الحركة الإصلاحية من الحسين عليه السلام إلي المهدي عليه السلام
السيد صدر الدين القبانچي
مركز الدراسات التخصصيه في الامام المهدي عج - نجف اشرف
الطبعه الاولي 1427 ميلادي الرسول الاكرم صلي الله عليه و آله
ص: 1
الحركة الإصلاحية من الحسين عليه السلام إلي المهدي عليه السلام
السيد صدر الدين القبانچي
مركز الدراسات التخصصيه في الامام المهدي عج - نجف اشرف
ص: 2
بسم اللّه الرحمن الرحيم الحمد للّه رب العالمين،و الصلاة و السلام علي خير خلقه و خاتم رسله و علي آله الطيبين الطاهرين...
أمّا بعد:
شاءت القدرة الإلهيّة أن تضع بإزاء كل حقّ باطلا يتناسب معه بالقوّة و الاستطالة و يوازيه من حيث الاتجاه و المسيرة التأريخية،فكان ذلك من القوانين و السنن الثابتة التي ابتنت عليها أسس الخليقة منذ نشأتها الأولي، و التي رسمت للدنيا إطارها الذي لا تملك أن تخرج عن حدوده.
و هذا هو ذات الأمر الذي أشارت إليه الآية المباركة في قوله تعالي: أَ حَسِبَ النّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آمَنّا وَ هُمْ لا يُفْتَنُونَ، (1)إذ أنّ التتبّع الواعي لكل مسيرة أو حركة تنتسب إلي الحق في منهجيتها يبرهن لنا أنّ مسيرة الباطل و حركته لم تتخلّ يوما عن ملازمة حركات الإصلاح و التحرّر و السير الحثيث بموازاتها،منذ اليوم الأوّل الذي وقف فيه أبونا آدم ليعبد اللّه الواحد القهّار،و مرورا بما يحدّثنا التأريخ عن قابيل و هابيل و الأنبياء و المصلحين،و إلي يومنا الذي نعيشه.
و لعلّ من أوضح الأفكار و الرؤي التي تنتسب إلي الحق و نهجه القويم، بل و ينتسب الحق إليها،هي الفكرة العقائدية الربّانية المقدّسة التي زرعتها الشرائع السماوية المتعاقبة في حقل الذهن البشري من خلال المسيرة التكاملية للأنبياء و الرسل و الأوصياء،و هي فكرة المنقذ الذي سيمدّ يده التي باركتها قدرة السماء لتنتشل البشرية من الأودية السحيقة للظلم و الجور إلي مرابع
ص: 3
القسط و العدل الإلهي،و التي ستحقق الأحلام و الآمال التي بذل الأنبياء و المصلحون دماءهم زهيدة في سبيل تحقيقها،ساعين بذلك لجذب الدنيا من بؤر الظلم و الفساد و العبودية إلي آفاق الحرية و العيش الرغيد.
فخضعت هذه العقيدة المقدّسة لهذه القوانين الثابتة و تعرضت لشتي أنواع المحاربة علي مر العصور،فكانت هذه المحاربة متناسبة مع عظم الأهمية و السمو و الرفعة التي أولتها السماء لها.
و بما أنّ أهميّة الدفاع عن هذه العقيدة تنبع من طرفين أوّلهما مقدار عظمة هذه الفكرة من حيث ارتباطها بمبدأ العقيدة الإسلامية التي عبّر عنها النبي الأكرم صلي اللّه عليه و آله في قوله:«من مات و لم يعرف إمام زمانه مات ميتة جاهلية»، (1)و ثانيهما مقدار ما يبذله الأعداء من جهود لم يعرف لها مثيل من تسخير كافة الطاقات لإظهارها علي أنها العامل الخرافي الذي يتشبث به أناس ناموا علي أمل أن يجدوا العالم ذات يوم يحقق لهم آمالهم و أحلامهم التي كبتها ظلم الظالمين مدة مديدة من الزمن العسير.
لذلك وجدنا أنفسنا-في خضم هذه الظروف و المداخلات-نتحمل عبثا كبيرا و جزء غير يسير من المسؤولية الملقاة علي عاتق المجتمع الصالح من أتباع أهل البيت عليهم السّلام في الدفاع عن هذا المبدأ المقدّس الذي يعتبر أس العقيدة و أساس المذهب.
علي أنّ كثرة المدافعين من العلماء الأعلام و ذوي الأقلام الشريفة علي مرّ الدهور لا تغني عن الاستمرار في انتهاج سبيل الذود عن هذه العقيدة المقدسة،إذ أنّ الشبهات-و إن تكررت بصيغ مختلفة-تحتاج إلي ردود تتناسب و الطريقة التي».
ص: 4
يتبناها أعداء الحق و الأساليب التي يسلكونها و الطرق الملتوية التي يتبعونها في توجيه سهام الحقد الأسود للصورة الناصعة لهذه العقيدة المقدّسة.
و مركزنا الذي أنشئ بعد الاستشارة و المداولة مع ثلة من العلماء الأعلام و فضلاء الحوزة العلمية المباركة،و برعاية من المرجع الديني الأعلي سماحة آية اللّه العظمي السيد علي الحسيني السيستاني دام ظله،يجد أنّ واجبه الأوّل هو بذل الجهد للدفاع عن سيدنا و مولانا صاحب الزمان عجّل اللّه تعالي فرجه الشّريف.
فتبنّي هذا المركز مجموعة من المحاور في عمله منها:
1-طباعة و نشر الكتب المختصّة بالإمام المهدي عليه السّلام،بعد تحقيقها، و ذلك ضمن سلسلة و سمناها ب«سلسلة اعرف إمامك».
2-نشر المحاضرات المختصّة به عليه السّلام من خلال تسجليها و طبعها و توزيعها،ضمن سلسلة«محاضرات في الإمام المهدي».
3-إقامة الندوات العلمية التخصصية في الإمام عجّل اللّه تعالي فرجه الشّريف،و نشرها من خلال التسجيل الصوتي و الصوري و طبعها و توزيعها في كتيّبات ضمن«سلسلة الندوات المهدوية»،أو من خلال وسائل الإعلام و شبكة الانترنيت.
4-إصدار مجلّة فصلية تخصّصية باسم«الانتظار».
5-العمل في المجال الإعلامي بكل ما نتمكّن عليه من وسائل مرثية و مسموعة،بما فيها شبكة الانترنت العالمية من خلال الصفحة الخاصّة بالمركز.
6-نشر كل ما من شأنه توثيق الارتباط بين الأجيال الجديدة و إمامهم المنتظر عليه السّلام،و ذلك من خلال القصص و الكتب التي تتناسب مع أعمارهم.
7-الاهتمام بنشر التراث المختص بالإمام المهدي عجّل اللّه تعالي فرجه الشّريف،ضمن«سلسلة التراث المهدوي».
و ها نحن عزيزي القارئ الكريم نضع بين يديك هذا الكتاب الذي يحمل بين طياته المحاضرات الفكرية المختصّة بالإمام المنتظر عجّل اللّه تعالي فرجه الشّريف،و التي
ص: 5
قدّمها سماحة السيد صدر الدين القبانچي خلال عشرة محرم الحرام من عام 1426 للهجرة بعد جمعها و إعدادها،ثم تحقيقها و استخراج المصادر و المنابع التي اعتمد عليها المحاضر بالمقدار الذي نتمكّن عليه،بالصورة التي توثّق المعلومات الواردة فيها،ثم مراجعتها و إخراجها بهذه الحلّة التي نسأل الباري عز و جل أن يجعلها محط قبولكم و رضاكم،و أن يجعل هذا العمل مرضيا عند إمام زماننا الذي يعيش بين أظهرنا و يتفقد أحوالنا و يعلم بكل سرائرنا.
إنه نعم المولي و نعم المجيب.
يتقدم المركز بالشكر الجزيل لكل من ساهم في إعداد هذه السلسلة تحت عنوان محاضرات حول المهدي عجّل اللّه تعالي فرجه الشّريف و نخصّ بالذكر كلا من:
1-لجنة التحقيق،المؤلفة من:سماحة الشيخ أحمد الساعدي،و الأخ الفاضل علاء عبد النبي.
2-قسم الحاسوب الآلي لجهودهم الكبيرة في إنجاز هذا العمل، و نخص بالذكر مسؤول القسم الأخ الفاضل ياسر الصالحي.
سائلين المولي القدير جلّ و علا أن يجعل هذا العمل و جميع الأعمال محطّ قبوله،و أن يأخذ بأيدي الجميع لما فيه الصلاح و الموفقية و السؤدد.
و الحمد للّه ربّ العالمين
السيد محمد القبانچي
مركز الدراسات التخصّصية في الإمام المهدي عليه السّلام
ص: 6
بسم اللّه الرحمن الرحيم و بعد فهذا الكتاب الذي بين يديك هو مجموعة محاضرات كنّا قد قدّمناها للمستمعين خلال عشرة محرم الحرام عام 1426 للهجرة في مدينة النجف الأشرف.
و قد كنّا في العام الماضي عام 1425 للهجرة قد قدّمنا عشرة محاضرات تناولت الأبعاد الفكرية و السياسية لثورة الإمام الحسين عليه السّلام من خلال شرح أهم النصوص الواردة في زيارة عاشوراء،و قد طبعت تلك المحاضرات تحت عنوان(في رحاب زيارة عاشوراء).
هذا و قد كان الأخوة الأعزاء في مركز الدراسات التخصصية في الإمام المهدي عليه السّلام قد رغبوا إليّ أن أقدم مجموعة محاضرات حول الإمام المهدي عليه السّلام و استجابة لطلبهم،و اعتقادا بأهميّة هذا الموضوع فقد رأيت أن أتناول العلاقة بين حركة الإمام الحسين عليه السّلام و حركة الإمام المهدي عليه السّلام من حيث أوجه الاشتراك و التمايز في الأهداف و المناهج و النتائج،و هذا هو ما وفقت إليه في هذا المحاضرات العشر خلال ليالي محرم الحرام.
*** ان ما يهمني الإشارة إليه في مقدمة هذا الكتاب أن منهجنا في هذه الدراسة يعتمد علي البعد العلمي للموضوع إلي جانب المستوي الجماهيري الذي يفهمه عامة المستمعين في محافل المحاضرات العامّة،و إلي جانب البعد
ص: 7
التربوي الذي نهدف إليه في مجمل محاضراتنا،كما انني عملت علي ان أكون لدي السامع و القارئ رؤية شاملة عن قضية الإمام المهدي عليه السّلام و حركته،و لذا كنت مضطرا لتناول موضوعات شتي خارج عنوان المحاضرة للهدف المذكور و من هذه المنطلقات فقد سعيت إلي أن تحتوي هذه المحاضرات علي الإجابة علي مائة سؤال يتعلق بقضية الإمام المهدي عليه السّلام، من الأسئلة التي تجول في أذهان الباحثين و الشباب خاصة،أو الشبهات التي يثيرها المشككون في قضية الإمام المنتظر عجّل اللّه تعالي فرجه الشّريف.
*** لا بدّ أن أتقدم بالشكر و التقدير للجهود التي بذلها الأخوة في مركز الدراسات التخصصية في الإمام المهدي عليه السّلام في جمع و إعداد و تحقيق و مراجعة مصادر هذه المحاضرات و أخص بالذكر أخي العزيز المحقق سماحة السيد محمّد القبانچي سائلا اللّه تعالي له و للأخوة معه في هذا المركز التوفيق و القبول.
صدر الدين القبانچي
/9شعبان1426/ ه
ص: 8
ص: 9
1-كيف كانت حركة الإمام المهدي عليه السّلام تعبيرا عن وحدة حركة الأديان؟
2-كيف كانت حركة الإمام المهدي عليه السّلام امتدادا لحركة الحسين عليه السّلام؟
3-حالة غياب الإمام المعصوم هل هي حالة صحية؟
4-هل قضية الإمام المهدي عليه السّلام هي ضرورة في الفكر الديني؟
5-ما هو رأي علماء السنة في الإمام المهدي عليه السّلام؟
6-ما هو عدد أحاديث السنّة الشريفة في الإمام المهدي عليه السّلام؟
7-ما هي نظرية ابن خلدون في الإمام المهدي عليه السّلام؟
8-هل الإمام المهدي عليه السّلام من ولد الحسين أو من ولد الحسن عليهما السّلام؟
9-هل يعود الحسين عليه السّلام مع المهدي عليه السّلام؟
10-هل هناك لقاء مع الإمام المهدي عليه السّلام؟
ص: 10
بسم اللّه الرحمن الرحيم
سيكون موضوع حديثنا في هذه الليالي العشر من محرم الحرام(الحركة الإصلاحية من الحسين عليه السّلام إلي المهدي عليه السّلام دراسة في عناصر الاشتراك و التمايز في الأهداف و المناهج و النتائج)،لكننا قبل ذلك نحتاج إلي مجموعة مقدمات:
لا حظوا هذه الفقرات التي نقرؤها من دعاء الندبة و التي تشير إلي تجربة نوح،و إبراهيم،و موسي،و عيسي عليهم السّلام و هي قوله عليه السّلام:
«فبعض حملته في فلكك و نجيته و من آمن معه من الهلكة برحمتك،و بعض اتخذته لنفسك خليلا،و سألك لسان صدق في الآخرين فأجبته،و جعلت ذلك عليا، و بعض كلمته من شجرة تكليما و جعلت له من أخيه ردءا و وزيرا،و بعض أولدته من غير أب،و آتيته البينات و أيدته بروح القدس،و كل شرعت له شريعة،و نهجت له منهاجا و تخيرت له أوصياء مستحفظا بعد مستحفظ،من مدة إلي مدة،إقامة لدينك، و حجة علي عبادك...» (1)و هذا الدعاء المروي عن الإمام المنتظر عليه السّلام،و المروي برواية أخري عن الإمام الصادق عليه السّلام.
لا حظوا في مطلع هذا الدعاء تأكيدا علي الوحدة و الترابط و التسلسل التاريخي للأنبياء نبيا بعد نبي ثم الأئمّة إماما بعد إمام كأنهم كتلة واحدة و نور واحد،لا توجد هناك قضايا متعددة،و لا توجد هناك تجارب متضادة بل هي تجربة واحدة علي طول التاريخ،هي تجربة الأنبياء التي تقع ضمن خط التجربة البشرية.
ص: 11
و البشرية في الحقيقة هي عبارة عن جسد واحد،و كيان واحد،هذا سنقرؤه بشكل تفصيلي في وحدة المسارات،وحدة التأثيرات،وحدة توارث الأمم.
لا حظوا مثلا الإنسان كفرد له أعضاء(رجل،يد و ما شاكل ذلك)لكن ذلك بمجموعه يشكل إنسانا أسمه فلان بن فلان يعني يشكل كيانا واحدا.
هذا الصف جيد و هذا الصف غير جيد،المدرسة التي نذهب إليها هي في الحقيقة تعبّر عن شيء واحد،يقال هذه المدرسة موفقة أو غير موفقة أصبحت تكّون كيانا واحدا،رغم إنها تحوي علي عشرات الصفوف و مئات التلاميذ.
نتطور أكثر فنصل إلي القرية ثم إلي المدينة،ثم إلي الشعب.
نقول الشعب العراقي و الشعب الإيراني ممدوح أو مذموم رغم وجود ملايين من الناس هنا و هناك لكنهم أصبحوا كيانا واحدا اسمه(القرية و المدينة و الشعب).
هذا الأمر إذا توسعنا به بدراسة دقيقة نكتشف أن التاريخ واحد و البشرية واحدة مرتبطة من بدايتها إلي نهايتها.
و لهذا في دعاء الندبة نقرأ استعراضا للأنبياء باعتبارهم حلقة متصلة في سلسلة واحدة،هكذا نقرأ علي سبيل المثال:«فبعض أسكنته جنّتك يعني آدم عليه السّلام،و بعض حملته في فلكك يعني نوح عليه السّلام،و بعض كلّمته من شجرة يعني موسي عليه السّلام،و بعض أولدته من غير أب يعني عيسي عليه السّلام،إلي ان انتهيت بالأمر إلي حبيبك محمّد صلي اللّه عليه و آله».
لا حظوا هذا التسلسل لمدرسة واحدة،مجموعة أساتيذ في مدرسة واحدة،في جامعة واحدة الجامعة اسمها البشرية،الأساتذة أسماؤهم الأنبياء جامعة واحدة،حتي الأئمّة الأطهار عليهم السّلام أيضا نجد تسلسلا طبيعيا يمثل امتدادا لكيان واحد،و لهذا الناس يقولون التاريخ يعيد نفسه،في الحقيقة هم يشيرون إلي نظرية و من الصعب عليهم أن يكتشفوها و هي أن التاريخ واحد، في الحقيقة يعني البداية في نوح و إبراهيم و موسي و عيسي و نحن امتداد لها كالقطار مكوّن من مجموعة عربات...لكنه يمثل قطارا واحدا و كيانا واحدا.
ص: 12
لكن هذا القطار لماذا يسمونه واحدا،يوجد أناس يجلسون بالعربة الأولي و يوجد أناس يجلسون بالعربة العاشرة،لكنهم جميعا في قطار واحد، حركة التاريخ هكذا هي حركة واحدة.
الدين حركة واحدة،حين نصل إلي الدين الإسلامي.ماذا يقول القرآن الكريم يقول: مِلَّةَ أَبِيكُمْ إِبْراهِيمَ هُوَ سَمّاكُمُ الْمُسْلِمِينَ مِنْ قَبْلُ . (1)
يعني أنتم امتداد إلي إبراهيم عليه السّلام،أنتم لستم شيئا آخر،أنتم الأمّة الإسلامية نفس أمّة إبراهيم عليه السّلام،أنتم حلقة في مسلسل واحد، هُوَ سَمّاكُمُ الْمُسْلِمِينَ مِنْ قَبْلُ (2)و هو أبوكم هو سمّاكم إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللّهِ الْإِسْلامُ . (3)
و لهذا فالقرآن الكريم يقول: وَ إِذْ قالَ عِيسَي ابْنُ مَرْيَمَ يا بَنِي إِسْرائِيلَ إِنِّي رَسُولُ اللّهِ إِلَيْكُمْ مُصَدِّقاً لِما بَيْنَ يَدَيَّ مِنَ التَّوْراةِ وَ مُبَشِّراً بِرَسُولٍ يَأْتِي مِنْ بَعْدِي اسْمُهُ أَحْمَدُ . (4)
يعني تعرفون ماذا يريد عيسي أن يقول؟
يريد أن يقول:يا بني إسرائيل أنا لست شيئا جديدا أنا حلقة في الوسط،قبلي توراة موسي و أنا أصدق بالتوراة و بعدي سيأتي نبيّ أسمه أحمد لا حظوا مُصَدِّقاً لِما بَيْنَ يَدَيَّ مِنَ التَّوْراةِ وَ مُبَشِّراً بِرَسُولٍ يَأْتِي مِنْ بَعْدِي اسْمُهُ أَحْمَدُ . (5)
أنا امثل حلقة في هذا القطار،حلقة في هذه السلسلة،هذا معني نظرية وحدة التاريخ و وحدة الأديان الإلهيّة.
ص: 13
علي هذا الأساس ننزل إلي نظرية وحدة الأمّة الدينية.
نحن امّة الإسلام أيضا نمثل حلقة في سلسلة الأمم الدينية.
و لهذا فأن الروايات الثابتة تقول عن رسول اللّه صلي اللّه عليه و آله:«لتتبعنّ سنن من قبلكم شبرا بشبر و ذراعا بذراع حتّي لو دخلوا جحر ضبّ لتبعتموهم»قلنا:يا رسول اللّه اليهود و النّصاري؟قال:«فمن» (1)أنتم نسخة من الأمم السابقة و ليس شيئا جديدا نعم أنتم أكثر تكاملا.
من قبيل الطفل حينما يشب و يصبح شابا،هذا الشاب هو نفسه ذلك الطفل الأول و ليس شيئا أخر.
كان طفلا و الآن صار شابا و غدا حينما يكبر يصبح رجلا،هذا الرجل ليس شيئا آخر غير ذلك الشاب و غير ذاك الذي كان طفلا،صحيح هو نفسه لكنه الآن صار رجلا.
نحن الآن-الأمّة الإسلامية-نمثل امتدادا للأمم الدينية التي كانت قبلنا نحن امتداد لها و لهذا فان رسول اللّه صلي اللّه عليه و آله يقول:«لتتبعنّ سنن من كان قبلكم-كما عملوا تعملون أنتم نسخة منهم-شبرا بشبر و ذراعا بذراع حتي لو دخلوا جحر ضبّ لدخلتموه»، (2)يعني لو دخلوا في زاوية صغيرة و هكذا أنتم أيضا تشبهونهم تدخلون في تلك الزاوية الصغيرة تأكيدا علي وحدة الأمّة الدينية بل بالحقيقة وحدة البشرية.
هنا في الدنيا اختلاط بين الأمّة الدينية و الأمّة اللادينية،أمّا يوم القيامة هو يوم التمايز هناك يصير فريق في الجنّة و فريق في السعير،هناك الأمّة
ص: 14
الدينية تذهب إلي الجنة و الأمّة اللادينية تذهب إلي النار،و لهذا فانّ يوم القيامة يسمي يوم التمايز وَ امْتازُوا الْيَوْمَ أَيُّهَا الْمُجْرِمُونَ . (1)
أمّا في الدنيا فأن كل الأمّم تمثل شيئا واحدا اسمه البشرية،كلهم يمثلون طلابا في مدرسة واحدة علي أن مناهج هذه المدرسة تختلف لكن بالنتيجة كلهم يقال لهم يا بني آدم.
هذه هي نظرية وحدة الأديان الإلهية و امتداد بعضها للبعض الأخر.
في هذه المقدمة نريد أن نكتشف مسألة أخري و هي أن حركة الإمام المهدي عليه السّلام تمثل امتدادا لحركة الحسين عليه السّلام و ليست شيئا آخر،أو منهجا آخر،و إنما هي امتداد لنفس الأهداف،و امتداد لنفس المنهج مع الفرق في الحجم.
ثورة الإمام المنتظر عليه السّلام ثورة شمولية عالمية و بهذا امتازت عن ثورة الحسين عليه السّلام في بعض ما امتازت به.
المهدي عليه السّلام يمثل امتدادا للحسين عليه السّلام،و حركة الإمام المهدي عليه السّلام تمثل امتدادا لحركة الإمام الحسين عليه السّلام.
نحن في هذه الليالي،ليالي عاشوراء في الوقت الذي ندرس حركة الحسين عليه السّلام نحاول أن نصل في كل ليلة إلي حركة الإمام المهدي عليه السّلام و نكشف عناصر التمايز و الاشتراك بين الثورتين.
مجتمع المهدي كيف يكون؟
ظهور المهدي عليه السّلام كيف يكون؟
النتائج كيف تكون؟
ص: 15
هذا بحث واسع قد يستغرق عشرات الليالي،لكننا نحاول أن نوجز هذا الحديث بنقاط مهمة.
في المقدمة نريد أن نقول في هذه الليلة،إن حركة الإمام المهدي عليه السّلام ليست علي خلاف القاعدة بل هي الامتداد الطبيعي للحركة الإصلاحية التي قادها الأنبياء، و مارسها رسول اللّه صلي اللّه عليه و آله،و مارسها عليّ عليه السّلام،و مارسها الحسين عليه السّلام.
حركة الإمام المهدي عليه السّلام هي امتداد لتلك الحركة الإصلاحية وفق القاعدة و ليست استثناءا،بل نحن الآن في زمن الغيبة نمثل حالة الاستثناء، زمن الظهور هو الذي يمثل القاعدة،الآن نحن في حالة مرضيّة،و ليس في حالة صحية يعني ماذا؟هذه أفكار أنتم تقرؤونها و تسمعونها و لكن بمصطلحات أخري.نحن الآن في زمن الغيبة و ماذا يعني زمن الغيبة؟
زمن غيبة الإمام المنتظر المعصوم عليه السّلام،هل هو زمان طبيعي وفق القاعدة التي رسمها اللّه تعالي أو هو استثناء للقاعدة؟
الجواب:هو حالة استثناء.
الحالة الصحيحة و الصحيّة هي أن كل أمّة لها إمام،و لكن إذا غاب إمامها فأن هذه حالة غير صحيّة،مثل مدرسة يغيب عنها المدير،و مثل صفّ يغيب عنه الأستاذ، هذه حالة صحية أو غير صحية؟هذا وفق القاعدة أو استثناء؟صف بلا معلم؟جامعة بلا مدير؟نحن الآن في زمان أمّة بلا إمام ظاهر،و أمّة بلا إمام ظاهر يعني حالة استثناء، حالة مرضيّة،و لهذا نحن نطمح أن نصل إلي الحالة الصحية،إلي حالة ظهور الإمام، و لهذا نعتبر زماننا زمان الغيبة هو زمان مرض.
و لهذا نقرأ في أدعية شهر رمضان:«اللهمّ إنا نشكو إليك فقد نبينا و غيبة وليّنا»، (1)إذن هذه مشكلة و بالحقيقة هذا مرض،هذا ألم،هذه حالة غير صحية،و لو كانت حالة6.
ص: 16
صحية لماذا نشكوها إلي اللّه تعالي؟«اللهم إنا نشكو إليك فقد نبينا و غيبة ولينا»نحن الآن في حالة الغيبة،الحالة الطبيعية هي حالة ظهور الإمام المعصوم و ممارسته لدوره القيادي في الأمّة أمّا حيث يكون غائبا مثل جيش بلا قائد،أو جامعة بلا عميد،أو مدرسة بلا مدير،أو شعب بلا رئيس،و هذه حالة غير صحيحة،القاعدة الصحيحة أن يكون للأمّة إمام،إذن نحن نتجه الآن نحو الحالة الصحية و هي حالة ظهور الإمام المعصوم عليه السّلام و لهذا تجدون الروايات عن رسول اللّه صلي اللّه عليه و آله هكذا تقول:
«كيف أنتم إذا نزل ابن مريم فيكم و إمامكم منكم»، (1)روايات بطريق السنة و الشيعة تتحدث عن الحالة العظيمة الصحية جدا عن المسلمين تقول:
سوف يأتيكم يوم ينزل عيسي بن مريم من السماء و لكن أنتم أيها المسلمون في قمة الحالة الصحيّة«و إمامكم منكم»الآن أنتم في غيبة الإمام لكن في زمن ظهور إمامنا المعصوم و حيث ينزل عيسي بن مريم كما تقول الروايات و كما سوف نبحثه و نقرؤه في ليالي أخر،ينزل عيسي ابن مريم من السماء ليصلي خلف إمامنا المهدي عليه السّلام في بيت المقدس.
عن رسول اللّه صلي اللّه عليه و آله:«كيف بكم إذا نزل فيكم عيسي بن مريم و إمامكم منكم»هذه حالة صحية يتحدث عنها رسول اللّه صلي اللّه عليه و آله و يعطينا بشارة.
هذا معناه أن الإمام المهدي يمثل امتدادا للنّبوات و يمثل الحالة الصحية للكيان البشري و للمجتمع الإنساني و إنه عليه السّلام يمثل عميدا لهذه الجامعة،و امتدادا للأساتذة الذين كانوا قبله.
هذا الأمر و هذه النظرية هي ما يذكره الإمام المنتظر عليه السّلام حين يظهر في مكّة المكرمة في أوّل خطاب سياسي له.
ص: 17
أنا أقرء لكم الآن رواية حتي تعرفوا لماذا هذا التأكيد:
الرواية تقول عن الإمام الباقر عليه السّلام:«و القائم يومئذ بمكّة عند الكعبة مستجيرا بها يقول:أنا ولي اللّه أنا أولي باللّه و بمحمّد صلي اللّه عليه و آله فمن حاجّني في آدم فأنا أولي الناس بآدم،و من حاجّني في نوح فأنا أولي الناس بنوح،و من حاجّني في إبراهيم فأنا أولي الناس بإبراهيم،و من حاجّني في محمّد فأنا أولي الناس بمحمّد،و من حاجّني في النبيين فأنا أولي الناس بالنبيين إن اللّه تعالي يقول: إِنَّ اللّهَ اصْطَفي آدَمَ وَ نُوحاً وَ آلَ إِبْراهِيمَ وَ آلَ عِمْرانَ عَلَي الْعالَمِينَ* ذُرِّيَّةً بَعْضُها مِنْ بَعْضٍ وَ اللّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (1)فأنا بقية آدم،و خيرة نوح،و مصطفي إبراهيم،و صفوة محمّد ألا و من حاجّني في كتاب اللّه فأنا أولي الناس بكتاب اللّه،ألا و من حاجّني في سنة رسول اللّه فأنا أولي الناس بسنّة رسول اللّه و سيرته و انشد اللّه من سمع كلامي لمّا يبلّغ الشاهد الغائب.
فيجمع اللّه له أصحابه ثلاثمائة و ثلاثة عشر رجلا فيجمعهم اللّه علي غير ميعاد قزع كقزع الخريف،ثم تلا هذه الآية: أَيْنَ ما تَكُونُوا يَأْتِ بِكُمُ اللّهُ جَمِيعاً فيبايعونه بين الركن و المقام،و معه عهد رسول اللّه صلي اللّه عليه و آله قد تواترت عليه الآباء فإن أشكل عليهم من ذلك شئ فان الصوت من السماء لا يشكل عليهم إذا نودي باسمه و اسم أبيه». (2)
لا حظوا استعراضا لطيفا و ملفتا للنظر.
الإمام يريد أن يقول إن ثورتي و حركتي هي حركة آدم،هي حركة نوح،هي حركة إبراهيم،هي حركة موسي،هي حركة عيسي،هي حركة رسول اللّه،هي حركة الأنبياء،هي حركة عليّ،هي حركة الحسين،أنتم بماذا تحاجونني؟أنا أولي بكم من ذلك،أنتم بماذا تتقدمون عليّ؟أنا بالحقيقة خلاصة تلك التجربة المدرسية،خلاصة هؤلاء الأساتذة في الجامعة البشرية،أنا أمثل خلاصتهم.5.
ص: 18
هذا المعني أنتم تقرؤنه في زيارة الإمام الحسين عليه السّلام و لكن قد لا ينتبه الإنسان إليه«السلام علي آدم صفوة اللّه...السلام علي نوح نبي اللّه...السلام علي إبراهيم خليل اللّه...السلام علي موسي كليم اللّه...»استعراض للأنبياء واحدا بعد واحد،كأنهم مدرسة واحدة،ثم يصل إلي الحسين عليه السّلام،«السلام عليك يا وارث آدم صفوة اللّه،يا وارث نوح نبي اللّه،يا وارث إبراهيم خليل اللّه،يا وارث موسي كليم اللّه،يا وارث عيسي روح اللّه،يا وارث محمّد حبيب اللّه».
هذا الاستعراض يريد أن يقول شيئا،يريد أن يقول أن الإمام المنتظر المهدي عليه السّلام يمثل آخر أستاذ في هذه الجامعة البشرية التي شارك في تربيتها الأنبياء،نبيا بعد نبي،الإمام المهدي عليه السّلام يمثل آخر أستاذ في حلقة هذه البشرية،و هذا معني عظيم جدا.
أنتم الآن بعد ألف و أربعمائة سنة أو أكثر من ذلك من بعثة النبي صلي اللّه عليه و آله، و بعد ألفين سنة من نبوة عيسي عليه السّلام،و بعد ألفين و خمسمائة سنة من نبوة موسي عليه السّلام،لكن أنتم الآن تستشعرون إنكم طلاب في نفس الصف و في نفس المدرسة التي شارك بها موسي و عيسي و إبراهيم و نوح و آدم أبدا لا يوجد فرق كما لو كانوا موجودين بيننا.
و القرآن هو حصيلة المناهج الدراسية لأولئك الأنبياء عليهم السّلام،هو قمة تلك المناهج الدراسية،و لهذا فأن الإمام المنتظر أوّل ما يظهر يقول للناس:
أيها الناس من أراد أن يحاجّني بآدم أنا أولي بآدم،و بنوح كذلك، و بإبراهيم كذلك،و بموسي كذلك.
هذه أوّل خطبة لإمامنا المنتظر عليه السّلام و سوف نتناول في ليالي أخر خطب الإمام المنتظر عليه السّلام و دلالاتها ثم مسير الإمام المنتظر و كيف يأتي إلي العراق،يأتي إلي الكوفة إلي النجف،كم يستغرق هذا،مدة حكم الإمام،كم سنة تكون دولة الإمام المهدي؟هذا كله نستعرضه بإذن اللّه تعالي في الليالي الآتية.
ص: 19
ننتقل إلي مقدمة ثالثة في حديثنا هذه الليلة و هي مقدمة مهمة،إن قضية الإمام المهدي عليه السّلام تمثل ضرورة في الفكر الإسلامي.
أوّلا:معني ضرورة في المصطلح الإسلامي؟
ثانيا:استعراض لبعض الأقوال و الآراء في ذلك.
نحن نعتقد أن قضية الإمام المهدي تمثل ضرورة في الفكر الإسلامي و ليس الشيعي فقط،بل في الفكر الشيعي و الفكر السني،تمثل ضرورة فكرية و ليست رؤية اجتهادية،هذا الأمر يجعلني أنقلكم إلي تعريف ما هي الضرورات و ما هي الاجتهادات في الفكر الإسلامي.
توجد قضايا ضرورية يعني بديهية،و توجد قضايا اجتهادية يعني تقبل الاجتهاد في النفي و الإثبات،مثلا في مجال الأحكام الشرعية فأن وجوب الصلاة يعتبر ضرورة من ضرورات الإسلام.
يعني غير قابل للشك،وجوب الصوم كذلك،و في مجال الاعتقادات نجد أنّ التوحيد كذلك،و النبوة كذلك،هذه ضرورة من ضرورات الإسلام.
و هناك قضايا اجتهادية يمكن أن تتعدد فيها الاجتهادات.
علي سبيل المثال فأن حكم الربا هو ضرورة (وَ أَحَلَّ اللّهُ الْبَيْعَ وَ حَرَّمَ الرِّبا (1)الربا حرام بالضرورة الإسلامية لكن حكم الشطرنج ليس كذلك فأن بعض الفقهاء يقول الشطرنج بدون قمار حلال،إذا كان بدون مقامرة و رهان،و بعض الفقهاء يقول الشطرنج حرام مطلقا سواءا كان به قمار،أو ليس به قمار تتراهن عليه هو حرام،علي كل حال هذه مسألة اجتهادية تخضع لاستنباط الفقهاء،يمكن لفقيه أن يستنبط الحرمة
ص: 20
المطلقة و يمكن لفقيه أن يستنبط الحرمة المشروطة،إذن صارت عندنا قضايا ضرورية و قضايا اجتهادية في التشريع الإسلامي.
أضرب لكم مثالا آخر من القضايا الاجتهادية في المعتقد الإسلامي.
هناك مسألة اسمها المعاد الجسماني و المعاد الروحاني،يعني ان المعاد ضرورة نحن نعتقد به و هو ضرورة من ضرورات الدين و إذا لم يؤمن الإنسان بيوم القيامة فأنه يخرج عن الإسلام.
أصل المعاد ضرورة من ضرورات الدين،لكن هذا المعاد هل هو معاد جسماني أم معاد روحاني.
يعني نحن نرجع بأجسامنا،نفس هذه الأجسام أو أجسام مثلها،أم هي أرواحنا تحشر يوم القيامة و لا توجد أجسام،لا توجد رجل و لا عين إنما توجد روح،هذه نظريات،توجد نظرية تقول بالمعاد الجسماني،يعني نفس جسم الإنسان يرجع يوم القيامة،هذه المسألة أين ندخلها؟
هذه المسألة تدخل في القضايا الاجتهادية،أنت عالم دين،أنت مفكر إسلامي تبحث و يمكن أن تعتقد بالمعاد الجسماني أو تعتقد بالمعاد الروحاني،هذه قضية اجتهادية خاضعة للبحث،أمّا أصل المعاد فليس قضية اجتهادية بل قضية ضرورية، التوحيد قضية ضرورية،النبوة قضية ضرورية،خاتمية الإسلام قضية بديهية و ضرورية، يعني اليوم لا يستطيع إنسان أن يقول جاء دين جديد غير دين الإسلام،نقول هذا كفر، الإسلام هو الدين الخاتم،و نبينا لا نبي بعده،هذه القضية من القضايا الضرورية التي يتفق عليها المسلمون بلا مناقشة،«لا نبي بعدي»هذه نسميها ضرورة.
نعم من الممكن أن تتم عملية تلاعب من قبل منحرفين،مثلا يذكر التاريخ-و ربما ذلك علي سبيل الطريفة و الأسطورة-يوما ما شخصا اسمه
ص: 21
(لا)ادعي النبوة،قالوا له الحديث يقول:«لا نبي بعدي».قال:نعم أنا المقصود بذلك يعني أنا(لا)نبي بعد رسول اللّه صلي اللّه عليه و آله.
يذكر التاريخ-ربما علي سبيل الطريفة-أنّ امرأة ادّعت النبوة،امرأة قالت أنا نبية قيل لها الحديث يقول«لا نبي بعدي»،قالت صحيح الحديث يقول لا نبي بعدي و لكن الحديث لم يقل لا نبية بعدي،و أنا نبية و لست نبيا!!هذا تلاعب،أمّا أصل الفكرة«لا نبي بعدي»فهي قضية ضرورية في الإسلام يعني لا يمكن أن يأتي بعد عشر سنوات أو مئة سنة أو ألف سنة قائل يقول أنا نبي و أنا امتداد لرسول اللّه صلي اللّه عليه و آله،نقول هذا خروج علي ضرورات الفكر الإسلامي،و منها خاتمية الإسلام.
و الآن بعد أن بيّنا الفرق بين القضايا الضرورية و القضايا الاجتهادية نقول إن قضية الإمام المهدي عليه السّلام تمثل ضرورة في الفكر الإسلامي،يعني كل المسلمين يعتقدون بفكرة الإمام المهدي عليه السّلام الشيعة و السنة،إذا لا يوجد فرق بيننا و بين السنة و ان كان ثمة فرق فهو فرق في تفاصيل مهمة جدا سوف نتناولها بالحديث.
في الإطار العام فأن أبناء السنّة يتفقون معنا علي قضية الإمام المهدي عليه السّلام فقضية المهدي تمثل ضرورة في الفكر الإسلامي،سواء علي مستوي السّنة أو علي مستوي الشيعة.
أنا اليوم أقرأ لكم بعض الأقوال ليست من مصادرنا الشيعية و إنما من مصادر أبناء العامة حتي نعرف أن قضية الإمام المهدي عليه السّلام هي قضية علي مستوي الضرورة في الفكر الإسلامي.
لا حظوا هذا الكتاب(علامات القيامة الكبري) (1)هذا الكتاب لفقيه من أئمّة الجامع الأزهر الإمام الداعية الشيخ محمّد متولي الشعراوي توفي قبل سنوات و يعتبر مجددا و يعتبر إماما من أئمّة المذاهب السنّية،و هذا الكتاب كتاب حديث و ليس كتاباي.
ص: 22
قديما لاحظوا أن هذا العالم السني و المجدد يستعرض تحت عنوان عقيدة أهل السنة في المهدي المنتظر مجموعة كلمات لعلماء من كبار السنة تؤكد أن قضية الإمام المهدي ضرورة في الفكر الإسلامي.
يقول أبو الحسن محمّد بن الحسين في كتاب المناقب للشافعي:«قد تواترت الأحّبار و استفاضت عن الرسول صلي اللّه عليه و آله بذكر المهدي عليه السّلام و أنه من أهل بيته و أنه يملك سبع سنين».
يملأ الأرض عدلا و إن عيسي يخرج فيساعده علي قتل الدجال،و إنه يؤم هذه الأمّة،و يصلي عيسي خلفه،هذا الكلام لمناقب الشافعي ينقله عنه الشيخ الشعراوي.
يقول أيضا قال ابن حجر في كتابه(القول المختصر):«الذي يتعين اعتقاده ما دلت عليه الأحاديث الصحيحة من وجود المهدي المنتظر عليه السّلام الذي يخرج الدجال و عيسي في زمانه،و يصلي عيسي خلفه».
و قال السفراييني:«و قد كثرت الروايات بخروجه-يعني الإمام المهدي-حتي بلغت حد التواتر المعنوي،و يشاع ذلك بين علماء السنة حتي عدّ من معتقداتهم».يعني قضية الإمام المهدي من معتقدات السنة ليس فقط الشيعة.ثم يقول:«فالإيمان بخروج المهدي واجب كما هو مقرر عند أهل العلم و مدوّن في عقائد أهل السنة و الجماعة»ثم ينقل الشيخ الشعراوي كلمات كثيرة لعدد من العلماء السنة في أن قضية الإمام المهدي جزء من المعتقدات الإسلامية الضرورية التي لا يجوز التشكيك فيها.
هذا المعني ثابت عندنا إسلاميا سواءا عند الشيعة أو عند أهل السنة و لهذا عندنا روايات تقول:«من أنكر المهدي من ولدي فقد كذّب بي أو فقد أنكرني»هذه رواياتنا عن رسول اللّه صلي اللّه عليه و آله أنه قال:«من أنكر القائم من ولدي فقد أنكرني». (1)3.
ص: 23
قد يسأل أحد و يقول لماذا احتلت قضية الإمام المهدي عليه السّلام هذا الحجم الكبير بحيث من ينكر الإمام المهدي عليه السّلام ينكر رسول اللّه صلي اللّه عليه و آله؟
لا حظوا هذا تأكيد علي أن مسيرة الأنبياء واحدة،كيان واحد،و الذي لا يصدق بالأخير لا يصدق بالأوّل.
أيضا سنتناول هذا الموضوع،لماذا احتلت قضية الإمام المهدي عليه السّلام هذا الاهتمام حتي صار«من أنكر القائم من ولدي فقد أنكرني»هذا يعني أنّ الإيمان بالرسول صلي اللّه عليه و آله يلزمه الإيمان بالمهدي،و الإيمان بالمهدي هو امتداد للإيمان برسول اللّه صلي اللّه عليه و آله.
أمّا الأحاديث فهناك مئات الأحاديث بلغ بها بعض علمائنا إلي(ستة آلاف حديثا) (1)و لكن حينما نتحدث عن الروايات لدي أهل السنة أيضا نجد أنهم نقلوا مئات الروايات،في كتاب واحد لصاحب كتاب كنز العمال توجد (274)رواية في الإمام المهدي عليه السّلام هذا في كتاب واحد و إذا أردنا أن نستعرض مجموعة الكتب سوف نجد شيئا كثيرا جدا.
أحد علماء النجف الأشرف المعاصرين و هو العلامة الشيخ محمّد أمين زين الدين له كتاب (2)في الإمام المهدي عليه السّلام يذكر إحصائية بسيطة، لكن من المفيد أن تطلعوا عليها يقول:
هناك أربعون حديثا أخرجها الحافظ أبو نعيم من علماء الحديث عند أبناء العامة،و ثمانية و ثلاثون حديثا ذكرها ابن خلدون.
ص: 24
و سبعون حديثا أخرجها الحافظ محمّد بن يوسف الكنجي،و مائة و عشرة أحاديث رواها صاحب كتاب كشف المخفي في مناقب المهدي.
إذن هذه مئات الأحاديث ثم ينقل أسماءا لخمسين صحابيا من صحابة الرسول ذكروا حديث المهدي ثم يذكر خمسين تابعيا-تابعي يعني الجيل الذي جاء بعد النبي صلي اللّه عليه و آله-،خمسون صحابيا يروي حديث الإمام المهدي عليه السّلام و خمسون تابعيا يروي أيضا حديث الإمام المهدي عليه السّلام،الأمر الذي يجعل القضية بدرجة من الوضوح و اليقينية أنها صارت عند الفكر الإسلامي لدي الشيعة و السنة من القضايا الضرورية التي يجب الاعتقاد بها.
سوف نناقش ابن خلدون في محاضرة لا حقة،ابن خلدون في الوقت الذي يذكر ثمانية و ثلاثين رواية في الإمام المهدي عليه السّلام و يتحدث بصحة بعضها من الناحية السنديّة،لكنه بعد ذلك يرفض فكرة الإمام المهدي لمجرد نظرية تحليلية عنده و حاول أن يحمّل الفكر الإسلامي اجتهاداته الشخصية. (1)
ص: 25
مثلا في قضية الإمام المهدي هو يذكر أن بعض الروايات الواردة في الإمام المهدي هي روايات صحيحة لكن بعد ذلك و استنادا إلي نظرية شخصية لديه في علم الاجتماع يقول فيها إن تأسيس الدولة يحتاج إلي عصبية،و أهل البيت ليس لديهم عصبية،فإذا كان المهدي من ولد فاطمة من أهل البيت عليهم السّلام فهو ليس لديه عصبية،و إذا لم يكن لديه عصبية فهو لا يستطيع أن يشّكل دولة،إذن قضية الإمام المهدي ليست صحيحة!بهذه الطريقة من الاستدلال!عجيب هذا الموقف،بعد أن ينقل روايات رسول اللّه صلي اللّه عليه و آله في الإمام المهدي يقول أنا اجتهادي في علم الاجتماع لا يجعلني أقبل أن إنسانا مثل الإمام المهدي عطوفا رؤوفا يحب المساكين يستطيع أن يشكل دولة،إن مثل هذا الإنسان لا يستطيع أن يشكل دولة!الدولة تحتاج إلي عصبية،و أهل البيت ليس لديهم عصبية،إذن لا يستطيعون أن يشكلوا دولة! هذا سوف نناقشه في ليلة من الليالي إن شاء اللّه.
هناك سؤال و هو لماذا احتلت قضية الإمام المهدي هذا الموقع الكبير بحيث أن من ينكره ينكر الإسلام و ينكر الرسول صلي اللّه عليه و آله كما قرأت لكم في روايات سابقة متفق عليها لدي الشيعة و السنة؟
الجواب:إنّ هذا أمر في غاية الأهمية،إننا نريد أن نقول أن الإسلام هو الذي يمثل نهاية الحضارات و ليس الحضارة الغربية،و إن الأمّة الإسلامية تمثل الأمّة الشاهدة و ليس الأمّة الغربية هي الشاهدة علي العالم.
إن الإسلام يمثل الرسالة الإلهية الخاتمة و لا توجد رسالة بعد الإسلام كالرسالة التي يبشر بها الغرب اليوم باسم الديمقراطية.
الغرب اليوم يبشر بنظريات شمولية كبري و مطلقة.
ص: 26
اليوم تعرفون ماذا يقول الغرب؟
الغرب يقول أنا أمثّل الأمّة الشاهدة علي العالم و ليس أنتم،أنا امثّل الأمّة القيّمة علي العالم هذا أوّلا.
ثانيا:الديمقراطية الغربية هي التي تمثل الحضارة الخاتمة، و الرسالة الخاتمة و ليس الإسلام،التقدم المدني الغربي الأمريكي بالذات هو الذي يمثل نهاية الحضارات و ليس الإسلام،هذا الأمر تماما علي خلاف رؤية الإسلام.
الفكر الإسلامي يقول شيئا آخرا،هذا الذي تعكسه نظرية و عقيدة الإمام المهدي،هذه العقيدة تريد أن تقول أن الأمّة الإسلامية هي الأمّة الشاهدة علي العالم،و أن الحضارة الإسلامية هي نهاية الحضارات،و أن الرسالة الإسلامية هي نهاية الرسالات،و أن رائد الحركة الإصلاحية في العالم ليس هم رؤساء الغرب إنما هم أئمّة الهدي من ولد فاطمة و أهل البيت عليهم السّلام كما تقول الروايات،هؤلاء هم روّاد الحركة الإصلاحية في العالم.
مسألة الإمام المهدي ليست مسألة هامشية،هي مسألة في عمق حركتنا كشعب من الشعوب،مسألة في عمق حضارتنا كرسالة من الرسالات الإلهية،بدون قضية الإمام المهدي عليه السّلام تكون الرسالة الإسلامية مبتورة،و مغلوبة،أو مقطوعة الذيل،هذه المخاطر ستتغلب عليها قضية الإمام المهدي عليه السّلام،الرسول صلي اللّه عليه و آله هو المبشر بهذه الرسالة و هذا الإمام المهدي الذي تقول الروايات بالإجماع أنه من ولد فاطمة عليها السّلام و من أهل بيتي،أسمه اسمي،يملأ الأرض قسطا و عدلا بعد ما ملئت ظلما و جورا،هذا هو الذي يكمّل مسيرة الرسالة الإلهية و يختمها علي الأمّة الإسلامية عموما و علي يد شيعة أهل البيت خصوصا كما سنتحدث عن ذلك مفصلا إن شاء اللّه تعالي.
ص: 27
إذن نحن الليلة نكون قد سجلنا مقدمات في بداية بحثنا عن الحركة الإصلاحية من الحسين عليه السّلام إلي المهدي عليه السّلام و في الليالي الآتية سوف نبحث أربعة عناصر اشتراك بين الحسين و المهدي عليهما السّلام،اشتراك في الشخصية أوّلا،و اشتراك في الأهداف ثانيا،و اشتراك في المنهج ثالثا،و اشتراك في التاريخ رابعا.
سوف تكتشفون قضايا هي بالنسبة لكم جديدة لم تسمعوا بها لكن هي في غاية الروعة و التجلية للنظرية،حينما تسمع مثلا أن أوّل من يخرج لنصرة الإمام المهدي عليه السّلام هو الإمام الحسين عليه السّلام، (1)و هو أوّل من يتولي الحكم بعده.ربما تكون هذه القضايا غير مسموعة لكم و بعضها قد شرحناه في نظرية الرجعة في محاضرات أخري، لكن رواياتنا هكذا تقول أن الحسين عليه السّلام يخرج و يعود و ينصر المهدي عليه السّلام حتي إذا اطمأنّ الناس حينئذ يموت إمامنا المهدي عليه السّلام و يأخذ الحركة و قيادتها الإمام الحسين عليه السّلام و تقول الرواية يمتد العمر بالحسين عليه السّلام حتي يقع حاجباه علي عينيه أي يصبح شيخا كبيرا،ثم يخرج الإمام علي عليه السّلام،ثم يخرج رسول اللّه صلي اللّه عليه و آله هذه نظرية الرجعة التي هي مكملة لنظرية الظهور.
علي كل حال اليوم فقط أشرت لكم إلي عناوين عناصر الاشتراك بين حركة الإمام الحسين عليه السّلام و حركة الإمام المهدي عليه السّلام و سوف نتحدث غدا إن شاء اللّه تعالي عن بعض النقاط تفصيليا.
ص: 28
حديثنا الليلة علي مستوي الإشارة العابرة لأن هذه الليلة هي ليلة تمهيد للبحث.
إن هناك اشتراكا في الشخصية يعني أن الثورة التي قادها الحسين عليه السّلام و الثورة التي يقودها المهدي عليه السّلام تشترك في شخصية القائد،ذلك هو الحسين عليه السّلام في كربلاء و هذه ثورة المهدي عليه السّلام يقودها الابن التاسع للحسين عليه السّلام،هكذا تقول الروايات عندنا بالاتفاق و عند السنة علي اختلاف في بعض الروايات عندهم أن المهدي من ولد الحسن عليه السّلام و بعض رواياتهم أنه من ولد الحسين عليه السّلام و لكن رواياتنا المشهورة تقول إنه من ولد الحسين عليه السّلام فهو التاسع من ولده.
هذا الأمر قد يحتاج إلي تأمل لماذا؟
ان الذي يقود الثورة العالمية هو الإمام المهدي عليه السّلام فهو يقود ثورة إصلاحية شمولية عالمية كما سنقف عند هذا الأمر.
لماذا صار قائد الثورة الإصلاحية الشمولية العالمية هو من ذرية الحسين عليه السّلام و هو امتداد جسمي للحسين عليه السّلام.
في الحقيقة هذا اشتراك في شخصية القيادة،هذا الأمر ينقلنا في ختام الحديث إلي علاقة عاطفية و وشائج قلبية قوية بين المهدي و الحسين عليه السّلام كما سوف نتحدث عنه فيما بعد و سوف أحدثكم في الليالي الآتية عن علماء التقوا بالإمام المهدي عليه السّلام،عن كيفية الانفتاح علي هذا الأفق،أفق اللقاء بالإمام عليه السّلام،أيضا سوف أحدثكم في ليالي لا حقة أن هناك عاطفة بين المهدي و الحسين عليهما السّلام،هذه العاطفة تجسدها قصة من القصص يرويها التاريخ و يذكرها خطباء المنبر الحسيني و قد سمعتها من أستاذنا في المنبر الشيخ شاكر القرشي و هو مؤرخ أيضا و عالم في التاريخ الإسلامي.
ص: 29
قصة لقاء السيد حيدر الحلي بالإمام المهدي عليه السّلام،السيد حيدر الحلي من شعراء الطف و كربلاء و الإمام الحسين عليه السّلام،و معروف بنظمه للشعر في الإمام الحسين عليه السّلام و نجما في سماء شعراء الطف الحوليين،أي الذين ينظمون قصيدة واحدة خلال السنة لكن هي من المعلّقات و من روائع القصائد و كان السيد حيدر الحلي إذا أكمل القصيدة يذهب و يلقيها عند ضريح الإمام الحسين عليه السّلام في كربلاء أوّلا،السيد حيدر هذه المرة نظم قصيدة معروفة من القصائد الخالدة و التي خلدته أيضا و هي قصيدة مطلعها:
اللّه يا حامي الشريعة أتقرّ و هي كذا مروعه
بك تستغيث و قلبها لك عن جوي يشكو صدوعه
تنعي الفروع أصوله و أصوله تنعي فروعه
إلي أن يقول:
ماذا يهيجك إن صبرت لوقعة الطف الفجيعه
هذه القصيدة من روائع القصائد في الإمام الحسين عليه السّلام.
السيد حيدر الحلي عندما سافر إلي كربلاء و كان السفر يستغرق أياما و ليالي مشيا علي الأقدام أو علي دابة،و عندما وصل إلي منطقة ليستريح في بستان من البساتين و إذا بأعرابي جاء إلي السيد حيدر و قال له يا سيد حيدر أنشدني القصيدة التي نظمتها أخيرا.
قلت له:أي قصيدة تقصد؟
قال:قصيدتك التي مطلعها:
اللّه يا حامي الشريعة أتقرّ و هي كذا مروعه
هنا اندهش السيد حيدر لأنه لم يطلع أحدا علي هذه القصيدة التي
ص: 30
ذكرها الأعرابي و لكنه تفاعل معه و سيطرت روح هذا الشخص العربي علي روح السيد حيدر الحلي فأصبح ينشده القصيدة حتي وصل إلي قوله:
ماذا يهيجك إن صبرت لوقعة الطف الفجيعه
يقول السيد حيدر هذا الشخص العربي بدأ بالبكاء و النحيب و أنا أقرء عليه:
ماذا يهيجك إن صبرت لوقعة الطف الفجيعه
أتري تجيء فجيعة بأمضّ من تلك الفجيعه
حيث الحسين علي الثري خيل العدي طحنت ضلوعه
يقول السيد حيدر:أنا أقرأ الأبيات و غافل عن المشهد كيف كان، و هذا السيد الأعرابي إلي جانبي ينحب بالبكاء من عسي أن يكون!؟ثم قرأت:
و رضيعه بدم الوريد مخضب فأطلب رضيعه
يقول السيد حيدر:التفت هذا الأعرابي و قال:يا سيد حيدر كفي،ليس عندي إجازة للخروج أنا منتظر الإجازة،إنا للّه و إنا إليه راجعون.
اللهم اغفر لنا واعف عنا و تجاوز عن سيئاتنا اللهم اجعل محيانا محيي محمّد و آل محمّد و مماتنا ممات محمّد و آل محمّد و عجّل فرجهم و احشرنا في زمرتهم و اجعلنا من المستشهدين بين أيديهم.
و الحمد للّه رب العالمين
***
ص: 31
ص: 32
ص: 33
11-ما هو هدف حركة الإمام المهدي عليه السّلام؟
12-من أين تبدأ الانطلاقة الأولي لحركة الإمام؟
13-هل يأتي الإمام بدين جديد؟
14-لماذا لم ترد الإشارة الصريحة في القرآن إلي قضية الإمام المهدي عليه السّلام؟
15-حركة الإمام هل هي حركة ثورية؟
16-ما هي مدة حكم الإمام المهدي عليه السّلام؟
17-ما هو تفسير الإصرار القرآني علي قضية الإمام المهدي عليه السّلام؟
18-من هم خلفاء الإمام المهدي عليه السّلام؟
19-ما هو دور النجف و الكوفة في زمن الإمام المهدي عليه السّلام؟
20-ما هي أوّل أمّة تلتحق بالإمام عليه السّلام؟
21-ما هي المعالم الأربعة لحركة الإمام المهدي عليه السّلام؟
ص: 34
بسم اللّه الرحمن الرحيم
نحاول في هذه الليلة أن نعقد مقارنة بين الخطاب السياسي للإمام الحسين عليه السّلام و الخطاب السياسي للإمام المهدي عليه السّلام حيث سنلاحظ وجود تقارب بل تطابق في الخطوط العريضة لهذين الخطابين.
لمّا ورد إمامنا الحسين كربلاء في اليوم الثاني من محرم الحرام خطب أصحابه و أهل بيته قائلا: (1)
«اللهمّ إنا عترة نبيك قد أخرجنا و طردنا و أزعجنا عن حرم جدنا و تعدتّ بنو أمية علينا،اللهمّ فخذ بحقنا و انصرنا علي القوم الظالمين».
ثم قال عليه السّلام:«الناس عبيد الدنيا و الدين لعق علي ألسنتهم يحوطونه ما درّت به معائشهم فإذا محصّوا بالبلاء قلّ الديّانون».
ثم قال:«أمّا بعد فقط نزل بنا من الأمر ما قد ترون و أن الدنيا قد تغيرت و تنكرت و أدبر معروفها و لم يبق منها إلاّ صبابة كصبابة الإناء و خسيس عيش كالمرعي الوبيل».
و قال عليه السّلام:«ألا ترون إلي الحق لا يعمل به و إلي الباطل لا يتناهي عنه ليرغب المؤمن في لقاء اللّه ألا و إني لا أري الموت إلاّ سعادة و الحياة مع الظالمين إلاّ برما».
هذا الخطاب في أوّل تصريح رسمي للإمام الحسين عليه السّلام حينما دخل أرض كربلاء يتألف من ثلاثة مقاطع:
ص: 35
المقطع الأوّل:التظلم،و بيان ظلامة الحقّ،و ظلامة أهل البيت«اخرجنا و طردنا عن حرم جدنا».
المقطع الثاني:تقييم الواقع الاجتماعي،تقييم الدنيا«الناس عبيد الدنيا».
المقطع الثالث:الانتصار للحقّ«ليرغب المؤمن في لقاء اللّه».
هذه ثلاثة مقاطع تضمنها خطاب الحسين عليه السّلام أوّل وروده إلي كربلاء.
العجيب أن هذا الخطاب بهذه المقاطع الثلاثة و بعبارة مقاربة جدا نجده يصدر من الإمام الحجة المنتظر عليه السّلام لدي أوّل ساعة خروجه في مكّة المكرمة.
هذا المضمون بعبارات قد تجدها نفس العبارات و بنفس الأفكار، إمامنا المنتظر عليه السّلام يوم خروجه في مكّة المكرمة و قد أسند ظهره إلي البيت يخطب الناس و قد هبط عليه جبرائيل و قال له أمدد يدك أبايعك فيكون أوّل من يبايعه جبرائيل مع أربعة آلاف من الملائكة. (1)
إمامنا المنتظر عليه السّلام خطب نفس خطاب الحسين عليه السّلام من حيث المقاطع و المضمون و حتي من حيث العبارة اسمعوا إلي خطاب إمامنا المنتظر عليه السّلام ساعة خروجه.
«أيها الناس إنّا أهل بيت نبيكم و قد أخفنا و ظلمنا و طردنا من ديارنا و بغي علينا و دفعنا عن حقنا و افتري أهل الباطل علينا»، (2)هذا
ص: 36
هو المقطع الأوّل هو التظلم و بيان الظلامة هو نفس المقطع الذي ذكره الإمام الحسين عليه السّلام.
إمامنا الحسين عليه السّلام هكذا قال:«و أن الدنيا قد تغيرت و تنكرت و أدبر معروفها و لم يبق منها إلاّ صبابة».
ص: 37
الإمام المنتظر عليه السّلام مثل هذا المعني يذكره أيضا في المقطع الثاني من خطابه حيث يقول:
«فإن الدنيا قد دنا فناؤها و زوالها،و آذنت بالوداع». (1)
يقول عليه السّلام:«و إني أدعوكم إلي اللّه و إلي رسوله و العمل بكتابه و إماتة الباطل و إحياء السنة» (2)و هذا هو نفس ما ذكره إمامنا الحسين عليه السّلام حين قال:
«ألا ترون إلي السنّة قد أميتت،و إلي البدعة قد أحييت...».
هذا التلاقي و التقارب في الخطاب السياسي للإمامين يوضح نقطة اشتراك مهمة.
يوم أمس أشرنا إلي أن هناك اشتراك بين الثورتين و الحركتين علي مستوي الأهداف أوّلا،و علي مستوي المناهج ثانيا و علي مستوي الشخصية القائمة بالثورة ثالثا و علي مستوي التاريخ و المسار التاريخي رابعا.
اليوم نقف عند فقرة الاشتراك الكبير في الأهداف،هذه أهداف الإمام المنتظر عليه السّلام و تلك أهداف الإمام الحسين عليه السّلام.
اسمحوا لي،أن أقرأ لكم الرواية بنصها كما جاءت بكتبنا التاريخية.
هكذا تقول الرواية:عن الإمام الصادق عليه السّلام:
ص: 38
«إذا أذن اللّه عز و جل للقائم في الخروج،صعد المنبر،و دعا الناس إلي نفسه و ناشدهم باللّه و دعاهم إلي حقّه،و أن يسير فيهم بسيرة رسول اللّه صلي اللّه عليه و آله و يعمل فيهم بعمله،فيبعث اللّه جل جلاله جبرئيل عليه السّلام حتّي يأتيه فينزل علي الحطيم-الحطيم أحد جدران الكعبة الأربعة بمعني تتحطم عنده الذنوب-.
ثم يقول له:إلي أي شيء تدعو؟
فيخبره القائم عليه السّلام فيقول جبرئيل عليه السّلام:أنا أوّل من يبايعك ابسط يدك،فيمسح علي يده،و قد وافاه ثلاثمائة و بضعة عشر رجلا فيبايعونه». (1)
لا حظوا أصحاب الإمام المنتظر عليه السّلام،هناك قادة الألوية و هم ثلاثمائة و ثلاثة عشر و هناك جنود و هم الآلاف المؤلفة من شيعته.
يلتحق به أوّلا قادة الألوية الثلاثمائة و ثلاثة عشر،«و قد وافاه ثلاث مئة و بضعة عشر رجلا فيبايعونه و يقيم بمكّة-يبقي إمامنا بمكّة-«حتي يتم أصحابه عشرة آلاف أنفس ثم يسير إلي المدينة المنورة». (2)
إنّ أوّل انطلاقة للإمام المنتظر عليه السّلام تكون من المدينة،لكن دون أن يعلن الثورة،تماما مثل حركة الحسين عليه السّلام،الحسين أوّل ما خرج من المدينة المنورة لم يعلن الثورة.
الثورة أين أعلنها الحسين؟أعلنها في مكّة.
إمامنا المنتظر عليه السّلام،أوّل ما يظهر في المدينة ثم يرحل من8.
ص: 39
المدينة لأسباب، (1)يرحل إلي مكّة،و في مكّة يعلن الثورة و قد أسند ظهره إلي البيت الحرام و يبايعه جبرائيل و يلتحق به أصحابه ثم يعود إلي المدينة لتحريرها من جيش السفياني،و قد اجتمع له عشرة آلاف من أصحابه.
ما هو الهدف الأصلي لحركة الإمام المهدي عليه السّلام؟
هو تجديد الإسلام و إحياء هذه الرسالة الإلهية الخاتمة،حتي يكون الإسلام عالميا هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدي وَ دِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَي الدِّينِ كُلِّهِ، (2)علي كل الأديان و المذاهب و الحضارات و السياسيات وَ لَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ.
ص: 40
الروايات تقول (1)إن هذه الآية ما جاء تأويلها بعد و إذا قام قائمنا جاء تأويلها بمعني أن إمامنا المنتظر عليه السّلام يطبّق حينئذ قوله تعالي: لِيُظْهِرَهُ عَلَي الدِّينِ كُلِّهِ وَ لَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ.
تجديد الإسلام هو خلاصة هدف حركة إمامنا المنتظر عليه السّلام و هي نفسها خلاصة الهدف لحركة إمامنا الحسين عليه السّلام.
تقول:«يأتي بكتاب جديد».
و بعض الباحثين تصوّر أن الإمام المهدي عليه السّلام:«يأتي بدين جديد غير الإسلام و غير القرآن و غير سنّة رسول اللّه صلي اللّه عليه و آله».
الحقيقة أن الإمام المنتظر عليه السّلام يأتي بالإسلام جديدا و هو نفس الإسلام،لكن بعد أن هجره الناس و جهلوه يبدو لهم جديدا،فالأهداف إحياء نفس الإسلام و لأن ذلك أمر قد غفل عنه الناس فهم يحسبون أن هذا الدين جديد.
أنا بهذا الصدد أقرأ لكم روايات حتي تعرفوا أن المقصود ليس هو دين جديد و إنما المقصود هو نفس الإسلام (1)الذي مرت عليه قرون و قرون و ابتعد عنه الناس وضاعت بعض أحكامه،و الإمام يأتي ليجدد هذا الدين.».
ص: 42
رواية عن الإمام عليّ عليه السّلام يقول:«و اللّه لكأني أنظر إليه بين الركن و المقام يبايع الناس علي كتاب جديد علي العرب شديد.ويل طغاة العرب من شر قد اقترب». (1)
هذه الرواية تصّور بعض الكتّاب أنها إشارة إلي دين جديد،إنها إشارة إلي كتاب جديد،بينما بالتأكيد ليس الأمر كما تصور هؤلاء،فإن الثابت في عشرات الأحاديث الأخري انه يحيي نفس هذا الدين سنّة رسول اللّه صلي اللّه عليه و آله،لكن يحسبه الناس أمرا جديدا و بهذا كانت أوّل كلمة و أوّل خطاب للإمام المنتظر عليه السّلام يدعو الناس فيه لأن يسير بسيرة رسول اللّه صلي اللّه عليه و آله.
إذن الإمام لا يأتي بدين جديد و إنما يقوم بأحياء نفس الإسلام.
الحقيقة أن حركة الإمام المنتظر هي ثورة إصلاحية شمولية عالمية.
1-أنها ثورة كما أن حركة الحسين عليه السّلام هي ثورة،و معني ثورة أنها عملية تغيير جذري.
لاحظوا الإنسان حين يؤسس مؤسسة خيرية لا يقال هذا قام بثورة.
حين يبني مستشفي لا يقال هذا قام بثورة.
حين يؤلف كتابا لا يقال قام بثورة.
حتّي و هو يؤسس دولة أيضا لا يقال قام بثورة.
لكن إذا أحدث عملية تغيير جذري فإنه سيقال له أنه قام بثورة ثقافية، ثورة سياسية،ثورة اجتماعية.
ص: 43
حركة الإمام الحسين عليه السّلام كانت تغييرا جذريا،يعني قلب الواقع القائم يومئذ.
حركة الإمام المنتظر عليه السّلام أيضا هي تغيير الواقع و لهذا نسميها ثورة.
و كلمة ثورة غير موجودة في المصطلح الإسلامي.
و لهذا حينما تقرأ القرآن الكريم أو الروايات الشريفة لا تجد عبارة ثورة،و إنما الاصطلاح الإسلامي يستخدم كلمة قيام أو خروج.
«إذا قام قائمنا»لا حظوا الثورة بالمصطلح الإسلامي يعّبر عنها بكلمة (قيام)ليس عندنا مصطلح ثورة،لكن في الاصطلاح الجديد في الأدب العربي أصبح يقال للقيام السياسي أو الثقافي التغييري(ثورة).
هذا الاصطلاح و هو كلمة ثورة نستخدمه بالمشرق العربي أمّا في المغرب العربي يستخدمون شيئا آخر،إذا قرأت كتب المغاربة و الجزائريين لا تجد عبارة ثورة، هناك يسمونها(قومة)،نحن نقول الثورة العربية مثلا هم يسمونها(القومة العربية)، (الثورة الإسلامية)يسموها(القومة الإسلامية)،و اصطلاحهم هذا قريب من اللغة العربية،بل أقرب من اصطلاح ثورة،و كلمة قومة هي من قيام.
الحقيقة أن حركة الإمام المنتظر عليه السّلام هي عملية ثورية بما تحتويه من تغيير جذري.
2-و هي ثورة إصلاحية شمولية عالمية كما سأحدثكم به في ليالي لا حقة إن شاء اللّه عن هذه الصفات الثلاث لثورته عليه السّلام(إصلاحيّة،شمولية،عالمية).
هناك سؤال و شبهة طرحها أحد المستشرقين اسمه دونالتسن.
دونالتسن هو كاتب غربي مستشرق يعني جاء إلي الشرق و تعلم اللغة
ص: 44
العربية و درس كتبنا و قرأ تاريخنا ثم ألّف في العقيدة و الفكر. (1)
دونالتسن (2)يطرح سؤالا يقول فيه:
العجيب أن فكرة الإمام المهدي لم ترد في القرآن الكريم بهذا النص و لو كانت هذه الفكرة أصيلة في الإسلام،فلماذا لم ينص عليها القرآن؟ و حينما تقرأ القرآن لا تجد كلمة الإمام المهدي عليه السّلام؟
دونالتسن هكذا يقول إن هذه الفكرة ليست واقعية و لم يأت بها الإسلام بدليل أنها لم ترد في القرآن الكريم.
الحقيقة إن علماءنا بحثوا هذا الأمر قبل أن يتحدث عنه دونالتسن، فاستعرضوا ما هي الآيات التي جاءت في قضية الإمام المهدي.
بعض علمائنا ذكر(133)آية قرآنية جاءت في الإشارة لهذا الموضوع، (3)مرة علي مستوي الظهور القوي،و مرة علي مستوي الإشارة إلي قضية الإمام المهدي.
(133)آية كما هو في كتاب إلزام الناصب للعلامة المحقق الحائري اليزدي، في أحد فصوله و قد ذكر الآيات الواردة في قيام الإمام المهدي عليه السّلام.
لكن من حقكم أن تسألوا و تقولوا ان كل هذه الآيات ليست صريحة، و لا واحدة منها فيها اسم الإمام المهدي عليه السّلام فلماذا؟
إذا كانت القضية بهذا الحجم من الأهمية بحيث أن«من أنكر المهدي
ص: 45
فقد أنكرني».كما في الرواية عن رسول اللّه صلي اللّه عليه و آله (1)إذا كانت بهذه الأهمية و هي تمثل ضرورة في الفكر الإسلامي الشيعي و السني،إذن لماذا القرآن الكريم لم يصرح بها و لم ينص عليها؟
الجواب:إننا بحاجة لنعرف طريقة القرآن في البيان.
طريقة القرآن إنه يكتفي بالأطر العامة في بيان القضايا و لا ينزل إلي التفاصيل إلاّ من خلال الاحتكاك الميداني.
الصلاة-مثلا-مئات الآيات نزلت في الصلاة لكن كلها في الإطار العام،و لا آية واحدة تتحدث عن صلاة الصبح أو صلاة الظهر أو العصر أو المغرب أو العشاء.
الصوم كذلك في الإطار العام كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيامُ كَما كُتِبَ عَلَي الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ، (2)أمّا ما هي المفطرات؟،ما هي شروط الصوم الصحيح؟،أبدا و لا آية قرآنية تتحدث عن ذلك.
الزكاة كذلك أمر القرآن بالصدقات لكن كم هي الزكاة؟،متي تجب الزكاة؟،أين تجب الزكاة؟،أبدا لا يوجد في القرآن الكريم إشارة إلي ذلك.
القرآن الكريم هو شبيه بكتاب دستوري يعني يقدم دستورا للأمّة علي مدي التاريخ يكتفي بالأطر العامة و البنود و المواد و لا ينزل إلي تفصيل إلاّ عند الاحتكاك مع السائلين،يأتي سائل يسأل مثلا حينئذ يأتيه الجواب بشكل فيه تفصيل لكن بدون أن يسأل سائل،بدون أن تكون القضيّة علي محك مباشر فأن القرآن الكريم سوف يكتفي بذكر الإطار العام و يترك التفصيل للسّنة.
دور النبي صلي اللّه عليه و آله،دور الأئمّة الأطهار عليهم السّلام هو ذكر التفاصيل.
ص: 46
و لهذا فعلماؤنا هكذا يجيبون علي هذا السؤال بشكل عام و هو سؤال موجود في مواطن كثيرة.
يقولون إن سبب عدم نزول القرآن بالتفاصيل من أجل أن يضطر الناس للرجوع إلي النبي و يسألونه،إلي أهل البيت و يسألونهم،و إلاّ إذا صارت كلّ التفاصيل مذكورة في القرآن،يعني أن القرآن يصبح مجموعة مجلدات و سوف يستغني الناس،و سوف لا يألفون الرجوع إلي المجلس التشريعي الذي يمثله النبي و يمثله الأئمّة الأطهار عليهم السّلام.
القرآن صريح في هذه القضية،مثلا القرآن يقول: مِنْهُ آياتٌ مُحْكَماتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتابِ وَ أُخَرُ مُتَشابِهاتٌ . (1)
القرآن يريد أن يقول أيّها الناس أنا القرآن يوجد عندي نوعان من الآيات:نوع منها واضحة و صريحة و نوع متشابهة كل واحد يفسّرها بتفسير، هذا هو القرآن يقول ذلك.
لماذا أيها القرآن؟
يعني أنت لماذا تتكلم بكلام متشابه هذا يفسره بشكل و ذاك يفسره بشكل آخر؟
القرآن يقول: فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ ما تَشابَهَ مِنْهُ ابْتِغاءَ الْفِتْنَةِ وَ ابْتِغاءَ تَأْوِيلِهِ (2)القلوب المريضة تركض وراء التفسير غير الصحيح.لكن أصل القضية أن هذا القرآن لماذا جاء بمتشابه؟
علماؤنا يقولون (3)في جواب ذلك:حتي يرجع الناس إلي أهل البيت عليهم السّلام فَسْئَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ الغرض هو الرجوع إلي الأستاذ.6.
ص: 47
مثلا في المدرسة هناك مناهج مدرسية و فيها كتب تاريخ،جغرافية، فيزياء،كيمياء،لكن ما هو دور الأستاذ؟
الكتاب يعطيك المتن لكن الأستاذ يشرح تفاصيل يوضح لك ما هي النقاط الغامضة،إذا كان الكتاب يشرح لك كل التفاصيل،أنت إذن لا تحتاج إلي أستاذ،و لا ترجع إلي أستاذ،و لا يمكن للكتاب وحده أن يربيك و يجعلك تناقش و تحاور.
و لأجل ذلك كانت الكتب الدراسية تحتوي المتون و الباقي علي الأستاذ.
القرآن أيضا هذه هي طريقته.
و هناك جواب ثان و هو أن القرآن يريد أن يمتحن الناس،و يمحصهم من منهم يرجع إلي أهل البيت،أهل الذكر،و من منهم يعاند و يكابر و يقول أنا غير مستعد أن أدرس عند أستاذ و لا مستعد أن أرجع إلي نبي قط!
يوجد أناس بهذا الشكل.
رسول اللّه صلي اللّه عليه و آله حينما قال للناس في غدير خم:«من كنت مولاه فهذا علي مولاه»،الرواية تقول:إنه جاءه شخص اسمه الحارث قال لرسول اللّه صلي اللّه عليه و آله أمرتنا أن لا نعبد إلاّ اللّه أطعناك،أمرتنا بالصلاة صلينا،أمرتنا بالصوم صمنا،الآن أمرتنا بولاية ابن عمك عليّ هذا منك أم من اللّه؟
قال صلي اللّه عليه و آله:إنه من اللّه تعالي و ليس مني.
خرج ذلك الرجل موليا وجهه و هو يقول:اللهم إن كان هذا من عندك فأنزل عليّ حجارة و اقض عليّ. (1)
ص: 48
و هذا جاء في تفسير قوله: سَأَلَ سائِلٌ بِعَذابٍ واقِعٍ* لِلْكافِرينَ لَيْسَ لَهُ دافِعٌ* مِنَ اللّهِ ذِي الْمَعارِجِ. (1)
الرواية تقول سقط حجر من السماء علي رأسه فقتله بالمكان.
سنة اللّه تقتضي امتحان الناس،أن تضع الناس في امتحان لمعرفة مدي طاعتهم و عصيانهم.
توجد رواية تقول إن موسي عليه السّلام ابتلي بقومه،حينما ذهب موسي عليه السّلام ثلاثين ليلة و أتممناها بعشر،يعني موسي عليه السّلام عنده غيبة صغيرة هي رحلة أربعين يوما،لا يعلمون إلي أين،و لا أخذ معه أحدا وَ واعَدْنا مُوسي ثَلاثِينَ لَيْلَةً (2)ذهب إلي اللّه تبارك و تعالي،لما انتهت ثلاثون ليلة و لم يرجع موسي عليه السّلام إلي قومه قالوا لا حظوا هذا النبي كذب علينا،و عدنا ثلاثين ليلة و لم يأت،و هنا عمل لهم أحد أتباع موسي عليه السّلام و هو السامري و يبدو إنه كان فنانا مقتدرا و صاحب خبرة،عمل لهم عجلا القرآن يقول:
لَهُ خُوارٌ (3) يعني يصيح،هؤلاء تعجبوا،و خدعهم السامري و اتّبعوه،و صارت مشكلة،
ص: 49
و صار افتراق،و صار ابتعاد عن موسي،و ابتعاد عن هارون الذي كان خليفة موسي عليه السّلام،و أصبح هارون يتوسل بهم فَاتَّبِعُونِي وَ أَطِيعُوا أَمْرِي (1)سوف يأتي موسي عليه السّلام انتظروا قليلا،قالوا له أبدا،أوّلا موسي عليه السّلام كذب علينا فهذه ثلاثون ليلة قد مضت و لم يرجع إلينا موسي،ثانيا هذا السامريّ عمل لنا عجلا و هذا العجل يتكلم و هذه معجزة فنحن نتبعه.
و محل الشاهد أن موسي عليه السّلام قال:إلهي أنا أدري ان العجل عمله السامري لكن من الذي أخاره؟السامري أم أنت؟ (2)
إلهي السامري هو الذي صنع العجل لا بأس.لكن هذا العجل لو كان لا يتكلم فإنه سوف لا يخدع الناس،لكن هو عجل بمستوي أن يتكلم،هذه هي قدرتك يا إلهي،إلهي السامري هو الذي صنع العجل لكن من الذي أخاره-كما تقول الرواية-اللّه تبارك و تعالي قال له:أنا.
هنا القرآن الكريم علي لسان موسي عليه السّلام يقول: إِنْ هِيَ إِلاّ فِتْنَتُكَ .
إلهي أنت إذن تريد أن تمتحن الناس،و إلاّ فأن السامري وحده لا يستطيع أن يعمل هكذا عمل لو لا أنك أعطيته هذه القدرة.
القرآن الكريم يشير إلي هذه القضية يقول: إِنْ هِيَ إِلاّ فِتْنَتُكَ .
نظرية الامتحان،هذه النظرية يذكرها القرآن الكريم مرارا،و في قصص الأنبياء كثيرة.
غيبة الإمام المنتظر عليه السّلام هي صورة من صور الامتحان للناس.
الفتنة في اللغة العربية هي بمعني الامتحان و الابتلاء،ليهتدي و يؤمن من يؤمن و ليكفر من يكفر. .
ص: 50
و محل الشاهد أن القرآن الكريم طريقته بيان الإطار العام و ليس النزول للتفاصيل بل يبقي هناك مجال للامتحان و الفتنة،و لهذا فأن القرآن الكريم ليس به تفصيل لكثير من القضايا الضرورية البديهية الثابتة في الإسلام.
قد تسأل الآن و تقول نحن نقبل من القرآن الكريم أن يشير إلي الإطار العام لقضية المهدي المنتظر عليه السّلام فأين هذه الإشارة؟
نقول لكم:نعم القرآن الكريم فيه عشرات الآيات تتحدث عن قضية الإمام المنتظر التي تعني في إطارها العام الحركة الإصلاحية و نجاحها في ختام المسيرة البشرية،هذه هي قضية الإمام المنتظر عليه السّلام.
ماذا يعني يملأ الأرض قسطا و عدلا بعد ما ملئت الأرض ظلما و جورا يعني أن نهاية البشرية هي انتصار الحقّ.
إن قضية الإمام المهدي عليه السّلام في إطارها العام و الذي هو بمستوي الضرورة من ضرورات الإسلام هي عبارة عن أمرين:
الأمر الأوّل:انتصار الحقّ و ظهور حركة إصلاحية عالمية تحقق انتصارا ساحقا.
الأمر الثاني:إن هذه الحركة الإصلاحية تظهر علي يد رجل مصلح عالمي هذا الذي يلقّب بالمهدي.
هذا هو الإطار العام لقضية الإمام المهدي عليه السّلام الثابتة لدي كل المذاهب الإسلامية و هناك تفاصيل أخري تختلف فيها المذاهب مثل:
من يكون هذا الرجل المصلح؟
و هل هو موجود بالفعل؟
و غير ذلك من الأسئلة.
ص: 51
و نحن إذا بقينا مع الإطار العام للقضية نجد أن القرآن الكريم يتحدث بشكل واسع عنها.
لا حظوا القرآن الكريم فيه آيات عديدة بهذا الشأن منها:
1-الآية الخامسة من سورة القصص: وَ نُرِيدُ أَنْ نَمُنَّ عَلَي الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الْأَرْضِ وَ نَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَ نَجْعَلَهُمُ الْوارِثِينَ . (1)
2-و في آية ثانية من سورة الأنبياء: وَ لَقَدْ كَتَبْنا فِي الزَّبُورِ مِنْ بَعْدِ الذِّكْرِ أَنَّ الْأَرْضَ يَرِثُها عِبادِيَ الصّالِحُونَ ، (2)الزبور عبارة عن ألواح و أوراق داوود.
3-في آية ثالثة من سورة النور: وَعَدَ اللّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَ عَمِلُوا الصّالِحاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ . (3)
4-آية رابعة في سورة التوبة: هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدي وَ دِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَي الدِّينِ كُلِّهِ وَ لَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ . (4)
هذه آيات واضحة في نظرية مستقبل البشرية و أن المستقبل البشري سيشهد انتصارا للحقّ،و أن ختام المسيرة البشرية انتصار الحقّ و هذه الآيات بمستوي الصريحة و الظاهرة في هذا الأمر.
إذن علي الطريقة القرآنية لا توجد مشكلة و هذه بعض النصوص القرآنية في الدلالة علي نهضة الإمام المهدي عليه السّلام لكن بدون تصريح بالاسم كما هي طريقة القرآن الكريم.
ص: 52
لا حظوا مثلا لدينا(مائة و أربع و عشرون)ألف نبيا،كم نبي جاء اسمه في القرآن الكريم من مجموع هؤلاء؟جاء اسم موسي و عيسي و هارون و نوح و إبراهيم و يونس و داود و غيرهم بما لا يبلغ اسم عشرين نبيا.أما هذا الرقم الكبير للأنبياء فأنه غير موجود و لا عشر معشاره في القرآن الكريم،و قس علي ذلك مسائل كثيرة.
الوعد الإلهي بانتصار الحقّ مؤكد في القرآن الكريم بصياغات عديدة.
التأكيد القرآني علي قضية انتصار الحقّ في ختام المسيرة البشرية هو في غاية العمق.
لا حظوه مرة يقول: كَتَبْنا . (1)
مرة يقول: وَعَدَ اللّهُ الَّذِينَ آمَنُوا . (2)
مرة يقول: وَ كانَ حَقًّا عَلَيْنا . (3)
مرة يقول: إِنّا لَنَنْصُرُ رُسُلَنا . (4)
كَتَبْنا يعني اتخذنا قرارا.
و يقول: وَعَدَ اللّهُ فهذا وعد و اللّه لا يخلف الميعاد.
مرة يقول: إِنّا لَنَنْصُرُ رُسُلَنا وَ الَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَياةِ الدُّنْيا هذه جملة خبرية و اللّه هو الصادق فيما يقول.
في آية أخري تتحدث عن الإرادة الإلهية تقول: وَ نُرِيدُ أَنْ نَمُنَّ عَلَي الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا (5)و إذا أراد اللّه شيئا قال له كن فيكون.
ص: 53
هذه تأكيدات قرآنية بصياغات متعددة علي قضية الإمام المهدي عليه السّلام في إطارها العام و تبقي التفاصيل متروكة إلي السنّة الشريفة،و هذا ما نلاحظه أيضا في إمامة الإمام عليّ عليه السّلام حيث لا يوجد أيضا نص قرآني بالاسم و لكن السنّة الشريفة هي التي أكدّت ذلك.
أمّا السنة الشريفة فالملفت للنظر أنّه جاء الإصرار و التأكيد علي قضية الإمام المهدي عليه السّلام بشكل مثير يجعلنا نتساءل لماذا هذا الإصرار؟
مثلا الروايات تقول عن رسول اللّه صلي اللّه عليه و آله: (1)
«لو لم يبق من الدنيا إلاّ يوم واحد لطوّل اللّه ذلك اليوم حتي يظهر واحد من ولدي اسمه اسمي يملأ الأرض قسطا و عدلا بعد ما ملئت ظلما و جورا»يعني رسول اللّه صلي اللّه عليه و آله يقول هذه القضية لا يمكن أن تتخلف حتي لو أصبحنا علي مقربة من يوم القيامة و لم يبق من الدنيا إلاّ يوم واحد.
نصوص عديدة بهذا المستوي أنا أجد من المفيد أن أقرأ لكم هذه النصوص من نفس المصدر حتي تكونوا قريبين من أجواء الأحاديث الشريفة:
1-الرواية مثلا تقول:«لو لم يبق من الدنيا إلاّ يوم واحد لطوّل اللّه ذلك اليوم...»هذه الرواية نقرؤها في صحاح السنّة و ليس في كتبنا فقط.
عن أبي هريرة قال:قال رسول اللّه صلي اللّه عليه و آله:«لو لم يبق من الدنيا إلاّ يوم واحد لطوّل اللّه ذلك اليوم حتي يخرج رجل من أهل بيتي يملأ الأرض عدلا و قسطا كما ملئت ظلما و جورا». (2)
ص: 54
2-رواية ثانية عن عبد اللّه بن مسعود قال:قال رسول اللّه صلي اللّه عليه و آله:«لو لم يبق من الدنيا إلاّ يوم واحد لطول اللّه ذلك اليوم حتي يبعث رجلا مني يواطيء اسمه اسمي...». (1)
3-و هكذا رواية ثالثة في هذا الشأن عن الإمام عليّ عليه السّلام قال:قال النبي صلي اللّه عليه و آله:«لا تذهب الدنيا حتي يقوم بأمر أمتي رجل من ولد الحسين يملأ الأرض عدلا كما ملئت ظلما و جورا».
4-و أخري عن رسول اللّه صلي اللّه عليه و آله يقول لفاطمة عليها السّلام:«و الذي نفسي بيده لا بدّ لهذه الأمّة من مهدي و هو من ولدك».
و هذا أمر ملفت للنظر لماذا لا تقوم القيامة و لا تقوم الساعة إلاّ أن يخرج واحد ليحقق الإصلاح حتي و لو بقي يوم واحد؟
يمكن أن نذكر مجموعة آراء في تفسير هذا الإصرار القرآني و هذا الإصرار النبوي.
إن هذا من باب الوفاء لوعد اللّه،
و اللّه لا يخلف الميعاد،أليس وعد المؤمنين بالنصر وَعَدَ اللّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَ عَمِلُوا الصّالِحاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فاللّه تعالي يطيل عمر الدنيا و لو يوما واحدا حتي يحكم المؤمنون،حتي يقول:أيها العباد أنا وفيت بوعدي...
إنّ هذا الإصرار القرآني و الإصرار النبوي من باب الانتقام
ليشفي صدور المؤمنين بالانتقام من الأعداء بمشاهدة الباطل كيف يسحق و يمحق.
ص: 55
إن هذا الإصرار من باب إعطاء أمل و إعطاء زخم روحي للمؤمنين
حتي لا ييأسوا.
هذه مجموعة آراء لكنها في الحقيقة غير قادرة علي أن تعطي تفسيرا مقنعا لهذا الإصرار.
هذه التفاسير التي ذكرتها لكم(الوفاء بالوعد)،(شفاء صدور المؤمنين)،(أعطاء الأمل)هذه التفاسير لا تستطيع أن تكشف العمق الفلسفي لقضية الإمام المهديّ عليه السّلام لذا نحن نميل إلي الرأي الرابع.
هو أن قضية الإمام المهدي عليه السّلام تمثل سنّة من سنن التاريخ،
فالقرآن يتحدث عن سنن،مثلا الموت سنّة إلهية في الوجود كُلُّ نَفْسٍ ذائِقَةُ الْمَوْتِ (1)يعني هذا قانون إلهي.
و لهذا فأن مجموعة من بني إسرائيل جاءوا إلي نبيهم قالوا:يا نبي اللّه إدعو لنا اللّه تعالي أن يرفع عنا الموت،أصروّا علي النبي،النبي إبتلي بهم ماذا يفعل لهم،رفع النبي يديه بالدعاء،إلهي استجب لهؤلاء و ارفع عنهم الموت، اللّه تعالي رفع عنهم الموت سنة،و عشر سنين و أربعين سنة،هؤلاء اكتشفوا الحقيقة حيث أصبح كل منهم مبتلي بأبيه و جدّه وجد جدّه،و عنده ما شاء اللّه من الذرية لا يقدر أن يطعمهم،و ليس عنده وقت ليعمل،جاؤوا إلي نبيهم مرة أخري قالوا إدع اللّه تعالي أن ينزل علينا الموت فعاد إليهم و عادت أوضاعهم إلي طبيعتها. (2)
ص: 56
الموت قانون إلهي،الموت لا يتخلف،الحياة قائمة علي هذا القانون.
المعاد بعد الموت سنّة كونية إِنَّ إِلي رَبِّكَ الرُّجْعي ، (1)إِنّا لِلّهِ وَ إِنّا إِلَيْهِ راجِعُونَ (2)سنّة كونية لا تتخلف.
واحدة من السنن الكونية انتصار الحقّ،و من الممكن أن هذه السنن الكونية غير معلومة لنا،يعني أن هذه القضية لا نقدر أن ندخلها في مختبر فيزياوي أو كيمياوي حتّي نري هذه السنّة كيف تكون،نحن الآن في تجربة بشرية واضحة نعرف أن الكل يموت كُلُّ نَفْسٍ ذائِقَةُ الْمَوْتِ (3)هذا حسب التجربة البشرية،لكن القرآن الكريم يتحدث عن سنّة كونية بشرية أخري اسمها انتصار الحقّ في نهاية المطاف،و هذا الأمر غير مشهود لنا في أيام عمرنا القصير.إنه لا بدّ أن ينتصر الحقّ كَلِمَةُ اللّهِ هِيَ الْعُلْيا (4)ربما نحن لم نكتشفها لكن القرآن يؤكدها في عشرات الآيات و السنة الشريفة تؤكدها في مئات النصوص بشكل قطعي«إنه لو لم يبق من الدنيا إلاّ يوم واحد لطوّل اللّه ذلك اليوم».
كما أنك تقول أن الإنسان لو يصبح عمره(مئة)سنة أو(مئتي)سنة أو0.
ص: 57
(ثلاثمئة)سنة أخيرا يموت،تماما تريد هذه النصوص أن تقول أنها سنّة كونية لا تتخلف،هنا رسول اللّه صلي اللّه عليه و آله يقول:لو ان الدنيا لم يبق منها إلاّ يوم لا بدّ أن تتحقق هذه السنّة الكونية،سنّة انتصار الحقّ،يملؤها قسطا و عدلا بعد ما ملئت ظلما و جورا».
نحن قبلنا أن الحقّ سوف ينتصر لكن ما هي مدة حكم الإمام المنتظر عليه السّلام؟
عجبا الإمام المنتظر عليه السّلام في آخر البشرية كم سيحكم؟
أنا قررت أن أجيب علي مئة سؤال في طي هذه المحاضرات،نجيب علي مئة سؤال و شبهة متعلقة بالإمام المهدي عليه السّلام،و إن واحدا من تلك الأسئلة هو هذا السؤال:
كم هو عمر حكومة الإمام المنتظر عليه السّلام و الدولة العالمية؟
هنا تجدون عدة روايات: (1)
رواية تقول يحكم(سبع)سنوات ثم يموت.
رواية تقول يحكم(أربعين)سنة ثم يموت. (2)
ص: 58
رواية تقول إن كل سنة تعادل عشر سنوات،معناه أن سبع سنوات تعادل(سبعين)سنة. (1)
رواية تقول انه يحكم(تسع عشرة)سنة و هذه أشهر الروايات.
و قد يقول قائل ما قيمة هذه الفترة القصيرة بعد الصبر الطويل؟
لكن الجميل أن نعرف أن عليه السّلام يحكم(تسع عشرة)سنة، و بعده يحكم خليفة له يلقب بالمهدي أيضا،من المهديين من ورثة الإمام المنتظر عليه السّلام و خلفائه،يحكم(ثلاثمائة و تسع)سنوات يعني الإمام المنتظر يحكم(تسع عشرة)سنة و بعده حكومة لرجل واحد من نواب المهدي عليه السّلام يحكم هذا الرجل المهدي أيضا و هو بعد مهدينا يحكم(ثلاثمائة و تسع سنوات)ثم تأتي رواية أخري و روايات كثيرة تقول إن بعد المهدي أحد عشر مهديا أو اثنا عشر مهديا، (2)إذا قبلنا أن كل واحد منهم يحكم(مئة)سنة فرضا أصبح المجموع(ألفا و مئة)سنة،و إذا كان الأوّل منهم يحكم(ثلاثمائة و تسع سنوات)إذن أصبح المجموع(ألفا و أربعمائة و تسع سنوات) و الإمام المهدي عليه السّلام شخصيا يحكم(تسع عشرة)سنة علي أشهر الروايات،فيكون المجموع(ألفا و أربعمائة و ثمانية و عشرين)عاما.
و هناك روايات أخري كثيرة تذكر أنه لا يزال حكم الإمام المهدي مستمرا حتّي انقضاء الخلق، (3)يعني يستمر حكم العدل ليس بالضرورة علي
ص: 59
يد شخص الإمام المهدي و إنما يستمر هذا الحكم الذي يقوم علي الحقّ فيملأ الأرض قسطا و عدلا إلي قيام الساعة.
بعض علمائنا يقول بأن هؤلاء الأحد عشر هم عبارة عن الأئمّة من أهل البيت،حيث عندنا روايات مؤكدة تقول أنهم عليهم السّلام سيرجعون فأحد عشر إماما إضافة إلي الإمام المنتظر أصبح المجموع(إثني عشر)إماما.
الآن أقرأ لكم بعض الروايات لكي نعيش جوّ الروايات الشريفة:
هذه الرواية عن أبي بصير يقول قلت للصادق عليه السّلام:يا بن رسول اللّه صلي اللّه عليه و آله سمعت من أبيك أنه قال يكون بعد القائم اثنا عشر مهديا،قال:«إنما قال اثنا عشر مهديا و لم يقل اثنا عشر إماما و لكنهم قوم من شيعتنا يدعون الناس إلي موالاتنا». (1)
في حديث آخر:«يا أبا حمزة إن منّا بعد القائم أحد عشر مهديا من ولد الحسين عليه السّلام». (2)
في رواية أخري سمعت أبا جعفر-يعني الإمام الباقر عليه السّلام-يقول:
ص: 60
«و اللّه ليملكن منّا أهل البيت رجل بعد موته ثلاثمائة سنة يزداد تسعا قلت:متي يكون ذلك؟قال:بعد القائم». (1)
في رواية أخري أيضا قلت:كم يقوم القائم في عالمه حتي يموت؟ قال:«تسعة عشر سنة من يوم قيامه إلي موته»، (2)هذه الرواية مكررة و مشهورة انه يحكم(تسع عشر)عاما و لكن بعد ذلك أحد عشر مهديا،واحد منهم يحكم(ثلاثمائة و تسع)سنوات.
روايات أخري تقول لا يزول حكمه إلي انقضاء الخلق.
هذه الرواية بهذا النص:«و ما من مؤمن و مؤمنة إلاّ و قلبه يحن إليه» يعني الإمام المنتظر.
قلت:جعلت فداك و لا يزول القائم فيه أبدا؟
قال:«نعم».
قلت:فمن بعده؟
قال عليه السّلام:«من بعده مهدي بعد مهدي إلي انقضاء الخلق»و هذه الرواية مكررة في مصادر الحديث. (3)
اليوم نحن أجبنا عن سؤال فترة حكومة العدالة يعني العدالة الإسلامية العالمية.
الإمام المنتظر عليه السّلام كما ذكرنا لكم و هذا أحد عناصر الاشتراك بينه و بين الإمام الحسين عليه السّلام يخرج من المدينة المنورة و يكون إعلان الثورة من مكّة المكرمة و يأتي للعراق و يصل إلي الكوفة و من الكوفة إلي النجف و من النجف إلي السهلة.اليوم حديثنا انتهي لكن أنا أقرأ لكم رواية واحدة أو أكثر ثم اختم هذا المجلس.
ص: 61
الرواية الواردة في صفحة(337)من كتاب بحار الأنوار الجزء(52) يقول الإمام الباقر عليه السّلام:
«كأنّي بالقائم علي أرض نجف الكوفة و قد سار إليها من مكّة في خمسة آلاف من الملائكة جبرائيل عن يمينه و ميكائيل عن شماله و المؤمنون بين يديه و هو يفرق الجنود و الكتائب و السرايا في البلاد».
رواية أخري عن الإمام الصادق عليه السّلام.
عن مفضل بن عمر قال:سمعت أبا عبد اللّه عليه السّلام يقول:«إن قائمنا إذا قام أشرقت الأرض بنور ربها،و استغني العباد من ضوء الشمس،و يعمر الرجل في ملكه حتّي يولد له ألف ذكر،لا يولد فيهم انثي،و يبني في ظهر الكوفة مسجدا له ألف باب و يتصل بيوت الكوفة بنهر كربلا و بالحيرة،حتي يخرج الرجل يوم الجمعة،علي بغلة سفواء يريد الجمعة فلا يدركها». (1)
و أوّل أمّة تلتحق بالإمام المنتظر هم شيعة أهل البيت عليهم السّلام،لتأكيد هذه الحقيقة،حقيقة أن أصحاب الحركة الإصلاحية العالمية هم الشيعة و إمامهم، الإمام المنتظر عليه السّلام.
و لهذا فأن أوّل أمّة تلتحق به هم شيعته،يأتون قزعا كقزع الخريف أي سحبا كسحب الخريف.يعني لا حظوا قطع السحاب في الخريف قطعا صغيرة مسرعة،الرواية هكذا تقول التحاق الشيعة به قزعا كقزع الخريف تلتحق و تحضر عنده في مكّة المكرمة. (2)
ص: 62
يقول إمامنا الصادق عليه السّلام كما في الرواية:«إن قائمنا إذا قام مدّ اللّه لشيعتنا بأسماعهم و أبصارهم حتي لا يكون بينهم و بين القائم بريد يكلمهم فيسمعون و ينظرون إليه و هو في مكانه» (1)و لكنهم يشاهدونه و تنقطع الفواصل المكانية و الزمانية بينهم و بين الإمام المنتظر عليه السّلام.
الروايات تذكر أن أحد الأمور التي تتحقق بظهوره عليه السّلام الانتقام من الظالمين و لكن ليس علي أساس أن هذا هو الهدف بل هذا أحد ما يتحقق علي يد هذه الحكومة الإصلاحية.حكومة إصلاحية لكنها تنتقم من الظالمين،الثأر لدماء الأبرياء، لدماء الأنبياء لدماء الإمام الحسين عليه السّلام،شعارهم«يا لثارات الحسين».
حتّي عندنا رواية تقول إنه لما قتل الحسين عليه السّلام في كربلاء يوم عاشوراء ضجت الملائكة إلي اللّه،إلهنا هذا الحسين يقتل بهذا الشكل و لا تنتقم؟ (2)
اللّه تبارك و تعالي خلق لهم مثل القائم و صوّر لهم صورة القائم،و قال سوف أنتقم بهذا للحسين عليه السّلام،و لهذا ورد في دعاء الندبة«أين الطالب بدم المقتول بكربلاء».
إنا للّه و إنا إليه راجعون و سيعلم الذين ظلموا أي منقلب ينقلبون و العاقبة للمتقين و سبحان ربنا إن كان وعد ربنا لمفعولا.
ص: 63
ص: 64
ص: 65
22-ما هو منهج حركة الأنبياء؟
23-هل تكون حركة الإمام المنتظر عليه السّلام حركة مسلّحة أم تغييرية جماهيرية؟
24-هناك خمس علامات حتميّة للظهور ما هي؟
25-كيف يتمّ التحول الثقافي العالمي في زمن الإمام المهدي عليه السّلام؟
26-من هو أوّل من يبايع الإمام القائم عليه السّلام؟
27-ما هو جواب شبهة أحمد أمين حول الإمام المنتظر؟
28-لماذا لم ينقل البخاري رواية عن الإمام المهدي عليه السّلام؟
29-هل يوجد تعايش سلمي في زمن الإمام لأصحاب الأديان الأخري؟
30-كيف نفسّر الروايات التي تؤكد خروج الإمام بالسيف؟
31-ما هي نظرية ابن خلدون في عمر الدول و الحضارات و مناقشتها؟
ص: 66
بسم اللّه الرحمن الرحيم
خطب إمامنا الحسين عليه السّلام أصحاب الحر حينما التقي به في الطريق إلي العراق قائلا:
«أيها الناس إن رسول اللّه صلي اللّه عليه و آله قال:من رأي سلطانا جائرا مستحلا لحرم اللّه ناكثا لعهد اللّه مخالفا لسنة رسول اللّه صلي اللّه عليه و آله يعمل في عباد اللّه بالإثم و العدوان فلم يغير عليه بفعل و لا قول كان حقا علي اللّه أن يدخله مدخله.ألا و إن هؤلاء قد لزموا طاعة الشيطان و تركوا طاعة الرحمن و أظهروا الفساد و عطلوا الحدود و استأثروا بالفيء، أحلوا حرام اللّه و حرموا حلاله و أنا أحقّ من غيّر...». (1)
حديثنا في هذه الليالي كما تعلمون عن(الحركة الإصلاحية من الحسين عليه السّلام إلي المهدي عليه السّلام عناصر الاشتراك و التمايز في الأهداف و المناهج و النتائج).
ليلة أمس تحدثنا عن عناصر الاشتراك بين الحسين و المهدي عليهما السّلام في الأهداف و قرأنا أيضا خطبة لإمامنا المنتظر عليه السّلام أوّل ظهوره و إعلان ثورته في مكّة المكرمة حينما أسند ظهره إلي البيت و خطب الناس بمقاطع و ألفاظ و محاور متقاربة جدا مع خطبة الحسين عليه السّلام أوّل إعلانه للثورة في كربلاء.
حديثنا هذه الليلة عن عنصر آخر من عناصر الاشتراك بين الحركتين و هو عنصر المنهج.
هل ستكون حركة الإمام المنتظر عليه السّلام في المنهج و الأسلوب و الطريقة مشتركة مع منهج الإمام الحسين عليه السّلام في حركته أم يقوم بمنهج آخر،هذا محور حديثنا هذه الليلة.
ص: 67
إن نقطة التقاء مهمة بين الثورتين إنها ثورة تغييرية يعني الإمام الحسين عليه السّلام قام بثورة تغييرية و أعلن عن ذلك في خطابه حين قال:«...أن رسول اللّه صلي اللّه عليه و آله قال:من رأي منكم سلطانا جائرا فلم يغيرّ عليه،ثم قال:أنا أحقّ من غيّر...»،هذا نسميه ثورة تغييرية،يعني أنّ الإمام الحسين عليه السّلام يريد أن يغيّر الواقع الثقافي و السياسي و الأخلاقي الموجود،و إمامنا المنتظر عليه السّلام أيضا يقوم بثورة تغييرية.
هناك نوعان من الحركات التغيرية علي طول التاريخ:
النوع الأوّل:حركات تغييرية مسلّحة.
النوع الثاني:حركات تغييرية سلميّة.
علي طول التاريخ توجد ثورات مسلحة و توجد ثورات تغييرية لكنها ليست مسلحة نسميها تغييرية سلميّة.
فلنوضح هذا الموضوع بالمثال مثلا حركة هتلر كانت حركة مسلحة يريد أن يسيطر علي العالم أيضا بعنوان الإصلاح-و نحن هنا لا نتحدث عن الأهداف-و لكن منهج الحركة النازية منهج حركة مسلحة،كاسترو و جيفارا حركتهم في كوبا كانت حركة مسلحة.
ماوتسي تونغ أيضا قام بحركة تغييرية مسلحة.
بينما لا تستطيع أن تقول أن غاندي قام بحركة تغييرية مسلحة،غاندي لم يقم بحركة تغييرية مسلحة،هذا أتركه لمعرفتكم بهذه الحركات و الثورات.
في ماضي التاريخ حركة المغول التاتار حينما زحفوا علي العالم الإسلامي و دخلوا بغداد أيضا هذه كانت حركة مسلحة بغض النظر عن
ص: 68
أهدافها هل هي حركة إصلاحية أو هي حركة استبدادية،كان هدفهم التغيير أو كان هدفهم التسلط ذاك بحث آخر.
الليلة حديثنا عن المنهاج و الأسلوب،توجد ثورات مسلحة و توجد ثورات جماهيرية غير مسلحة.
إذا لا حظنا حركات الأنبياء:إبراهيم،موسي،عيسي قبلهم نوح عليهم السّلام بعدهم نبينا محمّد صلي اللّه عليه و آله لا نستطيع أن نقول إنها كانت ثورات مسلحة،لا،كانت ثورات تعتمد الإرادة الجماهيرية،ثورات و حركات إصلاحية نسميها أيديولوجية تعتمد علي تغيير أفكار الناس،و رؤي الناس و إرادات الناس،و تتم عملية التغيير ليس عن طريق انقلاب عسكري،و لا عبر زحف مسلح كما زحف المغول مثلا علي بغداد،جنكيز خان و هولاكو زحفا علي بغداد بهدف التسلط لكن بصورة زحف مسلح،الأنبياء لم يقوموا بزحف مسلح بل اعتديّ عليهم بزحف مسلح،هم قاموا بالدفاع،عيسي عليه السّلام لم يقم بحركة مسلحة،موسي عليه السّلام أيضا مع فرعون ما قام بحركة مسلخة ضد فرعون،رسول اللّه صلي اللّه عليه و آله رغم إنه خاض حروبا كثيرة،بدر و أحد و حنين،و حوالي ثمانين غزوة لكن أنتم تعرفون أن حركة رسول اللّه صلي اللّه عليه و آله ما كانت حركة مسلحة،لم تكن غزوا مسلحا و اكتساحا عسكريا و إنما كانت تغييرا جماهيريا أيديولوجيا عقائديا،ثم استخدام السلاح في المرحلة الثانية و هذه نقطة تحتاج إلي توضيح،ماذا نقصد بالحركة الجماهيرية؟هل يعني أنها لا تستخدم السلاح أبدا؟
كما يقول الشاعر:
ألقاه في اليم مكتوفا و قال له إياك إياك أن تبتلّ بالماء
الجواب:لا،ليس هذا مقصودنا،المقصود أنه ليس العنصر الأوّل هو السلاح و إنما العنصر الأوّل هو الإرادة البشرية ثم يستخدم السلاح كعنصر
ص: 69
هامشي،القوة،السيف،السلاح عنصر هامشي في مواجهة الأعداء في مواجهة الذين يقطعون الطريق علي هداية الشعوب.
رسول اللّه صلي اللّه عليه و آله استخدم السلاح و لكن أنتم تعرفون أن رسول اللّه صلي اللّه عليه و آله ثلاثة عشر سنة في مكّة المكرمة يعذّب أصحابه و يظلمون و هم بدون سلاح،حتي جاء الوحي الإلهيّ يأمره بالهجرة،هاجر أوّل مرة إلي الطائف و هاجر إلي المدينة المنورة، في المدينة المنورة واجه هجوما من قبل جيوش قريش و هنا صارت معركة بدر.
في معركة بدر كانت قريش بقيادة أبي سفيان قد جهزّت جيوشا للزحف علي المدينة المنورة،رسول اللّه يومئذ لا يملك سلاحا،يومئذ المسلمون لم يكن عندهم سلاح حتي يقاتلوا،كانت عملية دفاعية،و إذا استخدم السلاح فيما بعد أيضا فهو بهذا الاتجاه أي باتجاه دفاعي.
رسول اللّه صلي اللّه عليه و آله أوّل ما دخل المدينة المنورة ماذا فعل؟
كان في المدينة المنورة اقتتال عشائري بين الأوس و الخزرج أصلح بينهم، رسول اللّه صلي اللّه عليه و آله ثنيت له الوسادة و صار أمير القوم بدون قتال،يعني لا يوجد مدع واحد في التاريخ علي أن النبي زحف إلي المدينة المنورة زحفا عسكريا أصلا،و إنما بقي في مدخل المدينة المنورة ينتظر عليا ثم دخل المدينة المنورة،و الناس مبتهجون فرحون بانتظار النبي،يعني هي حركة شعبية،حركة جماهيرية استخدام السلاح يأتي بالمرحلة الثانية،هذا معني الحركة التغييرية السلميّة.
حركة الحسين عليه السّلام أيضا كانت هكذا حتي نصل بعد ذلك للمقارنة بين حركة الحسين و بين حركة الإمام المنتظر.
حركة الحسين عليه السّلام هل كانت مسلحة أم حركة جماهيرية أيديولوجية سلميّة؟
ص: 70
الآن قد تقولون نحن نعرف أنه كان هناك قتل و قتال و دماء و هذه حركة مسلحة.
الجواب:لا،ليست حركة الحسين عليه السّلام حركة مسلحة،الإمام الحسين كانت حركته حركة تغييرية عقائدية و استخدام السلاح للدفاع عن نفسه و أهله و لم يكن الإمام الحسين عليه السّلام مهيئا للقتال،و لا قام بعملية غزو عسكري،بدليل ما يتفق عليه التاريخ كله أن الإمام الحسين خرج من مكّة المكرمة بدون قوات عسكرية و في الطريق كان يلتقي بأعراب من هنا و هناك،و ما ذكر التاريخ مرة واحدة أن الحسين عليه السّلام غزا مجموعة منهم،أو أنه كان يدعوهم عنوة للالتحاق به،لقد التحق به جمع كثير طلبا للعافية و الملك و ليس علي أساس القتال.
التاريخ يذكر أن الإمام الحسين عليه السّلام تلقي رسائل من أهل الكوفة «أن أقدم إلينا فانه ليس علينا إمام» (1)تعال نحن نبايعك،أرسل الحسين عليه السّلام مسلم بن عقيل لكي يستخبر الحال فان رآهم كما قالوا أخذ منهم البيعة، و كتب مسلم للحسين عليه السّلام أن الأمر كما جاءت به كتبهم،إذن هي ثورة جماهيرية يعني مثل حركة النبي عندما دخل المدينة كان الناس مهيئين».
ص: 71
لاستقبال النبي،في الكوفة هكذا قالوا للحسين حينما أرسل مسلم بن عقيل، بايعه ثمانية عشر ألف بلا أية عملية مسلحة،ثم كتب مسلم بن عقيل للإمام الحسين عليه السّلام:«إنه قد بايعني من أهل الكوفة ثمانية عشر ألفا» (1)هذه الكوفة ممّهدة لك،هذه حركة تغييرية جماهيرية أصلا بلا حاجة إلي قتال مسلح.
و لهذا كما تعرفون فالإمام الحسين عليه السّلام حينما التقي بالحر الرياحي و قطع عليه الطريق،تعرفون ماذا قال له زهير بن القين؟
قال له:يا أبا عبد اللّه هذا الحر و أصحابه أهون علينا ممن سيأتي بعدهم تعال نقاتلهم.فقال له الإمام الحسين:«إني أكره أن أبدأهم بقتال»، (2)ثم خطب أصحاب الحر و صلّي بهم جماعة بهدف تغييريهم عقائديا و جذريا عسي أن يميلوا إلي الحقّ و لم ينفع ذلك إلي أن اصطف الصفان في كربلاء،و وجد الحسين عليه السّلام أن لا خيار أمامه إلاّ أن يستبسل أو يستسلم للطاغية يزيد.
إذن حركة الحسين عليه السّلام لم تكن حركة مسلحة و إنما اضطر الحسين عليه السّلام للقتال دفاعا عن نفسه و دفاعا عن عياله.
أمّا إمامنا المنتظر عليه السّلام فحركته و ثورته العالمية كيف ستكون؟
هل هي علي طريقة الزحف العالمي المسلح؟و خوض حرب عالمية يقودها الإمام و يفتح العراق،و يفتح الشام و يفتح فلسطين و يفتح الروم و يفتح الصين كما تقول الروايات؟-و سأقرأ عليكم بعض هذه الروايات-.
ص: 72
هذا منظر-ربما هو بالنسبة لكثير منكم-منظر جميل،صورة زحف عالمي يقوده صاحب الزمان،و أنتم من شيعته و جنوده.
أم هي حركة جماهيرية و إنّ استخدام السلاح هو الهامش و ليس هو الأصل؟هذه الحركة مثل حركة الأنبياء عليهم السّلام هناك استخدام للسلاح لكن هو الهامش و ليس هو الأصل؟
الجواب:إنّ حركة الإمام المنتظر هي حركة تغييرية جماهيرية ليست مسلحة، يعني العملية ليست عملية زحف مسلّح كما قام ماوتسي تونغ من الجبال و زحف علي الصين و شكّل الجمهورية الشعبية الديمقراطية الاشتراكية الصينية،أو من قبيل الاتحاد السوفيتي حينما قام لينين و بعده ستالين باستقطاع شعوب و دول من العالم و ضّمها عنوة إلي دولة كبري اسمها الاتحاد السوفيتي عبر غزو مسلح و انقلابات عسكرية هنا و هناك،(حركة الإمام المنتظر عليه السّلام)،ليست كذلك،إنما هي حركة أيديولوجية تغييرية ثقافية،السلاح يستخدم فيها كآخر شيء.
هذا الأمر يحتاج إلي استدلال و وقوف لدراسة روايات لطيفة في هذا المجال.
أنا الفت نظركم إلي مجموعة آفاق في هذا الشأن:
لا حظوا:إمامنا المنتظر أوّل ظهوره في المدينة المنورة و يومئذ يكون العراق و الشام قد سقطا بيد قائد عسكري طاغ اسمه السفياني،هناك طاغية دكتاتور يكون قد سيطر علي الشام و العراق فلما تبلغه نهضة الإمام المنتظر في المدينة المنورة يقوم السفياني بالزحف علي المدينة المنورة و الإمام المنتظر فيها.
الإمام دوره هنا أن يغيّر موقع المعركة،ينتقل الإمام كما تقول الروايات من المدينة المنورة-ربما لتكتيك عسكري أو لشيء آخر اللّه العالم-ينتقل إلي مكّة المكرمة و حينئذ تسقط المدينة المنورة في يد السفياني و قواته العسكرية و الإمام حينئذ
ص: 73
موجود بمكّة المكرمة و هنا في مكّة يعلن عن ثورته العالمية،و من مكّة ينطلق و يعلن عن الثورة العالمية،فأوّل من يبايعه جبرائيل يهبط و يبايعه بثلاثة آلاف من الملائكة و لا يزحف الإمام لتحرير المدينة المنورة من يد السفياني إلاّ بعد أن يستكمل عنده من أنصاره و شيعته عشرة آلاف يلتحقون به من هنا و هناك قزعا كقزع الخريف يعني سحبا قطعا قطعا مسرعة إليه يجتمع عنده عشرة آلاف،حينئذ تبدأ عملية التحرير لكبري لكنها أيضا ليست عملية مسلحة،الروايات المؤكدة تقول أن السفياني يكون قد سيطر علي المدينة المنورة حينما يعرف أن المهدي المنتظر خرج في مكّة المكرمة بقوم بزحف كبير.زحف قوات كبيرة من المدينة المنورة إلي مكّة و في الطريق بخسف اللّه تبارك و تعالي بهم الأرض جميعا فلا ينجو منهم إلاّ ثلاثة-أو واحد- يرجعون يخبّرون بالحادثة التي حدثت و إن الأرض قد ابتلعت كل هؤلاء،زلزال كبير يبتلع كل هذا الجيش الذي عدده ثلاثة آلاف،و هذه علامة من العلامات الخمس.
يوجد علامات خمس تذكرها العديد من الروايات (1)و هي متفق عليها عند الشيعة و عند السنة لظهور الحجة المنتظر عليه السّلام:
العلامة الأولي:الصيحة في السماء.
العلامة الثانية:السفياني و ظهوره.
العلامة الثالثة:الخسف بالبيداء.
العلامة الرابعة:ظهور اليماني.
العلامة الخامسة:قتل النفس الزكية بين الركن و المقام.
ص: 74
خمس علامات يصفها العلماء و المؤرخون لظهور الإمام المهدي عليه السّلام بأنها علامات حتمية،يعني هذه خمس علامات حتمية غير قابلة للشك و كثير من الروايات تذكر هذه العلامات الخمس.
الصيحة:نداء بالسماء يسمعه كل الخلق،صيحة واحدة و ذلك إذا ظهر المهدي في مكّة المكرمة.
السفياني:ثم ظهور السفياني.
الخسف:و الخسف به بين المدينة و مكّة.
اليماني:و ظهور اليماني من اليمن،قائد اسمه اليماني من الموالين لحركة الإمام المنتظر عليه السّلام.
النفس الزكية:ثم قتل النفس الزكية بين الركن و المقام.
علي كل حال هذه خمس علامات نحن ذكرناها استعراضا و ربما سنعود إليها،و محور حديثنا باتجاه معرفة أن حركة الإمام المنتظر هي حركة مسلحة أم حركة جماهيرية سلمية و بهذا الشرح قد بينت لكم أنها حركة جماهيرية سلمية و ليست حركة مسلحة،و لهذا يخرج من المدينة فيذهب إلي مكّة و يواجه زحف السفياني هذه مجموعة روايات أنا أقرا لكم بعضها للاستفادة.
الرواية التي تقول عن أبي عبد اللّه الصادق عليه السّلام قال:
«خمسة قبل قيام القائم اليماني و السفياني و المنادي ينادي من السماء و خسف بالبيداء و قتل النفس الزكية»،روايات كثيرة في نفس هذا المعني تتكرر.
قد تتساءلون ما هي الصيحة؟يعني النداء،هناك رواية تقول أن النداء بهذا الشكل عن إمامنا الصادق عليه السّلام يقول:
«و النداء من المحتوم،و خروج القائم من المحتوم».
ص: 75
قلت:و كيف النداء؟
قال:«ينادي منادي من السماء أوّل النهار ألا ان عليّا و شيعته هم الفائزون». (1)
هناك روايات كثيرة في هذا المجال تؤكد أن الصيحة و النداء من العلامات الحتمية،الخسف بالبيداء أيضا و قد شرحته لكم،اليماني كما ذكرت لأنه يخرج من اليمن فيسمي اليماني لأن حركته من اليمن من جنوب مكّة المكرمة،يلتحق بالإمام المنتظر عليه السّلام و ينصره.
أنا بهذا الصدد لديّ رواية جميلة تستحق أن أقرأها لكم الرواية هكذا تقول عن الإمام الباقر عليه السّلام في بعض ما يقول:
«عندما يخرج المهدي عليه السّلام من المدينة المنورة علي سنّة موسي عليه السّلام خائفا يتّرقب حتي يقدم مكّة و يقبل الجيش-يعني جيش السفياني-و ينزل البيداء-يعني بالعراء بين مكّة و المدينة مسافة حوالي(460 كم)-حتّي إذا نزل البيداء خسف بهم،و لا يفلت منهم إلاّ المخبر-يذهب فيعطي خبر زلزال عظيم-فيقوم القائم بين الركن و المقام فيصلي و يقول أيها الناس فيجيبه ثلاثمائة و بضع عشر رجلا فيهم خمسون امرأة». (2)
لا حظوا:خمسون امرأة يشاركن في العملية التغييرية التي يقودها الإمام المنتظر في خلّص أصحابه يعني(313)ليس كلهم رجالا،بل بينهم خمسون امرأة أيضا و بعض الروايات تقول(13)امرأة (3)«يجتمعون بمكّة علي غير ميعاد قزعا كقزع الخريف يتبع بعضهم بعضا،ثم يخرج من مكّة و من معه و هم هؤلاء الثلاثمائة و بضعةه.
ص: 76
عشر يبايعونه بين الركن و المقام معه عهد النبي و رايته و سلاحه و وزيره فينادي المنادي بمكّة باسمه و أمره من السماء حتّي يسمعه أهل الأرض كلهم».
إذن الإمام حركته لحد الآن حركة تغيير سلميّ.
و بعد هذا يزحف إلي المدينة المنورة لمواجهة السفياني و بعد تطهير المدينة ينسحب إلي العراق و تكون هناك معركة عظيمة بين جيش السفياني و جيش الحسني الذي يأتي من خراسان لنصرة الإمام المهدي عليه السّلام و يهزم السفياني و يتحرر العراق كاملا،و تتحرر الشام بيد الإمام المنتظر و تتحرر فلسطين أيضا و الروايات تقول تتحرر الروم و كذلك الصين و تبدأ حركة عظيمة عالمية للإمام عليه السّلام يخضع فيها العالم كله لحكم الإسلام. (1)
و هنا من المفيد أن أقرأ لكم هذه الرواية التي تتحدث عن أن الشيعة يلتحقون بالإمام المنتظر تقول الرواية:
«إذا قام قائمنا أذهب اللّه عز و جل عن شيعتنا العاهة،و جعل قلوبهم كزبر
ص: 77
الحديد،و جعل قوة الرجل منهم كقوة أربعين رجلا،و يكونون حكّام الأرض و سنامها-يعني هم يقودون الحركة التغييرية-».
في رواية عن الإمام الباقر عليه السّلام:«فإذا وقع أمرنا و جاء مهدينا كان الرجل من شيعتنا أجري من ليث-يعني أسرع من الأسد-و أمضي من سنان -يعني أحدّ من الرمح-يطأ عدوّنا برجليه و يضربه بكفيه و ذلك عند نزول رحمة اللّه و فرجه علي العباد». (1)
الروايات تقول:إن الإمام عليه السّلام يقبل النصاري فيدخلون في إطار دولته و يأخذ منهم الجزية،و هذا يعني أنه لا يوجد هناك إرهاب فكري أمّا أن تدخل الإسلام أو تقتل،لا بل يمكنك أن تبقي في دولة الإمام المنتظر و مثل ما يعطي المسلمون الزكاة و الخمس أنتم تعطون الجزية أيضا. (2)
لا حظوا إذن هناك تعايش اجتماعي و تبادل ثقافي كما نسميه في أيامنا هذه.
إنّ حركة الإمام المنتظر حركة ثقافية في البداية،و حركة عقائدية أيضا.
هناك رواية مضمونها:«إنّ الإمام المنتظر إذا خرج يمسح بيده علي
ص: 78
رؤوس الخلائق فيهتدون و يدخلون هذا الدين»يعني عملية تغيير عقلي،عملية تغيير أيديولوجي.
رواية جميلة في هذا المجال تستحقق أن أقرأها لكم،الرواية هكذا تقول:
«إذا قام قائمنا وضع يده علي رؤوس العباد،فجمع بها عقولهم و كملت بها أحلامهم». (1)هذا ماذا يعني في اصطلاحنا المعاصر؟
إنّ الحركة حركة تغيير ثقافي و تغيير في قلوب هؤلاء الناس.
نحن الآن في العراق إذا أردنا أن نقيّم الموقف الحالي و نرسمه و نصوّره نجد أنه كأن يدا مسحت علي رؤوس العراقيين،و خاصة الشيعة فوحّدت صفوفهم لخوض العملية السياسية و هذا شيء عجيب،و غريب في الحقيقة،كأن يدا مسحت علي قلوب هؤلاء الناس فحسّنت أخلاقهم و وحدت عقولهم بحيث أصبح الجميع ينادي بالانتخابات و يدعو لخوض العملية السياسية و انتصرنا هذا الانتصار العجيب.
لا حظوا ماذا تقول إحدي الروايات:
عن الإمام الصادق عليه السّلام:«العلم سبع و عشرون حرفا فجميع ما جاءت به الرسل حرفان فلم يعرف الناس غير الحرفين-يعني كل هذا التقدم العلمي الموجود الآن في العالم و كذلك حركة الأنبياء و بشائرهم و كتبهم و شرائعهم،هي عبارة عن استخدام فصلين من سبع و عشرين فصلا من العلوم،يعني هذا الكتاب العلمي مؤلف من سبع و عشرين فصلا و لحد الآن قرأت البشرية الفصل الأوّل و الثاني فقط و إذا ظهر إمامنا المنتظر عليه السّلام أخرج الخمسة و العشرين حرفا و قدّمها للناس». (2)».
ص: 79
قدّروا التطور العلمي و الثقافي الذي سيكون يومئذ،العالم الآن منشغل بالتطور العلمي،و نحن الآن في بيوتنا نطّلع علي ما يجري في كل العالم،نشاهده عبر الشاشات و هذا من العجائب،إذن إلي أين سوف تصل البشرية في تطورها العلمي؟
حركة الإمام المنتظر إذن نستطيع أن نسميها حركة تغييرية أيديولوجية ثقافية عقائدية.
يستخدم السيف و يكثر القتل بالناس حتي يودّون لو لم يكن قد خرج من كثرة ما يحدث من قتال».
أقرأ لكم بعض هذه الروايات ثم نقف لنفسر هذه الروايات التي تصوّر القضية مثل ما تصوّر لنا قضية جنكيز خان في معاركه،سيف و ذبح و قتل حتي يوّد أصحابه أن لا يكون قد خرج لكثرة ما يقتل من الناس،مع أن هذه الروايات نفسها تسمي يوم ظهوره يوم الرحمة و نزول الرحمة من اللّه تعالي.
«لو قد خرج قائم آل محمّد عليهم السّلام لنصره اللّه بالملائكة المسوّمين و المردفين و المنزلين و الكروبيين يكون جبرائيل أمامه و ميكائيل عن يمينه و إسرافيل عن يساره و الرعب مسيرة شهر أمامه و خلفه و عن يمينه و عن شماله،و الملائكة المقربون حذاه، أوّل من يتبعه محمّد صلي اللّه عليه و آله و عليّ عليه السّلام الثاني،و معه سيف مخترط-يعني مشهور-، -السيف رمز للسلاح-،يفتح اللّه له الروم و الصين و الترك و الديلم و السند و الهند و كابل شاه و الخزر...» (1)هذه كلها تفتح لإمامنا المنتظر عليه السّلام.
رواية أخري تقول عن الباقر عليه السّلام:
«لو يعلم الناس ما يصنع القائم إذا خرج لأحبّ أكثرهم أن لا يروه مما يقتل من الناس...». (2)
رواية أخري تقول:
ص: 81
«...ما يستعجلون بخروج القائم و اللّه ما طعامه إلاّ الشعير الجشب و لا لباسه إلاّ الغليظ و ما هو إلاّ السيف و الموت تحت ظل السيف». (1)
هذا كله تصوير عن معركة عظمي شبيهة بالحرب العالمية و الغزو المسلح يقوم به الإمام المنتظر و هذه الروايات تعطي مثل هذه الدلائل.
و لكن من خلال التأمل و مراجعة مجموع هذه الروايات سنكتشف شيئا آخر.
أن حروب الإمام المنتظر هي حروب دفاعية في الحقيقة،و الأداة التغييرية هي أداة فكرية ثقافية،لكن حينما يتعرض الإمام لهجوم من قبل السفياني،و لتمود داخلي، أو هجوم من قبل الأعداء خاصة اليهود،حينئذ الإمام المنتظر عليه السّلام سيصل إلي فلسطين و يلا حق اليهود حتي لا يبقي حجر إلاّ و هو يقول يا مسلم خلفي يهودي فيقتلونه.
إن مجموعة مؤامرات تحاك ضد الإمام المنتظر،مجموعة انشقاقات داخلية ستكون أيام الإمام المنتظر،ثم يقوم الإمام بتصفيتها«و يلقي من الناس أذي أشد مما لقيه الرسول صلي اللّه عليه و آله»،الرواية تقول يلقي الإمام المنتظر عليه السّلام أذي كثيرا بذلك المستوي الذي لاقاه الرسول صلي اللّه عليه و آله أو أكثر من ذلك.
الرواية عن الإمام الصادق عليه السّلام:«إن قائمنا إذا قام استقبل من جهلة الناس أشد مما استقبله رسول اللّه صلي اللّه عليه و آله من جهال الجاهلية...». (2)
رسول اللّه لم يكن لديه أحد،و ليس الغرض أن يخوض حربا مسلحة، و عملية التغيير يجب أن تحدث فكريا و أيديولوجيا.
يقول عليه السّلام:«...كأني بقائم أهل بيتي قد أشرف علي نجفكم هذا و أومأ بيده[إلي]ناحية الكوفة فإذا هو أشرف علي نجفكم نشر راية رسول اللّه فإذ هو نشرها انحطت عليه ملائكة بدر...». (3)0.
ص: 82
قدمت لكم مجموعة شواهد في هذا المجال كنماذج للتدليل علي أن حركة الإمام المنتظر عليه السّلام هي حركة تغييرية غير مسلحة بالأصل.
في هذه الليلة نصل إلي مناقشة الدكتور أحمد أمين،الدكتور و هو مؤرخ مصري صاحب كتاب(فجر الإسلام)و(ضحي الإسلام)و(ظهر الإسلام)،له كتاب اسمه(المهدي و المهدوية)يناقش فيه فكرة الإمام المنتظر و يستبعدها و يقدم استدلالات لنفي هذه الفكرة الثابتة بالضرورة في الفكر الإسلامي السني و الشيعي.
و قلت لكم إن خمسين صحابيا روي هذه الرواية و خمسين تابعيا أيضا، و صاحب كتاب كنز العمال وحده قدم(247)رواية في الإمام المهدي، و هؤلاء من علماء السنة المؤرخين و المحدثين و من الشيعة أكثر من ذلك.
لكن أحمد أمين يقدّم مناقشة نقدية للفكرة.
يقول:إنّ نظرية الإمام المهدي اضطر لها الشيعة نتيجة الهزيمة السياسية التي حلّت بهم،إن هذه الأمّة مهزومة فاضطروا أن يمنّوا أنفسهم بالأماني و أنه عندنا قائد منتظر،و سيظهر و سيأخذ بثاراتنا،القضية قضية معالجة إحباطات نفسية في قلوب الناس.
في أيام عبد الكريم قاسم أوّل رئيس جمهورية في العراق لما قتل نزلت شائعة تقول إن عبد الكريم قاسم صعد للقمر و سيظهر فيما بعد و ينزل مرة أخري،الحقيقة أنها كانت هزيمة أرادوا أن يملأوا فيها الفراغ النفسي عندهم بمثل هذه الشائعة.
أحمد أمين هكذا يصوّر القضية:أن الشيعة نتيجة هزيمة قد أحاطت بهم علي طوال التاريخ اضطروا أن يفتعلوا قضية ظهور الإمام المهدي في آخر الزمان.
ص: 83
ثم يستشهد أيضا بكلمات ابن خلدون.
ابن خلدون المؤرخ المعروف و الشهير في القرن الثامن له كتاب (مقدمة ابن خلدون)و أصل الكتاب أسمه:(كتاب العبر و ديوان المبتدأ و الخبر في أخبار العرب و العجم و البربر)،و هو من الكتب التراثية الرائعة.
ابن خلدون أساسا عنده نظرية في علم الاجتماع و هو عالم و مؤرخ اجتماعي لكن مشكلته أنه يفرض هذه النظريات غير القطعيّة علي الرؤي القرآنية و الثابتة في النصوص القطعيّة،يحاول أن يفرضها فرضا علي النصوص بمعني يمارس الاجتهاد في مقابل النص،و سوف أحدثكم عنه قليلا إذا كان في الوقت متسع.
ابن خلدون هكذا يقول و علي أثره جاء أحمد أمين يكرر نفس النتائج التي يصل إليها:إن قضية الإمام المهدي هي ردة فعل لهزيمة الشيعة.
ابن خلدون هكذا يقول:
أوّلا:إن الدولة لا تقوم إلاّ علي أساس عصبية،يعني التعصب،هو باعتباره مؤرخا و محللا اجتماعيا يقول:إن كل دولة من الدول تحتاج إلي قائد متعصب،ليس عصبيا باصطلاحنا اليوم يعني منفعل،و إنما المتعصب بمعني حازم و شديد و صاحب إصرار و عناد بالغ علي أفكاره و نظريته،إن أية دولة لا تقوم بدون عصبية.
ثانيا:و يري ابن خلدون:إن الدولة سوف لا يكون عمرها الطبيعي إلاّ عمر ثلاثة أجيال تاريخيا،هكذا يقرأ الدولة أقصي عمرها مائة و عشرون سنة أية دولة من الدول أو حضارة من الحضارات تبدأ بمرحلة فتوة ثم مرحلة ركود ثم مرحلة انهيار، مثل الولد يمر بعملية نمو حتي يصل مثلا إلي 25 عاما و من 25 إلي 45 عاما ركود و من
ص: 84
45 إلي ما بعدها مرحلة انهيار،يقول ابن خلدون الدولة عمرها ثلاثة أجيال و كل جيل عمره 40 سنة،فيكون المجموع 120 سنة.
الدولة بعد أن يصل عمرها إلي 120 سنة تموت،أيّ حضارة من الحضارات، و هكذا يقدم ابن خلدون تحليلا في هذا الشأن يستند في هذا التحليل إلي هذه النظرية أن الدولة أوّل أمرها تقوم علي أساس العصبية البدوية و الجيل الأوّل جيل متعصب و هو الذي يقوم بتأسيس الدولة،بعده يأتي جيل ثان،جيل مرفّه نسبيا لم يشترك في تأسيس الحكم و صعوبته و إنما جاء و استلم حكما قائما فكأنه عاش بين العصبية و بين الدلال و النعومة يحكم أربعين سنة،بعدها يأتي جيل جديد لم يشهد شيء من الشدة و العصبية و إنما جيل ترف،هذا الجيل الأخير لا يجد عنده نوعا من العصبية،فتبدأ الدولة معه بالاضمحلال و تنتهي.
و يقدم ابن خلدون هذا التحليل و في ضوئه يستبعد إقامة دولة عالمية دائمة تملأ الأرض قسطا و عدلا بعدما ملئت ظلما و جورا.
ثالثا:يقول ابن خلدون:أن أهل البيت عليهم السّلام أناس عندهم عطف و رحمة و الدولة لا تقوم عند أناس من هذا القبيل لا بدّ من عصبية و أهل البيت لا يوجد عندهم عصبية،إذن المهدي كيف يقوم بدولة و لا توجد عنده عصبية!؟
هذا التحليل في الحقيقة يمكن أن يناقشه أحد من زاوية اجتماعية و تاريخية و يمكن قبوله،و نحن الآن لسنا بصدد مناقشته في علم الاجتماع و التاريخ،لكن من زاوية أخري أننا في الفكر الإسلامي لا نسمح لأنفسنا فرض الاجتهاد و الرأي التحليلي الخاص علي النص الثابت إسلاميا.
و من الممكن وجود آراء و نظريات و لكن إذا أصبح كل واحد يفرض نظريته علي النص الإسلامي فلا يبقي من القرآن شيء.
ص: 85
مثلا القرآن يقول: وَ لَكُمْ فِي الْقِصاصِ حَياةٌ يا أُولِي الْأَلْبابِ (1)لكن الولايات المتحدة الأمريكية-مثلا-ترفع شعار إلغاء قانون القصاص في العالم،فلا يوجد قصاص،حتي إذا كان ظالم مثل صدام يقتل آلاف الناس و هناك قبور جماعية، و إحراق قري حتي أطفالها و نسائها،يقال:لا يجوز أن يقتل هذا المجرم قصاصا.
أنا لا أناقش ابن خلدون من ناحية علميّة بل أناقشه من ناحية إسلاميّة،نحن إسلاميا نعتقد أنّ ما يقوله القرآن لا يجوز أن يخضع إلي الرأي الشخصي حتي لو كان الشخص بروفسور بعلم الاجتماع و التاريخ بل يجب أن يخضع رأيه للحكم القرآني.
ابن خلدون و غيره أصبح يفكر بطريقة فرض الاجتهاد الشخصي علي الثوابت الدينية،هو قد توصل إلي نظرية،و هي نظرية تقبل الصواب و الخطأ،يمكن أن تكون صحيحة،و يمكن بعد مئة سنة تتغير و يكتشفون شيئا آخر ضد هذه النظرية،فكيف نرفض ما ثبت بالنص الصحيح استنادا إلي اجتهادية غير يقينية.
النص الثابت عن رسول اللّه صلي اللّه عليه و آله:«لا تقوم الساعة حتي يخرج رجل من ولدي يواطيء اسمه اسمي يملأ الأرض قسطا و عدلا»كيف تطرح هذه النصوص الثابتة لصالح نظرية اجتهادية؟هذا غير مقبول،و هو ما نسميه(اجتهاد في مقابل النص).
نحن نقول هذا النص القرآني الذي يؤكد قيام الدولة العالمية الصالحة هو نص مقدس و الروايات الثابتة تؤكد ان تلك الدولة تقدم علي يد الإمام المهدي عليه السّلام،هذه يجب أن نقبلها لأنها مستندة للوحي و مستندة إلي مصدر أعلم منا و هو اللّه تبارك و تعالي و لا يمكن تجاوز هذه النصوص الثابتة بالضرورة في الفكر الإسلامي.
أحمد أمين يقول إن فكرة الإمام المنتظر عبارة عن ردة فعل لهزيمة الشيعة،و علماؤنا يناقشون هذا الأمر في أكثر من مناقشة:
ص: 86
مثلا الشهيد الصدر رضوان اللّه عليه في كتابه(بحث حول المهدي) يناقش الفكرة مناقشة سريعة،و الأستاذ عدنان البكاء يناقشها مناقشة مفصّلة في كتاب الإمام المنتظر و العلامة الشيخ محمّد أمين زين الدين يناقشه أيضا مناقشة جيدة في هذا الأمر.
و خلاصة المناقشة ببساطة و وضوح أن هذه الروايات التي تتحدث عن الإمام المهدي و قيام الإمام المهدي و دولته هي ليست روايات من مصطنعات الشيعة،هذه الروايات يذكرها الصحابة عن رسول اللّه صلي اللّه عليه و آله،بل هي ثابتة في تاريخ الأديان قبل الإسلام،يعني هناك تباشير دينّية سماوية بالقائم المهدي عليه السّلام سواءا كان عيسي عليه السّلام أو غيره،و لكن أصل الفكرة ثابت،إذن فكرة المصلح العظيم الذي يخرج في آخر الزمان هذه الأديان بشّرت بها،و قد ظهرت هذه الفكرة أيضا في زمن رسول اللّه صلي اللّه عليه و آله قبل أن يكون هناك تكتل مذهبي للشيعة أو هزيمة سياسية لهم،إذن هذا في الحقيقة مجرد فرض و من الممكن للباحث أن يقدم مجموعة فرضيات لكن المهم هو التأكد من مدي علمية هذه الفرضيات.
نحن نقول:إن رسول اللّه صلي اللّه عليه و آله نبي يوحي إليه و يمكن لشخص آخر مثل (ميشيل عفلق)أن يقول هذا الرجل ليس بنبي،و هو وضع القرآن من عنده لا نبوة و لا وحي،هذه فرضية لكن لا يجوز فرضها بدون دليل علي الواقع،فإذا أصبحت الحقائق العلمية تفرض عليها الفرضيات إذن لا يبقي شيء من الحقائق العلمية ثابتا،الفرضيات ما لم تتمتع بحجة علمية و بدليل و بإثباتات علمية فأنه لا قيمه لها.
يستند ابن خلدون و أحمد أمين كذلك في تشكيكهم بقضية الإمام المهدي عليه السّلام إلي شبهة أخري و هي إنه لماذا روايات الإمام المهدي لم يذكرها البخاري في صحيحه.
ص: 87
البخاري هو أحد المحدّثين الكبار عنده كتاب اسمه(صحيح البخاري)هذا المؤلف و هو إمام من أئمّة السنة لم يذكر أخبار الإمام المهدي عليه السّلام و لكن ذكرتها كتبهم الأخري،عشرات الصحاح ذكرتها لكن البخاري لم يذكرها يقولون لماذا لم يذكرها البخاري؟إذن هذه الروايات قابلة للمناقشة.
و الحنال أنك إذا جئت للبخاري تجد أن هذا الرجل بالأصل له موقف من قضية أهل البيت عليهم السّلام مثال ذلك أن البخاري عاش في زمن الإمام الجواد عليه السّلام يعني أدرك امتدادات الإمام الصادق الذي يقول عنه الحسن الوشّا:
رأيت تسعمائة شيخ كل يقول حدثني جعفر بن محمّد الصادق،و نقل عنه الرواة ما سارت به الركبان و ذاع صيته في البلدان،مع ذلك و رغم أن البخاري كان معاصرا لنهايات حركة الإمام الصادق في الكوفة،البخاري لا يروي عنه و لا رواية واحدة،هذا تعصب واضح في الحقيقة،فهل يمكن اعتبار ذلك شاهدا علي أن لا وجود للإمام الصادق عليه السّلام؟
عشرات الصحاح للأئمّة المؤرخين و المحدثين من أهل السّنة تروي روايات النبي و الصحابة في قضية الإمام المهدي عليه السّلام فإذا لم ينقلها البخاري يجب أن تسجل عليه علامة استفهام،أما الاحتجاج بهذا الكتاب و لماذا لم يذكر هذه الروايات ثم استنتاج أن هذه الروايات ليست صحيحة فان مثل هذا الاحتجاج ليس علميا و لعلّنا سنعود مرة أخري إلي مناقشة أبن خلدون و أحمد أمين.
نحن في مثل هذا اليوم و هو الثالث من محرم الحرام نكون مع الإمام الحسين و قد نزل كربلاء في اليوم الثاني يعني يوم أمس كان قد وصل كربلاء و أرسل الحر الرياحي لابن زياد ان الحسين قد وصل كربلاء.
ابن زياد كتب إلي الإمام الحسين«أن جاء كتاب الأمير-يقصد يزيد
ص: 88
بن معاوية-أن لا أتوسد الوثير و لا أشبع من الخمير أو الحقك باللطيف الخبير أو تنزل علي حكم الأمير».
الإمام الحسين عليه السّلام لما قرأ الكتاب قال له الرسول أريد الجواب قال له:«ليس له عندي جواب فقد حقت عليه كلمة العذاب».
وصل الخبر إلي ابن زياد إستنشاط غضبا دعا عمر بن سعد و كان علي قوة تعدادها أربعة آلاف فارس و دعاه للتوجه لحرب الحسين عليه السّلام فقال أمهلني ليلة حتي أفكر قليلا،أمهله ليلة لكن الدنيا التي تعمي الإنسان الدنيوي أعمت قلبه فأمسي يفكر في ليلته تلك و يمشي و يردد الأبيات المعروفة.
يقولون أن اللّه خالق جنّة و نار و تعذيب و غلّ يدين
فأن صدقوا فيما يقولون أنني أتوب إلي الرحمن من سنتين
أوّل من خرج لحرب الحسين بأربعة آلاف هو عمر بن سعد وصل كربلاء في اليوم الرابع أو الخامس من محرم الحرام و ما زال ابن زياد يرسل العساكر إلي كربلاء،شمر بن ذي الجوشن في أربعة آلاف،الحصين بن نمير في أربعة آلاف شبث بن ربعي في ثلاثة آلاف،الرواية تقول حتي استكمل في كربلاء في اليوم السادس من محرم الحرام عشرون ألف مقاتل.
الإمام الحسين عليه السّلام يوم نزل كربلاء كتب كتابا إلي أخيه محمّد بن الحنفية يخبره بوصوله إلي كربلاء يقول:«أما بعد فكأن الدنيا لم تكن و كأن الآخرة لم تزل و السلام».
إنا للّه و إنا إليه راجعون
***
ص: 89
ص: 90
ص: 91
32-كيف تعالج مشكلة طول العمر لدي الإمام المنتظر عليه السّلام؟
33-لماذا لا يظهر الإمام المنتظر عليه السّلام فعلا؟
34-هل يحضر الإمام في موسم الحج؟
35-ما هي الدابّة التي تخرج عند ظهور الإمام المنتظر عليه السّلام؟
36-حركة الإمام المنتظر عليه السّلام هل تعتمد علي العنصر البشري؟
37-ما هو القانون الإلهي في حركة الأنبياء و كيف نفسر حكومة داود و سليمان؟
38-حركة الحسين عليه السّلام هل اعتمدت العنصر البشري أم العنصر الغيبي؟
ص: 92
بسم اللّه الرحمن الرحيم
لما عزم الحسين عليه السّلام علي الخروج من مكّة المكرمة خطب الناس قائلا:«خطّ الموت علي ولد آدم مخطّ القلادة علي جيد الفتاة،كأني بأوصالي هذه تقطعها عسلان الفلوات بين النواوويس و كربلاء فيملأن مني أكراشا جوفا و أجربة سغبا،لا محيص عن يوم خطّ بالقلم،رضا اللّه رضانا أهل البيت نصبر علي بلائه و يوفينا أجور الصابرين». (1)
يستمر الحديث في هذه الليلة عن عناصر الاشتراك و التمايز بين حركة الإمام الحسين عليه السّلام و حركة الإمام المهدي عليه السّلام في الأهداف و المناهج و النتائج.
يوم أمس تحدثنا عن عنصر الاشتراك علي مستوي المنهج بين حركة الحسين عليه السّلام و حركة المهدي عليه السّلام و هو أن كلتا الثورتين إصلاحية تغييرية جماهيرية و ليست مسلحة أو عبر زحف عسكري،و قدّمنا بالأرقام و الدلائل،و أعطينا تحليلا عن كل هذا.
و لماذا كانت كل حركة الأنبياء هكذا؟و كان هذا هو منهج الدين الإسلامي و الأديان الأخري.
في هذه الليلة حديثنا عن عنصر اشتراك آخر في المنهج أيضا بين حركة المهدي عليه السّلام و حركة الحسين عليه السّلام.
عنصر الاشتراك هذا يتحدث عن دور العامل الغيبي في الحركتين و دور العامل البشري.
ص: 93
حضور الناس،و استعداد الناس،و إمكانات الناس و قوات الناس هذا نسميه العامل البشري.
أما العامل الغيبي فهو يعني اليد الإلهية،الإعجاز،الملائكة،النصر الإلهي الغيبي.
أين دور العامل البشري و موقعه؟و أين دور العامل الغيبي و موقعه في حركة الحسين عليه السّلام و في حركة الإمام المنتظر عليه السّلام؟
و بعبارة أخري إن حركة الإمام المهدي عليه السّلام و نجاحها و انتصارها العالمي حيث يملأ الأرض قسطا و عدلا تعتمد بالأصل علي العنصر البشري.
و هذا الموضوع في غاية الأهمية و سوف تنحل به مجموعة عقد و مجموعة شبهات و إشكالات.
البعض يسجل أسئلة علي سبيل الإشكال إنه إذا كان الإمام المهدي عليه السّلام ينتصر بالملائكة،ينتصر بقوة الغيب إذا لماذا لا يخرج الآن و تنتهي القضية؟إذن ما هي فلسفة التأخير؟بل ما هي فلسفة الغيبة؟
كيف تصوّرون الإمام المهدي عليه السّلام غاب خوفا من القتل ثم تقولون ينتصر بالملائكة و ينتصر باليد الإلهية؟يعني اليد الإلهية لماذا لم تنصره من اليوم الأوّل؟
هذه مجموعة إثارات و شبهات.
أصلا لماذا غاب ثم لماذا لا يظهر الآن،هل هذا من اللطف الإلهي؟
أنتم شيعة أهل البيت عليهم السّلام تقولون إن الإمام المهدي عليه السّلام لطف من اللّه،و غيبته لطف من اللّه،و ظهوره يوم يظهر لطف من اللّه،إذا كان هذا اللطف الإلهي كذلك فلماذا لا يعجّله اللّه تعالي؟
هؤلاء يريدون أن يقولوا إنّ الفكرة خطأ،الفكرة و همية،تصوركم عن الإمام المهدي عليه السّلام تصور خيالي،استدلالاتكم غير منطقية،هكذا يفترضون!
نحن اليوم نريد أن نحل عقدة فكرية هي سبب هذه الإشكالات.
ص: 94
دور العامل البشري في عملية التغيير،و دور العامل الغيبي في عملية التغيير.
نحن-المسلمين-نعتقد إن حركة الأنبياء و حركة التغيير علي الأرض تعتمد بالدرجة الأولي علي العنصر البشري،و دور العنصر الغيبي هو دور الإسناد و دور الأدوات الاحتياطية،إذا عجز العنصر البشري يأتي دور العنصر الغيبي و يأتي دور الملائكة،و يأتي دور المعجزة كأدوات احتياط و كدور ثان و ليس دور أوّل،الدور الأوّل هو العامل البشري.
لا حظوا الأديان-كل الأديان-في مجال التشريع ماذا نعتقد فيها؟
العنصر الغيبي هو الأوّل،النبي يتلقي الوحي من اللّه تعالي،يعني من الغيب،هنا في التشريع الدور لمن؟الدور للإنسان أم الدور للغيب و هو للّه تعالي؟
للغيب،
يعني النبي يتلقي الوحي،و ليس هو الذي يشرع الصوم و الصلاة و ما شاكل ذلك في مجال التشريع،و دور الإنسان حينما يدخل في مجلس تشريعي إسلامي أن يملأ نقاط الفراغ كما كان هو دور النبي صلي اللّه عليه و آله، أمّا أصل التشريع فهو من اللّه تعالي.
يوجد لدينا برلمانات في العالم الإسلامي هؤلاء لا يشّرعون في مقابل اللّه تعالي،و لا يشرعون في مقابل القرآن،هؤلاء هم مجلس تشريعي يتحرك في منطقة الفراغ،ميزانية الدولة،الخطة الخمسيّة،العلاقة بين الوزارات،كيف تكون؟استجواب الوزير كيف يكون؟تقديم لوائح قانونية هذا كله و أمثاله لملأ مناطق الفراغ.
أما أصل التشريع فمن اللّه تبارك تعالي،هذا في مجال التشريع.
ص: 95
لكن في مجال التغيير علي الأرض فأن اللّه تعالي يقول أيها الإنسان الدور الآن دورك،أيها الإنسان اعمل أنت إِنْ تَنْصُرُوا اللّهَ يَنْصُرْكُمْ (1)حينئذ يأتي دور الإسناد، ينصركم،اعملوا أنتم أوّلا بعد ذلك يأتي دور اللّه تبارك و تعالي،يعني في مجال التغيير علي الأرض.يأتي أوّلا دور العنصر البشري و يأتي ثانيا دور العنصر الغيبي و الإلهي.
هذه نظرية في الحقيقة جارية و منسحبة علي كل الأديان و ليس نبينا صلي اللّه عليه و آله فقط أو حركة إمامنا الحسين عليه السّلام خاصة،لأن كل الأديان هكذا كانت كما سنتحدث، يعني نوح و موسي و عيسي و إبراهيم عليهم السّلام هكذا كانت حركتهم بمقدار ما يتقدم العنصر البشري يتقدم الدور الإلهي دور الإسناد،يعني موسي عليه السّلام دخل في مواجهة مع فرعون و لمّا عجز العنصر البشري تقدّم الدور الإلهي أَلْقِ عَصاكَ (2)و اِضْرِبْ بِعَصاكَ الْبَحْرَ (3)هذا إسناد إلهي لكن أصل التحرك كان من موسي و جماعته و لو لم يتحركوا و جلسوا في البيت لم ينزل عليهم النصر الإلهي.
اسمحوا لي أن أقرأ لكم قصة جميلة.
تقول الرواية (4)إنّ اللّه تبارك و تعالي أوحي إلي نبي من أنبياء بني إسرائيل أن
ص: 96
ادع قومك للقتال و أنا ناصركم،جاء هؤلاء الناس و لكن لن يضربوا بسيف و لم يطعنوا برمح و بمجرد أن رأوا قوات العدو انهزموا و قالوا لا طاقة لنا للقتال فلم ينصرهم اللّه، أصبحوا يعتبون علي نبيهم و يقولون وعدتنا بالنصر فأين هو؟فأوحي اللّه تبارك و تعالي إلي نبيهم قل لهم إما القتال و إمّا النار،أيّ إما أن يقاتلوا العدو مع قلة العدد و حينئذ أنا انزل عليهم النصر و إما أدخلهم النار فأخبرهم النبي بذلك و قال يا بني إسرائيل هذا الوحي من اللّه تعالي يقول لو لم تقاتلوا ينزل عليكم العذاب قالوا نقاتل و جاءوا مستعدين للقتال و لم ينهزموا و حينئذ أنزل اللّه عليهم النصر قبل أن يطعنوا برمح أو يضربوا بسيف.
هنا عندما استعدوا لتحمل المسؤولية جاء العامل الغيبي.
و لهذا يقال فيما هو المأثور:(يا عبدي منك الحركة و مني البركة)أيّ أنت اذهب و فتّح محل عملك،و أطرق الأبواب يأتيك الرزق أمّا أن تبقي جالسا في البيت و تقول لا يوجد عمل فلا يأتي مني الرزق.
هذه هي نظرية تقدم العامل البشري علي العامل الغيبي.
و هذا نجده في حركة الأنبياء رغم أنهم محاطون بالغيب و الملائكة، فموسي عليه السّلام كان محاطا منذ طفولته بالرعاية الإلهية و كذلك عيسي عليه السّلام و رسول اللّه صلي اللّه عليه و آله و لكن هذا كله يتقدمه العنصر البشري.».
ص: 97
لكن هذا القانون تخلفّ بحكمة إلهية بشكل واضح في اثنين من الأنبياء و هما سليمان و داود عليهما السّلام و قد شرحنا هذا الأمر في ليالي شهر رمضان الماضية و قلنا إنّ اللّه تبارك و تعالي أراد أن يري البشر أنه قادر علي إعطاء حكومة عالمية لبعض أنبيائه كداود و سليمان عليهما السّلام حينما سأله سليمان عليه السّلام، و قال: رَبِّ اغْفِرْ لِي وَ هَبْ لِي مُلْكاً لا يَنْبَغِي لِأَحَدٍ مِنْ بَعْدِي ، (1)فملك سليمان عليه السّلام غير حاصل لأحد من البشر،اللّه تعالي يقول أنا قادر علي كل شيء، لكن أريد منكم أن تعملوا،و أنا قادر علي نصرة الأنبياء لكن أريد منكم أن تبذلوا الجهد أوّلا.
اللّه قادر علي تسخير الموجودات الأخري لنصرة أنبيائه من الرياح و الطير و الجبال وَ سَخَّرْنا مَعَ داوُدَ الْجِبالَ يُسَبِّحْنَ وَ الطَّيْرَ وَ كُنّا فاعِلِينَ (2)فالرياح تجري بأمره غُدُوُّها شَهْرٌ وَ رَواحُها شَهْرٌ (3)فيأمر الرياح أن تعصف بالمدينة فتعصف بها.
و هذا لا يتكرر لملك إلي آخر الدنيا كما قال سليمان عليه السّلام: لا يَنْبَغِي لِأَحَدٍ مِنْ بَعْدِي . (4)
هنا القاعدة تخلفت لحكمة إلهية،حيث اعتمد ملك داود و سليمان علي العامل الغيبي قبل العامل البشري لكن القاعدة العريضة هي أن العامل البشري هو الذي يتقدم علي العامل الغيبي.
ص: 98
عندما تذهبون إلي المدينة المنوّرة يوجد مكان يدعي بالمساجد السبعة و هي مساجد متواضعة مهملة من حيث العمران،هذه المساجد كانت علي الخندق في معركة الأحزاب عندما جمعت قريش حلفاءها من الأعراب و الأحزاب في معركة الأحزاب تقول الرواية أن رسول اللّه صلي اللّه عليه و آله وقف بمكان مرتفع و دعا اللّه تعالي بقوله:«اللهم إن تهلك هذه العصابة لا تعبد،اللهم أنزل علينا النصر»تقول الرواية هبت ريح علي العدو و قلبت قدورهم و قطعت خيامهم و ولوا منهزمين و بني في هذا المكان مسجد اسمه مسجد الفتح لأن اللّه تعالي كتب لنبيه الفتح بعد الدعاء،و الجماعة بنوا بجانبه مساجد أخري باسم مسجد عمر و أبي بكر إلي جانب ذلك يوجد مسجد عليّ ابن أبي طالب عليه السّلام و مسجد الزهراء عليها السّلام و مسجد أبي ذر رضي اللّه عنه و مسجد سلمان رضي اللّه عنه. (1)
ص: 99
العامل الغيبي يأتي بعد العامل البشري فحينما حضر الإمام عليّ عليه السّلام في معركة الأحزاب و قتل عمرو بن عبدود العامري حينئذ جاء دور العامل الغيبي فالرسول دعا بالنصر و استجاب اللّه دعاءه لكن ذلك إنما كان بعد أن ثبت النبي و المسلمون معه و بذلوا كل جهدهم و حينئذ جاء دور النصر الإلهي.
ذكرنا القانون الذي تخلّف في أثنين من الأنبياء و هم داود و سليمان عليهما السّلام و في نبينا كان هذا القانون هو الحاكم فعملية التغيير التي قادها رسول اللّه صلي اللّه عليه و آله كانت بحضور العنصر البشري ففي مكة ثلاثة عشر سنة و في المدينة عشرة سنوات من العمل و الجهاد و بعد ذلك جاء دور العامل الغيبي فمثلا في معركة بدر كان المسلمون لا يملكون إلاّ أربعة أسياف و كان البقية يقاتلون بجريد النخل حينئذ جاء دور العامل الغيبي يُمْدِدْكُمْ رَبُّكُمْ بِخَمْسَةِ آلافٍ مِنَ الْمَلائِكَةِ مُسَوِّمِينَ . (1)
ص: 100
هذا الأمر نريد أن نناقشه مع قضية الحسين عليه السّلام و مع حركة الإمام المنتظر عليه السّلام الذي نحن بانتظاره فعندما يخرج الإمام كيف يكون الانتصار بالبشر أم بالملائكة و الرياح و المعاجز الإلهية؟
لقد كان واضحا جدا اعتماد الحسين عليه السّلام علي القانون العام في التغيير،و دور العنصر البشري،و لهذا فأن الحسين عليه السّلام خطب في المدينة المنورة حتي يعبئ الناس ثم أتي إلي مكّة المكرمة و قدم للناس هذا الخطاب الذي قرأت لكم مقاطع منه،الناس يريدون أن يذهبوا إلي عرفات لكن الحسين عليه السّلام خطب خطبة جهادية قائلا:«خط الموت علي ولد آدم مخط القلادة علي جيد الفتاة»خطاب سياسي و جهادي توعوي.
لماذا لم يبشرهم بالانتصار و لم يحدثهم عن نزول الملائكة و إنما بدأ باتجاه الثورة؟
و هكذا تتواصل حركة الحسين عليه السّلام فنجد إنها كانت تعتمد العنصر البشري.
مثلا كيف كان القتال في كربلاء؟أنتم مطلعون علي المقتل،الحسين عليه السّلام صف أصحابه زهير علي الميمنة و حبيب بن مظاهر علي الميسرة و الحسين عليه السّلام بالقلب و أعطي رايته لقمر بني هاشم،هذه عملية عسكرية يخوضها يعني قلب و جناحين يمين و شمال تماما كما هو تخطيط عسكري يقوم به الحسين عليه السّلام.
و الإمام الحسين عليه السّلام قبل أن يخرج من مكّة المكرمة بعث كتابا للتعبئة الجماهيرية،بعث رسائل يعني أصبح يعطي تصريحات عبر الفضائيات و يومئذ لا توجد فضائيات،لكن بعث برسائل يكتبها إلي رؤساء الأخماس في البصرة،الأخماس يعني قادة الألوية يطلب منهم النصرة بعضهم أجابوه بعضهم أدركه في مكّة المكرمة، و بعضهم أدركه في كربلاء بعد مقتله،يعني لم يدرك الحسين عليه السّلام في الحقيقة و إن
ص: 101
كان أدرك الثواب مثل سعيد و هو أحد رؤساء الأخماس وقادة الألوية في البصرة الذي وصل إلي كربلاء و كان الحسين عليه السّلام قد قتل.
نحن نلاحظ أن هاهنا تخطيطا عسكريا يخوضه الإمام الحسين عليه السّلام.
الإمام الحسين عليه السّلام مثلا حينما حاصروا المشرعة الروايات تقول إنه تراجع وراء الخيام عدة خطوات ثم حفر بئرا فنبعت عين ماء فشرب منها،كان هذا في السابع من محرم الحرام،الحسين عليه السّلام وراء الخيام حفر خندقا ملأه بالحطب و أحرقه،هذه خطة عسكرية حتي لا يحدث علي الخيام هجوم من الخلف و بهذا قال الأعداء تعجلت بالنار يا حسين!إذن هذه خطة عسكرية يخوضها الإمام الحسين عليه السّلام،مع هذا التقدم في العنصر البشري و العنصر الغيبي موجود أيضا.
الرواية التي يرويها الشيخ الصدوق،بسنده عن أبان بن تغلب عن الإمام الصادق عليه السّلام:«إن أربعة آلاف من الملائكة استأذنوا اللّه تبارك و تعالي يوم عاشوراء لنصرة الحسين عليه السّلام و ما زالوا يستأذنون حتي أذن لهم فهبطوا إلي كربلاء فلم يدركوه و كان الحسين عليه السّلام قد قتل»،الرواية تقول إنهم ما زالوا عند قبر الحسين عليه السّلام ينتظرون قيام القائم عليه السّلام.
هذه الرواية جميلة و تقول أيضا:«إنهم عند قبره يبكونه و رئيسهم ملك يقال له منصور فلا يزوره زائر إلاّ استقبلوه،و لا يمرض إلاّ عادوه و لا يموت إلاّ صلوا علي جنازته،و استغفروا له بعد موته،و ينتظرون قيام القائم عليه السّلام فإذا خرج كانوا من أنصاره»هذه الرواية يرويها الشيخ الصدوق عن أبان بن تغلب. (1)
نلاحظ أن حركة الإمام الحسين عليه السّلام تعتمد علي التعبئة البشرية إضافة إلي العامل الغيبي الذي يحيط بكل القضية لكن عمق القضية هو أن
ص: 102
يحمل الإنسان اللواء.و لهذا فالحسين عليه السّلام لم يطلب نصرة هؤلاء الملائكة، و لا اذن لهم بالنزول إلي كربلاء إلاّ بعد مقتل الحسين عليه السّلام.
و أبان بن تغلب الذي قرأنا عنه الرواية السابقة هو من عظماء الشيعة،أدرك الإمام السجاد و الباقر (1)و الصادق عليهم السّلام الذي قال له:«...جالس أهل المدينة فاني أحب أن يري في شيعتنا مثلك» (2)و له ثلاثون ألف رواية و عندما توفي رثاه الإمام الصادق بقوله:«رحمه اللّه أما و اللّه لقد أوجع قلبي موت أبان» (3)لأنه كان إنسانا جليل القدر علي مستوي العامة و الخاصة و كان إذا دخل المسجد اخليت له حلقات الدرس.
و هناك قصة طريفة لأبان بن تغلب يرويها آية اللّه العظمي السيد الخوئي(أعلي اللّه مقامه الشريف)في كتابه معجم رجال الحديث الذي يتألف من عشرين مجلدا.
تقول القصة جاء شاب اسمه أبو سعيد إلي أبان ثم سأله أبو سعيد كم عدد أصحاب النبي الذين شاركوا مع الإمام عليّ عليه السّلام في حروبه؟فعرف أبان سبب السؤال و قال له:كأنك تريد أن تعرف فضل الإمام عليّ عليه السّلام من خلال التحاق الأصحاب به و تعرف كم واحد معه حتي تعرف منزلة عليّ عليه السّلام؟
قال:نعم هو هكذا.
ص: 103
قال:نحن ما عرفنا فضل الصحابة إلاّ من خلال عليّ عليه السّلام و أنت تريد أن تقيّم عليّا عليه السّلام من خلال الصحابة،ما هو فضل الصحابة إذا لم ينصروا عليّا عليه السّلام؟
ثم قال له أبان بن تغلب:أتدري من هم الشيعة؟
«الشيعة هم إذا اختلف الناس عن رسول اللّه صلي اللّه عليه و آله رجعوا إلي عليّ عليه السّلام و إذا اختلف الناس عن عليّ عليه السّلام رجعوا إلي جعفر الصادق عليه السّلام». (1)
و عندما لامه الناس في روايته عن الإمام الصادق عليه السّلام قال:تلومونني في الرواية عمّن إذا سألته قال:قال رسول اللّه صلي اللّه عليه و آله؟هؤلاء معدن العلم.
أمّا الشيخ الصدوق الذي يروي هذه الرواية هو صاحب كتاب أمالي الصدوق فهو من علمائنا القدماء في عهد الغيبة الصغري،ولد ببركة دعاء الإمام المهدي عليه السّلام لأبيه عليّ بن الحسين ابن بابويه الذي كان معاصرا للنائب الثالث للإمام المنتظر عليه السّلام المعروف باسم الحسين بن روح،و معه ثلاثة آخرون يشكلون النيابة الخاصة للإمام في غيبته الصغري التي امتدت سبعين سنة و هم عثمان بن سعيد العمري و ابنه محمّد بن عثمان و الحسين بن روح، ثمّ عليّ بن محمّد السمري،هؤلاء هم النوّاب الأربعة في زمن الغيبة الصغري، أمّا الآن عندنا مراجع و نواب غير مشخصين بالاسم بل بالعلامات و الشروط و هم وكلاء عامون من قبل الإمام المنتظر عليه السّلام و الشيخ الصدوق ولد في زمان الحسين بن روح النوبختي و قريب جدا من الإمام العسكري عليه السّلام و غيبة الإمام المنتظر عليه السّلام،أبوه عليّ بن الحسين الملقب أيضا بالصدوق،طلب من الحسين بن روح أن يكتب رسالة إلي الإمام المنتظر عليه السّلام،يقول له:يابن رسول اللّه أنا أريد أن يرزقني اللّه ببركة دعائك ولدا،و كتب الحسين بن روح رسالة
ص: 104
أوصلها إلي الإمام المنتظر عليه السّلام،و جاء الجواب بعد يومين أو ثلاثة:«أنك لا ترزق من هذه و ستملك جارية سترزق منها ولدين خيرين»،كان واحد من هؤلاء الولدين هو الشيخ الصدوق صاحب كتاب أمالي الصدوق،كان فقيها مباركا بحيث تعجب الناس من شدة حافظته و يقولون:لا عجب فأنت مولود بدعاء صاحب الزمان عليه السّلام و هو أيضا كان يفتخر بذلك يقول:أنا ولدت بدعوة صاحب الزمان. (1)
و هذا الشيخ الصدوق الابن مدفون في طهران و الأب مدفون في قم و كلاهما صدوق،علي كل حال،هذه الرواية يرويها الشيخ الصدوق عن أبان بن تغلب عن الإمام الصادق عليه السّلام بشأن هؤلاء الملائكة الذين نزلوا لنصرة الحسين عليه السّلام.
الفكرة التي أردنا أن نقولها هي إن الإمام الحسين عليه السّلام لم يعتمد علي هؤلاء الملائكة و لكن كان يعتمد علي العنصر البشري و لو كان الإمام الحسين عليه السّلام يعتمد علي هؤلاء الملائكة لما كان قتل عليه السّلام،إنما قتل الإمام لأنه كان يعتمد علي العنصر البشري و هكذا الأنبياء أحيانا يخسرون المعركة باعتبار أن العنصر البشري لم يكن يستحق نزول النصر من اللّه تبارك و تعالي.
الحقيقة أن الموازنة واضحة عند الأئمّة الأطهار و الأنبياء عليهم السّلام بين العنصر البشري و الغيبي علي أنهم في جانب العنصر البشري يعدّون في قمم البطولة فكيف إذا صارت اليد الإلهية تمتدّ إليهم.
هذه رؤية عن حركة الإمام الحسين عليه السّلام و اعتماده علي العنصر البشري ثم العنصر الغيبي.
ثم نصل إلي حركة الإمام المنتظر عليه السّلام و نري أين موقع العنصر البشري و الغيبي
ص: 105
في حركته نلاحظ أنها تسير وفق القانون الإلهي لعملية التغيير فالتعبئة البشرية ثم التخطيط و التجحفل و الكرّ و الفرّ ثم بعد ذلك يأتي دور النصر الإلهي و العنصر الغيبي الذي كان مع كل الأنبياء و مع الإمام في مواقع عديدة،فهو عليه السّلام الآن غائب بقوة العنصر الغيبي،و امتداد عمره أيضا بقدرة الغيب.
لا توجد لدينا مشكلة عندما نسئل عن عمره الطويل.
نحن أناس نؤمن بقدرة اللّه تعالي و بالغيب و لا نحتاج أن نقف طويلا عند هذا السؤال إن الإمام كيف يصبح عمره(1200)سنة؟ممكن أن يمتد إلي(2000)سنة،و هذه القضية لا توجد فيها مشكلة علمية.
المسألة من الناحية العلمية هي مسألة المحافظة علي الأنسجة و الخلايا و ما شاكل ذلك.
العنصر الغيبي موجود أصلا في غيبة الإمام المنتظر عليه السّلام هو غائب عن الأنظار مع أن الروايات تقول إنه يشهد الموسم(موسم الحج)أيّ إنه يحضر معكم لكنكم لا ترونه،ماذا نسمي هذا؟
نسميه العنصر الغيبي،يعني كيف يكون هو معنا لكنا لا نراه؟
هذه الروايات تقول إنه يشهد الموسم يعني الحج. (1)
الإمام المنتظر عليه السّلام في كل سنة موجود في الحج.
و بعض الروايات تقول أنه إذا خرج قال الناس هذا كنا نراه معنا لكن نحن غير منتبهين و يقولون كنا نراه في مجالسنا،هذه القضية تثبت أنه موجود و لا يري و هذا عنصر غيبي.
ص: 106
و لهذا نقرأ في دعاء الندبة:«بنفسي أنت من مغّيب لم يخل منا» (1)يعني هو غائب و هو حاضر.
و يستمر العنصر الغيبي حتي نصل إلي ساعة ظهوره و بيعة جبرائيل مع أربعة آلاف من الملائكة و هذا عنصر غيبي أيضا.
من جملة العناصر الغيبية التي سوف تظهر مع ظهور الإمام المنتظر عليه السّلام و قبل ظهوره هو خروج الدابة.
هذا الأمر أنتم في القرآن الكريم تقرأونه،هكذا يقول تعالي في سورة النمل: وَ إِذا وَقَعَ الْقَوْلُ عَلَيْهِمْ أَخْرَجْنا لَهُمْ دَابَّةً مِنَ الْأَرْضِ تُكَلِّمُهُمْ أَنَّ النّاسَ كانُوا بِآياتِنا لا يُوقِنُونَ . (2)
لنبق أوّلا مع الإطار العام للآية،الإطار العام بشكل صريح يقول:
ستخرج دابة من الأرض تكلم الناس،و هذا المقطع وحده يكفي في الدلالة علي وجود عنصر غيبي.
متي يكون ذلك؟
إذا وقع القول عليهم يعني إذا صارت إرادة اللّه و اقتضت أن يطاح بالشرك بشكل كامل حينئذ أخرج لهم دابة من الأرض و ليس من السماء.
الآية تقول: دَابَّةً مِنَ الْأَرْضِ تُكَلِّمُهُمْ أَنَّ النّاسَ كانُوا بِآياتِنا لا يُوقِنُونَ (3)انظروا ماذا نقرأ من القرآن الكريم.
العلماء جميعا شيعة و سنة وقفوا عند هذه الآية ماذا يعني: أَخْرَجْنا لَهُمْ دَابَّةً مِنَ الْأَرْضِ تُكَلِّمُهُمْ .
ص: 107
كيف يمكن لدابة أن تتكلم؟
علي كل حال اتفق العلماء من الفريقين سنة و شيعة علي أن هذه الآية واضحة الدلالة مؤيدة بروايات تؤكد الفكرة أنه في آخر الزمان و قبل انتصار الحق ستظهر دابة تكلم الناس.
و هناك تفاصيل في الأحاديث عما تقوله هذه الدابة.
تقول هذا مؤمن و هذا كافر.
ترسم علي هذا خط أنه مؤمن و ترسم علي هذا خط أنه كافر.
هذه تفاصيل حتي أن أحد أئمّة الأزهر في القاهرة في كتابه(علامات القيامة الكبري)يذكر هذه الآية و أن أحد(علامات القيامة الكبري)خروج الدابة ثم يذكر خمس روايات عن رسول اللّه بأسانيدهم أسانيد السنة و ليس الشيعة ثم يذكر خمس تفاسير أيضا لها و تعتبر هذه القضية من الآيات و العلامات الأكيدة التي ستظهر قبل قيام القائم عليه السّلام.
في هذا الكتاب(علامات القيامة الكبري)للعلامة الشيخ متولي الشعراوي خمس روايات يذكرها و يعتبرها صحيحة و عشرات الروايات موجودة غيرها ثمّ يروي خمسة تفاسير لها.
و في كتبنا كذلك تراجعون تفسير العلامة الطباطبائي و تفسير البرهان هذه الآية من المتفق عليه دون شك أنها من إحدي الآيات الصريحة التي لا تقبل الشك.
القرآن يقول: وَ إِذا وَقَعَ الْقَوْلُ عَلَيْهِمْ أَخْرَجْنا لَهُمْ دَابَّةً مِنَ الْأَرْضِ... أي شيء تريد أن تفسرها؟و لكن أنت يجب أن تبقي عند إطار الآية لا يجوز أن تكذبها.
واحدة من التفاسير التي يذكرها الشعراوي و كتب أخري تذكر ذلك أن هذه الدابة هي الفرس أو الجمل أو الأسد،القرآن يقول دابة،يعني كل ما يمشي علي الأرض و كل ما يدب عليها.
ص: 108
ذكروا مجموعة تفاسير من جملتها أن هذه الدابة هي فصيل ناقة صالح.
من جملة هذه التفاسير أن هذه الدابة عبارة عن جراثيم ميكروبية تظهر في آخر الزمان تصيب الكافرين و تطيح بهم،نحن غير قادرين علي قبول هذا التفسير،و لا يحق لنا أن نفسر القرآن بالرأي لكن كتصورات و كخيال يمكن أن يمتد بالبعض و يقول ربما تكون الدابة إشارة إلي أجهزة معرفة الكذب في العصر الحديث.
علي كل حال هذا خيال الإنسان،الإنسان يضرب بخياله لفهم ما يشير إليه القرآن.
القرآن يقول بشكل صريح: وَ إِذا وَقَعَ الْقَوْلُ عَلَيْهِمْ أَخْرَجْنا لَهُمْ دَابَّةً مِنَ الْأَرْضِ تُكَلِّمُهُمْ أَنَّ النّاسَ كانُوا بِآياتِنا لا يُوقِنُونَ .
طبعا هناك قراءة ثانية للآية أليس القرآن به عدة قراءات؟
تماما توجد قراءة ثانية نادرة لهذه الآية القرآنية هكذا تقول: وَ إِذا وَقَعَ الْقَوْلُ عَلَيْهِمْ أَخْرَجْنا لَهُمْ دَابَّةً مِنَ الْأَرْضِ تُكَلِّمُهُمْ و ليس تُكَلِّمُهُمْ بمعني تتكلم معهم،بل بمعني تجرحهم من الكلم و هو الجرح.
الآية هكذا تقول في هذه القراءة الثانية: أَخْرَجْنا لَهُمْ دَابَّةً مِنَ الْأَرْضِ تُكَلِّمُهُمْ يعني تجرحهم علي جبين هذا الكافر المشرك تضع خطا و جرحا إن هذا إنسان منحرف يستحق القتل أو ما شاكل ذلك.
كثير من رواياتنا روايات أهل البيت عليهم السّلام نحن نذكرها دون أن نؤكد عليها لأنه غير ثابت عندنا مدي صحة هذه الرواية أن الدابة التي تخرج من الأرض هو عليّ عليه السّلام و سيخرج آخر الزمان. (1)
ص: 109
هذا التفسير يقترب منه بعض أبناء العامة،و يقولون المقصود ب دَابَّةً مِنَ الْأَرْضِ تُكَلِّمُهُمْ هو بشر عنده قدرة علي أن يعرف المنافق من المؤمن،هذا موجود في روايات و تفاسير أهل العامة و في تفسيرنا عدة روايات تقول أن دَابَّةً مِنَ الْأَرْضِ تُكَلِّمُهُمْ ذلك هو عليّ عليه السّلام،يعني يشرح للناس من هو علي الحقّ و من هو علي الباطل.
الشاهد في الأمر أن هذا غيب في أن تخرج دابة توضح أين الحقّ و أين الباطل،هذا الغيب نحن نعتقد به لكن مع كل هذا تبقي قضية الإمام المنتظر عليه السّلام معتمدة علي العنصر البشري قبل اعتمادها علي العامل الغيبي.
العامل الغيبي دوره دور الإسناد،و دور التغطية المدفعية حتي يتقدم المشاة،المشاة يتقدمون و لكن دور المدفعية أن تطهّر الميدان أوّلا و تقوم بعملية تغطية،و هكذا الطائرات تقوم بعملية التغطية الجوية،الطائرات لو بقيت وحدها لا تحقق النصر،الدبابات لو بقيت وحدها لا تحقق النصر إذا لم يتقدم المشاة و لم يتقدم العنصر البشري،دور الطائرات و الدبابات هو الإسناد يسمونه إسناد جوي أو إسناد مدفعي.
الإمام المهدي عليه السّلام يقوم معتمدا علي العنصر البشري أوّلا،و دعوة الناس للالتحاق به و دور العنصر الغيبي هو دور الإسناد.».
ص: 110
الوقت لا يسمح لنا بالاستمرار،غدا أحدثكم عن لقاءات مع الإمام المنتظر عليه السّلام و قصص بهذا الشأن ثم مناقشة بعضها مثل قصة الجزيرة الخضراء و التي يفترض البعض انه مثلث برمودا حاليا.
ان مثلث برمودا هو موقع للإمام المنتظر عليه السّلام و هذا خيال بمعني لا يوجد أي رقم علمي يدل عليه،لا علي الجزيرة الخضراء و لا علي مثلث برمودا.
في الحقيقة انه عمل المخابرات الأمريكية فهل رأيتم هذا المثلث علي الخريطة في المحيط الأطلسي التي تطل عليه أمريكا.
هذا عمل المخابرات الأمريكية هي التي تخطف السفن و ما شاكل ذلك بعنوان مثلث برمودا الذي لا يمكن الوصول إليه و لا يعلمون خبر من يصل إليه أيطير في السماء أم يغرق في البحر!
و كذلك خدعة الأطباق الطائرة التي ظهرت أخيرا.فالشعوب المسكينة تبقي مخدوعة لعشرات السنين بهذه القضايا المخابراتية.
أمّا الجزيرة الخضراء كيف هي؟و أين توجد؟و هل يوجد فيها الإمام؟كما تقول القصة إنه مع أولاده و أحفاده يعيشون في هذه الجزيرة الخضراء التي تحوي عيون الماء و الفواكه و الأطعمة و يصدّرون هذه الأطعمة إلي الأندلس ففي كل ثلاثة أشهر تخرج قافلة من هذه الجزيرة و تذهب إلي الشيعة؟!
هذه الرواية عثر عليها في كتاب خطي لا يعرف من هو كاتبه و سجلّها علماؤنا كتراث و أرشيف ليست له قيمة علمية.
أصل الفكرة هي أن العامل البشري إضافة إلي العامل الغيبي محفوظ فغيبة إمامنا المنتظر عليه السّلام لا يمكن تفسيرها بالوسائل المادية بل بالوسائل الغيبية و بهذا تنحل العقدة عن مكان وجوده و عمره الطويل.
و قد سجل علماؤنا الكبار لقاءات مع الإمام المنتظر عليه السّلام مثل العلامة
ص: 111
بحر العلوم و المقدس الأردبيلي و العلامة الحلي قدس سرّهم الذين دفنوا بجوار أمير المؤمنين عليه السّلام و لهم قبور تزار.
إنّ اللقاءات مع الإمام عليه السّلام تخضع لعنصر الغيب فالإمام موجود و لكننا لا نشاهده«بنفسي أنت من مغيب لم يخل منا»،«عزيز علي أن أبكيك و يخذلك و الوري». (1)
إنا للّه و إنا إليه راجعون و سيعلم الذين ظلموا أي منقلب ينقلبون.
اللهم اغفر لنا و تقبل منا و شاف مرضانا و اقض حاجاتنا و انصرنا علي القوم الظالمين و فرّج عنا.
و الحمد للّه رب العالمين
***1.
ص: 112
ص: 113
39-هل جاءت البشارة بالإمام المهدي عليه السّلام في التوراة و الإنجيل؟
40-كيف نفسّر نصوص النبي صلي اللّه عليه و آله و سائر الأنبياء عليهم السّلام حول الإمام المهدي عليه السّلام؟
41-كيف تناقش فكرة ان المهدي هو رسول اللّه صلي اللّه عليه و آله؟
42-الأديان الوضعيّة هل تتحدث عن الإصلاح العالمي؟
43-ما هي منهجية الإصلاح العالمي لدي الشيوعية ولدي الديمقراطية الغربيّة؟
44-ما هي ظواهر المجتمع السعيد علي يد الإمام المهدي عليه السّلام؟
45-أين تكون عاصمة الإمام المهدي عليه السّلام و أين محل سكناه؟
46-هل هناك انتصارات تمهيدية للأمّة المسلمة قبل ظهور المهدي عليه السّلام؟
47-ما هي الشروط الأربعة لتحقق الصلاح العالمي؟
48-هل تنتهي المشاكل و الخلافات بشكل مطلق في زمن الإمام المهدي عليه السّلام؟
49-ما هو الدعاء المستحب في زمن الغيبة؟
50-نظرية المجتمع السعيد ألا تصطدم بالمفهوم القرآني عن ديمومة الصراع البشري؟
ص: 114
بسم اللّه الرحمن الرحيم
مازال حديثنا عن الثورة الإصلاحية من الحسين عليه السّلام إلي المهدي عليه السّلام و دراسة عناصر التمايز و الاشتراك في الأهداف و المناهج و النتائج.
في ليال سابقة تحدثنا عن الاشتراك في الأهداف و المناهج و ضمّنا ذلك الحديث العديد من أحداث عصر الظهور،ظهور الإمام المهدي عليه السّلام.
حديثنا اليوم عن الاشتراك التاريخي بين الحسين عليه السّلام و بين الإمام المنتظر عليه السّلام.
هناك اشتراك يمكن أن نسميه الاشتراك في العمق التاريخي،يعني لم يكن الحسين عليه السّلام يمثل حادثة في مقطع زمني،و لا حركة الإمام المنتظر عليه السّلام في مقطع زماني معين،و إنما هاتان الحركتان و هذان الحدثان هما امتداد إلي صدر التاريخ و مع الأنبياء عليهم السّلام حيث كانوا يتحدثون عن الإمام الحسين عليه السّلام كظاهرة ستحدث،و يتحدثون عن الإمام المنتظر عليه السّلام أيضا كظاهرة ستحدث،هذا الامتداد إلي الأنبياء هو ظاهرة ملفتة للنظر.
لماذا تركيز الأنبياء علي الإمام الحسين عليه السّلام و علي الإمام المنتظر عليه السّلام؟
و نبينا عليه السّلام أيضا نجده قد أهمّه كثيرا التركيز علي الإمام الحسين عليه السّلام و مصيبة الحسين عليه السّلام كأعظم فاجعة و كجريمة كبري في التاريخ البشري،ثم نجد أنه اثر عن النبي صلي اللّه عليه و آله حديث مكرر عن الإمام المنتظر عليه السّلام كأعظم فاتح عالمي.
ص: 115
الأنبياء اثر عنهم أحاديث كثيرة في علاقاتهم مع الحسين عليه السّلام حتي نجد كتاب الخصائص الحسينية للعلامة التستري يذكر أربعة عشر مجلسا عقده الأنبياء للحسين عليه السّلام.
مثل هذا الأمر نجده أيضا في حديث الأنبياء عن الإمام المهدي عليه السّلام حتي أني ذكرت لكم في مجالس سابقة أن خمسين صحابيا رووا روايات رسول اللّه صلي اللّه عليه و آله عن الإمام المهدي عليه السّلام و خمسين تابعيا أيضا رووا هذه الروايات،و صاحب كتاب كنز العمال وحده روي(247)حديثا عن الإمام المهدي عليه السّلام.
هذا الحشد من الأحاديث النبوية عن حادثني الحسين و المهدي عليهما السّلام،الحسين عليه السّلام كأعظم حدث مأساوي و المهدي عليه السّلام كأعظم فتح سوف يتحقق في ختام البشرية هذا ربط تاريخي بين المهدي عليه السّلام و الحسين عليه السّلام و الأنبياء عليهم السّلام.
الروايات في هذا الشأن كثيرة و يذكر العلامة الشيخ باقر القرشي و هو من علماء النجف المعاصرين و المؤرخين و الباحثين في كتابه(حياة الإمام الحسين عليه السّلام)مجموعة روايات عن مصادر أهل السنة و ليس الشيعة ذكر فيها رسول اللّه صلي اللّه عليه و آله مصاب الحسين عليه السّلام و هذه الروايات منقولة عن ابن عبّاس و أم سلمة و عائشة و زينب بنت جحش و عبد اللّه بن مسعود.
و مثل ذلك كان للنبي صلي اللّه عليه و آله عشرات الأحاديث في المهدي عليه السّلام.
أمّا روايات البكاء علي الحسين عليه السّلام و أحداث كربلاء فهي تتكرر بألفاظ متقاربة مرة عن أم سلمة و أخري عن عائشة و ثالثة عن ابن عبّاس هكذا تقول:
«دخل الحسين عليه السّلام علي رسول اللّه صلي اللّه عليه و آله و هو يوحي إليه فصعد الحسين عليه السّلام علي منكب رسول اللّه صلي اللّه عليه و آله فقال جبرائيل لرسول اللّه صلي اللّه عليه و آله أتحبه؟
قال:و مالي لا أحب ابني؟
ص: 116
قال:فإن امتك سيقتلونه بعدك فبكي رسول اللّه صلي اللّه عليه و آله فمد جبرائيل يده و أتاه بتربة بيضاء فقال له بهذه الأرض يقتل ابنك و اسمها الطف،و الرواية عن عائشة فلما ذهب جبرائيل خرج رسول اللّه يبكي قال لعائشة:يا عائشة إنّ جبرائيل أخبرني أن ابني مقتول في أرض الطف ثم خرج للصحابة،الرواية تقول فيهم أبو بكر و عمر و فلان و فلان فقالوا-أيّ الصحابة-:ما يبكيك يا رسول اللّه؟فقال:أخبرني جبرائيل أن ابني هذا يقتل و أخبرني عن الأرض التي يقتل فيها و يقال لها الطف». (1)
هذه الرواية تتكرر في مواضع كثيرة عن صحابة رسول اللّه صلي اللّه عليه و آله، تصوروا لو أنتم كنتم موجودين في زمن النبي صلي اللّه عليه و آله و تشاهدون النبي صلي اللّه عليه و آله بين مدة و مدة يخرج باكيا و تسألونه و يقول هذا ولدي الحسين عليه السّلام سوف يقتل من بعدي فكيف تفسرون ذلك؟
هذه الظاهرة يريد أن يسجلها الرسول صلي اللّه عليه و آله في ذهن الصحابة و يسجل إلي جانبها ظاهرة أخري يقول:«لو لم يبق من الدنيا إلاّ يوم واحد لطول اللّه ذلك اليوم حتّي يخرج رجل من ولدي يواطئ اسمه اسمي يملأ الأرض قسطا و عدلا بعد ما ملئت ظلما و جورا» (2)هذا التبشير بالفتح العالمي علي يد أحد
ص: 117
أولاد رسول اللّه صلي اللّه عليه و آله جاء في حديث صحيح و متواتر عن رسول اللّه صلي اللّه عليه و آله، و قد نجد هذا المعني في تاريخ الأنبياء عليهم السّلام كالتوراة و الإنجيل الذي يتحدث عن المهدي كأعظم مصلح سيخرج في آخر الزمان.
و يذكر المحقق الحائري اليزدي في كتابه إلزام الناصب(33)نصا من التوراة و الإنجيل في ظهور المصلح الأعظم في آخر الزمان بالاسم أو بدون اسم.
و في هذه الأيام يذكر أحد الكتّاب و هو الدكتور أحمد السقا المصري يقول:إن هذه النصوص التبشيرية بالمصلح في آخر الزمان في التوراة و الإنجيل صحيحة لكنها تنطبق علي رسول اللّه صلي اللّه عليه و آله.
حينما يبشر الإنجيل بالمصلح العالمي في آخر الزمان و كذا التوراة حين بشرت بمهدي يظهر في آخر الزمان و يفتح له العالم المقصود بهذا المهدي هو نفس رسول اللّه صلي اللّه عليه و آله و هذا الفتح الإسلامي الذي حدث في زمن النبي صلي اللّه عليه و آله و بعده هو الذي بشرت به التوراة و الإنجيل.
و لكن هذا الرأي لا يتفق مع المئات من الأحاديث التي أخبر بها الرسول صلي اللّه عليه و آله في المهدي و التي يقول فيها:إنه يخرج في آخر الزمان و يواطيء اسمه اسمي إلاّ أن نهمل هذه الروايات الصحيحة التي أجمع عليها السنة و الشيعة،فكيف يمكن مع هذه المئات من الروايات التي اعتبرت قضية الإمام المهدي عليه السّلام من ضرورات الفكر الإسلامي!؟
إضافة إلي أن رسول اللّه صلي اللّه عليه و آله لم يفتح له كل العالم و لم تملأ الأرض قسطا و عدلا فقد مات رسول اللّه صلي اللّه عليه و آله و لم تفتح بعد أجزاء من الجزيرة العربية
ص: 118
فكيف نفترض أن الرسول صلي اللّه عليه و آله هو ذلك الرجل الذي سيظهر و يملأ الأرض قسطا و عدلا كما ملئت ظلما و جورا؟
لقد أوصي رسول اللّه صلي اللّه عليه و آله بثلاث وصايا أحدها إخراج المشركين من جزيرة العرب، (1)إذن لا بدّ من وجود فتح عالمي لم يتحقق لحد الآن و الروايات الصحيحة التي تفسر الآيات القرآنية التي قرأنا بعضها تبشر بهذا الفتح العالمي الذي سيحدث في آخر الأجيال البشرية.
إذن لدينا حديث النبوءات عن الحسين عليه السّلام و حديث النبوءات عن المهدي عليه السّلام و حشد من الروايات في هذا الشأن.
في الحقيقة إذا أردنا أن نتوسع في هذا الموضوع نجد أن الأديان بشكل عام تتحدث عن المصلح الأكبر الذي سيظهر في آخر الزمان،الأديان السماوية و الأديان الوضعية كذلك.
ص: 119
أيها الإخوة و الأخوات:إنّ الدين بمعني الاعتقاد،ما يعتقد به الإنسان هذه الأديان يقسمونها لغويا إلي قسمين:نقول أديان إلهية سماوية مثل الإسلام نازل من اللّه تبارك و تعالي،و توجد أديان و معتقدات و مذاهب نسميها مذاهب وضعية يعني الإنسان هو اخترعها ما أنزل اللّه بها من سلطان مثل الشيوعية هناك أناس يعتقدون بالشيوعية فهي لهم بمثابة الدين،كلما تتحدث معه يقول لك قال كارل ماركس و قال لينين و قال ستالين يعني النبي عنده هو كارل ماركس هذا يمكن أن نسميه لغويا دين وضعي،الديمقراطية أيضا في هذا الزمان،و الليبرالية هذه أديان وضعية.
الفكرة التي نريد أن نسجلها هذه الليلة أنه ليس فقط الأديان الإلهية تحدثت عن الإصلاح العالمي الذي يكون في آخر الزمان و إنما الأديان الوضعية أيضا،الشيوعية بشّرت بهذه القضية و الحضارة الغربية الرأسمالية الليبرالية أيضا بشرت بها.
سوف أشرح لكم موجزا كيف أن هذه الأديان الوضعية أكّدت أنه سيكون إصلاح عالمي و مجتمع سعيد و ستسود العدالة في آخر الزمان،الشيوعية هكذا قالت، الديمقراطية الغربية هكذا قالت أيضا مع مجموعة فروق.
النظرية الشيوعية هكذا تقول:إنه ستطبق العدالة الأرض و ذلك علي يد الطبقة العاملة حينما يطيحون بالطبقة البرجوازية و العمال هم الذين يحكمون حينئذ هناك توزيع عادل لرأس المال و الناس يعيشون في رفاه حينئذ يتم الاستغناء عن الحكومة و الدولة،يعني لا توجد دولة و لا توجد حكومة لا يوجد رئيس وزراء،توجد يومئذ عملية إدارة شعبية و إدارة ذاتية،تسقط الدولة،إدارة شعبية ذاتية في مجتمع سعيد مملوء بالعدالة علي يد الطبقة العاملة،و لا مانع لدي النظرة الشيوعية من استخدام القتل
ص: 120
لملايين الناس من أجل أن تحكم الطبقة العاملة و تقول أنه في آخر الزمان مجتمع الناس تسوده العدالة و المحبة و الأخوة.
و هنا نعتقد أن هذه واحدة من تأثيرات الفكر الديني علي مجمل الحضارات الإنسانية،يعني أن الدين له أثر حتّي عند من لا يؤمن بالدين هذه امتدادات التأثير الديني.
الماركسية تقول في حكومة العمال ستزول حالة الاستئثار و الأنانية حب التملك غير موجود،حبك أن تملك شيئا علي أخيك هذا الحب سيزول من عندك،و إنما الناس كلهم أراضيهم تتوزع بالتساوي،و أموالهم تتوزع بالتساوي.
نحن الآن لسنا بصدد مناقشة هذا الأمر رغم اعتقادنا بأن الشيوعية تتحدث عن فرضية دون أن تقدم عليها دليلا،لكن ما نريد إثباته هنا هو اعتقاد الأديان الوضعية بالمستقبل السعيد للبشرية و انتصار الإصلاح العالمي.
النظرية الغربية أيضا تتحدث عن هذا الأمر في مجتمع التقدم العلمي يعني بفعل التقدم التقني العلمي و بفعل التنافس الشديد بين الطبقة العاملة و الطبقة المالكة سيبلغ مستوي الثروات عند الناس بما يسمونه مستوي الوفرة يعني تكون الفاكهة موجودة بكل ما يحتاجه البشر،أدوات النقل و الانتقال موجودة بكل ما يحتاج إليه البشر،ملابس موجودة،بيوت موجودة هذا هو مجتمع الوفرة،نتيجة التنافس الشديد.
الشيوعيون يقولون من أجل أن نصل إلي مجتمع الوفرة يجب أن نقمع الأثرياء إلاّ أن الغربيين يقولون بالعكس،يجب أن يصبح التنافس قويا بين الأثرياء و بين الطبقة الفقيرة كلما قوي التنافس فان البركة تزداد،يعني نظرية ترسيخ الصراع بين الطبقتين، هذه إحدي التمايزات بين النظرية الغربية و النظرية الشيوعية.
علي كل حال الصلاح العالمي و المجتمع السعيد الذي سيكون في آخر الزمان هذه الفكرة موجودة في الأديان الوضعية و الإلهية مع نقاط اختلاف كثيرة.
ص: 121
منها:أن الأديان الوضعية تعتمد في هذا التحليل علي اجتهادات شخصية دون دليل علمي بينما الأديان الإلهية تنطلق من قرار إلهي أي أن هذه المسيرة البشرية بقرار من اللّه تعالي ستنتهي إلي مجتمع سعيد وَعَدَ اللّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَ عَمِلُوا الصّالِحاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ (1)هذا القرار الإلهي موجود بأن الحكم سيكون للمستضعفين في الأرض و قد أنبأت به الكتب الإلهية و لو بقي التقدم العلمي بدون إخبار إلهي غيبي فإنه لا يملك دليلا يتوصل به إلي هذه النتيجة،نحن نري اليوم كلما زاد التقدم العلمي زادت المأساة و البؤس بسبب عدم الاستخدام الصحيح لهذا التقدم العلمي.
بعد سقوط الشيوعية أصبحت الديمقراطية تطرح نفسها علي الساحة كمصلح أعظم و تري أن الأمّة الغربية هي الأمّة الشاهدة علي العالم و أن الديمقراطية هي الرسالة التي ستؤسس المجتمع السعيد للبشرية.
لقد طرح الكاتب الأمريكي(فوكو ياما)و هو من أصل ياباني نظرية (نهاية التاريخ)و وضح فيها أن أمريكا الآن وصلت إلي نهاية التأريخ و هذه هي القمة و يجب أن تكون هي النموذج الذي يطبق علي كل الأرض لتحقيق المجتمع السعيد،و نلاحظ اليوم أن أمريكا تنطلق في حركتها من هذه الأفكار أي إنها هي القائدة للعالم و نموذج المجتمع السعيد،و توزع الوصايا هنا و هناك علي الحكام العرب و بلدان الشرق الأوسط للإصلاحات الديمقراطية كرسالة جديدة لتحقيق المجتمع السعيد.
نحن الآن لسنا بصدد مناقشة هذه الأفكار بل بصدد بيان فكرة الإصلاح العالمي و المجتمع السعيد في نهاية البشرية التي تبنتها الأديان الإلهية و الوضعية.
ص: 122
إن المجتمع السعيد الذي تمتلأ فيه الأرض قسطا و عدلا علي يد ولي اللّه الأعظم الحجة بن الحسن عليه السّلام له ظواهر أربع:
الظاهرة الأولي:ظاهرة الغني و الثروة أي لا يبقي أحد فقيرا أو جائعا أو محتاجا حتّي تقول الروايات أنه لا يبقي أحد من الناس يحتاج إلي الصدقة. (1)
الظاهرة الثانية:هي المحبة و التآخي بين الناس.
الظاهرة الثالثة:ظاهرة المصالحة الطبيعية حتي بين الحيوانات و تقول الروايات إن الشاة تمشي بجانب الذئب فلا يعتدي عليها،فالمصالحة الطبيعية في عصر الإمام المنتظر عليه السّلام تشمل كل المخلوقات العاقلة و غير العاقلة.
الظاهرة الرابعة:و هي العدالة أي لا يوجد مظلوم بلا تمتلأ الأرض قسطا و عدلا.
ففي الرواية عن أمير المؤمنين عليه السّلام:«بنا يفتح اللّه و بنا يختم اللّه و بنا يمحو ما يشاء و بنا يثبت و بنا يدفع اللّه الزمان الكلب،و بنا ينزل الغيث،فلا يغرنكم باللّه الغرور،ما أنزلت السماء قطرة من ماء منذ حبسه اللّه عزّ و جل و لو قد قام قائمنا لأنزلت السماء قطرها، و لأخرجت الأرض نباتها،و لذهبت الشحناء من قلوب العباد،و اصطلحت السباع و البهائم،حتّي تمشي المرأة بين العراق إلي الشام،لا تضع قدميها إلا علي النبات، و علي رأسها زبيلها لا يهيجها سبع و لا تخافه». (2)
لا حظوا إذن إخاء و محبة و مصالحة طبيعية و ثروات و خيرات لا نهاية لها لا تضع قدمها إلاّ علي نبات و زراعة وافرة ما شاء اللّه.
ص: 123
هناك رواية أخري أيضا جميلة في هذه الشأن تقول:إن الشيعة هم سيكونون حكام الأرض،و هذا في الحقيقة موضوع بحث في أن الإصلاح العالمي من الذي سيقوده؟
المجتمع الغربي يقوده أم المجتمع الإسلامي التابع لأهل البيت عليهم السّلام؟
نحن نعتقد أن حركة الإصلاح العالمي يقودها أتباع أهل البيت عليهم السّلام و هم الشيعة.
الرواية هكذا تقول عن عليّ بن الحسين عليه السّلام:«إذا قام قائمنا أذهب اللّه عزّ و جلّ عن شيعتنا العاهة و جعل قلوبهم كزبر الحديد و جعل قوة الرجل منهم قوة أربعين رجلا و يكونون حكّام الأرض و سنامها». (1)
أيضا نمضي في هذه الروايات سريعا:
الرواية تقول:«و يكون دار ملكه الكوفة»،يعني العاصمة التي ينطلق منها الإمام المنتظر عليه السّلام في حركته هي الكوفة،دار الملك يعني قصر رئاسة الجمهورية في اصطلاحنا اليوم،«و يكون دار ملكه الكوفة». (2)
أقرأ لكم رواية جميلة في هذا الشأن عن الإمام الصادق عليه السّلام يقول:
«كأنّي أري نزول القائم في مسجد السهلة بأهله و عياله».
قلت:يكون منزله؟
ص: 124
قال:«نعم هو منزل إدريس عليه السّلام و ما بعث اللّه نبيا إلاّ و قد صلي فيه».
هذا مسجد السهلة العظيم الذي أهمل من قبل أعداء أهل البيت عليهم السّلام كما أهملت كل المساجد و المراقد الشريفة للأئمّة الأطهار في أيام النظام البائد،و تقول الرواية:«المقيم فيه كالمقيم في فسطاط رسول اللّه صلي اللّه عليه و آله و ما من مؤمن أو مؤمنة إلاّ و قلبه يحن إليه،و ما من يوم و لا ليلة إلاّ و الملائكة يأوون إلي هذا المسجد،يعبدون اللّه فيه»حتّي يقول الإمام للراوي يا أبا محمّد:«أما أنّي لو كنت بالقرب منكم ما صليت صلاة إلاّ فيه». (1)
و هناك رواية أخري جميلة في هذا الشأن تقول:«كأنّي بدينكم هذا لا يزال موليا-أي مطرودا-،يفحص بدمه-يعني مذبوحا-ثم لا يرده عليكم إلاّ رجل منّا أهل البيت» (2)يعني أن الدين سيعود و يحكم و يحقق المجتمع السعيد لا الشيوعية و لا الديمقراطية و لا الليبرالية قادرة علي ذلك، إذن بعودة الإسلام للمجتمع في زمان الإمام تذهب الشحناء من قلوب الناس و تتصالح عناصر الطبيعة و يسود الغني و العدالة الإسلامية في المجتمع.
هناك إشكالان طرحهما بعض الباحثين علي نظرية الإمام المهدي عليه السّلام و المجتمع السعيد:
الإشكال الأوّل:هو ديمومة عنصر الصراع بين البشرية حسب الفهم القرآني.
الإشكال الثاني:هو سنّة الابتلاء الإلهي للبشرية.
ص: 125
ففي الإشكال الأوّل يقولون:إن اللّه تعالي قال لآدم و حواء و إبليس أن أنزلوا إلي الأرض في مسيرة عداء و صراع و معركة حتي النهاية بقوله:
فَأَزَلَّهُمَا الشَّيْطانُ عَنْها فَأَخْرَجَهُما مِمّا كانا فِيهِ وَ قُلْنَا اهْبِطُوا بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ وَ لَكُمْ فِي الْأَرْضِ مُسْتَقَرٌّ وَ مَتاعٌ إِلي حِينٍ ، (1)فكيف تقولون بحصول المجتمع السعيد في زمن الإمام المهدي عليه السّلام مع وجود هذا الصراع؟
هذا هو الإشكال الأوّل:
و جوابه أن هذا الصراع يقع بين الإنسان و الشيطان و ليس بين أبناء الإنسان و الإنسان فآدم و حواء لم يكن بينهم معركة بل كانت بين إبليس و جنوده،صحيح نحن نعتقد أن هذه المعركة دائمية،معركة الإنسان مع إبليس هذه المعركة دائمية مادام الإنسان موجودا،و سوف لن يتحول الإنسان يوما ما إلي ملائكة يعني لا توجد عنده إغراءات شيطانية،أبدا توجد معركة في قلب الإنسان بين جنود الرحمن و بين جنود الشيطان،هذا نعتقد به لكن هذا ليس يعني بالضرورة علي أرض الواقع ان توجد معركة بين الناس أنفسهم،المعركة بين الإنسان و بين الشيطان،أمّا بين الناس فيمكن أن يتحقق المجتمع السعيد الذي لا معركة فيه هذا هو الجواب عن الإشكال الأوّل.
أمّا الإشكال الثاني:و هو سنة الابتلاء قال تعالي: أَ حَسِبَ النّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آمَنّا وَ هُمْ لا يُفْتَنُونَ فكيف تقولون بحصول مجتمع سعيد في آخر الزمان خالي من أي مشكلة أو ابتلاء أو فقر،و القرآن يؤكد أن الحياة لا تخلو من فتن؟
و جوابه أن الابتلاء المذكور ليس بالضرورة أن يكون علي شكل معارك و أمراض و ما شاكل ذلك بل قد يكون من خلال منازعة الإنسان لشهواته أوّلا و من خلال التراجعية في عمر الإنسان و يبتلي بموت حبيب أو صديق له هكذا عنصر الابتلاء6.
ص: 126
موجود و لو لم يكون في الابتلاء إلاّ المعركة مع شهوات الإنسان فهذا ابتلاء أَ حَسِبَ النّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آمَنّا وَ هُمْ لا يُفْتَنُونَ (1)نحن في نظرية الإمام المهدي عليه السّلام لا أحد يدعي أن الابتلاء سينتهي،توجد روايات تقول إن الأمراض تزول،الفقر يزول،هذا ليس فقط ثابت عندنا حتي تتكلمون علينا هذا عند السنة أيضا ثابت،إنه في مجتمع المصلح الأعظم و هو المهدي عليه السّلام،لا يوجد معارك و لا إصطدامات و ما شاكل ذلك.
في نفس الوقت أيضا نحن لا نفترض أنه لا توجد مشاكل مطلقا و إنما الروايات تريد الإشارة إلي تحقق مجتمع سعيد يعني السعادة في النظرة الكلية،أنت مثلا عندما تقول إن هذه العائلة سعيدة لا يعني ذلك بالضبط أنه مئة بالمائة لا يوجد عندهم مشكلة،مشاكل توجد و اختلاف أيضا موجود و لكن السعادة هي الطابع العام للعائلة.
الروايات تقول:إن الإمام المنتظر عليه السّلام يحكم بحكم داود لا يحتاج إلي بيّنة (2)إذن ذلك يعني أنه توجد مشاكل و توجد محاكم، شاكي و مشتكي عليه.
حين تقول الروايات أنه يحكم بحكم داود،هذه إشارة إلي قصة داود، نحن في محاضرات سابقة تحدثنا عن قصة داوود عليه السّلام،قال هذا أخي له تسع و تسعون نعجة و أنا عندي نعجة واحدة،داود فورا حكم: قالَ لَقَدْ ظَلَمَكَ بِسُؤالِ نَعْجَتِكَ إِلي نِعاجِهِ ، (3)اللّه تبارك و تعالي قال له:يا داود أين البينة؟و أين المحكمة؟و حاسبه علي العجلة.4.
ص: 127
و روايات السنة أيضا تقول:إن الإمام المهدي سوف يحكم بحكم داوود،لا يعني ذلك غير حكم الإسلام بل هو حكم الإسلام،لكن الطريقة و المنهجية تختلف حيث لا يحتاج إلي بيّنة أو قسم أو ما شاكل ذلك.
ما هو الطريق إلي المجتمع السعيد؟
الغرب يقول:إن المجتمع السعيد يعتمد تحققه علي مدي التقدم التقني،يعني يوزع السيارات و المبايلات و التلفزيونات علي كل الناس فيصبحون ملوكا،هذا المجتمع سعيد.
الغرب يقول إن التقدم العلمي هو الأداة لتحقيق المجتمع السعيد.
الإسلام ما ذا يقول؟
هل أن التقدم العلمي قادر علي أن يحقق المجتمع السعيد؟
لا،الإسلام لديه نظرية أخري هي أن المجتمع السعيد لا يتحقق إلاّ عبر مجموعة أمور:
أوّلا:الصلاح الإنساني.
ثانيا:ثبات الكتلة الصالحة.
ثالثا:ظهور القائد المصلح الأعظم.
رابعا:الانتظار و الدعاء.
فالتقدم العلمي مهما يصل إليه تبقي البشرية تعاني من ألوان المعاناة المستحدثة فمثلا زلزلة واحدة (1)في بطن المحيط و علي بعد(1600)كيلومترا
ص: 128
هزت عشر دول و بلغ عدد الضحايا أكثر من(250/000)ألف،و ما تزال آلاف المدن و القري مدمرة.
و كنت أقرأ في الأيام الأولي لحدوث هذا الزلزال بعض التقارير عن الموجة الأولي التي داهمت هذه المناطق و القري و المدن الصغيرة التي تقع علي حافة المحيط،قصة شخص سويدي كان سائحا نجا من الحادثة يقول أنه في اللحظات الأولي بعد انسحاب المياه كنا نشاهد تسلل السراق و اللصوص إلي البيوت المدمرة فعجبت من هذا المنظر الذي أري فيه آلاف الجثث مطروحة أمامنا و بنفس الوقت حركة اللصوص للسرقة و النهب.
هذه هي مشكلة البشرية،السقوط الأخلاقي الذي لا ينفع معه أي تقدم علمي.
فيما نعتقد نحن و في ثقافتنا الإسلاميّة أن الطريق للمجتمع السعيد يعتمد علي توفر أربعة عناصر:
الأوّل:الرسالة الصالحة التي تبني الإنسان الصالح و هذا هو ما يمثله الإسلام الأصيل.
الثاني:ثبات المجموعة الصالحة و هم المسلمون و شيعة أهل البيت عليهم السّلام خاصة و استعدادهم لخوض المواجهة مع الانحراف و الضلال.
الثالث:ظهور المصلح المعصوم الأعظم.
الرابع:الدعاء و الارتباط بالقدرة الإلهية المطلقة.
نقرأ لكم في نهاية البحث في هذه الليلة مجموعة روايات تتحدث عن تحقق انتصارات قبل ظهوره عليه السّلام:
أنا أقرأ لكم رواية واحدة من مصادر أبناء العامة:
الرواية هكذا تقول عن عبد اللّه بن مسعود قال:«أتينا رسول اللّه صلي اللّه عليه و آله
ص: 129
فخرج إلينا مستبشرا يعرف السرور في وجهه فما سألناه عن شئ إلاّ أخبرنا به و لا سكتنا إلاّ ابتدأنا حتّي مرت فتية من بني هاشم فيهم الحسن و الحسين فلما رآهم التزمهم و انهملت عيناه.
فقلنا:يا رسول اللّه ما نزال نري في وجهك شيئا نكرهه.
فقال:إنا أهل بيت اختار اللّه لنا الآخرة علي الدنيا و أنه سيلقي أهل بيتي من بعدي تطريدا و تشريدا في البلاد حتّي ترتفع رايات سود من المشرق فيسألون الحقّ فلا يعطونه ثم يسألونه فلا يعطونه ثم يسألونه فلا يعطونه فيقاتلون فينصرون فمن أدركهم منكم أو من أعقابكم فليأت إمام أهل بيتي و لو حبوا علي الثلج فإنها رايات هدي يدفعونها إلي رجل من أهل بيتي يواطئ اسمه اسمي...فيملك الأرض فيملاها قسطا و عدلا كما ملئت جورا و ظلما». (1)
إذن هناك انتصارات تمهيدية قبل ظهوره عليه السّلام،تقوم بها الأمّة التي ستحقق هذا المجتمع السعيد.
و بهذا الصدد هناك رواية عن يونس بن عبد الرحمن من أصحاب الإمام الرضا عليه السّلام و هو ممن أجمعت الطائفة علي صحة ما صدر منه من الروايات،يقول الراوي دخلت علي موسي بن جعفر عليهما السّلام فقلت له:يابن رسول اللّه أنت القائم بالحقّ؟
فقال:«أنا قائم بالحقّ و لكن القائم الذي يطهر الأرض من أعداء اللّه عزّ و جلّ و يملأها عدلا كما ملئت جورا و ظلما هو الخامس من ولدي له غيبة يطول أمدها خوفا علي نفسه،يرتد فيها أقوام و يثبت فيها آخرون».
ثم قال:«طوبي لشيعتنا،المتمسكين بحبلنا في غيبة قائمنا،الثابتين علي موالاتنا
ص: 130
و البراءة من أعدائنا،أولئك منا و نحن منهم،قد رضوا بنا أئمّة،و رضينا بهم شيعة، فطوبي لهم،ثم طوبي لهم،و هم و اللّه معنا في درجاتنا يوم القيامة». (1)
إن من واجبات زمان الغيبة الدعاء بالفرج لصاحب الزمان عليه السّلام كما أن من واجبنا الثبات و الانتصار للحق و التمهيد لظهوره عليه السّلام.
جاء في الرواية عن زرارة بن أعين و هو من أصحاب الإمام الباقر عليه السّلام الذي قال عنه الإمام الصادق عليه السّلام:«رحم اللّه زرارة بن أعين لو لا زرارة لاندرست آثار النبوة و ضاعت أحاديث أبي عليه السّلام» (2)و هو من أصحاب الإجماع عند الطائفة بمعني أن علماء الشيعة اجمعوا علي صحة رواياته،يقول في روايته سمعت أبا عبد اللّه عليه السّلام يقول:«إن للغلام غيبة قبل ان يقوم»،قال:قلت:و لم؟
قال:«يخاف-و أومأ بيده إلي بطنه-ثم قال:يا زرارة و هو المنتظر، و هو الذي يشك في ولادته،منهم من يقول:مات أبوه بلا خلف و منهم من يقول:حمل و منهم من يقول:إنه ولد قبل موت أبيه بسنتين،و هو المنتظر غير أن اللّه عزّ و جلّ يحب أن يمتحن الشيعة،فعند ذلك يرتاب المبطلون يا زرارة.
[قال:قلت:جعلت فداك إن أدركت ذلك الزمان أي شئ اعمل؟
قال:يا زرارة]إذا أدركت هذا الزمان فادع بهذا الدعاء:«اللهم عرفني نفسك،فإنك إن لم تعرفني نفسك لم أعرف نبيك،اللهم عرفني رسولك، فإنك إن لم تعرفني رسولك لم أعرف حجتك،اللهم عرفني حجتك،فإنك إن لم تعرفني حجتك ضللت عن ديني...». (3)
ص: 131
اليوم هو الخامس من محرم الحرام الذي يخصص عادة لمسلم بن عقيل عليه السّلام الذي يعتبر سفير الحسين عليه السّلام إلي أهل الكوفة و الذي قال في حقه الحسين عليه السّلام في الرسالة التي كتبها لأهل الكوفة:
«و أنا باعث إليكم أخي و ابن عمي و ثقتي من أهل بيتي مسلم بن عقيل،فان كتب إلي بأنه قد اجتمع رأي ملائكم،و ذوي الحجي و الفضل منكم،علي مثل ما قدمت به رسلكم و قرأت في كتبكم،فاني أقدم إليكم و شيكا إنشاء اللّه...»، (1)تكشف هذه الرسالة عن منزلة مسلم بن عقيل عليه السّلام عند الإمام الحسين عليه السّلام.
تقول الرواية عندما دخل الكوفة كانت مهمته استكشاف الواقع السياسي في الكوفة فقد بايعه(ثمانية عشر)ألف عندها نزل في بيت المختار الثقفي ثم تحول إلي بيت هاني بن عروة ثم كتب رسالة إلي الإمام الحسين عليه السّلام يطلعه فيها علي الوضع السياسي في الكوفة من اجتماع الناس عليه و بعد ذلك قامت السلطة الأموية بتغيير الوالي علي الكوفة و وضعت عبيد اللّه بن زياد بدل النعمان بن بشير،لأن الأخير كان ضعيفا و غير راغب في قتال الحسين عليه السّلام،أما ابن زياد فقد كان شديدا و قاسيا و متعطشا لسفك الدماء بلا رحمة مما أدي إلي تخلخل الوضع النفسي و السياسي عند أهل الكوفة ممن بايعوا مسلم بن عقيل عليه السّلام،فقد كتب مسلم عليه السّلام إلي الحسين عليه السّلام أن أقدم فقد بايعني الناس علي نصرتك،و هذه كانت مهمة مسلم بن عقيل عليه السّلام في أخذ البيعة من أهل الكوفة و تهيأت الأوضاع لقدوم الإمام الحسين عليه السّلام،و لم تكن مهمته القيام بثورة،بدأ التراجع يزداد في أهل الكوفة حتي لم يبق مع مسلم عليه السّلام من يصلي خلفه أو يدله علي الطريق،فبعث ابن زياد الجواسيس
ص: 132
و الوشاة لخذلان الناس عن مسلم بن عقيل عليه السّلام بنشر خبر مفاده أن هناك جيشا كبيرا قادما من الشام فتفرق الناس عن مسلم عليه السّلام حتي بقي وحده فخرج يمشي في أزقة الكوفة المظلمة و وقف علي باب دار تلك المرأة الصالحة طالبا الماء فجلبت إليه الماء و عندما شرب الماء طلبت منه الانصراف عن باب الدار،فتحير مسلم عليه السّلام و لم يدر إلي أين ينصرف،فقال لها:يا أمة اللّه أما تجيرينني هذه الليلة و يكون رسول اللّه صلي اللّه عليه و آله شفيعك يوم القيامة؟
فقالت المرأة متعجبة:من أنت حتي تضمن لي شفاعة الرسول صلي اللّه عليه و آله؟،فقال لها:
أنا مسلم بن عقيل،فلما سمعت بخبره فتحت الباب له و قالت:البيت بيتك و أنا خادمتك،فدخل مسلم عليه السّلام الدار و أخذ يقضي الليل بالصلاة و الدعاء حتّي جاء ولدها و هو من عيون ابن زياد،فسأل أمه عن ترددها علي الغرفة التي كان فيها مسلم عليه السّلام فأخبرته بعدما أخذت عليه الإيمان المغلظة بأن لا يخبر أحدا بخبر مسلم عليه السّلام و لكن هذا اللعين لم ينم تلك الليلة و ذهب مسرعا في الصباح الباكر إلي ابن زياد و قال له:إن أمي أصبحت تضّيف الأعداء،و ما هي إلاّ لحظات حتّي طوقوا الدار علي مسلم ابن عقيل عليه السّلام،فتهيأ مسلم عليه السّلام للقتال و بدأت المعركة حتي قتل منهم مسلم عليه السّلام جمعا كثيرا و لم يستطيعوا قتله إلاّ من خلال حفيرة حفرت له فوقع فيها و أخذوه أسيرا إلي ابن زياد و جراحاته تنزف دما فطلب ماءا فلم يستطع شرب الماء بسبب سقوط أسنانه و ثناياه في الماء و امتلأ الإناء دما،و قال لو كان من الرزق المقسوم لشربته ثم دمعت عيناه فقيل له:إن من يطلب مثلما تطلب لا يبكي إذا نزل به ما نزل بك،قال عليه السّلام:و اللّه ما بكيت علي هذا الذي نزل بي و لكن بكيت للحسين و أهل بيت الحسين،أنا دعوتهم للمجيء و الآن هم في الطريق إلي الكوفة.
إنا للّه و إنا إليه راجعون و سيعلم اللذين ظلموا أي منقلب ينقلبون.
و الحمد للّه رب العالمين
ص: 133
ص: 134
ص: 135
51-ما هو المسار الجغرافي لحركة الإمام المهدي عليه السّلام؟
52-من أين تنطلق حركة الإصلاح العالمي؟
53-ما هي معالم الإصلاح الغربي؟
54-ما هي معالم الإصلاح الإسلامي؟
55-المصلح المعصوم هل هو ضرورة؟
56-لماذا لا يكون المصلح الأعظم هو عيسي عليه السّلام؟
57-ما هو الدليل العقلي علي وجود الإمام المهدي عليه السّلام؟
58-إذا كان موجودا ما هي فائدته؟
59-الإمام المهدي عليه السّلام لماذا لا يصحح مؤلفات الشيعة؟
60-ما هي رسالة الإمام للشيخ المفيد؟
ص: 136
بسم اللّه الرحمن الرحيم
في الليالي الماضية تحدثنا عن مجموعة عناصر اشتراك بين حركة الإمام الحسين عليه السّلام و حركة الإمام المهدي عليه السّلام.
الاشتراك في الأهداف و الاشتراك في المناهج و الاشتراك في العمق التاريخي.
الليلة حديثنا عن عنصر اشتراك آخر هو الاشتراك في المسار الجغرافي بين حركة الحسين عليه السّلام و حركة الإمام المهدي عليه السّلام بشكل موجز و عرض جغرافي سريع للحركتين و ربما أشرنا لذلك في ليال سابقة.
الحسين عليه السّلام انطلق في حركته من المدينة المنورة يوم أرسل عليه الوالي الأموي يطلب منه البيعة فقال له الحسين عليه السّلام في خلاصة الموقف إن «يزيد قاتل النفس المحترمة،شارب الخمور و مثلي لا يبايع مثله». (1)
-
ص: 137
ثم قرر الحسين عليه السّلام الهجرة إلي مكّة بشكل علني و في مكّة المكرمة أعلن ثورته متجها للعراق في الثامن من ذي الحجة و الذي يسمي يوم التروية و هو يوم حركة القوافل نحو عرفة،يومئذ،و في يوم الثامن من ذي الحجة يذهب الحجاج لجمع الماء من مكّة و الذهاب بعدها إلي عرفة فيحملون الماء علي ظهور الإبل و ينتقلون من مكّة المكرمة إلي عرفات حيث تستغرق هذه الرحلة ثلاثة أيام(عرفات،المزدلفة،مني)حتي يرجعوا إلي مكّة المكرمة، هذا هو معني يوم التروية أي يتروون من الماء يوم الثامن.
الإمام الحسين عليه السّلام في هذا اليوم بدلا من أن يتجه مع الحجاج إلي عرفات حيث يجب الوقوف في عرفات يوم التاسع من ذي الحجة،الإمام الحسين عليه السّلام قال:أنا سأنتقل إلي العراق لأن عندي مشروع و الآن وجودي في مكّة أصبح غير ممكن كما تعرفون هذا الأمر قال:
«...ألا و ان الدعي ابن الدعي قد ركز بين اثنتين بين السلة و الذلة و هيهات منا الذلة!يأبي اللّه لنا ذلك و رسوله و المؤمنون و حجور طهرت و جدود طابت،من ان نؤثر طاعة اللئام علي مصارع الكرام،ألا و إني زاحف بهذه الأسرة علي قلة العدد،و كثرة العدو،و خذلان الناصر...». (1)
من مكّة اتجه الحسين عليه السّلام إلي العراق،وصل كربلاء و لم يسمح
ص: 138
للحسين عليه السّلام أن يتجه للكوفة،كان أصل الاتجاه نحو الكوفة و لكن موقف الحر الرياحي اضطر الحسين لتغيير مساره نحو كربلاء و رغم أن الحسين عليه السّلام لم ينزل الكوفة و لكن السبايا و رأس الحسين عليه السّلام دخلوا الكوفة ثم اتجه رأس الحسين عليه السّلام نحو الشام،فالمسار الجغرافي للحسين عليه السّلام هو:المدينة -مكّة-كربلاء-الكوفة ثم الشام هذه حركة الإمام الحسين عليه السّلام.
هذا المسار الجغرافي نجده أيضا عند الإمام المنتظر عليه السّلام حيث ينطلق كانطلاقة أولي تمهيدية غير معلنة و غير عالمية ينطلق من المدينة المنورة إلي مكّة المكرمة حيث تكون جيوش و قوات السفياني قد لا حقته من الشام و العراق إلي المدينة المنورة،لأنه قبل ظهور الإمام المهدي عليه السّلام هناك طاغوت اسمه السفياني،هل هذا هو اسمه أو هو كناية عن اتجاهه الحركي فهو سفياني الهوي و الولاء و ليس بالضرورة أن يكون اسمه السفياني لكن ميوله سفيانية،السفياني يكون مسيطرا علي الشام و مسيطرا علي العراق فلما يبلغه أن المصلح الأعظم المهدي المنتظر عليه السّلام قد انطلق في المدينة المنورة يقوم بالزحف علي المدينة المنورة،الإمام المنتظر عليه السّلام يخرج من المدينة المنورة إلي مكّة المكرمة مثل جده الحسين عليه السّلام و لا يدخل في مواجهة مع السفياني في المدينة.
و في مكّة المكرمة أيضا لا يدخل في مواجهة مع السفياني لأن السفياني يبعث جيشا بعدة آلاف لكي يلاحق الإمام في مكّة المكرمة إلاّ أن اللّه تبارك و تعالي بإعجاز إلهي يخسف بهم البيداء و لا ينجو منهم إلاّ ثلاثة أو واحد-حسب اختلاف الروايات -و يرجع فيخبر الناس و يومئذ تكون قد التحقت بالإمام المنتظر من كل أنحاء العالم في مكّة المكرمة حتي يبلغوا عشرة آلاف.
الإمام المنتظر عليه السّلام حينئذ يبدأ عملية الزحف لتحرير المدينة من قوات
ص: 139
السفياني،فتتحرر المدينة من قوات السفياني.ثم يزحف من المدينة إلي العراق، باتجاه الكوفة مثل الإمام الحسين عليه السّلام حيث كان الاتجاه إلي الكوفة.
الروايات (1)تقول:(و سوف اقرأ لكم بعض الروايات)أنه ستحدث معارك طاحنة في الكوفة بين قوات الإمام المهدي عليه السّلام و قوات السفياني التي تكون قد تعسكرت في الكوفة و حينئذ تلتحق بالإمام المهدي عليه السّلام قوات جديدة بقيادة قائد اسمه الحسني هذه الرايات قادمة من خراسان كما تقول الروايات،تلتحق بالإمام المنتظر عليه السّلام و تكون بينهم و بين السفياني في الكوفة معركة طاحنة علي أثرها ينهزم السفياني و يكون الإمام المنتظر عليه السّلام قد حرر الكوفة و اتخذها عاصمة له،بحيث تقول الروايات أن دار ملكه الكوفة، و هناك روايات جميلة هي بشري لأهل الكوفة،يعني هذا الإقليم.».
ص: 140
الرواية تقول:«أسعد الناس به أهل الكوفة» (1)لأنهم سوف يصبحون في العاصمة إذن لا بدّ أن يكونوا أسعد الناس.
و الحمد للّه و كما شرحت لكم فان الإمام يتقدم باتجاه الشام و تكون الكوفة قد تحررت فيتقدم باتجاه الشام فتتحرر و يهزم السفياني،و من هناك ينتقل الإمام لتحرير القدس و في القدس ينزل عيسي بن مريم و يصلي خلف إمامنا المنتظر عليه السّلام (2)هذا هو السير الجغرافي للحركة.
عندي إشارة مهمة في هذه الليلة و هي أنّ هذا السير الجغرافي الذي عرضته لكم هناك إشارة تحليلية تاريخية مهمة فيه و لكني أوثر أن أقرأ لكم رواية أو روايتين عن المسار الجغرافي لحركة الإمام المنتظر عليه السّلام حيث نكون في جو الروايات الشريفة ثم نرجع لتلك المهمة.
الرواية تقول:«و يبعث السفياني بعثا إلي المدينة فينفر المهدي إلي مكّة فيبلغ أمير جيش السفياني أن المهدي قد خرج إلي مكّة فيبعث جيشا علي أثره فلا يدركه حتي يدخل مكّة(يعني الإمام المنتظر)خائفا يترقب علي سنة موسي بن عمران و ينزل أمير جيش السفياني البيداء فينادي مناد من السماء يا بيداء أبيدي القوم بهم فلا ينجو منهم إلاّ ثلاثة نفر يحوّل اللّه وجوههم إلي أقفيتهم،و القائم يومئذ بمكّة أسند ظهره إلي البيت الحرام ينادي:أيها الناس إنا نستنصر اللّه و من أجابنا من الناس». (3)
الرواية الأخري تقول عن الإمام الصادق عليه السّلام:«السفياني من
ص: 141
المحتوم» (1)يعني من القضاء و القدر المؤكد خروجه مع خروج الإمام المنتظر عليه السّلام،السفياني يخرج كعدوله كما هي سنة اللّه تبارك و تعالي: وَ كَذلِكَ جَعَلْنا لِكُلِّ نَبِيٍّ عَدُوًّا مِنَ الْمُجْرِمِينَ (2)هذه السنّة مع الإمام المنتظر عليه السّلام أيضا موجودة.
الرواية تقول:«السفياني من المحتوم و خروجه من أوّل خروجه إلي آخره خمسة عشر شهرا:ستة أشهر يقاتل فيها فإذا ملك الكور الخمس ملك تسعة أشهر و لم يزد عليها يوما»، (3)هذا حكم السفياني إلي أن يهزم هذه بعض الروايات.
و رواية أخيرة أنقلها لكم في هذا الشأن.
تقول الرواية عن الإمام الصادق عليه السّلام:«كأنّي بالسفياني أو بصاحب السفياني قد طرح رحله في رحبتكم في الكوفة فنادي مناديه من جاء برأس شيعة عليّ فله ألف درهم،فيثب الجار علي جاره و يقول هذا منهم فيضرب عنقه و يأخذ ألف درهم،ثم يقول عليه السّلام:إنّ أمارتكم يومئذ لا تكون إلاّ لأولاد البغايا و كأنّي أنظر إلي صاحب البرقع-هذه الرواية تلفتنا إلي شيء عجيب و هم هؤلاء الملثمون الإرهابيّون في هذا الزمان الذي يلبسون النقاب،هذه الروايات تتحدث عن مجموعة من أصحاب البراقع الملثمين القتلة،يلبسون برقعا فلا يعرفهم أحد،هذه الظاهرة الرواية تتحدث عنها،و هو من عجيب ما تتحدث عنه و نحن نشهد بعض نماذجه المعاصرة-.
قلت:و من صاحب البرقع؟
قال عليه السّلام:رجل منكم يقول بقولكم يلبس البرقع فيحوشكم فيعرفكم و لا تعرفونه فيغمز بكم رجلا رجلا أما أنه لا يكون إلاّ ابن بغي». (4)
هذا أتركه بدون تعليق لأن هذه الروايات تستحق تعليقا طويلا أنا أنتقل2.
ص: 142
إلي محل الشاهد،و هذه ظاهرة تاريخية مهمة علي الباحثين أن يدرسوها و هي ظاهرة أن الإصلاح المعنوي علي طول التاريخ ينطلق من الشرق و الإصلاح المادي التكنولوجي و التقدم المادي التقني ينطلق من الغرب لماذا؟
لا حظوا الأنبياء انطلقوا من الشرق فلسطين،الحجاز،العراق هذه حركة الأنبياء عليهم السّلام.
الأنبياء إسماعيل و إبراهيم و إسحاق و موسي و عيسي و نبينا صلي اللّه عليه و آله و نوح و هود و صالح هذا قطار الأنبياء المقدس أستطيع أن أقول هذا كله انطلق من الشرق،ربما هناك استثناء لم نطلع عليه لكن بحدود ما يطلعنا عليه القرآن الكريم،و ما تحدثنا به سيرة و حياة الأنبياء،إننا لا نري يوما من الأيام نبيا بعث في بلاد الغرب،و لا نبيا في بلاد فارس أو الصين مع أن الفرس لديهم تقدم علمي كبير،الصين كذلك،الروم كذلك لكن لا تدري ما هي الحكمة الإلهية أن الأنبياء ينطلقون من الشرق أما الشرق العربي أو الشرق العبري،أن الأنبياء عليهم السّلام كثير منهم عرب و كثير منهم عبريون،إسرائيل هو نبي من الأنبياء، إسرائيل ليس منطقة جغرافية بل إسرائيل هو اسم يعقوب عليه السّلام.
أربعة أنبياء عرب كان خاتمهم النبي محمّد،و هؤلاء الأنبياء الأربع كما يقول العلامة الطباطبائي في الميزان هم:«هود،و صالح،و شعيب و محمّد صلي اللّه عليه و آله»، (1)أنا لا أذكر هذا علي أساس منطلقات قومية،أنتم و نحن أجل من المنطلقات القومية و لكن كحقائق تستحق البحث و التأمل لماذا هذه المنطقة (الشرق)أصبحت مهد النبوات؟لماذا الغرب لم يصبح مهد النبوات؟
ص: 143
بعض الروايات تقول يوجد نبي واحد أسود أفريقي،البقية أما عرب أو عبريون هذا يحتاج إلي تحليل.
في مقابل هذا يوجد شيء آخر و هو أن التقدم العلمي التقني عند الغرب كان و إلي الآن،السيارات غرب،المبايلات غرب،التلفزيون غرب، الأدوات العلاجية غرب،الكهرباء غرب،تقدم علمي جاء و زحف علينا من الغرب،لحد الآن الشرق غير قادر علي منافسته،صحيح أن الاتحاد السوفيتي صنع مركبات فضائية و استطاع أن يصعد إلي القمر و ما شاكل،لكن يبقي التقدم العلمي هو من حصة الغرب إلي الآن.
في مقابل ذلك نجد أن التقدم الروحي المعنوي هو من حصة الشرق و سوف نجد أن الغرب الآن يعترف أن الإصلاح المعنوي سوف يبدأ من الشرق حيث هم الآن يبحثون عن المصلح الأكبر و هو إمام الزمان و لكن ليس في واشنطن و نيويورك،يبحثون عن صاحب الزمان في النجف-كربلاء- مكّة المكرمة-المدينة و هكذا ينتظرون عيسي بن مريم.
الآن يوجد لديهم بحث حقيقي لأنهم يعرفون هذه القضايا علي أساس تراث علمي تاريخي موجود عندهم.
الآن كل الإرهاصات العالمية و التنبؤات العالمية تتحدث عن خروج مصلح من الشرق و ليس من الغرب،أصلا هم لا يبحثون عنه لا في باريس و لا في واشنطن و لا في دولة أخري من الدول الصناعية السبع بل يبحثون عنه في هذه المنطقة،كما أن عيسي حسب رواياتهم التي هم أيضا يعتقدون بها تتحدث عن نزول عيسي،و عيسي يحكم بعد ذلك،يحكم و يقتل اليهود،هذه القضايا هي بالنسبة إليهم تؤرق مضاجعهم،هؤلاء يقولون عيسي و أولئك يقولون المهدي علي كل حال النتيجة واحدة هي ظهور مصلح ينقض علي قدراتهم المادية.
ص: 144
و لهذا أنتم قد لا تعلمون أن التحقيقات التي تجريها قوات الاحتلال هنا في العراق مع بعض اللذين اعتقلوا اشتباها أو عمدا و كان يحدثنا و يقول عملوا معي إثني عشر جلسة تحقيق،واحدة منها جلسة تحقيقية كاملة عن الإمام المنتظر عليه السّلام.
جلسة تحقيقية كاملة الأمريكان يحققون معه و التحقيق ما هو؟
من هو المهدي؟
أين يظهر في مكّة؟في المدينة؟في النجف؟في الكوفة؟في كربلاء؟ هذا السؤال الأوّل.
السؤال الثاني:تلتقون به أم لا تلتقون به؟
السؤال الثالث:مراجعكم مثل السيد السيستاني يلتقي به أم لا يلتقي؟
السؤال الرابع:أنتم تدعون أنه إذا ظهر هذا المصلح الأكبر يسيطر علي العالم، أسلحته ما هي؟عندكم بالروايات ما هي أسلحته؟حتّي يفكروا بالمضادات!
جلسة تحقيقية كاملة تستغرق ساعتين أو أكثر فقط حول الإمام المنتظر عليه السّلام،ثم يقولون لهذا الشخص المعتقل عندهم:فلنفترض إذا أنت التقيت بالإمام المنتظر عليه السّلام ما ذا تعمل؟يعني ما هي علاقتك معه؟
السؤال السادس:إذا قال لك الإمام المنتظر عليه السّلام قاتل هؤلاء، أنت تقاتلنا أم لا تقاتلنا!؟عجيب هم يعيشون جوا كأنهم علي أبواب ظهور هذا المصلح الأعظم،هذه قوي عظمي في العالم تفكر في نفسها،ماذا سيصبح مصيرنا؟لأنه ثابت عندهم في التوراة و الإنجيل أن عيسي ينزل من السماء و يصلي في بيت المقدس و يقتل اليهود هناك و لديهم تنبؤات لأناس مرتاضين هذه التنبؤات بقطع النظر عن مدي دقتها لكن تثير هواجسهم و مخاوفهم.
ص: 145
لا تتصوروا أن أولئك لا يعتقدون بالتنبؤات التاريخية و لا بالأنبياء،إنهم يعتقدون أنه يوجد شيء ربما يزلزل وجودهم.
تنبؤات نوستر داموس (1)هي من أهم التنبؤات التي نشرت و قد عملت لها المخابرات فلما سينمائيا مهما جدا لتنبيه ذهن الناس،تنبؤات نوستر داموس توفي في القرن السادس عشر يعني قبل(خمسمائة)عام أصبحوا يرون أن هذه التنبؤات ربما تكون واقعية،هو يتنبأ بحكومة هنري الرابع ملك فرنسا و قد حدث ذلك،و كان يتنبأ بسقوط دولة إسرائيل،و بسقوط أمريكا،يتنبأ بحرب عالمية و حدثت،يتنبأ بالحرب العراقية الإيرانية و قد حدثت.
هؤلاء يجدون هذه التنبؤات أمامهم سقوط إسرائيل،سقوط أمريكا مهما كانت درجة الاحتمال في صحتها.
الغرب الآن يعيش إرهاصات ظهور المصلح الأعظم من الشرق،و هذه قضية جدا مهمة إن الإصلاح العالمي ينطلق من الشرق كما هو حركة الأنبياء و هذا سر من الأسرار.
و الآن يأتي هذا السؤال لماذا الإمام المنتظر عليه السّلام يخرج و يتحرك في محور مكّة المكرمة و المدينة المنورة و النجف و الكوفة و كربلاء و ما شاكل، هل من غير الممكن أن يخرج من دولة عظمي من تلك الدول؟عيسي أيضا كذلك يتحرك في فلسطين،و المجتمع الغربي الآن يسلّم بهذه القضية،إن انطلاقة الإصلاح العالمي ستكون من الشرق و ليس منهم.
هذه القضية تاريخية مهمة متروكة للدارسين و الباحثين و الآن نحن بصدد بيان ما يمكن بيانه من تحليل لهذه القضية.
علي كل حال الإصلاح العالمي سينطلق من الشرق و سينطلق من العراق بالذات.س.
ص: 146
كل الأديان الإلهية و الوضعية كما شرحت لكم،تبشر بإصلاح عالمي، و سعادة المجتمع الإنساني في نهاية المسار البشري،هم يبشرون بهذا و يعتقدون بهذا،و لكن أنا أوجز لكم ما هو الفرق بين الإصلاح العالمي وفق النظرية الإسلامية و الإصلاح العالمي وفق النظرية الغربية المطروحة بالفعل.
أنا أوجز لكم الشرح بنقاط يعني ما هي معالم أو مقومات الإصلاح الغربي العالمي و مقومات الإصلاح الإسلامي العالمي الذي يكون علي يد إمامنا المنتظر عليه السّلام و نحن الآن نعيش إرهاصاته و مقدماته التمهيدية بإذن اللّه تعالي.
أوّلا:ترسيخ التضاد الطبقي و الصراع السياسي بين الأحزاب.
و يمثل هذا الأصل عمق النظرية الديمقراطية التي تقول يجب أن يحتد الصراع بين الفقراء و الأغنياء،بين أصحاب رؤوس الأموال و بين العمال،و كذلك بين الاتجاهات السياسية المتعددة،هذا الصراع هو المفاعل لحركة الاقتصاد و السياسية.
نظرية السوق الحرة هذه تعتمد علي صراع عنيف بين أصحاب رؤوس الأموال و بين العمال و كذلك التنافس السياسي الحاد بين الاتجاهات المختلفة.
ثانيا:الحرية المطلقة السياسية و الاجتماعية و الثقافية،حرية مطلقة بلا حدود،لكي تساعد علي التنافس و التضاد التنموي.
ثالثا:عزل الدين عن السلطة و السياسة،لأن الدين يعتمد علي ثوابت فكرية و تشريعيّة و لا يسمح بالتعدية التي هي أساس التقدم.
رابعا:الوصاية الغربية علي العالم.
اليوم هم يباشرون هذه الوصاية،يعني يصدرون قرارات و يصدّرون توجيهات لدول و شعوب العالم،يعني كيف نحن لدينا مرجع ديني يصدر توجيهات و قرارات
ص: 147
للعالم الإسلامي،هم الآن يصدرون قرارات للعالم العربي و العالم الشرقي و ما شاكل كتوجيهات نحو الإصلاح الديمقراطي هذه أهم معالم الإصلاح الغربي.
أمّا الإصلاح الإسلامي العالمي،أيضا لديه مجموعة معالم:
الأوّل:حاكمية الشريعة الإسلامية،أنه لا إصلاح بدون دين اللّه و شريعته.
الثاني:شهادة الأمّة الإسلامية علي العالم،و ليس وصاية الأمّة الغربية علي العالم، وَ كَذلِكَ جَعَلْناكُمْ أُمَّةً وَسَطاً لِتَكُونُوا شُهَداءَ عَلَي النّاسِ (1)هنا شهداء ليس بمعني القتلي شهداء بمعني أصحاب الشهادة و الأشراف،قيمومة الأمّة الإسلامية و ليست قيمومة مجلس الأمن و الأمم المتحدة وَ كَذلِكَ جَعَلْناكُمْ أُمَّةً وَسَطاً لِتَكُونُوا شُهَداءَ عَلَي النّاسِ وَ يَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيداً .
الثالث:الإمام المعصوم هو الذي يقود هذه العملية الكبري،يعني أن العملية الإصلاحية الكبري لا يمكن أن تتم بدون إمام معصوم،و الإمام المعصوم من وجهة نظرنا الإسلامية هو من ولد رسول اللّه صلي اللّه عليه و آله و ولد فاطمة عليها السّلام،و هو التاسع من ولد الحسين عليه السّلام.
ننتقل إلي نقطة ثالثة لماذا كان المصلح المعصوم ضرورة؟
إن الحركة الإصلاحية العالمية من وجهة النظر الإسلامية أحد مقوماتها وجود الإمام المعصوم الذي يقود هذه الحركة الإصلاحية،هذه ضرورة نعتقد بها يعني لا يمكن أن تتم هذه العملية الإصلاحية الكبري عبر أناس لا يملكون السيطرة علي أهوائهم و لا علي أمزجتهم،و هم ناس لا يمتنعون من فتك و لا من إبادة،بل طلاب
ص: 148
مصالح و فئويات و جماعات و قوميات و عرقيات و ما شاكل ذلك،الذي يريد أن يصلح العالم يجب أن يكون قمة في الصلاح و الهدي حتي يستطيع أن يصلح العالم.
قد نناقش هذا الأمر من الناحية العقلية و الفلسفية،و لكن علي مستوي أدلة الإثباتات الإسلامية يقول القرآن الكريم:
هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدي وَ دِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَي الدِّينِ كُلِّهِ (1) إذن القيمومة الدينية و الأطروحة الحاكمة علي العالم في مستقبل الجنس البشري هي الإسلام،يعني حاكمية الشريعة الإسلامية،الأمّة الإسلامية و بالخصوص شيعة أهل البيت عليه السّلام كما أشرت في روايات في هذا الشأن أن هذه الأمّة هي التي تتمتع بالشهادة و تحقق التجربة السعيدة للعالم كله.
القرآن الكريم يقول: وَعَدَ اللّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَ عَمِلُوا الصّالِحاتِ) (2)فهو لم يقل الذين آمنوا من الأمم الأخري من النصاري أو اليهود أو قال الأمم الأخري من باريس أو لندن أو من واشنطن وَعَدَ اللّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَ عَمِلُوا الصّالِحاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ ، (3)هذه هي محل الشاهد،منكم هم اللذين يستخلفون في الأرض و يكونون قائمين علي هذه التجربة الإصلاحية العالمية.
الروايات أيضا متفق عليها هكذا تقول:«سيكون من بعدي أثنا عشر إماما،تسعة من ولد هذا-و كان الحسين صغيرا إلي جانب الرسول صلي اللّه عليه و آله- ضرب علي منكبه و قال تسعة من ولد هذا تاسعهم قائمهم». (4)7.
ص: 149
هل يمكن أن يكون المصلح عيسي بن مريم عليه السّلام؟
قد يناقشون و يقولون جيد عيسي عليه السّلام أيضا معصوم.
الجواب:أن المرجع عندنا هو أدلة الإثبات العلمية،يعني إذا كان الدليل هو الأحاديث و النصوص المقدسة عندنا،هذه النصوص تقول إن هذا المصلح ليس عيسي بن مريم عليه السّلام و إنما عيسي بن مريم عليه السّلام يصلي خلفه.
نحن نتفق أن عيسي بن مريم عليه السّلام لم يقتل و لم يصلب بل رفعه اللّه إليه،نتفق علي أن عيسي بن مريم عليه السّلام ينزل آخر المطاف لكن ليس هو المصلح العالمي الأكبر و إنما ذاك المصلح هو من ولد رسول اللّه صلي اللّه عليه و آله.
يوجد فرق بين ما نسميه الإمكان العلمي و بين ما نسميه الثبوت العلمي.
لا حظوا يا شباب يوجد شيء نسميه الإمكان العلمي لكن هذا غير كاف نحتاج إلي إثبات علمي،ماذا يعني ذلك؟
أنا أوجز هذا الأمر:
الإمكان علي عدة أقسام،إمكان فلسفي،إمكان عرفي،و امكان علمي حديثنا الآن عن الإمكان العلمي،أنه ممكن أن يكون هناك سكان علي سطح القمر هذا ممكن علميا،لكن هل يكفي مجرد هذا الإمكان العلمي أم نحتاج إلي إثبات، صعدت المركبات الفضائية مشوا لمدة ساعة أو ساعتين علي سطح القمر و جلبوا بعض التراب من القمر و لم يجدوا أثرا للبشر و لو كان يوجد بشر لوصلت آثاره علي كل حال هذا شيء اسمه الإمكان العلمي و شيء آخر اسمه الإثبات العلمي.
علي مستوي الإمكان علمي يمكن أن يكون عيسي بن مريم عليه السّلام هو المصلح الأعظم نعم هذا ممكن علميا،لكن نحن نحتاج إلي إثبات علمي، نحن لدينا أدلة علي ان المصلح الأعظم هو المهدي المنتظر من ولد رسول اللّه
ص: 150
صلي اللّه عليه و آله،لا يوجد عندكم أدلة علي أن المصلح الأعظم هو عيسي بن مريم عليه السّلام رغم أن الثابت في مصادرنا الإسلاميّة ان عيسي بن مريم عليه السّلام ينزل إلي الأرض في آخر الزمان لكن مصادرنا تؤكد أنه ينزل و يصلي خلف الإمام المهدي عليه السّلام كما سبق نقل بعض هذه النصوص.
ربما يكون من المفيد أن أقرأ بعض الروايات في نزول عيسي عليه السّلام:
أنا أحاول أن أقرأ الروايات من مصادر أبناء العامة لكي تكون أقوي في الدلالة:
الإمام أحمد ابن حنبل في مسنده أخرج عن أبي هريرة قال:
قال رسول اللّه صلي اللّه عليه و آله:«ينزل عيسي بن مريم إماما عادلا و حكما مقسطا فيكسر الصليب و يقتل الخنزير و يرجع السلم و يتخذ السيوف مناجل و تذهب حمة كل ذات حمة و تنزل السماء رزقها و تخرج الأرض بركتها حتي يلعب الصبي بالثعبان فلا يضره و يراعي الغنم الذئب فلا يضرها و يراعي الأسد البقر فلا يضرها». (1)
مثل هذه الروايات في مصادرنا موجودة أيضا،روايات كثيرة في هذا الشأن عن خروج عيسي بن مريم في آخر الزمان.
بعض الروايات عن أبي هريرة عن خروجه عليه السّلام و نزوله من السماء يقول في ختام ما يقول الرسول صلي اللّه عليه و آله:«...و أنا أولي الناس بعيسي بن مريم لأنه لم يكن بيني و بينه نبي و أنه نازل فإذا رأيتموه فاعرفوه رجلا مربوعا إلي الحمرة و البياض عليه ثوبان ممصران كان رأسه يقطر و ان لم يصبه بلل...» (2)يعني عيسي بن مريم عليه السّلام.6.
ص: 151
و من الجميل أن نجد في بعض الروايات تقول عن الإمام المنتظر عليه السّلام في وصفه أنه إسرائيلي القامة بمعني يميل إلي الطول. (1)ثمّ تتحدث عن الإمام المهدي عليه السّلام و تقول:
«...فيدق الصليب و يقتل الخنزير و يضع الجزية و يدعو الناس إلي الإسلام فيهلك اللّه في زمانه الملل كلها إلاّ الإسلام و يهلك اللّه في زمانه المسيح الدجال و تقع الامنة علي الأرض حتّي ترعي الأسود مع الإبل و النمور مع البقر و الذئاب مع الغنم و يلعب الصبيان بالحيات لا تضرهم فيمكث أربعين سنة ثم يتوفي و يصلي عليه المسلمون» (2)إلي آخر هذه الروايات الكثيرة و الجميلة.
ما هي الإثباتات العلمية.
الأدلة العلمية علي المهدي عليه السّلام ما هي؟
نحن نقول أن الإمام المهدي المنتظر عليه السّلام ضرورة ما هي الأدلة العلمية التي نملكها للدلالة علي هذه الضرورة؟
لا حظوا أيها المؤمنون أن علماءنا قدموا أربعة نماذج للأدلة علي ضرورة الإصلاح العالمي الذي سيكون علي يد المهدي الموعود المنتظر.
ص: 152
الدليل الأوّل:الدليل العقلي.
الدليل الثاني:الدليل الشرعي.
الدليل الثالث:الدليل العلمي.
الدليل الرابع:الدليل الميداني.
و لعلنا نستطيع في الليالي القادمة أن نأخذ نبذة من كل دليل أمّا هذه الليلة فنكتفي بالحديث عن الدليل الأوّل.
يعني النموذج الأوّل هو الدليل العقلي الفلسفي.
هذا النمط من الاستدلال كان علماؤنا يستخدمونه وفق مدرسة كاملة نسميها مدرسة الاستدلالات العقلية،فيقولون مثلا النبوة ضرورة من الضرورات،الإمامة كذلك،و إذا كانت الإمامة ضرورة من الضرورات إذن لا يمكن للأمّة الإسلامية أن تبقي بدون إمام،و يستندون في ذلك أيضا إلي روايات تعضد هذا الاستدلال تقول:«لو لا الحجة لساخت الأرض بأهلها». (1)
و تقول إنه«من مات و ليس في عنقه بيعة مات ميتة جاهلية» (2)كما في روايات أبناء العامة،إذن لا بدّ في كل زمان من إمام،و هذا الإمام لا بدّ أن يكون معصوما، خلاصة هذا الاستدلال العقلي أنه لا بدّ من إمام معصوم في كل زمان و هذا الإمام المعصوم إذا كان وجوده ضروريا فلا بدّ أن يكون الآن موجودا و لكنه غائب،علي ما بشر النبي صلي اللّه عليه و آله في غيبته في روايات متفق عليها.
ص: 153
هذا الدليل نسميه الدليل العقلي،نسميه دليل اللطف،علماؤنا كانوا يستخدمون هذا الاستدلال وفق مدرسة كلاميه خاصة،و إذا ثبتت تلك المدرسة فان هذا الاستدلال أيضا سوف يثبت.
يقولون وفق قاعدة اللطف و حيث كان وجود المعصوم هو لطف من اللّه تبارك و تعالي و اللّه قد كتب علي نفسه أنه لطيف رحيم،بمعني يجب علي اللّه تعالي بمقتضي لطفه و رحمته أن يبعث نبيا لأنه تعالي يقول: وَ ما كُنّا مُعَذِّبِينَ حَتّي نَبْعَثَ رَسُولاً (1)إذن أنت تستطيع أن تقول وفق الآية القرآنية أن النبي ضرورة من الضرورات.
و علي هذا الأساس يكون الإمام المعصوم كذلك حيث أن مقام الإمام هو مقام النبي و يجسد نفس الامتداد إماما بعد إمام حتي نصل إلي الإمام المنتظر عليه السّلام.
هذا الاستدلال واجه مجموعة أسئلة لكن هذه الأسئلة ليست علمية بل هي أسئلة طفولية.
مثلا ابن تيمية يقول هذا الإمام الغائب ما هي فائدته؟
تقولون هو لطف من اللّه تعالي و لكن أي لطف في إمام غائب؟
و يستمر في الجدل حتي يصل إلي شيء من الجرأة فيقول أن الحكام الأمويين و العباسيين أفضل من إمامكم الغائب،علي الأقل هؤلاء نفعوا الناس، إمامكم الغائب لم ينفع الناس بشيء.
ص: 154
لقد حاول علماؤنا في مقام الجواب أن يبرهنوا علي وجود منافع للأمّة بهذا الإمام،استنادا إلي روايات كثيرة تقول:«تنتفعون به كما تنفعون بالشمس إذا غطتها السحب». (1)
و هناك شبهة أخري مثل شبهة ابن تيمية مصدرها(أحمد الكاتب)هذا الشخص الذي انحرف و أصبح أخيرا يقول إذا كان المهدي المنتظر موجودا إذن لماذا لم يصحح كتاب الكافي!؟و لأشرح لكم هذه الشبهة:
يوجد كتاب هو مصدر من مصادر الفكر الشيعي اسمه الكافي لمؤلفه الشيخ الكليني،كتبه في زمن الغيبة الصغري،هو كتاب يجمع روايات كثيرة فيها صحيحة و فيها غير صحيحة يعني هو كتاب موسوعي و شأن الكتب الموسوعية أن تنقل مجموعة ما يوجد من تراث روائي،و لكن هذا الشخص-أحمد الكاتب-يقول لو كان الإمام المنتظر عليه السّلام موجودا فلماذا لم يصحح كتاب الكافي!؟
في الحقيقة هذه الشبهات طفولية يعني نحن نعتقد بلطف اللّه تبارك و تعالي و نعتقد بوجود المعصوم لكن ليس بمستوي أن نفرض رأينا علي اللّه أو علي الإمام المعصوم.
نحن نعتقد بعدل اللّه تعالي،لكن أمامنا مشاهد المرض و القتلي و الغرق و الفجائع و الحوادث المأساوية نحن نراها لكن نحن لا نعترض علي اللّه و نقول اللّه ليس بعادل،لماذا يقتل ربع مليون في حادثة الزلزال الذي حدث عام (2005)في عمق المحيط،تلك الظاهرة التي يسموها بظاهرة تسونامي و التي لحد الآن ذهب ضحيتها أكثر من ربع المليون و هؤلاء بينهم أطفال و نساء و مساكين نحن لا نعترض علي اللّه لماذا؟».
ص: 155
لأنه نحن نعتقد بأصل العدالة الإلهية إجماليا،أمّا تفصيلها فنحن ليس لدينا قدرة استيعاب.
أنت تقول هذا مدير المدرسة عادل،و لكنّ هذه المدرسة فيها مشكلات كثيرة،فيها طالب ينجح و طالب لا ينجح و لكن يبقي القانون قانون عادل يحكم هذه المسيرة.
اللّه تبارك و تعالي عادل و لكن ليس بالضروري أن نعرف نحن تفاصيل هذه العدالة.
الشاهد نحن نعتقد بعدل اللّه و بحكمة اللّه و لكن ليس بالضرورة الشيء الذي نحن نريده يكون،و نحن ليس لدينا قدرة علي إدراك كل المصالح الشمولية،العميقة في الوجود كله؟ما يدرينا ما هي؟
و هي قصة حصلت مع موسي و الخضر عليهما السّلام حين كانوا في وسط البحر.
الرواية تقول:جاء عصفور فوقع علي حافة السفينة،فنقر في البحر نقرة،فقال الخضر لموسي عليه السّلام:ما علمي و علمك من علم اللّه،إلا مثل ما نقص هذا العصفور من هذا البحر. (1)
هذه هي معلومات البشر،فكيف نستطيع أن نكشف كل الحكم الإلهية في الوجود؟
نحن لا نستطيع أن نفرض علي اللّه تعالي مواقف و كذلك لا نستطيع أن نفرض علي المعصوم مواقف أن يصحح كتاب الكافي أو يظهر لإنقاذ الناس و ما شاكل ذلك.
ص: 156
نحن نعتقد إجمالا بالعدالة و اللطف الإلهي و نعتقد بفائدة وجود المعصوم الغائب بشكل إجمالي و لا نستطيع أن نفرض عليه موقفا.
أنا أختم المجلس برسالة إمامنا المنتظر عليه السّلام إلي الشيخ المفيد و هو من علماء الطائفة،الشيخ المفيد الذي توفي في عام(410)للهجرة يعني في مطلع القرن الخامس الهجري،الإمام المنتظر عليه السّلام يكتب له رسالة يقول فيها:
«بسم اللّه الرحمن الرحيم أمّا بعد:سلام عليك أيها الولي المخلص في الدين، المخصوص فينا باليقين فإنا نحمد إليك اللّه الذي لا إله إلا هو،و نسأله الصلاة علي سيدنا و مولانا و نبينا محمّد و آله الطاهرين،و نعلمك-أدام اللّه توفيقك لنصرة الحق، و أجزل مثوبتك علي نطقك عنا بالصدق-:انه قد أذن لنا في تشريفك بالمكاتبة، و تكليفك ما تؤديه عنا إلي موالينا قبلك،أعزهم اللّه بطاعته،و كفاهم المهم برعايته لهم و حراسته،فقف أيدك اللّه بعونه علي أعدائه المارقين من دينه علي ما اذكره،و اعمل في تأديته إلي من تسكن إليه بما نرسمه ان شاء اللّه.
نحن و ان كنا ناوين بمكاننا النائي عن مساكن الظالمين،حسب الذي اراناه اللّه تعالي لنا من الصلاح و لشيعتنا المؤمنين في ذلك ما دامت دولة الدنيا للفاسقين،فانا نحيط علما بأنبائكم،و لا يعزب عنا شيء من أخباركم، و معرفتنا بالذل الذي أصابكم مذجنح كثير منكم إلي ما كان السلف الصالح عنه شاسعا،و نبذوا العهد المأخوذ وراء ظهورهم كأنهم لا يعلمون.
إنا غير مهملين لمراعاتكم،و لا ناسين لذكركم،و لو لا ذلك لنزل بكم اللاواء و اصطلمكم الأعداء فاتقوا اللّه جل جلاله و ظاهرونا علي انتياشكم من فتنة قد أنافت عليكم يهلك فيها من حمّ أجله و يحمي عنها من أدرك أمله،و هي إمارة لأزوف حركتنا و مباثتكم بأمرنا و نهينا،و اللّه متم نوره و لو كره المشركون...». (1)
ص: 157
الشيخ الطوسي أعلي اللّه مقامه ألّف كتابا بعنوان(الغيبة)تبعا لوصية أستاذه الشيخ المفيد الذي قرأت لكم هذه الرسالة له من الإمام المنتظر عليه السّلام.
الشيخ المفيد كان يوصي تلميذه و هو الشيخ الطوسي أن يؤلف كتابا في الغيبة حتي تترسخ هذه الفكرة عند الناس فألّف كتاب(الغيبة).
الشيخ الصدوق الذي حدثتكم عنه قبل الشيخ الطوسي كان ألّف كتابا اسمه(إكمال الدين)في الإمام المنتظر عليه السّلام.
الشيخ الطوسي و الشيخ الصدوق يستعرضان هذه الأدلة علي حركة الإمام المهدي عليه السّلام و وجوده و أولها الدليل العقلي.
الشهيد السيد محمد باقر الصدر قدّس سرّه أيضا في كتابه(بحث حول المهدي)يستعرض استعراضا سريعا بعض النماذج من هذه الأدلة و التي سوف نقف عندها في محاضرات لا حقة إن شاء اللّه تعالي.
هذه الليلة مخصوصة لذكر العباس عليه السّلام أهل المنبر الحسيني هنا في النجف و في العراق بشكل عام يخصصون الليلة السابعة لذكر قمر بني هاشم أبي الفضل العبّاس،نحن أيضا علي هذا الدأب نذكر هذه الليلة مصيبة قمر بني هاشم.
قمر بني هاشم له مجموعة ألقاب يلقب بها،من جملة ألقابه ساقي عطاشي كربلاء،لأن هذه المهمة مهمة السقي و استحصال الماء كان العباس قد امتاز بها في ملحمة عاشوراء في اليوم السابع من محرم الحرام حيث أرسله الإمام الحسين عليه السّلام مع عشرين فارسا إلي المشرعة حينما أشتد الحصار و بدأ العطش في الحسين عليه السّلام و أصحاب الحسين و أهل بيت الحسين عليه السّلام و المشرعة أغلقت تماما،هنا و في اليوم السابع قيّض الحسين أخاه العباس لكي يطلب الماء مع عشرين فارسا و نزلوا المشرعة
ص: 158
فأحاط بهم القوم و كان العباس عليه السّلام يدافع عنهم حتي أوصل الماء للحسين عليه السّلام في اليوم السابع من محرم الحرام.
و في العاشر من محرم الحرام جاء العباس للحسين عليه السّلام بعد أن نفد ما لديهم من الماء و اشتد العطش قال أخي أبا عبد اللّه لقد ضاق صدري من هؤلاء الأعداء فهل من رخصة.
قال أخي أبا الفضل أنت صاحب لوائي إذا مضيت تفرق عني عسكري و لكن أطلب لهؤلاء قليلا من الماء.
أخذ القربة و ركب جواده فكشف القوم عن المشرعة و نزل إلي الماء خاض الماء أراد أن يشرب تذكر عطش الحسين عليه السّلام.
ملأ القربة و ركب جواده،كمن له لعين ضربه علي يده اليمني قطعها فقال:
و اللّه أن قطعتم يميني إني أحامي أبدا عن ديني
أخذ السيف بشماله يقاتل القوم كمن له ملعون وراء النخلة ضربه علي شماله قطعها،وقف بين القوم لا يدين حتي يدافع بهما و بينما هو كذلك و إذا بعمود علي رأسه خرّ صريعا مناديا السلام عليك يا أبا عبد اللّه.
أقبل إليه الحسين عليه السّلام جلس عنده:
نادي و قد ملأ البوادي صيحة صمّ الصخور لهولها تتقسم
أراد الحسين عليه السّلام حمله للخيمة قال:أخي أبا عبد اللّه باللّه عليك إلاّ ما تركتني في مكاني.
إنا للّه و إنا إليه راجعون و سيعلم الذين ظلموا أي منقلب ينقلبون.
و الحمد للّه رب العالمين
***
ص: 159
ص: 160
ص: 161
61-ما هي نقاط التمايز بين حركة الإمام المهدي و حركة الإمام الحسين عليهما السّلام؟
62-هل يستخدم الإمام المهدي عليه السّلام أدوات إعجازية في ثورته؟
63-الدجّال يمثل ظاهرة أو شخصا؟
64-ما هي الوظيفة الشرعية التي ينطلق منها الإمام؟
65-ما هو الخطر الأكبر الذي يواجهه الإمام،الانحراف الداخلي،اليهود، الاستكبار العالمي،النصرانيّة؟
66-ما هو الفرق بين علامات الظهور و شروط الظهور؟
67-عشرة من علامات الظهور؟
68-ما هي مسؤوليتنا للتعجيل في ظهوره؟
69-ما هي فلسفة الحداثة في فهم الحقائق؟
70-ما هو فضل الانتظار و ما المقصود به؟
ص: 162
بسم اللّه الرحمن الرحيم
مازال حديثنا عن عناصر التمايز و الاشتراك بين حركة الإمام الحسين و حركة الإمام المهدي عليهما السّلام.
هناك مجموعه نقاط تمايز بين حركة الإمام الحسين و حركة الإمام المهدي عليهما السّلام.
1-الحسين عليه السّلام قتل شهيدا و لم ينتصر بالبعد العسكري لكن إمامنا المنتظر عليه السّلام سوف ينتصر.
2-الإمام الحسين عليه السّلام لم يحكم دولة و لكن الإمام المنتظر عليه السّلام سوف يحكم دولة.
3-الإمام الحسين عليه السّلام لم يفتح له العالم بينما الإمام المنتظر عليه السّلام يفتح له العالم حتي يدق أبواب الروم و الصين و تفتح له الروم و الصين و هذه أقصي بقاع الأرض يومئذ،يعني لا توجد يومئذ قارة أستراليا إنها لم تكن مكتشفة،قارة أمريكا كذلك غير مكتشفة كان أقصي الأرض يومئذ يقال له الصين و علي هذا الأساس قالوا:
قال النبي صلي اللّه عليه و آله:«اطلبوا العلم و لو بالصين فإن طلب العلم فريضة علي كل مسلم»، (1)ليس المقصود في الصين أن أهل الصين كانوا علماء،عندما يقال الصين يعني أقصي البقاع رغم أنها الآن تعتبر قريبة منا بالنسبة لقارة أستراليا و قارة أمريكا لأن الصين جزء من قارة آسيا و نحن في قارة آسيا أيضا،علي كل حال العالم يفتح للإمام المنتظر عليه السّلام بينما العالم لم يفتح للإمام الحسين عليه السّلام.
ص: 163
4-ديمومة دولة الإمام المنتظر عليه السّلام حيث تدوم دولته و حركته إلي مئات السنين كما شرحت لكم في ليال سابقة،و بعض الروايات تقول إلي انقضاء الخلق.
الإمام المنتظر عليه السّلام سوف يموت إلاّ أن دولته تبقي مستمرة،مهدي بعد مهدي،و إمام بعد إمام، (1)و رواياتنا هكذا تقول أن الذي يصلي علي الإمام المنتظر عليه السّلام و يغسله و يكفنه هو الإمام الحسين عليه السّلام باعتبار أن الإمام الحسين عليه السّلام كما قرأت لكم في روايات سابقه وفق نظرية رجعة أهل البيت عليهم السّلام للحياة فإن الإمام الحسين عليه السّلام أوّل من يرجع و هو الذي يلي أمر القائم عليه السّلام،لأنّ في مفاهيمنا أن المعصوم لا يتولي أمر غسله و كفنه إلاّ معصوم،و لهذا أنتم جميعا سمعتم أن الإمام الحسين عليه السّلام يوم عاشوراء لمّا قتل بقيت جثته ثلاثة أيام،من الذي تولي دفنه؟
الإمام السجاد عليه السّلام و بعد ثلاثة أيام.
هذا المفهوم موجود عندنا يعني في مذهب أهل البيت عليهم السّلام أن الإمام المعصوم لا يلي أمره إلاّ المعصوم و حينئذ يأتي هذا السؤال أن الإمام المنتظر عليه السّلام و هو خاتم الأوصياء هل يوجد وراءه معصوم حتي يصلي عليه و يغسله؟
الجواب:نعم-وفقا لنظرية الرجعة-في مسيرة العودة و الرجعة حيث يعود الأئمّة الأطهار واحدا بعد واحد،و هذا بحث ربما تناولناه في ليال سابقة في محاضراتنا الأسبوعية في شرح الزيارة الجامعة،و يمكن أن نتناوله في هذه الليالي.
إذن هذه مجموعة تمايزات.».
ص: 164
5-الإمام المنتظر عليه السّلام يستخدم الكثير من الأدوات الإعجازية،يعني المعجزة سوف تشترك مع الإمام المنتظر عليه السّلام في حركته و ليس فقط الأدوات الطبيعية كالأسلحة الطبيعية.
نحن ذكرنا سابقا أن حركة الإمام المنتظر عليه السّلام تعتمد علي الأدوات البشرية و لكن إلي جانبه هناك الإسناد و الأعجاز الإلهي.
الإمام المنتظر عليه السّلام في حركته يستخدم آليات أخري غير الآليات المتعارفة دبابات و طائرات و صواريخ و ما شاكل ذلك،هذه كلها يستخدمها لكنه يستخدم سلاح الرعب من اللّه تعالي في قلوب الأعداء،و كذلك الملائكة.
عندنا بعض الروايات تقول:إن الإمام المنتظر عليه السّلام يدخل العراق علي سبع قباب من نور، (1)بعض الباحثين يري أن هذه السبع قباب من نور هي سبع طائرات حيث يومئذ لا يوجد شيء اسمه طائرة،قبل 1400 سنة الرواية تقول يدخل العراق علي سبع قباب من نور هو في أحداها يعني(رتل عسكري جوي)و غير معروف أن الإمام في أي واحدة من هذه الطائرات بناءا علي هذا التفسير أن سبع قباب من نور يعني طائرات،الفكرة أن الإمام المنتظر عليه السّلام يستخدم أدوات إعجازية لكن الأصل هي الأدوات البشرية الطبيعية لأن هذه سنّة اللّه تعالي كما شرحنا ذلك في محاضرة سابقة.
هذه نقاط تمايز بين حركة الحسين عليه السّلام و المهدي عليه السّلام.
لكن بقي محور مهم من محاور الاشتراك و هو الاشتراك في فلسفة التحرك،يعني ماذا؟
ص: 165
يعني أن حركة الإمام الحسين عليه السّلام كانت منطلقة من الوظيفة الشرعية،حركة الإمام المهدي عليه السّلام أيضا منطلقة من الوظيفة الشرعية.
التكليف هو الذي يشخص للإمام المعصوم موقفه و ليس قضية ذات أبعاد شخصية،التكليف الذي حتّم و فرض علي الحسين عليه السّلام أن يهاجر و يقود الثورة هو نفسه التكليف الذي سينطلق منه الإمام المنتظر عليه السّلام لأنه مكلّف،هو عبد مطيع للّه تعالي،إذا أذن اللّه تعالي له بالتحرك تحرك.
الإذن من اللّه تعالي كما سنشرح مرتبط بالواقع البشري و بقانون يعني بمقاسات إسلامية،المقاسات الإسلامية هي قانون قرآني إِنَّ اللّهَ لا يُغَيِّرُ ما بِقَوْمٍ حَتّي يُغَيِّرُوا ما بِأَنْفُسِهِمْ (1)يعني نحن نفترض أن هناك مجتمع سعيد سيكون في آخر الزمان بحيث أن ذلك المجتمع السعيد تمشي المرأة من العراق إلي الشام لا تطأ قدمها إلاّ علي زرع (2)يعني ثروة زراعية واسعة حتي يصطلح الذئب مع الشاة هذا هو المجتمع السعيد،لنفترض أن هذه الروايات كما أشرنا لذلك ربما يكون المقصود منها الإشارة إلي نموذج العدل الأقصي و ليس بالضرورة إن الذئب لا يأكل شاة أو القطة لا تأكل الفأرة.
قد يقول قائل هذا خيال،ما هي الفائدة أن القطة لا تأكل الفأرة؟
يعني هل هذه رحمة؟غير معلوم!،الرحمة تعني أن القانون الحيواني يجب أن يكون حاكما و القطة تأكل الفأرة هذه هي الرحمة.».
ص: 166
نعم،و هذا ما نميل إليه،لكن الروايات تريد أن تعطّينا أمثلة علي حاله الوئام العالي،السماء تمطر،الأرض تنبت،الحيوانات تكثر،هذه رحمة عالية.
بهذا المعني تكون الروايات مقبولة و مفهومه،و نحن لسنا مضطرين لحملها علي معاني أخري.لأن تلك المعاني الأخري كما ذكرت في ليلة من ليالي شهر رمضان قد تكون أسطورة من الأساطير كما جاء في بعض الروايات الإسرائلية،إن نوحا علي نبينا و آله و عليه الصلاة و السلام لما ركب السفينة طال جلوسهم فيها عدة أيام و ربما عدة شهور،و السفينة بها من كل زوجين أثنين،من جملة ما كان موجودا بها هو الفيل و الأسد و الخنزير لكن كلها متصالحة يعني لا يعتدي بعضها علي الآخر،يعني هذا تعايش سلمي كما يسمونه في زماننا،الرواية-الأسطورة طبعا-و أنا أذكرها للطرفة و النكتة في الحقيقة تقول انه لما طالت بهم الأيام كثرت قذارة الحيوانات،فمسح نوح عليه السّلام علي خرطوم الفيل فعطس الفيل و خرج من خرطومه خنزيران فأكلا هذه الفضلات،ثم كثرت الفئران في السفينة فمسح نوح علي رأس الأسد فعطس الأسد فخرج اثنان من القطط فأكلا الفئران! (1)
نحن بالحقيقة غير مضطرين لهذه الكلمات،إن علماءنا يقولون هذه أساطير إسرائيلية خرافية ذكروها،فحينما تقول الروايات أنه علي عهد المهدي عليه السّلام:إن الذئب لا يأكل الشاة فهل هذا يعني نقطة تقدم أم نقطة تراجع بالقانون الإلهي؟
ص: 167
الروايات حينما تقول إن الذئب لا يأكل الشاة تشير إلي حالة وئام عالي سيكون،و سوف تبقي القوانين الإلهية قوانين المرض و الابتلاء و الموت و الحياة موجودة فهذه القوانين كلها هي خير و رحمة للبشر.
الشاهد في الأمر:إن الإمام المنتظر عليه السّلام ينطلق من الوظيفة الشرعية و الوظيفة الشرعية تعتمد علي السنن الإلهية،و إحدي تلك السنن الإلهية في عملية التغيير هو قانون إِنَّ اللّهَ لا يُغَيِّرُ ما بِقَوْمٍ حَتّي يُغَيِّرُوا ما بِأَنْفُسِهِمْ ، (1)يعني أيها الناس كونوا أناسا جيدين اللّه يغير لكم لكن إذا لم تصبحوا أناسا جيدين يعني لا تمهدون الأرض فكيف يخرج صاحب الزمان عليه السّلام و يغير الواقع و الواقع لا يستحق التغيير.
إذن وفق المقاسات القرآنية أو حركة صاحب الزمان عليه السّلام تعتمد علي شروط موضوعية و نتحدث عنها بشكل إجمالي،و لكن في البداية نريد أن نؤكد علي أنّ أصل الفكرة هي أن الحركة تنطلق من وظيفة شرعية.
أوّل مواجهة يخوضها الإمام عليه السّلام هي المواجهة مع الانحراف الداخلي،و هذه أيضا نقطة اشتراك بين الحسين عليه السّلام و المهدي عليه السّلام.
قبل أن يدخل الإمام المهدي عليه السّلام في قتال مع الروم و مع الصين و اليهود و النصاري فأن أوّل قتال يكون مع اتجاهات منحرفة بقيادة السفياني، يعني هناك تيارات سياسية فكرية تحت لواء السفياني الأموي،و ربما يكون المقصود ليس حالة نسبية بمعني الانتساب إلي أبي سفيان و إنما حالة فكرية بمعني نفس الاتجاهات الإنحرافية الأمويّة التي كانت في بدايات الإسلام كما أن حركة الحسين عليه السّلام كانت في مواجهة التيار الأموي.
لا حظوا حركة الحسين عليه السّلام لم تكن مواجهة في البداية مع تيار المشركين بل
ص: 168
كانت مواجهة مع تيار أموي منحرف في داخل الوسط الإسلامي،حركة الإمام المهدي عليه السّلام أيضا مع تيار منحرف،الروايات تسميها راية السفياني،يعني هو نفس الامتداد لخط النفاق الذي تمثله الحالة الأموية.
حركة الحسين عليه السّلام في أوّل مواجهة لها مع الانحراف الداخلي،باسم الإسلام،لأن إنحراف معاوية و يزيد لم يكن باسم النصرانية و لا اليهودية و لا كان باسم الزندقة،كله كان باسم الإسلام.
السفياني أيضا حركته باسم الإسلام،ليست حركته بفلسفات لا دينية بل بفلسفات دينية أيضا هكذا تقول بعض الروايات في حركة الإمام المنتظر عليه السّلام.
عن الإمام الباقر عليه السّلام:«...ثم يأتي الكوفة فيطيل بها المكث ما شاء اللّه أن يمكث حتّي يظهر عليها ثم يسير حتّي يأتي العذراء هو و من معه،و قد التحق به ناس كثير،و السفياني يومئذ بوادي الرملة.حتّي إذا التقوا يخرج أناس كانوا مع السفياني من شيعة آل محمّد عليهم السّلام،و يخرج أناس كانوا مع آل محمّد إلي السفياني،فهم من شيعته حتي يلحقوا بهم،و يخرج كل أناس إلي رايتهم.و هو يوم الإبدال.قال أمير المؤمنين عليه السّلام:و يقتل يومئذ السفياني و من معهم حتّي لا يدرك منهم مخبر،و الخائب يومئذ من خاب من غنيمة كلب، ثم يقبل إلي الكوفة فيكون منزله بها...». (1)
لا حظوا الشكل الإسلامي للانحراف،هذه هي التيارات المنحرفة،لا يتصوّر بعض الشباب إن الانحراف دائما يكون لابسا ثوب الكفر و بشكل علني،الانحراف لا يأتيك بشكل علني،يأتيك بشكل خفي،و دائما هذه القضية يجب أن نكون حذرين منها.
لا حظوا أيضا يوجد تشابه بين مواجهة الحسين عليه السّلام مع الخط الأموي و مواجهة الإمام المنتظر عليه السّلام مع الخط الأموي و امتداداته التي هي حركة السفياني.4.
ص: 169
و من العجيب في الروايات التي تستحق أن نقف عندها متأملين جدا، أن مركز العداء لحركة الإمام المهدي عليه السّلام هم اليهود و ليس النصاري.
الآن مركز العداء للعالم الإسلامي هم اليهود،صحيح أن النصاري واقفون مع اليهود ضدنا،لكن مركز الحركة العدائية ضد المسلمين هم اليهود سواء اليهود الموجودون بإسرائيل أو اليهود الموجودون بأمريكا أو اليهود المتنفذون في الأمم المتحدة أو في مجلس الأمن أو في أماكن أخري،هذا النفوذ للإخطبوط اليهودي هو مصدر العداء للمسلمين.
و لهذا فأن رواياتنا عندما تتحدث عن الروم تتحدث برحمة،و عندما تتحدث عن اليهود تتحدث بقسوة.
رواياتنا تقول:إنه ستحدث في حركة الإمام المهدي عليه السّلام هدنة مع الروم،الروم يعني أوربا و الغرب ستكون هناك هدنة لا يوجد فيها قتال،حتّي يتعبأ المسلمون مع النصاري ضد اليهود في فلسطين،في إسرائيل اليوم.
الرواية تقول:إنّ عيسي عليه السّلام ينزل و يصلي خلف الإمام المهدي عليه السّلام في المسجد الأقصي،و الناس في الغرب و أوربا يرون أن هذا النبي الذي يعتبرون أنفسهم أتباعه يصلي خلف إمامنا،معني هذا سيحدث حالة من الاصطفاف و حالة من التحالف بين إمام الأمّة الإسلامية و إمام الأمّة النصرانية، إمام الأمّة الإسلامية هو الإمام المهدي عليه السّلام،و إمام الأمّة النصرانية هو النبي عيسي عليه السّلام فيحدث التحالف.
و لهذا فالروايات تقول:ستحدث هدنة بين المسلمين علي يد الإمام المهدي عليه السّلام و بين الروم بينما سيكون هناك سحقا نهائيا لليهود،حتي أن
ص: 170
الروايات تقول:حتّي تقول الصخرة يا مسلم إن خلفي يهوديا تعال اقتله، (1)يعني ملاحقة نهائية لليهود لا يبقي منهم أحد،مثل هذه الملاحقة غير موجودة بين المسلمين و بين النصاري.
هذه الظاهرة أن اليهود هم مركز العداء تلاحظونها في القرآن حينما يتحدث عن النصاري و حينما يتحدث عن اليهود.
لَتَجِدَنَّ أَشَدَّ النّاسِ عَداوَةً لِلَّذِينَ آمَنُوا الْيَهُودَ (2) و لم يقل النصاري بينما يقول عن النصاري: وَ لَتَجِدَنَّ أَقْرَبَهُمْ مَوَدَّةً لِلَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ قالُوا إِنّا نَصاري (3)البعض من هؤلاء النصاري إذا اكتشفوا الحقيقة سوف يقتربون منها،و لهذا أقول لكم بصراحة نحن لدينا أمل كبير علي الشعوب الأوربية و الغربية أن هذه الشعوب سوف تهتدي،و الآن فأن إرهاصات الاهتداء بالأفق موجودة، هم يبحثون عن الإصلاح و عن المنقذ لأنهم في حيرة.
حدث لي في سفرة من الأسفار في شهر محرم الحرام إلي ألمانيا حيث كانت هناك بحمد اللّه تجمعات عراقية مؤمنة،كنا نذهب و نزورهم أيام شهر رمضان المبارك و محرم الحرام،و هناك في ألمانيا مجموعات كبيرة من الشباب الألماني الضائع التائه في الشوارع،يقدّر وجودهم بخمسة ملايين يسمونهم البائسين و هم(الروك)و(الهيبز) هؤلاء رغم وجود الوفرة و الأموال لكنهم يؤثرون أن يبيتوا في الشوارع و الميتروات و محطات القطار و ما شاكل ذلك.
ص: 171
قلت لصاحبي تعال خذني لأري هؤلاء كيف هم؟شباب بمعني الكلمة،شباب مرفّه مدلل جامعي لكنهم حائرون في الحدائق و الشوارع يعيشون في فلسفة عجيبة، فلسفة الإبتعاد عن النظافة،الابتعاد عن الراحة،لا يبيتون في بيت،أخذني لهم سألتهم و هم في حديقة من الحدائق عن وضع البؤس عندهم ما سببه؟
يومئذ و قبل أن يسقط جدار برلين و قبل أن تتحد ألمانيا الغربية و الشرقية،قلت لهؤلاء ما هو سبب البؤس الذي عندكم؟
قالوا:سبب البؤس أمريكا حيث كانت قوات التحالف مسيطرة علي ألمانيا و معسكراتها كما هو اليوم في العراق حيث مشهد الأرتال العسكرية في بغداد،يومئذ في ألمانيا أرتال عسكرية تجوب الشوارع و طيران أمريكي يسيطر علي الجو.
قال:سبب البؤس عندنا هي أمريكا التي لا تسمح لنا بالانطلاق.
قلت له:جيد يوجد شخص في العالم الشرقي اسمه الخميني،و كان هذا الحديث قبل وفاة الإمام الخميني قدّس سرّه.يومئذ الخميني و حركة الإمام الخميني و التيار الإسلامي العالمي له أصداء في العالم،هذا الشخص يريد إنقاذكم ماذا تقول أنت؟
قال:أمّا نحن فيائسون لكن فليجّرب حظه لعله يستطيع أن ينقذنا.
هذا التفكير موجود في الشارع العام المليوني في أوربا،و ليس في النجف أو في كربلاء أو في العراق أو في إيران هذا واقع العالم الذي نعيشه،و لهذا فأن العالم الاستكباري فكّر-و هذا حديث قد نؤجله لوقت آخر-بضرب الإسلام بالإسلام،إن هذا الإسلام،هذا المصلح العالمي الذي ظهر في مطلع هذا القرن بانتصار الشيعة و تأسيسهم دولة كبري،إن هذا الإسلام لا يمكن مواجهته بحرب صدام ضد إيران التي دامت ثمان سنوات،و لا بحصار اقتصادي و لا إزعاجات داخلية و حركة منافقين، و إنما هذا الإسلام الذي أصبح يمتد في كل العالم كأيدلوجية حضارية إصلاحية جديدة،إن أفضل طريقة لمواجهته هي مواجهة الإسلام بالإسلام،فصار هناك إسلام يسمونه إسلاما إرهابيا أصوليا و إسلام يسمونه إسلاما معتدلا.
ص: 172
بالفعل نحن أيضا نعتقد أنه يوجد أناس إرهابيين و الإسلام بريء منهم، لكن الخدعة ليست هذه،الخدعة و الخطة هي أن يصنّف الإسلام علي أساس أنه فكر إرهابي و لا بدّ أن يكون هنا إسلام جديد هذا الإسلام الجديد هو الذي يطرحه الغرب و تطرحه أمريكا،هذا البحث نؤجله فعلا.
الفكرة التي نريد تأكيدها هي أن مركز العداء مع حركة الإصلاح العالمي هو اليهود،و نحن نتوقع أن سوف تكتشف الدول الكبري،أن هؤلاء اليهود يريدون جرّ العالم إلي حرب كبري بحيث لا تأمن منها حتي الشعوب الأوربية و الغربية و غير ممكن أن تبقي الدول الكبري أسيرة بيد الأخطبوط اليهودي،هذا الأمر تنبؤاتنا تقول أنهم سيكتشفونه و يكون هناك تحالف إسلامي نصراني ضد اليهود،و تطّهر الأرض من اليهود.
تؤكد روايات الظهور المتفق عليها أنه ستظهر هناك حركة أو شخصيّة قبل الإمام المهدي عليه السّلام اسمها الدجّال،في رواياتنا اصطلاح الأعور الدجال و اصطلاح المسيح الدجال،المسيح بمعني ممسوح،عيسي المسيح أيضا مسيح،يعني اللّه مسح عليه بالرحمة و هذا الأعور الدجال مسح اللّه علي إحدي عينيه فهو أعور.
المسيح الدجال أو الأعور الدجال تقول الروايات أنه في آخر الزمان سيظهر دجّال هل هو شخص أو هو ظاهرة؟
رواياتنا بشكل عام سواءا الواردة عندنا أو الواردة عند أبناء العامة ليست بعيدة عن فكرة أن الدجال ليس هو شخص مثل السفياني أو اليماني إنما الدجال عبارة عن انحراف خطير سيحدث في آخر الزمان،هو حالة الدجل و حالة الكذب و تحريف الحقيقة و الواقع بشكل لا نظير له،و لهذا فأن
ص: 173
بعض المفكرين هكذا يفسرون حركة الدجال إنه ليس شخصا و إنما عبارة عن الحضارة الغربية،هكذا يفسرها بعض الباحثين:إن الدجال يعني هذا الكذب الذي نراه اليوم في العالم الحديث حيث الإعلام العالمي اليوم غير قائم علي الحقيقة و إنما قائم علي الدجل،هناك شعوب تتحرك بالكامل، تتحرك كلها علي دجل و وهم حيث لا توجد الحقيقة،اليوم العالم الاستكباري هكذا يفتعل الأخبار و يفرضها علي الشعوب و يحركون تلك الشعوب و هذا هو الدجل،الآن بعض الفضائيات هي دجال بمعني الكلمة.
لعل مما يؤيد هذه النظرية أن بعض الروايات تقول يظهر ثلاثون دجالا،دجالون كذابون كل منهم يدعي النبوة،هل يقول حقيقة أنا نبي أو أنه يدعي أنه هو المصلح و هو المنقذ و هو المخلّص و هذا ما نلاحظه الآن،الآن الحضارة الغربية تدعي أنها هي المنقذ بعناوين متعددة.
و علي كل حال أحد المعارك التي يخوضها الإمام المنتظر عليه السّلام كحركة سياسية ثقافية هي المعركة مع الانحراف تحت عنوان(الدجال).
أيضا بهذا الصدد قد يكون من المفيد أن أقرأ لكم بعض الروايات في هذا الشأن.
هكذا تقول الرواية: (1)
إن الدجال صائد بن الصيّد فالشقي من صدّقه و السعيد من كذّبه، يخرج من بلدة تعرف باليهودية عينه اليمني ممسوحة و الأخري في جبهته تضيء كأنها كوكب الصبح،فيها علقة كأنها ممزوجة بالدم،بين عينيه مكتوب كافر،يقرأه كل كاتب و أمي،يخوض البحار،و تسير معه الشمس، بين يديه جبل من دخان،و خلفه جبل أبيض يري الناس أنه طعام يخرج في4.
ص: 174
قحط شديد،تحته حمار أقمر خطوة حماره ميل،تطوي له الأرض،لا يمرّ بماء الأغار إلي يوم القيامة،ينادي بأعلي صوته يسمعه ما بين الخافقين من الجن و الإنس و الشياطين يقول:إليّ أوليائي أنا الذي خلق فسوي و قدّر فهدي،أنا ربكم الأعلي... (1)إلي آخر الرواية الطريفة و لا استطيع الوقوف عندها طويلا:
رواياتنا بشكل عام ليست بعيدة عن أن الدجال ليس شخصا و إنما هو ظاهرة الدجل و الكذب و الانحراف العميق عن الأصالة الإسلامية.
نرجع إلي ما ذكرناه أن الإمام المنتظر عليه السّلام ينطلق من الوظيفة الشرعية مثل الإمام الحسين عليه السّلام انطلق من الوظيفة الشرعية،هو مكلّف،هو عبد للّه تبارك و تعالي.
الوظيفة الشرعية تتلخص في إقامة الإصلاح و النهي عن المنكر و الأمر بالمعروف،كما شرحنا لكم في الليلة الأولي من محاضراتنا هذا تكليف وَ لْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَي الْخَيْرِ وَ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَ يَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ . (2)
الإمام المنتظر عليه السّلام ينطلق من هذا المنطلق لكن الإمام المعصوم هو يشخّص التكليف و لهذا فأن بعض رواياتنا تقول:«هلك المستعجلون»، (3)يعني هؤلاء يريدون أن يشخّصوا التكليف للإمام المنتظر عليه السّلام،هو يظهر ليس حسب ما أنت تريد،ليس أنت الذي تشخّص التكليف للمعصوم،المعصوم هو يشّخص التكليف.
لماذا الإمام زين العابدين عليه السّلام لم يواصل الثورة؟
ص: 175
لماذا الإمام الباقر عليه السّلام لم يثر؟
و لماذا الإمام الصادق عليه السّلام لم يثر؟
كان في ذلك الزمان بعض الناس يشكلون علي الأئمّة المعصومين أنهم خلدوا إلي الدعة و الراحة،مثل الآن في زماننا يشكلون علي المراجع أن هؤلاء مراجع قاعدون ساكتون و ما شاكل ذلك،عجبا تكليف المرجع أنا أحّدده أو هو الذي يحدده؟وفق فهمه و اجتهاده الفقهي؟
المعصوم هو يشّخص الموقف إن اليوم هو يوم ثورة أو ليس كذلك، اليوم انتخابات أو ليس اليوم،اليوم مصالحة أو ليس مصالحة و ما شاكل ذلك، هذا هو فهمنا لحركة الأنبياء و حركة الأئمّة الأطهار عليهم السّلام.
المعصوم هو الذي يشّخص التكليف و بانتظار ما نسميه الشروط الموضوعية.
لا بدّ أن تتوفر الشروط في الواقع الخارجي التي تساعد علي ظهور الإمام المنتظر عليه السّلام و تشجّع علي هذا التحرك.
الإمام الحسين عليه السّلام،أيضا كذلك،إن الإمام الحسين عليه السّلام متي ثار؟
عشر سنوات عاشها الإمام الحسين عليه السّلام في ظل حكومة معاوية و لم يثر،و لمّا هلك معاوية استحدثت ظروف موضوعية جديدة دعت الحسين عليه السّلام للقيام بثورة.
إذن هل يمكن لأحد أن يعترض و يقول عجبا الإمام الحسين عليه السّلام عشر سنوات لماذا لم يثر؟
الجواب:إن الإمام هو الذي يشخّص الشروط الموضوعية،هل الآن الظرف يستحق الثورة أو يستحق الصبر و الانتظار؟
الإمام المنتظر عليه السّلام كذلك هو يشخّص توفر الظروف الموضوعية للثورة أو عدم توفّرها.
ص: 176
هنا سوف نصل لمحور جديد في البحث و هو محور لطيف بالنسبة لكم،إن هناك علامات و هناك شروط.
التراث التاريخي يذكر لنا مجموعة علامات،و بعض الناس يبحث عن هذه العلامات،بينما أيها الإخوة يوجد فرق بين ما هي العلامات و بين ما هي الشروط.
أنا اذكر لكم بعض العلامات التاريخية التي جاءت بها تنبؤات صحيحة أو غير صحيحة،دقيقة أو غير دقيقة،لكن فيها فرق بين ما هو شرط و بين ما هو علامات.
أذكر لكم بعض العلامات، (1)أشرنا إلي بعضها فيما مضي:
من جملة علامات ظهور المنتظر عليه السّلام،خسف في المشرق،و خسف في المغرب يعني زلزال عظيم في غرب الأرض و زلزال عظيم في شرق الأرض يمكن أن ينطبق هذا علي الزلازل الكثيرة التي أصابت الشرق
ص: 177
و الغرب،و يمكن أنه لم يتحقق بعد و ربما سوف تشهد البشرية زلزالا عملاقا لا مثيل له في الغرب و الشرق،هذه واحدة من العلامات،لكن هذا ليس شرطا لخروج الإمام المهدي عليه السّلام بمعني أنه لا يوجد بينه و بين ظهور الإمام علاقة اجتماعية و سياسية و إنما هي تقارنات تاريخية مجردة.
من جملة العلامات موت أحمر و موت أبيض،طبعا لا يوجد موت أحمر أو موت أبيض،نحن نعلم أن الموت واحد و لكن يمكن أن يكون الموت الأحمر إشارة إلي حروب واسعة و دموية،و الموت الأبيض إشارة إلي إمراض فتاكّة تصيب البشرية.
الرواية تقول:«حتي يذهب ثلثا الناس» (1)يعني إذا كان تعداد البشرية ست مليارات مثلا فأنه يموت أربع مليارات عبر موت أحمر و موت أبيض، الآن من حقّ الباحثين أن يفكروا هل هي الحرب العالمية الأولي أم الحرب العالمية الثانية أم حرب عالمية ثالثة؟
هذه كلها في الحقيقة لا تسمن و لا تغني من جوع،هذه العلامات يمكن أن تطّبق علي الحرب العالمية الأولي أو الثانية أو الثالثة،و يمكن أن ننتظر تطبيقات أخري لها،المهم لنا أن نوفر الشروط لحركة الإمام المنتظر عليه السّلام.
الموت الأبيض يمكن أن يفسّر بمرض السرطان كما تفسره بعض الروايات،أو مرض الطاعون،و يمكن أن يفسّر بآراء أخري،ممكن-لا سمح اللّه تعالي-لو أن مرض الإيدز فتك بالعالم فأن مليارات سوف يموتون في فترة وجيزة،الآن يوجد في
ص: 178
العالم عشرون مليون مصابا بمرض الإيدز ربما هذا هو الذي يفسّر بالموت الأبيض،لو أن هذا الوباء انتقل إلي الشعوب بانتقال سريع نتيجة الإباحية في الحضارة الحديثة،فأنه بدل عشرين مليونا سيصاب ملياران بالإيدز و ينتشر سريعا و هو ما يزال غير قابل للسيطرة عليه بسهولة.
ممكن أن يكون الموت الأبيض إشارة إلي هذا المرض.
رحم اللّه السيد شهيد المحراب السيد الحكيم،كان يقول ان هذا المرض(مرض الإيدز)هو مرض حضاري و هو عقوبة للبشر الذي انحرف عن القانون الطبيعي،اللّه سبحانه و تعالي يعاقبهم بهذا المرض،و لا يعلمون ما هو مرض الإيدز؟و كيف يعالجونه؟المشكلة أنهم يخالفون القانون الطبيعي الذي ثبّته اللّه للبشرية في الحياة.
سقوط العراق بيد الأتراك هذا من العلامات،يعني هل المقصود سيطرة الدولة العثمانية علي العراق؟هذا ممكن و ممكن أن يكون إشارة إلي سقوط آخر للعراق بيد الأتراك.
الروايات تقول:أن الأتراك يسيطرون علي العراق و بالفعل هم سيطروا مئات السنين علي العراق حين كان تحت الحكومة العثمانية التركية و ليست الإسلامية (1)هل المقصود هذا؟
الروايات تقول أن هذه الأمور لا بد أن تحدث،إذا لم تحدث فلا تستعجلوا في ظهور صاحب العصر و الزمان.
فتح فلسطين،يومئذ فلسطين لم تكن محررة،كانت بيد النصاري،
ص: 179
فلسطين تحررت في زمن عمر بن الخطاب،هل المقصود بفتح فلسطين الذي هو من علامات ظهور الإمام المنتظر عليه السّلام هو ذاك الفتح أو المقصود فتح ثان لأن فلسطين الآن أيضا محتلة فسوف ننتظر فتحا ثانيا؟ (1)
من جملة العلامات«ينكشف الفرات عن جبل من ذهب»،إذا أردنا أن نتعامل مع هذا النص تعاملا حرفيا يعني أن جبلا يخرج من عمق الفرات و هذا الأمر ليس من السهل تصوره،لأن مساحة عرض النهر لا تتسع لأن يبرز منها جبل فالجبل امتداده العرضي أكبر من ذلك،ما هي قيمة هذا العرض عرض 200 أو 300 مترا حتي ينكشف الفرات عن جبل من ذهب.
و لهذا قد يري بعض الباحثين أنه يمكن أن يكون المقصود هو اكتشاف منابع البترول في العراق،هذا هو الذهب الأسود،انكشاف الفرات يعني نهاية الفرات،لمّا التقي الفرات و دجلة و صار خليجا ظهرت بحيرات النفط في تلك المنطقة من جنوب العراق و هذا هو الذهب الأبيض. (2)
الروايات تعبر عنه جبل من ذهب يمكن أن يكون هذا إشارة لذلك،و اللّه أعلم بما هو المقصود منها،و مهما يكن فأنها تبقي تنبؤات في الحقيقة،و هذه علامات.
من جملة هذه العلامات طلوع الشمس من الغرب.
ما هو المقصود من ذلك؟
هل المقصود طلوع الشمس من المغرب يعني أن هناك تحولا في عالم سير الأفلاك؟
أو المقصود بطلوع الشمس من المغرب الإشارة إلي أن الدنيا تكون
ص: 180
في غاية الاضطراب السياسي كما نحن نعبّر في زماننا بنحو الكناية فنقول:
«أنت تري نجوم الظهر»،و ليس المقصود نجوم الظهر يعني أن النجوم تخرج ظهرا،و إنما نقصد حدوث تحولات و إزعاجات و شدائد بحيث تجعل الظهر عندك ليلا و هكذا حينما نقول(تدور الدنيا)أو(تنقلب السماء)أو (يدور الفلك)فان المقصود بكل ذلك الكناية عن تحولات كبري مهمة في عالم دنيا الإنسان و ليس عالم الأفلاك.
ربما يكون هذا هو المقصود بطلوع الشمس من مغربها. (1)
رواية تقول لا يظهر قائمنا حتي تزول الجبال،و ليس المقصود ان الجبال تزول بالمعني الحقيقي بحيث لا تبقي جبال علي الكرة الأرضية،بل المقصود أن تكون درجة المعاناة بمستوي ان الجبال تنهار،كل هذا ممكن في تفسير مثل هذه النصوص. (2)
تقارب الزمان هو أحد العلامات التي تذكرها الروايات و هو كما تلاحظون في عصرنا هذا من سرعة الأيام و الشهور و السنين.
هذه الروايات تعبر عن هذا الواقع بعبارة تقارب الزمان. (3)
أئمّة السنة يتحدثون عن هذه العلامة،و هي موجودة في مصادرنا أيضا. (4)
ص: 181
و مهما يكون فان هذه كلها تبقي في إطار العلامات؛هذا أو هذا بالنسبة لنا لا يشخص التكليف،نحن نمر عليها مرور الكرام.
نحن في منهجية التعامل مع قضية الإمام المنتظر عليه السّلام نرفض منهجية البحث عن العلامات،و التي يتحدث بعضها عن حدوث سبعة جسور في بغداد سواء صار في بغداد سبعة جسور أو لم يصر،نحن كنا نسمع منذ الصغر متي ما صار سبعة جسور في بغداد فسوف يخرج صاحب الزمان،ربما يصبح عشرون جسرا فما هي علاقة ذلك بخروج صاحب العصر عليه السّلام؟
و هكذا اتصال النجف بالكوفة مثلا،هي علامات ربما تكون صحيحة بالفعل،النجف و كربلاء تتصل و النجف و بغداد تتصل،و العالم كله سوف يتصل بعضه مع البعض الآخر.
المنهجية الصحيحة أن نبحث عن شروط الظهور و ما هي مسؤوليتنا تجاه حركة الإمام المنتظر عليه السّلام.
المسؤولية هي الانتظار و الثبات و العمل بالتكليف الشرعي،و لهذا فان علماءنا تجدهم ينطلقون من التكليف الشرعي و يعملون حسب التكليف الشرعي.
مسؤوليتنا مع الإمام المنتظر عليه السّلام هي الثبات و الانتظار و الدعاء له بالفرج و العمل بالتكليف الشرعي،و أنا أختم هذه الأفكار بقراءة مجموعة من الروايات النافعة لكم إن شاء اللّه تعالي.
الرواية تقول عن الإمام الباقر عليه السّلام:«يأتي علي الناس زمان يغيب عنهم إمامهم فيا طوبي للثابتين علي أمرنا في ذلك الزمان،إن أدني ما يكون لهم من الثواب أن يناديهم الباري جلّ جلاله:«عبادي و إمائي!آمنتم بسري و صدقتم بغيبي، فابشروا بحسن الثواب مني،فأنتم عبادي و إمائي حقا منكم أتقبل،و عنكم
ص: 182
أعفو،و لكم أغفر،و بكم أسقي عبادي الغيث و أدفع عنهم البلاء و لولاكم لأنزلت عليهم عذابي». (1)
أمّا ثواب الانتظار فقد جاء عن الإمام الصادق عليه السّلام:«من مات منكم منتظرا لهذا الأمر كان كمن هو مع القائم في فسطاطه». (2)
منتظرا يعني صبورا في المواقف أمام الهزات السياسية و الفكرية و ليس يعني جالسا في البيت،هذا المنتظر في آخر الزمان هو كأنه مشارك مع الإمام المنتظر عليه السّلام في خيمته و في جيشه و في دولته حتي إذا كان ذلك قبل الإمام.
نحن الآن و في مختلف الأزمنة نواجه تحديات سياسية و تحديات فكرية تحتاج إلي ثبات و استقامة.
هناك سؤال أنه ما هي فائدة الإمام المنتظر عليه السّلام؟
و هذا السؤال سوف اوجل الجواب عنه إلي الغد،و لكن أشير اليوم إلي مناقشة فلسفة مطروحة في زماننا،تأثر بها بعض المسلمين و هي الفلسفة أو النظرية البرجماتية النفعية و هي أن نتعامل مع القضايا و الحقائق علي أساس مقدار ما نستفيد منها.
كنت اقرأ لبعض الكتّاب المسلمين المتغربين يقول:نحن لا نقبل من الحقائق إلاّ بمقدار ما ينفعنا حاليا و فعليا،الصلاة إذا كنت استفيد منها فعلا فسوف أقبلها أمّا أن تقول لي سوف تستفيد منها يوم القيامة فهذا لا أقبله، الصوم إذ ثبت بالتجربة أن الصوم يفيد فسوف أصوم،أمّا الصوم الذي لا أستفيد منه سوي العطش و سوء الأخلاق فهذا الصوم لا أريده.
إن مجموعة كتّاب متغربين يدعون إلي الحداثة الإسلامية و يتعاملون
ص: 183
مع الإسلام علي هذا الشكل،الإيمان باللّه إذا كان يحقق لي نفعا،فسوف أؤمن باللّه أما إذا كان لا يحقق لي نفعا فأنه ليس ضروريا،المسيحيون طرحوا هذه النظرية يعني هذه هي نظريات الفكر الغربي و لكن مع الأسف تمتد لنا بلغة الحداثة و التجديد،يقولون يجب أن نتعامل مع الحقائق الدينية علي أساس ما تحقق من منفعة فعلية ندركها و نرفض حالة التعبد،الصلاة إذا جعلتك هادئا نفسيا و استفدت منها فصلّ و إذ لم تفدك فلا تصلّ.
ما معني«الصوم جنّة من النار»أنا أريد صوما ينفعني في الدنيا و لا أريده يفيد في الآخرة.
هذا هو ما يسمي ب(الحداثة المعاصرة)وفق القراءة الغربيّة لها و سوف نتناول هذا السؤال و هو:ما هي فائدة صاحب العصر و الزمان عليه السّلام؟
و ربما يذكر علماؤنا فوائد،لكن نحن لسنا مضطرين للخضوع أمام هذه الفلسفة البرجماتية في التعامل مع الحقائق فنحن لا نتعامل مع الحقائق علي أساس ما تقدّمه من منافع دنيويّة.
اليوم أحدثكم عن قضيتين صغيرتين واحدة عن العلامة الحلي و الأخري عن المقدس الأردبيلي،و الاثنان مدفونان في حرم أمير المؤمنين عليه السّلام في النجف الأشرف.
العلامة الحلي تذكر الرواية في الإشارة إلي ألطاف الإمام المهدي عليه السّلام و وجود المنفعة فيه حتي و هو في الغيبة. (1)
الرواية تقول:أن العلامة الحلي خرج من الحلة إلي كربلاء للزيارة و علي القاعدة يومئذ يركب حمارا و بيده أيضا سوط و في طريق النجف و إذا به يلتقي برجل أعرابي واقف علي الطريق فأردفه خلفه علي الدابة و سارا معا
ص: 184
في الطريق،و يبدو أن هذا الأعرابي كان فاهما فقيها و أصبح العلامة الحلي في الطريق يتبادل معه الحديث،و إذا بهذا الشخص العربي مطلّع علي الأسرار الفقهيّة،حتي وصلوا إلي مسألة من المسائل قال العلامة الحلي:أنا أري في هذه المسألة كذا،قال الشخص العربي:أنت علي خطأ.
قال العلامة:أنا في الحقيقة لم أجد دليلا علي الرأي الآخر.
الأعرابي قال:الدليل موجود،و الرواية موجودة في كتاب تهذيب الشيخ الطوسي ارجع للصفحة الفلانية و الموقع الفلاني من كتاب الشيخ الطوسي ستجد هذه الرواية،و هنا تفاجأ العلامة الحلي كيف أن هذا الأعرابي فقيه بدرجة عالية حتّي هو يعرف كتاب التهذيب و الروايات التي فيه بشكل دقيق و تفصيلي.
الرواية تقول:إنّ العلامة الحلي أصبح يفكر في نفسه من أين لهذا الأعرابي مثل هذه المعلومات؟هذا فقيه بل هو أفقه منه،هل يمكن أن يكون هو صاحب الزمان؟هل يمكن اللقاء بصاحب العصر و الزمان عليه السّلام؟
بينما هو يتحدث و في حالة حيرة،و إذا قد سقط السوط من يده و قبل أن ينزل نزل هذا الرجل الأعرابي و أخذ السوط و أعطاه بيده و قال:كيف لا يمكن رؤية القائم و كفه في كفك الآن.
الرواية تقول:أن العلامة الحلي اغمي عليه و لمّا أفاق من الإغماء لم ير ذلك الإنسان.
المقدس الأردبيلي له وقائع مماثلة:
الرواية تقول:عن شخص اسمه أمير علاّم يقول:«كنت في بعض الليالي في صحن الروضة المقدسة بالغري علي مشرفها السلام و قد ذهب كثير من الليل،فبينا أنا أجول فيها،إذ رأيت شخصا مقبلا نحو الروضة المقدسة فأقبلت إليه فلما قربت منه
ص: 185
عرفت أنه أستاذنا الفاضل العالم التقي الذكي مولانا أحمد الأردبيلي قدس اللّه روحه فأخفيت نفسي عنه،حتّي أتي الباب،و كان مغلقا،فانفتح له عند وصوله إليه،و دخل الروضة،فسمعته يكلم كأنه يناجي أحدا ثمّ خرج،و أغلق الباب فمشيت خلفه حتّي خرج من الغري و توجه نحو مسجد الكوفة.فكنت خلفه بحيث لا يراني حتّي دخل المسجد و صار إلي المحراب الذي استشهد أمير المؤمنين صلوات اللّه عليه عنده، و مكث طويلا ثمّ رجع و خرج من المسجد و أقبل نحو الغري.فكنت خلفه حتّي قرب من الحنانة فأخذني سعال لم أقدر علي دفعه،فالتفت إلي فعرفني،و قال:أنت أمير علام؟قلت:نعم،قال:ما تصنع ههنا؟قلت:كنت معك حيث دخلت الروضة المقدسة إلي الآن و اقسم عليك بحقّ صاحب القبر أن تخبرني بما جري عليك في تلك الليلة، من البداية إلي النهاية.فقال:أخبرك علي أن لا تخبر به أحدا ما دمت حيا فلما توثق ذلك مني قال:كنت أفكر في بعض المسائل و قد أغلقت عليّ،فوقع في قلبي أن آتي أمير المؤمنين عليه السّلام و أسأله عن ذلك،فلما وصلت إلي الباب فتح لي بغير مفتاح كما رأيت فدخلت الروضة و ابتهلت إلي اللّه تعالي في أن يجيبني مولاي عن ذلك،فسمعت صوتا من القبر:أن ائت مسجد الكوفة و سل عن القائم عليه السّلام فإنه إمام زمانك فأتيت عند المحراب،و سألته عنها و أجبت و ها أنا أرجع إلي بيتي». (1)
هذه في الحقيقة إضاءات ذكرناها ليس علي سبيل الاستدلال بها بل علي سبيل الإشارة إلي عشرات من أمثال هذه القصص التي تروي و هي تعبر بشكل و آخر عن حقيقة التلاقي مع الإمام المنتظر عليه السّلام و أنماط العلاقة معه، بقطع النظر عن مدي الدقة في هذه القصص أو في تفاصيلها.
نختم مجلسنا بهذا المقدار و نؤجل محاور أخري في عناصر التمايز و الاشتراك بين حركة الإمام الحسين عليه السّلام و حركة الإمام المهدي عليه السّلام.5.
ص: 186
هذه الليلة أيضا نتناول شخصية العباس عليه السّلام مرة أخري.
إمامنا الحسين عليه السّلام في ثلاث مرات بكي لأخيه العباس عليه السّلام.
المرة الأولي لما جاء أبو الفضل يستأذن من الحسين عليه السّلام.
الرواية تقول أن الحسين عليه السّلام اغرورقت عيناه بالدموع و هو يأذن لقمر العشيرة قمر بني هاشم.
البكاء الثاني أشد من البكاء الأوّل و ذلك عندما جلس الإمام الحسين عليه السّلام عند رأس أخيه العباس عليه السّلام و هو صريع علي نهر العلقمي.
الرواية تقول أن الحسين عليه السّلام لما سمع النداء من العبّاس أقبل إليه و جلس عنده و كان العبّاس مغمي عليه لكن الحسين سقطت دموعه علي وجه العباس عليه السّلام فلم يدر العباس من هو هذا الرجل عنده،لأن العباس كانت عين من عيونه قد أطفأها السهم و العين الثانية كان نزيف الدم قد نزل عليها،فأصبح العباس لا عينين له فيبصر بهما و الآن يوجد رجل جالس عنده الرواية تقول أن العباس قال له باللّه عليك لا تقتلني حتي يأتي أخي الحسين أودّعه و يودعني.
قال:أخي أبا الفضل أنا أخوك الحسين.
البكاء الثالث:أشد من هذه الحالات السابقة و ذلك حين رجع الحسين عليه السّلام للخيام و ليس معه العباس،الرواية تقول هذه المرة الحسين وقف خلف الخيام يعني لا يستطيع أن يدخل للخيمة،فماذا يقول للنساء،أين العباس؟
أخذ الحسين يكفف الدموع بكمّه و هو خلف الخيام مناديا يا زينب يا أم كلثوم خرجت النساء،خرجت سكينة قالت:أين عمي العباس،خرجت زينب منادية واضيعتنا بعدك أبا الفضل.
المؤرخون يقولون أن الحسين أيضا قال:واضيعتنا بعدك يا أبا الفضل يعني الحسين أيضا بعدك ضائع.
ص: 187
ص: 188
ص: 189
71-ما هي الأدوات الإعجازية التي يستخدمها الإمام المنتظر عليه السّلام؟
72-ولادة الإمام و غيبته و طول عمره هل كان إعجازيّة؟
73-ما هو قانون الاستخدام الإعجازي في القرآن الكريم؟
74-في إمام العصر خمسة من سنن الأنبياء عليهم السّلام ما هي؟
75-ماذا يقول العلماء عن زواج الإمام المنتظر عليه السّلام؟
76-الإمام المنتظر عليه السّلام هل لديه أولاد؟
77-قصة الجزيرة الخضراء هل هي خرافة؟
78-هل يمكن ان نقدّم قراءة أخري للأدوات الإعجازية التي يستخدمها الإمام؟
79-كيف يفتح الإمام عليه السّلام بلاد الروم و بأية أدوات؟
80-مثلث برمودا هل هو حقيقة؟
ص: 190
بسم اللّه الرحمن الرحيم
مازال الحديث عن عناصر الاشتراك و التمايز بين حركة الإمام الحسين عليه السّلام و حركة الإمام المهدي عليه السّلام و محور حديثنا هذه الليلة مدي استخدام الإمام المهدي عليه السّلام للأدوات الإعجازية.
هناك أدوات طبيعية في التحرك مثل:التبليغ،الموعظة،المناورة السياسية، القتال العسكري،الإعلام،المنشورات،الكتب،إرسال الو كلاء و المبلغين،هذه نسميها أدوات طبيعية في التحرك الثقافي و الإعلامي و السياسي،لكن هناك أدوات نسميها أدوات اعجازية غير مألوفة عند الناس مثلا الملائكة،هذه أدوات غير طبيعية.
عجبا!الإمام صاحب الزمان كم سيستخدم من الأدوات الإعجازية؟ لنسمّي ذلك الاستخدام الإعجازي في مقابل الاستخدام الطبيعي،الإمام الحسين عليه السّلام لا حظنا أنه لم يستخدم الأدوات الإعجازية.
يعني حركة الحسين عليه السّلام من المدينة إلي مكّة ثم إلي العراق كانت عبارة عن خطبة و موعظة و مناورة سياسية مع و الي المدينة و إرسال كتب و رسائل و وفد إلي أهل الكوفة،و رسائل إلي رؤساء المعسكرات في البصرة ثم مناورة سياسية مع الحر،ثم معركة مباشرة يوم عاشوراء من محرم الحرام،كلها أدوات طبيعية.
توجد رواية لدينا أن أربعة آلاف من الملائكة استأذنوا من اللّه تبارك و تعالي في الهبوط إلي الأرض لنصرة الحسين عليه السّلام يوم عاشوراء فلم يؤذن لهم،ثم أذن لهم فنزلوا إلي الأرض و قد قتل الحسين عليه السّلام،هذه القصة تريد أن تقول:أن الأدوات الإعجازية غير موجودة في حركة الحسين عليه السّلام و إنما هي أدوات طبيعية.
السؤال:إنّ الإمام المنتظر عليه السّلام هل سيستخدم أدوات إعجازية؟و بهذا تصبح نقطة تمايز بين الحركتين؟
ص: 191
لا شك أن الإمام يستخدم أدوات إعجازية و ليس مجرد أدوات طبيعية و بناءا علي هذه النظرية يمكن أن يذهب بعض الباحثين في الاتجاه التقليدي لدراسة حركة الإمام المنتظر إلي أنه عليه السّلام سوف يستخدم أدوات إعجازية، يعني ينتصر بالاستخدام الإعجازي لا بالاستخدام الطبيعي،إنه بغير الاستخدام الإعجازي لا يمكن أن ينتصر إمام الزمان مع تكالب الدنيا عليه،و التقدم العسكري و التكنولوجي لدي الأعداء و مع الإعلام و الفضائيات و غسل الدماغ و الأموال و المليارات لا يستطيع أن ينتصر صاحب الزمان علي الوضع،لا بدّ من استخدام إعجازي،هكذا يتصور بعض الباحثين في القراءة الأولي للروايات،الروايات حينما تقرأها هكذا تقول يعني إنها قريبة لهذا الفهم.
نعم إنّ الإمام يملأ الأرض قسطا و عدلا،يطبق حكم الإسلام علي الخافقين،يصل للروم و الصين و قسطنطينية و أرمينيه و ما شاكل ذلك هذا بالأدوات الإعجازية.
مثلا رواية قرأناها لكم تقول:«إنّ الإمام يدخل العراق بسبع قباب من نور لا يدري في أيّها هو» (1)هذا استخدام إعجازي.
رواية أخري تقول:إنه عليه السّلام حينما يبعث ولاة و قضاة و وكلاء كلاّ منهم عندما يعجز عن مسألة لا يحتاج مراجعة بريدية و لا اتصالا تلفونيا و إنما يقال له:«اقرأ جوابك في كفك» (2)يعني وكيل صاحب الزمان في مصر أو المغرب أو واشنطن إذا قطعت الاتصالات السلكية و اللاسلكية و تعطلت نتيجة القصف التكنولوجي مثلا،فان صاحب
ص: 192
الزمان لا يحتاج إلي اتصالات لا إلي سلكية و لا إلي لا سلكية،إنّ أعظم تقدم تكنولوجي لا يمكن أن يضرب هذا الاستخدام الإعجازي.
رواية ثالثة تقول:«إن شيعته يسمعون صوته في أقصي الغرب كانوا أو أقصي الشرق» (1)جماعته يسمعون صوته و يشاهدونه رغم انّ بينهم فواصل مئات أو آلاف الكيلومترات.
رواية رابعة تقول:«إنه يلتحق به في أوّل ساعات ندائه و صيحته،أصحابه الثلاثمائة و الثلاثة عشر ثم البقية العشرة آلاف يتوافدون إليه،الآن هؤلاء كيف يلتحقون به،هؤلاء خلال أربع و عشرين ساعة لا بدّ ان يكونوا موجودين في مكّة،هذه الأمور لا يمكن أن تتحقق خلال أربع و عشرين ساعة إلاّ عبر عملية إعجازية.
فما هو الموقف؟في الفهم التقليدي لها أن العملية ستتم عبر استخدام إعجازي،الروايات تقول:إن بعضهم يأتي علي السحاب (2)و الناس يرونه هذا فلان بن فلان و يعرفون اسمه و كنيته و ما شاكل ذلك،بعضهم يفقد في فراشه.
أمير المؤمنين عليه السّلام يقول في رواية:«هم المفقودون في فراشهم»يعني نصف الليل هو نائم في فراشه و إذا به في الصباح غير موجود.
إذن هذا طي للأرض،خلال أربع و عشرين ساعة يسمعون خبره في مكّة المكرمة،هذا عمل في مظهره الأوّل عمل إعجازي. (3) .
ص: 193
من جملة الاستخدام الإعجازي،الغمامة التي تنادي هذا هو المهدي هذا بقية اللّه هذا استخدام إعجازي.
و أيضا الصيحة السماوية بعض الروايات تقول ذاك صوت جبرائيل ينادي«الحق مع عليّ و شيعته». (1)
علي هذا الأساس هل هكذا نقرا المسألة أو يمكن أن نقرأ هذه الأمور باعتبارها جزءا من التقدم التقني العالي جدا كما سيحدث في آخر الزمان يعني انّ المسألة هي مسألة استخدام طبيعي و ليست استخداما إعجازيا.
الروايات هكذا تقول:«تطوي له و لأصحابه الأرض،يرفع اللّه له كل منخفض من الأرض،و يخفض له كل مرتفع» (2)يعني يرفع اللّه تعالي له الأودية بحيث يبصر ذلك الوادي،يعني يكون مسحا جويا كاملا علي البقاع التي يريد السيطرة عليها،أنتم تشاهدون في الحروب استطلاعا جويا،أحيانا تخرج الطائرات بدون طيار،طائرات تجسس،الإمام المنتظر هل سيستخدم هذه الطائرات للتجسس،أم انّ هناك أدوات إعجازية أخري؟
الروايات تقول:كل الجبال تنخفض بحيث يري ما وراءها،و كل الوديان ترتفع له،إذن لا يحتاج إلي تجسس جوي و إنما كل الأرض مبسوطة بين يديه«يرفع اللّه له كل منخفض من الأرض و يخفض له كل مرتفع حتي تكون الدنيا عنده بمنزلة راحته،فأيكم إذا كان في راحته شعرة أيكم لا يراها و لا يبصرها»، (3)«و لا يكون بينها.
ص: 194
و بينهم بريد فيسمعونه و ينظرون إليه و هو في مكانه». (1)
هكذا الرواية تقول:«ما كان من سحاب صعب فيه رعد و برق فصاحبكم يركبه».
كان عندنا في التاريخ أن اللّه تعالي خيّر ذا القرنين و قال له:أتريد السحاب الذلول أو السحاب الصعب،فاختار السحاب الذلول. (2)
ذو القرنين،هو عبد صالح ملك شرق الأرض و غربها.
الرواية تقول:إن اللّه تبارك و تعالي سخر له السحاب الذلول،أمّا السحاب الصعب الشديد المتلاطم ذو الأعاصير و الرعد و البرق فهو في خدمة إمامنا عليه السّلام،«ما كان من سحاب صعب فيه رعد و برق فصاحبكم يركبه»، «أمّا انه يركب السحاب و يرقي في الأسباب»،هذا التصوير في القراءة التقليدية الأولية له يعني استخدام إعجازي و حينئذ ستكون هذه أحد نقاط الامتياز بين حركة الإمام الحسين عليه السّلام و حركة المهدي عليه السّلام.
الحسين عليه السّلام لم يستخدم مثل هذه الأدوات الإعجازية أصلا،حتي قتل عطشانا و لو استخدم أدوات إعجازية علي الأقل كان يمدّ يده إلي الفرات و يجلب الماء منه،هذا الأمر نريد أن نقف عنده الليلة،ما هو قانون الاستخدام الإعجازي؟متي يستخدم الأنبياء الإعجاز و متي لا يستخدمونه؟ن.
ص: 195
نحن نري أنبياء عذبوا و طردوا و شردوا،أين الاستخدام الإعجازي؟ و نري الأنبياء رغم كل الظروف الصعبة لكن في لحظات خاصة استخدموا الأدوات الإعجازية.
إذن نريد أن نقول أنّ سيرة الأنبياء تكشف لنا شيئا كما القرآن يتحدث به و انّ الأنبياء عندهم نوعين من الأدوات،أدوات طبيغية و هم الأنصار و المقاتلون و الأموال و ما شاكل ذلك و أدوات إعجازية أيضا يستخدمونها حينما تستحق ظروف الاستخدام الإعجازي.
مثلا عصي موسي فَإِذا هِيَ تَلْقَفُ ما يَأْفِكُونَ ، (1)الثعابين كلها التي صنعها السحرة عصا واحدة ألقاها موسي علي الأرض لقفتهم كلهم،هذا استخدام إعجازي،عصا من خشب و إذا بها تتحول إلي ثعبان كبير من الدرجة الأولي تَلْقَفُ ما يَأْفِكُونَ جميع الحبال و العصي التي ألقوها و أصبحت ثعابين بجهد السحرة،ثم مديده مرة أخري و إذا رجعت بيده عصا.
نفس هذه العصا العجيبة ضرب بها البحر و هو النيل فارتفعت من هذا النيل الأرض اليابسة و هي ليست طينية بحيث تزل بها أقدام المقاتلين أو أقدام الخيول،و الماء أصبح جانبين كُلُّ فِرْقٍ كَالطَّوْدِ الْعَظِيمِ (2)يعني هذه الموجة علي اليمين كالجبل و تلك الموجة الثانية علي اليسار كالجبل لكنه أبدا لا يتحرك،أي أصبح جبلا من ماء صلب لا يتحرك و لا ينزل،هذه موجة ارتفاعها عشرات الأمتار لكن هذه الموجة ثابتة،هذا استخدام غير طبيعي.
قد يقول قائل ليست هاهنا مشكلة في أن تكون هناك موجات عاتية
ص: 196
طول الموجة أو ارتفاعها خمسة عشر مترا،مثلا هذه الأمواج التي حدثت أخيرا في المحيط الهندي في حادثة تسونامي الأخيرة.كان يبلغ ارتفاعها أحيانا عشرة أمتار يعني تغرق المدينة كلها،لكن مع ذلك يعتبر الأمر طبيعيا لماذا؟لانّ هذه الموجة نتيجة إعصار أو زلزال تأتي الموجة و تذهب فهي غير مستقرة.لكن الموجة التي حدثت لموسي عليه السّلام هي موجة ارتفاعها كذا متر القرآن يعبر عنها مثل الجبل(كالطود)لكن هذه الموجة ثابتة لمدة نصف ساعة أو ساعة أو أكثر موجة عملاقة شاهقة لا تتحرك عن اليمين و اليسار، هذا استخدام إعجازي لعصا موسي عليه السّلام.
عيسي عليه السّلام أيضا كذلك يبرئ الأكمه و الأبرص و يحيي الموتي و هذا استخدام إعجازي.
أيوب أيضا في شفائه بعد أربعين سنة من المرض،القران الكريم يقول: اُرْكُضْ بِرِجْلِكَ هذا مُغْتَسَلٌ بارِدٌ وَ شَرابٌ (1)و حين رفس الأرض برجله قليلا خرجت عين ماء،هذا استخدام إعجازي.
إذن الأنبياء عندهم استخدام إعجازي لكنهم لا يستخدمونه دائما و لهذا فرسول اللّه صلي اللّه عليه و آله في المعارك يحيط به الأعداء أحيانا و أحيانا تكسر أسنانه في المعركة و أحيانا يشجّ جبينه من رمي الحجارة إذن أين الاستخدام الإعجازي؟
هذا أمر يحتاج إلي قانون،ما هو قانون الاستخدام الإعجازي في حركة الأنبياء حسب الدلالة القرآنية؟
مثلا إبراهيم عليه السّلام أيضا قام باستخدام إعجازي مع نمرود و النار العاتية التي كان لهبها يحرق من بعد مسافة،لماّ ألقي إبراهيم عليه السّلام أصبحت النار بردا و سلاما علي إبراهيم.2.
ص: 197
طوفان نوح عليه السّلام أيضا كان استخداما إعجازيا.
داود و سليمان و تسخير الرياح و الجبال و الطير و الجن و الشياطين لهما، حتي أن الشياطين عملوا باعتبارهم أفرادا في الجيش عند النبي سليمان،هذا استخدام إعجازي ما هو قانونه؟
الاستخدام الإعجازي حسب الطرح القرآني لدي الأنبياء عليهم السّلام يكون في ثلاثة مواضع:
الدلالة علي التمثيل الإلهي.
لأن هذا النبي يقول أنا أمثّل اللّه تعالي و هذه القضية لا يمكن الاستدلال عليها بشهود،أو الاستدلال عليها بقصيدة شعرية،حينما تدّعي أنك مرتبط بالسماء نحن نحتاج إلي دليل علي ارتباطك بالسماء،و هذا الأمر لا يكون إلاّ في أمر نعجز عنه،أمّا لو جئتنا بأي شيء آخر ممكن للبشر أن يصنعوا مثله فنقول لك هذا ليس معجزة و ربما هذا أمر صنعته بقدراتك البشرية.فالدلالة علي أصل التمثيل عن اللّه تعالي يحتاج فيها الأنبياء إلي تقديم معجزة.
عند استنفاد الطاقات في المعركة.
يعني كل الأدوات الطبيعية حينما تنتهي في ذلك الوقت لا ملجأ إلاّ إلي اللّه تعالي،لا بدّ من استخدام إعجازي.
مثلا إبراهيم عليه السّلام لما وضعوه في المنجنيق و رموه في النار تعطلت لديه كل الأدوات الطبيعية هو يهوي إلي النار و النار ملتهبة فما هو الحل؟
ص: 198
و إبراهيم مكبّل و رموه في الهواء هنا استنفدت كل الطاقات البشرية فلذا جاء دور الإعجاز،و قال اللّه تبارك و تعالي للنار: كُونِي بَرْداً وَ سَلاماً عَلي إِبْراهِيمَ . (1)
و هكذا في قصة موسي عليه السّلام حين يقف علي النيل قالَ أَصْحابُ مُوسي إِنّا لَمُدْرَكُونَ أمامنا البحر و وراءنا فرعون،و آلاف مؤلّفة و نحن مجموعة قليلة فما هو الموقف؟ قالَ أَصْحابُ مُوسي إِنّا لَمُدْرَكُونَ* قالَ كَلاّ إِنَّ مَعِي رَبِّي سَيَهْدِينِ . (2)
هنا جاء الاستخدام الإعجازي،اللّه تعالي قال: اِضْرِبْ بِعَصاكَ الْبَحْرَ فَانْفَلَقَ فَكانَ كُلُّ فِرْقٍ كَالطَّوْدِ الْعَظِيمِ ، (3)لما انتهت قدرة موسي عليه السّلام و انتهت قواته جاء دور الإعجاز و القدرة الإلهية هذا هو الموضع الثاني لاستخدام الأدوات الإعجازية و هو عند استنفاد الأدوات الطبيعية،هنا يأتي دور الأدوات الاحتياطية.
الإنسان متي يستخدم الأدوات الاحتياطية؟عندما تنتهي الأدوات الطبيعية،أمّا إذا كان لديه أدوات طبيعية فانه لا يستخدم الأدوات الاحتياطية هذا هو الموضع الثاني.
تكوّن الشخصية.
في أصل التكوّن لشخصية ذلك النبي،أصل التكوّن أحيانا يكون من خلال استخدام إعجازي بمشيئة اللّه تعالي يعني تكوّن عيسي من غير أب،هذا استخدام إعجازي في أصل التكوّن لانّ شخصية الأنبياء لحكم إلهية لا نعلمها تظهر بعملية إعجازية يعني ليس بعملية طبيعية.
عيسي من غير أب.
ص: 199
آدم عليه السّلام من طين فَإِذا سَوَّيْتُهُ وَ نَفَخْتُ فِيهِ مِنْ رُوحِي فَقَعُوا لَهُ ساجِدِينَ ، (1)موسي عليه السّلام أيضا في أصل التكوّن حينما ألقته أمه في البحر أيضا يوجد إعجاز و إحاطة إلهية،القرآن يقول عنها: وَ لِتُصْنَعَ عَلي عَيْنِي (2)اللّه تعالي يقول له أنا أريد أن أصنعك هذا نسميه أصل التكوّن.
يحيي عليه السّلام ابن زكريا كذلك كان زكريا عمره تسعين سنة و زوجته عجوز بما يقارب ذلك العمر لكن اللّه تبارك و تعالي يقول: يا زَكَرِيّا إِنّا نُبَشِّرُكَ بِغُلامٍ اسْمُهُ يَحْيي لَمْ نَجْعَلْ لَهُ مِنْ قَبْلُ سَمِيًّا . (3)و قد نطق يحيي و هو في المهد وَ آتَيْناهُ الْحُكْمَ صَبِيًّا (4)هذا هو الموضع الثالث للاستخدام الإعجازي.
الاستخدام الإعجازي يكون في ثلاثة مواضع:
أوّلا:للدلالة علي النبوة.
ثانيا:عند استنفاد الطاقات الطبيعية.
ثالثا:في تكوّن الشخصية.
ما عدا هذه المواضع الثلاثة فان الأنبياء لا يستخدمون المعجزة،و هذا سوف يفتح لكم باب الإجابة علي الكثير من الأسئلة و الاثارات و الشبهات.
انّ الأنبياء لماذا لا يستخدمون معاجزهم و قدراتهم الخارقة و الملائكة و ما شاكل ذلك؟
إن قانون الأستخدام الإعجازي الذي ذكرناه في هذه الموارد الثلاثة يعطي الإجابة علي تلك الأسئلة،فقد كان-مثلا-أحد مواضع الاستخدام2.
ص: 200
الإعجازي هو عند استنفاد الطاقات البشرية الطبيعية أمّا إذا كان بالإمكان استخدام الأدوات الطبيعية فحينئذ لا توجد حاجة إلي إعجاز.
و الآن نصل إلي إمامنا المنتظر عليه السّلام فلنر الإمام المنتظر عنده استخدام إعجازي أم لا؟
و إذا كان عنده ما هو السبب؟
و لماذا باقي الأئمّة لم يستخدموا الإعجاز؟
في أصل تكوّن الإمام هناك استخدام إعجازي،و ذلك انّ الإمام الحسن العسكري عليه السّلام في القصة (1)الجميلة المعروفة دعا عمته حكيمة:«يا عمّة كوني عندنا هذه الليلة فسيولد لنا مولود يملأ الأرض قسطا و عدلا».
قالت:عجيب أنا لا أعرف للإمام العسكري زوجة حامل!
حضرت و إذا في بيت الإمام أبي محمّد(الحسن العسكري)جارية موجودة و التي هي أم الإمام المنتظر،و اسمها نرجس و بعض الروايات تقول اسمها سوسن.
تقول:أنا شككت حيث أنظر لهذه الجارية و ليس عليها علامات الحمل، فشككت في نفسي،انّه الإمام المعصوم يقول سيولد لنا مولود لكن أي أثر للحمل لا يوجد لا في الشهور الماضية و لا هذه الليلة.
تقول:كتمت هذا الشك،لم أفصح عنه،حتّي إذا كان قبيل الفجر قمت لصلاة الليل أتفقد هذه الجارية لأنني سألت الإمام أبا محمّد ممن يكون هذا المولود؟
قال:من هذه سوسن أو نرجس،و كلما أتأمل فيها أراها ليست حاملا.
الروايات تقول:«يصلح اللّه أمره في ليلة»ربما يعني أنّ اللّه تعالي يصلح
ص: 201
تكوّن الإمام في ليلة واحدة،في ساعة من ساعات ليلة واحدة،فلمّا كان قبل الفجر أقبلت هذه الجارية نرجس،ما الخبر؟
قالت:عندي ألم!ما هي إلاّ لحظات و إذا بها تلد إمامنا المنتظر ساجدا يقرأ قوله تعالي: وَ نُرِيدُ أَنْ نَمُنَّ عَلَي الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الْأَرْضِ وَ نَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَ نَجْعَلَهُمُ الْوارِثِينَ . (1)
هذا في الحقيقة استخدام ممكن أن نسمّيه استخداما إعجازيا،أصل التكوّن إعجازي.
غيبة الإمام المنتظر أيضا حالة إعجازية،الغيبة إلي يومنا هذا يبلغ طولها 1171 سنة،لان الإمام المنتظر ولد في سنة 255 و نحن الآن دخلنا في سنة 1426 ه،هذا العمر الطويل،و الغياب عن الأنظار مع انه يخالطنا و يشهد مجالسنا هذا في الحقيقة عملية إعجازية.
البعض هنا مع الأسف نتيجة ضحالة فكرية يطرحون أسئلة و شبهات حول طول عمر الإمام كيف يكون؟
إذا كان غائبا فما هي فائدته؟
هذه الإثارات في الحقيقة قد تجاوزناها الآن،يعني حتي العلم الحديث- و بدون إعجاز-تجاوزها أيضا،لا نحتاج إدّعاء الإعجاز،سوف أشرح قليلا هذا الموضوع ثم اشرح لكم بعد ذلك الموضوع الإعجازي عند الإمام المنتظر عليه السّلام.
لا حظوا إن الإمكان علي ثلاثة أنواع:
النوع الأوّل:نسميه الإمكان الفلسفي،في مقابله الاستحالة الفلسفية.
النوع الثاني:الإمكان العلمي في مقابله الاستحالة العلميّة.
النوع الثالث:الإمكان العرفي،في مقابله الاستحالة العرفية.
ص: 202
بشكل سريع أشرح لكم الإمكان الفلسفي و في مقابله الاستحالة الفلسفية.
الفلاسفة يقولون من المستحيل اجتماع النقيضين،يعني وجود شيء و عدم وجوده في وقت واحد،هذا مستحيل،و كذلك أن يصير الجزء أكبر من الكل،مثلا الطابوقة التي هي جزء من الغرفة أن تكون هذه الطابوقة أكبر من الغرفة كلها في الوقت الذي هي جزء من جدار الغرفة،هذا لا يصح،هي جزء من هذا الكل هذا نسمّيه استحالة فلسفية في مقابلها إمكان فلسفي،مثلا المعاد بعد الموت فهذا من الناحية الفلسفية ممكن لا محالة فيه.
الفلاسفة لا يجدون مشكلة فلسفية فليس هناك تناقض و لا تضاد.
النوع الثاني:الإمكان العلمي مثل أن يكون هناك سكّان في القمر أو سكّان في المريخ،هذا علميا أمر ممكن لا توجد فيها مشكلة،علميا إن البحار و المحيطات في يوم من الأيام كلها تتبخر هذا علميا ممكن،أو تتصلب كل البحار و المحيطات و تصبح قطعة ثلج واحدة هذا أيضا ممكن من الناحية العلميّة.
النوع الثالث:الإمكان العرفي يعني هو فلسفيا و علميا ممكن لكنه عرفيا غير متداول عندنا و لا مألوف،مثلا وجود جبل من ذهب،علميا ممكن لا توجد مشكلة،لكن الحقيقة عرفيا لم يحدث لحد الآن مثل هذا الأمر هذا نسميه:إمكان عرفي في مقابله استحالة عرفية.
علماؤنا في مواجهة سؤال أنّ الإمام المنتظر كيف يكون عمره 1000 عاما أو أكثر،أصبحوا يستدلّون بالقدرة الإلهية المعجزة،لكن نحن اليوم هذه الاستدلالات- و إن كانت صحيحة-تجاوزناها و عبرناها و أصبحت القضية واضحة أي لا توجد مشكلة فلسفية و لا علمية في طول عمر الإمام،نعم توجد مشكلة عرفية.
صحيح بالعرف لا يوجد إنسان عمره 1200 سنة لكن هذه المشكلة العرفية عندنا نحن الّذين نؤمن بالغيب محلولة،إنّ اللّه تبارك و تعالي لإثبات الإعجاز كما في عمر نوح عليه السّلام يعطي عمرا طويلا لمن يشاء.
ص: 203
إذن لا توجد لدينا مشكلة،و علي كل حال قد يدخل هذا في الاستخدام الإعجازي،أصل التكوّن،غيبة الإمام،و طول عمره،هذه تدخل في باب الاستخدام الإعجازي.
توجد لدينا رواية جميلة تقول:«انّ قائمنا فيه أربع من سنن الأنبياء»، (1)يعني الإمام المنتظر عليه السّلام عنده أربع خصال من خصال الأنبياء،بعض الروايات تذكر خمس خصال،خمس سنن:
أخذ من نوح العمر الطويل.
أخذ من عيسي اختلاف الناس فيه،مثلما عيسي الناس فيه مختلفون،بعض الناس يقولون صلبوه،و بعضهم يقول قتلوه،و بعضهم يقول رفع للسماء،و لحد الآن البشرية مختلفة،الاختلاف أيضا موجود بإمام العصر أحدهم يقول الإمام العسكري ليس له مولود،و آخر يقول لا يمكن أن يكون عمره بهذا الشكل،و آخر يقول يمكن أن يكون،و لهذا الروايات تقول من أصعب الأمور التي سوف تواجهونها عندما ترون إمامكم هو شاب بعمر الأربعين (2)بينما هو قد زاد عمره الواقعي علي مئات السنين
ص: 204
و إلي ما شاء اللّه تعالي،لكن عندما يظهر،يظهر بعمر شاب في الأربعين و لهذا الناس يقولون:كيف يكون هذا؟
و فيه سنّة من موسي حينما غاب عن قومه أربعين ليلة كما أن له سنّة من يوسف الصديق و من جده محمّد صلي اللّه عليه و آله.
هناك سؤال:انّ الإمام عليه السّلام خلال هذا العمر الطويل هل هو متزوج أم غير متزوج؟
هل عنده أولاد أم لا؟
هذا من حقكم أن تسالوا عنه،علماؤنا أيضا بحثوا هذه المسائل،لكن هذا البحث ممكن أن نجعله في باب الترف الفكري،يعني هذه القضايا نحن غير مكلفين بها،هل هو متزوج؟و هل له أولاد؟هذه القضية خارج تكليفنا و مع ذلك فإن علماءنا بحثوها.
و قدّم بعض العلماء (1)عدة أدلة علي أنّ الإمام عليه السّلام متزوج و له أولاد:
الدليل الأوّل:انّ الزواج سنّة رسول اللّه صلي اللّه عليه و آله،هل يمكن أن ابن رسول اللّه صلي اللّه عليه و آله يترك هذه السنّة و النبي صلي اللّه عليه و آله يقول:«من رغب عن سنّتي فليس مني» إن الزواج سنّة الإسلام و هذا إمام الإسلام،كيف يبتعد عن السنّة!؟
الدليل الثاني:عندنا أدعية كثيرة فيها ما يشير إلي وجود ذرية له.
مثل«السلام عليه و علي ذريته و أولاده»،هذه مجموعة فقرات من الأدعية تقول ما يدل علي أن الإمام عنده أولاد و ذرية و عنده زوجة.
بعض الشواهد تذكر قصة الجزيرة الخضراء (2)التي ذكرتها لكم سابقا
ص: 205
و التي تقول إن شخصا سافر من الشام إلي مصر و إلي المغرب و هناك التقي بمجموعة في قرية نائية علي البحر الأبيض و هذه القرية أهلها شيعة و هو ألقي ركابه في تلك القرية،ثم سألهم من أين أنتم؟و من أين مصادر العيش عندكم و أنتم مقطوعون عن العالم؟
قالوا:نحن كل ثلاثة أشهر تأتينا قافلة من عمق البحر محمّلة بألوان من الأمتعة و نحن منتظرون هذه السفينة!
قال لهم:هذه السفينة من أين تأتيكم؟
قالوا:من إمامنا صاحب الزمان.
قال:هل ممكن أن أذهب إليه.
قالوا له:أنت و حظك،يبدو أنّ هؤلاء شيعة و لا أحد منهم يفكّر أن يلتقي بصاحب الزمان و هذا مما يدلل علي سخافة هذه الرواية و كذبها.
جاءت بعد ذلك السفينة أو مجموعة السفن و استطاع أن يلتحق بهذه السفينة فحلّت بجزيرة خضراء،فيها أشجار و مياه،و وديان و جبال،و إذا مجموعة من الناس صالحون يقرأون القرآن،قال لهم:من أنتم؟
قالوا:نحن أولاد صاحب الزمان و إذا هناك مسجد ضخم و صلاة جمعة أقاموها.
قال لهم:نحن الشيعة ليس لدينا صلاة جمعة واجبة في زمن الغيبة،إنما تكون واجبة بظهور الإمام المعصوم.
قالوا له:نعم الإمام موجود بيننا و هذا و كيله و نائبه الشخصي يصلي بنا.
و علي كل حال تستمر القصة و تقول أن هذا الرجل قادوه إلي جبل به عين ماء و في عمق ذاك المكان كان الإمام عليه السّلام موجودا استغرب أصحاب الإمام و سألوه ماذا جاء بك إلي هذا المكان؟
قال:علي كل حال جئت لطلب اللقاء بالإمام عليه السّلام.
ص: 206
نقد القصة:(1)
هذه القصة خيالية و لها راو واحد مجهول،و عثر علي هذه القصة في كتاب مجهول بدون معرفة اسم المؤلف.
هذه الرواية يرويها العلامة المجلسي في البحار يقول:
«عثرت علي نسخة خطية موجودة في خزانة أمير المؤمنين عليه السّلام و وجدت في هذا الكتاب و هو غير معروف المؤلف،و الراوي غير معروف أيضا يروي عن زين الدين بن فاضل هذه الرواية».
و قال علماؤنا إنها أقرب للخيال بعدة أدلة،و هي واضحة الجعل و الافتعال بدليل أنه إذا كانت هذه الجزيرة موجودة بالفعل و هذه القرية موجودة و متاعهم يأتيهم كل شهرين أو ثلاثة،إذن عجبا كيف لم يفكر شخص منهم أن يذهب و يلتقي صاحب الزمان،فقط زين الدين علي بن فاضل،كيف هؤلاء شيعة،و لكن لا يتوقون اللقاء بإمام زمانهم؟
بعض إخواننا المساكين يفترضون أن هذه الجزيرة واقعة في مثلث برمودا،بينما هذه القصة تتحدث عن البحر الأبيض،و مثلث برمودا قرب البحر الكاريبي علي حافة أمريكا،بين أمريكا و كوبا و يوجد الآن مثلث يسمي مثلث برمودا بمسافة تزيد علي أكثر من ألف كيلومتر مربّع،هذه المنطقة فيها أحيانا اختطاف،و قرصنة،تدخل فيها سفن و تختفي،تدخل فيها ملاحة و تختفي، مثلث خطر،شيطاني تختفي فيه هذه السفن و لا يعرفون لها أثر!
بعض المساكين صدّقوا،قالوا هنا الجزيرة الخضراء حتما،و هؤلاء جنود صاحب الزمان لا يسمحون للسفن أن تدخل أو تصل.
ص: 207
طبعا هذا المثلث بين كوبا و الولايات المتحدة الأمريكية،طبيعي أن تختطف السفن و أن توجد عملية قرصنة من قبل القوات البحرية للولايات المتحدة و لكنهم يحاولون أن يخدعوا الرأي العام و هم مسيطرون علي الإعلام فيقال ذهبت سفينة و اختفت!
نحن الآن في هذا الزمان و مثلث برمودا لا أحد يستطيع أن يكتشفه لا الأقمار الصناعية و لا الطائرات و لا السفن،المفروض أن يكون لدينا من الوعي و المعرفة أن نتجاوز هذه القضايا و أنا اذكرها للاستطراف.
نعود إلي مسألة أولاد الإمام.
روايات أهل البيت عليهم السّلام لا تعطي في هذا الموضوع إشارات كافية،باعتبار أن هذا الموضوع سوف لا يترتب عليه تكليف يخصنا،أو موقف بالنسبة لنا،و لهذا فان مسألة وجود أولاد للإمام عليه السّلام تبقي أقرب للترف العلمي.
حديثنا عن الاستخدام الإعجازي لدي الإمام المنتظر عليه السّلام نرجع إلي تلك المفردات التي ذكرناها،قباب من نور و سحاب ينادي،و كل شخص كتابه في يده،هذه في الحقيقة لها قراءتان و تفسيران:
القراءة الأولي:إنها استخدام إعجازي.
القراءة الثانية:إنها استخدام التقنية الحديثة،يعني نحن غير مضطرين لأن نتحدث عن المعجزة.
أمّا الرواية التي تقول:انّ هؤلاء يطيرون في السحاب،و تطوي للإنسان الأرض عندما يطير ألف كيلومترا في ساعة واحدة هذا ألا يمكن أن نسمّيه طويت له الأرض بينما هو طيران في الجو بالطائرات الحديثة؟
و هكذا قباب من نور ممكن تفسيرها علي مستوي القراءة الثانية،ان
ص: 208
هذه القباب من نور عبارة عن الطائرات و النقل الجوي.
و هكذا مسألة الكتاب في كفه كل واحد من وكلائه كتابه في كفه،هذا في زماننا أصبح شيئا موجودا عبارة عن الهاتف النقال المصوّر،و موضوع فيه قرص(سي دي)و يجمع كل المعلومات و الأحكام الشرعية،فهذا الإنسان بيده يتصل مباشرة بالإمام المنتظر عليه السّلام،أو بمركز الكومبيوتر و يعطوه الموقف هذا ممكن.هذه تقنية علمية و من الطبيعي أن الإمام صاحب الزمان سوف يستخدمها.
هذه الأمور قبل ألف عام كانوا يفترضونها استخداما إعجازيا،لكن نحن الآن ممكن أن نفسّرها علي أساس إنها استخدام التقنية العلمية،أيضا يسمعون صوته و يرونه و هم في أقصي الأرض عبر شاشات التلفزيون و الفضائيات.
و أنتم تصوروا لو تطور هذا الأمر بعد مائة سنة إلي أين سيصل الإنسان؟
إذن نحن لماذا لا نتصور علي الأقل علي مستوي الإمكان أن الإمام المنتظر عليه السّلام يستخدم التقنية العلمية العالية.
و هكذا النداء من الغمامة،الآن الفضائيات أليست هي عبارة عن أمواج صوتية عبر القارات و عبر القمر الصناعي،فهذا أيضا ربما عبّرت عنه الروايات بأن السحاب يتكلم،هي أمواج في الحقيقة،لكن كلمة الأمواج و هذا التعبير يومئذ غير موجود فكان يقال سحاب.
الحقيقة أن الكثير من هذه العناصر التي تؤكدها الروايات يمكن تفسيرها علي أنها تقنية علمية متطورة،و حركة الإمام المنتظر عليه السّلام تبقي حركة وفق الأدوات الطبيعية بدليل أن الإمام مثلا ينصّب وكيلا له في مكّة المكرمة و بمجرد أن يذهب الإمام للمدينة أهل مكّة يهبّون علي الوكيل و يقتلونه يرجع الإمام مرة أخري حتي يحرر مكّة المكرمة.إذن هي عملية مناورات عسكرية فيها كر و فر و ما شاكل ذلك.
ص: 209
و الروايات واضحة جدا حتّي قرأت لكم بعض الروايات تقول:يلقي أذي من الناس مثلما لقي رسول اللّه صلي اللّه عليه و آله أو أكثر مما لقيه رسول اللّه صلي اللّه عليه و آله. (1)
معني هذا ان العملية تجري وفق الأدوات الطبيعية و ليس وفق الإعجاز.
هناك رواية جميلة تقول:يفتح الروم بالتكبير (2)يعني يدخل عشرات الآلاف من القوات يصيحون اللّه اكبر و يحررّون أوربا بالتكبير.التكبير هل هذا استخدام إعجازي أو هو استخدام وفق الأدوات الطبيعية؟
روايات عديدة طبعا تقول يفتح روما بالتكبير،يعني بدون استخدام سلاح،قد يوحي هذا انه لا يوجد قصف جوي و لا قصف مدفعي بل هو زحف بشري بالتكبير هذا أمر ممكن أيضا و هذا ليس جزءا من الاستخدام الإعجازي بل هو استخدام أدوات طبيعية.
هذه الحرب العراقية الإيرانية لعل بعضكم يتذكر مشاهد منها،كان الزحف الذي تقوم به القوات الإيرانية زحف بشري بالتكبير،إذن نحن نستطيع أن نقدم قراءة تقول إن الإمام صاحب الزمان يستخدم الأدوات الطبيعية،و إنما يستخدم الإعجاز في حالة استثنائية وفق القانون الذي شرحته لكم.
هذا البحث له صلة،أحدّثكم في ليلة أخري عن ذي القرنين و قصة يأجوج و مأجوج و هذه من الغرائب،إنّ أبناء العامة السنّة ينتقدوننا،كيف تقولون بحياة المهدي بهذا العمر الطويل،بينما هم أبناء السنّة يقولون في رواياتهم سيرجع يأجوج و مأجوج. (3)بعد الموت إلي هذه الحياة.5.
ص: 210
هناك روايات متعددة في تفسير من هم يأجوج و مأجوج الذي جاء ذكرهم في القرآن؟أين موجودون،ذو القرنين لماذا سمي(ذو القرنين)، بعض الروايات تقول سمي ذا القرنين لأنهم ضربوه مرة علي قرنه الأيمن و مرة علي قرنه الأيسر يعني علي الجمجمة،في المرة الأولي غاب عنهم 500 سنة ثم ظهر،و هكذا في المرة الثانية.
إذا كنتم يا أبناء العامة تقولون إن يأجوج و مأجوج سوف يرجعون إذن لماذا تعترضون علينا حين نقول إن صاحب العصر و الزمان في رعاية اللّه تعالي و هو ابن رسول اللّه صلي اللّه عليه و آله حي يرزق ثم يظهر في آخر الزمان.
أنتم تقبلون أن يأجوج و مأجوج يرجعون و لا تقبلون بعودة الإمام المعصوم!
إذا كان أصحاب الكهف يرجعون أحياءا فلماذا لا تقبلون أن صاحب العصر و الزمان يرجع،لماذا؟
إذا كان هناك استحالة فلسفية فهي في الاثنين،و إذا كانت فيه استحالة علمية أو عرفية فبالاثنين،ما هو دليلكم علي هذا؟علي كل الأحوال في ليال لا حقة سوف نستمر في هذا الموضوع إن شاء اللّه تعالي.
هذه الليلة نختمها بذكر القاسم بن الحسن عليه السّلام و هو أحد أولاد ثلاثة للإمام الحسن عليه السّلام استشهدوا يوم عاشوراء،أحدهم عبد اللّه الأكبر،و الثاني هو القاسم،و الثالث عبد اللّه بن الحسن الأصغر.
عبد اللّه الأكبر الذي يكني أبا بكر أوّل من تقدّم و استشهد،ثم جاء القاسم.
الرواية تقول إنه شاب لم يبلغ الحلم يعني عمره 13 أو 14 سنة أو 11 سنة،شاب صغير لهذا نحن قد نميل تاريخيا إلي القول أن هذا الشاب حينما برز للقتال لم يركب فرسا و إنما كان يقاتل راجلا،مثل هذا الشاب الصغير
ص: 211
بهذا العمر من غير الميسور له أن يحمل سيفا فضلا عن أن يركب فرسا مطهّما و عليه سرج و يقاتل عليه و هو بمثل هذا العمر.
الرواية تقول:أن الحسين عليه السّلام لما خطب أصحابه و قال:إنكم ستقتلون غدا، جاء القاسم بن الحسن قال:يا عم أنا عندي سؤال أريد أن أسألك،أنت بشّرت الجميع بأنهم غدا سيقتلون و تلتقون غدا برسول اللّه صلي اللّه عليه و آله و أنا يا عم ممن يقتل؟
هنا يتجلي العروج الروحي و النبل و الاتصال باللّه تعالي حيث تحوّلت كربلاء إلي قطعة من الجنّة،إلي قمم من المعنويات و الروحيات،يقول له هذا الطفل الصغير الذي لم يبلغ الحلم يا عم و أنا ممن يقتل؟
الرواية تقول:أن الحسين عليه السّلام لم يجبه و لا بدّ أن يختبره كقائد عسكري قال له:و أنت كيف تجد طعم الموت؟
قال:يا عم و اللّه أحلي من العسل.
فقال له:نعم يا ابن أخي أنت ممن يقتل،ثم استأذن من الحسين عليه السّلام.
الرواية تقول:إن الحسين عليه السّلام تعانق مع القاسم و هذه مشاهد توجع القلب و تذرف الدموع لها،هذا هو الحسين المنكوب بأهله و بأصحابه،و أمامه المعسكر المتلاطم،و إذا هو وحده مع هؤلاء الصغار يقاتل بهم.
الرواية تقول:إن الحسين مع القاسم تعانقا و الحسين بكي في لحظة الإذن للقاسم و برز القاسم للقتال و بينما هو يقاتل انقطع شسع نعله فأبي هذا الفتي الهاشمي الغيور أن يدخل المعركة بدون نعل فانحني كي يصلح شسع نعله.
ذوو النفوس الدنيئة يفترضون أنفسهم قادة و أبطال قال أحدهم و هو بكر بن غانم:و اللّه لأحملن عليه و اثكلن به أمه.
قيل له:هذا طفل و أنت بطل كيف تضرب هذا الطفل،أبي إلاّ أن يأتي إليه فضربه علي رأسه و هو منحن يشد نعله فوقع علي الأرض صريعا فنادي:
ص: 212
يا عم أدركني.
أقبل إليه الحسين عليه السّلام وجد الغلام يرفس بقدميه،قال يعزّ علي عمك أن تدعوه فلا يجيبك أو يجيبك فلا ينفعك،صوت-و اللّه-قلّ ناصره و كثر واتره،قتل اللّه قوما قتلوك.
الرواية تقول:إن الحسين عليه السّلام حمله علي صدره و الغلام رجلاه تخطان في الأرض يعني يبدو أنه مقطع إربا إربا و هذا يوجد له تفسيران و كلا التفسيرين هو مؤلم،هل الغلام هو مقطّع و لذلك رجلاه يخطان بالأرض؟أنا اعتقد بشيء آخر،الذي جعل هذا الطفل الصغير رجلاه يخطان بالأرض هو أن الحسين كان منحني الظهر عندما حمل هذا الطفل الصغير،يعني لا يقدر الحسين عليه السّلام أن يقف علي استقامته حمله و رجلاه يخطان علي الأرض.
إِنّا لِلّهِ وَ إِنّا إِلَيْهِ راجِعُونَ وَ سَيَعْلَمُ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَيَّ مُنْقَلَبٍ يَنْقَلِبُونَ .
و الحمد للّه رب العالمين
***
ص: 213
ص: 214
ص: 215
81-ما هي الصيحة التي تحدث في السماء عند ظهور الإمام المهدي عليه السّلام؟
82-كيف يعرف الناس الحقيقة عند ظهوره عليه السّلام؟
83-ما هو الدليل الإسلامي علي وجود الإمام المنتظر عليه السّلام؟
84-ما هو الدليل العلمي عن وجود الإمام المنتظر عليه السّلام؟
85-ما هو الدليل الخارجي علي وجود الإمام المنتظر عليه السّلام؟
86-أربعة صور لللقاء مع الإمام المنتظر عليه السّلام ما هي؟
87-ما هي العلامات الثلاث التي أعطاها الإمام العسكري عليه السّلام لأبي الأديان؟
88-من هم النوّاب الأربعة للإمام المعصوم عليه السّلام؟
89-ما هو موقع أهل العراق في حركة الإمام المهدي عليه السّلام؟
90-كيف نفسّر الروايات التي تدعو إلي تكذيب من يدعي المشاهدة؟
ص: 216
بسم اللّه الرحمن الرحيم
هناك في خط الحياة سنّة اسمها سنّة الامتحان و الابتلاء.
قال تعالي: اَلَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَ الْحَياةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً . (1)
و قال تعالي: أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تُتْرَكُوا وَ لَمّا يَعْلَمِ اللّهُ الَّذِينَ جاهَدُوا مِنْكُمْ . (2)
و قال تعالي: أَ حَسِبَ النّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آمَنّا وَ هُمْ لا يُفْتَنُونَ . (3)
هذه سنّة أسمها سنّة الابتلاء رافقت حركة الأنبياء جميعا و رافقت حركة الإصلاح و حركة الأمم جميعا.
و اليوم حينما نتحدث عن عنصر الاشتراك و التمايز بين حركة الإمام الحسين و حركة الإمام المهدي عليهما السّلام نريد أن نسأل عن هذه السنّة،سنة الابتلاء،هل هي موجودة مع إمام زماننا و هو يقود الحركة الإصلاحية العالمية الكبري أم غير موجودة؟
لقد كانت موجودة مع الحسين عليه السّلام.
الإمام الحسين مع أن الناس يعلمون أنه سيد شباب الجنّة،لكن مع ذلك كان هناك زلزال فكري،حدثت حيرة عند مرضي القلوب،هذا هو الابتلاء، البعض يقول الحسين عليه السّلام خرج عن جده فيقتل بسيف جده،رغم أنه سيد شباب أهل الجنّة،و رغم قول رسول اللّه صلي اللّه عليه و آله:«الحسن و الحسين إمامان قاما أو قعدا»لكن تسويلات الشيطان جعلت بعض الناس يقول إن الحسين عليه السّلام
ص: 217
خرج علي إمام زمانه!من هو إمام زمانه؟هو يزيد بن معاوية،لكن من وضع يزيد بن معاوية إماما لزمانه؟لا يوجد جواب.
و آخر يقول للحسين:يابن رسول اللّه أنا أدري بأنك علي حقّ و لكن أنا لا أنصرك في هذه القضية،ماذا أفعل نفسي لا تسمح بالموت؟أنا ادري أنك مقتول،و أنا غير مستعد أن اقتل،أنا أدري أن الذي بايعك و شايعك علي الحقّ، لكن أعلم أنك مقتول،إن من رأيته خارجا لك من الكوفة يكفون لقتلك و أنا غير مستعد،هذا هو الابتلاء.
اللّه تعالي يريد أن يمتحن،يفتن الناس و إلاّ فان اللّه تبارك و تعالي قادر علي الهداية بدون امتحان: إِنْ نَشَأْ نُنَزِّلْ عَلَيْهِمْ مِنَ السَّماءِ آيَةً فَظَلَّتْ أَعْناقُهُمْ لَها خاضِعِينَ . (1)
اللّه لا يريد ذلك،اللّه تعالي يريد أن تجري سنة الابتلاء،ان تبقي محفوظة.
و السؤال الآن أن سنّة الابتلاء مع إمام زماننا موجودة أم لا؟
الجواب:نعم،موجودة.
رغم أنه عليه السّلام ينتصر و يتحرك ضمن الأدوات الطبيعية و أحيانا يستخدم الأدوات الإعجازية كما شرحنا سابقا لكن ذلك لا يغلق باب امتحان الناس، حيث يمكن لأحد أن يقبل و آخر لا يقبل،رغم أن القضية أصبحت واضحة، و الناس يومئذ يدخلون في دين اللّه أفواجا،و مع ذلك فان هناك مجالا واسعا يبقي لأحد أن يشكك و ينافق و يقاتل،و هذه هي سنة الابتلاء.
إذا خرج الإمام تحدث صيحة في السماء فينادي مناد في أوّل الليل يسمعه جميع العالم: (2)«عليّ و شيعته هم الفائزون»و لكن حينما يكون آخر
ص: 218
الليل يأتي نداء ثان تقول بعض الروايات أنه إبليس ينادي من الأرض و ليس من السماء،إبليس يعني مثلا الفضائيات الكاذبة.
ينادي من الأرض يسمعه الجميع أيضا يقول:«عثمان و شيعته علي الحقّ»يحدث بين الناس بلبلة.
تحدث حالة من الالتباس.
لنقف عند نقطة عليّ و عثمان.
إن هذا التعبير عليّ و عثمان هل يعني أن المعركة يومئذ معركة بين الشيعة و السنة،باتجاهين اتجاه جماعة علي و اتجاه جماعة عثمان،أو هي رمز للحقّ و الباطل،هذا هو الأقرب لأنه يومئذ لم تكن اشتراكية و لا شيوعية و لا ديمقراطية،يوجد يومئذ حقّ اسمه عليّ عليه السّلام و يوجد باطل أسمه الاتجاهات الأخري،الصيحة الأولي تقول الحقّ مع هؤلاء،الصحية الثانية تقول الحقّ مع هؤلاء،اسم عليّ و عثمان استخدم هنا رمزا لمعركة الحقّ و الباطل.
الراوي يسأل الإمام إذن يابن رسول اللّه صلي اللّه عليه و آله نحن ماذا نصنع أوّل الليل نسمع هكذا و آخر الليل نسمع هكذا و الاثنان صيحة و نداء في السماء!
قال عليه السّلام:«تنظر إلي هذه الشمس الداخلة في الغرفة؟».
قال:بلي أني أنظر.
قال عليه السّلام:«إن أمرنا أبين-أوضح-من هذه الشمس». (1)
-
ص: 219
لصاحب القلب و البصيرة و المعرفة،لا تضيع الحقيقة،و الذي في قلبه مرض تضيع عليه الحقيقة حتي لو تنزل الملائكة.
هؤلاء جماعة قالوا لرسول اللّه صلي اللّه عليه و آله:
إذا كنت نبيا قل لهذه الشجرة تزحف و تأتي.
قال صلي اللّه عليه و آله:«يا شجرة تعالي أنا رسول اللّه».
جاءت الشجرة تخب خبا و تشق الأرض،هذه الأشياء أذكرها كمأثورات،كرامات النبي صلي اللّه عليه و آله و معاجزه أكثر و فوق ذلك،أذكرها لكم كنماذج أو رموز،جاءت الشجرة للنبي صلي اللّه عليه و آله.
قالوا:إذا أنت نبي قل لها فلترجع.
فأمرها النبي صلي اللّه عليه و آله بالرجوع فرجعت.
قالوا:قل لها يأتي نصفها و يبقي نصفها و تنشق نصفين.
قال صلي اللّه عليه و آله:أيتها الشجرة انقسمي نصفين نصف يأتي لي و نصف يبقي، فاستجابت الشجرة.
فلما رأوا ذلك قالوا:أنت ساحر كذّاب.
القلوب المريضة التي لا تريد أن تؤمن لا تؤمن حتي لو ينزل عليها ملائكة من السماء.
يقول الإمام عليه السّلام:«أن أمرنا أبين من هذه الشمس». (1)
ص: 220
الراوي يسأل الإمام الصادق عليه السّلام يقول:يابن رسول اللّه نحن من أين نعرف أن هذه الصيحة هي صيحة صاحب العصر و الزمان عليه السّلام؟
الرواية تقول:«كل واحد منكم حينما يستيقظ صباحا يجد صحيفة تحت رأسه مكتوب فيها طاعة معروفة». (1)
هل هذه الورقة هي عبارة عن ورقة بالفاكس تذهب للبيت!؟لا ندري.
المهم كما ذكرنا بالأمس و اليوم أن المسألة ليست خارجة عن سنة الابتلاء.
هناك رواية تقول:«إن هذا الأمر يعرفه من عرفه من قبل» (2)أولئك الناس الذين هم من قبل يعرفون الحقيقة يكتشفون ما هو الفرق بين صيحة الحقّ و صيحة الباطل أمّا الذين كانوا من قبل لا يعرفون الحقيقة يومئذ أيضا لا يعرفون الحقيقة.
لا حظوا هذه الروايات تريد أن تقول أن هناك وعي مسبق عند الشيعة و ليست القضية أن جبرائيل ينزل من السماء يقول أيها الناس هذا صاحب الزمان الحقوا به و بالتالي ما هو الفرق بيننا و بين غيرنا من حيث الوضوح عند الجميع؟
لا ليس كذلك هذا الأمر يعرفه من عرفه من قبل،أمّا من لم ينجح بالامتحان سابقا فهو يومئذ أيضا تضيع عليه الحقيقة،إذن هناك وعي مسبق لدي شيعة أهل البيت عليهم السّلام كما تقول الروايات في هذا الشأن.
أقرأ لكم إحدي هذه الروايات:
يقول الإمام الصادق عليه السّلام عندما يسأله الراوي كيف لنا أن نعلم ذلك؟
قال عليه السّلام: (3)«يصبح أحدكم و تحت رأسه صحيفة عليها مكتوب طاعة معروفة».
لكن هناك سؤال ثان يقول كيف نعرف هذه من هذه؟4.
ص: 221
قال عليه السّلام:يعرفه من كان سمع به من قبل.
و رواية أخري تقول:
«يصدّق بها من كان مؤمنا بها من قبل أن تكون» (1)يعني أولئك المؤمنين به قبل ظهوره يصدقون بتلك الصحية.
علي هذا الأساس أصبح شيعة أهل البيت أفضل من غيرهم لأنهم يتميزون بالوعي السياسي و الديني و الثقافي،و ليست المسألة أن إعجازا في السماء يراه كل الناس حتي اليهودي و النصراني و يخضعون لذلك الإعجاز و لا فضل حينئذ للشيعة علي غيرهم،الرواية تتحدث عن وعي الشيعة و فضلهم.
عن الإمام السجاد عليه السّلام: (2)«إن أهل زمان غيبته القائلين بإمامته المنتظرين لظهوره أفضل من أهل كل زمان»،لماذا؟
هل لأن هؤلاء جماعة أهل البيت عليهم السّلام؟
لا،بل لأن اللّه تعالي:«أعطاهم من العقول و الإفهام و المعرفة-و هو باصطلاحنا الوعي الثقافي و السياسي-حتّي صارت الغيبة عندهم بمنزلة المشاهدة»أصلا لا يوجد فرق عندنا من حيث الوعي و المعرفة بين أن يكون إمام زماننا غائبا أو إمام زماننا موجودا بيننا،نحن به مصدقون«صارت الغيبة عندهم بمنزلة المشاهدة أولئك المخلصون حقا و شيعتنا صدقا و الدعاة إلي دين اللّه سرا و جهرا».
إذن سنّة الابتلاء محفوظة يومئذ كما جاء في الحديث الشريف:
«لتغربلنّ غربلة حتي ليقول القائل مات أو هلك في أي واد سلك». (3)
ص: 222
أين يوجد إمام الزمان عليه السّلام؟
مات أو هلك في أي واد سلك،لكن تبقي المجموعات المؤمنة ثابتة علي العقيدة الصحيحة.
من جملة تلك المجموعات و أنا أذكر هذا الأمر للاستبشار و التيّمن ما تذكره الرواية عن حذيفة بن اليمان صاحب رسول اللّه صلي اللّه عليه و آله.
هذا الصحابي الجليل قال:سمعت رسول اللّه صلي اللّه عليه و آله يقول:«إذا كان عند خروج القائم ينادي مناد من السماء أيها الناس قطع عنكم مدة الجبارين و ولي الأمر خير أمة محمّد فالحقوا بمكة فيخرج النجباء من مصر،و الأبدال من الشام و عصائب العراق رهبان بالليل ليوث بالنهار كأن قلوبهم زبر الحديد فيبايعونه بين الركن و المقام». (1)
و الإمام عليه السّلام يومئذ يحتاج إلي دليل يقدمه للناس،الصيحة في السماء، الغمامة فوق رأسه،و مع ذلك فهو يدخل معهم في حوار،«من أراد أن يحاجني بآدم فأنا أولي بآدم،أو يحاجني بنوح فانا أولي بنوح».
هذا حوار مفتوح،لا بدّ أن يقدم الإمام دليلا و الناس يطالبون الدليل، و لهذا فكيف عرف الشيعة إمام الزمان و هم لم يروه؟لقد استندوا في ذلك إلي دليل محكم لا يقبل الشك.
قصة أبو الأديان: (2)
أنقل لكم قصة أبي الأديان خادم الإمام الحسن العسكري عليه السّلام:
يقول:كان الإمام الحسن العسكري عليه السّلام و هو أبو الإمام المنتظر عليه السّلام
ص: 223
كان بين مدة و مدة يبعث بيدي كتابا إلي الأمصار و المدن،و ذات مرّة دعاني و بعث بيدي كتابا إلي المدائن و قال لي:أنت في سفرتك هذه سوف تستغرق خمسة عشر يوما فإذا رجعت إلي سرّ من رأي سوف تسمع الواعية،و تجدني أنا علي الفراش،فراش الموت،قد توفيت.
قلت:سيدي إذا كان ذلك فلمن الأمر بعدك؟
قال عليه السّلام:الذي يطالبك بجوابات الكتب.
قلت:سيدي زدني.
قال عليه السّلام:الذي يصلّي عليّ.
قلت:زدني.
قال عليه السّلام:الذي يخبرك بما في الهميان.
ذهب أبو الأديان للمدائن و سلّم الرسائل إلي أهلها و رجع بالجواب، و إذا في سامراء ناعية الإمام الحسن العسكري عليه السّلام قد توفي،دخل و إذا الإمام مسجّي علي المغتسل يهيأ للصلاة عليه.
قلت:أنتظر الآن من الذي يصلي عليه،فهذه أوّل علامة.
يقول وجدت في بيت الإمام العسكري عليه السّلام جعفرا أخا الإمام العسكري جالسا و كان يطالب بأن تكون له الإمامة،و إذا هو جالس و يستقبل المعزين و قد رشح نفسه للإمامة.
قلت إذا كان هذا هو الإمام-و أنا اعرفه،و كان يشرب الخمر-إذن قد انقطعت الإمامة لا يوجد بعد الحسن العسكري إمام،قلت يا سبحان اللّه فلأنتظر و أري ماذا سيحدث.
بينما تهيأت جنازة الإمام العسكري عليه السّلام جاءوا و قالوا لجعفر:يابن رسول اللّه تقدم للصلاة فتقدم جعفر و لكنه قبل أن يكّبر التكبيرة الأولي في
ص: 224
صلاة الميت و إذا بغلام في وجهه سمرة كأن وجهه قطعة قمر في شعره قطط، تقدم هذا الغلام و سحب جعفر قائلا له:تنحّ يا عم فانا أولي بالصلاة علي أبي.
من أين جاء؟لا أحد يدري،و هم كأن علي رؤوسهم الطير،فوجئوا و انسحبوا،و صلي عليه الغلام الصغير و انصرف.
يقول أبو الأديان قلت هذه واحدة.
جاء الناس إلي جعفر الملقب في الروايات جعفر الكذاب،قالوا له:من هذا الغلام؟
قال:و اللّه ما عرفته و لا أعرف لأخي الحسن العسكري غلاما أصلا،أنا لا أعرف من أين أتي هذا الغلام بينكم.
يقول أبو الأديان:جلست عند جعفر و الناس يعزونه و استغرق المجلس ساعة أو ساعتين و لم يسألني عن شيء،بينما نحن جلوس و قبل أن ننصرف و إذا بوفد من قم،وفد شيعي،قالوا السلام عليكم عظّم اللّه أجوركم يا جعفر، عندنا أمانة جئنا بها إلي الإمام العسكري و وصلنا خبر أنه توفي،فمن مكانه؟
قال:أنا سلّموا أمانتكم.
هؤلاء عندهم شيء من المعرفة قالوا له نحن كنا معتاذين إذا جلبنا الأمانات لأخيك العسكري يخبرنا عن مقدار هذه الأمانات و شكلها و ممن هي،نحن الآن نطلب منك و نرجوك أن تخبرنا ما هي الأمانات التي معنا في الهميان؟و من أين هي؟
فقام ينفض رداءه و قال:يريدون مني أن أعلم الغيب!
يقول أبو الأديان:قام الوفد و انصرف،و انصرفت معهم و لم يسألني جعفر عن أجوبة الكتب التي عندي.
و بينما نحن في الطريق و إذا بخادم يقول لهم أعطوني ما عندكم من الأمانات و فيها مئة دينار،عشر منها مطليّة لفلان ابن فلان و فيها كذا لفلان ابن فلان،قالوا أنت الإمام.
ص: 225
قال:لا أنا عبد عند الإمام.
فقالوا:الذي وجهّك هو الإمام.
ثم سرنا معه حتي دخلنا دار مولانا الحسن العسكري عليه السّلام فإذا ولده القائم سيدنا المنتظر عليه السّلام قاعد علي سرير وجهه كفلقة القمر عليه ثياب خضر فسلمنا عليه فرد السلام،ثم قال جملة المال الذي معكم كذا و كذا و لم يزد و لم ينقص في وصف المال الذي أتينا به،فخرّوا سجّدا للّه،ثم سألوه عن مسائل فأجابهم فحملوا إليه الأموال.
يقول أبو الأديان:قلت:هذه هي العلامة الثانية.
ثمّ قال لي الغلام:هات جوابات الكتب التي معك،قلت:هذه هي العلامة الثالثة،فسلمته أجوبة الكتب التي معي.
المقصود من عرض هذه القصة أن شيعة أهل البيت عليهم السّلام آمنوا بأهل البيت عبر استدلال و عبر علامات و ليس مجرد ادعاءات،علامات دقيقة شخّصوها إلي اليوم بحمد اللّه تعالي شيعة أهل البيت عليهم السّلام لم تزل بهم قدم،خط مستقيم،صراط مستقيم يمشون عليه هذا هو الوعي الثقافي و السياسي و الديني الذي عندهم.
اليوم أيضا قد يقول منكم قائل نحن الآن في زمان الغيبة إذن أين الأدلة و أين العلامات؟
إذا كان أبو الأديان و وفد قم تقدمت لهم أدلة،عجبا الآن ألا نحتاج أدلة؟
أيضا نحتاج أدلة،و لا بدّ أن تكون الأدلة يقينية كما هو الشأن في كل القضايا الاعتقادية،يجب أن تكون أدلة يقينية.
أنت مرة تريد أن تتعبد بشيء لا يحتاج إلي دليل يقيني قطعي،تريد أن تصلي يقال لك حكمك الشرعي كيت و كيت،أنت تقوم و تعمل وفق الحكم الشرعي و تتعبد و تصلي لوجه اللّه و لا تحتاج إلي يقين لأن هذا تكليف و حكم تعبدي،لكن في القضايا الاعتقادية لا بدّ أن تطمئن بذلك المعتقد و معناه أنك تحتاج إلي دليل يقيني، و لهذا فأن بعض الكتّاب من أهل السنة يشكلون علي الشيعة و يقولون أنتم تؤمنون
ص: 226
بالإمام و تعتقدون بالغيبة و بالإمام المهدي هذا اعتقاد و القضايا الاعتقادية لا يكفي بها خبر أو مجموعة أخبار لا بدّ أن تقدموا لنا الدليل اليقيني؟
علماؤنا يقولون:أدلتنا علي الإمام المنتظر عليه السّلام هي بمستوي القطع و اليقين.
آية اللّه سيدنا الشهيد محمد باقر الصدر قدّس سرّه في كتابه الموجز(بحث حول المهدي)يستعرض استعراضا سريعا نوعين من الأدلة،الأوّل هو الدليل الإسلامي و الثاني هو الدليل العلمي كما سماه الشهيد الصدر.
و الحقيقة أن أربعة نماذج من الأدلة يمكن أن نقدمها:
الدليل الأوّل:هو الدليل العقلي الذي يعتمد علي قاعدة اللطف و هو الذي ذكره الشيخ الطوسي و غير الطوسي من علماء الطائفة الذين يستندون إلي هذا الدليل كواحد من الأدلة،و قد سبق أن قدمنا صورة عن هذا الدليل. (1)
الدليل الثاني:هو الدليل الشرعي و هو عبارة عن الروايات المتواترة في هذا الأمر،و هذا الدليل هو الذي يسميه الشهيد الصدر بالدليل الإسلامي. (2)
الدليل الثالث:هو الدليل العلمي كما سّماه و شرحه السيد الشهيد الصدر.
الدليل الرابع:هو الدليل الخارجي و هو عبارة عن مجموعة اللقاءات الأكيدة التي حدثت مع صاحب العصر،بحيث لا يمكن الشك بصحتها و وثاقتها.
و أحاول في هذه الليلة أن أقف عند هذه الأدلة ثم نتحدث عن موضوع اللقاء مع الإمام.
ص: 227
الشهيد الصدر في الدليل الشرعي الإسلامي يقول:المسألة يقينية حيث يوجد في مصادر الفريقين الشيعة و السنة ستة آلاف رواية في الإمام المنتظر عليه السّلام،أربعمائة رواية منها هي عن طريق أبناء السنة،حينما نجمع هذه المجموعة من الروايات والكم الهائل المتعدد الإسناد،و المتعدد النقول،رغم الملاحقة و المطاردة التي كانت علي الشيعة،نجد أن القضية كافية جدا لتوليد اليقين بصحتها.
العلامة الأستاذ السيد عدنان البكاء في كتابه(الإمام المهدي المنتظر) (1)ينقل بعض الروايات،كان بودي لو يسع الوقت أن أنقل لكم شيئا منها و خاصة الروايات التي تؤكد أنه من ولد الحسين عليه السّلام.
عن مسند أحمد بن حنبل إمام السنة أن الرسول صلي اللّه عليه و آله قال و هو يشير للحسين عليه السّلام:
«هذا ابني إمام أخو إمام أبو أئمّة تسعة،تاسعهم قائمهم».
سليم بن قيس و هو أوّل مؤرخ إسلامي في زمن النبي صلي اللّه عليه و آله له رواية مهمة،يرويها عن سلمان:
يقول:دخلت علي النبي صلي اللّه عليه و آله و إذا بالحسين عليه السّلام علي فخذه و هو يقبل عينيه،و يلثم فاه،و يقول:
«إنك سيد أبن سيد و أبو سادة،إنك إمام ابن إمام أبو أئمّة،إنك حجة ابن حجة أبو حجج تاسعهم قائمهم»،هذه نماذج من تلك الروايات.
و نحن إذا أردنا في أي قضية تاريخية أن نقدم أدلة الإثبات عليها فأن ستة آلاف رواية،(أربعمائة)رواية منها يرويها أبناء العامة بمصادر عامة، و أسانيد متعددة،تكون كافية جدا لتحصيل اليقين.
ص: 228
في الدليل العلمي كما ذكره الشهيد الصدر نحاول أن نبحث القضية استقرائيا و ميدانيا كبحث علمي في المختبر.
اضرب لكم مثالا:أنتم تعرفون أن العراق عاش عهدا ملكيا حوالي ثلاثين عاما حكم فيها فيصل الأوّل و الثاني و غازي و عبد الإله و ما شاكل ذلك و لا أحد من الموجودين حاليا عاش العهد الملكي لكن هل يوجد أحد الآن يشك في أن العراق عاش عهدا ملكيا،ثم دخل العهد الجمهوري؟لا أحد يشك لماذا؟لأن أدلة الإثبات موجودة،هناك أمة كاملة،أبناء و أجداد و صحفيين و صحافة،و كتب و مجلات،و إذاعة و بيانات،و شعر و أبّيات و ما شاكل ذلك و وثائق موجودة في المكتبات و في المتاحف الكبري العالمية تتحدث عن هذه الفترة التي عاشها العراق في ظل العهد المكي،فإذا وجد اليوم شخص يقول إن الأمر كله خيال و وهم،و العراق لم يعش عهدا ملكيا، فانك تقول له:أنت تصطدم مع الحقيقة التي لا تقبل الشك.
الآن إذا أردنا مثلا أن نثبت أن رسول اللّه صلي اللّه عليه و آله هاجر من مكّة المكرمة إلي المدينة فما هو دليلنا؟
المسألة التاريخية ليست مسألة روايات فقط،و إنما أمّة كاملة عاشت هذه التجربة و النبي في المدينة أسس حكما،و خاض حروبا،و بنا مساجد، يعني القضية بالأرقام الميدانية و ليست فقط بالأخبار و الروايات.
الشهيد الصدر يسمي ذلك(تجربة استقرائية)و نحن بالتجربة الاستقرائية الخارجية نثبت وجود الإمام المنتظر عليه السّلام.
نحن نعرف أن أمّة كاملة عاشت تجربة طولها سبعين عاما،هي تجربة النواب الأربعة،أربعة وكلاء فقهاء عدول بأعلي المستويات من العدالة،و بنسق واحد يتحدثون بتوافق كامل و بعيدا عن أي منازعات و مصلحية و بعيدا عن أي شكوك و عن
ص: 229
أي اضطراب في الكيفية و في النصوص،يقولون نحن ننقل لكم في النيابة عن الإمام المنتظر،مدة سبعين سنة،و هناك أمّة كاملة عاشت معهم فيها فقهاء عظماء أيضا،هناك أمّة كاملة مدة سبعين سنة عاشت مع وكلاء و نواب الإمام المنتظر و هم(عثمان بن سعيد العمري،و محمّد بن عثمان العمري،و الحسين بن روح النوبختي و علي بن محمّد السمري)أربعة فقهاء كان إمام الزمان عليه السّلام يتصل من خلالهم بالناس،و الناس يقدمون رسائل إلي هؤلاء،هذه تجربة كاملة لفقهاء عاشوا مع هؤلاء الوكلاء الأربعة مثل الشيخ الصدوق و فقهاء آخرين أدركوا الفترة التالية بعدها مثل الشيخ المفيد و الشيخ الكليني الذين وقفوا خاضعين أمام هذه التجربة و لم يكذبوها و لا شككوا فيها عجبا هؤلاء هل يمكن أن يكونوا كلهم سذجا و بسطاء تنطلي عليهم الكذبة؟
تجربة عمرها سبعون سنة يقودها مثل هؤلاء الفقهاء دون أي تشكيك و الشيعة أيضا عاشوا هذه التجربة فهل يمكن تكذيبها!؟
القضايا التاريخية كيف يمكن إثباتها بأكثر من ذلك؟
التجربة علي الأرض حينما تحدث فهذا إثبات بالنسبة لنا.
قصة من محمّد بن عثمان العمري: (1)
محمّد بن عثمان العمري و هو أحد نواب الإمام و كان وسيطا بين الشيعة و الإمام المنتظر عليه السّلام.
يقول الراوي:دخلت علي محمّد بن عثمان العمري و إذا ساجة يعني خشبة من صاج منقوشة بآيات قرآنية،و أسماء الأئمّة قلت ما هذا؟
قال:هذه ساجة أعددتها لقبري و قد أعددت لي قبرا،و هذه الساجة أنام عليها في قبري و أنا يوميا أنزل إلي قبري و أتذكر و أعتبر و أنك ستدرك وفاتي في شهر كذا و في يوم كذا و في ساعة كذا و أني سأدفن و هذه الساجة الخشبية ستدفن معي.
ص: 230
يقول الراوي:سجّلت هذا التاريخ و في نفس ذاك اليوم و الشهر و الساعة حضرت في الموقع شهدت وفاة محمّد بن عثمان العمري في ذلك المكان.
لقد كان هؤلاء الفقهاء بهذا المستوي من الورع و التقوي و هم الجسور بيننا و بين الإمام المنتظر عليه السّلام.
هذا الحسين ابن روح و هو النائب الثالث للإمام المنتظر عليه السّلام كان يوجد فقيه معاصر له اسمه جعفر بن أحمد كان كل الناس يتحدثون أن هذا الفقيه المعاصر له سوف يكون هو المرجع الديني و النائب للإمام المنتظر،يعني بعد الوكيل الثاني سوف يكون جعفر ابن احمد هو الوكيل الثالث و ليس الحسين بن روح لمقامه و فضله و شدة صيامه و ورعه،و لما حضرت الوفاة محمّد بن عثمان العمري و هو الوكيل الثاني كان جعفر بن أحمد جالسا عند رأسه و الحسين بن روح جالسا عند رجليه،يقول جعفر بن احمد:بينما كنا كذلك التفت محمّد بن عثمان العمري لي و قال:يا جعفر قد جاء الأمر بالنيابة بعدي إلي الحسين بن روح،يقول جعفر:قمت و جلست عند رجلي محمّد بن عثمان و أخذت بيد الحسين بن روح و أجلسته عند رأس محمّد بن عثمان دون أن يكون هناك أي تنافس أو أنانية.
مثل هذا المستوي لمراجعنا و معهم أمّة كاملة كانت تراقب مسيرتهم و فيهم كبار الفقهاء مثل الشيخ الصدوق و المفيد و الكليني بأعلي المستويات و لا نجدهم قد ناقشوا و لا شككوا في الأمر و كانت المسألة بالنسبة لهم بمستوي من اليقين،فإذا لم تكن القضية أي قضية الإمام المنتظر عليه السّلام قضية واقعية فكيف يمكن أن تخدع أمّة كاملة لمدة سبعين سنة،هذا هو ما يسميه الشهيد الصدر رضوان اللّه عليه بالدليل العلمي.
هل مسؤوليتنا هي البحث عن الإمام؟أم هي الإعداد لظهور الإمام؟
ص: 231
هل نبحث عنه في مسجد السهلة،في الكوفة،في سامراء،في مكّة،في المدينة هل هذه هي مسؤوليتنا أم هي الإعداد لظهور الإمام و قيام دولته؟
طبعا مسؤوليتنا كما تقول الروايات الثابتة الصحيحة و كما يقول العلماء و الفقهاء هي الإعداد لظهور الإمام و لكن مع ذلك فان هناك فهما نسميه الفهم البدائي.
أنا أذكر لكم هذه القضايا حتي تكونوا في جو الأحداث.
يوجد فهم بدائي للقضية و يوجد فهم صحيح و عميق.
كان بعض الناس-فيما مضي-و استنادا إلي بعض الشائعات يفترضون أن مسؤوليتهم تجاه الإمام المنتظر عليه السّلام هي أن يجمعوا له الأموال و يدفنوها تحت الأرض،حتي إذا ظهر صاحب العصر و الزمان عليه السّلام يأخذها و يستفيد منها،هذا نسميه الفهم البدائي للتعامل مع الإمام المنتظر عليه السّلام.
الفهم الصحيح أن مسؤوليتنا تجاه الإمام المنتظر عليه السّلام هي الإعداد لظهوره، و الاستعداد لدولته و لا مانع في نفس الوقت العمل علي اللقاء به و التشرف بخدمته.
إن الاتجاه المعروف و المقبول عند علمائنا أنه يمكن اللقاء به لكن ليس بالطريقة التقليدية يعني البحث عنه هنا و هناك و ما شاكل ذلك،مسؤوليتنا هي شيء آخر.
الدليل الرابع و هو ما سميناه بالدليل الخارجي حيث يتحدث علماء فقهاء صالحون عن لقائهم بالإمام المنتظر عليه السّلام،و أمام هذه اللقاءات المنقولة إلينا بأخبار صحيحة لا نجد إلاّ موقف التصديق بها و الاعتراف بواقعية ما تتحدث عنه.
و من المهم الإشارة إلي معني عدد من الروايات التي تأمر بتكذيب من يدعي المشاهدة.
في الحقيقة إن هذه الروايات ربما تكون صحيحة و لكن المقصود بها
ص: 232
الإشارة إلي أولئك الذي يعملون علي خداع الناس بادّعاء المشاهدة و اللقاء بالمعصوم عليه السّلام.
أمّا علماؤنا الصالحون فهم لا يريدون أبدا ادعاء المشاهدة،و اللقاء بل يحاولون ذلك إن حدث لهم،و لكنهم ربما ذكروا ذلك تطمينا للقلوب و تأكيدا للحقيقة.
و هنا نحاول أن نتحدث موجزا عن مسألة اللقاء بالمعصوم عليه السّلام.
اللقاء بالإمام علي أربعة صور:
الصورة الأولي:نسميها اللقاء العام.
و هنا نحن نعتقد أن شيعة أهل البيت عليهم السّلام كلهم لديهم لقاء عام مع الإمام عليه السّلام،ماذا يعني اللقاء العام؟
اللقاء العام يعني أننا الآن في مجمل حركتنا و اتجاهاتنا السياسية و الفكرية و محافلنا الدينية الصحيحة و الشرعية لدينا في مجمل هذا التحرك حضور و تسديد و ترشيد و فاعلية من قبل إمام الزمان عليه السّلام فهو معنا يشهدنا و يبارك لنا و يدعو لنا،هذا هو اللقاء العام،فهو لقاء معنوي روحي كاللقاء بالأئمّة عليهم السّلام حينما نزور مراقدهم الشريفة.
إن مجمل الحركة الدينية لدي شيعة أهل البيت عليهم السّلام فيها لقاء عام مع الإمام المعصوم عليه السّلام،و لو لا هذا اللقاء العام و هذا الحضور و هذه الفعالية لم نكن قادرين علي أن نواصل السير رغم الصعوبات و المعاناة.
الصورة الثانية:اللقاء في المنام.
علماؤنا جمعوا مئات الرؤي للقاء بالإمام صاحب العصر و الزمان عليه السّلام.
الشيخ الحر العاملي هو من كبار علماء الشيعة في كتاب(إثبات الهداة) جمع ستة منامات له شخصيا التقي فيها مع الإمام المنتظر عليه السّلام.
ص: 233
و كان لي شخصيا قبل حوالي عشرين سنة شرف اللقاء به عليه السّلام في المنام إلي جوار الإمام أمير المؤمنين عليه السّلام سألته فيها ثلاث مسائل بعد أن عانقته و عانقني و قدم لي ثلاث بشائر هي أغلي ما أدخره في عمري،و لقد طفت معه ضريح الإمام علي عليه السّلام و وضعت يدي بيده،و سألته ثلاث مسائل فأجابني عليها،و لا أرغب فعلا أن أذكر تفاصيل تلك المسائل لأنها شخصيّة تخصّني بالذات.هذا الأمر نذكره كشيء جميل للنفوس حتي تستأنسوا لا لشيء شخصي.
و كان لي قبل ثلاث سنوات شرف اللقاء به و تقبيل يده الشريفة في المنام،ثمّ كان لي لقاء آخر معه و الصلاة خلفه،و قد كنت حدّثت بها سيدنا شهيد المحراب رضوان اللّه تعالي عليه في أيام المحنة الشديدة علينا قبل الانتصار،و قبل سقوط صدام حيث كانت قد اشتدت بنا المحن.
الصورة الثالثة:اللقاء المباشر غير المعروف.
و المقصود أن يحصل اللقاء المباشر و في عالم اليقظة و ليس المنام و لكن لا تتوجه و لا تعرف انه الإمام المنتظر عليه السّلام،و لكن بعد أن يتغير المجلس و تفتقد الإمام تعرف أنه الإمام عليه السّلام،هذا النحو من اللقاء يتحدث عنه كثير من العلماء كما حدثتكم عن لقاء العلامة الحلي في قصة سابقة.
و هناك لقاء أعظم من هذه الصور كلها و هو:
الصورة الرابعة:اللقاء المباشر المعروف.
و المقصود أنك تلتقي به عليه السّلام و تعرفه و تكلمه مثل لقاء علي بن مهزيار و للتبرك أذكر لكم هذا اللقاء.
يا أخي سألت عن أمر عظيم،حججت عشرين عاما أريد بها رؤية الإمام عليه السّلام فلم أجد إلي ذلك سبيلا،فبينا أنا ليلة نائم في مرقدي إذا رأيت قائلا يقول:يا عليّ بن إبراهيم قد أذن اللّه لك في الحج،فلم أعقل ليلتي حتي أصبحت و أنا مفكر في أمري،أرقب الموسم و أن اللّه تعالي سوف يقسم لي الحج هذا العام و قد كنت حججت عشرين عاما و هذه هي الإحدي و العشرين فلما كان وقت الموسم أصلحت أمري و خرجت متوجها نحو المدينة فما زلت كذلك حتي دخلت يثرب-المدينة المنورة-فسألت عن آل أبي محمّد الحسن العسكري عليه السّلام فلم أجد له أثرا و لا سمعت له خبرا،فأقمت مفكرا في أمري حتّي خرجت من المدينة أريد مكّة،دخلت الجحفة و خرجت منها متوجها نحو الغدير فلما دخلت المسجد صليت و اجتهدت في الدعاء و خرجت أريد عسفان و ما زلت كذلك حتي دخلت مكّة و أقمت بها أياما أطوف البيت و اعتكف،بينا أنا ليلة في الطواف إذا أنا بفتي حسن الوجه،طيب الرائحة، طائف حول البيت،فأحس قلبي به،فقمت نحوه.
قال لي:من أين الرجل؟
قلت:من أهل العراق.
قال لي:من أي العراق؟
قلت:من الأهواز-يومئذ كانت الأهواز تابعة للعراق-.
قال لي:تعرف بها ابن الخطيب؟
قلت:رحمه اللّه توفي.
فقال:رحمه اللّه.
فما كان أطول ليلته و أكثر تبتله و أغزر دمعته.
قال:تعرف عليّ بن إبراهيم المهزيار.
قلت:أنا عليّ بن إبراهيم.
ص: 235
قال:حياك اللّه أبا الحسن،ما فعلت بالعلامة التي بينك و بين أبي محمّد الحسن بن عليّ العسكري عليهما السّلام.
قلت:معي العلامة.
قال:أخرجها.
أدخلت يدي في جيبي أستخرجها(علامة من الإمام الحسن العسكري عليه السّلام لأنه كان معاصرا لذلك الزمان).
فلما رآها تغرغرت عيناه و بكي منتحبا حتي بلّ أطماره.
ثم قال:أذن لك الآن يابن مهزيار،صر إلي رحلك و كن علي أهبة من أمرك حتّي إذا لبس الليل جلبابه و غمر الناس ظلامه سر إلي شعب بني عامر فانك ستلقاني هناك.و كان هذا الشاب المتحدث هو رسول للإمام المنتظر عليه السّلام و الشعب:يعني منطقة محاطة بثلاث أضلاع جبلية و الضلع الرابع منها مكشوف.
فصرت إلي منزلي،فلما أحسست بالوقت أصلحت رحلي و أقبلت مجّدا في السير حتي وردت الشعب فإذا أنا بالفتي قائم ينادي:
إليّ يا أبا الحسن،إليّ يا عليّ بن مهزيار تعال.
فما زلت نحوه فلما اقتربت بدأني بالسلام.
قال لي:سر بنا يا أخي،فما زال يحدثني و أحدثه حتي عبرنا جبال عرفات و سرنا إلي جبال مني و انفجر الصبح الأوّل يعني الفجر الأوّل،فلما ان كان هناك أمرني بالنزول.
قال لي:انزل صل صلاة الليل،و لما فرغنا من الصلاة و اتجهنا نحو الطائف.
قال:هل تري شيئا؟
قلت:نعم أري كثيب رمل عليه بيت شعر يتوقد البيت نورا فلما ان رأيته طابت نفسي.
فقال لي:هنئك الأمل و الرجاء.
ص: 236
ثم قال:سر بنا يا أخ،فسار و سرت بمسيره إلي أن انحدر من الذروة و سار في أسفل المنطقة،فقال:انزل فهنا يذل كل صعب و يخضع كل جبار،و سار و سرت معه إلي أن دنا من باب الخباء،فسبقني بالدخول و أمرني أن أقف حتّي يخرج إليّ.
ثم قال لي:أدخل هنأتك السلامة.
فدخلت فإذا به عليه السّلام جالس قد اتشح ببردة،و ائتزر بأخري،و قد كسر بردته علي عاتقه،فلما أن رأيته بادرته بالسلام فرد عليّ بأحسن ما سلمت عليه و شافهني و سألني عن أهل العراق،فقلت سيدي لقد بعد الوطن و طال المطلب.
فقال:يابن المهزيار،أبي محمّد عهد إليّ أن لا أجاور قوما غضب اللّه عليهم و لهم الخزي في الدنيا و الآخرة و أمرني أن لا أسكن من الجبال إلاّ و عرها و لا من البلاد إلاّ قفرها فأنا في التقية إلي يوم يؤذن لي فأخرج،فأقمت عنده أياما ثم أذن لي بالخروج فخرجت نحو منزلي.
هذه القصة هي نموذج من عشرات بل مئات من قصص اللقاء مع الإمام الحجة عليه السّلام.
و مع ذلك فان مسؤوليتنا هي الإعداد و الاستعداد لظهوره عليه السّلام.
في دعاء العهد الجديد هكذا نقرا:
«اللهم إني أجدد له في هذا اليوم و في كل يوم عهدا و عقدا و بيعة في رقبتي، اللهمّ كما شرفتني بهذا التشريف و فضلتني بهذه الفضيلة،أسألك أن تصلي علي سيدي و مولاي صاحب الزمان و تجعلني من أنصاره و أشياعه و المستشهدين بين يديه».
هذه الليلة هي ليلة الوداع،ليلة عاشوراء.
الرواية التي يرويها الشيخ المفيد تقول:
خرج الحسين عليه السّلام منتصف هذه الليلة خارج الخيام يتفقد القلاع و الروابي أن
ص: 237
لا تكون مكنّا للأعداء،يقول نافع بن هلال:خرجت خلفه لئلا يكون أحد من الأعداء نصب كمينا للإمام،لما خرج و ابتعد عن الخيام التفت إليّ و أنا وراءه قال:
أنافع هذا؟
قلت:بلي سيدي فداك نافع،ما تصنع يا أبا عبد اللّه؟
قال عليه السّلام:خرجت أتفقد التلاع و الروابي أن لا تكون مكنّا للأعداء.
ثم أخذ بيدي و قال لي:
يا نافع ألا تسلك بين هذين الجبلين و تنجو بنفسك؟
وقعت علي قدميه اقبّلهما و أقول سيدي أن فرسي بألف و سيفي بألف و اللّه لا تركتك حتّي يكلا عن فري و جري.
و في رواية ثانية يقول إمامنا زين العابدين عليه السّلام:في هذه الليلة كان أبي الحسين عليه السّلام بباب الخيمة محتبيا سيفه يقلب سيفه و هو يقول:
يا دهر اف لك من خليل كم لك بالإشراق و الأصيل
من صاحب و طالب قتيل و الدهر لا يقنع بالقليل
و كل حيّ سالك سبيلي و إنما الأمر إلي الجليل
يقول إمامنا زين العابدين عليه السّلام:عرفت أن أبي الحسين يودع هذه الليلة و ينعي نفسه سكت و أخذتني العبرة لكن عمتي زينب لما سمعت هذه الأبيات من الحسين و هي تعرف إنها أبيات نعي،لما سمعت عمتي و هي امرأة و من شأن النساء الرقّة بكت و أقبلت صارخة إلي الحسين:أبا عبد اللّه أراك تنعي نفسك أراك استسلمت للموت.
قال أخيّه زينب كيف لا يستسلم للموت من لا ناصر له و لا معين.
يقول نافع بن هلال كنت واقفا بجانب الخيمة أسمع هذا الحديث بين زينب و بين الحسين،تقول:أخي إذا كان يوم غد و صارت المعركة بينك و بين هؤلاء الأعداء هل استعلمت أصحابك إني أخشي أن يخذلوك عند الوثبة؟
ص: 238
فقال لها الحسين أخيّه زينب و اللّه لقد خبرتهم و بلوتهم فلم أجد فيهم إلاّ الأشوس الأقعس،يستأنسون بالمنية دوني ثم أقبل الحسين يوصيها و يطمئنها.
أخيّه زينب مات جدي و هو خير مني،مات أبي و هو خير مني،ماتت أمي و هي خير مني مات أخي و هو خير مني.
أخيه زينب إن أهل الأرض يموتون و أهل السماء لا يبقون.
يقول نافع لما سمعت هذا المشهد أقبلت إلي حبيب بن مظاهر و هو شيخ الأصحاب و الأنصار فقصصت له القصة،و نقلت له ما سمعت و قلت أن النساء الآن و زينب قلقة غير مطمئنة من نصرتنا.
قال حبيب:و اللّه لو لا انتظار أمرهم لعاجلتهم هذه الساعة بالسيف.
قلت له:إذن تعال فلنجمع الأنصار و نذهب إلي خيمة زينب حتّي تطمئن من وجودنا الليلة.
يقول:خرجنا في تلك الليلة.
حبيب نادي:يا أصحاب الحميّة و يا ليوث الكريهة و يا أبطال الهيجاء فتدفق القوم و الأصحاب من خيامهم و خرج بنو هاشم من خيامهم يتقدمهم قمر بني هاشم.
قالوا:ما الخبر يا حبيب.
قلت لهم:أما أنتم يا بني هاشم ارجعوا لا سهرت لكم عين،ارجعوا يا بني هاشم،و بقي الأصحاب،حبيب بن مظاهر شرح لهم ما سمع،و دعاهم للمجيء إلي خيمة العقلية زينب،اقبلوا جميعا وقفوا بباب الخيمة.
نادي حبيب:السلام عليكم يا أهل بيت النبوة هذه سيوف غلمانكم أبوا أن يغمدوها إلاّ في صدور من يريد السوء فيكم.
إِنّا لِلّهِ وَ إِنّا إِلَيْهِ راجِعُونَ وَ سَيَعْلَمُ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَيَّ مُنْقَلَبٍ يَنْقَلِبُونَ .
و الحمد للّه رب العالمين
***
ص: 239
ص: 240
ص: 241
91-ما هي الواجبات الثلاثة في زمن الغيبة؟
92-لماذا لا يستجاب الدعاء؟
93-ما هو موقع المرأة في النظرية الإسلامية؟
94-كيف نفسر التمايز التشريعي بين الرجل و المرأة؟
95-رواية انتقاص المرأة كيف نفسرها؟
96-ما هو دور المرأة في حركة الإمام الحسين عليه السّلام؟
97-ما هو موقع المرأة في حركة إمام العصر عليه السّلام؟
98-كيف نفسّر علامة(ظهور الشمس من المغرب)؟
99-ما هي نداءات الإمام عليه السّلام عند الظهور؟
100-لماذا سقط الجهاد المسلّح عن المرأة في الإسلام؟
ص: 242
بسم اللّه الرحمن الرحيم
حديثنا هذه الليلة هو استمرار و إدامة لأحاديث سبقت عن نقاط الاشتراك و التمايز بين ثورة الإمام الحسين عليه السّلام و ثورة الإمام المهدي عليه السّلام.
لقد ذكرنا مجموعة مشتركات و مجموعة نقاط و تمايز بين الحركة الإصلاحية للحسين عليه السّلام و الحركة الإصلاحية لإمام الزمان عليه السّلام.
إن واحدة من نقاط الاشتراك و هو ما نريد أن نتناوله اليوم بشكل موجز هو موقع المرأة في الثورتين و في الحركتين،موقع المرأة في حركة الحسين الإصلاحية،و موقع المرأة في حركة صاحب الزمان الإصلاحية.
هل كانت المرأة لها موقع هناك في كربلاء و هنا في يوم الظهور؟هذا ما سوف نتناوله اليوم.
في بداية الحديث رأينا الإمام الصادق عليه السّلام يشخص لنا ما هو التكليف في هذا الزمن و هو زمن الغيبة.
يقول عليه السّلام:«من سرّه أن يكون من أصحاب القائم،فلينتظر،و ليعمل بالورع،و محاسن الأخلاق فان مات و قام القائم بعده كان له من الأجر مثل أجر من أدركه فجدوا و اجتهدوا هنيئا لكم أيتها العصابة المرحومة». (1)
فلينتظر و يكون ثابتا علي هذا المعتقد،و يكون غير آيس من ظهوره عليه السّلام و هذا هو معني الانتظار حيث ورد في الروايات عن النبي صلي اللّه عليه و آله:«أفضل أعمال أمتي انتظار الفرج». (2)هذا هو العمل الأوّل.
ص: 243
أمّا العمل الثاني العمل بالورع و التقوي و الابتعاد عن المعاصي،و هذا تكليفنا في زمن الغيبة.
و العمل الثالث أن يكون حسن الأخلاق و التعامل مع الناس و مع الأهل و مع الدائرة و مع المراجعين و مع الأستاذ و مع الطلبة.
لاحظوا هذه أمور ميسورة لكل واحد عليه أن ينتظر و يعمل بالورع و يعمل بمحاسن الأخلاق.
رواية أخري عن الإمام الصادق عليه السّلام يقول: (1):«يا فضيل اعرف إمامك فانك إذا عرفت إمامك لن يضرك تقدّم هذا الأمر أو تأخر و من عرف إمامه ثم مات قبل أن يقوم صاحب هذا الأمر كان بمنزلة من كان قاعدا في عسكره»،كما لو كنت جنديا معه إذا كنت عارفا بالإمامة معتقدا به منتظرا لأمره و مؤديا للتكليف الذي عليك و هو الانتظار،الورع،محاسن الأخلاق.
ثم يقول عليه السّلام:«لا بل بمنزلة من كان قاعدا تحت لوائه».
إن إحدي المستحبّات في زمن الغيبة الدعاء بالفرج و هذا هو الدعاء المعروف: (2)«اللّهم كن لوليك الحجة بن الحسن،صلواتك عليه و علي آبائه، في هذه الساعة و في كل ساعة،وليا،و حافظا،و قائدا،و ناصرا،و دليلا،و عينا، حتي تسكنه أرضك طوعا و تمتّعه فيها طويلا».
لكن قد تقولون انه طالما ندعو فلا يستجاب فما هو السبب؟
هنا الإمام الصادق عليه السّلام أو الباقر عليه السّلام و الرواية هي مردّدة بين الإمامين تقول(عن أحدهما)الرواية يرويها الشيخ الكليني في الكافي عن محمّد بن
ص: 244
مسلم عن أحدهما،الشيخ الكليني هذا من عظماء فقهاء الشيعة مؤلف كتاب الكافي و هو كتاب جليل الشأن يروي هذه الرواية عن محمّد بن مسلم (1)و هو من تلاميذ الإمام الصادق عليه السّلام من الدرجة الأولي الذي روي عن الإمام الصادق عليه السّلام ثلاثين ألف رواية يروي عن أحدهما إما الباقر أو الصادق عليه السّلام هكذا يقول في الجواب عن السؤال إنه لماذا ندعو و لا يستجاب لنا؟
الإمام الصادق عليه السّلام يقول: (2)
كان في بني إسرائيل شخص يدعو فلا يستجاب له و يدعو و يدعو فلا يستجاب له جاء إلي عيسي عليه السّلام،قال يا عيسي أنا أدعو فلا يستجاب دعائي، أرجوك اسأل اللّه تبارك و تعالي أن يكشف لي أين العقدة التي عندي؟ما هي مشكلتي؟و هذا سؤال مهم بالنسبة لنا جميعا.
عيسي عليه السّلام سأل اللّه تعالي،قال إلهي عبدك فلان يدعو فلا تجيبه لماذا؟
أوحي اللّه تعالي إليه،إنه يدعوني و في قلبه شك فيك،و إنه يأتيني من غير الباب الذي أمرته بها،يعني ادخلوا إلي اللّه تعالي من طريق الأنبياء تريدون عبادة اللّه يجب أن يكون عن طريق النبوات و ليس عن طريق الابتداع و البدعة.
جاء عيسي و قال له يا هذا،اللّه تعالي كشف لي الحقيقة و بيّن لي أن في قلبك شك مني.
قال:يا عيسي هكذا كان لكن أنا أتوب و أنا اعتذر،فتاب و قبلت توبته و دعا فاستجيب له.
المطلوب إذن أوّلا دعاء مع يقين.
و ثانيا الورود من نفس الباب الذي أمر اللّه تعالي أن ندخل منه.4.
ص: 245
وَ أْتُوا الْبُيُوتَ مِنْ أَبْوابِها أما أن تدخل من الشباك فلا تلوم أحدا إذا جرحت أو لم تصل سالما.
قال رسول اللّه صلي اللّه عليه و آله:
«أنا مدينة العلم و علي بابها فمن أراد المدينة فليأتها من بابها»فإذا أراد أحد أن يأتي مدينة الرسول من باب أبي هريرة فلن يصل.
علي كل حال الدعاء بالفرج مستحب و لكن مع الثقة و مع اليقين و بشرط أن ندخل البيوت من أبوابها.
نحن قلنا أن حديثنا اليوم هو عقد مقارنة بين حركة الحسين عليه السّلام و حركة الإمام المهدي في موقع المرأة في الحركتين.
المرأة لها موقع في حركة الإمام الحسين عليه السّلام فهل لها مثل ذاك الموقع في حركة الإمام صاحب الزمان أو ليس لها مثل ذاك الموقع؟
ثم هذا الأمر ينفتح لنا منه باب واسع و هو اعتقادنا بموقع المرأة في الإسلام.
اليوم في العالم يدور الحديث عن حقوق المرأة،و حرية المرأة، و مشاركة المرأة،الإسلام ماذا يعتقد في حرية المرأة،و حق المرأة؟و هذا الأمر هو محل حديث و بحث ساخن في أيامنا هذه.
في أيامنا هذه توجد امرأة في أمريكا أصبحت مثارا للحديث في الصحف و الأقلام و كتابات المفكرين و حتي وصلت إلي شيخ الأزهر،هذه المرأة اسمها(أمينه ودود)و هي مسلمة أمريكية طرحت موضوع إمامة المرأة للرجال في الصلاة،قالت مثلما أنتم الرجال تكونون إمام جماعة و نحن نصلي وراءكم،فأنا أمينه ودود أريد أن أكون إمام جماعة،نقلت بعض الصحافة أنها
ص: 246
بدأت تفعل هذا الأمر وصلت صلاة الجماعة تريد أن تكون إمام جماعة في المسجد و يصلي وراءها الرجال هذا الموضوع أصبح ساخنا جدا في الأعلام و في الصحافة حتي تناوله شيخ الأزهر و أعطي فيه الفتوي الفقهية.
أنا الآن لست بصدد تناول هذا الموضوع لكن أريد أن اذكر موضوعات ساخنة،إنه حينما نتحدث عن حقوق المرأة و موقعها فإنّ له مستويات معينة،و حتي يصل إلي مستوي إمامة المرأة للرجل في الصلاة و أن هذا هل هو في الحقيقة علامة من علامات المساواة أو لا فهو شيء آخر؟
في الحقيقة هو تجاوز للواقعيات،و تجاوز للامتيازات التكوينية بين الرجل و المرأة،هذا هو ما نريد أن نبحثه موجزا.
ننفتح للحديث عما هي النظرية الإسلامية في المرأة و يمكن تلخيصها بما يلي:
أوّلا:الأصالة الإنسانية.
ثانيا:المساواة الحقوقية.
ثالثا:التمايزات الوظيفية.
هذه الأمور الثلاثة هي خلاصة ما يعتقد به الإسلام في المرأة و الآن حينما نطرح هذا الأمر بشكل معاصر نجد أن الادعاءات الغربية تجاه حقوق المرأة و اتهام الإسلام بأنه لا يراعي المرأة نجدها ادعاءات كاذبة.
حيث إن الإسلام يعتقد أن الأصالة ليست لعنصر الذكورة و لا لعنصر الأنوثة و إنما الأصالة للإنسان،و الإنسان موجود في الرجل كما هو موجود في
ص: 247
المرأة هذا نسميه الأصالة الإنسانية إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللّهِ أَتْقاكُمْ (1)رجالا أو نساءا لا يوجد فرق.
اَلْمُؤْمِنُونَ وَ الْمُؤْمِناتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِياءُ بَعْضٍ (2) هذه الآية ختمت كل حديث عن المرأة.
كما المؤمن ولي علي المؤمنة كذلك المؤمنة ولية علي المؤمن فالمرأة لها موقع الولاية و الريادة في بناء المجتمع،هذا هو ما نسمّيه بالمشاركة السياسية أو المشاركة الاجتماعية و هكذا يقول القرآن الكريم: وَ لَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ (3)هذا علي مستوي العلاقات الأسريّة،رغم أن الإسلام قد أعطي القيمومة للرجل و قال: اَلرِّجالُ قَوّامُونَ عَلَي النِّساءِ (4)و قال: وَ لِلرِّجالِ عَلَيْهِنَّ دَرَجَةٌ (5)إلاّ أن ذلك لا يصطدم مع حقيقة المساواة الحقوقية وَ لَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ .
في الوقت الذي نعتقد بالأصالة الإنسانية و في الوقت الذي نعتقد بالمساواة الحقوقية لكن إلي جانب ذلك هناك تمايز وظيفي ناشئ من التمايز التكويني بين الرجل و المرأة.
هذا التمايز الوظيفي هو الذي يجعل المرأة اليوم في العالم المعاصر لا
ص: 248
تتحمّل أعمال و وظائف شاقّة و لا قتالا عسكريا و لا أعمالا سياسية مرهقة، المرأة الآن هي بهذا الشكل.
الإسلام يعتقد إن هناك تمايز وظيفي يجعل المرأة تمارس مهامها تتناسب مع طبيعتها الفسيولوجية و السيكولوجية التي تختلف عن المهام التي يندفع لها الرجل.
إن هناك امتيازات تكوينية بين الرجل و المرأة هذه الامتيازات التكوينية سوف ينشأ عنها تمايز تشريعي و وظيفي يذكره القرآن في الميراث مثلا:
لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ (1) أو في القضاء حيث أن شهادتها دون شهادة الرجل، فَرَجُلٌ وَ امْرَأَتانِ (2)هذا هو ما نسميه تمايز تشريعي ناشئ من تمايزات تكوينية،دون أن يعني ذلك أن الرجل له كرامة علي المرأة فلا نتخلي عن قوله تعالي: اَلْمُؤْمِنُونَ وَ الْمُؤْمِناتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِياءُ بَعْضٍ و لا نبتعد عن قوله تعالي: إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللّهِ أَتْقاكُمْ كلا...هذا تمايز وظيفي تمارسه كل القوانين العالمية اليوم بشكل و آخر.
نفس هذا الواقع نجده في العلاقة بين الابن و الأبوين،فالابن مسؤول عن البر بالوالدين و لكن ذلك لا يعني أن الأب عند اللّه أفضل من الابن،بل الابن عند اللّه تعالي قد يكون أفضل من الأب فقد يكون الابن مجتهدا فقيها و الأب من عامة الناس.
مثلا كما يذكرون في قصة العلامة الحلي المدفون في رواق الحضرة العلوية عند الباب الذهبية الأولي.
هذا العلامة الحلي الذي عاش في القرن السابع الهجري كان معروفا بنبوغه و المعروف أن عمره كان ثلاث عشرة سنة و بلغ مرتبة الاجتهاد الفقهي حيث تذكر بعض الروايات التاريخية أن والده أراد أن يؤدّبه مرة أو يضربه فانهزم منه العلامة الحلي و تبعه الأب و لكن العلامة الحلي قرأ أية السجدة من2.
ص: 249
القرآن الكريم و هو غير مكلّف فلا يجب عليه السجود،لكن أباه يجب عليه أن يسجد و عندما يسجد الأب يكون العلامة الحلي قد هرب.
هذا كمثال ذكرته في الحقيقة للإشارة إلي أن الابن قد يكون أفضل من الأب، لكن مع ذلك فإن الابن يجب أن يطيع الأب و يكون بارا به و هذا لا يدل علي الأفضلية،بل هذه قضية أخري،نسميها التمايز الوظيفي و التمايز التشريعي علي أساس الاستحقاقات التكوينية،هذا ليس تمايزا في الكرامة الإنسانية،و لا تمايزا في الجنبة الحقوقية،حيث يقول تعالي: اَلْمُؤْمِنُونَ وَ الْمُؤْمِناتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِياءُ بَعْضٍ (1)و يقول:
وَ عاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ (2) لكن إلي جانب ذلك يوجد تمايز وظيفي كما هو اليوم موجود في كل العالم لكن العالم الغربي يحاول خداع الناس في مسألة الدفاع عن حقوق المرأة حتي وصلنا إلي ما ذكرنا لكم في قصة أمينه ودود و مطالبتها بان تكون المرأة إمامة جماعة للرجال،و بالفعل فقد قامت بإمامة حوالي مائة من الرجال و النساء في أحد الكنائس في نيويورك و في ظل حماية أمنية مشددة برعاية الولايات المتحدة الأمريكية!
التشريع الإسلامي يقول إن المرأة لا تكون إماما للرجل في صلاة الجماعة،ليس علي أساس أن الرجل أفضل بل علي أساس أن خصائص المرأة لا تسمح لها أن تكون في موقع الإمامة في الصلاة لطبيعة البناء النفسي و البدني للمرأة و البناء النفسي و البدني للرجل،كما أن المرأة لا يمكن أن تكون حدّادا مثلا أو عاملة في المناجم الشاقة تحت الأرض أو مقاتلة في الخطوط الأمامية،و هكذا الحال في الشهادة عند القضاء حيث إن شهادتها بنصف شهادة الرجل فان هذا الحكم خاضع للتمايز التكويني بينها و بين الرجل من حيث قدراتها العاطفية.9.
ص: 250
الإنسان المعاصر مرغم علي قبول هذا التمايز التكويني مهما ادعي و حاول أن يكابر أو أن يخادع لكن التمايز التكويني و الوظيفي يبقي موجودا و الفقه الإسلامي يبقي فقها أصيلا مبنيّا علي أساس التمايز التكويني الذي سوف ينتج منه تمايز وظيفي و تشريعي.
أما الأصالة الإنسانية فأنها تبقي واحدة و تبقي المساواة الحقوقية و السياسية واحدة.
حينئذ سوف نواجه إشكالين:
الإشكال الأوّل:كيف نفسّر اختلاف أحكام التشريع الإسلامي بين الرجل و المرأة،مثلا في الميراث نجد أن نصيب الرجل ضعف نصيب المرأة، و في الحياة الزوجية نجد أن الرجل هو القيّم علي المرأة اَلرِّجالُ قَوّامُونَ عَلَي النِّساءِ (1)كيف نفسّر ذلك؟
الجواب:إن هذا في الحقيقة انطلاق من التمايز التكويني بينهما و التمايز الوظيفي،فطالما كان الرجل معيلا بالمرأة وفقا للبناء الإسلامي للمجتمع وَ بِما أَنْفَقُوا مِنْ أَمْوالِهِمْ (2)إذن من الطبيعي أن يكون حقه المالي أكثر من حقها.
يجب أن ندرس هذه المسألة من مجموع زواياها،و يجب أن ندرسها وفقا لكامل النظرية الإسلامية التي تقول إن الرجل هو الذي يعيل بالمرأة و ليست المرأة هي التي تعيل بالرجل،طبعا في التشريع الغربي و الحياة الغربية لا توجد مثل هذه المسؤولية و لا مثل هذه العلاقة،في حال من هذا القبيل لا
ص: 251
معني لان يكون لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ (1)لكن في التشريع الإسلامي عندما نأخذه ككل حيث إن الرجل هو المعيل للمرأة و هو الكفيل بها،في ضوء هذا التشريع فان من الطبيعي أن يكون لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ لأن المسؤولية المالية وضعها الإسلام في عاتق الرجل و بالتالي فان من الطبيعي أن يكون نصيب الرجل في الميراث أكثر من المرأة.
الإشكال الثاني:كيف نفسر روايات انتقاص المرأة حيث توجد لدينا روايات تقول«المرأة كلها شر»،«النساء ناقصات العقول،ناقصات الإيمان،ناقصات الحظوظ».
هذه الروايات موجودة في تراثنا الروائي،إذن كيف نفسّر ذلك؟
الجواب:نحن نأخذ أصل النظرية من القران الكريم و من السنّة الثابتة عن رسول اللّه صلي اللّه عليه و آله و أهل بيته الأطهار عليهم السّلام.
و قد أشرنا ان النظرية تتألف من ثلاثة أركان:
الأصالة الإنسانية،و المساواة الحقوقية،و التمايز الوظيفي هذه هي النظرية،و حينئذ فان كل ما يصطدم مع هذه النظرية يجب أن نبحث له عن تفسير معقول أو نرد علمه و تفسيره إلي أهله عليهم السّلام و نقول إن علمه عند أهله أو نقول هي بالأصل روايات غير ثابتة سنديّا حيث لا نملك أي أرقام تدل علي أن هذه الروايات صادرة عن الإمام المعصوم عليه السّلام.
إن الكثير من الروايات موجودة في كتب الحديث لكن الفقهاء لا يقبلون إلاّ الروايات الصحيحة و الموثوقة منها،و يتركون ما عداها خاصة إذا كان معارضا للقران الكريم.
إن أصل النظرية في شان المرأة نأخذها من القران الكريم و هي تعتمد علي الأصالة الإنسانية للمرأة كما هي للرجل.1.
ص: 252
لا يتصور شخص منا إن الرجل أفضل من المرأة لا في الدنيا و لا في يوم القيامة،هذا التصور يصطدم مع الحقيقة القرآنية القائلة: إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللّهِ أَتْقاكُمْ لا يتصور أحد أن الرجل في الدنيا له دور في بناء المجتمع أكبر من دور المرأة،بينما القران الكريم صريح في المساواة حيث يقول:
وَ الْمُؤْمِنُونَ وَ الْمُؤْمِناتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِياءُ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَ يَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَ يُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَ يُؤْتُونَ الزَّكاةَ وَ يُطِيعُونَ اللّهَ وَ رَسُولَهُ أُولئِكَ سَيَرْحَمُهُمُ اللّهُ إِنَّ اللّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ . (1)
الرجل و المرأة يأمرون بالمعروف،و يؤتون الزكاة؛الرجل كان يأتي و يبايع رسول اللّه صلي اللّه عليه و آله في بداية الإسلام،و المرأة كانت تأتي رسول اللّه و تبايع في بداية الإسلام،لكن الفرق و هذا نتيجة التمايز الوظيفي و التمايز التكويني إن الرجل كان يأتي و يمد يده و رسول اللّه صلي اللّه عليه و آله يضع يده فوق يد ذلك الرجل،حيث قال القران الكريم: يَدُ اللّهِ فَوْقَ أَيْدِيهِمْ (2)أمّا بالنسبة للمرأة فقد قدم التشريع الإسلامي طريقة أخري للمشاركة السياسية حيث وضعوا طشتا من ماء و كان رسول اللّه صلي اللّه عليه و آله يضع يده في ذلك الطشت و المرأة تأتي و تضع يدها في ذلك الطشت،يعني صارت عملية تلاق ميداني بين الرجل و المرأة.
هذا هو الجواب عن الإشكال الثاني في تفسير مجموعة من الروايات التي تشين بموقع المرأة و تعتبرها ناقصة أو إنها شر،و هذه الروايات كما قلنا تتعارض مع النظرية القرآنية و السنّة الثابتة و حينئذ إذا أردنا أن نقبلها فيجب أن نقبلها علي أساس تأويل أو نقول إنها غير صحيحة أو نقول نرد علمها إلي أهلها حيث نحن لا نعلم ما هو المقصود.
هذا الموقف هو نفسه الذي نتعامل به مع نصوص قرآنية تقول مثلا:0.
ص: 253
وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ ناضِرَةٌ إِلي رَبِّها ناظِرَةٌ (1) فهل يوجد أحد ينظر إلي وجه اللّه تبارك و تعالي؟
الجواب:لا،و لذا فان المفسرين يبحثون عن تأويل لهذه الآية.كذلك في نصوص أخري قد يبدو أنها تصطدم مع معتقداتنا القرآنية الثابتة فان كل نص يتعارضن مع تلك الثوابت يجب أن نبحث له عن تأويل و تنتهي المشكلة.
و لنعد إلي معرفة دور المرأة في حركة الحسين عليه السّلام.
المرأة شاركت في الحركة الحسينية،و أترك هذا الأمر إلي معلوماتكم التاريخية،شاركت سواءا في صنع الثورة كما شاركت في صيانة الثورة.
تذكرون هنا امرأة زهير بن القين (2)و هو رجل جليل الشأن،عظيم القدر،و شيخ عشيرة،حينما امتنع من الاستجابة للحسين حينما دعاه،أقبلت إليه زوجته و قالت:
«يا زهير ابن بنت رسول اللّه يدعوك ثم لا تجيبه!ما ضرّك أن تذهب و تسمع ما يقول ثم ترجع».
هذه الكلمة كانت نقطة تحول عظيم عند زهير بن القين فبدلا من أن يكون من المتخلفين عن نصرة الحسين و إذا به يصبح من أنصار الحسين و من الدرجة الأولي و هذا تحول عظيم.
هذا نموذج في الحقيقة يذكره التاريخ عن دور المرأة في صنع الثورة الحسينيّة.
أنتم تعرفون إن أهل الشام استقبلوا السبايا بالطبول و الدفوف و لكن دور العقلية
ص: 254
زينب سرعان ما أحدث ثورة و انقلابا في الشام،حتّي اضطر يزيد بن معاوية إلي أن يعقد مأتما حسينيا في قصره لمدة أسبوع،و هذا من الغرائب في التاريخ لكن هو حقيقة إنه في قصر يزيد الذي لم يمض علي قتله للحسين إلاّ عشرون يوما عقد مجلسا حسينيا لمدة سبعة أيام في داخل القصر،و بعد أن كان رأس الحسين عليه السّلام معلّقا قبل أيام علي باب القصر الآن أصبح قصر يزيد بن معاوية موشّحا بالسواد و يزيد يقول:لعن اللّه ابن مرجانه فقد عجّل بقتل الحسين عليه السّلام. (1)
هذا هو دور العقيلة زينب عليها السّلام في صيانة الثورة حتي لا تصادر و تشوّه و لا يقال هؤلاء خوارج اقتلوهم لأنهم خرجوا علي إمام زمانهم.
نستطيع أن نقول أن المرأة كان دورها في حركة الحسين عليه السّلام متمثلا في ثلاثة أدوار:
الدور الأوّل:هو الدور التحريضي.
الدور الثاني:هو الدور الدفاعي.
الدور الثالث:هو الدور الإعلامي.
أمّا الدور التحريضي كما شرحت لكم في امرأة زهير بن القين.
أمّا الدور الدفاعي كما في زينب عليه السّلام لما منعت القتل عن زين العابدين عليه السّلام،فقد دافعت عن زين العابدين في مجلس يزيد و ابن زياد و في عرصات كربلاء دافعت عنه أن لا يقتل.
أمّا الدور الإعلامي حينما رجعوا إلي المدينة المنورة و أصبح المأتم معقودا لمدة سنة،كان هنا دور أم البنين و أمثال أم البنين و كانت تلهب أجواء المدينة حزنا و حماسا لمقتل الحسين عليه السّلام و تثير ظلامة الحسين عليه أفضل
ص: 255
الصلاة و السلام.حتي كان مثل مروان بن الحكم الحاقد علي أهل البيت عليهم السّلام حينما يمر علي أم البنين و قد صنعت قبورا أربعة تبكي عندهم لمدة سنة،كان مروان إذا مر بها يبكي،و هذا دور إعلامي عظيم،قامت به المرأة في صيانة الثورة الحسينية هذا هو دور المرأة.
طبعا لا يوجد دور عسكري للمرأة في الثورة الحسينية،و هذه قضية يجب أن نفرغ منها،أن الدور العسكري ساقط عن المرأة لقد قال الحسين عليه السّلام:
«كتب القتل و القتال علينا و علي المحصنات جرّ الذيول»الذيول المقصود به في اللغة العربية أطراف الرداء يعني علي المرأة أن تكون محجّبة و تجر حجابها و لا تشارك في ميدان القتال.
الدور العسكري ساقط عن المرأة إسلاميا،كما هو ساقط حضاريا، يعني اليوم مهما ينادي العلم بحقوق المرأة و مساواة المرأة للرجل و لكن المرأة لا تقوم بدور عسكري في كل العالم و علي طول التاريخ،أنتم لا تجدون في قيادة القوات المسلحة أو في عمليات الهجوم و الصاعقة و ما شاكل ذلك لا تجد أن المرأة هي التي تتصدي لذلك هذه القضية هي قضية تكوينية،مهما قال و تحدث العلم و القانون عن حقوق المرأة لكن في الحقيقة هذا ظلم للمرأة أن تشارك أو تدفع للعمل في خارج استحقاقاتها التكوينية.
علي طول التاريخ أنتم لا تجدون إلا في حالات نادرة إن المرأة كانت تقود جيشا.
أين نجد في التاريخ المعاصر و القديم امرأة قائدة للقوات المسلحة؟
هل وجدنا ذلك في الحرب العالمية الأولي أو الثانية أو في حروب فيتنام أو في تحرير ايرلندا أو في تحرير الصين علي يد ما و تسيتونغ مثلا!؟
نحن ندرك أن هناك امتيازا تكوينيا بين الرجل و المرأة لا يسمح للمرأة أن تكون عاملة في المناجم تحت الأرض لأن فيها مخاطر و صعوبات بدنية
ص: 256
و إرهاقا جسميا،هذا العالم الغربي الذي يدعو للمساواة بين المرأة و الرجل لكن لا يبعثها إلي المناجم تحت الأرض،و لا نجد أن المرأة في العالم سواءا في الغرب أو الشرق و في أكثر الأمم تمدنا لا تعمل المرأة عاملة بناء،مهما يريد الإنسان أن يدعو للمساواة بين المرأة و الرجل لكن لا أحد يرضي لها أن تكون عاملة بناء أو ما شاكل ذلك من الأعمال الشاقّة،لا في الشرق و لا في الغرب و لا في أمريكا و لا بريطانيا،لماذا؟
ليس علي أساس أنها لا تملك الحق في ذلك،و إنما علي أساس أن من حقها أن تمارس أعمالا تتناسب مع كيانها الفسيولوجي و السيكولوجي يعني التكوين النفسي و التركيب البدني الذي لا يسمح لها أن تعمل في المناجم و الحروب.
نحن لماذا نغالط و نكابر علي الحقيقة؟
هذا العالم و السياسة العالمية كلها،خذوا مثلا رؤساء الولايات المتحدة الأمريكية،ارجعوا من الرئيس الفعلي و هو بوش إلي من قبله لا تجدون رئيسة للجمهورية في الولايات المتحدة الأمريكية!هل هذا هو تجاوز لحقوق المرأة؟نحن نقول إنه ليس تجاوزا و إنما هي امتيازات تكوينية،هذا ليس بخسا لحقها،بل هو اعتراف بحقها البدني و حقها النفسي الذي لا يساعدها علي تحمل هذه الأعباء الشاقة.
في الثورة الحسينية أيضا لم يكن للمرأة دور عسكري،كان لها دور كما قلنا تحريضي و دفاعي و إعلامي،كان لها دور في فعل الثورة و دور في صيانة الثورة و دور في ديمومة الثورة.
بعض النساء نتيجة الاندفاع الكبير لنصرة الحسين عليه السّلام كما تعرفون في يوم عاشوراء أخذت عمودا من الخيمة و نزلت لكي تقاتل.
لكن الإمام الحسين عليه السّلام أقبل عليها و سحبها من المعركة و قال:«أمة اللّه كتب القتل و القتال علينا و علي المحصنات جرّ الذيول»،يعني ليس للمرأة دور عسكري.
ص: 257
ننتقل إلي حركة الإمام صاحب العصر و الزمان عليه السّلام،حيث تتحدث الروايات عن أنصار صاحب العصر و الزمان و هم ثلاثمائة و ثلاثة عشر،هنا أين موقع المرأة؟
سنجد في الروايات و أنا اقرأ لكم هذه الرواية عن الإمام الباقر عليه السّلام يقول: (1)«و يجيء و اللّه ثلاثمائة و بضعة عشر رجلا فيهم خمسون امرأة يجتمعون بمكّة علي غير ميعاد قزعا كقزع الخريف».يعني مثل الغمامة و السحب تركض حتي يجتمعون في مكّة المكرمة لا حظوا إذن ههنا خمسون امرأة من العناصر القيادية في حركة الإمام المهدي عليه السّلام.
في رواية أخري أن المستوي العلمي عند ظهوره يرتقي و يصعد حتي تكون المرأة قادرة علي ممارسة القضاء الشرعي علي كتاب اللّه يعني تكون هناك نساء مجتهدات قضاة.
عن الإمام الباقر عليه السّلام:«و تؤتون الحكمة في زمانه حتّي ان المرأة لتقضي في بيتها بكتاب اللّه تعالي و سنة رسول اللّه صلي اللّه عليه و آله». (2)
معني هذا أن هناك دور للمرأة ترمز له الروايات الشريفة في حركة إمام العصر عليه السّلام.
بل أكثر من ذلك نجد الإمام الصادق عليه السّلام في رواية أخري يقول:
«يكون مع القائم ثلاث عشر امرأة يداوين الجرحي و يقمن علي المريض». (3)
هناك بحث أضع عنوانه فقط و نؤجله لوقت آخر في علامات الظهور.
ص: 258
إن من جملة علامات الظهور أن تشرق الشمس من مغربها، (1)هذا الأمر كيف نفسّره و نفهمه؟
هل هناك تحول فلكي (2)في العالم؟أم أن هذه الروايات ليست ثابتة؟ أم أن لها تفسيرا آخر؟
الجواب:إن مجموع الموروث الروائي عن قيام صاحب العصر و الزمان لا يشهد أن هناك تحولا فلكيا، (3)بل يبدو أن المسار الفلكي يومئذ هو نفس المسار الذي نعيشه اليوم،يعني لا تتغير السماء و لا تتغير الأرض و لا تتغير النجوم بل يبقي النمط الكوني و سياق الحياة هو نفس هذا السياق ليس نمطا آخر.
إن خروج الشمس من مغربها إذا كان يعني حدوث تحول فلكي فهل هو ممكن علميا أو غير ممكن؟قد يقول العلم إن هذا غير ممكن،بعض الروايات تقول أن الناس يستغنون بنور الإمام عن نور الشمس،فهل يعني ذلك أن يكون وجه الإمام .
ص: 259
صاحب الزمان عليه السّلام هو بمثابة الشمس و يعطي من الطاقة الضوئية و الإشعاع ما يكفي لكل البشرية حتي النباتات تأخذ من نور وجهه؟
هذا الأمر هل هو بهذا المعني الحرفي للنص؟أم له دلالة أخري؟المؤمنون لهم نور أيضا،لكن هل معناه انه توهج حراري مثل الطاقة الشمسية،الطاقة الشمسية هي نار ينبعث منها النور،و هذا الأمر لا يمكن قبوله لصاحب العصر و الزمان عليه السّلام بل لا بدّ أن نقدّم تفسيرا معقولا علي تقدير ثبوت هذه الروايات.
قد نميل إلي القول ان هذه العبارة هي كناية عن طول فترة الغيبة بحيث تحدث تحولات كبيرة في عالم الدنيا و هذا هو الذي يعبّر عنه بظهور الشمس من المغرب.أو كناية عن افول شمس الحقيقة و العلم في بلاد المشرق و ظهورها في بلاد المغرب،و اللّه العالم.
تذكر بعض الروايات ان الإمام إذا خرج عليه السّلام (1)كان له خمسة نداءات عند البيت الحرام:
ألا يا أهل العالم أنا الإمام القائم.
ألا يا أهل العالم أنا الصمصام (2)المنتقم.
ألا يا أهل العالم إن جدي الحسين قتلوه عطشانا.
ألا يا أهل العالم إن جدي الحسين طرحوه عريانا.
ألا يا أهل العالم إن جدي الحسين سحقوه عدوانا.
إِنّا لِلّهِ وَ إِنّا إِلَيْهِ راجِعُونَ وَ سَيَعْلَمُ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَيَّ مُنْقَلَبٍ يَنْقَلِبُونَ .
و الحمد للّه رب العالمين
ص: 260
القرآن الكريم.
الأخبار الطوال:أبو حنيفة الدينوري/ت عبد المنعم عامر/دار إحياء الكتب.
الاختصاص:الشيخ المفيد/ت علي أكبر غفاري/جماعة المدرسين/قم.
اختيار معرفة الرجال:الشيخ الطوسي/ت مير داماد/مؤسسة آل البيت عليهم السّلام.
إقبال الأعمال:السيد علي بن طاووس/ت جواد القيومي/مكتب الإعلام الإسلامي.
إلزام الناصب:الشيخ علي اليزدي الحائري/الناشر حق مبين.
أمالي الصدوق:الشيخ الصدوق/ت قسم الدراسات الإسلامية/مؤسسة البعثة/قم.
الإمامة و التبصرة:ابن بابويه القمي/ت مدرسة الإمام المهدي عليه السّلام/قم.
الإمام المهدي المنتظر:السيد عدنان البكاء/الناشر الغدير/بيروت.
الإمام المهدي من المهد إلي الظهور:السيد محمد كاظم القزويني/انتشارات محلاتي.
الإيضاح:الفضل بن شاذان النيسابوري/ت السيد جلال الدين الحسيني.
بحار الأنوار:محمد باقر المجلسي/الناشر مؤسسة الوفاء/بيروت.
بحث حول المهدي:الشهيد محمد باقر الصدر.
البرهان في تفسير القرآن:السيد هاشم البحراني.
بصائر الدرجات:محمد بن الحسن الصفار/ت ميرزا محسن كوچه باغي/الأعلمي.
تاريخ ابن خلدون:ابن خلدون/الناشر دار إحياء التراث العربي/بيروت.
التبيان في تفسير القرآن:الشيخ الطوسي/ت أحمد العاملي/مكتب الإعلام الإسلامي.
تحف العقول:ابن شعبة الحراني/ت عليّ أكبر غفاري/مؤسسة النشر الإسلامي.
تفسير العياشي:محمد بن مسعود العياشي/ت السيد هاشم المحلاتي.
ص: 261
تفسير القمي:أبي الحسن علي بن إبراهيم القمي/ت السيد طيب الجزائري/مؤسسة دار الكتب/قم.
تهذيب المقال:محمد علي الأبطحي/الناشر ابن المؤلف السيد محمد.
حاشية الدسوقي:شمس الدين الدسوقي/الناشر دار إحياء الكتب العربية.
الحاوي:جلال الدين السيوطي.
دلائل الإمامة:الشيخ أبي جعفر بن جرير الطبري/ت قسم الدراسات الإسلامية/ مؤسسة البعثة/قم.
ذخائر العقبي:أحمد بن عبد اللّه الطبري/الناشر مكتبة القدسي.
روضة الواعظين:محمد بن الفتال النيسابوري/ت السيد محمد مهدي الخرسان/ منشورات الرضي/قم.
السنن الكبري:احمد بن الحسين البيهقي/الناشر دار الفكر.
شرح نهج البلاغة:ابن أبي الحديد/ت محمد أبو الفضل/دار إحياء الكتب العربية.
صحيح ابن حبان:علاء الدين علي بن بلبان/ت شعيب الأنؤوط/مؤسسة الرسالة.
صحيح البخاري:محمد بن اسماعيل البخاري/الناشر دار الفكر/بيروت.
صحيح مسلم:مسلم ابن الحجاج النيسابوري/دار الفكر/بيروت.
الصلة بين التصوف و التشيع:كامل مصطفي الشبيبي.
عصر الظهور:الشيخ علي الكوراني/مؤسسة محبين.
عقد الدرر:يوسف بن يحيي الشافعي/ت عبد الفتاح الحلو/انتشارات نصايح.
علامات القيامة الكبري:محمد متولي الشعراوي.
الغيبة:الشيخ محمد الطوسي/ت عباد اللّه الطهراني/مؤسسة المعارف الإسلامية/قم.
الغيبة:الشيخ محمد النعماني/ت علي أكبر الغفاري/مكتبة الصدوق/طهران.
فتح الباري في شرح صحيح البخاري:ابن حجر العسقلاني/دار المعرفة.
فرائد السمطين:أبي عبد اللّه إبراهيم بن سعد الحموي.
ص: 262
فيض القدير شرح الجامع الصغير:محمد عبد الروؤف المناوي/دار الكتب العلمية.
الكافي:الشيخ الكليني/ت علي أكبر غفاري/ط /1388دار الكتب الإسلامية.
الكافي في الفقه:أبو الصلاح الحلبي/ت رضا أستادي/مكتبة أمير المؤمنين/اصفهان.
كتاب الفتن:نعيم بن حماد المروزي/دار الفكر/بيروت.
الكشف الحثيث:برهان الدين الحلبي/ت السامرائي/المكتبة النهضة العربية.
كشف الخفاء:إسماعيل بن محمد العجلوني/الناشر دار الكتب العلمية.
كمال الدين و تمام النعمة:الشيخ الصدوق/ت علي أكبر الغفاري/مؤسسة النشر الإسلامي التابعة لجماعة المدرسين.
كنز العمال:المتقي الهندي/ت مجموعة/مؤسسة الرسالة/بيروت.
لسان العرب:ابن منظور/الناشر أدب الحوزة.
لسان الميزان:شهاب الدين العسقلاني/الأعلمي/بيروت.
اللهوف:السيد عليّ بن طاووس الحسيني/المطبعة مهر.
لوائح الأنوار البهية:السفاريني/المنار 1323 ه.
مثير الأحزان:أحمد بن علي الطبرسي/ت محمد باقر الخرسان/دار النعمان.
المحاسن:أحمد بن محمد البرقي/ت السيد جلال الدين الحسيني.
مجمع البيان في تفسير القرآن:أبي علي الفضل الطبرسي/مؤسسة الأعلمي/بيروت.
مجمع الزوائد و منبع الفوائد:نور الدين الهيثمي/دار الكتب العلمية/بيروت.
المجموع في شرح المهذب:محي الدين بن النووي/الناشر دار الفكر.
المحلي:ابن حزم الأندلسي/ت أحمد محمد شاكر/الناشر دار الفكر/بيروت.
المستدرك:محمد بن محمد النيسابوري/ت يوسف المرعشلي/دار المعرفة/بيروت.
مسند أبي داوود:أبي داود الطيالسي/الناشر دار الحديث/بيروت.
مسند أحمد:أحمد بن حنبل/الناشر دار صادر/بيروت.
مصباح المتهجد:الشيخ الطوسي/الناشر مؤسسة فقه الشيعة/بيروت.
ص: 263
المصنف:أبي بكر الصنعاني/ت حبيب الرحمن الأعظمي/المجلس العلمي.
معجم أحاديث الإمام المهدي عليه السّلام:الشيخ علي الكوراني العاملي.
معجم رجال الحديث:السيد أبو القاسم الخوئي/ت لجنة/ط الخامسة 1413 ه.
المعجم الكبير:سليمان بن أحمد الطبراني/ت السلفي/مكتبة ابن تيمية/القاهرة.
مع الدكتور أحمد أمين في حديث المهدي و المهدوية:محمد أمين زين الدين.
مقتل الحسين:عبد الرزاق المقرم.
الملاحم و الفتن:السيد علي ابن طاووس/عدة طبعات.
منتخب الأثر:لطف اللّه الصافي/الناشر مكتب المؤلف.
مناقب آل أبي طالب:ابن شهر آشوب/ت لجنة/الناشر مطبعة الحيدرية/النجف.
من لا يحضره الفقيه:الشيخ الصدوق/ت علي اكبر الغفاري/جماعة المدرسين في الحوزة العلمية.
مواهب الجليل:الحطاب الرعيني/ت زكريا عميرات/دار الكتب العلمية/بيروت.
الميزان في تفسير القرآن:السيد محمد حسين الطباطبائي/مؤسسة النشر الإسلامي.
النجم الثاقب:ميرزا حسين النوري/ت السيد ياسين الموسوي/أنوار الهدي.
نفس المهموم:الشيخ عباس بن محمد رضا القمي.
نيل الأوطار:محمد بن علي الشوكاني/الناشر دار الجليل/بيروت.
وسائل الشيعة:الحر العاملي/ت مؤسسة آل البيت عليهم السّلام/قم.
ينابيع المودة لذوي القربي:سليمان القندوزي الحنفي/ت سيد علي الحسيني.
يوم الخلاص:كامل سليمان/الناشر آل علي عليه السّلام.
***
ص: 264
مقدمة المركز 3
شكر و تقدير 6
مقدمة المؤلف 7
المحاضرة الأولي:قضية الإمام المهدي عليه السّلام في الفكر الإسلامي 9
المقدمة الأولي:نظرية وحدة التاريخ 11
وحدة الأديان 13
وحدة الأمة الدينية 14
المقدمة الثانية:المهدي عليه السّلام امتداد للحسين عليه السّلام 15
الخطبة الأولي للإمام المنتظر عليه السّلام 17
المقدمة الثالثة:المستوي العلمي لقضية الإمام المهدي عليه السّلام 20
الضروريات و الاجتهادات 20
طريفة 21
لماذا هذا الحجم؟24
الأحاديث في المهدي عليه السّلام 24
نظرية ابن خلدون 25
خاتمية الإسلام و شهادة الأمة الإسلامية 26
عناصر الاشتراك 28
الحسين يعود لنصرة المهدي 28
الاشتراك في الشخصية 29
ص: 265
لقاء السيد حيدر الحلي بالإمام المهدي عليه السّلام 30
المحاضرة الثانية:حركة الإمام المهدي عليه السّلام فلسفتها و أهدافها 33
الخطاب السياسي للحسين عليه السّلام رؤية مقارنة 35
مكونات الخطاب 35
الخطاب السياسي الأوّل للإمام المنتظر عليه السّلام 36
المقطع الأوّل 36
المقطع الثاني 37
المقطع الثالث:الانتصار للحق 38
الاشتراك في الأهداف 38
هدف الإمام المهدي عليه السّلام 40
هل يأتي بدين جديد؟41
لمحة عن حركة الإمام عليه السّلام 43
لماذا لم ترد في القرآن؟44
جواب الشبهة 45
طريقة القرآن 46
امتحان الناس 48
قوم موسي عليه السّلام 49
القرآن يذكر الإطار العام 51
الإطار العام للقضية 51
الآيات القرآنية 52
عمق التأكيد القرآني 53
الإمام المهدي عليه السّلام في السنة الشريفة 54
تفسير الإصرار علي القضية 55
ص: 266
مدة حكم الإمام عليه السّلام 58
خليفة المهدي عليه السّلام 59
رجعة المعصومين عليهم السّلام 60
النجف و الكوفة علي عهد الإمام 61
أوّل أمة تلتحق بالإمام عليه السّلام 62
الانتقام من الظالمين 63
المحاضرة الثالثة:الاشتراك في المنهج 65
منهج التغيير في خطاب الحسين عليه السّلام 67
ثورة تغيرية 68
نوعان في الحركة التغيرية 68
منهج حركة الأنبياء عليهم السّلام 69
منهج حركة الإمام الحسين عليه السّلام 70
منهج حركة الإمام المهدي عليه السّلام 72
لمحة عن حركة الإمام عليه السّلام 73
علامات الظهور 74
التحاق الشيعة 77
التعايش السلمي 78
الحركة الثقافية 79
مناقشة روايات السيف 80
مع الدكتور أحمد أمين 83
كلمات ابن خلدون 84
دليل ابن خلدون 84
مناقشة ابن خلدون 85
ص: 267
مناقشة أحمد أمين 86
البخاري لم ينقل روايات المهدي عليه السّلام 87
الحسين عليه السّلام في كربلاء 88
المحاضرة الرابعة:العامل الغيبي و البشري 91
خطاب الحسنين عليه السّلام 93
العامل الغيبي و البشري 93
الأديان في مجال التشريع 95
الأديان في مجال التغيير 96
رواية في بني إسرائيل 96
استثناء داود و سليمان عليهما السّلام 98
دعاء الرسول صلي اللّه عليه و آله في يوم الخندق 99
العنصر البشري في حركة الحسين عليه السّلام 101
نزول الملائكة 102
من هو أبان بن تغلب؟103
من هو الشيخ الصدوق؟104
حركة الإمام المنتظر عليه السّلام 105
مشكلة طول العمر 106
خروج الدابة 107
قصة الجزيرة الخضراء 111
المحاضرة الخامسة:نظرية المجتمع السعيد 113
نظرية المجتمع السعيد 115
الاشتراك التاريخي 115
الرسول صلي اللّه عليه و آله يذكر حركة الحسين عليه السّلام 116
ص: 268
الرسول صلي اللّه عليه و آله يبشر بظهور المهدي عليه السّلام 117
المهدي عليه السّلام في التوراة و الإنجيل 118
مع الدكتور المصري 118
الأديان الوضعية و رؤيتها 119
الإصلاح في النظرية الشيوعية 120
الديمقراطية هل هي المصلح؟122
ظواهر المجتمع السعيد 122
قيادة المجتمع السعيد 123
الكوفة هي العاصمة 124
السهلة هي منزل الإمام عليه السّلام 124
عودة الدين 125
اشكالات علي نظرية المجتمع السعيد 125
الطريق إلي المجتمع السعيد 128
النبي يتحدث عن انتصارات تمهيدية 129
طوبي للشيعة 130
الدعاء في زمن الغيبة 131
قصة مسلم بن عقيل عليه السّلام 131
المحاضرة السادسة:المسار الجغرافي لحركة الإمام المهدي عليه السّلام 135
المسار الجغرافي لحركة الحسين عليه السّلام 137
المسار الجغرافي لحركة المهدي عليه السّلام 139
روايات المسار الجغرافي 141
الإصلاح ينطلق من الشرق 143
أربعة أنبياء عرب 143
ص: 269
الإصلاح العالمي في النظريتين 147
معالم الإصلاح الغربي 147
معالم الإصلاح الإسلامي 148
المصلح المعصوم ضرورة 148
الإمكان العلمي و الثبوت العلمي 150
الأدلة العلمية علي حركة الإمام المهدي عليه السّلام 152
موجز عن الدليل الأوّل 153
مجموعة شبهات 154
ما هي فائدة الإمام المهدي عليه السّلام 154
قصة العصفور و البحر 156
رسالة الإمام عليه السّلام 157
كتاب الشيخ الطوسي 158
ختام المجلس 158
المحاضرة السابعة:نقاط التمايز بين الحركتين 161
نقاط التمايز 163
الاشتراك في فلسفة التحرك 165
بعض الأساطير 167
مواجهة الانحراف الداخلي 168
اليهود مركز العداء 170
التحالف الإسلامي النصراني 170
قصة في ألمانيا 171
المواجهة مع الدجال 173
ما هي وظيفة الشرعية 175
ص: 270
علامات الظهور و شروط الظهور 177
العمل علي توفير الشروط 182
فائدة الإمام في الغيبة 183
قصة العلامة الحلي 184
قصة المقدس الأردبيلي 185
شخصية العباس 187
المحاضرة الثامنة:الأدوات الإعجازيّة في حركة الإمام المهدي عليه السّلام 189
الاستخدام الإعجازي لدي الإمام المهدي عليه السّلام 192
نماذج من الأدوات الإعجازية 192
الاستخدام الإعجازي لدي الأنبياء عليهم السّلام 196
قانون الاستخدام الإعجازي 198
الاستخدام الإعجازي لدي الإمام المنتظر عليه السّلام 201
أنوع الإمكان 202
خمس من سنن الأنبياء عليهم السّلام 204
زواج الإمام 205
نقد القصة 207
تفسير الأدوات الإعجازية 208
مصيبة القاسم بن الحسين عليه السّلام 211
المحاضرة التاسعة:سنّة الابتلاء و مسألة اللقاء 215
سنّة الابتلاء 217
الصيحة في السماء 218
وضوح الحقيقة 219
الوعي السياسي لدي الشيعة 222
ص: 271
عصائب العراق 223
قصة أبو الأديان 223
أربعة أدلة علي وجود الإمام المهدي عليه السّلام 227
موجز عن الدليل الشرعي 228
موجز عن الدليل العلمي 229
قصة من محمّد بن عثمان العمري 230
مسؤوليتنا في زمن الغيبة 231
موجز عن الدليل الخارجي 232
صور اللقاء بالإمام المنتظر عليه السّلام 233
قصة عليّ بن مهزيار 234
ليلة عاشوراء 237
المحاضرة العاشرة:موقع المرأة في عصر الظهور 241
التكليف في زمن الغيبة 243
لماذا لا يستجاب الدعاء بالفرج 244
موقع المرأة 246
النظرية الإسلاميّة في المرأة 247
الأصالة الإنسانية 247
التساوي في الحقوق 248
التمايز الوظيفي 248
إشكالات علي النظرية الإسلاميّة 251
المرأة في حركة الحسين عليه السّلام 254
دور المرأة في الحركة الحسينية 255
ص: 272
المرأة في الحركة الإمام العصر 258
خروج الشمس من المغرب 258
نداءات الإمام 260
مصادر التحقيق 261
فهرست الموضوعات 265
***
ص: 273