مصباح المنهاج كتاب الخمس

اشارة

مصباح المنهاج كتاب الخمس

تاليف: السيد محمد سعيد الطباطبايي الحكيم

دارالهلال

لبنان - بيروت

ص: 1

اشارة

ص: 2

مصباح المنهاج كتاب الخمس

تاليف: السيد محمد سعيد الطباطبايي الحكيم

دارالهلال

لبنان - بيروت

ص: 3

جميع الحقوق محفوظه

الطبعه الاولي

1427 ه - 2006 م

***

مصباح المنهاج - كتاب الخمس

تاليف: السيد محمد سعيد الطباطبايي الحكيم

دارالهلال

لبنان - بيروت

ص: 4

المدخل

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام علي سيدنا محمد وآله الطاهرين، ولعنة الله علي أعدائهم أجمعين إلي يوم الدين.

رب اشرح لي صدري، ويسر لي أمري، واحلل عقدة من لساني يفقهوا قولي، واجعل لي من أمري فرجاً ومخرجاً. أنت حسبي ونعم الوكيل، ولا حول ولا قوة إلا بك عليك توكلت، وإليك أنيب.

ص: 5

ص: 6

(7)

كتاب الخمس وما يجب فيه:

اشارة

وفيه مبحثان:

المبحث الأول: فيما يجب فيه

اشارة

وهو أمور:

-

كتاب الخمس

وهو حق فرضه الله عز وجل في أموال الناس، له تعالي، ولرسوله (صلي الله عليه وآله وسلّم)، ولآله الطاهرين (عليهم السلام)، ولبني هاشم الذين شرفهم الله تعالي به (صلي الله عليه وآله وسلّم) بعد أن منعهم عن صدقات غيرهم وأوساخهم، تنزيهاً لهم ورفعاً لشأنهم.

وفي الجواهر: فالخمس في الجملة مما لا ينبغي الشك في وجوبه بعد تطابق الكتاب والسنة والإجماع عليه. بل به يخرج الشاك عن المسلمين، ويدخل في الكافرين، كالشك في غيره من ضروريات الدين.

هذا وقد تضمنت جملة من النصوص أن الدنيا كلها للنبي (صلي الله عليه وآله وسلّم) والإمام (عليه السلام)(1) ، وخصوصاً الأراضي(2) ، ولاسيما ما سقته بعض الأنهار الخاصة(3). ولابد من حمله علي ما لا ينافي ضرورة المسلمين - تبعاً للأدلة المتظافرة - من ملكية الناس لما في أيديهم

********

(1) وسائل الشيعة ج: 6 باب: 1 من أبواب الأنفال حديث: 19، وباب: 4 من الأبواب المذكورة حديث: 12. وراجع الكافي ج: 1 باب: أن الأراضي كلها للإمام (عليه السلام) ص: 107 طبعة دار الكتب الإسلامية

(2) وسائل الشيعة ج: 17 باب: 3 من أبواب إحياء الموات حديث: 2

(3) وسائل الشيعة ج: 6 باب: 1 من أبواب الأنفال حديث: 18، وباب: 4 من الأبواب المذكورة حديث: 17

ص: 7

(8)

الأول: الغنائم (1)

-

في الجملة.

وذلك بأن يحمل علي معني خاص من الملكية يرجع إلي أحقية التصرف وأوليتهم (عليهم السلام) به، وحرمة تصرف سائر الناس في أملاكهم التي تحت أيديهم إلا بموالاتهم (عليهم السلام) وأداء حقهم. نظير ما ورد عنهم (عليهم السلام) من أن الناس عبيد لهم في الطاعة(1).

وأما بحمل ما دل علي ملكية الناس لما في أيدهم علي كونه بحكم الملك في نفوذ التصرف من أجل الهدنة التي لزمتهم، مع عدم حل التصرف تكليفاً إلا لأوليائهم (عليهم السلام). فراجع النصوص المذكورة في محلها(2). ويأتي بعض الكلام فيها في الأنفال في ذيل كتاب الخمس إن شاء الله تعالي.

(1) بإجماع المسلمين، كما في المدارك وعن الذخيرة والمستند وغيرهما. ويقتضيه - بعد ذلك - الكتاب المجيد والسنة المستفيضة أو المتواترة. قال تعالي: واعلموا أنما غنمتم من شيء فأن لله خمسه وللرسول ولذي القربي واليتامي والمساكين وابن السبيل إن كنتم آمنتم بالله وما أنزلنا علي عبدنا يوم الفرقان يوم التقي الجمعان...(3) ، فإن الغنائم المذكورة في المتن متيقنة من الآية الشريفة.

بل قد يدعي اختصاها بها، وفي الجواهر: كما لعله الظاهر عرفاً، بل ولغة، كما قيل. ولعل عليه اتفاق العامة.

لكن الظاهر عموم إطلاقها لكل فائدة، كما ذكره غير واحد منّا، ويناسبه كلام اللغويين في تفسير مادة الغنم وملاحظة استعمالاتها في اشتقاقاتها المختلفة.

وليس شيوع استعمال الغنيمة في خصوص غنائم الحرب إلا متأخراً بعد شيوع

-

********

(1) الكافي ج: 1 باب: فرض طاعة الأئمة حديث: 10 ص: 187 طبعة دار الكتب الإسلامية

(2) راجع وسائل الشيعة ج: 6 باب: 1، 4 من أبواب الأنفال، والكافي ج: 1 باب: أن الأرض كلها للإمام ص: 407 طبعة دار الكتب الإسلامية

(3) سورة الأنفال الآية: 41

ص: 8

ابتلاء المسلمين بها، والتعبير عنها بذلك ونحوه في بعض الآيات الشريفة وجملة من النصوص، ولا مجال لحمل الآية الشريفة عليها بعد صدورها في أوائل أزمنة التشريع. ولاسيما مع عدم التعبير في الآية الكريمة بالغنيمة والغنائم، بل بالموصول، الظاهر جداً في الجري علي المعني اللغوي.

مضافاً إلي ما في صحيح علي بن مهزيار عن أبي جعفر الثاني (عليه السلام) من قوله (عليه السلام) في كتاب له: فأما الغنائم والفوائد فهي واجبة عليهم في كل عام. قال الله تعالي: واعلموا أنما غنمتم من شيء... فالغنائم والفوائد يرحمك الله فهي الغنيمة يغنمها المرء والفائدة يفيدها والجائزة من الإنسان للإنسان التي لها خطر...(1) ، وخبر حكيم مؤذن بني عبس [ابن عيسي] عن أبي عبد الله (عليه السلام): قلت له: واعلموا أنما غنمتم من شيء فأن لله خمسه وللرسول. قال: هي والله الإفادة يوماً بيوم إلا أن جعل شيعتنا في حلّ ليزكوا(2).

وما عن الإمام الصادق في وصية النبي (صلي الله عليه وآله وسلّم) لعلي (عليه السلام): قال: يا علي إن عبد المطلب سنّ في الجاهلية سنناً أجراها الله له في الإسلام... ووجد كنزاً فأخرج منه الخمس وتصدق به، فأنزل الله: واعلموا أنما غنمتم من شيء فأن لله خمسه... الآية(3). وفي حديث آخر: قرأت عليه آية الخمس، فقال: ما كان لله فهو لرسوله، وما كان لرسوله فهو لنا. والله لقد يسر الله علي المؤمنين أرزاقهم بخمسة دراهم، جعلوا لربهم واحداً، وأكلوا أربعة أحلاء(4).

وعن القرطبي الاعتراف بذلك، لكنه ادعي اتفاق العلماء علي اختصاصها بغنائم الحرب، ونظره إلي علمائهم. ويأتي بعض الكلام في ذلك في الأمر السابع مما يجب فيه الخمس، إن شاء الله تعالي.

********

(1) وسائل الشيعة ج: 6 باب: 8 من أبواب ما يجب فيه الخمس حديث: 5

(2) وسائل الشيعة ج: 6 باب: 4 من أبواب الأنفال حديث: 8

(3) وسائل الشيعة ج: 6 باب: 5 من أبواب ما يجب فيه الخمس حديث: 3

(4) وسائل الشيعة ج: 6 باب: 1 من أبواب ما يجب فيه الخمس حديث: 6

ص: 9

(10)

المأخوذة (1)

-

(1) قد يشعر باختصاص الحكم بالمنقولة، فلا يجب الخمس في الأراضي، كما هو ظاهر الحدائق، وقد يشعر به أو يظهر فيه كلام المقنعة.

خلافاً لصريح الشرايع والمعتبرة والتذكرة والقواعد وعن غيرها وظاهر آخرين من عمومه لها، بل قيل: إنه المشهور، ونسبه في الحدائق والجواهر لظاهر الأصحاب. وفي الجواهر: بل كأنه من المسلمات عندهم. بل ذكر أنه داخل في محكي إجماع المدارك المتقدم. لكنه بعيد، لعدم معروفية الحكم بين العامة.

وكيف كان فقد استدل أو يستدل للعموم بإطلاق الآية الشريفة والنصوص الكثيرة المتضمنة ثبوت الخمس في الغنائم(1) ، ومعتبر أبي بصير عن أبي جعفر (عليه السلام): قال: كل شيء قوتل عليه علي شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله (صلي الله عليه وآله وسلّم) فإن لنا خمسه. ولا يحل لأحد أن يشتري من الخمس شيئاً حتي يصل إلينا حقّنا(2). والوجه في اعتباره مع اشتمال سنده علي علي بن أبي حمزة البطائني الكذاب المنحرف هو أن الظاهر أن روايتهم عنه كانت في عهد استقامته ووثاقته، لأنهم تجنبوه بعد خروجه عن الحق وفريته. كما ذكرنا ذلك في غير موضع من هذا الشرح.

ويشكل الاستدلال المذكور بأن إطلاق الآية الكريمة يقصر عن الأراضي المفتوحة عنوة، لأن نسبة الغنم للمخاطبين في المنقول مبنية علي ملكية المقاتلين للمغنم بأشخاصهم، وفي الأراضي المفتوحة عنوة مبنية علي ملكية المسلمين وغنمهم له بعنوانهم، لأنها مملوكة للمسلمين عامة تبقي لهم، نظير الوقف، وليس المقاتل إلا سبباً لغنم العنوان من دون خصوصية له فيه. ومن الظاهر اختلاف نحو النسبتين وموضوعهما فلا مجال لحمل الآية عليهما معاً، وحيث لا إشكال في إرادة المنقول منها تعين قصورها عن الأراضي.

********

(1) راجع وسائل الشيعة ج: 6 باب: 2 من أبواب ما يجب فيه الخمس

(2) وسائل الشيعة ج: 6 باب: 2 من أبواب ما يجب فيه الخمس حديث: 5

ص: 10

كما أنه حيث كان إطلاق الغنيمة علي خصوص غنائم الحرب في عرف المسلمين متفرعاً علي استعماله في الآية الشريفة ونحوها، فالمتيقن منه المنقول مما كان غنيمة لأشخاص مخصوصين. ومن هنا لا مجال للبناء علي شمول إطلاق النصوص المتضمنة ثبوت الخمس في الغنائم للأراضي.

نعم قد يتجه شمول إطلاق معتبر أبي بصير لها. وإن كان التعرض في ذيله لحرمة الشراء قبل دفع الخمس قد يصلح للقرينية علي إرادة المنقول الذي يمكن شراؤه، بنحو يمنع من الجزم بظهور الإطلاق في العموم لغيره.

ويؤيد الاختصاص بالمنقول خبر عبد الله بن سنان عن أبي عبد الله (عليه السلام): في الغنيمة. قال: يخرج منها الخمس، ويقسم ما بقي بين من قاتل عليه وولي ذلك(1) ، ونحوه مرسل العياشي عنه(2).

كما قد يدل عليه صحيح ربعي بن عبد الله عنه (عليه السلام): قال: كان رسول الله (صلي الله عليه وآله وسلّم) إذا أتاه المغنم أخذ صفوه، وكان ذلك له، ثم يقسم ما بقي خمسة أخماس، ثم يقسم أربعة أخماس بين الناس الذين قاتلوا عليه(3) ، لقرب ظهوره في أن المراد بالمغنم هو الغنيمة المعهودة التي شرع فيها الخمس، لا قسم منها وهو خصوص ما ينقل ويؤتي به إليه. وقريب منه في ذلك صحيح معاوية بن وهب(4) الآتي عند الكلام في اعتبار إذن الإمام.

مضافاً إلي إطلاق ما تضمن من النصوص الكثيرة أن الأرض المفتوحة عنوة ملك المسلمين يصالح زارعها علي دفع طسقها. وحملها علي ما عدا الخمس مخالف لإطلاقها، وهو مقدم علي إطلاق ما تضمن ثبوت الخمس في الغنيمة لو تم، لأن إطلاق الخاص مقدم علي إطلاق العام.

بل هو كالصريح من مرسل حماد عن أبي الحسن (عليه السلام): قال: الخمس من

********

(1) وسائل الشيعة ج: 6 باب: 2 من أبواب ما يجب فيه الخمس حديث: 10

(2) وسائل الشيعة ج: 6 باب: 1 من أبواب قسمة الخمس حديث: 14، 3

(3) وسائل الشيعة ج: 6 باب: 1 من أبواب قسمة الخمس حديث: 14، 3

(4) وسائل الشيعة ج: 6 باب: 1 من أبواب الأنفال حديث: 3

ص: 11

(12)

بالقتال (1) من الكفار الذين يحل قتالهم (2) إذا كان بإذن الإمام (عليه السلام).

-

خمسة أشياء من الغنائم والغوص ومن الكنوز ومن المعادن والملاحة، يؤخذ من كل هذه الصنوف الخمس، فيجعل لمن جعل الله له، ويقسم الأربعة الأخماس بين قاتل عليه وولي ذلك.. وليس لمن قاتل شيء من الأرضين.. والأرضون التي أخذت عنوة بخيل أو ركاب فهي موقوفة متروكة في يدي من يعمرها ويحييها ويقوم عليها علي ما صالحهم الوالي علي قدر طاقتهم من الحق الخراج.. فإذا أخرج منها العشر فيقسم بين الوالي وبين شركائه الذين هم عمال الأرض وأكرتها، فيدفع إليهم أنصباؤهم علي ما صالحهم عليه، ويؤخذ الباقي، فيكون بعد ذلك أرزاق أعوانه علي دين الله.. ليس لنفسه من ذلك قليل ولا كثير (1) . والظاهر انجباره بعمل الأصحاب، كما يأتي في أوائل الكلام في مستحق الخمس إن شاء الله تعالي.

وذلك هو المناسب لما ورد من سيرة رسول الله (صلي الله عليه وآله وسلّم) وأمير المؤمنين (عليه السلام) وغيرهما في أرض الخراج، ومنها أرض خيبر، حيث لم يعرف منهم إخراج الخمس منها ولا من ريعها، كما كانوا يخرجونه من الغنائم المنقولة.

(1) فلو أخذت من غير قتال لم تكن من هذا القسم، بل دخلت في القسم السابع، وهو فاضل المؤنة من مطلق الفائدة، علي ما يأتي منه (قدس سره) التعرض له في المسألة الأولي.

نعم لا يراد بالقتال فعلية التقاتل، بل يكفي تهيؤ الجيش له وإن كان الاغتنام بنحو الهجوم المباغت الموجب لرعب الطرف المقابل وفراره، أو بنحو الخديعة والإغفال، أو غير ذلك، كما لعله ظاهر.

(2) أما إذا لم يحل قتالهم فإن كان لاعتصامهم بذمة أو هدنة فلا غنيمة منهم، بل يجب ردّ ما أخذ منهم عليهم. وإن كان لعدم المصلحة في قتالهم فلا يتضح الوجه

********

(1) صدره في وسائل الشيعة ج: 6 باب: 1 من أبواب قسمة الخمس حديث: 8 وذيله باب: 41 من أبواب جهاد العدو وما يناسبه حديث: 2

ص: 12

(13)

أما إذا لم يكن بإذنه فالغنيمة كلها للإمام (1)،

-

في عدم وجوب الخمس إذا جاز أخذ أموالهم. إلا أن يرجع إلي العلم بعدم إذن الإمام في قتالهم، فيجري فيه ما يأتي.

هذا وقد اعتبر في الجواهر - مع ذلك - أن يكون الكفر موجباً لاستحلال المال في قبال مثل كفر الارتداد عن فطرة أو ملة، حيث يوجب الأول انتقال المال إلي وارثهم ولو كان هو الإمام، والثاني لزوم استتابتهم مع احترام أموالهم وبقائها لهم إن عادوا للإسلام، وانتقالها إلي وارثهم إن ماتوا أو قتلوا قبل ذلك.

وهو متجه في الارتداد الفطري، لخروج أموالهم بالكفر عن ملكهم، وصيرورتها للوارث المسلم، فهي كسائر أموال المسلمين الموجودة عند الكفار التي يجب إرجاعها لأصحابها، كما يأتي.

أما في الارتداد الملي إذا فرض قوتهم واعتصامهم بحيث يحتاج لقتالهم، فحيث تبقي أموالهم ملكاً لهم إلي حين القتال فالمتعين دخولها في عمومات الغنيمة وجريان حكمها عليها، لأنها أخص من العمومات الأولية المقتضية للميراث. نظير ما يملكه الكافر الأصلي إذا كان له وارث مسلم، فإنه إذا قوتل عليه لا يكون لوارثه المسلم، بل يجري عليه حكم الغنيمة.

وهو المناسب لما هو المنقول تاريخياً من سيرة المسلمين - حتي في عهد أمير المؤمنين (عليه السلام) - في قتال المرتدين المليين، حيث لم ينقل الخروج في أموالهم عما هو المعهود في حكم الغنائم، وإنما نقل ذلك عن أمير المؤمنين (عليه السلام) في قتال البغاة لا غير.

(1) كما هو المعروف من مذهب الأصحاب ونفي الخلاف فيه في الروضة، بل في الخلاف وعن الحلي الإجماع عليه. وعن المنتهي: كل من غزا بغير إذن الإمام إذا غنم كانت غنيمته للإمام عندنا.

واستدل لذلك بمرسلة العباس الوراق عن رجل سماه عن أبي عبدالله (عليه السلام): قال: إذا غزا قوم بغير إذن الإمام فغنموا، كانت الغنيمة كلها للإمام، وإذا غزوا بأمر

ص: 13

الإمام فغنموا، كان للإمام الخمس (1) . وضعفها منجبر بعمل الأصحاب.

هذا وقد منع بعض مشايخنا من انجبارها بالعمل صغروياً لاحتمال استنادهم في الحكم لتسالمهم لا إليها، وكبروياً لعدم جبر الشهرة للسند عنده.

لكن الثاني ممنوع، علي ما أوضحناه في محله من الأصول. والأول غريب بعد مخالفة الحكم للأصل والعموم، واستدلالهم له بالرواية خلفاً عن سلف، بنحو يظهر منهم التعويل عليها. علي أنه لو تم تسالمهم بنحو يعتمد عليه قدماء الأصحاب، كفي دليلاً في مثل هذا الحكم المخالف للعموم والأصل، لكشفه عن رأي الأئمة (عليهم السلام).

ثم إنه قد يستدل لذلك بصحيح معاوية بن وهب: قلت لأبي عبد الله (عليه السلام): السرية يبعثها الإمام، فيصيبون غنائم كيف يقسم؟ قال: إن قاتلوا عليها مع أمير أمره الإمام عليهم أخرج منها الخمس لله وللرسول، وقسم بينهم أربعة أخماس، وإن لم يكونوا قاتلوا عليها المشركين كان كل ما غنموا للإمام يجعله حيث أحب(2).

بدعوي: أن مقتضي الشرطية الأولي اعتبار القتال بإذن الإمام في وجوب التخميس، وحيث كانت الشرطية الثانية تصريحاً بمفهوم الأولي لزم حمل عدم القتال فيها علي القتال المذكور في الأولي، فيشمل صورتي عدم القتال رأساً، والقتال بغير إذنه.

ويشكل بأن حمل عدم القتال في الشرطية الثانية علي عدم القتال الخاص المذكور في الشرطية الأولي، ليعم الصورتين المذكورتين بعيد جداً، بل هو كالصريح في عدم القتال رأساً، والإشارة لحكم ما لم يوجف عليه بخيل ولا ركاب. وهي حينئذٍ إما أن تكون قرينة علي أن ذكر إذن الإمام في الشرطية الأولي لتأكيد مفاد المورد من دون أن يكون دخيلاً في الحكم، ويكون مرجع الشرطيتين التفصيل بين القتال وعدمه، وإما أن تكون تصريحاً بإحدي صورتي مفهوم الأولي، وتكون الصورة الثانية - وهي صورة القتال بغير إذنه - مسكوتاً عنها ولعله الأظهر.

********

(1) وسائل الشيعة ج: 6 باب: 1 من أبواب الأنفال حديث: 16

(2) وسائل الشيعة ج: 11 باب: 41 من أبواب جهاد العدو حديث: 1، وذكره محرفاً في ج: 6 باب: 1 من أبواب الأنفال حديث: 3

ص: 14

نعم قد يقال: التأكيد في الشرطية الأولي علي كون القتال بأمير أمره الإمام وعدم الاكتفاء بذكره في السؤال ظاهر في الاهتمام به، لدخله في الحكم الذي تضمنته، وهو الاكتفاء بالخمس وعدم ثبوت الحكم المذكور بدونه. ولا أقل من قوة الإشعار فيه بذلك، فيصلح للتأييد.

لكن لو تم ذلك فهو إنما يقتضي عدم اختصاص الإمام بالخمس، لا أن الغنيمة كلها للإمام. اللهم إلا أن يتمم دلالتها بعدم الفصل. وإن كان الحديث مع ذلك لا يخلو عن اضطراب.

هذا ويظهر من النافع التوقف في كون الغنيمة بتمامها للإمام مع عدم الإذن، بل عن المنتهي قوة الاكتفاء بالخمس كما لو أذن، وفي المدارك أنه جيد، لإطلاق الآية الشريفة، وخصوص صحيح الحلبي عنه (عليه السلام): في الرجل من أصحابنا يكون في لوائهم، ويكون معهم فيصيب غنيمة. قال: يؤدي خمسها ويطيب له(1).

وفيه أنه إن تمت دلالة الصحيح وكان معارضاً للمرسلة سقط عن الحجية بإعراض الأصحاب، ولزم العمل بالمرسلة وتقييد الآية الشريفة بها كما تقدم. لأن إطلاق الكتاب إنما يكون مرجحاً للخبرين المتعارضين مع بلوغهما مرتبة الحجية. علي أن الآية الشريفة بناءً علي ما سبق منّا من عمومها لكل فائدة لا تدل علي ملكية غنائم الحرب، لأن الكبري لا تنهض بإحراز موضوعها، وإنما تستفاد ملكية الغنائم إما من المفروغية عن ذلك، أو مما تضمن عدم احترام ملك الكافر غير المعتصم بذمة أو عهد. وعلي الأول فالمتيقن ما كان بإذن الإمام، وعلي الثاني فالآية إنما تقتضي ثبوت الخمس في الجملة ولو بعد استثناء المؤنة. لا خصوص خمس غنائم الحرب الذي هو محل الكلام.

كما أنه بناءً علي اختصاصها بغنائم الحرب فهي كسائر مطلقات خمس غنائم الحرب تدل علي المفروغية عن ملكيتها للمقاتلين من دون أن تكون مسوقة لذلك،

********

(1) وسائل الشيعة ج: 6 باب: 2 من أبواب ما يجب فيه الخمس حديث: 8

ص: 15

ليكون لها إطلاق فيه. بل لو كان لها إطلاق فيه فمن القريب جداً انصرافه لما إذا كانت الحرب بإذن الإمام، لأنها هي الحرب المشروعة المعهودة بين المسلمين، وإن وقع الخلاف بين المسلمين في تعيين الإمام الذي هو المرجع فيها.

وكيف كان فعن المستند وغيره الجمع بين المرسلة والصحيح بحمل الصحيح علي أن ذلك منه (عليه السلام) تحليل للباقي بعد الخمس، مع كون الجميع له (عليه السلام) بمقتضي إطلاق المرسلة، واحتمله في الجواهر.

ويشكل بظهور الصحيح في أن طيب الباقي له بعد الخمس حكم شرعي لا تحليل مالكي، لأن الأصل في البيانات الصادرة منهم (عليهم السلام) ذلك ولا سيما مع الحكم في المقام بالخمس، حيث ينسبق منه تطبيق عموم وجوبه في الغنيمة.

وذكر سيدنا المصنف (قدس سره) أن الصحيح غير ظاهر في كون الغزو - ولو من الرجل - كان بغير إذن من الإمام (عليه السلام). ويشكل بأن ظاهر الصحيح ليس هو السؤال عن قضية خارجية لرجل خاص معهود وقع منه القتال، بل عن قضية حقيقية عامة. وحينئذٍ فمقتضي عدم الاستفصال في الجواب عدم اعتبار إذن الإمام في مفروض السؤال.

علي أنه حيث كان وجوب الخمس لا غير في الغنيمة مع مشروعية القتال من الواضحات، فمن البعيد جداً أن يكون منشأ السؤال هو الجهل بالحكم المذكور مع إحراز موضوعه، بل الظاهر أن منشأه الجهل بحكم الغنيمة مع عدم مشروعية القتال، المناسبة للتنبيه لكون الرجل في لواء حكام الجور، لأن ذلك من سنخ المقتضي لعدم المشروعية، وإذن الإمام من سنخ المانع منه، والتنبيه في السؤال للمقتضي دون المانع ظاهر جداً في فرض عدم المانع. ومن هنا كان حمل الصحيح علي صورة الإذن بعيد جداً لا يناسب مساق السؤال فيه.

وبذلك يظهر أنه لا مجال أيضاً لما في الجواهر من احتمال الحمل علي ذلك للجمع بين النصوص ورفع التنافي بينها.

ومن الغريب ما ذكره بعض مشايخنا من احتمال المفروغية عن الإذن، لما ثبت

ص: 16

من إمضائهم (عليهم السلام) ما صدر من حكام الجور في عصورهم من الغزو والجهاد مع الكفار وإذنهم العام في ذلك.

إذ فيه: أنه لا مجال لاحتمال الإذن العام منهم (عليهم السلام) في القتال مع حكام الجور بعد النصوص الكثيرة المانعة منه(1) ، وفي بعضها أنه مثل الميتة ولحم الخنزير(2) ، وفي آخر: فإنه إن مات في ذلك المكان كان معيناً لعدونا في حبس حقنا والاشاطة بدمائنا، وميتته ميتة جاهلية(3) ، وعلي ذلك جرت سيرة أصحاب الأئمة (عليهم السلام) وشيعتهم. وغاية ما يدعي إذن أمير المؤمنين (عليه السلام) في القتال في حروب الإسلام الأولي في الجملة، كما قد يستظهر من بعض النصوص(4) ، ويشهد به اشتراك بعض خواص أصحابه فيها.

ومثله ما احتمله في الجواهر من حمل الصحيح علي التقية. إذ فيه: أن ظهور الصحيح في المفروغية عن عدم شرعية حكم أهل الجور لا يناسب حمل الجواب فيه علي التقية جداً، خصوصاً بعد كون توقف حلّ الغنيمة للرجل بدفع الخمس لهم (عليهم السلام) أمراً لا يتناسب مع طريقة العامة ومبانيهم.

وعلي ذلك فالأظهر حمل مرسلة العباس علي صورة بسط يد الإمام وتصديه للجهاد، كما هو الظاهر من صحيح معاوية بن وهب بناء علي الاستدلال به في المقام. وحمل صحيح الحلبي علي صورة كف يده في دولة الظالمين وحال مهادنتهم، كما هو مورده، وذلك هو المناسب للنصوص الظاهرة في غصب الظالمين لخمسهم من الفيء وتحليله لشيعتهم ولآبائهم.

ففي حديث الفضيل: قال أبو عبدالله (عليه السلام) قال: أمير المؤمنين لفاطمة (عليها السلام): أحلي نصيبك من الفيء لآباء شيعتنا ليطيبوا(5) ، فإن الظاهر أن المراد من نصيبها من الفيء هو الخمس أو بعض سهامه، فلا يناسب كون الفيء كله للإمام.

********

(1) راجع وسائل الشيعة ج: 11 باب: 6، 7 من أبواب جهاد العدو وما يناسبه

(2) وسائل الشيعة ج: 11 باب: 12 من أبواب جهاد العدو وما يناسبه حديث: 1، 8

(3) وسائل الشيعة ج: 11 باب: 12 من أبواب جهاد العدو وما يناسبه حديث: 1، 8

(4) الخصال باب السبعة حديث: 58 ص: 344 طبع النجف الأشرف

(5) وسائل الشيعة ج: 6 باب: 4 من أبواب الأنفال حديث: 10

ص: 17

وفي موثق الحارث بن المغيرة: دخلت علي أبي جعفر (عليه السلام) فجلست عنده، فإذا بخية قد استأذن عليه... قال: جعلت فداك ما تقول في فلان وفلان؟ قال: يا بخية إن لنا الخمس في كتاب الله، ولنا الأنفال، ولنا صفو المال، وهما والله أول من ظلمنا حقنا في كتاب الله..(1).

وفي حديث أبي حمزة عن أبي جعفر (عليه السلام): قال: إن الله جعل لنا سهاماً ثلاثة في جميع الفيء، فقال تبارك وتعالي: واعلموا أنما غنمتم من شيء فأن لله خمسه وللرسول ولذي القربي واليتامي والمساكين وابن السبيل. فنحن أصحاب الخمس والفيء، وقد حرمناه علي جميع الناس ما خلا شيعتنا. والله يا أبا حمزة ما من أرض تفتح ولا خمس يخمس فيضرب علي شيء منه إلا كان حراماً علي من يصيبه، فرجاً كان أو مالاً(2).

وعن تفسير العسكري: عن أمير المؤمنين (عليه السلام) أنه قال لرسول الله (صلي الله عليه وآله وسلّم): قد علمت يا رسول الله أنه سيكون بعدك ملك عضوض وجبر، فيستولي علي خمسي من السبي والغنائم(3). وفي مرسل العياشي عن أحدهما (عليه السلام): قال: فرض الله في الخمس نصيباً لآل محمد، فأبي أبو بكر أن يعطيهم نصيبهم(4).

وقريب منها في ذلك معتبر أبي بصير المتقدم عند الكلام في خروج الخمس من الأرض، لظهور قوله (عليه السلام): ولا يحل لأحد أن يشتري من الخمس في بيان حكم ابتلائي، لا حكم فرضي يختص موضوعه بظهور دولة الحق، ووقوع القتال بإذن الإمام.

وهذه النصوص - كما تري - لا تناسب عموم مرسلة العباس لصورة كف يد الإمام في دول الظالمين. بل يتعين حملها علي صورة بسط يد الإمام، وجمعها مع صحيح الحلبي بالوجه المذكور.

ودعوي: أن صحيح الحلبي لا يناسب نصوص تحليل الخمس وتحليل

********

(1و2و3) وسائل الشيعة ج: 6 باب: 4 من أبواب الأنفال حديث: 14، 19، 20

(4) وسائل الشيعة ج: 6 باب: 1 من أبواب قسمة الخمس حديث: 16

ص: 18

سواءً كان للدعاء للإسلام أو لغيره (1).

-

حقهم (عليهم السلام) للشيعة، ولاسيما وأن المتيقن من بعض نصوصه غنائم الحرب. مدفوعة بأن صحيح الحلبي أخص من النصوص المذكورة، لوروده في خصوص المشارك في الحرب بوجه غير مشروع، فيتعين الخروج به عن إطلاق تلك النصوص.

نعم، في خبر النهاوندي: أتيت سيدي سنة تسع ومائتين، فقلت: جعلت فداك إني رويت عن آبائك أن كل فتح فتح بضلالة فهو للإمام (عليه السلام). فقال: نعم. قلت: جعلت فداك فإنه أتوا بي من بعض الفتوح التي فتحت علي الضلالة، وقد تخلصت من الذين ملكوني بسبب من الأسباب، وقد أتيتك مسترقاً مستعبداً. فقال: قد قبلت... فلما كانت سنة ثلاث عشرة ومائتين أتيته (عليه السلام) وذكرته العبودية التي التزمتها، فقال: أنت حرّ لوجه الله..(1). وهو صريح في خلاف ما ذكرنا.

لكنه: أولاً: ضعيف في نفسه من دون ظهور انجباره بعمل الأصحاب، لعدم ذكرهم لمضمونه، وعدم استدلالهم به للحكم بأن تمام الغنيمة للإمام مع عدم إذنه في الحرب، وإنما ذكروا مرسل العباس لا غير.

وثانياً: معارض بصحيح الحلبي وبنصوص تحليل الخمس المتقدمة. بجميع ما تضمن تحليل حقهم (عليهم السلام) للشيعة، لأن مقتضاها حرية الشخص المذكور من دون حاجة إلي عتق خاص منهم (عليهم السلام).

فلابد من حمله علي بيان مقتضي الحكم الأولي الذي لا يكون مورداً للتطبيق عملاً. نظير الأحكام التي يظهرها الحجة المنتظر بظهوره. أو التوقف فيه ورد علمه لقائله (عليه السلام).

(1) كما قواه في محكي الجواهر لإطلاق مرسلة العباس المتقدمة. خلافاً لما حكي عن الحدائق من التفصيل بين ما إذا كانت الحرب للدعاء للإسلام فالغنيمة للإمام،

********

(1) مستدرك الوسائل ج: 7 باب: 2 من أبواب الأنفال وما يختص بالإمام حديث: 20. ورجال الكشي ج: 2 ص: 839 حديث: 1076

ص: 19

(20)

وإذا لم يكن بنحو الغزو - كما إذا كان دفاعاً لهم عند هجومهم علي المسلمين

وجب فيها الخمس (1).

-

وما إذا كانت للقهر والغلبة فيجب الخمس. لدعوي: ظهور المرسلة في خصوص الأول، وعملاً في الثاني بعموم الآية الشريفة.

وفيه: أنه لا وجه لظهور المرسلة في خصوص الأول، لأنه لو تم عدم تصدي الإمام للغزو من أجل الغلبة والقهر، وانحصار غرضه منه بالدعاء للإسلام إلا أنه مع فرض غزوهم بغير إذنه لا وجه لظهور حالهم في عدم الغزو للغلبة والقهر، بل للدعاء للإسلام، ليكون هو ظاهر المرسلة.

ولاسيما وأن المنساق من المرسلة كون الحكم بملكية الإمام للغنيمة بتمامها مع القتال بغير إذنه من سنخ العقوبة للمقاتلين، وهو لا يناسب اختصاصه بما إذا كان قتالهم للدعاء للإسلام وعدم ثبوته مع كون قتالهم لمجرد الغلبة، فإنه أولي بالحرمان.

وأما عموم الآية الشريفة فهو ممنوع، كإطلاق نصوص ثبوت الخمس في غنائم الحرب، كما يظهر مما سبق في أوائل الكلام في التفصيل بين إذن الإمام وعدمه. فراجع.

نعم لا يظهر من الحدائق التفصيل المذكور في المأخوذ بالقتال، بل تعميم ما يأتي من أن يؤخذ بغير قتال فلا خمس فيه لما إذا أخذ جهداً وغلبة وغصباً في قبال ما قد يوهمه كلام الشهيد (قدس سره) من اختصاصه بما يؤخذ سراً علي وجه السرقة أو الغيلة. فراجع.

(1) اقتصاراً في الحكم بملك الإمام لتمام الغنيمة علي مورد المرسلة وهو الغزو، ورجوعاً في غيره إلي عموم الآية وإطلاق نصوص ثبوت الخمس في الغنيمة.

وفيه - مع ما ذكرنا من قصور عموم الآية وإطلاق نصوص ثبوت الخمس في غنائم الحرب -: أن خصوصية الغزو ملغية عرفاً، لأن المستفاد من المرسلة الاهتمام بمقام الإمام، الذي لا يفرق فيه بين الموارد.

ومن هنا كان المتعين عموم الحكم بملكية الإمام (عليه السلام) لتمام الغنيمة مع عدم

ص: 20

(21)

إذنه في القتال في كل مورد يجب الرجوع إليه فيه مع بسط يده.

نعم لو لم يجب الرجوع إليه، لوجوب القتال وتعذر الاستئذان منه أو لغير ذلك، فانصراف المرسلة عن ذلك قريب جداً، كقصورها عن صورة عدم بسط يده، لما تقدم.

ومنه يظهر حكم القتال دفاعاً عن بيضة الإسلام، وأنه يكتفي فيه بالخمس مع عدم بسط يد الإمام أو عدم وجوب الاستئذان منه للتعذر أو غيره. كما يظهر حال ما في العروة الوثقي من التفصيل بين زمان الحضور وإمكان الاستئذان وزمان الغيبة، فيكفي الخمس في الثاني دون الأول.

هذا ولو كان القتال بإذن الفقيه، وقلنا بعموم نيابته عن الإمام في ذلك، كان بحكم الاستئذان من الإمام في الاكتفاء بالخمس، وخرج عن محل كلامهم موضوعاً. كما يكون عدم الاستئذان منه حينئذٍ مع وجوبه بحكم عدم الاستئذان من الإمام مع بسط اليد مستلزماً لكون تمام الغنيمة للإمام. لكن الإشكال في ثبوت النيابة بالوجه المذكور. فلاحظ.

بقي في المقام أمران:

الأول: يستثني من ثبوت الخمس أمور للإمام أخذها قبل القسمة.

منها: صفو المال وقطائع الملوك، فإنها كلها للإمام، علي ما يأتي في ذيل كتاب الخمس عند الكلام في الأنفال.

ومنها: ما يري الإمام صلاحاً في دفعه من أصل الغنيمة قبل التخميس،، ففي صحيحة زرارة: قال: الإمام يجري وينفل ويعطي ما يشاء قبل أن تقع السهام. وقد قاتل رسول الله (صلي الله عليه وآله وسلّم) بقوم لم يجعل لهم في الفيء نصيباً. وإن شاء قسم ذلك بينهم(1) ، وقريب منه مرسل حماد(2). وربما قيل باستثناء أمور أخر ذكرها الأصحاب في كتاب الجهاد لا مجال لإطالة الكلام فيها.

********

(1و2) وسائل الشيعة ج: 6 باب: 1 من أبواب الأنفال حديث: 2، 4

ص: 21

(22)

(مسألة 1): ما يؤخذ منهم بغير القتال - من غيلة أو سرقة أو ربا (1) أو دعوي باطلة - فليس فيه خمس الغنيمة (2)،

-

الثاني: قال في العروة: إذا غار المسلمون علي الكفار، فأخذوا أموالهم فالأحوط بل الأقوي إخراج خمسها من حيث كونها غنيمة، ولو في زمن الغيبة. وقال سيدنا المصنف (قدس سره): وقد تقدم أن مقتضي الجمع بين النصوص اختصاص ذلك بصورة إذن الإمام، وإلا فهي له وإن كان في زمن الغيبة.

أقول: تقدم أن الاختصاص بإذن الإمام موقوف علي وجوب الرجوع إليه في الحرب. علي أن منصرف نصوص الغنيمة الجهاد من المسلمين بما أنهم مسلمون للكفار بما هم كفار. أما إذا كانت الإغارة من أفراد المسلمين علي الكفار من أجل السلب والنهب لا بعنوان الجهاد - كما قد يغير بعض أهل دين علي أهل دينهم - أشكل صدق الغنيمة بالمعني الأخص، وإن صدق الغنم بالمعني الأعم الذي هو مفاد الآية الشريفة كما سبق. ويظهر الأثر في استثناء مؤنة السنة وعدمه.

وعليه يلزم التفصيل في الفرض المتقدم من العروة الوثقي. فإن كانت الإغارة بعنوان الجهاد في مورد يجب الرجوع له (عليه السلام) أو لنائبه، فمع الإذن يجب خمس الغنيمة من دون استثناء المؤنة، ومع عدم الإذن تكون الغنيمة كلها للإمام. وإن لم تكن الإغارة بعنوان الجهاد وجب خمس الغنيمة بعد استثناء المؤنة. فلاحظ.

(1) بناءً علي حرمة المعاملة الربوية معهم مطلقاً. لأن حرمة إيقاع العقد معهم وفساده لا ينافي جواز أخذ المال المترتب عليه لا بسبب العقد، بل لقاعدة الإلزام، أو لعدم احترام أموالهم وحينئذٍ فقد يتوهم أنه بحكم الغنيمة علي ما يأتي. وأما بناءً علي جواز المعاملة الربوية معهم إذا تضمنت أخذ الربا منهم، فهو خارج عن الغنيمة قطعاً، بل هو من أرباح التجارات.

(2) وفاقاً للدروس في الأولين وللعروة الوثقي في الأخيرين. والوجه فيه: أن الأمور المذكورة وإن كانت داخلة في عموم الآية ونحوها مما تضمن وجوب الخمس

ص: 22

في الغنيمة بالمعني الأعم والفائدة، إلا أن مقتضي إطلاق ما تضمن أن الخمس بعد المؤنة استثناء المؤنة منه. ويؤيده إطلاق ما في صحيح ابن مهزيار من قوله (عليه السلام) في كتابه له في تعداد الفوائد المذكورة: ومثل عدّو يصطلم فيؤخذ ماله... وما صار إلي موالي من أموال الخرمية الفسقة(1).

وأما ما تضمن وجوب الخمس في الغنيمة بالمعني الأخص، وهو الذي لا تستثني منه المؤنة، فلا يتضح شموله للأمور المذكورة، لعدم كون موضوعه كلما يغنم من الكافر، بل هو ظاهر في خصوص ما يؤخذ منهم بالقتال مطلقاً أو بعنوان الجهاد - علي ما سبق منا الكلام فيه قريباً - ولا أقل من كونه المتيقن، كما يظهر بملاحظة النصوص المتقدمة عند الكلام في ثبوت الخمس في الأرض وغيرها.

ومنه يظهر عدم صيرورة المأخوذ منهم للإمام لو أخذ بغير إذنه، بل هو لآخذه مطلقاً، كما في الروضة. لاختصاص ما دل علي اعتبار إذنه في الاكتفاء بالخمس بما يؤخذ بالقتال مطلقاً أو إذا كان بعنوان الجهاد، علي ما سبق.

هذا وقد يستدل علي وجوب الخمس في الموارد المذكورة بما يأتي في مال الناصب، إما لحمل الناصب علي من نصب الحرب من الكفار، وإما لدعوي أولوية الكافر من الناصب في الحكم المذكور، أو مساواته له فيه.

لكن الأول مخالف للظاهر بعد شيوع إطلاق الناصب علي من نصب العداء لأهل البيت (عليهم السلام) ولشيعتهم تبعاً لهم (عليهم السلام). وأما ما عن الحلي من أن الناصب المعني في النص الآتي أهل الحرب، لأنهم ينصبون الحرب للمسلمين. وإلا فلا يجوز أخذ مال مسلم ولا ذمي علي وجه من الوجوه. فهو غريب.

وأما الثاني فيشكل بأن أولوية الكافر من الناصب أو مساواته له - لو تمت - فهي في عدم حرمة المال، لا في وجوب الخمس في المال المأخوذ منه. كما لعله ظاهر.

********

(1) وسائل الشيعة ج: 6 باب: 8 من أبواب ما يجب فيه الخمس حديث: 5

ص: 23

(24) (24)

بل خمس الفائدة كما سبق. كما سيأتي إن شاء الله تعالي (1).

(مسألة 2): لا يعتبر في وجوب الخمس في الغنيمة بلوغها عشرين ديناراً (2) علي الأصح. نعم يعتبر أن لا تكون غصباً من مسلم أو غيره ممن هو محترم المال، وإلا وجب ردها علي مالكها (3).

-

(1) حيث يأتي منه (قدس سره) ثبوت الخمس في كل فائدة، وأنه يمتاز عن بقية أنواع الخمس باستثناء مؤنة السنة قبل الخمس.

(2) قال في الجواهر: وفاقاً لصريح جماعة وظاهر آخرين. بل لا أعرف فيه خلافاً سوي ما يحكي عن ظاهر غرية المفيد من اشتراط بلوغ مقدار عشرين ديناراً. وهو ضعيف جداً لا نعرف له موافقاً ولا دليلاً، بل هو علي خلافه متحقق. وهو متين جداً، إذ لم يرد النصاب المذكور إلا في المعدن وفي الكنز. والتعدي منهما للغنيمة قياس، فلا مخرج عن إطلاق أدلة ثبوت الخمس في الغنيمة.

(3) كما عن المشهور. ويقتضيه - مضافاً إلي استصحاب ملكيته له، القاضي بوجوب تسليمه له بمقتضي عموم السلطنة واحترام المال - صحيح هشام بن سالم عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: سأله رجل عن الترك يغزون علي المسلمين فيأخذون أولادهم فيسرقون منهم، أيرد عليهم؟ قال: نعم والمسلم أخو المسلم. والمسلم أحق بماله أينما وجده(1). لوضوح أن الرد عليهم بعد أخذ الترك منهم لا يكون إلا بقتال المسلمين للترك واسترجاعهم منهم ما أخذوه فيكون مما نحن فيه.

وخبر طربال عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: سئل عن رجل كان له جارية، فأغار عليه المشركون فأخذوها منه، ثم إن المسلمين بعد غزوهم فأخذوها فيما غنموا منهم. فقال: إن كانت في الغنائم وأقام البينة أن المشركين أغاروا عليهم فأخذوها منه ردت عليه، وإن كانت قد اشتريت وخرجت من الغنم فأصابها ردت عليه برمتها وأعطي

********

(1) وسائل الشيعة ج: 11 باب: 35 من أبواب جهاد العدو حديث: 5

ص: 24

الذي اشتراها الثمن من المغنم من جميعه. قيل له: فإن لم يصبها حتي تفرق الناس وقسموا جميع الغنائم فأصابها بعد؟ قال: يأخذها من الذي هي في يده إذا أقام البينة، ويرجع الذي هي في يده إذا أقام البينة علي أمير الجيش بالثمن (1) .

نعم لم ينسب للأصحاب العمل به في رجوع من اشتراها بالثمن علي المغنم ورجوع من هي في يده علي أمير الجيش. لكن قد يكون عدم تصريحهم به اتكالاً منهم علي ظهوره، لمطابقته للقاعدة من رجوع المشتري بالثمن بعد ظهور فساد البيع، ورجوع من هي في يده من المقاتلين علي أمير الجيش، ليدفع له حصته من المغنم بعد ظهور عدم كون ما أخذه من الغنيمة، بحمل الثمن علي ذلك.

وإن تعذر الأخير فعدم العمل بالخبر فيه لا يقتضي إهماله في تمام مدلوله مما عملوا به أو اقتضته القاعدة، علي أنه يكفي في المقام صحيح هشام، والأصل المشار إليه آنفاً.

هذا وعن الشيخ في النهاية والقاضي في بعض كتبه دخول المال المذكور في الغنائم مع غرامة الإمام قيمته لأربابه من بيت المال. ويستدل له بمرسل هشام بن سالم عن أبي عبد الله (عليه السلام): في السبي يأخذ العدو من المسلمين في القتال من أولاد المسلمين أو من مماليكهم فيحوزونه، ثم إن المسلمين بعد قاتلوهم فظفروا بهم وسبوهم، وأخذوا منهم ما أخذوا من أولاد المسلمين ومماليكهم. قال: فقال: أما أولاد المسلمين فلا يقامون في سهام المسلمين، ولكن يردون إلي أبيهم وأخيهم وإلي وليهم بشهود، وأما المماليك فإنهم يقامون في سهام المسلمين فيباعون، وتعطي مواليهم قيمة أثمانهم من بيت مال المسلمين(2) ، بإلغاء خصوصية المماليك، وتعميم الحكم لجميع الأموال، لفهم عدم الخصوصية.

لكن لو غض النظر عن ضعف سند الرواية بالإرسال - لدعوي انجبارها بعمل الشيخ والقاضي بها، وظهور حال الكليني في تصحيحه لها بنحو تصلح للعمل

********

(1و2) وسائل الشيعة ج: 11 باب: 35 من أبواب جهاد العدو حديث: 5، 1

ص: 25

فهي معارضة بالصحيح والخبر المتقدمين المعول عليهما عند الأصحاب، فإن لم يكن الترجيح لهما فلا أقل من التساقط والرجوع للأصل المتقدم.

ودعوي: ترجيح المرسل بموافقته الكتاب والسنة القاضية بأن الغنيمة بعد إخراج الخمس للمقاتلين. مدفوعة بما سبق - عند الكلام في اعتبار إذن الإمام - من أن الآية الشريفة بناءً علي عمومها لكل فائدة - كما هو الظاهر - لا تنهض ببيان ملكية الغنيمة للمقاتلين. وأما بناءً علي اختصاصها بغنائم الحرب فهي كسائر ما تضمن ثبوت الخمس في غنائم الحرب تدل علي المفروغية عن ملكية المقاتلين للغنيمة من دون أن تكون مسوقة لذلك، ليكون لها إطلاق فيه.

بل من القريب جداً ابتناء المفروغية المذكورة علي عدم احترام مال الكافر الحربي، فتقصر عن المال المحترم، وحيث كان مقتضي الأصل والحديثين المتقدمين ملكية المسلم لماله حتي بعد حيازة المقاتلين له كانت واردة علي الأدلة المذكورة، فلا تنهض الأدلة المذكورة بالترجيح.

ومن ذلك يظهر عموم الحكم لمال الذمي، لمشاركته لمال المسلم في جريان الأصل المذكور، وإن قصر عنه الحديثان المتقدمان.

نعم قد يجمع بين الحديثين المتقدمين ومرسل هشام بحملهما علي ما إذا عرف المالك قبل القسمة وحمله علي ما إذا عرف بعدها، لصحيح الحلبي عن أبي عبدالله (عليه السلام): سألته عن رجل لقيه العدو وأصاب منه مالاً أو متاعاً. ثم إن المسلمين أصابوا ذلك، كيف يصنع بمتاع الرجل؟ فقال: إذا كانوا أصابوه قبل أن يحوزا متاع الرجل ردّ عليه، وإن كانوا أصابوه بعد ما حازوه فهو فيء المسلمين، فهو أحق بالشفعة(1). بناءً علي ما عن الجواهر من حمل الحيازة علي القسمة، وإرجاع ضمير (أصابوه) إلي الرجل.

ومرسل جميل عن أبي عبدالله (عليه السلام): في رجل كان له عبد [عبيد. خ. ل] فأدخل دار الشرك ثم أخذ سبياً إلي دار الإسلام؟ قال: إن وقع عليه قبل القسمة فهو أحق به،

********

(1) وسائل الشيعة ج: 11 باب: 35 من أبواب جهاد العدو حديث: 2

ص: 26

وإن جري عليه القسم فهو أحق به بالثمن (1) .

وفيه: أن حمل صحيح الحلبي علي ما سبق من الجواهر بعيد جداً، لأن إرجاع ضمير (أصابوه) للرجل لا يناسب قوله في السؤال: أصابوا ذلك، حيث لا إشكال في عدم إرادة الرجل من اسم الإشارة، كما لا يناسب قوله (عليه السلام) في الجواب: قبل أن يحوزوا متاع الرجل إذا المناسب حينئذٍ أن يقال: قبل أن يحوزوا متاعه. كما أن حمل الحيازة علي القسمة بعيد في نفسه، ولا يناسب قوله في ذيله: وإن كانوا أصابوه بعدما حازوه فهو فيء للمسلمين، لظهور نسبته للمسلمين في كونه ملكاً لمجموعهم المناسب لما قبل القسمة، إذ هو بعد القسمة ملك لمن وقع في سهمه لا غير.

مضافاً إلي أن حمل قوله (عليه السلام) في صحيح الحلبي: فهو أحق بالشفعة علي أنه يستحق ثمنه بعيد جداً، بل قد يكون ظاهراً في أنه يستحق المتاع بنفسه، لكن بعد دفع ثمنه للمسلمين الذين صار فيئاً لهم، كما هو حال من يأخذ بالشفعة في البيع.

فلم يبق إلا المرسل. وهو لا ينهض دليلاً في نفسه، ليصلح شاهد جمع بين النصوص المتقدمة. مضافاً إلي أن قوله (عليه السلام) فيه: فهو أحق به بالثمن أن له أن يأخذه بعد دفع ثمنه للمسلمين، لا أن له أن يأخذ ثمنه من المسلمين، كما هو المدعي. ومن ثم كان الحديثان من المشكل.

علي أن التفصيل المذكور لم يعرف قائل به من أصحابنا، وإنما نسب في الجملة لبعض العامة، كأبي حنيفة والثوري والأوزاعي، حيث نسب لهم أنه لو عرف المالك بعد القسمة كان المال للمقاتلين.

هذا وربما يستدل للشيخ والقاضي بصحيح الحلبي: تارة: بإرجاع ضمير (أصابوه) إلي الرجل مع حمل الحيازة علي الاستيلاء علي المال، فيكون المعني أنهم إن عرفوا صاحب المال قبل استيلائهم علي المال واغتنامهم له فهو له، وإن لم يعرفوه إلا بعد ما غنموا المال فهو فيء للمسلمين. ويظهر ضعفه مما سبق من الإشكال في إرجاع

********

(1) وسائل الشيعة ج: 11 باب: 35 من أبواب جهاد العدو حديث: 4

ص: 27

(28)

أما إذا كان في أيديهم مال للحربي بطريق الغصب أو الأمانة أو نحوهما جري عليه حكم مالهم (1).

-

الضمير للرجل.

وأما ما ذكره بعض مشايخنا من مناسبة الحكم المذكور لحكم مجهول المالك، حيث لا يكون مضموناً لو عرف صاحبه بعد القيام فيه بالوظيفة المطلوبة شرعاً من صدقة ونحوها. فهو غريب، إذ لو تم عدم الضمان مع التصدق بمجهول المالك فالاستيلاء علي المال في المقام واغتنامه ليس وظيفة شرعية، بل عمل خارجي، فهو نظير الاستيلاء علي مجهول المالك، أو أخذه بنية التملك لتخيل كونه مباحاً أصلياً لا نظير التصدق به.

وأخري: بحمل الحيازة فيه علي المقاتلة، ليكون المعني أن إصابتهم المال إن كانت قبل القتال ردّ لصاحبه، وإن كانت بعده فهو فيء للمسلمين. وهو - مع بعده في نفسه - لا يناسب تعدية الحيازة لمتاع الرجل، لا للعدو.

وثالثة: بحمل قوله في السؤال: أصابوا ذلك وقوله في الجواب: أصابوه علي إرادة إصابة المسلمين للعدو، فيرجع إلي أن المسلمين إن أصابوا العدو في أول أزمنة استيلائهم علي المال قبل أن يحوزوه ويستقر في أيديهم بقي ملكاً للرجل ولزم إرجاعه إليه، وإن أصابوه بعد ما حازوا المال واستقر في أيديهم فإذا أخذه المسلمون منهم كان فيئاً لهم، وليس للرجل فيه إلا حق الشفعة بأن يأخذه منهم بالثمن. لكن احتمال ذلك في الصحيح لا يبلغ حدّ ظهوره فيه، ليصلح للاستدلال عليه.

علي أن ما نسب للشيخ والقاضي لا يطابق أحد هذه الوجوه، ليكون دليلاً عليه بعد حمله عليه. ومن هنا كان الصحيح - مع اضطراب متنه - لا يصلح للاستدلال علي شيء. فلا معدل عما عليه المشهور.

(1) فيتملكه المقاتلون لعدم حرمة صاحبه، ويجب فيه الخمس لإطلاق الأدلة

ص: 28

(29) (29)

(مسألة 3): يجوز أخذ مال الناصب (1) أين ما وجد (2). والأحوط وجوباً إلحاقه بالحربي (3) في وجوب خمس الغنيمة (4)، لا خمس الفائدة.

-

المتقدمة بعد صدق الغنيمة عليه بسبب ملكيتهم له بالقتال والاستيلاء. ولاسيما مع شيوع ابتلاء الكفار بذلك، بنحو يعلم به ولو إجمالاً، فلو كان البناء علي تجنبه لظهر وبان.

(1) قال سيدنا المصنف (قدس سره): كما هو المشهور، بل في محكي الحدائق نسبته إلي الطائفة المحقة سلفاً وخلفاً، ويشهد له النصوص الآتية وغيرها(1).

(2) الظاهر استثناء الأمانة من ذلك. للنصوص الكثيرة المتضمنة وجوب أداء الأمانة للبر والفاجر(2). وفي معتبر محمد بن مسلم عن أبي عبد الله (عليه السلام): قال: قال أمير المؤمنين (عليه السلام): أدوا الأمانة [الأمانات] ولو إلي قاتل ولد الأنبياء(3).

(3) ظاهره ثبوت خمس الغنيمة فيما يؤخذ من الحربي، وهو لا يناسب ما تقدم منه (قدس سره) في المسألة الأولي من عدم ثبوت خمس الغنيمة إلا فيما يؤخذ بالقتال من الكفار، وأن ما يؤخذ منهم بغير قتال لا يثبت فيه إلا خمس الفائدة الذي هو بعد المؤنة.

(4) يعني: فلا تستثني منه مؤنة الإنسان الحياتية. ويقتضيه صحيح حفص ابن البختري عن أبي عبدالله (عليه السلام): قال: خذ مال الناصب حيثما وجدته، وادفع إلينا الخمس(4) ، ونحوه خبر المعلي بن خنيس أو صحيحه(5) ، فإن ظاهرهما عدم استثناء المؤنة.

هذا وقد يستدل علي استثنائها بإطلاق ما تضمن أن الخمس بعد المؤنة، كصحيح البزنطي: كتبت إلي أبي جعفر (عليه السلام): الخمس أخرجه قبل المؤنة أو بعد المؤنة: فكتب: بعد المؤنة(6) ، ونحوه حديث إبراهيم بن محمد الهمداني(7) ، وحديث محمد بن الحسن

********

(1) وسائل الشيعة ج: 11 باب: 26 من أبواب جهاد العدو حديث: 2، 12

(2) راجع وسائل الشيعة ج: 13 باب: 2 من أبواب كتاب الوديعة

(3) وسائل الشيعة ج: 13 باب: 2 من أبواب كتاب الوديعة حديث: 6

(4) وسائل الشيعة ج: 6 باب: 2 من أبواب ما يجب فيه الخمس حديث: 6، 7

(5) وسائل الشيعة ج: 6 باب: 2 من أبواب ما يجب فيه الخمس حديث: 6، 7

(6) وسائل الشيعة ج: 6 باب: 12 من أبواب ما يجب فيه الخمس حديث: 1، 2

(7) وسائل الشيعة ج: 6 باب: 12 من أبواب ما يجب فيه الخمس حديث: 1، 2

ص: 29

الأشعري، قال: كتب بعض أصحابنا إلي أبي جعفر الثاني (عليه السلام): أخبرني عن الخمس أعلي جميع ما يستفيد الرجل من قليل وكثير من جميع الضروب وعلي جميع الصناع [الضياع خ. ل]؟ وكيف ذلك؟ فكتب بخطه: الخمس بعد المؤنة(1).

وصحيح علي بن مهزيار: كتب إليه إبراهيم بن محمد الهمداني: أقرأني عليّ كتاب أبيك فيما أوجبه علي أصحاب الضياع أنه أوجب عليهم نصف السدس بعد المؤنة، وأنه ليس علي من لم يقم ضيعته بمؤنته نصف السدس ولا غير ذلك، فاختلف من قبلنا في ذلك، فقالوا: يجب علي الضياع الخمس بعد المؤنة مؤنة الضيعة وخراجها، لا مؤنة الرجل وعياله، فكتب وقرأه علي بن مهزيار: عليه الخمس بعد مؤنته ومؤنة عياله وبعد خراج السلطان(2). وصريح الأخير أن المراد بالمؤنة هي المؤنة الحياتية، لا مؤنة تحصيل الربح.

وهو الظاهر من صحيح أبي علي بن راشد: قلت له: أمرتني بالقيام بأمرك وأخذ حقك، فأعلمت مواليك بذلك، فقال لي بعضهم: وأي شيء حقه؟ فلم أدر ما أجيبه. فقال: يجب عليهم الخمس. فقلت: ففي أي شيء؟ فقال: في أمتعتهم وصنايعهم [ضياعهم]. قلت: والتاجر عليه والصانع بيده؟ فقال: إذا أمكنهم بعد مؤنتهم(3) ، لأن المؤنة التي تضاف للإنسان هي مؤنته الحياتية.

بل هو الظاهر من بقية النصوص المتقدمة، لأن المؤنة الحياتية حيث كانت لازمة نوعاً للإنسان كانت هي المنصرفة من العهد المستفاد من اللام، بخلاف مؤنة تحصيل الربح، لأن كثيراً من الفوائد والأرباح لا مؤنة في تحصيلها، فلا منشأ للعهد فيها. ولاسيما مع شيوع التعبير في الاستعمالات الشرعية والعرفية بالمؤنة عن المؤنة الحياتية، حتي كانت هي المنصرفة من إطلاقها، دون مؤنة تحصيل الربح.

وبالجملة: لا ينبغي التأمل في ظهور النصوص في المقام في استثناء المؤنة الحياتية قبل إخراج الخمس. وحينئذ يكون من مقتضي إطلاقها استثناؤها في المقام.

********

(1و2و3) وسائل الشيعة ج: 6 باب: 8 من أبواب ما يجب فيه الخمس حديث: 1، 4، 3

ص: 30

فالعمدة في الخروج عن ذلك قوة ظهور أدلة ثبوت الخمس في العناوين الخاصة من الكنز والغنيمة والمعدن ومال الناصب وغيرها في خصوصيتها من بين الفوائد، وصعوبة تنزيلها علي استثناء المؤنة التي كثيراً ما لا يفي بها المال المأخوذ بهذه العناوين. ولاسيما ما حدد فيه وجوب الخمس بالنصاب.

بل هو المقطوع به في أظهر أفراد ما يجب فيه الخمس، وهو غنائم الحرب. وكذا الأرض الذي اشتراها الذمي من مسلم، والمال الحلال المختلط بالحرام.

وذلك بمجموعه يوهن الإطلاق المذكور، ويقرب حمله علي خصوص خمس الفائدة الذي هو مورد بعض النصوص المتقدمة وغيرها. ومن هنا يتعين العمل بإطلاق حديثي الخمس في مال الناصب المتقدمين القاضي بعدم استثناء المؤنة.

هذا ولو فرض عدم وضوح ذلك تعين البناء علي استثناء المؤنة في ثبوت الخمس في مال الناصب عملاً بإطلاق نصوص استثناء المؤنة المتقدمة. ولا أقل من كونه مقتضي أصالة عدم ثبوت الخمس في مقدار المؤنة.

لكن ذكر بعض مشايخنا أن مقتضي الأصل لزوم إخراج الخمس وعدم استثناء المؤنة، للعلم بتعلق الخمس بالمال، المقتضي لوجوب دفعه، والشك في شمول ما دل علي ترخيصهم (عليهم السلام) لشيعتهم إرفاقاً بهم في تأخير دفعه إلي نهاية السنة وفي التصرف بالمال في أثنائها وفي عدم ثبوت الخمس في مقدار المؤنة، ومقتضي الأصل عدم ثبوت الحكم المذكور.

وفيه: أن ذلك إنما يتم في التصرف بالمال في أثناء السنة مع العلم بزيادته علي المؤنة، وفي تأخير دفعه إلي نهاية السنة لوجوب إحراز إذن صاحب الحق في جواز التصرف في موضوع حقه، وفي حبسه عنه. ولا مجال له في استثناء المؤنة من الخمس، لرجوع الشك في ذلك للشك في ثبوت الخمس في مقدار المؤنة، ومقتضي الأصل عدمه بعد وضوح أن ثبوت الخمس في المال متفرع علي تملكه بتمامه، بحيث يكون بتمامه غنماً وفائدة، فهو راجع إلي خروج مقدار الخمس عن الملك بعد دخوله فيه،

ص: 31

(32)

الثاني: المعدن (1)،

-

وهو حادث مسبوق بالعدم.

نعم لو قلنا بأن استثناء المؤنة في مورده من سنخ العفو والتخفيف من قبل الأئمة (عليهم السلام) رفقاً بشيعتهم، مع ثبوت الخمس شرعاً في تمام الربح بمجرد ظهوره - كما هو غير بعيد - رجع الشك في المقام للشك في سقوط الخمس في مقدار المؤنة بعد ثبوته، ومن الظاهر أم مقتضي الأصل عدم سقوطه، وعدم حصول التخفيف فيه. ويأتي الكلام في المبني المذكور في المسألة الثامنة والأربعين إن شاء الله تعالي.

(1) قال في الجواهر: إجماعاً محصلاً ومنقولاً صريحاً في الخلاف والسرائر والمنتهي والتذكرة والمدارك وغيرها، وظاهراً في كنز العرفان وعن مجمع البحرين والبيان. بل في ظاهر الغنية نفي الخلاف بين المسلمين عن معدن الذهب والفضة. كما أن ظاهره فيها أو صريحه الإجماع علي غيرهما من أفراده أيضاً.

ويقتضيه - بعد إطلاق الآية الشريفة، بناء علي ما سبق في أول هذا المبحث من عدم اختصاصها بغنائم الحرب - النصوص الكثيرة التي تعد المعدن في ضمن الأربعة أو الخمسة التي يجب فيها الخمس(1) ، وغيرها مما يأتي التعرض لبعضه.

نعم في صحيح عبدالله بن سنان قال: سمعت أبا عبدالله (عليه السلام) يقول: ليس الخمس إلا في الغنائم خاصة(2) ، ونحوه مرسل سماعة(3) ، ولابد من حملهما علي ما لا ينافي الأدلة القطعية المتواترة إجمالاً الواردة في المعدن وغيره. بحمل الغنائم علي الغنيمة بالمعني الأعم، أو تخصيص العموم المستفاد من الحصر فيهما بالأدلة المتضمنة لوجوب الخمس في غير الغنائم، أو بحمله علي الحصر بالإضافة إلي الأنواع التي لا يجب فيها الخمس، أو بحمل الخمس فيهما علي الخمس الواجب بظاهر القرآن المجيد - بناءً علي اختصاص الآية الشريفة بغنائم الحرب - في مقابل بقية الأقسام التي استفيد

********

(1) راجع وسائل الشيعة ج: 6 باب: 2، 3 من أبواب ما يجب في الخمس

(2) وسائل الشيعة ج: 6 باب: 2 من أبواب ما يجب فيه الخمس حديث: 1، 15

(3) وسائل الشيعة ج: 6 باب: 2 من أبواب ما يجب فيه الخمس حديث: 1، 15

ص: 32

(33)

كالذهب والفضة والرصاص والنحاس (1)

-

وجوب الخمس فيها من السنة. وإن كان الكل بعيداً جداً.

والأقرب استحكام التعارض بينهما وبين غيرهما، ثم تركهما ورد علمهما إلي قائلهما (عليه السلام)، للعلم بعدم إرادة ظاهرهما بعد النصوص المتواترة إجمالاً المتضمنة ثبوت الخمس في غير الغنائم، وبعد إجماع الطائفة، بل المسلمين علي ذلك في الجملة.

(1) ففي صحيح محمد بن مسلم عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: سألته عن معادن الذهب والفضة والصفر والحديد والرصاص، فقال: عليها الخمس جميعاً(1). وفي صحيحه الآخر: سألت أبا جعفر (عليه السلام) عن الملاحة، فقال: وما الملاحة؟ فقال [فقلت]: أرض سبخة مالحة يجتمع فيه الماء فيصير [ويصير] ملحاً، فقال: هذا [مثل. فقيه] المعدن فيه الخمس. فقلت: والكبريت والنفط يخرج من الأرض. قال: فقال: هذا وأشباهه فيه الخمس(2).

وفي صحيح الحلبي قال: سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن الكنز كم فيه؟ قال: الخمس. وعن المعادن كم فيها؟ قال: الخمس. وعن الرصاص والصفر والحديد وما كان من المعادن كم فيها؟ قال: يؤخذ منها كما يؤخذ من معادن الذهب والفضة(3). وفي صحيح زرارة عن أبي جعفر (عليه السلام): سألته عن المعادن ما فيها؟ فقال: كل ما كان ركازاً ففيه الخمس. وقال: ما عالجته بمالك ففيه ما أخرج الله سبحانه من حجارته مصفي الخمس(4).

والظاهر أن الركاز هو القطعة المدفونة في الأرض من المعادن كما صرح به بعض اللغويين، أو مطلق الموجود فيها، وهو مأخوذ من الركز، أي: الثبات، في مقابل ما يمتزج بغيره من رمل أو غيره ويحتاج إلي التصفية.

وفي مرسل حماد عن أبي الحسن الأول (عليه السلام): قال: الخمس من خمسة أشياء،

********

(1و2و3و4) وسائل الشيعة ج: 6 باب: 3 من أبواب ما يجب فيه الخمس حديث: 1، 4، 2، 3

ص: 33

من الغنائم ومن الغوص والكنوز ومن المعادن والملاحة (1) .

هذا ولا يخفي أن الأمور المذكورة في المتن علي أقسام ثلاثة:

الأول: الفلزات.

الثاني: غيرها من الأمور المبانية للأرض سنخاً والمستخرجة منها للانتفاع بها، كالنفط والكبريت والملح.

الثالث: الأحجار الكريمة التي هي لو لم تكن من الأرض حقيقة وعرفاً فلا أقل من مسانختها لها.

أما القسم الأول فهو المتيقن من المعدن لغة وعرفاً، وما عن المغرب من تخصيصه بالذهب والفضة لا ينبغي أن يلتفت فيه. ولعله ناشئ من اختصاص وجوب الخمس بها عند العامة. كما أنه المتيقن من النصوص وكلمات الأصحاب.

ولا ينبغي التأمل في تعميمه لغير ما ذكر في المتن مما تضمنته النصوص - كالصفر والحديد - أو لم تتضمنه من الفلزات المعروفة في عصر صدور الروايات - كالزئبق - أو المكتشفة حديثاً - كالألمنيوم - لإطلاق ما تضمن وجوب الخمس في المعدن. ولخصوص صحيح الحلبي الصريح في وجوبه في المعادن من غير المنصوص عليه فيه، بضميمة ما سبق من صدق المعدن علي جميع الفلزات.

وأما الثاني فلا ينبغي التأمل في وجوب الخمس فيه بعد النصوص المتقدمة. ولا يهم مع ذلك تحقيق أنه داخل في المعدن حقيقة أو ملحق به حكماً. وإن كان مقتضي مرسل حماد هو الثاني، مع إجمال صحيح محمد بن مسلم الثاني بسبب اختلاف روايته. كما أن الظاهر عدم الاقتصار فيه علي العناوين المذكورة في النصوص بعد قوله (عليه السلام) في الصحيح المذكور: هذا وأشباهه فيه الخمس، لأن معيار المشابهة أو المتيقن منها ما ذكرنا من كون الشيء مبايناً للأرض مستخرجاً منها للانتفاع به.

وأما الثالث فالمعروف بين الأصحاب وجوب الخمس فيه، حيث حكي عن

********

(1) وسائل الشيعة ج: 6 باب: 2 من أبواب ما يجب فيه الخمس حديث: 9

ص: 34

الشيخ وبني حمزة وزهرة وإدريس والعلامة والشهيدين وكشف الغطاء، بل لم يعرف الخلاف فيه صريحاً. وحيث لم تتعرض النصوص لشيء منه بالخصوص فلابد أن يكون ذلك منهم للبناء علي دخوله في المعدن، كما هو مقتضي تعريفه في محكي التذكرة ومحكي المنتهي بأنه ما يخرج من الأرض ويخلق فيها من غيرها مما له قيمة، بناء علي ما هو ظاهرهم من خروجه عن اسم الأرض.

بل قال في الروضة في تعريف المعدن: بكسر الدال وهو ما استخرج من الأرض مما كانت أصله ثم اشتمل علي خصوصية يعظم الانتفاع بها، كالملح والجص وطين الغسل وحجارة الرحي والجواهر من الزبرجد والعقيق والفيروزج وغيرها. وإليه يرجع ما في الدروس، حيث قال في بيان ما يجب فيه الخمس: السادس: المعادن علي اختلاف أنواعها حتي المغرة والجص والنورة وطين الغسل والعلاج وحجارة الرحي والملح والكبريت. واستظهر سيدنا المصنف (قدس سره) موافقته للعرف العام.

ومقتضاه دخول هذا القسم في المعدن وإن قلنا بصدق اسم الأرض عليه، كما جزم به بعض مشايخنا وحكم لذلك بجواز السجود عليه. بل لا إشكال ظاهراً في عدم خروج بعض ما سبق في الدروس والروضة عن الأرض، كالجص وطين الغسل وحجر الرحي. كما أنه استظهر في الجواهر العموم عرفاً لغير الفلزات.

لكن لفظ المعدن غير شايع الاستعمال عند العامة، ليتسني لنا تحديد مفهومه عرفاً، وإنما يستعمل: تارة: بمعني محل الشيء ومنبته وموضعه. ولعله هو مقتضي أصل اشتقاقه اللغوي، كما يناسبه ما في لسان العرب والمسالك من أنه مأخوذ من عدن بالمكان إذا أقام به. وفي مفردات الراغب: وعدن بمكان كذا: استقر. ومنه المعدن لمستقر الجواهر.

وأخري: بمعني الحقيقة والماهية. وهو المراد به في عرف علم الكيمياء الحديث، علي ما حكاه بعض أهل الاختصاص فيه.

وثالثة: في خصوص الفلزات، كما جري عليه في القاموس، وقد يستفاد مم

ص: 35

في نهاية ابن الأثير حيث قال: المعادن المواضع التي يستخرج منها جواهر الأرض، كالذهب والفضة والنحاس وغير ذلك حيث اقتصر في الأمثلة علي الفلزات، ونحوه كلام غيره. وفي الرياض: لعله المفهوم المتبادر منه عرفاً وعادة. وإن كان في الاعتماد علي مثل ذلك في تحديد المفهوم العرفي إشكال بعدما ذكرناه من عدم شيوع استعمال لفظ المعدن عند العرف.

هذا مضافاً إلي الإشكال فيما تقدم من الروضة بأن المعيار إن كان علي وجود الخصوصية التي يعظم الانتفاع بها واقعاً لزم وجوب تدارك الخمس فيما كان يؤخذ بما أنه أرض عادية وانكشف بعد ذلك اشتماله علي خصوصية يعظم الانتفاع بها، كجبل سناباد الذي اهتدي الناس لنحت القدور منه ببركة الإمام الرضا (عليه السلام)(1) ، والنوع الخاص من الأرض الذي انكشف متأخراً صلوحه لأن يصنع منه الاسمنت وغير ذلك. وإن كان علي العلم بها لزم اختلاف ثبوت الخمس واقعاً باختلاف الأشخاص من حيثية العلم والجهل بتلك الخصوصية. وإن كان علي فعلية الانتفاع نوعاً لزم اختلاف مصاديق المعدن باختلاف البيئات والبلاد في استغلال الخصوصية والقدرة علي الانتفاع بها وتيسر طرقه، ومن الصعب جداً الالتزام بشيء من ذلك.

ومن هنا كان الظاهر أن المعدن الذي هو موضوع الحكم أمر واقعي، والاشتمال علي الخصوصية التي يعظم الانتفاع بها أمر لازم له، لا مقوم لمفهومه، فلابد من تحديد ذلك الأمر الواقعي من غير طريق الخصوصية المذكورة، وهو محل الكلام في المقام.

وأما ما سبق من التذكرة والمنتهي فيشكل الاعتماد عليه، لعدم وضوح حجية مثل هذه التعاريف كأكثر تعاريف اللغويين. ولاسيما مع احتمال الاهتمام فيها بتحديد موضوع الحكم الشرعي حسب اجتهاد المعرف، من دون اهتمام بضبط المفهوم العرفي المجرد، كما احتمله في الجواهر، قال: خصوصاً مع ما وقع لهم في غير المقام من عدم التوسعة في المعدن. بل هو كالصريح مما في المسالك، حيث قال عن المعادن:

********

(1) عيون أخبار الرضا ج: 2 ص: 135 طبعة النجف الأشرف

ص: 36

جمع معدن بكسر الدال، وهو هنا كل ما استخرج من الأرض مما كان منها، بحيث يشمل علي خصوصية يعظم الانتفاع بها، ومنها الملح والجص وطين الغسل وحجارة الرحي والمغرة.

مضافاً إلي أن التعريف المذكور معارض بما في القاموس وغيره مما سبقت الإشارة إليه. علي أنه لم يتضح خروج هذه الأمور عن الأرض عرفاً. بل سبق عدم الإشكال في عدم خروج بعض ما سبق من الشهيدين عنها.

فلم يبق إلا ذهاب المشهور من الشيخ (قدس سره) إلي عصورنا إلي العموم، بنحو يظهر منهم دخوله في المعدن حقيقة. وفي كفاية ذلك في الحكم إشكال، ولاسيما مع احتمال استناد الشيخ لاجتهاده الشخصي في تحديد المعدن ومتابعة من بعده له لحسن ظنهم به وقناعتهم بفهمه من دون وضوح المفهوم عرفاً بالوجه الصالح للإثبات.

ومن ثم لا يتسني لنا الجزم بدخول هذا القسم في المعدن ووجوب الخمس فيه. ولاسيما مع عدم الإشارة لشيء منه في النصوص، مع التعرض فيها لكثير من أفراد القسمين الأولين التي هي ليست مورداً للابتلاء أكثر منه، بينما وقع التعرض فيها لبعض أفراده في الغوص(1) مع أنه غير شايع فيه. وأولي منه بالمنع مثل طين الغسل والجص وحجر الرحي.

هذا ومع الشك فمقتضي إطلاق ما دلّ علي أن الخمس بعد المؤنة البناء علي ذلك إلا فيما أحرز كونه معدناً، لما ذكرناه عند الكلام في مال الناصب من ظهور أدلة ثبوت الخمس في العناوين الخاصة في خصوصيتها بنحو يثبت فيها الخمس من دون استثناء المؤنة، فلابد من إحراز تلك الخصوصية في البناء علي عدم الاستثناء.

ولو غضّ النظر عن ذلك فمقتضي عموم ما دل علي الملك بالحيازة ملكية المخرج لتمام ما أخرجه، ومقتضي الأصل عدم ثبوت الخمس فيه بتمامه رأساً، لأن ثبوته فيه بعد تملكه لتمامه حادث مسبوق بالعدم، ويتعين الاقتصار في الخروج عنه علي

********

(1) وسائل الشيعة ج: 6 باب: 3 من أبواب ما يجب فيه الخمس حديث: 5

ص: 37

والعقيق والفيروزج والياقوت، والكحل (1) والملح والقير والكبريت ونحوها. والأحوط وجوباً إلحاق مثل الجصّ والنورة وحجر الرحي وطين الغسل ونحوها مما يصدق عليه اسم الأرض وكان له خصوصية في الانتفاع به (2).

-

المتيقن المستفاد مما دل علي وجوب الخمس في الفوائد بعد استثناء المؤنة.

نعم بناءً علي أن استثناء المؤنة في الفوائد ليس حكماً شرعياً، بل هو تخفيف من الأئمة (عليهم السلام) يتعين عدم استثنائها في مورد الشك، نظير ما تقدم في آخر الكلام في مال الناصب. فراجع.

(1) الكلام فيه يبتني علي دخوله في القسم الثاني أو الثالث.

(2) لدخوله في تعريف المعدن المتقدم من الروضة. بل عن كشف الغطاء أن لوجوب الخمس فيما يحتاج إلي العمل من التراب - كالتربة الحسينية والظروف وآلات البناء - وجهاً. وكأنه لعموم التعريف المتقدم.

قال في الجواهر: لكنه كما تري للقطع بعدم إرادة نحو ذلك من الخصوصية المذكورة، كالقطع بعدم عدّ قابلية الأرض للظروف والآلات من الخصوصية المعدنية أو الملحق بها، ضرورة قبول أكثر الأرض لذلك. وإن أريد بالخصوصية المعني الحاصل بعد العمل من حيث العمل نفسه - كما هو ظاهر العبارة - فهو أوضح نظراً.

ومرجع ما ذكره (قدس سره) أخيراً إلي قصور التعريف عن الخصوصية الناشئة من العمل، كما هو الظاهر من الأمثلة التي اشتمل عليها، لظهور أن جميع ما ذكر فيه تثبت فيه الخصوصية بذاته مع قطع النظر عن العمل. علي أنه سبق منّا الإشكال في التعريف المذكور.

وأما ما يظهر من الشهيد (قدس سره) في محكي البيان من إلحاق هذه الأمور بالمعدن حكماً وإن لم تكن منه حقيقة وعرفاً. فهو خال عن الدليل. بل مقتضي عموم ما تضمن أن الخمس بعد المؤنة عدمه، نظير ما سبق عند الكلام في الشك عموم مفهوم المعدن.

ص: 38

(39)

(مسألة 4): لا فرق في المعدن بين أن يكون في أرض مباحة ومملوكة (1)، ولا بين أن يكون المخرج مسلماً عاقلاً وغيره (2).

-

مؤيداً ذلك أو معتضداً بإشعار بعض النصوص أو ظهورها في الحصر، كمرسل حماد المتقدم. وأما الأصل فيظهر الكلام فيه مما سبق في مال الناصب. فراجع.

(1) لإطلاق الأدلة. ويأتي في المسألة الثامنة التعرض لحكم الموجود في الأرض المملوكة للغير إن شاء الله تعالي.

كما لا فرق بين كونه علي وجه الأرض وكونه في باطنها. لإطلاق الأدلة، ويناسبه ما تقدم في الملح. بل حتي النفط، لأن الظاهر أنه كان سابقاً يظهر علي وجه الأرض.

ودعوي: ظهور النصوص في اعتبار الإخراج. ممنوعة: لا تناسب صحيح محمد بن مسلم المتقدم في الملح. إلا أن ترجع إلي دعوي ظهورها في اعتبار العمل. لكنها أيضاً ممنوعة.

هذا وعن كشف الغطاء: لو وجد شيئاً من المعدن مطروحاً فأخذه فلا خمس. وقد استشكل فيه في الجواهر بما سبق منّا، لكن لا يبعد أن يكون مراد كاشف الغطاء ما إذا كان طرحه من الغير بعد إخراجه إعراضاً منه عنه. حيث لا وجه لوجوب تخميسه علي واجده بعد ثبوت خمسه علي آخذه، لأن المنساق من الأدلة وجوب خمس واحد في المعدن علي من يأخذه أولاً.

نعم لو علم بعدم إخراج آخذه للخمس دخل في المسألة الثامنة والسبعين، لعموم ملاكها وأدلتها لذلك، كما سوف يظهر إن شاء الله تعالي. وكذا الحال لو شك في إخراج آخذه للخمس، لأن مقتضي الأصل عدمه.

وأظهر من ذلك ما لو احتمل كون آخذه الأول حيواناً لا يكون أخذه سبباً لثبوت الخمس فيه، حيث يتعين حينئذٍ ثبوته بأخذ من يأخذه بعده.

(2) فيجب فيما يخرجه الكافر والصبي والمجنون. أما وجوبه فيما يخرجه الكافر

ص: 39

(40)

(مسألة 5): يشترط في وجوب الخمس في المعدن النصاب، وهو قيمة عشرين ديناراً (1)

-

فهو ظاهر إطلاق الأصحاب، بل لا يظهر الخلاف منهم في ثبوت الخمس فيه لو ملكه. وإنما حكي عن الشيخ وظاهر البيان منع الذمي من العمل في المعدن. بل عن الشيخ أنه لو خالف وعمل ملك وعليه الخمس.

ويقتضيه إطلاق نصوص الخمس في المعدن. بل قد يستفاد من إطلاق الآية الشريفة - بناءً علي ما تقدم في أول المبحث من عدم اختصاصها بغنائم دار الحرب - لأنها وإن كانت ظاهرة في خطاب المسلمين به، إلا أنه لا يبعد إلغاء خصوصيتهم لو لم يكن ثبوته في حق غيرهم أولي عرفاً، مع كون وجه تخصيص الخطاب بهم كونهم مظنة العمل عليه والانتفاع به. والأمر سهل.

نعم قد يبتني الكلام في ذلك علي ما هو المعروف عندنا من تكليف الكافر بالفروع وللكلام فيه مقام آخر.

وأما منع الكافر من العمل في المعدن فيأتي الكلام فيه في المسألة الثامنة إن شاء الله تعالي. وأما وجوبه فيما يخرجه الصبي والمجنون فيأتي الكلام فيه في المسألة الثامنة والخمسين إن شاء الله تعالي.

(1) كما في النهاية والمبسوط والوسيلة والمختلف وعن الشهيد وجماعة من المتأخرين، بل نسبه في المدارك لعامتهم، وعن غيره نسبته لهم قاطبة. لصحيح البزنطي: سألت أبا الحسن (عليه السلام) عما أخرج المعدن من قليل أو كثير هل فيه شيء؟ فقال: ليس فيه شيء حتي يبلغ ما يكون في مثله الزكاة، عشرين ديناراً(1).

ودعوي: وهنه بإعراض قدماء الأصحاب عنه، لأن المشهور بينهم - كما قيل - عدم اعتبار النصاب، وفي الخلاف والسرائر الإجماع عليه. ممنوعة بعد

********

(1) وسائل الشيعة ج: 6 باب: 4 من أبواب ما يجب فيه الخمس حديث: 1

ص: 40

عمل من عرفت به. ولاسيما مع احتمال كون عدم ذكر جملة من القدماء للنصاب ليس لبنائهم علي عدم اعتباره، بل لأنهم بصدد بيان أصل وجوب الخمس في المعدن.

ومثلها دعوي: عدم التعرض فيه للخمس، بل قد يكون ناظراً لاعتبار النصاب في الزكاة، وحيث لا زكاة في الذهب غير المسكوك فليحمل علي التقية، لموافقته للمحكي عن الشافعي. لاندفاعها بقوة ظهور النكرة في سياق النفي في العموم. بل حمل المعدن في السؤال علي خصوص الذهب - لأنه هو الذي تجب فيه الزكاة ببلوغ النصاب المذكور - بعيد. كما أن قوله (عليه السلام): ما يكون في مثله الزكاة ظاهر في أن المراد بيان اعتبار النصاب في غير الزكاة.

إن قلت: لا مجال لتقييد مثل صحيح محمد بن مسلم الوارد في الملح ببلوغ عشرين ديناراً، لندرة ذلك. قلت: لا تتضح ندرته بنحو تمنع من تقييد الصحيح به. ولاسيما ممن يتكسب بذلك ويتسع عمله فيه.

هذا وعن أبي الصلاح الحلبي أن النصاب دينار واحد، وجعله الصدوق في الأمالي من دين الإمامية ويشهد له صحيح البزنطي عن محمد بن علي بن أبي عبد الله عن أبي الحسن (عليه السلام): سألته عما يخرج من البحر من الؤلؤ والياقوت والزبرجد وعن معادن الذهب والفضة هل فيها زكاة؟ فقال: إذا بلغ قيمته ديناراً ففيه الخمس(1). ويظهر من رواية الصدوق له في الفقيه عمله به. بل قد يظهر من الكليني أيضاً.

وقد استشكل فيه بضعف سنده، لجهالة محمد بن علي راوي الحديث. بل ذكر بعض مشايخنا أنه لم يرد عنه في الفقيه إلا روايتان، إحداهما هذه، والأخري رواها عن علي بن أسباط.

لكنه يندفع بما ذكره الشيخ في العدة من أن البزنطي لا يروي إلا عن ثقة. ولاسيما مع اعتماد المشهور عليه في الغوص بل ادعي الإجماع هناك.

فالمتعين الجمع بينه وبين الصحيح الأول بحمله علي الاستحباب كما في

********

(1) وسائل الشيعة ج: 6 باب: 3 من أبواب ما يجب فيه الخمس حديث: 5

ص: 41

سواءً كان المعدن ذهباً أم فضة أم غيرهما (1). والأحوط إن لم يكن أقوي كفاية بلوغ المقدار المذكور، ولو قبل استثناء مؤنة الإخراج في التصفية، فإذا بلغ ذلك أخرج الخمس من الباقي بعد استثناء المؤنة (2).

-

المدارك. وربما حمل الجواب فيه علي الغوص، مع إهمال حكم المعادن، كما في الوسائل وعن الشيخ، وقد يناسبه تذكير ضمير (قيمته). لكنه بعيد جداً، كما في المدارك.

هذا وفي الخلاف والسرائر وظاهر غيرهما عدم اعتبار النصاب في المعدن، وفي الدروس نسبته للأكثر، بل تقدم نسبته لمشهور القدماء. لإطلاق أدلة ثبوت الخمس. وللإجماع المشار إليه آنفاً.

لكن لابد من الخروج عن الإطلاق بالصحيح. والإجماع ليس بنحو ينهض بالحجية، كما يظهر مما يذكر في نظائره في غير المقام. ولاسيما وأنه لم يدعه إلا الشيخ الذي قد خرج عنه في المبسوط والنهاية، وابن إدريس الذي هو مسبوق بالخلاف.

ثم إن ظاهر التحديد بعشرين ديناراً ملاحظة قيمة العشرين ديناراً حين إخراج المعدن، لأن منصرف الإطلاق في الأمور التي تختلف باختلاف الأزمنة هو زمان تحقق موضوع الحكم. خلافاً لما عن الشهيد وجماعة من الاجتزاء بقيمتها التي كانت في صدر الإسلام، والتي قيل إنها مائتا درهم.

كما أن الظاهر ملاحظة مكان الإخراج، لأنه المنصرف من الإطلاق، لنظير الوجه المتقدم.

(1) لأن العشرين ديناراً وإن كانت نصاب زكاة الذهب لا غير، ونصاب زكاة الفضة مائتا درهم، إلا أنه لم يقتصر في الصحيح علي التحديد بنصاب الزكاة، بل خصص النصاب فيه بالعشرين ديناراً لا غير، فتكون هي نصاب الخمس في جميع المعادن بمقتضي الإطلاق.

(3) الكلام: تارة: في أصل استثناء مؤنة الإخراج. وأخري: في أنه لو تم الدليل

ص: 42

(43)

علي استثنائها فهل يعتبر النصاب بعد استثنائها أو قبله. فالبحث في مقامين.

المقام الأول: في أصل استثناء المؤنة. وقد صرح باستثنائها غير واحد، وقال سيدنا المصنف (قدس سره): وادعي غير واحد عدم ظهور الخلاف فيه، وعن المدارك أنه مقطوع به في كلام الأصحاب، وعن الخلاف في ظاهر المنتهي الإجماع عليه.

وقد استدل عليه: تارة: بإطلاق ما تضمن أن الخمس بعد المؤنة، كما في الحدائق. وأخري: بقوله (عليه السلام) في صحيح زرارة المتقدم في أول الكلام في وجوب الخمس في المعدن: ما عالجته بمالك ففيه ما أخرج الله سبحانه من حجارته مصفي الخمس، كما في الحدائق أيضاً. وثالثة: بما تضمن استثناء مؤنة تحصيل الربح في خمس أرباح التجارات ونحوها من الفوائد، بإلغاء خصوصية مورده، أو بضميمة عدم القول بالفصل، كما في الجواهر.

ويندفع الأول بما سبق في تخميس مال الناصب من قوة ظهور الإطلاق المذكور في استثناء مؤنة الإنسان الحياتية، دون مؤنة تحصيل الربح والفائدة. ولا أقل من التردد والإجمال المانع من الاستدلال. وما في الجواهر من احتمال حمله علي الأعم، لا قرينة عليه، بل هو بعيد، لعدم الجامع العرفي بين المؤنتين.

والثاني بظهور الصحيح في وجوب الخمس في المعدن الموجود في الحجارة بعد تصفيته من الشوائب، لا في الصافي من ربح المعدن بعد إخراج مؤنة تحصيله.

والثالث بأنه لو تم الدليل الخاص علي ذلك، فلا وجه لإلغاء خصوصية مورده بعد كون ثبوت الخمس فيه بعنوان مطلق الفائدة، وفي المقام وأمثاله لخصوصية عنوانه، ولاسيما مع افتراقهما في استثناء مؤنة الإنسان الحياتية وعدمه. وعدم القول بالفصل - لو تم - لا ينفع ما لم يرجع للإجماع الحجة علي القول بعدم الفصل، وهو غير ثابت. ولو ثبت كان الاستدلال هنا بالإجماع البسيط علي استثناء مؤنة تحصيل المعدن أولي، للإجماع هناك علي استثنائها.

فلعل الأولي في المقام ما أشار إليه في الجواهر من أن المناسبات الارتكازية

ص: 43

(44)

قاضية بأن وجوب الخمس في المعدن والكنز والغوص ليس إلا كوجوبه في غنائم الحرب، وأرباح المكاسب ونحوها من الفوائد، بلحاظ دخولها في عموم الغنيمة والفائدة، فهي من صغريات كبري الخمس التي تضمنتها الآية الشريفة، لا كبريات مستقلة في قبالها، كما يناسبه ظهور النصوص في المفروغية عن كون مصرف الخمس فيها هو مصرفه الذي تضمنته الآية الشريفة.

بل هو كالصريح من رواية الخصال - المتقدمة في أول البحث عند الكلام في عموم الآية - المتضمنة أن الخمس في الكنز إمضاء لسنة عبد المطلب، ومما عن تفسير النعماني بإسناده عن أمير المؤمنين في بيان أوجه معايش الخلق المذكورة في القرآن، قال (عليه السلام): فأما وجه الأمارة فقوله: واعلموا أنما غنمتم من شيء فأن لله خمسه... فجعل الله خمس الغنائم. والخمس يخرج [يجري. خ. ل] من أربعة وجوه من الغنائم التي يصيبها المسلمون من المشركين، ومن المعادن، ومن الكنوز، ومن الغوص... ويجري هذا الخمس علي ستة أجزاء...(1).

وحينئذٍ فمن الظاهر عدم صدق الغنيمة والفائدة عرفاً علي المعدن وغيره إلا بعد استثناء مؤنة إخراجه وتحصيله، وبذلك يكون مستغنياً عن الدليل. ولعل هذا هو منشأ التسالم عليه بين الأصحاب مع عدم وجود دليل معتد به عليه، حتي ذكر سيدنا المصنف (قدس سره): أن الدليل في المسألة هو الإجماع.

نعم الظاهر اختصاص المؤنة المستثناة بمؤنة الإخراج والتحصيل، دون مؤنة الفحص عن وجود المعدن في موضعه، لعدم دخلها في الاسترباح. ولعله ظاهر.

المقام الثاني: في أن النصاب هل يعتبر بعد استثناء المؤنة، فإذا حصل من المعدن مقدار خمسة وعشرين ديناراً مثلاً، أو كانت المؤنة عشرة دنانير فلا خمس، أو يعتبر قبلها وإن كان الذي يخمس هو الباقي بعدها، ففي الفرض المتقدم يجب تخميس الخمسة عشر الباقية بعد المؤنة؟ وجهان أختار أولهما في الجواهر، قال: وفاقاً للمنتهي

********

(1) صدره في وسائل الشيعة ج: 6 باب: 2 من أبواب ما يجب فيه الخمس حديث: 12، وذيله باب: 1 من أبواب قسمة الخمس حديث: 12

ص: 44

والتذكرة والدروس، بل ظاهر الأولين كونه مجمعاً عليه بيننا، حيث نسب الخلاف فيه فيهما إلي الشافعي وأحمد، بل في المسالك نسبته إلي تصريح الأصحاب أيضاً. بل قال إنهم لم يتعرضوا فيه لخلاف كما ذكروه في مؤنة زكاة الغلات.

وقرب في المدارك الثاني، وتبعه بعض المتأخرين، وعليه جري سيدنا المصنف (قدس سره) وبعض مشايخنا، واستدل له بإطلاق صحيح البزنطي المتضمن ثبوت شيء فيه إذا بلغ عشرين ديناراً، والمتيقن من دليل استثناء المؤنة استثناؤها من وجوب إخراج الخمس، ومرجع ذلك إلي أنه إذا بلغ المعدن عشرين ديناراً وجب إخراج الخمس مما بقي منه بعد استثناء المؤنة.

وفيه: أولاً: أن مرجع ذلك إلي دعوي أن استثناء المؤنة لتحديد موضوع الخمس الثابت مع إطلاق موضوع ثبوته، لا لتحديد موضوع ثبوته، وهو خلاف الدليل المتقدم للاستثناء المذكور، حيث كان المدعي عدم صدق الغنيمة والفائدة التي هي موضوع ثبوت الخمس إلا علي الباقي بعد استثناء المؤنة من المعدن.

كما أن ذلك هو الظاهر من الأدلة التي سبق منهم الاستدلال بها وسبق منا الإشكال فيها، وهي صحيح زرارة وإطلاق ما تضمن أن الخمس بعد المؤنة، وإلحاق المقام بأرباح التجارات ونحوها من الفوائد التي يثبت استثناء المؤنة منها، فإنها بأجمعها تقتضي كون استثناء المؤنة لتحديد موضوع ثبوت الخمس، لا لتحديد موضوع الخمس الثابت من دون أن يكون دخيلاً في موضوع ثبوته.

بل لو كان الدليل علي أصل استثناء المؤنة هو الإجماع - كما سبق من سيدنا المصنف (قدس سره) - فالظاهر أنه دليل في المقام علي كون استثناء المؤنة بالوجه الذي ذكرنا، إذ لا يظهر الخلاف ممن حكم باستثناء المؤنة في كون النصاب بعدها إلا من صاحب المدارك ومن تبعه، ولا ريب في عدم قدح خلافهم في انعقاد الإجماع.

وثانياً: أن مقتضي الجمع بين صحيح البزنطي ونصوص الخمس كون المراد بالشيء فيه هو الخمس، مع أنه إذا كان موضوعه تمام المعدن، لا خصوص ما يبقي

ص: 45

(46)

(مسألة 6): إذا أخرجه دفعات كفي بلوغ المجموع النصاب وإن أعرض في الأثناء ثم رجع. نعم إذا أهمله مدة طويلة علي نحو يتعدد الإخراج عرفاً، لا يضم اللاحق إلي السابق (1).

-

منه بعد المؤنة، فالثابت فيما يبلغ النصاب منه أقل من خمس المعدن، بل قد لا يثبت شيء، لاستغراق المؤنة للمعدن، وهذا بخلاف ما إذا كان موضوعه المعدن الصافي بعد المؤنة، حيث يثبت خمسه فيه مطلقاً.

ومنه يظهر حال ما ذكره سيدنا المصنف (قدس سره) من أنه مع فرض إجمال الصحيح من هذه الجهة فالمرجع إطلاق ما تضمن وجوب الخمس في المعدن، ويقتصر في تقييده علي المتيقن، وهو صورة عدم بلوغ النصاب.

إذ فيه: أن الإطلاق إنما تضمن وجوب الخمس في المعدن، لا وجوب شيء مطلقاً ولو كان دون الخمس، فبعد فرض استثناء المؤنة لا يكون الثابت بعد النصاب في المعدن الخمس إلا بحمل المعدن الذي هو موضوع ثبوت الخمس علي الصافي بعد المؤنة، كما ذكرنا. فلاحظ.

هذا ولو فرض الإجمال - وعدم وضوح كيفية الجمع بين الإطلاق ودليلي النصاب واستثناء المؤنة - يكون المرجع الأصل، المقتضي لعدم وجوب شيء لو كان الباقي بعد استثنائها دون النصاب، كما أشرنا إليه في آخر الكلام في تحديد المعدن. ولا يجري هنا ما ذكرناه هناك في استثناء المؤنة الحياتية من احتمال كونه تخفيفاً من الأئمة (عليهم السلام)، لا حكماً شرعياً.

ولعله لهذا ونحوه ذكر في الجواهر أن المنساق من الأدلة هو اعتبار النصاب بعد استثناء المؤن، كما جري عليه الأصحاب قبل صاحب المدارك من دون خلاف يعرف، وهو المتعين بعد ما سبق.

(1) قال في التذكرة: ويعتبر النصاب فيما أخرجه دفعة أو دفعات لا يترك

ص: 46

العمل بينها علي سبيل الإهمال، فلو عمل ثم أهم ثم عمل لم يضم أحدهما إلي الآخر. ولو ترك للاستراحة أو لإصلاح آلة أو لقضاء حاجة ضم الثاني إلي الأول. ونحوه عن المنتهي ومحكي التحرير وحاشية الشرايع وشرح المفاتيح والروض.

لكن في الدروس عدم الفرق بين الدفعة والدفعات، وفي المسالك: ولا يشترط اتحاد زمان الإخراج، ولا اتصال النية، بل لو أعرض عنه ثم تجدد له العزم ضم بعضه إلي بعض، خلافاً للفاضل، ونحوه في الروضة والمدارك وعن الأردبيلي والذخيرة.

وكأن مرجع الخلاف إلي الخلاف في اعتبار الوحدة في موضوع النصاب وعدم اعتبارها. ولا يخفي أن مقتضي الإطلاق وإن كان هو عدم اعتبار الوحدة إلا أن لازم ذلك كفاية تتميم النصاب مع تباعد الفترات كثيراً، وغرابة ذلك تصلح قرينة علي إرادة وحدة الإخراج عرفاً لتقارب الفترات بحيث يصلح عرفاً نسبة مقدار النصاب فما زاد للعمل الواحد، ولو مع تخلل الإعراض، بحيث يكون العود رجوعاً للعمل عرفاً، لا شروعاً في عمل جديد.

هذا وقد صرح السيد الطباطبائي باعتبار وحدة محل تكوّن المعدن واستخراجه في النصاب، وعليه جري سيدنا المصنف (قدس سره) وبعض مشايخنا، ومال إليه في الجواهر، مدعياً أنه المنساق من الأدلة، وإن استظهر أولاً عدم اعتبار الوحدة المذكورة، تبعاً لما حكاه عن صريح كشف الغطاء وظاهر الدروس. والوجه في اعتبارها قوله في الصحيح المتقدم: عما أخرج المعدن، لظهوره في أن المراد بالمعدن محل الشيء ومنبته - الذي تقدم في أول مبحث وجوب الخمس في المعدن أنه قد يراد من لفظه - ومقتضي إفراده إرادة الواحد منه.

نعم هذا هو الموجود في التهذيب والوسائل المطبوعين حديثاً والمختلف المطبوع قديماً. والموجود في نسخة سيدنا المصنف (قدس سره) المصححة من الوسائل: عما يخرج من المعدن، وفي المدارك والحدائق المطبوعين حديثاً: عما أخرج من المعدن. ولا يخلو مضمونهما عن إجمال، لأن (من) فيهما إن كانت ابتدائية - نظيرها في قولنا: خرج الماء

ص: 47

من البئر - رجعت إلي النسخة الأولي مفاداً، وإن كانت بيانية - نظيرها في قولنا: ما شربته من الماء - كان المعدن فيهما بمعني نفس الشيء المستخرج، وحيث كان يصدق علي القليل والكثير - كالماء - فمقتضي إطلاقه عدم اعتبار وحدة المحل، وحيث كان الإجمال مسقطاً للنسخة المذكورة عن الحجية، لزم التعويل علي النسخة الأولي. بل قد تصلح قرينة علي حمل النسخة الأخري علي ما يطابقها، بأن يكون منشأ الاختلاف بينهما النقل بالمعني.

اللهم إلا أن يقال: لا مجال لاحتمال النقل بالمعني في موارد اختلاف نسخ الحديث الواحد، لما هو المعلوم من ابتناء تدوين الحديث ونسخه علي الحفاظ علي اللفظ، وليس هو كحكايته شفاهاً قد تبتني علي النقل بالمعني. ومن ثم يتعين كون الاختلاف في المقام ناشئاً عن الخطأ في النقل، الراجع لتكاذب النسختين وتعارضهما.

كما أن سقوط أحد النقلين بالإجمال وتعين الآخر للحجية إنما يتم مع اختلاف الحديثين، لتمامية موضوع الحجية في المبين، والشك في معارضة المجمل له، ولا ترفع اليد عن الحجية باحتمال وجود المعارض. أما مع اختلاف نسخ الحديث الواحد أو روايته فلا يحرز صدور المبين بسبب التكاذب المذكور، ليكون حجة في مضمونه، بل يتعين التوقف.

نعم اختلاف النسخ إنما هو في الوسائل، وهو موجب لسقوط روايته عن الشيخ (قدس سره) عن الحجية. أما التهذيب فلم يثبت اختلاف النسخ فيه. غاية الأمر أن النقل عنه في المدارك والحدائق يختلف عما هو المثبت فيه، وهو - مع معارضته بالنقل عنه في المختلف - لا يوجب وهن ما هو المثبت في التهذيب، لشيوع الخطأ في كتب الفقه في النقل عن كتب الحديث، بنحو يرتفع الوثوق بالنقل في كتب الفقه مع اختلافه عما هو المثبت في كتب الحديث، ومن ثم لا مسقط لرواية التهذيب عن الحجية. فلاحظ.

ومنه يظهر عدم اعتبار وحدة الخارج جنساً إذا كان الخروج من معدن واحد، كما في الدروس والمسالك والمدارك، وعن المنتهي وجماعة، ونفي الإشكال

ص: 48

(49) (49)

(مسألة 7): إذا اشترك جماعة كفي بلوغ مجموع الحصص النصاب (1).

(مسألة 8): المعدن في الأرض المملوكة (2)

-

فيه في الجواهر، لإطلاق الصحيح، بناءً علي ما عرفت من حمل المعدن فيه علي المحل لا علي الخارج. خلافاً لما عن بعض الجمهور، فلا يضم مطلقاً أو في الذهب والفضة خاصة.

(1) قال سيدنا المصنف (قدس سره): كما مال إليه في الجواهر وشيخنا الأعظم (رحمه الله) وحكي عن الحدائق والمستند. لإطلاق الصحيح.

لكن الجمود علي الإطلاق المذكور يقتضي الاكتفاء بتعدد المخرج ولو مع عدم الشركة. ومن ثم كان من القريب جداً انصراف الصحيح إلي فرض وحدة المالك. ولاسيما مع اشتماله علي تحديد النصاب بنصاب الزكاة، فإنه وإن كان المراد به التحديد من حيثية المقدار لا غير، إلا أن ذكر عنوان الزكاة قد يشير إلي أن اعتبار النصاب هنا علي نحو اعتباره هناك. ولعله لذا صرح بذلك في المسالك والمدارك، وحكي غير واحد، وفي الجواهر: بل لا أعرف من صرح بخلافه.

اللهم إلا أن يفرق بين تعدد المالك مع الشركة وتعدده بدونها بصدق وحدة الإخراج عرفاً في الأول دون الثاني. وأما ما ذكر أخيراً من إشارة التحديد بنصاب الزكاة إلي ذلك. فهو لا يبلغ مرتبة القرينة الصالحة لتقييد الإطلاق.

(2) اعلم أن الأصحاب قد اختلفوا في المعادن علي أقوال:

الأول: أنها من الأنفال - التي هي لله والرسول، وللإمام من بعده - مطلقاً، كما في الكافي - للكليني - والمقنعة والنهاية والمراسم، وعن القاضي والكفاية والذخيرة وظاهر كشف الغطاء. وقد يظهر من تفسير القمي.

الثاني: أنها تابعة للأرض التي هي فيها، فإن كانت من الأنفال - كالأرض الموات، والخربة التي انجلي أهلها ورؤوس الجبال - كانت منها، وإلا فلا، كما في

ص: 49

الروضة وعن الحلي والعلامة في المنتهي والتحرير وغيرهما.

الثالث: أن الناس فيها شرع سواء، كما هو مقتضي إطلاق المحقق والشهيد في النافع، واللمعة ومحكي البيان، وحكي عن جماعة، وعن الدروس أنه الأشبه.

والثاني وإن كان هو الأقرب بدواً، لمناسبته لما هو المرتكز من تبعية ما في الأرض لها. إلا أنه يستدل للأول بموثق إسحاق بن عمار: سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن الأنفال، فقال: هي القري التي قد خربت وانجلي عنها أهلها، فهي لله وللرسول، وما كان للملوك فهو للإمام، وما كان من الأرض بخربة [الخربة] لم يوجف عليه بخيل ولا ركاب، وكل أرض لا ربّ لها، والمعادن منها. ومن مات وليس له مولي فماله من الأنفال(1) ، المعتضد بمرسل العياشي عن أبي بصير عن أبي جعفر (عليه السلام): قال: لنا الأنفال. قلت: وما الأنفال؟ قال: منها المعادن والآجام وكل أرض لا رب لها وكل أرض باد أهلها، فهو لنا(2) ، ومرسله الآخر عن داود بن فرقد عن أبي عبد الله (عليه السلام) في حديث قال: قلت: وما الأنفال؟ قال: بطون الأودية ورؤوس الجبال والآجام والمعادن، وكل أرض لم يوجف عليها بخيل ولا ركاب، وكل أرض ميتة قد جلا أهلها وقطائع الملوك(3).

وقد استشكل فيه - بعد ضعف الأخيرين بالإرسال - بأن دلالة الموثق موقوفة علي رجوع ضمير (منها) إلي الأنفال، وهو غير ظاهر، لاحتمال رجوعه إلي الأرض. بل لعله الأنسب بالسياق، لأنها أقرب. بل إرادة الأنفال من الضمير لا تناسب التصريح بها في الفقرة الأخيرة، بل كان الأولي إبدال الضمير بالظاهر والاكتفاء بالضمير في الفقرة الأخيرة، فيقال: والمعادن من الأنفال، ومن مات وليس له مولي فماله منها. ولاسيما وأن بعض النسخ (فيها) بدل (منها). وحينئذٍ لا يدل الموثق إلا علي أن المعادن التي في الأرض المذكورة من الأنفال تبعاً لها، فيناسب القول الثاني.

ويندفع بأن السياق لا يقتضي رجوع الضمير إلي الأرض، وإن كانت أقرب،

********

(1و2و3) وسائل الشيعة ج: 6 باب: 20 من أبواب الأنفال وما يختص بالإمام حديث: 2، 28، 32

ص: 50

لأنها مذكورة بالتبع، والأنفال مذكورة بالأصل، لأنها المسؤول عنها والتي سيقت الفقرات في الجواب لبيانها، فهي الأولي برجوع الضمير. بل الضمير مسبوق بأرضَين الأرض الخربة والأرض التي لا رب لها، فإن أريد رجوعه لهما معاً كان اللازم تثنية الضمير، وإن أريد رجوعه للثانية فقط فمن المعلوم أنه لا خصوصية فيها تقتضي التنبيه علي أن المعادن التي فيها من الأنفال بعد كونهما معاً من الأنفال.

علي أن رجوع الضمير إلي الأرض يبتني علي أن الواو استئنافية والجملة سيقت لبيان أن المعادن تخرج من هذه الأرض، وهو أمر مبتذل خارج عن مساق السؤال والجواب.

وأما حمل الواو معه علي العطف لبيان أن المعادن المذكورة من الأنفال، فهو موقوف علي كون (منها) حال من المعادن، لا خبراً، بل ولا صفة، لأن الظرف - كالجملة - لا يقع صفة للمعرفة، ومن الظاهر أن حمل الظرف هنا علي الحال بعيد جداً، لأنه أمر ثابت لا طارئ.

ومن ثم لا ينبغي التأمل في قوة ظهور الكلام في رجوع الضمير للأنفال. ومعه لا يهم كون الأنسب إبدال الضمير بالظاهر، مع الاكتفاء بالضمير في الفقرة الأخيرة. علي أنه لا يخلو عن إشكال بعد كون الفقرة الأخيرة جملة مستأنفة.

وأما النسخة المتضمنة (فيها) بدل (منها) فهي غير متحصلة لنا بعد كون الموجود في تفسير القمي وفي الوسائل عنه هو النسخة المعروفة، وإنما ذكر في الجواهر أن ذلك محكي عن بعض النسخ. علي أنها تشكل في نفسها بما سبق من الإشكال في رجوع ضمير (منها) للأرض. ولاسيما مع اعتضاد الموثق بمرسلتي العياشي.

هذا وقد استدل للقول الثالث - مضافاً إلي السيرة - بإشعار أخبار ثبوت الخمس في المعادن بعدم ملكية الإمام لها، إذ لا معني لوجوب الخمس علي غيره مع كونها ملكاً له. مع أن ظاهر الأخبار المذكورة أن ملك المخرج للباقي بعد الخمس بأصل الشرع لا بتحليل الإمام. ولاسيما بملاحظة ما سبق عند الكلام في وجه استثناء مؤنة إخراج المعدن من أن المنساق من الأدلة المذكورة كونه من صغريات كبري ثبوت الخمس في

ص: 51

(52)

الفائدة والغنيمة التي تضمنتها الآية الشريفة.

لكنه يندفع بأن كون المعادن للإمام لا ينافي وجوب الخمس منها علي غيره إذا ملكها بالإخراج والحيازة. وتنزيل أدلة وجوب الخمس في المعادن علي ملكية المخرج للباقي بتحليل الإمام لا بأصل الشرع جمعاً مع نصوص المقام غير عزيز.

علي أنه لا ملزم بذلك، إذ لا مانع من كونها ملكاً للإمام مع ملكية المخرج لها بأصل الشرع، ولو لأجل الحث علي استخراج المعادن، لينتفع بها ولا تتعطل، نظير ما دلّ علي أنه إذا غرقت السفينة وترك صاحبها إخراج ما فيها فمن أخرج شيئاً منه ملكه(1). نعم قد ينافي ذلك ظهور نصوص تحليل الأنفال في أن ملكيتها لمن استولي عليها ليس بأصل الشرع، والأمر سهل.

ومثله ما قيل من أن اللازم حينئذٍ اختصاص الخمس بالإمام، لأنه عوض ملكه، ولا يوزع علي الأصناف. إذ فيه: أنه حينئذٍ ليس عوضاً عن ملكه، بل جزء منه، وكما أمكن ملكية المخرج للباقي بعد الخمس بأصل الشرع أو بتحليل الإمام أمكن اختصاص الأصناف بحصصها من الخمس بعد الإخراج.

ومنه يظهر وهن الاستدلال لعدم كونها من الأنفال بالسيرة. إذ السيرة إنما تقتضي ملكيتها بالإخراج والحيازة، وقد عرفت عدم منافاة ذلك لكونها من الأنفال. ولذا قامت السيرة علي ذلك في كثير مما ثبت كونه من الأنفال، كالأرض الموات، وقصب الآجام وغيرهما.

إذا عرفت هذا فلا إشكال في جواز استخراج المعدن للشيعة، من دون فرق بين القول بكونه مباحاً أصلياً وكونه من الأنفال، لنصوص تحليل الأنفال لهم، ففي معتبر الحارث بن المغيرة النضري عن أبي جعفر (عليه السلام): إن لنا الخمس في كتاب الله، ولنا الأنفال ولنا صفوا المال.. اللهم إنا قد أحللنا ذلك لشيعتنا(2) ، ونحوه غيره.

********

(1) راجع وسائل الشيعة ج: 17 باب: 11 من أبواب كتاب اللقطة

(2) وسائل الشيعة ج: 6 باب: 4 من أبواب الأنفال وما يختص بالإمام حديث: 14

ص: 52

(53)

بل يظهر من الأصحاب المفروغية عن جواز استخراج المخالفين له وملكيتهم لما يستخرجون مطلقاً، حيث اقتصروا علي حكايتهم عن الشيخ وظاهر البيان منع الذمي من العمل في المعدن.

وهو متجه بناء علي كونه مباحاً أصلياً. أما بناء علي كونه من الأنفال - مطلقاً، أو في الجملة - فيشكل بظهور نصوص التحليل في اختصاصه بالشيعة لتطيب ولادتهم، فإن رفع اليد عن ذلك وتعميمه لغيرهم صعب جداً. ولاسيما ما هو المعلوم من شدة موقف الأئمة (عليهم السلام) مع غير شيعتهم.

بل هو خلاف ظاهر مثل صحيح أبي بصير وزرارة ومحمد بن مسلم عن أبي جعفر (عليه السلام): قال: قال أمير المؤمنين (عليه السلام): هلك الناس في بطونهم وفروجهم، لأنهم لم يؤدوا إلينا حقنا. ألا وإن شيعتنا من ذلك وآباءهم في حلّ(1) ، وموثق الحارث بن المغيرة النضري عن أبي جعفر (عليه السلام) في حديث طويل أنه قال: إن لنا الخمس في كتاب الله، ولنا الأنفال، ولنا صفوا الأموال.. وإن الناس يتقلبون في حرام إلي يوم القيامة بظلمنا أهل البيت.. اللهم إنا قد أحللنا ذلك لشيعتنا..(2).

كما أن تنزيل أدلة الحيازة علي خصوص الشيعة صعب جداً، لمخالفته للسيرة، حيث لا إشكال في إجراء المتشرعة أحكام الملك علي ما يحوزه المسلمون من غير الشيعة، بل حتي الكفار، حيث لا إشكال في بناء المتشرعة علي ملكية الحائز لما يحوزه من المعادن وإن كان مخالفاً، بل وإن كان كافراً، فيحرم اختلاسه ممن هو محترم المال منهم، كما يحرم اختلاسه ممن تترتب ملكيته من الشيعة علي ملكيتهم - كالوارث والمشتري - ولو قبل القبض.

والإشكال المذكور لا يختص بالمعادن، بل يجري في غيرها من الأنفال التي تملك بالحيازة أو الأحياء، كخشب الآجام، والأرض الموات وغيرها، مع صراحة غير

********

(1) وسائل الشيعة ج: 6 باب: 4 من أبواب الأنفال وما يختص بالإمام حديث: 1

(2) التهذيب ج: 4 ص: 145، وذكر بعض الحديث مقطعاً في وسائل الشيعة ج: 6 باب: 4 من أبواب الأنفال وما يختص بالإمام حديث: 14

ص: 53

ملك لمالكها (1) وإن أخرجه غيره بدون إذنه فهو لمالك الأرض،

-

واحد من النصوص في عدم حلية الأرض لغير الشيعة، ففي صحيح أبي سيار عن أبي عبد الله (عليه السلام): وكل ما كان في أيدي شيعتنا من الأرض فهم فيه محللون ومحلل لهم ذلك إلي أن يقوم قائمنا، فيجيبهم طسق ما كان في أيديهم وترك الأرض في أيديهم. وأما ما كان في أيدي غيرهم فإن كسبهم من الأرض حرام حتي يقوم قائمنا فيأخذ الأرض من أيديهم ويخرجهم منها صغرة(1). وقريب منه غيره.

ومن هنا كان المتعين الجمع بين السيرة والنصوص المذكورة بالبناء علي أن الملك بالحيازة والإحياء ليس حقيقياً، بل حكمياً من أجل تنظيم أمور الشيعة في حال الهدنة التي لزمتهم، فتترتب في حقهم أحكام ملكية غيرهم لما تحت أيديهم، مثل حرمة تصرف الشيعة بغير إذن من يكون المال تحت يده، وميراثهم منهم ونفوذ معاملاتهم معهم. ولا تترتب تلك الأحكام في حق من يكون المال تحت يده من غير الشيعة، فيحرم عليهم التصرف في المال، ولا تنفذ معاملاتهم عليه فيما بينهم، بل ولا مع الشيعة، فإذا باعوا للشيعي شيئاً من الأنفال ملكه الشيعي بمقتضي ملكيتهم الحكمية وإن لم يملكوا هم الثمن، نظير الغاصب إذا باع لنفسه.

ومن ذلك يظهر الحال في الكافر، لعدم الفرق بينه وبين المخالف. خلافاً لما سبق عن الشيخ وظاهر البيان. ولذا قال في محكي المدارك: لم أقف له علي دليل يقتضي منع الذمي عن العمل في المعدن.

وأشكل من ذلك ما حكي عن الشيخ أيضاً من أنه لو خالف وعمل ملك وكان عليه الخمس. إذ فيه: أن دليل مملكية الحيازة إن عمه فلا وجه لمنعه من العمل، وإن قصر عنه فلا وجه لتملكه لما أخرج.

(1) كما في التذكرة وجامع المقاصد والمدارك، وعن الجواهر: لا خلاف

********

(1) وسائل الشيعة ج: 6 باب: 4 من أبواب الأنفال وما يختص بالإمام حديث: 12

ص: 54

(55)

أجده فيه، لملكيته له تبعاً لملكيته للأرض، أو بالإخراج والحيازة، حيث لا إشكال ظاهراً - تبعاً للسيرة - في مملكيتها للمباحات الأصلية.

وأما ما يظهر من بعض كلماتهم من أن المعدن قبل الإخراج من سنخ الموات، وإخراجه إحياؤه، فيدل علي مملكيته ما تضمن مملكية الإحياء. فهو لا يخلو عن إشكال، بل منع أولاً: لأن الإحياء عرفاً استغلال الشيء وجعله مورداً للفائدة والنفع بعد أن لم يكن كذلك، وإخراج المعدن بنفسه لا يقتضي ذلك. وثانياً: لأن دليل مملكية الإحياء مختص بالأرض، ولا تعم غيرها من الموات.

هذا إذا أخرجه مالك الأرض، وأما إذا أخرجه غيره فإن عدّ من توابع الأرض عرفاً، لقربه من الظاهر، فكذلك هو ملك لمالك الأرض، لعدم الإشكال في تبعيته للأرض في الملكية.

وإن لم يعد من توابعها لوقوعه في تخومها السفلي فقد استشكل بعض مشايخنا في ملكيته له، بدعوي: أن ملكيته للأرض لما كانت في الأصل بالإحياء والحيازة - وما عداها من الأسباب متفرع عليها، كملك الوارث والمشتري من المحيي أو الحائز - فالإحياء والحيازة إنما يكونان لظاهر الأرض، دون باطنها، خصوصاً ما كان مبايناً لها، كالمعادن المودعة في باطنها.

غايته أن مقتضي سيرة العقلاء ملكية ما في بواطن الأرض تبعاً لها، وحيث لا إطلاق للسيرة فالمتيقن منها ما يعدّ عرفاً من توابعها، لعدم عمقه كثيراً، دون ما كان عمقه فاحشاً، كآبار النفط وآبار الماء الارتوازية، فإنه لا مجال للبناء علي تبعيتها للأرض كما هو الحال في الفضاء العالي، ولذا لا يحتاج العبور فيه بالطائرات لاستئذان مالك الأرض.

وحينئذٍ يتعين البناء علي ملكية المخرج له بالحيازة. وإن كان يحرم عليه التعدي علي مالك الأرض بالتصرف فيها واستخراج المعدن من باطنها.

ويشكل بأن ظاهر الأدلة ملكية تمام الأرض المحياة أو المحازة، وكون مورد

ص: 55

الإحياء ومظهر الحيازة ظاهر الأرض لا ينافي صدق الإحياء والحيازة علي تمامها بحيث يعمّ باطنها، نظير بعض الأفعال المتعلقة بالأشياء التي يصح نسبتها عرفاً للشيء بلحاظ مباشرتها لبعضه، فيصح نسبة النظر واللمس للجسم عرفاً مع وقوعها علي سطحه الظاهر، بل علي بعض سطحه لا غير، فإذا قيل مثلاً: من نظر إلي شيء ملكه كفي النظر المذكور في ملكه بتمامه.

ولا وجه لقياسه بالفضاء الذي هو خارج عن الأرض ولا يكون موضوعاً للإحياء أو الحيازة، بل لابد من البناء علي ملكيته تبعاً، أو علي مجرد حرمة التصرف فيه بالنحو المزاحم لصاحب الأرض.

علي أنه لو فرض عدم ملكية ما في الأرض تبعاً لملكية الأرض، فمن القريب جداً عموم التبعية ارتكازاً لما كان عمقه فاحشاً، كعمومها لما كان علوه من الفضاء فاحشاً، وعدم قيام السيرة العملية علي ذلك سابقاً إنما هو لخروجه عن الابتلاء، ولذا كان الظاهر من حال الناس في هذه العصور التي ظهرت فيها الآثار العملية البناء علي الملكية وترتيب أثرها.

ولا ينافي ذلك عدم بنائهم علي الاستئذان في مثل عبور الطائرات، لأن استثناء مثل هذا التصرف غير المستقر ولا المزاحم - لو تم ولم يبتن علي التسامح أو إحراز الرضا - لا ينافي البناء علي ملكية الفضاء العالي.

ولذا كان الظاهر عموم استثناء مثل هذه التصرفات لما إذا كانت في الفضاء القريب الذي اعترف فيه بالتبعية، حيث لا يتوقفون في مثل رمي الحجر وعبوره في فضاء الأرض المملوكة للغير وإن كان قريباً، كما لا يتوقفون في كثير من التصرفات الهينة بأنظارهم، كالاتكاء علي جدار الغير، وإيداع بعض الأوراق المقدسة وفضلات الطعام فيه ونحوهما.

مع أنه لو سلم قصور التبعية عما كان عمقه فاحشاً فذلك إنما يقتضي ملكيته لمن أخرجه إذا استخرجه من الباطن، بمثل شقّ الأنفاق المارة من الأرض المجاورة. كم

ص: 56

يقتضي جواز استخراجه حينئذٍ من دون إذن. دون ما إذا استخرج من الظاهر، فإنه بصعوده إلي الظاهر يلحق به كما يلحق الثابت في العمق القريب. ولذا لا يظن بأحد البناء علي أنه لو فاض الماء أو النفط من الأعماق البعيدة علي ظاهر الأرض بنفسه، لا يملكه صاحبها، بل يبقي مباحاً أصلياً يجوز لكل أحد تملكه.

اللهم إلا أن يفرق بين ما إذا خرج بنفسه وما إذا أخرجه الغير، بأن الأول باق علي إباحته الأصلية حتي خرج إلي ظاهر الأرض، فملكه مالكها تبعاً لها، والثاني ملكه المخرج بسحبه وحيازته له قبل الإخراج، فإذا خرج إلي ظاهر الأرض لم يملك بتبعها، كالمملوك للغير المار عليها من أرض مجاورة.

فالعمدة ما سبق من ملكية الأرض بالإحياء والحيازة، وعموم التبعية للأعماق البعيدة. كما أن المستفاد عرفاً عموم الأرض المملوكة بالإحياء والحيازة للمعادن الثابتة في الأرض، وأن موضوع الحيازة والإحياء والمملوك بسببهما هو الأرض بمعني الجسم والحجم من أي نوع فرض، لا الأرض بالمعني الأخص المقابل للمعادن، كالطين والرمل والحجر.

غاية الأمر أنه قد يشكل شمولها لمثل النفط والماء من السوائل، فإنه عرفاً مظروف خارج عنها، ولا يملك إلا تبعاً لها. وحينئذٍ تبتني ملكية صاحب الأرض له علي عموم التبعية من حيثية العمق وخصوصها. وإن كان الظاهر العموم.

نعم لما كان مبني السوائل غالباً علي الانتقال في الباطن من أرض لأخري بواسطة المجاري والمسالك الموجودة فيها القريبة من الظاهر والبعيدة فالظاهر عدم تبعيتها للأرض إلا بخروجها منها. إلا ما كان منها محصوراً في جوف الأرض لو فرض وجوده، فإنه يملك بتبعها مطلقاً، وإن كان عمقه فاحشاً.

ثم إنه لا يفرق في ذلك بين كون المعدن من الأنفال وعدم كونه منها، لماسبق من عموم مملكية الحيازة والإحياء علي الثاني حقيقة، وعلي الأول حكماً في حق غير الشيعة، وحقيقة في حقهم. كما أن تبعية ما في الأرض لها كذلك، لعين الوجه المتقدم فيها.

ص: 57

(58)

وعليه الخمس (1). وإذا كان في الأرض المفتوحة عنوة التي هي ملك المسلمين ملكه المسلم (2)

-

(1) لعموم وجوب الخمس في المعدن. لكنه إنما يقتضي ثبوت الخمس في العين، لا وجوب إخراجه علي المالك، وإنما يجب عليه إخراجه إذا صارت العين تحت يده، حيث يصير حبسه حبساً للحق علي صاحبه الذي هو محرم في نفسه، بل من الكبائر.

كما لا يجوز له التصرف فيه قبل إخراج الخمس، لأن التصرف فيه تصرف في الخمس، فلا يجوز بغير إذن صاحبه أو من يقوم مقامه.

ومن هنا يتعين تكليف المخرج بالخمس، لوضع يده عليه بوضع يده علي المعدن بتمامه. لكن لا بمعني استقلاله بإخراجه، لأن الولاية علي إخراج الخمس لصاحب المال، بل بمعني مسؤوليته بنحو يجب عليه السعي لإيصاله إلي صاحبه ولو بإقناع المالك أو رفع أمره إلي الحاكم الشرعي.

اللهم إلا أن يقال: بعد فرض كون ولاية إخراج الخمس لصاحب المال يكون تسليم جميع المال له مبرئاً للذمة من الضمان، كما هو الحال في سائر موارد إيصال المال للولي. وهو المناسب لما هو المعلوم من سيرة المتشرعة من أن وكيل المالك إذا باع عن المالك بربح، وقبض الثمن الذي فيه الربح، كفاه تسليم الثمن إلي المالك، ولم يجب عليه السعي لإيصال خمس الربح لأهله.

هذا ومن الظاهر عدم استثناء مؤنة الإخراج حينئذٍ، لأن المالك لا يتحمل المؤنة، ولا يرجع من أخرجه بها عليه إذا لم يكن إخراجه له بإذنه. ولو دفعها المالك حينئذٍ متبرعاً لها لم يكن له استثناؤها. إلا أن يتوقف تحصيله للمعدن وأخذه من مخرجه علي دفع المؤنة المذكورة أو ما زاد عليها، فيستثني ما دفع، لأنه يصير حينئذٍ مؤنة أيضاً، فلاحظ.

(2) كما صرح بعضهم، بل قد يظهر من بعض عباراتهم المفروغية عنه، حيث اقتصر في الجواهر علي احتمال منع الذمي من إخراج المعدن منها، بل ادعي القطع

ص: 58

بملك الحائز من المسلمين له، قال: ولعله لأنه بنفسه في حكم الموات، وإن كان في أرض معمورة بغرس أو زرع.

قال سيدنا المصنف (قدس سره): ويظهر من كلماتهم في كتاب الإحياء المفروغية عن أن ذلك إحياء مملك، وفي مفتاح الكرامة: اتفقت كلمة الفريقين علي أنها تملك بالإحياء، لكن القائلين بأنها للإمام يقولون بتوقف ذلك علي إذنه حال حضوره لا غيبته. ولا خلاف في ذلك إلا من الشافعي في أحد قوليه... ولعل في هذا المقدار - بضميمة ما في الجواهر في كتاب الإحياء من دعوي السيرة المستمرة في سائر الأعصار والأمصار في زمن تسلطهم (عليهم السلام) وغيره علي الأخذ منها بلا إذن، حتي ما كان في الموات التي هي لهم، وفي المفتوحة عنوة التي هي للمسلمين - كفاية في جواز الخروج عن قاعدة التبعية. وظاهره استثناء المعدن في الأرض العامرة المفتوحة عنوة من ملكية المسلمين، لموته وخروجه عن العمران موضوعاً.

ويشكل بأن ظاهر الأدلة ملك الأرض العامرة بتمامها للمسلمين، لا خصوص السطح العامر منها، نظير ما سبق في تعقيب ما ذكره بعض مشايخنا. كما أنه قد سبق - عند الكلام في ملكية المعدن لصاحب الأرض التي هو فيها - الإشكال في دعوي مملكية الإحياء للمعدن.

ومثله ما ذكره بعض مشايخنا من منع تبعية المعدن للأرض في الأرض المفتوحة عنوة التي هي ملك لعموم المسلمين، وفي الأرض التي هي ملك الإمام، بدعوي: أن المتيقن من السيرة علي التبعية هو الأملاك الشخصية.

إذ فيه: أنه بعد أن كان المراد من السيرة المستدل بها علي التبعية هي سيرة العقلاء، أو سيرة المتشرعة الارتكازية المتفرعة عليها، فلا فرق فيها - تبعاً للمرتكزات - بين

ملك الشخص بنفسه وملكه بمنصبه - كملك الإمام للأراضي الأنفال - وملك النوع - كملك المسلمين للأرض المفتوحة عنوة - لرجوع مفاد السيرة ارتكازاً إلي أن حكم المعادن حكم الأرض التي هي فيها.

ص: 59

وعدم حكمهم بملكية المعدن في الأرض المفتوحة عنوة للمسلمين قد يكون للشبهة المتقدمة، وهي كونه من الموات، وخروجه موضوعاً عن العمران الذي هو العلة في ملكية المسلمين للأرض. ولذا لا يظن منهم ولا منه البناء علي عدم التبعية في الأرض الوقف.

نعم قد يتم ذلك في الأرض الموات ونحوها من الأراضي الأنفال، للسيرة العملية علي إباحتها وملكيتها بالحيازة والإحياء، فإن ذلك يناسب سيرتهم علي ملكية المعادن التي فيها بالحيازة، وقد سبق الجمع بين السيرة المذكورة وظهور نصوص التحليل في اختصاصه بالشيعة، بحمل ملكية غيرهم علي الملكية الحكمية مع حرمة التصرف عليهم.

وهذا بخلاف الأرض العامرة التي هي ملك للمسلمين، إذ مع بناء المسلمين علي عدم كون الحيازة مملكة لها لا يتضح منهم البناء علي ملكية ما فيها من المعادن بالحيازة. ولاسيما مع عدم وضوح شيوع وجود المعادن فيها، بل الشايع استخراجها من الأراضي المحكومة بأنها من الأنفال.

ومنه يظهر أن البناء علي عدم ملكية المخرج للمعدن من الأرض المفتوحة عنوة لا يستلزم حمل نصوص وجوب الخمس في المعدن علي خصوص من يستخرجه من ملكه الشخصي، الذي هو فرد نادر.

كما يظهر أيضاً حال ما ذكره سيدنا المصنف (قدس سره) من تأييد ذلك بخلوّ نصوص الخمس في المعدن وغيرها عن التعرض للمنع عن أخذها من الموات أو العامرة، بدعوي: أنها وإن لم تكن في مقام البيان من هذه الجهة، لكن إهمالها التعرض لذلك، مع ارتكاز إباحة الأخذ، وعموم الابتلاء بالمعادن، طريق عرفي لجواز الأخذ وترتيب آثار الملك.

إذ فيه: أن ذلك كله يبتني علي عدم الفرق بين الأرض العامرة والموات، وقد عرفت ثبوت الفرق بينهما من حيثية الارتكاز والسيرة.

ص: 60

(61)

إذا أخرجه بإذن ولي المسلمين علي الأحوط وجوباً (1). وكذا الكافر علي إشكال ضعيف (2)، وفيه الخمس (3). وكذا ما كان في الأرض الموات حال الفتح (4) فأخرجه مسلم أو كافر.

-

ومن هنا يتعين الرجوع لولي المسلمين واستئذانه في استخراج المعدن من الأرض العامرة التي هي ملك المسلمين، والتعامل معه علي أجر خاص، أو حصة خاصة، نظير زراعة الأرض المذكورة علي حصة معينة من الثمر، فإن ذلك هو الأنسب بمقتضي القاعدة والمرتكزات.

(1) الظاهر رجوعه للزوم استئذان ولي المسلمين المستفاد تبعاً. ومقتضي ما تقدم الجزم بلزوم استئذانه والاتفاق معه.

(2) يظهر وجه ضعفه مما سبق.

(3) لإطلاق أدلته. نعم بناءً علي ما سبق منّا من لزوم الاتفاق مع ولي المسلمين فالخمس ليس في تمام المعدن المستخرج، بل في خصوص حصة المستخرج له. وأما في حصة الأرض فهو إما للمسلمين تبعاً للأرض. ولا خمس فيه، لاختصاص أدلته بالملك الشخصي، دون ملك النوع. وإما للإمام، بناءً علي ما سبق منّا من أن المعدن من الأنفال، لاختصاص أدلة التحليل بما يملكه الشيعي بالحيازة، لعموم أدلة الحيازة له، دون غيره، كالمسلمين في المقام، حيث يملكون بعنوانهم العام الأرض بسبب فتحها عنوة.

اللهم إلا أن يقال: عدم ملكيتهم له بالتحليل لا ينافي ملكيتهم له في مقابل الانتفاع بأرضهم والإذن في العمل بها. ومن هنا يتعين ملكية المسلمين له حتي بناءً علي كونه من الأنفال. غاية الأمر أنه بناءً علي أنه من الأنفال يملكه المسلمون من المخرج في مقابل انتفاعه بأرضهم، وبناءً علي ملكية المسلمين له تبعاً للأرض يملك المخرج حصته من المسلمين في مقابل إخراجه لهم.

(4) يظهر الحال فيه مما سبق. كما يظهر منه عدم الفرق بين الموات من الأرض

ص: 61

(مسألة 9): إذا شك في بلوغ النصاب فالأحوط الاختبار مع الإمكان (1).

-

المفتوحة عنوة والموات من غيرها. نعم لا إشكال في عدم اعتبار الإذن هنا.

(1) الكلام في هذه المسألة نظير الكلام في الزكاة. والمعروف هناك - كما قيل - عدم الوجوب، وعن محكي المسالك: لا قائل بالوجوب.

وهو يبتني علي ما هو المعروف من عدم توقف الرجوع للأصول الترخيصية في الشبهات الموضوعية علي الفحص، لإطلاق أدلتها الشامل لحال ما قبل الفحص.

وعليه فقد ذكر بعض مشايخنا أن المرجع في المقام هو استصحاب عدم بلوغ المعدن المستخرج النصاب فيما لو استخرج تدريجياً. بل مطلقاً، بناء علي ما هو الظاهر من جريان استصحاب العدم الأزلي.

ويشكل الأول بعدم اتحاد القضية المشكوكة مع القضية المتيقنة، لأن الذي يعلم بعدم بلوغه النصاب هو المقدار المستخرج أولاً، والذي يشك في بلوغه النصاب. هو المجموع منه ومن المستخرج أخيراً، وهو غير معلوم الحالة السابقة. والتسامح العرفي لا يعول عليه في وحدة موضوع الاستصحاب، علي ما أوضحناه في محله من الأصول.

ومثله استصحاب عدم إخراج مقدار النصاب بمفاد ليس التامة. لأنه لا يحرز عدم بلوغ المستخرج النصاب إلا بناء علي الأصل المثبت. نعم لو كان مفاد الدليل وجوب الخمس في الذمة بإخراج مقدار النصاب اتجه التمسك بالأصل المذكور. إلا أنه ليس كذلك، بل مفاده وجوب الخمس في عين المعدن الذي يبلغ النصاب، فلابد في الأصل الموضوعي من تشخيص حال المعدن المستخرج، والأصل المذكور لا ينهض بذلك، وإنما ينهض به الأصل السابق.

وأما الثاني فهو موقوف علي كون الكم والمقدار من عوارض الوجود، مع أنه ليس كذلك عرفاً، بل هو من لوازم ذات الوجود، لا بمعني كونه من لوازم ماهيته

ص: 62

النوعية، لما هو الظاهر من عدم أخذ كمّ خاص فيها، بل هي تصدق علي القليل والكثير بنحو واحد، بل بمعني كونه لازماً لخصوصية الفرد القائمة بذاته مع قطع النظر عن وجوده، فمع تردد مقدار المعدن المستخرج لا يحرز عدم بلوغه النصاب بلحاظ حال ما قبل وجوده، فضلاً عن حال ما قبل استخراجه بعد وجوده. نظير ماذكرناه في مسألة استصحاب الكرية أوعدمها من مباحث المياه.

نعم لو علم بأن قيمة المقدار المستخرج كانت قبل استخراجه دون النصاب، واحتمل بلوغها النصاب بعد استخراجه لارتفاع قيمته السوقية، اتجه استصحاب عدم بلوغه النصاب. لكن الكلام لا يختص بذلك.

فالظاهر أن المرجع - مع عدم جريان الأصل الموضوعي - استصحاب عدم تعلق الخمس بالمعدن المستخرج، كما ذكر نظيره سيدنا المصنف (قدس سره).، فإنه بضميمة عموم ما تضمن مملكية الحيازة يقتضي بقاء المال بتمامه في ملك المستخرج.

وبعبارة أخري: مقتضي العموم المذكور صيرورة المال بتمامه في ملك المستخرج بمجرد الحيازة، ومقتضي أدلة الخمس ثبوته في المال في مرتبة متأخرة عن ذلك، فإذا كان مقتضي الاستصحاب عدم ثبوته كان اللازم البناء علي بقائه بتمامه في ملك المستخرج.

وقد يؤيد بخبر زيد الصائغ عن أبي عبدالله (عليه السلام) في الدراهم المغشوشة، وفيه: قلت: فإن أخرجتها إلي بلدة لا ينفق فيها مثلها فبقيت عندي حتي حال عليها الحول أزكيها؟ قال: إن كنت تعرف أن فيها من الفضة الخالصة ما يجب عليك فيه الزكاة فزك ما كان لك فيها من الفضة الخالصة من فضة، ودع ما سوي ذلك من الخبيث. قلت: وإن كنت لا أعلم ما فيها من الفضة الخالصة، إلا أني أعلم أن فيها ما يجب فيه الزكاة؟ قال: فاسبكها حتي تخلص الفضة ويحترق الخبيث، ثم تزكي ما خلص من الفضة لسنة واحدة(1).

اللهم إلا أن يقال: هذا لا يناسب ما يأتي في المسألة الثامنة والأربعين من

********

(1) وسائل الشيعة ج: 6 باب: 7 من أبواب زكاة الذهب والفضة حديث: 1

ص: 63

(64)

تضرعهم بثبوت الخمس في مطلق المكاسب والفوائد بمجرد حصولها، وإن جاز تأخير إخراجه إلي نهاية السنة احتياطاً للمؤنة، حيث لا مجال حينئذٍ لاستصحاب عدم تعلق الخمس فيما إذا كان المستخرج بضميمة بقية الأرباح زائداً علي المؤنة. غاية الأمر أن يرجع لأصالة البراءة من وجوب المبادرة لإخراج الخمس علي أن ذلك لا مجال له بناءً علي أن استثناء المؤنة في مطلق الفوائد وتأخير الخمس لآخر السنة من أجلها ليس حكماً شرعياً، بل هو تخفيف من الأئمة (عليهم السلام) إرفاقاً بشيعتهم، حيث لا مجال حينئذٍ لترتيب الأثر علي التخفيف المذكور ما لم يحرز موضوعه، وهو في المقام المعدن الذي لا يبلغ النصاب كما تقدم منّا نظير ذلك في آخر الكلام في حكم مال الناصب. فراجع.

وبذلك يظهر أنه لا مجال لقياس المقام بالزكاة التي يعلم بثبوتها شرعاً فيها دون النصاب. فلاحظ.

هذا وعن الجواهر أنه قوي وجوب الاختبار إن لم يكن إجماع علي خلافه، لأن البناء علي العدم يوجب إسقاط كثير من الواجبات.

وفيه: أن ذلك - لو تم - ليس محذوراً بعد أن قام الدليل علي جواز التعبد الظاهري وإن استوجب فوت الواقع. بل لا إشكال في عدم مانعية كثرة المخالفة من العمل بالوظيفة وعدم وجوب الفحص في كثير من الموارد، كالطهارة والتذكية وملكية صاحب اليد وغير ذلك.

ومثله دعوي لزوم العلم الإجمالي بالمخالفة من رجوع كل من يشك إلي الأصل الترخيصي في المقام. إذ فيه: أن العلم المذكور غير منجز بالإضافة إلي كل منهم، لعدم ابتلاء كل منهم إلا بمجري الأصل الذي يرجع هو إليه.

بل حتي لو فرض علم الشخص بلزوم المخالفة من رجوعه للأصل كلما حصل له الشك، لا يتنجز العلم المذكور إلا إذا تعينت الوقائع - التي هي مورد الشك والتي تكون طرفاً للعلم الإجمالي - ولو إجمالاً ليتحقق الداعي العقلي للاجتناب عنها، فيمنع من جريان الأصل، ولا يكفي مجرد العلم بتحقق المخالفة من دون تحديد لموضوعه

ص: 64

(65)

ومع عدمه لا يجب عليه شيء (1)، وكذا إذا اختبره فلم يتبين له شيء (2).

الثالث: الكنز (3)،

-

حيث لا يمكن حدوث الداعي العقلي لاجتنابها حينئذٍ.

(1) إذ لو فرض وجوب الفحص للشبهة المتقدمة فالمتيقن منه صورة إمكانه، فلا مانع من الرجوع للأصل مع تعذره. بل يجري ذلك حتي لو فرض استفادة وجوب الفحص من إطلاق دليل يتضمن الأمر به، إذ حيث يقصر الإطلاق المذكور عن صورة تعذر الفحص، فلا مانع من الرجوع للأصل فيها.

إن قلت: الأمر لما لم يكن نفسياً، بل طريقياً لبيان شرطية الفحص لجريان الأصل الترخيصي، فلا مانع من عموم الإطلاق لصورة تعذر الفحص، لإمكان عموم الشرطية لذلك، نظير الأمر بالوضوء قبل الصلاة، فإنه لما لم يكن وارداً للأمر النفسي بالوضوء، بل لبيان شرطيته للصلاة فلا مانع من عمومه لحال تعذر الوضوء، بحيث يستلزم تعذر الصلاة بتعذر الوضوء.

قلت: الأمر بالفحص وإن لم يكن نفسياً، بل طريقياً، إلا أنه ليس مسوقاً لبيان شرطية الفحص لجريان الأصل الترخيصي، كيف وكثيراً ما يحصل به العلم الرافع لموضوع الأصل الترخيصي.

غاية الأمر أن الأمر بالفحص لما كان طريقياً، فهو راجع إلي تنجز الواقع المحتمل بنحو ينافي الأصل الترخيصي، ويكون مخصصاً لعموم دليله، وحيث كان الأمر المذكور قاصراً عن صورة تعذر الفحص تعين الرجوع فيها لعموم دليل الأصل الترخيصي. فالعمدة ما سبق من الكلام في جريان الأصل الترخيصي في المقام. فلاحظ.

(2) بل هو أولي، عملاً بالأصل المتقدم بعد قصور الشبهة المتقدمة عنه قطعاً.

(3) بلا خلاف فيه بين أصحابنا، كما في الحدائق، بل بين المسلمين، كما في ظاهر الخلاف ومحكي المنتهي. وفي الخلاف والتذكرة والمدارك وظاهر الانتصار الإجماع

ص: 65

(66)

وهو المال (1)

-

عليه. بل قد يظهر من التذكرة إجماع المسلمين عليه.

ويقتضيه بعد إطلاق الآية الشريفة - بناءً علي ما سبق في أول هذا المبحث من عدم اختصاصها بغنائم الحرب، بل تقدم هناك ما يشهد من النصوص بعمومها للكنز - جملة من النصوص المتضمنة عدّه من الأربعة(1) أو من الخمسة التي يجب فيها الخمس(2) ، وصحيح الحلبي المتقدم في أول الكلام في المعادن وغيره.

(1) من دون فرق بين النقدين وغيرهما، كما هو مقتضي إطلاق المال في الشرائع والقواعد ومحكي التنقيح، بناء علي عموم المال لغير النقدين. بل صرح بالتعميم في التذكرة والدروس ومحكي المنتهي والبيان. قال سيدنا المصنف (قدس سره): بل هو ظاهر كل من فسره بالمال المذخور، لصدق المال علي جميع ذلك. وعن ظاهر المنتهي نفي الخلاف فيه بيننا.

ويقتضيه إطلاق الكنز في النصوص لو فسر بالمال المذخور أو المدفون، بناء علي عموم المال لغة، كما يشهد به تصريح بعض اللغويين.

وفي المبسوط والسرائر ومحكي الجمل والجامع وغيرها الاقتصار علي النقدين. قال سيدنا المصنف (قدس سره): وربما نسب إلي ظاهر الأكثر. وكأنه لاختصاص الكنز بهما، كما هو ظاهر الجواهر.

لكن يصعب الجزم بذلك بعد ذهاب مثل العلامة والشهيد للعموم حيث لا وجه ظاهراً لعموم الحكم عندهما إلا البناء علي عموم الكنز. وبعد أخذ المال في تعريفه ممن سبق، وقد عرفت تصريح بعض اللغويين بعمومه، وبعد عموم الكنز لغيرهما في الجملة في عرفنا.

نعم لا يكفي ذلك في حصول القطع بالعموم. وحينئذ يكفي في البناء علي عدم

********

(1) وسائل الشيعة ج: 6 باب: 2 من أبواب ما يجب فيه الخمس حديث: 12

(2) وسائل الشيعة ج: 6 باب: 2 من أبواب ما يجب فيه الخمس حديث: 2، 4، 9

ص: 66

عموم الحكم الأصل القاضي بعدم ثبوت الخمس، بالتقريب المتقدم عند الكلام في تحديد المعدن، لأن الكلام فيهما علي نهج واحد فراجع.

مضافاً إلي أنه قد يستدل علي الاختصاص بصحيح الحلبي عن أبي الحسن الرضا (عليه السلام): سألته عما يجب فيه الخمس من الكنز. فقال: ما يجب الزكاة في مثله ففيه الخمس(1). لظهور اختصاص الزكاة بالنقدين.

لكن ادعي في الرياض الاتفاق علي إرادة المساواة للزكاة في المقدار واعتبار النصاب لا في النوع، كما يناسبه اتفاقهم - كما قيل - علي اعتبار النصاب في المقام، مع عدم الدليل المعتبر عليه إلا الصحيح. ويناسبه أيضاً صحيحه المتقدم عنه (عليه السلام) في اعتبار النصاب في المعدن. وكذا مرسل المقنعة: سئل الرضا (عليه السلام) عن مقدار الكنز الذي يجب فيه الخمس. فقال (عليه السلام): ما تجب فيه الزكاة من ذلك بعينه ففيه الخمس، وما لم يبلغ حد ما تجب فيه الزكاة فلا خمس فيه(2).

والكل كما تري، لأن فهم الأصحاب لايصلح قرينة علي تفسير الصحيح لو فرض إجماله، فضلاً عما إذا كان ظاهراً في خلاف ما فهموه. ولا سيما مع إمكان استناد القدماء في اعتبار النصاب لإطلاق المماثلة في الصحيح من دون بناء علي اختصاصها بالمقدار، أو لدليل آخر ولو كان هو مرسل المقنعة، لثبوت حجيته عندهم وإن خفي وجهها علينا.

كما أن صحيحه المتقدم في اعتبار النصاب في المعدن لا يصلح لحمل هذا الصحيح علي ذلك بعد اختلاف لسان السؤال والجواب فيهما. وكذا مرسل المقنعة، فإنه - مع عدم حجيته في نفسه - إن كان حديثاً آخر لم يصلح لتفسير الصحيح، لعدم تصديه لشرحه، بل غايته أن يعمل بكل منهما فيما هو ظاهر فيه، وإن كان عين الصحيح المذكور، فمن القريب أن يكون الاختلاف بينهما ناشئاً عن ابتناء المرسل علي نقل مضمون الصحيح بالمعني حسب اجتهاد الناقل، فلا يكون حجة في الخروج عن

********

(1و2) وسائل الشيعة ج: 6 باب: 5 من أبواب ما يجب فيه الخمس حديث: 2، 6

ص: 67

الصحيح المنقول مضمونه من قبل السائل نفسه.

ومن هنا لا مجال للخروج عن ظهور الصحيح في مساواة موضوع الخمس في الكنز للزكاة في النوع. ولاسيما وأن الاكتفاء في بيان اعتبار المقدار بإطلاق المماثلة مع فرض عموم الكنز من حيثية النوع بعيد جداً.

نعم قد يبعد حمل الصحيح علي اعتبار المماثلة في النوع فقط، بلحاظ أنه لا فائدة في ذكر المماثلة، بل يكفي أن يقول: ما يجب الزكاة فيه ففيه الخمس، وبلحاظ عدم ظهور النكتة في بيان النوع بهذا الوجه وعدم بيانه صريحاً مع أنه أوضح وأخصر، وهذا بخلاف المقدار، فإن بيانه بهذا الوجه أخصر، وأفيد، بلحاظ إشعاره بعموم ملاك النصاب للخمس والزكاة.

لكن ذلك إنما يمنع من حمل الصحيح علي بيان المقدار مع عموم النوع، ولا يمنع من حمله علي إرادة المقدار المعتبر في نصاب الزكاة في فرض الاختصاص بالنوع الذي تجب فيه الزكاة، إما لاختصاص الكنز به، أو لعموم المماثلة في الصحيح له. ولعل ذلك هو المناسب لمرسل المقنعة الصريح في اعتبار النصاب، حيث لا يبعد حمل قوله (عليه السلام): بعينه علي اعتبار النوع.

هذا وقد يستدل علي العموم بصحيح زرارة المتقدم في المعدن عن أبي جعفر (عليه السلام): سألته عن المعادن ما فيها؟ فقال: كل ما كان ركازاً ففيه الخمس. وقال: ما عالجته بمالك ففيه ما أخرج الله سبحانه من حجارته مصفي الخمس(1) ، بناءً علي عموم الركاز لغير النقدين، كما هو مقتضي ما عن المصباح وغيره من تفسيره بالمال المدفون، وفي القاموس: الركاز، وهو ما ركزه الله في المعادن، أي أحدثه كالركيزة، ودفين أهل الجاهلية، وقطع الذهب والفضة من المعدن، وفي لسان العرب ومجمع البحرين أن الركاز عند أهل العراق المعادن كلها ويشهد به بعض النصوص.

وفيه: أولاً: ظاهر الصحيح عموم وجوب الخمس في الركاز من حيثية كونه

********

(1) وسائل الشيعة ج: 6 باب: 3 من أبواب ما يجب فيه الخمس حديث: 3

ص: 68

(69)

المذخور في الأرض (1)

-

معدناً، حيث يكون موضوع وجوب الخمس فيه استخراجه من منبته، وهو لا ينافي قصوره عن غير النقدين من حيثية كونه كنزاً. وحمل الركاز في الصحيح علي الكنز أو علي ما يعمه مخالف لظاهره، بل لا شاهد له بعدما سبق من القاموس من تعدد معانيه، حيث لا شاهد علي حمله علي مطلق المال المدفون، بل سياقه يناسب حمله علي أول معانيه المذكورة في القاموس.

وثانياً: أنه لو سلم عمومه فصحيح البزنطي صالح لتقييده، كما يصلح لتقييد إطلاقات الكنز بناءً علي عمومه لغير النقدين.

ومن ثم فالبناء علي اختصاص الخمس في الكنز بالنقدين قريب جداً. وإن كان محتاجاً بعد للتأمل. والاحتياط حسن علي كل حال.

هذا وعن كاشف الغطاء تخصيص الحكم بالنقدين، وأن غيرهما يتبع اللقطة. لكن الظاهر بناءً علي اختصاص الكنز موضوعاً بالنقدين جريان حكم مجهول المالك في غيرهما، عملاً بعموم أدلته بعد قصور أدلة اللقطة، لانصرافها للمال الظاهر الضائع الذي يقرب عهد صاحبه به، بحيث من شأنه العثور عليه بالتعريف، دون مثل الكنز مما كان مخفياً قد بعد عهد صاحبه به.

وأما بناءً علي عموم الكنز لغير النقدين وقصر وجوب الخمس عليهما من صحيح البزنطي، فاللازم البناء علي ملكية واجده له بتمامه، لأنه المستفاد من نصوص المقام، والخروج عن إطلاقها في وجوب الخمس لا ينافي العمل به في أصل التملك، كما هو الحال فيما كان دون النصاب بناءً علي اعتباره في وجوب الخمس. وربما يأتي عند الكلام في تملك الكنز ما ينفع في المقام.

(1) كما في الشرايع وعن التنقيح والتذكرة والمنتهي والبيان. وظاهره اعتبار القصد إلي إخفاء المال، كما صرح بذلك في الروضة والمسالك، قال في المسالك: فلا عبرة باستتار المال في الأرض بسبب الضياع، بل يلحق باللقطة، ويعلم ذلك بالقرائن

ص: 69

الحالية، كالوعاء.

بل ظاهره اعتبار كون الإخفاء بقصد الادخار لا لغرض آخر كالحفظ. خلافاً لما قد يظهر من الجواهر من الاكتفاء بالقصد للإخفاء ولو لغرض آخر في مقابل ما إذا اختفي المال لضياع أو انهدام بناء أو نحو ذلك. بل عن كشف الغطاء أنه قال: مذخوراً بنفسه أو بفعل فاعل، وحيث لا معني لادخار المال بنفسه لا بفعل فاعل، فلابد أن يكون مراده به مجرد اختفاء المال ولو لانهدام أو نحوه.

لكنه كما تري، لأن الذخر لا يتحقق بنفس الإخفاء، بل بالادخار لتوقع الانتفاع بالمال عند الحاجة، فإن بني علي الجمود علي ظاهر ذكرهم له في تحديد الكنز لزم البناء علي اعتبارهم فيه الإخفاء بقصد الادخار، وإن بني علي التوسع فيه فليس حمله علي القصد إلي ستر المال بأولي من حمله علي مطلق استتار المال ولو من دون قصد، بأن يراد من المذخور في كلامهم مطلق المستور، ويختص اعتبار القصد بمن صرح، به كالشهيد الثاني في الروضة والمسالك، كما تقدم.

وكيف كان فلا إشكال ظاهراً في عدم أخذ الذخر في مفهوم الكنز عرفاً، فيصدق مع الشك فيه، بل ولو مع العلم بعدمه، كما يناسبه ما تضمن أنه إذا ظهر القائم (عجل الله فرجه) أخرجت له الأرض كنوزها(1). ولاسيما وأنه يصعب إحراز كون ترك المال في الموضع الخاص للذخر والادخار. وما تقدم من المسالك من أن كونه في وعاء موجب للعلم بذلك في غاية المنع. فإن كونه في وعاء لا يستلزم القصد إلي تركه في المكان الخاص الذي وجد مختفياً فيه، لإمكان ترك من كان المال تحت يده له نسياناً أو قسراً، لتعذر نقله عليه. بل قد لا يستند حصوله فيه له، كما لو انهدمت الدار فاختفي ما فيها في جوف الأرض. فضلاً عن أن يكون تركه بنحو الادخار لمدة ليكون ذخراً له، حيث قد يكون لدواع أخر، كحفظه خوفاً من لص أو سلطان غاشم أو دفع أعين الناس وحسدهم أو غير ذلك، لعدم صدق الذخر والادخار في جميع

********

(1) بحار الأنوار ج: 52 ص: 337

ص: 70

(71)

أرضاً كان أم جداراً أم غيرهما (1)

-

ذلك. ومن ثم لو بني علي اعتبار القيد المذكور كان العمل علي الحكم محتاجاً إلي عناية خاصة لصعوبة إحرازه، وهو خلاف المنساق من النصوص والفتاوي.

وأما تبادر القصد من الفعل في مثل قولنا: كنز فلان المال، ومنه قوله تعالي: والذين يكنزون الذهب والفضة ولا ينفقونها في سبيل الله فبشرهم بعذاب أليم(1). فلأنه حيث كان الغرض النوعي من جمع المال هو الادخار ضمن ذلك في معني المادة، حتي تمحضت في الدلالة عليه، وخرج بها عن مفهوم الكنز الذي نحن بصدده، ولذا لا يؤخذ فيها الإخفاء، مع وضوح أخذه في الكنز الذي نحن بصدده.

وبالجملة: لا مجال للبناء علي أخذ قصد الذخر والادخار في مفهوم الكنز في محل الكلام، ولذا قال في الجواهر: لعدم الفرق في الظاهر نصاً وفتوي في وجوب الخمس بالكنز بين ما علم قصد الذخر فيه وعدمه، بل لو علم عدمه، كما في بعض المدن المغضوب عليها من رب العالمين.

نعم قال بعد ذلك: اللهم إلا أن يلتزم إلحاق نحوه بالكنز، لا لدخوله في مسماه، أو منع جريان الحكم في مثله. لكن الأول موهون بعدم دليل علي الإلحاق، بل ليس في المقام إلا أدلة ثبوت الخمس في الكنز. والثاني لا يناسب الاتفاق الذي ادعاه (قدس سره).

(1) كما هو ظاهر العروة الوثقي، ومال إليه في الجواهر. إما لعموم الكنز للكل، أو لإلحاق المدفون في غير الأرض به لتنقيح المناط. ولاسيما مع ملاحظة إلحاقهم بالكنز المال الموجود في جوف الدابة والسمكة في وجوب الخمس.

لكن عموم الكنز لغير المدفون في الأرض لا يناسب الاقتصار علي الأرض في كلام جماعة من الفقهاء، واللغويين، بل لم ينقل التعميم لغيرها عن أحد. واحتمال أن ذكره

********

(1) سورة التوبة الآية: 34

ص: 71

لمجرد المثال لا شاهد له. غاية الأمر أن تمنع حجية التعريف المذكور، لاحتمال متابعة الفقهاء للغويين فيه، واحتمال تسامح اللغويين في ذلك، كما هو ديدنهم في أكثر تعاريفهم.

وأما ما أصر عليه سيدنا المصنف (قدس سره) وبعض مشايخنا - وهو ظاهر العروة الوثقي - من العموم، للصدق العرفي، كما يشهد به ملاحظة موارد الاستعمالات. فهو لايخلو عن إشكال، لعدم شيوع استعمال الكنز في عرفنا إلا بلحاظ كثرة المالية، فلا يطلق عندهم علي القليل وإن كان مدفوناً في الأرض، ويطلق علي الكثير المجموع المتكدس وإن لم يكن مدفوناً في الأرض ولا مغيباً في غيرها، ولا إشكال في ابتنائه علي التوسع والخروج عن المعني الذي يجب حمل نصوص المقام عليه، ومع ذلك لا مجال للوثوق بالاستعمالات العرفية المشار إليها، لتنهض بالاستدلال علي عموم الكنز المدعي.

بل ظاهر خبر المجاشعي عن الرضا (عليه السلام) عن آبائه (عليهم السلام): قال: لما نزلت هذه الآية: والذين يكنزون الذهب والفضة ولا ينفقونها في سبيل الله فبشرهم بعذاب أليم قال رسول الله (صلي الله عليه وآله وسلّم): كل ما يؤدي زكاته فليس بكنز وإن كان تحت سبع أرضين، وكل مال لا يؤدي زكاته فهو كنز وإن كان فوق الأرض(1). المفروغية عن اختصاص الكنز بالمدفون في الأرض.

وأما إلحاق المدفون في غير الأرض بالكنز حكماً وإن لم يكن منه حقيقة فلا مجال له بعد كون حكم الكنز تعبدياً محضاً، وليس ارتكازياً ليمكن التعدي عن مورده بما يناسب الارتكاز.

وإلحاقهم الموجود في جوف الدابة والسمكة بالكنز في وجوب الخمس يحتاج إلي دليل، كما اعترف بذلك في الجواهر، وقال: فإن ثبت - إجماعاً كان أو غيره - تعين القول به، وإلا كان محل منع، والظاهر أنه كذلك، لعدم وصول شيء منها إلينا.

ومن هنا يتعين التوقف في عموم الحكم لما كان مغيباً في غير الأرض، بل عن

********

(1) وسائل الشيعة ج: 6 باب: 3 من أبواب ما تجب فيه الزكاة حديث: 26

ص: 72

(73) (73)

كاشف الغطاء التصريح بعدم وجوب الخمس فيه.

بقي شيء: وهو أنه بعد أن انتهي الكلام في تحديد مفهوم الكنز ينبغي التعرض لأمرين مقدمة للكلام في حكمه.

الأول: أنه لا إشكال في أن نصوص ثبوت الخمس في الكنز ظاهرة في الجملة في ملكية واجد الكنز له، لما سبق من تفرع ثبوت الخمس علي صدق الغنم والفائدة، وإنما الكلام في أنها هل تنهض بإثبات عموم ملكية الواجد له، فيثبت الخمس تبعاً لها، أو أنها لا تدل إلا علي ثبوت الخمس في فرض ملكيته له من دون أن تنهض بإثبات الملكية المذكورة، بل لابد في إحرازها من دليل آخر؟

صرح سيدنا المصنف (قدس سره) بالثاني بدعوي عدم ورود النصوص لبيان الملكية، بل موضوعها الكنز المملوك لواجده، فلابد في إحراز الموضوع المذكور من دليل آخر.

لكن الإنصاف أن المفروغية عن عدم ثبوت الخمس في غير المملوك موجبة لظهور النصوص عرفاً في ملكية الكنز، فيكون إطلاق ثبوت الخمس فيها دليلاً علي إطلاق ملكية الكنز، لا مقيداً بما إذا كان مملوكاً ليحتاج إثبات الملكية لدليل آخر. فهو نظير قوله (عليه السلام): كل شيء قوتل عليه علي شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله فإن لنا خمسه(1) الذي ينهض بإثبات ملكية المال الذي يقاتل عليه، ونظير إطلاق دليل مطهرية الماء الصالح لإثبات طهارته. و لعله لذا لم يتعرض في النصوص لشروط ملكية الكنز، مع شدة الحاجة لبيان ذلك لو لم يستفد من نصوص الخمس فيه، كما لايخفي.

الثاني: من الظاهر حرمة التصرف في ملك المسلم والذمي وعدم تملكه إلا بإذن مالكه، وفي جواز التصرف وصحة التملك في غيره من المباحات الأصلية التي لم يسبق ملكية أحد لها. وكذا في ملك الحربي، لعدم احترامه.

كما لا إشكال ظاهراً في جواز التصرف وصحة التملك ظاهراً فيما يشك في

********

(1) وسائل الشيعة ج: 6 باب: 2 من أبواب ما يجب فيه الخمس حديث: 5

ص: 73

خروجه عن الإباحة الأصلية وصيرورته ملكاً لمسلم أو ذمي، لاستصحاب عدم ملكية أحد له، ولو بلحاظ العدم الأزلي.

وإنما الكلام فيما إذا علم بملكية شخص له وتردد بين محترم المال وغيره. فظاهر جماعة وصريح آخرين جواز التصرف فيه وصحة تملكه. وفي المدارك الاستدلال له بأن الأصل في الأشياء الإباحة، والتصرف في مال الغير إنما يحرم إذا ثبت كون المال المحترم، أو تعلق به نهي خصوصاً أو عموماً، والكل منتف في المقام، وظاهر الحدائق نسبة الاستدلال المذكور للأصحاب.

لكن في الجواهر أن ذلك إنما يقتضي جواز التصرف في المال، لا ملكية الواجد له، بل مقتضي الاستصحاب عدمها.

هذا وقد يستدل علي تحريم التصرف بعموم قوله (عليه السلام) في التوقيع الشريف: فلا يحل لأحد أن يتصرف في مال غيره بغير إذنه(1).

وفيه: أن العموم المذكور مخصص بما دل جواز التصرف بمال غير محترم المال، فالتمسك به مع الشك في احترامه تمسك بالعام في الشبهة المصداقية، وهو غير جائز علي المشهور المنصور.

والذي ينبغي أن يقال: الكلام في المقام يبتني علي أن الإسلام والذمة ونحوهما من سنخ العاصم للمال، والموضوع لحرمة التصرف أو الشرط فيه، فيحل التصرف بدونها، أو أن كون المالك حربياً مثلاً موجباً لهدر حرمة ماله والموضوع أو الشرط لجواز التصرف، فيحرم التصرف بدونها. فعلي الأول يكون مقتضي استصحاب عدم ملكية المسلم ونحوه جواز التصرف، وعلي الثاني يكون مقتضي استصحاب عدم ملكية الحربي له حرمة التصرف.

والظاهر الأول، كما هو مقتضي ما تضمن أن الإسلام يحقن به الدم ويعصم به المال من النصوص الكثيرة، ففي صحيح حمران عن أبي جعفر (عليه السلام): سمعته يقول:

********

(1) وسائل الشيعة ج: 6 باب: 3 من أبواب الأنفال حديث: 6

ص: 74

الإيمان ما استقر في القلب وأفضي به إلي الله عز وجل وصدقه العمل بالطاعة لله والتسليم لأمره، والإسلام ما ظهر من قول أو فعل. وهو الذي عليه جماعة الناس من الفرق كلها، وبه حقنت الدماء وعليه جرت المواريث وجاز النكاح... (1) .

وأما ما ذكره بعض مشايخنا من أن الأصل الاحترام في المال المملوك، لأن أخذ المال ظلم وتعدّ، وهو قبيح إلا ما ثبت بدليل، مثل ما تضمن عدم حرمة مال الحربي، حيث يخرج بالترخيص الشرعي عن عنوان الظلم والتعدي، ومقتضي ذلك أن يكون الكفر مانعاً من الاحترام، لا أن الإسلام شرط فيه.

ففيه: أن كون أخذ كون مال الغير ظلماً وتعدياً قبيحاً لا يناسب تخصيصه بالإضافة إلي الحربي، لأن الظلم علة تامة للقبح عقلاً، ويمتنع التخصيص في حكم العقل، فالتخصيص المذكور مستلزم لكون أخذ مال الغير من سنخ المقتضي للظلم والقبح، لا تمام العلة، وحينئذ كما يمكن أن تتم العلة بالإسلام، لأنه من سنخ الشرط، يمكن أن تتم بعدم الكفر، لأنه من سنخ عدم المانع، وظاهر الأدلة الأول وحينئذٍ يكون مقتضي استصحاب ملكية المسلم الترخيص الشرعي الظاهري، كما سبق.

ومما ذكرنا يظهر أن المخرج عن عنوان الظلم ليس هو الترخيص الشرعي، لاستحالة الترخيص في الظلم، وعدم خروج الظلم عن كونه ظلماً بالترخيص، بل الظلم يقصر عن موضوع الترخيص الشرعي، لما سبق من أن التصرف في ملك الغير ليس علة تامة للظلم، وليست العلة التامة له إلا قسماً منه، فالترخيص الشرعي في التصرف من سنخ الكاشف عن عدم كونه ظلماً، لا أنه مخرج له عنه.

ثم إنه قد استشهد لما ذكره بأنه لا ينبغي الشك من أحد في أنه لو وجد شخص في بادية ولم يعلم أنه مسلم أو كافر حربي لم يجز أخذ ماله وتملكه، لأصالة عدم إسلامه.

لكن ما ذكره إنما يسلم فيمن يوجد في أرض الإسلام، لأنه من سنخ المحرز لإسلامه، ولا يتضح فيمن يوجد في الأرض المجهولة الحال، فضلاً عن الأرض

********

(1) الكافي ج: 2 ص: 26 باب: أن الإيمان يشرك الإسلام والإسلام لا يشرك الإيمان حديث 5

ص: 75

(76)

فإنه لواجده (1)، وعليه الخمس (2)، إذا لم يعلم أنه لمسلم (3)، سواء وجده في دار الحرب (4)

-

المعلوم كونها أرض الحرب.

ولو سلم انقلاب الأصل في ذلك - للسيرة أو المرتكزات - فالمتيقن منه ما إذا شك في حال شخص معين له مال، دون ما إذا تردد المال بين شخصين مسلم ومحارب - كما هو الغالب في محل الكلام - حيث لامخرج فيه عن استصحاب عدم ملكية المسلم المال، المقتضية لعدم حرمته، كماسبق.

ومثله ما ذكره من أن مقتضي السيرة العقلائية احترام مال الغير من غير إناطته بالإسلام. إذ فيه أن مقتضي السيرة عدم دخل الدين في الاحترام، وما دل علي عدم احترام مال الحربي رادع عن مقتضي السيرة المذكورة، ولابد في تحديد موضوع الردع من الرجوع لظاهر الأدلة الشرعية الذي سبق أن مقتضاه عاصمية الإسلام والذمة.

ثم إن استصحاب عدم ملكية المسلم ونحوه للمال - الذي عرفت جريانه في المقام - كما يقتضي حل التصرف الخارجي في المال، المطابق لأصل البراءة الذي أشير إليه فيما سبق من المدارك، يقتضي صحة تملك الواجد له، لما هو المعلوم من أن المال غير المعتصم كما يجوز التصرف فيه يصح تملكه. وبذلك يخرج عن استصحاب عدم ملكية الواجد له الذي تقدمت الإشارة إليه من الجواهر.

(1) لا إشكال فيه في الجملة، وإن كان في عمومه كلام يتضح مما يأتي إن شاء الله تعالي.

(2) بلا إشكال. لنصوص المقام، حيث لا إشكال في دلالتها علي وجوب الخمس في فرض ملكية الواجد له، وإنما تقدم سابقاً الكلام في نهوضها بإثبات عموم وجوب الخمس ودلالتها بتبع ذلك علي عموم ملكية الواجد له.

(3) أما إذا علم أنه لمسلم فسيأتي الكلام فيه إن شاء الله تعالي.

(4) فإنه المتيقن من حكمهم بملكية الواجد للكنز وثبوت الخمس فيه. وفي

ص: 76

المدارك أنه مقطوع به بين الأصحاب. وفي الحدائق نفي الخلاف فيه وهو متجه علي إطلاقه بناء علي ما سبق منا من ظهور نصوص ثبوت الخمس في الكنز في ملكية الواجد لهن. وكذا بناءً علي ما سبق منا أيضاً من أن مقتضي استصحاب عدم ملكية المسلم له جواز تملكه.

أما لو غض النظر عن ذلك وبني علي ظهور النصوص المذكورة في ثبوت الخمس في الكنز في فرض ملكية الواجد له من دون أن تنهض بإثبات ملكيته له، وعلي عدم جريان استصحاب عدم ملكية المسلم له، بل مقتضي استصحاب عدم ملكية الحربي له عدم جواز تملكه، فاللازم الاقتصار في ملكية ما يوجد في دار الحرب وثبوت الخمس فيه علي ما إذا علم بعدم ملكية المسلم له، أما مع احتمال ملكيته له فاللازم البناء علي إجراء حكم مجهول المالك عليه أو حكم اللقطة، علي ما يأتي الكلام فيه.

ودعوي: أن اللازم البناء علي ملكية الواجد للكنز إذا وجد في دار الحرب - مطلقاً، أو إذا لم يكن عليه أثر الإسلام - لما سبق من أنه المتيقن من محل كلام الأصحاب والمقطوع به عندهم.

مدفوعة بأنه لم يتضح قيام إجماع تعبدي منهم، بل بما يبتني ذلك منهم علي دعوي استفادته من الأدلة. ولاسيما مع غلبة حصول العلم بعدم ملكية المسلم له في الفرض، حيث لا طريق مع ذلك للعلم بقيام إجماع تعبدي علي ملكية الواجد للكنز في صورة احتمال ملك المسلم له مع ندرتها.

نعم ذكر بعض مشايخنا أنه لو علم بتقادم العهد في الكنز، بحيث قد مات صاحبه ولم يعلم أن له وارثاً - كماهو الغالب، ولعله مقتضي كلامهم - فمقتضي أصالة عدم وجود وارث محترم له أن يكون ملكاً للإمام، وحينئذٍ يتبع الأرض التي هو فيها في كونه ملكاً له (عليه السلام) ومباحاً لشيعته، نظير أجزاء الأبنية الخربة التي باد أهلها في تبعيتها لها في ملكيته (عليه السلام) وتحليله، فيجوز تملكه ويثبت فيه الخمس. ويقتضيه ما يأتي في صحيحي محمد بن مسلم من الحكم بملكية الواجد للورق في الأرض الخربة التي

ص: 77

جلا عنها أهلها. ولو تم ما ذكره تعين جريانه فيما يوجد في أرض الإسلام أيضاً، الذي يأتي الكلام فيه.

لكنه يشكل: أولاً: بأنه لو تم التمسك بأصالة عدم وجود الوارث المحترم من دون فحص في الحكم بملكية الإمام للمال، إلا أنه لا مجال للبناء علي تحليله (عليه السلام) له بناء علي ما صرح به هو وغيره من عدم ثبوت عموم التحليل في الأنفال، واختصاصه بالأراضي. وتبعيته للأرض في التحليل. غير ظاهرة.

وغاية ما يمكن الالتزام به من التبعية تبعية ما خلق فيها من المعادن وغيرها، وما أقيم فيها من الأبنية والأشجار ونحوها من الثوابت. بل قد يستفاد تحليل ذلك من إطلاق ما استفيد منه تحليل الأرض الخراب، كما استفيد منه كونه من الأنفال تبعاً لها، لدخوله فيها عرفاً.

وأما ما أودع فيها مما هو خارج عنها - كالكنز - فلا مجال للبناء علي تبعيته لها في التحليل. ولذا لا يظن منه البناء علي ذلك لو كان المال المدفون لشخص معين لا وارث له، أو كان مالاً من سهمه (عليه السلام) من الخمس مدفوناً فيها.

وثانياً: بأن ما ذكره يقصر عما يوجد في الأرض المملوكة - ولو للواجد - التي هي ليست من الأنفال. وكذا في أرض الخراج التي هي ملك لعامة المسلمين، حيث لا منشأ لتحليله بعد عدم تحليلها قطعاً.

وثالثاً: بأن ما تضمن وجوب الخمس في الكنز ينصرف للكنز الذي يتملكه الواجد باستيلائه عليه وحيازته له، دون الذي يتملكه من الإمام بتحليله له، ولذا لا يظن بأحد البناء علي ثبوت الخمس في الكنز المملوك لغير الإمام في حق من يهبه له ويحل له تملكه منه.

وأما صحيحا محمد بن مسلم فيأتي إن شاء الله تعالي قصورهما عن الكنز، وانصرافهما للمال الظاهر الذي هو من أفراد اللقطة.

ص: 78

(79)

أم في دار الإسلام (1)

-

(1) وإن وجد عليه أثر الإسلام، كما في الخلاف والسرائر والمدارك والجواهر وعن كشف الغطاء وغيره. بل قد يظهر من كل من أطلق ثبوت الخمس في الكنز. ويقتضيه إطلاق نصوص وجوب الخمس في الكنز والأصل بناء علي ما سبق منا فيهما.

وفي المبسوط والشرايع والتذكرة والمسالك وعن غيرها أنه بحكم اللقطة إذا وجد في دار الإسلام ووجد عليه أثره، قال سيدنا المصنف (قدس سره): ونسب إلي أكثر المتأخرين تارة، وإلي الأشهر أخري، وإلي فتوي الأصحاب ثالثة.

وكأنه لأن الوجود في دار الإسلام وأثر الإسلام معاً أمارة علي ملكية المسلم له، فلا يملكه الواجد بناءً علي عدم ملكية الواجد للكنز إذا علم أنه لمسلم، علي ما يأتي الكلام فيه.

وقد منع في الجواهر وغيره من الأمارية المذكورة بالنحو الصالح للحجية. لكن الظاهر بناء المتشرعة علي أن الوجود في دار الإسلام أمارة علي ملكية المسلم للمال الموجود. ولا أقل من كونه مانعاً من الرجوع لأصالة عدم تملك المسلم له وملزم بالاحتياط بالبناء علي احترام المال.

ولذا عرفوا اللقطة بالمال الضائع الذي عليه أثر ملك إنسان ووجد في دار الإسلام، مع وضوح عدم دخل الوجود في دار الإسلام في مفهوم اللقطة لغةً ولا عرفاً، فلابد أن يكون أخذهم له فيها بلحاظ ابتناء حكمها علي احترام المال والاكتفاء فيه بالوجود في دار الإسلام.

كما أن الظاهر - بملاحظة المرتكزات وظاهر بعض النصوص - الاكتفاء بذلك في إجراء حكم مجهول المالك ونحوه مما يبتني علي احترام المال، وعدم التعويل معه علي أصالة عدم ملكية المسلم والذمي التي سبق جريانها مع الشك المحض.

نعم لا يكفي ذلك في خصوص الكنز ونحوه مما يحتمل دفنه في دار الإسلام قبل

ص: 79

أن تصير داراً للإسلام، ولذا اعتبر من سبق - مع ذلك - أن يكون عليه أثر الإسلام، حيث يكشف غالباً عن دفنه بعد صيرورتها داراً للإسلام.

ومن ثم لا يبعد انصراف كلامهم عما لو لم يكشف عن ذلك نوعاً، بأن كان أثر الإسلام الموجود علي المال سابقاً علي صيرورتها داراً للإسلام، كما لو كان الكنز نقداً أموياً مدفوناً في مثل القسطنطينية من البلاد المفتوحة متأخراً.

وبالجملة: ما ذكروه من عدم ملكية الواجد للكنز في الفرض قريب جداً، بناءً علي أن ذلك هو الحكم فيما علم أنه لمسلم. وإن كان المبني المذكور لا يخلو عن إشكال، علي ما يأتي إن شاء الله تعالي.

هذا وأما جريان حكم اللقطة عليه فكأنه لدعوي: أنه من أفرادها الحقيقية، لأنها - كما في الجواهر - المال الضائع الذي عليه أثر ملك إنسان ووجد في دار الإسلام، أو لدعوي: أنها بحكم اللقطة، لموثق محمد بن قيس عن أبي جعفر (عليه السلام): قضي علي (عليه السلام) في رجل وجد ورقاً في خربة أن يعرفها، فإن وجد من يعرفها وإلا تمتع بها(1).

وقد منع في الجواهر الدعوي الأولي، لظهور الضائع في عدم قصد صاحبه الذخر، بخلاف المكنوز. وهو كما تري لا يناسب ما تقدم منا ومنه من عدم اعتبار قصد الإخفاء فضلاً عن قصد الذخر في الكنز.

فالأولي في وجه المنع ظهور قصور اللقطة عرفاً عن الكنز، لانصراف الالتقاط للمال الظاهر الذي يقرب عهد صاحبه به، بحيث من شأنه أن يعثر عليه بالتعريف، وقصوره عرفاً عن الكنز المبني نوعاً علي استحكام الاختفاء وطول مدة انقطاع صاحبه عنه. ومن ثم لا يظن بأحد دعوي تخصيص أدلة الكنز لإطلاقات اللقطة.

وأما الدعوي الثانية فالاستدلال عليها بالموثق إن كان بحمله علي خصوص الكنز الذي في دار الإسلام وعليه أثره الذي هو محل كلامهم، أشكل بأنه خال عن الشاهد، بل المنصرف من إطلاق وجدان الورق فيه عدم كونه كنزاً، لابتناء الكنز

********

(1) وسائل الشيعة ج: 17 باب: 5 من أبواب اللقطة حديث: 5

ص: 80

علي خصوصية يبعد إغفالها في مقام بيان الحكم، فعدم التنبيه له ظاهر في عدمه، وهو المناسب لعدم ذكر الخمس فيه. بل ذكر التعريف فيه ظاهر في توقع وجود صاحبه ومعرفته له، وهو لا يناسب الكنز الذي يبتني نوعاً علي طول مدة انقطاع صاحبه عنه، كما سبق في ذيل الكلام في اختصاص الكنز بالنقدين.

ومن الغريب ما ذكره بعض مشايخنا من أن المنصرف من وجدان الورق في الخربة هو الكنز، بل لابد من الحمل عليه بمناسبة ذكر التعريف، لعدم إمكانه لو لم يكن كنزاً، لتوقفه علي علامة، ولم يفرض وجودها في الموثق.

لاندفاعه بأن عدم فرض وجود العلامة في الموثق لا ينافي وجودها أو توقع وجودها المستفاد من ذكر التعريف. وكما أمكن استفادة الكنز من ذكر التعريف مع عدم التنبيه له في الموثق، أمكن استفادة توقع وجود العلامة مع عدم التنبيه له أيضاً، بل عرفت أن المنسبق من الإطلاق عدم كون الورق كنزاً، ولاسيما مع التعرض فيه للتعريف به، كما يناسبه ما اعترف به من أن الغالب في الكنوز طول المدة وقدم العهد.

هذا وقد يحمل الموثق علي ما فيه أثر الإسلام جمعاً مع صحيح محمدبن مسلم عن أحدهما (عليه السلام): سألته عن الورق توجد في دار فقال (عليه السلام): إن كانت معمورة فهي لأهلها، فإن كانت خربة فأنت أحق بما وجدت(1) ، ونحوه صحيحه الآخر(2) ، بحمل الموثق علي ما فيه أثر الإسلام للحكم فيه بلزوم التعريف، وحمل الصحيحين علي ما ليس فيه أثر الإسلام، للحكم فيهما بملكية الواجد له.

لكنه كما تري خال عن الشاهد. بل لا مجال له بعد ما عرفت من بعد حمل الموثق علي الكنز، فضلاً عن خصوص ما كان عليه أثر الإسلام منه. بل مما سبق من انصراف إطلاق الوجدان لغير الكنز يظهر لزوم حمل الجميع علي اللقطة، وتقييد الصحيحين بالموثق، بحمله علي صورة توقع العثور علي صاحب المال بالتعريف، وحملهما علي غير ذلك، وتكون النصوص الثلاثة أجنبية عن المقام.

********

(1و2) وسائل الشيعة ج: 17 باب: 5 من أبواب اللقطة حديث: 2، 1

ص: 81

مواتاً حال الفتح أم عامرة (1) أم في خربة باد أهلها (2)، سواء كان عليه أثر الإسلام أم لم يكن (3)، ويشترط في وجوب الخمس فيه بلوغ

-

ومن جميع ذلك يظهر أنه لا مجال للاستدلال بالموثق، بلحاظ إطلاقه الشامل للكنز وغيره. ومن هنا يتعين البناء علي إجراء حكم مجهول المالك علي الكنز بناءً علي عدم ملكية الواجد له، عملاً بأدلته بعد قصور أدلة اللقطة عنه.

(1) فإن عمرانها حال الفتح إنما يقتضي ملكية المسلمين لها ولما فيها مما يتبعها عرفاً، كالمعادن ونحوها، دون ما هو خارج عنها مما أودع فيها، كالكنز، نظير ما سبق، فعموم ملكية الواجد للكنز المستفاد من نصوص ثبوت الخمس فيه قاض بتملك الواجد له، وثبوت الخمس فيه تبعاً لذلك.

نعم لو لم تنهض نصوص ثبوت الخمس في الكنز بإثبات ملكية الواجد له - كما سبق من سيدنا المصنف (قدس سره) - أشكل البناء علي تملكه له. ومجرد عدم ثبوت ملكية المسلمين له تبعاً للأرض لا يكفي في ذلك.

اللهم إلا أن يدخل في المتيقن من نصوص الخمس، حيث يبعد جداً حملها علي خصوص ما يوجد في الأرض المملوكة للواجد أو الموات حين الفتح. ويأتي إن شاء الله تعالي في المسألة العاشرة عند الكلام فيما يوجد في الأرض المملوكة للغير ما ينفع في المقام. فلاحظ.

(2) لإطلاق النصوص وعموم الأصل المتقدم، وأما موثق محمد بن قيس وصحيحا محمد بن مسلم المتقدمة فقد سبق ظهورها في اللقطة. هذا وأما إذا كان الكنز في أرض مملوكة فسيأتي الكلام فيه إن شاء الله تعالي في المسألة العاشرة.

(3) أثر الإسلام إن كان كاشفاً عن وضع المسلم يده علي المال، بحث يعلم بخروجه عن يده ليد أخري جري عليه ما يأتي فيما إذا علم بأن المال لمسلم، لأن المراد بالعلم هناك ما يعم الإمارة المعتبرة شرعاً. وإن لم يكشف عن ذلك فلا أثر له، ويجري

ص: 82

(83)

النصاب (1) وهو أقل نصابي الذهب والفضة مالية في وجوب الزكاة (2).

-

علي المال ما سبق.

(1) بلا خلاف أجد فيه، وإن أطلق بعض القدماء الخلاف فيه بين الأصحاب كذا في الجواهر. بل في الخلاف والغنية والسرائر والتذكرة والمدارك وعن المنتهي الإجماع عليه. كما يناسبه تعرضهم للخلاف في تحديد النصاب من دون إشارة منهم للخلاف في أصل اعتباره، ويقتضيه - مضافاً إلي ذلك - صحيح البزنطي عن أبي الحسن الرضا (عليه السلام): سألته عما يجب فيه الخمس من الكنز، فقال: ما يجب الزكاة في مثله ففيه الخمس(1) ، ومرسل المقنعة: سئل الرضا (عليه السلام) عن مقدار الكنز الذي يجب فيه الخمس، فقال: ما يجب فيه الزكاة من ذلك بعينه ففيه الخمس، وما لم يبلغ حد ما يجب فيه الزكاة فلا خمس فيه(2). وقد تقدم عند الكلام في عموم الكنز لغير النقدين تقريب دلالتهما علي اعتبار المماثلة في المقدار والنوع معاً.

(2) في أمالي الصدوق أن النصاب دينار واحد، ناسباً ذلك إلي دين الإمامية. لكن لم يظهر الدليل عليه، كما لم يعرف موافق له فيه، وإن نسب في الجواهر للغنية اختياره ودعوي الإجماع عليه. لعدم وضوح صدق النسبة، بل الموجود من عبارة الغنية مطابق لما في الخلاف من دعوي الإجماع علي اعتبار بلوغ النصاب الذي تجب فيه الزكاة.

والمصرح به في الشرايع والدروس وعن جماعة أنه عشرون ديناراً، بل في السرائر وظاهر التذكرة وعن المنتهي الإجماع عليه.

هذا وحيث كان الدليل علي اعتبار النصاب صحيح البزنطي المتقدم، فإن قلنا بعموم حكم الكنز لغير النقدين تعين حمل المماثلة فيه علي المماثلة في المالية، ومقتضي إطلاقه الاكتفاء بأقل نصابي الزكاة مالية. وهو الذي يقتضيه إطلاق دليل ثبوت

********

(1و2) وسائل الشيعة ج: 6 باب: 5 ما يجب فيه الخمس حديث: 2، 6

ص: 83

الخمس في الكنز لو فرض إجمال الصحيح من هذه الجهة، ولازم ذلك الاكتفاء ببلوغ قيمة نصاب الفضة في الذهب وإن لم يبلغ نصاب الذهب، ونصاب الذهب في الفضة وإن يبلغ نصاب الفضة.

ومنه يظهر ضعف ما في التذكرة وعن المنتهي وغيرهما من أن المعتبر حينئذ بلوغ نصاب الذهب في الذهب، ونصاب الفضة في الفضة، وأيهما كان في غيرهما.

وإن قلنا باختصاص حكم الكنز بالنقدين كان ظاهر المماثلة فيه المماثلة في المقدار فيهما معاً، ومقتضاه اعتبار نصاب الدنانير في الدنانير، ونصاب الدراهم في الدراهم، وهو الظاهر من مرسل المقنعة المتقدم.

وكيف كان فلا وجه للاقتصار علي العشرين ديناراً، كما صدر من جماعة، بل كان عليهم ذكر نصاب الفضة أيضاً، وفي المسالك أنه ينبغي القطع به.

وأما ما في الجواهر من احتمال كون ذكرهم للعشرين ديناراً لأنها مساوية لمائتي درهم في صدر الإسلام، أو لأنها أحد فردي النصاب، من دون إرادتهم الاقتصار علي خصوصيتها فهو بعيد عن ظاهر كلامهم.

ومثله توجيهه اقتصارهم علي العشرين بحمل صحيح البزنطي المتقدم عليه بقرينة صحيحه الآخر المتقدم في المعدن، المشتمل علي تفسير نصاب الزكاة بالعشرين ديناراً، بتعميم التفسير المذكور للمقام، ولاسيما مع تقارب المسؤول عنه، واتحاد الراوي والمروي عنه فيهما.

إذ فيه: أن ذلك ليس بأولي من جعل هذا الصحيح قرينة علي أن ذكر العشرين ديناراً في ذلك الصحيح لأنها فردي نصاب الزكاة من دون خصوصية لها، وأن المعيار بلوغ أحد النصابين الراجع إلي الاكتفاء بأقلهما.

مضافاً إلي أن ذلك لا يبلغ حد الجمع العرفي الذي عليه المعول في مقام العمل، بل هو أشبه بالقياس لا ينهض بالاستدلال، ولا ينبغي التعويل عليه. ولاسيما بناء علي اختصاص الكنز بالنقدين، حيث يمكن حينئذ حمل المماثلة فيه علي المماثلة في المقدار،

ص: 84

(85)

ولا فرق بين الإخراج دفعة ودفعات، كما تقدم في المعدن (1).

-

بل هو الظاهر، كما تقدم، بخلاف المعدن الذي لا يكون من النقدين، حيث يتعين حمل المماثلة فيه علي القيمة التي لا تقبل الترديد، بل لابد فيها من ملاحظة أحدهما بخصوصه أو أقلهما. ومن هنا لا مخرج عما ذكرنا.

بقي شيء: وهو أن الظاهر أو المتيقن من صحيح البزنطي المتقدم بعد أن كان متضمناً بيان المقدار هو اعتبار بلوغ نصاب الزكاة في ثبوت الخمس في الكنز، ولازم ذلك ثبوت خمس تمام الكنز بعد بلوغه النصاب من دون عفو عن الزائد بين النصابين، قال في الجواهر: كما هو ظاهر الأصحاب، بل كاد يكون صريحهم. وبه صرح في التذكرة والدروس ومحكي المنتهي والبيان وغيرها.

لكن في المدارك: ويشكل بأن مقتضي رواية ابن أبي نصر مساواة الخمس للزكاة في اعتبار النصاب الثاني كالأول. إلا أني لا أعلم بذلك مصرحاً. وكأنه يبتني علي حمل الموصول في قوله (عليه السلام): ما تجب الزكاة في مثله ففيه الخمس علي أبعاض الكنز، فكل بعض منه تجب فيه الزكاة يجب فيه الخمس، وكل بعض لا تجب فيه الزكاة لا يجب فيه الخمس، ومنه ما بين النصابين.

ولكن لا قرينة علي ذلك، بل الظاهر منه إرادة الكنز بتمامه، وثبوت الزكاة في مثله إنما يكون ببلوغه النصاب الأول، وظاهر ثبوت الخمس فيه حينئذ ثبوته فيه بتمامه حتي الزائد منه بين النصابين.

ولو فرض إجماله من هذه الجهة كفي في ثبوت الخمس في الجميع إطلاق دليل وجوب الخمس في الكنز، حيث يلزم الاقتصار في الخروج عنه علي المتيقن من الصحيح، وهو ما لم يبلغ النصاب أصلاً.

(1) الذي تقدم في المعدن اعتبار وحدة الإخراج عرفاً ولو مع تعدده حقيقة لتقارب الفترات.

ولا يخفي أن دليل النصاب في المعدن وإن تضمن أخذ الإخراج في موضوعه،

ص: 85

(86)

ويجري هنا أيضاً استثناء المؤنة (1)،

-

بخلاف دليله في الكنز، حيث تضمن صحيح البزنطي - بناءً علي أنه الدليل في المسألة - فرض النصاب في الكنز بنفسه، إلا أن الظاهر رجوع أحدهما للآخر، إذ ليس المراد بالإخراج إلا الكناية عن الأخذ الذي تتحقق به الحيازة المملكة، التي لابد من اعتبارها أيضاً في ثبوت الخمس في الكنز، لما سبق من أن ثبوت الخمس فرع صدق الغنيمة والفائدة.

نعم قد يدعي أنه حيث لم يصرح بالحيازة هنا فلا مجال للتمسك بالإطلاق المقتضي لاعتبار الوحدة العرفية فيها، بل غاية الأمر اعتبارها في الجملة ولو مع تعدد الأخذ عرفاً، لتباعد الفترات.

وأظهر من ذلك ما لو كان دليل اعتبار النصاب هو الإجماع، حيث يلزم الاقتصار فيه علي المتيقن، والرجوع في غيره لعموم ثبوت الخمس في الكنز، المقتضي ثبوت الخمس فيما بلغ النصاب ولو مع تباعد الفترات، والأمر لا يخلو عن إشكال.

نعم لا إشكال في اعتبار وحدة الكنز عرفاً، فلا يكفي تمامية النصاب بضم الكنوز المتعددة بعضها إلي بعض، كما في السرائر - علي غموض في كلامه - والتذكرة وظاهر جامع المقاصد وعن المنتهي.

ويكفي بلوغ النصاب مع وحدة الكنز عرفاً وإن علم بتجميع الأموال فيه تدريجاً مع وحدة الظرف وتعدده - كما ذكره في الجواهر - أو كان في أماكن متفرقة متقاربة، بحيث يصدق علي المجموع أنه كنز واحد.

(1) فإن ما تقدم هناك من نسبة الحكم باستثنائها للأصحاب جار هنا. كما أن العمدة في الدليل عليه ما تقدم هناك من عدم صدق الغنيمة والفائدة إلا بعد استثنائها، فإنه جار هنا أيضاً.

نعم تقدم اختصاص ذلك بمؤنة الإخراج والتحصيل دون مؤنة الفحص، ومقتضي ذلك عدم استثناء مؤنة الحفر المتكرر من أجل العثور علي الكنز والفحص

ص: 86

(87)

وحكم بلوغ النصاب قبل استثنائها (1)، وحكم اشتراك جماعة فيه إذا بلغ المجموع النصاب (2). وإن علم أنه لمسلم (3)، فإن كان موجوداً وعرفه دفعه إليه (4)

-

عنه، بل غاية ما يستثني هو مؤنة الحفر الموصل إليه ومؤنة إخراجه بعد الوصول إليه.

(1) حيث تقدم منه (قدس سره) تقريب الاكتفاء ببلوغ النصاب قبل استثنائها، وتقدم منا تقريب عدم الاكتفاء به.

(2) فقد سبق تقريب الاكتفاء بذلك.

(3) وكذا لو علم أنه لذمي أو نحو ذلك من المال المحترم كالمال الزكوي، ونماء الوقف، لنظير ما يأتي في ملك المسلم. وقد سبق أنه يكفي قيام الأمارة المعتبرة علي ذلك، كاليد المحتمل مالكيتها من دون أن يعلم بتبدلها بيد أخري يحتمل مالكيتها أيضاً.

(4) بلا إشكال ظاهر لحرمة حبس مال المسلم عنه. ولو فرض الشك في بقاء ملكيته له بسبب الدفن كان مقتضي استصحابها دفعه إليه.

وأما نصوص الكنز فهي أجنبية عن المقام، بناء علي ما سبق من سيدنا المصنف (قدس سره) من عدم نهوضها بإثبات جواز تملك واجد الكنز له. وأما بناء علي ما سبق منا من نهوضها بذلك فلا ريب في انصرافها عن الفرض. بل لا يبعد قصور عنوان الكنز عنه وعما لو احتمل العثور علي المالك لقرب العهد به، واختصاصه عرفاً بالمال القديم الذي يبعد العهد بصاحبه، بحيث يصدق عرفاً أنه لا مالك له، للغفلة عن احتمال وجود الوارث المالك له بسبب طول المدة. ولا أقل من كون ذلك هو المتيقن من مصاديقه، ويلزم الرجوع في غيره لعموم الأدلة الآخر.

ومن ذلك يظهر عدم جواز تملكه حتي لو لم يعلم ملكية المسلم له واحتمل ملكية غيره له إذا كان في دار الإسلام، بناء علي ما سبق عند الكلام فيما يوجد في دار الإسلام من عدم جريان استصحاب عدم ملك المسلم للمال إذا وجد في دار الإسلام

ص: 87

(88)

وإن جهله وجب عليه التعريف (1)، فإن لم يعرف المالك، أو كان المال مما لا يمكن تعريفه (2)، تصدق به عنه علي الأحوط وجوباً (3)، وإذا كان المسلم قديماً فالأحوط إجراء حكم ميراث من لا وارث له عليه (4).

-

وكان عليه أثره، بل حتي لو لم يكن عليه أثره إذا كان قرب العهد به بحيث يعلم بوضعه فيها بعد صيرورتها داراً للإسلام. كما يظهر أيضاً أنه لو دل الدليل علي جواز تملكه لم تنهض نصوص الكنز بإثبات وجوب إخراج خمسه.

(1) سواء قيل بأنه لقطة أم قيل بأنه مجهول المالك، غاية الأمر أنه علي الأول يقتصر في التعريف علي سنة وإن احتمل العثور علي المالك بعدها، وعلي الثاني يجب التعريف إلي حين اليأس من العثور علي المالك. وهو الأحوط في المقام. بل الأظهر، لعدم وضوح صدق اللقطة علي المال المدفون ونحوه مما يستحكم اختفاؤه، وانصراف الالتقاط للمال الظاهر.

(2) كالمال المدفون في القري التي انجلي عنها أهلها، بحيث لا يعلم مكانهم.

(3) كأنه لتردده بين اللقطة وغيرها من مجهول المالك، وحيث كان حكم الأول التخيير بين التصدق بالمال عن المالك، وتملك الواجد له، وحكم الثاني لزوم التصدق، كان التصدق هو الأحوط. بل يظهر مما سبق أنه الأظهر. ويؤيده في الجملة موثق إسحاق الآتي فيما يوجد في ملك الغير.

(4) لأنه مقتضي القواعد الأولية لو فرض عدم وضوح عموم حكم الكنز له، فقد استظهر في الجواهر عدم اندراجه فيما نحن فيه، للقطع بكونه لمحترم المال، قال: لظهور اتفاق الأصحاب علي إرادة غير المعلوم كونه لمسلم من الكنز هنا، كما يومئ إليه التفصيل بأثر الإسلام وعدمه وإن لم نحتج إلي ذلك التفصيل، لكن لأعمية الأثر من ذلك، لا مع تسليم دلالته. ومن هنا كان لا وجه للتمسك بإطلاق الأخبار كون الخمس في الكنز الشامل لمثل المفروض... ولكن الإنصاف عدم خلوّ المسألة عن

ص: 88

إشكال، لإطلاق النصوص، بل قد يقوي جريان حكم الخمس عليه.

هذا ومما سبق يظهر أنه لو بني علي ذلك فيما علم أنه لمسلم لزم البناء عليه فيما احتمل فيه ذلك وإن كان في دار الإسلام بحيث يحتمل حصوله في مكانه بعد صيرورتها داراً للإسلام، كما أشرنا إليه آنفاً.

لكن لا مجال لدعوي اتفاق الأصحاب المدعي من الجواهر بعد عدم إجماعهم علي التفصيل المذكور، ولا تتضح لنا القرينة علي ابتناء التعميم ممن عمم الحكم علي عدم حجية الأثر عنده، بل لعله لبنائه علي عموم حكم الكنز لما علم كونه لمسلم، بل لعله الأقرب، لبنائهم في سائر الموارد علي احترام المال الذي يوجد في دار الإسلام مع العلم بحصوله فيها بعد صيرورتها داراً للإسلام.

وأما النصوص فالكلام فيها يبتني علي دلالتها علي ملكية الواجد للكنز تبعاً لدلالتها علي وجوب الخمس فيه، أو عدم دلالتها علي ذلك، بل علي وجوب الخمس في فرض ملكية الواجد، مع لزوم إثبات ملكيته له من دليل آخر إذ علي الأول تنهض بالخروج عن مقتضي القواعد الأولية، وعلي الثاني تكون القواعد الأولية واردة عليها رافعة لموضوعها.

وحيث تقدم أن الأظهر هو الأول تعين البناء في الفرض علي جريان حكم الكنز من ملكية الواجد له وثبوت الخمس فيه. نعم يختص ذلك بما يصدق عليه الكنز عرفاً، لكون دفنه قديماً، دون غيره مما يقرب العهد بصاحبه، بل يتعين فيه الرجوع للقواعد العامة، القاضية بجريان حكم مجهول المالك علي المال، كما يظهر مما تقدم.

هذا ولو تردد المال المدفون بين أن يكون قديماً ليكون من أفراد الكنز، وأن يكون حديثاً ليس من أفراده، فلا مجال لإجراء حكم الكنز عليه، لعدم إحراز موضوعه.

بل لا يبعد جريان استصحاب عدم كونه كنزاً، فيتعين جريان حكم مجهول المالك عليه، لأن الظاهر أن حكم الكنز من سنخ التخصيص لعموم حكم مجهول المالك. ولو من وجه، ومع إحراز عدم الخاص يتعين الرجوع لحكم العام، فيتصدق

ص: 89

(90)

(مسألة 10): إذا وجد الكنز في الأرض المملوكة له، فإن ملكها بالإحياء كان الكنز له وعليه الخمس (1)، إلا أن يعلم أنه لمسلم موجود (2) أو قديم، فتجري عليه الأحكام المتقدمة. وإن ملكها بالشراء أو نحوه عرفه المالك السابق (3)،

-

بالمال المذكور بعد اليأس من العثور علي صاحبه. وإن حسن الاحتياط بتملكه، ثم التصدق بخمسه في مصرف الخمس، وبالباقي في مصرف مجهول المالك.

هذا مع العلم باحترام المال أو قضاء الأصل به أو قيام الأمارة عليه، لكونه في دار الإسلام وعليه أثره، علي التفصيل المتقدم. وأما مع عدمه فمقتضي الأصل المتقدم جواز تملكه وعدم وجوب الخمس فيه. وإن حسن الاحتياط بإخراجه. فلاحظ والله سبحانه وتعالي العالم.

(1) كما في المدارك والجواهر. قال: وحكاه في الحدائق عن جمع. والمنساق من كلامهم أن الكنز المذكور بحكم الكنز الموجود في الأرض المباحة، فيلحقه ما تقدم.

(2) تقدم خروج ذلك عن الكنز موضوعاً، واختصاصه بالقديم، كما تقدم الكلام في حكم ذلك.

(3) كما في الشرايع والتذكرة والمسالك وعن المنتهي وغيرها فيما إذا كان عليه أثر الإسلام، وفي الجواهر: بل لا أجد فيه خلافاً بيننا. لوجوب الحكم به له مع دعواه إياه إجماعاً في المنتهي، قضاء ليده السابقة. بل قد يدعي أنه محكوم بملكيته له ما لم ينفه عن نفسه، لذلك، من غير حاجة إلي دعواه إياه.

هذا وكلماتهم في المقام لا تخلو عن اضطراب وخلط بين أقسام المال المدفون من دون تمييز بين الحديث والقديم. والذي ينبغي أن يقال: المال المدفون: تارة: يكون قديماً قد انقطع أصحابه عنه، بحيث يصدق عليه الكنز عرفاً، علي ما سبق توضيحه. وأخري: يكون حديثاً لم ينقطع عنه صاحبه عرفاً، لبقائه هو أو وارثه.

ص: 90

أما الأول فالظاهر جريان حكم الكنز عليه، فيملكه الواجد، ويتعين فيه الخمس، ولا يحكم بملكية مالك الأرض السابق له، ولا يجب تعريفه به، لعدم ملكيته له تبعاً لملكية الأرض بالحيازة أو الشراء ونحوه، لاختصاص التبعية، بما خلق في الأرض، دون ما أودع فيها، نظير ما سبق منا في مناقشة بعض مشايخنا في ذيل الكلام فيما يحتمل ملكية المسلم له.

نعم لو لم ينهض إطلاق دليل وجوب الخمس في الكنز بإثبات جواز تملك واجده له أشكل البناء علي جواز تملكه حينئذٍ. اللهم إلا أن يكون المتيقن من نصوص الكنز ما لم يكن مملوكاً لمن يقرب العهد به، وحينئذ ينهض استصحاب عدم ملك مالك الأرض له بدخوله في المتيقن المذكور. فلاحظ.

وأما موثق إسحاق الآتي في القسم الثاني فهو منصرف عن الكنز، كما يناسبه الأمر فيه بتعريف أهل المنزل به الظاهر في توقع معرفتهم له، والأمر بالتصدق الذي هو حكم مجهول المالك دون الكنز.

وأما الثاني فهو المتيقن مما ذكروه من وجوب تعريف المالك بالمال. بل تقدم من الجواهر احتمال الحكم بملكيته له ما لم ينفه عن نفسه، ونسب إلي جماعة الجزم به.

وقد يستدل له بوجهين:

الأول: صحيحا محمد بن مسلم المتقدمان في حكم الكنز الموجود في دار الإسلام وعليه أثره، فقد تضمنا أن الورق الموجود في الدار المعمورة لأهلها.

ويشكل بقرب انصراف وجدان الورق فيها إلي غير المدفون، لأن الدفن خصوصية يبعد إغفال السائل لها لو كانت موجودة، نظير ما تقدم في الكنز، وإن كان الأمر فيه أظهر.

الثاني: أنه مقتضي عموم حجية اليد. وقد استشكل فيه بعض مشايخنا باختصاصه باليد الفعلية، دون الزائلة بالبيع والإعراض، كما في المقام. كما قد يكشف عنه ذيل صحيحي محمد بن مسلم المشار إليهما، المتضمن ملكية الواجد للورق

ص: 91

الموجود في الأرض الخربة من دون تنبيه للتعريف.

لكن مراده إن كان صورة احتمال دفن المال بعد خروج الأرض عن مالكها السابق بالبيع، بحيث لا يعلم بصيرورة المال تحت يده، فهو في محله، وهو مورد ما في المدارك من منع وجوب التعريف. وعليه يحمل ذيل صحيحي محمد بن مسلم المذكور. إلا أنه خارج عن مفروض كلامهم، كما صرح به سيدنا المصنف (قدس سره).

وإن كان صورة العلم بكون المال مدفوناً في الأرض حال ملكيته لها، أشكل ما ذكره بأن اليد السابقة لما كانت حجة علي ملكية صاحبها حينها كفت في إثبات ملكيته فعلاً بعد العلم بعدم تجدد ملكية غيره أو استصحابه.

وأما احتمال سقوطها عن الحجية علي إثبات الملكية حتي حينها بعد أن كانت حجة عليها، نظير سقوطها عن الحجية بالإقرار. فهو غريب جداً. كيف ولا إشكال ظاهراً في أن لصاحب اليد السابقة تكذيب دعوي صاحب اليد اللاحقة حصول السبب المملك لها، كما لو ادعي مشتري الدار أنه اشتري الدفين أيضاً، وأنكر البايع ذلك. بل لا يظن بأخذ دعوي: أن من باع داراً فبقي فيها بعض متاعه واحتمل عدم ملكيته له لا يحكم بأنه له لسقوط يده السابقة عن الحجية.

نعم قد يقال: الحكم بملكية صاحب الأرض لما فيها إنما هو باعتبار كون اليد عليها يداً علي ما فيها، وفي شمول ذلك للمدفون ونحوه مما يخفي ويستقر في مكانه إشكال، حيث قد يعتد باحتمال سبق وجوده في موضعه قبل ملكية صاحب الأرض لها وعدم القصد إلي وضع اليد عليه تبعاً لوضع اليد عليها، لجهله بها.

وأظهر من ذلك ما إذا كانت الأرض مكشوفة معرضة لأن يستغلها لحفظ المال غير المالك، حيث لا تكون اليد عليها يداً علي ما فيها عرفاً وإن لم يكن مدفوناً. بل في صحيح جميل بن صالح: قلت لأبي عبد الله (عليه السلام): رجل وجد في منزله ديناراً. قال: يدخل منزله غيره؟ قلت: نعم كثير، قال: هذا لقطة..(1).

********

(1) وسائل الشيعة ج: 17 باب: 3 من أبواب اللقطة حديث: 1

ص: 92

وبذلك يظهر أنه لا مجال للبناء علي ملكية المال المدفون في مفروض المسألة للمالك الأول من دون تعريف.

وأما وجوب تعريفه إياه ثم تملكه إن لم يعرفه فقد يستدل عليه بموثق محمد بن قيس المتقدم عند الكلام في الكنز الذي يوجد في دار الإسلام وعليه أثره، المتضمن أن من وجد ورقاً في خربة عرفها فإن وجد من يعرفها وإلا تمتع بها. وصحيح عبد الله بن جعفر الحميري قال: كتبت إلي الرجل (عليه السلام) أسأله عن رجل اشتري جزوراً أو بقرة للأضاحي فلما ذبحها وجد في جوفها صرة فيها دراهم أو دنانير أو جوهرة لمن يكون ذلك؟ فوقع (عليه السلام): عرفها البايع، وإن لم يعرفها فالشيء لك، رزقك الله وإياه(1).

لكن الموثق منصرف إلي غير المدفون، كما يظهر مما سبق هناك ومما تقدم في صحيحي ابن مسلم. وقد تقدم هناك أنه محمول علي اللقطة، ولذا أطلق فيه التعريف ولم يخص بمالك الأرض، فهو أجنبي عن المقام. وأما صحيح الحميري فما تضمنه مخالف للقاعدة في مورد خاص لا مجال لقياس المقام عليه.

ومن هنا يتعين البناء علي إجراء حكم مجهول عليه بالفحص عن مالكه ولو بتعريفه المالك السابق، ومع اليأس عن العثور عليه يتصدق به عن صاحبه، كما يناسبه موثق إسحاق بن عمار: سألت أبا إبراهيم (عليه السلام) عن رجل نزل في بعض بيوت مكة، فوجد فيها نحواً من سبعين درهماً مدفونة، فلم تزل معه، ولم يذكرها حتي قدم الكوفة كيف يصنع؟ قال: يسأل عنها أهل المنزل لعلهم يعرفونها. قلت: فإن لم يعرفوها؟ قال: يتصدق بها(2). ومورده وإن كان وجدان المال من قبل النزيل دون المشتري، إلا أن إلغاء خصوصيته قريب جداً.

كما أن الظاهر أن الأمر فيه بسؤال أهل المنزل لمجرد احتمال ملكيتهم للدراهم، بملاك وجوب الفحص عن المالك في المال المجهول مالكه، لا بملاك حجية يدهم

********

(1) وسائل الشيعة ج: 17 باب: 9 من أبواب اللقطة حديث: 1

(2) وسائل الشيعة ج: 17 باب: 2 من أبواب اللقطة حديث: 3

ص: 93

واحداً كان أم متعدداً (1)، فإن عرفه دفعه إليه (2)، وإلا فالأحوط وجوب

-

علي الملكية، وإلا كان المناسب تعليق التصدق علي نفيهم ملكية الدراهم، لا مجرد عدم معرفتهم لها.

ومن هنا فهو وإن اقتصر فيه علي تعريف أهل المنزل، إلا أنه لا يبعد الاقتصار في ذلك علي مورده ونحوه مما لا يرجي فيه معرفة مالك المال مع عدم معرفة أهل المنزل له، لتردد المال المدفون في بيوت مكة المعدة لنزول الحجاج من الآفاق نوعاً بين مالك الدار والحجاج الواردين، مع عدم تيسر تعريف الحجاج - خصوصاً بعد الرجوع للكوفة - لرجوعهم إلي بلادهم الشاسعة وعدم انحصارهم. ولاسيما مع قرب كونهم من حجاج السنين السابقة. أما مع توقع الاطلاع علي المالك بسؤال غير أهل المنزل عنه فمن القريب جداً البناء علي وجوب سؤاله، كما هو مقتضي القاعدة في مجهول المالك.

ومن جميع ذلك يظهر عدم الدليل علي ما ذكره الأصحاب من الاقتصار علي تعريف المالك ثم التملك، فضلاً عن وجوب الخمس فإنه حكم الكنز الذي إن صدق في المقام لم يحتج للتعريف رأساً.

ثم إن الحكم المذكور لما كان مقتضي عموم ما يستفاد من أدلة مجهول المالك فاللازم عدم الاقتصار فيه علي المال المدفون، ولا علي خصوص النقدين، وإن اختص بهما الكنز.

كما أنه مما تقدم في ذيل أحكام الكنز يظهر لزوم البناء ظاهراً علي الحكم المذكور فيما يتردد بين كونه من المال القديم الذي يصدق عليه الكنز وغيره. فراجع.

(1) إذ لو فرض استفادة وجوب التعريف من النصوص المتضمنة تعريف البايع فالظاهر منه الجنس بنحو يشمل ما إذا كان متعدداً.

(2) مما سبق يظهر أنه لابد من الوثوق بأنه هو المالك ببيان علامته ونحوها، ولا يكفي دعواه ملكيته المال.

ص: 94

(95)

أن يعرفه السابق (1) مع العلم بوجوده في ملكه (2)، وهكذا.

-

(1) كما في التذكرة والمسالك وعن المنتهي، ونفي وجدان الخلاف فيه في الجواهر في كلامه المتقدم. وقد سبق المنع من تعريف المالك مطلقاً في المال القديم الذي يصدق عليه الكنز. وأما في غيره فإن كان الدليل علي تعريف المالك ما تقدم من النص - وهو صحيح الحميري وموثق إسحاق - فالظاهر منهما الاختصاص بالمالك الأخير، وحملهما علي المثال بعيد، وكذا حملهما علي الجنس، كما اعترف به في الجملة سيدنا المصنف (قدس سره).

نعم قال: اللهم إلا أن يستفاد ذلك من عموم المناط، لاشتراك اليد في الجميع. لا أقل من الإجمال المانع من رفع اليد عن مقتضي حجية اليد السابقة. لكن لم يتضح مناط الحكم. كما لا مجال لدعوي الإجمال في الحديثين، بل لا إشكال في ظهورهما في خصوص المالك الأخير.

وإن كان الدليل عليه عموم حجية اليد، كما يظهر من غير واحد. فهو - مع تسليم ثبوت اليد علي المال وغض النظر عما سبق منا من الإشكال في تحققها - يقصر عما لو لم يعلم بسبق دفن المال علي انتقال الأرض منه. مع أن مقتضي حجية اليد ملكية مالك الأرض للمال وإن لم يدعه، فاللازم الحكم به من غير حاجة إلي تعريفه، إلا أن ينفيه عن نفسه.

وإن كان الدليل عليه عموم حكم مجهول المالك فهو يقتضي الفحص عن صاحب المال بتعريف كل من يحتمل ملكيته له ولو كان غير مالك الأرض السابق. وكل ذلك مما لم يذكروه في المقام، عدا ما سيأتي من سيدنا المصنف (قدس سره).

(1) كأنه لتحرز يده عليه وهو مناسب لكون منشأ الرجوع إليه اليد، دون النص، كما يظهر مما تقدم. لكن العلم بذلك مساوق للعلم أو الاطمئنان بعدم ملكية المالك الأخير له، إذ من البعيد جداً ملك الأول له ثم ملكية الثاني له، إذ ملكيته له حينئذ موقوفة علي علمهما به، وقصدهما لنقله مع الأرض، وهو لا يناسب بقاءه

ص: 95

فإن لم يعرفه الجميع فهو لواجده إذا لم يعلم أنه لمسلم (1) موجود أو قديم،

-

مدفوناً إلي أن خرج عن ملكهما.

هذا وظاهره تأخر السابق عن اللاحق، فلا يعرف به السابق إلا بعد أن يعرف به اللاحق ولا يعرفه. وكأنه لسقوط اليد السابقة عن الحجية باليد اللاحقة، وعدم حجيتها إلا بعد سقوط اللاحقة عن الحجية. لكن سقوط اللاحقة عن الحجية إنما يكون بنفي اللاحق ملكية المال، لا بمجرد عدم معرفته إياه.

كما أنه لو فرض مراجعتهما معاً ودعوي كل منهما ملكية المال، الراجعتان لتكذيب السابق للاحق في تملك المال منه، فاللازم حجية قول السابق، لسقوط اليد اللاحقة عن الحجية بتكذيب صاحب اليد السابقة في تحقق السبب الناقل منه، علي ما يذكر في مبحث حجية اليد.

هذا وحيث سبق أن المعيار في الفحص اليأس عن المالك الذي هو حكم مجهول المالك فاللازم السؤال من كل من يحتمل بوجه معتد به ملكيته للمال وعدم رفعه لمدعيه إلا بعد الاطمئنان أو العلم بملكيته له، ومع اختلافهم لا ترجيح إلا بمرجح معتبر.

(1) هذا مبني علي ما تقدم منه (قدس سره) من عدم جواز تملك ما علم أنه لمسلم، ومقتضي كلامه (قدس سره) أن التفصيل المذكور مختص بجواز التملك، دون وجوب الفحص عن المالك، بل هو يجب مطلقاً.

لكن لا يخفي أن جريان حكم اللقطة أو مجهول المالك - من التعريف والفحص عن المالك - مختص بماإذا علم باحترام المال، أو كان ذلك مقتضي الأمارة أو الأصل، لكونه في أرض الإسلام مطلقاً أو إذا كان عليه أثره.

أما إذا لم يكن كذلك فمقتضي الأصل المتقدم في أول الكلام في حكم الكنز جواز تملكه بلا حاجة إلي تعريف وفحص عن المالك، والنصوص المتقدمة المتضمنة للفحص عن المالك وغيرها - مما ورد في اللقطة ومجهول المالك - تقصر عن ذلك،

ص: 96

(97)

وإلا جرت عليه الأحكام المتقدمة. وكذا إذا وجده في ملك غيره إذا كان تحت يده (1) بإجازة ونحوها (2)، وأنه يعرفه المالك، فإن عرفه دفعه إليه، وإلا فالأحوط وجوباً أن يعرفه السابق مع العلم بوجوده في ملكه، وهكذا، فإن لم يعرفه الجميع فهو لواجده، إلا أن يعلم أنه لمسلم موجود أو قديم، فيجري عليه ما تقدم.

(مسألة 11): إذا اشتري دابة فوجد في جوفها مالاً جري عليه حكم الكنز الذي يجده في الأرض المشتراة (3)

-

كما يظهر بالتأمل فيها، حتي موثق إسحاق المتقدم، لظهور أن العثور علي الدراهم المدفونة من دون اطلاع أهل المنزل يناسب عدم عمق دفنها، بحيث يطلع عليه النزيل بلا كلفة، وهو يناسب قرب دفنها جداً بحيث يناسب ملك المسلم لها. وعدم كونها من دفين الجاهلية. ومن هنا يتعين جواز التملك بلا حاجة إلي فحص عن المالك في فرض عدم ثبوت احترام المال، وإنما يجب الفحص ثم التصدق فيما إذا أحرز احترامه.

(1) يعني: يد الواجد.

(2) يعني من دون أن يملك الأرض لعموم أدلة مجهول المالك، ولخصوص موثق إسحاق المتقدم.

(3) المصرح به في كلام الأصحاب وجوب تعريف البايع به، فإن لم يعرفه فهو للمشتري وعليه الخمس.

أما وجوب تعريف البايع بالمال وملكية المشتري له إذا لم يعرفه فهو مقتضي صحيح الحميري المتقدم، ومقتضاه عدم الفرق بين ما علم أنه لمسلم وما لم يعلم. بل لعل المتيقن منه الأول، لما هو المعلوم من شراء الدابة في دار الإسلام وعدم مكث الصرة في جوفها طويلاً. وبذلك يخرج عن عموم حكم مجهول المالك من التصدق بالمال. كما أن مقتضاه عدم تعريف غير البايع، ومعه لا مجال للتفصيل المتقدم من

ص: 97

(98)

وفي وجوب الخمس عليه إن لم يعرف المال إشكال (1). وكذا الحكم إذا اشتري سمكة أو حيواناً غير الدابة (2) ووجد في جوفه مالاً.

-

سيدنا المصنف (قدس سره) في الكنز الموجود في الأرض المشتراة، كما سبق.

نعم المنصرف من النص احتمال كون المال الموجود ملكاً للبايع، ولو لاحتمال بقاء الدابة في ملكه مدة يحتمل ابتلاعها للمال فيها، أما مع العلم بعدم ملكيته له، لعدم مكثها في ملكه المدة المذكورة فلا موضوع لتعريفه حينئذٍ. وحينئذ لا يبعد لزوم مراجعة من قبله ممن يحتمل فيه ذلك إلحاقاً بمورد النص، ولو لتنقيح المناط.

وأظهر من ذلك ما لو لم يكن الواجد مشترياً بل موهوباً أو نحوه، حيث يقرب لزوم مراجعة من أخذه منه، لقرب إلحاقه بمفاد النص عرفاً، إلغاء لخصوصية البايع.

وأما وجوب الخمس فهو خال عن الدليل، كما عن غير واحد الاعتراف به، بل ظاهر الصحيح يدفعه. لكن في المدارك أنه قطع به الأصحاب. قال في الجواهر: وظاهره - كالكفاية والحدائق - الاتفاق عليه.

وفي المدارك: وظاهرهم اندراجه في مفهوم الكنز. وهو بعيد، بل هو غريب. كما لا مجال لإلحاقه بالكنز حكماً، لتنقيح المناط، أو للإجماع المذكور، لعدم وضوح المناط في الكنز، ولعدم وضوح إجماع تعبدي ينهض حجة في إثبات الحكم الشرعي، خصوصاً مع اضطراب كلماتهم في حكم الكنز. ولاسيما مع ما سبق من ظهور الصحيح في عدمه، ومع ما حكي عن السرائر من وجوب إخراج الخمس منه بعد مؤنة طول سنته، لأنه من جملة الغنائم والفوائد، حيث يظهر منه عدم وجوب الخمس فيه بخصوصيته كالكنز، ويظهر ذلك من المدارك وهو المتعين.

(1) بل منع يظهر وجهه مما تقدم.

(2) هذا إنما يتجه فيما إذا احتمل كون ابتلاع الحيوان لما في جوفه حال ملكية البايع له، بحيث يحتمل كونه ملكاً للبايع، كالسمك الذي رباه البايع في ملكه، وبعض

ص: 98

الطيور حيث يقرب جداً إلحاقه بمورد الصحيح المتقدم، لإلغاء خصوصيته عرفاً.

أما مع العلم بعدم ابتلاعه حال ملكية البايع له - كما هو الغالب في السمك الذي هو مورد كلام الأصحاب علي الظاهر - فلا وجه لإلحاقه بالدابة التي هي مورد الصحيح في وجوب التعريف.

نعم لا يبعد البناء علي إلحاقه به في جواز التملك، لفهم عدم الخصوصية. بل لا ينبغي الإشكال في ذلك في مثل السمك الذي يكون ما يبتلعه مباحاً أصلياً كالجواهر الموجودة في الماء، أو مباحاً عرضياً، كالأموال الغارقة التي لم يخرجها أهلها حيث ورد أنها لمن أخرجها(1).

ويؤيده ما في أمالي الصدوق من أن الإمام زين العابدين (عليه السلام) دفع إلي بعض ذوي الحاجة من أصحابه قرصين، وقال له: خذهما فليس عندنا غيرهما، فإن الله يكشف بهما عنك.... فاشتري بأحدهما سمكة، فلما شق بطنها وجد فيها لؤلؤتين باعهما بمال عظيم(2). ونحوه في الدلالة علي المطلوب ما عن تفسير العسكري(3).

كما يناسبه أحاديث أبي حمزة عن أبي جعفر (عليه السلام) وحفص بن غياث عن أبي عبد الله (عليه السلام)، الواردة في إسرائيليين اشتري كل منهما سمكة فوجد أحدهما فيها لؤلؤة بعشرين ألف درهم، ووجد الآخر درتين باعهما بأربعين ألف درهم(4). ومن هنا كان المشهور تملك الواجد له، بل لم يعرف الخلاف فيه وإن اختلفوا في وجوب التعريف.

هذا وقد قال في المسالك: وقد مال العلامة في التذكرة إلي إلحاق السمكة بالدابة مطلقاً، لأن القصد إلي حيازة السمكة يستلزم القصد إلي حيازة جميع أجزائها وما يتعلق بها. ويناسبه ما عن السرائر من توجيهه بأن البايع باع هذه الأشياء ولم يبع ما وجده المشتري، لظهوره في المفروغية عن ملكية البايع لما في جوف السمكة، ول

********

(1) وسائل الشيعة ج: 17 باب: 11 من أبواب اللقطة حديث: 1، 2

(2) وسائل الشيعة ج: 17 باب: 10 من أبواب اللقطة حديث: 4، 5

(3) وسائل الشيعة ج: 17 باب: 10 من أبواب اللقطة حديث: 4، 5

(4) وسائل الشيعة ج: 17 باب: 10 من أبواب اللقطة حديث: 1، 2، 3

ص: 99

(100)

الرابع: ما أخرج من البحر بالغوص (1)

-

موجب له إلا الحيازة.

لكنه يشكل بما في الجواهر من أن المتجه حينئذ الحكم بملكية الصياد لما في جوفها، لا تعريفه إياه، قال: والظاهر بل المقطوع به خلافه.

وقد منع في المسالك من تحقيق الحيازة من الصياد لما في جوف السمكة ولو بالتبع، لتقومها بالقصد المتوقف علي العلم. وعلي ذلك جري بعض مشايخنا (قدس سره).

وفيه: أن القصد لحيازة السمكة مستتبع للقصد لحيازة جميع ما في جوفها مما له قيمة وغيره، وعدم تمييز ما في جوفها إنما يمنع من القصد لحيازته بخصوصيته التفصيلية، ولا يمنع من القصد لحيازته بعنوانه الإجمالي المنتزع من كونه في جوف السمكة، وهو كاف في الحيازة المملكة. كيف ولازم ذلك جواز أخذ ما في جوف السمكة وتملكه لكل أحد قبل التفات مالكها له وقصد حيازته تفصيلاً بلا حاجة إلي استئذانه أو شرائه منه، لبقائه علي إباحته الأصلية، غاية الأمر تحقق العصيان بالتعدي علي السمكة والتصرف فيها من دون إذن مالكها. وهو بعيد جداً، ولا يظن بأحد الالتزام به.

نعم لا يبعد البناء علي بيع ما في جوف السمكة تبعاً لبيعها وإن لم يلتفت إليه تفصيلاً، كما يحاز تبعاً لحيازتها. وهذا بخلاف ما يكون في جوف الدابة من المال الذي ليس من شأنها ابتلاعه، فإنه وإن كان ملكاً للبايع، إلا أنه خارج عرفاً عن المبيع. ولا مجال للإشكال في بيعه بالجهالة، لعدم الدليل علي مانعية الجهالة في توابع المبيع. فتأمل.

ولعله لهذا أو نحوه كان ظاهر الأصحاب المفروغية عن جواز تملك المشتري لما في جوف السمكة. بل لعل مفروغيتهم المذكورة بضميمة النصوص المتقدمة كافية في الحكم المذكور حتي لو كان مخالفاً للقاعدة، إذ من القريب جداً انجبار تلك النصوص بذلك. فلاحظ.

(1) كما هو المعروف بين الأصحاب، وفي الجواهر: بلا خلاف أجده فيه،

ص: 100

ونفي الخلاف فيه في الحدائق. كما أن ظاهر أمالي الصدوق والانتصار وصريح الغنية ومحكي المنتهي الإجماع عليه، كظاهر نسبته إلي علمائنا في التذكرة.

ويقتضيه النصوص المتضمنة عده من الأربعة أو الخمسة التي يجب فيها الخمس(1) ، وصحيح الحلبي: سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن العنبر وغوص اللؤلؤ، فقال (عليه السلام): عليه الخمس(2) ، وغيره مما يأتي. وقد تقدم في أول الكلام في ثبوت الخمس في المعدن الكلام في صحيح عبد الله بن سنان ومرسل سماعة(3) ، المتضمنين اختصاص الخمس بالغنائم، فراجع.

هذا وقد اقتصر في المدارك علي الاستدلال بصحيح الحلبي، وحيث لا عموم فيه لتمام أفراد الغوص ذكر أن العموم إنما يتم بالإجماع لو تم. وكأن ذلك منه لشدة تقيده في السند، وإلا فقد تضمن العموم بعض النصوص المعتبرة.

ففي صحيح عمار بن مروان قال: سمعت أبا عبد الله (عليه السلام) يقول: فيما يخرج من المعادن والبحر والغنيمة والحلال المختلط بالحرام إذا لم يعرفه صاحبه الخمس(4) ، حيث لا خدش في سنده إلا بتردد عمار بن مروان بين اليشكري الثقة والكلبي الذي ذكره الصدوق في بعض طرقه في المشيخة ولم يوثق. لكن ذكر بعض مشايخنا أن الأول هو المشهور الذي له كتاب ويروي عن الصادق (عليه السلام)، فينصرف الإطلاق إليه.

وفي صحيح ابن أبي عمير عن غير واحد عن أبي عبد الله (عليه السلام): قال: الخمس علي خمسة أشياء: علي الكنوز والمعادن والغوص والغنيمة ونسي ابن أبي عمير الخامس(5). ولا يقدح في حجيته إرساله بعد كون المرسل ابن أبي عمير ولاسيما مع إرساله عن غير واحد حيث يناسب استفاضة الحديث.

وفي صحيح البزنطي عن محمد بن علي بن أبي عبد الله عن أبي الحسن (عليه السلام):

********

(1) راجع وسائل الشيعة ج: 6 باب: 2 من أبواب ما يجب فيه الخمس

(2) وسائل الشيعة ج: 6 باب: 7 من أبواب ما يجب فيه الخمس حديث: 1

(3) وسائل الشيعة ج: 6 باب: 2 من أبواب ما يجب فيه الخمس حديث: 1، 15

(4) وسائل الشيعة ج: 6 باب: 3 من أبواب ما يجب فيه الخمس حديث: 6، 7

(5) وسائل الشيعة ج: 6 باب: 3 من أبواب ما يجب فيه الخمس حديث: 6، 7

ص: 101

سألته عما يخرج من البحر من اللؤلؤ والياقوت والزبرجد، وعن معادن الذهب والفضة، هل فيها زكاة؟ فقال: إذا بلغ قيمته ديناراً ففيه الخمس (1) ، بناءً علي ما سبق عند الكلام في نصاب المعدن من تقريب حجية الحديث المذكور، ولاسيما مع تأيد هذه النصوص بنصوص أخر.

هذا وقد تضمن حديثا عمار بن مروان ومحمد بن علي عنوان ما يخرج من البحر، الشامل لما أخرج بالغوص وما أخرج بآلة. ولعله لذا جزم بثبوت الخمس في الثاني في المسالك.

بل قد يدعي شموله لما أخذ من وجه الماء وما ألقاه البحر علي الساحل، كما يناسبه ما في الوسيلة من ثبوت الخمس في الأول، وعن البيان من ثبوته في الثاني. لكنه موقوف علي كون يخرج بالبناء للفاعل، ولا معين له، بل يحتمل كونه بالبناء للمفعول.

أما مرسل ابن أبي عمير فقد تضمن عنوان الغوص، فيقصر عما أخرج بالآلة - فضلاً عما أخذ من وجه البحر وما ألقاه علي الساحل - ويعم ما أخرج بالغوص في النهر.

وحيث كان بين العنوانين عموم من وجه فهل يؤخذ بكل من العنوانين علي إطلاقه - كما جزم به بعض مشايخنا - أو ينزل الأول علي الثاني، فيكون الموضوع هو الذي يخرج بالغوص ولو من النهر - كما جزم به سيدنا المصنف (قدس سره)، ويظهر من الجواهر ومن كل من اقتصر علي عنوان الغوص أو العكس، فيكون الموضوع هو ما يخرج من البحر ولو بالآلة، أو يجمع بينهما بتقييد كل منهما بالآخر فلا يثبت الخمس إلا فيما يخرج من البحر بالغوص، كما هو ظاهر الشرايع. وقد يناسبه ما عن كشف الغطاء من عدم ثبوت الخمس فيما يخرج من الأنهار، وإن كان محتملاً لما قبله أيضاً.

وقد استدل للأول بأنه مقتضي إطلاق كل من الدليلين فيجب الأخذ به وإن كان بينهما عموم من وجه، لعدم التنافي بينهما بعد كونهما معاً إثباتيين.

********

(1) وسائل الشيعة ج: 6 باب: 3 من أبواب ما يجب فيه الخمس حديث: 5

ص: 102

لكن ذكر الفقيه الهمداني (قدس سره) أنهما وإن كانا إثباتيين، إلا أن ظاهر الأصحاب والنصوص خصوصاً ما تضمن انحصار الخمس في الخمسة، عدم كون كل من العنوانين موضوعاً مستقلاً يناط به الحكم، فلابد من إرجاع أحدهما للآخر دفعاً للتنافي، والأقرب فيه البناء علي التقييد. ولا أقل من التردد والرجوع لأصالة البراءة من وجوب الخمس في مورد انفراد أحد العنوانين والاقتصار فيه علي المتيقن، وهو مورد اجتماع العنوانين المطابق للتقييد عملاً.

وقد أستشكل فيه بعض مشايخنا بأنه لابد من رفع اليد عن الحصر المذكور بعد أن ثبت وجوب الخمس في غير الأمور الخمسة المذكورة من الفوائد، فيعلم بوجوب الخمس فيما يخرج من البحر إما بعنوانه أو بعنوان الفائدة، ولا مجال لاحتمال دخول الفائدة في الغنيمة المعدودة من الخمسة بحملها علي مطلق ما يغنم ويستفاد، لدخول الكنوز والمعادن والغوص فيها بالمعني المذكور، فلا يصح عدها قسيماً للغنيمة إلا بحمل الغنيمة علي خصوص غنائم الحرب.

وأما الأصل الذي أشار إليه فهو ممنوع بعد العلم بثبوت الخمس في غير مورد اجتماع العنوانين، إما بعنوانه الخاص أو بعنوان الفائدة، حيث يشك حينئذٍ في جواز تأخير إخراجه إلي نهاية السنة، فيجب التعجيل، لعدم إحراز الإذن.

هذا وقد تقدم منا في ذيل المسألة الثالثة الكلام في مقتضي الأصل في أمثال المقام. فراجع. وأما الحصر المذكور فلا يبعد كونه إضافياً بلحاظ ما يجب فيه الخمس علي كل حال دون ما يجب فيه الخمس بعد استثناء المؤنة وهو مطلق الفائدة. ولاسيما مع قرب أن لا يكون بناء الأئمة (عليهم السلام) إلي عصر صدور تلك الروايات علي تنفيذ حكم الخمس في مطلق الفائدة، علي ما قد نتعرض له عند الكلام في حكم القسم المذكور.

نعم قد يشكل ما ذكره الفقيه الهمداني (قدس سره) بأن لسان الحصر إنما ورد فيما تضمن عنوان الغوص، دون ما تضمن عنوان ما يخرج من البحر، فلو كان ذلك منشأ للتنافي لزم تقييد ما يخرج من البحر بالغوص، كما جري عليه سيدنا المصنف (قدس سره)، ل

ص: 103

(104)

من الجوهر وغيره، لا مثل السمك ونحوه من الحيوان (1).

-

تقييد كل منهما بالآخر كما جري عليه هو.

علي أن الإنصاف أن الحصر المذكور - لو تم - يقوي ظهوره في نفي الخمس في عنوان مباين للخمسة، دون تحديد كل من العناوين الخمسة بالحدّ المذكور لها في النص المتضمن للحصر، بل ليس ظهوره في التحديد من القوة بنحو ينهض بتقييد الإطلاق، ومن الظاهر أن الدليل علي ثبوت الخمس فيما يخرج من البحر لا يرجع إلي كونه عنواناً مقابلاً لعنوان الغوص، كعنوان الغنيمة والمعدن، بل يرجع إلي اختلاف الأدلة في تحديد العنوان الواحد، وعلي ذلك يلزم النظر في الجمع بين دليلي العنوانين وإرجاع العنوانين إلي عنوان واحد.

ومن القريب جداً الجمع بين الأدلة عرفاً بإلغاء خصوصية كل من العنوانين، وحمل التقييد بكل من البحر والغوص علي الغالب، مع كون الموضوع مطلق الإخراج من الماء، فإنه أقرب عرفاً من الجمود علي كل من العنوانين وتقييد أحدهما بالآخر، أو علي أحدهما وتقييد الآخر به.

هذا كله بناءً علي قصور البحر عن الأنهار. أما بناء علي عمومه لها أو لخصوص العظيم منها - كما في بعض كتب اللغة، وقد يفسر به قوله تعالي: وهو الذي خلق البحرين هذا ملح أجاج وهذا عذب سائغ شرابه - فيكون بين العنوانين عموم مطلق، ويدور الأمر بين تقييد العام بالخاص وإلغاء خصوصية الخاص والظاهر الثاني لما تقدم. فلاحظ.

(1) خلافاً لما عن المستند من وجوب الخمس فيه، وعن الشهيد في البيان حكايته عن بعض معاصريه، لإطلاق النصوص المتضمنة لعنوان الغوص.

لكن الظاهر أن المراد بالغوص المهنة المعهودة المختصة بغير الحيوان عرفاً، لا مصدر غاص بما له من معني لغوي، ليشمل الغوص لأخذ الحيوان، بل لغيره، كالغوص لأخذ المال الغارق الذي تركه صاحبه كما نبه له سيدنا المصنف (قدس سره). ولول

ص: 104

فهم ذلك من النصوص لظهر العموم في الفتاوي والعمل، لشيوع الابتلاء بصيد حيوان الماء، ومن ثم قطع ببطلانه في الجواهر.

وأشكل في ذلك ما في الخلاف من وجوب الخمس فيه إذا أخذ غوصاً أو قفياً(1) ، فإن التعميم لما أخذ قفياً إن كان إلحاقاً بالغوص احتاج إلي دليل. وإن كان لإطلاق ما تضمن وجوب الخمس فيما يخرج من البحر أشكل:

أولاً: بأنه لا دليل علي الإطلاق المذكور، فإن حديث محمد بن علي مختص باللؤلؤ والياقوت والزبرجد وإلغاء خصوصيتها بقرينة إطلاقات الغوص تقتضي التعميم لما من شأنه أن يخرج بالغوص دون مثل السمك.

وثانياً: بأن لازم ذلك العموم لسائر أنحاء أخذ السمك من الماء أو البحر، بل أخذ غيره كالمال الغارق إذا تركه صاحبه.

هذا كله مضافاً إلي ما أشرنا إليه آنفاً من أن مقتضي الجمع بين الإطلاق المذكور وإطلاق ثبوت الخمس بالغوص حمل التقييد بالغوص علي الغالب، ومن الظاهر أن غلبة الغوص إنما تتم في غير الحيوان، أما فيه فالغالب فيه الأخذ بغير غوص، فلو أريد من موضوع الخمس ما يعمه لم يكن وجه للاقتصار في أكثر النصوص علي الغوص.

ومما سبق يظهر عدم وجوب الخمس فيما لو أخرج حيواناً من الماء بغوص أو غيره، فظهر في جوفه شيء من المال مما يستخرج بالغوص، لخروج الغوص المذكور عن مهنة الغوص المعهودة.

نعم لو كان هناك بعض الأموال يتعارف ابتلاع الحيوان له، والغوص لأخذه بأخذ الحيوان الذي يبتلعه، اتجه ثبوت الخمس فيه.

********

(1) لعله مأخوذ من قولهم: قفي الرجل قفياً إذا ضرب قفاه، أو من قولهم: استقفي فلاناً بالعصا إذا جاء من خلفه وضرب قفاه بها. فيراد به أخذ السمك من الماء بعد ضربه من قفاه لينهك، أو أنه مأخوذ من القفا أو القفاء الذي هو مؤخر العنق فيراد به أخذ السمك من الماء بغرز الشوكة في مؤخر رأسه وانتشاله بها. (منه عفي عنه)

ص: 105

(106)

(مسألة 12): يشترط في وجوب الخمس فيه النصاب (1)، وهو قيمة دينار (2)، والأحوط الاكتفاء ببلوغ المقدار قبل استثناء المؤنة،

-

بقي الكلام في الغوص لاستخراج المال الغارق ففي موثق السكوني عن أبي عبد الله (عليه السلام) في حديث عن أمير المؤمنين (عليه السلام) قال: وإذا غرقت السفينة وما فيها فأصابه الناس، فما قذف به البحر علي ساحله فهو لأهله وهم أحق به، وما غاص عليه الناس وتركه صاحبه فهو لهم(1). وقريب منه خبر الشعيري(2). وظاهر الأول هو تملك الغائص له إذا تركه صاحبه ولو لصعوبة استخراجه عليه.

لكن لا خمس فيه، لعدم كون الغوص له داخلاً في المهنة المعروفة للغوص، ليدخل في إطلاق نصوص المقام كما أشرنا إليه آنفاً. فما عن الحدائق من التردد في ذلك ضعيف.

(1) بلا خلاف ظاهر، وظاهر غير واحد المفروغية عنه، بل ظاهر أمالي الصدوق والتذكرة وصريح الغنية والمدارك الإجماع عليه، وفي الجواهر دعوي الإجماع بقسميه علي عدم وجوب الخمس في الناقص عن الدينار.

(2) كما هو المشهور نقلاً وتحصيلاً شهرة كادت تكون إجماعاً. كذا في الجواهر. وفي التذكرة وعن المنتهي نسبته إلي علمائنا، وعن التنقيح والحدائق دعوي اتفاق الأصحاب عليه.

ويقتضيه حديث محمد بن علي المتقدم، الذي تقدم آنفاً اعتباره وصلوحه للاستدلال. والاستدلال به لعموم ثبوت النصاب في الغوص يبتني علي إلغاء خصوصية الأمور المذكورة فيه، وحملها علي المثال، كما هو الظاهر. ومقتضاه حينئذٍ كون موضوع النصاب فيه كل ما أخرج من البحر ولو بغير الغوص. بل حيث كان مقتضي الجمع بين النصوص أن موضوع الخمس مطلق ما أخرج من الماء - علي م

********

(1و2) وسائل الشيعة ج: 17 باب: 1 من أبواب اللقطة حديث: 1، 2

ص: 106

كما تقدم (1). وتقدم حكم الدفعة والدفعات، والانفراد والاشتراك (2).

-

تقدم - فالظاهر كونه هو الموضوع للنصاب، وذكر البحر في الحديث لأنه الغالب.

هذا وظاهر ما حكاه في المختلف عن غرية المفيد أنه عشرون ديناراً. ولم يعرف له موافق ولا دليل. وإلحاقه بالمعدن في غير محله، لعدم الشاهد له.

نعم قد يقال: بعد عموم حديث محمد بن علي المتقدم للمعدن والغوص معاً لابد من حمله علي الاستحباب، جمعاً مع نصوص دليل نصاب المعدن، ولا طريق لإثبات وجوب الخمس في الغوص ببلوغ الدينار.

لكنه يندفع بأن رفع اليد عن ظهوره في وجوب الخمس ببلوغ الدينار في المعدن لأجل الدليل المذكور لا يستلزم رفع اليد عن ظهوره المذكور في الغوص، ولاسيما مع مطابقته لإطلاق وجوب الخمس في الغوص. المقتصر في الخروج عنه علي ما دون الدينار لأجل الحديث المذكور.

هذا ومقتضي إطلاق الحديث وجوب الخمس فيما يخرج من البحر وإن كان معدناً، بل هو نص في ذلك بناء علي أن الياقوت والزبرجد من المعادن، وإن سبق الإشكال فيه. وحينئذٍ لابد من الاقتصار في نصاب المعدن علي غير ما يستخرج من البحر، لأن عدم ثبوت الخمس فيه ببلوغ الدينار من حيثية المعدن لا ينافي ثبوته فيه من حيثية الإخراج من البحر.

نعم يختص ذلك بالمعدن المتكون في البحر، أو الذي غمر البحر أرضه المتكون فيها، بحيث من شأنه أن يتحصل بالغوص فيه، دون ما يغرق فيه ويستخرج منه بالغوص، لما سبق منه قصور نصوص الغوص عنه.

(1) تقدم في المسألة الخامسة. وما تقدم من الكلام هناك يجري هنا، لأن المقامين من باب واحد.

(2) تقدم في المسألة السادسة والسابعة.

ص: 107

(108)

(مسألة 13): إذا أخرج بآلة من دون غوص ففي جريان الحكم عليه إشكال والأقوي عدمه (1).

(مسألة 14): الظاهر أن الأنهار العظيمة حكمها حكم البحر بالنسبة إلي ما يخرج منها بالغوص (2).

(مسألة 15): الظاهر وجوب الخمس في العنبر (3) إن أخذ من

وجه الماء (4)، ولا يعتبر فيه النصاب (5)،

-

(1) بل الأقوي ثبوته، كما يظهر مما تقدم.

(2) يظهر الوجه فيه مما تقدم.

(3) بلا خلاف أجده. كذا في الجواهر. وفي المدارك والحدائق الإجماع عليه، كظاهر الغنية والتذكرة أو صريحهما، ويقتضيه صحيح الحلبي المتقدم في الغوص.

(4) يظهر مما يأتي أن ذلك ليس قيداً لثبوت الخمس في العنبر، بل راجع لاعتبار النصاب فيه علي كلام يأتي.

(5) لإطلاق صحيح الحلبي وقصور دليلي نصابي الغوص والمعدن عنه، أما المعدن فلعدم ثبوت كونه منه بعد اختلاف كلمات القدماء من اللغويين وغيرهم فيه كثيراً، وعدم إمكان تعويل علي شيء منها بعد الاطمئنان بعدم اعتمادهم علي طرق حسية معتبرة.

بل الأقرب عدم كونه من المعدن، وأنه إفرازات في جوف حيوان العنبر يلقيها مع رجيعه، كما هو المنقول عن علم الحيوان الحديث المبتني نوعاً علي طرق حسية أو ملحقة بالحس.

ولو لم يثبت ذلك واستحكم الشك كان المرجع إطلاق صحيح الحلبي، المقتضي لعدم اعتبار النصاب في العنبر.

ص: 108

(109)

وإن أخرج بالغوص جري عليه حكمه (1).

-

وأما ما ذكره الفقيه الهمداني (قدس سره) من أنه لما كان موضع تكونه البحر كان البحر معدناً له، ودخل بذلك في المعادن ولو توسعاً، فيلحقه حكمها. فهو كما تري، بظهور المعدن عرفاً في غير ذلك. كيف ولازم ذلك كون كل شيء - من الحيوان والنبات والجماد - معدناً، لأنه متكون في البر أو البحر. وصدق المعدن عليه توسعاً لا يكفي في إلحاقه به حكماً.

وأما الغوص فلما أشرنا إليه آنفاً من عدم وضوح شمول موضوع الحكم فيه لما أخذ من وجه الماء، بل المتيقن منه ما أخرج منه ولو بآلة، لاحتمال قراءة: (يخرج) بصيغة المبني للمجهول.

وأظهر من ذلك ما إذا أخذ من الساحل. ومنه يظهر ضعف ما في الشرايع والتذكرة وعن المنتهي وغيرهما من ثبوت نصاب المعدن له حينئذ، وفي المدارك والحدائق وعن الكفاية نسبته للأكثر. ومن الغريب الاستدلال بأصالة البراءة، فإنه إن ثبت كونه من المعدن فالأولي الاستدلال له بإطلاق دليل نصاب المعدن، وإلا كان إطلاق صحيح الحلبي مقدماً علي أصالة البراءة.

وأشكل منه ما عن غرية المفيد من ثبوت نصاب المعدن مطلقاً وإن أخذ بالغوص. إذ لو تم كونه معدناً فقد سبق ثبوت نصاب الغوص للمعدن إذا أخذ غوصاً. نعم قد يبتني ذلك منه علي ما تقدم منه من ثبوت النصاب المذكور في الغوص مطلقاً، وإن سبق ضعفه.

(1) كما في الشرايع والتذكرة وعن المنتهي وغيره، وفي المدارك والحدائق وعن الكفاية نسبته للأكثر. أخذاً بعموم نصاب الغوص المستفاد من حديث محمد بن علي بالتقريب المتقدم.

وأما ما في الجواهر من عدم الجابر له في المقام ففيه: أولاً: أن الخبر معتبر في نفسه كما تقدم، فلا يحتاج للجابر. غاية الأمر أن يوهن بإعراض الأصحاب وهو غير

ص: 109

حاصل في المقام قطعاً.

وثانياً: أن ذهاب الأكثر لذلك في المقام كاف في انجبار الحديث لو كان ضعيفاً.

وثالثاً: أن ما ذكره (قدس سره) يبتني علي كون عمل الأصحاب بالخبر الضعيف جابراً لمضمونه، حيث يحتاج حينئذ للانجبار وبالعمل به في كل مورد مورد. لكن التحقيق أنه جابر لصدوره، فإذا انجبر في مورد بالشهرة كان حجة ولزم العمل بتمام مضمونه حتي في مورد عدمها.

اللهم إلا أن يقال: إن كان المستفاد من صحيح الحلبي ثبوت الخمس في العنبر بعنوانه في قبال الغوص لزم البناء علي عدم اعتبار النصاب فيه وإن أخذ بالغوص، كما هو ظاهر النهاية والوسيلة والسرائر، وقواه في المدارك، وقربه في الجواهر ومحكي الكفاية وغيرها. لإطلاق الصحيح بعد ظهور دليل نصاب الغوص في اختصاصه بما ثبت الخمس فيه من حيثية الغوص، لا من حيثيته الذاتية، ولا أقل من كون ذلك هو المتيقن منه.

ولعله إليه يرجع ما في الجواهر من التشكيك في عموم حديث محمد بن علي المتضمن لنصاب الغوص للعنبر مطلقاً وإن أخذ غوصاً. وكذا ما قيل من أن عطف الغوص علي العنبر في صحيح الحلبي ظاهر في ثبوت الخمس في العنبر مطلقاً وإن أخذ غوصاً.

وإن كان المستفاد من صحيح الحلبي ثبوت الخمس فيه إلحاقاً بالغوص، لعموم موضوعه له لباً، كان اللازم البناء علي عموم نصاب الغوص له وإن أخذ من وجه الماء أو من الساحل بعد ما هو الظاهر من شيوع الأول فيه، حتي قيل بأنه لا يؤخذ غوصاً، وإن لم يحك القول بذلك إلا عن كشف الغطاء، بل يصلح ذلك حينئذ قرينة علي عموم حكم الغوص لما أخذ من وجه الماء أو الساحل حتي في غير العنبر، وأن المعيار فيه الخروج من البحر لا الإخراج منه، فيناسب كون (يخرج) في حديثي عماربن مروان ومحمد بن علي بالبناء للفاعل الذي لا يبعد كونه الأقرب في نفسه، وإن لم يبلغ

ص: 110

(111)

الخامس: الأرض التي اشتراها الذمي من المسلم (1)، فإنه يجب فيها الخمس علي الأقوي.

-

بنفسه مرتبة الحجية.

إذا عرفت هذا فالظاهر أن الثاني هو الأقرب، لمسانخة العنبر للغوص ارتكازاً، ولمناسبته لنصوص الحصر، ولإفراد الضمير في الجواب في الصحيح، حيث يشعر برجوع العنبر وغوص اللؤلؤ لجامع واحد. وإن كان الأمر محتاجاً لمزيد من التأمل.

(1) كما في النهاية والغنية والوسيلة والشرايع والنافع وإشارة السبق والتذكرة والمختلف والقواعد، وعن ابن إدريس وأكثر المتأخرين من أصحابنا أو عامتهم. ونسبه في المعتبر للشيخين ومن تابعهما، وفي التذكرة ومحكي المنتهي لعلمائنا. وادعي في الغنية الإجماع عليه.

ويقتضيه صحيح أبي عبيدة الحذاء: سمعت أبا جعفر (عليه السلام) يقول: أيما ذمي اشتري من مسلم أرضاً فإن عليه الخمس(1) ، مؤيداً بمرسل المقنعة عن الصادق (عليه السلام): قال: الذمي إذا اشتري من المسلم الأرض فعليه فيها الخمس(2).

هذا وعن فوائد القواعد للشهيد الثاني الميل لعدم ثبوت الخمس فيه، وقد يستظهر من المراسم وما عن ابني أبي عقيل والجنيد والمفيد والحلبي، لعدم ذكرهم له. استضعافاً للرواية. ولمنافاتها للحصر المستفاد من النصوص المتضمنة ثبوت الخمس في الأربعة أو الخمسة(3) التي ليس منها ذلك. ولاحتمالها التقية، لما عن مالك من تضعيف العشر علي الذمي إذا اشتري أرضاً عشرية.

ويندفع بأن الرواية معتبرة، بل في المدارك وعن غيره، أنها في أعلي مراتب الصحة. كما أنها تتقدم علي الحصر تخصيصاً لمفهومه، أو لصلوحها قرينة علي حمله علي الحصر الإضافي الذي تقصر عنه موضوعاً، كالحصر بالإضافة إلي ما يثبت علي عامة

********

(1و2) وسائل الشيعة ج: 6 باب: 9 من أبواب ما يجب فيه الخمس حديث: 1، 2

(3) راجع وسائل الشيعة ج: 6 باب: 2 من أبواب ما يجب فيه الخمس

ص: 111

ولا فرق بين الأرض الخالية وأرض الزرع وأرض الدار وغيرها (1). نعم

-

الناس، أو الحصر في الفوائد والمغانم، كما هو ظاهر بعض تلك النصوص، لورودها في تفسير الآية الشريفة.

واحتمال التقية غير قادح في الحجية. بل لا مجال لحملها علي التقية من مالك مع تأخر عصره عن صدورها، ومع عمومها لغير الأرض العشرية، وظهورها في ثبوت الخمس بمجرد الشراء في العين، لا في الزرع بعد ظهوره بل هو كالصريح من مرسل المقنعة.

ومنه يظهر ضعف ما في المدارك وعن المنتقي من احتمال حمل النص علي تضعيف الزكاة في الأرض العشرية، كما تقدم عن مالك.

(1) كما هو مقتضي إطلاق النص والفتوي، بل في الجواهر أنه صريح جماعة وفي جامع المقاصد وعن الفاضلين اختصاصه بأرض الزرع دون المسكن، واستجوده في المدارك، بل في المعتبر وعن المنتهي استظهار أن مراد الأصحاب ذلك.

وقد يقرب بوجهين:

الأول: أنه المتبادر من الإطلاق، لتعارف التعبير عن غيرها بالدار والمسكن. ويندفع بأن المسلم من التبادر ما هو عبارة عن الانصراف البدوي الذي لا يرفع اليد به عن الإطلاق. وتعارف التعبير عنه بالدار والمسكن ونحوها ليس ناشئاً من عدم صدق الأرض عليها عرفاً، بل لحكاية العنوانين ونحوهما عن خصوصية زائدة عليها، نظير تعارف التعبير عن الذهب المصوغ بالسوار والخلخال ونحوهما، من دون أن يخل بصدق الذهب عليه.

الثاني: انصراف إطلاق بيع الأرض عن بيعها تبعاً. وفيه - مضافاً إلي أن الانصراف المذكور بدوي - أن الأرض غير مبيعة تبعاً، بل هي أحد جزئي المبيع المهم أو الأهم منهما.

نعم ذكر سيدنا المصنف (قدس سره) أن الأرض كما تستعمل بالمعني المقابل للسماء

ص: 112

(113)

الظاهر الاختصاص بصورة وقوع البيع علي الأرض (1)، أما إذا وقع علي مثل الدار أو الحمام أو الدكان فالأظهر عدم الخمس (2). كما أنه يشكل عموم الحكم لغير الشراء (3) من سائر المعاوضات أو الانتقال المجاني.

-

تستعمل بالمعني المقابل للدار والبستان ونحوهما، والثاني شايع عرفاً فالحمل علي الأول غير ظاهر، لكن لا إشكال في أن استعمالها في المعني الثاني مبني علي التوسع وإنما يشيع في مقام المقابلة بين الأرض والدار وغيرهما من العناوين الزائدة فيصعب حمل النص عليه مع عدم مقابلة الأرض فيه بشيء. وإن كان الأمر لا يخلو بعد عن إشكال.

ولو تم ذلك اقتضي الاختصاص بالأرض التي لا تحمل عنواناً زائداً، سواء لم تكن صالحة للزراعة أم صالحة لها، مزروعة فيما مضي أم لا، بل حتي إذا كانت حين البيع مزروعة زرعاً لا يبتني علي البقاء، حيث لا يصدق عليها حينئذ بستان، ولا يكون الزرع حينئذ إلا ملحوظاً تبعاً، بيع معها أم لم يبع.

(1) يعني: وإن كانت مشتملة علي خصوصية زائدة، كالبناء الذي يجعلها داراً أو دكاناً أو غيرها، والزرع الذي يجعلها بستاناً.

(2) الظاهر ابتناؤه علي الوجه الثاني المتقدم لكنه (قدس سره) دفعه، وأما الدعوي الأخيرة المتقدمة منه (قدس سره) فهي تقتضي اختصاص الخمس ببيع الأرض الفاقدة للعنوان الزائد، دون غيرها، سواء بيع وحده أم في ضمن العنوان الزائد عليه، غايته أنه إذا بيع وحده يكون المبيع جزءاً من العنوان المتلبس به، كالدار والدكان ونحوهما، لا أنه من أفراد الأرض المقابلة للدار ونحوها.

(3) لظهور النص والفتوي في قصر الحكم عليه، فيرجع في غيره للأصل، ومقتضاه عدم ثبوت الخمس بعد كون مقتضي المعاملة ملك الذمي للأرض بتمامها، وتفرع ثبوت الخمس فيها علي ذلك.

خلافاً لما في كشف الغطاء ومال إليه في الجواهر من العموم لجميع المعاوضات.

ص: 113

(114)

(مسألة 16): إذا اشتري الأرض ثم أسلم لم يسقط الخمس (1)،

-

بل عن ظاهر البيان واللمعة والروضة عمومه لمطلق الانتقال من مسلم وإن لم يكن بنحو المعاوضة. وجزم به بعض مشايخنا، وإن استضعفه كشف الغطاء.

لفهم عدم الخصوصية تبعاً للمناسبات الارتكازية القاضية بأن منشأ الحكم خصوصية المنتقل منه والمنتقل إليه، نظير المنع من بيع المصحف علي الكافر ولعله لتضييق ملكية الكافر للأرض.

وهو وإن كان قريباً في بدء النظر، إلا أنه لا يبلغ مرتبة الدليل، لينهض برفع اليد عن مقتضي الأصل المتقدم. ولاسيما بناء علي اختصاص ذلك بالأرض التي لا تشتمل علي عنوان زائد - كالدار والبستان - علي ما تقدم الكلام فيه.

وبملاحظة أن الجهة المذكورة تناسب العموم لمطلق ملكية الكافر وإن لم تكن بالانتقال من مسلم، بل بمثل الحيازة والإحياء، فضلاً عن الانتقال بالمعاوضة من غير الشخص المسلم كالجهات المحترمة، كبيع الوقف، ومنه دفع القيمة بدل خمس الأرض في المقام الذي صرح بجوازه غير واحد، فإنه راجع إلي نحو من المعاوضة بين الذمي والجهة التي تستحق الخمس، ولو ثبت الخمس فيها لزم عدم سلامة الأرض بتمامها له مهما دفع من بدل، حيث يثبت الخمس في الخمس وفي خمس الخمس، وهكذا إلي ما لا نهاية، وهو بعيد جداً، بل ينافي الاكتفاء بدفع القيمة عندهم.

وأضعف من ذلك ما سبق من كشف الغطاء من التعميم لكل معاوضة دون الانتقال المجاني. فإنه إن بني علي الجمود علي مورد النص تعين الاقتصار علي البيع، وإن بني علي إلغاء خصوصيته تعين التعميم للانتقال المجاني، لعموم الجهة الارتكازية المشار إليها آنفاً. وكيف كان فالمتعين الجمود علي مورد النص، وهو البيع.

(1) كما في الجواهر وغيره. واستدل بالإطلاق، لعدم خروجه بذلك عن موضوع الخمس، وهو الذمي حين الشراء. لكنه يشكل بأن ظاهر النص سببية الشراء لثبوت الخمس من دون نظر إلي بقائه، فلا مجال لإثبات بقائه في المقام بالإطلاق.

ص: 114

نعم قد يقال: إن مجرد الحدوث ولو آناً ما لما يكن صالحاً لترتب العمل، كان عدم التعرض لبيان أمد البقاء موجباً لظهور دليل السببية في الاستمرار واحتاج عدمه للبيان، فالاستمرار مستفاد من فحوي الكلام، لا من الإطلاق. فتأمل.

بل قد يقال: يكفي في وجه عدم بيان أمد البقاء ما ارتكز من أن من شأن هذه الأمور الاستمرار ما لم يتحقق الرافع، فيلزم البناء علي بقائها ظاهراً فيكون السكوت المذكور مبتنياً علي المفروغية عن إمضاء ذلك شرعاً. فتأمل. ولو غض النظر عن ذلك كله كفي في البناء علي عدم سقوط الخمس.

وأما النبوي: الإسلام يجب من قبله فلم يرد مسنداً من طرقنا. وانجباره بعمل الأصحاب ممنوع، لعدم وضوح عملهم به واعتمادهم عليه، وإنما الثابت موافقتهم له في الجملة، وهو لا يكفي في الجبر.

علي أن المروي من متنه عن مجمع البحرين وغيره هكذا: الإسلام يجب ما قبله والتوبة تجب ما قبلها من المعاصي والذنوب. وهو يناسب رفع العقاب علي مخالفة التكليف، دون التكليف نفسه، فضلاً عن الأحكام الوضعية التي منها ثبوت الخمس، كما يناسبه أيضاً ما عن ابن أبي الحديد عن أبي الفرج الأصفهاني من وروده في مقام تطمين المغيرة بن شعبة حين خاف علي نفسه من النبي (صلي الله عليه وآله وسلّم) لغدره بأصحابه وقتله لهم في الطريق وفراره بأموالهم مسلماً إلي المدينة.

نعم لا إشكال في أن عمله (صلي الله عليه وآله وسلّم) علي عدم مطالبة من يدخل في الإسلام بتدارك ما فاته من الواجبات المالية والبدنية، لما في ذلك من العناية والكلفة فلو كان عمله (صلي الله عليه وآله وسلّم) عليه لظهر واشتهر وكثرت الأسئلة والبيانات في فروعه وخصوصياته. وعليه جرت سيرة الأئمة (عليهم السلام) فيمن يدخل في الإسلام ويتولاهم ويسمع منهم، وسيرة المسلمين قاطبة.

لكن المتيقن من ذلك التكاليف العامة التي يشترك فيها مع المسلمين - بناء علي تكليفه بالفروع - ولم يكن مطالباً بها حال كفره، لعدم القدرة عليه لو كان حربياً، وإقراره علي دينه لو كان ذمياً، دون مثل المقام مما ثبت له بعنوان كونه كافراً، أو كان

ص: 115

(116)

وكذا إذا باعها من مسلم (1)، فإذا اشتراها منه ثانياً وجب خمس آخر (2). فإن كان الخمس الأول دفعه من العين (3)، كان الخمس الثاني خمس الأربعة أخماس

-

مطالباً به حال كفره، نظير الجزية. فلا مخرج فيه عما تقدم.

(1) بلا إشكال ظاهر. ويقتضيه ما تقدم. ولازمه عدم صحة البيع في مقدار الخمس، فيثبت للمشتري خيار تبعض الصفقة. نعم إذا كان المشتري من الشيعة حل له تمام الأرض، لما يأتي في المسألة الثامنة والسبعين من تحليل الخمس لهم في مثل ذلك.

قال في الجواهر: وكذا لا يسقط لورودها إليه بالإقالة، وإن احتمله في البيان والمسالك. وما ذكره في محله، إذ لا وجه لسقوط الخمس عنها إلا البناء علي انصراف النص للملك المستقر الباقي، أو علي أن الإقالة تقتضي انحلال العقد من أصله نظير الكشف الانقلابي، لا من حينها. والأول لا يرجع إلي محصل بعد العلم بعدم بقاء الملكية ولو بعد مدة طويلة، إذ لا ضابط معه لتحديد الاستقرار. بل لازمه عدم ثبوت الخمس من أول الأمر، ولا يظن بأحد الالتزام به. والثاني ممنوع جداً.

ثم قال في الجواهر أيضاً: بل قد يقال به أيضاً فيما لو ردّها بخيار كان له بشرط أو غيره، لإطلاق الأدلة. وإن كان لا يخلو من تأمل.

وكأن وجه التأمل احتمال انصراف النص للبيع اللازم لأنه الأصل في البيع الذي يقصد في مقام ترتيب آثاره نوعاً.

وأولي بذلك ما إذا كان الخيار للبايع المسلم، حيث يكون ثبوت الخمس منافياً لحقه في العين عرفاً. فتأمل جيداً.

(2) لإطلاق النص.

(3) المنصرف مما ذكره في صدر كلامه من عدم سقوط الخمس عدم دفعه له، إذ لو كان قد دفعه كان الأنسب التعبير بعدم استرجاعه لا سقوطه. والأمر سهل.

ص: 116

(117) (117)

الباقية (1)، وإن كان دفعه من غير العين كان الخمس الثاني خمس تمام العين. نعم إذا كان المشتري من الشيعة جاز له التصرف من دون إخراج الخمس (2).

(مسألة 17): يتعلق الخمس برقبة الأرض المشتراة (3)، ويتخير الذمي بين دفع خمس العين ودفع قيمته (4)، فلو دفع أحدهما وجب القبول، ولو امتنع تخير الولي بين أخذ خمس العين وأخذ أجرته (5) مع إبقائه بالمصالحة معه

-

(1) لأنه المملوك للمشتري منه والذي يصح منه بيعه له.

(2) لما أشرنا إليه من نصوص تحليل الخمس للشيعة. لكنها تقتضي نفوذ المعاملة بحيث يملك تمام العين، المستلزم لانتقال الخمس من العين لذمة البايع الذمي، لا مجرد جواز تصرف الشيعي فيها من دون أن يملك مقدار الخمس، كما قد يوهمه كلامه (قدس سره). كما أن هذا الحكم إنما يترتب في فرض عدم دفع الذمي للخمس، ولا موضوع له مع دفعه له، الذي هو مفروض كلامه (قدس سره).

(3) دون ما فيها من بناء وزرع وغرس، لخروجه عن مسمي الأرض التي هي متعلق الخمس في النص والفتوي.

هذا وقد تقدم ضعف ما في المدارك وعن المنتقي من احتمال حمله علي خمس الحاصل من زرعها، من دون أن يتعلق برقبتها.

(4) بناءً علي ما يأتي في المسألة الخمسين من تخيير من عليه الخمس بين دفع العين والقيمة. ويظهر من الجواهر وجماعة هنا تخيير ولي الخمس بين أخذ خمس العين وأخذ خمس النماء، وإن احتمل في الجواهر أيضاً جواز أخذ القيمة لو بذلت له. وظاهرهم عدم تخيير المالك. وتمام الكلام في ذلك في المسألة الخمسين إن شاء الله تعالي.

(5) كما تقدم من الجواهر وغيرها، وإن كان ظاهرهم - كما سبق - تخييره ابتداءً، لا في خصوص ما إذا امتنع الذمي من دفع الخمس.

ص: 117

وكيف كان فقد استشكل بعض مشايخنا في أخذ الأجرة مع بقائه بالإضافة إلي نصف الخمس الراجع لبني هاشم أعزهم الله تعالي، لعدم ثبوت ولاية الحاكم الشرعي علي إيجار حقهم ونحوه مما يتعلق بالعين، وغاية ما ثبت ولايته علي القبض عنهم والصرف عليهم، بخلاف النصف الراجع للإمام (عليه السلام)، فإن ملاك جواز التصرف فيه إحراز رضاه (عليه السلام)، فمتي أحرز الحاكم الشرعي رضاه بالإيجار جاز له القيام به، كما يقوم بسائر جهات التصرف فيه.

ويندفع بأن عدم ولاية الحاكم الشرعي علي إيجار النصف الراجع لبني هاشم لو تم فإنما هو مع تمييزه وإمكان صرفه عليهم، أما مع إشاعته في موضوع الحق وتعذر صرفه فيتعين إجارته حسبة.

والذي ينبغي أن يقال: لو تم تخيير المالك بين دفع العين والقيمة فهو لا يرجع إلي إلزامه بأحد الأمرين، بل إلي الاكتفاء منه بأحدهما لو أراد دفع الخمس وخلوص العين له أما لو امتنع من ذلك فلا مجال لإلزامه بذلك، لأن كلا من تبديل العين بالقيمة وتبديل السهم المشاع بالجزء المعين مخالف لقاعدة السلطنة في ماله. غاية الأمر أنه ليس له الاستقلال بالتصرف في العين بعد ثبوت الحق فيها إلا بمراجعة ولي الحق.

وحينئذٍ يتعين ولاية الحاكم علي الخمس علي إشاعته، فيتعين عليه ملاحظة مصلحة أصحاب الخمس. كما أنه لا يجوز له تمييز الحق إلا بشروط جواز طلب الشريك القسمة، فمع عدمها أو عدم تيسر القسمة يتعين بقاء الإشاعة واستيفاء الحصة من النماء.

هذا وعن الحدائق: أن الأقرب التخيير إذا لم تكن الأرض مشغولة بغرس أو بناء، وإلا تعين إبقاء الخمس في الأرض واستيفاء نصيبه من الأجرة.

وفي الجواهر: قد يقال: إن له أخذ خمس الرقبة هنا أيضاً، وإن كان ليس له قلع الغرس والبناء اللذين في حصة الخمس، بل عليه إبقاءه بالأجرة.

بل قد يدعي أن له حينئذ قلع الغرس والبناء مع ضمان تلفه، جمعاً بين عموم

ص: 118

سلطنته علي الأرض التي هي بمقدار الخمس المقتضي لجواز تخليتها مما عليها، وعموم الضمان بالإتلاف.

لكنه يشكل بأن ذلك مناف لقاعدة السلطنة في حق صاحب الغرس والبناء بل قد يكون ضرراً عرفاً، ولا ضرر علي صاحب الأرض التي هي بمقدار الخمس، لأنها صارت إليه مشغولة، فتخليتها زيادة نفع له، لا دفع ضرر، فلا مرجح لقاعدة السلطنة في حقه، لو لم يكن الترجيح لها في حق الآخر.

نعم لو صار الغرس أو البناء عليها بعد صيرورتها لصاحب الخمس فإن كان علي وجه التعدي والظلم تعين عدم احترام ما أحدث لقولهم (عليهم السلام): لا حرمة لعرق ظالم(1) ، المطابق للمرتكزات العقلائية والمتشرعية. وإن لم يكن كذلك، بل للجهل بثبوت الحق والغفلة عنه تعين ملاحظة ضرر كل من صاحب الخمس في الأرض وصاحب الغرس أو البناء، فيترجح الأقوي منهما، أو يكون المرجع الصلح.

ودعوي: أن اللازم مع تزاحم الضررين سقوط قاعدة الضرر في حق كل منهما، والرجوع لقاعدة السلطنة في حق صاحب الأرض التي هي بقدر الخمس، فله قلع ما أحدث الآخر علي الأرض. مدفوعة بأن لا وجه لإعمال قاعدة السلطنة في حق صاحب الأرض فقط، وإهمالها في حق صاحب الغرس أو البناء مع أن مقتضاها حرمة التصرف فيما أحدث إلا بإذنه، فيتعارض تطبيق قاعدة السلطنة في حقهما، ويكون المرجع ما ذكرنا.

وكيف كان فلا مجال لاحتمال جواز قلع الغرس أو البناء مع سبقهما علي شراء الذمي للأرض وتعلق الخمس بها الذي هو محل الكلام ظاهراً. بل مما سبق يظهر أنه لا سلطان لولي الخمس علي أخذه من رقبة الأرض سواء كانت خالية أم مشغولة، مع عدم تحقق شروط القسمة المعتبرة في سائر موارد الشركة، ومعها يتعين عليه ملاحظة مصلحة الحق. والله سبحانه وتعالي أعلم.

********

(1) وسائل الشيعة ج: 17 باب: 3 من أبواب الغصب حديث: 1

ص: 119

(120) (120)

علي ذلك، وإذا كانت الأرض مشغولة بشجر أو بناء فإن اشتراها علي أن تبقي مشغولة بما فيها بأجرة أو مجاناً، قوّم خمسها كذلك (1) وإن اشتراها علي أن يقلع ما فيها قوم أيضاً كذلك.

(مسألة 18): إذا اشتري الذمي الأرض وشرط علي المسلم البايع أن

يكون الخمس عليه أو أن لا يكون فيها الخمس بطل الشرط (2). وإن اشترط أن يدفع الخمس عنه صح الشرط (3). ولكن لا يسقط الخمس إلا بالدفع (4).

السادس: المال المخلوط بالحرام (5)،

-

(1) لكن لو صادف قلع ما فيها قبل أخذ الخمس فارتفعت قيمتها أخذ خمس قيمتها الفعلية، لارتفاع قيمة الخمس في ضمن الأصل.

(2) لمخالفته السنة في الفرض الثاني، وكذا في الفرض الأول إذا رجع إلي تحمل المسلم للخمس ابتداءً. وأما إذا رجع إلي تحمله له في طول ثبوته في المال بنحو شرط النتيجة، بحيث يثبت في المال بمجرد البيع - كما هو مقتضي دليل الخمس - ثم ينتقل إلي ذمة المشتري فهو يشكل - مع الغض عن إشكال شرط النتيجة - بعدم سلطنة المتبايعين علي الخمس بنحو لهما نقله إلي ذمة المشتري، وغاية ما ثبت هو سلطنة صاحب المال علي دفع القيمة بدلاً عن العين، ومن الظاهر أن دليل نفوذ الشرط إنما يقتضي نفوذه في فرض سلطنة من عليه الشرط علي مضمونه، لا مطلقاً.

(3) لعموم نفوذ الشروط.

(4) لأن مقتضي ثبوت الحق هو أداؤه، ولا يسقط بدونه إلا بإسقاط صاحب الحق، ومن الظاهر أن الاشتراط بنفسه ليس أداءً للحق ولا إسقاطاً له من صاحبه.

(5) كما في النهاية والوسيلة وإشارة السبق والغنية والشرايع والنافع والمعتبر والتذكرة والقواعد والمختلف وعن أبي الصلاح وابن إدريس وغيرهم. ونسبه في

ص: 120

المعتبر لكثير من علمائنا، وفي محكي المنتهي إلي أكثرهم، وفي محكي المفاتيح للمشهور. وفي ظاهر الغنية أو صريحها الإجماع عليه.

ويقتضيه جملة من النصوص، كصحيح عمار بن مروان: سمعت أبا عبد الله (عليه السلام) يقول: فيما يخرج من المعادن والبحر والغنيمة والحلال المختلط بالحرام إذا لم يعرف صاحبه والكنوز الخمس(1).

وموثق السكوني عنه (عليه السلام): قال: أتي رجل أمير المؤمنين (عليه السلام) فقال: إني كسبت مالاً أغمضت في مطالبه حلالاً وحراماً، وقد أردت التوبة، ولا أدري الحلال منه والحرام، وقد اختلط عليّ. فقال أمير المؤمنين (عليه السلام): تصدق بخمس مالك، فإن الله [قد] رضي من الأشياء بالخمس وسائر المال لك حلال(2).

وقريب منه مرسل الصدوق عن أمير المؤمنين (عليه السلام)(3).

وخبر الحسن بن زياد عن أبي عبد الله (عليه السلام)، وفيه: فقال له: أخرج الخمس من ذلك المال، فإن الله عز وجل قد رضي من ذلك المال بالخمس، واجتنب ما كان صاحبه يعلم(4).

هذا واستدل أيضاً بصحيح ابن أبي عمير عن غير واحد عن أبي عبدالله (عليه السلام) قال: الخمس علي خمسة أشياء: علي الكنوز والمعادن والغوص والغنيمة، ونسي ابن أبي عمير الخامس(5) ، بضميمة ما عن المستند عن بعض مشايخه عن الصدوق أنه قال: قال مصنف هذا الكتاب: الذي نسيه مال يرثه الرجل وهو يعلم أن فيه من الحلال والحرام، ولا يعرف أصحابه فيؤديه إليهم، لا يعرف الحرام بجنسه، فيخرج منه الخمس.

وقوله (عليه السلام) في صحيح ابن مهزيار: فالغنائم والفوائد يرحمك الله فهي الغنيمة

********

(1) وسائل الشيعة ج: 6 باب: 3 من أبواب ما يجب فيه الخمس حديث: 6

(2) وسائل الشيعة ج: 6 باب: 10 من أبواب ما يجب فيه الخمس حديث: 4، 3، 1

(3) وسائل الشيعة ج: 6 باب: 10 من أبواب ما يجب فيه الخمس حديث: 4، 3، 1

(4) وسائل الشيعة ج: 6 باب: 10 من أبواب ما يجب فيه الخمس حديث: 4، 3، 1

(5) وسائل الشيعة ج: 6 باب: 3 من أبواب ما يجب فيه الخمس حديث: 7

ص: 121

يغنمها المرء... ومثل مال يؤخذ ولا يعرف له صاحب (1) ، وصحيح الحلبي عن أبي عبد الله (عليه السلام): في الرجل من أصحابنا يكون في لوائهم ويكون معهم فيصيب غنيمة. قال: يؤدي خمساً ويطيب له(2) ، وموثق عمار عنه (عليه السلام): أنه سئل عن عمل السلطان يخرج فيه الرجل فقال: لا إلا أن لا يقدر علي شيء يأكل ولا يشرب ولا يقدر علي حيلة فإن فعل فليبعث بخمسه إلي أهل البيت(3).

لكن التفسير المتقدم للخامس الذي نسيه ابن أبي عمير لم ينقل عن الصدوق مسنداً بل مرسلاً، ومن القريب أن يكون الناقل قد أخطأ في نقل كلامه، لأن الموجود في الخصال بعد ذكر الحديث: قال المصنف: أظن الخامس الذي نسيه ابن أبي عمير مالاً يرثه الرجل وهو يعلم أن فيه من الحلال والحرام، ولا يعرف أصحاب الحرام فيؤديه إليهم، ولا يعرف الحرام بعينه فيجتنبه، فيخرج منه الخمس(4). وهو صريح في كونه تفسيراً ظنياً لا علمياً. علي أنه لو كان علمياً فهو اجتهاد منه لا يعلم مستنده فيه ليعول عليه.

وأما بقية النصوص المتقدمة فهي أجنبية عما نحن فيه، لورود صحيح ابن مهزيار في المال الذي لا يعرف له صاحب لا في المال الحلال المختلط بالحرام، ولا يبعد حمله علي المال الذي يحتمل بقاؤه علي الإباحة الأصلية وعدم تملك أحد له، فيكون من مطلق الفائدة التي يجب فيها الخمس بعد المؤنة، التي هي مورد الصحيح، وإلا فلو حمل علي المملوك الذي لا يعرف مالكه كان منافياً لأدلة اللقطة ومجهول المالك. وصحيح الحلبي وارد في غنائم الحرب.

وأما موثق عمار فهو وارد فيما يحصل من عمل السلطان الجائر الذي يكون مقتضي القاعدة حرمته بتمامه ولو مع حلية العمل الحاصل به للضرورة، لعدم ولاية

********

(1) وسائل الشيعة ج: 6 باب: 8 من أبواب ما يجب فيه الخمس حديث: 5

(2) وسائل الشيعة ج: 6 باب: 2 من أبواب ما يجب فيه الخمس حديث: 8

(3) وسائل الشيعة ج: 6 باب: 10 من أبواب ما يجب فيه الخمس حديث: 2

(4) الخصال باب: الخمسة حديث: 53 ص: 265 طبع النجف الأشرف

ص: 122

السلطان المذكور علي المال، وعدم التزامه بجمعه من الوجه الحلال، فيكون تحليله في الحال المذكور نظير تحليل جوائز السلطان، موجباً لكونه من مطلق الفائدة والغنيمة التي يجب الخمس فيها بعد استثناء المؤنة، أو لكونه فائدة خاصة يجب فيها الخمس مطلقاً، نظير مال الناصب. وإن لم يعرف القول منهم بذلك.

ومثل ذلك ما عن البيان من دعوي اندراج ما نحن فيه في الغنيمة. إذ فيها: أن صدق الغنيمة إن كان بلحاظ ذات المال المختلط مع قطع النظر عن التحليل فمن الظاهر أن القسم الحلال منه قبل الاختلاط غنيمة لا يجب الخمس فيها بالخصوص، غايته أن يجب الخمس فيها بعنوان الفائدة بعد استثناء المؤنة. والاختلاط لا يوجب صدق الغنيمة عليه قطعاً. كما أن الحرام بنفسه ليس غنيمة أيضاً.

وإن كان بلحاظ حال ما بعد التحليل فمن الظاهر أن ظاهر أدلة ثبوت الخمس في الغنيمة وجوب الخمس في مرتبة متأخرة عن تملك المال وصدق الغنيمة عليه، وظاهر النص والفتوي هنا عدم التحليل إلا بدفع الخمس. علي أن صدق الاغتنام بالتحليل في المقام إنما يكون بالإضافة لخصوص الحرام الواقعي، والخمس لا يجب فيه بل في الكل.

فالعمدة في المقام النصوص المتقدمة المعتضدة بالشهرة المحققة.

ومنه يظهر ضعف ما عن مجمع البرهان من التأمل في ذلك، بل مال في المدارك لعدمه، وعن الكاشاني وظاهر الخراساني متابعته، وقد يستظهر من جماعة من القدماء ممن لم يتعرض لثبوت الخمس في ذلك، كسلار. وحكي أيضاً عن ابن الجنيد والإسكافي والمفيد.

وقال في المدارك: والمطابق للأصول وجوب عزل ما يتيقن انتفاءه عنه، والتفحص عن مالكه إلي أن يحصل اليأس من العلم به، فيتصدق علي الفقراء، كما في غيره من الأموال المجهولة المالك. وقد ورد التصدق بما هذا شأنه في روايات كثيرة، مؤيدة بالإطلاقات المعلومة، وأدلة العقل، فلا بأس بالعمل بها إن شاء الله تعالي....

ص: 123

وهو كما تري، لوجوب الخروج بالنصوص المتقدمة عن نصوص مجهول المالك لو تم تعميمها للمختلط بالحرام وعدم الجمود علي مواردها من تمييز المال، لفهم عدم الخصوصية.

ولم يتضح مراده بالإطلاقات المعلومة. إلا أن تكون هي إطلاقات عدم جواز التصرف في مال الغير بغير إذنه، لكنها لا تقتضي وجوب التصدق بالمال، كما لعله ظاهر.

ومثلها في ذلك حكم العقل. إلا أن يقرب بأنه بعد تعذر إيصال المال لصاحبه يتعين عقلاً صرفه فيما ينفعه وهو الصدقة، بلحاظ وصول ثوابها له. لكنه فرع ولاية من عنده المال علي ذلك، وهي تحتاج للدليل. وبلوغ ذلك حداً يقتضي القطع بثبوت ولايته في غاية المنع. مع أنه لو تم لا يقتضي تعين الصدقة علي الفقراء، بل إنفاقه في أي جهة خيرية يترتب عليها الثواب، بل قد تكون الصدقة الجارية، أو إعداده لإقراض المؤمنين، أولي من ذلك.

هذا وعن المستند المناقشة في نصوص المقام بمعارضتها بما دل علي حلّ المال المختلط مطلقاً، الشامل للمقام، وبما دل علي حل المختلط بالربا(1).

لكن الأخيرة - لو تمت - تختص بموردها. والأولي غير متحصلة لنا فعلاً، فإن تم ما ذكره من مضمونها لزم تخصيصها بنصوص المقام.

نعم لا يبعد أن يكون مراده بها مثل صحيح أبي عبيدة عن أبي جعفر (عليه السلام): سألته عن الرجل منا يشتري من السلطان من إبل الصدقة وغنم الصدقة وهو يعلم أنهم يأخذون منهم أكثر من الحق الذي يجب عليهم. قال: فقال: ما الإبل إلا مثل الحنطة والشعير وغير ذلك لا بأس به حتي تعرف الحرام بعينه...(2) ، وصحيح أبي بصير: سألت أحدهما (عليه السلام) عن شراء الخيانة والسرقة. قال: لا إلا أن يكون قد اختلط معه غيره، فأما السرقة بعينها فلا...(3).

********

(1) راجع وسائل الشيعة ج: 12 باب: 5 من أبواب الربا

(2) وسائل الشيعة ج: 12 باب: 51 من أبواب ما يكتسب به حديث: 5

(3) وسائل الشيعة ج: 12 باب: 1 من أبواب عقد البيع وشروطه حديث: 4

ص: 124

(125)

إذا لم يتميز (1) ولم يعرف مقداره (2) ولا صاحبه (3)، فإنه يحل بإخراج خمسه وصرفه في مصارف الخمس (4)

-

لكنها مختصة بما يؤخذ من الغير ويكون تحت يده، فتحمل علي عدم الابتلاء ببعض أطراف العلم الإجمالي، دون مثل المقام مما فرض فيه كونه تمام المختلط تحت يد المكلف.

(1) لظهور سوق الاختلاط في النصوص لبيان عدم تمييز أحد القسمين من الآخر، كما وهو الصريح من فرض عدم معرفة الحلال من الحرام في موثق السكوني وغيره، والمناسب للحكم فيه بتحليل الخمس للمال كله لا لخصوص الحرام منه، حيث لا وجه له إلا بلحاظ وجوب اجتناب المال كله عقلاً، للعلم الإجمالي بوجود الحرام فيه، وهو لا يكون إلا مع عدم تمييز الحلال من الحرام.

(2) يأتي الكلام فيما عرف مقداره إن شاء الله تعالي.

(3) كما هو مقتضي مفهوم الشرط في صحيح عمار بن مروان. بل لا يبعد استفادته من قوله (عليه السلام) في خبر الحسن بن زياد: واجتنب ما كان صاحبه يعلم، بحمله علي المال المختلط استثناء من إطلاق الاكتفاء بإخراج الخمس في المختلط، لا علي المال المتميز، ليكون استدراكاً مما قبله، نظير الاستثناء المنقطع.

(4) الظاهر أنه يكفي إخراج الخمس بالنحو المعتبر في سائر موارد ثبوت الخمس ولو بتسليمه للولي وإن لم يصرف في مصارفه، وأن ذكر الصرف في كلام سيدنا المصنف (قدس سره) ليس لاعتباره في تحليل المال بل للتنبيه علي أن مصرف هذا الخمس هو مصرف سائر أقسام الخمس، كما هو المصرح به في كلام غير واحد، بل عن رسالة شيخنا الأعظم (قدس سره) نسبته للمشهور، وعن الحدائق نسبته إلي جمهور الأصحاب، وعن البيان نسبته إلي ظاهرهم. بل هو كالصريح منهم، حيث ذكروه في أقسام الخمس ذي المصرف الخاص، ولم يخصوه من بينها بمصرف آخر.

ص: 125

وهو مقتضي إطلاق ثبوت الخمس أو إخراجه في النصوص، من دون بيان المصرف، حيث ينصرف للخمس المعهود المقابل للزكاة نوعاً ومصرفاً. ولاسيما مع سياقه في مساق الأنواع الأخر في صحيح عمار بن مروان، فإنه كالصريح في وحدة ماهية الخمس الثابت فيها، ومع قوله (عليه السلام) في موثق السكوني: فإن الله قد رضي من الأشياء بالخمس، حيث لا يعهد الرضا بالخمس في غير موارد الخمس المذكور.

خلافاً لما عن متأخري المتأخرين من الميل إلي أن مصرفه مصرف الصدقة، وهو الفقراء. لما ذكره في المدارك من عدم دلالة نصوص المقام علي مساواة هذا الخمس لغيره من أقسام الخمس في المصرف. بل مقتضي الأمر بالتصدق في موثق السكوني كون مصرفه مصرف الصدقات. بل قيل: إن ذلك هو مقتضي قوله (عليه السلام) في مرسل الصدوق: ائتني بخمسه وكذا ما ورد في حكم مجهول المالك.

لكن سبق ظهور نصوص المقام في مساواة هذا الخمس لغيره من أقسام الخمس في الماهية والمصرف. ومرسل الصدوق إن لم يكن ظاهراً فيه فلا ظهور له في خلافه. وما ورد في حكم مجهول المالك مطلق يلزم رفع اليد عنه بنصوص المقام مهما كان مصرف الخمس الذي تضمنته.

نعم ظهور موثق السكوني فيما ذكروه قريب جداً، لظهور التصدق فيه فيما يقابل الخمس المعهود ماهية ومصرفاً.

وأما ما في الجواهر من إنكار دلالته عليه بعد وقوع التعبير بمثله عن الخمس مستدلاً بآية التطهير والتزكية. فهو غير ظاهر المأخذ، فإني لم أعثر عاجلاً علي ما تضمن ذلك عدا ما في صحيح علي بن مهزيار من قوله (عليه السلام):

إن الذي أوجبت في سنتي هذه - وهي سنة عشرين ومائتين - فقط لمعني من المعاني... إن موالي أسأل الله إصلاحهم أو بعضهم قصروا فيما يجب عليهم، فعلمت ذلك، فأحببت أن أطهرهم وأزكيهم بما فعلت من أمر الخمس في عامي هذا. قال الله تعالي: خذ من أموالهم صدقة تطهرهم وتزكيهم بها... ألم يعلموا أن الله هو يقبل التوبة

ص: 126

عن عباده ويأخذ الصدقات.... ولم أوجب عليهم ذلك في كل عام، ولا أوجب عليهم إلا الزكاة التي فرضها الله عليهم... فأما الغنائم والفوائد فهي واجبة عليهم في كل عام قال الله تعالي: واعلموا أنما غنمتم من شيء فأن لله خمسه... (1) .

وهو - كما تري - إنما تضمن تطبيق آية التطهير والتزكية والصدقة علي الخمس الخاص الذي أوجبه (عليه السلام) علي مواليه في سنته تلك، لا الخمس المعهود الواجب في كل عام الذي تضمنته آية الخمس، ولا قرينة علي كون الخمس الخاص المذكور من سنخ الخمس المعهود ولا متحداً معه في الصرف، بل ظاهر تطبيق آية التطهير والتزكية والصدقة كونه من أفراد الصدقة ويصرف في مصرفها، كما يناسبه أيضاً قوله بعد ذلك: ولا أوجب عليهم ذلك في كل عام، وإنما أوجب عليهم الزكاة التي فرضها الله عليهم.

نعم في وصية النبي (صلي الله عليه وآله وسلّم) لأمير المؤمنين (عليه السلام) المروية عن الصادق (عليه السلام): يا علي إن عبد المطلب سنّ في الجاهلية خمس سنن أجراها الله له في الإسلام... إلي أن قال: ووجد كنزاً فأخرج منه الخمس وتصدق به، فأنزل الله: واعلموا أنما غنمتم من شيء فأن لله خمسه... الآية(2).

لكن الظاهر أن ما تضمنه من إمضاء سنن عبد المطلب في الإسلام إنما هو بلحاظ أصل إخراج الخمس، لا بلحاظ مصرفه، لما هو المعلوم من عدم صرف عبد المطلب لذلك الخمس في مصرف الخمس المعهود.

ومن هنا يظهر منع ما قيل من إطلاق الصدقة علي الخمس في كثير من الأخبار، كيف! والتقابل بينهما شايع في الأخبار وفي عرف المتشرعة التابعين لها. بل ذكر بعض مشايخنا أنه لم يعرف خبراً واحداً يتضمن ذلك.

والحاصل: أنه لا ينبغي التأمل في قوة ظهور موثق السكوني في إرادة الصدقة

********

(1) وسائل الشيعة ج: 6 باب: 8 من أبواب ما يجب فيه الخمس حديث: 5

(2) وسائل الشيعة ج: 6 باب: 5 من أبواب ما يجب فيه الخمس حديث: 3

ص: 127

في مقابل الخمس المعهود، لولا قوله (عليه السلام) في ذيله: فإن الله قد رضي من الأشياء بالخمس، حيث أشرنا آنفاً إلي ظهوره في الإشارة للخمس المعهود. إلا أن في كفايته في رفع اليد عن ظهور الصدر إشكال. إلا أن يتمم ذلك ببقية النصوص حيث تكون مع الذيل المذكور قرينة علي تنزيل التصدق فيه علي المعني الأعم، وهو البر الشامل للخمس، دون الصدقة المقابلة له. فلاحظ.

هذا وعن الفقيه الهمداني (قدس سره) الجمع بين الموثق وبقية النصوص بالتخيير بين الوجهين، بل مع جواز التصدق بالحرام علي إجماله أيضاً الذي هو مقتضي إطلاق نصوص مجهول المالك، ثم الرجوع للقرعة أو الصلح أو نحوهما لتمييز المال المملوك من الحرام المتصدق به.

كل ذلك لدعوي: أن الخمس في المقام ليس ثابتاً في المال المختلط بمجرد الاختلاط علي نحو ثبوته في بقية الأقسام من الغنائم والكنز والغوص وغيرها، ليمتنع من التصرف بالمال بوجه آخر، وإنما هو محلل للمال، ولا يثبت فيه قبل التحليل، وحينئذٍ لا مانع من التحليل بوجه آخر، وهو التصدق بتمام الحرام علي إجماله، عملاً بإطلاق نصوص مجهول المالك، أو التصدق بمقدار الخمس عملاً بموثق السكوني، الذي لا ظهور له في الإلزام، بل هو وارد لبيان جواز التصدق بالخمس في مقام دفع توهم الحظر عن التصدق بالمال بغير إذن صاحبه.

وبعبارة أخري: مقتضي أدلة مجهول المالك هو التصدق بتمام الحرام الواقعي علي إجماله واشتباهه، ونصوص المقام لا تقتضي المنع من ذلك، بل غايته وجود محلل للمال غير ذلك، وهو دفع الخمس في مصرفه المعهود. الذي تضمنته نصوص التخميس، والتصدق بالخمس الذي تضمنه موثق السكوني من دون ظهور له في الإلزام به، لوروده لبيان عدم حرمة التصدق بغير إذن صاحبه. وبذلك يجمع بين النصوص لو لم يكن إجماع علي خلافه.

لكن ما ذكره من عدم ثبوت الخمس في المختلط بالحرام علي نحو ثبوته في غيره

ص: 128

من الأقسام وإن كان مناسباً للمرتكزات جداً، إلا أنه خلاف مقتضي الجمود علي لسان صحيح عمار بن مروان.

إلا أن ينزل علي ذلك بقرينة بقية النصوص الظاهرة في كون دفع الخمس من سنخ التوبة والمحلل للمال من الحرام المختلط به، لا من سنخ الحق الثابت فيه وإن لم يحلل.

ولاسيما مع اعتضاد ذلك بالمرتكزات المشار إليها، إذ من البعيد جداً خروج الحرام عن ملك صاحبه بمجرد اختلاطه بالحلال وانقلاب حكم مجموع المالين، فيكون خمسه ثابتاً لصاحب الخمس وأربعة أخماسه ملكاً لصاحب اليد، ويكون إخراج الخمس محللاً للمال من الخمس لا من الحرام الذي اختلط به.

كيف ولازمه عدم عود الحرام لصاحبه لو ارتفع الجهل وعرف الحرام بعينه بعد اختلاطه بالحلال واشتباهه وبقاء حكم الخمس فيه، إذ لا دليل علي الرجوع المذكور. كما أن لازمه أيضاً عدم الضمان لمالك القسم الحرام لو تلف قبل أداء الخمس، لخروج المال عن ملكه بالاختلاط قبل التلف. بل يلزم عدم الضمان مطلقاً لو تلف المال المختلط من غير تفريط في التلف ولا في أداء الخمس، لأن الحرام وإن كان مضموناً لصاحبه قبل الاختلاط، إلا أن بالاختلاط خرج عن ملك صاحبه وبقي بين المالك وأصحاب الخمس، فمع فرض عدم التفريط في أداء الخمس ولا في تلف المال لا وجه للضمان، لا لصاحب القسم الحرام لعدم ملكيته له حين التلف، ولا لأصحاب الخمس لعدم التفريط في أدائه... إلي غير ذلك مما يصعب الالتزام به بمقتضي المرتكزات المتشرعية، والعرفية، حيث يصلح ذلك بمجموعه قرينة علي حمل صحيح عمار علي ما يناسب بقية نصوص المقام.

ومن هنا كان ما ذكره الفقيه الهمداني (قدس سره) من عدم ثبوت الخمس في المال بالاختلاط، بل يكون إخراجه منه محللاً له لا غير، قريباً جداً. ويأتي في المسألة السادسة والعشرين من كشف الغطاء ما يناسبه.

إلا أنه لا ينبغي التأمل في ظهور نصوص المقام في انحصار التحليل بالخمس،

ص: 129

خلافاً لما سبق منه (قدس سره)، فإنه بعد رفع اليد عن ظهور صحيح عمار في فعلية ثبوت الخمس فالأقرب تنزيله علي لزوم إخراجه في تحليل المال، لا مجرد جواز تحليل المال بإخراجه. كما أن الاقتصار عليه في بيان المحلل في بقية النصوص ظاهر في عدم محلل آخر، وذلك هو الظاهر من موثق السكوني أيضاً إذ لا إشعار فيه في وروده لدفع توهم الحظر، لعدم السؤال فيه عن جواز التصدق، بل عن المخرج من مشكلة الحرام، فيكون ظاهر الجواب انحصار المحلل بذلك ومن ثم لا مجال للجمع بينه وبين بقية النصوص بالتخيير.

نعم قد يتجه قصور الجميع عن تقييد إطلاق نصوص مجهول المالك لو تم، لورود نصوص المقام لبيان المخرج الذي يحل مشكلة الحرام تفصيلاً، والذي يحل معه استعمال المال، وانحصار المخرج المذكور بما تضمنته لا ينافي وجود مخرج آخر يحل مشكلة الحرام إجمالاً، وهو إجراء حكم مجهول المالك بالتصدق بالحرام علي إجماله، من دون حلّ مشكلة الاختلاط والجهل بمقدار كل من الحلال والحرام المتصدق به، بل يكون حلها بالصلح أو القرعة أو غيرها الذي قد لا يتيسر ولا يسهل ارتكابه.

اللهم إلا أن يقال: لما كان ظاهر نصوص المقام انحصار حل المشكلة تفصيلاً بالخمس فمقتضاه عدم حلها تفصيلاً بالتصدق حتي بضميمة غيره من الصلح والقرعة أو غيرها.

وغاية ما يدعي عدم نهوضها بالمنع من التصدق بتمام المال، حيث لا يبعد انصرافها إلي بيان المخرج الذي يمكن الانتفاع معه ببعض المال المفروض أن فيه الحلال، من دون نظر للخروج عن المال كله. وإن كان ذلك محتاجاً لمزيد من التأمل.

وكيف كان فلا مجال لما سبق من الفقيه الهمداني (قدس سره) من الجمع بين موثق السكوني وغيره بالحمل علي التخيير بين الوجهين، فإنه بلا شاهد، بل الأقرب تنزيله علي غيره من النصوص، كما سبق.

ولاسيما وأن الأمر في الموثق يهون بلحاظ اختلاف روايته، فإن الكليني

ص: 130

(131)

فإن علم المقدار ولم يعلم المالك تصدق به عنه (1)

-

وإن رواه بالمتن المتقدم. وكذا البرقي(1) ، إلا أن الصدوق رواه بسنده عن السكوني هكذا: فقال علي (عليه السلام): أخرج خمس مالك، فإن الله عزّ وجلّ قد رضي من الإنسان بالخمس، وسائر المال لك حلال(2). ولا وجه لترجيح رواية الكليني، بل قد يكون الترجيح لرواية الصدوق، لظهور حاله في أنه رواه من كتاب السكوني مباشرة، ولمناسبته للذيل، الظاهر في الإشارة للخمس المعهود، كما سبق. ولا أقل من تساقطهما في هذه الجهة، والرجوع للنصوص الأخر التي عرفت ظهورها فيما ذكرناه، والذي هو ظاهر الأصحاب.

وكأن صاحب المدارك ومن بعده لم يطلعوا علي رواية الصدوق أو غفلوا عنها. ولاسيما مع إيهام كلام الوسائل مطابقتها لرواية الكليني المتضمنة للتصدق.

(1) عن المحقق الثاني أنه المشهور، بل لم يستبعد شيخنا الأعظم (قدس سره) - فيما حكي عنه - عدم الخلاف فيه، وتنزيل كلام من أطلق وجوب الخمس علي غير هذه الصورة. وكأنه لدعوي انصراف نصوص المقام لصورة الجهل بالمقدار، فيرجع في صورة العلم به لأخبار مجهول المالك المتضمنة للتصدق.

لكن في محكي الحدائق: ولقائل أن يقول: إن مورد تلك الأخبار الدالة علي التصدق إنما هو المال المتميز في حدّ ذاته لمالك مفقود الخبر، وإلحاق المال المشترك به - مع كونه مما لا دليل عليه - قياس مع الفارق... ومما ذكرنا يظهر أن الأظهر دخول هذه الصورة تحت إطلاق الأخبار المتقدمة، وقد نبّه بذلك إلي ما أشرنا إليه آنفاً من ورود نصوص مجهول المالك - علي اختلافها - في المال المتميز، دون المختلط الذي يشتبه فيه المملوك للمجهول بالمملوك للمعلوم.

نعم ادعي غير واحد عموم بعض تلك الأخبار، وهو خبر علي بن أبي حمزة عن

********

(1) المحاسن ص: 263 طبع النجف الأشرف

(2) من لا يحضره الفقيه ج: 3 ص: 117

ص: 131

أبي عبد الله (عليه السلام) في رجل من كتاب بني أمية قال له: إني كنت في ديوان هؤلاء القوم، فأصبت مالاً كثيراً أغمضت في مطالبه... فهل لي مخرج منه؟... قال له: فأخرج من جميع ما كسبت [اكتسبت] في ديوانهم، فمن عرفت منهم رددت عليه ماله، ومن لم تعرف تصدقت به(1) ، بدعوي: شمول إطلاق رد المال لصاحبه والتصدق به مع الجهل بصاحبه للمتميز وغيره. ولاسيما وأن من البعيد جداً تمييز مال من يعرفه منهم عن مال من لا يعرفه، وتميز الجميع عن ماله.

وفيه - مع ضعف الخبر - أن رد المال والتصدق به إن لم يختص بالمتميز فلا أقل من كونه المنصرف منه. وأما استبعاد تميز مال من يعرف من مال من لا يعرف فهو لا ينفع، حيث قد يستفاد من الخبر ولاية من تحت يده المال علي أن يدفع لمن يعرف من المال المختلط بقدر ماله، ولو بأن يصالحه علي ذلك، فيكون الباقي بتمامه ملكاً للمجهول، وتكون الصدقة به بتمامه، وإنما الذي ينفع اختلاطه بماله، ليكون مما نحن فيه. لكن ظاهر ذيل الخبر أن المال كله كان حراماً، لأنه تضمن خروج الرجل من ماله كله، حتي خرج من ثيابه، وجمع له الشيعة ما قضي به حاجته. ومن هنا كان ما في الحدائق من قصور نصوص التصدق بمجهول المالك عن المال المختلط قريباً جداً.

لكن أشرنا آنفاً إلي إلغاء خصوصية مواردها في ذلك، وفهم العموم منها لغير المتميز عرفاً، لقضاء المناسبات الإرتكازية بأن الأمر بالتصدق إنما هو لأنه الطريق الأقرب لانتفاع المالك بالمال، ولو لأنه نحو من الإيصال إليه، ولا دخل في ذلك للتميز وعدمه. بل لو كان الحرام متميزاً في أول الأمر فحيث كان داخلاً في نصوص مجهول المالك فمقتضي إطلاقها وجوب التصدق به حتي بعد الاختلاط، ويتم في غيره لعدم الفصل.

ومن هنا لا يظن بأحد التوقف في التصدق فيما نحن فيه لو لم يشرع الخمس. وكذا في نظائره من الموارد مما لا يدخل في مفاد أخبار مجهول المالك بمقتضي الجمود

********

(1) وسائل الشيعة ج: 12 باب: 47 من أبواب ما يكتسب به حديث: 1

ص: 132

علي مواردها.

نعم الكلام في ذلك إنما ينفع في تشخيص الوظيفة في مورد الكلام لو لم يجب الخمس في المال المختلط بالحرام، ولا ينفع في وجوب الخمس وعدمه فيه، بل المدار فيهما علي عموم نصوص المقام له وعدمه، فإن عمت مورد الكلام وجب الخمس فيه وإن كانت نصوص مجهول المالك شاملة له، لأن نصوص الخمس أخص، وإن قصرت لم يجب حتي لو قصرت نصوص مجهول المالك عنه، ومن ثم كان المهم الكلام في ذلك.

قال في الجواهر: لا شمول في أكثر نصوص المقام لذلك، سيما المشتمل علي التعليل برضا الله في التطهير بالخمس، إذ ظاهرها عدم معرفة الحرام عيناً وقدراً. علي أنه لو اكتفي بإخراج الخمس هنا لحل ما علم من ضرورة الدين خلافه إذا فرض زيادته عليه، كما أنه لو كلف به مع فرض نقيصته عنه وجب عليه بذل ماله الخالص له.

وما ذكره من عدم شمول أكثر النصوص قد يتجه، فإن النصوص المتضمنة للإغماض في طلب المال تناسب عدم معرفة المقدار جداً. لكنه لا ينفع، إذ يكفي شمول الباقي، وعمدته صحيح عمار بن مروان ولاسيما مع التنبيه فيه علي اجتناب ما يعرف صاحبه، فإن التصدي لبيان ذلك موجب لقوة ظهور الدليل في العموم، خصوصاً في مثل المقام، حيث يكون انتفاء الحكم في مورد معرفة صاحب المال أظهر منه ارتكازاً في غيره، فإنه لا يحتمل حينئذ الاتكال في ترك استثناء غيره علي وضوح انتفاء الحكم فيه.

وأما التعليل الذي أشار إليه فكأن مراده به أن الاحتياج لحكم الله تعالي بالخمس فرع التحير، وهو يختص بصورة الجهل بالمالك والمقدار، إذ مع معرفة المالك يستغني بالرجوع إليه، ومع معرفة المقدار يتعين العمل عليه.

لكنه موقوف علي أن يكون الرجوع لحكم الله تعالي بملاك التحير في حال الواقع من أجل تعيينه، نظير الرجوع للقرعة عند اشتباه الحقوق، وهو غير معلوم، بل

ص: 133

قد يكون بملاك التحير في الوظيفة الفعلية بسبب الاختلاط، نظير الرجوع للصلح الذي قد يعلم بمخالفة مؤداه للواقع. ولاسيما وأن وجوب الخمس المعهود ليس لتعيين الواقع المشتبه، بل هو فرض لا يحل المال إلا بدفعه.

وأما ما ذكره أخيراً من استلزام الاكتفاء بالخمس في الفرض لحل ما يعلم ضرورة من الدين حرمته لو كان المعلوم أكثر من الخمس ولوجوب دفع الزائد من ماله الخاص لو كان أقل.

فهو - كما تري - عين الدعوي، وليس اللازم المذكور بأبشع من حلّ الزائد علي الخمس واقعاً يدفعه مع الجهل بمقدار الحرام وكذا وجوب دفع الزائد من ماله واقعاً بدفع الخمس لو كان الحرام أقل منه.

وبالجملة: الوجوه المذكورة لا ترجع إلي محصل ظاهر يمكن رفع اليد به عن إطلاق النصوص. ولاسيما صحيح عمار بن مروان.

وأما ما ذكره بعض مشايخنا في وجه قصور النصوص من القطع بعدم حلّ المال بالخمس لو علم باختلاط درهمين من الحلال بعشرة آلاف درهم من الحرام، وبعدم وجوبه مع العكس. فهو لو تم قد لا يكون ناشئاً من العلم بالمقدار، بل من انصراف اختلاط الحلال بالحرام في النصوص إلي ما إذا كان كل منهما بمقدار معتد به، دون ما إذا كان قليلاً جداًً، ولذا يجري ذلك مع تردد القليل من كل منهما بين الدرهم والدرهمين مثلاً.

ومما سبق يتضح الإشكال فيما ذكره سيدنا المصنف (قدس سره) من أن العمدة دعوي انصراف الصحيح إلي صورة الجهل بالمقدار، أو وجوب حمله عليها جمعاً.

وجه الإشكال: أن الانصراف وإن كان قد يناسب المرتكزات، بلحاظ استبعاد إناطة التحليل بدفع ما يعلم بعدم مطابقته قدراً للحرام، إلا أن ملاحظة كون أصل الحكم تعبدياً غير ارتكازي، وابتناءه علي التحليل الواقعي في فرض عدم مطابقة المدفوع للحرام الواقعي تمنع من الركون للانصراف المذكور، وتوجب كونه بدوي

ص: 134

لا يمنع من التعويل علي الإطلاق. ولاسيما مع استثناء صورة العلم بالمالك في النصوص، كما تقدم.

كما أن الجمع العرفي الذي أشار إليه ليس إلا بلحاظ عموم أدلة مجهول المالك، والصحيح أخص منها فيكون مقتضي الجمع العرفي تقديمه عليها، لأن إطلاق الخاص مقدم علي إطلاق العام. ومن هنا كان البناء علي العموم أنسب بمفاد الأدلة لكن الأمر مع ذلك لا يخلو عن إشكال.

ولاسيما إذا كان المقدار المعلوم دون الخمس، لظهور موثق السكوني وخبر الحسن في سوق الحكم مساق الإرفاق بصاحب المال، فكيف يكلف بدفع ما زاد علي الحرام من ماله؟.

اللهم إلا أن يكون الإرفاق بالمالك بلحاظ تطهير ماله ورفع الحرج عن التصرف فيه بسبب الاختلاط بالحرام المقتضي لاجتنابه بتمامه احتياطاً لاجتناب الحرام. فالعمدة في الإشكال احتمال الانصراف.

وفي التذكرة: ولو عرف أنه أكثر من الخمس وجب إخراج الخمس وما يغلب علي الظن في الزائد.

فإن كان مراده دفع الخمس والزائد معاً صدقة، رجع إلي ما سبق نسبته للمشهور. غاية الأمر الرجوع في تحديد الزائد للظن، الذي كثيراً ما يرجعون إليه في موارد الاشتباه، وإن لم يتضح الوجه فيه، بل الظاهر جواز الاقتصار علي الأقل المعلوم ثبوته، كما يظهر مما يأتي في صورة العلم بالمالك.

وإن كان مراده لزوم دفع الخمس المعهود في مصارفه المعهودة والتصدق بالزائد، فلا ينبغي التأمل في ضعفه، فإن نصوص المقام إن شملت صورة العلم بالمقدار فمقتضاها الاجتزاء بدفع الخمس، وإن لم تشملها كان المرجع هو أدلة مجهول المالك المقتضية للتصدق بتمام مقدار الحرام.

وأولي بالضعف ما لو كان مراده ما قد يظهر من بعضهم من كون الخمس

ص: 135

(136)

والأحوط وجوباً أن يكون بإذن الحاكم الشرعي (1)

-

والزائد معاً من سنخ الخمس المعهود بحيث يصرف جميع ما يخرجه في مصارف الخمس وإن كان أكثر من قدر الخمس، كما لعله ظاهر.

(1) فقد صرح غير واحد باعتبار إذن الحاكم بالتصدق بمجهول المالك. وقد يستدل عليه بوجوه:

الأول: أن الحاكم ولي من لا ولي له.

وفيه: أن ولاية الحاكم علي من لا ولي له إنما هي في مورد الحاجة إلي إذن الولي، وهو إنما يتجه إذا كان الرجوع إليه في المقام من أجل اعتبار إذن المالك في جواز التصدق، إذ حيث كان غائباً فالحاكم يقوم مقامه بعد أن لم يكن له ولي غيره. إلا أن الظاهر أن الرجوع للحاكم ليس لقيامه مقام المالك، ولذا لا يختار التصدق بملاك كونه أصلح له، بل بما أنه التصرف المعين من قبل الشارع الأقدس.

ومن ثم قال بعضهم بعدم إلزام المالك بالتصدق لو ظهرولم يرض به، مع أنه لا يتجه لو كان التصرف بإذن وليه، إذ هو حينئذ نظير ما كان بإذنه.

الثاني: أن جواز التصدق ونفوذه بغير إذن المالك لما كان مخالفاً للقاعدة والأصل فاللازم الاقتصار فيه علي المتيقن، وهو ما كان بإذن الحاكم.

وفيه: أن ذلك إنما يتجه لو لم يكن لنصوص التصدق بمجهول المالك إطلاق يقتضي عدم اعتبار إذن الحاكم فيه، أما بعد تمامية إطلاقها في ذلك فلا ملزم بالاقتصار علي المتيقن المذكور.

ودعوي: أن الأمر بالتصدق في النصوص غير وارد لبيان وجوب التصدق فعلاً، ليكون مقتضي إطلاقها عدم اعتبار إذن الحاكم، بل لمجرد بيان مصرف المال من دون أن ينافي إناطته بإذن الحاكم، كما احتمله سيدنا المصنف (قدس سره)، ويظهر من بعض مشايخنا الجزم به.

ص: 136

مدفوعة بأن ذلك خلاف الأصل في الكلام الوارد لبيان الحكم العملي. ولو فتح هذا الباب تعذر التمسك بالإطلاقات، حيث لا ضابط للاحتمالات.

ومثلها احتمال أن يكون الأمر بالتصدق بلحاظ إذن الإمام به إعمالاً لولايته، لا لمجرد بيان أنه الوظيفة الشرعية. إذ فيه أنه مخالف لمساق السؤال والجواب في المقام وغيره. ولذا لا يظن من حال السائل عدم العمل بالأمر المذكور في الوقائع المشابهة للواقعة المسؤول عنها، لعدم الإذن فيها.

بل لو كان هذا الاحتمال معتداً به بنحو يكون ظاهراً من النصوص أو موجباً لإجمالها من هذه الجهة فلا مجال للبناء علي تعين الصدقة، لإمكان إذن الإمام بها لأنها أحد أفراد المصرف أو الأرجح منها أو الأيسر بنظره الشريف في الوقائع المسؤول عنها، ومقتضي ذلك لزوم الرجوع للحاكم لتعيين المصرف الأولي بنظره بمقتضي ولايته المدعاة.

الثالث: معتبر داود بن أبي يزيد عن أبي عبد الله (عليه السلام): قال له رجل: إني قد أصبت مالاً، وإني خفت منه علي نفسي، فلو أصبت صاحبه دفعته إليه وتخلصت منه. قال: فقال أبو عبد الله (عليه السلام): لو أصبته كنت دفعته إليه؟ فقال: إي والله. فقال (عليه السلام): فلا والله ما له صاحب غيري، فاستحلفه أن يدفعه إلي من يأمره. قال: فحلف. قال: فاذهب وقسمه بين إخوانك ولك الأمن مما خفت. قال: فقسمه بين إخوانه(1).

بدعوي: أنه وإن كان مقتضي الجمود علي قوله (عليه السلام): ما له صاحب غيري أن المال ملك له (عليه السلام)، إلا أن عدم أخذه (عليه السلام) له وأمره بقسمته بين إخوانه لا يناسب ذلك، كما لا يناسبه قوله (عليه السلام): ولك الأمن مما خفت، إذ لا موجب للخوف مع وصول المال لصاحبه وصرفه بإذنه، فلابد من حمل ذلك علي كونه (عليه السلام) ولي المال، وقد أذن بالتصرف المذكور، فيكون العمل علي أمره مبرئاً للذمة وإن لم يصل المال لصاحبه.

********

(1) وسائل الشيعة ج: 17 باب: 7 من أبواب كتاب اللقطة حديث: 1

ص: 137

وفيه: أنه إن أمكن الجمود علي ظاهر الحديث من ملكيته (عليه السلام) للمال، ولو لكونه من الأنفال أو نحوها مما يكون له (عليه السلام) بمقتضي منصبه، فهو. ولا ينافيه الأمر بقسمته بين إخوانه، لأنهم أحب مصارف أمواله إليه (عليه السلام) أو من أحبها، ولا قوله: ولك الأمن لوضوح أن خوفه كان قبل سؤاله للإمام، والأمن كما يمكن أن يكون للقيام بالصرف الذي يأمر به الولي يمكن أن يكون للقيام بالصرف الذي يأمر به المالك.

ولو فرض تعذر ذلك بحيث يعلم أو يطمئن بعدم ملكيته (عليه السلام) للمال، فليس حمله علي مجهول المالك بأولي من حمله علي الأموال العامة ونحوها مما يكون له (عليه السلام) الولاية عليه.

مع أن حمل قوله (عليه السلام): ماله صاحب غيري حينئذٍ علي كونه ولياً علي المال ليس بأولي من حمله علي كونه (عليه السلام) المرجع في تعيين حكمه من دون أن يحتاج إلي إعمال ولايته.

ولو سلم حمله علي مجهول المالك، وظهوره في ولايته (عليه السلام) عليه فقد يكون ذلك بلحاظ كونه (عليه السلام) أولي بالمؤمنين من أنفسهم حيث يكون بمنزلة المالك لا تتعين عليه الصدقة. كما هو المناسب لإطلاق التقسيم فيه علي الإخوان من دون تنبيه لكونه صدقة، ليختص بمصرفها.

وحمله علي التقسيم بنحو التصدق جمعاً مع نصوص مجهول المالك موقوف علي ثبوت كونه (عليه السلام) بصدد بيان حكم مجهول المالك، ولا قرينة عليه، بل هو مخالف لإطلاقه.

ومن هنا لا مجال لتقييد إطلاق نصوص مجهول المالك المقتضي لعدم احتياج التصدق إلي الإذن. وقد أطلنا الكلام في ذلك في أواخر مباحث المكاسب المحرمة من هذا الشرح في فروع حكم جواز السلطان.

هذا كله في اعتبار إذن الحاكم في جواز التصدق بمجهول المالك مطلقاً. وأما في خصوص المقام المفروض فيه اختلاط مجهول المالك بغيره فلابد بناءً علي عدم مشروعية التخميس وجريان حكم مجهول المالك علي المال الحرام من عزله وتمييزه بالصلح أو القسمة قبل التصدق، ولا دليل علي ولاية من يكون المال تحت يده

ص: 138

(139) (139)

وإن علم المالك وجهل المقدار تراضياً بالصلح (1). وإن لم يرض المالك بالصلح جاز الاقتصار علي دفع الأقل إليه (2)

-

علي ذلك، فلابد من الرجوع للحاكم فيه بلحاظ ولايته علي الغائب، وبعد العزل والتمييز بإذنه يستقل صاحب المال بالتصدق بناء علي ما ذكرنا من إطلاق نصوص مجهول المالك.

نعم له أن يتصدق به علي إجماله واشتباهه، فيقبضه الفقير بقبض مجموع المال المختلط، من دون حاجة للرجوع إلي الحاكم الشرعي، ثم يتصالح مع الفقير لتمييز حق كل منهما من حق الآخر.

(1) كما في الجواهر، وحكاه عن جماعة. ولا إشكال في مشروعية الصلح وصحته في المقام، لإطلاق أدلته، وفي عدم الحاجة للخمس، لما تقدم من قصوره عن صورة معرفة المالك.

وفي الجواهر: وكأن مرادهم ولو إجباراً. بل صرح بذلك في كشف الغطاء حيث قال: وجب صلح الإجبار. لكن لا دليل علي جواز إجباره عليه، كما لا دليل علي وجوبه علي من المال تحت يده. علي ما صرح به في محكي الرياض في الجملة. بل له الاقتصار علي دفع الأقل، لما يأتي.

(2) عملاً بمقتضي اليد، لأنها وإن سقطت عن الحجية في كل جزء من المال بعينه بسبب التعارض، إلا أنها حجة علي ملكية صاحبها لما زاد علي المتيقن مما يملكه الغير علي إجماله، بناء علي ما هو الظاهر من جريان الأصول والقواعد الظاهرية في الفرد الإجمالي، كما لو تردد الأمر بين نجاسة أحد الثوبين إجمالاً ونجاستهما معاً، حيث يكون مقتضي قاعدة الطهارة أو استصحابها طهارة أحدهما إجمالاً، فيجتزأ بتكرار الصلاة فيها.

نعم يختص هذا بما إذا كان منشأ تردد الحرام بين الأقل والأكثر هو التردد في عدد المال الحرام، كما لو كان عنده مائة درهم أو مائة شاة وتردد الحرام بين العشرة

ص: 139

(140)

والثلاثين، حيث تردد الأيدي العادية حينئذ بين الأقل والأكثر، ومقتضي حجية اليد البناء علي أنها الأقل.

أما إذا كان منشأ تردد الحرام بين الأقل والأكثر هو تردد المال المحرم بين كثير المالية وقليلها، كما لو كان عنده نقد مختلف وتردد الحرام منه بين الدراهم والدنانير، فإنه لا مرجح ليده علي الدنانير، ليبني علي حجيتها دون يده علي الدراهم، بل يتعين التوقف حينئذٍ.

غاية الأمر أنه لا يجب دفع الأكثر. بل يكون الحال كما لو لم يكن المال تحت اليد وكان مردداً بين شخصين لا يعلم مقدار ما يستحقه كل منهما منه، حيث لا موجب لإلزام أحدهما بالاحتياط بإرضاء الآخر بالأكثر، ودفعه له.

ودعوي: أنه مع كون المال تحت يد أحد الشخصين فقد انشغلت ذمته بالحرام الواقعي وصار ضامناً له، ولا يحرز الفراغ إلا بدفع الأكثر للآخر.

مدفوعة بأنه يكفي في براءة ذمته ورفع الضمان عنه تسليط صاحب الحق علي ماله الواقعي بتسليطه علي جميع المال، ولا يتوقف علي تمليكه لما يحتمل عدم ملكيته له وملكية صاحب اليد له.

هذا وفي التذكرة: ولو عرف صاحبه وقدره وجب إيصاله إليه، فإن جهل القدر صالحه، أو أخرج ما يغلب علي ظنه. فإن لم يصالحه مالكه أخرج خمسه إليه، لأن هذا القدر جعله الله تعالي مطهراً للمال. ولا يخلو عن تدافع، فإن التخيير بين المصالحة ودفع ما يغلب علي ظنه يقتضي تعين دفع ما يغلب علي ظنه عند امتناع صاحب المال المختلط من المصالحة، ومعه لا موضوع لدفع الخمس.

نعم عن المنتهي: دفع إليه خمسه مع الجهل المحض بقدره، أو ما يغلب علي الظن لو علم بزيادته عنه أو نقصه، لأن هذا المقدار جعله الله مطهراً للمال. ولا تدافع حينئذٍ.

إلا أن الرجوع للظن يحتاج إلي دليل. كما أن دفع الخمس مع الجهل المحض بالمقدار خال عن الوجه. وفي الجواهر: وهو لا يخلو من وجه، خصوصاً مع ملاحظة

ص: 140

التعليل السابق، وإن إستشكله بعضهم بظهور النصوص السابقة، سيما خبر الخصال في خلافه من مجهولية المالك. ولا يخفي وجاهة الإشكال المذكور.

وأما التعليل فحيث كان مضمونه رضا الله تعالي بالخمس فالظاهر منه رضاه تعالي بالخمس لتطهير المال، لا لتعيين الحرام به، ولذا صار من الخمس المعهود ماهية ومصرفاً، ولا يلحظ فيه حال المالك ومصلحته، فيكون أجنبياً علي المدعي في المقام من دفعه للمالك علي أنه حقه من المال. ومن هنا كان القول المذكور في غاية الضعف.

ثم إنه في فرض حجية اليد والبناء علي ملكية صاحبها للأكثر، وأن الحرام هو الأقل، لا مجال لدفع الأقل رأساً بعد فرض إجماله وعدم تمييزه، بل لابد في تسليمه بعينه مع اقتضاء الاختلاط الشركة من القسمة، فإن تراضيا بها فذاك، وإلا تعين الرجوع للحاكم الشرعي، لإجبار الممتنع عليها لو تحقق شرطه، كما في سائر موارد الشركة.

ومع عدم اقتضاء الاختلاط للشركة فالمرجع الصلح في تمييز الحرام، ومع الامتناع عنه من أحدهما أو كليهما فربما قيل بالرجوع للقرعة في تعيين مال كل منهما، لأنها لكل أمر مشكل لا طريق لحله بوظيفة شرعية أو عقلية واقعية أو ظاهرية. لكن الظاهر عدم تمامية الدليل علي ذلك، علي ما ذكرناه في أواخر مبحث المكاسب المحرمة من هذا الشرح.

وربما يقال بالتنصيف في مورد الاشتباه، لدعوي: أنه مقتضي السيرة العقلائية الارتكازية في كل مال مردد بين شخصين من دون مرجح لأحدهما، لأن فيه جمعاً بين الاحتمالين بالمقدار الممكن، ورعاية لحق كل منهما. ومن ثم قد أطلق عليها قاعدة العدل والإنصاف.

وحيث كانت إرتكازية كفي عدم الردع عنها شرحاً، ولا حاجة لإحراز إمضائها شرعاً. علي أنه قد يستفاد إمضاؤها من الحكم بالتنصيف في درهم الودعي المردد بين شخصين، وفيما لو تداعا شخصان مالاً وأقام كل منهما البينة علي أنه له، أو حلف علي ذلك أو نكل. لكن لم يتضح بناء العقلاء علي القاعدة المذكورة. ومجرد

ص: 141

(142)

إن رضي الشريك بالقسمة (1)، وإلا تعين الرجوع للحاكم الشرعي في حسم الدعوي (2). وحينئذ إن رضي بالقسمة، وإلا أجبره الحاكم عليه (3). وإن علم المالك والمقدار وجب دفعه إليه (4) بالقسمة بينهما (5).

(مسألة 19): إذا علم إجمالاً أن المال الحرام أكثر من مقدار الخمس أو أنقص منه (6) فالأحوط وجوباً التصدق بتمام المقدار المعلوم

-

الحكم شرعاً بالتنصيف في بعض الموارد المتفرقة لا يكفي في البناء علي عمومها بنحو ينفع في المقام.

(1) لا يبعد كون مراده بالشركة مطلق ملكية الغير لبعض المال، وبالقسمة مطلق ما تعين ماله من مال الشخص الآخر، لا الشركة المصطلحة المبتنية علي الإشاعة، والقسمة المتفرعة عليها، لأن اختلاط أحد المالين بالآخر قد لا يوجب الشركة بالمعني المذكور.

(2) من الظاهر أنه لم يفرض في المقام التداعي، غاية الأمر طلب القسمة من أحدهما وامتناع الآخر منها، فالرجوع للحاكم إنما هو من أجل ذلك.

(3) هذا إنما يكون مع تحقق الشروط المسوغة للإجبار علي القسمة وعلي كل حال فالحاكم أعرف بوظيفته عند الرجوع إليه.

(4) قطعاً. لعدم الإشكال في قصور نصوص المقام عنه، بل تضمن خبر الحسن ابن زياد الأمر باجتناب ما يعلم صاحبه، فيرجع فيه للقاعدة المقتضية لذلك.

(5) برضاه أو بالرجوع للحاكم، علي نهج الكلام فيما سبق.

(6) بحيث لا يحتمل مساواته للخمس. وعن محكي المناهل لزوم دفع الخمس، بدعوي شمول النصوص وأكثر الفتاوي لذلك، وكأنه بلحاظ الإطلاق.

ومقتضي ما سبق من غير واحد من الإشكال في شمول النصوص لمعلوم المقدار من التعليل وغيره الإشكال في المقام أيضاً، لجريان أكثر الوجوه المتقدمة هنا.

ص: 142

إجمالاً (1) علي مصرف الخمس (2)

-

ومن ثم قال في كشف الغطاء: ولو جهل مع العلم بزيادته علي الخمس فهو بحكم المعلوم حقيقة يرجع فيه إلي الصلح، وكذا ما علم نقصه عن الخمس، علي الأقوي.

لكن عرفت عدم نهوض ما تقدم بالمنع. بل هو هنا أولي، لأن أظهر أفراد الاختلاط ما يقرب من التعادل والتساوي، فحمل إطلاقه علي ما لا يعلم معه إجمالاً زيادة الحرام علي الخمس بعيد جداً، كالحمل علي الفرد غير الشايع.

(1) وهو الأقل الذي يكون أقل من الخمس.

(2) كأنه لأن فيه جمعاً بين احتمالي جريان حكم الخمس، لعموم نصوص المقام، وجريان حكم مجهول المالك، لقصور نصوص المقام.

وفيه: أولاً: أن التصدق لا يجزي في الاحتياط بالقيام بوظيفة الخمس، لأن الخمس ليس من الصدقات، ولا يتم الاحتياط المذكور إلا بالدفع بنية ما هو المطلوب واقعاً من الخمس أو الصدقة. ولعل ذلك هو المراد له (قدس سره) وإن قصرت عبارته عنه.

وثانياً: أن الاحتياط لا يكون إلا بدفع الخمس لمصرفه بالنية المرددة بين كونه خمساً وكونه صدقة، ولا يكفي فيه دفع المعلوم بالإجمال الذي هو الأقل وأقل من الخمس، بعد فرض احتمال شمول دليل الخمس للمقام، ولذا احتاط (قدس سره) بدفع المال لمصرف الخمس.

وبعبارة أخري: احتياطه (قدس سره) بدفع المال لمصرف الخمس يبتني علي مراعاة احتمال شمول دليل الخمس للمقام والاحتياط له، وهو لا يتم إلا بدفع الخمس ولا يكفي فيه دفع المعلوم بالإجمال الذي هو الأقل وأقل من الخمس.

وهناك صورتان أخريان ربما يحمل كلامه (قدس سره) عليهما ولو بعيداً:

الأولي: أن يتردد الحرام بين مقدارين كلاهما أكثر من الخمس، كما لو تردد بين النصف والثلث. والاحتياط هنا إنما يكون بدفع الأقل، كالثلث في الفرض. لكن مع

ص: 143

(144)

بعد الاستئذان من الحاكم الشرعي (1).

(مسألة 20): إذا علم قدر المال الحرام ولم يعلم صاحبه بعينه، بل علمه في عدد محصور (2)، فالأحوط وجوباً التخلص من

-

دفع مقدار الخمس في مصرفه بنية ما هو المطلوب واقعاً من الصدقة أو الخمس، ودفع الباقي بنية الصدقة في مصرفها المعهود.

الثانية: أن يتردد الحرام بين مقدارين كلاهما أقل من الخمس، كالثمن والعشر. والاحتياط هنا يكون بدفع الخمس في مصرفه بنية ما هو المطلوب من الصدقة أو الخمس. ويظهر الوجه في جميع ذلك مما تقدم.

(1) للعلم بوجوب استئذانه بناء علي ما ذكروه من وجوب استئذانه في صرف الخمس وما سبق منه (قدس سره) من وجوب استئذانه في التصدق بمجهول المالك، واحتمال وجوب استئذانه بناء علي ما سبق منا من عدم وجوب استئذانه في التصدق بمجهول المالك، غاية الأمر أن يستأذن في عزل مقدار مجهول المالك. فراجع.

(2) يعني: مع إمكان الوصول إليهم جميعاً. أما مع تعذر الوصول إليهم فيجري عليه حكم مجهول المالك.

وأما مع إمكان الوصول لبعضهم دون بعض فقد يدعي وجوب الاحتياط باسترضاء من يمكن الوصول إليه بالتصدق بالمال مع الإمكان، جمعاً بين المحتملات، ومع تعذر ذلك يجري ما يأتي في فرض تعذر إرضاء الجميع.

لكن الظاهر أن الوظيفة هي التصدق بالمال من دون حاجة لاستئذانه، لعموم بعض نصوص مجهول المالك لمثل ذلك، مثل صحيح إسحاق المتقدم في المسألة العاشرة الوارد فيمن وجد دراهم مدفونة في بعض بيوت مكة، والمتضمن تعريف أهل المنزل بها فإن عرفوها وإلا تصدق بها، فإن عدم معرفتهم لها ليس نفياً منهم لملكيتها، ليكون حجة علي عدم ملكيتهم لها، بل قد يكون لنسيانهم لها مع كونها لهم،

ص: 144

الجميع (1) باسترضائهم (2)،

-

وحينئذ يعلم إجمالاً بأنها لهم أو لأحد المسافرين المجهولين، ومع ذلك لم يشترط في جواز التصدق بها استئذانهم.

نعم لابد من الفحص عن ملكية الطرف المذكور للمال، لوجوب الفحص عن مالك المال المجهول مالكه قبل التصدق به، وهو أمر آخر غير استئذانه في التصدق بالمال.

(1) كما في المدارك وعن الروضة، ومال إليه في الجواهر. عملاً بمقتضي العلم الإجمالي، ولا يشرع الخمس في المقام، كما هو ظاهر سيدنا المصنف (قدس سره) هنا، وإلا لم يكن استرضاء الجميع أحوط. وهو ظاهر بناء علي ما سبق من جماعة من قصور نصوصه عن صورة العلم بمقدار الحرام، وأما بناء علي عمومها له، فقد ادعي سيدنا المصنف (قدس سره) انصراف النصوص المذكورة عن صورة العلم الإجمالي بصاحب المال.

وكأن منشأه أن صحيح عمار وإن تضمن اشتراط عدم معرفة صاحب المال، وهو يشمل صورة اشتباهه في عدد محصور، إلا أن المناسبات الارتكازية تقضي بأن منشأ استثناء صورة معرفة المالك هو إمكان مراجعته في ماله وإيصاله إليه، وهو جار مع اشتباهه في عدد محصور.

كما لا مجال لاحتمال وجوب التصدق بالمال وإجراء حكم مجهول المالك عليه، لعدم الدليل عليه بعد اختصاص نصوص مجهول المالك بالجهل المطلق الذي لا يمكن معه الرجوع للمالك.

(2) فإنه لا إشكال في الاكتفاء به، بل عن جماعة وجوبه، وبه صرح بعض مشايخنا فقد التزم بوجوب إرضاء الكل ولو بدفع مقدار المال المردد بينهم لكل منهم من كيسه، للخروج عن عهدة الضمان المسبب عن اليد.

ودعوي: لزوم الضرر بذلك. مدفوعة بأن مفاد قاعدة نفي الضرر رفع الضرر الناشئ من الحكم الشرعي، وهو غير لازم في المقام، لأن وجوب إرجاع المال إلي

ص: 145

مالكه الواقعي ليس ضررياً، وإنما يلزم الضرر من وجوب إحراز امتثال ذلك عقلاً بالدفع إلي تمام أطراف الشبهة، ولا تنهض القاعدة برفعه، بل هي مختصة بالحكم الشرعي الذي هو تحت سلطنة الشارع الأقدس وله إعماله جعلاً ورفعاً.

ويشكل بأن قاعدة نفي الضرر إن كانت تنهض برفع وجوب إحراز الفراغ اليقيني والاكتفاء بالموافقة الاحتمالية - كما هو الظاهر، علي ما ذكرناه في محله من مباحث العلم الإجمالي من الأصول - فذاك، وإلا كان الضرر مستنداً عرفاً للحكم الثابت في مورد الاشتباه الذي يلزم الضرر من إحراز امتثاله.

وبعبارة أخري: الحكم الشرعي بنفسه لا يكون ضررياً إلا بلحاظ ما يستتبعه عقلاً من الامتثال التفصيلي، أو الإجمالي كما في المقام. وإلا فلا يظن من أحد البناء علي لزوم الاحتياط الضرري، كما لو انحصر الشفاء بأحد دوائين أحدهما نجس، ونحو ذلك.

نعم الضرر إنما يلزم هنا من وجوب دفع المال إلي صاحبه، لا من انشغال الذمة به وضمانه له، فالقاعدة لو جرت لا تقتضي براءة الذمة من المال في المقام وعدم ضمانه، بل إنما تقتضي عدم وجوب دفعه لصاحبه، وإن بقي علي ملكيته وضمانه، نظير ما لو لم يعرف صاحبه أصلاً، فإن تعذر دفعه إليه لا يوجب خروجه عن ملكيته ولا عن الضمان له.

مع أنه قد يمتنع جريان قاعدة نفي الضرر في المقام، بلحاظ منافاتها للامتنان في حق صاحب المال، سواءً كان مقتضاها رفع التكليف الذي يلزم من الاحتياط فيه الضرر رأساً، أم رفع خصوص الموافقة القطعية والاكتفاء بالموافقة الاحتمالية مع بقاء أصل التكليف.

والذي ينبغي أن يقال: ضمان المال ووجوب تسليمه إلي صاحبه وإن كان مسلماً، إلا أن الاحتياط في المقام إنما يكون بتسليم المال نفسه لا بتسليم بدله. وحينئذ إن أمكن الاحتياط بتسليمه للكل بوجه لا يلزم منه الحرام تعين وارتفع الضمان، كما لو أمكن استئذان الكل في تسليمه لأحدهم أو لكل منهم، وإلا كان الاحتياط مزاحماً،

ص: 146

لأنه كما يحرم حبس المال عن أهله يحرم تسليمه لغير أهله، ومقتضي ذلك التوقف وعدم نهوض الوظيفة العقلية في المقام برفع الإشكال. وأما إعطاء بدل المال فهو ليس احتياطاً في الواجب، بل رفعاً لموضوعه، لأنه يرجع إلي رفع صاحب المال يده عن ماله في مقابل البدل، وهو خارج عن مقتضي الوظيفة المذكورة.

وهذا جار في سائر موارد تردد مال الغير الذي تحت يد المكلف بين أطراف كثيرة، سواءً كان مضموناً - كالمقبوض بالعقد الفاسد والمغصوب وغيرها - أم غير مضمون - كالوديعة والعين المستأجرة والعارية - لأن حرمة حبس الحق عن صاحبه مشترك بين الكل.

بل يجري حتي لو كان المال ذمياً، كما لو تردد الدائن بين شخصين، فإن الواجب وفاء الدين، ودفع المال بالعنوان المذكور لأكثر من واحد ممتنع، إلا إذا رضي الكل بتسليمه لشخص واحد أو قبضه الكل علي التعاقب. لكنه يبقي مردداً بينهم. وأما تمليك مقدار الدين لكل منهم مردداً بين كونه هبة له ووفاء لدينه فهو أمر زائد علي الامتثال لا ملزم له.

ودعوي: أن ذلك جار في جميع موارد الامتثال الإجمالي، لابتنائه علي الإتيان بما يباين المكلف به من أجل إحراز امتثال التكليف المعلوم بالإجمال.

مدفوعة بأن الامتثال الاحتمالي في المقام إنما هو بتسليم المال الشخصي أو مقدار المال الذمي برجاء الوفاء به لكل من يحتمل ملكيته للمال. أما دفع مقدار الحق لكل منهم بعنوان كونه هبة علي تقدير عدم استحقاقه له فهو أجنبي عما هو المكلف به، وليس امتثالاً احتمالياً للتكليف المعلوم بالإجمال، ولا منشأ لوجوبه عقلاً. كما لا دليل علي وجوبه شرعاً.

بل كيف يمكن البناء في المقام وأمثاله علي وجوب دفع مقدار الحق لجميع أطراف الشبهة، إذ قد يكون مجحفاً بمن يكون المال تحت يده حتي لو كان كثير المال، مع وضوح أن الإجحاف به لا دليل علي مسقطيته للتكليف إلا بلحاظ الضرر الذي

ص: 147

فإن لم يمكن ففي المسألة وجوه (1)، أقربها العمل بالقرعة في تعيين المالك.

-

سبق أنه لا ينهض بذلك في المقام.

وأما الضمان فقد يمكن رفعه بتسليط جميع أطراف الشبهة علي المال وعدم حبسه عنهم كما إذا علم منهم عدم مخالفة مقتضي العلم الإجمالي المذكور، بحيث يمتنع كل منهم من الاستقلال بالمال قبل حلّ مشكلة العلم الإجمالي، فإن أذنوا له مع ذلك بحفظ المال إلي حين حلّ المشكلة صار المال في يده أمانة مالكية، وإن لم يأذنوا له بحفظه صار أمانة شرعية. وإن لم يعلم بذلك وخاف أخذ بعضهم له من دون أن يحرز هو كونه محقاً لم يحل له تسليطهم علي المال وبقي المال في ضمانه إلي حين حلّ المشكلة.

وبالجملة: العلم الإجمالي في المقام لا يقتضي تكليفه بدفع المال أو بدله إلي كل طرف من أطراف الشبهة، ولابد من حلّ آخر، وهو ما يأتي الكلام فيه.

(1) أحدها: التوزيع، فقد قوّاه السيد الطباطبائي في العروة الوثقي وكأنه لقاعدة العدل والإنصاف التي تقدم التعرض لها ولدفعها في صورة ما إذا علم المالك وجهل المقدار.

ثانيها: التخيير بينه وبين إعطاء الحق لواحد منهم، لأن التوزيع مستلزم للموافقة القطعية في بعض المال مع المخالفة القطعية في الباقي، ودفعه لواحد منهم مستلزم للموافقة الاحتمالية في تمام المال، ولا ترجيح لأحد الأمرين، كما ذكروا ذلك في مسألة أن التخيير عند الدوران بين المحذورين استمراري أو ابتدائي.

ويشكل بأن ذلك يتوقف في المقام علي الولاية علي عزل الحرام وتمييزه، ولا طريق لإثباتها للمالك، بل ولا للحاكم بعد إمكان الوصول للمالك. علي أنه لا دليل علي كفاية ذلك في رفع ضمان اليد المفروض في المقام. بل ليس بناؤهم علي ذلك في سائر موارد تردد المال الذي تحت اليد بين أكثر من واحد، سواءً كان مضموناً أم لم يكن.

ص: 148

(149)

وكذا الحكم إذا لم يعلم قدر المال وعلم صاحبه في عدد محصور (1).

(مسألة 21): إذا كان في ذمته مال حرام فلا محل للخمس (2). فإن علم جنسه ومقداره ولم يعرف صاحبه في عدد محصور (3) تصدق به عنه (4).

-

ثالثها: الرجوع للقرعة، لأنها لكل أمر مشكل. لكن سبق منّا الإشكال في ذلك. ومن ثم كان الظاهر انحصار الأمر بالصلح، فإن لم يرضوا به لم يجب الدفع لهم.

(1) لعدم الفرق بينه وبين صورة العلم بالمقدار. غايته أنه يكفي إجراء إحدي الوظائف المتقدمة في الأقل، لما تقدم من الاقتصار عليه فيما لو علم المالك تفصيلاً وجهل المقدار.

(2) لاختصاص نصوصه بالحرام المختلط بالحلال الظاهر في فرض وجود كلا المالين. نعم لو تلف بعض المال المختلط أو كله، فإن قلنا بثبوت الخمس في المختلط علي نحو ثبوته في سائر موارد الخمس تعين ضمان الخمس لا غير، كما صرح به بعض مشايخنا وحكاه عن شيخنا الأعظم (قدس سره)، وسبقهما إليه في الجواهر. وإن قلنا بعد ثبوته في المختلط، بل يبقي الحرام علي ملك صاحبه حتي يحل مال بالخمس تعين ضمان التلف لمالك المال الحرام، وجري فيه ما يأتي، كما عن الفقيه الهمداني (قدس سره). والظاهر الثاني، كما سبق عند الكلام في مصرف هذا الخمس.

(3) أشرنا آنفاً إلي أن المعيار علي تعذر الوصول لصاحبه وإن علم في عدد محصور، بل وإن كان واحداً.

(4) كما صرح به غير واحد، وقد يظهر من بعضهم المفروغية عنه، بل ادعي عدم الخلاف فيه، وهو المعروف في عصورنا برد المظالم. واستدل له بوجوه:

الأول: عدم الخلاف المدعي في المقام. ويندفع بعدم نهوضه بالحجية لعدم شيوع تحرير المسألة في كلمات الأصحاب، وعدم الخلاف فيه بين القليل الذين تعرضوا له لا يكفي في تحقق الإجماع الحجة. علي أنه يظهر من بعض كلماتهم وجود الخلاف في

ص: 149

ذلك، قال في الشرايع: من كان عليه دين وغاب صاحبه غيبة منقطعة يجب عليه أن ينوي قضاءه، وأن يعزل ذلك عند وفاته... ولو لم يعرفه اجتهد في طلبه. ومع اليأس يتصدق به عنه علي قول.

الثاني: أنه إذا لم ينتفع المالك بماله فلينتفع بثوابه. وفيه: أنه فرع نفوذ الصدقة وتعينها للمالك، وهو محل الكلام بعد عدم صدورها منه وعدم الدليل علي ولاية من انشغلت ذمته بالمال علي عزله وتعيينه، فضلاً عن التصدق به بعد ذلك. وقد تقدم ما ينفع في المقام في أول الكلام في حكم المال المختلط بالحرام في تعقيب ما ذكره صاحب المدارك من حكم العقل بوجوب التصدق بمقدار الحرام.

الثالث: النصوص الواردة في المال الخارجي المجهول المالك بعد التعدي منه للذميات.

بدعوي: أن المستفاد منها أن المناط في التصدق تعذر الإيصال للمالك مع إلغاء خصوصية مواردها من حيثية كون المال خارجياً، كما تلغي سائر الخصوصيات من الزمان والمكان والأشخاص وغيرها. علي أنه يمكن جعل ما في الذمة خارجياً بالتسليم لولي الغائب - وهو الحاكم الشرعي أو عدول المؤمنين - حيث لا ريب في جواز تفريغ الذمة بالدفع إليه، ومع تشخصه بذلك يتصدق به بمقتضي النصوص المذكورة. كذا ذكر بعض مشايخنا.

ويندفع بأنه لا مجال للتعدي من المال الخارجي لما في الذمة بعد الفرق بينهما:

أولاً: بتعين المال الخارجي لصاحبه، وعدم تعين ما في الذمة له إلا برضاه.

وثانياً: بصعوبة حفظ المال الخارجي علي من تحت يده، ولاسيما مع طول المدة وتمادي الزمان لفرض اليأس من الوصول للمالك، بخلاف ما في الذمة، حيث لا كلفة في حفظه، وكل ما في الأمر هو انشغال الذمة به، وليس هو مهماً، لعدم المسؤولية به بعد تعذر الوصول إلي المالك، غاية ما يلزم وجوب دفعه له لو صادف العثور عليه بعد اليأس، وليس هو محذوراً مهماً، خصوصاً بناء علي تخيير المالك لو عثر عليه بعد

ص: 150

الصدقة بين الضمان وثواب الصدقة، كما لا يخفي.

وثالثاً: بتعرض المال الخارجي للنقص أو التلف بطول المدة. وإذا أمكن تدارك ذلك بتبديله عند توقع النقص أو التلف فلا مجال لتداركه إذا حصل بوجه غير متوقع.

وبالجملة: لا مجال لإلغاء خصوصية مورد النصوص المذكورة من حيثية كون المال خارجياً، وليست هي كسائر الخصوصيات من الزمان والمكان والأشخاص وغيرها.

وأما جعل ما في الذمة خارجياً بالتسليم لولي الغائب. فهو موقوف علي ثبوت ولايته في مثل ذلك مما لم يثبت لزوم التصدي له علي كل حال. كما أنه لا ينفع في المدعي ما لم يثبت بنحو يجب علي من عنده المال دفعه إليه، ويجب عليه أخذه منه، وكل ذلك محتاج للدليل بعد عدم عموم ينهض بالولاية بالنحو المذكور.

الرابع: صحيح معاوية بن وهب عن أبي عبد الله (عليه السلام): في رجل كان له علي رجل حق ففقده، ولا يدري أين يطلبه، ولا يدري أحي هو أم ميت، ولا يعرف له وارثاً ولا نسباً ولا ولداً. قال: اطلب. قال: فإن ذلك قد طال، فأتصدق به؟ قال: اطلبه(1). حيث يستأنس منه أن الوظيفة بعد اليأس إنما هي الصدقة التي ذكرها السائل، وإنما أمر (عليه السلام) ثانياً بالفحص والطلب مقدمة لحصول اليأس. ومرسل الصدوق، قال بعد ذكر صحيح معاوية المتقدم: وقد روي في هذا خبر آخر: إن لم تجد له وارثاً وعلم الله منك الجهد فتصدق به(2).

وفيه: أن الصحيح - بعد تسليم وروده في المال الذمي، كما هو غير بعيد - لا ينهض بالمطلوب، إذ لو تم الوجه المتقدم في الاستدلال به فهو إنما يقتضي مشروعية التصدق، لا وجوبه.

علي أنه غير تام، لظهوره في ردع السائل عن التصدق. فإن كان مراد السائل التصدق للضيق من الفحص مع عدم اليأس من العثور به علي المالك كان أجنبياً عم

********

(1و2) وسائل الشيعة ج: 17 باب: 6 من أبواب ميراث الخنثي وما أشبهه حديث: 2، 11

ص: 151

نحن فيه. وإن كان مراده التصدق مع اليأس عن العثور علي المالك بالفحص - كما لعله الظاهر، لمناسبته لمفروض السؤال - كان دليلاً علي خلاف المدعي. وهو الذي يظهر من الصدوق، لظهور مساق كلامه في أن المرسل مخالف لمفاد الصحيح.

وأما المرسل فهو - مع ضعفه، وعدم ظهور الجابر له -: أولاً: لا ينهض بإثبات وجوب التصدق، لوروده مورد توهم الحظر. وثانياً: أنه مع حذف السؤال فيه لا مجال للوثوق فضلاً عن الجزم بمطابقته للسؤال في صحيح معاوية، بل قد يبتني علي اجتهاد الصدوق (قدس سره) في ذلك مع ورود حقيقته في المال الخارجي المجهول مالكه، أو في المال المحكوم بكونه ميراث من لا وارث له، الذي هو من الأنفال المملوكة للإمام (عليه السلام) ويكون الأمر فيه بالتصدق مالكياً لا شرعياً.

ومن هنا يشكل الخروج عن مقتضي الأصل من عدم وجوب التصدق، وعدم براءة الذمة به.

هذا مضافاً لبعض النصوص، مثل ما ورد فيمن عليه دين لا يقدر علي صاحبه من الاكتفاء منه بنية الوفاء والعزم عليه، من دون إشارة للصدقة(1) ، ويظهر من الأصحاب العمل به في الجملة.

ويؤيدها في ذلك أن الحكم المذكور مما يكثر الابتلاء به، فلو كان البناء علي وجوب التصدق لكثرت الروايات المتضمنة له ولفروعه، كما ورد في مجهول المالك، وفي اللقطة، وغيرها، فخلو الأخبار عن التعرض له موجب للوثوق بعدمه والله سبحانه العالم.

وقد أطلنا الكلام في ذلك وغيره من أحكام مجهول المالك في المسألة التاسعة والثلاثين من مسائل المكاسب المحرمة من كتاب التجارة من هذا الشرح عند الكلام في جوائز السلطان. فراجع.

********

(1) وسائل الشيعة ج: 13 باب: 22 من أبواب الدين والقرض حديث: 1

ص: 152

(153)

والأحوط وجوباً أن يكون بإذن الحاكم الشرعي (1). وإن كان في عدد محصور (2) فالأحوط له استرضاء الجميع (3)، فإن لم يمكن عمل بالقرعة.

-

(1) إما لاعتباره في إجراء حكم مجهول المالك - علي ما تقدم الكلام فيه - أو لخصوصية المقام بلحاظ توقف نقل ما في الذمة وتعيينه في المال الخارجي إلي رضا صاحبه، فمع تعذر الوصول إليه يرجع لولي الغائب وهو الحاكم الشرعي، لعدم الإطلاق لدليل التصدق في المقام يقتضي ولاية من عليه الحق علي تعيين الحق مقدمة للتصدق به، كما يظهر مما تقدم في الاستدلال لوجوب التصدق.

(2) الظاهر أن المعيار علي إمكان الوصول إليهم جميعاً، كما يظهر مماسبق.

(3) لما تقدم في المال الخارجي، لعدم الفرق بين المقامين فيه.

هذا ومقتضي الجمود علي ذلك لزوم إرضائهم ولو بدفع بدل ما في الذمة لكل منهم، حيث لا يلزم منه محذور تسليم المال لغير صاحبه الذي هو لازم في المال الخارجي، كما تقدم. لكن يظهر منه (قدس سره) في استدلاله عدم وجوبه حينئذٍ، لقاعدة نفي الضرر.

ومن ثم لا يبعد حمل مراده هنا علي استرضاء الكل في البدل الواحد، إما برضاهم بالتوزيع، أو بالرجوع للقرعة، أو برضا بعضهم بدفع الحق - لو كان له - لغيره من أطراف الشبهة، أو بإبراء ذمة من عليه الحق منه، أو غير ذلك.

هذا ومما تقدم آنفاً يظهر الإشكال في الرجوع لقاعدة نفي الضرر: تارة: بأنها إنما تقتضي عدم وجوب الاحتياط بدفع الحق للكل، لا براءة الذمة مع عدم إحراز وصوله لصاحبه. وأخري: بمنافاتها للامتنان في حق صاحب الحق.

نعم قد يقال: عدم جريان قاعدة نفي الضرر بلحاظ ما يلحق من عليه الحق من الضرر لا ينافي كون لزوم الضرر عليه محذوراً يستلزم كون المورد من المشكل، الذي لا يكفي في حله العمل بمقتضي العلم الإجمالي، خصوصاً مع لزوم الإجحاف به، لكثرة المال، حيث يعلم أن اهتمام الشارع الأقدس به حينئذ، فيتحقق موضوع

ص: 153

وإن علم جنسه وجهل مقداره، فإن عرف المالك جاز له في إبراء ذمته الاقتصار علي الأقل (1). وإن عرف المالك في عدد محصور (2) رجع إلي

-

القرعة، بناءً علي ما سبق في توجيه إرجاعه (قدس سره) إليها ولاسيما مع ورود الرجوع إليها فيما لو نزا الراعي علي شاة ثم أرسل ما في القطيع واشتبهت فيه(1).

هذا مضافاً إلي أن وجوب تسليم الحق لصاحبه وعدم حبسه عنه لا يقتضي في المقام الاحتياط بتمليك بدل الحق لكل طرف من أطراف الشبهة ورفع اليد عنه، بل يكفي الدفع لكل منهم وتمليكه مشروطاً بكونه صاحب الحق، كما يظهر مما سبق، وحيث يكون مقتضي الأصل في حق كل منهم عدم الاستحقاق لم يكن لكل منهم الأخذ، وجري علي المال حكم المال المردد بين أكثر من واحد، وكان من المشكل واتجه (قدس سره) بذلك إرجاعه للقرعة. ولو امتنع بعضهم أو كلهم عن أخذ المال إلا مع رفع من عليه الحق اليد عنه وتمليكه له فعلاً بلا شرط لم يجب إجابته، لعدم الملزم بذلك.

ومن هنا يتعين الرجوع للقرعة بعد ما سبق في توجيه إرجاعه (قدس سره) إليها من عدم الدليل علي التوزيع، ولا علي غيره مما تقدم التعرض له في المسألة العشرين.

نعم أشرنا آنفاً للإشكال في ثبوت عموم الرجوع للقرعة في كل أمر مشكل. ومن ثم يكون المتعين انحصار الأمر بالصلح نظير ما سبق في المال الخارجي.

(1) لاستصحاب عدم حصول سبب الانشغال بالأكثر. ولو غض النظر عنه كفي أصل البراءة من وجوب دفعه.

لكن عن كشف الغطاء فيما لو جهل المالك المعالجة بالصلح ثم الصدقة، وفي الجواهر احتمال لزوم دفع الأكثر. وكلاهما لو تم جري فرض معرفة المالك الذي هو مورد الكلام، وكأن الوجه فيهما الاحتياط، الذي يظهر مما سبق عدم لزومه.

(2) وأمكن الوصول لجميعهم، كما ذكرنا آنفاً.

********

(1) وسائل الشيعة ج: 16 باب: 30 من أبواب الأطعمة المحرمة حديث: 1

ص: 154

(155)

القرعة (1)، وإلا (2) تصدق به عن المالك (3). وفي تعيين التصدق به علي الفقير إشكال، وإن كان هو الأظهر (4).

-

(1) لعين ما تقدم في صورة العلم بجنس المال ومقداره، وإن تقدم منّا الإشكال فيه.

(2) يعني: وإن لم يعرف المالك لا تفصيلاً ولا في عدد محصور.

(3) لما تقدم في صورة العلم بالمقدار، وإن تقدم منّا الإشكال فيه.

(4) الكلام في المقام يجري في كل مجهول المالك وإن كان خارجياً. وقد صرح غير واحد باعتبار الفقر، بل لعله المشهور.

خلافاً لما عن الجواهر من جواز التصدق علي الغني. وكأنه لإطلاق أدلة الصدقة، ولإطلاق الأمر بتقسيم مجهول المالك في الإخوان في معتبر داود بن أبي يزيد - المتقدم عند الكلام في اعتبار استئذان الحاكم في التصدق بمجهول المالك - ولخبر الحرث عن علي (عليه السلام) عن النبي (صلي الله عليه وآله وسلّم): قال: كل معروف صدقة إلي غني أو فقير، فتصدقوا ولو بشق تمرة، واتقوا النار ولو بشق تمرة...(1).

لكن خبر الحرث - مع ضعفه - ظاهر كغيره مما تضمن أن كل معروف صدقة(2) في تنزيل المعروف منزلة الصدقة بلحاظ الثواب، لا في تحديد الصدقة حقيقة، وإلا فمن الظاهر أن الصدقة قسم خاص من المعروف ولا تصدق علي كثير من أفراده. وحينئذ فتعميم المعروف للغني لا يستلزم عموم مشروعية الصدقة له. وأما احتمال إطلاق التنزيل فيه بلحاظ جميع أحكام الصدقة، فهو لا يناسب سياق الحديث، ولا بناء الأصحاب في المقام وغيره من موارد الصدقة.

وأما معتبر داود فقد سبق تقريب كونه أجنبياً عما نحن فيه ولو كان مما نحن فيه

********

(1) وسائل الشيعة ج: 6 باب: 7 من أبواب الصدقة حديث: 5

(2) وسائل الشيعة ج: 6 باب: 41 من أبواب الصدقة حديث: 1، 2

ص: 155

لزم تنزيله علي نصوص الصدقة، لأنه أخص.

وأما أدلة الصدقة فلا يتضح عمومها للغني، لقوة احتمال اختصاص الصدقة بالفقير، لابتنائها عرفاً علي سدّ العوز، وليست كالهبة والهدية متمحضة في الإحسان والمعروف. ولا أقل من إجمالها من هذه الجهة. بل لو فرض عمومها له لغة فلا يبعد انصراف الإطلاق لخصوص الفقير، تبعاً للمرتكزات العرفية والمتشرعية.

علي أنه لابد من الخروج عن الإطلاقات المذكورة - لو تمت - بما تضمن عدم حلّ الصدقة إلا للفقير، كصحيح زرارة عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: سمعته يقول إن الصدقة لا تحل لمحترف، ولا لذي مرة سوي قوي، فتنزهوا عنها(1). وقريب منه غيره. وإطلاق الصدقة فيها يشمل غير الزكاة من أنواع الصدقات، ومنها المقام.

وصحيح الثمالي: أنه سمع علي بن الحسين (عليه السلام) يقول لمولاة له: لا يعبر علي بابي سائل إلا أطعمتموه، فإن اليوم يوم الجمعة. قلت له: ليس كل من يسأل مستحقاً، فقال: يا ثابت أخاف أن يكون بعض من يسألنا محقاً فلا نطعمه ونرده، فينزل بنا أهل البيت ما نزل بيعقوب وآله. أطعموهم(2).

وحديث اليسع بن حمزة قال: كنت في مجلس أبي الحسن الرضا (عليه السلام) أحدثه - وقد اجتمع إليه خلق كثير يسألونه عن الحلال والحرام - إذ دخل عليه رجل طوال آدم، فقال: السلام عليك يا ابن رسول الله (صلي الله عليه وآله وسلّم) رجل من محبيك ومحبي آبائك وأجدادك مصدري من الحج، وقد افتقدت نفقتي، وما معي ما أبلغ به مرحلة، فإن رأيت أن تنهضني إلي بلدي. ولله علي نعمة، فإذا بلغت بلدي تصدقت بالذي توليني عنك، فلست بموضع صدقة. فقال (عليه السلام): اجلس رحمك الله... فقال: خذ هذه المأتي ديناً فاستعن بها في مؤنتك ونفقتك، وتبرك بها، ولا تصدق بها عني...(3). وربما يستفاد من نصوص أخر أو وجوه أخر لا يسع المقام النظر فيها.

********

(1) وسائل الشيعة ج: 6 باب: 8 من أبواب المستحقين للزكاة حديث: 2

(2) وسائل الشيعة ج: 6 باب: 21 من أبواب الصدقة حديث: 9

(3) وسائل الشيعة ج: 6 باب: 39 من أبواب الصدقة حديث: 2

ص: 156

(157)

والأحوط وجوباً أن يكون بإذن الحاكم (1). ويجوز له الاقتصار علي الأقل (2). وإن لم يعرف جنسه وكان قيمياً وكانت قيمته في الذمة (3).

-

هذا وقد يستدل لاعتبار الفقر: تارة: بقوله تعالي: إنما الصدقات للفقراء والمساكين...(1). وأخري: بالنصوص المتضمنة للنهي عن السؤال مع عدم الحاجة(2).

لكنه يندفع بظهور الآية الشريفة في بيان مصرف الصدقات الخاصة المعهودة، وهي الزكوات، لاشتمالها علي مصارف لا تشرع لغيرها. كما أن حرمة السؤال مع عدم الحاجة - لو تمت - أعم من عدم كون الشخص مصرفاً للصدقة. كيف وظاهر بعض هذه النصوص اعتبار الحاجة الشديدة لا الفقر الشرعي. فالعمدة ما سبق.

ويأتي تمام الكلام في ذلك في المسألة التاسعة والثلاثين من مقدمة كتاب التجارة في المكاسب المحرمة إن شاء الله تعالي.

(1) لما سبق في صورة العلم بالمقدار.

(2) لعين ما تقدم في صورة معرفة المالك. وتقدم هناك ما في الجواهر وعن كشف الغطاء في المقام.

(3) كما في موارد إتلاف القيمي، حيث لا تنشغل الذمة به، بل بقيمته، فمع تساوي القيميين في القيمة لا أثر للشك، ومع اختلافهما يكون المورد من صغريات تردد الحق بين الأقل والأكثر، الذي سبق جواز الاقتصار فيه علي الأقل.

هذا وأما لو انشغلت الذمة بالقيمي ابتداءً - كما لو علم أنه باع شاة بمواصفات خاصة وترددت بين أن تكون ضاناً وأن تكون ماعزاً وجهل المشتري - فيجري فيه ما يجري في المثليات. لكن فرّق بينهما سيدنا المصنف (قدس سره) في مستمسكه، فحكم هن

********

(1) سورة التوبة الآية: 60

(2) راجع وسائل الشيعة ج: 6 باب: 31، 32 من أبواب الصدقة

ص: 157

(158)

فالحكم كما لو عرف جنسه (1)، وإن لم يعرف جنسه وكان مثلياً فلا يبعد العمل بالقرعة بين الأجناس (2).

(مسألة 22): إذا تبين المالك بعد دفع الخمس فالظاهر عدم الضمان له (3).

-

بلزوم الاحتياط، وفي المثليات بالقرعة، كما سيأتي. ولم يتضح وجه الفرق. ولعله لذا أمر بالتأمل بعد الحكم هنا بلزوم الاحتياط.

(1) فإن اتفقت القيميات التي هي أطراف التردد في القيمة كان من موارد معرفة الجنس والمقدار، وإن اختلفت فيها كان من موارد معرفة الجنس والجهل بالمقدار التي سبق الحكم فيها بجواز الاقتصار علي الأقل.

(2) بل المتعين الاحتياط بالصلح ونحوه مع التمكن. ومع تعذره فقد يدعي لزوم الاحتياط بدفع الجنسين أو الأكثر، عملاً بمقتضي العلم الإجمالي. لكنه يشكل باستلزامه الضرر الذي يوجب كون المورد من المشكل الذي سبق من سيدنا المصنف (قدس سره) أنه مورد القرعة، نظير ما تقدم فيما لو تردد المالك بين عدد محصور.

مضافاً إلي أنه قد ظهر مما سبق أن الاحتياط في المقام لا يكون ببذل كل من المالين والتصدق بهما معاً، بل بدفع كل منهما والتصدق به علي تقدير أن يكون هو المستحق، المستلزم لاشتباه الحق وتردده بين المالين من دون إمكان حله بوجه شرعي، فيكون من موارد القرعة، بناء علي أنها لكل أمر مشكل، نظير ما تقدم في صورة تردد المالك في عدد محصور.

نعم تقدم الإشكال في ثبوت عموم الرجوع للقرعة في كل أمر مشكل، وأنه لا حلّ للمشكلة إلا بالصلح ونحوه. فراجع.

(3) كما قواه في المدارك وحكي عن الذخيرة وغيرها. لظهور دليل الخمس في المقام في ملكية الباقي لصاحب المال الحلال، كما في سائر موارد الخمس. بل صريح موثق السكوني أن سائر المال له حلال، وظاهر الحلية في الأموال هي الحلية المتفرعة

ص: 158

علي الملك، ومقتضي ذلك انقلاب حكم المال وخروجه عن ملك صاحب الخليط، ومع ذلك لا موضوع للضمان، لظهور أدلة ضمان اليد والإتلاف في اعتبار بقاء المال علي ملك صاحبه إلي حين الوصول له.

بل لا ريب في أنه لا يشمل ما خرج عن ملكه، كما لا ريب في عدم الضمان في المقام قبل ظهور المالك، ولذا لا يجب الإيصاء بالمال، ولا عزله من التركة، ولازم ذلك سقوط ضمان اليد والتلف.

غاية الأمر أن يدعي تجدد الضمان بظهور المالك، كما ورد في اللقطة. لكنه يحتاج في المقام إلي دليل، وبدونه فمقتضي الأصل عدمه.

ودعوي: أن ثبوت الخمس مراعي واقعاً بعدم ظهور المالك، ووجوب دفع الخمس وجواز التصرف حينئذ حكم ظاهري لاستصحاب عدم ظهوره، فمع ظهوره يتبين عدم مشروعية الخمس من أول الأمر، وبقاء المال علي ملك صاحبه، وعدم جواز التصرف فيه، فيكون مضموناً.

مدفوعة بأنه لا شاهد لذلك، بل ظاهر النصوص كفاية الجهل بالمالك في مشروعية ذلك الخمس، وحلّ المال به واقعاً، كيف ولازم ذلك ضمان آخذ الخمس، لانكشاف أخذ الخمس ممن لا حق له في التصرف، ولا يظن منهم البناء علي ذلك.

ومن ذلك يظهر ضعف ما في المسالك وكشف الغطاء والجواهر وعن البيان والروضة، من الضمان. لمنع اقتضاء الإذن رفع الضمان. ولو سلم فإنما يقتضيه مع عدم الدليل عليه، أما مع الدليل عليه فلا ينهض بمعارضته الدليل، بل يتعين الجمع بينهما بالبناء علي الضمان مع الإذن.

وجه الضعف: ما سبق من أن ظاهر الحكم بحلّ المال عدم الضمان وحينئذ إن أريد بالدليل علي الضمان الدليل عليه في خصوص المورد، ليخرج به عن ظاهر الحكم بالحلّ، فهو غير متحصل لنا. وإن أريد به عموم ضمان اليد والإتلاف فدليل الحلّ في المقام أخص منه فيكون مقدماً عليه.

ص: 159

نعم يصعب البناء علي عدم الضمان بالنظر للمرتكزات المتشرعية البدوية. ولعل ذلك هو الذي حملهم علي الحكم بالضمان وتكلف الاستدلال عليه. إلا أنها ليست بنحو تنهض بالاستدلال بعد كون أصل الحكم بتحليل الخمس للمال حكماً تعبدياً لا يتناسب مع المرتكزات البدوية. فتأمل جيداً.

ثم أنه لو قيل بالضمان للمالك فمقتضي الأدلة المتقدمة ضمان حقه له كاملاً. لكن ظاهر العروة الوثقي ضمان الخمس له. وهو غير ظاهر الوجه، إذ لو بني علي بقاء حكم المال الحاصل بسبب الاختلاط لزم بقاء الخمس في مصرفه، ولو بني علي ارتفاعه بظهور المالك ورجوع حكم المال الأول لزم رجوع حق المالك إلي حاله في تمام المال. والتفكيك بين أصل ثبوت الخمس ومصرفه في البقاء والارتفاع غريب.

اللهم إلا أن يكون مبني كلامه المفروغية عن ضمان ما عدا الخمس، ويكون ذكره لضمان الخمس لدفع احتمال كون القيام بالوظيفة الشرعية فيه مانعاً من ضمانه.

هذا كله إذا ظهر المالك بعد دفع الخمس، وأما لو ظهر قبله فاللازم ابتناؤه علي ما سبق الكلام فيه من أن الخمس هل يثبت في المال بمجرد الاختلاط والجهل بالمالك، أو لا بل يبقي المال علي ملك صاحبه، وليس الخمس إلا محللاً له عند إخراجه، كما تقدم أنه الأظهر. فعلي الثاني يتعين إرجاع المال للمالك إذا ظهر قبل دفع الخمس. أما علي الأول فاللازم البناء علي عدم الدفع له، بل يخرج الخمس لا غير، لاستصحاب بقاء حال المال علي ما كان عليه قبل ظهور المالك.

لكن سيدنا المصنف (قدس سره) وبعض مشايخنا مع بنائهما علي الأول حكما بوجوب إرجاع المال للمالك وسقوط حكم الخمس.

وقد وجه بعض مشايخنا بأن الخمس لما كان يثبت بمناط التطهير، فدليله ينصرف عما إذا ظهر المالك قبل إخراجه، ويختص بما إذا لم يعرف حتي أخرج الخمس. وحلل المال، أما لو ظهر قبل ذلك فلا موجب لحل المشكلة بإخراج الخمس، بل يتعين حلها بمراجعة المالك، وينكشف عدم ثبوت الخمس من أول الأمر.

ص: 160

(161)

(مسألة 23): إذا علم بعد دفع الخمس أن الحرام أكثر من الخمس لم يجب عليه شيء (1).

-

لكنه كما تري! فإن البناء علي أن ثبوت الخمس بمناط التحليل إن رجع إلي كون إخراجه محللاً، فمع ظهور المالك لا حاجة له، رجع إلي ما ذكرناه في مبني المسألة ونافي المبني الذي جري عليه. وإن رجع إلي أن حدوث المشكلة أوجب حلها شرعاً بجعل الخمس وملك من عنده المال الباقي فمن الظاهر أن المشكلة حدثت بمجرد الاختلاط والجهل بالمالك وقصور جعل الخمس حينئذ عن صورة تعقب ظهور المالك مخالف لإطلاق دليله. ولو تم لم يفرق بين ظهوره قبل دفع الخمس وظهوره بعد دفعه، مع أنه التزم بعدم الضمان له في الثاني.

(1) كما احتمله في كشف الغطاء وقواه في العروة الوثقي وحكي عن شيخنا الأعظم (قدس سره). لدلالة نصوص الخمس علي ملكية صاحب الحلال للباقي بعد الخمس بتمامه وانقلاب حكمه بمجرد الاختلاط أو بدفع الخمس، علي الكلام السابق، وهو مستلزم لذلك. وتبدل الحال بانكشاف مقدار الحرام يحتاج إلي دليل، ومقتضي الاستصحاب عدمه.

وأما ما في الجواهر من استلزامه حلية معلوم الحرمة. فهو كما تري! لأن ملكية المال أمر اعتباري تابع للشارع يجعله كما يشاء. كيف؟! ولا إشكال ظاهراً في أن تحليل الخمس للمال واقعي، وهو مستلزم لذلك.

ومثله دعوي: أن وجوب الخمس مراعي بعدم ظهور الحال، لدعوي انصراف النصوص عن صورة ظهوره بعد ذلك. إذ فيها: أن ذلك خلاف إطلاق النصوص.

هذا كله بناءً علي قصور النصوص عما إذا علم من أول الأمر بزيادة الحرام عن الخمس أو نقصانه عنه، وإلا فالأمر أظهر، كما لا يخفي.

هذا وعن البيان احتمال استدراك الصدقة في الجميع باسترجاع الخمس

ص: 161

وإن كان الأحوط استحباباً التصدق به، وإذا علم أنه أنقص لم يجز له استرداد الزائد علي مقدار الحرام (1).

-

والتصدق بالجميع، فإن لم يمكن أجزأ وتصدق بالزائد، وفي كشف الغطاء: واحتمل وجوب التصدق بجميعه.

واستشكل في الجواهر في وجوب استرجاع الخمس بأن مثل هذه الصدقة لا تحرم علي بني هاشم، ويندفع: أولاً: بأنه وإن جازت الصدقة بمجهول المالك علي بني هاشم، إلا أن دفع الخمس لم يكن بعنوان الصدقة. وثانياً: بأن النصف الراجع للإمام (عليه السلام) قد لا يعطي للفقراء، بل يصرف في مصارف أخر يحرز رضاه (عليه السلام) بها.

فالعمدة في الإشكال في هذا الوجه ما سبق. مضافاً إلي عدم الوجه بناء علي وجوب استرجاع الخمس للاجتزاء به مع تعذر استرجاعه، والاكتفاء بالتصدق بالباقي، لأن عدم الاجتزاء بالخمس إن ابتني علي أن الاكتفاء بالخمس مراعي بعدم ظهور الحال لزم ضمان الدافع للخمس مع تعذر استرجاعه، لانكشاف عدم وقوعه منه في محله وبلا حق، فيضمن. وإن ابتني علي تبدل الحكم بظهور الحال لزم عدم وجوب استرجاع الخمس حتي مع القدرة علي ذلك، لعدم ضمانه بعد وقوعه منه في محله شرعاً. غاية الأمر أن يجب علي من عنده الخمس إرجاعه مع بقاء عينه، لتبدل حكمه.

ومما سبق يظهر ضعف ما في الجواهر وجزم به بعض مشايخنا من وجوب التصدق بالزائد، وفي كشف الغطاء: لعله الأقوي.

(1) لما سبق. بل جزم بعض مشايخنا هنا بذلك مع أنه التزم هناك بعدم الاجتزاء بالخمس، لكون وجوبه مراعي بعدم ظهور الحال. للفرق بينهما بعدم وقوع دفع الزيادة هنا عبثاً، بل فائدتها تحليل المال الباقي، وحل مشكلة العلم الإجمالي. لكن الإنصاف أن ذلك ليس فارقاً بالنظر لمفاد الأدلة. هذا وأما لو ظهر أحد الأمرين قبل دفع الخمس فالكلام فيه نظير الكلام في المسألة السابقة.

ص: 162

(163) (163)

(مسألة 24): إذا كان الحرام المختلط من الخمس والزكاة أو الوقف العام أو الخاص لا يحل المال المختلط به بإخراج الخمس، بل يجري حكم معلوم المالك (1)، فيراجع ولي الخمس أو الزكاة أو الوقف علي أحد الوجوه السابقة (2).

(مسألة 25): إذا كان الحلال الذي اختلط به الحرام قد تعلق به الخمس وجب عليه بعد إخراج خمس التحليل خمس الباقي (3).

-

(1) كما قواه في الجواهر والعروة الوثقي وعن شيخنا الأعظم (قدس سره) نفي الإشكال فيه. لأنه وإن لم يكن مملوكاً لشخص خاص، إلا أنه معلوم الوجه والمصرف، والظاهر من اعتبار الجهل بالمالك في المقام إرادة ما يعم ذلك.

ولا أقل من قصور النصوص عنه، لظهور اعتبار الجهل بالمالك فيها في فرض كون الحرام مملوكاً لشخص خاص، فيكون المرجع الأصل المقتضي لبقاء حكم المال الأولي، وعدم الاجتزاء بدفع الخمس.

ومنه يظهر ضعف ما في كشف الغطاء من التفصيل، فيجتزئ بالخمس في الأخماس والزكوات، ويلحق الوقف بمعلوم المالك.

(2) من حيثية العلم بالمقدار والجهل به والعلم بالجنس والجهل به.

(3) كما في المسالك والجواهر - حاكياً عن بعضهم التصريح به - وحكي عن شيخنا الأعظم (قدس سره)، واختاره في العروة الوثقي أيضاً. والوجه فيه إطلاق دليل كل من الخمسين.

وعن الحواشي البخارية الاكتفاء بخمس واحد. لإطلاق نصوص المقام. وفيه: ما ذكره غير واحد من أنه وارد لبيان التحليل من حيثية الاختلاط، لا من جميع الجهات، ولذا لا يظن بأحد البناء علي عمومه لما إذا كان في المال حقوق أخري بسبب الوقف أو النذر أو الرهن أو غيرها.

ص: 163

ثم إن ما ذكره سيدنا المصنف (قدس سره) من إخراج الخمس الآخر بعد التخميس للاختلاط هو المصرح به في كلام من تقدم، وكأن الوجه فيه: أنه بعد التخميس للاختلاط يصير الباقي بتمامه للمالك فيكون موضوعاً لخمس آخر.

وفيه: أولاً: ما نبه له بعض مشايخنا من أن موضوع نصوص المقام لما كان هو الحلال المختلط بالحرام فهو لا ينطبق في المقام علي مقدار الخمس الثابت في المال الحلال، لكونه معلوم الوجه والمصرف، نظير ما سبق في الوقف والحق الشرعي فلابد من استثنائه أولاً وإخراجه، ثم التخميس للاختلاط. وأما الحكم شرعاً بملكية الباقي بعد التخميس للاختلاط فليس هو منشأ لثبوت الخمس في الحلال، بل هو متأخر عنه، لفرض ثبوت الخمس في الحلال مع قطع النظر عن اختلاطه. فالمقام نظير ما لو كان في جملة المال مال يعلم مالكه، حيث يجب إخراجه أولاً، ويكون موضوع الخمس الناشئ من اختلاط الحلال بالحرام هو الباقي بعد إخراجه، لا غير.

وثانياً: أن صيرورة الباقي ملكاً له بعد التخميس للاختلاط، ولو كان هو المنشأ لتخميسه الخمس الآخر لزم استثناء مؤنة سنته تلك منه وعدم وجوب إخراجه إلا في رأس سنته اللاحق لإخراج الخمس بسبب الاختلاط.

ودعوي: أن الخمس الثابت في الحلال وإن كان ثابتاً فيه قبل التخميس للاختلاط، إلا أن اشتباه الحلال وتردده بين الأقل والأكثر يوجب تردد مقدار الخمس المذكور، ومفاد أدلة التخميس للاختلاط أن التخميس يوجب الحكم بكون الباقي كله حلالاً، لا بنحو الكشف الحقيقي، لعدم كونه أمارة، بل بنحو الكشف الانقلابي أو الحكمي، فيحكم بأن الخمس الثابت في الحلال هو خمس الباقي بعد التخميس للاختلاط، فهو أشبهة بالمصالحة بين الشارع الأقدس والمكلف علي تعيين الحلال بالأربعة أخماس الباقية، فيترتب عليها وجوب خمسه فيها.

مدفوعة: بأن ظاهر أدلة التخميس للاختلاط كون دفع الخمس موجباً لملك الباقي بتمامه من حين التخميس، لا بنحو الكشف بأي وجه من وجوهه، بل هو نظير النقل.

ص: 164

هذا وبناء علي ما ذكره بعض مشايخنا من تخميس الحلال قبل التخميس للاختلاط فقد التزم بالاقتصار في تخميس الحلال علي المتيقن منه، فلو دار الحلال بين خمسين وأربعين أخرج خمس أربعين، ومنع من الرجوع لليد في إثبات أنه الأكثر.

أولاً: لأن اليد ليست حجة في موارد الاختلاط الذي يجب معه الخمس، وإلا لم يحتج إليه.

وثانياً: لأنها لو جرت إنما تحرز ملكية صاحب اليد للأكثر، دون كونه من الأرباح، ليتعلق بها الخمس.

لكن يشكل الثاني بأن الفائدة ليست إلا ما ملكه الإنسان فمع إحراز ملكية الشيء باليد يتعين صدق الفائدة ووجوب الخمس. ولذا لا يظن منه ولا من غيره التوقف في وجوب تخميس ما تحت اليد إذا احتمل عدم ملكية صاحبها له. وكذا لو تردد الحرام بين الأقل والأكثر وعرف المالك، حيث تقدم الاجتزاء بدفع الأقل له عملاً باليد، فهل يظن منه البناء علي عدم تخميس الباقي بتمامه، بل يقتصر علي تخميس المتيقن منه، لعدم نهوض الدليل بإثبات كون المقدار المشكوك فائدة، وإن نهضت بإثبات ملكيته له.

فالعمدة في المقام هو الوجه الأول، لا لما ذكره من عدم الفائدة في الخمس لو كانت اليد حجة علي ملكية الأكثر، إذ يكفي في فائدته رفع الاشتباه الملزم بالاحتياط بمقتضي العلم الإجمالي بل لظهور أدلة التخميس في أن الخمس ليس من أجل رفع الاشتباه في المال وتمييز الحلال عن الحرام منه فقط، رفعاً لمشكلة العلم الإجمالي، بل من أجل تعيين مقدار الحلال أيضاً، بما يناسب عدم حجية اليد علي ملكية الأكثر.

ومن هنا فالذي تقتضيه القاعدة هو تخميس أقل ما يحتمل ملكيته من المال المختلط، للعلم بملكيته، ثم تخميس الباقي من أجل الاختلاط فإن زاد الباقي علي ما بقي له بعد التخميس الأول كان الزائد من أرباح سنة دفع خمس الاختلاط، فيخمس مع بقية أرباحها بعد استثناء مؤنة تلك السنة منها.

ص: 165

(166)

(مسألة 26): إذا تصرف في المال المختلط بالحرام قبل إخراج خمسه بالإتلاف لم يسقط الخمس، بل يكون في ذمته (1). وحينئذٍ إن عرف

-

مثلاً إذا كان عنده مائة وخمسون وتردد الحلال بين الخمسين والمائة، بني علي أنه خمسون، ودفع خمسها، وهو عشرة، فيكون ماله المخمس أربعين ويبقي المختلط بالحرام مائة وأربعين، فيدفع خمسها ثانياً من أجل الاختلاط، وهو ثمانية وعشرون، ويبقي له بعد دفع كلا الخُمسين مائة واثنا عشر، وهي أكثر من ماله المخمس أولاً - وهو الأربعون - باثنين وسبعين، وحينئذٍ تحسب الاثنان وسبعون من ربح سنة دفع خمس الاختلاط، فتخمس في جملة أرباح تلك السنة بعد استثناء مؤنتها منها.

(1) كما في الجواهر ومحكي رسالة شيخنا الأعظم مرسلين له إرسال المسلمات.

لكن في كشف الغطاء: وإن كان قد تصرف فيه شيئاً فشيئاً دخل في حكم مجهول المالك يعالج بالصلح ثم الصدقة. وهو يبتني في الجملة علي ما تقدم عن الفقيه الهمداني وتقدم منا أنه الأظهر، من أن الخمس محلل للمال من الحرام مع بقاء المال قبل التحليل علي ملك صاحبه، ومع تلفه يكون مضموناً له، فيلحقه حكم مجهول المالك، بناء علي ما تقدم في المسألة الحادية والعشرين من جماعة من عمومه للذميات.

وأما بناء علي ما يظهر من غير واحد في الفروع المتقدمة من ثبوت الخمس في المال بمجرد الاختلاط، وانقلاب حكمه، وخروجه عن ملك صاحبه، فاللازم ضمان الخمس، كما تقدم من غير واحد.

نعم لا يتضح الوجه فيما قد يظهر من كشف الغطاء من اختصاص ذلك بالتصرف التدريجي. إلا أن يحمل علي الغالب. كما لا يتضح الوجه فيما يظهر منه من انحصار الأمر بالصلح مع عدم معرفة المقدار، بل مقتضي اليد والأصل الاكتفاء بدفع الأقل.

هذا ولو كان التصرف اعتبارياً بالمعاوضة أو غيرها، فعلي المختار - من كون الخمس محللاً للمال المختلط من دون أن يثبت فيه قبل دفعه - يتعين عدم نفوذه لو

ص: 166

قدره (1) دفعه إلي مستحقه، وإن تردد بين الأقل والأكثر جاز الاقتصار علي الأقل (2) والأحوط دفع الأكثر.

-

صادف الحرام إلا بإجازة المالك أو وليه، وعلي القول الآخر يلحقه حكم التصرف في موضوع الخمس الآتي في المسألة الثامنة والسبعين إن شاء الله تعالي.

(1) يعني: عرف قدر الخمس تبعاً لمعرفة المقدار الذي أتلفه من المختلط. وإلا فلو عرف مقدار الحرام خرج عن موضوع الخمس ووجب التصدق به، علي ما يظهر من جماعة منهم سيدنا المصنف (قدس سره). وإن سبق منا في أول الكلام في هذا القسم الإشكال في ذلك. فراجع.

(2) لأصالة عدم إتلاف الأكثر وعدم انشغال الذمة به.

فرع: قال في كشف الغطاء: ولو خلط الحرام بالحلال عمداً خوفاً من كثرة الحرام، ليجتمع شرائط الخمس فيجتزئ بإخراجه، فأخرجه عصا بالفعل، وأجزأه الإخراج، ونحوه في الجواهر.

لكن قال بعد ذلك: ويحتمل قوياً تكليف مثله بإخراج ما يقطع معه بالبراءة إلزاماً له بأشق الأحوال. ولظهور الأدلة في غيره.

وكأن منشأ ظهور الأدلة في غيره أن المنساق مما تضمن الإغماض في طلب المال كون الاختلاط بسبب التسامح في كسب المال وجمعه، كما لو كان حلالاً، حيث يستلزم ذلك عدم عزله عن الحلال، ولا يشمل ما لو كان متعمداً لأجل الاكتفاء بالخمس. ونحوه في ذلك قوله في خبر الحسن بن زياد: إني أصبت مالاً لا أعرف حلاله من حرامه(1) ، لظهوره في عدم معرفة الحلال من الحرام من حين إصابة المال واكتسابه. لكنه لو لم يمكن إلغاء خصوصية ذلك فلا أقل من عدم نهوض هذه النصوص بتقييد إطلاق صحيح عمار بن مروان.

********

(1) وسائل الشيعة ج: 6 باب: 10 من أبواب ما يجب فيه الخمس حديث: 1

ص: 167

هذا وقد استدل علي عدم إجزاء الخمس شيخنا الأعظم (قدس سره) - فيما حكي عنه

والسيد الطباطبائي بأنه كمعلوم المالك. وقال الثاني: حيث إن مالكه الفقراء قبل التخليط. وهو كما تري! لأن مجهول المالك لا يخرج عن ملك مالكه ويصير ملكاً للفقراء إلا بالتصدق.

ومن ثم حمله بعض مشايخنا علي أنه وإن يكن معلوم المالك، إلا أنه مثله في كونه معلوم المصرف، فتقصر النصوص عن مثله، كما تقدم في المسألة الرابعة والعشرين.

لكن المراد بمعلوم المالك أو المصرف إن كان بلحاظ حال ما قبل الخلط، كما تقدم من السيد الطباطبائي (قدس سره)، فمن الظاهر عدم ظهور النصوص في استثنائه، بل استثناء معلوم المالك بعد الخلط. بل لا مجال لتوهم استثنائه، لأن الغالب في الحرام المختلط معرفة مالكه قبل خلطه. وإن كان بلحاظ حال ما بعد الخلط فمن الظاهر أنه لا وجه لمعلومية مالكه أو مصرفه حينئذ إلا إطلاق نصوص التصدق بمجهول المالك، ومن الظاهر أن نصوص المقام أخص، فتقدم.

وأما ما ذكره من أن موثق السكوني ناظر إلي من يريد التوبة والتخلص من مشكلة الاختلاط ولا يدري ما هي وظيفته بإزاء الحرام، وهذا لا يعم الحرام المشخص قبل الاختلاط المعلوم مصرفه وهو التصدق. ولاسيما إذا كان الخلط عمدياً لغاية سيئة، كما هو المفروض في المقام، فإن النص منصرف عن مثل هذا الغرض جزماً.

فهو لا يرجع إلي محصل صالح في إثبات حكم شرعي: أولاً: لأن قصور موثق السكوني لا يمنع من التمسك بغيره. وثانياً: لأن خلطه للمال إذا كان موجباً لتبدل الحكم لم يكن غاية سيئة.

وأما ما تقدم من كشف الغطاء والجواهر من حرمته فهو غير ظاهر الوجه إذا لم يوجب تصرفاً زائداً علي ما يقتضيه وضع اليد كما لو كان عنده قائمة بتمييز الحرام من الحلال فأتلفها.

هذا كله مضافاً إلي أن مقتضي ما ذكره عموم عدم الاجتزاء بالخمس لكل

ص: 168

(169) (169)

السابع: ما يفضل (1)

-

اختلاط بعد الجهل بالمالك، وإن لم يكن متعمداً من أجل تبديل الحكم، بل كان بداع آخر غير الاجتزاء بالخمس كالعزم علي أخذ المال الحرام تمرداً، أو لتخيل جواز الخلط، وهو لا يناسب إطلاق النصوص جداً، لشيوع حصول ذلك.

نعم يختص ما ذكره في الجواهر بالخلط بداعي الاكتفاء بالخمس. وإن كان من القريب عموم مراده لباً لغيره.

ثم إنه لو تم ما ذكروه من عدم الاجتزاء بالخمس فما ذكره في الجواهر من إلزامه بأشق الأحوال إن أراد به إلزامه بدفعه لمصرف الخمس فهو خال عن الدليل بعد الاعتراف بخروجه عن مدلول نصوص المقام. وإن أراد به إلزامه بدفعه صدقة، فالإلزام بأشق الأحوال لا ينهض دليلاً في الأحكام. فلاحظ.

(1) بلا خلاف معتد به أجده فيه، كما في الجواهر، وفي الخلاف والغنية والتذكرة وعن المنتهي وظاهر الانتصار والسرائر أو صريحهما الإجماع عليه. قال في الجواهر: وهو الذي استقر عليه المذهب والعمل في زماننا هذا، بل وغيره من الأزمنة السابقة التي يمكن دعوي اتصالها بزمان أهل العصمة عليهم السلام.

وقال الشهيد (قدس سره) في محكي البيان: وظاهر ابن الجنيد وابن أبي عقيل العفو عن هذا النوع، وإنه لا خمس فيه. والأكثر علي وجوبه، وهو المعتمد، لانعقاد الإجماع عليه في الأزمنة السابقة لزمانهما واشتهار الروايات فيه.

ويقتضيه إطلاق الآية الشريفة، بناء علي ما سبق في أول الكلام في ثبوت الخمس في غنائم دار الحرب من عمومها لكل فائدة وخصوص النصوص الكثيرة، بل في التذكرة وعن المنتهي أنها متواترة، كما هو غير بعيد بملاحظة طوائفها الثلاث، وهي المتضمنة لتشريعه، والمتضمنة لتحليله والعفو عنه، والمتضمنة للمطالبة به وجبايته. ويعضدها عمل الطائفة الحقة في فتاواهم وسيرتهم، تبعاً لأئمتهم (صلوات الله عليهم).

ص: 169

(170)

نعم قد يستشكل في ذلك بأنه لو كان ثابتاً في أصل التشريع - بالآية الشريفة أو بغيرها - لظهر في عمل النبي (صلي الله عليه وآله وسلّم) ومن بعده من خلفاء الجور، فضلاً عن أمير المؤمنين (عليه السلام) في خلافته الظاهرة وبسط يده، كما ظهر منهم أخذ الزكاة والخراج وخمس الغنائم وغيرها، ولشاع بين المسلمين لكثرة الابتلاء به. بل لظهر بين الشيعة في عصور الأئمة الأوائل (صلوات الله عليهم)، مع أن رواياته لم ترد إلا عن الصادقين ومن بعدهما من الأئمة (عليهم السلام)، وما شاع جبايته إلا في عصور المتأخرين منهم (عليهم السلام).

لكن هذا الإشكال - كما تري - لا ينهض بمنع دلالة الآية الشريفة علي الخمس المذكور، فضلاً عن منع ثبوته في أصل التشريع بعد ورود الأمر به من الأئمة المتأخرين صلوات الله عليهم أجمعين، واهتمامهم به وتطبيقهم الآية الشريفة عليه - كما سيأتي في بعض نصوصه - وبعد ثبوت عملهم عليه، حيث كانوا يأخذونه، وقد نصبوا الوكلاء لجبايته، كما يظهر من نصوص كثيرة، فإن مطابقة عملهم للتشريع تستلزم تشريع الخمس المذكور.

وأما احتمال كون أمرهم (عليهم السلام) به وعملهم عليه تبعاً لولايتهم (عليهم السلام) العامة، لا تبعاً للتشريع. فهو مخالف لظاهر النصوص هنا وفي سائر ما يصدر عنهم (عليهم السلام).

بل هو لا يتناسب مع نصوص التحليل الواردة في غير غنائم دار الحرب، والنصوص المتضمنة للاستشهاد بالآية الشريفة والمتضمنة أنه حق جعله الله تعالي لهم (عليهم السلام)، وغيرها مما يأتي بعضه.

كما أنه لا يتناسب مع ما فهمه الأصحاب من الصدر الأول حتي الآن من أمرهم (عليهم السلام) وعملهم، خصوصاً لو أريد بذلك أنه حكم ولايتي مؤقت لا استمرار له، حيث لا يمكن عادة خطؤهم في فهم حقيقة هذا الحكم العملي الشايع الابتلاء. ومن هنا لا ريب في دلالة أمرهم (عليهم السلام) وعملهم علي كون الخمس المذكور ثابتاً بأصل التشريع.

وحينئذ كما أمكن تشريعه مع عدم ظهور عمل النبي (صلي الله عليه وآله وسلّم) ومن بعده به لنا، أمكن دلالة الآية عليه مع ذلك، فلا يمكن الخروج بذلك عن ظاهر الآية الشريفة المعتضد

ص: 170

بما تقدم، والمؤيدة بما هو المعلوم من رواياتنا وروايات العامة من أن الله سبحانه وتعالي قد عوض بني هاشم زادهم الله شرفاً عن الزكاة بالخمس الذي تضمنته الآية الشريفة، فإن ذلك يناسب ابتناء الخمس علي الاستمرار وكثرة الموارد كالزكاة، ولا يناسب اختصاصه ولا اختصاص الآية التي هي الأصل في تشريعه بغنائم الحرب، التابعة لظروف استثنائية، ليس من شأنها الاستمرار.

غاية الأمر أن يكون عدم ظهور تصدي النبي (صلي الله عليه وآله وسلّم) لأخذه أمراً غير طبيعي يحتاج إلي توجيه.

علي أن ذلك لا يختص به، بل يجري في عدم تصدي الشيعة لسؤال الأئمة - الذين صرحوا بتشريعه، وتحليل الشيعة منه، ثم تصدوا لأخذه - عن سر إهمال النبي (صلي الله عليه وآله وسلّم) ومن بعده له، وكيف خرجوا صلوات الله عليهم عن سيرته في ذلك؟! لأن الشيعة وإن تأدبوا بالتسليم لأئمتهم صلوات الله عليهم والطاعة لهم، إلا أنهم كانوا كثيراً ما يحاولون معرفة مطابقة أوامرهم (عليهم السلام) لمصادر التشريع الواردة في صدر الإسلام من الكتاب المجيد والسنة الشريفة. ولعلهم اطلعوا من سيرته (صلي الله عليه وآله وسلّم) علي ما لم نطّلع عليه، أو عرفوا من سر ذلك ما لم يصل إلينا.

مضافاً إلي أنه روي الجمهور أن رجلاً من عبد القيس جاء إلي النبي (صلي الله عليه وآله وسلّم)، فلما أراد الانصراف أمره (صلي الله عليه وآله وسلّم) بالصلاة والصيام والزكاة وإعطاء الخمس مما غنم(1). بل أفاض في كتاب الصحيح من سيرة النبي الأعظم (صلي الله عليه وآله وسلّم) في ذكر النصوص المتضمنة لذلك ولنصب النبي (صلي الله عليه وآله وسلّم) الوكلاء لقبض الخمس من طرق العامة(2).

وهي كالصريحة في أن الخمس المذكور من كل ما يملك الإنسان، ولا يختص بغنائم الحرب. ولاسيما بلحاظ أن دفع خمس غنائم الحرب لم يكن من وظيفة المحارب، بل يقوم به النبي (صلي الله عليه وآله وسلّم) بنفسه، ولا يقسم الغنيمة بين المحاربين إلا بعد أخذ خمسها.

********

(1) عمدة القاري في شرح صحيح البخاري ج: 8 ص: 243

(2) الصحيح من سيرة النبي الأعظم ج: 5 ص: 210

ص: 171

ودعوي: أن ذلك لا يتناسب مع سيرة خلفاء الجور، إذ لو كان الخمس ثابتاً بهذه السعة والظهور لرغبوا فيه واهتموا بأخذه، ولو فعلوا لشاع وظهر، كما ظهر أخذهم الخراج والجزية والزكاة، مع أنه ليس لذلك عين ولا أثر في الأحاديث والتاريخ.

مدفوعة: بأن ذلك لا يكفي في رد هذه الأحاديث والنصوص التاريخية الكثيرة وتكذيبها. ولاسيما مع ما هو المعلوم من اهتمام الصدر الأول بتحريف كثير من الحقائق الثابتة أو طمس معالمها نتيجة التحجير علي السنة النبوية الشريفة التي لا تتناسب مع خط السلطة وأهدافها والسعي الحثيث بالتعاون مع المنافقين لاختلاق الأحاديث الكثيرة التي تتناسب معهما. لظهور أن تشريع الخمس عموماً يبتني علي التنويه بأهل البيت صلوات الله عليهم وبني هاشم عموماً ودعمهم مالياً، وهو أمر لا يتناسب مع خط السلطة وأهدافها.

غير أن خمس الغنائم يختلف عن خمس أرباح التجارات والفوائد، فخمس الغنائم كان من الشيوع والظهور في أيام النبي (صلي الله عليه وآله وسلّم) بنحو لا يمكن تجاهله حيث كان عمدة مال المسلمين هي الغنائم. كما أنه يصل أولاً إلي الولاة المسيطرين علي بعث الجيوش وعلي غنائمها، ومنهم يصل إلي مصارفه، فهو مصدر قوة للولاة وجهة امتياز لهم، ومن ثم كان الحفاظ عليه في صالحهم. غايته أنهم حرموا أهله منه وتجاهلوا احتجاجاتهم المتكررة تنفيذاً لمخططهم.

أما خمس الفوائد وأرباح التجارات فليس هو من الظهور بذلك الحد. كما أنه لا يسهل حرمان أهل البيت (صلوات الله عليهم) وبني هاشم منه. لأن عموم المسلمين إذا سمعوا حجتهم ركنوا إليها وحاولوا الالتفاف علي السلطة - لعدم انضباط الأرباح والفوائد - من أجل إيصال الخمس أو بعضه لأهل البيت (عليهم السلام) وبني هاشم وبمرور الزمن يثبت لهم الحق عملياً ويقوي مركزهم تدريجياً، بنحو لا يتناسب مع خط السلطة وأهدافها. فكان سدّ هذا الباب بإلغاء الخمس المذكور وإغفال الناس عنه أصلح للسلطة وأحري بتنفيذ مخططها في حرمان أهل البيت (صلوات الله عليهم)

ص: 172

وإضعاف مركزهم وإغفال الناس عنهم.

ويظهر من بعض النصوص التاريخية أن بني هاشم عامة كانوا يرون ثبوت هذا الخمس لهم ولم يتخلوا عنه، بل يطالبون به إذا وسعهم ذلك، فقد ذكروا أن العباسيين في دولة الأمويين حينما بدأوا بالدعوة لهم والتمهيد لدولتهم أخذوا من شيعتهم خمس أموالهم(1).

هذا ولو غض النظر عن جميع ذلك وسلمنا عدم تصدي النبي (صلي الله عليه وآله وسلّم) لأخذ هذا الخمس فمن الظاهر أن الخمس حق للنبي (صلي الله عليه وآله وسلّم) والأئمة (عليهم السلام)، وهو قابل للتحليل ورفع اليد عنه من قبلهم إعمالاً لسلطنتهم علي حقوقهم ولولايتهم علي أصحاب الحق، كما ثبت في كثير من الموارد. وحينئذ لعل عدم شيوع العمل به في صدر الإسلام يبتني علي ذلك لا علي عدم تشريعه، ولا عدم شمول الآية الشريفة له، وإن أوهم ذلك حتي صار سبباً للغفلة أو التغافل في الصدر الأول عن شمولها له.

وربما كانت الحكمة في ذلك أن قيام النبي (صلي الله عليه وآله وسلّم) به وظهور ذلك عنه يستلزم قيام أئمة الجور به من بعده، وضياعه علي أهله، كما ضاع عليهم خمس الغنائم وغيره من حقوقهم، وضاع علي الدين والأمة كثير من مواردها المالية المهمة، كالخراج والزكاة، فتركه (صلي الله عليه وآله وسلّم) رأفة بهم، ليحفظ لهم بعد أن تستقر دعوتهم وتتضح معالمها وركائزها علي أيدي أئمتهم (صلوات الله عليهم)، منفصلة عن الظالمين مباينة لهم، حيث تقبل دعوتهم (عليهم السلام) له من قبل أوليائهم دون أعدائهم المنكرين لمقامهم، فيبقي حقهم فيهم لا ينازعهم فيه أعداؤهم.

وقد جري الأمر علي ذلك، وكان لهذا الحق أكبر الأثر في حفظ الدعوة في عصر الأئمة (عليهم السلام) وبعدهم، وفي سد عوز المؤمنين وإعانتهم علي ترويج الدين الحنيف والدعوة إليه وتشييد معالمه والحفاظ عليه.

وبذلك كله يظهر الوجه في عدم مطالبة الأئمة الأوائل (صلوات الله عليهم) بالخمس المذكور، وعدم تصديهم لأخذه، إذ بعد إغفاله في الصدر الأول من النبي (صلي الله عليه وآله وسلّم)

********

(1) الكامل في التاريخ ج: 5 ص: 340 أحداث سنة: 127 ه -

ص: 173

أو من الظالمين لابد من مدة طويلة تتركز فيها الدعوة وتسمع فيها كلمة الأئمة (عليهم السلام) في مثل هذا الأمر الثقيل، وتكون البيانات فيه تدريجية حتي تتقبله النفوس ويتركز فيها، فيسهل عليها دفعه وتسخوا به.

وقد يستأنس لذلك بما في بعض النصوص عنهم (عليهم السلام). قال: قرأت عليه آية الخمس، فقال: ما كان لله فهو لرسوله، وما كان لرسوله فهو لنا. ثم قال: والله لقد يسّر الله علي المؤمنين أرزاقهم بخمسة دراهم جعلوا لربهم واحداً وأكلوا أربعة أحلاء. ثم قال: هذا من حديثنا صعب مستصعب لا يعمل به ولا يصبر عليه إلا ممتحن قلبه للإيمان(1).

وما في خبر عيسي بن المستفاد عن أبي الحسن موسي (عليه السلام) عن أبيه (عليه السلام): أن رسول الله (صلي الله عليه وآله وسلّم) قال لأبي ذر وسلمان ومقداد: أشهدوني علي أنفسكم بشهادة أن لا إله إلا الله... وأن علي بن أبي طالب وصي محمد وأمير المؤمنين... مع إقام الصلاة... وإخراج الخمس من كل ما يملكه أحد من الناس حتي يدفعه إلي ولي المؤمنين(2). لظهورهما في التدرج في بيان الحكم وعدم تقبل الناس له إلا الخاصة. ولله الأمر من قبل ومن بعد وهو العالم بحقائق الأمور.

أما نصوص المقام فهي كثيرة. كخبر عبد الله بن سنان: قال أبو عبدالله (عليه السلام): علي كل امرئ غنم أو اكتسب الخمس مما أصاب لفاطمة (عليها السلام) ولمن يلي أمرها من بعدها من ذريتها الحجج علي الناس، فذاك لهم خاصة حيث شاؤوا، وحرم عليهم الصدقة. حتي الخياط ليخيط قميصاً بخمسة دوانيق فلنا منه دانق، إلا من أحللناه من شيعتنا، لتطيب لهم به الولادة...(3).

وموثق سماعة: سألت أبا الحسن (عليه السلام) عن الخمس، فقال: في كل ما أفاد الناس من قليل أو كثير(4) ، ومصحح الريان بن الصلت: كتبت إلي أبي محمد (عليه السلام):

********

(1) وسائل الشيعة ج: 6 باب: 1 من أبواب ما يجب فيه الخمس حديث: 6

(2) وسائل الشيعة ج: 6 باب: 4 من أبواب الأنفال حديث: 21

(3) وسائل الشيعة ج: 6 باب: 8 من أبواب ما يجب فيه الخمس حديث: 8، 6

(4) وسائل الشيعة ج: 6 باب: 8 من أبواب ما يجب فيه الخمس حديث: 8، 6

ص: 174

ما الذي يجب علي يا مولاي في غلة رحي أرض في قطيعة لي، وفي ثمن سمك وبردي وقصب أبيعه من أجمة هذه القطيعة؟ فكتب: يجب عليك فيه الخمس إن شاء الله تعالي (1) ، وحديث محمد بن الحسن الأشعري قال: كتب بعض أصحابنا إلي أبي جعفر الثاني (عليه السلام): أخبرني عن الخمس أعلي جميع ما يستفيد الرجل من قليل وكثير من جميع الضروب وعلي الضياع [الصناع]؟ وكيف ذلك؟ فكتب بخطه: الخمس بعد المؤنة(2).

وصحيح أبي علي بن راشد: قلت له: أمرتني بالقيام بأمرك وأخذ حقك، فأعلمت مواليك بذلك، فقال لي بعضهم: وأي شيء حقه؟ فلم أدر ما أجيبه. فقال: يجب عليهم الخمس. فقلت: ففي أي شيء؟ فقال: في أمتعتهم وصنايعهم [ضياعهم]. قلت: والتاجر عليه والصانع بيده؟ فقال: إذا أمكنهم بعد مؤنتهم(3).

وصحيح علي بن مهزيار قال: كتب إليه أبو جعفر (عليه السلام) - وقرأت كتابه إليه في طريق مكة - قال: إن الذي أوجبت في سنتي هذه - وهذه سنة عشرين ومائتين - فقط لمعني من المعاني أكره تفسير ذلك كله خوفاً من الانتشار، وسأفسر لك بعضه إن شاء الله تعالي: إن موالي - أسأل الله صلاحهم - أو بعضهم قصروا فيما يجب عليهم، فعلمت ذلك، فأحببت أن أطهرهم وأزكيهم بما فعلت من أمر الخمس في عامي هذا، قال الله تعالي: خذ من أموالهم صدقة تطهرهم وتزكيهم بها وصل عليهم إن صلاتك سكن لهم والله سميع عليم ألم يعلموا....

ولم أوجب عليهم ذلك في كل عام، ولا أوجب عليهم إلا الزكاة التي فرضها الله عليهم، وإنما أوجبت عليهم الخمس في سنتي هذه في الذهب والفضة التي قد حال عليهما الحول، ولم أوجب ذلك عليهم في متاع ولا آنية ولا دواب ولا خدم ولا ربح ربحه في تجارة، ولا ضيعة إلا في ضيعة سأفسر لك أمرها، تخفيفاً مني عن موالي ومن

********

(1و2) وسائل الشيعة ج: 6 باب: 8 من أبواب ما يجب فيه الخمس حديث: 9، 1

(3) وسائل الشيعة ج: 6 باب: 8 من أبواب ما يجب فيه الخمس حديث: 3

ص: 175

مني عليهم، لما يغتال السلطان من أموالهم، ولما ينوبهم في ذاتهم.

فأما الغنائم والفوائد فهي واجبة عليهم في كل عام. قال الله تعالي: واعلموا أنما غنمتم من شيء فأن لله خمسه وللرسول ولذي القربي.... فالغنائم والفوائد - يرحمك الله - فهي الغنيمة يغنمها المرء والفائدة يفيدها والجائزة من الإنسان للإنسان التي لها خطر، والميراث الذي لا يحتسب من غير أب ولا ابن، ومثل عدو يصطلم فيؤخذ ماله، ومثل مال يؤخذ ولا يعرف له صاحب، وما صار إلي موالي من أموال الخرمية الفسقة، فقد علمت أن أموالاً عظاماً صارت إلي قوم من موالي. فمن كان عنده شيء من ذلك فليوصله إلي وكيلي، ومن كان نائياً بعيد الشقة فليتعمد لإيصاله ولو بعد حين، فإن نية المؤمن خير من عمله. فأما الذي أوجب من الضياع والغلات في كل عام فهو نصف السدس ممن كانت ضيعته تقوم بمؤنته، ومن كانت ضيعته لا تقوم بمؤنته فليس عليه نصف سدس ولا غير ذلك (1) ... إلي غير ذلك مما يأتي بعضه في الفروع الآتية إن شاء الله تعالي.

وهذه النصوص كما تري تتضمن تشريع الخمس المذكور. بل بعضها ظاهر أو صريح في أنه من صغريات الخمس المعهود، بل المشرع في الآية الشريفة كما تضمنه الصحيح الأخير ذو الأهمية في المقام، لما فيه من تحديد موضوع هذا الخمس.

لكن استشكل في المدارك في جملة من فقراته مدعياً أنه يمنع من الأخذ بها وأنه لابد من طرحه بالرغم من صحة سنده.

منها: قوله (عليه السلام): وإنما أوجبت عليهم الخمس في سنتي هذه في الذهب والفضة التي قد حال عليهما الحول، حيث أوجب (عليه السلام) الخمس في الذهب والفضة، مع أن الواجب فيهما الزكاة.

لكنه يندفع بأن عدم وجوب غير الزكاة فيهما بأصل التشريع لا ينافي إيجابه (عليه السلام) الخمس في خصوص تلك السنة بمقتضي ولايته العامة، للعلة التي ذكرها في صدر

********

(1) وسائل الشيعة ج: 6 باب: 8 من أبواب ما يجب فيه الخمس حديث: 5

ص: 176

الحديث وهو أجنبي عن الخمس الثابت بأصل التشريع الذي هو محل الكلام، بل هو من سنخ الصدقة، كما يناسبه العلة المذكورة، والاستدلال بآيتي الصدقة، وقوله (عليه السلام): ولا أوجب عليهم إلا الزكاة التي فرضها الله عليهم، علي ما تقدم عند الكلام في المال المختلط بالحرام.

وأما ما فهمه صاحب الجواهر وغيره من كونه من الخمس مع كونه (عليه السلام) في مقام تخفيفه. فهو خلاف الظاهر جداً بملاحظة ما ذكرنا. بل الظاهر أنه (عليه السلام) ليس في مقام بيان الخمس الذي هو محل الكلام إلا بعد ذلك عندما استشهد بآية الخمس.

ومنها: قوله (عليه السلام): فالغنائم والفوائد يرحمك الله...، حيث إن مقتضاه اندراج الجائزة الخطيرة والميراث ممن لا يحتسب وغيرها مما ذكر في الحديث في اسم الغنائم، فيكون مصرف الخمس فيها مصرف خمس الغنائم.

وفيه: أن عطف الفوائد علي الغنائم تفسيري، لبيان أن المراد بها في الآية الشريفة المعني اللغوي، كما سبق منا تقريبه عند الكلام في ثبوت الخمس في غنائم الحرب. وحينئذ يتعين دخول هذه الأمور فيه، ولا يكون محذوراً يمنع من العمل بالصحيحة.

نعم قوله (عليه السلام): ومثل مال يؤخذ ولا يعرف له صاحب قد ينافي ما هو المشهور من وجوب التصدق بمجهول المالك، وعدم تملك الآخذ له ليجب فيه الخمس.

لكنه لو لم يمكن العمل به لا يستلزم سقوط بقية فقرات الصحيح عن الحجية، لأن التفكيك بين فقرات الحديث الواحد في العمل ليس بعزيز. علي أنه يقرب حمله علي المال الذي لا يعلم بوجود مالك له ويحتمل كونه مباحاً أصلياً، أو علي خصوص ما يؤخذ من العدو الذي يصطلم إذا لم يعرف أنه ملكه أو ملك غيره، حيث لا قرينة علي كونه لمحترم المال، فيجوز تملكه بمقتضي الأصل، ويكون من الفوائد.

ومنها: قوله (عليه السلام) في ذيل الصحيح: فأما الذي أوجب من الضياع والغلات في كل عام فهو نصف السدس، حيث لا نعلم قائلاً بوجوب ذلك علي الخصوص، مع أنه لم يذكر مصرفه صريحاً في الصحيحة.

ص: 177

ويندفع بأن المنساق من الحديث الاكتفاء بالسهم المذكور من الخمس تخفيفاً منه (عليه السلام) في خصوص الضياع والغلات الأربعة بمقتضي سلطنته المطلقة علي الخمس تبعاً لولايته العامة، ويناسبه صحيحه الآخر، قال: كتب إليه إبراهيم بن محمد الهمداني: أقرأني علي كتاب أبيك فيما أوجبه علي أصحاب الضياع أنه أوجب عليهم نصف السدس بعد المؤنة، وأنه ليس علي من لم يقم ضيعته بمؤنته نصف السدس ولا غير ذلك، فاختلف من قبلنا في ذلك، فقالوا: يجب علي الضياع الخمس بعد المؤنة مؤنة الضيعة وخراجها، لا مؤنة الرجل وعياله. فكتب - وقرأه علي بن مهزيار -: عليه الخمس بعد مؤنته ومؤنة عياله، وبعد خراج السلطان(1).

ومن هذا الصحيح يظهر ارتفاع التخفيف بعد ذلك ورجوع الأمر فيها للخمس الواجب بالأصل في عهد الإمام أبي الحسن الهادي (عليه السلام).

كما أن مقتضي الجمع بين قوله (عليه السلام): ولا ضيعة إلا في ضيعة سأفسر لك أمرها، وقوله (عليه السلام) في ذيله: فأما الذي أوجب من الضياع والغلات... كون استثناء الضيعة في الأول منقطعاً، لأن المستثني منه الخمس المأخوذ صدقة في السنة المذكورة، والمستثني الذي بينه بعد ذلك هو الخمس المعهود الواجب في كل عام وإن خففه (عليه السلام) واكتفي بنصف السدس.

ومما ذكرنا يظهر اندفاع ما عن الفقيه الهمداني (قدس سره) من ظهور الصحيح في عدم دخول الأرباح في الغنائم، لأنه أسقط الخمس عن الأرباح في قوله (عليه السلام) أولاً: ولم أوجب عليهم في متاع ولا آنية ولا دواب ولا خدم ولا ربح ربحه في تجارة...، وأثبته في الغنائم بقوله بعد ذلك: وأما الغنائم والفوائد...، حيث يظهر من ذلك أن خمس الأرباح يختص بالإمام ولذا تصرف فيه بالتخفيف.

وجه الاندفاع ما أشرنا إليه آنفاً من أن صدر الصحيح المشتمل علي التخفيف ليس وارداً في الخمس المعهود، بل هو صدقة خاصة للتطهير من التقصير المذكور

********

(1) وسائل الشيعة ج: 6 باب: 8 من أبواب ما يجب فيه الخمس حديث: 4

ص: 178

(179)

فيه، فتخفيفه وعدم جعله علي الأمور المذكورة لا ينافي دخولها في الغنائم والفوائد موضوعاً وحكماً.

وبذلك يظهر لزوم العمل بالصحيح المذكور بعد قوة سنده، ووروده في الحكم المبتني علي الاستمرار، والذي صار مورد التنفيذ والعمل منهم (عليهم السلام)، حيث لا يحتمل مع ذلك وجود الموانع من فعلية العمل عليه.

إذا عرفت هذا فقد يستشكل في وجوب إخراج الخمس المعهود من القسم المذكور من وجوه:

الأول: منافاته لما دل علي حصر الخمس في الغنائم(1) ، وما دل علي أن الخمس في أربعة أشياء أو خمسة أشياء(2) ليس فيها هذا القسم لظهور نصوصه في الحصر.

لكن تقدم في حكم المعدن لزوم طرح الأول أو تأويله. وأما النصوص الأخر فهي - مع اختلافها في عدد الأنواع التي يجب فيها الخمس، وفي المعدود منها - لابد من حملها علي ما لا ينافي نصوص المقام ونصوص خمس الأرض التي اشتراها الذمي. وربما تحمل علي ما ذكرناه آنفاً من تدرج الأئمة (عليهم السلام) في بيان هذا الخمس، وفي المطالبة به، للعفو عنه في عصورهم الأولي، وعدم الأمر به والإصرار عليه إلا في عصورهم الوسطي والأخيرة. فلاحظ ما سبق.

الثاني: أن الخمس في هذا القسم وإن ثبت بمقتضي الحكم الأولي، إلا أنه معفو عنه منهم (عليهم السلام)، كما تقدم عن ابن الجنيد وابن أبي عقيل. وإن كان ظاهر المحكي من كلامهما التوقف في ذلك من دون جزم بسقوطه. وعن بعض متأخري المتأخرين الميل إليه، قال سيدنا المصنف (قدس سره): بل عن الذخيرة الجزم بسقوطه، وحكي عن الشيخ عبد الله بن صالح البحراني. والوجه فيه النصوص الكثيرة المتضمنة لتحليل الخمس.

لكن النصوص المذكورة بين ما لا يختص بهذا القسم، بل يختص بغيره أو يعم

********

(1) وسائل الشيعة ج: 6 باب: 2 من أبواب ما يجب فيه الخمس حديث: 1

(2) راجع وسائل الشيعة ج: 6 باب: 2، 3 من أبواب ما يجب فيه الخمس

ص: 179

الكل، وما يختص بهذا القسم. أما الأول فلا مجال للاستدلال به علي سقوط خصوص هذا القسم، بل يأتي الكلام فيه في المسألة الثامنة والسبعين إن شاء الله تعالي.

وأما الثاني فهو خبر حكيم مؤذن بني عبس [ابن عيسي]: قال: قلت له: واعلموا أنما غنمتم من شيء فأن لله خمسه وللرسول قال: هي والله الإفادة يوماً بيوم، إلا أن أبي جعل شيعتنا من ذلك في حلّ ليزكوا(1).

ومعتبر يونس بن يعقوب: كنت عند أبي عبد الله (عليه السلام) فدخل عليه رجل من القماطين، فقال: جعلت فداك تقع في أيدينا الأموال والأرباح وتجارات نعلم أن حقك فيها ثابت، وإنا عن ذلك مقصرون، فقال أبو عبد الله (عليه السلام): ما أنصفناكم إن كلفناكم ذلك اليوم(2).

فإن فرض العلم بثبوت الحق في المال الواقع وإن كان ظاهراً في فرض ثبوته قبل وقوعه، فيناسب كون المسؤول عنه هو أخذ ما فيه الخمس ممن لم يؤده، الذي يأتي التعرض له في المسألة الثامنة والسبعين، إلا أن فرض ذلك في الأرباح غير ظاهر الوجه، لأن الربح يحصل بنفس المعاملة حين وقوع المال في اليد، فلا معني لثبوت الحق فيه قبل ذلك. إلا أن يراد ثبوته فيه ثبوته في موضوعه وهو المال المأخوذ بالمعاملة.

وخبر الحارث بن المغيرة النصري عن أبي عبد الله (عليه السلام): قلت له: إن لنا أموالاً من غلات وتجارات ونحو ذلك، وقد علمت أن لك فيها حقاً. قال: فلِمَ إذاً أحللنا لشيعتنا، إلا لتطيب ولادتهم. وكل من والي آبائي فهو في حل مما في أيديهم من حقنا فليبلغ الشاهد الغائب(3). بناءً علي أن المراد بالحق فيها خمس الفوائد الثابتة باكتسابهم وتحصيلهم لها. لكن قد يحمل علي الأعم من ذلك، ومما يحصل فيه الأموال قبل حصولها عندهم.

ومن هنا فالعمدة الأول الذي هو صريح في خمس الفائدة. إلا أنه

********

(1) وسائل الشيعة ج: 6 باب: 4 من أبواب الأنفال حديث: 8

(2) وسائل الشيعة ج: 6 باب: 4 من أبواب الأنفال حديث: 6، 9

(3) وسائل الشيعة ج: 6 باب: 4 من أبواب الأنفال حديث: 6، 9

ص: 180

- مع عدم صحة سنده - لا ينهض بمعارضة النصوص المتقدمة وغيرها مما هو صريح في ثبوت خمس الفائدة وعدم العفو عنه. فلابد من طرحه أو حمله علي ما أشرنا إليه آنفاً من ابتناء العفو علي إعمال سلطنتهم (عليهم السلام) علي ذلك - تبعاً لولايتهم العامة - في عهود الأئمة (عليهم السلام) الأوائل، وابتناء الإلزام بدفع في هذا القسم علي التدرج وعدم ظهوره إلا في عصورهم (عليهم السلام) الوسطي والمتأخرة. فلاحظ.

الثالث: أن مصرف هذا الخمس مخالف لمصرف سائر الأقسام، فهو بتمامه للإمام (عليه السلام) دون سائر بني هاشم، كما عن الذخيرة والمنتقي تشييده أو اختياره. ويناسبه خبر عبد الله بن سنان المتقدم، حيث تضمن أن هذا الخمس لفاطمة (عليها السلام) ولمن يلي أمرها من ذريتها الحجج (عليهم السلام)، وصحيح أبي علي بن راشد ومعتبر يونس بن يعقوب المتقدمان، حيث تضمنا نسبة هذا الحق للإمام (عليه السلام) ومثلهما في ذلك خبر ابن شجاع النيسابوري: أنه سأل أباالحسن الثالث (عليه السلام) عن رجل أصاب من الحنطة مائة كر ما يزكي، فأخذ منه العشر عشرة أكرار، وذهب منه بسبب عمارة الضيعة ثلاثون كراً، وبقي من ذلك ستون كراً، ما الذي يجب لك من ذلك؟ وهل يجب لأصحابه من ذلك عليه شيء؟ فوقع: لي منه الخمس مما يفضل من مؤنته(1). بل قد يستفاد من كل ما تضمن تحليل الخمس المذكور بدعوي أن تحليلهم له فرع ملكيتهم له.

ومن ثم فقد يجمع بينها وبين ما يقتضي ملكية غيرهم له علي كون غيرهم مصرفاً له، مع كونه مختصاً بهم (عليهم السلام) مباحاً من قبلهم لشيعتهم، كما عن الكفاية الميل إليه أو الجزم به. بل احتمل تنزيل كلام المتقدمين والأخباريين المبيحين للخمس علي ذلك أيضاً، عملاً منهم بالنصوص المتضمنة لتحليله.

ويشكل بأن مقتضي النصوص الكثيرة الظاهرة في أنه من الخمس المعهود كون مستحقه هو مستحق الخمس المذكور. بل هو صريح ما تضمن تطبيق آية الخمس عليه، كالحديث الأول وصحيح ابن مهزيار الطويل المتقدمين. ولأجلها يلزم تنزيل

********

(1) وسائل الشيعة ج: 6 باب: 8 من أبواب ما يجب فيه الخمس حديث: 2

ص: 181

(182)

عن مؤنة (1)

-

النصوص المتقدمة الظاهرة بدواً في اختصاصه بالإمام علي محض ولايته عليه، بحيث يرجع إليه فيه. كما تنزل عليه نصوص التحليل أيضاً. ولاسيما مع تضمن بعضها تطبيق آية الخمس، كخبر حكيم المتقدم.

وأما حمل ما تضمن ملكية غيرهم له علي كونهم مصرفاً له مع اختصاص ملكيته بهم (عليهم السلام). فهو لا يناسب التعاطف بين المستحقين في الآية الشريفة التي هي أصل تشريع الخمس، لقوة ظهوره في كون استحقاقهم علي نحو واحد. بل هو كالصريح من جملة النصوص المتضمنة لقسمة الخمس.

مع أن المراد بكون غيرهم مصرفاً له إن كان هو جواز صرفه عليهم فمن الظاهر أنه لا مجال لاحتمال ذلك، إذ لا إشكال في جواز صرف حقهم (عليهم السلام) من الخمس علي كل أحد وفي كل وجه يختارونه. وإن كان هو وجوب صرفه عليهم فكما أمكن للإمام تحليله الخمس مع ذلك بمقتضي ولايته، أمكن تحليله له مع ملكيتهم له بمقتضاها. بل لعله أهون، حيث يصعب أو يمتنع إعمال الولاية العامة في الحكم الشرعي مع عدم الإشكال في إعمالها في الملك الشخصي للمولي عليه، كما لعله ظاهر.

وقد تحصل من جميع ما تقدم أنه لا يخرج عما هو المشهور من ثبوت الخمس المذكور وعدم سقوطه بالتحليل، وكون مستحقه هو مستحق سائر أقسام الخمس.

(1) فإن استثناء المؤنة هو المعروف من مذهب الأصحاب، وفي الجواهر أنه صرح به أكثرهم. بل ظاهر نسبته إليهم في المدارك ومحكي المنتهي الإجماع عليه، كما هو صريح الغنية والمعتبر والتذكرة ومحكي السرائر.

ويقتضيه ما تقدم من قوله (عليه السلام) في صحيح علي بن مهزيار: عليه الخمس بعد مؤنته ومؤنة عياله وبعد خراج السلطان(1) ، وقوله (عليه السلام) في صحيح أبي علي بن

********

(1) وسائل الشيعة ج: 6 باب: 8 من أبواب ما يجب فيه الخمس حديث: 4

ص: 182

راشد: إذا أمكنهم بعد مؤنتهم(1) ، وقوله (عليه السلام) في خبر ابن شجاع: لي منه الخمس مما يفضل من مؤنته(2).

وأما في موثق أبي بصير عن أبي عبد الله (عليه السلام):... وعن الرجل يكون في داره البستان فيه الفاكهة يأكله العيال، إنما يبيع منه الشيء بمائة درهم أو خمسين درهماً عليه الخمس؟ فكتب: أما ما أكل فلا، وأما البيع فنعم، هو كسائر الضياع(3). لصراحته في عدم الخمس فيما أكل الذي هو من المؤنة.

كما يستفاد أيضاً مما تضمن أن الخمس بعد المؤنة(4) بناءً علي ما تقدم في المسألة الثالثة في حكم مال الناصب من أن الظاهر أن المراد بها مؤنة الإنسان لحياته، لا مؤنة تحصيل الربح. فراجع.

هذا وقد يستفاد أيضاً من قوله (عليه السلام) ذيل صحيح علي بن مهزيار الطويل: فأما الذي أوجب من الضياع والغلات في كل عام فهو نصف السدس ممن كانت ضيعته تقوم بمؤنته، ومن كانت ضيعته لا تقوم بمؤنته فليس عليه نصف سدس ولا غير ذلك(5) ، حيث يدل علي عدم وجوب الخمس في الضيعة التي لا تقوم بالمؤنة، بناء علي ما تقدم من أن إيجاب نصف السدس مبني علي تخفيف الخمس، لا أنه أجنبي عنه.

اللهم إلا أن يقال: لما كان ذلك مبنياً علي تحفيف الخمس فاستثناء المؤنة فيه لا يستلزم استثناءها في أصل الخمس في غير مورد التخفيف المذكور. غاية الأمر ظهوره أو إشعاره باستثناء المؤنة في أصل الخمس بعد النظر في النصوص المقدمة، حيث يقرب جداً جريه في ذلك علي مقتضاها واقتصار التخفيف فيه علي خصوص الاكتفاء فيه بنصف السدس. لكن الدليل حينئذ تلك النصوص.

ثم إنه تقدم في أواخر الكلام في توجيه ثبوت الخمس في هذا القسم مع واقع

********

(1و2و3) وسائل الشيعة ج: 6 باب: 8 من أبواب ما يجب فيه الخمس حديث: 3، 2، 10

(4) وسائل الشيعة ج: 6 باب: 8 من أبواب ما يجب فيه الخمس حديث: 1، وباب: 12 منها حديث: 1، 2

(5) وسائل الشيعة ج: 6 باب: 8 من أبواب ما يجب فيه الخمس حديث: 5

ص: 183

(184)

سنته (1)

-

المسلمين في صدر الإسلام قولهم (عليهم السلام) في بعض النصوص: والله لقد يسّر الله علي المؤمنين أرزاقهم بخمسة دراهم، جعلوا لربهم واحداً وأكلوا أربعة أحلاء. وهو ظاهر في خمس هذا القسم لإطلاق الرزق فيه. كما أنه ظاهر في عدم استثناء المؤنة منه، لظهوره في أن ما يحل لهم أكله هو ماعدا الخمس.

لكن لابد من حمله علي الأكل في غير المؤنة المستثناة، كما هو الحال في إطلاقات الخمس جميعاً مع النصوص المتقدمة. أو علي أن استثناء المؤنة حكم تفضلي من الأئمة (عليهم السلام) بمقتضي ولايتهم علي الخمس وأربابه، علي ما يأتي الكلام فيه في المسألة الثامنة والأربعين إن شاء الله تعالي.

هذا كله في مؤنة الإنسان الحياتية، وأما مؤنة الاستفادة وتحصيل الربح فالظاهر عدم الإشكال في استثنائها، كما يأتي عند التعرض لها من سيدنا المصنف (قدس سره) في المسألة الثالثة والثلاثين إن شاء الله تعالي.

(1) بلا إشكال ظاهر، والظاهر المفروغية عنه بينهم. ويناسبه ذيل صحيح علي بن مهزيار الطويل المتقدم قريباً، لأن التصريح فيه بأن إيجاب نصف السدس في كل عام ظاهر في أن موضوع الخمس هو حاصل الضيعة في تمام العام، وأن المؤنة المستثناة هي مؤنته في تمامه أيضاً.

بل هو مقتضي الجميع بين قوله (عليه السلام) قبل ذلك: فأما الغنائم والفوائد فهي واجبة عليهم في كل عام، وجميع الأدلة الواردة في أمر الخمس، ومنها استثناء المؤنة، حيث يفهم عرفاً من مجموع ذلك أن الخمس لا يلحظ بالإضافة لكل فائدة فائدة، ولا بالإضافة لخصوص بعض أزمنة السنة، بل بلحاظ مجموع الفوائد الحاصلة في السنة، المناسب لكون المؤنة المستثناة هي مؤنتها أيضاً.

هذا مضافاً إلي أن ذلك هو المنصرف من الإطلاق المقامي للمؤنة. قال سيدنا المصنف (قدس سره): إذ إرادة غيرها مما لا قرينة عليه، بخلاف مؤنة السنة، فيقال: زيد

ص: 184

(185)

له ولعياله (1) من فوائد (2)

-

يملك مؤنته أو لا يملك، أو يقدر علي مؤنته أو لا يقدر، والمراد منه ذلك، وكأن السر في اختلاف أوقات السنة بوجود المؤنة وعدمها ووجود الربح وعدمه، فرب وقت فيه ربح ولا مؤنة، ورب وقت علي العكس، ولما كان ذلك ناشئاً من اختلاف الأحوال الحادثة في السنة من الحر والبرد والمطر والصحو وغير ذلك كان المعيار عندهم في مثل قولهم: ربح فلان مقدار مؤنته، أو لم يربح مقدار مؤنته، ذلك.

لكن ما ذكره (قدس سره) في وجه ذلك يقتضي كون المعيار هو السنة الشمسية. أما مقتضي ما ذكرنا من تقريب دلالة الصحيح عليه فالمعيار يكون هو السنة القمرية، لأنها هي المنصرفة من الأدلة الشرعية. ومن ثم يتعين العمل علي ذلك، كما يأتي في المسألة الرابعة والثلاثين التصريح به. ويأتي في المسألة الثلاثة والثلاثين إن شاء الله تعالي تحديد المؤنة المذكورة.

(1) كما هو المنصرف من إطلاق المؤنة، والمصرح به في بعض النصوص السابقة.

(2) اختلفت عبارات الأصحاب ومعاقد إجماعاتهم في تحديد موضوع هذا الخمس، فاقتصر في اللمعة علي أرباح المكاسب، وفي محكي النافع علي أرباح التجارات، وعمم في محكي معقد إجماع الانتصار لجميع أرباح التجارات والصناعات والزارعات، وفي المختلف أنه المشهور. وهو المناسب لما في المقنعة والشرايع والقواعد ومحكي الإرشاد والتحرير.

بل عمم في معقد إجماع الغنية لكل مستفاد بتجارة أو زراعة أو صناعة أو غير ذلك، وفي معقد إجماع التذكرة لجميع أرباح التجارات وسائر الصنايع وسائر الاكتسابات، وهو المناسب لما في النهاية والمعتبر وظاهر الروضة. بل ربما يكون هو مراد جماعة ممن اقتصر علي التجارة أو التكسب، كما يناسبه استدلالهم بما يقتضي ذلك مما يأتي.

وكيف كان فمقتضي إطلاق الآية الشريفة - بعد حملها علي كل ما يغنم ولو في غير الحرب، إما لظهورها في ذلك، كما سبق تقريبه، أو بضميمة تطبيقها علي المقام

ص: 185

الصناعات (1) والزراعات (2)

-

في النصوص - العموم لكل فائدة، وإن لم يكن تملكها اختيارياً، لعدم توقفها علي الحيازة أو القبول، لصدق الاغتنام بذلك. ولاسيما وأن أظهر أفراده غنيمة الحرب التي يتملكها المقاتل وإن لم يقصد بقتاله تملكها، أو لم يعلم بوجودها أو بحكمها، بل وإن لم يقاتل، كالمولود في دار الحرب.

وهو المناسب لإطلاق الفوائد والغنائم في صحيح ابن مهزيار الطويل(1) ، وما يظهر في صحيحه الآخر من ثبوته في جميع ما يستفيده الرجل من قليل وكثير من جميع الضروب(2) ، وما في موثق سماعة من ثبوته في كل ما أفاد الناس من قليل أو كثير(3) ، وما في خبر عبد الله بن سنان من ثبوته علي كل من غنم أو اكتسب(4) ، وما في خبر حكيم من عمومه للإفادة يوماً بعد يوم(5) ، وغير ذلك.

ومن هنا لا مجال للاقتصار علي التكسب - وإن قيل أنه المشهور - فضلاً خصوص التجارة. وأضعف من ذلك ما عن الجمال في حاشيته علي اللمعتين من اعتبار اتخاذ التكسب مهنة.

(1) كما يشهد به - مضافاً إلي العموم المتقدم - ما في صحيح ابن راشد المتقدم: قلت: والتاجر عليه والصانع بيده، فقال: إذا أمكنهم بعد مؤنتهم(6) ، وقوله في خبر عبد الله بن سنان المتقدم: حتي الخياط ليخيط شيئاً بخمسة دوانق فلنا منه دانق(7) ، وما تضمنه صحيح الريان بن الصلت من وجوبه في غلة رحي أرض(8).

(2) كمايقتضيه - مضافاً إلي العموم المتقدم - النصوص المتضمنة لثبوته في الضياع، وما تقدم من حديث ابن شجاع من ثبوته في الستين كراً من الحنطة(9) ، وفي

********

(1) وسائل الشيعة ج: 6 باب: 8 من أبواب ما يجب فيه الخمس حديث: 5، 1، 6، 8

(2) وسائل الشيعة ج: 6 باب: 8 من أبواب ما يجب فيه الخمس حديث: 5، 1، 6، 8

(3) وسائل الشيعة ج: 6 باب: 8 من أبواب ما يجب فيه الخمس حديث: 5، 1، 6، 8

(4) وسائل الشيعة ج: 6 باب: 8 من أبواب ما يجب فيه الخمس حديث: 5، 1، 6، 8

(5) وسائل الشيعة ج: 6 باب: 4 من أبواب الأنفال حديث: 8

(6) وسائل الشيعة ج: 6 باب: 8 من أبواب ما يجب فيه الخمس حديث: 3، 8، 9، 2

(7) وسائل الشيعة ج: 6 باب: 8 من أبواب ما يجب فيه الخمس حديث: 3، 8، 9، 2

(8) وسائل الشيعة ج: 6 باب: 8 من أبواب ما يجب فيه الخمس حديث: 3، 8، 9، 2

(9) وسائل الشيعة ج: 6 باب: 8 من أبواب ما يجب فيه الخمس حديث: 3، 8، 9، 2

ص: 186

والتجارات (1) والإجارات (2)

-

مكاتبة ابن يزيد من ثبوته في الحرث بعد الغرام(1) ، وفي موثق أبي بصير من ثبوته في ثمن الفاكهة التي يبيعها الرجل من بستان له(2).

(1) كما يقتضيه - مضافاً إلي العموم المتقدم - ما تقدم في صحيح ابن راشد من ثبوته علي التاجر(3) ، وفي مكاتبة ابن يزيد من ثبوته في التجارة من ربحها(4).

(2) كما يقتضيه - مضافاً إلي العموم المتقدم - ما تقدم في الصناعات، لابتناء كثير منها علي أخذ الأجرة علي العمل، كما تقدم في الخياط وغلة الرحي، وإن كانت قد تبتني علي بيع المتاع المصنوع من دون جعل شيء في قبال الصنع والعمل.

نعم في صحيح علي بن مهزيار قال: كتبت إليه: يا سيدي رجل دفع إليه مال يحج به، هل عليه في ذلك المال حين يصير إليه الخمس، أو علي ما فضل في يده بعد الحج؟ فكتب (عليه السلام): ليس عليه الخمس(5). وظاهره عدم وجوب الخمس في أجرة الحج. وظاهر الوسائل الاستدلال به علي ذلك.

وقد استشكل بعض مشايخنا في دلالته: تارة: بعدم ظهوره في كون المال مدفوعاً بعنوان الأجرة، بل لعله كان مبذولاً ليصرفه في الحج من دون أن يملكه، فيخرج عن موضوع الخمس وهو الغنيمة والفائدة.

وأخري: بقرب كون السؤال ناظراً للوجوب الفعلي قبل استثناء المؤنة، لظهور قوله (عليه السلام): هل عليه... في التكليف الظاهر في فعلية الإخراج، فلا ينافي ثبوت الخمس في المال وضعاً ولزوم إخراجه بعد استثناء المؤنة.

ويندفع الأول بأن وضوح عدم ثبوت الخمس علي المكلف في المال غير المملوك له مانع من حمل السؤال علي المال المبذول دون المملوك. ولاسيما من مثل علي بن

********

(1و2و3و4) وسائل الشيعة ج: 6 باب: 8 من أبواب ما يجب فيه الخمس حديث: 7، 10، 3، 7

(5) وسائل الشيعة ج: 6 باب: 11 من أبواب الأنفال حديث: 1

ص: 187

وحيازة المباحات (1).

-

مهزيار. بل التنصيص في السؤال عن وجوب الخمس فيما يفضل في يده بعد الحج كالصريح في كون الفاضل باقياً له، لا وديعة عنده ملزم بإرجاعه لباذله.

كما يندفع الثاني بأن ظهور الكلام في الوضع أولي بالدلالة علي التعجيل من ظهوره في التكليف، لوجوب تعجيل أداء الحق وحرمة حبسه. بل التكليف بالخمس متفرع علي الوضع مطلقاً، ولولا ذلك لكان أعم من الضرر. ومن ثم تضمنت نصوص الخمس في هذا القسم التعبير تارة بلسان الوضع، وأخري بلسان التكليف، كما يظهر بأدني سبر لها. وحينئذٍ إذا كان دليل استثناء المؤنة صالحاً للحكومة علي أدلة الخمس والكشف عن جواز تأخيره لم يفرق بين الوجهين.

ولعل الأولي الجواب عن الصحيح بعدم ظهوره في دفع المال للحج عن الغير، ليكون من سنخ الأجرة، ويكون مما نحن فيه، بل قد يكون للحج عن نفسه، كما لعله المنصرف منه. وحينئذٍ لا يظهر العمل به من أحد، بل ظاهر عدم تعرضهم له الإعراض عنه، وليس حمله علي خصوص الأجرة بأولي من تأويله بوجه آخر، ولو بحمله علي وجوب الخمس بعنوانه الخاص من دون استثناء المؤنة، لا لدخوله في عموم الفائدة. أو علي إرادة دفع توهم خصوصية الحج في وجوب تطهير المال المصروف فيه بدفع الخمس، كما قد يتردد بين العوام في عصورنا. فلاحظ.

(1) كما يقتضيه - مضافاً إلي العموم المتقدم - النص في صحيح ابن مهزيار الطويل علي وجوبه فيما يؤخذ من عدو يصطلم وفيما صار إلي الشبهة من أموال الخرمية، وفي صحيح الريان بن الصلت في وجوبه في ثمن السمك والبردي والقصب المأخوذين من أجمة(1). فما عن المبسوط من عدم الخمس في المن والعسل الذي يؤخذ من رؤوس الجبال، للأصل، في غير محله.

********

(1) وسائل الشيعة ج: 6 باب: 8 من أبواب ما يجب فيه الخمس حديث: 9

ص: 188

(189)

بل الأحوط الأقوي تعلقه بكل فائدة (1)، كالهبة والهدية والجائزة (2)

-

(1) كما هو مقتضي العموم المتقدم، وخصوص ما يأتي.

(2) فعن أبي الصلاح أنه أوجبه في الميراث والصدقة والهبة، وظاهر المعتبر إقراره علي ذلك، واستحسنه الشهيدان في اللمعتين، وعن شيخنا الأعظم (قدس سره) أنه قواه في رسالته.

وعن البيان والدروس التوقف فيه، بل أنكره عليه في محكي السرائر، قال: إنه لم يذكره أحد من أصحابنا غيره، ولو كان صحيحاً لنقل أمثاله متواتراً، والأصل براءة الذمة، وفي المختلف أن عدم ثبوت الخمس فيها هو الأقرب، وجزم به في كشف الغطاء، وفي المسالك في الميراث والهبة والهدية. وفي التذكرة أنه المشهور. بل في الجواهر أنه ظاهر الأصحاب.

لكن لا مجال له بعد ما سبق ممن عرفت. وعدم ذكر الآخرين لها بالخصوص لا ينافي استفادته من إطلاقهم أو عموم أدلتهم، علي ما أشرنا إليه آنفاً.

وكيف كان فيشهد لما في المتن من ثبوته في الهدية والجائزة - مضافاً إلي الإطلاقات المتقدمة - التصريح بثبوته في الجائزة التي لها خطر، وفي مكاتبة ابن يزيد بأن الجائزة من الفائدة(1) ، وموثق أبي بصير عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: كتبت إليه في الرجل يهدي إليه مولاه والمنقطع إليه هدية تبلغ ألفي درهم أو أقل أو أكثر هل عليه فيها الخمس؟ فكتب (عليه السلام): الخمس في ذلك(2).

ويشير إليه ما في حديث علي بن الحسين بن عبد ربه قال: سرح الرضا بصلة إلي أبي، فكتب إليه أبي: هل علي فيما سرحت إلي خمس؟ فكتب إليه: لا خمس عليك فيما سرح به صاحب الخمس(3). فإنه مشعر أو ظاهر في أن كون المهدي صاحب

********

(1و2) وسائل الشيعة ج: 6 باب: 8 من أبواب ما يجب فيه الخمس حديث: 7، 10

(3) وسائل الشيعة ج: 6 باب: 11 من أبواب ما يجب فيه الخمس حديث: 2

ص: 189

الخمس هو العلة في عدم ثبوت الخمس، بنحو يناسب ثبوت الخمس في الصلة لولا الجهة المذكورة.

ومن هنا لا حاجة إلي ما ذكره غير واحد من تكلف الاستدلال عليه وعلي جميع ما يتوقف عليه القبول بأن القبول نحو من التكسب أو الاكتساب. علي أنه غير ظاهر في نفسه، إذ لو صدقا عليه بذلك لغة فالظاهر عدم صدقهما به عرفاً.

ثم إنه مما سبق يظهر أنه لابد من رفع اليد عن تقييد الجائزة في صحيح ابن مهزيار بالتي لها خطر. لظهور أنه - مع عدم انضباط الجائزة التي لها خطر - لا يناسب إطلاق ثبوت الخمس في الجائزة والهدية، ولاسيما مع التعميم لما هو الأقل من ألفي درهم في موثق أبي بصير. ومن ثم ربما يحمل صحيح ابن مهزيار علي غلبة عدم بقاء الجائزة التي لا خطر لها لصرفها في المؤنة.

هذا وفي الجواهر: وحيث نقول بتعلق الخمس بها ففي كشف الأستاذ: لا يجوز لمالكها الرد إذا تعلق وإن كانت هي في نفسها مما يصح فيه ذلك، لخروج بعضها عن الملك الذي هو أقوي من التصرف. نعم لو اعتبر في تعلق الخمس استقرار الملك اتجه حينئذٍ. وكذا البحث في المنتقل بوجه الجواز كالذي فيه الخيار، فليس له الرد حينئذ بعد ظهور الربح لتبعض الصفقة. انتهي. وفيه بحث لسبق تعلق حق جواز الرجوع إليه.

والإشكال لا يختص بالمعطي، بل يجري في الآخذ، لأن إرجاعه تفريط بالحق، فإما أن يمتنع عليه الرد لذلك، أو يلتزم بصحة الرد مع ضمانه لخمسه، علي ما يأتي الكلام فيه في المسألة الثامنة والسبعين إن شاء الله تعالي. وما تقدم من الجواهر من سبق جواز الرد علي تعلق الخمس غير ظاهر كبروياً ولا صغروياً. كما أن ما أشار إليه في كشف الغطاء من احتمال توقف تعلق الخمس علي لزوم الملك مخالف لإطلاق الأدلة.

فالعمدة في دفع المحذور في المقامين ظهور أدلة جواز الردّ في عدم كون الخمس

ص: 190

(191)

والمال الموصي به (1)، ونماء الوقف الخاص (2) أو العام (3) وعوض الخلع (4) والمهر (5)،

-

بنحو يمنع منه، ولا بنحو يضمن معه، للغفلة عن ذلك، فعدم التنبيه عليه فيها موجب لظهورها في عدمه بمقتضي إطلاقاتها المقامية. فلاحظ.

(1) أما الوصية العهدية فتملك المال لا يكون بها، بل بدفع الوصي المال للموصي له عملاً بها، ولابد فيها من القبول كما في الهبة، فيجري فيها ما سبق فيها.

وهكذا الحال في الوصية التمليكية، بناءً علي أنها من العقود وتوقف نفوذها علي القبول، وأما بناء علي كونها إيقاعاً لا تحتاج إلي القبول بالرد، كما لعله الأظهر، غاية الأمر دعوي الإجماع علي بطلانها بالردّ، فالوجه في وجوب الخمس فيها صدق الفائدة عليها.

(2) إن كان مبنياً علي لزوم دفعه لهم وتمليكهم إياه بعد حصوله لحقه حكم الهبة، وإن كان مبنياً علي تملكهم له بمجرد حصوله فالكلام فيه هو الكلام في الوصية التمليكية بناء علي عدم توقفها علي القبول، لمشاركته لها في ذلك.

(3) الكلام فيه هو الكلام في الوقف الخاص.

(4) فعن نجاة العباد عدّه في سلك الهبة والهدية وغيرها من أفراد الفائدة، فيدخل فيما سبق من عموم ثبوت الخمس في الفائدة، لكن منع في المسالك والعروة الوثقي من ثبوت الخمس فيه. ووافقهما بعض مشايخنا، لدعوي عدم صدق الفائدة عليه، لأن الزوج يأخذه بإزاء رفع يده عن سلطنته التي صارت له بالتزويج ودفع المهر من أجلها.

لكن ذلك لا ينافي صدق الفائدة عليه. وكذا الحال في عوض المباراة، لأنهما من سنخ واحد.

(5) كما عن نجاة العباد لنظير ما تقدم منه في عوض الخلع. خلافاً للمسالك

ص: 191

والعروة الوثقي من ثبوت الخمس فيه، وهو المناسب لما عن الحدائق من الإشكال فيه بأن المهر عوض البضع.

لكنه ممنوع صغروياً وكبروياً، كما نبه له سيدنا المصنف (قدس سره)، لأن النكاح ليس من المعاوضات، بل المهر من سنخ الهدية، وإن أشبه الأجرة في بعض الأحكام، خصوصاً مهر العقد المنقطع. مع أن الخمس يثبت في الأجرة كما تقدم، ودلّت عليه النصوص.

ومثله ما ذكره بعض مشايخنا من الفرق: تارة: بأن متعلق الإجارة من عمل أو منفعة ليس له بقاء ولا قرار، فلو لم ينتفع به صاحبه أو غيره ضاع واضمحل، بخلاف الزوجية، فإن المرأة لو لم تتزوج تبقي مالكة لأمرها مسلطة علي نفسها، وبالتزويج تبذل السلطنة المذكورة بإزاء المهر، فيكون المهر من قبيل تبديل مال بمال، ولا يصدق عليه الفائدة والغنيمة.

وأخري: بأن ثبوت الخمس في الإجارة منصوص عليها بالخصوص، وأما المهر فلا دليل علي ثبوت الخمس فيه بالخصوص، بل قد قامت السيرة القطعية علي عدمه، لعموم الابتلاء به، فلو ثبت فيه الخمس لاتضح ولم يقع فيه إشكال، مع أنه لم يصرح به أحد.

لاندفاع الأول بأن استتباع النكاح للتضييق في سلطنة المرأة علي نفسها ليس بأشد من استتباع الإجارة للتضييق في سلطنة الأجير علي نفسه والمؤجر علي العين المستأجرة، بل التزويج مرغوب للمرأة نوعاً وطبعاً مع قطع النظر عن المهر، ولذا تتحمل المرأة المهر في كثير من الأعراف. مع أنه لو كان المهر من سنخ المعاوضة فقد يكون أكثر من مهر المثل العرفي، فيصدق علي الزيادة الفائدة بلا إشكال. فتأمل.

واندفاع الثاني بأن ثبوت الخمس في الإجارة وإن تضمنته الأدلة بالخصوص، إلا أن المستفاد من مجموع الأدلة كون ثبوته فيها من صغريات عموم ثبوته في الفائدة والغنيمة والاكتساب، لا لخصوصيتها مع قطع النظر عنها، كي لا يتجه التعدي للمهر

ص: 192

(193)

والميراث الذي لا يحتسب (1).

-

ونحوه مما يسانخها في ذلك.

مع أنه يكفي العموم المذكور في المهر ونحوه، وليس الاستدلال بثبوت الخمس في الإجارة إلا لدفع ما يظهر من الحدائق من عدم صدق الفائدة في مورد المعاوضة.

وأما السيرة المدعاة فلم تتضح بنحو معتد به، لعدم وضوح نحو عمل عامة الشيعة وخاصتهم في تفاصيل الفوائد، ولاسيما مع تعارف إنفاق المهر في ثأثيث بيت الزوجية بنحو يكون مؤنة عرفاً، ومبني غالب الفقهاء خصوصاً القدماء علي الاقتصار علي العناوين العامة من الفوائد والمكاسب والتجارات ونحوها، ولم يهتم بالتفاصيل إلا المتأخرون وليس ثبوته في نماء الوقف والميراث والمال الموصي به في كلماتهم بأظهر من ثبوته في المهر ونحوه. فلاحظ.

(1) فقد تقدم عن أبي الصلاح وظاهر المعتبر وغيره إطلاق ثبوته في الميراث، ومن المختلف وعن ابن إدريس إنكاره مطلقاً، وجزم بذلك في التذكرة وكشف الغطاء كما تقدم التوقف من البيان والدروس. والأقرب التفصيل، لقوله (عليه السلام) في صحيح ابن مهزيار: والميراث الذي لا يحتسب من غير أب ولا ابن، حيث يقوي ظهور الوصف فيه في المفهوم.

هذا وقد مثل في العروة الوثقي للميراث الذي لا يحتسب في سياق بيانه إذا كان له رحم بعيد في بلد آخر لم يكن عالماً به فمات، وقال سيدنا المصنف (قدس سره): الظاهر أنه يكفي في كونه غير محتسب عدم العلم بوجود الرحم وإن كان قريباً، ما لم يكن أباً أو ابناً، كما قيده به في النص، وذكر بعض مشايخنا أن العبرة فيه بعدم كون الإرث محتملاً عادة، وإن كان الموروث قريباً معلوماً في بلد الوارث.

وما ذكره وإن كان هو المناسب لمفهوم العنوان لغة وعرفاً. ومقتضاه العموم لما إذا كان ذلك لعدم كون واجدية المورث للمال محتسباً. إلا أنه لا يناسب ظهور الصحيح في أن الميراث من الابن من المحتسب، لأن الغالب عدم كونه محتسباً بالمعني

ص: 193

(194)

(مسألة 27): إذا علم الوارث أن مورثه لم يؤد خمس تركه وجب عليه أداؤه (1). وإذا علم أنه أتلف مالاً له قد تعلق به الخمس وجب إخراج

-

المذكور وما يظهر من سيدنا المصنف (قدس سره) من كونه استثناء من غير المحتسب، لا يناسب ذكر الأب، لأن الغالب كونه محتسباً بالمعني المذكور.

ومن ثم كان ظاهر الصحيح أن قوله (عليه السلام): من غير أب ولا ابن بياناً لمعيارغير المحتسب، وأن المدار في المحتسب علي قرب النسب بالنحو المذكور. فيكون قوله: من غير أب ولا ابن بمنزلة البدل أو عطف البيان لقوله: الذي لا يحتسب. وكأنه لأن الأب والابن يتوارثان علي كل حال، كما ذكره سيدنا المصنف (قدس سره) احتمالاً.

نعم استشكل فيه (قدس سره) بأن ذلك لا يختص بهما، بل يجري في الأم والبنت. لكنه يندفع بأنه يقرب التعدي لهما من الأب والابن وإلغاء خصوصيتهما في ذلك، فإنه أقرب من حمل الفقرة المذكورة علي التقييد. ومن هنا يتجه العمل علي ذلك والخروج به عما هو المفهوم لغة وعرفاً من غير المحتسب.

(1) لأنه حق ثابت في التركة لم يملكه بالميراث، فيحرم حبسه عن أهله. ولو فرض الشك في سقوطه عن التركة بالموت كفي الاستصحاب في إحراز بقائه، ورحمة حبسه.

نعم لو شك في أداء المورث له لم يبعد البناء علي أدائه، عملاً بمقتضي اليد، لأن ظاهر وضع يده علي المال ملكيته له بتمامه وعدم ثبوت الخمس فيه لأصحابه، ولذا يجوز في حياته شراؤه واستيهابه منه والتصرف فيه بإذنه ونحوها.

اللهم إلا أن يبتني جواز ذلك كله علي نفوذ تصرفه واقعاً في العين إذا كان الطرف الآخر من الشيعة وانتقال خمس العين أو المنفعة للبدل أو الذمة، بناء علي ما يأتي في المسألة الثامنة والسبعين إن شاء الله تعالي. أو علي نفوذ تصرف صاحب اليد ظاهراً وإن علم بعدم ملكيته لما تحت يده تفصيلاً أو إجمالاً إذا احتمل صحته واقعاً

ص: 194

(195)

خمسه (1)، كغيره من الديون.

(مسألة 28): الأحوط إن لم يكن أقوي إخراج خمس ما زاد عن مؤنته مما ملكه بالخمس أو الزكاة (2)،

-

ولو لإذن صاحب الحق أو إذن وليه - لا لحجية اليد علي ملكيته له بتمامه لما تحقق في محله - من بحث حجية اليد - من سقوط اليد عن الحجية علي الملكية إذا علم بسبق كونها غير مالكية، كما في المقام، حيث يعلم بعدم ملكية صاحب اليد لمقدار الخمس حين تعلقه، ولا تكون حينئذٍ حجة إلا مع العلم بصيرورتها مالكية آناً ما.

ولاسيما إذا كان هناك ما يوجب الريب عرفاً في مالكيتها، كعدم تعوده في المقام علي دفع الخمس رأساً أو علي المبادرة به عند تضييق وقته.

نعم لو بني علي عموم تحليل الخمس لمثل التركة في الفرض فلا أثر للشك. ويأتي الكلام في ذلك في المسألة الثامنة والسبعين إن شاء الله تعالي.

(1) لضمانه له بالإتلاف علي ما يأتي في المسألة الثامنة والخمسين إن شاء الله تعالي، وكذا الحال في غير الإتلاف من أسباب الضمان، كما أنه لو شك في أدائه له بعد انشغال ذمته به تعين البناء علي عدم أدائه، عملاً بالاستصحاب. نعم بناء علي عموم تحليل الخمس لمثل ذلك يتعين عدم وجوب أدائه في ذلك ويأتي الكلام في ذلك إن شاء الله تعالي في المسألة الثامنة والسبعين.

(2) لعموم ثبوته للفائدة. لكن منع في العروة الوثقي من ثبوته فيها، وحكي ذلك عن كشف الغطاء، قال سيدنا المصنف (قدس سره): نظراً إلي أنه ملك للسادة والفقراء، فكأنه يدفع إليهم ما يطلبونه. كذا في رسالة شيخنا الأعظم (قدس سره).

وفيه: أن شخص الفقير يملك المال بدفعه له وقبضه إياه، فلا يستحقه غيره من الفقراء. وحينئذٍ يصدق عليه في حقه أنه فائدة، فيجب فيه الخمس، نظير ما سبق في الوصية العهدية من أنها نظير الهبة.

ص: 195

أو الكفارات أو رد المظالم أو نحوها (1).

-

نعم لو لم نقل بثبوت الخمس في الهبة يتجه عدم ثبوت الخمس في الخمس. ولو لم نقل بثبوته في الصدقة يتجه عدم ثبوته في الزكاة. لكن عرفت ضعف الأول، ويأتي ضعف الثاني.

هذا وفي حديث علي بن الحسين بن عبد ربه قال: سرح الرضا (عليه السلام) بصلة إلي أبي، فكتب إليه أبي: هل علي فيما سرحت إلي خمس؟ فكتب إليه: لا خمس عليك فيما سرح به صاحب الخمس(1). قال في الجواهر: لم نجد عاملاً بظاهره من التفصيل. لكن ظاهر الوسائل الفتوي بمضمونه.

وكيف كان فظاهره عدم ثبوت الخمس فيما يعطيه صاحب الخمس صلة أو هدية وإن لم يكن من الخمس، لا عدم ثبوته فيما يدفع من الخمس استحقاقاً الذي هو محل الكلام، والمنصرف من صاحب الخمس هو وليه المتعين له وهو الإمام، لا ما يعم السادة الذين قد لا يأخذونه ولا يتملكونه. ولعله يناسب ما ورد عنهم (عليهم السلام) من أن ما خرج منهم لا يرجع إليهم. ومن هنا فهو خارج عن محل الكلام.

نعم لابد من تملك الشخص للحق بدفعه، فلو بذل له لينفقه في مصالحه من دون أن يملكه تعين عدم ثبوت الخمس فيه، لعدم صدق الفائدة حينئذ عليه، وذلك يجري في سهم الإمام إذا تأدي الغرض منه بالبذل، ولم يرَ الولي ما يلزم بتمليكه، كما هو شائع. وكذا في الزكاة إذا كانت من سهم سبيل الله وتأدي الغرض ببذلها من دون تمليك.

(1) لا يخفي أنها من الصدقات، وقد تقدم عن أبي الصلاح الحلبي إطلاق القول بثبوت الخمس فيها، وعن شيخنا الأعظم (قدس سره) أنه قواه، وعن ابن إدريس وغيره إنكاره مطلقاً، وعن غيرهم التوقف، كما صرح في العروة الوثقي بعدم ثبوته في الصدقة المندوبة.

والظاهر أن الكلام في الصدقة مطلقاً هو الكلام في الهبة. ومجرد الفرق بينهما في

********

(1) وسائل الشيعة ج: 6 باب: 11 من أبواب ما يجب فيه الخمس حديث: 2

ص: 196

(197)

(مسألة 29): إذا كان عنده من الأعيان التي لم يتعلق بها الخمس (1)، أو تعلق بها وقد أداه (2)، فنمت وزادت زيادة متصلة - كما إذا نمت الشجرة أو سمنت الشاة أو نحوها - فالأظهر عدم وجوب الخمس في الزيادة (3).

-

اعتبار القربة ليس فارقاً فيما نحن فيه. والشبهة المتقدمة في الخمس والزكاة قد تجري في الصدقة الواجبة، دون المندوبة. وقد سبق دفعها.

(1) كالميراث المحتسب والمؤنة التي يستغلها، كالدابة المعدة لركوبه وركوب عائلته.

(2) أو نقله إلي ذمته أو إلي مال آخر بالمصالحة مع الحاكم الشرعي أو غيرها بحيث خلص المال له. أما إذا بقي الخمس في العين فلا إشكال في طروء الزيادة والنقص الخارجي أو القيمي عليه، لأنه بعض المال الذي هو موضوع لهما. ولعله إنما لم يتعرض له لوضوحه.

(3) خلافاً للمسالك والعروة الوثقي وظاهر الجواهر، بل قيل إنه نسب إلي جماعة. وكأن الوجه فيه: إطلاق ثبوت الخمس في الفائدة والمغنم، لدعوي صدقهما علي الزيادة في المقام.

لكنه لا يخلو عن إشكال، لأنه وإن كان منها حقيقة ودقة، إلا أنه مغفول عنه عرفاً بسبب عدم تمييزه، فهو عرفاً حالة في المال مرغوب فيها، لا مال جديد وفائدة مكتسبة. ولا أقل من انصراف الإطلاقات عنه، أو خروجه عن المتيقن منها.

نعم قد يدعي صدقها عرفاً ببيع المجموع وزيادة قيمته بسبب الزيادة المذكورة، كما قد يناسبه ما في مصحح الريان بن الصلت المتقدم من وجوب الخمس في ثمن بردي وقصب يبيعه من أجمة قطيعة له(1) فإن نماء البردي والقصب من سنخ الزيادة المتصلة لأصوله.

********

(1) وسائل الشيعة ج: 6 باب: 8 من أبواب ما يجب فيه الخمس حديث: 9

ص: 197

(198)

أما إذا زادت زيادة منفصلة - كالولد والثمر واللبن والصوف ونحوها مما كان منفصلاً أو بحكم المنفصل عرفاً (1) - فالظاهر وجوب الخمس في الزيادة (2). وأما إذا ارتفعت قيمتها السوقية (3) بلا زيادة عينية،

-

لكن الظاهر أن نماء البردي والقصب عرفاً من سنخ النماء الذي من شأنه الانفصال - كالصوف والشعر والسعف - لأن نماء كل شيء بحسبه. فهو خارج عن مفروض الكلام، ومن هنا كان الظاهر ثبوت الخمس فيه حتي قبل البيع.

أما في مفروض الكلام فالظاهر عدم ثبوت الخمس حتي مع بيع الأصل المشتمل علي الزيادة بثمن زائد عن قيمته حينما ملكه، لأن الأصل المبيع ليس ربحاً عرفاً، والبيع لا يتضمن إلا تبديل مال بمال من دون أن يكون الثمن ربحاً. نعم إذا كان قد ملكه بالشراء وباعه بزيادة في الثمن بسبب الزيادة المتصلة اتجه صدق الربح علي الزيادة في الثمن، نظير ارتفاع القيمة السوقية التي يأتي الكلام فيها.

(1) لتميزه عن الأصل، كالثمرة قبل قطفها والصوف قبل جزه إذا كان له وجود معتد به عرفاً.

(2) كما صرح به غير واحد ونسب لآخرين، لوضوح صدق الغنم والفائدة فيه، ويشهد به في الجملة النصوص المتقدمة، كما يظهر بملاحظتها. ومن ذلك يظهر ثبوت الخمس فيه ولو قبل فصله وقبل بيعه.

(3) اختلفت كلمات الأصحاب في ارتفاع القيمة السوقية، فأطلق في الروضة وجوب الخمس فيها، وتنظر فيه في المسالك. وأطلق في محكي التحرير عدم وجوب الخمس فيها. وظاهر محكي المنتهي التفصيل بين البيع وعدمه، قال: لو زرع غرساً فزادت قيمته لزيادة نمائه وجب عليه الخمس في الزيادة أما لو زادت قيمته السوقية من غير زيادة فيه ولم يبعه لم يجب عليه، واستجوده في محكي الحدائق.

والذي ينبغي أن يقال: لا ينبغي التأمل في أن الغنم والكسب والفائدة ونحوه

ص: 198

من العناوين العامة التي تضمنتها أدلة الخمس إنما أريد بها الأموال التي يتجدد ملكها، دون غيرها وإن كانت موضوعاً للرغبة والنفع، بل وإن كانت سبباً لتحصيل المال، أو ينفق في سبيل تحصيلها المال كصحة البدن وسعة الجاه وغيرهما. ومن الظاهر أن زيادة القيمة لا توجب زيادة في المال، وإنما توجب زيادة في ماليته ومن ثم لا تصدق معها العناوين المذكورة، ليجب الخمس تبعاً لها.

نعم قد تصدق بها الفائدة بلحاظ كونها منشأ لقابلية المال، لأن يتحصل بدله مال أكثر مما كان يتحصل بدله قبلها. إلا أنها ليست فائدة مالية، بل فائدة أخري مرغوب فيها ليست موضوعاً للخمس، كما سبق.

ودعوي: أنه يصدق بها الربح عرفاً، فيقال: ربح فلان كذا. مدفوعة بأن ذلك يبتني علي التسامح بلحاظ القابلية المذكورة، أو بلحاظ الأول والمشارفة. ولذا لا تصدق في حق الشخص الذي لا يستطيع البيع، لسبب خاص به لا يمنع من ارتفاع قيمة المال الذي عنده، كبعده عن المال أو خوفه من البيع من سلطان أو نحوه، وإن لم يكن في محله، وكذا إذا لم يكن الشخص في مقام البيع، لانتظار موسم أو خوف اضطراره لصرف الثمن وضياعه عليه عند حاجته إليه، أو نحو ذلك.

كما لا يصدق الربح والخسران بارتفاع قيمة المال ونزولها قبل البيع، إلي غير ذلك ما يناسب عدم ابتناء صدق الربح بذلك علي الحقيقة التي هي المعيار في تطبيق الأدلة والعمل عليها.

هذا ولا يفرق فيما ذكرنا بين البيع وعدمه، لأن البيع وسائر المعاوضات تبتني علي تبديل مال بمال، فمع فرض عدم صدق الربح بزيادة مالية المال لا يلزم من تبديله بالثمن الربح أيضاً، ولا تصدق به الفائدة والغنم ونحوهما.

نعم لا إشكال أيضاً في صدق الفائدة والربح في التجارة ببيع الشيء بأكثر من الثمن الذي اشتري به وإن كان شراؤه وبيعه بقيمة المثل حين الشراء والبيع بسبب ارتفاع قيمته السوقية قبل البيع كما تصدق الخسارة ببيعه بأقل من قيمة شرائه وإن كان

ص: 199

فإن كان الأصل قد اشتراه وأعده للتجارة وجب الخمس في الارتفاع المذكور (1)،

-

أكثر من قيمته السوقية حين البيع بسبب نقص قيمته قبله.

وحيث لا إشكال في عموم موضوع الخمس لربح التجارة، بل هو الشايع عرفاً من أنواع الاستفادة والإفادة والغنم والاكتساب ونحوها من العناوين العامة التي أخذت في موضوع الخمس في الأدلة، بل تضمنته النصوص بالخصوص(1) ، تعين البناء علي ثبوت الخمس في ذلك. وعلي هذا يبتني الكلام في الصور الآتية في المتن علي ما يتضح إن شاء الله تعالي.

(1) كما صرح به في كشف الغطاء والعروة الوثقي ومحكي رسالة شيخنا الأعظم (قدس سره). ويقتضيه إطلاق من أوجب الخمس في ارتفاع القيمة السوقية كالشهيد الثاني في الروضة، بل هو من أظهر مصاديقه أو المتيقن منها. وقد وجهوه بصدق الربح والفائدة بذلك. وقد عرفت منعه.

لكن قال سيدنا المصنف (قدس سره) بعد الاعتراف بذلك، وبأن وجوب الخمس هنا يتوقف علي فهم الفائدة ولو بالقوة، وأنه غير واضح: والإنصاف أنه لا يبعد صدق الفائدة عرفاً، بلحاظ أن العين لما كانت عوضاً عن مال بعينه فكلما ارتفعت القيمة علي ذلك المال يصدق الربح والفائدة عرفاً، بلحاظ إمكان التبديل إليه بزيادة. والظاهر أن هذا المعني من الفائدة هو المأخوذ موضوعاً في نصوص الخمس، كما أنه هو الموضوع في باب المضاربة، وفي الأحكام العرفية القانونية وغيرها. نعم لا يبعد اختصاص ذلك بما إذا كان شراء العين للاتجار بها والتكسب، فلا يعم صورة شرائها للاقتناء ونحوه، فيتوقف صدق الربح فيه علي البيع.

ويظهر من بعض مشايخنا توجيه التفصيل المذكور بأن الغرض من الشراء

********

(1) وسائل الشيعة ج: 6 باب: 8 من أبواب ما يجب فيه الخمس حديث: 3، 7

ص: 200

للتجارة لما كان هو التحفظ علي المالية والازدياد منها من دون نظر إلي خصوصيات الأموال، كانت الزيادة في المالية ربحاً عرفاً. وهذا بخلاف ما إذا لم يكن الغرض الاتجار، بل الاقتناء أو الانتفاع أو نحوهما، حيث يتعلق الغرض بخصوصية المال، فلا تكون الزيادة في المالية ربحاً، لعدم النظر إليها حينئذ، بل إلي أعيان الأموال، والمفروض عدم زيادتها - ليصدق الربح والفائدة - إلا بالبيع وظهور الزيادة في الثمن.

لكن الظاهر أن الفرق المذكور غير فارق، فإن الاهتمام بالمالية في المال المتخذ للتجارة إنما يوجب الاهتمام بزيادة المالية والرغبة فيها من حيثية الغرض النوعي من المعاملة، لا صدق الربح والفائدة فعلاً بها. ولذا لا إشكال في صدق الربح بإيقاع البيع بالثمن الزائد علي نحو صدقه في بيع المال المتخذ لغير التجارة، مع أنه لو صدق الربح بنفس ارتفاع السعر لم يحصل بالبيع مع اتخاذ المال للتجارة إلا إنضاض الربح وتبدل حاله من كونه حصة في المتاع إلي كونه حصة في الثمن من دون أن يصدق الربح، إذ ليس في المقام إلا ربح واحد.

ومن هنا لا معدل عما ذكره سيدنا المصنف (قدس سره) أولاً من أنه لا يحصل بارتفاع القيمة إلا الفائدة بالقوة، ومن المعلوم عدم ظهور أدلة الخمس فيما يعمها، بل في خصوص الفائدة والربح الفعليين، كما في سائر أفرادها الأخري، كالهبات وحيازة المباحات، وسائر أقسام ما يجب فيه الخمس مما يدخل في كبري المغانم التي تضمنتها الآية الشريفة، بعد البناء علي عمومها لغير غنائم دار الحرب، ولو بضميمة النصوص. ولذا لا إشكال في عدم وجوب الخمس بحصول المناسبة التي يتعرض فيها الإنسان لأن يهدي له، أو بقدرته علي استخراج المعدن أو نحو ذلك، وإنما يتوقف وجوبه علي فعلية الغنم بتحقق الإهداء واستخراج المعدن الملك له... إلي غير ذلك.

ومجرد الاهتمام بالمالية في التجارة لا يقتضي حمل الربح فيها علي الربح والفائدة بالقوة الذي يحصل بمجرد ارتفاع القيمة بعد أن كان ظاهر النصوص كون الربح من صغريات مطلق الفائدة التي يراد بها الفائدة الفعلية الحقيقة.

ص: 201

(202)

نعم قد يصلح ذلك للقرينية علي حمل الربح علي المعني المذكور في مثل المضاربة مما يلحظ فيه الربح موضوعاً للعقد التابع لقصد المتعاقدين، لا للحكم الشرعي الابتدائي. وتمام الكلام فيها في محله.

علي أن مقتضي البناء علي ثبوت الخمس في الارتفاع عدم جواز البيع بما دونه محاباة إلا بضمان حصة الخمس، وهو ما يصعب البناء عليه بملاحظة السيرة والمرتكزات جداً. ويأتي إن شاء الله تعالي في المسألة الثانية والثلاثين ما ينفع في المقام.

بقي في المقام أمران:

الأول: أنه يظهر من سيدنا المصنف (قدس سره) وغيره ممن فصل بين المال المتخذ للتجارة وغيره بل صريحه في الجملة - علي ما يأتي التنبيه عليه في آخر المسألة - أن المعيار في التفصيل المذكور علي شراء المال للتجارة عدمه.

لكن المناسب حينئذٍ أن يكون المعيار فيه علي إعداد المال حين ارتفاع القيمة للتجارة، سواء اشتراه لها، أم اشتراه لغيرها ثم بدا له أن يعده لها، أم لم يشتره أصلاً، بل ورثه أو استوهبه أو حازه وأعده لها، لظهور أنه مع الإعداد للتجارة في جميع ذلك يجري ما سبق من أن الاهتمام بالمالية يوجب صدق الربح بارتفاع القيمة عرفاً. ولاسيما فيما إذا أعد من الأول الأمر لذلك، كمن ورث محلاً وبضاعة من تاجر فأبقاها للتجارة، أو كان يتكسب بحيازة المباحات الأصلية من أجل الاتجار بها وبيعها.

كما أنه لا يصدق علي المال أنه مال التجارة إذا اشتراه من أول الأمر للتجارة، ثم أعرض عن ذلك واتخذه لغيرها، ولا يجري فيه ما سبق منهم من الاهتمام بارتفاع القيمة.

الثاني: أنه لو بني علي التفصيل بالوجه المذكور في ارتفاع القيمة السوقية اتجه عمومه لما إذا كان ارتفاع القيمة السوقية بسبب زيادة العين زيادة متصلة، كما إذا اشتري شاة مهزولة بعشرة، فسمنت وصارت قيمتها عشرين وإن لم ترتفع قيمتها لو بقيت كما هي. إذ لو تم ما سبق من أن الاهتمام في التجارة بالمالية يوجب صدق الربح بارتفاعها، فلا يفرق فيه بين أسباب ارتفاع القيمة. بل لا يبعد كون صدق الربح

ص: 202

(203)

وإن لم يكن قد اشتراه لم يجب الخمس في الارتفاع (1). وإذا باعه بالسعر الزائد لم يجب الخمس في الزائد من الثمن (2)،

-

بزيادة العين أظهر من صدقة بزيادة القيمة السوقية الصرفة.

وحينئذٍ لا يتجه ممن سبق إطلاق عدم صدق الربح بزيادة العين زيادة متصلة، بل يتعين قصره علي ما يتخذ للتجارة.

أما ما اتخذ لها، فإن أوجبت الزيادة المتصلة ارتفاع قيمة العين عن ثمن شرائها صدق الربح، وإلا لم يصدق، كما إذا اشتري شاة هزيلة بعشرة فنزلت القيمة السوقية فصارت لو بقيت علي هزالها بخمسة إلا أنها بسبب سمنها حافظت علي قيمة شرائها، وهي العشرة.

ولعله إلي ما ذكرنا في الأمرين يرجع ما في كشف الغطاء، حيث قال: وكلما اتخذ للاكتساب، فظهر ربحه تعلق (يعني الخمس) به بزيادة قيمة سوق أو إثمار أو إنتاج أو فراخ أشجار أو غير ذلك. وما أريد الاكتساب والربح بفوائده دخلت فوائده دون زيادة أعيانه قيمة وعيناً، وما لم يقصد الاسترباح به ولا بفوائده، وإنما الغرض الانتفاع بها فالظاهر أنه كسابقه، وفوائده كفوائده. فلاحظ.

(1) كما في الجواهر والعروة الوثقي وعن المسالك وكشف الغطاء، وإن لم أجده فيهما، بل مقتضي إطلاق كلام كشف الغطاء السابق ثبوت الخمس فيه إذا اتخذ للاكتساب.

وكيف كان فيتضح وجهه مما تقدم منا من عدم صدق الفائدة بزيادة القيمة. وأما بناء علي ما تقدم من سيدنا المصنف (قدس سره) وبعض مشايخنا من التفصيل، فاللازم جريانه فيه، كما سبق أنه مقتضي إطلاق كاشف الغطاء. نعم لا يتجه ما سبق من إطلاق بعضهم ثبوت الخمس في ارتفاع القيمة.

(2) لعدم صدق الربح بارتفاع القيمة كما سبق، ولا بالبيع، لابتنائه علي تبديل مال بمال، ومعه لا يكون الثمن ربحاً عرفاً، والمفروض أنه لم يشتره سابقاً ليكون فرق

ص: 203

كما إذا ورث من أبيه بستاناً قيمته مائة دينار، فزادت قيمته وباعه بمائتي دينار لم يجب الخمس في المائة. وإن كان قد اشتراه بمائة دينار ولم يعده للتجارة، فزادت قيمته وبلغت مائتي دينار لم يجب الخمس في زيادة القيمة (1). نعم إذا باعه بالمائتين وجب الخمس في المائة الزائدة (2)، وتكون من أرباح سنة

-

الثمن ربح تجارة عرفاً.

نعم لو باعه بأكثر من قيمته السوقية الثابتة له حين البيع فقد يدعي صدق الربح والفائدة علي الفرق بين الثمنين. لكنه لا يخلو عن إشكال، لأن المعيار في ربح التجارة علي الفرق بين قيمتي الشراء والبيع، دون الفرق بين القيمة السوقية وقيمة البيع، فمن باع بأكثر من سعر السوق أو اشتري بأقل منه لا يعتبر رابحاً، كما لا يعتبر خاسراً لو اشتري بأكثر من سعر السوق أو باع بأقل منه.

نعم لا إشكال في تعلق الغرض نوعاً بتحقيق المعاملة بالوجه الأول وعدم تحقيقها بالوجه الثاني، بلحاظ زيادة المالية ونقصها، إلا أنه لا يستلزم صدق الربح والخسارة التجاريين. ولا أقل من عدم وضوح صدقهما.

ودعوي: كفاية زيادة المالية في صدق الربح والفائدة وإن لم يكن ربح تجارة، لدخوله في عموم الغنيمة والفائدة. ممنوعة، لأن ظاهر الغنيمة والفائدة في العمومات هو المال المستفاد بلا مقابل ولا عوض. وانطباقه علي ربح التجارة لأنه أظهر أنواع الاستفادة عرفاً، ليس بلحاظ كون المعاملة موجبة لزيادة المالية، بل بلحاظ كون الربح المذكور مستفاداً عرفاً بلا مقابلة مال، كالصافي بعد إخراج مؤن الاكتساب في سائر أنواع التكسبات من الصناعات والحيازات والأعمال وغيرها، وذلك لا يصدق في محل الكلام من البيع بأكثر من سعر السوق أو الشراء بأقل منه.

(1) لما سبق من عدم كون زيادة القيمة مالاً وربحاً، ليجب فيه الخمس.

(2) كما صرح به في العروة الوثقي. ويظهر وجهه مما تقدم في معيار ربح

ص: 204

(205) (205)

البيع (1). فأقسام ما زادت قيمته ثلاثة:

(الأول): ما يجب فيه الخمس في الزيادة وإن لم يبعه، وهو ما اشتراه للتجارة.

(الثاني): ما لا يجب فيه الخمس في الزيادة وإن باعه بالزيادة وهو ما ملكه بغير شراء، وإن أعده للتجارة (2).

(الثالث): ما لا يجب فيه الخمس في الزيادة إلا إذا باعه، وهو ما ملكه بالشراء بقصد الاقتناء لا التجارة.

(مسألة 30): الذين يملكون الغنم يجب عليهم في آخر السنة إخراج خمس الباقي بعد مؤنتهم من نماء الغنم من الصوف والسمن واللبن والسخال المتولدة منها (3). وإذا بيع شيء من ذلك في أثناء سنته وبقي شيء من ثمنه (4)

-

التجارة. نعم إذا كانت العين المشتراة مستثناة من الربح، لاتخاذها مؤنة، أشكل ثبوت الخمس في الفرق بين قيمتي شرائها وبيعها، كما لو اشتري داراً بألف دينار فسكنها مدة، ثم باعها بعشرة آلاف دينار، إذ مع استثنائها يغفل عن قيمة شرائها، فينصرف عنها إطلاق دليل ثبوت الخمس في ربح التجارة. إلا أن يدعي أن الانصراف بدوي، كما هو غير بعيد. ومن ثم يتجه ثبوت الخمس في الزيادة، كما ذكره سيدنا المصنف (قدس سره).

(1) بخلاف ما لو قيل بثبوت الخمس بمجرد ارتفاع القيمة، حيث يتعين كون المائة دينار من أرباح سنة الارتفاع.

(2) هذا صريح في أن المعيار في التفصيل المتقدم منه علي الشراء للتجارة، لا الإعداد لها حين ارتفاع القيمة. وقد سبق الإشكال فيه.

(3) يظهر وجهه مما تقدم في المسألة السابقة من ثبوت الخمس في النماء المنفصل وما بحكمه من النماء المتصل.

(4) يعني: إلي آخر السنة ولم يصرف في المؤنة.

ص: 205

وجب إخراج خمسه أيضاً (1) وكذا الحكم في سائر الحيوانات، فإنه يجب تخميس ما ولد منها إذا كان باقياً في آخر السنة بنفسه أو ثمنه.

(مسألة 31): إذا عمر بستاناً وغرس فيه نخلاً وشجراً للانتفاع بثمره

لم يجب إخراج خمسه إذا صرف عليه مالاً لم يتعلق به الخمس - كالموروث - أو مالاً قد أخرج خمسه (2) - كأرباح السنة السابقة - أو مالاً فيه الخمس (3)

-

(1) لأن ثمن الفائدة يقوم مقامها في ثبوت الخمس بمقتضي المبادلة التي يتضمنها البيع وكون الثمن من سنخ التدارك للمثمن، ويقتضيه - مع ذلك - جملة من النصوص المتقدمة المتضمنة ثبوته في أثمان المزروعات والمحازات. بل هو المتيقن بأدني تأمل في النصوص والسيرة.

(2) كأنه لأن البستان يكون بدلاً عن المال الذي لا خمس فيه، فلا يكون فائدة جديدة، ليجب فيه الخمس. ولكنه مختص بما إذا كان المال المدفوع من سنخ الثمن والعوض عن الأعيان الثابتة في البستان، كالذي ينفقه في شراء الأرض وشراء الشجر المغروس ونحوها، بخلاف ما إذا لم يكن المال المدفوع من سنخ ثمن الأرض والعوض عنها، كما لو أنفق المال أجراً أو جعالة للعمال والفلاحين الذين يقومون بحيازة أرض البستان وحرثها وشق أنهارها وزرع النخيل فيها ونحو ذلك، فإنه يتعين كون البستان فائدة جديدة في سنة العمارة، فيجب الخمس فيها. غاية الأمر أنه يستثني ما أنفقه بالنحو المذكور، لأنه من مؤنة تحصيل الربح التي سبق ويأتي في المسألة الثالثة والثلاثين استثناؤها، كمؤنة السنة.

وبذلك يظهر أنه لو اختلف نحو إنفاق المال تعين التوزيع، فالأعيان المشتراة لا خمس فيها، وما يكتسب بغير الشراء يجب فيه الخمس بعد استثناء ما أنفقه في سبيل تحصيله من المال الذي لا خمس.

(3) هذا إنما يتم فيما إذا كان الثمن ذمياً والوفاء من المال الذي فيه الخمس،

ص: 206

- كأرباح السنة السابقة - ولم يخرج خمسه. نعم يجب عليه إخراج خمس المال نفسه (1). وأما إذا صرف عليه من ربح السنة قبل تمام السنة وجب إخراج خمس نفس تعمير البستان (2) بعد استثناء مؤنة السنة.

-

كما لعله الغالب. حيث يتعين دفع خمس المال المذكور دون خمس البستان، لعدم كونه مكتسباً، بل مأخوذاً بالعوض الذمي.

أما إذا كان الثمن شخصياً من المال الذي فيه الخمس فالمتعين قيام الثمن وهو البستان مقامه في ثبوت الخمس فيه إذا فرض نفوذ المعاملة، ولو بإذن الحاكم الشرعي أو إمضائه، ويتعين تخميس عمارة البستان بتمامها مع نمائها المتصل بقيمتها آخر السنة وإن ارتفعت عن قيمة الشراء.

نعم بناءً علي نفوذ المعاملة مطلقاً وانتقال الخمس للذمة، لنصوص التحليل يتعين دفع خمس الثمن المدفوع لا غير، كما ذكره في المتن. ويأتي الكلام في ضابط ذلك في المسألة الثامنة والسبعين إن شاء الله تعالي.

(1) لضمانه للخمس بدفع المال قبل تخميسه، علي ما يأتي الكلام فيه في المسألة الواحدة والخمسين والثانية والخمسين إن شاء الله تعالي.

(2) لا يبعد أن يكون مراده (قدس سره) العمارة التي هي نتيجة التعمير، لقيامها مقام ما أنفقه من الربح، لأنها بدل عنه ونتيجة له بمقتضي نفوذ المعاملة، حيث لا إشكال في أن للمكلف التصرف في الربح أثناء السنة والتقلب فيه وتبديله.

هذا إذا كان الثمن شخصياً. أما إذا كان ذمياً فتكون العمارة بنفسها ربحاً ويكون الربح المدفوع في عمارته وفاء لما في الذمة من سنخ مؤنة الربح المستثناة.

وبعبارة أخري: ما يشتري في الذمة إنما لا يكون ربحاً ولا فائدة إذا بقيت الذمة مشغولة بما يقابله، أما مع وفائها بدفع المثل أو بالإبراء فيصدق عليه الربح والفائدة عرفاً، ويكون هو موضوع الخمس. وكذا الحال فيما لم يكن المال المدفوع من سنخ

ص: 207

ووجب أيضاً الخمس في نمائه المنفصل أو ما بحكمه (1) من الثمر والسعف والأغصان اليابسة المعدة للقطع. وكذا يجب تخميس الشجر الذي يغرسه جديداً وإن كان أصله من الشجر المخمس ثمنه (2)، مثل التال الذي ينبت، فيقلعه ويغرسه. وكذا إذا نبت جديداً لا بفعله، كالفسيل (3) وغيره إذا كان له مالية.

-

العوض عن الأعيان، بل من سنخ الأجرة والجعالة ونحوهما، كما سبق في صدر المسألة.

ومن جميع ما ذكرنا يظهر أنه لا مجال للجمود علي ظاهر عبارة المتن من وجوب تخميس نفس التعمير، لأن التعمير بنفسه بعد أن تحول للعمارة أثناء السنة صارت العمارة هي الربح، نظير تبديل النقد بالأعيان أو بالعكس في أثناء السنة. فلاحظ.

وبذلك يظهر اللازم هو تخميس الأعيان مع زيادة قيمتها عن ثمن شرائها. بل وكذا مع نقصها، للعفو عن النقص بمقتضي حلية التصرف في الربح أثناء السنة ونفوذه.

(1) لما سبق منه في المسألة التاسعة والعشرين من ثبوت الخمس في ذلك، وأما النماء المتصل فتخميسه هو مقتضي تخميس نفس العمارة.

(2) لأن أصله من سنخ النماء المنفصل للشجر المذكور، وقد تقدم في المسألة التاسعة والعشرين أن للنماء المنفصل ربحاً جديداً يثبت فيه الخمس، وحينئذٍ تكون زيادته المتصلة تابعة له في ثبوت الخمس فيها. نعم زيادته المتصلة بعد التخميس لا خمس فيها، كما إذا نما الشجر وكبر في السنين اللاحقة، لما سبق من عدم الخمس في النماء المتصل لما لا خمس فيه.

(3) وهو فيما يحضرني من كتب اللغة النخلة تقطع من أمها ومن هنا لا يتضح عاجلاً الفرق بينه وبين التال. لكن في لسان العرب أنه الصغير من النخل. وعليه قد يكون أعم من التال، لأنه يشمل النخل الصغير النابت من النوي. وعلي ذلك إنما يجب خمسه إذا كان مملوكاً له، إما لكونه نماء ملكه، أو لتملكه له بقبضه له لو كان نماء لما أعرض عنه مالكه، ولا يكفي نماؤه في ملكيته له بدون ذلك.

ص: 208

(209)

وبالجملة: كل ما يحدث جديداً من الأموال التي تدخل في ملكه يجب إخراج خمسه في آخر سنته بعد استثناء مؤنة سنته، ولا يجب الخمس في النماء المتصل ولا في ارتفاع القيمة في القسمين الأولين (1). نعم إذا باعه بأكثر مما صرفه عليه من ثمن الفسيل وأجرة الفلاح وغير ذلك وجب الخمس في الزائد (2)، ويكون من أرباح سنة البيع (3). وأما إذا كان تعميره بقصد التجارة (4) وجب الخمس في ارتفاع القيمة الحاصل في آخر السنة وإن لم يبعه، كما عرفت (5).

(مسألة 32): إذا اشتري عيناً للتكسب بها (6)، فزادت قيمتها في أثناء السنة ولم يبعها غفلة أو طلباً للزيادة، ثم رجعت قيمتها في رأس السنة إلي رأس

-

(1) وهما ما إذا أنفق علي تعمير البستان مالاً لا خمس فيه أصلاً أو قد أدي خمسه، وما إذا أنفق عليه مالاً فيه الخمس، غاية الأمر أنه يجب أداء خمس المال المصروف في الثاني، وقد تقدم منا التفصيل في ذلك.

(2) لما سبق منه ومنّا في المسألة التاسعة والعشرين.

(3) لأنه إنما حصل بالبيع، أما ارتفاع السعر قبله لو حصل فقد سبق أنه لا يثبت معه الخمس في الزيادة.

(4) بأن يكون تعميره من أجل بيعه، لا لأجل استثماره والانتفاع بنمائه.

(5) يعني في المسألة التاسعة والعشرين، لكن سبق منا المنع منه.

(6) الكلام في هذه المسألة مبني علي ما تقدم منه ومن غير واحد في المسألة التاسعة والعشرين من ثبوت الخمس في زيادة القيمة مطلقاً أو في خصوص المال المتخذ للتكسب، ولا موضوع لها بناء علي ما تقدم منّا من عدم ثبوته، فالكلام منّا فيها مجاراة لهم.

ص: 209

مالها فليس عليه خمس تلك الزيادة (1). أما إذا لم يبعها عمداً فالأحوط ضمانه للخمس (2). بل الأقوي إذا بقيت لآخر السنة (3) وبعدها نقصت قيمتها.

-

(1) علله في العروة الوثقي بعدم تحقق الزيادة في الخارج. وكأنه لعدم تحقق البيع وتحصيل الزيادة. وهو حينئذٍ ينافي ما سبق منهم من ثبوت الخمس في زيادة القيمة في المال المتخذ للتكسب، لأن ثبوت الخمس في الزيادة فرع كونها فائدة وربحاً متحصلاً، وينافي أيضاً ما ذكره من ثبوت الضمان فيما لو بقيت الزيادة إلي تمام السنة لم يبعها عمداً، كما نبّه لذلك سيدنا المصنف (قدس سره).

ومن ثم حمله بعض مشايخنا علي إرادة عدم تحقق الزيادة عن مؤنة السنة، لأن الخمس وإن تعلق عند ظهور الربح وارتفاع القيمة، إلا أنه لا يستقر إلا بعد السنة، واستثناء مؤنتها المصروفة فيها أو التالفة قهراً خلالها، فمع رجوع العين إلي قيمتها الأولي في أثناء السنة تكون الزيادة قد تلفت ولم تتحقق له، ليثبت الخمس فيها، ولا مجال لضمانه حينئذ بعد ترخيص الشارع في التأخير، فضلاً عما إذا استند إلي الغفلة وطلب الزيادة، حيث لا يكون التأخير تعدياً وتفريطاً، ليوجب الضمان.

لكنه - مع مخالفته لظاهر كلام العروة الوثقي أو صريحه - يشكل بأن التلف القهري في أثناء السنة إنما يستثني عندهم إذا لم يكن بتفريط المالك، والمتيقن من ترخيص الشارع في التأخير ذلك. ومن ثم خص سيدنا المصنف (قدس سره) عدم الضمان بما إذا كان عدم البيع غفلة أو طلباً للزيادة، أما إذا لم يكن لعذر فاللازم الضمان.

(2) تقدم منه (قدس سره) في استدلاله الجزم بالضمان. ولعله إنما توقف عن الفتوي به لمنافاته للسيرة المتشرعية الارتكازية علي عدم الإلزام بالبيع، بل ولا علي الإلزام بالمحافظة علي المال في أثناء السنة علي نحو محافظة الأمين علي أمانته. غاية الأمر عدم جواز الإتلاف تبذيراً. وإن كان ذلك قد لا يناسب فتاواهم. فلاحظ.

(3) لاستقرار الخمس وعدم استثناء التلف والخسارة اللاحقة منه بلا إشكال، وحيث كان منشأ الضمان عنده التفريط فقد خصه بما إذا كان تعمد عدم البيع من دون

ص: 210

عذر، أما إذا كان عن عذر - كالغفلة وطلب الزيادة - فقد حكم بعدم الضمان كما في الفرض الأول، هو ما إذا كان نزول القيمة قبل انتهاء السنة. لكن يكفي في التفريط حبس الخمس وعدم المبادرة بدفعه في آخر السنة. نعم إذا كان معذوراً في ذلك أيضاً، لتعذر تسليمه عليه، فقد يتجه عدم الضمان. ويأتي الكلام في ذلك.

هذا وظاهره - كالعروة الوثقي - ضمان مقدار خمس ارتفاع القيمة وانشغال الذمة به، وهو قد يستغرق خمس قيمة العين بعد نزول قيمتها، بل قد يستغرق تمام قيمتها أو يزيد عليها.

ويشكل - كما نبه له في الجملة بعض مشايخنا - بأن سبب الضمان إن كان هو اليد، فيكفي في رفعه تسليم العين لأخذ الخمس منها. وإن كان هو الإتلاف، فهو يختص بإتلاف العين رأساً أو إنقاصها بإتلاف جزئها أو وصفها الدخيل في ماليتها. أما مجرد نقص المالية فلا يكون مضموناً، ولذا لو غصب عيناً ثم ردها سالمة برئ من ضمانها وإن نقصت قيمتها السوقية. غاية الأمر أن يحكم بضمانها مع تلف تمام ماليتها، لأنها بحكم التالف عرفاً.

وعلي ذلك لا وجه في المقام لضمان مقدار خمس ارتفاع القيمة مع بقاء العين ذات مالية معتد بها، بل ينبغي الالتزام بما ذكره بعض مشايخنا من ثبوت الخمس في العين بمقدار نسبة قيمة خمس الارتفاع لقيمة العين حينه، فإذا كانت قيمة العين قبل الارتفاع عشرة دنانير، ثم ارتفعت إلي ستين، كانت قيمة الخمس عشرة، ويلزم البناء علي أن نسبة الخمس الثابتة في العين السدس مهما نزلت قيمتها بعد ذلك أو ارتفعت، ولا مجال للبناء علي ضمان العشرة التي قد تستغرق قيمة العين بعد نزولها أو تزيد عليها.

وعلي ذلك يتعين عدم الفرق في بقاء الخمس بالوجه المذكور بين كون عدم البيع بعد السنة لعذر أو لا لعذر، لأن الخمس بعد ثبوته في العين لا وجه لارتفاعه بعد فرض عدم جبر ربح السنة للخسارة الحاصلة بعدها.

وبعبارة أخري: ثبوت النسبة المذكورة في العين لابد منه علي كل حال، والذي

ص: 211

(212) (212)

(مسألة 33): المراد من مؤنة السنة التي يجب الخمس في الزائد عليها كل ما يصرفه في سنته (1)، سواء صرفه في تحصيل الربح (2)،

-

يتعين اختصاصه بصورة التفريط - لو تم - وجهه هو ضمان قيمة الخمس حين الارتفاع وانشغال الذمة بها من دون أن تثبت في العين. وهو خال عن الوجه.

والإنصاف أن ذلك وإن كان متيناً، إلا أنه قد لا يناسب البناء علي أن ارتفاع القيمة من سنخ الفوائد المالية، التي يتعلق بها الخمس، بل المناسب لذلك البناء علي كون خمس الربح المذكور مضموناً بسبب وضع اليد عليه والتفريط بعدم دفعه، فعدم البناء علي ذلك يناسب ما سبق منّا من عدم كون ارتفاع القيمة من سنخ الفوائد المالية. فتأمل.

(1) الذي تقدم منه (قدس سره) في أول الكلام في هذا القسم مما يجب فيه الخمس استثناء مؤنة السنة له ولعياله، ولم يتقدم منه ما يناسب العموم لغيرها. وغيرها مما يأتي وإن كان مستثني أيضاً إلا أنه بملاك ودليل آخر.

(2) بلا إشكال ظاهر، وأرسله في الجواهر إرسال المسلمات. ويقتضيه ما تقدم في المسألة الخامسة عند الكلام في نصاب المعدن من عدم صدق الغنيمة والربح والفائدة التي هي موضوع الخمس في الأدلة إلا بعد استثناء المؤنة المذكورة. مضافاً إلي قوله (عليه السلام) في مكاتبة ابن يزيد: الفائدة مما يفيد إليك في تجارة من ربحها، وحرث بعد الغرام، أو جائزة(1) ، حيث لا يبعد ظهور الغرام فيما يغرمه علي الحرث، لا ما يغرمه في مؤنة حياته، وإلا كان المناسب استثناءه من الجميع.

وربما يستدل أيضاً بخبر ابن شجاع المتقدم: أنه سال أبا الحسن الثالث (عليه السلام) عن رجل أصاب من ضيعته من الحنطة مائة كر ما يزكي، فأخذ منه العشر عشرة أكرار، وذهب منه بسبب عمارة الضيعة ثلاثون كراً، وبقي في يده ستون كراً. ما الذي يدب لك من ذلك؟ فوقع: لي منه الخمس مما يفضل من مؤنته(2) ، بناءً علي أن المراد

********

(1و2) وسائل الشيعة ج: 6 باب: 8 من أبواب ما يجب فيه الخمس حديث: 7، 2

ص: 212

بعمارة الضيعة العمارة السابقة علي الزرع مقدمة له، بأن يكون المراد اقتطاع الثلاثين كراً بدلاً عن المال المدفوع في العمارة المذكورة.

لكنه لا يخلو عن إشكال، بل الأظهر إرادة صرفها في عمارة الضيعة بعد الزرع، إما لأن الزرع أوجب نقصاً في الضيعة، أو لأجل استصلاح الضيعة للزرع في السنين اللاحقة. وعلي الأول تكون الثلاثين كراً من المؤن المصروفة بسبب الربح التي يتعين استثناؤها بملاك استثناء مؤنة تحصيل الربح، علي ما يأتي قريباً. وعلي الثاني يكون نظير رأس المال للسنين اللاحقة، الذي لا قائل باستثنائه، إذ غاية ما قيل هو استثناء رأس المال لسنة الربح وإن بقي للسنين اللاحقة، علي ما يأتي الكلام فيه في المسألة الخامسة والثلاثين إن شاء الله تعالي.

وأما ما تضمن أن الخمس بعد المؤنة(1) فقد سبق في المسألة الثالثة عند الكلام في مال الناصب والمسألة الخامسة عند الكلام في نصاب المعدن أن الأقرب حمله علي مؤنة الإنسان الحياتية، ولا أقل من الإجمال المانع من الاستدلال، مع امتناع حمله علي الأعم من المؤنتين، لعدم الجامع بينهما عرفاً. فالعمدة ما سبق.

نعم تقدم في صحيح علي بن مهزيار: فاختلف من قبلنا في ذلك، فقالوا: يجب علي الضياع الخمس بعد المؤنة مؤنة الضيعة وخراجها، لا مؤنة الرجل وعياله. فكتب وقرأه علي بن مهزيار: عليه الخمس بعد مؤنته ومؤنة عياله وبعد خراج السلطان(2) ، حيث قد يظهر من الاقتصار في ذيله علي استثناء مؤنة الرجل وعياله وخراج السلطان الردع عن استثناء مؤنة الضيعة.

لكن لا مجال للخروج به عما سبق، فلابد من حمله علي الاكتفاء عن استثنائها بالمفروغية عن ذلك، أو بأن المراد باستثناء الخراج الإشارة إلي تمام المذكور في كلامهم السابق، أو بأن المقصود الردع عن تفسير المؤنة في الكتاب السابق بمؤنة الضيعة، ل

********

(1) وسائل الشيعة ج: 6 باب: 8 من أبواب ما يجب فيه الخمس حديث: 1، وباب: 12 من أبواب ما يجب فيه الخمس حديث: 1، 2

(2) وسائل الشيعة ج: 6 باب: 8 من أبواب ما يجب فيه الخمس، حديث: 4

ص: 213

كأجرة الحمال والحارس والدكان والسرقفلية (1) وضرائب السلطان (2)،

-

عن استثناء المؤنة المذكورة، أو بأن المراد بمؤنة الضيعة في السؤال مؤنة تهيئتها للزراعة للسنة اللاحقة التي أشرنا آنفاً إلي عدم استثنائها. أو غير ذلك.

بقي شيء، وهو أن مؤنة تحصيل الربح إن كان من شأنها حصول الربح لسنة واحدة تعين استثناؤها من ربح سنة واحدة، فإن لم يف به لم يتدارك خسارته من أرباح السنين الأخري، بل يكون المكلف بنظر العرف قد خسر ما لم يتدارك في تلك السنة من المؤنة، وإن كان من شأنها حصول الربح في سنين متعددة تعين استثناؤها من أرباح تلك السنين وعدم وفاء ربح سنة واحدة بها لا يعد خسارة عرفاً. وتشخيص ذلك موكول للمكلف بعد الرجوع للعرف.

(1) إذا لم تستوجب حقاً للمالك في المحل، وإلا كان الحق المذكور من جملة موجودات المكلف يحسب في آخر السنة، علي ما يأتي منه (قدس سره) في المسألة الرابعة والستين.

(2) إنما تكون من مؤنة الربح إذا توقف عليها تحصيله، كضريبة إجازة فتح المحل أو إنشاء الشركة وقيمة شراء المباحات الأصلية من الدولة ونحو ذلك. أما ما يجعل عليه بسبب الربح - كضريبة الدخل - أو بدونه - كضريبة تبليط الشارع أو إنشاء المجاري - فليس هو من مؤنة تحصيل الربح، بل هو من مؤنة الإنسان نفسه التي يأتي منه (قدس سره) بيانها.

نعم ما كان منها مجعولاً بسبب الربح قد يشارك مؤنة الربح في دليل الاستثناء، وهو عدم صدق الربح عرفاً إلا بعد استثنائها، حيث لا تكفي الملكية الشرعية للمال في صدق الفائدة والربح عرفاً، وإنما الربح خصوص ما يبقي للمالك وينتفع به، وهو ما يبقي له بعد استثناء ما تقتضي الملكية للمال صرفه إما من أجل حصولها أو بسببه.

ومثله في ذلك ما يجعل المكلف علي نفسه - بنذر أو نحوه - إنفاقه علي تقدير تحصيل الربح، كمن نذر أن يتصدق بربع ربحه. وقد تقدم في وجه استثناء المؤنة احتمال دلالة بعض النصوص علي استثناء هذا القسم من المؤنة. ويأتي تمام الكلام في

ص: 214

(215)

أم صرفه (1)

-

ذلك في المسألة الثالثة والستين إن شاء الله تعالي.

وأما ما يجعله السلطان عليه أو يجعله هو علي نفسه بنذر ونحوه لا بسبب الربح فلا إشكال في عدم استثنائه عرفاً من الربح، وليس الدليل عليه إلا دليل استثناء مؤنة الإنسان نفسه، لدخوله فيها، كما يظهر مما يأتي في بيان المؤنة.

هذا وقد يستدل علي استثناء ضرائب السلطان مطلقاً: تارة: بإطلاق قوله (عليه السلام) في مكاتبة ابن يزيد: وحرث بعد الغرام(1). وأخري: باستثناء خراج السلطان في صحيح علي بن مهزيار(2).

لكنه يشكل الأول باختصاصه بما يغرم علي الحرث، وغايته التعدي منه لكل ما يغرم من أجل تحصيل الفائدة، أو ما يغرم بسبب حصولها، كضرائب السلطان عليها. ولا مجال لفهم العموم لما يغرم اعتباطاً لا من أجل الفائدة، كالضرائب الأخري.

كما يشكل الثاني بأن خراج السلطان مستحق في نفس الغلة، وليس هو من سنخ الضرائب المجعولة بعد ملكية الغلة بتمامها. ودعوي: إن إضافة الخراج للسلطان ظاهر أو مشعر بعدم استحقاقه له، وأن منشأ استثنائه الإجبار علي دفعه، فيجري في سائر ما يجبره السلطان علي دفعه من الضرائب. ممنوعة إذ لو تم إشعار النص أو ظهوره في ذلك، إلا أن عدم استحقاق شخص السلطان للخراج لا ينافي استحقاقه في الغلة علي المالك بسبب إمضائهم (عليهم السلام) لجعل السلطان، ولذا يجوز شراؤه ويحرم حبسه، علي ما يذكر في محله.

فالعمدة ما سبق. نعم لابد من وجود الداعي العقلائي لدفع الضرائب للسلطان عرفاً، من خوف ونحوه، لتكون مؤنة عرفاً، وإلا لم يكن وجه لاستثنائها.

(1) هذا وما بعده لبيان المؤنة الحياتية التي تضمنتها النصوص الكثيرة المتقدمة.

********

(1و2) وسائل الشيعة ج: 6 باب: 8 من أبواب ما يجب فيه الخمس حديث: 7

ص: 215

وقد أطلق في تلك النصوص استثناء المؤنة من دون تحديد لها ولا بيان لضوابطها أو تعرض لمصاديقها، عدا ما في موثق أبي بصير المتقدم من عدم الخمس فيما أكل من ثمرة البستان(1).

وهي وإن فسرت في اللغة: تارة: بالقوت. وأخري: بالشدة والثقل والتعب، والمناسب للمقام الأول، إلا أنه لا مجال للاقتصار عليه بعد ظهور تسالم الأصحاب علي عدم الاقتصار عليه، فإن التصريح بذلك وإن حكي عن المتأخرين كالشهيد الثاني ومن بعده، إلا أنه يبعد خفاء ذلك عليهم مع شيوع الابتلاء به حيث يناسب ذلك عدم قيام سيرة الطائفة تبعاً لفتاوي علمائهم علي خلاف ذلك، وذلك يناسب فهم جميع الأصحاب له حتي القدماء منهم من معاصري الأئمة ومقاربي عصورهم، ويمتنع عادة خفاء ذلك علي الكل، ولاسيما في مثل الحكم المذكور وما يشيع الابتلاء به.

مع أنه يبعد جداً تعدد معني المؤنة، بل الظاهر رجوع المعنيين لمعني واحد، وهو الكلفة، كما يناسبه ما ورد من أن المؤمن خفيف المؤونة كثير المعونة(2) ، وأنه علي قدر المؤونة تنزل المعونة(3) ، ونحو ذلك مما يناسب كون تفسيرها بالقوت لأنه أحد مصاديقها بلحاظ شيوع بذل الناس الجهد في تحصيله. وعلي ذلك يكون تطبيقها علي المؤنة في المقام بلحاظ كونها أمراً يتكلفه الإنسان ويجهد نفسه به. وذلك يناسب حملها علي جميع ما يحتاج الإنسان لإنفاقه، ولا يختص بالقوت. ويؤيد ذلك ما في لسان العرب، قال: ومان الرجل أهله يمونهم موناً ومؤونة: كفاهم وأنفق عليهم وعانهم. وقريب منه كلام غيره.

واستظهر سيدنا المصنف (قدس سره) أنها مطلق ما يحتاج إليه عرفاً في دفع المكروه أو جلب المحبوب. وقد يظهر منه بدواً أن المعيار في الحاجة دفع المكروه وجلب

********

(1) وسائل الشيعة ج: 6 باب: 8 من أبواب ما يجب فيه الخمس حديث: 10

(2) مستدرك الوسائل ج: 11 ص: 180

(3) أمالي الصدوق المجلس: 82 ص: 494 طبع النجف الأشرف، واللفظ له. وسائل الشيعة ج: 6 ص: 257 باب: 1 من أبواب الصدقة حديث: 11

ص: 216

المحبوب، وإن لم يكن دفع الأول وجلب الثاني مورداً للحاجة عرفاً، بل ترفاً أو إسرافاً، كما يناسبه ما ذكره من أن الاقتصار علي النحو اللائق بحاله ليس لخروجه عن المؤنة، بل لانصراف إطلاق المؤنة عنه.

نعم ذلك لا يناسب تحديد الحاجة بالعرف، لأن الحاجة بالمعني المذكور أمر حقيقي نفسي معياره الحب والكره اللذين هما من الأمور الحقيقية. كما أنه لا يناسب ما صرح به (قدس سره) من خروج ما يعد صرفه سرفاً وسفهاً عن المؤنة، لوضوح أن ذلك كثيراً ما يكون مسبباً عن جلب المحبوب ودفع المكروه، وإن أمكن أن يكون لمجرد عدم الاهتمام بالمال، كصنع الطعام الكثير مع الحاجة للقليل، أو إهمال المتاع القديم وتركه حتي يتلف، رغبة عن استعماله ترفاً. ومن ثم لا يخلو كلامه من هذه الجهة عن اضطراب.

كما أن مقتضي ما ذكره أن المعيار في المؤنة علي الحاجة لصرف المال، لا فعلية صرفه، وهو مقتضي ما ذكره أيضاً من أن وجه عدم استثناء مقدار الحاجة مع التقتير وعدم صرف المال هو انصراف أدلة المؤنة لما يصرف بالفعل لوضوح أن ذلك فرع عموم المؤنة لما لم يصرف إذا كان صرفه مورداً للحاجة. بل هو كالصريح ممن حكم باستثناء مقدار الحاجة مطلقاً وإن قتر ولم يصرفه ممن يأتي التعرض له.

لكن الظاهر قصور المؤنة عن ذلك واختصاصها بما يصرف فعلاً، فليست هي بمعني الحاجة المقتضية للبذل، بل بمعني الكلفة والجهد المبذولين، كما هو مقتضي ما تضمن قلة مؤنة المؤمن(1) ، وأنه علي قدر المؤونة تنزل المعونة(2) ، لورود الأول في مقام بيان قلة كلفة المؤمن علي غيره، لا قلة حاجته في نفسه، وورود الثاني للحث علي البذل والإنفاق، لا في مجرد بيان أن الله تعالي يقضي حاجة المحتاجين ويسد عوزهم.

وكذا قوله (عليه السلام) في دعاء السمات: واكفني مؤنة إنسان سوء وجار سوء...،

********

(1) مستدرك الوسائل ج: 11 ص: 180

(2) أمالي الصدوق المجلس: 82 ص: 494، واللفظ له. وسائل الشيعة ج: 6 ص: 257 باب: 1 من أبواب الصدقة حديث: 11

ص: 217

وفي دعاء علقمة: واصرف عني هول ما أخاف هوله، ومؤنة ما أخاف مؤونته، وهم ما أخاف همه، بلا مؤونة علي نفسي، فإن المراد بها في ذلك الجهد المبذول، لا مجرد الحاجة.

كما أن مقتضي ذلك عموم المؤنة لما يبذله الإنسان وينفقه في رغباته ومقاصده الشخصية وإن لم يكن لائقاً بحاله ولم يكن حاجة له عرفاً. بل وإن كان صرفه محرماً شرعاً فضلاً عما إذا كان مكروهاً أو مرجوحاً دنيوياً. وتحريمه لا يخرجه عن كونه مؤنة، بخلاف ما لو كان معيار المؤنة الحاجة، لصلوح دليل التحريم والكراهة للردع عن كون المصرف حاجة، كما لا يكون المرجوح دنيوياً حاجة عرفاً.

وأما ما في الجواهر من انصراف إطلاق المؤنة للمعتاد، وفي كلام سيدنا المصنف (قدس سره) من انصرافه للمتعارف. فهو غير ظاهر الوجه، إن رجع إلي مجرد جعل المتعارف قرينة علي تقييد الإطلاق، بل ليس البناء في سائر الموارد علي حمل الإطلاق علي التعارف.

وإن رجع إلي أن المنصرف من المؤنة في النصوص فرض الحاجة، والحاجة عرفاً هي ما يناسب حال الباذل ويعتاد الصرف فيه لمثله، وما زاد علي ذلك من الرغبات يعدّ ترفاً أو سرفاً عرفاً. أشكل بعدم القرينة علي تقييد المؤنة بالحاجة بعد عدم الإشعار في النصوص بأن منشأ استثناء المؤنة الإرفاق بالمالك وسدّ عوزه.

كما أنه لا يناسب سيرة المتشرعة، لعدم البناء علي استثناء المصارف الواقعة في طول السنة علي خلاف المعتاد - الذي قد يعد سرفاً عرفاً - والواقعة علي الوجه المحرم والمكروه والمرجوح دنيوياً، للغفلة عن ذلك، فلو كان البناء علي التقييد في ذلك لظهر وبان، لاحتياجه إلي مزيد عناية.

مضافاً إلي أن أصل الإنفاق في المؤنة قد لا يكون معتاداً مناسباً لمثل الشخص، فقد يعتاد في حق أمثال الشخص الاتكال علي منفق من أب وأخ كبير أو نحو ذلك، أو الاكتفاء في بعض النفقات - كالمسكن ونحوها - علي الأوقاف ونحوها مما يستغني

ص: 218

به عن الإنفاق، بحيث يخرج الإنفاق من كيس الشخص عن المتعارف والمعتاد ويعد ترفاً أو توسعاً أو شذوذاً من مثله. فهل يمكن البناء علي عدم استثناء المؤنة في مثل ذلك لو أراد الإنفاق علي نفسه من مكاسبه وفوائده؟! والفرق بينه وبين الخروج في مقدار النفقة والمؤنة عن المعتاد لا يخلو عن خفاء.

نعم لا يبعد قصور المؤنة عما يصرفه الإنسان لا لغرض عقلائي، كبعض أقسام السرف. ولا أقل من استفادة ذلك من استثناء مؤنة العيال مع مؤنة الإنسان نفسه في بعض النصوص المتقدمة. لوضوح أنه لا مصحح لإضافة المؤنة للعيال مع كون المنفق هو المعيل إلا كون المصرف في شؤونهم، المناسب لكون ذلك هو المصحح لإضافة المؤنة للمعيل أيضاً، لا مجرد كونه هو القائم بالصرف.

ومن هنا يتعين حمل الاقتصار علي مؤنته في جملة من النصوص علي الجامع بين المؤنتين، بلحاظ أن مؤنة العيال مؤنة له وشؤونهم من شؤونه، ولا تعم غير ذلك مما ينفق لا لغرض عقلائي بحيث لا يكون مصروفاً في شؤونه وشؤونهم. ولا أقل من إجمال المؤنة من هذه الجهة، المقتضي للاقتصار فيها علي المتيقن، والرجوع في غيره لعموم وجوب الخمس بعد كون استثناء المؤنة بمخصص منفصل.

إلا أن يدعي عموم السيرة لذلك، لكثرة ابتلاء عامة الناس به من دون اهتمام بتحديده واستثنائه من المؤنة المصروفة، لقصور المؤنة المستثناة عنه. نعم المتيقن من ذلك ما كان من لواحق المؤنة المعاشية وتبعاتها، كصنع الطعام الكثير عند الحاجة للقليل، وإهمال المتاع القديم حتي يتلف ونحو ذلك، دون ما كان إتلافاً لمال مستقل خارج عن المؤنة.

وأما دعوي: أن التحريم لا يناسب الاستثناء. فلا يتضح مأخذها بعد ما أشرنا إليه آنفاً من أنه لا إشعار في أدلة الاستثناء بابتنائه علي الإرفاق بالمالك وسد عوزه الذي لا موضوع له مع المحرم. كيف؟! ومقتضاه عدم استثناء المكروه أيضاً.

ص: 219

في معاش نفسه (1) وعياله (2) علي النحو اللائق بحاله (3)، أم في صدقاته وزياراته (4)

-

(1) المراد به ما يعم الطعام والشراب واللباس والفراش والغطاء والسكن والتداوي ونحو ذلك مما يرجع لحاجة الجسد.

(2) كما ذكره الأصحاب علي ما تقدم. ويقتضيه - مضافاً إلي دخوله في إطلاق المؤنة بالمعني المتقدم - قوله (عليه السلام) في صحيح علي بن مهزيار: عليه الخمس بعد مؤنته ومؤنة عياله وبعد خراج السلطان(1) ، وما يظهر من موثق أبي بصير من عدم وجوب الخمس فيما يأكله العيال من فاكهة البستان(2).

هذا ومقتضي إطلاق الأول وترك الاستفصال في الثاني العموم لواجبي النفقة وغيرهم. وهو مقتضي إطلاق بعض الأصحاب، بل صرح بالعموم في الدروس والمسالك والروضة والمدارك وعن غيره. لكن عن السرائر وغيره الاقتصار علي واجبي النفقة. ولم يتضح وجهه.

(3) كما قيد بذلك أو بنحوه جماعة كثيرة، بل هو معقد إجماع الغنية والتذكرة ومحكي السرائر والمنتهي، ونحوه ما في القواعد والمدارك من التقييد بما يناسب حاله، وفي اللمعة والجواهر من التقييد بأن تكون علي نحو الاقتصاد. وقد أشرنا آنفاً للاستدلال عليه بالانصراف، وإن سبق منعه.

(4) فقد صرح في الروضة والمدارك وكشف الغطاء ومحكي الرياض بأن ما يغرمه في الحج المندوب والزيارة وسفر الطاعة من المؤنة، ولم يستبعده في المسالك. وزاد في كشف الغطاء الصدقات.

لكن قال سيدنا المصنف (قدس سره): حكي عن بعض الأجلة الاستشكال في كون الهدية والصلة اللائقين بحاله من المؤنة. وكذا مؤنة الحج المندوب وسائر سفر الطاعة المندوبة، بل استظهر العدم. وتبعه في المستند، إلا مع دعاء الضرورة العادية إليهما،

********

(1و2) وسائل الشيعة ج: 6 باب: 8 من أبواب ما يجب فيه الخمس حديث: 4، 10

ص: 220

وهداياه وجوائزه (1) المناسبة له (2)، أم في ضيافة أضيافه (3)، أم وفاء بالحقوق اللازمة له (4) بنذر أو كفارة أو أداء دين (5) أو أرش جناية أو غرامة ما أتلفه عمداً أو خطأً (6)،

-

ويظهر ضعفه مما تقدم في تحديد المؤنة. ويأتي بعض ما يتعلق بذلك في آخر المسألة عند الكلام في المصارف الراجحة شرعاً.

(1) فقد صرح بعموم المؤنة للهدية في جامع المقاصد، وبعمومها لها وللصلة في الروضة والمسالك والمدارك. وتقدم عن بعض الأجلة الإشكال في ذلك. وكأنه يبتني علي التقييد بالحاجة التي هي المعيار عند بعضهم في المؤنة. لكن ظاهر كثير منهم أن المراد بها ما يناسب حال الشخص في قبال السرف، لا حاجة الشخص نفسه للمال المبذول. ويظهر الحال فيه مما تقدم.

(2) هذا راجع للتقييد بما يليق بحاله الذي سبق الكلام فيه.

(3) كما صرح به في جامع المقاصد والروضة والمسالك وكشف الغطاء وعن غيرها. لكن قال سيدنا المصنف (قدس سره): عن ابن فهد في الشاميات تقييد الضيافة بالاعتياد والضرورة، ووافقه أيضاً في المستند، ثم قال: بل في كفاية الاعتياد أيضاً نظر، إلا أن يكون بحيث يذم بتركها عادة.... وكأنه يبتني علي التقييد بالحاجة الذي عرفت الكلام فيه آنفاً.

(4) فإنه من أعظم المؤن، سواءً كان معيار المؤنة الحاجة أم ما يناسب حال الشخص أم الأعم من ذلك. ويأتي ما يتعلق بذلك في آخر المسألة عند الكلام في المصارف الراجحة شرعاً.

(5) يأتي تفصيل الكلام في الدين في المسألة السابعة والأربعين، وتفصيل الكلام في الحج الواجب الذي هو كالدين في المسألة الثالثة والأربعين، إن شاء الله تعالي. ويظهر منهما الكلام في سائر الحقوق اللازمة.

(6) لعله تعريض بما أشار إليه في الجواهر من الإشكال في احتساب أروش

ص: 221

أو فيما يحتاج إليه من دابة وجارية وكتب وأثاث (1) أو في تزويج أولاده وختانهم وغير ذلك. فالمؤنة كل مصرف متعارف له (2). سواء أكان الصرف علي نحو الوجوب أم الاستحباب أم الإباحة أم الكراهة (3).

-

الجنايات وقيم المتلفات العمدية. وكأنه لعدم الحاجة، التي هي المعيار عند بعضهم في المؤنة. ويشكل بأن عدم الحاجة قبل الجناية والإتلاف لا ينافي الحاجة بعدها وإلا جري ذلك في الخطئية أيضاً، مع عدم استشكاله في احتسابها من المؤنة، بل يجري في بعض أقسام الدين.

ولعله لذا قال بعد أن أشار للإشكال: وإن كان قد يدفع بأنه من الديون التي قد عرفت احتسابها من المؤنة، بل هي مما يحتاجه الناس في كثير من الأوقات، بل هو من أعظم مؤنهم.

(1) سواءً كانت الحاجة إليه لاستعماله، أم للتجمل به، كبعض المعروضات المتعارفة في عصورنا من التحفيات واللوائح والصور وغيرها، لأن الانتفاع بكل شيء بحسبه، وصدق المؤنة عليه كذلك.

(2) يعني: بالنحو اللائق بحاله، علي ما تقدم منه، وتقدم الكلام فيه.

(3) أشرنا آنفاً إلي أن دليل الكراهة صالح للردع عما عليه العرف من كون المصرف حاجة. فإن كان معيار المؤنة الحاجة أشكل شموله للمصارف في المكروهة. إلا أن يخرج عن الكراهة بسبب الحاجة، وكذا بناء علي أن المعيار فيها ما يناسب ذي المؤنة ويليق بحاله، إن رجع ذلك إلي تحديد الحاجة بنظر العرف.

نعم بناء علي أن منشأ ذلك مجرد انصراف الإطلاق للمعتاد اتجه العموم للمكروه. بل مقتضاه العموم للمحرم، وكذا للإسراف والتبذير، إن كان شيء منها معتاداً لأمثاله، مع أن بناءهم علي عدم العموم لذلك. وإن سبق منا تقريب العموم للكل. فلاحظ.

ص: 222

(223)

نعم لابد في المؤنة المستثناة من الصرف فعلاً، فإذا قتر علي نفسه لم يحسب له (1). كما أنه إذا تبرع متبرع له بنفقته أو بعضها لا يستثني مقدار التبرع، بل يحسب ذلك (2)

-

(1) كما في كشف الغطاء، وقواه في الجواهر في الجملة. ومثله ما لو لم يستوف حاجته لتعذر الشراء عليه أو لنحو ذلك. وهو ظاهر بناء علي ما سبق منا من أن المؤنة هي الجهد المبذول، ويراد منها في المقام المال المبذول.

وأما بناءً علي أن المراد بها ما يحتاج إليه بحسب المعتاد له مع الاقتصاد - كما يظهر من جماعة - فقد وجه بانصراف إطلاق المؤنة إلي ما يصرف بالفعل، وذكر في الجواهر أن منشأ الانصراف المذكور هو ابتناء استثناء المؤنة علي الإرفاق بالمالك، فإذا هو لم ينفق لم يبق موضوع للإرفاق.

لكنه لم يتضح بنحو يصلح لتقييد الإطلاق، حيث تقدم عدم الإشعار في النصوص بابتناء استثناء المؤنة علي الإرفاق بالمالك. مع أن استثناء ما لم يصرف إرفاق أيضاً. واختصاص الإرفاق الذي هو منشأ استثناء المؤنة بما يكون بالإضافة إلي خصوص ما يصرف فعلاً أول الكلام.

ومن ثم حكم بعموم الاستثناء لما لم يصرف تقتيراً في المسالك والروضة ومحكي البيان والكفاية، وفي الجواهر: بل لا أعرف فيه خلافاً، بل لعله ظاهر معقد إجماع الغنية والسرائر والمنتهي والتذكرة. وعن محكي المناهل: الظاهر عدم الخلاف فيه من أنه إذا قتر حسب له.

وكأن استفادة عدم الخلاف منهم، مع قلة من صرح به، من أجل إطلاقهم استثناء المؤنة بنحو الاقتصاد، للبناء علي أن المؤنة هو ما يحتاج إليه، لا ما ينفق بالفعل. لكن عرفت ضعف المبني المذكور.

(2) يعني: ما تبرع به المتبرع.

ص: 223

من الربح الذي صرف في المؤنة (1). وأيضاً لابد أن يكون الصرف علي النحو المتعارف، وإن زاد وجب عليه خمس التفاوت (2). وإذا كان المصرف سفهاً وتبذيراً لا يستثني المقدار المصروف (3)، بل يجب فيه الخمس. بل إذا كان المصرف راجحاً شرعاً، لكنه غير متعارف من مثل المالك

- مثل عمارة المساجد والإنفاق علي الضيوف ممن هو قليل الربح (4) - ففي استثناء ذلك من وجوب

-

(1) هذا إذا كان البذل بنحو التمليك، أما إذا كان بنحو الإباحة، فلا يصدق عليه الربح، ويجري فيه ما سبق في التقتير. فلا وجه لإطلاق احتسابه من الربح كما هنا، ولا لإطلاق جريان ما سبق في التقتير فيه، كما ذكره (قدس سره) في مستمسكه.

ويظهر الفرق بين القسمين فيما إذا زاد المبذول علي المتعارف، حيث لا يخمس الزيادة إن كان البذل بنحو الإباحة، ويخمسها إذا كان بنحو التمليك، بناء علي الاقتصار في المؤنة علي المتعارف. نعم لو كان التمليك مشروطاً بإنفاق تمام المال الذي يملك لم يبعد عدم التخميس، لكون المتعارف حينئذٍ إنفاق الكل.

(2) قال في الجواهر: قطعاً، كما صرح به جماعة، بل لا أعرف فيه خلافاً، بل لعله لذلك أو له ولسابقه (يعني: أنه لو قتّر علي نفسه حسب له) أشير بتقييد المؤنة بالاقتصاد في معقد إجماع الغنية والسرائر والمنتهي والتذكرة. ويظهر الإشكال فيه مما تقدم في معني المؤنة.

كما أن وجوب خمس التفاوت حينئذٍ - لو تم - يبتني علي ضمان الخمس بضمان اليد والإتلاف. وهو ما يأتي الكلام فيه في المسألة الثانية والخمسين إن شاء الله تعالي.

(3) لخروجه عن المؤنة. وقد تقدم في تحديد المؤنة التفصيل بين أقسام السفه. فراجع.

(4) الظاهر أن المعيار في التفصيل - لو تم - ليس علي قلة الربح وكثرته، بل علي مناسبته لوضع الشخص ولو بالنظر إلي أمثاله، فأهل المضايف في الريف مثل

ص: 224

الخمس إشكال (1)، نعم يستثني بالنسبة إلي بعض الأشخاص الأغنياء.

(مسألة 34): رأس سنة المؤنة يختلف باختلاف أنواع الفائدة (2)،

-

يرون استقبال الضيوف وحسن الضيافة من أهم الواجبات الاجتماعية بغض النظر عن مقدار الدخل. وفي كثير من المجتمعات لا يتعارف ذلك حتي مع كثرة الدخل. وهكذا الحال في كثير من جهات الخير.

(1) كأنه لخروجه عن المؤنة المستثناة، بناءً علي ما تقدم منهم من أخذ الاعتياد في المؤنة.

لكن المراد بالاعتياد إن كان خصوص الاعتياد الخارجي، بلحاظ المقايسة بمن يماثله عرفاً، لزم عدم استثناء المصارف الواجبة إذا خرجت عن المعتاد بالنحو المذكور، إذ كثيراً ما يعتاد التسامح في بعض الواجبات ممن يقدر عليها شرعاً إذا لم يكثر ماله، كالحج، واتخاذ الخادم للعيال إذا امتنعت الزوجة عن الخدمة، بل يجبرونها عليها حينئذٍ، ودفع الدية كاملة، حيث يكتفون بدفع ما يسمي في أعرافنا بالفصل وغير ذلك. ومجرد وجوبها لا يجعلها مؤنة بالمعني المذكور، ولا ينافي عدم استثنائها من ثبوت الخمس.

وإن كان المراد الاعتياد بلحاظ كون الشيء مما يناسبه فعلاً بمقتضي وضع المكلف فمن الظاهر أن ذلك كما يقتضي استثناء الواجبات، لأنها تناسب حال الشخص بلحاظ كونه متديناً يلزمه دينه بها كذلك يقتضي استثناء ما يرجح فعله شرعاً إذا كان الرجحان فعلياً في حق الشخص وإن لم يفعله نظراؤه. والفرق غير ظاهر.

ولعله لذا استظهر الخوانساري في حاشيته علي الروضة عدم اعتبار القصد فيما يبذل في سبيل الله، كالصدقات والخيرات ونحوها مع اعتباره القصد في غيرها. هذا وأما بناءً علي ما سبق منا في تحديد المؤنة فالأمر أظهر.

(2) حيث سبق أن المؤنة المستثناة هي مؤنة السنة فالكلام يقع في تعيين مبد

ص: 225

(226)

سنة المؤنة. وقد صرح في الروضة والمسالك بأن مبدأه حين ظهور الربح، واستحسنه في المدارك، وهو ظاهر كشف الغطاء، ومال إليه في الجواهر.

والعمدة فيه: أن المؤنة المستثناة لما كانت هي مؤنة السنة فلا ينهض دليلها بالعمل إلا مع معرفة مبدأ السنة، وحيث لا بيان له بالخصوص كان مقتضي الإطلاق المقامي كون مبدئها ظهور الربح الذي هو موضوع الخمس، لصلوح ذلك للقرينية علي التعيين بعد عدم التعيين بغيره.

بل لما كان مقتضي قوله (عليه السلام) في صحيح ابن مهزيار الطويل: فأما الغنائم والفوائد فهي واجبة عليهم في كل عام(1) ، كون الخمس ملحوظاً في الفوائد بلحاظ السنة كان ظاهره إرادة سنة الفوائد لا غير. وحينئذٍ يكون مقتضي الجمع بينه وبين استثناء المؤنة كون المؤنة المستثناة هي مؤنة السنة المذكورة، لا مؤنة سنة أخري، ويأتي تمام الكلام في مفاد الصحيح في أواخر الكلام في وحدة السنة من هذه المسألة إن شاء الله تعالي.

لكن في الدروس وعن الحدائق وشيخنا الأعظم (قدس سره) أن مبدأها حين الشروع في التكسب. وإليه يرجع ما في المتن وفي العروة الوثقي من التفصيل بين من عمله التكسب وغيره، فمبدأ سنة الأول حين الشروع فيه، ومبدأ سنة الثاني حين حصول الربح والفائدة.

وقد يستدل علي ذلك بأنه المنسبق عرفاً من عام الربح الذي تلحظ المؤنة بالنسبة إليه، فالزارع عام زراعته الذي تؤخذ مؤنته من الزرع أول الشروع في الزرع، وكذا عام التجارة والصناعة الذي يأخذ التاجر والصانع مؤنته منه، فإنه أول زمان الشروع في الزراعة والصناعة. وهذا الانسباق العرفي مانع من انعقاد الإطلاق المقامي علي الوجه السابق، لتوقف الإطلاق المقامي علي عدم التعيين، والانسياق المذكور صالح للتعيين.

نعم ما لا يحصل بالاكتساب من الفوائد والغنائم مبدؤه زمان حصوله، لأن

********

(1) وسائل الشيعة ج: 6 باب: 8 من أبواب ما يجب فيه الخمس حديث: 5

ص: 226

نسبته إلي الأزمنة السابقة علي السواء، فلا وجه لعدّ بعضها من عامه.

لكنه يندفع: أولاً: بأنه لا أصل للانسباق المذكور، لأن العرف لا غرض لهم في تعيين إخراج مؤنة سنة التكسب من مال خاص، ليدعي أن المتعارف إخراجه من كسب السنة، ويكون قرينة علي البيان الشرعي في المقام، بل هو غرض خاص بمن يهتم بالخمس من أجل استثناء المؤنة من الربح قبله. مع أن الانسباق العرفي المذكور لو كان مقدماً علي الإطلاق المقامي فهو لا يتقدم علي مفاد الأدلة، كصحيح ابن مهزيار الطويل بالتقريب المتقدم.

وثانياً: بأن في صلوح التعارف المذكور - لو تم - للقرينية إشكالاً بعد أن لم يكن استثناء المؤنة مختصاً بأرباح المكاسب والتجارة، بل هو عام في كل فائدة، كما هو مقتضي الجمع بين نصوص المقام ونصوص استثناء المؤنة، فإنه يتعين حينئذٍ حمل المؤنة فيه علي مؤنة سنة الاستفادة التي مبدؤها حصول الربح والفائدة، لا سنة التكسب بالتجارة أو الزراعة أو غيرهما، وإن كان التعارف علي خلاف ذلك في المكاسب، ولذا جروا علي ذلك في الفوائد المبتدأة غير المسبوقة بعمل.

لكن ذكر سيدنا المصنف (قدس سره) أن النصوص المتضمنة استثناء المؤنة بين ما هو وارد في المكاسب، كالصناعة والتجارة، وما هو مطلق، كالنصوص المتضمنة أن الخمس بعد المؤنة، والأول تنصرف المؤنة فيه إلي مؤنة سنة التجارة، والثاني إما مهمل مجمل، أو مطلق يقيد بما ذكر، فلا يصلح لمعارضة ظهور الأول. قال: ويكفي في دعوي كون مبدأ السنة حصول الفائدة مما لم يكن معها عمل الإجماع.

وفيه: أن المطلق ينصرف - بمقتضي الإطلاق المقامي المذكور - إلي سنة الربح، لأنه هو موضوع الخمس، كما سبق. وما ورد في المكاسب منزل عليه بعد معلومية كون استثناء المؤنة فيها من صغريات تأخر الخمس عن المؤنة، وليس حكماً مستقلاً عنه.

وأما ما ذكره أخيراً من كفاية الإجماع في دعوي كون مبدأ السنة حصول الفائدة في الفوائد المبتدأة. فهو لا يخلو عن غرابة، لعدم وضوح الإجماع فيه بالخصوص بعد

ص: 227

فرأس سنة الزارع زمان أول عمله في سبيل الزرع (1)، مثل حرث الأرض، ورأس سنة التاجر زمان أول عمل يعمله في سبيل التجارة، مثل تسليم المال إلي العامل (2) وإجارة محل البيع والشراء والسفر للشراء ونحو ذلك، ورأس سنة العامل زمان أول عمل في سبيل الصناعة أو المهنة مثل شراء الآلات التي يعمل بها أو استيجار محل العمل أو نحو ذلك (3). وإذا كان الشخص له أنواع من الكسب (4) - كزراعة وتجارة وعمل يد

-

عدم التصريح به في كلمات الأصحاب. ولو سلم فمن المعلوم عدم كونه إجماعاً تعبدياً، بل هو مبتن علي الأدلة المتقدمة، فلو لم تنهض بذلك لم ينهض بنفسه للاستدلال.

(1) بناءً علي ما سبق منه ومن غيره من أن مبدأ السنة في المكاسب حين الشروع في التكسب فالمناسب اختصاص ذلك بالعمل الذي يصدق معه عنوان التكسب الخاص، كالحرث في الزرع، وشراء المتاع في التجارة، والشروع في العمل في الصناعة، دون المقدمات السابقة علي ذلك، كشراء الأرض للزرع، أو المزارعة فيها مع مالكها، وإجارة المحل أو شرائه، وإجارة محل التجارة، أو للصناعة، وشراء الآلات لها، فضلاً عن المقدمات البعيدة، كاستحصال إجازة العمل من الدولة، واقتراض المال للتجارة.

(2) يعني في المضاربة. لكن تسليم المال له كتسليمه للوكيل ليس شروعاً في التجارة عرفاً، وربما يكون نصب الوكيل وإجراء عقد المضاربة مع العامل أولي بأن يكون شروعاً في التجارة من تسليم المال لهما. فلاحظ.

(3) هذا لا يناسب ما سبق منه في الزارع من أن مبدأ سنته حرث الأرض، لأن الزراعة نوع من الصناعة، وليس استئجار المحل وشراء الآلات للصناعة إلا كاستئجار الأرض وشراء الآلات للزراعة.

(4) بعد الفراغ من تحديد أول سنة المؤنة - إما بالشروع في الكسب أو بظهور الربح، علي الكلام المتقدم - فقد اختلفوا فيما إذا تعدد الربح والفائدة - من نوع واحد

ص: 228

(229)

من الكسب أو من أنواع متعددة - في أنه هل يحسب لكل ربح سنته، فيخرج منه مؤنتها، والمؤنة الحاصلة في الزمان الذي تتداخل فيه سنين الأرباح المتعددة توزع علي الكل، أو يحسب للجميع سنة واحدة تبدأ بسنة الربح الأول، فيخمس ما فضل من مجموع الأرباح بعد انتهاء تلك السنة وإخراج مؤنتها من مجموع الأرباح الحاصلة فيها؟.

وتظهر الثمرة بين القولين في الربح المتجدد في أثناء سنة الربح الأول، فعلي القول الأول يتحمل مؤنة تمام سنته، ولا يجب تخميسه بانتهاء سنة الربح الأول، بل بانتهاء سنته بعد استثناء تمام مؤنتها. أما علي القول الثاني فهو لا يتحمل إلا مؤنة بقية سنة الربح الأول، ويجب تخميس ما زاد منه بعد انتهاء تلك السنة، ولا ينتظر به انتهاء سنته، لأنه لا يتحمل مؤنة بقيتها.

هذا وقد صرح في الروضة والمسالك وكشف الغطاء بالأول. وقد استدل له بعض مشايخنا بظهور عمومات ثبوت الخمس في الغنم والربح والفائدة في الانحلال، المقتضي لكون كل منها موضوعاً مستقلاً للخمس، ومقتضاه ثبوت الخمس فيه رأساً لو لا دليل استثناء مؤنة السنة المسوغ للتربص به ليتسني الإنفاق منه في المؤنة. ولا وجه مع ذلك لملاحظة مجموع أرباح السنة موضوعاً واحداً للخمس، ولاستثناء مؤنة تلك السنة. غايته أن الأرباح تتداخل في استثناء المؤنة الحاصلة في سنة أكثر من ربح واحد، فتتوزع تلك المؤنة علي جميع الأرباح، ولابأس به.

ويشكل بأن ظهور عمومات الخمس في ثبوته في أفراد الفائدة بنحو الانحلال وإن كان مسلماً، بل يتعين البناء علي الانحلال في أجزاء الربح الواحد، إلا أنه لا أثر له فيما نحن فيه، ولا ينافي في القول الثاني بوجه، وإنما المهم كون استثناء مؤنة السنة بنحو الانحلال، الراجع لعدم ثبوت الخمس في كل فرد من أفراد الربح والفائدة إلا بعد استثناء مؤنة سنته منه، لأن ذلك هو الذي يستلزم كون كل ربح له سنته. وظهور النصوص المطلقة المتضمنة أن الخمس بعد المؤنة في ذلك لا يخلو عن إشكال، بل منع، فإن المفهوم منها عرفاً استثناء مؤنة السنة من مجموع أرباحها، وأن الخمس قد جعل

ص: 229

في الزائد علي المؤنة.

نعم قد يتجه ذلك في النصوص المتضمنة لاستثناء المؤنة من أرباح خاصة، كقوله (عليه السلام) فيمن بقي له ستون كراً من الحنطة من ضيعة له: لي منه الخمس مما يفضل من مؤنته(1) ، وقوله (عليه السلام) فيما يجب علي الضياع: عليه الخمس بعد مؤنته ومؤنة عياله وبعد خراج السلطان(2).

إلا أن تنزيلها علي ما يناسب مفاد الإطلاقات المتقدم قريب جداً. خصوصاً بملاحظة أن مقتضي استثناء المؤنة بنحو الانحلال استثناء المؤنة الواقعة في سنة الأرباح المتعددة من تكسب واحد أكثر من مرة، وبعدد تلك الأرباح، وحيث لا مجال للبناء علي ذلك فليس حمل هذه النصوص علي تداخل الأرباح في الفرض المذكور، محافظة علي ظهورها في استثناء المؤنة من الأرباح بنحو الانحلال، بأولي من تنزيلها علي استثناء المؤنة من مجموع الأرباح الذي عرفت أنه المستفاد من الإطلاقات. وخصوصاً وأن ذلك هو الطريق العرفي لقياس المؤنة للربح، ولذا تجري عليه القوانين الوضعية المشابهة للخمس.

مضافاً إلي أن ضبط ذلك يحتاج إلي مؤنة وعناية شديدة، لأن كلا من صرف المؤنة وحصول الربح تدريجي غالباً، فالعلم بتحمل كل ربح لكل مؤنة موقوف علي ضبط زمان كل منهما، كما أن العلم بانتهاء سنة كل ربح موقوف علي ضبط زمانه، ومن الظاهر أن ذلك لا يتيسر لعامة الناس، فلو كان البناء علي ذلك لكثر الاشتباه، ووقع الهرج والمرج، وكثر السؤال عن الوظيفة عند الاشتباه، أو عن الضوابط الشرعية التي بها ينتظم الحال، وحيث ليس في النصوص من ذلك عين ولا أثر، كشف ذلك عن جري المتشرعة علي الوجه الأول الذي سبق أن العرف يجري عليه في قياس المؤنة للربح. ويناسب ذلك ما يشعر به كلام كاشف الغطاء من أن الوجه الأول موجب للتخفيف في أمر الخمس بنحو مغفول عنه.

********

(1و2) وسائل الشيعة ج: 6 باب: 8 من أبواب ما يجب فيه الخمس حديث: 2، 4

ص: 230

بل جملة من عمومات الخمس ظاهرة في التأكيد علي عموم ثبوت الخمس حتي في القليل وأظهرها في ذلك قوله (عليه السلام) في خبر عبد الله بن سنان: حتي الخياط ليخيط قميصاً بخمسة دوانيق فلنا منه دانق(1). لوضوح أن الخياط المذكور من ذوي الدخل الضعيف، فلا يبقي له الأجر المذكور إلي سنة، ولذا كان مقتضي هذا الوجه عدم وجوب الخمس علي ذوي الدخل الضعيف، بل والمتوسط ممن يقارب دخلهم مؤنتهم، حيث لا يبقي شيء من أرباحهم بعد مضي سنة كل منها، كما نبه له في كشف الغطاء.

وهذا بخلاف الوجه الثاني المبني علي استثناء مؤنة السنة من مجموع أرباحها حيث يكثر من هؤلاء بقاء شيء من أرباح سنتهم بعد مضيها والقيام بمؤنتها.

ولعله لذا قال في الجواهر بعد ذكر كلام كاشف الغطاء: وهو وإن كان قد يوافقه ظاهر الفتاوي، لكنه كأنه معلوم العدم من السيرة والعمل، بل وإطلاق الأخبار، بل خبر عبد الله بن سنان المتقدم سابقاً... كالصريح بخلافه، وإن كان هو مقيداً بأخبار المؤنة.

هذا كله مضافاً إلي قوله (عليه السلام) في صحيح ابن مهزيار الطويل: فأما الغنائم والفوائد فهي واجبة عليهم في كل عام(2). لظهوره في أن الخمس لا يلحظ في كل فائدة، بل في مجموع فوائد السنة وأرباحها، فيتكرر إخراجه بلحاظ السنين، لا بلحاظ الفوائد، وذلك يناسب كون المؤنة المستثناة هي مؤنة السنة التي تلحظ فيها مجموع الفوائد والأرباح، لا مؤنة كل ربح بحياله، كما هو مقتضي القول الأول.

وأما ما ذكره بعض مشايخنا من أنه لا نظر فيه لضم الأرباح بعضها إلي بعض وعدمه، بل لما أسقط الخمس في سنته عن جملة من الموارد، واكتفي في بعضها بنصف السدس، نبه (عليه السلام) إلي عدم سقوط خمس الغنائم، بل يجب بكامله في كل عام، من دون

********

(1) وسائل الشيعة ج: 6 باب: 8 من أبواب ما يجب فيه الخمس حديث: 8

(2) وسائل الشيعة ج: 6 باب: 8 من أبواب ما يجب فيه الخمس حديث: 5. تقدم الكلام في مفاد الفقرات السابقة من الصحيح عند الكلام في مفاد أول الكلام في وجوب الخمس في مطلق الفوائد، وذكرنا هنا أنها أجنبية عن الخمس الذي هو محل الكلام. فراجع. (منه عفي عنه)

ص: 231

نظر إلي كيفية الوجوب.

فهو كما تري، لأن وجوب خمس الغنائم لو كان بنحو الانحلال لم يحسن التعبير بكل عام، لعدم خصوصية العام الواحد في الفوائد، بل كان المناسب أن يقول: وأما الفوائد فهي واجبة عليهم بحصولها أو بمضي سنة عليها. مع أن التأمل في الصحيح الشريف قاض بأن الخمس الذي أسقط في صدره عن جملة من المواد ليس هو الخمس الذي نحن بصدده، بل هو من سنخ الصدقة، وقد أمر به (عليه السلام) لعام واحد لا غير. كما أن الاكتفاء بنصف السدس في بعض المواد إنما كان بعد بيان وجوب الخمس في كل عام تخفيفاً فيه منه (عليه السلام)، علي ما أوضحنا ذلك كله عند الكلام في مفاد الصحيح في أوائل الكلام في وجوب الخمس في الأرباح والفوائد. فراجع.

وكيف كان فلا معدل عما ذكرنا من ظهور الصحيح في ضم الأرباح بعضها إلي بعض ووحدة سنة الخمس. ولعله هو الوجه في سيرة الشيعة المشار إليها آنفاً، لأنه وارد في عهد تنفيذ حكم الخمس وتطبيقه.

ومن هنا يتعين القول الثاني، كما صرح به في الدروس ومحكي الحدائق، واستحسنه في المدارك، ومال إليه في الجواهر ومحكي الكفاية وقال سيدنا المصنف (قدس سره): بل حكي أيضاً عن حاشية الشرايع للكركي.

ثم إن مقتضي صحيح ابن مهزيار وحدة مبدأ السنة بمرور الزمان، لظهور قوله (عليه السلام): في كل عام في تكرر الدورة السنوية للفوائد بتعاقب السنين، فحيث كان مبدأ السنة الأولي هو ظهور الربح - كما سبق - كان مبدأ السنين اللاحقة هو زمان ظهور الربح من السنة الأولي فتلحظ الفوائد والمؤن بمجموعها في السنين علي النحو المذكور، وتستثني جميع مؤن السنة اللاحقة من أرباحها حتي ما كان منها متقدماً علي ظهور الربح، لأن ماسبق من كون مبدأ السنة هو ظهور الربح إنما كان مقتضي الإطلاق المقامي للسنة، وهو إنما يتم في السنة الأولي. أما في السنين اللاحقة فظهور الصحيح في استمرار دور السنين وارد علي الإطلاق المذكور وحاكم بما ذكرنا.

ص: 232

فالظاهر أن أول سنته أول عمل يعمله في سبيل أحد الأنواع التي يتعاطاها في سنته، وآخر سنته عند انتهاء السنة في ذلك الوقت من السنة العربية (1) والمؤنة المستثناة من الجميع مؤنة تلك السنة. وليس له أن يجعل له سنين متعددة الأنواع (2)، ويكون أول سنة كل نوع أول عمل يعمله في سبيل ذلك النوع (3) ثم يوزع المؤنة المستثناة علي الجميع. نعم يجوز ذلك بالمصالحة مع الحاكم الشرعي (4) حسبما يتفقان عليه، من تعداد السنة وكيفية توزيع المؤنة علي السنين.

-

وهو الذي شاع بين المتشرعة في عصورنا، حيث جروا علي اتخاذ رأس سنة، والجري عليه في تمام السنين، في ملاحظة مجموع الأرباح والمؤن، وهو المناسب للمرتكزات العرفية ولذا تجري عليه القوانين الوضعية. والله سبحانه وتعالي العالم العاصم.

(1) كما تقدم عند الكلام في استثناء مؤنة السنة. لكن أشرنا آنفاً إلي أن الوجه الذي ذكره سيدنا المصنف (قدس سره) يقتضي الاعتبار بالسنة الشمسية.

(2) يعني: متعددة بعدد أنواع الفائدة.

(3) لأن ما تقدم من الوجه يلزم باتحاد السنة، ولا يقتضي الترخيص فيه من دون إلزام.

(4) لا مجال لذلك إذا كان مرجع المصالحة إلي ثبوت الخمس في المال علي النحو المصالح عليه، لأن أصل ثبوت الخمس وكيفية ثبوته تابعان للشارع، ولا تنالهما الولاية.

نعم إذا كان مرجع المصالحة إلي الترخيص في التصرف في المال مع ثبوت الخمس فيه علي الوجه المصالح عليه وتأخير أداء الخمس والاكتفاء في مقام أدائه بم

ص: 233

(234)

وإذا كان الشخص ممن لا مهمة له يتعاطاها في معاشه وحصل له الربح من باب الاتفاق فأول سنته أول زمان حصول الربح (1).

(مسألة 35): الظاهر أن رأس مال التجارة ليس من المؤنة (2)،

-

يناسب المصالحة صحت مطلقاً بناء علي عموم ولاية الحاكم الشرعي.

لكن الظاهر عدمه، والمتيقن من ولايته الموارد التي يعلم برضا الإمام (عليه السلام) فيها، ولا يبعد إحراز رضاه (عليه السلام) فيما إذا كان الأداء علي ما يناسب الوجه المختار يحدث مشكلة للمالك يعسر تحملها، ولم يعلم مع الأداء علي ما يناسب الوجه المصالح عليه بتضييع الحق، بل كان من موارد اشتباه الحق واحتمال وفاء الدفع علي الوجه المصالح عليه بالخمس الثابت علي الوجه المختار، بحيث تلاحظ مصلحة الحق ومصلحة المالك بنحو التكافؤ. ويأتي في المسألة الحادية والستين ما يناسب المقام.

(1) إما لأن ذلك هو اللازم في جميع الفوائد، كما عرفت منّا، أو لتبعينه بعد أن لم يكن له زمان تكسب. ومن ثم كان الظاهر الاتفاق عليه، بل تقدم من سيدنا المصنف (قدس سره) الاستدلال عليه بالإجماع، وإن سبق الإشكال فيه.

وكيف كان فاللازم بقاء سنته علي النحو المذكور حتي لو صار بعد ذلك صاحب مهنة يتكسب منها، لأنه بعد أن صار موضوعاً للخمس بالنحو المذكور لا موجب لانقلابه علي حاله. بل سبق أن مقتضي صحيح علي بن مهزيار بقاؤه علي حاله.

كما أن صاحب المهنة الذي يكون رأس سنته عند سيدنا المصنف (قدس سره) أول الشروع في الكسب لو أعرض عن مهنته إلي مهنة أخري غيرها، أو بقي بلا مهنة وصارت استفادته ابتدائية، يبقي رأس سنته علي ما كان عليه، لأن السنة لا تزيد ولا تنقص. ويأتي في المسألة الحادية والستين ما يتعلق بتبدل رأس السنة إن شاء الله تعالي.

(2) لأن المؤنة عرفاً هي ما يحتاجه الإنسان في شؤون معاشه، وهو إنما ينطبق علي الربح الحاصل من رأس المال، لا علي نفس رأس المال، بل هو مقدمة لتحصيل

ص: 234

المؤنة. وهو المناسب لما ذكروه من الفرق بين هذه المؤنة ومؤنة تحصيل الربح، مع أن رأس المال لو كان من المؤنة كانت جميع مؤن تحصيل الربح منها مع الحاجة للربح في المعاش، هذا ولو شك في صدق المؤنة عليه كان المرجع عموم ثبوت الخمس، كما هو الحال في سائر موارد إجمال المخصص المنفصل.

ودعوي: أن المؤنة تعمّ ما ينتفع به أو بنمائه مع عينه كالدار والأثاث والحيوانات المتخذة للبيض والحليب والشجرة المتخذة للثمرة، ومثلها في ذلك رأس المال الذي ينتفع به بتحصيل المؤنة منه مع بقائه.

مدفوعة بأن المؤنة في مثل ذلك عرفاً نفس العين، لتعارف اتخاذها للانتفاع بها بالوجه المذكور، فتكون مورداً للحاجة ومصروفة في شؤون معاش الإنسان عرفاً، وفي المقام ليست المؤنة إلا الربح، لأنه هو الذي يصرف في حوائج الإنسان وشؤون معاشه، وليس رأس المال ونحوه إلا سبباً لتحصيله، وليس هو مصروفاً في سبيل المعاش الذي هو معيار المؤنة.

ومنه يظهر أن ما ينتفع به مع بقاء عينه إنما يكون مؤنة إذا كان متخذاً بنحو يكون من توابع الإنسان وشؤون معاشه، كالبقرة المتخذة في البيت لحليبها، والسيارة الشخصية المتخذة لانتقاله وانتقال عياله، دون ما إذا كان مستقلاً عن ذلك عرفاً واستغل لتحصيل المال منه، فلا يكون مؤنة وإن انتفع بمنفعته أو نمائه، فمن كان له مثل سيارة يتعيش بها لا تكون السيارة مؤنته وإن انتفع بالركوب بها وقضاء حوائجه تبعاً لذلك، وكذا من كان له بقر لبيع الحليب منه لا يكون البقر مؤنة له وإن انتفع ببعض حليبه.

هذا وقد ذكر بعض مشايخنا في وجه منع كونه رأس المال من المؤنة أن المستثني هو مؤنة السنة، لا مؤنة عمره ومادام حياً.

فإن كان مراده بذلك أن رأس المال ينتفع بالاتجار به دائماً، لا في خصوص سنته، أشكل بأنه يكفي في كونه مؤنة السنة الانتفاع به في السنة الواحدة، ولا يعتبر في

ص: 235

مؤنة السنة أن لا ينتفع بها بعد ذلك، ولذا كانت الدار والأثاث مؤنة وإن كانت ينتفع بها في شؤون حياة الإنسان سنين عديدة.

وإن كان مراده أنه كثيراً ما يزيد علي مؤنة السنة، فمن كان يكفيه ألف دينار قد يكون رأس ماله خمسة آلاف دينار، كما لعله الأظهر في كلامه. أشكل بأنه إذا كان الانتفاع برأس المال للاسترباح يجعله مؤنة عرفاً كانت مؤنة السنة هي مجموع رأس المال وربحه المصروف في المعاش، ولذا تكون الدار والسيارة ونحوهما من المتاع من المؤنة وإن كانت قيمتها أضعاف ما يصرف بلا واسطة علي المعاش لو استغني عنها بالاستيجار.

فالعمدة ما ذكرنا من أن الانتفاع برأس المال ونحوه في الاسترباح لا يجعله من المؤنة عرفاً. وقد تقدم عند الكلام في استثناء مؤنة الربح احتمال دلالة بعض النصوص علي استثناء رأس المال، ودفع ذلك.

ومن ذلك يظهر ضعف ما عن المحقق القمي (قدس سره) في الغنائم من أن تتميم رأس المال لمن احتاج إليه في المعاش من المؤنة، كاشتراء الضيعة لأجل غلتها، وإن حمله سيدنا المصنف (قدس سره) علي التفصيل الآتي.

وعن رسالة شيخنا الأعظم (قدس سره): والظاهر أنه لا يشترط التمكن من تحصيل الربح منه بالفعل، فيجوز صرف شيء من الربح في غرس الأشجار لينتفع بثمرتها ولو بعد سنين، وكذلك اقتناء أولاد الأنعام....

ويشكل بأنه - لو تم - ما سبق في توجيه إلحاق رأس المال بالمؤنة فمن الظاهر أن المؤنة المستثناة هي مؤنة سنة الربح لا غير، والحاجة لصرف الربح المذكور فيها في مفروض كلامه ليس للحاجة إليها فيها، بل للحاجة والانتفاع به في السنين اللاحقة، فهو كالربح المحتاج إليه للادخار للسنين اللاحقة.

هذا وفي المقام تفصيلان:

الأول: ما ذكره سيدنا المصنف (قدس سره) - ونزل عليه كلام المحقق القمي (قدس سره) - من أن الاحتياج لرأس المال إن كان لتحصيل المؤنة أشكل استثناؤه، لعدم وضوح

ص: 236

صدق المؤنة عليه، كما سبق منّا. وإن كان للتجمل صدق عليه المؤنة واتجه استثناؤه. وذلك إذا كان المالك بنحو يحتاج بحسب شأنه أن يكون له رأس مال يتجر به، بحيث يكون اتجاره عامل مضاربة مثلاً نقصاً عليه غير مناسب لشأنه، حيث يصدق عليه المؤنة بلحاظ ذلك، نظير حلي المرأة، حتي مع حصول مؤنته من غيره، بأن كان له من يكفله ويعول به. وقد ذكره (قدس سره) ندرة الفرض المذكور، إلا أن ندرته لا تنافي صحة استثناء رأس المال معه.

لكن لا يتضح ندرة الفرض المذكور ولاسيما مع إمكان صدق الحاجة من غير حيثية معاش الإنسان، كما لو ألزمت الدولة بعض أهل المال بالاتجار بمقدار من ماله، أو أمره بذلك من يكون من شأنه إطاعته.

مضافاً إلي أنه لا يعتبر في المؤنة الحاجة بحيث يكون تركه منافياً لشأن الإنسان وكرامته حتي عنده (قدس سره). بل غاية ما قيل أن لا تكون أكثر من شأنه أو منافية للاقتصاد، ومن الظاهر أن كثيراً من الناس لا يكون اتخاذ رأس المال ونحوه منافياً للاقتصاد في حقهم، فضلاً عن أن يكون أكثر ما يناسب شأنهم.

نعم الظاهر خروج الفرض المذكور عن محل كلامهم، ولاسيما المحقق القمي (قدس سره)، حيث صرح في كلامه بالاحتياج إليه في المعاش.

علي أن صدق المؤنة بذلك لا يخلو عن إشكال، لأن المعيار فيها بذل المال، وهو يصدق علي مثل حلي المرأة المتخذ للزينة، لأنه نحو من المصرف عرفاً، دون رأس المال في محل الكلام، بل هو باق غير مصروف. ومجرد الاحتياج إلي إبقائه لا يجعله مؤنة مصروفة، نظير الاحتياج إلي تجميد المال أو إقراضه، كما لو ألزمت الدولة بعض التجار بأن يكون له بناية مجمدة لا يبيعها، أو رصيد احتياطي في مصارفها، أو احتاج الإنسان إلي أن يقرض ماله لصديق أو غيره.

الثاني: ما ذكره بعض مشايخنا من اختصاص الاستثناء بالمقدار الذي يكون بقدر مؤنة سنته، دون ما زاد علي ذلك، بدعوي: أنه بعد استثناء المؤنة فصرف مقداره

ص: 237

(238)

فيجب إخراج خمسه. وكذا ما يحتاجه الصانع من آلات الصناعة والزارع من آلات الزراعة (1)، فيجب إخراج خمس ثمنها. وإذا نقصت آخر السنة يجبر النقص من الربح (2) إن كان له ربح في تلك السنة، ولا يجبر من أرباح

-

فيها كما يكون بصرفه مباشرة يكون بالاسترباح به بالتجارة، أو باستيفاء المنفعة بأن يشتري به عيناً يؤجرها ويعيش بأجرتها، أو نحو ذلك، فيتعين التخيير بين الأمرين، ولا موجب للإلزام بالأول.

هذا ويظهر من كلامه اختصاص ذلك بما إذا لم يكن له رأس مال آخر، بحيث تتوقف معيشته علي صرف المال المذكور بعينه. لكنه غير ظاهر الوجه، فإنه إذا كان منشأ التفصيل المذكور أن الصرف في المؤنة يعم الاسترباح ونحوه تعين جواز استرباح المقدار المذكور وإن كان له غيره، إذ لا يلزم المالك بصرف مال خاص في المؤنة. وإذا كان منشؤه الحاجة لرأس المال تعين البناء علي استثناء رأس المال مع الحاجة إليه وإن كان أكثر من المؤنة.

وكيف كان فيشكل ما ذكره بأنه إذا اتخذ الربح رأس مال له، وحصل له الربح منه، يكون الربح في السنة هو المجموع من رأس المال وربحه، فمع صرف الربح في المؤنة، يكون رأس المال زائداً علي المؤنة فيتعين تخميسه، كما يتعين تخميس ربحه لو زاد عن المؤنة. ومجرد الاحتياج لمقداره قبل الاسترباح به لا ينافي تخميسه بعد قيام ربحه بمؤنته.

نظير ما إذا احتاج في طول سنته لمائة دجاجة ليذبحها فاشتراها، ففرخت في أثناء السنة، فاكتفي بذبحها دون فراخها، أو ذبح فراخها دونها، حيث لا مجال لاحتمال عدم ثبوت الخمس في الباقي منها أو من الفراخ. ومن هنا يتعين عدم استثناء رأس المال ونحوه مطلقاً.

(1) لعدم الفرق بين الجميع فيما تقدم.

(2) لفرض أنها بنفسها من ربح السنة، وحيث يجوز التصرف فيها بالعمل

ص: 238

(239)

السنين الآتية (1).

(مسألة 36): لا فرق في المؤنة بين ما يصرف عليه - مثل المأكول والمشروب - وما ينتفع به مع بقاء عينه (2)، مثل الدار والفرش والأواني ونحوه

-

بها يتعين عدم ضمان نقصها، ويثبت الخمس في الباقي لا غير، ومن ذلك يظهر عدم الفرق بين نقص الأعيان بنفسها أو وصفها بسبب العمل ونقص قيمتها السوقية مع عدم نقص أعيانها. أما إذا لم تكن من أرباح السنة فإن نقصت قيمتها بسبب نقص أعيانها بتلف ونحوه بسبب العمل بها تعين جبر النقص من ربح سنة العمل الموجب للنقص، لما تقدم من استثناء مؤنة الربح.

وإن لم يكن نقصها بسبب العمل بها، بل لأمر خارج عنه فجبره مبني علي عموم جبر النقص في أثناء السنة من الربح الذي يأتي الكلام فيه في المسألة التاسعة والأربعين إن شاء الله تعالي.

وإن نقصت قيمتها بسبب نقص صفتها أو بسبب نقص قيمتها السوقية من دون نقص في أعيانها فالظاهر عدم جبر النقص المذكور. لماسبق في المسألة التاسعة والعشرين من أن الزيادة العينية المتصلة وزيادة القيمة السوقية لا تعد مالاً ولا ربحاً عرفاً، فإن ذلك يقتضي أن لا يكون نقص الصفة ولا نقص القيمة السوقية خسارة ونقصاً في المال، ليكون خسارة وموضوعاً للجبر. ويأتي نظير ذلك في المسألة الأربعين إن شاء الله تعالي. فلاحظ.

(1) لاختصاص الجبر مطلقاً بالسنة الواحدة، لما سبق من ابتناء الخمس علي ملاحظة أرباحها بنحو المجموعية التي هي المنشا لاحتمال الجبر.

(2) لصدق المؤنة عليه، لأن الحاجة في هذا القسم للمنفعة تستتبع الحاجة للعين من أجلها، وهو كاف في صدق المؤنة عليها عرفاً. بل يجري ذلك فيما ينتفع بنمائه، كالبقرة للبن والشجرة للثمر. نعم أشرنا في المسألة السابقة لمعيار ذلك، وللفرق بينه

ص: 239

من الآلات المحتاج إليها، فيجوز استثناؤها إذا اشتراها من الربح (1) وإن بقيت للسنين الآتية (2).

-

وبين ما إذا كانت المؤنة عرفاً نفس المنفعة والنماء والعين بمنزلة رأس المال. فراجع.

(1) وكذا إذا اشتراها من غير الربح قبل حصول الربح أو بعده، لما يأتي في المسألة الآتية من جواز إخراج المؤنة من الربح مطلقاً وإن كان له مال آخر.

(2) كما عن المستند حاكياً له عن بعض فضلاء عصره، لاستصحاب عدم وجوب الخمس فيه بعد أن لم يثبت فيه في أثناء السنة.

ومال في الجواهر لوجوب الخمس فيها. لإطلاق أدلة الخمس، المقتصر في تقييدها علي المتيقن، وهو مؤنة السنة، إلا المناكح والمساكن، فإنها لا تخمس بعد السنة.

لكن لم يتضح وجه الاستثناء. والاستدلال عليه بما تضمن تحليلهم (عليهم السلام) لها(1) في غير محله علي ما يأتي في المسألة الثامنة والسبعين عند الكلام في تحليلهم (عليهم السلام) الخمس للشيعة إن شاء الله تعالي. علي أن الذي تضمنته النصوص هو تحليل الخمس، بل حقهم (عليهم السلام) عموماً، وتحليل المناكح والأرض خصوصاً، دون المساكن وما فيها من بناء.

وأما المستثني منه فقد استشكل فيه سيدنا المصنف (قدس سره) بأن مقتضي إطلاق دليل استثناء المؤنة عدم وجوب الخمس فيها مطلقاً، لا مادام كونها مؤنة.

ويندفع بأن المستفاد من أخذ العنوان في موضوع الحكم ثبوت الحكم للذات ما دام العنوان ولا إطلاق له يشمل حال فقد العنوان. ولا أقل من كونه خلاف المتيقن من دليله.

فالعمدة في دفعه أن المستثني لما كان هو مؤنة السنة فالعين بانتهاء السنة لا تخرج عن كونها مؤنة لها، لأن المؤنة هي المال المبذول في السنة في شؤون الإنسان، مع الحاجة المناسبة لحاله مطلقاً علي ماسبق الكلام فيه، وبعد تحقق ذلك في الأعيان

********

(1) راجع وسائل الشيعة ج: 6 باب: 4 من أبواب الأنفال

ص: 240

المذكورة لا تخرج عنه بانتهاء السنة مع الاستغناء عنها في السنين اللاحقة وعدمه، بل حتي مع الاستغناء عنه في أثناء السنة.

نعم لو كان صدق المؤنة في المقام بلحاظ منفعة الأعيان المذكورة أو نمائها، لا بلحاظ أعيانها، اتجه عدم صدق المؤنة عليها بعد الاستغناء عنها. لكن مقتضاه حينئذ عدم استثناء أعيانها مطلقاً، والاقتصار علي استثناء منفعتها التالفة ونمائها المصروف في السنة لا غير، وليس بناؤهم عليه. بل لا مجال له بعد ما سبق من صدق المؤنة علي الأعيان بأنفسها، وبعد قرب قيام سيرة المتشرعة علي عدم تخميس الأعيان المذكورة، للغفلة عن ذلك، فلو كان التخميس واجباً لظهر وبان، لعموم الابتلاء بالمسألة.

ومما ذكرنا يظهر أنه لا أثر لبقائها للسنين اللاحقة، لأنها وإن صدق عليها أنها مؤنة لتلك السنين، إلا أن الاستثناء مختص بسنة الربح.

كما يظهر ضعف التفصيل بين الاستغناء عنها في أثناء السنة وعدمه، فيجب فيها الخمس في الأول دون الثاني. وجه الضعف: أن الاستغناء عنها لا يجعلها فائدة جديدة، كي يجب الخمس فيها من أجل أنها فائدة ليست بمؤنة، نظير ما إذا خرجت عن ملكه بعد الاستغناء عنها ثم ملكها بهبة أو نحوها وحلّ رأس السنة قبل الانتفاع بها، وإنما هي فائدة سابقة قد خرجت عن عموم وجوب الخمس بصيرورتها مؤنة في أثناء السنة، ولم تخرج عن ذلك بالاستغناء عنها.

وأما ما ذكره سيدنا المصنف (قدس سره) من أنه لا ريب في صدق الفائدة عليها حينئذٍ. ففيه: أنه إن كان المراد أنها فائدة بالمعني المصدري، فهو مقطوع العدم، لوضوح أن المعني المذكور إنما يصدق بتملك المال واستفادته واكتسابه، ولا يصدق ذلك بسبب الاستغناء عنه، وإن كان المراد أنها فائدة بالمعني الاسم المصدري، فهو مسلم. لكنه لا ينفع في وجوب الخمس، لظهور أدلته في أن موضوعه الفائدة بالمعني المصدري لا غير.

علي أن مقتضي ذلك ثبوت الخمس فيها بالاستغناء عنها في السنين اللاحقة، حيث يصدق عليها حينئذ أنها فائدة بالمعني المذكور من دون أن تكون مؤنة، مع

ص: 241

نعم إذا كان عنده شيء منها قبل الاكتساب (1) لا يجوز استثناء قيمته،

-

أنه (قدس سره) لم يلتزم بذلك.

كيف؟! وكثير من المؤن التي ينتفع بها مع بقاء عينها يستغني عنها في بعض فصول السنة، كثياب الشتاء وفراشه وأدوات التدفئة التي يستغني عنها في الصيف، وكذا ثياب الصيف وفراشه وبعض أدوات التبريد التي يستغني عنها في الشتاء. فهل يحتمل ثبوت الخمس فيها عند الاستغناء عنها في آخر السنة الخمسية؟!.

ومجرد الانتفاع بها في السنة اللاحقة لا يكفي في رفع الخمس عنها بعد كون المؤنة المستثناة هي مؤنة سنة الربح لا غير، ولذا لا إشكال في ثبوت الخمس فيها لو لم ينتفع بها في سنة الربح، ولا يسقط الخمس عنها بالانتفاع بها في السنين اللاحقة.

نعم إذا كانت مدة الاستغلال قصيرة، بحيث ليس من شأنها أن تكون المؤنة هي الأعيان المذكورة، بل منافعها المؤقتة لا غير تعين تخميس الأعيان، لخروجها عن كونها مؤنة. كما قد يعمد إليه بعض ذوي النظر والقدرة في مناسبة مفردة يحتاج فيها البعض الأثاث مؤقتاً بعارية أو إجارة، فيفضل شراء أعيان الأثاث ليقضي منها وطره في تلك المناسبة ثم يبيعها، لأن فرق ما بين سعر الشراء والبيع أقل من أجرة الأعيان المذكورة للمناسبة، أو لأن تحمله أهون عليه من تكليف الواجدين بإعارتها وتحمل تبعات تعرضها للتلف أو العيب أو غير ذلك. لكن ذلك يقتضي تخميس الأعيان المذكورة حتي لو صادف رأس السنة وقت الحاجة إليها والانتفاع بها.

ومما ذكرنا يظهر أيضاً أنه لا حاجة للاستدلال علي عدم ثبوت الخمس بالاستصحاب، لأن إطلاق استثناء المؤنة مغن عنه. ولو فرض عدم تمامية الإطلاق المذكور كان المرجع عموم ثبوت الخمس، لا استصحاب عدمه. هذا ويأتي تتمة للكلام في ذلك في المسألة الثامنة والثلاثين إن شاء الله تعالي.

(1) كما لو كان عنده من السنة السابقة فراش جديد قد دفع خمسه، فاستعمله في السنة اللاحقة ذات الربح الجديد.

ص: 242

بل حاله حال من لم يكن محتاجاً إليها (1).

-

(1) كما استظهره في الجواهر وحكي عن شيخنا الأعظم (قدس سره)، لظهور المؤنة في الاحتياج وإرادة الإرفاق، فمع فرض الاستغناء عنه بالموجود لا وجه لاحتسابه من الربح. كذا في الجواهر.

ويشكل - بعد غض النظر عما تقدم من عدم أخذ الاحتياج في المؤنة - بأن المراد بالاحتياج إن كان هو الاحتياج لأصل المؤنة الخاصة فهو حاصل في الفرض وإن كان هو الاحتياج للصرف من خصوص الربح فاعتباره خال عن الشاهد، لإطلاق أدلة استثناء المؤنة. ولذا يأتي في المسألة اللاحقة جواز احتساب المؤنة من الربح وإن كان له مال آخر.

وأما إرادة الإرفاق فهي - مع عدم وضوحها - لا تنافي ذلك، فإن استثناء ذلك من الربح إرفاق أيضاً، واختصاص الإرفاق الذي يبتني عليه الاستثناء بغير ذلك عين الدعوي.

هذا وقد استدل سيدنا المصنف (قدس سره) - مضافاً إلي قضية الاحتياج المتقدمة - بظهور أدلة الاستثناء في خصوص ما يبذل وينفق في سبيل المؤنة، لا مقدار ما يحتاج إليه منها وإن لم يبذل لتحصيله مال.

وهو وإن كان متيناً، بل سبق منا تقوّم المؤنة بالبذل، إلا أن ذلك يختص بما إذا استغل الأعيان المذكورة لمؤنته قبل سنة الربح، واستمر علي استغلالها في تلك السنة، حيث لا بذل للمؤنة في تلك السنة، لا بلحاظ العين، لفرض بذلها قبل ذلك، والاستمرار علي الانتفاع بها لا يصدق عليه عرفاً البذل، ولا بلحاظ منفعتها أو نمائها، لعدم كونه ملحوظاً عرفاً في محل الكلام مما كانت المؤنة فيه نفس العين عرفاً، بل هما تابعان للعين ومن شؤون كونها مؤنة، من دون أن يكونا مؤنة بأنفسهما.

أما إذا بدأ باستغلالها في سنة الربح فيصدق بذلها في المؤنة، ويتعين استثناؤها، بناء علي ما يأتي في المسألة الآتية من جواز استثناء المؤنة من ربح السنة وإن أخرجها من

ص: 243

(244)

(مسألة 37): يجوز إخراج المؤنة من الربح وإن كان له مال آخر (1)،

-

غيره، كما لو استدان للمؤنة أو أنفق عليها من ماله المخمس أو الذي لا خمس فيه.

وأظهر من ذلك ما إذا لم يستغل القديم واشتري جديداً من ربح السنة الجديدة واستغله فيها. لما يأتي في المسألة اللاحقة من جواز احتساب المؤنة من الربح وإن كان له مال آخر. ومن هنا يتعين التفصيل بالنحو الذي ذكرناه.

هذا وقد يدعي أن مقتضي ذلك جواز تبديل الأعيان المذكورة في كل سنة وإن كانت صالحة للاستعمال، ولا يجب الخمس في البدل، لصدق مؤنة تلك السنة عليه، ولا في المبدل منه، لما سبق من عدم ثبوت الخمس في الأعيان المذكورة مع الاستغناء عنها في سنة الربح أو بقائها للسنين اللاحقة. بل مقتضاه حينئذ جواز تبديلها في أثناء السنة بمجرد أن يصدق عليها أنها مؤنة، لما سبق من الاكتفاء في الاستثناء من حيثية المؤنة بكون العين مؤنة في بعض السنة.

لكن يشكل البناء علي ذلك فيما إذا لم يكن في التبديل غرض عقلائي، أو لخصوصية في البدل تقتضي بذل المال بإزائه من أجل استغلاله، بل كان لمجرد الرغبة في التبديل ولو من أجل التخلص من الخمس. لعدم وضوح صدق المؤنة عرفاً علي البدل حينئذٍ بعد الاكتفاء فيها بالمبدل، وابتناء الانتفاع بالأعيان المذكورة علي الاستمرار. ولا أقل من انصراف إطلاقات استثناء المؤنة عنه، أو خروجه عن المتيقن منها، فيكون المرجع إطلاقات وجوب الخمس، وهو المناسب للمرتكزات المتشرعية حيث يعتبر ذلك تضييعاً للخمس.

بل قد يدعي لزوم استثناء قيمة المبدل منه من قيمة البدل إذا كان التبديل للأحسن، من دون أن يخرج المبدل منه عن قابلية الوفاء بالحاجة، كما جزم في الجواهر بأنه إذا باع العين القديمة دخل ثمنها في المستجد وإن كان الأمر فيهما لا يخلو عن إشكال. والله سبحانه العالم.

(1) كما في جامع المقاصد والروضة والمدارك وكشف الغطاء والجواهر،

ص: 244

وحكي عن الكفاية والذخيرة والحدائق وشرح المفاتيح وشيخنا الأعظم (قدس سره). بل هو ظاهر إطلاق الأصحاب ومعاقد إجماعاتهم علي استثناء المؤنة من الربح.

ويقتضيه إطلاق ما تضمن استثناء المؤنة من الربح وعدم وجوب الخمس فيه إلا بعدها. بل ما تضمن استثناء المؤنة من حاصل الضيعة ومن ربح التجارة ومن وارد الصنعة(1) ، كالصريح في عدم إخراج المؤنة من نفس الضيعة ورأس مال التجارة. وأدوات الصنعة. بل قد يستفاد منه العموم لكل ما يتعارف الحفاظ عليه والتعيش من ناتجة، كالحيوانات ذات النماء.

ولعله لذا ادعي الإجماع في محكي المستند علي عدم إخراج المؤنة من ذلك. وإن كان مقتضي إطلاق بعضهم عموم الخلاف له، كالروضة والدروس وغيرهما. والأمر سهل بعد ما ذكرنا.

لكن عن الأردبيلي لزوم إخراج المؤنة من المال الآخر، لوجوه:

الأول: الاحتياط. وفيه: أنه لا دليل علي وجوبه في المقام. بل مقتضي ماسبق عدم وجوبه.

الثاني: إطلاق أدلة الخمس بعد أن كان المتبادر من إطلاق استثناء المؤنة من الربح صورة الاحتياج إليه فيها. وفيه: أن التبادر المذكور ممنوع. كيف؟! وقد سبق أن بعض أدلة الاستثناء كالصريح في عدم إخراج المؤنة من نفس الضيعة ومن رأس مال التجارة وأدوات العمل.

الثالث: أن نصوص استثناء المؤنة ضعيفة السند، فيقتصر فيه علي الإجماع ونفي الضرر المختصين بصورة الحاجة. وفيه: أن بعض نصوص الاستثناء المذكور معتبر السند، كما يظهر بملاحظتها. علي أنها لو لم تكن معتبرة السند مجبورة بعمل الأصحاب، فلا حاجة للتشبث فيه بالإجماع ونفي الضرر، ليقتصر فيهما علي المتيقن. علي أن عموم معقد الإجماع علي استثناء المؤنة لبعض صور وجود مال آخر

********

(1) راجع وسائل الشيعة ج: 6 باب: 8 من أبواب ما يجب فيه الخمس

ص: 245

غير مال التجارة (1)، فلا يجب إخراجها من ذلك المال، ولا التوزيع عليهما (2).

-

قريب جداً.

وأما قاعدة نفي الضرر فهي لا تنهض باستثناء المؤنة من الربح حتي مع عدم وجود مال آخر، لأن ثبوت الخمس في الربح ليس حكماً ضررياً، وإنما عدم ثبوته زيادة في النفع.

الرابع: أن ذلك يؤول إلي عدم ثبوت الخمس في أرباح كثيرة، مثل أرباح تجارات السلاطين وأكابر التجار والزراع، وهو مناف لحكمة تشريع الخمس وفيه: أن ذلك ليس محذوراً. وكثير من الناس لا تفي أرباحهم بمؤنهم، إما لقلة الربح، أو لكثرة المؤنة، ولا يختص بالمذكورين. كما أن كثيراً من المذكورين تكون أرباحهم أضعاف مؤنهم، ولذا تزيد رؤوس أموالهم بتعاقب السنين. بل يكفي ثبوت الخمس في رؤوس أموالهم غالباً.

(1) المناسب أن يقول: وإن كان له مال آخر غير الربح والفائدة المتجددة.

(2) كما هو المذكور احتمالاً في الدروس والمسالك والروضة والجواهر. بل اقتصر في الأولين علي ذكر الاحتمالات الثلاثة من دون ترجيح. وقد يستدل له بأنه مقتضي العدل.

لكنه كما تري، لا موضوع له مع الأدلة. إذ مع تمامية إطلاق استثناء المؤنة يتعين إخراجها من الربح لا غير، ويكون إخراج بعضها من المال الآخر مجحفاً بالمالك ومنافياً للعدل. ومع عدم تمامية الإطلاق المذكور يتعين إخراج المؤنة من المال الآخر لا غير، عملاً بإطلاق أدلة تشريع الخمس، ويكون استثناء بعض المؤنة من الربح مجحفاً بالخمس ومنافياً للعدل أيضاً. ومن هنا يبقي التوزيع خالياً عن الدليل.

بقي شيء، وهو أن الظاهر عدم الفرق في جواز احتساب المؤنة من الربح بين الإنفاق عليها منه والإنفاق عليها من المال الآخر فإذا أنفق عليها من المال الآخر جاز استثناء مقداره من الربح ولا يثبت الخمس فيه، لأن المستفاد عرفاً من أدلة استثناء

ص: 246

(247)

(مسألة 38): إذا زاد ما اشتراه (1) للمؤنة - من الحنطة والشعير والسكر وغيرها - وجب عليه إخراج خمسه (2). أما المؤن التي يحتاج إليها مع بقاء عينها إذا استغني عنها، فإن كان الاستغناء بعد السنة فالظاهر عدم وجوب الخمس فيها (3)، كما في حلي النساء الذي يستغني عنه في عصر الشيب.

-

المؤنة العفو عن مقدارها. ولاسيما وأن المتعارف عدم عزل الربح والتقيد بالإنفاق منه، بل كثيراً ما يكون الإنفاق قبل إحراز حصوله، أو من المجموع المكور من رأس المال والربح، كما قد تشتري الأعيان المبذولة في المؤنة في الذمة، وتوفي أثمانها بعد استهلاكها، إلي غير ذلك.

ولا وجه لقياسه بما إذا تبرع شخص آخر بالنفقة، للفرق بعدم تحقق البذل في المؤنة في المقيس عليه، فالمؤنة في الحقيقة ما عدا المبذذول.

وبذلك يظهر ضعف ما عن شيخنا الأعظم (قدس سره) من أنه لو أنفق من المال المخمس لم يكن له استثناء مقدار ما أنفقه من الربح. ويأتي من سيدنا المصنف (قدس سره) التعرض لذلك في المسألة التاسعة والأربعين إن شاء الله تعالي.

(1) يعني: زاد بعد انتهاء سنة الربح.

(2) كما في الجواهر، بل قد يظهر منه المفروغية عنه. وهو كذلك، لخروجه عن مؤنة السنة المستثناة من الربح، وإنما يصلح أن يكون مؤنة للسنة اللاحقة، لا لسنة الربح.

نعم قد يدعي غفلة العرف عن ذلك، بنحو يناسب قيام السيرة علي عدم تخميسه، خصوصاً إذا كان قليلاً غير معتد به. لكن في كفاية ذلك في الخروج عما تقتضيه القاعدة إشكال، خصوصاً بعد أن بدأ دفع الخمس من الشيعة في عصور الأئمة المتأخرين (صلوات الله عليهم)، ولم تمر فترة زمنية طويلة، ليتضح موقفهم (عليهم السلام) من مثل هذه الأمور المغفول عنها. فلاحظ.

(3) لما تقدم في المسألة السادسة والثلاثين في فرض بقائها للسنين اللاحقة،

ص: 247

وإن كان الاستغناء عنها في أثناء السنة، فإن كانت مما يتعارف إعدادها للسنين الآتية - كالثياب الصيفية والشتائية عند انتهاء الصيف أو الشتاء في أثناء السنة - فالظاهر عدم وجوب إخراج خمسها (1)، وإن لم تكن كذلك وجب إخراج خمسها.

(مسألة 39): إذا كانت الأعيان المصروفة في مؤنة السنة (2) قد اشتراها من ماله المخمس، فزادت قيمتها حين الاستهلاك (3) في أثناء السنة جاز له استثناء زمان الاستهلاك (4).

-

حيث ذكرنا هناك أنه لا أثر لبقائها للسنين اللاحقة في وجه عدم وجوب الخمس فيها.

(1) كأنه لأنها بذلك تبقي معدودة في المؤنة عرفاً، كما ذكره (قدس سره) في مستدركه، ويشكل بأن إعدادها للسنين اللاحقة وإن كان متعارفاً لا يجعلها مؤنة لسنة الربح، بل هو كإعداد الجديد للسنين اللاحقة إذا كان متعارفاً. وحينئذٍ إن كان المعتبر في عدم الخمس فيها بقاؤها مؤنة إلي آخر السنة ثبت الخمس فيها، كما في الصورة اللاحقة، وإن كفي فيه صيرورتها مؤنة في بعض السنة - كما هو الظاهر - تعين عدم ثبوت الخمس فيها في الصورتين. وقد تقدم في المسألة السادسة والثلاثين تمام الكلام في ذلك.

(2) سواءً كانت مما تستهلك في المؤنة كالطعام، أم ينتفع بها مع بقاء عينها كالفراش والدار.

(3) يعني: حين جعلها مؤنة ولو بالانتفاع بها مع بقاء عينها.

(4) لأنه زمان صيرورتها مؤنة، فتستثني حينئذٍ من الربح، ولا وجه لاستثناء قيمتها حين الشراء بعد أن لم تجعل مؤنة حينه.

نعم لو كان ارتفاع السعر معدوداً ربحاً لزاد به الربح ولم يكن لارتفاع قيمتها أثر، كما لو اشتراه للاتجار به، بناء علي ما سبق من سيدنا المصنف (قدس سره) في المسألة التاسعة والعشرين من وجوب الخمس في زيادة القيمة حينئذٍ وإن تقدم منّا المنع من ذلك.

ص: 248

(249)

(مسألة 40): ما يدخره من المؤن - كالحنطة والدهن ونحو ذلك - إذا بقي منه شيء إلي السنة الثانية وكان أصله مخمساً لا يجب فيه الخمس لو زادت قيمته (1)، كما أنه لو نقصت قيمته لا يجبر النقص من الربح (2).

(مسألة 41): إذا اشتري بعين الربح شيئاً فتبين الاستغناء عنه وجب إخراج خمسه (3).

-

ومما ذكرنا يظهر أن الأعيان المذكورة لو نقصت قيمتها حين جعلها في المؤنة كان المستثني قيمتها حينئذٍ لا قيمة شرائها. إلا أن يفرض انجبار الخسارة من الربح، فلا يظهر أثر لنقصان قيمتها، نظير ما ذكرناه في فرض زيادة القيمة.

لكن الفرض ممنوع، لعدم كون نزول السعر من الخسارة المالية بناء علي ما سبق منّا، وإن كان قد يتم بناء علي ما ذكره سيدنا المصنف (قدس سره) وغيره في الأعيان المتخذة للتجارة. فلاحظ.

(1) يعني: خمس فرق القيمة. لما تقدم في المسألة التاسعة والعشرين من عدم وجوب الخمس في زيادة القيمة مطلقاً أو فيما لم يتخذ للتجارة، لعدم صدق الفائدة والربح عليها. وبذلك يظهر أن المراد بالخمس المنفي هو خمس فرق القيمة، لا خمس الأصل. إذ لا معني له بعد فرض كونه مخمساً. نعم لو لم يكن مخمساً فالواجب إخراج خمس الأصل إذا كان قد ثبت فيه.

(2) لأنه إذا لم يصدق علي الزيادة في ذلك الربح، ولذا لم يجب خمسها، لم يصدق علي النقص الخسارة، ليكون موضوعاً للجبر من الربح، بناء علي جبر كل خسارة في أثناء السنة منه، كما تقدم نظيره في المسألة الخامسة والثلاثين. أما مع عدم البناء علي ذلك فالأمر أظهر.

(3) بناء علي أخذ الحاجة في المؤنة، حيث لا يكون مؤنة حينئذٍ ليستثني من الربح، أما بناء علي عدم أخذ الحاجة فيها والاكتفاء فيها ببذل المال فيما يستعمل

ص: 249

والأحوط استحباباً مع نزول قيمته عن رأس المال مراعاة رأس المال (1). وكذا إذا اشتراه عالماً بعدم الاحتياج إليه (2) كبعض الفرش الزائدة، والجواهر المدخرة لوقت الحاجة في السنين اللاحقة (3)، والبساتين والدور التي يقصد الاستفادة بنمائها (4)، فإنه لا يراعي في الخمس رأس مالها، بل قيمتها وإن كانت أقل منه (5). وكذا إذا اشتري الأعيان المذكورة بالذمة ثم وفي

-

وينتفع به بالوجه المعد له فوجوب إخراج الخمس وجوداً وعدماً يدور مدار الاستعمال والانتفاع بالوجه المذكور وعدمهما. وقد تقدم الكلام في ذلك في المسألة الثالثة والثلاثين.

(1) يعني: الذي اشتراه به. وكأنه بلحاظ أنه لأنه الربح الأصلي الذي وجب الخمس فيه، والمفروض عدم بذله في المؤنة، فلابد من إخراج خمسه. لكن حيث جاز للمالك التصرف في الربح في أثناء السنة تعين قيام العين التي اشتراها مقامه في ثبوت الخمس، وتكون هي بنفسها ربحاً، ولا وجه مع ذلك لضمان نقص القيمة، بل هو كنقص القيمة في بقية أفراد الربح.

(2) لأن عدم الحاجة لا ينافي جواز الشراء، لما دل علي جواز التصرف في الربح في أثناء السنة بالوجه العقلائي، فيقوم الخمس بالثمن بدل الثمن من دون ضمان نقص القيمة، كما في الفرض السابق.

(3) كما يتعارف عند بعض الناس إعداد جهاز زواج أبنائهم وبناتهم تدريجاً قبل زواجهم بزمان طويل.

(4) يعني بنحو التكسب به، دون ما إذا كان للانتفاع الشخصي بحيث يعد من شؤون البيت، نظير أثاثه، فإنه لا خمس فيه إذا استعمل في ذلك، لكونه من المؤنة عرفاً.

(5) لكون العين المشتراة بدلاً من الربح، وتقوم مقامه في ثبوت الخمس فيها. ومنه يظهر وجوب إخراج خمس العين في هذه الفروض وإن زادت قيمتها ولا يلاحظ

ص: 250

(251)

من الربح لم يلزمه إلا خمس قيمة العين آخر السنة (1). وإن كان الأحوط استحباباً في الجميع ملاحظة الثمن.

(مسألة 42): إذا مات المتكسب في أثناء السنة بعد حصول الربح فالمستثني هو المؤنة إلي حين الموت لا تمام السنة (2).

(مسألة 43): من جملة المؤن مصارف الحج واجباً كان أو مستحباً إذا كان من شأنه فعله (3)،

-

فيه قيمة الشراء.

(1) لقيام العين مقام الربح بعد وفاء ثمنها منه. أما لو لم يوف ثمنها فالمتعين صيرورة العين بقيمتها الفعلية من جملة الأرباح، واستثناء الثمن الذي تنشغل به الذمة من مجموع الأرباح، وتخميس الباقي.

(2) لعدم الموضوع لمؤنة السنة، لفرض عدم قيامه بها وعدم بذله لها، وقد سبق في المسألة الثالثة والثلاثين أن المدار في الاستثناء علي بذل المال وفعلية الإنفاق إما لأخذه في مفهوم المؤنة أو لانصراف المؤنة له. بل لو كان المعيار في الاستثناء علي الحاجة المقتضية للبذل ولو مع عدم البذل، فمن الظاهر اختصاص حاجة الإنسان للنفقة بأيام حياته. كما أنه تقدم أن استثناء مؤنة عياله بلحاظ كونها مؤنة له، وحاجته للإنفاق عليهم تختص بأيام حياته أيضاً.

هذا كله في المؤنة التي تصرف بأعيانها، كالطعام والشراب. أما ما ينتفع به مع بقاء عينه - كاللباس والفراش - فلا أثر لذلك فيه، إذ مع استعماله في أثناء السنة يصدق عليه المؤنة ولا يخرج عن ذلك بالموت، خصوصاً بناء علي ما تقدم منّا في المسألة السادسة والثلاثين والثامنة والثلاثين. فلاحظ.

(3) هذا القيد راجع للحج المستحب. وأما الواجب فلا إشكال ظاهراً عندهم في كونه مؤنة مطلقاً، وإن تقدم منا في آخر المسألة الثالثة والثلاثين الإشكال في الفرق

ص: 251

وإذا استطاع في أثناء السنة ولم يحج - ولو عصياناً (1) - وجب خمس ذلك المقدار من الربح (2) ولم يستثن له. وإذا حصلت الاستطاعة من أرباح سنين متعددة

-

بينهما، وأن الظاهر عدم اعتبار القيد المذكور في المستحب أيضاً.

(1) الظاهر أن ترك الحج مع الاستطاعة لا يكون إلا عصياناً. ولو فرض عدم العصيان به فلابد أن يكون لعدم تمامية الاستطاعة.

(2) إما لما تقدم في المسألة الثالثة والثلاثين منا من أخذ الإنفاق والبذل في مفهوم المؤنة، أو لما تقدم من سيدنا المصنف (قدس سره) وغيره من انصراف استثناء المؤنة لذلك. ولذا تقدم منّا ومنه ومن غيره أنه يجب الخمس في الفاضل مع التقتير.

هذا وقد يفرق بين المقام وسائر موارد عدم القيام بالمؤنة للتقتير أو نحوه: تارة: بأن وجوب البذل في المقام يناسب الاستثناء ولو مع عدم القيام به، وليس هو كسائر موارد البذل لغير الواجب.

وأخري: بأن الحج ليس كسائر الفرائض البدنية، بل التكليف به متفرع علي انشغال الذمة به وضعاً، كما هو مقتضي اللام في قوله تعالي: ولله علي الناس حج البيت...(1). فيستثني من الربح كسائر الديون.

وثالثة: بأن انشغال الذمة بالحج ليس ابتدائياً، كانشغالها بأروش الجنايات وقيم المتلفات، بل هو متفرع علي حصول الربح والفائدة، فهو من المؤن التابعة للربح المسببة عنه التي تقدم في أول المسألة الثالثة والثلاثين استثناؤها. ولعله لذا تردد في وجوب الخمس في العروة الوثقي مع جزمه بوجوب الخمس مع التقتير.

لكن الظاهر عدم نهوض شيء من ذلك بالفرق. لاندفاع الأول بأن وجوب البذل لا ينافي عدم الاستثناء مع عدم البذل عصياناً، فلابد من البناء عليه، عملاً بعموم ثبوت الخمس في الربح بعد المؤنة. فالمقام نظير ديون السنين السابقة التي يجب

********

(1) سورة آل عمران آية: 97

ص: 252

وجب خمس الربح الحاصل في السنين الماضية (1)، فإن بقيت الاستطاعة بعد إخراج الخمس وجب الحج، وإلا فلا (2). أما الربح المتمم للاستطاعة في سنة

-

وفاؤها وبعض النفقات الواجبة من دون أن تكون ديوناً، حيث لا تستثني مع عدم القيام بها، وعدم إنفاق الربح في سبيلها.

واندفاع الثاني: تارة: بعد وضوح كون الحج من سنخ الديون التي تنشغل بها الذمة وضعاً، واللام في الآية الشريفة قد لا تكون للتمليك، بل لمجرد بيان المسؤولية به أمامه تعالي كناية عن التكليف. الذي هو شايع في الاستعمالات الشرعية والعرفية. ولذا لا يدرك المتشرعة الفرق بين التكليف بالحج وغيره من الفرائض. ومجرد استثنائه من التركة لا يكفي في ذلك، بل قد يكون حكماً تعبدياً، نظير ما هو المختار من تقديمه علي سائر الديون.

وثانياً: بأن انشغال الذمة بالحج وضعاً - لو تم - لا يستلزم استثناءه من الربح، لاختصاص الاستثناء بالدين للمؤنة، كما يأتي في المسألة السابعة والأربعين إن شاء الله تعالي.

وثالثاً: بأن الحج وإن كان ثابتاً في الذمة وضعاً، إلا أنه بنفسه ليس مالاً، بل هو عمل محض لم تلحظ ماليته في مقام انشغال الذمة به، ليكون مسانخاً للربح الذي هو مال صرف، ويتجه استثناؤه منه. ومجرد توقف حصوله علي المال غالباً لا يكفي في ماليته واستثنائه من المال. وبذلك يظهر اندفاع الثالث.

نعم بناء علي استثناء مقدار الحاجة ولو مع عدم الإنفاق للتقتير أو نحوه، يتعين استثناء مقدار مؤنة الحج. لكن حكي عن الكفاية التنظر فيه. وكأنه لخصوصية في نظره للحج، ولو من أجل العصيان بتركه. وإن لم تتضح لنا عاجلاً.

(1) لعدم كون الحج حينئذ من مؤن تلك السنين.

(2) لوضوح أن الخمس حق في المال موجب لنقص الربح المملوك، فلا تتم

ص: 253

الحج فلا خمس فيه (1). نعم إذا لم يحج ولو عصياناً وجب إخراج خمسه (2).

-

الاستطاعة المالية به، وليس هو واجباً صرفاً، كي لا يمنع من تمامية الاستطاعة المالية، وربما تتجه دعوي مزاحمة وجوب الحج له.

(1) لما سبق فيما إذا قام ربح السنة بالاستطاعة بتمامها.

(2) لما سبق هناك أيضاً.

هذا وقد قال في العروة الوثقي: والظاهر أن المدار علي وقت إنشاء السفر، فإن كان إنشاؤه في عام الربح فمصارفه من مؤنته ذهاباً وإياباً، وإن تم الحول في أثناء السفر، فلا يجب إخراج خمس ما صرفه في العام الآخر في الإياب أو مع المقصد وبعض الذهاب.

وقد يوجه ذلك بأنه إذا كان العمل مما ينبغي إكماله بالشروع فيه، بحيث لا يليق الاقتصار علي بعضه شرعاً أو عرفاً، فالحاجة للشروع فيه في سنة الربح يرجع إلي الحاجة له بتمامه، ويكون بتمامه مؤنة لها وإن صادف إكماله بعدها، وذلك لا يختص بالحج الواجب والمندوب والزيارة، التي هي موضوع كلامه، بل يجري في جميع أنواع السفر لمآرب خاصة شرعية أو عرفية، وفي مثل الزواج، والعملية الجراحية، وبعض أفراد التداوي وغيرها.

اللهم إلا أن يقال: لما كان المدار في الاستثناء علي بذل المال إما لأخذه في مفهوم المؤنة، أو لأنه المنصرف منه، فمجرد صدق الحاجة في سنة الربح للعمل بتمامه لا يكفي في الاستثناء، بل يتعين الاقتصار فيه علي المقدار المبذول فيها بإزاء ما يقع فيها وفي غيرها من أجزائه، مثل أجرة الذهاب والإياب وثمن الطعام والشراب.

بل قد يستشكل في استثناء ما يبذل بأزاء ما يقع في غير سنة الربح من أجزاء العمل - كأجرة الإياب مثلاً - بلحاظ أن البذل المعتبر في الاستثناء لا يكفي فيه دفع الثمن أو الأجرة مع استحقاق ما يقابلها من الثمن والعمل، لعدم تلف المال بذلك مع استحقاق بدله، بل لابد فيه من استيفاء ما يقابله من المثمن والعمل في وقته، وذلك مستلزم للاقتصار علي خصوص ما يبذل بأزاء ما يقع سنة الربح.

ص: 254

(255)

(مسألة 44): إذا حصل لديه أرباح تدريجية، فاشتري في السنة الأولي عرصة لبناء دار (1)، وفي الثانية خشباً وحديداً، وفي الثالثة آجراً مثلاً، وهكذا، لا يكون ما اشتراه من المؤن المستثناة لتلك السنين، لأنه مؤنة السنين الآتية

-

نعم يتجه استثناء الأعيان التي ينتفع بها مع بقاء عينها إذا استخدمت في سنة الربح، لصيرورتها مؤنة بذلك وإن انتفع بها بعدها في إكمال العمل بل وفي غيره، كواسطة النقل وثياب الإحرام، كما ذكره سيدنا المصنف (قدس سره). وكذا الأموال المبذولة في سنة الربح من أجل العمل بتمامه إذا لم يستحق الباذل في مقابلها شيئاً كضرائب الدولة. ومن ذلك أجرة السفر ذهاباً وإياباً المدفوعة للدولة، بناء علي عدم شرعية المعاملة معها، بحيث لا تقتضي استحقاق شيء شرعاً، حتي لو كان مستحقاً بمقتضي قوانينها، لصدق المؤنة ببذل ذلك، كما ذكره بعض مشايخنا.

بل لا يبعد استثناء ما بذله في أثناء السنة بإزاء المجموع إذا كان مبني البذل علي الارتباطية مع تعارف ذلك، بحيث لا يتيسر الخروج عنه، كما هو الشايع في عصورنا، حيث يقع الاتفاق مع المتعهد علي دفع مقدار معين بأزاء الذهاب والإياب وجملة من مؤن الحج بنحو المجموع. إذ يصدق عرفاً كون مجموع المدفوع مؤنة لسنة الدفع.

ويترتب علي ذلك أن يكون المدار في الاستثناء من الربح وعدم وجوب الخمس علي تعارف الدفع في سنة الربح التي يجب فيها التهيؤ للحج بحيث لا يتيسر التأخير عنها، وإن كان الشروع في الحج بل السفر بعد خروج السنة.

هذا كله بناءً علي عدم استثناء مؤنة الحج مع عدم الإتيان به، أما بناء علي استثنائه فالمتعين استثناؤه بتمامه، لانشغال الذمة به كذلك في سنة الربح. لكنه يختص بالحج الواجب، دون المندوب، ودون الزيارة، إلا أن يفرض وجوبها بنحو وجوب الحج.

(1) يعني: تكون مؤنة له بسكناها، أما إذا كانت للاسترباح فهي خارجة عن مورد الكلام، ولا إشكال حينئذ في وجوب الخمس.

ص: 255

(256)

التي يحصل فيها السكني (1)، فعليه خمس تلك الأعيان.

(مسألة 45): إذا باع ثمرة بستانه سنين كان الثمن من أرباح سنة البيع (2)، ووجب فيه الخمس (3)

-

(1) لأن المعيار في المؤنة المستثناة لما كان هو صرف المال في شؤون الإنسان، وحوائجه، فذلك لا يكون بشراء هذه الأعيان أو تحصيلها، بل باستغلالها واستيفاء منفعتها، وهو إنما يكون في فرض المسألة بسكني الدار الذي يكون في السنين الآتية، لا ببنائها، فضلاً عن تهيئة مقدمات البناء التي تكون في سنة الربح. ومثل ذلك شراء الثياب أو خياطتها في سنة الربح إذا لم يلبسها أو ينتفع بها إلا في السنين الآتية.

هذا وقد يدعي أنه إذا ابتني الوضع الاقتصادي العام علي عدم تيسر تحصيل الدار إلا بهذا النحو من التدرج، فمع فرض الحاجة الفعلية للدار لا تكون الدار عرفاً مؤنة سنة سكناها فقط، بل مؤنة جميع السنين التي يحتاج فيها للدار ويتعارف تهيئة مقدمات تحصلها فيها، فتستثني قيمتها من أرباح جميع تلك السنين، لا من أرباح سنة السكني فقط.

لكن هذا في الحقيقة يبتني علي الخلط في المراد بمؤنة السنة بين ما يحتاج إلي تهيئته من أرباحها وما يستغل وينتفع به فعلاً فيها، والدار بالمعني الأول مؤنة جميع السنين المذكورة، وبالمعني الثاني مؤنة سنة السكني لا غير، والمراد من المؤنة المستثناة من أرباح السنة هو المعني الثاني، دون الأول.

(2) لأنه ملكه في تلك السنة. ويأتي تمام الكلام في ذلك.

(3) لما سبق من ثبوته في فوائد الزراعة، حيث إشكال في عمومه لثمن الثمرة في المقام وإن لم تكن موجودة فعلاً. ولا أقل من كونه مقتضي عموم ثبوت الخمس في الغنيمة والفائدة، حيث لا إشكال في أن الثمن المذكور منها. ومجرد كون الثمرة المملوكة في مقابل ذلك تابعة للسنين اللاحقة لا يجعل الثمن من فوائد تلك السنين

ص: 256

بعد المؤنة (1)، وكذلك إذا آجر داره سنة أو سنتين كانت الأجرة من أرباح سنة الإجارة (2). وليس كذلك إذا أجر نفسه علي عمل (3).

-

بعد كون تملكه في سنة البيع.

(1) يعني: مؤنة البيع.

(2) لأنه ملكه فيها، فيكون من فوائدها، نظير ما تقدم في سابقه. لكن ذكر بعض مشايخنا أن ذلك يوجب نقصان قيمة العين فاللازم جبر النقص من الأجرة، لعدم صدق الربح والفائدة عرفاً، إلا علي الفاضل بعد الجبر المذكور، ولا يبتني الجبر في المقام علي ما يأتي في المسألة التاسعة والأربعين من الكلام في عموم جبر الخسارة الواقعة في السنة بربحها، بل حيث كان نقص قيمة العين مسبباً عن نفس المعاملة الموجبة لتملك الأجر فلا إشكال في الجبر حينئذٍ، لعدم صدق الربح إلا علي الفاضل. ولو تم ما ذكره جري نظيره في مثل بيع ثمرة البستان سنين عديدة، الذي تقدم في مفروض المسألة كما أفتي بذلك.

إلا أنه يشكل بأن نقص قيمة الدار والبستان في الفرض لا يرجع إلي نقص في المال المملوك عرفاً، لعدم كون المنفعة منظورة في قبال العين، بل إلي قلة الرغبة والتنافس عليه بسبب المعاملة المفروضة، ومثل ذلك لا يعد خسارة عرفاً، ليجبر من الربح، كما لا تعد زيادة العين في عكس ذلك ربحاً، فلو ملك داراً مسلوبة المنفعة، فبقيت عنده حتي استوفي المستأجر المنفعة، فارتفعت قيمة الدار، لا تعد الزيادة ربحاً، ولا يثبت فيها الخمس. وكذا لو ملك داراً منذورة المنفعة، ثم بطل النذر بحل الوالد له مثلاً فارتفعت قيمة الدار ونحو ذلك.

(3) لأن العمل مال مملوك عليه في قبال الأجرة، فلا يصدق الربح إلا علي الفاضل من الأجرة بعد استثناء العمل، إما لأداء العمل وبقاء أجرته، كما لو آجر نفسه علي خياطة ثوب فخاطه وبقيت عنده أجرته، أو لكون الإجارة بأكثر من أجرة المثل.

هذا ولا يفرق في العمل بين أن يكون مطلقاً، وأن يكون مقيداً بسنة الإجارة،

ص: 257

(258)

(مسألة 46): إذا دفع من السهمين أو أحدهما (1)، ثم بعد تمام الحول حسب موجوداته ليخرج خمسها، فإن كان ما دفعه من أرباح هذه السنة

حسب المدفوع من الأرباح (2)، ووجب إخراج خمس الجميع.

(مسألة 47): أداء الدين من المؤنة، سواءً أكانت الاستدانة في سنة الربح أم فيما قبله (3)، تمكن من أدائه قبل ذلك (4) أم لا (5). نعم إذا لم يؤدِ دينه

-

وأن يكون مقيداً بسنين متعددة، نظير إجارة الدار سنين متعددة. ومجرد كون بعض العمل في الأخير تابعاً للسنين اللاحقة لا يجعل الأجر المقابل له من أرباح السنين اللاحقة، لأن المدار في الربح علي الملك، وهو حاصل بالإجارة وحينها، نظير ما تقدم في بيع ثمرة البستان وإجارة الدار سنين متعددة.

(1) بناءً علي جواز تقديم دفع الخمس علي الحول، علي ما يأتي الكلام فيه في المسألة الثامنة والأربعين إن شاء الله تعالي.

(2) لأن أرباحه الحقيقية هي المجموع من المدفوع والباقي، ولا مجال لاستثناء المدفوع، لعدم كونه من المؤنة المستثناة قبل الخمس، بل هو نفس الخمس الثابت علي مجموع الربح، ومنه المدفوع.

(3) وربما قيد بالحاجة إلي الاستدانة إذا كانت الاستدانة في سنة الربح - كما يظهر من الجواهر - أو مطلقاً. لكن الظاهر عدم اعتبار ذلك، لأن الدين مهما كان منشؤه فوفاؤه من شؤون الإنسان المتعلقة به، بل هو مورد لحاجته شرعاً وعرفاً، فيدخل في المؤنة في جميع الفروض.

(4) يعني: قبل الربح أو قبل سنته.

(5) وقد يظهر من العروة الوثقي اعتبار العجز عن الوفاء في الديون السابقة، وهو كسابقه غير ظاهر الوجه.

نعم المال المقترض وإن كان مملوكاً، إلا أن استتباع ملكيته للضمان والوفاء مانع

ص: 258

إلي أن أنقضت السنة وجب الخمس من دون استثناء مقدار وفاء الدين (1).

-

من صدق الربح عليه، لما تقدم في وجه استثناء المؤن التي يستتبعها الربح. بل هو أوضح منها عرفاً. وحينئذٍ إن بقي المال المذكور كان مقابلاً للدين، فإن تحقق الوفاء منه فهو، وإن تحقق الوفاء من غيره فإن كان من مال لا خمس فيه - كالمال المخمس أو الميراث - كان الدين عرفاً في محل المال المذكور، ولا يصدق عليه أنه ربح جديد، ليجب فيه الخمس. وإن كان من ربح السنة كان الدين عرفاً في محله وبمنزلة ربحها. وكذا لو تحقق الإبراء. ومن أجل ذلك يثبت الخمس فيه. أما إذا لم يبق - لتلف، أو بذل في مؤنة السنة، أو السنين السابقة - تعين جواز الوفاء مع الربح، لأنه من المؤنة، فينقص به الربح بلا مقابل.

وكأنه إلي هذا يرجع ما عن شيخنا الأعظم (قدس سره) من أن وفاء الدين السابق من المؤنة، سواء كان لمؤنة عام الاكتساب، أم لا إذا لم يتمكن من وفائه إلا في عام الاكتساب، أو تمكن ولم يؤده مع عدم بقاء مقابله إلي عام الاكتساب، أو مع بقائه واحتياجه إليه فيه. أما لو تمكن من وفائه قبل عام الاكتساب مع بقاء مقابله وعدم احتياجه إليه ففي كونه من المؤنة إشكال. بل قد يرجع إليه ما سبق من الجواهر والعروة الوثقي وإن كانت عباراتهم لا تخلو عن قصور.

هذا وقد يستثني من ذلك ما إذا تعمد إتلاف المال الذي استدانه أو أنفقه في غير المؤنة بعد حصول الربح، وثبوت الخمس فيه، لعدم الفرق عرفاً بين المال المذكور والربح، فكما لا يكون تعمد إتلاف الربح وإنفاقه في غير المؤنة مستثني منه، بل يجب خمس ما يتلفه أو ينفقه منه، كذلك المال الذي قد استدين. ولاسيما مع شيوع عدم تمييز المال المستدان عن الربح مع اجتماعهما عند المكلف، وعدم التقيد لكل منهما بمصرف يخصه. وهذا بخلاف ما إذا حصل ذلك قبل حصول الربح، فإن وفاء الدين لما كان من المؤنة فالربح حينما يحصل يتعين للإنفاق في المؤنة المذكورة. فتأمل جيداً.

(1) لما سبق من اعتبار البذل والإنفاق في المؤنة المستثناة، فالمقام نظير التقتير.

ص: 259

إلا أن يكون الدين لمؤنة السنة، فاستثناء مقداره لا يخلو من وجه (1). ولا فرق فيما ذكرنا بين الدين العرفي (2) والشرعي (3)، كالخمس والزكاة (4) والنذر والكفارات. وكذا في مثل أروش الجنايات وقيم المتلفات وشروط المعاملات، فإنه إن أداها من الربح في سنة الربح لم يجب الخمس فيه (5)، وإن كان حدوثها في السنة السابقة، وإلا وجب الخمس، وإن كان عاصياً بذلك (6).

-

(1) بل لا ينبغي الإشكال في ذلك، لإطلاق ما دل علي استثناء مؤنة السنة، إذ كما كان مقتضاه العموم لما إذا كان هناك مال آخر، كما سبق في المسألة السابعة والثلاثين، كذلك مقتضاه العموم لما إذا أنفق من مال آخر، وهو الدين في المقام. ولاسيما أن المتعارف كثيراً هو شراء الأعيان المستهلكة في المؤنة في الذمة ووفاء أثمانها بعد ذلك، كما أشرنا إليه في المسألة المذكورة.

هذا وأما ما ذكره بعض مشايخنا في وجه الحكم المذكور - زائداً علي ما تقدم

من عدم صدق الربح إلا بعد استثناء الدين المذكور، فهو في غاية المنع، لأن الدين المذكور لا يزيد علي المؤنة التي يصدق الربح معها، وإنما احتاج استثناؤها للدليل الخاص. وإنما يتجه ذلك في الأعيان المشتراة في الذمة إذا بقيت إلي آخر السنة، حيث لا يصدق عليها أنها أرباح إلا بعد استثناء أثمانها الذمية.

(2) كأن مراده به خصوص القرض، لا مطلق الدين للناس، وإلا لم يتجه مقابلته بأروش الجنايات وقيم المتلفات.

(3) لعدم الفرق بينهما في وجوب الأداء شرعاً، وهو كاف في صدق المؤنة.

(4) يعني: إذا انشغلت بهما الذمة. أما مع بقائهما في العين فالعين المملوكة التي تكون ربحاً هي المقدار الباقي بعد خروج الحق سواء أدي الحق، أم لا.

(5) يعني: في مقدار ما أداه إذا كان من الربح.

(6) يعني: بعدم الأداء. وذلك فيما إذا لم يكن هناك مسوغ للتأجيل.

ص: 260

(261)

(مسألة 48): يتعلق الخمس بالربح بمجرد حصوله (1)

-

(1) كما صرح بذلك جماعة. وقال في الجواهر: علي المشهور بين الأصحاب نقلاً وتحصيلاً. بل لا أجد فيه خلافاً إلا ما يحكي عن السرائر من اعتباره (يعني: الحول)، مع أن عبارتها ليست بتلك الصراحة، بل ولا ذلك الظهور، كما اعترف به بعضهم. بل قد وقع لمثل العلامة في المنتهي - ممن علم أن مذهبه عدم اعتبار ذلك - بعض العبارات الظاهرة في بادئ النظر في عدم الوجوب إلا بعد الحول، المراد منها بعد التروي التضيق، كعبارة السرائر، خصوصاً بعد دعواه الإجماع فيها علي ذلك، ضرورة كون مظنته التضيق لا أصل الوجوب.

وقد استدل له - مضافاً إلي إطلاق معاقد الإجماعات علي ثبوت الخمس في الأرباح والفوائد، بل في الجواهر: فيما حضرني من نسخة المفاتيح الإجماع عليه أيضاً، إطلاق ثبوت الخمس في الغنيمة في الآية الشريفة، ولو بضميمة ما تضمن عمومها لغير غنائم الحرب.

وإطلاق جملة من النصوص المتقدمة المتضمنة ثبوت الخمس في الفائدة كقوله (عليه السلام) في مصحح الريان بن الصلت الوارد في غلة رحي أرض وفي ثمن سمك وبردي وقصب: يجب عليك فيه الخمس(1) ، وقوله (عليه السلام) في موثق أبي بصير في الهدية: الخمس في ذلك(2) ، وقوله (عليه السلام) في خبر عبد الله بن سنان: علي كل امرئ غنم أو اكتسب الخمس مما أصاب(3) ، وغيرها.

وأما ما تضمن أن الخمس بعد المؤنة فليس المراد به التأخر الزماني عن إنفاق المؤنة، بل الكناية عن استثناء المؤنة، نظير ما تضمن أن الميراث بعد الوصية والدين. وإليه يرجع ما قيل من أن المراد به التأخر الرتبي.

هذا ولكن ابتناء بذل المؤنة علي التدريج غالباً، وعدم الإحاطة حين وصول الربح بمقدارها كذلك، يوجب استفادة تأخره زماناً عن بذل المؤنة، تبعاً لاستثنائه

********

(1و2و3) وسائل الشيعة ج: 6 باب: 8 من أبواب ما يجب فيه الخمس حديث: 9، 10، 8

ص: 261

قبله. ولاسيما بناءً علي ما تقدم منا من أخذ الإنفاق في مفهوم المؤنة، وعدم الاكتفاء بالحاجة في صدقها. وليس هو كاستثناء الدين والوصية في الميراث، لانضباطهما وسبقهما علي الموت.

بل قوله (عليه السلام) في صحيح ابن مهزيار: لي منه الخمس مما يفضل من مؤنته(1) ، كالصريح في أن موضوع الخمس الفاضل بعد صرف المؤنة، لا الزائد علي مقدارها. وكذلك قوله (عليه السلام) في صحيح أبي علي بن راشد: إذا أمكنهم بعد مؤنتهم(2). لقوة ظهوره في إرادة وجوب الإخراج بالفعل بسبب تمكنهم فعلاً، لا وجوب الإخراج في وقته بسبب الإمكان من حيثية المالية تبعاً لزيادة الربح عن مقدار المؤنة.

كما يناسب ذلك أيضاً قوله (عليه السلام) في صحيح ابن مهزيار الطويل: فأما الغنائم والفوائد فهي واجبة عليهم في كل عام(3) ، فإنه بعد أن سبق ظهوره في لحاظ مجموع الفوائد في السنة لا مجال لحمله علي أول السنة، لعدم اجتماع الأرباح فيها، ليجب خمسها، بل لابد من حمله علي آخر السنة بعد استكمال بذل المؤنة، علي نحو وجوب الزكاة التي تضمنها صدر الصحيح في قوله (عليه السلام): ولم أوجب عليهم ذلك في كل عام، ولا أوجب عليهم إلا الزكاة التي فرضها الله عليهم.

وأما دعوي: أن مقتضي الجمع بين ثبوت الخمس في الآية وغيرها وأدلة استثناء المؤنة البناء علي ثبوت الخمس بمجرد حصول الربح، وعدم وجوب إخراجه إلا في آخر السنة.

فهي مدفوعة - مضافاً لما سبق من استفادة عدم ثبوت الخمس قبل إكمال البذل في المؤنة من أدلة استثنائها تبعاً - بأن ذلك لا يناسب ما في صحيح ابن مهزيار الطويل من تطبيق الآية الشريفة علي وجوب خمس الفائدة في كل عام، لظهوره في أن الوجوب المذكور من صغريات مفاد الآية، أو لازم لمفادها، بنحو لا يناسب التفكيك بينهما في زمان الحكم، حيث يكشف ذلك عن أن تشريع الخمس في الآية بجميع أقسامه أو

********

(1و2و3) وسائل الشيعة ج: 6 باب: 8 من أبواب ما يجب فيه الخمس حديث: 2، 3، 5

ص: 262

خصوص خمس الفائدة يبتني علي الثبوت في كل عام، لا بمجرد حصولها.

علي أن التفكيك بين مثل إطلاق الآية الشريفة ودليل استثناء المؤنة بحمل الأول علي تعلق الخمس، والثاني علي وجوب إخراجه، غير ظاهر المنشأ بعد تشابه ألسنة الكل، فإن بعض نصوص استثناء المؤنة وإن تضمن التعبير بالوجوب، إلا أن بعضها قد تضمن مفاد الوضع، مثل قولهم (عليهم السلام): الخمس بعد المؤنة(1) ، وقوله (عليه السلام): لي منه الخمس مما يفضل من مؤنته(2).

مع أن التفكيك بين ثبوت الخمس ووجوب إخراجه في الأدلة وحمل بعضها علي الأول وبعضها علي الثاني بالجمود علي مضامينها المطابقية بعيد جداً. ولاسيما مع ظهور بعض النصوص في رجوع أحدهما للآخر بإغفال الفرق الدقي بينهما، كصحيح ابن مهزيار المتقدم، حيث تضمن الاستدلال علي الوجوب بالآية الشريفة المتضمنة لمفاد الوضع. وحديث ابن شجاع، حيث تضمن في السؤال: ما الذي يجب لك من ذلك، وفي الجواب: لي منه الخمس(3) ، وحديث ابن راشد حيث قال فيه: فقال لي بعضهم: وأي شيء حقه؟ فلم أدر ما أجيبه، فقال: يجب عليهم الخمس(4).

مضافاً إلي أن المراد من إناطة وجوب إخراج الخمس بإخراج تمام المؤنة إن كان هو إناطة أصل الوجوب، فلازمه عدم مشروعية إخراجه قبل إكمال المؤنة، مع أنه ليس بناء القائلين بثبوت الخمس بمجرد الربح علي ذلك. وإن كان هو إناطة تضييق الوجوب به مع كون مبدئه ظهور الربح - كما سبق من الجواهر - فظاهر نصوص الاستثناء إناطة أصل الوجوب بالمؤنة، لا إناطة تضيقه.

وأما ما ذكره بعض مشايخنا من أن لازم إناطة ثبوت الخمس بإخراج تمام المؤنة جواز إتلاف الربح في أثناء السنة أو الصرف في غير المؤنة من هبة لا تليق بشأنه ونحوها، لعدم لزوم حفظ القدرة قبل تعلق التكليف. فيندفع بأنه لا محذور في

********

(1) وسائل الشيعة ج: 6 باب: 8 من أبواب ما يجب فيه الخمس حديث: 1

(2) وسائل الشيعة ج: 6 باب: 8 من أبواب ما يجب فيه الخمس حديث: 2، 2، 3

(3) وسائل الشيعة ج: 6 باب: 8 من أبواب ما يجب فيه الخمس حديث: 2، 2، 3

(4) وسائل الشيعة ج: 6 باب: 8 من أبواب ما يجب فيه الخمس حديث: 2، 2، 3

ص: 263

الالتزام بذلك، كما التزموا بنظيره في الزكاة. بل لعله الأنسب بمرتكزات المتشرعة، حيث لا يرون في الإتلاف والبذل غير اللائق - لو لم يصدق عليه المؤنة - إلا محذور التبذير أو السفه، من دون أن يخطر ببالهم انشغال الذمة بالخمس. وإن أمكن أن يكون منشأ ذلك سيرتهم علي إخراج الخمس بعد السنة، بنحو يغفل عن ثبوته والاهتمام به قبل إكمالها.

والحاصل: أن البناء علي عدم ثبوت الخمس قبل صرف المؤنة هو الأنسب بالجمع بين الأدلة. بل حمل إطلاق من أطلق من الأصحاب أن الخمس بعد المؤنة علي ذلك قريب أيضاً، لأنه هو المفهوم عرفاً بالتقريب المتقدم، ولابتناء كلامهم علي مفاد النصوص المذكورة.

ومن هنا يشكل نسبة القول الآخر للقدماء ممن لم يصرح بالفرق بين زمان ثبوت الخمس وزمان إخراجه. كما يشكل نسبته للمشهور، فضلاً عن دعوي الإجماع عليه المشار إليها فيما تقدم من الجواهر.

هذا ولكن الإنصاف أن ذلك وإن كان مقتضي الجمع بين الأدلة بدواً، إلا أنه لا يتناسب مع واقع تشريع الخمس، فإن أصل تشريعه استفيد من الآية الشريفة التي كان مقتضي إطلاقها ثبوته بمجرد الربح، والمتيقن من أفرادها - الذي كان مورد العمل الظاهر من صدر الإسلام - هو غنائم دار الحرب التي جري الحكم فيها علي طبق الإطلاق المذكور، حيث يثبت الخمس فيها بمجرد الاغتنام من دون استثناء المؤنة، ولا انتظار السنة.

كما جري الحكم كذلك في بقية أفرادها ذات العناوين الخاصة المصرح بثبوت الخمس فيها من صدر الإسلام، ولم يثبت استثناء المؤنة إلا فيما عداها من بقية الفوائد، وقد تضمنت جملة من النصوص تطبيق الآية الشريفة عليها بمقتضي إطلاقها اللفظي، من دون أن تشير إلي التقييد المذكور.

وحينئذٍ فتحكيم نصوص استثناء المؤنة علي إطلاق الآية في خصوص الأفراد

ص: 264

المذكورة دون الأفراد الأولي التي هي أظهر في فرديتها وأشيع عملاً في صدر التشريع بعيد عن مقتضي الجمع العرفي جداً.

ومن هنا كان من القريب أن لا يكون استثناء المؤنة من أصل التشريع، ولا مبنياً علي تقييد الآية ونحوها من الإطلاقات في خصوص هذه الأفراد، بل هو حكم تفضلي مبني علي إعمال الأئمة (عليهم السلام) لولايتهم علي الحق بعد التنبيه علي عمومه لمطلق الفائدة والبدء بتنفيذه والعمل عليه فيها في عصور الأئمة المتأخرين (عليهم السلام).

ولعله لذا لا يظهر من النصوص الواردة عن الأئمة الأوائل (صلوات الله عليهم) الذين لم يكونوا في مقام المطالبة بالخمس ولا من الشيعة المعاصرين لهم الالتفات والالتفات للاستثناء المذكور، بل تقدم عند الكلام في استثناء المؤنة بعض نصوص تشريع الخمس في هذا القسم الظاهرة في عدم استثنائها. وإنما ورد التنبيه لاستثناء المؤنة عن الأئمة المتأخرين (صلوات الله عليهم) الذي بدأوا يطالبون الشيعة بأداء الحق.

وبذلك يظهر قرب حمل التحديد بالعام في صحيح ابن مهزيار الطويل علي الإرفاق نوعاً من أجل ضبط المؤنة، لا لأخذه في موضوع الخمس في أصل التشريع، لعين ما سبق.

فإن اتضح ما ذكرنا، وإلا فلا أقل من صلوحه للمنع من الجزم بالتقييد لأصل ثبوت الخمس شرعاً، فيرجع فيه إلي مقتضي الإطلاقات المقتضية لثبوته بمجرد حصول الفائدة، كما نسب للمشهور. فلاحظ. والله سبحانه وتعالي العالم.

هذا ولو فرض البناء علي ما ذكرنا أولاً من عدم وجوب الخمس بمجرد حصول الربح فإن كان الدليل عليه نصوص استثناء المؤنة لزم ثبوته باستيفاء مؤن السنة. وإن كان الدليل عليه صحيح ابن مهزيار لزم عدم ثبوته إلا بتمام السنة.

اللهم إلا أن يقال: نصوص استثناء المؤنة إنما تقتضي عدم ثبوت الخمس قبل استيفائها أما ثبوته حينئذ بمجرد استيفائها فهي إما أن لا تنهض به، أو تنهض به

ص: 265

(266)

إذا كان زائداً عن مؤنة السنة (1). وإن كان يجوز له تأخير الدفع إلي آخر

-

بإطلاقها، الذي هو كإطلاق ثبوت الخمس في الفوائد والأرباح. وحينئذٍ إذا كان مقتضي صحيح ابن مهزيار عدم ثبوته قبل تمام السنة لزم الخروج به عن الإطلاقات المذكورة، كما يخرج عن إطلاق ثبوت الخمس بنصوص الاستثناء. ويتحصل من جميع ذلك حمل الإطلاق ونصوص الاستثناء علي بيان موضوع خمس الفائدة ومتعلقه، وحمل الصحيح علي بيان زمان ثبوت الخمس المذكور. نظير أدلة اعتبار الحول في الزكاة مع أدلة ثبوت الزكاة في النقدين والأنعام. فتأمل جيداً.

(1) الظاهر أن المدار علي زيادة مجموع الربح الحاصل في السنة علي المؤنة في جواز الدفع من بعض الربح الحاصل في أول السنة، فإذا كانت مؤنة الشخص في سنته ألفين، وكان ربحه في مجموع السنة خمسة آلاف مثلاً، جاز له أن يدفع خمس الألف الأول الذي يربحه في أول السنة، ولا يتوقف دفعه للخمس علي أن يزيد ربحه علي ألفين، ليدفع خمس الزائد لا غير.

وتوضيح ذلك: أنه لا إشكال في عدم جواز دفع الخمس في أثناء السنة قبل حصول الربح، لتوقع حصوله في بقية السنة، لعدم تحقق موضوع الخمس بعد. وكذا لا يجوز دفع ما زاد علي خمس الربح الحاصل في أول السنة علي أن يكون من خمس بقية الأرباح المتوقعة، فإذا كان الربح المتوقع في تمام السنة خمسة آلاف، وكانت المؤنة ألفين وجاءه في أول السنة ستمائة لا يجوز دفع تمامها خمساً عن ثلاثة آلاف يتوقع كونها الفاضل من ربح السنة عن مؤنتها، لعين ما سبق من عدم تحقق موضوع الخمس، وهو الثلاثة آلاف. وإنما الإشكال في أنه هل يجوز دفع خمس الستمائة في الفرض أو لا؟.

فإن قلنا بأن الخمس يثبت في خصوص الفاضل عن مؤنة السنة، لم يجز دفع خمسها، لعدم تحقق موضوع الخمس أيضاً بعد فرض عدم وفاء الستمائة بمؤنة السنة، فضلاً عن زيادتها عليها، وإنما يجوز في الفرض دفع الخمس بعد تجاوز الربح الألفين، فيجوز دفع خمس الزائد عليها لا غير.

ص: 266

السنة (1) احتياطاً للمؤنة.

-

وإن قلنا بثبوت الخمس في الربح بمجرد حصوله إذا كان مجموع الربح في السنة فاضلاً عن مؤنتها، ولو بنحو الشرط المتأخر، جاز دفع خمس الستمائة في الفرض، لفرض تحقق شرطه.

إذا عرفت هذا فالظاهر الثاني، اقتصاراً في تقييد إطلاق دليل ثبوت الخمس في الربح والفائدة علي المتيقن وهو العفو عن مقدار المؤنة بنحو البدل في تمام أجزاء ربح السنة، بمعني: أن كل جزء من الربح يثبت فيه الخمس إذا أخرجت المؤنة من غيره، ولو كان هو الجزء الآخر الذي لم يوجد بعد، ولا يتوقف ثبوت الخمس في الموجود من الربح علي زيادته بنفسه علي المؤنة، خصوصاً علي ما قربناه من كون استثناء المؤنة تفضلاً من الأئمة (عليهم السلام) بحسب ولايتهم علي الحق إرفاقاً بشيعتهم، حيث يكفي في الإرفاق ذلك.

نعم لو قلنا بعدم ثبوت الخمس في الربح إلا بعد أن يفضل عن المؤنة - الذي هو خلاف ما نسب للمشهور - يتعين عدم ثبوت الخمس وعدم جواز دفعه في المقام، لعدم تحقق موضوعه إلا بعد انتهاء الإنفاق علي تمام مؤنة السنة، أو بعد مضي السنة، علي ماسبق الكلام فيه. لكن مبني الكلام هنا علي ما جري عليه المشهور.

(1) كما صرح به جماعة، بل لا أجد فيه خلافاً، بل الظاهر الإجماع عليه. كذا في الجواهر، ونحوه في استظهار الإجماع ما عن رسالة شيخنا الأعظم (قدس سره)، بل قيل: إنه ادعي عليه الإجماع في غير واحد من الكلمات، وأرسلوه إرسال المسلمات. ومن ثم استدل عليه في محكي المستند بالإجماع.

كما علل في كلماتهم بالاحتياط للمؤنة، لكنه يصلح أن يكون حكمة للحكم المذكور، لا دليلاً عليه. لعدم الإشارة للتعليل بذلك في النصوص.

وكيف كان فلا ينبغي الإشكال في ذلك - في الجملة - بناءً علي عدم تعلق الخمس بظهوره، بل لابد من صيرورته فعلاً فاضلاً عن مؤنة السنة.

ص: 267

وأما بناءً علي ثبوته بظهور الربح - كما تقدم نسبته للمشهور - فقد يستفاد جواز التأخير من أدلة استثناء المؤنة تبعاً لما أشرنا آنفاً من عدم الإحاطة غالباً بمقدار المؤنة، وابتناء بذلها كذلك علي التدريج. بل تقدم تقريب استفادته من صحيح ابن مهزيار الطويل.

مضافاً إلي أنه لو كان البناء علي التعجيل لاحتيج لبيان الضوابط للمؤنة وكيفية الجمع بين استثنائها ووجوب التعجيل بإخراج الحق، وما يتعلق بفروع ذلك، وحيث لا أثر لذلك كشف عن جواز التأخير. ومن ثم جرت السيرة القطعية علي ذلك بغير نكير، وكان أمراً مفروغاً عنه عند الفقهاء والمتشرعة.

هذا وقد استدل بعض مشايخنا علي عدم وجوب المبادرة بإخراج الخمس بأن المؤنة المستثناة لا تقتصر علي الضروريات التي لابد منها، بل تعمّ غيرها، كالهبة اللائقة بشأن المالك، والمستحبات مهما بلغت كلفتها، وحينئذ لو فرض العلم بعدم وقوع شيء منها فقد علم بثبوت الخمس في مقداره بظهور الربح بناء علي ما اختاره من كفاية عدم البذل في المؤنة بنحو الشرط المتأخر في ثبوت الخمس من أول الأمر.

لكن عدم صرف الربح في المؤنة المذكورة لا ينافي جواز صرفه فيها، لعدم توقف جواز الشيء علي وقوعه خارجاً، وحينئذ فجواز صرف الربح في المؤنة المذكورة في بقية السنة ورفع موضوع الخمس بذلك ملازم لجواز إبقاء الربح وعدم المبادرة بإخراج الخمس منه، للتهافت الواضح بين وجوب المبادرة بإخراج الخمس من الربح وجواز صرفه في المؤنة.

ويشكل بأن جواز الصرف في المؤنة كما ينافي بدواً وجوب المبادرة بإخراج الخمس ينافي أصل ثبوت الخمس الذي هو الموضوع لوجوب إخراجه، وكما أمكن رفع التنافي بين جواز الصرف في المؤنة وثبوت الخمس بإناطة ثبوت الخمس بعدم الصرف خارجاً بنحو الشرط المتأخر - لما ذكره من أن المشروط لا يصير مطلقاً وينقلب عما هو عليه بتحقق شرطه - أمكن رفع التنافي بين جواز الصرف المذكور

ص: 268

ووجوب المبادرة بإخراج الخمس بإناطة وجوب المبادرة بعدم الصرف خارجاً تبعاً لإناطة ثبوت الخمس بها.

ولذا لا إشكال في عدم التنافي لو صرح بذلك، كما لو قيل: يجوز إنفاق الربح في المؤنة في تمام السنة، لكن إذا كان الربح لا ينفق فيها ثبت فيه الخمس حين ظهور الربح ووجبت المبادرة بإخراجه حينئذٍ. فالمقام نظير الأمر الترتبي بالمهم المشروط بعصيان الأمر بالأهم، حيث يرتفع التنافي بينهما بالاشتراط المذكور.

ومن ثم لا ينبغي التأمل في إمكان الحكم بوجوب المبادرة بالنحو المذكور. غايته أن حمل الأدلة علي الشرط المتأخر وإن أمكن عقلاً لا يفهم من الأدلة عرفاً، لاحتياجه إلي عناية، وهو يقتضي عدم ثبوت الخمس بمجرد ظهور الربح، كما سبق منّا، لا عدم المبادرة بإخراجه مع ثبوته. فالعمدة في ثبوته بمجرد ظهور الربح وفي عدم وجوب التعجيل بإخراجه ماسبق.

هذا وقد ذكر في الجواهر أن مقتضي تعليلهم جواز التأخير بالاحتياط عدم جواز التصرف والاكتساب بالخمس، لكونه مال الغير. قال: نعم لو ضمنه وجعله في ذمته جاز له ذلك. لكن ليس في الأدلة هنا تعرض لبيان أن له ضمانه مطلقاً أو بشرط الملاءة، أو الاطمئنان من نفسه بالأداء أو غير ذلك، بل لا تعرض فيها لأصل الضمان. وجواز التأخير أعم من ذلك. بل هو أمانة في يده يجري عليه حكم الأمانات فتأمل.

لكن ملاحظة السيرة تشهد بجواز معاملة الربح قبل وقت أداء الخمس معاملة المال المملوك في جواز الاكتساب به وغيره من التصرفات. ولذا لا يهتم بضبط الربح وعزله في أثناء السنة، ولو كان اللازم التحفظ علي الخمس لكونه في حكم الأمانة للزم ضبط الربح والتحفظ علي الخمس، ولظهر ذلك، لاحتياجه إلي مزيد عناية، ولكثر السؤال عنه، وعما يتعلق به من الفروع، وحيث لا أثر لذلك فالمتعين كون الحكم علي طبق السيرة المشار إليها.

ص: 269

(270) (270)

فإذا أتلفه ضمن الخمس (1). وكذا إذا أسرف في صرفه (2). أو وهبه أو اشتري أو باع علي نحو المحاباة إذا لم يكونا لائقين بشأنه (3). وإذا علم أنه ليس عليه مؤنة في باقي السنة فالأحوط المبادرة في دفع الخمس وعدم التأخير

-

بل قد يدل علي جواز التكسب في الجملة ما في موثق أبي بصير من بيع فاكهة البستان بمائة درهم أو خمسين درهماً(1) ، وما في مصحح الريان من ثبوت الخمس في ثمن سمك وبردي وقصب(2) ، لأن الفائدة التي هي موضوع الخمس هي المثمن المزروع والمحاز. فتأمل.

(1) لعموم ضمان الإتلاف. ومجرد عدم وجوب عزل الربح وجواز التصرف فيه والتكسب به بمقتضي السيرة - كما تقدم - لا ينافي الضمان بعد اختصاص الاستثناء بالمؤنة، والمفروض خروج ذلك عنها. بل قد يدعي الضمان لو فرط في حفظ المال فأتلفه غيره، عملاً بضمان اليد. فلاحظ.

(2) بناء علي ما سبق منهم من قصور المؤنة المستثناة عن ذلك، وقد سبق منا الكلام فيه عند الكلام في تحديد المؤنة.

(3) أما إذا كانا لائقين بشأنه كانا من المؤنة المستثناة عندهم. لكن لما كانت المؤنة هي النفقة في شؤون الإنسان وحوائجه أشكل عموم صدقها علي الهبة والمعاملة المحاباتية اللائقة بشأن الإنسان.

ومن هنا ينبغي التفصيل فيها بين ما كان يجرّ نفعاً للمالك - كالهبة والمعاملة اللتين يتقرب بهما لله تعالي، أو يتحبب بهما للناس، أو يزداد بهما عزة وكرامة بينهم، أو يدفع الشر بهما عن نفسه أو نحو ذلك - وغيره مما لا يترتب عليه ذلك، بل ينشأ عن مجرد قلة الاهتمام بالمال، فلا يصدق علي الثاني المؤنة، ولا يدخل في الاستثناء، وإن كان لائقاً بالمالك.

اللهم إلا أن يخرج عن ذلك بالسيرة، لعدم بنائهم علي التقيد في ذلك. فتأمل.

********

(1و2) وسائل الشيعة ج: 6 باب: 8 من أبواب ما يجب فيه الخمس حديث: 10، 9

ص: 270

إلي آخر السنة (1).

-

(1) قال سيدنا المصنف (قدس سره) في توجيه ذلك: لكن القدر المتيقن من الإجماع غير هذه الصورة، وإن حكي عن المناهل ظهور عدم الخلاف في جواز التأخير حتي في هذه الصورة. لكن قد ينافيه تعليلهم بالاحتياط. اللهم إلا أن يكون المراد به الاحتياط النوعي. فتأمل جيداً. ولعله أشار بالأمر بالتأمل إلي أن احتمال ذلك لا يكفي في القطع بعموم الإجماع للصورة المذكورة، فضلاً عن كونه إجماعاً تعبدياً حجة يخرج به عن مقتضي الإطلاق. فيلزم التعجيل لعموم حرمة حبس الحق عن أهله.

ومثله في ذلك ما إذا كان الربح كثيرا يعلم بزيادته عن المؤنة، فان مقتضي ما تقدم تعجيل إخراج خمس المقدار المعلوم زيادته علي المؤنة.

لكن ملاحظة السيرة علي عدم الاهتمام بضبط المؤنة وبمعرفة الاحتياج لها وعدمه، ومعرفة وجود الزيادة في الربح عليها - خصوصاً مع أن مقتضي الاستصحاب عدم زيادة المؤنة - يوجب وضوح عموم عدم وجوب تعجيل إخراج الخمس للفرضين المذكورين. كما يشهد به أيضا صحيح ابن مهزيار الطويل الظاهر في أن المدار في إخراج الخمس علي السنة، لا علي عدم الاحتياج للمؤنة.

وأما صحيح البزنطي: كتبت إلي أبي جعفر (عليه السلام): الخمس أخرجه قبل المؤنة أم بعد المؤنة؟ فكتب: بعد المؤنة(1). فهو وارد لبيان استثناء المؤنة من الربح، نظير ما تضمن أن الميراث بعد الوصية والدين، لا لبيان زمان إخراج الخمس.

علي أنه لو كان وارداً لبيان زمان الإخراج فهو ظاهر في عدم وجوب تقديم إخراج الخمس علي المؤنة، ولا ظهور له في وجوب المبادرة إليه بعدها، لينافي ما تقدم. ولا أقل من تنزيله علي ذلك جمعاً مع صحيح ابن مهزيار. ولاسيما مع قرب تنزيله علي الغالب من عدم الاستغناء عن صرف المال في المؤنة في تمام السنة. فلاحظ(2).

********

(1) وسائل الشيعة ج: 6 باب: 12 من أبواب ما يجب فيه الخمس حديث: 1

(2) هذا آخر ما تيسر لنا تحريره مع تدريسه من كتاب الخمس في أواخر جمادي الآخرة سنة 1411 ه - في سجن أبي غريب، ثم انقطعنا عن ذلك بسب حرب الخليج في أول شهر رجب من السنة المذكورة وما تبعها من أحداث، ومنها خروجنا - بفضل الله تعالي ومنّه - من السجن إلي بيوتنا في أواخر شهر ذي القعدة الحرام من السنة المذكورة. واستمر انقطاعنا عن تحرير هذه المباحث حتي يوم الخميس الخامس عشر من شهر محرم الحرام سنة 1413 ه -، فرجعنا إلي تحريرها وتدريسها في النجف الأشرف بعد التوكل علي الله تعالي وطلب العون والتوفيق منه عز وجل. (منه عفي عنه)

ص: 271

(272)

(مسألة 49): إذا اتجر برأس ماله مراراً متعددة من السنة، فخسر في بعض تلك المعاملات وربح في الأخر، يجبر الخسران بالربح (1)،

فإن تساويا الخسران والربح فلا خمس، وإن زاد الربح وجب الخمس في الزيادة،

-

(1) قال في الدروس: ويجبر خسران التجارة والصناعة والزراعة بالربح في الحول، وفي كشف الغطاء: ولا يجبر خسران غير مال التجارة بالربح منها. والأحوط أن لا يجبر خسران تجارة بربح أخري، بل يقتصر علي التجارة الواحدة. بل جزم في الجواهر بعدم الجبر إلا في خسران بعض مال التجارة الواحدة وربح بعضه فقوي الجبر.

والذي ينبغي أن يقال: حيث كان موضوع الخمس هو الفائدة والربح ولا يستثني من ذلك إلا المؤنة التي لا تصدق علي الخسران، فالكلام في المقام يبتني علي كون الخسران مانعاً من صدق الربح وعدمه. ولا إشكال في عدم مانعيته منه لو كانت موارد الفوائد ملحوظة بنحو الانحلال، بان يلحظ كل مورد بحياله واستقلاله، لوضوح أن الخسران في بعضها لا ينافي صدق الربح في الآخر. بخلاف ما لو كانت ملحوظة بنحو المجموعية، ويكون تطبيق الربح بلحاظ ما يتبقي للمكلف ويصفو له، حيث يتعين حينئذٍ الجبر، ولا يصدق معه كلا الأمرين، بل أحدهما لا غير، أو لا يصدق شيء منهما.

هذا ولحاظها بالنحو الأول هو ظاهر جملة من النصوص، كحديث ابن شجاع فيمن بقي له ستون كراً من الحنطة مما أصاب من ضيعته(1) ، وخبر عبد الله بن سنان

********

(1) وسائل الشيعة ج: 6 باب: 8 من أبواب ما يجب فيه الخمس حديث: 2

ص: 272

المتضمن لثبوت الخمس علي الخياط يخيط القميص بخمسة دوانيق(1) ، ومصحح ابن الصلت المتضمن ثبوته في غلة الرحي وثمن سمك وبردي وقصب(2) ، وموثق أبي بصير المتضمن ثبوته في الهدية وفيما يبيعه من فاكهة بستان داره(3) ، وكذا صحيح ابن مهزيار المتضمن شرح الفوائد وبيان مصاديقها(4). لظهور الجميع في ثبوت الخمس في كل من هذه الفوائد بنفسها مع قطع النظر عن غيرها. وقد يستفاد من ذلك من غيرها بالتأمل.

لكن مقتضي ذلك وجوب الخمس وعدم جبر الربح للخسران مع تعدد المعاملة في أجزاء تكسب واحد، كمن تكسب بمتجر يتضمن أنواعاً من البضايع، فربح في بعضها وخسر في الآخر، أو ربح وخسر في بضاعتين من نوع واحد، كما لو اشتري حنطة مرتين فربح في إحداهما وخسر في الأخري. بل وكذا مع تعددها في أجزاء بضاعة واحدة، كما لو اشتري حنطة ثم باعها تدريجياً فربح في بيع بعض أجزائها وخسر في بيع الباقي.

ومن الظاهر تعسر ضبط موارد الربح والخسارة في ذلك، فلو كان البناء علي عدم الجبر فيه لزم الهرج والمرج وكثر السؤال والاستفسار، لشيوع الابتلاء، بذلك وحيث لا اثر لذلك في النصوص كشف عن ثبوت الجبر فيه، حيث يسهل ضبط الربح والخسران حينئذٍ بضبط راس المال وضبط المجموع بعد التكسب وملاحظة النسبة بينهما، كما عليه العمل عند المتشرعة.

ومن ثم كان ظاهر الأصحاب المفروغية عن ذلك، ولم ينقل الخلاف فيه، وإنما الخلاف مع تعدد أفراد التكسب من نوع واحد أو من أنواع متعددة مع استقلال كل منها في رأس المال وفي جهاز العمل. وذلك كاشف عن أن أخذ الغنم والربح والفائدة في موضوع الخمس ليس مبنياً علي لحاظ موضوعاتها بنحو الانحلال بل بنحو المجموعية، فالموضوع هو الفائدة المتحصلة من مجموع الموضوعات، وهو الصافي المتبقي في يد المكلف من أرباح السنة.

********

(1و2و3و4) وسائل الشيعة ج: 6 باب: 8 من أبواب ما يجب فيه الخمس حديث: 8، 9، 10، 5

ص: 273

وحينئذٍ يتعين البناء علي عموم جبر الربح للخسران لما إذا تعددت أفراد التكسب من نوع واحد أو من أنواع متعددة، لأن المستفاد من مجموع الأدلة كون ثبوت الخمس في فوائدها وأرباحها بلحاظ عموم وجوب الخمس في المغنم والفوائد المستفاد من الآية الشريفة وغيرها، حيث يلزم تنزيل العموم المذكور علي المجموعية بلحاظ ما سبق، من دون فرق بين أفراده، وليس ثبوت الخمس في كل منها بخصوصيته، ليمكن دعوي لحاظ المجموعية بين أجزاء كل فرد من نوع منها دون أفراده، أو بين أفراد كل نوع منها دون جميع الأنواع. كيف؟! ولازم عدم الجبر مع تعدد نوع التكسب عدمه فيما إذا تعدد نوع التكسب في موضوع واحد.

كما لو أنفق علي الزراعة ألف دينار، وحصل له ما قيمته ألفا دينار، ثم هبط سعر المزروع، فباعه بألف دينار. فإنه لا إشكال في صدق الربح في الزراعة علي نصف المزروع وإن تجددت الخسارة في البيع بعد ذلك، فلو بني علي عدم الجبر مع تعدد نوع التكسب لزم البناء علي ثبوت الخمس في نصف المزروع، المستلزم لثبوت الخمس في ثمنه، وهو خمسمائة دينار، ولا يظن منهم البناء علي ذلك.

علي أن ما ذكرنا من لحاظ المجموعية هو المناسب لما تقدم من استثناء مؤنة تحصيل الربح والفائدة، الذي تقدم ظهور المفروغية عنه بين الأصحاب. لوضوح أن الاستثناء المذكور إنما يتجه لو كان المراد من الغنم والفائدة ما يصفو للمكلف ويبقي له، أما لو كان المراد به حصول الشيء في الملك من دون مقابل فهو يصدق علي جميع الربح، ولا مجال للاستثناء.

واحتمال استفادة الاستثناء المذكور من دليل تعبدي خاص - من إجماع أو غيره

علي خلاف مقتضي العموم المذكور بعيد جداً، بل هو كالمقطوع بعدمه، كما يظهر بأدني تأمل. علي أنه لو فرض قيام الدليل الخاص علي ذلك فهو كاشف عرفاً عن لحاظ الربح الذي هو موضوع الخمس في العمومات بالنحو المذكور.

ومن هنا يتعين تنزيل النصوص المتقدمة الظاهرة في جعل الفوائد الخاصة

ص: 274

موضوعاً للخمس بنحو الانحلال علي بيان موضوع الخمس اقتضاء، لإتمام موضوعه وما هو العلة التامة له.

ثم انه يظهر من بعض مشايخنا أن الوجه في الجبر هو أن مقتضي جواز تأخير الخمس إلي آخر السنة احتياطاً للمؤنة كون تعلق الخمس بالربح من حين ظهوره مشروطاً بنحو الشرط المتأخر بعدم صرفه في المؤنة، فمع صرفه فيها في أثناء السنة ينكشف عدم ثبوته في الربح من أول الأمر، ولازم ذلك حسب الفهم العرفي أن موضوع وجوب الخمس هو الربح الباقي، ولا يكفي فيه مجرد الحدوث، ومع عروض الخسران لا ربح بقاءً، بل كان له ربح وقد زال، وكان مرخصاً في التأخير لأجل المؤنة فرضاً، فلا موضوع للخمس.

لكنه يشكل بأن موضوع الخمس إن كان هو الربح الملحوظ بنحو المجموعية فبالخسران ينكشف أنه لا ربح من أول الأمر، وإن كان هو الربح الملحوظ بنحو الانحلال فعروض الخسران في المعاملات اللاحقة لا يوجب زواله. وعدم وجوب الخمس مع صرفه المؤنة ليس لزواله، بل لاستثناء المؤنة، ومن المعلوم أن الخسران ليس من المؤنة، فيتعين ثبوت الخمس معه، كما لو صرف الربح في غير المؤنة ولذا التزم بضمان الخمس لو فرط في الربح بإتلاف أو إسراف. فالعمدة ما ذكرنا.

هذا وحيث سبق في المسألة الرابعة والثلاثين تحديد سنة الأرباح، وأن مبدأ السنة الأولي هو ظهور الربح، وعليه تجري السنين اللاحقة، فيكون مبدؤها هو زمان ظهور الربح في السنة الأولي، فالمتعين كون المعيار في موضوع الخمس علي الصافي من مجموع الأرباح فيها، ومقتضي ذلك جبر الربح للخسران فيها مطلقاً، حتي إذا كان الخسران سابقاً علي الربح، كما هو الحال في استثناء المؤن حيث سبق استثناء مؤن السنة من ربحها حتي السابقة منها علي حصوله، فإن المقامين من باب واحد. فلاحظ والله سبحانه وتعالي العالم.

ص: 275

وإن زاد الخسران علي الربح فلا خمس، وصار رأس ماله في السنة اللاحقة أقل مما كان في السنة السابقة (1). وكذا يجبر الخسران بالربح فيما إذا وزع رأس المال علي تجارات متعددة (2)، كما إذا اشتري ببعضه حنطة، وببعضه سمناً، فخسر في أحدهما وربح في الآخر، بل الظاهر الجبران مع اختلاف نوع التكسب (3)، كما إذا اتجر ببعض رأس المال وزرع بالبعض الآخر، فخسر في التجارة وربح في الزراعة. وكذا الحكم فيما إذا تلف بعض رأس المال (4)،

-

(1) ويكون الأقل هو المعيار في الربح والخسارة في السنة اللاحقة. ولا يجبر الربح في السنة اللاحقة خسارة السنة السابقة، لأن المستفاد من صحيح ابن مهزيار الطويل ونصوص المؤنة المحمولة علي مؤنة السنة اللاحقة كون موضوع الخمس في كل سنة ربحها، وتحقق الخسارة في السنة السابقة لا يمنع من نسبة ربح السنة لها، فيتعين ثبوت الخمس فيه.

(2) لما سبق من ظهور الأدلة في لحاظ المجموعية بلحاظ جميع الفوائد من دون ملاحظة خصوصيات أفرادها وأنواعها.

(3) كما يظهر وجهه ما تقدم.

(4) كأنه لعدم صدق الربح بالمعني المتقدم مع تلف رأس المال، كما لا يصدق مع الخسران. لكن يفرق بينهما بأن تضاد الخسران والربح عرفاً مانع من صدقهما معاً مع لحاظ المجموعية، بل يكون الربح هو الصافي لا غير، بخلاف التلف والربح، فإنه لا تضاد بينهما، فتلف راس المال لا ينافي صدق الربح حتي مع لحاظ المجموعية.

غاية الأمر أن التلف إن كان من خصوص رأس المال تعين ثبوت خمس تمام الربح، وإن كان من مجموع المال المشتمل علي الربح تعين ثبوت الخمس في الباقي من الربح بعد استثناء الخسران منه بالنسبة - مع عدم التفريط في التلف - دون الخسران من رأس المال. فإذا كان رأس المال مائة والربح مائة ثم تلف النصف من كل منهما وصفي

ص: 276

أو صرفه في نفقاته (1)، كما هو الغالب في أهل مخازن التجارة، فإنهم يصرفون من الدخل قبل أن يظهر الربح (2)، وربما يظهر في آخر السنة، فيجبر التلف بالربح في جميع الصور المذكورة. بل إذا أنفق من ماله غير مال التجارة قبل حصول الربح، كما يتفق كثيراً لأهل الزراعة (3)، فإنهم ينفقون لمؤنتهم من أموالهم (4)

-

له مائة، تعين البناء علي تخميس خمسين، لأنه الباقي من الربح، من دون أن يجبر به تلف رأس المال، كي لا يجب الخمس أصلاً. ولعله لذا خص في الجواهر الجبران في أبعاض التجارة الواحدة بالخسران دون التلف.

اللهم إلا أن يقال: لما كان مرجع لحاظ المجموعية إلي حمل الغنم والربح والفائدة علي ما يتبقي للمكلف ويكون هو الصافي عنده، فكما يمكن حمله علي الباقي والصافي بلحاظ خصوص أسباب الاكتساب والاستفادة، ليختص الجبر بالخسران، ولا يعم تلف رأس المال، يمكن حمله علي الصافي بلحاظ مطلق ما بيد المكلف وما يملكه، فيعم الجبر للتلف المذكور، والثاني هو الأقرب ارتكازاً، والأنسب بالسيرة. ولاسيما مع صعوبة ضبط التلف من رأس المال في طول السنة نوعاً.

ولا أقل من الشك والرجوع للأصل القاضي بعدم ثبوت الخمس بعد عدم إمكان التمسك بعموم أدلته، لرجوع الشك في ذلك للشك في مفهوم الموضوع، ودورانه بين الأقل والأكثر. فلاحظ.

(1) لما سبق في ذيل المسألة السابعة والثلاثين من عدم الفرق في استثناء المؤنة من الربح بين الأنفاق عليها منه أو من مال آخر. فراجع.

(2) كما أشرنا إلي ذلك في ذيل المسألة المذكورة.

(3) بل حتي لأهل التجارة، إذ كثيراً ما يعزلون مال التجارة لضبط إرباحهم، وينفقون علي مؤنهم من مال آخر.

(4) وإن لم يكن لهم مال اقترضوا لمؤنتهم بأمل الوفاء بعد ظهور ناتج الزرع.

ص: 277

قبل حصول النتائج، جاز له أن يجبر ذلك من نتائج الزرع عند حصوله، وليس عليه خمس ما يساوي المؤن التي صرفها، وإنما عليه خمس الزائد لا غير. وكذلك أهل المواشي، فإنه إذا خمس موجوداته في آخر السنة، وفي السنة الثانية باع بعضها لمؤنته أو مات بعضها أو سرق، فإنه يجبر جميع ذلك بالنتاج الحاصل في السنة الثانية، ففي آخر السنة يجبر النقص الوارد علي الأمهات بقيمة السخال المتولدة، فإنه يضم السخال إلي أرباحه في تلك السنة (1) من الصوف واللبن والسمن وغير ذلك، فيجبر النقص، ويخمس ما زاد علي الجبر (2)، فإذا لم يحصل الجبر إلا بقيمة جميع السخال مع أرباحه الأخري لم يكن عليه خمس في تلك السنة (3) إما إذا تلف بعض أمواله مما ليس من مال التكسب - كما إذا انهدمت دار غلته (4) - ففي الجبر حينئذٍ

-

(1) لأن السخال من جملة الأرباح، والجبر يكون من مجموع الأرباح من دون مرجح لبعضها.

(2) لما سبق من أن موضوع الخمس هو الصافي من الربح. ولو لم يف الناتج بجبر الخسائر والتلف تعين نقص رأس المال في السنة اللاحقة، نظير ما تقدم في أوائل هذه المسألة.

(3) لعدم الربح في الحقيقة.

(4) وهي الدار التي يستغلها لاكتساب أجرتها من دون أن تكون مسكناً له ومؤنة. ومثلها ما يتخذه لشؤون عمله وكسبه، كالدكان والمخزن وآلات العمل وغيرها. لكن هذا داخل في جبر تلف بعض أنواع التكسب بربح بعضها، الذي تقدم الكلام فيه. ولعل الأولي التمثيل بتلف الدار والأعيان المتخذة للاقتناء من دون أن تكون مؤنة ولا من شؤون التكسب والعمل.

ص: 278

إشكال (1). وكذا إذا انهدمت دار سكناه (2). إلا أن يعمرها (3) فيكون تعميرها من المؤن المستثناة (4)،

-

(1) بل عن شيخنا الأعظم (قدس سره) القطع بعدم الجبر، وجري عليه غير واحد ممن تأخر عنه، مع بنائهم علي الجبر في بعض الفروض السابقة. وكأن منشأ الأشكال في الجبر هنا مع البناء عليه في تلف رأس المال هو الفرق بين الموردين بأن التالف في المقام خارج عن موضوع الاكتساب وأجنبي عنه، فلا ينافي صدق الربح الذي هو بمعني الباقي للمكلف بلحاظ مجموع أفراد التكسب، بخلاف تلف رأس المال.

لكنه يندفع بأنه بعد أن كان المراد من الربح هو الباقي للمكلف، فكما يمكن لحاظه بالإضافة إلي خصوص أنواع الاستفادة والتكسب، المستلزم لعدم جبر الربح لتلف رأس المال، أو ما يعم خصوص رأس المال المستلزم لجبر الربح لتلف رأس المال دون غيره من الأموال الخارجة عن التكسب، كذلك يمكن لحاظه بالإضافة إلي جميع ما يملكه المكلف المستلزم لجبر الربح لمطلق التلف ولو في غير رأس المال. وحينئذٍ يكون المورد من موارد إجمال موضوع الخمس المستلزم للاقتصار فيه علي الأقل، والرجوع في مورد الشك للأصل المقتضي لعدم ثبوت الخمس. نظير ما سبق في تلف رأس المال.

غاية الأمر أنه يفترق عنه بأن جبر رأس المال هو الأنسب بالسيرة بسبب صعوبة ضبط تلف رأس المال، بخلاف تلف غيره مما هو خارج عن موضوع التكسب حيث يسهل ضبطه. لكنه ليس مهماً بعد عموم جريان الأصل للموردين، وعدم وضوح المخرج عنه في المقام.

(2) لعين ما سبق.

(3) يعني: قبل حلول رأس سنته.

(4) حيث لا أشكال في خروجها من الربح، حتي لو زادت قيمتها عما كانت

ص: 279

(280)

وإن كان الأظهر الجبر أيضاً في الفرضين معاً (1).

(مسألة 50): الخمس بجميع أقسامه متعلق بالعين (2) تعلق الحق بموضوعه (3).

-

عليه قبل الانهدام. لكن لابد من انتفاعه بالتعمير واستغلاله له قبل حلول رأس السنة، وإلا لم يكن من المؤنة المستثناة، بل يكون من الأرباح. ويبقي استثناء نقص انهدام الدار مبتنياً علي الكلام في هذه المسألة.

(1) كما يظهر وجهه ما تقدم.

(2) قال سيدنا المصنف (قدس سره): بلا خلاف ظاهر، بل المظنون عدم الخلاف فيه، كما في رسالة شيخنا الأعظم (قدس سره). ويقتضيه ظاهر إضافة الخمس للعين في الآية الشريفة وجمله من النصوص. وكذا النصوص الكثيرة المتضمنة وجوب الخمس أو ثبوته علي العين أو فيها، ومنها ما تضمن حرمة الفروج وغيرها من الأموال بسب الخمس، وأنها إنما تحل للشيعة بتحليل الأئمة (عليهم السلام) لهم، إذ لولا تعلق الخمس بالعين لم تحرم.

نعم تضمن بعض النصوص التعبير بأن الخمس علي المكلف، كصحيح أبي عبيدة الحذاء: سمعت أبا جعفر (عليه السلام) يقول: أيما ذمي اشتري من مسلم أرضاً فإن عليه الخمس(1) حيث قد يستظهر منه انشغال ذمته به.

لكنه لا ينافي ثبوته في العين، ليخرج به عما سبق. غايته أن مقتضي إطلاقه انشغال ذمته به وإن لم يكن المال تحت يده، بخلاف ما سبق، فإنه لا يقتضي انشغال ذمته به إلا إذا كان المال تحت يده، حيث يكون مضموناً بضمان اليد. وهو أمر آخر. بل لا يبعد تنزيل الصحيح المذكور ونحوه علي ذلك، لقرب ابتنائه علي الغالب من كون العين تحت اليد.

(3) كأن مراده به أن يكون الخمس حقاً ثابتاً في المال خارجاً عنه، كثبوت حق

********

(1) وسائل الشيعة ج: 6 باب: 9 من أبواب ما يجب فيه الخمس حديث: 1

ص: 280

الرهانه، وليس جزءاً مشاعاً فيه ليستلزم الشركة، ولا كلياً قائماً به، كالصاع في الصبرة.

وقد استدل (قدس سره) علي ذلك بما تضمن ثبوت الخمس في المال، كصحيح زرارة عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: سألته عن المعادن ما فيها؟ فقال: كل ما كان ركازاً ففيه الخمس...(1) ، وغيره، بدعوي: أن جعله مظروفاً للعين يناسب جداً - بقرينة ظهور تباين الظرف والمظروف - أن يكون المراد به مقداراً من المال يساوي الخمس قائماً في العين نحو قيام الحق بموضوعه.

وكذا ما تضمن إبدال حرف الظرفية بحرف الاستعلاء، كصحيح محمدبن مسلم عنه (عليه السلام): سألته عن معادن الذهب والفضة والصفر والحديد والرصاص فقال: عليها الخمس جميعاً(2) ، وغيره، لظهوره في كون الخمس حقاً مفروضاً علي العين.

وقد أيد (قدس سره) ذلك بما قواه (قدس سره) من حمل أدلة الزكاة علي ذلك، وبمعتبر أبي بصير عنه (عليه السلام) في حديث: قال: لا يحل لأحد أن يشتري من الخمس شيئاً حتي يصل إلينا حقنا(3) ، بدعوي: ظهوره في عدم حلّ المال المشتري من الخمس إلا بعد أداء الخمس، مع أنه لو كان بنحو الكلي في المعين يتعين نفوذ البيع وحلّ المال ما لم يتضيق الحق، بأن لا يبقي من موضوع الحق حين البيع إلا ما به وفاؤه، ولو كان بنحو الشركة لكان اللازم عدم نفوذ البيع في حصة الشريك إلا بإجازته، وأداء البايع لقيمة الخمس إنما توجب ملكه لها حينئذٍ، وهو لا يقتضي نفوذ بيعها السابق علي ذلك بناء علي بطلان بيع من باع شيئاً ثم ملكه.

ويشكل ما ذكره بأن مباينة الظرف للمظروف ليست بنحو تجعل الحمل علي الجزء المشاع مخالفاً للظاهر، لشيوع إطلاق نسبة الظرفية بين الجزء والكل عرفاً بلحاظ التباين بينهما مفهوماً واشتمال الكل علي الجزء. ولاسيما مع كون المظروف في المقام هو الخمس الذي يراد منه خمس العين، لا خمس المالية، كما هو صريح جملة من الأدلة،

********

(1و2) وسائل الشيعة ج: 6 باب: 3 من أبواب ما يجب فيه الخمس حديث: 3، 1

(3) وسائل الشيعة ج: 6 باب: 1 من أبواب ما يجب فيه الخمس، حديث: 4

ص: 281

وظاهر جملة أخري منها، بسبب تعريف الخمس باللام الظاهرة في العهد الذهني المنصرف لخمس العين، حيث لا يتعقل العرف مع ذلك كونه حقاً مبايناً للعين قائماً بها نحو قيام حق الرهانة بموضوعه، بل لا يفهم من ذلك إلا الإشاعة.

كما أن نسبة الاستعلاء في المقام - التي تضمنتها بعض النصوص - إنما تصدق بلحاظ كون الخمس مفروضاً في العين، من دون نظر إلي كيفية جعله وتعلقه بها. بل بعد كون الخمس جزاءً من العين يتعين فهم الإشاعة منه.

كما لا مجال لقياس المقام بالزكاة بعد اختلاف لسان الجعل في المقامين. ولاسيما مع كون الحق الزكوي مبايناً للعين في بعض الموارد، كالشاة في خمس الإبل.

وأما معتبر أبي بصير فهو ظاهر في عدم صحة شراء الشيء، الذي فيه الخمس قبل أداء الخمس، بنحو يظهر في عدم صحته بتمامه علي النحو الذي يتضمنه العقد، من دون نظر لصحته في بعض أجزائه وعدمه لينافي الإشاعة، كما لا ظهور له في عدم نفوذ البيع لو وقع قبل أداء الخمس، إلا بعد أداء الخمس من القيمة، ليبتني نفوذه بعد أدائه علي صحة بيع من باع شيئاً ثم ملكه. علي أن إباء القواعد العامة صحة البيع المذكور - لو تم - لا ينافي دلالة المعتبر المذكور عليه في المقام، بنحو يكون مخصصاً للقواعد المذكورة أو حاكماً عليها.

هذا كله مع أن ما ذكره (قدس سره) من الاستدلال - لو تم في نفسه - لا ينهض بالخروج عن الأدلة الكثيرة المتضمنة للحكم بأن خمس العين لأربابه التي هي صريحة أو كالصريحة في الإشاعة.

بل هو لا يناسب قولهم (عليهم السلام): والله لقد يسّر الله علي المؤمنين أرزاقهم بخمسة دراهم، جعلوا لربهم واحداً، وأكلوا أربعة أحلاء(1) ، وقوله (عليه السلام) في خبر عبد الله بن سنان: حتي الخياط ليخيط قميصاً بخمسة دوانيق فلنا منه دانق(2). ومن ثم كان

********

(1) وسائل الشيعة ج: 6 باب: 1 من أبواب ما يجب فيه الخمس حديث: 6

(2) وسائل الشيعة ج: 6 باب: 8 من أبواب ما يجب فيه الخمس حديث: 8

ص: 282

ويتخير المالك بين دفع العين ودفع القيمة (1)

-

تنزيل الأدلة التي ذكرها علي مضمون هذه الأدلة أهون كثيراً من العكس. ولاسيما الآية الشريفة التي هي الأصل في تشريع الخمس، لأن المنصرف من جميع أدلة الخمس الجري علي مضمونها والإشارة إليها.

ومثله في ذلك ما في العروة الوثقي من ثبوت الخمس في العين بنحو الكلي في المعين، فانه وإن كان مقتضي الجمود علي لسان الحديثين المتقدمين، إلا أن التعبير عن الإشاعة باللسان المذكور مقبول عرفاً، بحيث لا يبعد ظهوره فيها. ولا أقل من لزوم تنزيله عليها بقرينة الأدلة المتقدمة، وخصوصاً الآية الشريفة التي هي الأصل في تشريع الخمس، بحيث يظهر من النصوص الجري عليها والإشارة لمضمونها.

بل هو لا يناسب معتبر أبي بصير المتقدم، بناءً علي ما هو الظاهر من أن المراد به الشراء من المال الذي فيه الخمس، لا من نفس الخمس وإن كان هو مقتضي الجمود علي لفظه، لظهور أن الخمس لا يتعين كي يشتري منه إلا بقبضهم (عليهم السلام) له، ومع قبضهم له يكون الشراء منهم (عليهم السلام)، ولا يحتاج إلي محلل. ولظهور قوله (عليه السلام): حتي يصل إلينا حقنا في أن المحلل للشراء من المال هو دفع حقهم منه لهم (عليهم السلام)، لا دفع المال كله لهم والشراء منهم (عليهم السلام). وحينئذٍ لا يكون المعتبر المذكور مناسباً لتعلق الخمس بالعين بنحو الكلي في المعين، لما تقدم من سيدنا المصنف (قدس سره) من جواز الشراء معه حتي يتضيق الحق.

ومن هنا يتعين البناء علي أن الخمس يثبت في العين بنحو الإشاعة، كما هو المنصرف من كلام الأصحاب (رضوان الله تعالي عليهم).

(1) قال سيدنا المصنف (قدس سره): كما استظهره شيخنا الأعظم (قدس سره) حاكياً التصريح به عن بعض، مستظهراً من حاشية المدقق الخونساري نسبته إلي مذهب الأصحاب. ولعله كذلك، ويكون عدم التعرض له في كلام الأكثر مع كثرة الابتلاء

ص: 283

به اعتماداً علي ما ذكروه في الزكاة، لبنائهم علي إلحاق الخمس بها في كثير من الأحكام. لكن لم يتضح عموم إلحاق الخمس بالزكاة في الأحكام.

وقد استدل عليه بعض مشايخنا في المقام بإطلاق صحيحة البرقي: كتبت إلي أبي جعفر الثاني (عليه السلام): هل يجوز أن أخرج عما يجب في الحرث من الحنطة والشعير وما يجب علي الذهب دراهم قيمة [بقيمة. فقيه] ما يسوي، أم لا يجوز إلا يخرج عن كل شيء ما فيه؟ فأجاب (عليه السلام): أيما تيسر يخرج(1) ، بدعوي: ان ما يجب في الحرث بعد التقييد بالحنطة والشعير وإن كان ظاهراً في الزكاة. لكن ما يجب في الذهب مطلق يشمل الخمس أيضاً. علي أنه لو فرض اختصاصه بالزكاة إلا أنه لا ينبغي التأمل في أن ذكر السائل له ليس لخصوصيتها بنظره، وليس هو كذكره في كلام الإمام (عليه السلام)، حيث يحتمل معه خصوصيته بنظره الشريف لأمر تعبدي.

ويشكل بأنه لا مجال لظهور الصحيح في الإطلاق بالإضافة إلي الذهب بعد سوقه في سياق الحنطة والشعير الذي اعترف بظهوره في خصوص الزكاة فيهما. ولاسيما مع شيوع ثبوت الزكاة في الذهب عند المتشرعة ومأنوسية أذهانهم بذلك، دون الخمس، كما يناسبه كثرة نصوصه فيها دونه، ومع خصوصية عنوانه في ثبوتها، وليس كالخمس الذي يثبت فيه بما أنه مال مستفاد من دون خصوصية له ولا لغيره.

ومجرد عدم خصوصية الزكاة في الحكم بنظر السائل - لو تم - لا أثر له في فهم الإطلاق ما لم يرجع إلي إلغاء خصوصيته عرفاً، الراجع إلي فهمهم عدم الخصوصية من الكلام، ولا مجال لدعواه في المقام. وحينئذٍ لا فرق بين ذكر المورد في كلام السائل وذكره في كلام الإمام، وإنما قد يفترقان في ظهور ذكر القيد في كلام الإمام في الحصر، بخلافه في كلام السائل. وليس هو مورد الكلام، وإنما الكلام في فهم الإطلاق. ومن ثم لا مجال للاستدلال بالصحيح.

ومثله صحيح إسحاق بن عمار: قلت لأبي عبد الله (عليه السلام): جعلت فداك م

********

(1) وسائل الشيعة ج: 6 باب: 9 من أبواب زكاة الغلات حديث: 1

ص: 284

(285)

تقول في الفطرة يجوز أن أؤديها فضة بقيمة هذه الأشياء التي سميتها؟ قال: نعم إن ذلك أنفع له، يشتري ما يريد (1) . حيث قد يدعي أن مقتضي التعليل في ذيله التعدي للمقام. لكن لم يتضح ورود ذيله مورد التعليل، بل مجرد الترغيب. ولذا ليس بناؤهم علي التعدي منه لغير المقام، كالفدية والكفارات وغيرها.

ولعل الأولي الاستئناس للحكم بما في حسن مسمع بن عبد الملك أو صحيحه: قلت لأبي عبد الله (عليه السلام): إني كنت وليت الغوص، فأصبت أربعمائة ألف درهم، وقد جئت بخمسها ثمانين ألف درهم، وكرهت أن أحبسها عنك وأعرض لها، وهي حقك الذي جعل الله تعالي لك في أموالنا فقال: ومالنا من الأرض وما أخرج الله منها إلا الخمس؟! يا أبا سيار الأرض كلها لنا...(2).

وخبر الحرث بن حصيرة الأزدي قال: وجد رجل ركازاً علي عهد أمير المؤمنين (عليه السلام) فابتاعه أبي منه بثلاثمائة درهم ومائة شاة متبع، فلامته أمي... فأخذ أبي الركاز وأخرج منه قيمة ألف شاة، فأتاه الآخر فقال: خذ غنمك وآتني ما شئت فأبي، فعالجه فأعياه، فقال: لأضرن بك، فاستعدي أمير المؤمنين (عليه السلام) علي أبي، فلما قص أبي علي أمير المؤمنين (عليه السلام) أمره قال لصاحب الركاز: أدّ خمس ما أخذت، فان الخمس عليك، فإنك أنت الذي وجدت الركاز، وليس علي الآخر شيء، لأنه إنما أخذ ثمن غنمه(3). لصراحتهما في الاكتفاء بقيمة الغوص والكنز.

ومصحح الريان بن الصلت المتضمن ثبوت الخمس في ثمن سمك وقصب وبردي(4) ، وموثق أبي بصير المتضمن ثبوت الخمس فيما يبيعه من فاكهة البستان(5) ، لوضوح أن الفائدة التي يجب فيها الخمس فيهما هي المبيع.

ويؤيدها صحيح محمد بن أبي عمير عن الحكم بن علباء الأسدي، قال في

********

(1) وسائل الشيعة ج: 6 باب: 9 من أبواب زكاة الفطرة حديث: 6

(2) وسائل الشيعة ج: 6 باب: 4 من أبواب الأنفال حديث: 12

(3) وسائل الشيعة ج: 6 باب: 6 من أبواب ما يجب فيه الخمس حديث: 1

(4) وسائل الشيعة ج: 6 باب: 8 من أبواب ما يجب فيه الخمس حديث: 9، 10

(5) وسائل الشيعة ج: 6 باب: 8 من أبواب ما يجب فيه الخمس حديث: 9، 10

ص: 285

حديث: فدخلت علي أبي جعفر (عليه السلام) فقلت له: إني وليت البحرين، فأصبت بها مالاً كثيراً، واشتريت متاعاً، واشتريت رقيقاً، واشتريت أمهات أولاد، وولد لي، وأنفقت، وهذا خمس ذلك المال، وهؤلاء أمهات أولادي ونسائي قد أتيتك به. فقال: أما إنه كله لنا، وقد قبلت ما جئت به. وقد حللتك من أمهات أولادك ونسائك وما أنفقت، وضمنت لك عليّ وعلي أبي الجنة(1). لظهوره في طول المدة بين تحصيل المال ودفع الخمس، ومن البعيد جداً مع ذلك بقاء عين المال المكتسب ودفع الخمس منه.

اللهم إلا أن يقال: لا دلالة في هذه النصوص علي جواز دفع القيمة مع بقاء العين في ملك المالك، بل ظاهر حديث مسمع انتقال الخمس للثمن بعد بيع العين بتمامها، وظاهر خبر الحرث ضمان المالك للخمس لو باع العين.

ومثله المصحح والموثق. علي أنهما واردان في الفوائد التي يجب فيها الخمس بعد المؤنة، ولا إشكال في جواز التصرف فيها في أثناء السنة بالبيع من أجل الإنفاق في المؤنة، والاكتفاء بالثمن في خمسها حينئذٍ، وإنما الكلام في الاكتفاء بقيمة الموجود بعد استيفاء المؤنة وانتهاء السنة، واستقرار الخمس في العين.

وأما الصحيح فهو - لو تم وجه الاستشهاد به - إنما يقتضي ضمان المالك الخمس لو أتلف تمام العين. ومن ثم يشكل استفادة الحكم من النصوص.

فالعمدة في المقام أن الفائدة بعينها قد لا تقبل القسمة، أو يصعب مع المحافظة علي أعيانها ضبط الخمس منها، أو معرفة بلوغها نصاب الخمس في مورد اعتباره فيه، أو لا ينتفع بها أرباب الحق، أو يقل انتفاعهم بها، فلو لا المفروغية عن جواز دفع القيمة للزم الهرج والمرج وكثر السؤال والاستفسار عن ذلك وعن فروعه، ولا أثر لذلك في النصوص، بل ولا في كلام الأصحاب، وهو كافٍ في البناء علي جواز دفع القيمة.

لكن المتيقن من ذلك ما إذا لم يكن دفع العين أنفع لأرباب الحق. بل يشكل جواز دفع القيمة من غير النقود الرائجة في المعاملة، لخروجه عن المتيقن من الدليل

********

(1) وسائل الشيعة ج: 6 باب: 1 من أبواب الأنفال حديث: 13

ص: 286

(287)

ولا يجوز له التصرف في العين بعد انتهاء السنة قبل أدائه (1).

-

المتقدم. نعم يجوز ذلك بإذن الحاكم الشرعي، بناءً علي ولايته ولو حسبة فيما لو كان صلاحاً لأرباب الخمس، وأحرز رضا الإمام (عليه السلام) بالتبديل. فلاحظ.

هذا كله في غير خمس الأرض التي اشتراها الذمي من المسلم، وأما الخمس المذكور فقد تقدم من سيدنا المصنف (قدس سره) تخيير المشتري بين دفع العين ودفع القيمة - كما ذكره هنا في استدلاله - ومن غيره تخيير ولي الخمس بين أخذ أحد الأمرين.

ولا يبعد إلزام الذمي بدفع القيمة، لأن خمس عين الأرض المشتراة كثيراً ما يصعب تحديده، بسبب اختلاف أجزاء الأرض الواحدة في الأهمية والقيمة، أو بسبب عدم قابلية الأرض للقسمة، وذلك يناسب جداً كون الخمس المفروض هو خمس القيمة، حيث يكون أنسب بمقام العمل.

ولعل ذلك كافٍ في القرينة علي حمل إطلاق النص عليها. ولاسيما مع ورود النص به وحده، لا في سياق غيره من أقسام الخمس كي يصعب التفكيك بينها. فتأمل.

كما أن دفع القيمة لا يوجب استحقاق الخمس في خمس الأرض. أما إذا كان الثابت ابتداءً هو القيمة فظاهر. وأما إذا كان الثابت ابتداءً هو خمس العين، والقيمة بدل عنه اختياراً فلأن البدلية المذكورة ليست من سنخ الشراء عرفاً، ليكون موضوعاً للخمس. ولا أقل من انصراف إطلاق الشراء في النص عنه. وأظهر من ذلك ما إذا كانت البدلية إلزامية، لأن ثبوت الخمس في الخمس يستلزم التسلسل المعلوم عدمه في المقام.

(1) لمنافاته لمقتضي الحق الثابت في المال. بل سبق في أواخر المسألة الثامنة والأربعين من الجواهر المنع لأجل ذلك من التصرف فيه في أثناء السنة بناء علي ثبوت الخمس بمجرد ظهور الربح. لكن سبق ضعفه. فالأشكال إنما هو في التصرف بعد السنة وانتهاء المؤنة واستقرار الخمس في المال. وكذا فيما لا تستثني منه المؤنة، كالكنز.

ص: 287

وربما يدعي جواز التصرف مع ضمان المالك للخمس. لكنه موقوف علي ولاية المالك علي نقل الخمس من عين المال إلي ذمته. وهي غير ثابتة. ولاسيما بملاحظة معتبر أبي بصير عن أبي جعفر (عليه السلام): قال لا يحل لأحد أن يشتري من الخمس شيئاً حتي يصل إلينا حقنا(1) ، لظهوره في أن المعيار في الحل علي وصول الحق، لا علي ضمانه.

نعم بناءً علي ما سبق من ثبوت الخمس في العين بنحو الإشاعة يجوز لصاحب العين بيع حصته منها علي إشاعتها مع بقاء الخمس فيها كذلك، لأنه مقتضي سلطنته، كسائر موارد الشركة. غاية الأمر أنه لا يجوز له تسليم العين، لعدم ولايته علي تسليم حصة الخمس لغير أهله. وعليه يحمل معتبر أبي بصير المتقدم، كما يحمل سائر ما تضمن عدم جواز استقلال أحد الشريكين بالتصرف. إلا أن يأذن ولي الخمس بالتسليم، فيجوز حينئذٍ.

هذا وقد صرح في الجواهر بجواز بيع المعدن قبل أداء الخمس، وأن له ضمانه قبل البيع علي أن يؤديه من مال آخر، وظاهره أنه مع عدم الضمان ينتقل الخمس للثمن. لكن عرفت عدم الدليل علي ولاية المالك علي الضمان. وأن التصرف في العين بالبيع ونحوه مناف لثبوت الحق فيها.

نعم لا يبعد قيام السيرة علي بيع المعدن والغوص والكنز، وتسليمها للمشتري من دون استئذان الولي، لغلبة صعوبة تسليم خمس العين فيها، لعدم تيسر قسمتها، أو معرفة نسبة قيم أجزائها بعضها إلي بعض، أو لكونه أرفق بالحق، لعدم انتفاع أربابه بالعين ونحو ذلك. كما يناسبه في الجملة ما تقدم في حديثي مسمع بن عبد الملك في الغوص والحرث بن حصيرة الأزدي في الركاز.

بل لا يبعد ذلك في بقية أقسام الخمس لو كانت كذلك، لقرب عموم السيرة لها. وإلغاء خصوصية مورد الحديثين المذكورين.

وإن كان المتيقن من ذلك ما إذا ابتني البيع علي أن يكون مقدمة لإيصال الحق

********

(1) وسائل الشيعة ج: 6 باب: 1 من أبواب ما يجب فيه الخمس حديث: 4

ص: 288

(289)

وإذا ضمنه في ذمته بإذن الحاكم الشرعي صح (1) ويسقط الحق من العين (2) فيجوز التصرف فيها (3).

-

من الثمن. وأما معتبر أبي بصير ونحوه مما تضمن عدم جواز الشراء من الخمس فهو محمول بقرينة نصوص تحليل الخمس للشيعة علي شراء غير الشيعة لما فيه الخمس من ولاة الجور الذين ليسوا في مقام إيصال الخمس لأهله. وإن كان الأولي في الجميع الاحتياط باستئذان الحاكم الشرعي مع تيسره. والله سبحانه وتعالي العالم.

ثم إن ثبوت الخمس في العين كما يمنع من التصرف يقتضي وجوب المبادرة بدفع الخمس علي المالك إذا كانت العين تحت يده بحيث يكون ضامناً للخمس، حيث يجب أداء ما تحت اليد لأهله. نعم لو لم يضمن الخمس لعدم صيرورة العين تحت يده لم يجب السعي لدفعه، بل يكون كغيره ممن يعلم بثبوت الخمس في المال.

(1) كما هو مقتضي ولاية الحاكم الشرعي، ولو حسبة. نعم لا بد من عدم استلزام ذلك تضييع الحق أو تأخير أدائه بنحو لا يحرز رضا الشارع الأقدس به.

(2) لابتناء الضمان علي إبدال مقدار الحق الخارجي بما في الذمة. ويترتب علي ذلك أن ارتفاع قيمة العين السوقية ونزولها لا يؤثر علي الحق، بل يبقي كما هو بالمقدار الذي ضمنه، بخلاف ما لو بقي الحق في العين، كما هو ظاهر.

(3) كما يجوز له التصرف لو أذن له الحاكم الشرعي بالمقدار المناسب لولايته. وينفذ تصرفه حينئذٍ لو كان معاوضة، وينتقل الخمس للثمن، بناء علي ما سبق منا من ثبوته في العين بنحو الإشاعة.

أما بناءً علي ما سبق من سيدنا المصنف (قدس سره) من ثبوته بنحو تعلق الحق بموضوعه فالمتعين انتقال تمام الثمن للمالك، لملكيته لتمام العين، فلابد من كون الإذن بنحو لا يستلزم ضياع الخمس، بأن ترجع إلي المصالحة علي انتقال الخمس للذمة أو ثبوت الخمس في الثمن علي نحو ثبوته في العين، نظير بعض صور الإذن في بيع العين

ص: 289

(290)

(مسألة 51): إذا اتجر بالعين بعد انتهاء السنة قبل دفع الخمس (1)

فالظاهر عدم الصحة (2) إلي أن يدفع الخمس (3)،

-

المرهونة، أو نحو ذلك.

(1) المعيار في هذه المسألة علي التصرف في العين بمثل البيع قبل أداء الخمس في مورد ثبوت الخمس فيها ووجوب تعجيل إخراجه، إما لمضي السنة في خمس الفائدة، كما هو مورد كلامه (قدس سره)، أو لإخراج المؤنة من المال، بناء علي كفاية ذلك في وجوب تعجيل خمس الفائدة، علي ما سبق الكلام فيه في المسألة الثامنة والأربعين، أو لعدم كون الخمس الثابت هو خمس الفائدة، بل بقية أقسام الخمس مما لا يستثني منه المؤنة.

(2) يعني: في تمام المال، لمنافاته للحق الثابت، بناء علي ما سبق منه (قدس سره) من أن ثبوته بنحو تعلق الحق بموضوعه. وأما بناء علي ما سبق منا من ثبوته بنحو الإشاعة فالمتعين نفوذ المعاملة في حصة المالك دون مقدار الخمس. وحينئذٍ لا يجوز للبايع والمشتري تسليم وتسلم المبيع، كما هو الحال في جميع موارد الشركة.

لكن سبق أن المتيقن من ذلك ما إذا علم المشتري بابتناء البيع علي التسامح في أداء الخمس والتفريط به، دون ما إذا كان من أجل تيسير دفعه من القيمة.

كما أنه حيث تضمنت جملة من النصوص تحليل الخمس للشيعة فمقتضاها صحة المعاملة معهم في حقهم في مورد النصوص المذكورة، وانتقال تمام العين لهم بها. ويأتي الكلام في مفاد تلك النصوص وفي عمومها وخصوصها في المسألة الثامنة والسبعين إن شاء الله تعالي. هذا وأما التصرف في بعض العين مع بقاء مقدار الخمس فسيأتي الكلام فيه في المسألة الثالثة والخمسين إن شاء الله تعالي.

(3) أما بناءً علي ما سبق منه (قدس سره) من أن تعلق الخمس بالعين تعلق الحق بموضوعه، فلأن المانع من نفوذ المعاملة بعد صدورها من مالك العين بتمامها هو منافاتها للحق، فمع أداء الحق يرتفع المانع ويتعين نفوذ المعاملة، عملاً بإطلاق دليل

ص: 290

النفوذ أو عمومه.

وأما بناءً علي المختار من تعلق الخمس بالعين بنحو الإشاعة والشركة فقد سبق نفوذ المعاملة في حصة المالك دون مقدار الخمس، وحيث سبق في المسألة الخمسين أن للمالك دفع القيمة بدلاً عن خمس العين، فبدفعها يملك مقدار الخمس من العين. وحينئذٍ تبتني صحة المعاملة علي الكلام في صحة بيع من باع ملك غيره ثم ملكه مطلقاً أو بشرط الإجازة منه أو عدم صحتها مطلقاً. وحيث كان الأظهر، الأخير يتعين الحاجة لتجديد المعاملة من المالك في مقدار الخمس الذي ملكه بدفع القيمة لو تيسر له ذلك.

بل قد يجري ذلك حتي بناء علي مختار سيدنا المصنف (قدس سره)، حيث لا يبعد عموم وجه بطلان بيع من باع ثم ملك لبيع المملوك إذا كان محقوقاً للغير، وعدم كفاية سقوط الحق بعد البيع في نفوذه. ولازم ذلك لزوم تجديد المالك المعاملة في تمام المبيع. وتمام الكلام في ذلك في محله من شرح المسألة الثالثة عشرةَ من فصل شروط المتعاقدين من كتاب البيع من هذا الكتاب.

نعم ربما يستفاد من أحاديث مسمع بن عبد الملك والحرث بن حصيرة والحكم بن علباء المتقدمة كفاية دفع الخمس في نفوذ المعاملة بلا حاجة إلي الإجازة، كما هو المناسب للسيرة، لشيوع التسامح في تأخير دفع الحق والتصرف المعاملي في العين قبل أدائه، حيث يغفل مع أداء الحق عن بطلان المعاملات السابقة عليه. فتأمل.

هذا ولو كانت المعاملة واقعة علي الكلي لا علي شخص العين، التي هي مورد الخمس، وكان دفع العين وفاءً للكلي، فالمعاملة صحيحة في نفسها، وثبوت الخمس في العين إنما يمنع من تحقق الوفاء بقدره، فمع دفع الخمس من غير العين وملكيته مقداره من العين لا إشكال في تحقق الوفاء حينئذٍ، ولو بالتهاتر.

وكذا الحال إذا كان طرف المعاملة من الشيعة في مورد تحليل الخمس لهم، حيث يتعين صحة المعاملة حين وقوعها وانتقال الخمس لذمة المالك، ولا أثر لأدائه

ص: 291

(292)

أو يجيز الحاكم الشرعي (1). لكن إذا أجاز الحاكم لم ينتقل الخمس إلي

البدل (2). ولذا لا تصح الإجازة للحاكم إلا علي نحو لا يؤدي إلي ذهاب الحق،

-

بعد ذلك إلا تفريغ ذمته، من دون أن يكون له دخل في تصحيح المعاملة.

ثم إنه قد تقدم من سيدنا المصنف (قدس سره) الإشارة للاستدلال علي صحة المعاملة في المقام بدفع الخمس بمعتبر أبي بصير المتقدم ونحوه مما تضمن عدم جواز الشراء من مال الخمس حتي يؤدي الخمس. وتقدم منا هناك عدم ظهوره في ذلك، بل في المنع من الشراء قبل الأداء، من دون نظر إلي ما يصحح الشراء بعد وقوعه.

(1) في فرض ولايته عموماً أو خصوصاً.

(2) علله (قدس سره) بأنه لما كان ثبوت الخمس في العين بنحو ثبوت الحق بموضوعه - كما تقدم منه (قدس سره) البناء علي ذلك - فالعين بتمامها للمالك، فيكون الثمن بتمامه له ولا وجه لتعلق الخمس به.

وفيه: أنه لا مانع من ثبوت الخمس في الثمن علي نحو ثبوته في العين، بل هو مقتضي بدلية الثمن للعين، ولذا لا إشكال ظاهراً في تعلق حق الرهانة بثمن العين المرهونة علي نحو تعلقه بها. وقد التزم (قدس سره) بذلك في الجملة في ضمان المتلف للعين، كما يأتي في المسألة الثانية والخمسين إن شاء الله تعالي ومن هنا لا حاجة للمصالحة التي سيذكرها (قدس سره). نعم لا يبعد كون الخمس الثابت في الثمن هو خمس العين، لأنه المستحق بالأصل، لا خمس الثمن.

هذا وأما بناء علي ما سبق منا من ثبوت الخمس بنحو الإشاعة فالمتعين انتقال الخمس للثمن، لكن بمعني استحقاق خمسه - كما هو مقتضي البدلية - لا خمس العين. وحينئذٍ لا تصح الإجازة من الحاكم إذا أضرت بالخمس، كما إذا كان الثمن غير مضمون الحصول، أو كان دون قيمة المثل حين الإجازة، بل لابد في مثل ذلك من المصالحة مع صاحب العين الأول أو الثاني علي ابتناء الإجازة علي تدارك الضرر.

ص: 292

(293)

بأن تكون الإجازة علي نحو المصالحة علي الإجازة ونقل الحق إلي الذمة (1).

(مسألة 52): إذا أتلف المال المالك أو غيره ضمن المتلف الخمس (2)،

ورجع عليه الحاكم (3).

-

(1) أو ثبوته في الثمن بوجه لا يستلزم الضرر علي الخمس، كما سبق.

(2) أما بناءً علي ما سبق منا من ثبوت الخمس في العين بنحو الإشاعة فظاهر، لضمان المتلف المال لمالكه أو للجهة التي يتعين لها المال، كما في الوقف. وأما بناء علي ما سبق منه (قدس سره) من كونه حقاً فيها فمقتضي الإتلاف هو الضمان للمالك، لأنه مالك لتمام العين، وحينئذٍ يبتني ضمان الخمس علي ما سبق منا في ذيل المسألة السابقة من أن مقتضي بدلية العوض عن العين التالفة قيامه مقامها في ثبوت الخمس فيه. كما صرحوا بنظيره في إتلاف العين المرهونة.

نعم قد يشكل الأمر لو كان المتلف هو المالك، إذ لا معني لضمانه لماله، ليقوم العوض مقام العين في تعلق الخمس به. لكن يصعب البناء علي عدم الضمان جداً، لأن الحق المذكور له نحو من الحرمة والمالية تقتضي الضمان عرفاً. ولذا تضمنت النصوص ضمان الزكاة مع التفريط(1) ، مع بنائهم علي أن ثبوتها في المال بنحو ثبوت الحق في العين. وحملها علي محض التعبد، ليقتصر فيها علي موردها - وهو الزكاة - بعيد عن المرتكزات جداً. ولعله لذا جزم في الجواهر بضمان المالك لحق الرهانة في بدل العين لو اتلف العين المرهونة.

بل الإنصاف أن النظر في نصوص الخمس المتضمنة للتأكيد علي ثبوته لأربابه ومسؤولية المالك به، مع ملاحظة المرتكزات المتشرعية والعرفية، كل ذلك يوجب القطع بالضمان مهما كان نحو تعلق الخمس بالعين.

(4) كما له الرجوع أيضاً علي المالك لو كان المتلف غيره بناء علي الإشاعة،

********

(1) راجع وسائل الشيعة ج: 6 باب: 39 من أبواب المستحقين للزكاة

ص: 293

وكذا إذا دفعه المالك إلي غيره (1) وفاء لدين، أو هبة أو عوضاً لمعاملة (2)، فإنه ضامن للخمس (3). وجاز للحاكم الرجوع عليه وعلي من انتقل إليه المال (4)،

-

لضمانه للخمس بضمان اليد، نظير ما يأتي. بل وكذا بناءً علي كون الخمس حقاً في العين، لما سبق في وجه الرجوع للمتلف.

ثم إن رجوع الحاكم عليهما يبتني علي القول بولايته علي الخمس الذي يأتي الكلام فيه. وحتي لو لم يرجع الحاكم عليهما فهما مشغولا الذمة بالخمس، ويجب عليهما تفريغ ذمتهما منه.

نعم لا يبعد عدم ضمان المتلف غير المالك في مورد تحليل الخمس، بل يكون ضامناً للمالك تمام ما أتلفه، كما لو لم يثبت الخمس، ويكون المسؤول بالخمس هو المالك لا غير. لأن المستفاد من نصوص التحليل عدم مسؤولية المؤمن بالخمس الثابت في مال غيره.

بل لا ينبغي الإشكال في ذلك بلحاظ السيرة، إذ ليس بناؤهم في مورد الضمان باليد أو الإتلاف مع المخالفين، بل مطلقاً، إلا علي ضمان تمام العين للمالك، مع إغفال ضمان الخمس الثابت فيها لأربابه، إذ لو كان البناء علي ضمان الخمس مع ضمان العين بتمامها للمالك الذي لا يدفع الخمس أو لا يعلم بدفعه له لوقع الهرج، ولكثر السؤال عن ذلك وعن فروعه. ومن ثم لا ينبغي الإشكال في ذلك. ومنه يظهر أنه يكفي الضمان للمالك مطلقاً، وأداء الخمس من وظيفة المالك، وهو المسؤول به لا غير.

(1) يعني تعدياً وبلا حق، لعدم الأذن من ولي الخمس.

(2) بل حتي لو كان علي نحو الاستئمان، أو أخذه الغير منه قهراً عليه أو سرقة منه.

(3) يعني: يبقي المالك ضامناً للخمس. وذلك بسبب اليد، علي نحو ما تقدم في ضمان الإتلاف.

(4) كما هو الحال في سائر موارد تعاقب الأيدي علي المال بلا حق وتجري هن

ص: 294

(295)

لعدم صحة التصرف بالنقل (1). وإذا كان ربحه حباً فبذره فصار زرعاً وجب خمس الحب لا خمس الزرع، وإذا كان بيضاً فصار دجاجاً وجب عليه خمس البيض لا خمس الدجاج. وإذا كان ربحه أغصاناً فغرسها فصارت شجراً وجب خمس الشجر لا خمس الغصن. فالتحول إذا كان من قبيل التولد وجب خمس الأول (2)،

-

الفروع والأحكام المترتبة علي ذلك والمذكورة في محلها. نعم لا يجري ذلك في مورد تحليل الخمس للشيعة، حيث يتعين صحة النقل، واختصاص المالك بضمان الخمس. بل سبق أن ضمان الآخذ لغير المالك مطلقاً مناف للسيرة.

(1) فيكون الدفع والأخذ تعدياً مستلزماً للضمان، بمقتضي ضمان اليد والإتلاف، لو لا ما سبق.

(2) أما الثاني فيكون من أرباح السنة الثانية، ويجب إخراج خمسه بعد استثناء ما أنفقه عليه، ومنه الأمر المتحول منه، واستثناء مؤنة السنة. وهذا ظاهر بناء علي مختاره (قدس سره) من تعلق الخمس بالعين تعلق الحق بموضوعه، لأن الخمس المستحق في الأصل لما كان هو خمسه مع كون تمام أجزاء الأصل للمالك، فلا وجه لتحوله إلي خمس ما تحول إليه، بل مقتضي تبعية المتحول للأصل كونه بتمام أجزائه للمالك مع ثبوت خمس الأصل، إما في ذمة المالك - لضمانه له بضمان اليد بعد تلف موضوعه عرفاً، أو بضمان الإتلاف لو كان التحول بفعله - وإما في المتحول إليه كما لعله الأظهر، لقيامه مقام الأصل في تعلق الحق، إذ ليس التحول كالتلف عرفاً، كما هو المناسب لما في الشرايع من بقاء حق الرهن في النماء في نظير الفرضين، وفي الجواهر نفي الإشكال في ذلك، بل والخلاف فيه.

لكن لا علي أن تفرغ منه ذمة المالك، بل يبقي ضامناً له بضمان اليد السابق، وإن كان الحق متعلقاً بعين الأمر المتحول إليه. نظير ما إذا بقيت العين بحالها، فإن الخمس

ص: 295

وإن بقي متعلقاً بها إلا أن المالك أيضاً تنشغل ذمته به بضمان اليد. وعلي ذلك لو لم يف المتحول إليه بأداء الحق يتعين قيام المالك بذلك.

وأما بناءً علي ما سبق منّا من ثبوت الخمس بنحو الإشاعة فيشكل الأمر لأن التحول في مثل ذلك وإن أوجب تعدد الموضوع عرفاً، إلا أنه لا إشكال في تبعية المتحول إليه للأصل في الملكية، ولذا لا إشكال في صيرورته في المقام لأرباب الخمس لو كان الأصل كله خمساً، كما يصير كله للمالك لو كان الأصل كله له. فاختصاص المالك به مع الإشاعة ليس بأولي من اختصاص الخمس به، بل يتعين ثبوت الخمس فيه كما ثبت في الأصل، كما هو الحال في سائر موارد الإشاعة.

نعم صرح الشيخ في كتاب الغصب من الخلاف والمبسوط بأن من غصب حباً فزرعه، أو بيضاً فحضنه عنده ففرخ، كان الزرع والفرخ له، وعليه قيمة الحب والبيض للمغصوب منه، وذكر نحوه ابن حمزة فيمن غصب البيض وحضنه. وقد علل في الأولين بتلف المغصوب، فلا يلزم الغاصب إلا قيمته.

وهو لم تم يقتضي في المقام ضمان خمس الأصل باليد أو الإتلاف، وعدم ثبوت الخمس في المتحول إليه حتي بناء علي الإشاعة، لتلف خمس الأصل بالتحول الموجب لضمان صاحب المال له، من دون أن ينتقل إليه النماء.

لكن لا مجال للبناء علي ذلك، لأن التحول ليس كالتلف، بل هو تبدل في المال عرفاً، ولذا لا إشكال في تبعية المتحول إليه للأصل في الملكية، كما سبق. علي أنه لو فرض إلحاقه بالتلف الموجب لانتقال المضمون للذمة، فما هو الموجب لملكية الغاصب للنماء بعد عدم ملكيته للأصل؟.

فإن علل بأن ضمانه للأصل موجب لانتقاله إليه حكماً فيملك نماءه، ولذا لو رجع المالك مع تعاقب الأيدي علي الأول كان له الرجوع علي من بعده في الجملة، علي ما يذكر في محله، ولو أتلف العين كان له ما تخلف من التلف، كالرضاض والرماد ونحوهما.

أشكل بأن ذلك يختص بما إذا دفع بدل العين المضمونة، حيث يكون المدفوع

ص: 296

بدلاً من المضمون، ولا يكفي فيه مجرد الضمان بمعني المسؤولية بالعين. ولذا لا إشكال في أن للمالك الرجوع في تعاقب الأيدي للمتأخر مع ضمان السابق للعين قطعاً. كما أن الظاهر أن للمالك الاكتفاء بالمتخلف بعد التلف، كالرماد والرضاض. ولازم ذلك أن يكون للمالك في الفرضين السابقين أخذ المتحول إليه من الزرع والفرخ.

وإن علل بأن النماء قد حصل بفعل الغاصب، فله ثمرة عمله، اختص بما إذا حصل النماء بفعله دون ما إذا حصل بسبب آخر.

ومن هنا صرح غير واحد بأن المتحول إليه للمغصوب منه، ونسب للأكثر، بل في الناصريات أنه مذهب أصحابنا، مستدلاً عليه بالإجماع، وكذا في السرائر راداً به علي ما سبق من الشيخ (قدس سره). بل صرح به الشيخ (قدس سره) نفسه في كتاب العارية من المبسوط وكتاب الدعاوي من الخلاف، كما هو المناسب لما ذكره ابن حمزة في الوسيلة من أن من غصب دجاجة فباضت واحتضنت وخرجت فراريج ضمن الجميع. ومن ثم كان كلامهما في الكتب المذكورة في غاية التدافع ولا مخرج عما ذكرنا.

ثم إنه لو ابتنت مسألتنا علي أن ضمان الأصل موجب لملك الضامن للأمر المتحول إليه اختص استحقاق خمس الأصل بما إذا كان صاحب المال غاصباً متعدياً علي الخمس ضامناً له، دون ما لو كان معذوراً بتأخير دفع الخمس، وكان التحول قهراً عليه، أو بفعله بنحو يكون معذوراً شرعاً، كما لو خشي فساد البيض أو تسوس البذر فزرعه حسبة، حيث لا ضمان للخمس حينئذٍ، ليتوهم عدم ضمان غير التالف، وهو خمس الأصل، بل يتعين ثبوت الخمس في النماء، كما في سائر موارد الشركة لو كان التحول بلا تعدّ، ممن بيده المال، وهو لا يناسب إطلاق الحكم في المتن. فتأمل.

وكيف كان فمقتضي القاعدة بناء علي الإشاعة ثبوت الخمس في النماء، بل لا يظن من أحد احتمال خلاف ذلك في خمس غنائم الحرب لو حصل التحول قبل القسمة، والفرق بين أقسام الخمس بلا فارق. فلا مخرج عما ذكرنا. غايته أنه لو كان دون خمس الأصل قيمة لزم ضمان المالك للإرش مع التعدي والتفريط.

ص: 297

وإذا كان من قبيل النمو وجب خمس الثاني (1).

(مسألة 53): في جواز تصرف المالك ببعض الربح إشكال (2) وإن كان

-

ومن هنا لم يتضح وجه البناء علي ثبوت خمس الأصل من بعض مشايخنا (قدس سره) مع بنائه علي الإشاعة. وقد حاولت معرفة مستنده في ذلك، فحال دون ذلك تدهور صحته المفاجئ، ثم مفاجأة الأجل له. ولله الأمر من قبل ومن بعد، وإنا لله وإنا إليه راجعون. ونسأله تعالي أن يحسن علينا الخلف، إنه أرحم الراحمين، وهو حسبنا ونعم الوكيل.

(1) أما بناءً علي ما سبق منّا من ثبوت الخمس في العين بنحو الإشاعة فظاهر. وأما بناءً علي ما سبق منه (قدس سره) من كونه حقاً ثابتاً في العين فقد يشكل بأن الحق الثابت هو خمس الأصل، فلا وجه لزيادته وصيرورته خمس تمام العين بعد النمو. إلا أن يدعي أن الزيادة مغفول عنها عرفاً، ولذا سبق في المسألة التاسعة والعشرين أن الزيادة المتصلة لا تعد ربحاً جديداً، ولا يثبت فيها الخمس.

(2) وقد جزم في العروة الوثقي بجوازه، معللاً له بما سبق منه (قدس سره) من ثبوت الخمس في العين بنحو الكلي في المعين. لكن سبق في المسألة الخمسين ضعف المبني المذكور. كما أنه لا يناسب ما ذكره من لزوم قصد إخراج الخمس من الباقي في جواز التصرف المذكور. لوضوح أن التصرف المذكور لا ينافي استحقاق الكلي في المعين، ليتوقف جوازه علي القصد المذكور. غاية الأمر أن لا يبتني علي قصد عدم دفع الخمس، لأنه نحو من التجري.

وإنما المناسب لاعتبار قصد إخراج الخمس من الباقي أن يكون الخمس ثابتاً بنحو الإشاعة - كما هو المختار - مع ولاية المالك علي القسمة. لكن حيث لا دليل علي ولاية المالك علي القسمة - كما يأتي في المسألة السادسة والسبعين - تعين عدم صحة التصرف.

ولاسيما بملاحظة معتبر أبي بصير المتقدم(1) المتضمن عدم حلّ الشراء من

********

(1) وسائل الشيعة ج: 6 باب: 1 من أبواب ما يجب فيه الخمس حديث: 4

ص: 298

(299)

مقدار الخمس باقياً. والأحوط وجوباً عدمه.

(مسألة 54): إذا ربح في أول السنة، فدفع الخمس باعتقاد عدم حصول مؤنة زائدة (1)، فتبين عدم كفاية الربح، لتجدد مؤنة لم تكن محتسبة انكشف أنه لا خمس في ماله، ويرجع به علي الفقير مع بقاء عينه (2).

-

الخمس حتي يصل حقهم إليهم (عليهم السلام)، بناءً علي ما سبق في المسألة الخمسين من أن المراد به عدم الشراء من المال الذي فيه الخمس، لا من نفس الخمس. فإنه وإن تقدم حمله علي شراء غير الشيعة من الخمس من ولاة الجور، إلا أنه صريح في أن معيار جواز الشراء وصول حقهم (عليهم السلام) لهم، لا نية إيصاله. فلاحظ.

هذا وأما بناءً علي مختار سيدنا المصنف (قدس سره) من كون الخمس حقاً ثابتاً في العين، فعدم جواز التصرف المذكور إما أن يبتني علي منافاته لثبوت الحق المذكور، أو علي ظهور معتبر أبي بصير في المنع منه.

(1) بناءً علي ما تقدم منه (قدس سره) في المسألة الثامنة والأربعين من جواز دفع الخمس قبل مضي الحول. وقد تقدم الكلام فيه.

(2) كما في العروة الوثقي، لظهور عدم ثبوت الخمس بتجدد المؤنة وعدم استحقاق الآخذ له، إما لاستثناء المؤنة بالأصل، كما هو ظاهرهم، وإما للعفو عن مقدارها تفضلاً من الأئمة (عليهم السلام)، كما تقدم تقريبه.

وفي المسالك أن المتجه عدم الرجوع علي المستحق مطلقاً، ونحوه عن حاشية الإرشاد، وقواه في الجواهر، وجزم به بعض مشايخنا (قدس سره). بناء منه علي ثبوت الخمس بمجرد ظهور الربح علي الإطلاق، وإن جاز التأخير إرفاقاً بالمالك، فإذا بادر إلي إخراجه كان قد أدي الحق الثابت في المال، فلا وجه لرجوعه به.

لكن المبني المذكور لا يناسب استثناء المؤنة كما سبق في المسألة الثامنة والأربعين، بل مقتضاه عدم ثبوت الخمس أو العفو عنه واقعاً في مقدارها، فمع تجدد

ص: 299

وكذا مع تلفها إذا كان عالماً بالحال (1).

(مسألة 55): إذا جاء رأس الحول وكان ناتج بعض الزرع حاصلاً دون بعض، فما حصلت نتيجته يكون من ربح سنته، ويخمس بعد إخراج المؤن،

-

المؤنة ينكشف عدم وجوب الخمس من أول الأمر وعدم استحقاق الآخذ لما أخذ.

ومثله ما قد يظهر من الجواهر وأوضحه شيخنا الأعظم (قدس سره) من كون تخمين المؤنة مأخوذاً موضوعاً في وجوب الخمس. إذ فيه: أن ظاهر النصوص أن المستثني هو المؤنة الواقعية لا التخمينية، بل هو لا يناسب إطباقهم علي جواز التأخير إرفاقاً بالمالك واحتياطاً للمؤنة، إذ لا موضوع لذلك مع كون المستثني واقعاً هو المؤنة التخمينية. ولعله لذا تنظر شيخنا الأعظم (قدس سره) في الحكم المذكور.

نعم لو رجع دفع المالك للمال إلي تمليكه له علي كل حال - خمساً مع استحقاقه عليه، وصدقة مستحبة أو هدية - مع عدمه تعين عدم جواز الرجوع، بناء علي ما هو المعروف من عدم جواز الرجوع بالصدقة، أو في فرض لزوم الهدية. وكذا لو دفعه بعنوان كونه خمساً مطلقاً وإن كان معفواً عنه، بناء علي ما سبق منا في وجه استثناء المؤنة. لكن الظاهر خروج كلا الوجهين عن محل كلامهم. وأظهر من ذلك ما إذا تجددت خسارة أو تلف ينجبر بالربح الحاصل، حيث لا إشكال حينئذ في انكشاف عدم ثبوت الخمس. ولا مجال فيه حتي للتوجيهين السابقين من بعض مشايخنا ومن شيخنا الأعظم (قدس سرهما).

(1) إن كان مراده (قدس سره) العلم بأن المدفوع له خمس، وأن الخمس لا يجب مع تجدد المؤنة، وأن المؤنة تتجدد، فهو في غير محله، لعلم الآخذ حينئذٍ بعدم استحقاقه لما أخذ، فيكون ضامناً له بضمان اليد أو الإتلاف، نظير المقبوض بالعقد الفاسد مع عدم التغرير من قبل المالك.

لكن من البعيد إرادته (قدس سره) لذلك، بل الظاهر إرادته خصوص العلم بأنه

ص: 300

(301)

وما لم تحصل نتيجته يكون من أرباح السنة اللاحقة (1). نعم إذا كان له أصل موجود له قيمة أخرج خمسه في آخر السنة، والفرع يكون من أرباح السنة اللاحقة. مثلاً في رأس السنة كان بعض الزرع له سنبل وبعضه قصيل لا سنبل له وجب إخراج خمس الجميع، وإذا ظهر السنبل في السنة الثانية كان من أرباحها، لا من أرباح السنة السابقة.

(مسألة 56): إذا كان الغوص وإخراج المعدن مكسباً كفاه إخراج خمسها، ولا يجب إخراج خمس آخر من باب أرباح المكاسب (2).

-

خمس أو مع كونه مدفوعاً قبل حلول رأس السنة، دون العلم بتجدد المؤنة. وحينئذٍ يشكل بأن المؤنة لما كانت من شؤون المالك، وكان ظاهر حاله عدم تجددها، فالظاهر كفاية ذلك في سقوط الضمان، لأن المتيقن من دليل ضمان اليد والإتلاف ما إذا لم يكن صاحب المال هو السبب في حمل صاحب اليد والمتلف علي استحلال المال وإيهامه استحقاقه، نظير ما إذا قدم زيد طعامه لعمرو بتخيل أنه طعام عمرو فأكله عمرو، فإن عمراً لا يضمنه لو انكشف أنه ملك زيد. وقد ذكرنا ما يناسب ذلك في المسألة التاسعة عشرة من كتاب البيع من هذا الشرح.

نعم لو كان الدفع مراعي بعدم تجدد المؤنة، وعلم الآخذ بذلك، لكنه أتلف العين أو أنفقها باعتقاد عدم تجددها، أو برجاء ذلك، فلا إشكال في الضمان، لعدم المسقط للضمان.

(1) فإذا خرج في السنة اللاحقة لم يجب تخميسه إلا في نهايتها بعد استثناء مؤنتها.

(2) كما هو المنصرف من مساق كلمات بعض الأصحاب، ويظهر من شيخنا الأعظم (قدس سره)، وصرح به غير واحد ممن تأخر عنه. وقد استدل عليه بوجوه:

الأول: ظهور نصوص ثبوت الخمس في العناوين الخاصة من المعدن والغوص

ص: 301

وغيرهما في عدم ثبوت خمس آخر فيها فيتعين، إما تقييد أدلة خمس الفوائد بغير الفوائد المذكورة، أو حمل نصوص ثبوت الخمس في العناوين الخاصة المذكورة علي أنه من أفراد خمس الفوائد، وإن امتاز عن خمس غيرها ببعض الأحكام من النصاب أو عدم استثناء مؤنة السنة.

ويندفع بمنع الظهور المذكور، بل لا يظهر منها إلا عدم وجوب ما زاد علي الخمس بسبب العنوان المذكور فيها، من دون أن ينافي وجوب أمر آخر بعنوان آخر، كوجوب الزكاة علي الذهب والفضة بعد دفع خمس المعدن لو عرضهما السكّ وتم فيهما النصاب والحول.

ولا ينافيه قوله (عليه السلام) في صحيح الحلبي فيمن يصيب غنيمة تحت لواء أئمة الجور: يؤدي خمساً وطيب له(1). لوضوح أنه مع أداء خمس الغنيمة يحل له التصرف في المال والأكل منه وصرفه في نفقته ومؤنته، وإنما يجب خمس الفائدة في الزائد علي المؤنة. وكما أن قوله (عليه السلام) في صحيح حفص: خذ مال الناصب حيثما وجدته وادفع إلينا خمسه(2) ، إنما يدل علي وجوب الخمس من حيثية كونه مال الناصب، ولا ينافي وجوب خمس الفاضل منه عن مؤنة السنة بعنوان كونه فائدة. وكذا الحال في غيرهما من نصوص الخمس في العناوين الخاصة.

ولا أقل من كون ذلك مقتضي الجمع بين النصوص المذكورة مع نصوص ثبوت الخمس في الفائدة وثبوت الحقوق الأخري كالزكاة.

ولذا لا إشكال ظاهراً في وجوب الخمس فيما نقص عن النصاب المعتبر في بعض الأمور المذكورة إذا فضل عن مؤنة السنة، مع وضوح أن نصوصها كما تدل علي عدم وجوب ما زاد علي الخمس فيما بلغ النصاب، تدل علي عدم وجوب الخمس فيما نقص عنه. وحينئذٍ إن كانت واردة لبيان حكم المال من جميع الجهات، لزم عدم وجوب الخمس فيما فضل عن المؤنة فيما دون النصاب، وإن كانت واردة لبيان حكمه

********

(1و2) وسائل الشيعة ج: 6 باب: 2 من أبواب ما يجب فيه الخمس حديث: 8، 6

ص: 302

من حيثية العنوان الخاص، فكما لا ينافي ثبوت خمس الفائدة فيما فضل عن المؤنة ما دون النصاب لا ينافي ثبوته فيما بلغ النصاب.

الثاني: ما تضمن أنه لا ثنيا في الصدقة. وفيه: أنه لا ظهور للصدقة فيما يعم الخمس، كما تقدم عند الكلام في وجوب الخمس في المال المختلط بالحرام. علي أن الحديث المذكور غير ثابت، فقد قال بعض الباحثين: لم نعثر علي هذا النص في مظانه. نعم في مستدرك الوسائل... ونهي أن يثني عليهم في عام مرتين، وهو ظاهر في خصوص الزكاة، نظير قوله (عليه السلام): لا يزكي المال من وجهين في عام واحد(1).

الثالث: ما عن تحف العقول عن الإمام الرضا (عليه السلام) قال: إن الخمس في جميع المال مرة واحدة(2). وفيه: أنه - مع ضعفه بالإرسال - محمول علي بيان عدم تجدد الخمس الثابت بعنوان في كل حول كما يتجدد في زكاة النقدين، ولا ينافي ذلك تعدد الخمس في المال الواحد بتعدد العنوان. ولذا لا إشكال في تعدده بتعدد صدق الفائدة عليه بتعدد الأشخاص لو انتقل من أحدهم للآخر.

فالعمدة في المقام: أن المستفاد من مجموع أدلة الخمس في غير الأرض التي يشتريها الذمي من المسلم والمال المختلط بالحرام أن ثبوته في موارده بعنوان كونه غنيمة وفائدة، تبعاً لمفاد الآية الكريمة، وإن اختلفت أقسامه في بعض الخصوصيات، كالنصاب واستثناء المؤنة، ومن الظاهر عدم تعدد صدق الفائدة بتعدد العناوين المذكورة، فلا مجال لتعدد الخمس. وما تضمن اشتراط النصاب في الكنز والمعدن والغوص يقتضي عدم ثبوت الخمس فيما دون النصاب من حيثية كونه كنزاً ومعدناً وغوصاً، ولا ينافي ثبوته من حيثية كونه فائدة بشروطه.

ثم إنه لو بني علي وجوب الخمس مرة أخري في المقام لزم البناء علي وجوبه مطلقاً وإن لم يتخذ المكلف الغوص أو نحوه مكسباً، لأن موضوع الخمس في فاضل المؤنة ليس خصوص المال الحاصل بالتكسب، بل مطلق الفائدة، كما سبق. ولا يظن

********

(1) وسائل الشيعة ج: 6 باب: 7 من أبواب من تجب عليه الزكاة حديث: 6

(2) تحف العقول ص: 418، الطبعة الثانية

ص: 303

(304)

(مسألة 57): المرأة التي تكتسب يجب عليها الخمس (1) إذا عال بها الزوج (2). وكذا إذا لم يعل بها الزوج وزادت فوائدها علي مؤنتها. بل وكذا الحكم إذا لم تكتسب وكانت لها فوائد (3) من زوجها أو غيره، فإنه يجب عليها في آخر السنة إخراج خمس الزائد، كغيرها من الرجال. وبالجملة: يجب علي كل مكلف أن يلاحظ ما زاد عنده في آخر السنة من أرباح مكاسبه وغيرها، قليلاً كان أم كثيراً، ويخرج خمسه، كاسباً كان أم غير كاسب.

(مسألة 58): الظاهر عدم اشتراط البلوغ والحرية (4) والعقل في ثبوت الخمس في الكنز والغوص والمعدن (5)،

-

من أحد الالتزام بذلك، كما نبه له بعض مشايخنا (قدس سره).

(1) بلا إشكال ظاهر لإطلاق جملة من الأدلة كالآية وغيرها، وإلغاء خصوصية الرجل عنها في الباقي منها. ومنه يظهر وجوب الخمس عليها في جميع الأقسام المتقدمة، كاستخراج المعدن وغيره.

(2) أو غير الزوج من أب أو أخ أو غيرهما. ولا تستثني في الجميع مقدار المؤنة من أرباح المكاسب ونحوها، لما سبق في المسألة الثالثة والثلاثين من اعتبار فعلية الصرف والإنفاق. نعم إذا لم يقم الزوج أو غيره ببعض مؤنها - ولو لعدم وجوبها عليهما - اتجه استثناء ما تنفقه عليها.

(3) لما سبق من عموم خمس فاضل المؤنة لجميع الفوائد، ولا يختص بما يستفاد بالتكسب.

(4) بناءً علي أن العبد يملك، وإلا فلا موضوع للخمس في حقه، بل يكون الخمس علي المالك المفروض فيه الحرية.

(5) فقد صرح بعدم اعتبار البلوغ في الكنز في التذكرة ومحكي التحرير والمنتهي

ص: 304

والبيان وغيرها. وصرح بعدم اعتبار البلوغ والحرية فيه وفي المعادن في الدروس وبعدم اعتبارهما في الثلاثة في الشرايع والقواعد. بل قد قال شيخنا الأعظم (قدس سره): الظاهر أنه لا خلاف في عدم اشتراط البلوغ والعقل في تعلق الخمس بالمعادن والكنوز والغوص. وقد ادعي ظهور الاتفاق في الأخيرين في المناهل وعن ظاهر المنتهي في الأول، وتبعه في الغنائم. لكن يظهر من المدارك الميل لاعتبار التكليف في جميع أقسام الخمس، وهو المحكي عن صريح المناهل.

وكيف كان فالعموم في الثلاثة المذكورة هو الذي يقتضيه إطلاق أدلة ثبوت الخمس فيها. ولاسيما الآية الشريفة، لظهور أن من مواردها المتيقنة غنائم دار الحرب التي صرحوا بقسمتها بعد إخراج الخمس بين المقاتلة ومن حضر القتال حتي الطفل وإن ولد بعد الحيازة وقبل القسمة، وفي الجواهر: بلا خلاف أجده في شيء من ذلك. وفي الغنية والتذكرة وعن محكي المنتهي الإجماع عليه حيث لا ينبغي التأمل في أن قسمتها علي الطفل بعد إخراج الخمس من دون استثناء حصته من الخمس، ليس لأدلة خاصة، بل لإطلاق الآية الشريفة وغيرها مما ورد في غنائم دار الحرب، بلحاظ كونه من جملة الغانمين، وإنما احتيج للأدلة الخاصة(1) في خصوص إعطاء المولود في أرض الحرب من الغنيمة، لكونه فرداً خفياً.

كما أن ما ذكروه من عدم الإسهام للعبد، بل يرضخ له، إنما هو لخروجه تخصصاً بعدم الملك إما مطلقاً، أو في خصوص غنائم دار الحرب.

وبالجملة حيث كان المستفاد من مجموع الأدلة دخول الأقسام الثلاثة التي هي محل الكلام في مدلول الآية الشريفة تعين عمومها لكل من يصدق في حقه الاغتنام وإن كان طفلاً أو مجنوناً أو عبداً بعد فهم العموم في غنائم دار الحرب التي هي المتيقن من الآية، والتي كان العموم فيها مستفاداً من الآية لا من دليل خاص بها.

ودعوي: أن ظاهر الخطاب بالآية الاختصاص بالبالغين. ممنوعة جداً، بل

********

(1) وسائل الشيعة ج: 11 باب: 41 من أبواب جهاد العدو حديث: 8، 9

ص: 305

الظاهر منها إرادة مطلق المسلمين والمؤمنين، والأطفال ملحقون بآبائهم في الدخول في الإسلام والإيمان.

بقي الكلام فيما قد يستدل به لعدم ثبوت الخمس في حق الصبي والمجنون في الثلاثة المذكورة، بل مطلقاً. وهو أمران:

الأول: ما ذكره بعض مشايخنا (قدس سره) من أنه مقتضي إطلاق ما تضمن رفع القلم عن الصبي والمجنون(1). بدعوي: عدم اختصاصه بالتكليف، بل هو يعم مطلق التشريع، من دون فرق بين التكليف والوضع، فهو كالبهائم من هذه الجهة. إلا أن يكون الرفع منافياً للامتنان في حق الآخرين، كما في موارد الضمانات، أو ورد فيه نص خاص، كالتعزير.

لكنه يشكل: أولاً: بأن رفع القلم كناية عرفاً عن عدم المؤاخذة والمحاسبة والتبعة، فهو إما مختص بالعقاب الأخروي والدنيوي الشرعي - كالقصاص والحدود ونحوها مما يكون من سنخ العقوبة والمؤاخذة المتفرعة علي التكليف - أو يشمل مثل نفوذ العقود والإيقاعات واقعاً والإقرار ظاهراً، المبتني عرفاً علي إلزام الفاعل بمقتضي فعله وتحمله لتبعته، دون مثل الضمان بالإتلاف المبتني علي تدارك ضرر صاحب المال، وثبوت الحقوق في المال أو في الذمة ابتداء أو بسبب ما، ونحو ذلك مما لا يكون عرفاً من سنخ تبعة العمل والإلزام بمقتضاه، فضلاً عن سائر الأحكام الوضعية. ولذا لا إشكال في عدم منافاة ثبوت الأحكام المذكورة في حق النائم لما تضمن رفع القلم عنه من النصوص(2) ، وإن كان ضعيفاً.

بل كيف يمكن دعوي قصور قلم التشريع عن الصبي والمجنون، مع أن الظاهر مشاركتهما للمكلفين في الأحكام التكليفية غير الإلزامية. بل لا إشكال في مشاركتهما لهم في أكثر الأحكام الوضعية، كالحدث من الحدث والخبث والطهارة منهما، ونفوذ

********

(1) وسائل الشيعة ج: 1 باب: 4 من أبواب مقدمة العبادات حديث: 11، 12، وج: 19 باب: 36 من أبواب قصاص النفس حديث: 2

(2) وسائل الشيعة ج: 1 باب: 4 من أبواب مقدمة العبادات حديث: 12

ص: 306

العقود والإيقاعات في حقهما إذا أوقعها الولي، والملكية بالحيازة والميراث - مع أن الملكية نحو نسبة تشريعية قائمة بالمالك والمملوك - وغير ذلك مما لا يحصي كثرة. وكيف يمكن قياسهما بالبهائم مع ذلك؟! بل حتي البهائم والجمادات تكون موضوعاً للتشريع، ومورداً لكثير من الأحكام، فتكون طاهرة ونجسة ووقفاً ومملوكة، وغير ذلك من الأحكام الشرعية. غاية الأمر أنها ليست مورداً للحكم التكليفي، ولجملة من الأحكام الوضعية.

هذا ويظهر من بعض فقرات كلامه في المقام اختصاص رفع القلم بالأحكام التي فيها ثقل علي الصبي والمجنون، دون ما يكون ثابتاً لهما وبصالحهما. وهو وإن كان أهون من الأول، إلا أنه - مع مخالفته لكلامه السابق - غير تام أيضاً، لما ذكرناه آنفاً في مفاد رفع القلم عرفاً، ولما هو المعلوم من ثبوت جملة من الأحكام التي فيها نحو من الثقل عليهما، كالجنابة والنجاسة والرقية والمحرمية من النكاح بأسبابها من النسب والمصاهرة والرضاع، والمانعية من الميراث وغير ذلك. فلا معدل عما ذكرنا. ومن هنا لا مجال لرفع اليد عن إطلاق دليل الخمس بحديث رفع القلم عن الصبي والمجنون.

وثانياً: بأن منافاة الرفع للامتنان في حق الآخرين إنما تنهض بتخصيص إطلاقه إذا كان امتنانياً، ورفع القلم لا يكون امتنانياً إلا إذا اختص برفع التكليف ونحوه مما فيه ثقل علي الإنسان. أما إذا أريد به خروجه عن موضوع التشريع رأساً - كالبهائم - فليس هو امتنانياً، لتنهض قرينة الامتنان بتقييده.

وثالثاً: بأن قرينة الامتنان إنما تنهض بتقييد الرفع الامتناني فيما إذا استلزم الإضرار بالآخرين إذا كان الرفع في حق الأمة بمجموعها، كحديث رفع التسعة المشهور، ودليل رفع الحرج ونحوهما. بلحاظ أنه لا امتنان علي الأمة بمجموعها بالرفع المذكور في حق بعضها إذا لزم منه الإضرار ببعضها الآخر. أما إذا كان الرفع مختصاً بقسم خاص منها - كما في المقام - فقرينة الامتنان لا تقتضي قصوره عن صورة الإضرار بالآخرين، لعدم منافاته للامتنان في حق المرفوع عنه بوجه.

ص: 307

ولذا لا ريب في نهوض حديث رفع القلم برفع حرمة الإضرار بالآخرين تكليفاً في حق الطفل والمجنون، بخلاف أدلة رفع الإكراه والضرر والحرج ونحوها، فإنها تقصر عن رفع حرمة الإضرار بالآخرين في حق المكلف إذا تحقق موضوعها في حقه.

ومن ذلك يظهر أن عدم نهوضه برفع الضمان عن الطفل والمجنون ليس لتحكيم قرينة الامتنان، بل لقصوره عنه ذاتاً، واختصاصه بما يكون من سنخ تبعة العمل، كما ذكرنا.

الثاني: إلحاق الخمس بالزكاة في اعتبار البلوغ والعقل في المالك، بل حتي الحرية. ولاسيما مع إطلاق بعض نصوصها، كصحيح زرارة ومحمد بن مسلم عنهما (عليهما السلام): أنهما قالا: مال اليتيم ليس عليه في العين والصامت شيء، فأما الغلات فإن عليها الصدقة واجبة(1) ، وصحيح عبد الله بن سنان عن أبي عبد الله (عليه السلام): قال: ليس في مال المملوك شيء ولو كان له ألف ألف درهم، ولو احتاج لم يعط من الزكاة شيئاً(2) ، فإن الشيء يعم الخمس.

ويندفع بأنه لا وجه لإلحاق الخمس بالزكاة. ولاسيما بعد ما تقدم في تقريب عموم الآية الشريفة، التي هي الأصل في تشريع الخمس.

كما لا مجال لاستفادة الإطلاق من الصحيحين، بلحاظ ذيلهما الصريح في إرادة الزكاة، حيث يقرب جداً معه ورودهما فيها، ولاسيما مع ما في صحيح زرارة ومحمد بن مسلم من التعبير بالعين والصامت الظاهرين في إرادة النقدين أو مع الأنعام الثلاثة ومقابلتهما بالغلات، وهي بخصوصياتها موضوع للزكاة دون الخمس، حيث لا يثبت لها بخصوصياتها، بل بما أنها أموال وفوائد. ومع قرب اتحاد صحيح عبد الله بن سنان مع صحيحه الآخر عنه (عليه السلام): سأله رجل وأنا حاضر عن مال المملوك أعليه زكاة؟ فقال: لا ولو كان له ألف ألف درهم. ولو احتاج لم يكن له من الزكاة شيء(3) ، لتشابه

********

(1) التهذيب ج: 4 ص: 29 حديث: 72. الاستبصار ج: 2 ص: 31 حديث: 90، وذكره في وسائل الشيعة بتغيير في اللفظ ج: 6 باب: 1 من أبواب من تجب عليه الزكاة ومن لا تجب عليه حديث: 2

(2) وسائل الشيعة ج: 6 باب: 4 من أبواب من تجب عليه الزكاة ومن لا تجب عليه حديث: 1، 3

(3) وسائل الشيعة ج: 6 باب: 4 من أبواب من تجب عليه الزكاة ومن لا تجب عليه حديث: 1، 3

ص: 308

(309)

والحلال المختلط بالحرام (1)،

-

لسان الحديثين، وقرب كون الاختلاف بينهما بسبب النقل بالمعني.

ومن هنا يتعين البناء علي عموم وجوب الخمس في الأمور الثلاثة المذكورة. بل وكذا غنائم دار الحرب، كما يظهر مما سبق، وإن كان ظاهر من أطلق اعتبار التكليف في الخمس اعتباره فيها، بل هو كالصريح من الجواهر. وإن كان غريباً بعد ما سبق.

(1) كما قد يستظهر من إطلاق الفتوي. لكن قد يظهر من اقتصار من سبق منه التعميم علي بعض الأمور اختصاصه بها وعدم جريانه فيما عداها. ولم يتضح الوجه فيه بعد إطلاق بعض نصوص هذا القسم، كصحيح عمار بن مروان: سمعت أبا عبد الله (عليه السلام) يقول: فيما يخرج من المعادن والبحر والغنيمة والحلال المختلط بالحرام إذا لم يعرف صاحبه والكنوز الخمس(1).

بل قد يظهر من بعضهم أن عدم اعتبار التكليف هنا أظهر، لبدلية الخمس فيه عن مال الغير الذي لا يستحقه صاحب المال المختلط وإن لم يكن مكلفاً، كما ذكره في الجملة شيخنا الأعظم (قدس سره). ولعله إليه يرجع ما في الجواهر من أن إخراج الخمس منه لتطهير المال.

ومن ثم ذكر بعض مشايخنا (قدس سره) أن حديث رفع القلم قاصر عنه، لأنه حكم ثابت له وفي صالحه، وليس من الإيقاع في المشقة، ليرتفع عن الصبي، وقد ذكرنا آنفاً ظهور بعض كلماته في اختصاص الحديث بالأحكام التي فيها مشقة علي الإنسان. لكنه لا يطرد، كما لو احتمل أن الحرام أقل من الخمس. فالعمدة ما سبق من قصور حديث رفع القلم عن مثل المقام.

وأما ما عن المناهل من ظهور دليل الخمس في هذا القسم في التكليف الذي لا إشكال في شمول الحديث له. فهو في غاية المنع بعد ملاحظة صحيح عمار المتقدم. بل

********

(1) وسائل الشيعة ج: 6 باب: 3 من أبواب ما يجب فيه الخمس حديث: 6

ص: 309

(310) (310)

والأرض التي يشتريها الذمي من المسلم (1)، وفي تعلقه بأرباح المكاسب للطفل إشكال (2).

-

حتي بقية نصوص المسألة، كما يظهر بمراجعتها، لظهور الأمر فيها في الإرشاد لبيان ما يحلل المال ويرفع الإشكال، لا في التكليف المحض. غاية الأمر أن حرمة التصرف في مال الغير والاستيلاء عليه يلزم بتحليله بالوجه المذكور عقلاً.

مضافاً إلي أن دعوي عدم ثبوت الخمس حينئذٍ إن رجعت إلي دعوي حلّ جميع المال له، بحيث يجوز لوليه تمكينه منه وإنفاقه عليه، فلا وجه له بعد فرض عدم ملكيته لبعضه. وإن رجعت إلي دعوي بقاء المشكلة في المال، لعدم المحلل له، فمن القريب جداً فهم عدم الخصوصية للبالغ العاقل في محللية الخمس وإن فرض قصور الخطاب بمحلليته عن غيره لحديث رفع القلم. ولاسيما بملاحظة التعليل بقوله (عليه السلام) في موثق السكوني: فإن الله [قد] رضي من الأشياء بالخمس(1). ونحوه غيره.

(1) مما تقدم يظهر حال فتاواهم هنا، والمتعين البناء علي العموم لإطلاق دليله وهو صحيح أبي عبيدة: سمعت أبا جعفر (عليه السلام) يقول: أيما ذمي اشتري من مسلم أرضاً فإن عليه الخمس(2).

نعم قال شيخنا الأعظم (قدس سره): وأما الأرض المشتري من الذمي ففيه إشكال، من تضمن الرواية لفظة (علي) الظاهر في التكليف، ومن إمكان منع هذا الظهور، لكثرة استعمال لفظة (علي) في مجرد الاستقرار، كما في قوله: عليه دين، و: علي اليد ما أخذت، ونحو ذلك. وما ذكره أخيراً متين جداً.

(2) كما في العروة الوثقي، فقد توقف فيه مع جزمه بعموم وجوب الخمس في الأقسام الخمسة السابقة. ولم يتضح وجه خصوصية الطفل من بين المكلفين، ولا خصوصية هذا القسم من الخمس من بين أقسامه السابقة في الإشكال، كما اعترف

********

(1) وسائل الشيعة ج: 6 باب: 10 من أبواب ما يجب فيه الخمس حديث: 4

(2) وسائل الشيعة ج: 6 باب: 9 من أبواب ما يجب فيه الخمس حديث: 1

ص: 310

(311)

والأظهر ذلك (1).

(مسألة 59): إذا كان الشخص لا يحاسب نفسه مدة من السنين، وقد ربح فيها، واستفاد أموالاً، واشتري منها أعياناً وأثاثاً، وعمّر دياراً، ثم التفت إلي ما يجب عليه من إخراج الخمس من هذه الفوائد، فالواجب عليه إخراج الخمس من كل ما اشتراه أو عمره أو غرسه (2) مما لم يكن معدود

-

بذلك سيدنا المصنف (قدس سره) في مستمسكه.

ودعوي: أن أغلب نصوص هذا القسم مختصة بالمكلفين، وباقيها ينصرف لهم، بلحاظ غلبة كون المكتسبين منهم. ولاسيما بملاحظة استثناء المؤنة التي يغلب عدم تكلفهم لها.

مدفوعة بأن الغلبة لا تصلح لتقييد الإطلاق. ولاسيما بملاحظة ما يستفاد من مجموع النصوص من كون ثبوت الخمس في هذا القسم لدخوله في عموم الآية الشريفة التي سبق تقريب استفادة العموم منها. بل يصلح ذلك قرينة علي إلغاء خصوصية المكلفين من النصوص الواردة فيهم وفهم العموم منها.

ومن هنا كان المتعين ذلك بعد ما سبق من وهن الاستدلال علي اشتراط التكليف بما تضمن رفع القلم، وبنصوص الزكاة.

(1) كما يظهر مما سبق. بل لعله مقتضي إطلاق الفتاوي، قال شيخنا الأعظم (قدس سره): يفهم من استدلال العلماء لوجوب الخمس في الكنز والمعدن والغوص بأنها اكتسابات، فيدخل تحت الآية، ثم تعميم الوجوب فيها للصبي والمجنون، ثم دعواهم الإجماع علي وجوب الخمس في مطلق الاكتسابات عدم الفرق في أرباح المكاسب بين البالغ وغيره. فتفطن. فما قد يظهر ممن سبق، من الاقتصار في التعميم علي بعض الأمور التي يجب فيها الخمس، في غير محله جداً.

(2) بل من كل ما استفاده ولو من غير طريق الشراء، كالاستنماء والحيازات

ص: 311

من المؤنة (1)، مثل الدار التي لم يتخذها دار سكني، والأثاث الذي لا يحتاج إليه أمثاله (2). وكذا الحيوان والغرس وغيرها. أما ما يكون معدوداً من المؤنة - مثل دار السكني والفراش والأواني اللازمة ونحوها - فإن كان قد اشتراه من ربح السنة التي قد اشتراه فيها لم يجب إخراج الخمس منه (3).

-

والصناعات، مثل أولاد الحيوانات التي اشتراها، والحيوانات التي اصطادها، والخزف الذي يصنعه. بل حتي ما حصل عليه من طريق الاستيهاب، كما يظهر مما سبق في تحديد موضوع هذا القسم مما يجب فيه الخمس.

(1) يشكل إطلاق ذلك، فإنه لا يجب تخميس ما استفاده في سنة محاسبته مما لم يتخذه للمؤنة قبل المحاسبة ويريد اتخاذه للمؤنة بعدها في نفس السنة. نعم حيث كانت معرفة ذلك موقوفة علي تحديد رأس السنة، فكثيراً ما لا يتسني تحديده في حق من لم يحاسب نفسه، لما سبق من أن رأس السنة هو أول زمان ظهور الربح الأول له. وحينئذٍ لابد من المصالحة مع الحاكم الشرعي لتحديده من أجل ترتيب أثره المذكور وبقية آثاره.

(2) بناءً علي ما سبق منه (قدس سره) في المسألة الثالثة والثلاثين من تحديد المؤنة بما يليق بحال الشخص، وسبق منا الكلام في ذلك فراجع.

(3) هذا إذا استعمله في تلك السنة. أما إذا لم يستعمله إلا في السنة اللاحقة كان بنفسه ربحاً يجب خمس عينه. كما أن المعيار في سقوط الخمس عنه ليس هو شراؤه من ربح نفس السنة، بل يكفي فيه الشراء في السنة التي حصل له فيها ربح يستوفي ثمنه وإن كان شراؤه بربح السنين السابقة كما يظهر مما تقدم في المسألة السابعة والثلاثين. ولا يبعد كون ذلك هو المراد لسيدنا المصنف (قدس سره).

وعلي ذلك فمعيار عدم وجوب التخميس ليس هو الشراء من ربح سنة الشراء، بل استعمال العين والانتفاع بها واتخاذها مؤنة في السنة التي يربح فيها بقدر مؤنته بما في ذلك أثمان هذه المؤن.

ص: 312

وإن كان اشتراه من ربح السنة السابقة (1) - بأن كان لم يربح في سنة الشراء، أو كان ربحه لا يزيد علي مصارفه اليومية - وجب عليه إخراج خمسه (2).

-

(1) يعني من دون أن يكون قد ربح في سنة الانتفاع بها بقدر مؤنته بما في ذلك أثمانها.

(2) ظاهر كلامه (قدس سره) وجوب إخراج خمس الأعيان المذكورة، لا خمس أثمانها التي اشتريت بها. وهو يتجه فيما إذا كان شراء الأعيان المذكورة بأرباح سنة شرائها، لما هو المعلوم من أن للمالك في أثناء السنة التصرف بالربح، فتقوم هذه الأعيان مقام الأرباح، فيثبت خمسها فيها بخروج تلك السنة. من دون فرق بين شرائها بأعيان أرباح تلك السنة وشرائها في الذمة من تلك الأرباح. لكن خمس الأعيان المذكورة إنما يجب حينئذٍ إذا لم يستغلها في المؤنة في نفس السنة، أما إذا استغلها فيها فلا خمس فيها.

وكيف كان فهو خارج عن مفروض كلامه (قدس سره) من شرائها بأرباح سنين سابقة. قد تعلق بها الخمس قبل الشراء. أما في مفروض كلامه، فإن كان شراؤها في الذمة مع وفاء ما في الذمة من تلك الأرباح فاللازم أداء خمس أثمانها، سواء ساوت الأثمان قيم تلك الأعيان حين التخميس، أم اختلفت معها زيادة ونقيصة، لأن الذمة قد انشغلت بخمس الثمن المدفوع بلا حق، وتبقي الأعيان لا خمس فيها، لعدم صيرورتها بشرائها ربحاً بعد مقابلتها بالثمن الذي انشغلت به الذمة.

وكذا إذا كان شراؤها بأعيان أرباح السنين السابقة إذا كان البائع من الشيعة في مورد تحليل الخمس له، لأن نفوذ الشراء يستلزم انشغال ذمة المشتري بخمس الثمن الذي دفعه وفرط به. وأما في غير مورد التحليل، ولو لكون البائع من غير الشيعة فإن قلنا بتوقف نفوذ الشراء في حصة الخمس علي إجازة الحاكم الشرعي تعين بإجازته بدلية خمس العين عن خمس الثمن المستحق علي المشتري، ووجب دفع خمس العين حينئذٍ. وإن قلنا بأنه يكفي في نفوذ الشراء دفع خمس الثمن المستحق عليه من دون حاجة للإجازة تعين دفع خمس الثمن، دون خمس العين، لعدم صيرورتها ربحاً بنفس

ص: 313

وإن كان ربحه يزيد علي مصارفه اليومية، لكن الزيادة أقل من الثمن الذي اشتراه به وجب عليه إخراج خمس مقدار التفاوت. مثلاً إذا عمر داراً لسكناه بألف دينار، وكان ربحه في سنة التعمير يزيد علي مصارفه اليومية مائتي دينار، وجب إخراج خمس ثمانمائة دينار (1) وكذا إذا اشتري أثاثاً بمائة دينار، وكان قد ربح زائداً علي مصارفه اليومية عشرة دنانير في تلك السنة، والأثاث الذي اشتراه محتاج إليه وجب تخميس تسعين ديناراً. وإذا لم يعلم أن الأعيان التي اشتراها وكان يحتاج إليها يساوي ثمنها ربحه في سنة الشراء (2) أو أقل منه (3)،

-

الشراء، نظير ما سبق. وقد تقدم الكلام في ذلك في المسألة الحادية والخمسين.

هذا كله إذا كانت الأعيان قد ملكت بالشراء، أما إذا كانت بأنفسها فوائد ابتدائية بحيازة أو استيهاب أو غيرهما فلا إشكال في كونها أرباحاً قد ثبت فيها الخمس، فيجب دفع خمس العين أو قيمته.

ثم إنه في مورد وجوب دفع خمس العين لابد من ملاحظة قيمتها وهي غير مستعملة في المؤنة. فإن كانت قد نقصت قيمتها باستعمالها وجب دفع خمس النقص أيضاً. بل يجب أيضاً دفع خمس أجرتها في مدة الاستعمال بناءً علي ما سبق منّا في المسألة الخمسين من ثبوت الخمس في العين بنحو الإشاعة.

هذا ويبدو من مجموع كلام سيدنا المصنف (قدس سره) عدم توجهه للفرق بين خمس العين وخمس الثمن، وإنما غرضه منه بيان أصل وجوب التخميس.

(1) أو خمس أربعة أخماس العين، علي التفصيل المتقدم.

(2) يعني: واستغلالها فيما تصلح له، لما سبق من المدار في سقوط الخمس عليه، لا علي الشراء وحده.

(3) الظاهر أن المراد به احتمال كون الربح أقل من الثمن المستلزم لتتميم الثمن من ربح السنة السابقة الذي قد تعلق به الخمس، أما لو كان المراد احتمال العكس

ص: 314

أو أنه لم يربح في سنة الشراء زائداً علي مصارفه اليومية (1) فالأحوط المصالحة مع الحاكم الشرعي (2). وإذا علم أنه لم يربح في بعض السنين بمقدار مصارفه (3)، وأنه كان يصرف من أرباح سنته السابقة، وجب إخراج خمس مصارفه التي صرفها من أرباح السنة السابقة (4).

-

وكون ما اشتراه هو الأقل من ربح السنة فلا خمس فيه قطعاً ليحتاج إلي المصالحة. ومن ثم لا مجال لحمل كلامه (قدس سره) عليه وإن كان قد يوهمه بدواً.

(1) المستلزم لكون الثمن الذي اشتراه به بتمامه من أرباح السنة السابقة الذي تعلق به الخمس.

(2) وإن كان الظاهر عدم لزوم إخراج الخمس، لأصالة عدم تعلقه بالأعيان المذكورة أو بالذمة بعد احتمال كون أثمانها من أرباح سنة شرائها والانتفاع بها واتخاذها مؤنة. وأصالة عدم ربحه في تلك السنة لما يقابل أثمانها لا تنهض بإثبات شرائها من أرباح السنين السابقة ليثبت فيها الخمس إلا بناء علي الأصل المثبت.

لكن ذلك مبني علي أن استثناء المؤنة قبل ثبوت خمس الفائدة حكم شرعي. أما إذا كان تخفيفاً من الأئمة (عليهم السلام) عن شيعتهم بمقتضي ولايتهم علي الحق، فيكون مقتضي الأصل وجوب إخراج الخمس، للعلم بثبوته والشك في تحقق موضوع التخفيف، كما أشرنا إلي ذلك في غير مورد مما تقدم، وقد تقدم الكلام في المبني المذكور في المسألة الثامنة والأربعين.

(3) سواءً كانت تلك المصارف علي مؤنة تلك السنين أم علي أمر خارج المؤنة.

(4) لثبوت الخمس في تلك الأرباح. وفي لزوم إخراج خمس الثمن المدفوع أو خمس الأعيان المشتراة ما تقدم. كما يلزم دفع خمس جميع ما ذهب عليه بخسارة أو تلف أو غصب أو نحوها من أرباح السنين السابقة إذا كان ذهابه بعد سنة حصول الربح وكان مفرطاً في ترك تخميسه. أما إذا لم يكن مفرطاً في ترك تخميسه فهو لا يضمن

ص: 315

(316)

(مسألة 60): إذا كان الشخص لا يخرج الخمس من ماله، وقد وهبه إلي شخص آخر، وجب علي المتهب إخراج خمسين، خمس تمام مال الهبة فوراً (1)،

-

الخمس، كما إذا كان حين حلول رأس سنته عاجزاً عن الوصول لربحه، ثم تلف الربح بعد ذلك قبل أن يقع تحت يده ويستطيع تخميسه. وكذا إذا كان ذهابه عليه في سنة حصول الربح، لعدم تفريطه في عدم إخراجه له بعد جواز تأخير إخراجه إلي آخر السنة، فلا يكون ضامناً له.

هذا وقد أغفل سيدنا المصنف (قدس سره) صورة شايعة وهو ما إذا أقصر الربح في بعض السنين عن مؤنتها، فاقترض للمؤنة ووفي قرضه من أرباح السنين اللاحقة، ولا يجب الخمس حينئذٍ في مقدار تقصير الربح، لما سبق في المسألة السابعة والأربعين من أن وفاء الدين من مؤنة سنة الوفاء.

(1) كأنه لأنه بعد تعلق الخمس بالعين يجب علي كل من تقع العين في يده تخميسه، بل يكون ضامناً له، ويجب عليه إخراجه. بل حيث تقدم منه (قدس سره) عدم نفوذ المعاملة في تمام المال إلا بعد أداء الخمس فاللازم إخراجه لتنفذ الهبة. أما بناء علي ما تقدم منا من ثبوت الخمس في العين بنحو الإشاعة، وأن المعاملة لأجل ذلك تنفذ فيما عدا الخمس من العين - كسائر موارد الشركة - فلا فائدة في دفع الخمس إلا التخلص من تبعته.

لكن ذلك مبني علي ولاية المتهب أو من يقع في يده المال علي إخراج الخمس، وهو غير ثابت، بل الظاهر اختصاص الولاية بمن ثبت الخمس في ملكه، وهو الواهب في محل الكلام، فلابد من مراجعته، ومع امتناعه وتقصيره يتعين الرجوع للحاكم، ولا يستقل بذلك من يقع المال في يده، وهو المتهب في المقام.

اللهم إلا أن يقال: ولاية المالك علي الإخراج إنما هي بملاك كون إخراج الحق من المال تصرفاً في المال الذي هو ملكه، فلا يكون إلا بإذنه، وذلك يختص بما إذا بقيت علقة المالك بالمال مع خروجه عن يده، كما في الوديعة ونحوها، أم مع انقطاع علقته

ص: 316

وخمس الأربعة أخماس الباقية في آخر السنة (1). وإذا ورث المال الذي لم يخرج خمسه وجب عليه إخراج خمس تمام المال (2) لا غير (3).

-

بالمال كما في الهبة فلا وجه لبقاء ولايته، بل يتعين قيام المتهب مقامه وانتقال الولاية له، خصوصاً بناء علي ما سبق من ثبوت الخمس في المال بنحو الإشاعة المستلزم لنفوذ الهبة فيما عدا مقدار الخمس وملكية المتهب له بالفعل.

وبذلك يظهر جريان ذلك في كل معاملة تقتضي انتقال العين التي فيها الخمس للغير، حيث يجب علي من انتقلت إليه إخراج خمسها. غاية الأمر أنه يتعين في مثل البيع استحقاق المشتري الرجوع بخمس الثمن. بناء علي ثبوت الخمس في العين بنحو الإشاعة كما سبق منّا.

أما بناء علي ما ذكره سيدنا المصنف (قدس سره) من كونه حقاً في العين، فلا يستحق الرجوع بخمس الثمن ولا بخمس العين إذا دفعه بغير إذن البايع. إلا أن يمتنع البايع من دفع الخمس، فحينئذ قد يكون له الرجوع للحاكم الشرعي من أجل حلّ مشكلته. وقد يري الحاكم بمقتضي ولايته الإذن له في دفع خمس العين مع الرجوع به علي البايع. فلاحظ.

هذا كله بناءً علي عدم نفوذ المعاملة - هبة كانت أو غيرها - رأساً أو في خصوص مقدار الخمس إلا بدفع الخمس. أما بناء علي نفوذها بتمامها إذا كان الآخذ للعين مؤمناً - لنصوص التحليل - وانتقال الخمس لذمة من ثبت الخمس في المال وهو في ملكه فالمتعين عدم وجوب دفع الخمس المذكور، بل تنشغل به ذمة المالك الأول. ويأتي الكلام في ذلك في المسألة الثامنة والسبعين إن شاء الله تعالي.

(1) يعني: إذا بقي منها شيء بعد المؤنة.

(2) كما تقدم منه (قدس سره) في المسألة السابعة والعشرين وتقدم بعض الكلام في ذلك.

(3) هذا إذا كان الميراث محتسباً، وإلا وجب إخراج خمسه في آخر السنة بعد

ص: 317

(318)

(مسألة 61): قد عرفت أن رأس السنة أول الشروع في الكسب (1). لكن إذا صعب علي المكلف ذلك أمكنه أن يراجع الحاكم الشرعي (2)

-

المؤنة، كسائر الفوائد، لما تقدم.

(1) كما تقدم منه (قدس سره) في المسألة الرابعة والثلاثين، وتقدم منا هناك أنه أول زمان ظهور الربح.

(2) أما بناءً علي عموم ولايته ووكالته عن الإمام (عليه السلام) في جميع الأمور أو في بعض الأمور التي منها أمر الخمس فظاهر، لأن رأس السنة وإن كان متعيناً بحكم الشارع الأقدس، وليس من سنخ الحقوق التي هي موضوع الولاية، إلا أنه لما كان من شؤون الحق وتوابعه فالمستفاد عرفاً من دليل الولاية شموله تبعاً للحق. ولذا لا إشكال ظاهراً في أن للإمام نفسه الولاية علي ذلك، وليس هو كحول الزكاة وسائر الأحكام الشرعية خارجاً عن موضوع الولاية. وحينئذ لا حاجة للتقيد بما إذا كان بقاء رأس السنة علي حاله صعباً علي المالك، بل يكفي كونه صلاحاً للحق أو للمالك علي النحو المستفاد من دليل الولاية المفروض.

وأما بناء علي ما هو الظاهر من عدم ثبوت الولاية بالنحو المذكور، بل هي مبنية علي ولاية الحسبة المختصة بما إذا أحرز رضا الشارع الأقدس بالتصرف، فلا ينبغي التأمل في إحراز رضا الشارع الأقدس برفع الحرج المذكور عن المالك بتبديل رأس السنة. نعم لابد أن لا يستلزم ذلك التفريط بالحق والإضرار به.

كما أنه لا ينبغي التأمل في ولاية الحاكم حسبة علي تعيين رأس السنة لو اشتبه علي المالك أو نسيه، للعلم برضا الشارع الأقدس بذلك من أجل ضبط الحق ونظم أمره.

هذا وقد ذكر بعض مشايخنا (قدس سره) وغيره أن للمكلف تبديل رأس السنة بدفع تمام ما ربحه في أثناء السنة، واستئناف رأس سنة للأرباح الآتية. وهو ظاهر بناء علي ما ذهب هو إليه من أن لكل ربح سنته، وأن للمالك تعجيل إخراج الخمس، إذ بدفع الخمس لا يبقي موضوع للسنة، ويبدأ موضوعها بالربح الجديد. بل لا موضوع علي

ص: 318

(319)

أو وكيله ليغير رأس السنة، فيجعله في زمان آخر بالمصالحة معه علي ذلك، ويكون المدار عليه في المؤنة والخمس. كما أنه يجوز بالمصالحة جعل السنة عربية ورومية وفارسية وغيرها (1) حسبما يتفقان عليه (2).

(مسألة 62): يجب علي كل مكلف في آخر السنة أن يخرج خمس ما زاد عن مؤنته مما ادخره في بيته لذلك (3) من الأرز والدقيق والحنطة والشعير

-

مبناه لرأس السنة الذي هو عندهم بمعني رأس سنة تمام الأرباح. ومنه يظهر أن رأس السنة الجديد يكون من حين ظهور الربح الجديد، لا من حين دفع الخمس وتعجيله.

وأما بناءً علي ما تقدم منّا في المسألة الرابعة والثلاثين - وعليه جماعة - من أن لمجموع الأرباح سنة واحدة تخرج مؤنتها منها بمجموعها فقد سبق أن مبدأ السنة الأولي وإن كان هو ظهور الربح، إلا أن المستفاد من قوله (عليه السلام) في صحيح ابن مهزيار: وأما الغنائم والفوائد فهي واجبة عليهم في كل عام(1) ، تكرر الدورة السنوية بتعاقب السنين الراجع لاتحاد مبادئ السنين اللاحقة مع مبدأ السنة السابقة، وحينئذٍ فتغيير رأس السنة بدفع الخمس الحاصل في أثنائها - بناءً علي جواز تعجيل دفع الخمس - يحتاج إلي دليل. والظاهر انحصار الأمر بالرجوع للحاكم، ويجري ما سبق.

(1) الفرق إنما يظهر بين السنة القمرية والشمسية، وأما الفوارق الأخري المبتنية علي الاختلاف في مبدأ السنة فلا أثر له، كما لعله ظاهر.

(2) تقدم عند الكلام في استثناء المؤنة أن مقتضي إطلاقات الأدلة المقامية الحمل علي السنة القمرية فالمحتاج إلي المصالحة هي السنة الشمسية. ولابد في مشروعية المصالحة من صعوبة تقيد المالك بالسنة القمرية، وعدم الإضرار بالحق. نظير ما تقدم في تبديل رأس السنة.

(3) لأن مجرد ادخاره للمؤنة لا يجعله مؤنة. وقد تقدم التعرض لذلك في

********

(1) وسائل الشيعة ج: 6 باب: 8 من أبواب ما يجب فيه الخمس حديث: 5

ص: 319

والسكر والشاي والنفط والحليب والفحم والسمن والحلوي وغير ذلك من أمتعة البيت مما أعد للمؤنة (1)، فيخرج خمس ما زاد من ذلك. نعم إذا كان عليه دين استدانه لمؤنة السنة، وكان مساوياً للزائد لم يجب الخمس في الزائد (2). وكذا إذا كان أكثر. أما إذا كان الدين أقل أخرج خمس مقدار التفاوت لا غير. وإذا بقيت الأعيان المذكورة إلي السنة الآتية (3)، فوفي الدين في أثنائها (4)، وجب عليه إخراج خمس تلك الأعيان الباقية (5)،

-

المسألة الثامنة والثلاثين.

(1) ومنه ما ينتفع به مع بقاء عينه، كالأثاث والكتب التي لم تستعمل.

(2) حتي إذا كانت الاستدانة لمؤنة سنة الربح في السنة السابقة عليها، لاستثناء مقدار المؤنة من الربح وإن أنفق عليها من مال آخر، كما تقدم في المسألة السابعة والثلاثين.

نعم هذا يختص بالدين للمؤنة أما الديون الأخري فإنما تستثني إذا كانت في سنة الربح. وأما الديون السابقة فلا وجه لاستثنائها، لعدم كونها مؤنة السنة، ولا مقابلة بربحها. غاية الأمر أنه لو وفاها في السنة كان الوفاء مستثني من الربح، لأنه من جملة المؤنة، كما تقدم في المسألة السابعة والأربعين. وهو أمر آخر.

(3) بأن لم تصرف في مؤنتها.

(4) يعني أثناء السنة الثانية. وكذا لو سقط الدين عن ذمته بإبراء الدين أو وفاء متبرع عنه، أو كان قد ورث الدائن وكان ميراثه منه.

أما إذا كان ميراثه منه محتسباً فلا يبعد عدم وجوب خمسها، لعدم كونه ربحاً جديداً إلا بلحاظ الميراث المذكور، وهو لا خمس فيه. ولا أقل من الشك الذي يكون المرجع فيه أصالة عدم ثبوت الخمس، لرجوع الشك للشك في أصل ثبوت الخمس، لا في العفو عنه ثبوته.

(5) لأنها تعد ربحاً حينئذٍ بعد عدم الدين المقابل لها والذي يستثني منها.

ص: 320

وصارت معدودة من أرباح السنة الثانية. وكذا الحكم إذا اشتري أعياناً لغير المؤنة - كبستان - وكان عليه دين للمؤنة يساويها لم يجب إخراج خمسها، فإذا وفي الدين في السنة الثانية كانت معدودة من أرباحها ووجب إخراج خمسها آخر السنة (1). وإذا اشتري بستاناً مثلاً بثمن في الذمة مؤجلاً (2)، فجاء رأس السنة لم يجب إخراج خمس البستان (3)، فإذا وفي تمام الثمن في السنة الثانية كانت البستان من أرباح السنة الثانية،

-

ولا مجال لاحتمال وجوب إخراج خمس الدين نفسه، بدعوي: أنه هو الربح الحقيقي الحاصل له في السنة. لاندفاعه بأنه بعد أن كان له التصرف في الربح في أثناء السنة ووفاء الدين به، فمقدار الوفاء ليس من موجوداته، ولا من أرباحه الفعلية، بل ليس الموجود إلا الأعيان المذكورة وهي الربح عرفاً.

(1) لعين ما سبق.

(2) وكذا الحال إذا كان معجلاً لكنه لم يوفه.

(3) لعدم كونه ربحاً مع مقابلته بالدين. من دون فرق بين زيادة سعر البستان في آخر السنة عن الدين وعدمه، لأن البستان بتمامه ليس ربحاً، لا حين الشراء، لكونه مقابلاً بالدين ولا حين ارتفاع سعره، لما سبق من أن ارتفاع السعر لا يعد ربحاً، وإنما الربح بزيادة سعر البيع عن سعر الشراء، والمفروض عدم بيعه.

نعم بناءً علي ما تقدم من سيدنا المصنف (قدس سره) وغيره من عدّ زيادة السعر فيما اتخذ للتجارة ربحاً وموضوعاً للخمس يتجه ثبوت الخمس في زيادة سعر البستان إذا كان متخذاً للاتجار. لكن تقدم ضعف المبني المذكور في المسألة التاسعة والعشرين. وإنما يتجه ملاحظة سعر البستان إذا ارتفع في آخر السنة إذا كان نفسه من أرباح السنة، كما إذا اشتراه من أرباحها، أو مجاناً بإحياء أرض ميتة، أو بهبة أو بميراث غير محتسب، أو غير ذلك.

ص: 321

ووجب إخراج خمسها (1)، فإذا وفي نصف الثمن في السنة الثانية كان نصف البستان من أرباح تلك السنة، ووجب إخراج خمس النصف، فإذا وفي ربع الثمن في السنة الثانية كان ربعها من أرباح تلك السنة، وهكذا كلما وفي جزءاً من الثمن كان ما يقابله من البستان من أرباح تلك السنة. هذا إذا كانت البستان موجودة، أما إذا تلفت فلا خمس فيها (2). وكذا إذا ربح في سنة مائة دينار مثلاً، فلم يدفع منها عشرين ديناراً (3) حتي جاءت السنة الثانية، فدفع من أرباحها (4) عشرين ديناراً وجب عليه خمس العشرين ديناراً التي هي الخمس مع بقائها لا مع تلفها (5). وإذا فرض أنه اشتري داراً للسكني فسكنها، ثم وفي في السنة الثانية ثمنها لم يجب عليه خمس الدار (6). وكذا إذ

-

(1) وذلك بملاحظة السعر الفعلي للبستان لا بسعر شرائها، لأن البستان يعد بنفسه من أرباح سنة الوفاء، لكونه بدل الربح المدفوع وفاءً عن الثمن.

(2) لعدم الموضوع له. كما لا خمس في المال الذي وفي به الدين، لأن وفاء الدين المذكور من مؤنة سنة الوفاء، كما تقدم في المسألة السابعة والأربعين.

(3) يعني: الخمس.

(4) يعني: من أرباح السنة الثانية.

(5) إذ مع بقاء المائة دينار تكون العشرين ديناراً ربحاً زائداً علي الثمانين التي هي أربعة أخماس المائة، فيجب فيها الخمس. وبعبارة أخري يكون ربحه في السنتين مائة وعشرين ديناراً، وخمس المائة عشرون، وخمس العشرين أربعة. أما مع تلف المائة دينار فيبقي الخمس - وهو العشرون ديناراً - ديناً في ذمته من دون مقابل، ويكون وفاؤه من مؤنة السنة الثانية لا خمس فيه.

(6) لأنها وإن كانت مقابلة بالربح إلا أنها مؤنة. كما لا يجب دفع خمس وفاء

ص: 322

(323)

وفي في السنة الثانية بعض أجزاء الثمن لم يجب الخمس في الحصة من الدار.

(مسألة 63): إذا نذر أن يصرف نصف أرباحه السنوية في وجه من وجوه البر لم يجب عليه إخراج خمس نصف أرباحه (1)، ووجب عليه إخراج

-

الدين، لأن مؤنة سنة الوفاء بعد أن لم يكن للدين مقابل. نعم لو استغني عن الدار في سنة الوفاء بحيث لا تعد مؤنة له في تلك السنة تعين دفع خمسها أو خمس ما يقابل منها الوفاء بالنسبة، كالربع والنصف وغيرهما.

(1) قد يوجه بابتناء النذر علي تمليك المنذور لله تعالي، كما هو مقتضي قوله: لله عليّ الذي تضمنته صيغته، لظهور ال - (لام) فيها في التمليك، ومقتضي نفوذ النذر ملكيته تعالي للمنذور. بل هو كالصريح من موثق مسعدة بن صدقة: سمعت أبا عبد الله (عليه السلام) وسئل عن الرجل يحلف بالنذر ونيته في يمينه التي حلف عليها درهم أو أقل. قال: إذا لم يجعله لله فليس بشيء(1) ، وحديث أبي الصباح: سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن رجل قال: علي نذر، قال: ليس النذر بشيء حتي يسمي لله صياماً أو صدقة أو هدياً أو حجاً(2). وحينئذٍ يكون نصف أرباحه في الفرض محقوقاً عليه، فيخرج عن كونه ربحاً عرفاً، ولا أقل من كون الحق المذكور بنفسه له مالية يعادل نصف الربح، فيستثني من الربح، ويتعين حينئذ عدم وجوب الخمس في مقدار نصف الربح وإن لم يبادر بإنفاقه في الوجه المنذور.

لكن لم يتضح كون ال - (لام) في المقام للتمليك، بل ربما تكون لمجرد الالتزام والتعهد لله تعالي بالعمل المنذور باعتباره أمراً محبوباً له جل شأنه، لكثر استعمال اللام في ذلك كما أشرنا لنظير ذلك في المسألة الثالثة والأربعين عند الكلام في استثناء الحج.

وكأن ذلك هو مبني التفصيل من بعض مشايخنا (قدس سره) بين ما إذا بادر قبل حلول رأس السنة بالوفاء بالنذر وما إذا لم يبادر، فلا خمس فيه في الأول لكونه من

********

(1و2) وسائل الشيعة ج: 16 باب: 1 من أبواب كتاب النذر والعهد حديث: 4، 2

ص: 323

المؤنة، ويثبت الخمس في الثاني، لأن المعيار في المؤنة المستثناة علي الإنفاق كما تقدم.

لكن ذلك لا ينافي صحة النذر في تمام النصف في الفرض، فيجب وفاؤه من رأس المال الباقي بعد إخراج الخمس، فينفق خمسة أثمان الباقي في النذر. ويتعين العمل علي ذلك مع اليمين والعهد، لعدم الإشكال ظاهراً في عدم اقتضائها تمليك موضوعها لله تعالي واستحقاقه علي الحالف والمعاهد وضعاً، ليتجه استثناءه من الربح، بل مجرد الالتزام بموضوعها المقتضي للتكليف به شرعاً لا غير.

اللهم إلا أن يقال: التكليف الشرعي بالإنفاق إذا كان متفرعاً علي حصول الربح فهو يوجب عرفاً قصور الربح عن مقداره، ولا أقل من انصرافه عنه، لقضاء المناسبات الارتكازية بأن ثبوت الخمس في المال ليس لمجرد كونه مملوكاً، بل بلحاظ الانتفاع به والاستفادة منه، فمع فرض كون ملكيته سبباً لوجوب الإنفاق فما ينتفع به ويستفاد ويكون غنيمة خصوص الباقي منه بعد استثناء مقدار الإنفاق الواجب.

ولذا لا يظن الإشكال في ذلك في مثل الشرط وإن قلنا بأن وجوب الوفاء به ابتدائي لا يترتب علي استحقاقه وضعاً، كما لو اشترط عليه في ضمن عقد لازم أن يدفع عشرة دراهم إذا ولدت فرسه مهرة.

بل الظاهر جريان ذلك أيضاً فيما يلزم بدفعه من ضرائب السلطان ونحوها، بحيث لا يسعه التخلص منه، كما تقدم في المسألة الثالثة والثلاثين.

ولا يفرق في ذلك بين أن يكون المال الذي يلزم إنفاقه جزءاً من الربح وأن يكون مالاً كلياً، كما لو حلف أن يتصدق بمائة درهم إن رزقه الله تعالي ألف درهم.

نعم إذا لم يكن في مقام الوفاء بالنذر ونحوه من أسباب التكليف بالإنفاق عصياناً أشكل سقوط الخمس، لعدم وضوح انصراف الربح عنه حينئذٍ.

وأظهر من ذلك ما إذا لم يترتب التكليف بالإنفاق علي حصول الربح، كما لو حلف أن يتصدق بمائة درهم إن برئ من مرضه، فإن المائة درهم حينئذ لا تستثني من الربح، بل تكون من جملة المؤن المستثناة مع إنفاق الربح فيها، لا مطلقاً. فلاحظ.

ص: 324

(325)

خمس النصف الآخر من أرباحه بعد إكمال مؤنته (1).

(مسألة 64): إذا كان رأس ماله مائة دينار (2) مثلاً، فاستأجر دكاناً بعشرة دنانير، واشتري آلات للدكان بعشرة، وفي آخر السنة وجد ماله بلغ مائة، كان عليه خمس الآلات فقط (3)، ولا يجب إخراج خمس أجرة الدكان، لأنها من مؤنة التجارة، وكذا أجرة الحارس والحمال والضرائب التي يدفعها إلي السلطان والسرقفلية، فإن هذه المؤن مستثناة من الربح، والخمس إنما يجب فيما زاد عليها، كما عرفت (4).

-

(1) هذا إذا كان مراده من نصف الربح المنذور هو نصف أصل الربح، أما إذا كان المراد نصف الربح الصافي بعد المؤنة فاللازم إخراج المؤنة أولاً من مجموع الربح، ثم التصدق بنصف الباقي وتخميس نصفه الثاني.

(2) يعني: لا خمس فيها ولو لكونها الباقي بعد تخميس المال.

(3) لا وجه لذلك بعد كون الآلات في مقابل المال المخمس، لفرض أنه اشتراها منه لا من ربح السنة، بل المتعين تخميس العشرة دنانير، لأنها هي الربح الزائد علي التسعين الباقية من رأس المال بعد شراء الآلات. وارتفاع قيمة الآلات لا تعد ربحاً عرفاً ليخمس، كما تقدم في نظيره في المسألة التاسعة والعشرين. كما أن نزولها لا يعد خسارة، لتنجبر بالربح، حتي لو كان بسبب استعمالها، كما تقدم نظيره في آخر المسألة الخامسة والثلاثين.

(4) تقدم منه (قدس سره) التعرض لذلك في المسألة الثالثة والثلاثين.

نعم ذكرنا هناك أن ضرائب السلطان إنما تكون من مؤنة التجارة التي يتوقف عليها تحصيل الربح إذا توقفت عليها التجارة، كضريبة إجازة فتح المحل التجاري، دون غيرها، سواءً كانت مجعولة بسبب حصول الربح - كضريبة الدخل - أم بسبب

ص: 325

(326)

نعم إذا كانت السرقفلية التي دفعها إلي المالك أو غيره أوجبت له حقاً في أخذها من غيره (1)، وجب تقويم ذلك الحق في آخر السنة وإخراج خمسه (2) فربما تزيد قيمته علي مقدار ما دفعه من السرقفلية، وربما تنقص، وربما تساوي.

(مسألة 65): إذا حل رأس الحول فلم يدفع خمس الربح، ثم دفعه تدريجاً من ربح السنة الثانية، لم يحسب ما يدفعه من المؤن، بل يجب في الخمس (3).

-

آخر، كضريبة تبليط الشارع. غايته أن الأولي تشارك مؤنة التجارة في استثنائها من الربح، كما يظهر مما ذكرناه في المسألة السابقة، أما الثانية فهي من مؤن الإنسان الحياتية، نظير هداياه. ويظهر الفرق بينهما في أن الأولي تستثني من ربح سنة جعلها عليه، وإن تأخر أداؤها للسنة الثانية. أما الثانية فهي لا تستثني منه إلا مع أدائها في نفس السنة، فلو لم تؤد فيها وأديت في سنة أخري استثنيت من ربح سنة أدائها.

(1) بحيث يكون مالك المحل ملزماً شرعاً بتأجير المحل علي صاحبها نتيجة الحق المذكور.

(2) هذا إذا كان بنفسه من أرباح تلك السنة، كما إذا صار له مقابل عمل فيها محترم، أو اقترض المال الذي دفعه للسرقفلية ثم وفاه من أرباح السنة. أما إذا دفعه من رأس المال المخمس فلا خمس في ارتفاع سعره. كما لا يستثني الفرق لو نزل سعره، أما بناء علي ما سبق منّا في المسألة التاسعة والعشرين من عدم كون ارتفاع السعر ربحاً ولا نزوله خسارة فظاهر، وأما بناء علي ما سبق من سيدنا المصنف (قدس سره) من أن ارتفاع السعر ربح ونزوله خسارة فلاختصاص ذلك عنده بما يتخذ للتجارة، والحق المذكور ليس كذلك في فرض المسألة.

(3) إذا بقي ربح السنة السابقة، أما لو تلف بعد السنة قبل دفع الخمس كان وفاء الخمس من مؤنة السنة اللاحقة ومستثني من أرباحها، كما سبق نظيره في أواخر المسألة الثانية والستين، وسيذكره في صورة المصالحة علي الخمس في الذمة.

ص: 326

(327)

وكذا لو صالحه الحاكم علي مبلغ في الذمة، فإن وفاءه من أرباح السنة الثانية لا يكون من المؤن، بل يجب فيه الخمس إذا كان مال المصالحة عوضاً عن خمس عين موجودة، وإذا كان عوضاً عن خمس عين أو أعيان تالفة، فوفاؤه يحسب من المؤن، ولا خمس فيه (1).

(مسألة 66): إذا حلّ رأس السنة فوجد بعض مال التجارة ديناً في ذمة الناس، فإن كان نقداً وأمكن استيفاؤه، وجب دفع خمسه (2)،

-

(1) يعني: إذا وفاه في نفس سنة الربح. أما إذا لم يوفه فلابد من تخميس مقداره، لفرض عدم كون الدين لمؤنة سنة الربح، ليقابل به. غاية الأمر أن وفاءه يكون من مؤنتها إذا حصل فيها.

(2) لكونه قادراً علي دفعه بسبب القدرة علي استيفاء الدين، فيجب دفعه. اللهم إلا أن يقال: مجرد القدرة علي دفع الخمس لا يقتضي وجوب المبادرة ما لم يستلزم التأخير حبس الحق والتعدي عليه، وهو إنما يتم إذا كان تحت يده، ولا يشمل الفرض.

نعم يجب علي المستدين المبادرة بوفاء الدين مع قدرته علي الوفاء وإن لم يطالبه به المالك إذا كان تأخيره مستلزماً لحبس الخمس والتعدي عليه، لعدم دفع الدائن لخمسه. ولا يجوز للدائن الرضا بتأخير الدين إلا مع دفعه للخمس. بل قد يقال بوجوب إعلامه بثبوت الخمس فيه. وإن كان الأمر لا يخلو عن إشكال.

وكذا الحال فيما لو غصب الربح أو بعضه غاصب، فإنه لا يجب علي المالك دفع خمسه مع قدرته علي استنقاذه، لأن حبس الحق لا يستند له بل للغاصب. كما لا يجب علي المالك إعلامه بثبوت الخمس فيه بعد إقدامه علي العدوان.

نعم إذا استودع المالك أو أعار الربح أو بعضه وجب عليه المبادرة باسترداده مع قدرته علي استرداده أو دفع خمسه، لأن الأمين علي العين من قبل المالك يده بمنزلة يد المالك فيكون المالك نفسه متعدياً علي الخمس بتأخيره. كما يكون الأمين أيض

ص: 327

وإن لم يمكن انتظر استيفاؤه في السنة اللاحقة (1)، فإذا استوفاه وجب إخراج

-

متعدياً علي الخمس بحبس العين وإن لم يطالبه بها المالك. فتأمل.

هذا كله إذا كان مال التجارة الذي في الذمة من الربح الثابت فيه الخمس. أما إذا كان من المال الذي لا ربح فيه فهو خارج عن محل الكلام، كما لو كان القرض في معاملة لا ربح فيها. بل يتعين حينئذ حساب الربح من غيره، والمبادرة بدفعه. نعم لو احتمل تعذر تحصيله رجع ذلك إلي احتمال كونه خسارة تجبر بالربح، فلا يثبت الخمس فيه بقدرها، وجاز له الانتظار وعدم دفع ما يقابله من الربح إلا مع القدرة علي تحصيله.

(1) مقتضي ما سبق منه (قدس سره) أن يكون المعيار في وجوب المبادرة لدفع الخمس القدرة علي استيفاء الدين، لا فعلية الاستيفاء. وما سبق منا هناك يجري هنا.

فلا يجب التعجيل بإخراج خمسه مع تعذر استيفائه أما بناء علي ما سبق منا فظاهر وأما بناء علي ما سبق منه (قدس سره) فلعدم كونه مفرطاً في تأخير الخمس بعد ما سبق من قيام الخمس بعين الربح المفروض عدم قدرته علي التصرف فيه. بل تكليفه مع ذلك بدفع بدل الخمس مع عدم قدرته علي المبدل منه ضرر. ولاسيما مع احتمال تلف الدين عليه وامتناع المدين من وفائه أو عجزه عنه، حيث يكون التلف من نصيب الخمس أيضاً، ولا وجه لتحمله له بعد عدم تفريطه في أدائه.

ويجري نظير ذلك فيما لو بقي بعينه وكان تحت يد غيره من غاصب أو أمين لا يستطيع أخذه منه لسفر أو حبس أو غيرهما.

نعم لا يجوز في الجميع إبراء المدين الدين ولا هبة العين لمن هي عنده إلا بدفع الخمس، لعدم نفوذهما في مقداره بدون ذلك. إلا في مورد تحليل الخمس للشيعة، فيتعين صحتهما إذا كان الطرف الآخر شيعياً، وثبوت الخمس في ذمة المالك الذي أبرأ الدين أو وهب العين.

ص: 328

خمسه، وكان من أرباح السنة السابقة (1)، لا من أرباح سنة الاستيفاء. وإن كان الدين عروضاً ففيه إشكال (2). وإن كان الأظهر جريان حكم النقد عليه،

-

(1) لأنه ملكه فيها. ومجرد عجزه عن التصرف فيه في تلك السنة وقدرته علي التصرف فيه في سنة الاستيفاء لا يجعله من أرباحها. ويترتب علي ذلك وجوب المبادرة بدفع الخمس، وعدم خروج مؤنة سنة الاستيفاء منه. وإضافة الأربعة أخماس الباقية من الدين لرأس مال السنة السابقة.

(2) كأنه لدعوي: أن العروض لما كان مملوكاً بالفعل فخمسه ثابت فعلاً، فيجب دفع قيمته بعد تعذر دفع عينه. ولا ضرر علي المالك في ذلك، لأنه لا يبقي علي قيمته الطبيعية بل تنزل قيمته بسبب تعذر تحصيله، فيدفع خمس تلك القيمة لا غير، فإذا استوفاه بعد ذلك فارتفعت قيمته كان الزائد علي قيمته حين التعذر من أرباح سنة الاستيفاء، فتخرج مؤنتها منه، بخلاف مقدار ما دفعه تبعاً لقيمته حين التعذر، فإنه من أرباح السنة السابقة التي دفع الخمس فيها. ولعله لذا أفتي (قدس سره) سابقاً بذلك.

وفيه: أولاً: أن ذلك - لو تم - لا يقتضي لزوم دفع خمس القيمة حين التعذر، لعدم القدرة علي العين حتي بقيمتها المذكورة، فلا تعدي علي الخمس الثابت فيها بتأخيره. وقدرته علي تحصيل ماليته بالبيع بتلك القيمة - مع عدم اطرادها - لا تكفي في القدرة علي الأصل ليلزم بتبديله بالقيمة.

بل تكليفه بدفع الخمس بلحاظ القيمة المذكورة ضرر عليه مع عدم قدرته علي الأصل، ولاسيما مع احتمال تلفه بتمامه. كما أن تكليفه بالبيع بالقيمة المذكورة لو كان ميسوراً خال عن الدليل، بل قد يكون ضرراً عليه، لاحتمال تحصيله الأصل.

وثانياً: أن ذلك لو تم في العروض جري في النقد أيضاً، لأن ماليته تنزل أيضاً بتعذر تحصيله فعلاً، غايته أنه لا يشرع بيعه بالأقل من جنسه إذا كان ربوياً. وهو أمر آخر.

ولعله لذا لم يفرق بعض مشايخنا (قدس سره) بين النقد والعروض وخير بين الوجهين

ص: 329

معاً، ولم يلزم بالتعجيل. قال في فرض عدم إمكان تحصيل الدين: وإن لم يمكن تخير بين أن ينتظر استيفاءه في السنة اللاحقة، فإذا استوفاه أخرج خمسه، وكان من أرباح السنة السابقة، لا من أرباح سنة الاستيفاء، وبين أن يقدر مالية الديون فعلاً فيدفع خمسها، فإذا استوفاها في السنة الآتية كان الزائد علي ما قدّر من أرباح سنة الاستيفاء.

لكنه يشكل - مع ذلك - بأن تعذر تحصيل المال لا يوجب نزول قيمته وماليته، بل المعيار في القيمة خصوصيات المال الذاتية والعرضية الموجبة للرغبة فيه نوعاً. المستلزم لعدم اختلاف مقدار المالية باختلاف الأشخاص والحالات. وليس منها التعذر الذي يختلف باختلاف الأشخاص والحالات حتي في المال الواحد الشخصي. ورضا من يتعذر عليه تحصيل المال فعلاً بتبديله بالأقل ليس لتنزل ماليته في حقه، بل لتعلق غرضه الشخصي بتعجيل تحصيل المال، أو للاكتفاء بالقليل بدلاً عن الكثير المحتمل. نظير شدة الحاجة لبعض الأعيان في حق بعض الأشخاص المستلزم لبذله في تحصيلها أكثر من قيمتها.

ولذا لو أتلف المال المغصوب أو نحوه متلف ضمنه للمالك بقيمته الحقيقية، من دون أن تنزل قيمته في حق مالكه أو في حق المتلف لتعذر تحصيله علي أحدهما أو عليهما.

كما لا إشكال في أن من كان رأس ماله المخمس مائة دينار مثلاً وكان تحت يده، وبعد مضي الحول صار مجموع ماله مائة وخمسين ديناراً ديناً أو مغصوباً أو أمانة لا يتسني له تحصيلها يعد عرفاً رابحاً خمسين ديناراً وإن كان يرضي بتبديلها بمائة مقبوضة من دون أن يعد ذلك منه تهاوناً بماله.

بل لازم هذا الوجه أنه لو لم يدفع المالك خمس المال في محل الكلام وانتظر حتي استوفي المال كان الخمس الثابت عليه في السنة السابقة وهي سنة حصول الربح الذي لم يتيسر له تحصيله هو خمس قيمة حال تعذر التحصيل، ويكون الارتفاع المفروض لقيمة ما استوفاه بسبب القدرة عليه من أرباح سنة الاستيفاء، فله إخراج مؤنتها منه،

ص: 330

فإن أمكن استيفاؤه أخرج خمسه فعلاً (1)، وإن لم يمكن استيفاؤه ينتظر في وجوب دفع خمسه استيفاؤه (2) فإذا استوفاه دفع خمسه حينئذ.

-

ولم يلتزم (قدس سره) بذلك. بل لو عجل المالك بدفع تمام خمس الدين في الفرض من دون ملاحظة نزول القيمة المدعي - ولو للغفلة أو تخيل القدرة علي تحصيل المال - كان قد دفع ما لم يثبت عليه، ولا يحسب له إلا خمس قيمته حال تعذر التحصيل، ويجب عليه دفع خمس فرق القيمتين بعد الاستيفاء، لأن الفرق المذكور من أرباح السنة اللاحقة... إلي غير ذلك مما لا يظن من أحد الالتزام به.

هذا كله بناءً علي ثبوت الخمس في ارتفاع القيمة أما بناء علي عدمه ولو لعدم كون المال متخذاً للتجارة والتكسب فالأمر أظهر. ومن هنا لا معدل عما في المتن من دون فرق بين النقد والعروض.

(1) كما تقدم منه (قدس سره) في النقد، وتقدم منّا الكلام فيه.

(2) أشرنا آنفاً إلي أن المناسب لما تقدم منه (قدس سره) إناطة وجوب المبادرة لدفع الخمس بالقدرة علي استيفائه، لا باستيفائه فعلاً. والله سبحانه وتعالي العالم والحمد لله رب العالمين وصلي الله علي محمد وآله الطاهرين وهو حسبنا ونعم الوكيل.

ص: 331

ص: 332

(333) (333)

المبحث الثاني: في مستحق الخمس ومصرفه

يقسم الخمس (1)

-

(1) المشهور أن الخمس يقسم ستة أسهم، وفي التذكرة أنه مذهب جمهور أصحابنا، وظاهر مجمع البيان ومحكي كنز العرفان وكشف الرموز الإجماع عليه، بل هو صريح الانتصار والغنية، بل الخلاف أيضاً وإن ذكره في خمس الغنيمة وعن أمالي الصدوق أنه من دين الإمامية.

والأسهم الستة سهم لله، وسهم للرسول، وسهم لذي القربي، وسهم لليتامي، وسهم للمساكين، وسهم لأبناء السبيل.

ويقتضيه الآية الشريفة التي هي الأصل في تشريع الخمس. والنصوص الكثيرة، كصحيح عبد الله بن مسكان عن زكريا بن مالك الجعفي عن أبي عبد الله (عليه السلام): أنه سأله عن قول الله عزّ وجلّ: واعلموا أنما غنمتم من شيء فأن لله خمسه وللرسول ولذي القربي واليتامي والمساكين وابن السبيل فقال: أما خمس الله عزّ وجلّ فللرسول يضعه في سبيل الله، وأما خمس الرسول فلأقاربه، وخمس ذوي القربي فهم أقرباؤه وحدها، واليتامي يتامي أهل بيته، فجعل هذه الأربعة أسهم فيهم. وأما المساكين وابن السبيل فقد عرفت أنا لا نأكل الصدقة ولا تحل لنا، فهي للمساكين وأبناء السبيل(1). وقريب منه في ذلك غيره.

********

(1) وسائل الشيعة ج: 6 باب: 1 من أبواب قسمة الخمس ومستحقه حديث: 1

ص: 333

ونسب إلي بعض أصحابنا - وقيل إنه ابن الجنيد، وإن نسب له في المختلف موافقة المشهور - أنه يقسم خمسة أسهم بحذف سهم الله تعالي، كما عن بعض العامة أيضاً. إما لأن البدء بإضافة الحق له تعالي في الآية لمحض التبرك، أو للتمهيد لإثبات الحق لرسوله، لأنه إنما استحق بسببه، أو للتنبيه إلي كون تمام الخمس له تعالي، بمعني التقرب به إليه، أو لغير ذلك مما هو مخالف للظاهر جداً.

نعم يشهد بقسمة الخمس خمسة أسهم صحيح ربعي عن أبي عبد الله (عليه السلام): قال: كان رسول الله (صلي الله عليه وآله وسلّم) إذا أتاه المغنم أخذ صفوه، وكان ذلك له، ثم يقسم ما بقي خمسة أخماس، ويأخذ خمسه، ثم يقسم أربعة أخماس بين الناس الذين قاتلوا عليه، ثم قسم الخمس الذي أخذه خمسة أخماس، يأخذ خمس الله عزّ وجلّ لنفسه، ثم يقسم الأربعة أخماس بين ذوي القربي واليتامي والمساكين وأبناء السبيل، يعطي كل واحد منهم حقاً. وكذلك الإمام أخذ كما أخذ الرسول صلي الله عليه وآله(1). وظاهر المدارك الميل للآخذ به، لأنه أصح النصوص في هذا الباب.

لكن ذلك - لو تم - لا يكفي في رفع اليد به عما تقدم من النصوص الكثيرة، الموافقة للكتاب والمعول عليها بين الأصحاب. خصوصاً في مثل هذه المسألة التي يشيع الابتلاء بها، حيث يعلم عادة بعدم خفاء حكمها علي الأصحاب.

علي أنه غير تام، لأنه صرح بثبوت سهم الرسول في معتبر الريان بن الصلت الآتي عند الكلام في أن المراد بذي القربي الإمام (عليه السلام)، وهو ظاهر معتبر محمد بن مسلم الآتي هناك أيضاً.

فلابد من طرح صحيح ربعي وردّ علمه لأهله، أو حمله علي التقية، لموافقته لأكثر العامة - كما قيل - وإن خالفهم بظهوره في سقوط سهم النبي (صلي الله عليه وآله وسلّم) لا سهم الله تعالي، كما هو المدعي لهم. أو علي أن حكاية فعله (صلي الله عليه وآله وسلّم) لا يستلزم عدم استحقاقه سهماً - لإمكان كون ذلك منه توفيراً علي بقية الأصناف، وإن كان هو خلاف ظاهره.

********

(1) وسائل الشيعة ج: 6 باب: 1 من أبواب قسمة الخمس ومستحقه حديث: 3

ص: 334

(335)

في زماننا زمان الغيبة (1) نصفين: نصف لإمام العصر الحجة المنتظر (2) (عجل الله تعالي فرجه، وجعل أرواحنا فداه)،

-

(1) لا خصوصية لذلك في القسمة المذكورة. غاية الأمر أن تفاصيل مصرف الأسهم الثلاثة الراجعة له (عليه السلام) هو أعلم بها مع حضوره، وإنما يحتاج لبيانها مع غيبته من أجل العمل عليها.

(2) لأن له سهم الله تعالي وسهم رسوله وراثة، كما هو المقطوع به من فتاوي الأصحاب علي الظاهر وقد تضمنته جملة من النصوص، كصحيح البزنطي عن الرضا (عليه السلام): سئل عن قول الله عز وجل: واعلموا أنما غنمتم من شيء فأن لله خمسه وللرسول ولذي القربي فقيل له: فما كان لله فلمن هو؟ فقال: لرسول الله (صلي الله عليه وآله وسلّم) وما كان لرسول الله (صلي الله عليه وآله وسلّم) فهو للإمام...(1) ، ونحوه غيره مما يأتي بعضه.

كما أن سهم ذي القربي له، وهو المراد بذي القربي في الآية الشريفة، كما هو المعروف بين الأصحاب، وظاهر مجمع البيان والتذكرة ومحكي كنز العرفان الإجماع عليه، بل هو صريح الغنية والخلاف وإن ذكره في غنائم دار الحرب. وتقتضيه جملة من النصوص كمرسل عبد الله بن بكير عن أحدهما (عليه السلام): في قول الله عز وجل: واعلموا أنما غنمتم... قال: خمس الله للإمام، وخمس الرسول للإمام، وخمس ذوي القربي لقرابة الرسول الإمام. واليتامي يتامي الرسول، والمساكين منهم، وأبناء السبيل منهم، فلا يخرج منهم إلي غيرهم(2).

ومرسل حماد بن عيسي عن العبد الصالح (عليه السلام): قال:... ويقسم بينهم الخمس علي ستة أسهم: سهم لله، وسهم لرسول الله (صلي الله عليه وآله وسلّم)، وسهم لذي القربي، وسهم لليتامي، وسهم للمساكين، وسهم لأبناء السبيل. فسهم الله وسهم رسول الله لأولي الأمر من بعد رسول الله وراثة، وله ثلاثة أسهم، سهمان وراثة، وسهم مقسوم له من الله، وله

********

(1) وسائل الشيعة ج: 6 باب: 2 من أبواب قسمة الخمس ومستحقه حديث: 1

(2) وسائل الشيعة ج: 6 باب: 1 من أبواب قسمة الخمس ومستحقه حديث: 2

ص: 335

نصف الخمس كملا. ونصف الخمس الباقي بين أهل بيته... (1) ونحوها كثير. ولا يضر ضعف أسانيد النصوص المذكورة بعد كثرتها وظهور اعتماد الأصحاب عليها، خصوصاً في مثل الحكم الذي شاع الابتلاء به بنحو يمتنع عادة خفاء الحكم فيه.

علي أن في النصوص المذكورة ما هو معتبر السند، وهو معتبر الريان بن الصلت الطويل الوارد في الفرق بين العترة والأمة، فقد رواه الصدوق في العيون والأمالي بسند ليس فيه من لم ينص علي توثيقه إلا شيخا الصدوق اللذان رواه عنهما معاً: علي بن الحسين بن شاذويه وجعفر بن محمد بن مسرور، واللذان قد أكثر من الرواية عنهما مترضياً عليهما، حيث لا ينبغي الشك حينئذ في صدق روايتهما معاً عمن بعدهما من الأعيان من رجال السند. وقد تضمن الحديث النص علي أن المراد بذي القربي أهل البيت (عليهم السلام) أولوا الأمر الذين أمر الله تعالي بطاعتهم، والذين نص علي ولايتهم في آية التصدق، وقال (عليه السلام) - بعد أن نبه إلي اختصاص سهم الأيتام والمساكين بحال يتمهم ومسكنتهم -: وسهم ذوي القربي قائم إلي يوم القيامة فيهم للغني والفقير منهم، لأنه لا أحد أغني من الله عز وجل ولا من رسول الله (صلي الله عليه وآله وسلّم)، فجعل لنفسه منها سهماً، ولرسوله (صلي الله عليه وآله وسلّم) سهماً، فما رضيه لنفسه ولرسوله (صلي الله عليه وآله وسلّم) رضيه لهم. وكذلك الفيء ما رضيه منه لنفسه ولنبيه (صلي الله عليه وآله وسلّم) رضيه لذي القربي، كما أجراهم في الغنيمة، فبدأ بنفسه جلّ جلاله، ثم برسوله، ثم بهم، وقرن سهمهم بسهم الله وسهم رسوله (صلي الله عليه وآله وسلّم)...(2).

ولا ينافي ذلك ما هو المعلوم من شمول أولي القربي للصديقة الزهراء، بل لجميع أصاب الكساء (عليهم السلام) حال اجتماعهم مع اختصاص الإمامة بواحد منهم، إذ من القريب جداً حمل النصوص المتضمنة أن ذي القربي هو الإمام علي حال انحصار العترة وأهل البيت المعصومين (عليهم السلام) به، مع كون موضوعه الحقيقي العنوانين المذكورين، ولو

********

(1) وسائل الشيعة ج: 6 باب: 1 من أبواب قسمة الخمس ومستحقه حديث: 8

(2) عيون أخبار الرضا ج 1 ص 176 طبعة النجف الأشرف. أمالي الصدوق المجلس التاسع والسبعون ص: 475 طبع النجف الأشرف. وذكر قسماً منه في وسائل الشيعة ج: 6 باب: 1 من أبواب قسمة الخمس ومستحقه حديث: 10

ص: 336

بقرينة معتبر الريان المتقدم.

هذا وعن ابن الجنيد أن ذا القربي هم أقارب النبي (صلي الله عليه وآله وسلّم) من بني هاشم وبني المطلب. ولعله إليه يرجع في الجملة ما في الهداية للصدوق من أن سهم ذي القربي لأقرباء الإمام (عليه السلام). وقد يظهر من المدارك الميل إليه، حيث استدل له بإطلاق الآية، وبصحيح ربعي وحديث زكريا بن مالك المتقدمين. ويظهر اقتصار الصدوق في الفقيه والمقنع علي رواية الثاني منهما من بين نصوص مصرف الخمس فتواه بمضمونه.

لكن مقتضي إطلاق الآية المقامي بعد عدم تعيين من له القرب فيها هو الحمل علي قرابة المغتنم المخاطب بحكم الخمس، وليس الحمل علي قرابة النبي (صلي الله عليه وآله وسلّم) إلا بقرينة خارجية، ولا قرينة أقوي من النصوص المتقدمة وغيرها مما ورد في آية الخمس، وكذا في آية الفيء(1) ، وآية: وآت ذا القربي حقه(2) ، وآية: قل لا أسألكم عليه أجراً إلا المودة في القربي(3) المتضمنة اختصاصها بأهل البيت المعصومين (عليهم السلام). ولاسيما مع اشتهار الحكم بين الأصحاب.

وأما صحيح ربعي فهو مخالف لظاهر الآية الشريفة والنصوص المتضمنة قسمة الخمس ستة أسهم، كما تقدم. بل ظاهر عطف اليتامي والمساكين وأبناء السبيل فيه علي ذوي القربي كون المراد بهم من عدا القربي أو الأعم منهم، وهو مخالف للنصوص والإجماع.

كما أن حديث زكريا ظاهر في أن الأقارب لهم سهم الرسول (صلي الله عليه وآله وسلّم) وسهم ذوي القربي وسهم اليتامي جميعاً، وهو مخالف للنصوص والفتاوي مهما كان المراد بذي القربي.

مع أن الحديثين لا يتضمنان تحديد الأقارب بنحو لا يمكن جمعه مع نصوص المشهور وحمله علي مفادها، وكما أمكن شرح نصوص المشهور لذي القربي في الآية الشريفة أمكن شرحها لأقرباء النبي (صلي الله عليه وآله وسلّم) وذي قرباه في الحديثين. بل مقتضي قوله (عليه السلام)

********

(1) غاية المرام في حجة الخصام المقصد الثاني باب: 19، 20 ص: 324

(2) غاية المرام في حجة الخصام المقصد الثاني باب: 17، 18 ص: 323

(3) غاية المرام في حجة الخصام المقصد الثاني باب: 6 ص: 307

ص: 337

(338)

ونصف لبني هاشم (1): أيتامهم ومساكينهم وأبناء سبيلهم.

-

في حديث زكريا: واليتامي يتامي أهل بيته إرادة خصوص أهل البيت (عليهم السلام). ولاسيما بملاحظة ما في معتبر أبي بصير: قلت لأبي جعفر (عليه السلام): ما أيسر ما يدخل به العبد النار؟ قال: من أكل من مال اليتيم درهماً، ونحن اليتيم(1). وبالجملة: لا ينهض الحديثان بإثبات المطلوب.

كما لا مجال للعمل بظاهرها، بل لابد من طرحها أو تأويلها. ومثلهما في ذلك معتبر محمد بن مسلم عن أبي جعفر (عليه السلام): في قول الله عز وجل: واعلموا أنما غنمتم من شيء فأن لله خمسه وللرسول ولذي القربي قال: هم قرابة رسول الله (صلي الله عليه وآله وسلّم). والخمس لله وللرسول (صلي الله عليه وآله وسلّم) ولنا(2) ، حيث يمكن حمله علي ما لا ينافي نصوص المشهور. ومن هنا يتعين ما عليه المشهور.

(1) كما هو المعروف بين الأصحاب، ونسبه في التذكرة لعامة علمائنا، ويظهر من جملة من كلماتهم المفروغية عنه، وأن الكلام إنما هو في عمومه لمن انتسب للأم وعدمه، وفي الجواهر - في تعقيب ما ذكره المحقق من أن الأسهم الثلاثة الباقية للأيتام والمساكين وأبناء السبيل - قال: كتاباً وسنة مستفيضة جداً، بل متواترة، وإجماعاً بقسميه عليه. بل وعلي أن المراد بهم أقارب النبي (صلي الله عليه وآله وسلّم)، لا مطلقاً.

ويقتضيه جملة النصوص المتقدم بعضها، وفي جملة منها أن عوضهم عن الزكاة التي حرمت عليهم، وقد تضمنت جملة من النصوص إضافة الخمس لهم (عليهم السلام) كمعتبر أبي بصير عن أبي جعفر (عليه السلام): قال: كل شيء قوتل عليه علي شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله (صلي الله عليه وآله وسلّم) فإن لنا خمسه(3) ، ومعتبر محمد بن مسلم المتقدم قريباً وغيرها، فإنه بعد تعذر حملها علي خصوص الإمام يتعين حمله علي خصوص بني هاشم.

********

(1) وسائل الشيعة ج: 6 باب: 1 من أبواب ما يجب فيه الخمس حديث: 1

(2) وسائل الشيعة ج: 6 باب: 1 من أبواب قسمة الخمس ومستحقه حديث: 5

(3) وسائل الشيعة ج: 6 باب: 2 من أبواب ما يجب فيه الخمس حديث: 5

ص: 338

وهو المصرح به في مرسل حماد المتقدم، حيث قال (عليه السلام): وهؤلاء الذين جعل الله لهم الخمس هم قرابة النبي (صلي الله عليه وآله وسلّم) الذين ذكرهم الله فقال: وأنذر عشيرتك الأقربين وهم عبد المطلب أنفسهم الذكر منهم والأنثي ليس فيهم من أهل بيوتات قريش ولا من العرب أحد(1).

هذا وقد صرح في التذكرة بعدم استحقاق بني المطلب من الخمس شيئاً، بل تحل لهم الزكاة، ولم ينقل الخلاف في ذلك إلا عن الشافعي المطلبي، وظاهر جملة من كلمات أصحابنا المفروغية عنه. لكن نسب في المختلف عدم استحقاقهم لأكثر علمائنا، ونسب الخلاف في ذلك لابن الجنيد والمفيد في الغرية.

وقد يستدل لهما بما في الخلاف عن جبير بن مطعم، قال: لما كان يوم خيبر وضع النبي [رسول الله] (صلي الله عليه وآله وسلّم) سهم ذي القربي في بني هاشم وبني المطلب، وترك بني نوفل وبني عبد شمس فانطلقت أنا وعثمان حتي أتينا النبي (صلي الله عليه وآله وسلّم) فقلنا [فقلت]: يا رسول الله هؤلاء بنو هاشم لا ننكر فضلهم، لموضعك الذي وضعك الله فيهم، فما بال إخواننا بني المطلب أعطيتهم وتركتنا وقرابتنا واحدة؟ فقال رسول الله: أنا وبني المطلب لا نفترق في جاهلية ولا إسلام، وإنما نحن وهم شيء واحد، وشبك بين أصابعه(2) ، وبموثق زرارة عن أبي عبد الله (عليه السلام): قال: إنه لو كان العدل ما احتاج هاشمي ولا مطلبي إلي صدقة، إن الله جعل لهم في كتابه ما كان فيه سعتهم(3) ، لظهوره في الإشارة للخمس.

لكن لا مجال للخروج بهما عما سبق. ولاسيما بعد اعتضاده بعمل الأصحاب ومعروفية الحكم بينهم، خصوصاً مع ما هو المعلوم من بدلية الخمس عن الزكاة، وصريح جملة من النصوص أن الذين تحرم عليهم الزكاة هم بنو هاشم(4).

فلابد من حمل النبوي - لو غض النظر عن ضعف سنده - علي أن فعله (صلي الله عليه وآله وسلّم)

********

(1) وسائل الشيعة ج: 6 باب: 2 من أبواب قسمة الخمس ومستحقه حديث: 8

(2) الخلاف ج: 4 ص: 213

(3) وسائل الشيعة ج: 6 باب: 33 من أبواب المستحقين للزكاة حديث: 1

(4) راجع وسائل الشيعة ج: 6 باب: 29، 30، 31، 32، 34 من أبواب المستحقين للزكاة

ص: 339

(340)

ويشترط فيهم جميعاً الإيمان (1).

-

ليس لاستحقاق بني المطلب له بأصل الجعل - ولو لتنزيلهم شرعاً منزلة بني هاشم - بل لإعمال ولايته في الحق المذكور، فيختص بزمانه (صلي الله عليه وآله وسلّم)، تبعاً لنظره الشريف، ولا يسري بعده (صلي الله عليه وآله وسلّم). ولاسيما وأنه وارد في سهم ذي القربي، الذي سبق اختصاصه بالمعصومين (عليهم السلام) بالإجماع والنصوص.

وأما الموثق فقد يحمل المطلبي فيه علي النسبة لعبد المطلب، نظير قولهم: منافي و: أشهلي في النسبة لعبد مناف وعبد الأشهل، ويكون من عطف الخاص علي العام، أو عطف أحد المتساويين علي الآخر لو لم يكن لهاشم عقب من غير عبد المطلب.

وأضعف من ذلك ما عن ابن الجنيد من جواز إعطاء السهام المذكورة لواجد هذه الصفات من ذوي القربي وغيرهم من المسلمين مع استغناء ذوي القربي، ولا تخرج عن ذوي القربي ما وجد فيهم محتاج.

إذ فيه أنه مخالف لما سبق من النصوص المعول عليها بين الأصحاب. بل في مرسل حماد السابق: فإن فضل عنهم شيء فهو للوالي، فإن عجز أو نقص عن استغنائهم كان علي الوالي أن ينفق من عنده بقدر ما يستغنون به...(1) ، ونحوه مرفوع أحمد بن محمد(2). وأما إطلاق صحيح ربعي المتقدم فهو لم تم لا يقتضي تقديم ذوي القربي مع حاجتهم. وإن حمل علي ما يناسب النصوص الأخري لم يصلح شاهداً للقول المذكور.

(1) كما صرح به جماعة، وفي الرياض: من غير مخالف لهم صريح أجده، وفي الجواهر: لا أجد فيه خلافاً محققاً، كما اعترف به بعضهم. بل في الغنية والمختلف الإجماع عليه.

والعمدة فيه: أن الخمس مودة وكرامة لا يستحقها غير المؤمن، بل هو أولي

********

(1و2) وسائل الشيعة ج: 6 باب: 3 من أبواب قسمة الخمس ومستحقه حديث: 1، 2

ص: 340

(341)

كما يعتبر الفقر في الأيتام (1).

-

ارتكازاً في ذلك من الزكاة التي ثبت اختصاصها بالمؤمن، مع أنها أوساخ الناس، وليست هي إلا إعانة للفقير ومواساة له، من دون أن تكون تكرمة له.

علي أنه قد يظهر من بعض أدلتها العموم له، كخبر ابن يعقوب: قلت لأبي الحسن الرضا (عليه السلام): أعطي هؤلاء الذين يزعمون أن أباك حي من الزكاة شيئاً؟ قال: لا تعطهم، فإنهم كفار مشركون زنادقة(1). فإن حمل التعليل فيه علي كونه ارتكازياً يقتضي كون وجه منع الكفر والشرك والزندقة من إعطاء الزكاة هي منافاة هذه الأمور لأخذ الحق الثابت بدين الحق، فيعم الخمس.

وقد يستفاد أيضاً من خبر إبراهيم الأوسي الوارد فيمن لا يجد من يدفع له الزكاة من المؤمنين، وفيه: ثم قال له: إن لم تصب لها أحد فصرها صراراً واطرحها في البحر، فإن الله حرّم أموالنا وأموال شيعتنا علي عدونا(2). فإن كون الزكاة من أموالهم إنما هو بلحاظ ولايتهم العامة عليها أو علي من وجبت عليه، وكونها من أموال شيعتهم بلحاظ ملكهم لها في ضمن أموالهم قبل استحقاقها فيها، وكلا الأمرين جارٍ في الخمس.

مضافاً إلي أن ما تضمنته جملة من النصوص من تعويض بني هاشم بالخمس بدلاً عن الزكاة التي حرمت عليهم، حيث يناسب ذلك جداً كون مستحق الخمس منهم من تجب له الزكاة لو لم يكن هاشمياً. فلاحظ ما يأتي في دليل اعتبار الفقر في الأيتام. وذلك بمجموعه كافٍ في وضوح الحكم، كما يظهر من الأصحاب.

لكن في الشرايع: الإيمان معتبر في المستحق علي تردد. بل في النافع: وفي اعتبار الإيمان تردد. واعتباره أحوط. ويظهر ضعفه مما سبق.

(1) كما هو المشهور نقلاً إن لم يكن تحصيلاً. كذا في الجواهر. نعم تنظر فيه

********

(1) وسائل الشيعة ج: 6 باب: 7 من أبواب المستحقين للزكاة حديث: 4

(2) وسائل الشيعة ج: 6 باب: 5 من أبواب المستحقين للزكاة حديث: 8

ص: 341

الدروس، وتردد فيه في الشرايع، حيث اقتصر علي كونه أحوط، بل قطع بعدمه في المبسوط والسرائر.

كل ذلك لإطلاق الآية الشريفة، بل عطف المساكين علي اليتامي ظاهر في عدم اعتبار مسكنتهم. وهو الظاهر أيضاً من حديث زكريا بن مالك المتقدم(1).

لكن تقدم الإشكال في الحديث المذكور عند الكلام في أن المراد بذي القربي هو الإمام.

وأما الآية الشريفة فمن القريب انصراف اليتيم فيها للفقير، للمناسبة العرفية بينهما جداً. ويكون تمييزهم عن المساكين لبيان مزيد الاهتمام بهم، ولإثبات سهم لهم في مقابلهم. ولو تم ظهورها بدواً في الإطلاق فلابد من الخروج عنه بالنصوص.

والعمدة منها قوله (عليه السلام) في مرسل حماد المتقدم: وليس في مال الخمس زكاة، لأن فقراء الناس جعل أرزاقهم في أموال الناس علي ثمانية أسهم، فلم يبق منهم أحد، وجعل للفقراء قرابة الرسول (صلي الله عليه وآله وسلّم) نصف الخمس، فأغناهم به عن صدقات الناس وصدقات النبي (صلي الله عليه وآله وسلّم) وولي الأمر...(2).

وكذا قوله (عليه السلام) فيه: ونصف الخمس الباقي بين أهل بيته، فسهم ليتاماهم، وسهم لمساكينهم، وسهم لأبناء سبيلهم، يقسم بينهم علي الكتاب والسنة [الكفاف والسعة] ما يستغنون به في سنتهم، فإن فضل عنهم شيء فهو للوالي، فإن عجز أو نقص عن استغنائهم كان علي الوالي أن ينفق من عنده ما يستغنون به، وإنما صار عليه أن يمونهم لأن له ما فضل عنهم(3). لظهوره في أن المدفوع لهم ما يستغنون به، فمع استغنائهم بما عندهم لا موضوع للدفع، واحتمال كون المراد استغنائهم من الخمس في نفقة سنتهم وإن كان لهم من غيره ما يستغنون به بعيد جداً، لأن الاستغناء ليس أمراً إضافياً.

********

(1و2) وسائل الشيعة ج: 6 باب: 1 من أبواب قسمة الخمس ومستحقه حديث: 1، 8

(3) وسائل الشيعة ج: 6 باب: 3 من أبواب قسمة الخمس ومستحقه حديث: 1

ص: 342

علي أن ما تضمنه من لزوم كفايتهم علي الوالي لو لم يكفهم نصف الخمس كالصريح فيما ذكرنا، حيث لا إشكال في أنه لا يجب علي الوالي مع عدم الخمس أن يدفع لليتيم مع غناه ما يكفيه لسنته من ماله. ونحوه في ذلك مرفوع أحمد بن محمد(1).

كما يشعر به أيضاً أو يدل عليه قوله (عليه السلام) في مرسل حماد أيضاً: وإنما جعل هذا الخمس لهم خاصة دون مساكين الناس وأبناء سبيلهم عوضاً لهم من صدقات الناس لهم، لقرابتهم برسول الله (صلي الله عليه وآله وسلّم) وكرامة من الله لهم عن أوساخ الناس، فجعل لهم خاصة من عنده ما يغنيهم به عن أن يصيرهم في موضع الذلة والمسكنة. ولا بأس بصدقات بعضهم علي بعض(2) لظهوره في أن من جعل له هذا النصف من الخمس خصوص ذوي الحاجة من قرابة النبي دون غيرهم من ذوي الحاجة من سائر الناس، تكريماً لهم وتعويضاً عما حرموه من الزكاة، ولذا تحل صدقات بعضهم علي بعض.

نعم قد يستشكل في الحديثين بضعف السند. ودعوي: أن ما تضمن بدلية الخمس من الزكاة في حق بني هاشم لا يختص بالحديثين المذكورين، بل تضمنته جملة من النصوص وإن كانت ضعيفة أيضاً، بل هو من الواضحات التي لا يحتاج فيها للنظر في السند. مدفوعة بأن مجرد بدلية الخمس عن الزكاة في حق بني هاشم لا ينفع في المقام، لما هو المعلوم من أن البدلية ليست في تمام سهام الخمس، بل فيه في الجملة، ويكفي فيها بدليته في سهم خصوص المساكين وأبناء السبيل، كما هو ظاهر حديث زكريا بن مالك الجعفي المتقدم، ولا شاهد علي أن السهام الثلاثة بتمامها بدل عن الزكاة إلا الحديثان المتقدمان المفروض الإشكال في سندهما.

وأضعف من ذلك ما عن بعض مشايخنا (قدس سره) من التشبث للبدلية بعد ضعف جميع النصوص المشار إليها بما تضمن أن الله تعالي فرض للفقراء في أموال الأغنياء

********

(1) وسائل الشيعة ج: 6 باب: 3 من أبواب قسمة الخمس ومستحقه حديث: 2

(2) وسائل الشيعة ج: 6 باب: 1 من أبواب قسمة الخمس ومستحقه حديث: 8

ص: 343

ما يكفيهم، ولو علم أن الذي فرض لهم لا يكفيهم لزادهم(1) بتقريب عدم احتمال خروج بني هاشم عن هذا التشريع، ليكونوا أسوأ حالاً وأقل نصيباً من غيرهم، وحيث منعوا من الزكاة لزم كون الخمس قد شرع عوضاً وبدلاً عنها.

إذ فيه: أن ذلك إنما يقتضي تشريع ما يسد حاجة بني هاشم من دون أن يستلزم كونه بعنوان البدلية عن الزكاة، ليعتبر في مستحقه ما يعتبر في مستحقها. بل لا إشكال في عدم بدلية بعض سهام الخمس عن الزكاة، كما تقدم.

فالعمدة في المقام انجبار ضعف الحديثين - خصوصاً حديث حماد الذي هو من الأعيان - بعمل الأصحاب ولاسيما مع اشتمالهما علي بعض الأحكام التي اختصا بها، كأخذ الإمام ما يفضل من سهام اليتامي والمساكين وأبناء السبيل عن حاجتهم، وأن عليه من أجل ذلك سدّ عوزهم لو لم تكفهم سهامهم، وقد أفتي أجلاّء الأصحاب بذلك فيما قيل، حتي الشيخ في المبسوط. بل لم يعرف الخلاف فيه صريحاً إلا من ابن إدريس، وإن توقف فيه في المختلف ومحكي المنتهي، وكيف يمكن مع ذلك إهمال الحديثين المذكورين؟! وقد أطال في المعتبر في توجيهه إنجبار حديث حماد ولزوم التعويل عليه، ورد ما ذكره في السرائر في المسألة المذكورة. فراجع.

ويؤيد ذلك أو يعضده قوله (عليه السلام) في صحيح الريان بن الصلت المتقدم: وأما قوله: واليتامي والمساكين فإن اليتيم إذا انقطع يتمه خرج من الغنائم ولم يكن له فيها [منها] نصيب، وكذلك المسكين إذا انقطعت مسكنته لم يكن له نصيب من الغنم، ولا يحل له أخذه. وسهم ذي القربي قائم إلي يوم القيامة فيهم للغني والفقير، لأنه لا أحد أغني من الله ولا من رسول الله (صلي الله عليه وآله وسلّم) فجعل لنفسه منها سهماً ولرسوله سهماً، فما رضيه لنفسه ولرسوله رضيه لهم...(2). لظهوره في اختصاص سهم ذي القربي من بين السهام الأربعة بأن المعيار فيه ليس علي الفقر، بل علي الاستحقاق والتشريف،

********

(1) راجع وسائل الشيعة ج: 6 باب: 1 من أبواب ما يجب فيه الزكاة

(2) وسائل الشيعة ج: 6 باب: 1 من أبواب قسمة الخمس ومستحقه حديث: 10

ص: 344

(345)

ويكفي في ابن السبيل الفقر في بلد التسليم (1) ولو كان غنياً في بلده، إذا لم يتمكن من السفر بقرض ونحوه (2)، علي ما عرفت الزكاة.

-

كسهم الله وسهم رسوله (صلي الله عليه وآله وسلّم). فلاحظ.

(1) أما اعتبار فقره في بلد التسليم فلأن إطلاق ابن السبيل علي الشخص وإن كان بلحاظ انتسابه للطريق الذي يستلزمه السفر، إلا أنه يختص عرفاً بمن انقطع به الطريق فصار محتاجاً بسبب السفر. ولذا كان من عناوين المسكنة عرفاً، وتقدم في مرسل حماد ما يظهر منه المفروغية عن كونه من أفراد الفقير. وأما عدم اعتبار فقره في بلده فلأن خصوصية ابن السبيل وعطفه علي المسكين تقتضي عدم اعتبار مسكنته وحاجته وفقره ولو من غير جهة السفر، كما هو ظاهر.

(2) لما تقدم من أخذ الانقطاع فيه عرفاً، وهو لا يتم مع القدرة علي الرجوع إلي الغني. وأما ما ذكره سيدنا المصنف (قدس سره) في كتاب الزكاة من أن مقتضي الإطلاق عدم اعتبار ذلك. فهو كما تري، لأن إطلاق ابن السبيل علي الشخص وإن كان بلحاظ انتسابه للطريق الذي يستلزمه السفر، إلا أن ذلك حيث لا يراد قطعاً، لصدقه علي الواجد للمال حال سفره، فلابد من حمله علي خصوص المنقطع به الطريق، كما سبق، فيقصر عمن يستطيع سدّ حاجته بدين أو نحوه. ولا أقل من إجماله من هذه الجهة، فيلزم الاقتصار فيه علي المتيقن.

هذا وقد يستدل لاعتبار العجز عن الاستدانة بمرسل القمي في تفسيره، قال: فسر العالم فقال:... وابن السبيل أبناء الطريق الذين يكونون في الأسفار في طاعة الله، فيقطع عليهم [بهم] فيذهب مالهم، فعلي الإمام أن يردهم إلي أوطانهم من مال الصدقات(1).

ومما ذكرنا يظهر ضعف ما في المعتبر عند الكلام في سبيل الله من أن ابن السبيل

********

(1) وسائل الشيعة ج: 6 باب: 1 من أبواب المستحقين للزكاة حديث: 7

ص: 345

(346)

والأحوط وجوباً أن لا يكون سفره معصية (1)، ولا يعطي أكثر من قدر ما يوصله إلي بلده (2) والأظهر عدم اعتبار العدالة في جميعهم (3).

-

يعطي وإن كان غنياً في بلده قادراً علي الاستدانة في سفره، بل ظاهره المفروغية عن ذلك.

نعم لا يكفي في المنع القدرة علي الاستدانة إذا كان عاجزاً عن الوفاء من ماله. وكذا إذا كانت الاستدانة مهانة أو حرجاً عليه ولو مع القدرة علي الوفاء من ماله، لعدم خروجه بذلك عن الانقطاع، فيدخل في إطلاق ابن السبيل بماله من المعني العرفي.

(1) كأنه لبدليته عن الزكاة التي يعتبر فيها ذلك بالإجماع - كما قيل - معتضداً بمرسل القمي المتقدم، الذي لا يبعد حمل سفر الطاعة فيه علي مجرد عدم المعصية بالسفر، لا كون خصوص السفر راجحاً شرعاً، لبعد إرادته بعد إطلاق الآية في الزكاة، حيث يكون تنزيلها علي خصوص السفر الراجح مستلزماً لإخراج أكثر الأفراد ولا أقل من إجماله بسبب ذلك، فيلزم الاقتصار في الخروج عن الإطلاق علي المتيقن. خلافاً لما عن ابن الجنيد في الزكاة من اعتبار رجحان السفر شرعاً.

(2) كما ذكروه في الزكاة، فيتم هنا بمقتضي البدلية المشار إليها. مضافاً إلي التصريح به في مرسل حماد ومرفوع أحمد بن محمد المتقدمين. ويأتي ما ينفع في المقام. نعم مقتضي إطلاقهما سدّ حاجته لو احتاج إلي الاستمرار في السفر وعدم قطعه. ولا يبعد البناء علي ذلك في الزكاة أيضاً، عملاً بالإطلاق بعد حمل مرسل القمي - لو كان حجة - علي الغالب من حاجة ابن السبيل للرجوع. فلاحظ.

(3) كما هو مقتضي إطلاق الأدلة وبه صرح غير واحد، وفي المدارك: هذا مذهب الأصحاب لا أعلم فيه مخالفاً وفي الجواهر: لا أجد فيه مخالفاً.

لكن قد يلزم القائل باعتباره في الزكاة اعتبارها هنا، إما لبدلية الخمس عن الزكاة، أو لإطلاق بعض أدلتها، مثل ما تضمن النهي عن معونة الظالمين ومودتهم

ص: 346

(347)

(مسألة 68): الأحوط أن لا يعطي الفقير أكثر من مؤنة سنته (1).

-

والركون إليهم.

إلا أن الظاهر عدم اعتبارها في الزكاة فلا تعتبر هنا. ولذا قال في المدارك: والقول باعتبار العدالة هنا مجهول القائل ولا ريب في ضعفه.

نعم الظاهر حرمة الدفع إليه تكليفاً إذا كان تشجيعاً علي الحرام، فلا يجزي مع التفات الدافع لذلك، لامتناع قصد القربة منه حينئذٍ.

(1) وفاقاً للدروس والمسالك وغيرهما، بل لا أجد فيه خلافاً، وإن جعل الجواز وجهاً في المسالك. كذا في الجواهر.

ويقتضيه الأصل بعد ورود الإطلاقات لبيان أصل الاستحقاق لا لبيان مقداره، بل لو كانت واردة لبيان المقدار فحيث كان الاستحقاق بعنوان الحاجة فالمنصرف من الإطلاق كون الاستحقاق لسدّ الحاجة المفروضة، لا لما زاد علي ذلك، ولا أقل من كون ذلك هو المتيقن منه، ولذا لا يظن بأحد احتمال استحقاق ابن السبيل أكثر مما يخرجه عن كونه ابن السبيل.

وأما ما ذكره بعض مشايخنا (قدس سره) من أنه مع دفع ما زاد علي المؤنة دفعة واحدة يصير الفقير بتملكه مقدار المؤنة غنياً، ويخرج عن موضوع الخمس، فلا يستحق الزائد، لأخذه له وهو غني وإن كان غناه مقارناً لأخذه، لأن العبرة في الغني والفقر بحال الإعطاء، دون ما قبله وما بعده.

فيشكل بأن ظاهر أدلة اعتبار الفقر لزوم تحققه في رتبة سابقة علي الإعطاء، كسائر الموضوعات بالإضافة إلي أحكامها، فمع فرض وحدة الإعطاء إنما يكون الغني متأخراً رتبة عنه، ولا ضير فيه. فالأولي ما ذكرنا في وجه قصور الإطلاقات.

هذا مضافاً إلي مرسل حماد ومرفوع أحمد بن محمد المتقدمين المنجبرين بعمل المشهور - كما سبق - والصريحين في الاقتصار علي ما يستغنون به في سنتهم وعلي قدر

ص: 347

كفايتهم، وأنه إن فضل منه شيء فهو للإمام، ويكون عليه سدّ حاجتهم لو نقص عنه سهمهم.

لكن استشكل في دلالتهما شيخنا الأعظم (قدس سره)، بل غير واحد كما قيل. لظهورهما في أن ذلك عند تقسيم الإمام لجميع ما يحصل لديه من الخمس علي السادة، فلعل الاقتصار حينئذ علي مقدار الكفاية لئلا يحصل الإعواز ويدخل النقص علي بعض المستحقين، فيحتاجون للزكاة، ولذا صرح في مرسلة حماد بتقسيم الزكاة كذلك، مع أنهم صرّحوا - من غير خلاف يعرف - بجواز إعطاء الفقير من الزكاة فوق الكفاية، فلا دليل علي تعدي هذا الحكم لغير الإمام إذا تولي الدفع للفقير.

قال سيدنا المصنف (قدس سره): ولذا تدلان أيضاً علي وجوب إعطاء الكفاية من الخمس مع الإمكان وإعطاء التتمة من مال الإمام مع عدم الإمكان، والأول لم يقل به أحد بالنسبة للمالك في زمان الغيبة وعدم بسط اليد، والثاني محل الخلاف بين الأعلام.

ويندفع بظهور الحديثين في أن قيام الإمام بذلك لأنه المقدار المفروض للفقير، ولذا يكون الزائد للإمام، مع أن مقتضي تعيين السهام لأصحابها صرفها بتمامها فيهم لو لم يختص الفرض بقدر كفايتهم. ولو كان ما تضمناه في كيفية قسمته لأمر يخصه خارج عن كيفية استحقاقهم الحق لكان المناسب إيكال كيفية الإنفاق لنظره الشريف من دون تعيين وجه خاص.

وأما اشتمال مرسلة حماد علي نظير ذلك في الزكاة، فإن أمكن البناء عليه تعين، وإلا فالخروج عنه بدليل خاص هناك لا يستلزم الخروج عما تضمنته في الخمس، إلا بقرينة البدلية التي يأتي الكلام فيها.

كما أن ما تقدم من سيدنا المصنف (قدس سره) من عدم وجوب إعطاء الكفاية علي المالك مع الإمكان وإن كان تاماً، إلا أنه ليس لعدم استحقاق الفقير مقدار الكفاية، بل لعدم كفاية ما عند مالك واحد لجميع المستحقين أو عدم انحصار كفايتهم بم

ص: 348

(349)

ويجوز البسط والاقتصار علي إعطاء صنف واحد (1)،

-

عنده، وليس هو كالإمام الذي يجتمع عنده - مع بسط يده - تمام الحق.

وأما الخلاف في تتميم المالك النقص من مال الإمام فليس هو لاحتمال عدم استحقاق الفقراء التتميم، بل لأن التتميم مشروط بنقص تمام حقهم عن حاجتهم، ولا يكفي فيه نقص الثابت في مال مالك واحد عنها.

مضافاً إلي أن الواجب علي الإمام أمور كثيرة من وجوه إنفاق الحق غير تتميم حاجتهم، فمع عدم وفاء حقه من جميع الخمس المبذول مع عدم بسط يده بجميع تلك الواجبات لا دليل علي ترجيح التتميم المذكور علي غيره منها، فضلاً عن ترجيحه في خصوص الثابت من حقه (عليه السلام) في مال شخص واحد. ولاسيما مع عدم ولاية ذلك الشخص.

نعم لو فرض وفاء ما يتحصل من حقه (عليه السلام) مع عدم بسط يده بجميع ما يجب عليه يتعين التتميم بعد مراجعة الولي. ومن هنا كان الظاهر تمامية دلالة الحديثين الشريفين علي المطلوب.

هذا وأما إلحاق الخمس بالزكاة لو تم جواز دفع الزائد عن مقدار الحاجة فيها. فهو محتاج إلي دليل. وأما ما تضمن بدليته عنها، فالمتيقن منه بدليته عنها في سدّ حاجة بني هاشم من أجل تحريم الزكاة عليهم، لا فيما زاد علي ذلك. ولذا لا سهم للعاملين هنا مع ثبوته في الزكاة وحرمان بني هاشم منه. فلاحظ.

(1) كما صرح به جماعة، وفي الجواهر: بل هو المشهور نقلاً وتحصيلاً، خصوصاً بين المتأخرين، بل نسب إلي الفاضلين ومن تأخر عنهما.

هذا وقد اقتصر في الدروس علي التنظر في تعميم الأصناف، وفي الشرايع علي كونه أحوط، بل نسب لظاهر المبسوط وأبي الصلاح لزوم البسط، وعن الذخيرة والحدائق ومحكي التنقيح اختياره.

ص: 349

لكن الموجود في المبسوط لزوم ذلك علي الإمام بما يطابق ما تقدم في مرسلة حماد ومرفوع أحمد بن محمد. وهو أجنبي عما نحن فيه من وجوب البسط علي المالك بل ذكر في آخر كلامه أنه لو حضر الأصناف الثلاثة ينبغي أن لا يخص به بعضهم، بل يفرق في جميعهم، وإن لم يحضر في ذلك البلد إلا فرقة منهم جاز أن يفرق ذلك فيهم، ولا ينتظر غيرهم، ولا يحمل إلي بلد آخر.

وكيف كان فيشهد للزوم البسط ظاهر الآية الشريفة، ولاسيما بضميمة نصوص التقسيم للسهام الستة المتقدم بعضها، لقوة ظهورها في اختصاص كل سهم بصاحبه، إما لكونه مصرفاً له أو مالكاً له.

وأما ما ذكره غير واحد من حملها بالقرائن الآتية علي ملكية الجامع بين الأصناف الثلاثة للسهام الثلاثة، مع كون كل منها مصرفاً لها، من دون أن يتعين سهم منها لخصوص صنف منهم.

فهو بعيد جداً عن ظاهر النصوص المشار إليها، بل عن ظاهر الآية الشريفة، لسياق السهام الثلاثة المذكورة فيها في مساق السهام الأخري، التي لا إشكال في اختصاص كل منها بصاحبه، ولذا يأخذ الإمام سهماً بالأصل وسهمين بالوراثة، كما تضمنته النصوص والفتاوي. والتفكيك بين هذه السهام وتلك يأباه ظاهر الآية جداً بعد أن كان اختصاص كل صنف بسهم مستفاداً من العطف المقتضي لمشاركة المعطوف مع المعطوف عليه في الحكم.

ومثله ما في المدارك من إمكان دعوي أن الآية الشريفة إنما تدل علي جعل جملة الخمس للأصناف الستة، وهو لا يستلزم كون كل جزء من أجزائها كذلك، واختصاص الإمام بالنصف إن ثبت فبدليل خارج.

إذ فيه: أن مفاد قوله تعالي: واعلموا أنما غنمتم من شيء فأن لله خمسه... تسهيم الخمس من كل مغنم مهما كان قليلاً، لا تسهيم مجموع أخماس المغانم. ودليل اختصاص الإمام بالنصف ظاهر في كون ذلك مقتضي التسهيم المذكور، بضميمة

ص: 350

وراثة الإمام لسهم الله وسهم رسوله، لا حكم تعبدي خارج عن مفاد الآية. علي أن ذلك - لو تم - لا يقتضي جواز اقتصار المالك في دفع خمسه علي بعض الأصناف إلا مع إحراز وصول قدره لبقية الأصناف من أخماس الآخرين، وهو أعسر عليه من البسط.

هذا وقد يستدل في المقام لعدم وجوب البسط علي الأصناف: تارة: بما تضمن أن الخمس لبني هاشم عوض عن الزكاة.

وأخري: بخبر عيسي بن المستفاد الوارد في عهد النبي (صلي الله عليه وآله وسلّم) إلي بعض أصحابه، وفيه: وإخراج الخمس من كل ما يملكه أحد من الناس حتي يرفعه إلي ولي المؤمنين وأميرهم ومن بعده من الأئمة من ولده، فمن عجز ولم يقدر إلا علي اليسير من المال فليدفع ذلك إلي الضعفاء من أهل بيتي من ولد الأئمة، فمن لم يقدر علي ذلك فلشيعتهم ممن لا يأكل بهم الناس ولا يريد بهم إلا الله(1).

وثالثة: بصحيح البزنطي عن الرضا (عليه السلام): سئل عن قول الله عز وجل: واعلموا أنما غنمتم من شيء فأن لله خمسه وللرسول ولذي القربي فقيل له: فما كان لله فلمن هو؟ فقال: لرسول الله (صلي الله عليه وآله وسلّم)، وما كان لرسول الله (صلي الله عليه وآله وسلّم) فهو للإمام. فقيل له: أفرأيت إن كان صنف من الأصناف أكثر، وصنف أقل ما يصنع به؟ قال: ذلك إلي الإمام. أرأيت رسول الله (صلي الله عليه وآله وسلّم) كيف يصنع؟ أليس إنما كان يعطي علي ما يري؟ كذلك الإمام (عليه السلام)(2).

لكن يندفع الأول بأن النصوص المذكورة واردة لبيان أن تشريع الخمس لسدّ حاجة بني هاشم، من دون النظر لكيفية قسمته، ولذا اختلف الخمس عن الزكاة في عدد السهام وتعيين أربابها.

كما يندفع الثاني بضعف الخبر في نفسه، وعدم إمكان الالتزام بظاهره من أنه مع

********

(1) وسائل الشيعة ج: 6 باب: 4 من أبواب الأنفال حديث: 21

(2) وسائل الشيعة ج: 6 باب: 2 من أبواب قسمة الخمس ومستحقه حديث: 1

ص: 351

تعذر دفع تمام الخمس للإمام يدفع الميسور من المال لأولاد الأئمة (عليهم السلام) ثم لشيعتهم من دون أن يوصله للإمام، خصوصاً مع إمكان الوصول إليه.

وأما الثالث فيشكل بأن الصحيح - لو سلم ظهوره في قسمة السهام الثلاثة الأخيرة بين أصحابها التي هي محل الكلام، لا في إعطاء الإمام للأصناف من السهام الثلاثة الأولي التي هي له، والتي تضمنها صدر الحديث - ظاهر في أن عدم تقييد الإمام في قسمة السهام علي أربابها إنما هو لولايته العامة علي السهام وأربابها، كولاية النبي (صلي الله عليه وآله وسلّم)، نظير ولايتهم (عليهم السلام) علي تحليل الخمس كله، فلا ينافي لزوم البسط علي الأصناف علي غيره ممن لا ولاية له علي أكثر من إيصال الخمس لأهله.

وأما الإشكال في الاستدلال به: تارة: بأن مورده صورة اختلاف أفراد ذوي السهام عدداً، لا مطلقاً. وأخري: بأن الإمام له ما يزيد علي كفايتهم، وعليه ما نقص عنها، فيمكن له حينئذ أن لا يساوي بين السهام مع اختلاف ذويها عدداً.

فقد يهون أمره. لإمكان دفع الأول بأن مقتضي تقسيم السهام علي أربابها اختصاص كل قسم بسهمه، وهو لا يناسب إعطاء بعض الأقسام من سهم غيره، بل لابد لأجله من رفع اليد عن مقتضي التقسيم المذكور، وحمله علي كون مجموع الأقسام مصرفاً لمجموع السهام، المستلزم لعدم لزوم البسط علي الأقسام. والثاني بظهور الصحيح في إطلاق يد الإمام في السهام، وعدم تقييده بكفاية تمام أفراد كل صنف بحيث لا يخرج سهمهم عنهم إلا بعد سدّ حاجتهم.

فالعمدة ما ذكرنا في وجه قصور الصحيح عن إثبات عدم وجوب البسط، كقصور جميع ما استدل به في المقام علي ذلك. ولاسيما مع إباء الآية الشريفة والنصوص الشارحة لكيفية جعل الحق تبعاً لها عن ذلك جداً، كما يظهر مما سبق.

والأولي تقريب عدم وجوب البسط بأن البسط المذكور وإن كان هو مقتضي أصل جعل الخمس، كما يستفاد من الأدلة المتقدمة، إلا أنه لا يمكن عادة الالتزام بتطبيقه والاستمرار عليه في حق الإمام المبسوط اليد، الذي يجتمع عنده تمام الخمس،

ص: 352

ويسهل عليه في الجملة الوصول للمستحقين بأصنافهم وأفرادهم، إذ كثيراً ما تفقد بعض الأصناف أو تقل جداً، كابن السبيل. كما أنه قد لا يتيسر الوصول لبعضها أو بعض أفرادها، لسفر أو غيره. بل قد يكون في إيصال المال لبعضهم مفسدة مانعة منه أو من التعجيل به، كما قد يزيد الخمس عن حاجتهم أو لا يفي بها، ولا يتم ذلك إلا بولايته المطلقة علي الخمس وأربابه.

فكيف يمكن قيام غيره به؟! كالملاك الذين يكون الخمس في أموالهم، أو الحاكم الشرعي، مع قلة الخمس الذي يكون عندهم، حتي لا يقبل القسمة أو لا يفي بحاجة شخص واحد، بل قد يكون من القلة بنحو يستحيي من دفعه، ومع ضيق قدرتهم عن الفحص عن المستحقين وعن إيصال الحق إليهم، فإيكال صرف الخمس إليهم وعدم تولي الإمام (عليه السلام) له مستلزم لرفع الإمام اليد بمقتضي ولايته علي الحق وأربابه عن البسط. كما ثبت ذلك عنهم (عليهم السلام) في الزكاة التي هي كالخمس في تقسيم السهام، بحسب أصل الجعل. وإلا لوقع الهرج والمرج وكثر السؤال والاستفسار عن حلّ المشاكل المترتبة علي اعتبار البسط، وحيث لا أثر لذلك كشف ذلك عن المفروغية عما ذكرنا، وعن جريان الأمر في الخمس علي نحو جريانه في الزكاة.

ويظهر ذلك بأدني ملاحظة لكلمات الأصحاب، حيث لا يظهر من قدمائهم الاهتمام بهذه الجهة، وجرت علي ذلك سيرة المتشرعة، وكان هو المشهور بين أهل الفتوي من الأصحاب، بل لعله إجماع، لعدم ظهور خلاف معتد به فيه. وكفي به وبالسيرة دليلاً في مثل هذا الحكم الذي شاع الابتلاء به، حيث لا يمكن عادة خفاء الوظيفة العملية الفعلية فيه.

نعم لا يبتني ذلك علي تنزيل أدلة الجعل عليه، كما تجشمه من حاول الاستدلال علي الحكم، لإبائها عنه جداً، ولا أقل من عدم نهوضها به، بل علي إعمال ولاية من له الولاية في المقام وفي الزكاة، كما ذكرنا.

هذا وأما احتمال وجوب البسط مهما أمكن في الأصناف والأفراد، اقتصاراً في

ص: 353

بل يجوز الاقتصار علي إعطاء واحد من صنف (1).

-

إعمال الولاية والخروج عن مقتضي أصل الجعل علي المتيقن، وهو ما إذا لزم تعطيل الحق لتعذر الاستيعاب، كما قد يظهر مما تقدم من المبسوط، فلا مجال له، لعدم تيسر ضبط مورد القدرة، وعدم سهولة القيام بالمقدور، فلو كان البناء علي ذلك لوقع الهرج والمرج، واضطرب أمر الخمس ولم يخف علي الأصحاب، وذلك كاشف عن رفع اليد عن ذلك رأساً، كما في الزكاة التي ثبت فيها ذلك بالإجماع والنصوص. فلاحظ والله سبحانه وتعالي العالم.

(1) كما هو المعروف من مذهب الأصحاب، علي ما في المدارك ومحكي الذخيرة، وفي الجواهر: بل عن غيرهما نفي الخلاف فيه، بل قد يفهم من المنتهي الإجماع عليه. ويظهر الوجه فيه مما سبق. بل الأمر هنا أهون، لقرب حمل اليتامي والمساكين في الآية علي الجنس، كما يناسبه عطف ابن السبيل عليهما، وحمل الفقراء والمساكين علي ذلك في الزكاة.

ودعوي: أن الحمل علي الجنس لا ينافي لزوم استيعاب الأفراد، بل هو المتعين، بلحاظ نصوص الزكاة والخمس الظاهرة في وجوب إغناء الكل، وسدّ حاجتهم، وهو راجع في الحقيقة إلي حمل ابن السبيل علي استيعاب الأفراد، لا حمل بقية الأصناف علي الجنس.

مدفوعة بأن وجوب إغناء الكل إنما هو مع وفاء الحق بذلك بلحاظ مجموعه، أما كل فرد من أفراد الحق فلا مجال للبناء علي استيعاب الكل به، لتعذر الوصول إليهم، ولما هو المعلوم من عدم وفائه بإغنائهم، فإن ذلك ملزم بحمل عناوين المستحقين علي الجنس، نظير ما لو أوصي بمال للفقراء.

هذا مضافاً إلي ما سبق، الذي عرفت أنه يجري في الزكاة أيضاً، وبه توجه نصوصها الدالة علي عدم وجوب البسط علي الأصناف والأفراد. فلاحظ.

هذا وأما ما في الدروس وعن ظاهر البيان - فيما قيل - من وجوب استيعاب

ص: 354

(355)

(مسألة 69): المراد من بني هاشم من انتسب إليه بالأب (1)، أما إذا كان بالأم فلا يحل له الخمس، وتحل له الزكاة.

-

الحاضرين في البلد، فلم يتضح وجهه، ولزوم المشقة من استيعاب غيرهم معهم علي إطلاقه ممنوع. علي أن في كفاية المشقة فيما نحن فيه نظر ظاهر. نعم قد يدعي لزوم الاستيعاب مهما أمكن. ويظهر ضعفه مما تقدم في البسط علي الأصناف.

ولعله لذا قد يستظهر من المبسوط والسرائر استحباب البسط علي من يحضر في البلد. وإن كان هو أيضاً غير ظاهر الوجه، لأن المساواة بين المستحقين وإن كانت من الجهات الراجحة ارتكازاً، إلا أنها - مع عدم اختصاصها بمن حضر في البلد - قد تزاحم بمرجحات أخري تقتضي الاقتصار علي بعض الأفراد. فلاحظ.

(1) كما هو المعروف من مذهب الأصحاب، بل لم ينسب الخلاف فيه من القدماء إلا للسيد المرتضي وابن حمزة، علي إشكال في صدق النسبة، لصراحة كلام ابن حمزة في الوسيلة في قول المشهور وهو الذي نسبه له في المختلف.

وأما السيد المرتضي (قدس سره) فقد نسب له في المختلف أنه يكفي في استحقاق الخمس الانتساب لهاشم بالأم، لأنه ذهب إلي أن ابن البنت ابن حقيقة، لتخيل أن ذلك هو معيار الخلاف في المسألة. وقد أصرّ في محكي الحدائق علي أن ذلك هو المعيار فيها. ومن ثم نسب الخلاف المذكور لجماعة ممن صرح بذلك، أو أنه يلزمهم ذلك. وجري هو عليه، وأطال في تشييده بما نحن في غني عن إطالة الكلام فيه بعد عدم كونه مبني المسألة في المقام.

فإن المستفاد من مجموع النصوص الواردة في الزكاة والخمس أن المعيار في حرمان الإنسان من الزكاة واستحقاقه الخمس ليس علي كونه ابناً لهاشم أو ولداً له أو من ذريته أو نحو ذلك من العناوين التي تصدق علي ولد البنت عرفاً وتضمنته النصوص الكثيرة الواردة في الاحتجاج علي أن الفاطميين أولاد رسول الله (صلي الله عليه وآله وسلّم)، بل

ص: 355

كونه منتسباً له انتساب العشيرة لأصلها، بحيث يصدق علي الشخص أنه من عشيرة فلان وبيته وآله، وينسب له بياء النسبة، فيقال: هاشمي ومخزومي وثقفي وتميمي ونحوها، فإن أكثر النصوص قد تضمنت التعبير ببني هاشم وبني عبد المطلب والمفهوم منهما ذلك. وكذا ما تضمن التعبير بأهل بيت النبي (صلي الله عليه وآله وسلّم) ونحوه مما أخذ فيه الانتساب له (صلي الله عليه وآله وسلّم)، إذ مع عدم العقب له يتعين حمله علي من دخل في حيز عشيرة.

ومثله ما تضمن نسبته لهم (عليهم السلام) كقوله (عليه السلام): إن الله لا إله إلا هو لما حرم علينا الصدقة أنزل لنا الخمس...(1) ونحوه، فإنه بعد العلم بعدم إرادة خصوص الأئمة (عليهم السلام) يتعين إرادة عشيرتهم.

وأظهر من جميع ذلك موثق زرارة عن أبي عبد الله (عليه السلام) في حديث قال: إنه لو كان العدل ما احتاج هاشمي ولا مطلبي إلي صدقة، إن الله جعل لهم في كتابه ما كان فيه سعتهم(2) ، لوضوح أن ذلك هو المعيار في ياء النسبة.

علي أنه صرح بذلك في مرسل حماد - الذي سبق في مسألة اعتبار الفقر في الأيتام انجباره بعمل الأصحاب - قال (عليه السلام) فيه: وهؤلاء الذين جعل الله لهم الخمس هم قرابة النبي (صلي الله عليه وآله وسلّم) الذين ذكر الله فقال: وأنذر عشيرتك الأقربين، وهم بنو عبد المطلب أنفسهم، الذكر منهم والأنثي، ليس فيهم من أهل بيوتات قريش ولا من العرب أحد... ومن كانت أمه من بني هاشم وأبوه من سائر قريش فإن الصدقات تحل له، وليس له من الخمس شيء، لأن الله يقول: ادعوهم لآبائهم(3). ومن هنا لا ينبغي إطالة الكلام في ذلك.

مضافاً إلي أنه لم ينقل نظير الخلاف المذكور في الزكاة، مع أنها أسبق تحريراً في كلمات الأصحاب، وأظهر بياناً وأكثر اهتماماً، فإن كان المخالف هنا لا يري حرمته

********

(1) وسائل الشيعة ج: 6 باب: 1 من أبواب ما يجب فيه الخمس حديث: 2

(2) وسائل الشيعة ج: 6 باب: 33 من أبواب المستحقين للزكاة حديث: 1

(3) وسائل الشيعة ج: 6 باب: 1 من أبواب قسمة الخمس ومستحقه حديث: 8

ص: 356

(357)

ولا فرق في الهاشمي بين العلوي والعقيلي والعباسي (1).

-

علي المنتسب لهاشم بالأم كان محجوجاً بالنصوص الكثيرة الدالة علي أن الخمس جعل لبني هاشم عوضاً عن الزكاة المحرمة عليهم، وظهور المفروغية عن ذلك، مع تشابه ألسنة النصوص في المقامين.

ولأجل ما ذكرنا يقرب خطأ نسبة الخلاف للمرتضي، لقرب كون منشئه - كما سبق من المختلف - ذهابه إلي أن ابن البنت ابن حقيقة، الذي عرفت أنه ليس معياراً في المقام. مع أن ما بأيدينا من كلامه في الانتصار وجمل العلم والعمل ظاهر في الجري علي ما عليه الأصحاب، حيث عبر ببني هاشم وبأهل بيت الإمام، وقد عرفت ظهور التعبيرين في قول المشهور، وإلا فمن البعيد جداً التزامه بالقول المذكور، مع ظهور سعة الانتساب المذكور وحصوله في سائر بطون قريش وبطون العرب وغيرهم من شعوب الأرض.

(1) للإجماع محصلاً ومنقولاً - كما قيل - علي أن موضوع تحريم الزكاة واستحقاق الخمس هو عنوان بني هاشم، وهو الذي تضمنته أكثر نصوص المسألة. بل صرح بالعموم في صحيح ابن سنان عن أبي عبد الله (عليه السلام): قال: لا تحل الصدقة لولد العباس ولا لنظائرهم من بني هاشم(1). وعليه ينزل ما تضمن اعتبار الانتساب للنبي (صلي الله عليه وآله وسلّم)، كأهل بيته أو يتاماه أو قرابته. ولاسيما بملاحظة ما تقدم في مرسل حماد.

وأما ما تضمن نسبة تحريم الزكاة واستحقاق الخمس لهم (عليهم السلام) فهو بعد تعذر حمله علي خصوص الأئمة (عليهم السلام) - إما للنصوص المتقدمة، أو لأن أرباب السهام الثلاثة الأخيرة لا تصدق عليهم - إما أن يحمل علي عشيرتهم وقبيلتهم ولو بقرينة مثل صحيح جعفر بن إبراهيم الهاشمي عن أبي عبد الله (عليه السلام): قلت له: أتحل الصدقة لبني هاشم؟ فقال: إنما [تلك] الصدقة الواجبة علي الناس لا تحل لنا، فأما غير ذلك

********

(1) وسائل الشيعة ج: 6 باب: 29 من أبواب المستحقين للزكاة حديث: 3

ص: 357

وإن كان الأولي تقديم العلوي (1)، بل الفاطمي (2).

-

فلا بأس به (1) .

أو يحمل علي ولايتهم (عليهم السلام) عليه، كما يناسبه قوله (عليه السلام) في خبر عبد الله بن سنان: علي كل امرئ غنم أو اكتسب الخمس مما أصاب لفاطمة (عليها السلام) ولمن يلي أمرها من بعدها من ذريتها الحجج علي الناس، فذاك لهم خاصة يضعونه حيث شاؤوا(2) ، أو يبتني علي التغليب بلحاظ اختصاصهم (عليهم السلام) بنصفه، أو لأنهم السبب في شرف عموم بني هاشم واستحقاقهم للخمس، أو نحو ذلك.

نعم في صحيح أبي خديجة عن أبي عبد الله (عليه السلام): أنه قال: اعطوا الزكاة من أرادها من بني هاشم، فإنها تحل لهم، وإنما تحرم علي النبي (صلي الله عليه وآله وسلّم) وعلي الإمام الذي من بعده وعلي الأئمة (عليهم السلام)(3).

لكن لا مجال للخروج به عما سبق فلابد من حمله علي حال الضرورة، أو علي زكاة بعضهم علي بعض، أو علي الزكاة المندوبة، أو طرحه ورد علمه لقائله (عليه السلام).

هذا ومما سبق يظهر أن التعميم لا يختص بالبطون الثلاثة المذكورة في المتن، بل يجري في غيرهم من بني هاشم، كبني جعفر بن أبي طالب (عليه السلام) وبني أبي لهب وغيرهم، إذا تيسر التعرف عليهم.

(1) لأن صلته صلة لأمير المؤمنين (عليه السلام) الذي هو نفس النبي (صلي الله عليه وآله وسلّم).

(2) لتميزه عن بقية العلويين بأن صلته صلة للنبي (صلي الله عليه وآله وسلّم) ولبضعته الصديقة الطاهرة (عليها السلام). ولاسيما مع ظهور النصوص في أن استحقاق بني هاشم للخمس بسبب النبي (صلي الله عليه وآله وسلّم)(4) ، وتصريح بعضها بأن الخمس لفاطمة (عليها السلام) ولمن يلي أمره

********

(1) وسائل الشيعة ج: 6 باب: 31 من أبواب المستحقين للزكاة حديث: 3

(2) وسائل الشيعة ج: 6 باب: 8 من أبواب ما يجب فيه الخمس حديث: 8

(3) وسائل الشيعة ج: 6 باب: 29 من أبواب المستحقين للزكاة حديث: 5

(4) وسائل الشيعة ج: 6 باب: 1 من أبواب قسمة الخمس حديث: 8

ص: 358

(359)

(مسألة 70): لا يصدق من ادعي النسب (1)

-

من ذريتها(1).

(1) لأصالة عدم كونه هاشمياً، إما من استصحاب العدم الأزلي الذي يجري علي التحقيق، أو لأن أصالة عدم الانتساب من الأصول المعول عليها عند العقلاء. بل ذكر شيخنا الأعظم (قدس سره) في مبحث الحيض أن عليها المعول عند الفقهاء في جميع المقامات. ولو غض النظر عن ذلك كفي أصالة عدم ترتب الأثر من تملك الآخذ للحق وفراغ ذمة من عنده الحق بدفعه للشخص المشكوك في انتسابه ونحوهما.

هذا وعن كشف الغطاء: أنه يصدق مدعي النسب إن لم يكن متهماً، كمدعي الفقر. ويشكل بأن الفقر مقتضي الأصل إذا لم يكن مسبوقاً بالغني، فلا وجه لقياس النسب عليه الذي هو خلاف الأصل. مضافاً إلي ما قيل من الإجماع وقيام السيرة القطعية المستمرة علي قبول قول مدعي الفقر. وإن كان المتيقن من ذلك ما إذا أوجب الوثوق ولو بقرائن خارجية، ولم يتضح بناؤهم علي القبول بدونه فيما لو كان مسبوقاً بالغني، لاستصحابه حينئذ. وللكلام فيه مقام آخر.

نعم قد يستدل علي تصديق مدعي النسب بوجهين:

الأول: بناء العقلاء علي تصديق الإنسان في شؤونه، كتصديقه فيما تحت يده، بل هو أولي منه بذلك مؤيداً بما تضمن تصديق المرأة في أنها لا زوج لها، أو لا عدة عليها، أو أنها قد حللت نفسها لزوجها الذي طلقها ثلاثاً بالتزويج، أو في أنها حائض أو حامل، أو نحو ذلك من شؤونها(2).

لكنه يشكل باختصاصه بما إذا لم يكن مدعاه مما يجر نفعاً له. وأما تصديقه فيما تحت يده فهو لخصوصية اليد التي هي بدواً أمارة علي الملكية والسلطنة، كما أن ما ورد

********

(1) وسائل الشيعة ج: 6 باب: 8 من أبواب ما يجب فيه الخمس حديث: 8

(2) راجع وسائل الشيعة ج: 2 باب: 47 من أبواب الحيض، وج: 14 باب: 23، 25 من أبواب عقد النكاح وأولياء العقد، وج: 15 باب: 10 من أبواب المتعة وباب: 24 من أبواب العدد

ص: 359

في تصديق المرأة في شؤونها الخاصة المشار إليها مختص بمورده، تبعاً لأدلته علي تفصيل موكول لمحله.

الثاني: أنه مقتضي أصالة الصحة في قول المسلم، كسائر أفعاله. وفيه: أن المراد بذلك حسن الظن به وعدم حمله علي تعمد الكذب، وهو لا يستلزم تصديق خبره. ولاسيما بملاحظة أدلة البينة. وأما أصالة الصحة في الأفعال فالمراد بها الصحة بمعني التمامية وواجدية العمل لتمام ما يعتبر في الأثر المقصود نوعاً منه، وهي لا تشمل صدق الخبر. علي أنها لا تختص بالمسلم.

هذا وقد قال في الجواهر بعد البناء علي عدم تصديق مدعي النسب: نعم قد يحتال للدفع للمجهول المدعي بأن يوكله من عليه الحق في الدفع إذا فرض عدالته أو قلنا بعدم اشتراطها [يعني: في الوكالة] فإنه يكفي في براءة ذمته [يعني: ظاهراً] وإن علم أنه قد قبضه [يعني: لنفسه] لأن المدار في ثبوت الموضوع علي علم الوكيل دون الموكل ما لم يعلم الخلاف. لكن الإنصاف أنه لا يخلو من تأمل أيضاً.

وقد استضعف سيدنا المصنف (قدس سره) التأمل، لدعوي عموم قاعدة الصحة في عمل الوكيل. وقواه بعض مشايخنا (قدس سره) لدعوي قصور دليل القاعدة - وهو السيرة - عما إذا علمت كيفية العمل التي وقع عليها وشك في صحتها في الشبهة الحكمية - كما لو علم إيقاع الوكيل العقد بالفارسية - أو الموضوعية، كما في المقام حيث يعلم بأخذ الوكيل للمال علي أنه المستحق ويشك في استحقاقه للشك في انتسابه.

لكن الظاهر اختصاص ما ذكره بما إذا لم يحتمل استناد الوكيل في التشخيص لطريق خفي علي الموكل، كما إذا علم أنه استند في دعوي النسب علي إخبار عراف لا يوجب العلم للموكل، أما مع احتمال استناده لطريق آخر صالح لأن يعتمد عليه خفي علي الموكل فالظاهر جريان القاعدة، كما لو استنابه في تفريغ ذمة ميته عن الصلاة، فتوضأ بماء مستصحب النجاسة في حق المستنيب مع احتمال اطلاعه علي تطهيره ببينة. بل حتي لو علم استناده لخبر واحد لا يوجب العلم للمستنيب، لعدم

ص: 360

(361) (361)

إلا بالبينة (1). ويكفي الشياع الموجب للوثوق والاطمئنان (2).

(مسألة 71): لا يجوز إعطاء الخمس لمن تجب نفقته علي المعطي (3)،

-

معرفته به، واحتمل كون حصول العلم للغائب من قوله عقلائياً، لاطلاعه من حاله علي ما يوجب العلم بقوله. ومن ثم لا يظن منه (قدس سره) ولا من غيره التوقف في نظير المقام كما لو كان الوكيل قد دفع المال لغيره ممن لا يعرف الموكل نسبه. فلاحظ.

(1) لعدم الإشكال ظاهراً في حجيتها. لعموم دليلها، علي ما تقدم في المسألة التاسعة من مباحث الاجتهاد والتقليد.

(2) الظاهر أنه مقتضي سيرة العقلاء بل المتشرعة أيضاً، لأن ذلك هو الطريق الشايع تيسره مع كثرة موارد تعذر العلم، فلو لم يكتف به لزم الهرج والمرج في أمر الأنساب. والظاهر أن المعيار فيه علي الوثوق دون الاطمئنان، إلا أن يريد منه ما يساوق الوثوق.

نعم الظاهر أنه يختص بالشياع الذي لا يعلم استناده لدعوي شخص واحد أو أشخاص قليلين. كما لو دخل رجل البلد وادعي النسب فتلقفه الناس منه من دون فحص ولا تثبت، واشتهر. وقد يدعي خروجه عن مورد فرض سيدنا المصنف (قدس سره) لعدم حصول الوثوق منه فضلاً عن الاطمئنان.

هذا كله إذا كان الشك في نسب الشخص للشك في نسب أبيه. أما إذا كان ناشئاً من الشك في بنوته لمن هو معلوم النسب، فيكفي فيه الفراش، كما يكفي تصديقه ممن يدعي هو الانتساب له، علي تفصيل يذكر في أحكام الأولاد من كتاب النكاح.

(3) كما عن شيخنا الأعظم (قدس سره) الجزم به. وقد يستدل له بما تضمن بدلية الخمس عن الزكاة. لكنه لا يخلو عن إشكال، لأن المتيقن من دليل البدلية قيام الخمس لبني هاشم مقام الزكاة لغيرهم في سدّ حاجتهم، ولا إطلاق له يتناول خصوصيات الاستحقاق والتوزيع.

ص: 361

(362)

إلا إذا كانت عليه نفقة غير لازمة علي المعطي (1).

(مسألة 72): في جواز استقلال المالك في توزيع النصف المذكور إشكال (2). والأحوط وجوباً الدفع إلي الحاكم الشرعي أو استئذانه في

-

فالظاهر أن الدليل علي ذلك عموم بعض نصوص الزكاة، كصحيح عبد الرحمن بن الحجاج عن أبي عبد الله (عليه السلام): خمسة لا يعطون من الزكاة شيئاً: الأب والأم والولد والمملوك والمرأة. وذلك أنهم عياله لازمون له(1). وصحيح عبد الله بن الصلت عن عدة من أصحابنا يرفعونه عنه (عليه السلام): أنه قال: خمسة لا يعطون من الزكاة الولد والوالدان والمرأة والمملوك، لأنه يجبر علي النفقة عليهم(2). فإن المستفاد من تعليل عدم دفع الزكاة بذلك أن من تجب نفقته علي شخص لا يصلح لأن يكون مصرفاً للحق الثابت عليه، لأنه نظير صرف الحق علي نفسه، من دون خصوصية للزكاة في ذلك ارتكازاً.

(1) كما التزموا بذلك في الزكاة لقصور التعليل المتقدم عن ذلك. والظاهر أن المعيار عدم لزوم نفقته المذكورة فعلاً علي المعطي، ولو لكونه فقيراً لا يقدر علي الإنفاق عليه حتي لو كانت النفقة مما تجب لو كان قادراً.

نعم لابد من كون النفقة المذكورة مورداً لحاجته عرفاً، بحيث لا يخرج عن الفقر لو لم يُكفَها، دون ما يكون خارجاً عن ذلك مما لو ملك مؤنة سنته عداه خرج عن كونه فقيراً.

(2) هذا كله بعد الفراغ عن عدم سقوط هذا الحق عن المالك، ووجوب إيصاله لمستحقيه، علي ما يأتي في المسألة اللاحقة عند الكلام في النصف الراجع للإمام (عليه السلام)، لأن الكلام فيهما في هذه الجهة علي نحو واحد، بل الأمر هنا أظهر، كما يظهر بملاحظة ما يأتي هناك.

********

(1و2) وسائل الشيعة ج: 6 باب: 13 من أبواب المستحقين للزكاة حديث: 1، 4

ص: 362

الدفع إلي المستحق (1). وقد أذنت للمالكين في دفع سهم السادة إليهم. وينبغي لهم ملاحظة المرجحات الشرعية.

-

(1) لا ينبغي التأمل في أن مقتضي القاعدة ثبوت الولاية للمالك علي عزل الخمس وتعيينه في مال خاص به بناءً علي أن ثبوت الخمس في المال بنحو ثبوت الحق في العين أو بنحو ثبوت الكلي في المعين، لملكية المالك لتمام المال بعينه بتمام أجزائه وخصوصياته، فلا وجه لمشاركة صاحب الحق له في السلطنة عليه، غايته أن مقتضي ثبوت الحق عدم إطلاق سلطنته علي المال إلا بإخراجه له. ولا مخرج عن القاعدة المذكورة، بل يأتي ما يعضدها.

وأما بناء علي الإشاعة - كما سبق منّا - فالقاعدة وإن اقتضت عدم استقلاله في القسمة إلا بمراجعة من له الحق أو من يقوم مقامه، إلا أنه لا ينبغي الإشكال في استقلاله بها بعد ملاحظة النصوص في المقام وفي الزكاة، إذ هي كالصريحة في استقلال المالك بتعيين الحق، للاقتصار فيها علي الأمر بدفعه الذي هو متأخر عن تعيينه. وذلك هو المعلوم من السيرة والإجماع، بل سبق أن له دفع القيمة.

وإنما الإشكال في استقلال المالك في توزيع النصف الراجع للسادة، وذلك لأن المستفاد من نصوص الخمس أن للإمام الولاية عليه بتمامه. فلاحظ صحيح ابن مهزيار الطويل(1) ، وصحيح علي بن راشد(2) ، وصحيح البزنطي المتقدم والآتي(3) ، ومرسل حماد(4) ، والنصوص المتضمنة أن الخمس لهم (عليهم السلام) التي يقرب حملها علي أن الولاية عليه لهم. بل هو صريح بعضها(5) ، وغير ذلك.

بل هو مقطوع به بملاحظة سيرة النبي (صلي الله عليه وآله وسلّم) والأئمة (عليهم السلام)، حيث كان يتولي

********

(1و2) وسائل الشيعة ج: 6 باب: 8 من أبواب ما يجب فيه الخمس حديث: 5، 3

(3و4) وسائل الشيعة ج: 6 باب: 2 من أبواب قسمة الخمس حديث: 1، 8

(5) وسائل الشيعة ج: 6 باب: 8 من أبواب ما يجب فيه الخمس حديث: 8

ص: 363

هو (صلي الله عليه وآله وسلّم) وأمير المؤمنين (عليه السلام) قسمة خمس الغنائم، وعرف عن الأئمة المتأخرين (عليهم السلام) نصب الوكلاء لقبض الخمس بتمامه.

فما في التذكرة - علي تدافع في كلامه - ومحكي التحرير والمنتهي وعن المحقق من الاجتزاء بإيصال الخمس لأهله مطلقاً أو في غير الغنائم، ظاهر الضعف.

ولاسيما بملاحظة أن أدلة التشريع إنما تضمنت ثبوت الخمس لمستحقيه، لا التكليف بصرفه فيهم، ليكون مقتضي إطلاقها عدم لزوم مراجعة أحد في ذلك. غاية الأمر أن مقتضي إطلاقها المقامي جواز تولي المالك ذلك. لكن يشكل انعقاده مع وجود ولي يرجع إليه في الأمور العامة وتولي القيام بها، وقد ثبت توليه ذلك في المقام وجوباً أو جوازاً. خصوصاً وأن أظهر أفراد الغنائم والفوائد التي هي موضوع الخمس هو غنائم الحرب، وقد كان يتولي أمر الخمس فيها النبي (صلي الله عليه وآله وسلّم) دون المقاتلين الغانمين، بحيث يعلم من حالهم البناء علي حرمة تولي أمرها من قبل غيره وبلا إذن منه. وبالجملة لا ينبغي التأمل في ثبوت ولاية الإمام علي الخمس بتمامه ووجوب دفعه إليه مع الإمكان.

نعم ذكر سيدنا المصنف (قدس سره) أنه لا دليل علي ولايته مطلقاً حتي حال غيبته، وكأنه لأنه بعد أن كان مقتضي الإطلاق المقامي لأدلة تشريع الخمس ولاية المالك علي ذلك، فالمتيقن من الدليل المخرج عنه والملزم الرجوع للإمام ما إذا أمكن الرجوع له لحضوره، دون ما إذا تعذر الرجوع له لغيبته، فيتعين حينئذ الرجوع للإطلاق المقامي المذكور، والبناء علي ولاية المالك واستقلاله في التصرف، وإن كان للإمام الولاية عليه أيضاً بمقتضي ولايته العامة.

لكنه لا يخلو عن إشكال، بل منع، لما عرفت من الإشكال في انعقاد ظهور الإطلاق المقامي المذكور. مضافاً إلي إطلاق جملة من النصوص الدالة علي ولاية الإمام علي الخمس بتمامه، كقوله (عليه السلام) في صحيح البزنطي المتقدم، حيث قال (عليه السلام) في جواب السؤال عما إذا اختلفت أفراد الأصناف قلة وكثرة: ذلك إلي الإمام! أرأيت رسول

ص: 364

الله كيف كان يصنع؟ أليس إنما كان يعطي علي ما يري؟ كذلك الإمام (1) ، وفي خبر عبد الله بن سنان المتضمن أن الخمس لفاطمة وذريتها الحجج قال: فذلك لهم خاصة يضعونه حيث شاؤوا(2). وفي المروي عن تفسير النعماني: ويجري هذا الخمس علي ستة أجزاء فيأخذ الإمام منها سهم الله وسهم الرسول وسهم ذي القربي، ثم يقسم الثلاثة السهام الباقية بين يتامي آل محمد ومساكينهم وأبناء سبيلهم(3) ، وقوله (عليه السلام) في مرسل حماد في الغنيمة: فإن بقي بعد ذلك شيء أخرج الخمس منه فقسمه في أهله...(4). وفي مرفوع أحمد بن محمد: فهو يعطيهم علي قدر كفايتهم(5) ، ومرسل إسحاق: وثلاثة أسهم لليتامي والمساكين وأبناء السبيل يقسمه الإمام بينهم...(6) ، وفي خبر عيسي بن المستفاد: وإخراج الخمس من كل ما يملكه أحد من الناس حتي يرفعه إلي ولي المؤمنين وأميرهم ومن بعده من الأئمة من ولده(7).

فإن هذه النصوص بمجموعها كافية في إثبات عموم ولاية الإمام علي الخمس. ولاسيما وأن فيها ما هو معتبر في نفسه ومن ثم لا ينبغي الإشكال في أن مقتضي القاعدة عدم استقلال المالك في التصرف مطلقاً حتي حال الغيبة، وأن الولاية للإمام (عليه السلام).

نعم حيث كان ذلك متعذراً في عصر الغيبة، والمفروض عدم سقوط الحق، كما أنه يأتي عدم جواز تعطيله بدفنه أو الإيصاء به، فالمتعين صرفه من دون إذن الإمام. وحينئذ إن ثبت عموم ولاية الحاكم الشرعي ونيابته عن الإمام (عليه السلام) تعين استقلاله بالتصرف فيه.

لكن تقدم في شرح المسألة الرابعة والعشرين من مبحث الاجتهاد والتقليد

********

(1) وسائل الشيعة ج: 6 باب: 2 من أبواب قسمة الخمس حديث: 1

(2) وسائل الشيعة ج: 6 باب: 8 من أبواب ما يجب فيه الخمس حديث: 8

(3) وسائل الشيعة ج: 6 باب: 1 من أبواب قسمة الخمس حديث: 2، 4

(4) وسائل الشيعة ج: 6 باب: 1 من أبواب قسمة الخمس حديث: 2، 4

(5) وسائل الشيعة ج: 6 باب: 3 من أبواب قسمة الخمس حديث: 2

(6) وسائل الشيعة ج: 6 باب: 1 من أبواب قسمة الخمس حديث: 19

(7) وسائل الشيعة ج: 6 باب: 3 من أبواب الأنفال حديث: 21

ص: 365

(366)

(مسألة 73): النصف الراجع للإمام (1) عليه وعلي آبائه أفضل الصلاة والسلام يرجع فيه في زمان الغيبة إلي نائبه،

-

عدم ثبوت ذلك، وأن الرجوع إليه إنما يلزم في مورد الحاجة لمراجعة الولي، لاحتمال ولايته وعدم اليقين بنفوذ التصرف بدون ذلك. وحينئذٍ يتعين لزوم صرف السهم المذكور بنظره ونظر المالك معاً، حيث يحتمل أيضاً ولاية المالك علي الحق تبعاً لولايته علي المال الذي ثبت الحق فيه ولكون إخراجه من شأنه وتابعاً له، كما ثبت ذلك في الزكاة. فلا يقين بالخروج عن العهدة ونفوذ الإعطاء إلا بالجمع بين نظريهما. ومن هنا كان المناسب الجزم بلزوم مراجعة الحاكم، كما نسبه في محكي زاد المعاد إلي أكثر العلماء. فلاحظ. والله سبحانه وتعالي العالم.

(1) قد اختلف الأصحاب رضوان الله عليهم في مقتضي الوظيفة في هذا القسم، بل في تمام الخمس في عصر الغيبة، لتعذر الرجوع فيه للإمام (عليه السلام) الذي هو الولي عليه، كما سبق. ومبني كلامهم عدم سقوط الخمس عن الشيعة بتحليل الأئمة (عليهم السلام) في عصر الحضور، لعدم نهوض نصوص التحليل - التي يأتي الكلام فيها في المسألة الثامنة والسبعين - بذلك.

وحينئذٍ ربما يدعي عدم ثبوت الخمس في خصوص عصر الغيبة مع غضّ النظر عن نصوص التحليل. وقد يوجه ذلك بوجهين:

الأول: قصور أدلة جعله عن شمول حال الغيبة، فيكون عدم ثبوته مقتضي الأصل ولا يراد به أصل البراءة، إذ لا مجال له في مثل ثبوت الخمس من الأحكام الوضعية، بل أصالة عدم ثبوت الخمس في المال المفروض كونه بتمامه للمالك، بمقتضي أدلة أسباب الملك في الرتبة السابقة علي جعل الخمس.

ويشكل بإطلاق أدلة ثبوت الخمس من الآية الشريفة والنصوص الكثيرة. بل الظاهر الإجماع والضرورة علي انحصار عدم ثبوت الخمس بالتحليل منهم (عليهم السلام)،

ص: 366

الذي هو فرع ثبوته بالأصل، والذي يأتي الكلام فيه في المسألة المذكورة.

الثاني: أنه بعد ثبوت ولاية الإمام عليه - كما سبق - وعدم جواز إنفاقه من دون إذنه، فلا دليل علي قيام غيره مقامه في الولاية عليه.

وفيه: إن تعذر الرجوع لولي الحق لا يستلزم سقوطه عقلاً ولا شرعاً، ولم يعهد منهم الالتزام بنظيره في مورد واحد. بل يتعين البناء علي لزوم حفظه علي كل من يقع تحت يده لو لم يعلم بجواز صرفه، كسائر الأمانات الشرعية. ولا أقل من كونه مقتضي ما دل علي حرمة التصرف في ملك الغير بغير إذنه، إذ حيث يتعذر تجنب جميع التصرفات فيه من صاحب المال يلزم عقلاً اختيار أنفع أنحاء التصرف في الحق، وهو حفظه، وإلا تعين ضمانه له بمقتضي إطلاق أدلة الضمان.

نعم قد يدعي ظهور حال الإمام (عليه السلام) حينما أهمل بيان من له التصرف في الحق عند إعلان الغيبة التامة في رفع اليد عن الحق المذكور، وتحليل الخمس للشيعة. بل يستدل عليه بالتوقيع الشريف المروي عن إسحاق بن يعقوب: وأما المتلبسون بأموالنا فمن استحل منها شيئاً فأكله فإنما يأكل النيران وأما الخمس فقد أبيح لشيعتنا وجعلوا منه في حلّ إلي أن يظهر أمرنا، لتطيب ولادتهم ولا تخبث(1).

لكنه يشكل بأن المناسب لمقامه (عليه السلام) إنما هو حل المشكلة، إما بإسقاط الخمس وتحليل الشيعة منه، أو إيكال صرفه للمالك، أو نصب من يقوم مقامه (عليه السلام) في تولي ذلك، ولا وجه لتعيين الأول. بل هو أبعد الوجوه بعد منافاته لحكمة جعل الخمس من سدّ حاجة بني هاشم وتعويضهم عما حرموا من الزكاة، وتهيئة المال الكافي لسدّ النوائب وترويج الدين الذي كان علي الإمام (عليه السلام) القيام به حال حضوره. ولاسيما مع علمه (عليه السلام) بطولة مدة الغيبة، وشدة الحاجة بتكاثر الهاشميين الفقراء، وتوالي المحن علي الدين وأهله في غيبته. والتسامح منهم (عليهم السلام) في أمر بعض أقسام الخمس - وهو خمس الفائدة - إنما كان في مدة وجيزة إلي أن تهيأ لهم (عليهم السلام) الظرف المناسب للمطالبة به،

********

(1) وسائل الشيعة ج: 6 باب: 4 من أبواب الأنفال حديث: 16

ص: 367

كما يظهر مما سبق في أول الكلام في الخمس المذكور.

وأما التوقيع الشريف فهو - مع غضّ النظر عن سنده - لا ظهور له في صدور التحليل منه (عليه السلام). بل قد يظهر في ما سبق التحليل من آبائه (عليهم السلام) في عصر الحضور، فيكون كسائر نصوص التحليل الواردة عنهم (عليهم السلام) المفروض عدم نهوضها بسقوط الخمس في العصر المذكور، كما سبق.

مع أنه لو كان المراد به صدور التحليل منه عجل الله فرجه وجعلنا فداه، فمن الظاهر أنه قد صدر في عهد سفارة محمد بن عثمان العمري في النصف الأول من الغيبة الصغري، والظاهر عدم الإشكال في استمرار أخذ الخمس في زمن الغيبة المذكورة، وإلا فلو كان البناء علي رفع اليد عنه فيها أو في مدة طويلة منها لظهر وبان ولم يخف علي الشيعة، حتي يختلفوا في كيفية صرف الخمس في الغيبة الكبري بعد البناء منهم علي عدم سقوطه.

ومن ثم يتعين حمله - كجملة من نصوص التحليل الواردة عن آبائه (عليهم السلام) - علي نوع خاص من الخمس. ولاسيما مع ما تقدم من منافاة سقوط الخمس لحكمة جعله. ولعل الأقرب حمله علي المناكح، كما يناسبه تعليله بقوله (عليه السلام): لتطيب ولادتكم ولا تخبث. ويأتي الكلام في المراد من النصوص المذكورة عند الكلام في نصوص التحليل في المسألة الثامنة والسبعين إن شاء الله تعالي.

هذا ولكن حمله في الحدائق علي التحليل في تمام موارد الخمس، لكن بالإضافة لنصوص الأسهم الراجعة للإمام، دون الأسهم الثلاثة الراجعة للهاشميين، جمعاً مع أدلة ثبوت السهام المذكورة لأربابها. قال: وسياق الكلام قبل هذه العبارة في أمواله (عليه السلام)، والتجوز في التعبير باب واسع. فقوله: وأما الخمس، يعني وأما حقنا من الخمس... سيما مع دلالة جملة من النصوص علي أن الخمس جعله الله لهم عوضاً عن الزكاة التي حرمها عليهم، فكيف يجوز أن يحرموا من العوض والمعوض؟!.

وفيه: أن أدلة ثبوت السهام المذكورة لأربابها كأدلة ثبوت السهام الراجعة

ص: 368

للإمام (عليه السلام) لا تنافي التحليل، بل تحليل الحق فرع ثبوته، والتجوز خلاف الأصل، ولا تكفي قرينة السياق ولاسيما مع عموم التعليل المذكور في التوقيع، وورود نظير العبارة في كثير من نصوص التحليل التي يراد بها تحليل تمام السهام. كما أن استبعاد تحليل السهام المذكورة في ذيل كلامه لا ينهض بمخالفة الظاهر. مع أنه راجع إلي منافاته لحكمة تشريع الخمس التي سبق جريانها في تمام سهامه. فما ذكره لا يرجع إلي محصل ينهض برفع اليد عما سبق.

ومثله ما أشار إليه في المقنعة وغيره من ذهاب بعض الأصحاب إلي سقوط الخمس بتمامه في عصر الغيبة، لنصوص التحليل الأخر. إذ فيه: أن النصوص المذكورة لا تختص بحال الغيبة، بل حال الحضور متيقن منها. فإن رجع القول المذكور إلي سقوط الخمس مطلقاً حتي حال الحضور، فحاله يظهر مما يأتي في المسألة الثامنة والسبعين إن شاء الله تعالي، وخرج عن مفروض كلامنا هنا. وإن رجع إلي سقوطه في خصوص حال الغيبة، حملاً للنصوص المذكورة علي ذلك. فهو تحكم مخالف لظاهر تلك النصوص، بل صريحها.

ومثله ما في الوسائل من اختصاص التحليل بحصته (عليه السلام) من الخمس مع تعذر إيصالها إليه وعدم وجود المستحق من السادة. إذ فيه أنه تحكم في نصوص التحليل العامة وفي التوقيع الشريف المتقدم، لعدم الشاهد علي التفصيل المذكور. بل هو مخالف للمتيقن منها، كما يظهر مما سبق.

وبقي في المقام أقوال أخر لا تبتني علي التحليل يتعين التعرض لها والنظر في أدلتها:

الأول: وجوب دفن حق الإمام من الخمس في عصر غيبته. وقد يستدل بما روي من أن الأرض تخرج له كنوزها له (عليه السلام) إذا ظهر(1).

********

(1) الاحتجاج ج: 2 ص: 115 طبع النجف الأشرف، المقنعة ص: 461 الطبعة الأولي، وأدرجها في التهذيب ج: 4 ص: 147

ص: 369

وفيه - مع غض النظر عن سند ذلك -: أن إخراج الأرض لكنوزها لا يقتضي جواز دفن الحق فيها، فضلاً عن وجوبه. ولاسيما مع عدم ضمان بقاء الحق مدفوناً إلي حين ظهوره (عليه السلام)، بل قد يخرجه غيره أو يخرج قبل ذلك، كما قد يتعرض للتلف أو تسقط ماليته، خصوصاً العروض، والنقود الورقية التي يشيع التعامل بها في عصورنا.

الثاني: وجوب إلقائه في البحر. ولا يظهر له وجه إلا ما ورد في الزكاة، وهو خبر إبراهيم الأوسي عن الإمام الرضا (عليه السلام) عن أبيه (عليه السلام) في حديث طويل يتضمن اعتبار الإيمان في مستحقها، وفيه: فقال: إني لا أعرف لها أحداً، فقال: فانتظر بها سنة، قال: فإن لم أصب لها أحداً؟ قال: انتظر بها سنتين، حتي بلغ أربع سنين، ثم قال له: إن لم تصب لها أحداً فصرها صراراً واطرحها في البحر، فإن الله عز وجل حرم أموالنا وأموال شيعتنا علي عدونا(1).

لكنه - مع ضعف سنده، واختصاصه بالزكاة - وارد في صورة عدم وجدان من يستحق الإعطاء، ولا وجه لقياس ما نحن فيه به، حيث للحق المذكور مالك معلوم لا يمكن الوصول إليه، ويمكن صرف حقه في المصارف التي يعلم برضاه بها. حيث لا إشكال في أولوية إنفاقه فيها من تعطيله أو إتلافه بذلك.

علي أن من القريب حمل الخبر المذكور علي المبالغة، لبيان حرمة دفع الزكاة لغير المؤمن، وإلا فمن المعلوم أن للزكاة مصارف غير فقراء المؤمنين، كسبيل الله تعالي. فلاحظ.

الثالث: وجوب حفظ الخمس والوصية به، جيلاً بعد جيل، حتي يدفع له (عليه السلام) بعد ظهوره، إما بتمامه، أو خصوص النصف المختص به (عليه السلام) مع صرف النصف الآخر في مصارفه. وهو الذي اختاره في المقنعة، مستدلاً عليه بأنه مقتضي القاعدة عند تعذر إيصال المال لصاحبه وصرفه في مصارفه.

********

(1) وسائل الشيعة ج: 6 باب: 5 من أبواب المستحقين للزكاة حديث: 8

ص: 370

لكنه يشكل أولاً: بأنه معطل للحق، لما هو المعلوم من أن هذا المال ليس كسائر أملاك الناس الشخصية التي ليس المنظور فيها إلا اختصاصهم بها، بل هو ملك للإمام (عليه السلام) بلحاظ منصبه الرفيع وما ينوبه من مصارف وحاجات خاصة تتجدد في كل زمان. وحفظه بالوجه المذكور معطل له عن مصرفه، وهو مما يقطع بعدم رضا الشارع الأقدس به، لكونه مفوتاً لملاكه، فالملاك الملزم بجعله وحرمان المالك منه مانع من تعطيله بالوجه المذكور.

وثانياً: بأن ذلك يعرض المال للضياع والتلف، وإذا ساغ لمثل المفيد من القدماء القول بذلك، لتخيل أن طول مدة الغيبة ليس بهذا المقدار فلا ريب في بطلان ذلك بعد ظهور طول أمدها، وتعرض البلاد والعباد للفتن الماحقة، والعوادي المتلفة للأنفس والأموال، وتعرض النفوس للفتنة والخيانة، ولاسيما مع كثرة المال بطول الزمن، المستلزم لتعذر حفظه عادة.

ومن ثم كان من الغريب جداً ما عن المنتهي من استحسان القول المذكور في النصف الراجح للإمام، وما في المختلف من أنه الأقرب، وإن أجاز صرفه في المحتاجين من الذرية، وما في الدروس من التخيير في نصيب الإمام بين الدفن والإيصاء وصلة بقية ذوي السهام مع إعوازهم.

ثم إن ما سبق كما يقتضي عدم تعين أحد الوجوه المذكورة آنفاً يقتضي عدم التخيير بينها في أنفسها، ولا بينها وبين غيرها، كالدفع للذرية ونحوه، وكما يمنع منها في تمام الخمس يمنع منها في خصوص حصة الإمام (عليه السلام) منه. وبذلك يظهر بطلان جملة من الأقوال المذكورة في المقام، ولا مجال معه لإطالة الكلام فيها.

الرابع: صرف حصته (عليه السلام) لفقراء بني هاشم تعييناً - كما هو ظاهر الشرايع، وفي الروضة أنه المشهور بين المتأخرين - أو مخيراً بينه وبين بعض ما تقدم، كما في القواعد وجامع المقاصد وكما تقدم من الدروس وحكي عن البيان. ولعله إليه يرجع ما عن المفيد في الغرية وابن فهد في المهذب من صرفه في الذرية الطاهرة.

ص: 371

وقد يستدل عليه بما في مرسل حماد ومرفوع أحمد بن محمد من أن علي الإمام سدّ حاجتهم إن لم تكفهم سهامهم(1). لكن الظاهر اختصاصه بما إذا كان الإمام مبسوطاً وقد اجتمع عنده تمام الخمس، فلم تفِ حصة المذكورين بحاجتهم. كما أن مقتضي إطلاقه لزوم سدّ حاجتهم من ماله، لا من خصوص سهمه من الخمس الذي هو محل الكلام.

اللهم إلا أن يدعي إلغاء خصوصية بسط اليد واجتماع تمام الخمس عنده عرفاً، وأن المفهوم من الحديثين كون تكليفه بذلك في الحال المذكور لقدرته عليه حينئذ، لا لاختصاص تكليفه به. كما لا يبعد أن يكون المفروض في محل كلام من سبق عدم وجود مال آخر له (عليه السلام) لسدّ حاجتهم.

فالأولي في الجواب عن ذلك أنه كما يجب علي الإمام (عليه السلام) سدّ حاجة المذكورين يجب عليه سد حاجة سائر فقراء المؤمنين لو لم تف حصتهم من الزكاة بحاجتهم، كما تضمنته مرسل حماد أيضاً(2) ، ويجب عليه القيام بكثير من الأمور كترويج الدين ونشر أحكامه بين المؤمنين ودفع النوائب عنه وعنهم ومداراة الظالمين وغير ذلك مما يقتضيه مقامه الشريف ومنصبه المنيف الذي به استحق نصيبه من الخمس وغيره.

ولا يتضح رجحان الأول، فضلاً عن تعينه، بل المرجع في ذلك نظره الشريف، تبعاً لسلطنته علي الحق المذكور، وولايته العامة. كما يناسبه في الجملة ما في صحيح البزنطي المتقدم عند الكلام في وجوب البسط علي أصحاب السهام. ولذا لا إشكال ظاهراً في عدم التزام الأئمة المتأخرين (صلوات الله عليهم) الذين كانوا يأخذون الخمس بكفالة فقراء الهاشميين، بل ولا الفاطميين فضلاً عن عموم العلويين منه، بحيث لا ينفقون منه في وجه آخر مادام فيهم محتاج.

********

(1) وسائل الشيعة ج: 6 باب: 3 من أبواب قسمة الخمس ومستحقه حديث: 1، 2

(2) وسائل الشيعة ج: 6 باب: 1 من أبواب الأنفال حديث: 4، وباب: 28 من أبواب المستحقين للزكاة حديث: 3

ص: 372

هذا كله مع إمكان الوصول إليه (عليه السلام). وأما مع تعذره - كما هو محل الكلام - فلابد من ملاحظة القواعد، علي ما يأتي الكلام فيه إن شاء الله تعالي.

نعم قد يستدل للقول المذكور بقوله (صلي الله عليه وآله وسلّم) في حديث عيسي بن المستفاد الوارد في شروط الإسلام: وإخراج الخمس من كل ما يملكه أحد من الناس حتي يرفع إلي ولي المؤمنين وأميرهم ومن بعده من الأئمة من ولده، فمن عجز ولم يقدر إلا علي اليسير من المال فليدفع ذلك إلي الضعفاء من أهل بيتي من ولد الأئمة (عليهم السلام)، فمن لم يقدر علي ذلك فلشيعتهم ممن لا يأكل بهم الناس ولا يريد بهم إلا الله(1).

لكنه - مع ضعف سنده - ظاهر في أن المعيار في الدفع لفقراء أولاد الأئمة العجز عن دفع تمام الخمس، لا العجز عن الوصول للإمام، وهو لا يناسب القول المذكور ولا غيره من الأقوال. كما لا يمكن العمل عليه، علي ما تقدم عند الكلام في وجوب البسط علي أصحاب السهام. ومن ثم لا يبعد حصول الاضطراب في متنه.

ومن جميع ما تقدم يظهر ما يمكن الاستدلال به لما في الوسيلة من قسمة نصيبه (عليه السلام) علي مواليه العارفين بحقه من أهل الفقر والصلاح والسداد. وقريب منه ما عن بعض القدماء. كما يظهر ضعفه أيضاً مما سبق.

ومثله الاستدلال له بخبر محمد بن يزيد عن أبي الحسن الأول (عليه السلام): قال: من لم يستطع أن يصلنا فليصل فقراء شيعتنا...(2) ، ومرسل الصدوق: قال الصادق (عليه السلام): من لم يقدر علي صلتنا فليصل صالحي موالينا يكتب له ثواب صلتنا(3). لضعف الخبرين، وظهورهما في الصلة المستحبة، لا إيصال حقهم الثابت لهم (عليهم السلام) واللازم الدفع، الذي هو محل الكلام.

الخامس: ما قواه في الجواهر من جريان حكم مجهول المالك علي سهمه (عليه السلام)، قال: باعتبار تعذر الوصول إليه روحي له الفداء، إذ معرفة المالك باسمه ونسبه دون

********

(1) وسائل الشيعة ج: 6 باب: 4 من أبواب الأنفال وما يختص بالإمام حديث: 21

(2) وسائل الشيعة ج: 6 باب: 50 من أبواب الصدقة حديث: 1، 3

(3) وسائل الشيعة ج: 6 باب: 50 من أبواب الصدقة حديث: 1، 3

ص: 373

شخصه لا تجدي. بل لعل حكمه حكم مجهول المالك، باعتبار تعذر الوصول إليه للجهل به.

لكنه يشكل أولاً: باختصاص نصوص مجهول المالك - بملاحظة مواردها - بما يملكه الإنسان بشخصه، ولا تعم مثل السهم المذكور مما مملكه الإمام (عليه السلام) بلحاظ منصبه الشريف، ولا مجال لإلغاء خصوصية مواردها عرفاً، بعد كون التصدق عن المالك نفعاً له بشخصه لوصول ثوابه إليه، وما يناسب المنصب صرف المال في شؤون المنصب.

وثانياً: بعدم وضوح عموم الأدلة المذكورة لما إذا أحرز رضا المالك بخصوص تصرف ما، أو كان المالك مكلفاً بالإنفاق في جهة معينة ينحصر القيام بها بالمال المذكور، كما لو كان المالك مديناً للشخص الواجد للمال أو لغيره ممن يصل له الواجد له دون المالك، أو مكلفاً بالإنفاق علي شخص كذلك، لابتناء الصورتين المذكورتين علي عناية يبعد معها استفادة العموم من ترك الاستفصال. ولاسيما مع قرب كون إيجاب الشارع التصدق لأنه الأقرب لمصلحة المالك ولرضاه بعد تعذر انتفاعه به، حسب رغبته، حيث لا يناسب ذلك العموم لهاتين الصورتين وحينئذ يتجه صرف المال في أحد الوجهين المذكورين بعد مراجعة الحاكم الشرعي الذي هو ولي الغائب.

وعلي ذلك يلزم في المقام صرف حصة الإمام صلوات الله عليه فيما يحرز رضاه بصرفه فيه، ومنه ما يجب عليه القيام به مع قدرته عليه، كدفع الخطر عن الدين، وترويجه، وسد ضرورات المؤمنين ونحوها مما تشتد الحاجة له بطول الزمان، واختلاف الظروف، وتطور الأوضاع.

ولاسيما مع كون إحراز رضاه (عليه السلام) مستلزماً لإحراز إذنه وإمضائه للتصرف، بحيث لا يكون جواز التصرف ونفوذه تابعاً لإعمال سلطنته فعلاً، لعدم الإشكال ظاهراً في علمه عليه السلام بالتصرف الذي يحدث في المال، كما يناسبه ما تضمنته

ص: 374

(375)

وهو الفقيه (1)

-

من النصوص الكثيرة من عرض الأعمال عليهم (عليهم السلام)(1) ، ومع التفاته (عليه السلام) للتصرف المذكور لابد من إذنه فيه أو إمضائه له. حيث لا مجال مع ذلك لإجراء حكم مجهول المالك، لعدم الإشكال ظاهراً في قصوره عما لو أمكن إحراز إذن المالك المجهول وإمضائه للتصرف كما لو أمكن إعلامه بالتصرف بمثل الإعلان بالإذاعة أو بالصحف بالنحو الذي يحرز معه إذنه فيه أو إمضاؤه له، لأن ذلك إيصال اختياري له، فيتقدم علي التصدق الذي هو إيصال اضطراري. ولا أقل من قصور نصوص التصدق عن ذلك.

ومن هنا كان المتعين في المقام الاقتصار في إنفاق حصته (عليه السلام) من الخمس علي المورد الذي يحرز رضاه بإنفاقه فيه، ولو لعدم ظهور المرجح بين الموارد لمن يتولي إنفاقها، حيث قد يحرز معه رضاه (عليه السلام) بأحدها تخييراً فراراً من محذور تعطيل المال، وإن كان أحدها أرجح بنظره الشريف في الواقع من دون أن يظهر لمن يتولي إنفاق الحق فإن ذلك هو المتيقن من جواز التصرف تكليفاً ونفوذه وضعاً. ويلزم الرجوع في غيره لأصالة حرمة التصرف في مال الغير تكليفاً، وعدم نفوذ التصرف وترتب الأثر عليه وضعاً. فلاحظ. والله سبحانه وتعالي العالم.

(1) صرح في المعتبر والمختلف والدروس والروضة بأنه لا يجوز تولي المالك صرف حصة الإمام في محاويج الذرية، بل لابد من تولي الحاكم الشرعي لذلك، ونحوه حكي عن المجلسي، بل عنه نسبة ذلك للمشهور، وأطلق في اللمعة لزوم دفع حصة الإمام من الخمس له (عليه السلام) أو لنوابه. لكن أطلق جماعة التصرف بأحد الوجوه المتقدمة من دون تنبيه علي الدفع للحاكم، بنحو قد يظهر منه تولي المالك بنفسه له. وهو المصرح به في الوسيلة ومحكي كلام المفيد في الغرية، وإن ذكر الأول أن الأفضل الدفع لبعض الفقهاء الديانين.

********

(1) الكافي ج: 1 ص: 219 وغيره

ص: 375

ويظهر من المتن وغيره أن الوجه في لزوم مراجعته نيابته عن الإمام، وهو مبني علي عموم نيابته عنه، في تمام مناصبه، أو في خصوص ما تعارف قيام القضاة به، لدعوي حمل ما تضمن جعله قاضياً(1) علي ذلك، وقد ثبت تولي القضاة الولاية علي الغائب وعلي أمواله، ومنه المال المذكور.

نعم استشكل سيدنا المصنف (قدس سره) في ذلك بقصور أدلة الولاية المذكورة عن شمول الإمام (عليه السلام) نفسه. ولعل مرجع ما ذكره - علي غموض في كلامه - إلي أن أدلة جعل الولاية للحاكم ناظرة إلي الولاية الثابتة للإمام بما أنه إمام، وأولي بالمؤمنين من أنفسهم، وهي قاصرة عن شمول نفسه (عليه السلام) وماله، لأنه الولي لا المولي عليه، فيقصر دليل جعلها للحاكم عنهما أيضاً. وأما ولايته (عليه السلام) علي ماله فهي عبارة عن سلطنته عليه التي يشترك فيها مع كل ذي مال، وليست هي مجعولة بأدلة الولاية، بل لابد في جعلها لغيره من الوكالة التي لا نظر لأدلة الولاية عليها، بل لا إشكال في عدم جعلها للحاكم.

لكنه يندفع بأن قصور ولايته (عليه السلام) الثابتة بلحاظ منصبه الشريف عن نفسه وماله إنما هو للزوم اللغوية بعد ثبوت سلطنته (عليه السلام) عليها ذاتاً، وهو لا ينافي عموم ولاية الحاكم لهما إذا دخلا في موضوع ولايته بسبب غيبته (عليه السلام) التي يحتاج معها لجعل الولي، كما يحتاج له مع غيبة غيره، نظير أن يجعل (عليه السلام) ولاية القضاء لشخص في الخصومة بينه وبين غيره، كما ثبت عن النبي (صلي الله عليه وآله وسلّم)(2).

بل لا يظن بأحد التوقف في تولي من ثبتت ولايته علي مال الغائب لمال الإمام (عليه السلام) الذي يملكه بشخصه لا بمنصبه لو احتاج لإعمال الولاية. كما أنه (قدس سره) اعترف بأن مقتضي القاعدة ولاية الحاكم علي قسمة المال وتعيين الخمس، مع أن الولاية علي القسمة وتعيين الحق فرع الولاية علي نفس الحق. فتأمل.

********

(1) وسائل الشيعة ج: 18 باب: 1 من أبواب صفات القاضي حديث: 5، وباب: 11 منه حديث: 6

(2) راجع وسائل الشيعة ج: 18 باب: 18 من أبواب كيفية الحكم وأحكام الدعوي

ص: 376

فالعمدة في الإشكال عدم ثبوت نيابة الحاكم عن الإمام في جميع مناصبه، ولا في خصوص ما تعارف قيام القضاة به، بل المستفاد من الأدلة المذكورة ثبوت ولايته علي القضاء لا غير، كما تقدم في شرح المسألة الرابعة والعشرين من مباحث الاجتهاد والتقليد.

ومنه يظهر ضعف ما ذكره (قدس سره) في توجيه ولاية الحاكم في المقام من أن المستفاد من بعض النصوص أن الحصة المذكورة ليست ملكاً له بشخصه الشريف، بل ملك لمنصبه المنيف منصب الزعامة الدينية، فيتولاه من يتولي المنصب المذكور. إذ فيه: أنه لا دليل علي ثبوت المنصب المذكور للحاكم الشرعي، كما يظهر مما سبق هناك.

فالأولي أن يقال: إن نيابة الحاكم الشرعي وولايته علي حصة الإمام، بل علي تمام الخمس، وإن لم يتيسر لنا إقامة الدليل عليها، إلا أنه لا طريق للقطع بعدم ثبوتها بعد ملاحظة ظهور مفروغية جماعة من الأصحاب عن ثبوتها في المقام وغيره من موارد الحاجة للولي، وبعد احتمال إرادتها من بعض النصوص المستدل أو المستشهد بها لها وإن كان بعيداً، ومن بعض القرائن والمؤيدات، ومنها بعض اللقاءات معه (عليه السلام) المنسوبة لبعض صلحاء المؤمنين، ومنها أيضاً أهمية ارتباط عامة المؤمنين بحملة العلوم الدينية، لأنهم الأعرف بتطبيق الميزان الشرعي والأقدر عليه نوعاً. ولاسيما مع ظهور أهمية منصب المرجعية الدينية بمرور الزمن.

أضف إلي ذلك أن الخمس كثيراً ما يتعقد أمره علي المالك، بحيث يعلم برضا الشارع الأقدس بنظم أمره وحلّ مشكلته والتيسير عليه، بنحو من التصرف في الخمس، كتعيينه وعزله في مال خاص وإن لم يتسن إنفاقه، لعدم حضور مصرفه الذي يعلم برضا الإمام (عليه السلام) بصرفه فيه، ونقله من العين للذمة وتعيين مقداره عند اشتباهه وتأخير أدائه أو تقسيطه، وتبديل رأس السنة له أو غير ذلك مما يحتاج إلي ولي ينفذ تصرفه، ومن أجل ذلك يقوي جداً احتمال ولاية الحاكم عليه.

ومرجع الاحتمال المذكور لاحتمال كون التصرف الذي يرضي به الإمام (عليه السلام)

ص: 377

هو التصرف من قبل الحاكم بعد جعله ولياً من قبله، نظير رضا الموكل بالتصرف الصادر من الوكيل في فرض صدوره منه، لا مطلقاً، ومن أجل ذلك يلزم الرجوع للحاكم في أمر الخمس، لأصالة حرمة التصرف تكليفاً وعدم نفوذه وضعاً بدونه.

نعم يحتمل في المقام أيضاً ولاية المالك علي الخمس وإيكال أمره إليه، لأنه المكلف بإخراجه والمسؤول به، كما في الزكاة، فيتعين بلحاظ ذلك الجمع بين نظره ونظر الحاكم، ولو بإيكال أحدهما الأمر للآخر، نظير ما تقدم في النصف الراجع لفقراء الهاشميين.

ولا مجال مع ذلك لما ذكره بعض مشايخنا (قدس سره) من دوران الأمر مدار قناعة المالك، فإن أحرز رضا الإمام بالتصرف من دون مراجعته كان له الاستقلال به، وإلا كان عليه مراجعته.

إذ فيه: أنه ليس للعامي إعمال قناعته في الكبريات الشرعية غير الضرورية، بل لابد له من الرجوع لمن يجب عليه تقليده واللازم علي الفقيه إلزامه بالرجوع للحاكم بملاحظة ما سبق. وإلا كان اللازم البناء علي التفصيل المذكور في سائر أبواب الفقه، خصوصاً موارد الرجوع للأصل بنظر الفقيه، مع عدم بنائهم علي ذلك.

نعم لو ثبت عدم ولاية الحاكم الشرعي، وكانت مراجعته لمجرد احتمال دخله في رضا الإمام (عليه السلام) اتجه التفصيل المذكور.

هذا ولا ينبغي التأمل في سقوط اعتبار مراجعة الحاكم الشرعي مع تعذرها أو تعسرها بنحو يستلزم تعطيل المال عن مصارفه، للعلم بسقوط ولايته حينئذٍ، كما في سائر موارد تعذر مراجعة الولي في مورد الحاجة إليه، وعدم احتمال رضا الإمام (عليه السلام) بالتعطيل المذكور. وكذا الحال في جميع ما يحتمل دخله في الولي مما يأتي الكلام فيه. فلاحظ. والله سبحانه وتعالي العالم.

ص: 378

(379)

المأمون (1) العارف بمصارفه (2)، إما بالدفع إليه، أو الاستئذان منه (3). ومصرفه ما يوثق برضاه (عليه السلام) بصرفه فيه (4)، كدفع ضرورات المؤمنين (5)

-

(1) لا يبعد كون مراده (قدس سره) الأمانة في الدين التي عبارة عن العدالة المعتبرة في الحاكم الشرعي، لا الأمانة في خصوص السهم المذكور الراجعة إلي عدم احتمال التفريط منه فيه، وإن لم يكن عادلاً في نفسه، حيث لا مجال للاكتفاء بها بعد ما سبق من لزوم مراجعة الحاكم الشرعي، وما هو المعلوم من اعتبار العدال في الحاكم.

(2) ظاهره لزوم إحراز المالك كون الحاكم عارفاً بالمصارف، وهو إنما يتجه بناءً علي عدم ثبوت ولايته شرعاً وعدم نيابته عن الإمام (عليه السلام)، حيث لا يتيقن المالك ببراءة ذمته بالدفع للحاكم بدون ذلك، أما بناءً علي ثبوت ولايته فمن الظاهر أن أدلة الولاية لم يؤخذ فيها ذلك، فيتعين براءة ذمة المالك بالدفع للحاكم مطلقاً. غاية الأمر أنه ليس للحاكم صرفه إلا مع إحراز المعرفة من نفسه، وإلا كان مفرطاً خارجاً عن مقتضي الولاية.

ومنه يظهر أنه بناء علي ما سبق منّا من لزوم الجمع بين نظره ونظر المالك لاحتمال ولاية المالك يتعين اعتبار الشرط المذكور، ويأتي تمام الكلام في ذلك.

(3) لعدم الفرق بينهما في إعمال مقتضي الولاية المعلومة أو المحتملة، بل يكفي إجازته للتصرف الواقع بغير إذنه، لتحقق مقتضي الولاية بها أيضاً.

(4) لا مجال للاكتفاء بذلك مع إمكان التصرف الذي يعلم برضاه (عليه السلام) به. نعم مع تعذره ولزوم تعطيل المال للعلم بوجود المصرف إجمالاً قد يعلم باكتفائه (عليه السلام) بالوثوق في إحراز رضاه (عليه السلام). بل قد يعلم باكتفائه (عليه السلام) بالاحتمال في ذلك.

(5) ولا يكفي مجرد الحاجة والفقر الشرعي، لعدم أخذه في مصرفه، ومجرد وجوب كفايتهم عليه (عليه السلام) لا يقتضي تعيين صرفه في ذلك بعد وجود واجبات أخر عليه قد تكون أهم من ذلك، كما سبق. نعم قد يحرز رضاه (عليه السلام) بالدفع مع الفقر، بل و

ص: 379

من السادات زادهم الله تعالي شرفاً وغيرهم (1). والأحوط نية التصدق به عنه (عليه السلام) (2). واللازم مراعاة الأهم فالأهم (3). ومن أهم مصارفه في هذا الزمان الذي قلّ فيه المرشدون والمسترشدون إقامة دعائم الدين ورفع أعلامه، وترويج الشرع المقدس، ونشر قواعده وأحكامه، ومؤنة أهل العلم الذي يصرفون أوقاتهم في تحصيل العلوم الدينية الباذلين أنفسهم في تعليم الجاهلين وإرشاد الضالين، ونصح المؤمنين ووعظهم وإصلاح ذات بينهم، ونحو ذلك مما يرجع إلي إصلاح دينهم وتكميل نفوسهم وعلو درجاتهم عند ربهم تعالي شأنه وتقدست أسماؤه. وما توفيقي إلا بالله، عليه توكلت وإليه أنيب. والأحوط لزوماً مراجعة المرجع العام (4)

-

مع الغني، لعناوين ثانوية خاصة. ولا ضابط لذلك.

(1) لما سبق من عدم خصوصية السادة في ذلك.

(2) خروجاً عن شبهة جريان حكم مجهول المالك في المقام. لكن الظاهر أنه احتياط استحبابي لما سبق. إلا أن يحتمل دخله في موضوع تحقق رضاه (عليه السلام).

نعم لا مجال لذلك في المصارف التي لا تبتني علي إعطاء المال للشخص، بل مجرد صرفه في جهة معينة.

(3) هذا راجع إلي اعتبار إحراز رضا الإمام (عليه السلام)، لوضوح عدم رضاه بصرفه في المهم مع وجود الأهم.

نعم لو لم يتيسر تمييز الأهم تعين التخيير إذا كان الانتظار من أجل استيضاح الحال مستلزماً لتعطيل المال، نظير ما سبق.

(4) الظاهر عدم الإشكال في عدم اختصاص الولاية - المعلومة أو المحتملة

به، وليس موضوعها إلا مطلق الفقيه العادل، عملاً بإطلاق الفتوي والنصوص

ص: 380

(381)

المطلع علي الجهات العامة (1).

(مسألة 74): يجوز نقل الخمس (2) من بلده إلي غيره مع عدم وجود المستحق (3).

-

المستدل بها علي الولاية والقرائن الأخر. الشاهدة بها. ولاسيما مع كون حدوث المنصب المذكور بحدوده المعروفة اليوم متأخراً نتيجة تيسر الاتصال بين البلاد والعباد.

ومن هنا ينحصر الوجه في احتمال لزوم الرجوع للمرجع العام. دخله في إحراز رضا الإمام (عليه السلام) بالتصرف، لأهمية منصب الزعامة الدينية، بنحو قد يحرز لزوم تشييده وتقويته بإناطة التصرف في الحق المذكور به. لكن مقتضي ذلك - لو تم - الفتوي بلزوم مراجعته، عملاً بالأصل، لا الاحتياط اللزومي بذلك.

وأما بناءً علي ما سبق منا من احتمال ولاية المالك فاللازم عليه اعتباره من هو الأعرف بنظره والأقدر علي وضع المال في محله وصرفه في المصارف التي يرضي بها الإمام (عليه السلام)، لأن ذلك هو مقتضي ولاية المالك المحتملة. فلاحظ.

(1) كأنه لعدم احتمال أهمية الرجوع للمرجع العام مع عدم اطلاعه ومعرفته بالجهات العامة أو قلة خبرته بها.

(2) إما مع تعينه بالعزل ولو بإذن الحاكم الشرعي، أو بدونه بنقل تمام المال الذي فيه الخمس، أو بنقل مقدار من المال يفي بالخمس من دون أن يتعين الخمس فيه، حيث لا يبعد عموم مرادهم من النقل هنا وفي الزكاة لجميع ذلك.

(3) كما ذكره غير واحد. بل في المدارك أنه لا ريب فيه، وفي الجواهر أنه لا إشكال فيه. لوضوح أن إبقاءه في البلد كنقله عنه تصرف فيه فلا وجه للإلزام بأحدهما إلا بملزم خارجي، ولا ملزم بالإبقاء في البلد مع عدم المستحق والمصرف له فيه.

اللهم إلا أن يقال: اللازم مع كون كل من النقل والإبقاء تصرفاً فيه استئذان

ص: 381

بل مع وجوده (1) إذا لم يكن النقل منافياً للفورية. أما إذا كان منافياً لها ففيه

-

الحاكم الشرعي في أحد الأمرين، فقد يري الصلاح في الإبقاء ولو مع عدم المستحق، كما لو كان أحفظ للمال، لتعرضه مع النقل للخطر، أو لتوقع حصول المستحق الأهم في البلد أو نحو ذلك.

(1) كما في المسالك والمدارك وظاهر الجواهر وعن غيرها، وإليه مال في الرياض، خصوصاً لطلب المساواة بين المستحقين، أو الأشد حاجة خلافاً للشرايع والنافع ومحكي التحرير والمنتهي وغيرهما من عدم جواز النقل.

وبناه في الجواهر علي الحكم في الزكاة خلافاً ودليلاً. وحيث كان الظاهر في الزكاة جواز النقل كان هو المتعين في المقام، لكن بناءه علي الحكم في الزكاة غير ظاهر الوجه، لعدم وضوح الوجه في اشتراكهما في الحكم المذكور.

ومقتضي القاعدة التفصيل المذكور في المتن بين منافاته للفورية وعدمها، لأن مقتضي حرمة التصرف في الحق حرمة حبسه ولزوم المبادرة بأدائه، أما إذا لم يناف الفورية فلا مرجح لأهل البلد بل حتي في مورد منافاة النقل للفورية لو عصي ونقله يتعين إجزاء دفعه لمن في البلد الذي نقله إليه.

وبذلك يظهر أن نقله إذا كان أقرب للفورية في وصوله للمستحق من بقائه كان هو المتعين إذا لم يلزم منه محذور آخر، كتعرضه للخطر، أو للنقص بسبب مؤنة النقل.

إن قلت: تقدم أن مقتضي القاعدة البسط علي الأصناف والأفراد، وأن الخروج عن ذلك حكم ثانوي مبني علي إعمال ولاية الولي، وحينئذ حيث يدور الأمر فيما ثبت بمقتضي الولاية بين تعيين أهل البلد والتخيير بينهم وبين غيرهم يكون مقتضي الأصل التعيين، لأصالة عدم نفوذ التصرف في الحق.

قلت: لا مجال لاحتمال خصوصية أهل البلد في أصل التشريع، وإنما يمكن

ص: 382

إشكال. والأحوط تركه إلا بإذن الحاكم الشرعي (1). نعم يجوز دفعه في البلد إلي وكيل الفقير وإن كان هو في البلد الآخر (2)، ووكيل الحاكم الشرعي (3)، وكذا إذا وكل الحاكم الشرعي المالك، فقبضه بالوكالة عنه ثم ينقله إليه (4).

(مسألة 75): إذا كان المال الذي فيه الخمس في غير بلد المالك فالأحوط تحري أقرب الأزمنة في الدفع (5)، سواءً أكان بلد المالك أم المال أم غيرها.

-

ذلك بمقتضي الولاية، وحيث لم يثبت منهم (عليهم السلام) إعمال الولاية في ذلك، بجعل حكم ثانوي فاللازم الرجوع لهم (عليهم السلام) في كيفية القسمة مع الإمكان وللحاكم الشرعي مع عدمه، كسائر الجهات المتعلقة بالخمس.

مضافاً إلي أن الذي سبق هو قضاء القاعدة بالبسط علي الأصناف، أما الأفراد فقد سبق عدم قضاء القاعدة بالبسط عليهم، بل يتعين حمل عناوين المستحقين علي الجنس. فراجع.

هذا وإن اللازم اختصاص النزاع بالنصف الراجع لغير الإمام، أما نصفه فلا طريق لتعيين مصرفه إلا بمراجعة الحاكم، كما سبق.

(1) حيث قد يترجح بنظره وحده أو بنظر المالك معه بعض موارد الإنفاق المتأخرة علي موارد الحاضرة.

(2) لعدم استلزامه النقل حينئذٍ. كما أنه لا ينافي الفورية، وإنما ينافي اختصاص أهل البلد بالخمس، الذي سبق عدم الدليل عليه.

(3) هذا في فرض وجود المستحق في البلد راجع إلي منافاة الفورية بإذن الحاكم، وكذا ما بعده.

(4) ومثله ما إذا وكل الفقير الذي في البلد الآخر المالك في القبض عنه. بل هو أولي بالجواز، لعدم منافاته للفورية.

(5) بل هو المتعين إذا كان المال حين تعلق الخمس به تحت يد المالك، لما سبق

ص: 383

(384)

(مسألة 76): في صحة عزل الخمس، بحيث يتعين في مال مخصوص إشكال (1).

-

من أن مقتضي القاعدة المبادرة لأداء الحق. إلا أن يأذن الحاكم بالتأخير، لأنه يراه هو وحده أو المالك معه أصلح. وهذا يجري أيضاً فيما لو كان المال الذي فيه الخمس في بلد المالك وغيره من فروض المسألة.

نعم إذا تعذرت المبادرة بدفع الخمس من العين فلا ملزم بالمبادرة بدفعه من القيمة، لعدم الدليل علي ذلك، غاية الأمر أنه لا يجوز التصرف في العين قبل دفع قيمة الخمس إلا بإذن الحاكم.

كما أنه إذا لم يكن المال حين تعلق الخمس به تحت يد المالك لم تجب المبادرة بدفع الخمس منه، وإن كان يقدر علي تحصيله، لعدم كونه بالتأخير حينئذ حابساً للحق، نظير ما تقدم في المسألة السادسة والستين، فإن الكلام فيهما علي نهج واحد.

(1) فعن المستند الإجماع علي ولاية المالك علي القسمة، للأخبار المتضمنة إفراز رب المال وعرضه علي الإمام. قال سيدنا المصنف (قدس سره): ويقتضيه ظاهر كلماتهم في مسألة جواز النقل، حيث إن الظاهر أن موضوعها المال المعين خمساً. ويؤيده ما ورد في الزكاة.

وفيه أولاً: أن المسألة غير محررة في كلماتهم صريحاً، ليمكن دعوي الإجماع فيها، وكلماتهم في النقل قد تكون ناظرة إلي أولوية المستحقين الذين في البلد من غيرهم، لا إلي حكم النقل بعد الفراغ عن تعين المعزول خمساً. ومن ثم تقدم منّا أن حكم النقل لا يختص بصورة العزل.

وثانياً: أنه يشكل نهوض الإجماع بالحجية في مثل هذه المسألة التي لا يلتفت للأثر العملي لها إلا الخاصة مع عدم ظهور التنبه والتنبيه لها في عصور الأئمة (عليهم السلام)، وإلا كان المناسب تعرض النصوص لها.

وأما النصوص المتضمنة إفراز رب المال خمسه فهي إنما تقتضي ولايته علي

ص: 384

وعليه فإذا نقله إلي بلد، لعدم وجود المستحق (1)، فتلف بلا تفريط يشكل فراغ ذمة المالك (2) نعم إذا صح العزل (3) فلا ضمان عليه.

-

تعيين الخمس، وعدم توقفه علي رضا أربابه، وهو لا ينافي عدم تعينه فيما عينه إلا بصرفه وإعطائه للولي أو المستحق.

فلم يبق إلا حمل الخمس فيها علي الزكاة التي ثبت فيها ذلك بالخصوص. ولعله هو الوجه في تخيل الإجماع في المقام. لكنه لا يخلو عن إشكال، لعدم ثبوت عموم اشتراكهما في الأحكام. ومن هنا لا مخرج عن مقتضي الأصل من عدم تعيين الخمس بصرفه أو قبضه ممن له ذلك.

ولا ينافي ذلك ما سبق في المسألة الثانية والسبعين من عدم الإشكال في استقلال المالك بالقسمة. إذ ليس المراد به إلا أن له إخراج الخمس من المال، كما أن له دفع القيمة بدله، من دون حاجة إلي مراجعة أرباب الخمس أو من له الولاية عليه، بحيث ليس لهم عدم الرضا بما عينه وطلب تعيينه من قسم آخر من المال، كما هو مقتضي الأصل في موارد الإشاعة. وذلك لا ينافي عدم تعين الخمس فيما عينه إلا بصرفه أو قبضه ممن له ذلك، كما هو الحال في الدين ونحوه من الذميات، التي تشترك مع الخمس في أن لمن عليه الحق تعيينها في مال خاص من دون مراجعة من له الحق، ومع هذا لا تتعين بالعزل من دون قبض صاحب الحق أو وليه.

(1) ومثله عزله من أجل دفعه لمن في البلد من المستحقين.

(2) بل يتعين بقاء الحق بتمامه في المال إذا كان التالف الذي أخرجه قيمة خمس العين، وأما إذا كان التالف خمس نفس العين تعين بقاء خمس الباقي في الباقي، وعدم ضمان عدم خمس التالف إلا مع التفريط ولو بأصل النقل.

(3) ولو بإذن ولي الخمس المعلوم أو المحتمل، علي الكلام السابق.

ص: 385

(386)

(مسألة 77): إذا كان له دين في ذمة المستحق ففي جواز احتسابه عليه من الخمس إشكال (1). فالأحوط وجوباً الاستئذان من الحاكم الشرعي

-

(1) قد يوجه الإشكال بوجهين:

الأول: ما أشار إليه سيدنا المصنف (قدس سره) من أن إعطاء الخمس للفقير في السهام الثلاثة الراجعة له يبتني علي تمليكه، لا مجرد انتفاعه به، ولا تمليك في المقام، لأن التمليك يحتاج إلي قبول، والاحتساب لا يحتاج إلي قبول.

الثاني: ما ذكره بعض مشايخنا (قدس سره) من أن المتيقن من جواز دفع القيمة بدل الخمس ما إذا كان المدفوع من الخارجيات، ولا دليل علي جواز دفعها من الذميات، كالدين في المقام.

لكن الأول إنما يقتضي عدم الاكتفاء باستقلال المالك في احتساب الدين، ولا يمنع من اتفاقه هو والفقير علي الاحتساب، بنحو يرجع إلي تمليك الفقير للدين بدلاً عن الخمس، فإنه وإن لم يكن من الاحتساب المعهود في الزكاة، إلا أنه يشترك معه نتيجة.

وأما الثاني فهو - مع قصوره عما إذا كان الدين نفسه ربحاً تعلق به الخمس، حيث لا يبتني احتساب الخمس منه علي الفقير المدين علي تبديله - لا يناسب إطلاق النص الذي استدل به آنفاً علي جواز إخراج القيمة، المتضمن جواز إخراج دراهم بدلاً عما ثبت في المال من الحق(1) ، لأن إطلاق الدراهم يشمل الذمية. ولاسيما مع قرب إلغاء خصوصية الدراهم الخارجية عرفاً لو كان النص ظاهراً فيها بدواً. وكذا بقية النصوص التي قد يستدل بها في ذلك المقام. فراجع.

علي أنه بعد ثبوت ولاية المالك علي دفع القيمة فالفرق بين الخارجيات والذميات بعيد جداً. وإن كان في كفاية ذلك في جواز الاحتساب إشكال بعد ما سبق

********

(1) وسائل الشيعة ج: 6 باب: 9 من أبواب زكاة الغلات حديث: 1

ص: 386

(387)

في الاحتساب المذكور (1) زائداً علي استئذانه في أصل الدفع الذي عرفت أنه الأحوط (2).

(مسألة 78): إذا اشتري المؤمن ما فيه الخمس ممن لا يعتقد وجوبه - كالكافر ونحوه - جاز له التصرف فيه من دون إخراج الخمس، فإن الأئمة (عليهم أفضل الصلاة والسلام) قد أباحوا لشيعتهم ذلك (3).

-

من عدم نهوض النصوص المشار إليها بجواز دفع القيمة، وإنما استفيد جواز دفع القيمة من أدلة لبية، يصعب التوسع فيها، والخروج عن مواردها.

هذا وأما حمل الخمس علي الزكاة في جواز الاحتساب فلا مجال له بعد اختصاص الزكاة بسهم الغارمين وسهم سبيل الله اللذين لا يعتبر فيهما التمليك. ولذا لا إشكال ظاهراً في جواز قضاء دين الفقير من الزكاة إذا كان الدائن غير صاحب الزكاة من دون تمليك له، ولا مجال لذلك في الخمس.

ومثله دعوي: أن التمليك في آية الخمس للنوع. ويكفي فيه صرف الحق الذي يملكه في مصلحة أفراده، ومنه تفريغ ذمة بعض أفراده من الدين. لاندفاعها بأن مرجع تمليك النوع إلي لزوم تمليك الفرد، ولا يكفي صرفه في مصلحته من دون تمليك له.

(1) قال (قدس سره): بناء علي ثبوت ولاية الفقيه لو أذن للمالك بتعيين الخمس فيما له في الذمة، وتعيين الفقير فيمن عليه المال، سقط قهراً، عملاً بمقتضي الولاية، لكنه - مع عدم وضوح عموم ولاية الفقيه لمثل ذلك - إذا كان المستفاد من دليل الخمس التمليك فمجرد تعيين ما في ذمته خمساً لا يقتضي التمليك، بل لابد فيه من الاتفاق عليه مع الفقير الذي لا ولاية للمالك ولا للحاكم عليه. ومن ثم يلزم أولاً تعيين ما في ذمة الفقير خمساً، ثم الاتفاق معه علي تمليكه له، ولو بالإذن منه قبل ذلك.

(2) تقدم ذلك منه (قدس سره) في المسألة الثانية والسبعين، وتقدم منّا الكلام فيه.

(3) فقد تضمنت النصوص المستفيضة أو المتواترة إجمالاً تحليل الخمس

ص: 387

للشيعة، وقد وقع الكلام في المراد من هذه النصوص. وقد تقدم في أول الكلام في ثبوت الخمس في الفوائد التنبيه إلي أنه لا مجال للبناء علي سقوطه بالتحليل، وإن أوهمته بعض النصوص. فراجع.

وأشكل منه البناء علي سقوط الخمس بتمام أقسامه بالتحليل، لإطلاق بعض النصوص، كصحيح الفضلاء عن أبي جعفر (عليه السلام): قال: قال أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (عليه السلام): هلك الناس في بطونهم وفروجهم، لأنهم لم يؤدوا إلينا حقنا. وإن شيعتنا من ذلك وآباءهم [وأبناءهم] في حلّ(1) ، وصحيح زرارة عن أبي جعفر (عليه السلام): قال: إن أمير المؤمنين (عليه السلام) حللهم من الخمس - يعني: الشيعة - ليطيب مولدهم(2). وموثق الحارث بن المغيرة النضري عن أبي عبد الله (عليه السلام):... قال:... إن لنا الخمس في كتاب الله، ولنا الأنفال، ولنا صفو المال، وهما والله أول من ظلمنا حقنا في كتاب الله... اللهم إنا قد أحللنا ذلك لشيعتنا(3) ، وغيرها.

إذ فيه: أن ذلك لا يناسب أدلة ثبوت الخمس ولاسيما ما تضمن المطالبة به، ونصب الوكلاء لأخذه، والتشديد في أمره وعدم إسقاطه من النصوص الكثيرة جداً(4). كما لا يناسب حكمة تشريعه من سدّ خلة بني هاشم وتعويضهم عن الزكاة المحرمة عليهم.

ومن هنا لابد من حمل مطلقات التحليل علي بعض أقسام الخمس، أو علي التحليل في أوائل عصور الأئمة (عليهم السلام) لمصالح مؤقتة ارتفعت في أواسط عصورهم صلوات الله عليهم، ثم رفعوا اليد عن التحليل وأخذوا يطالبون به، كما ذكرنا نظير ذلك عند الكلام في ثبوت خمس الفوائد.

ومثله حمله علي خصوص سهم الإمام (عليه السلام) من الخمس، إما لدعوي: أن ذلك هو الذي يمكن لهم (عليهم السلام) إسقاطه، دون سهم فقراء بني هاشم، كما هو ظاهر ما عن

********

(1و2و3) وسائل الشيعة ج: 6 باب: 4 من أبواب الأنفال حديث: 1، 15، 14

(4) راجع وسائل الشيعة ج: 6 باب: 8 من أبواب ما يجب فيه الخمس، وباب: 3 من أبواب الأنفال

ص: 388

ابن الجنيد. أو لرواية أبي حمزة عن أبي جعفر (عليه السلام) في حديث قال: إن الله جعل لنا أهل البيت سهاماً ثلاثة في جميع الفيء، فقال تبارك وتعالي: واعلموا أنما غنمتم من شيء فأن لله خمسه... فنحن أصحاب الخمس والفيء. وقد حرمناه علي جميع الناس ماخلا شيعتنا...(1).

لاندفاع الأول - بعد مخالفته للنصوص الكثيرة الظاهرة في تحليله بتمامه، ولاسيما بملاحظة التعليل فيها بطيب الولادة ونحوه مما لا يترتب إلا بتحليل تمام الخمس - بأنه لا إشكال في أن لهم (عليهم السلام) الولاية علي الخمس بتمامه، فكما كان لهم إسقاط سهامهم منه كان لهم إسقاط بقية السهام.

واندفاع الثاني بأن الرواية - مع ضعفها في نفسها - ظاهرة في أن السهام الثلاثة هي تمام حق أهل البيت من الخمس لا حق خصوص الأئمة (عليهم السلام)، وقد تقدم عدم إمكان الالتزام بذلك مع أنها لا تخلو عن تدافع لظهور ذيلها في أن تمام الخمس لهم وأنهم قد حللوه لشيعتهم بتمامه. وهو الظاهر أو الصريح من كثير من النصوص، كما سبق.

وأضعف منه حمل التحليل علي خصوص عصر الغيبة، كما قد يظهر من جماعة من الأصحاب. لما تقدم من دخول عصر الظهور في المتيقن من نصوص التحليل المذكورة.

نعم في مرسلة عوالي اللآلي: سئل الصادق (عليه السلام) فقيل له: يا ابن رسول الله ما حال شيعتكم فيما خصكم الله به إذا غاب غائبكم واستتر قائمكم؟ فقال (عليه السلام): ما أنصفناهم إن واخذناهم، ولا أحببناهم إن عاقبناهم، بل نبيح لهم المساكن لتصح عبادتهم، ونبيح لهم المناكح لتطيب ولادتهم، ونبيح لهم المتاجر ليزكوا أموالهم(2). وقد يظهر من جماعة من الأصحاب موافقته في الجملة، حيث اقتصروا علي العناوين

********

(1) وسائل الشيعة ج: 6 باب: 4 من أبواب الأنفال حديث: 19

(2) مستدرك الوسائل ج: 7 باب: 4 من أبواب الأنفال حديث: 3

ص: 389

المذكورة فيه أو علي بعضها بنحو يظهر منهم اختصاص التحليل منها بحال الغيبة.

لكن لا مجال للتعويل عليه في ذلك مع ضعفه جداً، وعدم ظهور اعتماد الأصحاب عليه، بل لم اعثر علي من استدل به منهم، وإنما استدلالهم بنصوص التحليل الأخر التي كان عصر الظهور متيقناً منها.

ومن جميع ما سبق يظهر وهن القول بحمل التحليل علي خصوص سهم الإمام، وفي خصوص عصر الغيبة. نعم قد تقدم في المسألة الثالثة والسبعين من صاحب الحدائق الاستدلال عليه بالتوقيع الشريف، وتقدم ضعفه.

نعم ظاهر جملة من النصوص أن الشيعة إذا صار لهم مال قد ثبت فيه الخمس من قبل حلّ لهم ذلك المال بتمامه ولم يطالبوا بالخمس الثابت فيه. ففي صحيح يونس بن يعقوب: كنت عند أبي عبد الله (عليه السلام)، فدخل عليه رجل من القماطين، فقال: جعلت فداك تقع في أيدينا الأموال والأرباح نعلم أن حقك فيها ثابت، وإنا عن ذلك مقصرون، فقال أبو عبد الله (عليه السلام): ما أنصفناكم إن كلفناكم ذلك اليوم(1). لظهوره في العلم بثبوت الحق فيها حين وقوعها.

نعم قد لا يناسب ذلك الأرباح لأنها لا تحصل في نفسها إلا في ملك صاحب المال، فكيف يكون الحق ثابتاً فيها قبل حصولها؟!. إلا أن من القريب إرادة ثبوت الحق في موضوعها وهي الأموال المملوكة بسبب المعاملات المربحة، أو تحمل الأرباح علي الفوائد دون أرباح التجارة.

وفي صحيح أبي خديجة عن أبي عبد الله (عليه السلام): قال رجل وأنا حاضر: حلل لي الفروج. ففزع أبو عبد الله (عليه السلام) فقال له رجل: ليس يسألك أن يعترض الطريق، إنما يسألك خادماً يشتريها، أو امرأة يتزوجها أو ميراث يصيبه أو تجارة أو شيئاً أعطيه. فقال: هذا لشيعتنا حلال، الشاهد منهم والغائب، والميت منهم والحي، وما يولد منهم إلي يوم القيامة، فهو لهم حلال...(2) ، وقد يستفاد ذلك من غيرهما.

********

(1و2) وسائل الشيعة ج: 6 باب: 4 من أبواب الأنفال حديث: 6، 4

ص: 390

قال سيدنا المصنف (قدس سره): مضافاً إلي قيام السيرة عليه في الجملة، ولزوم الوقوع في الحرج العظيم لو بني علي التحريم. ولاسيما بملاحظة ما هو معلوم من عطفهم ورأفتهم بشيعتهم.

هذا ويظهر من جماعة اختصاص التحليل بما يؤخذ ممن لا يعتقد وجوب الخمس كالمخالفين، بل هو صريح بعضهم، منهم سيدنا المصنف (قدس سره)، معللاً له بانصراف النصوص المذكورة لذلك، أو ظهورها فيه، لأن موضوع التحليل فيها الأموال المنتقلة للشيعة من غيرهم. ولاسيما بملاحظة الغلبة، وكون بناء الشيعة علي إخراج الخمس في تلك الأعصار. قال: وبذلك يرتفع التعارض بينها وبين ما دل علي عدم جواز شراء ما فيه الخمس، فيحمل علي الشراء ممن يعتقد.

لكن أطلق في السرائر ومحكي البيان التحليل في شراء ما فيه حقهم (عليهم السلام)، وهو ظاهر التذكرة ومحكي التحرير، بل هو صريح الروضة ومحكي حواشي الشهيد علي القواعد. وهو الأقرب.

لإطلاق النصوص، إذ ليس فيها ما يدلّ علي التقييد بوقوع الأموال للشيعة من غيرهم. والغلبة بسبب قلة الشيعة في الجملة لا تنهض بالتقييد، ولاسيما مع عموم التعليل.

وكذا بناء الشيعة علي إخراج الخمس في تلك الأعصار، إذ هو لا ينافي العموم لما يؤخذ منهم لو فرض عدم إخراجهم الخمس. علي أنه غير ظاهر المأخذ. ولاسيما مع قوله (عليه السلام) في الحديث بعد بيان ثبوت خمس الفوائد: هذا من حديثنا صعب مستصعب، لا يعمل به ولا يصبر عليه إلا ممتحن قلبه للإيمان(1).

مضافاً إلي أمرين:

الأول: أن مقتضي ذلك الاختصاص بما يؤخذ من غير الشيعة، لا بما يؤخذ ممن لا يعتقد وجوب الخمس، فإن المخالفين وإن كانوا لا يرون ثبوت الخمس في

********

(1) وسائل الشيعة ج: 6 باب: 1 من أبواب وجوب الخمس حديث: 6

ص: 391

جميع الفوائد، إلا أنهم يرون ثبوتها في بعضها، كغنائم دار الحرب والمعدن والكنز في الجملة.

الثاني: أن مقتضي ذلك ضمان كل من تقع العين التي فيها الخمس والتي هي للشيعة تحت يده وإن لم يكن مالكاً لها، كالحمال الذي يحملها، والعامل الذي يعمل فيها، وصاحب المخزن الذي يودعها المالك عنده ومستعيرها. وحتي غاصبها فلا يكفيه إرجاعها للمالك، بل لابد من إحرازه إخراج المالك لخمسها من قبل، أو دفعه له بعد ذلك. لضمان الجميع للخمس بضمان اليد إن لم نقل بعموم التحليل لما يؤخذ من الشيعة، كما تقدم في المسألة الثانية والخمسين، ولا يظن بأحد البناء علي ذلك.

وأما ما تضمن عدم جواز شراء ما فيه الخمس(1) ، فهو محمول علي شراء غير الشيعة ممن لم يؤذن لهم، كما تناسبه النصوص الكثيرة المصرحة بتحريم ما فيه حقهم علي غير شيعتهم، وفي خبر إسحاق بن عمار: سمعت أبا عبد الله (عليه السلام) يقول: لا يعذر عبد اشتري من الخمس شيئاً أن يقول: يا رب اشتريته بمالي حتي يأذن له أهل الخمس(2).

ومن هنا كان المتعين عموم التحليل لما يؤخذ من الشيعة كما هو مقتضي إطلاق القواعد وظاهر جامع المقاصد. لكن مع تقييده بعصر الغيبة وإن كان هو غريباً جداً. إلا أن يكون التقييد به لكونه مورداً للابتلاء والعمل.

كما أن الظاهر العموم لجميع الأمور وعدم اختصاصه بالمناكح، ولا هي مع المساكن والمتاجر، فإن العناوين المذكورة وإن اقتصر عليها أو علي بعضها جماعة من الأصحاب، إلا أنه لم يتضح الوجه في اختصاص التحليل بها بعد ما سبق من إطلاق بعض النصوص، الذي لا ينافيه قصور بعض النصوص عن العموم واختصاصه ببعض تلك الأمور، لأنه لم يكن بلسان الحصر.

********

(1) وسائل الشيعة ج: 6 باب: 1 من أبواب وجوب الخمس حديث: 4، 5. وباب: 2 منها حديث: 5. وباب: 3 من أبواب الأنفال حديث: 9

(2) وسائل الشيعة ج: 6 باب: 3 من أبواب الأنفال حديث: 1

ص: 392

(393)

ففي خبر الفضيل:... قال أبو عبد الله (عليه السلام): قال أمير المؤمنين (عليه السلام) لفاطمة (عليها السلام): أحلي نصيبك من الفيء لآبائي شيعتنا ليطيبوا، ثم قال أبو عبد الله (عليه السلام): إنا أحللنا أمهات شيعتنا لآبائهم ليطيبوا(1).

كما أن التعليل بطيب الولادة لا يقتضي التخصيص، إذ هو كما يكون بتحليل الجواري المسبية مثلاً يكون بتحليل غيرها من الأموال التي يمكن شراء الجواري بها، لأن حرمة الثمن تستلزم حرمة المثمن في الجملة. ولاسيما مع التصريح في صحيح أبي خديجة المتقدم الوارد في تحليل الفروج بالعموم. ومن هنا لا يهم تحديد الأمور المذكورة، ولا يحسن بنا إطالة الكلام في ذلك.

هذا وعن أبي الصلاح المنع من التحليل مطلقاً، لدعوي: أن ثبوت الخمس معلوم من الكتاب، والسنة والإجماع، فلا يجوز الخروج عنه بشاذ الأخبار. وهو كما تري، لأن سقوط الخمس بالتحليل لا ينافي ثبوته، المعلوم من الأدلة، بل هو متفرع عليه، وكفي في الدليل عليه النصوص الكثيرة المتواترة إجمالاً المعمول عليها عند الأصحاب. وإن اختلفوا في خصوصياته، كما اختلفت هي في ذلك.

ومثله ما عن المجلسي من حمل التحليل علي جواز التصرف في المال قبل إخراج الخمس منه مع انتقال الخمس إلي الذمة. إذ فيه: أنه خلاف ظاهر نصوص تحليل الخمس، لظهورها في عدم التبعة علي الشيعة من جهة الخمس، وعدم وجوب إخراجه عليهم. بل هو المتيقن من السيرة والإجماع المدعي في الجملة، حيث لا إشكال في عدم بناء الأصحاب. والمتشرعة علي الضمان في مورد البناء علي التحليل، ومن هنا لا مخرج عما ذكرنا.

إذا عرفت هذا فيقع الكلام في أمور:

الأول: صرح في محكي البيان بسقوط الخمس في المهر، وفي الدروس: والأقرب أن مهور النساء من المباح وإن تعددن. لرواية سالم ما لم يؤد إلي الإسراف،

********

(1) وسائل الشيعة ج: 6 باب: 3 من أبواب الأنفال حديث: 10

ص: 393

(394)

كإكثار التزويج والتفريق. ومراده برواية سالم صحيح أبي خديجة المتقدم، حيث تضمن تحليل المرأة التي يتزوجها.

لكنه يشكل بأنه إنما تضمن تحليل نفس المرأة لا مهرها وتحليل نفس الخادم لا ثمنه. ولاسيما مع أن تحريم المهر لا يستلزم تحريم الزوجة. ومن هنا يتعين حمله علي المرأة المملوكة أو المعتقة التي لايصح تزويجها ولا تحل إذا ثبت فيها الخمس إلا بتحليلهم (عليهم السلام).

علي أن ما ذكروه لا يناسب التقييد بعدم الإسراف بالوجه المتقدم لإطلاق الصحيح، ولذا لا يعتبر القيد المذكور في الموطوءة بالملك. وإنما يتجه التقييد المذكور عندهم إذا ابتني تحليل المهر علي كونه مؤنة مستثناة من جملة الفوائد، كما صرح به في محكي حاشية الشهيد علي القواعد.

لكن لا مجال لحمل الصحيح عليه، لاختصاص تحليل المؤنة بمؤنة سنة الربح مع إطلاق الصحيح، وعدم وضوح كون استثناء المؤنة من باب التحليل الذي نحن بصدده، بل هو نحو من التخفيف، إما بأصل الشرع، كما قد يظهر منهم، أو بتفضل منهم (عليهم السلام) كما سبق منّا تقريبه. وكيف كان فالظاهر عدم الإشكال بينهم في خروج استثناء المؤنة عن الصحيح وغيره من نصوص التحليل.

الثاني: تضمن صحيح أبي خديجة التحليل في المال الموروث، ومقتضي إطلاقه عدم الفرق بين تعلق الخمس بعين المال في حياة الموروث، وتعلقه به بموته، لانشغال ذمته بالخمس، فينتقل إلي تركته، كسائر الديون.

ولكن ادعي بعض مشايخنا (قدس سره) قصور نصوص التحليل عن الثاني، حيث لا يصدق علي المال أن فيه حقهم، بل لا ينتقل للوارث منهم إلا ما زاد علي مقدار الخمس، كسائر الديون، لتأخر الإرث عن الدين رتبة.

وفيه أولاً: أنه مع فرض انتقال الخمس للعين بالموت يصدق علي المال أن فيه حقهم. وعدم انتقاله بتمامه، لتقدم الدين علي الميراث، جار في سائر موارد انتقال

ص: 394

(395)

العين التي فيها الخمس، وإن افترق عنها بأن ثبوت حقهم (عليهم السلام) فيها في زمن سابق علي الانتقال، وفيه في نفس زمان الانتقال، ولم يتضح كونه فارقاً بعد إطلاق الدليل. ولاسيما مع كون موضوع صحيح يونس وقوع المال الذي فيه حقهم في اليد، لا انتقاله.

وثانياً: أن صحيح يونس بن يعقوب وإن تضمن فرض ثبوت حقهم في المال، إلا أن صحيح أبي خديجة لم يتضمن ذلك، بل مجرد تحليل المال الموروث، ومقتضي إطلاقه التحليل من جهة حقهم سواء كان ثابتاً في حياة الموروث أم كان من شأنه أن يتعلق به بموته، ولا ملزم بالخروج عن الإطلاق المذكور لمجرد قصور صحيح يونس عنه بعد أن لم يكن متضمناً للحصر.

هذا مضافاً إلي عموم السيرة، لما هو المعلوم من غلبة انشغال ذمة من لا يؤدي الخمس بمقادير كثيرة منه طول حياته، مع الغفلة عن ذلك، فلو كان ذلك مانعاً من ميراث المال بتمامه في حق الشيعة للزم التنبيه إليه، ولو كان لظهر وبان، كما لعله ظاهر.

نعم لا يبعد انصراف الإطلاق لما إذا كان عدم أداء الموروث للخمس الثابت في ذمته أو في المال للبناء علي عدم أداء الخمس، لأن هو الذي يغفل عن استحقاقه وأدائه بسبب معاملة المالك السابق للمال معاملة ما يملكه بتمامه، ومن ثم سأل عنه من تنبه له. أما إذا كان عدم أداء الخمس مع البناء علي أدائه، وكان التأخير عن عذر أو تسامح في المبادرة، فمن القريب انصراف النص عنه. ولاسيما مع إيصاء المالك بأداء الحق وتنبيهه علي ثبوته، حيث يكون كسائر الحقوق التي من شأنها أن تؤدي من المال، بل يغفل عن سقوطها جداً بنصوص التحليل. خصوصاً مع استبعاد حرمان المالك الميت في مثل ذلك من تفريغ ذمته من الحق. فلاحظ.

الثالث: نصوص تحليل الخمس بمدلولها المطابقي لا تقتضي إلا حلّ التصرف تكليفاً في المال، وهو وإن أمكن بقاء حق المحلِّل فيه، إلا أن المفهوم منها عرفاً ترتب الأثر المقصود من المعاملة التي استحق بها المؤمن المال، فإذا اشتري ما فيه الخمس

ص: 395

(396)

ملكه بتمامه، وكان له ترتيب آثار ملكه كذلك، فيجب عليه الحج به إذا كان يحقق الاستطاعة، وله عتق الجارية والزواج منها مثلاً. كما أنه لو تزوج جارية معتقة صح زواجه منها مع توقف صحة زواج المرأة علي حريتها بتمامها، وإذا جعل المال المحلل ثمناً في معاملة ما ملك المثمن بتمامه. وذلك راجع عرفاً إلي نفوذ المعاملة.

ولازمه انتقال الخمس للبدل في المعاوضات، فيطالب به من انتقلت منه العين في المعاوضات. كما أن المستفاد من النصوص الكثيرة المتضمنة لثبوت الخمس ولمطالبتهم (عليهم السلام) به ثبوته في ذمة من انتقلت منه العين التي فيها الخمس بنحو مجاني، كالهبة والميراث.

بل لا يبعد لأجل ذلك انشغال ذمته بالفرق بين خمس البدل وخمس العين في المعاوضات المبنية علي المحاباة، كما لو باع ما قيمته عشرة بخمسة فيكون عليه للخمس اثنان، واحد في الثمن وواحد في ذمته.

الرابع: لا إشكال في شمول نصوص التحليل لتمليك العين التي فيها الخمس مجاناً أو بالعوض، كما سبق. بل الظاهر شمول إطلاقها لمنافع العين المذكورة إذا بذلها المالك، لظهور نصوص التحليل في عدم مانعية الخمس للشيعة من حلّ التصرف. ولا أقل من التعدي لها بفهم عدم الخصوصية، أو بالأولوية العرفية. بل هو المتيقن من السيرة في الجملة.

وحينئذٍ إن كانت المنافع مبذولة بعوض - بنحو الإجارة أو إباحة التصرف بالعوض - تعين ثبوت الخمس علي المالك في العوض بدلاً عن خمس المنفعة المبذولة. أما إذا كانت مبذولة مجاناً - كما في العارية أو الإذن في التصرف من دون عوض - فيشكل ضمان الباذل لخمس قيمة المنفعة المبذولة، لعدم الموجب له بعد عدم المعاوضة المبنية علي قيام البدل مقام المنفعة، ليثبت الخمس فيه بدلها، وعدم استيفائه بنفسه للمنفعة المبذولة، ليكون ضامناً لخمسها وإنما المستوفي لها هو المؤمن المبذولة له، المفروض حلّها له وعدم ضمانه لها. فتأمل.

ص: 396

(397)

سواءً أكان من ربح تجارة أم معدن أم غيرهما (1)، وسواءً أكان من المناكح

والمساكن أم غيرها (2). وإذا اشتري المؤمن أو غيره ما فيه الخمس ممن يعتقد وجوبه وجب عليه إخراجه (3). ومن ذلك يظهر أن النفط إذا كان المستخرج له شركة أهلية كافرة لم يجب إخراج الخمس علي المؤمن (4).

-

(1) للإطلاق. نعم يشكل شموله للمال المختلط بالحرام، بناءً علي ما سبق من تقريب عدم ثبوت الخمس فيه بمجرد الاختلاط، بل يكون الخمس في فرض دفعه محللاً للمال لا غير، فمع عدم دفعه يتعين بقاء المحرم علي حرمته الواقعية في حق صاحبه الأول، وفي حق المدفوع له أيضاً وإن كان مؤمناً، لاختصاص نصوص التحليل من حيثية حقهم (عليهم السلام)، دون حقوق الآخرين.

وحينئذٍ إن كان المدفوع مختلطاً، للعلم باشتماله علي الحلال والحرام معاً، أمكن لآخذه تحليله بدفع خمسه، كسائر أفراد المال المختلط بالحرام. وإن كان مشتبهاً لتردده بين الحرام والحلال فلا مجال لحله له واقعاً.

غاية الأمر أنه قد يحل له ظاهراً لحجية يد الدافع علي ملكيته لما دفعه، فينفذ تصرفه فيه. ولا يمنع من ذلك العلم الإجمالي بعدم ملكيته لبعض ما تحت يده، لخروج ما لم يدفعه عن الابتلاء في حق الآخذ، للعلم بعدم حلّه له سواءً كان مملوكاً للدافع أو لم يكن.

نعم لو لم يخرج عن ابتلائه فلا مجال لحلّه حتي ظاهراً، كما لو سلطه علي جميع المال المختلط وخيره في أخذ ما يشاء منه أو التصرف فيه، علي ما يذكر في محله من مباحث العلم الإجمالي.

(2) للإطلاق. علي ما تقدم.

(3) يظهر مما سبق المنع من ذلك فيما إذا كان المشتري مؤمناً.

(4) لثبوت الخمس علي الشركة الكافرة. ومقتضي ما ذكره (قدس سره) عموم الحكم

ص: 397

(398)

أما إذا كان المستخرج له الحكومة (1) وجب الخمس علي من وضع يده عليه (2)

-

للشركة المسلمة إذا كان أصحابها غير مؤمنين. أما بناء علي ما سبق منا فالمتعين العموم لما إذا كان أصحاب الشركة مؤمنين متسامحين.

(1) الظاهر أن مفروض كلامه (قدس سره) عدم شرعية الحكومة، بحيث لا يشرع تصرفها ولا تملك، لا هي، ولا الجهة التي تمثلها. أما مع فرض شرعية تصرفها ولو إمضاءً، بحيث تملك ما تخرجه هي أو الجهة التي تمثلها، فإما أن يلتزم بعدم ثبوت الخمس فيما تخرجه وملكيتها له بتمامه، لدعوي اختصاص أدلة ثبوت الخمس في المعدن وغيره بالملك الشخصي، أو يلتزم بثبوت الخمس فيما تخرجه وجريان حكم إخراج الشخص له في الدخول تحت أدلة التحليل في حق الآخذ إذا كان مؤمناً.

(2) لعدم ثبوت الخمس بإخراج الحكومة، بعد ما سبق من فرض عدم ملكيتها، فلا يكون فائدة وغنيمة، وإنما يتحقق العنوان المذكور في حق الآخذ منها، فيثبت الخمس في ملكه وتقصر عنه أدلة التحليل.

نعم المتيقن من ذلك ما إذا أخذه بنية التملك بما أنه مباح أصلي، أما إذا أخذه بنية التملك المعاملي من الحكومة، للبناء علي صحة المعاوضة معها ولو جهلاً، فثبوت الخمس فيه موقوف علي كفاية ذلك في تملكه. وهو لا يخلو عن إشكال. وإن لم يبعد ابتناء قصد المعاوضة علي تعدد المطلوب. فتأمل.

وأشكل من ذلك ما إذا أخذه بنية الانتفاع دون التملك، نظير انتفاع موظفي الحكومة به في دوائرهم. أو أخذه أمانة من الحكومة ليصرفه في الجهات التي تعينها له من بيع أو انتفاع خاص، حيث لا إشكال ظاهراً في عدم تملكه لذلك، ومن الظاهر أن ثبوت الخمس إنما هو فرع التملك، ليكون فائدة وغنيمة. ومثله ما إذا استخرجه بنفسه، لكن لا بنية التملك، بل بنية الانتفاع لا غير.

نعم حيث كانت المعادن من الأنفال، كما يأتي إن شاء الله تعالي، وهي ملك الإمام (عليه السلام) فالمتيقن من جواز التصرف بها - خصوصاً إذا كان متلفاً - ما إذا أدي

ص: 398

ولو ببذل مال للحكومة، لكن بعد استثناء مقدار ذلك المال (1)، فإذا لم تكن قيمته أكثر من ذلك المال لم يجب عليه شيء. فالذي يشتري تنكة النفط بمائة فلس من الحكومة لا خمس عليه فيه إذا لا تزيد قيمته علي المائة فلس. نعم الذي يشتري جملة وافرة من الحكومة بخمسة وتسعين فلساً (2) مثلاً، فيبيعها علي الناس بمائة يكون عليه خمس الخمسة فلوس (3)،

-

خمسها، فإن دليل الخمس وإن اختص بصورة تملكها، إلا أنه لا طريق لإحراز جواز التصرف بها، لأن المنصرف من أدلة تحليل الأنفال هو أخذها وتملكها. واستفادة جواز الانتفاع من دون تملك إنما هو بتبع ذلك وبمقتضي الأولوية العرفية، فإذا قيد جواز التملك في المعادن بدفع الخمس أشكل استفادة عموم حلّ الانتفاع ووضع اليد من دون تملك بدون دفع الخمس. فتأمل.

بل قد يستفاد ثبوت الخمس في الانتفاع من غير تملك من دليل ثبوته مع التملك، لإلغاء خصوصيته عرفاً، بلحاظ أن المستفاد منه ثبوت الحرمة في المعدن، وأنه لا يذهب هدراً. بل قد يستفاد ذلك في غير المعدن مما يجب فيه الخمس. وإن كان الأمر محتاجاً في جميع ذلك لمزيد من التأمل. والله سبحانه العالم ومنه نستمد العون والتسديد.

(1) لما تقدم من استثناء مؤنة تحصيل المعدن. كما أنه لابد فيه أيضاً من بلوغ النصاب - وهو عشرون ديناراً - بعد استثناء المؤنة، كما تقدم منا، أو قبله، كما تقدم منه (قدس سره) في المسألة الخامسة.

ونظير المؤنة ما إذا أخذه مضموناً عليه من قبل الدولة أو غيرها، لما تقدم في المسألة الثالثة والثلاثين والمسألة الثالثة والستين من أن ما يترتب علي تحصيل الربح من المؤمن - كالضرائب - تستثني من الربح، كمؤنة تحصيله.

(2) يعني: لكل تنكة.

(3) هذا غير ظاهر، لأن الربح المذكور إنما حصل من البيع، فهو فائدة متجددة

ص: 399

(400)

وهو خمس المعدن. وإذا كان المستخرج للمعدن من يعتقد وجوب الخمس، فباعه، وجب علي البايع إخراج خمسه (1)، فإذا لم يخرجه وجب علي المشتري إخراج خمسه (2). وإذا شك المشتري في أن البايع دفع الخمس جاز له حمل البايع علي الصحة (3).

-

بعد ملك المعدن بسبب التدرج في بيعه، لا من نفس المعدن، بل المعدن بمجموعه لا يزيد علي المؤنة المستثناة في سبيل تحصيله. فهو كما لو ارتفع سعر المعدن بعد إخراجه، فزاد عن مؤنة تحصيله مع عدم زيادة قيمته حين إخراجه عنها، بل هو أولي منه في عدم ثبوت الخمس، لأن البيع نحو من التكسب. غاية الأمر أن الربح الحاصل بالبيع يثبت فيه خمس الفائدة بعد استثناء مؤنة السنة.

نعم لو كانت قيمة المعدن حين أخذه من الدولة بمجموعه أكثر من قيمة شرائه منها - كما يتفق كثيراً - اتجه ثبوت خمس المعدن في الزيادة إذا بلغت النصاب.

(1) يجب عليه إخراج خمسه قبل بيعه إذا كان مجموع ما أخرجه يبلغ النصاب بعد استثناء المؤنة أو قبله علي الكلام السابق. نعم لو لم يخرج خمسه حتي باعه وأخرجه من يده كان ضامنا للخمس، ولم ينفذ البيع إلا بإخراجه، علي كلام وتفصيل تقدم في المسألة الواحدة والخمسين.

(2) تقدم منّا عدم وجوب إخراجه عليه.

(3) كما هو الحال في سائر موارد الشك في صحة المعاملة، لاحتمال بقاء حق الغير، في موضوعها، كبيع العين المشتركة والمرهونة وغيرهما، حيث يكون ظاهر حال المتصدي للمعاملة إيقاعها بالوجه الصحيح، إما بأداء الحق قبلها أو باستئذان من له الأمر فيها، بنحو لا ينافي ثبوت الحق.

وأما اليد فيشكل التمسك بها لإثبات ملكية البايع لتمام المبيع، لما تقرر في محله من سقوط اليد عن الحجية إذا كانت مسبوقة بعدم الملك. نعم لو شك في أصل ثبوت

ص: 400

وإذا علم أنه لم يدفع الخمس، وشكّ في أنه ممن لا يعتقد وجوب الخمس، بني علي العدم (1)، ووجب إخراج الخمس علي المشتري.

-

الخمس لاحتمال عدم بلوغ المعدن النصاب أتجه التمسك باليد لإحراز ذلك.

(1) للشكّ في التحليل حينئذٍ، وبناءً علي مختاره (قدس سره) من اختصاص التحليل بما يؤخذ ممن لا يعتقد وجوب الخمس. وحينئذٍ فمقتضي الأصل عدم التحليل.

ودعوي: أن مقتضي أصالة عدم كون البائع ممن يعتقد وجوب الخمس ثبوت التحليل وعدم وجوب إخراج الخمس علي المشتري. مدفوعة بأنه لم يتضح أخذ العنوان المذكور في موضوع التحليل، لعدم التصريح به في نصوص التحليل. غاية الأمر قصور أدلته عن شمول غير مورده، وهو كما يكون لأخذ هذا العنوان يكون لأخذ عنوان آخر وجودي، مثل كونه ممن يعتقد عدم وجوب الخمس، فيكون مقتضي الأصل عدمه، ومع إجمال مفهوم موضوع الحكم لا مجال للرجوع للأصل فيه، بل يتعين الرجوع للأصل في الحكم نفسه، وهو في المقام يقتضي عدم التحليل، كما ذكرنا. فلاحظ. والله سبحانه وتعالي العالم.

ص: 401

ص: 402

(403) (403)

تذييل في الأنفال

اشارة

الأنفال جمع نفل بفتح الفاء وسكونها، وهو: الغنيمة والهبة، والتطوع، كما ذكره اللغويون. وعن أبي منصور: وجماع معني النافلة والنفل ما كان زيادة علي الأصل. ولعل منه تسمية صلاة التطوع نافلة.

وكيف كان فالظاهر عدم الأشكال في أن الغنائم يخرج منها الخمس، كما تضمنته الآية الشريفة، أما الأنفال فكلها للنبي (صلي الله عليه وآله وسلّم) ومن بعده للإمام. وقد تكون تسميتها بالأنفال لأنها هبة له من الله أو زيادة علي حقه في الخمس. قال عز وجل: يسألونك عن الأنفال قل الأنفال لله والرسول فاتقوا الله وأصلحوا ذات بينكم...(1).

لكن قال تعالي: وما أفاء الله علي رسوله منهم فما أوجفتم عليه من خيل ولا ركاب ولكن الله يسلط رسله علي من يشاء والله علي كل شيء قدير * ما أفاء الله علي رسوله من أهل القري فللّه وللرسول ولذي القربي واليتامي والمساكين وابن السبيل...(2).

وقوله تعالي في الآية الأولي من هاتين: فما أوجفتم عليه من خيل ولا ركاب مشعر بحكم الأنفال، لأن التنبيه فيه لعدم سعيهم فيه بقتال يناسب عدم استحقاقهم شيئاً منه واختصاصه بمن أفاءه الله عليه ومكنه منه، وهو النبي (صلي الله عليه وآله وسلّم).

وإنما الإشكال في الآية الثانية منهما، لأنها إن كانت بياناً لمصرف الفيء الذي أشير إليه في الآية الأولي - كما يظهر من التبيان ومجمع البيان - كانت منافية لما تشعر

********

(1) سورة الأنفال آية: 1

(2) سورة الحشر آية: 6، 7

ص: 403

به الآية الأولي وتضمنته النصوص وقام عليه الإجماع من اختصاصه بالنبي (صلي الله عليه وآله وسلّم). وإن كانت لبيان مصرف الفيء الذي حصل بالقتال والذي هو من الغنائم كانت منافية لما هو المعلوم من الكتاب والسنة والإجماع من استحقاق أرباب السهام الستة خمس الفيء المذكور لا تمامه.

لكن لا يبعد كون المراد بالآية الثانية بيان مصرف خمس الغنائم، بحمل قوله تعالي فيها: ما أفاء الله علي رسوله من أهل القري... علي خصوص الخمس دون تمام المغنم، لأنه هو الذي يكون له (صلي الله عليه وآله وسلّم) الولاية عليه، ويصرفه كيف شاء، وأما بقية المغنم فهو للمقاتلين، يجب عليه (صلي الله عليه وآله وسلّم) دفعه لهم.

ويناسب ذلك صحيح محمد بن مسلم عن أبي جعفر (عليه السلام): سمعته يقول: الفيء والأنفال ما كان من أرض لم يكن فيها هراقة الدماء، وقوم صولحوا وأعطوا بأيديهم، وما كان من أرض خربة أو بطون أودية، فهذا كله من الفيء، فهذا لله ولرسوله. فما كان لله فهو لرسوله يضعه حيث شاء، وهو للإمام بعد الرسول. وأما قوله: وما أفاء الله علي رسوله منهم فما أوجفتم عليه من خيل ولا ركاب قال: ألا تري هو هذا. وأما قوله: ما أفاء الله علي رسوله من أهل القري فهذا بمنزلة المغنم. كان أبي يقول ذلك، وليس لنا فيه غير سهمين: سهم الرسول وسهم القربي، ثم نحن شركاء الناس فيما بقي(1).

وقوله (عليه السلام): بمنزلة المغنم وإن كان مشعراً بالمغايرة، إلا أنه قد يكون بلحاظ كون المراد بالمغنم مطلق الفائدة، لا خصوص الفيء الذي هو غنيمة الحرب. كما لا ينافيه ما في ذيله، حيث يمكن حمل ضمير المتكلم علي خصوص الأئمة (عليهم السلام)، لا مطلق بني هاشم، وحمل سهم الرسول علي ما يعم سهم الله تعالي، لأنه له من الله، وحمل الناس علي من جعل له السهام الأخيرة، وهم خصوص بني هاشم. كل ذلك للجمع بين الآيات المتقدمة، وملاحظة الأدلة الأخر من النصوص والإجماع.

********

(1) وسائل الشيعة ج: 6 باب: 1 من أبواب الأنفال حديث: 12

ص: 404

(405) (405) (405)

نعم في بعض النصوص أن الآية الثانية واردة في البلاد التي لا يوجف عليها بخيل ولا ركاب(1). والأمر سهل بعد ضعفه، ووضوح حكم البلاد المذكورة.

وكيف كان فلا إشكال في كون الأنفال بتمامها للنبي (صلي الله عليه وآله وسلّم)، وللإمام من بعده يتصرف فيها كيف يشاء. وتقتضيه النصوص الكثيرة الآتي بعضها. نعم في صحيح محمد بن مسلم: سمعت أبا عبد الله (عليه السلام) يقول وسئل عن الأنفال، فقال: كل قرية يهلك أهلها أو يجلون عنها، فهي نفل لله عز وجل، نصفها يقسم بين الناس، ونصفها لرسول الله (صلي الله عليه وآله وسلّم)، فما كان لرسول الله (صلي الله عليه وآله وسلّم) فهو للإمام(2).

وفي خبر حريز عن أبي عبد الله (عليه السلام): سألته أو سئل عن الأنفال، فقال: كل قرية يهلك أهلها أو يجلون عنها فهي نفل نصفها يقسم بين الناس ونصفها للرسول (صلي الله عليه وآله وسلّم)(3). لكن لا مجال للتعويل عليهما بعد معارضتهما بالنصوص الكثيرة المعول عليها بين الأصحاب.

وأما الآية الشريفة فلا تنهض بتأييد إحدي الطائفتين، لتضمنها أن الأنفال لله والرسول، وكما يمكن رجوع سهم الله تعالي للرسول يمكن قسمته بين الناس.

إذا عرفت هذا فيقع الكلام في مقامين:

المقام الأول: في تعيين الأنفال.

وهي أمور:

الأول: المعادن، علي ما تقدم عند الكلام في وجوب الخمس في المعدن، وتقدم في المسألة الثامنة هناك وجه الجمع بين ما تضمن أنه من الأنفال وما تضمن وجوب الخمس فيه.

الثاني: غنائم الحرب إذا كان القتال بغير إذن الإمام، علي ما تقدم عند الكلام في خمس الغنائم. وقد سبق اختصاصه بما إذا كان الإمام مبسوط اليد، وقد تصدي

********

(1و2و3) وسائل الشيعة ج: 6 باب: 1 من أبواب الأنفال حديث: 19، 7، 25

ص: 405

(406)

للجهاد، دون ما إذا كان مكفوف اليد مهادناً للظالمين في دولتهم، بل الثابت حينئذٍ الخمس لا غير.

نعم النص الوارد في المسألة إنما تضمن أن الغنيمة للإمام من دون تصريح بأنها من الأنفال، وربما تكون أمراً في مقابلها، كما لا يأباه كلمات بعضهم. وإن كان يظهر من بعض كلماتهم المفروغية عن الملازمة بين الأمرين، نظير ما يأتي فيما يصطفيه الإمام لنفسه من الغنيمة. والأمر سهل.

الثالث: الأرض التي تؤخذ من الكفار بغير قتال بلا خلاف أجده بل الظاهر أنه إجماع. كذا في الجواهر. ويقتضيه النصوص الكثيرة، كصحيح محمد بن مسلم السابق، وصحيحه الآخر عن أبي عبد الله (عليه السلام): أنه سمعه يقول: إن الأنفال ما كان من أرض لم يكن فيها هراقة دم، أو قوم صولحوا وأعطوا بأيديهم، وما كان من أرض خربة، أو بطون أودية، فهذا كله من الفيء. والأنفال لله وللرسول، فما كان لله فهو للرسول يضعه حيث يحب(1) ، وصحيح حفص بن البختري عنه (عليه السلام): قال: الأنفال ما لم يوجف عليه بخيل ولا ركاب أو قوم صالحوا أو أعطوا بأيديهم، وكل أرض خربة وبطون الأودية، فهو لرسول الله (صلي الله عليه وآله وسلّم). وهو للإمام من بعده حيث يشاء(2) ، ونحوها غيرها.

ومقتضي إطلاقها عدم الفرق بين ما إذا انجلي أهلها وما إذا سلموها طوعاً، كما صرح به في الشرايع والقواعد وغيرهما. كما أن مقتضي إطلاق صحيح حفص عمومها لغير الأرض من الغنائم وقد يستفاد من إطلاق غيره. بل هو كالصريح من خبر الحلبي عن أبي عبد الله (عليه السلام) فيه: وقال: سورة الأنفال فيها جدع الأنف، وقال: ما أفاء الله علي رسوله من أهل القري فما أوجفتم عليه من خيل ولا ركاب ولكن الله يسلط رسله علي من يشاء قال: الفيء ما كان من أموال لم يكن فيها هراقة دم أو قتل. والأنفال مثل ذلك هو بمنزلته(3).

********

(1و2) وسائل الشيعة ج: 6 باب: 1 من أبواب الأنفال حديث: 10، 1

(3) وسائل الشيعة ج: 6 باب: 1 من أبواب الأنفال حديث: 11، وربما كان بسبب النقل بالمعني ما حصل من الارتباك في نقل الآية الشريفة، كما هو و اضح، فإنها عبارة عن مقطعين لآيتي 6 و 7 من سورة الحشر

ص: 406

(407)

وأظهر من الكل صحيح معاوية بن وهب: قلت لأبي عبد الله (عليه السلام) السرية يبعثها الإمام فيصبون غنائم كيف يقسم؟ قال: إن قاتلوا عليها مع أمير أمره الإمام عليهم أخرج منها الخمس لله وللرسول وقسم بينهم أربعة أخماس، وإن لم يكونوا قاتلوا عليها المشركين كان كل ما غنموا للإمام يجعله حيث أحب(1) ، لظهور الغنيمة فيه في المنقول، لأنه هو الذي يخرج منه الخمس إذا كان القتال بإذن الإمام. بل تقدم في أول خمس الغنائم انصراف الغنائم في جميع الموارد لذلك.

ومنه يظهر لزوم رفع اليد عن ظهور النصوص الأخر بدواً في اختصاص الأنفال بالأرض، للتقييد فيها بها مع ورودها لبيان الأنفال بنحو يناسب الحصر. علي أن ملاحظة جميع النصوص تشهد بعدم ورود النصوص المذكورة في مقام الحصر لعدم اختصاص الأنفال بما تضمنه كل منها. وكيف كان فالأظهر العموم، كما قد يظهر من الجواهر، وجري عليه بعض مشايخنا (قدس سره)، ونسبه إلي جماعة. وإن كان ظاهر المشهور الاختصاص بالأرض، للتقييد بها في كلامهم.

الرابع: قطايع الملوك وصفاياهم مما يختص بهم ويصطفونه لأنفسهم. بلا خلاف أجده فيه، كما في الجواهر. للنصوص الكثيرة، كصحيح داود بن فرقد: قال أبو عبد الله (عليه السلام) قطايع الملوك كلها للإمام، وليس للناس فيها شيء(2) وموثق سماعة: سألته عن الأنفال، فقال: كل أرض خربة أو شيء يكون للملوك فهو خالص للإمام، وليس للناس فيها سهم...(3) ، ونحوهما غيرهما.

نعم لو كان مغصوباً رجع إلي مالكه ففي مرسل حماد - الذي تقدم عند الكلام في اعتبار الفقر في اليتيم انجباره بعمل الأصحاب -: وله صوافي الملوك ما كان في أيديهم من غير وجه الغصب، لان الغصب كله مردود...(4).

والظاهر اختصاصه بما يكون مغصوباً من محترم المال، كما يناسبه التعليل فيه

********

(1و2و3و4) وسائل الشيعة ج: 6 باب: 1 من أبواب الأنفال حديث: 3، 6، 8، 4

ص: 407

(408)

بأن كل مغصوب مردود، لظهور أن المغصوب إنما يجب ردّه مع احترام مالكه. وحينئذ فهو المناسب للاعتبار، إذ بعد فرض عدم ملك الغاصب له، وعدم خروجه عن ملك مالكه، فمن البعيد جداً خروجه عن ملكه بالحرب بعد كونه محترم المال.

أما المغصوب من غير محترم المال فهو من الأنفال، عملاً بإطلاق النصوص المتقدمة بعد عدم المخرج عنه. ولاسيما مع غلبة الغصب فيما يأخذه الملوك، فيصعب حمل الإطلاق علي غيره.

بل لو كان المغصوب منه محترم المال، إلا أن مقتضي دينه نفوذ غصب الملك في حقه، فحيث يجوز إلزامه بمقتضي دينه لا يكون المغصوب مما يجب رده، فيقصر عنه مرسل حماد، ويبقي تحت إطلاق النصوص المتضمنة أنه من الأنفال.

هذا ولو قيل بعموم خروج المغصوب من الأنفال حتي للمغصوب من غير محترم المال فاللازم البناء علي كونه من جملة الغنائم التي تقسم بين المقاتلين بعد إخراج الخمس. كما أنه يلزم إجراء وظيفة العلم الإجمالي لو كان المغصوب معلوماً بالإجمال في جملة ما تحت يد الملوك. فلاحظ.

الخامس: ما يصطفيه الإمام لنفسه من الغنيمة، كما عن غير واحد، ونسبه في محكي المنتهي لعلمائنا أجمع. ويقتضيه النصوص الكثيرة، كصحيح ربعي عن أبي عبد الله (عليه السلام): قال: كان رسول الله (صلي الله عليه وآله وسلّم) إذا أتاه المغنم أخذ صفوه، وكان ذلك له...(1) ، وصحيح أبي الصباح الكناني: قال أبو عبد الله (عليه السلام): نحن قوم فرض الله طاعتنا لنا الأنفال ولنا صفو المال...(2).

ومعتبر أبي بصير عنه (عليه السلام): سألته عن صفو المال قال: الإمام يأخذ الجارية الرّوقة والمركب الفاره والسيف القاطع [والدرع] قبل أن تقسم الغنيمة، فهذا صفو المال(3).

********

(1) وسائل الشيعة ج: 6 باب: 1 من أبواب قسمة الخمس ومستحقه حديث: 3

(2) وسائل الشيعة ج: 6 باب: 2 من أبواب الأنفال حديث: 2

(3) وسائل الشيعة ج: 6 باب: 1 من أبواب الأنفال حديث: 15

ص: 408

ومرسل حماد عن العبد الصالح (عليه السلام) في حديث: قال: وللإمام صفو المال أن يأخذ من هذه الأموال صفوها: الجارية الفارهة والدابة الفارهة والثوب والمتاع مما يحب أو يشتهي، فذلك له قبل القسمة، وقبل إخراج الخمس(1).

وقد قيد في كلام غير واحد بأن لا يجحف بالغنيمة. ولم يتضح مأخذه. بل قد يدعي استفادة العموم من قوله (عليه السلام) في تتمة مرسل حماد المتقدم: وله أن يسدّ بذلك المال جميع ما ينوبه من مثل إعطاء المؤلفة قلوبهم وغير ذلك مما ينوبه، فإن بقي بعد ذلك شيء أخرج خمسه منه فقسمه في أهله، وقسم الباقي علي من ولي ذلك، وإن لم يبق بعد سدّ النوائب شيء فلا شيء لهم. لظهور ذيله في أن ما يصطفيه الإمام من الغنيمة قد يستوفي الغنيمة.

لكن الظاهر منه أن المال الذي يسدّ به النوائب ليس هو صفو المال الذي هو محل الكلام، بل هو أصل الغنيمة الباقي بعد إخراج صفو المال، وصفو المال ليس لسدّ النوائب، بل للإمام يأخذه لنفسه حسبما يحب ويشتهي. كما يظهر بالتأمل في الفقرات المتقدمة. فالعمدة ما سبق من عدم المأخذ للتقييد المذكور.

وأما ما قيل من التقييد المذكور داخل معقد إجماع المنتهي المتقدم. فهو غير ظاهر، بل لا يبعد كون معقده أصل استحقاق الإمام لصفو المال، دون التقييد المذكور. علي أنه لا مجال للتعويل علي دعوي الإجماع المذكورة في الخروج عن إطلاق النصوص.

نعم لو كان تمام الغنيمة هو المال الجيد الذي يكون موضوعاً للاصطفاء خرج عن موضوع الإطلاق. بل لا يبعد انصرافه عما لو كان المال المذكور أكثر الغنيمة كمّاً.

هذا وظاهر صحيح أبي الصباح ملكية الإمام لصفو المال بنفس الاغتنام، وأن أخذه له فرع ملكيته. لكن ظاهر ما تقدم من مرسل حماد أن للإمام أخذ الصفو، وأن ملكيته له تابعة لأخذه. وهو الأنسب بالمرتكزات.

********

(1) وسائل الشيعة ج: 6 باب: 1 من أبواب الأنفال حديث: 4

ص: 409

(410)

بل لعله الأنسب بالسيرة. حيث يظهر الأثر لذلك فيما إذا لم يأخذ الإمام صفو المال، أو قسماً منه، فإنه لا يبعد حصول ذلك كثيراً. وحينئذٍ علي الأول يكون ذلك منه هبة جديدة للمقاتلين، فيجب فيه خمس الفائدة الذي لا يثبت إلا بعد استثناء المؤنة. وعلي الثاني يكون ملكاً للمقاتلين بعنوان كونه من غنائم الحرب التي يثبت فيها الخمس بمجرد الاغتنام من دون استثناء المؤنة. والظاهر أن العمل كان علي الثاني، لاحتياج الأول إلي عناية لو كانت لظهرت. فتأمل.

ومن هنا يشكل كون صفو المال من الأنفال، لظهور الآية الشريفة والنصوص في ملكيتها للنبي (صلي الله عليه وآله وسلّم) والإمام بنفسها بلا حاجة إلي الأخذ والتملك منهما، بل يكون صفو المال قسماً برأسه يتملكه النبي (صلي الله عليه وآله وسلّم) والإمام في قبال الأنفال، كما هو مقتضي الجمود علي صحيح أبي الصباح، ولا ملزم بحمله علي عطف الخاص علي العام. بل ليس في جميع نصوصه ما يشهد بكونه منها، ومجرد كونه للنبي أو الإمام أعم من ذلك. وظهور بعض كلماتهم في المفروغية عنه لا ينهض بذلك بعد عدم إباء بعض كلماتهم عما ذكرنا، نظير ما تقدم في غنائم الحرب إذا كانت بغير إذن الإمام. فلاحظ.

السادس: ميراث من وراث له، إجماعاً بقسميه كما في الجواهر، وعند علمائنا أجمع، كما عن المنتهي. والنصوص بأن ميراثه من الأنفال وأنه للإمام مستفيضة، كصحيح محمد بن مسلم عن أبي جعفر (عليه السلام): قال: من مات وليس له وارث من قرابته ولا مولي عتاقة [ولا ضامن] قد ضمن جريرته فماله من الأنفال(1) ، وغيره.

نعم في موثق معاوية بن عمار عن أبي عبد الله (عليه السلام): سمعته يقول: من أعتق سائبة فليتوال من شاء، وعلي من والي جريرته وله ميراثه. فإن سكت حتي يموت أخذ ميراثه فجعل في بيت مال المسلمين إذا لم يكن له ولي(2) ، ونحوه صحيح سليمان بن خالد(3). وفي صحيح أبي بصير عنه (عليه السلام): قال: السائبة ليس لأحد عليه

********

(1و2) وسائل الشيعة ج: 17 باب: 3 من أبواب ولاء ضمان الجريرة والإمامة من كتاب الإرث حديث: 1، 9

(3) وسائل الشيعة ج: 17 باب: 4 من أبواب ولاء ضمان الجريرة والإمامة من كتاب الإرث حديث: 8

ص: 410

(411)

سبيل، فإن والي أحداً فميراثه له وجريرته عليه، وإن لم يوال أحداً فهو لأقرب الناس لمولاه الذي اعتقه (1) . ونحوه أو عينه موثقه عنه (عليه السلام)(2).

لكن لا مجال للخروج بها عما سبق. ولاسيما مع عدم العثور علي عامل بالأخيرين، كما في الجواهر بل صرح الشيخ بعدمه، ومع موافقة الأولين للعامة مضافاً إلي إمكان حمل جعله في بيت مال المسلمين علي الكناية عن كونه للإمام، بلحاظ أن ماله (عليه السلام) يصرف في مصالح المسلمين، كما قد يناسبه ما في خبر الدعائم من الجمع بين كونه من الأنفال ووضعه في بيت المال(3). وربما يحمل علي التبرع منه (عليه السلام) لبيت المال، كالنصوص المتضمنة لصرفه في أهل بلده أو في فقرائهم، أو أن ميراثه بين المسلمين عامة(4).

السابع: الأرض الميتة والتي لا رب لها. وتوضيح ذلك: أنه قد تضمن جملة من النصوص أن الأرض كلها لهم (عليهم السلام). بل الدنيا وما فيها لهم (صلوات الله عليهم)، وقد عقد لها في الكافي باباً خاصاً من كتاب الحجة(5).

وقد تقدم في أول كتاب الخمس أن هذه النصوص منافية لما هو المعلوم ضرورة من النصوص والسيرة من ملكية الناس لما تحت أيديهم في الجملة، وينفذ تصرفهم فيه كما ينفذ في سائر أملاكهم.

وحينئذٍ لابد إما من حملها علي معني خاص من الملكية لا ينافي ملكية غيرهم، راجعة إلي ولايتهم (عليهم السلام) وأحقيتهم بالتصرف، بحيث لا يحل تصرف الناس في أملاكهم إلا بموالاتهم عليهم السلام وأداء حقهم. وإما من حمل ما تضمن ملكية الناس لما تحت أيديهم علي كونه بحكم الملك في حلّ التصرف ونفوذه وترتب الآثار

********

(1) وسائل الشيعة ج: 17 باب: 4 من أبواب ولاء ضمان الجريرة والإمامة من كتاب الإرث حديث: 6

(2) وسائل الشيعة ج: 17 باب: 3 من أبواب ولاء ضمان الجريرة والإمامة من كتاب الإرث حديث: 10

(3) مستدرك الوسائل ج: 17 باب: 2 من أبواب ولاء ضمان الجريرة والإمامة من كتاب الميراث حديث: 1

(4) راجع وسائل الشيعة ج: 17 باب: 4 من أبواب ولاء ضمان الجريرة والإمامة من كتاب الإرث

(5) الكافي ج: 1 ص: 407 طبعة دار الكتب الإسلامية

ص: 411

الخاصة من الميراث ونحوه مشروطاً بموالاتهم، وأن جريان ذلك في حق غير مواليهم ليس حقيقياً، بل صورياً من أجل الهدنة التي لزمتهم، وإن جاز ترتيب الأثر عليها من مواليهم لو صارت مورداً لابتلائهم بميراث أو معاملة أو غيرهما.

ولعل الثاني هو الأقرب. ولاسيما بملاحظة ما في صحيح مسمع بن عبد الملك عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: إن الأرض كلها لنا، فما أخرج الله منها من شيء فهو لنا... وكل ما كان في أيدي شيعتنا من الأرض فهم فيه محللون حتي يقوم قائمنا، فيجبيهم طسق ما كان في أيديهم، ويترك الأرض في أيديهم. وأما ما كان في أيدي غيرهم فإن كسبهم من الأرض حرام عليهم حتي يقوم قائمنا، فيأخذ الأرض من أيديهم، ويخرجهم صغرة(1). وإن كان الأمر غير مهم، لعدم الأثر لذلك بعد فرض ترتيب أثار الملك في حق من يقع المال تحت يده في الجملة. فلا مجال لإطالة الكلام في النصوص المذكورة.

نعم في صحيح أبي خالد الكابلي عن أبي جعفر (عليه السلام): قال: وجدنا في كتاب علي (عليه السلام): أن الأرض لله يورثها من يشاء من عباده والعاقبة للمتقين. أنا وأهل بيتي الذين أورثنا الأرض، ونحن المتقون، والأرض كلها لنا، فمن أحيي أرضاً من المسلمين فليعمرها وليؤد خراجها إلي الإمام من أهل بيتي، وله ما أكل منها. فإن تركها وأخربها، فأخذها رجل من المسلمين من بعده فعمرها وأحياها، فهو أحق بها من الذي تركها، فليؤد خراجها إلي الإمام من أهل بيتي، وله ما أكل منها، حتي يظهر القائم (عليه السلام) من أهل بيتي بالسيف، فيحويها ويمنعها ويخرجهم منها كما حواها رسول الله (صلي الله عليه وآله وسلّم) ومنعها، إلا ما كان في أيدي شيعتنا، فإنه يقاطعهم علي ما في أيديهم ويترك الأرض في أيديهم(2). وظاهره لزوم أداء الخراج علي الشيعة كغيرهم، وإنما يفترقون عن غيرهم في بقاء الأرض تحت أيديهم بعد ظهور القائم.

********

(1) الكافي ج: 1 ص: 408 باب الأرض كلها للإمام حديث: 3 واللفظ له. وسائل الشيعة ج: 6 باب: 4 من أبواب الأنفال حديث: 12

(2) وسائل الشيعة ج: 17 باب: 3 من أبواب إحياء الموات حديث: 2

ص: 412

وقد يستدل لذلك أيضاً بصحيح سليمان بن خالد: سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن الرجل يأتي الأرض الخربة فيستخرجها ويجري أنهارها ويعمرها ويزرعها ماذا عليه؟ قال: الصدقة. قلت: فان كان يعرف صاحبها قال: فليؤد إليه حقه(1). ونحوه صحيح الحلبي(2) ، ونحوهما في وجوب الصدقة صحيح معاوية بن وهب الآتي في حكم الأنفال.

وعليه يتعين حمل ما تضمن من النصوص الكثيرة أن من أحيي أرضاً فهي له، وهو أحق بها(3) علي كونه أولي بالتصرف فيها من دون أن يملك رقبتها، بل عليه خراجها.

لكنه يشكل بأن صحاح سليمان والحلبي ومعاوية إنما تضمنت الصدقة، وليست هي ظاهرة في الخراج الذي هو من سنخ أجرة الأرض، بل الأنسب حملها علي الزكاة. نظير صحيح عبد الله بن سنان عنه (عليه السلام): سئل وأنا حاضر عن رجل أحيي أرضاً مواتاً، فكري فيها نهراً، وبني فيها بيوتاً، وغرس نخلاً وشجراً. فقال: هي له. وله أجر بيوتها. وعليه فيها العشر فيما سقت السماء أو سيل وادي أو عين، وعليه فيما سقت الدوالي الغرب نصف العشر(4). فتدل هذه النصوص حينئذٍ علي عدم وجوب الخراج.

وأما صحيح أبي خالد فمن القريب جداً حمله - ولو بقرينة صحيح مسمع - علي استثناء الشيعة من وجوب الخراج قبل قيام القائم أيضاً، فيطابق الصحاح المتقدمة بعد حملها علي الشيعة، جمعاً بين النصوص. ولاسيما مع كون الشيعة هم الذين يرجعون للائمة (عليهم السلام) في حكم الأرض، ويعملون بقولهم. خصوصاً وأن ذلك هو المطابق لسيرة المتشرعة، لعدم بنائهم علي دفع الخراج مع الإحياء، بل علي إجراء

********

(1) وسائل الشيعة ج: 17 باب: 3 من أبواب إحياء الموات حديث: 3

(2) أشار إليه في وسائل الشيعة في التعقيب علي صحيح سليمان بن خالد المتقدم

(3) راجع وسائل الشيعة ج: 17 باب: 1 من أبواب إحياء الموات

(4) وسائل الشيعة ج: 17 باب: 3 من أبواب إحياء الموات حديث: 8

ص: 413

حكم ملك رقبة الأرض به.

ويكون المتحصل من مجموع النصوص أن الأرض لا تملك حقيقة بالإحياء، بل يجري عليها حكم الملك، وتحل للشيعة من دون خراج، حتي يقوم القائم، فيستوفي منهم الخراج ويقرّها في أيديهم. وأما غيرهم فتسلب منهم بعد قيام القائم، وتحل لهم قبل قيامه بدفع الخراج للإمام، ومع عدمه - كما هو الحاصل - تحرم عليهم حقيقة. غاية الأمر حليتها لهم صورة، وإجراء أحكام حليتها لهم في حق الشيعة من أجل الهدنة التي لزمتهم في دولة أئمة الجور.

وأما ما في الجواهر من وهن النصوص المذكورة بإعراض الأصحاب. فهو غريب بعد تعرض الأصحاب لهذه النصوص في كتب الاستدلال، وعملهم ببعض مضامينها في الجملة، وبعد ظهور حال الكليني في البناء علي مفاد النصوص المذكورة حيث عقد باباً في أن الأرض كلها للإمام، كما سبق، وبعد ظهور حال جملة من قدماء الأصحاب ممن تعرف فتاواهم عن طريق روايتهم في التعويل عليها تعييناً أو تخيراً.

بل قال في الكافي في آخر الباب المذكور: علي بن إبراهيم عن السري بن الربيع، قال: لم يكن ابن أبي عمير يعدل بهشام بن الحكم شيئاً، وكان لا يغب إتيانه، ثم انقطع عنه وخالفه. وكان سبب ذلك أن أبا مالك الحضرمي كان أحد رجال هشام ووقع بينه وبين أبن أبي عمير ملاحاة في شيء من الإمامة. قال أبن أبي عمير: الدنيا كلها للإمام علي جهة الملك، وأنه أولي بها من الذين هي في أيديهم. وقال أبو مالك: [ليس] كذلك [ليس له] أملاك الناس لهم، إلا ما حكم الله للإمام من الفيء والخمس والمغنم، فذلك له. وذلك أيضاً قد بين الله للإمام أين يضعه وكيف يصنع به. فتراضيا بهشام بن الحكم وصارا إليه، فحكم هشام لأبي مالك علي ابن أبي عمير، فغضب ابن أبي عمير، وهجر هشاماً بعد ذلك(1). ومن القريب أن يكون مضمونها خاصاً لم يكن معلناً إلا للخاصة، وأن يكون

********

(1) الكافي ج: 1 ص: 409

ص: 414

عدم اهتمام أهل الفتوي به لعدم ترتب العمل عليه.

نعم ذلك قد ينافي نصوص الأنفال، لظهورها في خصوصية العناوين المذكورة فيها في كونها ملكاً لهم (عليهم السلام) ولاسيما بملاحظة عموم نصوص الملك بالإحياء للأنفال، إذ لو بني علي مقتضي النصوص السابقة لا يبقي فرق بين تلك الأراضي وغيرها في كونها بالإحياء بحكم الملك للمحيي، وبدونه لهم (عليهم السلام) كما ينافي ذلك أيضاً نصوص الأرض المفتوحة عنوةً، المتضمنة أنها ملك للمسلمين عامتهم، بحيث يكون خراجها لهم دون الإمام (عليه السلام).

اللهم إلا أن يدفع بأن المراد بنصوص الأنفال التنبيه إلي أن ما كان من الأراضي المذكورة ميتاً بالأصل غير باق علي الإباحة الأصلية، وما كان منها مسبوقاً بالإحياء غير باق علي حكم ملك المحيي السابق، بل كلاهما لهم (عليهم السلام)، وجريان حكم الملك عليها بالإحياء بالخراج أو بدونه تفضل منهم (عليهم السلام). فهي مطابقة للنصوص المذكورة، لا منافية لها.

وأما نصوص الأرض المفتوحة عنوة فهي واردة لبيان خصوصية الأرض المذكورة في أنها بحكم ملك عامة المسلمين بسبب قتالهم عليها، وأنها تبقي موقوفة عليهم لا يجوز اختصاص بعض الناس بها بشراء أو غيره، من دون أن ينافي ذلك كونها مملوكة حقيقة لهم (عليهم السلام). ومن هنا لا مخرج عما ذكرنا في مفاد النصوص المذكورة.

وعليه لا يهم تحديد الأرض التي هي من الأنفال سعة وضيقاً، لأن الأرض كلها لهم (عليهم السلام)، سواءً كانت من الأنفال أم لم تكن، وإنما المهم تحديد مفاد نصوص الإحياء ونحوها مما يتضمن ثبوت حكم الملك لغيرهم (عليهم السلام) الذي هو خلاف الأصل، ويأتي الكلام فيه عند الكلام في حكم الأنفال.

هذا ولو فرض عدم تمامية ما ذكرنا فالمناسب التعرض للأرض التي هي من الأنفال، لينفع في بعض أقسام الأرض.

فنقول: استفاضت النصوص بأن الأرض الخربة من الأنفال، ففي صحيح

ص: 415

حفص المتقدم: وكل أرض خربة(1) ، ونحوه غيره. ومقتضي الجمود عليه وإن كان هو الاختصاص بما سبقه العمران بالبناء ونحوه، إلا أن الظاهر عمومه لمطلق الميت بالأصل - كالمفاوز - أو بالعارض، كما يناسبه قوله (عليه السلام) في مرسل حماد: وكل أرض ميتة لا رب لها(2) وقوله (عليه السلام) في مرفوع أحمد بن محمد: والموات كلها هي له(3).

بل من القريب أن يكون المراد بالخربة ذلك كناية بالخراب عن مطلق الموت، أو للتنبيه إلي ارتفاع موجب تخصصها بصاحبها السابق، وإلي رجوعها إلي ما كانت عليه بالأصل. وكيف كان فالظاهر المفروغية عن العموم بين الأصحاب، كما يظهر بأدني نظر في كلماتهم.

نعم ينبغي الكلام في أمرين:

الأول: قد سبق في مرسل حماد تقييد الأرض الميتة بأنها لا رب لها، وهو المناسب لقوله (عليه السلام) فيه: كل أرض خربة باد أهلها ولقوله (عليه السلام) في صحيح محمد بن مسلم: كل قرية يهلك أهلها أو يجلون عنها(4) ، وفي صحيح إسحاق بن عمار: هي القري التي خربت وانجلي أهلها(5) ، وفي خبر الحلبي: ما كان من الأرضين باد أهلها(6) ، ونحوها غيرها.

ومن هنا يتعين الاقتصار علي ما إذا لم يكن للأرض مالك معروف. ولازمه عدم صيرورة الأرض المفتوحة عنوة بالخراب من الأنفال، لأنها معلومة المالك، وهو عموم المسلمين، كما صرح به في الجواهر، وقد يظهر من كل من عبر بهلاك الأهل.

خلافاً لما ذكره بعض مشايخنا، بدعوي: أنه لا إطلاق يقتضي ملكية المسلمين للأرض المفتوحة عنوة بعد خرابها. وغايته الاستصحاب. الذي لو جري في الشبهات الحكمية لا يعارض عموم ما دل علي أن كل أرض خربة للإمام، كصحيح حفص المتقدم. بل لو سلم ثبوت الإطلاق فالنسبة بينه وبين العموم المذكور العموم من وجه، ولا شك أن العموم اللفظي مقدم علي الإطلاق.

********

(1و2و3و4و5و6) وسائل الشيعة ج: 6 باب: 1 من أبواب الأنفال حديث: 1، 4، 17، 7، 20، 11

ص: 416

لكنه يشكل بأن مقتضي إطلاق ما تضمن أن أرض الخراج للمسلمين(1) كونها لهم ولو بعد موتها، وحينئذٍ فالإطلاق غير معارض لعموم أن الأرض الخربة من الأنفال، بل العموم المذكور بعد تخصيصه بالأرض التي لا رب لها يكون موروداً للإطلاق المذكور، ويكون الإطلاق رافعاً لموضوعه، لنهوضه بتعيين صاحب الأرض وهو المسلمون.

وكذا حال الاستصحاب المشار إليه لو كان هو المرجع في المقام لدعوي قصور الإطلاق. نعم يشكل الحال حينئذٍ لو لم يجر الاستصحاب في الشبهات الحكمية. لكن التحقيق جريانه في مثل المقام، حيث كان الموضوع فيه هو الأرض الشخصية غير القابلة للتقييد بحال العمران، بل هو وصف زائد علي الموضوع غير مقوم له.

الثاني: تضمنت جملة من نصوص الأنفال أخذ الخراب والموت في الأرض التي هي من الأنفال. لكن في موثق إسحاق: سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن الأنفال، فقال: هي القري التي خربت وانجلي أهلها فهي لله وللرسول... وكل أرض لا رب لها(2). وظاهر ذيله العموم لكل أرض لا رب لها وإن كانت عامرة. وبه يرفع اليد عن ظهور صدره في تقييد الأرض بالخراب كظهور غيره في ذلك، حتي مثل قوله (عليه السلام) في مرسل حماد: كل أرض ميتة لا رب لها(3) ، لأن التعميم بعد التقييد صالح للقرينية علي عدم كون القيد للاحتراز، وإن كان هو مقتضي الأصل الأولي في التقييد، خصوصاً ما كان وارداً في مقام التحديد، كما في المقام.

ومن ثم يتعين البناء علي العموم، فيشمل ما كان عامراً بنفسه كالغابات، وما عمره معمر، فباد أو انجلي عنه وهو عامر. بل يظهر مما سبق أن العموم هو مقتضي النصوص الأول المتضمنة أن الأرض كلها للإمام، وإن لم تنهض بإثبات كونها من الأنفال، لعدم الأثر لذلك، بل المهم هو الكلام فيما تحل به الأرض من الإحياء

********

(1) وسائل الشيعة ج: 12 باب: 21 من أبواب عقد البيع وشروطه حديث: 4، 5، 9 وغيرها

(2) وسائل الشيعة ج: 6 باب: 1 من أبواب الأنفال حديث: 20، 4

(3) وسائل الشيعة ج: 6 باب: 1 من أبواب الأنفال حديث: 20، 4

ص: 417

(418) (418)

ونحوه، وهو ما يأتي عند الكلام في حكم الأنفال.

الثامن: سيف البحر - بكسر السين وهو ساحله - كما نسب للمحقق في الشرايع. لكن ظاهر كلامه إرادة بيان أقسام الموات. ويناسبه عدم الدليل عليه بالخصوص. نعم هو داخل في الأرض التي لا رب لها، التي تقدم أنها من الأنفال.

التاسع: بطون الأودية، كما صرح به جماعة كثيرة، بل لعله لا خلاف فيه. ويقتضيه عده بالخصوص في صحاح محمد بن مسلم وحفص المتقدمة ومرسل حماد(1) ، وغيرها. ومنه يظهر وهن ما في المدارك من ضعف نصوصه، إذا عرفت هذا فقد وقع الكلام في أمرين:

أولهما: عمومها لما إذا كانت عامرة. وهو إنما يتجه بناء علي اختصاص الأرض التي هي من الأنفال بالموات، أما بناء علي ما سبق من عمومها للعامرة التي لا رب لها فلا منشأ لتوهم الاختصاص في المقام. بل لو فرض قصور هذه النصوص علي العموم كفي فيه عموم تلك النصوص.

وكيف كان فالعموم هو الأنسب بالإطلاق. واحتمال كون عطف بطون الأودية علي الأرض الميتة في الصحاح من باب عطف الخاص علي العام، وكون عطف كل أرض ميتة علي بطون الأودية في مرسل حماد من باب عطف العام علي الخاص. مخالف للأصل من دون قرينة عليه.

هذا وقد يدعي ظهور أثر ذلك في المفتوح عنوة، فيلتزم بكونه من الأنفال وإن كان عامراً ويحمل ما تضمن ملك المسلمين للعامر منه علي غير بطون الأودية.

لكن من الظاهر أن النسبة بين إطلاق ما تضمن أن بطون الأودية من الأنفال وإطلاق ما تضمن أن الأرض المفتوحة عنوة العامرة للمسلمين هي العموم من وجه، ويتعارضان في بطون الأودية العامرة، فلابد في الأول من قرينة، وبدونها يتعين التساقط والتوقف في بطون الأودية العامرة، فلا يحكم بأنها من الأنفال، ولا للمسلمين.

********

(1) وسائل الشيعة ج: 6 باب: 1 من أبواب الأنفال حديث: 1، 4، 10، 14

ص: 418

اللهم إلا أن يقال: بعد تساقط الإطلاقين يتعين إما الحكم بأنها للإمام للنصوص الأول، بعد عدم ثبوت جريان حكم ملك المسلمين عليها بفتحهم لها بعد فرض سقوط عموم ملك المسلمين للعامر المفتوح عنوة بالمعارضة. وإما من الحكم بكونها من الأنفال، لأن مقتضي أصالة عدم كونها للمسلمين كونها لا رب لها، فتدخل في الأنفال لذلك. ومعه لا مجال لأصالة عدم كونها من الأنفال.

هذا مضافاً إلي أن تقديم إطلاق أن الأرض المفتوحة عنوة للمسلمين مستلزم لإلغاء خصوصية بطون الأودية في الأنفال عرفاً، حيث لا يبقي منه إلا ما كان في أرض موات، أو في أرض عامرة بالأصل ولا رب لها، كالغابات، أو صار في أرض مملوكة بسبب حدث أوجب تغير شكل الأرض كالزلزلة. والأولان داخلان في الأنفال مع قطع النظر عن خصوصية كونها من بطون الأودية، والثالث فرد نادر مغفول عنه يبعد حمل الإطلاق الأول بخصوصيته عليه عرفاً، بخلاف تقديم إطلاق أن بطون الأودية من الأنفال، فانه لا يستلزم إلغاء خصوصية المفتوح عنوة في الحكم بكونه للمسلمين، لكثرة أفراد العامر غير بطون الأودية، بل هو الأغلب. ومن ثم يتعين تقديم ما دل علي أن بطون الأودية من الأنفال والبناء علي اختصاص ملك المسلمين بغير بطون الأودية. فتأمل جيداً.

ثانيهما: هل يختص ذلك بما كان بطن وادٍ بالأصل قبل جريان ملك مسلم عليه أو يعم ما لو حصل في ملك مسلم، كما لو جري السيل علي الأرض أو أصابتها زلزلة فصيرت فيها وادياً؟ صرح في كشف الغطاء بالعموم. وقد يقرب الاختصاص بالأول بانصراف الإطلاق عن غيره. ولا يخلو عن إشكال، لعدم وضوح منشئه. وإن كان من البعيد جداً عدم أولوية المالك به لو أراد التشبث به والانتفاع به ولم يعرض عنه.

وأما ما ذكر بعض مشايخنا (قدس سره) من أن مورد صحيحي محمد بن مسلم وحفص الذين هنا عمدة دليل المسألة الأموال التي تنتقل من الكفار إلي المسلمين، كما يناسبه صدرهما المتعرض لما لم يوجف عليه بخيل ولا ركاب، فلا إطلاق لهما يشمل ما سبق عليه ملك مسلم.

ص: 419

(420) (420)

فيشكل: أولاً: بأن لازمه عدم العموم لما يحصل في الأراضي الشاسعة التي لم يسبق عليها ملك الكفار ولم تكن في أيديهم أصلاً.

وثانياً: بأن الصحيحين - لو تم انحصار الدليل بهما - لم يتضمنا بيان الأنفال من خصوص ما كان بأيدي الكفار ويكون ملكاً لهم، بل الأنفال بقول مطلق، ومقتضي إطلاقهما العموم لمحل الكلام. ومجرد ذكر ما لم يوجف عليه بخيل ولا ركاب لا ينهض بالتقييد المدعي، ولذا لم يلتزم (قدس سره) بذلك في الأرض الخربة، مع أن أكثر نصوصها قد تضمنت أيضاً ما يؤخذ من الكفار في جملة الأنفال، ومنها الصحيحان المذكوران.

العاشر: رؤوس الجبال، كما صرح به غير واحد. ويقتضيه قوله (عليه السلام) في مرسل حماد - الذي تقدم انجباره بعمل الأصحاب -: وله رؤوس الجبال وبطون الأودية والآجام(1) ، ونحوه المرسل عن داود بن فرقد(2) ، والمرسل عن محمد بن مسلم(3) ، ومرفوع أحمد بن محمد(4).

ومنه يظهر وهن ما في المدارك من الإشكال بضعف السند، وأنه لا بد من دخوله في العمومات السابقة، كعموم كل أرض ميتة أو كل أرض لا رب لها. كما يظهر منه جريان ما سبق في بطون الأودية من النزاع في العموم للعامر، ولما حدث في ملك مسلم.

الحادي عشر: الآجام جمع أجَمَة كقَصَبة، وهي الشجر الكثير الملتف، كما في القاموس وعن ابن سيدة، أو من القصب، كما عن الصحاح وفي مختاره. وقد صرح بكونها من الأنفال غير واحد.

ويقتضيه - مضافاً إلي مرسل حماد والمرسل عن داود المتقدمين في سابقه - المرسل عن أبي بصير: منها المعادن والآجام وكل أرض لا رب لها...(5). والظاهر أن المراد به الأرض مع شجرها أو قصبها ويظهر مما تقدم في سابقه الكلام في عمومه لما يحصل في ملك مسلم. كما أنه إذا فسر بالشجر الكثير الملتف، فمن الظاهر أن الشجر المذكور

********

(1و2و3) وسائل الشيعة ج: 6 باب: 1 من أبواب الأنفال حديث: 4، 32، 22

(4و5) وسائل الشيعة ج: 6 باب: 1 من أبواب الأنفال حديث: 17، 28

ص: 420

(421) (421) (421)

موجب لكونه عامراً. أما لو خص بالقصب فهو من الميت عرفاً مطلقاً.

الثاني عشر: البحار، كما في المقنعة(1) ، وعن محكي أبي الصلاح. وعن غير واحد عدم الوقوف علي دليله. وربما يكون الوجه فيه صحيح حفص بن البختري عن أبي عبد الله (عليه السلام): قال إن جبرئيل كري برجله خمسة أنهار، لسان الماء يتبعه: الفرات ودجله ونيل مصر ومهران ونهر بلخ، فما سقت أو سقي منها فللإمام. والبحر المطيف بالدنيا هكذا رواه الصدوق في الخصال، وزاد في محكي الفقيه: وهو أفسيكون ولعله تفسير منه. وأما الكليني في الكافي فقد رواه في باب أن الأرض كلها للإمام هكذا: والبحر المطيف بالدنيا للإمام(2) ، وفي خبر يونس أو المعلي: قلت لأبي عبد الله (عليه السلام): ما لكم من هذه الأرض؟ فتبسم، ثم قال: إن الله بعث جبرئيل (عليه السلام) وأمره أن يخرق بإبهامه ثمانية أنهار في الأرض، منها سيحان وجيهان، وهو نهر بلخ، والخشوع وهو نهر الشاش، ومهران وهو نهر الهند، ونيل مصر، ودجلة، والفرات. فما سقت أو استسقت فهو لنا، وما كان لنا فهو لشيعتنا...(3).

الثالث عشر: المفاوز، كما في المقنعة. وفي الجواهر: أنه لم يقف له علي دليل إلا ما يدخل في الأراضي السابقة. والظاهر دخولها كلها في عموم الأرض الميتة، والأرض التي لا رب لها. ولا يبعد كون ذكره - كبعض ما سبق في كلامهم - بما أنه من أفراد العموم المذكور، لا لكونه عنواناً مستقلاً. فلاحظ.

الرابع عشر: ما في كشف الغطاء قال: منها ما يوضع له من السلاح المعدّ له والجواهر والقناديل - من الذهب أو الفضة - والسيوف والدروع. ومنها: ما يجعل نذراً لإمام (عليه السلام) بخصوصه، علي أن يستعمله بنفسه الشريفة، أو يصرفها علي جنده من

********

(1) كما هو الموجود في المطبوع منه، وحكاه عنه في الجواهر. لكنه لم يذكر في المطبوع منه في ضمن التهذيب في طبعة النجف الأشرف

(2) وسائل الشيعة ج: 6 باب: 1 من أبواب الأنفال حديث: 18

(3) وسائل الشيعة ج: 6 باب: 4 من أبواب الأنفال حديث: 17 واللفظ له. أصول الكافي ج: 1 ص: 409 باب: أن الأرض كلها للإمام (عليه السلام) حديث: 5 الطبعة الحديثة

ص: 421

الدراهم والدنانير وما يطلب للجيوش. ومنها المعين للتسليم إليه ليصرفه علي رأيه.

لكن المراد بالأول إن كان ما ملّك له (عليه السلام) أشكل باحتياج التمليك للقبول، ولا يحرز قبوله (عليه السلام) لذلك مع غيبته. ولو أريد منه ما يعم غير القائم (عليه السلام) من آبائه الأموات مما يجعل في أضرحتهم أشكل بعدم قابلية الميت للتملك.

إلا أن يراد به التمليك في حياته مع حضوره وقبوله، كسائر الهبات والصلات التي كانت متعارفة في زمانهم (عليهم السلام). لكنه يشكل بأن المال حينئذٍ وإن كان قد يوهب له بداعي إمامته، إلا أنه يكون ملكاً له بشخصه، كسائر ما يوهب له، فيخرج عن الأنفال، التي هي ملك له بما أنه إمام، ولذا لا تورث.

وأما ما يوضع في المشاهد المشرفة فالظاهر أنه من سنخ الوقف للمشهد لتزينه أو تكريمه، فليس هو ملكاً لأحد. نعم يمكن جعله بوجه آخر، بأن يكون صدقة للمشهد لينفق في حاجاته من بناء ونحوه. وهو خارج عن الأنفال علي كل حال.

وأما الثاني فإن أريد به النذر الشرعي فهو منذور لله تعالي لا للإمام، والمنذور العمل المتعلق بالمال لا المال نفسه. غاية الأمر أن يكون المنذور هو صرف المال في بعض الجهات المتعلقة بالإمام، وهو لا بجعله ملكاً له (عليه السلام) ليحتمل دخوله في الأنفال. وإن أريد به النذر العرفي الذي قد يتعارف بين عوام المسلمين فهو غير نافذ، فلا يخرج عن ملك الناذر، وإن حسن الوفاء به نظير الوفاء بالوعد.

مضافاً إلي أن نذر المال علي أن يستعمله الإمام بنفسه قد يبطل، لعدم رجحانه بعد استلزامه تعطيل المال بسب تعذر الوصول إليه (عليه السلام) في عصر الغيبة. إلا أن يكون مراده النذر لآبائه (عليهم السلام) في عصر حضورهم.

وأما الثالث فهو لا يخرج عن التمليك أو الوقف أو النذر، وقد عرفت حكم الكل. ومن ثم لا يرجع ما ذكره إلي محصل ظاهر بنحو يصح كونه من الأنفال. فالظاهر اختصاص الأنفال بما سبق. وإن كان هو غير مهم بعد ما سبق في النصوص من عموم ملكهم صلوات الله عليهم للأرض وما فيها. فلاحظ.

ص: 422

(423)

المقام الثاني: في حكم الأنفال.

قال الكليني (قدس سره) في الكافي في أول باب الفيء والأنفال وتفسير الخمس وحدوده وما يجب فيه بعد عدّ الأنفال: فإن عمل فيها قوم بإذن الإمام فلهم أربعة أخماس وللإمام الخمس. والذي للإمام يجري مجري الخمس. ومن عمل فيها بغير إذن الإمام فالإمام يأخذه كله وليس لأحد فيه شيء....

قال في المقنعة: وليس لأحد أن يعمل في شيء ما عددناه من الأنفال إلا بإذن الإمام العادل، فمن عمل فيها بإذنه فله أربعة أخماس المستفاد منها، وللإمام الخمس. ومن عمل بغير إذنه فحكمه حكم العامل فيما لا يملكه بغير إذن المالك من سائر المملوكات. ووافقهما في وجوب الخمس في المراسم مع تخصيصه له بحال الحضور، قال: وفي هذا الزمان فقد أحلونا مما يتصرف فيه من ذلك كرماً وفضلاً لنا خاصة. وصرح بالتحليل في الجملة في عصر الغيبة في المبسوط والنهاية للأنفال والخمس. وأما في حال الحضور فحكم فيهما بلزوم ما يصالح عليه الإمام من دون تعيين لشيء.

لكن ما في الكافي والمقنعة والمراسم من وجوب الخمس مطلقاً أو في حال الحضور مخالف للأصل، ولا شاهد له من النصوص. بل يأتي في النصوص ما يظهر في عدمه.

نعم ورد وجوب الخمس في المعدن، وهو وإن كان من الأنفال - كما ذكراه هما وسبق منّا - إلا أن إلحاق بقية أقسام الأنفال به يحتاج إلي دليل، وهو مفقود. والتعدي منه لإلغاء خصوصيته عرفاً في غاية المنع.

ومثله ما سبق من الكافي من أن الخمس هنا يجري مجري الخمس، الظاهر في ثبوت سهام الخمس فيه. إذ لا وجه له بعد كون الخمس الثابت له تابعاً لملكيته (عليه السلام) للأصل، فإن مقتضي ذلك ملكيته للخمس بتمامه تبعاً لملكيته للأصل بتمامه. وإنما التزمنا بذلك في خمس المعادن لظهور النصوص الواردة فيه وصراحة بعضها في أن مصرفه مصرف الخمس الوارد في الآية الشريفة والنصوص الجارية مجراها.

نعم لو كان البناء علي ثبوت الخمس في جميع الأنفال بسبب ثبوت الخمس في

ص: 423

المعادن لفهم عدم الخصوصية له اتجه البناء علي مشاركته له في المصرف. لكن عرفت المنع من ذلك.

كما أن ما سبق من المبسوط والنهاية من لزوم ما يصالح الإمام عليه حال الحضور، وإن كان مطابقاً للقاعدة، إلا أنه يعلم بعدم عمل الشيعة علي ذلك في عصر الحضور، إذ لو كان لظهر وبان، لشيوع الابتلاء بالأنفال حينئذ، مع أنه لا عين لذلك ولا أثر في النصوص والتاريخ.

ومثل ذلك في الإشكال ما سبق من المراسم والمبسوط والنهاية من اختصاص التحليل بعصر الغيبة. لما سبق في الخمس من أنه يتعذر حمل نصوص التحليل علي خصوص عصر الغيبة بعد أن كان المتيقن منها الشمول لعصر الحضور.

والذي ينبغي أن يقال: أما الأراضي فالظاهر عدم الإشكال في ملكها - أو جريان حكم الملك عليها علي الكلام المتقدم - بالإحياء. لاستفاضة النصوص بذلك، كصحاح أبي سيار وأبي خالد الكابلي وسليمان بن خالد وعبد الله بن سنان المتقدمة في أول الكلام في أن الأرض من الأنفال، وصحيح الفضلاء عن أبي جعفر وأبي عبد الله (عليه السلام): قالا: قال رسول الله (صلي الله عليه وآله وسلّم) من أحيي أرضاً مواتاً فهي له(1) ، ونحوه غيره.

لكن يظهر من العلامة في التذكرة عدم كفاية ذلك في الإذن، وأنه لا بد من إذن خاص في الإحياء، ويظهر من جامع المقاصد والمسالك وغيرهما موافقته، وأن الجواز في حال الغيبة لنصوص التحليل.

وهو كما تري، لأن صحيح أبي خالد الكابلي المصرح فيه بملكية الإمام للأرض قد تضمن الترخيص في الإحياء، فهو ظاهر في كون الترخيص في الإحياء مالكياً راجعاً لإذن المالك فيه، لا شرعياً ليختص بصورة عدم منافاة حق المالك. بل حيث سبق ملكيتهم (عليهم السلام) للأرض فالمتعين حمل جميع نصوص الإحياء علي الإذن المالكي. وهو أيضاً مقتضي ما رواه العامة عن النبي (صلي الله عليه وآله وسلّم) من قوله (صلي الله عليه وآله وسلّم): موتان الأرض لله ولرسوله،

********

(1) وسائل الشيعة ج: 17 باب: 1 من أبواب إحياء الموات حديث: 5

ص: 424

فمن أحيا منها شيئاً فهي له (1) .

وأما استفادة الإذن في عصر الغيبة من نصوص التحليل فقد عرفت غير مرة الإشكال فيه بعدم اختصاص نصوص التحليل بعصر الغيبة، بل عصر الحضور داخل في المتيقن منها. مضافاً إلي أن نصوص التحليل لا تنهض ببيان كيفية التملك أو جريان أحكامه وتحديد أسباب ذلك، فلولا نهوض نصوص الإحياء بالإذن بالتملك لم يمكن إحراز التملك بالإحياء ولو في عصر الغيبة. اللهم إلا أن يدعي المفروغية عن انحصار سبب التملك بالإحياء، فيتجه جواز إحياء المؤمن للأرض بضميمة نصوص التحليل. فلاحظ.

هذا وقد تقدم في صحيح أبي خالد الكابلي التصريح بأن من أحيي أرضاً ثم تركها وأخربها جاز لغيره إحياؤها، وأنه أحق بها من الذي تركها. ومثله في ذلك صحيح معاوية بن وهب: سمعت أبا عبد الله (عليه السلام) يقول: أيما رجل أتي خربة بائرة فاستخرجها وكري أنهارها وعمرها فإن عليه فيها الصدقة. فإن كانت أرض لرجل قبله، فغاب عنها وتركها فأخربها، ثم جاء بعد يطلبها، فإن الأرض لله ولمن عمرها(2).

وأما ما في الجواهر من أنه مجمل أو كالمجمل، قال: لاحتمال كون المراد أنها للأول الذي عمرها، خصوصاً مع عدم فرض السؤال فيه عن وجود شخص آخر عمرها. فهو غريب جداً، لأن المفروض في الصحيح هو عمارة الثاني لها، وأما الأول فقد فرض أنها كانت له وأنه غاب عنها وتركها فأخربها. فلا ينبغي التأمل في قوة ظهوره أو صراحته في أنها للثاني. ومن ثم ذهب في التذكرة وغيره إلي ملكية الثاني، وأنه أحق من الأول. وفي جامع المقاصد أن القول بذلك مشهور بين الأصحاب.

********

(1) السنن الكبري ج: 6 ص: 143 / وقد رويت علي ألسن الفقهاء من الخاصة والعامة هكذا: موتان الرض لله ولرسوله، ثم هي لكم مني، وفي بعضها زيادة: أيها المسلمون. راجع: المبسوط للشيخ الطوسي 3:268 /المجموع للنووي 15:205

(2) وسائل الشيعة ج: 17 باب: 3 من أبواب إحياء الموات حديث: 1

ص: 425

واستدل عليه في المسالك وغيره - مضافاً إلي الصحيحين - بعموم من أحيي أرضاً مواتاً فهي له. قال سيدنا المصنف (قدس سره): ولا يعارض بتطبيقه علي المحيي الأول، لعدم تعرضه للبقاء، فلم يبقي إلا الاستصحاب الذي لا يصلح لمعارضة الدليل.

لكنه يشكل بأن استمرار ملكية المحيي ليست مقتضي الاستصحاب فقط، بل هو أيضاً مقتضي الإطلاق الأحوالي لملكية المحيي للأرض. نعم لو كان لسان الدليل هكذا: من أحيي أرضاً ملكها، تم ما ذكره (قدس سره)، لاختصاص مفاد الفعل بالحدوث من دون نظر للبقاء، بخلاف الجملة الاسمية. وحينئذٍ يتعارض التطبيقان، وبعد سقوطهما معاً يتعين الرجوع لاستصحاب ملكية الأول. فتأمل.

بل لا يبعد انصراف عموم مملكية الإحياء لإحياء الأرض غير المملوكة، فهو ظاهر في مملكية الإحياء للمباح، لا مطلقاً ولو للمملوك، بل يكون الإحياء الثاني - مع فقد الدليل علي جوازه - تعدياً لا حرمة له، لأنه ليس لعرق ظالم لا حق. ولا أقل من كون المتيقن الخصوص. وحينئذٍ يكون التطبيق الأول - بل الاستصحاب أيضاً - وارداً علي التطبيق الثاني، ورافعاً لموضوعه.

فالعمدة صحيحا الكابلي ومعاوية بن وهب. فإنهما ينهضان بالخروج عن عموم مملكية الإحياء حتي لو كان دالاً علي مملكية الأول لا غير.

وكيف كان فقد أطلق في المبسوط والدروس وجامع المقاصد ومحكي التهذيب والسرائر وغيرها عدم جواز إحياء الأرض المملوكة. واستدل له - مضافاً إلي ما دل علي ملكية الأول، الذي عرفت حاله، والي بعض الوجوه الاعتبارية - بقوله (عليه السلام) في صحيحي سليمان بن خالد والحلبي المتقدمين في أول الكلام في أن الأرض من الأنفال: قلت: فان كان يعرف صاحبها؟ قال: فليؤد إليه حقه(1).

وقد يدفع بأن النسبة بين الصحيحين المذكورين وصحيح معاوية بن وهب وإن كانت هي التباين، لإطلاق فرض العثور علي المالك الأول في الكل، إلا أن صحيح

********

(1) وسائل الشيعة ج: 17 باب: 3 من أبواب إحياء الموات حديث: 3 وذيله

ص: 426

الكابلي مختص بما إذا كان المالك الأول قد ملك الأرض بالإحياء، فيصلح لأن يكون شاهد جمع بين الصحاح المذكورة، بحمل الصحيحين علي ما إذا كان المالك الأول قد ملك الأرض بغير الإحياء، وحمل صحيح معاوية علي ما إذا كان المالك الأول قد ملك الأرض بالإحياء.

لكن الإنصاف أنه يصعب حمل الأمر في صحيحي سليمان والحلبي بأن يؤدي للمالك حقه علي إرادة إرجاع نفس الأرض، إذ لو أريد ذلك لكان التصريح به أخصر وأفيد. ولاسيما أنه لم يفرض في السؤال تجدد معرفة صاحبها بعد الإحياء، بل ظاهره معرفته من أول الأمر، فلو كان الحكم عدم جواز الإحياء لكان اللازم النهي عنه. والأنسب بمدلول اللفظ فيهما حمل الحق المذكور علي الطقس، فيكونان موافقين للصحيحين السابقين في جواز الإحياء للثاني وثبوت حق له في الأرض بسببه، غاية الأمر أن مقتضاهما وجوب دفع الطقس للأول لملكيته للأرض.

ولعله لذا حكم في الشرايع في كتاب الجهاد بذلك. بل في المسالك أنه ذهب إليه الشيخ في المبسوط، وحكي عن الأكثر. قال: ولم يفرقوا في ذلك بين المنتقلة بالإحياء وغير ذلك من الأسباب المملكة، حيث يعرض لها الخراب وتصير خراباً.

لكن لا يخفي أنه لا يناسب صحيح معاوية، لأن الاقتصار فيه علي أن الأرض لمن عمرها كالصريح في عدم استحقاق الأول، بل هو صريح الكابلي، حيث تضمن أن الطقس للإمام، ولا إشارة فيه لثبوت شيء للمالك الأول.

علي أنه لا يخلو في نفسه عن غرابة. لأن جواز التصرف في العين من دون أذن مالكها ودفع بدل المنفعة له، مع أولوية المتصرف بها لا يناسب الأصول المعول عليها عند الأصحاب. بل لا يناسب المرتكزات المعرفية جداً.

وأما ما في الدروس من جواز الانتفاع بالأرض ودفع الطقس مع امتناع المالك من الانتفاع بالأرض، لدعوي حرمة حبسه للأرض عن الانتفاع قال: نعم لو تعطلت الأرض وجب عليه أحد الأمرين إما الأذن لغيره أو الانتفاع، فلو امتنع فللحاكم

ص: 427

الإذن، وللمالك طقسها علي المأذون. ولو تعذر الحاكم فالظاهر جواز الإحياء مع الامتناع من الأمرين، وعليه طقسها. فليس هو عملاً بالصحيحين، لعدم الإشعار فيهما بامتناع المالك، ولا بحرمة حبسه للأرض عن الانتفاع، بل هو اجتهاد منه يحتاج للدليل.

ومن هنا كان الصحيحان غريبي المضمون، فالأنسب التوقف عنهما، لأنهما من المشكل، وردهما لقائلهما (عليه السلام)، وعدم الخروج بهما عن مقتضي صحيحي الكابلي ومعاوية بن وهب. وهو المناسب لما سبق في النصوص الكثيرة من ملكية الأرض للإمام، حيث يناسب ذلك كون الاستحقاق بالإحياء تابعاً له بقاءً، لئلا يلزم تعطيل الأرض، وعدم استحقاق الطقس للأول، لعدم ملكيته للأرض.

وعلي ذلك يتعين جواز الإحياء مطلقاً وإن كان ملك الأول لها بغير الإحياء، عملاً بإطلاق صحيح معاوية. ولاسيما بلحاظ الكبري التي تضمنها من أن الأرض لله ولمن عمرها، حيث يصعب فيها التفكيك بين أنحاء الملك. خصوصاً وأن عمدة أفراد الملك بغير الإحياء متفرعة علي الملك بالإحياء بشراء أو اتهاب أو ميراث ونحوهما أو غيرها، والمرتكز أن الأسباب المذكورة لا تقتضي إلا تبدل المالك مع اتحاد المملوك، ونحو الملكية، فمن البعيد جداً أن يثبت للمنتقل إليه بها ما لم يثبت للمنتقل عنه. نعم لا يتم ذلك فيما لا يتفرع علي الملك بالإحياء، كالشراء أو الإستيهاب من الإمام، وهو فرض نادر أو غير واقع.

ومن ثم كان التفصيل المذكور بعيداً عن الارتكاز، وتنزيل الأدلة عليه صعب جداً، ومبتنياً علي الجمود علي موارد الأدلة بوجه غير ارتكازي لو غض النظر عما سبق من الإشكال في صحيح سليمان والحلبي.

ولعله لذا كان ظاهر الجواهر إرجاع التفصيل المذكور إلي التفصيل بين ما إذا كان أصل الملك بالإحياء ولو ممن أنتقل عنه، وما إذا لم يكن وهو خصوص ما ينتقل بالشراء أو نحوه من الإمام.

ص: 428

لكن الإنصاف أنه بعيد عن ظاهر كلماتهم وعن النصوص التي هي منشأ التفصيل، لما ذكرناه من ندرة القسم الثاني أو عدم وجوده. فالعمدة ما عرفت من الإشكال في الاستدلال بالصحيحين.

وأما الإجماع علي عدم ملكية الثاني بالإحياء إذا كان الأول قد ملك الأرض بغير الإحياء، فلم يتضح بنحو معتد به، وإنما حكي عن التذكرة نفي الخلاف في ذلك. ونسبة دعوي إجماع العلماء علي عدم إطلاق جواز إحياء الأرض المعروفة المالك لابن عبد البر. ولم أعثر في المطبوع من التذكرة علي نفي الخلاف. علي أن مساق كلامه ظاهر في إرادتهم عدم جواز الإحياء، مع أنه سبق عن جماعة دعوي جواز الإحياء من الثاني وإن لم يكن مملكاً له.

علي أن الاعتماد علي الإجماع من أهل الفتاوي المحررة في المسائل المنصوصة التي دونت نصوصها في كتب القدماء تعرف فتاواهم من روايتهم للنصوص في غاية الإشكال، خصوصاً في مثل هذه المسألة التي يظهر فيها اضطراب الأصحاب جداً. فلا مخرج عما ذكرنا من العمل بصحيحي أبي خالد الكابلي ومعاوية بن وهب. فلاحظ.

هذا ومقتضي إطلاق الصحيحين المذكورين عدم الفرق بين كون ترك المالك لعمارة الأرض للأعراض عن نفس الأرض، أو عن عمارتها، وكونه للعجز عن ذلك، أو لدواع أخر، كالانشغال بما هو أهم.

نعم لابد من مضي مدة معتد بها، بحيث يصدق أنه أخربها، ومع الشك في ذلك بنحو الشبهة المفهومية فالمرجع استصحاب ملكية الأرض أو أحكام ملكيتها للمحيي الأول، كملكيته للمنفعة وثبوت حق له يمنع الغير من التصرف فيها ونحو ذلك.

وأولي بذلك ما إذا كان الترك لمنع الظالم له من عمارتها، حيث يشكل معه صدق أنه أخربها، أو أنه ينصرف عن ذلك.

بل لا يبعد جريان ذلك فيما لو تحقق منه الترك مدة طويلة ثم أراد إحياء الأرض من جديد قبل إحياء الثاني وسعي في ذلك، فلا يجوز للثاني مزاحمته، لقصور إطلاق

ص: 429

الصحيحين عن ذلك، لاختصاصهما أو انصرافهما إلي ما إذا وقعت عمارة الثاني حال ترك الأول وإعراضه عن عمارة الأرض. وحينئذٍ فمقتضي استصحاب ملكيته للأرض أو ثبوت حقه فيها، بضميمة عموم عدم جواز التصرف في ملك الغير والخروج عن مقتضي حقه بغير إذنه، عدم جواز الإحياء للثاني. كما أن مقتضي الاستصحاب أيضاً عدم ترتب الأثر علي الإحياء لو وقع منه حينئذٍ. فتأمل جيداً.

ثم إن مقتضي إطلاق الصحيحين جريان ذلك في الأرض المفتوحة عنوة. ومجرد ملك المسلمين لها بالقتال لا يمنع من التمسك فيها بعموم استحقاق الأرض الميتة بالإحياء، لنهوض قوله (عليه السلام) في صحيح معاوية: فإن الأرض لله ولمن عمرها بالحكومة علي أدلة الملك وبيان أسبابه، وحملها علي ثبوت الملكية أو أحكامها ما دام الآخذ عامراً لها، لا مطلقاً بحيث يمنع من إحياء غيره لها لو ماتت عنده.

هذا ويأتي منّا عند التعرض لحكم الأرض الخراجية من فصل شروط العوضين ما ينفع في المقام. فلاحظ. والله سبحانه وتعالي العالم.

بقي الكلام في غير الأرض من الأنفال، كالنابت في الأرض الموات من الحطب ونحوه، وما يؤخذ منها من الحجر والتراب والصخر والطين وغيرها، وما لم يوجف عليها بخيل وركاب من الغنائم المنقولة، وغير ذلك. ومقتضي إطلاق ما تضمن تحليل الخمس في المال المأخوذ من الغير حلها أيضاً، كصحيحي يونس وأبي خديجة المتقدمين في تلك المسألة(1) ، لأن موضوع الأول حقهم، وموضوع الثاني التحليل في مثل الخادم المشتري والميراث والتجارة ونحوها من دون تقييد بالخمس. وقريب منهما غيرهما(2). ولا بأس بالعمل بالإطلاق المذكور.

بل جملة أخري من نصوص التحليل قد تضمنت تحليل حقهم (عليهم السلام) أو تحليل الفيء أو تحليل الخمس والأنفال والفيء، ومقتضي إطلاقها العموم لما يؤخذ ابتداءً

********

(1) وسائل الشيعة ج: 6 باب: 4 من أبواب الأنفال حديث: 4، 6

(2) وسائل الشيعة ج: 6 باب: 4 من أبواب الأنفال حديث: 18

ص: 430

وإن لم يكن مسبوقاً بيد الغير، ففي صحيح الفضلاء عن أبي جعفر (عليه السلام): قال: قال أمير المؤمنين (عليه السلام): هلك الناس في بطونهم وفروجهم، لأنهم لم يؤدوا إلينا حقنا إلا وإن شيعتنا من ذلك وآباءهم من ذلك في حلّ(1).

وفي خبر داود بن كثير الرقي عن أبي عبد الله (عليه السلام): سمعته يقول: الناس كلهم يعيشون في فضل مظلتنا، إلا أنا أحللنا شيعتنا من ذلك(2) ، وفي حديث الفضيل: ثم قال أبو عبد الله (عليه السلام): قال أمير المؤمنين (عليه السلام) لفاطمة (عليها السلام): أحلي نصيبك من الفيء لآباء شيعتنا ليطيبوا. ثم قال أبو عبد الله (عليه السلام): إنا أحللنا أمهات شيعتنا لآبائهم ليطيبوا(3) ، وفي موثق الحارث بن المغيرة النصري عن أبي جعفر (عليه السلام): إن لنا الخمس في كتاب الله، ولنا الأنفال، ولنا صفوا المال، وهما والله أول من ظلمنا حقنا في كتاب الله... اللهم إنا قد أحللنا ذلك لشيعتنا(4).

وفي خبر يونس أو المعلي المتقدمين عند الكلام في أن البحار من الأنفال: فما سقت أو استسقت فهو لنا، وما كان لنا فهو لشيعتنا... وإن ولينا لفي أوسع فيما بين ذه إلي ذه. يعني: ما بين السماء والأرض(5) ، وفي خبر أبي حمزة عنه (عليه السلام): فنحن أصحاب الخمس والفيء، وقد حرمناه علي جميع الناس ماخلا شيعتنا(6) ، وغيرها.

ولزوم الخروج عن هذه النصوص في الخمس - بقرينة النصوص التي تضمنت المطالبة به - لا يستلزم الخروج عنها في الأنفال، بل يتعين العمل بها فيها، والبناء علي حلها للشيعة مطلقاً، ما لم يثبت المخرج عن ذلك، كما ثبت في ميراث من لا وارث له، حيث تضمنت النصوص له مصارف معينة مذكورة في كتاب الميراث. وثبت أيضاً وجوب الخمس في المعادن وإن كانت من الأنفال، وكان مقتضي نصوص التحليل المذكورة عدم وجوب شيء فيها.

********

(1) وسائل الشيعة ج: 6 باب: 4 من أبواب الأنفال حديث: 1

(2) وسائل الشيعة ج: 6 باب: 1 من أبواب الأنفال حديث: 7

(3) وسائل الشيعة ج: 6 باب: 4 من أبواب الأنفال حديث: 10، 14، 17، 19

(4) وسائل الشيعة ج: 6 باب: 4 من أبواب الأنفال حديث: 10، 14، 17، 19

(5) وسائل الشيعة ج: 6 باب: 4 من أبواب الأنفال حديث: 10، 14، 17، 19

(6) وسائل الشيعة ج: 6 باب: 4 من أبواب الأنفال حديث: 10، 14، 17، 19

ص: 431

نعم استشكل سيدنا المصنف (قدس سره) بأن الشبهة في المقام موضوعية، وهي صدور الإذن من الإمام (عليه السلام) وعدمه، فلا ترفع اليد عن أصالة عدم الإذن إلا بحجة من علم أو بينة، وخبر الثقة غير ثابت الحجية في الموضوعات.

لكن ذلك يجري في تحليل ما فيه الخمس مما يؤخذ من الغير أيضاً، مع أنه (قدس سره) قد جري علي ذلك من دون أن تكون النصوص الدالة عليه كثيرة، بل عمدتها صحيحا يونس وأبي خديجة المتقدمان، كما جري علي ذلك جماعة من الأصحاب، وجروا أيضاً علي ذلك في تحليل الأرض الموات بالإحياء مع جريان ذلك فيها أيضاً، بناءً علي أنها من الأنفال.

فالأولي في دفع الإشكال المذكور: أن مقتضي السيرة حجية خبر الثقة حتي في الموضوعات، ولا مخرج عنه إلا ظهور دليل حجية البينة في الموضوعات في الردع عن ذلك، والعمدة في دليل عمومه موثق مسعدة بن صدقة عن أبي عبد الله (عليه السلام): سمعته يقول: كل شيء لك حلال حتي تعلم أنه حرام بعينه فتدعه من قبل نفسك، وذلك مثل الثوب يكون عليك قد اشتريته وهو سرقة، والمملوك عندك لعله حرٌ قد باع نفسه، أو خدع فبيع قهراً، أو امرأة تحتك وهي أختك أو رضيعتك. والأشياء كلها علي هذا حتي يستبين لك غير ذلك أو تقوم به البينة(1). فإن الحصر بالبينة التي هي من سنخ الخبر ظاهر في عدم حجية ما دونها من خبر الثقة.

لكن المتيقن من ذلك بقرينة الأمثلة - التي يحتمل سوقها لشرح عموم قاعدة الحلّ في صدر الحديث - هو الشبهة الموضوعية الناشئة عن اشتباه الأمور الخارجية الخاصة في الموارد المتفرقة غير المرتبطة بالشارع الأقدس، دون مثل التحليل العام في المقام الصادر منهم (عليهم السلام) بما هم أئمة، ومثل استثناء المؤنة في الخمس - بناء علي ما سبق منا في المسألة الثامنة والأربعين من قرب ابتنائه علي إعمال ولايتهم (عليهم السلام) علي الحق، من دون أن يثبت في أصل التشريع - ونصب الحاكم الشرعي للحكومة والقضاء، ونحو ذلك، حيث يغفل عرفاً عن الفرق بينها وبين فتاواهم في الأحكام الشرعية في

********

(1) وسائل الشيعة ج: 12 باب: 4 من أبواب ما يتكسب به حديث: 4

ص: 432

الشبهات الحكمية.

ولذا جرت سيرة الأصحاب علي قبول أخبار الآحاد في ذلك، حيث دونوا النصوص المذكورة، وتكلموا في دلالتها، علي نحو سائر أخبار الأحكام، من دون التفات إلي الإشكال المذكور، مع أن عدم قبول خبر الثقة عندهم في الشبهات الموضوعية من الواضحات.

هذا مضافاً إلي الاطمئنان بل القطع بصدور بعض الأخبار العامة المتقدمة، لكثرتها، والتشكيك في ذلك من سنخ الوسواس. غاية الأمر أن يشكّ إرادة العموم منها فمع وضوح دلالتها علي العموم لا ينبغي الخروج عنه، لعموم حجية الظهور بلا إشكال. علي أن الظاهر قيام السيرة علي التحليل في الأنفال. ولا ينبغي مع ذلك التوقف في الحكم. فلاحظ. والله سبحانه هو العالم العاصم. ومنه نستمد العون والتوفيق والتأييد والتسديد. إنه أرحم الراحمين وولي المؤمنين.

انتهي الكلام في الأنفال تتميماً لشرح مباحث الخمس من كتاب (منهاج الصالحين) تأليف سيدنا الأعظم الفقيد السعيد سيدنا الأستاذ الجد آية الله العظمي السيد محسن الطباطبائي الحكيم (قدس سره)، في النجف الأشرف، ببركة المشهد المشرف علي صاحبه أفضل الصلاة والسلام.

بقلم العبد الفقير (محمد سعيد) عفي عنه نجل سماحة حجة الإسلام والمسلمين آية الله السيد (محمد علي) الطباطبائي الحكيم دامت بركاته. عصر السبت الخامس والعشرين من شهر جمادي الأولي سنة ألف وأربعمائة وثلاث عشرة لهجرة سيد الأنام عليه وآله أفضل الصلاة والسلام.

وقد قدر لنا أن نحرر أكثر هذا الكتاب في السجن، كما قدر لنا أن تكون ملاحظته وإعادة النظر فيه في ظروف مشابهة للسجن في قلة المصادر المتيسرة، كما يظهر للناظر فيه. والحمد لله علي كل حال، والصلاة والسلام علي محمد وآله خير الآل. وحسبنا الله ونعم الوكيل.

ص: 433

ص: 434

فهرست تفصيلي

(7)كتاب الخمس وما يجب فيه7

(8)الأول: الغنائم8

(10)الكلام في اختصاص خمس الغنيمة بالمنقولات10

(12)الغنيمة هي ما أخذ من الكفار بالقتال12

(13)الكلام في اشتراط كون الحرب بإذن الإمام13

(20)حكم الغنيمة إذا كانت الحرب دفاعاً عن الإسلام20

(21)مستثنيات من خمس الغنيمة21

(22)المأخوذ من الكفار بغير قتال لا يلحقه حكم الغنيمة22

(24)لا يعتبر النصاب في وجوب خمس الغنائم24

(24)يشترط في الغنائم أن لا تكون مأخوذة من مسلم غصباً24

(28)إذا كان في أيدي الكفار مال لحربي لحقه حكم الغنيمة28

(29)جواز أخذ مال الناصب29

(29)الكلام في وجوب الخمس في مال الناصب وغرم استثناء المؤنة29

(32)الثاني: المعدن32

(33)تحديد المعدن33

(39)لا فرق في المعدن أن يكون في ارض مباحة أو مملوكة39

(40)النصاب المعتبر في المعدن40

(43)الكلام في استثناء الإخراج43

(44)النصاب هل يعتبر قبل استثناء المؤنة أو بعده؟44

(46)إذا اخرج المعدن علي دفعات46

(49)إذا اشترك جماعة في استخراج المعدن49

ص: 435

(49)أو الناس فيه شرع سواء؟49

(52)جواز استخراج المعادن للشيعة52

(53)حكم استخراج غير الشيعة للمعادن53

(55)تبعية المعدن لملكية الأرض55

(58)المعدن في الأرض المملوكة عنوة58

(61)المعدن في الأرض الموات61

(64)الكلام في وجوب الفحص عند الشك في بلوغ النصاب64

(65)الثالث: الكنز65

(66)الكلام في عموم الكنز لغير النقدين66

(69)تحديد مفهوم الكنز69

(71)الكلام في عموم الكنز لغير المدفون71

(73)الكلام في ان ثبوت الخمس دليل علي ملكية واجد الكنز له73

(73)الكلام في تردد مالكية الكنز بين محترم المال وغيره73

(76)الكنز لواجده وعليه الخمس إذا لم يعلم انه لمسلم76

(79)لو وجد الكنز في دار الإسلام أو عليه أثر الإسلام79

(83)بلوغ النصاب في الكنز وتحديده83

(85)بلوغ كنز النصاب في إخراجه علي دفعات85

(86)الكلام في استثناء المؤنة86

(87)إذا علم ان الكنز لمسلم87

(88)إذا كان المسلم قديماً جري عليه حكم المال الذي لا وارث له88

(90)الكلام في ملكية الكنز في الأرض المملوكة90

(95)الكلام في وجوب التعريف إذا كان عليه آثار الإسلام95

(97)إذا وجد في جوف الدابة مالاً97

(98)إذا وجد في جوف السمكة مالاً98

(100)الرابع: ما اخرج من البحر بالغوص100

ص: 436

(104)لا يجب الخمس في غير الجواهر مثل السمك ونحوه104

(106)يشترط في وجوب الخمس النصاب مع الكلام في تحديده106

(108)وجوب الخمس في العنبر وعدم شرطية النصاب فيه108

(109)إذا اخرج العنبر بالغوص109

(111)الخامس: الأرض التي اشتراها الذمي من المسلم111

(113)الكلام في عموم الحكم لسائر المعاوضات غير البيع113

(114)إذا اشتري الأرض ثم أسلم114

(116)إذا باع الأرض من مسلم ثم اشتراها مرة ثانية وجب خمس آخر116

(117)يتعلق الخمس برقبة الأرض117

(117)إذا امتنع الذمي من الدفع117

(120)لا يصح اشتراط الخمس علي البائع أو عدم اشتراط الخمس120

(120)السادس: المال المختلط بالحرام120

(125)مصرف خمس المال المختلط بالحرام هو عين مصرف غيره من الخمس125

(131)الكلام فيما إذا علم مقدار الحرام من المال ولم يعلم المالك131

(136)لا يجب استئذان الحاكم الشرعي في التصدق بمجهول المالك136

(139)إذا علم المالك وجهل المقدار تراضيا بالصلح139

(139)إذا لم يرض المالك بالصلح يقتصر في دفع الأقل إليه139

(140)إذا تردد المال الحرام بين كثير المالية وقليلها140

(142)إذا علم إجمالاً أن الحرام أكثر من الخمس أو أقل منه142

(144)إذا كان صاحب المال معيناً في عدد محصور144

(149)إذا كان المال الحرام في الذمة فلا يجب التصدق به ولا تبرأ به الذمة مع الجهل بصاحبه149

(153)إذا تردد صاحب المال في عدد محصور153

(155)الكلام في شرطية الفقر في المتصدّق عليه155

(157)إذا انشغلت ذمته بالقيمي157

(158)إذا تبين المالك بعد دفع الخمس158

(161)إذا علم بعد دفع الخمس ان الحرام أكثر161

ص: 437

(163)إذا كان الحرام المختلط من الوجوه الشرعية163

(163)إذا كان الحلال المختلط قد تعلق به الخمس163

(166)إذا تصرف بالمال المختلط قبل إخراج خمسه166

(169)السابع: ما يفضل عن المؤنة169

(169)عموم الغنيمة في الآية الشريفة لكل فائدة169

(170)ثبوت خمس الفائدة في أصل تشريع الخمس170

(179)سيتشكل به في المقام وردّه179

(182)استثناء المؤنة من وجوب خمس الفائدة182

(184)المؤنة المستثناة هي مؤنة السنة184

(185)تحديد موضوع الفائدة التي يجب فيه الخمس185

(189)ثبوت الخمس في الهبة والجائزة189

(191)ثبوت الخمس في المهر191

(193)ثبوت الخمس في الميراث الذي لا يحتسب193

(194)الكلام في وجوب إخراج خمس التركة إذا كان المورث لا يؤدي الخمس194

(195)إذا كان المال المملوك من الوجوه الشرعية195

(197)إذا زادت العين زيادة متصلة أو منفصلة197

(198)الكلام في ارتفاع القيمة السوقية198

(202)الكلام في التفصيل بين المال المتخذ للتجارة وغيره202

(203)إذا باع ما زادت قيمته السوقية203

(205)أقسام ما زادت قيمته السوقية205

(205)فروع في الزيادة المتصلة والمنفصلة205

(209)فروع في زيادة القيمة السوقية209

(212)تحديد مؤنة السنة212

(212)من المؤنة ما يصرف في تحصيل الربح212

(215)معني المؤنة وبيان ضوابطها ومصاديقها215

(223)لابد في المؤنة المستثناة من الصرف فعلاً223

ص: 438

(226)تعين مبدأ سنة المؤنة226

(229)الكلام في تعدد الربح والفائدة في السنة الواحدة229

(234)رأس مال التجارة ليس من المؤنة المستثناة مع الكلام في تفصيلين في المسألة234

(238)ربح السنة يجبر خسارتها238

(239)إذا بقيت المؤنة لسنين أخري239

(244)يجوز إخراج المؤنة من الربح وان كان له مال آخر244

(247)زيادة القيمة في أعيان المؤنة247

(249)فروع في نزول القيمة السوقية249

(251)من جملة المؤن مصارف الحج واجباً أو مستحباً مع بيان جملة من فروع الاستطاعة251

(255)المؤنة المستثاة ما يتم الانتفاع به في تلك السنة دون السنين القادمة255

(256)إذا باع ثمرة بستانه لسنين قادمة كان الثمن من أرباح سنة البيع256

(258)من المؤنة أداء الدين258

(261)الكلام في وقت تعلق الخمس هل هو بمجرد حصول الربح أو آخر السنة بعد استثناء المؤنة؟261

(266)كما يجوز دفع الخمس عند ظهور الربح كذلك يجوز تأخيره إلي آخر السنة266

(270)إذا أتلف الربح أثناء السنة أو أسرف في صرفه270

(270)إذا علم ان ليس عليه مؤنة إلي آخر السنة270

(272)الكلام في جبران الخسارة بالربح مع الكلام في جبران خسارة بعض أنواع التكسب بالبعض الآخر272

(280)الخمس متعلق بالعين280

(285)التخيير بين دفع الخمس من العين أو القيمة285

(287)لا يجوز التصرف بالعين قبل إخراج الخمس287

(289)إذا ضمن الخمس في ذمته جاز له التصرف بالعين289

(290)إذا اتجر بالعين قبل دفع الخمس290

(292)إذا أجاز الحاكم الشرعي الاتجار بالعين292

(293)إذا اتلف المالك أو غيره المال مع الكلام في من يرجع عليه الحاكم الشرعي293

(295)الكلام في تحول العين قبل أداء الخمس كما إذا كان حباً فبذره فصار زرعاً295

ص: 439

(299)الكلام في دفع الخمس قبل انتهاء السنة باعتقاد عدم المؤنة299

(301)الغوص والمعدن لا يخمس مرتين301

(304)لا يشترط في ثبوت الخمس في الكنز والمعدن والغوص البلوغ والحرية والعقل304

(309)ثبوت الخمس علي الطفل وغيره في المال المختلط بالحرام309

(310)لا يشترط التكليف في ثبوت خمس الأرض التي يشتريها الذمي من مسلم310

(310)لا يشترط التكليف في ثبوت خمس أرباح المكاسب310

(311)من لا يحاسب نفسه سنين متعددة311

(316)إذ وهب لغيره العين قبل دفع خمسها316

(318)الكلام في تغيير رأس السنة، مع الكلام في حدود ولاية الحاكم الشرعي في المقام318

(319)فروع في خمس ما زاد علي المؤنة319

(323)الكلام فيما لو نذر ان يصرف نصف أرباحه في وجوه البر323

(325)فروع في خمس مؤن التجارة325

(326)إذا دفع الخمس من أرباح السنة الثانية326

(327)خمس الدين الذي في ذمة الآخرين مع الكلام في الفرق بين المال والعروض327

(333)المبحث الثاني: مستحق الخمس333

(333)انقسام الخمس إلي ستة أقسام333

(335) ومصرف سهم ذوي القربيسهم الإمام335

(338)سهم بني هاشم مع تحديدهم338

(340)يشترط الإيمان في مستحق الخمس من بني هاشم340

(341)اعتبار الفقر في الأيتام341

(345)الكلام في ابن السبيل واعتبار عجزه عن الاستدانة345

(346)لا تعتبر العدالة في جميع أصناف بني هاشم346

(347)الكلام في إعطاء الفقير أكثر من مؤنة سنته347

(349)لا يجب البسط علي مستحقي الخمس349

(355)الهاشمي هو المنتسب بالأب355

(357)لا فرق في الهاشمي بين بطون بني هاشم357

ص: 440

(359)لا يصدق من ادعي النسب359

(361)حجية الشياع في إثبات النسب361

(361)لا يعطي من الخمس من تجب نفقته علي المعطي361

(362)الكلام في الولاية علي إخراج الخمس362

(366)الكلام في مقتضي الوظيفة بالنسبة إلي النصف الراجع إلي الإمام366

(375)الكلام في وجوب الدفع إلي الحاكم الشرعي375

(379)مصارف سهم الإمام379

(381)نقل الخمس من بلد إلي آخر381

(384)الكلام في صحة عزل الخمس وتعينه في مال معين384

(386)احتساب الدين علي الفقير من الخمس386

(387)الكلام في مفاد أدلة تحليل الخمس387

(393)عدم شمول التحليل للمهر393

(394)شمول التحليل للمال الموروث394

(395)شمول أدلة التحليل لترتب اثر المعاملة395

(396)شمول أدلة التحليل لتمليك العين396

(397)الكلام في شمول أدلة التحليل لخمس المال المختلط بالحرام397

(398)الكلام في استخراج النفط والمعادن من قبل الشركات الحكومية ووجوب الخمس398

(400)إذا شك المشتري في كون البائع قد دفع الخمس أولاً400

(403)تذييل في الأنفال403

(403)الأنفال بتمامها للنبي ص والإمام عليه السلام403

(405)المقام الأول: في تعيين الأنفال405

(405)الأول: المعادن405

(405)الثاني: غنائم الحرب التي من دون إذن الإمام405

(406)الثالث: الأرض التي تؤخذ من الكفار من دون قتال406

(407)الرابع: قطائع الملوك وصفاياهم إذا لم تكن مغصوبة407

ص: 441

(408)الخامس: ما يصطفيه الإمام من المغنم408

(410)السادس: ميراث من لا وارث له410

(411)السابع: الأرض الميتة مع الكلام في توجيه النصوص المتضمنة أن الأرض كلها للإمام411

(418)الثامن: سيف البحر418

(418)التاسع: بطون الأودية418

(420)العاشر: رؤوس الجبال420

(420)الحادي عشر: الآجام420

(421)الثاني عشر: البحار421

(421)الثالث عشر: المفاوز421

(421)الرابع عشر: ما يوضع للإمام من السلاح والجواهر والقناديل، والنذر للإمام علي كلام فيه421

(423)المقام الثاني: في حكم الأنفال423

ص: 442

تعريف مرکز

بسم الله الرحمن الرحیم
هَلْ یَسْتَوِی الَّذِینَ یَعْلَمُونَ وَالَّذِینَ لَا یَعْلَمُونَ
الزمر: 9

عنوان المکتب المرکزي
أصفهان، شارع عبد الرزاق، سوق حاج محمد جعفر آباده ای، زقاق الشهید محمد حسن التوکلی، الرقم 129، الطبقة الأولی.

عنوان الموقع : : www.ghbook.ir
البرید الالکتروني : Info@ghbook.ir
هاتف المکتب المرکزي 03134490125
هاتف المکتب في طهران 88318722 ـ 021
قسم البیع 09132000109شؤون المستخدمین 09132000109.