك؟، يمضي عليك ثمانية أو تسعة وثلاثون يوما تخرج قبل طلوع الشمس إلي المكان الفلاني، وترمي العريضة في الماء، تظن أن إمامك ليس مطلعاً علي حاجتك.

حاجتك.

قال: فتعجبت من ذلك لأني لم أطلع أحداً علي شغلي، ولا أحد راني، ولا أحد من أهل جبل عامل في المشهد لم أعرفه، خصوصا أنه لا بس الكفية والعقال وليس مرسوماً في بلادنا، فخطر في خاطري وصولي إلي المطلب الأقصي، وفوزي بالنعمة العظمي، وأنه الحجة علي البرايا إمام العصر، روحي له الفداء.

وكنت سمعت قديمة أن يده المباركة من النعومة بحيث لا تبلغها يد أحد من الناس، فقلت في نفسي: أصافحه، فإن كانت يده كما سمعت أصنع ما يحق بحضرته، فمددت يدي وأنا علي حالي لمصافحته، فمد يده المباركة فصافحته فإذا يده كما سمعت، فتيقنت الفوز والفلاح، فرفعت رأسي، ووجهت له وجهي، وأردت تقبيل يده المباركة، فلم أر أحداً

ص: 23

الحكاية الثالثة: شرف السيد المتقي العاملي بلقائه (عليه السلام)..

وردت المشهد الرضوي المقدس للزيارة، وأقمت فيه مدة، وكنت في ضنك وضيق مع وفور النعمة ورخص أسعارها، ولما أردت الرجوع مع سائر الزائرين لم يكن عندي شيء من الزاد، حتي قرص لقوت يومي فتخلفت عنهم، وبقيت إلي زوال الشمس، فزرت مولاي، وأديت فرض الصلاة، ورأيت أني لو لم ألحق بالقافلة فلن يتيسر لي رفقة عن قريب وإن بقيت أدركني الشتاء وساءت حالتي.

فخرجت من الحرم المطهر بعد أن دعوت وشكوت، وقلت في نفسي: أمشي علي أثرهم، فإن متّ جوعاَ استرحت، وإلا لحقت بهم، فخرجت من البلد وسألت عن الطريق، وصرت أمشي حتي غربت الشمس وما صادفت أحداَ فعلمت أني أخطأت الطريق، وأنا ببادية مهولة لا يري فيها سوي الحنظل، وقد أشرفت من الجوع والعطش علي الهلاك ، فصرت أكسر حنظلة حنظلة لعلي أظفر من بينها ببطيخة حتي كسرت نحواً من خمسمئة، فلم أظفر بها، وطلبت الماء والكلأ حتي جنني الليل، ويئست منهما، فأيقنت الفناء، واستسلمت للموت،

ص: 24

وبكيت علي حالي .

وتراءي لي مكان مرتفع فصعدته، فوجدت في أعلاه عيناً من الماء ، فتعجبت وشكرت الله عز وجل، وشربت الماء وقلت في نفسي: أتوضأ وأصلي لئلا ينزل بي الموت وأنا مشغول الذمة بهما، فبادرت إليهما.

فلما فرغت من العشاء الأخري وامتلأت البيداء بأصوات السباع وغيرها، وكنت أعرف من بينها صوت الأسد والذئب، وأري أعين بعضها تتوقد كأنها السراج، فزادت وحشتي، إلا أني كنت مستسلماً للموت، فأدركني النوم لكثرة التعب، وما أفقت إلآ والأصوات قد خمدت والدنيا بنور القمر قد أضاءت وأنا في غاية الضعف، فرأيت فارساً مقبلاً علي، فقلت في نفسي: إنه يقتلني لأنه يريد متاعي فلا يجد شيئاً عندي، فيغضب لذلك فيقتلني، ولا أقل من أن تيصيبني منه جراحة.

فلما وصل إلي سلم علي، فرددت عليه السلام، وطابت منه نفسي، فقال : مالك ؟، فأومأت إليه بضعفي، فقال : عندك ثلاث بطيخات، لم لا تأكل منها؟، فقلت: لا تستهزئ بي ودعني في حالي، فقال لي: انظر وراءك، فنظرت فرأيت شجرة بطيخ عليها ثلاث بطيخات كبار ، فقال : سد جوعك بواحدة، وخذ معك اثنتين، وعليك بهذا الصراط

ص: 25

المستقيم فامش عليه، وكل نصف بطيخة أول النهار والنصف الآخر عند الزوال، واحفظ بطيخة فإنها تنفعك، فإذا غربت الشمس تصل إلي خيمة سوداء يوصلك أهلها إلي القافلة، وغاب عن بصري.

فقمت إلي تلك البطيخات فكسرت واحدة منها فرأيتها في غاية الحلاوة واللطافة، كأني ما أكلت مثلها، فأكلتها، وأخذت معي الاثنتين، ولزمت الطريق، وجعلت أمشي حتي طلعت الشمس ومضي علي طلوعها مقدار ساعة، فكسرت واحد منهما وأكلت نصفها، وسرت إلي زوال الشمس فأكلت النصف الآخر، وأخذت الطريق .

فلما قرب الغروب بدت لي تلك الخيمة، ورآني أهلها فبادروا إلي وأخذوني بعنف وشدة، وذهبوا بي إلي الخيمة كأنهم زعموني جاسوساً، وكنت لا أعرف التكلم إلا بلسان العرب، ولا يعرفون لساني ، فأتوا بي إلي كبيرهم، فقال لي بشدة وغضب ، من أين جئت؟ تصدقني وإلا قتلتك، ورحنا نتبادل التخاطب بكل حيلة حتي شرحت له حالي، فقال: أيها السيد الكذاب ، لا يعبر من الطريق الذي تدعيه متنفس إلا تلف: أو أكله السباع ، ثم إنك كيف قدرت علي تلك المسافة البعيدة في الزمان الذي تذكره، ومن هذا المكان إلي المشهد المقدس مسيرة ثلاثة أيام؟! اصدقني وإلا قتلتك، وشهر سيفه في وجهي .

فبدا له البطيخ من تحت عباءتي، فقال: ما هذا؟، فقصصت عليه

ص: 26

قصته، فقال الحاضرون: ليس في هذه الصحراء بطيخ، خصوصاً هذه البطيخة التي ما رأينا مثلها أبداً.

ثم رجعوا إلي أنفسهم، وتكلموا فيما بينهم، وكأنهم علموا صدق مقالتي، وأن هذه معجزة من الإمام (عليه السلام)، فأقبلوا علي، وقبلوا يدي، وصدروني في مجلسهم، وأكرموني غاية الإكرام، وأخذوا لباسي تبركاً به، وكسوني ألبسة جديدة فاخرة، وأضافوني يومين وليلتين.

فلما كان اليوم الثالث أعطوني عشرة توامين، ووجهوا معي ثلاثة منهم حتي أدركت القافلة .

ص: 27

الحكاية الرابعة: الإمام المهدي ( عليه السلام) والحجر الأسود..

إن القرامطة بعد أن قلعوا الحجر الأسود أثناء هجومهم علي مكة المكرمة عام 317ه، ونقلوه إلي هجر، وكان ذلك إبان الغيبة الصغري، بقي الحجر لديهم ثلاثين عاماً أو يزيد. وأرجعوه إلي مكة عام 339 أو عام 337. فكان المهدي (عليه السلام) هو الذي وضعه في مكانه وأقره علي وضعه السابق، كما ورد في أخبارنا.

قال الراوي: لما وصلت إلي بغداد في سنة سبع وثلاثين وثلاثمائة عزمت علي الحج وهي السنة التي رد القرامطة فيها الحجر في مكانه إلي البيت . كان أكثر همي الظفر بمن ينصب الحجر، لأنه يمضي في أبناء الكتب قصة أخذه ، فإنه لا يضعه في مكانه إلا الحجة في الزمان. كما في زمان الحجاج وضعه زين العابدين (عليه السلام) في مكانه .

وأوضح الراوي بأن الناس فشلوا في وضعه في محله، وكلما وضعه إنسان اضطرب الحجر ولم يستقم. فأقبل غلام أسمر اللون حسن الوجه فتناوله فوضعه في مكانه، فاستقام كأنه لم يزل عنه ، وعلت لذلك الأصوات.

ص: 28

ثم أن المهدي (عليه السلام)، خرج من المسجد ولاحقه الراوي طالباً منه حاجة، فقضاها له، وأقام الدلالة ساعتئذ علي حقيقته .

ص: 29

الحكاية الخامسة: تشرف السيد عطوة الحسني بلقائه (عليه السلام)..

يقول العالم الفاضل الألمعي علي بن عيسي الإربلي صاحب (كشف الغمة ): حكي لي السيد باقي بن عطوة العلوي الحسني قال :

كان أبي عطوة زيدي المذهب، وكان يشكو علة عجز الأطباء عن علاجها و كان ينكر علينا نحن بنيه الميل إلي مذهب الإمامية ويقول: لا أصدقكم ولاأقول بمذهبكم حتي يجيء صاحبكم - يعني المهدي (عليه السلام) - فيبرئني من هذا المرض، ولا يفتأ يكرر هذا القول.

فبينا نحن مجتمعون عند وقت العشاء الأخري ذات ليلة إذا أبونا يصيح ويستغيث بنا، فأتيناه سراعاً فقال : إلحقوا صاحبكم فالساعة خرج من عندي، فخرجنا فلم نري أحداً، فعدنا إليه وسألناه فقال: إنه دخل إلي شخص وقال: يا عطوة، فقلت: من أنت؟، فقال: أنا صاحب بنيك قد جئت لأبرئك مما بك، ثم مد يده فعصر موضع الألم عندي ومشي، ومددت يدي فلم أجد لما بي أثراً.

قال لي ولده: وبقي مثل الغزال ليس به علة، واشتهرت هذه القصة، وسألت عنها غير ابنه فأخبروني وأقروا بها.

ص: 30

الحكاية السادسة: في ذكر دعاء العبرات

قال آية الله العلامة الحلي (رحمه الله) في كتاب (منهاج الصلاح) في شرح دعاء العبرات:

الدعاء المعروف هو مروي عن الصادق جعفر بن محمد (عليه السلام) وله - من جهة السيد السعيد رضي الدين محمد بن محمد بن محمد الأوي قدس الله روحه - حكاية معروفة بخط بعض الفضلاء، في هامش ذلك الموضع من(المنهاج) روي المولي السعيد فخر الدين محمد بن الشيخ الأجل جمال الدين، يعني العلامة، الذي روي عن والده عن جده الفقيه سديد الدين يوسف عن السيد الرضي المذكور أنه كان مأخوذاً (أي مسجوناً) عند أمير من أمراء السلطان جرماغون مدة طويل مع شدة وضيق، فرأي في نومه الخلف الصالح المنتظر ، فبكي وقال : يا مولاي، اشفع في خلاصي من هؤلاء الظلمة، فقال (عليه السلام): ادع بدعاء العبرات، فقال : ما دعاء العبرات؟، فقال (عليه السلام): إنه في مصباحك، فقال: يا مولاي، ما في مصباحي دعاء، فقال (عليه السلام): أنظر تجده ، فانتبه من منامه، وصلي

ص: 31

الصبح، وفتح المصباح فلقي ورقة مكتوباً فيها هذا الدعاء بين الأوراق فدعا به أربعين مرة. وكان لهذا الأمير امرأتان، إحداهما عاقلة مدبرة، وهو كثير الاعتماد عليها، فجاء الأمير في نوبتها فقالت له: أخذت أحداً من أولاد أمير المؤمنين علي (عليه السلام)؟، فقال لها: لم تسألين عن ذلك؟، فقالت: رأيت شخصاً كأن نور الشمس يتلألأ من وجهه، فأخذ بخلقي بين أصبعيه ثم قال : أري بعلك أخذ ولدي وهو يضيق عليه في المطعم والمشرب ، فقلت له: يا سيدي، من أنت؟، قال : أنا علي بن أبي طالب ، قولي له: إن لم تخل عنه لأُخَربَنَّ بيته .

فشاع هذا المنام وبلغ السلطان، فقال: ما أعلم ذلك، وطلب نوابه فقال : من عندك مأخوذ؟، فقالوا: الشيخ أمرت بأخذه، فقال: خلوا سبيله، وأعطوه فرساً يركبها ودلوه علي الطريق وليمض إلي بيته .

ص: 32

الحكاية السابعة: حكاية الحرز اليماني

رواها العلامة المجلسي في (البحار) عن والده، وأنا الحقير رأيت بخط والده الملا محمد التقي رحمه الله في ظهر الدعاء المعروف بالحرز اليماني قصة أكثر بسطاً مما هو مذكور هنا، مع إجازة لبعضهم، وها أنذا أنقل ترجمتها:

بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين، والصلاة علي أشرف المرسلين محمد (صلي الله عليه وآله وسلم)، وبعد:

فقد التمس متي السيد النجيب الأديب الحسيب زبدة السادات العظام والنقباء الكرام الأمير محمد هاشم أدام الله تعالي تأييده بجاه محمد وآله الأقدسين أن أجيز له الحرز اليماني المنسوب إلي أمير المؤمنين وإمام المتقين، وخير الخلائق بعد سيد المرسلين صلوات الله وسلامه عليهما ما دامت الجنة مأوي الصالحين، فأجزته دام تأييده ، وما يرويه من الدعاء هو مني بإسنادي عن السيد العابد الزاهد الأمير إسحاق الأسترابادي، المدفون بقرب سيد شباب أهل الجنة أجمعين - بكربلاء - عن مولانا ومولي الثقلين ، خليفة الله تعالي صاحب العصر

ص: 33

والزمان صلوات الله وسلامه عليه وعلي آبائه الأقدسين.

وقال السيد: كنت في الطريق إلي مكة فتأخرت عن القافلة، ويئست من الحياة فنمت علي ظهري كالمحتضر، وأخذت في قراءة الشهادة ، وإذا بي أري فوق رأسي مولانا ومولي العاملين، خليفة الله علي الناس أجمعين، فقال لي: قم يا إسحاق ، فقمت وكنت عطشان فسقاني حتي رويت، وأردفني خلفه، فأخذت في قراءة الحرز اليماني، وهو (عليه السلام) يصححه لي في بعض المواضع حتي أكملته، فإذا أنا بالأبطح، فقال: انزل فلما نزلت غاب عتي، فلما كان بعد تسعة أيام وصلت القافلة، واشتهرت بين أهل مكة أني أتيت بطي الأرض، وبعد أداء المناسك تواريت عن الناس.

يقول الشيخ عباس القمي (رحمه الله): وكان هذا السيد قد حج أربعين حجة ماشياً، فلما تشرفت بلقائه في اصفهان عندما قدم من كربلاء قاصداً زيارة مولي الكونين الإمام علي بن موسي الرضا(صلوات الله عليهما)، وكان في ذمته مهر زوجته سبعة تومانات كانت مودعه عند شخص من ساكني المشهد الرضوي فرأي في نومه أموت هناك، وأخاف أن يأتيني الموت من مكان غيره ، فلما علم بحاله بعضإخواننا أعطاه ذلك المبلغ، وبعث معه بعض إخواننا في الله.

ص: 34

قال ذلك الأخ: لما بلغ السيد كربلاء وأدي الدين الذي عليه وقع مريضاً، وتوفي في اليوم السابع في منزله.

وقد رأيت منه أمثال هذه الكرامات خلال إقامته في إصفهان، (رضي الله عنه)، ولي إجازات كثيرة لهذا الدعاء، لكني اقتصرت علي هذا، وأرجو أنه - دام تأييده - لا ينساني في مظان الدعوات ، والتمس منه أن لا يدعو بهذا الدعاء إلا لله تبارك وتعالي وأن لا يدعو به لهلاك عدوه إن كان ذا إيمان، ولو كان فاسقاً أو ظالماً، وأن لا يدعو به لأجل الدنيا الدنية كلها. بل يجدر الدعاء به، التماساً للتقرب من الله تبارك وتعالي، ودفعاً لضرر شياطين الإنس والجن عنه وعن جميع المؤمنين، فإن أمكنه أن ينوي القربة في هذا. وإلا فالأولي ترك جميع المطالب غير القرب من الله تعالي شأنه.

نمقه بيمناه الداثرة أحوج المربوبين إلي رحمة ربه الغني محمد تقي بن المجلسي الإصفهاني حامداً الله تعالي، ومصلياً علي سيد الأنبياء، وأوصيائه النجباء الأصفياء. قال والد شيخي: فأخذت منه هذه النسخة من الدعاء علي تصحيح الإمام (عليه السلام) وأجازني بروايته عن الإمام (عليه السلام)؛ وهو أجاز ولده الذي هو شيخي المذكور طاب ثراه، وكان ذلك الدعاء من حملة إجازات شيخي لي، وقد مضي علي، وأنا أدعو به أربعون سنة، ورأيت منه خيراً وفيراً.

ص: 35

ثم ذكر قصة منام السيد، وأنه قيل له في المنام: عجل بالذهاب إلي كربلاء فقد دنا أهلك، وهذا الدعاء موجود بالنحو المذكور في المجلد التاسع عشر من (بحار الأنوار).

ص: 36

الحكاية الثامنة: وتشتمل علي أدعية الفرج..

ذكر السيد رضي الدين علي بن طاووس في كتاب (فرج المهوم) وذكر العلامة المجلسي في (البحار) عن كتاب (الدلائل) للشيخ أبي جعفر محمد بن جرير الطبري أنه قال:

حدثنا أبو جعفر محمد بن هارون بن موسي التلعكبري قال: حدثني أبو الحسين بن أبي البغل الكاتب قال:

تقلدت عملا من أبي منصور بن صالحان، وجري بيني وبينه ما أوجب استشاري فطلبني وأخافني، فمكثت مستترة خائفاً، ثم قصدت مقابر قريش (أي: مرقد الكاظم (عليه السلام) ليلة الجمعة، واعتمدت المبيت هناك للدعاء والمسألة، وكانت ليلة ريح ومطر، فسألت أبا جعفر القيم أن يغلق الأبواب ، وأن يجتهد في خلوة الموضع لأخلو بما أريده من الدعاء والمسألة، وآمن من دخول إنسان ما لم آمنه، وخفت من لقائي له، ففعل وقفل الأبواب ، وانتصف الليل، وورد من الريح والمطر ما قطع الناس عن الموضع ، ومكثت أدعو وأزور وأصلي.

فبينا أنا كذلك إذ سمعت وطأ عند مولانا موسي (عليه السلام)،

ص: 37

وإذا رجل يزور، فسلم علي آدم وأولي العزم، ثم الأئمة واحداً واحداً إلي أن انتهي إلي صاحب الزمان (عليه السلام) فلم يذكره ، فعجبت من ذلك وقلت: لعله نسي أو لم يعرف، أو هذا مذهب الرجل.

فلما فرغ من زيارته صلي ركعتين، وأقبل إلي عند مولانا أبي جعفر (عليه السلام)، فزار مثل تلك الزيارة وذلك السلام، وصلي ثياب بيض وعمامة، محنك بذؤابة، ورداه علي كتفه مسبل، فقال: يا أبا الحسن بن أبي البغل أين أنت من دعاء الفرج؟، فقلت: وما هو يا سيدي ؟، فقال: تصلي ركعتين وتقول:

«يا من أظهر الجميل وستر القبيح، يا من لم يؤاخذ بالجريرة، ولم يهتك الستر، يا عظيم المن، يا كريم الصفح، يا حسن التجاوز، يا واسع المغفرة، يا باسط اليدين بالرحمة يا منتهي كل نجوي، يا غاية كل شكوي، يا عون كل مستعين، يا مبتدئاً بالنعم قل استحقاقها يا رباه (عشرة مرات) يا غاية رغبتاه (عشرة مرات) أسألك بحق هذه الأسماء وبحق محمد وآله الطاهرين (عليهم السلام) إلا ما كشفت كربي، ونفست همي وفرجت غمي وأصلحت حالي».

وتدعو بعد ذلك ما شئت، وتسأل حاجتك، ثم تضع خدك الأيمن

ص: 38

علي الأرض وتقول مئة مرة في سجودك:

«يا محمد يا علي يا علي يا محمد، أكفياني فإنكما كافياي ، وانصراني فإنكما ناصراي».

وتضع خدك الأيسر علي الأرض، وتقول مئة مرة:

«أدركني»، وتكررها كثيراً وتقول: «الغوث الغوث الغوث» حتي ينقطع النفس وترفع رأسك، فإن الله بكرمه يقضي حاجتك إن شاء الله.

فلما شغلت بالصلاة والدعاء خرج. فلما فرغت خرجت إلي أبي جعفر لأسأله عن الرجل، وكيف دخل، فرأيت الأبواب علي حالها مغلقه مقفلة، فعجبت من ذلك وقلت:

لعله بات ههنا ولم أعلم، فانتهيت إلي أبي جعفر القيم، فخرج إلي من بيت الزيت (أي الحجرة حيث محل زيت السراج) فسألته عن الرجل ودخوله فقال: الأبواب مقفله كما تري ما فتحتها، فحدثته بالحديث فقال: هذا مولانا صاحب الزمان (صلوات الله عليه) وقد شاهدته مراراً في مثل هذه الليلة عند خلو المرقد من الناس.

فتأسفت علي ما فاتني منه، وخرجت عند اقتراب الفجر، وقصدت

ص: 39

الكرخ إلي الموضع الذي كنت مستتراً فيه. فما أضحي النهار إلا وأصحاب ابن الصالحان يلتمسون لقائي ويسألون عني أصدقائي عنده ، فقام والتزمني وعاملني بما لم أعهده منه، وقال:

انتهت بك الحال أن تشكوني إلي صاحب الزمان (صلوات الله عليه)؟، فقلت: قد كان متي دعاء ومسألة، فقال: ويحك، رأيت البارحة مولاي صاحب الزمان (صلوات الله عليه) في النوم، يعني ليلة الجمعة، وهو يأمرني بكل جميل، ويجفو علي جفوة خفتها.

فقلت: لا إله إلا الله، أشهد أنهم الحق ومنتهي الحق، رأيت البارحة مولانا في اليقظة، وقال لي كذا وكذا، وشرحت ما رأيته في المشهد، فعجب من ذلك؛ وجرت منه بحقي أمور عظام حسان بهذا المعني، وبلغت منه غاية ما لم أظنه، ببركة مولانا صاحب الزمان صلوات الله عليه .

ص: 40

الحكاية التاسعة: تشرف الشريف عمر بن حمزة بلقائه (عليه السلام)..

قال الشيخ الجليل والأمير الزاهد ورام بن أبي فراس في آخر المجلد الثاني في كتاب (تنبيه الخاطر): حدثني السيد الجليل الشريف أبو الحسن علي بن إبراهيم العريضي العلوي الحسيني عن علي بن علي بن نما قال: حدثنا الحسن بن علي بن حمزة الاقساسي في دار الشريف علي بن جعفر بن علي المدائني العلوي قال:

كان بالكوفة شيخ قصار، وكان موسوماً بالزهد، منخرطاً في سلك السياحة، متبتلاً للعبادة ، مقتفياً للآثار الصالحة؛ فاتفق يوماً أنني كنت بمجلس والدي، وكان هذا الشيخ يحدثه وهو مقبل عليه.

قال الشيخ: كنت ذات ليلة بمسجد جعفي، وهو مسجد قديم في ظاهر الكوفة، وقد انتصف الليل، وأنا بمفردي فيه للخلوة والعبادة. إذا أقبل علي ثلاثة أشخاص فدخلوا المسجد، فلما توسطوا صرحته جلس أحدهم ثم مسح الأرض بيده يمنة ويسرة، فخضخض الماء ونبع ، فأسبغ الوضوء منه، ثم أشار إلي الشخصين الأخريين بإسباغ الضوء فتوضأ . ثم تقدم فصلي بهما إماماً، فصليت معهم مؤتماً به. فلما سلم وقضي

ص: 41

صلاته بهرني حاله، واستعظمت فعله من إنباع الماء، فسألت الشخص الذي كان منهما علي يميني عن الرجل فقلت له: من هذا؟، فقال لي: هذا صاحب الأمر ولد الحسن (عليه السلام). فدنوت منه وقبلت يديه، وقلت له: يا ابن رسول الله، ما تقول في الشريف عمر بن حمزة. هل هو علي الحق؟، فقال:لا، وربما اهتدي، إلا أنه لا يموت حتي يراني.

قال: فاستطرفنا هذا الحديث من الشيخ، فمضت برهة طويلة فتوفي الشريف عمر ولم يسمع أنه لقيه، فلما اجتمعت بالشيخ الزاهد أذكرته بالحكاية التي كان ذكرها، وقلت له مثل الراد عليه: أليس كنت ذكرت أن هذا الشريف لا يموت حتي يري صاحب الأمر الذي أشرت إليه؟ فقال لي: ومن أين علمت أنه لم يره ؟.

ثم إنني اجتمعت فيما بعد بالشريف بي المناقب ولد الشريف عمر بن حمزة، وتفاوضنا أحاديث والده ، فقال : إنا كنا ذات ليلة في آخر الليل عند والدي وهو في مرضه الذي مات فيه، وقد سقطت قوته، وخفت صوته، والأبواب مغلقة علينا، إذ دخل علينا شخص هبناه واستطرفنا دخوله، وذهلنا عن سؤاله، فجلس إلي جنب والدي وجعل يحدثه ملياً، ووالدي يبكي، ثم نهض.

فلما غاب عن أعيننا تحامل والدي وقال: أجلسوني، فأجلسناه وفتح

ص: 42

عينيه وقال: أين الشخص الذي كان عندي؟، فقلنا: خرج من حيث أتي : فقال: أطلبوه فذهبنا في أثره فوجدنا الأبواب مغلفة، ولم نجد له أثراً، فعدنا إليه فأخبرناه بحاله، وأنا لم نجده، وسألناه عنه، فقال: هذا صاحب الأمر. ثم عاد إلي ثقله في المرض، وأغمي عليه.

ص: 43

الحكاية العاشرة: حكاية أبي راجح الحمامي

ذكر العلامة المجلسي (ره) في (البحار) نقلاً عن كتاب (السلطان المفرج عن أهل الإيمان) تأليف العالم الكامل السيد علي بن عبد الحميد النيلي النجفي، قال علي بن عبد الحميد عند ذكر من رأي القائم (عليه السلام):

فمن ذلك ما اشتهر وذاع، وملأ البقاع، وشهد بالعيان أبناء الزمان وهو قصة أبي راجح الحمامي بالحلة، وقد حكي ذلك جماعة من الأعيان الأماثل، وأهل الصدق الأفاضل، ومنهم الشيخ الزاهد العابد المحقق شمس الدين محمد بن قارون سلمه الله تعالي، قال:

كان الحاكم بالحلة شخصاً يدعي مرجان الصغير، وكان ناصبياً، فرفع إليه أن أبا راجح هذا يسب الصحابة، فأحضره وأمر بضربه، فضرب ضرباً شديداً مهلكاً علي جميع بدنه، حتي أنه خرب علي وجهه فسقطت ثناياه، وأخرج لسانه فجعل فيه مسلة من الحديد وخرق أنفه ووضع فيه حبل من الشعر، وشد فيه حبل آخر وآمر بأن يجر منه فيدار

ص: 44

به في أزقة الحلة، فداروا به والضرب يأخذ من جميع جوانبه حتي سقط إلي الأرض وعاين الهلاك .

وأخبر الحاكم بذلك فأمر بقتله، فقال الحاضرون: إنه شيخ كبير ، وقد حصل له ما يكفيه، وهو ميت لما به، فاتر كه يموت حتف أنفه، ولا تتقلد بدمه؛ وبالغوا في ذلك حتي أمر بتخليه وقد انتفخ وجهه ولسانه؛ فنقله أهله، ولم يشك أحد أنه يموت من ليلته.

فلما كان من الغد غدا عليه الناس فإذا هو قائم يصلي علي أتم حالة ، وقد عادت ثناياه التي سقطت كما كانت، واندملت جراحاته ولم يبق لها أثر، والشجة قد زالت من وجهه.

فعجب الناس من حاله وسألوه عن أمره فقال : إني لما عاينت الموت ولم يبق لي لسان أسال الله تعالي به فقد كنت أسأله بقلبي، واستغثت بسيدي ومولاي صاحب الزمان (عليه السلام)، فلما جن علي الليل إذا بالدار قد امتلأت نوراً، وإذا بمولاي صاحب الزمان قد أمر يده الشرفة علي وجهي وقال لي: اخرج وكد علي عيالك فقد عافاك الله تعالي، فأصبحت كما ترون.

وحكي الشيخ شمس الدين محمد بن قارون المذكور قال: وأقسم بالله تعالي إن أبا راجح هذا كان ضعيفاً جداً، ضعيف التركيب ، أصفر

ص: 45

اللون، شين الوجه مقرض اللحية، وكنت دائماً أدخل الحمام الذي هو فيه، وكنت دائماً أراه علي هذه الحالة وهذا الشكل، فلما أصبحت كنت ممن دخل عليه، فرأيته وقد اشتدت قوته، وانتصبت قامته، وطالت لحيته، واحمر وجهه، وعاد كأنه ابن عشرين سنة، ولم يزل علي ذلك حتي أدركته الوفاة.

ولما شاع هذا الخبر وذاع طلبه الحاكم وأحضره عنده ، وقد كان رآه بالأمس علي تلك الحالة وهو الآن علي ضدها كما وصفناه ، ولم ير لجراحاته أثراً، وثناياه قد عادت؛ فداخل الحاكم في ذلك رعب عظيم.

وكان يجلس في مقام الإمام (عليه السلام) في الحلة، ويعطي ظهره القبلة الشريفة، فصار بعد ذلك يجلس ويتقبلها، وعاد يتلطف بأهل الحلة، ويتجاوز عن مسيئهم، ويحسن إلي محسنهم، ولم ينفعه ذلك، بل لم يلبث في ذلك إلا قليلاً حتي مات.

ص: 46

الحكاية الحادية عشر: حكاية الكاشاني المريض وشفائه ببركته ( عليه السلام)..

وجاء في (البحار) أيضاً: أخبرني جماعة من أهل النجف الأشرف أن رجلاً من أهل كاشان أتي النجف متوجهاً إلي بيت الله الحرام، فاعتل علة شديدة حتي يبست رجلاه ولم يقدر علي المشي، فخلفه رفقاؤه عند رجل من الصلحاء كان يسكن في بعض حجرات المدرسة المحيطة بالروضة المقدسة، وذهبوا إلي الحج.

فكان هذا الرجل (النجفي) يغلق عليه الباب كل يوم ويذهب إلي الصحاري للتنزه، ولطلب الدراري التي تؤخذ منها: فقال له في بعض الأيام: إني قد ضاق صدري واستوحشت من هذا المكان، فاذهب بي اليوم واطرحني في مكان واذهب حيث شئت.

قال الكاشاني: فأجابني إلي ذلك، وحملني وذهب بي إلي مقام خارج النجف يقال له: مقام القائم (عليه السلام). فأجلسني هناك، وغسل قميصه في الحوض وطرحه علي شجرة كانت هناك، وذهب إلي الصحراء، وبقيت وحدي مغموماً أفكر في ما يؤول إليه أمري. فإذا أنا بشاب صبيح الوجه أسمر اللون، دخل الصحن، وسلم علي

ص: 47

وذهب إلي بيت المقام، وصلي عند المحراب ركعات بخضوع وخشوع لم أر مثله قط، فلما فرغ من الصلاة أتاني وسألني عن حالي، فقلت له: ابتليت ببلية ضقت بها، لا يشفيني الله فأسلم منها ولا يذهب بي فأستريح؛ فقال: لا تحزن سيعطيك الله كليهما، وذهب.

فلما خرج رأيت القميص وقد وقع علي الأرض، فقمت وأخذته وغسلته وطرحته علي الشجرة وتفكرت في أمري وقلت: كنت لا أقدر علي القيام والحركة، فكيف صرت هكذا؟!، فنظرت إلي نفسي فلم أجد شيئاً مما كان بي، فعلمت أنه كان القائم (صلوات الله عليه)، فخرجت فنظرت في الصحراء فلم أر أحداً، فندمت ندامة شديدة .

فلما أتاني صاحب الحجرة سألني عن حالي، وتحير في أمري، فأخبرته بما جري، فتحسر علي ما فات منه ومتي، ومشيت معه إلي الحجرة.

قال الرواة: وبقي الرجل سالماً حتي عاد الحاج وعاد رفقاؤه ، وكان معهم مدة ثم مرض ومات، ودفن في الصحن المقدس، وظهر صحة ما أخبره به (عليهالسلام) من وقوع الأمرين معاً.

ص: 48

الحكاية الثانية عشر: حكاية الرمان والوزير الناصبي بالبحرين

وجاء في ذلك الكتاب الشريف أيضاً أن بعض الأفاضل الكرام والثقاة الأعلام قال:

لما كانت بلدة البحرين تحت حكم الفرنجة جعلوا والياً عليها رجلاً من المسلمين ليكون ادعي إلي تعميرها وأصلح بحال أهلها، وكان هذا الوالي من النواصب، وله وزير أشد نصباً منه يظهر العداوة لأهل البحرين لحبهم لأهل البيت (عليهم السلام)، ويحتال في إهلاكهم والإضرار بهم بكل حيلة.

فلما كان في بعض الأيام دخل الوزير علي الوالي وبيده رمانة ، فاعطاها الوالي، فإذا مكتوب عليها:

«لا إله إلا الله، محمد رسول الله، وأبو بكر وعمر وعثمان وعلي خلفاء رسول الله».

فتأمل الوالي فرأي الكتابة من أصل الرمانة، بحيث لا يحتمل عنده أن تكون من صناعة البشر، فتعجب من ذلك، وقال للوزير: هذه أية

ص: 49

بينة وحجة قوية علي إبطال مذهب الرافضة، فما رأيك في أهل البحرين؟، فقال له: أصلحك الله، إن هؤلاء جماعة متعصبون، ينكرون البراهين، وينبغي أن تحضرهم وتريهم هذه الرمانة، فإن قبلوا ورجعوا إلي مذهبنا كان لك الثواب الجزيل بذلك، وإن أبوا إلا المقام علي ضلالتهم فخيرهم بين ثلاث: إمذا أن يؤدوا الجزية وهم صاغرون، أو يأتوا بجواب عن هذه الآية البينة التي لا محيص لهم عنها، أو تقتل رجالهم وتسبي نساءهم وأولادهم وتأخذ بالغنيمة أموالهم !!

فاستحسن الوالي رأيه، وأرسل إلي العلماء، والأفاضل الأخيار والنجباء، والسادة الأبرار من أهل البحرين وأحضرهم، وأراهم الرمانة، وأخبرهم بما رأي فيهم إن لم يأتوا بجواب شاف، من القتل والأسر وأخذ الأموال، أو أخذ الجزية علي وجه الصغار كالكفار ؛ فتحيروا في أمرهم، ولم يقدروا علي جواب ، وتغيرت وجوههم واتر عدت فرائضهم.

فقال كبراؤهم: أمهلنا أيها الأمير ثلاثة أيام لعلنا نأتيك بجواب ترتضيه، وإلا فاحكم فينا ما شئت، فأمهلهم، فخرجوا من عنده خائفين مرعوبين متحرين.

فاجتمعوا في ملجس وأجالوا الرأي في ذلك، فاتفق رأيهم علي أن

ص: 50

يختاروا من صلحاء البحرين وزهادهم عشرة، ففعلوا ثم اختاروا من العشر ثلاثة، فقالوا لأحدهم: أخرج الليلة إلي الصحراء واعبد الله فيها، واستغث بإمام زماننا وحجة الله علينا، لعله يبين لك ما هو المخرج من هذه الداهية الدهماء.

فخرج وبات طوال ليلته متعبداً خاشعاً داعياً باكياً، يدعو ويستغيث بالإمام (عليه السلام)، حتي أصبح ولم ير شيئاً. فأتاهم وأخبرهم، فبعثوا في الليلة الثانية الثاني منهم، فرجع كصاحبه، ولم يأتيهم بخبر ، فازداد قلقهم وجزعهم.

فأحضروا الثالث، وكان تقياً فاضلاً اسمه محمد بن عيسي، فخرج الليلة الثالثة حافياً حاسر الرأس إلي الصحراء، وكانت ليلة مظلمة . فدعا و بكي، وتوسل إلي الله تعالي في خلاص هؤلاء المؤمنين، وكشف هذه البلية عنهم، واستغاث بصاحب الزمان .

فلما كان في آخر الليل إذا هو برجل يخاطبه ويقول: يا محمد بن عيسي، مالي أراك علي هذه الحالة، ولماذا خرجت إلي هذه البرية؟، فقال له: أيها الرجل دعني، فإني خرجت لأمر عظيم وخطب لا أذكره إلآ لإمامي، ولا أشكوه إلا إلي من يقدر علي كشفه عني.

فقال: يا محمد بن عيسي، أنا صاحب الأمر، فاذكر حاجتك؛ فقال :

ص: 51

إن كنت هو فأنت تعلم قصتي، ولا تحتاج إلي أن أشرحها لك، فقال له: نعم، خرجت لما دهمكم من أمر الرمانة وما كتب عليها، وما أوعدكم الأمير به.

قال محمد بن عيسي : فلما سمعت ذلك توجهت إليه قلت له: نعم يا مولاي، لأنت تعلم ما أصابنا، وأنت إمامنا وملاذنا والقادر علي كشفه عنا.

فقال (صلوات الله عليه): يا محمد بن عيسي، إن الوزير لعنه الله في داره شجرة رمان فلما حملت تلك الشجرة صنع شيئاً من الطين علي هيئة الرمانة وجعلها نصفين وكتب في داخل كل نصف بعض تلك الكتابة، ثم وضعهما علي الرمانة، وشدهما، عليها وهي صغيرة فأثر فيها وصارت هكذا، فإذا مضيتم غداً إلي الوالي فقل له: جئتك بالجواب ، ولكني لا أبديه لك إلآ في دار الوزير، فإذا مضيتم إلي داره فانظر عن يمينك فتري غرفة، فقل للوالي: لا أجيبك إلآ في تلك الغرفة، وسيأبي الوزير ذلك، فبالغ أنت في ذلك ولا ترض إلا بالصعود إليها، فإذا صعد فاصعد معه ولا تتركه يتقدم عليك، فإذا دخلت الغرفة رأيت فيها كوة فيها كيس أبيض فانهض إليه وخذه ترفيه تلك الطينة التي عملها لهذه الحيلة، ثم ضعها أمام الوالي، وضع الرمانة فيها لينكشف له جلية الحال .

ص: 52

يا محمد بن عيسي ، قل للوالي أيضاً: إن لدينا معجزة أخري، وهي أن هذه الرمانة ليس فيها إلا الرماد والدخان، وإن أردت صحة ذلك فمر الوزير بكسرها، فإذا كسرها طار الرماد والدخان علي وجهه ولحيته.

فلما سمع محمد بن عيسي ذلك من الإمام فرح فرحاً شديداً، وقبل الأرض بين يدي الإمام (صلوات الله عليه)، وانصرف إلي أهله بالبشارة والسرور.

فلما أصبحوا مضوا إلي الوالي، ففعل محمد بن عيسي كل ما أمره الإمام، وظهر كل ما أخبره ، فالتفت الوالي إلي محمد بن عيسي وقال له: من أخبرك بهذا؟، فقال: إمام زماننا وحجة الله علينا، فقال : ومن إمامكم؟، فأخبره بالأئمة واحداً بعد واحد إلي أن انتهي إلي صاحب الأمر (صلوات الله عليهم).

فقال الوالي: مد يدك، فأنا أشهد أن لا إله إلا الله، وأن محمداً عبده ورسوله وأن الخليفة من بعده بلا فصل أمير المؤمنين علي (عليه السلام)، ثم أقر بالأئمة إلي آخرهم (عليهم السلام)، وحسن إيمانه .

ص: 53

الحكاية الثالثة عشرة: مناظرة رجل من الشيعة مع رجل من السنة

ذكر العالم الفاضل الخبير الميرزا عبد الله الإصفهاني، تلميذ العلامة المجلسي(ره) في الفصل الثاني من خاتمة القسم الأول من كتاب (رياض العلماء) أن الشيخ أبا القاسم بن محمد بن أبي القاسم الحاسمي هو الفاضل العالم الكامل المعروف بالحاسمي، وهو من كبار مشايخ أصحابنا، ويظهر أنه من قدماء الأصحاب .

وقال الأمير السيد الحسين العاملي المعروف بالمجتهد، المعاصر للسلطان الشاه عباس الماضي الصفوي. في أواخر رسالته التي ألفها في أحوال أهل الخلاف في الدنيا والآخره ، في مقام الحديث عن بعض المناظرات الواقعة بين الشيعة وأهل السنة، ما نصه:

الثانية منها حكاية غريبة وقعت في البلدة الطيبة همدان بين شيعي اثني عشري وبين شخص سني، رأيتها في كتاب قديم يحتمل حسب العادة أن تاريخ كتابته يعود إلي ثلاثمائة سنة قبل الآن، وجاء فيه:

قامت بين بعض علماء الشيعة الاثني عشرية واسمه أبو القاسم

ص: 54

محمد بن أبي القاسم الحاسمي وبين بعض علماء أهل السنة واسمه رفيع الدين الحسين صداقة وصحبة قديمتان، وشراكة في الأموال، و مخالطة في أكثر الأحوال وفي الأسفار، ولم يكن أحدهما ليخفي مذهبه عن صاحبه، وكان أبو القاسم يدعو رفيع الدين مازحاً بالنصب، كما ينسب رفيع الدين أبا القاسم إلي الرفض، ولم يقع بينهما خلال صحبتهما أي بحث في المذهب إلي أن اتفق لهما يوماً أن تبادلا الكلام في ذلك، وكانا في مسجد بلدة همدان الذي يقال له: المسجد العتيق ، وأثناء الكلام جعل رفيع الدين الحسين يفضل فلاناً وفلاناً علي أمير المؤمنين (عليه السلام)، ورد عليه أبو القاسم ففضل أمير المؤمنين (عليه السلام علي فلان وفلان، واستدل أبو القاسم علي صحة مذهبه بذكر الآيات والأحاديث الكثيرة. وذكر المقامات والكرامات والمعجزات التي صدرت عنه (عليه السلام)، بينما جعل رفيع الذين يعكس الأمر، ويستدل علي فضل أبي بكر علي علي (عليه السلام) بصحبة النبي (صلي الله عليه وآله وسلم) له في الغار ودعوته إياه بالصديق الأكبر بين المهاجرين والأنصار، وأنه خص من بينهم بالمصاهرة والخلافة والإمامة، كما أورد عن النبي (صلي الله عليه وآله وسلم) حديثين في شأن أبي بكر، وأحدهما أنه منه بمنزل القميص.. الخ، والآخر أنه (صلي الله عليه وآله وسلم) ينصر باثنين بعده: أبي بكر وعمر .

ص: 55

فلما سمع أبو القاسم مقالته قال له: بأي وجه وسبب تفضل أبا بكر علي سيد الأوصياء وسند الأولياء، وحامل اللواء، وعلي إمام الجن والإنس، قسيم الجنة والنار، في حين أنك تعلمت أن علياً (عليه السلام) هو الصديق الأكبر والفاروق الأزهر، وهو أخو رسول الله (صلي الله عليه وآله وسلم). وزوج البتول؟، وتعلم أيضاً أنه عندما خرج رسول الله (صلي الله عليه وآله وسلم) نحو الغار هارباً من الظلمة والفجرة الكفار، نام في فراشه، وشاركه في العسر والفقر، وأن رسول الله (صلي الله عليه وآله وسلم) سد أبواب الصحابه إلي المسجد إلا باب علي (عليه السلام). وأنه رفع علياً (عليه السلام) علي كتفه فحطم الأصنام في فجر الإسلام. وأن الله عز وجل زوجه من فاطمة (عليها السلام) في الملأ الأعلي، وأنه قاتل عمرو بن عبد ود العامري، وفاتح خيبر ، وأنه لم يشرك بالله طرفه عين، علي نقيض أولئك الثلاثة، وتعلم أن رسول الله (صلي الله عليه وآله وسلم) شبهه بالأنبياء الأربعة حيث قال:

من أراد أن ينظر إلي آدم في علمه، وإلي نوح في فهمه، وإلي موس في شدته، وإلي عيسي في زهده، فلينظر إلي علي بن أبي طالب.

فمع هذه الفضائل والكمالات الظاهرة الباهرة، إلي قرابته من

ص: 56

رسول الله (صلي الله عليه وآله وسلم)، إلي رد الشمس له، كيف يعقل أو يجوز تفضيل أبي بكر علي علي (عليه السلام)؟! فلما سمع رفيع الدين مقالة صاحبه وظهور فضل علي (عليه السلام)، علي أبي بكر تزعزع ما كان يربطه بأبي القاسم من علاقة خاصة، وتبادلاً كلاماً قال رفيع الدين بعده :

أترضي بحكم أول داخل إلي هذا المسجد، فإلي أينا حكم رضينا حكمه؟

تردد أبو القاسم هنيئة، فهو يعرف تماماً مذهب أهل همدان، وأنهم من أهل السنة فخاف من هذا الشرط، لكنه أمام إلحاح صاحبه قبل بالشرط علي مضض، ولم يمض إلا قليل حتي ظهر شاب تبدو عليه مخايل النجابه والجلالة، وكان يبدو من حالته أنه قادم من سفر ودخل الشاب المسجد وطاف فيه، وبعد الطواف دنا منهما، فسارع رفيع الدين إليه وهو يضطرب وبعد السلام علي الشاب عرض عليه ما كان بينه وبين صاحبه وبالغ في إظهار مذهبه إلي الشاب مشفعاً أقواله بالإيمان المؤكده، وأقسم عليه أن يقول ما يعتقد واقعاً، فبادر الشاب دون توقف فأنشد هذين البيتين :

ومتي أقل مولاي أفضل منهما*** أكن للذي فضلته متنقصاً

ص: 57

ألم تر أن السيف يزري بحده***مقالك: هذا السيف أحدي(1) من العصا

وبعد أن فرغ الشاب من قراءة البيتين، وأبو القاسم ورفيع الدين في ذهول مما رأياه من فصاحته وبلاغته، أرادا معرفة المزيد عن حاله لكنه غاب عن ناظريهما ولم يجدا له أثراً، فما كان من رفيع الدين بعد أن رأي ما رأي إلا أن تخلي عن مذهبه، وقال بالإمامة الإثني عشرية .

ص: 58


1- أحدي: أرفع مكانة

الحكاية الرابعة عشرة: شفاء الشيخ الحر العاملي من مرضه ببركته ( عليه السلام)

قال المحدث الجليل الحر العاملين في (إثبات الهداة ): كنت في عصر الصبا وسني عشر سنين أو نحوها حين أصابني مرض شديد جداً حتي اجتمع أهلي وأقاربي وبكوا وتهيأوا للتعزية، وأيقنوا أني أموت تلك الليلة، فرأيت النبي والأئمة الإثني عشر (صلوات الله عليهم) وأنا فيما بين النائم واليقظان، فسلمت عليهم وصافحتهم واحداً واحداً، وجي بيني وبين الصادق (عليه السلام) كلام. ولم يبق في خاطري إلا أنه دعا لي.

فلما سلمت علي صاحب الأمر (عليه السلام) وصافحته بكيت وقلت: يا مولاي أخاف أن أموت في هذا المرض، ولم أقض وطري من العلم والعمل، فقال (عليه السلام): لا تخف، فإنك لا تموت في هذا المرض، بل يشفيك الله وتعمر عمراً طويلاً، ثم ناولني قدحاً كان في يده ، فشربت منه، وأفقت في الحال، وزال عني المرض بالكلية ، وجلست وتعجب أهلي وأقاربي، ولم أحدثهم بما رأيت بعد أيام.

ص: 59

الحكاية الخامسة عشرة: لقاء المقدس الأردبيلي بالقائم ( عليه السلام)

قال المحدث السيد نعمة الله الجزائري في (الأنوار النعمانية ): أخبرني أوثق مشايخي في العلم والعمل، وكان تلميذاً لمولاي الأردبيلي من أهل «تفرش» واسمه الأمير علام، وكان في غاية الفل والورع، قال:

كانت لي حجرة في المدرسة المحيطة بالقبة الشريفة بالغري، واتفق لي ذات ليلة أن خرجت بعد أن فرغت من المطالعة، وكان قد ذهب كثير من الليل، فبينا أنا أجول في الصحن رأيت شخصاً مقبلاً نحو الروضة المقدسة، فتساءلت إن كان الرجل من لصوص القناديل فأقبلت نحوه، فلما قربت منه عرفت أنه استاذنا الفاضل العالم التقي الزكي مولانا أحمد الأردبيلي (قدس الله روحه)، فأخفيت نفسي عنه حتي أتي الباب وكان مقفلاً، فانفتح له عند وصوله إليه، وجري مثل ذلك عند الباب الثاني والثالث حتي دخل الروضة المقدسة، فسلم، ورد عليه السلام، صوت من جهة القبر الشريف، وسمعته يحدث الإمام (عليه السلام) في مسألة علمية، ثم خرج فمشيت خلفه حتي

ص: 60

خلف الغري متوجهاً نحو مسجد الكوفة، فكنت خلفه بحيث لا يراني حتي دخل المسجد، وصار إلي المحراب الذي استشهد أمير المؤمنين (صلوات الله عليه) عنده ، فسمعته يتكلم مع أحدهم في المسألة نفسها، ثم خرج من المسجد ورجع أدراجه ورجعت خلفه وهو لايراني، وعندما وصل إلي بوابة البلدة كان الصبح قد أسفر فأظهرت نفسي له وقلت: يا مولانا، لقد كنت معك حيث دخلت الروضة المقدسة إلي الآن، وأقسم عليك ألا أخبرتني بما جري عليك، ومن هو الشخص الأول الذي كلمته ومن هو الثاني؟.

فقال: أخبرك علي أن لا تخبر به أحداً ما دمت حياً، فلما توثق ذلك مني قال : كنت أفكر في بعض المسائل، وقد استغلقت علي فوقع في قلبي أن أتي أمير المؤمنين (عليه السلام) وأسأله عن ذلك، ولما فعلت أحالني (عليه السلام) إلي صاحب الزمان (عليه السلام) وقال: ائت مسجد الكوفة فالقائم هناك هذه الليلة، وإنه إمام زمانك، فسله مسألتك .

ص: 61

الحكاية السادسة عشرة: المرحوم محمد تقي المجلسي

جاء في (شرح من لا يحضره الفقيه) ضمن ترجمة المتوكل بن عمير راوي الصحيفة السجادية الكاملة، قال رحمة الله:

كنت في أوائل البلوغ طالباً لمرضاة الله تعالي وساعياً في طلب رضاه عز وجل، ولم يكن لي قرار بذكره إلي أن رأيت بين النوم واليقظة أن صاحب الزمان (صلوات الله عليه) كان واقفاً في الجامع القديم بإصفهان قريباً من باب الطنابي الذي هو الآن مدرسي فسلمت عليه، وأردت أن أقبل رجله فلم يدعني، فقبلت يده ، وسألته مسائل قد أشكلت علي، منها أني كنت أوسوس في صلاتي، وكنت أقول: إنها ليست كما طلبت مني، وأنا مشتغل بالقضاء ولا يمكنني إتيان صلاة الليل، وسألت عنه شيخنا البهائي (رحمه الله تعالي)، فقال: صلي صلاة الظهر والعصر والمغرب بقصد صلاة الليل، فسألت الحجة (عليه السلام): أصلي صلاة الليل؟ ، فقال : صلها، ولا تفعل كالمصنوع الذي كنت تفعل، إلي غير ذلك من المسائل التي لم تبق في بالي .

ثم قلت: يا مولاي، لا يتيسر لي أن أصل إلي خدمتك كل وقت،

ص: 62

فأعطني كتاباً أعمل عليه دائماً، فقال (عليه السلام): أعطيت لأجلك كتاباً إلي المولي محمد التاج، وكنت أعرفه في النوم(1)، وقال (عليه السلام): اذهب وخذه منه، فخرجت من باب المسجد إلي ذلك الشخص، فلما رآني قال لي: بعثك الصاحب (عليه السلام) إلي؟ قلت: نعم، فأخرج من جيبه كتاباً قديماً، فلما فتحته ظهر لي أنه كتاب الدعاء، فقبلته ووضعته علي عيني، وانصرفت عنه متوجهاً إلي الصاحب (عليه السلام)، وهنا انتبهت من النوم ولم يكن معي ذلك الكتاب.

فشرعت في التضرع والبكاء لفوات ذلك الكتاب إلي أن طلع الفجر ، فلما فرغت من الصلاة والتعقيب وقع في خاطري أن مولانا محمد التاج هو الشيخ البهائي نفسه، وأن تسميته بالتاج لاشتهاره من بين العلماء ، فجئت إلي مدرسه، وكان في جوار المسجد الجامع ، فرأيته مشتغلاً بمقابلة الصحيفة (السجادية)، وكان معه القارئ السيد صالح أمير ذو الفقار الكالبايكاني، فجلست ساعة حتي فرغ من عمله، والظاهر أن كلا مهما كان في سند الصحيفة، لكن للغم الذي آن عندي لم أفهم كلامهما، وكنت أبكي، فتوجهت إلي الشيخ وقصصت عليه رؤياي وأنا أبكي لفوات الكتاب ، فقال الشيخ: أبشر بالعلوم الإلهية

ص: 63


1- يريد أن معرفته بمحمد التاج مقتصرة علي المنام، بينما هو لا يعرفه فعلاً

والمعارف اليقينية، وجميع ما كنت تطلب دائماً، وكان أكثر صحبتي مع الشيخ في التصوف، وكان مائاً إليه.

فلم يسكن قلبي وخرجت باكياً متفكراً، فألقي في روعي أن أذهب إلي الجانب الذي ذهبت إليه في النوم، فلما وصلت إلي دار البطيخ رأيت رجلاً صالحاً اسمه آغا حسن، فأتيته وسلمت عليه، فقال: الكتب الوقفية عندي، وكل من يأخذ منها من الطلبه لا يعمل بشروط الوقف، ولعلك تعمل بها أنظر إلي هذه الكتب، فما احتجت إليه منها فخذه ، فذهبت معه إلي بيت كتبه، فأعطاني أول ما أعطاني الكتاب الذي رأيته في النوم، فشرعت في البكاء وقلت: هذا يكفيني، وليس في بالي أني ذكرت له المنام أم لا، ثم أتيت إلي الشيخ، وشرعت في المقابلة مع نسخته التي كتبها جد أبيه عن نسخه الشهيد، وكان الشهيد (ره) قد كتب نسخته عن نسخه عميد الرؤساء وابن السكون، وكان قابلها مع نسخه ابن إدريس دون واسطة، أو بواسطة واحدة.

وكانت النسخة التي أعطا فيها الصاحب (عليه السلام) مكتوبة بخط الشهيد و كانت موفقة لها غاية الموافقة حتي في النسخ التي كان مكتوباً علي هامشها، وبعد أن فرغت من المقابلة شرع الناس في المقابلة مع النسخة التي عندي، وببركة عطاء الحجة (عليه السلام) صارت

ص: 64

الصحيفة الكاملة في جميع البلاد كالشمس الطالعة في كل بيت، وسيما في إصفهان، فإن لدي أكثر الناس صحائف متعددة، وأكثرهم صلحاء ومن أهل الدعاء، وكثير منهم مستجابو الدعوة، وهذه آثار إعجاز صاحب الأمر (عليه السلام)، وما أعطانية الله تعلي من العلوم بسبب الصحيفة لا أحصيها.

ص: 65

الحكاية السابعة عشرة: الورد والخرابات...

قال العلامة المجلس في (البحار): أخبرني جماعة عن السيد السند الفاضل الميرزا محمد الاسترابادي (نور الله مرقده ) أنه قال:

إني كنت ذات ليلة أطوف حول بيت الله الحرام إذ أتي شاب حسن الوجه فأخذ في الطواف. فلما قرب مني أعطاني طاقة ورد أحمر في غير أوانه، فأخذته منه وشممته وقلت له: من أين يا سيدي؟، قال: من الخرابات، ثم غاب عني فلم أره.

ص: 66

الحكاية الثامنة عشرة: تشف الشيخ قاسم بلقائه (عليه السلام)

قال الفاضل المتبحر السيد علي خان الحويزي: حدثني رجل من ذوي الإيمان من أهل بلادنا يقال له: الشيخ قاسم، وكان كثير السفر إلي الحج، قال:

تعبت يوماً من المشي فنمت تحت شجرة ، فطال نومي، ومضي عني الحاج كثيراً، فلما انتبهت علمت من الوقت أن نومي قد طال، وأن الحاج بعد عني، وصرت لا أدري إلي أين أتوجه، فمشيت علي جهة وأنا أصيح بأعلي صوتي، يا أبا صالح، قاصداً بذلك صاحب الأمر (عليه السلام)؛ كما ذكره ابن طاووس في كتاب (الأمان) فيما يقال عند إضلال الطريق.

فبينا أنا أصيح كذلك إذا براكب علي ناقة وهو علي زي البدو، فلما رآني قال لي: أنت منقطع عن الحاج؟، فقلت: نعم، فقال: اركب خلفي لألحقك بهم، فركبت خلفه، فلم يكن إلا ساعة وإذا قد أدركنا الحاج، فلما قربنا أنزلني وقال لي: امض لشأنك، فقلت له: إن العطش قد أضر بي، فأخرج من شداده ركوه فيها ماء وسقاني منه، فوالله إنه ألذ

ص: 67

وأعذب ماء شربته.

ثم أني مشيت حتي دخلت الحاج، والتفت إليه فلم أره، ولا رأيته في الحاج قبل ذلك ولا بعده ، حتي رجعنا .

ص: 68

الحكاية التاسعة عشرة: استغاثة رجل سني بالقائم ( عليه السلام) وإغاثته له..

حدثني العالم الجليل والحبر النبيل، مجمع الفضائل والفواضل الصفي الوفي المولي علي الرشتي طاب ثراه، وكان عالماً برا تقياً زاهداً حاوياً لأنواع العلم، بصيرة ناقداً، من تلامذة خاتم المحققين الشيخ المرتضي أعلي الله مقامه والسيد السند الأستاذ الأعظم دام ظله، ولما طالت شكوي أهل بلاد «لار» ونواحيها إليه من عدم وجود عالم عامل كامل نافذ الحكم فيهم أرسله إليهم، وعاش فيهم سعيداً، ومات هناك حميداً (رحمه الله)، وقد صاحبته مدة سفراً وحفراً، ولم أجد في خلقه وفضله نظير إلآ يسيراً.

قال: رجعت مرة من زيارة أبي عبد الله (عليه السلام) عازماً للنجف الأشرف من طريق الفرات، فلما ركبنا في بعض السفن الصغار التي كانت بين كربلاء و طويريج رأيت أن ركابها من أهل الحلة ، ومن طويريج تفترق طريق الحلة والنجف، واشتغل الجماعة باللهو واللعب والمزاح، ورأيت واحداً منهم لا يدخل في عملهم عليه آثار السكينة والوقار، فلا يمازح ولا يضحك، وكانوا يعيبون علي مذهبه

ص: 69

ويقدحون فيه، ومع ذلك كان شريكاً في أكلهم وشربهم، فتعجبت منه، إلي أن وصلنا إلي محل كان الماء فيه قليلاً، فأخرجنا صاحب السفينة، فكنا نمشي علي شاطئ النهر.

فاتفق اجتماعي مع هذا الرجل في الطريق، فسألته عن سبب مجانبته عن أصحابه وذمهم إياه وقدحهم فيه، فقال : هؤلاء من أقاربي من أهل السنة، وأبي منهم وأمي من أهل الإيمان، وكنت أيضاً منهم، ولكن الله من علي بالتشيع ببركة الحجة صاحب الزمان(عليها السلام)، فسألته عن كيفية إيمانه، فقال :

اسمي ياقوت، وأنا أبيع الدهن عند جسر الحلة، فخرجت في بعض السنين لجلب الدهن من أهل البراري خارج الحلة، فبعدت عنها بمراحل، إلي أن قضيت وطري من شراء ما كنت أريده منه، وحملته علي حماري، ورجعت مع جماعة من أهل الحلة، ونزلنا في بعض المنازل ونمنا، وانتبهت فما رأيت أحداً منهم وقد ذهبوا جميعاً، وكانت طريقنا في برية قفر ذات سباع كثيرة، ليس في أطرافها معمورة إلا بعد فراسخ كثيرة، فقمت وجعلت الحمل علي الحمار ومشيت خلفه، فضل عني الطريق، وبقيت خائفاً من السباع والعطش، فأخذت استغيث بالخلفاء والمشايخ، وأسألهم الإعانة، وجعلتهم شفعاء عند الله تعالي، و تضرعت كثيراً فلم يظهر منهم شيء، فقلت في نفسي: إني سمعت من

ص: 70

أمي أنها كانت تقول: إن لنا إماماً حياً يكن أبا صالح، يرشد الضال، ويغيث الملهوف ويعين الضعيف فعاهدت الله تعالي إن استغثت به فأغاثني أن أدخل في دين أمي.

فناديته واستغثت به، فإذا برجل من جانبي وهو يمشي معي، وعليه عمامه خضراء و كانت خضرتها مثل خضرة هذا النبات، وأشار إلي نبات علي حافة النهر. ثم دلني علي الطريق، وأمرني بالدخول في دين أمي، وذكر كلمات نسيته وقال : ستصل عن قريب إلي قرية أهلها جميعاً من الشيعة، فقلت: يا سيدي، أنت لا تجيء معي إلي هذه القرية؟، فقال: لا، لأنه استغاث بي ألف نفس في أطراف البلاد أريد أن أغيثهم ثم غاب عني، فما مشيت إلا قليلاً حتي وصلت إلي القرية، وكانت علي مسافة بعيدة ووصل الجماعة إليها بعدي بيوم.

فلما دخلت الحلة ذهبت إلي سيد الفقهاء السيد مهدي القزويني طاب ثراه، وذكرت له القصة، فعلمني معالم ديني، فسألته عملاً أتوصل به إلي لقائه (عليه السلام) مرة أخري فقال: زر أبا عبد الله (عليه السلام) أربعين ليلة جمعة.

قال: فكنت أزوره من الحلة في ليالي الجمع ، إلي أن بقي واحدة ، فذهبت من الحلة يوم الخميس، فلما وصلت إلي باب البلد إذا جماعة

ص: 71

من أعوان الظالمين يطالبون الواردين بالتذكرة، وما كان عندي تذكرة ولا قيمتها، فبقيت متحيراً، والناس متزاحمون علي الباب فأردت مراراً أن أتخفي وأجوز عنهم فيما تيسر لي وإذ بصاحبي صاحب الأمر (عليه لسلام) في زي لباس طلبة الأعاجم، عليه عمامة بيضاء في داخل البلد، فلما رأيته استغثث به فخرج وأخذني معه، وأدخلني من الباب مما رآني أحد، فلما دخلت البلد افتقدته من بين الناس، فبقيت متحسراً علي فراقه (عليه السلام).

ص: 72

الحكاية العشرون: لقاء العلامة بحر العلوم به (عليه السلام) في مكة

ذكر العالم الجليل الملا زين العابدين السلماسي عن ناظر أمور العلامة بحر العلوم أيام مجاورته بمكة أنذه قال:

كان رحمه الله - مع كونه في بلد الغربه، منقطعاً عن الأهل والأخوة- قوي القلب في البذل والعطاء، غير مكترث بكثرة المصارف، فاتفق في بعض الأيام أننا لم نجد إلي درهم سبيلاً، فعرفته الحال، وكثرة المؤونة وانعدام المال، فلم يقل شيئاً؛ وكان دأبه أن يطوف بالبيت بعد الصبح، ويأتي إلي الدار فيجلس في القبة المختصة به، فنأتي إليه بالغليان(1) فيشربه، ثم يخرج إلي قبة أخري يجتمع فيها تلامذته من كل المذاهب ، فيدرس كلاً علي مذهبه .

فلما رجع من الطواف في اليوم الذي شكوت إليه في أمسه نفاد النفقة، وأحضرت الغليان علي العادة ، إذا بالباب يدقه أحدهم، فاضطرب أشد الاضطراب، وقال لي: خذ الغليان وأخرجه من هذا

ص: 73


1- الغليان: ما يسميه العامة: الغليون: أو النارجيلة

المكان، وقام مسرعاً ففتح الباب ، ودخل شخص جليل في هيئة الأعراب وجلس في تلك القبة، وقعد السيد عند بابها في غاية الذلة والمسكنة والأدب ، وأشار إلي أن لا اقرب إليه الغليان.

فقعدا ساعة يتحدثان، ثم قام، فقام السيد مسرعاً وفتح الباب وأركبه علي جملة الذي أناخه عنده ، ومضي لشأنه.

ورجع السيد مغير اللون، وناولني براءة وقال: هذه حوالة علي رجل صراف قاعد في جبل الصفا، فاذهب إليه وخذ منه ما أحيل عليه؛ فأخذتها وأتيت بها إلي الرجل الموصوف فلما نظر إليها قبلها وقال: علي بالحماميل (أي: الحمالين) فذهبت وأتيت بأربعة حماميل فجاء بالدراهم من الصنف الذي يقال له: «ريال فرانسة » ويساوي الواحد منها خمسة قرانات عجمية ويزيد، فحملوها علي أكتافهم وأتينا بها إلي الدار.

ولما كان في بعض الأيام ذهبت إلي الصراف لأسأله عن حاله، وممن كانت تلك الحوالة، فلم أر صرافاً ولا دكانا، فسألت بعض من حضر في ذلك المكان عن الصراف فقال : ما عهدنا في هذا المكان صرافاً أبداً . وإنما يقعد فيه فلان، فعرفت أنه من أسرار الملك المنان، وألطاف ولي الرحمن .

ص: 74

الحكاية الحادية والعشرون: العلامة بحر العلوم في السرداب المطهر

حدثنيالسيد السند، والعالم المعتمد، المحقق الخبير، والمطلع البصير السيد علي سبط السيد بحر العلوم أعلي الله مقامه، وكان عالماً مبرزاً له ( البرهان القاطع في شرح النافع) في عدة مجلدات، عن الصفي المتقي والثقة الزكي السيد المرتضي صهر السيد علي بنت أخته، وكان مصاحباً به في السفر والحفر، مواظباً علي خدماته في السر والعلانية، قال :

كنت معه في «سر من رأي» في بعض أسفار زياراته، وكان السيد ينام في حجرة وحده وكانت لي حجرة بجنب حجرته، وكنت في نهاية المواظبة في أوقات خدماته بالليل والنهار وكان يجتمع إليه الناس في أول الليل إلي أن يذهب شطر منه فاتفق أنه في بعض الليالي قعد علي عادته، والناس مجتمعون حوله، فرأيته كأنه يكره الاجتماع ويحب الخلوة، ويتكلم مع كل واحد بكلام فيه إشارة إلي تعجيله بالخروج من عنده ، فتفرق الناس ولم يبق غيري، فأمرني بالخروج.

فخرجت إلي حجرتي متفكراً في حالته في تلك الليلة، فامتنع عتي الرقاد، فصبرت زماناً، ثم خرجت متخفياً لأتفقد حاله، فرأيت باب

ص: 75

حجرته مغلقاً، فنظرت من شق الباب وإذا بالسراج علي حاله وليس فيها أحد، فدخلت الحجرة فعرفت من وضعها أنه ما نام في تلك الليلة .

فخرجت حافياً متخفياً أطلب خبره، وأقفوا أثره، فدخلت الصحن الشريف فرأيت أبواب قبة العسكريين مغلقة ، فتفقدت أطراف خارجها فلم أجد له أثراً فدخلت صحن السرداب فرأيته مفتح الأبواب ، فنزلت الدرج متأنياً بحيث لايسمع مني حس ولا حركة فسمعت همهمة من صفة السرداب كأن أحداً يتكلم مع آخر ولم أميز الكلمات، إلي أن بقي من الدرجات ثلاث أو أربع ، وكان دبيبي النمله في الليلة الظلماء علي الصخرة الصماء، فإذا بالسيد قد نادي من مكانه هناك: يا سيد مرتضي، ما تصنع ؟، ولم خرجت من المنزل؟.

فبقيت متحيراً ساكناً كالخشب المسنده . وعزمت علي الرجوع قبل الجواب ، ثم قلت في نفسي: كيف تخفي حالك علي من عرفك من غير طريق الحواس؟! فأجبته معتذراً نادماً ونزلت في خلال الاعتذار إلي حيث شاهدت الصفة، فرأيته وحده واقفاً تجاه القبلة، ليس لغيره هناك أثر، فعرفت أنه يناجي الغائب عن أبصار البشر (صلوات الله عليه).

ص: 76

الحكاية الثانية والعشرون: في تأكيده (عليه السلام) علي خدمة الأب المسن

ذكر العالم العامل والفاضل الكامل، قدوة الصلحاء السيد محمد الموسوي الرضوي النجفي، المعروف بالهندي، وكان من العلماء المتقين، يؤم الجماعة في حرم أمير المؤمنين (عليه السلام)، عن العالم الثقة الشيخ باقر بن الشيخ هادي الكاظمي المجاور بالنجف الأشرف، عن رجل صادق اللهجة كان حلاقاً، وله أب كبير مسن، وهو لا يقصر في خدمته، حتي أنه يحمل له الإبريق إلي الخلاء، ويقف ينتظره حتي يخرج فيأخذه منه، ولا يفارق خدمته إلا ليلة الأربعاء، فإنه يمض إلي مسجد السهلة، ثم ترك الرواح إلي المسجد فسألته عن سبب ذلك، فقال:

خرجت أربعين أربعاء، فلما كانت الأخيرة لم يتيسر لي أن أخرج إلي أن قرب المغرب فمشيت وحدي وصار الليل، وبقيت أمشي حتي بقي ثلث الطريق، وكانت الليلة مقمرة، فرأيت أعرابياً علي فرس قد قصدني، فقلت في نفسي: هذا سيسلبني ثيابي، فلما انتهي إلي كلمني بلسان البدو من العرب، وسألني عن مقصدي، فقلت: مسجد السهلة، فقال: معك شيء من المأكول؟، فقلت: لا، فقال : أدخل يدك

ص: 77

في جيبك، فقلت: ليس فيه شيء، فكرر علي القول بزجر حتي أدخلت يدي في جيبي، فوجدت فيه زبيباً كنت اشتريته لطفل عندي ونسيته، فبقي في جيبي.

ثم قال لي الأعرابي: «أوصيك بالعود» ثلاث مرات، والعود في لسانهم: اسم للأب المسن، ثم غاب عن بصري، فعلمت أنه المهدي (عليه السلام)، وأنه لا يرضي بمفارقتي لأبي، حتي في ليلة الأربعاء، فلم أعد .

ص: 78

الحكاية الثالثة والعشرون: تشرف الشيخ حسين آل رحيم بلقائه (عليه السلام)..

حدث الشيخ العالم الفاضل الشيخ باقر النجفي نجل العالم العابد الشيخ هادي الكاظمي المعروف بآل طالب قال:

كان في النجف الأشرف رجل مؤمن يسمي الشيخ حسين رحيم من الأسرة المعروفة بآل رحيم، وحدثنا أيضاً العالم والعابد الكامل، مصباح الأتقياء الشيخ طه، عن آل العالم الجليل والزاهد العابد دون بديل الشيخ حسين النجف إمام الجماعة الآن في مسجد الهندية بالنجف الأشرف، والحائز علي قبول الخاصة والعامة في التقوي والصلاح والفضل، بأن الشيخ حسين رحيم المشار إليه كان في سلك أهل العلم ذا نية صادقة، وقد ابتلي بمرض السعال، فإذا سعل خرج من صدره مع الأخلاط دم، وكان مع ذلك في غاية الفقر والاحتياج، لا يملك قوت يومه وكان يخرج في أغلب وقته إلي البادية، إلي الأعراب الذين في أطراف النجف الأشرف ليحصل علي القوت، ولو علي شعير.

وكان مع ذلك قد تعلق قلبه بامرأه من أهل النجف، وكان يطلبها من

ص: 79

أهلها وما أجابوه إلي ذلك لقلة ذات يده، وكان في هم وغم شديدين من جهة ابتلائه بذلك. فلما اشتد به الحال وأيس من تزوج البنت عزم علي ما هو معروف عند أهل النجف من أنه إذا أصيب امرؤ بأمر فواظب علي الرواح إلي مسجد الكوفة أربعين ليلة أربعاء فلا بد أن پري صاحب الأمر، عجل الله فرجه، من حيث لا يعلم، ويقضي له مراده .

قال المرحوم الشيخ باقر: قال الشيخ حسين : فواظبت علي ذلك أربعين ليلة، فلما كانت الليلة الأخيرة، وكانت ليلة شتاء مظلمة، وقد هبت ريح عاصفة فيها قليل من المطر، وأنا جالس في الدكة التي هي داخل باب المسجد، وكانت الدكة الشرقية المقابلة للباب الأول، وتكون علي الطرف الأيسر عند دخول المسجد، ولا أتمكن من دخول المسجد من جهة سعال الدم، ولا يمكن قذفه في المسجد وليس معي شيء أتقي به البرد، وقد ضاق صدري واشتد علي همي وغمي، وضاقت الدنيا في عيني، وأنا أفكر أن الليالي قد انقضت، وهذه آخرها وما رأيت أحداً، ولا ظهر لي شيء، وقد تعبت هذا التعب العظيم، و تحملت الخوف والمشاق أربعين ليلة أجيء فيها من النجف إلي مسجد الكوفة، ويكون لي الأياس من ذلك !!

فبينما أنا أفكر في ذلك، وليس في المسجد أحد أبداً، وقد أوقدت

ص: 80

نارة لأسخن عليها قهوة جئت بها من النجف، لا أتمكن من تركها لتعدي عليها، وكانت قليلة جداً، إذا بشخص من جهة الباب الأول متوجه إلي، فلما نظرته من بعيد تكدرت وقلت في نفسي: هذا أعرابي من أطراف المسجد قد جاء ليشرب من القهوة، وأبقي بلا قهوة في هذا الليل المظلم، ويزيد علي همي وغمي.

فبينما أنا أفكر في ذلك إذا به قد وصل إلي، وسلم علي باسمي، وجلس في مقابلي فتعجبت من معرفته باسمي، وظننته من الذين أخرج إليهم في بعض الأوقات من أطراف النجف الأشرف، فصرت أسأله من أي العرب يكون، قال: من بعض العرب ، فصرت أذكر له الطوائف التي في أطراف النجف فيقول: لا، لا وكلما ذكرت له طائفة قال: لا، لست منها، فأغضبني فقلت له: أجل أنت من طر يطره ، مستهزئاً، وهو لفظ بلا معني ، فتبسم من قولي وقال: لا عليك من أينما كنت، ما الذي جاء بك إلي هنا؟، فقلت: وأنت ما عليك من السؤال عن هذه الأمور؟، فقال: ما ضرك لو أخبرتني؟، فتعجبت من حسن أخلاقه وعذوبة منطقه، فمال قلبي إليه، وصار كلما تكلم ازداد حبي له، فعملت له السبيل من التتن، وأعطيته، فقال : أنت اشرب ، فأنا ما أشرب ، وصببت له في الفنجان قهوة وأعطيته فأخذه وشرب قليلاً منه، ثم ناولني الباقي وقال: أنت إشربه، فأخذته وشربته، ولم ألتفت

ص: 81

إلي عدم شربه تمام الفنجان، ولكن يزداد حتي له أنا فأناً. فقلت له: يا أخي، قد أرسل الله إلي في هذه الليلة تؤنسني، أفلا تروح معي لنجلس عند قبر مسلم (عليه السلام) ونتحدث؟، فقال : أروح معك، فحدث حديثك فقلت: أحكي لك الواقع ، أنا في غاية الفقر والحاجة مذ عرفت نفسي، ومعي سعال أتنخع الدم وأقذفه من صدري منذ سنين ، ولا أعرف علاجه، وما عندي زوجة وقد علق قلبي بامرأة من أهل محلتنا في النجف الأشرف، ومن جهة قلة ما في اليد ما تيسر لي أخذها؛ وقد غرني هؤلاء الملائية(1) وقالوا لي: إقصد في حوائجك صاحب الزمان، وبت أربعين ليلة أربعاء في مسجد الكوفة، فإنك تراه ويقضي لك حاجتك، وهذه آخر ليلة من الأربعين وما رأيت فيها شيئاً وقد تحملت هذه المشاق في تلك الليالي، فهذا الذي جاء بي، وهذه حوائجي.

فقال لي وأنا غافل غير ملتفت: أما صدرك فقد برئ، وأما المرأة فتأخذها عن قريب، وأما فقرك فيبقي علي حاله حتي تموت.

فقلت وأنا غير ملتفت إلي هذا البيان أبدأ: ألا نروح إلي حضرة مسلم؟، قال: قم فقمت وتوجه أمامي، فلما وردنا أرض المسجد قال :

ص: 82


1- جدع ملا وهو رجل الدين، والتعبير من اصطلاحات أهل العراق

ألا نصلي صلاة تحية المسجد ؟ ، فقلت: بل، فوقف قريباً من الشاخص الموضوع في المسجد وأنا خلفه بفاصله، ثم كبرت للصلاة، وشرعت بقراءة الفاتحة قراءة ما سمعت أحداً يقرأ مثلها أبداً، فمن حسن قراءته قلت في نفسي: لعله هو صاحب الزمان، وذكرت كلمات له تدل علي ذلك، ثم نظرت إليه بعدما خطر في قلبي ذلك، وهو في الصلاة ، فإذا به قد أحاطه نور عظيم منعني من تشخيص شخصه الشريف، وهو مع ذلك يصلي وأنا أسمع قراءته، فارتعدت فرائص، ولم أستطع قطع الصلاة خوفاً منه، فأكملتها علي أي وجه كان، وقد علا النور عن وجه الأرض، فصرت أبكي وأعتذر من سوء أدبي معه عند باب المسجد ، وقلت له: أنت صادق الوعد، وقد وعدتني الرواح معي إلي قبر مسلم.

وبينما أنا أكلم النور إذا بالنور قد توجه نحو قبر مسلم، فتبعته، فدخل النور الحضرة، وصار في جو القبة وبقي علي ذلك، وأنا لم أزل أبكي، حتي إذا طلع الفجر عرج النور. فلما كان الصباح التفت إلي قوله (عليه السلام): أما صدرك فقد برئ، وإذا أنا صحيح الصدر، وليس بي سعال أبداً، وما مضي أسبوع إلا وسهل الله علي أخذ البنت من حيث لا أحتسب ، وبقي فقري علي ما كان، كما قال (عليه السلام)، والحمد لله.

ص: 83

الحكاية الرابعة والعشرون: في إجلائه (عليه السلام) بني عنيزه عن طريق الزوار..

حدثني مشافهة سيد الفقهاء وسند العلماء، العالم الرباني السيد مهدي القزويني ساكن الحلة، قال أيده الله.

خرجت اليوم الرابع عشر من شهر شعبان من الحلة أريد زيارة الحسين (عليه السلام) ليلة النصف منه، فلما وصلت إلي شط الهندية وعبرت إلي الجانب الغربي منه وجدت الزوار الذاهبين من الحلة وأطرافها، والواردين من النجف ونواحيه محاصرين جميعاً في بيوت عشيرة بني طرف من عشائر الهندية، ولا طريق لهم إلي كربلاء، لأن عشيرة عنيزة قد نزلت علي الطريق وقطعته عن المارة، ولا يدع أفرادها أحداً يخرج من كربلاء ولا أحداً يلج إليها إلا انتهبوه.

قال : فنزلت علي رجل من العرب، وصليت صلاة الظهر والعصر، وجلست انتظر ما يكون من أمر الزوار، وقد تغيمت السماء وأمطرت مطراً يسيراً.

فبينما نحن جلوس إذ خرج الزوار بأسرهم من البيوتات متوجهين

ص: 84

نحو طريق كربلاء فقلت لبعض من معي: اخرج واسأل ما الخبر ، فخرج ورجع إلي وقال لي: إن عشيرة بني طرف قد خرجوا بالأسلحة النارية، وتعهدوا بإيصال الزوار إلي كربلاء ولو آل الأمر إلي القتال مع بني عنيزة.

فلما سمعت ذلك قلت لمن معي: هذا الكلام لا أصل له، لأن بني طرف لا قدره لهم علي مقابلة بني عنيزة، وأظن هذه مكيده منهم الإخراج الزوار عن بيوتهم، لأنهم استثقلوا بقاءهم عندهم وفي ضيافتهم.

فبينما نحن كذلك إذ رجع الزوار إلي البيوت، فتبين الحال كما قتل، ولم يدخل الزوار إلي البيوت، بل جلسوا في ظلالها والسماء متغيمة، فأخذني لهم رقة شديدة وأصابني انكسار عظيم، فتوجهت إلي الله بالدعاء والتوسل بالنبي وآله، وطلبت إغاثة الزوار مما هم فيه .

فبينما أنا علي هذه الحال إذ أقبل فارس علي فرس كريم لم أر مثله، وبيده رمح طويل، وهو مشمر عن ذراعيه، فأقبل يخب به جواده حتي وقف علي البيت الذي أنا فيه، وكان بيتاً من الشعر مرفوع الجوانب ، فسلم فرددنا ( عليه السلام)، فقال: يا مولانا - يسميني باسمي - بعثني من يسلم عليك وهم كنج محمد آغا، وصفر آغا، وكانا من قواد

ص: 85

العساكر العثمانية - ويقولان: فليأت الزوار، فإنا قد طردنا عنيزة عن طريق، ونحن ننتظره مع عسكرنا في عرقوب السليمانية علي الجادة ، فقلت له: وأنت معنا إلي عرقوب السليمانية ؟، قال: نعم، فأخرجت الساعة فإذا قد بقي من النهار ساعتان ونصف تقريباً فقلت: إلينا بخيلنا، فقدمت إلينا، فتعلق بي ذلك البدوي الذي نحن عنده وقال : يا مولاي، لا تخاطر بنفسك وبالزوار، وأقم الليلة حتي يتضح الأمر، فقلت له: لا بد من الركوب لإدراك الزيارة المخصوصة.

فلما رأنا الزوار قد ركبنا تبعوا أثرنا بين راجل وراكب، فسرنا والفارس المذكور بين أيدينا كأنه الأسد الخادر، ونحن خلفه، حتي وصلنا إلي عرقوب السليمانية فصعد عليه وتبعناه في الصعود، ثم نزل، وارتقينا إلي أعلي العرقوب فنظرنا فلم نر له عيناً ولا أثرً، فكأنما صعد في السماء أو نزل في الأرض، ولم نر قائداً ولا عسكراً فقلت لمن معي: أبقي شك في أنه صاحب الأمر ؟ فقالوا: لا والله، وكنت وهو بين أيدينا أطيل النظر إليه كأني رأيته من قبل، لكنني لا أذكر أين رأيته، فلما فارقنا تذكرت أنه الشخص الذي زارني بالحلة، وأخبرني بواقعة السليمانية .

وأما عشيرة عنيزة فلم نر أثراً لهم في منازلهم، ولم نر أحداً نسأله عنهم، سوي أننا رأينا غبرة شديدة مرتفعة في كبد البر، فوردنا كربلاء

ص: 86

تخب بنا خيولنا فوصلنا إلي باب البلد وإذا بعسكر علي السور فنادو : من أين جئتم، وكيف وصلتم ؟، ثم نظروا إلي سواد الزوار فقالوا: سبحان الله، والبرية امتلأت بالزوار، فأين صارت عنيزة؟، فقلت لهم: اجلسوا في البلد وخذوا أرزاقكم، ولمكة رب يرعاها. وهذا القول مضمون كلام عبد المطلب حين صار إلي ملك الحبشة في طلب إبله التي استولي عليها الأحباش، فقال له الملك: ولم لا تطلب مني رد البيت إليكم؟، فقال: «أنا رب الإبل؛ وللبيت رب يحميه».

قال: فدخلنا البلد، فإذا أنا بكنج محمد آغا جالساً علي تخت قريب من الباب فسلمت عليه، فقام في وجهي فقلت له: يكفيك فخراً أنك كرت باللسان فقال: ما الخبر؟، فأخبرته بالقصة، فقال لي: يا مولاي ، من أين أعلم أنك قادم للزيارة حتي أرسل لك رسولاً؟، وأنا عسكري منذ خمسة عشر يوماً محاصرون في البلد لا نستطيع الخروج خوفاً من عنيزة ؟!

ثم قال لي: فأين صارت عنيزة؟، قلت: لا علم لي سوي أني رأيت غبرة شديدة في كبد البر كأنها غبرة الظغائن؛ ثم أخرجت الساعة وإذا قد بقي من النهار ساعة ونصف، فكان مسيرنا كله في ساعة، وبين منازل بني طرف وكربلاء ثلاث فراسخ ثم بتنا تلك الليلة بكربلاء، فلما

ص: 87

أصبحنا سألنا عن خبر عنيزة فأخبرنا بعض الفلاحين ممن في بساتين كربلاء، قال: بينما عنيزة جلوس في أنديتهم وبيوتهم إذا بفارس قد طلع عليهم علي فرس مطهم، وبيده رمح طويل، فصرخ فيهم بأعلي صوته: يا معشر عنيزة، قد جاءكم الموت الزؤام، عساكر الدولة العثمانية متوجهة إليكم بخيلها ورجالها، وها هم علي أثري مقبلون فارحلوا، وما أظنكم تنجون منهم؛ فألقي الله فيهم الخوف والذل، حتي أن الرجل منهم يترك بعض متاع بيته استعجالاً للرحيل، فلم تمض ساعة حتي ارتحلوا بأجمعهم وتوجهوا نحو البر؛ فقلت له: صف لي الفارس، فوصفه لي فإذا هو صاحبنا بعينه .

والحمد لله رب العالمين، والصلاة علي محمد وآله الطاهرين .

ص: 88

الحكاية الخامسة والعشرون: قصة الرجل البحراني والإمام (عليه السلام)..

روي أن جماعة من أهل البحرين عزموا علي ضيافة جماعة من المؤمنين، بشكل متسلسل في كل مرة عند واحد منهم، وساروا في الضيافة، حتي وصلت النوبة علي أحدهم، ولم يكن لديه شيء، فركبه في ذلك حزن وغم شديد، فخرج من أحزانه إلي الصحراء في بعض الليالي، فرأي شخصاً.. حتي ما إذا وصل إليه قال له: اذهب إلي التاجر الفلاني - وسماه -، وقل له: يقول لك محمد بن الحسن: ادفع الي الاثنا عشر اشرفياً التي كنت نذرتها لنا. ثم اقبض المال منه واصرفه في ضيافتك.

فذهب ذلك الرجل إلي ذلك التاجر، وبلغ الرسالة عن ذلك الشخص، فقال له التاجر: أقال لك محمد بن الحسن، بنفسه، فقال البحراني: نعم، فقال التاجر: وهل عرفته؟ ؛ قال الرجل البحراني: لا؛ فقال التاجر: ذاك صاحب الزمان (عليه السلام)، وكنت نذرت هذا المال له. ثم أنه أكرم هذا البحراني وأعطاه المبلغ وطلب منه الدعاء ...

ص: 89

الحكاية السادسة والعشرون: قصة مسجد جمكران والإمام المهدي (عليه السلام)..

*قصة مسجد (1)

نقل الشيخ الفاضل حسن بن محمد بن الحسن القمي المعاصر للصدوق في (تاريخ قم) عن كتاب (مؤنس الحزين في معرفة الحق واليقين ) من مصنفات الشيخ أبي جعفر محمد بن بابويه القمي ما لفظه بالعربية:

باب ذكر بناء مسجد جمكران، بأمر الإمام المهدي (عليه السلام)، سبب بناء المسجد المقدس في جمكران بأمر الإمام (عليه السلام) علي ما أخبر به الشيخ العفيف الصالح حسن بن مثلة الجمكراني قال: كنت ليلة الثلاثاء السابع عشر من شهر رمضان المبارك سنة ثلاث وتسعين وثلاثمائة نائماً في بيتي فلما مضي نصف من الليل فإذا بجماعة من الناس علي باب بيتي فأيقظوني، وقالوا: قم وأجب الإمام المهدي صاحب الزمان فإنه يدعوك.

قال: فقمت وتعبأت وتهيات، فقلت: دعوني حتي ألبس قميصي،

ص: 90


1- مسجد جمكران موجود لحد الآن ويقع بفرسخ عن قم تقريباَ من جهة باب كاشان

فإذا بنداء من جانب الباب: «هو ما كان قميصك» فتركته وأخذت سراويلي، فنودي: «ليس ذلك منك، فخذ سراويلك» فألقيته وأخذت سراويلي ولبسته، فقمت إلي مفتاح الباب أطلبه فنودي: «الباب مفتوح» .

فلما جئت إلي الباب ، رأيت قوماً من الأكابر، فسلمت عليهم، فردوا ورحبوا بي، وذهبوا بي إلي موضع هو المسجد الآن، فلما أمعنت النظر رايت أريكة فرشت عليها فراش حسان، وعليها وسائد حسان، ورأيت فتي في زي ابن ثلاثين متكأ عليها، وبين يديه شيخ، وبيده كتاب يقرؤه عليه، وحوله أكثر من ستين رجلاً يصلون في تلك البقعة، وعلي بعضهم ثياب بيض، وعلي بعضهم ثياب خضر .

وكان ذلك الشيخ هو الخضر (عليه السلام) فأجلسني ذلك الشيخ (عليه السلام)، ودعاني الإمام (عليه السلام) باسمي، وقال : اذهب إلي حسن بن مسلم، وقل له: أنك تعمر هذه الأرض منذ سنين وتزرعها، ونحن نخربها، زرعت خمس سنين، والعام أيضاً أنت علي حالك من الزراعة والعمارة، ولا رخصة لك في العود إليها وعليك رد ما انتفعت به من غلات هذه الأرض ليبني فيها مسجد، وقل لحسن بن مسلم أن هذه أرض شريفة قد اختارها الله تعالي من غيرها من الأراضي وشرفها، وأنت قد أضفتها إلي أرضك، وقد جزاك الله بموت ولدين لك شابين، فلم تنتبه عن غفلتك، فإن لم تفعل ذلك لأصابك من

ص: 91

نقمة الله من حيث لا تشعر . قال حسن بن مثلة: (قلت): يا سيدي لا بد لي فيذلك من علامة، فإن القوم لا يقبلون ما لا علامة ولا حجة عليه ، ولا يصدقون قولي: قال: أنا سنعلم هناك فاذهب وبلغ رسالتنا، واذهب إلي السيد أبي الحسن وقول له: يجيء ويحضره ويطالبه بما أخذ من منافع تلك السنين، ويعطيه الناس حتي يبنوا المسجد، ويتم ما نقص منه من غلة رهق ملكنا بناحية أردهال ويتم المسجد، وقد وقفنا نصف رهق علي هذا المسجد، ليجلب غلته كل عام ويصرف إلي عمارته.

وقل للناس: ليرغبوا إلي هذا الموضع ويعزروه ويصلوا هنا أربع ركعات للتحية في كل ركعة يقرأ سورة الحمد مرة، وسورة الإخلاص سبع مرات ويسبح في الركوع والسجود سبع مرات، وركعتان للإمام صاحب الزمان (عليه السلام) هكذا: يقرأ الفاتحة، فإذا وصل إلي «ايّاكَ نَعْبُدُ وَ ايّاكَ نَسْتَعين» و كرره مائة مرة ثم يقرؤها إلي آخرها وهكذا يصنع في الركعة الثانية، ويسبح في الركوع والسجود سبع مرات، فإذا أتم الصلاة يهلل ويسبح تسبيح فاطمة الزهراء (عليها السلام)، فإذا فرغ من التسبيح يسجد ويصلي علي النبي وآله مائة مرة، ثم قال (عليه السلام): ما هذه حكاية لفظه: فمن صلاها فكأنما صلي في البيت العتيق .

ص: 92

قال حسن بن مثلة : قلت في نفسي: كأن هذا موضع أنت تزعم إنما هذا المسجد للإمام صاحب الزمان مشيراً إلي ذلك الفتي المتكئ علي الوسائد فأشار ذلك الفتي إلي أن أذهب . فرجعت، فلما سرت بعض الطريق دعاني ثانية، وقال: إن في قطيع جعفر الكاشاني الراعي معزاً يجب أن تشتريه، فإن أعطاك أهل القرية الثمن تشتريه وإلا فتعطي من مالك، وتجيء به إلي هذا الموضع ، وتذبحه الليلة الآتية، ثم تنفق يوم الأربعاء الثامن عشر من شهر رمضان المبارك لحم ذلك المعز علي المرضي، ومن به علة شديدة فإن الله يشفي جميعهم، وذلك المغر أبلق ، كثير الشعر، وعليه سبع علامات سود وبيض: ثلاث علي جانب وأربع علي جانب ، سود وبيض كالدراهم.

فذهبت فأرجعوني ثالثة: وقال (عليه السلام): تقيم بهذا المكان سبعين يوماً أو سبعاً، فإن حملت علي السبع انطبق علي ليلة القدر، وهو الثالث والعشرون، وإن حملت علي السبعين انطبق علي الخامس والعشرين من ذي القعدة ، وكلاهما يوم مبارك.

قال حسن بن مثلة: فعدت حتي وصلت إلي داري ولم أزل الليل متفكراً حتي أسفر الصبح، فأديت الفريضة، وجئت إلي علي بن المنذر، فقصصت عليه الحال، فجاء معي حتي بلغت المكان الذي ذهبوا بي إليه البارحة، فقال: والله إن العلامة التي قال لي الإمام واحد

ص: 93

منها إن هذه السلاسل والأوتاد ههنا.

فذهبنا إلي السيد الشريف أبي الحسن الرضا، فلما وصلنا إلي باب داره رأينا خدامه وغلمانه يقولون أن السيد أبا الحسين الرضا ينتظرك من سحر، أنت من جمكران؟ ، قلت: نعم، فدخلت عليه الساعة ، وسلمت عليه وخضعت فأحسن في الجواب وأكرمني ومكن لي في مجلسه، وسبقني قبل أن أحدثه وقال : يا حسن بن مثلة، إني كنت نائماً فرأيت شخصاً يقول لي: إن رجلاً من جمكران يقال له حسن بن مثلة يأتيك بالغدو، ولتصدقن ما يقول، واعتمد علي قوله، فإن قوله قولنا، فلا تردن عليه قوله، فانتبهت من رقدتي، وكنت أنتظرك الآن.

فقص عليه الحسن بن مثلة القصص مشروحاً، فأمر بالخيول لتسر ج، وتخرجوا فركبوا فلما قربوا من القرية رأوا جعفر الراعي وله قطيع علي جانب الطريق فدخل حسن بن مثلة بين القطيع ، وكان ذلك المعز خلف القطيع فأقبل المعز عادياً إلي الحسن بن مثلة فأخذه الحسن ليعطي ثمنه الراعي ويأتي به فأقسم جعفر الراعي أني ما رأيت هذا المعز قط، ولم يكن في قطيعي إلا أني رأيته وكلما أريد أن آخذه لا يمكنني، والآن جاء إليكم، فأتوا بالمعز كما أمر به السيد إلي ذلك الموضع وذبحوه .

وجاء السيد أبو الحسن الرضا (رضي الله عنه) إلي ذلك الموضع ،

ص: 94

وأحضروا الحسن بن مسلم واستردوا منه الغطت وجاؤوا بغلات رهق، وسقفوا المسجد بالجذوع وذهب السيد أبو الحسن الرضا (رضي الله عنه) بالسلاسل والأوتاد وأودعها في بيته فكان يأتي المرضي والأعلاء ويمسون أبدانهم بالسلاسل فيشفيهم الله تعالي عاجلاً؟ ويصحون.

قال أبو الحسن محمد بن حيدر: سمعت بالاستفاضة أن السيد أبا الحسن الرضا في المحلة المدعوة موسويان من بلدة قم، فمرض بعد وفاته ولد له، فدخل بيته وفتح الصندوق الذي فيه السلاسل والأوتاد، فلم يجدها .

ص: 95

الحكاية السابعة والعشرون: قصة الجزيرة الخضراء...

روي الشريف الزاهد أبو عبد الله محمد بن علي بن الحسن بن عبد الرحمن العلوي الحسيني في آخر كتاب (التعازي).

عن الأجل العالم الحافظ حجة الإسلام سعدي بن أحمد بن الرضي عن الشيخ الأجل المقرئ خطير الدين حمزة بن المسيب بن الحارث أنه حكي في داري بالظفرية بمدينة السلام في ثامن عشر شهر شعبان سنة أربع وأربعين وخمسمائة قال: حدثني شيخي العالم ابن أبي القاسم عثمان بن عبد الباقي بن أحمد الدمشقي في سابع عشر جمادي الآخرة من سنة ثلاث وأربعين وخمسمائة قال: حدثني الأجل العالم الحجة كمال الدين أحمد بن محمد بن يحيي الأنباري بداره بمدينة السلام ليلة الخميس عاشر شهر رمضان سنة ثلاث وأربعين وخمسمائة.

قال: كنا عند الوزير عون الدين يحيي بن هبيرة في رمضان بالسنة المقدم ذكرها، ونحن علي طبقة، وعنده جماعة، فلما أفطر من كان حاضراً وتقوض(1) أكثر من حضر خاصراً(2)، أردنا الانصراف، فأمرنا

ص: 96


1- يقال : تقوض الحلق والصفوف: انتقضت وتفرقت
2- ومعناه أنه: قام أكثر أهل المجلس وكل منهم وضع يده علي خاصرته من طول الجلوس و كسالته

بالتمسي عنده ، فكان في مجلسه في تلك الليلة شخص لا أعرفه، ولم أكن رأيته من قبل، ورأيت الوزير يكثر إكرامه، ويقرب مجلسه، ويصغي إليه، ويسمع قوله، دون الحاضرين.

فتجارينا الحديث والمذاكرة، حتي أمسينا وأردنا الانصراف، فعرفنا بعض أصحاب الوزير أن الغيث ينزل، وأن يمنع من يري الخروج، فأشار الوزير أن نمسي عنده فأخذنا نتحادث، فأفضي الحديث حتي تحادثنا في الأديان والمذاهب ورجعنا إلي دين الإسلام، وتفرق المذاهب فيه. فقال الوزير: أقل طائفة مذهب الشيعة، وما يمكن أن يكون أكثر منهم في خطتنا هذه، وهم الأقل من أهلها، وأخذ يذم أحوالهم، ويحمد الله علي قتلهم في أقاصي الأرض.

فالتفت الشخص الذي كان الوزير مقبلاً عليه، مصغياً إليه، فقال له: أدام الله أيامك أحدث ما عندي فيما قد تفاوضتم فيه أو أعرض عنه؟ فصمت الوزير، ثم قال: قل ما عندك . فقال: خرجت مع والدي سنة اثنتين وعشرين وخمسمائة، من مدينتنا وهي المعروفة بالباهية، ولها الرستاق الذي يعرفه التجار، وعدة ضياعها ألف ومائتا ضيعة، في كل ضيعة من الخلق ما لا يحصي عددهم إلا الله، وهم قوم نصاري، وجميع الجزائر التي كانت حولهم، علي دينهم و مذهبهم، ومسير بلادهم وجزائر مدة شهرين وبينهم وبين البر مسير عشرين يوما وكل

ص: 97

من في البر من الأعراب وغيرهم نصاري وتتصل بالحبشة والنوبة، وكلهم نصاري، ويتصل بالبربر، وهم علي دينهم فإن حد هاذ كان بقدر كل من في الأرض. ولم نضف إليهم الإفرنج والروم.

وغير خفي عنكم من بالشام والعراق والحجاز من النصاري، واتفق أننا سرنا في البحر، وأوغلنا، وتعدينا الجهات التي كنا نصل إليها، ورغبنا في المكاسب ولم نزل علي ذلك حتي صرنا إلي جزائر عظيمة كثيرة الأشجار، مليحة الجدران فيها المدن المدورة والرساتيق .

وأول مدينة وصلنا إليها وأرسي المراكب بها، وقد سألنا الناخداه (أي ربان السفينة) أي شيء هذه الجزيرة؟، قال : والله أن هذه الجزيرة لم أصل إليها ولا أعرفها، وأنا وأنتم في معرفتها سواء.

فلما أرسينا بها، وصعد التجار إلي مشرعة تلك المدينة، وسألنا ما اسمها؟، فقيل هي المباركة، فسألنا عن سلطانهم وما اسمه؟، فقالوا: اسمه الطاهر ، فقلنا وأين سرير مملكته؟، فقيل: بالزاهرة، فقلنا: وأين الزاهرة؟، فقالوا: بينكم وبينها مسيرة عشر ليالي في البحر، وخمسة وعشرين ليلة في البر، وهم قوم مسلمون.

فقلنا: من يقبض زكاة ما في المركب لنشرع في البيع والابتياع ؟ ، فقالوا: تحضرون عند نائب السلطان، فقلنا: وأين أعوانه؟، فقالوا: لا

ص: 98

أعوان له، بل هو في داره وكل من عليه حق يحضر عنده ، فيسلمه إليه .

فتعجبنا من ذلك، وقلنا: ألا تدلونا عليه؟، فقالوا: بلي، وجاء معنا من أدخلنا داره، فرأينا رجلاً صالحاً عليه عباءة، وتحته عبادة وهو مفترشها، وبين يديه دواة يكتب منها من كتاب ينظر إليه، فسلمنا عليه فرد علينا السلام وحيانا وقال: من أين أقبلتم؟، فقلنا: من أرض كذا وكذا؟، فقال : كلكم مسلمون؟، فقلنا: لا، بل فينا المسلم واليهودي والنصراني، فقال: يزن اليهودي جزيته والنصراني جزيته، ويناظر المسلم عن مذهبه .

فوزن والدي عن خس نفر نصاري؛ عنه وعني وعن ثلاثة كانوا معنا ثم وزن تسعة نفر كانوا يهوداً وقال للباقين: هاتوا مذاهبكم، فشرعوا معه في مذاهبهم.

فقال: لستم مسلمين وإنما أنتم خوارج وأموالكم تحل للمسلم المؤمن، وليس بمسلم من لم يومن بالله ورسوله واليوم الآخر وبالوصي والأوصياء من ذريته حتي مولانا صاحب الزمان (صلوات الله عليهم). فضاقت بهم الأرض ولم يبق إلا أخذ أموالهم.

ثم قال لنا: يا أهل الكتاب لا معارضة لكم فيما معكم، حيث أخذت الجزية منكم، فلما عرف أولئك أن أموالهم معرضة للنهب، سألوه أن

ص: 99

يحملهم إلي سلطانهم فأجاب سؤالهم، وتلا:

«يَهْلِكَ مَنْ هَلَكَ عَن بَيِّنَةٍ وَيَحْيَي مَنْ حَيَّ عَن بَيِّنَةٍ»(1).

فقلنا للناخذاه والربان وهو الدليل: هؤلاء قوم قد عاشرناهم وصاروا رفقة، وما يحسن لنا أن نتخلف عنهم أينما يكونوا نكون معهم، حتي نعلم ما يستقر حالهم عليه؟، فقال الربان: والله ما أعلم هذا البحر أين المسير فيه، فاستأجرنا ربّاناً ورجالاً، وقلعنا القلع (أي الشراع) وسرنا ثلاثة عشر يوماً بلياليها حتي كان قبل طلوع الفجر، فكبر الربان فقال: هذه والله أعلام الزاهرة ومنائرها وجدرانها إنها قد بانت، فسرنا حتي تضاحي النهار .

فقدمنا إلي المدينة لم تر العيون أحسن منها ولا أخف علي القلب ، ولا أرق من نسيمها ولا أطيب من هوائها، ولا أعذب من مائها، وهي راكبة البحر علي جبل من صخر أبيض، كأنه لون الفضة، وعليها سور إلي ما يلي البحر،والبحر يحوط الذي يليه منها، والأنهار منحرفة في وسطها يشرب منها أهل الدور والأسواق وتأخذ منها الحمامات وفواضل الأنهار ترمي في البحر، ومدي الأنهار فرسخ ونصف، وفي تحت ذلك الجبل بساتين المدينة وأشجارها، ومزارعها عند العيون

ص: 100


1- سورة الأنفال ، آية: 43.

وأثمار تلك الأشجار لا يري أطيب منها ولا أعذب، ويرعي الذئب والنعجة عياناً ولو قصد قاصد لتخلية دابة في زرع غيره لما رعته، ولا قطعت قطعة حمله ولقد شاهدت السباع والهوام رابضة في غيض تلك المدينة، وبنو آدم يمرون عليها فلا تؤذيهم.

فلما قدمنا المدينة وأرمي المركب فيها، وما كان صحبنا من الشوابي والذوابيح من المباركة بشريعة الزاهرة، صعدنا فرأينا مدينة عظيمة عيناء كثيرة الخلق، وسيعة الربقة، وفيها الأسواق الكثيرة والمعاش العظيم، ويرد إليها الخلق من البر والبحر، وأهلها علي أحسن قاعدة ، لا يكون علي وجه الأرض من الأمم والأديان مثلهم وأمانتهم، حتي أن المتعيش بسوق يرده إليه من يبتاع منه حاجة أما بالوزن أو بالذراع فيبايعه عليها ثم يقول: يا هذا زن لنفسك واذرع لنفسك. فهذه صورة مبايعاتهم، ولا يسمع بينهم لغو المقال، ولا السفه ولا النميمة، ولا يسب بعضهم بعضاً، وإذا نادي المؤذن الأذان، لا يتخلف منهم متخلف ذكراً كان أو أنثي إلا ويسعي إلي الصلاة ، حتي إذا قضيت الصلاة للوقت المفروض، رجع كل منهم إلي بيته حتي يكون وقت الصلاة الأخري فيكون الحال كما كانت.

فلما وصلنا المدينة، وارسينا بمشرعتها، أمرونا بالحضور عند السلطان فحضرنا داره، ودخلنا إليه إلي بستان صور - (أي النخل

ص: 101

المجتمع الصغار، لا واحد له..) - في وسطه قبة من قصب، والسلطان في تلك القبة، وعنده جماعة وفي باب القبة ساقية تجري.

فوافينا القبة، وقد أقام المؤذن الصلاة، فلم يكن أسرع من أن امتلا البستان بالناس، وأقيمت الصلاة، فصلي بهم جماعة، فلا والله لم تنظر عيني أخضع من الله، ولا ألين جانباً لرعيته، فصلي من صلي مأموماً.

فلما قضيت الصلاة التفت إلينا وقال : هؤلاء القادمون؟، قلنا: نعم، وكانت تحية الناس له أو مخاطبتهم له: « ابن صاحب الأمر»، فقال : علي خير مقدم.

ثم قال: أنتم تجار أو ضياف؟، فقلنا: تجار، فقال: من منكم المسلم، ومن منكم أهل الكتاب ؟، فعرفناه ذلك، فقال: إن الإسلام تفرق شعباً فمن أي قبيل أنتم؟، وكان معنا شخص يعرف بالمقري ابن دربهان بن أحمد الأهوازي، يزعم أنه علي مذهب الشافعي، فقال له: أنا رجل شافعي، قال: فمن علي مذهبك من الجماعة؟، قال: كلنا إلا هذا حسان بن غيث فإنه رجل مالكي.

فقال: أنت تقول بالإجماع ؟، قال: نعم، قال: إذن تعمل بالقياس، ثم قال : بالله يا شافعي تلوت مانزل الله يوم المباهلة ؟، قال: نعم، قال:

ص: 102

ما هو؟، قال قوله تعالي: «فَقُلْ تَعالَوْا نَدْعُ أَبْناءَنا وَ أَبْناءَكُمْ وَ نِساءَنا وَ نِساءَكُمْ وَ أَنْفُسَنا وَ أَنْفُسَكُمْ ثُمَّ نَبْتَهِلْ فَنَجْعَلْ لَعنَتَ اللَّهِ عَلَي الكاذِبينَ»(1).

فقال : بالله عليك من أبناء الرسول ومن نساؤه ومن نفسه يا ابن در بهان؟، فأمسك، فقال: بالله هل بلغك أن غير الرسول والوصي والبتول والسبطين دخل تحت الكساء ؟، قال: لا، فقال: والله لم تنزل هذه الآية إلآ فيهم، ولا خص بها سواهم.

ثم قال: بالله عليك يا شافعي ما تقول فيمن طهره الله بالدليل القاطع ، هل ينجسه المختلفون؟ ، قال: لا، وقال: بالله عليك هل تلوت: «اِنَّما يُريدُ اللهُ لِيُذهِبَ عَنكُمُ الرِّجسَ اَهلَ البَيتِ وَ يُطَهِّرَكُم تَطهيرًا»(2)، قال: نعم، قال: بالله عليك من يعني بذلك؟، فأمسك، فقال: والله ما عني بها إلا أهلها .

ثم بسط لسانه و تحدث بحديث أمضي من السهام، وأقطع من الحسام فقطع الشافعي ووافقه، فقام عند ذلك فقال : عفواً يا ابن صاحب الأمر انسب إلي نسبك، فقال : أنا طاه ربن محمد بن الحسن بن علي بن محمد بن علي بن موسي بن جعفر بن محمد بن علي بن الحسين بن علي الذي أنزل الله فيه: «وَ كُلَّ شَيْ ءٍ أَحْصَيْناهُ فِي إِمامٍ مُبِينٍ»(3)

ص: 103


1- سورة آل عمران، آية: 61.
2- سورة الأحزاب، آية: 33.
3- سورة يس، آية: 12.

وهو والله الإمام المبين، ونحن الذين أنزل الله في حقنا : «ذُرِّيَّةً بَعْضُها مِنْ بَعْضٍ وَ اللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ» (1)

يا شافي نحن أهل البيت نحن ذرية الرسول، ونحن أولوا الأمر، فخر الشافعي مغشياً عليه، لما سمع منه، ثم أفاق من غشيته، وآمن به، وقال: الحمد لله الذي منحني بالإسلام، ونقلني من التقليد إلي اليقين .

ثم أمر لنا بإقامة الضيافة، فبقينا علي ذلك ثمانية أيام، ولم يبق في المدينة إلا من جاء إلينا، وحادثنا، فلما انقضت الأيام الثمانية سأله أهل المدينة أن يقوموا لنا بالضيافة، ففتح لهم في ذلك، فكثرت علينا الأطعمة والفواكه، وعملت لنا الولائم، ولبثنا في تلك المدينة سنة كاملة .

فعلمنا و تحققنا أن تلك المدينة مسيرة شهرين كاملة براً وبحراً، بعدها مدينة اسمها الرائقة، سلطانها القاسم بن صاحب الأمر (عليه السلام)، مسيرة ملكها شهرين وهي علي تلك القاعدة ولها دخل عظيم، وبعدها مدينة اسمها الصافية ، سلطانها إبراهيم بن صاحب الأمر (عليه السلام) بالحكام وبعدها مدينة أخري اسمها ظلوم سلطانها عبد الرحمن بن صاحب الأمر (عليه السلام)، مسيرة رستاقها وضياعها شهران،

ص: 104


1- سورة آل عمران، آية: 34.

وبعدها مدينة أخري اسمها عناطيس، سلطانها هاشم بن صاحب الأمر (عليه السلام) وهي أعظم المدن كلها وأكبرها وأعظم دخلا، ومسيرة ملكها أربعة أشهر .

فيكون مسيرة المدن الخمس والمملكة مقدار سنة لا يوجد في أهل تلك الخطط والمدن والضياع والجزائر غير المؤمن الشيعي الموحد القائل بالبراءة والولاية الذي يقيم الصلاة ويؤتي الزكاة ويأمر بالمعروف وينهي عن المنكر، سلاطينهم أولاد إمامهم، يحكمون بالعدل وبه يأمرون، وليس علي وجه الأرض مثلهم، ولو جمع أهل الدنيا، لكانوا أكثر عدداً منهم علي اختلاف الأديان والمذاهب . ولقد أقمنا عندهم سنة كاملة نترقب ورود صاحب الأمر إليهم، لأنهم زعموا أنها سنة وروده، فلم يوفقنا الله تعالي للنظر إليه، فأما ابن دربهان وحسان فإنهما أقاما بالزاهرة يرقبان رؤيته، وقد كنا لا استكثرنا هذه المدن وأهلها، سألنا عنها فقيل، إنها عمارة صاحب الأمر (عليه السلام) واستخراجه.

فلما سمع عون الدين ذلك، نهض ودخل حجرة لطيفة، وقد تقضي الليل فأمر بإحضارنا واحداً واحداً، وقال: إياكم إعادة ما سمعتم أو إجراءة علي ألفاظكم وشدده وتأكد علينا، فخرجنا من عنده ولم يعد أحد منا مما سمعه حرفاً واحداً حتي هلك.

ص: 105

وكنا إذ حضرنا موضعاً واجتمع واحدنا بصاحبه، قال: أتذكر شهر رمضان، فيقول: نعم، ستراً لحال الشرط.

فهذا ما سمعته ورويته، والحمد لله وحده، وصلواته علي خير خلقه محمد وآله الطاهرين والحمد لله رب العالمين .

ص: 106

الحكاية الثامنة والعشرون: المهدي ( عليه السلام) ينقذه من الهلاك..

نقل السيد محمد الحسيني ... قال : حدثنا رجل صالح من أصحابنا قال : خرجت سنة من السنين حاجاً إلي بيت الله الحرام، وكانت سنة شديدة الحر كثيرة السموم فانقطعت عن القافلة، وضللت الطريق فغلب علي العطش حتي سقطت وأشرفت علي الموت، فسمعت صهيلاً ففتحت عيني فإذا بشاب حسن الوجه حسن الرائحة، راكب علي دابة شهباء، فسقاني ماء أبرد من الثلج وأحلي من العسل ونجاني من الهلاك، قلت: يا سيدي من أنت؟؛ قال : أنا حجة الله علي عباده ، وبقية الله في أرضه، أنا الذي أملأ الأرض قسطاً وعدلاً كما ملئت جوراً وظلماً، أنا ابن الحسن بن علي بن محمد بن علي بن موسي بن جعفر بن محمد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب (عليهم السلام)، ثم قال : اخفض عينيك، فخفضتهما، ثم قال : افتحهما، ففتحتهما فرأيت نفسي في قدام القافلة ثم غاب عن نظري (صلوات الله عليه).

ص: 107

الحكاية التاسعة والعشرون: المهدي ( عليه السلام) يشفي الميرزا النائيني..

أخبرنا جناب العالم الفاضل الصالح الورع التقي ميرزا محمد حسين النائيني الإصفهاني ابن سماحة العالم العامل والمهذب الكامل ميرزا عبد الرحيم النائيني الملقب بشيخ الإسلام، أنه ظهر وجع في قد أخ لي من الأب اسمه محمد سعيد حال انشغاله في تحصيل العلوم الدينية في سنة خمسة وثمانين ومائتين وألف تقريباً، وقد ورم خلف قدمه بحيث اعوج وعجز عن المشي فجاءوا ميرزا أحمد الطبيب بن الحاج ميرزا عبد الوهاب النائيني ليعالجه، فزال الاعوجاج الذي هو خلف قدمه وذهب الورم وتفرقت المادة ولم تمض عدة أيام إلا وظهرت المادة بين الركبة والساق، وبعد عدة أيام ظهرت المادة في الفخذ في نفس تلك الرجل، ومادة بين الكتف، حتي تقيح كل واحد منهما، وكان له وجع شديد فعندما يعالجه ينفجر فيخرج منه قيح، إلي أن مضت سنة تقريباً أو أكثر من ذلك وهو علي هذا الحال يعالج هذه القروح بأنواع العلاج، ولم يلتئم واحد منها بل كل يوم تزداد الجراحات، ولم يقدر في هذه المدة أن يضع قدمه علي الأرض وهو

ص: 108

يتقلب من جانب إلي جانب ، وقد أصابه الضعف من طول مدة المرض، ولم يبق منه إلا الجلد والعظم من كثرة ما خرج منه من الدم والقيح، وقد صعب ذلك علي الوالد، وما يستعمل نوعاً من العلاج إلا وتزداد الجروح ويضعف حاله ولا يؤثر في زيادة قوته وصحته.

ووصلت هذه القروح إلي حد أنه لو وضعت يد علي أحد الاثنين - الذي أحدهما بين الركبة والساق و الأخري في الفخذ التي في نفس تلك الرجل - فإنه يجري من القرح الأخر القيح والدم.

وظهر في تلك الأيام وباء شديد في نائين فلجأنا إلي قرية من قراها خوفاً من ذلك الوباء، فاطلعنا علي جراح حاذق يقال له (أقا يوسف) ينزل في قرية قريبة من قريتنا، فبعث الوالد شخصاً إليه، فحضر للعلاج، وعندما عرض أخي المريض عليه سكت ساعة حتي خرج الوالد من عنده وبقيت عنده مع أحد أخوالي يدعي الحاج ميرزا عبد الوهاب ، فبعد مدة من مناجاته معه فهمت من فحوي تلك الكلمات بأنه يخبره يائساً ويخفي ذلك عني لئلا أخبر الوالد فيضطرب ويجزع.

فعندما رجع الوالد قال ذلك الجراح: أنا أخذ المبلغ الفلاني أولاً ثم أبدأ بالمعالجة. وكان قصده من هذا الكلام هو امتناع الوالد عن دفع ذلك المبلغ قبل الابتداء في المعالجة ليكون سبباً لذهابه قبل الشروع في

ص: 109

المعالجة.

فامتنع الوالد من إعطائه ما أراد قبل المعالجة، فاغتنم (الجراح) تلك الفرصة ورجع إلي قريته.

وقد علم الوالد والوالدة أن هذا التصرف من الجراح كان ليأسه وعجزه عن المعالجة، مع أنه كان استاذاً وحاذقاً فيأست منه.

وكان لي خال آخر يدعي ميرزا أبو طالب في غاية التقوي والصلاح وله شهرة في البلد بأنه يكتب للناس رقع الاستغاثة إلي إمام عصره الإمام الحجة (عليه السلام)، وهي سريعة الإجابة والتأثير، وإن الناس كثيراً ما يرجعون إليه في الشدائد والبلايا، فالتمست منه والدتي أن يكتب رقعة استغاثة لشفاء ولدها.

فكتبها في يوم الجمعة وأخذتها الوالدة وأخذت أخي وذهبت عند بئر قرب قريتنا، فرمي أخي تلك الرقعة في البئر وكان متعلقاً فوق البئر بيد الوالدة، فظهرت له وللوالدة في ذلك الوقت رقة فبكيا بكاءاً شديداً، وكان ذلك في آخر ساعة من يوم الجمعة.

وبعد مضي عدة أيام رأيت في المنام ثلاثة فرسان بالهيئة والشمائل التي وردت في واقعة اسماعيل الهرقلي، قادمين من الصحراء باتجاه بيتنا، فحضرت في ذهني في ذلك الحال واقعة إسماعيل وكنت قد

ص: 110

وقفت عليها في تلك الأيام وكانت تفصيلاتها في ذهني فانتبهت أن هذا الفارس المتقدم هو الإمام الحجة (عليه السلام) جاء لشفاء أخي المريض، وكان أخي المريض نائماً علي ظهره أو متكئاً في فراشه في ساحة البيت كما كان كذلك في أغلب الأيام، فقرب الإمام الحجة (عليه السلام) وبيده المباركة رمح، ووضع ذلك الرمح في موضع من بدنه ولعله كان في كتفه، وقال له: قم فقد جاء خالك من السفر .

وقد فهمت في ذلك الوقت أن مقصوده (عليه السلام) من هذا الكلام البشارة بقدوم خال لنا آخر اسمه الحاج ميرزا علي أكبر كان سافر للتجارة وطال سفره ونحن قد خفنا عليه لطول السفر وتقلب الدهر من القحط والغلاء الشديد.

وعندما وضع (عليه السلام) علي كتفه وقال ذلك الكلام، قال أخي من مكانه الذي كان نائماً فيه وأسرع إلي باب البيت لاستقبال خاله المذكور.

فاستيقظت من نومي فرأيت الفجر قد طلع وقد أضاء الجو ولم يستيقظ أحد من النوم لصلاة الصبح، فقمت من مكاني وأسرعت إلي أخي قبل أن ألبس ملابسي وأيقظته من النوم وقلت له: انهض فإن الإمام الحجة (عليه السلام) قد شافاك .

ص: 111

وأخذت بيده وأقمته علي رجليه، فاستيقظت أمي من النوم وصاحت علي: لماذا أيقظته من النوم؟، لأنه كان يقظاً من غلبة الوجع عليه، وقليل من النوم في ذلك الحال كان يعد غنيمةً؛ قلت: إن الإمام الحجة (عليه السلام) قد شافاه .

فعندما أقمته علي قدميه، ابتدأ بالمشي في ساحة الغرفة، وقد كان في تلك الليلة غير قادر علي وضع قدمه علي الأرض، حيث انقضت له علي ذلك مدة سنة أو أكثر، وكان يحمل من مكان إلي مكان .

فانتشرت هذه الحكاية في تلك القرية، واجتمع جميع الأقرباء والأصدقاء ليروه بما لا يصدق بالعقل، ونقلت الرؤيا وكنت فرحاً جداً لأني بادرت ببشارة الشفاء عندما كان نائماً، وقد انقطع الدم والقيء من ذلك اليوم، والتأمت الجروح قبل أن ينقضي أسبوع، وبعد عدة أيام من ذلك وصل الخال سالماً غانماً ...

ص: 112

الحكاية الثلاثون: قصة محمود الفارسي..

حدث السيد الجليل والعالم النبيل بهاء الدين علي بن عبد الحميد الحسيني النجفي النيلي المعاصر للشيخ الشهيد الأول ( رحمة الله) في كتاب (الغيبة): عن الشيخ العالم الكامل القدوة المقرئ الحافظ المحمود الحاج المعتمر شمس الحق والدين محمد بن قارون قال :

دعيت إلي امرأة فأتيتها وأنا أعلم أنها مؤمنة من أهل الخير والصلاح فزوجها أهلها من محمود الفارسي المعروف بأخي بكر، ويقال له لأقاربه: بنو بكر، وأهل فارس مشهورون بشدة التسنن والنصب والعداوة لأهل الإيمان وكان محمود هذا أشدهم في الباب ، وقد وفقه الله تعالي للتشيع دون أصحابه .

فقلت لها: واعجباه ، كيف سمح أبوك بك؟، وجعلك مع هؤلاء التواصب؟، وكيف اتفق لزوجك مخالفة أهله حتي تفرضهم؟، فقالت: يا أيها المقرئ إن له حكاية عجيبة إذا سمعها أهل الأدب حكموا أنها من العجب، قلت: وما هي؟، قالت: سله عنها سيخبرك.

قال الشيخ: فلما حضرنا عنده قلت له: يا محمود ما الذي أخرجك

ص: 113

عن ملة أهلك، وأدخلك مع الشيعة؟، فقال: يا شيخ لما اتضح لي الحق تبعته، اعلم أنه قد جرت عادة أهل الفرس أنهم إذا سمعوا بورود القوافل عليهم، خرجوا يتلقونهم، فاتفق إنا سمعنا بورود قافلة كبيرة ، فخرجت ومعي صبيان كثيرون وأنا إذ ذاك بي مراهق، فاجتهدنا في طلب القافلة، بجهلنا، ولم نفكر في عاقبة الأمر، وصرنا كلما انقطع منا صبي من التعب خلوه إلي الضعف، فضللنا عن الطريق، ووقعنا في وادٍ لم نكن نعرفه، وفيه شوك، وشجر ودغل، لم نَرَ مثله قطّ، فأخذنا في السير حتي عجزنا وتدلت ألسنتنا علي صدورنا من العطش، فأيقنا بالموت، وسقطنا لوجوهنا.

فبينما نحن كذلك إذا بفارس علي فرس أبيض، قد نزل قريباً منا، وطرح مفرشاً لطيفاً لم نَرَ مثله تفوح منه رائحة طيبة، فالتفتنا إليه وإذا بفارس آخر علي فرس أحمر عليه ثياب بيض، وعلي رأسه عمامة لها ذؤابتان، فنزل علي ذلك المفرش ثم قام فصلي بصاحبه، ثم جلس للتعقيب .

فالتفت إلي وقال: يا محمود!، فقلت بصوت ضعيف: لبيك يا سيدي، قال: ادن مني، فقلت: لا أستطيع لما بي من العطش والتعب، قال : لا بأس عليك.

فلما قالها حسبت كأن قد حدث في نفسي روح متجددة، فسعيت

ص: 114

إليه حبواً فمر يده علي وجهي وصدري ورفعها إلي حنكي فرده حتي لصق بالحنك الأعلي ودخل لساني في فمي، وذهب ما بي، وعدت كما كنت أولاً.

فقال : قم وأئتني بحنظلة من هذا الحنظل، وكان في الوادي حنظل كثير فأتيته بحنظلة كبيرة فقسمها نصفين، وناولنيها، وقال : كل منها، فأخذتها منه، ولم أقدم علي مخالفته وعندي أمرني أن أكل الصبر لما أعهد من مرارة الحنظل فلما ذقتها فإذا هي أحلي من العسل، وأبرد من الثلج، وأطيب ريحاً من المسك شبعت ورويت .

ثم قال لي: ادع صاحبك، فدعوته، فقال بلسان مكسور ضعيف: لا أقدر علي الحركة، فقال له: قم لا بأس عليك، فأقبل إليه حبواً، وفعل معه كما فعل معي ثم نهض ليركب ، فقلنا بالله عليك يا سيدنا الآ ما أتممت علينا نعمتك،وأوصلتنا إلي أهلنا، فقال: لا تعجلوا وخط حولنا برمحه خطة، وذهب هو وصاحبه، فقلت لصاحبي: قم بنا حتي نقف بإزاء الجبل ونقع علي الطريق، فقمنا وسرنا وإذا بحائط في وجوهنا فأخذنا في غير تلك الجهة فإذا بحائط آخر، وهكذا من أربع جوانبنا. فجلسنا وجعلنا نبكي علي أنفسنا، ثم قلت لصاحبي: ائتنا من هذا الحنظل لنأكله، فأتي به فإذا هو أمر من كل شيء وأقبح، فرمينا به، ثم لبثنا هنيئة وإذا قد استدار من الوحش ما لا يعمل إلا الله عدده، وكلما

ص: 115

أرادوا القرب منا منعهم ذلك الحائط ، فإذا ذهبوا زال الحائط ، وإذا عادوا عاد.

قال : فبتنا تلك الليلة آمنين حتي أصبحنا، وطلعت الشمس واشتد الحر وأخذنا العطش فجزعنا أشد الجزع، وإذا بالفارسين قد أقبلا وفعلا كما فعلا بالأمس، فلما أرادا مفارقتنا قلنا له: بالله عليك ألا أوصلتنا إلي أهلنا، فقال : أبشرا فسيأتيكما من يوصلكما إلي أهليكما ثم غابا.

فلما كان آخر النهار إذا برجل من فراسنا، ومعه ثلاث أحمرة، قد أقبل ليحتطب فلما رآنا ارتاع منا وانهزم، وترك حميره فصحنا إليه باسمه، وتسمينا له فرجع وقال: يا ويلكما أن أهاليكما قد أقاموا عزاء كما، قوماً لا حاجة لي في الحطب، فقمنا وركبنا تلك الأحمرة، فلما قربنا من البلد، دخل أمامنا، وأخبر أهلنا ففرحوا فرحاً شديداً وأكرموه وأخلعوا عليه.

فلما دخلنا إلي أهلنا سألوا عن حالنا، فحكينا لهم بما شاهدناه ، فكذبونا وقالوا: هو تخييل لكم من العطش.

قال محمود: ثم أنساني الدهر حتي كأن لم يكن، ولم يبق علي خاطري شيء منه حتي بلغت عشرين سنة، وتزوجت وصرت أخرج

ص: 116

في المكاراة ولم يكن في أهلي أشد مني نصباً لأهل الإيمان، سيما زوار الأئمة (عليهم السلام) با «سر من رأي» فكنت أكريهم الدواب بالقصد لأذيتهم بكل ما أقدر عليه من السرقة وغيرها وأعتقد أن ذلك ما يقربني إلي الله تعالي.

فاتفق أني كريت دوابي مرة لقوم من أهل الحلة، وكانوا قادمين إلي الزيارة منهم ابن السهيلي، وابن عرفة، وابن حارب ، وابن الزهدري، وغيرهم من أهل الصلاح، ومضيت إلي بغداد وهم يعرفون ما أنا عليه من العناد، فلما خلوا بي من الطريق وقد امتلأ وا علي غيظاً وحنقاً لم يتركوا شيئاً من القبيح إلا فعلوه بي وأنا ساكت لا أقدر عليهم لكثرتهم، فلما دخلنا بغداد ذهبوا إلي الجانب الغربي فنزلوا هناك، وقد امتلأ فؤادي حنقاً.

فلما جاء أصحابي قمت إليهم، ولطمت علي وجهي وبكيت، فقالوا: ما لك؟، وما دهاك؟، فحكيت لهم ما جري علي من أولئك القوم، فأخذوا في سبهم ولعنهم، وقالوا: طب نفساً فإنا نجتمع معهم في الطريق إذا خرجوا، ونصنع بهم أعظم مما صنعوا.

فلما جن الليل، أدركتني السعادة، فقلت في نفسي: إن هؤلاء الرفضة لا يرجعون عن دينهم، بل غيرهم إذا زهد يرجع إليهم، فما

ص: 117

ذلك إلا لأن الحق معهم، فبقيت مفكراً في ذلك، وسألت ربي بنبيه محمد (صلي الله عليه وآل وسلم) أن يريني في ليلتي علامة استدل بها علي الحق الذي فرضه الله تعالي علي عباده .

فأخذني النوم فإذا أنا بالجنة قد زخرفت، فإذا فيها أشجار عظيمة مختلفة الألوان والثمار ليست مثل أشجار الدنيا، لأن أغصانها مدلاة، و عروقها إلي فوق، ورأيت أربعة أنهار : من خبر، ولبن، وعسل، وماء ، وهي تجري وليس لها جرف بحيث لو أرادت النملة أن تشرب منها الشربت، ورأيت نساء حسنة الأشكال، ورأيت قوماً يأكلون من تلك الثمار، ويشربون من تلك الأنهار، وأنا لا أقدر علي ذلك، فكلما أردت أن أتناول من الثمار، تصعد إلي فوق، وكلما هممت أن أشرب من تلك الأنهار، تغور إلي تحت فقلت للقوم: ما بالكم تأكلون وتشربون؟، وأنا لا أطيق ذلك؟، فقالوا: إنك لا تأتي إلينا بعد.

فبينا أنا كذلك وإذا بفوج عظيم، فقلت: ما الخبر؟، فقالوا: سيدتنا فاطمة الزهراء(عليها السلام) قد أقبلت، فنظرت فإذا بأفواج من الملائكة علي أحسن هيئة، ينزلون من الهواء إلي الأرض وهم حافون بها، فلما دنت وإذا بالفارس الذي قد خلصنا من العطش بإطعامه لنا الحنظل قائماً بين يدي فاطمة (عليها السلام) فلما رأيته عرفته، وذكرت تلك الحكاية، وسمعت القوم يقولون: هذا (م ح م د) بن حسن

ص: 118

الحسن القائم المنتظر، فقام الناس وسلموا علي فاطمة (عليها السلام)، فقمت أنا وقلت: السلام عليك يا بنت رسول الله، فقالت: وعليك السلام يا محمود! أنت الذي خلصك ولدي هذا من العطش؟ ، فقلت: نعم يا سيدتي ! فقالت: إن دخلت مع شيعتنا أفلحت، فقلت: أنا داخل في دينك ودين شيعتك، مقر بإمامة من مضي من بنيك، ومن بقي منهم، فقالت: أبشر فقد فزت.

قال محمود: فانتبهت وأنا أبكي، وقد ذهل عقلي ما رأيت فانزعج أصحابي لبكائي، وظنوا نه مما حكيت لهم، فقالوا طب نفساً فوالله لننتقمن من الرفضة. فسكت عنهم حتي سكتوا، وسمعت المؤذن يعلن بالآذان، فقمت إلي الجانب الغربي ودخلت منزل أولئك الزوار، فسلمت عليهم، فقالوا: لا أهلاً ولا سهلاً أخرج عنا لا بارك الله فيك، فقلت: إني قد عدت معكم، ودخلت عليكم لتعلموني معالم ديني، فبهتوا من كلامي، وقال بعضهم: كذب ، وقال آخرون: جاز أن يصدق.

فسألوني عن سبب ذلك، فحكيت لهم ما رأيت، فقالوا: إن صدقت فإنا ذاهبون إلي مشهد الإمام موسي بن جعفر (عليهما السلام)، فامض معنا حتي نشيعك هناك، فقلت: سمعاً وطاعة، وجعلت أقبل أيديهم وأقدامهم، وحملت إخراجهم وأنا أدعو لهم حتي وصلنا إلي الحضرة

ص: 119

الشريفة، فاستقبلنا الخدام، ومعهم رجل علوي كان أكبرهم، فسلموا علي الزوار فقالوا له: افتح لنا الباب حتي نزور سيدنا ومولانا، فقال : حباً وكرامة، ولكن معكم شخص يريد أن يتشيع ورأيته في منامي واقفاً بني يدي سيدتي فاطمة الزهراء (صلوات الله عليها)، فقالت لي: يأتيك غداً رجل يريد أن يتشيع فافتح له الباب قبل كل أحد، ولو رأيته الآن لعرفته.

فنظر القوم بعضهم إلي بعض متعجبين، فقالوا: فشرع ينظر واحد واحد فقال: الله أكبر هذا والله هو الرجل الذي رأيته ثم أخذ بيدي فقال القوم: صدقت يا سيد وبررت، وصدق هذا الرجل بما حكاه ، واستبشروا بأجمعهم وحمد وا الله تعالي، ثم أنه أدخلني الحضرة الشريفة، وشيعني وتوليت و تبريت .

فلما تم أمري قال العلوي: وسيدتك فاطمة تقول لك: سيلحقك بعض حطام الدنيا فلا تحفل به، وسيخلفه الله عليك، وستحصل في مضايق فاستغث بنا تنج، فقلت: السمع والطاعة، وكان لي فرس قيمتها مائتا دينار فماتت وخلف الله علي أوالي من والاهم، وأعادي من عاداهم، وأرجو بهم حسن العاقبة.

ثم أني سعيت إلي رجل من الشيعة فزوجني هذه المرأة، وتركت

ص: 120

أهلي فما قبلت أتزوج منهم، وهذا ما حكي لي في تاريخ شهر رجب سنة (788ه)، والحمد لله رب العالمين والصلاة علي محمد وآله(1)

ص: 121


1- جنة المأوي، الشيخ النوري، ص202-208.

الحكاية الحادية والثلاثون: هو يقص عليك الحكاية..

قال السيد الجليل صاحب المقامات الباهرة والكرامات الظاهرة رضي الدين علي بن طاووس في رسالة المواسعة والمضايقة: يقول علي بن موسي بن جعفر بن طاووس: كنت قد توجهت أنا وأخي الصالح محمد بن محمد بن محمد القاضي الأوي ضاعف الله سعادته، و شرف خاتمته من الحلة إلي مشهد مولانا أمير المؤمنين (صلوات الله عليه)، في يوم الثلاثاء سابع عشر شهر جمادي الأخري سنة إحدي وأربعين وستمائة ، فاختار الله لنا المبيت بالقرية التي تسمي دورة بن سنجار، وبات أصحابنا ودوابنا في القرية، وتوجهنا منها أوائل نهار يوم الأربعاء ثامن عشر الشهر المذكور.

فوصلنا إلي مشهد مولانا علي (صلوات الله وسلامه عليه) قبل ظهر يوم الأربعاء المذكور، فزرنا وجاء الليل في ليلة الخميس تاسع عشر جمادي الأخري المذكورة، فوجدت من نفسي إقبالاً علي الله، وحضوراً وخيراً كثيراً فشاهدت ما بدل علي القبول والعناية والرأفة وبلوغ المأمول والضيافة، فحدثني أخي الصالح محمد بن محمد

ص: 122

الأوي (ضاعف الله سعادته) أنه رأي في تلك الليلة في منامه كأن في يدي لقمة وأنا أقول له، هذه من فم مولانا المهدي (عليه السلام) وقد أعطيته بعضها.

فلما كان سحر تلك الليلة، كنت علي ما تفضل الله به من نافلة الليل فلما أصبحنا به من نهار الخميس المذكور، دخلت الحضرة حضرة مولانا علي (صلوات الله عليه) علي عادتي، فورد علي من فضل الله وإقباله والمكاشفة ما كدت أسقط علي الأرض، ورجفت أعضائي وأقدامي، وارتعدت رعدة هائلة، علي عوائد فضله عندي وعنايته لي، وما أراني من بره لي ورفدي، وأشرفت علي الفناء ومفارقة دار الفناء والانتقال إلي دار البقاء، حتي حضر الجمال محمد بن كنيلة، وأنا في تلك الحال فسلم علي فعجزت عن مشاهدته، وعن النظر إليه، وإلي غيره، وما تحققته بل سالت عنه بعد ذلك، فعرفوني به تحقيقاً، وتجددت في تلك الزيارة مكاشفات جليلة، وبشارات جميلة.

وحدثني أخي الصالح محمد بن محمد بن الأوي ضاعف الله سعادته، بعدة بشارات رواها لي منها أنه رأي كأن شخصاً يقص عليه في المنام مناماً، ويقول له: قد رأيت كأن فلاناً - يعني عني - وكأنني - كنت حاضراً لما كان المنام يقص عليه - راكب فرساً وأنت - يعني الأخ الصالح الأوي - وفارسان آخران قد صعدتم جميعاً إلي السماء، قال،

ص: 123

فقلت له: أنت تدري أحد الفارسين من هو؟، فقال صاحب المنام في حال النوم لا أدري، فقلت: أنت - يعني عني - ذلك مولانا(صلوات الله وسلامه عليه).

وتوجهنا من هناك لزيارة أول رجب بالحلة، فوصلنا ليلة الجمعة ، سابع عشر جمادي الآخرة بحسب الاستخارة، فعرفني حسن بن البقلي يوم الجمعة المذكورة أن شخصاً فيه صلاح يقال له: عبد المحسن، من أهل السواد (يعني قري العراق) قد حضر بالحلة وذكر أنه قد لقيه مولانا المهدي (صلوات الله عليه) ظاهراً في اليقظة، وقد أرسله إلي عندي برسالة، فنفذت قاصداً وهو محفوظ بن قرا فحضرا ليلة السبت ثامن عشر من جمادي الأخري المقدم ذكرها.

فخلوت بهذا الشيخ عبد المحسن، فعرفته هو رجل صالح، لا يشك النفس في حديثه، ومستغنٍ عنا، وسألته فذكر أن أصله من حصن بشر وأنه انتقل إلي الدولاب الذي بإزاء المحولة المعروفة بالمجاهدية ، ويعرف الدولاب بابن أبي الحسن، وأنه مقيم هناك، وليس له عمل بالدولاب ولا زرع، ولكنه تاجر في شراء غليلات وغيرها، وأنه كان قد ابتاع غلة من ديوان السرائر وجاء ليقبضها، وبات عند المعبدية في المواضع المعروفة بالمحبر.

فلما كان وقت السحر كره استعمال ماء المعيدية، فخرج فقصد

ص: 124

النهر،والنهر في الجهة المشرقة، فما أحس بنفسه إلآ وهو في تل السلام في طريق مشهد الحسين (عليه السلام) في جهة المغرب، وكان ذلك ليلة الخميس تاسع عشر شهر جمادي الآخرة من سنة إحدي وأربعين وستمائة التي تقم شرح بعض ما تفضل الله علي فيها وفي نهارها في خدمة مولانا أمير المؤمنين (عليه السلام).

فجلست أريق ماءً وإذا فارس عندي ما سمعت له حساً ولا وجدت لفرسه حركة ولا صوتاً، وكان القمر طالعاً، ولكن كان الضباب كثيراً. فسألته عن الفارس وفرسه، فقال: كان لون فرسه صدءاً (أحمر غامق مائل للسواد) وعليه ثياب بيض وهو متحنك بعمامة ومتقلد بسيف . فقال الفارس لهذا الشيخ عبد المحسن: كيف وقت الناس؟، قال عبد المحسن: فظننت أنه يسأل عن ذلك الوقت، قال : فقلت الدنيا عليه ضباب وغبرة ، فقال : ما سألتك عن هذا، أنا سألتك عن حال الناس، قال: فقلت: الناس طيبين مرخصين أمنين في أوطانهم وعلي أموالهم .

فقال : تمضي إلي ابن طاووس، وتقول له كذا وكذا، وذكر لي ما قال (صلوات الله عليه) ثم قال عنه (عليه السلام): فالوقت قد دنا، فالوقت قد دنا، قال عبد المحسن فوقع في قلبي وعرفت نفسي أنه مولانا صاحب الزمان (عليه السلام)، فوقعت علي وجهي وبقيت كذلك مغشياً علي إلي أن طلع الصبح، قلت له: فمن أين عرفت أنه

ص: 125

قصد ابن طاووس عني؟، قال: ما أعرف من بني طاووس إلا أنت، وما في قلبي إلا أنه قصد بالرسالة إليك، قلت: أي شيء فهمت بقوله (عليه السلام): «فالوقت قد دنا، فالوقت قد دنا» هل قصد وفاتي قد دنا أم قد دنا وقت ظهوره (صلوات الله وسلامه عليه)؟، فقال: بل قد دنا وقت ظهوره (صلوات الله عليه).

قال: فتوجهت ذلك الوقت إلي مشهد الحسين (عليه السلام) وعزمت أنني ألزم بيتي مدة حياتي أعبد الله تعالي، وندمت كيف ما سألته (صلوات الله عليه) عن أشياء كنت أشتهي أسأله فيها.

قلت له: هل عرفت بذلك أحداً؟، قال: نعم، عرفت بعض من كان عرف بخروجي من المعيدية، وتوهموا أني قد ضللت وهلكت بتأخيري عنهم، واشتغالي بالغشية التي وجدتها، ولأنهم كانوا يروني طول ذلك النهار يوم الخميس في أثر الغشية التي لقيتها من خوفي منه (عليه السلام) فوصيته أن لا يقول ذلك لأحد أبداً، وعرضت عليه شيئاً، فقال: أنا مستغنٍ عن الناس وبخير كثير .

فقمت أنا وهو فلما قام عني نفذت له غطاءً وبات عندنا في المجلس علي باب الدار التي هي مسكني الآن بالحلة، فقمت وكنت أنا وهو في الروشن (الكوة) في خلوة، فنزلت لأنام فسألت الله زيادة كشف في المنام في تلك الليلة أراه أنا.

ص: 126

فرأيت كأن مولانا الصادق (عليه السلام) قد جاءني بهدية عظيمة ، وهي عندي وكأنني ما أعرف قدرها، فاستيقظت و حمدت الله، وصعدت الروشن لصلاة نافلة الليل، وهي ليلة السبت ثامن عشر جمادي الأخري فأصعد الغلام فتح الإبريق إلي عندي فمددت يدي فلزمت عروته لأفرغ علي كفي فأمسك ماسك فم الإبريق وأداره عني ومنعني من استعمال الماء في طهارة الصلاة، فقلت: لعل الماء نجس فأراد الله أن يصونني عنه فإن الله عز وجل علي عوائد كثيرة أحدها مثل هذا وأعرفها.

فناديت إلي فتح، وقلت: من أين ملأت الأبريق ؟ ، فقال : من المصبة ، فقلت: هذا لعله نجس فاقلبه وطهره واملأه من الشط فمضي وقلبه وأنا أسمع صوت الإبريق وشطفه ملأه من الشط، وجاء به فلزمت عروته وشرعت أقلب منه علي كفي فأمسك ماسك فم الإبريق وأداره عني ومنعني منه. فعدت وصبرت، ودعوت بدعوات، وعاودت الإبريق وجري مثل ذلك، فعرفت أن هذا منع لي من صلاة الليل تلك الليلة ، وقلت في خاطري لعل الله يريد أن يجري علي حكماً ابتلاءاً غداً ولا يريد أن أدعو الليل في السلامة من ذلك، وجلست لا يخطر بقلبي غير ذلك.

فنمت وأنا جالس، وإذا برجل يقول لي - يعني عبد المحسن الذي

ص: 127

جاء بالرسالة - : كان ينبغي أن تمشي بين يديه، فاستيقظت ووقع في خاطري أنني قد قصرت في احترامه وإكرامه، فتبت إلي الله جل جلاله، واعتمدت ما يعتمد التائب من مثل ذلك، وشرعت في الطهارة فلم يمسك أبداً (فم) الإبريق وتركت علي عادتي فتطهرت وصليت ركعتين فطلع الفجر فقضيت نافلة الليل، وفهمت أنني ما قمت بحق هذه الرسالة: فنزلت إلي الشيخ عبد المحسن، وتلقيته وأكرمته، وأخذت له من خاصتي ستة دنانير، ومن غير خاصتي خمسة عشر ديناراً مما كنت أحكم فيه كما لي وخلوت به في الروشن، وعرضت ذلك عليه، واعتذرت إليه، فامتنع من قبول شيء أصلاً، وقال: أن معي نحو مائة دينار وما أخذ شيئاً، أعطه لمن هو فقير، وامتنع غاية الامتناع .

فقلت: أن رسول مثله عليه الصلاة والسلام يعطي لأجل الإكرام لمن أرسله لا لأجل فقره وغناه ، فامتنع ، فقلت له «مبارك» أما الخمسة عشر، فهي من غير خاصتي، فلا أكرهك علي قبولها، وأما هذه الستة دنانير فهي من خاصتي فلا بد أن تقبلها مني فكاد أن يؤيسني من قبولها، فألزمته فأخذه ، وعاد تركها، فألزمته فأخذها، وتغديت أنا وهو، ومشيت بين يديه كما أمرت في المنام إلي ظاهر الدار وأوصيته بالكتمان، والحمد لله وصلي الله علي سيد المرسلين محمد وآله الطاهرين.

ومن عجيب زيادة بيان هذا الحال: أني توجهت في ذلك الأسبوع

ص: 128

يوم الاثنين الثالث من جمادي الأخري سنة إحدي وأربعين وستمائة إلي مشهد الحسين (عليه السلام) لزيارة أول رجب ، أنا وأخي الصالح محمد بن محمد بن محمد ضاعف الله سعادته.

فحضر عندي سحر ليلة الثالث أول رجب المبارك سنة إحدي وأربعين وستمائة المقرئ محمد بن سويد في بغداد، وذكر ابتداءاً من نفسه أنه رأي ليلة السبت ثامن من عشر من جمادي الآخرة المتقدم ذكرها كأنني في داري وقد جاءني رسول إليك، وقالوا هو من عند الصاحب

قال محمد بن سويد: فظن بعض الجماعة أنه من استاد الدار قد جاء إليك برسالة.

قال محمد بن سويد: وأنا عرفت أنه من عند صاحب الزمان (عليه السلام).

قال: فغسل محمد بن سويد يديه وطهرهما، وقام إلي رسول مولانا المهدي (عليه السلام)، فوجده قد أحضر معه كتاباً من مولانا المهدي (صلوات الله عليه) إلي عندي، وعلي الكتاب المذكور ثلاثة ختوم

قال المقرئ محمد بن سويد: فتسلمت الكتاب من رسول مولانا

ص: 129

المهدي (عليه السلام) بيدي المشطوفة، قال: وسلمه إليك، يعني عني .

قال : وكان أخي الصالح محمد بن محمد الأوي ضاعف الله سعادته حاضراً فقال: ما هذا؟، فقلت: هو يقول لك. قال علي بن موسي بن طاووس: فتعجبت من أن هذا محمد بن سويد قد رأي المنام في الليلة التي حضر عندي فيها الرسول المذكور، وما كان عنده خبر من هذه الأمور والحمد لله.

ص: 130

الحكاية الثانية والثلاثون: لم يكلم الإمام لوجوب التأدب..

قال السيد المعظم في كتاب (فرج المهموم في معرفة نهج الحلال والحرام من النجوم):

إني أدركت في زماني جماعة ذكروا أنهم شاهدوا المهدي (صلوات الله عليه) وبينهم من كان يحمل رقعاً وعرايض قد عرضت عليه (عليه السلام) ومنها ما علمت صدقه وهو أنه أخبرني من لم يأذن بتسميته ، ثم ذكر أنه سأل الله تعالي أن يتفضل عليه بمشاهدة المهدي (عليه السلام)، فرأي في المنام أنه سوف يراه في وقت أشار إليه.

قال: فعندما جاء ذلك الوقت كان هو في المشهد المطهر لمولانا موسي بن جعفر (عليهما السلام) فسمع صوتاً عرفه قبل ذلك الوقت وهو كان مشغولاً بزيارة مولانا الإمام الجواد (عليه السلام)، فحبس السائل المذكور نفسه من مزاحمته (عليه السلام)، ودخل الحرم المنور ووقف عند رجلي الضريح المقدس لمولانا الإمام الكاظم (عليه السلام) ثم خرج الذي كان يعتقد أنه المهدي (عليه السلام) وكان معه صاحب ، وقد شاهد هذا الشخص الإمام (عليه السلام)، ولم يكلمه لوجوب التأدب في حضوره المقدس (عليه السلام).

ص: 131

الحكاية الثالثة والثلاثون: قصة الشيخ ورام والرقعة..

قال السيد عظيم الشأن..

ومن جملة الأخبار ما حدثنا به الرشيد أبو العباس بن ميمون الواسطي قال: عندما توجه الشيخ (يعني جده ورام(1) بن أبي فراس قدس الله روحه) من الحلة للألم والملل الذي ظهر من المغازي، وأقام في المشهد المقدس في مقابر قريش شهرين إلآ سبعة أيام.

قال: فتوجهت من بلد واسط إلي «سر من رأي»، وصار الهواء بارداً بشدة فاجتمعت بالشيخ ورام في المشهد الكاظمي وبينت له عزمي علي الزيارة.

فقال: أريد أن أبعث معك رقعة تشدها بأزرار ملابسك أو تحت ملابسك.

فربطتها بملابسي، ثم قال: إذا وصلت إلي القبة الشريفة (يعني قبةچ

ص: 132


1- الشيخ ورام من الزهاد والعلماء وأعيان الفقهاء ومن أولاد مالك الأشتر وهو جد ابن طاووس من أمه و أمها بنت الشيخ الطوسي

السرداب المقدس) ودخلت هناك في أول الليل ولا يبقي أحد عندك، وكنت آخر من بقي وأردت الخروج فضع الرقعة في القبة، فإذا صار الصبح فاذهب إلي هناك فإذا لم تر الرقعة هناك فلا تقل لأحد شيئاً.

قال: فعلمت ما قاله لي، فذهبت في الصباح ولم أجد الرقعة ورجعت إلي أهلي. وقد رجع الشيخ قبلي من نفسه إلي أهله، يعني رجع إلي الحلة. فجئت بعد موسم الزيارة والتقيت بالشيخ في منزله بالحلة، فقال لي: انقضت تلك الحاجة .

ص: 133

الحكاية الرابعة والثلاثون: الإمام (عليه السلام) يكتب للعلامة الحلي كتاباً

قال السيد الشهيد القاضي نور الله الشوشتري في مجالس المؤمنين في ترجمة آية الله العلامة الحلي (قدس سره) أن من جملة مقاماته العالية أنه اشتهر عند أهل الإيمان أن بعض علماء أهل السنة ممن تتلمذ عليه العلامة في بعض الفنون ألف كتاباً في رد الإمامية، ويقرأ للناس في مجالسه ويضلهم، وكان لا يعطيه أحداً خوفاً من أن يرده أحد من الإمامية، فاحتال (رحمه الله) في تحصيل هذا الكتاب إلي أن جعل تتلمذه عليه وسيلة لأخذه الكتاب منه عارية، فالتجأ الرجل واستحيي من رده وقال: إني آليت علي نفسي أن لا أعطيه أحداً أزيد من ليلة، فاغتنم الفرصة في هذا المقدار من الزمان، فأخذه منه وأتي به إلي بيته لينقل منه ما تيسر منه.

فلما اشتغل بكتابته وانتصف الليل، غلبه النوم، فحضر الحجة (عليه السلام) وقال : ولني الكتاب وخذ في نومك فانتبه العلامة وقد تم الكتاب باعجازه (عليه السلام).

وجاء في كشكول الفاضل الألمعي علي بن إبراهيم المازندراني

ص: 134

المعاصر للعلامة المجلسي (رحمة الله) هذه الحكاية بنمو آخر وهو كما نقله: أنه طلب من بعض الأفاضل نسخة فأبي من إعطائه، وكان كتاباً كبيراً، إلي أن اتفق علي إعطائه بشرط أن يبقي عنده ليلة واحدة، ولا يمكن استنساخ ذلك الكتاب إلا بسنة أو أكثر، فأخذه العلامة إلي داره فا

وقال بعضهم: فعندما تعب الشيخ نام فلما استيقظ رأي الكتاب قد كتب ، والله أعلم.

ص: 135

الحكاية الخامسة والثلاثون: بالصبر يحصل مقصودك..

قال السيد الأجل علي بن طاووس في كتاب فرج المهموم: ومن جملتها أذكر خبراً علمته ممن تحققت صدقه لي في ذلك فسالت مولاي المهدي (عليه السلام) أن يخبرني أبقي فيما كنت فيه ممن تشرف بصحبته وخدمته في زمان الغيبة مقتدياً بمن يخدمه ( عليه السلام) من مواليه وخواصه؟، ولم أطلع علي مقصودي هذا أحداً من العباد . فحضر عندي ابن الرشيد بن العباس الواسطي وقال مبتدئاً من نفسه: يقولون لك ليس عندنا قصد إلآ الرحمة معك، فإذا توطن نفسك علي الصبر يحصل مقصودك ، فقلت له: من هو الطرف الذي تقول عنه هذا الكلام؟، فقال: عن طرف مولانا المهدي (عليه السلام).

ص: 136

الحكاية السادس والثلاثون: سمع دعاء الإمام (عليه السلام) في السحر..

قال السيد الجليل في كتاب نهج الدعوات: وكنت أنا ب-«سر من رأي» فسمعت سحراً دعاء (عليه السلام) فحفظت منه (عليه السلام) من الدعاء لمن ذكره من الأحياء والأموات (وابقهم) أو قال: (وأحيهم في عزنا وملكنا وسلطاننا ودولتنا) وكان ذلك في ليلة الأربعاء ثالث عشر ذي القعدة سنة (683 ه-)، وذكر في ملحقات كتاب أنيس العابدين أنه نقل عن ابن طاووس (رحمه الله) أنه سمع سحرا في السرداب عن صاحب الأمر (عليه السلام) أنه يقول: «اللهم أن شيعتنا خلقت من شعاع أنوارنا وبقية طينتنا، وقد فعلوا ذنوبا كثيرة اتكالا علي حبنا وولايتنا، فإن كانت ذنوبهم بينك وبينهم فاصفح عنهم فقد رضينا، وما كان منها فيما بينهم فأصلح بينهم وقاص بها عن خمسنا، وأدخلهم الجنة وزحزهم عن النار، ولا تجمع بينهم وبين أعدائهم في سخطك».

ص: 137

الحكاية السابعة والثلاثون: يا صاحب الزمان - جدتي...

نقل أحد المؤمنين الثقات من أهل الكويت، أنه سمع أحد الخطباء الإيرانيين يقول: كنت جالسا في حافلة لأسافر إلي مدينة نائية من مدن إيران، وذلك في زمن الشاه . لم يكف علي المقعد بجانبي أحد، وكنت أخشي أن يجلس عندي من لا أرغب في جواره، فيضايقني في هذا الطريق البعيد. فسألت الله تعالي في قلبي:

«إلهي إن كان مقدرا أن يجلس عندي أحد، فاجعله إنسانا متدينا طيبا مونسا؟!»

جلس المسافرون علي مقاعدهم، ولم أر من يشغل المقعد الذي بجانبي، فشكرت الله أني وحيد ! ولكني فوجئت في الدقيقة الأخير قبل الحركة ! بشاب مظهره ك-( اليهبيز ) وبيده حقيبة صغيرة من صنع جلد أجنب، و كانه من غير ديننا، فتقدم حتي جلس عندي، قلت في قلبي: يا رب أهكذا تستجيب الدعاء؟! .

تحركت السيارة ولم يتفوه أحد منا للثاني بكلمة، لأن الانطباع

ص: 138

المأخوذ عن المعممين في أذهان مثل هؤلاء الأشخاص كان انطباعا سيئا ، بفعل الدعايات المغرضة التي كانت تبثها أجهزة النظام الشاهنشاهي ضد علماء الدين. لذلك آثرت الصبر والسكوت وأنا جالس علي أعصابين حتي حان وقت الصلاة (أول وقت الفضيلة ) وإذا بالشاب وقف ينادي سائق الباص: قف هنا، لقد حان وقت الصلاة! فرد عليها السائق مستهزئا وهو ينظر إليه من مرآته:

اجلس، أين الصلاة وأين أنت منها، وهل يمكننا الوقوف في هذه الصحراء؟، قال الشاب : قلت لك قف وإلا رميت بنفسي، وصنعت لك مشكلة بجنازتي ! ما كنت أستوعب ما أري واسمع من هذا الشاب ، إنه شيء في غاية العجب ، فأنا كعالم دين آؤلي بهذا الموقف من هذا الشاب (الهيبيز )! وعدم مبادرتي إلي ذلك كان احترازا عن الموقف العدائي الذي يكنه البعض لعلماء الدين، لذلك كنت انتظر الأصلي في المطعم الذي تقف عنده الحافة في الطريق.

وهكذا كنت أنظر إلي صاحبي باستغراب شديد، وقد اضطر السائق إلي أن يقف علي الفور، لما رأي إصرار الشاب وتهديده .

فقام الشاب ونزل من الحافلة، وقمت أنا خلفه ونزلت، رأيته فتح حقيبته وأخرج قنينة ماء فتوضأ منها ثم عين اتجاه القبلة بالبوصلة و فرش سجادته، ووضع عليها تربة الحسين الطاهرة وأخذ يصلي

ص: 139

بخشوع، وقدم لي الماء فتوضأت أنا كذلك وصليت (صلاة العجب ) !

ثم صعدنا الحافلة، وسلمت عليه بحرارة معتذرا غليه من برودة أستقبالي له أولا ثم سألته: من أنت؟.

قال : إن لي قصة لا بأس أن تسمعها، لم أكن أعرف الدين ولا الصلاة وأنا الولد الوحيد لعائلتي التي دفعت كل ما تملك لأجل أن أكمل دراسة الطب في فرنسا. كانت المسافة بين سكني والجامعة التي أدرس فيها مسافة قرية إلي مدينة. ركبتُ السيارة التي كنت أستقلها يوميا إلي المدينة مع ركاب آخرين والوقت بارد جدا وأنا علي موعد مع الامتحان الأخير الذي تترتب عليه نتيجة جهودي كلها.

فلما وصلنا إلي منتصف الطريق عطبت السيارة، وكان الذهاب إلي أقرب مصلح (ميكانيك) يتغرق من الوقت ما يفوت علي الحضور في الامتحانات النهائي، للجامعة، لقد أرسل السائق من يأتي بما يحرك سيارته وأصبحت أنا في تلك الدقائق كالضائع الجيران، لا أدري أتجه يمينا ويسارا، أم يأتيني من السماء من ينقذني، كنت في تلك الدقائق أتمني لو لم تلدني أمي ( وأن تشق الأرض لأخفي نفسي في جوفها)، إنها كانت أصعب دقائق تمر علي خلال حياتي وكأن الدقيقة منها سهم

ص: 140

يرمي نحو آمالي، وكأني أشاهد أشلاء آمالي تناثر أمامي ولا يمكنني إنقاذها أبدا.

فكلما نظرت إلي ساعتي كانت اللحظات تعتصر قلبي، فكدت أخرإلي الأرض وفجأة تذكرت أن جدتي في إيران عندما كانت تصاب بمشكلة أو تسمع بمصيبة ، تقول بكل أحساسيسها: «يا صاحب الزمان».

هنا ومن دون سابق معرفة لي بهذه الكلمة ومن تعنيه قلت وبكل ما أملك في قلبي من حب وذكريات عائلية: «يا صاحب زمان جدتي»!ذلك لأني لم أعرف من هو (صاحب الزمان)، فنستبه إلي جدتي علي البساطة، وقلت: فإن أدركتني مما أنا فيه، أعدك أن أتعلم الصلاة ثم أصليها في أول الوقت!.

وبينما أنا كذلك، وإذ برجل حضر هناك فقال للسائق بلغة فرنسية: شغل السيارة ! فاشتغلت في المحاولة الأولي، ثم قال السائق: أسرع بهؤلاء إلي وظائفهم ولا تتأخر، وحين مغادرته التفت إلي وخاطبني بالفارسية:

نحن وفينا بوعدنا، يبقي أن تفي أنت بوعدك أيضا ! فاقشعر له جلدي وبينما لم أستوعب الذي حصل ذهب الرجل فلم أر له أثرا من هناك قررت أن أتعلم الصلاة وفاءً بالوعد، بل وأصلي في أول الوقت دائما .

ص: 141

يا صاحب الزمان أدركني..

نقل الحاج إسماعيل غازي الذي يسكن مدينة مشهد الحكاية التالية :

كنت في إحدي السنوات الحج رئيسا لقافلة تبدأ رحلتها من مدينة مشهد و تمر بالنجف الأشرف لزيارة العتبات المقدسة. وكان طريق الحج البري المار من النجف صحراوية فلا يوجد ماء أو غذاء والطريق غير معبد ولا إسفلت فيه وحتي وإن معالم الطريق لا تظهر إلا لذوي الخبرة من الناس.

وخلال عدة ليال وأيام لم نر سوي الكثبان الرملية والصحراء المترامية الأطراف. وقد تزودنا بالماء والبنزين الكافي، كما تزود الركاب بالغذاء اللازم، وكان أحد السائقين قليل التقوي والدين فسار بنا في هذه الطرق الوعره حتي غروب الشمس فقلنا له: لا بأس أن نستريح هنا ونبيت ليلتنا حتي مطلع النهار. ولكنه لم يهتم بأقوالنا وواصل سيره حتي داهمنا الظلام الدامس في البيداء المرعبة. وبعد فترة توقف عن السواقة وقال: لقد ضللنا الطريق. فتوقفنا ونزلنا في المكان حتي الصباح، وعندما استيقظنا من النوم وجدنا الكثبان الرملية

ص: 142

وقد غطت أجسامنا ومقدمة السيارة وضاعا لطريق علينا ! وحتي أثار عجلات السيارة اندرست في تلك البيداء. فقلت للسائق وللركاب اركبوا السيارة. وأمرته أن يسير عشرة فراسخ إلي الشرق وعشرة إلي الغرب ومثلها إلي الجنوب وعشرة رابعه إلي الشمال حتي نجد الطريق ومشينا علي هذه الشاكلة طوال النهار حتي نضب الماء والبنزين والغذاء عنا ولكننا لم نصل إلي الطريق .

وهكذا قضينا الليلة الثانية في الصحراء، فكنا قلقين لا ندري ماذا نعمل؟! وفي النهار التالي واصلنا السير علي الطريقة نفسها حتي داهمنا الليل مرة ثالثة ونفد البنزين تماما فتوقفت السيارة .

كما بدأنا بتقسيم الماء بصورة مقننة علي الركاب . فأصاب المسافرين الهلع وعمدنا إلي البكاء والنحيب والتوسل إلي البارئ (عز وجل) أن ينقذنا من هذه المصيبة وأخيرا فقدنا الأمل بالنجاة فتمددنا علي الرمل ننتظر الأجل المحتوم ثم خطرت في بالي فكرة فقفزت من مكاني وقلت لأصحابي:

تعالوا نقدم نذراً للواحد القهار إذا أنقذنا من هذه الورطة فإننا ننفق جميع ما لدينا. عند رجوعنا إلي ديارنا في مشهد في سبيل الله فوافق الجميع علي ذلك. ثم فوضنا أمرنا إلي الباري (عز وجل).

وفي الصباح وعندما اقتربت الساعة من التاسعة صباحا، شعرت

ص: 143

بلفحات الهواء الحار وكأن عاصفة رملية في طريقها إلينا. فأصابني الذعروالقلق الشديد فقمت من مكاني وابتعدت قليلا عن الرفاق وقبعت خلف تلة قريبة من المكان وأنا أبكي بحرقة وأندب واستغيث وقد أخذتني موجة من البكاء الشديد وأنا أتوسل بكل جوارحي قائلا:

يا صاحب الزمان أدركني، يا أبا صالح أدركين، يا مهدي أدركني، وكانت قطرات الدمع تنهمر من مقلتي علي محاسني وأنا في حالة يرثي لها. وإذا بي أسمع خطوات رجل خلفي فتلفت إلي ورائي فوجدت أعرابيا وخلفه قافلة من الجمال وهي تسير الهوينا قاطعة الصحراء القاحلة. فوقفت مناديا: أيها الأعرابي، بالله عليك أنقذنا، أين نحن؟ لقد ضللنا طريقنا، فأناخ الأعرابي جماله وتقدم إلي ونطق باسمي قائلا: تعالي لأريك الطريق ولا تكن قلقا خائفا، ثم أشار بيده وهو يقول: اذهبوا في هذا الطريق حتي تصلوا إلي جبلين وهناك واصلوا السير بينهما حتي ينتهي الوادي فانحرفوا نحو اليسار وثم واصلوا السير باستقامة حتي الغروب وعندها ستصلون إلي الطريق العام.

فقلت له: لكننا قد نضل الطريق مرة أخري فماذا نفعل؟.

ثم أخرجت القرآن الذي كان في جيبي وقلت له: أحلفك بكتاب الله أن ترشدنا إلي الطريق وتسير معنا حتي النهاية. وكلما أراد

ص: 144

الاعتذار أصررت عليه حتي قال: طيب سوف آتي معكم، فركبنا السيارة وأشار إلي السائق الثاني وقال له: أنت خذ قيادة السيارة ، فجلسنا نحن الثلاثة في المقدمة وقد طغت علينا موجة من السرور ثم قال الأعرابي: تحرك يا رجل وشغل السيارة.

فسارت بنا العربة حوالي الساعتين وحتي منتصف النهار قال الأعرابي: توقفوا هنا للصلاة. والغريب في الأمر، أننا جميعا لم ننتبه بأن السيارة كانت قد خلت من البنزين والوقود تماما عندما توقفنا في نهاية المطاف !! وكان علي مقربة من المكان عين ماء فتوضأنا جميعا ثم ابتعد الأعرابي عنا قليلا ليصلي وقال لي: كن إماما للجماعة وصل فيهم، وبعد الصلاة ركبنا السيارة وقال السيد الجليل الأعرابي: أسرعوا بالركوب فإن أمامنا مسافة طويلة.

وسارت بنا العربة كما وصف سابقا بين الجبلين ثم انحرفت إلي اليسار حتي وصلنا إلي الطريق العام. وكان أثناء الطريق يتكلم بالفارسية ويسأل عن علماء مشهد فردا فردا وكأنه يعرفهم. حتي إنه كان يقول: إن فلانا ملتزم وجيه وله مستقبل باهر !!

وفي هذه الأثناء تذكرت النذر فقلت لذلك الأعرابي الشهم الشريف: يا سيدي لقد نذرنا إذا أنقذنا الباري (عز وجل) أن ننفق

ص: 145

جميع أموالنا في سبيل الله فقال: إن الالتزام بهذا النذر ليس واجبا شرعيا.

وأخيرا وصلنا إلي الطريق العام فنزلنا من السيارة فرحين مسرورين ثم التفت إلي الركاب وقلت لهم: أرجوكم أن تجمعوا جميع ما عندكم من النقود لنعطيها لهذا الأعرابي الشريف الذي ترك جماله في الصحراء وقام بإرشادنا وأنقذنا منموت محتوم.

عندها شعر جميع الركاب بالموقف وأصابتهم قشعريرة الغفلة وكأنهم أفاقوا من النوم وقالوا: من يكون هذا الرجل وكيف يمكنه الرجوع إلي جماله بعد كل هذه المسافة الطويلة؟.

ثم انتبه الجميع بأن ذلك الأعرابي لم يكن بيننا وقد اختفي تماما ،فهر ولنا من هنا وهناك ولكن بدون نتيجة وهنا علمنا جميعا بأننا كنا في خدمة صاحب الزمان ولكننا لم نعرفه(1).

ص: 146


1- اللقاء مع الإمام.. ، ص 30، الطبعة الأولي

الحكاية التاسعة والثلاثون: نحن ننصرك..

كان المرحوم آية الله العظمي السيد أبو الحسن أصفهاني من أعظم المراجع العلمية الشيعية قاطبة. وهذا الفقية الديني المؤيد المسدد الذي مسك زمام عالم التشيع كان أيضا من المراجع العليا التي تستفيض بلقاء صاحب الزمان بدون وساطة أو طريقة معينة وهو موضع التأييدات الغيبية ولم يكن له نظير في العالم المذهبي منذ الغيبة الكبري لبقية الله. أرواحنا له الفداء. ومن حيث الزعامة المرجعية والكياسة والفراسة وسعة الصدر والعفو والمأثر والكرامات الباهرات والسجايا الحميدة وسخاوة اليد وحلاوة اللسان والإحسان .

ومن الكرامات التي أغدقها صاحب العصر والزمان (عليه السلام) علي هذا النائب الكبير وزعيم الأمة هي توقيعه الشريف علي نصيحة وتوجيه منه إليه وبهذا فقد شمله بالطاقة الخاصة وعناياته العبقة.

والرسالة الموقعة من قبل الحجة بن الحسن (عليه السلام) أرسلها عن طريق المرحوم ثقة الإسلام والمسلمين زين العلماء الصالحين الحاج محمد كوفي شوشتري وهي كالتالي :

ص: 147

قل له: ارخص نفسك واجعل مجلسك في الدهليز واقض حوائج الناس نحن ننصرك»(1)

ص: 148


1- اللقاء مع الإمام ... ص79، الطبعة الأولي .

الحكاية الأربعون: نناشدك بالله من أنت..

نقل السيد الجليل علي بن طاووس في كتاب الإقبال عن محمد بن أبي الرواد الرواسي ذكر أنه خرج مع محمد بن جعفر الدهان إلي مسجد السهلة في يوم من أيام رجب فقال: قال: مر بنا إلي مسجد صعصعة فهو مسجد مبارك وقد صلي به أمير المؤمنين (عليه السلام) ووطأه الحجج بأقدامهم.

فملنا إليه فبينا نحن نصلي إذا برجل قد نزل عن ناقته وعقلها بالظلال، ثم دخل وصلي ركعتين أطال فيهما، ثم مد يديه فقال : اللهم يا ذا المنن السابغة إلي آخر...، ثم قام إلي راحلته وركبها، فقال لي ابن جعفر الدهان: الآن نقوم إليه فنسأله من هو؟.

فقمنا إليه، فقلنا له: ناشدناك الله من أنت؟.

فقال: ناشدتكما الله من ترياني؟.

قال ابن جعفر الدهان: نظنك الخضر (عليه السلام).

فقال: وأنت أيضا، فقلت: أظنك إياه .

ص: 149

فقال: والله إني لمن الخضر مفتقر إلي رؤيته، انصرفا فأنا إمام زمانكما(1)

ص: 150


1- أقبال الأعمال ، السيد ابن طاووس، ص645.

الحكاية الحادي والأربعون: أهل الحلة ما يتأدبون في مقامي..

نقلا عن خط الشيخ زين الدين علي بن الحسن بن محمد الخازن الحائري تلميذ الشهيد أنه قد رأي ابن أبي الجواد النعماني مولانا المهدي (عليه السلام) فقال له: يا مولاي لك مقام بالنعمانية (1)، ومقام بالحلة، فأين تكون فيهما؟، فقال له: أكون بالنعمانية ليلة الثلاثاء ويوم الثلاثاء، ويوم الجمعة وليلة الجمعة أكون بالحلة ولكن أهل الحلة ما يتأدبون في مقامي، وما من رجل دخل مقامي بالأدب يتأدب ويسلم علي وعلي الأئمة وصلي علي وعليهم اثني عشر مرة ثم صلي ركعتين بسورتين، وناجي الله بهما المناجاة، إلا أعطاه الله تعالي ما يسأله، أحدها المغفرة.

فقلت: يا مولاي علمني ذلك، فقال: قل: اللهم قد أخذ التأديب مني حتي مسني الضر وأنت أرحم الراحمين، وإن كان ما اقترفته من الذنوب استحق به أضعاف أضعاف ما أذبتني به، وأنت حليم ذو أناة تعفو عن كثير حتي يسبق عفوك ورحمتك عذابك، وكررها علي ثلاثا حتي فهمتها (2).

ص: 151


1- النعمانية بلدة عراقية ما بين واسط وبغداد.
2- جنة المأوي، ص 270.

الحكاية الثانية والأربعون: دعاء عند الشدة..

قال السيد المؤيد الجليل السيد علي خان الشيرازي صاحب شرح الصحيفة والصمدية وغيره في كتاب الكلم الطيب والغيث الصيب :

رأيت بخط بعض أصحابي من السادات الأجلاء الصلحاء الثقات ما صورته:

سمعت في رجب سنة ثلاث وتسعين وألف، الأخ في الله المولي الصدوق العالم العامل، جامع الكمالات الإنسية، والصفات القدسية، الأمير إسماعيل بن حسين بيك بن علي بن سليمان الجابري الأنصاري أنا والله تعالي برهانه يقول: سمعت الشيح الصالح التقي الورع الشيخ الحاج عليا المكي قال: إني ابتليت بضيق وشدة ومناقضة خصوم، حتي خفت علي نفسي القتل والهلاك، فوجدت الدعاء المسطور بعد في جيبي من غير أن يعطينيه أحد، فتعجبت من ذلك، وكنت متحيرا فرأيت في المنام قائلا في زي الصلحاء والزهاد يقول لي: أنا أعطيناك الدعاء الفلاني فادع به تنج من الضيق والشدة ولم يتبين لي من القائل،فزاد تعجبي، فرأيت مرة أخري الحجة المنتظر (عليه السلام)

ص: 152

فقال لي: ادع بالدعاء الذي اعطيتكه، وعلم من أردت.

قال: وقد جربته مرارا عديدة، فرأيت فرجا قريبا، وبعد مدة ضاع مني الدعاء برهة من الزمان، وكنت متأسفا علي فواته، مستغفرا من سوء العمل، فجاءني شخص وقال لي: أن هذا الدعاء قد سقط منك في المكان الفلاني وما كان في بالي أني رحت إلي ذلك المكان، فأخذت الدعاء، وسجدت لله شكرا وهو:

«بسم الله الرحمن الرحيم رب أسألك مدداً روحانياً تقوي به قواي الكلية والجزئية، حتي أقهر بمبادئ نفسي كلنفس قاهرة، فتنقبض لي إشارة رقائقها انقباضة تسقط به قواها حتي لا يبقي في الكون ذو روح إلا ونار قهري قد أحرقت ظهوره، يا شديد يا شديد، يا ذا البطش الشديد، يا قهار، أسألك بما أودعته عزرائيل من أسمائك القهرية ، فانفعلت له النفوس بالقهر، أن تودعني هذا السر في هذه الساعة حتي ألين به كل صعب ، وأذلل به كل منيع ، بقوتك يا ذا القوة المتين .

لاتقرأ ذلك سحراثلاثا إن أمكن، وفي الصباح ثلاثا وفي المساء ثلاثا، فإذا اشتد الأمر علي من يقرؤه يقول بعد قراءته ثلاثين مرة: يا رحمان يا رحيم يا أرحم الراحمين، أسألك اللطف بما جرت به المقادير»(1)

ص: 153


1- جنة المأوي، الشيخ النوري، ص265-266.

الحكاية الثالثة والأربعون: المهدي ( عليه السلام) يعلمه دعاء للنجاة..

نقل السيد الجليل علي بن طاووس في مهج الدعوات عن بعض كتب القدماء روي عن أبي علي أحمد بن محمد بن الحسين بن إسحاق بن جعفر بن محمد العلوي العريضي عبران قال: حدثني محمد بن علي العلوي الحسيني وكان يسكن بمصر قال: دهمني أمر عظيم وهم شديد من قبل صاحب مصر فخشيته علي نفسي وكان قد سعي بي إلي أحمد بن طولون، فخرجت من مصر حاجا وصرت من الحجاز إلي العراق فقصدت مشهد مولاي وأبي عبد الله الحسين بن علي (صلوات الله عليهما) عائذا به ولائذا بقبره ومستجيرا به من سطوة من كنت أخافه فأقمت بالحائر خمسة عشر يوما أدعو وأتضرع ليلي ونهاري فتراءي لي قيم الزمان وولي الرحمن وأنا بين النائم واليقظان، فقال لي: يقول لك الحسين : يا بني خفت فلانا؟، فقلت: نعم أراد بي هلاكي فلجأت إلي سيدي (عليه السلام) وأشكوا إليه عظيم ما أراد بي، فقال : هلا دعوت الله ربك ورب آبائك بالأدعية التي دعا بها ما سلف من الأنبياء (عليهم السلام) فقد كانوا في شدة فكشف الله

ص: 154

عنهم ذلك قلت: وماذا أدعوه؟، فقال: إذا كان ليلة الجمعة فاغتسل وصل صلوة الليل، فإذا سجدت سجدة الشكر دعوت بهذا الدعاء وأنت بارك علي ركبتيك، فذكر لي دعاء قال: ورأيته في مثل ذلك الوقت يأتيني وأنا بين التائم واليقظان قال: وكان يأتيني خمس ليال متواليات يكرر علي هذا القول والدعاء حتي حفظته وانقطع عني مجيئه ليلة الجمعة فاغتسلت وغيرت ثيابي وتطيبت وصليت صلوة الليل وسجدت سجدة الشكر وجثوت علي ركبتي ودعوت الله جل وتعالي بهذا الدعاء، فأتاني ليلة السبت (عليه السلام) فقال لي قد أجيبت دعوتك يا محمد وقتل عدوك عند فراغك من الدعاء عند من وشي بك إليه، قال: فلما أصبحت ودعت سيدي وخرجت متوجها إلي مصر فلما بلغت الأردن وأنا متوجه إلي مصر رأيت رجلا من جيراني بمصر وكان مؤمنا فحدثني أن خصمك قبض عليه أحمد بن طولون فأمر به فأصبح مذبوحا من قفاه ، قال : وذلك في ليلة الجمعة وأمر به فطرح في النيل، وكان ذلك فيما أخبرني جماعة من أهلنا وأخواننا الشيعة أن ذلك كان فيما بلغهم عند فراغي من الدعاء كما أخبرني مولاي (صلوات الله عليه).

ونقل السيد هذه القضية بسند آخر عن أبي الحسن علي بن حماد المصري مع اختلاف في الجملة وآخرها هكذا:

ص: 155

فلما بلغت بعض الطريق إذا رسول أولادي وكتبهم بأن الرجل الذي هربت منه جمع قوما واتخذ لهم دعوة فأكلوا وشربوا وتفرق القوم، فنام هو وغلمانه في المكان، فأصبح الناس ولم يسمع لهم حس، فكشف عنه الغطاء فإذا به مذبوحا من قفاه ، ودماؤه تسيل.. الخ(1)

ص: 156


1- مهج الدعوات، ص281.

الحكاية الرابعة والأربعون: لن يموت حتي يراني..

يذكر المرحوم الشيخ ورام في كتاب «تنبيه الخاطر ونزهة الناظر»أن علي بن جعفر المدائني العلوي نقل أنه كان في مدينة الكوفة رجل كھل قصير القامة معروف بالزهد والعبادة والنزاهة. وفي أحد الأيام كان هذا الرجل الورع التقي، في بيتنا ونقل الحكاية التالية لوالدي (رحمه الله). فقال : كنت أتعبد الليالي في مسجد الجعفي القديم خلف مسجد الكوفة، وفي إحدي الليالي وحوالي منتصف الليل، دخل المسجد ثلاثة أشخاص ولما وصلوا إلي وسط المسجد ، جلسأحدهم القرفصاء وضرب بيده الأرض فتفجرت عينة زلالا سلسبيلا فتوضأ منها ودعا رفيقيه الآخرين إلي الوضوء من هذه العين الجارية.

ثم أم هذا الرجل الجماعة ووقفت معهم للصلاة خلفه، وبعد الانتهاء من الصلاة أردت معرفة كيفية ظهور الماء في بقعة يابسة من أرض المسجد فسالت الرجل الجالس علي يميني: من يكون هذا السيد الجليل؟.

فقال: إنه الإمام صاحب الزمان نجل الإمام الحسن العسكري (عليه

ص: 157

السلام). فتقدمت للسلام عليه ثم قبلت يده المباركة وقلت له: يا ابن رسول الله، ما رأيك في الشريف عمر بن حمزة وهو أحد السادات المعروفين ؟ ، هل هو علي حق؟.

فقال : إنه ليس علي حق الآن، ولكنه سيهتدي بإذن الله ولن يموت حتي يراني، ثم أضاف علي بن جعفر المدائني قائلا:

أخفيت هذه القضية مدة طويلة حتي توفي الشريف عمر بن حمزة ولا أدري ما إذا كان قد وصل إلي خدمة صاحب الزمان (عليه السلام)ام لا.

وفي أحد الأيام التقيت بذلك الرجل الكهل التقي الذي نقل تلك الحكاية لوالدي وقلت له: ألم تقل في ذلك المجلس أن الشريف عمر لن يموت حتي يلتقي الحجة بن الحسن (عليه السلام)؟. فأجاب : وكيف عرفت بأنه لم يصل إلي خدمة بقية الله. أرواحنا له الفداء؟، وبعد فترة التقيت بنجل الشريف عمر بن حمزة المعروف بالشريف أبو المناقب وسألته عن والده والحكاية التي نقلها ذلك العابد الزاهد فقال: لما مرض والدي مرضا شديدا في أواخر أيامه، جلست ليلة قربة وهو لا يقوي علي الكلام حتي انتصف الليل وإذا بشخص مهيب بهي الطلعة طويل القامة بشر المحيا، يدخل الغرفة (وكنت متأكدا أنني قد أقفلت جميع

ص: 158

الأبواب الخارجية والداخلي)، ويسلم علي والدي ويجلس بجانبه ثم يتحدث إليه.

وكان والدي في أثناء ذلك يبكي بكاء مراً والدموع تنهمر علي ذقنه ومحاسنة ثم خرج ذلك السيد المهيب بكل هدوء كما دخل.

وعندما اختفي ذلك الرجل تماما عن نواظرنا، التفت والدي إلي وقال: أجلسوني، فأجلسناه ثم فتح عينيه وقال: أين ذهب ذلك الرجل الذي جلس قبل قليل بجانبي؟.

فقلنا: لقد ذهب من الطريق نفسه الذي دخل منه، فقال لنا: الحقوا بذلك السيد واستدعوه ثانية، فهرعنا جميعا للبحث عنه ولكننا كنا نعمل بأن الأبواب جميعا موصدة فرجعنا إلي والدنا الذي كان يعاني سكرات الموت وقلنا له: إننا لم نعثرعلي آثر له فقال هذه الجملة .

اعلموا بأن السيد الجليل هو صاحب الزمان (عليه السلام) ثم أغمض عينيه وأسبل جفنيه وبقي عدة أيام بلا وعي حتي قضي نحبه(1)

ص: 159


1- اللقاء مع الإمام ...، ص81، الطبعة الأولي .

الحكاية الخامسة والأربعون: قصة الحاج علي البغدادي..

نقل الحاج علي البغدادي أيده الله قائلا: اجتمع في ذمتي ثمانون تومانا من مال الإمام (عليه السلام) فذهبت إلي النجف الأشرف فأعطيت عشرين تومانا منه لجناب علم الهدي والتقي الشيخ مرتضي أعلي الله مقامه وعشرين تومانا إلي جنبات الشيخ محمد حسين المجتهد الكاظميني وعشرين تومانا لجناب الشيخ محمد حسن الشروقي وبق في ذمتي عشرون تومانا ، كان في قصدي أن أعطيها إلي جناب الشيخ محمد حسن الكاظميني آل ياسيني ايده الله عند رجوعي. فعندما رجعت إلي بغداد كنت راغبا في التعجيل بأداء ما بقي في ذمتي، فتشرفت في يوم الخميس بزيارة الإمامين الهمامين الكاظمين (عليهما السلام) وبعد ذلك ذهبت إلي خدمة جناب الشيخ سلمه الله وأعطيته مقدارا من العشرين تومانا وواعدته بأني سوف أعطي الباقي بعدما أبيع بعض الأشياء تدريجيا، وأن يجيزني أن أوصله إلي أهله، وعزمت علي الرجوع إلي بغداد في عصر ذلك اليوم، وطلب جناب الشيخ مني أن أتأخر فاعتذرت بأن علي أن أو في عمال

ص: 160

النسيج أجورهم، فإنه كان من المرسوم أن أسلم أجرة الأسبوع عصر الخميس،فرجعت وبعد أن قطعت ثلث الطريق تقريبا رأيت سيدا جليلا قادما من بغداد من أمامي، فعندما قرب مني سلم علي وأخذ بيدي مصافحا ومعانقا وقال: أهلا وسهلا وضمني إلي صدره وعانقني وقبلني وقبلته، وكانت علي رأسه عمامة خضراء مضيئة مزهرة، وفي خده المبارك خال أسود كبير ، فوقف وقال : حاج علي علي خير، علي خير، أين تذهب؟.

قلت: زرت الكاظمين (عليهما السلام) وأرجع إلي بغداد.

قال: ذهه الليلة ليلة الجمعة فارجع .

قلت: يا سيدي لا أتمكن.

فقال: في وسعك ذلك، فارجع حتي أشهد لك بأنك من موالي جدي أمير المؤمنين (عليه السلام) ومن موالينا، ويشهد لك الشيخ كذلك، فقد قال تعالي:«وَاسْتَشْهِدُوا شَهِيدَيْنِ»(1)

وكان ذلك منه إشارة إلي مطلب كان في ذهني أن ألتمس من جناب الشيخ أن يكتب لي شهادة بأني من موالي أهل البيت (عليهم السلام)

ص: 161


1- سورة البقرة، آية: 282.

لأضعها في كفني .

فقلت: أي شيء تعرفه، وكيف تشهد لي؟ .

قال : من يوصل حقه إليه، كيف لا يعرف من أوصله؟ .

قلت: أي حقٍ؟.

قال : ذلك الذي أوصلته إلي وكيلي .

قلت: من هو وكيلك .

قال: الشيخ محمد حسن .

قلت: وكيلك؟.

قال: وكيلي .

وكان قد قال لجناب الأقا السيد محمد، وكان قد خطر في ذهني إن هذا السيد الجليل يدعوني باسمي مع أني لا أعرفه، فقلت في نفسي لعله يعرفني وأنا نسيته. ثم قلت في نفسي أيضا: أن هذا السيد يريد مني شيئا من حق السادة، وأحببت أن أوصل إليه شيئا من مال الإمام (عليه السلام) الذي عندي.

فقلت: يا سيد بقي عندي شيء من حقكم فرجعت في أمره إلي

ص: 162

جناب الشيخ محمد حسن لأؤدي حقكم يعني السادات بإذنه .

فتبسم في وجهي وقال: نعم، قد أوصلت بعضا من حقنا إلي وكلائنا في النجف الأشرف.

فقلت: هل قبل ذلك الذي أديته؟

فقال: نعم.

خطر في ذهني أن هذا السيد يقول بالنسبة إلي العلماء الأعلام ( وكلائنا) فاستعظمت ذلك، فقلت: العلماء وكلاء في قبض حقوق السادات وغفلت.

ثم قال: ارجع زر جدي .

فرجعت وكانت يده اليمني بيدي اليسري فعندما سرنا رأيت في جانبنا الأيمن نهرا ماؤه أبيض صاف جار، وأشجار الليمون والنارنج والرمان والعنب وغيرها كلها مثمرة في وقت واحد مع أنه لم يكن موسمها، وقد تدلت فوق رؤوسنا.

قلت: ما هذا النهر وما هذه الأشجار؟.

قال: إنها تكون مع كل من يزورنا ويزورنا ويزور جدنا من موالينا.

فقلت: أريد أن أسألك؟ .

ص: 163

قال : أسأل .

قلت: كان الشيخ المرحوم عبد الرزاق رجلا مدرسا فذهبت عنده يوما فسمعته يقول: لو أن أحدا كان عمره كله صائما نهاره قائما ليله وحج أربعين حجة وأربعين عمره ومات بين الصفا والمروة ولم يكن من موالي أمير المؤمنين (عليه السلام)، فليس له شيء؟.

قال: نعم، والله ليس له شيء.

فسألته عن بعض أقربائي هل هو من موالي أمير المؤمنين (عليه السلام)؟.

قال: نعم، هو وكل من يرتبط بك.

فقلت: سيدنا إلي مسألة .

قال : أسأل .

قلت: يقرأ قراء تعزية الحسين (عليه السلام) إن سليمان الأعمش جاء عند شخص وسأله عن زيارة سيد الشهداء (عليها السلام) فقال : بدعة، فرأي في المنام هودجا بين الأرض والسماء، فسأل من في الهودج؟، فقيل له: فاطمة الزهراء وخديجة الكبري (عليهما السلام)، فقال : إلي أين تذهبان؟، فقيل: إلي زيارة الحسين (عليه السلام) في

ص: 164

هذه الليلة فهي ليلة الجمعة، ورأي رقاعا تتساقط من الهودج مكتوب فيها: "أمان من النار لزوار الحسين (عليه السلام) في ليلة الجمعة أمان من النار يوم القيامة''، فهل هذا الحديث صحيح؟.

قال: نعم، صحيح وتام .

قلت: سيدنا يقولون: من زار الحسين (عليه السلام) ليلة الجمعة فهي له أمان.

قال: نعم، والله. (وجرت الدموع من عينيه المباركتين وبكي).

قلت: سيدنا مسألة.

قال : اسأل .

قلت: زرنا الإمام الرضا (عليه السلام) سنة تسع وستين ومائتين وألف (1299) وألقينا بأحد الأعراب الشروقيين من سكان البادية في الجهة الشرقية من النجف الأشرف في درود، واستضفناه وسألنا كيف هي ولاية الرضا (عليها السلام)؟.

قال: الجنة، ولي خمسة عشر يوماً أكل من مال مولاي الإمام الرضا (عليها السلام) فكيف يجرؤ منكر ونكير أن يدنيا مني في قبر وقد نبت لحمي ودمي من طعامه ( عليه السلام) في مضيفه؟! فهل هذا

ص: 165

صحيح أن علي بن موسي الرضا (عليه السلام) يأتي ويخلصه من منكر ونكير؟.

فقال : نعم والله، أن جدي هو الضامن .

قلت: سيدنا أريد أن أسألك مسألة صغيرة؟.

قال : اسأل .

قلت: وهل زيارتي للإمام الرضا (عليه السلام) مقبولة؟ .

قال : مقبولة إن شاء الله . قلت: سيدنا مسألة؟ .

قال : بسم الله.

قلت: إن الحاج محمد حسين القزاز (بزاز باشي) ابن المرحوم الحاج أحمدالقزاز (بزاز باشي) هل زيارته مقبولة أم لا (وقد كان رفيقنا في السفر وشريكنا في الصرف في طريق مشهد الرضا (عليه السلام)؟.

قال: العبد الصالح زيارته مقبولة.

قلت: سيدنا مسألة؟ .

قال: بسم الله.

ص: 166

قلت: إن فلان من أهل بغداد - وكان رفيقنا في السفر - هل زيارته مقبولة؟.

سكت.

قلت: سيدنا مسألة؟ .

قال : بسم الله.

قلت: هل سمعت هذه الكلمة أم لا؟ فهل إن زيارته مقبولة أم لا؟ ، فلم يجبني.

ونقل الحاج المذكور أنه كان ذلك الشخص وعدة نفر من أهل بغداد المترفين قد انشغلوا في السفر باللهو واللعب، وكان ذلك الشخص قد قتل أمه.

فوصلنا في الطريق إلي مكان واسع علي طرفيه بساتين مقابل بلدة الكاظمين الشريفة، وكان موضوع من ذلك الطريق متصلا ببساتين من جهته اليمني لمن يأتي من بغداد وهو ملك لبعض الأيتام السادة وقد أدخلته الحكومة ظلما في الطريق ، و كان أهل التقوي والورع من سكنة هاتين البلدتين يجتنبون دائما المرور من تلك القطعة من الأرض.

ورأيته (عليه السلام) يمشي في تلك القطعة فقلت: يا سيدي هذا

ص: 167

الموضع ملك لبعض الأيتام السادة ولا ينبغي التصرف فيه.

قال: هذا الموضع ملك جدنا أمير المؤمنين (عليه السلام) وذريته وأولادنا ويحل لموالينا التصرف فيه. وكان في القرب من ذلك المكان علي الجهة اليسري بستان ملك لشخص يقال له الحاج الميرزا هادي، وهو من أغنياء العجم المعروفين، وكان يسكن في بغداد، قلت: سيدنا هل صحيح ما يقال بأن أرض بستان الحاج ميرزا هادي ملك الإمام موسي بن جعفر (عليه السلام)؟.

قال: ما شأنك بهذا؟، وأعرض عن الجواب .

فوصلنا إلي ساقية ماء فرعت من شط دجلة للمزارع والبساتين في تلك المنطقة، وهي تمر في ذلك الطريق، وعندها يتشعب الطريق إلي فرعين باتجاه البلدة، أحد الطريقين سلطاني (أي حكومي)، والآخر طريق السادة ، فاختار (عليه السلام) طريق السادة .

فقلت : تعال نذهب من هذا الطريق ، يعني الطريق السلطاني.

قال: لا، نذهب من طريقنا.

فما خطونا إلا عدة خطوات فوجدنا أنفسنا في الصحن المقدس عند موضع خلع الأحذية من دون أن نمر بزقاق ولا سوق.

ص: 168

فدخلنا الإيوان من جهة باب المراد التي هي الجهة الشرقية مما يلي الرجل.

ولم يمكث (عليه السلام) في الرواق المطهر، ولم يقرأ إذن الدخول، ودخل، ووقف علي باب الحرم، فقال: زر.

قلت: إني لا أعرف القراءة.

قال: أقرأ لك؟ .

قلت: نعم.

فقال: أأدخل يا الله، السلام عليك يا رسول الله، السلام عليك يا أمير المؤمنين، وهكذا سلم علي كل إمام من الأئمة (عليهم السلام) حتي بلغ في السلام إلي الإمام العسكري (عليه السلام) وقال : السلام عليك يا أبا الحسن العسكري، ثم قال: تعرف إمام زمانك ؟ .

قلت: وكيف لا أعرفه؟.

قال: سلم علي إمام زمانك.

فقلت: السلام عليك يا حجة الله يا صاحب الزمان يا ابن الحسن.

فتبسم وقال: عليك السلام ورحمة الله وبركاته، فدخلنا في الحرم

ص: 169

المطهر وانكببنا علي الضريح المقدس، وقبلناه ، فقال لي: زر.

قلت: لا أعرف القراءة .

قال : أقرأ لك الزيارة؟.

قلت: نعم.

قال: أي زيارة تريد؟ .

قلت: زورني بأفضل الزيارات.

قال: زيارة أمين الله هي الأفضل .

ثم أخذ بالقراءة وقال : السلام عليكما يا أميني الله في أرضه وحجتيه علي عباده .. الخ.

وأضيئت في هذه الأثناء مصابيح الحرم فرأيت الشموع مضاءة ولكن الحرم مضاء ومنور بنور آخر مثل نور الشمس والشموع تضيء مثل المصباح في النهار في الشمس. وكنت قد أخذتني الغفلة بحيث لم انتبه إلي هذه الآيات.

فعندما انتهي من الزيارة جاء إلي الجهة التي تلي الرجل فوقف في الجانب الشرقي خلف الرأس، وقال: هل تزور جدي الحسين (عليها السلام)؟ .

ص: 170

قلت: نعم أزور فهذه ليلة الجمعة.

فقرأ زيارة وارث، وقد فرغ المؤذنون من آذان المغرب ، فقال لي: صل والتحق بالجماعة ، فجاء إلي المسجد الذي يقع خلف الحرم المطهر وكانت الجماعة قد انعقدت هناك، ووقف هو منفردا في الجانب الأيمن الإمام الجماعة محاذيا له، ودخلت أنا في الصف الأول حيث وجدت مكانا لي هناك.

فعندما انتهيت لم أجده، فخرجت من المسجد وفتشت في الحرم فلم أره، وكان قصدي أن ألاقيه وأعطيه عدة قرانات واستضيفه في تلك الليلة، ثم جاء بذهني: من يكون هذا السيد ؟ !، وانتبهت للآيات والمعجزات المتقدمة ومن انقيادي لأمره في الرجوع مع ما كان لي من الشغل المهم في بغداد، وتسميه لي باسمي، مع أني لم أكن قد رأيته من قبل، وقوله (موالينا) وأني أشهد، ورؤية النهر الجاري والأشجار المثمرة في غير الموسم، وغير ذلك مما تقدم مما كان سببا ليقيني بأنه الإمام المهدي (عليها السلام)، وبالخصوص في فقرة إذن الدخول وسؤاله لي بعد السلام علي الإمام العسكري (عليه السلام)، هل تعرف إمام زمانك ؟، فعندما قلت أعرفه، قال: سلم، فعندما سلمت، تبسم ورد السلام.

فجئت عند حافظ الأحذية وسألت عنه، فقال: خرج.. وسألني: هل

ص: 171

كان هذا السيد رفيقك؟، قلت: نعم.

فجئت إلي بيت مضيفي وقضيت الليلة، فعندما صار الصباح،ذهب إلي جناب الشيخ محمد حسن ونقلت له كلما رأيت.

فوضع يده علي فمي ونهاني عن إظهار هذه القصة وإفشاء هذا السر، وقال:وفقك الله تعالي. فأخفيت ذلك ولم أظهره لأحد إلي أن مضي شهر من هذه القضية، فكنت يوما في الحرم المطهر، فرأيت سيدا جليلا قد اقترب مني وسألني ماذا رأيت؟، وأشار إلي قصة ذلك اليوم!

قلت: لم أر شيئا.

فأعاد علي ذلك الكلام، وانكرت بشدة .

فاختفي عن نظري ولم أرَهُ بعد ذلك .

ص: 172

الحكاية السادسة والأربعون: شيخ في ليلة مظلمة..

يعتبر المرحوم الشيخ مرتضي الأنصاري (رضوان الله عليه) ( 1218-1214 ه-) من نوابغ العالم الإسلامي والفقهاء العظام الشيعة الذي طبقت شهرته العلمية والعملية جميع آفاق البلاد الإسلامية .

وقد وصفة بعض العلماء بخاتم الفقهاء والمجتهدين وهو من سلالة الصحابي العظيم الشأن جابر بن عبد الله الأنصاري وكتب العلامة المحدث نوري (رضوان الله تعالي عليه) في نهاية كتابه المستدرك حول هذا الفقيه العالم التقي الورع قائلا : إن الله (سبحانه وتعالي) قد تفضل علي جابر الأنصاري بمثل هذا العلامة القدير من سلالته حيث خدم الأمة والدين بعلمه وبحوثه الدقيقة وزهده وعبادته و كياسته. وكان هذا العالم الجليل خلال فترة زعامته ومرجعيته العظيمة نائبا وخادما لإمام عصره الحجة بن الحسن (عجل الله فرجه) ولم يتوان عن ذكر صاحب الزمان لحظة واحدة.

ويحكي أحد طلابه أنه خرج في منتصف إحدي الليالي المظلمة الشتائية الباردة حيث كانت الطرقات في مدينة كربلاء المعظمة، مليئة

ص: 173

بالوحل والطين متوجها لزيارة الإمام أبي الأحرار الحسين (عليه أفضل الصلاة والسلام)، إذ لمحت شخصا من بعيد وعندما دققت النظر ، علمت أنه أستاذنا الكبير الشيخ الأنصاري وهو قادم إلي ناحيتي. وهنا تساءلت مع نفسي، أين يذهب هذا الفقيه الجليل في منتصف هذه الليلة الباردة وفي هذه الأزقة الموحلة، وهو ضعيف البصر موهون القوي؟!، ومن خوفي عليه أن لا يتعرض لمكروه - لا سمح الله - في هذه الليلة الليلاء، أخذت أتبعه عن بعد. ثمرأيته يتقدم حتي وقف عند باب أحد المنازل ثم قرأ الزيارة الجامعة بكل خشوع وإجلال ثم دخل المنزل حيث لم أتمكن من رؤية ما يحدث هناك إلا إنني اسمع حديث الشيخ مع أحد الأشخاص ولكن دون تميز لكلمات فتركته وتوجهت إلي الحرم الحسيني الشريف وبعد ساعة شاهدت الشيخ (رضوان الله تعالي عليه) وهو في الحرم مصليا ومتعبدا.

ومضت مدة علي هذه الحادثة حيث التقيت بعدها بالشيخ عدة مرات وبعد إلحاح عليه أن يشرح لي خروجه في تلك الليلة ودخوله الدار، تفضل قائلا: أحيانا أحصل علي إجازة وسماح للقاء الحجة بن الحسن ( عليه السلام). فاذهب إلي تلك الدار التي رأيتها تلك الليلة ولا يمكنك إيجادها في أوقات أخري، فألتقي بإمام العصر والزمان بعد قراءة الزيارة الجامعة وإعلامه إياي بالدخول والسماح بذلك، ثم أصل

ص: 174

في خدمته وأطرح بعض الأسئلة العلمية الشائكة التي اصطدم بها وأستزيد منه علما ومعرفة وتوضيحا والحمد لله. ثم أخذ الشيخ المرحوم الأنصاري عهدا مني لا أقول هذا الحديث ولا أسرد تلك الحكاية علي كائن من كان، ما دام علي قيد الحياة(1)

ص: 175


1- اللقاء مع الإمام ...، ص 104، الطبعة الأولي .

الحكاية السابعة والأربعون: الإمام (عليه السلام) يغسل ويكفن ميت من شيعته..

نقل الثقة الصالح الحاج علي البغدادي، أنه في سفره إلي المشهد المقدس وقبل أن يصل إلي مشهد بسبعة أو ثمانية منازل، مات أحد رفاقنا في تلك السفرة، فتكلمت مع المكاري في حمل جنازته، فقال : أخذ أربعة عشر تومانا، وكنا قد جمعنا بيننا سبعة تومانات، وطلبنا أن يأخذه بذلك المبلغ فلم يرض، فكان لأحد رفاقنا حمار فوضع الجنازة عليه، وقال: لا بد أن نأخذ الجنازة علي أي نحو كان، فلم نمش إلا قليلا - وكان ذلك المؤمن في ضيق وتعب - وإذا بفارس يظهر من جهة المشهد، فعندما وصل إلينا، مسألة عن الجنازة، فذكرنا له ما تقدم، فقال : أنا أخذه بذلك المبلغ، وكان فرسه جيدا وعليه سرج قاجاري، فوضع الجنازة عليه وشدها بقوة، فأردنا أن نعطيه ذلك المبلغ، قال : آخذه في المشهد، وجري، وقلنا له: لا تدفنه حتي نصل، ولم نكن قد غسلنا ذلك الميت .

ولم نره بعد ذلك، حتي وصلنا المشهد بعد أسبوع وكان يوم الخميس فرأينا أن ذلك الميت قد غُسّل وكُفّن ووُضع في الإيوان المطهر ،

ص: 176

وعند رأسه جميع ملابسه ولم نَرَ أحدا، وبعد فحصنا علمنا أن الجنازة وصلت إلي المشهد المقدس في ذلك اليوم الذي أعطيناها له، ولم يظهر منه بعد ذلك أثر .

ص: 177

الحكاية الثامنة والأربعون: بحق الذي جننت من أجله..

نقل سماحة العلامة آية الله الحاج السيد أحمد المددي (حفظه الله) عن المرحوم آية الله الحاج السيد أحمد الأردبيلي (جد زوجته المكرمة) نقلا عن أبيه بأن المرجع الورع المرحوم الحاج السيد محمد الفشار كي الأصفهاني ذكر له: رأيت في بعض الأيام شيرازياً مجنوناً يطارده الصبيان ويضحكون عليه. وبعد أيام دخلت مسجدا للعبادة في غير وقت الفريض. فلم يكن فيه أحد سواي، وبينما أخذت أتهيأ للعبادة شعرت بدخول شخص إلي المسجد، فالتفت وإذا به ذلك المجنون . فاستترت خلف عمود عريض هناك كي أراقبه ماذا يريد أن يفعل.

فرأيته أخذ ينظر إلي جوانب المسجد. وبعد أن اطمأن بعدم وجود أحد شرع فيصلاة الخشوع وقراءة متأنية في أجزائها وأذكارها وأدعيتها كواحد من أفضل العقلاء متأنية في أجزائها وأذكارها وأدعيتها كواحد من أفضل العقلاء فكنت متحيرا مما رأيته منه، كلما أمعنت النظر فيه لم أجد عليه أقل علامة للجنون. راقبته في مزيد من الدقة حتي ملكتني الدهشة. ولما انتهي وأراد أن يمشي أسرعت إليه، فأخذ يموه علي شخصيته الحقيقية بتصرفات جنونية !، قلت له: يا هذا

ص: 178

إني رأيتك منذ دخلت المسجد، فقد دلتني صلاتك الخاشعة علي أنك إنسان عاقل ولست كما تُظهر به نفسك في الطريق . قل لي لم تتصرف كالمجانين؟، فلم يجبني إلا بحركات جنونية أصر بها أن يغطي علي شخصيته. فكلما رجوته أبي إلا إصراراً علي التمويه وهو يسعي إلي التهرب مني. وهنا قلت له: أقسم عليك بحق الذي جننت من أجله قل لي الحقيقة !.

بهذا القسم انهمرت دموعه وبكي .. فعلمتُ أني وضعتُ إصبعي علي جرحه! نظر إلي هنيئة ثم قال: ما دمتَ قد أقسمت علي بن جننتُ من أجله فإني أخبرك بحقيقة أمري، فلقد كنت كثير اللقاء والنظر إلي الإمام الحجة صاحب العصر والزمان ( روحي فداه)، ولكن بسبب معصية صدرت مني ولت عني هذه السعادة ومثلي ليس له إلا الجنون تعبيرا عن شقائه و خسارته، فلقد أصبحت الدنيا عندي بلا أهمية .

قلت: هل يمكنك الإفصاح لي عن تلك المعصية ليعتبر الناس ويرتدعون؟، قال : إني قد نظرت إلي امرأة أجنبية نظرة ريبة و شهوة . أفهل تستحق هذه العين الخائنة أن تنظر إلي جمال ولي الله الأعظم الحجة بن الحسن (عليه السلام) مرة أخري، والآن فهل تعلم خاسراً أشقي مني؟!(1).

ص: 179


1- قصص وخواطر ..، ص 568، قصة رقم 547

الحكاية التاسعة والأربعون: شفاء المجروح الذي جرح في الحرب..

يقول شاب :

منذ 8 سنوات في الحرب، هجم الجنود العراقيون فجرحت بهذا الهجوم، وأصيب جسمي بالشلل فلم أعد قادراً علي المشي، جاءت أمي إلي منزلي ليلا وتحدثت معي؟، لم يعجبني الكلام فضجرت منه وشعرت بالانكسار.

فتوسلت بالإمام المهدي (عجل الله فرجه) وقلت: يا سيدي ومولاي أطلب شفائي من الله ثم غفوت. رأيت الإمام المهدي (عليه السلام) يقول لي: أنا بنيت مسجدا بيدي، إذا تريد الشفاء فعليك أن تذهب إلي هذا المسجد فتوسل إلينا عنده. وعندما قمت من النوم صممت علي الذهاب إلي عيادة صديقي المريض وفي السنة القادمة سأذهب إلي مسجد جمكران إن شاء الله ثم مشيت إلي المستشفي لعيادة صديقي .

لما رجعت إلي منزلي، وجدته قد احترق ومعه كل الأثاث. فرغ قلبي كثيراً، صباحا مشيت إلي مسجد جمكران بقيت 39 يوما في المسجد .

ص: 180

وفي ليلة الأربعين من مدة الاعتكاف في المسجد (كان يصادف ليلة التاسع عشر من شهر رمضان) حين الخدمة في المسجد شعرت بالتعب كثيرا فنمت. في الساعة الواحدة رأيت بمنامي: أنني كنت أنظف ساحة المسجد المبارك فقد م سيد جليل و قال لي: هل تنظف المسجد، قلت: أجل، قال : إذهب معي إلي المسجد لنتحدث قليلا ودخلنا إلي المسجد فرأيت أشخاص جالسين في المسجد جلست قربهم قال لي السيد: يا سيد كأنك مريض؟، قلت: أجل، جرحت في الحرب وشل جسدي . فوضع السيد يده علي رأسي وقال لي: ستشفي إن شاء الله.

ثم وضع يده علي ظهري ورجلي بنفس اللحظة شعرت بالراحة، ثم نظرت إلي الجماعة فوجدت أنهم كانوا النبي محمد (صلي الله عليه وآله وسلم) والإمام علي (عليه السلام) وفاطمة الزهراء (عليها السلام) بضلعها المكسوروالمعصومة الكبري (سلام الله عليها) أخت الإمام الرضا (عليه السلام) وهم في حالة بكاء.

الإمام المهدي (عليه السلام) قال: المعصومة الكبري غير راضية الآن الناس لا يحترمون حقها، ثم أعطاني رطبا وقليلا من الماء وقال لي: يجب أن تأكل شيئا لأنك ستصوم يوم غد.

قمت من النوم فلم أجد أثرا من الألم والجروح فشكرت الله كثيرا(1)

ص: 181


1- الأخ عين باء من مشهد مقدس - وكتاب كرامات المهدي .

الحكاية الخمسون: بعمل الاستجارة رأي المهدي ( عليه السلام)..

قال صحاب كتاب (النجم الثاقب)، روي لي رجل قصة رؤيته

للإمام المهدي (عليه السلام)، فقال ما معناه:

إني كنت كثيرا ما أسمع من أهل المعرفة والديانة أنَّ مَن لآَزَمَ عمل الاستجارة في مسجد السهلة أربعين ليلة أربعاء متوالية بنية رؤية الإمام المنتظر (عليه السلام) وفق لرؤيته، وإن ذلك قد جرب مرارا ، فاشتاقت نفسي إلي ذلك، ونويت ملازمة عمل الاستجارة في كل ليلة أربعاء، ولم يمنعني من ذلك شدة حر ولا برد، ولا مطر ولا غير ذلك، حتي مضي لي ما يقرب من مدة سنة، وأنا ملازم لعمل الاستجارة ، وأبات في مسجد الكوفة علي القاعدة المتعارفة.

ثم إني خرجت عشية يوم الثلاثاء ماشياً علي عادتي وكان الزمان شتاء، و كانت تلك العشية مظلمة جداً لتراكم الغيوم مع قليل المطر ، فتوجهت إلي المسجد وأنا مطمئن بمجيء الناس علي العادة المستمرة ، حتي وصلت إلي المسجد، وقد اشتد الظلام وكثر الرعد والبرق، فاشتد بي الخوف وأخذني الرعب من الوحدة لأني لم أصادف في

ص: 182

المسجد الشريف أحد اصلا حتي أن الخادم المقرر للمجيء ليلة الأربعاء لم يجيء تلك الليلة.

فاستوحشت لذلك للغاية، ثم قلت في نفسي: ينبغي أن اُصلّي المغرب وأعمل عمل الاستجارة عجالة، وأمضي إلي مسجد الكوفة فصبرت نفسي، وقمت إلي صلاة المغرب فصليتها، ثم توجهت لعمل الاستجارة، وصلاتها ودعائها، وكنت أحفظه.

فبينما أنا في صلاة الاستجارة إذ حانت مني التفاتة إلي المقام الشريف المعروف بمقام صاحب الزمان ( عليه السلام) وهو في قبلة مكان مصلاي، فرأيت فيها ضياء كاملا وسمعت فيه قراءة مصل فطابت نفسي، وحصل كمال الأمن والاطمئنان، وظننت أن في المقام الشريف بعض الزوار، وأنا لم أطلع عليهم وقت قدومي إلي المسجد ، فأكملت عمل الاستجارة، وأنا مطمئن القلب .

ثم توجهت نحو المقام الشريف ودخلته، ورأيت فيه سيدا جليلاً مهابا بصورة أهل العلم، وهو قائم يصلي فارتاحت نفسي إليه، وأنا أظن أنه من الزوار الغرباء لأني تأملته في الجملة فعلمت أنه (ليس) من سكنة النجف الأشرف.

فشرعت في زيارة مولانا الحجة سلام الله عليه عملا بوظيفة المقام،

ص: 183

وصليت صلاة الزيارة، فلما فرغت أردت أن أكلمه في المضي إلي مسجد الكوفة، فهبته وأكبرته، وأنا أنظر إلي خارج المقام، فأري شدة الظلام، وأسمع صوت الرعد والمطر، فالتفت إلي بوجهه الكريم برأفة وابتسام، وقال لي: تحب أن تمضي إلي مسجد الكوفة؟، فقلت: نعم يا سيدنا ! عادتنا أهل النجف إذا تشرفنا بعمل هذا المسجد نمضي إلي مسجد الكوفة، ونبات فيه، لأن فيه سكاناً وخداماً وماءً.

فقام، وقال : قم بنا نمض إلي مسجد الكوفة، فخرجت معه وأنا مسرور به وبحسن صحبته، فمشينا في ضياء وحسن هواء وأرض يابسة لا تعلق بالرجل وأنا غافل عن حال المطر والظلام الذي كنت أراه ، حتي وصلنا إلي باب المسجد وهو - روحي فداه - معي أنا في غاية السرور والأمن بصحبته، ولم أر ظلاماً ولا مطراَ.

فطرقت الباب الخارجة عن المسجد، وكانت مغلقة فأجابني الخادم: من الطارق ؟.

فقلت: افتح الباب ، فقال : من أين أقبلت في هذه الظلمة والمطر الشديد؟.

فقلت: من مسجد السهلة، فلما فتح الخادم الباب التفت إلي ذلك السيد الجليل فلم أره، وإذا بالدنيا مظلمة للغاية، وأصابني المطر!

ص: 184

فجعلت أنادي يا سيدنا يا مولانا! تفضل فقد فتحت الباب ، ورجعت إلي ورائي أتفحص عنه وأنادي فلم أرَ أحداً أصلاً، وأضر بي الهواء والمطر والبرد في ذلك الزمان القليل. فدخلت المسجد وانتبهت من غفلتي، وكأني كنت نائم فاستيقظت، وجعلت ألوم نفسي علي عدم التنبه لما كنت أري من الآيات الباهرة، واتذكر ما شاهدته وأنا غافل من كراماته: من الضياء العظيم في المقام الشريف مع أني لم أر سراجا ولو كان في ذلك المقام عشرون لما وفيي بذلك الضياء، وذكرت أن ذلك السيد الجليل سماني باسمي مع أني لم أعرفه ولم أره قبل ذلك.

وتذكرت أني لما كنت في المقام كنت أنظر إلي فضاء المسجد، فأري الظلام الشديد، وأسمع صوت المطر والرعد، وإني لما خرجت من المقام مصاحباً له (سلام الله عليه)، كنت أمشي في ضياء بحيث أري موضع قدمي، والأرض يابسة والهواء عذب ، حتي وصلنا إلي باب المسجد، ومنذ فارقني شاهدت الظلمة والمطر وصعوبة الهواء، إلي غير ذلك من الأمور العجيبة، التي أفادتني اليقين بأنه الحجة صاحب الزمان ( عليه السلام) الذي كنت أتمني من فضل الله التشرف برؤيته ، وتحملت مشاق عمل الاستجارة عند قوة الحر والبرد لمطالعة حضرته (عليه السلام)، (فشكرت الله تعالي شأنه، والحمد لله)(1).

ص: 185


1- النجم الثاقب، ج2، ص164

الحكاية الحادي والخمسون: شفاء ولد من الشلل..

وفق أحد أعضاء هيئة أمناء مسجد جمكران قبل عشرين سنة لخدمة هذا المسجد المبارك نقل لنا القصة التالية:

كانت سنة 1972 او 1973 (لا أتذكر بدقة) و كانت ليلة الجمعة وأنا كالعادةتشرفت بدخول المسجد من مقابل ساحة المسجد القديم بجانب المرحوم الحاج أبي القاسم العامل بالمسجد .

كنت جالسا داخل غرفة مخصوصة لأخذ التبرعات وإعطاء وصولات بها بعد انتهاء صلاتي المغرب والعشاء كان جميع الناس الآتين من كل جهة يتبرعون بالمال لهذا المكان المقدس.

في هذه الأثناء أقبلت امرأة وهي تمسك بيد ابنتها البالغة من العمر 12 أو 13 سنة وكانت تشير إليها وبجانبها تلك الصبية. صبي مشلول القدمين عمره حوالي 9 سنوات، نظرت إليها وقلت تفضلوا ماذا تريدون ؟، سلمت المرأة ورددت عليها السلام وبدون مقدمة قالت: نذرت الآن إذا شفي الإمام المهدي (عليه السلام) ابني في هذه الليلة

ص: 186

سأعطي خمسة الآف تومان للإمام المهدي (عليه السلام) وسأعطيك الآن ألفا منها .

قلت لها: جئت إلي لتمتحنيني؟.

قالت: ماذا أفعل؟.

قلت لها فورا: إجعلي طلبك نقدا، قولي سأعطي خمسة آلاف في سبيل الله وأطلب منك شفاء إبني.

فكرت المرأة بعد قليل قالت: قبلت، دفعت الخمسة الآف وأخذت الوصل ودخلت إلي المسجد بعد ثلاث أو أربع ساعات في أواخر الليل. كنت قد نسيت القضية تماما. جاءت المرأة إلي وفي هذه المرة كانت تمسك بيد ابنها وابنتها. في البداية أحسست أنني قد رأيت هذا الصبي ولكن لم أتذكر أين. وفي هذه اللحظة بدأت السيدة بدعاء وقالت لي، أسأل الله أن يعطيك طول العمر يا حاج وأسأله أن يوفقك في حياتك أيضا.

قلت: ماذا حصل يا سيدتي؟ .

قالت: هذا الصبي هو الذي أتيت إليك في أول الليل لعندك لأول مرة ولكن الآن شفي الله ببركة الإمام المهدي (عليه السلام)، والآن لا

ص: 187

يوجد أي اثر من الضعف والشلل ثم قالت: أحلفك بالله أن لا تعلم أحدا، قلت لها: سيدتي هذه الوقائع والمعاجز ليست غريبة عندنا ونحن نشاهد مثل هذه المعجزات كثيرا.

قالت: في الأسبوع القادم سآتي بمرافقة زوجي إلي المسجد المبارك وسنجلب غنما ثم ودعتني وانصرفت. في الأسبوع القادم رجعت مع جماعتها فذبحوا شاة وأظهروا الشكر الكثير (1)

ص: 188


1- كرامات الإمام المهدي (عليه السلام).

الحكاية الثانية والخمسون: المهدي ( عليه السلام) يعطي الطلبة رواتبهم..

نقل حجة الإسلام والمسلمين أحمد قاضي الزاهدي في كتابه بالفارسية (شيفتكان إما مهدي) وهو جامع قصص عن عشاق المهدي صاحب الزمان (عجل الله تعالي فرجه). نقل عن المرحوم آية الله الحاج السيد محمد كاظم القزويني (رحمه الله) أنه قال : في سنة 1392 ه- أوكل إلي أحد مراجع الدين في كربلاء أن أدفع رواتب شهرية الطلبة العلوم الدينية، فصادف ليلة أول الشهر ليلة الجمعة، ولم يكن لديَّ مالٌ لأوزّعَه علي الطلبة، وكان المبلغ المطلوب لهذا الغرض حدود ألف دينار عراقي (وهو مبلغ كبير بالنسبة لتلك الأيام). فكرت ممن أستدين الآن حتي أسدد له فيما بعد، فلم أجد من أستدين منه، سيما أن البعض كان يطلب ضمانا لاسترجاء ماله. فكتبت عريضة أخاطبُ بها الإمام المهدي (عليه السلام) بهذا المضمون: «إن كانت قصة المرحوم آية الله العظمي السيد مهدي بحر العلوم في مكة المكرمة صحيحة فحولوا إلي هذا المبلغ».

رميتُ هذه العريضة في ضريح الإمام أبي عبد الله الحسين (عليه

ص: 189

السلام) وفي الصباح بين الطلوعين جاءني أحد تجار بغداد إلي المنزل، تناولنا فطور الصباح معا ثم قدم لي ألف دينار بالضبط ؟

فاعترتني حالة غريبة من الوجد والسرور وخاطبت الإمام المهدي صاحب الزمان فورا: «سيدي لم تنتظر حتي تطلع الشمس هكذا سارعت إلي استجابة الطلب ».

ص: 190

الحكاية الثالثة والخمسونأ: تفكر في أنه لا صاحب لنا؟...

روي عن السيد بحر العلوم (قدس سره) أنه كان في مكة المكرمة مقيم مدة ثلاث سنوات عند بيت الله الحرام ومعه خادمه، فكان يبلغ للدين ويروج فقه مذاهبهم حيث كانت سعة اطلاعه وعلومه الغزيره تمكنه من الإجابة علي أسئلة المسلمين هناك كل حسب مذهبه.

وبذلك نال السيد إعجاب المنصفين من السنة وعلمائهم، وأثبت حقا أنه بحرالعلوم كما هو لقبه الكريم، ولم يكن السيد مقتصرا علي عطائه الديني والعلمي بل كان سخيا في عطائه المالي أيضا، فقد كان يعين الطلبة الدارسين عنده والفقراء الذين يطرقون باب داره ، فلما أوشكت أمواله علي الانتهاء قال له خادمه بصيغة العتاب : هكذا تبذل حتي أصبحنا لا نملك الآن ما نرجع به إلي النجف الأشرف (العراق).

فسكت عنه السيد بحر العلوم مكتفيا بابتسامة نابعة من سر ويقين ! وهكذا جاء اليوم الذي نفدت فيه الدراهم والدنانير كلها فجاء الخادم إلي السيد يخبره قائلا: ألم أقل لك، فماذا نفعل الآن؟.

أعطاه السيد ورقة صغيرة وأرسله إلي عنوان في السوق، ليسلم

ص: 191

الورقة صاحب دكان هناك . يقول الخادم: ذهبت وإذا كان هناك رجل بسيماء الأولياء، استلم الورقة وقرأها ثم ناولني أكياسا مملوءة بالدراهم والدنانير، فرجعت بها إلي السيد وأنا متعجب من الأمر. وفي اليوم التالي رجعت إلي السوق لأتعرف علي الرجل فلم أجد له من أثر . بل ولا أثر للدكان أيضا فسألت أصحاب الدكاكين، أكدوا أن لا أحد بهذه المواصفات كان يجاورهم فعدت إلي البيت و كنت غارقا في التفكير ، حتي دخلت علي السيد فسألني: أين كنت؟، قلت: كنت مشغولا يا سيدي.

قال السيد بحر العلوم وهو يبتسم: بل كنت ذاهبا إلي السوق تبحث عن الرجل الذي أرسلتك إليه أمس!

فازداد اندهاشي فوق اندهاشي الأول وانهمرت دموعي. فقال السيد: اتفكر في أنه لا صاحب لنا؟!(1)

ص: 192


1- نقلت هذه القصة عن شريط كاسيت للخطيب الحسيني المرحوم الشيخ أحمد الكافي. وعن قصص وخواطر .. ، ص 584، قصة رقم 561.

الحكاية الرابعة والخمسون: فرس بلا راكب..

قال الشيخ العظيم الشأن زين الدين علي بن يونس العاملي البياضي في كتاب الصراط المستقيم إلي مستحقي التقديم:

«خرجت مع جماعة نزيد علي أربعين رجلا إلي زيارة القاسم بن موسي الكاظم - والقاسم مدفون في ثمانية فراسخ عن الحلة، وعلي الدوام يذهب العلماء والأخيار لزيارته - ، فكنا عن حضرته نحو ميل من الأرض، فرأينا فارسا معترضا فظنناه يريد أخذ ما معنا، فخبينا ما خفنا عليه. فلما وصلنا رأينا آثار فرسه، ولم نَرَه فنظرنا ما حول القبة فلم نَرَ أحدا فتعجبنا من ذلك مع استواء الأرض، وحضور الشمس، وعدم المانع .

فلا يمتنع أن يكون هو الإمام، أو أحد الأبدال »(1)

ص: 193


1- الصراط المستقيم، ج2، ص264.

الحكاية الخامسة والخمسون: ضيفنا في الغرفة..

قال العالم الفاضل المتقي الميرزا محمد تقي بن الميرزا كاظم بن الميرزا عزيز الله بن المولي محمد تقي المجلسي رحمهم الله سبط العلامة المجلسي الملقب بالألماسي في رسالة بهجة الأولياء، كما نقله عنه تلميذه المرحوم الفاضل البصير الألمعي السيد محمد باقر بن السيد محمد شريف الحسيني الأصفهاني في كتاب نور العيون: حدثني بعدض أصحابنا عن رجل صالح من أهل بغداد، قال : إني كنت قد سافرت في بعض السنين مع جماعة، فركبنا السفينة وسرنا في البحر بعد مدة إلي جزيرة ، فسرت في أطراف الجزيرة ، فوصلت بعد اليأس من الحياة إلي صحراء فيها جبل عظيم.

فلما وصلت إليه رأيته محيطا بالبحر إلا طرفا منه يتصل بالصحراء واشتممت منه رائحة الفواكه، ففرحت وزاد شوقي، وصعد قدرا من الجبل حتي إذا بلغت إلي وسطه في موضع أملس مقدار عشرين ذراعاً لا يمكن الاجتياز منه أبدا، فتحيرت في أمري، فصرت أتفكر في أمري فإذا أنا بحية عظيمة كالأشجار العظيمة تستقبلني في غاية السرعة،

ص: 194

ففررت منها منهزما مستغيثا بالله تبارك وتعالي في النجاة من شرها كما تجاني من الغرق.

فإذا أنا بحيوان شبه الأرنب قصد الحية مسرعا من أعلي الجبل حتي وصل إلي ذنبها فصعد منه حتي إذا وصل رأس الحية إلي ذلك الحجر الأملس وبقي ذنبه فوق الحجر، وصل الحيوان إلي رأسها وأخرج من فمه حمة (1)مقدار أصبع فأدخلها في رأسها ثم نزعها وأدخلها في موضع أخري منها وولي مدبراً فماتت الحية في مكانها من وقتها، وحدث فيها عفونة كادت نفسي أن تطلع من رائحتها الكريهة فما كان بأسرع من أن ذاب لحمها، وسال في البحر، وبقي عظامها كسلم ثابت في الأرض يمكن الصعود منه.

فتفكرت في نفسي، وقلت: إن بقيت هنا أموت من الجوع فتوكلت علي الله في ذلك، وصعدت منها حتي علوت الجبل، وسرت من طرف قبلة الجبل فإذا أنا بحديقة بالغة حد الغاية في الغضارة والنضارة والطراوة والعمارة، فسرت حتي دخلتها وإذا فيها أشجار مثمر كثيرة ، وبناء عال مشتمل علي بيوتات، وغرف كثيرة في وسطها.

فأكلت من تلك الفواكه، واختفيت في بعض الغرف وأنا أتفرج

ص: 195


1- الحمة: وزن ثبتة - الأبرة يضرب بها لازنبور والحية ونحو ذلك أو يلدغ بها وتاؤها عوض عن اللام المحذوفة لأن أصلها حمو، أو حمي

الحديقة وأطرافها، فإذا أنا بفوارس قد ظهروا من جانب البر قاصدي الحديقة، يقدمهم رجل ذو بهاء و جمال و جلال، وغاية من المهابة ، يعلم من ذلك أنه سيدهم، فدخلوا الحديقة، ونزلوا من خيولهم وخلوا سبيلها، وتوسطوا القصر فتصدر السيد وجلس الباقون متأدبين حوله.

ثم أحضروا الطعام، فقال لهم ذلك السيد: أن لنا في هذا اليوم ضيفا في الغرفة الفلانية ولا بد من دعوته إلي الطعام فجاء بعضهم في طلبي فخفت وقلت: اعفني من ذلك، فأخبر السيد بذلك، فقال : اذهبوا بطعامه إليه في مكانه ليأكله، فلما فرغنا من الطعام، أمر بإحضاري وسألني عن قصتي، فحكيت له القصة، فقال: أتحب أن ترجع إلي أهلك ؟ ، قلت: نعم، فأقبل علي واحد منهم، وأمره بإيصالي إلي أهلي، فخرجت أنا وذلك الرجل من عنده .

فلما سرنا قليلا قال لي الرجل: انظر فهذا سور بغداد! فنظرت إذا أنا بسوره وغاب عني الرجل، فتفطنت من ساعتي هذه، وعلمت أني لقيت سيدي ومولاي (عليه السلام)، ومن سوء حظي حرمت من هذا الفيض العظيم، فدخلت بلدي وبيتي في غاية من الحسرة والندامة(1)

ص: 196


1- راجع جنة المأوي، ص259-260.

الحكاية السادسة والخمسون: ماء الهندباء..

نقل السيد الجليل المقدم السيد فضل الله الراوندي في كتاب الدعوات عن بعض الصالحين أنه قال:

صعب علي في بعض الأحايين القيام لصلاة الليل، وكان احزنني ذلك، فرأيت صاحب الزمان (عليه السلام) في النوم، وقال لي:

«عليك بماء الهندباء، فإن الله يسهل ذلك عليك ».

قال: فأكثرت من شربه فسهل ذلك عليّ(1)

ص: 197


1- راجع الدعوات (الراوندي): ص156، ح 424.

الحكاية السابعة والخمسون: الذي أمر أن أعطيك فقد أمرني بالتوقف..

نقل سماحة العلامة السيد عباس المدرسي (دام ظله):

ذهبتُ برفقة والدي المرحوم إلي لقاء العالم الرباني آية الله السيد حجت قدس سره في منزله الكائن خلف مدرسة الحجية بقم المقدسة سنة (1202 ه-)، فحكي لنا السيد حجت قصة وقعت له في أيام دراسته قائلا: «كنت في فقر مُدقَع وضيق مالي شديد إلي درجة لم أحصل أنا وزوجتي وأطفالي ما نأكله قدر الحاجة الطبيعية».ذات يوم حينما عزمت علي الخروج إلي الدرس قالت لي زوجتي: يا سيد .. ليس لدينا اليوم أي شيء من الطعام علي الإطلاق ، أنزلت رأسي خجلا وودعتها إلي الدرس ولما عدت إلي المنزل وجدت الوضع مؤلما للغاية . فدخلتُ غرفتي وصليت ركعتين هدية إلي سيدي ومولاي الإمام الحجة (عليه السلام). ثم قلتُ مخاطبا إياه : سيدي... لمن نحن ندرس ونتعلم وندرس ونتعلم ألسنا طلاب مدرستك. ألسنا جنود نهضتك؟، إذا كنا كذلك فاعنا علي لقمة العيش كي نواصل طريقك.

ساعة وإذا بطرقة علي باب المنزل، ذهبتُ وفتحتُ الباب ، سلم علي

ص: 198

الطارق وسلمني ظرفا وقال: كل شهر مثل هذا اليوم آتيك بمثله ولا تُخبِر أحدا وفي أمان الله!.

مشي ولم أستطع أن أكلمه بسبب التعجب والسرور والبهجة الغالبة . دخلتُ المنزل وفتحت الظرف إمام زوجتي وكان فيه من المال ما يسد حاجة العوائل المرفهة في شمال طهران!

صرنا بذلك المال نشتري جميع حوائجنا المنزلية ويبقي منه فائضا علي الحاجة! وكما أخذ مني العهد لم أصرح بهذا الأمر الغريب لأحد ، حتي جاء علي وعده بعد شهر فقدم لي ظرفا آخر. واستمر هذا الكرم شهران آخران حتي سألته: هل من الممكن أن أعرف اسمكم الشريف ؟ ، قال: إسمي الحاج (...) وعنواني: الطابق (...) الغرفة رقم (...) من العمارة التجارية رقم (...) في سوق طهران ذات يوم كنت جالسا مع شقيق زوجتي وهو العالم الكبير آية الله الشيخ مرتضي الحائري ( رحمه الله). ابن المرجع الشيخ عبد الكريم الحائري مؤسس حوزة قم فبُحتُ له بالسّر.

ثم راحت الأيام حتي اليوم الموعود، حيث كنت أنتظر الرجل فلم يأت.. وانتهي الشهر ولم أره، وبدأ المال ينفذ وينفذ حتي نهاية الشهر الآخر فعادت أيام الضيق وصعوبات الجوع.

تذكر أنه أعطاني عنوانه فلماذا لا أذهب إليه وأستفسر عن سبب

ص: 199

الانقطاع ؟! وهكذا جئته علي العنوان فدخلت عليه الغرفة، سلمت وجلست حتي انتهي الحاضرون من مهامهم وخرجوا

فدنوت منه وسألته عن حاله وكنت أود أن يفاتحني الموضوع بنفسه ولكنه لم يفعل.. ففاتحته به خجلا وقلت: يا حاج.. كنت قد عودتنا علي عطاء سخي وقد انتطرتك حسب الاتفاق في ثلاثة أشهر الأخيرة ، فلم أتشرف باللقاء؟!، خيرا إن شاء الله.

أطرق الرجل رأسه قليلا ثم نظر إلي نظرة الآسفين وقال: إن الذي أمرني أن أعطيك أمرني بالتوقف ! .

سكت الرجل ولم يتكلم أكثر من هذا. هنا عرفت كم قد خسرت من لطف الإمام وكرمه عندما خالفت الشرط (بأن لا أبوح بالسر لأحد ولو كان آية الله الشيخ مرتضي الحائري) (1)

ص: 200


1- قصص وخواطر ..، ص617، قصة رقم 582.

الحكاية الثامنة والخمسون: جاءني الإمام واختارني..

المرحوم السيد غلام رضا الكسائي، من العلماء الزهاد المخلصين ،صهر العلامة الأميني (صاحب الغدير)، أعلي الله مقامهما، قال :

لما كنت طالبا في مدرسة بمدينة تبريز، كان خادم المدرسة رجل مؤدب متواضع ومن أهل التقوي والصلاح، يعمل بوظائفه الفردية والاجتماعية بصدق وإخلاص، وكان ذا روحية عجيبة ، قليل الكلام كثير السعي شديد الكتمان وهو وإن كانت مسؤوليته تنظيف المدرسة لكنه يعين الطلبة في تنظيف حجرهم دون أن ينتظر منهم مكافأة وثمنا ، بل وأحيانا كان يغسل ثيابهم أيضا وإذا رأي أحدهم يريد الذهاب لشراء حاجة تقدم إليه وتوسل منه أن يسمح له بهذه الخدمة وبلغ به الأمر أن كان يملأ إبريق الماء من حوض المدرسة ويحمله إلي بيت الخلاء لئلا يتبعني الطلبة ذلك، وهذا كله لم تكن من وظائفه المخصصة له كخادم للمدرسة، ولكنه كان يقوم بذلك بصفاء النفس وإخلاص النية فيزرع بذلك حبه في قلوب الطلبة ويعلمهم التواضع العلمي.

ذات منتصف ليلة خرجت من حجرتي لإسباغ الوضوء، فرأيت

ص: 201

شيئا عجب! رأيت نورا روحانيا في حجرة الخادم. ولم تكن الكهرباء قد عرفت بعد، حيرني الأمر بشدة، وتقدمت خطوات نحو الحجرة لأكتشف حقيقة ما أري، فلما قربت سمعت كلاما يتردد بين الخادم ورجل آخر.

من جهة لم أكن أود الدخول عليه، ومن جهة قوي حسن الاستطلاع في قلبي، إذ كان ذلك النور يبهتني ويجذبني . فدنوت خطوات أخري حتي وصلت خلف الباب ، فصرت أسمع الخادم يتكلم بصوت خافت، ولكن الطرف الثاني لم أشخص كلامه. وقفت في حيرتي استمع صوتهما دون أن أفهم ما يقولانه، وفجأة انقطع الصوت وذهب النور العجيب ، فلم أصبر طويلا، طرقت الباب فورا .

قال الخادم: من؟.

قلت: أنا (فلان) افتح الباب .

فتح الباب ، فسلمت عليه هل تسمح لي بالدخول؟.

قال : تفضل.

دخلت الحجرة وجلست، ولكن لم أر أحدا غيره، ولم أجد هناك شيئا غير مألوف سألني: هل من أمر؟

قلت: لا، ولكن هل كنت تتكلم مع شخص؟، قل لي الحقيقة ماذا

ص: 202

كان يحدث هنا؟، أخبرني وإلا سوف أنبه الطلبه الآن ليأتوا هنا ويمطروك بأسئلتهم عن واقع الحال !.

قال: أحكي لك ما جري هذه الليلة، بشرط أن لا تحكيه لأحد.

قلت: قبلت الشرط.

قال : أنا موجود إلي يوم الجمعة، عاهدني أن لا تظهر سري إلي ظهر يوم الجمعة. وكانت تلك الليلة ليلة الأربعاء، فعاهدته أن لا أفشي سره إلي يوم الجمعة كما حدده لي.

فقال: الحقيقة هي أن سيدي ومولاي الإمام الحجة (عليه أفضل الصلاة والسلام) كان هنا، وكنت بين يديه نتبادل الحديث .

فزاد عجبي وسألته: حول ماذا كان يحدثك الإمام؟.

قال: هناك ثلاث فئات ترتبط بالإمام الحجة (عليه السلام) في عصر الغيبة، كحواريين ذوي درجات. كل فئة أقل عددا من الأخري، الفئة الأقل عددا هي من الدرجة الأولي في القرب والاعتماد، وهكذا الطبقة الثانية والثالثة.

هذه الفئات الثلاثة من حيث الناحية المعنوية والباطنية علي شكل حلقات متداخله وعندما يموت واحد من هؤلاء يختار مكانه

ص: 203

الإمام (عليه السلام) واحدا من الطبقة التي تليها ويحل مكانه واحد من الطبقة الأخري ترفيعا لمقام كل من أصلح نفسه من الطبقات الشيعية العامة . تبعا لمستوي التقوي والفضائل الأخلاقية والحالة الروحية التي اكتسبها الفرد وهيأ نفسه بها من قبل.

فأنا في يوم الجمعة، حيث يموت شخص من الطبقة الثالثة، جاءني الإمام (روحي فداه) واختارني لأداء المهام في مكانه .

وهنا انتهي كلام الخادم ولم يقل شيئا وأنا غدوت مندهشا، خرجت من الحجرة بدهشتي وكانت حالتي عجيبة، مشاهدتي لذلك النور وسماعي لهذه القصة قد أحدثا في وجودي طوفانا لا أستطيع وصفه . لم أستقر نفسيا، صرت أقول لنفسي: إن رجلا كنا ننظر إليه بعين عادية وأنه خادم لا قيمة له، هو صاحب مقام ومنزلة وسعادة، يزوره الإمام الحجة (عليه السلام) بنفسه، ويدعوه إلي درجة خواصه!

يا لها من عظمة خفية وكمال معنوي شامخ ! لقد أحدثت هذه القضية تموجات في باطني، فلم أتمكن من النوم تلك الليلة ولا حتي القيام بالعبادة.

وحيث أصبحت بدأت أراقب الخادم، رأيته خرج من حجرته كعادته اليومية وبرزانة ووقار معهود، فأخذ يعمل دون أن يري علي

ص: 204

ظاهره ما يدعو إلي استغراب ، أما أنا فقد كنت قلقا في تفكيري ومضطربا في نفسيتي.

ومر يوم الخميس أيضا كيوم الأربعاء بالطريقة نفسها، ولم أجعله يفلت من عيني فقد كان يكنس المدرسة وينظف ويشتري للطلبة ما يحتاجونه، حتي أنني لما أردت أملي الإبريق ماء أسرع نحوي وطلب أن يقوم بذلك بدلا عني، فما سمحت له وقلت له لن أسمح لنفسي التجاسر علي مقامك بعد هذا، أنت سيدي وأنا خادمك، ولولا أني عاهدتك أن لا أفشي سرك لأعلنت للطلبة عن مقامك الرفيع.

وعند سحر الجمعة، بدأ (الخادم) يعمل، وكانت حالتي عجيبة، لأن ساعة موعده اقتربت وازددت مراقبة له واشتد في قلبي حب الاستطلاع لحاله فقد حضر اليوم الموعود، ماذا سوف يحدث يا تري؟!

رأيته خرج من حجرته مع طلوع الشمس، فبدا بعمله اليومي في المدرسة، ثم أخذ يغسل ثيابه وينشرها في الشمس وغسل حذاءه أيضا ووضعه جانبا. وعند الزوال جمع ثيابه وأخذ حذاءه ، ثم ربط ظهره بازار واغتسل في حوض المدرسة.

وكان الجو حارا، والطلبة في عطلة، أكثرهم خرجوا من أول الصباح إلي زيارة أقاربهم. والقليل منهم في الحجر أو ساحة المدرسة

ص: 205

مشغولون بأمورهم، وكنت أحسب الدقائق باضطراب نفسي شديد ، عيني لم تنحرف عن مشاهدة الخادم، إنها اللحظات الأخيرة من سفرة مدهشة للغاية، فقد جعلت نظراتي حادة تلاحقه بدقة، أريد أن أكتشف ماذا سيحدث ساعة موعده مع الإمام الحجة (عليه السلام) كيف ينتقل من عندنا ليلتحق بالصفوة المقربين للإمام (عليه السلام)؟

رأيته خرج من الحوض، ووقف في الشمس حتي نشف جسمه، ثم لبس ثيابه وحذاءه وأخذ ينتظر كالمسافر المشتاق ! وعند أذان الظهر ، ومع الكلمة الأولي للآذان (الله أكبر) فجأة غاب عن عيني، فقمت كالمدهوش أبحث عنه ولكن لم أجد له أثرا..

شخص كان بين أيدينا قبل لحظات، كان جالسا عند الحوض، وكان من أول الصباح إلي أول الزوال تحت نظري الفاحص، كيف غاب هكذا يا إلهي ؟!

جئت مسرعا عند حوض المدرسة، وأخذت أنادي، فخرج بعض الطلبة ليروا ما القضية، فجاؤوا وسألوني ما المشكلة؟، أفهل اعتراك جنون؟.

قلت: أكثر من الجنون أيها الإخوة، سألوني مستغربين: ماذا تقول؟، قلت: أيناختفي الخادم؟، قال: أي خادم؟، قلت: خادم مدرستنا

ص: 206

الرجل الذي كان يتفاني في خدمتنا .

نظروا حولهم وفتشوا ثم قالوا: غير موجود فلعله ذاهب إلي السوق أو صلاة جماعة. قلت: أبدا، إنه الآن التحق بالإمام الحجة (عليه السلام) فقد أصبح من أصحابه المقربين من هذه الساعة .

سألوني: ما القصة؟.

فشرحتها لهم من بدئها في ليلة الأربعاء حتي اختفائه قبل ساعة . فشاركوني في الدهشة، وكان الحق كذلك، دهشة تحاكي دهشة، وهكذا لم ير أحد منا بعد ذلك أثرا للخادم ولا تكرار لرؤيته .

يقول ناقل هذه القصة وهو المرجع الورع سماحة الشيخ وحيد الخراساني (دام ظله العالي) الذي حكاها في يوم (21 من شعبان / 1404ه-)، لطلبته في حوزة قم المقدسة أنه سمعها قبل أربعين سنة من المرحوم غلام رضا الكسائي نفسه من دون واسطة. وقد كان رجلا في درجة عالية من الصدق والتقوي والعدالة. وأضاف الشيخ أن السيد الكسائي لما نقل له القصة قال: لقد مرت أربعون سنة علي الحادثة ولم أجد للخادم أثرا(1)

ص: 207


1- قصص وخواطر، ص702، قصة رقم 644.

الحكاية التاسعة والخمسون: لا تحزن سيعطيك الله كليهما..

ذكر في البحار قال:

أخبرني به جماعة من أهل الغري علي مشرفة السلام أن رجلا من أهل قاشان أتي إلي الغري متوجها إلي بيت الله الحرام، فاعتل علة شديدة حتي يبست رجلاه، ولم يقدر علي المشي، فخلفه رفقاؤه وتركوه عند رجل من الصلحاء كان يسكن في بعض حجرات المدرسة المحيطة بالروضة المقدسة، وذهبوا إلي الحج.

فكان هذا الرجل يغلق الباب كل يوم، ويذهب إلي الصحاري للتنزه ولطلب الدراري التي تؤخذ منها، فقال له في بعض الأيام: إني قد ضاق صدري واستوحشت من هذا المكان ، فاذهب بي اليوم واطرحني في مكان واذهب حيث شئت.

قال: فأجابني إلي ذلك، وحملني وذهب بي إلي مقام القائم (صلوات الله عليه) خارج النجف فأجلسني هناك، وغسل قميصه في الحوض وطرحها علي شجرة كانت هناك، وذهب إلي الصحراء، وبقيت وحدي مغموما أفكر فيمايؤول إليه أمري.

ص: 208

فإذ أنا بشاب صبيح الوجه، أسمر اللون، دخل الصحن وسلم علي وذهب إلي بيت المقام، وصلي عند المحراب ركعات بخضوع وخشوع لم أر مثله قط ، فلما فرغ من الصلاة خرج وأتاني وسألني عن حالي، فقلت له: ابتليت ببلية ضقت بها لا يشفيني الله فأسلم منها، ولا يذهب بي فأستريح منها، فقال : لا تحزن سيعطيك الله كليهما، وذهب .

فلما خرج رأيت القميص وقع علي الأرض، فقمت وأخذت القميص وغسلتها وطرحتها علي الشجر، فتفكرت في أمري وقلت: أنا كنت لا أقدر علي القيام والحركة، فكيف صرت هكذا؟، فنظرت إلي نفسي فلم أجد شيئا مما كان بي، فعلمت أنه كان القائم (صلوات الله عليه)، فخرجت فنظرت في الصحراء فلم أر أحدا، فندمت ندامة شديدة.

فلما أتاني صاحب الحجرة، سألني عن حالي وتحير في أمري فأخبرته بما جري فتحسر علي ما فات منه ومني، ومشيت معه إلي الحجرة.

قالوا: فكان هكذا سليما حتي أتي الحاج ورفقاؤه ، فلما رآهم وكان معهم قليلا، مرض ومات، ودفن في الصحن، فظهر صحة ما أخبره (عليه السلام) من وقع الأمرين معا.

ص: 209

الحكاية الستون: ضربتها في صفين..

ومن ذلك ما نقله عن بعض أصحابنا الصالحين من خطة المبارك ما صورته: عن محيي الدين الأربلي أنه حضر عند أبيه ومعه رجل فنعس فوقعت عمامته عن رأسه، فبدت في رأسه ضربة هائلة، فسأله عنها، فقال له: هي من صفين، فقيل له: وكيف ذلك ووقعة صفين قديمة ، فقال: كنت مسافرا إلي مصر فصاحبني إنسان من غزة فلما كنا في بعض الطريق تذاكرنا وقعة صفين.

فقال لي الرجل: لو كنت في أيام صفين لرويت سيفي من علي وأصحابه، فقلت: لو كنت في أيام صفين لرويت سيفي من معاوية وأصحابه، وهنا أنا وأنت من أصحاب علي (عليه السلام) ومعاوية لعنه الله فاعتركنا عركة عظيمة، واضطربنا فما أحسست بنفسي إلآ مرميا لما بي .

فبينما أنا كذلك وإذا بإنسان يوقظني بطرف رمحه، ففتحت عيني فنزل إلي ومسح الضربة فتلاءمت، فقال: البث هنا، ثم غاب قليلا وعاد ومعه رأس مخاصمي مقطوعا والدواب معه، فقال لي: هذا رأس عدوك، وأنت نصرتنا فنصرناك، ولينصرن الله من نصره ، فقلت: من

ص: 210

أنت؟، فقال: فلان بن فلان يعني صاحب الأمر (عليه السلام) ثم قال لي: وإذا سئلت عن هذه الضربة، فقل ضربتها في صفين(1)

ص: 211


1- البحار، ج52، ص 75.

الحكاية الحادي والستون: قم يا حسين..

كان هناك رجل يدعي حسين المدلل، ساكن في دار ملاصقة جدران الحضرة الشريفة، وهو مشهور بالمشهد الشريف الغروي (عليه السلام)، وكان الرجل له عيال وأطفال.

فأصابه فالج، فمكث مدة لا يقدر علي القيام وإنما يرفعه عياله عند حاجته وضروراته، ومكث علي ذلك مدة مديدة، فدخل علي عياله وأهله بذلك شدة شديدة واحتاجوا إلي الناس واشتد عليهم الناس.

فلما كان سنة ( 720ه-) في ليلة من لياليها بعد ربع الليل أنبه حسين المدلل عياله، فانتبهوا في الدار والسطح قد امتلا نورا يأخذ الأبصار فقالوا: ما الخبر ؟، فقال: إن الإمام (عليه السلام) جاءني وقال لي: قم يا حسين ، فقلت: يا سيدي أتراني أقدر علي القيام؟، فأخذ بيدي وأقامني، فذهب ما بي وها أنا صحيح علي أتم ما ينبغي، وقال لي: هذا الساباط دربي إلي زيارة جدي فأغلقه في كل ليلة فقلت: سمعا وطاعة الله ولك يا مولاي.

فقام الرجل وخرج إلي الحضرة الشريفة الغروية وزار الإمام (عليه

ص: 212

السلام) وحمد الله تعالي علي ما حصل له من الإنعام، وصار هذا الساباط المذكور إلي الآن ينذر له عند الضرورات فلا يكاد يخيب ناذره من المراد ببركات الإمام القائم (عليه السلام).

ص: 213

الحكاية الثانية والستون: الإمام (عليه السلام) يشفيه من الفالج..

ومن ذلك بتاريخ صفر سنة (759ه-) حكي لي المولي الأجل الأمجد ، العالم الفاضل، القدوة الكامل، المحقق المدقق، مجمع الفضائل، ومرجع الأفاضل،افتخار العلماء في العالمين، كمال الملة والدين، عبد الرحمان ابن العماني، وكتب بخطه الكريم، عندي ما صورته:

قال العبد الفقير إلي رحمة الله تعالي عبد الرحمان بن إبراهيم القبائقي: إني كنت أسمع في الحلة السيفية حماها الله تعالي أن المولي الكبير المعظم جمال الدين ابن الشيخ الأجل الأوحد الفقيه القارئ نجم الدين جعفر بن الزهدري كان به فالج، فعالجته جدته لأبيه بعد موت أبيه بكل علاج للفالج، فلم يبرأ

فأشار عليها بعض الأطباء ببغداد فأحضرتهم فعالجوه زمانا طويلا فلم يبرأ، وقيل لها: ألا تبيتينه تحت القبة الشريفة بالحلة المعروفة بمقام صاحب الزمان (عليه السلام) لعل الله تعالي يعافيه ويبرئه، ففعلت وبيتته تحتها، وإن صاحب الزمان (عليه السلام) أقامه وأزال عنه الفالج.

ص: 214

ثم بعد ذلك حصل بيني وبينه صحبة حتي كنا لم نكد نفترق، وكان له دار المعشرة ، يجتمع فيها وجوه أهل الحلة وشبابهم وأولاد الأماثل منهم، فاستحكيته عن هذه الحكاية، فقال لي: إني كنت مفلوجا وعجز الأطباء عني، وحكي لي ما كنت أسمعه مستفاضا في الحلة من قضيته، وإن الحجة صاحب الزمان (عليه السلام) قال لي: وقد أباتتني جدتي تحت القبة: قم! فقلت: يا سيدي لا أقدر علي القيام منذ سنتي، فقال : قم بإذن الله تعالي، وأعانني علي القيام، فقمت وزال عني الفالج، وانطبق علي الناس حتي كادوا يقتلونني، وأخذوا ما كان علي من الثياب تقطيعا وتنتيفا يتبركون فيها، و كساني الناس من ثيابهم، ورحت إلي البيت، وليس بي أثر الفالج، وبعثت إلي الناس ثيابهم، وكنت أسمعه يحكي ذلك للناس (ولمن يستحكيه مرارا حتي مات رحمه الله)...(1)

ص: 215


1- بحار الأنوار، ج52، ص73.

الحكاية الثالثة والستون: الإمام (عليه السلام) يرد عليها بصرها..

نقل عن الشيخ المحترم العامل الفاضل شمس الدين محمد بن قارون، قال: كان من أصحاب السلاطين المعمر بن شمس يسمي مذور، يضمن القرية المعروفة ببرس، ووقف العلويين، وكان له نائب يقال له: ابن الخطيب ، وغلام يتولي نفقاته يدعي عثمان، وكان ابن الخطيب من أهل الصلاح والإيمان بالضد من عثمان وكانا دائما يتجادلان.

فاتفق أنهما حضرا في مقام إبراهيم الخليل (عليه السلام) بمحضر جماعة من الرعية والعوام فقال ابن الخطيب لعثمان: يا عثمان الآن اتضح الحق واستبان، أنا أكتب علي يدي من أتولاه، وهم علي والحسن والحسين، واكتب أنت من تتولاه أبو بكر وعمر وعثمان، ثم تشد يدي ويدك، فأيهما احترقت يده بالنار كان علي الباطل، ومن سلمت يده كان علي الحق.

فنكل عثمان، وأبي أن يفعل، فأخذ الحاضرون من الرعية والعوام بالعياط عليه. هذا وكانت أم عثمان مشرفة عليهم تسمع كلامهم فلما

ص: 216

رأت ذلك لعنت الحضور الذين كانوا يعيطون علي ولدها عثمان وشتمتهم وتهددت وبالغت في ذلك فعميت في الحال ! فلما أحست بذلك نادت إلي رفائقها فصعدن إليها فإذا هي صحيحة العينين، لكن لا تري شيئا، فقادوهاوأنزلوها، ومضوا بها إلي الحلة وشاع خبرها بين أصحابها وقرائبها وترائبها فأحضروا لها الأطباء من بغداد والحلة، فلم يقدروا لها علي شيء.

فقال لها نسوة مؤمنات كن أخدانها: إن الذي أعماك هو القائم (عليه السلام) فإن تشيعتي وتوليتي وتبرأتي ضمنا لك العافية علي الله تعالي، وبدون هذا لا يمكنك الخلاص، فأذعنت لذلك ورضيت به، فلما كانت ليلة الجمعة حملنها حتي أدخلنها القبة الشريفة في مقام صاحب الزمان (عليه السلام) وبتن بأجمعهن في باب القبة.

فلما كان ربع الليل فإذا هي قد خرجت عليهن وقد ذهب العمي عنها، وهي تقعدهن واحدة بعد واحدة وتصف ثيابهن وحليهن، فسر رن بذلك، وحمدن الله تعالي علي حسن العافية، وقلت لها: كيف كان ذلك؟.

فقالت: لا جعلتني في القبة وخرجتن عني أحسست بيد قد وضعت علي يدي، وقائل يقول: أخرجي قد عافاك الله تعالي، فانكشف العمي عني ورأيت القبة قد امتلأت نورا ورأيت الرجل

ص: 217

فقلت له: من أنت يا سيدي؟، فقال : محمد بن الحسن، ثم غاب عني، فقمن وخرجن إلي بيوتهن وتشيع ولدها عثمان وحسن اعتقاده واعتقاد أمه المذكورة، واشتهرت القصة بين أولئك الأقوام ومن سمع هذا الكلام واعتقد وجود الإمام (عليه السلام) وكان ذلك في سنة أربع وأربعين وسبعمائة ( 744ه)(1)

ص: 218


1- البحار، ج 52، ص 71-72-73.

الحكاية الرابعة والستون: إنه من فضلنا أهل البيت (عليهم السلام)..

قبل خمسين عاما تقريبا سافر العالم التقي الشيخ النمازي إلي حج بيت الله الحرام في حملة في إيران. ولم تكن في ذلك الزمان وسيلة من الوسائل الحديث للنقل إلا حافلات الباص.

يقول سماحة الشيخ غفاريان ( حفظه الله) تحركت الحافلة بركابهاالأربعين شخصا تقريبا، ففي الطريق بين مكة والمدينة ضيع السائق طريق مكة، فزج بالحافلة في طريق صحراوي وعير حتي نفد وقودها وغرست إطاراتها في التراب . فلم يروا من جهاتهم الأربع أثرا يدلهم إلي مكة المكرمة. تحيروا في أمرهم وراحوا يندبون إلي الله تعالي واستمرت هذه الحاله بهم إلي حدود أسبوع، حتي نفد زادهم (الماء والطعام) وأوشكوا علي الموت الذي كانوا يرونه بالقرب منهم فأخذوا يحفرون قبورا لأنفسهم لكي يناموا فيها عند الإحساس بالنهاية .

وفي هذه اللحظات المأساوية تذكر الشيخ النمازي لماذا لم يتوسل بالمنقذ الموعود الحجة بن الحسن المهدي (عليه السلام) فقام باستنهاض الإمام وأخذ في حضور الجمع اليائس يدعو وتيضرع ويقسم علي الله

ص: 219

تعالي بحق القائم من آل محمد، ثم استولي عليهم الضعف فافتر شوا الأرض، ساعة بعد ذلك وإذا الشيخ يري بعيرا عليه ورجالا، ومن بينهم رجل وسيم متميز بنورانيته عن الباقين، فجاؤوا حتي بلغوا عندنا . فتقدم الشيخ النمازي إلي ذلك الرجل وسأله! هل أنتم من هذه المناطق ؟ .

فأجابه الرجل: نعم، أيها الشيخ النمازي - هكذا سماه باسمه ولكن الشيخ لم يدرك ! فسأله الشيخ: إن كنت تعرف الطريق أرشدنا أيها العربي فقد تهنا في هذه الصحراء تيها أوشكنا علي الموت كما تري حالنا.

فقال الرجل: لا بأس عليكم، ولكن أولا كلوا واشربوا مما عندنا .

يقول الشيخ النمازي: فأكلنا من التمر وشربنا من الماء حتي استعدنا قوانا البدنية ثم أمرنا أن نركب حافلتنا المعطلة. فركبنا جميعا ونادي الرجل (العربي) سائقنا باسمه: تعالي وقد سيارتك لأدلك الطريق . فجلس الرجل بيني وبين السائق وقال له: شغل. فشغلها و تحركت السيارة دون أن نتذكر أن السيارة خالية من الوقود وغارسة في التراب !

فما تحركنا من ذلك المكان حتي ارتفعت أصوات الركاب بالصلاة علي محمد وآل محمد. ولم يكن أحد منا يعرف عمق الحالة هذه

ص: 220

وشخصية الرجل هذا، أخذنا إلي طريق مكة ورأينا سيارات أخري في الطريق ولكن طلب أن نعيده إلي بعيره وأصحابه فرجعنا وكنت أشكره علي إحسانه وإنقاذه لنا. وهو أخذ يسألني كيف حال الخراسانيين وأوضاع الزراعة والزراع؟، فأجيبه: جيده ولله الحمد. فكلما كنت أقول هذا في جوابه كان يعلق قائلا: إنه من فضلنا أهل البيت. إلي أن سأل كيف حال الحاج الشيخ حسين ؟، وهو المرجع الديني اليوم المعروف بالوحيد الخراساني. فقد كان في ذلك الزمان شابا يرتقي المنبر الحسيني في مناطق من خراسان..

فقلت له: تقصد الشيخ وحيد؟ .

قال: نعم، ذلك الخطيب الحسيني .

قلت: صحته جيده ولله الحمد.

قال: إنه موضع تأييدنا.

وإلي هنا يقول الشيخ لم أدرك شخصية الرجل العربي هذا رغم أسئلته العجيبة الدالة علي معرفته بنا واهتمامه بأوضاعنا.

فلما وصلنا إلي أصحابه ودعنا وقال : لقد عرفتم الطريق فارجعوا إليه. رجعنا بعض المسافة وفجأة تذكرت من يمكن أن يكون هذا

ص: 221

الرجل؟، أين عرف هذا الصحاري من قضايانا وأسمائنا؟!. .

فرجعنا لأسأله عن اسمه فلم نجد له أثرا في امتداد أنظارنا، هناك أدركت أنه لم يكن سوي الإمام المهدي (عليه السلام) وقد كان معنا وإلي جنبنا ويحدثنا ونحن نجهله رغم كل القرائن والعلامات والإشارات، خاصة كلمته التي كان يكررها (هذا من فضلنا أهل البيت).

وهكذا لما عرفنا حقيقة الأمر جلسنا مكاننا وبكينا نادبين الإمام وشاكرين ربنا سبحانه علي تلك النعمة العظيمة(1)

ص: 222


1- قصص و خوطر..، ص711، قصة رقم 646.

الحكاية الخامسة والستون: بعد ستة وعشرين سنة تموت..

في كتاب إثبات الهداة بالنصوص والمعجزات للشيخ المحدث الجليل محمد بن الحسن الحر العاملي ( رحمه الله) قال: قد أخبرني جماعة من ثقات الأصحاب أنهم رأوا صاحب الأمر (عليه السلام) في اليقظة، وشاهدوا منه معجزات متعددات، وأخبرهم بعدة مغيبات ، ودعا لهم بدعوات مستجابات، وأنجاهم من أخطار مهلكات.

قال رحمه الله: كنا جالسين في بلادنا في قرية مشغرا في يوم عيد ، ونحن جماعة من أهل العلم والصلحاء، فقلت لهم: ليت شعري في العيد المقبل من يكون من هؤلاء حيا ومن يكون قد مات ؟، فقال لي رجل كان اسمه «الشيخ محمد» وكان شريكنا في الدرس: أنا أعلم أني أكون في عيد آخر حيا وفي عيد آخر حيا وعيد آخر إلي ستة وعشرين سنة، وظهر منه أنه جازم بذلك من غير مزاح، فقلت له: أنت تعلم الغيب ؟، قال: لا، ولكني رأيت المهدي (عليه السلام) في النوم وأنا مريض شديد المرض، فقلت له: أنا مريض وأخاف أن أموت، وليس لي عمل صالح ألقي الله به، فقال (عليه السلام): لا تخف فإن الله تعالي

ص: 223

يشفك من هذا المرض، ولا تموت فيه بل تعيش ستا وعشرين سنة ، ثم ناولني كأسا كان في يده فشربت منه وزال عني المرض وحصل لي الشفاء، وأنا أعلم أن هذا ليس من الشيطان.

فلما سمعت كلام الرجل كتبت التاريخ: وكان سنة الف وتسعة وأربعين (1049ه-)، ومضت لذلك مدة (طويلة)، وانتقلت إلي المشهد المقدس سنة ألف واثنين وسبعين، فلما كان السنة الأخيرة وقع في قلبي أن المدة قد انقضت فرجعت إلي ذلك التاريخ وحسبته فرأيته قد مضي منه ست وعشرون سنة، فقلت: ينبغي أن يكون الرجل مات.

فما مضت إلا مدة نحو شهر أو شهرين حتي جاءتني كتابة من أخي - وكان في البلاد - يخبرني أن الرجل المذكور مات(1)

ص: 224


1- إثبات الهداة، الحر العاملي، ج7، ص 382.

الحكاية السادسة والستون: طاهر وضيق العيش..

كان هناك شخص صالح ومتقي يدعي محمد طاهر النجفي وكان خادما في مسجد الكوفة لسنوات ويسكن هناك مع عياله، ويعرفه أغلب أهل العلم في النجف الأشرف الذين يتشرفون إلي هناك، وكان محمد طاهر النجفي فاقد البصر ومبتلي بحاله، وقد نقل ذلك العالم هذه القضية عنه في ذلك المسجد الشريف ، قال :

قبل سبع أو ثمان سنوات ولعدم مجيء الزوار وذلك للمعارك بين طائفتي الزكرت والشمرت في النجف مما سبب انقطاع مجيء أهل العلم إلي هناك، فصارت حياتي مرة لأن معاشي كان منحصرا بين هاتين الطائفتين، مع كثرة عيالي وتكفلي بعض الأيتام أيضا، ففي ليلة جمعة لم يكن شيء عندنا نقتات به، وكان الأطفال يئنون من الجوع ، فضاق صدري جدا، وكنت غالبا منشغلا ببعض الأوراد والختوم ولكن في تلك الليلة ولشدة سوء حالتي جلست مستقبلا القبلة بين محل السفينة وهو المكان المعروف بالتنور، وبين دكة القضاء، وشكوت حالي إلي القادر المتعال مظهرا رضاي بتلك الحالة من الفقر

ص: 225

ومضطربا وقلت: ليس من الصعب أن تريني وجه سيدي ومولاي، ولا أريد شيئا آخر، فإذا أنا أري نفسي واقفا علي قدمي وبيدي سجادة بيضاء ويدي الأخري بيد شاب جليل القدر تلوح منه آثار الهيبة والجلال لابسا نفيسا يميل إلي السواد، فتصورت في البداية أنه أحد السلاطين، ولكن كانت علي رأسه المبارك عمامة وقريبا منه شخص آخر لابسا لباسا أبيض، وفي ذلك الحال مشينا إلي جهة الدكة قريب المحراب ، فعندما وصلنا هناك قال ذلك الشخص الجليل الذي كانت يدي بيده : يا طاهر أفرش السجادة .

ففرشتها، ورأيتها بيضاء تتلألأ ولم أعرف ماهيتها وقد كتب عليها بخط واضح، وقد فرشتها باتجاه القبلة مع ملاحظة الانحراف الموجود في المسجد، فقال: كيف فرشتها؟، ففقدت الشعور لهيبته ودهشته وقلت بدون شعور: فرشتها بالطول والعرض.

فقال : من أين أخذت هذه العبارة؟.

قلت: أخذت هذا الكلام من الزيارة التي كنت أزور بها القائم (عجل الله فرجه).

فتبسم في وجهي وقال: لك القليل من الفهم.

فوقف علي تلك السجادة وكبر تكبيرة الصلاة وإذا بنوره وبهائه

ص: 226

يزداد من فوره فصار كالخيمة حوله بحيث لا يمكن النظر إلي وجهه المبارك ! ووقف ذلك الشخص خلفه (عليه السلام) متأخرا عنه بأربعة أشبار ، فصلي الاثنان وكنت واقفا أمامها، فوقع في نفسي شيء من أمره، وفهمت من ذلك أن هذين الشخصين ليسا كما ظنت، فلما فرغا من الصلاة، لم أر ذلك الشخص الثاني، ورأيته (عليه السلام) علي كرسي مرتفعا ارتفاع أربعة أذرع تقريبا، له سقف وعليه من النور ما يخطف البصر، فالتفت لي وقال: يا طاهر ! أي سلطان من السلاطين كنت تظنني؟.

قلت : يا مولاي، أنت سلطان السلاطين، وسيد العالم ولست أنت من أولئك .

قال: يا طاهر قد وصلت إلي بغيتك فما تريد؟، ألم نكن نرعاك كل يوم، ألم تعرض أعمالك علينا؟.

وواعدني بحسن الحال، والفرج عن ذلك الضيق، فدخل في هذا الحال شخص إلي المسجد من طرف صحن مسلم أعرفه بشخصه واسمه، وكانت له أعمال سيئة، فظهرت أثار الغضب عليه (عليه السلام) والتفت إليه بوجهه المبارك، وظهر العرق الهاشمي في جبهته ، وقال : يا فلان! إلي أين تفر؟، لأرض لسنا فيها، أم لسماء لسنا فيها؟!، فأحكامنا تجري فيها ولا طريق لخلاصك من ذلك إلا أن تكون تحت أيدينا.

ص: 227

ثم التفت إلي وتبسم وقال : يا طاهر ! وصلت إلي بغيتك، فما تريد؟ فلم أقدر أن أتكلم لهيبته (عليه السلام) ولما اعتراني من الحيرة من جلاله وعظمته، فأعاد علي ذلك الكلام مرة أخري، واعتراني من شدة الحال ما لا يوصف، فلم أقدر علي الجواب والسؤال منه، فلم يمض أكثر من طرفة عين حتي رأيت نفسي وحدي وسط المسجد ولا يوجد أحد معي، فنظرت إلي جهة المشرق فرأيت الفجر قد طلع .

قال الشيخ طاهر : فمع أني كنت عدة سنوات أعمي وقد انسدت كثيرا من طرق المعاش علي والتي كان أحدها خدمة العلماء والطلاب الذين يتشرفون هناك، فقد توسع أمر معاشي من ذلك التأريخ حسب وعده (عليه السلام) ولحد الآن - والحمد لله - ولم أقع بصعوبة وضيق.

ص: 228

الحكاية السابعة والستون: لو ذهبت إلي أوروبا وأميركا لما شفيت..

في كتاب القصص العجيبة قال السيد دستغيب:

ذكر السيد حسن برقعي فقال: كنت أتشرف بالصلاة والدعاء مدة طويلة في مسجد صاحب الزمان أرواحنا له الفداء والمسمي بمسجد جمكران وفي ليلة الأربعاء الخامس من ربيعة الثاني من عام 1390 كنت جالسا في مقهي المسجد الذي كان في الواقع دار استراحة المسافرين المارين بقم حيث يجلسون لشرب الشاي والاستراحة قليلا ثم يواصلون السير إلي مقاعدهم و جلس إلي جانبي أحد الأشخاص الذي عرف نفسه بأنه أحمد البهلواني يسكن ضاحية السيد عبد العظيم القريبة من طهران وبعد التحية والسؤال عن الأحوال والصحة والعيال قال: لقد مضت علي أربع سنوات وأنا أزور مسجد جمكران كل أربعاء فقلت له: إن الذي يواصل زيارة مقام صاحب الزمان في هذا المسجد، يحصل علي حاجته ومراده، فهل حصل لك ذلك وكيف؟.

فقال: نعم، لو لم يكن حصل شيء لما فتحت الموضوع، فقلت:حدثني عن ذلك فقال :

ص: 229

قبل عام ونيف وفي إحدي ليالي الأربعاء التي كنت أواظب علي زيارة مسجد جمكران وبسبب ليلة عرس أحد أقربائي لم أتمكن من التشرف بذلك المسجد في تلك الليلة وبقيت في حفلة العرس ولم يكن فيها من المعاصي شيء يذكر سوي الغناء والموسيقي والعشاء ثم رجعت إلي بيتي ونمت في السرير، وفي الصباح حاولت القيام من الفراش فوجدت أنني عاجز عن ذلك وأن ساقي اليمني لا تتحرك أبدا وحاولت أن أستعين بيدي عليها فلم أشعر بوجودها فأصابني الهلع، فناديت زوجتي وقلت لها: إن ساقي لا إحساس فيها، فقالت ربما بسبب البرد، فقلت لها: إنه الصيف يا امرأة وأني مني البرد؟!، وأخيرا قلت الأحد أفراد عائلتي أن يذهب إلي صديقي وجاري المدعو «أصفر أقا»ويصحبه لي فذهب وجاء بجاري فقلت له: إذهب وأت لي بطبيب ، فقال: لا يوجد طبيب في هذه الساعة فقلت له: ليس باليد حيلة ولا بد لك من الذهاب فذهب وجاء بالدكتور شاهرخي الذي كان يسكن في ميدان تمثال السيد عبد العظيم.

في البداية فحص الطبيب قدمي وساقي ثم ضرب علي ركبتي بمطرقة فلم أشعر بأي أذي ولم يكن لها أي رد فعل، فأخذ إبرة من حقيبته وغرزها في باطن قدمي فلم أشعر بأي ألم ثم تركني وقال شيئا في أذن أصفر أقا.

ص: 230

وعلمت بعد ذلك بأنه قال بأنني أصبت بالشلل ومن حسن الحظ أنني لم أصب بالسكتة الدماغية .

ولما أصبح الصباح وأفاق الأولاد ورأوني بهذه الحالة بدأوا بالبكاء والعويل ولما علمت والدتي بذلك جائت وهي تولول وتصرخ وتلطم وجهها وسط لغط وفوضي الحاضرين.

وفي تمام الساعة التاسعة صباحا تعبت من الصياح والنياح فأخذت أبكي وأقول يا صاحب الزمان لقد كنت أتي لخدمتك كل ليلة أربعاء ولم أتقاعس طيلة المدة السابقة إلا ليلة أمس فاشفع لي وارحم حالي واسأل ربك ليشفيني ثم غلبني النوم وفي المنام رأيت سيدا جليلا مهيبا يتقدم إلي وبيده عصا ناولني إياها وقال: قم يا هذا فقلت له روحي لك الفداء، لا أستطيع القيام فأخذ بيدي ورفعني إلي أعلي فاستويت علي قدمي.

وفي هذه الأثناء أفقت من النوم ووجدت نفسي أستطيع تحريك قدمي ثم جلست وحركتها ثم استويت قائما فلم يكن فيها شيء وهي كالعادة قوية سالمة ومن شوقي وفرحي أخذت أدور وأرقص وأدبك برجلي علي الأرض ولكنني خفت أن تراني والدتي علي هذه الصورة فيصيبها مكروه. رجعت إلي السرير وتظاهرت بالنوم ثم جاءت

ص: 231

والدتي فقلت: أعطني عصا ربما أستطيع أن أتحرك وأتوكأ عليها فناولوني العصا فقمت علي قدمي ومشيت قليلا ثم حدثتهم عن قصة رؤياي لصاحب الأمر والزمان (عجل الله فرجه الشريف).

وكيف أنه أشفاني، ثم ناديت أصفر أقا ولما حضر ورآني بذلك لم يصدق والطبيب، وقال: إذا كان هذا صحيحا فلماذا لم يأت إلي بقدميه ولما سمعت ما قاله الطبيب، ذهبت إليه بنفسي وعندما رآني لم يصدق عينيه وأخذ الإبرة وغرزها في قدمي فقفزت من شدة الألم فسألني ماذا فعلت؟، فشرحت له كيف توسلت بصاحب الزمان وأشفاني فقال : إنها إحدي المعاجز وإنك لو ذهبت إلي أوروبا وأمير كا لما كان يكن شفاؤك(1)

ص: 232


1- جنة المأوي، ص 222، قصة رقم 83، الطبعة الأولي.

الحكاية الثامنة والستون: نفر من بني أعمامك..

عند إقامتي في سر من رأي ( سامراء) بت ليالي من ليالي الشتاء في السرداب المقدس وفي آخر الليل سمعت صوت أقدام من أن باب السرداب كان مغلقا فاضطربت إذ ربما كان من المخالفين من أعداء أهل البيت (عليهم السلام) يقصد قتلي، وقد ذابت الشمعة التي كانت معي. وإذا بصوت جميل يقول: سلام عليكم يا سيد، وذكر اسمي فأجبته وقلت من أنتم؟، قال :نفر من بني أعمامك، فقلت: لقد كان الباب مغلقا فمن أين أتيتم، فقال: الله علي كل شيء قدير ، فقلت: من أي بلد. فقال: من الحجاز . ثم قال السيد الحجازي: لماذا تشرفتم في هذا الوقت؟، فقلت: لحوائج، فقال: إنها تقضي ثم أكد علي أمور منها:

1- صلاة الجماعة المطالعة في الفقه والحديث والتفسير .

2- والتأكيد علي صلة الرحم ورعاية حقوق الأساتذة والمعلمين .

3- والتأكيد علي مطالعة وحفظ نهج البلاغة.

4- وحفظ أدعية الصحيفة السجادية، فسألته أن يدعو لي، فرفع

ص: 233

يده ودعا لي قائلا: إليه بحق النبي وآله وفق هذا السيد لخدمة الشرع وأذقه حلاوة مناجاتك وأجعل حبه في قلوب الناس واحفظه من شر وكيد الشياطين سيما الحسد. في أثناء الحديث والكلام قال السيد الحجازي: معي تربة سيد الشهداء (عليه السلام) وهي أصلية من دون خليط ، فأكرمني ببعض المثاقيل منها. ولا زال معي بعضها كما أعطاني خاتم عقيق لا زال معي. وشوهدت أثار عظيمة له. ثم غاب السيد الحجاز بعد ذلك.

هذا ولا يخفي علي ذوي النهي أن هذه الحكايات الثلاثة. قد كتبها السيد قدس سره باللغة الفارسية في رسالتين، أرسلها إلي المؤلف القدير الأستاذ حسن عماد زاده لتطبع في كتابه القيم (المنتقم الحقيقي) الذي يتحدث فيه عن صاحب الأمر (عليه السلام وعجل الله فرجه الشريف) المنتقم الحقيقي لغاصبي حقوق آل محمد (عليهم السلام).

نقلها السيد بقوله: سيد جليل من أهل العلم يقطع بصدقة وسداده وتقواه من أهل بيت الرسالة وآل المرتضي (عليه السلام)، ينقل أنه لما كنت في النجف الأشرف لتحصيل العلوم الدينية وفقه أهل البيت (عليهم السلام).. إلي آخر ما ذكرت لك من القصة الأولي. وإنما أسندت القصص الثلاثة إليه مباشرة، ليقيني أنه هو صاحب الشرف إذ قبل رحلته إلي جوار ربه بأشهر.

ص: 234

وينقل أحد تلامذته: أخبرني أحد فضلاء أصفهان، أن السيد الأستاذ هو صاحب التشرف لأولمزيد من التأكيد أتيته وهو علي سجادة الصلاة في الصحن الشريف فسألته: سيدي هل أنتم صاحب التشرف في الحكايات الثلاثة المذكورة في كتاب (منتقم حقيقي)؟، فقال قدس سره: لا تنقل ذلك للشباب لعدم تحملهم، فقلت سيدي إنما أنقله للخواص من إخواني وتلامذتي فسكت حينئذ وشعرت برضاه . كما سمعت أنه قال لبعض الخواص: لا تنقل الحكايات عني إلا بعد مماتي وإنما أسندها إلي سيد جليل لأن الكتاب طبع سنة (1332 ه-. ش) والآن عام (1369 ه. ش) الموافق (1411 ه. ق) فالحكايات كتبت قبل (37 سنة) أي كان عمر الأستاذ آنذاك (59 سنة) وهذا يعني في بداية زعامته ومرجعيته وأوج حساده وأعدائه الذين ابتلاهم الله بحجاب المعاصرية. فكان من الصعب علي سيدنا الأستاذ أن ينقل القصص عن نفسه حذرا من الأعداء والحساد.

وهناك قرائن في نفس الحكايات تدل وضوح أنه هو صاحب التشرف. كما جاء في وصيته أن توضع تربة حسينية علي صدره احتفظ بها في كفنه وكان يعتز بها. كما يوضع عقيق فيه الأسماء المقدسة الخمسة أصحاب الكساء (عليهم السلام). وآخر فيه أسماء الأربعة عشر معصوما (عليهم السلام)، وقد أهدي له تربه خاصة وخاتم

ص: 235

من صاحب الزمان (عليه السلام) كما ذكرنا سابقا.

كما جاء في وصيته الأولي: وأوصيه بتهذيب النفس والمجاهدات الشرعية فإني نلت به ما نلت، ورزقني ربي الكريم ما لم تره أعين أبناء العصر ولا طرقت أسماعهم ولا سمعت آذانهم، فالحمد لله تعالي علي هذه الموهبة العظيمة والفضل الجسيم. وقد أودعت بعض هذه الأسرار في كتاب مخصوص سميته بسلوة الحزين .

ص: 236

الحكاية التاسعة والستون: أعط هذا الرجل منصب الجندي..

يوجد العديد من الرجال الأتقياء الشرفاء الأفاضل في مدينة دزفول ومن ضمنهم محمد علي جولاكر الدزفولي.

ولهذا الرجل الفاضل الشريف حكاية وقعت له قبل أربعة وعشرين عاما. حيث سمعتها من ثقات أهل دزفول. كما رأيتها في كتاب ( الشمس الطالعة) وكتاب (تأريخ حياة الأنصاري) حيث ينقلون ما يلي:

كان الحاج محمد حسني تبريزي أحد تجار مدينة تبريز المحترمين لا ينجب ولدا وعلي الرغم من مراجعاته المتكررة للأطباء، لكنه لم يرزق بولد أو وريث.

ثم يقول التبريزي: ومن أجل أن أرزق بولد ذهبت إلي النجف الأشرف ومن هناك إلي مسجد السهلة لكي أتوسل إلي الإمام الحجة (عليه السلام). وفي إحدي الليالي وفي عالم المكاشفة. رأيت سيدا مهيبا عظيما أشار إلي ثم قال: إذهب إلي محمد علي جولاكر حتي يستجيب الله دعوتك ويؤمن حاجتك.

ص: 237

وفي اليوم التالي، حزمت أمتعتي وسافرت إلي دزفول وعندما وصلت المدينة وسألت عنه أعطوني عنوان دكانه فذهبت إليه فوجدت رجلا فقيرا حي الضمير مؤمنا بسيطا. فسلمت عليه ورد السلام وقال: وعليكم السلام يا حاج محمد حسن لقد قضيت حاجتك!

فتعجبت منه كيف عرف اسمي؟، وكيف علم بحاجتي لديه؟، ثم رجوته أن أبقي الليل معه فقال: لا مانع عندي.

فدخلت الدكان وجلست عنده حتي المغرب حيث توضأنا وصلينا المغرب والعشاء سوية. وبعد مضي قليل من الليل، أحضر العشاء وكان خبزا ولبنا فأكلنا حتي شبعنا ثم حمدنا الله تعالي علي نعمته ثم نمنا في الدكان. وفي الصباح صلينا الصبح وقرا بعض الأدعية والتعقيبات ثم بدأ عمله في حياكة الكرباس فقلت له: إنني حينما جئت إليك كانت لدي حاجتان عندك، وقد قلت ليلة أمس إن واحدة منهما قد قضيت والحمد لله أما الثانية فهي إني أسألك: ماذا فعلت حتي وصلت إلي هذا المقام المحمود عند الله حيث نصحني الإمام (عليه السلام) أن آتي إلي خدمتك هنا في ذزفول وأنت تعرف اسمي وحاجتي؟!

قال : يا حاج حسن، لماذا تسأل كل هذه الأسئلة؟ .

ص: 238

لقد قلت لك إن حاجتك قضيت، فالأفضل أن تشكر الله تعالي وترجع إلي بيتك. فقلت له: إنني ضيفك وحق الضيف علي صاحب الدار، لذا أرجوك أن تشرح لي حياتك وكيف وصلت إلي هذه الدرجة الرفيعة من الإيمان والمكاشفة؟! وإن لم تفعل فإنني لن أتركك وسوف أبقي معك، فقال: لقد قضيت عمري في حياكة الكرابيس في هذا المحل وكان قبالة دكاني هذا منزل رجل من رجالات الدولة الظالمين، حيث كان يحرس داره جندي طوال الليل والنهار .

وفي أحد الأيام جاءني الجندي وسألني: يا أخ محمد، من أين تشتري وتؤمن غذاءك؟.

فقلت له: إنني أشتري في السنة الواحد مائة (مَن) من الحنطة والشعير وأطحنها وأخبزها وأعيش عليها مدة عام واحد وأنا وحداني لا ولد ولا تلد ولا عائلة لدي.

فقال الجندي: إنني وحيد هنا وليس لي صديق يحفظ سري وأخاف أن آكل من طعام هذا الظالم الذي أخدمه، وإذا لم يكن لديك مانع فأرجوك أن تشتري لي أيضا مائة (مَن) حتي تعطين كل يوم قرصين من الخبز وأكون لك من الشاكرين

فوافقت علي طلبه واشتريت له الشعير والحنطة وكنت أعطيه كل

ص: 239

يوم قرصين من الخبز ليعتاش بهما.

وفي أحد الأيام تأخر ذلك الجندي من موعده ، فذهبت إلي دار الوزير لأسأل عنه فقالوا: مريض، وعندما جلست معه رجوته أن أجلب له طبيبا ليداويه فقال: لا حاجة في بذلك لأنني سوف أذهب في منتصف هذه الليلة، وإذا مت فسوف يأتي شخص إليك ويخبرك عن موتي فتعال هنا وأنجز ما يطلبونه منك أما باقي الطحين فهو لك حلالا تلالاً.

وعندما أبديت رغبتي في البقاء بجانبه في الليل، أبي ذلك فرجعت إلي دكاني،وفي منتصف الليل انتبهت علي طرق باب الدكان وشخص يناديني: أخري يا محمد علي، فخرجت من الدكان ورأيت شخصا لا أعرفه حيث قادني إلي مسجد الحلة فرأيت الجندي مسجي في التابوت وحوله رجلان لا أعرفهما أيضا ثم قالوا لي: ساعدنا لنأخذ الجنازة إلي النهر ونغسلها فحملنا نعش الجندي وذهبنا إلي الجدول القريب من المنطقة وغسلنا الميت وكفناه وقرأنا صلاة الميت عليه ثم جئنا به إلي مقبرة بجانب المسجد فدفناه فيها. ثم رجعت إلي دكاني . وبعد عدة ليال طرق أحدهم باب دكاني ففتحت الباب ورأيت شخصا يقول: يا محمد علي يريدونك فتعال معي. فأطعت أوامره وذهبت مع ذلك الطارق الليلي وسرنا طويلا حتي وصلنا الفلاة وبداية الصحراء وكانت منورة بشكل عجيب وكأنه قد أشرق الصباح. وبعد فترة

ص: 240

وصلنا إلي صحراء النور ( وتقع هذه الصحراء في شمال دزفول) ورأينا عن بعد بعض الأشخاص جالسين يتسامرون ويتحدثون و شخص آخر واقف في خدمتهم.

ولاحظت أن بين تلك الجماعة الجالسة، شخص نوراني مهيب الطلعة حلو الشمائل عظيم الشأن فعلمت أنه صاحب الأمر والزمان (عليه السلام) فأصابتني موجة من الخوف والرهبة وارتجفت أوصالي فكأني ريشةُ في مهب الريح! ثم قال لي ذلك الطارق الليلي: تقدم قليلا يا محمد علي، فأطعته وتقدمت بضع الخطوات ثم قال الشخص الواقف: تقدم أكثر، فتقدمت خطوات أخري.

عند ذالك، قال بقية الله في أرضه (عجل الله فرجه) لأحد أفراده :

أعط هذا الرجل منصب الجندي لما قدمه من خدمة إلي شيعتنا.

فقلت: يا سيدي ومولاي: أنا عامل أكسب عيشي من حياكة الكرابيس فكيف أكون جنديا عسكريا؟، ( وظننت آنذاك بأنهم يريدون أن يستبدلوني بذلك الجندي عند دار الوزير).

فتبسم الرجل العظم وقال: نحن نريد أن نعطي منصب ذلك الجندي لك.

ثم قلت الجواب نفسه بأنني لست جنديا.

فقال - روحي له الفداء - مرة ثالثة : إننا نريد أن نعطيك منصب ذلك

ص: 241

الجندي وليس أن تكون جنديا مثله وسوف تكون مكانه فعلا فاذهب الآن.

رجعت وحدي في ذلك الليل البهيم البارد، وعشت وحدي منذ ذلك الوقت والحمد لله آخذ من سيدي ومولاي بقية الله في أرضه (عليه السلام) الأوامر وأنفذها وحاجتك كانت إحدي تلك الأوامر(1)

ص: 242


1- القاء مع الإمام ..، ص137 ، الطبعة الأولي.

الحكاية السبعون: كرعة والإمام المهدي (عليه السلام)..

نقل العالم المتجر الشيخ أبو الحسن الشريف العاملي في كتاب (ضياء العالمين) عن الحافظ أبي نعيم وأبي علاء الهمداني روي كل منهم بسنده عن ابن عمر انه قال:

قال رسول الله (صلي الله عليه وآله وسلم): «يخرج المهدي من قرية يقال لها كرعة، علي رأسه غمامة فيها مناد ينادي هذا خليفة الله فاتبعوه».

وروي جماعة عن محمد بن أحمد قال: إن والده لما سمع أن المهدي يخرج من كرعة، كان يكثر السؤال عنها لوفد الحاج كل سنة، قال : فجاء بي شخص إلي شيخ تاجر ذي مال وخدم، وقال: هذا يسأل كل وقت عن كرعة، ولا يدري أين هي؟، فإن كان عندك خبرها فأخبره به فرحب الشيخ بي، وقال: من أين تعرفها؟.

قلت: سمعت في الكتب حديثها وشأنها.

فقال : كان والدي كثير الأسفار، فحمل جماله وسرت معه، فطلبنا

ص: 243

موضعا، فظللنا عن الطريق أياما حتي نفذ زادنا، وكدنا نتلف، فأشرفنا علي قباب ، وخيام من الأدم، فخرجوا إلينا فحكينا لهم أمرنا.

فلما كان الظهر خرج شيخ ذو هيبة لم أر أحسن منه وجها، ولا أعظم منه هيبة، ولا أجل قدرا، حتي كنا لا نشبع من نظهر لهيبته، فصلي بهم الظهر مسبلا كصلاتكم أهل العراق، فلما سلم، سلم عليه والدي، وحكي له قصتنا، فأقمنا أياما ولم نَرَ مثلهم ناسا لم نسمع عندهم هجر ولا لغو.

ثم طلبنا منه المسير ، فبعث معنا شخصا، فسار بنا ضحوة، فإذا نحن بالموضع الذي نريده ، فسأله والدي عن الرجل من هو؟.

فقال : هو المهدي [محمد بن الحسن (عليه السلام)] والموضع الذي هو فيه يقال له: كرعة، مما يلي بلاد الحبشة من بلاد اليمن مسيرة عشرة أيام مفازة بغير ماء.

ص: 244

الحكاية الحادي والسبعون: يا أبا صالح ! ..

قال صاحب (جنة المأوي) ومن ذلك ما حدثني به رجل من أهل الإيمان من أهل بلادنا، يقال له: الشيخ قاسم، وكان كثير السفر إلي الحج قال: تعبت يوما من المشي، فنمت تحت شجرة فطال نومي ومضي عني الحاج كثيرا، فلما انتبهت علمت من الوقت أن نومي قد طال وأن الحاج بعد عني، وصرت لا أدري إلي أين أتوجه، فمشيت علي الجهة وأنا أصيح بأعلي صوتي: يا أبا صالح، قاصدا بذلك صاحب الأمر (عليه السلام).

فبينا أنا أصيح كذلك وإذا براكب علي ناقة وهو علي زي البدو، فلما رآني قال لي: أنت منقطع عن الحاج؟، فقلت: نعم، فقال: اركب خلفي لألحقك بهم فركبت خلفه، فلم يكن إلا ساعة وإذا قد أدركنا الحاج فلما قربنا أنزلني وقال لي: امض لشأنك ! فقلت له: إن العطش قد أضر بي فأخرج من شداده ركوة فيها ماء، وسقاني منه، فوالله أنه ألذ وأعذب ماء شربته.

ثم إني مشيت حتي دخلت الحاج والتفت إليه فلم أره، ولا رأيته في الحاج قبل ذلك، ولا بعده ، حتي رجعنا(1)

ص: 245


1- جنة المأوي، ص300.

الحكاية الثانية والسبعون: زيارة الجامعة وعاشوراء وصلاة النافلة..

قد تشرف بزيارة النجف الأشرف جناب المستطاب التقي الصالح السيد أحمد بن السيد هاشم بن السد حسن الرشتي ساكن رشت أيده الله بلقاء الإمام المهدي (عليه السلام)..

قال السيد أحمد: عزمت علي الحج في سنة ألف ومائتين وثمانين (1280ه) فجئت من حدود رشت إلي تبريز ونزلت في بيت الحاج صفر علي التاجر التبريزي المعروف ولعدم وجود قافلة فقد بقيت متحيرا إلي أن جهز الحاج جبار جلودار السد هي الأصفهاني قافلة إلي (طربوزن) فاكتريت منه مركبا لوحدي وسافرت، وعندما وصلت إلي أول منزل التحق بي - وبترغيب الحاج صفر علي - ثلاثة أشخاص آخرين، أحدهم الحاج الملا باقر التبريزي الذي كان يحج بالنيابة وكان معروفا لدي العلماء، والحاج السيد حسين التاجر التبريزي، ورجل يسمي الحاج علي وكان يشتغل بالخدمة .

ثم ترافقنا في السفر إلي أن وصلنا إلي (أرضروم)، وكنا عازمين علي الذهاب من هناك إلي (طربزون) وفي أحد تلك المنازل التي تقع

ص: 246

بين هاتين المدينتين جائني الحاج جبار جلودار وقال: بأن هذا المنزل الذي قدامنا مخيف فعجلوا حتي تكونوا مع القافلة دائما، وذلك لأننا كنا غالبا ما نتخلف عن القافلة بفاصلة في سائر المنازل، فتحركنا سوية بساعتين ونصف، أو ثلاث ساعات بقيت إلي الصبح - علي التخمين - وابتعدنا عن المنزل الذي كنا فيه مقدار نصف أو ثلاثة أرباع الفرسخ فإذا بالهواء قد تغير وأضلمت الدنيا وابتدأ الوفر بالتساقط، فحينئذ غطي كل واحد منا من الرفقاء رأسه وأسرع بالسير. وقد فعلت أنا كذلك لألتحق بهم ولكني لم أتمكن علي ذلك فذهبوا وبقيت وحدي . ثم نزلت بعد ذلك من فرسي وجلست علي جانب الطريق، وقد اضطربت اضطراب شديدا لأنه كان معي قرابة ستمائة تومان لنفقة الطريق .

وبعد أن فكرت وتأملت بأمري قررت أن أبقي في هذا الموضع إلي أن يطلع الفجر، ثم ارجع إلي الموضع الذي جئت منه، وأخذ معي من ذلك الموضع عدة أشخاص من الحرس فالتحق بالقافلة مرة ثانية .

وبهذه الأثناء رأيت بستانا أمامي، وفي ذلك البستان فلاح بيده مسحاة يضرب بها الأشجار فيتساقط الوفر منها، فتقدم إلي بحيث بقيت فاصلة قليلة بينه وبيني، ثم قال: من أنت؟ ، قلت: ذهب أصدقائي وبقيت وحدي ولا أعرف الطريق فتهت.

ص: 247

فقال باللغة الفارسية: نافلة بخوان تاراه بيداكني.

(أي صلي النافلة - والمقصود منها صلاة الليل - لتعرف الطريق).

فاشتغلت بصلاة النافلة وبعدما فرغت من التهجد، عاد إلي مرة أخري وقال : ألم تذهب بعد؟!، قلت: والله لا أعرف الطريق .

قال : جامعه بخوان (أقرأ الجامعة).

ولم أكن أحفظ الجامعة وما زلت غير حافظٍ لها مع أني قد تشرفت بزيارة العتبات المقدسة مراراً.. ولكني وقفت مكاني وقرأت الجامعة كاملةً عن ظهر الغيب ، ثم جاء وقال ألم تذهب بعد؟!، فأخذتني العبرة بلا إرادة وبكيت وقلت: ما زلت موجوداً ولا أعرف الطريق .

قال : عاشورا بخوان (اقرأ عاشوراء).

وكذلك أني لم أكن أحفظ زيارة عاشوراء وما زلت غير حافظ لها، فقمت من مكاني واشتغلت بزيارة عاشوراء، من الحافظة عن ظهر غيب إلي أن قرأتها جميعا وحتي اللعن والسلام ودعاء علقمة، فرأيته عاد إلي مرة أخري، وقال: (نرفتي . هستي) ألم تذهب؟، بعدك؟!

فقلت: لا، فإني موجود وحتي الصباح.

قال : أنا أوصلك إلي القافلة الآن (من حالا ترا بقافله مي رسانم).

ص: 248

ثم ذهب وركب علي حمار ووضع مسحاته علي عاتقه وجاء فقال :اصعد خلفي علي حماري (برديف من بر الاغ من سوار مشو).

فركبت وأخذت بعنان فرسي فلم يطاوعني ولم يتحرك ، فقال : (جلو اسب را بمن ده) ناولني لجام الفرس، فناولته، فوضع المسحاة علي عاتقه الأيسر وأخذ الفرس بيده اليمني وأخذ بالسير، فطاوعه الفرس بشكل عجيب وتبعه.

ثم وضع يده علي ركبتي وقال: (شما جرا نافهل نميخوانيد، نافله، نافله، نافله ..)

لماذا لا تصلوا النافلة: النافلة.. النافلة .. النافلة ؟ قالها ثلاث مرات .

ثم قال: (شما جرا عاشورا نميخوانيد... عاشورا... عاشورا.. عاشورا) لماذا لاتقرء وا عاشوراء: عاشوراء.. عاشوراء.. عاشوراء..؟ ثلاث مرات.

ثم قال : (شما جرا جامعه نميخوانيد: جامعه.. جامعه.. جامعه...)

لماذا لا تقرءوا الجامعة: الجامعة .. الجامعة.. الجامعة..؟

وعندما كان يطوي المسافة كان يمشي بشكل مستدير، وفجأة رجع وقال: (أنست رفقاي شما) هؤلاء أصحابك.

ص: 249

وكانوا قد نزلوا علي حافة نهر فيه ماء يتوضؤون لصلاة الصبح، فنزلت من الحمار لأركب فرسي فلم أتمكن فنزل هو وضرب المسحاة في الوفر وأركبني وحول رأس فرسي إلي جهة أصحابي وبهذه الأثناء وقع في نفسي: من يكون هذا الإنسان الذي يتكلم باللغة الفارسية علما أن أهل هذه المنطقة لا يتكلمون إلا باللغة التركية، ولا يوجد بينهم غالبا إلا أصحاب المذهب العيسوي ( المسيحيون) وكيف أوصلني إلي أصحابي بهذه السرعة؟! فنظرت ورائي فمل أر أحدا ولم يظهر لي أثر منه، فالتحقت برفقائي .

ص: 250

الحكاية الثالثة والسبعون: المهدي (عليه السلام) يقرأ القرآن..

قال العالم الصالح جناب الميرزا حسين اللاهيجي الرشتي المجاور بالنجف الأشرف ، حدثني العالم الرباني زين العابدين السلماسي: أن السيد الجليل بحر العلوم طاب ثراه ورد يوما في حرم أمير المؤمنين (عليه آلاف التحية والسلام)، فجعل يترنم بهذا المصرع:

جه خوشي است صوت قرآن*** زتو دل ربا شنيدن

فسئل (رحمه الله) سبب قرائته هذا المصرع ، فقال : لما وردت في الحرم المطهر رأيت الحجة (عليه السلام) جالسا عند الرأس يقرأ القرآن بصوت عالٍ، فلما سمعت صوته قرأت المصرع المزبور، ولما وردت الحرم ترك قراءة القرآن، وخرج من الحرم الشريف (1)

ص: 251


1- جنة المأوي، ص 302.

الحكاية الرابعة والسبعون: قصة مصطفي الحمود..

قال الأقا محمد: كان رجل من أهل سامراء من أهل الخلاف يسمي مصطفي الحمود، وكان من الخدام الذين ديدنهم أذية الزوار، وأخذ أموالهم بطرق فيها غضب الجبار، وكان أغلب أوقاته في السرداب المقدس علي الصفة الصغيرة، خلف الشباك الذي وضعه هناك ( الناصر العباسي وكان يحفظ أغلب الزيارات المأثورة) ومن جاء من الزوار ويشتغل بالزيارة يحول الغبيث بينه وبين مولاه فينبهه علي الأغلاط المتعارفة التي لا يخلو أغلب العوام منها بحيث لا يبقي لهم حالة حضور وتوجه أصلا، فرأي ليلة في المنام الحجة (عليه السلام) فقال له: إلي متي تؤذي زواري ولا تدعهم يزورون؟، مالك والدخول في ذلك؟ خلي بينهم وبين ما يقولون. فانتبه وقد أصم الله تعالي أذنيه ، فكان لا يسمع بعده شيئا، واستراح منه الزوار، وكان كذلك إلي أن ألحقه الله بأسلافه في النار(1)

ص: 252


1- جنة المأوي، ص 274–275.

الحكاية الخامسة والسبعون: خسر الدنيا والآخرة..

قال المحدث الجليل السيد نعمة الله الجزائري في كتاب (المقامات):

حدثني رجل من أوثق أخواني في شوشتر في دارنا القريبة من المسجد الأعظم قال: لما كنا في بحور الهند تعاطينا عجائب البحر، فحكي لنا رجل من الثقات، قال: روي من أعتمد عليه أنه كان منزله في بلد علي ساحل البحر، وكان بنيهم وبين جزيرة من جزائر البحر مسير يوم أو أقل، وفي تلك الجزيرة مياههم وحطبهم وثمارهم، وما يحتاجون إليه، فاتفق أنهم علي عادتهم ركبوا في السفينة قاصدين تلك الجزيرة، وحملوا معهم زاد يوم.

فلما توسطوا البحر، أتاهم ريح عدلهم عن ذلك القصد، وبقوا علي تلك الحالة تسعة أيام حتي أشرفوا علي الهلاك من قلة الماء والطعام ، ثم أن الهوي رماهم في ذلك اليوم علي جزيرة في البحر، فخرجوا إليها و كان فيها المياه العذبة والثمار الحلوة، وأنواع الشجر، فبقوا فيها نهارا ثم حملوا منها ما يحتاجون إليه وركبوا سفينتهم، ودفعوا.

فلما بعدوا عن الساحل، نظروا إلي رجل منهم بقي في الجزيرة

ص: 253

فناداهم ولم يتمكنوا من الرجوع، فرأوه قد شد حزمة حطب ، ووضعها تحت صدره، وضرب البحر عليها قاصدا لحوق السفينة ، فحال الليل بينهم وبينه وبقي في البحر.

وأما أهل السفينة، فما وصلوا إلا بعد مضي أشهر، فلما بلغوا أهلهم أخبروا أهل ذلك الرجل فأقاموا مأتمه، فبقوا علي ذلك عاما أو أكثر، ثم رأوا أن ذلك الرجل قدم إلي أهله، فتباشروا به، وجاء إليه أصحابه فقص عليهم قصته.

فقال: لا حال الليل بيني وبينكم بقيت تقلبني الأمواج وأنا علي الحزمة يومين حتي أوقعتني علي جبل في الساحل، فتعلقت بصخرة منه، ولم أطق الصعود إلي جوفه لارتفاعه، فبقيت في الماء وما شعرت إلا بأفعي عظيمة، أطول من المنار وأغلظ منها، فوقعت علي ذلك الجبل، ومدت رأسها تصطاد الحيتان عن الماء فوق رأسي فأيقنت بالهلاك وتضرعت إلي الله تعالي فرأيت عقربا يدب علي ظهر الأفعي فلما وصل إلي دماغها لسعها بأبرته، فإذا لحمها قد تناثر عن عظامها، وبقي عظم ظهرها وأضلاعها كالسلم العظيم الذي له مراقي يسهل الصعود عليها. قال: فرقيت علي تلك الأضلاع حتي خرجت إلي الجزيرا شاكرا لله تعالي علي ما صنع فمشيت في تلك الجزيرة إلي قريب العصر، فرأيت منازل حسنة مرتفعة البنيان إلا أنها خالية لكن فيها

ص: 254

آثار الأنس.

قال: فاستترت في موضع منها فلما صار العصر رأيت عبيدا وخدما كل واحد منهم علي بغل فنزلوا وفرشوا فرشا نظيفة، وشرعوا في تهيئة الطعام، وطبخه، فلما فرغوا منه رأيت فرسانا مقبلين، عليهم ثياب بيض، وخضر، وتلوح من وجوههم الأنوار، فنزلوا وقدم إليهم الطعام .

فلما شرعوا في الأكل قال أحسنهم هيئة، وأعلاهم نورا: ارفعوا حصة من هذا الطعام لرجل غائب فلما فرغوا ناداني يا فلان أقبل فعجبت منه فأتيت إليهم، ورحبوا بي فأكلت ذلك الطعام، وما تحققت إلا أنه من طعام الجنة فلما صار النهار ركبوا بأجمعهم، وقالوا لي: انتظر هنا، فرجعوا وقت العصر وبقيت معهم أياما فقال لي يوما ذلك الرجل الأنور: إن شئت الإقامة معنا في هذه الجزيرة أقمت، وإن شئت المضي إلي أهلك، أرسلنا معك من يبلغك بلدك.

فاخترت علي شقاوتي بلادي فلما دخل الليل أمر لي بمركب وأرسل معي عبدا من عبيده، فسرنا ساعة من الليل وأنا أعلم أن بيني وبين أهلي مسيرة أشهر وأيام، فما مضي من الليل قليل منه إلا وقد سمعنا نبيح الكلاب ، فقال لي ذلك الغلام: هذا نبيح كلابكم، فما شعرت إلا وأنا واقف علي باب داري، فقال: هذهدارك أنزل إليها.

فلما نزلت، قال لي: قد خسرت الدنيا والآخرة ، ذلك الرجل

ص: 255

صاحب الدار (عليه السلام)، فالتفت إلي الغلام فلم أره، وأنا في هذا الوقت بينكم نادما علي ما فرطت، هذه حكايتي(1)

ص: 256


1- جنة المأوي، ص307-309، نقلا من النجم الثاقب، ص 299، ج 2.

الحكاية السادسة والسبعون: يد الله فوق أيديهم..

كتب سماحة آية الله الشيخ لطف الله الصافي صاحب كتاب (إجابات الأسئلة العشرة) في الصفحة 31 يقول:

من الحكايات العجيبة والصادقة التي حدثت في زماننا هذا هي حكاية بناء مسجد الإمام الحسن المجتبي (عليه السلام) الواقع في الطريق بين طهران ومدينة قم المقدسة الذي يبعد عدة كيلو مترات من مدخل مدينة قم حيث شيده الحاج يد الله رجبيان أحد أخيار مدينة قم.

وفي ليلة الأربعاء الثاني والعشرين من شهر رجب المرجب لعام 1398.سمعت حكاية هذا المسجد من لسان السيد أحمد عسكري كرمانشاهي وبحضور الحاج رجبيان و في منزله حيث نقل العسكري فقال: قبل سبعة عشر عاما وأثناء تعقيبات صلاة العصر. طرق باب دارنا ثلاثة شبان يعملون في إصلاح السيارات وكانوا يحضرون جلسات واجتماعات التوجيه الديني وتعليم القرآن التي كنت أقيمها في داري لمرضاة الله تعالي.

وعندما دخلوا الدار سألوني راجين أن أصحبهم إلي مسجد

ص: 257

جمكران في قم لإقامة صلاة الحجة والزيارة ونظرا لإصرارهم، اضطررت إلي إجابة طلبهم فركبنا السيارة واتجهنا صوب مدينة قم، وقبل الوصول إلي مدخل المدينة وعند موقع مسجد الحسن المجتبي الحالي، توقفت السيارة وكلما حاولوا إصلاحها لم يوفقوا إلي ذلك ثم أخذت قدح ماء من السيارة وذهبت بعيدا عنهم لأقضي حاجتي .

وفي هذه الأثناء، وبعد ابتعادي عن الجماعة لاحظت وجود شاب وسيم يرتدي ملابس بيضاء ناصعة ويضع علي رأسه عمامة خضراء وبيده رمح يرتفع إلي أكثر من مترين ! وهو يخطط الأرض برمحه، فتقدمت منه وقلت له:

يا ولدي العزيز، إن العصر عصر الطائرات والدبابات والقنابل وأنت تحمل رمحا! أليس الأفضل لك أن ترجع إلي مدرستك وتقرأ دروسك؟! ثم ذهبت لقضاء حاجتي وإذ به ينادي علي: يا سيدي عسكري لا تجلس هناك فإنني خططت المكان وهذا الموقع الذي تجلس فيه هو مسجد للصلاة.

وكطفل صغيرة يأمره أبوه قلت له: سمعا وطاعة وقمت من مكاني وابتعدت قليلا ثم جلست لقضاء الحاجة.

وفي هذه الأثناء خطرت علي بالي الاسئلة التالية لأسأله:

ص: 258

1- هل هذا المسجد الذي تروم تشييده للجن أم للإنس وهو يبعد فرسخين من قم؟.

2- إذا لم يشيد المسجد لحد الآن، فلماذا طلبت مني أن أغير مكاني؟.

3- هل سيصلي في هذا المسجد الذي تشده، جن أم ملائكة الرحمن؟.

وفي هذه الأثناء وحينما كنت أريد أن أطرح هذه الأسئلة علي السيد تقدم إلي وضمني إلي صدره وهو يبتسم ويقول:

إسأل ما تريد ! فقلت له: ماذا تعمل في هذا الوقت بدل الجلوس في قاعات الدرس؟، فقال: إنني أخطط لتشييد مسجد هنا، ثم أضاف : في هذا المكان وقع أحد أعزاء فاطمة الزهراء (عليها السلام) ثم استشهد فيه وهنا سيكون محراب المسجد، ثم أخذ يشير بيده إلي هنا وهناك ويقول هذا مكان الوضوء، وهذا مكان التواليت، وهكذا.. ثم أخذ يبكي ويؤشر إلي مكان ما وهو يقول: وهنا ستكون حسينية فلم أتمالك نفسي من البكاء أيضا وقلت له:

يا ابن رسول الله، إنني أوافق علي الشروط التالية:

1- أن أكون حيا حتي تشييد المسجد ، فقال : إن شاء الله .

ص: 259

2- أن يشيد هنا فعلا مسجد كبير، فقال: بارك الله فيك.

3- إذا تم تشييد المسجد سأجلب ولو كتابا واحدا لمكتبة المسجد، ثم قلت مازحا لماذا لا تترك هذه الأفكار من رأسك يا ابن رسول الله وتذهب إلي مدرستك.

فتبسم وضمني للمرة الثانية إلي صدره ! فقلت له: نسيت أن أسألك: من الذي سيشيد المسجد؟، فقال: يد الله فوق أيديهم. ثم أضاف: وحينما يتم تشييده أرجو أن توصل سلامي إليه.

فرجعت إلي السيارة وأنا أسمع هدير محركها وقد بدأ بالعمل، ثم سألوني: مع من كنت تتحدث؟، قلت: مع ذلك الشاب السيد الذي يحمل رمحا كبيرا، ألم تلاحظوا ذلك؟، فقالوا: أي سيد تتحدث عنه؟ ، نحن لم نر شيئا.

وعند ذلك أدرت وجهي صوب مكان السيد الجليل الوسيم فلم أر شيئا لا السيد ولا رمحه ولا حتي التلة التي قضيت حاجتي خلفها!!

عند ذلك أحسست وشعرت برجفة في جميع أوصالي وعندها جلست في السيارة وأنا شارد الذهن لا أفهم ماذا حصل؟!

وأخيرا جئنا إلي مسجد جمكران وصلنا وأكلنا ثم استرحنا قليلا،

ص: 260

وبعدها قمت لأصل الجماعة وكان عن يميني كهل أشيب وعن يساري شاب في ريعان شبابه، وبعد الصلاة أخذت أبكي وأتوسل إلي صاحب الزمان وأطلب حاجتي منه.

وفي هذه الأثناء جاء رجل لم أتبين ملامحه لأنني كنت في حالة السجود فوقف بجانبي وقال : سلام عليكم يا سيد عسكري. فارتجفت مرة أخري وأنا في حالة السجود حيث كان صوت هذا الرجل شبيه بصوت الشاب الوسيم الذي تحدث عن تشييد المسجد في طريق قم (ثم قلت في نفسي دعني أقطع صلاتي لأسأله، لكنني استغفرت ربي وواصلت صلاتي حتي نهايتها ثم انتبهت نهايتها وإذا بالشاب قد غادر المكان فسألت الرجل الكهل بجانبي:

ألا تدري أين ذهب الشاب الذي سلم علي وأنا في حالة الصلاة ؟ فقال: لم أر شابا ولا أدري عمن تتحدث! ثم سألت الشاب الذي بجانبي عنه فكان جوابه بالنفي ! فأصابتني الرجفة مرة ثانية وأهتز كياني بأجمعه وهنا أدركت أن ذلك الشاب في الحالتين كان صاحب الزمان (عليه السلام).

ثم أغمي علي فرشوا الماء علي وجهي ولما استيقظت طلبت الرجوع فورا إلي طهران وعند وصولنا ذهبت مباشرة إلي أحد علماء طهران وشرحت له الحكاية بحذافيرها فأكد لي بأنه فعلا المهدي المنتظر (عليه السلام) وقال :

ص: 261

علي أية حال، أنتظر حتي يتم تشييد المسجد الذي تحدثتما عنه .

وبعد فترة توفي والد أحد أصدقائي فاجتمعنا بمجموعة من المعارف والأصدقاء وأخذنا جثمانه إلي مدينة قم لدفنه هناك.

وعندما وصلنا إلي مشارف المدينة وفي المكان نفسه الذي ظهر لي ذلك الشاب لاحظت عمالا في المكان وبناء يشيد وقد ارتفع إلي متر تقريبا، فتوقفت حالا وسالت وأنا في السيارة بصوت عال: من يشيد هذا البناء وما هو؟، فقال العمال: إنه مسجد يسمي مسجد الإمام الحسن المجتبي (عليه السلام) ويشيده أولاد الحاج حسين السوهان . ثم تابعنا سيرنا إلي مدينة قم وقلت لرفاقي. خلال فترة الغداء. سوف ألحق بكم في الحرم الشريف. ثم أخذت سيارة أجرة وذهبت مباشرة إلي محلات أولاد الحاج حسن السوهاني وسألت ولده: هل أنتم تشيدون المسجد الفلاني ؟، قال : كلا، قلت: ومن يشيده ؟، قال: إنه الحاج يدالله رجبيان. ولما لفظ كلمة يد الله، ازدادت ضربات قلبي سرعة وأخذ العرق يتصبب من جميع أعضاء جسدي، فتعجب صاب المحل وجلب كرسيا وأجلسني عليه وقال: ماذا حصل لك أيها الرجل ؟، وأنا أدمدم مع نفسي (يد الله فوق أيديهم) الجملة التي ذكرها إمام العصر والزمان عندما سألته: من يشيد المسجد !!

ثم رجعت فورة إلي العالم الذي رويت له الحكاية وشرحت له ما

ص: 262

سمعته في ذلك اليوم . فقال : أسرع وابحث عنه، ثم اشتريت أربعمائة كتاب مفيد ثم توجهت إلي قم وبحثت عنه حتي وجدته وكان صاحب مصنع للغزل والنسيج الصوفي، ولم يكن الحاج يد الله في مكتبه فسألت رجلا كان في ذلك المكتب عنه فقال: إنه في البيت، فقلت له: أرجوك أن تتصل به تلفونيا لأني قادم من طهران وبحاجة إليه.

فاتصل بالحاج فسلمت عليه وقلت له: لقد جلبت لك أربعمائة كتاب لتكون في مكتبة المسجد الذي تشيده . فقال متعجبا: من أنت؟، وكيف عرفت أن في المسجد مكتبه؟، فقلت: إنني وقفا في المسجد. فقال : لكن لماذا؟، فقلت له: لا يمكن شرح ذلك بالهاتف. فقال: تعالي ليلة الجمعة القادمة ومعك الكتب وهذا عنواني، وأعطاني عنوان بيته .

ثم رجعت إلي طهران وهيأت الكتب، وفي ليلة الجمعة سافرت إلي قم مرة ثانية وحسب العنوان وصلت إلي دار الحاج يد الله رجبيان وعندما جلسنا سويةقال : لا أخذ الكتب حتي تحكي القصة. فسردت عليه الحكاية كاملة ثم رجعت إلي المسجد وصليت ركعتين وتذكرت لقائي بصاحب الزمان فبكيت وتضرعت إلي البارئ (عز وجل) أن حسن عاقبتي.

هذا وتحدث الحاج يد الله رجبيان عن حكاية المسجد بالنسبة إليه

ص: 263

وقال: أثناء بناء المسجد، جاء أحد العمال وأعطاني خمسين تومانا وقال: لقد جاء سيد جليل القدر وقدم هذا المبلغ قائلا: هذه مساعدة البناء المسجد. فغضبت من ذلك وقلت له: كيف تأخذ هذا المبلغ وأنت تعلم بأنني أقوم بتشييد المسجد علي حسابي الخاص قربة إلي الله؟، ولكن قل لي كيف ؟، وكيف وصل إلي المكان؟، فقال العامل: عندما أعطاني المبلغ تبعته لأري بأي وسيلة جاء إلي المنطقة ولكنني بعد خطوات معدودة لم أجده وقد اختفي تماما عن ناظري.

ويضف الحاج رجبيان ببركة ذلك المبلغ الزهيد، لا أدري كيف تم تشييد المسجد بكل سرعة وسهولة والحمد لله (1)

ص: 264


1- اللقاء مع الإمام ..، ص17، الطبعة الأولي.

الحكاية السابعة والسبعون: أضاعوا البيت فأرشدهم الإمام (عليه السلام)..

حكي لي المرحوم حسين عبد الزبيدي (جد مؤلف الكتاب لأبيه) قال في سنين السبعينات عزمت أنا وبعض أصحابي بالسفر إلي إيران الزيارة الإمام علي بن موسي الرضا (عليه السلام) لطلب الشفاعة منه في يوم القيامة، وبعد دخولنا إلي إيران قمنا باستئجار بيت في المنطقة التي يكون فيها الضريح المقدس، وكنا مشتاقين أشد الاشتقاق لزيارته (عليه السلام) فوضعنا متاعنا وجميع ما نملك في الغرفة خوفا من ضياعهما لأن إيران كانت في تلك الفترة تضج بالمظاهرات لقيام الثورة الإسلامية، وبعد أن قمنا بزيارة الإمام الرضا (عليه السلام) أردنا الرجوع إلي البيت الذي استأجرناه فلم نتمكن من ذلك فأضعنا الطريق ولا نعرف ماذا نفعل لأن جميع ما نملك بقي في البيت، حتي ورمت أقدامنا من كثرة السير .

وبعد ذلك جلسنا قرب حائط وأخذت عيوننا بالبكاء، وإذا بشاب جميل ذو هيبة سلم علينا وصافحنا يد بيد وقال : لماذا هذا البكاء؟ فأجبناه : بأننا كنا قد استئجرنا بيت ووضعنا كل ما نملك من نقود وأمتعة

ص: 265

فيه ولا نعرف ماذا نفعل الآن، قال: تعالوا معي فأنا أدلكم علي البيت ..

فسرنا معه وهو يدخلنا في طريق ويخرجنا من أخري إلي أن وصلنا إلي مكان فأشار بيده وقال: هذا هو البيت، واعلموا أننا لا نترك أصحابنا .

ففرحنا بمشاهدتنا البيت ولم نلتفت إليه وبعد قليل نظرنا للشاب فلم نجده ، فعلمنا أن هذا هو الإمام المهدي (عليه السلام) فندمنا أشد ندامه، والحمد لله.

ص: 266

الفهرس

ص: 267

ص: 268

الفهرس

الإهداء ... 5

المقدمة ...7

الحكاية الأولي: قصة إسماعيل الهرقلي ... 15

الحكاية الثانية: تأثير رقعة الاستغاثة ... 21

الحكاية الثالثة: شرف السيد المثقي العاملي بلقائه (عليه السلام) ...24

الحكاية الرابعة: الإمام المهدي ( عليه السلام) والحجر الأسود ...28

الحكاية الخامسة: تشرف السيد عطوة الحسني بلقائه (عليه السلام) ... 30

الحكاية السادسة: في ذكر دعاء العبرات ...31

الحكاية السابعة: حكاية الحرز اليماني ... 37

الحكاية الثامنة: أدعية الفرج ... 37

الحكاية التاسعة: تشرف الشريف عمر بن حمزة بلقائه (عليه السلام) ...41

الحكاية العاشرة: حكاية أبي راجح الحمامي ...44

الحكاية الحادية عشر: حكاية الكاشاني المريض...47

الحكاية الثانية عشر: حكاية الرمان والوزير الناصبي بالبحري ... 49

الحكاية الثالثة عشر: مناظرة رجل من الشيعة مع رجل من السنة ...54

الحكاية الرابعة عشر: شفاء الشيخ الحر العاملي...59

ص: 269

الحكاية الخامسة عشر: لقاء المقدس الأردبيلي بالقائم ( عليه السلام) ...60

الحكاية السادسة عشر: المرحوم محمد تقي المجلسي ...62

الحكاية السابعة عشر: الورد والخرابات ... 66

الحكاية الثامنة عشر: تشرف الشيخ قاسم بلقائه (عليه السلام) ...67

الحكاية التاسعة عشر: استغاثة رجل سني بالقائم ( عليه السلام) ...69

الحكاية العشرون: لقاء العلامة بحر العلوم به ( عليه السلام) في مكة ...73

الحكاية الحادية والعشرون: العلامة بحر العلوم في السرداب المطهر ...75

الحكاية الثانية والعشرون: في تأكيده ( عليه السلام) علي خدمة الأب المسن...77

الحكاية الثالثة والعشرون: تشرف الشيخ حسين آل رحيم بلقائه ( عليه السلام) ...79

الحكاية الرابعة والعشرون: في إجلائه (عليه السلام) بني عنيزه ... 84

الحكاية الخامسة والعشرون: قصة الرجل البحراني والإمام (عليه السلام) ...89

الحكاية السادسة والعشرون: قصة مسجد جمكران ...90

الحكاية السابعة والعشرون: قصة الجزيرة الخضراء ...96

الحكاية الثامنة والعشرون: المهدي ( عليه السلام) ينقذه من الهلاك...107

الحكاية التاسعة والعشرون: المهدي (عليه السلام) يشفي الميرزا النائيني ...108

الحكاية الثلاثون: قصة محمود الفارسي...113

الحكاية الحادية والثلاثون: هو يقص عليك الحكاية ...122

الحكاية الثانية والثلاثون: لم يكلم الإمام لوجوب التأدب ...131

الحكاية الثالثة والثلاثون: قصة الشيخ ورام والرقعة ...132

الحكاية الرابعة والثلاثون: الإمام (عليه السلام) يكتب للعلامة الحلي... 134

الحكاية الخامسة والثلاثون: بالصبر يحصل مقصودك ...136

ص: 270

الحكاية السادسة والثلاثون: سمع دعاء الإمام (عليه السلام) في السحر ...137

الحكاية السابعة والثلاثون: يا صاحب الزمان خ جدتي ...138

الحكاية الثامنة والثلاثون: يا صحاب الزمان أدركني ...142

الحكاية التاسعة والثلاثون: نحن ننصرك ...147

الحكاية الأربعون: نناشدك بالله من أنت ... 149

الحكاية الحادية والاربعون: أهل الحلة ما يتأدبون في مقامي ...151

الحكاية الثانية والأربعون: دعاء عند الشدة ...152

الحكاية الثالثة والأربعون: المهدي (عليه السلام) يعلمه دعاء للنجاة ...154

الحكاية الرابعة والأربعون: لن يموت حتي يراني ...157

الحكاية الخامسة والأربعون: قصة الحاج علي البغدادي ...160

الحكاية السادسة والأربعون: شيخ في ليلة مظلمة ... 172

الحكاية السابعة والأربعون: الإمام (عليه السلام) يغسل ويكفن ميت ... 176

الحكاية الثامنة والأربعون: بحق الذي جننت من أجله ...178

الحكاية التاسعة والأربعون: شفاء المجروح الذي جرح في الحرب ... 180

الحكاية الخمسون: بعمل الاستجارة رأي المهدي ( عليه السلام) ... 182

الحكاية الحادية والخمسون: شفاء ولد من الشلل ... 186

الحكاية الثانية والخمسون: المهدي ( عليه السلام) يعطي الطلبة رواتبهم ...189

الحكاية الثالثة والخمسون: تفكر في أنه لا صاحب لنا ...191

الحكاية الرابعة والخمسون: فرس بلا راكب ...193

الحكاية الخامسة والخمسون: ضيفنا في الغرفة ...194

الحكاية السادسة والخمسون: ماء الهندباء ... 197

ص: 271

الحكاية السابعة والخمسون، الذي أمر أن أعطيك فقد أمرني بالتوقف ...198

الحكاية الثامنة والخمسون: جاءني الإمام واختارني ... 201

الحكاية التاسعة والخمسون: لا تحزن سيعطيك الله كليهما ...208

الحكاية الستون: ضرتبها في صفين ... 210

الحكاية الحادية والستون: قم يا حسين ...212

الحكاية الثانية والستون: الإمام (عليه السلام) يشفيه من الفالج ...214

|الحكاية الثالثة والستون: الإمام (عليه السلام) يرد عليها بصرها ...216

الحكاية الرابعة والستون: إنه من فضلنا أهل البيت ( عليه السلام) ... 219

الحكاية الخامسة والستون: بعد ستة وشعرون سنة تموت ... 223

الحكاية السادسة والستون: طاهر وضيق العيش ...225

الحكاية السابعة والستون: لوذهبت إلي أوروبا وأميركا لما شفيت ... 229

الحكاي الثامنة والستون: نفر من بني أعمامك ... 233

الحكاية التاسعة والستون: أعط هذا الرجل منصب الجندي ...237

الحكاية السبعون: كرعة والإمام المهدي ( عليه السلام) ... 243

الحكاية الحادية والسبعون: يا أبا صالح ... 245

الحكاية الثانية والسبعون: زيارة الجامعه وعاشوراء وصلاة النافلة ...246

الحكاية الثالثة والسبعون: المهدي (عليه السلام) يقرأ القرآن ... 251

الحكاية الرابعة والسبعون: قصة مصطفي الحمود ... 252

الحكاية الخامسة والسبعون: خسر الدنيا والآخرة ... 253

الحكاية السادسة والسبعون: يد الله فوق أيديهم ... 257

الحكاية السابعة والسبعون: أضاعوا البيت فأرشدهم الإمام (عليه السلام) ...265

ص: 272

تعريف مرکز

بسم الله الرحمن الرحیم
هَلْ یَسْتَوِی الَّذِینَ یَعْلَمُونَ وَالَّذِینَ لَا یَعْلَمُونَ
الزمر: 9

عنوان المکتب المرکزي
أصفهان، شارع عبد الرزاق، سوق حاج محمد جعفر آباده ای، زقاق الشهید محمد حسن التوکلی، الرقم 129، الطبقة الأولی.

عنوان الموقع : : www.ghbook.ir
البرید الالکتروني : Info@ghbook.ir
هاتف المکتب المرکزي 03134490125
هاتف المکتب في طهران 88318722 ـ 021
قسم البیع 09132000109شؤون المستخدمین 09132000109.