موسوعه العذاب

اشارة

موسوعه العذاب

تاليف: عبود الشالجي

مشخصات: 7ج

الدارالعربيه للموسوعات

بيروت - لبنان

ص: 1

المجلد 1

اشارة

ص: 2

ص: 3

ص: 4

مقدمة المؤلف

بسم الله الرحمن الرحيم

رب يسر

العذاب شعبة من شعب الظلم ، والظلم في اللغة : وضع الشيء في غير موضعه ، وفي الاصطلاح : إيذاء الناس وأنتقاص حقوقهم ، وهو خلاف التقوي التي هي مخافة الله ، والعمل بطاعته .

قال الله تعالي : ( فقطع دابر القوم الذين ظلموا )(1)

وقال النبي صلوات الله عليه : الظلم ظلمات يوم القيامة .

وقال : من أعان ظالم ، سلطه الله عليه.

والتاريخ مشحون بأخبار قوم بغوا وظلموا ، فمنهم من عوجل ، ومنهم من أمهل ، غير أن عاقبة ظلمه لحقت أولاده وأحفاده وأهل بيته ، مصداقا لقول النبي صلوات الله عليه : من خاف علي عقبه وعقب عقبه فليتق الله .

وقد ابتلي الناس في مختلف أدوار التاريخ بأشخاص قساة ظالمين ، ظلموا ، وعذبوا ، ونكلوا ، واستأصلوا ، وأبادوا أمما من الناس ، فكانت عاقبة هؤلاء الظالمين البوار ، وتردت أسماؤهم بأردية العار والشنار

ص: 5


1- شرح نهج البلاغة 106/15

ولم يكن العذاب ممارسة في صدر الإسلام ، فإن الإسلام جاء بالسلام ، والمودة ، والعطف والرحمة ، وشعاره أن لا إكراه في الدين.

واختصر نبي الإسلام ، عليه السلام جميع ما قام به ، في كلمة واحدة ، قال : بعثت لأتمم مكارم الأخلاق .

وكانت وصيته لكل سرية يبعث بها إلي الحرب ، لا تغلوا ، ولا تغدروا ، ولا تمثلوا ، ولا تقتلوا امرأة ولا وليد(1).

وخلفه أبو بكر الصديق ، فكانت وصيته لأمراء جيشه : لا تخونوا ، ولا تغلوا ، ولا تمثلوا ، ولا تقتلوا طفلا صغيرة ، ولا شيخة كبيرة ، ولا امرأة ، ولا تعقروا نخلا ، ولا تحرقوه ، وسوف تمرون بقوم قد فرغوا أنفسهم في الصوامع ( يريد الرهبان ) فدعوهم وما فرغوا أنفسهم له(2) .

و وجيء إليه مرة برأس أحد القتلي في إحدي المعارك ، فغضب ، وقال : هذا من أخلاق العجم ، ومنعهم من تكرار ذلك إذ اعتبر أن قطع الرأس من المثلة المنهي عنها(3).

وكان الخليفة عمر الفاروق يقول لعماله : إني إنما استعملتكم علي الناس لتقضوا بينهم بالحق ، وتقسموا بالعدل ، ولم استعملكم التضربوا أبشارهم أو لتأخذوا أموالهم .

وبلغه أن أحد أولاد عمرو بن العاص عامله علي مصر قنع بعصاه رجلا من الرعية ، وقال له وهو يضربه : أنا ابن الأكرمين ، فأحضر عمرة ، وولده ، وأحضر المضروب ، ولما تحقق من صحة القصة أعطي المضروب عصا ، وقال له : اضرب بها ابن الأكرمين ، حتي إذا ضربه

ص: 6

التفت إلي عمرو ، وقال له : يا عمرو ، متي استعبدتم الناس ، وقد ولدتهم أمهاتهم أحرارة .

وكان إذا بعث بعثا للحرب ، أوصاهم ، فقال : بسم الله ، وعلي عون الله ، لا تجبنوا عند اللقاء ، ولا تمثلوا عند الغارة ، ولا تسرفوا عند الظهور ، ولا تقتلوا هرمة ، ولا امرأة ، ولا وليد(1).

وكان الإمام علي بن أبي طالب ، يوصي قاده في كل موطن يلقون فيه عدوا ، فيقول : لا تقاتلوا القوم حتي يبدأوكم ، فإذا هزمتموهم فلا تقتلوا مدبرة ، ولا تجهزوا علي جريح ، ولا تكشفوا عورة ، ولا تمثلوا بقتيل ، فإذا وصلتم إلي رحال القوم فلا تهتكوا سترا ، ولا تدخلوا دارة إلا بإذن ، ولا تأخذوا شيئا من أموالهم إلا ما وجدتم في معسكرهم ، ولا تهيجوا امرأة بأذي ، وإن شتمن أعراضكم ، وسببن أمراءكم وصلحاءكم (2).

ولما اغتال عبد الرحمن بن ملجم ، الإمام علي بن أبي طالب ، أوصي الإمام ولده الحسن وهو يودع الحياة ، وقال في آخر وصيته : وأما عبد الرحمن فإن عشت فسأري فيه رأيي ، وإن مث فضربة بضربة ، ولا يمثلن به أحد، فإني سمعت رسول الله يقول : إياكم والمثلة ولو بالكلب العقور(3) .

ولم ينس أبو الحسن ، وهو في حالته تلك ، أن يوصيهم بالعناية بقاتله ، لأنه أسير عندهم ، فقال : أطيبوا طعامه وألينوا فراشه (4).

ولما تسلط الأمويون علي الحكم تغير الأمر عما كان عليه في عهد الخلفاء الراشدين ، فظلم بعضهم الناس ، وسلطوا عليهم عمالا من

ص: 7

الظالمين ، وأول من سلط علي الناس من هؤلاء الظالمين زياد بن أبيه ، فعذب الناس ودفنهم وهم أحياء(1)، وبني عليهم الحيطان ، وقطع أطراف النساء (2) .

ثم سلطوا ولده عبيد الله بن زياد ، فسار علي طريقه أبيه في الجور(3)، وزاد عليه ، بأنه كان يرمي الناس من شاهق(4)، ويقتل الرجل البريء ، ويبعث برأسه إلي ابنته الصبية ، فإن جاءت الإبنة تطلب جثة أبيها لتدفنها ، أمر بالإبنة فقتلت ، وهو يمتع نفسه بمرآها وهي تقتل . (5)

وجاء من بعدهما الظالم السيء الصيت الحجاج بن يوسف الثقفي فزاد عليهما في الظلم والبغي ، وقتل ما يزيد علي ألف ألف إنسان . (6)

ولحق بهم في العهد العباسي ، المنصور ، فالمتوكل ، فالقاهر ، وأتباع لهم نشأوا في ظل حكمهم ، كالبريديين الثلاثة الذين كانوا ينقلون الناس بنعال الدواب ، ويستمرون الناس في الحيطان ، ويستون أظافيرهم ، ويشرحون لحومهم بجر القصب المشقوق علي أبدانهم.(7)

وكانت عاقبة كل ظالم من هؤلاء أسوأ العواقب ، فهلكوا ، وهلك نسلهم من بعدهم ، ولم يبق لهم من أثر ، سوي صفحات مظلمة دونها الهم التاريخ .

كانت عاقبة ما صنعه بعض الأمويين بالناس ، أن العباسيين ، لما

ص: 8


1- المحاسن والاضداد 27 والاغاني 153/17.
2- الحيوان للجاحظ 589و588/5
3- المحاسن والمساويء 2/ 190 .
4- (4) ابن الأثير 30/4 وتاريخ الكوفة 18 و 272 و273 .
5- أنساب الاشراف 89/0
6- لطائف المعارف 141 .
7- تجارب الأمم 19/2 ونشوار المحاضرة 4/ 126 .

انتصروا عليهم ، قتلوهم صغارا وكبارة حتي النساء قتلا ذريعة ، في كل مكان فلم يفلت منهم إلا الرضيع ، أو من هرب إلي الأماكن القاصية، ثم تجاوزوا الأحياء منهم إلي الأموات ، فنبشوا قبورهم ، وأخرجوا رممهم ، وضربوها بالسياط وأحرقوها بالنار .

وقضي زياد مذموما مشنوءة ، وقد صيرته مهزلة الاستلحاق موضع هزء وسخرية ، وغدا مثلا يضرب في الادعاء الكاذب ، قال الشاعر يهجو كاتبا :

حمار في الكتابة يدعيها***كدعوي آل حرب في زياد

أما ولده عبيد الله بن زياد ، فقد عاش ختارة بذمته ، ومات عبدة ، قتيل الله بالزاب.

وأما الحجاج بن يوسف الثقفي ، فقد عم شؤمه جميع أهل بيته وأفراد عائلته ، فإنه لما هلك ، واستخلف سليمان بن عبد الملك ، أمر بجميع الرجال من آل أبي عقيل ، عائلة الحجاج ، فاعتقلوا بواسط ، وعذبوا ، حتي ماتوا بأجمعهم تحت العذاب .

ولما استخلف الخليفة الصالح ، عمر بن عبد العزيز، بعث بالباقين من أفراد عائلة الحجاج إلي الحارث بن عمر الطائي عامله علي البلقاء ، وكتب إليه : أما بعد، فقد بعثت إليك بآل أبي عقيل ، وبش - والله - أهل البيت في دين الله ، وهلاك المسلمين ، فأنزلهم بقدر هوانهم علي الله تعالي وعلي أمير المؤمنين .

ص: 9

ولما استولي العباسيون علي الحكم ، أعلنوا أنهم حاربوا الأمويين السوء سيرتهم وخرقهم بالناس وإذلالهم واستئثارهم بالفيء والمغانم (1)، وكانوا يكررون أنهم غضبوا لما كان الأمويون يصنعون بالناس ، من قتل للرجال ، وسبي للنساء ، وأسر للأطفال ، وصلب علي جذوع النخل ، وإحراق بالنيران ، ونفي في البلدان (2).

ولكن بعض هؤلاء العباسيين ، كالمنصور ، والمتوكل ، والقاهر ، تعدي ظلمهم ظلم من سبقهم ، فإن المنصور مارس نحو الرعية جميع ألوان العذاب ، فدق الأوتاد في العيون (3)، وسمر المعذبين في الحيطان (4) ، ودفن بعضهم أحياء (5) ، وبني علي البعض الحيطان)، وهدم علي الآخرين البيوت (6) .

أما المتوكل ، فقد تعدي ذلك إلي نبش القبور (7)، وكان اتهام الإنسان عنده بأنه من شيعة آل علي كافية لقتله (8) .

وكان القاهر مثلا من أمثلة القسوة ، فقد بدأ خلافته بتعليق السيدة أم أخيه المقتدر تارة من ثدييها وتارة منكسة (9)، ودفن قومأ أحياء ،(10) وكان يتلذذ بأن يأمر بقتل الإبن ، ثم يحضر رأسه فيضعه بين يدي

ص: 10


1- الطبري 29/7 .
2- الطبري 570/7
3- المحاسن والمساوي، 138/2
4- اليعقوبي 37/2
5- الطبري 46/7 ، وابن الأثير 529/0 والفخري 114 ومقاتل الطالبيين 228 .
6- الطبري 9.7/8 والعيون والحدائق 227/3
7- مقاتل الطالبيين 097 وفوات الوفيات 203/1 وتاريخ الخلفاء 367 والطبري 80/9
8- وفيات الأعيان 390/5
9- نشوار المحاضر للتنوخي القصة رقم 33/2
10- تجارب الأمم 289/1 و280 وتاريخ الخلفاء 387 وابن الأثير 290/8 و299 .

الأب ، ثم يأمر بذبح الأب ويضع الرأسين أمام ثالث يقتله من بعدهما

لما مات المنصور ، حفر له أكثر من مائة قبر ، ثم دفن في قبر آخر ، غير القبور المائة . المحفورة ، ذلك لأن المحيطين به، يعلمون ما صنع ، ويعرفون مقدار نقمة الناس عليه ، فعموا موضع قبره لئلا ينبش ويحرق . وكانت عاقبة تصرفات المتوكل ، أن انتهي إلي تلك النهاية التي ينتهي إليها الظالمون ، ففتح بنهايته تلك علي من خلفه من الخلفاء ، وعلي من يلوذ بهم من رجال الدولة ، بابا استحال سده ، وكان ما أصابه فاتحة لما أصيب به الخلفاء من بعده ، والوزراء ، وسائر رجال الدولة ، من قتل ، وسمل ، وتشريد ، وامتهان .

أما القاهر ، فإن البريديين لما دخلوا بغداد ، وجدوه مسمول العينين ، في سوق الثلاثاء ، واقفا يطلب الصدقة ، فأنفذوا بمن أقامه ، وأجروا له في كل يوم خمسة دراهم.

وأما البريديون الثلاثة ، فكانت عاقبتهم ، أن أحدهم قتل أخاه ثم مات من بعده بأشهر. ، أما الثالث ، فاعتقل ببغداد وضرب ضربة مبرحا ، وقرض لحمه بالمقاريض ، ثم قتله).

وقد أثبت ابن الأثير ، في كتابه الكامل في التاريخ فص في مظالم البريديين ، ثم قال : إنه ذكر هذا الفصل ليعلم الظلمة أن

ص: 11

(1) تجارب الأمم 297/1 و 298.

(2) الطبري 116/8 .

(3) تجارب الأمم 20/2

(4) تجارب الأمم 03/2

(5) تجارب الأمم 79/2 و 80 والتكملة 145 .

أخبارهم تنقل وتبقي علي وجه الدهر ، فربما تركوا الظلم لهذا السبب ، إن لم يتركوه الله سبحانه وتعالي.

وذكر الجاحظ ، في أحد كتبه ، نفرة ممن اشتهروا بالظلم ، فبعث الله عليهم المحق ، ولم يجعل من نسلهم عقبة مذكورة ، ولا ذكرة نبيها وذرية طيبة ، مثل الحجاج بن يوسف ، وأبي مسلم الخراساني ، ويزيد بن أبي مسلم ( خليفة الحجاج علي العراق ) فإن هؤلاء مع كثرة الطروقة ، وظهور القدرة ، ومع كثرة الإنسال ، قد قبح الله أمرهم ، لم يعقب.

إن هؤلاء الظالمين ، الذين ضربوا أسوء الأمثال ، في الظلم ، والقسوة ، والبغي ، سود التاريخ صفحاتهم ، ولاقوا بغيهم سوء المصير ، وتحقق فيهم قول النبي صلوات الله عليه : من خاف علي عقبه وعقب عقبه فليتق الله ، فإن هؤلاء الذين لم يتقوا الله ، وبغوا ، وظلموا ، كانت عاقبتهم أن أنقرض عقبهم ، فلا تري من نسلهم أحدأ .

كان عدد الأمويين ، الذين أخرجهم الحجازيون من مكة والمدينة ، في عهد يزيد بن معاوية ، ثلاثة آلاف رجل. ، وكان هذا عددهم في قطر واحد ، وهو الحجاز ، في القرن الأول للهجرة ، وكان هناك أمويون غيرهم كثيرون في بقية الأقطار ، فضلا عمن هو موجود منهم في الشام ، مقر حكمهم .

فكم هو عدد المنتسبين إلي بني أمية الآن ؟

وفي السنة 200 أحصي العباسيون ، بناء علي أمر من المأمون ،

ص: 12

فبلغ عددهم ثلاثة وثلاثين ألفا (1)

فكم عدد الذين ينتسبون إلي بني العباس الآن ؟

الذي أعرفه ، أنه لا يوجد الآن من ينتسب إلي بني العباس في العراق ، مقر حكمهم الذي دام ستة قرون ، سوي عائلتين اثنتين ، واحدة في البصرة ، والأخري في بغداد .

أما العلويون ، الذين كانوا في العهدين الأموي والعباسي ، مضطهدين ، مشردين ، معذبين ، فهم في أعلي الدرجات ، وقد أصبحت قبورهم مزارات ، تشد إليها الرحال ، ويفخر الناس بالانتساب إليهم .

وهكذا الحال فيمن تعاقب علي الحكم ، من سلالات وأشخاص ، فمن أحسن إلي الناس ، لقي المدح والثناء ، ومن أساء إليهم ، لقي الذم والهجاء ، وانقرض عقبه ، وبقيت صحيفته السوداء مثبتة في صفحات التاريخ ، تدل علي أن التاريخ لا ينسي الإساءة ، كما أنه لا ينسي الإحسان ، لأنه نقادة لا تخفي عليه خافية ، فهو في الوقت الذي يذكر فيه سيئات يزيد، وزياد ، والحجاج ، لا ينسي أن يسبغ أطيب الثناء علي الخليفة الصالح عمر بن عبد العزيز ، الذي ورث العدالة عن جده لأمه ، عمر الفاروق ، وقد قال فيه الزهري : كان بنو أمية دن خل ، أخرج الله منه زق عسل (2) (2)، وقال فيه حسن إبراهيم حسن : كان حكم عمر بن عبد العزيز ، غرة في جبين ذلك العصر الذي تلطخ بالاستبداد وسفك الدماء (3).

كما إنه في الوقت الذي يذكر فيه سيئات المنصور ، والمتوكل،

ص: 13


1- مروج الذهب 367/2 والعيون والحدائق 301/3 .
2- البصائر والذخائر 2 نا ص72.
3- تاريخ الاسلام 320/1

والقاهر ، لا ينسي أن يسبغ علي المأمون ، الخليفة ، العالم ، الفيلسوف ، ما يستحقه من المدح والثناء ، وهذا دليل علي أن التاريخ لا يحابي ، وإنما يحسن إلي من أحسن ، ويسيء إلي من أساء .

إني كنت أعددت هذا البحث ، ليكون تعليقا تشتمل عليه حاشية من الحواشي التي دونتها في كتاب الفرج بعد الشدة ، للقاضي التنوخي ، الذي قمت بتحقيقه ، ولكني ، لما توسطت البحث، وجدت إنه قد بلغ من الاتساع حدا أخرجه من عداد الحاشية ، ووضعه في عداد الكتب المصنفة ، فجمعت أخبار أخري ، أضفتها إلي ما اشتمل عليه من أخبار ، ورتبته علي أبواب وفصول ، وتدرجت فيه ، في اثبات ألوان العذاب ، من الشتيمة بأصنافها ، إلي التصرفات التي تقوم مقام الشتيمة ، كالعفطة ، والإشارة باليد، وعرك الأذن ، ووجء العنق ، والتفل في الوجه ، والسحب علي الأرض ، والحصب ، فالضرب والصفع ، وما يشبه ذلك كالركل ، واللكز ، فالحبس علي اختلاف أنواعه ، سواء في الحبوس الاعتيادية ، أو في المطبق ، أو المطمورة ، أو الكنيف ، أو دار المجانين ، وتكبيل المحبوس بالقيود ، وإلباسه جباب الصوف ، منقوعة في ماء الأكارع ، أو مغموسة في النفط ، فالنفي ، والإشهار ، فالصفع بأنواعه ، باليد ، أو المخدة ، أو بالجراب فارغا، أو ملانا ، أو بالسلق ، أو بقشور الرقي ، إلي الإلجام ، وحمل الأثقال إلي النطح ، أو العصر ، أو ارسال الحشرات أو السباع ، فالمساهرة ، إلي حلق اللحي واللمم ، ونتف شعر اللحي والشارب ، فالمسح ، إلي التعذيب بالدوشاخة ، أو بالزمارة ، أو بالقارة ؛ أو بالمضرسة ، إلي التعليق بأنواعه ، من اليدين ، أو من يد واحدة ، أو من الساق منكس ، أو من الثدي ، أو بالكلاليب من الفم ، إلي التسمير ، أو سقي المسهل ، أو إطعام ما ليس بطعام ، أو التعذيب بالملح ، رشا علي الجرح ، أو سقيا ، أو إسعاطأ ، أو ثقب الكعاب ، إلي قرض لحم البدن بالمقاريض ، أو التعذيب بالنار ، إحراقا ، أو

ص: 14

كيا ، أو بالماء المغلي سلقأ ، أو حقنة ، إلي سلخ جلد البدن ، أو قطع الأطراف ، أو سمل العين ، أو جدع الأنف، أو صلم الأذن ، أو قطع اللسان ، إلي تمزيق أعضاء البدن ، أو تقطيع الأوصال ، أو تنعيل الناس بنعال الدواب ، أو سل الأظافر ، أو شق لحم البدن بالقصب الفارسي ، ونضح جروحه بالخل والملح ، إلي خلع المفاصل ، إلي التعرض للعورة ، باخصاء ، أو جب ، أو خوزقة ، أو عصر ، إلي القتل بأنواعه ، سواء كان بالتفزيع ، أو صبرة بالسيف ، بأنواعه ، قطع عنق ، أو توسيطأ ، أو حمائل ، أو قعصة بالرماح ، أو نخسأ بالحراب ، أو شدخا بالأعمدة ، أو طعنة بالزوبين ، أو ضربة بالنعال ، أو رجما بالحجارة ، أو القتل بالبرد ، أو بالفصد ، أو بالنار ، أو بالسم ، أو بطرح المعذب للسباع ، أو القتل بالجوع ، أو بالعطش ، أو بهما معا ، أو القتل بقصف الظهر ، أو بقر البطن ، أو تحطيم الرأس ، أو القتل بكتم النفس ، خنقأ ، أو شنقأ ، أو غما ، أو تغريقأ ، أو تدخينأ ، أو الدفن حيا ، أو بناء بناء عليه ، أو هدم بناء عليه ، وأفردت بحثا خاصا للعذاب الذي كان يصب علي رؤوس العمال المصروفين ، أو الرعاية المطالبين ، والممث في بحث مختصر ، بما زاوله ديوان التفتيش في اسبانيا ، من ألوان العذاب ، كما أفردت بحثا عن المرأة ، وما وقع عليها من عذاب ، وفصلا عمن الجأهم العذاب ، أو الخوف من العذاب ، إلي الإنتحار ، وفصلا عن المثلة ، وهي العبث ببدن الإنسان بعد موته .

ألوان من العذاب ، يقشعر البدن من تصورها ، ويحتبس اللسان عند ذكرها ، ويرتعش القلم عند إثباتها وتدوينها ، تدل علي مقدار ما في بعض الناس ، من وحشية لا يتدني إليها حيوان الغاب .

وقد كان المؤمل ، بعد تقدم الانسان في مضمار الحضارة ، وارتفاعه في مدارج المدنية ، أن يدفعه ذلك إلي رعاية حقوق الإنسان ، وتوخي أسباب العدالة في معاملته ، وتحاشي طرق المظالم ، والاعتراف

ص: 15

لكل فرد من أفراد الهيئة الاجتماعية ، بحقه كاملا في أن يقول ما يعتقد ، بحرية واطمئنان ، إلا أن طوائف ، هيأت لها الظروف في القرن الأخير ، أن تتحكم في بعض الأصقاع ، كانت علي اختلاف وجهات نظرها في السياسية ، تكاد تكون متفقة في أخذ الناس بالعنف والشدة ، فصادرت الحريات ، وعبثت بخصومها في الرأي عبثا عنيفا ، وأشاعت في الناس جوا من الإرهاب ، ورمتهم بالحديد والنار ، وحرمتهم من حرية التعبير ، ولو تمكنت لحرمتهم من حرية التفكير ، وأقامت لهم أساليب من العذاب ، ساعد عليها زيادة المعرفة بالكهرباء ، والكيمياء ، وعلم النفس ، وبنت للعذاب صروحأ ، واستأجرت لها زبانية ، استخدموا فيها آلات مبتكرة ، مارسوا بها من العذاب ألوان جديدة ، زادت في العنف والقسوة علي ألوانه الماضية .

وكان رأيي - أول الأمر - أن يكون البحث في هذا الكتاب ، مقصورة علي العذاب في العصور الوسطي ، إلا أن ما جمعته من الأخبار عن بعض العهود التي تلت ذلك العصر ، كانت جديرة بأن لا تضيع ، فأثبتها .

وكنت أرغب في أن استمر في البحث مسلسلا ، فأصل العهود الماضية ، بالعهود الحاضرة ، ولكن بعدي عن مكتبتي ، وهي في بغداد ، اضطرني إلي أن أقتصر علي ما جمعت ، تاركا لغيري من الباحثين ، أن يصل ما قطعت ، وأن يتم ما بدأت ، وأن يضيف إلي هذا الكتاب ، ما يصل به إلي حاضر الأيام .

والله اسأل أن يرشدنا إلي العدل والإحسان ، وأن يسبغ علينا الشعور بالاطمئنان ، لكي تظلنا النعمتان المجهولتان ، الصحة والأمان .

ص: 16

الباب الأول :الشتيمة

اشارة

السب والشتم : إيراد قبيح الكلام ، ما لم يكن فيه قذف . وفي الحديث : سباب المسلم فسوق .

وأول من سن سب المسلمين علي المنبر ، معاوية بن أبي سفيان ، فإنه فرض أن يسب الإمام علي بن أبي طالب ، عند كل صلاة ، في جميع أنحاء ملكه وتابعه علي ذلك من خلفه من بني أمية، فلما استخلف الخليفة الصالح عمر بن عبد العزيز ، أبطل ذلك ، وأمر أن يقرأ في موضع السب ، الآية الكريمة : ( إن الله يأمر بالعدل والإحسان ، وإيتاء ذي القربي ، وينهي عن الفحشاء والمنكر والبغي ، يعظكم لعلكم تذكرون ) ( 90 ك النحل 16 ) ( تاريخ الخلفاء 243 ، وابن الأثير 42/5)

وذكر عمر بن عبد العزيز ، إن أباه ، كان إذا خطب ، فنال من علي ، تلجلج ، فقال له : يا أبت ، إنك تمضي في خطبتك ، فإذا أتيت علي ذكر علي ، عرفت منك تقصيرا ، قال : أو فطنت لذلك ؟ يا بني إن الذين حولنا لو يعلمون من علي ما نعلم ، تفرقوا عنا إلي أولاده ( ابن الأثير 42/5)

وكان الناس في صدر الإسلام ، في أيام الخلفاء الراشدين ، يتحاشون السب ، حتي أن الإمام علي بن أبي طالب ، لما ضربه ابن ملجم بالسيف ، أحضره أمامه ، ولم يزد علي أن قال له : يا عدو الله ، ألم أحسن اليك ؟ ولقيته إحدي بنات الإمام ، فقالت له : يا عدو الله ، قتلت أمير المؤمنين

ص: 17

فقال لها : إنما قتلت أباك .

وبلغ الإمام علي ، أن حجر بن عدي وعمرو بن الحمق يظهران شتم معاوية ، ولعن أهل الشام ، فأرسل إليهما أن كفا عما يبلغني عنكما ، فأتياه ، فقالا : يا أمير المؤمنين ، ألسنا علي الحق وهم علي الباطل ؟ قال : بلي ، ورب الكعبة المستنة ، قالا : فلم تمنعنا من شتمهم ولعنهم ؟ قال : كرهت لكم أن تكونوا شتامين لعانين ، ولكن قولوا : أللهم أحقن دماءنا ودماءهم ، وأصلح ذات بيننا وبينهم ، وأهدهم من ضلالتهم ، حتي يعرف الحق من جهله ، ويرعوي عن الغي من لجج به . ( الأخبار الطوال165)

ولما سن معاوية بن أبي سفيان ، سب الإمام علي عليه السلام ، لم يذكره باسمه الصريح ، وإنما ذكره بكنية كان النبي صلوات الله عليه ، كناه بها وهي : أبو تراب، وكانت هذه الكنية من أحب الكني إليه ."

ولما ولي معاوية ، المغيرة بن شعبة الكوفة ، كان من جملة ما أوصاه به ، قوله : لا تتحم عن شتم علي وذمه ، والعيب علي أصحاب علي ، والإقصاء لهم ، وترك الإستماع منهم ، فأقام المغيرة عاملا لمعاوية علي الكوفة سبع سنين وأشهر ، كان فيها لا يدع ذم علي ، والوقوع فيه ( الطبري 254و253/5).

وبلغ المغيرة بن شعبة ، أن صعصعة بن صوحان يكثر من ذكر علي بن أبي طالب ، والثناء عليه ، فدعا به ، وقال له : إياك أن يبلغني أنك تظهر من فضل علي علانية ، فإنك لست بذاكر من فضل علي شيئا أجهله ، بل أنا أعلم منك به ، ولكن هذا السلطان قد ظهر ، وقد أخذنا باظهار عيبه للناس ، فنحن ندع كثيرة مما أمرنا به ، ونذكر الشيء الذي لا نجد من ذكره

ص: 18

بدأ ، ندفع به هؤلاء القوم عن أنفسنا تقية ، فإن كنت ذاكر فضله فاذكره بينك يحتمله الخليفة لنا ، ولا يعذرنا به ( الطبري189/5).

وسار الأمويون ، من بعد معاوية ، علي سنته في سب أبي تراب ، وكان أكثر من يستمعون ، لا يعرفون من هو أبو تراب ، وقد ذكر بعض الاخباريين ، إنه سأل رجلا من زعماء أهل الشام ، وأهل الرأي والعقل منهم : من هو أبو تراب هذا الذي يلعنه الإمام علي المنبر ؟ فقال : أراه لضأ من لصوص الفتن ( مروج الذهب 2/ 20 ).

ولما حاصر الحجاج ، عبد الله بن الزبير بمكة ، كتب إلي عبد الملك ، إنه قد ظفر بأبي قبيس ، وهو جبل بمكة ، فلما ورد الكتاب علي عبد الملك ، كبر ، فكبر معه من في داره ، وأتصل التكبير بمن في جامع دمشق ، فكبروا ، واتصل ذلك بأهل الأسواق فكبروا ، ثم سألوا عن الخبر ، فقيل لهم : إن الحجاج قد ظفر بأبي قبيس بمكة ، فقالوا : لا نرضي إلا أن يحمل أبو قبيس هذا الترابي الملعون ، إلينا ، مكتب ، علي رأسه برنس ، علي جمل ، يمر بنا في الأسواق ( مروج الذهب 86/2 ).

وكانت سكينة بنت الإمام الشهيد الحسين ، تجيء في ستارة ، يوم الجمعة، إلي مسجد النبي صلوات الله عليه ، فتقوم بازاء أمير المدينة ، خالد بن عبد الملك ، المعروف بابن مطيرة ، إذا صعد المنبر ، فإذا شتم علي ، شتمته ، هي وجواريها ، فكان يأمر الحرس ، فيضربون جواريها ( الاغاني 143/16).

وكان لقرار الخليفة الصالح عمر بن عبد العزيز ، بإبطال سب علي ، صدي مشكور في جميع البلاد الإسلامية ، بل لقد لاقي صدي مشكورأ حتي في أوساط الأمويين أنفسهم ، فإن هشام بن عبد الملك لما حج، لقي سعيد بن عبد الله بن الوليد بن عثمان بن عفان ، فقال له : يا أمير المؤمنين ،

ص: 19

إن الله لم يزل ينعم علي أهل بيت أمير المؤمنين ، وينصر خليفته المظلوم ، ولم يزالوا يلعنون ، في هذه المواطن الصالحة ، أبا تراب ، فأمير المؤمنين ينبغي له أن يلعنه في هذه المواطن الصالحة ، فاشماز هشام من حديثه ، وقال له : ما قدمنا لشتم أحد ولا للعنه ، قدمنا حجاجا ( الطبري 36/7).

ومن طريف ما يروي ، أنه لما فرض معاوية سب الإمام علي علي المنابر ، امتنع أهل سجستان من سبه ، وزادوا في عهدهم أن لا يلعن علي منبرهم أحد ، فلم يلعن علي علي منابر سجستان ولا مرة ( معجم البلدان 43/3 ) وعلي عكس ذلك ما صنعه أهل حان ، فإنهم بعد أن أزيل سب أمير المؤمنين ، امتنعوا عن إزالته ، وقالوا : لا صلاة إلا بلعن أبي تراب ( شرح نهج البلاغة 7 / 122).

ولما استخلف المتوكل ، هيات له فسولته ، أن يشارك في شتم علي ، وزاد ، فكان يأمر نديمه عبادة المخنث ، المجاهر بالعهر والبغاء ، أن يرقص بين يديه ، والمغتون يغنون : أقبل الأصلع البطين ، خليفة المسلمين ، يعني علي عليه السلام ( ابن الأثير 7 / 10 ) ثم أمر بهدم قبر الحسين ، وهدم ما حوله من الدور ، فكتب أهل بغداد شتمه علي الحيطان، وقال فيه ابن بسام : [ فوات الوفيات 203/1 ].

تا الله إن كانت أمية قد أتت *** قتل ابن بنت نبيها مظلوما

فلقد أتاه بنو أبيه بمثله ***هذا لعمرك قبره مهدوما

أسفوا علي أن لا يكونوا شاركوا***في قتله فتتبعوه رميما

وكان العامة بغداد ، إذا خاصموا أميرهم ، اجتمعوا وشتموه ، وأخبارهم في ذلك كثيرة ، منها أن عامة بغداد ، أحوا في السنة 251 نكوصا من أميرهم محمد بن عبد الله بن طاهر ، عن نصرة المستعين ، فاجتمع جمع منهم في الجزيرة التي بحذاء دار آبن طاهر ( في نهر دجلة ) فصاحوا به

ص: 20

وشتموه أقبح شتم ، حتي ذكروا اسم أمه ، فضحك، وقال لأحد جلسائه : يا أبا عبدالله، ما أدري كيف عرفوا اسم أمي، ولقد كان كثير من جواري أبي العباس عبد الله بن طاهر لا يعرفون أسمها ، فقال له جليسه : أيها الأمير ، ما رأيت أوسع من حلمك ( الطبري 9/ 337 و 338 ).

وكان أحمد بن أبي خالد ، وزير المأمون ، معروفة بأنه كان يشتم المتظلمين ، أما أبو عباد وزير المأمون ، فكان إذا غضب ، رمي كتابه بالدواة ، وإذا كان راكبا ، ضرب بالمقرعة ، حتي قال فيه دعبل الخزاعي :

أولي الأمور بضيعة وفساد***أمر يدبره أبو عباد

يسطو علي كتابه بدواته***فمضمخ بدم ونضح مداد

و كان من ديرهزقل مفلت***حرد يجر سلاسل الاقياد

ودير هرقل ( حسقيل ) هذا ، كان في المنطقة التي بين البصرة وعسكر مكرم ( معجم البلدان 706/2 ) وكان مقرا للمجانين ، يحبس فيه بعضهم مقيدين .

أما أبو العباس أحمد بن محمد بن الفرات ، فكان يضيف إلي شتم المتظلمين ، أن يرفسهم برجله ، ويقنعهم بالمقرعة ، وربما بصق عليهم ( نشوار المحاضرة 8/ 84).

ولما عزل الوزير ابن الفرات ، عن وزارته الأولي في السنة 299 ، كان أبو الهيثم العباس بن ثوابه معتقلا بالموصل ، فأطلقه الوزير الخاقاني ، خلف ابن الفرات ، وقلده مناظرة أبي الحسن بن الفرات وأسبابه ، وكان أبو الهيثم موصوفة بالشر ( تجارب الأمم 22/1 ) فأسرف في إيقاع المكروه بابن الفرات ، وشتمه بحضرة أم موسي القهرمانة ، فرد عليه ابن الفرات أقبح رد ، راجع التفصيل في تجارب الأمم 22/1 و 88 - 91.

ص: 21

وقال الكاتب ابن أبي قيراط : ما رأينا ، ولا سمعنا ، برئيس أسفه لسانة من حامد بن العباس ، وزير المقتدر ، فإنه كان لا يرد لسانه عن أحد البتة ، وكان إذا غضب شتم ، وقد أورد القاضي التنوخي ، في القصة 36/8 من كتاب نشوار المحاضرة ، انموذجات من شتائمه ، فليراجعها من شاء .

وذكر عن المولي أحمد افندي ، الشهير بشيخ زاده ، القاضي - كان - بدمشق في السنة 1022 أنه كان يكره العرب ، وإذا شتم أحدا من الناس ، صاح به : برا، عرب طاط ( تراجم الأعيان 197/1 ).

وكما أثبت التاريخ ، أسماء وأشخاص كانوا من أسرع الناس لسانا إلي الشتم والسفه ، فقد أثبت كذلك أسماء أشخاص كانوا يتحاشون أن يجابهوا أحدأ بتعبير فيه مرارة ، منهم الإمام الحسن بن علي ، فقد ذكر عنه أنه كان يخاصم أمويا في أرض ، وجبهه الأموي يوما، فاشتد به الغيظ ، فقال له : ليس لك عندنا إلا ما يرغم أنفك ، وذكروا إنه لم يفه طيلة حياته بكلمة أشد منها ( تاريخ الخلفاء 190).

وذكروا أنه جري بين الإمام الحسن ، وبين مروان بن الحكم ، كلام ، فأغلظ له مروان ، والحسن ساكت ، ثم امتخط مروان بشماله ، فقال له الحسن : ويحك ، أما علمت أن اليمين للوجه ، وأن الشمال للفرج ؟ ، أف لك ، ( تاريخ الخلفاء 190).

وكان الأحنف بن قيس نظيف اللسان ، أحصيت عليه سقطة واحدة ، فانه خاصم الحباب بن المنذر ، فقال له : يا آدر ، وكان الحباب آدر ، فعد ذلك من سقطات الأحنف ( سرح العيون 57 ).

وكان عبد الملك بن مروان ، نظيف اللسان أيضأ ، أحضر يحيي بن سعيد بن العاص ، وكان قد خلعه ، فلم يزد علي أن قال له : يا قبيح ، بأي وجه تنظر إلي وقد خلعتني ؟ ( الطبري 162/6).

ص: 22

وكان الخليفة العباسي القائم ، نظيف اللسان كذلك ، غضب مرة علي أحد أصحابه فلم يزد علي أن قال له : يا عامي ، ما حملك علي هذا الفعل ، راجع تفصيل القصة في الفصل الثاني من هذا الباب .

وكان السلطان الملك العادل نور الدين محمود بن الأتابك عماد الدين زنكي ، عف اللسان ، لم تسمع منه كلمة فحش ، لا في رضاه ولا في ضجره ( اعلام النبلاء 51/2 ).

وذكر القاضي ابن شداد عن السلطان صلاح الدين الأيوبي رحمه الله ، أنه كان طاهر المجلس ، لا يذكر بين يديه أحد إلا بخير ، طاهر السمع لا يحب أن يسمع من أحد إلا الخير ، طاهر اللسان ، قلما ولع بشتم قط ( اعلام النبلاء 196/2).

وكذلك كان الملك الصالح نجم الدين بن أيوب ، ملك مصر (ت 647 ) فإنه لم تسمع منه كلمة قبيحة قط ، وكان أكثر ما يقول إذا شتم : يا متخلف ( النجوم الزاهرة 6/ 331).

وكان القاضي نجم الدين عمر بن محمد بن العديم قاضي حماة المتوفي سنة 734 نظيف اللسان ، لم يحفظ عنه أنه شتم أحدأ مدة ولايته ( اعلام النبلاء 4 / 564 ).

أقول : ولما كان الشيء بالشيء يذكر ، أذكر أن الحاج كاظم أبا التمن عليه رحمات الله ، عميد آل أبي التمن في زمانه ، وكنت من جيرانه ، كان علي جانب عظيم من التقوي ،؛ وسلامة الصدر ، وكرم الأخلاق ، وكان نظيف اللسان جدأ ، لا يعرض لأحد من الناس بكلمة سيئة ، وكانت أقسي كلمة تصدر منه ، علي من يغضب عليه ، أن يقول عنه : قبيح .

ص: 23

ص: 24

وقد اشتمل الباب الأول من هذا الكتاب علي الشتيمة ، وقسمناها إلي الفصول التالية :

الفصل الأول : الشتيمة مع ذكر الله تعالي مثل لعنه الله ، وقاتله الله .

الفصل الثاني : الشتائم غير الموجعة .

الفصل الثالث : المعايرة .

القسم الأول : المعايرة بالعاهة .

القسم الثاني - المعايرة بالصناعة .

القسم الثالث - المعايرة بالنحلة .

القسم الرابع : المعايرة بالنسب

القسم الخامس : المعايرة بالأبوين

أ- المعايرة بالأب

ب - المعايرة بالأم.

القسم السادس - المعايرة بالصفات السيئة .

أ- المعايرة بالصفات الخلقية .

ب - المعايرة بالصفات العارضة .

ص: 25

الفصل الرابع : الفاظ مختلفة في الشتم .

القسم الأول - تسمية المشتوم باسم حيوان .

القسم الثاني - مجموعة ألفاظ في الشتيمة .

الفصل الخامس : الرفث في الشتيمة .

الفصل السادس : طرائف في الشتم .

ص: 26

الفصل الأول : الشتيمة مع ذكر الله تعالي

1- قولهم : إلي لعنة الله

اللعن : الطرد والبعد . وقولهم : لعنه الله ، أي باعده وطرده ( الفاخر لأبي طالب 8).

لما قتل الخليفة عثمان ، وبلغ عليا خبر قتله ، جاء إلي الدار ، ولقي طلحة ، وكان ممن أعان علي عثمان ، فقال له طلحة : مالك يا أبا الحسن ضربت الحسن والحسين ؟ فقال له علي : عليك لعنة الله ، يقتل أمير المؤمنين ، وهو من أصحاب رسول الله ، بدري ، لم تقم عليه بينة ولا حجة ، فقال طلحة : لو دفع مروان لم يقتل ، فقال علي : لو أخرج إليكم مروان القتل قبل أن تثبت عليه حكومة ( أنساب الأشراف 70/5 ).

وخطب أمير المؤمنين علي علي منبر الكوفة ، فعارضه الأشعث بن قيس ، وقال له : هذه عليك لا لك ، فخفض علي بصره إليه ، وقال له : ما يدريك ما علي مما لي ، عليك لعنة الله ولعنة اللاعنين ، حائك بن حائك ، منافق بن منافق ، كافر بن كافر ، والله لقد أسرك الإسلام مرة والكفر مرة ، فما فداك في واحدة منهما حسبك ولا مالك ( الاغاني 15/21).

ولما جري التحكيم بين المتحاربين في صفين ، واختاروا أبا موسي الأشعري وعمرو بن العاص ، وغدر عمرو بن العاص بأبي موسي وخدعه ،

ص: 27

قال له أبو موسي : لعنك الله ، فإن مثلك كمثل الكلب ، إن تحمل عليه يلهث ، أو تتركه يلهث ، فقال له عمرو : لعنك الله ، فإن مثلك مثل الحمار ، يحمل أسفارة ( العقد الفريد 348/4) .

وقال الأسود الهلالي ، لآمنة بنت الشريد : عليك لعنة الله .

وسبب ذلك : أن معاوية بن أبي سفيان ، طلب عمرو بن الحمق الخزاعي ، لأنه من اتباع علي ، فراغ منه ، فحبس زوجته آمنة بنت الشريد ثم ظفر بعمرو فقتله ، وبعث برأسه إلي آمنة ، وأمر الحرسي أن يضع الرأس في حجرها ، ثم أمر باطلاقها من السجن ، بأن أشار إليها بيده أن أخرجي ، فخرجت ، وهي تقول : واعجبا لمعاوية ، يكف عني لسانه ، ويشير إلي ببنانه ، فسمعها الأسود الهلالي ، فقال : لمن تعني هذه ، الأمير المؤمنين ؟ عليها لعنة الله ، وكان الأسود الهلالي ، أسود اللون ، أصلع الرأس ، أسلع ( أبرص ) أصعل ( دقيق الرأس والعنق ) ، فالتفتت إليه ، فلما رأته ، قالت : خزية لك وجدعأ أتلعنني ، واللعنة بين جبينك ، وما بين قرنيك إلي قدميك ، أخسأ ، يا هامة الصعل ، ووجه الجعل ، فأذلل بك نصيرا ، وأقلل بك ظهيرة . ( اعلام النساء5/1 ).

وقال سمرة بن جندب ، لما عزل عن ولاية البصرة : لعن الله معاوية .

وسبب ذلك : أن زياد بن أبيه ، كان قد وتي سمرة بن جندب البصرة ، ومات زياد وسمرة علي البصرة ، فأبقاه معاوية بعد زياد ثمانية عشر شهرا ، ثم عزله في السنة 03 ، وكان سمرة يأخذ بالظنة ، ويقتل علي الشبهة ، وعسف أصحاب الإمام علي عسفا شديدأ ، فلما عزله معاوية ، قال : لعن الله معاوية ، والله ، لو أطعت الله كما أطعت معاوية ، ما عذبني أبدأ ( الطبري 291/5 وابن الأثير 495/3) .

ص: 28

و شتم معاوية بن أبي سفيان ، خالد بن المهاجر بن الوليد ، فقال له : عليك لعنة الله .

وتفصيل القصة : إن معاوية بن أبي سفيان لما أراد أن يظهر العهد اليزيد ، قال لأهل الشام : إن أمير المؤمنين ، قد كبرت سنه ، ورق جلده ، ودق عظمه ، واقترب أجله ، ويريد أن يستخلف عليكم فمن ترون ؟ فقالوا : عبد الرحمن بن خالد بن الوليد ، فسكت ، وأضمرها ، ود ابن أثال الطبيب إلي عبد الرحمن بن خالد ، فسقاه سما ، فمات ، وبلغ خالد بن المهاجر ، وهو ابن اخي عبد الرحمن خبر موت عمه بالسم ، وكان بمكة ، أخبره به عروة بن الزبير ، وعيره بذلك ، فقال له : يا خالد، تدع ابن اثال ينقي أوصال عمك بالشام ، وأنت بمكة مسبل إزارك ، تجره وتخطر فيه متخايي فحمي خالد ، مع أنه كان أسوأ الناس رأيا في عمه عبد الرحمن ، لأن عبد الرحمن كان من أصحاب معاوية، وشهد معه صفين، أما المهاجر، والد خالد ، فكان مع الإمام علي بصفين ، وكان خالد علي رأي أبيه هاشمي المذهب ، ولكن مصابه في عمه ، حركه ، فخرج حتي قدم دمشق ، وترصد لابن اثال ، ووثب عليه فقتله ، فقبض عليه ، وأحضر أمام معاوية ، فقال له : لا جزاك الله من زائر خيرأ ، قتلت طبيبي ، فقال له خالد : قتلت المأمور وبقي الأمر ، فقال له معاوية : عليك لعنة الله ، ثم حبسه ، وألزم بني مخزوم دية ابن اثال إثني عشر ألف درهم ، أدخل منها إلي بيت المال ستة آلاف درهم ، وأخذ لنفسه ستة آلاف درهم ( الاغاني 16 / 197 و198).

وكان جيش الشام، بقيادة الحصين بن نمير، يحاصر عبد الله بن الزبير بمكة ، لما وردهم الخبر بهلاك يزيد بن معاوية ، فاجتمع الحصين بعبد الله ، وقال له : تعال أبايعك ، وتخرج معي إلي الشام ، فلا يختلف عليك اثنان ، فأبي عبد الله ، فغضب الحصنين ، وقال له : لعنك الله ، ولعن من

ص: 29

زعم أنك سيد ، والله لا تفلح أبدأ ، وعاد بجيشه إلي الشام ( الإمامة والسياسة (12/2 )

وأطلع مروان بن الحكم ، علي ضيعة له بالغوطة ، فأنكر شيئا ، فقال الوكيله : ويحك ، إني لأظنك تخونني ، فقال له : أفتظن ذلك ولا تستيقنه ؟ قال : وتفعله ؟ قال : نعم ، والله إني لأخونك ، وإنك لتخون أمير المؤمنين ، وإن أمير المؤمنين ليخون الله ، فلعن الله شر الثلاثة ( انساب الاشراف130/5والعقد الفريد 32/1 ) .

وانفرد الحجاج عن عسكره ، ومر ببستاني ، فقال له : كيف حالكم مع الحجاج ؟ فقال : لعنه الله ، المبير المبيد ، الحقود الحسود ، وعاء النقمة ، مزيل النعمة ، سافك الدماء بغير حلها، جاعل النساء أيامي ، والصبيان يتامي ، والروح معدومة ، والإرث مقسومة ، عجل الله منه الإنتقام ، وصرف معته عن المسلمين ( الهفوات النادرة 99 و100).

وجيء إلي الحجاج بن يوسف الثقفي ، بخارجي ، فقال له : ما رأيك في أمير المؤمنين عبد الملك ؟ فقال : علي ذلك الفاسق لعنة الله ولعنة اللاعنين ، قال : ولم ، لا أم لك ؟ قال : إنه أخطأ خطيئة طبقت ما بين السماء والأرض ، قال : وما هي ؟ قال : استعماله إياك علي رقاب المسلمين ، قال : يا حرسي اضرب عنقه ، فلما أحس بالسيف ، قال : لا إله إلا الله ( وفيات الأعيان لابن خلكان 2 / 38) .

وقال عبد الله بن الحسن العلوي ، لكثير عزة : عليك لعنة الله .

وتفصيل القصة : إن كثير عزة ، كان يقول بالرجعة ، ومرض كثير ، فعاده عبد الله بن الحسن ، فقال له كثير : أبشر ، فكانك بي ، بعد أربعين ليلة ، قد طلعت لك علي فرس عتيق .

فقال له عبد الله : مالك ، عليك لعنة الله ( الاغاني 17/9 ).

ص: 30

أقول : القول بالرجعة ، هو القول بأن الإنسان يرجع إلي الحياة الدنيا من بعد موته ، فإن كان صالح عاد في درجة علية ، وإن كان طالحا عاد شقيأ أو مسخ كلبأ أو خنزيرة ، وروي أن السيد الحميري ، كان يدين بالرجعة ، وجاءه شخص يسخر منه ، فقال له : أقرضني مائة دينار ، إلي الرجعة ، فقال له : أعطني ضامنأ ، أنك سوف لا تعود كلبأ أو خنزيرة ، فيضيع علي مالي .

وقال عمر بن عبد العزيز ، الخليفة الصالح : لعن الله الحجاج ، فإنه ما كان يصلح للدنيا ولا للآخرة . فإن عمر بن الخطاب رضي الله عنه ، جبي العراق بالعدل والنصفة مائة ألف ألف وثمانية وعشرين ألف ألف درهم ، وجباه الحجاج مع عسفه وجبروته ثمانية عشر ألف ألف درهم فقط ، قال عمر بن عبد العزيز : وها أنا قد رجع إلي علي خرابه ، فجبيته مائة ألف ألف وأربعة وعشرين ألف ألف درهم ، بالعدل والنصفة ( معجم البلدان 178/3)

وجاء زياد الأقطع إلي بيت الفرزدق ، فخرجت إليه ابنة صغيرة ، فقالت له : ما بال يدك مقطوعة ؟ قال : قطعها الحرورية ، قالت : بل قطعت في اللصوصية ، فقال لها : عليك وعلي أبيك لعنة الله في المحاسن والأضداد 104 )

وقال عبد الملك بن مروان ، لثابت بن الزبير : عليك لعنة الله .

وتفصيل القصة : إن عبد الملك بن مروان ، قال لثابت بن الزبير : أبوك كان أعلم بك حيث كان يشتمك ، قال : يا أمير المؤمنين ، إنما كان يشتمني ، لأني كنت أنهاه أن يقاتل بأهل مكة والمدينة ، فإن الله لا ينصر بهم ، أما أهل مكة ، فإنهم أخرجوا النبي وأخافوه ، ثم جاءوا إلي المدينة فآذوه ، حتي سيرهم ، يعرض با: حكم بن أبي العاصي ، جد عبد الملك ، طريد رسول الله صلوات الله عليه ، وأما أهل المدينة ، فخذلوا عثمان، حتي

ص: 31

قتل بين أظهرهم ، ولم يدفعوا عنه . فقال له : عليك لعنة الله ( العقد الفريد 34و33/4 ).

أقول : هكذا أورد صاحب العقد الفريد، أنه ثابت بن الزبير ، والصحيح أنه ثابت بن عبد الله بن الزبير راجع أخباره في كتاب جمهرة نسب قريش وأخبارها 1/ 80-90.

وشتم الحجاج الثقفي ، أنس بن مالك ، خادم رسول الله صلوات الله عليه ، فقال له : لعنة الله عليك .

وكان الحجاج ، قد حبس عبد الله بن أنس ، فدخل عليه أنس ليكلمه في أمر ولده ، فقال الحجاج له : لا مرحبا بك ولا أهلا ، لعنة الله عليك من شيخ جوال في الفتنة ، مرة مع أبي تراب ، ومرة مع ابن الأشعث ، والله الأقلعنك قلع الصمغة ، ولأجردنك تجريد الضب.

فقال أنس : من يعني الأمير أعزه الله ؟

فقال له الحجاج : إياك أعني ، أصم الله صداك .

فكتب أنس بذلك إلي عبد الملك بن مروان ، فكتب عبد الملك إلي الحجاج : يا ابن المستفرمة بعجم الزبيب ، والله لقد هممت أن أركلك ركلة تهوي بها في نار جهنم ، قاتلك الله ، من عبير اخيفش العينين ، أسك الرجلين ، أسود الجاعرتين ( البيان والتبيين 21/2 ) .

وقال عبد الملك بن مروان ، للحجاج، في ساعة من ساعات غضبه عليه : إنك عبد طمت بك الأمور ، فغلوت فيها، حتي عدوت طورك ، وجاوزت قدرك ، أنسيت حال آبائك في اللؤم ، والدناءة في المروءة والخلق ، فعليك لعنة الله من عبد أخفش العينين ، أسك الرجلين ، ممسوح الجارتين ( ابن الأثير 386/4 والعقد الفريده / 37 - 41) .

ص: 32

وقال بشر بن مروان ، للفرزدق وجرير : عليكما لعنة الله .

وتفصيل القصة : أن الفرزدق وجرير ، اجتمعا عند بشر بن مروان ، فرجا أن يصلح بينهما حتي يتكافا ، فقال لهما : ويحكما ، قد بلغتما من السن ما قد بلغتما ، وقربت آجالكما، فلو اصطلحتما ، ووهب كل منكما لصاحبه ذنبه ، فقال جرير : أصلح الله الأمير ، إنه يظلمني ، ويتعدي علي ، فقال الفرزدق : أصلح الله الأمير ، إني وجدت آبائي يظلمون آباءه ، فسلكت طريقهم في ظلمه .

فقال بشر : عليكما لعنة الله ، لا تصطلحان - والله - أبدأ . ( الاغاني 357/21 )

وكانت امرأة من الخوارج ، تدعي : فراشة ، ذات نية في رأي الخوارج ، تجهز أصحاب البصائر ، ولم يظفر الحجاج بها، وجيء إليه يوما بخارجي قد جهزته فراشة ، فقال له : يا عدو الله .

قال : أنت أولي بها يا حجاج .

قال : أين فراشة ؟ قال : مرت تطير منذ ثلاث .

قال : أين تطير ؟ قال : ما بين السماء والأرض .

قال : أعن تلك سألتك ؟ عليك لعنة الله .

قال : عن تلك أخبرتك ، عليك غضب الله .

قال : سألتك عن المرأة التي جهزتك وأصحابك .

قال : وما تصنع بها ؟

ص: 33

قال : أضرب عنقها .

قال : ويلك يا حجاج ، ما أجهلك ، أدلك وأنت عدو الله علي من هو ولي الله ؟ لقد ضللت إذن ، وما أنا من المهتدين .

قال : ما رأيك في أمير المؤمنين عبد الملك ؟

قال : علي ذلك الفاسق لعنة الله ، ولعنة اللاعنين .

قال : ولم ؟ لا ام لك .

قال : لاستعماله إياك علي رقاب المسلمين . ( وفيات الأعيان 37/2 )

وكان عبيدة بن هلال اليشكري من متألهي الخوارج وزهادهم ، تواقف يوما هو وأبو حزابة التميمي ، في الحرب ، فقال عبيدة : يا أبا حزابة ، إني سائلك عن أشياء ، أفتصدقني في الجواب عنها؟ قال : نعم ، إن تضمنت الي مثل ذلك ، قال : قد فعلت ، قال : سل عما بدا لك ، قال : ما تقول في أئمتكم ؟ قال : يبيحون الدم الحرام ، والمال الحرام ، والفرج الحرام ، قال : ويحك ، فكيف فعلهم في المال ؟ قال : يجبونه من غير حله ، وينفقونه في غير حقه ، قال : فكيف فعلهم في اليتيم ؟ قال : يظلمونه ماله ، ويمنعونه حقه ، قال : ويلك يا أبا حزابة ، أفمثل هؤلاء تتبع ؟ ، قال : قد أجبت ، فاسمع سؤالي ، ودع عنك عتابي ، قال : قل ، قال : أي الخمر أطيب ، خمر السهل، أو خمر الجبل ؟ فقال : ويلك ، مثلي يسأل عن هذا ؟ قال : قد أوجبت علي نفسك أن تجيب ، قال : أما إذ أبيت ، فإن خمر الجبل، أقوي وأسكر ، وخمر السهل، أحسن وأسلس ، قال أبو حزابة ، فأي الزواني أفره ، زواني رامهرمز، أم زواني أرجان ؟ قال : ويلك إن مثلي لا يسأل عن هذا ، قال : لا بد من الجواب ، أو تغدر ، فقال : أما إذ أبيت ، فزواني رامهرمز أرق أبشارة ، وزواني أرجان أحسن أبدانة ، قال :

ص: 34

فأي الرجلين أشعر أجرير أم الفرزدق ؟ قال : عليك وعليهما لعنة الله ، أيهما الذي يقول :

وطوي الطراد مع القياد بطونها***طي التجار بحضرموت برودا

قال : جرير .

قال : فهو أشعرهما ( الاغاني150/6 ).

وبعث الحجاج إلي والي البصرة : أن آختر لي عشرة من عندك ، فاختار رجالأ منهم كثير بن أبي كثير ، قال : وكان كثير رجلا عربية ، قال كثير : فقلت في نفسي ، لا أفلت من الحجاج إلا باللحن ، قال : فلما دخلنا عليه دعاني ، وقال لي : ما اسمك ؟ قلت : كثير ، قال : ابن من ؟ ، فقلت في نفسي ، إن قلتها بالواو لم آمن أن يتجاوزها ، فقلت : أنا ابن أبا كثير ، فقال : عليك لعنة الله ، وعلي من بعثك جؤوا في قفاه ، قال : فأخرجت ( معجم الأدباء25/1 ).

ودعا سعيد بن بنان التغلبي ، وهو أعور ، الأخطل الشاعر ، إلي منزله ، وكان منزلا سريا قد نجد بالفرش والوطاء العجيب ، وكانت امرأته ، واسمها برة ، في غاية الحسن والجمال ، وسأل سعيد الأخطل : هل تري في داري عيب ؟ فقال له الأخطل : ما أري في بيتك عيبا غيرك ، فقال له : اخرج من بيتي ، عليك لعنة الله في( العقد الفريد386/5) .

ولما غدر عبد الملك بن مروان ، بعمرو بن سعيد الأشدق ، وقيده ، بعد أن أعطاه الأمان ، وعاهده ، وحلف له ، أمر عبد العزيز أخاه أن يقتله ، وخرج للصلاة ، فلما عاد ، وجد عمرة حيا ، فقال لأخيه عبد العزيز : لعنك الله ، ولعن أما ولدتك ، ثم قال : قدموه إلي ، وأخذ الحربة بيده ، فقال له عمرو : فعلتها يا أبن الزرقاء ( العقد الفريد 4/ 409).

ص: 35

وتعرض الحجاج لأعرابي ، فسأله : كيف سيرة أميركم الحجاج ؟ فقال له الأعرابي ، وهو لا يعرفه : ظلوم ، غشوم ، لا حياه الله ولا بياه ، فقال الحجاج : لو شكوتموه إلي أمير المؤمنين ، فقال الأعرابي : هو أظلم وأغشم ، عليه لعنة الله ، فبينما هو كذلك إذ أحاط بالحجاج الجنود ، فعرف انه الحجاج ، فقال له : أيها الأمير ، أحب أن يكون السر الذي بيني وبينك مكتومة ( الملح والنوادر 15).

وكتب عبد الملك بن مروان ، إلي الحجاج بن يوسف الثقفي ، كتابا قال فيه : لعن الله أبا عقيل (جد الحجاج ) وما نجل ، ألأم والد، وأخبث نسل ، راجع القصة في العقد الفريد 21/5 - 29 .

وأدخل يزيد بن أبي مسلم ، كاتب الحجاج ، وخلفه علي العراق ، علي سليمان بن عبد الملك ، لما استخلف، فقال له سليمان : علي أمريء أمرك ، وجزاك ، وسلطك علي الأمة ، لعنة الله ، أتظن أن الحجاج استقر في قعر جهنم ، أم ما يزال يهوي فيها ؟ فقال : يا أمير المؤمنين ، إن الحجاج يأتي يوم القيامة بين أخيك وأبيك ، فضعه من النار حيث شئت ( العقد الفريد 175و174/2 والامتاع والمؤانسة 168/3).

وروي القاضي ابن خلكان، في كتابه وفيات الأعيان، الخبر علي وجه آخر ، قال : لما ولي سليمان بن عبد الملك ، أمر باعتقال يزيد بن أبي مسلم ، خلف الحجاج ، وكان يسير بسيرته ، فأحضر له في جامعة ، وكان قصيرة ، دميمة ، قبيح الوجه ، عظيم البطن ، تحتقره العين ، فلما نظر إليه سليمان ، قال له : أنت يزيد بن أبي مسلم ؟ قال : نعم ، قال : لعن الله من أشركك في أمانته ، وحتمك في دينه ، ثم قال له : أخرج عني إلي لعنة الله ( وفيات الأعيان 2/ 6و425 / 310) .

ص: 36

وشتم يزيد بن عبد الملك ، كثير الشاعر ، فقال له : عليك لعنة الله .

وكان ذلك ، عندما بلغ كثير أن يزيد بن المهلب ، وآخرين من آل المهلب ، قتلوا في المعركة بالعقر ، فقال كثير : ما أجل الخطب ، ضحي آل أبي سفيان بالدين يوم الطف ، وضي بنو مروان بالكرم يوم العقر ، فبلغ ذلك يزيد بن عبد الملك ، فدعا به ، فلما دخل عليه ، قال له : عليك لعنة الله ، أترابية وعصبية ( الأغاني 22/9 ) .

أقول : قول كثير عن تضحية آل أبي سفيان بالدين يوم الطف ، عن موقعة كربلاء ، وعن تضحية آل مروان ، بالكرم يوم العقر ، المعركة بين يزيد بن المهلب علي رأس أهل العراق ، وبين الجيش الشامي الأموي بالعقر ، حيث قتل يزيد بن المهلب وجماعة من آل المهلب ، أما قول يزيد بن عبد الملك : أترابية وعصبية ، فإنه اتهمه في الحزن علي الحسين عليه السلام وأصحابه ، بأنه من أنصار الإمام علي عليه السلام ، وقد لقبه النبي صلوات الله عليه بأبي تراب ، واتهمه بالحزن علي آل المهلب ، للعصبية لأنه أزدي وآل المهلب از ديون .

ولما كلف يزيد بن عبد الملك ، بجاريته حبابة ، واشتغل بها ، وأضاع الرعية ، عذله أخوه مسلمة بن عبد الملك ، فارعوي ، وظهر للناس ، فغنته حبابة بأبيات من شعر الأحوص :

ألا لا تلمه اليوم أن ينبتدا***فقد غلب المحزون أن يتجلدا

إذا أنت لم تعشق ولم تدر ما الهوي***فكن حجر من يابس الصخر جلمدا

هل العيش إلا ما تلد وتشتهي***وان لام فيه ذو الشنان وفندا

فلما سمعها ضرب بخيزرانته الأرض ، وقال : صدقت ، علي مسلمة لعنة الله ، وعاد إلي سيرته الأولي ( الاغاني 132/15 والعقد الفريد 61/6 )

ص: 37

وفي السنة 108 غزا أسد بن عبد الله القسري ، أمير خراسان ، الغوريان ، وفي غمرة المعركة بعث إلي قائدين من قواده ، نصر بن سيار ومسلم بن أحوز ، يقول : قد رأيت موقفكما منذ اليوم ، وقلة غنائكما عن المسلمين ، لعنكما الله ( الطبري 7/ 44) .

وتعرضت امرأة لكثير عزة ، وشتمته ، فقالت له : عليك لعنة الله والملائكة والناس أجمعين .

وتفصيل القصة : أن كثير عزة ، لاقته امرأة وسيمة جميلة ، فقالت له : أنت كثير ؟ قال : نعم ، قالت : ابن أبي جمعة ؟ قال : نعم ، قالت : الذي يقول :

العزة أطلال أبت أن تكلما

قال : نعم ، قالت : وأنت تقول فيها :

وكنت إذا ما جئت أجلن مجلسي***وأظهرن متي هيبة لا تجهما

فقال : نعم : قالت : أعلي هذا الوجه هيبة ؟ إن كنت كاذبة فعليك لعنة الله والملائكة والناس أجمعين ، فضجر ، وقال : من أنت ؟ فلم تجبه

بشيء ثم قالت : أنت الذي تقول :

و متي تحسرواعني العمامة تبصروا***جميل المحيا أغفلته الدواهن

أهذا الوجه جميل المحيا؟ إن كنت كاذبة فعليك لعنة الله والملائكة والناس أجمعين ، فاختلط كثير ، وقال : والله ، لو عرفتك لفعلت وفعلت ، فسكتت ، فلما سكن من شأوه ، قالت : أنت الذي تقول :

يروق العيون الناظرات كانه***هرقلي وزي أحمر التبرراجح

أهذا الوجه پروق الناظرات ؟ إن كنت كاذبة فعليك لعنة الله والملائكة والناس أجمعين .

ص: 38

فازداد ضجرأ ، وغيظا ، واختلاطأ، وقامت المرأة فذهبت ( الاغاني187،186/12 )

ولما قدم يزيد بن المهلب واسطة، قال الأمية بن الجعد - وكان صديقة للفرزدق - إني لأحب أن تأتيني بالفرزدق ، فقال أمية للفرزدق : ماذا فاتك من يزيد ، أعظم الناس عفوا ، وأسخي الناس كفأ، قال : صدقت ، ولكني أخشي أن آتيه ، فأجد العمانية ببابه ، فيقوم إلي رجل منهم ، فيقول : هذا الفرزدق الذي هجانا ، فيضرب عنقي ، فيبعث اليه يزيد فيضرب عنقه ، ويبعث إلي أهلي ديتي ، فإذا يزيد قد صار أوفي العرب ، وإذا الفرزدق فيما بين ذلك قد ذهب ، لا والله ، لا أفعل ، فأخبر يزيد بما قال ، فقال : أما إذ قد وقع هذا بنفسه ، فدعه ، لعنه الله ( الاغاني 21 / 346 ).

وقال الحسن البصري ، عن أهل الشام : عليهم لعنة الله وسوء الدار . وتفصيل القصة : إن يزيد بن المهلب ، خرج بالبصرة علي بني أمية ، وأخذ يدعو الناس إلي سنة العمرين ، فازدحم عليه الناس ، وقالوا : إنه يدعونا إلي سنة العمرين ، فقال الحسن البصري : كان يزيد بالأمس ، يضرب أعناق الناس ، ويسرح برؤوسهم إلي بني مروان ، يريد بذلك رضاهم ، فلما غضب غضبة ، نصب قصبة ، ووضع عليه خرقا ، وقال : أدعوكم إلي سنة العمرين ، وإن من سنة العمرين أن يوضع في رجله قيد ، ثم يرد إلي محبس عمر الذي حبسه فيه ، فقال له أحد أصحابه : كأنك يا أبا سعيد راض عن أهل الشام ؟ فقال : كيف أرضي عن أهل الشام ، قبحهم الله وترحهم ، عليهم لعنة الله وسوء الدار ( الطبري588و587/6 ) .

ولما وعد يوسف بن عمر الثقفي ، الوليد بن يزيد ، بخمسين ألف ألف درهم ، علي أن يسلم إليه خالد القسري ، بعث الوليد إلي خالد : أن يوسف يشتريك بخمسين ألف ألف درهم ، فان كنت تضمنها وإلا دفعتك إليه ، فقال خالد : ما عهدت العرب تباع ، فدفعه إلي يوسف ، فنزع عنه ثيابه ، ودرعه

ص: 39

عباءة ، وألحفه بأخري ، وحمله في محمل بغير وطاء ، ثم دعا به فذكر أمه ، فقال له خالد : وما ذكرك الأمهات ، لعنك الله ، فبسط عليه ، وعذبه عذابا شديدا ، ولما بلغ الحيرة ، واصل تعذيبه ، ووضع علي صدره المضرسة ، فقتله ( الطبري260/7 )، الأخبار الطوال 348).

وكان عبد الله بن خازم ، قتل فتي اسمه دويلة ، أخا وكيع بن عميرة القريعي لأمه ، فلما وقعت المعركة بين عبد الله و بكير بن وشاح ، رع عبد الله في المعركة ، فنزل وكيع ، وجلس علي صدره ، وصاح : يا لثارات دويلة ، يعني أخاه ، فبصق عبد الله بن خازم في وجه وكيع ، وقال له : لعنك الله ، تقتل كبش مضر بأخيك علج لا يساوي كفأ من نوي ( الطبري 177/6)

وكان قد بلغ أبا عون ، أمير مصر ، أن محمد بن معاوية بن بجير بن ريسان ، يشتمه ، فضربه أبو عون ، وحط عطاءه من المائتين إلي المائة وعشرين ، فلما ولي مصر محمد بن الأشعث (141 - 142 ) ولي محمد بن معاوية الشرط ، فكان يعلو المنبر ، فيشتم أبا عون ، ويسميه : النخاس الكذاب ، وشتمه يوما عند محمد بن سعيد صاحب الخراج ، فقال له سالم بن سليمان الحربي القائد : أتشتمه وهو قائد أمير المؤمنين ؟ قال : وأشتمك ، فعليك وعليه لعنة الله ( الولاة للكندي 109 و110) .

وبعث المنصور ، إلي شيخ من بطانة هشام بن عبد الملك ، فسأله عن تدبير هشام في حروبه مع الخوارج ، فوصف له الشيخ ما دبر ، فقال : فعل رحمه الله كذا ، وصنع رحمه الله كذا ، فقال له المنصور : قم ، عليك لعنة الله ، تطأ بساطي ، وتترحم علي عدوي ، فقال له الرجل : إن نعمة عدوك قلادة في عنقي لا ينزعها إلا غاسلي ، فقال له المنصور : يا شيخ ، أشهد أنك نهيض حرة ، وغراس شريف ، الله أنت ، لو لم يكن لقومك غيرك لكنت أبقيت لهم مجدا مخلدا ، وعا باقية . ( الطبري 78/8 و 79 ومروج الذهب 226/2 والمحاسن والمساويء 87/1 ).

ص: 40

ومازح أبو عطاء السندي ، أبا دلامة ، فنظم شعرا في ابنة له ، قال :

فما ولدتك مريم أم عيسي***ولا رباك لقمان الحكيم

ولكن قد تضم أم سوء ***إلي لباتها وأب لئيم

فقال أبو دلامة : عليك لعنة الله . ( الأغاني 240/10 ).

وغضب المهدي علي رجل من الأشعريين ، فأمر بضربه ، فضرب ، وكان أبو عبيد الله وزير المهدي ، من موالي الأشعريين ، فتعصب للأشعري ، وقال للمهدي : القتل احسن من هذا يا أمير المؤمنين ، فقال له المهدي : يا يهودي ، أخرج من عسكري ، عليك لعنة الله . ( الطبري 139/8 )

وقال أبو دهمان ، لمطيع بن إياس : عليك لعنة الله .

وكان أبو دهمان ، صديقة لمطيع ، وكان يظهر للناس تألها ومروءة وسمت حسنا ، فدعا مطيعا إلي داره ليلة من الليالي ، ثم قطعه عنه شغل ، وجاء مطيع فلم يجده ، فنظم فيه مطيع أبيات منها :

من عاذري من خليل*** موافق ملدان

مداه متواني***يكني أبا دهمان

وليس يعتم إلا***سكران مع سكران

يسقيه كل غلام***كأنه غصن بان

فلقيه أبو دهمان بعد ذلك ، وقال له : عليك لعنة الله ، فضحتني ، وهتفت بي ، وأذعت سري ، لا أكلمك أبدا ( الاغاني 13 / 292 و293) .

وغضب الأمير موسي بن داود العباسي علي أبي دلامة ، فقال : ائتوني بعدو الله الفاجر الكذاب ، عليه لعنة الله . والسبب في ذلك إنه أخذ منه عشرة آلاف درهم ليتجهز ببعضها ، ويترك الباقي لعياله ، ويسافر معه إلي الحج ،

ص: 41

فأخذ الدراهم وهرب فاختبأ في حانات الحيرة ، وخرج موسي بدونه ، حتي إذا مر في طريقه وشارف القادسية ، أبصره أصحابه خارجة من الحانة ، فأخبروه ، فقال : أنتوني بعدو الله الفاجر الكذاب ، وأمر به فقيدوه وألقوه في بعض المحامل ، فصاح به أبو دلامة وأنشده شعرأ منه :

يا أيها الناس قولوا أجمعين معي***صلي الإله علي موسي بن داود

إني أعوذ بداود وتربته***من أن أحج بكره يا ابن داود

فقال موسي : ألقوه عن المحمل عليه لعنة الله . ( الملح والنوادر 89 )

وغضب إبراهيم الحراني ، بالحجاز ، علي رجل فقال له : غضب الله عليك ، مالك لعنك الله ، راجع تفصيل القصة في الملح والنوادر 48- 50.

وشاور رجل أبا العتاهية ، فيما ينقشه علي خاتمه ، فقال : أنقش عليه : لعنة الله علي الناس . ( الاغاني 4 / 37 ).

وقال قاضي بغداد ، لجعفر الطبال : قم ، عليك لعنة الله .

وتفصيل القصة : إن إبراهيم بن المهدي ، طلب من جعفر الطبال ، أن يحذق إحدي جواريه الضرب بالطبل ، وله مائة دينار ، عجل له منها خمسين . فلما حذقت ، طالب إبراهيم بتمة المائة ، فلم يعطه ، فشكاه إلي القاضي ، ووكل إبراهيم عنه وكيلا ، وأراد الوكيل أن يكسر حجة جعفر ، فقال : أصلح الله القاضي ، سله من اين له هذا الذي يدعي ، وما سببه ؟ فقال جعفر : أصلح الله القاضي ، أنا رجل طبال ، وقد شارطني إبراهيم علي أن أحدق جاريته ضرب الطبل ، وعجل لي بخمسين ، ومنعني الباقي بعد أن رضي بحذقها ، فيحضر القاضي الجارية وطبلها ، وأحضر أنا وطبلي ، فإن كانت مثلي ، قضي لي عليه ، وإلا حذقتها حتي يرضي القاضي .

ص: 42

فقال القاضي : قم ، عليك وعليها لعنة الله ( الاغاني 10 / 373 و374) .

وغضب هارون الرشيد ، علي إبراهيم بن عثمان بن نهيك ، فصاح به : قم عليك لعنة الله ، راجع القصة في الفصل الخامس من هذا الباب و الرفث في الشتيمة .

وشتم الرشيد ، الفخر الجنيدي المصري ، فقال له : أغرب عليك لعنة الله

قال الأصمعي : عرض الرشيد ، خيل مصر ، فما مر به فرس ، إلا وعليه سمة الفخر الجنيدي ، فقال : ويلكم من هذا الجنيدي الذي له كل هذا النتاج ؟ وأمر بإشخاصه . فكتب إلي عامل مصر فاشخصه . فلما أدخل عليه ، إذا عليه لحية قد أخذت لسرته طولا ، ولأباطه عرضأ ، وإذا هو مستعجل في مشيته ، ينظر في أعطافه. فلما رآه ، قال . أحمق ، ورب الكعبة ، فلما دنا منه ، قال له : يا جنيدي ، من أين لك هذه الخيل ؟ قال : من رزق الله وأفضاله ، ثم قال له : ما أحسن لحيتك يا جنيدي ؟ فقال : اقبلها يا أمير المؤمنين خلعة لك، والخيل معها ، فبك فداهما الله ، فصاح به : أغرب عليك لعنة الله ( اخبار الحمقي 189 ).

وقال الأمين ، لمخارق المغني : لعنك الله .

وسبب ذلك : إن الأمين ، خلع علي مخارق ، ثلاث جباب وشي ، فلما رآه وقد ظاهر بينها ، ندم ، وتغير وجهه ، وأمر الطباخين ، بإصلاح مصلية ، فأصلحت وأحضرت في غضارة ضخمة ، ورغيفان ، فلما وضعت بين يديه ، أمر مخارق أن يأكل معه ، فاعتذر ، فأصر عليه ، فلما تناول مخارق اللقمة الأولي ، صاح به الأمين : لعنك الله ، ما أشرهك ، نغصتها علي ، وأفسدتها ، ثم رفع الغضارة ، وصبها علي مخارق ، فأتلف الجباب ،

ص: 43

وقال له : قم إلي لعنة الله . ( الطبري 521/8).

وألقي أبو نواس سرا في حلقة أبي عبيدة ، رقاعة ، فيها هذا البيت :

أمر الأمير بأخذ أولاد الزنا***فتفرقوا لا تؤخذوا فتعاقبوا

فقال أبو عبيدة : من فعل هذا لعنه الله ، فقال أبو نواس : لو علمت من فعل هذا لهجوته .

فضحك أبو عبيدة ، وقال : ومحترس من مثله وهو حارس . ( أخبار أبي نؤاس لابن منظور 155 ) .

وقال أبو العتاهية ، لأحد العيارين : أغرب لعنك الله وغضب عليك . وقف علي أبي العتاهية ، وكان غنيا بخي ، سائل من العيارين الظرفاء ، وجماعة من جيرانه حوله ، فسأله ، فقال له : صنع الله لك ، فأعاد عليه السؤال ثانية وثالثأ ، فكان رد أبي العتاهية واحدة ، فقال له السائل : الست القائل :

كل حي عند ميته***حظه من ماله الكفن

ثم قال : بالله عليك ، أتريد أن تعد مالك كله لكفنك ؟ قال : لا ، قال : فكم قدرت لكفنك ؟ قال : خمسة دنانير ، قال : فهي إذن حظك من مالك ، فتصدق علي بدرهم واحد من غير حظك ، قال : لو تصدقت به عليك لكان من حظي ، قال : فواحدة أخري ، وهي إن القبور تحفر بثلاثة دراهم ، فأعطني درهما ، وأقيم لك كفيلا بأني أحفر لك قبرك به متي مث ، وتربح درهمين لم يكونا في حسبانك ، فإن لم احتفر ، رددته علي ورثتك ، أورده كفيلي عليهم ، فخجل أبو العتاهية ، وقال له : أغرب لعنك الله ، وغضب عليك ، ثم قال أبو العتاهية : من أجل هذا وأمثاله حرمت الصدقة ، فقالوا له : من حرمها ، ومتي حرمت ؟ ( الاغاني 4 / 18 و 19).

ص: 44

ولما حوصر الأمين ببغداد ، عقد مجلس، ونصب ستارة ، فغته إحدي جواريه :

كليب لعمري كان أكثر ناصرة وأيسر جرمأ منك ضرج بالدم

فاشتد ذلك عليه ، وقال غني غير هذا ، فغنته :

شكت فراقهم عيني فأزقها***إن التفرق للاحباب بكاء

فقال لها : لعنك الله ، أما تعرفين غير هذا ، فغنت :

ما اختلف الليل والنهار وما *** دارت نجوم السماء في الفلك

إلا لنقل السلطان من ملك***قد غاب تحت الثري إلي ملك

فأمرها بالقيام ، فقامت وذهبت . ( اخبار الحمقي 65 ).

وغني علويه المغني ، المأمون ، بدمشق ، بصوت من أصوات معبد .

لو كان حولي بنو أمية لم*** تنطق رجال أراهم نطقوا

فغضب المأمون ، وقال : عليك وعلي بني أمية لعنة الله ، ثم غناه بصوت لعمر الوادي :

الحين ساق إلي دمشق وما *** كانت دمشق لأهلنا بلدا

فاشتد غضب المأمون ، ورماه بقدح كان في يده ، وصاح به : قم عني إلي لعنة الله ، وحر سقر . ( الاغاني 357و356/11).

وشتم يحيي بن أكثم ، عبد الصمد بن المعدل الشاعر ، فقال له : عليك لعنة الله .

وسبب ذلك : إن عبد الصمد ، كان يهوي متيم الهشامية ، وكانت متيم لا تخرج إلا متنقبة ، وتقدمت يوما إلي القاضي العنبري ، فاحتاج إلي أن

ص: 45

يشهد عليها ، فأمرها أن تسفر ، فقال عبد الصمد :

ولما نضت عنها القناع متيم *** تروح منها العنبري متيما

وكان قديما كالح الوجه عابسأ***فلما رأي منها السفور تبتما

فان يصب قلب العنبري، فقبله ***صبا باليتامي قلب يحيي بن أكثما

فقال له يحيي : عليك لعنة الله ، أي شيء أردت مني حتي أتاني شعرك من البصرة ؟ فقال : متيم أقعدتك في طريق القافية ( أعلام النساء 23/5).

وأبصر أبو تمام الطائي ، ماني الموسوس ، يرمق غلاما جميلا ببصره ، فقال له : لعنك الله يا ماني ، بعد الجهاد والغزو ، تجمش غلاما قد بات مؤاجرأ في الخمارات ؟ فقال له : ليس مثلك يخاطب ، يا أحمق ( العقد الفريد 6/ 173 ).

ولما قبض الأفشين علي بابك ، في السنة 222 ، أمر عسكره فاصطفوا صفين ، وأمر أن لا يتركوا عربيا يدخل بين الصفين ، خشية أن يقتله إنسان أو يجرحه ممن قتل أولياءه ، ثم أنزل بابك يمشي بين الصفين في دراعة وعمامة وخف ، حتي وقف بين يدي الإفشين ، ثم نزلوا به راكبأ ، فلما نظر النساء والصبيان الذين في الحظيرة ، ممن كانوا في أسر بابك وأطلقوا ، إلي بابك ، الطموا علي وجوههم وصاحوا ، وبكوا ، حتي ارتفعت أصواتهم ، فقال لهم الافشين : أنتم بالأمس تقولون أسرنا ، وأنتم الليلة تبكون عليه ؟ عليكم لعنة الله ، فقالوا : كان يحسن إلينا . ( الطبري 9/ 50).

وكان المتوكل، قد بسط نديمه عبادة المخنث ، المجاهر بالعهر والبغاء ، وأباح له الدخول عليه في مباذله ، فدخل عليه يوما وهو نائم مع سوداء كان يحبها ، فلما رآه أمرها أن تغطي وجهها ، وبقيت رجلها ممدودة ، فقال له : يا أمير المؤمنين ، تنام وفي رجلك الخف ؟ فقال له : قم عليك لعنة الله ( الملح والنوادر 148).

ص: 46

وشتم خمارويه ، صاحب مصر والشام ، التاجر ابن الجصاص، فقال : لعن الله ابن الجصاص ، أفقرني في السر .

وسبب ذلك : أن ابن الجصاص اختص بخمارويه ، فكان يواكله ويشاربه ، ثم سفر في تزويج ابنة خمارويه ، قطر الندي ، بالمعتضد ، وبذل في جهازها الأموال بغير حساب ، حتي أنه لما حمل الجهاز من مصر إلي بغداد ، لحق بعض الفرش ، في الطريق مطر ، ما بين الرملة ودمشق ، فصرف في تطريته ثلاثين ألف دينار، وأضاق خمارويه بعد هذا البذل ، إضاقة شديدة ، فقال : لعن الله ابن الجصاص، أفقرني في السر ، راجع التفصيل في كتاب نشوار المحاضرة للتنوخي ج2 ص 315 رقم القصة 165/2.

وكتب الوزير علي بن عيسي إلي أحد عماله ، كتاب عزله ، فقال : وليتك من عملي جلي ، فكنت حقيرة قليلا ، مهينا ذليلا ، حصرة كلية ، فانصرف عليك اللعن طويلا . ( البصائر والذخائر57/1/2 ) .

وفي السنة 309 اعتقل حامد بن العباس ، الحلاج ، في دار العامة بدار السلطان ، فجاء أحد الموكلين به من غلمان حامد ، وذكر إنه دخل عليه ومعه طبق الطعام الذي يقدم إليه في كل يوم ، فوجد الحلاج قد ملا البيت من سقفه إلي أرضه وجوانبه ، فرمي الطبق ، وعاد وهاربأ ، فكذبه حامد، وشتمه ، وقال له : لعنك الله ، أغرب عني ( تجارب الأمم 80/1 ).

وغضب محمد بن خلف النيرماني ، كاتب ابن أبي الساج ، علي كاتبه الحسن بن هارون ، فقال له : يا عاض ( يا عاض بظر أمه ) بلغني أنك شنعت علي عند الوزير ببغداد ، والله يا كلب الأضربك خمسمائة سوط ، إمض إلي لعنة الله ( تجارب الأمم 157/1 ) .

ص: 47

وفي السنة 289 تسلم عمرو بن الليث الصقار عهدأ من الخليفة بتوليته ما وراء النهر إضافة إلي ما بيده من البلدان ، فجهز جيشة بقيادة محمد بن بشير ، لمحاربة إسماعيل الساماني ، فدخل موسي السجزي علي محمد بن بشير ، فوجده يحلق رأسه ، فقال له : هل استأذنت إسماعيل في حلق رأسك؟ يعني أن رأسه لإسماعيل، فغضب محمد ، وقال له : اغرب عني ، العنك الله ، واشتبكوا من الغد في المعركة ، فانتصر اسماعيل ، وقتل محمد ( وفيات الأعيان 6 / 436) .

ولما عزل الوزير أبن الفرات عن وزارته الثانية ، وخلفه حامد بن العباس ، أدخل الفراشون المحن ، ابن الوزير ابن الفرات ، إلي حضرة حامد ، مكورا في كساء أسود ، فأمر حامد بالمحن ، فصفع ، وأخذ المحسن يصرخ ، وحامد يقول للصانع : جود ، وأخذ المحسن يصيح : الله ، الله ، قد ذهبت - والله - عيني ، وحامد يقول : إلي لعنة الله ، راجع التفصيل في كتاب الوزراء للصابي 264 .

وروي أبو القاسم الصفار ، إنه رافقه من رأس العين ، أعرابي أراد أن يغدر به ويقتله طمعا في ماله ، وسبقه أبو القاسم فأغلق عليه ناووس، لا يمكن أن يفتح إلا من الخارج ، فلما أحس الأعرابي بمصيره ، صاح به : قتلتني ، والله ، فصاح به أبو القاسم : إلي لعنة الله ، راجع القصة بتمامها في كتاب نشوار المحاضرة للتنوخي ، في القصة رقم 5/ 131 ج 5 ص 253و250 .

وروي أبو المغيرة الشاعر ، عن شخص إنه ضرب بسيفه نباشأ ، فصاح : أوه ، قتلتني لعنك الله ، راجع القصة مفضلة في كتاب نشوار المحاضرة للتنوخي ج3 ص 237 رقم القصة 152/3 .

وروي التنوخي ، في كتابه نشوار المحاضرة ، في القصة رقم 4/ 23 إنه حضر مع أبي الفتح عبد الواحد بن هارون ، مجلس أبي الغنائم ، ابن

ص: 48

الوزير المهلبي ، لتهنئته بشهر رمضان ، وأبصرا أبا الغنائم ، وهو إذ ذاك صبي ، قد جلس في دسته ، وقد حف به رجال الدولة ، فورد الخبر بوفاة والده ، فاعتقل فورأ ، فتعلق بدراعة أحد الحاشية ، وأخذ يبكي ، ويقول : يا عم ، الله ، الله ، في ، فقال أبو الفتح : لعن الله الدنيا ، راجع تفصيل القصة في كتاب نشوار المحاضرة ج4 ص 49 - 51.

وقال عضد الدولة ، للقاضي التنوخي ، صاحب كتاب نشوار المحاضرة ، وقد غضب عليه ، وعلي أبي الفضل الشيرازي : إنا لله ، لعنكما الله ، ولا بارك فيكما ، راجع تفصيل القصة في كتاب نشوار المحاضرة للتنوخي ج4 ص 98 رقم القصة 4/ 45.

وروي التنوخي ، في كتابه نشوار المحاضرة وأخبار المذاكرة ، في القصة المرقمة 57/5 إن فتي قال لمربيته ، لما قضت عليه قصة أمه وزوجته : حسبي حسبي ، اقطعي ، لا تقولي شيئا ، لعن الله تلك المرأة ، ولا رحمها ، ولعنك معها ، راجع القصة في كتاب النشوار ج 5 ص 122 - 128 .

وغضب أحد الخدم الموكلين بأبواب الحرم في قصر الخليفة المقتدر ، علي إحدي القهرمانات ، فقال لها : خذي صندوقك ، أنت وهو ، إلي لعنة الله ، ومري ، راجع القصة مفصلة في كتاب الفرج بعد الشدة للتنوخي ، تحقيق المؤلف ، رقم القصة 478.

وغضبت قينة علي مستمعيها ، فقالت لهم : انتم قوم سفل، لعنة الله علي من يعاشركم ، راجع تفصيل القصة في الأغاني ط بولاق65/20.

وشتم السلطان الشهيد نور الدين محمود ، ساعيا ، فقال عنه : لعنه الله .

وتفصيل القصة : إن تاجرة موسرة في حلب ، توفي في أيام السلطان الملك العادل نور الدين محمود ، فكتب بعض من بحلب ، إلي السلطان ،

ص: 49

يذكر له وفاة هذا التاجر ، وأنه خلف آلاف الدنانير ، وله ولد عمره عشر سنين ، وحسن له أن يرفع المال إلي الخزانة ، إلي أن يكبر الصغير فيرضي بقسط منه ، ويمسك الباقي للخزانة ، فكتب نور الدين علي الرقعة : أما الميت فرحمه الله ، وأما الولد فأنشأه الله ، وأما المال فثمره الله ، وأما الساعي فلعنه الله ( اعلام النبلاء 68/2 ).

وفي السنة 1191 قتل الأمير يوسف بك ، من كبار المماليك بالقاهرة ، وكان قبل قتله قد حصلت له حادثة مع جماعة من الأزهريين ، خلاصتها أن شيخة أزهرية اسمه عبد الباقي ، طلق ابنة أخيه من زوجها في غياب الزوج ، وزوجها من شخص آخر ، فلما حضر الزوج من الفيوم ، وعرف الأمر ، راجع الأمير يوسف بك ، وشكا إليه الحال ، فأرسل أعوانا ، قبضوا علي الشيخ عبد الباقي ، وأهانوه ، وأحضروه ، والقيود الحديد في عنقه ، وفي رجليه ، وحبسه ، فركب جماعة من شيوخ الأزهر إلي يوسف بك ، وخاطبوه في إطلاق الشيخ عبد الباقي ، فاغتاظ منهم ، وقال : من يقول إن المرأة لها أن تطلق زوجها إذا غاب عنها ، وعندها ما تنفقه ، وما تصرفه ، ووكيله يعطيها ما تطلبه ، ثم يأتي من غيبته فيجدها مع غيره ؟ فقالوا له : هذا قول في المالكية معمول به ، ونحن أعرف بالأحكام منك ، فقال لهم يوسف بك : لو رأيت الشيخ الذي فسخ النكاح ، فقال الشيخ الجداوي : أنا الذي فسخت النكاح علي قاعدة مذهبي ، فاغتاظ منه يوسف بك ، وقام علي أقدامه ، وصرخ فيه : والله ، أكسر رأسك ، فصرخ عليه الشيخ علي الصعيدي وسبه ، وقال له : لعنك الله ، ولعن اليسرجي الذي جاء بك ، ومن باعك ، ومن اشتراك ومن جعلك أميرة ، وأخذوا الشيخ عبد الباقي من الحبس ، وخرجوا وهم يسبون ( الجبرتي 512/1 ) .

ص: 50

2 - قولهم : عدو الله

العداوة : الخصومة والمباعدة والعدو : الخصم

قال عبد الله بن مسعود ، لأبي جهل بن هشام : يا عدو الله .

وتفصيل ذلك : إن أبا جهل بن هشام ، كان من أشد المؤلبين علي النبي صلوات الله عليه ، وكان يؤذي عبد الله بن مسعود بمكة ، وسقط أبو جهل في معركة بدر جريحا مرت ، فوقف عليه عبد الله بن مسعود ، وقال له : يا عدو الله ، أخزاك الله ، فقال له : أخبرني لمن الدبرة ؟ فقال : الله ولرسوله ( الطبري 2 / 455) .

وشتم عروة بن مسعود ، ابن أخيه المغيرة بن شعية ، فقال له : يا عدو الله ما غسلت عني سوأتك إلا بالأمس ، يا غدر ( الاغاني 16 / 82).

وكان المغيرة بن شعبة ، صحب قوما في الجاهلية ، فقتلهم ، وأخذ أموالهم ، ثم جاء فأسلم ، فقال النبي صلوات الله عليه : أما الإسلام فقد قبلنا ، وأما المال فإنه مال غدر ، لا حاجة لنا فيه ( الطبري 627/2).

وشتم عمارة بن حزم، وهو صحابي عقبي بدري، زيد بن لصيب، أحد المنافقين ، قال له : يا عدو الله ، اخرج من رحلي ، وسبب ذلك ، إنهما كانا من جيش النبي في غزوة تبوك ، فندت ناقة النبي ، فقال زيد : إن محمدأ يزعم أنه يخبركم بخبر السماء ، وهو يدري أين ناقته ، وكان زيد في رحل عمارة ، وبلغ عمارة ما قال زيد ، فجاء إليه ، ووجأ عنقه ، وهو يقول : في

ص: 51

رحلي داهية ولا أدري ، أخرج عني يا عدو الله ( ابن الأثير 2/ 279 و280 والطبري 106/3 ).

وقال المهاجر ، قائد جيش المسلمين للأشعث بن قيس : يا عدو الله .

وتفصيل ذلك : أنه في السنة 11 ارتد الأشعث بن قيس باليمن ، وجمع أقواما معه من كندة ، وحاربه المسلمون ، فانهزمت كندة ، واستأمن الأشعث علي نفسه وعلي تسعة نفر معه ، يؤمنون علي أنفسهم وأهاليهم ، وكتب بذلك كتابة ، ولكنه نسي أن يثبت اسمه في الكتاب ، فلما أجاز المسلمون الأشخاص الذين وردت أسماؤهم في الكتاب ، ولم يكن الأشعث من بينهم ، قال له المهاجر ، قائد جيش المسلمين : يا أشعث ، يا عدو الله ، قد كنت أشتهي أن يخزيك الله ، وشده وثاقة ، وهم يقتله ، ثم بعث به مع السبي إلي أبي بكر ، فكان المسلمون يلعنونه ، ويلعنه سبايا قومه ، ويسمونه : عرف النار ، وهو ما يسمي به اليمانون الغادر ( الطبري 3/ 338 ).

وشتم الفاروق عمر ، شجرة بن عبد العزي ، وقال له : أي عدو الله . وسبب ذلك : إن أبا شجرة ، أرتد بعد إسلامه ، في أيام أبي بكر ، وقال أبياتا منها :

فرويت رمحي من كتيبة خالي***وإني لأرجو بعدها أن أعمرا

ثم إن أبا شجرة أسلم بعد ذلك ، وقدم المدينة في أيام الفاروق عمر ، وجاءه وهو يقسم الصدقة بين فقراء العرب ، فقال : يا أمير المؤمنين أعطني ، فإني ذو حاجة ، قال : من أنت ؟ فقال : أبو شجرة بن عبد العزي السلمي ، فقال له عمر : أي عدو الله ، ألست الذي تقول :

فرويت رمحي من كتيبة خالد

وأخذ يضربه بالدرة علي رأسه ، ففاته عدوة ( الطبري 267/3 ) .

ص: 52

ولما أعطي عثمان ، مروان بن الحكم ، وغيره من أقربائه ، من بيت المال ، اعترض أبو ذر علي ذلك ، فنفاه إلي الشام ، فأخذ يعترض علي أعمال معاوية هناك ، فأحضره معاوية ، وقال له : يا عدو الله وعدو رسوله ، إما إني لو كنت قاتلا رجلا من أصحاب النبي ، من غير إذن أمير المؤمنين القتلتك ، فقال له أبو ذر : ما أنا بعدو لله ولا لرسوله ، بل أنت وأبوك عدوان الله ولرسوله ، أظهرتما الإسلام وأبطنتما الكفر ، فحبسه معاوية ، وكتب بخبره إلي عثمان ، فأمره عثمان بأن يعيده إلي المدينة ( شرح نهج البلاغة258/8 ).

وقالت أم المؤمنين عائشة : خذوا بيد عدوة الله .

وسبب ذلك : أن أم أفعي العبدية ، دخلت علي أم المؤمنين عائشة ، فقالت لها : يا أم المؤمنين ، ما تقولين في امرأة قتلت ابنأ صغيرا لها؟ قالت : وجبت لها النار ، قالت : فما تقولين في امرأة قتلت من أولادها الأكابر عشرين ألفا ؟

قالت : خذوا بيد عدوة الله ( اعلام النساء58/1 ).

ولما ضرب عبد الرحمن بن ملجم ، الإمام علية بالسيف ، وأخذ، وأدخل علي الإمام ، فقالت له أم كلثوم إبنة علي : يا عدو الله ، قتلت أمير المؤمنين . فقال : لم أقتل أمير المؤمنين ، وإنما قتلت أباك . ( الأخبار الطول 214) .

وقال الإمام علي ، لعبد الرحمن بن ملجم ، لما ضربه بالسيف : أي عدو الله ، ألم أحسن إليك ؟ قال : بلي ، قال : فما حملك علي هذا ؟ قال : شحذت سيفي أربعين صباحا ، وسألت الله ، أن يقتل به شر خلقه ، فقال عليه السلام : ما أراك إلا مقتولا به ، ولا أراك إلا من شر خلقه ، ثم قال لابنه الحسن : إن مت من ضربته هذه ، فضربة بضربة ، ولا يمثل بالرجل ،

ص: 53

فأتي سمعت رسول الله يقول : إياكم والمثلة ، ولو بالكلب العقور . ( اعلام النساء 210/4 ) .

ولما ضرب عبد الرحمن بن ملجم ، الإمام علي بالسيف ، وانصرف الناس من صلاة الصبح ، أحدقوا بابن ملجم ، ينهشون لحمه بأسنانهم كأنهم السباع ، ويقولون : يا عدو الله ، ماذا صنعت ، أهلكت أمة محمد ، وقتلت خير الناس ، وإنه لصامت ما ينطق ( شرح نهج البلاغة 6 / 118 و 119 ).

وقال معاوية ، لآمنة بنت الشريد : يا عدوة الله .

وسبب ذلك : أن عمرو بن الحمق الخزاعي ، زوج آمنة ، كان من اتباع علي ، ولما قتل علي ، وصالح الحسن معاوية ، كان من جملة شروط الصلح ، أن لا يتطلب معاوية أحدا من أصحاب علي ، عن تصرفات سابقة ، ولكن معاوية لم يف بما اشترط علي نفسه ، وبعث في طلب شيعة علي ، وكان عمرو بن الحمق الخزاعي من جملتهم ، فراغ منه ، فأرسل إلي آمنة زوجة عمرو ، فحسبها في سجن دمشق ، وظلت سجينة سنتين ، حتي ظفر معاوية بعمرو ، وقتله ، وقطع رأسه ، وبعث بالرأس إلي آمنة ، وهي في سجنها ، وأمر الحرسي أن يطرح الرأس في حجرها ، ففعل الحرسي ذلك ، فارتاعت آمنة ، ساعة ، ثم وضعت يدها علي رأسها ، وقالت : واحزناه ، نفيتموه عني طوي ، وأهديتموه إلي قتيلا ، فأهلا وسهلا بمن كنت له غير قالية ، وأنا اليوم له غير ناسية ، ثم قالت للحرسي : أيها الرسول ، آرجع إلي معاوية ، وقل له : أيتم الله ولدك ، وأوحش منك أهلك ، ولا غفر لك ذنبك ، فأخبر الحرسي معاوية بما قالت ، فأحضرها ، وقال لها : يا عدوة الله ، أنت صاحبة الكلام الذي بلغني ؟ ( اعلام النساء 4/1 ) .

وقال زياد بن أبيه ، لفتي من كندة : يا عدو الله .

في السنة51 طلب زياد فتي من كنده اسمه صيفي بن فسيل ، فجيء به اليه ، فقال له : يا عدو الله ، ما تقول في أبي تراب ؟ فقال : ما أعرف أبا

ص: 54

تراب، فقال له : أما تعرف علي بن أبي طالب؟ قال: بلي قال: فذاك أبو تراب ، قال : كلا ، ذاك أبو الحسن والحسين ، فقال له صاحب الشرطة : يقول لك الأمير هو أبو تراب ، وتقول أنت لا ، فقال : وإن كذب الأمير ، أتريد أن أكذب ، وأشهد له علي باطل كما شهد ، فقال زياد علي بالعصا ، فأتي بها ، ثم قال له : ما قولك في علي ؟ قال : أحسن قول أنا قائله في عبد من عباد الله المؤمنين ، فأمر به ، فضرب بالعصا حتي لزم الأرض ثم أقلعوا عنه ، وسأله : ما قولك في علي ؟ فقال : والله ، لو شرحتني بالمواسي والمدي ، ما قلت إلا ما سمعت مني ( الطبري266/5 ).

وشتم يزيد بن معاوية ، السيدة زينب ابنة الإمام علي ، فقال لها : با عدوة الله .

وسبب ذلك : أنه لما قتل الإمام الشهيد الحسين ، في كربلاء ، وسيق بناته وجميع النساء سبايا إلي دمشق ، وأوقفن أمام يزيد ، نظر أحد الشاميين ، من اتباع يزيد ، إلي فاطمة بنت الإمام علي ، وكانت صغيرة وضيئة ، فقال : يا أمير المؤمنين ، هب لي هذه، فارتعدت فاطمة ، وتعلقت بأختها زينب ، فصاحت به زينب : كذبت ، ولؤمت ، ما ذاك لك ، ولا له . فغضب يزيد ، وقال لها : كذبت ، أن ذلك لي ، ولو شئت أن أفعله ، فعلته . فقالت له : كلا، والله ، ما جعل الله لك ذلك ، إلا أن تخرج من ملكتنا، وتدين بغير ديننا . فاستطار يزيد غضبة . وقال : إنما خرج من الدين أبوك ، وأخوك . فقالت : بدين الله ، ودين أخي ، وأبي ، وجدي ، اهتديت أنت ، وأبوك ، وجدك ، فقال : كذبت يا عدوة الله . فقالت : أنت أمير مسلط ، تشتم ظالمين ، وتقهر بسلطانك ، فسكت . وعاد الشامي يطالب يزيد ، ويقول له : هب لي هذه الجارية ، فصاح به يزيد : أغرب ، وهب الله لك حتفة قاضية . ( اعلام النساء 94/2 و95).

ص: 55

وشتم عدي بن حاتم الطائي ، عبد الله بن كامل أحد قواد المختار الثقفي ، فقال له : يا عدو الله.

وسبب ذلك : أن حكيم بن طفيل الطائي ، كان قد اشترك في معركة الطف وأصاب ساب العباس أخا الحسين ، ورمي الحسين بسهم ، وكان يقول : تعلق سهمي بسر باله وما ضره ، فأمر المختار قائده عبدالله بن كامل بإحضاره ، فذهب إليه وأخذه ، وأقبل به ، وذهب أهله فاستغاثوا بعدي بن حاتم الطائي ، فكلم عدي عبدالله بن كامل في إطلاقه ، فقال له : إن أمره إلي الأمير المختار ، فمضي عدي نحو المختار . فقال أصحاب عبدالله : إنا نخاف أن يشفع الأمير عديا في هذا ، فدعنا نقتله ، فقال : شأنكم به ، فنصبوه غرضة، ورموه بالسهام رشقة واحدة ، فخر ميتة وكأنه قنفذ من كثرة النبل ، ولما فرغ عبدالله منه ، دخل علي الأمير المختار ، فوجد عدي عنده ، فسأله المختار عن حكيم ، فقال : قتلته الشيعة ، وقد غلبتني عليه ، فلم أتمكن من خلاصه ، فقال له عدي : كذبت يا عدو الله ، ولكنك علمت أن من هو خير منك سيشفعني فيه ، فبادرت بقتله ، فغضب ابن كامل ، وأستوفز لعدي يريد أن يرد عليه ، فوضع المختار إصبعه علي فيه ، أمرا له بالسكوت ، فسكت ( الطبري62-60/6).

وحصر الخوارج ، في السنة 68 مدينة إصبهان ، فكانوا يتشاتمون مع المحصورين يقول كل واحد منهم للأخر : يا أعداء الله . .

في السنة 68 حصر الخوارج مدينة اصبهان ، وفيها القائد عتاب بن ورقاء ، فكان يخرج إليهم في كل يوم يقاتلهم علي باب المدينة ، ويرميهم من فوق السور، بالنبل والنشاب والحجارة، وكان فيهم رجل شجاع من حضرموت ، يقال له : أبو هريرة ، فكان أبو هريرة يحمل علي الخوارج وهو يرتجز :

ص: 56

كيف ترون يا كلاب النار*** شد أبي هريرة الهرار

بهركم بالليل والنهار***يا ابن أبي الماحوز والاشرار

فاغتاظ الخوارج من شتمه لهم ، وكمن له أحدهم ، وضربه بالسيف علي حبل عاتقه ، فصرعه ، وأحتمله أصحابه ، فأدخلوه وداووه ، فكان الخوارج ينادونهم : يا أعداء الله ، ما فعل أبو هريرة الهرار ، فيجيبونهم : يا أعداء الله ، ما عليه بأس ، ولم يلبث أبو هريرة أن بريء ، وخرج عليهم ، فقالوا له : يا عدو الله ، لقد رجونا أن نكون قد أزرناك أمك ، فقال لهم : يا فساق ما ذكركم أمي ، فأخذوا يقولون : إنه ليغضب لأمه وهو آتها عاجلا ، فقال له أصحابه : ويحك ، إنما يعنون النار ، ففطن ، وقال لهم : يا أعداء الله ، ما أعقكم لأمكم حين تنتفون منها، إنما تلك أمكم ، وإليها مصيركم ( الطبري126و125/6).

وفي السنة 18 لما قتل مصعب بن الزبير ، المختار الثقفي ، أخذ أسماء بنت النعمان بن بشير الأنصاري ، امرأة المختار ، وقال لها : ما تقولين في المختار ؟ فقالت : إنه كان تقيأ ، صوامة ، قواما ، فقال لها : يا عدوة الله أنت ممن يزكيه ؟ وأمر بها فقطعت عنقها ، وكانت أول امرأة ضرب عنقها صبرة . ( اليعقوبي 264/2 ) .

ولما أعلن عبد الله بن الزبير ، خلافته بمكة ، انحاز إليه قوم من الخوارج ، ثم سألوه عن رأيه في عثمان ، فامتدحه ، وقال : أنا ولي أوليائه ، وعدو أعدائه ، قالوا : فبريء الله منك يا عدو الله ، قال : فبريء الله منكم يا أعداء الله . ( الطبري566/5 ).

وتقابل جند البصرة ، يقودهم المهلب ، بسولاف ، بالخوارج ، فتشاتموا ، فقال لهم أصحاب المهلب : يا أعداء الله ، وقال لهم الخوارج : يا اخوان الشياطين ، وأولياء الظالمين، وعبيد الدنيا .

ص: 57

تصاف في السنة 72 جند البصرة يقودهم المهلب بن أبي صفرة ، والخوارج ، وكان الخوارج قد بلغهم خبر مقتل مصعب بن الزبير بدير الجاثليق وانتصار عبد الملك بن مروان ، فقالوا لجند البصرة : ما تقولون في مصعب ؟ قالوا : إمام هدي ، وهو ولينا في الدنيا والآخرة ، ونحن أولياؤه أحياء وأمواتا ، قالوا : فما قولكم في عبد الملك بن مروان ؟ قالوا : ذاك ابن اللعين ، نحن إلي الله منه براء ، وهو عندنا أحل دمأ منكم ، ونحن أعداؤه أحياء وأمواتا ، قالوا : فإن أمامكم مصعبة قد قتله عبد الملك بن مروان ، وتراكم ستجعلون غدة عبد الملك إمامكم ، وأنتم الآن تتبرون منه ، وتلعنون أباه ، قالوا : كذبتم يا أعداء الله ، فلما كان من الغد ثبت لهم قتل مصعب ، فبايع المهلب الناس لعبد الملك ، فأتتهم الخوارج ، فقالوا : ما تقولون في مصعب ؟ قالوا : يا أعداء الله ، لا نخبركم ما قولنا فيه ، فقالوا ، ما تقولون في عبد الملك ؟ قالوا : هو إمامنا وخليفتنا، فقالت لهم الأزارقة : يا أعداء الله ، أنتم بالأمس تتبرأون منه في الدنيا والآخرة ، وهو اليوم إمامكم وخليفتكم ، وقد قتل إمامكم الذي كنتم تتولونه ، فأيهما المحق ، وأيهما المهندي ، وأيهما الضال ، قالوا : يا أعداء الله ، رضينا بذاك ، فقال لهم الخوارج : يا إخوان الشياطين ، وأولياء الظالمين ، وعبيد الدنيا ( الطبري169و168/6 وسرح العيون في شرح رسالة ابن زيدون 107).

وقال الأخطل لعبد الملك بن مروان ، وكان قد أجلس زفر بن الحارث الكلابي معه علي السرير : يا أمير المؤمنين ، أتجلس عدو الله هذا معك علي السرير وهو القائل :

وقد ينبت المرعي علي دمن الثري***وتبقي حزازات النفوس كما هيا

فقبض عبد الملك رجله ، وركل بها صدر زفر حتي قلبه عن السرير فقال زفر : أنشدك الله يا أمير المؤمنين ، والعهد الذي أعطيتني ، وكان زفر قد حارب عبد الملك ، ثم نزل إليه بالأمان وبايعه ( الاغاني 8/ 297 ) .

ص: 58

وقال الحجاج ، لإحدي الجواري : يا عدوة الله ، دفعتك إلي ابن عمي ، فهربت .

وتفصيل القصة : إن فتي من قريش ، كانت له جارية ، وكان بها معجبة ، ثم أضاق ، فحملها إلي العراق ، واشتراها الحجاج ، وقدم علي الحجاج ، فتي من ثقيف ، فأنزله وألطفه ، ورآه يحد النظر إلي الجارية ، والجارية تسارقه النظر ، فأهداها إليه ، فما لبثت إلا سواد ليلتها ، وهربت منه ، فأمر بالبحث عنها ، وجيء بها إليه ، فقال لها : يا عدوة الله ، اخترت لك ابن عمي ، شابا حسن الوجه ، ورأيتك تسارقينه النظر ، فهربت . فقالت يا سيدي ، اسمع قصتي ، كنت لفلان القرشي ، وجاء بي إلي الكوفة ليبعني ، فلما صرنا قريبا من الكوفة ، بتنا خارجها ، فسمع زئير الأسد، فنهض واخترط سيفه ، وقتل الأسد ، وعاد وما برد ما به ، أما ابن عمك هذا ، فإنه لما أظلم الليل ، وقعت فارة من السقف علي ظهره ، فضرط ، ثم وقع مغشيا عليه ، فمكثت طويلا أقلبه ، وأحركه ، وأرش الماء علي وجهه ، وهو لا يفيق ، فخفت أن تتهمني بقتله ، فهربت . فقال لها الحجاج : ويحك ، لا تعلمي بهذا أحدأ ، فإنه فضيحة . قالت : يا سيدي ، علي أن لا تردني إليه . ( البصائر والذخائر 1/3 / 322) .

وتحرش الفرزدق ، بامرأة شريفة ، فأخبرت النوار زوجته بذلك ، فقالت لها : واعديه ، فواعدته ، وأخبرت النوار ، فحضرت ، فلما جاء الفرزدق ، وجد زوجته النوار ، فقالت له : يا عدو الله ، يا فاسق . ( الاغاني 21 / 360 و361 ).

ولما قتل الحجاج ، عبد الله بن الزبير ، بعث إلي أمه أسماء بنت أبي بكر الصديق أن تأتيه ، فأبت ، فقال : والله ، لئن لم تأتني لأبعث إليها من يجر بقرون رأسها، ويسحبها حتي تصل إلي، فأصرت علي الإباء . فأقبل

ص: 59

الحجاج حتي وقف عليها ، وقال لها : كيف رأيت ما فعل الله بأبنك عدو الله ؟ فقالت : إن الله قد اختاره ، بلغني يا حجاج إنك تنقصني ، إذ تسميني ذات النطاقين ، أو تدري ما نطاقاي ؟ أما الأول فقد شددت به سفرة رسول الله يوم غزوة بدر ، وأما الثاني فأوثقت به نطاق بعيره ، فقال لي : إما أن لك بهما نطاقان في الجنة ( الامامة والسياسة 35/2 ) .

ولما انتصر الحجاج بجنود الشام ، علي أهل العراق ، في واقعة دير الجماجم ، جيء إليه بأعشي همدان ، فقال له : إيه يا عدو الله ، أنشدني قولك : بين الأشج وبين قيس ، وهي أبيات مدح بها عبد الرحمن بن الأشعث ، فأنشده إياها ، فلما وصل إلي البيت ، في مدح عبد الرحمن :

بين الأشج وبين قيس باذخ ***بخ بخ لوالده وللمولود

قال له الحجاج : لا والله لا تبخبخ بعدها لأحد أبدأ ، ثم قدمه فضرب عنقه ( الطبري375/6 - 378 ).

وشكت السيدة سكينة زوجها زيد بن عمرو بن عثمان ، إلي أمير المدينة ، عمر بن عبد العزيز ، فأحال القضية إلي القاضي ابن حزم ، وعقد القاضي مجلس القضاء في بيته ، ودخلت سكينة ، وثنيت لها الوسادة ، وجلست تحف بها ولائدها، فقال لها القاضي : با ابنة الحسين ، إن الله يحب القصد في كل شيء ، فقالت له : وما أنكرت مني ؟ إني وإياك لكالذي يري الشعرة في عين صاحبه ولا يري الخشبة في عينه ، فقال لها : أما والله لو كنت رجلا لسطوت بير ، فقالت له : يا ابن فرتني ، ألا تزال تتوعدني ، أما والله ، لو كان أهل الحرة أحياء القتلوا هذا العبد اليهودي عند شتمه إياي ، أي عدو الله ، تشتمني ، وأبوك الخارج مع يهود صبابة بدينهم ، لما أخرجهم رسول الله إلي أريحاء ، وكان القاضي يقلق لأن امرأته تسمع هذه الأقوال فيه ، ثم حكم بأن سكينة إن جاءت ببينة وإلا فاليمين علي زيد، وعادوا إلي

ص: 60

عمر بن عبد العزيز فأخبروه الخبر ، فجعل يضحك حتي أمسك بطنه ، ثم أصلح بين سكينة وزوجها ( الاغاني157و156/16 ) .

وحج سليمان بن عبد الملك في السنة 97 ، فبعث إلي أبي حازم ، وحادثه ، وكان من جملة الأسئلة التي وجهها إليه : ماذا تقول فيما نحن فيه ؟ فقال : إن آباءك قهروا الناس بالسيف ، وأخذوا الملك عنوة من غير مشورة من المسلمين ولا رضا، حتي قتلوا عليه مقتلة عظيمة ، فقال له رجل من الجلساء : بئس ما قلت يا أبا حازم ، فقال له أبو حازم : كذبت يا عدو الله ، إن الله أخذ ميثاق العلماء ، ليبيننه للناس ، ولا يكتمونه . ( وفيات الأعيان 422/2و423) .

وأدخل مخنث علي العريان بن الهيثم ، صاحب شرطة الكوفة ، فقال له : يا عدو الله ، أتتخنث وأنت شيخ ؟ فقال : مكذوب علي ، كما كذب علي الأمير أعزه الله ، فاستوي جالسة ، وقال له : ما قيل في ؟ قال : يسمونك العريان وعندك أكثر من عشرين جنية . ( الاذكياء 146 ).

وادعي رجل علي آخر ، عند إياس القاضي ، إنه أودع عنده مالا ، وجحده الأخر ، فقال إياس للمدعي : أي شيء كان في الموضع الذي استودعته المال فيه ، فقال : شجرة ، فقال له : أذهب إليها وانظر فعله يتبين لك ما يؤدي إلي الحصول علي حقك ، فذهب ، وبعد هنيهة ، التفت إياس إلي المدعي عليه الجاحد ، وسأله : تراه وصل إلي الشجرة ؟ فقال له : كلا ، فقال له إياس : يا عدو الله إنك لخائن ، وألزمه بأداء ما استودع. ( وفيات الاعيان 467/1) .

ولما هجا الكميت اليمن ، دس له خالد القسري عند هشام بن عبد الملك ، من أنشده قصائد الكميت في مدح العلويين ، فأمر بحبسه ، فأخذه خالد وحبسه ، وزارته امرأته في السجن ، فألبسته ثيابها وإزارها وخمرته،

ص: 61

فخرج من السجن واستتر ، ولما طال الأمر علي السجان ، نادي الكميت ، فلم يجبه ، ودخل ليعرف خبره ، فصاحت به المرأة : وراءك ، لا أم لك ، فمضي السجان صارخا إلي خالد، فأحضرها ، وقال لها : يا عدوة اللله ، احتلت علينا ، لأملن بك ، فاجتمع عليه بنو أسد، فخافهم ، وخلي سبيلها ( الاغاني 17 / 4 و5 ).

وقال يوسف بن عمر ، لرجل ولاه عملا : يا عدو الله ، أكلت مال الله ، فقال له : فمال من آكل منذ خلقت إلي الساعة ؟ والله ، لو سألت الشيطان درهما واحدا ما أعطانيه ( وفيات الأعيان 108/7 ).

وجيء إلي عتبة بن النهاس العجلي ، بامرأة من الخوارج ، فقال لها : يا عدوة الله ، ما خروجك علي أمير المؤمنين ؟ ألم تسمعي قول الله عز وجل :

كتب القتل والقتال علينا***وعلي الغانيات جر الذيول

فهزت رأسها ، وقالت : يا عدو الله ، جهلك بكتاب الله حملني علي الخروج ( معجم الأدباء 94/6 ).

ولما حبس مروان الحمار، ابراهيم الإمام، أراد أصحابه أن يعرفوا لمن يوصي بالأمر من بعده ، فذهب يقطين في صورة تاجر إلي حران، وادعي أن له مالا علي إبراهيم ، ودخل عليه السجن ، فقال له : يا عدو الله ، إلي من أوصيت بعدك آخذ مالي منه ؟ ففهمها ابراهيم ، وقال : ابن الحارثية ، يعني أخاه السفاح ، فعاد يقطين إلي أصحابه ، وأعلمهم بالأمر ، فبايعوا السفاح ( الاعلام 9/ 276 ).

وقالت زينب بنت سليمان بن علي العباسية ، لمزنة ، زوجة مروان الأموي ، آخر حكام بني أمية : لا حياك الله ، ولاقربك ، الحمد لله الذي

ص: 62

أزال نعمتك ، وأدال عزك ، وصيرك عبرة ونكالا ، أتذكرين يا عدوة الله حين أتاك عجائز أهل بيتي يسألنك أن تكلمي صاحبك في إنزال إبراهيم بن محمد من خشبته ، فلقيتهن ذلك اللقاء ، وأخرجته ذلك الإخراج ، الحمد لله الذي أزال نعمتك ، راجع القصة مقصلة في كتاب الفرج بعد الشدة للقاضي التنوخي تحقيق المؤلف ، رقم القصة 389.

وتشاتم إبراهيم الموصلي ، مع جوار لا يعرفهن ، فقلت له : يا عدو الله ، وقال لهن : يا عدوات الله .

و روي ابراهيم الموصلي ، إنه قصد قصر الخلافة ، بعد صلاة المغرب ، ومر في طريقه بزنبيل كبير علي الأرض ، مستوثق منه : بحبال ، وأربع عري أدم ، وقد دلي من القصر ، فجلس في الزنبيل ، فارتفع به حتي صار في أعلي القصر ، فلما نزل ، إذا بجوار كالمها ، فضحكن ، وقلت له : يا عدو الله ، ما أدخلك إلينا ؟ فقال له : يا عدوات الله ، ولم صار من أردت إدخاله أولي مني ؟ راجع تفصيل القصة في كتاب الأغاني247-244/5 .

وقالت أم جعفر الانصارية ، للأحوص : يا عدو الله ، صدقت .

وسبب ذلك : أن الأحوص ، كان يشبب بأم جعفر الانصارية ، ويذكرها في شعره ، فلما أكثر من ذكرها ، جاءت متنقية ، فوقفت عليه في مجلس قومه ، وهو لا يعرفها ، فادعت عليه ثمن غنم زعمت أنه اشتراها منها ، فأنكر الأحوص ، وحلف أنه لا يعرفها ، ولم يرها قبل ذلك ، ولم يشتر منها شيئا ، وبعد أن كرر يمينه مجتهدأ ، كشفت عن وجهها، وقالت له : يا عدو الله صدقت ، أنت لا تعرفني ، وأنا أم جعفر التي تذكرها في شعرك ، وتدعي أنك قلت لها ، وأنها قالت لك ، فخجل الأحوص ، وانكسر ( اعلام النساء 161/1)

وخرج أبو عبد الرحمن ، من المدينة ، إلي خراسان ، غازية ، وخلف

ص: 63

عند زوجته ثلاثين ألف دينار ، وكان ولده ربيعة حملا في بطن أمه ، وغاب عن المدينة سبعة وعشرين عاما ، وقدم المدينة بعد ذلك وهو راكب فرسا ، وفي يده رمح ، فنزل عن فرسه ، ودفع الباب برمحه ، فخرج إليه رجل، فقال له : يا عدو الله ، تهجم علي منزلي ؟ فقال له أبو عبد الرحمن : يا عدو الله ما وجودك في منزلي ؟ وتواثبا، وتلبب كل واحد منهما صاحبه ، حتي اجتمع الجيران ، وكثر الضجيج ، فقال مالك بن أنس ، لأبي عبد الرحمن : أيها الشيخ لك سعة في غير هذه الدار ، فقال الشيخ : الدار داري ، وأن أبو عبد الرحمن ، فسمعت الزوجة ، وهي داخل الدار ، كلامه ، فخرجت ، وقالت : صدق ، هذا زوجي ، ثم قالت له : هذا الذي في الدار ولدك ربيعة ، الذي تركته حملا في بطني ، فتعانقا ، وبكيا . (تاريخ بغداد للخطيب 421/8و 422) .

وعتب جعفر البرمكي ، علي إسحاق الموصلي ، وقال له : إنك لا تغشانا ، فقال له : إذا حضرت حجبني خادمك نافذ ، فقال له جعفر : إذا حجبك عني فنكه ، فكتب إليه إسحاق بعد أيام :

جعلت فداءك من كل سوء ***إلي حسن رأيك أشكو أناسا

يحولون بيني وبين السلام***فلست أسلم إلا اختلاسا

وأنفذت أمرك في نافذ*** فما زاده ذاك إلا شماسا

قال إسحاق : فأحضرني ، وأحضر نافذ ، وقرأ عليه الأبيات ، وقال له : فعلتها يا عدو الله ؟ فغضب نافذ حتي كاد يبكي ، ثم لم يعد بعدها إلي التعرض لاسحاق ( معجم الأدباء 214/2) .

ودخل علي بن الهيثم ، المعروف بجونقا ، علي المأمون ، فقال له : يا عدو الله ، يا فاسق ، يا لص ، يا خبيث ، سرقت الأموال وانتهبتها ، والله لافرق بين لحمك وعظمك . ( معجم الأدباء 5 / 455 ).

ص: 64

وتظاهر المأمون بالغضب علي الأحول المحرر ، فقال له : يا عدو الله ، تأخذ مالي ، وتشتري به غلاما يفر منك .

وخلاصة القصة ، إن الأحول المحرر ، كان حسن الخط ، وكان تابعا لمحمد بن يزداد وزير المأمون ، وشخص مع ابن يزداد ، لما رافق المأمون إلي دمشق ، وأنه شكا يومة إلي أبي هارون ، خليفة ابن يزداد ، الوحدة ، والغربة ، وقلة ذات اليد، وسأله أن يكلم ابن يزداد ، فكلمه ، وكلم المأمون ، فوصله بأربعة آلاف درهم ، فلما قبض الأحول المال ، اشتري غلاما بمائة دينار ، واشتري سيفا ومتاعا ، وأسرف فيما بقي حتي لم يبق معه شيء ، فلما رأي الغلام ذلك ، أخذ ما كان في البيت وهرب ، فبقي الأحول عريانة بأسوء حال ، وأخبر أبا هارون بالحال ، فأخذ أبو هارون طومار ، ونشره ، ووقع في آخره :

فر الغلام فطار قلب الأحول ***وأنا الشفيع وأنت خير مؤمل

ثم ختمه ، ودفعه إليه ، وأمره أن يوصله إلي ابن يزداد ، ففضه وأضاف إليه بيتا آخر :

لولا تعنت أحمد لغلامه ظل الغلام ربيطة في المنزل

ثم أخذ الأحول إلي المأمون ، وحدثه بقصته ، فتظاهر المأمون بالغضب ، وقال له : يا عدو الله ، تأخذ مالي ، فتشتري به غلاما يفر منك ، فارتاع وتلجلج ، وقال : ما فعلت ( معجم الأدباء 2 / 28 و 29 ).

ومدح رجل رجلا عند الفضل بن الربيع ، فقال له الفضل : يا عدو الله ، ألم تذكره عندي بكل قبيح ؟ فقال : ذاك في السر، جعلت فداك . ( البصائر والذخائر 184/1/2).

ووقف يحيي بن معين ، علي حلقه أبي البختري ، وهو يحدث بحديث

ص: 65

يرويه عن جعفر الصادق ، أن جبريل نزل علي النبي ، وعليه قباء ومنطقة مخنجرة بخنجر ، فقال له يحيي : كذبت يا عدو الله ، ( وفيات الأعيان 40/6 )

وغضب الوزير عبيد الله بن سليمان ، علي أحد العمال ، فقال له : يا الص ، يا عدو الله .

وخلاصة القصة أن النهيكي العامل ، كان أثيرة عند الوزير عبيد الله ، فولاه بادوريا ، ( وهي المنطقة التي تضم الآن كرخ بغداد بتمامه ، بضمنه الشيخ معروف والحارثية ، راجع أطلس بغداد للدكتور أحمد سوسه ) ، ومن صلح لتقلد بادوريا ، صلح لتقلد ديوان الخراج ( مديرية الواردات العامة ) ومن صلح لديوان الخراج ، صلح للوزارة ، وذلك لأن المعاملات ببادوريا كثيرة مختلفة ، لأنها عرصة المملكة ، وعاملها يعامل أولاد الخلافة ، والوزراء ، والقواد ، والكتاب ، والاشراف ، ووجوه الرعية ، فإذا ضبط اختلاف تلك العادات ، وقام بإرضاء هذه الطبقات ، صلح للأمور الكبار ، وبالنظر للعلاقة الطيبة بين النهيكي والوزير ، فقد كان يقل الحفل بأصحاب ديوان الخراج ، ولا يرد علي رسائلهم ، فحقدها عليه صاحب الديوان ، وأحضره أمام الوزير ، فأجاب أجوبة مدل ، فأغضب الوزير ، وقال له : يا الص ، يا عدو الله ، راجع القصة مفصلة في كتاب نشوار المحاضرة للتنوخي ج8 ص 23 - 26 رقم القصة 6/8 )

وتخاصم رجلان في مجلس أحمد بن طولون ، فقال للقاضي بكار : احكم بينهما، فنظر في القضية ، وتوجه اليمين علي أحدهما، فاستحلفه فحلف ، فقال الخصم : أيها القاضي ، استحلفه لي برأس الأمير ، فقال بكار : التحليف بالله الذي هو أعظم من الأمير ، فأبي الخصم إلا أن يستحلفه برأس الأمير ، فقال له بكار : تحلف برأس الأمير ؟ قال : لا ، فقال له بكار : يا عدو الله ، تحلف بالله خالق السموات والأرض ، وتتمنع أن تحلف برأس

ص: 66

مخلوق مثلك ؟ ، قال : فحظي الرجل بعد ذلك عند أحمد بن طولون ( أخبار القضاة 511).

وقال الوزير أبو الحسن بن الفرات ، لعامل الأهواز : با عدو الله ، يا خائن ، يا لض .

وسبب ذلك : إن أبا أحمد الحسن بن محمد الكرخي ، كان يتقلد المسرقان من أعمال الأهواز ، فعملت له مؤامرة ، ولم يكن فيها باب واحد يظهر وجوبه ، وأخرج في باب المرافق ما جرت العادة بالتأول فيه ، ثم ظهر اللوزير أنه قد أخذ من ضيعة واحدة مرفقة مقداره خمسمائة دينار ، فأهمل الوزير المؤامرة ، وقال للعامل : يا عدو الله ، با خائن با لض ، تأخذ من ضيعة واحدة ، ورجل واحد، خمسمائة دينار مرفقا ، وتقديره نصف ارتفاعه ، فكم أخذت من أهل الكورة ، فبهت العامل، وقبل يد الوزير مرارة ، وأعطي خطه بأداء سبعة آلاف دينار . ( الوزراء للصابي 188 و 189).

وقال الوزير أبو الحسن بن الفرات ، للتاجر أبي عبد الله ابن الجصاص : با عدو الله أو تستحل هذا ؟

وسبب ذلك : إن ابن الفرات لما وزر للمقتدر ، ضايق ابن الجصاص في معاملاته ، فجاء ابن الجصاص إليه ليلا ، وخلا به ، وأقسم له إنه إن بقي علي مضايقته ، فسوف يقصد الخليفة ، ويقدم له ألفي ألف دينار ، ويطلب منه عزل ابن الفرات ، ونصب آخر غيره ، فقال له ابن الفرات : يا عدو الله ، أو تستحل هذا ؟ فأجابه قائلا : لست عدو الله ، بل عدو الله من استحل مني ما أحوجني إلي الفكر في مثل هذا .

راجع القصة بتفاصيلها في كتاب نشوار المحاضرة وأخبار المذاكرة اللقاضي التنوخي ج 1 ص 29- 35 رقم القصة 9/1.

ص: 67

وغني رجل في المسجد الحرام ، صوتا ، فقال له خدام المسجد : يا عدو الله تغني في المسجد الحرام ؟ ورفعوه إلي صاحب الشرطة ، فرافقه قرشي كان يسمعه في المسجد ، وقال لصاحب الشرطة : كذبوا عليه أصلحك الله ، إنما كان يقرأ ، فقال : يا فساق ، تأتوني برجل قرأ القرآن ، تزعمون إنه غني ، وأطلقه ، فلما خلي ، قال له القرشي : والله ، لولا أنك أحسنت وأجدت ، ما شهدت لك ، أذهب راشدأ . ( العقد الفريد 14/6 و15 ) .

ووقف أعرابي ، علي جماعة يأكلون ، فدعوه ليأكل معهم ، فصاح غراب ، فطرده الأعرابي ، وقال له : كذبت يا عدو الله ، وقال للجماعة : إن هذا الغراب يقول : إنكم ستقتلونني ، فاستحمقوه ، ثم أنهم لما أتموا أكلهم وهبوا له ما بقي من الطعام ، فحمل السفرة علي عاتقه بما فيها ، وكان فيها سكين حادة ، دخلت بين كتفيه ، وأوقذته ، فخر صريعا ، وهو يقول : صدق الغراب لعنه الله ، راجع القضة مفصلة في كتاب نشوار المحاضرة للتنوخي ج2 ص 322 و 323 ، في القضة رقم 169/2.

وقال أهل حمص ، لامرأة عيار بغدادي : يا عدوة الله .

وخلاصة القصة : إن عبارة بغدادية ، تحايل علي أهل حمص ، بأن البس جبة صوف ، ولزم المسجد بحمص ، يصلي ليله ونهاره أجمع ، ولا يكلم أحدأ ، وكان قد اتفق مع امرأته أن تعد له في كل يوم طعاما يقوته ، تتركه له في زاوية الميضأة ، فتنبه الحمصيون إلي صلاته ، وصيامه ، وسكوته ، فأخذوا يتمسحون به ، ويأخذون التراب من موضع قدمه ، حتي إذا رسخت منزلته عندهم ، جاءت امرأته إلي المسجد، وصاحت ، وأمسكت به ، وادعت عليه أنه قتل ولدها ، ولجأ إلي حمص هاربة من السلطان ، فقال لها الحمصيون : يا عدوة الله هذا من الأبدال ، ومن قوام العالم ، وعندها نطق الرجل ، وأقر بأنه قتل ابن المرأة ، وتاب ، وفر إلي الله هاربا من ذنوبه ،

ص: 68

فكلم الحمصيون المرأة ، في قبول دية ولدها ، وجمعوا لها مائة ألف درهم ، وعروضة أخري ، فأخذتها ، وبارحت حمص، وأقام الرجل بعدها أياما يسيرة ثم لحق بها ، للتفصيل راجع كتاب نشوار المحاضرة للقاضي التنوخي ج 2 ص 355-351رقم القصة 187.

ص: 69

3- قولهم : أخزاه الله

الخزي : في الأصل ، أن يفعل الرجل فعلة يستحي منها وينكسر لها وصرفت إلي الهلاك والذل وقولهم : أخزاه الله ، أي كسره وأهانه وأذله ( الفاخر 9)

كان معاوية قد بعث بسر بن أرطاة في جنډ، وأمره بقتل أنصار علي ، فكان من جملة من قتل ، طفلين من ابناء عبيد الله بن العباس ، أمير اليمن العلي ، ودخل عبيد الله يوما علي معاوية ، فوجد بسرا ، فقال له : أيها الشيخ ، أنت قاتل الصبيين ؟ قال : نعم . قال : وددت والله لو أن الأرض أنبتني عندك يومئذ ، فقال له بسر : فقد أنبتتك الساعة ، فقال عبيد الله : الاسيف ؟ فقال بسر : هاك سيفي ، فأهوي عبيد الله ليأخذه ، فقبض الحاضرون علي يد عبيد الله ، وأقبل معاوية علي بسر ، فقال له : أخزاك الله من شيخ ، كبرت ، وذهل عقلك ، تعمد إلي رجل موتور من بني هاشم ، فتدفع إليه سيفك . ( مروج الذهب 125/2).

ولما بلغ عبيد الله بن زياد ، موت يزيد ، خطب في أهل البصرة ، وطلب منهم أن يبايعوه ، حتي يتفق الناس علي أحد ، فقام يزيد بن الحارث اليشكري ، وقال : أخزي الله ابن سمية ، لا والله ولا كرامة ، فأمر به عبيد الله ، فلبب ، وأخذ إلي السجن ، فقامت بكر بن وائل ، فحالت دون حبسه . ( الإمامة والسياسة 16/2).

وهجا سراقة البارقي ، جريرة الشاعر ، وكان سراقة منقطعة إلي بشر بن مروان أمير الكوفة فقال جرير :

ص: 70

يا بشر حق لوجهك التبشير***هلا غضبت لنا وأنت أمير

قد كان حقا أن تقول لبارق ***يا آل بارق فيم سب جرير؟

فقال بشر : أخزاك الله ، أما وجدت وكيلا غيري ؟ ( انساب الأشراف70/5 )

ولما حصر الحجاج والجند الأموي ، عبد الله بن الزبير بمكة ، أشرف أبو ريحانة ، عم أبي دهبل الحجمي ، علي أبي قبيس ، فصاح : أليس قد أخزاكم الله يا أهل مكة ؟ ، فقال له ابن أبي عتيق : بلي والله ، قد أخزانا الله . ( الاغاني 144/7 ).

وشبب عمر بن أبي ربيعة المخزومي بسعدي بنت عبد الرحمن بن عوف ، فقالت له : أخزاك الله يا فاسق .

وكانت سعدي جالسة في المسجد الحرام ، فرأت عمر بن أبي ربيعة يطوف بالبيت ، فقالت له : ألا أراك يا ابن أبي ربيعة إلا سادرة في حرم الله ، أما تخاف الله ويحك ، إلي متي هذا السفه ؟ فقال لها : أما سمعت ما قلت فيك ؟ قالت : لا ، فأنشدها قوله :

قالت سعيدة والدموع ذوارف ***منها علي الخدين والجلباب

ليت المغيري الذي لم أجزه***فيما أطال تصدي وطلابي

كانت ترد لنا المني أيامنا ***إذ لا نلام علي هوي وتصابي

أشعيد ما ماء الفرات وطيبه***مني علي ظمأ وحب شراب

بال منك وإن نأيت وقلما***ترعي النساء أمانة الغياب

فقالت : أخزاك الله يا فاسق ، ما علم الله أني قل مما قلت حرفا ، ولكنك إنسان بھوت ( الاغاني 159و158/17).

وشتم ابن سريج المغني ، أشعب الطماع ، فقال له : أعزب ، أخزاك الله

ص: 71

كان ابن سريج أشهر المغنين في عصره ، وكان قد مرض ، فنذر أن يترك الغناء ، ونسك ، ولزم المسجد الحرام ، حتي عوفي ، فلزم نذره ، وحجب عنه من كان يصاحبه علي الغناء ، ورغبت إحدي عقائل قريش في سماع غنائه ، فأمرت أشعب أن يحضره ، فذهب إليه ، وتوسل إليه أن يرافقه إلي سيدته ، فاعتذر بنذره ، فلما أيس منه ، صرخ صرخة عظيمة فزع لها ابن سريج ، وقال له : ويلك مالك ؟ فقال له : إن لم تصر معي لأصرخ صرخة أخري أجمع عليك بها أهل المدينة ، وأخبرهم بأني رأيتك تطلب الفاحشة من فلان ، فقال له ابن سريج : أعزب أخزاك الله ، وصار معه إلي حيث عاود الغناء ، راجع التفصيل في الاغاني 47-42/17 .

وشتم عبد الملك بن عمير ، الملقب بالقبطي ، قاضي الكوفة، هذي الأشجعي ، فقال : أخزاه الله .

وسبب ذلك : إن كلثم بنت سريع مولي عمرو بن حريث ، خاصمت أهلها، إلي قاضي الكوفة عبد الملك بن عمير ، فقضي لها علي أهلها : فقال فيه هذيل الأشجعي :

أتاه وليد بالشهود يقودهم *** علي ما ادعي من صامت المال والخول

وجاءت اليه كلثم وكلامها***شفاء من الداء المخامر والخبل

فأدلي وليد عند ذاك بحقه***وكان وليد ذا مراء وذا جدل

وكان لها دل وعين كحيلة*** فأدلت بحسن التل منها وبالكحل

فتنت القبطي حتي قضي لها***بغير قضاء الله في السور الطول

فلو كان من بالقصر يعلم علمه***لما استعمل القبطي فينا علي عمل

له حين يقضي للنساء تخاوض***وكان وما فيه الخاص والحول

إذ ذات دل كلمته لحاجة***وهم بأن يقضي تنحنح أو سعل

و برق عينيه ولاك لسانه*** يري كل شيء ما خلا شخصها جلل

ص: 72

فقال عبد الملك : أخزاه الله ، والله لربما جاءتني السعلة أو النحنحة ، وأنا في المتوضأ ، فاذكر قوله ، فأردها لذلك ( البيان والتبيين 4 / 144 ).

وقال محمد الأمين ، لأبي نواس : أخزاك الله ، أكنت مطلعا علينا .

وخلاصة القصة : إن الأمين كان يطوف في قصره ، فأبصر جارية من جواريه سكري ، وعليها كساء خير تسحب أذياله ، فرادها ، فواعدته إلي غير ، ولما تلاقيا في الغد ، قالت له : يا أمير المؤمنين ، كلام الليل يمحوه النهار ، فأعجبه ذلك ، وطالب الشعراء بنظم يشتمل علي هذا الشطر ، ورجحهم أبو نؤاس ، الذي قال :

وخود اقبلت في القصر سكري***ولكن زين السكر الوقار

وهز المشي أرداف ثقا*** وغصنأ فيه رمان صغار

وقد سقط الردا عن منكبيها من التجميش وأنحل الأزار فقلت : الوعد سيدتي ؟ فقالت: كلام الليل يمحوه النهار

فقال له محمد: أخزاك الله، أكنت معنا، ومطلع علينا؟ فقال له: يا أمير المؤمنين ، عرفت ما في نفسك ، فأعربت عما في ضميرك ( العقد الفريد ( 409/6 و 410) .

ولما التجأ المستعين إلي بغداد ، واستخلف المعت في سامراء في السنة 201 كان محمد بن عبد الله بن طاهر، أمير بغداد، جادا في نصرة المستعين ، فأحفظه عبيد الله بن يحيي بن خاقان لما أخبره بأن المستعين كان قد أمر وصيفا وبغا بقتله ، أي بقتل ابن طاهر ، فقال محمد : أخزي الله هذا ، لا يصلح لدين ولا دنيا، وأنصرف عن رأيه في نصرة المستعين . ( الطبري 342/9 ).

ص: 73

وقال جعفر البرمكي ، لإبراهيم الموصلي : أخزيتنا ، أخزاك الله .

وسبب ذلك : إن الرشيد ، ووزيره جعفر ، اقتسما المغنين ، فكان ابن جامع في حيز الرشيد ، وإبراهيم الموصلي ، في حيز جعفر البرمكي ، وحضر الندماء لمحنة ( امتحان ) المغنين ، وغني ابن جامع أصواتأ ، وقال إبراهيم : إنه لا يعرفها ، وانخذل وانكسر ، فقال له جعفر : أخزيتنا ، أخزاك الله ، فلما انصرف إبراهيم إلي منزله ، دس إلي ابن جامع ، من أخذ منه تلك الأصوات ، وعاد فكررها وأعادها علي إبراهيم ، حتي حذفها، ولما حضر مجلس الرشيد في اليوم التالي ، قال له الرشيد : أو قد حضرت ؟ أما كان ينبغي لك أن تجلس في منزلك شهرة ، بسبب ما لقيت من ابن جامع ؟ فقال إبراهيم : إني لما رأيت أمير المؤمنين نشيطا لسماع ابن جامع ، لم أجسر علي معارضته ، وإلا فإني أحسن هذه الأصوات كلها ، واندفع فغناها أحسن غناء ، فاندفع ابن جامع ، وحلف للرشيد ، إن هذه الأصوات من صناعته ، وإنه لم يظهرها لأحد، فقال إبراهيم : إن كانت من صناعته هو، فلا لوم علي ، ولا علي غيري ، إن كان لا يعرفها ، وسأله الرشيد عن حقيقة الأمر فأخبره بما صنع . ( الاغاني 206/5 ).

ص: 74

4- قولهم : قاتله الله

قاتل : حارب وعادي وقولهم قاتله الله : لعنه

قال الفاروق عمر ، لأحد جلسائه : قاتلك الله .

لما طعن عمر ، قيل له : يا أمير المؤمنين استخلف ، فأشار عليه أحد الجلساء بأن يستخلف ولده عبد الله ، فقال له عمر : قاتلك الله ، لا أرب لنا في أموركم ، إن كان هذا الأمر خير، فقد أصبنا منه ، وإن كان شرا فبحسب آل عمر أن يحاسب منهم رجل واحد ، ويسأل عن أمة محمد، وإن نجوث كفافة ، لا وزر ولا أجر ، إني إذا لسعيد ( الطبري 4 / 227 و 228).

وخطب الإمام علي عليه السلام بالكوفة ، لما تثاقل أتباعه عن النظر إلي الحرب ، فقال : قبحا لكم وترحا ، يا أشباه الرجال ولا رجال ، ويا حلوم الأطفال ، وعقول ربات الحجال ، قاتلكم الله ، لقد ملائتم قلبي قيحا ، وشحنتم صدري غيظا ، راجع التفصيل في كتاب شرح نهج البلاغة74/2 و75 .

وسئل الإمام علي ، وهو علي المنبر ، عن قضية ، فأجاب ، فأعجب أحد الخوارج بقوله ، وقال : قاتله الله كافر، ما أفقهه ، فوثب القوم ليقتلوه ، فقال الإمام : رويدا ، إنما هو سب بست ، أو عفو عن ذنب ( شرح نهج البلاغة 63/20 ) .

ص: 75

قال معاوية ، لأم البراء بنت صفوان : قاتلك الله .

وسبب ذلك : أن أم صفوان رثت الإمام عليا لما قتل ، فلما حضرت مجلس معاوية ، سألها أن تنشده ما قالت في رثاء علي ، فقالت : نسيته يا أمير المؤمنين ، فقال بعض جلسائه ، إنه يحفظه ، وأنشده أبياتا منها :

الشمس كاسفة لفقد إمامنا***خير الخلائق والإمام العادل

يا خير من ركب المطي ومن مشي***فوق التراب لمحتف أو ناعل

فقال لها معاوية : قاتلك الله يا ابنة صفوان ، ما تركت لقائل مقاله . ( اعلام النساء 103/1 ) .

وقال خالد بن يزيد بن معاوية ، للحجاج الثقفي : قاتلك الله .

وسبب ذلك : إن خالد بن يزيد، حج ، وخطب رملة بنت الزبير ، وكان الحجاج علي الحجاز ، فبعث إليه يلومه علي خطبة رملة ، وقال له : ما كنت أراك تخطب إلي آل الزبير ، حتي تشاورني ، وكيف خطبت إلي قوم ليسوا لك بأكفاء؟ وهم الذين قارعوا أباك علي الخلافة، ورموه بكل قبيحة، فغضب خالد ، وقال للرسول : لولا أنك رسول ، لقطعتك إربا إربا ، ولكن أرجع إلي صاحبك ، فقل له : ما كنت أظن أن الأمور بلغت بك إلي أن أشاورك في خطبة النساء ، وأما مقارعتهم أبي ، فإنها قريش يقارع بعضها بعضأ ، وأما قولك إنهم ليسوا بأكفاء ، فقاتلك الله يا حجاج ، ما أقل علمك بأنساب قريش، أيكون العوام كفؤة لعبد المطلب ، بتزوجه صفية ، ويتزوج رسول الله خديجة ، ولا تراهم أهلا لآل أبي سفيان ؟ (اعلام النساء396/1 )

وشتم الفرزدق ، ابن أبي علقمة الأزدي ، الممرور ، فقال : قاتله الله . وسبب ذلك ، أن الفرزدق ، كان يهجو الأزد ، وسائر اليمن ، ويفخر بمضر ، فمر بالأزد ، فوثب عليه ابن أبي علقمة ، لينكحه ، وأعانه علي ذلك

ص: 76

سفهاؤهم ، فجاءت مشايخ الأزد ، وصاحوا بابن أبي علقمة ، وبالسفهاء ، فنحوهم عنه . فقال ابن أبي علقمة : ويلكم ، أطيعوني اليوم ، وأعصوني الدهر ، هذا شاعر مضر ، ولسانها ، قد شتم أعراضكم ، وهجا ساداتكم ، والله ، لا تنالون من مضر مثلها أبدأ ، فحالوا بينه وبينه ، فقال الفرزدق : قاتله الله ، أي والله ، لقد كان أشار عليهم بالرأي ( الاغاني 369/21 و 370 ).

وقال جرير ، للفرزدق : قاتلك الله ، ما أقبح كلامك ، وأرذل لسانك .

وسبب ذلك : إن جرير ، لقي الفرزدق بالكوفة ، فقال له : يا أبا فراس ، تحتمل مني مسألة ؟ قال : أحتملها بمسألة ، قال نعم ، قال : فسل عما بدا لك : قال : أي شيء أحب إليك ، يتقدمك الخير ، أو تتقدمه ؟ قال : لا يتقدمني ولا أتقدمه ، بل أكون معه في قرن ، فقال له : هات مسألتك .

فقال : أي شيء أحب إليك ، إذا دخلت علي امرأتك ، أن تجد يدها علي أير رجل ، أو أن تجد يد رجل علي فرج امرأتك ؟

فقال له جرير : فاتلك الله ، ما أقبح كلامك ، وأرذل لسانك ( العقد الفريد 4/ 52 و53 ).

وفي إحدي المعارك بين الحجاج بن يوسف الثقفي ، وبين رأس الخوارج شبيب ، أخرج الحجاج مولي له يعرف بأبي الورد ، وعليه تجفاف ، وأحاط به غلمان كثير ، فظن شبيب أنه الحجاج ، وحمل عليه فقتله ، فعاد الحجاج وأخفي مكانه ، وألبس أحد مواليه هيأته وزيه ، فظن شبيب أنه الحجاج ، وحمل عليه ، وضربه بالعمود ، فقتله ، فقال لما سقط : أخ ، بالخاء ، فقال شبيب : قاتل الله ابن أم الحجاج ، اتقي الموت بالعبيد ، ذلك أن العرب تقول عند الإحساس بالألم : أح بالحاء المهملة ( شرح نهج البلاغة 270/4)

ص: 77

وشتم أبو العباس السفاح خالد بن صفوان ، فقال له : قاتلك الله وأخزاك .

وسبب ذلك أن أم سلمة المخزومية ، كانت تحت أحد أولاد هشام بن عبد الملك وطلقها ، فأبصرت أبا العباس السفاح ، وأعجبتها هيأته ، وكان وسيما جميلا ، فرغبت فيه ، لما عرفت نسبه ، وبعثت إليه مالأ ، دفعه إلي اهلها مهرة ، وتزوجها ، واشترطت عليه عند العقد ، أن لا يتزوج عليها ، ولا يتسري ، فلما استخلف وفي لها بالشرط ، وفي أحد الأيام ، خلا به خالد بن صفوان ، وحدثه عن النساء ، ولامه لأنه ملك أمره امرأة واحدة ، إن مرضت مرضت ، وإن غابت غبت ، وحدثه عن أصناف الجواري ومحاسنهن ، ثم نهض ، وترك أبا العباس يفكر في أمره ، ودخلت عليه أم سلمة ، وهو يفكر ، فسألته عن سبب فكره ، فحدثها بما حدثه خالد ، فقالت له : وماذا قلت لابن الفاعلة ؟ فقال لها : سبحان الله ، ينصحني وتشتمينه ، فخرجت من عنده مغضبة ، وبعثت إلي خالد جماعة من أتباعها ، فأشبعوه ضربأ ، وظل خالد طريحة في داره ، حتي طلبه أبو العباس ، فحضر ، ولما دخل عليه ، أحس بوجود أم سلمة ، وراء الستارة ، فطلب الخليفة من خالد ، أن يعيد عليه حديثه عن النساء والجواري ، فقال له : إني أخبرتك بأن العرب اشتقت اسم الضرة من الضر ، وإنه ما تزوج أحد بأكثر من واحدة ، إلا وقع في جهد، فقال له : ويحك لم يكن الحديث هكذا ، قال : بلي ، وقد أخبرتك أن بني مخزوم ريحانة قريش ، وأنت عندك ريحانة الرياحين ، وأنت تطمح بعينك إلي النساء ، من حرائر وإماء ، فقال له : ويلك أتكذبني ؟ فقال له : وأنت تريد أن تقتلني ؟ فضحكت أم سلمة من وراء الستارة ، وقالت : صدقت يا عم ، ولكن أمير المؤمنين غير وبذل ، فقال له أبو العباس : مالك ، قاتلك الله وأخزاك . ( اعلام النساء 235/2 - 239 والمحاسن والمساويء 69/2 و70) .

ص: 78

وذكرت ظبية ، مولاة فاطمة بنت عمر بن مصعب ، أن مولاتها أرسلتها في حاجة ، فمرت برحبة القضاء ، وكان ضبيعة العبسي ، خليفة جعفر بن سليمان ، والي المدينة ، يقضي بين الناس ، فأبصرها ، فدعاها ، وكانت قد ريملت شعرها ، وربطت في أطرافه من ألوان العهن ، فقال لها : ما هذا ؟ فقالت شيء أتملح به ، فقال : يا حرسي ، قنعها بالسوط قالت : فتناولت السوط، وقلت : قاتلك الله ، ما أبين الفرق بينك وبين سعد بن إبراهيم ، سعد يجلد الناس في السماجة ، وأنت تجلدهم في الملاحة ، وقد قال الشاعر :

جلد العادل سعد*** ابن سلم في السماجة

فقضي الله لسعد***من أمير كل حاجة

قالت : فضحك ، حتي ضرب بيديه ورجليه ، وقال : خل عنها ، قالت : فكان يسوم بي ، وكانت مولاتي تقول : لا أبيعها إلا أن تهوي ذلك ، وأقول : أنا لا أريد بأهلي بدلا . ( الاغاني 17/6 و 18 ) .

وشتم المتوكل ، أبا العنياء ، وقال : قاتله الله .

وسبب ذلك ، إن المتوكل كان شديد العداوة للإمام علي بن أبي طالب وأولاده، وسأل يومأ أبا العيناء: هل رأيت طالبيا قط حسن الوجه؟ فقال: نعم ، رأيت بغداد ، منذ ثلاثين سنة ، فتي ما رأيت أجمل منه ، ولا ألطف شمائل ، فاغتاظ المتوكل من جوابه ، وقال له : تجده كان مؤاجرأ وكنت تقود عليه ؟ فقال أبو العيناء : معاذ الله يا أمير المؤمنين ، أتراني أترك موالي ، وأقود علي الغرباء ؟ وكان أبو العيناء من موالي بني العباس ، فقال له المتوكل : اسكت يا مأبون ، فقال له : مولي القوم منهم، فقال له : أنت دعي في انتسابك إلي ولائنا ، فقال له : يا سيدي ، إن بغائي قد صحح دعواي في هذا الانتساب ، فقال المتوكل : قاتله الله ، أردت أن اشتفي منه ، فاشتفي مني . ( الملح والنوادر 231 ).

ص: 79

5. قولهم : قبحه الله

القبح : ضد الحسن ، في القول ، أو الفعل ، أو الصورة . وقبح له وجهه : قال : قبحه الله .

وهذه اللفظة من ألفاظ الشتم ، ما زالت مستعملة في بغداد ، يتلفظ بها العامة والخاصة .

كان المغيرة بن شعبة ، والأشعث بن قيس ، وجرير بن عبد الله البجلي ، في يوم من الأيام ، متواقفين بالكناسة ، فطلع عليهم أعرابي ، فقال لهم المغيرة : دعوني أحركه ، فقالوا : لا تفعل ، فإن للأعراب جوابأ يؤثر ، فقال : لا بد، قالوا : أنت أعلم ، فقال : يا أعرابي ، أتعرف المغيرة بن شعبة ؟ قال : أعرفه، أعور زناء ، فوجم ، ثم تجلد ، وقال : أتعرف الأشعث بن قيس ؟ قال : ذاك رجل لا يعري قومه ، قال : كيف ذاك ؟ قال : لأنهم حاكة ، قال : فهل تعرف جرير بن عبد الله البجلي ؟ قال : كيف لا أعرف رجلا لولاه ما عرفت عشيرته ، فقالوا : قبحك الله ، فإنك شر جليس ( شرح نهج البلاغة 12 / 239 ).

ولما أحضرت جثة مصعب بن الزبير ، أمام عبد الملك بن مروان ، تكلمت جارية له ، كانت تذب عنه بكلمة ، فقال لها : أغربي ، تبحك الله ، راجع القصة في أنساب الاشراف 5 / 345 و346.

ومدح ابن قيس الرقيات ، بشر بن مروان ، عامل الكوفة لعبد الملك ، فقال :

ص: 80

يا بشر يا ابن الجعفرية ما *** خلق الآله يديك للبخل

جاءت به عجز مقابلة***ما هن من جرم ولا عكل

فقال له بشر : احتكم ، قال : أعطني عشرين ألف درهم ، قال : قبحك الله ، لك عشرون ، وعشرون ، وعشرون ، وعشرون ، وعشرون ، فأعطاه مائة ألف درهم ( انساب الاشراف 175/5) .

وقال عبد الله بن جعفر ، لشاب لجأ إليه من مكة : مالك قبحك الله .

وسبب ذلك : إن عبد الله بن جعفر ، اشتري جارية من مولدات مكة ، كان يتعشقها غلام من أهل مكة ، فلما حملها إلي المدينة ، تبعها عاشقها ، ونزل في جوار عبد الله بن جعفر ، وأخذ يحضر مجلسه ، ويراسل الجارية ، حتي اجتمعا في اصطبل دوات عبد الله ، وأحس بهما السائس ، فأخذه إلي عبد الله ، فقال له : مالك قبحك الله ، أبعد تحرمك بنا ، تصنع مثل هذا ؟ فشكا الغلام اليه حاله ، وأنه كان محبا للجارية ، وأنها تحبه كذلك ، فدعا عبد الله بالجارية ، وسألها ، فصدقته ، فقال له : خذها فهي لك ، راجع القصة مفصلة في كتاب الفرج بعد الشدة ج 4 ص 343 رقم القصة 473.

وقال ابن أبي عتيق ، لكثير عزة : قبحك الله .

وخلاصة القصة : إن كثير الشاعر ، كان عند ابن أبي عتيق ، وجاء الحزين الكناني الشاعر ، وكان قد ضرب علي كل رجل من قريش در همين في كل شهر ، فجاء ليأخذ درهميه ، فلما رأي كثيرة ، قال لابن أبي عتيق : ائذن لي أن أهجوه ببيت شعر، فقال له : لا لعمري لا آذن لك أن تهجو جليسي ، فقال له كثير : ائذن له، ما عسي أن يقول في في بيت ، فأذن له ، فقال يهجو كثيرأ :

قصير القميص فاحش عند بيته*** بعض القراد باسته وهو قائم

ص: 81

فحمي كثير ، ووثب اليه ، فلكزه ، فسقط ، وخلص ابن أبي عتيق بينهما ، وقال لكثير : قبحك الله ، أتأذن له وتسفه عليه ، فقال كثير : ما كنت أظن أنه يبلغ هذا كله في بيت واحد ( الاغاني 11/9 ).

وقالت سعدي بنت أزهر لعبد الملك السلولي : قبحك الله وخيبك .

وسبب ذلك : إن عبد الملك بن عبد العزيز السلولي ، كان يهوي سعدي بنت أزهر ، ولاقاها راحلة نحو مكة ، حاجة ، فأخذ بخطام بعيرها، وقال :

قل للتي بكرت تريد رحيلا*** للحج إذ وجدت إليه سبيلا

ما تصنعين بحجة أو عمرة ***لا تقبلان وقد قتلت قتيلا

أحيي قتيلك ثم حجي وانسكي *** فيكون حجك طاهرأ مقبولا

فقالت له : أرسل الخطام ، خيبك الله وقبحك ( اعلام النساء 2/ 188و189 )

وقال رجل من بني سعد ، لنوح بن جرير الشاعر : قبحك الله وقبح أباك أما أبوك فأفني عمره في مديح عبد ثقيف ، يريد الحجاج ، وأما أنت فامتدحت قثم بن العباس ، فلم تهتد لمناقبه ومناقب آبائه ، حتي امتدحته ، بقصر بناه ( الاغاني 8 / 280 ).

وغضب عمر بن عبد العزيز علي رجل من بني أمية ، كان له أخوال في بني مرة ، فقال له : قبح الله شبهة غلب عليك من بني مرة ، فبلغ ذلك عقيل بن علفة المري ، فأقبل اليه ، فقال له ، قبل أن يبتدأه بالسلام : بلغني يا أمير المؤمنين ، إنك غضبت علي رجل من بني عمك له أخوال في بني مرة ، فقلت له : قبح الله شبها غلب عليك من بني مرة ، وأنا أقول : قبح الله الأم الطرفين ، ثم انصرف ، فقال عمر بن عبد العزيز : من رأي أعجب من

ص: 82

هذا الشيخ الذي أقبل من البادية ليست له حاجة إلا شتمنا ، ثم انصرف ؟ ( الاغاني 261/12 والعقد الفريد 191/2 ).

ومدح الشاعر ابن عبدل (ت 100)، عمر بن هبيرة ، أمير العراق ، وطلب منه أربعة آلاف درهم ، وكان ابن هبيرة بخيلا ، فقال له : نحن مناصفوكها ، فقال له : أتخاف علي التخمة ؟ فقال : أكره أن أعود الناس هذه العادة ، قال : فأعطني جميعها سرا ، وآمنعني جميعها ظاهرأ ، حتي تعود الناس المنع ، وإلا فالضرر واقع لوعودتهم نصف ما يطلبون ، وامرأتي طالق إن أخذت أقل من أربعة آلاف درهم ، فقال : أعطوه إياها ، قبحه الله ، فإنه حلاف مهين ( وفيات الأعيان 203/2 ).

ولما تقابل يزيد بن المهلب يقود مائة وعشرين ألفا من أصحابه ، مع مسلمة بن عبد الملك ، في العقر ، بقرب كربلاء ، أحرق مسلمة الجسور التي عقدها يزيد بن المهلب ، فلما رأي أصحاب يزيد الدخان قد علا ، انهزموا ، فقيل ليزيد : قد انهزم الناس ، فقال : مم انهزموا ؟ فقيل له : إن مسلمة أحرق الجسور ، فلماعلا دخانها انهزموا ، فقال : قبحهم الله ، بق دخن عليه فطار ( شرح نهج البلاغة 252/3 ).

وقال بلال بن أبي بردة ، وهو أمير البصرة ، لحاجبه : ماذا قال لك حمزة ، قبحه الله .

وتفصيل القصة : إن حمزة بن بيض الحنفي الشاعر ، كان صديق بلال بن أبي بردة ، وكان بلال يكثر من المزاح معه ، وجاء حمزة إليه يوما ، فقال للحاجب : استأذن لحمزة بن بيض الحنفي ، فدخل الحاجب ، ثم خرج ، وقال : يقول الأمير : حمزة بن بيض ابن من ؟ يعرض بقول أحد الشعراء هاجي حمزة ، فقال فيه :

أنت ابن بيض لعمري لست أنكره لقد صدقت ولكن من أبو بيض ؟

ص: 83

فحمي حمزة ، وقال للحاجب ، قل له : حمزة بن بيض إبن الذي جئت إليه ، إلي سبار الحمام ، وأنت أمرد ، تسأله أن يهب لك طائرة ، فأدخلك السبار ، وناكك ، وأعطاك طائرة ، فشتمه الحاجب ، فقال له حمزة : ما أنت وذا ؟ بعثك برسالة ، فأبلغه الجواب ، فدخل الحاجب وهو مغضب ، فلما رآه بلال ، ضحك ، وقال : ما قال لك ، قبحه الله ، فقال الحاجب : ما كنت الأخبر الأمير بما قال ، فقال : يا هذا ، أنت رسول ، فأد الجواب ، فأبي ، فأقسم عليه ، فأخبره بقوله ، فضحك بلال حتي فحص برجليه ، وقال : قل له ، قد عرفنا العلامة ، فادخل . ( فوات الوفيات 396/1 والاغاني 202/16 )

وقال خالد القسري ، أمير العراقين ، لأعرابي : قبحك الله ، وقبح ما جئت به .

وسبب ذلك : أن خالد، خطب ، فقال : يا أهل البادية ، ما أخشن بلدكم ، وأغلظ معاشكم ، وأجفي أخلاقكم ، لا تشهدون جمعة ، ولا تجالسون عالما .

فقام إليه رجل دميم ، فقال : أما ما ذكرت من خشونة بلدنا ، وغلظ طعامنا ، وجفاء أخلاقنا ، فهو كذلك ، ولكنكم معشر أهل الحضر ، فيكم ثلاث خصال ، هي شر من كل ما ذكرت ، فقال له خالد: وما هي ؟ قال : تنقبون الدور ، وتنبشون القبور ، وتنكحون الذكور ، فقال : قبحك الله ، وقبح ما جئت به ( العقد الفريد 51و50/4).

وقال محمد بن عمران التيمي ، قاضي المدينة ، لعبد الله بن مصعب الزبيري : قبحك الله ماجنة .

وسبب ذلك ، رواه عبد الله بن مصعب ، قال : أتاني أبو السائب المخزومي ، ليلة ، بعدما رقد السامر ، فأشرفت عليه ، فقال : سهرت ،

ص: 84

وذكرت أخا لي أستمتع به ، فلم أجد سواك ، فلو مضينا إلي العقيق ، فتناشدنا وتحدثنا ، فمضينا ، فأنشدته بيتين للعرجي :

باتا بأنعم ليلة حتي بدا ***صبح تلوح كالأغر الأشقر

فتلازما عند الفراق صبابة *** أخذ الغريم بفضل ثوب المعسر

فقال أبو السائب : أعده علي ، فأعدته ، فقال : أحسن والله ، امرأتي طالق آن نطقت بحرف غيره حتي أرجع إلي بيتي ، قال : فلقينا عبد الله بن حسن بن حسن ، فلما صرنا إليه ، وقف بنا ، وهو منصرف من ماله يريد المدينة ، فسلم ، ثم قال : كيف أنت يا أبا السائب ؟ فقال :

فتلازما عند الفراق صبابة *** أخذ الغريم بفضل ثوب المعسر

فالتفت إلي ، وقال : متي أنكرت صاحبك ؟ فقلت : منذ الليلة ، فقال : إنا لله ، أي كهل أصيبت به قريش ، ثم مضينا، فلقينا محمد بن عمران التيمي ، قاضي المدينة ، يريد مالا له ، علي بغلة له ، ومعه غلام له ، علي عنقه مخلاة فيها قيد البغلة ، فسلم ، ثم قال : كيف أنت يا أبا السائب ، فقال :

فتلازما عند الفراق صبابة***أخذ الغريم بفضل ثوب المعسر

فالتفت إلي ، فقال : متي أنكرت صاحبك ؟ قلت : آنفا ، فلما أراد المضي قلت : أفتدعه هكذا ، والله ما آمن أن يتهور في بعض آبار العقيق ، قال : صدقت ، يا غلام ، قيد البغلة ، فأخذ القيد فوضعه في رجل أبي السائب ، وهو ينشد البيت ، ويشير بيده إلي ، يريد أن أفهم عنه قصته ، ثم نزل الشيخ ، وقال لغلامه : احمله علي بغلتي وألحقه بأهله ، فلما كان بحيث علمت أنه قد فاته ، أخبرته بخبره ، فقال : قبحك الله ماجنأ ، فضحت شيخة من قريش ، وغررتني ( الاغاني 397/1 و 398 ).

ص: 85

وكان القاضي العربي النبيل أحمد بن أبي دؤاد عليه رحمة الله ، يعد الغناء منقصة ، وينكره إنكارة شديدة ، فأخبره المعتصم ، أن صديقه القائد أبا دلف يغني ، فقال : لا أحسبه يفعل ذلك مع ما أعرفه عنه من علو همة وارتفاع قدر ، فأحضر المعتصم أبا دلف ، وأجلس القاضي في موضع آخر ، وطلب من أبي دلف أن يغني ، فغني ، وأطال ، فخرج عليه القاضي والكراهية ظاهرة في وجهه ، وقال له : بعد السن ، والشهرة ، يبلغ بك الحال إلي ما أري ، فتشور أبو دلف ، وقال : إنهم أكرهوني علي ذلك ، فقال له : هبهم أكرهوك علي الغناء ، أأكرهوك علي الإحسان والإصابة .

وقالت عنان ، جارية الناطفي ، لأبي نواس : قبحك الله .

وسبب ذلك : أن أبا نواس كان يهوي عنان ، ويمازحها فقالت له مرة : كيف علمك بالعروض وتقطيع الشعر ؟ قال : جيد ، قالت : قطع هذا البيت :

أكلت الخردل الشامي***في قصعة خباز

فلما ذهب بقطعه ، ضحكت به وأضحكت ، فأمسك عنها، وأخذ في ضروب من الأحاديث ثم قال لها : وأنت كيف علمك بالعروض ؟ قالت : حسن يا حسن ، فقال لها : قطعي هذا البيت :

حولوا عنا كنيستكم *** يابني حمالة الحطب

فلما ذهبت تقطعه ، ضحك أبو نؤاس ، فقالت له : قبحك الله ، ما برحت حتي أخذت بثارك ( العقد الفريد 59/6 و 60).

وغضب الأمين علي جارية من جواريه غنته بأبيات تشاءم منها ، فقال الها : اسكتي قبحك الله .

ص: 86

وذلك إن الأمين ، جلس وهو محاصر في بغداد يستمع الغناء ، فغته إحدي جواريه بقول الشاعر :

كليب - لعمري - كان أكثر ناصرة ***وأيسر جرمأ منك ضرج بالدم

فقال لها الأمين : اسكتي قبحك الله ، راجع تفصيل القصة في مروج الذهب 2/ 310.

وسمع رجل حكم الوادي يغني ، فقال له : أحسنت ، فقال له : قبحك الله ، تراني مع المغنين منذ ستين سنة ، وتقول لي أحسنت ؟

أقول : أبو يحيي الحكم بن ميمون ، كان أبوه حلاق يحلق رأس الوليد بن عبد الملك ، فاشتراه وأعتقه ، وكان حكم جمالأ ينقل الزيت من وادي القري إلي المدينة ، وكان ينقر الدف ويغني ، وعمر طوي ، غني الوليد بن عبد الملك ، وغني الرشيد ، ومات في خلافته ، ترجمته في الاغاني 6/ 280 .

ولما فر مروان الجعدي ، آخر الحكام الأمويين ، إلي مصر ، شتمه عبد الله بن علي ، قائد الجيش العباسي ، فقال : قبح الله مروان، جزع من الموت ففر ( الطبري 487/7 ) .

ولما حمل رأس مروان بن محمد الجعدي ، آخر الحكام الأمويين ، إلي أبي العباس السفاح ، وهو بالكوفة ، قعد له مجلسا عاما ، وجاءوا بالرأس ، فوضع بين يديه ، فقال لمن حضره : أمنكم أحد يعرف هذا الرأس ، فقام سعيد بن عمرو بن جعدة بن هبيرة ، فأكب عليه ، وتأمله طويلا ، ثم قال : هذا رأس أبي عبد الملك ، خليفتنا بالأمس ، رحمه الله ، وعاد إلي مجلسه ، فوثب أبو العباس حتي خرج من المجلس ، وانصرف ابن جعدة ، فلامه بنوه ، وقالوا له : عرضتنا ونفسك للبوار ، فقال لهم : اسكتوا

ص: 87

قبحكم الله ، أشرتم علي بالأمس بحران ، بالتخلف عن مروان ، ففعلت فعل غير ذي الوفاء ، وما كان ليغسل عار تلك الفعلة إلا هذه ، راجع القصة مفضلة في المحاسن والمساويء 86/1 .

وقال الخليل بن سهل للاصمعي : يا أبا سعيد، أعلمت أن رمح رستم كان طوله سبعين ذراعا من حديد في غلظ الراقود ( الراقود ، فارسية : الدن الكبير ) . فقال الأصمعي : ها هنا أعرابي له معرفة ، فاذهب بنا إليه نحدثه بهذا ، فذهبا اليه ، وحدثه الخليل بالحديث ، فقال الأعرابي : قد سمعنا بهذا ، وقد بلغنا أن رستم هذا واسفنديار ، أتيا لقمان بن عاد بالبادية ، فوجداه نائمة ورأسه في حجر أمه ، فقالت لهما : ما شأنكما ؟ فقالا : بلغنا شدة هذا الرجل ، فأتيناه ، فانتبه فزعة من كلامهما ، ونفخهما ، فألقاهما إلي إصبهان ، فقبراهما اليوم بها ، فقال له الخليل : قبحك الله ما أكذبك ، فقال : يا ابن أخي ، ما بيننا شيء إلا وهو دون الراقود ( المحاسن والمساويء 2/ 70 والمحاسن والأضداد 24 ) .

وقال المهدي العباسي ، لابن جامع المغني : قبحك الله ، رجل من قريش يغني ؟ وطرده ( الاغاني 303/6 ) .

أقول : عجب المهدي ، لما عرف أن ابن جامع عربي من قريش ، وهو يغني ، لأن الغناء في ذلك العهد، وما بعده من العهود ، لم يكن من الحرف المحترمة ، وكان المهدي قد بلغه أن إبراهيم الموصلي وابن جامع ، يأتيان ولده موسي ( الهادي ) فأمر بهما فأحضرا ، وضرب الموصلي ضربة مبرحا ، ولما أراد أن يضرب ابن جامع ، استعطفه ، وقال له : ارحم أمي ، فرق له ، وقال : قبحك الله ، رجل من قريش يغني ، وطرده ، وظل الغناء من بعد المهدي ، عم؟ لا يسبغ علي صاحبه الاحترام ، وقد وضع من إبراهيم بن المهدي ، واخته علية بنت المهدي ، اشتهارهما بالغناء ، ولما

ص: 88

بويع بالخلافة قال دعبل الخزاعي يسخر به:

أن يكون وليس ذاك بكائن ***يرث الخلافة فاسق عن فاسق

إن بات إبراهيم مضطلع بها*** فلتصلحن من بعده لمخارق

ومخارق ، مغن محترف من الموالي ، كان صبي جزار ، وقال أبو فراس الحمداني يعير بني العباس بإبراهيم وعلية :

بنو علي أساري في ديارهم***والأمر تملكه النسوان والخدم

منكم علية أم منهم وكان لكم ***شيخ المغنين إبراهيم أم لهم

ومما سخر به دعبل ، من إبراهيم لما تولي الخلافة ، زعمه أن إبراهيم سوف يغني لقواده أصواتا بد من أرزاقهم ، فقال :

يا معشر الأجناد لا تيأسوا ***من رحمة الله ولا تقنطوا

فسوف تسقون حنينية *** يلتها الأمرد والأشمط

والمعبديات لقوادكم ***لا تدخل الكيس ولا تربط

وهكذا يرزق أجناده ***خليفة مصحفه البربط

يقول : إن إبراهيم ما دام قرآنه البربط ( آلة طرب ) فسوف يرزق جنوده

بالحنينيات ( أغنيات حنين ) والمعبديات ( أغنيات معبد ).

وغني إسحاق الموصلي الأمين ابيتين من الشعر ، هما : إذا ما زياد علني ثم عني ثلاث زجاجات لهن هدير خرجت أجر الذيل زهوأ كأنني عليك أمير المؤمنين أمير

فقال له الأمين : بل علي أبيك ، قبح الله فعلك ( الاغاني 324/20 )

ص: 89

وبلغ المأمون ، أن دعبل الخزاعي هجاه ، فقال : اسمعوني ما قال ، فأنشدوه قوله :

أيسومني المأمون خطة جاهل***أو ما رأي بالأمس رأس محمد

إني من القوم الذين سيوفهم ***قتلت أخاك وشفتك بمقعد

شادوا بذكرك بعد طول خموله*** واستنقذوك من الحضيض الأوهد

فما زاد المأمون علي أن قال : قبحه الله ، متي كنت خامل الذكر ، وفي حجر الخلافة ربيت ، وبدرها غذيت . ( الفرج بعد الشدة ، القصة رقم 138 )

وغضب المأمون علي أولاد علي بن صالح صاحب المصلي ، فقال لهم : يا سفهاء ، قبحكم الله ، راجع القصة في الهفوات النادرة 292 - 283 .

وذكر أحمد بن حمدون النديم ، إنه تبسط ذات ليلة ، في مجلس الواثق ، تبطأ لم يرضه الواثق ، فأمر بأن يجمع له جاريه وأرزاقه وجرابته وصلاته ، وأن يقطع بها إقطاعة في الأهواز ، وأن يخرج إليها ، واحتاج في الأهواز إلي حجام ، فأحضر له حجام أهوازي ، فلما قعد للحجامة ، أرشده إلي كيفيتها ، وأن يشرط في الجانب الأيسر أربع عشرة شرطة ، وفي الأيمن إنتي عشرة ، لأن الدم في الجانب الأيسر أقل منه في الأيمن ، لأن الكبد في الأيمن ، والحرارة هناك أوفر ، والدم أغزر ، وإنه إذا زاد في شرط الأيسر اعتدل خروج الدم من الجانبين ، ففعل ، ولما انتهي من عمله أمر غلامه فأعطاه دينارة ، فرده ، فأعطاه دينارين ، فردهما ، فقال له : تبحك الله ، أنت حجام سواد ، تحجم بنصف درهم ، فلماذا تستقل ما دفع إليك ؟ فقال : وحقك ما رددتها استقلالا ، ولكن نحن أهل صناعة واحدة ، وأنت أحذق مني . وما كان الله ليراني آخذ من أهل صناعتي أجرة أبدا ، فأخجلني ، فلما

ص: 90

كان العام القابل ، خرجت لمثل ما خرجت إليه في العام الماضي ، وطلبت حجامة ، فجاءوني بذلك الحجام ، فحجمني أحسن حجامة ، فلما فرغ استحسنت تصرفه ، وأثنيت عليه ، فقال لي : إني لم أكن أحسن هذا من قبل ، ولكن حجام الخليفة اجتاز بنا في العام الماضي ، فتعلمت هذا منه . ( معجم الأدباء 1/ 370 و371) .

وكان الجاحظ ، منقطعة إلي الوزير محمد بن عبد الملك الزيات ، فلما نكبه المتوكل ، اعتقل الجاحظ ، وأحضر أمام القاضي أحمد بن أبي دؤاد ، مقيدة ، في جبة صوف ، فشتمه القاضي ، وقال له : اغرب ، قبحك الله ، ثم عفا عنه ، راجع تفصيل القضة في كتاب الفرج بعد الشدة للتنوخي ، رقم القصة 127 ج 1 ص 361.

وقال علي بن يحيي المنجم ، لإبراهيم بن العباس الصولي : قبحك الله

وتفصيل القصة : إن المتوكل ، بعث إلي إبراهيم بن العباس ، يأمره بأن يكتب صفة القدور الإبراهيمية ( لون من ألوان الطعام ، ابتكره إبراهيم ، ونسب اليه ) ، فكتب الصفة ، وكتب في آخرها، في ذكر الأبازير ( التوابل ) ، ووزن دانق ، ونسي أن يكتب من أي شيء ، فلما وصلت الصفة إلي المتوكل ، ووجدها ناقصة ، قال لعلي بن يحيي : اذهب إلي إبراهيم ، وقل له : وزن دانق من أيش ؟ من بظر أمك ؟ فذهب علي إلي إبراهيم ، وأدي الرسالة ، فقال له إبراهيم : قل له ، وزن دانق من بظر أمي وأم علي ، فقال له علي : قبحك الله ، وأنا أيش ذنبي ؟ فقال له : قد أذيت الرسالة ، وهذا جوابها ( الاغاني 53/10).

وقال أبو الشيص لامرأة : قبحك الله .

كان أبو جعفر محمد بن زرين ، ابن عم دعبل الخزاعي الشاعر ، وقد

ص: 91

غلب عليه اللقب ، وكان يلقب بأبي الشيص ، ويغضب إذا نودي به ، وأصيب ببصره ، فلاقته امرأة ، فقالت له : يا أبا الشيص ، عميت بعدي ، فقال لها : قبحك الله ، دعوتني باللقب ، وعيرتني بالضرر ( الاغاني 401/16 )

ولما استقامت الخلافة للمنتصر في السنة 248 طالب أخويه المعتز والمؤيد بأن يخلعا أنفسهما من ولاية العهد ، وأسلمهما للأتراك ، فأخذوا المعتر بعنف ، فقال لهم المؤيد : ما هذا يا كلاب ، قد ضريتم علي دمائنا ، أغربوا قبحكم الله ( تجارب الأمم 6 / 559 ).

ولما قتل صالح بن وصيف المعتز ، اختفت أمه قبيحة ، ثم ظهرت ، وأرضت صالح بأن أعطته مالا عظيما ، من ذلك ألف ألف دينار وثلاثمائة ألف دينار ، وسفط فيه مكوك زمرد ، وسفط فيه لؤلؤ حب كبار ، وكيلجة ياقوت أحمر ، وغير ذلك ، فقومت الأسفاط بألفي ألف دينار ، فلما رأي ابن وصيف ذلك ، قال : قبحها الله ، عرضت ابنها للقتل من أجل خمسين ألف دينا ، وعندها هذا ، وأخذ الجميع ، ونفاها إلي مكة ، فبقيت هناك إلي أن ولي المعتمد ، فردها إلي سامراء ( النجوم الزاهرة 3/ 22 وتاريخ الخلفاء 360 )

وكان أبو خليفة ، القاضي بالبصرة ، يري رأي الخوارج ، ويصطفي شعر عمران بن حطان الخارجي ، واطلع عليه أبو علي الإيذجي ، فحدث بذلك المفجع الشاعر، فنظم فيه بيتين ، هما :

أبو خليفة مطوي علي دخن***للهاشميين في سر وإعلان

ما زلت أعرف ما يخفي وأنكره***حتي اصطفي شعر عمران بن حطان

وأطلع أبو خليفة علي ذلك ، فقال : إن الإيذجي ، قبحه الله ، وترحه ، شاط بدمي ، إقرأ تفصيل القصة في كتاب نشوار المحاضرة ، للقاضي التنوخي ، رقم القصة 3 / 179 ج 3 ص 289- 291.

ص: 92

وشتم ابن الزنق المصري النخاس ، ابن اخته ، فقال له : قبحك الله ، سرقت معروف القائد وتركته يقارع شجوه بمحنته .

وتفصيل ذلك : أنه كان بدار العنقود ، بمصر ، شيخ يتنس في الدواب ، يعرف بابن الزنق ، ولما علت سنه ، عجز عن التصرف ، وحل محله في عمله ابن اخت له ، فخفت علي قلب القاسم بن شعبة ، أحد قواد أحمد بن طولون ، وكان أبوه شعبة من أكابر أصحاب أحمد، ومات في طاعته ، فانصرف ابن اخت ابن الزنق من عند القائد القاسم ، وقد خلع عليه دراعة خير من تحتها جنية ملحم ، فسأله عنها خاله ، فأخبره بأنها خلعة من القائد القاسم بن شعبة ، فقال له : يا بني ، إن كنت تصبر علي التدلي معه في محنه ، كما تتدلي في نعمه ، وإلا فاعتزله ولا تفضحنا بالقعود عنه في نوائبه ، فقال : أرجو أن يصونه الله من نائبة تلحقه أو مكروه يقع به، ثم اتصل بأحمد بن طولون عن القاسم شيء أنكره ، فحبسه في داره ( أي دار القاسم ) ووكل به ، واختفي النخاس في دار خاله ، فسأله عن سبب ملازمته المنزل ، فادعي أنه مريض ، ثم اتصل الخبر بالشيخ ، فدخل إلي ابن اخته ، وقال له : قبحك الله ، سرقت معروف هذا القائد ، وخليته يقارع شجوه بمحنته ، ثم ركب حمارأ ، وقصد دار القاسم بن شعبة ، وعليها جماعة من الموكلين وأصحاب الأخبار ، فوقف علي الباب ، وقال : كيف حال القائد أبي محمد أيده الله ؟ فقالوا : إمض يا شيخ ، فقال : ما أمضي حتي أبلي عذرأ ، هذا رجل قد لزمتني له عارفة ، وهذا أوان قضائها، فرفع خبره إلي أحمد، فأحضره وسأله عن علاقته بالقائد القاسم بن شعبة ، فقال : إنه أولاني جميلا في أحد أقاربي ، فانتصبت الساعة لما يحتاج إليه ، وما أحق الأمير أن يفضلني بحسن المكافأة عن طاعة والده له ، فقد كان مشهورة بها ، فقال له أحمد : لقد أذكرتني أيها الشيخ بحق قاسم ، وأحضر القاسم وخلع عليه وأطلقه ( المكافأة 32-34) .

ص: 93

وقال الشاعر ابن أبي حصينة ، لابن الزويدة المعري : قبحك الله ، هذا هجوثان .

وتفصيل القصة : ان الشاعر ابن أبي حصينة ، كان خصيصا بالأمير تاج الدولة بن مرداس صاحب حلب ، وطلب منه أن ينصبه أميرة ، فأنجز له ذلك ، وتسلم سجل الإمارة من بين يدي الخليفة ، في السنة 451 ، وصادف أن فتي من أهل المعرة من رعاع الناس ، يلقب بالزقوم ، أعطي رزق جندي ، فقال ابن الزويدة المعري :

أهل المعرة تحت أقبح خطه***وبهم أناخ الخطب وهو جسيم

لم يكفهم تأمير ابن حصينة***حتي تجند بعده الزقوم

يا قوم قد سئمت لذاك نفوسنا***يا قوم، أين الترك، أين الروم؟

فشاعت الأبيات ، وسمعها ابن أبي حصينة ، فقصد ابن الزويدة المعري ، ليعاتبه ، ولما دخل عليه ، قال ابن الزويدة له : الأن - والله - كان عندي الزقوم ، وقال لي : مابي من الهجوما بي إلا أنك قرنتني بابن أبي حصينة ، فقال له ابن أبي حصينة : تبحك الله ، هذا هجوثان . ( معجم الادباء 69و68/4).

ولما ولي جلال الدين الزينبي، الوزارة، دخل عليه ابن الفضل الشاعر ، ودعا له وأظهر الفرح والسرور ، ورقص ، فقال الوزير لأحد أصحابه : قبح الله هذا الشيخ ، فإنه يشير برقصه إلي المثل العامي القائل : أرقص للقرد في زمانه ( وفيات الأعيان 58/6 ) .

وانعقدت معاهدة بين نصر الدولة ابن مروان الكردي ، صاحب ميافارقين ، وبين معتمد الدولة قرواش بن المقلد العقيلي ، صاحب الموصل ، وبعث ابن مروان رسله ، إلي قرواش ، لتحليفه ، فلما حلف ،

ص: 94

قال المنازي الشاعر ، أحد رسل ابن مروان :

كلفوني اليمين فارتعت منها***كي يغزوا بذلك الإرتياع

ثم أرسلتها كمنحدر السيل***نهادي من المكان اليفاع

( يشير إلي أن قرواش لا يتقيد باليمين ) ، فغضب قرواش ، وقال له : يا ويلك ، تبحك الله ، وقبح ابن مروان ، ما هذا الكلام ؟ وبدا الشر في وجهه ، فاعتذر له المنازي حتي رضي . ( الهفوات النادرة 6 و7 ).

وحدث أن أحد المغنين ، حضر عند شرف الدولة أبي المكارم مسلم بن قريش بن بدران ، أمير بني عقيل ، فجري ذكر عميد الملك أبي نصر الكندري ، وزير طغرل بك ، فذكر المغني محاسنه ، وكرمه ، وعطاياه ، ثم غناه علي أثر ذلك بالبيت :

قواصد كافور توارك غيره***ومن قصد البحر استقل السواقيا

فغضب مسلم ، وقال للمغني : قبحك الله ، ما هذه المعاشرة (الهفوات النادرة 7 و8) .

ص: 95

6- قولهم : غضب الله عليه الغضب : نقيض الرضا .

وغضب الله : انكاره علي من عصاه . وإذا غضب الرجل من شيء ، قيل : غضب منه . فإذا غضب لآخر حتي ، قيل : غضب له .فإذا غضب لآخر ميت : قيل : غضب به .

وقال دريد بن الصمة ، يرثي أخاه :

فإن تعقب الأيام والدهر فأعلموا***بني قارب أنا غضاب بمعبد

وقال عبد الله بن عمر ، لابن أبي عتيق : مالك ، غضب الله عليك .

وسبب ذلك : إن ابن أبي عتيق ، حفيد أبي بكر الصديق ، كان سيدأ من سادات قريش ، وكان غزلا ، مرحا ، هجته زوجته عاتكة بنت عبد الرحمن المخزومية ، فقالت :

ذهب الآله بماتعيش به***وقمرت عيشك أيما قمر

أنفقت مالك غير محتشم***في وصل زانية وفي الخمر

فأخذ ابن أبي عتيق ، البيتين ، في رقعة ، وخرج ، فإذا هو بابن عمر ، فقال له : يا أبا عبد الرحمن ، انظر في هذه الرقعة ، وأشر علي برأيك فيها ، فلما قرأها عبد الله ، استرجع .

فقال له : ماذا تري فيمن هجاني بهذا الشعر ؟

قال : أري أن تعفو وتصفح

ص: 96

قال : والله ، يا أبا عبد الرحمن ، لئن لقيت قائل هذا الشعر لأنيكنه . فأخذت ابن عمر أفكل ورعدة ، وأربد لونه ، وقال : مالك ، غضب الله عليك .

فقال : ما هو إلا ما قلت لك ، وافترقا .

فلما كان بعد أيام لقيه في الطريق ، فأعرض عنه ابن عمر ، فدنا ابن أبي عتيق منه ، وقال له : يا أبا عبد الرحمن ، لقد لقيت الذي هجاني ، ونكته .

فصعق ابن عمر ، فلما رأي ما حل به، دنا منه ، وقال له في أذنه : إنها امرأتي ( مروج الذهب 94/2 و 95).

ص: 97

7- قولهم : أسخن الله عينه

قولهم اسخن الله عينه أي جعلها تبكي بدموع حارة من الحزن ( الفاخر لأبي طالب بن عاصم 7).

شرب الأقبشر في حانة خمار، في بيوت الخمارين بالحيرة ، حتي أنند ما معه ، ثم شرب بثيابه حتي غلقت ، فلم يبق عليه شيء ، وانغمس في تبن إلي جانب البيت إلي حلقه مستدفئة به ، فمر به رجل ينشد ضالة ، فقال : اللهم أردد عليه ، وأحفظ علينا ، فقال له الخمار : سخنت عينك ، أي شيء يحفظ عليك ربك ؟ فقال : هذا التبن لا تأخذه فأموت من البرد . ( الاغاني 267و266/11).

وقال الشاعر محمد بن حازم : لم يبق علي شيء من اللذات إلا بيع السنانير ، فقال له صاحبه : أسخن الله عينك ، أيش لك في بيع السناتير ، من اللذة ؟ قال : تجيئني العجوز الرعناء تخاصمني ، وتقول : هذا سنوري ، سرق مني ، فأقول لها : كذبت ، ثم تشتمني وأشتمها ، وتخاصمني وأخاصمها . ( الديارات 279 والاغاني 101/14 ).

وشتم اسحاق الموصلي ، أبا صدقة المغني ، فقال له : سخنت عينك .

وسبب ذلك : إن أبا صدقة مسكين المغني ، كان من اسأل خلق الله ،

ص: 98

وأعظمهم إلحاحا ، وحدث مرة ، أن سأل اسحاق الموصلي ، فوهب له صينية من الفضة ، ثم قام أبو صدقة ليبول ، فأبدلها اسحاق بصينية رصاص ، وأخذها أبو صدقة ، وانصرف ، وعاد في اليوم الثاني فلام إسحاق وقال له : نعم الخلافة خلفت أباك ، وتجاهل اسحاق الأمر ، وسأله عن سبب لومه ، فقال له : تبين أن الصينية من الرصاص ، فقال له اسحاق : سخنت عينك ، سخرت بك امرأتك ، وأنا من أين لي صينية رصاص ؟ فتشكك أبو صدقة ساعة ، ثم قال : أظن الأمر كذلك ، وقام ، وقال : اذهب إلي امرأتي ، فأصب عليها السياط حتي ترد الصينية ، فلما رأي اسحاق ذلك اعترف له بما صنع ، واعطاه وزن الصينية دراهم ( الاغاني 19/ 298 ).

وقال أبو سفيان بن العلاء ، لسلمة بن عياش : يا سخين العين .

وسبب ذلك : إن سلمة بن عياش ، وأبا سفيان بن العلاء ، اجتمعا عند محمد بن سليمان العباسي ، وكانت جارية محمد، وأسمها بربر ، تغنيهم ، وتسقيهم ، فوقعت في قلب سلمة ، فقال :

إلي الله أشكوما ألاقي من القلي***الأهلي، وما لاقيت من حب بربر

فقال محمد ، لسلمة : خذها، فهي لك ، فاستحيا سلمة، وأبي ، وقال : لا أريدها، أعتق ما أملك إن أخذتها .

فقال أبو سفيان لسلمة: يا سخين العين ، إعتق ما تملك ، وخذها ،فهي خير من كل ما تملك ( الأغاني 297و296/20 ).

وقال دعبل الخزاعي ، لقاضي الدينور : سخنت عينك .

وسبب ذلك : إن دعبل ، قدم الدينور، فجري بينه وبين فتي زبيري ( من أولاد الزبير بن العوام ) كلام وعربدة علي النبيذ، فاستعدي الزبيري عمرو بن حميد القاضي و قال له: ان دعبل سب صفية بنت عبد المطلب

ص: 99

( عمة النبي وأم الزبير ) وجمع عليه الغوغاء ، فهرب دعبل ، وختم القاضي علي باب داره ، فوجه دعبل إلي القاضي برقعة ، قال له فيها : ما رأيت قط أجهل منك ، إلا من ولاك ، تقضي في العربدة علي النبيذ، وتحكم علي خصم غائب ، ويقبل عقلك أني - وأنا رافضي - أشتم صفية بنت عبد المطلب ، سخنت عينك ، أفمن دين الرافضة ، شتم صفية ؟ ( الاغاني 183/20 ).

وشيع أبو العلاء المنقري ، جنازة أحمد بن يوسف الكاتب ، فظل يبكي ، وكان مكتح ، فسال كحله علي وجهه ، فنظرت إليه امرأة ، وقالت له : سخنت عينك كأنك - والله - مطبخ يكف ، أيش هذه السماجة ؟ فأضحكت أهل الجنازة ( البصائر والذخائر م 3 ق ، ص 647 ).

وقالت جارية أبي الصالحات ، لأبي هارون : سخنت عينك .

وسبب ذلك : أنه اجتمع عند أبي الصالحات ، جمع من أصحابه ، فيهم محمد بن الحارث المغني ، وأخوه أبو هارون ، فشربوا ، وطربوا ، وغتهم جارية أبي الصالحات ، فأجادت وكان أكثرهم طربة ، أبو هارون ، فقال لأخيه ، أريد أن أقول لك شيئا في السر .

فقال : قله علانية .

قال : لا يصلح .

قال : والله ما بيني وبينك شيء أبالي أن تقوله جهرا ، فقله .

فقال : أشتهي - علم الله - أن تسأل أبا الصالحات ، أن ينيكني ، فعسي صوتي أن يتفتح ، ويطيب غنائي .

فضحك أبو الصالحات ، وغطت الجارية وجهها ، وقالت : سخنت عينك ، فان حديثك يشبه وجهك . ( الاغاني 52/12 و53 ) .

ص: 100

وكان البرقعيدي المغني ، جالسا في مجلس ، فأنشد أحد الحاضرين :

وليل كوجه البرقعيدي ظلمة*** وبرد أغانيه وطول قرونه

فصاح به البرقعيدي : ها أنا قاعد ، با سخين العين ، فاستحيا المنشد ، وضحك الحاضرون ( الهفوات النادرة 57 ) .

أقول : هذا البيت من جملة أبيات فيها ذكر لحاشية الأمير معتمد الدولة قرواش بن المقلد العقيلي صاحب الموصل ، وفيها ما يسمي في علم البديع بالاستطراد ، والأبيات هي :

وليل كوجه البرقعيدي ظلمة *** وبرد أغانيه وطول قرونه

سريت ونومي فيه نوم مشرد***كعقل سليمان بن فهد ودينه

علي أولق فيه اضطراب كأنه ***أبو جابر في طيشه وجنونه

إلي أن بدا ضوء الصباح كأنه*** سنا وجه قرواش وضوء جبينه

ص: 101

8- قولهم : أبكي الله عينه

الما مات زياد ، رثاه مسكين الدارمي ، فقال له الفرزدق :

أمسكني أبكي الله عينك إنما***جري في ضلال دمعها وتحذرا

بكيت علي علج بميسان كافر***ككسري علي عدانه أو كقيصرا

أقول له لما أتاني نعيه ب *** به لا بظبي بالصريمة أعفرا

( الاغاني 206/20 )

ولما قتل الإمام الشهيد الحسين بن علي ، في معركة الطف بكربلاء ، عاد عمر بن سعد مع جيشه إلي الكوفة وحمل معه بنات الحسين وأخواته ومن كان معه من الصبيان وعلي بن الحسين وهو مريض فقدم بهم علي ابن زياد فنصب ابن زياد مجلسا ووضع رأس الحسين بين يديه ، وأخذ ينكت ثناياه بقضيب في يده ، فلما رآه زيد بن أرقم قال له : أعل بهذا القضيب عن هذه الثنايا ، فوالله الذي لا إله غيره ، لقد رأيت شفتي رسول الله علي هاتين الشفتين يقبلهما، ثم انفضخ الشيخ يبكي ، فقال له ابن زياد : أبكي الله عينيك ، فوالله ، لولا أنك شيخ قد خرفت وذهب عقلك لضربت عنقك ، فنهض وخرج ( الطبري 455/5 والاخبار الطوال 260 ).

ص: 102

9- قولهم : قطع الله يده

لما أزمع أبو جعفر المنصور قتل أبي مسلم في السنة 137 ، دعاه ، ولامه ، وشتمه ، وقال له : با ابن الخبيثة ، لقد ارتقيت - لا أم لك - مرتقي صعبا ، قتلني الله إن لم أقتلك ، ثم صفق باحدي يديه علي الأخري ، فخرج اليه قوم كان قد أعدهم ، فخبطوه بسيوفهم ، والمنصور يصيح : اضربوا ، قطع الله أيديكم ، فصاح أبو مسلم : استبقني يا أمير المؤمنين لعدوك ، فقال له : لا أبقاني الله إذن ، وأي عدو أعدي لي منك ( الطبري 492/7 ووفيات الأعيان 153/3 و154).

وكان القاضي أبو عبيد علي بن الحسين بن حرب ، قاضية بواسط ، ثم ولي قضاء مصر ، سنة 293، وكان لا يؤمر أحدة من ولاة مصر ، فكان إذا أرسل إلي تكين أمير مصر في حاجة ، يقول : كيف أبو منصور ؟ وإذا ذكر هلال بن بدر ، قال : هلال بن بدر ، وكان الأمراء يركبون إليه ، وهو آخر قاض ركب إليه الأمراء بمصر ، وأحتيج إلي تنظيم محضر في مجلس تكين أمير مصر ، فأمر القاضي الكاتب ، فبدأ المحضر بقوله : حضر مجلس الأمير أبي منصور تكين من شهد فيه ... فلمح القاضي الكتابة ، فصاح بالكاتب : قطع الله يدك ، أكتب : حضر تكين مولي أمير المؤمنين ، مجلس القاضي علي بن الحسين ، فقال تكين : صدق القاضي ، المجلس له حيث حل ( القضاة 530و531 ).

ص: 103

وفي السنة 674 نزل التتار علي البيرة ، وكانوا ثلاثين ألف فارس ، ونصبوا علي القلعة منجنيقة ، وكان راميه مسلما ، فنصب أهل القلعة عليه منجنيقة ، ورموا به علي مجانيق التار، فجاء عالية عليه ، فقال رامي التار : قطع الله من يدك ذراع ليستريح منك أهل البيرة لقلة معرفتك ، ففطن الإشارته ، وقطع من رجل المنجنيق ذراعا، ورمي به ، فأصاب منجنيق التتار ، وكسره ، وخرج أهل البيرة ، فقتلوا خلق من التتار ، وأحرقوا المناجيق ( شذرات الذهب 342/5 ).

ص: 104

10- قولهم : قطع الله لسانه

مدح طريف بن سوادة ، عمرو بن هداب ، وكان أبرصأ، فقال فيه :

أبرص فياض اليدين أكلف

فصاح به أصحاب عمرو : مالك ، قطع الله لسانك ، فقال عمرو : مه ، البرص من مفاخر العرب . ( الحيوان 164/6 ).

وقال الخليفة عثمان بن عفان ، لأبي زبيد الطائي : اسكت ، قطع الله لسانك .

أقول : أبو زبيد الطائي شاعر معمر مخضرم ، أدرك الإسلام ، ومات علي نصرانيته ، وكان عثمان يقربه ويدني مجلسه ، فدخل عليه يوما ، وأنشده قصيدة يصف فيها الأسد ، فقال له عثمان : تالله تفتأ تذكر الأسد، والله إني الأحسبك جبانة ، فقال : كلا يا أمير المؤمنين ، ولكني رأيت منه منظرة وشهدت مشهد لا يبرح ذكره يتجدد في قلبي ، فقال له عثمان : وأين ذلك ؟ فقال : خرجت في صيابة من أشراف العرب وفتيانهم ، نريد الحارث بن أبي شمر الغساني ، فآخروط بنا السير ، في حمارة القيظ ، حتي إذا نضبت الأفواه ، وذبلت الشفاه ، وأذكت الجوزاء المعزاء ، وذاب الصيهد ، وصر الجندب ، وضاف العصفور الضب في وكره ، وجاوره في جحره ، بدا لنا واد

ص: 105

كثير الدغل ، دائم الغلل ، صحراؤه مغنة ، وأطياره مرنة ، فحططنا رحالنا بأصول دوحات كنهبلات ، وأصبنا من فضلات المزاود، وأتبعناها الماء البارد ، وبينما نحن كذلك إذ صر أقصي الخيل أذنيه ، وفحص الأرض بيديه ، فوالله ما لبث أن جال ، ثم حمحم فبال ، ثم فعل فعله الذي يليه واحدا فواحدة ، فتضعضعت الخيل ، وتكعكعت الإبل ، وتقهقرت البغال ، فمن نافر بشكاله ، وشارج بعقاله ، فعلمنا أنه السبع ، وأقبل أبو الحارث من أجمته ، ينضالع في مشيته ، كأنه مجنون ، أو في وجار مسجون ، لطرفه وميض ، ولأرساغه قضيض، ولصدره خطيط ، ولبلعومه غطيط ، كأنما يخبط هشيمة ، أو يطا رميم له هامة كالمجن، وخذ كالمسن، وعينان سجراوان ، كأنهما سراجان يتقدان ، وقصرة ربلة ، ولهزمة رملة ، وكتد معبط ، وزند مفرط ، وساعد مجدول ، وعضد مفتول ، وكف شثن البراثن ، الي مخالب كالمحاجن ، فضرب بيديه فأرهج ، وكشر فأفرج ، عن أنياب كالمعاول ، مصقولة غير مفلولة ، وفم أشدق ، كالغار الأخرق ، ثم تمطي بيديه ، وحفز بوركيه ، حتي صار ظله مثليه ، ثم أقعي فاقشعر ، ثم أقبل فاكفهر ، ثم تجهم فازباز، فصاح به عثمان : اسكت ، قطع الله لسانك ، فقد أرعبت قلوب المسلمين ( معجم الأدباء 110/4 ).

ولما خرج الرشيد الي خراسان ، ثقل في علته بطوس ، واحضر له اثنان من أصحاب الثائر رافع بن الليث ، فاستنطقهما ، فتنصل أحدهما ، وهو اخو رافع ، وأقسم له إنه بريء ، فغضب منه صاحبه ، وقال له : قطع الله لسانك ، أنا والله ما زلت أدعو الله بالشهادة ، فلما رزقتها علي يدي شر خلقه ، أخذت في الاعتذار ، فاغتاظ الرشيد، وأمر بجزارين ، قطعوهما عضوا عضوأ . راجع تفصيل القصة في كتاب الفرج بعد الشدة للتنوخي . تحقيق المؤلف ، رقم القصة 308 وفي هذا الكتاب ، في الباب السادس عشر ( القتل بصنوف العذاب ) الفصل الحادي عشر ( القتل بتقطيع الأوصال ).

ص: 106

وقالت عاتكة بنت شهدة ، لابن جامع المغني : اسكت ، قطع الله لسانك .

وكانت شهدة أم عاتكة نائحة ، أما عاتكة فكانت من احذق النساء بالغناء ، وكانت تحضر مجالس الغناء عند الرشيد ، فكان ابن جامع يلوذ منها بالترجيع الكثير ، فتقول له : أين يذهب بك ، هلم إلي معظم الغناء ودعني من جنونك ، وأفرطت يوما في الرد علي ابن جامع بحضرة الرشيد، فسارها ابن جامع ، قائلا لها : أي أم العباس ، أنا يشهد الله ، أحب أن تحتك شعرتي بشعرتك ، فقالت له : اسكت ، قطع الله لسانك ، ولم تعاود بعد ذلك أذيته ( الاغاني 343/18 ).

ص: 107

11 - قولهم : فض الله فاه

وصاح رهط من أهل العراق ، علي عبد الرحمن بن خنيس : فض الله فاك .

وسبب ذلك : أن جلساء سعيد بن العاص ، أمير العراقيين بالكوفة ، تذاكروا جود طلحة بن عبيد الله ، فقال سعيد: إن من له مثل النشاشج ( ضيعة لطلحة ) لحقيق أن يكون جوادا ، ووالله ، لو أن لي مثله لأعاشكم الله عيشة رغيدة ، فقال عبد الرحمن بن خنيس ، وكان حدثا : والله ، وددت لو أن هذا الملطاط لك - يعني أراضي كانت لآل كسري علي جانب الفرات الذي يلي الكوفة - فقالوا له : فض الله فاك ، تتمني له سوادنا، وثاروا إليه وإلي أبيه خنيس ، فضربوهما حتي غشي عليها ( الطبري 4 / 318) .

وقالت أروي بنت الحارث ، لمعاوية بن أبي سفيان : أتذكر علية ، فض الله فاك .

وخلاصة القصة : إن أروي بنت الحارث بن عبد المطلب ، دخلت علي معاوية بن أبي سفيان بالموسم ( أي وقت الحج بمكة)، وهي عجوز كبيرة ، فلما رآها ، قال : مرحبا بك يا عمة ، قالت : كيف أنت يا ابن أخي ، لقد كفرت بعدي بالنعمة ، وأسأت لابن عمك الصحبة ، وتسميت بغير اسمك، وأخذت غير حقك ، فخاشنها عمرو بن العاص ، فقرعته بجواب

ص: 108

مفحم ، ثم تلاه مروان ، فصعقته بجواب مسكت ، فقال لها معاوية : با عمة ، إقصدي قصد حاجتك ، فقالت : تأمر لي بألفي دينار ، وألفي دينار ، وألفي دينار ، قال : ما تصنعين يا عمة بألفي دينار ؟ قالت : اشتري بها عينا خرخارة ، في أرض خوارة ، تكون لولد الحارث بن عبد المطلب ، قال : نعم الموضع وضعتها ، فما تصنعين بألفي دينار ؟ قالت : أزوج بها فتيان عبد المطلب من أكفائهم ، قال : نعم الموضع وضعتها، فما تصنعين بألفي دينار ؟ قالت : أستعين بها علي عسر المدينة وزيارة بيت الله الحرام ، قال : نعم الموضع وضعتها ، هي لك وكرامة ، ثم قال : أما والله ، لو كان علي ما أمر لك بها ، قالت : صدقت ، إن علية أدي الأمانة ، وعمل بأمر الله ، وأخذ به ، وأنت ضيعت أمانتك ، وخنت الله في ماله ، فأعطيت مال الله من لا يستحقه ، وقد فرض الله في كتابه الحقوق لأهلها ، فلم تأخذ بها ، ودعانا علي إلي أخذ حقنا الذي فرض الله لنا، فشغل بحربك عن وضع الأمور مواضعها ، وما سألتك من مالك شيئا فتمين به ، وإنما سألتك من حقنا ، أتذكر علية فض الله فاك وأجهد بلاك ، راجع القصة مفصلة في كتاب بلاغات النساء ص 32 - 35.

وبلغ قتيبة بن مسلم ، بعد أن فتح سمرقند ، أن ملوك الشاش وفرغانة وخاقان ، اتفقوا وبعثوا قوما من أهل النجدة ليبيتوا قتيبة وجيشه ، وبلغه خبرهم ، فوجه إليهم نخبة من أهل النجدة لصدهم ، ووقع الصدام بينهم لي ، وأبصر أحدهم ، قتيبة في ساحة المعركة ، جاء إليها لي متخفيا ، فالتفت إليه وقال له : كيف تري بأبي أنت وأمي ، فقال له : اسكت دق الله فاك ( الطبري 6/ 477) .

وأنشد بشار بن برد ، مروان بن أبي حفصة ، قصيدة من شعره ، فلما بلغ إلي البيت :

وإذا قلت لها جودي لنا ***خرجت بالصمت عن لا أو نعم

ص: 109

قال له مروان : يا أبا معاذ ، هلا قلت : خرات بدل خرجت ، فقال له : فض الله فاك ، أتطير علي من أحب بالخرس ؟ ( الملح والنوادر 287 ).

ولما عزم الأمين ، علي خلع المأمون من ولاية العهد، شاور عبد الله بن خازم ، فقال له : أنشدك الله يا أمير المؤمنين ، لا تكن أول الخلفاء نقض عهده ، واستخف بيمينه. فقال له الأمين : أسكت ، أسكت الله فاك . ( مروج الذهب 2/ 308) .

ص: 110

12- الشتائم علي النفي أي المسبوقة بلا

في يوم من أيام صفين ، تضارب الناس بالسيوف حتي صارت كالمناجل ، وتطاعنوا بالرماح حتي تقصفت ، ثم جثوا علي الركب فتحاثوا بالتراب ، يحثو بعضهم التراب في وجه بعض ، ثم تراموا بالصخر والحجارة ، ثم تعانقوا وتكادموا بالافواه ، ثم تحاجزوا ، فكان الرجل من أهل العراق يمر علي أهل الشام ، فيقول : كيف آخذ إلي رايات بني فلان ؟ فيقولون : هاهنا ، لاهداك الله ، ويمر الرجل من أهل الشام ، علي أهل العراق ، فيقول : كيف أخذ إلي راية بني فلان ؟ فيقولون : هاهنا، لا حفظك الله ولا عافاك . ( شرح نهج البلاغة 241/5).

وقال أبو موسي الأشعري ، لعمرو بن العاص : مالك ، لا وفقك الله .

وتفصيل ذلك : أنه لما وقع الاتفاق بين أهل العراق وأهل الشام ، علي التحكيم ، وجعلوا القرآن حكمة ، واختار أهل العراق أبا موسي الأشعري عبد الله بن قيس ، واختار أهل الشام عمرو بن العاص ، وكتبوا بذلك صكا واجتمع الحكمان في دومة الجندل ، وتذاكرا في الأمر ثم اتفقا علي أن يعلنا خلع علي ومعاوية ، وجعل اختيار الخلف شوري بين المسلمين ، فلما تقدما الاعلان القرار ، تقدم أبو موسي ، فأعلنه ، وخلع علية ومعاوية ، وأعلن أن للمسلمين أن يولوا من أحبوا ، فأعقبه عمرو بن العاص ، وقال : إن هذا قال ما سمعتم ، وإنه خلع صاحبه ، ألا وائي خلعت صاحبه كما خلعه ، وأثبت

ص: 111

صاحبي معاوية ، فقال له أبو موسي : مالك ، لا وفقك الله ، غدرت وفجرت ، إنما مثلك كمثل الكلب ، إن تحمل عليه يلهث ، أو تتركه يلهث ، فقال له عمرو : أن مثلك كمثل الحمار يحمل أسفارة ، وآنسل أبو موسي فركب راحلته ، وهرب، فلحق بمكة ، وقال : لقد حذرني ابن عباس غدر عمرو ولكني اطمأنت إليه ، ولم أظن إنه يؤثر شيئأ علي نصيحة المسلمين ، راجع التفاصيل في الأخبار الطوال 190 - 201.

اقول : لما كان الشيء بالشيء يذكر ، فقد أثبت صاحب شرح نهج البلاغة 57و56/10 ولاه نادرتين تتعلقان بالتحكيم ، قال : بعث عبد الملك بن مروان روح بن زنباع، وبلال بن أبي بردة بن أبي موسي الأشعري ، إلي زفر بن الحارث الكلابي بكلام ، وحذرهما من كيده ، وخص بالتحذير روح ، دومة الجندل ، لا أبي ، فعلام تخوفني الخداع والكبد، فضحك عبد الملك ، وغضب بلال ، وقال أبو عبيدة ، حكم بلال بن أبي بردة ، وهو علي قضاء البصرة ، بالتفريق بين امرأة وزوجها ، فقال الرجل : يا آل أبي موسي ، إنما خلقكم الله للتفريق بين المسلمين . وجاء في العقد الفريد 4 / 43 ان الحجاج بن حنتمة ، سأل أحد القصاص ، يهزأ به ، ما اسم بقرة بني اسرائيل ؟ فقال : إسمها حنتمة ، فقال له احد الأشعريين من أحفاد أبي موسي : في أي كتاب وجدت ذلك ؟ فقال : في كتاب عمرو بن العاص .

وقال قتيبة ، أمير خراسان ، لاخيه عبد الله بن مسلم : لا يبعد الله غيرك .

لما فتح قتيبة بن مسلم ، سمرقند ، أفضي إلي أثاث لم ير مثله ، وإلي آلات لم يسمع بمثلها ، فأراد أن يري الناس عظيم ما فتح الله عليهم ، ويعرفهم أقدار القوم الذين ظهروا عليهم ، فأمر بدار ففرشت ، وفي صحنها قدور أشتات يرتقي إليها بالسلالم ، فأقبل الحضين بن المنذر بن الحارث بن

ص: 112

وعلة الرقاشي ، والناس جلوس علي مراتبهم ، والحضين شيخ كبير ، فلما رآه عبد الله بن مسلم ، قال لأخيه قتيبة : ائذن لي في كلامه ، فقال له : لا ترده ، فإنه خبيث الجواب ، فأبي عبد الله إلا أن يأذن له ، وكان عبد الله يضعف ، وكان قد تسور حائطأ إلي امرأة قبل ذلك ، فأقبل علي الحضين ، وقال له : أمن الباب دخلت يا أبا ساسان ؟ قال : أجل، ضعف عمك عن تسور الحيطان ، قال : أرأيت هذه القدور ؟ قال : هي أعظم من أن لا تري ، قال : ما أحسب أن بكر بن وائل رأي مثلها ، قال : أجل، ولا عيلان ، ولو كان رآها لسمي شبعان ، ولم يسم عيلان ، فقال له عبد الله : أتعرف الذي يقول :

عزلنا وأمرنا وبكر بن وائل ***تجر خصاها تبتغي من تحالف

قال : أعرفه ، وأعرف الذي يقول :

وخيبة من يخيب علي غني *** وباهلة بن يعصر والرباب

فقال له : أتعرف الذي يقول :

كأن فقاح الأزد حول ابن مسمع ***وقد عرفت أفواه بكر بن وائل

قال : نعم وأعرف الذي يقول :

قوم قتيبة أمهم وأبوهم***لولا قتيبة أصبحوا في مجهل

قال : أما الشعر فأراك ترويه ، فهل تقرأ من القرآن شيئا ؟

قال : أقرأ منه الكثير : و هل أتي علي الإنسان حين من الدهر لم يكن شيئا مذكورا ) .

فغضب عبد الله ، وقال : والله ، لقد بلغني أن امرأة الحضين ، حملت إليه ، وهي حبلي من غيره .

قال : فما تحرك الشيخ عن هيأته الأولي ، ثم قال علي رسله : وما

ص: 113

يكون ؟ تلد غلامأ علي فراشي ، فيقال : فلان بن الحضين ، كما يقال : عبد الله بن مسلم .

فأقبل قتيبة علي أخيه عبد الله ، فقال له : لا يبعد الله غيرك .

والحضين هذا من بكر بن وائل ، وهو صاحب لواء الإمام علي بن أبي طالب بصفين علي ربيعة كلها ، وفيه قال الإمام علي : ( العقد الفريد39-37/4)

لمن راية سوداء يخفق ظلها***إذا قيل قدمها حضين تقدما

يقدمها في الصف حتي يزيرها***حياض المنايا تقطر الموت والدما

وتلاقي جرير والأخطل عند عبد الملك بن مروان ، فقال جرير للأخطل : لا حياك الله يا ابن النصرانية .

دخل جرير علي عبد الملك بن مروان ، والأخطل عنده ، وجرير لا يعرفه ، فقال الأخطل لجرير : أنا الذي منعت نومك ، وهضمت قومك ، فقال جرير لعبد الملك : من هذا يا أمير المؤمنين ؟ فضحك ، وقال : هذا الأخطل ، فرد جرير بصره إليه ، وقال : لا حياك الله يا ابن النصرانية ، أما منعك نومي فلو نمت عنك لكان خيرا لك ، واما تهضمك قومي ، فكيف لك بذلك وأنت ممن ضربت عليهم الذلة والمسكنة ، ائذن لي يا أمير المؤمنين في ابن النصرانية ، فقال عبد الملك : لا يكون ذلك بين يدي ( الاغاني 72/8 )

وقالت الشقراء بنت عوانة الطائية ، زوجة عبد الملك بن مروان ، الروح بن زنباع : لا حياك الله ، ولا وصل رحمك .

وسبب ذلك : إن عبد الملك تزوج الشقراء الطائية ، فأعجب بها ، وغلبت عليه فغارت زوجته عاتكة بنت يزيد ، وكلمت روح بن زنباع ، أن

ص: 114

يسقطها من عينه ، فذها عنده ، ونقل عبد الملك إلي الشقراء ، ما قاله روح فيها ، فلم تصدق ، فأحضرها في مجلس ، من وراء ستارة ، وجاء روح فأعاد عليه ما قاله من قبل في ذمها ، فغضبت ورفعت الستر، وقالت له : لا حياك الله ، ولا وصل رحمك ، راجع القصة في المحاسن والمساويء 67/2 - 69.

وقال المنصور ، ليزيد بن أبي أسيد : قم لا أقام الله رجليك .

وسبب ذلك : أن المنصور العباسي ، خلا يومأ بيزيد بن أبي أسيد ، وسأله : ماذا تري في قتل أبي مسلم الخراساني ؟ فقال : أري أن تقتله ، وتتقرب إلي الله بدمه ، فوالله ، لا يصفو ملكك ، ولا تهنأ بعيش ما بقي .

فنفر منه المنصور نفرة ، ظن يزيد أنه سوف يأتي عليه ، وقال له : قطع الله لسانك، وأشمت بك عدوك ، أتشير علي بقتل أنصر الناس لنا ، وأثقلهم علي عدونا ، أما والله ، لولا حفظي لما سلف منك ، وأن أعدها هفوة من هفواتك ، لضربت عنقك ، قم لا أقام الله رجليك .

فقام يزيد ، وقد أظلم بصره ، وتمني أن تسيخ به الأرض .

فلما كان بعد قتل أبي مسلم ، قال المنصور : يا يزيد، تذكر يوم شاورتك ؟ فقال له: نعم ، قال : والله ، كان رأيك الصواب ، ولكني خشيت أن يظهر ، فتفسد مكيدتي( الاذكياء 38 و 39 ).

وشتم الهادي العباسي ، عبد الله بن مالك صاحب الشرطة ، فقال له : لا سلم الله عليك .

وسبب ذلك : إن عبدالله بن مالك، كان صاحب شرطة المهدي، وكان المهدي يبعث إليه بدماء الهادي ، ومغنيه ، ويأمره بضربهم ، وكان الهادي يكاتبه في الرفق بهم ، فلا يلتفت إلي ذلك ، فلما ولي الهادي

ص: 115

الخلافة ، أيقن عبد الله بالتلف ، ودخل إلي الهادي ، وسلم ، فقال له : لا سلم الله عليك ، وذكره بما كان يكاتبه في أمر التخفيف عن ندمائه ، فلا يلتفت إليه ، فقال له : يا أمير المؤمنين ، تأذن لي في آستيفاء الحجة ؟ قال : قل ، قال : ناشدتك الله ، أيسرك أنك وليتني ما ولاني أبوك ، فأمرتني بأمر ، فبعث إلي بعض بنيك بأمر يخالف أمرك ، فاتبعت أمره وعصيت أمرك ؟ قال : لا ، قال : فكذك أنا لك ، وكذلك كنت لأبيك ، فرضي عنه ، وخلع عليه ، وأبقاه علي ما كان يتولاه ( الطبري 216/8).

وشتمت زينب بنت سليمان بن علي العباسي ، مزنة ، امرأة مروان بن محمد الجعدي، آخر الحكام الأمويين، فقالت لها: لا حياك الله، ولا قربك ، يا عدوة الله .

للتفصيل ، راجع كتاب الفرج بعد الشدة للقاضي التنوخي ، تحقيق المؤلف رقم القصة 389 ج 4 ص 75 - 82.

وكان إسحاق بن معاذ بن مجاهد بن خير ، شاعرأ ، وحضر إلي قاضي مصر المفضل بن فضالة ، في قضية ، في السنة 198 ، وقدم إليه قصة لينظر فيها ، فأخطأ وقدم إليه ورقة فيها هجوه ، وفيها :

خف الله وأسمع من مقالي مفضل***فإنك عن فصل القضاء ستسأل

وقد قال أقوام عجبت لقولهم : ***أقاض له شعر طويل مرجل

فنظر المفضل في الرقعة ، ثم رمي بها إليه ، وقال له : قم لا حياك الله . ( القضاة للكندي 379 و 380 ).

ولما ثار الحسين بن علي صاحب فخ بالمدينة في السنة 199 ، آذي أصحابه الناس ، فلما خرج إلي مكة ، التفت إلي أهل المدينة ، فقال لهم : لا أخلف الله عليكم بخير ، فقال الناس وأهل السوق : وأنت فلا أخلف الله عليك بخير ، ولا ردك ، ( الطبري 195/8 ).

ص: 116

وكان أبو نواس بالبصرة ، يتعشق جنان ، جارية امرأة من ثقيف ، تقيم في حكمان ، وكان أبو عثمان قريب الثقفية سيدة جنان ، فكان أبو نواس يخرج في كل يوم يسأل القادمين من حكمان عن جنان ، وأبصر يوما الطبيب ماسرجويه ، فخجل أن يسأله عن جنان ، فسأله عن أبي عثمان ، فنظر إليه ماسرجويه ، وقال له : جنان صالحة ، فقال أبو نواس : (تاريخ الحكماء 325 )

أسأل الواردين من حكمان ***كيف خلفتم أبا عثمان

فيقولون لي جنان كماس*** سرك في حالها فسل عن جنان

ما لهم لا يبارك الله فيهم*** كيف لم يغن عندهم كتماني

ولما قبض علي إبراهيم بن المهدي ، وهو بزي امرأة ، أدخل علي المأمون ، وهو بذلك الزي ، فسلم علي المأمون بالخلافة ، فقال له : لا سلم الله عليك ، ولا كلاك ، ولا حفظك ، ولا رعاك .

للتفصيل ، راجع كتاب الفرج بعد الشدة للقاضي التنوخي ، تحقيق المؤلف ، رقم القصة 352 ج3 ص342- 344.

أقول : إبراهيم هذا، من أعظم الناس جحودة للنعمة ، وإنكارة للجميل ، فإنه ادعي الخلافة ، وحارب المأمون ، فلما انتصر عليه ، وظفر به ، حقن دمه وعفا عنه ، وكان حقن دمه بسعي من الحسن بن سهل ، فإنه أوعز لابنته بوران ، لما تزوجها المأمون ، وطلب منها أن تسأله حاجة يقضيها ، طلبت منه العفو عن إبراهيم ، فعفا عنه ، ولكن هذا الإحسان ، من المأمون ، ومن الحسن ، لم يلاق في إبراهيم تلك النفس الطيبة التي تحفظ الجميل ، إذ أنه كرر أكثر من مرة . قائلا : إن المأمون لم يستبقني محبة بي ، ولا صلة لرحمي ، ولا رباء للمعروف عندي ، ولكنه سمع من هذا

ص: 117

الحلق ، ما لم يسمع من غيره ، وبلغ المأمون قوله هذا ، فقال ، هذا أكفر الناس لنعمة ( الاغاني 10/ 103 و129 و130 ) . وقال أبو العيناء : سمعت إبراهيم بن المهدي ، يقول ، وذكر عفو المأمون عنه ، فقال : والله ، ما عفا عني تقربا إلي الله ، ولا صلة للرحم ، ولكن قامت له سوق في العفو ، فكره أن تكسد بقتلي ، قال أبو العيناء ، فذكرت هذا الحديث لأبي يعقوب سليمان بن جعفر ، فقال : ما أكفره ، أما المأمون ، فقد فاز بحظها ، كفر من كفر ، وشكر من شكر ( البصائر والذخائر م 3 ق 1 ص 62).

ودخل الحسن بن سهل علي المأمون ، وهو يشرب ، فقال له : بحياتي ، وبحقي عليك يا أبا محمد ، إلا شربت معي قدحة ، وصب له من نبيذه قدحة ، فأخذه بيده ، وقال : من تحب أن يغنيك ؟ فأومأ إلي إبراهيم بن المهدي ، فقال له المأمون : يا عم غنه ، فغناه :

تسمع للحلي وسواس إذا انصرفت

يعرض به لما كان لحقه من السوداء والاختلاط ، فغضب المأمون ، حتي ظن إبراهيم أنه سيوقع به ، ثم قال له : أبيت إلا كفرة ، يا أكفر خلق الله النعمة ؟ والله ما حقن دمك غيره ، ولقد أردت قتلك ، فقال لي : إن عفوت عنه ، فعلت فعلا لم يسبقك إليه أحد ، فعفوت - والله - عنك لقوله ، أفحقه أن تعرض به ، ولا تدع كيدك ولا دغلك ، أو أنفت من إيمائه إليك بالغناء ؟

فوثب إبراهيم قائما ، وقال : يا أمير المؤمنين ، لم أذهب حيث ظننت ، ولست بعائد ، فأعرض عنه . ( الاغاني 10/ 132).

وذكر صاحب وفيات الأعيان 1/ 41 أن إبراهيم بن المهدي ، كان يقلب خاتما في يده، في مجلس المعتصم، فسأله عنه العباس بن المأمون، فقال له: هذا خاتم رهنته في أيام أبيك فما فككته إلأ في أيام أمير المؤمنين ، فقال له العباس : والله ، لئن لم تشكر أبي علي حقن دمك ، مع

ص: 118

عظيم جرمك ، لا تشكر أمير المؤمنين علي فك خاتمك .

وكان إبراهيم شديد السواد ، ورث سواده عن أمه السوداء ، واسمها شكلة ، وكان يعير بها، وقدوهم أبو الفرج رحمه الله في كتاب الأغاني (95/10) إذ ذكر أن شكلة أم إبراهيم هي ابنة شاه إفرند ، من أصحاب المازيار ، قتل الأب مع المازيار بطبرستان ، وسبيت ابنته شكلة فحملت إلي المنصور ، وهذا هو من أبي الفرج رحمه ، فإن ابنة شاه افرند التي سبيت في طبرستان ، أخذها العباس بن محمد العباسي ، وهي أم ولده إبراهيم بن العباس ، وقد أوضح ذلك صاحب العيون والحدائق 3/ 229 .

ولم يشتهر إبراهيم بغير الغناء ، في الوقت الذي كان فيه الغناء مقصورة علي طبقة معينة من الناس ، حتي أن المهدي العباسي ، تعجب لما عرف أن إسماعيل بن جامع المغني ، من قريش ، فقال له : قبحك الله ، رجل من قريش يغني ؟ ( الاغاني 303/6 ) ،ولذلك فقد كان بنو العباس يعيرون بإبراهيم ، قال أبو فراس : ( ديوان ابي فراس 255 و 256 ).

بنو علي رعايا في ديارهم *** والأمر تملكه النسوان والخدم

منكم علية أم منهم وكان لكم*** شيخ المغنين إبراهيم أم لهم

وذكروا أن إبراهيم أهدي للمعتصم نبقأ ، وبعث مع النبق رقعة كتب فيها شطرأ ، هو : تفايلت أن تبقي فأهديتك النبقا ( يريد تفاءلت ) ، ! وحدث أن لصفت الفاء بالياء ، فأصبحت الكلمة تفلت .

فكتب إليه المعتصم : ما تقيلت يا عم ، ولكن تبقرت .

وكان إبراهيم شديد الإنحراف عن علي بن أبي طالب ، فحدث المأمون أنه رأي عليا في النوم ، ومشيا حتي وصلا قنطرة ، فذهب علي يتقدمه ليعبرها ، فأمسك به إبراهيم ، وقال له : أنت رجل تدعي هذا الأمر بامرأة ونحن أحق به منك ، قال إبراهيم : فما رأيت له في الجواب بلاغة كما

ص: 119

يوصف عنه ، فإنه ما زادني علي أن قال : سلامأ ، سلاما ، فقال له المأمون : قد والله أجابك أبلغ جواب ، قال : وكيف ؟ قال : عرفك أنك جاهل ، لا يجاوب مثلك ، قال عز وجل : وإذا خاطبهم الجاهلون ، قالوا : سلاما . ( الاغاني 126/10 ).

ولما اعتل إبراهيم في السنة 224 أوصي وصية ، شهد بها جماعة من بني العباس ، وأوصي لولد أبي بكر وعمر وعثمان وطلحة ، وسائر ولد العشرة ، ولأولاد الأنصار ، ولم يوص لولد علي عليه السلام بشيء ، فقال الواثق : قبح الله فعله ، ترك أهله ، وخالف رسول الله ، في قوله : أدانيك ، أدانيك ، والله ، لا أمضاها أمير المؤمنين علي هذه الصفة ، فلما توفي ، أمر المعتصم أن يجعل لولد علي عليه السلام في الوصية ، كما لولد العباس ، وأمضاها علي ذلك ( الأوراق للصولي أشعار أولاد الخلفاء 48 و49) .

ولما أعلن إبراهيم خلافته ، تناوله الشعراء بألسنتهم ، فقال فيه دعبل :

نعر ابن شكلة بالعراق وأهله *** فهفا إليه كل أحمق مائق

إن بات إبراهيم مضطلع بها *** فلتصلحن من بعده لمخارق

ولما عجز إبراهيم عن تدارك أرزاق جنده ، قيل علي سبيل السخرية به ، إنه سوف يغني للجند أصواتا بدل الرزق ، قال الشاعر : (تاريخ بغداد 142/6)

يا معشر الأجناد لا تيأسوا ***من رحمة الله ولا تقنطوا

فسوف تسقون حنينية *** يلتها الأمرد والأشمط

والمعبديات لقوادكم*** لا تدخل الكيس ولا تربط

وهكذا يرزق أجناده ***خليفة مصحفه البربط

ص: 120

الحنينية : أصوات من غناء حنين ، والمعبديات : غناء معبد، والبربط : آلة موسيقية .

ولما استكثر المعتصم ، وهو ببغداد من الاتراك ، فأخذوا يؤذون أهل بغداد ، وتأذت بهم العامة ، فذكر أنه ركب المعتصم في يوم عيد، منصرفأ من المصلي ، فلما صار في مربعة الخرسي ، قام إليه شيخ ، فقال له : يا أبا إسحاق ، فابتدره الجند ليضربوه ، فكفهم المعتصم عنه ، وقال له : مالك ؟ فقال له : لا جزاك الله عن الجوار خيرة ، جئت بهؤلاء العلوج ، فأسكنتهم بين أظهرنا ، فأيتمت بهم صبياننا ، وأرملت نسواننا ، وقتلت رجالنا ، فدفع ذلك المعصتم إلي بناء مدينة سامراء، والانتقال إليها . ( الطبري 18/9 ).

وقال رجل من بني كلاب ، لفتي استل فرسه : لا جزاك الله من طارق خيرا ، طلقت زوجتي ، وأخذت قعدتي ، وقتلت عبدي ، راجع القصة مفصلة في كتاب نشوار المحاضرة للتنوخي تحقيق المؤلف ، رقم القصة 168/3 .وفي كتاب الفرج بعد الشدة للتنوخي ، تحقيق المؤلف ، رقم القصة 363.

وذكر ابن بطة العكبري ، إنه قدم من عكبرا إلي بغداد ليقرأ علي أبي بكر بن مجاهد، فتقدم إليه ، وقال له : أنا غريب ، وينبغي أن تقدمني علي غيري ، فقال لي : من أي بلد أنت ؟ قلت : من عكبرا ، فقال : لا رد الله غربتك ، تغديت مع أمك ، وجئت إلي .

أقول : عكبرا من ضواحي بغداد ، تبعد عنها عشرة فراسخ ( نشوار المحاضرة ، رقم القصة 93/6 ). وروي أبو بكر الباغندي ، إنه طرق علي عبد الله بن أيوب المخرمي (ت 265 ) بابه ، وقال له : البشري ، خرج توقيع السلطان بتقليدك القضاء في بغداد أو سر من رأي ، فأطبق الباب في وجهه ، وقال له : بشرك الله

ص: 121

بالنار . ( نشوار المحاضرة للتنوخي ، رقم القصة 4/ 54).

وتزوج علي بن الحسين العلوي ، رقية بنت عمرو العثمانية ، وكانت تحت المهدي ، فغضب موسي الهادي ، وأحضره ، فقال له : أعياك النساء ، إلا امرأة المؤمنين ؟ فقال له : ما حرم الله علي خلقه إلأنساء جدي أما غيرهن، فلا، ولا كرامة ، فشجه بمخصرة في يده ، وأمر به فضرب خمسمائة سوط ( الطبري 219/8)

وفي السنة 290 توفي إسماعيل بن أحمد الساماني ، أمير خراسان وما وراء النهر ، وكان حليمة ، سمع يوما مؤدب ولده أحمد ، بشتم أحمد بقوله : الا بارك الله فيك ، ولا فيمن ولدك ، فدخل اليه ، وقال له : يا هذا ، نحن لم نذنب إليك ذنبأ ، فهل تري أن تعفينا من السب، وتخص به المذنب ، فارتاع المؤدب ، فخرج إسماعيل وأمر له بصلة ، يسكن بها روعه . ( ابن الأثير 5/8)

ولما بويع ابن المعتز بالخلافة ، خلافة يوم وليلة ، دخل عليه يحيي بن علي المنجم ، فسلم عليه بالخلافة ، فقال له : لا سلم الله عليك ، با كلب ، راجع القضة مفصلة في كتاب الفرج بعد الشدة للقاضي التنوخي ، تحقيق المؤلف ، رقم القصة 402.

وقال أبو الحسن البتي لشكح المنجم : لا بشرك الله بخير ، ولا حياك ولا بياك .

والسبب في ذلك : أن أبا الحسن ، كانت له عند الوزير مؤيد الملك حاجة ، ومر في طريقه علي شكح المنجم ، وكان أعمي ، فأصر أصحابه علي سؤال المنجم عما إذا كانت هذه الحاجة سوف يقضيها الوزير أم لا ، وسألوه ، فقال : حاجة أبي الحسن لا تنقضي ، فغضب أبو الحسن ، وقال له : لا بشرك الله بخير ، ولا حياك ولا بياك ، ثم نهض ، إلي ديوان الوزير ،

ص: 122

فلم يقض الحاجة ، وخرق الرقعة ( تاريخ الحكماء 211 و212) .

وعاد رجل مريضة ، فسأله عن علته ، فقال : وجع الركبتين ، فقال : لقد قال جرير بيت ذهب عني صدره ، وبقي عجزه ، وهو قوله :

وليس لداء الركبتين طبيب

فقال المريض : لا بشرك الله بخير ، لينك ذكرت صدره ، ونسيت عجزه ( اخبار الحمقي 163).

ص: 123

13 - شتائم مختلفة

وفي يوم الطف ، سنة 61 خرج زهير بن القين من أنصار الحسين ، فكلم أهل الكوفة ، فصاح به شمر ذي الجوشن : اسكت ، اسكت الله تأمتك ، فقال له زهير : يا ابن البوال علي عقبيه ، إنما أنت بهيمة . ( الطبري 426/5 )

ونشرت علي الأعمش امرأته، فكلم أحد أصحابه، واسمه أبو ليلي وطلب منه أن يدخل عليها ويصلحها ، فدخل عليها ، وقال لها : يا امرأة ، إن الله قد أحسن قسمك ، هذا شيخنا ، وسيدنا ، وعنه نأخذ دينا وحلالنا وحرامنا ، لا يغرك منه عموشة عينيه ، ولا خموشة ساقية ، ولا رعشة يديه ، فغضب الأعمش ، وقال له : قم ، أعمي الله قلبك ، فقد أخبرتها بطائفة من عيوبي لم تكن من قبل تعرفها ( وفيات الأعيان 401/2 واخبار الحمقي 146 )

وفي معركة العقر ، لما قتل يزيد بن المهلب ، وأخواه حبيب ، ومحمد ، كان أخوهما المفضل بن المهلب يحارب في جهة أخري ، فأتاه أخوه عبد الملك ، وخاف أن يخبره بقتل أخوته فيستقتل ، فقال له : إن الأمير قد آنحدر إلي واسط ، فانحدر المفضل عندئذ، ولما علم بقتل إخوته ، حلف ألا يكلم أخاه عبد الملك أبدأ ، وكانت عين المفضل قد أصيبت في حرب الخوارج ، فقال : فضحني عبد الملك ، فضحه الله ، ما عذري إذا

ص: 124

رآني الناس ، فقالوا : شيخ أعور مهزوم ، الا صدقني فقاتلت حتي أقتل . ( شرح نهج البلاغة 253/3).

وفي معركة الطف ، نادي شمر بن ذي الجوشن ، علي بالنار حتي أحرق هذا البيت علي أهله ، فصاح النساء وخرجن من الفسطاط ، فصاح به الحسين : يا ابن ذي الجوشن ، تدعو بالنار لتحرق بيتي علي أهلي ، حرقك الله بالنار . ( الطبري 5 / 438 ).

ولما خرج بهلول بن بشر في السنة 119، ببست بعث إليه خالد القسري ، جيشا من جند الشام ، فطعن بهلول قائد جيش الشام طعنة أنفذها ، فصاح القائد : قتلتني ، قتلك الله ، فقال بهلول : إلي النار أبعدك الله ( الطبري 7/ 131).

وخطب أبو حمزة الخارجي ، في أهل المدينة ، فقال لهم : أبعدكم الله وأسحقكم .

كان أبو حمزة الخارجي قد ظهر بمكة في السنة 129 في سبعمائة من أصحابه ، وهادنه عامل مكة عبد الواحد بن سليمان ، فلما انقضي الحج، جند عبد الواحد جيشا من أهل المدينة لحرب أصحاب أبي حمزة ، فلا قوه بقديد ، فقاتلهم أبو حمزة ، وانتصر عليهم ، وقتل منهم سبعمائة ، واستولي علي المدينة ، وصعد المنبر ، فقال : يا أهل المدينة ، سألناكم عن ولاتكم هؤلاء ، فأسأتم - لعمر الله - فيهم القول ، وسألناكم : هل يقتلون بالظن ؟ فقلتم لنا : نعم ، وسألناكم : هل يستحلون المال الحرام والفرج الحرام ؟ فقلتم لنا : نعم ، فقلنا لكم : تعالوا نحن وأنتم نناشدهم الله إلا تنحوا عنا وعنكم ، فقلتم : لا يفعلون ، فقلنا لكم : تعالوا نحن وأنتم نقاتلهم فإن نظهر ، نحن وأنتم ، نأت بمن يقيم فينا كتاب الله وسنة نبيه محمد صلي الله عليه وسلم ، فقلتم : لا نقوي علي قتالهم ، فقلنا لكم : فخلوا بيننا وبينهم ، فإن نظفر

ص: 125

نعدل في أحكامكم ، ونحملكم علي سنة نبيكم ، ونقسم فيئكم فيكم ، فأبيتم ، وقاتلتمونا دونهم ، فقاتلناكم ، فقتلناكم ، فأبعدكم الله ، وأسحقكم . ( الطبري 374/7 - 395).

ولما بايع الرشيد لأولاده ، بولاية العهد، واستحلف الأمين في الكعبة ، لأخيه المأمون ، رده جعفر البرمكي إلي الكعبة ، واستحلفه ثلاث مرات ، قال له : فإن غدرت بأخيك ، خذلك الله ، حتي فعل ذلك ثلاثأ ، في كل مرة يحلف له فيها ، وكان هذا من جملة الأسباب التي اضطغنت من اجلها زبيدة أم جعفر علي البرامكة ، وكانت أحد من حرض الرشيد علي استئصالهم ( مروج الذهب 2/ 279 ).

ولما قتل القائد يزيد بن مزيد الشيباني ، الوليد بن طريف الشيباني الخارجي ، في المعركة ، لبست ليلي أخت الوليد، الدرع والجوشن ، وحملت علي الجيش ، فعرفها يزيد ، وقال : دعوها ، ثم خرج إليها، فضرب بالرمح ، قطاة فرسها ، وقال لها : اغربي ، غرب الله عليك ، فقد فضحت العشيرة ، فاستحيت ، وانصرفت ( الاغاني 95/12و 96) .

ووقع الوزير علي بن عيسي ، وزير المقتدر ، إلي عامل من عماله ، كتابة بعزله ، قال فيه : قد كثرت منك الشكية ، وعظمت فيك البلية ، بفساد طويتك ، ورداءة نيتك ، وليس مثلك من رتب لمعالي الأمور ، ولا من يعتمد في صلاح الثغور ، وقد وقفت من خبرك علي الجل منه ، وعرفت حقيقة ما تناهي إلي عنه ، فانصرف خسيس القدر ، بت الله من العمر ( البصائر والذخائر57/1/2 ).

وشتمت امرأة زوجها، فقالت له : سود الله وجهك ، وبيض جسمك ، دعت عليه بالبرص ( بلاغات النساء 94).

ص: 126

وغضبت مغنية بواسط ، علي صاحبها المتخلف ، فقالت له : قطع الله ظهرك .

ذكر ذلك أبو أحمد الحارثي ، قال : كان عندنا بواسط ، رجل متخلف موسر ، اسمه أبو محمد بن أبي أيوب ، وكان يعاشرنا بمغنية يهواها ، وكان مما يقترحه عليها من غنائها ، صوت أوله .

إن الخليط أجد منتقله***ولو شك بين حملت إبله

فاقترحه عليها يوما ، وقال لها : غني لي :

إني خريت فجئت انتقله

فقالت له : قطع الله ظهرك ، أنا أغني شيئا من ذلك ؟ واقترح عليها مرة أن تغني صوت لها ، أوله :

خليلي هيا نصطبح بسواء***ونروي قلوب همهن صواد

فقال لها : غني يا ستي :

خليلي هيا نصطبح بسماد

فقالت له : إذا عزمت علي هذا فوحدك ، راجع القصة مفضلة في نشوار المحاضرة ج1 ص 101 و 102.

ص: 127

ص: 128

الفصل الثاني: شتائم غير موجعة

اشارة

أشد كلمة شتم سمعت من الحسن ، أنه كانت بينه وبين عمرو بن عثمان خصومة في أرض ، فعرض الحسن أمرأ لم يرضه عمرو ، فقال الحسن : فليس له عندنا إلا ما يرغم أنفه ، قال : وهذه أشد كلمة شتم سمعت من الحسن ( تاريخ الخلفاء 190).

ولما قتل المنصور محمد ( النفس الزكية ) ، وأخاه ابراهيم ، قال الجلسائه : والله ، ما رأيت رجلا أنصح من الحجاج لبني مروان ، فقام المسيب بن زهير الضبي، فقال : يا أمير المؤمنين ، ما سبقنا الحجاج بأمر تخلفنا عنه ، والله ، ما خلق الله علي جديد الأرض خلقا أعز علينا من نبينا ، وقد أمرتنا بقتل اولاده فأطعناك وفعلنا ذلك ، فهل نصحناك أم لا؟ فقال له المنصور : اجلس ، لاجلست ( مروج الذهب 236/2).

وجاء أشعب الطامع ، الي أبي بكر بن يحيي ، من آل الزبير ، فشكا إليه حاله ، فأمر له بصاع من تمر ، ورأي أشعب في حال رثة ، فقال له : ويحك يا أشعب ، أنت في سنك ، وشهرتك ، تجييء في هذه الحال الرئة ، فلا تعطي ، إذهب فادخل الحمام ، وأخضب لحيتك ، وأعطاه ثياب صوف يلبسها ، ففعل ذلك ، وحسنت هيأته ، فذهب إلي هشام بن الوليد ، فسأله ، فأعطاه عشرين دينارا ، فطفق أشعب كلما جلس في حلقة ، قال : أبو بكر بن يحيي جزاه الله عني خيرة ، أعرف الناس كيف تكون المسألة ، ويقص عليهم

ص: 129

كيف نصحه ، فبلغ ذلك أبا بكر ، فقال له : يا عدو نفسه ، فضحتني في الناس ، أهذا جزائي منك ( الاغاني 143/19).

وقال المأمون لرجل تعرض له بالشام : أعزب ، فعل الله بك .

وسبب ذلك : إن رجلا تعرض بالشام للمأمون ، فقال له : يا أمير المؤمنين ، أنظر لعرب الشام ، كما نظرت لعجم خراسان ، قال له ذلك مرارة ، فقال له المأمون : لقد أكثرت علي ، والله ، ما أنزلت قيس عن ظهور خيولها إلا وأنا أري أنه لم يبق في بيت مالي درهم واحد ( يعني فتنة ابن شبث العامري ) وأما اليمن ، فوالله ما أحببتها ولا أحبتني قط ( يريدان اليمانية هواهم مع بني أمية ) ، واما قضاعة فسادتها تنتظر السفياني حتي تكون من أشياعه، وأما ربيعة فساخطة علي ربها منذ أن بعث الله نبيه من مضر ولم يخرج منها اثنان ، إلا خرج أحدهما شارية ، أعزب ، فعل الله بك ( ابن الأثير 433و432/6).

وسأل المعتصم وزيره أحمد بن عمار البصري ، عن الكلا ، فقال : لا أدري ، فقال المعتصم : خليفة أمي ووزير عامي ( شذرات الذهب 78/2 )

وقال المعتصم ، لإسحاق الموصلي النديم : يا صفيق الوجه .

وسبب ذلك : إن المعتصم ، ذكر في مجلسه أحد أصحابه ، وكان غائبا فقال : تعالوا ، نقول ما يصنع في هذا الوقت ، وقال كل واحد شيئا ، حتي وصلت النوبة إلي إسحاق الموصلي ، وقال له المعتصم ، فقال : أقول فأصيب ، قال : أتعلم الغيب ؟ قال : لا ، ولكني أفهم ما يصنع ، وأقدر علي معرفته ، قال : فإن لم تصب ؟ قلت : وإن أصبت قال : لك حكمك، قلت : وإن لم أصب فلك دمي ، قال : وجب ، قلت : وجب ، فقال : قل ، قلت : هو الآن يتنفس ، قال : وإن كان ميتة ؟ قلت : تحفظ الساعة

ص: 130

التي تكلمت فيها ، فإن مات قبلها فقد قمرتني ، قال : قد أنصفت ، قلت : فالحكم ؟ قال : احكم ما شئت ، قلت : حكمي رضاك يا أمير المؤمنين ، قال : فإن رضاي لك ، وقد أمرت لك بمائة ألف درهم . أتري مزيد ؟ قلت : ما أولاك يا أمير المؤمنين بذلك ، قال : فإنها مائتا ألف ، أتري مزيدأ ؟ قلت : ما أحوجني إلي ذلك ، قال : فإنها ثلثمائة ألف ، أتري مزيدأ ؟ قلت : ما أولاك يا أمير المؤمنين بذاك ، فقال : يا صفيق الوجه ما نزيد علي هذا ( معجم الأدباء 208/207/2 ).

ولما اعتقل المتوكل، سليمان بن وهب ، أسلمه إلي إسحاق بن إبراهيم الطاهري ، ثم عتب عليه بعد أيام أنه لم يسيء معاملته ، ولم يحصل منه علي مال ، فأحضره إسحاق وقال له : يا فاعل ، يا صانع ، تعرضني الاستبطاء أمير المؤمنين ، والله لأفرق بين لحمك وعظمك ، ولأجعلن بطن الأرض أحب إليك من ظهرها، راجع تفصيل القصة ، وكيف تخلص من شدته ، في كتاب الفرج بعد الشدة للقاضي التنوخي ، رقم القصة 73.

وكان الخليفة القائم بأمر الله ، نظيف اللسان ، وكان أشد ما يقول عند غضبه ، أن يقول لمن غضب عليه : يا عامي .

وذكر أبو الفضل محمد بن علي الوكيل ، قال : دخلت يوما إلي المخزن ( وزارة الداخلية ) فلم يبق أحد، إلا وأعطاني قصة ، فامتلأت أكمامي بالرقاع، فلما رأيت كثرتها ، قلت : لو كان هذا الخليفة أخي أو ابن عمي ، الضجر من كثرة هذه الرقاع ، فألقيتها في البركة ، وكان الخليفة يراني ، وأنا لا أعلم ، فلما وقفت بين يديه ، أمر الخدم فرفعوا الرقاع من الماء ، وشروها في الشمس ، وحملت الي الخليفة ، فوقع فيها بأجمعها ، ثم قال لي : يا عامي ، ما حملك علي هذا الفعل ؟ ( المنتظم59/8 ) .

ص: 131

وكان الملك الصالح نجم الدين بن أيوب ، ملك مصر (ت 647) نظيف اللسان أيضا ، لم تسمع منه كلمة قبيحة قط ، فكان أكثر ما يقول اذا شتم : با متخلف . ( النجوم الزاهرة 6/ 331 ).

ص: 132

1. قولهم أنت وتف الان : وسخ الأذن والتف : وسخ الاظفار شتم يستعمل في كل ما يتأذي منه الانسان

كانت سلمي بنت أبي حفصة ، تحت المثني بن حارثة الشيباني ، فلما قتل ، تزوجها سعد بن أبي وقاص ، فلما كانت ليلة أرماث ، اشتد القتال بين العرب والفرس ، فلما رأت شدة البأس ، صاحت : وامشياه ، ولا مشي لي اليوم ، فلطمها سعد ، فقالت له : أف لك ، أجبنا وغيرة ( الاغاني 5/19)

وجري بين الحسن وبين مروان كلام ، فأغلظ له مروان ، والحسن ساكت ، ثم امتخط مروان بشماله ، فقال له الحسن : ويحك ، أما علمت أن اليمين للوجه ، وأن الشمال للفرج ، أن لك ، فسكت مروان . (تاريخ الخلفاء 190).

ص: 133

2- قولهم : بفيه الكثكث

الكثكث ، والأثلب : فتات الحجارة والتراب كلمة تقال : لمن يطلب طلبة ، فيرد ردا عنيفا

دخل الأشعث بن قيس ، علي الإمام علي بن أبي طالب ، فوجد بين يديه صبية تدرج ، فقال : من هذه يا أمير المؤمنين ؟ قال : هذه زينب بنت أمير المؤمنين .

قال : زوجنيها يا أمير المؤمنين .

قال : أغرب ، بفيك الكثكث ، ولك الأثلب ، أغرك ابن أبي قحافة حين زوجك أم فروة ؟ إنها لم تكن من الفواطم ، ولا العواتك من سليم .

فقال : قد زوجتم من هو أخمل مني حسبة، وأوضع مني نسبا، المقداد بن عمرو ، وإن شئت فالمقداد بن الأسود .

قال علي : ذاك رسول الله صلي الله عليه وسلم فعله ، وهو أعلم بما فعل ، ولئن عدت إلي مثلها لأسوأنك ( العقد الفريد 136/6 ).

ولما أعلن ابن الزبير خلافته بمكة ، أبي عبد الله بن عباس ، وبنو هاشم ، أن يبايعوه ، فكتب يزيد بن معاوية الي عبد الله بن عباس ، يحضه علي ابن الزبير ، فأجابه ابن عباس ، بكتاب منه قال له فيه : بفيك الكثكث ، أنسيت قتلك حسينأ وفتيان بني عبد المطلب ، ولا شيء أعجب من طلبك ودي ونصري ، وسيفك يقطر من دمي . ( أنساب الاشراف 18/2/4 و19).

ص: 134

وغضب أبو البيان المؤدب ، علي مؤدب القاضي التنوخي ، صاحب نشوار المحاضرة ، وكان التنوخي صبيا في مكتبه ، فقال أبو البيان للمؤدب ، يا أبا جعفر ، التراب والجندل بفيك وعلي رأسك ، والويل والويح محيطان بك ، حقت بك اللعنة والخيبة ، راجع القصة في كتاب نشوار المحاضرة ج 3 ص148رقم القصة 100 .

قوله : التراب والجندل بفيك وعلي رأسك ، دعاء عليه بالموت .

ص: 135

3. قولهم : لا أم له ولا أب له

لا أتم لك ، ولا أبا لك : كلمتان تقال للشتم

واعتبرهما صاحب لسان العرب ، من ألفاظ الشتم الشديدة ، وقال : لا أم لك ، تعني : ليس لك أم حرة ، وهي سب صريح ، لأن بني الإماء عند العرب ، لا يلحقون ببني الحرائر ، وعلي تفسير آخر ، أن لا أم لك ، تعني أنه لقيط ، لا تعرف له أم .

وقال : إن كلمة لا أبا لك ، لا تترك من الشتيمة شيئا .

إلا أن الذي يظهر لي من استعمال هاتين الكلمتين ، أنهما ليست من الشتائم الموجعة عند العرب . .

والأصل في لفظة : لا أبا لك ، الشتيمة ، وقد تستعمل للاستعظام ، فيقولون في الرجل يقرظونه : لا أبا له ، وقال الحسن البصري ، وهو بذكر علي عليه السلام ، ويصف كونه علي الحق في جميع أموره ، حتي قال : فلما شارف الظفر ، وافق علي التحكيم ، ومالك والتحكيم والحق في يديك لا أبا لك .

وقال أبو العباس المبرد في الكامل : إن لا أبا لك ، كلمة فيها جفاء وخشونة ، كانت الأعراب تستعملها فيمن يستعظمون أمره ، وأنشد سليمان بن عبد الملك قول بعض الأعراب :

رب العباد مالنا ومالكا *** قد كنت تسقينا فما بدا لكا

ص: 136

أنزل علينا الغيث لا أبالك

فقال : أشهد أنه لا أب له ولا صاحبة ولا ولد ( شرح نهج البلاغة /133 و138).

قال الفاروق عمر ، لمولاه أسلم : لا أم لك .

وتفصيل ذلك : إن عمر خرج ليلا مع مولاه أسلم ، فأبصر نارة ، فدنا منها ، واذا قذر منصوبة علي النار ، فسأل امرأة كانت بجانب القدر ، ما الكم ؟ قالت : قصر بنا البرد والليل ، قال : فما بال هؤلاء الصبية بتضاغون ؟ قالت : الجوع، قال : وأي شيء في هذه القدر ؟ قالت : ماء سكتهم به حتي يناموا ، الله بيننا وبين عمر ، فقال لها : أي رحمك الله ، ما بدري عمر بكم ؟ ، قالت : يتولي أمرنا ويغفل عنا ، فعاد عمر يصحبه أسلم إلي دار الدقيق، فأخرج عذ فيه كبة شحم ، وقال لأسلم : أحمله علي ، فقال له أسلم : أنا أحمله عنك ، فصاح به : لا أم لك ، أتحمل عني وزري يوم القيامة ، ثم حمله وانطلق عائدة الي المرأة ، وأعانها في صنع الدقيق ، وجعل ينفخ النار تحت القدر ، وكان الدخان يتخلل لحيته ، حتي نضج ما في القدر ، وأكل الصبيان حتي شبعوا ، ورآهم يصطرعون ويضحكون ، ثم ناموا وهدأوا ، فقام عمر ، وقال لأسلم : إن الجوع أسهرهم وأبكاهم ، فأحببت أن لا أنصرف حتي أري ما رأيت منهم ( الطبري 206و205/4).

وصف أبو زبيد الطائي ، الأسد، وصفا دقيقا ، في مجلس الخليفة عثمان ، فصاح به عثمان : أكفف ، لا أم لك ، فلقد أرعبت قلوب المسلمين ، ولقد وصفته حتي كأني أنظر إليه ، يريد أن يوالبني ، أنظر وصفه للأسد في كتاب المحاسن والاضداد للجاحظ 57 و58 ، وفي هذا الكتاب في الفصل الأول من الباب الأول و الشتيمة مع ذكر الله تعالي

ص: 137

وقال معاوية بن أبي سفيان ، لجارية بن قدامة السعدي : لا أم لك .

وتفصيل القصة إن جارية بن قدامة السعدي ، وكان من أكابر أنصار الامام علي بن أبي طالب ، وفد علي معاوية بن أبي سفيان ، بعد مقتل علي ، فقال له معاوية : أنت الساعي مع علي بن أبي طالب ، والموقد النار في شعلك ، تجوس في القري تسفك الدماء ، فقال جارية : يا معاوية ، دع عنك عليا ، فما أبغضنا عليا منذ أحببناه ، ولا غششناه منذ صحبناه ، فقال له معاوية : ويحك يا جارية ، ما كان أهونك علي أهلك إذ سموك جارية ، فقال : أنت يا معاوية كنت أهون علي أهلك إذ سموك معاوية ، فقال له معاوية : لا أم لك ، فقال : لي أم ولدتني ، إن قوائم السيوف التي لقيناك بها بصفين لفي أيدينا ، فقال : إنك لتهددني ، قال : إنك لم تملكنا قسرة ، ولم تفتحنا عنوة ، ولكن أعطيتنا عهودة ومواثيق ، فإن وفيت لنا وفينا، وأن ترغب إلي غير ذلك ، فقد تركنا وراءنا رجالا مدادة ، وأذرعة شدادة ، وأسنة حدادة ، فإن بسطت إلينا فترة من غدر ، زلفنا اليك بباع من ختر ، فقال معاوية : لا أكثر الله في الناس أمثالك ( تاريخ الخلفاء 200).

وكان نصير ، والدموسي بن نصير فاتح الأندلس، علي حرس معاوية بن أبي سفيان ، ومنزلته عنده مكينة ، فلما خرج معاوية ، لقتال علي ، لم يخرج معه .

فقال له معاوية : ما يمنعك من الخروج معي ، ولي عندك دلم تكافئني عليها ؟

فقال : لا يمكنني أن أشكرك بكفر من هو أولي بشكري .

قال : ومن هو؟

قال : الله عز وجل .

قال : وكيف لا أم لك ؟

قال : لا أعلمك ، فأغض ، وأمض . ( وفيات الاعيان 319/5) .

ص: 138

أقول : يريد أن معاونة معاوية ، ضد الامام علي ، تعتبر معونة للباطل علي الحق ، وذلك لا يرضي الله عز وجل .

وغضب عبد الله بن عمر ، علي رجل حاول أن يتنقص الخليفة عثمان ، فقال له : أخرج لا أم لك ، راجع التفصيل في كتاب البصائر والذخائر ( 523/2/2 - 525).

وكان عروة بن الزبير ، عند عبد الملك بن مروان يحدثه ، وعنده الحجاج بن يوسف الثقفي ، فقال عروة ، في بعض حديثه : قال أبو بكر، يعني أخاه عبد الله بن الزبير ، فقال الحجاج : أعند أمير المؤمنين تكني ذلك الفاسق ، لا أم لك ؟ فقال عروة : ألي تقول لا أم لك ، وأنا ابن عجائز الجنة خديجة ، وصفية ، وأسماء ، وعائشة ، بل لا أم لك أنت ، يا ابن المستفرمة بعجم زبيب الطائف . ( الامتاع والمؤانسة 182/3 ).

وعطش الأخطل في مجلس عبد الملك ، وقال : يا أمير المؤمنين أريد خمرة . فقال له عبد الملك : ويلك ، أعهدتني أسقي الخمر ، لا أم لك ؟ ( الهفوات النادرة 30 و31).

وكان الحجاج بن يوسف الثقفي ، قد منع أن يدخل أحد مدينة واسط ، إلا بإذن منه ، ودخلها جرير الشاعر ، بلا إذنه ، فأحضره ، وأمر به فرمي في الخضراء ، فوقع علي وجهه في الماء ، ثم قال له : هيه ، ما أقدمك علينا بغير إذننا لا أم لك ؟ ( الاغاني 75/8 و76).

وقال الزهري لهشام بن عبد الملك : لا أبا لك .

وتفصيل ذلك : إن سليمان بن يسار دخل علي هشام بن عبد الملك ، فقال له : يا سليمان ، من الذي تولي كبره منهم ؟ ( پريد به حديث الإفك )، فقال له : هو ابن سلول ( پريد به عبد الله بن أبي ) ، فقال له : كذبت ، بل هو علي ( بريد به علي بن أبي طالب ) ، ثم دخل الزهري ، فقال له هشام :

ص: 139

يا ابن شهاب ، من الذي تولي كبره منهم ؟ فقال : هو ابن أبي ( پريد به ابن سلول ) ، فقال له : كذبت ، بل هو علي ، فقال له الزهري : أنا أكذب لا أبا الك ؟ والله ، لو نادي مناد في السماء إن الله قد أحل الكذب ، لما كذبت ( الوافي بالوفيات 26/5).

وقال هشام بن عبد الملك ، للإمام زيد بن علي بن الحسين : اسكت ، لا أم لك ، انت الذي تنازعك نفسك في الخلافة ، وأنت أبن أمة ؟

وتفصيل القصة : إن هشام بن عبد الملك ، كان أحول خشنة فظة

غليظة ( مروج الذهب 161/2)، قال له الإمام زيد : ليس أحد يكبر عن تقوي الله ، ولا يصغر دون تقوي الله ، فقال له هشام : اسكت ، لا أم لك ، أنت الذي تنازعك نفسك في الخلافة ، وأنت ابن أمة ، فقال : إن الأمهات لا يقعدن بالرجال عن الغايات ، وقد كانت أم إسماعيل أمة ، فبعث الله من نسلها نبيا ، وجعله للعرب أبأ ، وأخرج من صلبه خير البشر محمد ، وكانت كلمة هشام ، سببا في خروج زيد عليه ، إذ بادر لما خرج منه الي الكوفة ، وجمع جموعه ، وحارب حتي قتل ( مروج الذهب 162/2).

ورأي رجل ، معاوية ، في يوم صفين ، وقد قربت له دابته ليفر، فقال له : لو كانت هند بنت عتبة مكانك ما هربت ، واختارت أن تموت كريمة ، أو تعيش حميدة ، فقال له : أخفض صوتك لا أم لك ( البصائر والذخائر 798/2/2)

وغضب الفرزدق ، علي شاب من الأنصار ، فقال له : من أنت لا أم لك ؟

وتفصيل القصة : إن شابة أنصارية ، قصد الفرزدق ، وفاخره بحشان شاعر الأنصار ، وتلا علي الفرزدق قصيدة من قصائد حان ، وقال للفرزدق : أو جلك سنة ، فإن قلت مثله ، فأنت أشعر العرب ، فقال له الفرزدق : من

ص: 140

أنت لا أم لك ؟ فأخبره بنسبه . فنظم الفرزدق قصيدته الفائية .

عزفت بأعشاش وما كنت تعزف

فلما سمعها الأنصاري ، قام كئيبة ، ولما تواري طلع عليه جماعة من الأنصار ، فسلوا سخيمته ، وترضوه ( الاغاني 371/21 - 373).

وقال نوح بن جرير ، لأبيه : أنت أشعر أم الأخطل ؟ فنهره أبوه ، وقال له : بئس ما قلت ، وما أنت وذاك لا أم لك ، فقال له نوح : وما أنا وغيره ؟ فقال جرير : لقد أعنت عليه بكفر وكبر سن، وما رأيته إلا خشيت أن يبتلعني ( الاغاني 299/8 ).

وفي آخر مواجهة بين أبي مسلم والمنصور ، في السنة 137 عاتب المنصور أبا مسلم ولامه علي بعض تصرفاته ، فقال له أبو مسلم : ليس هذا يقال لي بعد بلائي ، وما كان مني ، فقال له : يا ابن الخبيثة ، إنما عملت ما عملت بريحنا ، ولو كان ذلك إليك ما قطعت فتي؟ لقد أرتقيت ، لا أملك ، مرتقي صعبا . ( الطبري 491/7 ) .

وذكر كاتب ابراهيم بن عبد الله بن الحسن العلوي قتيل باخمري، إن شيخأ من بني عبد القيس ، لطم فتي من فتيانهم ، وقال له : لا أم لك ، محنة كمحنة الخوارج ، وقد أثبتنا القصة بتفصيلها في هذا الكتاب ، في الباب الثالث : الضرب ، الفصل الثالث : اللطم ، وراجع كذلك كتاب البخلاء للجاحظ ص 197 و198 .

وقال المهدي ، لعمارة بن حمزة : من أرق الناس شعرأ ؟ قال : والبة بن الحباب ، قال : صدقت ، قال : فما منعك من منادمته يا أمير المؤمنين ؟ قال : قوله :

قلت لساقينا علي خلوة***أدني كذا راسك من راسي

ونم علي صدرك لي ساعة *** إني امرؤ أنكح جلاسي

أفتري أن أنادمه لا أم لك ؟ ( البصائر والذخائر 184/1).

ص: 141

وتقدم وكيل مؤنسة ( قهرمانة الخيزران ) إلي شريك القاضي ، مع خصم له ، فجعل يستطيل علي خصمه إدلالأ بموضعه من مؤنسة ، فقال له شريك : كف لا أم لك ، فقال : تقول لي هذا وأنا وكيل مؤنسة ؟ فقال شريك : يا غلام اصفعه ، فصفعه عشر صفعات ، راجع البحث في كتاب البصائر والذخائر للتوحيدي 214/1/3 .

وكتب الرشيد الي خزيمة بن خازم ، لما ولاه ارمينية ، فوضع فيهم السيف : لا أم لك ، تقتل ذا الذنب ومن لا ذنب له ( العقد الفريد 214/4 )

ولما قتل محمد الأمين ، دخل إلي السيدة زبيدة أمه ، بعض خدمها ، وقال لها : ما يجلسك وقد قتل أمير المؤمنين ؟ فقالت : ويلك ، ماذا أصنع ؟ ، قال : تخرجين ، فتطلبين بثأره ، كما خرجت عائشة تطلب بدم عثمان ، فقالت : اخسأ لا أم لك ، ما للنساء وطلب الثأر ومنازلة الرجال ؟ ثم أمرت بثيابها فسودت ، ولبست مسحة من شعر ( مروج الذهب 327/2 ) .

وشتم علي بن عيسي بن ماهان ، أمير خراسان للرشيد، كلا من الحسين بن مصعب وهشام بن فرخسرو ، فقال لكل واحد منهما : لا أم لك .

أقول : علي بن عيسي بن ماهان ، من كبار القادة العباسيين ، ومن أشد أعداء البرامكة ، ولاه الرشيد خراسان خلفا للفضل بن يحيي البرمكي ، فظلم وجار واعتدي ، ونهب وصادر ، وأهدي للرشيد هدايا ملأت عينه ، وقال اليحيي بن خالد البرمكي : أين كانت هذه الأموال في أيام الفضل ابنك ؟ فقال : كانت في بيوت أصحابها ، وهو من الأجوبة الجامعة بين الإيجاز والإعجاز ، وبلغ علي بن عيسي أن هشام بن فرخسرو ، والحسين بن مصعب ( والد طاهر بن الحسين ) يشيعان خبر عزله ، فأحضرهما ، ولما سلما عليه ،

ص: 142

قال للحسين: لا سلم الله عليك يا ملحد يا ابن الملحد، والله، إني لأعرف ما أنت عليه من عداوتك للإسلام وطعنك في الدين ، وما أنتظر بقتلك إلا إذن الخليفة فيه ، فقد أباح الله دمك ، وأرجو أن يسفكه الله علي يدي عن قريب ، الست المرجف بي في منزل هذا ( وأشار الي هشام ) بعدما ثمل من الخمر وزعمت أنه قد جاءتك كتب من مدينة السلام بعزلي ، أخرج إلي سخط الله ، لعنك الله ، فقال الحسين : أعيذ بالله الأمير أن يقبل في قول واش ، أو سعاية باغ ، فقال له علي : كذبت لا أم لك ، وقال لهشام بن فرخسرو : صارت دارك دار الندوة، يجتمع فيها إليك السفهاء، وتطعن علي الولاة ، سفك الله دمي إلن لم أسفك دمك ، فقال هشام : جعلت فداء الأمير ، أنا والله مظلوم ، والله ما أدع في تقريظ الأمير جهدأ ، وفي وصفه قوة إلا خصصته به ، وقلته فيه ، فإن كنت إذا قلت خيرة نقل شرا فما حيلتي ، فقال له : كذبت لا أم لك ، لأني أعلم بما تنطوي عليه جوارحك من أهلك وولدك ( الطبري325/8) .

وفي موقعة البويب ، في السنة 13 ، صف المثني جند المسلمين ، الحرب الفرس ، فأبصر رجلا يستوفز ويستنتل من الصف ، فقال : فقال : ما بال هذا ؟ قالوا : هو ممن فر من الزحف يوم الجسر ، وهو يريد أن يستقتل ، فقرعه بالرمح ، وقال : لا أبا لك ، الزم موقفك ، فإذا أتاك قرنك ، فاغنه عن صاحبك ، ولا تستقتل ( الطبري 461/3 ، 462).

وقال الخليفة الفاروق عمر ، لأبي سفيان : أسكت لا أبا لك .

وسبب ذلك : إن الخليفة عمر ، ضرب رجلا بالدرة ، فنادي : يا القصي ، فقال له أبو سفيان : يا ابن أخي ، لو قبل اليوم تنادي قضية ، لأتتك منها الغطاريف .

فقال عمر : أسكت ، لا أبا لك ، فقال أبو سفيان : ها ، ووضع سبابته علي فيه ( العقد الفريد50/1).

ص: 143

وقال عمرو بن العاص لعائشة : وددت أن قتل يوم الجمل .

قالت : ولم ، لا أبا لك ؟

قال : كنت تموتين بأجلك ، وتدخلين الجنة ، ونجعل قتلك أكبر التشنيع علي علي بن أبي طالب ( شرح نهج البلاغة 322/6 ) .

وفي وقعة مرج راهط ، صاح عبد الملك ، بوالده مروان بن الحكم : صه ، لا أبا لك .

وسبب ذلك : إن وقعة مرج راهط ، كانت بين القيسية ، وقد بايعوا بالخلافة عبد الله بن الزبير ، واليمانية ، وقد بايعوا مروان بن الحكم ، فخاض مروان المعركة ، وهو يترنم بهذا البيت :

وما ضرهم غير حين النفوس***أي أميري قريش غلب

يعني : إن هؤلاء القيسية ، واليمانية، حمقي ، فإنهم يقتتلون ، ويقتلون أنفسهم ، ليكون واحدا من قريش أميرا عليهم ، ولذلك أسكته ابنه .

وهذا البيت ، قالته أم مفجوعة ، قتل أولادها في إحدي معارك صفين ، فقالت تندبهم :

أيا عين بكي بدمع سرب***علي فتية من خيار العرب

وما ضرهم غير حين النفوس***أي أميري قريش غلب

ووعظ عمرو بن عبيد المنصور ، فأبكاه ، فقال له سليمان بن مالك رفقة بأمير المؤمنين ، فقال له عمرو : بمثلك ضاع الأمر وانتشر لا أبالك . ( شرح مقامات الحريري 333/1 ) .

ص: 144

4. قولهم : لا كرامة

لا كرامة : لفظة من ألفاظ الشتم والكرامة في اللغة : العزازة وقوله : لا كرامة لك ، أي لا عزازة ، ولا احترام لك

لما بلغ عبيد الله بن زياد ، موت يزيد بن معاوية ، خطب في أهل البصرة ، وطلب منهم أن يبايعوه ، فقام يزيد بن الحارث اليشكري ، وقال : لا والله ، ولا كرامة ، أخزي الله ابن سمية . ( الامامة والسياسة 16/2).

ووفد الحجاج بن يوسف الثقفي علي عبد الملك بن مروان ، ومع الحجاج ، عمارة بن تميم اللخمي ، فلما قام الخطباء بين يدي عبد الملك ، وأثنوا علي الحجاج ، وقف عمارة ، وقال : يا أمير المؤمنين لا رضي الله عن الحجاج ، ولا حفظه ، ولا عافاه ، فهو - والله - السيء التدبير ، الذي أفسد عليك أهل العراق ، وألب عليك الناس ، وما أتيت إلا من قلة عقله ، وضعف رأيه ، وقلة بصره بالسياسة ، ولك - والله - أمثالها ، إن لم تعزله ، فقال له الحجاج : مه يا عمارة ، فقال عمارة : لا مه ولا كرامة ، انظر القصة مفصلة في كتاب المحاسن والمساويء 100/1 و 101).

ويروي أن سليمان بن عبد الملك ، خرج في حياة أبيه ، لمتنه ، فبسط له في صحراء ، وتغدي مع أصحابه ، فلما حان انصرافه ، تشاغل غلمانه بالترحال ، وجاء أعرابي ، فوجد منهم غفلة ، فأخذ دواج سليمان ، فرمي به علي عاتقه ، وسليمان ينظر إليه فبصر به بعض حشمه فصاح به : ألق ما عليك ، فقال الأعرابي : لا لعمري ، لا ألقيه ، ولا كرامة ، هذا كسوة

ص: 145

الأمير وخلعته ، فضحك سليمان ، وقال : صدق ، أنا كسوته ، فاتركوه ( التاج للجاحظ 103 و104).

وتزوج علي بن الحسين العلوي ، رقية بنت عمرو العثمانية ، وكانت تحت المهدي ، فغضب موسي الهادي ، وأحضره ، فقال له : أعياك النساء ، إلا امرأة أمير المؤمنين ؟ فقال له : ما حرم الله علي خلقه إلأ نساء جدي أما غيرهن، فلا ولا كرامة، فشجه بمخصرة في يده، وأمر به فضرب خمسمائة سوط ( الطبري 219/8 ).

وقال الرشيد لمسلم بن الوليد : لا كرامة لك .

وسبب ذلك إن مسلم بن الوليد كان يمدح يزيد بن مزيد الشيباني ، وكان يزيد يبره ويعني به ، وأغضبه مرة ، وخشي أن يهجوه ، فأخبر الرشيد ، فدعا الرشيد مسلما ، وقال له : أتبيعني عرض يزيد ؟ قال : نعم ، قال : بكم ؟ قال : برغيف ، فغضب الرشيد ، وقال له : قد كان رأيي أن أشتريه منك بمال جسيم ، ولست أفعل ، ولا كرامة لك ، وأنا بريء من أبي ، ووالله ، والله ، إن بلغني أنك هجوته ، لانزعن لسانك من بين فكيك ( فوات الوفيات 141/4 ).

وروي صاحب كتاب الفرج بعد الشدة ، في القصة 378 قصة أبي جعفر بن شيرزاد ، لما أراد بجكم القبض عليه ، فتحصن في داره ، وكان لها أربعة عشر بابا ، إلي أربعة عشر شارعا ، وسكة ، وزقاق نافذة ، ومنها عدة أبواب لا يعرف جيرانها أنها تفضي إلي داره ، وكان يحرسه في الدار ثلثمائة من غلمانه المقاتلة بالسلاح الكامل ، فحضر إليه محمد بن ينال الترجمان حاكم بغداد من قبل بجكم ، ومعه أبو بكر النقيب، وأصرا عليه بالنهوض والسفر الي بجكم ، فاعتذر بأنه مريض ، فألح عليه ابن ينال وتشدد ، فغضب أبو جعفر ، وقال : لا أخرج ولا كرامة لك ، فأجهد جهدك ، راجع هذه القصة البالغة الطرافة ، في كتاب الفرج بعد الشدة

ص: 146

اللقاضي التنوخي ، تحقيق المؤلف . في القصة رقم 378.

وقالت غانية بغدادية ، لرجل بغدادي مستور : لا كرامة ولا عزازة .

وتفصيل ذلك : إن ابن سهلان ، ولي العراق لبني بويه في السنة 409 ووصل إلي بغداد ، والفتنة فيها قائمة علي قدم وساق ، فأنزل رجاله من الديلم في أطراف الكرخ ( محلة الشيعة ) وباب البصرة ( محلة الستة ) ليحول دون الإحتكاك بينهم، فتجاهر رجال الديلم بالفحشاء والفساد ، حتي أن رجلا من المستورين خرج في رمضان وهو صائم ، فلما رأي ما هم عليه من الفساد ، أراد أن يعود إلي داره ، فأمسكوا به ، وأكرهوه علي الدخول معهم الي دار نزلوها ، وألزموه بأن يشرب الخمر ، فامتنع فصبوها في فيه قهرأ ، ثم أحضروا غانية . وقالوا له قم إلي هذه الفتاة فافعل بها، فامتنع ، فألزموه ، وأدخلوه معها إلي بيت في الدار ، فأعطاها دراهم ، وقال لها : هذا أول يوم من أيام رمضان ، والمعصية فيه تتضاعف ، فخذي هذا الدينار ، وأخبريهم بأني قد فعلت ، فقالت : لا كرامة ولا عزازة لك ، أنت تصون دينك عن الزنا، وأنا أريد أن أصون كرامتي عن الكذب في هذا الشهر المبارك ، فصارت هذه الحكاية سائرة في بغداد ( ابن الأثير 307/9 ) .

ص: 147

5- قولهم : سوء له

السوءة ، في الأصل : الفرج والعورة وقد جاء في القرآن الكريم : بدت لهما سوء اتهما ، أي العورة ثم نقل التعبير إلي كل ما يستحيا منه وتقال بالنصب ، الأنها شتم للمخاطب ، ودعاء عليه

جيء إلي المنصور ، بخارجي خرج عليه ، فأسر ، فصاح به المنصور : يا ابن الفاعلة ، مثلك يهزم الجيوش ؟ فقال له الخارجي : ويلك ، سوءة لك ، بيني وبينك أمس السيف والقتل ، واليوم القذف والسب ، ما كان يؤمنك أن أرد عليك ، وقد يئست من الحياة ، فلا تستقيلها أبدأ ، فاستحيا منه المنصور ، وأطلقه . ( الطبري 68/8 ) .

وخطب المهدي يوما ، فقام إليه رجل، فقال له : اتق الله ، فأخذ، فحمل ، فجعلوا يتلقونه بنعال سيوفهم ، حتي أدخلوه علي المهدي ، فقال له : يا أبن الفاعلة ، تقول لي وأنا علي المنبر ، اتق الله ؟ فقال له : سوأة الك ، لو كان هذا من غيرك كنت المستعدي بك عليه ، قال : ما أراك إلا نبطي ، قال : ذاك أوكد للحجة عليك ، أن يكون نبطي يأمرك بتقوي الله ( الطبري 181/8 ).

ووجهت ريطة بنت أبي العباس السفاح ، زوجة المهدي ، إلي أبي العباس عبد الله بن مالك الخزاعي في شراء رقيق للعتق ، وأمرت جارينها عتبة ، وكانت لها ثم صارت إلي الخيزران بعدها، أن تحضر ذلك ، فإنها الجالسة إذ جاء أبو العتاهية ، وكان يتعشق عتبة في زي متنكر ، فقال لعتبة : جعلت فداك ، أنا شيخ ضعيف كبير ، لا أقوي علي الخدمة ، فإن رأيت

ص: 148

أعزك الله - أن تأمري بشرائي وعتقي ، فعل مأجورة ، فأقبلت علي عبد الله ، فقالت : إني لأري هيأة جميلة وضعفأ ظاهرة ، ولسانا فصيحة، ورجلا بليغة ، فاشتره ، وأعتقه ، فقال : نعم ، فقال أبو العتاهية : أتأذنين لي أصلحك الله في تقبيل يدك ، شكرا لك علي جميل فعلك ، وما أوليتني ، فأذنت له ، فقبل يدها وانصرف .

فضحك عبد الله بن مالك وقال : أتدرين من هذا ؟

قالت : لا.

قال : هذا أبو العتاهية ، وإنما احتال عليك حتي قبل يدك .

فسترت وجهها خجلا، وقالت : سوأة لك ، يا أبا العباس ، مثلك يعبث ، إنما اغتررنا بكلامك .

وقامت ، فلم تعد إليه . ( مروج الذهب252/2و253 ).

وذكر يزيد بن مزيد الشيباني ، إن الرشيد أرسل إليه ، فجاء لابسة سلاحه ، فلما رآه ضحك ، وقال له : من الذي يقول فيك :

تراه في الأمن في درع مضاعفة*** لا يأمن الدهر أن يدعي علي عجل ا

لله من هاشم في أرضه جبل***وأنت وأبنك ركنا ذلك الجبل

فقال : لا أدري ، فقال له الرشيد : سوأة لك ، تمدح بمثل هذا الشعر

ولا تعرف قائله . ( وفيات الأعيان 332/6 و 333 ).

وقدم هارون الرشيد الكوفة ، فكتب قومة من القراء ، أمر لكل واحد منهم بألفي دينار ، وكان ممن كتب داود الطائي ، فأخذ إليه الدراهم ابن السماك ، وحماد بن أبي حنيفة ، فلما دخلا عليه نثرا الدراهم بين يديه ، إغراء له بأن يأخذها ، فقال لهما : سوءة لكما ، إنما يفعل هذا بالصبيان ، وأبي أن يقبلها ( وفيات الأعيان 261/2).

ص: 149

وقال إبراهيم بن العباس ، لعلي بن الجهم : سوءة عليك ، سوءة لك ، ما أوقحك .

وسبب ذلك ، إن علي بن الجهم ، كان وقحا صلب الوجه ، فادعي لنفسه بيتين كان إبراهيم بن العباس ، قد نظمهما في محمد بن عبد الملك الزيات ، فقال له إبراهيم : هذان البيتان لي ، قلتهما في محمد بن عبد الملك ، فقال له : علي بن الجهم بقحة : ألم أنهك أن تنتحل شعري ؟ فغضب إبراهيم ، وجعل يقول له بيده : سوءة لك ، سوءة عليك ، ما أوقحك وهو لا ينكر ولا يخجل ( الاغاني 220/10 و 221) .

ص: 150

6- قولهم : ثكلته أمه

الشكل : الفقدان وقولهم : ثكلته أمه ، دعاء عليه بالموت

وفي وقعة الجمل ، لما عقر ، مال الهودج بعائشة ، فقال علي لمحمد بن أبي بكر : تقدم إلي أختك ، فدنا محمد، فادخل يده في الهودج ، فنالت يده ثياب عائشة ، فقالت : إنا لله ، من أنت ثكلتك أمك؟ فقال : أنا أخوك محمد . ( الاخبار الطوال 151).

لما أسر مسلم بن عقيل ، وجيء الي عبيد الله بن زياد ، كان مسلم قد أصابته ضربة قطعت شفته العليا، وأشرع السيف في السفلي ، ونصلت لها ثنياه ، وكان شديد العطش ، فلما انتهي إلي باب القصر ، إذا قلة باردة موضوعة علي الباب ، فطلب مسلم أن يشرب من الماء ، فقال له مسلم بن عمرو الباهلي : أتراها ما أبردها ، لا والله لا تذوق منها قطرة حتي تذوق الحميم في نار جهنم ، فقال له مسلم : ويحك ، لأنك الشكل ، ما أجفاك ، وما أفظك ، وأقسي قلبك وأغلظك ، ثم جلس متساندة إلي الحائط . (الطبري 373/5- 376) .

وفي معركة الطف ، لما بقي الحسين وحده ، بعد قتل أصحابه ، تحامي المحاربون قتله ، فصاح بهم شمر بن ذي الجوشن : ويحكم ماذا تنتظرون بالرجل ، اقتلوه ثكلتكم أمهاتكم ، ( الطبري453/5 ) .

ولما أقبل الحسين إلي العراق . وبلغه مقتل مسلم بن عقيل ، أراد أن

ص: 151

يتنكب الطريق إلي العراق ، فحال الحر بن يزيد الرياحي بينه وبين ذلك ، فقال الحسين للحر : ثكلتك أمك ، ما تريد ( الطبري 402/5 ) .

ولما أراد الحجاج قتل ابن القرية ، قال له : ثكلتك أمك يا ابن القرية ، ثم قتله . ( وفيات الأعيان 253/1).

وطلب الحجاج الثقفي ، يوسف بن عبد الله بن عثمان ، ليقتله ، فاستأمن يوسف لدي عبد الملك بن مروان ، فكتب له أمانا ، وحضر بعد ذلك إلي مجلس الحجاج ، فقال له : ثكلتك أمك. ( الفرج بعد الشدة القصة رقم 146)

وتزوج الحارث بن السليل الاسدي ، بالرباب ابنة علقمة بن حفصة الطائي ، وكان الحارث شيخا ، فأبصرت زوجته فتية يعتلجون ويصطرعون ، فتنفست الصعداء ، وبكت ، فقال لها : ما يبكيك ، ثكلتك أمك . ( بلاغات النساء 95) .

ودخل الحسن البصري ، علي عبد الله بن الاهتم، يعوده في مرضه ، فرآه يصعد بصره في صندوق في بيته ، ويصوبه ، ثم التفت إلي الحسن ، فقال له : يا أبا سعيد ، ما تقول في مائة ألف ، في هذا الصندوق ، لم أؤد منها زكاة ، ولم أصل بها رحم ، فقال له : ثكلتك أمك ، ولمن كنت تجمعها ؟ ( العقد الفريد 212/3 ) .

ولما ورد الخبر بخروج محمد بن عبد الله ( النفس الزكية ) بالمدينة ، تسلم الربيع الخريطة وجاء بها الي المنصور ، وكان نائما ، فصاح الربيع بحماد ( حماد دنقش ) ، افتح الباب ، فقال : الساعة هجع أمير المؤمنين ، فقال له الربيع : افتح ثكلتك أمك ، فسمع المنصور كلامه ، وفتح له الباب ( مروج الذهب235/2).

وولي المنصور رجلا أعربية ، حضرموت ، فكتب إليه صاحب البريد ،

ص: 152

إنه يكثر من الخروج للصيد ، فعزله ، وكتب إليه : ثكلتك أمك ، وعدمتك عشيرتك ، إنما استكفيناك أمور المسلمين ، ولم نستكفك أمور الوحش . ( الطبري 68/8).

وطلب المهدي العباسي، سفيان الثوري (ت 161)، ليوليه القضاء ، ففر منه إلي البصرة ، وصار إلي بستان ، أجيرا يحفظ ثمارها، ومر به بعض العشارين ، فسأله من أين هو ؟ قال : من الكوفة ، فقال له : أخبرني رطب البصرة أحلي أم رطب الكوفة ؟ فقال له : لم أذق رطب البصرة ، فقال له : ما أكذبك من شيخ، الكلاب والبر والفاجر، يأكلون الرطب، وأنت تزعم أنك لم تذقه ، وعاد العشار إلي العامل فأخبره بما قال سفيان ، وهو لا يعرفه يعجبه منه ، فقال له العامل : ثكلتك أمك ، أدركه إن كنت صادقأ ، فإنه سفيان الثوري ، لنتقرب به إلي أمير المؤمنين ، فرجع ، فما قدر عليه . ( يعني إنه استر منه ). ( وفيات الأعيان 388/2 ) .

ص: 153

7- قولهم : يا عاجز

وقال محمد بن بشير ، قاضي قرطبة ، لمن عاتبه في حكم أصدره : يا عاجز .

وتفصيل القصة : إن الأمير سعيد بن عبد الرحمن ، عم الحكم الأموي ، صاحب الأندلس ، كانت له دعوي عند ابن بشير قاضي قرطبة ، وكانت في يده وثيقة فيها شهادات شهود قد ماتوا ، ولم يكن فيها من الأحياء إلا الأمير الحكم وشاهد آخر ، وكلفه القاضي بإقامة البينة ، فراجع الأمير الحكم ، وأخبره بالقصة ، وأراه الوثيقة وفيها شهادته ، فقال له الحكم : يا عم ، إنا لسنا من أهل الشهادات ، وقد التبسنا من هذه الدنيا بما لا تجهله ، ونخشي أن توقفنا مع القاضي موقف مخزاة كنا نفديه بملكنا ، فقال له عمه : سبحان الله ، وما عسي أن يقول قاضيك في شهادتك ، وأنت وليته ، وهو حسنة من حسناتك ، وقد لزمك في الديانة أن تشهد لي بما تعلم ، ولا تكتم ما أخذ الله عليك ، فقال الحكم : بلي ، إن ذلك لمن حقك كما تقول ، ولكنك تدخل علينا به داخلة ، فإن أعفيتنا منه فهو أحب إلينا ، وعلينا خلف ما انتقصك ، وإن أضطررتنا لم يمكنا عقوقك، فألح عليه ، فأرسل الحكم إلي فقيهين ، وخط شهادته بيده أمامهما ، وطلب منهما أن يؤدياها إلي القاضي ، فجاءه الفقيهان وهو في مجلس القضاء ، وأديا إليه شهادة الأمير الحكم ، فقال القاضي لهما : قد سمعت منكما ، فقوما راشدين ، وجاء وكيل الأمير سعيد

ص: 154

مدلا ، واثقا ، وطلب الحكم بموجب ما شهد الأمير ، فأخذ القاضي كتاب الشهادة ، ونظر فيه ، ثم قال للوكيل : هذه شهادة لا تعمل عندي ، فجئني بشاهد عدل ، فدهش الوكيل ، ومضي إلي الأمير سعيد ، فأعلمه ، فركب من فوره إلي الحكم ، وقال له : ذهب سلطاننا ، وأزيل بهاؤ نا ، يجتريء هذا القاضي علي رد شهادتك ، فقال له الحكم : يا عم ، القاضي رجل صالح ، فأحسن الله جزاءه ، ولما عوتب القاضي فيما أتاه من رد شهادة الأمير ، قال لمن عاتبه : يا عاجز، أما تعلم أنه لا بد من الإعذار في الشهادات ، فمن كان يجتريء علي الدفع في شهادة الأمير ، ولو لم أعذر لبخست المشهود عليه حقه ( نفح الطيب 146/2 - 148).

أقول : كان القاضي محمد بن بشير المعافري (ت 198 ) يقعد للقضاء ، وهو في زي الحداثة ، من الجمة المفرقة ، والرداء المعصفر ، وظهور الكحل في عينيه ، وأثر الحناء في يديه ، فإن رام أحد من دينه شيئا وجده أبعد من الثريا ، وجاء في أحد الأيام رجل يسأل عن القاضي ، فدل عليه ، فلما رآه توقف ، وقال : أنا رجل غريب ، وأراكم تستهزئون بي ، أنا أسألكم عن القاضي ، وتدلوني علي زامر ، فقالوا له : هو القاضي ، فلما تقدم إليه ، ورأي ما عنده ، عجب ، وكان يتحدث بقصته معه .

ص: 155

8- قولهم : يا هذا

قالت فتاة بصرية ، لشاب حجازي : با هذا ، أردت أن تجعلني كشاة عكرمة .

قال موسي السلاماني ، وكان أيسر تاجر بالبصرة : بينا أنا جالس ، إذ دخل علي غلام لي ، فقال : هذا رجل من أهل أمك يستأذن عليك ، وكانت أمه مولاة لعبد الرحمن بن عوف ، فقلت : ائذن له ، فدخل شاب حلو الوجه ، يعرف من هيأته أنه قرشي ، فقلت : من أنت يرحمك الله ؟ قال : أنا عبد المجيد بن سهل بن عبد الرحمن بن عوف الزهري ، خال رسول الله قلت : في الرحب والقرب ، ثم قلت : يا غلام ، بره ، وأكرمه ، وألطفه ، وأدخله الحمام ، وآكسه قميص رقيقة ، ومبطنأ قوهيأ ، ورداء عمرية ، وحذرنا له نعلين حضرميين ، فلما نظر الشاب في عطفيه ، أعجبته نفسه ، فقال : يا هذا ابغني أشرف أيم بالبصرة ، أو أشرف بكر بها ، قلت : يا ابن أخي ، معك مال ؟ قال : أنا مال كما أنا ، قلت : يا ابن أخي كف عن هذا ، قال : انظر ما أقول لك ، قلت : فإن أشرف أيم بالبصرة هند بنت أبي صفرة ، وأشرف بكر بالبصرة الملاءة بنت زرارة بن أوفي الحرشي ، قاضي البصرة ، قال : انطلق بنا إليه ، فانطلقنا إلي المسجد، فتقدم ، فجلس إلي القاضي ، فقال له : من أنت يا ابن أخي ؟ قال : عبد المجيد بن سهل بن عبد الرحمن بن عوف خال رسول الله ، قال : مرحبا ، ما حاجتك ؟ قال : جئت خاطبأ ، قال : ومن ذكرت ؟ قال : الملاءة ابنتك ، قال : يا ابن أخي ، ما بنا عنك رغبة ، ولكنها امرأة لا يفتات علي أمرها، فاخطبها إلي

ص: 156

نفسها ، فقام إلي ، فقلت : ما صنعت ؟ قال : كذا وكذا ، قلت : ارجع بنا ولا تخطبها ، قال : اذهب بنا إليها ، فدخلنا دار زرارة ، فإذا دار فيها مقاصير ، فاستأذنا علي أمها ، فلقيتنا بمثل كلام الشيخ ، ثم قالت : ها هي تلك في تلك الحجرة ، قلت له : لا تأتها ، قال : أليست بكرأ ؟ قلت : بلي ، قال : ادخل بنا إليها ، فاستأذنا ، فأذنت لنا ، فوجدناها جالسة وعليها ثوب قومي ، رقيق معصفر ، تحته سراويل پري منه بياض جسدها ، ومرط قد جمعته علي فخذيها، ومصحف علي كرسي بين يديها ، فأشرجت المصحف ، ثم نحته ، فسلمنا ، فردت ، ثم ركبت بنا ، ثم قالت : من أنت ؟ قال : أنا عبد المجيد بن سهل بن عبد الرحمن بن عوف الزهري ، خال رسول الله ، ومد بها صوته ، قالت : يا هذا إنما يمد الصوت اللساسانيين ، قال موسي فدخل بعضي في بعض قالت : ما حاجتك؟ قال : خاطبا ، قالت : ومن ذكرت ؟ قال : ذكرتك : قالت : مرحبا بك يا أخا أهل الحجاز ، ما الذي بيدك ؟ قال : لنا سهمان بخيبر ، أعطاناهما رسول الله ومد بها صوته ، وعين بمصر ، وعين باليمامة ، ومال باليمن ، قالت : پا هذا، كل هذا عنا غائب ، ولكن ما الذي يحصل بأيدينا منك ، فإني أظنك تريد أن تجعلني كشاة عكرمة ، أتدري من عكرمة ؟ قال : لا ، قالت : عكرمة بن ربعي ، فإنه نشأ بالسواد ، ثم انتقل إلي البصرة وقد تغذي باللبن ، فقال لزوجته : اشتري لنا شاة نحلبها ، وتصنعين لنا من لبنها شرابا وكامخا ، ففعلت ، وكانت عندهم الشاة إلي أن استحرمت ، فقالت : يا جارية ، خذي بأذن الشاة ، وانطلقي بها إلي التياس ، فأنزي عليها، ففعلت ، فقال التياس ، آخذ منك علي النزوة درهما ، فانصرفت إلي سيدتها ، فأعلمتها ، فقالت : إنما رأينا من يرحم ويعطي ، وأما من يرحم ويأخذ فلم نره ، ولكن ، يا أخا أهل المدينة ، أردت أن تجعلني كشاة عكرمة ، فلما خرجنا قلت له : ما كان أغناك عن هذا ، قال : ما كنت أظن أن امرأة تجتريء علي مثل هذا الكلام في (العقد الفريد 96/6 - 98).

ص: 157

9- قولهم : يا هناه

يا هناه : لفظة نداء ، فيها شيء من الاستهانة

وما زالت هذه اللفظة مستعملة في العراق ، لعين الغرض ، إلا أنها قد حذفت منها الهاء الأخيرة ، فالبغدادي ينادي : يا هنا .

وقال الشاعر :

وقد رابني قولها يا هناه***ويحك ألحقت شرأ بشر

قال عمرو بن العاص : ما رأيت معاوية قط متكئة علي يساره ، واضعا إحدي رجليه علي الأخري ، كاسرأ إحدي عينيه ، يقول للذي يكلمه : يا هناه ، إلا رحمت الذي يكلمه . ( البيان والتبيين 2/ 221) .

وقال هلال بن عليم الحنظلي لسعيد الحرشي أمير خراسان : يا هناه .

وسبب ذلك : إن سعيد الحرشي ولي خراسان ليزيد بن عبد الملك : فغزا في السنة 104 ونزل القصر ( قصر الريح) علي فرسخين من الدبوسية ، وأمر الناس بالرحيل قبل أن يجتمع إليه جنده ، فقال له هلال : يا هناه ، إنك وزيرا خيرا منك أميرة ، الأرض حرب ، شاغرة برجلها ، ولم يجتمع لك جندك ، وقد أمرت بالرحيل ، قال : فكيف لي ؟ قال : تأمرهم بالنزول ، ففعل ( الطبري 7/7 ).

وكلم يزيد بن عمر بن هبيرة ، القائد الأموي ، وكان آخر أمير للأمويين علي العراق ، المنصور العباسي ، والمنصور يومئذ أمير ، فقال له : يا هناه ،

ص: 158

ويا أيها المرء ، ثم رجع فقال : أيها الأمير ، إن عهدي بكلام الناس بمثل ما خاطبتك به حديث ، فسبقني لساني إلي ما لم أرد ( الطبري455/7 ووفيات الاعيان 316/6)

وخطب حضري بدوية ، فأبته ، وقالت لعمها ، تزوجني غلام حضريا ، يقول لي : يا هنه يا بنت الهنة ( بلاغات النساء 57 ) .

ص: 159

ص: 160

الفصل الثالث: المعايرة

اشارة

المعايرة : نسبة المشتوم إلي ما يعيب .

ويشتمل البحث في هذا الفصل ، علي الأقسام التالية :

القسم الأول : المعايرة بالعاهة

القسم الثاني - المعايرة بالصناعة

القسم الثالث - المعايرة بالنحلة

القسم الرابع - المعايرة بالنسبة

القسم الخامس - المعايرة بالابوين

أ- المعايرة بالأب

ب - المعايرة بالأم

القسم السادس - المعايرة بالصفات السيئة

أ- المعايرة بالصفات الخلقية

ب - المعايرة بالصفات العارضة .

ص: 161

ص: 162

القسم الأول: المعايرة بالعاهة

العامة في الإنسان : الفساد في أحد أعضائه ، و كالعمي ، والعور ، والعرج . روند درج العرب علي أن لا يعيروا أحدا بعاهة أصابته ، لأنهم ينظرون إلي الأصل والملكات ، ولا ينظرون إلي الصفات العارضة .

وكان هاشم بن عتبة بن أبي وقاص ، أعور ، أصيبت عينه في فتح جلولاء ، وكان يلقب بالمرقال ، لأنه كان يرقل في مشيته إذا دخل المعركة ، وكان في أيام صفين ، يحمل الراية وهو يرتجز :

أعور يبغي نفسه محلا***قد عالج الحياة حتي ملا

يتلهم بذي الكعوب تلا***لا بد أن يفل أو يفة

ثم بدأوا من بعد ذلك ، يعيرون بالعاهات .

والبغداديون يكنون عن الأعور بقولهم : كريم العين ، وإذا أرادوا السخرية ، قالوا : صفحة چول ، أوتك گلوب ( راجع كتابنا في الكنايات العامية البغدادية ) فإذا أضاف إلي عوره خلة سوء ، قالوا عنه : أعور نجس ، وإذا كان أعور شريرا كنوا عنه بقولهم : شمر ، يريدون إنه في عوره وسوء خلقه كالشمر بن ذي الجوشن ، أحد قتلة الحسين عليه السلام في وقعة الطف بكربلاء ، والمتعارف عند البغداديين جميعا أن الشمر كان أعور ، هذا

ص: 163

علي أني لم أجد فيما لدي من مراجع ما يؤيد عور شمر وإنما كان مصابا بالبرص .

ولما بويع عثمان بالخلافة ، جاء المغيرة بن شعبة ، فبايعه ، وقال له : لو بايع عبد الرحمن بن عوف ) غيرك ما رضينا، فقال له عبد الرحمن : كذبت يا أعور ، لو بايع غيره لبايعته ، ولقلت هذه المقالة ( الطبري 239و234/4)

وفي السنة 36 عزل الإمام علي ، قيس بن سعد ، عامله علي مصر ، بمحمد بن أبي بكر، فانزعج سعيد من عزله، ورحل من مصر إلي المدينة، فجاء إليه حسان بن ثابت ، وكان عثمانية ، فقال له في شماتة : نزعك علي ، وقد قتلت عثمان ، فبقي عليك الإثم ، ولم يحسن لك الشكر ، فقال له قيس : يا أعمي القلب والبصر ، والله لولا أن ألقي بين رهطي ورهطك حربا ، لضربت عنقك ، أخرج عني ( البطري 555/4 )

وقالت أم المؤمنين عائشة ، لأبي سعيد بن عقيل بن أبي طالب : با أحول، يا خبيث ، وسبب ذلك : أن أبا سعيد بن عقيل، تكلم في مجلس معاوية ، فنال من الزبير ، بمحضر من ولده عبد الله ، وبلغ ذلك أم المؤمنين عائشة ، فلما مر أبو سعيد بفنائها ، صاحت به : يا أحول ، يا خبيث ، أنت القائل لابن أختي كذا وكذا ؟ فالتفت أبو سعيد فلم ير أحدأ ، فقال : إن الشيطان يراك من حيث لا تراه ، فضحكت عائشة ، وقالت : الله أبوك ، ما أخبث لسانك ( اعلام النساء 3/ 99).

وقال معاوية، لأبي هوذة بن شماس الباهلي : لقد هممت أن أحمل جمعة من باهلة ، في سفينة ، ثم أغرقهم ، فقال أبو هوذة : إذا لا ترضي باهلة بعدتهم من بني أمية ، قال : اسكت أيها الغراب الأبقع ، وكان به برص ، فقال أبو هوذة : إن الغراب ربما درج إلي الرخمة حتي ينقر دماغها

ص: 164

ويقلع عينيها ، فقال يزيد بن معاوية : ألا تقتله يا أمير المؤمنين ؟ ، قال : مه ، ونهض معاوية ، ثم وجهه بعد ذلك في سرية ، فقتل ، فقال معاوية ليزيد : هذا أخفي وأصوب ( الحيوان 428و427/3)

وعير الاحنف بن قيس . لأنه قال للحباب بن المنذر : إسكت يا آدر ، وكان الحباب آدر ، وعد ذلك من سقطات الاحنف (سرح العيون 57)

وشتم الوليد بن يزيد ، عمه هشام بن عبد الملك ، فقال عنه : الأحول المشؤوم، وكان هشام ينبز بالأحول، لحول في عينه (الطبري 146/7 ، 253 ، 212 )

وجاء رجل نصراني ، إلي الخليفة عمر بن عبد العزيز ، وأدعي علي هشام ، أنه غصب ضيعة له ، فقال عمر لهشام : قم مع خصمك ، وجلسا جميعا بين يديه ، فجعل هشام ينتهر خصمه ، فقال له عمر : يا أحول ، عندي تنتهره ، إن عدت عاقبتك ، راجع تفصيل القصة في العيون والحدائق60/3

وفي السنة 128 حارب الحارث بن سريج، نصر بن سيار أمير خراسان ، وفي إحدي المعارك ، قابل عصمة بن عبد الله الأسدي ، صالح بن القعقاع الأزدي ، فقال له عصمة : تقدم يا مزوني ، فقال له صالح : اثبت باخصي ( الطبري 336/7)

أقول : المزوني : كلمة يعير بها الأزد ، والنسبة إلي المزون ، قرية من قري عمان يسكنها اليهود والملاحون ، ليس بها غيرهم ، ويراد بالمزوني : الملاح ، وهي نسبة يعير بها الأزد ، قال الكميت :

فأما الأزد أزد أبي سعيد***فأكره أن أسميها المزونا

ص: 165

وقال زيد بن مرة اليشكري ، يهجو أزدية :

تبدلت المنابر من قريش ***مزونيا بصفحته الصليب

وأما قول صالح لعصمة : يا خصي ، فلأنه كان عقيما ، ولعله كان سناطأ لا شعر في وجهه ، فيكون مشبها للخصي ، وقد لقب قيس بن سعد بن عبادة ، بالخصي ، لأنه كان سناطأ أيضأ .

وقال شداد الحارثي : لقيت أسود بالبادية ، فقلت له : لمن أنت يا أسود ؟ ، فقال : السيد الحي يا أصلع ، قلت : ما أغضبك من الحق ؟ قال : الحق أغضبك ، قلت : أولست بأسود ؟ ، قال : أو لست بأصلع؟ ( البيان والتبيين 2/ 77 والعقد الفريد 4/ 41)

وفي السنة 129 كانت العصبية قد اشتدت بين المصرية واليمانية بخراسان ، وكان نصر عامل خراسان ، زعيم المصرية ، وجديع بن علي الكرماني ، زعيم اليمانية ، وكان جديع أعور ، وحاول بعض الرؤساء من أهل خراسان أن يصلح بينهما، ليتفقا علي أبي مسلم الخراساني الذي كان قد ظهر وأعلن الدولة العباسية ، فكان الكرماني يعارض في مصالحة نصر ، فقال له أحدهم : يا أعور ما أخلقك أن تكون الأعور الذي بلغنا أن يكون هلاك مضر علي يديه ( البطري365/7)

ويظهر من أبيات لابن بسام ، أن المعتضد كان آدر ، إذ قال فيه :

ترك الناس بحيره ***وتخلي في البحيرة

قاعدة يضرب بالطب*** بل علي بطن دريره

ودريرة هذه حظية المعتضد ( معجم الأدباء 5/ 320 والوزراء 203)

وابن بسام هذا ، آية في لطف الإشارة ، والأناقة في التعبير ، مع الهجو اللاذع، ومن شتائمه البديعة ، قوله يهجو أحد الفتيان :

ص: 166

يا ابن الدهاليز ويا نشو السكك *** ويا ابن عجل لا يجي زوجي يرك

ويذكرني قول ابن بسام هذا ، بشتيمة سمعت أبا ناظم جعفر بن محمد الچلبي رحمه الله ، يشتم بها شخصأ ، وكان في موضع تقية ، فقال عنه : إنه ابن عشاير ، وظاهر الكلمة المديح ، ولكن باطنها الذم ، لأنه عني بقوله أنه ابن عشائر ، أنه كثير الأباء .

وكان ابن بسام ، شديد الوطأة علي القاسم بن عبيد الله ، وزير المكتفي ، ينتهز كل فرصة ليهجوه ، فلما مات أبو محمد ، أخو القاسم ، قال ابن بسام يعزي أباه عبيد الله بن سليمان ، ويهجو القاسم ، دون أن يذكر اسمه : [ معجم الأباء 5 / 322]

قل لأبي القاسم المرجي***قابلك الدهر بالعجائب

مات لك ابن وكان زينأ ***وعاش ذو الشين والمعايب

حياة هذا كفقد هذا *** فلست تخلو من المصائب

ويظهر من قول الشاعر ابن عنين ، أن السلطان صلاح الدين الأيوبي رحمه الله كان أعرج ، وأن عماد الدين الأصبهاني كاتبه ، كان ضعيف البصر ، كما إن وزيره القاضي الفاضل كان أحدب ، قال ابن عنين : [ ديوان ابن عنين 210 و 211]

سلطاننا أعرج وكاتبه***ذو عمش والوزير منحدب

وروي لنا ابن بطوطة إن الحرافيش بمصر ، اجتمعوا وشتموا السلطان الملك الناصر محمد بن قلاوون (ت 761 ) لما حبس الأمير طشط ، قال : إن من جملة الأمراء الذين كانوا بالقاهرة ، لما زارها في السنة 726 الأمير طشط ، وكان محسن للأيتام من كسوة ونفقة ، وأجرة لمن يعلمهم القرآن ، وله إحسان علي الحرافيش ، وهم طائفة كبيرة ، أهل صلابة وجوه وزعارة ، وقد سجنه الملك الناصر محمد بن قلاوون ، مرة ، فاجتمع آلاف

ص: 167

من الحرافيش ، ووقفوا بأسفل القلعة ، ونادوا بلسان واحد: يا أعرج النحس ، أخرجه ، وكان الملك الناصر أعرج ، فأخرجه (مهذب رحلة أبن بطوطة 1 / 33 )

ص: 168

القسم الثاني: المعايرة بالصناعة

كان الأشراف من قريش، في الجاهلية، لكل منهم صناعة، وقد ذكر الثعالبي في الطائف المعارف ، وابن قتيبة في المعارف ، وابن رسته في الأعلاق النفسية ، أسماء بعض هؤلاء الأشراف ، وصناعاتهم ، فقد كان أبو طالب يبيع العطر ، وأبو بكر وعثمان ، وطلحة ، وعبد الرحمن بن عوف ، يبيعون البر ، وكان الزبير ، وعمر بن العاص ، وعامر بن كريز جزارين ، وكان أبو سفيان زياتأ ، والعاص بن وائل بيطارة .

وروي عن الخليفة عمر ، أنه قال : لو خيرت بين الصناعات ، لاخترت أن أكون عطارة ( بائع عطر ) ، فإن فاتني ربحه ، لم يفتني ريحه .

وكان يزيد بن المهلب ، لما ولي خراسان ، اتخذ بستانا في داره بمرو، فلما ولي قتيبة خراسان ، جعل البستان لإبله ، فقال له مرزبان مرو : كان هذا بستانا ليزيد ، وقد جعلته لإبلك ، فقال له قتيبة : لأن أبي كان اشتربان ( صاحب إبل ) ، وأبا يزيد كان بستان بان ( بستانية ) .

ولما جاء الإسلام ، واشتغل العرب بالفتوحات ، قل انصرافهم إلي الصناعات ، ولكهنم لم ينقطعوا عنها انقطاعا تاما، إلا أنهم اعتبروا بعض الصناعات ، من الصناعات الدنيئة ، كالحجامة ، والحياكة .

وأهديت لزياد بن أبيه ، فيلة ، وكان ينفق عليها في كل يوم عشرة

ص: 169

دراهم ، فتقدم رجل من أهل ميسان ، اسمه معدان ، وقال : ادفعوها إلي ، وأتحمل أنا مؤونتها ، وأعطيكم في كل يوم عشرة دراهم ، فدفعوها إليه ، فاحترف عرضها علي الناس ، وأثري ، وأبتني قصرة ، ونسب إلي حرفته ، فصار إسمه : معدان الفيل ، ونشأ له ولد اسمه عنبسة، تأدب ، وفصح ، وظرف ، وأعان جريرا علي الفرزدق ، فهجاه الفرزدق ، وعيره بحرفة أبيه ، فقال :

لقد كان في معدان والفيل زاجر***العنبسة الراوي علي القصائدا

فسار الشعر في البصرة ، وسئل عنه عنبسة ، فغير فيه كلمة الفيل ، وأنشده .

لقد كان في معدان واللؤم زاجر

فقال له أبو عيينة بن المهلب : وأبيك ، إن شيئا فررت منه إلي اللؤم العظيم ( معجم الأدباء 91/6 و 92) .

وكانت الحجامة من المهن المحتقرة عند العرب ، ويروي أن الفرزدق الشاعر ، دخل علي بلال بن أبي بردة بن أبي موسي الأشعري ، وكان بلال يتحدث بمآثر جده أبي موسي ، وأراد الفرزدق أن يفحمه ، فقال : من مآثر أبي موسي إنه حجم النبي صلوات الله عليه ، يشير إلي أنه كان حجامة ، فقال بلال : إنه حجمه تبركا ، ولم يحجم أحدا غيره ، لا قبله ولا بعده ، فقال الفرزدق : أيها الأمير ، جدك أتقي له من أن يجرب برأس نبيه ، يشير إلي أنه حجام محترف ، فأفحم بلال ولم يحر جوابأ ( وفيات الأعيان 11/3 )

ووصفوا بعض الصناعات ، بأنها تنقص من عقل صاحبها ، وعيروا بها ، كتأديب الصبيان مثلا ، فإن اتهام المؤدب بالخفة ، أو بنقص العقل ، دفع بالجاحظ إلي تأليف كتاب في هذا الموضوع .

وقد حفظت ، وأنا صبي ، بيتين من الشعر ، كانا شائعين في بغداد

ص: 170

علي ألسنة جميع الناس ، عامتهم وخاضتهم ، ولا أعرف لمن هما :

إن الرقاعة جمعت في ستة *** في حائك ومنجم وسكافي

ومعلم الأولاد يفتي بينهم ***وكذاك في الحلاق والنداف

قد أدركت الزراعي في العراق ، وهم لا يرضون بزرع حاصل غير الحنطة والشعير والأرز ، لا يبغون بغيرها بد ، ويعتبرون زراعة غير هذه الأصناف عارة ، وكانوا يعيبون ( الكرادة ) ، أي أصحاب الكرود المحيطة ببغداد ، من شماليها وجنوبيها ، لأنهم يزرعون الخضر ، ويعيرونهم بأغنية ، كنت أسمعها وأنا صبي ، مطلعها : كرادي ، كرادي ، يا بو باذنجانة.

وقد تعب المرحوم الملك فيصل الأول ، مع الزراع في العراق ، من أجل أن يقنعهم بزرع القطن ، وكانت له سوق رائجة في العالم ، وكانت مصر قد ازدهرت من وراء زرع القطن ، وبذل الملك فيصل رحمه الله ، جهده في ذلك ، فأطاعه البعض ، وتهرب البعض الأخر وهم الأكثر .

وكما كان الزراع يحتقرون من يزرع الخضر ، كذلك كانوا يحتقرون التاجر الصغير الذي يفتح دكانا في قريتهم ، لبيع ما يحتاجه المزارع، من أشياء . من خيوط ، وابر ، وقماش ، وورق ، وأقلام ، إلي غير ذلك ، ويسمونه : البقال ، وكان أمثال هذا التاجر ، يثرون ، ويتمولون ، من وراء التعامل مع المزارعين ، ولكنهم يبقون في نظر المزارع، بقالين ، فلا ترتفع أقدارهم ، مهما زادت ثرواتهم .

واتذكر ، أن نزاع نشب في الأربعينات ، بين أهالي قلعة سكر ، وأهالي الكرادي ، بلدتين علي نهر الغراف ، في منطقة إدارية واحدة ، وكانت قلعة سكر ، فيها مقر الحاكم الإداري (القائمقام)، والمحكمة ، وكنت حاكما (قاضيا) فيها في السنة 1934 فكان لها الفضل علي الكرادي ، وأراد أهل الكرادي نقل المحكمة ، والحاكم الإداري إليهم ، ونشبت بينهم معركة ظهر

ص: 171

أثرها في البرقيات التي كانوا يبرقونها إلي السلطات في بغداد ، وكان أشد ما يعير به أهل الكرادي ، خصومهم أهالي قلعة سكر ، أنهم كانوا يسمونهم : بقالي قلعة سكر ، معتبرين هذه النسبة من أشنع ألوان الشتيمة .

وخطب الإمام علي ، علي منبر الكوفة ، فقام الأشعث بن قيس ، وقال له : هذه عليك لا لك ، فغضب الإمام ، وقال له : وما علمك بما علي مما الي ، منافق بن كافر ، حائك بن حائك ( شرح نهج البلاغة 75/4)

وفي السنة 102 بعد معركة العقر التي قتل فيها يزيد بن المهلب ، طلب الورد بن عبد الله بن حبيب السعدي الأمان ، فأحضره مسلمة ، وشتمه ، وقال له : صاحب خلاف ، وشقاق ، ونفار ونفاق ، في كل فتنة ، مرة مع حائك كندة ( يريد ابن الأشعث ) ومرة مع ملاح الأزد ( پريد ابن المهلب ) ، ما كنت بأهل أن تؤمن ( الطبري610/6).

أقول : إن تعيير الأزد ، بأنهم ملاحون ، حصل في أكثر من موضع واحد ، وزمان واحد ، فإن مسلمة بن عبد الملك ، لما انتصر علي يزيد بن المهلب ، في معركة العقر ، وقتل يزيد في المعركة ، صلب مسلمة جئته ، وعلق مع الجثة خنزيرة ، وسمكة ، وزق خمر ( الغيث المسجم 2/ 182)، يريد بالسمكة ، أن يزيد من الأزد ، فهو ملاح ، وبزق الخمر، أنه سكير ، وبالخنزير مجرد الشتم .

وكذلك الحال لما حارب نصر بن سيار ، أمير خراسان ، جديع بن علي الكرماني ، وقتل جديع في المعركة ، فأخذه نصر وصلبه ، وصلب إلي جانبه سمكة ، يشير إلي أن جديع ، أزدي ، فهو ملاح ( الطبري 370/7 )

وتساب خالد القسري، وهو في حبس يوسف بن عمر، مع يوسف، لما أحضره من الحبس فقال له : يا ابن الكاهن ، يعيره بأن جده ( شق ) الكاهن المعروف في الجاهلية ، فقال له خالد: أتعيرني بشرفي يا ابن الخمار ، وكان

ص: 172

أبو يوسف وجده بالطائف أصحاب حانة ( الأخبار الطوال 344 )

وشتم أبو الهيثم بن ثوابة ، أبا العيناء ، فقال له : ما أنت والد خول بيننا با مكدي ، راجع القصة في البصائر والذخائر577/2/2

وفي السنة 384 نشبت في السوس بالأهواز ، معركة بين جيش صمصام الدولة ، وجيش بهاء الدولة ، وانكسر جيش صمصام الدولة ، ووقف سعادة ( أحد قواد صمصام الدولة ) ، ممسكا بعنان فرس صمصام الدولة ، متحيرة ، لا يدري ما يصنع ، فقال له يا رغ ( أحد القواد الأتراك في جيش بهاء الدولة ) ، بالفارسية : ما وقوفك يا حجام ؟ خذ صاحبك وانصرف ( ذيل تجارب الأمم 256)

أقول : أراد يا رغ بقوله هذا ، الإبقاء علي حياة صمصام الدولة وقائده ، جريأ علي عادة القواد القدماء ، فإنهم كانوا عند انتصارهم يتغاضون عن استئصال الخصم ، ويعتبرون ذلك من آيين الفروسية .

ص: 173

القسم الثالث: المعايرة بالنحلة

المعايرة بالنحلة تعني اتهام المشتوم بانتحاله غير الإسلام ، كأن يقال له : باطني ، أو ملحد، أو قرمطي ، أو زنديق ، أو منافق ، أو يهودي ، أو كافر .

الكفر ؛ في الأصل ، الستر والتغطية والكفر بنعم الله : جحودها . والكفر بالدين : انكاره ، وهو ضد الإيمان ، الذي هو التصديق . والملحدون : فرقة من الدهرية، والإلحاد الكفر .

والباطنية : فرقة من المسلمين ، لزمهم هذا اللقب ، لحكمهم بأن لكل ظاهر باطنأ ، ولكل تنزيل تأوي . للتفصيل راجع كتاب الملل والنحل للشهرستاني26/2 - 36.

والقرامطة : فرقة من المسلمين ، ذات نحلة باطنية ، عرفت في السنة 278 بدأها رجل يلقب بقرمط ، قدم إلي سواد الكوفة يدعو إلي إمام من أهل بيت الرسول صلوات الله عليه ، وأتبعه قوم ، فسموا القرامطة ، وانتشرت دعوته ، واستولي أتباعه علي القطيف ، ثم اتسعت رقعة حكمهم ، فشملت بادية السماوة وبادية كلب ، وفتحوا البصرة ، والكوفة ، وقاربوا بغداد ، وحصروا دمشق وحلب ، وفتحوا طبرية والأردن ، وهاجموا الحجاز ، وفتحوا مكة ، وقتلوا الحجاج في الحرم قتلا ذريعة ، وقلعوا الحجر الأسود ، وأخذوه إلي عاصمتهم هجر، واجتاحوا قوافل الحجاج أكثر من مرة ، وذبحوهم وسبوا

ص: 174

النساء ، راجع أخبارهم في الطبري ج. 10 وتجارب الأمم ج- 1 والمنتظم ج-6 .

وكانت كلمة قرمطي ، وكلمة باطني ، من كلمات الشتم التي توجه إلي من يراد شتمه .

وتساب معاوية بن أبي سفيان ، وقيس بن سعد بن عبادة الأنصاري ، وكان قيس عام لعلي علي مصر ، فقال معاوية لقيس : انك يهودي بن يهودي ، فأجابه قيس : أنت وثن بن وثن ، دخلت في الإسلام كرها، وخرجت منه طوعا ، ونحن أنصار الدين الذي منه خرجت ، وأعداء الدين الذي فيه دخلت ( مروج الذهب 13/2 )

وكان مروان الجعدي ، قد عثر علي كتاب من إبراهيم الإمام ، إلي أبي مسلم ، فأحضر إبراهيم ، وسأله ، فأنكر كل شيء ، فكشف له عن الكتاب ، وقال له : يا منافق أليس هذا كتابك إلي أبي مسلم ، ثم أودعه السجن . ( مروج الذهب 2/ 192)

وغضب المهدي العباسي ، علي رجل من الأشعريين ، فضربه، ثم قال له : يا يهودي ( الطبري 8/ 139)

وشتم علي بن عيسي بن ماهان ، أمير خراسان ، الحسين بن مصعب ، فقال له : يا ملحد يا ابن الملحد . ( الطبري 325/8)

وفي السنة 200 أغلظ يحيي بن عامر بن إسماعيل ، للمأمون ، فقال له يا أمير الكافرين، فأمر به فقتل بين يديه . ( الطبري 8/ 545 )

ونازع محمد بن الفضل، بعض قرابته في ميراث ، فقال له : يا ابن الزنديق . فقال له : إن كان أبي كما تقول ، فلا يحل لك أن تنازعني في الميراث ، إذ كان لا يرث دين دين ، يعني أن اختلاف الدين يمنع الميراث ،

ص: 175

فما دام زعم أن المتوفي زنديق ، فإن المدعي الشاتم ليس له أن يدعي في ميراثه . ( العقد الفريد 26/4)

وذكر أبو علي التنوخي ، صاحب كتاب نشوار المحاضرة ، في القصة 4/5: إن القاضي أبا بكر بن قريعة ، لما قلده قضاء الأهواز ، خلافة له ، كتب إلي خليفته علي القضاء قبل التنوخي ، وهو ابن سركر الشاهد، كتابة عنوانه : إلي المخالف الشاق ، السيء الأخلاق ، الظاهر النفاق ، محمد بن اسحاق .

وكان نصر الحاجب ، أحد خصوم الوزير ابن الفرات ، وحضر مناظرة الوزير حامد بن العباس لابن الفرات ، فقال نصر لابن الفرات بعجمته: تكلمي يا قرمطية ( الوزراء للصابي 106)

وناظر ابن الفرات، وزير المقتدر، علي بن عيسي بن الجراح، الوزير ، بعد عزل حامد بن العباس عن الوزارة ، واتهمه باعانة القرامطة ، وقال له : يا قرمطي فقال له علي بن عيسي : أيها الوزير ، أنا قرمطي ، أنا قرمطي ؟ يعرض به ، لأن أهل بغداد ، كانوا يلقبون ابن الفرات ، إذا غضبوا عليه ، بالقرمطي

ولما قبض علي ابن الفرات ، من بعد ذلك ، بأمر الخليفة ، وأحدد في الطيار رجمه العامة ، وصاحوا : قد قبض علي القرمطي الكبير ، راجع التفصيل في القصة 10/4من كتاب نشوار المحاضرة للتنوخي ، وفي معجم الأدباء 85/1 وتجارب الأمم 1/ 121 والمنتظم 6/ 189 .

وذكر أبو بكر الصولي ، في كتابه الأوراق ، أن أبا عبد الله ، حفيد المنتصر ، تآمر علي الراضي ، وحاول قتله ، ليحل محله ، فاعتقله الراضي ، وأحضره معصوب العينين ، فلما أقيم بين يديه ، قال : ما لنا، نحن

ص: 176

قرامطة ؟ ، فقال له الراضي : يا ابن الفاعلة ، لو كنت محتاجة لعذرتك ، ثم أمر به فني ، وقتله في ليلته ، راجع الحاشية في تجارب الأمم 390/1 و .391

ولما تقابل جند السلطان بركياروق ، وجند السلطان محمد، جري بينهما سباب ، وكان أكثر ما يسب عسكر محمد ، عسكر بركياروق ، قولهم الهم : يا باطنية ( ابن الأثير 10 / 309) .

وفي السنة 521 لما هاجم السلطان محمود السلجوقي ، دار الخليفة ببغداد ، كان أهل الجانب الغربي يسبون السلطان ، ويقولون له : يا باطني ، لم تقدر علي غزو الروم ، فجئت تغزو الخليفة والمسلمين (المنتظم 3/10)

ولما أوقع القاسم بن عبيد الله ، وزير المكتفي ، بقوم من الكتاب ، منهم محمد بن غالب الأصبهاني صاحب ديوان الرسائل . ومحمد بن بشار ، وابن منارة الكاتب ، فأحدرهم إلي البصرة ، وأمر بهم فأغرقوا في الطريق ، وكان ابن منارة نصرانية، قال ابن بسام يخاطب القاسم : [ مروج الذهب 528/2 ]

عذرناك في قتلك المسلمين***وقلنا عداوة أهل الملل

فهذا المناري ما ذنبه***ودينكما واحد لم يزل

أقول : أل وهب من أعمال واسط ، وكانوا نصاري ، ثم أسلموا ( الفخري 297 ) ، وإلي أصله النصراني يشير ابن بسام في البيت الأخير .

ولم ينج القاسم ، من ابن بسام ، حتي بعد موته ، فإنه لما مات ، نظم فيه أبيات يتضح من خاتمتها، أن الرجل توفي بمرض الزحير ( الدوسنطاريا ) ، إذ قال فيه : [ ابن الأثير 7/ 534 ]

ولم يزل يسلح من دبره***حتي خري النفس فيما خري

ص: 177

القسم الرابع: المعايرة بالنسب

وكانت كلمة : يا نبطي ، من ألفاظ الشتيمة ( معجم الأدباء 5 / 457 )

والنبط : قوم من غير العرب ، كانوا ينزلون بين العراقين ، وكانت هذه الكلمة تطلق علي أخلاط الناس وعوامهم ، وتعتبر - إذا قيلت للعربي - كلمة شتم

وتساب حيان النبطي مع سورة بن الحر، فقال له سورة : يا نبطي، فقال له حيان : أنبط الله وجهك ( ابن الأثير 97/5)

أقول : أبو الهياج حيان مولي مصقلة بن هبيرة الشيباني ، لم يكن نبطية بل كان من خراسان، وانما لقب بالنبطي للكنة كانت فيه، ولما تساب وسورة حقدها سورة عليه ، وقال لسعيد خدينة أمير خراسان : إن هذا العبد أعدي الناس للعرب ، وهو الذي أفسد خراسان علي قتيبة ، وهو واثب بك ، مفسد عليك خراسان ، ثم يتحصن في قلعة من القلاع، فقال له سعيد : لا يسمعن هذا منك أحد، ثم دعا في مجلسه بلبن ، وقد سحق الذهب وألقي في اللبن الذي شربه حيان ، ثم ركض سعيد والناس معه أربعة فراسخ ، فعاش حيان أربعة أيام ومات ( ابن الأثير 15/5 ، 97)

وتناظر محمد بن أبي العباس الطوسي وعلي بن الهيثم المعروف بجونقا ، بحضور المأمون ، فقال محمد العلي : يا نبطي ، فقال المأمون :

ص: 178

الشتم عي ، والبذاءة لؤم ( معجم الأدباء 5 / 457 )

وتفصيل ذلك إنه في السنة 205كان المأمون قد عقد مجالس للمناظرة في العقائد ، وفي أحد هذه المجالس ، تكلم محمد بن أبي العباس فنصر الإمامية ، وتكلم علي بن الهيثم فنصر الزيدية ، وجري الكلام بينهما إلي أن قال محمد العلي : يا نبطي ، ما أنت والكلام ! وكان المأمون متكئا فجلس ، وقال : الشتم عي ، والبذاءة لؤم ، إنا قد أبحنا الكلام ، وأظهرنا المقالات ، فمن قال الحق حمدناه ، ومن جهل ذلك وقفناه ، ومن جهل الأمرين حكمنا فيه بما يجب ( الطبري577/8 ) .

وقال المأمون ، للفضل بن مروان : يا نبطي .

وتفصيل القصة : إن إسحاق بن إبراهيم الموصلي وصف للمأمون عريبا ، فأمر بشرائها ، فاشتريت له بمائة ألف درهم ، وأمر لإسحاق بمائة ألف درهم أخري ، فأثبت إبراهيم بن رياح ، كاتب المأمون ، في الديوان ، أن المائة ألف الأولي خرجت في ثمن جوهرة ، والمائة ألف الثانية ، صرفت الصائغها ودلالها، ورأيي الفضل بن مروان الفقرتين ، فاتهم إبراهيم ، وغلظ القصة ، ورفعها إلي المأمون ، فدعاه ، وسأله ، فأخبره بحقيقة الحال ، وأن المال خرج في ثمن عريب وجائزة إسحاق ، وأنه رأي أن ما أثبته في الديوان أصوب من أن يكتب أنه خرج في شراء مغنية وصلة مغ ، فضحك المأمون ، وصوب فعل إبراهيم، وقال للفضل بن مروان : يا نبطي، لا تعترض علي كاتبي هذا في شيء ( الأغاني 67/21 و 68) .

وطالب المعتصم ، وزيرة الفضل بن مروان ، بمال ، فتلكأ في حمله ، فقال لابنه الواثق : هذا النبطي ، ابن النبطية ، أخذ مالي جملة ، وهوذا يتصدق به علي تفاريق ، ثم قبض عليه بعد أيام ، وأخذ منه أربعين ألف

ص: 179

ألف درهم، راجع القصة في كتاب نشوار المحاضرة للقاضي التنوخي، تحقيق المؤلف ج8 ص 48 رقم القصة 15.

وشتم ابراهيم بن المهدي، اسحاق الموصلي ، فقال : الجرمقاني . والجرامقة : قوم من العجم ، من الموصل، وسبب ذلك : إن اسحاق الموصلي ، بعث إلي إبراهيم بن المهدي ، من عاب عليه صوتا غناه ، فلما كلم ابراهيم في ذلك ، قال إبراهيم : ليس هذا من كلامك ، هذا من كلام الجرمقاني ابن الزانية ( يريد إسحاق ) ( الأغاني 286/5).

وجري بين شهرام المروزي ، وأبي مسلم الخراساني ، كلام ، فقال له شهرام : يا لقيط ، ( وكان أبو مسلم يتهم بأنه لقيط ) ، فصمت أبو مسلم ، وأحس شهرام بخطئه ، وندم ، وأخذ يخضع ، ويعتذر ، ويتنصل ، فقال له أبو مسلم : لسان سبق ، ووهم أخطأ ، وما جرأك غيري بطول احتمالي ، فإن كنت متعمدة ، فقد شاركتك في الذنب ، وإن كنت مغلوب ، فالعذر سبقك ، وقد غفرنا لك علي كل حال ( المحاسن والمساويء 60/2).

ص: 180

ابن البرتكيش ، ابن الموقوفي

وقد أدركت الناس بغداد ، ومن اشد كلمات الشتم عندهم ، أن تقول للمشتوم : ابن البرتكيشي

والبرتكيشي ، والبورتكيزي ، تعني البرتغالي ، والسبب في ذلك ، ما صنعه البرتغال ، بالعرب والمسلمين ، لما فتحوا طريقهم إلي الهند .

ثم نشأت من بعد ذلك كلمة شتم أخري ، هي : ابن الموسقوفي ، أي الروسي ، باعتبار نسبته إلي موسكو ، عاصمة الروس .

وسبب هذه الشتيمة ، إن جنود الروس ، في الحرب العامة الأولي ( 1914 - 1918) دخلوا إيران ، من الشمال ونفذوا منها إلي شمال العراق ، وإلي وسطه ، وارتكبوا فيهما من الفظائع ، من قتل وسلب وانتهاك حرمات ، ما يقشعر له البدن ، فأصبحت النسبة إليهم من ذلك الحين ، من أشد ألوان الشتم ، وعندما كنت حاكما في الموصل في السنة 1936 ، أحضرت لي عجوز ، قالوا إنها من المقيمات في المنزول ( دار القحاب ) وإنها كانت تترصد للفجور ، فعجبت من عجوز تترصد للفجور ، وسألتها ، فأنكرت التهمة ، فسألتها عن سبب وجودها في هذه الدار ، وعن سبب بقائها فيها إلي الآن ، فبكت ، وقالت : إني لما دخلت إلي هذه الدار ، لم أكن كما أنا الآن ، وإنما كنت صبية حلوة ، وكنت في ...... بين أبوي

ص: 181

وإخوتي ، فهاجم البلدة جنود الموسقوف ( الروس ) ، وأمسكوا بي مع فتيات من أهل البلدة ، أما أهلي فقد فر من فر، وقتل من حان أجله ، وفضحنا الجنود ، حتي إذا غادروا البلدة ، تركونا ، فلم نطق البقاء في بلدة افتضحنا فيها ، فإننا كنا علي ثقة بأن مصيرنا القتل ، ففررنا إلي الموصل، ووصلنا إليها جائعات ، بائسات ، مظلومات ، لا نحسن العربية ، فاضطررنا إلي دخول هذه الدار ، أما لماذا لم أبارح هذا الموضع ، فمن الذي يرضي بأن يؤويني بعد أن يعلم أنني خرجت من هذه الدار ، ثم عادت إلي البكاء ، فأنعمت قلبي بحديثها حزنأ ، وأبطلت عنها الدعوي ، وأوصيت رجال الشرط أن لا يتعرضوا لهؤلاء البائسات في مستقبل الأيام ، إذ يكفيهن ما هن فيه من بؤس وشقاء .

ص: 182

القسم الخامس: المعايرة بالأبوين

أ- المعايرة بالأب

شتم معاوية بن أبي سفيان ، مروان بن الحكم ، فقال له : يا ابن الوزغ .

وسبب ذلك: إن معاوية، لما استلحق زياد، كره ذلك بنو أمية، وكان مروان من الحكم ، عامل معاوية علي الحجاز ، ممن أعلن ذلك ، فعزله معاوية ، وجري بينهما كلام شديد ، فقال له معاوية : يا ابن الوزغ ، يشير بذلك إلي الحكم بن أبي العاص ، أبي مروان ، وكان يؤذي النبي صلوات الله عليه ، ويغمز عليه من ورائه بإصبعه ، ويمشي من خلفه ويتخلج كأنه يحاكيه ، والتفت النبي ، فرآه ، فقال له : كن كذلك ، اللهم اجعل به وزغ ، فاستمر يرجف ويرتعش .

وكان مروان بن الحكم علي المدينة لمعاوية ، فعزله بسعيد بن العاص ، فدخل مروان علي معاوية، وقال له : ما ألفيتك إلا عاقا قاطعأ ، فغضب معاوية ، وقال له : يا ابن الوزغ ( شرح نهج البلاغة 154/6 و 155 )

وكتب محمد بن أبي بكر الصديق ، إلي معاوية بن أبي سفيان ، قبل معركة صفين : من محمد بن أبي بكر ، إلي الغاوي معاوية بن صخر ، ومن جملة ما ورد فيه قوله : أنت اللعين بن اللعين ، لم تزل أنت وأبوك تبغيان

ص: 183

الدين الله الغوائل ، وتجمعان علي ذلك الجموع، وتبذلان فيه المال، وتحالفان - في ذلك القبائل، علي هذا مات أبوك ، وعلي ذلك خلفته ( شرح نهج البلاغة 3/ 188 و 189)

وبعث معاوية بن أبي سفيان بسر بن ارطاة ، وأوصاه أن يأخذ طريق المدينة ومكة حتي ينتهي إلي اليمن ، وان يقتل شيعة علي ، فلما وافي المدينة ، صعد المنبر ، وشتم الأنصار فقال : يا معشر اليهود ، وأبناء اليهود ( شرح نهج البلاغة 2/ 10).

وتساب معاوية بن أبي سفيان، وقيس بن سعد بن عبادة، أمير مصر للإمام علي فإن قيسا لما ولي مصر للإمام علي ، كاتبه معاوية ، يدعوه إلي الدخول في طاعته ، فكتب إليه قيس يقول : العجب من اغترارك بي ، وطمعك في ، تأمرني بالدخول في طاعتك ، وأنت أبعد الناس من هذا الأمر ، وأقولهم للزور ، وأضلهم سبيلا ، وأبعدهم من الله عز وجل ورسوله صلي الله عليه وسلم وسيلة ، ولد ضال مضلين ، طاغوت من طواغيت إبليس .

فلما أيس منه معاوية ، كتب إليه : أما بعد، فانما أنت يهودي بن يهودي ، إن ظفر أحب الفريقين إليك عزلك واستبدل بك ، وإن ظفر أبغضها إليك ، فتلك ونكل بك ، وقد كان أبوك وتر قوسه ، ورمي غير غرضه ، فأكثر الحر وأخطأ المفصل ، فخذله قومه ، وأدركه يومه ، ثم مات طريدا بحوران ، والسلام .

فكتب إليه قيس بن سعد : أما بعد ، فإنك وثن بن وثن ، دخلت في الإسلام كره ، وخرجت منه طوعا ، ولم تزل حربا لله ورسوله، لم يقدم إيمانك ، ولم يحدث نفاقك ، وقد كان أبي رحمه الله وتر قوسه ، ورمي غرضه ، فشغب عليه من لم يبلغ كعبه ، ولم يشق غباره ، ونحن بحمد

ص: 184

الله أنصار هذا الدين الذي خرجت منه ، وأعداء الدين الذي دخلت فيه ، والسلام ( البيان والتبيين 87/2 وشرح نهج البلاغة 43/16 ).

أقول : قيس بن سعد بن عبادة ، الأنصاري ، الخزرجي ، المدني ، صحابي ، أحد دهاة العرب ، من ذوي النجدة والرأي والمكيدة في الحرب ، وأحد الأجواد المشهورين ، كان سيد قومه غير مدافع ، وكان صاحب راية الانصار مع النبي صلوات الله عليه ، وصحب الإمام عليا في خلافته ، واستعمله علي مصر في السنة 39 ثم عزله بمحمد بن أبي بكر ، فعاد إلي علي ، وكان علي مقدمته في حرب صفين ، ثم كان مع الحسن بن علي ، حتي صالح معاوية ، فأرسل معاوية إلي قيس ، ليبايعه فلما دخل عليه قال : إني حلفت ألا ألقي معاوية إلا وبيني وبينه السيف والرمح ، فأمر معاوية بسيف ورمح ، فوضعا بينه وبينه ، ليبر يمينه ، فلما استقر بقيس المجلس ، أقبل علي الحسن ، وقال له: أفي حل أنا من بيعتك ؟ قال : نعم ، فألقي له كرسي أمام سرير معاوية ، وقال له معاوية : أتبايع يا فيس ؟ قال : نعم ، ووضع يده علي فخذه ، ولم يمدها إلي معاوية ، فقام معاوية من سريره ، وأكب علي قيس حتي مسح يده علي يده ، وما رفع إليه فيس يده ( شرح نهج البلاغة 48/16)

وفي موقعة الطف ، التي قتل فيها الإمام الحسين عليه السلام ، صاح شمر بن ذي الجوشن ، بزهير بن القين ، من أنصار الحسين : اسكت ، اسكت الله نأمتك ، فقال له زهير : يا ابن البوال علي عقبيه ، إنما أنت بهيمة ( الطبري 426/5)

وتهدد محمد بن إبراهيم بن طلحة ، أهل الكوفة ، فوثب إليه المسيب بن نجبة ، فقطع عليه منطقه ، وقال له : يا ابن الناكثين ( بالتثنية) يعيره بأن أباه وجده نكثا بيعة الإمام علي بن أبي طالب ، وحارباه في وقعة الجمل ، وقتلا في المعركة

ص: 185

أقول : في السنة 64 لما أراد التوابون الخروج بالكوفة للطلب بثأر الحسين الإمام الشهيد ، خطب عبد الله بن يزيد الأنصاري أمير الكوفة لابن الزبير ، فقال : بلغني أن طائفة من أهل هذا المصر ، يريدون أن يخرجوا علينا ، مطالبين بدم الحسين بن علي ، فوالله ، ما أنا قتلت الحسين ، ولا أنا ممن قاتله ، ولقد أصبت بمقتله رحمة الله عليه ، وهذا ابن زياد قاتل الحسين ، وقاتل خياركم وأماثلكم ، وهو أعدي خلق الله لكم ، ولي عليكم هو وأبوه سبع سنين ، لا يقلعان عن قتل أهل العفاف والدين ، وهو قد توجه إليكم ، فالاستعداد لحربه أرشد من أن تجعلوا بأسكم بينكم ، ويسفك بعضكم دماء بعض ، فقام إبراهيم بن محمد بن طلحة ، عامل الخراج ، وقال : أيها الناس ، لا تغرنكم مقالة هذا المداهن الموادع ، والله لئن بلغنا أن قوما يريدون الخروج علينا ، لنأخذت الوالد بولده ، والمولود بوالده والحميم بالحميم ، والعريف بمن في عرافته ، فوثب إليه المسيب بن نجبة ، وقال له : يا ابن الناكثين، أنت تتهددنا بسيفك ، أنت والله أذل من ذلك ، إنا لا نلومك علي بعضنا ، وقد قتلنا أباك وجدك ، وإني - والله - لأرجو ألا يخرجك الله من بين ظهراني أهل هذا المصر ، حتي يثلثوا بك جدك وأباك .

وشتم مسلم بن عقبة المري ، خلفه الحصين بن نمير ، فقال له : با ابن برذعة الحمار ، وذلك إنه لما حصلت موقعة الحرة ، واستباح فيها

جيش يزيد بن معاوية ، مدينة رسول الله ، قتلا ، وسبيا ونهبا ، وانتهاك أعراض وحرمات ، كان مسلم بن عقبة المري قائد الحملة مريضا ، فلما انتهي من قتل أهل المدينة وأستباحتها ، قصد مكة ، ليصنع بها ما صنع بأهل المدينة ، فأدركه الموت ، فأحضر أحد قواده الحصين بن نمير ، وقال له : يا ابن برذعة الحمار ، أما والله ، لو كان الأمر إلي ما وليتك هذا الجند ، ولكن أمير المؤمنين يزيد ولآك بعدي ، ثم قال : اللهم إني لم أعمل عملا قط ، بعد شهادة أن لا اله الا الله ، وأن محمدا عبده ورسوله ، أحب إلي من قتلي

ص: 186

أهل المدينة ، ولا أرجي عندي في الآخرة ( الطبري 5 / 496)

وفي السنة 70 شتم عبد الله بن الجارود البصري ، الحجاج بن يوسف الثقفي ، لما أرسل إليه رسو” يطلب حضوره فقال : لا ، ولا كرامة لابن أبي رغال ( ابن الأثير 4/ 382)

أقول : أبو رغال من أجداد الحجاج ، كان دليل الحبشة لما قدموا لهدم الكعبة ، فعير به قومه ، ولما مر النبي صلوات الله عليه بقبره رجمه، فاصبح رجم قبره سنة .

وشتم العريان بن الهيثم النخعي ، صاحب شرطة خالد القسري ، أمير العراقين ، أبا النجم الراجز ، فقال له : ملعون بن ملعون ( الاغاني 154/10و155والبصائر والذخائر 247/4 - 249 )

وخلاصة القصة : أن الجنيد بن عبد الرحمن المري ، عامل السند ،

بعث إلي خالد القسري أمير العراقين ، بسبي من الهند بيض ، فجعل يهب منه لوجوه الناس ، حتي بقيت منهن جارية جميلة ، وعليها ثياب أرضها ، فوطتان ، فقال لأبي النجم : هل عندك فيها شيء حاضر ، وتأخذها الساعة ، قال : نعم أصلحك الله ، فقال صاحب الشرطة ، العريان بن الهيثم النخعي : كذب ، والله ما يقدر علي ذلك ، فقال أبو النجم :

علقت خودأ من بنات الزط***ذات جهاز مضغط ملط

رابي المج جيد المحط*** كأنما قط علي مقط

كهامة الشيخ اليماني الثط

وأومأ بيده إلي هامة العريان ، فضحك خالد، وقال للعريان : كيف تري ؟ هل احتاج إلي أن يروي فيها يا عريان ؟ فقال : لا والله ، ولكنه ملعون بن ملعون .

ص: 187

وفي السنة 126 خالف جديع بن علي الكرماني الأزدي ، علي نصر بن سيار ، أمير خراسان ، وجمع الرجال واتخذ السلاح ، وكان يحضر الجمعة في ألف وخمسمائة ، وأكثر وأقل ، فيصلي خارجة من المقصورة ، فأرسل إليه نصر ، مسلم بن أحوز يكلمه فقال له الكرماني : لولا أنك في منزلي القتلتك ، فارجع إلي ابن الأقطع ( يريد نصرأ ) ( الطبري 291/7 )

أقول : كان نصر بن سيار إذا عير ، قيل له ابن الأقطع ، لأن أباه سيار بن رافع ، كان مع مصعب بن الزبير ، فسرق عيبة ، فقطع عبد الرحمن بن سمرة يده ، فكان يقال له : الاقطع ( المعارف 409)

وفي السنة 144 شتم أهل المدينة ، عاملهم رياح بن عثمان المري ، وقالوا له : يا ابن المحدود ، وسبب ذلك ، أن المنصور العباسي ، ولي في السنة 144 علي المدينة رباح بن عثمان المري ، وناط به طلب محمد وإبراهيم ولدي عبد الله بن الحسن ، فشدد في طلبهما، وجهر بشتمهما ، وشتم أهل المدينة ، وذكرهما يوما وهو علي المنبر ، فسماهما الفاسقين ، الخالعين ، الحاربين ، ثم ذكر أمهما فأفحش ، فسبح الناس ، وأعظموا ما قال ، فأقبل عليهم ، وقال : ألصق الله بوجوهكم الذل والهوان ، أما والله لأكتبن إلي خليفتكم ، فلأعلمه غشكم ، وقلة نصحكم ، فقال الناس : لا نسمع منك ، يا ابن المحدود ، وبادروه بالحصي ، فبادر واقتحم دار مروان ، وأغلق عليه الباب ( الطبري 537/7 )

أقول : انما شتموه بقولهم له : ابن المحدود ، لأن أباه عثمان بن رياح المري ، كان عاملا للوليد بن عبد الملك علي المدينة ، ولاه عليها باشارة من الحجاج بن يوسف الثقفي ، فظلم وجار، وسار في أهل المدينة بسيرة الحجاج ، فلما ولي سليمان بن عبد الملك ، عزله ، وأمر خلفه بأن يجلده حدين ، فجلده ( الطبري 485/5 ، 505 ، 575)

ص: 188

ولما جيء بابي السرايا ، أسيرة إلي الحسن بن سهل ، قائد جيش المأمون ، قال له : من أنت ؟ قال : السري بن المنصور ، فقال له : لا ، بل أنت النذل بن النذل ، المخذول بن المخذول ( مقاتل الطالبيين )

أقول : راجع كيفية مقتل أبي السرايا في السنة 200 في هذا الكتاب في الباب الحادي عشر ( القتل ) في الفصل الأول ( القتل بالسيف ) في القسم الأول ( القتل صبرا ) .

وسمع المتوكل قول عمارة في أهل بغداد :

ومن يشتري مني ملوك المخرم***أبع حسنا وابني هشام بدرهم

وأعطي رجاء بعد ذاك زيادة*** وأمنح دينارة بغير تندم

فان طلبوا مني الزيادة زدتهم *** أبا دلف والمستطيل ابن أكثم

فقال المتوكل : ويلي علي ابن البوال علي عقبيه (المحاسن والأضداد 43).

أقول : المخرم منطقة من مناطق بغداد ، سميت باسم المخرم بن يزيد ، وتسمي الآن : العنوازية ، وفيها المستشفي الكبير ببغداد ، وكان اسمه لما انشيء المستشفي الملكي ، ثم سمي المستشفي التعليمي ، حيث يتعلم طلاب الكلية الطبية ، ثم سمي الآن مدينة الطب ، وما زال قسم من البغداديين يسمونه مستشفي المجيدية ، لأن المستشفي أنشيء علي بستان كانت في العهد العثماني تسمي بستان المجيدية ، باسم السلطان عبد المجيد العثماني ، والد السلطان عبد الحميد، والذين ذكروا في هذا الشعر ، كلهم من رجال دولة المأمون ، أراد بالحسن الحسن بن سهل وأراد بابني هشام علي بن هشام وأحمد بن هشام ، وأراد برجاء رجاء بن أبي الضحاك ، وبدينار ، دينار بن عبد الله القائد ، وأراد بأبي دلف القاسم بن عيسي العجلي القائد المشهور ، زبالمستطيل بن أكثم ، يحيي بن أكثم قاضي القضاة في أيام

ص: 189

المأمون ، ثم في أيام المتوكل ، راجع معجم البلدان 4 / 441 و 442

وفي السنة 255حضر القائد صالح بن وصيف، أمام المعتز العباسي، فطالب بارزاق الجند، فراجعه أحمد بن اسرائيل ، وقال له : يا عاصي با ابن العاصي ( الطبري 397/9 و 398 )

ص: 190

ب - المعايرة بالأم

في معركة أحد، هجم حمزة ، عم النبي صلوات الله عليه ، علي سباع بن عبد الله بن عبد العزي ، وقال له ، هلم إلي با ابن مقطعة البظور ، وكانت أمه ختانة بمكة ( الاغاني 194/15 والبصائر والذخائر640/2/3)

وفي السنة 12 تقابل في إليس علي الفرات ، بالعراق ، جيش المسلمين بقيادة خالد بن الوليد ، وجيش الفرس ، وطلب خالد المبارزة ، فبرز له مالك بن قيس من جزرة ، فصاح به خالد : يا ابن الخبيثة ، ما جرءك علي من بينهم ؟ ثم ضربه فقتله ( الطبري 358/3)

وفي مجلس عثمان بن عفان ، تكلم أبو ذر ، فقال : ينبغي لمؤدي الزكاة ، ألا يقتصر عليها، حتي يحسن إلي الجيران والاخوان ، ويصل القرابات ، فقال كعب الأحبار: من أذي الفريضة فقد قضي ما عليه ، فرفع أبو ذر محجنه ، فضربه ، فشجه وقال له : يا ابن اليهودية ، ما أنت وما ها هنا ( الطبري 4 / 284)

وقال عثمان يوما : أيجوز للإمام أن يأخذ من بيت المال ، فإذا أيسر قضي ؟ فقال كعب الأحبار : لا بأس بذلك ، فقال له أبو ذر : يا ابن اليهودية ، أتعلمنا دينا ( انساب الاشراف 52/5)

ص: 191

ولما حصر الثائرون عثمان ، خرج اليهم عبد الله بن سلام ، فوعظهم ، وعظم حرمة المدينة ، وقال لهم : ما قتل خليفة قط ، إلا قتل به خمسة وثلاثون ألفا ، فقالوا : كذبت يا ابن اليهودية ، يا يهودي ( انساب الاشراف75/5)

أقول : أبو يوسف عبد الله بن سلام بن الحارث ، اسرائيلي من نسل يوسف الصديق ، أسلم عند قدوم النبي المدينة ، وفيه نزلت الآية : وشهد شاهد من بني اسرائيل ، توفي في السنة 43 ( الاعلام 4/ 223)

وغضب عثمان علي عمار بن ياسر ، فضربه حتي غشي عليه ، وكان عمار حليفة لبني مخزوم ، فغضب له هشام بن الوليد بن المغيرة المخزومي أخو خالد بن الوليد، وقال لعثمان : ضربت أخانا حتي أشفيت به علي التلف ، أما والله ، لئن مات لاقتلن به رجلا من بني أمية عظيم الشأن ، فقال له عثمان : وائك لها هنا يا ابن القسرية ( شرح نهج البلاغة 3/ 49)

وغضب عمرو بن العاص ، من شريح بن هانيء الحارثي ، فقال له : إن مثلي لا يكلم مثلك ، فقال له : بأي أبويك ترغب عن كلامي ، بأبيك الوشيظ ، أم بأمك النابغة ( شرح نهج البلاغة 254/2)

وخطب عثمان بن عفان مرة ، فاعترض عليه عمرو بن العاص ، فقال له عثمان: وإنك لها هنا با ابن النابغة، قملت جبتك منذ نزعتك عن مصر ( شرح نهج البلاغة143/2)

ولما استولي معاوية بن أبي سفيان علي مصر ، وقتل محمد بن أبي بكر الصديق ، عامل علي عليها ، بعث عبد الله بن الحضرمي إلي البصرة ، ليثير أهلها علي علي، فقدم ابن الحضرمي البصرة ونزل في بني تميم، وخطبهم، وحضهم علي خلع علي وطاعة معاوية، فقام إليه الضحاك بن عبد الله الهلالي، وقال له: قبح الله ما جئتنا به، وما دعوتنا إليه، فقام عبد الله بن

ص: 192

خازم السلمي ، فقال للضحاك : اسكت ، فلست بأهل لأن تتكلم في أمر العامة، فقال له الضحاك : يا ابن السوداء، إن الله لا يعز من نصرت، وتشاتما ( شرح نهج البلاغة 4/ 38) .

وفي معركة الطف ، أهوي بحر بن كعب ، من بني تيم الله ، إلي الحسين بالسيف ، فصاح به غلام من أهل الحسين : يا ابن الخبيثة ، أتقتل عمي ، فضرب بحر الغلام بالسيف ، فقطع يده ( الطبري 5/ 451)

وكتب معاوية بن أبي سفيان ، إلي زياد ابن أبيه ، يتهدده ، بعد وفاة الإمام علي ، وكان زياد بفارس ، فقام خطيبا ، فقال : العجب من ابن آكلة الأكباد ، وكهف النفاق ، ورئيس الأحزاب ، كتب إلي يتهددني ( الاخبار الطوال 219 والطبري 5/ 170 )

أقول : سبب تلقيب معاوية بهذا اللقب ، ما صنعته أمه هند بنت عتبة بقتلي المسلمين في موقعة أحد، من المثلة ، فإن هندأ وصواحبها من مشركات قريش ، وقعن بعد انتهاء معركة أحد، علي قتلي المسلمين ، فمثلن بهم ، واتخذن من آذان الرجال وآنافهم خدمة ( خلاخيل ) وقلائد ، وبقرت هند بطن حمزة ، واستخرجت كبده فلاكتها ثم لفظتها ( ابن الأثير 159/2) فصار عملها هذا ، مما يعبر به معاوية ، إذ سمي : ابن آكلة الأكباد ( مروج الذهب 2/ 89 ) وقد أوردنا التفصيل في الباب الثالث عشر ( المثلة من هذا الكتاب . )

وفي السنة 42 خرج زياد من فارس يريد معاوية ، فلقيه عبد الله بن خازم في أرجان ، ومعه فوارس ، فأخذ بعنان زياد ، وقال له : انزل يا زياد ، فصاح به المنجاب بن راشد ، وكان مرافقة لزياد : تنح يا ابن السوداء ، والا علقت يدك بالعنان ( الطبري 178/5)

أقول : كان عبد الله بن خازم من رجالات العرب ، وكانت أمه سوداء ، وقد ولي خراسان في السنة 43.

ص: 193

ولما جيء برأس الحسين عليه السلام ، ووضع في الطست ، بين يدي يزيد بن معاوية ، بكي عبد الرحمن بن الحكم ، وقال :

ألا أبلغ أمير المؤمنين ولا تكن ***كموتر أقواس وليس بذي نبل

الهام بجنب الطف أدني قرابة ***من ابن زياد الوغدذي الحسب الرذل

فصاح به يزيد : اسكت يا ابن الحمقاء ، ما أنت وهذا ( الاغاني 263/13 و 264 )

وشتمت أروي بنت الحارث بن عبد المطلب ، عمرو بن العاص، فقالت له : يا ابن النابغة ( اعلام النساء 33)

أقول: أرادت بالنابغة أم عمرو بن العاص، وكان يعير بها، وروي صاحب أنساب الاشراف 0/ 129 ، أن عمرو بن العاص ، شتم مروان بن الحكم ، فقال له : يا ابن الزرقاء ، فقال له مروان : أن كانت زرقاء ، فقد أنجبت ، وأدت الشبه ، إذ لم تؤده النابغة ، أراد بالنابغة ، أم عمرو بن العاص .

وكان مروان بن الحكم وأولاده يعيرون بالزرقاء ، من امهات مروان ، وأم مروان اسمها آمنة ، وأمها صفية ، أو الصعبة بنت أبي طلحة العبدري ، وأمها مارية بنت موهب الكندية ، وهي الزرقاء التي يعيرون بها ( أنساب الاشراف129/5)

أقول : كان العرب يعيرون بالزرقة ، لأن العيون الزرقاء تشير إلي عرق رومي .

وغضب عبد الرحمن بن أبي بكر ، من مروان ، وهو علي المدينة ، فقال له : يا ابن الزرقاء ( العقد الفريد 4/ 371)

ولما مات معاوية ، كان علي المدينة الوليد بن عتبة بن أبي سفيان ،

ص: 194

فكتب إليه يزيد، أن يطالب الحسين بالبيعة له ، فأحضره ، وطالبه ، فأستمهله ، فقال مروان للوليد : لا يخرج من عندك حتي يبايع ، أو تضرب عنقه ، فقال له الحسين ، يا ابن الزرقاء ، كذبت ولؤم . ( الطبري340/5وأنساب الاشراف 15/2/4 )

ولما هلك يزيد بن معاوية ، طلب عبيد الله بن زياد من أهل البصرة أن يبايعوه وبعث إلي أهل الكوفة اثنين يسألانهم البيعة لابن زياد ، فلما اجتمع الناس ، وتكلما في أمر بيعة ابن زياد ، حصبهما الناس ، وقالوا : أنحن نبايع ابن مرجانة ؟ لا ولا كرامة ( انساب الاشراف 97/2/4 )

ولما حصر المختار بن أبي عبيد الثقفي بالكوفة ، في السنة 97 ابتدر له قوم من شباب أهل الكوفة والبصرة أغمار ، فأخذوا يصيحون به : يا ابن دومة ، يا ابن دومة ، فأشرف عليهم المختار ، فقال : أما والله ، لو أن الذي يعيرني بدومة ، كان من القريتين عظيما ، ما عيرني بها ( الطبري 6 /106).

وتزوج مروان بن الحكم ، أم خالد بن يزيد بن معاوية ، ليحط منه ، وشتمه يوما فقال له : يا ابن الرطبة ، فرجع خالد إلي أمه فأخبرها ، فقالت له : سوف أكفيكه ، فلما نام مروان عندها ، غطت وجهه بوسادة حتي قتلته ( الطبري 611/5وأنساب الاشراف 5 / 145 والاخبار الطوال 280 والمحاسن والأضداد 131 والاغاني 345/17)

ولما حاصر الشاميون عبد الله بن الزبير ، بمكة ، في الحصار الأول ، في عهد يزيد بن معاوية ، والحصار الثاني في عهد عبد الملك بن مروان ، كانوا يسبون ابن الزبير بقولهم يا ابن ذات النطاقين ، فقال عبد الله : و أنساب الاشراف 2/4 / 54]

وعيرها الواشون أني أحبها ***وتلك شكاة ظاهر عنك عارها

أقول : إن لقب ذات النطاقين ، من ألقاب التشريف ، لقب به النبي

ص: 195

صلوات الله عليه ، أم عبد الله بن الزبير ، وهي السيدة أسماء بنت أبي بكر الصديق ، لأنها صنعت للنبي طعاما حين هاجر إلي المدينة ، فلم تجد ما نشده به ، فشقت نطاقها ، وشدت به الطعام ، فقال لها : أبدلك الله به نطاقين في الجنة ، فلقبت منذئذ بذات النطاقين ( الاعلام 1 / 298)

وتحرك أهل البصرة ، في السنة 71 ، علي مصعب ابن الزبير ، وكان إذ ذاك بالكوفة ، فورد البصرة وأحضر قوما من رؤسائهم ، فسبهم ، فقال العبيد الله بن أبي بكرة : يا ابن مسروح ، إنما أنت ابن كلبة تعاورها الكلاب، فجاءت بأحمر وأسود وأصفر، من كل كلب ما يشبهه، وإنما كان أبوك عبدأ نزل إلي رسول الله صلوات الله عليه من حصن الطائف ، ثم أقمتم البينة تدعون أن أبا سفيان زني بامكم، ثم دعا بحمران بن أبان، مولي عثمان ابن عفان ، فقال له: يا ابن اليهودية، إنما أنت علج نبطي شبيت من عين التمر ، ثم قال للحكم بن المنذر بن الجارود : يا ابن الخبيث، وكذلك الشيخ بن النعمان . ( الطبري 6/ 154 و 155)

وشتمت السيدة سكينة بنت الحسين الشهيد ، قاضي المدينة ابن حزم ، فقالت له : يا ابن فرتني ، وهي إحدي جداته .

وكانت فرتني تغني بهجاء النبي صلوات الله عليه وأصحابه ، فكانت ممن أهدر دمه يوم الفتح ، ثم أسلمت ، وكانت السيدة سكينة قد خاصمت زوجها زيد بن عمرو بن عثمان بن عفان ، وشكته إلي أمير المدينة عمر بن عبد العزيز فأحالها علي القاضي ابن حزم ، فلما أرادت الدخول عليه ، قال : أدخلوها وحدها ، فأبت إلا أن تدخل مع ولائدها، ودخلن معها، فقال لها القاضي : يا ابنة الحسين إن الله يحب القصد في كل شيء ، فقالت له : وما أنكرت مني ، إني - والله - وإياك . كالذي يري الشعرة

ص: 196

في عين صاحبه ، ولا يري العمود في عينه ، فقال لها : أما والله ، لو كنت رجلا لسطوت بك ، فقالت له : يا ابن فرتني ، لا تزال تتوعدني ، وشتمته وقالت : لو كان أصحابي أحياء، لكفوا - والله - هذا العبد اليهودي ، عند شتمه إياي، أي عدو الله ، أتشتمني وأبوك الخارج مع يهود ، با اين فرتني . ( اعلام النساء 2/ 220)

وشتم جرير الأخطل ، في مجلس عبد الملك بن مروان ، فقال له : يا ابن النصرانية .

وخلاصة القصة : إن الأخطل كان يعين الفرزدق في المناوأة مع جرير ، ودخل جرير علي عبد الملك ، فأبصر الأخطل ينظر إليه شزرا ، فقال له : من أنت ؟ فقال له : أنا الذي منعت نومك ، وهضمت قومك ، فلما عرف انه الأخطل ، قال له : لا حياك الله يا ابن النصرانية ، ثم أقبل علي عبد الملك ، فقال : ائذن لي يا أمير المؤمنين في ابن النصرانية ، فقال له عبد الملك : لا يجوز أن يكون ذلك بحضرتي ( الاغاني في 62/8 و 63 )

ودخل الأخطل التغلبي الشاعر ، علي عبد الملك بن مروان ، وأنشده قصيدته التي يقول فيها :

ألا سائل الجاف هل هو ثائر *** بقتلي أصيبت من تميم وعامر

يعيره بالسكوت عمن قتل من قيس ، قتلتهم تغلب ، في يوم من أيامها علي قيس ، فغضب الجاف ، وقال للاخطل :

بلي ، سوف نبكيهم بكل مهند***ونبكي عميرة بالرماح الشواجر

ثم قال للاخطل : لقد ظننت يا ابن النصرانية ، انك لم تكن لتجتريء علي ، حتي لو رأيتني لك مأسورة ، وأوعده ، فما زال الأخطل من موضعه حتي حم ( الهفوات النادرة 85)

ص: 197

وخرج الجحاف ، فجمع جميعا من أصحابه ، وأغاربهم علي تغلب ، فقتل منهم مقتلة عظيمة ، فدخل الأخطل علي عبد الملك ، وقال :

لقد أوقع الجحاف بالبشر وقعة***إلي الله منها المشتكي والمعول

فان لم تداركها قريش بعد لها ***يكن عن قريش مستراد ومزحل

فغضب عبد الملك ، وقال له : إلي أين يا ابن النصرانية ؟ ، قال : إلي النار ، راجع تفصيل القصة في ابن الأثير 309/4 - 322 وفي الأغاني 208-198/12

وفي السنة 75 قصد الحجاج البصرة ، وجند الناس لحرب الخوارج ، وقال: إن الزيادة التي زادكم ابن الزبير في أعطياتكم، زيادة فاسق منافق، ولست أجيزها ، فقام إليه عبد الله بن الجارود ، وقال له : إن أمير المؤمنين عبد الملك قد أجاز هذه الزيادة وأنفذها ، فقال له الحجاج: ما أنت وهذا، التحسن حمل رأسك ، أولا سلبنك إياه ، فقام مصقلة بن كرب العبدي ، وقال : ليس للرعية أن ترد علي راعيها ، فسمعا وطاعة لأمر الأمير فيما أحببنا وكرهنا ، فقال له ابن الجارود : ما أنت وهذا يا ابن الجرمقانية ؟ ومتي كان مثلك يتكلم وينطق في مثل هذا ( ابن الأثير 4/ 381)

أقول : الجرامقة : أنباط الشام ، وقوم بالموصل أصلهم من العجم ، واحدهم : جرمقاني

وفي السنة69 لما تصالح عبد الملك بن مروان وعمرو بن سعيد بن العاص الملقب بالأشدق ، أرسل عبد الملك فدعا عمرأ ، فقال له أحد جلسائه : أري أن لا تأتيه ، فاني أخاف عليك ، فقال له عمرو : والله ، لو كنت نائما ما تخوفت أن ينبهني ابن الزرقاء ( الطبري 142/6).

وكان عبد الملك بن مروان قد عاهد عمرو بن سعيد بن العاص، علي أن له ولاية عهده، ثم غدر به، فقتله، فلما أضجعه؛ وبرك عليه ليذبحه، قال

ص: 198

له عمرو: أغدرة يا ابن الزرقاء؟ ( الطبري 6/ 145.140 ومروج الذهب 80/2 )

وأغارت فزارة ، في أيام عبد الملك بن مروان ، علي كلب ، وكان قائدهم حلحلة بن قيس بن الأشيم بن سيار ، فقتلت منهم مائة وثمانين ، فكتب عبد الملك ، بحمل حلحلة إليه ، فلما وقف بن يديه ، قال له : ما تنتظر بنا يا ابن الزرقاء ، ( انساب الأشراف 310/5 - 311)

ولما تحرك عبد الله بن الجارود ، علي الحجاج بن يوسف الثقفي ، أرسل اليه رسولا ، فهدده الرسول ، فقال له ابن ابي الجارود : يا ابن الخبيثة ، لولا أنك رسول لقتلتك ، وأمر به فوجيء في عنقه وأخرج ( ابن الأثير 4/ 384)

ولما مات عبد الملك بن مروان، سجاه ابنه الوليد، فأنشد هشام بن عبد الملك وكان أصغر ولده :

فما كان قيس هلكه ملك واحد***ولكنه بنيان قوم تهتما

فلطمه الوليد علي فمه ، وقال له : اسكت يا ابن الأشجعيه ، فأنك أحول أكشف ، تنطق بلسان شيطان ، ألا قلت : [ الهفوات النادرة 131).

إذا مقرم منا ذرا حذنابه***تخمط فيناناب آخر مقرم

وفي السنة 77 اتهم أمية ، عامل خراسان ، بكيرة بن وشاح السعدي ، بالتآمر عليه ، فسلمه إلي بخير بن ورقاء الصريمي ، وكان عدوا لبكير ، وأمره بقتله ، فقال له بكير : إنك تفرق أمر بني سعد إن قتلتني ، فدع هذا القرشي يلي مني ما يريد ، فقال بحير : لا والله يا ابن الأصبهانية ، لا يصلح بنو سعد ما دمنا حيين ، فقال له : فشأنك يا ابن المحلوقة ، فقتله ( الطبري 6/ 317 )

ص: 199

أقول : قوله يا ابن المحلوقة ، اتهام لأمه بالزنا ، لأن الزانية كانت تشهر وهي محلوقة .

ولما قتل بحير بكير ، تعاقد سبعة عشر رجلا من بني سعد علي الطلب بدم بكير وأقبل أحدهم وهو فتي اسمه الشمردل ، فنظر إلي بحير واقفا ، فشد عليه فطعنه ، فصرعه ، فصاح الناس : خارجي ، وركض ، فعثر به فرسه ، فندر عنه ، فقتل، وسلم بحبر من الطعنة ، فقدم آخر من بني سعد، وجاور قرابة لبحير ، وأخبرهم أن له ميراث في خراسان ، وطلب منهم أن يكتبوا إلي بحير ، ليعينه علي حقه ، فكتبوا إليه ، فقدم مرو، واتخذ خنجرة ، أحماه وغمسه في لبن أتان مرارة ، ثم لقي بحيرة بالكتاب ، فأمر له بحير بنفقة ، وأنزله معه فأقام عنده شهر، حتي أطمأن إليه ، ثم وثب عليه فطعنه بخنجره طعنة مات منها في غده ، وقتل قاتله ( الطبري 6/ 331 - 333 )

وتخاصم زيد بن علي بن الحسين ، وعبد الله بن الحسن بن الحسن ، إلي عامل المدينة ، في ولاية وقوف علي ، فقال عبد الله لزيد : يا ابن الهندية ، وكانت أم زيد سندية ( الطبري 7 / 164 )

ولما أراد الوليد أن يبايع لعبد العزيز ولده ، بعد أخيه سليمان ، أمر أحد الشعراء فارتجز ، وسليمان يسمع :

إن ولي العهد لابن أمه ***ثم ابنه ولي عهد عمه

قد رضي الناس به فسمه ***فهو يضم الملك في مضمه

يا ليتها قد خرجت من فمه فالتفت إليه سليمان ، وقال : يا ابن الخبيثة ، من رضي بهذا ؟ ( العقد الفريد423/4)

ولما ولي عمر بن عبد العزيز، عدي بن ارطاة، علي العراق، دفع إليه كتابا بعزل يزيد بن المهلب عن خراسان ، واعتقاله ، فاعتقله ، ثم حمله إلي الشام

ص: 200

مع موسي بن الوجيه الحميري ، وكان موسي يحقد علي يزيد أنه ضربه وأرغمه علي تطليق امرأته ، فكان موسي يشتمه في طريقه ، ويقول له : يا ابن المروزية ، ويزيد يشتمه ، ويقول له يا دعي ( العيون والحدائق 3/ 49)

وشتم عمر بن هبيرة أمير العراق ، عامله علي خراسان سعيد الحرشي ، فقال له : با اين نسعة ( ونسعة اسم أمه ) ، فقال له : يا ابن بسرة ( اسم أم ابن هبيرة وهي بسرة بنت حسان ، عدوية من عدي الرباب ) ، فبلغ ذلك معقل بن عروة فدخل علي سعيد السجن ، وقال له : يا ابن نسعة أمك اشتريت بثمانين عنزة جرباء، فكانت مع الرعاء يترادفها الرجال، مطية الصادر والوارد، تجعلها ندا لبنت الحارث بن عمرو بن حرجة ؟ ( الطبري 17/7 )

ووقع بين الحارث بن أبي ربيعة الملقب بالقباع، وبين يحيي بن الحكم ، كلام ، فقال له يحيي : يا ابن السوداء ، يا ابن آكلة حمام مكة ، وكانت أم الحارث حبشية نصرانية ، أكلت حمامة من حمام مكة ، فكان ابنها يعير بذلك ، وماتت وهي نصرانية ، فشهدها ولده ومعه قوم من أصحاب النبي صلوات الله عليه ( أنساب الأشراف275/5 و 277 )

وتنازع يزيد بن المهلب ، وأخوه المفضل ، فقال له المفضل : حسدتني ، فقال له يزيد: يا ابن بهلة ، أنا أحسدك ؟ وبهلة هندية هي أم المفضل وعبد الملك ابني المهلب ( الطبري 395/6 ، 449)

وغضب هشام بن عبد الملك ، علي ولده سعيد ، فقال له : يا ابن الخبيثة .

وسبب ذلك : إن هشامة ، كان قد ولي ولده سعيدة علي حمص ، وكان يرمي بالشراب والنساء ، فبعثوا الي والده برقعة فيها :

أبلغ إليك أمير المؤمنين فقد***أمددتنا بأمير ليس عنينا

طور يخالف عمرة في حليلته***وعند ساحته يسقي الطلا دينا

فبعث هشام إلي ولده سعيد ، فأشخصه ، فلما قدم ، علاه بالخيزرانة ،

ص: 201

وقال له : يا ابن الخبيثة ، تزني وأنت ابن أمير المؤمنين ؟ والله لا تلي لي عملا حتي تموت ( العقد الفريد 4 / 448)

وكان خالد بن عبد الله القسري ، أمير العراقين ، اذا شتم ، قيل له : ابن النصرانية ( الأغاني 25/22 و الطبري 137/7 و 151 و 163 و 233 )

أقول : كانت أم خالد ، نصرانية ، وقد اتخذ خصومه من نصرانية أمه ، حجة توصلوا بها إلي شتمه ، وقد أعان خالد علي نفسه ، بأمرين، الأول : أنه رخص ببناء كنيسة للنصاري ، والثاني : انه أمر بهدم المآذن في المساجد ، لما سمع قول أحد الشعراء :

ليتني في المؤذنين نهارة***إنهم يبصرون من في السطوح

فقال فيه الفرزدق :

ألا نطع الرحمن ظهر مطية *** أتتنا تهادي من دمشق بخالد

وكيف يؤم المسلمين وأمه *** تدين بأن الله ليس بواحد

بني بيعة فيها النصاري لأمه ***ويهدم من كفر منار المساجد

وكان خالد القسري ، واليأ للوليد علي المدينة ، وأقره سليمان ، وحدث أن حال خالد دون تنفيذ حكم أصدره قاضي المدينة ، فشكاه إلي سليمان ، فكتب سليمان إلي خالد يأمره بإنفاذ حكم القاضي ، فلما أوصل إليه ابن القاضي الكتاب ، لم يفتحه ، وأمر بابن القاضي فضرب مائة سوط ، فبعث القاضي ولده المضروب إلي سليمان فأمر سليمان بقطع يد خالد، فما زال به يزيد بن المهلب ، حتي كتب سليمان بأن ينظر إذا كان قد ضرب ابن القاضي بعد قراءة الكتاب فتقطع يده ، وإن كان ضربه قبل قراءة الكتاب ، فيضرب مائة سوط ، وتبين انه ضرب قبل قراءة الكتاب ، فبطح وضرب مائة سوط ، فجزع خالد من الضرب ، فجعل يرفع يديه ، فقال له الفرزدق : ضم

ص: 202

إليك يديك يا ابن النصرانية ، فضم خالد يديه ، وقال : ليهنأ الفرزدق ، وقال الفرزدق : [العقد الفريد 428/4 و 429].

العمري لقد صبت علي متن خالد *** شآبيب لم يصببن من صبب القطر

فلولا يزيد بن المهلب حلقت***بكفك فتخاء الجناح إلي الوكر

وشتم جرير ، الأخطل التغلبي ، فقال له : لا حياك الله يا ابن النصرانية ( الأغاني 72و62/8).

وكان خالد القسري ، يشتم هشام بن عبد الملك ، فيسميه : ابن الحمقاء ( الأغاني 22/22 )

أقول : كانت أم هشام قرشية مخزومية ، وكانت حمقاء ، فكانت تثني الوسائد ، وتركبها ، وتزجرها ، كأنها دابة ، وتشتري الكندر ( اللبان ، ويسمي في بغداد : العلك ) وتمضغه ، وتصنع منه تماثيل ، وتسمي كل تمثال باسم جارية ، ثم تنادي علي كل واحدة باسمها ( الطبري 25/7 )

وكان أبو شاكر مسلمة بن هشام بن عبد الملك ، يحقد علي خالد بن عبد الله القسري ، أمير العراقين ، وذلك لأن هشامأ كان يرشح ولده مسلمة للخلافة ، فقال خالد : أنا كافر بكل خليفة يكني أبا شاكر ، فبلغت كلمته أبا شاكر ، فحقدها عليه ، فلما مات أسد أمير خراسان ، أخو خالد ، كتب مسلمة بن هشام إلي خالد :

أراح من خالد فأهلكه***رب أراح العباد من أسد

أما أبوه فكان مؤتشبة *** عبدا لئيمة لأعبر قفد

وأمه همها وبغيتها *** هم الإماء العواهر الشرد

كافرة بالنبي مؤمنة***بقتها والصليب والعمد

فلما قرأ خالد الكتاب ، قال : يا عباد الله ، من رأي كهذه تعزية رجل عن أخيه ( ابن الأثير 217/5 و 218)

ص: 203

وسب كثير ، الفرزدق ، فقال له : يا ابن الجعراء .

وسبب ذلك : أن الفرزدق ، أردف كثير خلفه ، وهما في طريقهما إلي الأحوص ، بالمدينة ، فتنافرا ، فقال الفرزدق : إنما قريش من ولد فهر بن مالك ، فقال له كثير : ما علمك يا ابن الجعراء بقريش .

والجعراء ، هي دعة ، امرأة من تميم ، كانت حمقاء ، جاءها الطلق ، فألقت ولدها في الخلاء ، وجاءت تسأل جارتها : أيفتح الجعر فاه ؟ فقالت لها : نعم يا حمقاء ، ويدعو أباه ، فعير بنو تميم بها، فكان يقال لهم : بنو الجعراء . ( الأغاني 103/21 - 105)

وشتم المغيرة بن حبناء ، زياد الاعجم ، فقال له : يا ابن العجماء .

وسبب ذلك : إن زياد الاعجم ، في مجلس المهلب ، عير المغيرة ، بالبرص ، فقال له المغيرة : إن عتاق الخيل لا تشينها الأوضاح ، ولا تعير بالحجول والغرر ، فهل تغني ، يا ابن العجماء غنائي ، أو تقوم مقامي ؟ ثم نشب الهجاء بينها . ( الأغاني 91/13 )

وتساب أبو موسي بن قيس المازني ، وأبو فراس المجنون، وكان أبو فراس يعدو من الصباح إلي المساء ، فقال له أبو موسي : أنت تعدو من الصباح إلي الرواح ألا يوجعك بدنك ، إذا جاء الليل ؟ فقال :

إذا الليل ألبسني ثوبه***ثقلت فيؤنسني المضجع

فقال له أبو موسي : يا أحمق أسألك عن حالك ، فتنشدني الشعر؟ قال : قد أجبتك يا ابن الزطية ، فقال أبو موسي : ألي تقول هذا ، وأنا سيد من سادات الأنصار ؟ فقال : ( البصائر والذخائر 2/3 / 550)

وإن بقوم سودوك لحاجة ***إلي سي ، لو يظفرون بسيد

ص: 204

وكان الفرزدق يشتم جريرة في مناقضاته ، ويسميه : ابن المراغة

( الاغاني 12/8 و 21 / 355)

. أقول : هذه الشتيمة ، شتم بها الأخطل جريرة ، وتبعه الفرزدق ، والمراغة الأتان التي لا تمتنع عن الفحول ، راجع وفيات الأعيان 325/7 ولسان العرب ، مادة : مرغ .

ولحقت هذه الشتيمة ، بحفيد جرير ، وهو الشاعر عمارة بن عقيل بن بلال بن جرير ، وهو شاعر فصيح ، سكن بادية البصرة ، ومدح الخلفاء العباسيين ، وهجاه فروة بن حميصة ، فقال فيه [الاغاني ط بولاق 184/20 و 187]

وابن المراغة جاحر من خوفنا*** بالوسم منزلة الذليل الصاغر

ولصقت هذه الشتيمة بجرير ، حتي أن عبد الملك ، أمر الأخطل في مجلسه، أن يركب جريرة ، فألقي الأخطل ثوبه، وقال لجرير : جب يا ابن المراغة ( التاج 132 و 133 )

وسأل الفرزديق ، الراوية ابن الكلبي : أتروي شيئا من شعري ؟ فقال : لا، لكني أروي لجرير مائة قصيدة ، فقال له : أتروي لابن المراغة ، ولا تروي لي ؟ ( وفيات الأعيان 4 / 310)

ولما قال جرير ، يهجوا الأخطل :

إن الذي حرم المكارم تغلبة *** جعل النبوة والخلافة فينا

مضر أبي وأبو الملوك فهل لكم*** باخزر تغلب من أب كأبينا

هذا ابن عمي في دمشق خليفة ***لو شئت قادكم إلي قطينا

فلما بلغ الشعر عبد الملك بن مروان ، قال : ما زاد ابن المراغة ، علي أن جعلني شرطيأ له ( شرح المقامات الحريرية للشريشي 250/2)

ص: 205

وشتم أعرابي ، ولده ، فقال له : اسكت يا ابن الأمة ، فقال له : والله إنها لأعذر منك ، لأنها لم ترض إلا حرا ( البصائر والذخائر 2/3 / 579 ).

واجتمع عمر بن ابي ربيعة ، والأحوص ، والنصيب ، بكثير عزة ، فعاب كثير علي كل واحد من الثلاثة ، بعض ماقالوه ، فغضب الأحوص ، وقال له : يا ابن آستها (يعني إنه مولود من الاست)، ثم قال له النصيب : يا زب الذباب ، ( يعني أنه تافه ، لأنه إذا كان الذباب تافهأ، فيكون بعض أجزائه أشد تفاهة ) ( الأغاني 115/12 - 118)

وشتم الفرزدق ، زيادة الأعجم ، فقال له : يا أقلف ( غير مختون ) فقال له : يا ابن الثمامة ( يعني أن أم الفرزدق عرفت بقلفته فنمت عليه ) ( البصائر والذخائر 796/2/2 )

وغضب معبد المغني ، من أبن عائشة المغني ، فقال له : أحسنت يا ابن عاهرة الدار ( الأغاني 1/ 56 )

وسمع مخنث رجلا يقول : دعا أبي أربعة أنفس ، أنفق عليهم أربعمائة درهم فقال له : يا ابن البغيضة ، لعله دعا لهم بمغنيتين وزامر ، والاففي أيش أنفق عليهم أربعمائة درهم ( البصائر والذخائر 531/1/2 ) وكان مما يشتم به الأعجمي : ابن حمراء العجان (الأغاني 265/2 الحاشية).

أقول : يراد بهذه الكلمة ، اما لأن الأعجميات ، تغلب عليهن الشقرة ، أو لأن الأمة يتواتر عليها اللامسون .

وشتم هشام بن عبد الملك ، خالدأ القسري ، فقال له : يا ابن المجرشة .

ص: 206

وسبب ذلك : إن رجلا من قريش ، دخل علي خالد ، فاستخف به ، وعضهه بلسانه ، وبلغ ذلك هشام ، فكتب اليه : هلا ، با اين مجرشة قومك ، أعظمت رجلهم ( القرشي ) عليك داخلا ، ووعت مجلسه إذ رأيته عليك مقب، وتجافيت له عن صدور فراشك مكرمة ( الطبري 143/7 و 144 )

وغضب يوسف بن عمر ، علي خادمه حديج ، فقال له : يا ابن الخبيثة .

وكان يوسف بن عمر ، أمير العراقين لهشام بن عبد الملك ، وكان مذمومة في عمله ، وكان يلقب : أحمق ثقيف ، قال لكاتبه ، وقد احتبس عن الديوان ، ما حبسك ؟ قال : اشتكيت ضرسي ، قال : تشتكي ضرسك ، وتقعد عن الديوان ، ودعا بالحجام ، وأمره أن يقلع ضرسين من أضراسه .

ودعا يوسف بن عمر، بجوار له ثلاث ، فقال لواحدة منهن : إني أريد أن أشخص ، أفأخلفك ، أم آخذك معي ؟ فقالت : صحبة الأمير أحب إلي ، ولكني أحسب أن مقامي وتخلفي أخف علي قلبه ، فقال : أحببت التخلف للفجور ، يا حديج ، اضربها فضربها ، ثم دعا بالثانية ، وقد رأت ما لقيت صاحبتها ، فسألها السؤال عينه ، فقالت : لست أعدل بصحبة الأمير شيئا ، بل تخرجني معك ، فقال لها : رغبت في النكاح ، يا حديج اضربها ، فضربها ، ثم دعا بالثالثة ، وقد رأت ما لقيت المتقدمتان ، فلما سألها قالت : الأمير أعلم ، لينظر أخف الأمرين عليه ، فيفعله ، فقال لها : هل فرغت من كل عمل ، فلم يبق لي إلا أن اختار لك ، يا حديج أوجعها ، فضربها ، فلما ولت وبعدت ، قالت : الخير كله في فراقك ، فلم يفهم يوسف قولها ، وقال با حديج ما تقول هذه ؟ فأخبره بما قالت ، فقال له : يا ابن الخبيثة من أمرك أن تعلمني ؟ ثم أمر غلامأ بأن يضرب حديج ، فضربه ( المحاسن والأضداد 34)

ص: 207

ولما ظهر زيد بن علي بالكوفة في السنة 122 خرج اليه عبيد الله بن العباس الكندي في أهل الشام ، والتقوا علي باب عمر بن سعد ، فلما أراد عبيد الله الحملة ، كع صاحب لوائه ، فقال له : احمل با آبن الخبيثة . ( الطبري 184/7).

ولما أراد المنصور العباسي ، قتل أبي مسلم الخراساني ، أحضره ، وقرعه بأمور بدرت منه ، فقال له أبو مسلم : لا يقال هذا لي بعد بلائي ، وما كان مني ، فقال له المنصور : يا ابن الخبيثة . واللله ، لو كانت أمة مكانك الأجزأت، انما عملت ما عملت في دولتنا وبريحنا، ثم صفق بيديه، فخرج الذين أعدهم لقتله، وضربه عثمان بن نهيك بالسيف، وأخذه الحرس بسيوفهم، وهو يقول : العفو ، العفو ، فقال له المنصور : العفو والسيوف قد اعتورتك يا ابن اللغناء ( ابن الأثيره 476/5)

وقال أبو دلامة لطبيب نصراني : يا أبن الكافرة .

وتمام القصة : إن أبا دلامة دخل علي إسحاق الأزرق يعوده ، فوجد الطبيب يصف له دواء ، فقال له يا ابن الكافرة ، أتصف له دواء غير ناجع، ثم قال : اسمع أيها الأمير مني ، وأنشده : [ الأغاني 10 / 270 ].

نح عنك الطبيب واسمع لنصحي*** إنني ناصح من النضاح

غاير هذا الكباب كل صباح*** من متون الفتية الساح

وإذا ما عطشت فأشرب ثلاثا*** من عتيق في الشم كالتفاح

وشتم أبو دلامة ، ولده دلامة ، فقال : عمل بي هذا ، ابن الخبيثة ، ما الم يعمل ولد بأبيه .

وسبب ذلك : إن الخيزران ، وهبت لأبي دلامة جارية جميلة ، فأبصرتها أم دلامة ، فأغرت ولدها دلامة ، أن يلم بها ، ففعل ما أرادت ، ولما جاء أبو دلامة إلي المنزل ، وتقدم إلي الجارية ، طردته ، وأعلمته أن ولده قد ألم بها ، فخرج إلي ولده ، ولطمه ، ولببه ، وأخذه إلي المهدي ،

ص: 208

فشكا إليه ما صنع ، وقال : إن هذا ابن الخبيثة ، قد عمل بي ، ما لم يعمل ولد بأبيه ، وقص عليه ما فعله ، فقال دلامة للمهدي : يا سيدي ، إن هذا الرجل، يلم بأمي منذ أربعين سنة، ما غضبت، وأنا ألممت بجاريته مرة واحدة ، فغضب كل هذا الغضب ، فضحك المهدي ، ووهب أبا دلامة ، جارية أخري غيرها ( الأغاني 262/10- 264)

وكان الرشيد عقد هدنة مع ملكة الروم ( ريني ) فلما ولي نقفور ملك الروم ، نقض الهدنة في السنة 187 وكتب إلي الرشيد كتاب فيه استخفاف ، قال فيه : من نقفور ملك الروم ، إلي هارون ملك العرب ، أما بعد فإن الملكة التي كانت قبلي أقامتك مقام الرخ، وأقامت نفسها مقام البيدق ، فحملت إليك من أموالها أحمالا ، وذلك ضعف النساء وحمقهن ، فإذا قرأت كتابي فاردد ما حصل قبلك من أموالهاوإلا فالسيف بيننا وبينك ، فلما وصل الكتاب إلي الرشيد ، اشتد به الغضب ، وكتب إليه بخطه علي ظهر كتابه : من هارون أمير المؤمنين ، إلي نقفور كلب الروم ، قرأت كتابك يا ابن الكافرة ، والجواب ما تراه لا ما تسمعه ( الطبري 307/8 و 308 و 308 وتاريخ الخلفاء 288 )

وشتم محمد الزف المغني ، إبراهيم الموصلي ، أمام خصمه ابن جامع ، فقال له : الحمد لله الذي أخزي ابن الجرمقانية علي يديك . ( الأغاني 207/5 )

أقول : أسلفنا أن الجرامقة ، قوم من العجم ، صاروا إلي الموصل في صدر الإسلام .

ووصف أحمد بن أبي خالد الأحول ، أبا عباد ، للمأمون ، فقال : هو أحد من سيف سعيد بن العاص ، وأنزق من مجنون البكرات ، فأراد المأمون أن يمتحنه ، فدخل عليه ، وعرض ما لديه ، ثم خرج ، فلما صار بالباب ،

ص: 209

قال : ردوه ، فعاد ، وكلمه في أشياء ، فلما خرج وصار بالباب ، قال : ردوه ، فعاد ، وكلمه في أشياء أخري ، فلما صار بالباب ، عاد ، فقال : ردوه ، فلما جاءه الرسول ، صاح بالغلام ، ورفع الدواة في وجهه : الساعة والله ، أضرب بها وجهك القبيح ، يا ابن الخبيثة ، كان ينبغي أن تقول له ذهب إلي النار ، فلما رجع ، وكلمة المأمون ، قال له : نعم ، ولكن والله لا ارجع بعدها أبدا ، وضحك المأمون حتي أمسك بطنه ، وقال : انطلق راشدا ( الملح والنوادر 297 والمحاسن والمساويء 134/2 )

ص: 210

القسم السادس: المعايرة بالصفات السيئة
اشارة

وتشمل ألفاظ الشتيمة التي تدخل في هذا البحث ، الألفاظ التي تنسب صفة من الصفات السيئة للمشتوم ..

ويقسم هذا البحث إلي قسمين :

ا.: الألفاظ التي تتعلق بالمعايرة بالصفات الخلقية ، وذلك بأن ينسب إلي المشنوم صفة سوء طبعي فيه ، كأن يقال له : يا بليد ، يا غبي ، با أحمق ، يا مجنون .

ب. : الألفاظ التي تتعلق بالمعايرة بالصفات العارضة ، التي تطرأ علي الإنسان ، كأن يقال له : يا لئيم ، يا كاذب ، يا عيار .

ص: 211

أ- المعايرة بالصفات الخلقية

1- قولهم : يا بغيض

البغض : ضد المحبة .

والبغيض : الممقوت .

وكان البغداديون ، في العهد العباسي ، يطلقون كلمة : البغيض ، علي المسرف في التقشف والتزمت والوقار ، بحيث يصبح ثقيلا .

وغنت بدعة ، جارية عريب المأمونية ، القاسم بن عبيد الله وزير المعتضد والمكتفي ، بيتين من الشعر قالت انهما من نظم القاضي أبي خازم ، فتعجب من صدورهما عن أبي خازم المعروف و بشدة تقشفه ، و بغضه ، وورعه ، وتقبضه ، راجع القصة في نشوار المحاضرة للقاضي التنوخي ج - 1 ص 89 و 90 رقم القصة 1 / 38

وكان أبو بكر ابن الجواليقي يأخذ لسانه بالإعراب ، ويكثر الاستعارات فيه إلي حد البغض ، فأخذ في ذلك يوما ، فقال له أستاذه الإمام أبو جعفر الطبري : أنت بغيض ، فلقب منذئذ بغيض الطبري ( معجم الأدباء 6/ 461 )

وروي أن صوفية في مجلس ، تحدث عن نفسه ، فقال : انه قضي يوم أمس صائما ، « وانه أفطر علي زيتونة ونصف ، علم الله ، أو زيتونة وثلث ،، فقال له شيخه : إن من الورع ما يبغضه الله تعالي ، وورعك هذا منه .

ص: 212

ضرب سعد بن إبراهيم ، أبا زيد فندا مولي عائشة ، ضربا مبرحا ، فغضبت عائشة وكانت خالة إبراهيم ، وحلفت أن لا تكلمه أو يرضي عنه فند، فذهبت إليه ليترضاه ، فقال له فند : أشهد أنك مقيت سمج مبغض ، وقد رضيت عنك لتقوم عني وتريحني من وجهك ( الأغاني 17 / 277 )

وقال الحكم بن عبدل الأسدي ، لصاحب العسس : يا بغيض .

كان الحكم بن عبدل الأسدي ، أعرج ، أحدب ، وكان من أطيب الناس وأملحهم ، فلقيه صاحب العسس ، ليلة ، وهو سكران ، محمول في محقة ، فقال له : من أنت ؟ فقال له : با بغيض ، أنت أعرف بي من أن تسألني من أنا ، فاذهب إلي شغلك ، فانك تعلم أن اللصوص لا يخرجون بالليل للسرقة محمولين في محقة ، فضحك صاحب العسس وانصرف . ( الاغاني 422/2 )

وقال الحسن بن مخلد ، لخادمه نافذ : يا بغيض .

وسبب ذلك : إن نافذأ ، باكر سيده الحسن بن مخلد ، وأخبره بنفاد النفقة ، فقال له : يا بغيض ، تخاطبني هذه الساعة ، أين كنت عن خطابي البارحة ؟.

راجع التفصيل في كتاب نشوار المحاضرة للتنوخي ، في القصة رقم 8/ 11 ج 8 ص 35 - 37.

وغضب إسحاق بن إبراهيم الموصلي ، علي أحد الحاضرين في المجلس ، فنهض ليخرج ، وقال : لا أجلس حتي تخرجوا هذا البغيض .

وسبب ذلك ، أن الرجل أخذ يعربد علي إسحاق ، ويخرق به ، ولم يعرفه ، فأخبرهم بنفسه ، فقاموا إليه وتعلقوا به ، فقال لهم : لا أجلس حتي تخرجوا هذا البغيض ، فأخرجوه ، راجع القصة مفضلة في كتاب الفرج بعد

ص: 213

الشدة للتنوخي ج- 4 ص 372 - 376 رقم القصة 479.

وغضب الوزير جعفر البرمكي علي أبي صدقة المغني ، فقال له : اسكت يا بغيض .

وكان أبو صدقة المغني، واسمه مسكين، كثير الطلب، شديد الطمع، عظيم الإلحاح ، وكان الرشيد يعبث به عبثا شديدا . وغني أبو صدقة مرة في مجلس الوزير جعفر البرمكي ، صوت ، فقال له جعفر : أحسنت ، فما استتم كلامه ، حتي بادر أبو صدقة فقال : إنتي بنيت دارا ، وما أعددت لها فرشأ ، فتغافل عنه جعفر فعاود السؤال ، وعاود جعفر التغافل ، فقال له أبو صدقة ، سألتك بالله ، وبحق أبيك ، إلا أجبتني ولو بشتم ، فقال له جعفر : أنت بغيض ، أسكت با بغيض ، وأكفف عن الإلحاح ، ثم وعده أن يفرشها له ، فسكت ، حتي إذا كان في مجلس الخليفة ، طالب بالفرش الذي وعده به ، فقال له جعفر : اختر ، إن شئت فرشتها لك بالبواري ، وان شئت بالحصر البردي ، فضج واضطرب ، ثم وصله الرشيد بألف دينار وجعفر بخمسمائة ، راجع القصة مفصلة في الأغاني 296/19 - 298

وقال المأمون لإسحاق الموصلي : يا بغيض .

وسبب ذلك : إن إسحاق صنع صوتا في البيتين :

سقيا لأرض إذا ما نمت نبهني ***بعد الهدو بها قرع النواقيس

كان سوسنها في كل شارقة ***علي الميادين أذناب الطواويس

ثم باع الصوت لعلية بنت المهدي ، فعوضته عنه بأربعين ألف درهم وأربعين تختا من الثياب ، ثم ته غناه للمأمون ، وحدثه بقصته ، فقال له المأمون: با بغيض فما كان في هذا من النفاسة ، حتي شهرته ، مع ما قد أخذته من العوض ، فخجل إسحاق ، ولم يغنه من بعد ذلك .

( الأغاني 168/10 - 170 )

ص: 214

ودعي أبو بكر الجعابي إلي وليمة ، فاقترح إحضار أحد المغنين ، ولكنه وعد ولم يحضر ، فغناهم بدلا منه ، شيخ القراء أبو بكر بن مجاهد، فعجب أبو بكر الجعابي منه ، وقال له ، يا أستاذ متي تعلمت هذا ؟ فقال : يا بارد ، تعلمته لبغيض مثلك ، لا يحضر الدعوة إلا بمغن . راجع القصة مفصلة في كتاب نشوار المحاضرة للتنوخي ج5 ص 233 - 236 رقم القصة119/5.

أقول : إن كل من عايشته من مشاهير القراء كانوا يحسنون الغناء إحسانا تاما ، فمنهم من يتحرج فلا يغني ، ومنهم من لا يري بالغناء بأسأ .

وقال ابن اليتيم : كنت أماشي أبا جعفر بن النحاس ، فوقفنا علي بائع تمر ، فقال له أبو جعفر : كيف تبيعني ؟ قال : ثلاثة ونص بدرهم ، فقال له : قل ثلاثة ونصف بدرهم ، قال : ثلاثة ونصف بدرهم ( وفتح نون نصف )، فقال له : قل ثلاثة ونصف ، بكسر النون ، فضجر ، وقال : ونصف ، إفرغ ، فنحن في بيع وشراء ، لسنا في نحو ، قال : فاجعله أربعة بدرهم ، قال : أفعل يا بغيض ، فوزن له بدرهم ، فقال له أبو جعفر : أدر الصنجة من الكفة إلي الكفة ، فقال : أنا أعرف ابن النحاس ، فهو أحمقكم ، قال ابن اليتيم : فقلت له : أبيت أن تنصرف إلا مصفوعا. ( الملح والنوادر 113 و 114).

وكان محمد بن صدقة الأطرابلسي ، من أطرابلس الغرب ، عالما باللغة ، شاعرة ، وكان يتقعر في كلامه جدا ، دخل يوما علي أبي الأغلب بن أبي العباس ، فتكلم ، وأغرب حتي جاوز الحد ، فقال له أبو الأغلب : أكان أبوك يتكلم بمثل هذا الكلام ؟ فقال : نعم ، اعز الله الأمير ، وأميه ، يريد وأنتي أيضا ، فقال الأمير : وما ينكر أن الله يخرج بغيضأ من بغيضين ( الوافي بالوفيات161/3)

ص: 215

2- قولهم : يا بارد البارد : ضد الحار

وقد ترد بمعني الضعيف ، تقول : هذه صحية باردة ، أي ضعيفة .

وكان بشار بن برد ، الشاعر الأكمه ، جالسا في دار المهدي ، فسأله سائل : ما عندك يا أبا معاذ في قوله تعالي : وأوحي ربك إلي النحل أن اتخذي من الجبال بيوتا ومن الشجر ومما يعرشون ، ثم كلي من كل الثمرات فاسلكي سبل ربك ذللا ، يخرج من بطونها شراب مختلف ألوانه فيه شفاء للناس ... الآية ( 68 و 69 ك النحل 16 ) فقال بشار : هذه النحل التي تعرفها الناس ، فقال له : هيهات ، يا أبا معاذ، النحل بنو هاشم ، وقوله تعالي : يخرج من بطونها شراب مختلف ألوانه ، يعني العلم ، فقال له بشار : أراني الله شرابك وطعامك وشفاءك مما يخرج من بطون بني هاشم ، فغضب الرجل ، وشتم بشارة ، وبلغ الخبر المهدي ، فدعاهما ، ولما علم القصة ، ضحك حتي أمسك علي بطنه ، وقال للرجل : جعل الله طعامك وشرابك مما يخرج من بطون بني هاشم ، فإنك بارد غ . ( وفيات الأعيان 423/4 )

وألح الصبيان ، علي خالد الكاتب ، يصيحون به لما وسوس : يا خالد بابارد ، وألحت عليه من بينهم جارية ، فقال لها : مري ، با منتنة الكس .

أقول : خالد بن يزيد الكاتب ، بغدادي ، كان من كتاب الجيش ، نادم علي بن هشام، ولما قتل، أتصل بالفضل بن مروان، فأوصله إلي المعتصم،

ص: 216

وخاصم أبا تمام فهجاه وأقذع في هجائه ، فأجابه أبو تمام بأبيات آخرها :

شعرك هذا كله مفرط***في برده يا خالد البارد

فحفظ الصبيان البيت ، فكانوا يصيحون به : يا خالد ، يا بارد ، حتي وسوس ، ومن لطيف شعره وهو موسوس :

أما ترثي لمكتئب***يحبك لحمه ودمه

يغار علي قميصك حي***تلبسه ويتهمه

راجع ترجمته في الأغاني 274/21 - 287

وشتم أسد بن جهور ، أحد كبار العمال العباسيين ، ابن أخته ، فقال له : يا غث يا بارد .

أقول : كان أسد بن جهور من كبار العمال في الدولة العباسية ، وكان في السنة 299 عاملا علي الكوفة ( نشوار المحاضرة ج - 2 ص 283 ) وكان بخيلا علي الطعام ، فإذا حضرت مائدته ، دعا ندماءه اليها، ومن أكل منهم ، عجل عقوبته ، فكانوا يتحامون الأكل علي مائدته ، وكانوا إذا شيلت المائدة ، مسحوا أيديهم في لحاهم ، يرونه أن ليس في أيديهم ما يزهمها ، وكان ابن اخته جسورا عليه ، فمد يده إلي دجاجة هندية ، فأمسك أسد بيده وقال له : ياغث ، يا بارد ، يا قبيح العشرة ، يا قليل الأدب ، في الدنيا أحد يستحسن إفساد مثل هذه ؟ فقال له ابن اخته : با لئيم ، يا بخيل ، يا سيء الاختيار ، فلاي شيء تصلح الدجاجة إلا للأكل، راجع القصة مفصلة في كتاب نشوار المحاضرة ج- 2 ص 186 - 187 رقم القصة 2/ 92، ومما يؤثر عن أسد بن جهور ، أنه كان كثير السهو والنسيان ، وقد أورد له القاضي التنوخي في نشواره قصصأ لطيفة في هذا الموضوع، منها أنه كان ذات يوم في دار الوزارة ، في مجلس ضم بعض القضاة ، وطلب الوزير أسدأ ، فقام علي عجل، وتناول قلنسوة القاضي فلبسها ودخل علي الوزير ( نشوار

ص: 217

المحاضرة ج1 ص 293 ) ومنها أن الوزير كان يكلمه في أحد الأيام ، وهو يقول له : سمعا لأمر القاضي أعزه الله ، وكان إلي جانبه أبو العباس بن الفرات ، صاحب ديوان الخراج ، فغمزه ، وقال له : قل ، الوزير ، فقال الابن الفرات : نعم أعز الله القاضي ، فضحك ابن الفرات ، وقال له : لست القاضي ، فارجع إلي صاحبك فقضه ( نشوار المحاضرة ج - 2/ 281 ) وجفت دواته ذات يوم ، فطلب ماء للدواة ، فجاء الغلام بكوز ماء ، فشربه ، ثم صاح ، بالغلام ثانيا : ويلك ، هات ماء للدواة ، فجاءه به ثانية ، فشربه ، ثم صاح ثالثا : ويلكم كم أطلب ماء للدواة ولا يجيئني ، فجاءه الغلام بكوز ثالث ، وتناوله ليشربه ، فقال له الغلام : يا سيدي تصب في الدواة أولا، فقال : نعم ، نعم ، وصبه في الدواة ( نشوار المحاضرة ج - 2 ص 282 ) وهجا علي بن بسام ، أسد بن جهور هجاءأ خصه وعم سائر الكتاب فقال : [ مروج الذهب 2 / 546]

تعس الزمان فقد أتي بعجاب***ومحا رسوم الظرف والآداب

وأتي بأقوام لو انبسطت يدي***فيهم رددتهم إلي الكتاب

أو ما تري أسد بن جهور قد غدا***متشبها باجلة الكتاب

وأعطي أبو العباس البغدادي ، لصديق له ، حفنة من يده ، قال انه مخلط خراسان ، فلما وصل إلي داره ، إذا هو لوز من ذهب ، وسخر من فضة ، وفستق وبندق عنبر ، وزبيب ند ، فأعاده إليه ، فقال له : يا بارد ، أيش هذا حتي ترده ، راجع الخبر في كتاب نشوار المحاضرة للقاضي التنوخي ج - 1 ص 197 و 198 رقم القصة 107/1

. أقول : المخلط ، مجموعة من الفواكة المجففة ، والنقل، كالتين والفستق واللوز ، والبندق والحمص والزبيب ، وما شاكل ذلك ، تخلط وتؤكل، وتسمي لذلك و المخلط ، وعندما كنت في بغداد ، كان المخلط يباع في سوق الشورجه ، وبائعو المخلط يعرفون كيف يجمعون أصنافه ،

ص: 218

بحيث إذا طلب منهم ، جمعوه ووزنوا المقدار المطلوب دون حاجة إلي أن يعين لهم المشتري أنواعه ، ويروج سوق المخلط في بغداد ، وفي غيرها من المدن التي يحتفل فيها بعيد النيروز ، قبل حلول العيد بأيام ، ويسمونه في بغداد « دورة السنة ، ويستعدون لإستقبال هذا العيد ، بإعداد صواني تحتوي علي ألوان الخضر والبقول الطرية، وعلي الفواكه المجففة ، والنقل ، وأصناف الحلوي ، وعلي السويق المتخذ من جريش الشعير مخلوطأ بدبس التمر ، ويحرص المحتفلون علي أن تكون الصينية ، وقت دورة السنة ، حاوية جميع أنواع المخلط والحلوي والبقول والفواكه ، احتفالا بالربيع ، ولهم في كل سنة خبر عما « دارت عليه السنة ، ويتناقلون أن السنة دارت علي قرد ، أو علي أرنب ، أو علي حية ، ويتفاءلون أو يتشاءمون ، تبعا لذلك ، أما مخلط خراسان ، علي التخصيص ، فالظاهر أنه لا يخرج عما وصفت به المخلط ، وربما كان أكثر أصنافا ، وقد جاء في شفاء الغليل ص 65 : قال الخوارزمي : ما هو إلا سفينة نوح ، وجامع سفيان ، ومخلط خراسان ، والمعروف أن سفينة نوح قد وضع فيها من كل زوجين اثنين ، وسفيان ، هو سفيان الثوري ، وجامع سفيان ، هو كتابه الجامع في الفقه ، يضرب به المثل ، ويستنتج من ذلك أن مخلط خراسان يحتوي علي أصناف كثيرة من الفواكه والحلوي والنقل، وجاء في الامتاع والمؤانسة للتوحيدي 2/ 179 و 180 أن أبا طاهر المقنعي ، قال : عجل لنا يا غلام ما أدرك من عند الطباخ ، من الدجاج ، والفراخ ، والبوارد ، والجوذابات ، وتزايين المائدة ، وصل ذلك بشراء قيراط جبن وزيتون من عند كبل البقال في الكرخ، وقطائف حبش، وفالوذج عمر ، ومخلط خراسان من عند ابن زنبور .

وسأل حامد بن العباس، وزير المقتدر، أبا الحسن علي بن عيسي، في ديوان الوزارة ، عن دواء الخمار ، وكان قد علق به ، فأعرض علي بن عيسي عن كلامه ، وقال له ، ما أنا وهذه المسألة ، فخجل حامد منه ،

ص: 219

والتفت إلي قاضي القضاة أبي عمر الأزدي ، فسأله عن ذلك ، فتنحنح أبو عمر لإصلاح صوته ، ثم قال : قال الله تعالي : ( وما آتاكم الرسول فخذوه ، وما نهاكم عنه فانتهوا ) ، وقال النبي صلي الله عليه وسلم : استعينوا علي كل صنعة بصالح أهلها ، والأعشي ، وهو المشهور بهذه الصناعة في الجاهلية ، قال :

وكأس شرب علي لذة***وأخري تداويت منها بها

ثم تلاه أبو نواس في الإسلام ، فقال :

دع عنك لومي فإن اللوم إغراء وداوني بالتي كانت هي الداء فأسفر حينئذ وجه حامد ، وقال لعلي بن عيسي : ما ضرك يا بارد ، أن تجيب ببعض ما أجاب به مولانا قاضي القضاة ، وقد استظهر في جواب المسألة ، بقول الله تعالي أولا ، ثم بقول النبي صلي الله عليه وسلم ثانية ، وأدي المعني ، وخرج من العهدة ( ثمرات الأوراق للحموي ص 4)

ص: 220

3- قولهم : يا مدبر

المدبر : المبتلي بالإدبار ، وهو ضد الإقبال

قال الشاعر :

ولا تساعد أبدأ مدبرة *** وكن مع الله علي المدبر

وهذه الكلمة ، لا تستعمل الآن في بغداد .

بعث رجل غلامه إلي قرية ، فتسلم عشرة رؤس من الغنم ، وتصرف في الطريق بواحد منها ، وأحضر تسعة ، فسأله سيده عن العاشر ، فقال : إنها عشرة ، فأحضر له سيده عشرة رجال ، وأمر كل واحد أن يأخذ واحدة من الغنم فأخذ منهم تسعة وبقي العاشر ، فقال له السيد : ألا تري أن هذا ما معه شيء ، فقال له : هذا مدبر ، لماذا لم يسبقهم ويأخذ واحدة في الأول . ( أخبار الحمقي 161).

وتآمر اثنان من العيارين ببغداد ، علي مغفل يقود حمارة ، فخلع أحدهما الرسن من راس الحمار ، ووضعه في عنقه ، وذهب صاحبه بالحمار ، ولما عرف أن صاحبه قد غاب عن العين ، وقف ولم يتحرك ، فالتفت المغفل إليه ، وقال له : ما هذا ؟ قال : أنا حمارك ، وقد كنت آدمية وعققت أمي ، فدعت علي ، فصرت حمارة ، وقد رضيت عني الأن فعدت إلي آدميتي ، فصدقه المعقل ، واعتذر إليه ، وأطلقه ، وفي اليوم التالي ذهب

ص: 221

ليشتري حمارأ غيره ، فوجد حماره في السوق فتقدم إليه ، وساره في أذنه ، وقال له : يا مدبر ، عدت إلي عقوق أمك ( أخبار الحمقي 193).

ص: 222

4. قولهم : يا مائق الموف : الحمق في غباوة ( لسان العرب : حمق) والمائق : الأحمق الغبي

بعث أحد كتاب الديلم ، إلي صاحبنه ، رسالة ، قال فيها: إني بك مائق ، يريد : وامق .

وكتب مروان الحمار ، إلي عبد الله بن علي العباسي ، يوصيه بحرمه .

فكتب إليه عبد الله : يا مائق ، الحق لنا في دمك ، والحق علينا في حرمك ( المحاسن والمساويء 2/ 113)

ص: 223

5. قولهم : يا أنوك

والنوك : العجز والجهل ( الفاخر 54)

ثم صرف إلي الحمق .

والأنوك : الأحمق

قال الشاعر ، يهجو شيبة بن الوليد :

عش بجد، ولا يضرك نوك***إنما عيش من تري بالجدود

عش بجد ، وكن هبنقة القيسي***نوكأ أو شيبة بن الوليد

ولما قتل المنصور ، أبا مسلم الخراساني ، أدرجه في بساط ، ودخل عليه عيسي بن موسي ، فقال له يا أمير المؤمنين ، أين أبو مسلم ؟ قال : قد كان ههنا آنفا ، فقال عيسي : يا أمير المؤمنين قد عرفت طاعته ونصيحته ، ورأي إبراهيم الإمام فيه ، فقال له : يا أنوك خلق الله ، ما أعلم في الأرض عدوا أعدي لنا منه ، وهل كان لكم ملك أو سلطان ، أو أمر أو نهي ، مع أبي مسلم ؟ ( الطبري 492/7 و مرجع الذهب 2/ 231 )

ولما حج المنصور ، دخل عليه سفيان الثوري ، ووعظه ، فقال له أبو عبيد الله الكاتب : أمير المؤمنين يستقبل بمثل هذا ؟ فقال له سفيان : آسكت ، فانما أهلك فرعون هامان ، فلما خرج سفيان ، قال أبو عبيد الله للمنصور : ألا تأمر بقتل هذا الرجل ؟ فقال أبو جعفر : اسكت يا أنوك ، فوالله ما بقي علي وجه الأرض أحد يستحيا منه غير هذا ( الإمامة والسياسة 143/2 و 144)

ص: 224

6- قولهم : يا مشؤوم

المشؤوم : المبتلي بالشؤم وهو ضد اليمن والبغداديون يقولون : ميشوم .

جاء أشعب إلي بيته ، فقالت له امرأته : با مشؤوم ، بعث عبد الله بن عمرو بن عثمان يطلبك ، ولو ذهبت إليه لحباك ، راجع القصة مفصلة في نشوار المحاضرة للتنوخي تحقيق المؤلف ج-6 ص 37 - 39 رقم القصة 20.

وجلس الواثق العباسي ، علي دكان ( دكة ) في دجلة ، يصيد السمك ، وإلي جانبه الطبيب يوحنابن ماسويه فلم يصطد شيئا، فقال ليوحنا: يامشؤوم قم من عن يميني ، فقال له يوحنا: يا أمير المؤمنين، لا تتكلم بمحال، يوحنا بن ماسويه، الخوزي، وأمه رسالة الصقلبية، المبتاعة بثمانمائة درهم ، أقبلت به السعادة ، حتي صار نديم الخلفاء وسميرهم وعشيرهم ، من المحال أن يكون مشؤومأ ، ولكن المشؤوم من ولده أربعة خلفاء ، ثم ساق الله إليه الخلافة ، فترك خلافته ، وقصوره ، وقعد في دكة مقدار عشرين ذراعا في وسط الدجلة لا يأمن من عصف الرياح ، ثم تشبه بأفقر قوم في الدنيا وشرهم، وهم صيادو السمك ( تاريخ الحكماء 387 و 388)

وكتب وزير المتوكل، إلي عامل الأهواز، فشتمه، قائلا: يا ميشوم، تسرعت وقتلت نفسك ، راجع التفصيل في نشوار المحاضرة للتنوخي ج 2 ص 10 رقم القصة 2/2

ص: 225

وذكر صاحب كتاب نشوار المحاضرة ، القاضي التنوخي ، أن أحد المورثين افتقر ، وأضاع جميع ما عنده من ماله ، فلقيه أحد أصحابه ، وهو علي تلك الحال ، فقال له : با ميشنوم ، ما هذا ؟ راجع القصة في كتاب نشوار المحاضرة للتنوخي ، رقم القصة 93/1 ج 1 ص 178 - 183.

وروي فتي من أولاد الجند، أن فتاة غرته ، وأخذته إلي دارها، وشاغلته حتي جاء صاحبها، فأدخلته إلي حجرة وأغلقتها عليه ، وقالت لصاحبها : قم ، فأفرغ من هذا الميشوم ، راجع القصة بتمامها في كتاب نشوار المحاضرة للتنوخي ، في القصة رقم 5 / 133 ج 5 ص 259 - 264 .

وجري في مجلس الأمير سيف الدولة ، بحلب ، حديث رجل يلقب بالناضري من أهل حلب ، فر منه إلي مصر ، فقال سيف الدولة : هذا المشؤوم بلغ إلي مصر ؟ راجع القصة مفصلة في كتاب الفرج بعد الشدة ، للتنوخي ، تحقيق المؤلف ، رقم القصة 386 ج 4 ص 63 - 68.

وكان ببغداد شخص يقال له ابن بشران ، وكان كثير الأراجيف ، فمنع من ذلك ، فقعد علي الطريق ينجم ( ينظر في النجوم ) فقال فيه الشاعر نجم الدين يعقوب بن صابر المنجنيقي (ت 626 ) : [ وفيات الأعيان 40/7 ]

إن أبن بشران ولست ألومه***من خيفة السلطان صار منجما

طبع المشوم علي الفضول فلم يطق***في الأرض إرجاف فأرجف في السما

ص: 226

7- يا رقيع

الرقيع : الأحمق، والعامة الآن ببغداد، يقولون: سقيع، بالسين، ومن أمثالهم : كل طويل سقيع ، ويريدون بالسقيع ، الذي تتسم أقواله وأفعاله ، بالحمق والرعونة . ويعبرون عن الحصيف ، بقولهم : مطبوخ ، أي ناضج . ويقولون عن الحصيف : قاعد ورا طبق ، أي أنه مارس أعمالا ، وخالط الناس .

وقال الحسن بن مخلد ، صاحب دوادين الأزمة ، والتوقيع ، وبيت المال ، عن أبي بكر أحمد بن صالح بن شيرزاد : أخي أبو بكر - والله - رقيع .

وسبب ذلك : إن الحسن بن مخلد ، كان من أجرأ الناس علي أموال السلطان ، وشكا إليه خادمه نافذ ، نفاد النفقة ، فدخل إلي الخليفة ، ثم خرج، وأرسل خادمه برقعة إلي صاحب بيت المال، فأتوا إليه ثلاثين ألف دينار، ومضي علي ذلك أيام وأراد أبو بكر أحمد بن صالح بن شيرزاد صاحب ديوان التوقيع ، تنظيم ديوان الختمة ، فأرسل إلي الحسن يقول : إني حاسبت صاحب بيت المال عما صرف في هذا الشهر ولم يبق إلا ثلاثون ألف دينار ، ذكر صاحب بيت المال انك خرجت إليه من عند الخليفة فأمرته بحملها إلي خادمك نافذ ، ولست أدري في أية جهة صرفت ، ولا في أي باب أثبتها ، ولا الحجة فيها ، فأجاب الحسن ، من غير توقف : أخي أبو بكر - والله - رقيع ، أسأل أنا الخليفة ، في أي شيء صرف ما أمر بأن يحمل إلي حضرته ؟ يجب أن يكتب في الختمة : وما حمل إلي حضرة أمير المؤمنين في يوم كذا ثلاثون ألف دينار ، فقام الكاتب خجلا ، ومر ذلك في الحساب ، ولم ينتبه إليه أحد ،

ص: 227

راجع القصة مفصلة في كتاب نشوار المحاضرة للقاضي التنوخي ج- 8 رقم القصة 11 ص 35- 37.

وغضب المكتفي علي التاجر ابن الحصاص ، فقال له وزيره العباس بن الحسن، هذا رجل رقيع عامي، وسبب ذلك أن المكتفي أحضر ابن الجصاص، وطلب منه عقدة من فاخر الجوهر علي أن يكون ثمنه ثلاثين ألف دينار، فعرض عليه ابن الجصاص عقدا فيه ستون حبة ، ثمنه ستون ألف دينار ، فأعجب به المكتفي ، وقال : أنه لم ير مثله قط ، فقال له ابن الجصاص : ومن أين عندك مثل هذا يا أبا مشكاحل ؟ فغضب المكتفي ، وهم به ، فهذاه وزير العباس بن الحسن ، وقال له : يا مولانا ، هذا رقيع عامي ، والعامي إذا افتخر علي آخر ، سماه أبا مشكاحل ، راجع القصة مفصلة في كتاب نشوار المحاضرة ج 2 ص 316 و 317 رقم القصة 166 .

أقول : أبو عبد الله الحسين بن الجصاص الجوهري ، كان ذا ثروة عظيمة ، وجاه عريض ، وهو الذي سعي في زواج قطر الندي بنت خمارويه بالمعتضد، ورافق موكبها من مصر إلي بغداد ، ولبيان مقدار ثروته ، ذكر الصابي في كتاب الوزراء ( ص 290 ) أن الوزير ابن الفرات أخذ من ابن الجصاص في محنته عشرة آلاف ألف دينار ، وكان ابن المعتز ، لما أعلن خلافته ، وفسد أمره ، لجأ إلي ابن الجصاص ، وأخذ من داره ، فاتخذ رجال الدولة ذلك سبأ لمصادرة ابن الجصاص وحبسه ، فصودر ، وحبس ، ولما أطلق بقي له مال وافر ، وجاه عريض ، راجع أخبار ابن الجصاص في كتاب نشوار المحاضرة للقاضي التنوخي ، وقد ذكر التنوخي في نشواره ، أنه اجتمع في بغداد بأبي علي ، ابن أبي عبد الله الجصاص ، وسأله عن الحكايات التي تنسب إلي أبيه ، مثل قوله خلف إمام قد قرأ : غير المغضوب عليهم ولا الضالين ، فقال : إي لعمري ، بدلا من آمين ، ومثل قوله للوزير الخاقاني : أسهرني البارحة كلاب في الحارة علي بابي ، كل كلب مثلي ومثل الوزير ،

ص: 228

وقوله له ، وقد أراد تقبيل رأسه ، فقال له : ان فيه دهنأ فلا تفعل ، فقال له : لو كان في رأس الوزير خرا لقبلته ، ومثل قوله : قمت البارحة في الظلمة إلي الخلاء ، فما زلت أتلحظ المقعدة ، حتي وقعت عليها ، ومثل قوله ، وقد وصف مصحفأ بالعتق : هو كسروي ، فقال له ابن الجصاص : أما أمر المقعدة ، واي لعمري ، وما كان من هذا الجنس فكذب ، وما كانت فيه سلامة تخرجه إلي هذا ، وما كان إلا من أدهي الناس ، ولكنه كان يطلق بحضرة الوزراء قريبة مما حكي عنه ، لأنه كان يحب أن يصور عندهم بصورة الأبله ، ليأمنه الوزراء لكثرة خلواته بالخلفاء ، ثم حدثه بحديث يدل علي دهائه ، راجع كتاب نشوار المحاضرة ج - 1 ص 29 - 30 رقم القصة 9.

ولما قدم أبو الحسن النحوي اللغوي الشاعر المعروف بشميم الحلي (ت 601 ) ، الموصل ، أراد نقيب الموصل زيارته ، فقيل له إن شميم لا يعبأ بأحد ولا يقوم في مجلسه لزائر أبدأ، فأبي إلا زيارته ، فلما زاره لم يقم له ولم يحتفل به ، فعاتبه أحد صحابه علي ذلك ، فأخرج كسرة خبز يابسة ، وقال له : يا رقيع ، من يقنع من الدنيا بهذه الكسرة لأي معني يذل للناس مع غناه عنهم وأحتياجهم إليه ؟ ( معجم الأدباء 135/5 و 136).

ص: 229

8- قولهم : يا أحمق

الحمق ، والحماقة : فساد العقل .

قال الشاعر :

لكل داء دواء يستطب به*** إلا الحماقة أعيت من يداويها

وقال المتنبي :

قالوا لنا مات إسحاق فقلت لهم***هذا الدواء الذي يشفي من الحمق

وقال آخر :

جانب الأحمق واحذر بطشه***إنما الأحمق كالثوب الخلق

كلما رقعته من جانب***جاذبته الريح يوما فأنخرق

ومر عقيل بن أبي طالب ، علي أخيه علي عليه السلام ، وكان مع عقيل تيس فقال له علي يمازحه : إن أحدنا نحن الثلاثة أحمق ، فقال له عقيل : أما أنا وتيسي فلا ( الامتاع والمؤانسة 184/3)

خطب أمير المؤمنين علي بن أبي طالب ، علي الحسن ابنه ، أم عمران بنت سعيد بن قيس الهمداني ، فقال سعيد : فوقي أمير ذو إمرة - يعني انها - فقال : قم فأمرها، فخرج من عنده، فلقي ألأشعث بن قيس، فأخبره بالخبر ، فقال له الأشعث : ما تريد إلي الحسن ، يفخر عليها ولا ينصفها ، ويسيء اليها ، فيقول : أنا ابن رسول الله ، وابن أمير المؤمنين ، ولكن هل لك في ابن عمها ، فهي له وهو لها ، قال : ومن ذلك ؟ قال : محمد بن

ص: 230

الأشعث ، ولدي ، قال : قد زوجته ، فدخل الأشعث علي أمير المؤمنين علي ، فقال : يا أمير المؤمنين ، خطبت علي الحسن ، ابنة سعيد ؟ قال : نعم ، قال : فهل لك في أشرف منها بيتا، وأكرم منها حسبأ، وأثم منها جمالا ، وأكثر ما ، قال : ومن هي ؟ قال : جعدة بنت الأشعث ، ابنتي ، قال : قد قاولنا رجلا ، قال : ليس إلي ذلك الذي قاولته سبيل ، قال : إنه قد فارقني ليؤامر أمها ، فقال : قد زوجها من محمد بن الأشعث ، قال : متي ؟ قال : الساعة بالباب .

قال : فتزوج الحسن جعدة .

فلما لقي سعيد ، الأشعث ، قال : يا أعور ، خدعتني .

قال : أنت أحمق خبيث ، حيث تستشيرني في ابن رسول الله ، ألست أحمق ( الأذكياء 34)

وكان إياس بن مضارب العجلي علي شرطة الكوفة، فرأي إبراهيم بن الأشتر يكثر من زيارة المختار بن أبي عبيد الثقفي ، فمنعه من الركوب ، وقال له : لا تبرحن منزلك ، وإلا ضربت عنقك ، وعاود إبراهيم الركوب في جماعة من أصحابه وجعل طريقه علي إياس ، فأراد إياس أن يعتقله وأن يحمله إلي الأمير ، فقال له إبراهيم : لا أبا لغيرك ، خل سبيلنا ، فقال : كلا ، والله ، لا أفعل ، وكان مع إياس رجل من همدان يقال له : أبو قطن ، وكان صديقة الإبراهيم ، فقال له إبراهيم : يا أبا قطن ادن مني ، فدنا منه ، فأخذ رمح أبي قطن ، وطعن به إياسا في ثغرة نحره وقال له : أنت أحمق ( الأخبار الطوال 290 و 291 والطبري 19/6 و 20).

وقال مروان بن الحكم لحبيش بن دلجة : إني أظنك أحمق ، فقال له حبيش : أحمق ما يكون الشيخ إذا عمل بظنه ( العقد الفريد 4 / 33)

وتساب خالد القسري، ويوسف بن عمر، وكان خالد في حبس

ص: 231

يوسف ، قال له يوسف : يا ابن الكاهن ، يعني شق بن صعب الكاهن ، فقال له خالد : إنك لأحمق ، تعيرني بشرفي ، ولكنك ابن السباء ، إنما كان أبوك سباء خمر، أي يبيع الخمر ( الطبري254/7).

وسمع أبو جعفر المنصور ، أبيات عبد الله بن مصعب ، في مدح بصبص المغنية :

أرائح أنت أبا جعفر***من قبل أن تسمع من بصبصا

هيهات أن تسمع منها إذا***جاوزت العيس بنا الأعوصا

أحلف بالله يمينا ومن***يحلف بالله فقد أخلصا

لو انها تدعو إلي بيعة***بايعتها ثم شقق العصا

فغضب أبو جعفر ، ودعا به ، فقال : أما إنكم يا آل الزبير قديما ما قادتكم النساء ، وشققتم معهن العصا، حتي صرت أنت آخر الحمقي تبايع المغنيات ، فدونكم يا آل الزبير هذا المرتع الوخيم. ( الأغاني 28/15و 29 )

أقول : يعيره بخروج الزبير جده ، علي الإمام علي بن أبي طالب .

وقال المنصور ، للطلحي : أنت أحمق ، وسبب ذلك ، إن المنصور سأل الربيع : كيف تعرف الريح ؟ قال : أنظر إلي خاتمي ، فإن كان سلسأ فشمال وإلا فهي جنوب ، وقال للطلحي : كيف تعرفها أنت ؟ قال : أضرب بيدي إلي خصيتي ، فإن كانتا قد تقلصتا فالريح شمال ، وإن تدلتا ، فهي جنوب ، فقال له المنصور : أنت أحمق . ( البصائر والذخائر 17/1 )

وكان خالد بن صفوان بخيلا ، سأله سائل ، فأعطاه درهما فأستقله ، فقال له : يا أحمق ، الدرهم عشر العشرة ، والعشرة عشر المائة ، والمائة عشر الألف ، والألف عشر العشرة الآف ، أما تري كيف أرتفع الدرهم إلي دية مسلم ؟ ( البخلاء 151,150)

ص: 232

ولما انفق المهدي العباسي ، جميع ما في بيوت الأموال ، دخل إليه أبو حارثة الهندي ، خازن البيوت ، ومعه المفاتيح ، وقال له ، إذا كنت قد أنفقت جميع الأموال فما معني بقاء هذه المفاتيح معي ؟ فتركه ثلاثة أيام ، ثم قال له : ما أخرك عنا ؟ قال : ورود الأموال ، فقال له : يا أحمق ، توهمت أن الأموال لا تأتينا ( مروج الذهب 248/2ووفيات الأعيان 7 / 22)

وأهدي العباس بن محمد العباسي، إلي الرشيد برنية غالية ، وأطال في الثناء عليها، فأخذها ابن أبي مريم المدني ، مضحك الرشيد ، وبددها علي أطرافه ومغابنه ، ثم قال للعباس : والله ، أنت شيخ أحمق ، راجع تفصيل القصة في الطبري 349/8 و 350 .

وقال القاضي حفص بن غياث ، قاضي الرشيد علي الشرقية ، لمرزبان المجوسي ، وكيل أم جعفر : أنت أحمق .

وخلاصة القصة : إن خراسانية باع إبلا بثلاثين ألف درهم ، لمرزبان المجوسي ، وكيل أم جعفر ، فمطله ثمنها، وحبسه ذلك عن السفر فشكا أمره إلي القاضي حفص بن غياث ، قاضي الشرقية ، ( وهي التي تسمي الأن المنطقة ، سميت الشرقية ، لأنها تقع شرقي مدينة المنصور ) ، فأحضره ، وسأله ، فاعترف بالدين ، فألزمه بالأداء ، فقال مرزبان : هذا المال علي السيدة ( يعني السيدة زبيدة أم جعفر ، زوج الرشيد) ، فقال القاضي : أنت أحمق ، تقر ، ثم تقول هو علي السيدة ، خذوا بيده إلي الحبس ، ولما بلغ أم جعفر حبس وكيلها غضبت ، وأمرت السندي بن شاهك ، أن يخرجه من الحبس ، وكانت القضاة تحبس الغرماء في محبس الشرط ، فأخرجه السندي ، وبلغ القاضي الخبر ، فقال : أحبس أنا ، ويخرج السندي ، وامتنع عن الجلوس في مجلس الحكم ، إلا أن يعاد

ص: 233

المجوسي إلي الحبس، فجاء السندي إلي أم جعفر، وقال لها: الله ، الله ، في ، أخاف أن يقول لي أمير المؤمنين ، بأمر من أخرجت المجوسي من الحبس ؟ رديه إلي الحبس ، وأنا أكلم القاضي في أمره ، ورد مرزبان إلي الحبس ، وكلمت السيدة الرشيد، وقالت له ، إن حفصة حبس وكيلي ، واستخف به ، فمره لا ينظر في الحكم ، وأن يتولي أبو يوسف القاضي النظر في قضيته ، فكتب للقاضي بذلك ، وبلغ حفصة الخبر ، فأسجل الحكم علي المجوسي بالزامه بالمال ، وورد كتاب الخليفة مع خادم ، قال للقاضي : هذا كتاب أمير المؤمنين ، فقال له ، مكانك ، نحن في شيء حتي نفرغ منه ، فقال له الخادم : كتاب أمير المؤمنين ، فصاح به حفص : أنظر ما يقال لك ، ولما انتهي حفص من السجل ، أخذ الكتاب من الخادم ، وقرأه ، وقال : اقرأ السلام علي أمير المؤمنين ، وقل له ، إن كتابه ورد وقد أنفذت الحكم ، فقال له الخادم : قد عرفت ما صنعت ، أبيت أن تأخذ كتاب أمير المؤمنين ، حتي تفرغ مما تريد ، والله لأخبرت أمير المؤمنين بما فعلت ، فقال له حفص : قل له ما أحببت ، وجاء الخادم ، وأخبر الخليفة ، فضحك ، وقال للحاجب : ابعث إلي حفص بثلاثين ألف درهم ، فاشتد غيظ أم جعفر مما حصل، وألزمت الخليفة أن يعزل حفصة، فعزله عن الشرقية ، وولاه قضاء الكوفة ( وفيات الأعيان 199/2 و 200 )

وأنشد محمد بن حازم الباهلي ، حماد بن يحيي ، بيتين من نظمه :

صل خمرة بخمار*** وصل خمارة بخمر

وخذ نصيبك من ذا***وذا إلي حيث تدري

فقال له : إلي أين ويحك ؟ فقال : إلي النار يا أحمق . (شرح مقامات الحريري 349/1 و 350)

ص: 234

وكلم أحمد بن يوسف ، الأمير عبد الله بن طاهر ، في حاجة له يخاطب بها المأمون ، فوعده ، ثم عاد إليه ، فقال له : كنت سألتك أن تعلم أمير المؤمنين في كذا ، وقد سألت مؤنس - يعني جارية كان المأمون يتحظاها - أن تخاطب أمير المؤمنين فيها ، وما بالأمير حاجة إلي الخطاب في ذلك ، فلما خرج ، قال : أرأيتم أحمق من هذا ؟ يسأل مثلي أن أخاطب الخليفة في أمر ، ثم يجيء ويعرفني أنه قد سأل جارية فيما سألني ، وأنه قد استغني بها عني . ( الهفوات النادرة 254 و 255)

ولما اختلف أحمد بن طولون ، والأمير الموفق ( أبي أحمد) صاحب دولة المعتمد العباسي ، أمر القاضي محمد بن عثمان بن إبراهيم بن زرعة الثقفي بخلعه ، فوقف بأزاء منبر دمشق ، وقال : قد خلعت أبا أحمق ، كما خلعت خاتمي من اصبعي . ( النجوم الزاهرة 3 / 183)

وكان عبيد الله بن سليمان وأبوه ، يعملان مع الأمير الموفق ( أبي أحمد) ، ولهما جهبذ اسمه ليث ، أحالا عليه بمبلغ من المال ، فتأخر عن الأداء ، فقال له راشد، صاحب صاحب جيش الموفق : أحمل ولو من مالك ، فهذا مهم للأمير أبي أحمد ، فقال ليث : وأيش لأبي أحمق عندي ؟ فاغتاظ منه راشد، وروي القصة للموفق، فبطش بليث وبعبيد الله بن سليمان وبوالده سليمان بن وهب ، راح التفصيل في نشوار المحاضرة للتنوخي ج 8 ص 98-100 رقم القصة 44

وخدم أبو يعقوب الرازي (ت 304) ذا النون المصري سنة ، ثم طالبه بأن يعلمه اسم الله الأعظم ، فسكت عنه وأومأ إليه أنه يخبره ، وبعد ستة أشهر أخرج من بيته طبقأ ومكتبة مشدودين في منديل ، وأمره أن يحملها إلي صديق له في الفسطاط ، فأخذ الطبق ، وظل في الطريق يفكر فيما في داخله ، فلما بلغ الجسر ، لم يصبر حتي حل المنديل ورفع المكتبة ، فقفزت

ص: 235

من تحتها فارة ، فعاد الرازي إلي ذي النون غاضبا ، فلما رآه ، قال له : يا أحمق ، إما جربناك ، ائتمنتك علي فارة فخنتني ، أفأئتمنك علي اسم الله الأعظم ؟ ( المنتظم 142/6)

واشتري أحد الخراسانية ، من رهداري بمصر ، حجرة بخمسة دراهم ، فسخر منه ، وقال : يجون هؤلاء الحمير ، لا يدرون أيش يعطون ولا أيش يأخذون ، إن هذه الحصاة أخذتها بدائق فضة ، وقد اشتراها هذا الأحمق مني بخمسة دراهم ، فقال له الخراساني : أنت الأحمق ، راجع تفصيل القصة في نشوار المحاضرة للتنوخي ، في القصة رقم 2/ 83 ج 2 ص 161 و162.

وقال الوزير أبو الحسن بن الفرات ، للكاتب ابن جبير : اجلس با أحمق .

وتفصيل القصة : إن الوزير ابن الفرات ، عاد من الموكب ، فجلس بسواده مغموما ، فسأله أحد أصحابه ، الكاتب بن جبير ، وكان مدلا عليه ، فلم يجب ، فقال له : سوف أستتر أنا وعيالي ، لأنك تعود من دار الخلافة ، وهذا الغم ظاهر في وجهك ، وتكتمنا السبب ، فليس وراءه غير الصرف والقبض .

فقال الوزير : اجلس با أحمق حتي أحدثك السبب .

فقال الوزير : ويحكم قد علمتم أني أشكو إليكم نقصان هذا الرجل - يعني الخليفة المقتدر - دائما، وشدة تلونه، واختلاف رأيه ، وأني أحب منذ مدة ، أن أروزه ، وأعرف قدر ذلك منه ، فقلت له اليوم ، في أمر أحد الرجال : يا أمير المؤمنين ، إنه قد فسد علينا ، وقد رأيت أن أقلده كذا ، وأقطعه ، وأسوغه ، لأستصلحه ، فقال : افعل ، ولما قرب وقت انصرافي ، قلت للخليفة : يا مولانا ، عاودت الفكرة في أمر فلان ، فوجدت أن ما نعطيه إياه يؤثر في بيت المال ، ويطمع نظراءه ، وقد رأيت أن نخلده

ص: 236

الحبس ، فقال : افعل ، فقلت : واويلاه ، كذا تجري حالي معه ، يقال له : ابن الفرات ، الكافي ، الناصح ، فيقول : نعم ، ويقربني ، ثم يقال له : ابن الفرات ، سرق ، ونهب ، والصواب قتله ، فيقول : نعم ، فأهلك ( الوزراء للصابي 133 )

وكان أبو العباس سهل بن بشر النصراني ، ضامن واسط والأهواز ، من أكابر رجال الدولة الديلمية ، وكان ذا حماقة متمكنة، وسخ اللسان يست من يراجعه من ذوي الحاجات ، فشكوه إلي المطران ، فكلمه في ذلك ، فقال له : أنت يا أبونا أحمق ، أنا إنما أكلم الناس بلسان القائد ، فيكون هو الشاتم لهم ، لا أنا ( الهفوات النادرة 316)

ص: 237

9. قولهم : يا خبيث ، ويا ابن الخبيثة

خبث : ضد طاب والخبيث : المستكره ، أو النجس ، أو الفاسد .

ولما هجا الحطيئة الزبرقان ، وقال فيه :

دع المكارم لا ترحل لبغيتها***واقعد فإنك أنت الطاعم الكاسي

شكاه الزبرقان إلي الخليفة عمر ، ولم يكن عمر يجهل موضع الهجاء من البيت ، ولكنه بعث إلي شاعر مثله ، وهو حسان بن ثابت ، وقرأ عليه البيت ، وسأله : هل هجاه ؟ فقال حسان : ما هجاه ، ولكن سلح عليه ، فأمر عمر بالحطيئة إلي الحبس ، وقال له : يا خبيث لأشغلك عن أعراض المسلمين ( العقد الفريده 318/5)

ولما انتهت حرب الجمل ، بانتصار الإمام علي ، أمر محمد بن أبي بكر ، بأن يرعي أخته عائشة ، فذهب إليها ، ومد يده إلي بطن هودجها ، فصاحت به ، ولم تعرفه : نخ بدك ، قطع اللله يدك ، فقال لها : أنا أخوك محمد ، فقالت : الخبيث بن الطيب ، فضحك ، وقال لها : بل الطيب بن الطيب .

وفي أحد أيام صفين ، اشتد القتال ، وبرز عبيد الله بن عمر بن الخطاب ، وكان في جانب معاوية ، ونادي : أنا الطيب بن الطيب ، فسمعه عمار بن ياسر ، فصاح به : بل أنت الخبيث بن الطيب ( الأخبار الطوال 178)

ص: 238

واستخف أبو سعيد بن عقيل بن أبي طالب ، بعبد الله بن الزبير ، في مجلس معاوية ، وبلغ ذلك عائشة ، فلما مر بفنائها صاحت به : يا أحول ، با خبيث ، أنت القائل لابن أختي كذا وكذا .

وقد سبق أوردنا القصة في موضع آخر من هذا الكتاب .

ولما استباح مسلم بن عقبة المري المدينة ، أحضر عمرو بن عثمان بن عفان ، وقال : هذا الخبيث بن الطيب .

وذلك : إن مسلم بن عقبة ، بعد أن ظفر بأهل المدينة ، وقتل مقاتلتهم، وسلب أموالهم ، واستباحهم ، أحضر من لم يحارب ، وأمرهم بأن يبايعوا علي أنهم عبيد قن ليزيد بن معاوية ، ولما حضر أمامه عمرو بن الخليفة عثمان بن عفان ، قال مسلم : يا أهل الشام ، هل تعرفون هذا ؟ هذا الخبيث بن الطيب ، هذا عمرو بن أمير المؤمنين عثمان ، هيه يا عمرو ، إذا ظهر أهل المدينة ، قلت : أنا رجل منكم ، وان ظهر أهل الشام ، قلت : أنا ابن أمير المؤمنين عثمان ، ثم أمر به فنتفت لحيته ( ابن الأثير 120/4 ) وكان المغيرة بن عبد الله بن أبي عقيل ، عامل الحجاج علي الكوفة ، إذا قيل له : أبا صفية ، يغضب ، فحدث أن أستعدته امرأة علي زوجها ، فأتاه صاحب العدوي عند المساء ، فأعلمه ، فقال : نعم ، أغدو معها ، فبات الرجل يقول لامرأته : لو قد أتيت الأمير غدا ، لقلت له : يا أبا صفية ، إنها تفعل كذا وكذا ، فيأمر من يوجعك ضربة ، فحسبت المرأة أن كنية الأمير أبو صفية ، فحفظتها ، ولما تقدمت إليه ، قالت : أصلحك الله يا أبا صفية ، فقال لها : عافاك الله ، أبو عبد الله ، فأعادت التكنية ، فقال لها : أبو عبد الله ، ثم أعادت ، فصاح بها : يا فاسقة ، أظنك ظالمة ، وقال لزوجها : خذ بيد الخبيثة ( المحاسن والمساويء 2/ 230 )

وتعرض مجنون بالبصرة ، يعرف براس النعجة ، لأميرها محمد بن

ص: 239

سليمان في موكبه، فصاح به : يا محمد، أمن العدل أن تكون غلتك في كل يوم ألف درهم ، وأنا أطلب نصف درهم ، فلا أقدر عليه ؟ إن كان هذا عدلا فأنا أكفر به ، فأمر له محمد بمائة درهم ، فقال المجنون للأمير : إن كرم منصبك ، وشرف أبوتك ، وحسن وجهك ، لخير يريده إليه بك ، فدنا منه سوار قاضي البصرة ، وقال له : يا خبيث ما كان هذا قولك في البداءة فقال له : في أي سورة هذه الآية : في فإن أعطوا منها رضوا ، وإن لم يعطوا إذا هم يسخطون 4 ؟ قال : في براءة ، قال : صدقت ، فبريء الله ورسوله منك ، فضحك محمد بن سليمان حتي كاد يسقط عن دابته ( مروج الذهب 267/2 و 268)

وكان مطيع بن اياس ، ينادم جعفر بن المنصور ، فكتب صاحب الخبر إلي المنصور بأن مطيعا زنديق ، فقال المهدي : إنه ليس بزنديق ، ولكنه خبيث الدين ، فاسق ، فأمره المنصور بأن يحضره ، وينهاه عن صحبة جعفر وسائر أهله ، فأحضره المهدي ، وقال له : يا خبيث ، يا فاسق ، أفسدت أخي ، وجماعة من أهلي ، وشهرتهم في الناس ، وأمر الربيع بضربه مائة سوط وحبسه ، فقال له مطيع : أنا أمرؤ شاعر ، وسوقي إنما تنفق مع الملوك ، وقد رضيت من الدنيا بالأكل علي مائدة أخيك ، وأصفيته علي ذلك شكري وشعري ، فإذا كان ذلك عائبا عندك ، تبت منه ، فأطرق المهدي ، وعفا عنه ( الأغاني في 13 / 317 و 318)

وشتم إبراهيم الموصلي ، جارية ، فقال لها : كذبت يا خبيثة .

وسبب ذلك : إن إبراهيم الموصلي ، كان في طريقه بعد المغرب إلي قصر الرشيد، فأبصر زنبية كبيرة ، مدلي من أحد القصور ، مستوثق منه بحبال ، وأربع عري من أدم ، فغلب عليه حب الإستطلاع، فقعد في الزنبيل ، فرفع حتي صار في أعلي القصر ، فوجد فتيات جميلات في انتظار الزنبيل ، فلما وجدن إبراهيم ، قلنا له يا عدو الله ، ما أدخلك إلينا؟

ص: 240

فقال : يا عدوات الله ، ومن الذي أردت إدخاله ، ولم صار أولي مني بهذا ؟ ثم قالت إحداهن : من أردناه قد فات ، فهلم نعاشر هذا ، وقدم الطعام ، والشراب ، وغنت إحداهن صوتا لمعبد، فقالت الأخري : أحسن إبراهيم الموصلي ، قال إبراهيم ، فقالت لها : كذبت ، هذا المعبد ، فقالت : يا فاسق ، وما يدريك ما الغناء ؟ ثم غنت الأخري صوتا للغريض، فقالت الأخري : أحسن إبراهيم ، فقلت لها : كذبت يا خبيثة ، هذا للغريض، فقالت : اللهم آخزه ، ويلك ، وما يدريك ، ثم غنت الجارية صوتا لي ، فقالت الأخري : أحسن ابن سريج ، فقلت لها : كذبت ، هذا لإبراهيم ، فقالت : ويحك ، وما يدريك ؟ فقلت : أنا إبراهيم ، فتباشرن ، وحبستني أسبوعا ، فلما خرجت وجدت الرشيد قد غضب علي ، فأخبرته بقصتي ، ورغب أن يراهن ، فأخذته معي ، حتي رآهن ، وحضر مجلسهن ( الأغاني 244/5و 247)

ص: 241

10- قولهم : يا جاهل

الجهل : السفه والجفاء والغلظ .

قال عمرو بن كلثوم :

ألا لا يجهلن أحد علينا***فنجهل فوق جهل الجاهلينا

وترد أيضا بمعني : عدم المعرفة ، يقال : جاهل بمعني ضد عالم وزار الحسن والحسين ، ابن عباس ، فلما خرجا من عنده ، أمسك لهما ركابيهما ، فقال له بعض من حضر : أتمسك لهذين الحدثين ركابيهما ، وأنت أسن منهما ؟ فقال له : اسكت يا جاهل ، لا يعرف الفضل إلا ذووا الفضل . ( وفيات الأعيان 179/9 )

وتنازع جعفر البرمكي ، والفضل بن الربيع ، بحضرة الرشيد ، فقال جعفر للفضل : يا لقيط ، فقال الفضل : أشهد يا أمير المؤمنين ، فقال جعفر للرشيد : تري عند من يقيمك هذا الجاهل شاهد ، وأنت حاكم الحكام ؟ ( وفيات الأعيان 4 / 38 )

ووصل الرشيد، رجلا من النساك ، بعشرين ألف درهم ، فامتنع من أخذها، فقال له هرثمة : ترد علي أمير المؤمنين صلته ، يا جاهل ؟ ( الطبري 359/8 )

وخلاصة القصة : ان هذا الناسك ، واجه الرشيد ، فقال له : يا هارون اتق الله ، فأمر أحد حاشيته أن يأخذ الرجل ، حتي إذا فرغ ، دعا به ، فقال

ص: 242

له: يا هذا، أنصفني في المخاطبة ، أناشرام فرعون؟ قال: بل فرعون، قال : فأنت خير أم موسي؟ قال: موسي، قال : إن الله أرسل موسي وأخاه إلي فرعون، فقال لهما : فقولا له قولا لينأ لعله يتذكر أو يخشي ، فجئت أنت تعظني بأخشن الألفاظ وأشنعها ، فلا بأدب الله تأذبت ، ولا بأخلاق الصالحين أخذت ، فقال الناسك : أخطأت يا أمير المؤمنين ، وأعتذر إليه ، فأمر له الرشيد بعشرين ألف درهم ، فأبي أن يأخذها ، وقال : لا حاجة لي في المال ، فقال هرثمة : با جاهل ترد علي أمير المؤمنين صلته ؟ فقال له الرشيد : لم نعطك هذا المال لحاجتك إليه ، ولكن من عادتنا أن لا يكلم أحد الخليفة ، وليس من أوليائه ولا أعدائه ، إلا وصله ومنحه، فأقبل من صلتنا ما شئت، وضعها حيث أحببت ، فأخذ من صلته ألفي درهم ، ووهبها للحجاب ومن حضر الباب .

وقال المأمون لأبي علي المنقري : يا جاهل ، سألتك عن ثلاثة عيوب فيك فزدتني رابعأ ، وهو الجهل ، وسبب ذلك أن المأمون قال لأبي علي المنقري : بلغني أنك أمي ، وأنك لا تقيم الشعر ، وانك تلحن ، فقال : يا أمير المؤمنين ، أما اللحن فربما سبق لساني بشيء منه ، وأما الأمية ، وكسر الشعر ، فقد كان رسول الله صلي الله عليه وسلم لا يكتب ولا يقيم الشعر ، فقال له المأمون : سألتك عن ثلاثة عيوب فيك ، فزدتني رابعا ، وهو الجهل ، يا جاهل ، إن ذلك كان للنبي صلي الله عليه وسلم فضيلة ، وهو فيك وفي أمثالك نقيصة ، وانما منع النبي صلي الله عليه وسلم ذلك لنفي الظنة عنه ، لا لعيب في الشعر والكتابة ( محمد رسول الله لتيمور 120)

وقال المأمون ، لإبراهيم بن المهدي : أنت جاهل، لا يجاوب مثلك .

وسبب ذلك : إن إبراهيم بن المهدي ، كان شديد الانحراف عن علي بن أبي طالب ، وذكر للمأمون يوما ، إنه رأي علي بن أبي طالب في النوم ، قال إبراهيم : فمشينا حتي جئنا قنطرة ، فذهب يتقدمني لعبورها ، فأمسكته ،

ص: 243

وقلت له : أنت رجل تدعي هذا الأمر بامرأة ، ونحن أحق به منك ، فما رأيته أجاب جوابأ بليغة . فقال له المأمون : وماذا قال لك ؟ قال : مازادني علي أن قال : سلامة ، سلاما ، فقال له المأمون : قد - والله - أجابك أبلغ جواب ، قال : وكيف ؟ قال : عرقك أنك جاهل ، لا يجاوب مثلك ، قال الله عز وجل : وإذا خاطبهم الجاهلون قالوا سلاما ( الأغاني 126/10)

وروي ثمامة بن أشرس ، إنه مر بشارع الخلد ، يريد داره ، فوجد

شيخ قد بسط كساءه ، وألقي عليه أدوية ، وهو قائم ينادي ، هذا دواء لبياض العين ، وهذا دواء للغشاوة والظلمة وضعف البصر ، وإن إحدي عينيه المطموسة ، والأخري محمرة ، وقد تألبوا عليه وانجفلوا ، فنزل ثمامة عن دابته ، ودخل بين الجماعة ، وقال له : يا هذا ، أري أن عينيك أحوج الأعين إلي العلاج ، وأنت تصف الدواء ، وتزعم أن فيه الشفاء ، فمالك لا تداوي به عينيك ؟ فقال له : أنا في هذا الموضع منذ عشرين سنة ، ما رأيت قط شيخا أجهل منك ولا أحمق ، قلت : كيف ذاك ؟ قال : يا جاهل ، أتدري أين آشتكت عيني ؟ قلت : لا ، قال : بمصر ، فأقبل علي الجماعة ، وقالوا : صدق : أنت جاهل وهموا بي ، فقلت : والله ، ما أدري أن عينه آشتكت بمصر ، وتخلصت منهم بهذه الحجة ( المحاسن والمساويء 109/1 )

وعبث مخلد بن يزيد الكاتب ، بأحد الخراسانيين من أصحاب المأمون إذ قال له الخراساني : أختر لي عم أقلده ، فاختار له بزبندات البحر ، وصدقات الوحش ، والنكتة في الموضوع أن البحر لا تبني له بزبندات ، والوحش لا تفرض عليه صدقات ، فلما رأي المأمون الرقعة ، سأل عمن كتبها ، وأحضر مخلد ، وقال له : ما هذا يا جاهل ، تفرغت لأصحابي ؟ راجع القصة في كتاب الفرج بعد الشدة للتنوخي ، رقم القصة 240

وكان المتوكل قد بايع بولاية العهد لأولاده الثلاثة ، المنتصر ، فالمعتر، فالمؤيد ، فلما قتل المتوكل ، وبويع المنتصر ، رغب في خلع

ص: 244

أخويه من ولاية العهد ، فأحضرهما ، وطالبهما بالخلع ، فأبي المعتز ، فقال له أخوه المؤيد : يا جاهل ، تراهم قد نالوا من أبيك - وهو هو - ما نالوا ، ثم تمتنع عليهم ، إخلع ويلك ، ولا تراجعهم . ( الطبري 245/9)

وعبث ابن حمدون النديم ، بحضرة المتوكل، بالطبيب يوحنا بن ماسويه ، فقال له ابن ماسويه : لو كان مكان ما فيك من الجهل عقل ، ثم قسم علي مائة خنفساء ، لكانت كل واحدة منهن أعقل من أرسطو طاليس . ( تاريخ الحكماء 381) .

وكان أبو نوح عيسي بن إبراهيم ، علي ديوان الضياع، في سر من رأي ، وراجعه صاعد بن مخلد ، أول خلافة المعتر ، وجرت بينهما مناظرة ، فاغتاظ منه أبو نوح ، وأعضه ، أي قال له : يا عاض بظر أمه ، فرد عليه صاعد مثل ما قاله له ، فاستعظم الحاضرون ذلك ، وقالوا له : يا مجنون ، يا جاهل ، قتلت نفسك ، قم ، قم ، راجع تفصيل القصة في كتاب نشوار المحاضرة للتنوخي رقم القصة 8/ 34 ج 8 ص 78 - 82.

وجري في دار الوزير صاعد بن مخلد ، كلام ، بين أبي العباس أحمد بن محمد بن ثوابة الكاتب ، وأبي الصقر إسماعيل بن بلبل ، فقال إسماعيل الابن ثوابة : حكمك - والله - أن تشد وتحد ، فقال له : يا جاهل ، أما علمت أنه من يشد لا يحد ، ومن يحد لا يشد . ( أعتاب الكتاب 167)

أقول : يريد أن الذي يشذ هو المجنون ، والمجنون لا يحد، لأن الحدود إنما تقام علي العاقل إذا ارتكب ما يقتضي معه أن يحد.

ولما عزل الوزير ابن الفرات ، عن وزارته الأولي ، نيطت مناظرته برجل شرير ، هو أبو الهيثم العباس بن محمد بن ثوابة ، فكان من جملة ما شتمه به أن قال له : يا جاهل . ( تجارب الأمم 1 / 88 و 89 الحاشية )

ص: 245

وركب ابن الجصاص ، مع الوزير الخاقاني ، وزير المقتدر ، في طياره ، وكان في يد ابن الجصاص بطيخة عنبر ، فأراد أن يعطيها الوزير ويبصق في دجلة، فبصق في وجه الوزير ورمي البطيخة في دجلة، فارتاع الوزير ، وانزعج ابن الجصاص وتحير ، وقال للوزير : والله العظيم ، لقد أخطأت وغلطت ، أردت أن أبصق في وجهك وأرمي البطيخة في دجلة ، فقال له الوزير: كذلك فعلت يا جاهل، فغلط في الفعل وفي الاعتذار (اخبار الحمقي 50)

وقصد فقيه من أهل سجستان ، قائد سامانيأ ، فشكا إليه من تصرف أفراد جيشه ، فقال له : يا شيخ ، ما ظننتك بهذا الجهل ، راجع تفصيل القصة في كتاب نشوار المحاضرة للتنوخي ج - 3/ ص 34 رقم القصة 3/ 18

واجتمع ثلاثة من رعايا أمير المسلمين يوسف بن تاشفين ، صاحب المغرب ، وتمني أحدهم ألف دينار يتجر بها ، وتمني الثاني عم يعمل فيه الأمير المسلمين ، وتمني الثالث زوجة أمير المسلمين ، وكانت من أجمل النساء ، فبلغه الخبر ، فأحضرهم ، وأعطي الأول ألف دينار ، واستعمل الثاني ، وقال للثالث : يا جاهل ، ما حملك علي هذا التمني الذي لا تصل إليه ؟ ( وفيات الأعيان 125/7)

وقال نجم الدين بن أيوب ، لولده صلاح الدين يوسف : أنت جاهل .

وتفصيل ذلك : إن السلطان نور الدين محمود ، بعث صلاح الدين علي رأس جيش ، إلي مصر ، إعانة للمصريين علي حرب الافرنج ، فتمكن صلاح الدين بمصر ، ولما أمره. نور الدين بأن يترك مصر لمحاصرة الكرك ، اعتذر له بأعذار لم يرضها ، وعزم علي قصد مصر ، فجمع صلاح الدين الأمراء، فيهم والده نجم الدين، وأستشارهم، فأشاروا بمقاتلته إذا قصد مصر ، فاحتد عليهم نجم الدين ، وشتمهم ، وأعلن عبوديته لنور الدين ، ولما

ص: 246

خلا نجم الدين بابنه ، قال له : أنت جاهل ، قليل المعرفة ، تجمع هذا الجمع ، وتطلعهم علي ما في نفسك ، فإذا سمع نور الدين بعزمك علي منعه ، كنت أول من يقصده ، أما إذا بلغه خبر هذا المجلس ، فإنه يعدل عن قصدك ، وكان الأمر كما قال نجم الدين ( وفيات الأعيان 163/7 و 164)

وشهدت امرأة عند قاض ، وكانت معها أخري ، فأخذت تلقنها ، فقال الخصم للقاضي : ما تراها تلقنها ؟

فقالت له المرأة : يا جاهل ، إن الله تعالي يقول : فتذكر إحداهما الأخري ( وفيات الأعيان 1 / 278)

وكان لروزبهان الديلمي ، كاتب يعرف بالقمي ، وكان قد استخلفه بحضرة معز الدولة ، وعول عليه في مراجعة أقطاعه بالسواد ، وحدث يوما أن الوزير المهلبي كان جالسا ، وقد وقعت علي وجهه ذبابة ، فلحظها القمي ، وتقدم من الوزير ، ولطمه علي وجهه لطمة شديدة ، ثم قال للوزير : دبابة ( بالدال ) فقال له : يا جاهل ، إذا كانت ذبابة تقتلها علي وجهي ؟ فقد سقط عنك القلم ( الهفوات النادرة 271)

ص: 247

11 - قولهم : يا مجنون ، يا فضولي ، يا غبي

الجنون : زوال العقل أو فساده الفضولي: الذي يتدخل فيما لا يعنيه ، والبغداديون يكنون عن الفضولي ، بقولهم : حمص الطبايخ ، لأن الحمص يدخل عندهم في كل لون بطبخ . القبيح : ضد الجميل ، شكلا أو عملا الغبي : الجاهل ، القليل الفطنة .

أخذ سنان بن أنس ، وكانت به لوثة ، رأس الحسين ، ووقف به علي فسطاط عمر بن سعد ، ثم نادي بأعلي صوته :

أوقر ركابي فضة وذهبا***فقد قتلت الملك المحجبا

قتلت خير الناس أما وأبا***وخيرهم إذ ينسبون نسبا

فقال له عمر : يا مجنون ، لو سمعك ابن زياد تقول هذا لضرب عنقك ( الطبري 454/5 )

ولما حصل الاختلاف بين الأمين والمأمون ، كان للمأمون ولدان في بغداد ، ومعهما أمهما أم عيسي إبنة موسي الهادي ، وأراد الأمين أن يولي أسد بن يزيد بن مزيد حرب المأمون ، فقال له أسد : إدفع إلي ولدي عبد الله المأمون ، يكونان في يدي أسيرين ، فقال له محمد : أنت أعرابي مجنون ، أدعوك إلي ولاية أعنة العرب والعجم ، وتدعوني إلي قتل ولدي ؟ ( الطبري 420/8)

وتقلد ابن أبي السلاسل، ماسبذان ومهرجان قذق ، فأخذ أبو عبد الله

ص: 248

الباقطائي صاحب ديوان المشرق ، يوصيه ، كما يوصي أصحاب الدواوين العمال. فقال له ابن أبي السلاسل : كأنك استكثرت علي هذا العمل، وكنت أنت تكتب لأبي العباس بن ثوابة ، ثم صرت صاحب ديوان ، فقال له الباقطائي : يا جاهل ، يا مجنون ، لولا أنه قبيح بي مكافأة مثلك ، لراجعت الوزير في أمرك ، حتي أزيل يدك ، ومن لي بأن أجد مثل ابن ثوابة ، في هذا الوقت ، فاكتب له ، ولا أريد الرئاسة ( الأغاني 68/20)

وتناظر الأشعري ، وأستاذه الجبائي (ت 303) ، ففلج الأشعري ، فقال له الجبائي : أنت مجنون ، فقال : لا ، بل وقف حمار الشيخ في العقبة ( وفيات الأعيان 4 / 268)

قال أبو عباد النمري : لا يكون البنيان قرية حتي ينبح فيه كلب ، ويزقر فيه ديك ، فقال أحمد الخاركي : لاتصير القرية قرية ، حتي يصير فيها حائك ومعلم ، فقال له أبو عباد : يا مجنون ، إذا صارت إلي هذا ، فقد صارت مدينة . ( الحيوان 193/2 )

وقاتل الأمير أسامة بن منقذ، وهو شاب ، أسدأ ، مواجهة ، فصاح به والده : لا تستقبله ، يا مجنون ، فيأخذك ، راجع القصة في كتاب الاعتبار الأسامة 104

وخرج رجل في الليل لحاجة ، فوجد أعمي يحمل سراجا ، فقال له : يا هذا ، أنت أعمي ، والليل والنهار عندك سواء ، فما معني حملك السراج ؟ فقال : يا فضولي ، حملته لأعمي مثلك ، يستضيء به لئلا يعثر بي في الظلمة . ( الأذكياء 150 )

وغضب الرشيد علي أخيه إبراهيم بن المهدي ، فقال له : يا غبي .

وسبب ذلك : إن عبد الله بن صالح ، أهدي إلي الرشيد فواكه في أطباق ، فقرأ الرشيد كتاب عبد الله ، وقال : به الله ووصله ، فقال له

ص: 249

إبراهيم : ما في هذا البر ما يستحق به هذا الدعاء ، فنبذ إليه كتاب عبد الله ، وإذا فيه : دخلت يا أمير المؤمنين ، بستانا لي في داري عمرته بنعمتك ، وقد أينعت فواكهه ، فأخذت من كل شيء ، وصيرته في أطباق قضبان ، ووجهت به إلي أمير المؤمنين ، ليصل إلي من بركة دعائه ، مثل ما وصل إلي من نوافل بره . فقال إبراهيم : ما في الكتاب ما يستحق به هذا الدعاء ، فقال له الرشيد : يا غبي ، أما تري كيف كني بالقضبان عن الخيزران ، إعظاما لأمنا رحمها الله تعالي . ( مروج الذهب 2/ 287 و 288 )

وقال رجل لأحد الخوارج ، وقد قدر إنه يريد الجامع : قد فاتتك صلاة الجمعة ، فقال له : يا أبله ، انما فاتت من أدركها ، ذلك لأن الخارجي پري أن صلاة الجمعة لا تسقط الفرض الذي هو الظهر ، راجع القصة مفصلة في كتاب نشوار المحاضرة للقاضي التنوخي ، تحقيق المؤلف ج - 8 ص 69 رقم القصة 27

ص: 250

12- قولهم : يا لكع

اللكع : هو اللئيم . أو العبد ويقال للأنني : لكاع . وقال الأصحمي : هو العيتي بأمره الذي لا يتجه لمنطق ولا غيره ( الفاخر ص 41) .

تساب عمرو بن سعيد بن العاص، وهو الملقب بالأشدق، وابن المغيرة بن نوفل ، فقال عمرو : علي رسلك يا لكع . ( الأغاني 12 / 222)

وقال أحد أشراف قريش ، لابن سريج المغني : اغرب عني يا لكع .

وتفصيل ذلك : إن ابن سريج المغني - مولي قريش - عاتبه أحد أشراف مواليه علي احترافه الغناء ، وأنكره عليه ، وقال له : لو أقبلت علي غيره من الآداب ، لكان أزين بمواليك وبك ، فقال له ابن سريج : جعلت فداك ، امرأتي طالق ، إن لم تدخل الدار ، فقال الشيخ : ويحك ، ما حملك علي هذا ؟ فقال له أصحابه : إن لم تدخل الدار ، طلقت عليه امرأته ، فدخل وأصحابه معه ، فقال له ابن سريج : امرأتي طالق ، إن لم تسمع غنائي ، فقال له : اغرب عني يا لكع ، وبدر الشيخ ليخرج ، فقال له أصحابه : أتطلق امرأته ، وتحمل وزر ذلك ؟ فأقام الشيخ ، وأندفع ابن سريج فغني : [ الأغاني 303/1 ].

أليست بالتي قالت ***لمولاة لها ظهرا

أشيري بالسلام له ***إذا هو نحونا خطرا

أهذا سحرك النسوا***نقد خبرني الخبرا

فقال الشيخ للجماعة : هذا والله حسن ، ما بالحجاز مثله ولا في غيره .

ص: 251

وقال أعشي همدان ، لامرأة عيرته بالهرم : إليك عني يا لكعاء

وكان الأعشي قد غزا مع خالد بن عتاب ، فلما قدم خالد من مغزاه ، كان الأعشي معه ، فنظرت إليه أم ولد خالد، وقالت : إن امرأة خالد التفاخرني بأبيها وعمها وأخيها، وهل يزيدون أن يكونوا مثل هذا الشيخ المرتعش ، وسمعها الأعشي ، فقال لها : إليك عني يا لكعاء ، راجع القصة في الأغاني 42/6 و 43

وقال أبو عمرو ، لرجل أبدي تعجبه من الأخطل ، وقال : نصراني كافر ، يهجو المسلمين ، فقال له أبو عمرو : يا لكع ، لقد كان الأخطل يجيء ، وعليه جبة خز، وحرز خز، في عنقه سلسلة ذهب فيها صليب ذهب ، تنفض لحيته خمرة ، حتي يدخل علي عبد الملك بن مروان بغير إذن ( الأغاني 8/ 299 ).

وشتمت أم البنين بنت عبد العزيز بن مروان، زوجة الوليد بن عبد الملك ، الحجاج بن يوسف الثقفي ، وقالت له : يالكع، في قصة طريفة خلاصتها : إن الحجاج بن يوسف الثقفي ، وفد علي الوليد بن عبد الملك في خلافته ، فوجده في بعض نزهه ، فاستقبله ، فلما رآه ترجل له ، وقبل يده ، وجعل يمشي وعليه درع وكنانة وقوس عربية ، فقال له الوليد : اركب يا أبا محمد ، فقال : يا أمير المؤمنين ، دعني استكثر من الجهاد في خدمتك ، فإن ابن الزبير وابن الأشعث شغلاني عنه ، فعزم عليه الوليد حتي ركب ، ودخل الوليد قصره ، فتغلل في غلالة ، ثم أذن للحجاج ، فدخل في حاله تلك ، وأطال الجلوس عنده ، فجاءت جارية فسارته وانصرفت ، فقال الوليد للحجاج : أتدري ما هذا يا أبا محمد ؟ قال : لا والله ، قال : بعثت إلي ابنة عمي أم البنين ، تقول : ما مجالستك هذا الاعرابي المستلئم في السلاح وأنت في غلالة ، فأرسلت إليها: أنه الحجاج ، فراعها ذلك وقالت : والله ، ما أحب أن

ص: 252

يخلو بك وقد قتل الخلق ، فقال الحجاج : يا أمير المؤمنين دع عنك مفاكهة النساء بزخرف القول ، فإن المرأة ريحانة ، وليست بقهرمانة ، ثم نهض الحجاج ، فخرج ، ودخل الوليد علي أم البنين ، فأخبرها بمقالة الحجاج ، فقالت : أحب أن تأمره غدأ بالتسليم علي ، قال : أفعل ، فلما غدا الحجاج علي الوليد ، قال له : يا أبا محمد، مر إلي أم البنين فسلم عليها ، فقال : اعفني يا أمير المؤمنين من ذلك ، قال : لا بد منه ، فمضي الحجاج إليها ، فحجبته طويلا ، ثم أذنت له وتركته قائما ، ولم تأذن له بالجلوس ، ثم قالت له : ايه يا حجاج ، أنت الممتن علي أمير المؤمنين بقتل ابن الزبير وابن الأشعث ، أما والله ، لولا أن الله علم أنك شر خلقه ، ما ابتلاك برمي الكعبة ، وقتل ابن ذات النطاقين ، واما ابن الأشعث ، فقد- والله - والي عليك الهزائم ، حتي لذت بأمير المؤمنين عبد الملك ، فأغاثك بأهل الشام ، وأنت في أضيق من القرن ، فأظلتك رماحهم ، ولطالما نفض نساء أمير المؤمنين المسك عن غدائرهن، وبعنه في الأسواق ، حتي أخرج في أزراق البعوث اليك ، ولولا ذلك لكنت أذل من البقة ، واما ما أشرت به علي أمير المؤمنين ، من الامتناع عن مفاكهة نسائه ، فإن كن ينفرجن عن مثل أمير المؤمنين ، فغير مجيبك إلي ذلك ، وان كن يتفرجن عن مثل ما انفرجت به أمك عنك، من ضعف الغريزة ، وقبح المنظر في الخلق والخلق ، با لكع ، فما أحقه أن يقتدي بقولك ، قاتل الله الذي يقول ، وقد نظر اليك ، وسنان غزالة بين كتفيك :

أسد علي وفي الحروب نعامة ***ربداء تقرع من صفير الصافر

هلا برزت إلي غزالة في الوغي ***بل كان قلبك في جناحي طائر

ثم قالت لجواريها : أخرجنه عني ، فأخرجنه ، فلما دخل علي الوليد ، قال له : ما الذي كنت فيه يا أبا محمد ؟ فقال له : والله يا أمير المؤمنين ، ما سكتت عني ، حتي كان بطن الأرض أحب إلي من ظهرها ، فضحك الوليد

ص: 253

حتي فحص برجليه ، ثم قال : يا أبا محمد انها ابنة عبد العزيز ( الأذكياء 212 و 213 ، ووفيات الأعيان 44/2 و 45 وشرح نهج البلاغة 107/6 و 108 والعقد الفريد43/5 و 44 )

وقال الحسن البصري ، لرجل ذكر أمامه عليا : يا لكع وتفصيل ذلك : إن رجلا ذكر علي أمام الحسن البصري ، فقال له الحسن : يا لكع ، أما والله ، لقد فقدتموه سهما من مرامي الله ، غير سؤ وم الأمر الله ، ولا سروقة لمال الله ، أعطي القرآن عزائمه فيما عليه وله، فأحل حلاله ، وحرم حرامه ، حتي أورده ذلك، رياضأ مونقة ، وحدائق مغدقة ، ذلك علي بن أبي طالب يا لكع ( البيان والتبيين 101/2 )

وقال الحسن البصري لفرقد بن يعقوب : بلغني أنك لا تأكل الفالوذج ، فقال : يا أبا سعيد ، أخاف ألا أؤدي شكره .

قال الحسن : يا لكع ، هل تقدر أن تؤدي شكر الماء البارد الذي تشربه ؟ ( وفيات الأعيان 71/2 )

ونظرت الجمانة بنت المهاجر بن خالد بن الوليد، إلي عبد الله بن الزبير ، وهو يرقي المنبر ، يخطب بالناس في يوم جمعة ، فقالت : يا نقار انقر يا نقار ، استهانة به .

فبلغه كلامها ، فأحضرها، وقال لها : ما الذي بلغني عنك يا الكاع ؟

قالت : الحق أبلغت .

قال : فما حملك علي ذلك .

قالت : لا تعدم الحسناء ذاتها ( بلاغات النساء 45 و 46 )

ص: 254

ب - المعايرة بالصفات العارضة

1- قولهم : يا فاجرة

والفجور : في الأصل الانحراف ، والعدول . يقال : فجر عن الحق ، إذا عدل عنه . صرفت إلي ارتكاب المعاصي ، فيقال لمن انقاد للمعاصي ، علي اختلاف أنواعها : فاجر .

شتم عمرو بن صبيح ، المختار وأصحابه في مجلسه ، فقال لهم : يا معشر الكفرة الفجرة . إنكم شرار خلق الله .

وسبب ذلك : إن عمرو بن صبيح، ممن اشترك في محاربة الحسين وأصحابه في موقعة الطف ، وأصاب سلب العباس أخي الحسين ، ورمي الحسين بسهم ، فبعث إليه المختار من أخذه ، وأحضره إلي مجلسه مقيدة ، فقال : أما والله يا معشر الكفرة الفجرة ، لو أن سيفي بيدي لعلمتم أني بنصل السيف غير رعش ولا رعديد ، وما يسرني أن كانت ميتي قتلا، أنه قتلني من الخلق أحد غيركم ، لقد علمت أنكم شرار خلق الله ، ثم رفع يده فلطم عين ابن كامل ، أحد قواد المختار ، فضحك ابن كامل ، وأمسك بيده ، وقال : إن هذا يزعم إنه جرح في آل محمد وطعن ، فأمر به المختار فقتل قعصا بالرماح ( الطبري 6/ 64 و 65)

وخطب الحجاج بن يوسف الثقفي، فذكر الموت والأخرة والحساب والعقاب ، فقال الحسن البصري : ألا تعجبون من هذا الفاجر ، برقي

ص: 255

عتبات المنبر فيتكلم بكلام الأنبياء ، وينزل فيفتك فتك الجبارين ، يوافق الله في قوله ، ويخالفه في فعله ( شرح نهج البلاغة 103/2 ) .

ولما أقام هرثمة بن أعين ، في السنة 191 علي بن عيسي عامل خراسان المعزول للناس ، جاء أحد المتظلمين وقال لهرثمة : أصلح الله الأمير ، إن هذا الفاجر أخذ مني دره ثمينة لم يملك مثلها أحد. ( الطبري 332/8)

ولما اعتقل أحمد بن إسرائيل، في السنة 200 ، تقلد الحسن الدوشابي مناظرته ، فقال له : يا فاجر ، تظن أن الله يمهلك، وأنت السبب في الفتن ؟ ( الطبري 396/9)

ولما عزل الموقق ، سليمان بن وهب وولده ، عن وزارته ، واستوزر صاعد بن مخلد ، كان صاعد يحضرهما للمطالبة ، فكان يخرج سليمان وهو بطيلسان وخف ومبطنة ، أما عبيد الله فيخرج حافيا ، مكشوف الرأس ، علي أذل صورة ، وضرب مرة عبيد الله ، بحضرة أبيه ، وسليمان يستعطفه فلا يلتفت ، فلما زاد الأمر قال له سليمان : يا كافر ، يا فاجر ، أما تستحي ؟ إنا آصطنعناك ، وأقعدناك هذا المقعد، تضربه بين يدي ؟ سبة عليك ، فاستحيا ، وأمر بقطع الضرب ، وواضع الموفق علي أن يكون الضرب بحضرته ، وبأيدي غلمانه ، وفي داره ( نشوار المحاضرة ج 104/8 رقم القصة 47 )

ولما عزل الوزير بن الفرات ، عن وزارته الأولي ، نيطت مناظرته برجل شرير ، هو أبو الهيثم العباس بن محمد بن ثوابة ، وحضرت عذابه أم موسي القهرمانة، فاستغاث ابن الفرات من العذاب ، فقالت له أم موسي : يا فاجر ، قد صح عندنا أنك أردت إخراج هذا الأمر من ولد العباس إلي ولد أبي طالب ( تجارب الأمم 1 / 88 و 89 الحاشية)

ص: 256

2- قولهم : يا فاسق الفسق :

الخروج عن طريق الحق والصواب . الفاسق : الخارج عن الطاعة إلي ركوب المعصية ، أو عن الإيمان إلي الكفر ، أخذ من فسقت الرطبة ، إذا خرجت من قشرها ، وقال قوم : الفاسق : الجائر ، واحتجوا بقوله تعالي و إلا إبليس كان من الجن ، ففسق عن أمر ربه ) ( شرح المقامات الحريرية 59/1 ) .

وكان أبو عامر عبد عمرو بن صيفي بن مالك ، من رؤساء الأوس بالمدينة ، أبي أن يسلم ، وترك المدينة مباعدا لرسول الله صلوات الله عليه ، وأقام بمكة ، ومعه خمسون غلاما من الأوس ، وكان يعد قريشأ أن لولقي محمد ، لم يختلف عليه من الأوس رجلان ، فلما كانت وقعة أحد ، برز أبو عامر ونادي : يا معشر الأوس ، أنا أبو عامر ، فقالوا : فلا أنعم الله بك عينا يا فاسق ، فلما سمع ردهم عليه بهت ، وقال : لقد أصاب قومي بعدي شر ( الطبري 511/2 و512)

: أما والله يا فاسق ما

وقال عمرو بن بكر الخارجي ، لعمرو بن العاص : أما والله يا فاسق ما ظننته غيرك .

وذلك إن ثلاثة من الخوارج ، اتفقوا علي قتل الإمام علي ، ومعاوية ، وعمرو بن العاص ، فقتل عبد الرحمن بن ملجم الإمام علي ، وضرب البرك بن عبد الله ، معاوية ، فأخطأه ، فقتله معاوية ، وأما الثالث وهو عمرو بن بكر،

ص: 257

فإنه رأي خارجة بن حذاقة ، صاحب شرطة عمرو يصلي بالناس ، فحسبه عمرة ، وكان عمرو قد اشتكي فأناب عنه خارجة في الصلاة ، فضرب خارجة بالسيف فقتله ، فأخذ إلي عمرو ، ولما رآهم يسلمون عليه بالإمرة ، قال : من هذا ؟ قالو : الأمير عمرو ، قال : فمن قتلت ؟ قالوا : خارجة بن حذافة صاحب الشرطة ، فقال له : أما والله يا فاسق ما ظننته غيرك ، فقال له عمرو : أردتني ، وأراد الله خارجة ، ثم قتله ( الطبري 149/5)

وشتم معاوية بن خديج السكوني المصري ، عبد الرحمن بن عبيد الله الثقفي ، ابن أخت معاوية ، فقال : هذا الفاسق .

وتفصيل ذلك : إن معاوية بن أبي سفيان ، ولي في السنة 58 عبد الرحمن بن عبيد الله الثقفي ، ابن اخته أم الحكم بنت أبي سفيان ، الكوفة ، فأساء السيرة فيهم ، فطرده أهل الكوفة ، فلحق بخاله معاوية ، فقال له : أوليك خيرا منها ، وولاه مصر ، فتوجه إليها ، وبلغ خبره معاوية بن خديج السكوني ، فخرج ، فاستقبله علي مرحلتين من مصر ، وقال له : ارجع إلي خالك ، فلعمري لا تسير فينا سيرتك في إخواننا من أهل الكوفة ، فرجع إلي معاوية ، وأقبل معاوية بن خديج ، وافد، فدخل علي معاوية ، وعنده أم الحكم أخته ، فقالت : من هذا يا أمير المؤمنين ؟ فقال : بخ، هذا معاوية بن خديج ، فقالت : تسمع بالمعيدي خير من أن تراه ، فقال لها : علي رسلك يا أم الحكم ، أما والله لقد تزوجت فما أكرمت ، وولدت فما أنجبت ، أردت أن يلي إبنك الفاسق علينا ، فيسير فينا كما سار في إخواننا من أهل الكوفة ، ما كان الله ليريه ذلك ، ولو فعل ذلك لضربناه ضربا يطاطيء منه ، وان كره ذلك الجالس (يريد معاوية ) ، فالتفت معاوية إلي أخته أم الحكم ، وقال لها : كفي . ( الطبري 311/5 و 312)

وفي السنة 65 قصد الخوارج البصرة ، فصدهم المهلب بن أبي

ص: 258

صفرة ، وراموا من جيش المهلب غرة ، فلم يظفروا ، فلما ذهبوا ليرجعوا ، ناداهم عبيد الله بن زياد بن ظبيان : يا أهل النار ، آنها مأواكم ومثواكم ، فقالوا له : يا فاسق . إنما تدخر النار لك ولأشباهك ، إنها أعدت للكافرين ، فقال لهم: كل مملوك لي حر، أن دخلتم أنتم الجنة ، إن بقي مجوسي ينكح أمه ، أو ابنته ، أو أخته ، إلا دخلها ، فقال له عبيدة بن هلال من متألهي الخوارج : اسكت يا فاسق ، انما أنت عبد الجبار العنيد، ووزير للظالم الكفور ، فقال له : يا فاسق ، أنت عدوا المؤمن المتقي ، ووزير للشيطان الرجيم ( الطبري 617/5 و 618)

وتكلم حماد الراوية ، ففضل الأخطل علي جرير والفرزدق ، والفرزدق حاضر ، فقال لحماد : انما تفضله لأنه فاسق مثلك ، فقال : لو فضلته بالفسق لفضلتك ( الأغاني 287/8 )

وكان عمر بن عبد العزيز في مجلس سليمان بن عبد الملك ، فأتي بحروري ، فقال له سليمان : ماذا تقول ؟ فقال : ما أقول يا فاسق يا ابن الفاسق ، فقال سليمان العمر ، ما تري يا أبا حفص ؟ فسكت ، فقال له سليمان : أقسمت عليك لتخبرني ماذا تري فيه ، قال : أري أن تشتمه كما شتمك ، وتشتم أباه كما شتم أباك ، فقال سليمان : ليس إلا ؟ قال ليس إلا ، فأمر سليمان بالحروري فضربت عنقه ( شرح نهج البلاغة 18 / 144)

وفي السنة 102 لما ولي سعيد خدينة ، خراسان ، رفع إليه أن جهم بن زحر الجعفي وآخرون ، كانوا ولوا ولايات أيام يزيد بن المهلب ، وفي ذمتهم أموال اختانوها من فيء المسلمين ، فأرسل إليهم ، فحبسهم في نهندز مرو، ثم أمر باحضار جهم بن زحر ، فحمل علي حمار ، فلما مروا به علي الفيض بن عمران ، قام إليه فوجأ أنفه ، فقال له جهم : يا فاسق ، هلا فعلت هذا يوم أتوني بك سكران ، قد شربت الخمر ، فضربتك حد ، فغضب سعيد

ص: 259

علي جهم ، وضربه مائتي سوط ، ثم بسط عليه العذاب ، فقتله ( الطبري 606/6 )

وقالت سعدي بنت عبد الرحمن بن عوف ، لعمر بن أبي ربيعة : أخزاك الله يا فاسق .

وسبب ذلك : إن عمر بن أبي ربيعة ، ذكرها في شعره ، ولما أنشدها قوله :

أشعيذ ما ماء الفرات وطيبه***مني علي ظمأ وحب شراب

بألذ منك ، وإن نأيت ، وقلما***ترعي النساء أمانة الغياب

قالت له : أخزاك الله يا فاسق . ( اعلام النساء 2/ 192)

وشبب عمر بن أبي ربيعة بعائشة بنت طلحة، فقالت له: يا فاسق (و اعلام النساء 152/151/3).

ووقعت في السنة 127 معركة بين منصور بن جمهور ، من قواد الجيش الأموي بالكوفة ، وبين جماعة الضحاك بن قيس الخارج بالكوفة ، فاقبلت امرأة من الخوارج ، شادة ، حتي أخذت بلجام منصور بن جمهور ، وقالت له : يا فاسق ، أجب أمير المؤمنين - تريد الضحاك بن قيس - فضرب عنان دابته بالسيف ، فقطعه في يدها ونجا . ( الطبري 7 / 322)

وفي السنة 127 حارب سليمان بن هشام ، مروان بن محمد ، وانكسر سليمان فأمر مروان بقتل الأسري ، وجيء إليه بخالد بن هشام المخزومي ، من أخوال هشام بن عبد الملك ، فقال له مروان : يا فاسق ، أما كان لك في خمر المدينة وقيانها ما يكفك عن الخروج مع الخراء تقاتلني ، ثم قتله . ( الطبري 325/7 )

وشتمت النوار ، زوجها الفرزدق ، وقالت له : والله لأخزينك يا فاسق . وسبب ذلك : إن النوار ، خاصمت الفرزدق مرة ، وأخذت بلحيته ، فخرج، وأراد أن يغيضها، فقال شعرأ فضل فيه زوجته البدوية حوراء بنت زيق

ص: 260

الشيباني علي النوار الحضرية ، فقال :

العمري لأعرابية في مظلة***تظل بروقي بيتها الريح تخفق

أحب الينا من ضفا ضفنة***إذا وضعت عنها المراوح تعرق

فلما سمعت النوار ذلك ، قالت للفرزدق : يا فاسق ، والله لأخزينك . ( الأغاني 21 / 297 و 298 )

وشتمت النوار ، زوجها الفرزدق ، مرة أخري ، فقالت له : يا عدو الله ، يا فاسق .

وسبب ذلك : إن الفرزدق ، راود امرأة شريفة ، فامتنعت عليه ، فتهددها بالهجاء ، فشكت حالها إلي النوار ، فقالت لها : واعديه ليلة ، فواعدته ، وحلت النوار محلها في الموعد ، ولما جاء الفرزدق ، وكان الظلام سائدة ، وقع علي النوار ، وهو يحسب أنها صاحبة الدار فلما فرغ ، صاحت النوار : يا عدو الله ، يا فاسق ، فأحس بأنه قد خدع ، فقال لها : وأنت هي ؟ يا سبحان الله ، ما أطيبك حراما ، وأبردك حلالأ ( شرح مقامات الحريري للشريشي 143/1 )

وشتمت عزة ، كثيرة الشاعر ، فقالت له : أغدر، يا فاسق ؟

وسبب ذلك : إن كثيرا نظر إلي عزة ، وهي متنقبة ، فلم يعرفها ، وتبعها ، وغازلها ، فقالت له : وهل تركت فيك عزة بقية لأحد ؟ فقال لها : إن عزة لو كانت أمه لوهبتها لك، فسفرت عن وجهها، وقالت له : أغدرا با فاسق ؟ فأبلس وبهت ، ولم ينطق . ( الأغاني 9/ 32)

وكان جرير ، إذا ذكر الفرزدق ، سماه : الفاسق . ( الأغاني 356/21)

وقال أشعب ، لحبي المدينة : يا فاسقة .

وسبب ذلك : إن أشعب سمع حتي المدينية، تدعو ، وتقول : اللهم لا

ص: 261

تمتني حتي تغفر لي ذنوبي ، فقال لها : يا فاسقة، أنت لم تسألي الله المغفرة ، إنما سألته عمر الأبد ، يريد أن ذنوبها من الكثرة ، بحيث لا تطمع في أن يغفر الله لها ( الأغاني 154/19)

أقول : حتي المدينية ، هي صاحبة القصة التي ناقضت فيها قصة ذات النحيين .

أما قصة ذات النحيين ، فهي ان خوات بن جبير الأنصاري ، جاء إلي امرأة تبيع سمنأ ، فساومها ، فحلت نحيا ، فنظر إليه ، ثم أعاده إليها ، وأمرها بأمساكه حتي ينظر إلي غيره ، وحل نحيا آخر ، ثم سلمه إليها ، فشغل كلتي يديها ، وعند ذاك ، ساورها ، فلم تقدر علي دفعه ، حتي قضي ما أراد وهرب ( مجمع الأمثال للميداني 376/1 )

أما قصة حبي ، فإنها جاءت إلي بائع سمن بالمدينة ، فحل لها نحيا ، فنظرت فيه ، وأعادته إلي البائع ، ثم حلت نحيا آخر ، وسلمته الي البائع ، فشغل كلتي يديه ، وعند ذاك ، استدبرته حبي ، وأخذت تركل مؤخرته ، بقدمها ، وتصيح : يا ثارات ذات النحيين .

وشتم فتي من أهل المدينة ، ابن ابي عتيق ، وأصحابه ، فقال لهم : يا فساق ، ما يجلسكم ها هنا ؟

وسبب ذلك : إن فتي من أهل المدينة ، تعشق جارية من جواري ابن أبي عتيق ، وأخذ يتعرض لها ، فأخبرت سيدها بذلك ، فأمرها بأن تضرب له موعدأ ، وأن تدخله إلي الدار ، وجلس ابن أبي عتيق ، ومعه جماعة من أصحابه ، ومعهم عزة الميلاء المغنية ، وجاء الفتي ، فأدخلته الجارية سرا ، فلما استقرا في الحجرة ، دخل عليهما ابن أبي عتيق وأصحابه ، فتحير الفتي، وقال لهم : يا فساق ، ما يجلسكم هنا مع هذه المغنية ؟ فضحك ابن أبي عتيق ، وقال له : استر علينا ، ستر الله عليك ( الأغاني 157/12)

ص: 262

واستأذن حاجب المهدي . لمروان بن أبي جمصة لشاعر ، فقال المهدي : لا تأذن له ، فإنه منافق كذاب ، فكلمه الحسن بن قحطبة ، فأذن له ، فقال له المهدي : يا فاسق ألست القائل في معن :

جبل تلوذ به نزار كلها صعب الذري متمنع الأركان

فقال : بل أنا الذي أقول فيك يا أمير المؤمنين :

يا ابن الذي ورث النبي محمدأ***دون الأقارب من ذوي الأرحام

يشير إلي تقديمه علي أبناء فاطمة ، فرضي عنه وأجازه ( مروج الذهب 255/2 )

ودخل القاضي شريك علي المهدي العباسي ، فسلم عليه ، فقال له : لا سلم الله عليك ، يا فاسق ، راجع القصة في كتاب الفرج بعد الشدة للقاضي التنوخي ، رقم القصة 392 ج 4 ص 87 و 88.

وقال المهدي العباسي للحسين مطير : كذبت يا فاسق .

دخل الحسين بن مطير علي المهدي فأنشده قوله :

لو يعبد الناس يا مهدي أفضلهم***ما كان في الناس إلا أنت معبود

أضحت يمينك من جود مصورة***لا بل يمينك منها صور الجود

فقال له : كذبت يا فاسق ، وهل تركت في شعرك موضعأ لأحد، بعد قولك في معن بن زائدة :

ألما علي معن وقولا لقبره ***سقيت الغوادي مربعا ثم مربعا

أخرجوه عني ، فأخرجوه [ الأغاني 23/16 ]

أقول : أشار المهدي إلي قصيدة من عيون الشعر، رثي بها الحسين بن مطير معن بن زائدة الشيباني منها : [ الأغاني 24/16]

ألما علي معن وقولا لقبره ***سقتك الغوادي مربعا ثم مربعا

فيا قبر معن أنت أول حفرة***من الأرض خطت للسماحة مضجعا

ص: 263

ويا قبر معن كيف واريت جوده***وقد كان منه البر والبحر مترعا

بلي قد وسعت الجود والجود ميت***ولو كان حيا ضقت حتي تصدعا

فتي عيش في معروفه بعد موته***كما كان بعد السيل مجراه مرتعا

ولما مضي معن مضي الجود وانقضي***وأصبح عرنين المكارم أجدعا

وفي السنة 201 ضعفت سلطة الحكومة ببغداد ، في عهد إبراهيم بن المهدي ، وتسلط الفساق والشطار علي البلد ، فنهض سهل بن س لامة الأنصاري ، ودعا إلي الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ، فأعانه الناس ، وكفوا الشطار والفساق عن الظلم ، وكان سهل يخطب فيشتم حكام بغداد ، ويسميهم : الفساق ، فأخذه إبراهيم بن المهدي ، وحبسه بالمدائن سنة كاملة ( الطبري 551/8 - 564)

ولما تحرك الافريقي وابن عائشة ، علي المأمون، وهما في السجن ، خرج المأمون ليلا ، وبعث فأخرج إبراهيم بن المهدي ، وكان محبوسا في دار أحمد بن أبي خالد الأحول، وزير المأمون ، وقال له : يا فاسق ، ألم يكن لك في السابق القديم من فعلك ، كفاية تحولك عما كان منك في هذه الليلة ، راجع القصة مفضلة في كتاب الفرج بعد الشدة للقاضي التنوخي ، تحقيق المؤلف ، رقم القصة 347 ج 3 ص 329 - 332.

ص: 264

3. قولهم : يا جلف

الجلف : في الأصل ، جلد الشاة والبعير ، ثم اعتبرت الكلمة ، كلمة شتم ، لأنها تعني أن المشنوم في جفائه كجلد الشاة أو البعير ( الفاخر 80) ، وبذلك أصبحت كلمة

الجلف ، تعني الغليظ الجاني .

شتم الحجاج الثقفي ، قطري بن الفجاءة ، فقال له : أنت أعرابي جلف أمي .

وتفصيل القصة : إن الحجاج كتب إلي قطري ، كتابا ، قال له فيه : إنك مرقت من الدين مروق السهم من الرمية ، ذاك إنك عاص لله ، ولولاة أمره ، غير انك أعرابي ، جلف ، أمي ، تستطعم الكسرة ، وتستشفي بالتمرة ، خرجت لتنال شبعة ، فلحق بك طغام صلوا بمثل ما صليت به من العيش .

فأجابه قطري : كتبت إلي ، تذكر أني أعرابي جلف أمي ، استطعم الكسرة ، وأستشفي بالتمرة ، ولعمري يا ابن أم الحجاج ، إنك لمتيه في جبلتك ، مطلخم في طريقتك ، واو في وثيقتك ، لا تعرف الله ، ولا تجزع من خطيئتك ، فالشيطان قرينك ، فالحمد لله الذي لو شاء أبرز لي صفحتك ، وأوضح لي صلعتك ، لتعلم أن مقارعة الأبطال ، ليس كتصدير المقال ( البيان والتبيين 225/5 و 226)

وقال محمد بن نافع لداود القيرواني ، كاتب إبراهيم بن الأغلب ، أمير إفريقية للرشيد : إنما أنت صاحب قلم .

فقال له داود : أنا أقتل بقلمي جلفا مثلك ( إعتاب الكتاب 107)

ص: 265

وغضب الراضي ، علي الأمير جعفر بن ورقاء ، فقال له : با اعرابي ، يا جلف ، أردت أن تري الناس أنك أكرم مني ؟.

وخلاصة القصة : إن الراضي لما عزل وزيره عبد الرحمن بن عيسي ، أخا الوزير علي بن عيسي ، صادره علي مائة ألف دينار ، فكتب الوزير أبو جعفر الكرخي تقسيطأ، بدأ فيه بنفسه، ودخل إليه الأمير جعفر بن ورقاء، فسلم إليه الدرج ليكتب فيه مقدار ما يرغب في معونة عبد الرحمن به ، فكتب بضمان المبلغ بكامله ، مائة ألف دينار ، وأنفذ الرقعة ، فلما رأي الراضي الرقعة ، اغتاظ ، وقال : يا أعرابي ، با جلف ، أردت أن تري الناس أنك أكرم مني ، وخرق الرقعة ، وترك مطالبة الوزير المنتظم 266/6 ).

وروي الوزير أبو بكر بن زهر ، أنه كان يوما في دهليز دارهم ، فدخل عليه رجل بذ الهيأة ، فازدراه ، ثم ظهر له من علمه ما دفعه إلي احترامه ، وكان يسأل عن والد أبي بكر، فدخل إلي أبيه، وأخبره، فخرج إليه راكضأ، واعتذر إليه ، وقال له : يا مولاي ، اعذرني ، فوالله ، ما أعلمني هذا الجلف إلا الساعة . ثم عرف ان الرجل البد هو أديب الأندلس وعالمها عبد المجيد بن عبدون ( المعجب للمراكشي )

ص: 266

4- قولهم : يا سفلة

السفلة : السقط والغوغاء

وذكر الأصمعي إنه شاهد كناسا خرج يحمل جرة من حش ( مرحاض ) وهو يقول :

وأكرم نفسي إني إن أهنتها***وحقك لم تكرم علي أحد بعدي

فقال له : تكرمها بمثل هذا ؟ قال : نعم ، واستغني عن سفلة مثلك ( الأذكياء 134 و 135 )

وفي ليلة مقتل المتوكل ، في السنة 247 كان أبو أحمد ابن المتوكل في مجلس المتوكل ، ولما دخل المتآمرون ، صاح بهم أبو أحمد : ما هذا يا سفل ؟ ( الطبري 9/ 227)

وحدث في أيام المقتدر ، أن إحدي قهرماناته ، أحبت شابا تاجرأ ، فزوجتها به السيدة أم المقتدر ، وأعرس بها في إحدي الدور التابعة لدار الخلافة ، وفي ليلة العرس ، تأخر عليه قدومها ، وجاع، فأكل مضيرة ، ولم يغسل يده ، فلما قدمت ، تقدم منها فشمت من يده رائحة المضيرة ، فرفسته ، ورمت به عن المنصة ، وقالت له : أنكرت أن تفلح ، يا عامي ، يا سفلة ، راجع القصة، وهي قصة من ألطف القصص، في كتاب نشوار المحاضرة للقاضي التنوخي ، تحقيق المؤلف ج 4 ص 177 -190 رقم القصة 88.

وفي السنة 320 لما وقعت المعركة بباب الشماسية ( الصليخ ) بين

ص: 267

مؤنس والمقتدر ، هجم قوم من المغاربة والبربر ، بإشارة من علي بن يلبق ، علي المقتدر ، فقال لهم : ويحكم أنا الخليفة ، فقالوا له : قد عرفناك يا سفلة ، أنت خليفة إبليس ، وقتلوه ( ابن الأثير 242/8)

وشتمت منداة ، جارية قهرمانة ابن مقلة ، الكاتب الديلمي ، أبا الحسن القمي ، فقالت له : أنا أعلم أنك سفلة ، بلا عهد .

وسبب ذلك : إن أبا الحسن القمي ، الديلمي ، كان أعجميا لا يحسن العربية ، وكان يتعشق منداة جارية قهرمانة ابن مقلة ، وهي صبيحة الوجه ، طيبة الغناء ، وكان مما يقترحه عليها من الأصوات :

أيا راهبي نجران ما فعلت هند***أقامت علي عهدي ، وأني لها عهد

فأراد يوما أن تغنيه له ، فقال لها: يا ستي غني لي ذاك سوت ( صوت ):

أيا راهبي نجران ما فعلت هندي***أقامت بلا عهد وإني بلا عهد

فضحكت ، وقالت له : أعلم أنك سفلة بلا عهد ( نشوار المحاضرة رقم القصة 131/7 ج 7 ص 226-227)

وشتم مخنث ، آخر ، فقال له : يا سفل السفل ، يا طاعون ، با ملمع ، يا أوحش من هول المطلع ، با زحير الحاج ، يا خرا الأعلاج ، يا مصاص الأوداج ، رأيت في بطنك ألف خراج ( البصائر والذخائر 120/1/3 )

وفي عهد السلطان مراد الثالث العثماني (ت 1003)، كان حسن باشا والي أرزن الروم ، وكان فرهاد باشا سر دارة علي العساكر العثمانية لغزاة العجم ، وبني فرهاد باشا بعض القلاع، فأعترض حسن باشا علي المبالغ المصروفة ، وذكر أنها مبالغ فيها ، فجري عتاب ، أدي إلي نزاع، فقال فرهاد

ص: 268

باشا ، لحسن باشا : أنت صبي ، خارج عن الأسلوب ، فأجابه حسن باشا : أنت أسود الوجه ، سفلة ، كذوب ( تراجم الأعيان 141/2 )

ص: 269

5. قولهم : يا شقي

الشفاء : الشدة والعسر ، وضده السعادة . والشقي كلمة شتم .

كان ابن عياش ، أبرص ، وكان أحد آل أبي معيط ماجنا شريب خمر ، فاجتمعا علي باب ابن هبيرة أمير العراق ، وقد أمر بصلب بيان التبان ، وهو أول من قال بخلق القرآن ، فسأل المعيطي ابن عياش : ما وقوفك هنا يا أبا الجراح ؟ قال : انظر إلي هذا الشقي الذي يزعم أنه نبي ، فقال : وما أتي به في نبونه ؟ فقال : وهو يعرض به - إنه قال بتحليل الخمر والزنا ، فقال : لا يقبل منه ذلك حتي يبريء الأكمه والأبرص .

وقال الغريض المغني ، لمعبد : با شقي البخت .

وخلاصة القصة : ان معبد المغني خرج إلي مكة يريد لقاء الغريض ، وطرق عليه بابه فلم يجبه أحد ، فغني ببابه صوتا ، فصاح به الغريض من داخل الدار : يا معبد المغني ، افهم وتلق عني شعر جميل الذي تغني فيه ، يا شقي البخت ، ثم غناه بأبيات جميل التي فيها : [ الأغاني 385/2 -387]

يقولون جاهد يا جميل بغزوة***وأي جهاد غيرهن أريد

لكل حديث عندهن بشاشة ***وكل قتيل بينهن شهيد

ص: 270

6- قولهم : با شيطان الشطن : الأبعاد وإنما سمي الشيطان ، شيطانة ، لبعده عن الخير والحق . ولذلك فإن كل عات متمرد يسمي : شيطانا

وقف علي الشبلي ، وهو في جامع المنصور ، غلام لم يكن ببغداد ، في ذلك الوقت أحسن وجها منه ، فقال له : تنح ، فلم يبرح ، فقال له : تنح يا شيطان عنا ، فلم يبرح ، فقال له الثالثة : تنت ، وإلا خرقت كل ما عليك ، راجع القصة في كتاب نشوار المحاضرة للتنوخي ، رقم القصة 7/ 30 ج 7 ص 48 و 49.

وكان محمد بن مطروح الأعرج ، صاحب الصلاة ، أي إمام الجامع ، وكان قومس الكاتب يصلي خلفه ، فإذا حضرت الصلاة ، ولم يحضر قومس ، قال الأعرج لبعض القومة : أنت يا شيطان ، قل لهؤلاء الكلاب ، لا يقيموا الصلاة ، حتي يحضر هذا الخنزير ، فكان بره في حبس الصلاة عليه ، برأ العقوق خير منه ( العقد الفريد 6 / 435 )

ص: 271

7- قولهم : يا فاعل ، يا صانع

با فاعل يا صانع : كلمة تقال للشتيمة تعني : يا صاحب الأعمال الرديئة

وشتم المتوكل ، وزيره عبيد الله بن يحي بن خاقان ، فقال له : يا فاعل يا صانع ( كناية عن ألفاظ الشتم ) . للتفصيل راجع نشوار المحاضرة للتنوخي ج 2 ص 15 رقم القصة 2/2

وقال الوزير المهلبي أبو محمد، وزير الدولة ، لإبراهيم بن هلال الصابي : يا فاعل ، يا صانع

وسبب ذلك : كان الوزير المهلبي ، يبسط أصحابه في المزاح ، في وقت الخلوة إلي أبعد غاية ، فإذا جلس للعمل، كان وقورأ ، مهيبا ، واتفق أن صعد يومأ من طياره إلي داره ، ومعه إبراهيم بن هلال الصابي، وكان قد حقنه البول وهو يشكو من سلس البول ، فقصد أحد الأخلية ، فوجده مقفلا ، وكذلك كانت عادته في أخلية داره ، صيانة لها عن الإبتذال، فالي أن يدعو الفراش، ويحضر ، قال : متنادرا علي نفسه :

فهبك طعامك أستوثقت منه***فما بال الكنيف عليه قفل

قال إبراهيم فقلت : لعمري انه موضع عجب ، وإذا وقع الاحتياط في الأصل ، فقد استغني عنه في الفرع، فضحك ، وقال : أوسعتنا هجاء ، فقلت : وجدت مقا؟ فقلت ، فقال لي : أسكت ، با فاعل ، يا صانع ( معجم الأدباء 191/3 )

ص: 272

وتخاصم رجلان فازري أحدهما علي الآخر ، فبينما هو كذلك ، إذ ضرط من شدة غضبه وهيجانه ، فقال : وهذا أيضا في لحيتك ، يا فاعل ، با صانع ( البصائر والذخائر 4/ 179)

ص: 273

8 - قولهم يا لئيم

اللؤم : المهانة ودناءة الأصل وشحة النفس

وفي السنة 66 حصر عبد الله بن خازم ، أمير خراسان ، بني تميم في قصر فرتني بخراسان ، يطالبهم بدم ولده محمد الذي قتلوه ، وكان المقدم فيهم زهير بن نؤيب العدوي ، فلما طال عليهم الحصار ، راسلوا ابن خازم أن يتسلم منهم الحصن ، ويتركهم ، فأبي إلا أن ينزلوا علي حكمه ، فأبي زهير ، وقال : إنه سوف يقتلكم ، فأبوا عليه ، ونزلوا علي حكم عبد الله بن خازم ، فقتلهم جميعا إلا ثلاثة ، وجيء بزهير ، فأراد عبد الله ، أن يستبقيه ويصطنعه ، فغضب ابنه موسي ، وقال له : لئن عفوت عنه ، لاتكئ علي سيفي حتي يخرج من ظهري ، فأمر بقتله ، فقال له زهير : إن لي حاجة ، وهي أن تقتلني علي حدة ، ولا تخلط دمي بدماء هؤلاء اللئام ، فقد نهيتهم عما صنعوا ، وأمرتهم أن يموتوا كرامة ، فأبوا ، فأمر به ، فنحي ناحية ، فقتل ( الطبري 6/ 77-80)

ولما اشتدت الحرب بين مروان الحمار وجند عبد الله بن علي بقيادة عامر بن إسماعيل ببوصير من أرض مصر ، فر عن مروان ولداه عبد الله وعبيد الله ، فلما كان من الغد بلغهم أنه قتل ، فبكي عبد الله ، فقال له أخوه عبيد الله : يا ألأم الناس ، فررت عنه وتبكي عليه في العقد الفريد 4 / 470)

ص: 274

وقال أبو الأغر ، شاتمة : يا ألأم الناس ، وأوضعهم .

وتفصيل القصة : كان بالبصرة شيخ من بني نهشل ، يقال له عروة بن مرثد ، نزل ببني أخت له في سكة بني مازن ، وبنو أخته من قريش ، فخرج رجالهم إلي ضياعهم في شهر رمضان ، وبقيت النساء يصلين في المسجد ، فجاء كلب ، فدخل في أحد البيوت ، وانصفق الباب ، وسمعت إحدي الإماء الحركة ، فظنت أن لضأ في الدار ، فذهبت إلي أبي الأغر عروة ، وليس في الحي رجل غيره ، فأخبرته ، فقال أبو الأغر : ما يبتغي اللص منا ؟ ثم أخذ عصاه ، وجاء حتي وقف علي باب البيت ، فقال : إيه ، با ملأمان ، أما والله ، إني بك لعارف ، وإني بك أيضأ لعارف ، فهل أنت إلا من لصوص بني مازن ، شربت حامض خبيثأ ، حتي إذا دارت الأقداح في رأسك، منتك نفسك الأماني ، وقلت : أقصد دور بني عمرو ، والرجال خلوف ، والنساء يصلين في مسجدهن ، فأسرقهن ، سوءة والله ، ما يفعل هذا الأحرار ، البئس ، والله - ما متتك نفسك ، فاخرج ، وإلا دخلت عليك ، فصرمتك مني العقوبة ، لأيم الله ، لتخرجن ، أو لأهتف هتفة مشؤومة عليك ، يلتقي فيها الحيان عمرو وحنظلة ، ويصير أمرك إلي تباب ، وتجيء سعد بعدد الحصي ، ويسيل عليك الرجال من ها هنا وها هنا، ولئن فعلت ، لتكون أشأم مولود في بني تميم ، فلما رأي إنه لا يجيبه ، أخذه باللين ، وقال : أخرج يا بني ، وأنت مستور ، إني - والله - ما أراك تعرفني ، ولو عرفتني ، لقد قنعت بقولي واطمأننت إلي ، أنا عروة بن مرثد ، أبو الأغر، وأنا خال القوم ، وجلدة ما بين أعينهم ، لا يعصونني في أمر ، وأنا لك بالذمة كفيل خفير ، أصيرك بين شحمة أذني وعاتقي ، فلا تضار ، فأخرج ، فأنت في ذمتي ، وعندي قوصرتان ، أهداهما إلي ابن أختي البار الوصول ، فخذ إحداهما ، فانتبذها حلالا من الله تعالي ، ورسوله صلي الله عليه وسلم ، وكان الكلب كلما سمع الكلام أطرق، فإذا سكت ، وثب يريغ المخرج، فتهانف الأعرابي ، ثم قال :

ص: 275

يا ألأم الناس وأوضعهم ، إلا يأني لك أنا منذ الليلة في واد ، وأنت في واد ، إذا قلت لك السوداء والبيضاء ، تسكت وتطرق ، فإذا سكت عنك تريغ المخرج ، والله ، لتخرجن بالعفو عنك ، أو لألجن البيت بالعقوبة عليك ، فلما طال وقوفه ، جاءت جارية وقالت : أعرابي مجنون ، والله ما أري في البيت شيئا ، ودفعت الباب فخرج الكلب شدأ ، فقال الحمد لله الذي مسخك كلبة ، وكفانا حربا . ( الحيوان 231/2 - 233 )

ص: 276

9- قولهم : كذبت

الكذب : الإخبار عن الشيء بخلاف ما هو، مع العلم به ، وهو ضد الصدق . ويقال : كذبت العين : إذا خانها حممها ، فأرت صاحبها ما لا حقيقة له . قال الشاعر:

كذبتك عينك أم رأيت بواسط***خلل الظلام من الرباب خيالا

وقال زياد بن أبيه ، لعبد الله بن الأهتم : كذبت .

وتفصيل ذلك : إن زياد بن أبيه ، لما قدم البصرة ، عاملا عليها لمعاوية بن أبي سفيان ، في السنة 45 خطب الناس خطبته البتراء سميت بذلك لأنه لم يبدأ فيها بحمد الله ، فلما انتهي من خطبته ، قام إليه عبد الله بن الأهتم ، وقال : أشهد ، أيها الأمير ، إنك قد أوتيت الحكمة وفصل الخطاب ، فقال له زياد : كذبت ، ذاك نبي الله داود عليه السلام ( الطبري 221/5)

الما قتل الحسين الشهيد عليه السلام ، في وقعة الطف ، صعد عبيد الله بن زياد المنبر ، وقال : الحمد الله الذي أظهر الحق وأهله ، ونصر أمير المؤمنين يزيد وحزبه ، وقتل الكذاب بن الكذاب ، الحسين بن علي وشيعته ، فلم يفرغ من مقالته حتي وثب إليه عبد الله بن عفيف الأزدي ، فقال له : يا ابن مرجانة ، إن الكذاب بن الكذاب ، هو أنت وأبوك ، والذي ولاك وأبوه ، فقال عبيد الله بن زياد : علي به ، فوثب فتية من الأزد فانتزعوه من الشرط ، وأخذوه إلي أهله ، فأرسل إليه عبيد الله من أتاه به ، فقتله ، وصلبه بالسبخة ( الطبري 5 / 458 و 459 )

وغضب المنصور ، علي معن بن زائدة الشيباني ، لما ولاه اليمن لبذله

ص: 277

الأموال ، فبعث إليه وفدا يستون سخيمته فلما كلمه أولهم ، وامتدح معنأ ، قال له المنصور : كذبت ولؤمت ، راجع القصة في الطبري 8/ 65 و 66

ودعا المنصور ، أبا حنيفة ، لتولي القضاء ، فامتنع ، وقال : لا أصلح ، قال : كذبت ، فقال أبو حنيفة : فقد حكمت أني لا أصلح ، لأني إن كنت كاذبة فلا أصلح للقضاء ، وإن كنت صادقة ، فقد أخبرتكم أني لا أصلح . ( النجوم الزاهرة 14/2 )

وقال الرشيد الفضل بن الربيع في بعض ما كلمه به : كذبت ، فقال : يا أمير المؤمنين : وجه الكذاب لا يقابلك ولسانه لا يقاولك ( البصائر والذخائر 757/2/2 )

ولما مرض الإمام الشافعي ، مرضه التي مات فيه سنة 204، جاء محمد بن عبد الحكم ينازع أبا يعقوب البويطي في مجلس الإمام الشافعي ، فقال البويطي : أنا أحق به ، وقال ابن عبد الحكم : أنا أحق به . فجاء أبو بكر الحميدي ، فقال : قال الشافعي ، ليس أحد أحق بمجلسي من يوسف بن يحيي ، وليس أحد من أصحابي أعلم منه ، فقال له ابن عبد الحكم : كذبت فقال له الحميدي : كذبت أنت، وكذب أبوك ، وكذبت أمك، فغضب ابن عبد الحكم ، وترك مجلس الشافعي، فجلس فيه البويطي ( وفيات الأعيان 63/7 ) .

وقال أمير بغداد إسحاق بن إبراهيم المصعبي ، لأحد أتباعه : كذبت . وسبب ذلك : إنه طالب إسحاق بزيادة في رزقه ، فقال له : كم عيالك ؟ فذكر له العدد ، وزاد فيه ، فقال له : كذبت ، فبهت ، وتحير ، ولم بدر كيف علم إسحاق بكذبه ، ثم رفع إليه رقعة أخري ، ذكر فيها العدد الصحيح ، فقال له : صدقت ( التاج 171).

أقول : كان أسحاق بن إبراهيم المصعبي ، أشد الناس بحثا عن

ص: 278

الأسرار ، عظيم الفحص عن أحوال الرعية ، حتي أن أحد أصحابه ، ذكر إنه كلمه بشأن امرأة من بعض أهله ، وسأله النظر لها ، فحدثه إسحاق عن المرأة ، وعن أحوالها حتي بهت لمقدار معرفته بها .

وفي السنة 296 اجتمع القواد والفضاة والكتاب والوزير علي خلع المقتدر ، وتولية ابن المعتر، وبايعوه ، ولكن غلمان المقتدر هاجموا ابن المعتز وأصحابه فتفرقوا ، وكان ابن عمروبه صاحب الشرطة ، ممن بايع ابن المعتز ، فلما رأي انقلاب الحال ، جمع قسما من أصحابه ونادي بشعار المقتدر ، يدلس بذلك ، فناداه العامة : يا مرائي ، يا كذاب ، وقاتلوه ، فهرب وإستر ( ابن الأثير 17/8 ) .

ص: 279

10. قولهم : يا عيار

عار الفرس : انفلت من صاحبه، وأخذ يجيء ويذهب .

والعيار : تعبير بغدادي ، يراد به الشخص المفلت الزمام ، الذي لا يهتم بأمور معيشته ، بل يعيش كيفما اتفق ، ولا يتقيد بما تعارف عليه الناس ، وهو أشبه بما يسمونه اليوم بالهيبيين .

وقد ظهرت هذه الكلمة في بغداد، عند حدوث الفتنة التي سببها الخلف بين الأخوين ، الأمين والمأمون ، لما حاصر جيش المأمون بقيادة طاهر بن الحيسن بغداد ، فتألف للأمين جيش من أعجب الجيوش التي أبصرتها بغداد ، جيش العيارين وأهل السجون ، وكانوا في معونة الأمين في الحرب التي نشبت في السنة 197 فقد كانوا يقاتلون عراة ، في أوساطهم التبابين والميارز ، واتخذوا لرؤسهم دواخل من الخوص وأسموها الخوذ ، ودرقأ من الخوص والبواري قد قيرت وحشيت بالحصي والرمل، علي كل عشرة منهم عريف، وعلي كل عشرة عرفاء ، نقيب، وعلي كل عشرة نقباء قائد، وعلي كل عشرة قواد أمير، ولكل ذي مرتبة من المركوب علي مقدار ما تحت يده ، فالعريف ، له أناس يركبهم ( أي من البشر ) غير ما ذكرنا من المقاتلة ، وكذلك النقيب ، والقائد، والأمير ، وناس عراة قد جعلوا في أعناقهم الجلاجل والصوف الأحمر والأصفر ، ومقاود قد اتخذت لهم ولجم وأذناب من مكانس ومذاب، فيأتي العريف ، وقد ركب واحدة ، وأمامه عشرة من المقاتلة علي رؤسهم خود الخوص ودرق البواري ، ويأتي النقيب والقائد

ص: 280

والأمير ، كذلك ، وتقف النظارة ينظرون إلي حربهم مع أصحاب الخيول الفتره ، والجواشن ، والدروع ، والتجافيف ، والسواعد ، والرماح ، والدرق التبتية ( مروج الذهب 3/ 318 و 219 ).

وكان العيارون يحاربون عراة ، ولهم مخالي يضعون فيها الحجارة التي يرمون بها ، وخوذ من الخوص ، ودرق من الحصر والبواري ، ورماح من القصب، وأعلام من الخرق، وبوقات من القصب ، وقرون البقر ( مروج الذهب 322/2)

وقال الشاعر في وصف العيارين ، في حرب الأمين والمأمون : [الطبي 8/ 458].

خرجت هذه الحروب رجالا ***لا لقحطانها ولا لنزار

معشرة في جواشن الصوف يغدو***ن إلي الحرب كالأسود الضواري

وعليهم مغافر الخوص تجزي***سهم عن البيض والتراس البواري

واحد منهم يشد علي أل***فين عريان ماله من إزار

ويقول الفتي إذا طعن الطع ن***ة خذها من الفتي العيار

وقال الشاعر البغدادي ، من قصيدة في وصف بغداد ، عند حرب الأمين والمأمون :[ الطبري 8/ 451] .

بغداد أسواقها معطلة ***يستن عيارها وعائرها

أخرجت الحرب من سواقطها ***آساد غيل غلبأ تساورها

من البواري تراسها ومن الي***خوص إذا استلامت مغافرها

تغدو إلي الحرب في جوانها ***الصوف إذا ما عدت أساورها

وفي السنة 201 لما نشبت الحرب بين المستعين ، ببغداد ، وجيش المعتر المحاصر بغداد ، أمر محمد بن عبد الله بن طاهر ، أمير بغداد ، أن يفرض فرض من العيارين ، وأن يجعل عليهم عريف ، وتعمل لهم تراس من

ص: 281

البواري المقيرة ، وأن تعمل لهم مخالي تملأ حجارة ، فكان الرجل منهم يقوم خلف البارية ، فلا يري منها ، وكان العريف علي أصحاب البواري المقيرة من العيارين ، رجلا يقال له : أبا جعفر بنتويه ( الطبري 288/9 ) ، ثم وجد الأمير ابن طاهر ، أن العيارين يحضرون الحرب بغير سلاح ، ويكتفون بالرمي بالأجر ، فأمر أن تتخذ لهم كافركوبات (نبابيت) ، وأن تدق فيها مسامير الحديد ، وسلمت إلي العيارين ، وجعل عليهم رؤساء أربعة ، إضافة إلي بنتويه وهم : دونل ، ودمحال ، وأبو نملة ، وأبو عصارة ( الطبري 309/9)

ثم أن محمد بن عبد الله بن طاهر ، أمير بغداد ، أمر أن يتخذ لعياري أهل بغداد كافركوبات ( تسمي الآن ببغداد دونكيات ، مفردها دونكي ، اصطلاح أحسبه قد نقل عن الإنكليزية في عهد الإحتلال الإنكليزي لمدينة بغداد)، وأن يصير فيها مسامير الحديد ، ووزعها علي العيارين ، لأنهم كانوا يقاتلون بالرمي بالأجر ، ويحضرون الحرب بغير سلاح ، وكان راس العيارين أبا جعفر بنتويه الذي ظل رئيسا علي عياري الجانب الغربي إلي انتهاء الفتنة ، ولهم رؤساء آخرون منهم دوئل ، ودمحال ، وأبو نملة، وأبو عصارة ، ولما أعطي العيارون الكافركوبات ، تفرقوا علي أبواب بغداد ، فقتلوا من الأتراك ومن أتباعهم نحوا من خمسين نفسا في ذلك اليوم ، وقتل منهم عشرة أنفس ، وجرح منهم خمسمائة بالنشاب ، وأخذوا من الأتراك علمين وسلمين ( الطبري 309/9 ).

وكان من جملة العيارين ببغداد ، غلام لم يبلغ الحلم ، سلاحه حجارة في محلاته ، ومقلاع في يده ، وكان يرمي فلا يخطيء وجه من يرميه ، وتصدي له أربعة من فرسان الأتراك الناشبة ، يرمونه ، فيخطئونه ، وجعل برميهم فلا يخطيء ، وتقرت بهم دوابهم من جراء رميه ، فمضوا وعادوا

ص: 282

بأربعة من المغاربة الرجالة بالرماح والتراس ، وحملوا عليه بأجمعهم ، فرمي بنفسه في الماء ، وعبر ، ففاتهم ( الطبري 9/ 313) .

وشتم أحد غلمان العباس بن خالد البرمكي ، فتي العباس ، فقال عنه : هذا فتي عيار .

قال أحمد بن أيمن : كنت أكتب في حداثتي للعباس بن خالد البرمكي ، وكان طويل اللسان ، مخشي الغضب ، فإني لجالس بين يديه في داره بمدينة السلام ، حتي دخل علينا شاب حسن الصورة ، رث الهيأة ، فأكب عليه ، فقال له العباس : ألست ابن فلان صديقنا ؟ فقال : نعم يا سيدي ، فقال : كان أبوك حسن الظاهر جميل الهيأة ، فما الذي بلغ بك إلي ما أري ؟ فقال : كان تجمله أوفي من عائدته ، وتوقي ، فكنت أتبلغ بما يستعمله الموفي علي جاهه ، إلي أن خان طبعي البارحة ، ولم أطق ستر ما بي فقصدتك ، فدعا بمائة درهم ، وقال له : تصرف بهذه ، إلي أن أنظر لك في عائد عليك من الشغل ، فلما قام من عنده ، قال الغلام يثق به : قص أثر هذا الفتي ، فانظر ما يبتاعه بهذه الدراهم، وأحصه عليه حتي يدخل منزله، وأعرف المنزل ، وصر إلي ، فرجع الغلام إليه ، وقال له : يا سيدي هذا فتي عيار ، ابتاع بنيف وثلاثين درهما سميذأ ، وسكرأ ، وعس ، ولحما كثيرا ، وحوائج الأعراس ، وأخذ طباخة من طباخي الأعراس ، وأحسب أن عنده دعوة ، وقد عرفت منزله ، فلم تمض إلا أيام يسيرة ، حتي وافي الفتي ، فأعرض العباس عنه ، واستثقل وجوده ، فقال له الفتي : يا عمي ، ويا سيدي ، ليس يشبه هذا اللقاء ما لقيتني به في الأولي ، فقال له : كنت في الأولي راجية لصلاحك ، وأنا اليوم أيس منه ، فقال : وكيف ظنت ذلك ؟ قال : أخبرني غلامي أنك أنفقت إلي أن بلغت منزلك ، نيفا وثلاثين درهما ، وكان حقك أن لا تزيد علي ثلاثة دراهم ، فقال له : لو عرفت خبري لقدمت عذري ، قال : ما

ص: 283

خبرك ؟ قال : كنت . مع تضايق حالي - أمسك نفسي عن المسألة ، واقتصر وأهلي علي البلغة ، وأنا ساكن ، وأهلي ، في ظهر دار فلان ، وهو رجل ظاهر اليسار من التجار ، وكانت له طاقات في مطبخه تفضي إلي منزلي ، فأولم وليمة لا أشك في حضورك إياها ، فشرق منزلي بروائح الأطعمة ، وكانت الصبية من صبياني تخرج فتقول : رائحة جدي يشوي ، وأخري تقول : رائحة نقانق تقلي ، وهذه تقول : يا أية ، اشتهي من هذا الفالوج الذي قد شاعت رائحته لقمة، وأقوالهم تقرح قلبي ، وأملت أن يدعوني ، فأتحمل التزليل لهم ، فوالله ما رآني أهلا لذلك ، فقلت : لعله ، إذ نقصت عنده عن منزلة من يدعون، أن يبعث إلي، فوالله ما فعل، فبت بليلة لا يبيت بها الملدوغ ، وأصجت في الغداة ، فكنت أوثق في نفسي من سائر من بمدينة السلام ، فلما أعطيتني تلك الدراهم ، اشتريت بها حوائج أصلح منها ما آشتهوه ، فأكلوا منه أيامأ ، وهم يدعون الله أن يحسن إليك ، وأن يخلف عليك ، فقال له العباس : أحسنت ، بارك الله عليك ، ثم صاح : يا غلمان ، أسرجوا لي ، ولبس ثيابه ، وركب وركبت معه ، ودخل إلي صاحب الصنيع ( أي التاجر صاحب الوليمة ) ، فقال له : دعوتني وجماعة من وجوه بغداد ، إلي طعام مقتنا الله عليه ، وعرضت نعمتنا للزوال ، وأنفسنا إلي آخترام الأعمار ، وقص قصة الفتي ، وقال : عزمت علي أن أصدق كل من حضر وليمتك ، ويكون ذلك سببا لتخلف الناس عنك ، والإمساك عن إجابة دعواتك أخري الليالي ، فقال له : أنا أفتدي ذلك بخمسمائة دينار ، فأخذها منه ، ثم ركب إلي جماعة ، وقال لهم : أعطوني في معونة رجل من أبناء النعم اختلت حاله ، فأخذ منهم خمسمائة دينار أخري ، ورجع إلي منزله ، والفتي لم يبرح منه ، فسأله : فيم يهش إليه من التجارة ؟ فقال : صناعة الأنماط ، فإنها صناعة أسلافنا ، ومن بها يعرف حقوقنا ، فدعا برجل من أهل الصناعة ، وأخرج إليه الألف دينار ، وقال له : هذا المال لهذا الفتي ، فليكن في دكانك ، وأشتر له بها ما يصلح من المتاع، وبصره بتجارته ، ثم قال

ص: 284

للفتي : إحذر أن تنفق إلا من ربح ، فانصرف الفتي، وقد رد عليه ستره ، وأثمرت بضاعته ، واتصلت أرباحه ، ودخل في جملة التجار ( المكافأة 167 - 172).

وروي أبو القاسم سليمان بن الحسن : أن أبا العباس بن الفرات ، قص عليهم أخبار عدة من الكتاب ، كانت فيهم حدة ، وإن أحمد بن الخصيب كان يركل المتظلمين وأبو عباد يضربهم بالمقرعة ، وكان أحمد بن أبي خالد يشتمهم ، ونسي أبو العباس نفسه ، وكانت فيه حدة وسفه لسان ، فلما كان من غد، لقيه في الطريق متظلمون ، تظلموا إليه ، فصاح عليهم ، وشتمهم ، وبصق في وجوههم ، ورفسهم برجله وهي في الركاب ، وقنعهم بالمقرعة ، وكان سليمان راكبا علي فرسه وراءه ، فلما رأي ذلك ضحك ، فسمع أبو العباس قهقته ، فالتفت إليه ، وقال له : من أي شيء ضحكت يا عيار ؟ راجع القضة مفضلة في كتاب نشوار المحاضرة للقاضي التنوخي ، في القصة رقم 35/8 ج 8 ص 83 و 84.

وقال القاضي ابن قريعة ، للكاتب أبي إسحاق الصابي ، في مجلس الوزير المهلبي : با عيار نصبت لي مكيدة ، فنفعني الله بها ، وخلاصة القصة أن الصابي ، أنشد في مجلس المهلبي ، أرجوزة للعماني الشاعر ، فاستحسنها القاضي ، وسأل عمن نظمها ، فقال : هي من نظم أبي العباس بن درستويه ، وكان ابن درستويه جاهلا متخلفة ، فدما ، ناقصة ، ولكنه متقدم في دولة بني بويه ، وصدق القاضي القضة ، فبكر من غده إلي ابن درستويه وقال له : كنا البارحة في مجلس الوزير ، وأنشدنا صديق للشيخ أرجوزة ، من أراجيزه ، فجئت لأخذ عن الشيخ ما ينشدنيه من فيه ، فلم يفهم ابن درستويه ما يقول ، ونادي ولده أبا نصر ، وكان في الجهل شرأ منه ، فلما أعاد القاضي عليه الكلام ، قال لأبيه ، بالفارسية : القاضي يطلب خرقأ يعمل منها قلنسوة ، فقال الأب : السمع والطاعة ، واستدعي خازنه ، وأمره باحضار ما

ص: 285

عنده من بقية الثياب ، فأحضر رزمة كبيرة ، فيها نحو مائة خرقة من فاخر الثياب من ديباج وسقلاطون ووشي ، ففطن القاضي ، وأخذ عشر خرق تساوي عشرين دينارا ، ووضعها في كمه ، ونهض ، وقال : أحسن الله جزاء الشيخ، وأطال بقاءه، ولاعدمناه ، وراح القاضي في ذلك اليوم إلي دار الوزير أبي محمد ، فلما اجتمعوا بين يديه علي رسمهم ، قال القاضي للصابي : با عيار ، نصبت لي مكيدة ، فنفعني الله بها، وشرح ما جري له مع ابن درستويه ، وأخرج الخرق من كمه ، فأراها لهم ، ثم ردها إلي كمه ، فضحك المهلبي حتي فحص برجليه ، وضحكت الجماعة ( الهفوات النادرة 324 و 327).

أقول : يظهر من طريقة استعمال هذه الكلمة ، إنها لم تكن كلمة شتم موجعة ، بدليل أن صاحب الديوان ، قالها لأحد كتابه وهو أثير عنده ، وأن القاضي ، قالها لصاحب ديوان الرسائل ، وهو صديقه ، وفي مجلس الوزير .

ص: 286

11 - قولهم : يا خائن

الخائن : من اؤتمن فلم ينصح .

وغضب المأمون ، علي يحيي بن خاقان ، كاتب الحسن بن سهل ، فقال له : يا خائن .

وخلاصة القصة : أن يحيي بن خاقان ، كان يكتب للحسن بن سهل ، لما كان الحسن يقود جيوش المأمون في العراق ، وكان من جراء اشتعال الفتن في العراق ، أن تعرقلت أمور الجباية ، فاتهم المأمون ، يحيي بن خاقان ، بأنه أحتجن جزءأ من مال الجباية لنفسه ، فطالبه بمائة ألف ألف درهم ، ثم نزل معه إلي اثني عشر ألف ألف درهم ، حلف انه لا يرضي بأقل منها ، فسأل يحيي أركان الدولة أن يعينوه فأعانوه ، وبعث إليه كل واحد منهم جزءا ، فكتب إلي المأمون بحصول المبلغ في يده ، فأحضره ، وقال له : يا خائن ، الحمد لله الذي أظهر لي كذبك ، وبين لي خيانتك ، ألم تذكر لي انك لا تملك المبلغ ؟ فأراه الرقعة وذكر له أسماء الذين أعانوه ، ومقدار ما أعانوه به ، فأمر المأمون برد ما أتوا إليهم ، وأعفي يحيي من المطالبة ، راجع القصة مفصلة في كتاب الفرج بعد الشدة للتنوخي ، رقم القصة 266 ج 3 ص 53 و 55 .

ويحيي بن خاقان، أحد مشايخ الكتاب في الدولة العباسية، كان يكتب للحسن بن سهل ، في أيام المأمون ، وكان اليه ديوان الخراج في أيام المتوكل ( الديارات 155 ) ، وهو أخو الفتح بن خاقان وزير المتوكل ( الملح

ص: 287

والنوادر 332 ) ووالد عبيد الله بن يحيي بن خاقان ، وزير المتوكل ( الديارات 154 و155)، وتوفي في السنة 240 فكتب المتوكل إلي اخيه عبد الرحمن بن خاقان ، وكان يلي البصرة ، يعزيه ( البصائر والذخائر 359/1 ) .

ص: 288

12. قولهم : يا ماجن

والمجون : قلة الحياء

شتم القاضي شريك ، الربيع حاجب المهدي ، فقال له : يا ماجن .

وتفصيل القصة : انه كانت بين شريك القاضي ، والربيع حاجب المهدي ، معارضة ، فكان الربيع يحمل عليه المهدي ، فلا يلتفت إليه ، حتي رأي المهدي في منامه شريكة القاضي مصروفأ وجهه عنه ، فقص رؤياه علي الربيع ، فقال له : يا أمير المؤمنين ، إن شريكا مخالف لك ، وهو فاطمي ، فقال له شريك : أعيذك بالله يا أمير المؤمنين أن تكون غير فاطمي ، إلا أن تعني فاطمة بنت كسري ، قال : لكني أعني فاطمة بنت محمد صلي الله عليه وسلم ، قال : أفتلعنها يا أمير المؤمنين ؟ قال : معاذ الله ، قال : فما تقول فيمن يلعنها ؟ قال : عليه لعنة الله ، قال : فالعن هذا ۔ يعني الربيع - فإنه يلعنها ، قال الربيع : لا والله يا أمير المؤمنين ، ما ألعنها ، فقال له شريك : يا ماجن ، فما ذكرك لسيدة نساء العالمين ، وابنة سيد المرسلين في مجالس الرجال ؟ قال المهدي : دعني من هذا ، فاني رأيتك في منامي كأن وجهك مصروف عني وقفاك الي ، وما ذلك إلا لخلافك علي ، ورأيت في منامي كأني اقتل زنديقة ، قال شريك : إن رؤياك يا أمير المؤمنين ليست برؤيا يوسف الصديق ، والدماء لا تستحل بالأحلام ، وعلامة الزندقة بينة ؟ قال : صدقت - والله - يا أبا عبد الله ، أنت - والله - خير من الذي حملني عليك ( العقد الفريد 2 / 178 و179)

ص: 289

ص: 290

الفصل الرابع: ألفاظ مختلفة في الشتم

اشارة

يشتمل الفصل علي قسمين : القسم الأول - تسمية المشتوم ، باسم حيوان ، كالكلب أو الحمار أو التيس

القسم الثاني - مجموعة ألفاظ في الشتيمة ، مما لا يدخل تحت شمول الأبواب السابقة .

ص: 291

ص: 292

القسم الأول: تسمية المشتوم

باسم حيوان الكلب : في اللغة : كل سبع بعض . وجمعه كلاب وأكلب ، وجمع الجمع : أكالب ، وكلابات . وغلب علي الحيوان النابح المعروف . يقال : كف عنه كلابه ، أي ترك شتمه وأذاه .

والبغداديون ، يلفظون الكلمة بالجيم الفارسية ، فيقولون : چلب ، ويجمعونها علي : چلاب ، وجلابات .

وما زالت هذه الكلمة في بغداد من ألفاظ الشتيمة .

وفي معركة عين شمس ، بمصر ، في سنة 20 كان القائد عمرو بن العاص ، يذمر جنده من المسلمين ، ويحمسهم، فقال له رجل من أهل اليمن : إنا لم نخلق من حجارة ولا حديد ، فصاح به عمرو : اسكتيا كلب ، فقال له : أنت إذن أمير الكلاب ( الطبري 4 / 11).

وفي موقعة دير الجاثليق ، بمسكن ، في المعركة التي دارت بين عبد الملك بن مروان ، ومصعب بن الزبير ، تقدم عبيد الله بن زياد بن ظبيان ، إلي المصعب ، وطلب أن يبارزه ، فقال له المصعب : أعزب با كلب ، مثلي يبارز مثلك ( ابن الأثير 4 / 328 والأغاني 125/19)

وفد جرير علي هشام بن عبد الملك ، فقال الحضرمي : أيكم يشتمه ؟ فقالوا : ما أحد يقدم عليه ، قال : فأنا أشتمه ، ويرضي ويضحك ، قال : فقام إليه ، فقال : أنت جرير ؟ قال : نعم ، قال : فلا قرب الله دارك ، ولا

ص: 293

حيا مزارك يا كلب ، فجعل جرير بنتفخ ثم قال له : رضيت ، في شرفك ، وفضلك ، وعفافك ، أن تهاجي هذا القرد العاجز - يعني الفرزدق - فضحك الحيوان 4 / 64 ) .

وأراد الهادي العباسي، أخاه هارون ، علي خلع نفسه من ولاية العهد ، ليبايع ولده ، فكان يحيي البرمكي يمنع هارون من أن يخلع نفسه ، وعلم الهادي بصنع يحيي ، فاستدعي أحد قواده وقال له : قد تأذيت بهذا الكلب الملحد، يحيي بن خالد، راجع القصة مفضلة في كتاب الفرج بعد الشدة للتنوخي - تحقيق المؤلف ، رقم القصة 256 ج 3 ص 19 - 22.

وغضب الواثق علي إسحاق الموصلي المغني ، فقال له: يا خوزي، يا كلب .

وسبب ذلك إن المعتصم لما خرج إلي عمورية ، استخلف ولده الواثق ، بسر من رأي ، فجلس الواثق ، ذات يوم مجلس جمع فيه الندماء والمغنين ، وبدأ الواثق ، فغني ، وغني من بعده ، فامتنع اسحاق عن الغناء ، فغضب الواثق ، فقال له : يا خوزي ، يا كلب ، أتنزل لك ، وأغني ، وتترفع علي ، إبطحوه ، فبطح ، وضرب ثلاثين مقرعة . ( الأغاني 9/ 298 ).

وتكلم مرة هارون بن عبيد الله قاضي مصر ، في مجلس أمير مصر في قضية ، فأعترض عليه أحمد بن محمد بن أسباط ، فقال : من هذا الغلام ؟ فأخبره كاتبه ، فالتفت إليه ، وقال له : لعلك يا كلب تتكلم ، لقد هممت أن لا أقوم من مجلسي حتي يضرب ظهرك ، فأمر الأمير بإخراج أحمد من المجلس . ( القضاة للكندي 445) .

وفي السنة 297 لما هجم الأتراك المتآمرون علي المتوكل ، وقف الفتح بن خاقان في وجوههم ، وصاح بهم : وراءكم ، با كلاب ( الطبري 9/ 228 وتجارب الأمم 6/ 556 ).

ص: 294

ولما قتل المتوكل في السنة 297، وبويع المنتصر ، أجتمع الجند والشاكرية والغوغاء والعوام ، بباب العامة ، وتكلموا في أمر البيعة ، فخرج إليهم زرافة ، فأبلغهم عن المنتصر ما يحبون ، فأسمعوه ، فخرج إليهم المنتصر ، فصاح بهم : يا كلاب ، خذوهم ، ففر المجتمعون ، وتدافعوا ، فمات منهم ستة نفر من الزحمة والدوس . ( الطبري 239/9 ).

ولما قتل المتوكل ، وبويع المنتصر ، أحضر أخويه المعتر والمؤيد ، وأرادهما علي خلع أنفسهما من ولاية العهد ، فوافق المؤيد ، وامتنع المعتر، فأغلظ الأتراك للمعتز ، وأخذوه بعنف ، وأدخلوه بيتا، وأغلقوا عليه الباب ، فصاح بهم المؤيد: ما هذا يا كلاب، لقد ضربتم علي دمائنا، تثبون علي مولاكم هذا الوثوب، أعزبوا قبحكم الله، ثم دخل إلي المعت فقال له: يا جاهل ، تراهم قد نالوا من أبيك ، ثم تمتنع عليهم ، اخلع ويلك ، ولا تراجعهم . ( الطبري 9/ 244 و 245 ).

ولما كان المعتضد معسكرة بالأهواز ، أخذ أحد جنوده من فلاح ثلاث بطيخات ولم يؤد اثمنها ، فأحضره وقال له : يا كلب ، ما كان معك ثمن البطيخ ؟ ثم أمر به فضرب مائة مقرعة ، راجع تفصيل القصة في نشوار المحاضرة للتنوخي رقم القصة 176/1 ج1 ص 329 و 330.

وغضب أبو الهيجاء الحمداني ، علي ولده الحسن (ناصر الدولة فيما بعد ) ، لما طلب منه أن يعطيه ضيعته النهروان ، وقال له : يا كلب ، سمت بك نفسك إلي أن تمتلك النهروان ؟ ثم قال للوزير علي بن عيسي : تمكن هذا الكلب ، من ذكري بحضرتك ؟ راجع القصة مفضلة في كتاب نشوار المحاضرة للتنوخي ، في القضة رقم 2/ 77 ج 2 ص 145 - 151.

وشرب الشريف أبو جعفر العباسي ، بمصر عند أبي زنبور الحسين بن

ص: 295

أحمد بن رستم المادرائي، وكان ثالثهما أبا بكر محمد بن علي بن أحمد بن رستم المادرائي ، وقام الشريف لقضاء حاجة ، وفي غيابه انصرف أبو بكر المادرائي ، فلما عاد الشريف ، التفت إلي أبي زنبور ، وقال له : يا أبا بكر ، هذا الكلب أبو زنبور عنده مثل هذا السماع، ولا يمتعنا به كل وقت ؟ ما هذا إلا كلب كلب ، فاعل صانع ، فقال له أبو زنبور : أيها الشريف ، أبو بكر انصرف ، وأنا أبو زنبور ، فقال له : أعذرني ، والله ما ظننتك إلا ابن المادرائي ، فقال : أراك تشتمني غائبة وحاضرة ( الملح والنوادر225 ).

وغضب محمد بن خلف كاتب ابن أبي الساج ، علي وكيله الحسن بن هارون، فقال له : والله يا كلب ، لأضربنك خمسمائة سوط ( تجارب الأمم 170/1)

أقول : كان محمد بن خلف يكتب لابن أبي الساج في واسط ، وكان يسير سيرة الوزراء من التكبر والتجبر والتوسع في النفقات ، حتي إنه جعل في داره بواسط لشراب العامة ثلاثين غلامأ وفي شراب الخاضة عشرين غلامأ ، وكان يبكر إليه جميع قواد ابن أبي الساج ورؤساء غلمانه ورؤساء العمال ، ويسلمون عليه ، كما يفعل الناس ببغداد بالوزراء في أيام المواكب ، ولبس القباء والسيف والمنطقة علي زي الوزراء ، إلا إنه لم يركب إلي دار صاحبه بسواد ، فرق بينه وبين وزير السلطان ( الخليفة ) ، ثم أخذ يكاتب نصر الحاجب في أن يقترح علي المقتدر استيزاره، وأخذ يسعي علي صاحبه ابن أبي الساج، وعثر ابن أبي الساج ، علي مراسلاته لنصر الحاجب ، واطلع عليها ، إذ أرسل الحسن بن هرون إلي بغداد ، فلما عاد ، وكان محمد بن خلف قد بلغه ما قام به الحسن في بغداد ، فأحضره ، وشتمه ، وقال له : يا عاض ( يعني يا عاض بظر أمه ) قد بلغني أنك شعت علي عند الوزير ، وذكرت له أني أطلب الوزارة مكانه ، والله ، يا كلب لأضربك خمسمائة سوط فأخذ الحسن يعتذر إليه ، ومحمد بن خلف يواصل شتمه ، ثم أن ابن أبي الساج

ص: 296

أمر رجاله بالقبض علي محمد بن خلف وصفعه . راجع أخبار صفعه ، في الباب الثالث القسم الثاني : الصفع .

وكان يحيي بن علي المعروف بابن المنجم ، يناقض ابن المعتز، ويهاجيه ، فلما بويع ابن المعتز بالخلافة ، دخل عليه يحيي ليبايعه ، فقال له : لا سلم الله عليك ، يا كلب ، للتفصيل راجع كتاب الفرج بعد الشدة ، للقاضي التنوخي ، تحقيق المؤلف رقم القصة 402 ج 4 ص 110 - 112 .

ولما أراد القاهر قتل القائد مؤنس المظفر ، دخل عليه في حبسه في السنة 321 وصاح بأتباعه : جوا برجل الكلب الملعون ، فجروه ، وذبحوه ، ابن الأثير 261/8 .

ودخل المهلبي ، وزير معز الدولة ، يوما علي المطيع العباسي، وعلا صوته عنده ، فغضب المطيع ، وقال له : يا كلب ، ترفع صوتك بين يدي ، وأمر به فأخرج ، مجذوبأ بيده ، مدفوعة في ظهره ( رسوم دار الخلافة 34 ) .

ولما توفي المنتصر الفاطمي في السنة 487 ، سعي الأفضل الوزير في مبايعة ولده المستعلي أبي القاسم أحمد ، فبويع ، فهرب الولد الأكبر نزار إلي الاسكندرية ، وأعلن خلافته هناك ، فسار إليه الأفضل وأسره ، وأسلمه لأخيه المستعلي ، فبني عليه حائطا فمات ، وكان سبب انصراف الأفضل عن نزار ، أن الأفضل ( وهو أرمني الأصل ) دخل دهليز قصر الخليفة ، في أحد الأيام ، راكبا ، فصادفه نزار ، ولم يره الأفضل ، فصاح به : إنزل ، يا أرمني ، يا كلب، عن الفرس ما أقل أدبك ، فحقدها الأفضل عليه (ابن الأثير 10/ 238)

ودخل صاعد الصيرفي ، وهو يهودي ، حمامة بباب المراتب ، وأخذ

ص: 297

وأخذ يترنم بيت للصروي الشاعر ، في ذم ثابت دواتي الأمير نور الدين بن مزيد :

ليس علي شاطيء الفرات***أسقط من ثابت الدواتي

واتفق أن كان ثابت الدواتي حاضرة ، وسمعه يترنم بالبيت ، فقال له : يا كلب ، ما وجدت ما تقطع به حمامك إلا هجائي ( الهفوات النادرة 213 و 214) .

وكان محمد بن مطروح الأعرج صاحب الصلاة في الجامع ، وكان قومس الكاتب جيرانه ، وكان يتحفه ويتفقده بما أمكنه من الهدايا ، ويصلي خلفه ، فكان ابن مطروح إذا حضرت الصلاة ، ولم يحضر قومس ، قال لبعض القومة : أنت يا شيطان ، كلم هؤلاء الكلاب لا يقيموا الصلاة حتي يأتي هذا الخنزير ، فكان بره في حبس الصلاة عليه ، برا، العقوق خير منه ( العقد الفريد 435/6) .

أقول : محمد بن مطروح هذا، كان آية في التبرم المليح ، والنكتة التي تقع في محلها ، سأله رجل يوما : ما تقول في رجل مات يوم الجمعة ، هل يعذب عذاب القبر ؟ فقال : يعذب يوم السبت ، وسأله آخر : أتجد في الحديث أن جهنم تخرب ؟ فقال له : ما أشقاك إذا اتكلت علي خرابها .

وفي سنة 499 ورد أبو العلاء المعري بغداد ، وقصد دار الشريفين الرضي والمرتضي ، ودخل ، والمجلس غاص بأهله ، فتخطي الناس ، فقال أحدهم ، ولم يعرفه : إلي أين يا كلب ؟ فالتفت إليه أبو العلاء ، وقال له : الكلب من لا يعرف للكلب سبعين اسما ، ثم جلس حيث انتهي ، فلما قام الشعراء ، وأنشدوا قصائدهم في رثاء والد الشريفين قام أبو العلاء ، وأنشد قصيدته الفائية التي مطلعها :

أودي فليت الحادثات كفاف***مال المسيف وعنبر المستاف

ص: 298

فقام إليه الشريفان ، ولما علما أنه أبو العلاء المعري ، أكرماه ، ورفعا مجلسه وأعتذرا إليه ( اعلام النبلاء 127/4 ).

الحمار وجمعه ، حمير ، وأحمرة ، وحمور ، وحمر ، وحمرات : الحيوان المعروف، وهو مشهور بصبره وتحمله .

وقد لقب مروان بن محمد ، آخر الحكام الأمويين ، بالحمار ، لصبره في الحروب . ولصبر الحمار وتحمله ، اتهمه الناس بالبلادة ، ووصفوا الجاهل البليد ، بأنه حمار .

قال الشاعر ، علي لسان حمار الحكيم توما :

قال حمار الحكيم توما***لو أنصفوني لكنت أركب

لأنني جاهل بسيط***وصاحبي جاهل مركب

وقال أبو الحسن الجزار ، يصف حماره :

هذا حماري في الحمير حمار***في كل خطو كبوة وعثار

قنطار تبن في حشاه شعيرة ***وشعيرة في ظهره قنطار

لزيادة التفصيل في هذا الموضوع ، راجع كتابنا « موسوعة الكنايات العامية البغدادية » في فقرة : حمار ج 1 ص 601 - 626.

وفي معركة الطف في السنة 61 سأل الحسين عليه السلام ، الجند الأموي ، أن يكفوا عنه حتي يصلي هو وأصحابه ، فقال له الحصين بن تميم، أحد قواد الجند: إنها لا تقبل، فقال له حبيب بن مظاهر، من أنصار الحسين : زعمت أن الصلاة لا تقبل من آل رسول الله ، وتقبل منك يا حمار ( الطبري 5 / 439) .

في السنة 317 وافي أبو طاهر القرمطي ، الحاج في مكة ، فقتلهم قت ذريعة ، ودخل قرمطي إلي المسجد بفرسه ، وجرد سيفه ، فضرب به رجلا

ص: 299

فقتله ، وصاح : يا حمير ، أليس قلتم في هذا البيت ، من دخله كان آمنا ، فكيف يكون آمنة وقد قتلته الساعة ؟ فأجابه أحد الحجاج : إن الله عز وجل ، لم يرد أن من دخله كان آمنأ ، وإنما أراد : من دخله فأمنوه ، فلوي القرمطي رأس فرسه وخرج . ( المنتظم 2 / 223) .

وقال ناصر الدولة الحمداني ، لطباخه : يا حمار، وسبب ذلك إن ناصر الدولة كان مبخلا، ودعا ذات يوم بشيء يأكله متعجلا، فجاءوه بدجاجة مشوية ورغيف ، وسكرجتي ملح وخل ، وقليل بقل ، وبينما هو يأكل إذ جاء قوم لا بد من وصولهم إليه ، فأمر برفع الدجاجة ، ودخل القوم ، وخاطبهم ، ولما انصرفوا ، أمر برد الدجاجة ، فلما ردوها تأملها ، ثم حرد ، وقال : هذه ليست الدجاجة التي أكلت منها ، ونادي الطباخ ، فاعترف له بأنها دجاجة غيرها ، لأن الأولي أكلها أحد الغلمان ، فلما أمرت بردها، أخذنا واحدة جديدة ، وشعثناها وقدمناها إليك ، فقال له ناصر الدولة : يا حمار ، تلك كنت كسرت منها الفخذ الأيمن ، وأكلت جانب الصدر الأيسر ، وهذه مكسورة الفخد الأيسر ، ومأكول من جانب الصدر الأيمن ، لا تعاود لمثل هذا ، راجع القصة في كتاب نشوار المحاضرة للتنوخي ، تحقيق المؤلف ح 2 ص 189 رقم القصة 93.

وكان الصاحب بن عباد ، متعصبا لرسائله ، وكانت في ثلاثين مجلدة ، وورد إليه رجل من أهل الشام ، فكان فيما استخبره عنه : رسائل من تقرأ عندكم ؟

فقال : رسائل ابن عبد كان .

قال : ومن ؟

قال : رسائل الصابي .

وغمزه أحد جلساء الصاحب ، ليقول : رسائل الصاحب ، فلم يفطن

ص: 300

الرجل ، ورآه الصاحب ، فقال له : تغمز حمار لا يحس . ( معجم الأدباء 315/2 )

وفي السنة 579حصر السلطان صلاح الدين الأيوبي ، مدينة حلب ، وضيق عليها ، ثم تصالح مع صاحبها عماد الدين زنكي ، أن يعوضه عنها بسنجار ، وتكون حلب لصلاح الدين ، فقبح أهل حلب فعله ، وشتموه ، وقالوا : يا حمار ، بعث حلب بسنجار ( اعلام النبلاء 2/ 132 )

وكان الأمير مجد الدين أبو سعيد طاشتكين المقتفوي (ت 606 ) من كبار رجال الدولة في أيام المستضيء العباسي ، وكان قليل الكلام جدا ، حتي أن رجلا من نوابه استغاث به فلم يجبه ، فاحتد ، وقال له : أحمار أنت ؟ فقال : لا ، ولم يزد ( النجوم الزاهرة 190/6 ).

أقول : كان الأمير طاشتكين ربما مر عليه أسبوع، ولم يتكلم ، واستغاث إليه رجل فلم يكلمه، فقال له: كلمني ، فإن الله كلم موسي ، فقال له : وأنت موسي ؟ ولم يزد ، ومما يؤثر عنه ، إنه كان قد تجاوز التسعين ، فاستأجر أرضا وقفة ، علي شاطيء دجلة ، لمدة ثلثمائة سنة ، ليعمرها دارة ، وكان في بغداد رجل قاص ، اسمه فتيحة ، فقال علي المنبر : يا أصحابنا، نهنيكم ، مات ملك الموت ، فقالوا : وكيف ذلك ؟ قال : طاشتكين عمره تسعون سنة ، واستأجر أرضا لمدة ثلثمائة سنة ، ليعمرها دارأله ، فلو لم يعلم أن ملك الموت قد مات ، ما فعل هذا ( فوات الوفيات 2/ 129 و 130 ) .

ولما حضر أبو زكريا الرازي الواعظ ، إلي بغداد (ت 208 ) ، واجتمع إليه مشايخ الصوفية والنساك نصبوا له منصة ، وأقعدوه عليها ، وقعدوا بين يديه ، فتكلم الجنيد ، فقال له يحيي : أسكت يا خروف ، ما لك والكلام إذا تكلم الناس . ( وفيات الأعيان 6 / 66 ).

وكان أبو الحسن الخوارزمي (ت 539 ) ، إذا نام واحد من أهل

ص: 301

الرستاق في مجلسه ، ناداه من فوق المنبر بأعلي صوته : يا أيها التيس المذانقي ، أترك المنام واسمع الكلام ، ( معجم الأدباء 275/5 ) .

ومن بديع التعليقات ، أن ابن زهر الحفيد الأندلسي ، أحد نوابغ الطب والأدب في الأندلس ، وهو صاحب الأبيات المشهورة التي مطلعها :

أيها الساقي إليك المشتكي***قد دعوناك وإن لم تسمع

ومما يؤثر عنه ، إنه لما نظم موشحه المشهور، الذي أوله :

صادني ولم يدر ماصادا

قال أبو بكر بن الجد :

صاد تيس بلحية حمراء

ولما نظم موشحه الذي أوله :

هات ابنة العنب واشرب

إلي قوله :

وفته بأبي ثم بي

فلما سمعه أبوه قال : يفديه بالعجوز السوء أمه ، أما أنا فلا ( نفح الطيب 468/3) .

ص: 302

القسم الثاني: مجموعة ألفاظ في الشتيمة

لما كلم عروة بن مسعود الثقفي النبي صلوات الله عليه ، كان خلال ذلك ربما مس لحية النبي ، فقال له المغيرة بن شعبة ، ابن أخيه : نع يدك عن لحية رسول الله ، قبل أن لا ترجع إليك يدك ، فالتفت إليه عروة ، قال له : يا غدر ، هل غسلت رأسي من غدرتك إلا بالأمس . ( البيان والتبيين 12/3)

أقول : أشار عروة إلي ما صنعه المغيرة ، إذ غدر برفاق له في سفر ، فقتلهم ، وأخذ أموالهم ، ولجأ إلي النبي فأسلم ، فقبل النبي إسلامه ، فعرض عليه المال الذي أخذه ، وأخبره بمصدره ، فقال النبي : أما الإسلام فقد قبلنا ، وأما المال فإنه مال غدر لا حاجة لنا فيه ، وكان عروة بن مسعود عم المغيرة تحمل ديات القتلي الذين قتلهم المغيرة ، وكني عن أدائه الديات ، بغسل رأسه من الغدرة ( الطبري 627/2).

ولما انقضي أمر حرب الجمل ، خطب أمير المؤمنين علي ، في أهل البصرة ، فبدأ خطبته بعد حمد الله والثناء عليه ، قال : يا أنصار المرأة ، وأتباع البهيمة ، رغا فأجبتم ، وعقر فهربتم ، أخلاقكم دقاق ، وعهدكم شقاق ، ودينكم نفاق ، وماؤكم زعاق . راجع التفصيل في شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد 251/1 والعقد الفريد 4 / 328.

ص: 303

ووصف يزيد من معاوية رجلان من المسلمين : عبد الله بن الزبير وأبو حمزة الخارجي فقال الأول عبد الله بن الزبير ، لما أعلن خلافته بمكة ، وخطب الناس ، فوصف يزيد بانه : يزيد الخمور ، ويزيد الفجور ، ويزيد الفهود ، ويزيد الصيود ، ويزيد القرود ، ويزيد الكلاب ، ويزيد النشوات ، ويزيد الفلوات ( أنساب الأشراف 30/2/4 ) وقال الثاني أبو حمزة الخارجي ، لما خطب بالمدينة ، فوصف يزيد بن معاوية ، بأنه : يزيد الخمور ، ويزيد الصقور ، ويزيد الفهود ، ويزيد الصيود ، ويزيد القرود ، راجع تمام الخطبة في الأغاني ط بولاق 106/20 و 107.

وبعد انتهاء وقعة الطف ، سرح ابن زياد ، نساء الحسين وصبيانه ، سبايا إلي يزيد بن معاوية ، مع شمر بن ذي الجوشن ومحفز بن ثعلبة ، فلما انتهوا إلي باب يزيد ، صاح محقز : هذا محقز بن ثعلبة ، أتي باللئام الفجرة ( الطبري 5 / 460) .

وفي السنة 63 بعث يزيد بن معاوية بن أبي سفيان ، إلي مدينة الرسول صلوات الله عليه ، جيشا بقيادة مسلم بن عقبة ، فاستباح المدينة ، وأسرف في القتل والنهب والسبي وانتهاك الحرمات ، وأنهب المدينة ثلاثة أيام ، ثم قصد مكة ليخربها كما أخرب المدينة ، فدنف في الطريق ، فدعا بالحصين بن نمير الكندي ، وقال له : يا برذعة الحمار ، والله ما خلق الله أحدا هو أبغض إلي منك ، ولولا أن أمير المؤمنين أمرني أن أستخلفك ما استخلفتك ، ثم هلك مسلم ( المحاسن والمساويء 1 / 46 - 49) .

وشتم عبد الملك بن مروان ، علي منبر المدينة ، ثلاثة من الخلفاء الذين سبقوه ، قال : أما بعد، فلست بالخليفة المستضعف . يعني عثمان - ولا بالخليفة المداهن - يعني معاوية . ولا بالخليفة المأفون - يعني يزيد بن معاوية - ألا وإن من كان قبلي من الخلفاء ، كانوا يأكلون ويطعمون من هذه الأموال ، ألا واني لا أداوي أدواء هذه الأمة إلا بالسيف ، من قال برأسه

ص: 304

هكذا ، قلنا له بسيفنا هكذا ، ألا وإن الجامعة التي جعلتها في عنق عمرو بن سعيد عندي ، والله ، لا يفعل أحد فعله ، إلا جعلتها في عنقه ، والله ، لا يأمرني أحد بتقوي الله ، بعد مقامي هذا ، إلا ضربت عنقه ، ثم نزل ( تاريخ الخلفاء 218 و 219).

أقول : أدخل أبو القاسم المغربي ، الصفات التي وصف بها عبد الملك اثنين من أسلافه في قصيدته التي مدح فيها الأنصار ، قال :

ثم امتطاها عبد شمس فاغتدت***هزؤ وبدل ربحها بخسار

وتنقلت في عصبة أموية ***ليسوا بأطهار ولا أبرار

ما بين مأفون إلي متزندق***ومداهن ومضاعف وحمار

أراد المأفون يزيد بن معاوية، وبالمتزندق الوليد بن يزيد، وبالمداهن معاوية بن أبي سفيان ، وبالمضاعف يزيد بن الوليد، ووبالحمار مروان الجعدي ، وقد لقب بالحمار لصبره في الحرب ( شرح نهج البلاغة 16/6 و 17).

وقال أصحاب عبد الملك بن مروان في مجلسه : يا أمير المؤمنين اسقنا دم هذا المنافق .

وسبب ذلك ، أن ابن قيس الرقيات ، حضر مجلس عبد الملك بن مروان فأخر له الأذن ، حتي دخل الناس جميعا ، وأخذوا مجالسهم ، ثم أذن له ، فلما دخل ، قال عبد الملك : يا أهل الشام ، أتعرفون هذا ؟ قالوا : لا ، قال : هذا ابن قيس الرقيات ، الذي يقول :

كيف نومي علي الفراش ولما***تشمل الشام غارة شعواء

تذهل الشيخ عن نبيه وتبدي***عن خدام العقيلة العذراء

فقالوا : يا أمير المؤمنين ، اسقنا دم هذا المنافق ، فقال : الآن وقد أمنته ، وصار في منزلي ، وعلي بساطي ، قد أخرت له الإذن لتقتلوه ، فلم تفعلوا ، ولما أنشده قصيدة مدحه بها ، منها :

ص: 305

إن الأغر الذي أبوه أبو العا***ص عليه الوقار والحجب

يعتدل التاج فوق مفرقه ***علي جبين كأنه الذهب

فقال له عبد الملك : يا ابن قيس ، تمدحني بالتاج ، كأني من العجم ، وتقول في مصعب بن الزبير :

انما مصعب شهاب من الله ***تجلت عن وجهه الظلماء

ملكه ملك رأفة ليس فيه***جبروت منه ولا كبرياء

أما الأمان فقد سبق لك ، ولكن - والله - لا تأخذ مع المسلمين عطاء أبدا، راجع كتاب الفرج بعد الشدة للقاضي التنوخي ج 4 ص 281 - 286 رقم القصة 462.

وفي السنة 75 لما خطب الحجاج علي منبر الكوفة ، وأمر بقراءة كتاب عبد الملك ، فلما قريء ووصل القاريء إلي قوله : سلام عليكم ، قال الحجاج للقاريء : اقطع ، ثم قال للناس : يا عبيد العصا ، أيسلم عليكم أمير المؤمنين فلا تردون ( الطبري 6 / 208).

وسمع الحجاج في اليوم الثالث من قدومه تكبيرة ، فخرج حتي جلس علي المنبر ، فقال : يا أهل العراق ، يا أهل الشقاق والنفاق ومساويء الأخلاق ، اني سمعت تكبيرة ليس بالتكبير الذي يراد الله به بالترغيب ، يا بني اللكيعة ، وعبيد العصا، وأبناء الأيامي ، وأولاد الإماء ، والفقع بالقرقرة ( الطبري 209/6 والعقد الفريد 4 / 110 وابن الأثير 4 / 377 و 378 ).

ولما ولي عثمان بن حيان المدينة ، للوليد بن عبد الملك ، خطب علي المنبر ، فقال : إن أهل العراق ، هم أهل الشقاق والنفاق ، وهم والله عش النفاق ، وبيضته التي تفلقت عنه ، وأنا - والله - لا أوتي بأحد أوي أحد منهم ، أو أكراه منزلا ، ولا أنزله ، إلا هدمت منزله ، وأنزلت به ما هو أهله ( الطبري 6/ 480) .

ص: 306

وشتم كعب بن جعيل، غياث بن غوث التغلبي ، فقال له : إنك الأخطل ، فغلب عليه ، وهو الأخطل الشاعر المعروف ، والأخطل : السفيه ( الأغاني 1/ 281).

وكان عبد الله بن الزبير ، يشتم ثقيفة علي المنبر ، فيقول فيهم : قصار القدود ، سود الجلود ، لئام الجدود ، بقية ثمود . ( انساب الأشراف 5 / 197)

وفي السنة 83 في معركة دير الجماجم ، لما ثار أهل العراق وخراسان علي ظلم الحجاج ، فاستعان عليهم بأهل الشام ، خرج عراقي ، فطلب المبارزة ، وشتم أهل الشام ، فقال لهم : يا معشر جرامقة الشام ( الطبري 361/6)

أقول : الجرموق : الخف الذي يلبس فوق الخف ليقيه من الطين ، وتسميه العامة : الكالوش ، وجرامقة الشام ، أنباطها .

وأراد قتيبة بن مسلم ، أمير خراسان ، أصحابه وجنده ، علي خلع سليمان بن عبد الملك ، فلم يجبه أحد منهم ، فغضب ، وشتمهم ، فقال : لا أعز الله من نصرتم، والله ، لو اجتمعتم علي عنز ما كسرتم قرنها ، يا أهل السافلة ، ولا أقول أهل العالية ، يا أوباش الصدقة ، جمعتكم كما تجمع إبل الصدقة من كل أوب ، يا معشر بكر بن وائل ، يا أهل النفج والكذب والبخل ، بأي يوميكم تفخرون ؟ بيوم حربكم ، أو بيوم سلمكم ، يا أصحاب مسيلمة ، با بني ذميم ، ولا أقول تميم ، يا أهل الخور والقصف ، كنتم تسمون الغدر في الجاهلية كيسانا ، يا أصحاب سجاح ، يا معشر عبد القيس الفساة ، تبدلتم بأبر النخل أعنة الخيل ، يا معشر الأزد ، تبذلتم بقلوس السفن ، أعنة الخيل الحصن، الأعراب وما الأعراب ، لعنة الله علي الأعراب ، يا كناسة المصرين ، جمعتكم من منابت الشيح والقيصوم ، ومنابت القلقل ،

ص: 307

تركبون البقر والحمير ، في جزيرة ابن كاوان ، يا أهل خرسان ، هل تدرون من وليكم ؟ وليكم يزيد بن ثروان ، كأني بأمير من حاء وحكم ، قد جاءكم ، فغلبكم علي فيئكم ، قد استخلف عليكم أبو نافع ذو الودعات ، إن الشام أب مبرور ، والعراق أب مكفور ، حتي متي يبطح أهل الشام بأفنيتكم وظلال دياركم ، يا أهل خراسان ، انسبوني ، تجدوني عراقي الأم ، عراقي الأب ، عراقي المولد ، عراقي الهوي والرأي ( الطبري 509/6 و 510 ، وابن الأثير 12/5-14 والعقد الفريد 125/4 - 127 ).

أقول : حاول الوليد بن عبد الملك ، أن يخلع أخاه سليمان من ولاية العهد ، وأن ينصب بدلا منه ولده عبد العزيز ، ابنه من أم البنين بنت عمه عبد العزيز بن مروان ، وراسل كبار عمال الأطراف في ذلك ، فأطاعه الحجاج بن يوسف الثقفي ، عامله علي العراقين ، وقتيبة بن مسلم عامله علي خراسان وما وراء النهر ، وموسي بن نصير عامله علي إفريقية والأندلس ، ونصحه بعض أصحابه أن يكف عن هذه المحاولة ، وممن عارضه في محاولته هذه ، ابن عمه عمر بن عبد العزيز ، مع أن الذي رشحه لولاية العهد، هو ابن أخت عمر ، فاغتاظ الوليد من عمر ، وأمر به فحبس في حجرة ، وطين عليه بابها ، وتداركته أخته أم البنين ، بعد أيام ، وقد قارب الموت ، فأنقذته ، فحفظها سليمان العمر ، وأوصي له بالخلافة من بعده ، كما حفظها لهؤلاء الذين أجابوا الوليد إلي خلعه ، ولما وجد سليمان ، أن الحجاج قد أفلت من يده ، إذ هلك في أيام الوليد ، أمر عامل الخراج بالعراق ، صالح بن عبد الرحمن ، وكان الحجاج قد قتل أخاه ، أن يجمع بني عقيل ، رهط الحجاج ، وأن يبسط عليهم العذاب ، حتي يقتلهم ، وقام صالح بذلك قيامة تاما ، ونكب سليمان ، موسي بن نصير ، فعزله ، وأهانه ، وأغرمه ما ثقيلا ، وأبقاه قريبا منه مسرحا كمعتقل ، ومطلقا كموثق ، وخشي أن ينتفض عليه عبد العزيز بن موسي ، وكان علي الأندلس ، فدس من أغري به الجند

ص: 308

فقتلوه وهو في صلاة الصبح ، وبعثوا برأسه إلي سليمان ، فعرضه علي أبيه موسي ، فتجلد للمصيبة ، وهذه من زلات سليمان ، علي أنه كان قليل الزلات ، إذا قيس إلي أبيه وأخيه ، ولكن الحقد علي هؤلاء الذين شجعوا الوليد علي خلعه من ولاية العهد، دفعه إلي ركوب متن الشطط في الإقتصاص منهم ، وأحس قتيبة بأنه معزول ، وربما أصابه ما هو شر من العزل ، وبلغه أن سليمان وتي يزيد بن المهلب أميرا علي العراقين ، وخراسان ، والجبال ، وطبرستان وما وراء النهر وسجستان والسند ، فأراد أن يتغدي بسليمان ، قبل أن يتعشي سليمان به، فأعلن خلعه ودعا الناس إلي ذلك ، فلم يجبه أحد ، فغضب وخطب فيهم خطبته التي أثبتناها ، فأدت هذه الخطبة إلي انتقاض جنده عليه ، فقتل قتيبة بن مسلم ، وقتل معه من بني مسلم أحد عشر رجلا ، سبعة منهم لصلب مسلم ، وأربعة من بني أبنائهم .

وأدرج فيما يلي ، إيضاحا لبعض الفقرات التي وردت في الخطبة ، أما قوله : يا أهل السافلة ، ولا أقول أهل العالية ، فيريد بهم أهل العالية بالبصرة والكوفة ، وهم مجموع من قريش وكنانة والأزد وبجيلة وخثعم وقيس عيلان كلها ومزينة ، وكان أهل العالية بالكوفة يقال لهم ربع أهل المدينة ، وبالبصرة خمس أهل المدينة ( الطبري 6/ 580 ) وكان نصر بن سيار ، أمير خراسان ، قد عقد للحكم بن نميلة بن مالك ، علي أهل العالية بخراسان ، وكان أبو الحكم نميلة عليهم بالبصرة ، وكان نصر قد أوفد مغراء بن أحمر بن مالك ، ابن عم الحكم بن نميلة علي رأس وفد إلي هشام بن عبد الملك فأغري يوسف بن عمر ، أمير العراقين ، مغراء ، أن يغض من نصر عند هشام ، فاغتابه عند هشام ، وكذبه بقية رجال الوفد ، فلما عاد مغراء إلي يوسف ، قال له : لم يبق لي خير في صحبة نصر بعد ما صنعت معه ، فأبقاه يوسف عنده ، ولما بلغ نصر ما صنع مغراء ، بعث إلي ابن عمه الحكم بن نميلة ، وهو في السراجين يعرض الجند ، فأخذ برجله ، فسحبه عن طنفسة

ص: 309

له ، وكسر لواءه علي رأسه ، وضرب بطنفسته وجهه ، وقال : هكذا يصنع بأهل الغدر (الطبري 195/6 ) وأما قوله : جمعتكم كما تجمع إبل الصدقة، يريد أنه جمعهم من انحاء شتي كما تجمع الإبل التي يأخذها عامل الزكاة، وهو المصدق (بكسر الدال المشددة) الذي يأخذ الحقوق من الإبل والغنم ، ولما كان الإسلام قد ترك لصاحب المال أن يختار ، فهو يختار الأصلح الأصح ، ويترك الباقي للمصدق ، يريد قتيبة إنه جمع جنده كما تجمع إبل الصدقة ، وليسوا من خيرة الرجال ، والنفج : افتخار الإنسان بما ليس عنده ، وقد حرف البغداديون الكلمة ، فهم يلفظونها بالخاء ، فيقولون عمن يفتخر بما ليس عنده : تفاخ ، ووصف الجاحظ في كتاب البخلاء أحمد الخاركي ، بأنه كان بخيلا نفاجأ ، وهذا أغيظ ما يكون ، وبلغ من نفجه ما أخبره به إبراهيم بن هانيء ، قال : كنت عنده يوما إذ مر بعض الباعة فصاح : الخوخ ، الخوخ ، فقلت : وقد جاء الخوخ بعد ؟ فقال أحمد : نعم قد جاء ، وقد أكثرنا منه ، فدعاني الغيط عليه أن دعوت البياع، وسألته : كيف تبيع الخوخ ؟ فقال : ست بدرهم ، فأقبلت علي ابن الخاركي ، وقلت له : ويحك ، نحن لم نسمع بالخوخ بعد، وأنت تدعي أنك قد أكثرت منه ، وأنت ممن يشتري ست خوخات بدرهم؟ ثم تقول قد أكثرنا منه ، فقال : وأي شيء أرخص من ستة أشياء بشيء ، أقول : في هذه القصة فائدة وهي أن الخوخ في أيام الجاحظ كان يباع بالبصرة بالعدد ، وأراد قتيبة بقوله : أصحاب مسيلمة ، يعيرهم بأنهم ارتدوا عن الإسلام ، واتبعوا مسيلمة الذي اشتهر بلقب مسيلمة الكذاب ، وكان قد تنبأ في آخر أيام النبي صلوات الله عليه ، وسير إليه أبو بكر الصديق جيشأ بقيادة خالد بن الوليد ، فقتله ، وهو أبو ثمامة مسيلمة بن كبير بن حبيب الحنفي الوائلي ، ولد ونشأ باليمامة ، وكان في الجاهلية يعرف برحمان اليمامة ، ولما ظهر الإسلام ، أعلن أنه نبي ، وفي السنة 10 كتب إلي النبي صلوات الله عليه كتابا فيه : من مسيلمة رسول الله ، إلي محمد رسول الله ، سلام عليك : أما بعد ، فاني قد اشركت معك في

ص: 310

الأمر ، وان لنا نصف الأرض ، ولقريش نصفها ، ولكن قريشا قوم يعتدون ، فرد عليه النبي : بسم الله الرحمن الرحيم ، من محمد رسول الله ، إلي مسيلمة الكذاب ، السلام علي من اتبع الهدي ، أما بعد، فإن الأرض لله ، يورثها من يشاء من عباده ، والعاقبة للمتقين ، وتوفي النبي قبل القضاء علي فتنة مسيلمة ، فلما انتظم الأمر لأبي بكر ، سير إليه في السنة 12 جيشا علي رأسه خالد بن الوليد ، هاجم ديار بني حنيفة ، وأشتبك مع مسيلمة وأصحابه في معركة ضارية ، بلغ فيها عدد القتلي من المسلمين ألفا ومائتي رجل، وانتهت المعركة بظفر المسلمين ، وبقتل مسيلمة وكثير من أصحابه ( الإعلام 125/8 ) ولقب مسيلمة منذ أن تنبا بمسيلمة الكذاب ، ومنه اشتق المثل للكذاب ، فقيل : أكذب من مسيلمة ، وأما قوله : يا أصحاب مجاح ، فهو يعيرهم بالردة ، واتباعهم سجاح التي تنبأت ، وهي أم صادر سجاح بنت الحارث بن سويد التميمية اليربوعية ، كانت شاعرة أدبية ، عارفة بالأخبار ، ادعت النبوة في وقت الردة بعد وفاة النبي صلوات الله عليه، فتبعها جمع من عشيرتها ، وأقبلت بهم من الجزيرة ، تريد غزو المدينة ، ونزلت باليمامة ، فتزوجها مسيلمة ، وضم جمعها إلي جمعه ، ثم انصرفت عائدة إلي أخوالها التغلبيين بالجزيرة ، وبلغها خبر مقتل زوجها مسيلمة ، فأسلمت ، ولجأت إلي البصرة ، وماتت بها في السنة 55 ( الاعلام 3/ 122 ) أما قوله : يا معشر عبد القيس الفساة ، يعيرهم بالفسو، وهي تهمة لاصقة بعبد القيس ، ويقال الهم الفساة ، يعرفون بهذا ، قال الشاعر :

إذا تعشوا بص وخلا***باتوا يستون الفساء سلا

وقيل إن النساء كان نبزة لحي من أحياء العرب ، فجاء منهم رجل ، ببردي حبرة ، إلي سوق عكاظ فقال : من يشتري مني عار الفسو بهذين البردين ، فقام شيخ من مهو ( بطن من عبد القيس ) اسمه عبد الله بن بيدرة ، فارتدي بأحدهما ، واتزر بالآخر ، وهو الذي سمي : مشتري الفسو ببردي حبرة ، وضرب به المثل ، فقيل : أخيب صفقة من شيخ مهو : وقال الراجز :

ص: 311

يا من رأي كصفقة ابن بيدره***من صفقة خاسرة مخرة

و المشتري الفسو ببردي حبره

ومن لطيف ما يروي ، أن أبا جلدة اليشكري ، كان عظيم البطن ، فقام ليبول ، فضرط ، فتضاحك القوم منه ، فسل سيفه ، وقال : لا أم لكم ، أمني تضحكون ؟ لأضرب بسيفي هذا من لا يضرط منكم ، فما زال بهم حتي ضرطوا جميعا ، إلا صاحبا له من عبد القيس ، قال له : قد علمت أن عبد القيس لا تضرط ، ولك بدلها عشر فسوات ، فقال : لا والله ، أو تفصح بها ، فجعل العبقسي يتلوي وينحني ، فلا يقدر عليها، فتركه ( الأغاني 11 / 321)، وقول : تبدلتم بأبر النخل أعنة الخيل ، فهو يعيرهم بأنهم كانوا فلاحين يقومون علي رعاية نخلهم ، لا يعرفون شيئا عن الفروسية ، فصيرهم فرسانأ ، وأبر النخل وأبره : أصلحه ، ولقحه ، ونفي عنه اليابس من السعف ، وقد حرف البغداديون الكلمة ، فهم يقولون زبر بالزاي والباء المشددة ويريدون بها معني أبر ، قال شاعر العراق معروف الرصافي من قصيدة :

وما كتب التاريخ في كل ما روت***لقرائها إلا حديث ملقق

نظرنا لأمر الحاضرين فرابنا ***فكيف بأمر الغابرين نصدق

وما سير الماضين إلا عواذق*** يؤبرها مر السنين فتعذق

يريد بالبيت الأخير أن الماضين من الناس ، كلما بعد بهم الزمن ، نسب إليهم الناس أوصاف وأماديح، كالنخلة كلما أبرت علت وأعذقت، وللعامة البغداديين مثل يشبهه ، وهو قولهم : الميت تطول كرعانه ، والكراع ما دون الركبة من الساق ، وقوله ، وهو يعبر الأزد : تبدلتم بقلوس السفن ، أعنة الخيل الحصن ، والقلوس الحبل الضخم من الليف يستعمل في السفن ، والحصن ، بالضم جمع حصان ، وهو كل ذكر من الخيل ، يجمع علي أحصنة وحضن ، ولكن البغداديين لا يقولون أحصنة ، وإنما يقولون لحصن ،

ص: 312

بعير الأزد بأنهم ملاحون ، وأزد أبو حي من اليمن ، وهم ثلاثة أقسام : أزد السراة ، وأزد شنوءة ، وأزد عمان ، وأزد شنوءة أصح الأزد أص؟ ، قال الشاعر يمتدح أزد شنوءة ويذم أزد عمان :

وكنت كذي رجلين رجل صحيحة***ورجل بها ريب من الحدثان

فأما التي صحت فأزد شنوءة ***وأما التي شلت فأزد عمان

ومن جملة ما يروي عن تعير الأزد بأنهم ملاحون ، ما صنعه مسلمة بن عبد الملك ، لما قاتل يزيد بن المهلب وقتله في موقعة العقر ، فإنه صلبه بجسر بابل ، وصلب إلي جانبه سمكة وخنزيرأ وعلق معهما زق خمر ( الغيث المسجم 2/ 181 و 182 ) يشير بالسمكة إلي إنه أزدي ، فهو ملاح ، وبالخنزير للإهانة ، وبالزق إلي أنه شرب خمر ، ولما انتهت موقعة العقر بقتل يزيد بن المهلب ، طلب الورد بن عبيد الله بن حبيب السعدي الأمان ، فأحضره مسلمة ، وشتمه ، فقال له : صاحب خلاف وشقاق ، ونفار ونفاق ، في كل فتنة ، مرة مع حائك كندة ( يريد ابن الأشعث ) ومرة مع ملاح الأزد ( يريد يزيد بن المهلب ) ( الطبري 6/ 601 ) ، وفي السنة 129 لما اختلف نصر بن سيار أمير خراسان ، وجديع بن علي الكرماني الأزدي ، بعث إليه بسلم بن أحوز علي رأس جيش ، فتواقف مع جيش جديع علي أسوار مرو ، فقال سلم لمحمد بن المثني : يا محمد ، مر هذا الملاح فليخرج الينا ، فقال محمد السلم : يا ابن الفاعلة ، لأبي علي تقول هذا ؟ ( الطبري 7/ 368) ، ولما قتل جديع في المعركة ، أخذه نصر ، وصلبه ، وصلب إلي جانبه سمكة ، يشير إلي أنه أزدي ، فهو ملاح ( الطبري 370/7 ) ، وأراد بقوله : كناسة المصرين ، الكناسة : هي الزبالة التي تحصل من تنظيف البيت بالمكنسة ، أرادانهم من نفاية الناس الذين بالمصرين، وأراد بالمصرين البصرة والكوفة ( معجم البلدان 4 / 544 ) قال الشاعر :

اني لأحمق من يمشي علي قدم***إن غرني من حياتي قول عباد

ص: 313

أمسي يقول لذا المصران قد فتحا***ودون ذلك بوم شره باد

ولهذه التسمية أشباه ، فيراد بالقمرين : الشمس والقمر ، وبالعمرين : أبو بكر وعمر ، وبالحكمين : أبو موسي الأشعري وعمرو بن العاص ، وبالماهين : ماء البصرة ، وماه الكوفة ، وماء البصرة : نهاوند وهمذان وقم ، وماه الكوفة الدينور ( معجم البلدان 4 / 405 و 406 ) ويراد بالأبيضين : الخبز والماء ، قال الشاعر :

الأبيضان أبردا عظامي***الماء والخبز بلا أدام

ويراد بالجديدين الليل والنهار ، لأنهما يتجددان في كل يوم ، قال

الشاعر :

إن الجديدين في طول اختلافهما لا يفسدان ولكن يفسد الناس

ويراد بالمروين : مرو الروذ ومرو الشاهجان ، قال الشاعر يمدح يزيد بن المهلب لما كان في حبس الحجاج :

أبا خالد ضاعت خراسان بعدكم ***وقال ذوو الحاجات أين يزيد

فما قطرت بالري بعدك قطرة***ولا أخضر بالمروين بعدك عود

وما لسرور بعد بعدك بهجة***ولا لجواد بعد جودك جود

وقوله تركبون البقر والحمير ، في جزيرة ابن كاوان ، انهم لم يكونوا فرسانة ، وإنما كانوا فلاحين ومكارين في جزيرة ابن كاوان ، وهي جزيرة ذكرها ياقوت في معجمه 2/ 79 فقال : إنها جزيرة عظيمة بين عمان والبحرين في خليج البصرة ، كانت من أجل جزائر البحر ، عامرة آهلة ، وفيها قري ومزارع، وقال عنها المسعودي إنها كانت في السنة 343 عامرة آهلة ، وهي الآن خراب ، وقوله : جمعتكم من منابت الشيح والقيصوم والقلقل : انه جمعهم من مواطن شتي ، قومأ متفرقين فوحدهم ، ورفعهم ، وأعلي من شأنهم ، والشيح : نبات بري طيب الرائحة ، ترعاه المواشي ، والقيصوم :

ص: 314

نبات بري كذلك طيب الرائحة ، والقلقل : جنس شجر من فصيلة القرنيات يشبه الرمان ، حبه أسود ، في حجم الفلفل ، وقوله : هل تدرون من وليكم ، وليكم يزيد بن ثروان ، يريد به يزيد بن المهلب ، يصفه بالحمق ، وكان يزيد بن ثروان لحمقه يطعم السمان من إبله، ويجيع المهازيل، فقيل له في ذلك ، فقال : أكرم من أكرمه الله، وأهين من أهانه الله، وقوله : كأني بأمير من حاء وحكم قد جاءكم فغلبكم علي فيئكم ، حاء وحكم ، حيان جافيان من أحياء اليمن من وراء رمل يبرين ، وفي الحديث شفاعتي لأهل الكبائر من أمتي حتي حكم وحاء ، قالها قتيبة استصغارا لشأن يزيد بن المهلب ، وهو أزدي من اليمانيين ، وقوله أبو نافع ذو الودعات ، إعادة لذكر هنقة ، فهو أبو نافع يزيد بن ثروان الملقب هبنقة ذا الودعات .

وفي السنة 144 اعتقل أبو جعفر المنصور، بني الحسن ، وكبلهم وغلهم ، وحملهم معه إلي العراق ، فلما خرج المنصور ناداه عبد الله بن الحسن ، وهو مكبل مغلول ، يا أبا جعفر ، والله ما هكذا فعلنا بأسراكم يوم بدر ( يشير إلي أسر جده العباس يوم بدر ، فإن النبي صلوات الله عليه أكرمه وحل وثاقه ) قال : فأخساه أبو جعفر ( قال له : اخسأ ) ، وتفل عليه ، ومضي ولم يعرج . ( الطبري 7 / 542).

وقال عبادة المخنث ، نديم المتوكل ، لعجوز أطلت عليه من شباك ، وهو في حالة عهر مخزية : يا عجوز السوء ، راجع القصة في الديارات 189 .

أقول : عبادة المخنث ، المجاهر بالعهر والبغاء ، كان نديم المتوكل ، وبلغ من تعلق المتوكل به ، أنه أباح له الدخول عليه ، وهو في فراشه مع نسائه ، ولم استسغ نقل القطة ، لما فيها من الخزي والعهر .

وخرج عبد الله القيرواني الشاعر ، يريد صقلية ، فأسره الروم ولما هادن

ص: 315

ثقة الدولة صاحب صقلية الروم ، أطلقوا له الأسري ، وكان عبد الله منهم ، فمدحه ، فلم يصله بما يرضيه ، فتكلم وطلب طلبا شديدا ، فأحضره ثقة الدولة ، وقال له : ما الذي بلغني يا بائس ، قال : المحال أيد الله سيدنا الأمير .

فقال له : من الذي يقول : الحر ممتحن بأولاد الزنا

فقال : هو الذي يقول : وعداوة الشعراء بئس المفتني .

فتنمر ساعة . ثم أمر له بمائة رباعي ، وأخرجه من المدينة ، كراهية أن تقدم عليه نفسه فيعاقبه بعد أن عفا عنه . ( وفيات الأعيان 157/6 و 158 )

أقول : ثقة الدولة أبو الفتوح يوسف بن عبد الله بن محمد بن أحمد بن الحسن (379 - 388) تنازل ولده عن الحكم .

ودخل بشار علي المهدي ، فسأله عن نسبه ، فقال :

تمت في الكرام بني عامر فروعي وأصلي قريش العجم

فإني لأغني مقام الفتي***وأسبي الفتاة فما تعتصم

فقال له أبو دلامة : كلا، لوجهك أقبح من ذلك ، ووجهي مع وجهك ، فقال له بشار : كلا، ما رأيت رجلا أصدق علي نفسه ، وأكذب علي جليسه منك ، أفأنت مثلي يا مرضعان ؟ ( الأغاني 3/ 138).

وغضب ابن أبي البغل ، عامل إصبهان ، علي أحد طلاب التصرف ، فقال له : قد - والله - بلينا بكم يا بطالين .

أقول : ابن أبي البغل ، أبو الحسن محمد بن أحمد بن يحيي ، من رجال الدولة العباسية ، كان عاملا علي أصبهان ، وسعت له أم موسي الهاشمية قهرمانة المقتدر في الوزارة ، وأحس الخاقاني الوزير بالأمر ، فقبض عليه ، فاستنقذته أم موسي ، وأعادته إلي عمالة أصبهان ، ولما قبض علي أم

ص: 316

موسي صرف عن عمله ، وصودر أولا ، وثانية ، واعتقل ، وكان في خشية القتل لما ورد الخبر بعزل الوزير ابن الفرات ، فكتب في تقويم لديه : اليوم ولد محمد بن أحمد بن يحيي ( يعني نفسه ) وله إحدي وثمانون سنة ، وعندما كان يلي أصبهان ، قدم عليه شيخ من بغداد ، يريد التصرف ( التعيين في إحدي الوظائف ) ومعه رسائل (توصية) من جماعة من رؤساء الحضرة ببغداد ، وصادف من ابن أبي البغل ضجرة وضيق صدر ، فغضب ، وقال له : قد والله بلينا بكم يا بطالين كل يوم يصير إلينا منكم واحد يريد تصرفا، لو كانت خزائن الأرض إلي ، لكانت قد نفدت ، راجع القصة مفصلة في كتاب نشوار المحاضرة وأخبار المذاكرة للقاضي التنوخي ج 2 ص 152 - 154 وكيف عاد ابن أبي البغل عن ضجره واعتذر إلي الرجل واستخدمه .

ودخل القاضي أبو عمر ، إلي دار الخلافة ، فاجتمع عليه الخدم ، وشتموه قائلين له : يا ظالم ، يا مرتشي .

أقول : كان أبو عمر ، قاضي القضاة ببغداد ، في أيام المقتدر ، وكان من أكمل الناس عقلا ، وأحسنهم تصرفأ ، وكان رئيس الخدم في قصر الخليفة ، كلمه في قضية من القضايا المعروضة عليه ، وكان الحكم الذي أصدره في غير مصلحة الخادم ، فأغري أتباعه من الخدم بشتمه ، راجع في كتاب نشوار المحاضرة للقاضي التنوخي ج 2 ص 83 - 86 كيف تصرف القاضي في هذه القضية .

واغتاظ الوزير اسماعيل بن بلبل، من عبيد الله بن سليمان ، فقال الصاحب الديوان : قل له ، والله ، لولا تذمي ، لأمرت بالآخر أن يصفع من داره إلي ديوان اسماعيل بن ثابت ، راجع القصة مفصلة في كتاب نشوار المحاضرة ح 8 ص 164 - 169 رقم القصة 71.

أقول : الآخر والأخير ، والأبعد والبعيد ، من الفاظ الشتيمة .

ص: 317

وقرأ القطر بلي ، علي ثعلب ، بيت الأعشي :

فلو كنت في جب ثمانين قامة***ورقيت أسباب السماء بسلم

فقرأها : فلو كنت في حب ( بالحاء ) ، فقال له ثعلب : خرب بيتك هل رأيت حبة ثمانين قامة ، إنما هو جب ، بالجيم ( معجم الأدباء 2/ 145)

وكان أبو العباس سهل بن بشر النصراني، ضامن الأهواز، حديد، سفيه اللسان ، فشكوه إلي المطران بجند يسابور ، فنصحه بأن يمنع لسانه من الشتم ، فلما انصرف سهل ، وأراد أن يشتم رجلا ، قال له : إسمع يا هذا ، إن المطران قد منعني من شتم أحد من الناس ، وأنا مستأجر من القائد ، والقائد هو الذي يقول لك علي لساني : يا زوج كذا وكذا ، ويا ابن كذا وكذا ، ويا أخو كذا ، ( الهفوات النادرة 319) .

وفي السنة 139 استعان الملك الصالح إسماعيل ، سلطان دمشق ، بالافرنج، وأعطاهم مدينة صيدا ، وقلعة الشقيف ، فأنكر عليه الشيخ عز الدين بن عبد السلام ذلك ، وترك الدعاء له ، وترك دمشق إلي مصر ، فأرسل الملك الصالح إلي الشيخ عز الدين ، وهو في طريقه ، قاصدأ ، تلطف به ، وقال له : ما يريد السلطان منك شيئا ، إلا أن تنكسر له وتقبل يده ، فقال له الشيخ : يا مسكين ، أنا ما أرضاه يقبل يدي ، فضلا عن أن أقبل يده ، يا قوم ، أنا في واد ، وانتم في واد ، وأستمر في سفره إلي مصر . ( التاج اللجاحظ 191 حاشية ).

وكان قاضي دمشق في السنة 1022 المولي أحمد أفندي الشهير بشيخ زاده ، يكره العرب ، وإذا شتم أحدأ ، قال له : بره ، عرب طاط ( تراجم الأعيان 197/1 ).

ص: 318

قولهم اخطأت استه الحفرة

اخطأت استه الحفرة : كلمة شتم فيها استهانة شديدة بالمخاطب ، تعني أن المخاطب أراد شيئا ، فأخطأ ، ولم يقع علي الغرض .

وبعث يزيد بن معوية ، الضحاك بن قيس ، ليأخذ بيعة ابن الزبير ، فأبي أن يبايع ، فقال له الضحاك : إن لم تبايع طائعأ ، بايعت كارهأ، فقال له ابن الزبير : إنك ثعلبة بن ثعلبة ، تيس بحيرة ، أردت الحقحقة ، فأخطأت استك الحفرة ( انساب الأشراف 196/5 ).

أقول : تيس بحيرة يعني تيس مشقوق الأذن ، والحقحقة : شدة السير .

وغضبت عائشة بنت طلحة ، علي كثير عزة ، فقال له : اخطأت استك الحفرة

وتفصيل ذلك : أن عائشة بنت طلحة ، أرسلت إلي كثير ، فقالت : يا ابن أبي جمعة ، ما الذي يدعوك إلي أن تقول من الشعر في عزة ما قلت ، وليست من الحسن علي ما تصف ، ولو شئت صرفت ذلك عنها إلي غيرها ممن هو أولي به منها ، أنا ومثلي فإني أشرف وأجل وأوصل من عزة ، وإنما أرادت أن تختبره بذلك ، فقال :

إذا ما أرادت خلة أن تزيلها***أبينا وقلنا الحاجبية أول

ص: 319

سنوليك عرفة إن أردت وصالنا***ونحن لتلك الحاجبية أوصل

لها مهل لا يستطاع آدراكه ***وسابقة في القلب لا تتحول

فقالت له عائشة : أخطأت استك الحفرة يا أبا صخر ، لقد أسميتني خلة ، وما أنا لك بخلة ، وعرضت علي وصلك وما أريده ، ولو أردته أنت الكرهته أنا، وإنما أردت أن أبلو ما عندك قولا وفعلا ، فما أفلحت ولا أنجحت ، هلا قلت كما قال سيدك جميل : [ وفيات الأعيان 1/ 480].

ويقلن إنك قد رضيت بباطل***منها فهل لك في اجتناب الباطل

والباطل ممن أحب حديثه***أشهي إلي من البغيض الباذل

وشتم مزبد المدني ، بصبص ، جارية ابن نفيس ، فقال لها : أخطأت استك الحفرة أي زانية ، لما طلبت منه أن يخرج درهما لشراء ريحان للمجلس .

وقد روينا القصة في الفصل الخامس من الباب الأول من الكتاب :الرفث في الشتيمة .

ص: 320

الفصل الخامس: الرفث في الشتيمة

اشارة

الرفث : قول الفحش ، يقال : أرفث في كلامه : إذا أفحش . قال العجاج :

ورب أسراب حجيج كظم***علي اللغا ورفث التكلم

ومن جملة معاني كلمة الرفث : الجماع، وغيره مما يكون بين الرجل وامرأته من التقبيل والمغازلة .

قال تعالي : و أحل لكم ليلة الصيام الرفث إلي نسائكم » (187م البقرة 2) وقال تعالي : ( فلا رفث، ولا فسوق ، ولا جدال في الحج 4 (197م البقرة 2).

ورأي ابن عباس أن الرفث المنهي عنه في القرآن في الآية الأخيرة . هو قول الفحش في مواجهة النساء ، أما إذا كان بحيث لا تسمعه امرأة ، فلا يدخل في قوله تعالي : ( فلا رفث ولا فسوق ه .

وفي مجمع البيان 2/ 293 : أن الرفث بالفرج : الجماع، والرفث باللسان : المواعدة للجماع ، والرفث بالعين : الغمز للجماع .

ص: 321

1- قولهم : يا زانية ، ويا ابن الزانية

الزنا : الفجور . الزانية : الفاجرة .

لما بعث زياد حجر بن عدي إلي معاوية ، بعث معه محضرة شهد فيه قوم كان منهم شداد بن بزيعة، وبزيعة أمه ، فقال زياد : أما لهذا أب ينسب إليه ؟ ألغوه من الشهود ، فقيل له إنه ابن المنذر ، فقال : انسبوه إلي أبيه ، فبلغ ذلك شداد ، فقال : والهفاه علي ابن الزاينة ، أو ليست أمه أعرف من أبيه ، فوالله ما ينسب إلأ إلي أمه سمية ( الاغاني 17 / 146 ).

: ولما قتل عبيد الله بن زياد ، مسلم بن عقيل ، أحضر أمامه المختار بن أبي عبيد الثقفي ، وقال له : أنت المقبل في الجموع، لنصر ابن عقيل ، ورفع قضيبا في يده ، فاعترض وجه المختار ، نشتر عينه ، ثم حبسه ، فكتب عبد الله بن عمر ، وكانت أخت المختار صفية ، تحته ، إلي يزيد ، فأمر عبيد الله بن زياد بإطلاقه ، فخرج إلي الحجاز ، فلقيه ابن الفرق من وراء واقصة ، فقال له المختار : شتر ابن الزانية عيني بالقضيب ، قتلني الله إن لم أقطع أنامله وأباجله وأعضاءه إربا إربأ ( الطبري 571/5 و 572 وانساب الاشراف 215/5 )

وفي معركة الطف في السنة 61 برز من الجند الأموي أثنان ، هما يسار مولي زياد بن أبيه ، وسالم مولي عبيد الله بن زياد ، فقالا : من يبارز ؟ فبرز إليهما عبد الله بن عمير الكلبي ، من أنصار الحسين ، فقالا له: من أنت ؟

ص: 322

فانتسب لهما ، فقال له يسار : نحن لا نعرفك ، ليخرج إلينا زهير بن القين أو حبيب بن مظاهر ، فقال عبد الله ليسار : يا ابن الزانية ، ما يخرج إليك أحد من الناس إلا وهو خير منك ، ثم شد عليه بسيفه فقتله ( الطبري 429/5و 430)

وتعاير عبيد الله بن ظبيان ، وعبيد الله بن زياد ، فقال ابن ظبيان : رحم الله عمر بن الخطاب . كان يقول : اللهم إني أعوذ بك من الزانيات ، وأبناء الزانيات ، فقال عبيد الله بن زياد : يرحم الله عمر ، كان يقول : لم يقم جنين في بطن حمقاء تسعة أشهر إلا خرج مائقا ( البيان والتبيين 185/2).

وفي السنة 66 وجه المختار قائده إبراهيم بن الأشتر ، علي رأس جند من العراق لقتال جند الشام المقبل إلي الموصل، بقيادة عبيد الله بن زياد ، فالتقوا بخازر ، وحمل شريك بن جدير التغلبي ، من جند العراق ، علي الحصين بن نمير ، من قواد الجند الشامي ، وهو يحسبه عبيد الله بن زياد ، وأخذ شريك يصيح : اقتلوني وابن الزانية ، فقتل ابن نمير ، وانفرجت المعركة عن شريك وهو قتيل أيضا ، وكان شريك قد شهد صفين مع علي ، فلما انقضت أيام علي ، لحق ببيت المقدس فأقام به ، فلما قتل الحسين عاهدا الله إن ظهر من يطلب بدمه ، ليقتل ابن زياد أو ليموتن دونه ، فلما ظهر المختار للطلب بثأر الحسين أقبل إليه وسار مع إبراهيم بن الأشتر ، حيث قتل في المعركة ( الطبري 86/6 و 92، ابن الأثير 4/ 264) .

وشتم أحد أولاد الأحنف بن قيس ، زبراء ، جارية أبيه الأحنف ، فقال لها : يا زانية ، فقالت له : لو كنت زانية ، لأتيت أباك بابن مثلك ( بلاغات النساء 164).

أقول : زبراء ، جارية الأحنف ، كان مطيعا لها ، فكان الأحنف إذا أراد

ص: 323

حربا ، قال الناس : قد غضبت زبراء ، يكنون عن غضبه في الحرب بغضبها ( سرح العيون 55 و 57 ) .

ولما قتل مصعب بن الزبير ، المختار ، أحضر امرأة المختار وهي عمرة بنت النعمان بن بشير الأنصاري ، فسألها ما تقولين في المختار ؟ فقالت : رحمة الله عليه ، إنه كان من عباد الله الصالحين ، فأمر بها فقتلت ، قتلها أحد شرطته واسمه مطر ، ضربها بالسيف ثلاث ضربات ، فصاحت مع الضربات يا أبتاه ، يا أهلاه ، يا عشيرتاه ، ثم ماتت ، فسمع بقصتها أخوها أبان فأمسك بمطر فلطمه ، وقال له : يا ابن الزانية ، قطعت نفسها ، قطع الله يمينك ( ابن الاثير 275/4 والطبري 112/6 ).

وفي السنة 76 بعث الحجاج ، الحارث بن عميرة الهمداني ، في ثلاثة آلاف رجل لقتال الخوارج ، فحصروا شبيب وأصحابه في حصن ، ثم صاح بهم بعض أفراد الجند: يا بني الزواني ، ألم يخزكم الله ؟ فغضب أصحاب شبيب ، وصاحوا بهم : با فساق ، ما عذركم عند الله في الفري علي أمهاتنا ؟ فقال لهم رجال من الجند : إنما هذا من قول شباب فينا سفهاء ، والله ما يعجبنا قولهم ولا نستحله ( الطبري 6/ 223) .

وتلاقي كثير ، وحبيبته عيرة ، ولما عادت إلي زوجها ، ضربها ، وأضطرها إلي شتم كثير ، فوقفت عليه ، وقالت له : يا ابن الزانية ، وهي تبكي .

قال كثير : حججت سنة من السنين ، وحجت عزة وزوجها ، ولا يعلم كل منا بصاحبه ، فلما كنا ببعض الطريق ، أمرها زوجها بابتياع سمن تصلح به طعاما لأهل رفقته ، فجعلت تدور في الخيام حتي دخلت إلي ، وهي لا تعرف انها خيمتي ، وكنت أبري أسهما لي ، فلما رأيتها ، جعلت أبري وأنا

ص: 324

أنظر إليها ، حتي بريت أصابعي ، ولا أشعر ، ودمي يجري ، فلما تبينت عزة ذلك ، أمسكت يدي ، وجعلت تمسح الدم بثوبها ، وأعطيتها نحيا من سمن كان عندي ، فأخذته إلي زوجها ، فلما رأي الدم ، سألها ، فكاتمته ، فحلف التصدقنه ، فصدقته ، فضربها ، وحلف لتشتمني في وجهي ، فوقفت علي ، وهو معها ، فقالت لي : يا ابن الزانية ، وهي تبكي ، فذلك حيث أقول : ( الاغاني 29/9 ).

يكلفها الخنزير شتمي ، ومابها***هواني ولكن للمليك استذلت

ولما ولي سليمان بن عبد الملك ، خافه قتيبة بن مسلم الباهلي أمير خراسان ، لأنه كان قد وافق الوليد علي خلع سليمان ، وتوليه ابن الوليد ، فخلع سليمان ، ولم يطعه الجند ، وحاربه وكيع بن أبي سود التميمي ، فقتل قتيبة ، وصعد وكيع المنبر ، فلم يجد ما يقول ، سوي أنه شتم المرزبان ، وسماه ابن الزاينة ، فإنه صعد المنبر ، وقال : مثلي ومثل قتيبة ، كما قال الأول :

من ينك العير ينك نياكا

أراد قتيبة قتلي ، وأنا قتال .

قد جربوني ثم جربوني *** من غلوتين ومن المئين

حتي إذا شبت وشيبوني***خلوا عناني وتنكبوني

أنا أبو مطرف .

أنا ابن خندف تنميني قبائلها*** بالصالحات وعمي قيس عيلانا

ثم أخذ بلحيته ، فقال :

شيخ إذا حمل مكروهة*** شد الشراسيف لها والحزيما

والله ، لأقتلن ، ثم لأقتلن ، ولأصلين ، ثم الأصلين ، إ مرزبانكم هذا

ص: 325

ابن الزانية ، قد أغلي أسعاركم ، والله ليصير القفيز بأربعة دراهم ، أو الأصلبنه ، صلوا علي نبيكم ، ثم نزل ( الطبري 517/6 و 518 و ابن الأثير 12/5 و 18 ).

أقول : خطب وكيع، وهو أمير خراسان ، فقال : إن الله سبحانه وتعالي خلق السماوات والأرض في ستة أشهر ، فقيل له : إنه خلقها في ستة أيام ، فقال : وأبيك ؟ لقد قلتها وأنا أستقلها ( العقد الفريد 159/6).

و وصاح فتي طرب علي غناء حبابة : الحريق يا أولا الزنا .

وتفصيل ذلك : إن يزيد بن عبد الملك ، سأل جاريته حبابة ، هل رأيت قط أطرب مني ؟ فقالت : نعم ، مولاي الذي باعني ، فكتب في حمله ، فحمل إليه مقيدة ، فلما وصل ، أدخل علي يزيد في قيده ، فأجلسه ، وأمر حبابة أن تغني ، فغنت :

تشط غدا دار جيراننا***وللدار بعد غد أبعد

فوثب الرجل في قيده ، فسقط علي شمعة ، فأحترقت لحيته ، وجعل يصيح : الحريق ، يا أولاد الزنا .

فضحك يزيد ، ووصله بألف دينار ( الاغاني 316/1 و 142/15) .

واستدعي هشام بن عبد الملك ، الإمام زيد بن علي بن الحسين ، فأحضره وهو مكبل بالحديد ، فقال له ، يعيره بأمه ، وكانت جارية : يا ابن السوداء ، فقال له زيد : صبغة جلدها ، وخلقة ربها ، فقال له : يا ابن العجانة الخبازة ، فقال : مهنة أهلها وخدمة بيتها ، فقال : يا ابن الزانية ، فقال : إن كنت صادق ، فغفر الله لها ، وإن كاذبأ ، فغفر الله لك ، فأسقط في يد هشام ، وخجل، ونكس رأسه ، وأمر به فرد إلي محبسه ( الهفوات النادرة 379 ).

ص: 326

وقال الوليد بن يزيد ، لعطرد المغني : يا ابن الزانية.

وسبب ذلك : إن الوليد لما استخلف ، كتب باحضار عطرد المغني ، فحمل إلي الشام ، وغني الوليد صوتأ ، فأطربه ، فشق حلة كانت عليه ، وألقي بنفسه في بركة أمامه مملوءة خمرة ، فنهل منها ، ثم أخرج ، وفي اليوم الثاني صنع مثل صنيعه الأول ، وفي اليوم الثالث ، دعاه ، وقال له . كأني بك ، وقد أتيت المدينة ، فقمت بي في مجالسها ومحافلها وقعدت ، وقلت : دعاني أمير المؤمنين . وغنيته ، وأطربته ، فشق ثيابه ، وفعل وفعل ، والله ، يا ابن الزانية ، لئن تحركت شفتاك بشيء مما جري ، فبلغني ، الأضرب عنقك ، ووصله بألف دينار ( الأغاني 307/3 و309) .

وطلق الوليد بن يزيد ، آمرأته سعدي ، ثم تبعتها نفسه ، فبعث أشعب إليها رسولا علي أن ينشدها أبياتا من الشعر ، هي :

أسعدي هل اليك لنا سبيل ***ولا حتي القيامة من تلااق

بلي ولعل دهرة أن يواتي ***بموت من خليلك أو فراق

وأعطاه علي الرسالة عشرة آلاف درهم ، فأبلغها الرسالة ، فقالت الخدمها : خذوا الفاسق ، ثم أمرته أن يبلغه قولها :

أتبكي علي سعدي وأنت تركتها***فقد ذهبت سعدي فما أنت صانع ؟

فأقبل أشعب ، وأبلغ الوليد الرسالة ، فقال له : أوه ، قتلتني والله ، ما تراني صانعا بك يا ابن الزانية ؟ ( وفيات الأعيان 2/ 474 و 475 والاغاني 27/7 و 28 و171/19).

وقال أبو جنيد البجلي ، لجارية له : يا زانية ، إذا أمسيت وبلعصتك في داري ، فأنا شر منك ، راجع القصة في كتاب بلاغات النساء 154 و 155 .

ص: 327

وقالت إحدي فتيات بني خميس بن عامر ، لابن ميادة : يا ابن الزانية . وسبب ذلك : أن أبن ميادة وقع بينه وبين قوم من بني خميس بن عامر شر فهجاهم ، فقال :

وتبدي الخميسات في كل زينة***فروجأ كأظلاف الصغار من البهم

ثم إن إبل ابن ميادة ، نت ، فخرج في بنائها ، فمر ببني خميس ، فصار إلي عجوز منهم تعرفه ، فقرته ، ثم أبرزت له بنية في إزار أحمر ، فلما أوقفتها بين يديه ، أطلقت عنها ، فقالت له : يا ابن الزانية ، انظر هذا ، فهل هو كما وصفت؟ فانعت اليوم - بعد المعاينة - ماتنعت بحق ( بلاغات النساء 156) . وقال حريش المجنون ، بالبصرة للفرزدق : نخ بغلتك ، جذ الله رجليك ، يا كذوب الحنجرة ، زاني الكمرة ( الأغاني 358/21 ).

واستعار الحزين الديلي الشاعر ، من شيخ من أهل المدينة حماره ، وذهب إلي العقيق ، وعاد علي الحمار وهو سكران ، فوقف الحمار حيث عوده الشيخ أن يقف بباب المسجد ، فأخذه الطائف صفوان ، وضربه الحد، فخرج وهو ينادي ، إن صفوان ابن زائية الأغاني 15/ 330.

وكان الحكم بن عبدل الأسدي الشاعر ، أعرج لا تفارقه العصا ، فترك الوقوف بأبواب الأمراء ، وكان يكتب حاجته علي عصاه ، ويبعث بها مع رسله ، فلا يحبس له رسول ، ولا تؤخر له حاجة ، فقال في ذلك يحيي بن نوفل :

عصا تحكم في الدار أول داخل***ونحن علي الأبواب نقصي ونحجب

وكانت عصا موسي لفرعون آية ***وهذي لعمر الله أدهي وأعجب

تطاع فلا تعصي ويحذر سخطها ***ويرغب في المرضاة منها وترهب

فشاعت الأبيات بالكوفة ، وضحك الناس منها ، فقال ابن عبدل ليحيي : يا ابن الزانية ، ما أردت من عصاي حتي صيرتها ضحكة ( الاغاني 404/2 ).

ص: 328

وأنشدت امرأة من الخضر ، رهط الحكم الخضري ، بينما قاله ، في هجاء ميادة ، أم ابن ميادة الشاعر ، وهي لا تعرفها ، فلما أنشدت البيت ، ثارت مادة إليها بالعمود ، تضربها به ، وتصيح : أي زانية ، هيا زانية ، إياي تعنين ؟، وقام ابن ميادة يخلصها فبعد لأي ما أنقذها ، وكان ابن ميادة عريضة للشر ، طالبة مهاجاة الشعراء ومسابة الناس ، فكانوا يذكرون أمه ميادة ، إذا أرادوا هجاؤه ، فكان يضرب بيده علي جنب أمه ، ويقول : ( الاغاني 263/2 ).

اعرنزمي مياد للقوافي***وأستسمعيهن ولا تخافي

ستجدين أبنك ذا قذاف

ولما حمل رأس محمد بن عبد الله بن الحسن ، النفس الزكية إلي المنصور ، قال لمطر بن عبد الله : أما تشهد أن محمدا بايعني ؟ قال : أشهد بالله ، لقد أخبرتني أن محمدا خير بني هاشم ، وأنك بايعت له . قال : يا ابن الزانية ، أنا قلت ؟ قال : الزانية ولدتك ، قال : يا ابن الزانية الفاعلة ، أتدري ما تقول ؟ قال : التي تعني خير من أمك ، فأمر به فوتد في عينيه ، فما نطق ( المحاسن والمساوي 2 / 138).

وشتمت امرأة مجنونة ، بالكوفة ، رجلا ، فقالت له : يا ابن الزانيين ، وكان القاضي ابن أبي ليلي حاضرأ ، فأقام عليها حدين ، حدأ لأبيه وحدأ الأمه ، في المسجد ، فبلغ ذلك أبا حنيفة ، فقال أخطأ فيها في ستة مواضع :

1- أقام الحد في المسجد ، ولا تقام الحدود في المسجد .

2- ضربها قائمة ، والنساء يضربن قاعدات .

3- وضربها لأبيه حدأ ولأمه حذأ ، ولا يجمع بين حين حتي يجب أحدهما .

ص: 329

4 - والمجنونة ليس عليها حد .

5. وحدها لأبويه وهما غائبان ، لم يحضرا فيدعيان ..

( تاريخ بغداد للخطيب 350/13 )

أقول : ولم يذكر الخطيب الخطأ السادس .

وقال مزبد المدني لبصبص جارية ابن نفيس: أي زانية، أخطأت أستك الحفرة .

وتفصيل القصة : إن مزبد المدني ، كان شديد البخل ، فاجتمع ذات يوم عند بصبص جارية ابن نفيس ، عبد الله بن مصعب الزبيري ، ومحمد بن عيسي الجعفري ، في أشراف من أهل المدينة ، فتذكروا مزبدأ المدني ، صاحب النوادر ، وبخله ، فقالت بصبص : أنا آخذ لكم منه درهما ، فقال لها مولاها : أنت حرة لئن فعلت ذلك إن لم أشتر لك مخنقة بمائة ألف دينار ، وإن لم اشتر لك ثوب وشي بما شئت ، وأجعل لك مجلسا بالعقيق ، أنحر لك فيه بدنة لم تقتب ولم تركب ، فقالت : جيء به ، وأرفع عني الغيرة ، فقال : أنت حرة ، أن لو رفع رجليك لأعنته علي ذلك .

قال عبد الله بن مصعب : فصليت الغداة في مسجد المدينة ، فإذا به ، فقلت : أبا إسحاق ، أما تحب أن تري بصبص ، جارية ابن نفيس ؟ فقال : امرأتي طالق ، إن لم يكن الله ساخطأ علي فيها ، وإن لم أكن أسأله أن پرينيها منذ سنة ، فما يفعل ، فقلت له : اليوم ، إذا صليت العصر ، فوافني ههنا ، قال : امرأتي طالق ، إن برحت من ههنا حتي تجيء صلاة العصر ، قال : فتصرفت في حوائجي حتي كانت العصر ، ودخلت المسجد فوجدته فيه ، فأخذت بيده ، وأتيتهم به ، فأكلوا ، وشربوا ، وتساكرا القوم ،

ص: 330

وتناوموا ، فأقبلت بصبص علي مزبد ، فقالت : أبا إسحاق ، كأن في نفسك أن أغنيك الساعة :

لقد حثوا الجمال ليه ربوا منا فلم يئلوا

فقال : زوجتي طالق ، إن لم تكوني تعلمين ما في اللوح المحفوظ ، قال : فغنته ساعة ، ثم مكثت ساعة ، فقالت : أبا إسحاق ، كأن في نفسك تشتهي أن تقوم من مجلسك ، فتجلس إلي جانبي فتقرصني قرصات ، وأغتيك :

قالت وأبثثتها وجدي وبحث به قد كنت عندي تحب الستر فاستر ألست تبصر من حولي فقلت لها : غطي هواك ، وما ألقي ، علي بصري

فقال : امرأتي طالق ، إن لم تكون تعلمين ما في الأرحام ، وما تكسب الأنفس غدا ، وبأي أرض تموت ، فتنته ، ثم قالت : برح الخفاء ، أنا أعلم إنك تشتهي أن تقبلني شق التين ، وأغنيك هزجأ :

أنا أبصرت بالليل ***غلامأ حسن الدل

كغصن البان قد أص***بح مسقيا من الطل

فقال : أنت نبية مرسلة ، ثم قالت : أبا إسحاق ، أرأيت أسقط من هؤلاء ؟ يدعونك ، ويخرجونني إليك ، ولا يشترون ريحانا بدرهم ، أي أبا إسحاق ، هلم درهما نشتري به ريحانة .

فوثب مزبد ، وصاح : واحرباه ، أي زانية ، أخطأت استك الحفرة ، . انقطع - والله - عنك الوحي الذي كان يوحي إليك .

وعطعط القوم بها ، وعلموا أن حيلتها لم تنفذ عليه ، ثم خرج فلم يعد إليها، وعاود القوم مجلسهم ، فكان أكثر شغلهم فيه ، حديث مزبد معها والضحك منه ( الاغاني 32/15 و 33 ).

ص: 331

واجتازت جنازة الصريمية المغنية ، بأشعب ، وهو جالس في قوم من قريش ، فبكي عليها ، ثم قال : ذهب الغناء كله ، علي أنها الزانية ، لا رحمها الله ، كانت شر خلق الله ، كنا نجيئها الفاجرة ، بكبش ، فيطبخ لنا في دارها ، ثم لا تعشينا إلأ بسلق ( الاغاني 159/19 ) .

وشهد الغريض المغني ، ختانة لبعض أهله ، فقال له بعض القوم : غن ، فقال : هو ابن الزانية إن غني ، فقال له مولاه : فانت والله ابن الزانية ، فغن ( العقد الفريد 30/6 ) .

وقال عمار ذي كناز ، لحماد الراوية : ما أقل شكرك يا ابن الزانية .

وسبب ذلك : إن حماد الراوية ، وفد علي الوليد بن يزيد، واستنشذه العدة من الشعراء ، فأنشده من جملة ما أنشد ، أبياتا لعمار ذي كناز ، وهو شاعر ماجن ، خمير ، من أصدقاء حماد ، فاستحسن الوليد الأبيات ، وسأل عن عمار ، فقال له حماد : إنه حي كميت ، فبعث إليه مع حماد بعشرة آلاف درهم ، فقال له حماد : إن عمار لا يزال ينصرف من الحانات سكرانا فيأخذه الشرط ، ويضرب الحد، فلو أمرت بأن لا يتعرض له أحد، إن وجدوه سكرانا ، فكتب الوليد إلي أمير العراق ، بأن لا يرفع إليه أحد من الحرس عمارة، إلا ضرب الرافع له حدين، فأخذ حماد المال والكتاب ، وجاء بهما إلي عمار ، فحدثه بالقصة ، وقال له : ما ظننت إن الله يكسب أحدأ بشعرك نقيرة ، فقال له عمار : عز علي قلة شكرك يا ابن الزانية ( الاغاني ط بولاق 175/20)

دخل مطيع بن إياس ، ويحيي بن زياد ، علي حماد الراوية ، فإذا سراجه علي ثلاث قصبات ، قد جمع أعلاه وأسفله بطين ، فقال له يحيي بن زياد : با حماد ، إنك لمسرف متبذل لحر المتاع، فقال له مطيع : ألا

ص: 332

تبيع هذه المنارة ، وتشتري أقل ثمنا منها ، وتنفق علينا وعلي نفسك الباقي ، وتتسع به ؟ فقال له يحيي : ما أحسن ظنك به ، ومن أين له مثل هذه ؟ إنما هي وديعة أو عارية ، فقال له مطيع : أما إنه لعظيم الأمانة عند الناس ؟ قال له يحيي : وعلي عظيم أمانته ، فما أجهل من يخرج مثل هذه من داره ، ويأمن عليها غيره ؟ قال مطيع : ما أظنها عارية ، ولا وديعة ، ولكني أظنها مرهونة عنده علي مال ، وإلا فمن يخرج هذه من بيته ، فقال لهما حماد : قوما عني يا بني الزانيتين، وأخرجا من منزلي، فشر منكما من يدخلكما بيته ( الاغاني 6/ 74).

وقال يحيي بن زياد ، لمطيع بن اياس : يا ابن الزانية .

وسبب ذلك : إن يحيي بن زياد ، قال المطيع بن إياس ، انطلق بنا إلي فلانة صاحبتي ، فإن بيني وبينها مغاضبة ، لتصلح بيننا ، فدخلا إليها ، وأخذ يحيي يعاتب صاحبته ، ومطيع ساكت ، فصاح به يحيي : ما يسكتك ، أسكت الله نأمتك ؟ فقال مطيع :

أنت معتله عليه ومازا ***ل مهينأ لنفسه في رضاك

فأعجب يحيي ما سمع وهش له ، فقال مطيع :

فدعيه وواصلي آبن اياس *** جعلت نفسه الغداة فداك

فقام يحيي إليه بوسادة في البيت ، فما زال يجلد بها رأسه ، ويقول : ألهذا جئت بك يا ابن الزانية ( الاغاني 13 / 284) .

وقال بشار يهجو حماد عجرد ويتهمه بالثنوية :

يا ابن نهيا رأسي علي ثقيل*** وأحتمال الرأسين خطب جليل

أدع غيري إلي عبادة ربين *** فإني بواحد مشغول

ص: 333

فأشاع حماد الأبيات ، وجعل مكان الشطر الأخير : فاني عن واحد مشغول، فاضطرب بشار، وصاح: أشاط ابن الزانية بدمي ( الاغاني 325/14 ) .

ونزل ذو الرمة ، علي مي ضيفة، فعرفه زوجها، فلم يدخله البيت ، وأخرج إليه قراه ، وتركه بالعراء ، فأنشد بيت من الشعر فيه ذكر مي ، فغضب الزوج وأجبر مي أن تقول له يا ابن الزانية ( الاغاني 18 /13).

وفي السنة 190 كان المهدي ينظر في المظالم ، فتقدم إليه رجل من آل زياد بن أبيه ، فقال له : من أنت ؟ قال أنا ابن عمك ، فقال : من أي بني عمي أنت ؟ فأنتسب إلي زياد ، فقال له المهدي : يا ابن سمية الزانية ، وأمر به فوجيء في عنقه ، وأخرج ، ثم كتب برد نسب آل زياد واخراجهم من قريش ( الطبري 8/ 129 ).

وكان ابو الشمقمق ، قد فرض علي بشار ، في كل سنة مائتي درهم ، فأتاه مرة ، فقال : هلم الجزية ، يا أبا معاذ ، فقال ويحك أجزية هي ؟ قال : هو ما تسمع ، فقال له بشار : أنت أفصح مني ؟ قال : لا ، قال : فأعلم ؟ ، قال : لا ، قال : فلم أعطيك ؟ قال : لئلا أهجوك ، قال : إن هجرتني هجرتك ، فقال : أو كذا هو ؟ فاسمع :

إني إذا ما شاعر هجانيه***ولج في القول به لسانيه

أدخلته في است آمه علانيه*** بشار با بشار .....

وأراد أن يقول : يا ابن الزانية ، لإتمام البيت ، فأمسك بشار بفمه ، ودفع إليه المائتي درهم ، وقال له : لا يسمعن منك هذا الصبيان . ( شرح مقامات الحريري للشريشي 1 /222 والاغاني 194/3 و 195)

ص: 334

وذكر أبو مالك عمرو بن كركرة ، أنه سمع ابن مناذر ينشد قصيدة له ، وكان فيها البيت : .

يقدح الدهر في شماريخ رضوي***ويهد الصخور عن هبود

فقال له : هبود أي شيء هو ؟ فقال : جبل ، فقال له : سخنت عينك ، هبود - والله - بئر باليمامة ، مائها ملح ، وقد والله خريت فيها مرات .

فلما كان بعد مدة ، سمعه ينشد البيت :

ويحط الصخور عن عبود

فقال له : عبود ، أي شيء هو ؟ ، فالتفت إليه ، وقال له : عبود ، جبل بالشام ، فلعلك يا ابن الزانية ، خريت عليه أيضا ( الاغاني 18 / 181 ).

وشتم الحسين بن الضحاك ، أبا نواس ، فقال له : حسن يا ابن الزانية .

وسبب ذلك : إن حسين بن الضحاك ، نظم شعرأ في الصبوح ، وتلاه علي أبي نواس ، فسرق أبو نؤاس المعني ، وأودعه في شعره الذي أوله :

ذكر الصبوح بسحرة فارتاحا وأمله ديك الصباح صباحا

فقال له حسين: حسن، يا ابن الزانية ، فعلتها ؟ فقال له : دع هذا عنك، فوالله لا قلت في الخمر شيئا أبدا، وأنا حي، إلأ نسب إلي ( الاغاني 162/14).

وشتم إبراهيم بن المهدي ، إسحاق الموصلي : فقال له يا ابن الزانية .

وسبب ذلك : إن إبراهيم بن المهدي ، وإسحاق الموصلي ، اختلفا في غناء صوت ، في مجلس الرشيد ، إذ غني إسحاق صوتا، فاعترض عليه ، وخطأه ، فغضب إسحاق ، وقال للرشيد : يا أمير المؤمنين ، هذه

ص: 335

صناعتي ، وصناعة أبي ، وهي التي قربتنا منك ، وأوطأتنا بساطك ، فإذانازعناها أحد بلا علم ، لم نجد بدأ من الإيضاح والذب ، فغضب إبراهيم ، وقام الرشيد ليبول ، فقال إبراهيم لإسحاق : ويلك يا إسحاق ، اتجتريء علي يا ابن الزانية ( معجم الأدباء 201/2 ).

وشتم بشار ، حماد عجرد ، فقال فيه ، ابن الزانية .

وسبب ذلك : إنه كان رجل من أهل البصرة ، يدخل بين حماد عجرد ، وبشار ، علي اتفاق منها ، ورضا ، فينقل إلي كل واحد، شعر صاحبه ، ودخل يومأ علي بشار ، فقال له : ما قال ابن الزانية ، في ، فأنشده :

أنت إبن برد، مثل بر ***و في النذالة والرذالة

من كان مثل أبيك يا***أعمي ، أبوه ، فلا أباله

فقال : جود ابن الزانية ( الاغاني 14 / 326 و 327) .

وكانت الخيزران ، كثيرا ما تكلم ولدها موسي الهادي في الحوائج ، وكان يجيبها إلي كل ما تسأل ، حتي مضي لذلك أربعة أشهر من خلافته ، فأنثال الناس عليها ، وطمعوا فيها ، وكانت المواكب تغدو إلي بابها ، فكلمته يوما في أمر لم يجد إلي أجابتها فيه سبيلا ، فاعتذر ، وأحتج بحجة ، فقالت له : لابد من إجابتي ، قال : لا أفعل ، قالت ، فإني تضمنت هذه الحاجة لعبد الله بن مالك ، فغضب موسي ، وقال : ويلي علي ابن الزانية ، قد علمت انه صاحبها ، والله لاقضيتها لك ، قالت : إذا والله لا أسألك حاجة أبدأ ، قال : إذا والله لا أبالي ، وغضب فقامت مغضبة ، فقال : مكانك ، تستوعبي كلامي ، والله ، وإلا فأنا بريء من قرابتي من رسول الله ، لئن بلغني أنه وقف أحد من قوادي وخاصتي وخدمي علي بابك لأضرب عنقه ، ولأقبضت ماله ، فمن شاء فليرم ذلك ، أمالك مغزل يشغلك ، أو مصحف

ص: 336

يذكرك ، أو بيت يصونك ، إياك ثم إياك ، ما فتحت فاك في حاجة لملي أو ذمي ( البصائر والذخائر 1/3 / 69 و 70).

ولما عزل الرشيد ، علي بن عيسي بن ماهان ، عن خراسان ، كتب إليه كتاب عزله : بسم الله الرحمن الرحيم ، يا ابن الزانية ، رفعت من قدرك ، ونوهت باسمك ، وجعلت أبناء ملوك العجم خولك ، فكان جزائي أن خالفت عهدي ، ونبذت وراء ظهرك أمري ، حتي عثت في الأرض ، وظلمت الرعية ، وأسخطت الله تعالي وخليفته بسوء فعلك وسيرتك ، وظاهر خيانتك . ( الطبري 8/ 327 والعيون والحدائق 3/ 314)

وتنبأ رجل بالرقة ، في أيام الرشيد ، فسأله محمد بن عتاب ، عن دليل النبوته ، فقال له : دليلي أنك ولد زنا ، فرماه أحد الواقفين بحصاة صكت صلعته ، فقال : ما رماها إلا ابن زانية ( العقد الفريد 6/ 146 ).

وتشاتم بشار بن برد ، وأصحابه ، فقالوا له : يا ابن الزانية .

وسبب ذلك : إن بشارة جلس إليه أصدقاء له كوفيون ، وسألوه أن ينشدهم من شعره ، فأنشدهم ، حتي وصل إلي البيت :

في حلتي جسم فتي ناحل***لو هبت الريح به طاحا

فقالوا : يا ابن الزانية ، أتقول هذا ، وأنت كأنك فيل ، عرضك أكثر من طولك ؟ فقال : قوموا عني يا بني الزناء ، فإني مشغول القلب ، لست أنشط اليهم لمشاتمتكم ( الأغاني 3/ 233 ).

وشتم حماد عجرد ، صاحبه مطيع بن إياس ، وقال له : اسكت يا ابن الزانية .

ص: 337

وسبب ذلك : إن حماد عجرد ، أخذ مطيع بن إياس ، إلي صاحبته خشة ، المعروفة بظبية الوادي، وكانت من أظرف خلق الله، وأحسنهم وجهة ، فأخذ مطيع في مغازلتها ، فصاح به حماد : اسكت يا ابن الزانية ، فعاود مطيع المغازلة ، فغضب حماد، وحمي ، وخلع قلنسية عن رأسه ، وكانت صلعته حمراء كأنها است فرد ، فقال مطيع :

وار السوأة السوءاء ***با حماد عن خشة

عن الأترجة الغضة***والفغاحه الهشه

فالتفت حماد إلي مطيع ، وقال : فعلتها يا ابن الزانية ، فقالت له : أحسن واللله ، ما بلغ صفتك بعد، فما تريد منه ؟ فقال لها : يا زانية ، فقالت له : الزانية أمك ، وثاورته ، وثاورها ، فشقت قميصه ، وبصقت في وجهه . وقالت له : ما تصادقك إلا زانية . ( الأغاني 13 / 281 و 282 ).

وشتم كيسان النحوي البصري ، أمه ، فقال : أمي زانية أن خرجت من الحبس .

وسبب ذلك : إن كيسان النحوي ، كان من أصحاب أبي عبيدة بن المشي ، وكان أبو عبيدة، يمازحه ويعبث به، وحدث أن حبس أمير البصرة عيسي بن سليمان الهاشمي ، كيسانا ، فشفع فيه أبو عبيدة إلي الأمير ، فأمر بإخراجه ، فقال كيسان للجلاوزة : من أخرجني ؟ قالوا : تكلم فيك شيخ مخضوب ، فعرف أنه أبو عبيدة ، فقال : أمي زانية أن برحت من الحبس ، أحبيس ظلم وطليق ذل ؟ ( معجم الأدباء 216/6 ) .

أقول : كيسان بن المعرف النحوي ، من الطياب ، ذوي الفكاهة ، روي عنه إنه حضر يوما مجلس أبي زيد ، فأملي : كانت العرب تقول : ليس الحاقن رأي ، فقال كيسان : ولا لمنعظ ، فقال أبو زيد : ما سمعناه ، ولكن أكتبوه ، فإنه حق ، وجاء صبي إلي كيسان يقرأ شعرأ ، حتي مر ببيت فيه ذكر

ص: 338

العيس ، فقال له الصبي : ما هي العيس ؟ قال : الإبل البيض التي يخالط بياضها حمرة ، قال : وما الإبل ؟ قال : الجمال ، قال : وما الجمال ، فقام كيسان في المسجد علي أربع ورغا ، وقال : الجمل هو الحيوان الطويل الرقبة ، الذي يقول : بوع، ورغا مثل البعير .

وشتم والبة بن الحباب ، سلم الخاسر ، فقال له : يا ابن الزانية .

وسبب ذلك : إن سلم الخاسر ، هجا والبة بن الحباب ، بأبيات أولها :

والب يا ابن الحباب يا حلقي ***لست من أهل الزناء فانطلق

فقال له واليه : يا ابن الزانية ، سل عنك ريعان التميمي ، وكان ريعان الوطنية ، آفة من الآفات . ( الأغاني 274/19 ).

وقال الشاعر محمد بن يسير ، لجعفيران الموسوس : يا ابن الزانية .

وسبب ذلك : اجتمع جعيفران الموسوس ، ومحمد بن يسير في بستان ، فنظر إلي محمد بن يسير وقد انفرد ناحية للغائط ، ثم قام عن شيء عظيم خرج منه ، فقال جعيفران :

قد قلت لابن يسير ***لما رمي من عجانه

في الأرض تل سما *** علا علي كثبانه

طوبي لصاحب أرض***خريت في بستانه

فأخذ محمد بن يسير يشتم جعيفران ، ويقول : أي شيء أردت مني يا ابن الزانية ، حتي صيرتني شهرة بشعرك ( الأغاني 14/ 48 و 49) .

وقال بايكباك ، القائد التركي ، لجارية اشتراها : يا بنت الزانية .

وكان بايكباك ، اشتري جارية ، كانت قبله لفتي تحبه ويحبها ، فمات عنها ، فجعلت لله علي نفسها أن لا يجتمع رأسها ورأس رجل علي وسادة واحدة ، فبيعت في الميراث ، واشتراها بايكباك ، وكان منكرة متفاوتة ، فلما

ص: 339

نظرت إلي وجهه وخلقته ، بكت ، فقال لها: يا بنت الزانية ، لأيش تبكين ؟ في حرآم أمس ، وفي بظرام غد، الشأن في اليوم ، قومي حتي نطرب ونأكل ونشرب ، فوقع عليها الضحك ، واسترخت له وأمكنته ( البصائر والذخائر 111/1 ).

ولما حاصر المعتصم عمورية ، في السنة 223 كان أحد الأيام نوبة أشناس وقواده ، وفي اليوم التالي ، كانت نوبة الإفشين وقواده ، واجتهد الافشين وقواده في يومهم ، فقال المعتصم : ما كان أحسن الحرب اليوم ؟ فقال عمرو الفرغاني ، وهو من قواد أشناس : الحرب اليوم ، أجود منها أمس ، فغضب أشناس من هذا القول ، واعتبره تعريضأ به ، فلما قرب اشناس من مضربه ، ترجل له قواده ، وفيهم عمرو الفرغاني ، وأحمد بن الخليل ، ومشوا بين يديه كعادتهم ، فقال لهم أشناس : يا أولاد الزنا ، الأيش تمشون بين يدي ، كان ينبغي أن تقاتلوا أحسن ، ولا تقفون بين يدي أمير المؤمنين ، وتقولون : الحرب اليوم أحسن منها أمس، كأنما كان أمس يقاتل غيركم ، أنصرفوا إلي مضاربكم . ( الطبري 66/9 ).

وكان المعتصم يأنس بعامي اسمه علي بن الجنيد الأسكافي ، وبعث إليه حاجبه ابن حماد دنقش كي يزامله في سفر ، فقال له علي : آه حرها ، إذهب إليه وقل له : ما يزاملك إلا من أمه زانية وهو كشخان ، راجع القصة مفصلة في مروج الذهب 362/2 و 363 وفي شرح المقامات الحريرية للشريشي 190/1 .

وفي السنة 223 تأمر بعض القواد علي المعتصم ، وبايعوا العباس بن المأمون وكان منهم الشاه بن سهل فدعا به المعتصم ، والعباس بين يديه ، فقال له : يا ابن الزانية أحسنت إليك فلم تشكر ، فقال له الشاه بن سهل : ابن الزانية هذا الذي بين يديك - يعني العباس - لو تركني كنت أنت الآن لا تقدر أن تجلس هذا المجلس وتقول لي ابن الزانية ، فأمر به المعتصم فضربت عنقه ( تجارب الأمم 501/6 والطبري 76/9 ).

ص: 340

وكتب إبراهيم بن المدبر، إلي أبن حمدون ، نديم المتوكل : يا بني ، أي يا بني الزانية .

وسبب ذلك : إن إبراهيم بن المدبر ، حبسه المتوكل ، وطال حبسه ، فكتب إلي أبي عبد الله بن حمدون النديم قصيدة جاء فيها: [الأغاني 169/22 ).

يا ابن حمدون ، فتي الجود الذي*** أنا منه في جني وردجني

ما الذي ترقبه، أم تري ***في أخ مضطهد مرتهن

قل لحمدون خليلي ، وابنه***ولعيسي ، حركوه يا بني

وكان أبو سماحة بن المعيطي الشاعر ، يهجو يحيي بن خالد البرمكي ، سر ، ودخل عليه مرة ، فلامه علي هجوه إياه ، فحلف انه لم بهجه أبدأ، فوصله يحيي بعشرة آلاف درهم، وتخت ثياب، فلما خرج تلقاه أصحابه ، فأراهم ما أعطاه يحيي، وقال : ما عسيت أن أقول فيه، إلا إنه ابن زانية ، أبي إلا كرمة ، راجع القصة بتفصيلها في كتاب نشوار المحاضرة للتنوخي ج 7 ص 219 - 122 رقم القصة 128 .

وشتم علويه المغني ، الخلافة ، فقال : أم الخلافة زانية .

وسبب ذلك : إن علويه خرج مبكرة ، لموعد ضربه المأمون للمغنين ، فلاقي رسول عريب، فأخبره أنها تريد منه أن يحضر عندها، فقال علويه : أم الخلافة زانية ، ومضي إلي عريب ( الأغاني 75/21 ).

وفي السنة 251 قطعت بنو عقيل طريق جدة فحاربهم جعفر بشاشات ، فقتل من أهل مكة نحو ثلثمائة رجل ، وقيل أن بعض بني عقيل قال وهو يسلب : [ الطبري 9/ 346 ] .

عليك ثوبان وأمي عارية***فألق لي ثوبك يا ابن الزانية

ص: 341

وروي بعض من حضر ضرب أحمد بن إسرائيل ، وأبي نوح ، ضرب التلف ، في السنة 255 بسامراء، أن القائد حماد بن محمد بن دنقش ، من اتباع القائد صالح بن وصيف ، كان يصبح بالجلادين ، وهم يضربونهما : أنفسكم يا ابن الفاعلة ، لا يكني، أي إنه كان يقول لهم: يا بني الزانية ( الطبري 398/9)

وشتم ديك الجن ، حبيبته وردة لما اتهمها ، فقال لها : يا زانية ، ثم ضربها بالسيف ، فقتلها ( الأغاني 14 / 55 و 56 ) .

وكان أبو العباس بن الفرات ، حديدة ، سفيه اللسان وذكر سليمان بن الحسن بن مخلد ، أنه سمع دفعات ، أبا العباس بن الفرات ، وقد احتد طبعه علي قوم غضب عليهم ، وكان يقول للواحد منهم : يا ابن مائة ألف كر خردل ، مضروبة من مائة ألف مثلها زواني ، تشاغل بحساب هذا فهو أنفع لك ( القصة 8 / 30 من نشوار المحاضرة ح8 ص 83 و 84 ).

وناظر الناشيء ، الشاعر المتكلم ، أحد المجبرة ، فحرك المجبر يده ، وقال للناشيء : هذه من حركها ؟ فقال : حركها من أمه زانية ، فغضب الرجل ، فقال له الناشيء : ناقضت ، فإذا كان المحرك غيرك ، فلم تغضب ؟ ( معجم الأدباء 5 / 238 ).

وراجع متظلمون حامد بن العباس ، وزير المقتدر ، فأحالهم علي علي بن عيسي ، ثم ردهم إليه ، وقال لهم : كأني بكم تمضون إلي علي بن عيسي ، وتقولون له : أحالنا الوزير عليك، وأجابنا ، وأمي إن كنت أجبتبكم إلي هذا زانية ، وأمكم إن قلتم هذا زانية ، وأم علي بن عيسي إن أجابكم إلي

ص: 342

هذا زانية ، راجع التفصيل في كتاب نشوار المحاضرة للتنوخي ، رقم القصة 26/8ح8 ص 85 - 88.

وكتب ابن جمهور العلمي ، لصاحبته زاد مهر جارية المنصورية ، علي منديل بعث به إليها :

أنا رسول من فتي عاشق***أدمعه في خده جاريه

هذا ابن جمهور فجودي له***منك بما يهواه يا قاسية

وليست النفس وإن شقها ***حبك يا مولاته سالية

فردت المنديل ، وقد كتبت في وسطه : [ الديارات 268 و 269 ]. وأم من يسخر منا لكي (بنيكنا) فاجرة زانية وشتم الوزير حامد بن العباس ، السمري صاحب الحلاج ، فقال له : كذبت ، يا ابن مائة ألف زانية ، في مائة ألف زانية .

وسبب ذلك : إن الوزير حامد بن العباس ، كان شديد الكراهية للحلاج ، وكان يتطلب أذاه بكل وسيلة ، ولما حوكم الحلاج ، في حضرة حامد، في ديوان الوزارة، أحضر حامد، السمري صاحب الحلاج، وسأله عن أشياء من أمر الحلاج ، فقال له : حدثني بما شاهدته منه ، فقال : إن رأي الوزير أن يعفيني فعل ، فقال له : لا أعفيك ، وألح عليه ، فقال له : أنا أعلم أني إذا حدثتك كذبتني ، ولم أمن مكروها يلحقني ، فوعده أن لا يلحقه مكروه ، فقال : كنت معه بفارس ، فخرجنا نريد اصطخر في زمن شات ، فلما صرنا في بعض الطريق ، أعلمته بأني قد أشتهيت خيارة ، فقال لي : في هذا المكان وفي مثل هذا الوقت من الزمان ؟ فقلت : نعم ، وبعد ساعات قال لي : أنت علي تلك الشهوة ؟ فقلت : نعم، وسرنا إلي سفح جبل ثلج ، فأدخل يده فيه ، وأخرج إلي منه خيارة خضراء ، ودفعها إلي ، فقال له حامد : فأكلتها ؟ قال : نعم ، فقال له : كذبت يا ابن مائة ألف زانية في مائة

ص: 343

ألف زانية ، أوجعوا فكه ، فأسرع الغلمان إليه ، فامتثلوا ما أمرهم به ، وهو يصيح : أليس من هذا خفنا ؟ ثم أمر به فأقيم من المجلس ، راجع القصة مفصلة في كتاب نشوار المحاضرة للتنوخي ، تحقيق المؤلف ح ه ص 79 - 92 رقم القصة 51 وعنوانها : محاكمة الحلاج ، وتنفيذ الإعدام فيه .

وعبثت رشا وجوذر المغنيتان المدنيتان ، في بيت رجل هاشمي ، بأحد المضحكين ، فصاح بهما : كذبتما باز انيتان ، راجع تفصيل القصة في هذا الكتاب في الفصل السادس من الباب الأول «طرائف في الشتم ».

وكان يونس النحوي ينبز بجبل ، وكان يغضب إذا لقب به ، فجاء إليه ابن مناذر ، وقال له : أخبرني عن جبل ، اتنصرف أم لا؟ فقال له : قد عرفت ما أردت يا ابن الزانية ، فانصرف اين مناذر ، وأعد شهود يشهدون عليه إن شتمه ، ثم صار إليه معهم ، وسأله عن جبل ، أتنصرف أم لا؟ وعلم يونس ما أراد ، فقال له : الجواب ما سمعته أمس ( معجم الأدباء 7/ 108 والأغاني 18 / 193 ) .

وعرض علي المعتصم فرس كميت أحمر، فغناه علويه ومخارق أبياتا استوهبا فيها الفرس ، فقال المعتصم وهو يضحك : اسكتا يا ابني الزانيتين ، فليس يملكه . والله - واحد منكما ( الأغاني 353/11 ) .

وقال عيسي بن زيد المراكبي ، وكان من أملح الناس : كان لي غلام من أكسل خلق الله ، فوجهته يوما يشتري لي عنب رازقية وتينا ، فأبطأ ، ثم جاء بعنب وحده ، فأوجعته ضربا وقلت له : ينبغي لك إذا استقضيتك حاجة أن تقضي حاجتين ، ثم لم ألبث بعدها أن وجدت علة ، فأمرته أن يحضر لي الطبيب ، فجاءني بطبيب ، ورجل آخر ، فقلت له : هذا الطبيب ، فمن هذا الذي معه ؟ قال : ألم تضربني وتطلب مني إن استقضيتني حاجة ، أن أقضي حاجتين ، هذا الطبيب ، فإن نفعك ، وإلا فهذا حقار يحفر لك قبرك ، فما

ص: 344

الذي أنكرت ؟ قلت : لا شيء يا ابن الزانية . ( البصائر والذخائر 1/ 87 و 88 )

وقال علي بن محمد بن نصر المعروف بابن بسام)، يهجو الموفق ورجال حكومته : [ مروج الذهب 2/ 542 و 543 ].

أيرجوا الموفق (2) نصر الإله***وأمر العباد إلي دانيه (3)

ومن قبلها كان أمر العباد ۔***لعمر أبيك . إلي زانية

وظل ابن بلبل (4) يدعي الوزير ***ولم يك في الأعصر الخالية

وطحان طيء(9) تولي الجسور***وسقي الفرات وزرفامية(1)

ويحكم عبدون) في المسلمين *** ومن مثله تؤخذ الجالية(8)

وأحول بسطام (9) ظل المشير***وكان يحوك بزر باطية(10)

وحامد(11) يا قوم لو أمره ***إلي لألزمته الزاوية (12)

نعم ، ولأرجعته صاغرة***إلي بيع رمان خسراوية(13)

وإسحاق عمران (14) يدعي الأمير***الداهية أيماداهية

فهذي الخلافة قد ودعت***وظلت علي عرشها خاوية

فخل الزمان لأوغاده***إلي لعنة الله والهاوية

ويا رب قد ركب الأرذلون*** ونحن عن الخلق في ناحية

فإن أنت أركبتنا مثلهم*** وإلا فأرجل بني الزانية

1- نظم هذه القصيدة أبو الحسن علي بن محمد بن نصر بن منصور بن بسام (230 - 302) وهو شاعر اديب ، نشأ في بيت كتابة ، وتقلد البريد ، شعره يمتاز بالرقة ، والأناقة في التعبير ، وأكثر شعره مقطوعات ، وهو في بغداد ، مثل ابن عنين في دمشق ، سواء في رقة الشعر ، أو ترفع النفس ، أو في هجاء رجال الدولة ، ويقابل قصيدة ابن بسام هذه ، قصيدة ابن عنين ، التي شماها مقراض الأعراض ، وهي مدرجة في ديوانه ومطلعها : سلطاننا أعرج وحاجبه ذو عمش والوزير منحدب .

ص: 345

2- أبو أحمد طلحة بن المتوكل ، الملقب بالموقق ، ويلقب بالناصر أيضأ ، كان الغالب علي أمر أخيه المعتمد ، وكانا كالشريكين في الخلافة ، للمعتمد الخطبة والسكة والتسمي بالإمرة ، وللموفق الأمر والنهي وقيادة الجيوش ، ومن أهم أعمال الموقق إنه استأصل شأفة صاحب الزنج الذي دامت حركته خمس عشرة سنة ، واستولي علي القسم الأوفر من العراق والأهواز ، راجع أخبار الموفق في كتاب نشوار المحاضرة للقاضي التنوخي ، تحقيق المؤلف .

3- دانية - اسم محظية الموفق .

4- أبو الصقر إسماعيل بن بلبل، من عظماء الكتاب ، استورزه الموفق لأخيه المعتمد ، وبلغ في الوزارة مبلغا عظيما ، وجمع له السيف والقلم ، وأراد صرف الخلافة عن المعتضد ، فخاب سعيه ، وحقدها عليه المعتضد ، فلما استخلف ، قتله ، راجع في هذا الكتاب وفي كتاب نشوار المحاضرة وأخبار المذاكرة للتنوخي، في القصة المرقمة76/1 كيف قتله المعتضد .

.. أحمد بن محمد الطائي : من كبار القادة الأمراء ، نصب أميرأ علي الكوفة وسوادها منذ السنة 269، وأضيف إليه طريق خراسان ، وسامراء ، وشرطة بغداد ، وفي السنة 271 أضيف إليه المدينة ، وطريق مكة ، وكان علي علاقة حسنة مع القرامطة ، فلم يعتد منهم أحد علي حدود العراق في زمنه ، توفي بالكوفة سنة 281 ، ويظهر من وصف ابن بسام له ، إنه كان لين المخاطبة ، فقال فيه :

قد أقبل الطائي لا أقبلا***يقبح في الأفعال ما أجملا

كأنه من لين ألفاظه***صبية تمضغ جهد البلا

ص: 346

وجهد البلا : اسم لناطف يمضغه الصبيان . ( ابن الأثير 7/ 417۔ 467 والأعلام195/1 والطبري 621/9 و 10/ 7- 36 ).

6- زرفامية : قرية من نواحي قوسان ، بين واسط وبغداد ( مراصد الأطلاع 662/2).

7- عبدون بن مخلد : أخو الوزير صاعد بن مخلد ، وكان صاعد أسلم ، وظل عبدون علي نصرانيته ، قبض عليه مع صاعد، وصودرا ، ونهبت منازلهم ( الكامل 7/ 417 و 419 ) ثم أطلق والتجأ إلي دير قني ومات فيه سنة 310، وكان عبدون في سامراء ، يرتاد دير، سمي باسمه ، وفيه قال ابن المعتر :

سقي المطيرة ذات الظل والشجر***ودير عبدون هطال من المطر

في نشوار المحاضرة للتنوخي ، قصة عن عبدون ( رقم 8/ 34 ) ، تدل علي حصافة وذكاء ، بينما ذكر صاحب الديارات ( ص 270 - 273 ) عنه أخبارة تدل علي عكس ذلك ، وكان عبدون « يحكم في المسلمين ، لأن أخاه صاعد بن مخلد ، كان وزير الموفق ، وكانت له السيطرة التامة علي الدولة ، خرج علي رأس جيش لقتال عمرو بن الليث الصفار ، فانتصر ، وعاد ، فترجل له القواد ورجال الدولة وقبلوا يده ، وهو لا يكلمهم تيها وكبرة ، ومات صاعد في حبس الموقق ، وكانت غلته السنوية ألف ألف وثلثمائة ألف دينار ، راجع أخبار صاعد في كتاب نشوار المحاضرة للتنوخي ، تحقيق المؤلف .

8- الجالية : الجزية التي تؤخذ من أهل الذمة .

9- أبو العباس أحمد بن محمد بن بسطام : صهر حامد بن العباس وزير المقتدر ، كان أبو العباس ، يضمن واسطا في أيام المعتضد، وكان حامد بن العباس ، إذ ذاك ، عاملا علي فارس ، ثم أخذ حامد يضمن

ص: 347

واسط ، وتقلد أبو العباس الشام في السنة 293 ثم تقلد مصر في السنة 296 ، وكان عظيم الرياسة ، يقوم عن يمينه وشماله في مجلسه ، مائة حاجب ( القضاة للكندي 524 و 525)، ويظهر مما وصفه به ابن بسام ، إنه كان أحول ، راجع أخبار أبي العباس في نشوار المحاضرة للتنوخي ، وفي كتاب الفرج بعد الشدة للتنوخي .

10- زرباطية : ما زال هذا اسمها في العراق ، وهي من أعمال بادرايا ، واسم با درايا في العراق الان : بدره .

11- أبو محمد حامد بن العباس ، وزير المقتدر : كان صهر أبي العباس أحمد بن محمد بن بسطام ، كان حامد يتولي فارس للمعتضد ، ثم اختص بضمان واسط ، وكان كريمة متجم ، رئيسا ، غزير المروءة ، عظيم الحدة ، سريع الغضب ، شتامة ، وقد ضايقه الوزير ابن الفرات ، لما ور ، فأراد التخلص من أذاه ، فسعي في الوزارة ، فاستوزره المقتدر سنة 306 ، فخاصم ابن الفرات خصومة عنيفة ، وضرب ولده المحن وأهانه ، فلما عاد ابن الفرات للوزارة ، قتله في السنة 312 راجع أخباره في كتاب نشوار المحاضرة للتنوخي، تحقيق المؤلف .

12 - الزاوية : قرية علي شاطيء دجلة ، بين واسط والبصرة ( معجم البلدان 2/ 911) .

13 - خسراوية : قرية من قري واسط ( معجم البلدان 441/2 ) .

14 - اسحاق بن عمران : كان يلي الكوفة في السنة 293 ، وفي عهده هاجم القرامطة الكوفة ، فدفعهم عنها ( الطبري 124/10 و 125 وابن الأثير 547/7 و 544 ) ، كما كان في السنة 301 علي معونة الكوفة ( الوزراء للصابي 206).

ص: 348

2 - قولهم : يا لخناء ، ويا ابن اللحناء .

اللخن : نتن الريح عامة . واللخناء : منتنة المغابن .

والبغداديون اليوم يقولون في الشتم : ابن الجايفة من الجيفة أي الإنتان . وتكلمت أروي بنت الحارث بن عبد المطلب ، في مجلس معاوية ، فخاشنها عمرو بن العاص ، فقالت له : أتكلمني يا ابن اللحناء ؟ (( بلاغات النساء 33)

ولما بلغ عبد الله بن جعفر ، مقتل اثنين من أولاده مع الحسين في معركة الطف ، دخل أحد مواليه ، فقال : هذا ما لقينا ودخل علينا من الحسين فحذفه عبد الله بن جعفر بنعله ، وقال له : يا ابن اللغناء ، أللحسين تقول هذا ؟ ( الطبري 5/ 466 ).

ولطم يزيد بن معاوية ، الأخطل ، وقال له : يا ابن اللخناء ، وسبب ذلك : إن يزيد بن معاوية ، شرب يوما ، حتي ثمل فقال : يا أخطل ، أهجني ولا تفحش ، فقال :

ألا أسلم سلمت أبا خالد ***وحياك ربك بالعنقز

وروي عظامك بالخندريس***قبل الممات ولم تعجز

أكلت الدجاج فأفنيتها***فهل في الخنانيص من مغمز

ودينك حقا كدين الحمار ***ل أنت أكفر من هرمز

فرفع يزيد يده ، ولطمه ، وقال له : يا ابن اللحناء ، ما بكل هذا أمرتك . ( المحاسن والمساويء 204/1 و 205).

ص: 349

ودخل جرير علي عبد الملك بن مروان ، فأنشده قصيدة امتدحه بها ، فلما أنشده المطلع :

أتصحو أم فؤادك غير صاح

قال له عبد الملك : بل فؤادك يا أبن اللخناء ( الهفوات النادرة 131)

ولما حصر عبد الملك بن مروان ، زفر بن الحارث الكلابي ، في قرقيسيا ، دعا زفر ولده الهذيل ، وقال له : أخرج إليهم فشد عليهم حتي تضرب فسطاط عبد الملك ، أسمعت يا ابن اللغناء ؟ ( أنساب الأشراف ها302/5 و 302).

وأحضر الحجاج بن يوسف الثقفي ، حطيط الزيات الكوفي ، وكان عابدا ، زاهدأ ، يصدع بالحق ، فحاوره الحجاج ، ثم شتمه ، فقال له : يا ابن اللغناء ، ثم قتله ( النجوم الزاهرة 208/1 ).

وشتم المهلب ، القائد عتاب بن ورقاء ، فقال له : يا ابن اللغناء .

وكان القائد عتاب بن ورقاء ، من قواد المهلب بن أبي صفرة ، وهو يحارب الخوارج في السنة 765، وجاء عتاب يطالب المهلب برزق أصحابه ، فسأله سؤالا فيه غلظة وتجهم، فغضب منه المهلب، وقال له : وانك لها هنا يا ابن اللخناء؟ فجري بينهما كلام ، فقبض المهلب علي القضيب ، وهم بأن يضرب عتابا ، فوثب المغيرة بن المهلب ، وقبض بيده علي القضيب ، وقال لأبيه : أصلح الله الأمير ، شيخ من أشياخ العرب ، وشريف من أشرافهم ، فسكن المهلب . ( الطبري 213/6 ) .

وشتمت جارية من بني نهشل ، الفرزدق ، وقد رأته يحد النظر إليها ، فقال لها : يا لغناء ، وقالت له : أنت قبيح المنظر ، سيء المخبر ، راجع القصة في الأغاني 21/ 317.

ص: 350

وشتم الحجاج ، أيوب بن القرية ، فقال له : كذبت يا ابن اللحناء . وكان الحجاج ، قد بعث أيوب بن القرية ، رسولا ، إلي القائد عبد الرحمن بن الأشعث ، لما ثار عليه ، فانضوي ابن القرية إلي عبد الرحمن ، فلما أنفل جيش عبد الرحمن ، جيء بابن القرية أسيرة ، فادخل علي الحجاج ، فقال له : يا عدو الله ، بعثتك رسولا فتركت ما بعثت له ، وصرت العبد الرحمن وزيرة ومشيرا ، فقال ابن القرية : أصلح الله الأمير، كان شيطانا في مسك إنسان ، استمالني بسحره ، وخلبني بلفظه ، فقال له : كذبت يا ابن اللخناء ، بل كان قلبك منافقا ولسانك مدامجة ، ثم قتله ( الأخبار الطوال 321)

وامتدح جرير الحجاج ، بقصيدته التي مطلعها :

هاج الهوي لفؤادك المهتاج

ويقول فيها :

من سد مطلع النفاق عليكم*** أم من يصول كصولة الحجاج

فلما بلغ إلي قوله :

قل للجبان إذا تأخر سرجه***هل أنت من شرك المنية ناجي

قال له الحجاج : جرأت علي الناس يا ابن اللغناء . ( العقد الفريد 105/1 و 106).

وقال أعوان روح بن زنباع ، للحجاج بن يوسف الثقفي : يا ابن اللغناء . وكان الحجاج في شرطة روح بن زنباع ، وزير عبد الملك بن مروان ، فشكا عبد الملك إليه ، ما يري من الإنحلال في عسكره ، وإن الناس لا يرحلون برحيله ، ولا ينزلون بنزوله ، فأشار روح عليه ، بأن يقلد أمر العسكر ، الحجاج بن يوسف ، فقلده ، فكان لا يقدر أحد أن يتخلف ،

ص: 351

ووقف يوما علي أتباع روح بن زنباع ، وقد تخلفوا ، فقال لهم : ما منعكم أن ترحلوا برحيل أمير المؤمنين ؟ فقالوا له : انزل يا ابن اللغناء ، فكل معنا ، فقال لهم : هيهات ، ذهب ما هنالك ، ثم أمر بهم ، فجلدوا بالسياط ، وطوفهم في العسكر ، وأمر بفساطيط روح بن زنباع فأحرقت بالنار ، فدخل روح علي عبد الملك ، يشكو من الحجاج ، فأحضره عبد الملك ، وقال له : ما حملك علي ما فعلت ؟ فقال : ما أنا فعلته يا أمير المؤمنين ، قال : ومن فعله ؟ قال : فعلته أنت، إن يدي يدك ، وسوطي سوطك ، وما علي أمير المؤمنين ، أن يخلف علي روح الفسطاط فسطاطين ، وللغلام غلامين ، ولا يكسرني فيما قدمني له، فكان ذلك أول ما عرف من كفاية الحجاج (العقد الفريد 14/5).

ولما حصر قتيبة بن مسلم ، بخاري ، واجه دفاعا عنيفا من الترك ، فمشي قتيبة إلي بني تميم، واستنهضهم للمعركة ، فنهض زعيمهم وكيع وأخذ اللواء وتقدم ، وقال لهريم المجاشعي - وهو علي خيل تميم - تقدم يا هريم ، ودفع إليه الراية ، فلما وصلوا إلي نهر بينهم وبين العدو، وقف هريم ، فقال له وكيع : أقحم يا هريم ، فقال له : إنك لأحمق ، إذ تريد مني أن أقحم خيلي النهر ، فإن انكشفت كان في ذلك هلاكها ، فقال له وكيع : يا ابن اللغناء ، أترد أمري ؟ وضربه بعمود كان يحمله ، فأقحم هريم فرسه ، وكان النصر . ( الطبري 6/ 443).

وفي السنة 112 حصر الترك الثائرون ، أمير خراسان الجنيد ، فكتب إلي سورة بن الحر، أمير سمرقند ، أن يخرج لنجدته ، فكتب إليه : لا أقدر علي الخروج ، فكتب إليه الجنيد : يا ابن اللغناء . تخرج أو أوجه إليك شداد بن خالد الباهلي ، وكان عدوه ، فخرج ( الطبري 76/7 ).

وتشاتم الحجاج الثقفي ، وخالد بن عتاب ، عامله علي الري ، فشتم كل منهما صاحبه ، وقال له : يابن اللخناء .

ص: 352

وكان الحجاج ، قد استعمل خالد بن عتاب الرياحي علي الري ، وكانت أم خالد ، أم ولد ( أي جارية ) فكتب إليه الحجاج ، كتابأ قال له فيه : يا ابن اللغناء ، أنت الذي هربت عن أبيك حتي قتل ، وكان خالد قد حلف إلا يسب أحد أمه ، إلا أجابه كائنا من كان ، فكتب خالد إلي الحجاج ، يقول : كتبت إلي تلخنني ، وتزعم أني فررت عن أبي حتي قتل ، ولعمري لقد فررت عنه، ولكن بعد أن قتل، وحين لم أجد لي مجالا، ولكن أخبرني عنك ، يا ابن اللغناء المستفرمة بعجم زبيب الطائف ، حين فررت أنت وأبوك يوم الحرة ، علي جمل ثفال ، أيكما كان أمام صاحبه ، فطلبه الحجاج ، فهرب إلي الشام ، وسلم بيت المال ، ولم يأخذ منه شيئا ، وسأل في الشام عن خاصة عبد الملك ، فقيل له : روح بن زنباع ، فأتاه حين طلعت الشمس ، واستجار به ، فلم يجره ، فراح إلي زفر بن الحارث الكلابي ، وأستجار به فأجاره ، ولما أصبح زفر ، دخل علي عبد الملك يتهادي بين اثنين من أبنائه ، وكان قد أسن ، فأجلسه عبد الملك علي كرسي ، وقال له : يا أمير المؤمنين إني قد أجرت عليك رجلا، فأجره ، قال : قد أجرته ، إلا أن يكون خالد ابن عتاب ، قال : فهو خالد ، قال : لا، ولا كرامه ، فقال زفر لابنيه : أنهضاني ، ثم ولي ، وقال لعبد المك : أما والله ، لو كنت تعلم أن يدي تطيقان حمل القناة ورأس الجواد ، لأجرت من أجرت ، فضحك عبد الملك ، وقال له : يا أبا الهذيل ، قد أجرنا من أجرت ، فلاأرينه ، وأرسل إلي خالد ألفي درهم ، فأخذها خالد ، ودفع إلي رسوله أربعة آلاف درهم ( الاغاني 17 / 232 ) .

وغضب الوليد بن عبد الملك ، علي جرير ، فقال له : يا ابن اللخناء .

وسبب ذلك : إن عدي بن الرقاع العاملي ، دخل علي الوليد وأنشده ،

ص: 353

وكان جرير في المجلس ، فقال الوليد لجرير : كيف تسمع ؟ فقال جرير : ومن هذا يا أمير المؤمنين ؟ قال : عدي بن الرقاع ، فقال جرير : إن شر الثياب الرقاع، ثم ذكر عشيرته عاملة ، فقال : عاملة ناصبة ، تصلي نارة حامية ، فغضب الوليد ، وقال له : يا ابن اللغناء ( الاغاني 80/8 ) .

وشتم هشام بن عبد الملك ، خالد القسري ، عامله علي العراقين ، فكتب إليه يقول : بلغني إنك تقول : ما ولاية العراق لي بشرف ، فيا ابن اللغناء ، كيف لا تكون إمرة العراق لك شرفأ، وأنت من بجيلة القليلة الذليلة ( الطبري 7 / 146 ).

وشتم عقيل بن علفة ، ولده علفة ، فقال له : يا ابن اللغناء .

وكان عقيل ، أعرج ، جافية ، شديد الهوج والعجرفية ، والبذخ بنسبه في بني مرة ، وكانت قريش ترغب في مصاهرته ، سمع أبنه علفة ، ينشد شعرأ أوله :

قفي يا ابنة المري أسألك ما الذي***تريدين فيما كنت منيتنا قبل

فقال له عقيل : يا ابن اللغناء ، متي متتك نفسك هذا ، وشد عليه بالسيف ، فحال بينهما ولده الأخر عملس ، فترك علفة ، وشد علي عملس بالسيف ، فرماه علفة بسهم ، ليكقه عن عملس ، فأصاب ركبته ، فبرك ، وهو يقول : ( الاغاني 259/12 ).

إن بني زملوني بالدم*** شنشنة أعرفها من أخزم

وشتم علي بن المهاجر أمير اليمامة ، المهير بن سلمي الحنفي ، فقال له : يا ابن اللخناء .

ص: 354

وسبب ذلك : إن علي بن المهاجر ، كان أميرا علي اليمامة للوليد بن يزيد ، فلما قتل الوليد ، جاء المهير إلي علي ، وقال له ، إن الوليد قد قتل ، وإن لك علي حقأ ، وكان أبوك لي مكرمة ، وقد قتل صاحبك ، فأختر خصلة من ثلاث ، إن شئت أن تقيم فينا ، وتكون كأحدنا ، فأفعل ، وإن شئت أن تتحول عنا إلي دار عمك فتنزلها أنت ومن معك ، إلي أن يرد أمر الخليفة الموتي ، فتعمل بما يأمر به ، فأفعل، وإن شئت فخذ من المال المجتمع ، ما شئت ، والحق بدار قومك ، فأنف علي بن المهاجر من ذلك ، ولم يفعله ، وقال للمهير : أنت تعزلني يا ابن اللخناء ، فغضب المهير ، وخرج من عنده ، فجمع قوم ، وأحتل بهم القصر ( الاغاني 141/20 ).

وكان هشام بن عبد الملك ، يكره ابن اخيه الوليد بن يزيد ، ويتنقصه ، وقال له في مجلسه مرة ، يعيره : ما فعلت برابطك ؟ ( البربط العود ) ، قال : مستعملة ، قال : فما فعل ندماؤك ، قال : صالحون ، ولعنهم الله إن كانوا شرا ممن حضرك، وقام، فقال له هشام : يا ابن اللخناء ( الاغاني 6/7 ).

ولما هاجم يزيد بن الوليد ، الوليد بن يزيد، كان علي ميسرة الوليد ، الوليد بن خالد ، ابن أخي الأبرش ، وكان الأبرش عمه ، يصيح به : يا ابن اللغناء ، قدم رايتك ، فقال له : لا أجد متقدمة ، إنها بنو عامر (العيون والحدائق 142/3).

وتساب عمر بن هبيرة ، والقعقاع بن خليد العبسي ، فقال له القعقاع : يا ابن اللغناء ، من قدمك ؟ فقال له ابن هبيرة : قدمك أنت وأهلك أعجاز الغواني ، وقدمني صدور العوالي ، أراد بأعجاز الغواني أن عبد الملك تزوج إليهم ، فإن أم الوليد وسليمان عبسية ( ابن الأثير 99/5 و 100).

ص: 355

ولما خرج يزيد بن المهلب بالبصرة علي الأمويين ، كان الحسن البصري ، يثبط عنه الناس ، فبلغ ذلك يزيد ، فأتي الحسن ، هو وبعض بني عمه ، وكان يزيد متنكرة ، فلاحي الحسن ، فدخل ابن عم ليزيد في ملاحاتهما، فغضب الحسن ، وقال له : وما أنت وذاك ، يا ابن اللحناء ؟ فاخترط سيفه ليضربه به ، فقال له يزيد : أغمد سيفك ، فوالله ، لو فعلت ، الانقلب من معنا ، علينا . ( وفيات الأعيان 304/6 ) .

ولما خرج يزيد بن المهلب ، بالبصرة علي الأمويين ، بعث عدي بن أرطاة ، عامل البصرة ، الحسن البصري ، إلي آل المهلب ، فناشدهم أن يؤثروا الطاعة، فقال عبد الملك أخو المهلب : إن طاعة عدي ليست واجبة علينا ، وإنكم قد واطئتموه علي هلاكنا، فقال له الحسن : كذبت ، فغضب عبد الملك ، وقال له : أتكذبني يا ابن اللغناء ، وأخذ بقائم سيفه ، وقال له : والله ، لولا أن أعير بقتلك ، وأنت في منزلي ، لضربت عنقك ( العيون والحدائق 53/3 ) .

وتقدم فتي إلي سليمان بن عبد الملك ، فقال له : يا أمير المؤمنين ، إن لي في بيت مالك ، مائتي دينار ، وأنا الأن مملك بابنة عمي ، وقد ضرب علي أجل إن جزته فرق بيني وبينها، فإن رأي أمير المؤمنين أسلفني هذه المائتين . فقال له سليمان : يا ابن اللخناء ، أقسطار أنا حتي أسلفك ؟ بل أهب لك مائتي دينار ، ومائتي دينار ، وجعل يكررها ، حتي انقطع نفسه علي ثلاثة الاف دينار ، فقبضها الرجل . فأتاه الناس يهنؤنه ، قال : فأين قوله : يا ابن اللخناء ؟ فبلغ ذلك سليمان ، فقال : صدق ، وددت أني أفتديتها بأضعاف ذلك ، ولم أقلها ( البصائر والذخائر 782/2/2 ).

وكان يوسف بن عمر الثقفي ، عامل العراق ، أحمق ، ولقب بأحمق ثقيف ، وكان يلي لهشام بن عبد الملك اليمن ، فكتب إليه سرا بولايته

ص: 356

العراق ، فاستخلف علي اليمن ابنه الصلت ، وخرج ومعه دليل ، فلما أراد أن ينصرف ، سأله ابنه : أين تريد ؟ فضربه مائة سوط ، وقال له : يا ابن اللغناء ، أيخفي عليك إذا استقر بي منزل ؟ ( الطبري 150/7 ).

وكان يوسف قصيرة جدا ، وكان يفرح إذا قال له الخياط إن هذا الثوب لا يكفي ، ويغضب إذا قال أنه يفضل منه شيء ، وجيء إليه يوما بثوب ، فقال الكاتبه : ما تقول في هذا الثوب ؟ فقال : كان ينبغي أن تكون بيوته أصغر مما هي ، فقال للحائك : صدق ، يا ابن اللحناء ، فقال الحائك : نحن أعلم بهذا ، فقال للكاتب : صدق : يا ابن اللغناء ، فقال الكاتب : هذا يعمل في السنة ثوبا أو ثوبين ، وأنا يمر علي يدي في كل سنة مائة ثوب مثل هذا ، فقال للحائك : صدق يا ابن اللغناء ، فلم يزل يلخن أم هذا مرة ، وأم هذا مرة ، حتي عد أبيات الثوب ، فوجدها تنقص بيتا واحدا من أحد جانبي الثوب ، فضرب الحائك مائة سوط ( ابن الأثيره 225/5 ).

ولما أراد المنصور قتل أبي مسلم ، أحضره ، وقرعه بأمور بدرت منه ، فقال له أبو مسلم : لا يقال لي هذا بعد بلائي ، وما كان مني ، فقال له المنصور : يا ابن الخبيثة ، والله لو كانت أمة مكانك لأجزأت ، إنما عملت في دولتنا وبريحنا ، ثم صفق بيديه ، فخرج الذين أعذهم لقتله ، وضربه عثمان بن نهيك بالسيف ، وأخذه الحرس بسيوفهم ، وهو يقول : العفو . العفو ، فقال له المنصور : يا ابن اللغناء، العفو ، والسيوف قد أعتورتك ؟ ( ابن الأثير 476/5 ) .

وفي السنة 144 كان المنصور العباسي ، قد شدد في البحث عن محمد وإبراهيم ولدي عبد الله بن الحسن ، وأصدر أمره ، باعتقال بني الحسن بأجمعهم ، واعتقل معهم محمد بن عبد الله بن عمرو بن عثمان بن عفان ،

ص: 357

وأمه فاطمة بنت الحسين الشهيد ، وكانت ابنته رقية تحت إبراهيم بن عبد الله ، وأحضر المنصور محمد العثماني ، فشتمه وشتم ابنته زوجة إبراهيم ، وسماها : زانية ، فتعجب محمد من قوله ، وقال له : مه يا أمير المؤمنين ، أتقول هذا لابنة عمك ؟ فقال له : يا ابن اللحناء ، فقال له : أي أمهاتي تلخن ( قال ذلك لأن أمه فاطمة بنت الحسين بن علي بن أبي طالب ، وجدتها فاطمة الزهراء بنت النبي محمد صلوات الله عليه ) ، فقال له المنصور : يا ابن الفاعلة، ثم ضرب وجهه بالجرز، وقتله من بعد ذلك ( الطبري 7 / 543 ) .

وكان أبو العباس السفاح ، قد أمن قوم من بني أمية ، منهم الغمر بن يزيد بن عبد الملك ، وكان الغمر في مجلس السفاح يوما ، فدخل سديف الشاعر ، وأنشد الخليفة قصيدة مطلعها :

أصبح الملك ثابت الأساس ب***البهاليل من بني العباس

فالتفت السفاح إلي الغمر وقال له : كيف تري هذا الشعر ؟ فأجابه : لقد قال شاعرنا ما هو أشعر من هذا ، وأنشده ما قيل في بني أمية :

شمس العداوة حتي يستقاد لهم ***وأعظم الناس أحلام إذا قدروا

فشرق وجه أبي العباس بالدم ، وقال له : كذبت يا ابن اللخناء ، إني لأري الخيلاء في رأسك بعد، ثم أمر به وبالأمويين الآخرين في مجلسه ، فقتلوا في العقد الفريد 4 / 486 و 485 ).

. ولما انتقض عبد الله بن علي ، علي ابن اخيه المنصور ، بعث إليه أبا مسلم الخراساني ، فحاربه ، وكسره ، فبعث المنصور يقطين بن موسي ، القبض الغنائم ، فغضب أبو مسلم ، وقال ليقطين : يا ابن اللغناء ، أمين علي الدماء ، وغير أمين علي الأموال ؟ فقال له يقطين : امرأتي طالق . إن كان

ص: 358

أمير المؤمنين وجهني إليك إلا لتهنئتك بالظفر ، فاعتنقه أبو مسلم وأجلسه إلي جانبه، فلما انصرف ، قال أبو مسلم لأصحابه : والله ، أنا عالم بأنه طلق زوجته . ولكنه وفي لصاحبه (مروج الذهب 2 / 230 ).

وفي السنة 137 لما أزمع المنصور ، أن يقتل أبا مسلم الخراساني عند أول مواجهة ، منعه وزيره أبو أيوب المورياني من ذلك ، وطالبه بالتأني ، فتأني ، ثم غضب علي وزيره ، وقال له : يا ابن اللغناء ، لا مرحبا بك ، منعتني منه أمس ، والله ما غمضت الليلة ( الطبري 7/ 488) .

وغضب المنصور علي أبي دلامة ، وقال له : يا ابن اللغناء ، ما هذا المجون الذي يبلغني عنك ؟ فتنصل واعتذر ، فأمره بأن يلازم مسجده ، في صلاتي الظهر والعصر ، فلزم المسجد أيامأ ، ثم ضاق صدره ، وأوصل إلي المنصور رقعة فيها أبيات منها :

ألم تعلما أن الخليفة لزني ***بمسجده والقصر ، مالي وللقصر

وماضره - والله يغفر ذنبه. ***لوأن ذنوب العالمين علي ظهري

فأعفاه المنصور من الحضور ( الاغاني 247/10 ).

وكان عبد الجبار بن عبد الرحمن الأزدي ، قد ولاه المنصور إمارة خراسان ، فخرج علي المنصور ، فبعث إليه جندة ، حاربوه وأسروه ، وحمل إلي المنصور ، فلما دخل عليه ، قال له : يا أمير المؤمنين قتلة كريمة ، فقال له : تركتها وراءك يا ابن اللغناء .

يريد أن القتلة الكريمة ، تكون في المعركة ( الطبري 8/ 88 ) .

وأحضر المنصور ، عثمان بن محمد بن خالد بن الزبير ، في السنة

ص: 359

190 ، فقال له : أين المال الذي عندك ؟

قال : رفعته إلي أمير المؤمنين رحمه الله .

قال ومن أمير المؤمنين ؟

قال : محمد بن عبد الله بن الحسن رحمة الله وصلواته عليه .

قال : أبايعته ؟

قال : نعم ، كما بايعته أنت ، وأخوك ، وأهلك هؤلاء الغدرة .

فقال له : يا ابن اللخناء .

فقال : ذاك من قامت عنه الإماء ( يريد به المنصور لأنه ابن أمة بربرية اسمها سلامة ) فأمر به فضربت عنقه ( مقاتل الطالبيين 287 والطبري 607/7 ).

وكتب ابو دلامة إلي المهدي رقعة صدرها بأبيات منها :

أدعوك بالرحم التي جمعت لنا*** في القرب بين قريبنا والأبعد

إلأ سمعت وأنت أكرم من مشي***من منشد يرجو جزاء المنشد

فدعا به المهدي ، فقال له : أي قرابة بيني وبينك يا ابن اللغناء ؟ قال : رحم آدم وحواء ( الطبري 8/ 183 و 184).

واشتهي جواري المهدي ، أن يسمعن ربيعة الرقي ، وكان شاعرأ مجيدة ، وكان ضريرة، فوجه إليه المهدي ، فأخذه من مسجده بالرقة ، فأدخل عليه ، فسمع ربيعة حسا من وراء الستر ، فقال : إني أسمع حا يا أمير المؤمنين ، فقال له المهدي : اسكت يا ابن اللغناء ، واستنشده ، وضحك ، وضحكن منه ، ثم أجازه بجائزة سنية ( الاغاني 255/16 ).

وأجري المهدي الخيل ، فسبقها فرس له اسمه ، الغضبان ، فقال لأبي

ص: 360

دلامة : قلده يا زند ، فقلده عمامته ، فقال له المهدي : يا ابن اللغناء ، أنا أكثر عمائم منك ، إنما أردت أن تقلده شعرأ ( الاغاني 18 / 320 ).

وغني إبراهيم الموصلي ، الهادي ، غناء أطربه ، فقال له : احتكم ، فطلب حائط ( بستان ) عبد الملك ، وعينه الخرارة ، فغضب موسي ، وقال له: يا ابن اللغناء ، أردت أن تسمع العامة ، أنك أطربتني ، وأني حكمتك ، وعوضه عنها سبعمائة ألف درهم ( الطبري 226/8 ) .

وكتب موسي الهادي ، إلي صاحب إفريقية ، في أمر فرط منه : يا ابن اللحناء ، أبي تتمري ؟ ( العقد الفريد 213/4 ) .

أقول : كان صاحب افريقية ، في أيام الهادي يزيد بن حاتم المهلبي ، من القادة الشجعان ، ولي إفريقية للمنصور في السنة 154 واستمر واليا عليها خمس عشرة سنة بقية أيام المنصور ، والمهدي ، والهادي ، وتوفي والهادي في سنة واحدة ، أي في السنة 170 ( الطبري 205/8 والاعلام 230/9 ) .

وأنشد منصور النمري ، الرشيد ، قصيدة ، مدحه فيها، وهجا آل علي ، وثلبهم . فضجر هارون ، وقال له : يا ابن اللغناء ، أتظن أنك تتقرب إلي بهجاء قوم أبوهم أبي ، ونسبهم نسبي ، وأصلهم وفرعهم ، أصلي وفرعي ؟ فقال منصور : وما شهدنا إلا بما علمنا ، فزاداد غضبه وأمر مسرورة فوجأه في عنقه وأخرجه ( الاغاني 13 / 144 ).

وجاء عثمان بن إبراهيم بن نهيك ، إلي الفضل بن الربيع ، وذكر له إن أباه إبراهيم يبكي جعفر بن يحيي البرمكي ، فحدث الرشيد بذلك ، فأحضر الرشيد إبراهيم ، واختبره بأن تظاهر له أنه نادم علي قتل جعفر ، فبكي

ص: 361

إبراهيم أمامه ، وترحم علي جعفر ، فصاح به الرشيد : قم عليك لعنة الله ، يا ابن اللخناء ، فقام وهو لا يعقل ، وانصرف إلي أمه ، فقال لها : يا أم ، ذهبت والله نفسي ، فقالت له : كلا، إن شاء الله ، وما ذاك يا بني ؟ قال : إن الرشيد امتحنني بمحنة ، واللله ، لو كان لي ألف نفس لم أنجح بواحدة ، وبعد ليال قلائل ، دخل عليه ابنه عثمان ، فضربه بسيفه حتي مات ( الطبري 311/8 و 312 وابن الأثير 187/6 )

ووتي الرشيد سلامة الخادم ، ضياعه بالثغور والشامات ، فتواترت الكتب بحسن سيرته ، ثم وفد عليه ، فلما دخل عليه ، كان الرشيد يأكل سفرجلا ، حمل إليه من بلخ ، وهو يقشره ويأكل منه ، فتكلم سلام ، وأخذ يذكر حسن سيرته ، حتي قال : أنسيتهم - والله - يا أمير المؤمنين ، سيرة العمرين ، فغضب الرشيد، واستشاط ، وأخذ سفرجلة ، فرماه بها ، وقال له : يا ابن اللغناء ، العمرين ؛ العمرين ( الطبري 354/8 ) .

وغضب الرشيد ، علي ربيعة الرقي ، فقال له : يا ابن اللخناء ، أتهجو أحد عمومتي . .

وتفصيل القصة : إن ربيعة الرقي ، مدح العباس بن محمد العباسي ، بقصيدة مختارة منها :

الو قيل للعباس يا ابن محمد***قل : لا ، وأنت مخلد ، ما قالها

ما إن أعد من المكارم خصلة*** إلا وجدتك عمها أو خالها

وإذا الملوك تسايروا في بلدة*** كانوا كواكبها ، وكنت هلالها

إن المكارم لم تزل معقولة*** حتي حللت براحتيك عقالها

فبعث إليه العباس بدينارين اثنين ، وكان ربيعة يؤمل ألفي دينار ، فلما

ص: 362

نظر إلي الدينارين ، كاد أن يجن ، وقال للرسول : خذ هذين الدينارين لك ، وبعث إلي العباس ، بالأبيات التالية :

مدحتك مدحة السيف المحلي*** لتجري في الكرام كما جريت

فهبها مدحة ذهبت ضياعا*** كذبت عليك فيها وافتريت

فأنت المرء ليس له وفاء*** كأني إذ مدحتك قد زنيت

فلما قرأ العباس الرقعة ، غضب ، وجاء إلي الرشيد، فشكا إليه ربيعة ، وأخبره بأنه هجاه ، وكان العباس أثيرة عند الرشيد ، فغضب الرشيد ، وأمر بربيعة ، فأحضر ، وقال له : يا ابن اللغناء ، أتهجو أحد عمومتي ، والله ، لقد هممت أن أضرب عنقك ، فقال ربيعة : والله ، يا أمير المؤمنين ، لقد مدحته بقصيدة ما لأحد من الشعراء ، في أحد من الخلفاء ، مثلها ، فإن رأي أمير المؤمنين أن يأمر بإحضارها ، فطلبها الرشيد ، فتلكأ عليه العباس ، فأصر الرشيد علي إحضارها ، فأحضرت ، فقرأها ، وأعجب بها ، ثم قال للعباس : كم أثبته عليها ؟ فسكت ، فقال ربيعة : أثابني عليها دينارين ، فقال له الرشيد : ويحك ، أصدقني كم أثابك ؟ قال : وحياة رأسك يا أمير المؤمنين ، ما أثابني عليها سوي دينارين ، فغضب الرشيد، وعبس في وجه العباس ، وأمر لربيعة بثلاثين ألف درهم ( تحفة المجالس 332 - 335 ).

وفي السنة 193 كان الرشيد بطوس ، وكان هرثمة قد أوقع برافع بن الليث وكسره وأسر أخاه وأسمه بشير بن الليث ، فبعث به إلي الرشيد بطوس فدخل عليه والرشيد علي سرير مرتفع عن الأرض بقدر الذراع، وعليه فرش بقدر ذلك ، وفي يده مرة ينظر إلي وجهه ، فنظر إلي أخي رافع ، وقال له : أما والله يا ابن اللخناء ، إني لأرجو أن لا يفوتني خامل ( پريد رافعا ) كما لم تفتني ( العيون والحدائق 3/ 137 والطبري 342/8 ) .

ص: 363

ولما سمع الأمين ، أبيات أبي نؤاس التي يقول فيها :

ومستعبد إخوانه بثرائه***ليست له كبرأ أبر علي الكبر

إذا ضمني يومأ وإياه مجلس***رأي جانبي وعرأ يزيد علي الوعر

أخالفه في لحظه وأجره***علي المنطق المبرور والنظر الشزر

ولو لم أنل فخرة لكانت صيانتي*** فمي عن جميع الناس حسبي من الفخر

فوالله لا ألوي لساني بحاجة*** إلي أحد حتي أود في قبري

فلا يطعمن في ذاك مني طامع*** ولاصاحب التاج المحجب في القصر

فأحضر ابا نؤاس . وقال له : يا ابن اللغناء ، بلغ بك الأمر أن تعرض بي في شعرك ( الملح والنوادر 135 ) .

وشكا بصري إلي المأمون ، أنه تزوج امرأة من آل زياد بن أبيه ، وأن أبا الرازي فرق بينهما ، وقال هي : آمرأة من قريش ، فكتب اليه المأمون : متي تحاكمت إليك العرب لا أم لك في أنسابها ؟ ومتي وكلتك قريش ، يا ابن اللغناء ، بأن تلصق بها من ليس منها ؟ راجع تفصيل القصة في المحاسن والمساويء 148/2 .

وشغب بعض المحبوسين ، في المطبق ببغداد ، وأرادوا أن يثبوا بالمأمون ، فخرج لمقاتلتهم ، وجاء صاحب الشرطة متأخرة ، فقال له المأمون : يا ابن اللغناء . يحضر الحاكم ضرب الأعناق ، وصاحب الشرطة مشغول بمجالسة الفساق (تاريخ بغداد لابن طيفور 99).

وسمع الحسن بن سهل ، شعرأ لعلي بن جبلة في مدح الأمين ، قال فيه :

خليفة الله خير منتخب***لخير أم من هاشم وأب

فقال عرض - والله - ابن اللغناء ، بأمير المؤمنين ( الاغاني 20 / 54).

ص: 364

أقول : كان الأمين لأبوين هاشميين ، هما الرشيد وزبيدة ، أما المأمون ، فكانت أمه جارية ، وإلي ذلك أشار الشاعر بقوله ، لخير أم من هاشم وأب ، ولعل هذا القول ، هو الذي أدي بالمأمون إلي قتل علي بن جبلة ، وان كان قد أحتج عليه بحجة غير هذه ، إذ أحتج عليه بأنه كفر في قوله لأحد ممدوحيه :

أنت الذي تنزل الأيام منزلها***وتنقل الدهر من حال إلي حال

وما مددت مدي طرف إلي أحد***إلا قضيت بأرزاق وآجال

راجع ترجمة علي بن جبلة في الأغاني 14/20-42.

ص: 365

3. قولهم : يا بن الفاعلة

ابن الفاعلة : كناية يراد بها ابن الزانية أو ابن الفاجرة ويستعملها في الشتم من لم يرد ذكر كلمة الزنا أو الفجور صراحة

وكانت زبراء جارية الأحنف، أثيرة عنده ، قال لها ابنه بحر ، مرة : با فاعلة ، فقالت له : لو كنت كما تقول ، أتيت أباك بمثلك ( المعارف لابن قتيبة 424) .

: وقال ابن الغرق : رأيت المختار مشتور العين ، فقلت له : من فعل هذا بك ؟ قطع الله يده ، قال : ابن الفاعلة عبيد الله بن زياد ، والله ، الأقطعن أنامله وأباجله ( البصائر والذخائر 4 / 48 )

ولما أنشد جرير عبد الملك بن مروان ، قصيدته التي امتدحه بها ، ومطلعها :

أتصحوا فؤادك غير صاح

قال له عبد الملك : بل فؤادك يا ابن الفاعلة ( تنبيه الأديب 106 )

ولما دخل ذو الرمة علي عبد الملك بن مروان ، وأنشده قصيدته التي امتدحه فيها ، ومطلعها :

ما بال عينيك منها الماء ينسكب

ص: 366

وكانت عين عبد الملك تدمع دائما ، توهم أنه خاطبه وعرض به ، فقال له : ما سؤالك عنها يا ابن الفاعلة ( تنبيه الأديب 107).

واختلفت حبابة وسلامة ، جاريتا يزيد بن عبد الملك ، في غناء صوت ، فحكمتا معبد، فحكم لحبابة ، فغضبت سلامة ، وقالت لمعبد : والله يا ابن الفاعلة ، إنك لتعلم أن الصواب ما قل ، ولكنك سألت أيهما أثر عند أمير المؤمنين ، واتبعت هواه ، ورضاه ( الاغاني 136/15 ).

وغضب هشام بن عبد الملك علي الأبرش الكلبي ، فقال له : يا ابن الفاعلة .

كان الأبرش الكلبي ، واسمه سعيد بن الوليد ، كاتبا لهشام بن عبد الملك ، وغالبا علي أمره ، فأنكر عليه في يوم من الأيام شيئا ، فغضب منه ، وقال له : يا ابن الفاعلة ، فقال له الأبرش : استحييت لك ، وأنت خليفة الله في عباده وأرضه ، وليس بينك وبيني الله واسطة ، تقول : يا ابن الفاعلة ، والله لو قال هذا عبد من عبيدك لأخر مثله لكان قبيحة ، فاستحيا هشام ، وقال له : هلم فاقتص مني ، قال : إذن أكون سفيها مثلك ، قال فهبها لي ، قال : قد فعلت ، فقال هشام : والله لا أعود إلي مثلها أبدأ ( اعتاب الكتاب 60).

وقال أبو الهيثم بن العريان ، الأحد المتظلمين : ويلي علي ابن الفاعلة .

وسبب ذلك ، إن أبا الهيثم ، كان صاحب الشرطة بالعراق ، جاء إليه أحد المتظلمين بغريم له قد مطل غريمه دينا ، فقال له : ما تقول ؟

قال : إن هذا ابتاعني عنجدة ، وأستنشأته حولا ، فصار لا يلقاني في القم ، إلا اقتضاني .

ص: 367

فقال له الهيثم : أمن بني أمية أنت ؟ قال : لا .

قال : فمن أكفائهم من بني هاشم ؟ قال : لا.

قال : ويلي علي ابن الفاعلة ، فعل م تتكلم بهذا الكلام ؟ السياط ،

فلما جرد ليضرب ، قال : أصلحك الله ، إن إزاري مرعبل .

فقال : دعوه، فلو ترك الغريب في وقت لتركه الآن ( الملح والنوادر 183).

وشتم أحد الأمراء العباسيين من أولاد عيسي بن جعفر بن سليمان ، أحد المختثين ، فقال له : يا ابن الفاعلة .

وسبب ذلك : إن هذا الأمير بعث إلي جماعة من المختثين ، فأتوه ، فجعلوا يلعبون، ويرقصون ، وبقي مخنث منهم لا يتحرك ، فقال : مالك ؟ قال : لا أحسن شيئا ، قال : فلم دخلت يا ابن الفاعلة ؟ يا غلام ائتني بسكرجة مملوءة روثة، وأخري مملوءة جمرة ، فأتاه بهما ، فقال : والله التأكلن من أحداهما ، أو لأضربك حتي تموت ، قال : يا مولاي دعني أصلي ركعتين ، قال : قم فصل ، فقام يصلي ، فأطال ، فقال له : يا ابن الفاعلة ، إلي كم تصلي ؟ قد صليت أكثر من عشرين ركعة ، فقال : يا سيدي ، أنا دائب ، أدعو الله أن يمسخني نعامة ، فأقوي علي أكل الجمر ، أو خنزيرأ ، فأقوي علي أكل الخرا ، فلم يستجب لي بعد ، فدعني أصلي ، وأدعو ، فلعله يستجاب لي ، فضحك منه ، ووصله .

وفي السنة 129 كانت العصبيه بين المضرية واليمانية بخراسان علي أشدها ، وكان نصر بن سيار عامل خراسان زعيم المضرية ، وجديع بن علي الكرماني الأعور ، زعيم اليمانية ، وكان المصريون يشتمون الأزد اليمانيين ، يعيرونهم بأنهم ملاحين ، وحدث أن بعث نصر ، سلم بن أحوز ، إلي جديع ، وكان جديع قد استولي علي مرو، فقدم سلم مع جيش ، وتواقف مع

ص: 368

جيش جديع ، علي أسوار مرو ، فقال سلم بن أحوز لمحمد بن المثني : يا محمد ، مر هذا الملاح بالخروج إلينا ، فقال محمد السلم : يا ابن الفاعلة ، لأبي علي تقول هذا ؟ ( الطبري 7/ 368).

أقول : هذه العصبية التي نشبت بين المصرية واليمانية بخراسان ، دفعت بعض الحمقي منهم إلي ارتكاب جرائم القتل ، فأصبح اليمانية إذا الاقوا مضريا قتلوه ، وكذلك المضرية إذا وجدوا يمانية قتلوه ، وقد أوردنا في الفصل السادس من هذا الباب «طرائف في الشتم » قصة الفتي الذي خرج أيام العصبية إلي أذربيجان ، فلاقي في طريقه فرسانة سألوه مضري هو أم يماني ، فخاف أن يقول مضري وهم يمانية ، أو يماني وهم مضرية ، فيكون نصيبه القتل، فتخلص منهم بجواب أسعفته به قريحته ، وقال لهم : أنا ولد زنا عافاكم الله ، فضحكوا منه وأمنوه ، وقد فشت مثل هذه الجرائم في لبنان في السنتين 1397 و 1398 (1976 و 1977 م ) فكان بعض المسيحين يقتلون المسلمين إذا ظفروا بهم ، وكذلك كان يصنع بعض المسلمين ، وسمي هذا اللون من القتل ، القتل علي الهوية ، بأن يطالب الإنسان بأن يكشف عن هويته ، وهي رقعة فيها اسمه ورسمه ومعتقده ، فيجري التصرف معه وفقا لما دون فيها ، فان امتنع عن بيان معتقده ، ولم يكشف عن هويته ، يكشف ثوبه عن بدنه ، فإن كان مختنا فهو مسلم ، وإلا فهو مسيحي .

وكان أبو العباس السفاح ، قد شرط لأم سلمة ، لما تزوجها ، أن لا يتزوج عليها ولا يتسري ، ووفي لها بالشرط ، فأغراه خالد بن صفوان ، بأن يتسري ، فقص السفاح القصة علي أم سلمة ، فقالت له : فما قلت لابن الفاعلة ؟ راجع القصة مفصلة في الأذكياء 116 و 117 وفي الهفوات النادرة 105 - 101

ص: 369

ولما حج المنصور في السنة 144 ، أمر بإحضار أمير المدينة ، فصاح به : يا ابن الفاعلة ، أين محمد وإبراهيم ؟ يريد بهما محمد وإبراهيم ولدي عبد الله بن الحسن بن الحسن ( الطبري 7 / 527).

وتغالظ المنصور مع عبد الله بن الحسن بن الحسن ، فوثب المسيب بن زهير أحد قواد المنصور ، وقال له : يا أمير المؤمنين ، دعني أضرب عنق ابن الفاعلة . ( الأغاني 21 / 123).

الما ادخل محمد بن عبد الله بن عمرو بن عثمان ، علي المنصور ، شتمه ، وقال له : يا ابن الفاعلة فقال له : يا أبا جعفر أي أمهاتي تزئي ؟ فاطمة بنت رسول الله ، أم فاطمة بنت الحسين ، أم خديجة بنت خويلد ؟ ( مقاتل الطالبيين 221).

أقول : أم محمد العثماني هي فاطمة بنت الحسين بن علي بن أبي طالب .

وطلب أبو دلامة ، من المهدي العباسي ، كلب صيد، فاستصغر المهدي الطلب ، وقال له : يا ابن الفاعلة ، وما تصنع به ؟

فقال له أبو دلامة : إن كانت الحاجة لي ، فليس لك أن تعرض فيها .

فقال : صدقت ، أعطوه كلبأ .

فقال : يا أمير المؤمنين ، لا بد لهذا الكلب من كلاب . فأمر له بغلام مملوك .

فقال : يا أمير المؤمنين ، أيتهيأ لي أن أصيد راج ؟

فقال : أعطوه غلاما سائسأ .

فقال : ومن ينحر الصيد ويصلحه ؟

فقال : أعطوه طباخا .

فقال : ومن يؤوي هؤلاء يا أمير المؤمنين ؟

ص: 370

فقال : أعطوه دارا . فقال : ومن يمون هؤلاء كلهم ؟

فقال : أعطوه مائة جريب عامرة ، ومائتي جريب غامرة .

فقال : ما الغامرة يا أمير المؤمنين ؟

فقال : التي لا نبات فيها .

فقال : قد اقطعتك يا أمير المؤمنين ، مائتي جريب غامرة في فيافي بني أسد.

فضحك المهدي وقال : قد جعلناها كلها عامرة (الملح للحصري 90).

وجيء للمنصور بخارجي قد هزم له جيوشا ، فأقامه ليضرب عنقه ، ثم اقتحمته عينه ، فقال له : يا ابن الفاعلة ، مثلك يهزم الجيوش ، فقال له الخارجي : ويلك ، سوأة لك ، بيني وبينك أمس السيف والقتل ، واليوم القذف والسب ، وما كان يؤمنك أن أرد عليك وقد يئست من الحياة فلا تستقبلها أبدأ ، فاستحيا منه المنصور وأطلقه . ( الطبري 68/8 ).

وخطب المهدي يوما ، فقال : عباد الله اتقوا الله ، فقام إليه رجل ، فقال : وأنت فاتق الله ، فإنك تعمل بغير الحق ، فأخذ ، فحمل ، فجعل القواد يتلقونه بنعال سيوفهم ، فلما أدخل عليه ، قال : يا ابن الفاعلة ، تقول لي وأنا علي المنبر اتق الله ، فقال له الرجل : سوأة لك ، لو كان هذا من غيرك ، كنت المستعدي عليه بك ، قال : ما أراك إلآ نبطية ، قال : ذاك أوكد للحجة عليك، أن يكون نبطي يأمرك بتقوي الله ، فأطلقه. (الطبري 181/8 ).

وأحضر أحد اتباع عيسي بن زيد العلوي ، أمام المهدي العباسي ، فشتمه ، وقال له : يا ابن الفاعلة . فقال له : أما تستحي من الله تشتم المحصنات وتقذفهن ، وقد كان ينبغي لك ، ويلزمك في دينك وما وليته أن لو

ص: 371

سمعت سفيها يقول مثل قولك أن تقيم عليه الحد، فأعاد شتمه ، ثم وثب عليه فطرحه ، وضربه بيديه ، وركله برجليه وشتمه ، فقال له : إنك لشجاع ايد ، حتي قويت علي شيخ مثلي تضربه ، لا يقدر علي المنع عن نفسه ، ولا الإنتصار لها ، فأمر بحبسه والتضييق عليه ، فقيد بقيد ثقيل ، وحبس سنين ، حتي مات عيسي بن زيد ، فأطلقه ( مقاتل الطالبين 417) .

وطالبت الخيزران ، ولدها موسي الهادي ، بقضاء حاجة ضمنت قضاءها لعبد الله بن مالك ، فغضب موسي ، وقال : ويلي علي ابن الفاعلة .

وتفصيل ذلك : إن الخيزران كانت تكلم ولدها موسي ، لما استخلف ، في حوائج الناس ، فيقضيها ، فانثال الناس عليها، وكانت المواكب تغدو إلي بابها ، وكلمته يوما في أمر لم يجد سبيلا إلي إجابتها إليه ، فاعتل بعلة ، فقالت له : لا بد من إجابتي ، فقال لها : لا أفعل ، قالت : إني تضمنت هذه الحاجة لعبد الله بن مالك ، فغضب موسي ، وقال : ويلي علي ابن الفاعلة ، قد علمت إنه صاحبها ، والله لا قضيتها لك ، قالت : إذن والله لا أسألك حاجة أبدا ، قال : إذا والله لا أبالي ، وحمي وغضب ، فقامت مغضبة ، فقال لها : مكانك تستوعبي كلامي : والله ، وإلا فأنا نفي من قرابتي من رسول الله ، لئن بلغني إنه وقف ببابك أحد من قوادي ، أو أحد من خاصتي ، أو خدمي ، لأضربن عنقه ، وأقبضن ماله ، فمن شاء فليلزم ذلك ، ما هذه المواكب التي تغدو وتروح إلي بابك في كل يوم ، أما لك مغزل يشغلك ، أو مصحف يذكرك ، أو بيت يصونك ، إياك ثم إياك ، ما فتحت بابك لملي أو ذمي ، فانصرفت ما تعقل ما تطأ ، فلم تنطق عنده بحلوة ولا مرة بعدها ( الطبري205/8 و 206).

وقال أبو العتاهية ، في سلم الخاسر :

تعالي الله يا سلم بن عمرو*** أذل الحرص أعناق الرجال

هب الدنيا تصير إليك عفوا*** أليس مصير ذاك إلي زوال

ص: 372

فغضب سلم ، قوال : ويلي علي الجرار ابن الفاعلة ، الزنديق ، يزعم أني حريص ، وهو قد كنز البدر ، وأنا في ثوبي هذين لا أملك غيرهما . ( الأغاني 269/19 - 276 معجم الأدباء 248/4 ).

وقال يحيي بن زياد ، لصاحبه مطيع بن إياس ، انطلق بنا إلي فلانة المغنية ، فأصلحها، فإن بيننا مغاضبة ، فدخلا إليها ، وأخذ يحيي يعاتبها ، ومطيع ساكت ، فقال له : ما يسكتك ، أسكت الله نأمتك ، فقال مطيع :

أنت معتلة عليه وما زال*** مهينأ لنفسه في رضاك

فأعجب يحيي ما قاله ، وهش له ، وقال له : هيه ، فقال :

فدعيه ، وواصلي ابن إياس*** جعلت نفسه الغداة فداك

فقام إليه يحيي ، بالوسادة ، يجلد بها رأسه ، وقال : ألهذا دعوتك ، يا ابن الفاعلة (الديارات 253 و 254 ).

وشتم بشار حماد عجرد ، فقال فيه : ابن الفاعلة .

وسبب ذلك : أن راوية حماد ، أنشده قول حماد فيه :

الا من مبلغ عن***ي الذي والده برد

فقال : صدق ابن الفاعلة ، فقال :

إذا مانسب الناس***فلا قبل ولا بعد

فقال : كذب ابن الفاعلة ، فقال :

وأعمي قلطبان ما***علي قاذفه حد

فقال : كذب ابن الفاعلة ، بل عليه ثمانون جلدة ، فقال :

وأعمي يشبه القرد***إذا ماعمي القرد

فقال : والله ، ما أخطأ ابن الزانية ، حين شبهني بقرد ، حسبك

ص: 373

حسبك ، ثم صفق بيديه ، وقال : ما حيلتي ، يراني فشبهني ، ولا أراه فأشبهه ( الأغاني 14 / 328 - 329).

وشتم الهادي ، الحسن بن عبد الخالق ، فقال له : يا ابن الفاعلة .

وسبب ذلك : إن الهادي ، خرج يوما في غلالة ، علي فرس ، وبيده قناة ، وأخذ يلعب ، ولا يدرك أحدأ إلا طعنه ، فلاقي الحسن بن عبد الخالق ، والحسن لا يعرفه ، فأراد أن يطعنه ، فقبض الحسن علي قائم سيفه ، يريد أن يسله ، فصاح به رجل، ويلك ، أمير المؤمنين ، فحك الحسن دابته، وهرب ، والتجأ إلي دار صاحب الحرس ، ولحقه الهادي إلي باب صاحب الحرس ، فصاح به : اخرج يا ابن الفاعلة ، فلم يخرج ، واضطر الحسن إلي مغادرة عيسي آباد ، مقر الهادي ، إلي حين موته ( الطبري 218/8 ) .

وأدخل العباس بن محمد العلوي ، علي الرشيد ، فشتمه الرشيد وقال له: يا ابن الفاعلة، فقال له: تلك أمك التي تواردها النخاسون، فأمر به، فأدني، ثم ضربه بالجزر ( عمود من الحديد ) ، حتي قتله ( مقاتل الطالبيين 498) .

وبعد قتل جعفر ، سأل الرشيد مسرور الخادم ، عما قاله جعفر ، حين مه حد السيف ، فقال له : سمعته يقول : أهون بها قتلة ، لا سيما إذا كانت في طاعة الله . فقال الرشيد: ويلي علي ابن الفاعلة ، أراد أن يوهم أني قتلته في هوي نفسي ( وفيات الأعيان 1/ 474 ).

وتبسم ابن جامع المغني ، بحضور الرشيد ، فلحظه ، وقال : فيم تبسمت ، با ابن الفاعلة ؟ ، راجع القصة في كتاب الفرج بعد الشدة للقاضي التنوخي ، تحقيق المؤلف ، رقم القصة 254 .

وشتم الرشيد ، فرج بن زياد الرخجي ، فقال له : يا ابن الفاعلة .

ص: 374

وكان الرشيد قد قلد فرج الرخجي الأهواز ، فاتصلت السعايات به عنده ، وكثرت الشكايات منه ، وتظلم الرعية ، وادعي عليه انه اقتطع مالا عظيمة ، فصرفه بمحمد بن أبان الأنباري ، وقبض عليه ، ثم دعا به وشتمه أقبح شتم ، وتوعده أشد توعد ، ثم قال له : يا ابن الفاعلة ، رفعتك فوق قدرك ، وائتمنتك فخنتني ، وسرقت مالي ، وفعلت وصنعت ، راجع القصة بكاملها في كتاب الفرج بعد الشدة للتنوخي رقم 129 حاص 367 و 368.

وثار أهل الربض ، بقرطبة ، علي الحكم بن هشام بن عبد الرحمن الداخل ( 154 - 209)، وتسوروا عليه القصر ، فقال لأخص غلمانه : إذهب إلي فلانة ، إحدي كرائمه، وقل لها تعطيك قارورة الغالية ، فتلك الغلام، وقال له: يا مولاي، هذا وقت الغالية؟ فقال له : ويلك يا ابن الفاعلة ، بم يعرف رأسي إذا قطع من رؤس العامة ، إذا لم يكن مضمخا بالغالية ؟ ( المعجب للمراكشي 45 ).

وشتم منصور بن المهدي ، عبيد الله بن أبي غسان ، فقال له : يا ابن الفاعلة ، تحتال علي أمير المؤمنين ، وتأخذ متاعه ؟.

وسبب ذلك : إن عبيد الله بن أبي غسان ، كان من ندماء الأمين ، وحبسه عنده ثلاثة أيام بليالهن ، لم يدخل في جوفه غير النبيذ ، فكاد أن يهلك ، وطلب من أحد خدمه الخاصة أن يحتال له فيما يأكل ، فاحتال له بأن نظر إليه في مجلس الأمين وضحك ، وسأله الأمين عن سبب ضحكه ، فأخبره أن عبيد الله لا يطيق أن يشم رائحة البطيخ، ولا تذوقه ، ويجزع من أكله جزعا شديدأ ، فلما سمع الأمين بذلك ، أمر بإحضار بطيخ ، وأمر بأن يطعم منه عبيد الله قسرا ، ووعده بأن يعطيه فرش بيت عن كل بطيخة تدخل في جوفه ، وأطعمه الخدم ثلاث بطيخات ، أخذ عنها فرش ثلاثة بيوت ، وأح منصور بن المهدي بالحيلة ، فشتم عبيد الله ، وقال له : يا ابن الفاعلة ، تحتال علي أمير المؤمنين وتأخذ متاعه ( الطبري 521/8 و 522) .

ص: 375

وشتم كوثر ، خادم الأمين ، جبريل بن بختيشوع المتطبب لما أشار بحجامة الرشيد وقال له : يا ابن الفاعلة ، تقول أحجموا رجلا ميتا .

وسبب ذلك : إن الرشيد كان رجلا كشير الأكل والشرب ، فأكل ، وهو في الرقة ، أشياء خلط فيها ، فغشي عليه ، وأحضروا طبيبه جبريل ، فأشار بأن يحجم ، وكان كوثر ، خادم الأمين ، يستعجل استخلاف سيده الأمين ، فقال لجبريل : يا ابن الفاعلة ، تقول أحجموا رجلا ميتة ، فقال المأمون : الأمر قد وقع ، وليس يضر أن يحجم ، فحجم ، فعاد إليه وعيه، واسفر لونه ، وتكلم ، ووصل جبريل بأن أمر بإقطاعه ما غلته ألف ألف درهم ، راجع القصة بتمامها في كتاب الفرج بعد الشدة للتنوخي تحقيق المؤلف ، رقم القصة 444 ح ص 219 و 220.

وشتم دعبل الخزاعي ، أبا سعد المخزومي ، فقال : ويلي علي ابن الفاعلة .

وسبب ذلك : إن دعبلا، سمع بيتين لأبي سعد المخزومي هجاه فيها ، وهما :

الدعبل منة يمن بها***فلست حتي الممات أنساها

أدخلنا بيته فأكرمنا***ودست آمرأته فنكناها

فقال دعبل : ويلي علي ابن الفاعلة ، وأخذ يحبر قصيدة في هجائه ( الأغاني 169/20 ).

وشتم المأمون ، علويه المغني ، فقال له : يا ابن الفاعلة .

وسبب ذلك : إن علويه المغني ، من موالي الأمويين ، وكان مرة مع المأمون بدمشق ، فمر ببركة من برك بني أمية ، فاستحسنها المأمون ، وجلس هناك ، وأمر بطعام وشراب ، وذكر بني أمية ، فوضع منهم وتنقصهم ، فغني علويه :

ص: 376

أولئك قومي بعد عز ومنعة***تفانوا فإلا أذرف العين أكمد

فضرب المأمون الطعام برجله ، ووثب ، وقال لعلويه : يا ابن الفاعلة ، لم يكن لك وقت تذكر فيه مواليك إلا في هذا الوقت ، فقال له : مولاكم زرياب ، عند موالي ( بريد الأمويين الأندلس ) يركب في مائة غلام ، وأنا عندكم أموت من الجوع ، فغضب عليه عشرين يوما، ثم رضي عنه ( الطبري657/8)

وكان إبراهيم بن المهدي ، عظيم الإعجاب بجاريته شارية ، فسأل اسحاق بن إبراهيم الموصلي : كم تساوي شارية ؟ فقال له إسحاق : مائة ألف درهم ، فدارت عيناه في رأسه ، وحذفه بقضيب كان في يده ، وقال له : يا ابن الفاعلة ، تقول هذا لشارية ، وتضع من قدرها ، خذوا برجل ابن الفاعلة . ( الهفوات النادرة 125 ).

وشتم المأمون ، أحمد بن صدقة المغني ، وقال له : يا ابن الفاعلة ، ألك علي وعلي حرمي صاحب خبر ؟

وسبب ذلك : إن المأمون ، غاضب إحدي جواريه ، فبعثت إليه ، وهو في مجلس الغناء بتفاحة من عنبر ، وقد كتب عليها بالذهب : يا سيدي ، سلوت ؟ وحدث أن غني علي أثر وصول التفاحة ، أحمد بن صدقة ، صوتا في شعر خالد بن يزيد الكاتب وهو :

تقول سلا ، فمن المدنف***ومن عينه أبدأ تذرف

ومن قلبه قل خاف*** عليك وأحشاؤه ترجف

فاحمر وجه المأمون ، وانقلبت عيناه ، وقال لأحمد : يا ابن الفاعلة ، ألك علي وعلي حرمي صاحب خبر ؟ من اين عرفت قصتي مع جاريتي ؟ فحلف له أن القضية جاءت مصادفة ، فرضي عنه وأمر له بخمسة آلاف درهم ( الأغاني 213/22 ) .

ص: 377

ومر القاسم بن الرشيد في موكب عظيم ، وكان من أتيه الناس ، وأبو العتاهية جالس مع قوم علي ظهر الطريق ، فقام أبو العتاهية حين رآه إعظاما له ، فلم يزل قائما حتي جاز ، فأجازه ولم يلتفت إليه ، فقال أبو العتاهية :

يتيه ابن آدم من جهله*** كأن رحي الموت لا تطحنه

فسمع بعض من في موكبه ذلك ، فأخبر به القاسم ، فبعث إلي أبي العتاهية وضربه مائة مقرعة ، وقال له : يا ابن الفاعلة ، أتعرض بي في مثل ذلك الموضع ؟ وحبسه في داره ، فد أبو العتاهية إلي زبيدة بنت جعفر ، وكانت توجب له حقه ، هذه الأبيات :

حتي متي ذوآلتيه في تيهه*** أصلحه الله وعافاه

ينيه أهل التيه من جهلهم*** وهم يموتون وان تاهوا

من طلب العز ليبقي به*** فإن عز الرء تقواه

لم يعتصم بالله من خلقه*** من ليس يرجوه ويخشاه

وكتب إليها بحاله ، وضيق حبسه ، وكانت مائلة إليه ، فرقت له ، وأخبرت الرشيد بأمره ، وكلمته فيه ، فأحضره وكساه ووصله ، ولم يرض عن القاسم حتي بر أبا العتاهية وأدناه ، واعتذر إليه . ( الأغاني 4/ 66 ).

وفي السنة 222 اشتبك الأفشين قائد الجيش العباسي ، وبابك الخرمي ، قائد الثوار الفرس ، في موقعة ضارية ، فانكسر بابك ، وفر هاربا ، فبعث إليه الأفشين كتابا من المعتصم بالأمان له ، صحبة اثنين من أتباعه ، وبعث معهما رسالة لبابك من ولده الأكبر ، الذي سقط في الأسر ، يحضه فيها علي النزول بالأمان ، فقال بابك للذي أحضر كتاب ولده : كيف اجترأت علي أن تجيئني بهذا الكتاب من ابن الفاعلة ؟ ثم أمر بالرسول ، فضربت عنقه ، وشد الكتاب علي صدره مختومة لم يفضه ، ثم قال للاخر : اذهب وقل لابن الفاعلة - يعني ولده - أنا أشهد انك لست ابني ، وقد صح الساعة

ص: 378

فساد أمك ، تعيش يوما واحدا وأنت رئيس ، خير لك من تعيش أربعين سنة ، وأنت عبد ذليل ( الطبري 45/9 و 46).

وفي السنة 223 كان المعتصم يحاصر عمورية ، وغضب اشناس من قواده ، ومنهم عمرو الفرغاني ، وأحمد بن الخليل بن هشام ، فقال لهم : يا أولاد الزنا ، انصرفوا إلي مضاربكم ، فقال عمرو لأحمد : أما تري هذا العبد ابن الفاعلة - يعني اشناس - ما صنع بنا اليوم ، انظر القصة في تاريخ الطبري 71 - 57/9.

وكان ابن الزيات وزير المعتصم يعادي الفضل بن مروان صاحب ديوان الخراج ، فوقف يوما علي باب ديوان الخراج ، ودعا بالفضل ، وقال له : إن أمير المؤمنين يقول لك : يا ابن الفاعلة ، لأسفكن دمك ، وأخذن مالك ( إعتاب الكتاب 132).

وغضب المعتصم ، علي عمر بن فرج الرخجي ، فقال له : يا ابن الفاعلة ، أمرتك في ولد أبي طالب ، أن تتعرف خبر منازلهم ؟

ثم قال له : يا ابن الفاعلة ، ما شغلك ما أنت فيه ، عن لمس البساط كأنك غير مكثرت بما أريده بك .

راجع التفصيل في القصة رقم 374 من كتاب الفرج بعد الشدة للقاضي التنوخي ، تحقيق المؤلف ح 4 ص 17 و 18.

وكان عمر بن فرج الرخجي ، وأبوه فرج ، من شرار الخلق ، راجع ترجمة فرج في هذا الكتاب في الباب الثاني ( ما يشبه الشتم ) في الفصل الثالث ( التفل في الوجه ) ، وراجع ترجمة ولده عمر في الباب الثالث ، الفصل الثاني ( الصفع ).

وذكر أحمد بن حمدون ، إنه كان مع المعتز ، فدخل عليه خادم في يده طبق عليه مكتبة ، فوضعه في وسط البيت ، ورفع المكتبة ، فإذا في الطبق

ص: 379

رأس المستعين ، فشهق ابن حمدون ويكي ، فقال له المعتر : ما هذا يا ابن الفاعلة ؟ ( الديارات 170) .

وسمع ابن مكرم ، صديقه أبا العيناء ، يقول في دعائه : يا رب سائلك ، فقال له : يا ابن الفاعلة ، ومن لست سائله ، يشير إلي أنه شحاذ محترف ( وفيات الأعيان 4 / 345 ومعجم الأدباء 7/ 64).

وغضب الراسبي ، عامل خوزستان ، علي أحد مؤاكليه من الأكراد ، روي قصة أقر فيها إنه قتل إنسانا ظلما بعد أن سلبه ماله ، فقال له الراسبي : يا ابن الفاعلة ، إنما آمنتك علي ما كان منك في إفسادك السبيل ، أما الدماء فمعاذ الله أن أسقطها عنك ، وصاح بالغلمان ، فقطعوا عنقه وهو علي المائدة ، فتدحرج رأسه ، وجرت جثته ، وأتم الراسبي غداءه ، راجع القصة بتفصيلها في نشوار المحاضرة للتنوخي ح3 ص 208 - 210 رقم القصة 136.

ولما عزل الوزير ابن الفرات ، من وزارة المقتدر ، ناظره خلفه حامد بن العباس ، فشتمه شتمأ مسرفة ، وقال له : يا ابن الفاعلة ، وأمر بأن تنتف لحيته ، فلم يقدم عليه أحد ، فمد حامد يده إلي لحيته ، وكان جالسا بالقرب منه ، فأخذ منها خصلة ، فصاح ابن الفرات : أوه ( الوزراء للصابي 108).

واتهم الراضي ، أبا عبد الله بن المنتصر ، والمنتصر العباسي جده ، بأنه يتآمر عليه ، فأحضره مشدود العينين ، بدراعة وخف ، فلما أقيم بين يديه ، قال : ما لنا ، نحن قرامطة؟ فقال له الراضي : يا ابن الفاعلة ، فك الكلب النابح ، فضربوا فكه ، ثم قتله من ليلته ( تجارب الأمم 391/1 ).

ولما صمم أبو عبد الله البريدي ، علي قتل أخيه أبي يوسف ، أعد له غلمانا من غلمانه في مخترق قد سقف بين باب داره بالبصرة بالأبلة ، وبين

ص: 380

الشط ، فكمن له هؤلاء ووثبوا عليه بالسكاكين ، فأخذ يصيح : يا أخي قتلوني ، قتلوني ، وأبو عبد الله يقول : إلي لعنة الله ، فخرج أخوه أبو الحسين، وكان ينزل إلي جواره ، إلي روشن داره فقال : يا أخي قتلته ، فقال : يا فاعل ، اسكت وإلا ألحقتك به ، ثم طالب اسرائيل الجهبذ بإحضار جوهر كان قد رهنه عند أبي يوسف ، فلما أخذه قال : أخذنا المال والجوهر ، ومضي الفاعل بن الفاعلة إلي لعنة الله ( تجارب الأمم 52/2 - 54).

وقال مولي لخالد بن صفوان : زوجني أمتك فلانة ، قال : قد زوجتكها ، قال : أفأدخل الحي حتي يحضروا الخطبة ؟ ، قال : أدخلهم ، فلما دخلوا ، ابتدأ خالد ، فقال : أما بعد، فإن الله أجل وأعز من أن يذكر في نكاح هذين الكلبين ، وقد زوجت هذه الفاعلة ، من هذا ابن الفاعلة في البيان والتبيين 2/ 190).

وغضب أبو نزار الحسن ، ملك النحاة علي غلام له ، فقال له : ويلك لا رعاك الله يا ابن الفاعلة ، راجع القصة في معجم الأدباء 3/ 77.

وروي صاحب كتاب الفرج بعد الشدة ، في القصة المرقمة 360 إن أخوين من نصيبين ، ورثا من أبيهما مالأ ، فأضاعه أحدهما ، ونماء الآخر ، وعرض للغني سفر ، فجاء إليه أخوه وطلب منه أن يستخدمه في سفره ، فأنعم له ، فلما انفرد به في الطريق ، تمكن منه ، فصاح به : استكتف يا ابن الفاعلة ، فقال له : ويحك ما تريد ؟ فقال : أريد قتلك يا ابن الفاعلة ، راجع القصة بتمامها في كتاب الفرج بعد الشدة للقاضي التنوخي ، تحقيق المؤلف ج3 ص 371 - 373.

وروي صاحب الفرج بعد الشدة ، في القصة 368 قصة عباد المؤنث لما أحست ليلا في صهاريج الحجاج ، بفتي قد سل سيفه علي صبية يريد قتلها ، وهو يقول لها : استكتفي با ابنة الفاعلة الصانعة ، فضرب قفاه بقرد

ص: 381

كان يحمله ، فأغمي علي الرجل ، وخلص الصبية من يده ، راجع القصة مفصلة في كتاب الفرج بعد الشدة ، للتنوخي ، تحقيق المؤلف .

وحضر مجلس أبي بكر بن سعيد، أمير غرناطة ، الشاعر الأعمي الهجاء أبو بكر المخزومي المدوري ، وكان في المجلس الشاعرة الأديبة تزهون بنت القلاعي ، فتنحنح الشاعر المخزومي ، فقالت له نزهون : ذبحة ، فقال : من هذه الفاعلة ؟ فقالت : عجوز ، في مقام أمك ، فقال : كذبت، ما هنا صوت عجوز، انما هي نغمة قحبة محترفة (اعلام النساء 169/5 ) .

وفي السنة 431 تآمر علي باديس صاحب غرناطة ، ابن عمه يذيربن حباشه ، وانكشف أمره ، ففر مع بعض أصحابه إلي إشبيلية ، وقبض باديس علي اثنين من أصحاب يذير ، أحدهما كاتبه أبو الفتوح ثابت بن محمد الجرجاني ، والثاني صنهاجي من رجال يذير ، وأحضرهما باديس فقتل أبا الفتوح بيده ، وأمر بضرب عنق الصنهاجي ، فجزع، وألح في ضراعته ، فغضب منه باديس وقال له : أما تستحي يا ابن الفاعلة ، يصبر المعلم الضعيف القلب علي الموت ( يشير إلي أبي الفتوح ) وأنت تجزع هذا الجزع، وتعتبر نفسك من أشد الرجال ، ثم أمر فضربت عنقه ( الاحاطة 466 - 462 )

ص: 382

4 - قولهم : يا ابن الفاجرة ، ويا ابن المومسة ، ويا ابن البغي .

القحبة : الأصل في القحب السعال والقحبة : الفاجرة . وإنما سميت القحبة بهذا الإسم ، لأنها تسعل لتبه الفاجر إليها . المومس : المرأة المجاهرة بالفجور . والبغي : الفاجرة .

جيء إلي الحجاج الثقفي ، بعمران بن حطان الشاري ، فقال : اضربوا عنق ابن الفاجرة ، فقال له عمران : بئس ما أذبك به آهلك يا حجاج ، أبعد الموت منزلة أصانعك عليها ، كيف أمنت أن أجيبك بمثل ما لقيتني به ، فأطرق الحجاج ، وقال : خلوا عنه . ( إعتاب الكتاب 61).

ونظم أبو نخيلة الشاعر ، قصيدتين يحض فيهما المنصور علي تقديم المهدي في العهد علي عيسي بن موسي ، وتلا القصيدتين بمحضر من عيسي بن موسي ، فسر المنصور وفرح ، وأمر لأبي نخيلة بمائة ألف درهم ، أحاله بها علي الري ، فخرج لأخذها ، فوجه عيسي بن موسي خلفه مولي له يقال له قطري ، فقبض علي أبي نخيلة ، وأضجعه ، وذبحه ، وسلخ وجهه ، وقال له لما أضجعه : يا ابن المومسة ، هذا أوان صر الجندب ، راجع تفصيل القصة في الهفوات النادرة 85 - 89

وكان مطيع بن إياس يتعشق جوهر جارية بربر ، وقال فيها :

أما والله يا جوهر***لقد فقت علي الجوهر

فلا والله ما المهدي*** أولي منك بالمنبر

فإن شئت ففي كفي*** ك خلع ابن أبي جعفر

ص: 383

فضحك المهدي لما بلغته الأبيات ، وقال : اللهم العنهما جميعأ ، ويلكم أجمعوا بين هذين قبل أن تخلعنا هذه القحبة ( الأغاني 314/13) .

وروي التوحيدي، في البصائر والذخائر، حديثا عن مفاخرة بين شطار بغداديين ، فيها كثير من ألفاظ السباب ، منها يا ابن الغلابة ، يا ابن الزراعة الهراشة ، الفراشة ، الملاشة ، النغاشة ، يا أخو القحبة ، ( البصائر والذخائر 171/4 - 174)

وشتم ابن جمهور العمي ، يومأ ، صاحبته زاد مهر ، فقال لها : يا قحبة ، فقالت له : يا ابن القحبتين ، فقال : ما هذا ؟ قالت : أنا شموس ، أرد بالزوج ( الديارات 269 ).

أقول : هذه الشتيمة ، ما زالت مستعملة عند عامة البغداديين ، ولكنهم يلفظونها الآن بتشديد الخاء ، فيقولون : يا أخ القحبة ، ويلفظون القاف كافة فارسية ، علي طريقتهم في لفظ القاف كافة فارسية ، والكاف جيمة فارسية ، وهي لهجات قبلية ، أشرنا إليها في تعليقنا علي القصة رقم 8/ 64 من كتاب نشوار المحاضرة ج8 ص148وفي كتابنا موسوعة الكنايات العامية البغدادية ح3 ص167 و168 .

وفي السنة 100 كان خازم بن خزيمة يحارب استاذسيس وأهل سجستان، فخندق علي نفسه ، وجعل لمعسكره أبوابة أربعة غلي أحدها بكار بن مسلم العقيلي ، وهاجم استاذسيس باب بكار بن مسلم ، فانهزم أصحابه ، فنزل بكار وترجل علي باب الخندق ، وصاح : يا بني الفواجر، من قبلي يؤتي المسلمون ؟ ثم وقف ومعه من أهله نحوا من خمسين رجلا فمنعوه . ( الطبري 30/8 ) .

ولما ولي محمد بن مسروق الكندي ، قضاء مصر (177 - 184)، خاشن الناس ، فأكثر أهل المسجد من ذمه ، فوقف بباب المقصورة في

ص: 384

الجامع ونادي بأعلي صوته : أين أصحاب الأكسية العسلية ، أين بنو البغايا ؟ ( القضاة للكندي 390 ).

وجاء في المقامة البغدادية ، وهي المقامة الثانية عشرة من مقامات بديع الزمان الهمداني ، أن الشواء ، قال للسوادي الذي أكل الشواء ، ولم يدفع ثمنه : يا أخا القحبة ، زن عشرين ، وإلا أكلت ثلاثة وتسعين ( مقامات الهمذاني 55 - 59 وزهر الآداب 2 /6).

أقول : أشرنا آنفا إلي أن هذه الشتيمة ، أخا القحبة ، ما زالت متعارفة ومستعملة في بغداد ، إلا أن البغدادي يلفظ الخاء مشددة ، وقوله : زن عشرين ، أي عشرين درهما ، أما قوله : والا أكلت ثلاث وتسعين ، أي ضربة بقبضة اليد المجموعة ، وذلك وفقا لحساب الأصابع ، وقد سئل أبو العيناء عن سه ، فقال : قبضة ، يريد ثلاثة وتسعين سنة ( الملح والنوادر 231 ) ولأجل الإطلاع علي حساب الأصابع ، راجع حاشية القصة 53/1 من كتاب نشوار المحاضرة وأخبار المذاكرة للقاضي التنوخي جا ص104 - 107 حيث فضلت هذا الحساب تفصية تامة .

ص: 385

5-قولهم : ابن البظراء ، ابن المتكاء ، ابن العقلاء ، ابن لغلفاء

. البظراء : ذات البظر البارز ، والبظر منة بين أسكتي المرأة ، والبظراء: لفظة شتم والمتكاء : التي لم تخفض، أي لم تختن ، وكذلك : الخلفاء ، وهي من الفاظ الشتيمة

والعقلاء : المصابة بالعقل ، وهو استطالة من اللحم تظهر في عورة المرأة .

شتم الخليفة عثمان بن عفان ، عمار بن ياسر ، فقال له : يا ابن المتكاء .

وسبب ذلك : إن عثمان أخذ حليا وجوهرأ من بيت المال بالمدينة ، فحلي به بعض أهله ، فعاب الناس عليه ذلك ، وكلموه ، حتي أغضبوه ، فقال : لنأخذن من هذا الفيء حاجتنا، وان رغمت أنوف أقوام ، فقال عمار بن ياسر : أشهد الله إن أنفي أول راغم من ذلك ، فقال له عثمان : أعلي يا ابن المتكاء تجتريء ، خذوه ، وضربه ( انساب الاشراف 8/5 ) . وشتم شبث بن ربعي ، خليد، مولي حسان الذهلي ، فقال له : يا ابن المتكاء .

وتفصيل ذلك : إن شبث بن ربعي كان يحارب المختار بالكوفة ، فإذا أسر من أصحاب المختار ، قتل المولي ، وأطلق العربي ، وأسر خليد، مولي حسان الذهلي ، فقال له : يا ابن المتكاء ، تركت بيع الصحناة ( طعام يتخذ من السمك ) بالكناسة ( محلة من محلات الكوفة ) وأقبلت تحارب من أعتقك ، ثم قتله ( الطبري 25/6 ).

وكان صول التركي ، جد إبراهيم بن العباس ، ومحمد بن يحيي ، تركيا ، أسلم علي يد يزيد بن المهلب ، ولم يزل معه حتي قتل يزيد يوم

ص: 386

العقر ، وكان صول يقاتل مع يزيد ، ويكتب علي سهامه : صول يدعوكم إلي كتاب الله وسنة نبيه .

فبلغ ذلك يزيد بن عبد الملك ، فقال : ويلي علي إبن الغلفاء ، ماله وللدعاء إلي كتاب الله وسنة نبيه ، ولعله لا يفقه صلاته ( الأغاني 43/10 ومعجم الأدباء 260/1 و 261 ).

وقبض عبيد الله بن زياد ، علي الهثهاث بن ثور ، فكلمه فيه سويد بن منجوف ، وقال له : إن عمي الهثهاث بريء مما قرف به ، فشتمه عبيد الله ، وقال له : يا ابن البظراء ( انساب الأشراف 92/2/4 ).

وكانت أم خالد القسري ، رومية نصرانية ، فكانوا إذا شتموه قالوا : ابن البظراء ، فيقال إنه ختن أمه وهي كارهة ( الأغاني 22 / 14).

واجتمع العباس بن الوليد ، وجماعة من الأمراء الأمويين عند الخليفة هشام بن عبد الملك ، ودخل الوليد بن يزيد، فقال له العباس : يا وليد ، كيف حبك للروميات ، فإن أباك كان مشغوفا بهن . فقال : كيف لا يكون ذلك وهن يلدن مثلك ، قال : ألا تسكت يا ابن البظراء ، قال : حسبك أيها المفتخر علينا بختان أمه ( الأغاني 5/7 ، والعقد الفريد 450/4 ).

وست مخنث آمرأة تحرشت به ، فقال لها : يا بظراء ، راجع القصة في البصائر والذخائر 531/2/3 .

وشتم غلام بغدادي ، أبا محمد القمي ، بأصبهان ، فقال له : أمك بظراء ، راجع القصة في البصائر والذخائر 225/1 .

وشتم إبراهيم بن المدبر ، أبا الخير عيسي بن إبراهيم النصراني ، فقال عنه : ابن البظراء .

وسبب ذلك : إن أبا الخير عيسي بن إبراهيم النصراني ، كان يكتب السعيد بن صالح ، وكان قد سعي علي إبراهيم بن المدبر حتي نكب ، وحبس ، وحدث أن تخلص إبراهيم من السجن ، ومات سعيد بن صالح ،

ص: 387

فنكب كاتبه عيسي ، وحبس ونهبت داره ، فقال فيه إبراهيم : [ الأغاني 157/22 و 176]

قل لأبي الشر، إن مررت به***مقالة عريت من اللبس

لا زلت يا ابن البظراء مرتهنا*** في شر حال وضيق محتبس

وأحضر حامد بن العباس ، وزير المقتدر ، العدل ابن عبد السلام ، يطالبه بوديعة سعي بأنها عنده لابن الفرات ، وان يحيي الدقيقي ، قرابة أم كلثوم ، قهرمانة ابن الفرات ، أودعه ذلك ، فقال له : هذا الدقيقي ابن البظراء ، قرابة أم كلثوم العقلاء تعرفه ؟

فقال العدل : الوزير - أعزه الله - أعرف به مني .

أقول : ذكر القاضي التنوخي ، في كتابه نشوار المحاضرة ج 8 ص 85 رقم القصة 36/8 ، قال : ما رأينا ولا سمعنا ، برئيس أسفه لسانا ، من حامد بن العباس ، فإنه كان لا يرد لسانه عن أحد البتة ، وكان إذا غضب شتم ، وجاءت إليه أم موسي الهاشمية ، قهرمانة المقتدر ، وأبلغته قائلة : إن أمير المؤمنين أمرني أن أقول لك في مجلس حفلك ، إن ابن الفرات كان يحمل إلي في كل يوم خريطة فيها ألف دينار ، وإلي السيدة عشرة الاف دينار في كل شهر، وإلي الأمراء والقهارمة خمسة آلاف دينار في الشهر ، وإنك قد أخللت منذ أربعين يوما .

فقال لها حامد : الساعة قد جئت حادة محتدة ، تطالبيني بهذا ؟ أضرطي والتقطي ، وأحذري لا تغلطي .

فقامت خجلة وذهبت إلي حال سبيلها .

أقول : ومما يروي عن حامد، أنه قال لابن الحواري ، وأم موسي القهرمانة حاضرة ، في دار الخلافة : قد نكت أمه مرتين ، وقال لعلي بن عيسي مرة ، بحضرة الخليفة المقتدر أنا - والله - نكت هذا مرتين ، وهو

ص: 388

أمرد ، وغضب علي رجل من كرام الناس ، وهو في مجلس الوزارة ، فقال العلي بن عيسي : تلومني الساعة أن أنيك أم هذا ؟ لزيادة التفصيل راجع كتاب نشوار المحاضرة للتنوخي ج 8 ص 85 - 88 رقم القصة 36.

وفيما كان الوزير أبو الحسن علي ابن عيسي مجتمعا مع رجال الدولة ، مؤنس المظفر ، ويأنس ، وغريب خال المقتدر ، ونصر الحاجب ، وشفيع اللؤلؤي ، يتذاكرون في أمر مصر ، وكان الفاطمي قد غزاها ، وبلغ الجيزة ، فجاءت أم موسي القهرمانة ، ولما عرفت انهم مهتمون بأمر مصر ، قالت : بظر أم مصر ، ومتي كانت في يد السلطان حتي يغتم عليها إذا أخذت ( الوزراء 381) .

وتفصيل القصة ، وقد رواها عبد الرحمن بن عيسي، أخو الوزير علي بن عيسي ، قال : تأخر الوزير أبو الحسن علي بن عيسي ، في دار السلطان ، تأخرا طال ، ثم وافي ، وقد تجاوزت صلاة الظهر في يوم صائف ، فقلنا له : ما سبب هذا التأخر ؟ فقد أعتورتنا الظنون فيه ، فقال : كنا - والله - في أعجوبة لم يسمع بمثلها ، قلنا : ما هي ؟ كنت مع مؤنس، ويأنس ، وغريب الخال ، ونصر الحاجب ، وشفيع ، وغيرهم من الخاصة ، نتجاري ما ورد من أمر مصر ، إذ جاءت أم موسي القهرمانة ، فجلست علي مسورة ، واستدعت من خادمها منديل حوائجها ، وبدأت تعرض رقعة لبعض الحشم في زيادة دينار في نزله ، ورقعة أخري لبعض الخدم في زيادة يسيرة في رزقه ، وأنا والجماعة نتميز عيظة من قطعها إيانا عن هذا الأمر العظيم بمثل هذه الصغائر ، فتركت الرقعة ، وعدت إلي مشاورة القوم ، فغضبت أم موسي ، وقالت : هكذا يفعل بحوائج السادة ؟ فقلت لها : نحن في حراسة الأرواح ، وحفظ أصول الملك ، فقالت : وما هذا الشغل كله ؟ فقلت لها : إن مصر قد أشرفت علي الذهاب ، والخروج من يد السلطان ، وغلب المغربي علي مواضع الإرتفاع فيها ، وإن تم ما نخاف ، فقد مضي المغرب كله ، ثم لا

ص: 389

قرار علي البساط بعده ، فقالت أم موسي : بظر أم مصر ، ومتي كانت في يد السلطان ، حتي يغتم عليها إذا أخذت ؟ فورد علي من قولها ما أدهشني ، وقلت لها : بمثل هذا أدبر أمر الدنيا .

وشتم بشر بن هارون النصراني الكاتب ، الوزير ابن صالحان ، بشعر قال فيه : بظر ام الوزير .

وتفصيل ذلك : إن بشر بن هارون الكاتب ، وكان أدبيا شاعرأ ، جاء إلي الموقق أبي علي إسماعيل ، وكان يخلف الوزير أبا منصور بن صالحان ، فقال له : إني هجوت الوزير أبا منصور ، وتلا عليه البيتين :

قالوا : مضيت إلي الوزير ؟***فقلت : بظر أم الوزير

يلقي الكرام ، نعم ، وإما***اذا ، فيلقي جوف بير

فقال له الموفق : لو سمعها منك ، لحملت أمرك معه ، فراهنه علي أن ينشدها إياه ، علي مائة درهم وعشرة أقفزة حنطة ، ودخل علي الوزير ، وقال له : إنك أنعمت علي بما يقصر شكري عنه ، وقد حسدني قوم علي قربي منك ، وقالوا أبياتأ علي لساني فيك ، فأخاف أن تصدق ذلك إذا سمعته ، فقال له الوزير : لا تخف ، فما الأبيات ؟ فأنشده إياها ، فضحك الوزير ، وخرج بشر إلي الموقق ، فكتب له صكة بالدراهم والحنطة ، إلي وكيله ، فدافعه الوكيل ، فكتب إلي الموفق :

أيها السيد الكريم الجليل***هل إلي نظرة إليك سبيل

فأناجيك باشتكاء وكيل*** ليس حسبي ، وليس نعم الوكيل

راجع أخبار بشر بن هارون الكاتب ، في كتاب نشوار المحاضرة للتنوخي ، تحقيق المؤلف ج 1 ص 93 و 94 وج3 ص 114 .

وكان أحد الكتاب النصاري ، يكتب لابن الفرات ، وكان أثير عنده ،

ص: 390

عرف بلقبه وهو : بظر أم الدنيا ، ويلوح لي إنه لقب بهذا اللقب ، لأنه كان يكثر من ترديده ( الوزراء 73 ).

واجتاز القاضي أبو القاسم علي بن المحسن التنوخي، بأحد الدروب، فسمع امرأة تقول لأخري : كم عمر ابنتك يا أختي ؟ فقالت : رزقتها يوم صفع القاضي التنوخي ، وضرب بالسياط ، فرفع رأسه إليها ، وقال : يا بظراء ، صار صفعي تاريخك ، ما وجدت تاريخا غيره ؟ ( فوات الوفيات 3/ 61)

ص: 391

6. قولهم : يا عاض بظر أمه

البظر : هنة بين اسكتي المرأة

وشتم الإنسان : بمص بظر أمه ، أو بعض بظر أمه ، من الشتائم القبيحة التي تجمع إلي اللفظ السمج ، الإستهانة بالمشتوم ، مع ذكر أمه بالقبيح .

وأول من بلغنا عنه ، إنه تلفظ بهذه الشتيمة ، من السراة ، عبد الله بن الزبير ، وقد كان بينه ، وبين سلمي بن نوفل ، جد مطيع بن إياس ، مقارضة فلما بويع عبد الله ، بمكة ، دخل سلمي ، وابن الزبير يخطب ، فرآه ، ولما أتم خطبته ، بعث من أحضره ، وقال له : اتك لها هنا ، يا عاض بظر أمه ؟ فقال له سلمي : أعيذك بالله ، أن يتحدث العرب ، أن الشيطان نطق علي فيك ، بما تنطق به الأمة الفسلة ( الأغاني 275/13 ).

وغضب عبد الملك بن مروان ، علي جرير الشاعر ، فقال له : يا عاض بظر أمه .

وتفصيل ذلك : إن جرير مدح الحجاج مدح أغضب به عبد الملك بن مروان ، ولما قصد جرير عبد الملك ، قال له : ما عساك أن تقول فينا ، بعد قولك في الحجاج ؟ ألست القائل :

من سدمطلع النفاق عليكم*** أم من يصول كهولة الحجاج

أم من يغار علي النساء حفيظ؛***إذ لا يثقن بغيرة الأزواج

ص: 392

ثم قال له : يا عاض بظر أمه ، والله ، لهممت أن أطير بك طيرة بطيئة وقوعها . ( الأغاني 66/8 ).

وشتم عبد الله بن محمد بن سالم الشاعر ، المعروف بابن الخياط ، ولده يونس ، فقال له : ويلك يا يونس ، يا عاض بظر أمه ، تحرمني ؟

وسبب ذلك : إن فتي استنشد عبد الله من شعره ، فأنشده ، ولما أراد أن يصله تصدي له يونس ، ابن عبد الله ، وقال له : لا تعجل ، حتي تسمع شعري، فإنه أجود من شعر أبي ، فصاح الأب بولده : ويلك يا يونس ، يا عاض بظر أمه ، تحرمني ؟ فقال له : دع هذا عنك ، والله ، لا تجوع امرأتي ، وتشبع امرأتك ، وأنشده ، فقسم الفتي الصلة بينهما ( الأغاني 20 / 4 و 5).

ونازع الشحاج الموصلي ، في مجلس سليمان بن عبد الملك ، أخاه ، في ميراث أبيه ، فلحن ، فصاح به سليمان : لا رحم الله أباك ، ولا بارك لك فيما ورثت أخرجوا عني هذا اللحان ، فأخذ بيده بعض الشاكرية ، وقال له : قم فقد آذيت أمير المؤمنين ( قالها بالضم ) ، فقال سليمان : وهذا العاض بظر أمه ، إسحبوا برجله ( معجم الأدباء 24/1 ).

وقال عمر بن عبد العزيز ، في صباه ، لجارية : أعضك الله بكذا، فقال له المؤدب قل : أعضك عبد العزيز بكذا ( يعني أباه ) ، فقال : الأمير أجل من ذلك ، قال المؤدب : ليكن الله أجل في صدرك ، فما عاود كلمة خنا ( البصائر والذخائر 458/2/2 ) .

وغضب هشام بن عبد الملك علي الشاعر إسماعيل بن يسار ، فقال له : يا عاض بظر أمه ، أعلي تفخر ؟

ص: 393

وسبب ذلك إن إسماعيل بن يسار الشاعر كان مبتلي بالعصبية للعجم والفخر بهم ، دخل علي هشام بن عبد الملك في خلافته وهو بالرصافة ، جالس علي بركة في قصره ، فأنشده قصيدة افتخر فيها بالعجم ، منها :

إني - وجدك . ما عودي بذي خور***عند الحفاظ ولا حوضي بمهدوم

أصلي كريم ومجدي لا يقاس به***ولي لسان كحد السيف مسموم

أحمي به مجد أقوام ذوي حسب*** من كل قرم بتاج الملك مصموم

جحاجج سادة بلج مزاربة****** جرد عتاق مساميح مطاعيم

من مثل كسري وسابور الجنود معا***والهر مزان لفخر أو لتعظيم

فغضب هشام ، وقال له : يا عاض بظر أمه ، أعلي تفخر وإياي تنشد قصيدة تمدح بها نفسك وأعلاج قومك ، وأمر به فغطوه بالماء حتي كادت نفسه تخرج ، ثم أمر بإخراجه وهو يشر ، ونفاه من وقته ، فأخرج عن الرصافة منفيا ( اعلام النبلاء 125/1)

وقال العريان بن الهثيم ، صاحب شرطة الكوفة ، لأحد تجار الكوفة : أي عاض بظر أمه .

وسبب ذلك : إن أحد تجار الكوفة ، كان صاحب غريب ، جاء إلي العريان ومعه خصم ، فقال التاجر للعريان : أصلحك الله ، إني ابتعت من هذا عنجدة، واستنساته شهرة أؤديه مياومة، ولم ينقض الأجل ، فليس يلقاني في لقم إلا فثأني عن وجهي ، فقال له العريان : من أين أنت ؟ قال : أنا رجل من التجار ، فقال : أي عاض بظر أمه ، تاجر يتكلم بهذا الكلام ، ضعوا ثيابه ( يعني أن يهيأ ليضرب ) فأهوت الشرط إلي ثيابه ، فقال : أصلحك الله إن إزاري مرعبل ، فضحك العريان ، وقال : خلوا عنه ، فلو ترك الغريب في موضع لتركه ها هنا ( البصائر والذخائر 680/2/2).

ولما قدم السيد الحميري الكوفة ، تليت عليه أبيات منها :

ص: 394

يعيب علي أقوام سفاهأ*** بأن أرجي أبا حسن عليا

إذا أيقنت أن الله ربي****** وأرسل أحمد حقا نبيا

فليس علي في الأرجاء بأس***ولا لبس ولست أخاف شيا

فقال : من قال هذا ؟ فقالوا : قالها محارب بن دثار الذهلي ، فقال السيد : لا كان الله وليا للعاض بظر أمه ( الأغاني248/7)

أقول : الإرجاء هنا، يراد به تأخير الإمام علي بن أبي طالب إلي الدرجة الرابعة ، والمرجئة بهذا المعني ، يخالفهم الشيعة ، والتفضيليون من غير الشيعة ، الذين يقولون بتفضيل علي علي غيره من الصحابة ، وبتجويز إمامة المفضول مع وجود الفاضل .

ولما بايع الوليد بن يزيد ، لولديه عثمان والحكم ، قال له بعض مواليه : إن الناس قد أنكروا مبايعتك لمن لم يبلغ الحلم ، فقال له : عضوا ببطور أمهاتكم ، أنا أدخل بيني وبين إبني غيري ، فيلقي منه ما لقيت من الأحول ؟ ( يريد هشام بن عبد الملك ) ( الأغاني 70/7 ).

وشتم الشاعر بن هرمة نفسه ، وتفصيل القصة ان أبن هرمة كان قد مدح أحد العلويين بأبيات ، منها :

ومهما ألام علي حبهم***فإني أحب بني فاطمة

بني بنت من جاء بالمحكمات***والدين والسنن القائمة

فلقيه بعد ذلك رجل ، وسأله عن قائل تلك الأبيات ، فقال : قالها من عض بظر أمه ، فقال له ابنه لما انفردا : يا أبت ألست قائلها ؟ قال : بلي ، قال : فلم شتمت نفسك ؟ قال : أليس أن بعض الإنسان بظر أمه ، خير من يأخذه ابن قحطبة ؟ ( الأغاني 375/4 و 376 ).

ولما خرج الضحاك في السنة 127 بالكوفة ، قتل جعفر بن العباس الكندي ، وكان علي شرطة أمير الكوفة عبد الله بن عمر بن عبد العزيز ،

ص: 395

فجنح عبيد الله بن العباس، أخو جعفر إلي الضحاك ، فبايعه وصار في عسكره ، فقال أبو عطاء السندي ، يعيره باتباعه الضحاك :

فقل لعبيد الله لو كان جعفر*** هو الحي لم يجنح وأنت قتيل

ولم يتبع المراق والثأر فيهم***وفي كفه غضب الذباب صقيل

فلا وصلتك الرحم من ذي قرابة***وطالب وتر والذليل ذليل

تركت أخاشيبان يسلب به***ونجاك خوار العنان مطول

إلي معشر أردوا أخاك وأكفروا***أباك فماذا بعد ذاك تقول ؟

فقال عبيد الله : أقول أعضك الله ببظر أمك .

( الطبري 7 / 320 و 321 وابن الأثير 336/5 )

وأغلظ المنصور لعبد الله بن الحسن بن الحسن ، فأعضه ، أي قال له : يا عاض بظر امه ، فقال له عبد الله ، يا أبا جعفر ، بأي أمهاتي تعضني ؟ خديجة بنت خويلد ، أم بفاطمة بنت رسول الله ، أم بفاطمة بنت الحسين بن علي ؟ ( الاغاني 21 / 122).

وكان موسي بن مصعب علي الموصل ، فاستعمل رجلا حرانيا علي كورة باهذرا ، وهي من أجل كور الموصل ، فأبطأ حمل الخراج فكتب موسي إليه :

هل عند رسم برامة خبر***أم لا! فأي الأشياء تنتظر

احمل ما عندك با ماص بظر أمه ، وإلا فقد أمرت رسولي بشك وثاقة ، وأن يأتي بك .

فخرج الرجل ، وأخذ ما كان معه من الخراج ، فلحق بحران ، وكتب إليه : يا عاض بظر أمه ، إلي تكتب بهذا ؟

وإذا أهل بلدة أنكروني***عرفتني الدوية الملساء

ص: 396

فلما قرأ موسي كتابه ، ضحك ، وقال : أحسن - يعلم الله - الجواب ، ولا والله ، لا أطلبه أبدأ ( الاغاني 6/ 330 و 331 )

وتمثل آدم بن عمر بن عبد العزيز ، في مجلس المهدي العباسي ، ببيت من الشعر ، قاله الأخطل في مدح بني أمية ، وهو :

شمس العداوة حتي يستقاد لهم***وأعظم الناس أحلاما إذا قدروا

فغضب المهدي حتي استشاط ، وقال : كذب والله ابن النصرانية العاض بظر أمه ، وكذبت يا عاض بظر أمك .

وأغري يعقوب بن داود ، المهدي العباسي ، ببشار، وقال له إنه هجاك، وقال إنه لا يقدر أن يلفظ ما هجاه به، ولكنه كتبه له، فكاد المهدي ينشق غيظا ، وخرج إلي البصرة ، فسمع أذان في ضحي النهار ، فقال : انظروا ما هذا ؟ فإذا بشار سكران ، فأحضره ، وقال له : يا زنديق ، يا عاض بظر أمه ، أتلهو بالأذان في غير وقت صلاة وأنت سكران ؟ ودعا بأبي نهيك ، وأمره بضربه ، فضربه بين يديه علي صدر الحراقة سبعين بسوطأ، فبان فيه الموت ، فألقي في سفينة ، فمات ، وألقيت جثته في البطيحة .( وفيات الأعيان 427/1 و 428) .

ولما بلغ المهدي أن بشار قال :

لا يؤيسك من مخبأة*** قول تغلظه وإن جرحا

عسر النار إلي مياسرة***والصعب يمكن بعدما جمحا

وكان المهدي غيورة ، فأحضره ، وقال له : تلك أمك ، يا عاض كذا وكذا ( يا عاض بظر أمه ) ، تحض النساء علي الفجور ، وتقذف المحصنات المخبات ؟ ( الاغاني 241/3 و وفيات الاعيان 426/1 ) .

ص: 397

وغضب المهدي علي أبي دلامة ، فالتفت إلي خادم علي رأسه ، وقال له : جأ عنق العاض بظر أمه ( الاغاني 266/10 ).

وكتب أبو دلامة للمهدي رقعة ، فسأله فيها بالرحم التي جمعت بينهما ، فغضب المهدي وقال له : يا عاض بظر أمه ، أي قرابة بيني وبينك ؟ قال : رحم آدم وحواء يا أمير المؤمنين ( الاغاني 254/10 ).

وشتم الرشيد ، علويه المغني ، فقال له : يا عاض بظر أمه .

وسبب ذلك : إن علويه غني الرشيد ، صوت ، في بيت من الشعر :

وأري الغواني لا يواصلن آمر***فقد الشباب ، وقد يصلن الأمردا

فغضب الرشيد ، وقال له : يا عاض بظر أمه ، تغني في مدح المرد ، وذم الشيب ، وستارتي منصوبة ، وقد شبت ، كأنك إما عرضت بي ، ثم دعا بمسرور ، وأمره أن يأخذ بيده فيخرجه ، ويضربه ، ثلاثين درة ، ولا يرده إلي مجلسه ، ففعل ذلك ( الاغاني 252/5 و 360/11 ).

وبلغت الأمين ، أبيات قالها أبو نواس ، يفتخر فيها بنفسه ، منها :

لقد زادني تيها علي الناس أنني***أراني أغناهم وان كنت ذا فقر

ولو لم أنل فخرة لكانت صيانتي***فمي عن سؤال الناس حسبي من الفخر

فلا يطمعن في ذاك مي طامع***ولاصاحب التاج المحجب في القصر

فقال له : يا عاض بظر أمه العاهرة ، يا ابن اللغناء ، أنت تكسب بشعرك أوساخ أيدي اللئام ، ثم تقول : ولا صاحب التاج المحجب في القصر ؟ ( الطبري 518/8 ).

وقال أبو العتاهية ، في مجلس المأمون ، يا أمير المؤمنين ، ما في الأرض فئة أجهل ، ولا أضعف حجة من القدرية ، فقال له المأمون : أنت

ص: 398

رجل شاعر ، وأنت بصناعتك أعلم ، فلا تتخطاها إلي غيرها ، فلست تعرف الكلام ، فقال : إن جمع أمير المؤمنين بيني وبين رجل منهم وقف علي ما عندي من الكلام ، فوجه المأمون إلي ثمامة بن أشرس ، وأحضره ، وقال له : يا ثمامة ، زعم هذا إنه لا حجة لك ولا لأصحابك ، فقال ثمامة لأبي العتاهية : سل عما بدا لك ، فأخرج أبو العتاهية يده من كمه وحركها ، وقال : يا ثمامة ، من حرك يدي ؟ فقال : حركها من أمه زانية ، فغضب أبو العتاهية ، وقال للمأمون : شتمني يا أمير المؤمنين ، فقال له ثمامة : ناقضت يا عاض بظر أمه ، إن كنت أنت المحرك لها ، فهذا قولي ، وإن لم تكن ، فما شتمتك ، فأفحم أبو العتاهية ، وسكت .

( المحاسن والمساويء2 / 122 و122 والعقد الفريد 2/ 384)

ولما حصر طاهر بن الحسين ، بغداد ، وأيس الأمين من النصر ، كتب إلي طاهر كتابة قال فيه : من عبد الله محمد أمير المؤمنين ، إلي طاهر بن الحسين ، أما بعد ، فإن الأمر قد خرج بيني وبين أخي إلي هتك الستور ، وكشف الحرم ، ولست آمن أن يطمع في هذا الأمر السحيق البعيد ، لشتات إلفتنا، وأختلاف كلمتنا ، وقد رضيت أن تكتب لي أمانة ، فأخرج به إلي أخي ، فإن تفضل علي بالعفو فأهل ذلك هو ، وإن قتلني فمروة كسرت مروة ، وصمصامة قطعت صمصامة ، ولأن يفترسني الأسد ، أحب إلي من أن تنهشني الكلاب ، وأمر بختمه ، وبعث به إلي طاهر ، فلما قرأه طاهر ، قال : الآن حين انحرف عنه مراقه وفساقه ، وبقي مخذولا ، يلوذ بالأمان ، لا والله ، حتي يجعل في عنقه ساجورة ، ويقول : ها أنذا قد نزلت علي حكمك ، فقال له الرسول : ما الجواب ؟ قال : ما سمعت ، فعاد الرسول إلي الأمين بالخبر ، فقال الأمين : كذب عبد السوء ، العاض هن أمه ، والله ما أبالي أوقعت علي الموت ، أو وقع الموت علي ( البصائر والذخائر 306/1 و307) .

ص: 399

وعرض وهب بن أبي إبراهيم ، علي يونس النحوي (ت 182 ) شعرا من نظمه ، ولم يخبره إنه له ، فقال له : من هذا العاض بظر أمه ؟

( الموشح للمرزباني 558 )

أقول : والشيء بالشيء يذكر ، كان لنا صديق ينظم شعرة باردة ، ويتلوه علينا، ويسألنا أجاهلي هذا الشعر أم إسلامي ؟ وحدث مرة أن تلا علينا أبياتا كان قد ذكر لنا قبلا انها له ، فقلت : هذا شعر سخيف ، من قاله فقد أكل خرا ، فاغتاظ مني ، وقال : هذا الشعر لي ، فقلت : اعذرني يا أبا حميد ، فإني لم أكن أدري أن الشعر لك ، ولذلك صرحت لك بالرأي الصحيح .

وكان إسحاق الموصلي يألف علي وأحمد ابني هشام إلفة شديدة ، ثم وقعت بينهم وحشة ونبوة ، فهجاهم ، وقال في احمد بن هشام :

وصافية تغشي العيون رقيقة***رهينة عام في الدنان وعام

أدرنا بها الكأس الروية موهنأ***من الليل حتي انجاب كل ظلام

فما در قرن الشمس حتي كأننا*** من العي نحكي أحمد بن هشام

وبلغ ذلك أحمد بن هشام ، فقال : أوقد فعل العاض بظر أمه .

( الاغاني 17 / 113 و 114)

وشتم الواثق ، المسدود المغني ، فقال : خذوا برجل العاض بظر امه.

وسبب ذلك : إن الواثق ، كان في إحدي عينيه نكتة بياض ، وفي أحد مجالس شرابه ، غني ، بالبيت :

نظرت كأني من وراء زجاجة*** إلي الدار من ماء الصبابة أنظر

وكان الواثق ، قد أذن لجلسائه ، إلا يرد أحد عن التندر ، فقال المسدود المغني للواثق ، أنت تنظر دائما من وراء زجاجة ، يشير إلي البياض

ص: 400

الذي في عينه ، فغضب الواثق ، وقال : خذوا برجل العاض بظر أمه فسحب من بين يديه ، وقال : ينفي إلي عمان الساعة ، فأحدر من وقته .

( الاغاني 20 / 289 )

وشتم المازني النحوي ، أبا الشبل الشاعر ، وهو لا يدري ، فقال : العاض بظر أمه .

قال ابو الشبل : لما عرض لي الشعر ، أتيت المازني النحوي ، وكنت حديث السن ، فقلت له ، إن رجلا لم يكن من أهل الشعر ، ولا من أهل الرواية ، قد جاش صدره بشيء من الشعر ، فكره أن يظهره حتي تسمعه ، قال : هاته : فأنشدته ما قلت ، ولم يكن جيدأ ، فقال : من العاض بظر أمه القائل لهذا ؟ فقمت عنه خجلا ( الاغاني 197/14 ).

وكان أبو نوح عيسي بن إبراهيم ، علي ديوان الضياع بسر من رأي ، فراجعه صاعد بن مخلد ، وكانت في يده ضمانات ، فجرت بين الاثنين مناظرة ، احتد فيها أبو نوح ، فقال لصاعد: يا عاض بظر أمه ، فرد عليه صاعد مثل ما قاله له ، راجع تفصيل القصة في كتاب نشوار المحاضرة للتنوخي حه ص78 و 82 رقم القصة 34.

وكانت امرأة بصرية عشقت أبا العيناء ، لما بلغها من أخباره ، فلما رأته ، استقبحته ، وقالت : قبحه الله ، أهذا هو ؟ فكتب إليها :

فان تنكري مني آحولافإنني*** أديب أريب لاعبي ولا فدم

فوقعت في الرقعة : يا عاض بظر أمه ، لديوان الرسائل أردتك ؟

( الديارات 85 و86)

وذكر أبو محمد بن حمدون ، نديم المعتضد ، أنه كان عليه دين ، فلما جلس المعتضد للمظالم ، تقدم إليه دائنوا ابن حمدون ، وشكوا إليه أمرهم ،

ص: 401

واعترف ابن حمدون بالدين ، فاضطر المعتضد إلي سداد الذين عن نديمه فلما خلا به ، قال له : يا عاض كذا ، ( أي با عاض بظر أمه ) ، أما قدرت أن تجحد ، فلا أغرم أنا المال ، ولا تحبس أنت ؟ راجع تفصيل القصة في كتاب نشوار المحاضرة للتنوخي ، في القصة رقم 1/ 144 حا ص268 .

ولما عزل الوزير ابن مقلة ، تسلمه الوزير سليمان بن الحسن بن مخلد ، وأبو العباس الخصيبي ، فكان يطالب ، ويضرب ، ويعذب ، وقال له أبو العباس : أقرأني يعقوب البريدي كتابك إليه ، لما أخبرك بأنه حملني إلي البحر ، فكتب إليه : يا عاجز ، ألا سملته ، ثم حملته ، يا عاض بظر أمه ، أردت أن ينطبق لفظك بانطباق ناظري ؟ يا غلام اصفع ، فصفع ، راجع تفصيل القصة في كتاب نشوار المحاضرة للتنوخي ، في القصة رقم 63/2 ج2 ص124 و 125 .

وقال أحد المورثين ، وكان غنيا ، فأسرف من ماله وافتقر ، ثم عاد فحسنت حاله ، لأحد أصدقائه الذين كانوا يحسنون له الإسراف : إني أحببت أن تري رجوع حالي، ومن دوام صلاحها، واستقامتها، أن لا أعاشرك يا عاض بظر أمه أبدا ، راجع القصة مفصلة في كتاب نشوار المحاضرة للتنوخي ، رقم القصة 93/1 حا ص178 - 183.

وقالت زادمهر ، جارية المنصورية ، لابن جمهور العيني : خذلي الطالع في شيء قد أضمرته ، فأخذ الطالع ، وقال : سألت عن رجل عليل القلب ، شديد الكرب ، دائم الفكرة ، طويل الحيرة ، قد أشفي علي أمر عظيم في طاعة إنسان عزيز ، فضحكت ثم قالت مسرعة : علي بظر أم الكاذب ، والله ما سألتك إلا عن الثوب المصمت الذي وعدتني به ( الديارات 268) .

وكان نفطويه النحوي ، لا يعني بنظافته ، فكان يفرط به الصنان ،

ص: 402

ودخل مرة علي الوزير حامد بن العباس ، وزير المقتدر ، فتأذي هو وجلساؤه بفرط صنانه ، فقال حامد : يا غلام ، أحضرنا مرتكأ ، فجاء به ، فبدأ الوزير بنفسه ، فتمرتك ، وأداره علي الجلساء ، فتمرتكوا ، وفطنوا أن القصد من ذلك أن يتمرتك نفطويه ، ليزول صنانه ، من غير أن يجبهه بذلك ، فلما وصل المرتك إلي نفطويه أبي أن يتمرتك ، وقال : لا حاجة لي بذلك ، فراجعه ، فأبي ، فاحتد حامد، وقال له: يا عاض بظر أمه، إنما تمرتكنا جميعا لتأذينا بصنانك ، قم ، لا أقام الله لك وزنة ( معجم الأدباء 1 / 313) .

وغضب محمد بن خلف ، كاتب ابن أبي الساج ، علي وكيله الحسن بن هارون ، فقال له : يا عاض ، بلغني أنك شعت علي عند الوزير ، والله يا كلب لأضربنك خمسمائة سوط ، راجع تفصيل القصة في تجارب الأمم 1/ 170 .

وفي السنة 323 ورد كتاب أبي عبد الله البريدي ، ضامن أعمال الخراج والضياع بالاهواز ، يؤيس من حمل مال إلي الحضرة ، فغلظ ذلك علي الوزير أبي الحسن بن مقلة ( ابن الوزير أبي علي بن مقلة الذي كان قد أصعد إلي الموصل)

وبعث أبا عبد الله الكوفي ، إلي البريدي ، يستحثه علي حمل المال ، فلما وصل الكوفي إلي البريدي ، أقام عنده ، فكتب ابن مقلة إلي البريدي ، كتاب يقول فيه : الويل للكوفي العاض ، يريد « العاض بظر أمه ، ( تجارب الأمم 327/1 و 329) .

ص: 403

7- قولهم : يا ماض بظر أمه

دخل كثير عزة ، علي يزيد بن عبد الملك ، فرحب به يزيد ، فسأله كثير ، فقال : يا أمير المؤمنين ، ما يعني الشماخ بقوله :

فما أروي وإن كرمت علينا***بأدني من موقفة حرون

تطيف علي الرماة وتتقيهم***بأوعال معقفة القرون

فغضب يزيد ، وقال له : وما يضر أمير المؤمنين ، يا ماض بظر أمه ، أن لا يعلم هذا ( الهفوات النادرة 395 ).

وكان نابغة بني شيبان ، مدح يزيد بن عبد الملك ، بشعر ، قال فيه :

هشام والوليد وكل نفس***تريد لك الفناء لك الفداء

فلما مات يزيد ، وتولي هشام ، وفد عليه النابغة ، فقال له : يا ماض ما أبقت المواسي من بظر أمه ، ثم قال أخرجوه عني ، فظل طول أيامه طريدا .

( الاغاني 109/7 )

وشتم عبد الله بن الحسن بن الحسن ، الشاعر ابن هرمة ، وقال له : يا ماض بظر أمه

وسبب ذلك : إن ابن هرمة ، أنشد عبد الواحد بن سليمان بن عبد الملك ، قصيدة في مدحه ، وكان في المجلس عبد الله بن الحسن بن

ص: 404

الحسن ، فلما أنشد ابن هرمة البيت :

وجدنا غالبا كانت جناحا***وكان أبوك قادمة الجناح

غضب عبد الله ، ووثب من المجلس مغضبا، وخرج ، فلحقه ابن هرمة ، واعتذر إليه ، فقال له : يا ماض بظر أمه ، تقول لمرواني :

وكان أبوك قادمة الجناح

بحضرتي ، وأنا ابن رسول الله ، وابن علي بن أبي طالب ؟ فقال له : ألم تسمع قولي في القصيدة :

وبعض القول يذهب بالرياح

فضحك عبد الله ، وعاد إلي رضاه عن ابن هرمة ( الاغاني 106/6 ) .

وذكر أن أبا سلمة الخلال، تردد في مبايعة أبي العباس السفاح بالخلافة ، وأراد نقلها للعلويين ، وأحس دعاة العباسيين بالأمر ، فدخلوا علي أبي العباس وسلموا عليه بالخلافة، فدخل أبو سلمة وسلم علي أبي العباس بالخلافة ، فقال له : أبو حميد محمد بن إبراهيم : علي رغم أنفك يا ماض بظر أمه ( الطبري 7 / 434) .

وقال أبو العباس السفاح ، لواحد من بني امية : يا ماص بظر أمه .

وسبب ذلك : إن السفاح ، كان قد أمن جماعة من بني أمية ، وكانوا في مجلسه يوما ، فدخل عليه سديف الشاعر ، وأنشده قصيدة مدحه بها ، أولها :

أصبح الملك ثابت الأساس***بالبهاليل من بني العباس

فأقبل السفاح علي بعضهم ، وقال له : أين هذا مما مدحتم به ؟ فقال

ص: 405

له : هيهات ، لا يقول فيكم أحد ، مثل قول ابن قيس الرقيات فينا :

ما نقموا من بني أمية إلا*** أنهم يحلمون إن غضبوا

وأنهم معدن الملوك ولا*** تصلح إلا عليهم العرب

فقال له : يا ماص بظر أمه ، وإن الخلافة لفي نفسك بعد، خذوهم ، فأخذوا وقتلوا ( الاغاني 4/ 346 )

وقال عبد الصمد بن علي العباسي ، أمير البصرة ، لابن ميادة : لا سلم الله عليك يا ماص بظر أمه .

وسبب ذلك : إن ابن ميادة دخل علي عبد الصمد العباسي ، بالبصرة ، فسلم عليه ، فقال له : لا سلم الله عليك ، يا ماض بظر أمه ، فقال ابن ميادة : ما أكثر الماضين ، فضحك عبد الصمد ، وقال له : أنت القائل :

لنا الملك إلا أن شيئأتعذه*** قريش ولو شئنا لداخت رقابها

قال : نعم ، قال : أفكنت أمنت أن ينقض عليك باز من قسريش ، فيضرب رأسك ؟ ثم ضحك عبد الصمد ودعا بكسوة فكساه ( الاغاني 2/ 329 و 330 ).

وضم المنصور إلي ولده جعفر ، الفضيل بن عمران ، كاتبأ ، وكان دينأ عفيفة ، فناصبته حاضنة جعفر العداء ، واتهمته بأنه يلعب بجعفر ، فأمر المنصور بقتله فقتل ، فغضب جعفر ، وقال للرسول : ويلك ، ما يقول أمير المؤمنين ، في قتل رجل عفيف ، دين ، مسلم ، بلا جرم ولا جناية ؟ فقال له : هو أمير المؤمنين يفعل ما يشاء ، وهو أعلم بما يصنع ، فقال : يا ماص بظر أمه أكلمك بكلام الخاصة وتكلمني بكلام العامة؟ خذوا برجله فألقوه في دجلة ، فقال له : دعني أكلمك ، أبوك إنما يسأل عن فضيل وحده ؟ ومتي يسأل عنه وقد قتل عمه عبد الله بن علي وقتل عبد الله بن الحسن وغيره من أولاد

ص: 406

الرسول ظلمة ، وقتل من أهل الدنيا ما لا يحصي ولا يعد، هو قبل أن يسأل عن فضيل ، جوشانة تحت خصي فرعون ، فضحك ، وقال : دعوه إلي لعنة الله ( الطبري 8/ 99 و100).

أقول جوشانة ( فارسية ) حب يظهر في الجلد مثل حب الشباب .

وشتم المنصور العباسي، الشاعر أبا عطاء السندي ، فقال له : يا ماض بظر أمه .

وسبب ذلك : إن أبا عطاء السندي ، كان منقطعة إلي الأمويين ، فلما استخلف المنصور ، مدحه ، فلم يثبه ، لعلمه بمذهبه في بني أمية ، فعاوده بالمدح ، فقال له : يا ماص بظر أمه ، ألست القائل في عدو الله الفاجر ، نصر بن سيار :

فاضت دموعي علي نصر، وماظلمت***عين تفيض علي نصر بن سيار

والله لا أعطيك شيئا أبدأ ، فخرج ، وقال قصائد عدة يذمه فيها، منها : ( الاغاني 17 / 332 و 333 ).

يا ليت جور بني مروان عاد لنا***وليت عدل بني العباس في النار

وفي السنة 344 بعث المنصور، الفضل بن صالح بن علي، علي الموسم، وقال له : إن وقعت عينك علي محمد وإبراهيم أبني عبد الله بن الحسن ، فلا يفارقانك ، فلم يلقياه ، وجلس علي دكان قد بني له بالسيالة ، فأمر عبد الله أحد رعاته ، فحلب لبنأ علي عسل في عس عظيم ، وأومأ إليه أن يسقي الفضل بن صالح ، فلما دنا منه ، صاح به الفضل مغضبا : إليك ، يا ماض بظر أمه ( الطبري 520/7 ).

ص: 407

وفي السنة 144حج المنصور ، وسأل عبد الله بن الحسن عن ولديه محمد وإبراهيم ، فقال له : لا علم لي بهما ، حتي تغالظا، فأمضه أبو جعفر ، أي قال له : يا ماص بظر أمه ، فقال له ، يا أبا جعفر بأي أمهاتي تمصني ، أبفاطمة بنت رسول الله ، أم بفاطمة بنت الحسين ، أم بفاطمة بنت أسد ( أم علي بن أبي طالب ) ، أم خديجة بنت خويلد ، أم أم إسحاق بنت طلحة ؟

( مقاتل الطالبيين 213 والطبري 7 / 522 و 523)

ولما مات المنصور ، أحضر الربيع الأكابر وذوي الاسنان من أهل البيت والعامة ، وأخبرهم بأن أمير المؤمنين يأمر بمبايعة المهدي ، ومن بعده عيبي بن موسي ، فبايعوا إلا علي بن عيسي بن ماهان فانه أبي أن يبايع لعيسي ، فلطمه محمد بن سليمان ، وقال : من هذا العلج ؟ وأمصه ( أي إنه قال : يا ماص بظر أمه ) ( الطبري 60/8 ).

وفي السنة 187 قتل الرشيد وزيره جعفر البرمكي ، بعث إليه مسرور الخادم في جماعة من الجند، فأطافوا به ليلا ، ودخل عليه مسرور ، فأخرجه إخراج، عنيف ، يقوده حتي أتي به المنزل الذي فيه الرشيد فحبسه ، وقيده بقيد حمار ، وعاد فأخبر الرشيد ، فأمره بضرب عنقه ، فخرج ، ثم عاد يتثبت من الأمر ، فقال له الرشيد : يا ماص بظر أمه آنتني برأسه ، فعاد ، وضرب عنقه ، وجاءه برأسه ، وأمر الرشيد فوجهت جثة جعفر ، وقد قطعت إلي قطع ، ونصبت القطع علي الجسور ، وفي السنة 189 لما عاد الرشيد من رحلته إلي الري ، ومر بالجسر ، وكانت جثة جعفر ما تزال معلقة ، فأمر بإحراقها ( الطبري 287/8 و 298 و317 ).

وشتم الرشيد ، مولاه أبان ، فقال عنه : الماص بظر أمه .

ص: 408

وسبب ذلك : إن يوسف بن الصيقل ، أنشد الرشيد ، أبيات من الشعر ، كان آخرها :

ويلي ألست تراني***أهذي بها يافلان

فقال الرشيد : من هو فلان هذا ؟ فقال الفضل بن الربيع : هو أبان مولاك يا أمير المؤمنين ، فقال الرشيد ليوسف : ولم لم تنشد البيت كما هو يا نبطي ؟ قال : لأني غضبان علي أبان ، قال ، وما السبب ؟ قال : مدت دجلة ، فهدمت داره وداري وهي تجاوره ، فبني داره وعلاها حتي سترت الهواء عن داري ، فقال الرشيد : لا جرم ، ليعطيك الماص بظر أمه عشرة الاف درهم حتي تبني بناء يعلو علي بنائه ، فتستر أنت عنه الهواء .

( الاغاني ط بولاق 96/20 )

وهجا ربيعة الرقي ، العباس بن محمد العباسي ، فغضب الرشيد، وأحضره وقال له : يا ماض بظر أمه ، أتهجو عمي .

وقد أوردنا القصة في موضع آخر من هذا الكتاب ، ووردت في الاغاني 257/16 .

وكان الجنيد من كبار العمال ، وكان كريمة سمحة ، إلا أنه كان يكذر عطيته بالشتيمة ، فكان يقول : أعطوا هذا الماص بظر أمه عشرة آلاف ، درهم ، راجع التفصيل في البصائر والذخائر 782/2/2 و 781.

وشتم المأمون علي بن جبلة الشاعر ، فقال له : كذبت يا ماض بظر امه

وسبب ذلك : إن عليا مدح أحد ممدوحيه ، أبا دلف ، فبالغ ، وقال :

إنما الدنيا أبو دلف***ببن باديه ومحتضره

فإذا ولي أبو دلف***وقت الدنيا علي أثره

ص: 409

كل من في الأرض من عرب***بين باديه إلي حضره

مستعير منك مكرمة***يكتسيها يوم مفتخره

فبلغ ذلك المأمون ، فطلبه ، ولما أحضر ، قال له : إني لست أستحل دمك لأنك فضلت أبا دلف علي العرب كلها ، وإدخالك في ذلك قريشأ ، وهم آل رسول الله وعترته ، ولكني أستحله بقولك في شعرك ، في مدح أحد ممدوحيك :

أنت الذي تنزل الأيام منزلها***وتنقل الدهر من حال إلي حال

وما مددت مدي طرف إلي أحد*** إلا قضيت بأرزاق وأجال

كذبت يا ماض بظر أمه ، ما يقدر علي ذلك أحد إلا الله ، وأمر به فقتل ( الاغاني 20 /42).

وسب عبد الصمد بن المعدل ، أبا تمام ، فقال له : يا غت ، يا ماض بظر أمه .

جمع بين أبي تمام الطائي ، وعبد الصمد بن المعذل مجلس ، وكان عبد الصمد سريعة في قول الشعر ، وفي أبي تمام إبطاء ، فأخذ عبد الصمد القرطاس ، وكتب فيه:

أنت بين اثنتين تبرز للنا***س وكلتاهما بوجه مذال

الست تنفك طالبأ لوصال*** من حبيب أو طالبا لنوال

أي ماء لحر وجهك يبقي***بين ذل الهوي وذل السؤال

فأخذ أبو تمام القرطاس ، وفكر طويلا ، ثم كتب فيه :

أفي تنظم قول الزور والفند******وأنت أنزر من لاشيء في العدد

أشرجت قلبك من بغضي علي حرق*** كأنها حركات الروح في الجسد

ص: 410

فقال له عبد الصمد : يا ماص بظر أمه ، يا غث، أخبرني عن قولك : أنزر من لاشيء، وأخبرني عن قولك : أشرجت قلبك ، قلبي مفرش أو عيبة أو خرج فأشرجه ، عليك لعنة الله ( الاغاني 253/13 و 254 ) .

وشتم أبو يوسف البريدي ، بالبصرة ، أبا العباس النخاس ، فقال له : يا ماض بظر أمه .

وسبب ذلك : إن أبا العباس النخاس ، دخل علي أبي يوسف البريدي ، فصفعه بمخدة ديباج ، حسنة مثمنة ، فأخذها الناس ، وعدا ليسلمها إلي غلامه ، فيحملها إلي بيته ، فقال له يوسف : قد أخذتها ويللك ، فقال له : أفأردها - أطال الله بقاء سيدنا - من حيث جاءت ؟ ( يعني أن يصفع بها أبا يوسف ). فقال له : يا ماص بظر أمه ، خذها ، لا بارك الله لك فيها ، راجع كتاب نشوار المحاضرة للقاضي التنوخي ، تحقيق المؤلف ، حا ص 306 رقم القصة 166.

وغضب الوزير أبو محمد المهلبي ، علي محمد بن الحسن الهاشمي ( العباسي ) ، فقال له : يا ماص بظر أمه .

وتفصيل ذلك : إن فتنة حصلت في بغداد ، في عهد معز الدولة البويهي ، بين العباسيين والعلويين ، قتل فيها علوي ، فأحضر المهلبي جماعة من العباسيين ، وطلب منهم أن يكفل صالحهم طالحهم ، وأن يلتزموا بإطفاء الفتنة ، فتكلم محمد بن الحسن بن عبد العزيز الهاشمي ( العباسي ) بكلام فيه حراشة وجفاء وخشونة ، فغضب المهلبي ، وقال له : يا ماص بظر أمه ، ما تدع جهلك ، والخيوط التي في رأسك ، راجع القصة مفصلة في كتاب نشوار المحاضرة للقاضي التنوخي، تحقيق المؤلف، حا ص87 رقم القصة 37 .

ص: 411

: وكان القاضي أبو القاسم التنوخي ، علي بن المحسن ، نائمة في بيته ، فاجتاز به واحد غث ، وأزعجه بصياحه : شراك النعال ، شراك النعال ، فقال الغلامه : إجمع كل نعل بالبيت ، وأعطها لهذا، يصلحها ويشتغل بها ثم نام ، وأصلحها الاسكافي ، واشتغل بها إلي آخر النهار ، ومضي لشأنه ، فلما كان في اليوم الثاني ، عاد شراك النعال إلي الصياح ، فقال القاضي لغلامه : أدخله ، وقال له : يا ماص بظر أمه ، أمس أصلحت لنا كل نعل عندنا ، واليوم تصيح علي بابنا ، هل بلغك أننا نتصافع بالنعال ، ونقطعها ؟ قفاه ، قفاه ، فقال : يا سيدي أتوب ، ولا أعود أدخل هذا الدرب أبدأ . ( فوات الوفيات 62/3 ) .

وغضب القاضي أبو القاسم علي بن المحسن التنوخي ، علي غلام اسمه جميلة ، فقال له : يا ماص بظر أمه ، وكان جميلة هذا غلام أبي الحسين هلال الصابي ، اشتري خمسة آلاف سابل سرجينا لسماد البستان ، فأمره سيده أن يشهد علي البائع في عقد البيع ، فظن الغلام أن الإشهاد لا يكون إلا بمعرفة القاضي ، وقصد أبا القاسم علي بن المحسن التنوخي ، وعاد التنوخي بين الصلاتين وهو جائع حاقن تعب ، والزمان صائف ، فقام إليه ودعا له ، فقال له : من أنت ؟ قال : غلام أبي الحسين هلال ، قال : ما لك ؟ قال شهادة ، فقال له : اقعد ، ودخل فخلع ثيابه ودخل بيت الطهارة ، وأطال ، والغلام يصيح : يا سيدنا ، أنا قاعد من ضحوة النهار إلي الساعة ، فقال له : ويلك إصبر حتي أخرا ، إصبر حتي أخرا ، إصبر حتي أخرا ، ثم توضأ ليصلي ، فلم يهنه ، فصاح به : أدخل ، دخلت بطنك الشمس ، فقد والله حيرتني وجننتني ، فلما دخل أعطاه الرقعة ، فقرأها ، وقال له : ويلك ، ما اسم هذا الملاح ؟ قال : الدابة يا سيدي ، فقال : وأي شيء يقربه ، فاني لم أقف عليه ، أري خمسة آلاف سابل ولا أدري ما بعده ؟ فقال : يا سيدنا خمسة الاف سابل سرقين ، فقال له : وما السرقين ؟ قال : خرا البقر والغنم ،

ص: 412

فقال له : يا ماص بظر أمه ، أنا شاهد الخرا ، ونهض إليه وهو مغتاظ ، فأخذ ينتف ذقنه ، ويضرب رأسه وفكه إلي أن جري الدم من فيه وأخرجه .

( معجم الأدباء 306/5 و 307)

ص: 413

8- قولهم : يا عاض أير أبيه

الما هدأت الحرب بين الأوس والخزرج ، ترصد قوم من الأوس لقيس بن الخطيم ، فرموه بثلاثة أسهم أنفذته ، وحمل إلي منزله ، فاغتال الخزرج - ثأرا له - أبا صعصعة يزيد بن عوف ، وجيء لقيس برأسه ، وقال له حامل الرأس : يا قيس قد أدركت ثأرك ، فقال له قيس : عضضت بأير أبيك إن غير أبي صعصعة ، راجع القصة في الاغاني 11/3 .

وكان عثمان قد نفي أبا ذر إلي الربذة ، فمات هناك ، ولما بلغه خبر وفاته قال : رحمه الله ، فقال عمار بن ياسر : نعم ، فرحمه الله من كل أنفسنا ، فقال له عثمان : يا عاض أير أبيه ، أتراني ندمت علي تسييره ؟ وأمر فدفع في قفاه ، وقال : ألحق بمكانه ، ثم كلمة الناس فتركه ( انساب الاشراف54/5)

وشتم الشاعر اليماني يزيد بن مفرغ ، عشيرته اليمن ، استنهاضا لهم ، فقال : عضت بأير أبيها سادة اليمن .

وسبب ذلك : إن الشاعر يزيد بن مفرغ صحب عباد بن زياد بن أبيه ، فلم يحمد صحبته ، فهجاه ، فبلغه ذلك ، فاعتقله وأراد قتله ، فاستأجر ابن مفرغ رسولا إلي دمشق ، ورواه أبياتا ، وقال له : إذا كان يوم الجمعة فقف

ص: 414

علي درج جامع دمشق ، ثم أنشد هذه الأبيات بأرفع ما يمكنك من صوت ، وأولها :

أبلغ لديك بني قحطان قاطبة***عضت بأير أبيها سادة اليمن

أضحي دعي زياد فقع قرقرة***ياللعجائب يلهو بابن ذي يزن

ففعل الرسول ما أمر به ، فحميت اليمانية ، وغضبوا ليزيد، ودخلوا إلي معاوية غضابا ، والشر يلمع في وجوههم ، فوهبه معاوية لهم ، ووجه رسولا إلي حيث حبس ابن مفرغ ، فأطلقه ، لزيادة التفصيل ، راجع وفيات الاعيان 342/6-367، وخزانة الأدب للبغدادي 2/ 211 - 216.

وغضب عبد الله بن همام الشاعر ، من أحمد بن شميط من فواد المختار الثقفي . فقال له : عضضت باير أبيك ، فأراد قتله ، فأجاره إبراهيم بن الاشتر ( الطبري 6/ 36).

وكتب الحجاج بن يوسف الثقفي ، إلي وهرام بن يزداد ، عامله علي أصبهان : عض يا وهرام علي من أبيك وحر أمك .

انظر الرسالة بتمامها في البصائر والذخائر 759/3/2 و 760.

ولما عزل ابن الفرات عن وزارته الثانية ، ناظره الوزير الجديد حامد بن العباس ، فشتمه ، وقال له : ما هذا التبسط يا عاض أير أبيه ، حتي كأنك الوزير ، ونحن بين يديك ؟ ( الوزراء للصابي 105).

ص: 415

9- قولهم : يا عاهر ، ويا عاهرة

العهر : الفجور والعاهرة : الفاجرة والبغداديون يلفظونها بالألف ، فيقولون : أهرة .

وقال ابن أبي عتيق ، لعمر بن أبي ربيعة : يا عاهر .

وسبب ذلك : إن ابن أبي عتيق ، سمع شعرأ لعمر ، قص فيه مجلس له مع إحدي الفتيات ، ومما قال :

ولست بناس ليلة الدار مجلسأ*** لزينب حتي يعلو الرأس رامس

خلاء بدت قمراؤه وتكشفت*** دجنته ، وغاب من هو حارس

ومازلت منها محرمة غير أننا*** كلانا من الثوب المورد لابس

فقال ابن أبي عتيق : أي محرم بقي لم ينله ، ما دام قد كان معها في ثوب واحد ؟ ففسر له عمر ، بأنهما كانا في بعض الشعاب ، فأخذتهما السماء ( أي المطر ) فسترهما الغلمان بكساء خز كان علي عمر .

فقال له ابن أبي عتيق : يا عاهر ، هذا البيت يحتاج إلي حاضنة ( الاغاني 99/1 و100).

وقال فتي بغدادي ، لفتاة من جيرانه : با عاهرة ، خلينا نوفي ديوننا أولا ، وتفصيل القصة : إن فتي بغدادية أبصر فتاة من جيرانه فاستملحها ، ووكزها بمرفقه ، وكزة رفيقة يتحرش بها ، فشكته الفتاة إلي زوجته ، ولما عاد الفتي إلي بيته ، وجد زوجته غاضبة ، فسألها عن سبب غضبها ، فقالت : إن نساء المحلة تحدثن لي عن رعاية أزواجهن لهن ، فمنهن من يراجعها

ص: 416

زوجها ، أربع مرات في اليوم ، ومنهم من يراجعها ثلاثا ، وأنت لا تراجع زوجتك إلا مرة واحدة في الأسبوع، فضحك الفتي مغترة بقوته ، وقال لها : لا عليك ، واتفقا علي المراجعة مرتين في كل يوم ، وقام الفتي بواجبه في اليوم الأول ، وفي اليوم الثاني بقي مدينة فردة ، وكذلك في اليوم الثالث، وما أنصرم اسبوعان ، إلا والفتي مدين باثني عشر فردا ، وأنهكه التعب ، وبان عليه أثر الجهد ، فبعثت المرأة إلي جارتها ، وسألتها أن تتعرض لزوجها إذا الاقته ، وأن تتحرش هي به ففعلت ، فلم يلتفت إليها ، فألحت عليه ، فالتفت إليها ، وقال لها : يا عاهرة ، خلينا نوفي ديوننا أولا .

وكان المرحوم أحمد القايماقجي منطبقأ لسنا ، وكان ذات يوم في مجلس المرحوم عبد المجيد اليعقوبي، وكان المجلس حافلا ، فدخل المرحوم نوري السعيد وكان إذا ذاك رئيسا لمجلس الوزراء ، وأراد أن يتلطف بأحمد القايماقجي ، فسأله عن الأخبار ، فأجابه قائلا : يا سيدي الرئيس ، إن الأخبار يقتضي أن نستقيها منك ، لأنك أنت المواجه للحوادث ، وحالنا معك يشبه حال اليهودية مع زوجها ، فقال له : وما هي قصة اليهودية وزوجها ، قال : خرج يهودي مع زوجته يسيران علي سدة بغداد ، وكان الموضع مقفرة ، فانفرد بهما أناس ، وأمسكوا بهما، وفسقوا بهما معا، ثم أطلقوهما ، فقالت الزوجة لزوجها : هل استطعت أن تشخص منهم أحدا لكي نتقدم بالشكوي عليهم ؟ فقال لها : يا عاهرة ، إنني كنت طيلة المدة منكفية علي وجهي ، فلم أشاهد أحدا منهم ، أما أنت ، وقد كان وجهك مواجها لهم ، فإن عليك أن تتعرفي عليهم ، وأن تشخصيهم من أجل تقديم الشكوي .

وأخذ قروي زوجته يزوران أصحابا لهم في قرية أخري ، وخرج عليهما في الطريق قوم أشقياء ، فكتفوه ، وفسقوا بزوجته ، ثم أطلقوهما، وعند وصولهما إلي القرية ، قال لزوجته : تعالي إلي الفقيه ، فإني أريد أن

ص: 417

أطلقك ، فقالت له : لماذا تطلقني وقد رأيت أنني كنت مجبرة ، ولم يحصل ما حصل باختياري ، فقال لها : يا عاهرة ، إني لاحظتك أثناء العمل ، وقد كنت تطحنين (تغربلين ) هم أجبروك علي فتح ساقيك ، فهل أجبروك علي الطحن أيضا ؟

ص: 418

10- قولهم : با قواد ، يا ديوث ، با كشخان

القواد : الذي يجمع بين الرؤوس في الحرام والبغداديون يلفظونها بالكاف الفارسية .

والديوث : الذي لا غيرة له علي حريمه : أصلها :داث بمعني لان وسهل وديثه : ذلله : والبغداديون يلفظونها ديوس ، بالسين .

والكشخان : فارسية ، بمعني الديوث وهذه الكلمة غير معروفة الآن ببغداد .

والقرنان : نعت سوء في الرجل الذي لا غيرة له ، علله صاحب لسان العرب ، بانه سمي بذلك ، لأنه يشارك في امرأته ، فكأنه يقرن به غيره .

والأظهر أنه نسبة للقرون ، فإن الكبش ، أو غيره من ذوات القرون لا يأبه أن ينزو غيره علي صاحبته .

وقال الشاعر :

قالت لجارتها يوما تعيرها*** قرنت زوجك إن القرن يفضحه

قالت : أأتركه جما بلا قرن*** يأتيه زوجك ذو القرنين ينطحه

وشتمت عاتكة بنت يزيد بن معاوية ، عمرو بن بلال الأسدي ، فقالت : ويلي علي القواد ، فقد خدعني ، وخلاصة القصة إن عاتكة غاضبت زوجها عبد الملك بن مروان ، وأبت أن تصالحه ، فتعهد له عمرو بن بلال ، أن يرضيها وله حكمه ، فذهب إليها ، ويكي أمامها ، وقال لها : عندي ولدان ، ليس لي غيرهما ، وقد قتل أحدهما الآخر ، ويريد الخليفة الآن أن يقتل القاتل ، فأبقي بلا ولد ، وطلب منها أن تكلم زوجها ، لكي لا يقتل

ص: 419

الولد الثاني ، فذهبت إليه مصالحة ، ثم ظهر لها بعد ذلك أن القصة لا أصل لها ، فقالت : ويلي علي القواد، فقد خدعني ( مروج الذهب 91/2 ).

وكان في زمن المهدي ، رجل صوفي وكان عاقلا عالما ورعا ، فتحامق ليجد السبيل إلي الأمر بالمعروف ، والنهي عن المنكر، وكان يركب قصبة في كل جمعة يومين، الإثنين والخميس ، فإذا ركب في هذين اليومين ، فليس المعلم علي صبيانه حكم ولا طاعة ، فيخرج ، ويخرج معه الرجال والنساء والصبيان ، فيصعد تلا، وينادي بأعلي صوته : ما فعل النبيون والمرسلون ، أليسوا في أعلي عليين ؟ ، فيقولون : نعم ، فيقول : هاتوا أبا بكر الصديق ، فيؤخذ غلام ، ويجلس بين يديه ، فيقول : جزاك الله خيرا يا أبا بكر عن الرعيه ، فقد عدلت ، وقمت بالقسط ، وخلفت محمدأ عليه الصلاة والسلام ، فأحسنت الخلافة ، ووصلت حبل الدين ، بعد حل وتنازع، ونزعت فيه إلي أوثق عروة، وأحسن ثقة، إذهبوا به إلي أعلي عليين، ثم ينادي : هاتوا عمر ، فيجلس بين يديه غلام ، فيقول : جزاك الله خيرا أبا حفص عن الإسلام ، قد فتحت الفتوح ، ووسعت الفيء ، وسلكت سبيل الصالحين ، وعدلت في الرعية ، وقسمت بالسوية، إذهبوا به إلي أعلي عليين بحذاء أبي بكر ، ثم يقول : هاتوا عثمان ، فيؤتي بغلام ، فيجلس بين يديه ، فيقول له : خلطت في تلك السنين الست ، ولكن الله تعالي يقول : خلطوا عملا صالحة ، وآخر سيئا ، عسي الله أن يتوب عليهم ، وعسي من الله موجبة ، ثم يقول : اذهبوا به إلي صاحبيه ، في أعلي عليين ، ثم يقول : هاتوا علي بن أبي طالب ، فيجلس غلام بين يديه ، فيقول : جزاك الله عن الأمة خيرا يا أبا الحسن ، فأنت الوصي، وولي النبي ، بسطت العدل ، وزهدت في الدنيا ، واعتزلت الفيء ، فلم تخمش فيه بناب ولا ظفر ، وأنت أبو الذرية المباركة ، وزوج الزكية الطاهرة ، اذهبوا به إلي أعلي عليين من الفردوس ، ثم يقول : هاتوا معاوية ، فيجلس بين يديه صبي ، فيقول له :

ص: 420

أنت القاتل عمار بن ياسر ، وخزيمة بن ثابت ذا الشهادتين ، وحجر بن الأدبر الكندي الذي أخلقت وجهه العبادة ، وأنت الذي جعل الخلافة ملكأ، واستأثر بالفيء ، وحكم بالهوي ، واستنصر بالظلمة ، وأنت أول من غير سنة رسول الله ، ونقض أحكامه ، وقام بالبغي ، إذهبوا به ، فأوقفوه مع الظلمة .

ثم يقول : هاتوا يزيد ، فيجلس بين يديه غلام .

فيقول له : يا قواد ، أنت الذي قتلت أهل الحرة ، وأبحت المدينة ثلاثة أيام ، وانتهكت حرم رسول الله ، وأويت الملحدين ، وبؤت باللعنة علي لسان رسول الله ، وتمثلت بشعر الجاهلية :

ليت أشياخي ببدر شهدوا***جرع الخزرج من وقع الأسل

وقتلت حسينأ ، وحملت بنات رسول الله ة سبايا، علي حقائب الإبل ، إذهبوا به إلي الدرك الأسفل من النار .

ولا يزال يذكر واليأ بعد وال ، حتي يبلغ إلي عمر بن عبد العزيز ، فيقول : هاتوا عمر . فيؤتي بغلام ، فيجلس بين يديه ، فيقول : جزاك الله يا عمر ، خيرة ، عن الإسلام ، فقد أحييت العدل بعد موته ، وألنت القلوب القاسية ، وقام بك عمود الدين علي ساق ، بعد شقاق ونفاق ، إذهبوا به فألحقوه بالصديقين .

ثم يذكر من كان بعده من الخلفاء ، إلي أن يبلغ دولة بني العباس ، فيسكت ، فيقال له : هذا أبو العباس أمير المؤمنين .

فيقول : بلغ أمرنا إلي بني هاشم ؟ ارفعوا حساب هؤلاء جملة ، واقذفوا بهم في النار جميعا ( العقد الفريد 152/6 - 154).

ص: 421

وكتب أبو هفان ، رسالة إلي ابن مكرم ، كال فيها له من الشتم القبيح ، ما يأنف المرء أن يجريه علي لسانه ، وكان أخف ما قال له فيها : يا ابن الكشخان القرنان ، الديوث الصفعان . راجع الرسالة في كتاب أخلاق الوزيرين للتوحيدي ص 63 - 66.

وذكر أحد الكتاب البغداديين ، إنه سافر مع جماعة من أصحابه إلي الشام ، وأضافهم أحد الدمشقيين ، وروي عنه قصة بالغة الطرافة ، وقالوا له : إنك قواد بن فؤاد، راجع القصة في كتاب نشوار المحاضرة للتنوخي ، رقم القصة 2/ 90 ح 2 ص172 - 183 .

في السنة 144 اعتقل أبو جعفر المنصور بني الحسن ، وكبلهم وغلهم ، وأخرجهم معه إلي العراق ، فلما صار بالربذة أمر بإحضار محمد بن عبد الله بن عمرو بن عثمان بن عفان ، وأمه فاطمة بنت الحسين بن علي ، فقال له : يا ديوث فقال له محمد : سبحان الله ، أنت تعرفني بغير ذلك صغيرة وكبيرة ( الطبري 541/7 ) .

وسكر إبراهيم بن سبابه ، وحمل في طبق ، وعبر به الجسر ، فسأل إنسان : ما هذا؟ فرفع رأسه من الطبق، وقال : هذا بقية مما ترك آل موسي وال هارون ، تحمله الملائكة يا كشخان ( الأغاني 89/12 ).

واستقبل العتابي ، منصورة النميري ، فوجده واجمأ كئيبأ ، فقال له : ما خبرك ؟ قال : تركت امرأتي نطلق ، وقد عسرت عليها الولادة ، وهي يدي ورجلي ، قال : أكتب علي فرجها : هارون ، قال : ولم ذلك ؟ قال : لتلد علي المكان ، قال : وكيف ذلك ؟ قال : ألم تقل في هارون :

إن أخلف الغيث لم تخلف مخايله***أو ضاق أمرء ذكرناه فيتسع

ص: 422

فقال له منصور : يا كشخان ، والله لئن تخلصت امرأتي ، لأذكر ذلك للرشيد ، وأخبر الرشيد بالواقعة، فطلب العتابي ، فاستتر ( فوات الوفيات 167/4 والأغاني 148/13 و 149).

وشتم حاجب أحمد بن المدبر ، ابن دراج الطفيلي ، فقال له : با قرنان .

وسبب ذلك : إن أحمد بن المدبر ، كان قليل الجلوس للمنادمة ، وكان له سبعة من الدماء ، لا يحضره غيرهم ، وطمع أحد الطفيليين ، وهو ابن دراج ، فدخل يوما في جملة الندماء ، فلما رآه ابن المدبر ، قال للحاجب : أذهب إلي هذا الرجل ، وسله : هل له حاجة ؟ فذهب إليه وسأله : ألك حاجة ؟ فقال : لا ، فقال له : إذن ، ما جلوسك ؟ وأي شيء أنت ؟ فقال : أنا طفيلي ، فأحضره ابن المدبر أمامه ، وقال له : إن الطفيلي يحتمل في إفساده الخلوات علي الناس ، إذا كانت له خصال حسنة ، كأن يكون لاعبأ بالشطرنج أو النرد أو ضاربة بالعود ، أو الطنبور ، فقال له : أيدك الله ، أنا أحسن كل هذا ، وأنا في الطبقة العليا منها ، فقال لبعض ندمائه : لاعبه بالشطرنج ، فلعبا ، وغلبه الطفيلي ، فقال الحاجب : لكن الغلام فلانا يغلبه في الشطرنج ، فأحضر الغلام وغلب الطفيلي ، وجيء بالنرد ، فلعب مع أحد الندماء ، فغلبه الطفيلي ، فقال الحاجب : لكن بوابنا فلان يغلبه ، وجيء بالبواب ، ولعبا ، فغلب البواب الطفيلي ، وجيء بالعود فضرب الطفيلي ، فأصاب ، وغني فأطرب ، فقال الحاجب : في جوارنا شيخ هاشمي ، يعلم القيان ، أحذق منه ، وجيء بالهاشمي ، فكان أحذق من الطفيلي ، وجيء بالطنبور ، فضرب فأحسن ، وغني فأجاد ، فقال الحاجب : لكن فلانا المخنكر أحذق منه ، وجيء بالمخنكر فكان أحذق ، فقال الطفيلي : يا سيدي ، بقيت خصلة واحدة ، وهي أن تأمر لي بقوس مع خمسين بندقة رصاص ، ويقام هذا الحاجب علي أربع ، وأرميه في دبره بهن

ص: 423

جميعا ، فإن أخطأت بواحدة منهن ، ضربت رقبتي ، فضج الحاجب من ذلك ، ووجد ابن المدبر في ذلك شفاء لنفسه، وعقوبة للحاجب علي ما فرط منه في إدخال الطفيلي ، فأمر بإكافين ، فأحضرا ، وجعل أحدهما فوق الآخر ، وشد الحاجب فوقهما ، وأمر بالقوس والبندق ، فدفع إلي الطفيلي ، فرمي به فما أخطأه ، وخلي عن الحاجب ، وهو يتأوه، فقال له الطفيلي : هل علي باب الأستاذ من يحسن مثل هذا ؟ فقال له : يا قرنان ما دمت أنا البرجاس ، فلا ( مروج الذهب 465/2 و 466) .

وشتمت عبيدة الطنبورية ، شرائح الخزاعي ، فقالت له : يا كشخان . وسبب ذلك : إن عبيدة الطنبورية ، وكانت من المحسنات ، المتقدمات في الصناعة والآداب ، كانت تصاحب شرائح الخزاعي ، صاحب ساباط شرائح ، بسويقة نصر ، وتتعشقه ، وتزوج شرائح ، فانقطعت صلته بعبيدة ، ومرت به يوما ، فسألها أن تدخل إلي البيت ، فقالت له : يا كشخان ، كيف أدخل إليك وقد أقعدت في بيتك صاحب مسلحة ( الأغاني 207/22 ).

أقول : صاحب المسلحة ، يعني قائد جماعة من العسكر مع سلاحهم ، يستقرون في مواقع معينة من البلد لحفظ الأمن ومنع التعديات .

وشتم مسلم بن الوليد ، دعبل الخزاعي ، فقال له : يا أحمق ، با فؤاد .

وسبب ذلك : إن دعبل ، صادف فتاة ، وأعوزه المكان ، فأخذها إلي بيت مسلم ، وأعطاه مسلم ما اشتري به طعام وشرابا ونقط ، فلما أحضر كل ذلك ، اختلي مسلم بالفتاة في سرداب ، وتركا دعبل يحرق الأرم ، وحيدة ، وأخذ يشتم مسلمة ، ويسبه ، فقال له مسلم : يا أحمق ، با قواد ، منزلي

ص: 424

دخلت ، ومنديلي بعت ، ودراهمي انفقت، فعلي من تثب ؟ وقد أوردنا القصة في بحث الصفع ، راجع الأغاني 19 / 47 - 49 وبدائع البدائه 43 - 45.

وجاء إلي القاضي أبي القاسم التنوخي - وهو علي حماره في الطريق - رجل فأعطاه رقعة ومضي ففتحها وإذا فيها :

إن التنوخي به أبنة***لأنه يسجد للفيش

له غلامان ينيكانه***بحجة الترويح في الخيش

فلما قرأها ، قال لغلمانه : ردوا ذاك زوج القحبة ، فأحضره ، وسأله : من أعطاك هذه الرقعة ؟ فقال : أعطانيها بعض الناس ، وطلب مني أن أوصلها إليك ، فقال : قل له يا كشخان ، يا قرنان ، با زوج ألف قحبة ، هات زوجتك ، وأختك ، وأمك إلي داري ، وانظر ما يكون مني ، وبعد ذلك احكم ، ثم صاح بغلمانه : فصفعوه ( الهفوات النادرة 263 وفوات الوفيات 61/3)

ولام الصيمري الشاعر ، أبا العبر العباسي ، علي إيثاره السخف ، فقال له : با كشخان، أتريد أن أكسد أنا ، وتنفق أنت ( الأغاني 90/20 ) .

أقول : أبو العبر هذا ، ولقبه حمدون الحامض ، سفيه من بني العباس ، اشتهر بالحمق ، وكان له مجلس في سامراء ، يتكلم فيه بالسخف ، ويجتمع عليه المجان ، وقدم بغداد في أيام المستعين ، فطرده إسحاق بن إبراهيم المصعبي ، أمير بغداد ، وكان أبو العبر شديد البغض للإمام علي بن أبي طالب ، وسمعه أحد أهالي الكوفة ، يقول في الإمام قولا قبيحا ، فقتله .

وكان أحد اللصوص في بغداد ، يدخل الدور الأهلة نهارا ، ويسرق ، فإذا فطن له صاحب الدار ، أوهمه إنه صديق زوجته ، وإنه من غلمان بعض

ص: 425

القواد ، ويقول له : استر علي وعلي نفسك ، فيتخلص ، إلي أن دخل دارة فيها عجوز لها أكثر من تسعين سنة ، وهو لا يدري ، فلما أدركه رب البيت ، ادعي علاقته بصاحبة البيت ، فقال له ابنها : با كشخان ، ليس في الدار إلا أمي ، ولها تسعون سنة ، أفتراها هي عشقتك ، أم أنت عشقتها؟ واجتمع عليه الجيران ، فكرر اللص ادعاءه ، فكذبوه ، وضربوه ، وحملوه إلي السلطان ، راجع تفصيل القصة في كتاب نشوار المحاضرة للقاضي التنوخي ، رقم القصة 1/ 80 ح 1 ص 157 و 158.

وكان المأموني الأبهري الشاعر ، قد قال في شاعر آخر أبهري ، كان بهاجيه :

كلانا إلي آدم نعتزي***وتجمعنا اصرات الرحم

ولكن له الفضل في أنه***يصول بقرن وأني أجم

واتفق أن حضر مجلس الصاحب بن عباد ، فسأله : من يكون ؟ فقال : الخادم الأبهري الشاعر، فقال : الأقرن أم الأجم، فاستحيا وخجل ( وفيات الأعيان 1/ 414 و 416) .

ودخل الشاعر ابن الهبارية (ت 509 ) علي الوزير نظام الملك ، وقدم إليه رقعة ، حسب أن الذي فيها مديحه ، فأخطأ وقدم التي فيها هجائه ، وكان فيها :

لاغرو أن ملك ابن إس***حاق وساعده القدر

فالدهر كالدولاب لي***س بدور إلا بالبقر

فكتب عليها نظام الملك : يصرف لهذا القواد رسمه مضاعفة .

ص: 426

11 - قولهم : يا مخنث التخنث : التكسر .

يقال : طويت الثوب علي اخنائه : أي علي كسوره . وسمي المخنث مخنثا : لتكسره (كتاب الفاخر ص 02)

علي أثر مقتل مصعب بن الزبير ، ولي عبد الملك بن مروان ، خالد بن عبد الله بن خالد بن أسيد ، البصرة ، واجتمعت الحرورية بالأهواز ، فخرج إليهم خالد في تسعين ألفا، ففلوه ، ونادوه : يا خالد، يا مخنث ، فعزله عبد الملك ( انساب الأشراف 158/2/4 و 159 ) .

وكان عثمان بن حيان المري ، عامل المدينة ، أخذ مثجور بن غيلان من قصر لعبد الله بن عمرو بن عثمان ، الملقب بالمطرف ، وكان مثجور استخفي في القصر من الحجاج ، هرب من العراق ، فادعي المطرف دروعا له ، وقال لعثمان : ذهب بها أصحابك ( يريد أن أصحاب عثمان العامل لما دخلوا القصر لأخذ مثجور ، سرقوا دروع صاحب القصر ) فغضب عثمان ، وقال له : ما دروعك إلآ دروع النساء با مخنث ، با منكوح ، فلما استخلف سليمان بن عبد الملك ، ، عزل عثمان عن المدينة وولي أبا بكر بن عمرو بن حزم الأنصاري علي المدينة ، فأخذ عثمان وجلده حدأ ( انساب الأشراف 109/5)

وشتم ابن سريج الغريض ، فقال له : يا مخنث .

وسبب ذلك : إن الغريض كان يأخذ الغناء علي ابن سريج ، فلما رأي الأستاذ ظرف تلميذه ، وحلاوة منطقه ، خشي أن يغلبه علي الصناعة ،

ص: 427

فطرده ، فأخذ الغريض أيحاكي ابن سريج في الغناء ، وكان ابن سريج لا يغني صوتا ، إلا عارضه الغريض بصوت من عنده ، فلما رأي ابن سريج ذلك اشتد عليه ، وغني الأرمال والأهزاج ، فاشتهاها الناس لخفتها ، فقال له الغريض : يا أبا يحيي ، قصرت الغناء وحذفته ، قال : نعم ، با مخنث حين جعلت تنوح علي أمك وأبيك ( الأغاني 2/ 360 و 361).

وشتم إسحاق الموصلي ، في مجلس المأمون ، مخارقة وعلويه ، فقال الهما : يا مخنثان .

وسبب ذلك : إن مخارق وعلويه ، غني كل واحد منهما صوتا من صنع إسحاق ، إلا أنهما زادا فيه ، فأفسدا قسمة اللحن وتجزئته ، ولكن المأمون طرب علي غنائهما ، أكثر من طربه علي غناء إسحاق ، فقال إسحاق : لولا أن المجلس مجلس سرور ، لأعلمت أمير المؤمنين إنه طرب علي خطأ ، ثم التفت إلي مخارق وعلويه ، وقال لهما : يا مخثان قد علمت ما أردتما ، وأنا علي مكافأتكما قادر ( الأغاني 5 / 343 و 344 ).

وقال عبادة المخنث ، نديم المتوكل ، لأبي حرملة المزين ، مزين الخليفة ، حذفني ، فقال له : با مخنث ، أضع يدي علي وجهك ، وأنا أضعها علي وجه أمير المؤمنين ؟ قال : فأنت أيضأ تضعها علي باب إستك كل يوم خمس مرات ( الديارات 189).

وفي السنة 465 قصد السلطان ألب أرسلان ، واسمه محمد ، ما وراء النهر ، وجيء إليه بمستحفظ قلعة اسمه يوسف الخوارزمي ، فأمر أن تضرب له أوتاد أربعة وتشد أطرافه إليها ، فقال له يوسف : يا مخنث ، مثلي يقتل هذه القتلة ؟ فغضب السلطان ، وأخذ قوسا ونشابة ، وقال : خلوه ، ورماه بسهم ، فأخطأه ، فوثب يوسف يريده ، ووثب السلطان عن السدة فعثر فوقع علي

ص: 428

وجهه فبرك عليه يوسف وطعنه بسكين كان معه في خاصرته ، فقتله ( المنتظم 277/8 ابن الأثير 10 / 73 ).

وفي السنة 568 مات خوارزم شاه أرسلان بن أنسز ، وملك بعده ولده سلطان شاه محمود ، ودبرت والدته الملك والعساكر ، فأنف الولد الأكبر علاء الدين تكش ، واستعان بالخطا ، وقصد أخاه في جيش كثيف ، فاستعان الأخ الأصغر سلطان شاه محمود ، بالمؤيد بي أبه ، صاحب نيسابور ، فجمع جيوشه وخاض المعركة بجانب محمود ، فانكسر المؤيد وأسر ، وأحضر امام علاء الدين تكش ، فأمر بقتله ، فقال المؤيد : يا مخنث ، هذا فعال الناس ؟ فلم يلتفت إليه وقتله ( ابن الأثير 385/11 ).

وفي النسة 694 وثب باطني علي الأمير نقاجو ، أمير المسلحة المغولي بغداد ، وكان علي رأس الجسر العضدي ببغداد ( حل محله جسر الصرافية الحديد ) وطعنه بخنجر فقتله ، وقبض عليه ، وتسلمه ابن الأمير نقاجو ، فمثل به ، وقطع أطرافه وهو حي ، فقال لابن نقاجو : با مخنث ، إنك لم تصنع شيئا إلا وهو دون ما كان في نفسي ، فاصنع ما بدا لك ، فقتله ، وألقاه في الموضع الذي قتل فيه أباه ( الحوادث الجامعة 457) .

ص: 429

12. يا بغاء ، ويا مؤاجر ، ويا علق ، ويا مأبون

البغاء : الفجور والبغاء : اصطلاح عباسي ، يراد به المتهم بسوءة ، مقروف بها ( الفاخر 183 ) والأبنة : الأصل فيها العقدة تكون في العود . ثم صرفت الكلمة إلي العيب .

والمأبون : المعيب بعيب يخل بالرجولة ( الفاخر 02 ) . والمؤاجر : في الإصطلاح : الذي يبذل جسده لقاء أجر ، والمصدر : الإجارة .

قال ابن الرومي يهجو أبا الصقر اسماعيل بن بلبل :

عجب الناس من أبي الصقر لما***نال بعد الإجارة الديوانا

إن للحظ كيمياء إذا ما*** مس كلب أحاله إنسانا

والعلق ، بكسر العين وسكون اللام : اصطلاح متأخر، يقصد به المؤاجر ، قال الشاعر :

أنا في مقعد صدق*** بين قواد وعلق

قال المتوكل ، لأبي العيناء : هل رأيت طالبي حسن الوجه قط ؟

قال : نعم ، رأيت ببغداد منذ ثلاثين سنة ، فتي منهم ، ما رأيت أجمل منه

فغضب المتوكل ، وقال : تجده كان مؤاجرة ، وكنت تقود عليه ؟

فقال أبو العيناء : وفرغت لهذا يا أمير المؤمنين ؟ أتراني أدع موالي علي كثرتهم ، وأقود علي الغرباء ؟ ( أبو العيناء مولي بني العباس ).

ص: 430

فقال له المتوكل : اسكت يا مأبون .

فقال : مولي القوم منهم .

قال : أنت دعي في الإنتساب إلينا .

فقال : بغائي صحح نسبي فيكم ( زهر الآداب 251/1 و 252 والملح والنوادر 231 ).

وفي السنة 304 أرسل علي بن وهسودان ، متولي الحرب بأصبهان ، غلامأ له كان رباه وتبناه ، إلي أحمد بن شاه ، متولي الخراج ، في حاجة ، فلقيه راكبأ ، فكلمه في حاجة مولاه ، ورفع صوته ، فشتمه أحمد ، وقال : له يا مؤاجر ، تكلمني بهذا علي الطريق ، وحرد عليه ، فعاد إلي مولاه باكية ، وعرفه ذلك ، فقال له : صدق لولا أنك مؤاجر لقتلته ، فعاد الغلام ، فلقيه وهو راكب، فقتله، فأنكر الخليفة ذلك، وعزل علي بن وهسوذان عن أصبهان (ابن الأثير 97/8 ).

وقال الأمير سعر الدولة الديلمي ، لأبي مخلد عبد الله بن يحيي الطبري : إلي أين يا بقاء .

وسبب ذلك : إن أبا مخلد الطبري ، كانت له شهوة للفرش ( السجاد ) ، ورأي سجادة من الديباج في ديوان مع الدولة ، فأعجبته ، فقال للأمير مع الدولة : أيها الأمير ، تنح عن الدست فإن عليه شيئأ ، فلما تنخي ، رفع السجادة ، وطواها ، ووضعها علي كتفه ونهض ليخرج ، فقال له معز الولة : إلي أين يا باء ( يا منكوح)، فقال له : إلي طياري أنقل السجادة إليه ، فضحك معز الدولة ، وأخذ الرجل السجادة ، للتفصيل راجع كتاب نشوار المحاضرة للتنوخي ، تحقيق المؤلف ، ج 1 ص 309 رقم القصة 269 .

وذكر الأمير أسامة بن منقذ في كتاب الاعتبار 159 و 160 أن

ص: 431

الإسماعيلية هاجموا حصنهم شيزر في سورية ، وتحضن أحد الباطنية في أحد أبراج الحصن ، ولم يجرأ أحد من أهل الحصن علي مهاجمته ، فصاح ابن عم أسامة بأحد الواقفين وقال له : أدخل إليه ، فدخل ، وخرج وهو جريح، فصاح بالثاني : أدخل إليه ، فقال له الإسماعيلي : يا مؤاجر ، أنت ليش ما تدخل ، تدخل إلي الناس وأنت واقف ؟

أقول : ليش ، أصلها لأيش ، لأي شيء ، وكلمة ليش ما زالت مستعملة ببغداد .

وفي السنة 784 حاول أحد المماليك ، اغتيال الأتابكي برقوق بالقاهرة ، فضربه برقوق بقوس كباد ، فرماه علي الأرض ، وقال له : يا مرا ( يا امرأة ) ، يا علق ، الذي يريد يقتل الملوك يقع علي الأرض من ضربة واحدة ( بدائع الزهور 1 / 308 و 309) .

ص: 432

13 - قولهم : يا حلقي

الحلاق : داء يصيب الأتان ، فلا تشبع من السفاد . ثم صرف إلي الإنسان الذكر ، إذا حلت به صفة سوء .

قال ابن مناذر ، يهجو ابان بن عبد الحميد اللاحقي الكاتب : [ معجم الأدباء 7 / 109}.

غنج أبان ولين منطقه***يخبر الناس أنه حلقي

وقال الشاعر يهجو والبه بن الحباب الأسدي :

والب با ابن الحباب يا حلقي***لست من أهل الزناء فانطلق

وقال الشاعر البغدادي ، يهجو الأمين والفضل بن الربيع : [396/7]

لواط الخليفة أعجوبة***وأعجب منه حلاق الزير

فهذا يدوس وهذا يداس ***كذاك لعمري اختلاف الأمور

وسب مرثد بن حوشب ، أخاه ثمامة ، فقال له : يا حلقي .

( الأمتاع والمؤانسة 3/ 171) .

وكانت جارية من جواري موسي الهادي ، الخليفة العباسي ، تسقي الندامي ، وكانت ماجنة ، فكانت تقول لهذا : با حلقي ، وتعبث بهذا وبذاك ، ودخل يزيد بن مزيد فسمعها تقول لهم ، فقال لها : والله الكبير ، لئن

ص: 433

قلت لي مثل ما تقولين لهم ، لأضربنك ضربة بالسيف ، فقال لها موسي : ويلك ، إنه - والله - يفعل ما يقول ، فإياك ، فأمسكت عنه ، ولم تعابثه . و ( الطبري 227/8 ) .

وفي النسة 247 لما هجم الأتراك المتآمرون ، علي المتوكل ، قام الفتح بن خاقان ، فصاح بهم : ويلكم أمير المؤمنين ، فقال له بغا: يا حلقي ، لا تسكت ( ألا تسكت ) ، فرمي الفتح بنفسه علي المتوكل ، فقتلا جميعا ( تجارب الأمم 6 / 556 ، الطبري 227/9 ).

وروي الجاحظ ، وكان لقبه هذا لجحوظ عينيه ، وكان يلقب بالحدقي النفس السبب ، أي لبروز حدقتيه ، قال : صرت إلي منزل أحد إخواني ، فخرج إلي غلام أعجمي ، فقلت له : قل له الجاحظ بالباب ، فدخل، وقال : الجاحد ، فلم يفهم صاحب الدار ، وأعاده ليتحقق ، فقلت له : قل له الحدقي بالباب ، فدخل وقال : الحلقي ، فصحت به من الخارج : ردنا إلي الأول ( معجم الأباء 62/6 ) .

وغضب أبو البصير المنجم ، علي غلام له صغير السن ، مليح ، فصاح به : ما حبسك يا حلقي ، وكرر عليه ذلك ، فقال له الغلام : أدعوا الله علي من جعلني حلقية ( الحيوان 488/6 و 489) .

ص: 434

14. قولهم : يا مصفر استه

وتشاتم عتبة بن ربيعة وأبو جهل بن هشام ، قبل الإلتحام في معركة بدر ، مع المسلمين ، لما أراد عتبة أن يحول دون الحرب ، وتكلم بكلام في هذا المعني ، فغضب أبو جهل وفال لعتبة : إنتفخ سحرك ، فغضب عتبة ، وقال : سيعلم المصفر استه من انتفخ سحره ( الطبري 2 / 444 ).

أقول : السحر ، الرئة ، وقولهم : انتفخ سحره ، اتهام له بالجبن ، كأن الخوف ملا جوفه فانتفخت رئته .

وقوله : المصقر استه ، يعني أنه يخضبها بالزعفران ، إتهامأ له بما ينافي الرجولة .

ص: 435

ص: 436

الفصل السادس طرائف في الشتم

كان رجل من الأم الناس ، وكانت له لقاح ، وعنده لبن كثير ، فقال أحد الظرفاء : الموت أو أشرب من لبنه ، فجاء ومعه صاحب إلي باب صاحب اللبن ، وتغاشي ، وتماوت ، فخرج ، وقال : ما باله ؟ ، فقال صاحبه : هذا رئيس بني تميم ، وقد جاءه أمر الله ، وكان آخر كلامه : إسقني البنا ، فقال اللئيم : يا غلام ، هات علبة من اللبن ، فأتاه بها ، وأسنداه الي ظهره ، وشرب العلبة حتي أتي عليها ، ثم تجشأ ، فقال صاحبه : أتري هذه الجشأة راحة الموت ؟ فأحس اللئيم بأنه خدع ، فقال : أماتك الله وإياه ( العقد الفريد 178/6 البصائر والذخائر 296/4 و297 ) .

تنازع رجلان أيهما أفضل ، علي أو معاوية ، فرضيا بتحكيم أول خارج عليهما ، فطلع عليهما رجل لا يعرفانه ، فقال له أحدهما : إنا رضيناك حكمة في التفاضل بين رجلين هما علي ومعاوية ، وأنا أقول إن عليا أفضل ، فقال الرجل : وما الذي يقوله هذا ابن الزانية ؟ ( زهر الربيع 181/2 ).

كان لبعضهم ولد نحوي ، يتنحي في كلامه ، فاعتل أبوه علة شديدة ، وأشرف علي الموت ، فاجتمع إليه أولاده ، وقالوا له : ندعو لك أخانا فلانة ، فقال : لئن جاءني قتلني ، فقالوا : نحن نوصيه أن لا يتنحي في الكلام ، فلما دخل عليه ، قال : يا أبت ، قل لا إله إلا الله ، تدخل بها الجنة ، وتنجو بها من النار ، والله يا أبت ، ما شغلني عنك إلا فلان ، فإنه دعاني بالأمس

ص: 437

فأهرس ، وأعدس ، وسكبج ، وطبهج ، وأبصل ، وأمضر ، ولوذج وأفلوذج ، فصاح أبوه : غمضوني ، فقد سبق ابن الزانية ، ملك الموت ، الي قبض روحي ( زهر الربيع 102).

وشتم شامي عراقية في مجلس عبد الملك بن مروان ، فقال : هذا العراقي ابن اللحناء قال لي ذلك، وخلاصة القصة أن عبد الملك بن مروان ، سأل جلساءه عن تفسير بيتين من الشعر في وصف شعر طويل لامرأة ، وهما :

إذا ما المواشط باكرنها*** وأتبعن بالضفر وحفا طويلا

نحرن القرون فعلنها***كعقل العسيف غرابيب ميلا

فلم يجبه أحد، وكان في المجلس عراتي ، فقال لرجل من أهل الشام له بيرة وهيأة : أرأيت لو أخبرتك بمعناه ، وحصل لك الحظ عند أمير المؤمنين ، أتقربني إليه لأذكر حاجتي ؟ قال : لك ذلك ، قال : إنما يصف البطيخ ، فوثب الشامي ، وقال ذلك ، فأنقلب المجلس ضحكة ، وافتضح الشامي ، فقال له عبد الملك ، من أين لك هذا ؟ فقال هذا العراقي ابن اللغناء قال لي ذلك . ( الملح والنوادر 69).

وكان معاوية بن مروان بن الحكم ، ضعيفأ ( خفيف العقل ) ، قال لأبي آمرأته : لقد ملأتني إبنتك البارحة دما ، فقال له : إنها من نساء يخبئن ذلك الأزواجهن ، ولو كنت خصيا ما زوجناك ، وعلي الذي غرنا بك لعنة الله ( العقد الفريد 158/6 ).

وقال له رجل: أنت الشريف بن الشريف ، أبوك أمير المؤمنين مروان ، وأخوك أمير المؤمنين عبد الملك ، وأنت أبن عم أمير المؤمنين عثمان ، وأمك عائشة بنت معاوية بن أبي سفيان ، قال : فأنا إذن مردد في بني اللحناء ترديدا ( الاغاني 349/17 وأنساب الاشراف 165/5)

ص: 438

أقول : يروي عن معاوية بن مروان ، كثير من القصص ، ومنها أنه طار له بازي ، فأمر بإغلاق أبواب مدينة دمشق ، ومر يوما بطخان ، وأبصر البغل يدور وفي عنقه جرس ، فسأله عن سبب وجود الجرس في عنق البغل ، فقال : حتي إذا وقف البغل ، سكن الجرس ، فأقوم إليه لأعيده إلي الدوران ، قال : فإن وقف عن الدوران ، وحرك رأسه هكذا ، فقال الطحان : ومن أين لنا بغل عقله مثل عقل الأمير ، وكان خالد بن يزيد بن معاوية ، مولعة بالعبث به ، قال له يومة : يا أبا المغيرة ، أري أن أخاك عبد الملك لا يوئيك ولاية ، ولا يعتد بك ، فقال : لو أردت ولاية لولاني ، قال : فسله أن يوليك بيت لهيا ، وهي قرية صغيرة في غوطة دمشق ، فغدا علي عبد الملك ، وقال له : يا أمير المؤمنين ، ألست أخاك ! قال : بلي ، وشقيقي ، قال : فوتني ، قال : وما تريد ؟ قال : بيت لهيا ، قال : متي لقيت خالد بن يزيد ؟ قال : عشية أمس ، قال : لا تكلمه ، ودخل خالد ، فقال : كيف أصبحت يا أبا المغيرة ؟ فقال . وأشار إلي عبد الملك نهانا هذا عن كلامك .

وقال عبد الله بن مسور الباهلي ، لأبي النضير ، وقد تحاورا في شيء : يا ابن اللغناء ، أتكلمني ، ولو اشتريت عبدأ بمائتي درهم ، وأعتقته ، لكان خيرا منك ، فقال له أبو النضير : واللله ، لو كنت ولد زنا ، لكن خيرا من باهلة كلها ، فغضب الباهلي ، فقال له بشار : أنت منذ ساعة تزني أمه ولا يغضب ، فلما كلمك كلمة واحدة ، لحقك هذا كله ، فقال له : وأمه مثل أمي يا أبا معاذ ؟ فضحك ، وقال : والله ، لو كانت أمك أم الكتاب ، ما كان بينكما من المصارمة هذا كله . ( الأغاني 212/3 ) .

وجمش أبو علقمة النحوي ، امرأة يهواها ، فقال لها : يا خريدة ، قد كنت أخالك عروبة ، فإذا أنت نوار مالي أملي فتشتئيني ؟ فقالت : يا رفيع ، ما رأيت أحدا يحب أحدأ فيشتمه سواك . (معجم الأدباء 76/5 و77) .

ص: 439

وقال أبو حامد المرور وذي : كان بالشام قاص ، يقض ويقول : اللهم أهلك أبا حان الدقاق ، فإنه تربص بالمسلمين ، وفعل السوء بهم ، ومنزله أول باب في الدرب علي يسارك ( البصائر والذخائر 497/2/3 ).

وخرج ابن احمد المديني ، أيام العصبية إلي أذربيجان ، فلقيه فرسان ، فأسقط في يده ، وقال : الساعة يسألونني من أنا ، وأخاف أن أقول مضري وهم يمانية ، أو يماني وهم مضرية ، فيقتلونني ، فلما اقتربوا منه ، قالوا : يا فتي ممن أنت ؟ فقال : ولد زنا ، عافاكم الله ، فضحكوا منه ، وأعطوه الأمان في الملح والنوادر 16 ) .

وخرج طفيلي مع قوم في سفر ، فعزموا علي أن يخرج كل واحد شيئا للنفقة ، فقال كل واحد : علي كذا ، فلما بلغوا إلي الطفيلي ، قالوا له : أيش عليك ؟ فقال : علي لعنة الله ( التطفيل 54).

وكان رجل علي باب داره ، فأتاه سائل يسأله ، فقال لجاريته : أحضري له مكوكا من حنطة ، قالت : ما بقي عندنا حنطة ، قال : فأحضري له درهما ، قالت : ما عندنا دراهم ، قال : فأطعميه رغيفا ، قالت : ما عندنا رغيف ، فالتفت إلي السائل، وقال له : انصرف يا ابن الفاعلة ، فقال السائل : يا سبحان الله ، تحرمني وتشتمني ، قال : أحببت أن تنصرف وأنت مأجور . ( الملح والنوادر 246).

وكان مزبد نائما في المسجد ، فجاء إنسان فصلي ، وقال : يا رب أنا أصلي ، وهذا نائم ، فصاح به مزد : يا بارد ، سل حاجتك ، ولا تحرشه علينا ( فوات الوفيات 594/2و595 ).

وغضب أبو جلدة اليشكري ، علي ندمانه ، فصاح بهم : لا أم لكم ، أمني تضحكون ، وكان سبب ذلك ، إنه قام يبول ، فضرط ، وكان عظيم البطن ، فتضاحك القوم منه ، فسل سيفه ، وقال : لا أم لكم ، أمتي

ص: 440

تضحكون ، لأضربن بسيفي هذا من لا يضرط منكم ، فما زال بهم حتي ضرطوا جميعا ، إلا صاحبا له من عبد القيس ، قال له : قد علمت أن عبد القيس لا تضرط ، ولك بدلها عشر فسوات ، قال : لا والله ، أو تفصح بها ، فجعل العبقسي يتلوي وينحني ، فلا يقدر عليها، فتركه ( الأغاني 321/11)

واستعدت امرأة ، علي زوجها ، عند ثمامة بن عبد الله بن أنس بن مالك ، وهو قاض ، فادعت مهرها ألف درهم ، فقال : ألك بينة ؟ قالت : لا ، قال : أفأحلفه لك ؟ قالت : إنه فاجر يحلف ، ولكن إبعث إلي إسحاق بن سويد الفقيه ، فسله أن يحلف لي بدلا منه ، قال : فأرسل إلي إسحاق بن سويد ، وقال له : أحلف لهذه المرأة ، مالها علي زوجها ألف درهم مهرها ، قال إسحاق : ما أنا وهذا ؟ قال : فيبطل حق المرأة ؟ ، لتحلفت لها أو الأحبستك ، فلم يحلف ، فحبسه ، فأتاه ابن سيرين فقال : لا ألومك علي حبسك إسحاق ، ولكن لم وليت القضاء ؟ قال : أكرهني عليه السلطان ، قال : كنت تخبره أنك لا تحسن القضاء ، قال : أتريدني أن أكذب ؟ ( الملح والنوادر 72 73 ).

وجاء أحد النصاري ، إلي عبد الله بن بشار ، وقال له : أريد أن أسلم علي يدك ، فقال له : يا ابن الفاعلة ، ما وجدت في عسكر أمير المؤمنين أهون مني ، فجئت تريد أن تلقي الفتنة بيني وبين عيسي بن مريم ؟ ( اخبار الحمقي 99).

وقال أمير مكة ، لسفيه غبه الي عرفات : أي عدو الله طردتك من حرم الله فصرت الي المشعر الحرام تفسد فيه .

كان بمكة سفيه ، يجمع بين الرجال والنساء علي أفحش الريب ، فشكا أهل مكة ذلك الي الوالي ، فغربه إلي عرفات ، فأتخذها منزلا ، ودخل إلي مكة مسترأ ، فلقي بها حرفاءه من الرجال والنساء ، وقال لهم : ما يمنعكم

ص: 441

مني ؟ فقالوا : وأني بك وأنت بعرفات ؟ قال : حمار بدرهمين ، وصرتم الي الأمن والنزهة والخلوة واللذة ، فقالوا : نشهد أنك لصادق ، فكانوا يأتونه ، وكثر ذلك ، حتي أفسد علي أهل مكة أحداثهم وحواشيهم ، فعادوا بالشكية علي أميرهم ، فأرسل إليه ، فأتي به ، فقال له : أي عدو الله ، طردتك من حرم الله ، فصرت الي المشعر الأعظم تفسد فيه ، وتجمع بين الخبائث ، فقال : أصلح الله الأمير ، أنهم يكذبون علي ويحسدونني ، فقالوا للوالي : بيننا وبينه واحدة ، تجمع حمير المكارين ، وترسلها إلي عرفات ، فإن لم تقصد بيته ، لما تعودت من إتيان السفهاء والفجار إياه ، فالقول ما قال ، فقال الوالي : إن في هذا دليلا، وأمر بجمع الحمر ، فجمعت ثم أرسلت ، فقصدت منزله ، وأتاه أمناؤه فأخبروه ، فقال : ما بعد هذا شيء ، جردوه ، فلما نظر إلي السياط ، قال : ولا بد من ضربي ؟ قال : لا بد يا عدو الله ، قال : إضرب ، فوالله ما في هذا شيء أشد من أن يسخر منا أهل العراق ، ويقولون : إن أهل مكة يجيزون شهادة الحمير ، مع تقريعهم لنا بقبول شهادة الواحد مع يمين الطالب ( أي المدعي )، فضحك الوالي ، وقال : لا أضربك اليوم ، وأمر بتخليت سبيله ، وترك التعرض له ( مروج الذهب 432/2)

وجيء إلي نوفل بن مساحق، بابن أخيه ، وقد أحبل جارية من جيرانه ، فقال له : يا عدو الله ، لما ابتليت بالفاحشة ، هلا عزلت ؟ فقال : يا عم ، بلغني أن العزل مكروه ، فقال : أفما بلغك أن الزنا حرام ( البصائر والذخائر 219/1 ) .

وكان بالبصرة رجل يلقب بقبة الإسلام ، من موالي سليمان بن علي ، وكان له ابن خليع ، وكان أبوه ينهاه عن المجون فلا ينتهي ، فجاء إليه يوما ، وقال له : يا أبة إني أريد الحج ، فسر أبوه بذلك ، قال : لا أحج إلا مع خواص إخواني ، فقال الأب سمهم لي ، فقال : منهم أبو سرقين ، وعثمان

ص: 442

خراها ، وأبو السلاح ، ومحمود خريه ، فقال له أبوه : ويلك تريد أن تسمد الكعبة بهؤلاء ، والله ، لا أذن لك بالخروج إلي مكة صحبة هؤلاء ، ولكن إن شئت أن تخرجهم إلي ضيعتي ، فإنها أحوج إلي السماد ، فأفعل ( البصائر والذخائر 182/1/2 و 183 ).

وجاءت جارية إلي بقال ببغداد ، فقالت : تقول لك مولاتي ، طيب فمي ببصلة ، فأعطاها بصلة ، وقال لها : قولي لمولاتك ، أكل خرا حتي تطيبي فمك ببصلة ( البصائر والذخائر 128/1 ). وكان أزهر التمار بين يدي عمرو بن الليث يأكل البطيخ ، فقال له عمرو : كيف طعمه يا أزهر ، هو حلو ؟ فقال أزهر : أيها الأمير ، أكلت الخرا قط ، فضحك عمرو وكل من حضر ( البصائر والذخائر 89/4 ).

وقال رجل للفرزدق : إني رأيت في المنام ، كأنك وزنت بحمارك ، فرجع الحمار بك ، فقطع أير الحمار وجعل في استك ، فرجحت بالحمار ، فقطع لسانك وجعل في ست الحمار ، فاعتدلتما ، فقال له الفرزدق : إن صدقت رؤياك نكت امك ( البصائر والذخائر 59/1 ، 60).

ودخل الحجاج بن هارون علي نجاح ، فذهب ليقبل رأسه ، فقال : لا تفعل فإن رأسي مملوء دهنأ ، فقال : والله لا قبله ، ولو كان عليه ألف رطل خرا ( البصائر والذخائر 145/1 ).

وجلد صهيب المدني في الشراب ، وكان جسيمة ، وكان الجلاد قصيرة قميئا ، فقال له : تقاصر لينالك السوط ، فقال له : ويلك ، إلي أكل الفالوذج تدعوني ؟ والله ، لوددت أني أطول من عوج ، وأنت أقصر من يأجوج ( البصائر والذخائر 598/2/3 ) .

وتقدم رجل وامرأته إلي القاضي أبي دبشة، فقال الزوج : لي عليها۔ أبد الله القاضي - ألف درهم ، فقال القاضي : ما تقولين رحمك الله ،

ص: 443

فقالت : يسخر بك أيها القاضي ، فنظر إلي الرجل مغضبا ، فقال الرجل : أيها القاضي لا تصدقها ، فإنك لو عرفتها حق معرفتها ، لبزقت في أستها ( البصائر والذخائر 314/1 ) .

وقال رجل لأبي العيناء : ما أنتن إبطك ، فقال له : نلقاك - أعزك الله - بما يشبهك ( البصائر والذخائر 160/1/2 ). وقدم بعض المغفلين للصلاة علي جنازة امرأة ، فقال : رب ، إنها كانت تسيء خلقها ، وتعصي بعلها ، وتؤذي جارها ، فحاسبها حسابة أدق من شعر استها ( البصائر والذخائر 98/1/2 ) .

ونزل ابن أبي فنن الشاعر ، في جوار زرياب المغنية ، فكايدته جارية من جواريها ، وقالت له : يا شيخ ، تحول من جوارنا ، لا يقول الناس هذا الشحاذ أبو هذه المغنية ، فقال لها : الذي يلزمني من العار أكبر ، لأن الناس يقولون : هذا الشاعر أبو هذه القحبة ( البصائر والذخائر 388/1 )

وتزوج أعمي بامرأة ، فقالت له يوما : رزقت أجمل النساء وأنت لا تدري ، فقال لها : يا بظراء ، وأين كان عنك البصراء ( البصائر والذخائر 245/1/2)

واجتاز جحا بامرأة وهي علي قبر زوجها تندبه ، فقال لها ، ما كانت صنعة زوجك ؟ قالت : كان يحفر القبور ، فقال : أفلم يعلم القواد ، أن من حفر حفرة لأخيه فسوف يقع فيها ( البصائر والذخائر 115/1/2 ).

ا وتذاكر قوم من ظراف البصرة الحسد ، فقال رجل : إن الناس ربما حسدوا علي الصلب ، فأنكروا ذلك ، فجاءهم بعد أيام ، وقال : إن الخليفة أمر بأن يصلب الأحنف بن قيس ، ومالك بن مسمع ، وقيس بن الهيثم ، وحجام يعرف بحمدان ، فقالوا : هذا الخبيث يصلب مع هؤلاء ؟ فقال : ألم أقل إن الناس يحسدون علي الصلب ( البصائر والذخائر 11/1/2 ) .

ص: 444

وقال أبو هقان ، كنت أنزل في جوار المعلي بن أيوب ، وكان ابن أبي طاهر قد نزل عندي ، وكنا علي ضيقة شديدة ، فقلت لابن أبي طاهر : هل لك في شيء لا بأس به ، تجيء حتي أسجيك وأمضي إلي منزل المعلي ، وأعلمه أن رفيقا لي توفي ، وآخذ ثمن الكفن ، فتسع به ايامة ، إلي أن يصنع الله ، فقال : إفعل ، وكان المعلي قد أقام وكيلا يكن كل من مات ولم يخلف ما يكفن به ، بثلاثة دنانير ، قال أبو هقان ، فصرت إلي منزل المعلي ، وأعلمتهم ذلك ، فجاء الوكيل ليعرف الخبر، ودخل منزلي ، وكشف عن وجه ابن أبي طاهر ، فاستراب به ، ونقر أنفه ، فضرط ، فالتفت الي ، وقال : ما هذا ويحك ؟ فقلت : هذه بقية من روحه كرهت نكهته فخرجت من أسته ، فضحك حتي استلقي ، ودفع لي ثلاثة دنانير ، وقال : أنتم ظرفاء مجان ، فاصرفوها فيما تحتاجون ( البصائر والذخائر 28/1 ).

ومر مزبد بقوم وهو علي حماره ، فقالوا : إنزل الينا يا أبا إسحاق ، فقال : هذا عرض سابري ، قالوا : فانزل يا ابن الزانية ( البصائر والذخائر 265/2 )

اقول : العرض السابري ، هو العرض لا يجري فيه تكرار وذلك لأن الثوب السابري من أجود الثياب يباع بأدني عرض .

وجيء إلي أحد الولاة ، برجل قد جني جناية ، فأمر بضربه ، فمد ، فلما أخذه الضرب قال للوالي : بحق رأس أمك إلا ما عفوت عني ، فقال : إضرب ، قال : بحق عينيها ، فقال : إضرب ، قال : بحق خديها ، فقال : إضرب ، قال : بحق نحرها ، فقال الوالي : ويحكم خلوه لئلا ينحدر ( البصائر والذخائر 237/1/2 ) .

وأخذ شيخ مع زنجية ، ليلة الجمعة، في مسجد ، وقد نومها علي جنازة ، فقيل له : قبحك الله من شيخ ، فقال : إذا كنت أشتهي وأنا شيخ ،

ص: 445

لا ينفعني شبابكم ، قالوا : فزنجية ؟ قال : من منكم يزوجني بعربية ؟ قالوا : ففي المسجد ؟ قال : من منكم يفرغ لي بيته ؟ قالوا : فليلة الجمعة ؟ قال : إن شئتم فعلتها ليلة السبت ، فضحكوا منه وخلوه ( البصائر والذخائر 245/1/3 )

وشتم مضحك مدني ، قينتين ، فقال لهما : يازانيتان .

وتفصيل القصة : إن هاشميا بالمدينة ، كان له قينتان مجيدتان ، فجلس يوما وأحضر مضحكة ، لا يكاد يغيب عن مجالس المنظرفين ، فسقاه نبيذأ ، وضع فيه سكر العشر ، فلما شربه المضحك تحرك عليه بطنه ، وتناوم الهاشمي، فقال المضحك للقينتين : أين المرحاض ؟ فقالت إحداهما الصاحبتها : ما يقول ؟ قالت : يقول غنياني :

رحضت فؤادي فخليتني***أهيم من الحب في كل واد

فاندفعتا تغنيانه ، فحسب أنهما لم تفهما ، فقال لهما : أين المخرج ؟ فقالت إحداهما للأخري ، ما يقول ؟ قال : يقول غنياني :

خرجت بها من بطن مكة بعدما***أصات المنادي للصلاة فأعلما

فاندفعتا تغنيانه ، فحسب إنهما لم تفهما ، فقال لهما : أين المذهب ؟ فقالت إحداهما للأخري ، ما يقول ؟ فقالت : يقول غنياني :

ذهبت من الهجران في غير مذهب***ولم يك حقا كل هذا التجنب

فتاه ، فحسب أنهما لم تفهما، فقال لهما : أين الخلاء ؟ فقالت إحداهما لصاحبتها ، ما يقول ؟ قالت : يقول غنياني :

خلي علي جري الأشواق إذ ظعنا***من بطن مكة والتسهيد والحزنا

فتاه ، فحسب إنهما لم تفهما ، فقال لهما : أين الحش ؟ فقالت إحداهما لصاحبتها : ما يقول ؟ فقالت : يقول غنياني :

ص: 446

أوحش الجشان فالربع منها***فمناها فالمنزل المعمور

فغنتاه ، فحسب إنهما لم تفهما ، فقال لهما : أين الكنيف، فقالت احداهما لصاحبتها : ما يقول ؟ فقالت : يقول غنياني :

تكنفني الهوي طفلا***فشيبني وما آكتهلا

فأحس المضحك ، أنهما تولعان به ، وغلبه بطنه ، فسلح علي الفراش وقال لهما : كذبتما يا زانيتان ، وأنا أعلمكما ما هو ( العقد الفريد 73 - 71/6)

وروي أن يزيد بن المهلب ، وتي أعرابية علي بعض كور خراسان ، فصعد المنبر في يوم الجمعة ، وقال : الحمد لله ، ثم أرتج عليه ، فقال : أيها الناس ، إياكم والدنيا ، فإنكم لا تجدونها إلا كما قال الله عز وجل :

وما الدنيا بباقية لحي وما حي علي الدنيا بباق

فلما نزل قال له كاتبه : أصلح الله الأمير ، هذا شعر ، وليس من كلام الله ، فقال له : ويحك ، هل الدنيا باقية لأحد ؟ قال : لا ، قال : فيبقي عليها أحد ؟ ، قال : لا ، قال : فما كلفتك اذن ؟ ( أخبار الحمقي 94).

ودعا حمزة بن بيض الحنفي حجامة ثقي؟ كثير الكلام ، فلما أرهف المشارط ، قال له : ويحك ، الساعة توجعني ، قال : لا ، قال : فانصرف اليوم ، قال : لا تفعل ، فإنك محتاج إلي إخراج الدم ، وذلك بن في وجهك ، وهي سنة نبوية ، قال : انصرف ، وعد الي غدا ، قال : لست تدري ما يحدث إلي غد ، والمشارط حادة ، وإنما هي لحظة ، قال : إن كان كما تقول ، فأعطني فردة بيضة من خصيتك ، تكون في يدي رهينة ، إن أوجعتني أوجعتك ، فجمع الحجام مشارطه وقام ، وقال له : أري أن تدع الحجامة هذا العام ، وانصرف ( كتاب الحمقي 43 ).

ص: 447

وفي السنة 119 خلع الحارث بن سريج ، وحارب عاصم أمير خراسان ، وكان معه عطاء الدبوسي ، من الفرسان ، وركب يوما برذونه ، وبرز ، فدعا إلي البراز ، فبرزله رجل من أهل الطالقان ، فقال له بلغته : أي كير خر ، ومعناه بالعربية : يا أير الحمار ( الطبري 98/7 ).

وسمعت أعرابية شاعر يقول :

وكم ليلة قد بتها غير آثم***بمهضومة الكشحين ريانه القلب

فقال له : أخزاك الله ، هلا أثمت ؟ ( نهاية الأرب 20/4 ).

وقال الجاحظ : قلت لعبيد الكلابي ، وكان فصيحا مملقا، أيسرك أن تكون هجينة ولك ألف جريب ؟ قال : لا أحب اللؤم بشيء . قلت : فإن أمير المؤمنين ابن أمة ، قال : أخزي الله من أطاعه ، قلت : نبي الله إسماعيل كان ابن أمة ، قال : لا يقول هذا إلا قدري . قلت : فما القدري ؟ . قال : لا أدري . ( محاضرات الادباء 347/1 ) .

وغضب عبيدة بن هلال اليشكري أحد متألهي الخوارج ، علي فتي من جند المهلب بن أبي صفرة ، فقال له : أخزاكم الله .

وتفصيل القصة : إن رجلين من عسكر المهلب ، تنازعا في جرير والفرزدق ، أيهما أشعر ، وارتفعا إلي المهلب ، فامتنع أن يفضل واحد منهما علي الآخر، وأشار عليهما أن يسألا عبيدة بن هلال اليشكري ، وكان في عسكر قطري ، أمير الخوارج ، فخرج احد الرجلين ، ودعا عبيدة للمبارزة ، فبرز له ، فقال له : إني أسألك عن شيء تحاكمنا إليك فيه ، أي الرجلين عندك أشعر ، جرير أو الفرزدق ، فقال له عبيدة : إني سائلك قبل ذلك عن ثلاث ، ما تقولون في إمامكم إذا فجر ؟ فقال : نطيعه وإن عصي الله عز وجل ، فقال : قبحكم الله ، فما تقولون في كتاب الله وأحكامه ؟ فقال : ننبذه وراء ظهورنا ونعطل أحكامه ، فقال : لعنكم الله ، فما تقولون في اليتيم ؟

ص: 448

فقالوا : نأكل ماله وننيك أمه ، فقال أخزاكم الله إذن ، والله لقد زدتموني فيكم بصيرة ، ثم أجاب علي سؤالهم بأن فضل جرير ( الأغاني 7/8 و 8) .

وتحرش أشعب الطامع ، بأعرابي حديد ، في مجلس أبان بن عثمان ، أمير المدينة ، فصاح به الأعرابي : هلم يا آبن الخبيثة .

وسبب ذلك : إن أبان بن عثمان بن عفان ، كان من أهزل الناس وأعبثهم ، وبلغ من عبثه إنه كان يجييء بالليل، إلي منزل رجل في أعلي المدينة ، له لقب يغضب منه ، فيقول له : أنا فلان في فلان ، ثم يهتف بلقبه ، فيشتمه أقبح شتم ، وأبان يضحك ، وأبصر ذات يوم أعرابية ، ومعه جمل له ، والأعرابي ، أشقر أزرق ، أزعر ، ، غضوب ، يتلظي كأنه أفعي ، ويتبين الشر في وجهه ، ما يدنو أحد منه إلا شتمه ونهره ، فقال أشعب الأبان : هذا والله ، من أهل البادية ، فاستدعاه أبان ، فحضر ، فسأله أبان عن نسبه ، فلما انتسب ، قال له : حياك الله يا خالي ، إني في طلب جمل ، مثل جملك هذا منذ زمان ، فلم أجده كما أشتهي بهذه الصفة ، وهذه القامة ، واللون ، والصدر ، والورك ، والأخفاف ، فالحمد لله الذي جعل ظفري به من عند من أحبه ، أتبيعه ؟ قال : نعم ، أيها الأمير ، فقال : فإني قد بذلت لك به مائة دينار، وكان الجمل يساوي عشرة دنانير ، فطمع الأعرابي ، وسر ، وانتفخ ، وبان السرور والطمع في وجهه ، فأقبل أبان علي أشعب ، وقال له : ويلك يا أشعب ، إن خالي هذا، من أهلك وأقاربك - يعني في الطمع . فأوسع له مما عندك ، فقال له أشعب : نعم ، بأبي أنت وزيادة ، فقال له أبان : إنما زدتك في الثمن علي بصيرة ، والجمل ، إنما يساوي ستين دينارا ، ولكني بذلت به مائة ، لقلة النقد عندنا ، وأنا أعطيك به عروض تساوي مائة ، فزاد طمع الأعرابي ، وقال : قد قبل ذلك ، أيها الأمير ، فأسر إلي أشعب ، فأخرج شيئا مغطي ، فقال له : أخرج ما جئت به ، فأخرج جرد عمامة خير خلق تساوي أربعة دراهم ، فقال له : قومها يا

ص: 449

أشعب ، فقال : عمامة الأمير ، تعرف به ، ويشهد فيها الأعياد والمواسم والجمع ، ويلقي فيها الخلفاء ، خمسون دينارة ، فقال : ضعها بين يديه وقال لابن زبنج : أثبت قيمتها ، فكتب ذلك . ووضعت العمامة بين يدي الأعرابي فكاد يدخل بعضه في بعض ، غيظا ، ولم يقدر علي الكلام ، ثم قال : هات قلنسوتي ، فأخرج قلنسوة طويلة ، خلقة ، قد علاها الوسخ والدهن ، وتخرقت ، تساوي نصف درهم ، فقال : قوم ، فقال : قلنسوة الأمير ، تعلو هامته ، ويصلي فيها الصلوات الخمس ، ويجلس فيها للحكم ، ثلاثون دينارة ، قال : أثبت ، فأثبت ذلك ، ووضعت القلنسوة بين يدي الأعرابي ، فترتد وجهه ، وجحظت عيناه ، وهم بالوثوب ، ثم تماسك ، وهو متقلقل ، ثم قال لأشعب : هات ما عندك ، فأخرج خفين خلقين ، قد نقبا ، وتقشرا ، وتفتقا ، فقال له قوم ، فقال : خفا الأمير ، يطأ بهما الروضة ، ويعلو بهما منبر النبي ، أربعون دينارة . فقال : ضعهما بين يديه ، فوضعهما ، ثم قال للأعرابي : أضمم إليك متاعك ، وقال لبعض الأعوان : إذهب فخذ الجمل ، وقال لأخر : إذهب مع الأعرابي ، فاقبض منه ما بقي لنا عليه من ثمن المتاع ، وهو عشرون دينارة ، فوثب الأعرابي ، فأخذ القماش فضرب به وجوه القوم ، لا يألو في شدة الرمي به ، ثم قال لأبان : أتدري أصلحك الله ، من أي شيء أموت ؟ قال : لا ، قال : لأني لم أدرك أباك عثمان ، فاشترك - والله - في دمه ، إذ ولد مثلك ، ثم نهض مثل المجنون ، حتي أخذ برأس بعيره ، وضحك أبان حتي سقط ، وضحك كل من معه ، وكان الأعرابي إذا لقي أشعب ، يقول له : هلم إلي يا ابن الخبيثة ، حتي أكافئك علي تقويمك المتاع ( الأغاني 176/19 - 178 ).

وقالت عجوز مدنية لأشعب الطماع : سخنت عينك ..

روي أنه كان بالمدينة عجوز عائنة ، لا تنظر إلي شيء آستحسنته إلا عانته ، فدخلت علي أشعب وهو في الموت ، فلما رآها أشعب ، غطي وجهه

ص: 450

بكمه ، وقال لها : يا فلانة ، بالله ، إن كنت إستحسنت شيئا مما أنا فيه ، فصلي علي النبي لا تهلكيني ، فغضبت المرأة ، وقالت : سخنت عينك ، في أي شيء أنت مما يستحسن ؟ أنت في آخر رمق ! ، قال : قد علم ، ولكن قلت لئلا تكوني قد استحسنت خقة الموت علي ، وسهولة النزع ، فيشتد ما انا فيه ، فخرجت من عنده وهي تشتمه ( الأغاني 178/19 ).

وقال المهدي العباسي ، للقائد عبد الله بن مالك الخزاعي : ما جاء بك تبحك الله .

وتفصيل القصة : إن أصدقاء ثلاثة ، من أهل البصرة ، اثنان شاعران ، والثالث لا يحسن شيئا ، فني ما في أيديهم ، فقصدوا بغداد ، ودخل الثالث علي يقطين بن موسي وأخبره أنه لا يمت إليه بوسيلة ، سوي أنه أكذب الناس ، وأنه يكذب الكذبة ، فيراها المكذوب عليه ، كأنها صحيحة ، فضحك يقطين ، وخف الرجل علي قلبه ، وأدخله في حاشيته. وكان المهدي ، قد غضب علي عبد الله بن مالك الخزاعي ، وأمره بأن يلازم بيته ، ولا يخرج منه ، فأتاه الرجل، وأستأذن عليه ، وقال له : أنا رسول الأمير يقطين إليك ، بأن الخليفة ، قد ذكر سالف حقوقك ، وقديم خدمتك ، فعفا عنك ، وهو يأمرك بالركوب غدأ ، ليخلع عليك ، ويجدد الرضا عنك بمحضر الناس ، فسر عبد الله بذلك ، وخلع علي الرجل ، ووصله ، وبكر الي دار المهدي ، فلما دخل عليه ، قال له المهدي : ما جاء بك ، قبحك الله ، وقد أمرناك بلزوم دارك ؟ فقال له : أو ما رضيت عني يا أمير المؤمنين ، قال : لا ، قال : فإن رسول يقطين أتاني بذلك ، فأمر المهدي ، فأحضر يقطين ، وسأله ، فأنكر أنه بعث أحدة إلي عبد الله ، فقال عبد الله : بل أتاني رسوله فلان ، فأحضر الرجل في مجلس الخليفة ، وسأله يقطين : ما هذا الذي فعلت ؟ فقال له : يا سيدي ، هذا بعض ذلك المتاع ( يعني الكذب ) نشرناه ، خوفا عليه من السوس ، فأستبهم الجواب علي المهدي ،

ص: 451

فأخبره يقطين بالقضة ، فضحك المهدي ، وجدد الرضا عن عبد الله بن مالك ، ووصله ، ووصل الرجل و الملح والنوادر 21).

وقال متطبب أعجمي، ببغداد، لفتي ألح في مساءلته : قولي لا شفاك الله .

وتفصيل القصة : إن الحارثي ، قال : اجتزت ببغداد ، في أيام المقتدر ، وأنا حدث ، مع جماعة من مجان أصحاب الحديث ، وإذا بخادم (خصي ) جالس علي دكة في الطريق ، وبين يديه أدوية ، ومكاحل، ومباضع ، وعلي رأسه مظلة خرق كما يكون الطبيب .

فقلت لأصحابنا : ما هذا ؟

فقالوا : هذا خادم طبيب ، يصف للناس ، ويعالج ، ويأخذ الدراهم ، وهو من عجائب بغداد .

فقلت : أنا أحب أن أخاطبه ، لأنظر كيف فهمه .

فقال واحد منهم : لا أدري مقدار فهمه ، ولكنا نحب أن نعبث به .

فتقدم واحد منا إليه ، وتغاشي ، وتماوت ، وتمارض، وصاح ، يا أستاذ ، يا أستاذ ، دفعات .

فضجر الخادم وقال : قولي ، لاشفاك الله ، أيش أصابك ، أي طاعون ضرب ؟

فقال له : يا أستاذ ، إني أجد ظلمة في باطن أحشائي ، ومغصأ في أطراف شعري ، وما أكله اليوم ، يخرج غدا مثل الجيفة ، فصف لي وصفة لما أنا فيه .

فقال له : أما ما تجدين من مغص في أطراف شعرك ، فاحلقي رأسك

ص: 452

ولحيتك ، فيذهب المغص ، وأما الظلمة في باطن أحشائك ، فعلقي علي باب دبرك قنديلا يضيء مثل الساباط ، وأما ما تأكليه اليوم ، يخرج غدا مثل الجيفة ، فكلي خرا وأربحي النفقة .

قال : فعطعط بنا العامة القيام ، وضحكوا ما ، وانقلب الطنز الذي أردنا بالخادم ، طنز؛ بنا، فصار أقصي إرادتنا الهرب ( الاذكياء 111 و112).

وخرج هارون الرشيد ، وعيسي بن جعفر بن المنصور ، والفضل بن الربيع ، متن گرين ، فلاقوا أعرابية ، فولع به عيسي ، حتي قال له : يا ابن الزانية ، فطلب العوض عن الشتيمة ، فحكم له الرشيد بدانقين ، عوضا عن الشتيمة ، فقال : أهذا الحكم ؟ قالوا : نعم ، فأخرج درهما ، وقال لهم : هذا درهم خذوه وأمهاتكم جميعا زواني ( الهفوات النادرة 136).

وقال أبو فرعون الشاشي : ( الامتاع والمؤانسة 53/2)

أنا أبو فرعون فاعرف كنيتي***حل أبو عمرة وسط حجزتي

وحل نسج العنكبوت برمتي***أعشب تتوري وقلت حنطتي

وحالف القمل زمانأ لحيتي***وضعفت من الهزال ضرطتي

وصار تباني كفاف خصيتي***أير حمار في حرآم عيشتي

أقول : أبو عمرة ، كناية عن الجوع .

وكانت عريب تتعشق صالح المنذري الخادم ، فوجه به المتوكل إلي محل بعيد ، فغنت المتوكل في بيتين من الشعر صوت لها :

أما الحبيب فقد مضي***بالرغم مني لا الرضا

أخطأت في تركي لمن***لم ألق عنه معوضا

فاستعاده المتوكل ، وجعل جواريه يتغامزن ويضحكن ، فأصغت اليهن

ص: 453

سرا من المتوكل ، فقالت : يا سحاقات ، هذا خير من عملكن . ( الأغاني 72/21 )

ودخل حمصي علي امرأة ، وأرادها، فطلبت أربعة دراهم ، ولم يكن معه غيرها، فسألها أن تترك عليه درهما واحدا ، وتأخذ ثلاثة ، فأبت ، فأعطاها الدراهم الأربعة.، ولما خرج رأي في الدار مقلي ، فحملها وخرج ، فصاحت به المرأة : يا أحمق ، سخرت بك ، ولم تضرني بشيء، فالتفت إليها ، وقال : حين تقلين تدرين ( البصائر والذخائر 51/4 ) .

وقال عبيد الله بن جعفر بن المنصور ، لحاجبه : ثكلتك أمك ، وخلاصة القصة أن عبيد الله بن جعفر بن المنصور كان عظيم الإعجاب بغناء عمرو الغزال ، خلافا للخضر بن جبريل فقد كان لا يطيق سماع غناء عمرو ، وانصرف عبيد الله يوما من الشماسية ( الصليخ ) فلقيه الخضر ، فعاتبه عبيد الله علي تركه والانقطاع عنه ، فقال له : أنا وأنت علي طرفين متباينين ، أنت في نهاية الحب لغناء عمرو الغزال ، وأنا أتوهم أني إن عاشرته ساعه مث ، وعلي هذا فما تستقيم بيننا عشرة أبدأ ، فقال له عبيد الله : إذا كان الأمر هكذا ، فأنا أعفيك منه إذا زرتني ، فصر إلي آمنا من ملاقاته ، وفعل الخضر ذلك ، فلما جلس عبيد الله ، قال لحاجبه : لا تدخل علي اليوم أحدة ، فلما وضعت المائدة ، لم يأكل ثلاث لقم ، حتي دخل الحاجب ووراءه عمرو الغزال ، فقال عبيد الله للحاجب : ثكلتك أمك ، ألم أقل لك لا تدخل علي أحدة ، فقال له : لم أحسب يا سيدي أن عمر يجري هذا المجري ، فإنك أمرتني أن أدخله عليك بلا إذن ، فلما جلس عمرو علي المائدة ، تغير وجه الخضر ، وبانت الكراهية فيه ، فما أكل أكلا فيه خير ، ورفعت المائدة ، وقدم النبيذ، فجعل الخضر يشرب شربة كثيرا حتي سكر ، وتبينت في وجهه وحركاته الرغبة في العربدة ، وأخذ عمرو يغني ، والخضر يتمر غيظا ، إلي أن غني عمرو صوتا، وقال هذا الصوت لي ، فوثب الخضر، وكشف آسته ، وخريء في

ص: 454

وسط المجلس علي بساط خز لم ير لأحد مثله ، ثم قال : إن كان هذا الغناء لك ، فهذا الخراء لي ، فغضب عبيد الله ، وقال له : يا خضر أكنت تستطيع أن تفعل اكثر من هذا ؟ قال : إي والله أيها الأمير ، ثم وضع رجليه علي سلحه وأخرجها ومشي علي البساط مقبلا ومدبرة حتي خرج وقد لثه ، وهو يقول : هذا كله لي ، وتفرقنا عن المجلس علي أقبح حال وأسوئها ، وشاع الخبر حتي بلغ الرشيد فضحك حتي غلب عليه . ودعا الخضر وجعله من ندمائه . ( الاغاني 137/23 و138).

والح الصبيان علي خالد الكاتب ، يصيحون به : با خالد ، با بارد ، وألحت عليه من بينهم جارية ، فقال لها : مري يا منتنة الك ( الأغاني 283/20 و 284 ).

وروي الجاحظ، أن رجلا بعث غلامه الي غريم له، فأساء الغلام خطابه فخرق الغريم ثيابه ، فرجع إلي مولاه ، فقال : مالك ؟ قال : شتمك يا مولاي ، فلم أحتمل ، فرددت عليه ، فحل بي ما تري ، قال : وكيف شتمني ؟ قال : قال لي ، هن الحمار في حرآم من أرسلك ، فقال له مولاه : دعني مما جري ، ولكن لم لم تجعل الحرامي من الوقار ما جعلته لأير الحمار حين كنيت عن ذا ولم تكن عن ذا ( الملح والنوادر 52).

وكان أبو النضير البصري ، وأسمه عمر بن عبد الملك ، يغني غناء صالح ، فغني ذات يوم صوتا ببغداد ، فقالت له قينة بغدادية اسمها مكتومة : اطرح علي هذا الصوت يا أبا النضير ، فقال : نفسي لا تطيب به مجانا ، ولكني أبيعك إياه ، قالت: بكم ؟ قال : برأس ماله ، قالت : وما رأس ماله ؟ قال : ناكني فيه الذي أخذته منه ، فغطت وجهها، وقالت : عليك ، وعلي هذا الصوت الدمار . ( الأغاني 287/11 ) .

وقالت امرأة بصرية ، لأبي القماقم : ويحك يا أبا القماقم ، إني تزوجت زوجة نهاريا ( يعني يراجعها في النهار فقط ) ، والساعة وقته ، ولست علي

ص: 455

هيأة ، فاشتر لي بهذا الرغيف اسأ ، وبهذا الفلس دهنأ ، فإنك تؤجر ، فعسي الله أن يلقي محبتي في قلبه ، فيرزقني علي يدك شيئا أعيش به ، فقد والله ساعت حالي ، وبلغ المجهود مني ، فأخذهما ، وجعله وجهه ، فرأته بعد أيام ، فقالت : سبحان الله ، أما رحمتني مما صنعت بي ؟ قال : ويحك ، سقط مني الفلس، فمن الغم أكلت الرغيف ( البخلاء 123 و 124 ).

وشرب طوقان المغني عند الشريف الرضي ، فسرق رداؤه ، فلما أصبح آفتقده ، فقال : قد سرق ردائي ، فقال له الشريف : سبحان الله ويحك ، من تتهم منا ؟ أما علمت أن النبيذ بساط يطوي بما عليه ، فقال : انشروا بساطكم حتي آخذ ردائي ، ثم أطووه إلي يوم القيامة ( الملح والنوادر 153 ) .

وأحضر حامد بن العباس ، الوليد بن أحمد، ابن اخت الراسبي ، ليصادره ، وكان الرجل قد أحضر من السجن في جبة صوف ، وكان يكلم علي بن عيسي ، ويحلف له إنه ما بقيت له حيلة ، فصاح حامد بعلي بن عيسي : يا أبا الحسن ، تلومني الساعة ، أن أنيك أم هذا ؟ فقال علي بن عيسي : اللهم غفرة ، إي والله ، أي لوم . ( نشوار المحاضرة 87/8 رقم القصة 36).

وقال الصاحب بن عباد ، لشيخ خراساني ، في شيء جري بينهما : والله ، لولا شيء لقطعتك تقطيعأ ، وبضعتك تبضيعأ ، ووزعتك توزيعة ، ومزعتك تمزيعة ، وجرعتك تجزيعة ، وأدخلتك في حرامك جميعا. (معجم الأدباء 294/2 ) .

وقال أبو عصمة الخطيب في عكبرا، إنه إذا صعد المنبر ، أومأ إلي أهل عكبرا بيده ، إيماء السلام ، فيحسبون أنه قد سلم عليهم ، وإنما يشير إليهم كأنه يقول لهم : لحاكم كلكم في استي ( نشوار المحاضرة للتنوخي ، رقم القصة 64/1 ج 1 ص124 ).

وغضب القاضي أبو القاسم علي بن المحسن التنوخي ، علي بنت ابن

ص: 456

العلاف، زوجة أبي منصور بن المزرع، وكانت عبارة ، تمشي مع العيارين ، فقال لها : لحية زوجك في جحري ، راجع القصة الطريفة بتفصيلها في معجم الأدباء 5/ 309/308 ) .

وكان أحد الناس ، واقفا بعرفة ، فرأي إنسانا يتضرع، ويبكي وينتحب، ويبالغ في الدعاء ، ويقول بحرقة وألم وتوجع : اللهم أغفر لي ، وما أحسبك تفعل ، فقال له : يا أخي إن الله قد تصدق علي عباده في هذا اليوم ، بغفران ذنوبهم ، فقال له : يا أخي دعني ، فإن ذنبي عظيم ، فقال له : هل قتلت أحد والديك ؟ قال : لا ، قال : هل وطئت إحد محارمك ؟ قال : لا ، قال : هل كفرت بالله ؟ قال : لا ، قال : فهل دللت علي سرية من سرايا المسلمين ؟ قال : لا ، وأخذ يعدد عليه كبائر الذنوب ، وهو يقول : لا ، قال : فما الذي فعلت ؟ قال : نكت خنزيرة ، فقال : الأمر سهل، إن الله يغفر الذنوب جميعا ، ولكن أخبرني ، كيف وقفت لك حتي فعلت ما فعلت ؟ قال : كانت ميتة ، قال : فكيف قام عليك ؟ قال : مصصت لسانها ، فقال له : لا غفر الله لك ، ولا تجاوز عنك ، ولا سامحك ، يا أنحس الناس . ( تحفة المجالس 353) .

وقالت امرأة لبشار الأعمي ، وهو الشاعر بشار بن برد : يا أبا معاذ ، هل رأيت وجهك قط ؟ قال : لا ، قالت : لو رأيته لاتزرت عليه كما تأتزر علي استك ، سترة له من قبحه ، فقال لها بشار : اغربي قبحك الله ( البصائر والذخائر 386/1 ) .

وكان المغيرة بن عبد الله بن ابي عقيل الثقفي ، يلي الكوفة للحجاج ، وكان بخيلا ، وكان علي شرطته عبد الرحمن بن طارق ، فقال عبد الرحمن الرجل من الشرط ، إن أقدمت علي الجدي في مائدة الأمير ، أسقطت عنك نوبة سنة ، فبلغ الأمير ذلك ، فكتب يشكوه إلي الحجاج ، فعزله وولي شرطة الكوفة زياد بن جدير ، فكان أثقل علي المغيرة من عبد الرحمن ، ولكن لم

ص: 457

يستطع أن يعزله ، لأن الحجاج نصبه ، فكان المغيرة اذا خطب قال : يا أهل الكوفة ، من بغاكم الغوائل ، وسعي بكم الي اميركم ، فلعنه الله ، ولعن أمه العوراء ، وكانت أم زياد عوراء ، فكان الناس يقولون : ما رأينا تعريضأ قط أطيب من تعريضه . ( البخلاء 150 ) .

واستعمل معاوية رجلا من كلب ، فجري في مجلسه يومأ ذكر المجوس ، فقال : لعن الله المجوس ، ينكحون أمهاتهم ، والله ، لو أعطيت مائة ألف درهم ما نكحت أمي , ( العقد الفريد 158/6 ).

ووتي يوسف بن عمر الثقفي ، رجلا من بني سليم ، يلقب بأبي العاج ، وكان يغضب من هذا اللقب ، فقدم إليه رجل خصما له ، فقال له : يا أبا العاج ، فغضب ، وقال له : يا ابن البظراء ، فقال : أتقول هذا لأتي وقد حجت ؟ فقال : لا يمنعها ما قلت من الحج ( المحاسن والمساويء 230/2)

أقول : أبو العاج هذا ، هو أبو محمد كثير بن عبد الله السليمي ، أعرابي قح ، فيه جفاء الأعراب ، كان علي شركة دمشق لما كان يليها عبد الملك بن محمد بن الحجاج ، وولاه يوسف بن عمر البصرة ، لما بلغه إنه دافع عنه ، لما ذكره أحد جلساء هشام بسوء ، وكان يغضب اذا كني بأبي العاج ( العيون والحدائق 104/3 و135).

ومما يروي عن أبي العاج هذا ، إنه لما كان واليا بواسط، جاء إليه صاحب شرطته بقوادة ، فقال له : ما هذه ؟ قال : قوادة ، قال : وما تصنع ؟ قال : تجمع بين الرجال والنساء ، قال : إنما جئت بها لتعرفها بداري ، خل عنها لعنك الله ولعنها ( العقد الفريد158/6 ).

وجيء إليه مرة ، برجل مأبون ، فقيل له : إن هذا يمكن من نفسه ،

ص: 458

فغضب ، وقال : فتريدون ماذا ؟ أوكل به رجا يحفظون دبره ؟ لقد وقعت إذن في عناء ، الأست أسته ، يصنع بها ما يشاء .

أقول : ولما كان الشيء بالشيء يذكر ، فإن قصة مشابهة لهذه ، حصلت في بغداد ، في إحدي محاكم الجزاء ، أحضر إليها شاب مؤاجر اسمه علي قار ، متهمة بأنه يؤ اجر ، فقال للحاكم : لست أدري يا سيدي ، ما علاقة الشرطة بصناعتي هذه ، فهل أن هذا هو طيزي أو طيز الحكومة .

وعرض هشام بن عبد الملك ، الجند بحمص، فمر به رجل حمصي ، علي فرس نفور ، فقال له هشام : ما حملك علي أن ترتبط فرسا نفورأ ؟ فقال الحمصي : لا والرحمن الرحيم ، يا أمير المؤمنين ، ما هو بنفور ، ولكنه أبصر حولتك ، فحسبك غزوان البيطار ، وكان غزوان بيطارة نصرانيا ببلاد حمص وكان يشبه هشام في حوله ، فقال له هشام : تنح ، عليك وعلي فرسك لعنة الله في( الملح والنوادر 291 ومروج الذهب 164/2 ).

وحبق أبو النجم ، في ليلة حبقتين ، فخاف أن تكون أمرأته قد سمعته ، فقال : أسمعت شيئا ؟

قالت : لا، ما سمعت منهما شيئا .

فقال : لعنك الله ، فمن أعلمك أنهما اثنتان ؟ ( اخبار الحمقي والمغفلين 168).

وقال المأمون ، لمحمد بن العباس ، وهو التاجر الذي يتعامل بالغلات : ما حال غلتنا بالأهواز ؟

فقال : أما متاع أمير المؤمنين ، فقائم علي سوقه ، واما متاع أم جعفر ، فمسترخ.

فقال له المأمون : أغرب لعنك الله. ( اخبار الحمقي والمغفلين 169 )

ص: 459

قال أشعب لأمه : رأيتك في النوم مطلية بالعسل ، وأنا مطلي بعذرة ، فقالت : يا فاسق ، هذا عملك الخبيث البسكه الله ، قال : إن في الرؤيا شيئا آخر، قالت : ما هو ؟ قال : رأيتني ألطعك ، وأنت تلطعيني ، قالت : العنك الله يا فاسق ( الاغاني 152/19 ).

ودخل طبيب أحمق علي مريض ، فشكا اليه علته ، فقال له : خذ مثل رأس الفأرة كلنجبين ، وصب عليه مقدار محجمة ماء ، واضربه حتي يصير مثل المخاط ، واشربه ، فقال له العليل : تم لعنك الله ، فقد قذرت الي كل دواء في الأرض . ( اخبار الحمقي 183 ).

وتقدمت متيم ، إلي قاضي البصرة عبيد الله بن الحسن العنبري ، فاحتاج الي أن يشهد عليها ، فأمرها فأسفرت ، فقال عبد الصمد بن المعدل :

ولما سرت عنها القناع متيم***تروح منها العنبري متيمأ

فإن يصب قلب العنبري فقبله*** صبا باليتامي قلب يحيي بن أكثما

فبلغ ذلك يحيي بن اكثم ، فكتب إليه : عليك لعنة الله ( الاغاني 249/13 )

وأخذ رجل مع زنجية ، قد أعطاها نصف درهم ، فلما أتي به إلي الوالي ، أمر بتجريده ، وجعل يضربه ويقول : يا عدو الله ، تزني بزنجية ؟ فلما أكثر ، قال : أصلحك الله ، فبنصف درهم أي شيء كنت أجده ؟ فضحك وخلاه ( البصائر والذخائر 245/1/3 ) .

قال إسحاق الموصلي : كان لنا جار يعرف بأبي حفص ، وينبز باللوطي ، وكان يغضب من هذا اللقب ، فمرض جار له ، فعاده ، وقال له : كيف تجدك ؟ أما تعرفني ؟ فقال له المريض بصوت ضعيف : بلي ، أنت أبو

ص: 460

حفص اللوطي ، فقال له : تجاوزت حد المعرفة ، لا رفع الله جنبك . ( وفيات الأعيان 204/1 ).

وكتب ابن الكلبي ، صاحب الخبر ، الي المتوكل : إن المعروف بابن المغربي القائد ، اجتاز البارحة بالجسر سكران ، فشخر ونخر ، وبربر وزمجر وجرجر، وبأبأ بفيه ، وخرق الشريجة ، ومر منصلتأ ، وقال : أنا الكركدين فأعرفوني ، فضحك المتوكل ، وقال : قد عرفنا ما كتب به البغيض إلا حرفة واحدة، فعلي به ، فلما جاء قال له : ما معني قولك : بأبأ بفيه ؟ قال : يا مولاي لما توسط الجسر قال فيه : بب بب ، فقال له المتوكل : انصرف في غير حفظ الله ( الملح والنوادر 99).

وروي التنوخي ، مؤلف كتاب نشوار المحاضرة ، في القصة 101/3 قصة معلم أولاد ، كان الصبيان إذا تشاتموا في مكتبه ، يدخل في التشاتم معهم ، ويقول لهم : أخزي الله حرماتكم ، لا تتشاتموا يا بني البظر .

وجاء زياد الأقطع ، يزور الفرزدق ، فخرجت بنية له تدعي مكية ، فقال لها : ابنة من أنت ؟ قالت : أبنة الفرزدق ، قال : فما بالك حبشية ، قالت : فما بال يدك مقطوعة ؟ قال : قطعت في حرب الحرورية ، قالت : بل قطعت في اللصوصية ، فقال لها : عليك وعلي أبيك لعنة الله ( شرح المقامات الحريرية 277/2 ).

وكان القاضي أبو القاسم علي بن المحسن التنوخي ، نائمة في وقت القيلولة ، فأزعجه اسكافي يصيح : شراك النعال ، فقال لأحد غلمانه : خذ جميع النعال في الدار ، وأخرجها الي الرجل ، ليشتغل بها لكي أنام ، ففعل ، وفي اليوم التالي في مثل ذلك الوقت ، جاء وأخذ يصيح : شراك النعال ، فإمر الغلام بإحضاره وقال له : يا ماصن بظر أمه ، أمس في هذا الوقت أصلحت كل نعل لنا ، فلماذا عدت اليوم تصيح علي بابنا ، هل بلغك

ص: 461

أننا تصافعنا البارحة بالنعال وقطعناها ، وصاح بغلمانه : قفاه ( يعني إنه أمرهم بصفعه ) ، فقال له : يا سيدنا القاضي ، أتوب ، ولا أدخل هذا الدرب مرة أخري ، فقال : اطلقوه الي لعنة الله ( معجم الأدباء 304/5 و 305) .

وقال أبو الفتح عثمان بن جني النحوي (ت 392 ) لأبي الحسين القمي الكاتب : ويحك يا أبا الحسين ، ما هذا القول ، ومتي رأيتني أمزح فتمزح معي ؟ وخلاصة القصة أن أبا الفتح النحوي ، زار أبا إسحاق الصابي في ديوان الإنشاء ، أيام صمصام الدولة البويهي ، فرآه أبو الحسين القمي ، الكاتب في الديوان ، فشخص إليه ببصره ، يتعجب منه ، فقال له أبو الفتح : مالك يا أبا الحسين تحدق إلي النظر ، وتكثر التعجب ؟ فقال : شيء ظريف يا سيدي ، فقد شبهت مولاي الشيخ، وهو يلوي بوزه ، ويشير بيده عندما يتحدث ، بقرب رأيته اليوم عند صعودي الي دار المملكة ، علي شاطيء دجلة ، وكان في لي بوزه ، وحركة يده ، يفعل مثلما فعل مولاي الشيخ ، فامتعض أبو الفتح ، وقال له : ويحك يا أبا الحسين ، ما هذا القول ، ومتي رأيتني أمزح ، فتمزح معي ، أو أمجن ، فتمجن بي ؟ فقال له القمي : المعذرة إلي الله تعالي ، وإلي مولاي الشيخ ، وقد صانه الله عن أن أشبهه بالقرد ، وإنما شبهت القرد به ، فضحك أبو الفتح ، وقال : ما أحسن ما اعتذرت . ( الهفوات النادرة 308 و 309) .

ودخل أبو القاسم الشاعر المعروف بابن القطان البغدادي (ت 558 ) علي الوزير ابن هبيرة وعنده نقيب الأشراف ، وكان ينسب للبخل ، وكان شهر رمضان والحر شديد ، فقال له الوزير : أين كنت ؟ قال : في مطبخ سيدي النقيب ، فقال له : ويحك ويحك أيش عملت في شهر رمضان في المطبخ ؟ فقال : وحياة مولانا ، كسرت الحر، فضحك الحاضرون وخجل النقيب . ( وفيات الأعيان 60/6 ).

وجري ذكر لوط عليه السلام ، في مجلس ، فقال أحد المتزهدين

ص: 462

المغفلين : عليه لعنة الله ، فقيل له : ويحك هذا نبي ، فقال : ما علمت ( اخبار الحمقي 139).

ووصفت ديباجة المدنية ، امرأة دخلت عليها ، فقالت : لعنها الله ، كأن بطنها قربة ، وثديها دبة . ( بلاغات النساء 103).

كان أبو الطاهر الذهلي ، قاضي مصر للمطيع ، يلبس السواد ، ويضع علي رأسه دنية طويلة تزيد علي الذراع ، فتحاكم إليه زوجان ، فبدر من المرأة في حق زوجها كلام ، فقال لها : اسكتي ، هذا القاضي أبو الطاهر ، متي زدت من هذا المعني نزع الخف الذي علي رأسه وقطعه علي دماغك ، فقال له أبو الطاهر : قم الي لعنة الله ، من أين لك أن هذا خف ؟ ( اخبار القضاة 585 ، 586 ) .

وغضب دعبل علي أبي نصر جعفر بن محمد بن الأشعث، وكان دعبل مؤدبه قديما ، فقال يهجوه :

اما جعفر بن محمد بن الأشعث*** عندي بخير أبوة من عثعث

فلقيه عثعث ، فقال له : عليك لعنة الله ، أيش كان بيني وبينك حتي ضربت بي المثل في خيمة الأباء ؟ فقال له دعبل : اتفاق اسمك في القافية ( الاغاني 147/20 و148).

وشتم خياط ، فتاتين كانتا تتحدثان في غرفة فوق دكانه ، فقال : يا قحاب ، ثياب الناس في الدكان ، لا يكف علينا ، راجع تمام القصة في كتاب البصائر والذخائر ( 705/2/2 ).

وحدث أبو العيناء ، قال : أراد أحد أصدقائي أن يخرج إلي أحد العمال وأراد أن يصطحب وسيلة إليه ، وقيل له أن الجاحظ صديق العامل ، فقصدني وكلفني أن أطالب الجاحظ بأنه يكتب للعامل كتابة ، فصرت إلي

ص: 463

الجاحظ، وحدثته بالقصة ، فكتب الكتاب وأعطانيه ، فقلت لولدي : إن أبا عثمان بعيد الغور ، فينبغي أن نقرأ ما كتب ، وفضضنا الكتاب ، فإذا فيه : كتابي هذا ، مع من لا أعرفه ، وقد كلمني فيه من لا أوجب حقه ، فإن قضيت حاجته لم أحمدك ، وإن رددته لم آذمك ، فعدت إلي الجاحظ ، فلما رآني علم أني أطلعت علي ما في كتابه فقال : لا تعجب مما في الكتاب ، فإن هذه علامة بيني وبين الرجل فيمن اعتني به ، فقلت له : إن صديقي لما اطلع علي الكتاب ، قال : أم الجاحظ عشرة آلاف في عشرة آلاف قحبة ، فقلت له : لا تشتم صديقنا ، فقال : هذه علامتي فيمن أشكره ( معجم الأدباء 61/6 و62 ).

ونظر صبي في بئر ، فركض إلي أمه ، وقال لها : يا أماه في البئر لص فجاءت معه وأطلعت ، فقالت : إي والله ومعه قحبة ( اخبار الحمقي 170)

وقرأ القاريء ، وسيفويه علي المنبر : كأنهن الياقوت والمرجان ، فقال : هذه صفات الحور العين ، خلاف نسائكم القحاب ( اخبار الحمقي 132)

وقرأ قاريء في مجلس سيفويه القاص : وقال نسوة في المدينة امرأة العزيز ترواد فتاها عن نفسه قد شغفها حبا ( سورة يوسف 12 - 30)، فقال سيفويه : أخذنا في حديث القحاب . ( البصائر والذخائر 58/4 ) .

وعن أبي علي الطائي : إن رجلا قرأ عند أحد المتزمذين المغفلين : وقال نسوة في المدينة امرأة العزيز تراود فتاها عن نفسه ، فقال : دعنا من آيات القحاب ( اخبار الحمقي 36 ).

ودخل شاعر من شعراء الهند ، علي أمير المنصورة ، فمدحه ، فقال له الأمير : تقدم يا زوج القحبة ، فقال : وما زوج القحبة أيها الأمير ؟ قال :

ص: 464

هذا بلغة العرب كناية عمن له قدر جليل ، ومحل كبير ، ومال ، ودواب ، وجمال ، وغلمان ، وقدر ، ومنزلة ، قال : فأنت أيها الأمير ، إذن ، أكبر زوج قحبة في الدنيا ، ( الهفوات النادرة 227) .

وقف سائل علي باب دار ، فقال : يا أصحاب الدار الصالحين ، فقال صاحب الدار : أولئك بطرسوس ( يريد أنهم ذهبوا للمرابطة بالثغور ) فقال السائل : يا طالبي ما عند الله ، فقال صاحب الدار : أولئك خرجوا إلي مكة ( يريد أنهم ذهبوا للحج ) فقال السائل : فمن أنتم يا بني القحاب ؟ ( البصائر والذخائر 43/4 ).

قال أحمد بن العلاء لمغني في المجلس : غن لي صوت كذا ، وبعده صوت كذا ، فقال له : يا ابن الزانية ، ما تقترح صوتة الا بولي عهد ( البصائر 122/4)

شكا الفضل بن إسحاق ، جاريته ، إلي إبراهيم بن عبد الله الحراني ، فقال له ابراهيم : أرأيت وجهك في المرأة ؟ قال : نعم ، قال : أفرضيته لنفسك ؟ قال : لا ، قال : يا عاض بظر أمه ، فكيف سمتها أن تحب ما لم تحبه لنفسك ( البصائر والذخائر م 3 ق 2 ص 473) .

شيع أبو العلاء المنقري ، جنازة أحمد بن يوسف الكاتب ، فظل يبكي ، وكان مكتح ، فسال كحله علي وجهه ، فنظرت إليه امرأة وقالت له : سخنت عينك ، كأنك والله مطبخ يكف ، أيش هذه السماجة ( البصائر والذخائر م 3 ق 2 ص 647 ) .

وروي إن أبا الحسن البتي (ت 403) انحدر مرة مع الرضي والمرتضي وجماعة من الأكابر لاستقبال بعض الملوك ، فخرج عليهم اللصوص ، ورموهم بالحذافات ، وصاحوا بهم : ادخلوا ، يا أزواج القحاب ، فقال البتي : ما خرج هؤلاء علينا إلا بعين ، قالوا : من أين

ص: 465

علمت ؟ قال : وإلا فمن أين علموا أنا أزواج قحاب ( المنتظم 263/7 ) .

وفي السنة 409 عرض سلطان الدولة علي الرخجي ولاية العراق ، فأباها ، فولي أبا محمد الحسن بن سهلان ، فلما دخل بغداد أنزل الديلم أطراف الكرخ وباب البصرة ففعلوا من الفساد ما لم يشاهد مثله ، من ذلك إن رجلا من المستورين خرج في رمضان لحاجة له ، فرآهم علي حالة عظيمة من شرب الخمر والفساد ، ولما أراد الرجوع إلي بيته ، تعلقوا به ، وأدخلوه إلي دار نزلوها ، وألزموه بشرب الخمر فامتنع ، فصبوها في فيه قهرأ ، ثم قالوا له : قم إلي هذه المرأة فافعل بها ، وأشاروا الي قحبة كانت معهم ، فامتنع ، فألزموه ، وأدخلوه الي بيت في الدار ، فأعطي المرأة دراهم ، وطلب منها أن تخرج إليهم وتخبرهم بأنه قضي حاجته منها ، فقالت له : إن هذا شهر رمضان وأنا أصون نفسي عن الكذب فيه ، فقال لها : يا عاهرة ، تصونين لسانك عن الكذب ولا تصونين نفسك عن الزنا ( ابن الأثير 307/9 ).

وشتمت امرأة حمصي ، زوجها، فقالت : يا مفلس ، با كشخان، فقال : إن كنت صادقة ، فواحدة من الله ، والأخري منك . ( البصائر والذخائر 212/4 ) .

ومرت امرأة منخرقة الخف ، برجل ، فأراد أن يهزأ بها ، فقال لها : يا امرأة ، خقك يضحك ، فقالت : إنه إذا رأي كشخانا مثلك ، لم يملك نفسه ضحكة . ( بلاغات النساء 164).

وقال جراب الدولة : كان عندنا بسجستان شيخ معلم سخيف ، اجتزت به يوما ، وهو يقول لصبي بين يديه : اقرأ يا ابن الزانية ( البصائر والذخائر 52/4)

ومرجحا بقوم ، وفي كمه خوخ ، فقال لهم : من أخبرني بما في كمي ، فله أكبر خوخة فيه ، فقالوا : في كمك خوخ ، فقال : ما قال لكم إلا

ص: 466

من أمه زانية ( البصائر والذخائر 110/4 ) .

وقيل لابن سبابة : ما نظنك تعرف الله تعالي ، فقال : كيف لا أعرف من أجاعني وأعراني ، وأدخلني في حر آمي ( البصائر والذخائر م 2 ق 2 ص 359 ).

انوشكا مزبد صيق حاله ، فقال له صاحبه : ويحك ، أحمد الله الذي رفع السماء بغير عمد ، فقال : ليته أصلح حالي ، وجعل علي كل ذراع عدة أعمدة ( البصائر والذخائر 391/2/2 ).

وقال رجل لسماك بالبصرة : بكم هذه السمكة ؟ قال : بدرهمان ، فضحك الرجل ، فقال السماك : ويلك ، أنت أحمق ، سمعت سيبويه يقول : ثمنها در همان ( معجم الأدباء 86/6 ).

وسأل رجل الشعبي ، فقال له : ما تقول في رجل شتمني في أول يوم من رمضان ؟ فقال : إن قال لك يا أحمق ، رجوت أن يؤجر ( الملح والنوادر 159)

وقال الوليد بن يزيد لبديح المغني : يا بديح خذ بنا في الأماني ، فإني أغلبك فيها ، فقال : يا أمير المؤمنين ، أنا أغلبك ، لأني فقير ، وأنت خليفة ، وإنما يتمني المرء ما عسي أن يبلغ اليه ، وأنت قد بلغت الآمال ، فقال : لا تتمني شيئا إلا تمنيت ما هو أكثر منه ، قال : فإني أتمني كفلين من العذاب ، وأن يلعنني الله لعنا وبيلا ، فقال : أغرب ، لعنك الله دون خلقه ( الملح والنوادر 46).

أقبل رجل إلي يزيد بن أبي مسلم، فقال له : إني كنت رأيت الحجاج في المنام ، فقلت له : أخبرني ما فعل الله بلك ؟ فقال : قتلني بكل قتيل قتلته قتلة ، ثم رأيته بعد الحول ، فقلت له : ما صنع الله بك ؟ فقال : يا عاض بظر أمه ، سألتني عن هذا عام أول فأجبتك ، قال له يزيد بن أبي مسلم :

ص: 467

أشهد أنك رأيت أبا محمد حقا ( العقد الفريد 5/ 56 ) .

جاء رجل الي حاجب إبراهيم بن إسماعيل ، أمير المدينة ، فقال له : أدخلني عليه فإنني قد مدحته ولك نصف ما يصلني منه ، فقال له : أنشدني ما قلت فيه ، فقال : لا أفعل ، فقال : لا أدخلك ، قال : فإني أنشدك ، قال : هات ، قال : قلت :

كاد الأمير علي تكرمه*** أن لا يكون لأمه بظر

فقال الحاجب : يا عاض بظر أمه ، كان يعطيك ستمائة سوط ، لي منها ثلاثمائة ، اذهب الي حرق الله وناره ( المحاسن والمساويء 101/2 ).

وقال الجماز : مات إنسان غماز ، فرآه جار له في المنام ، فقال له : ما فعل ربك بك ؟ فقال له : أنا هنا بخير بين يدي ملك أطوف له ، وأسعي بين يديه في أموره ، وأرد أخبار الكفار إليه ، قال الجماز : وإذا به العاض بظر أمه ، هناك أيضا ، غماز . ( البصائر والذخائر 56/4 ).

وكان موسي الهادي ، وهو صغير ، ترتفع شفته العليا ، فوكل به أبوه المهدي ، خادمة ، كان كلما سها موسي عن نفسه ، صاح به : موسي إطبق ، فعرف موسي بذلك ، وكان يغضب اذا عيره أحد، وقال له : موسي إطبق ، وأراد موسي مرة ، أن يلهو بعليان وبهلول ، وهما مجنونان ، فأحضرهما ، قال العليان أيش معني عليان ؟ فقال له : وأيش معني موسي إطبق ؟ فغضب موسي ، وصاح : خذوا برجل ابن الفاعلة ، فالتفت عليان الي بهلول ، وقال له : كنا اثنين فصرنا ثلاثة ( الأذكياء 206).

وجمع مزبد المدني ، في بيته بين متعاشقين ، فتعاتبا ساعة ، ثم أن العاشق مد يده إليها ، فقالت : دع هذا ، ليس هذا موضعه ، فسمعها مزبد ، فقال : يا زانية فأين موضعه؟ بين الركن والمقام؟ ما بنيت هذه الدار إلا

ص: 468

للقحاب والقوادين ، فأي موضع أحق بالزنا منها ؟ ( فوات الوفيات 134/4)

وجاء سائل الي دار ، يسأل ، فأشرفت عليه امرأة من الغرفة ، فقال لها : يا أمة الله ، تصدقي علي بشيء ، قالت : أيش تريد ؟ قال : درهما ، قالت : ليس ، قال : فدانقأ ، قالت : ليس ، قال : ففلسأ : قالت : ليس ، قال : فكسرة ، قالت : ليس ، قال : فكفأ من دقيق ، قالت : ليس ، قال : فقليل زيت ، قالت : ليس ، حتي عد كل شيء في البيوت ، وهي تقول : ليس ، فقال لها : با زانية ، فما يجلسك ؟ مري تصدقي معي . ( المحاسن والمساويء 220/2 ) .

ومرض رجل، فجاء أبو العبر يعوده وقد ثقل ، فصاحت امرأته : من لي بعدك يا سيدي ؟ فغمزها أبو العبر ، وأومأ إليها : أنا لك بعده ، فلما مات الرجل ، وأنقضت عدتها ، تزوجها أبو العبر ، فأقامت عنده حين ، ثم مرض أبو العبر ، فجاء عواده ، فصاحت : من لي بعدك يا سيدي ؟ ففتح عينيه ، وصاح : لا يغمزها إلا من أمه زانية . ( الملح والنوادر 186 ).

وذكر أن يحيي بن عبد الله بن خالد بن أمية ، مد يده إلي رغيف علي خوانه ، وقوم يأكلون عنده ، فقال : يزعمون أن خبزي صغير ، فمن هذا الزاني ابن الزانية ، الذي يستطيع أن يأكل أكثر من نصف رغيف منه ؟ ( العقد الفريد 181/6 ).

واقيم عرس في دار بعض جيران أشعب ، فتجوع، ولزم منزله ، طمعأ في أن يدعي ، فلما تعالي النهار ، وجاع ، ولم يدع ، قال : قبح الله هذا الجار ، وقام إلي طعام له ، فقدمه ، وجعل يأكل ، واذا بالباب بطرق ، فقال : من هذا ؟ قال : من دار العروس ، فقال : إصبر فديتك ، ودخل الخلاء ، فقذف جميع ما كان أكله ، وغسل فمه ، وخرج اليه ، فقال : تقول

ص: 469

لك مولاتي ، أعيرونا الهاون ساعة ، فصاح به أشعب : مر، أمك وأم مولاتك زانية . ( المحاسن والمساويء 230/2 ).

وعن بشر بن عبد الوهاب ، قال : كان يجلس إلي عمود في جامع دمشق ، رجل جميل الهيأة ، فرأيته يوما ، وقد سجد، وهو يقول في سجوده : سجد لك خضرتي وحمرتي وصفرتي وبياضي وسوادي ، خاشعة ، ضارعة خاضعا ، ماضأ لبظر أمه ، ومن أنا عندك الزاني ابن الزانية ، حتي لا تغفر له . ( اخبار الحمقي 138).

وقرأ إمام في الصلاة : القارعة ، فلما بلغ قوله : أما من خفت موازينه ، فأمه هاوية ، قال : فأمه زانية ، فقطع القوم صلاتهم ، وأنكروا عليه ذلك ، فقال : يا قوم ، لم تمنعوني أن أشتم الكفار ( تحفة المجالس 358 ) .

وكان زريق الفزاري ، يمر بالليل وهو شارب ( سكران ) ، فيشتم أهل المجلس فلما أن كان بالغداة ، عاتبوه ، فقال : نعم ، زنيت أمهاتكم ، فماذا عليكم ؟ ( البيان والتبيين 186/2 ). وكان أبو سالم القاص ، يقص علي المنبر ، فقال : يا ابن آدم ، يا ابن الزانية ، أما تستحي من الملك الجليل ، حتي تقدم علي العمل القبيح ؟ ( اخبار الحمقي 133 ).

وكان حجاج الصواف الأعور ، صديقة لابن مناذر ، فلما نزح ابن مناذر إلي الحجاز ، خرج حجاج إلي مكة ، فوجد ابن مناذر بفناء زمزم ، فتغافل ابن مناذر عنه ، ثم أقبل عليه ، وقال له : من أي البلاد أنت ؟ قال : من البصرة ، قال ؛ اتعرف ابن زانية هناك اسمه : حجاج الصواف ؟ قال : نعم ، تركته ينيك أم ابن زانية اسمه ابن مناذر ، فضحك ، وقام اليه نعانقه . ( الاغاني 194/18 ).

وتناظر أبو الحسين الناشيء، وبعض المجبرة ، فحرك المجبر يده ،

ص: 470

وقال للناشيء : هذه من حركها ؟ قال : حركها من أمه زانية ، فغضب الرجل ، فقال له الناشيء : ناقضت ، فإذا كان المحرك غيرك ، فلم تغضب ؟ ( معجم الأدباء 238/5 ) .

واجتاز القاضي أبو القاسم علي بن المحسن التنوخي ، في بعض الدروب ، فسمع امرأة تقول لأخري : كم عمر ابنتك ؟ فقالت : رزقتها يوم شهر القاضي التنوخي وضرب بالسياط ، فرفع رأسه إليها ، وقال لها : يا بظراء ، صار صفعي تاريخك ، ما وجدت تاريخا غيره ( معجم الأدباء303/5 )

وسأل أعرابي شيخا من بني مروان ، وحوله قوم جلوس ، فقال : أصابتنا سنة ، ولي بضع عشرة بنتا .

فقال له الشيخ : أما السنة ، فوددت - والله - لو أن بينكم ، وبين السماء صفائح من حديد ، ويكون مسيلها مما يلي البحر ، فلا تقطر عليكم قطرة ، وأما البنات فليت الله أضعفهن لك أضعافا كثيرة ، وجعلك بينهن ، مقطوع اليدين والرجلين ، ليس لهن كاسب غيرك .

قال : فنظر إليه الأعرابي ، ثم قال : والله ، ما أدري ما أقول لك ، ولكني أراك قبيح المنظر ، سيء الخلق ، فأعظك الله بظور أمهات هؤلاء الجلوس حولك . ( العقد الفريد 437/3 و 51/4 ).

وحكم علي أشعب الطامع ، بأن تحلق لحيته ، وجيء بالحجام ، فقال له : أنفخ شدقيك حتي أتمكن من حلق لحيتك ، فقال له : يا ابن البظراء ، أمروك أن تحلق لحيتي ، أو أن تعلمني الزمر ؟ ( الاغاني 175/19 ) .

وتزوج أعمي ، امرأة قبيحة ، فقالت له : رزقت أحسن الناس ، وأنت لا تدري ، فقال لها : يا بظراء ، لو كنت كذلك ، ما تركك المبصرون ( البصائر والذخائر 245/1/2 ) .

ص: 471

وكان جبلة بن عبد الرحمان ، والي كرمان ، يخرج الي طباخة الرقاع، يستدعي بها الطعام ، وفيها الألفاظ الغريبة الحوشية ، فلا يفهم الطباخ ما فيها ، حتي يمضي بها إلي ابن أبي إسحاق ، ويحيي بن يعمر ، وغيرهما ، يفسرون ما فيها من الألفاظ ، فإذا عرف الطباخ ما فيها ، أتاه بما استدعاه ، فقال جبلة يومأ لطباخه : ويحك أنا أصوم معك ، فقال له الطباخ : سهل كلامك ، حتي يسهل طعامك ، فقال له : يا ابن اللخناء ، أفأدع عربيتي العك ؟ ( وفيات الأعيان 247/7 ).

وقف سائل علي باب ، فقال : يا أهل الدار ، فبادر صاحب الدار ، قبل أن يتم السائل كلامه ، فقال : صنع الله لك ، فقال السائل : يا ابن اللغناء ، كنت تسمع كلامي ، عسي جئت أدعوك إلي وليمة . ( البصائر والذخائر 42/4 ).

ودخل اعرابي الحمام ، فضرط ، فقال نبطي كان في الحمام : جبحان الله ، فقال له الأعرابي : يا ابن اللغناء ، ضرطتي أفصح من تسبيحك . ( العقد الفريد 445/6 ) .

وشتم جحا يوما أمه ، فقال له أبوه : يا ملعون ، هذا جزاؤها منك ؟ قال : وأيش عملت لي ؟ قال : حملتك في بطنها تسعة أشهر، وأرضعتك وربتك ، قال : قل لها تدخل في آستي ، وأحملها تسعة عشر شهرا ( البصائر والذخائر 111/4 ).

أخذ الحلاق من شعر أبي الخيثم ، فلما فرغ ، دعا بمراة ، فنظر فيها ، وقال للحلاق : أما شعر رأسي فقد جودت أخذه ، ولكنك ، والله ، يا ابن الخبيثة سلحت علي شاربي ، ووضع يده عليه ( اخبار الحمقي 93 ).

وقال عبد الصمد بن علي العباسي ، للدارمي المغني : با عاض بظر أمه .

ص: 472

قال مصعب الزبيري : شربنا يوما عند عبد الصمد بن علي ، عم المنصور ، وكان يغنينا الدارمي المكي ، وكان حلوة ظريفة ، فنعس عبد الصمد ، وأغفي ، فعطس الدارمي عطسة هائلة ، فوثب عبد الصمد مرعوبا ، وغضب غضبا شديدا ، وقال له : يا عاض بظر أمه ، إنما أردت أن تفزعني ، قال : لا والله ، ولكن هكذا عطاسي ، قال : والله لأنقعنك في دمك ، أو تأتيني ببينة علي ذلك ، قال : فخرج ومعه حرسي ، لا يدري أين يذهب ، فلقي أبن الريان المكي ، فسأله عن أمره ، فأخبره ، فقال : أنا أشهد لك ، ومضي معه حتي دخل علي عبد الصمد فقال له : بم تشهد ؟ فقال : رأيته عطس عطسة آنخلع منها ضرسه وتطاير نصف لحيته ، فضحك عبد الصمد وخلي سبيله ( الأغاني 48/3 وقطب السرور 22 و23 ) .

وشتم الشيخ سعود المجذوب ، الوزير العالم جودت باشا ، فقال له :

يا حمار .

وقف المجذوب المشهور ، الشيخ سعود ، صاحب النوادر ، علي جودت باشا، الوزير ، العالم المشهور ( 1238 - 1312 ) ، وقال له : يقول الناس إنك باشا ، وإنك عالم ، وأنا أسألك سؤالا ، لأري من جوابك ، هل أنك عالم أم لا ، فقال له : سل ، فقال له : ما هو بسمار ( مسمار ) الوجود ؟ فقال له : لا أدري ، فقال له : ضع في كفي ليرة ذهب ، لأقول لك ما هو ، فأخرج جودت باشا ليرة ذهبية ووضعها في كفه ، فقال له ، وهو يشير الي الليرة : هذا هو البسمار ، يا حمار ، فضحك الناس ، ومضي في سبيله ( اعلام النبلاء 3/ 458) .

وذكروا إن شخصا من أهالي قزلرباط ، وهي ناحية من نواحي فضاء خانقين ، سافر في العهد العثماني الي بغداد : وكانت أسباب الراحة في ذلك العهد غير متوفرة للمسافرين ، بحيث يصيب المسافر جهد وعناء ، مما كان يسمي : بوعثاء السفر ، ولذلك فقد كان عدد المسافرين قلي. ولما عاد القزلرباطي من بغداد ، أخذ يحدث أهل بلده عن بغداد ، وسعتها، وكثرة

ص: 473

سكانها ، وما شاهده فيها ، فكان يثير تعجب رفاقه من أهالي البلد بحديثه ، فانبري أحدهم ، وسأله : قل لي بالله عليك ، هل أن سكان بغداد من الكثرة بحيث يبلغ عددهم ضعف عدد أهالي قزلرباط ؟ فجابه قائلا : كيف تقول هذا ؟ إن القوادين في بغداد يبلغ عددهم أكثر من أهالي قزلرباط ، فكيف ببقية السكان ؟ ( طرائف 64).

وحدثني زيدان خليفة رحمه الله ، قال : كنت رئيس عمال في المطبعة التي تطبع فيها جريدة ( حبزبوز )، وجريدة ( أبو حمد) وجريدة ( الكرخ ) وكنت مطلعا علي مجالس المرحوم الملا عبود الكرخي ، وأولاده ، وعبد القادر المميز ، المشهور باسم ( قدر ) ، ونوري ثابت المشهور باسم (حبزبوز ) ، وكان عبد القادر المميز أغني الجماعة ، فقد كان متوليا علي وقف المميز ، كما كان له راتب تقاعدي من الحكومة ، ولذلك فقد كان أولاد الملا عبود ينادونه بلقب ( بك ) وعرف بهذا اللقب ، بحيث إذا قيل : جاء البك ، عرف أنه عبد القادر ، ولو لم يذكر اسمه ، وحصلت ذات يوم منازعة بين عبد القادر المميز ، وأحد أولاد الملا عبود الكرخي ، وتماسكا ، فهجم بقية الكرخيين علي عبد القادر وهم يصيحون به : هذه ( أطلقه ) بيك كواد .

وكانت ريمة أم عظام ، أشهر قوادة ببغداد ، قبل ستين سنة ، وكانت دورها في محلة الذهب ، في جانب الكرخ ببغداد ، وجاءها ذات يوم أعرابي ورد من أهله خارج بغداد ، وطرق بابها ، وهو لا يعرفها ، يريد عملا، فأطعمته ، وكسته ، وأجلسته في دهليز الدار ، وطلبت منه أن يفتح الباب اذا طرقه طارق ، وأن يغلقه وراء من يبارح الدار ، وقام الأعرابي بمهمته ، وأتقنها ، وتحسنت صحته ، وسمن من طعام ريمة ، ومن الهبات التي كان يتلقاها من المراجعين ، وأحس بالنعمة المتصلة ، وانزعج منه أحد المراجعين ، ذات يوم ، فصاح به : اسكت يا قواد ، فهاج الأعرابي ، وجن جنونه ، وهجم علي المراجع ، يريد قتله ، وعندما حيل بينهما ، عاود الهجوم ، وهو يقول :

ص: 474

لن ينجو مني ، يقول عني أني قواد ، لا بد أن أقتله ، وضحك الحاضرون ، وقالوا له : لماذا غضبت من هذه التسمية ، ألست أنت الآن قوادأ ؟ ، فبهت ، وقال : هل أن ما أقوم به من عمل سهل، بأجر وافر ، وطعام فاخر ، هو القيادة ؟ قالوا : نعم ، قال : إذن لا بد أن أسافر غدا ، وأحضر جميع أفراد عشيرتي لأشغلهم قوادين . ( طرائف 944).

وكان عبد العزيز الخياط ، الحاكم في محكمة الجزاء ببغداد ، شديد الحدة ، صارمة في الحكم ، ولكنه كان عفيفة عن الأموال والفروج .

وجيء له ذات يوم بشاهد ، فسأله عن صناعته ، فقال : إنه صاحب مقهي في الكلجية ( دار القحاب ) . فالتفت الحاكم إلي كاتب الضبط ، وقال له : سجل أن صناعته قواد . فتظاهر الشاهد بالإنزعاج ، وقال له : يا سيدي الحاكم ، أنا صاحب عمل شريف ، أنا صاحب مقهي هناك ، فقال له الحاكم : صاحب مقهي في الكلجية ، وتغضب أن قيدناك قوادة ، ثم التفت الي كاتب الضبط ، وقال : سجله قواد ابن قواد ( طرائف 437) .

وعندما عرضت معاهدة شط العرب ، علي مجلس النواب العراقي ، في السنة 1937 كنت إذ ذاك حاكما في منطقة الكرادة الشرقية ، وكنت في كل يوم أتلقي درسا في اللغة الانكليزية عصرا ، وبعد انتهاء الدرس ، أزور المرحوم صادق البصام ، في داره حيث ينعقد مجلسه في كل مساء ، وفي يوم عرض المعاهدة علي مجلس النواب ، وجدت المرحوم صادق البصام في أشد حالات الغيظ ، ينتقد الحكومة بألفاظ من نار، ويتهمها بالتفريط في حقوق العراق ، ويقول إن هذه المعاهدة أضاعت حقوق العراق في شط العرب ، وفي خلال الحديث ، دخل إلينا المرحوم عبود الملاك ، وكان عضوا في مجلس النواب ، فبادره المرحوم صادق البصام ، وسأله قائلا : ها أبو علي ، ماذا تم في أمر المعاهدة ؟ فأجابه قائلا : صدقوها الكواويد ، فقال له : وأنت ؟ فأجابه : آني هم وياهم .

ص: 475

ص: 476

الباب الثاني : ما يشبه الشتيمة

اشارة

أريد بما يشبه الشتيمة ، التصرفات التي تدل علي الشتم ، وإن لم يكن السب باللسان فيها بينة ، وهي تصرفات يراد بها الشتم والاهانة ، وتقوم مقام الشتم ، وقد تزيد عليه . .

وقد قسمت هذا الباب الي تسعة فصول :

الفصل الأول : العفطة ، أي اصدار صوت بين الشفتين ، يشبه الضرطة .

الفصل الثاني : الاشارة ، أو التعريض ، أو أي تصرف يراد به الاهانة ويقوم مقام الشتيمة .

الفصل الثالث : التفل ، اي البصق علي المشتوم .

الفصل الرابع : عرك الأذن . الفصل الخامس : السحب .

الفصل السادس : الحصب . الفصل السابع : الحذف بما في اليد .

الفصل الثامن : الالجام .

الفصل التاسع : التغطيس في مستودعات القذر .

ص: 477

ص: 478

الفصل الأول :العفطة

العفطة : فصيحة ، إسم للصوت الخارج من بين الشفتين ، مشابها للضرطة ، فإذا علا الصوت ، فهو عند البغداديين : فص ، فإن اشتد ، فهو : زيك ، بالكاف الفارسية ، ويقال للفاعل : عقاط ، وزياك ، ولا يقال فضاص .

والعفطة عند البغداديين ، لون من ألوان الشتم.

وكان أبو جعفر المنصور ، قد حصر يزيد بن عمر بن هبيرة ، أمير العراقين للأمويين بمدينة واسط ، وأستنزله بالأمان ، فنزل علي أمانه ، هو وقاده وجميع من معه ، ثم غدر بهم المنصور فقتل يزيد في داره ، وأحضر فؤاد يزيد عنده ، فأمر بنزع سيوفهم ، فجعل أحدهم ابن نباتة ، يضرط في الحية نفسه ( يعفط ) فقال له حوثرة ، أحد القواد ، وكان أميرا علي مصر المروان ، ثم شارك في محاربة العباسيين بواسط : إن هذا لا يغني عنك شيئا ، فقال : كأني كنت أنظر إلي هذا ، فقتلوا جميعا ( الطبري 450/7 ۔ 457 )

ولما خرج عبد الله بن علي العباسي ، علي ابن أخيه المنصور ، مطالبا بالخلافة ، وخسر المعركة فر إلي البصرة ، والتجأ إلي أخويه سليمان وعيسي ، فطالبهما المنصور بإحضاره ، وأعطاهما أمانا عاما لعبد الله ومن اشترك معه في حركته ، فقدما علي المنصور ، ومعهما عبد الله وقواده ، فغدر

ص: 479

المنصور بهم ، وأعتقلهم ، وكان أحد القواد خفاف بن منصور ، قد حذر أصحابه غدر المنصور ، فلم يسمعوا ، فلما رأي دلائل الغدر ، قال لأصحابه أطيعوني ، وشدوا شدة واحدة علي أبي جعفر ، فلا يحول بيننا وبينه حائل ، حتي نأتي علي نفسه ونشد علي هذه الأبواب مصلتين سيوفنا ، حتي نخرج وننجو بأنفسنا ، فعصوه ، فلما أخذت منهم سيوفهم ، جعل خفاف يضرط في الحية نفسه ( يعفط ) ويتفل في وجوه أصحابه ( الطبري 501/7و502)

وذكر أبو الحسن بن المهندس ، إنه كان يتقلد الضريبة بواسط ، فقدم عليه ملاح بغدادي ، يقال له : ابن شبيب ، فلما تبين أن ضريبته ثمانية آلاف درهم ، ضرط له من فمه ( عفط ) ، وقال له تأخذ مني بميزان قرع وصنج بعر ، أنظر تفصيل القصة في كتاب نشوار المحاضرة للقاضي التنوخي ، رقم القصة 70/8 ج 1 ص 160- 163.

ولما مدح أبو بكر محمد بن الروح الشلبي ، الأمير إبراهيم بن يوسف بن تاشفين بقصيدته التي منها:

أنا شاعر الدنيا وأنت أميرها***فمالي لا يسري إلي سرورها

أشار الأمير إلي مضحك له كان حاضرا ، أن يحبق له ( يعفط ) ، لقوله ( أنا شاعر الدنيا ) ، فحبق .

فقال له ابن الروح : علي من حبقت ؟ يعني أنه يحتمل أن يكون ذلك الفعل ، لقوله ( أنا شاعر الدنيا ) ، أو لقوله ( أنت أميرها ) . ففطن الأمير لما قصده ، وضحك ، وتغافل ( نفح الطيب 72/4 و73 ) .

ومر أبو جعفر بن سعيد ، ليلة ، بطريانة ، مقابلة إشبيلية ، وكان في زورق يحف به أصحابه ، فأخرج أحد الأنذال رأسه من شرجب ، وضرط له

ص: 480

( عفط ) بغاية ما قدر ، ثم ثني عليه بواحدة أخري ، راجع بقية القصة في كتاب نفح الطيب ( 192/4 ).

وروي القاضي التنوخي ، أنه حضر مجلس قاض ، فتقدم إليه رجلان ، وادعي أحدهما علي الآخر شيئا ، فقال للمدعي عليه : ما تقول ؟ فضرط بفمه ( عفط ).

فقال المدعي : يسخر بك أيها القاضي .

فقال القاضي : إصفع يا غلام .

فقال الغلام : من أصفع ، الذي سخر منك ، أم الذي ضرط عليك ؟

فقال : بل دعهما ، وأصفع نفسك ( الكنايات للجرجاني 47) .

وروي الأمير الفارس اسامة بن مرشد الكناني ( 488 - 584 ) ، في كتابه الاعتبار ، قصتين عن شخصين ، استعملا ( العفطة ) ، تعبيرا عن الإستهانة ، الأولي صدرت عن فتي تركي ، والأخري صدرت عن جندي صليبي .

روي الأولي عن المؤيد البغدادي الشاعر ، فقد ذكر إن أباه ، أقطعه الخليفة ضيعة ، وكان فيها جماعة من العيارين يقطعون الطريق ، فجاء غلام تركي علي حصانه ، ومعه بغل رحل عليه خرج ، وجارية راكبة فوق الخرج ، فنزل التركي ، وأنزل الجارية ، وقال : يا فتيان ساعدوني علي حط الخرج ، فتقدم بعض العيارين ، وأعانوه ، فإذا بالخرج دنانير وذهب مصاغ ، وبعد أن أكل التركي والجارية ، استعان بالعيارين علي إعادة الخرج علي ظهر البغل ، فأعانوه ، وسأل من صاحب الضيعة عن الطريق ، فقال له : في الطريق ستون عبارة أخاف عليك منهم ، فضرط له التركي ( عفط ) ، وقال له : أنا أخاف من العيارين ؟ وعارضه العيارون في الطريق ، فأخرج قوسه ، فانقطع وتره ، ففر عنهم ، فأخذوا البغل والجارية والخرج ، فقالت لهم الجارية : يا شباب

ص: 481

بالله ، لا تهتكوني ، وبيعوني نفسي والبغل، بعقد جوهر مع التركي ، قيمته خمسمائة دينار ، وخذوا الخرج بما فيه ، فدفعهم الطمع الي القبول ، فلما دنت الجارية من التركي ، قالت له : قد اشتريت نفسي ، والبغل ، بالعقد الذي في ساق موزك ( الجزمة ) فادفعه إلي ، فتذكر التركي إنه قد حفظ هناك وترأ لقوسه ، وقد نسيه من الدهش ، فأخرجه ، وشده في القوس ، ورجع علي العيارين ، فقتل منهم ثلاثة وأربعين رجلا، واستنقذ منهم الجارية والخرج والبغل ( الاعتبار 71 - 73 ).

أما القصة الثانية ، فقد ذكر الأمير أنه شاهدها بنفسه، وهي إنه في السنة 509 نزل جيش المسلمين علي كفر طاب ، وكانت في يد الإفرنج، واستولي المسلمون عليها ، وجمع القائد المنتصر ، الجنود الإفرنج الأسري ، ليقطعوا علي نفوسهم فداء ، يتخلصون به من الأسر ، فوقف أحدهم ، وقال : كم تأخذون مني ؟ فقالوا : نريد ستمائة دينار ، فضرط لهم ( عفط ) ، وقال : أنا ديواني في كل شهر دينارين ، من أين لي ستمائة دينار ؟ ( الاعتبار 70).

وفي السنة 548 وقعت معركة عظيمة ، بين السلطان سنجر ، والاتراك الغير ، فانكسر السلطان سنجر ، وأسر ، وقتل أمراؤه وعدد عظيم من عسكره ، فاجتمع أمراء الغز، وقبلوا الأرض بين يدي السلطان ، وقالوا له : نحن عبيدك ولا نخرج عن طاعتك ، وقد علمنا أنك لم ترد قتالنا ، وإنما حملت عليه ، وأخذوه إلي مرو ، وهي كرسي ملك خراسان ، وطلبها منه أحد أمراء الغز، إقطاعة ، فقال السلطان : هذه دار الملك ، ولا يجوز أن تكون إقطاعة لأحد، فضحكوا منه ، وحبق له بختيار الذي طلب الإقطاع ، بفمه ( عفط له ) ، فلما رأي سنجر ذلك ، نزل عن سرير الملك ، ودخل خانكاه مرو ، وتاب عن الملك . ( ابن الأثير 176/11 و 177).

ويروي أن عشيرة من العشائر ، في العهد العثماني ، توفي شيخها ،

ص: 482

وخلفته امرأته ، وتأخرت في أداء بقايا رسوم أميرية ، فبعث إليها مدير الناحية ، عريفة صحبة بعض الجنود لمطالبتها بالبقايا ، فلما طالبها ( عفطت ) له ، فعاد غاضبا ، وقدم تقريرا للمدير ، قال فيه : لما ركبنا علي فلانة ، وطالبنا بالبقايا ، رفعت ثوبها إلي أعلي بطنها، وقالت طيط ، قشمرة للداعي .

طيط : يعني عفطت ، والقشمرة : عامية بمعني السخرية .

أقول : ادرجت في مقدمة هذا الفصل أن البغداديين يسمون العفطة إذا علا صوتها : فضا ، فإن اشتد فهي : زيك ، وقد أدرجت في كتابي « موسوعة الكنايات العامية البغدادية ، بحثا عن الزيك ، أدرج قسمأ منه في هذا الفصل :

والزيك له عند ظرفاء البغداديين حرمة واعتبار ، وهم يعتبرونه أسلوبا من أساليب التعبير ، إذا جاء في موضعه كان أبلغ من الكلام الفصيح .

ويروي أن المرحوم السيد محمد سعيد مصطفي الخليل ، عميد اسرة آل مصطفي الخليل ، وهو فقيه علوي ، مليح الشيبة ، يعتم بعمامة خضراء ، كان معروفة بأنه ( زاك ) ممتاز ، وأنه كان يرسل الزيك في موضعه ، فيغني عن كلمة فاصلة ، ويبالغ البعض فيقول : أنه كان إذا ( ضرب ) شخصا بزيك ، فإن ذلك الشخص لا بد وأن يقع أرضأ ، وذكروا أن فتي من الكرخ ، قدم من الاستانة إلي بغداد ، وهو برتبة مقدم أركان حرب ، وهي رتبة عظيمة القدر ، لقلة من ينالها من الضباط العرب ، في ذلك الحين ، وكان الفتي مزهوة برتبته وثيابه العسكرية ، فكان يخرج من داره ماشيأ ، ووراءه مراسله ، ويعبر الجسر ذاهبا إلي محل عمله في القلعة ، ثم يعود فيعبر الجسر عائدا إلي داره ، وحدث ذات يوم أن كان الفتي يمشي علي الجسر منتفخ الأوداج ، كأنه الديك الهراتي ، وإذا بزيك قوي يرن في أذنه فالتفت فلم يجد أحدا غير شيخ

ص: 483

بهي الطلعة ، أبيض اللحية ، يعتم بعمامة خضراء ، له منظر يبعث علي الاحترام ، يسير خلفه ، وكان هذا الشيخ السيد محمد سعيد مصطفي الخليل رحمه الله ، فأدار رأسه ، وعاد إلي سيره ، وإذا بزيك آخر يرن في أذنه ، وعاد إلي التلفت ، فلم يجد غير الشيخ سائرة وراءه ، ولا يدري ناقل الحكاية ، ما إذا كان الفتي الضابط قد عرف ان الزيك كان من الشيخ ، أم لم يعرف ، ولكن الثابت أن الفتي انقطع منذ ذلك اليوم عن عبور الجسر ماشيأ علي قدميه ، واستأجر قاربا يعبر به النهر ، فيوصله إلي محل عمله في القلعة .

ومن لطيف ما يؤثر عن المرحوم عبد المجيد الشاوي ، عميد اسرة آل الشاوي ، وكان أميرة من أمراء الفضل والفكاهة والأدب الرفيع ، أنه كان قد اتخذ في مجلسه ببغداد ، ببغاء ، قد دربت علي أنها إذا سمعت صرخة ، أو صوتا عاليا ، نفضت صاحب الصوت بزيك قوي ، وحدث ذات يوم أن حضر في مجلس الشاوي ، رجل يلقبه الناس ببطل الفتنة ، وكان سليط اللسان ، ومن عادته أن يرفع صوته عالية إذا تحدث فما أن بدأ حديثه ، حتي قاطعته الببغاء بزيك حاد قطع عليه كلامه ، فسكت مغتاظا ، ثم عاود الحديث بعد دقائق ، فما إن رفع صوته ، حتي فاجأته الببغاء بزيك حاير آخر ، فاشتد غيظه ، فاعتذر إليه المرحوم الشاوي ، وقال له : أن هذه الببغاء قد حيرتني ، فإنها منذ سنين ، وهي تسمع أذان المؤذن في الجامع وهو بجوارنا ، فلم تتعلم منه شيئا ولكن السيد محمد سعيد، اقترب من قفصها ، وعفط أمامها ثلاث مرات ، فتعلمت منه العفاط ، وأصبحت تكرره في كل مناسبة .

وحدثني الاستاذ عبد الرزاق الظاهر ، عن حفلة حضرها، ختمت بزيكين بغداديين من النوع الممتاز ، وكانت الحفلة من أجل تمثيل رواية ، لعلها كانت عن مقتل يوليوس قيصر ، قال : كان خالص ، رأس فرقة التمثيل ، فتي بغداديا مدللا ، وكان يملك بقية من مال انفقها علي التمثيل والممثلين ، حتي صار يمشي علي الرنك » ( كناية بغدادية عن الأملاق )

ص: 484

وأعلنت فرقة خالص عن رواية تمثلها ، فاشتريت بطاقة ، وحضرت في الموعد ، فتأخر رفع الستارة عن موعده ، فضج الحاضرون وصفقوا واحدثوا جلبة ، ثم رفعت الستارة ، وإذا بخالص وجماعته من الممثلين في ملابسهم الاعتيادية ، مع أن الرواية تقتضي أن يلبسوا ملابس رجال الرومان ، ومما زاد في الطين بلة ، أن الممثلين لم يحفظ احد منهم دوره ، ولم يكن لديهم ملقن ، وقد حملوا نسخة واحدة من الرواية ، يتناولها الواحد منهم ، فيقرأ فيها دوره ، ثم يسلم النسخة إلي صاحبه ليقرأ الدور الخاص به ، فكان الوضع من جميع جهاته مثارة للهزء والسخرية ، كما كان باعثا علي الاشمئزاز ، وهاج المتفرجون ، وصاحوا ، وضجوا ، فاسدلت الستارة ، وخرج السيد خالص ، رأس الممثلين ، يخطب في المتفرجين ، ووقف علي المسرح، وصاح : اخواني ، فأجابه احد الحاضرين بزيك عنيف اسكته ، ثم عاد بعد هنيهة ، فصرخ قائلا : أخواني ، فأجابه أحد الحاضرين بزيك أعلي من الأول وأطول مدي ، فاغتاظ خالص ، وصاح بهم : أما سرسرية ، فهاج الحاضرون ، وصاحوا ، ففر إلي ما وراء الستارة ، ثم تبين من بعد ذلك أن الممثلين وعلي رأسهم خالص ، كانوا قد لاذوا بالفرار ، وانتهت الحفلة .

ص: 485

ص: 486

الفصل الثاني :الشتم بالاشارة أو التعريض

والشتم بالاشارة ، يتم بكل لون من ألوان الإشارة أو التعريض كما حصل من المرأة التي عبرت الأحنف ، لما قعد عن الحرب ، إذ أشارت إليه بإصبعها الإبهام ، وقالت له : اجلس علي هذا ، يعني أنه امرأة ، وهذه الاشارة ، مستعملة الي الآن ببغداد ، ولكن بالاصبع الوسطي ، لا بالإبهام .

ومثل ذلك ما صنعه عقبة بن أبي معيط بأمية بن خلف الجمحي ، لما قعد عن الخروج إلي بدر مع المشركين ، فجاء له بمجمرة فيها بخور ونار ، يعني إنه امرأة .

وكان نساء قريش ، في موقعة أحد، يحملن الدفوف ، يضربن بها ، ويذكرن القوم بقتلي بدر ، ومعهن مكاحل ومراود ، فكلما ولي رجل ، أو تكعكع ، ناولته إحداهن مرودة ومكحلة ، إشارة إلي إنه امرأة ، فيعود إلي الحرب ( اعلام النساء 173/5 و176).

ويشبه ذلك ، ما صنعته فتيات ماجنات ، من جواري بني أمية ، مع عمر بن أبي ربيعة ، لما أهدين إليه صندوق مغلقا ، ولما فتحه ، وجده قد أودعن فيه أوتاد ( خوازيق ) ، وقد كتبن علي كل واحد من الأوتاد إسم أحد رجال مكة ، ابتداء من أميرها ، وقد أوردنا القصة مفصلة في هذا الفصل .

ويشبه ذلك ، ما صنعه الحجاج بن يوسف الثقفي ، الظالم السيء

ص: 487

الصيت ، بالصحابة من الأنصار ، لما ختم أعناقهم ، تشبيها لهم بأهل الذمة .

وكما صنع خلف الأحمر الراوية ، بمحمد بن مناذر ، لما تعاظم ، وألحق نفسه بالنابغة ، وامريء القيس ، وزهير . فإن خلف غضب ، وتناول صحفة مملوءة مرقا ، وصبها علي رأس ابن مناذر .

وكما صنع الملك المعظم ، صاحب دمشق ، في السنة 117 ، لما غضب علي القاضي بدمشق ، فبعث إليه بثياب رجال الشرط ، وألزمه بأن يلبسها في مجلس حكمه ، وكان ذلك سببا لموت القاضي .

وكما صنعه كذلك بالشاعر ابن عنين الأنصاري ، لما تزهد ، فإنه بعث إليه بقنينة خمر ، وفصوص نرد ، وقال له : سبح بهذا ، فكتب ابن عنين إليه : ( تاريخ الخلفاء 456 و457) :

يا أيها الملك المعظم سنة***أحدثتها تبقي علي الأباد

تجري الملوك علي طريقك بعدها***خلع القضاة وتحفة الزهاد

وكما صنع الفتي التيمي الشاعر ، بمروان بن أبي حفصة ، لما أستهان به مروان ، وقال له : ما أنت والشعر ؟ ، فهجا مروان ببيتين من الشعر ، ولما توسل إليه مروان أن يكفت عنه ، أبي إلا أن يصير إليه مروان مع شهود يقول أمامهم : قاق ، في آستي بيضة ، ففعل مروان ذلك .

وكما صنع الوزير أبو القاسم ، العلاء بن الحسن ، وزير صمصام الدولة ، فإنه ضجر من ابن ثعلبة ، أحد كتاب الديلم ، وإلحاحه في طلب المحالات ، فوقع له ، في رقعة عرضها عليه : قاق ، قاق ، قاق .

وكما أراد عامة بغداد ، أن يصنعوا في يوم عيد، بأن يجمعوا عددا وفيرة من القنابر ، ويطلقوها في موكب حاجب الباب ، ابن الناقد، لأنه كان يلقب : قنبرة .

ص: 488

وكما صنعوا لما نصبت السلطة مشانق لإرهابهم ، فعلقوا عليها في الليل جرذانا ميتة .

وأما فيما يتعلق بالتعريض ، فإن الأخبار فيه أكثر من أن تحصر ، ويحتاج في جمعها إلي موسوعة يضيق عنها كتابنا هذا ، وقد أوردنا في بحثنا أنموذجات علي سبيل المثال .

ذكر الجاحظ في كتاب الحيوان 313/3 أن جماعة من الأزد ، كان معهم فتي تميمي ، وكانوا علي نبيذ ، فسقط ذباب في قدح أحدهم، فقال له أحدهم : غط التميمي ، ثم سقط الذباب في قدح آخر ، فقال الباقون : غط التميمي ، فلما كان في الثالثة ، قال التميمي : غطه ، فإن كان تميمي رسب ، وإن كان أزدية طفا، فقال صاحب المنزل : ما يسرني أنه كان نقصكم حرفة ، وإنما عني أن أزد عمان ملاحون ، يعيرهم بذلك .

وعرض عمرو بن معدي كرب الزبيدي ، بالقائد سلمان بن ربيعة الباهلي ، وتفصيل ذلك : إن القائد سلمان بن ربيعة الباهلي ، عرض الخيل ، فمر عمرو بن معدي كرب الزبيدي ، علي فرس له ، فقال سلمان : هذا الفرس هجين ، فقال عمرو : هو عتيق ، فأمر به سلمان ، فعطش ، ثم دعا بطست فيه ماء ، ودعا بخيل عتاق فشربت ، وجيء بفرس عمرو ، فثني يده وشرب ، وهكذا يصنع الهجين ، فقال له سلمان : أتري ؟ فقال عمرو : أجل ، الهجين يعرف الهجين ، فبلغ ذلك الخليفة عمر بن الخطاب ، فكتب الي عمرو : قد بلغني ما قلت لأميرك ، وبلغني أن لك سيفأ تسميه الصمصامة ، وعندي سيف أسميه مصممأ، وأيم الله لئن وضعته علي هامتك ، لا أقلع حتي أبلغ به رهابتك ، فإن سرك أن تعلم أحق ما أقول ، فعد ، والسلام ( وفيات الأعيان 397/6 ). وقال قتيبة بن مسلم الباهلي ، لهبيرة بن مسروح : أي رجل أنت لو كان

ص: 489

أخوالك من غير سلول ، فقال له : أصلح الله الأمير ، بادل بهم من شئت من العرب وجنبني باهلة ( وفيات الأعيان 90/4 ). أقول : يعتبر أهل النسب ، قبيلة باهلة من أدنا العرب نسبا ، وروي أن أعرابيا لاقي شخصا في الطريق ، فسأله : ممن أنت ؟ فقال : من باهلة ، فرثي له الاعرابي ، ثم قال له : وأزيدك ، أني لست من صميمهم ، وإنما أنا من مواليهم ، فأقبل الأعرابي يقبل يديه ورجليه ، فسأله عن سبب ذلك ، فقال : إن الله تعالي ما ابتلاك بهذه الرزية في الدنيا ، إلا ويعوضك الجنة في الآخرة . وقيل لأعرابي : أيسرك أن تدخل الجنة وأنت باهلي ؟ فقال : علي شرط ألا يعلم أهل الجنة بأني باهلي ( وفيات الأعيان 90/4 و91 ).

وقال عمرو بن العاص ، لعدي بن حاتم الطائي : متي فقئت عينك يا أبا طريف ؟

قال : يوم طعنت في دبرك وأنت مول ( المستجاد من فعلات الاجواد 252)

أقول : فقئت عين عدي بن حاتم الطائي يوم صفين مع الإمام علي ، وكان عمرو بن العاص مع معاوية ، وقضته مشهورة في فراره من الإمام علي ، وقال أبو فراس الحمداني :

ولا خير في رد الردي بمذلة*** كما رده يومأ بسوءته عمرو

وقال معاوية للأحنف : يا أبا بحر ما الشيء الملقف بالبجاد؟ فقال : السخينة يا أمير المؤمنين .

عير معاوية الأحنف ، وهو تميمي بقول الشاعر الذي اتهم بني تميم بالنهم والشره ، فقال :

إذا ما مات ميت من تميم***وسرك أن يعيش فجيء بزاد

ص: 490

بخبز أو بتمر أو بسمن***أو الشيء الملقف في البجاد

وأراد الأحنف بذكر السخينة ، وهي الطعام الذي تعير به قريش ( شرح نهج البلاغة 16/5 ).

ومر أبو غسان المسمعي ، بأبي غفار السدوسي ، فقال له : يا أبا غفار ، ما صنع الدرهمان ؟ فقال : لحقا بالدرهم ، أراد بالدرهمين قول الأخطل : ( شرح نهج البلاغة 22/5 ):

فإن تبخل سدوس بدرهميها***فإن الريح طيبة قبول

وأراد السدوسي قول بشار :

وفي حور لؤم وفي آل مسمع***صلاح ولكن درهم القوم كوكب

وكان أبو بلال مرداس بن حدير ، من كبار الخوارج ونشاكهم ، نزل اسك بالأهواز ، ومعه أربعون من أصحابه ، فوجه اليه ابن زياد ، أسلم بن زرعة في ألفين ، فصدمه الخوارج صدمة عنيفة ، فانهزم وأصحابه ، فغضب عليه ابن زياد ، وقال له : ويلك تمضي في ألفين ، وتنهزم من أربعين ، فكان أسلم يقول : لأن يذمني الأمير وأنا حي ، أحب إلي من أن يمدحني وأنا ميت ، فكان أسلم إذا خرج الي السوق صاح به الصبيان : أبو بلال وراءك ( شرح نهج البلاغة 86/5 ).

وتساب اثنان من أهل الكوفة ، ولم يشعر من كان معهما بذلك ، فإن اسماء بن خارجة الفزاري أبصر ابن مكعبر الضبي ، فأخرج أسماء من يده خاتم فضه فيروزج ، وبعث به إلي ابن مكعبر ، فأخذ ابن مكعبر سيرة رقيقة من الجلد فربطه بالخاتم ، وأعاده إلي أسماء ، أراد أسماء بالخاتم ذي الفص الفيروزج .

لقد رزقت عيناك يا ابن مكعبر***كذا كل ضبي من اللؤم أزرق

ص: 491

وأراد ابن مكعبر قول الشاعر :

لا تأمن فزاريا خلوت به*** علي قلوصك واكتبها بأسيار

وكانت فزارة تعير بإتيان الإبل ( شرح نهج البلاغة 31/5 و 32).

ودخل عبد الرحمن بن الحكم الأموي ، علي معاوية بن أبي سفيان ، فقال له : علي أي ظهر جثتنا ؟ فقال له : علي أجش هزيم ، يعرض بقول النجاشي في معاوية يوم صفين :

ونجي ابن حرب سابح ذو علالة***أجش هزيم والرماح دوان

اذا قلت أطراف الرماح تناله*** مرته له الساقان والقدمان

فغضب معاوية ، وقال : إلا أنه لا يركبه صاحبه في الظلم الي الريب ، ولا هو ممن يتهم بتسوره علي جاراته ، ولا يتوب بعد هجعة الناس علي كنائنه ، وكان عبد الرحمن يتهم بذلك في امرأة أخيه ( شرح نهج البلاغة 153/6)

ولما اشتد الأمر بين الأزد وتميم ، بعد فرار عبيد الله بن زياد من البصرة ، ألح بنو تميم علي الأحنف ، في الخروج للحرب ، فكان يتمكث، فجاءت اليه امرأة من قومه فقالت : يا أحنف ، أجلس علي هذا ، وأشارت إليه بإصبعها الإبهام ، إي إما أنت امرأة ، فقال لها : استك أحق به ، فما سمعت من الأحنف كلمة أرفث منها . ( انساب الأشراف 99/2/4 ) .

وكانت تختم أعناق وأيدي من يراد إذلاله من أهل الذمة ، ولكن الحجاج بن يوسف الثقفي ختم أعناق الصحابة بالمدينة يريد بذلك إذلالهم ، فختم في عن أنس بن مالك خادم النبي صلوات الله عليه ، وختم في يد الصحابي جابر بن عبد الله الأنصاري ، وأرسل الي سهل بن سعد ، فقال له : ما منعك أن تنصر أمير المؤمنين عثمان بن عفان ؟ قال قد فعلت ، قال : كذبت ، ثم

ص: 492

أمر به فختم في عنقه برصاص ( الطبري 195/6 والنجوم الزاهرة 191/1)

وفي السنة 65 خالف من كان بخراسان من بني تميم ، علي عبد الله بن خازم أمير خراسان ، وكانوا قد أعانوه أولا ، فلما تمكن جفاهم ، فأقبلوا الي هراة ، وعاملها محمد بن عبد الله بن خازم ، وأمه تميمية ، فكتب عبد الله الي ولده محمد أن ينفيهم عن هراة ، فنفاهم ، وقتل منهم رجلين ضربة بالسياط حتي ماتا ، وخرج محمد يتصيد خارج هراة ، فرصده التميميون وأخذوه ، وشدوه وثاقة ، وشربوا ليلتهم ، وجعل كل من أراد منهم أن يبول بال عليه ، ثم قتلوه ( الطبري 623/5 و624).

وحدث أحد موالي عمر بن أبي ربيعة ، أن عمر تعرض لنسوة من جواري بني أمية ، قد حججن ، وحادثهن ، وناشده مدة أيام حجهن ، ثم قالت له إحداهن : يا أبا الخطاب ، إنا خارجات في غد ، فأبعث مولاك هذا إلي منزلنا ، ندفع إليه تذكرة تكون عندك ، تذكرنا بها ، فسر بذلك ، ووجه بي إليهن في السحر ، فوجدتهن يركبن ، فقلن لعجوز معهن : يا فلانة ، ادفعي إلي مولي أبي الخطاب التذكرة التي أتحفناه بها، فأخرجت الي صندوق مقفلا مختومة ، فقلن : ادفعه إليه ، وارتحلن ، فجئته به ، وأنا أظن أنه قد أودع طيبة أو جوهرأ ، ففتحه عمر ، فإذا هو مملوء من المضارب ، وهي الكير رنجات ( الكيررنج : قطع من الخشب تنحت علي شكل الذكر ، والكلمة فارسية كير أي ذكر ، ورنك : أي مثل ) ، وإذا علي كل واحد منها اسم رجل من مجان مكة ، وفيها اثنان كبيران عظيمان ، علي أحدهما : الحارث بن خالد ، وهو يومئذ أمير مكة ، وعلي الآخر : عمر بن أبي ربيعة ، فضحك ، وقال : تماجن علي ، ونفذ لهن ، ثم أصلح مأدبة ، ودعا كل واحد ممن له اسم في تلك المضارب ، فلما أكلوا واطمأنوا للجلوس ، قال : هات يا غلام تلك الوديعة ، فجئته بالصندوق ، ففتحه ، ودفع إلي الحارث

ص: 493

الكيررنج الذي عليه اسمه فلما أخذه ، وكشفه عنه غطاءه ، فزع، وقال : ما هذا أخزاك الله ، فقال له : رويدا ، إصبر حتي تري ، ثم أخرج واحد واحدة ، فدفعه إلي من عليه اسمه ، حتي فرقها فيهم ، ثم أخرج الذي باسمه ، وقال : هذا لي ، فقالوا له : ويحك ما هذا ؟ فحدثهم بالخبر ، فعجبوا منه ، وما زالوا يتمازحون بذلك دهرا طويلا ، ويضحكون منه . ( الاغاني 169/1 و 170) .

وقال محمد بن عمير بن عطاء التميمي ، الشريك النمري : ليس في الجوارح صقر أحب إلي من البازي ، فقال شريك : إذا كان يصيد القطا ، أراد محمد قول جرير :

أنا البازي المطل علي نمير***أتيح من السماء له أنصبابا

وأراد شريك قول الطرماح ( شرح نهج البلاغة 23/5 ).

تميم بطرق اللؤم أهدي من القطا***ولو سلكت سبل المكارم ضلت

ودخل عبد الله بن ثعلبة المحاربي ، علي عبد الملك بن يزيد الهلالي ، أمير ارمينية ، فقال له : ماذا لقينا البارحة من شيوخ محارب ، منعونا النوم ، فقال له ابن ثعلبة : أصلح الله الأمير ، إنهم أضلوا برقعأ ، فكانوا في طلبه ، أراد عبد الملك بشيوخ محارب ، الضفادع ، لقول الشاعر :

تنق بلا نفع شيوخ محارب*** وما خلتها كانت تريش ولا تبري

ضفادع في ظلماء ليل تجاوبت***فدل عليها صوتها حية البحر

وأراد عبد الله بن ثعلبة ، بالبرقع ، قول الشاعر : ( شرح نهج البلاغة 23/5 والعقد الفريد 468/2 و469) .

لكل هلالي من اللؤم برقع***ولابن يزيد برقع وجلال

ص: 494

ووفد زياد بن عبيد الله الحارثي اليماني ، علي مروان الجعدي ، وكان يزيد بن عمر بن هبيرة الفزاري علي حاشيته ، وكانت الفتنة بين اليمانية والقيسية ما زالت مستعرة ، وابن هبيرة قيسي ، وأخذ ابن هبيرة يسأل كل داخل علي مروان عن قبيلته ، فلما وصل الي زياد ، أخبره بأنه يماني ، من بني الحارث بن كعب ، فقال له ابن هبيرة : يا أخا بني الحارث ، إن الناس يزعمون أن أبا اليمن قرد ، فما تقول في ذلك ؟ فقال له : أصلحك الله ، أن الحجة في هذا غير مشكلة ، تنظر كنية القرد ، فإن كان يكني أبا اليمن ، فهو أبوهم ، وإن كانت كنيته أبا قيس ، فهو أبو من كني به ، فامتلأ ابن هبيرة خجلا ، وأخذ القيسية ينظرون إلي زياد شزرة ، واعتذر ابن هبيرة من زياد ، وقال له : يا أخا بني الحارث ، لقد كان كلامي معك هفوة ، ولقد سرني أن لقنت علي الحجة ، ليكون ذلك أدبة لي فيما استقبل ( الهفوات النادرة 131 - 133 )

أقول : كنية القرد أبو قيس ، وقال الشاعر في قرد يزيد بن معاوية الذي سابق الخيل علي أتان فسبق :

تمسك أبا قيس بفضل عناتها*** فليس عليها إن هكت ضمان

ألا من رأي القرد الذي سبقت به***جياد أمير المؤمنين أتان

ومما يشبه الشتيمة ، ما صنعه زفر بن الحارث ، بفتي من جنود أهل الشام كان يسبه فيكثر ، حدث ذلك في السنة 72 وكان زفربن الحارث من أصحاب ابن الزبير قد آستولي علي قرقيسيا ، واستقر فيها ، فقصده عبد الملك بن مروان ، وحصره ، وكان رجل من كلب يقال له الذيال ، يخرج فيسب زفر فيكثر ، فقال زفر للهذيل ابنه : أما تكفيني هذا ؟ فقال : أنا أجيئك به ، فدخل عسكر عبد الملك ليلا ، فجعل ينادي : من يعرف بغ؟ صفته كذا وكذا ، حتي انتهي إلي خباء الرجل وقد عرفه ، فقال الرجل : رد الله عليك ضالتك ، فقال : يا عبد الله اني قد عييت، فلو أذنت لي فاسترحت قليلا ،

ص: 495

قال : ادخل ، فدخل والرجل وحده في خبائه ، فرمي بنفسه ، ونام صاحب الخباء ، فقام اليه فأيقظه ، وقال له : والله لئن تكلمت لاقتلنك ، أما إذا سكت وجئت معي الي زفر فلك عهد الله وميثاقه أن أردك الي عسكرك بعد أن يصلك زفر ويحسن إليك ، فخرج به وهو ينادي علي البغل ، حتي جاء به الي زفر ، فأعلمه أنه آمنه ، فوهب له زفر دنانير ، وألبسه ثياب النساء ، وحمله علي رحالة النساء ، وبعث معه رجالأ حتي دنوا من معسكر عبد الملك ، فنادوا : هذه جارية بعث بها زفر الي عبد الملك ، وانصرفوا ، فلما نظر إليه أهل العسكر عرفوه ، وأخبروا عبد الملك الخبر، فضحك ، وهرب الرجل من العسكر ( ابن الأثير 339/4 ).

وفي السنة 106 لما وقعت الفتنة بين اليمانية والمضرية ببلخ واقتتلوا، فرت تميم ، فقال عمرو بن مسلم ، لرجل من تميم كان معه : كيف تري أستاه قومك يا أخا تميم ؟ يعيره بهزيمتهم ، ثم كرت تميم ، فهزموا أصحاب عمرو بن مسلم ، فقال التميمي : هذه استاه قومي ، وقال لأصحابه : لا تقتلوا الأسري ، ولكن جردوهم ، وجوبوا سراويلهم عن أدبارهم ، ففعلوا ( الطبري 32/7)

وروي أن شريك بن عبد الله النميري ، ساير يوما يزيد بن عمر بن هبيرة الفزاري ، فندرت دابة شريك ، فقال له يزيد غض من لجامها ، فقال شريك : إنها مكتوبة أصلح الله الأمير ، فقال له يزيد : ما ذهبت حيث أردت .

ظن شريك أن يزيد في قوله غض من لجامها ، قصد قول جرير :

( وفيات الأعيان 320/6 و 321):

فغض الطرف إنك من نمير*** فلا كعبة بلغت ولا كلابا

فقال إنها مكتوبة ، يريد قول الشاعر :

لاتأمنت فزاريأ خلوت به***علي قلوصك وأكتبها بأسيار

ص: 496

ودخل الفرزدق علي بلال بن أبي بردة، فأنشده قصيدة في مدحه، فقال له ابن أبي بردة : هلكت - والله - يا أبا فراس ، قال : وكيف ذاك ؟ قال : ذهب شعرك، أين شعرك هذا، من شعرك في سعيد بن العاص والعباس بن الوليد ، وفلان ، وفلان ، فقال الفرزدق : جئني بأحساب مثل أحسابهم ، حتي أقول فيك مثل ما قلت فيهم ، فغضب بلال غضبا شديدا حتي جيء له بطست فيه ماء بارد ، فوضع يده ورجله فيه ، ليذهب الغيظ عنه ( الهفوات النادرة 387) .

وأنشد كثير عزة ، الفرزدق ، شعر، أعجب به الفرزدق ، فقال له : يا أبا صخر ، هل كانت أمك ترد البصرة ؟ قال : لا ، ولكن كان يردها أبي ( الأغاني 341/9 و 342 ).

أراد الفرزدق ، أن أم كثير لا بد أنها علقت من أبي الفرزدق ، فجاء ولدها شاعرة ، وأراد كثير أن أباه أحبل أم الفرزدق .

وقال تميم بن نصر بن سيار ، لأعرابي : هل أصابتك تخمة قط ؟ قال : أما من طعامك وطعام أبيك فلا ، فيقال إن تميمأ حم من هذا الجواب أيامأ ( البصائر والذخائر 599/2/2).

ومما يشبه الشتيمة ، ما صنعه أحد المجان ، في برنوذ ( من قري نيسابور - مراصد الاطلاع 189/1 )، بحمار أبي مسلم الخراساني ، فإن أبا مسلم ، قدم في السنة 120 قاصدا خراسان ، فلما حل ببرنود ، نزل بخان فيها، وتحدث صاحب الخان ، فقال : إن هذا يزعم أنه يلي خراسان ، وخرج أبو مسلم البعض حاجته ، فعمد بعض المجان ، فقطع ذنب حماره ، فالي علي نفسه ، أنه إذا تمكن ، أخرب هذه القرية ، فلما تمكن أخربها ( ابن الأثير 258/5 )

وعلي ذكر ما تقدم ، أورد ابن الأثير ( 480/5 ) ، أن أبا مسلم ، مر

ص: 497

بنيسابور علي حماره ، فقصد دارة لفادوسيان ، دهقان نيسابور ، وطلب منه ألف درهم ودابة ، فأعطاه ، فقال له أبو مسلم : ما يضيع لك ما فعلته ، فلما ملك ، قيل له : إن فتحت نيسابور ، أخذت ما تريد من أموال الفانوسيان ، دهقانها المجوسي ، فقال أبو مسلم : له عندنا بيد، ولما ملك نيسابور ، أتته هدايا الفادوسيان ، فلم يتعرض له ، ولا لأحد من أصحابه وأمواله ، وقال : له عندي يد.

وتساب الفرزدق ، وزياد الأعجم ، فقال الفرزدق لزياد : يا أقلف ، فقال له زياد : يا ابن النمامة ( البصائر والذخائر 769/2/2 ) .

أقول : أراد زياد أن أم الفرزدق أخبرته عن قلفته .

وقال رجل للفرزدق : متي عهدك بالزنا ؟ فقال له : من ماتت عجوزك ( البصائر والذخائر 766/2/2 ) .

وقال السدي للجماز : ولد لي البارحة مولود كأنه دينار منقوش ، فقال له الجماز : لاعن أمه ويحك ، فبلغت النادرة أبا العيناء ، فقال : وددت أنها لي بجميع ما قلته ( البصائر والذخائر 341/1 ) .

أقول : أراد أن المولود لما كان جميل الصورة فليس الجماز بوالده .

وقال ابن مكرم لأبي العيناء : الست عفيف ؟ فقال له : أنت عفيف النفس ، زاني الحرم ، فقال له : إنما صار هذا مذ تزوجت أمك ( البصائر والذخائر 568/2/2 ).

ومز مطيع بن إياس بيحيي بن زياد ، وحماد الراوية ، وهما يتحدثان ، فقال لهما : فيم أنتما؟ قالا : في قذف المحصنات ، فقال : أوفي الأرض محصنة فتقذفانها ؟ ( الأغاني 286/13 ).

ولما كان الشيء بالشيء يذكر ، أذكر انه كان في بغداد ، في العهد

ص: 498

العثماني ، صاحبان كرخان ، لا يكادا يفترقان ، وهماح.ا. وم . ي. صاحب حمام يتيم في الكرخ ، وكانا فرسي رهان في ثلب الناس ، وكانا يجتمعان عصر كل يوم في مقهي المميز ، الكائن في الجانب الشرقي من بغداد ( جانب الرصافة ) في الساحة المطلة علي رحبة الجسر ، وعلي النهر ، ملاصقة لجامع الأصفية ، ويقضيان الوقت في ثلب من يقع عليه بصرهما من المارة ، حتي إذا أظلم الوقت ، وحان موعد إغلاق المقهي ، نهضا، وعبرا الجسر ، الي جانب الكرخ ، حتي إذا بلغا رأس الجسر من الجانب الغربي ( جانب الكرخ ) وقفا ، وقال أحدهما للآخر : إحنا شعلينا ( أيش علينا) من الناس، فأجابه صاحبه : أنعل (ألعن أبو كل الناس، فيقول الأول : حاشي الزينين ( الجيدين ) فيقول صاحبه : وأنعل ( ألعن أبو الزينين ، ثم يفترقان ، وظل هذا دأبهما في كل يوم ، حتي فرق الدهر بينهما .

وكان أبو عبيدة جباها ، قصد موسي بن عبد الرحمان الهلالي بفارس ، فقال موسي لغلمانه : احترزوا من أبي عبيدة ، فإن كلامه كله دق ، فلما حضر الطعام صب بعض الغلمان علي ذيل أبي عبيدة مرقة ، فقال له موسي : قد أصاب ثوبك مرق ، وأنا أعطيك بدله عشرة ثياب ، فقال له أبو عبيدة : لا عليك ، فإن مرقكم لا يؤذي ، أراد أنه ما فيه دهن ( وفيات الأعيان 240/5)

وقال أبو نؤاس ، يهجو الفضل الرقاشي ، ويعرض بأنه مولي ، وأنه ملصق في رقاش ، قال : ( أخبار أبي نؤاس لابن منظور 44/1 ).

هجوت الفضل دهري وهوعندي***رقاشي كما زعم المسول

وجدنا الفضل أكرم من رقاش*** لأن الفضل مولاه الرسول

أقول : يشير بذلك إلي قول النبي صلوات الله عليه : أنا مولي من لا مولي له .

ص: 499

ومما يشبه الشتيمة ، ما صنعه أبان بن عبد الحميد اللاحقي (ت 200) ، بابي نؤاس ، فإن الفضل بن يحيي البرمكي ، أعطي أبان مالا ليفرقه في الشعراء ، كل واحد منهم علي قدره ، فبعث إلي أبي نؤاس بدرهم زائف ناقص ، وقال : لقد أعطيت كل شاعر علي مقدار شعره ، وهذا أوفر نصيب لك عندي ( العقد الفريد205/4 ).

وسبب هذا التصرف من أبان ، أن جعفر البرمكي ، أمر أبا نواس أن يصف كلبة صيد له، وأن يسميها، فوصفها وسماها : أم أبان ، يغيظ بذلك أبانا ، وكانا يتحاسدان ، فغضب أبان ، وانتقم منه ، بأن أعطاه ذلك الدرهم الزائف ، وقال له : هذا قدر شعرك عندي .

وكانت عاقبة عمل أبان ، أن هجاه أبر نؤاس بأهاج ، تعرض فيها الاعتقاده الديني ، وأتهمه بالزندقة ، وهي التهمة الرائجة في ذلك الزمان ، فقال من أبيات .

جالست يوما أبانا*** لادر در أبان

حتي إذا ما صلاة الي*** أولي دنست الأوان

فقلت سبحان ربي***فقال سبحان ماني

فقابله أبان ، وعيره بأمه ، فقال :

أبو نواس بن هاني***وأمه جلبان

والناس أفطن شيء***إلي دقيق المعاني

يريد أبان ، تصحيف جلبان ، وهو: خل ثان ، يتهم أم أبي نواس ، بالفاحشة وأنها كلما واصلت رجلا ، طلبت خ ثانية .

فقابله أبو نواس ، بأن هجاه واتهمه بما ينافي الرجولة ، فقال من أبيات :

ص: 500

غنج أبان ولين منطقه***يخبر الناس انه حلقي

فعاود أبان هجاء أبي نؤاس ، وذكر أمه ، فقال من أبيات :

إن يكن هذا النواسي*** بلا ذنب هجانا

فلقد نكناه حينأ***وصفعناه زمانا

سائل العباس وأسمع***فيه من أمك شانا

عجنوا من جلباني*** ليكبدوك عجانا

لزيادة التفصيل راجع دائرة المعارف الاسلامية 16/1 و17 وخزانة الأدب للبغدادي 3/ 458 و459 وأخبار أبي نؤاس لابن منظور المصري 32 - 34 وأخبار أبي نؤاس لأبي هقان 18.

وثمة لون من ألوان العذاب ، مارسه خليفة ، وهو الأمين ، ضد أمير عباسي ، وهو عمه يعقوب بن المهدي ، فقد بلغ الأمين ، أن عمه يعقوب ، لا يتم نسبه ، أي إنه لا يسلسله كما يسلسل العربي نسبه ، فدعاه ، وقال له : انتسب ، فقال : أنا يعقوب بن المهدي ، فقال له : ابن من ؟ فلم يعلم ، فأمر به فحمل علي الفيل ، وحلف أنه لا ينزله حتي يحفظ نسبه ، والإقامة علي الفيل ، لا تدخل في مشمول الإشهار لأن من شهر يطاف به في البلد ، أو يعرض علي الناس ، وهذا لم يحصل ، واذا لم يكن الحمل علي الفيل داخلا في الإشهار ، فهو عن بقية ألوان العذاب أبعد ، ولذلك وضعته في هذا البحث ، باعتبار الحمل علي الفيل لون من ألوان الشتيمة ، وإن تكن أشد منها ، راجع القصة في الهفوات النادرة 372 و 373 وراجع بشأن يعقوب بن المهدي الهفوات النادرة 380 و381.

ومن لطيف التعريض ، ما أورده صاحب المحاسن والمساويء 234/2 و235 قال : كان جميل بن محفوظ بلي أرجان ، وأبو دهمان يلي نيسابور ،

ص: 501

فزارهما أبو الشمقمق ، فأحسن اليه أبو دهمان ، ولم يحسن اليه جميل ، فقال :

رأيت جميل الأزد قد عق أمه*** فناك أبو دهمان أم جميل

واجتمع أبو دهمان وجميل ، عند يحيي بن خالد البرمكي ، يتناظران في حساب ، فأربي جميل علي أبي دهمان ، فقال له أبو دهمان : احفظ الصهر الذي جعله أبو الشمقمق بيني وبينك ، فضحك يحيي حتي فحص برجليه .

ومن لطيف التعريض ، ما أورده صاحب نفح الطيب 190/1 - 193 ، قال : كان أبو بكر المخزومي الضرير ، شاعر هجاء ، قدم غرناطة ، فبعث إليه الوزير أبو بكر بن سعيد ، يستدعيه إليه ، ووجه له عبدة صغيرة قاده ، فلما استقر به المجلس ، تحرشت به الشاعرة نزهون القلاعية ، وتشاتما ، فأسكته الوزير ابن سعيد، وقال له : أنا اشتري منك عرض نزهون ، فاطلب ، فقال : بالعبد الذي أرسلته فقادني إلي منزلك ، فقال له الوزير يمازحه : لولا كونه صغيرة ، كنت أهبه لك وأبلغك به مرادك ( يتهمه بالسوءة ) ، ففهم المخزومي قصده ، وقال له : أصبر عليه حتي يكبر ، ولو كان كبيرا ما آثرتني به علي نفسك ، فضحك الوزير ، وقال له : إن لم تهج نظمأ هجوت نثرأ ، فقال المخزومي : أيها الوزير ، لا تبديل لخلق الله .

وقد ترجم الوزير ابن الخطيب ، لأبي بكر المخزومي ، في الاحاطة 432 - 435؛ وقال عنه : إنه كان شديد القحة والشر ، معروف بالهجاء ، مسلطا علي الأعراض، سابقا في ديوان الهجاء، وأورد له صاحب نفح الطيب 205/3 أبياتا في التعريض ، قال يهجو فتي اسمه عيسي :

بود عيسي نزول عيسي***عساه من دائه يريح

وموضع الداء منه عضو*** لا يرتضي مسه المسيح

ص: 502

وقال يهجو:

با فارس الخيل ولا فارس*** إلا علي متن جواد الخصي

زدت علي موسي وآياته***تفجر الماء وتخبي العصا

ونافر مروان بن أبي حفصة ، شاعر من تيم اللات ، وقال له : ما أنت والشعر ، فقال التيمي يهجوه :

ثوي اللؤم في العجلان يوم وليلة***وفي دار مروان ثوي آخر الدهر

وليست لمروان علي العرس غيرة***ولكن مروانأ يغار علي القدر

فسأله مروان أن يكف عنه ، فأبي إلا إذا صار إليه بنفر من أهل اليمامة ، وأن يقول بحضرتهم : قاق ، في استي بيضة ، فاحضرهم مروان إليه ، وفعل ذلك بحضرتهم ، فانصرفوا وهم يضحكون من فعله . ( الأغاني 93/10 )

ومدح أبو نواس : الفضل بن يحيي البرمكي ، فقال في قصيدته :

سأشكو إلي الفضل بن يحيي بن خالد*** هواكم لعل الفضل يجمع بيننا

فقال الفضل : ما زاد علي أن جعلني قوادة ( الموشح للمرزباني 424 )

وكان الحسين بن الضحاك ، يكتب لأحد أجناد الشام ، رسائل غرام ، يبعث بها الي حبيبة له ، ثم بدا للحسين أن يفسد حال الشامي ، فكتب علي لسانه إليها ، وكان اسمها بصبص .

أرقصني حبك يا بصبص***والحب يا سيدتي يرقص

وابأبي وجهك ذاك الذي***كانه من حسنه عصعص

فكان جزاؤه علي الشعر ، أن دعته حبيبته إليها ، ثم صبت عليه ماء قد

ص: 503

خلط بالرماد والسرجين ، وقطعت علاقتها به ، راجع تفصيل القصة في الأغاني 199/7 و200).

وقال يموت بن المزرع : قال لي ابن صدقة المدني : ضربك الله باسمك ، فقلت له : أحوجك الله إلي اسم أبيك . ( البصائر والذخائر 522/1)

وكان أبو الشمقمق الشاعر، اديبأ ، ظريف ، محارفأ ، صعلوكا ، متبرما ، قال له أحد أصحابه وقد رأي سوء حاله وعريه : أبشر أبا الشمقمق ، فإنا روينا في الحديث ، أن العارين في الدنيا ، هم الكاسون يوم القيامة ، فقال له : إن كان ما تقول حقا ، فساكونن بزازأ يوم القيامة ، ثم قال : ( العقد الفريد 36/3 ).

أنا في حال تعالي الي***الله ربي أي حال

فلقد أفلس حتي***حل أكلي لعيالي

في حرام الناس طرا***من نساء ورجال

وكان أبو هفان ، وأبو العيناء ، علي مائدة ، فقدم عليها فالوذج حار ، فقال أبو هفان لأبي العيناء : هذه الفالوذجة أحر من مكانك في جهنم ، فقال له أبو العيناء : إن كانت حارة ، فيردها بشعرك ( مطالع البدور 80/2 ).

وقال رجل من آل سعيد بن سلم، لأبي العيناء : إن أبي يبغضك ، فقال له : يا بني لي أسوة بأل محمد صلي الله عليه وسلم . ( معجم الأدباء 68/7 ).

وفي السنة 201 خرج القائد الحسين بن اسماعيل من بغداد ، إلي الأنبار صحبة جيش وقواد، لمحاربة أتراك سامراء ، واشتبك معهم قرب الأنبار ، فانكسر ، وعاد مع فل العسكر إلي الياسرية ، قرب بغداد ، فقال له أحد التجار ممن ذهبت أموالهم في عسكره : الحمد لله الذي بيض وجهك ،

ص: 504

أصعدت في اثني عشر يوما ، وانصرفت في يوم واحد، فتغافل عنه . ( الطبري 323/9 ).

واشتري خزام ، صاحب دواب المعتصم ، خادما كان عبد الله بن العباس بن الفضل بن الربيع يتعشقه ، وسأله عبد الله أن يبيعه منه ، أو يهبه له ، فلم يفعل ، فصنع أبياتأ ثلاثة ، وعمل فيها لحنأ ، وغني بها ، فأتصل خبرها بخزام ، وخاف أن تبلغ المعتصم ، فوجه اليه بالخادم ، أما الأبيات فهي : ( مصارع العشاق 149/1 ).

وم سبت فصرفا لي المداما***وأسقياني لعلني أن أناما

شرد النوم حب ظبي غرير***ما أراه يري الحرام حراما

إشتراه فتي بقضمة يوم***أصبحت غبه الدواب صياما

ومن التعريض ، قول بعض الشعراء ، في هجو بعض حسان الغلمان :

مضي خالد والمال تسعون درهما***وعاد وباقي المال ثلث الدراهم

وهو معني بليغ ، وهجو خفي شنيع ، لأنه أشار الي أن خالدأ مضي ضيقة ، وعاد واسعة ، لأن عاقد التسعين يضم طرف السبابة إلي أصلها ضما محكمة ، بحيث تنطوي العقدتان اللتان فيها ، وعاقد الثلاثين يضع طرف إبهامه علي طرف سبابته ، وقد فصلنا البحث عن حساب الاصابع في كتاب نشوار المحاضرة للقاضي التنوخي ، تحقيق المؤلف ج 1 ص 104 107 رقم القصة 53 .

وذكر القاضي التنوخي ، أنه قد بلغ من انحطاط أمر الوزارة ، بعد المقتدر ، ان قرادا في شارع الخلد ، يجتمع الناس عليه ، فيقول لقرده : تشتهي أن تكون بزازأ ؟ فيقول : نعم ، ويوميء برأسه ، فيقول : تشتهي أن تكون عطارة ؟ فيقول : نعم ، برأسه ، ويعدد عليه الصنائع ، فيوميء برأسه ، ويقول له في آخرها : تشتهي أن تكون وزيرة ؟ فيوميء برأسه : لا ،

ص: 505

ويصيح ، ويعدو من بين يدي القراد ، فيضحك الناس ، للتفصيل راجع كتاب نشوار المحاضرة للتنوخي ، تحقيق المؤلف ج 1 ص 231- 233 رقم القصة 123)

ولما ولي أبو عبيد علي بن الحسين بن حرب البغدادي الشافعي ، ويقال له حربويه ، قضاء مصر ، سنة 293 ، قيل له إن في حبس ( وقف ) الوليد بن رفاعة ، شرط ، وهو أن يجعل في وجوه البر، ولم يعين شيئا ، فسأل أبو عبيد عن ترجمته ، فقيل له : كان عامل مصر ، وكان يلعن علي بن أبي طالب علي المنبر ، فقال : اجعلوا لحبسه للمنبوذين ، فثبت إلي الساعة ، أراد أبو عبيد التلميح ، بالحديث الوارد : إن من يبغض عليا لغير رشدة ( أي ولد زنا) . ( القضاة للكندي 528 ).

أقول : وقص علينا القاضي ابن خلكان ، في كتابه وفيات الأعيان 78/4 أن دلف بن أبي دلف القاسم بن عيسي العجلي ، وكان يكره علية ، قال يوما في مجلس والده أبي دلف ، ما معناه : يقولون إن من كره عليا فهو الغير رشدة ، وأنا أكرهه ، فقال له أبوه : صدقوا ، فإني لما وطئت أمك وعلقت بك ، ما كنت بعد استبرأتها .

وسئل الإمام أحمد بن حنبل ، عن قول الناس : علي قاسم الجنة والنار فقال : هذا صحيح ، لأن النبي صلي الله عليه وعلي آله وسلم ، قال لعلي بن أبي طالب : لا يحبك إلا مؤمن ، ولا يبغضك إلا منافق ، فالمؤمن في الجنة ، والمنافق في النار ( البصائر والذخائر م 2 ق 2 ص 328).

وقال أبو حيان النحوي الغرناطي ، لقاضي القضاة ابن جماعة : إن النبي ، عهد إلي علي بن أبي طالب ، فقال له : لا يحبك إلا مؤمن ، ولا يبغضك إلا منافق ، أتراه صدق في قوله هذا أم لا ؟ قال : صدق ، قال : فالذين سلوا السيوف في وجهه يبغضونه أو يحبونه ؟ ( نفح الطيب 542/2 ) .

ص: 506

وما أحسن ما قال صفي الدين الحلي : ( ديوان صفي الدين الحلي 89)

أمير المؤمنين أراك إما*** ذكرتك عند ذي حسب صغالي

وإن كررت ذكرك عند نغل***تكتر سره ، وبغي قتالي

فصرت إذا شككت بأصل مر***ذكرتك بالجميل من المقال

فليس يطيق سمع ثناك إلا*** كريم الأصل محمود الخصال

فها أنا قد خبرت بك البرايا***فأنت محك أولاد الحلال

ومما يشبه الشتيمة ، ما كتبه أبو الحسن علي بن عيسي الوزير ، وكان محبوسة في دار الخلافة ، وبعث إليه الخليفة بأسماء جماعة سعوا في طلب الوزارة ، وسأله عن رأيه فيهم ، وكان من جملتهم أبو القاسم علي بن محمد المعروف بابن الحواري ، فكتب أمام اسمه : لا إله إلا الله ، ويعني بهذه الكلمة ، أنه لا يصلح للوزارة أبدأ ، ويعجب من طلبه لها .

ومن المناسب أن أورد جواب أبي الحسن ، وما دونه في الرقعة ، مقابل كل اسم ورد فيها : ( صلة عريب ).

إبراهيم بن عيسي وقع مقابل اسمه***شرة لا يصلح

أبو العباس أحمد بن بسطام***كاتب سقاك للدماء

أبو الحسين محمد بن أحمد المعروف بابن أبي البغل*** ظالم لا دين له

أبو محمد حامد بن العباس***عامل موسر عفيف قد كبر

أبو زنبور الحسين بن أحمد المادرائي***لا علم لي به ، وقد كفي ما في ناحيته

أبو العباس أحمد بن عبيد الله بن سليمان الخصيبي*** أحمق متهور

أبو القاسم سليمان بن الحسن بن مخلد***كاتب حدث

أبو القاسم علي بن محمد المعروف بابن الحواري .***لا إله إلا الله

وذكر أبو إسحاق الصابي ، إنه كان مع أبي أحمد الشيرازي ، في

ص: 507

مجلس الوزير المهلبي ، وتذاكرا فيما بينهما سر حسن الدواة التي صبغت اللوزير من الذهب ، وكانت في طول ذراع وعرض شبر ، محلاة حلية ثقيلة ، فقال أبو أحمد : ما كان أحوجني إليها لأبيعها فأنتفع بثمنها ، فقال له الصابي : فأي شيء يعمل الوزير ؟ قال : يدخل في حرامه ، وسمع الوزير ما جري بينهما ، بإصغائه إليهما ، ولما اجتمعا في الغد، قال أبو أحمد لأبي إسحاق : عرفت خبر الدواة ؟ قال : لا ، قال : جاءني البارحة رسول الوزير ومعه الدواة ومرفعها ومنديل وعشر قطع ثياب وخمسة آلاف درهم ، ومعها رسالة من الوزير قال فيها : أنا عارف بقصور المواد عنك ، وتضاعف المؤن عليك ، وقد آثرتك بهذه الدواة لما ظننت من استحسانك لها ، وجعلت معها ما تكتسي به ، وتصرف بعضه في نفقتك ، فبقيت متعجبا من اتفاق ما تجارينا فيه ، وتقدم الوزير بصياغة دواة أخري ، فصيغت ، ودخل الصابي وأبو أحمد إلي مجلسه ، فنظر الوزير إليهما ، وهما يلحظان الدواة ، فقال لهما : هيه ، من منكما يريد الدواة ، بشرط الإعفاء من الدخول ؟ فاستحيا ، وعلما أنه كان قد سمع أقوالهما السابقة ، وقالا : بل يمتع الله بها الوزير ، ويبقيه ليهب ألفا منها . ( المنتظم 9/7 و10).

ودخل السلامي علي عضد الدولة ، فمدحه ، فأجازه وأعطاه ، ثيابا ودنانير ، وكان بين يدي عضد الدولة جام خسرواني ، فرآه عضد الدولة يلحظه ، فرمي به اليه ، وقال : خذه ، فقال السلامي :

وكل خير عندنا من عنده

فقال له عضد الدولة : ذاك أبوك ، قال السلامي : فبقيت متحيرأ لا أدري ما أراد ، ورجعت الي أستاذ لي ، فشرحت له الحال ، فقال لي : ويحك ، لقد أخطأت خطأ عظيما ، فإن هذا الشطر لأبي نواس يصف كلبأ ، حيث يقول : ( الهفوات النادرة 171).

ص: 508

أنعت كلبأ أهله من كده***قد سعدت جدودهم بجده

وكل خير عندهم من عنده

وكان ابن ثعلبة ، أحد كتاب الديلم ، كثير الإلحاح علي أبي القاسم العلاء بن الحسن ، وزير صمصام الدولة ، في طلب المحال ، وما لا يجوز ، وما لا يسوغ ، فوقع الوزير في رقعة عرضها عليه : قاق قاق قاق . ( الهفوات النادرة 302 و 303).

ومن لطيف التعريض ، ما أورده الصفدي في الوافي بالوفيات 40/9 ،قال : جمع القاضي ابن عمار قاضي طرابلس ، بين أبي الفضل أسعد بن أحمد الطرابلسي (ت 520) وبين مالكي ، فناظره في تحريم الفقاع، فأنزعج المالكي ، وقال له : كلني ، فقال له أسعد : ما أنا علي مذهبك ، يشير إلي ما يتهم به المالكيون بأنهم يجوزون أكل الكلب .

وفي السنة 571 ولي الخليفة المستضيء بأمر الله ، حجابة الباب ، أبا طالب نصر بن علي الناقد ، وكان يلقب في صغره قنبرأ ، فصاروا يصيحون به ذلك إذا خرج ، فأمر الخليفة أن يركب معه جماعة من الأتراك ، لمنع الناس من ذلك ، فامتنعوا، فلما كان قبل العيد، خلع عليه ليركب في الموكب ، فاشتري جماعة من أهل بغداد ، شيئا كثيرة من القنابر ، وعزموا علي إرسالها في الموكب ، إذا رأوا ابن الناقد، فأنهي ذلك إلي الخليفة ، وقيل له : يصير الموكب ضحكة ، فعزله ، ووتي ابن المعوج . ( ابن الأثير 433/11)

ومن لطيف التعريض ، قول ابن مغيث المغربي ، في عبد المجيد بن المهذب ، وكان ابن المهذب له في رأسه قروح ، وله عبد يؤثره اسمه سعيد ، فقال :

زرت عبد المجيد زورة مشتا***قي إليه ، فصد عني صدودا

ص: 509

فكأني أتيت انتزع العم*** ة عن رأسه وأخصي سعيدا

اخذ هذا التعريض من ولادة الاندلسية بنت المستكفي ، في تعريضها بالوزير بن زيدون مشيرة إلي غلام اسمه علي ، كان ابن زيدون يؤثره ( الوافي بالوفيات 249/5 ).

إن ابن زيدون علي فضله***يغتابني ظلما ولا ذنب لي

يلحظني شزرا اذا جئته***كأنني جئت لأخصي علي

ومن لطيف التعريض ، ما قاله البديع الدمشقي (ت 534 ) ، في قاضي الصعيد ، يوحي إلي أنه لا يصلح إلا للصفع ، قال :

حاكمكم بهيمة***ليست تساوي العلفا

وليس فيه مضغة***طيبة إلا القفا

فأمر القاضي بسجنه ، فقال : ( فوات الوفيات 133/2 ).

أصبحت حلف مصائب***من كيد ذات حر سمين

أنا يوسف أمرت بسج***ني زوجة القاضي المكين

وقلبت قينة بغدادية ، علي عاشقها ، بعد أن تبين لها إفلاسه ، مرقة من قدرسكباج ، وذلك : إن فتي بغداديكان يتعشق قينة ، وأنفق عليها ماله ، فلما افتقر ، اطرحته ، وزارها من بعد ذلك ، فحسبت أن أحواله قد تحسنت ، ولكنه أعترف لها بأنه ما يزال مفلسا ، فطردته ، ولما خرج الي الشارع، قلبت عليه مرقة من قدر سكباج، وصيرته آية ونكالا ، راجع تفصيل ذلك في كتاب نشوار المحاضرة للتنوخي ، تحقيق المؤلف ج 1 ص 179 رقم القصة 93.

وكان بالرقة قاض يكثر من الحديث في أخبار بني إسرائيل ، فقال له الحجاج بن حنتمة ، يسخر منه : ما كان اسم بقرة بني إسرائيل ؟ فقال :

ص: 510

اسمها حنتمة ، فقال له رجل من ولد أبي موسي الأشعري : في أي الكتب وجدت هذا ؟ فقال : وجدته في كتاب عمرو بن العاص ( وفيات الأعيان 55/25)

وكان بين ابن زبرج العتابي ، وابن الخشاب منافرات ومناقرات ، وكان ابن الخشاب يقول : الناس يتعجبون أذا رأوا حمارأ عتابية ، فكيف لا أتعجب إذا رأيت عتابيا حمارة ( الوافي بالوفيات 152/4 ).

اقول : كان القماش المعلم بالأعلام المختلفة الألوان ، يدعي ، العتابي ، نسبة إلي محله العتابيين ، بالجانب الغربي من بغداد ، وكانت هذه المحلة مشتهرة بصنع هذا الصنف من الثياب ، فنسب إليها، ومنها اشتقت تسمية حمار الزيبرا ، وهو الحمار المخطط ، بالحمار العتابي ، لأن جلده معلم بخطوط بيضاء وسوداء علي غرار الثياب العتابية ( الكنايات للمؤلف ص 91،90 )

وكان أبو حاتم محمد بن أبي المنهال الأزدي الزبتي (ت 408) قاضية في ( زبنة ) إحدي كور الساحل ، وإليها نسبته ، فهجاه ابن أبي مغنوج بأبيات أولها : ( الوافي بالوفيات 79/5 ).

أبا حاتم سد من أسفلك***بشيء هو الشطر من منزلك

ووقف الزمخشري ، علي كتاب الأمثال للميداني ، فزاد في لفظة الميداني ، نونا ، فصارت : النميداني ، ومعناها بالفارسية : الذي لا يعرف شيئا ، فعمد الميداني إلي أحد تصانيف الزمخشري ، وأبدل الميم في اسمه إلي نون ، فصارت : الزنخشري ، ومعناها بالفارسية : بائع زوجته ( الفلاكة والمفلوكون 130 ).

ويشبه ذلك ما حصل بين ابن عمار الوزير الأندلسي ، وأبي بكر الداني ، لما اجتمعا في مجلس ، فقال له ابن عمار : اجلس يا داني بغير

ص: 511

ألف ، فقال له : نعم ، يا ابن عمار بغير ميم ( نفح الطيب 260/4 ) .

وكان ابن عبد ربه ، صاحب العقد الفريد والقلفاط الشاعر ، صديقين ، ثم تصارما، وسبب ذلك إن ابن عبد ربه كان في مشيته اضطراب ، فقال له القلفاط : يا أبا عمر ، ما علمت أنك ادر إلا اليوم ، لما رأيت مشيتك ، فقال له ابن عبد ربه : كذبتك عرسك يا أبا محمد، فاغتاظ القلفاط منه ، وتصارما ، وتهاجيا ( نفح الطيب 294/3 ).

وكان الرمادي الشاعر الأندلسي ، أبو عمر يوسف بن هارون ، معاصرة للمتنبي ، وكلاهما من كنده ، سمع المتنبي قول الرمادي :

في أي جارحة أصون معذبي***سلمت من التعذيب والتنكيل

إن قلت في بصري فثم مدامعي***أو قلت في قلبي فثم غليلي

فقال المتنبي : يصونه في أسته ، وسمع الرمادي قول المتنبي :

كفي بجسمي نحو أنني رجل*** لولا مخاطبتي إياك لم ترني

فقال : فهو إذن ضرطة ( نفح الطيب 71/3 و 72 ).

وحكي ابن سيد الناس ، قال : أن الشيخ بهاء الدين بن النحاس دخل الي الجامع الأزهر فوجد ابا الحسين الجزار جالسأ وإلي جانبه مليح ففرق بينهما وصلي ركعتين ولما فرغ قال لأبي الحسين : ما أردت الا قول ابن سناء الملك ، فقال له ابو الحسين : ما تفاءلت الا بقول صاحبنا السراج الوراق .

اراد الشيخ بهاء الدين بيت ابن سناء الملك : (تاج الأخبار ونتائج الأفكار - مخطوط ).

أنا في مقعد صدق***بين قواد وعلق

ص: 512

واراد أبو الحسين بيتي السراج الوراق :

ومهذب راض الأبي*** فقاده سلس القياد

لما توسط بيننا***جرت الأمور الي سداد

وخلع السلطان نور الدين محمود زنكي ، علي ملك النحاة ، خلعة سنية ، ونزل ليمضي الي منزله ، فرأي في طريقه حلقه عظيمة ، فمال إليها لينظر ما هي ، فوجد رجلا قد علم تيسأ له ، استخراج الخبايا ، وتعريفه من يقول له من غير إشارة ، فلما وقف عليه ملك النحاة ، قال الرجل : في حلقتي رجل عظيم القدر ، شائع الذكر ، ملك في زي سوقة ، أعلم الناس ، وأكرم الناس ، وأجمل الناس ، فأرني إياه ، فشق ذلك التيس الحلقة ، وخرج حتي وضع يده علي ملك النحاة ، فلما يتمالك ملك النحاة أن خلع تلك الخلعة ، ووهبها لصاحب التيس ، فبلغ ذلك نور الدين ، فعاتبه ، وقال : استخففت بخلعتنا حتي وهبتها لطرقي ؟ ، فقال : يا مولانا ، عذري في ذلك واضح ، لأن في هذه المدينة زيادة علي مائة تيس ، ما فيهم من عرف قدري إلا هذا التيس ، فجازيته علي ذلك ، فضحك نور الدين ، وسكت ( معجم الأدباء 78/3 و 79 ).

وفي السنة 579 ملك السلطان صلاح الدين الأيوبي ، حلب ، من عماد الدين زنكي بن مودود بن زنكي ، الذي نزل له عنها لقاء سنجار ونصيبين، فقبح أهل حلب ما صنعه ، وأحضر أحد عامة حلب اجانة ، وماء ، وناداه : أنت لا تصلح للملك ، وإنما يصلح لك أن تغسل الثياب ، وأسمعوه المكروه ( ابن الأثير 497/11 ) .

ومن التعريض اللطيف ، ما صنعه الخليفة العباسي المستظهر ، مع الأبيوردي الشاعر أبي المظفر محمد الأموي ، وكان ينتسب الي معاوية الأصغر ، فإنه كتب رقعة إلي المستظهر ، وذكر فيها نفسه : الخادم المعاوي ،

ص: 513

فكره الخليفة النسبة ، وحك الميم ، فأصبحت الجملة : الخادم العاوي ( وفيات الأعيان 4 / 446 ).

وحضر الحيص بيص ، وهو تميمي ، وابن الفضل الشاعر (ت 558 ) علي السماط ، عند الوزير في شهر رمضان ، فأخذ ابن الفضل قطاة مشوية ، وقدمها إلي الحيص بيص ، فقال الحيص بيص للوزير : يا مولانا ، هذا الرجل يؤذيني ، فقال الوزير : كيف ذلك ، قال : قدم لي قطاة ، يشير بها إلي قول الشاعر : ( وفيات الأعيان 56/6 ).

تميم بطرق اللؤم أهدي من القطا*** ولو سلكت سبل المكارم ضلت

وفي السنة 573 حدثت فتنة في بغداد ، وهاجت العامة علي اليهود وقصدوا دكاكين المخلطين ، وأكثرهم يهود ، فنهبوها ، وخربوا الكنيسة التي عند دار البساسيري ، وأحرقوا التوراة ، فأمر الخليفة ، فنصبت بالرحبة أخشاب ليصلب عليها قوم من المفسدين ، فظنها العامة نصبت تخويفا لهم ، فعلقوا عليها في الليل جرذانا ميتة . ( ابن الأثير 447/11 و448 ).

وفي السنة 594 حصر خوارزم شاه علاء الدين تكش ، مدينة بخاري ، وامتنع أهلها منه ، وقاتلوه مع الخطا ، وأخذوا كلبأ أعور ، وألبسوه قباء وقلنسوة ، وقالوا : هذا خوارزم شاه ، لأنه كان أعور ، وطافوا به علي السور ، ثم ألقوه في منجنيق إلي عسكر خوارزم شاه ، وقالوا : هذا سلطانكم ، وكان الخوارزميون يسبونهم ، ويقولون : يا أجناد الكفار ، قد ارتددتم عن الإسلام ، فلم يزل هذا دأبهم حتي ملك خوارزم شاه البلد بعد أيام يسيرة عنوة ، وعفا عن أهله ، وأحسن إليهم ( ابن الأثير 137/12 و138).

وفي السنة 911 هجا الشاعر يوسف السلموني المصري ، القاضي معين الدين بن شمس وكيل بيت المال ، فقال فيه من قصيدة :

وحرفته فاقت علي كل حرفة***يركب ياقوت علي فص خاتمه

ص: 514

فشكاه معين الدين الي القاضي ، فضربة القاضي وأشهره ( الكواكب السائرة 318/1 ).

أقول : الظاهر أن الشاعر يشير إلي علاقة بين معين الدين وعبد من عبيده اسمه ياقوت .

وحدثنا أحد أصحابنا من المحامين بالعراق ، قال : كنا في وليمة ، وقدمت إلينا ، رؤوس ، فمد أحد المحامين يده ، وأخذ لسانأ قدمه إلي أحد القضاة فشكره القاضي ، ثم قدم اليه قطعة من المخ، وتبين لنا من بعد ذلك ، أن المحامي قدم للقاضي اللسان ، يعيره بأنه غير منطيق ، وأنه في حاجة إلي لسان ، فرد عليه القاضي ، بأن قدم له المخ ، يعني أنه في حاجة إلي دماغ .

وهكذا تشاتما بالإشارة ، من دون أن يشعر أحد بذلك .

ومن لطيف التعريض ما حدثني به الأستاذ عبد القادر البراك ، قال : عند انتهاء أمد عينية المرحوم جميل صدقي الزهاوي ( أي عضويته في مجلس الأعيان العراقي ) لم يجددها له المرحوم الملك فيصل الأول ، وعين في موضعه الحاج محمود الاسترابادي عضوا في مجلس الأعيان ، فأعلن الزهاوي علي الملك فيصل حربا لا هوادة فيها، وأخذ يتناوله في كل مجلس، تلميحا إن كان المجلس عاما ، وتصريحا إن كان المجلس خاصا ، وفي أحد الأيام حضر الزهاوي مجلس الأستاذ فهمي المدرس، وكان في صدر المجلس خارطة العراق ، فنهض الزهاوي واقترب منها ، وأخذ يطيل النظر إليها ، يتظاهر بأنه يبحث عن شيء ، وأستلفت ذلك نظر صاحب الدار ، فسأله : عن أي شيء تبحث يا أستاذ ؟ فأجابه الزهاوي : أبحث عن استراباد ، لأري موقعها ، وهل هي في وسط العراق أو في جنوبه ، يشير بذلك إلي أن استراباد مدينة إيرانية ، وأن الاسترابادي إيراني ، فلا يصلح أن يكون عضوا في مجلس

ص: 515

الأعيان العراقي ، فضحك الأستاذ المدرس ، وقال : إن مدينة استراباد ، يا أستاذ ، تقع بجوار مدينة زهاو ، فأبحث عنها هناك ، ولا يخفي أن مدينة زهاو التي ينتسب إليها الزهاوي ، مدينة إيرانية أيضأ .

ومن أوجع ألوان التعريض ، ما قام به جماعة من الشبان البغداديين في السنة 1952 حيث قاموا بمظاهرة ضد الحكومة القائمة ، وعندما مروا بحزب الإتحاد الدستوري ، وهو حزب الحكومة ، عمدوا إلي اللوحة المرفوعة علي الباب ، وعليها اسم الحزب ، فرفعوها ، ووضعوها علي مدخل زقاق المبغي العام ( الكلجية ) . ( تاريخ الأحزاب السياسية في العراق للحسني 219) .

وتذكرني هذه القصة بقصة مماثلة لها حصلت في العشرينات في ابتداء تشكيل الحكومة العراقية خلاصتها أن السلطة البريطانية عمدت إلي جماعة من الوطنيين فنفتهم إلي هنجام فهاج الناس في بغداد وكانوا ينتظرون من الحزب الحر المعتدل أن يشجب هذا التصرف من السلطة البريطانية فلم يحرك الحزب ساكنا فنظم فيه شاعر العراق معروف الرصافي مقطوعة منها :

قولوا لحزب تسمي الحر معتدلا*** هل أنت من بعد نفي القوم معتدل

قد احتملت من التاريخ لعنته*** لله درك ماذا أنت محتمل

وعمد جماعة من الشبان البغداديين إلي اللوحة المثبتة علي باب الحزب وعليها اسمه فحملوها وعلقوها علي باب المبغي العام ( دار القحاب ) وحدث من بعد ذلك أن اجتمعت الهيأة الادارية للحزب فتأخر أحد أعضائها عن الحضور وتعجب رئيس الحزب وكان يرأس الجلسة من تأخر العضو وتساءل عن سبب التأخر وكان المرحوم عبد المجيد الشاوي من جملة الاعضاء وهو أمير من أمراء الفكاهة لا تفوته النكتة في موضعها فقال للرئيس : لعل صاحبنا ذهب إلي المقر الجديد للحزب .

ص: 516

الفصل الثالث: التفل

التفل : بفتح فسكون : البصق . والتفال ، بضم التاء : البصاق ، وهذه الكلمة ما زالت مستعملة في بغداد .

وهذا اللون من العذاب ، هو أقرب إلي الشتيمة ، منه إلي أي لون من ألوان العذاب الأخري .

في إحدي المعارك ، صرع الإمام علي ، رجلا من الكفار ، ثم قعد علي صدره ليحت رأسه ، فبصق ذلك الرجل في وجهه ، فقام عنه وتركه ، فلما سئل عن سبب قيامه عنه بعد أن تمكن منه ، قال : إنه لما بصق في وجهي اغتظت منه ، فخفت إن قتلته أن يكون للغيظ والغضب نصيب في قتله ، وما كنت أريد أن أقتله إلا خالصا لوجه الله تعالي ( الفخري 44) .

وفي السنة 72 كتب عبد الملك بن مروان إلي عبد الله بن خازم أمير خراسان لابن الزبير ، وعرض عليه إمارة خراسان سبع سنين ، إن بايعه وخلع ابن الزبير ، فأبي ، فكتب إلي بكير بن وشاح أمير مرو، يعرض عليه إمارة خراسان ، ويحرضه علي الخروج علي ابن خازم ، فخلع بكير ، فقصده ابن خازم الي مرو ، واشتبك مع بكير في معركة قتل فيها ابن خازم ، اعتوره بحير بن ورقاء وعمار بن عبد العزيز الجشمي ، ووكيع بن عميرة القريعي ، فطعنوه ، فصرعوه، فقعد وكيع علي صدره فأحت عنقه، قال وكيع : لما قعدت علي صدره ، حاول القيام ، فلم يقدر عليه ، وقلت : يا لثارات دويلة ،

ص: 517

ودويلة أخ لوكيع من أمه ، قتله عبد الله بن خازم ، فتنخم ( بصق ) ابن خازم في وجهي : وقال : لعنك الله ، تقتل كبش مضر بأخيك علج لا يساوي كفا من نوي ( الطبري 176/6 و 177).

وتفل المنصور العباسي ، علي عبد الله بن الحسن بن الحسن العلوي ، لما اعتقله بالحجاز ، وأخذه معه مقيدة ، ومعه كثير من بني الحسن إلي بغداد ، حيث حبسهم ، حتي ماتوا في حبسه ، فلما وصل المنصور الربذة ، وهو في محمل والربيع معادل له ، ومعه بنو الحسن مغلولين ، صاح عبد الله بن الحسن ، بالمنصور : يا أبا جعفر ، ما هكذا فعلنا بأسراكم يوم بدر ، فأخسأه أبو جعفر ، وتفل عليه ، ومضي ولم يعرج ( مقاتل الطالبيين 221 )

أقول : يشير عبد الله بن الحسن بقوله هذا ، إلي تصرف جده النبي صلوات الله عليه ، بعد وقعة بدر ، في العناية بعمه العباس ، جدا المنصور ، لما أسرة المسلمون ، فإن النبي قضي ليلته ساهرأ ، فقال له أصحابه : يا رسول الله ، مالك لا تنام ، فقال : سمعت تضور العباس في وثاقه ، فقاموا إلي العباس ، فأطلقوه ، فنام رسول الله ( الطبري 463/2 ) .

ولما جيء إلي المنصور ، برأس إبراهيم بن عبد الله بن الحسن بن الحسن ، قتيل باخمري ، ووضع بين يديه في ترس ، أكب عليه بعض السيافة ، فبصق في وجهه ، فنظر إليه أبو جعفر نظرة شديدة ، وأمر بدق أنفه ، فأخذته أعمدة الحرس ، وما زال يهشم بها حتي خمد ( الطبري 81/8 و82 وابن الأثير 551/5 ).

وكان المنصور ، قد طلب عمه عبد الله وقواده ، وأعطاهم الأمان ، ولكن خفاف بن منصور ، أحد القواد ، حذرهم من غدر المنصور ، فلم يلتفتوا إليه ، وقدموا عليه ، وكان خفاف معهم ، فلما وصلوا إليه ، أمر

ص: 518

المنصور ، فأخذت سيوفهم ، واعتقلوا ، فجعل خفاف يضرط في لحية نفسه ( يعفط ) ، ويتفل في وجوه أصحابه ، لأنهم لم يستمعوا إلي نصحه ، ثم أن المنصور قتلهم بأجمعهم . ( الطبري 501/7 و 502 وابن الأثير 496/5 و497) .

وكان من جملة ما يمتحن به المتهم بالزندقة في عهد العباسيين ، أن تعرض عليه صورة ماني ، ويؤمر بأن يبصق عليها، فإن بصق زالت عنه التهمة ( أخبار أبي نواس لابن منظور 224 و225) . وتشاتم حماد عجرد ، وصاحبته خشة ، المعروفة بظبية الوادي ، فقال لها: يا زانية ، فقالت له : الزانية أمك ، وثاورها، وثاورته ، فشقت قميصه، وبصقت في وجهه ، وقالت له : ما تصادقك إلا زانية ( الأغاني 282/13 )

وغضب المأمون ، علي فرج الرخجي ، فبصق في وجهه .

وفرج الرخجي هذا ، نسبته إلي الرخج ، كورة ومدينة في نواحي كابل ( معجم البلدان 2/ 770) أبوه زياد من سبي معن بن زائدة ، أما فرج فكان مولي لحمدونة بنت الرشيد ( الهفوات النادرة 77) وكان فرج من كبار العمال في الدولة العباسية ، وكان دميمة قبيح الصورة ( المحاسن والاضداد 116) وفيه شر وغدر ، ونفاق ومكر ( رسوم دار الخلافة 39 ) والقصة المروية عنه في كتاب رسوم دار الخلافة 38 - 45 المشتملة علي خيانة من أحسن إليه ، تدل علي مقدار ما فيه من لؤم وخسة ، ولي الاهواز للرشيد ، فسرق ، وظلم ، وخان ، فصرفه الرشيد ، ثم أعاده . والقصة التي بصق المأمون من أجلها في وجهه ، وان كان فيها طول ، إلا إنني آثرت إيرادها بكاملها ، قال مخلد بن أبان الكاتب : كان بيني وبين فرج الرخجي ، من التعادي لأجل الأعمال ، وولاية الأهواز ، والمجاورة ببغداد ، ما هو مشهور ، وكان في فرج شر

ص: 519

وغدر ، ونفاق ومكر ، وجرت الحال بيننا علي ذلك أيام الرشيد ، والأمين ، والمأمون ، واحترقت الدواوين في فتنة الأمين ، وفيها علي فرج الأموال الجليلة ، وقد احتال في استهلاك ما تعلق به منها بضروب التوصل والحيلة ، واتفق أن أجتمعنا يوما بحضرة المأمون ، وأخذنا في المناظرة ، وكنت أتولي يومئذ الضياع العامة ، وفرج يتولي الضياع الخاصة ، فقال لي المأمون : أنا أعلم أن جميع حساب فرج عندك ، وأنه كان قد احتال فيما كان في الدواوين منه ، وما يقنعني منك إلا احضاري كل ما تعرفه وعمل مؤامرة له بما يلزمه ، فقلت له : لست أعرف من ذلك إلا قدر ما أتذكره وأرجع إلي اثبات عندي فيه ، وأطالع أمير المؤمنين به ، قال : افعل ، واجمع كل ما يمكنك جمعه ، ويتحقق عندك وجوبه ، فانصرفت الي داري ، وكان عندي ، سائر الحساب ، وأحضرت كاتبين ، هما يونس بن زياد ، ويحيي بن راشد ، وحجبت الناس عني ، واشتغلت معهما بإخراج ما يقتضي إخراجه ، واستعانوا بابن حدث اليحيي بن راشد ، ليكتب بين أيديهم ، ولم يطلقوا له أن ينصرف إلي بيته ، وأقاموا علي ذلك يومين وليلتين ، فأخرجوا علي فرج مالا جليلا ، فأخذت المؤامرة ، وأبطلت كل ما يقدر أن لفرج حجة فيه ، وبقي علي فرج مما حقق وصحح، إثنان وثلاثون ألف ألف درهم، لا حجة له فيها ، وانصرف آبن يحيي إلي منزله ، فأخبر خاله بما صنعوا ، وكان خاله من أتباع فرج ، فذهب الي فرج وأخبره بما وقع ، فقامت قيامته ، وجاء إلي ليلا ، وطرق الباب وتوسل بكل وسيلة حتي دخل الي ، وطرح نفسه علي حصير بين يدي ، ويكي طويلا ، وقال لي : الله ، الله ، يا أبا الحسن في ، وفي نعمتي ، وولدي ، لا تقتلني وتفقرني ، وأعف عن كل ما تقدم مني ، فإن في إخراج حسابي ، هلاكي وفقري ، وذهاب حالي بقية عمري ، فعاتبته علي ما سبق منه ، وذكرته بما صنع معي ، وكيف إنه سعي علي مرات ، وعرضني للقتل وذهاب النعمة ، فقال لي : صدقت في كل ما قلت ، فجد علي بالفضل ، وقابلني بالصفح، وحلف لي بالايمان العظيمة ، أنه لا يقوم بعدها مقام

ص: 520

يسوعني ، فقلت له : إني سوف أحسن إليك علي تحققي بأنك لن تقلع عن عادتك ، ولن ترجع عن عداوتك ، وأنك سوف يأتيني منك من القبيح ، أكثر مما أتاني منك فيما مضي ، فقال : أكون إذن لغير رشدة ( أي ولد زنا) ، فقلت له : فما تشاء ؟ فاطلع علي المؤامرة ، وأقر بما فيها ، وطلب مني أن أنزل ما صحح عليه ، إلي عشرين ألف ألف درهم ، فقلت له : ما دمت قد سلكت معي سبيل الإستصفاح والاستقالة ، فإني سوف أسقط عنك المطالبة ، وأحرقت المؤامرة أمامه ، فأظهر من الفرح والشكر أمرا عظيما ، فقلت له : أما إنك لن تترك غاية في الغدر وركوب الشر والبغي ، إلا بلغتها ، فبكي فرج ، وقال : إذن أكون ولد زنا ، وجعل يحلف علي الإخلاص والوفاء ، وخرج ، وتلطفت له عند المأمون ، فاندرجت القصة ، وزالت عن فرج المطالبة ، وبعد أقل من خمسة عشر يوما ، سعي فرج في تعريضي للقتل والاستئصال ، وذلك إنه كان الفرج غلام يعرف بنصر ، يعمل القلانس والشاشيات ، وكان يعمل لنا ما نحتاج إليه منها ، فلما كان بعد هذا الحديث بأيام جاءنا نصر بخمس شاشيات ، قد تأنق فيها فأخذها خادمي ، وأدخلها الي ، فاستحسنها ، وأمرته أن يحضر لي واحدة منها ، إذا ركبت الي الديوان ، فأحضر واحدة منها في اليوم التالي ، ووضعتها علي رأسي ، ولما وصلت إلي الدهليز ، وجدت أن برذوني يراض، فجلست في الدهليز ، وأحسست بحكة في رأسي ، فخلعت الشاشية ، ولما جسستها وجدت في باطنها شيئا مربعا ، فأخذت سكينة من خادمي ، وفتقت الشاشية ، فإذا في داخلها صليب من الخوص ، فصاح خادمي ، فأسكته ، واستدعيت الشاشيات التي أحضرها نصر ، وفتحتها ، فإذا فيها جميعا ، الصليب الخوص ، فأمرت خادمي فأحضر لي شاشية من غير صناعة نصر ، ولبستها ، وأمرت خادمي ، بأنه إذا سأله نصر ، أن يخبره بأني لبست شاشية من صنعه ، وخرجت فإذا نصر بالباب ، وأخبره خادمي ، بما أمرته به ، ولما وصلت إلي الديوان ، وأذن الخليفة للكتاب والقواد ، ودخل فرج ، فتعرض فرج لي ، وهاترني ، وقال

ص: 521

للمأمون : والله ، يا أمير المؤمنين ، إن مخلدأ ، لا يدين بدينك ، وإن أظهر انه مولاك ، وإنه ليعتقد عبادة الصليب ، ودليل ذلك إن في شاشيته واحدة ، ومتي شككت في قولي فخرقها ، وفتشها ، وأعرف كذبي من صدقي فيه بامتحانها ، فوجم المأمون لقوله ، وحمله كرم نفسه ، علي السكوت ، فبادرت إلي شاشتي ، ومزقتها بين يدي المأمون ، وحدثته بخبري بتمامه ، وما دبره علي في الشاشية ، وما فعله نصر القلانسي ، فعجب المأمون من ذلك ، وأحضر نصرا ، وسأله عن الصورة ، فلجلج ، فأمر به ، فمد ، وضرب خمسين عصا ، فأعترف ، وأحال علي فرج فيها ، فبصق المأمون في وجه فرج ، وشتمه ، وانصرف فرج خازيا منخذلا ، وخرجت مخلوع علي مكرما ، وحمل فرج الي الحبس ، حيث تقرر عليه ثلاثة آلاف ألف درهم ( رسوم دار الخلافة 38- 45) .

أقول : كان لفرج الرخجي ، ولد اسمه عمر ، كان شرا من أبيه ، انظر ترجمته في الفصل الثاني من الباب الثالث ، وهو بحث الصفع .

وولي عيسي بن المنكدر ، القضاء بمصر ، من السنة 212 إلي السنة 214 فصال أحد الخصوم علي خصمه ، فأمر القاضي الخصم المعتدي عليه بأن يبصق في وجه الخصم المعتدي ، ففعل ، فقال له القاضي : أذلك الحق . ( القضاة للكندي 438 ).

وكان أحمد بن الخصيب بركل المتظلمين ، ويبصق عليهم ، أما أبو عباد ثابت بن يحيي ، فكان يضربهم بالمقرعة ، إذا كان راكبا ، وبالدواة ، إذا كان في دسته ، أما أحمد بن أبي خالد ، فكان يشتمهم ، أما أبو العباس بن الفرات ، فكان يشتم ، ويرفس برجله في الركاب ، ويقنع المراجعين بالمقرعة ، ويبصق عليهم ، راجع القصة 35/8 من كتاب نشوار المحاضرة للتنوخي (ج 8 ص 83، والهفوات النادرة 261).

ص: 522

ولما هاج الجند الأتراك علي الخليفة المهتدي ، دخلوا عليه ، وجعلوا يصفعونه ، ويبصقون في وجهه . ( الطبري 458/9 ) .

وفي السنة 291 اشتبك الجيش العباسي ، والقرامطة ، في معركة ضارية ، فأسر رئيس القرامطة ابن زكرويه ومعه من رؤساء القرامطة المدثر ، والمطوق ، وغلام له رومي ، وأدخلوا الرقة ، علي جمال ، وعليهم برانس حرير ودراريع ديباج ، ثم أدخلوا بغداد مشهرين وكان ابن زكرويه صاحب الشامة علي كرسي ارتفاعه ذراعين ونصف ذراع راكبا علي ظهر فيل ، أما أصحابه فكانوا علي جمال ، مقيدين ، وعليهم دراريع وبرانس حرير ، وكان المطوق في وسطهم غلام ما خرجت لحيته بعد ، وقد جعل في فيه خشبة مخروطة شدت إلي قفاه بهيأة اللجام ، وذلك إنه كان لما دخل الرقة كان يشتم الناس اذا دعوا عليه ويبزق عليهم ، ففعل به ذلك ( الطبري 108/10 ۔ 112)

وركب ابن الجصاص الجوهري التاجر ، مع الوزير الخاقاني ، في المركب ، وكان بيده بطيخة كافور ، وأراد أن يبصق في دجلة ويعطي الوزير البطيخة ، فبصق في وجه الوزير ، ورمي البطيخة في دجلة ، فارتاع الوزير ، وقال له : ويحك ما هذا ؟ فأخذ يعتذر للوزير ، ويقول : أردت أن أبصق في وجهك ، وأرمي البطيخة في الماء ، فغلط ، فقال له الوزير : كذا فعلت يا جاهل ، فغلط في الفعل ، وفي الاعتذار ( الهفوات النادرة 30 والنجوم الزاهرة 218/3 ).

وفي السنة 353 قبض بمصر علي رجل يعرف بأبي الليث الواسطي ، ينسب إلي التشيع ، فضرب مائتي سوط ، ثم ضرب خمسمائة سوط ، وجعل في عنقه غل ، وحبس ، وكان يتفقد في كل يوم ، لئلا يخفف عنه ، ويبصق في وجهه ، فمات في حبسه ، وحمل ليلا ودفن (خطط المقريزي 240/2)

ص: 523

ودخل النظام علي شيخه أبي الهذيل ، وقد اسن ابو الهذيل وبعد عهده بالمناظرة ، والنظام ما يزال حدث السن ، فقال : يا أبا الهذيل ، أخبرني عن فراركم من أن يكون جوهرة، مخافة أن يكون جسما، فهلا فررتم من أن يكون جوهرة مخافة أن يكون عرضة، والجوهر أضعف من العرض ، فبصق أبو الهذيل في وجهه ، فقال له النظام : قبحك الله من شيخ فما أضعف حجتك ( سرح العيون 155 ) .

وفي السنة 397 بعث الحاكم الفاطمي جيشأ بقيادة ينال الطويل لقتال أبي ركوة ، وانتصر أبو ركوة ، وأسر ينال ، وقال له : العن الحاكم ، فبصق ينال في وجه أبي ركوة ، فأمر به أبو ركوة فقطع إربا إربا ( النجوم الزاهرة 216/4 )

وفي السنة 403 بعث السلطان محمود بن سبكتكين الي حضرة الخليفة كتابا ورد إليه من الحاكم الفاطمي صاحب مصر ، يدعوه فيه إلي طاعته ، والدخول في بيعته ، وقد خرقه ، وبصق في وسطه . ( المنتظم 262/7 ).

وكان رئيس الرؤساء ، ابن المسلمة ، يتعصب علي أهل الكرخ ، ويؤذيهم ، فلما اعتقله البساسيري في السنة 450 وأشهره ، من محبسه في الحريم الطاهري ، مارا بالكرخ ، إلي حد النجمي ، بصق أهل الكرخ في وجهه عند اجتيازه بهم . ( المنتظم 8/ 172 و197 وابن الأثير 644/9 ).

وفي السنة 514 فتح عبد المؤمن الموحدي مراكش ، واعتقل أمير المرابطين إسحاق بن علي بن يوسف بن تاشفين ، وبقية أمراء المرابطين ، ومن جملتهم الأمير سير بن الحاج ، وكان إسحاق أمير المرابطين صبية صغيرة ، فأخذ يبكي ، فقام إليه الأمير سير ، وبصق في وجهه ، وقال له : تبكي لأمك وأبيك ؟ إصبر صبر الرجال ، فإن هذا الرجل ( يريد عبد المؤمن )

ص: 524

لا دين له ولا يخاف الله ، فقام اليه الموحدون بالخشب ، فضربوه حتي قتلوه . ( ابن الأثير 584/10 ).

وفي السنة 702 كانت معركة بين جيش التتار ، بقيادة قطلو شاه ، وجيش السلطان الملك الناصر محمد بن قلاوون ، وكانت المعركة قرب دمشق ، وانكسر جيش التتار ، فلما عاد قطلو شاه مكسورة إلي السلطان غازان ، سلطان التتار ، أمر غازان بقتله ، فما زالوا به حتي عفا عن قتله ، وأمر بأن يوقف في موضع يحبث يراه ، وأمسك به الحجاب ، وصار كل واحد من الحاضرين يبصق في وجهه ، وكانوا خلقا كثيرا ، حتي بصق الجميع في وجهه . ( النجوم الزاهرة 164/8 و165).

وكان أبو الحارث جميز، يظهر الجارية من المحبة أمرا عظيما ، فدعته ، وأخرت الطعام إلي أن ضاق ، فقال لها : يا سيدتي مالي لا أسمع للغداء ذكرأ ؟ فقالت : يا سبحان الله ، أما يكفيك النظر إلي ، وما ترغبه في ، عن أن تقول هذا ؟ فقال : يا سيدتي ، لو جلس جميل وبثينة ، من بكرة الي هذا الوقت لا يأكلان طعاما ، لبصق كل واحد منهما في وجه صاحبه ( الملح والجواهر 279 و280 ).

وقالت الخنفساء لأمها : ما مررت بأحد إلا بصق علي ، فقالت لها : يا بنية لحسنك تعوذين ( الملح والنوادر 304).

ص: 525

ص: 526

الفصل الرابع: عرك الأذن

عرك الأذن : فركها بين إصبعين من أصابع اليد والبغداديون يسمون ذلك : فرك الأذن ، أو جر الاذن ، وهم يكنون عمن يحتاج إلي تأديب أو ترويض ، بأنه يحتاج إلي «جر إذن ، ، او د فرك إذن ، ( ويلفظونه كلمة أذن ، بكسر الألف والذال ) ، ويعتبرون «جر الإذن ، من علامات الاستسلام والإستخذاء .

والبغدادي ، إلي الآن، إذا أراد الإعتراف بانتصار خصمه عليه ، أمسك له أذن نفسه ، وجرها ، ويعتبر هذا منه ، إعتراف بالاستسلام .

والظاهر أن تقليد جر الاذن اعتراف بالإستسلام قديم في بغداد ، وقد أبصرت صورة لملوك المغول الايلخانية ، وقد وقف غلمانهم وخدمهم ويمني كل واحد منهم قد أمسك بها شحمة أذنه .

والأصل في عرك الأذن ، أن يمارس مع الصبيان ، أو مع الأشخاص قليلي الأهمية ، فإذا جرت ممارسته مع شخص ذي حرمة ، فالمقصود بذلك إذلاله ، باظهار الاستهانة به .

وكان نصر بن سيار ، قد نصبه مشام لإمارة خراسان ، فغاظ ذلك يوسف بن عمر الثقفي ، لأن من كان قبله في إمارة العراق ، هو الذي يوئي أميرة لخراسان ، فكتب يوسف إلي هشام يطلب منه أن يضم خراسان إلي

ص: 527

العراق ، وأن ينصب الحكم بن الصلت الثقفي أميرة عليها ، وأثني عليه ، وقال إن نصيحته لأمير المؤمنين مثل نصيحتنا ومودتنا أهل البيت ، وسأل هشام عن الحكم أحد القواد بخراسان وهو مقاتل بن علي السعدي فقال إنه يعرف الحكم وإنه كان ولي قرية يقال لها الفارياب ، خراجها سبعون ألفا ، وإن الحارث بن سريج أسره ، فاكتفي بفرك أذنه ، وقفده ، وخلي سبيله . الطبري 193/7 ).

ووصل المنصور ، أحد أتباعه بدنانير ، وضعها له تحت سجادته ، فأغفل منها دينارة . فقال له أدن مني ، فدنا ، فعرك أذنه عركة شديدة ، وقال : ترك دينارة . وفيه نفقة يومك ، راجع القصة في المحاسن والمساويء (142/1) .

ولما عزل الوزير ابن الفرات ، من وزارته الأولي ، نيطت مناظرته برجل شرير ، هو أبو الهيثم العباس بن محمد بن ثوابه ، فكان من جملة ما عذبه به أن أمر بعرك أذنيه . ( تجارب الأمم 88/1 و89 الحاشية ) .

ص: 528

الفصل الخامس :السحب

السحب : الجر علي وجه الأرض .

ويمارس هذا اللون من العذاب ، عادة ، بقصد الإهانة والإذلال ، بأن يمسك بساقي الأسير ، ويسحب علي الأرض ، ثم يترك ، أما إذا كان المطلوب قتل المعذب ، فيجري شد أحد أطرافه إلي دابة ، ثم تركض شوطأ ، فيموت من جراء ذلك .

أما سحب جثة الانسان وهو ميت ، فلا يدخل في هذا الباب ، وإنما يدخل في بحث المثلة.

ومثل مروان بن أبي حفصة ، بين يدي المهدي العباسي ، للإنشاد ، فقال له : من أنت ؟ ولما عرف أنه مروان ، قال له : ألست القائل في معن بن زائدة :

أقمنا باليمامة بعد معن***مقاما لا نريد به زوالا

وقلنا أين نذهب بعد معي***وقد ذهب النوال فلا نوالا

فإذا كان النوال قد ذهب ، فلم جئت تطلب نوالنا ؟ ، وأمر به فجروا برجله حتي أخرج . ( الفرج بعد الشدة للتنوخي رقم القصة 136 ) .

وغضب المهدي ، مرة ، علي وزيره أبي عبيد الله ، فشتمه ، ثم أمر به ، فجروا برجله ، وأخرجوه ، وحبس . ( اعتاب الكتاب 73 ).

ص: 529

وأمر جعفر بن المنصور ، المعروف بابن الكردية ، بحماد الراوية ، فصفع ، ثم جر برجله حتي أخرج من بين يديه ( الأغاني 81/6 و 253/8)

وقال الشاعر ابن مناذر : دخلت علي الرشيد ، فبدر الفضل بن الربيع ، قبل أن أتكلم ، فقال : يا أمير المؤمنين ، هذا شاعر البرامكة ومادحهم ، فتنكر الرشيد ، وعبس في وجهي ، فقال الفضل : مره يا أمير المؤمنين أن ينشدك قول فيهم :

أتانا بنو الأملاك من آل برمك فأمرني ، فأنشدته ، فقال : يا غلام ، ألطم وجهه ، فلطمت حتي سدرت ، ثم قال : أسحبوه علي وجهه ، فسحبت حتي أخرجت ( الاغاني 201/18 )

وغضب الأمين ، علي الحسين بن الضحاك ، وهما في مجلس شراب ، فأمر به ، فجر من رجله ، وأخرج مسحوبة ، راجع القصة في كتاب الفرج بعد الشدة ، للتنوخي ، تحقيق المؤلف ، رقم القصة 264 .

ومازح المسدود المغني ، الخليفة الواثق ، فغضب ، وقال : خذوا برجل العاض بظر أمه ، فسحب من بين يديه ، ونفي الي عمان ( الاغاني 289/20)

وغضب الواثق مرة علي إسحاق الموصلي ، فأمر به ، فسحب من مجلسه ، ونفاه إلي بغداد ( الأغاني 361/5 ).

وفي السنة 255 لما أراد الأتراك خلع المعتز ، دخلوا عليه ، وجروا برجله الي باب الحجرة . ( الطبري 389/9 ) .

وغضب الوزير عبيد الله بن سليمان ، وزير المعتضد، علي عامل

ص: 530

با دوريا ، فأمر به فسحب من مجلسه ، راجع تفصيل ذلك في كتاب نشوار المحاضرة وأخبار المذاكرة للقاضي التنوخي ج 8 ص 23- 26.

وغضب العباس بن الحسن ، وزير المكتفي ، علي الحسن بن محمد القصري، المعروف بابن زياد ، وكان إليه الصدقات بقصر ابن هبيرة ، فقال : من ابن زياد الكلب ، حتي يلقاني بما لاقاني به ، ورفع الكتاب الي أبي الحسن بن الفرات ، وقال له : أنفذ إليه من يسحبه إلي الحضرة علي وجهه ، فأخذ ابن الفرات الكتاب ، وتلاه ، فاشتد غيظه من ابن زياد ، وأمر بإنفاذ من يجره من القصر ( قصر ابن هبيرة ، احسب أن قد حلت محله الآن مدينة المسيب ) . ( الوزراء للصابي 254 و 255 ).

وغضب الوزير المهلبي ، وزير معز الدولة ، في السنة 350 علي أبي بكر محمد بن الحسن بن عبد العزيز الهاشمي ، فأمر به بأن تجر رجله ويطرد من مجلسه ، فجر من رجله وأخرج ، راجع التفصيل في كتاب نشوار المحاضرة للقاضي التنوخي في القصة رقم 37/1 .

وفي السنة 362 قتل صاحب المعونة ببغداد ، رجلا من العامة ، فثار به العامة والأتراك ، فهرب ، والتجأ الي دار ، فأخرج منها مسحوبا ، وقتل ، وأحرق ( ابن الأثير 628/8 ).

وفي السنة 603 قتل شاب يعرف بابن المقريء، بغداد ، شابة ، بسبب اختلاف و نزاع علي مغنية ، وفي القاتل ، ثم قبض عليه ، وقرر ، فأقر بقتله ، فسلم إلي أخي المقتول ليقتص منه ، فأخذه مكتوفة ، مسحوبا بشعره في أعراف الخيل ، إلي قراح ابن رزين ، حيث ارتكبت جريمة القتل وقتلوه ضربا بالسيوف ، ثم وطنوه بالخيل ، وبقي ملقي هناك أربعة أيام ، لا يؤذن لأهله في دفنه، ثم أذن لهم ، فأخذوه ودفنوه . ( الجامع المختصر 199 و200).

ص: 531

وغضب السلطان محمد بن تغلق سلطان الهند ، علي رجل أعمي ، خالف أمره في مبارحة دهلي ، فأمر بأن يجر من دهلي إلي دولة آباد ، مسيرة أربعين يوما ، فتمزق في الطريق ووصل منه رجله . ( رحله ابن بطوطة طبعة صادر ص 479).

وفي السنة 761 أسر السلطان ابراهيم بن علي المريني ، الحسن بن عمر الفودوي ، فطيف به علي جمل بمدينة فاس ، ثم أمر به السلطان فسحب علي وجهه ، وضرب ثم قتل ( الاعلام 226/2 ).

وفي السنة 920 اتهمت صبية مصرية ، في القاهرة ، بأنها كانت مع نصراني ، فأمر بها ملك الأمراء ، نائب السلطان ، فعزيت من أثوابها ، وكتفت ، وربطت من رجليها إلي ذنب انديش ، وسحبت علي وجهها ، فماتت في الطريق ( بدائع الزهور 290/5 ).

واتهم إبراهيم بن خضر اللاري التاجر (ت 946 ) نزيل حلب ، أحد مماليكه بأنه اختلس من أمواله ، فأمر به فربط إلي ذنب فرس جرت به في شوارع حلب إلي أن مات . ( اعلام النبلاء 27/6 ) .

ص: 532

الفصل السادس الحصب

الحصب : الرمي بالحصباء ، أي الحصي ، وكانت المساجد مفروشة بالحصي ، يسبح به المصلون ، ويحصبون به الولاة والخطباء ، إذا سمعوا منهم ما لا يرضيهم .

وكان عبد الملك بن هلال عنده زنبيل ملان حصي ، فكان يسبح بواحدة واحدة ، فإذا مل شيئا طرح اثنتين اثنتين ، ثم ثلاثا ثلاثا ، فإذا مل ، قبض قبضة ، وقال : سبحان الله بعدد هذا ، فإذا ضجر ، أخذ بعروتي الزنبيل ، وقلبه ، وقال : سبحان الله بعدد هذا كله ، وإذا بكر لحاجة ، وكان مستعجلا ، لحظ الزنبيل لحظه ، وقال : سبحان الله عدد ما فيه من حصي ( البيان والتبيين 228/3 ).

ولما تأئق المعمرون في بناء المساجد، وبلطت ساحاتها ، وأتخذت المسابح للتسبيح ، انقطع الحصي عن المساجد ، فأنقطع الحصب. وقد بدأ حصب الولاة من زمن الخليفة عمر ، فقد رووا إنه بلغه أن أهل العراق قد حصبوا أميرهم ، فخرج غضبانا (تاريخ الخلفاء 127).

ولما حصر أهل الأمصار ، الخليفة عثمان بن عفان ، خرج في يوم الجمعة ، فصلي بالناس ، وخطبهم ، فانقسم الناس وتحاصبوا ، وحصبوا عثمان ، فدخل داره ( شرح نهج البلاغة 142/2).

ص: 533

ولما قدم الزبير وطلحة البصرة ، يتأهبان لقتال الإمام علي ، اجتمعوا بالمربد ، وخطب طلحة والزبير ، فأيدهما قوم ، وخالفهما قوم ، فتحائي الناس وتحاصبوا ( الطبري 4/ 464 ) وقام رجل من جشم ، فقال : أيها الناس ، إن هؤلاء قدموا إلينا من مكة ، فإن كانوا خائفين فقد قدموا إلينا من المكان الذي يأمن فيه الطير ، وإن جاءوا مطالبين بدم عثمان ، فغيرنا الذي ولي قتله ، فأطيعوني وردوهم من حيث أقبلوا ، فحصبه ناس من أهل البصرة فأمسك ، ثم خطبت عائشة ، فماج الناس واختلطوا ، فمن قائل : القول ما قالت ، ومن قائل يقول : هي امرأة مأمورة بلزوم بيتها ، وارتفعت الأصوات ، وكثر اللغط حتي تضاربوا بالنعال وتراموا بالحصي ( شرح نهج البلاغة 314/9 و316) .

وكان عبد الله بن عمر بن غيلان ، عامل البصرة لمعاوية ، يخطب علي المنبر ، فحصبه رجل من بني ضبة ، فأمر به فقطعت يده ( الطبري 299/5)

واستعمل معاوية بن أبي سفيان ، علي الكوفة ، الضحاك بن قيس الفهري ، فحصبوه ( العقد الفريد 8/4 ).

وفي السنة .. لما استعمل معاوية زيادة علي الكوفة ، إضافة إلي البصرة ، قدم الكوفة ، وجلس علي المنبر ، فحصب ، فجلس حتي أمسكوا ، ثم أمر فأخذت أبواب المسجد ، ثم أمر بكرسي ، فوضع له علي باب المسجد ، ودعا الموجودين فيه ، وطلب منهم أن يحلفوا بالله ما حصبناك ، فمن حلف خلاه ، ومن لم يحلف ، بلغ عددهم ثمانين ، فقطع أيديهم . ( ابن الأثير 461/3و462 الطبري 235/5 تاريخ الكوفة 43 ).

وخرج زياد من الكوفة الي البصرة ، واستعمل علي الكوفة عمرو بن

ص: 534

حريث، فخطب الناس ، فحصبوه ، وشتموه . ( الأغاني و136و135/17)

ولما اتصل بيزيد خبر توجه الحسين إلي العراق ، كتب إلي عبيد الله بن زياد ، وكان يلي البصرة ، بولاية الكوفة معها ، وكان عليها قبله النعمان بن بشير الأنصاري ، فجاء عبيد الله إلي الكوفة وهو ملئم ، فحسبه الناس الحسين ، فكان إذا سلم عليهم ، قالوا : وعليك السلام يا ابن رسول الله ، قدمت خير مقدم ، حتي إذا طرق باب القصر ، حسر اللثام عن وجهه ، فلما رأوه تنادوا : إبن مرجانه ، وحصبوه ، ففاتهم ودخل القصر . (شرح المقامات الحريرية 172/1 ).

وفي السنة 64 لما هلك يزيد بن معاوية ، طالب عبيد الله بن زياد أهل البصرة أن يبايعوه علي أن يقوم بأمرهم حتي يصطلح الناس علي إمام يرضونه الأنفسهم ، وأرسل عبيد الله رسولا إلي الكوفة يدعو أهلها لمثل ما دعي إليه أهل البصرة ، فأبوا عليه وحصبوه ، وحصبوا الوالي الذي كان عليهم ( الطبري أ503/5 وأنساب الأشراف 97/2/4 ).

وذكر صاحب الإمامة والسياسة 16/2 إن عبيد الله لما خاطب أهل البصرة ودعا إلي نفسه ، بعد هلاك يزيد ، حصبه الناس ، ورموه بالحجارة ، وسبوه .

وكان عمرو بن حريث ، خليفة عبيد الله بن زياد علي الكوفة ، فخطبهم في السنة 64 فحصبوه ، فدخل داره ( الطبري 524/5 ).

ولما دخل الحجاج الكوفة ، في السنة 75، جلس علي المنبر ، فسكت ، وطال سكوته فتناول محمد بن عمير حصي ، وأراد أن يحصبه بها ( ابن الأثير 204/6 ).

ص: 535

ولما جلس الحجاج علي منبر البصرة وتكلم ، حصبه الناس ، فلما

أكثروا ، خلع عمامته ، فوضعها علي ركبته ، وكانت هذه إشارة إلي جنده بقتل الناس ، فجعلت السيوف تبري الرقاب فسالت الدماء إلي باب المسجد والي السكك . ( الامامة والسياسة 26/2 ) .

وكان سعيد بن المسيب ، يحضر الجمعة في مسجد النبي صلوات الله عليه فإذا خطب هشام ، عامل عبد الملك علي المدينة ، أقبل سعيد عليه بوجهه ما دام يذكر الله ، حتي إذا بدأ بمدح عبد الملك أعرض سعيد عنه بوجهه ، ففطن هشام لذلك ، فأمر حرسيا بأن يحصب وجه سعيد إذا تحول عنه ، ففعل ذلك به ، إلي أن عزل هشام . ( الامامة والسياسة 26/2 ) .

وفي السنة 144 جهر رياح ، عامل المدينة لأبي جعفر ، بشتم محمد وابراهيم ابني عبد الله بن الحسن، فسماهما : الفاسقين الخالعين الحاربين ، ثم ذكر أمهما فأفحش ، فأعظم السامعون ذلك ، وقالوا : لا نسمع منك يا ابن المحدود ، وبادروه بالحصي . ( الطبري 537/7 ).

وفي السنة 132 قلد أبو العباس السفاح ، أخاه يحيي ، الموصل ونواحيها ، وكان يحيي فدما ، ناقص العقل ، متخلفة . مستهترة بالشراب ، فأوصي بصنع طبول ، وجيء إليه بواحد منها ، وهو علي بغلته يريد المسجد الجامع لصلاة الجمعة ، فلما رأي الطبل علقه في عنقه ، ودقه ليري جودة صوته ، فنفرت به البغلة ، وحملته والطبل في عنقه ، في الممر الذي يوصله من بيته إلي الجامع ، فلما سمع الحجاب وقع حافر البغلة رفعوا الستر ، فدخلت البغلة به إلي وسط الناس وهي نافرة ، والطبل معلق في عنقه ، فرماه الناس بالحصي من جميع أنحاء المسجد ، فما أفلت إلا بحشاشة نفسه ، وبلغ السفاح ما صنع ، فعزله ( الهفوات النادرة رقم 113 ص 100 و101).

وذكر صاحب نفح الطيب 220/1 أن الناس بالأندلس ، إذا رأوا من

ص: 536

السلطان ، أو من أحد أصحابه تهاونا في أمور الدين ، دخلوا عليه قصره ، وأخرجوه ، ونفوه عن بلدهم ، أما الرجم بالحجارة للقضاة ولولاة الأعمال إذا لم يعدلوا ، ففي كل يوم .

وجاء في خطط الشام 185/2 إنه في السنة 804 رجم أهل دمشق ، نائب الشام ، الأمير تغري بردي ، وأرادوا قتله ، ففر إلي حلب .

وجاء في خطط الشام 209/2 إنه في السنة 903 حصب الحلبيون ، نائب حلب ، إينال السلحدار ، وطردوه من بلدهم ، لأنه أراد أن يسلم حلب إلي أقبردي الدوادار .

ص: 537

ص: 538

الفصل السابع الحذف بما في اليد

ولما قتل الحسين عليه السلام ، في موقعة الطف ، عمد سنان بن أنس إليه ، وهو قتيل ، فأحتز رأسه ، وجاء به حتي وقف علي فسطاط عمر بن سعد ، قائد الجيش ، وهو يقول :

أوقر ركابي فضة وذهبا***فقد قتلت السيد المحجبا

قتلت خير الناس أما وأبا***وخيرهم إذ ينسبون نسبا

فصرخ فيه عمر بن سعد : أشهد أنك لمجنون ما صححت قط ، ثم خذفه بالقضيب ، وقال له : يا مجنون ، لو سمعك ابن زياد لضرب عنقك ( الطبري 453/5 و454).

ودخل أسقف نجران ، علي المصعب بن الزبير ، فكلمه بشيء فأغضبه ، فرماه بقضيب كان في يده ، فأدماه ، فقال له الأسقف : إن المسيح قال : لا ينبغي للرئيس أن يكون سفيها ، ومنه يلتمس الحلم ، ولا جائرة ، ومنه يلتمس العدل ، فقضي حاجته و أنساب الأشراف 282/5 ).

رمي الرشيد ، سلامة الخادم ، بسفرجلة كانت في يده ، وشتمه ، المدحه سيرة العمرين ، وتفصل ذلك : ان الرشيد ولي سلامة الخادم ، ضياعه بالثغور والشامات ، فتواترت الكتب بحسن سيرته ، ثم وفد عليه ، فلما دخل عليه ، كان الرشيد يأكل سفرجلا ، حمل اليه من بلخ ، وهو يقشره

ص: 539

ويأكله ، فتكلم سلام ، وأخذ يذكر حسن سيرته ، حتي قال : أنسيتهم - والله - يا أمير المؤمنين سيرة العمرين ، فغضب الرشيد ، واستشاط ، وأخذ سفرجلة فرماه بها ، وقال له : يا ابن اللحناء العمرين العمرين ( الطبري 354/8)

وفي السنة 187 بالعمر الذي بالأنبار ، أمر الرشيد ، خادمه مسرورا بأن يقطع عنق الوزير جعفر البرمكي ، وأن يأتيه برأسه ، وبالنظر لخطر الأمر ، فقد راجع الرشيد ، يستثبته في تنفيذ العمل ، فشتمه ، وقال له : يا ماص بظر أمه ، أئتني برأسه ، ثم راجع الرشيد ، مرة أخري ، فحذفه بعمود كان في يده ، وحلف إنه إن لم يأته برأسه ، ليقتلنه ، فذهب إلي جعفر ، وقطع عنقه ، وأحضر رأسه فوضعه أمام الرشيد ( ابن الأثير 175/6 - 179) .

واستدعي الرشيد ماء مبردة بالثلج ، فلم يوجد في الخزانة ثلج ، فأحضر إليه ماء غير مثلوج ، فضرب وجه الغلام بالكوز ، واستشاط غضبا ، فقال له أحد الحاضرين : أقول يا أمير المؤمنين وأنا آمن ؟ قال : قل ، قال : يا أمير المؤمنين ، قد رأيت ما كان من الغير بالأمس ، والدنيا غير دائمة ، ولا موثوق بها ، والحزم ألا تعود نفسك الترفيه والنعمة ، بل تأكل اللين والجشب ، وتلبس الناعم والخشن ، وتشرب الحار والقار ، فنفحه الرشيد بيده ، وقال : لا والله ، لا أذهب إلي ما تذهب إليه ، بل ألبس النعمة ما البستني ، فإذا نابت نوبة الدهر ، عدت إلي نصاب غير خوار ( شرح نهج البلاغة 20/2 ).

كان أبو عباد ثابت بن يحيي بن يسار ، وزير المأمون ، كاتبأ ، حاسبا ، وكان أهوج شديد الحدة ، سريع الغضب ، وكان إذا اغتاظ من بعض من يكون بين يديه ، رماه بدو ته ، أو شتمه فأفحش ، فقال فيه دعبل : ( الفخري 226 )

ص: 540

أولي الأمور بضيعة وفساد*** أمر يدبره أبو عباد

يسطو علي كتابه بدواته*** فمضمخ بدم ونضح مداد

وكأنه من دير هرقل مفلت*** جرد يجر سلاسل الأقياد

أقول : اشتهر أبو عباد ، وزير المأمون ، بحدته ، وتهوره ، حتي أن المأمون لما قيل له إن دعبلا هجاك ، قال : إنه قد تجرأ علي هجاء أبي عباد ، يعني أن الذي يجسر علي هجاء أبي عباد مع حدته وتهوره ، لا يخاف من هجائي مع حلمي ورغبتي في العفو .

وذكر صاحب الهفوات النادرة ( ص 247 ) ، أن أبا عباد هذا ، انصرف يوما من الديوان ، فلما وصل إلي الباب ، أمر المأمون برده ، وخاطبه في أمر ، فلما انصرف ، أمر برده ، فغضب ، وأخذ الدواة من يد الدواتي ، وقال للرسول : الساعة - والله - يا ابن الفاعلة ، أضرب بها رأسك ، ألا قلت له قد مضي إلي النار .

وأنشده شاعر مديحة له ، فقال :

لما أنخنا بالوزير ركابنا***مستعصمين بجوده أعطانا

ثبتت رحي ملك الإمام بثابت***وأفاض فيه العدل والإحسانا

يقري الوفود طلاقه وسماحة*** والناكثين مهند وسنانا

من لم يزل للناس غيث ممرعأ***متخرقة في جوده ....

وجعل الشاعر يردد : في جوده ، فضجر منه أبو عباد ، وقال له : ويلك ، قل : قرنانا ، كشخانا ، وأرحنا ، فقال الشاعر : يا سيدي ، معوانا ، فارتج المجلس بالضحك ( الهفوات النادرة 250 ).

وكان حسين بن الضحاك يميل الي خادم لأبي عيسي بن الرشيد ، فعبث به يوما علي سكر ، فأخذ قنينة ، فضرب بها رأسه ، فشجه شجة منكرة . ( الأغاني 194/7 ).

ص: 541

وفي السنة 578 حصر السلطان صلاح الدين الأيوبي ، الموصل ، فلاقي مقاومة عنيفة ، وفي أحد الأيام كان أحد أمراء صلاح الدين ، وأسمه جاولي الاسدي ، مقدم الأسدية وكبيرهم ، أخذ أحد العامة لا لكة ( حذاء ) من رجله ، فيها المسامير الكثيرة فرماه بها ، فأصاب صدره ، فوجدا لذلك ألما شديدة ، وأخذ اللالكة ، وعاد عن القتال الي صلاح الدين ، وقال له : لقد قاتلنا أهالي الموصل بحماقات ما رأينا بعد مثلها ، وألقي اللالكة من يده ، وحلف أنه لا يعود يقاتل ، أنفة مما أصيب به ( ابن الأثير 486/11 ) . وبلغ من حلم السلطان صلاح الدين الأيوبي رحمه الله ، إنه كان يوما جالسة ، وعنده جماعة ، فرمي أحد المماليك صاحبة له بسر موز ( حذاء ) فأخطأته ، ووصلت الي صلاح الدين ، فأخطأته ، ووقعت بالقرب منه ، فالتفت إلي الجهة الأخري يكلم جليسه ، متغافلا عنها ( ابن الأثير 96/12 )

وفي السنة 646 دخل محسن خادم الملك الصالح ، الي العادل اخي الصالح ، وكان معتقلا في القاهرة ، ليكلمه ، فرماه العادل بدواة كانت عنده ، فكان ذلك سبب قتل العادل . ( النجوم الزاهرة 312/6 ) .

وفي السنة 789 غضب السلطان برقوق علي تقي الدين عبد الرحمن الشافعي ناظر الجيوش ، فضربه بالدواة في رأسه ( نزهة النفوس 96 وبدائع الزهور 367/2/1 ) .

وفي السنة 1243 (1827 م) غضب حسين باشا، أمير الجزائر ، علي القنصل الفرنسي ، فشتمه ، وشتم الراي ( ملك فرنسا ) وضرب القنصل بمنشة كانت في يده ينش بها الذباب ، ضربه بها علي وجهه ، فأخبر القنصل دولته بما حصل له ، فاتخذت فرنسا من هذا التصرف حجة لمحاربة الجزائر واحتلالها في السنة 1245 ( 1829 م) ، وكانت عاقبة حسين باشا أن توفي

ص: 542

بمدينة الاسكندرية في السنة 1254 (1838 م) وهو في السادسة والسبعين من العمر ( مذكرات الزهار 164 و165 ومعجم الأنساب والاسرات الحاكمة 129 )

ص: 543

ص: 544

الفصل الثامن :الالجام

ويتم هذا اللون من العذاب ، بوضع لجام ، أو أية أداة تشبه اللجام ، تحول بين الأسير وبين الكلام ، وهذا اللون من العذاب يجمع بين الإهانة والإيذاء .

وأول من مارس هذا اللون من العذاب ، عبيد الله بن زياد ، فإنه أمر بميثم التمار ، أحد أصحاب الإمام علي عليه السلام ، فعلق علي خشبة ، ثم أمر بأن يلجم ، ليحول بينه وبين الكلام ، وفي اليوم الثالث ، أمر به ، فبقرت بطنه بحربة ، فسال أنفه وفمه دمأ ، ومات ( تاريخ الكوفة 284 - 287 ) .

وفي السنة 117 أخذ أسد بن عبد الله القسري ، أمير خراسان ، موسي بن كعب ، أحد دعاة بني العباس ، فألجمه بلجام حمار ، وجذب اللجام ، فتحطمت أسنانه ، ودق وجهه وأنفه ، فلما صار الأمر للعباسيين ، أمالوا عليه الدنيا ، وولاه المنصور ، مصر صلاتها ، وخراجها ، فكان يقول : كانت لنا أسنان وليس عندنا خبز ، فلما جاء الخبز ، ذهبت الأسنان . ( الولاة للكندي 107 و108 والنجوم الزاهرة 1/ 345 )

وفي السنة 291 أدخل الي بغداد أسري القرامطة ، مقدمهم الحسين بن زكرويه ، وهم علي الجمال مقيدين ، وعليهم دراريع وبرانس من الحرير ، والمطوق في وسطهم ، غلام ما خرجت لحيته ، قد جعل في فيه خشبة

ص: 545

مخروطة، شدت إلي قفاه، كهيأة اللجام، وذلك إنه لما أدخل الرقة، كان يشتم الناس إذا دعوا عليه ، ويبزق عليهم ، ففعل به ذلك لئلا يشتم إنسانا ( الطبري 112/10 )

وفي السنة 677 قبض علي أحمد بن بقا الشربدار ، ببغداد ، وحبس ، ثم عمل له حجلة ، وسمر عليها ، وجعل علي رأسه مسخرة ، يصفعه بنعل ، ويروحه به ، ثم يبول عليه ، وأشهر ببغداد ، فأخذ في سب الصاحب ، فوضعوا في فمه مسلة منعته من الكلام ، ثم قتل في آخر النهار ، وقطع رأسه ، ووضع مكانه رأس تيس بلحيته ، وطيف به ، ثم أحرق ( الحوادث الجامعة 401) .

ص: 546

الفصل التاسع :العذاب بالتغطيس في مستودعات القذر

العذاب بتغطيس الإنسان ، في مستودعات القذر ، كجومة الكنيف ، أو بئر البالوعة ، لون قليل الممارسة ، ولم أجد له ذكرا ، فيما تيسر لي من المراجع إلا خبرة واحدة في الإعلام للزركلي ( 184/3 ).

وكنت علي أن أغفل ايراد هذا الخبر ، أو أن أضمه الي لون آخر غيره ، لولا أن هذا اللون من العذاب ، قد مارسه المعذبون في بعض البلاد العربية ، في النصف الثاني من القرن العشرين ، فأفردت له هذا البحث ، ليكون ابتداء الإثبات ما يرد بشأن هذا اللون من العذاب ، من أخبار .

ففي السنة 902 قبض السلطان عامر بن عبد الوهاب ، بتعز ، في اليمن ، علي سليمان بن حسن ، رئيس الاسماعيلية ، وعالمهم في تعز ، وألقاه في مكان قذر ، وأمر بكتبه ، فأتلفت . ( الاعلام 184/3 ).

ص: 547

المجلد 2

اشارة

موسوعه العذاب

تاليف: عبود الشالجي

مشخصات: 7ج

الدارالعربيه للموسوعات

بيروت - لبنان

ص: 1

اشارة

ص: 2

ص: 3

ص: 4

الباب الثالث : الضرب

اشارة

الضرب من أقدم ألوان العذاب التي مارسها الإنسان ، ويتعذر علي المؤرخ إحصاء ما ورد عن هذا اللون من العذاب ، وكان الضرب يمارس من أجل الإهانة والإيلام ، كما كان يمارس من أجل القتل ، وكان يمارس عذاب أصلية ، كما كان يمارس عقابا إضافية ، يقرن إلي الحبس ، أو قطع الأطراف ، أو غير ذلك من ألوان العذاب . ويمكن تقسيم الضرب إلي ثلاثة ألوان ، أدرجناها في ثلاثة فصول :

الفصل الأول : الضرب بالات الضرب كالدرة ، والعصا، والسوط ، والمقرعة ، وغيرها .

الفصل الثاني : الصفع ، وهو ضرب القفا باليد مبسوطة ، وقد يحصل بالنعل أو بالجراب أو باوراق السلق أو بالمخاد والوسائد ، وغيرها .

الفصل الثالث : ما يشبه الضرب ، كاللطم ، والركل ، والنطح ، والرجم ، ووجء العنق ، والوطء بالاقدام .

ص: 5

ص: 6

الفصل الأول : الضرب بآلة الضرب

اشارة

آلات الضرب كثيرة ، أشهرها السوط ، والدرة ، والعصا ، والمقرعة ، وقد يمارس الضرب بالحبال ، أو بالسلاسل ، أو باغصان الأشجار الخضراء .

وإنما سميت العصا ، لأن الأصابع تعصو عليها ، أي تجتمع .

أما الدرة ، وجمعها : ډرر ، فهي عصا فيها طول ، تحمل باليد، وقد اشتهرت درة الخليفة الفاروق عمر بن الخطاب ، وكان يؤدب بها من إحتاج إلي الأدب .

أما السوط ، فهو ما يضرب به من جلد مضفور أو نحوه ، وسمي بذلك ، لأنه يسوط اللحم بالدم ، أي يخلطهما ، والضرب السياط ، هو الجلد ، والذي يضرب بها هو الجلاد، علي وزن فعال ، ثم شرف الإسم إلي السياف الذي يقطع العنق ، ثم شمل كل من يقوم بالإعدام بجميع أنواعه .

والمقرعة ، أعم من السوط ، لأنها تجمع كل ما يقرع به حتي العصا .

وقال أبو مجلز : العصا للأنعام والبهائم ، والسوط للحدود والتعزير ، والدرة للأدب ، والسيف لقتل العدو والقود ( البيان والتبيين 60/3 و61) .

ص: 7

وقال الشعبي ، في وصف السوط : ما أحوجك إلي محدرج ، شديد الفتل ، لين المهرة ، أطلع الرأس ، يأخذ من عجب الذنب إلي مغرز العنق ، فتكثر له رقصاتك من غير جذل ( البصائر والذخائر 19/1/3 ).

وغضب إسحاق بن إبراهيم المصعبي ، علي طفيلي ، فصاح : يا غلمان ، السياط ، والعقابين ، والمقارع والجلادين ( الملح والنوادر للحصري 19)

وكان المتهمون ، عند التحقيق معهم ، يضربون بالمقارع، وتستدعي لهم آلات العقوبة ، راجع التفصيل في القضية رقم 7/ 43 و7 / 44 من كتاب نشوار المحاضرة وأخبار المذاكرة للقاضي التنوخي ، تحقيق مؤلف الكتاب .

وفي القرن الرابع الهجري ، كان من طرق التحقيق مع المتهمين في بغداد أن يضربوا بالسياط ( نشوار المحاضرة للتنوخي ، رقم القصة 63/5 )

وكان قطاع الطريق ، يضربون الناس ، لإخراج ما كتموه من أموالهم راجع التفصيل في كتاب نشوار المحاضرة للتنوخي ، رقم القصة 39/4.

وكان أمر تحصيل الضرائب ، يعهد إلي مستخرجين ، ويخرج المستخرج ، فيبث الفرسان ، والرجالة ، والرسل ، والمستحثين ، ويضرب ، ويصفع ، ويقيد ، ( نشوار المحاضرة ، القصة رقم 1/ 120 ).

وكان الخليفة عمر بن الخطاب ، يضرب أولاده علي اللحن ، ولا يضربهم علي الخطأ ، ووجد في كتاب عامل له لحنأ ، فأحضره ، وضربه درة واحدة . ( معجم الأدباء 20/1 ).

ص: 8

وكان عبد الله بن عمر ، يضرب ولده علي اللحن ، كما يضربهم علي تعلم القرآن . ( معجم الأدباء 1 / 26 ).

وكتب أمير خراسان ، إلي الخليفة الصالح عمر بن عبد العزيز ، يستأذنه في استعمال السيف والسوط ، فكتب إليه : بلغني كتابك تذكر أن أهل خراسان قد ساءت رعيتهم ، وإنه لا يصلحهم إلا السيف والسوط ، فقد كذبت ، بل يصلحهم العدل والحق ، فأبسط ذلك فيهم والسلام ( تاريخ الخلفاء 242 ).

والمراد بالضرب هنا ، هو الضرب الذي لا يمارس تطبيقا لحد من الحدود ، فإن ذلك لا يعتبر عذابا ، وإنما هو عقوبة المخالفة أمر أو نهي شرعي .

والحد: في اللغة : المنع أو القيد ، وفي الاصطلاح القرآني : الحدود ، هي القيود التي فرضها الله ، من الأوامر والنواهي الشرعية الواردة في الآيات ، وقد سميت حدودة لأنها فصلت بين الحلال والحرام ، ولأن العقوبات المفروضة بشأنها ، تحد، أي تمنع من اتيانها ، للتفصيل راجع دائرة المعارف الاسلامية 325/7 ولسان العرب مادة : حد.

وقد مارس القرامطة لونا من ألوان العذاب سموه : المحنة ، وقد بحثنا عنه في هذا الكتاب .

والمحنة : ما يمتحن به الإنسان من بلية ، يقال : محنه عشرين سوطأ ، أي ضربه ، ولا وجود للمحنة في الشريعة الإسلامية ، وإنما يوجد التعزير ، وهو في اللغة : اللوم ، وفي الاصطلاح : ضرب من العقوبة ، يقصد به تأديب الجاني ، لمنعه من معاودة فعله ، ويرد التعزير في التصرفات المخلة التي لم يرد لها حد في الشرع، ويشترط أن لا يبلغ التأديب فيه ، الحد الشرعي ، ويعود للقاضي أمر تقرير إيقاع التعزير ، أو الإعفاء منه ، كما

ص: 9

يعود له تعيين نوع التعزير ومقداره ، للتفصيل راجع دائرة المعارف الإسلامية 310/5 - 312.

والتعزيز عند المالكية ، لا نهاية له ، حتي لو قتل في التعزير ، حسبما يراه الحاكم ، حتي أنه بلغني من بعض الفضلاء ، أن بعضهم أحضروه مع جماعة يشربون الخمر ، ولم يشربها ، فما وسعه إلا أن أعترف بشربها ، لكي يحد ولا يعزر ( نزهة النفوس 409 و 401) .

وجيء إلي أحد الولاة برجلين ، اتهم أحدهما بالزندقة ، وأهم الآخر بما أوجب عليه الحد، فسلم الوالي الرجلين إلي أحد أتباعه ، وقال له : إضرب عنق هذا ، - وأومأ إلي المتهم بالزندقة - وأجلد هذا ، فتسلمهما وخرج ، فوقف المحدود ، وقال : أيها الأمير سلمني إلي غيره ، فإن هذ الأمر لا أمن فيه من الغلط ، والغلط فيه لا يتلافي . ( نشوار المحاضرة 226/8 رقم القصة 115)

والزندقة : تهمة غير واضحة المعالم ، اتخذت في أيام العباسيين سبأ القتل أو تشريد من يراد قتله أو تشريده ، لسبب من أسباب السياسة، فقد اتهم بالزندقة كل من أول نضا من نصوص القرآن أو الحديث تأوية منافية للأصول الاعتقادية ، كما أعتبر زنديقة كل من اتهم بأنه من أتباع ماني ، أو من أصحاب مزدك ، أو من أتهم بالثنويه ، أو بأنه يقول بقدم العالم ، أو بانكار وجود الله ، أو إنكار الحكمة الإلهية ، أو اتهم بعدم التدين بدين ، أو أنكر الحياة الآخرة ، أو اتهم بالقول بالدهر ، أو بإنكار النبوات والكتب المنزلة ، للتفصيل راجع دائرة المعارف الإسلامية 10 / 440 - 446 ، ثم شمل الإتهام بالزندقة ، كل عدو سياسي للدولة ، وكل من كان من أنصار حرية الرأي ، وكان المعتزلة أكثر الناس معاناة من هذه التهمة ، لأنهم كانوا من أنصار حرية الرأي ، فكانوا يتندرون علي الإتهام بالزندقة ، وعلي إبهام معالمه ، وقد أورد الجاحظ، أحد المعتزلة ، في مورد الفكاهة ، إنه سمع رجلا يقول : ضربنا

ص: 10

الساعة زنديقة ، فسألوه : وأي شيء الزنديق ؟ قال : الذي يقطع المزيقة ، فقيل له : وكيف علمت إنه يقطع المزيقة ؟ فقال : رأيته يأكل التين بالخل ( الملح والنوادر 157 )، ومن أعجب ما ابتدع الحاكمون في ذلك الحين ، إنهم وجدوا من يفتيهم بأن التوبة من الزندقة لا تجدي نفعا ، ولا تعفي المتهم بالزندقة من العقوبة الواجب فرضها علي الزنديق ، وهي القتل ، فحالت فتواهم هذه دون خلاص من أتهم بالزندقة ، حتي لو اضطره العذاب إلي الإقرار بالتهمة ، وإلي الادعاء بأنه « تاب وأناب، وعاد إلي الصواب .

وأول من ضرب « في الله » بالسياط ، أبو ذر الغفاري ، فإنه أسلم بمكة ، كان المسلمون يكتمون إسلامهم ، فخرج أبو ذر إلي الكعبة، وصاح بأعلي صوته : أشهد أن لا إله إلا الله ، وأن محمدا رسول الله ، فقام إليه مشركو قريش ، فضربوه ، حتي أضجعوه ، وفي اليوم الثاني، عاود الاعلان بالشهادة ، فعادوا إلي ضربه ( نور اليقين 31) .

وضرب « في الله » بالسياط : عبد الله بن ذكوان (ت 131 )، وربيعة بن أبي عبد الرحمن (ت 130 ) ، ومالك بن أنس ، ضربه جعفر بن سليمان العباسي سبعين سوطأ ، ومدت يده حتي انخلعت كتفه ، وأبو عمرو بن العلاء (ت 154 ) وسعيد بن المسيب (ت 94)، وعطية العوفي (ت 111)، وثابت البناني (ت 127)، وعبد الله بن عون (ت 151 )، وزييد الضبي ، وعبد الرحمن بن أبي ليلي (ت 83 ) ( البصائر 302/1/3 ۔ 304)، وإبراهيم الصائغ (ت 131 ) ، ضرب حتي مات ، قتله أبو مسلم الخراساني ( مشاهير علماء الأمصار 195).

وضرب بالسياط ، ثلاثة من الأئمة الأربعة ، فقد ضرب الإمام مالك بن أنس ( البصائر والذخائر م 3 ق 1 ص 303)، وضرب الإمام أبو حنيفة ( وفيات الأعيان 407/5 ) ، وضرب الإمام أحمد بن حنبل ( وفيات الأعيان 407/5 والبصائر والذخائر م 3 ق 1 ص 304) .

ص: 11

وضرب سعيد بن المسيب ، مرتين ، المرة الأولي لما امتنع عن بيعة عبد الله بن الزبير ، فضربه عامل ابن الزبير علي المدينة ، والمرة الثانية لما امتنع عن مبايعة الوليد بن عبد الملك بولاية العهد ، فضربه عامل عبد الملك علي المدينة ضربا مبرحا ، وطاف به ، وحبسه (تاريخ ابن خلدون 57/3 )

وفي السنة ؟ علي أثر معركة بدر ، أبصرت أم الفضل ، زوجة العباس عم النبي صلوات الله عليه ، أبا لهب ، في حجرة زمزم بمكة ، يضرب أبا رافع ، مولي رسول الله ، فضربت أبا لهب بعمود ، فشجته ، فمات بعد الضربة بسبع ليال ( الاعلام 102/6 ).

ولما أسلم خالد بن سعيد بن العاص بن أمية ، وكان خامس من أسلم ، بعث إليه أبوه أبو أحيحة سعيد بن العاص ، فأنبه ، وبكته ، وضربه بعصا كانت معه حتي كسرها ( أنساب الأشراف 125/4/2 و126).

وضرب الخليفة عمر بن الخطاب ، عمرو بن معدي كرب الزبيدي ، بالدرة ، وسبب ذلك ، إنه سأله عن رأيه في السلاح ، فأجاب حتي إذا سأله عن السيف ، قال : عنه قارعتك ، لأمك الهبل ، فقال له : لا ، بل لأمك ، ورفع الدرة فضربه بها ( الاغاني 71/16 و 72 ).

وضرب الخليفة عمر بن الخطاب ، أبا شجرة بن عبد العزي بالدرة علي رأسه ، وسبب ذلك إن أبا شجرة ، بعد إسلامه ، أرتد مع أهل الردة في أيام أبي بكر ، وقال أبيات منها :

فرويت رمحي من كتيبة خالد وإني لأرجو بعدها أن أعمرا

ثم إن شجرة أسلم من بعد ذلك ، وقدم المدينة في أيام الفاروق عمر ، وجاء إلي عمر وهو يقسم الصدقة بين فقراء المدينة ، فقال : يا أمير

ص: 12

المؤمنين ، أعطني فائي ذو حاجة ، قال : ومن أنت ؟ قال : أبو شجرة بن عبد العزي السلمي ، فقال : أي عدو الله ، ألست الذي تقول :

فرويت رمحي من كتيبة خالد

ثم جعل عمر يعلوه بالليرة في رأسه ، حتي فانه عدوا ( الطبري 267/3 )

ومر رجل من مزينة علي باب رجل من الأنصار ، وكان يتهم بامرأته ، فلما حاذي بابه تنفس ، ثم تمثل :

هل ما علمت وما أستودعت مكتوم***أم حبلها إذ نأتك اليوم مصروم

فتعلق به الرجل ، فرفعه إلي عمر ، فقال المزني : وما علي إن أنشدت بيت شعر ، فقال له عمر : مالك لم تنشده قبل أن تبلغ بابه ؟ ثم أمر به فضرب عشرين سوطا ( الاغاني 203/21 ).

وضرب عمر رج بالليرة ، فنادي بال قصي، فقال أبو سفيان : يا آبن أخي لو قبل اليوم تنادي قصيأ ، لأتتك منها الغطاريف ، فصاح به عمر : اسكت لا أبا لك ، وقال أبو سفيان : ها ، ووضع شبابته علي فيه . ( العقد الفريد 50/1)

وضرب الفاروق عمر ، أبا هريرة الدوسي ، حتي أدمي ظهره ، وسبب ذلك : إن عمر استعمل أبا هريرة علي البحرين ، ثم أحضره ، وقال له : إني استعملتك علي البحرين ، وأنت حافي لا نعل لك في رجلك ، وقد بلغني أنك بعت أفراس بألف وستمائة دينار ، فقال أبو هريرة : كانت لنا أفراس فتناتجت ، فقال له عمر : قد أحتسبت لك رزقك ومؤونتك ، وهذا فضل فأعده إلي بيت المال ، فقال له أبو هريرة : ليس لك ذلك ، فقال : بلي ، والله ، وأوجع ظهرك ، ثم قام إليه بالدرة ، فضرب ظهره حتي أدماه ، وقال

ص: 13

الله : أنت بها ، فأحضرها، وسلمها إلي عمر ، وقال : سوف احتسبها عند الله ، فقال له : ذاك لو أخذتها من حل ، وأديتها طائعا ( شرح نهج البلاغة 42/12 )

وجاء رجل من مصر ، إلي الفاروق عمر ، متظلمة ، وقال : يا أمير المؤمنين ، إني سابقت ولدأ لعمرو بن العاص ، أمير مصر ، فسبقته ، فأخذ يقنعني بسوطه ، ويقول : أنا ابن الأكرمين ، فكتب إلي عمرو : إذا اتاك كتابي هذا ، فأشهد الموسم أنت وابنك ، فلما قدما علي عمر ، دفع البيرة ( العصا ) إلي المصري ، وقال له : اضربه كما ضرب ، فجعل يضربه ، وعمر يقول : اضرب ابن الأكرمين - يرددها ، حتي قال المصري : يا أمير المؤمنين ، لقد استفدت منه ، فالتفت عمر إلي ابن العاص ، وقال له : يا ابن العاص ، متي استعبدتم الناس وقد ولدتهم أمهاتهم أحرارا ( شرح نهج البلاغة 11 / 98 ).

وكان الفاروق عمر ، أول من حمل الدرة من ولاة الإسلام ، وأدب بها ، وقيل بعده : كانت درة عمر ، أهيب من سيف الحجاج ( شرح نهج البلاغة 75/12 ).

وتصارخ آل عامر ، بالبصرة : يا آل عامر ، فخرج النابغة الجعدي ، ومعه عصية له ، فجيء به إلي عامل البصرة ، أبي موسي الأشعري ، فضربه أسواطأ ( الاغاني 4 / 30).

وولي عثمان ، عبد الله بن أبي سرح علي مصر ، فجاءه أهل مصر يشكونه ، فكتب إليه ، فضرب ابن أبي سرح من جاءه بكتاب عثمان ، فقتله . ( الإمامة والسياسة 1/ 39 وتاريخ الخلفاء 157 ) .

وولي عثمان بن عفان ، أخاه لأمه ، الوليد بن عقبة ، علي الكوفة ، فشهد عليه الشهود ، أنه صلي بهم وهو سكران ، فزبر عثمان قوم من

ص: 14

الشهود ، وضربهم ، فأغلظت عائشة لعثمان ، فأغلظ لها ، وقال لها : ما أنت وهذا ؟ إنما أمرت أن تقري في بيتك . ( انساب الاشراف34/5).

وكان في بيت المال بالمدينة ، سفط فيه حلي وجوهر ، فأخذ منه عثمان ما حتي به بعض أهله ، فطعن الناس عليه في ذلك ، وكلموه بكلام شديد حتي أغضبوه .

فخطب ، فقال : لتأخذ من هذا الفيء حاجتنا، وإن رغمت أنوف أقوام .

فقال عمار بن ياسر : أشهد الله ، أن أنفي أول راغم من ذلك .

فقال عثمان : أعلي يا ابن المتكاء تجتريء ، خذوه ، فأخذ .

ودخل عثمان ، فدعابه ، فضربه حتي غشي عليه ، ثم أخرج ، فحمل حتي أدخل دار أم سلمة ، زوج الرسول صلوات الله عليه ، فلم يصل الظهر والعصر والمغرب . ( انساب الاشراف 5 / 48 ).

وجري في مجلس سعيد بن العاص ، أمير الكوفة لعثمان ، حديث التفاضل بين السواد والجبل ، ففضل قوم من جلساء سعيد ، السهل ، لأنه ينبت ما ينبت الجبل ، ويزيد عليه وجود النخل فيه ، فقال عبد الرحمن بن خنيس الأسدي ، صاحب شرطة سعيد : وددت أنه ( أي السواد ) للأمير ، فقال له الاشتر : تمن للأمير أفضل منه ، ولا تتمن له أموالنا ، فغضب صاحب الشرطة ، وقال للأشتر : وما يضرك من التمني ؟ لو شاء الأمير لكان له ، فقال الأشتر 4 لو رام الأمير ذلك ، ما قدر عليه ، فغضب سعيد ، وقال : السواد بستان قريش ، فقال له الاشتر : أتجعل مراكز رماحنا، وما أفاء الله علينا ، بستانا لك ولقومك ؟ والله لو رأمه أحد، لقرع قرعأ يتصاصأ منه ، ثم وثب وأصحابه علي ابن خنيس صاحب الشرطة ، فأخذته الأيدي . ( پريد أنهم ضربوه بأيديهم ) . ( الاغاني 141/12 وانساب الاشراف 5 / 40) .

ص: 15

أقول : روي الطبري 4 / 318 هذه القصة ، رواية فيها بعض الاختلاف عن الرواية السالفة ، قال : تذاكر جلساء سعيد بن العاص ، بالكوفة ، جود طلحة بن عبيد الله ، فقال سعيد : إن من له مثل النشاستج ( ضيعة لطلحة ) لحقيق أن يكون جوادا ، ووالله ، لو أن لي مثله ، لأعاشكم الله عيشة رغيدة ، فقال عبد الرحمن بن خنيس ، وهو حدث : والله ، وددت لو أن هذا الملطاط لك ، والملطاط أراضي كانت لأل كسري علي جانب الفرات الذي يلي الكوفة ، فقالوا له : فض الله فاك ، تتمني له سوادنا؟ وثاروا الله وإلي أبيه خنيس ، فضربوهما حتي غشي عليهما .

وفي السنة 36 لما قدم طلحة والزبير البصرة ، محاربين للإمام علي بن أبي طالب ، بعد أن بايعاه ، دخل بعض أتباعهما علي عثمان بن حنيف ، أمير البصرة لعلي ، فتوطؤ وه وضربوه أربعين سوطأ ، ونتفوا شعر لحيته ، ورأسه ، وحاجبيه ، وأشفار عينيه ، واحتلوا دار الإمارة ، واعتقلوا عثمان أولا ، ثم طردوه ، فخرج يريد عليا ، فلاقاه بالربذة ، فقال له : يا أمير المؤمنين ، بعثتني ذا لحية ، وجئتك أمرد ، فقال له : أصبت خير وأجرأ . ( الطبري 480,469,468/4 )

وكتب قوم من أهل الكوفة - يشكون من سعيد بن العاص ، إنه نفي جماعة من أصحابهم إلي الشام ، ولم يذكروا أسماءهم في الكتاب ، وكتب معهم كعب بن عبدة ، كتابة باسمه ، وبعثه مع كتابهم إلي عثمان بن عفان ، فأمر عثمان بكعب بن عبدة ، فضرب عشرين سوطا ، وحول ديوانه إلي الري ، ثم ندم علي ذلك ، فأحضره ، ونزع ثيابه ، وقال له : يا كعب أقتص مني ، فقال له : قد عفوت يا أمير المؤمنين . ( انساب الاشراف 42/5و43).

وفي السنة 36 بعد انتهاء وقعة الجمل ، بلغ الإمام علي ، أن رجلين

ص: 16

وقفا بباب الدار التي استقرت فيها عائشة بالبصرة، واتهماها بالعقوق ، فأحضرهما ، وضرب كل واحد منهما مائة سوط . ( الطبري 4/ 540 ) .

أقول : لما انتهت معركة الجمل بظفر علي ، وانكسار أصحاب الجمل ، أمر علي ، محمد بن أبي بكر ، أخا عائشة ، فضرب عليها قبة ، ثم أدخلها البصرة ، فأنزلها في دار عبد الله بن خلف الخزاعي ، وكانت أعظم دار بالبصرة ، وكان عبد الله قد قتل في وقعة الجمل مع عائشة ، وأخوه عثمان قتل مع علي ، ولجأ عبد الله بن الزبير ، ابن اخت عائشة ، جريحة إلي دار رجل من الأزد ، فبعث رسولا إلي عمته يعلمها مكانه ، وقال له : إحذر أن يطلع علي مكاني محمد بن أبي بكر ، فأتي عائشة ، فأخبرها بمكان عبد الله ، فقالت : علي بمحمد ، فقال : يا أم المؤمنين ، إنه نهاني أن يعلم محمد بمكانه ، فأعادت طلب محمد ، ولما حضر ، قالت له : اذهب مع هذا الرجل حتي تجيئني بابن أختك ، فانطلق مع الأزدي ، وأخذ عبد الله ، وحمله إلي بيت عائشة ، وكانا طول الطريق يتشاتمان ، وجاء علي ، فزار عائشة ، وسلم عليها، ولما خرج أخبروه بأن اثنين من الأزد ، وقفا بباب عائشة ، فقال أحدهما .

جزيت عنا أمنا عقوقا

وقال الآخر : يا أمنا توبي لقد أخطيت

فبعث القعقاع بن عمرو إلي الباب ، فأحضر من كان هناك ، فأحالوا علي رجلين ، فقال : لأنهكنهما عقوبة ، ثم ضربهما مائة مائة ، وأخرجهما من ثيابهما . ( الطبري 4 /519 ، 534 ، 536 ، 537 ، 540 ).

وشتم بسر بن أرطاة ، الإمام علي ، في مجلس معاوية ، وزيد بن

ص: 17

عمر بن الخطاب جالس ، فقام إليه زيد بعصا فشجه ، فأقبل معاوية علي بسر ، وقال له : تشتم عليا وهو جده ، وهو ابن الفاروق ، وعلي رؤوس الناس ، أو كنت تري أنه يصبر علي ذلك ؟ ( الطبري 335/5 ) .

أقول : زيد بن عمر بن الخطاب ، أمه أم كلثوم بنت الإمام علي بن أبي طالب . ( العقد الفريد 4 / 365 ).

وتذاكر رجال من قريش ، أن معاوية بن أبي سفيان ، إذا ذكرت أمه غضب ، فقال مالك بن أسماء المني القرشي : أنا أذكر أمه ، ولا يغضب ، فجعلوا له جعلا ، وذهب إليه في الموسم ، وذكر له أمه فلم يغضب ، فعاد وأخذ الجعل ، ثم جعلوا له مثله ، إذا كلم عمرو بن الزبير ، وقال له مثلما قال لمعاوية ، فأتاه ، فقال له ذلك ، فأمر بضربه حتي مات ، فبلغ ذلك معاوية ، فقال : أنا - والله - قتلته ( المحاسن والمساويء 166/2).

وفي السنة 51 أحضر زياد بن أبيه ، رجلا من الشيعة ، اسمه صيفي بن فسيل ، وقال له : يا عدو الله ، ما تقول في أبي تراب ؟

قال : ما أعرف أبا تراب .

قال : ما أعرفك به .

قال : ما أعرفه .

قال : أما تعرف علي بن أبي طالب ؟

قال : بلي .

قال : فذاك أبو تراب .

قال : كلا ، ذاك أبو الحسن والحسين .

فقال له صاحب الشرطة : يقول لك الأمير هو أبو تراب ، وتقول أنت

ص: 18

قال : وإن كذب الأمير ، أتريد أن أكذب ، وأشهد له علي باطل كما شهد ؟

فقال له زياد : وهذا أيضأ مع ذنبك ؟ علي بالعصا ، فأتي بها .

فقال له : ما قولك في علي ؟

قال : أحسن قول أنا قائله في عبد من عباد الله المؤمنين .

قال : اضربوا عاتقه بالعصا، حتي يلصق بالأرض ، فضرب حتي لزم الأرض .

ثم قال : أقلعوا عنه ، إيه ، ما قولك في علي ؟

قال : والله ، لو شرحتني بالمواسي والمدي ، ما قل إلا ما سمعت مني .

قال : لتلعنته ، أو لأضرب عنقك .

قال : إذن تضربها والله قبل ذلك .

قال : إدفعوا في رقبته ، وأوقره حديدة ، وألقاه في السجن .

ثم بعث به إلي معاوية ، فقتله . ( الاغاني 17 / 144 و145 الطبري 206/5 و267).

وتهاجي عبد الرحمن بن حسان بن ثابت ، وعبد الرحمن بن الحكم الأموي ، فأفحشا، فكتب معاوية ، إلي عامله علي المدنية ، سعيد بن العاص ، أن أجلد كلا منهما مائة سوط ، فأمسك عنهما ، فلما خلفه مروان ، ضرب عبد الرحمن بن حسان مائة سوط ، وترك أخاه عبد الرحمن فلم يضربه ، فشدد عليه معاوية ، فضربه خمسين سوطة ، فقال ابن حسان : إنما ضربه خمسين ، لأنه عبد ، فضرب نصف ما يضرب الحر ، فبلغ ذلك ابن

ص: 19

الحكم ، فشق عليه ، وجاء إلي أخيه مروان ، وطلب منه أن يتم ضربه مائة ، فضربه خمسين أخري . ( الاغاني 115/15,116).

وسلب عبد الله بن الحجاج رجلا من الديلم ، فاغتاظ منه كثير بن شهاب ، أمير الري للمغيرة بن شعبة ، عامل معاوية علي الكوفة ، وانتزع منه السلب ، وضربه مائة سوط وحبسه . ( الاغاني 165/13).

وكان عمر بن سعد بن أبي وقاص ، له جعبة فيها سياط ، قد كتب علي سوط منها عشرة ، وعلي آخر عشرين ، إلي خمسمائة ، فغضب علي غلام له ، فضرب بيده إلي الجعبة ، فخرج سوط المائة ، فجلده مائة ، فأتي الغلام سعدا أبا عمر ، وهو يبكي ، وقد سال دمه علي عقبيه ، فشكا إليه عمر ، فدعا سعد عليه ، وكان مستجاب الدعوة ، فقتل المختار الثقفي عمر بن سعد، في جملة من قتل ممن حضر قتل الحسين عليه السلام . ( انساب الأشراف 237/5) .

وكان المسور بن مخرمة جليلا نبيلا، وذكر عن يزيد بن معاوية : إنه يشرب الخمر ، فبلغه ذلك ، فكتب إلي عامله بالمدينة ، أن يجلده الحد، ففعل ، فقال المسور : ( العقد الفريد 35/4 ) .

أيشربها صرفأ يفض ختامها أبو خال ويجلد الحد مسور

وضرب عبيد الله بن زياد ، المختار بن أبي عبيد الثقفي ، فشتر عينه ، فانتقم المختار من عبيد الله ، فقتله . ( البصائر 4 / 48 ).

أقول : كان المختار ممن بايع مسلم بن عقيل لما وافي الكوفة يدعو إلي الحسين ، ولما ظهر مسلم بالكوفة ، كان المختار في ضيعة له خارج الكوفة ، ذلك لأن مسلما لم يخرج عن مواعدة ، وإنما خرج بداهة لما كان من أمر هانيء بن عروة المرادي ، حين أخذه ابن زياد ، فلما بلغ المختار

ص: 20

ظهور مسلم ، قدم الكوفة مسرعا ، فوجد أمر مسلم قد انتكت ، وبلغ ابن زياد بعض من خبره ، فأحضره ، وقال له : أنت المقبل لنصرا ابن عقيل ، ثم رفع قضيبا كان في يده ، فاعترض به وجه المختار ، فشتر عينه ، وأمر به فحبس ، فلم يزل محبوسا ، حتي قتل الحسين ، فأرسل المختار بخبره إلي عبد الله بن عمر ، وكانت أخت المختار تحته ، فكتب عبد الله بن عمر إلي يزيد بن معاوية ، يشفع فيه ، فشفعه، وكتب إلي ابن زياد بتخلية المختار ، فأطلقه ، وأجله ثلاثا لمبارحة الكوفة ، فخرج يريد الحجاز ، فلاقاه أحد أصحابه ، ولما رأي شتر عينه ، سأله عمن صنع به ذلك ، فقال المختار : شتر عيني ابن الزانية بالقضيب ، قتلني الله إن لم أقطع أنامله وأباجله ، وأعضاءه ، إربا إربا ، فأحفظ هذا الكلام عني . ( أنساب الاشراف 214/5 و215) .

ولما التجأ مسلم بن عقيل ، إلي بيت هاني بن عروة المرادي ، أحضر عبيد الله بن زياد هانئ، وطالبه بإحضار مسلم ، فأبي ، وقال : أجيئك بضيفي تقتله ، لا والله ، فأمر به فأمسك ، وجذبه من ضفيرتيه ، حتي أقنع بوجهه ، ثم أخذ قضيبا فضرب به وجه هانيء، وندر الزج فارتز بالجدار ، فلم يزل يضرب أنفه وخذه وجبينه حتي كسر أنفه، وسالت الدماء علي ثيابه ، ونثر لحم خذيه وجبينه علي لحيته ، حتي كسر القضيب ، ثم أمر به فأخرجوه إلي السوق ، فضربت عنقه هناك ، فقال فيه ، وفي مسلم بن عقيل ، عبد الله بن الزبير الأسدي : ( الطبري 361 و 367 و 369 ومقاتل الطالبيين 108).

إذا كنت لا تدرين ما الموت فأنظري***إلي هانيء في السوق وابن عقيل

إلي بطل قد هشم السيف وجهه*** وآخر يهوي من طمار قتيل

وكانت الفارعة أم الحجاج بن يوسف الثقفي ، تحت المغيرة بن شعبة ، فولدت له بنتة ، ثم طلقها ، وماتت البنت ، فنازع الحجاج ، عروة بن

ص: 21

المغيرة ، إلي عبيد الله بن زياد ، في ميراثها ، وأغلظ الحجاج لعروة ، فأمر به ابن زياد ، فضرب أسواطأ علي رأسه ، فكان الحجاج حاقدا علي آل زياد ، ينفيهم من آل أبي سفيان . ( الاغاني 191/6 و192).

ولما أعلن ابن الزبير خلافته بمكة ، ولي الحارث بن الحصين الجعفي وادي القري ، وبها تمر كثير من تمر الصدقة ، ففرقه في جنده ، وكان أمره أن يحتفظ به ، فلما قدم عليه ، جعل يضربه بالبيرة ، ويقول : أكلت تمري ، وعصيت أمري . ( أنساب الاشراف 2/4 / 29 ) .

ولما ولي يزيد بن معاوية ، عمرو بن سعيد الأشدق ، المدينة ، أحضر البهي بن رافع ، وضربه خمسمائة سوط ، وسبب ذلك إن رافعا كان لأبي أحيحة سعيد بن العاص الأكبر ، فورثه بنوه ، وأعتق ثلاثة منهم أنصباءهم منه ، وقتلوا يوم بدر جميعا ، ووهب خالد بن سعيد نصيبه منه لرسول الله صلوات الله عليه ، فأعتقه ، فانتسب رافع ، وولده البهي ، إلي رسول الله ، فلما ولي عمرو بن سعيد المدينة ، أحضر البهي ، وقال له : من مولاك ؟ فقال : رسول الله ، فأمر به فضرب مائة سوط ، ثم سأله : مولي من أنت ؟ فقال : مولي رسول الله ، فضربه مائة سوط أخري ، فلم يزل يفعل ذلك ، كلما سأله مولي من أنت ، وقال : مولي رسول الله ، ضربه مائة سوط ، حتي ضربه خمسمائة ، ثم سأله : مولي من أنت ؟ قال : مولاكم ، فسكت عنه . ( الطبري 3/ 170) .

وفي السنة 60 ولي يزيد بن معاوية ، عمرو بن سعيد الأشدق ، المدينة ، وكان عبد الله بن الزبير قد امتنع بمكة ، وأبي أن يبايع يزيد ، فلما قدم عمرو المدينة ، ولي شرطته عمرو بن الزبير ، أخا عبد الله ، لما كان يعلم ما بينه وبين أخيه عبد الله من البغضاء ، فلما ولي شرطة المدينة ، هدم دور بني هاشم ، ودور آل الزبير ، وبلغ منهم كل مبلغ ، وبعث إلي المنذر بن الزبير ، وابنه محمد بن المنذر ، وعبد الرحمن بن الأسود ، وعثمان بن

ص: 22

عبد الله، وخبيب بن عبد الله بن الزبير، ومحمد بن عمار بن ياسر، فضربهم الأربعين، إلي الخمسين إلي الستين، وضرب محمد بن المنذر بن الزبير مائة سوط ، ثم دعا بعروة بن الزبير ليضربه ، فقال له محمد : أتضرب عروة ؟ فقال : نعم يا سبلان ، إلا أن تحتمل ذلك عنه ، فقال : أنا أحتمله ، فضربه مائة سوط أخري ولحق عروة بأخيه ، وضرب عمرو الناس ضربا شديدا ، وأراد الاشدق أن يوجه جندة إلي عبد الله بن الزبير ، فتقدم اليه عمرو ، وقال له : إنك لا توجه إليه رجلا أنكأ له مني ، فأخرجه إلي مكة ، علي رأس جيش ، فلما وصل إلي مكة ، بعت إلي أخيه عبد الله يقول : إن الخليفة قد حلف أن تأتيه في جامعة ، فبر يمين الخليفة ، ثم تفرق جمع عمرو ، وظفر به أخوه عبد الله ، فحبسه ، وأقاد الناس منه ، ولما أقامه ليقتص منه ، تدس فيه كل من يتقرب لأخيه ، وبالغ كل ذي حقد عليه في ذلك ، وكان أخوه لا يسأل من أدعي عليه شيئأ البينة ، وإنما يقبل قوله ، ثم يدخله إليه السجن ليقتص منه ، فكانوا يضربونه والقيح ينتضح من ظهره وأكتافه علي الأرض ، الشدة ما يمر به ، ثم يضرب وهو علي تلك الحال ، ثم أمر بأن يرسل عليه الجعلان ، فكانت تدت عليه ، فتثقب لحمه ، وهو مقيد مغلول ، يستغيث فلا يغاث ، حتي مات علي تلك الحال ، فدخل الموكل به علي أخيه عبد الله ، وفي يده قدح لبن ، يريد أن يتسكر به ، وهو يبكي ، فقال له : مالك أمات عمرو ؟ قال : نعم ، قال : أبعده الله ، وشرب اللبن ، ثم قال : لا تغسلوه ، ولا تكفنوه ، وادفنوه في مقابر المشركين ، فدفن فيها . ( الطبري 344/5 و345 والاغاني 74/5 و75 و14 / 237 وأنساب الاشراف 23/2/4 - 25 و 28 والغرر للوطواط 399 ).

ومر أبو حمزة الخارجي ، بمعدن بني سليم ، فسمع العامل كثير بن عبد الله بعض كلامه ، فأمر به فجلد أربعين سوطأ ، فلما ظهر أبو حمزة بالحجاز واستولي علي مكة والمدينة ، تغيب كثير . ( الاغاني ط بولاق 99/20 ) .

ص: 23

وكان مروان بن الحكم ، وجه جيشأ لقتال ابن الزبير ، فلما انتهي إلي الربذة ، لاقي جندة بعثهم ابن الزبير ، فانهزم الجند الشامي ، وقتل منهم جمع كثير ، وأسر منهم خمسمائة أو أكثر ، وهرب الباقون ، ومن الهاربين الحجاج بن يوسف الثقفي ، وأبوه يوسف بن الحكم ، وجيء بأساري الجند الشامي إلي المدينة ، فبعث عبد الله بن الزبير ، أخاه المصعب إلي المدينة فقتلهم بأجمعهم بالحرة ، انتقاما منهم لقتلي الحرة في عهد يزيد بن معاوية ، ولما أحضر أمامه ذكوان مولي مروان بن الحكم ، وكعب مولي سعيد بن العاص ، وابن أبي فاطمة ، قال مصعب : السيف أروح لهم ، ثم ضربهم بالسياط ضربا شديدا حتي قتلهم . ( انساب الأشراف 150/5 و154).

وكان عبد الله بن الزبير قد هجا عبد الرحمان بن أم الحكم ، فلما تأمر ، حبس عبد الله وضربه ضربا مبرحا (الاغاني 225/14 ) .

وبعث عبد الملك بن مروان، طارق بن عمرو ، علي المدينة ، فطرد عامل ابن الزبير عنها ، ثم أمره عبد الملك ، باللحاق بالحجاج وهو يحاصر مكة ، فولي علي المدينة ، رجلا من أهل الشام يقال له ثعلبة ، فكان ثعلبة يأكل التمر ، وينكت المخ ، وهو علي منبر رسول الله صلوات الله عليه ، يريد بذلك اغاظة أهل المدينة ، ولكنه كان شديدا علي أهل الريبة ، وكان أصحابه يتعبثون ، فيضربهم بالسياط ، وأخذ قومأ تناولوا من شعير لرجل قد دق شعيره ، فضرب كل واحد منهم خمسمائة سوط ، وجيء إليه برجل أغتصب أمرأة نفسها ، فضربه بالسياط حتي مات ، ثم صلبه علي باب المرأة . ( انساب الأشراف 359/5) .

وفي السنة 69 بعث عبد الملك بن مروان ، خالد بن عبد الله إلي البصرة ، يهيجهم علي مصعب بن الزبير ، فناصره قوم منهم ، وحاربه الأخرون ، فاستجار بمالك بن مسمع ، فأخرجه من البصرة ، وسكن الفتنة ،

ص: 24

بعد أن اقتتلوا أربعة وعشرين يوما ، فلما عاد المصعب إلي البصرة ، جمع من ناصر خالدأ ، وسبهم ، ثم ضربهم مائة مائة ، وحلق رؤوسهم ولحاهم ، وهدم دورهم ، وصهرهم في الشمس ثلاثا ، وحملهم علي طلاق نسائهم ، وحجر أولادهم في البعوث ، وطاف بهم في أقطار البصرة، وأحلفهم أن لا ينكحوا الحرائر. ( الطبري 151/6 -155).

وغضب المصعب بن الزبير ، بالبصرة ، علي صعصعة بن معاوية ، فأمر به فضرب محمولا علي استه . ( انساب الاشراف 279/5 ) .

وفي أحد الأيام شكا الذين يطعمون علي مائدة الحجاج ، قلة المرق ، فدعا الحجاج بصاحب الطعام ، وضربه مائتي سوط ، وقال له : يشكون قلة المرقة وأنت علي دجلة ؟ ( البصائر والذخائر 623/2/2 ).

وفي السنة 82 ضرب المهلب بن أبي صفرة ، حريث بن قطبة ، مولي خزاعة ، ثلاثين سوطأ ، وسبب ذلك إن المهلب كان يحاصر مدينة كس ، وهي بقرب سمرقند، فصالحهم علي فدية، ورحل عنها پريد مرو، وخلف حريث بن قطبة ، وقال له : إذا استوفيت الفدية ، فرد عليهم الرهن ، وقطع النهر ، فلما صار ببلخ ، أقام بها، وكتب إلي حريث : إني لست آمن إن رددت عليهم الرهن ، أن يغيروا عليك ، فإذا قبضت الفدية ، فلا تخلي الرهن ، فقال حريث لملك كس : إن المهلب قد كتب إلي أن أحبس الرهن ، فان عجلت لي ما عليك ، سلمت إليك رهائنك ، وسرت فأخبرته إن كتابه ورد وقد استوفيت ما عليكم ، ورددت عليكم الرهن ، فعجلوا له صلحهم ، ورد عليهم من كان في يده منهم، فلما قدم علي المهلب قال له : أين الرهن ؟ قال : قبضت ما عليهم وخليتهم ، قال : ألم أكتب اليك ألا تخليهم ؟ ، قال : أتاني كتابك وقد خليتهم ، وقد كفيت ما خفت ، فقال له : كذبت ، ولكنك تقربت إليهم وإلي ملكهم ، وأمر بتجريده ، فجزع من التجريد حتي ظن المهلب أن به برصأ ، فجده ، وضربه ثلاثين سوطأ ، فقال

ص: 25

حريث : وددت أنه ضربني ثلثمائة سوط ولم يجردني ، أنفة وإستحياء من التجريد ( الطبري 352/6 و353 ):

وفي السنة 83 ضرب عبد الرحمن بن محمد الأشعث ، القائد العراقي ، عامله علي بست ، وسبب ذلك إن عبد الرحمن بن الأشعث ، لما ثار علي الحجاج ، نصب من قبله عمالا علي المناطق التي سيطر عليها ، ومن جملتها مدينة بست ، فانه نصب عليها عاملا من بكر بن وائل اسمه عياض بن هميان ، فلما أنكسر عبد الرحمن ، وتمزق جيشه ، مر بمدينة بست ، في طريقه للإلتجاء إلي رتبيل ملك الترك ، فاستقبله عياض ، وأنزله ، وانتهز منه غفلة ، فوثب عليه ، وأوثقه ، وأراد أن يحظي بذلك عند الحجاج ، وكان رتبيل قد بلغته عودة عبد الرحمن ، وعرف أنه ببست ، فجاء في عسكره وأحاط ببست ، وبعث إلي البكري يقول : والله ، لئن آذيته بما يقذي عينه ، أو رزأته حب من شعر ، لا أبرح حتي أستنزلك ، وأقتلك ، وجميع من معك ، ثم أسبي ذراريكم ، وأقسم بين الجند أموالكم ، فطلب البكري منه الأمان، فأمنه ، وتسلم ابن الأشعث ، وما كان معه من مال موقرأ ، فقال عبد الرحمن الرتبيل : إن هذا كان عاملي علي هذه المدينة ، وجئت مطمئنا إليه ، واثقة به ، فغدر بي ، وركب مني ما رأيت ، فأذن لي في قتله ، فقال : قد أمنته ، فلا أغدر به ، قال : فأذن لي في رفعه ولهزه ( أي ضربه ) فأذن له في ذلك ، فضربه . ( الطبري 269/6 ).

وفي السنة 85 ضرب هشام بن إسماعيل المخزومي ، عامل المدينة ، سعيد بن المسيب ، ستين سوطا ، ضربا مبرحا ، وألبسه المسوح ، وتبان شعر ، وسرحه إلي ذباب ( ثنية بالمدينة ) ، كانوا يقتلون عندها ويصلبون ، فظن أنهم يريدون قتله ، فلما انتهوا به إلي ذلك الموضع ردوه ، فقال : لو ظننت انهم لا يصلبونني ما لبست سراويل مسوح ، قد حسبت أنهم يصلبونني ، فقلت سراويلي تسترني ، وكان سبب ضربه ، إنه طولب بأن يبايع

ص: 26

الوليد بن عبد الملك فأبي ، وقال : لا أبايع أحد، وعبد الملك الذي بايعته حي ( الطبري 6 / 415 و416) .

أقول : هذه المرة الثانية التي يضرب فيها سعيد بن المسيب ، إذ ضربه قبلها جابر بن هبار الأسود ، عامل المدينة لابن الزبير ، طالبه بأن يبايع لابن الزبير ، فقال له : حتي يجتمع الناس ، فضربه ستين سوطأ ، فبلغ ذلك ابن الزبير ، فكتب إلي عامله يلومه، وقال له: ما لنا ولسعيد ، دعه . ( الطبري 416/6 ).

وفي السنة 88 أمر الوليد بن عبد الملك ، بتوسيع مسجد رسول الله صلي الله عليه وسلم وإدخال حجر أزواجه ، فلما شرع في هدمها، صاح خبيب بن عبد الله بن الزبير ، اليوم محيت آية من كتاب الله تعالي : و إن الذين ينادونك من وراء الحجرات أكثرهم لا يعقلون 4 (4 م الحجرات 49 ) . فكتب بذلك صاحب البريد إلي الوليد ، فكتب الوليد إلي عامله يأمره بجلد خبيب مائة سوط ، وأن يصب علي رأسه قربة من ماء بارد ، فضربه في يوم بارد ، وصب عليه الماء ، فمات . ( العيون والحدائق 4/3 ) .

وكان سليط ، ابن أمة بربرية لعبد الله بن العباس ، ثم أدعي أنه ولد عبد الله ، ونازع علي بن عبد الله ، وقيل سليط ، فاتهم علي بقتله ، فأخذه الوليد بن عبد الملك ، وضربة واحدة وستين سوطأ ، وألبسه جبة شعر ، وطاف به ، وأقامه في الشمس ، وصب علي رأسه ماء . ( الديارات215 و 216) .

وجلد طويس المغني (ت 92) في الشراب ، فقيل له : كيف كان جلدك علي وقع السياط ؟ فقال : بلغني أني كنت صبورة ( البصائر والذخائر 598/2/2)

وفي السنة 93 بلغ قتيبة أن عامله علي خوارزم، إياس بن عبد الله قد

ص: 27

ضعف ، فبعث أخاه عبد الله إلي خوارزم عاملا عليها ، وأمره أن يضرب إياسا وحيان النبطي مائة مائة . فلما قارب عبد الله خوارزم ، دس إلي إياس من أنذره فتنحي، وقدم فأخذ حيان ، فضربه مائة وحلقه. ( الطبري 480/6 ) .

أقول : كان حيان هذا يكني أبا الهياج ، ويعرف بحيان النبطي ، وهو مولي مصقلة بن هبيرة الشبياني ، وكان من المحاربين الأشداء في جيش المسلمين بخراسان ، وكان قتيبة قد اتهمه وضربه مائة ، فحقدها عليه ، واشترك في الانتقاض عليه وقتله ، فلما ولي سعيد خدينة خراسان ، خوفوه منه ، فقيل إنه سمه في لبن شربه عنده ، فمات في السنة 102 ، ( راجع الطبري 6/ 445 ، 512 ، 614).

وتخاصم رجل وامرأة إلي الشعبي ، فقضي الشعبي للمرأة ، فقال أحد الشعر ، وهو هذيل الأشجعي :

فتن الشعبي لما ****رفع الطرف إليها

فتنته بثنايا ****ها وقوسي حاجبيها

ومشت مشيا رويدا****ثم هزت منكبيها

قال للجلواز قرب ****ها وقرب شاهديها

وقضي جورة علي الخصم ****ولم يقض عليها

فقبض الشعبي عليه ، وضربه ثلاثين سوطأ . (شرح نهج البلاغة 17 / 66 والعقد الفريد 91/1 ، 92) .

أقول : انصرف الشعبي يوما من مجلس القضاء ، وقد شاءت الأبيات ، وناشدها الناس ، فمر بخادم تغسل الثياب ، وتقول :

فتن الشعبي لما

ص: 28

ولا تحفظ تتمة البيت ، فوقف عليها ولقنها ، وقال :

رفع الطرف إليها

ثم ضحك وقال : أبعده الله ، ما قضيت لها إلا بالحق .

ويشبه ما تقدم ، إن كلثم بنت سريع ، خاصمت أخاها الوليد إلي عبد الملك بن عمير قاضي الكوفة ، فقضي لها علي أخيها ، فقال هذيل الأشجعي :

أتاه وليد بالشهود يسوقهم**** علي ما ادعي من صامت المال والخول

وجاءت إليه كلثم وكلامها ****شفاء من الدار المخامر والخبل

فأدلي وليد عند ذاك بحقه**** وكان وليدذامراء وذاجدل

فدلهت القبطي حتي قضي لها ****بغير قضاء الله في محكم الطول

له حين يقضي للنساء تخاوص**** وكان وما فيه التخارص والحول

إذا ذات دل كلمته لحاجة ****وهم بأن يقضي تنحنح أو سعل

فكان عبد الملك يقول : لعن الله الأشجعي ، والله لربما جاءتني السعلة والنحنحة ، وأنا في المتوضأ، فأردها . (شرح نهج البلاغة 66/17 و62 و 63 ).

أقول : لقب عبد الملك بن عمبير ، قاضي الكوفة بعد الشعبي ، بالقبطي ، ولقبه المختلون بالكوفة : منقر الغيلان ، لأنه كان قبيح الصورة جدا وله شعر ، توفي سنة 136 عن مائة سنة وثلاث سنين . ( المعارف 473) .

ا وغضب الحجاج بن يوسف الثقفي ، علي حجام جيء به ليحجمه ، فأمر به ، فضرب خمسمائة سوط، فكاد يتلف . ( الوزراء للصابي 121 و 122 ).

وخلاصة القصة : إن الحجاج احتجم ذات يوم ، فلما ركب الحجام

ص: 29

المحاجم علي رقبته ، قال له : أحب أيها الأمير أن تخبرني بخبرك مع ابن الأشعث ، وكيف عصا عليك ، فقال له : لهذا الحديث وقت آخر ، وإذا فرغت من شأنك حدثتك ، فأعاد مسألته ، وكررها ، والحجاج يدفعه ، ويعده ، ويحلف له علي الوفاء بما وعد ، فلما فرغ ، ونزع المحاجم ، وغسل الدم ، أحضر الحجام ، وقال له : إنا وعدناك بأن نحدثك حديث ابن الأشعث معنا ، ونحن محدثوك ، يا غلام : السياط ، فأتي بها ، فأمر به ، فجرد ، وعلته السياط ، وأقبل الحجاج ، يقص عليه قصة ابن الأشعث بأطول حديث ، فلما فرغ استوفي الحجام خمسمائة سوط ، فكاد يتلف .

وخطب بشر بن مروان ، أمير الكوفة ، فقام عبد الرحمان بن أرطاة بن شراحيل الجعفي ، فقال له : اتق الله ، فإنك ميت ومحاسب ، فأمر به فضرب أسواطأ ، فمات منها . ( أنساب الأشراف 169/5)

وضرب الحجاج بن يوسف الثقفي ، عبد الرحمن بن أبي ليلي ، وأوقفه علي باب المسجد ، وشدد عليه في أن يشتم علي بن أبي طالب . ( العقد الفريد 32/5).

وكتب الحجاج ، إلي محمد بن القاسم الثقفي ، أن أدع عطية بن سعد العوفي ، فإن سب علي بن أبي طالب ، وإلا فاضربه أربعمائة سوط ، وأحلق رأسه ولحيته ، فأحضره ، فأبي أن يفعل ، فضربه أربعمائة سوط ، وحلق رأسه ولحيته . ( اعلام 32/5 ) .

وعزل الوليد بن عبد الملك ، عبيدة بن عبد الله ، عامله علي الأردن ، وضربه ، وحلقه ، وأقامه للناس ( الفرج بعد الشدة ، رقم القصة 290 ).

وكانت لبابة بنت عبد الله بن جعفر، تحت عبد الملك بن

ص: 30

مروان ، وطلقها وتزوجها علي بن عبد الله بن العباس ، فضربه الوليد أسواطأ وقال له : إنما أردت أن تتزوج من أمهات أولاد الخلفاء ، لتضع منهم ( اعلام النساء 273/4 ، والعقد الفريد 103/5 ) .

وضرب الوليد بن عبد الملك ، علي بن عبد الله بن العباس ، مرتين ، الأولي : لأنه تزوج من لبابة بنت عبد الله بن جعفر بن أبي طالب ، وكانت عند عبد الملك ، فعض تفاحة ثم رمي بها إليها ، وكان عبد الملك أبخر ، فدعت بسكين ، فقال لها عبد الملك : ما تصنعين بها ؟ قالت : أميط الأذي عنها ، فطلقها ، فتزوجها علي بن عبد الله ، فأمر به الوليد فضرب ، وقال له : إنما تتزوج بأمهات أولاد الخلفاء لتضع منهم ، أشار بذلك إلي أن مروان بن الحكم تزوج بأم خالد بن يزيد بن معاوية ليضع منه ، فقال له علي : إنما أرادت الخروج من دمشق ، وأنا ابن عمها ، فتزوجتها لأكون لها محرما .

وفي الثانية ضربه الوليد بالسياط ، وأمر به فأشهر علي بعير ووجهه مما يلي الذنب ، وصائح يصيح عليه : هذا علي بن عبد الله الكذاب ، وسبب ذلك لأنه بلغه عن علي إنه كان يقول : إن الخلافة ستؤول إلي ولدي ( وفيات الأعيان 275/3 و 276) .

أقول : ذكر صاحب الديارات 215 و216 إن الوليد بن عبد الملك ضرب عليا مرة ثالثة ، اتهمه بقتل سليط بن أمتي لعبد الله بن عباس ، ثم ادعي إنه ولده ، راجع تفصيل ذلك في القسم الثاني من الفصل الثاني من الباب الرابع من هذا الكتاب : المسوح وجباب الصوف .

وتزوج موسي بن الوجيه الحميري ، أخت أم الفضل زوجة يزيد بن المهلب ، فأخذ يزيد موسي بتطليق امرأته ، وقال له : لا أرضي بمسالفتك ، وضربه ، حتي طلقها تحت السياط . ( العيون والحدائق 3/ 49) .

ص: 31

وكان عقيل بن علفة ، قد اطرد بنيه، فتفرقوا في البلاد ، وبقي شيخة وحيدة ، ثم أن رجلا من بني صرمة اسمه بجيل حطم بيوت عقيل بماشيته ، فنهد إليه عقيل ، وقد هرم ، وكبرت سنه ، فضربه بجيل بعصاه ، فصاح ينادي أولاده ، وليس منهم بجواره أحد ، وبلغ الخبر ولده عملس وهو بالشام ، فأقبل حتي نزل علي بجيل فضربه ضربا مبرحا ، وأوثقه بحبل وقاده حتي ألقاه بين يدي أبيه ، ثم ركب راحلته وعاد إلي الشام . ( الاغاني 269/12 ).

أقول : أبو الجرباء عقيل بن علفة المري ، شاعر مجيد مقل ، وكان أعرج جافيا شديد الهوج والاعتداد بنفسه وبنسبه في بني مرة ، وقد أوردت في موضع آخر من هذا الكتاب ما صنعه مع أعرابي خطب منه إحدي بناته ، إذ كتفه ، ودهن استه بشحم وألقاه في قرية النمل ، فأكلن خصيبه حتي ورم جسمه ، وبلغه أن عمر بن عبد العزيز ، وكان أميرا علي الحجاز ، عاتب رجلا من قريش ، كانت أمه أخت عقيل ، فقال له : قبحك الله ، أشبهت خالك في الجفاء ، فغضب عقيل ، وجاء حتي دخل علي عمر ، وقال له : ما وجدت لابن عمك ما تعيره به إلا خؤولتي ، فقبح الله شركما خا ، فاغتاظ منه عمر ، وقال له : إنك أعرابي جاف . ( راجع ترجمة عقيل في الاغاني 270 -254/12 )

وذكر رجل يزيد بن معاوية ، عند عمر بن عبد العزيز ، فقال : قال أمير المؤمنين يزيد بن معاوية ، فقال : تقول أمير المؤمنين ؟ وأمر به ، فضرب عشرين سوطأ . (تاريخ الخلفاء 209).

أقول : قدم أبو الخير القزويني (ت 50 ) إلي بغداد ، وجلس يوم عاشوراء ، في المدرسة النظامية ، فقيل له : إلعن يزيد بن معاوية ، فقال : ذاك إمام مجاهد ، فجاءه الرجم ، حتي كاد يقتل ، وسقط عن المنبر ، فأدخل إلي بيت في النظامية ، وأخذت فتاوي الفقهاء بتعزيره ، فقال بعضهم : يضرب عشرين سوطأ ، فقيل له : من أين لك هذا ؟ فقال : ان عمر بن عبد

ص: 32

العزيز سمع قائلا يقول : أمير المؤمنين يزيد بن معاوية ، فضربه عشرين سوط . ( النجوم الزاهرة 134/6).

وأراد هشام ، الوليد بن يزيد، أن يخلع نفسه ، ليبايع لمسلمة بن هشام ، فأبي ، فضرب نديمه ابن سهيل ، ونفاه ، ثم أخذ عياض بن مسلم ، كاتب الوليد، فضرب ضربا مبرحا ، وألبسه المسوح ، وقيده ، وحبسه . ( الطبري 7 / 212 والاغاني 9/7 والعيون والحدائق 3/ 117) .

وفي السنة 102 قبض سعيد خدينة ، أمير خراسان ، علي جهم بن زحر الجعفي وآخرين معه ، واتهمهم بأن في ذمتهم أموالا اختانوها، من أموال المسلمين ، وكان جهم قدولي جرجان ليزيد بن المهلب ، فحبسهم سعيد في قهندز مرو ، ثم أرسل لاحضار جهم بن زحر ، فحمل إليه علي حمار ، فمروا به علي الفيض بن عمران ، فقام إلي جهم ، فوجأ أنفه ، فقال له جهم : يا فاسق ، هلا فعلت هذا حين أتوني بك سكران ، قد شربت الخمر ، فضربتك حد ، فغضب سعيد ، وضرب جهما مائتي سوط ، فكبر أهل السوق لذلك ( استعظامأ ) وأمر سعيد بجهم وثمانية معه ، فبسط عليهم العذاب في السجن ، فقتل جهم ، وعبد العزيز بن عمر والمنتجع ، وكانوا من عمال يزيد بن المهلب . ( الطبري 6/ 606).

وكان هشام بن عبد الملك ، خطب إلي يزيد بن عمر بن هبيرة إبنته ، علي ابنه معاوية ، فأبي أن يزوجه ، فحقدها عليه هشام ، وجري بعد ذلك كلام وتساب بين يزيد وبين الوليد بن القعقاع ، وكان الوليد علي قنسرين وأخوه عبد الملك علي حمص ، فبعث هشام يزيد إلي الوليد ، فضربه مائة سوط ، وحبسه ، فلما مات هشام ، كان يزيد البشير للوليد بن يزيد بالخلافة ، فقال له : احتكم ، فقال : ولاية قنسرين والتخلية بيني وبين الوليد بن القعقاع وأخيه عبد الملك ، فولاه جند قنسرين ، وفر الوليد بن القعقاع وأخوه ، فاستجارا بقبر مروان ، فلم يجرهما الوليد ، وقبض عليهما ، وبعث بهما إلي

ص: 33

يزيد ، فدفعهما إلي صاحب حبسه ، فماتا في الحبس من العذاب . ( راجع القصة مفصلة في العيون والحدائق 3/ 122 و123 والطبري 457/7 ) .

وفي السنة 121 ضرب عبد الملك بن قطن الفهري ، المتغلب علي الأندلس ، زياد بن عمرو اللخمي سبعمائة سوط ، ثم قتله ، والسبب في ذلك إن البربر هاجوا بإفريقية ، وحصروا عامل إفريقية وجنده بمدينة سبته ، فاستغاثوا بعرب الأندلس ، فمنع عبد الملك من معونتهم ، وأشفق عليهم زياد ، فأرسل إليهم مركبين مملوءين ميرة ، فأمسكت الميرة أرماقهم ، وبلغ عبد الملك ما صنع زياد ، فأحضره وضربه سبعمائة سوط ، ثم سمل عينيه ، ثم قتله ، وصلبه ، وصلب معه خنزيرة . ( نفح الطيب 20/1 ).

وكان زياد الأعجم ، يخرج وعليه قباء ديباج تشبها بالأعاجم، فراه يزيد بن المهلب ، فأمر به فقنع أسواطأ ، ومزقت ثيابه ، وقال له : أبأهل الكفر والشرك تتشبه ، لا أم لك ؟ فقال زياد : ( الاغاني 384/15) .

العمرك ما الديباج خرقت وحده ****ولكنما خرقت جلد المهلب

واتهم عمر بن هبيرة ، أمير العراق ، أبا عمر عيسي بن عمر الثقفي (ت 149 ) بوديعة لبعض العمال ، فضربه مقطعأ نحوا من ألف سوط ، وهو يصيح : ما كانت إلا أثيابأ في أسيفاط ، قبضها عشاروك . ( معجم الأدباء 101/6 )

وخطب يزيد بن عبد الملك بن مروان ، إلي خالد بن عبد الله بن عمرو بن عثمان ، أخته ، فتلكأ ، فحقدها عليه يزيد، وكتب إلي عامله بالمدينة ، فأمر بعض من معه أن يبطش به ، فضربوه ، فمرض ومات . ( انساب الاشراف 109/5).

وبعث عمر بن هبيرة ، أمير العراق ، معقل بن عروة إلي هراة، في أمر

ص: 34

من أموره ، فلم يمر بالحرشي ، أمير خراسان ، فكتب الحرشي إلي عامله علي هراة ، أن ابعث إلي معقلا ، فبعث به إليه ، فقال له : ما منعك من إتياني قبل أن تأتي هراة ؟ فقال له : أنا عامل لابن هبيرة ، ولاني كما ولاك ، فضربه الحرشي مائتي سوط وحلقه . ( الطبري 16/7 ).

وفي السنة 106 وقعت فتنة بين اليمانية والمصرية في بلخ ، فاقتتلوا ، فأخذ نصر بن سيار ، جماعة ممن أعان في الفتنة ، فضربهم مائة سوط ، وحلق لحاهم ورؤ وسهم وألبسهم المسوح ( الطبري 7/ 31)، وتفصيل القصة إن مسلم بن سعيد غزا ، فتباطأ الناس عنه ، وكان ممن تباطأ عنه البختري بن أبي درهم ، فرد مسلم ، نصر بن سيار ، وجماعته معه إلي بلخ لكي يخرج الناس ، ليلتحقوا بجيش مسلم ، فأحرق نصر باب البختري بن درهم وباب زياد بن طريق الباهلي ، فغضب عمرو بن مسلم ، أخو قتيبة ، فاجتمعت مضر علي نصر بن سيار ، وربيعة والأزد علي عمرو بن مسلم ، وحمل أصحاب عمرو ، علي نصر وأصحابه ، فاشتبكوا ، فكان أول قتيل من باهلة ، أصحاب عمرو بن مسلم ، وقتل معه ثمانية عشر رجلا ، وانهزم عمرو ، وأرسل يطلب الأمان من نصر ، فأمنه ، وضربه مائة ، وضرب البختري ، وزياد بن طريف ، مائة مائة ، وحلق رؤوسهم ولحاهم ، وألبسهم المسوح . ( ابن الأثير 127/5 و128).

وفي السنة 114 نظم يحيي بن عروة بن الزبير ، شعرة عرض فيه بابراهيم بن هشام ، أمير المدينة لهشام بن عبد الملك ، فضربه إبراهيم بالسياط حتي مات . ( الاعلام 195/9 ).

وكان خالد بن صفوان ، يغشي بلالا في ولايته البصرة ، ويغتابه إذا غاب عنه ، وكان يقول : ما في قلب بلال من الإيمان ، إلا بمقدار ما في بيت

ص: 35

أبي الزرد الحنفي من الجواهر ، وأبو الزرد هذا رجل مفلس ، ولما ولي بلال البصرة ، قال خالد بن صفوان :

سحابة صيف عن قليل تقشع

فبلغ ذلك بلا ، فدعا به ، وقال له : أما والله لا تقع حتي يصيبك

منها شؤبوب ، وضربه مائة سوط . ( البصائر والذخائر 111/1 و112 والعقد الفريد 4 / 36).

وفي السنة 109 ضرب أسد بن عبد الله القسري ، جماعة من المضرية بالسياط ، منهم نصر بن سيار ، وعبد الرحمن بن نعيم العامري ، وسورة بن الحر الاباني ، والبختري بن أبي درهم ، وعامر بن ملك ، وحلقهم بعد الضرب ، ووجه بهم إلي أخيه خالد ، وكتب إليه إنهم أرادوا الوثوب عليه ، فكان الموكل بهم ، كلما نبت شعر أحدهم ، حلقه . ( الطبري 7 / 48).

وفي السنة 117 أخذ أسد القسري ، أمير خراسان ، جماعة من دعاة العباسيين ، ودعا بلاهز بن قريظ ، فضربه ثلثمائة سوط ، ودعا بموسي بن كعب منهم ، وأمر به فألجم بلجام حمار ، وأمر باللجام أن يجذب فجذب حتي تحطمت أسنانه ، ثم قال : اكسروا وجهه ، فدق أنفه ، ووجأ لحياه ، فندر ضرس من أضراسه . ( الطبري 107/7 و108).

وكان العرجي الأموي الشاعر ، يشبب بجيداء ، أم محمد بن هشام المخزومي ، فلما ولي محمد، مكة ، قبض علي العرجي ، وضربه بالسياط ، وشهره في الأسواق ، وحبسه حتي مات ، وقال في سجنه :

أضاعوني وأي فتي أضاعوا ****ليوم كريهة وسداد ثغر

وصبر عندك معترك المنايا ****وقد شرعت أشتها لنحري

أجرر في الجوامع كل يوم ***فيالله مظلمتي وصبري

فلما ولي الوليد بن يزيد الخلافة ، قبض علي محمد بن هشام ، وعلي

ص: 36

أخيه إبراهيم ، وأشخصهما إليه إلي الشام ، فضربهما ضربا مبرحا، وأثقلهما بالحديد ، وووجههما إلي يوسف بن عمر الثقفي ، عامله علي العراق ، وأمره باستقصائهما ، وتعذيبهما حتي يتلفا ، فعذبهما عذابا شديدا ، حتي لم يبق فيهما موضع للضرب ، وكان محمد بن هشام مطروحا ، فإذا أرادوا أن يقيموه ، أخذوا بلحيته فجذبوه بها ، ولما اشتدت الحال بهما ، تحامل إبراهيم لينظر في وجه أخيه محمد ، فوقع عليه ، فماتا جميعا ، ومات خالد القسري ، وكان محبوسا معهما ، في يوم واحد . ( وفيات الأعيان 401/5 و402 الاغاني 416/1 ) .

وكان العرجي ، يشبب بأم الأوقص ، وهو محمد بن عبد الرحمن المخزومي القاضي ، فحكم الأوقص علي رجل من بني جمح في قضية ، فقال الجمحي : والله ، لو كنت أنا عبد الله بن عمر العرجي ، لكنت قد أسرفت علي ، فضربه الأوقص سبعين سوطأ . ( الاغاني 397/1 ).

وبينما كان سعد بن إبراهيم بن عبد الرحمن بن عوف (ت 126)، يقضي بين الناس بالمدينة ، إد دخل زيد بن إسماعيل العلوي ، ومعه داود بن سلم مولي التيميين ، وعليهما ثياب ملونة بجرانها ، فأومأ أن يؤتي بهما ، ثم قال لعون من أعوانه : أدع لي نوح بن إبراهيم التيمي ، فحضر ، وكان أحسن الناس سمتأ ، وتشميرة ، ونقاء ثياب ، فجلس ، فالتفت سعد إلي زيد ، وقال له : يا ابن أخي ، تشبه بشيخك هذا في سمته وتشميره ، ونقاء ثوبه ، ولا تعد إلي هذا اللبس ، قم فانصرف ، ثم أقبل علي ابن سلم ، وكان قبيح ، فقال له : هذا ابن جعفر ، أحتمل له هذا ، وأنت لأي شيء أحتمل هذا الك؟ أللؤم أصلك ، أم لسماجة وجهك ؟ جد يا غلام ، فجرد ، فضربه أسواطأ ، فقال الشاعر : ( الاغاني 10/6 و14).

ضرب العادل سعد**** إبن سلم في السماجه

فقضي الله لسعد ****من أمير كل حاجه

ص: 37

وفي السنة 125 مات مزاحم بن عمرو السلولي ، من شعراء العصر الأموي ، ضربأ ، وكان قد تعرض لامرأة ابن الدمينة ، فأخبرت زوجها ، فطلب منها أن تتعد معه علي اللقاء ، وكمن له ، فلما قدم ، وثب عليه مع صاحب له ، وأوثقاه ، وقتلاه بالضرب . ( الاعلام 101/8 ).

وكان خالد القسري ، أميرة علي مكة ، فأمر رأس الحجبة أن يفتح له باب الكعبة ، فأبي ، فضربه مائة سوط ، فخرج الشيبي إلي سليمان بن عبد الملك ، وشكا إليه خالدة ، فحمي سليمان ، وأمر بقطع يد خالد ، وكان يزيد بن المهلب عنده ، فما زال يقبل يده ، حتي أمر بضربه مائة سوط ، فضرب ، فقال الفرزدق : ( الاغاني 19/2 ، 20).

العمري لقد صبت علي ظهر خالد****شآبيب ما استهللن من سبل القطر

ولولا يزيد بن المهلب حلقت ****بكفك فتخاء إلي الفرخ في الوكر

وأوعز خالد بن عبد الله القسري ، أمير العراق ، إلي صاحب شرطته مالك بن المنذر ، فضرب عمر بن يزيد الأسيدي بالسياط ، حتي قتله ، وسبب ذلك إن خالد القسري قدم علي هشام بن عبد الملك ، وأخذ يصف له طاعة أهل اليمن، ونصيحتهم، وموالاتهم، فصفق عمر بن يزيد إحدي يديه علي الأخري ، وقال لهشام : كذب - والله - يا أمير المؤمنين ، ما أطاعت اليمانية ، ولا نصحت قط ، أليسوا هم أعداءك أصحاب يزيد بن المهلب ، وأصحاب ابن الأشعث ؟ والله لا ينعق ناعق ، إلا أسرعوا الوثبة إليه ، فأحذرهم يا أمير المؤمنين ، فاضطغنها عليه خالد ، فلما ولي العراق ، كان أول همه أن يقتل عمر ، فأمر صاحب شرطته بأن يتجني عليه ، فجري ذات يوم ذكر عبد الأعلي بن عبد الله بن عامر ، فافتري عليه مالك صاحب الشرطة ، فقال له عمر : تفتري علي مثل عبد الأعلي ؟ فأغلظ له مالك ، وضربه بالسياط حتي قتله ( الهفوات النادرة 386 والطبري 46/ش7 وابن الأثير 5، 124، 145 )

ص: 38

وجاء المغيرة بن سعيد البجلي، إلي الإمام محمد الباقر ، وقال له : أخبر الناس بأني أعلم الغيب ، وأنا أطعمك العراق ، فزجره الإمام زجرأ شديدا ، وطرده ، فقصد أبا هاشم عبد الله بن محمد بن الحنفية ، فقال له مثل ذلك ، وكان أبو هاشم أبدأ ، فوثب عليه فضربه ضربا شديدا أشفي به علي الموت ( شرح نهج البلاغة 8/ 121 ).

أقول : المغيرة بن سعيد البجلي الكوفي ، أحد الدجالين ، كانت له آراء عجيبة ، وكان يقول : إن الله علي صورة رجل ، علي رأسه تاج ، وأعضاؤه علي عدد حروف الهجاء ، وإن الله لما أراد أن يخلق الخلق ، تعلم بالإسم الأعظم، فطار ، فوقع علي تاجه ، ثم كتب باصبعه علي كفه أعمال عباده من المعاصي والطاعات، فلما رأي المعاصي ارفض عرق، فاجتمع من عرقه بحران، أحدهما ملح والآخر عذب، ثم نظر إلي البحر فرأي ظله، فذهب ليأخذه فطار ، فأدركه ، فقلع عيني ذلك الظل ومحقه ، فخلق من عينيه الشمس وسماء أخري ، وخلق من البحر الملح الكفار ، ومن العذب المؤمنين ، راجع الخبر عن مصير المغيرة بن سعيد البجلي ، في هذا الكتاب ، في الباب الرابع عشر و الإحراق والتعذيب بالنار والماء المغلي » الفصل الأول و التعذيب بالنار ، القسم الأول و الاحراق بالنار .

وكتب هشام الاموي ، إلي عامله علي اليمن يوسف بن عمر الثقفي ، في السنة 120 بأنه ولاه العراق ، فترك اليمن ، واستخلف عليها ولده الصلت ، فخرج ولده يشيعه فلما أراد أن ينصرف ، سأله : أين تريد ؟ فضربه مائة سوط ، وقال له : يا ابن اللخناء أيخفي عليك إذا استقر بي منزل ؟ ( الطبري 150/7 ).

ولما قدم يوسف بن عمر الثقفي العراق ، عاملا لهشام ، اعتقل سلفه في إمارة العراق ، خالد القسري ، وحبسه ، وأخذ يزيد بن خالد القسري ، فضربه ثلاثين سوطأ ( وفيات الأعيان 105/7 ).

ص: 39

وكان يوسف بن عمر ، لما ولي العراق ، يسعي في عزل نصر بن سيار عامل خراسان ونصب غيره مكانه ليكون أمره بيده ، وبعث نصر في السنة 123 وفدا للخليفة هشام وعلي رأس الوفد مغراء بن أحمد بن ملك بن سارية النمري ، فلما قدم الوفد علي أمير العراق ، أغري يوسف مغراء ، بأن يقدح في نصر أمام هشام ، فتنقص مغراء نصرأ ، فكذبه أعضاء الوفد وامتدحوا نصرة، وبلغ نصرة حديث هذا المجلس ، فبعث إلي الحكم بن نميله بن مالك ، من ابناء عم مغراء ، وكان في السراجين يعرض الجند ، من أخذ برجله وسحبه عن طنفسة له ، وكسر لواءه علي رأسه ، وضرب بطنفسته وجهه ، وقال : كذلك يفعل الله بأصحاب الغدر ، أما مغراء فبقي بالعراق عند يوسف بن عمر . ( الطبري 195/7 ).

ولما عزل خالد بن عبد الله القسري عن العراق ، أخذ خلفه يوسف بن عمر ، جميع عماله ، وهم ثلثمائة وخمسون ، وعذبهم ، وقتل مولي لخالد ، اسمه داود ، ضربه حتي مات . ( العيون والحدائق 103/3 ) .

ولما ورد يوسف بن عمر الثقفي (ت 127)، العراق في السنة 126 ، قبض علي طارق ، صاحب خالد القسري ، وضربه خمسمائة سوط ( الطبري 150/7 و151 ) .

وفي السنة 126 اشتري يوسف بن عمر ، عامل العراق ، من الوليد بن يزيد ، خالد القسري بخمسين ألف ألف درهم ، فدفعه اليه ، فأخذ يوسف يعذب خالدا وهو في طريقه إلي العراق ، فلما كان ببعض الطريق ، أرسل زيد بن تميم القيني ، إلي خالد ، شربة سويق حب رمان ، مع مولي له يقال له سالم النقاط ، فبلغ يوسف الخبر ، فضرب زيدا خمسمائة سوط ، وضرب سالما ألف سوط .

وعرض يوسف بن عمر ، خالد القسري علي العذاب حتي قتله ، ودفنه

ص: 40

في عباءته التي كان يعذب فيها ، فأقبل عامر بن سهلة الأشعري ، فعقر فرسه علي قبر خالد بالحيرة ، فبلغ يوسف بن عمر ذلك ، فضرب عامر سبعمائة سوط . ( الطبري 260/7 ).

ووزن يوسف بن عمر ، درهم ، فنقص حبة ، فكتب إلي دور الضرب بالعراق ، فضرب كل واحد من أهلها مائة سوط . ( المحاسن والمساويء 143/1)

وضرب يوسف بن عمر الثقفي ، أمير العراقين ، حائكة ، لأنه عد أبيات الثوب فوجدها في أحد جانبيه تنقص عن الجانب الأخر بيتا . ( ابن الأثير 225/5)

أقول : سبق أن أوردنا سبب ضرب الحائك في هذا الكتاب ، في الباب الأول : الشتيمة ، في الفصل الخامس : الرفث في الشتيمة ، في بحث : ابن اللحناء .

وضرب يوسف بن عمر ، عددأ من جواريه ، وخصيأ له اسود ، اسمه حديج ، وقد سبق أن أوردنا الحكاية في باب الشتيمة ، راجع الباب الأول ، الفصل الثالث ، القسم الثاني ب « المعايرة بالصفات السيئة العارضة » .

وضرب الوليد بن يزيد ، الأفقم يزيد بن هشام بن عبد الملك ، وحلقه ، فلما قتل الوليد ، وحبس ولداه عثمان والحكم ، دخل الأفقم عليهما في السجن ، وأخذ يشتم أباهما، فبكي الحكم ، فقال عثمان لأخيه : اسكت يا أخي ، ثم أقبل علي يزيد ، فقال له : أتشتم أبي ، أما أنا فلا أشتم عمي هشامأ . ( الاغاني 82/7 ).

وفي السنة 126 أحضر الوليد بن يزيد خالد بن عبد الله القسري ، وطالبه باحضار ولده يزيد بن خالد ، فانكر معرفته بمكانه ، فأمر الوليد غيلان صاحب حرسه بتعذيبه ، وقال له : أسمعني صوته ، فأخذه غيلان ، وعذبه

ص: 41

بالسلاسل ( بالضرب بالسلاسل ) فلم يتكلم ، فرجع غيلان إلي الوليد ، وقال له : والله ، ما أعذب إنسان، إنه لا يتكلم ولا يتأوه . ( الطبري 259/7)

وفي السنة 125 أمر الوليد بن يزيد بابن عمه سليمان بن هشام بن عبد الملك ، فضرب مائة سوط ، وحلق رأسه ولحيته ، وألبسه الصوف ، وأثقله بالحديد ، ونفاه إلي عمان ، فلم يزل حتي قتل الوليد ، وكان سليمان يساعد أباه في ذم الوليد ، ويشير عليه بخلعه من ولاية العهد وقتله . ( الطبري 7/ 231 والعيون والحدائق 3/ 130).

ولما خرج يزيد بن الوليد ، الملقب بالناقص ، علي ابن عمه الوليد بن يزيد ، خرج مولي للوليد علي فرس له ، فأتي الوليد من يومه ، فنفق فرسه لما بلغه ، وأخبر الوليد بالخبر ، فضربه مائة سوط ، وحبسه ( الطبري 243/7)

وفي يوم النشاش ، جمع عبيد الله بن مسلم الحنفي جمعأ ، وأغار علي ماء لقشير ، وأغار علي عكل، فقتل منهم عشرين ألفا، ثم قدم المثني بن يزيد بن عمر بن هبيرة ، واليا علي اليمامة من قبل أبيه يزيد الذي ولي العراق لمروان الجعدي ، فتعصب المثني لبني عامر علي بني حنيفة ، اللقيسية التي فيه ، فضرب عدة من بني حنيفة ، وحلقهم ، فقال شاعرهم :

فان تضربونا بالسياط فاننا****ضربناكم بالمرهفات الصوارم

وان تحلقوا منا الرؤوس فاننا****قطعنا رؤ وسأ منكم بالغلاصم

ولم يزل عبيد الله بن مسلم الحنفي مستخفيا ، حتي قدم السري بن عبد الله الهاشمي واليا علي اليمامة لبني العباس ، فدل عليه ، فقتله ( ابن الأثير 300/5 و1 30) .

واختصم إلي أبي الخطار الحسام بن ضرار ، أمير الأندلس ، رجلان ،

ص: 42

واحد من كنانة ، والآخر من غسان ، فاستعان الكناني بالصميل بن حاتم الضبابي ، فكلم فيه أبا الخطار ، فأغلظ أبو الخطار له ، فأجابه الصميل ، فأمر به ، فأقيم ، وضرب قفاه ، فمالت عمامته ، فلما خرج قيل له : نري عمامتك مالت ، فقال : إن كان لي قوم فسيقيمونها . ( ابن الأثير 337/5 و 338) .

وفي السنة 125 كتب يوسف بن عمر ، عامل العراق ، إلي نصر بن سيار عامل خراسان ، بموضع يحيي بن زيد بن علي ، وإنه عند الحريش بن عمرو ببلخ ، فأمر عقيل بن معقل العجلي ، فأحضر الحريش ، وسأله عن يحيي ، فقال : لا علم لي به ، فضربه ستمائة سوط ، فقال له الحريش : والله ، لو أنه كان تحت قدمي ما رفعتهما لك عنه ، فلما رأي قريش بن الحريش ذلك ، جاء عقيلا ، ودله علي موضع يحيي ، وكان في بيت في جوف بيت ، فأخذوه ، وبلغ ذلك الوليد بن يزيد فأمر باطلاقه ، فأطلق ، ثم بدا لنصر بن سيار فبعث اليه عمرو بن زرارة في عشرة آلاف ، فلاقاه يحيي بن زيد في جمع قليل ، فقتل عمرة وهزم أصحابه ، فبعث إليه نصر بن سيار بعثا آخر ، فقتل يحيي وأنفل أصحابه ، أصابت يحيي نشابة في جبهته ، فقتلته . ( الطبري 7/ 228 - 230 ومقاتل الطالبيين 154 ).

وفي السنة 126 ولي يزيد بن الوليد، منصور بن جمهور علي العراق ، وجمع له معها خراسان ، وكان عليها نصر بن سيار ، فولي منصور أخاه منظور علي خراسان ، ووجه رجلا من بلقين إلي خراسان ، فأخذه أحد موالي نصر ، واسمه حميد ، وكان علي سكك نيسابور ، فضربه وكسر أنفه ، فترضاه نصر ، ووصله بعشرين ألف درهم ، وكساه ، ورده إلي منصور . ( الطبري 7 / 280 ) .

وبعث يزيد بن عمر بن هبيرة (ت132 ) ، أمير العراق في العهد

ص: 43

الأموي ، فأحضر أبا حنيفة، وأراده علي بيت المال ، فأبي ، فضربه أسواطأ ( تاريخ بغداد للخطيب 13 / 327).

ولما سار مروان الحمار (ت 132 ) ، إلي الشام ، حاربه جيش إبراهيم بن الوليد ، فظفر بهم ، وأطلق من أسره من جنده ، إلا اثنين من كلب هما يزيد بن العقار والوليد بن مصاد وكان أحدهما علي حرس يزيد بن خالد القسري والآخر علي شرطه ، فإنه اعتقلهما وضربهما بالسياط ، وحبسهما ، فهلكا في حبسه . ( الطبري 301/7 ).

وفي السنة 128 لاقي أبو حمزة الخارجي ، عبد الله بن يحيي طالب الحق ، فبايعه بحضرموت ، وكان أبو حمزة واسمه المختار بن عوف الأزدي السليمي من البصرة ، وكان يوافي كل سنة مكة فيدعو الناس إلي خلاف مروان الحمار وآل مروان ، فلم يزل يختلف كل سنة حتي لقي عبد الله بن يحيي فبايعه ، وكان أبو حمزة قد مر بمعدن بني سليم ، وكان العامل علي المعدن كثير بن عبد الله ، فسمع بعض كلامه فأمر به فجلد سبعين سوطأ . ( الطبري 348/7) .

وفي السنة 128 غضب نصر بن سيار ، من كلام كلمه به عبد الجبار الأحول العدوي ، فلما رجع إلي مرو، أمر به فضرب أربعمائة سوط . ( الطبري 7/ 338 ).

وكان المنصور (ت 158)، في أيام الأمويين ، علي عمالة بعض الكور بفارس ، وكان أمير فارس سليمان بن حبيب بن المهلب ، فاتهم المنصور بالاختلاس ، فضربه بالسياط ضربا شديدا ، وأغرمه المال ، فلما ولي المنصور الخلافة ، اعتقل سليمان بن حبيب وضرب عنقه . ( وفيات الاعيان 410/2).

وقال ابن شيابة : حضرت جنازة بمصر ، فقال لي بعض القبط : من

ص: 44

المتوفي ؟ فقلت: الله عز وجل ، فضربت حتي مت . ( البصائر والذخائر 183/1/1)

أقول : أراد القبطي أن يسأل عن الميت ، أي المتوفي ، بالقاء المفتوحة والمقصورة ، ولكنه قال : المتوفي ، بالفاء المكسورة والياء ، والله هو الذي يتوفي الأنفس حين موتها، ولكن هذا الخطأ في التعبير ما زال موجودا في كل البلاد العربية إلي الآن ، فهم إذا ذكروا الميت قالوا : المتوفي ، بالفاء المكسورة ، مع أن المتوفي هو الله .

وكان عبد الله بن معاوية بن عبد الله بن جعفر ، من أقسي خلق الله قلب ، وكان يغضب علي الرجل ، فيأمر بضربه بالسياط ، وهو يتحدث ، ويتغافل عنه حتي يموت تحت السياط ، وفعل ذلك برجل ، فجعل يستغيث فلا يلتفت إليه ، فناداه : يا زنديق ، أنت الذي تزعم أنه يوحي إليك ، فلم يلتفت إليه ، وضربه حتي مات . ( الاغاني 12 / 232 ).

أقول : عبد الله بن معاوية بن عبد الله بن جعفر الطيار بن أبي طالب ، سمي أبوه معاوية ، لأن عبد الله بن جعفر كان في مجلس معاوية ، لما بشر بولادته ، فسأله معاوية أن يسميه باسمه ، فسماه ، فوصله معاوية بمائة ألف درهم ، فوهبها عبد الله لمن بشره بولادته ، وقدم عبد الله الكوفة في السنة 127 وتحرك بها علي بني أمية ، فلم يوفق ، فخرج إلي الجبال ، واستولي علي حلوان والجبال وهمذان وأصبهان والري ، وقصده بنو هاشم ، وبعض بني أمية ، فوصلهم ، ثم وجه إليه مروان الجعدي ، آخر الحكام الأمويين جيشا ، فانفل جيش عبد الله فقصد أبا مسلم الخراساني يستعين به ، وكان أبو مسلم في ابتداء أمره ، فحبس عبد الله ، ثم قتله في السجن في السنة 131 ، وكان عبد الله شاعرأ ، وهو صاحب البيت الذي أصبح مثلا سائرأ : ( الاعلام 4 / 282).

وعين الرضا عن كل عيب كليلة ****كما ان عين السخط تبدي المساويا

ص: 45

وذكر صاحب مقاتل الطالبيين ( ص 160 ) أن عبد الله بن معاوية ، بلغه أن عبد الله بن المسور بن عون بن جعفر بن أبي طالب ، وكان معه ، يقول : أنا ابن عون بن جعفر ، فضربه بالسياط حتي قتله .

وفي السنة 133 أخذ بمصر حسان بن عتاهية الكندي ، من كبار رجال الدولة الأموية ، فضربه صالح بن علي ، أمير مصر للسفاح ، بالسياط ، ثم قال له : استبقيك ؟ فقال له : ما في البقاء خير بعد هذا ، فضرب عنقه . ( الولاة للكندي 98 ).

وأخذ عمر بن عبد العزيز بن عبد الله بن عمر بن الخطاب ، أبا الزفت الحسن بن محمد ، ومسلم بن جندب ، وعمر بن سلام ، علي شراب ، فأمر بهم فضربوا جميعا ، ثم جعل في أعناقهم حبالا ، وطيف بهم في المدينة ، ثم حبسهم يوما وليلة . ( الطبري 8/ 192).

وفي السنة 132 جاء إلي عامل الكوفة لمروان ، عبد الرحمن بن بشير العجلي ، رجل من بني ضبة ، فقال له : إن الحسن بن قحطبة ، القائد العباسي ، داخل اليوم أو غدا ، فقال له : كأنك جئت لترهبني ، وضربه ثلثمائة سوط . ( الطبري 7/ 418) .

وفي السنة 135 خرج زياد بن صالح، وراء نهر بلخ ، فقصده أبو مسلم الخراساني ، وبلغه أن سباع بن النعمان هو الذي أفسد زياد بن صالح ، فكتب إلي عامله علي أمل ، أن يضرب سباع مائة سوط ثم يضرب عنقه ، ففعل . ( الطبري 466/7 ) .

وفي السنة 135 بلغ أبا داود ، القائد العباسي ، أن أحد قواده عيسي بن ماهان قد عابه في رسائل عدة كتبها إلي قوم ، فأحضره ، وحبسه ، ثم دعا به ، وذكره صنائعه إليه ، وإنه كان يؤثره علي أولاده ، فأقر بذلك ، فقال أبو

ص: 46

داود : فكان جزاء ما صنعته بك ، أن سعيت بي ، وأردت قتلي ، فأنكر ذلك ، فأخرج رسائله بخطه ، فضربه أبو داود حدين ، ثم قال له : أما إني تركت ذنبك لك ، ولكن الجند أعلم ، فأخرج في القيود ، فلما أخرج من السرادق ، وثب عليه حرب بن زياد ، وحفص بن دينار ، فضرباه بعمود وبطبرزين ، فوقع إلي الأرض ، وعدا عليه الآخرون ، فأدخلوه في جوالق ، وضربوه بالأعمدة ، حتي مات . ( الطبري 467/7 ) .

وكان جعفر بن علبه الحارثي ، يزور نساء من عقيل بن كعب ، فأخذته عقيل ، فكشفوا دبر قميصه ، وربطوه إلي جمته ، وضربوه بالسياط ، وكتفوه ، ثم أقبلوا به وأدبروا علي النسوة اللاتي كان يتحدث إليهن ، وجعلوا يكشفون عورته بين أيدي النساء ، ويضربونه . ( الاغاني 52/13 ).

وفي السنة 140 أخذ عبد الجبار بن عبد الرحمن ، عامل خراسان للمنصور ، قومأ من القواد ، اتهمهم بالدعوة لآل أبي طالب ، فقتلهم ، وحبس عدة منهم ، وضرب اثنين منهم ضربا مبرحا ، وهما الجنيد بن خالد التغلبي ومعيد بن الخليل المزني . ( الطبري 503/7 ).

وغضب المنصور ، علي محمد بن جميل الكاتب ، فأمر ببطحه ، فقام بحجته ، فأمر بإقامته ، ونظر إلي سراويله ، فإذا هو كتان ، فأمر ببطحه ، وضربه خمس عشرة درة ، وقال له : لا تلبس سراويل كتان ، فانه من السرف . ( الطبري 95/8 ).

وضرب المنصور قهرمانه سبع درر ، وسبب ذلك ، إنه دخل من باب الذهب في قصره ، فوجد ثلاثة قناديل مشعلة ، فقال : ما هذا ، أليس في واحد منها كفاية ، وأمر أن يقتصر علي إشعال قنديل واحد ، فلما أصبح ، أشرف علي الناس وهم يتغذون ، فرأي الطعام قد خفت من بين أيديهم ، قبل أن يشبعوا ، فدعا بقهرمانه ، وسأله عن سبب قلة الطعام ، فقال له : يا أمير

ص: 47

المؤمنين ، رأيتك قد قدرت الزيت ، فقدرت الطعام ، فغضب المنصور ، وقال له : أراك لا تفرق بين زيت يحترق بلا نفع وبين طعام إذا فضل وجد له آكلا ، ثم أمر به فبطح وضرب سبع درر . (تاريخ بغداد للخطيب 56/10 )

ولما جيء ببني الحسن ، مقيدين ، إلي الربذة ، طلب المنصور ، واحدة منهم ، فبعث إليه عبد الله بن الحسن ، ولده موسي وكان حدث السن ، فلما نظر إليه المنصور ، قال : لا أنعم الله بك عينة ، السياط يا غلام ، فضرب حتي غشي عليه ، ولم يعد يحس بالضرب . ( الطبري 7/ 543 و544 ومقاتل الطالبيين 223 و291 ).

وأمر المنصور العباسي ، بعبد الرحمن بن أبي الموالي ، فضرب أربعمائة سوط ، حتي غشي عليه ، وسبب ذلك أن عبد الرحمن كان قوي الصلة ببني الحسن ، فأخذه المنصور فيمن أخذ من بني الحسن ، قال عبد الرحمن : فأدخلت علي المنصور ، وسلمت عليه ، فقال : لا سلم الله عليك ، اين الفاسقان ابنا الفاسق ، الكذابان ابنا الكذاب ( يريد محمد وإبراهيم ولدي عبد الله بن الحسن بن الحسن ) ، فقلت له : يا أمير المؤمنين أينفعني الصدق عندك ؟ قال : وما ذاك ؟ قلت : امرأتي طالق إن كنت أعرف مكانهما ، فلم يقبل ذلك مني ، وقال : السياط ، فأتي بالسياط ، وأقمت بين العقابين، فضربني أربعمائة سوط، فما عقلت بها، حتي رفع عني . ( مقاتل الطالبيين 288 ).

وكان الحسن بن معاوية بن عبد الله بن جعفر ، ممن خرج مع محمد بن عبد الله بن الحسن النفس الزكية ، فلما ظهر بعد قتله ، أحضره جعفر بن سليمان ، وكان علي المدينة ، وسأله عن المال ، فقال : أنفقناه فيما كنا فيه ، فضربه أربعمائة سوط ، وحبسه ، فلم يزل محبوسأ حتي مات أبو جعفر . ( مقاتل الطالبيين 302).

ص: 48

وأحضر المنصور بالمدينة ، قوما اتهمهم بممالأة محمد بن عبد الله النفس الزكية ، فأمر بعلي بن المطلب وعبد العزيز بن إبراهيم ، فضرب كل واحد منهما خمسمائة سوط ، ثم أعاد عبد العزيز ليضربه ، فقال له : الله الله فينا، فوالله إني لمكب علي وجهي منذ أربعين ليلة ، ما صليت الله صلاة . ( الطبري 609/7 ).

وبعث أبو جعفر المنصور ، عينا له ، إلي المدينة ، فأتصل بمحمد بن عبد الله النفس الزكية ، واطلع علي بعض أسراره ، ثم فر منه إلي أبي جعفر ، فأخبره بجميع أخباره ، وعمي عن اسم أحد أصحاب محمد ، وهو أبو هبار ، فسماه : وبرأ ، فكتب أبو جعفر في طلب : وبر المزني ، فحمل إليهم رجل من مزينة ، يسمي وبرة ، فسأله عن محمد، فحلف له إنه لا يعرف من أمر محمد شيئا ، فأمر به فضرب سبعمائة سوط ، وحبس حتي مات المنصور . ( الطبري 528/7 ).

وكان أبو بكر بن أبي سبرة علي صدقات طيء وأسد ، فلما ظهر محمد النفس الزكية ، أقبل إليه أبو بكر وسلم إليه ما جباه ، فلما استخلف عيسي ابن حصين علي المدينة ، أخذ أبا بكر فضربه سبعين سوطا ، وحدده ، وحبسه . ( الطبري 609/7 و 610).

ولما خرج محمد بن عبد الله ، النفس الزكية بالمدينة ، كتب أبو جعفر إلي رجال في المدينة رسائل ، فاطلع عليها محمد ، فبعث إليهم وضرب كل واحد منهم ثلثمائة سوط ، وحبسهم وقيدهم بكبول وسلاسل تبلغ ثمانين رطلا . ( الطبري 580/7 ).

وبعث عبد الله بن الحسن ، رجلا من مزينة ، إلي ولده محمد، النفس الزكية ، يحذره من جواسيس المنصور ، وقبض المنصور علي المزني ، فضربه تسعمائة سوط . ( العيون والحدائق 3/ 234 و235 ) .

ص: 49

وكان المنصور قد ولي زياد بن عبيد الله الحارثي علي المدينة ، ثم اتهمه بالتراخي في البحث عن محمد وإبراهيم ولدي عبد الله بن الحسن ، فعزله وولي محمد بن خالد القسري ، ثم اتهمه بالتراخي في البحث عنهما ، فعزله وولي رياح بن عثمان بن حيان ، فلما قدم رياح المدينة ، دعا بالقسري ، فسأله عن الأموال ، فقال له : هذا كاتبي هو أعلم مني بذلك ، فقال له : أسألك ، وتحبلني علي كاتبك ؟ وأمر به فوجئت عنقه ، وقنع أسواطأ ، ثم أخذ رزامأ ، كاتب محمد ، وبسط عليه العذاب ، وكان يضربه في كل غب خمسة عشر سوط ، مغلولة يداه إلي عنقه من بكرة إلي الليل ، يتبع به أفناء المسجد والرحبة ود إليه أن يرفع علي محمد بن خالد، فأبي ، فأخرجه صاحب شرطة رياح ، يوما ، وهو يريد ضربه ، وقد أصبح ما بين قرنيه إلي قدمه قرحة ، فقال له : هذا يوم غبك ، فأين تريد أن نجلدك ؟ قال : والله ما في بدني موضع لضرب ، فان شئت فبطن كفي ، فأخرج كفيه ، فضربه في بطنهما خمسة عشر سوطأ ، ثم كلمة في الرفع علي محمد بن خالد، فأبي ، وصاح في الناس ، بأن الأمير أمره أن يرفع علي محمد ، فضرب مائة سوط ورد إلي السجن . ( الطبري 533/7 و534 ) .

وفي السنة 158 ضرب المسيب بن زهير ، صاحب شرطة المنصور ، أبان بن بشير الكاتب بالسياط حتي قتله . ( ابن الأثير 6/ 34).

وأمر المنصور ، بتجريد محمد بن عبد الله بن عمرو بن عثمان بن عفان ، وأمه فاطمة بنت الحسين الشهيد ، فضرب ألف سوط ( مروج الذهب 236/2 ) وأمر أن يدق وجهه بالجرز ، وهو العمود من الحديد ( الطبري 7 / 543 ) وبلغ من شدة الضرب أنه أخرج وكأنه زنجي ( مقاتل الطالبيين 220 وابن الأثير 525/5 ) وجاءت إحدي الضربات علي عينه ، فسالت ( مقاتل الطالبيين 220 والطبري 542/7 ) ثم قتله ، وقطع عنقه . ( مقاتل الطالبيين 226) .

ص: 50

واشتري جعفر بن سليمان العباسي ، أمير البصرة ، الزرقاء ، جارية ابن رامين ، فقال لها : هل قبلك أحد قط ؟ قالت : نعم ، يزيد بن عون ، قبلني ، ومج في فمي درة بعتها بثلاثين ألف درهم ، فطلبه ، حتي ظفر به ، فضربه بالسياط حتي قتله . ( البصائر والذخائر 473/2/3 ) .

أقول : وابن رامين هذا ، الذي يقول فيه بشارة :

قالوا بشارة عين فقلت لهم : ****الله يشهد أني غير عنين

فإن ظننتم بي الظن الذي كذبوا**** فقربوني من بيت ابن رامين

ولما خرج محمد بن عبد الله ، النفس الزكية بالمدينة ، علي المنصور ، في السنة 145 بعث أخاه موسي إلي الشام ، فلم يجد معينأ ، فأتي البصرة ، فكبس عليه ، وأخذه أميرها محمد بن سليمان العباسي ، فبعث به إلي المنصور ، فأمر المنصور بموسي وابنه ، فضرب كل واحد منهما خمسمائة سوط ، ثم أمر بهم إلي السجن . ( ابن الأثير 5 / 543 ).

وضرب عبد الله بن معن بن زائدة الشيباني ، أبا العتاهية ، مائة سوط . وتفصيل القصة : إن أبا العتاهية ، وهو من موالي بني شيبان ، كان يتعشق جارية ، وكان يتعشقها كذلك عبد الله بن معن بن زائدة ، فنهي أبا العتاهية عن التشبيب بها ، وتهدده بالقتل ، فقال فيه أبو العتاهية :

لقد بلغت ماقال ****فما باليت ما قالا

فصغ ما كنت حليت ****به سيفك خلخالا

وما تصنع بالسيف ****إذا لم تك قتالا

فغضب عبد الله ، وأحضر أبا العتاهية ، وضربه مائة سوط ، فقال يهجوه : [ الاغاني 277/15 و 278 ].

ضربتني بكفها ****بنت معن بن زائدة

جلدتني وبالغت**** مائة غير واحدة

ص: 51

واتهم المهدي العباسي ، رجلا بالزندقة ، فقال له : أشهد أن لا إله إلا الله، وحده لا شريك له، وأن محمدا و رسوله ، وأن الإسلام ديني عليه أحياء وعليه أموت ، وعليه أبعث ، فقال له المهدي : يا عدو الله ، إنما تقول هذا مدافعة عن نفسك ، هاتم السياط ، فأحضرت ، وأمر بضربه ، فضرب ، راجع القصة مفصلة في كتاب نشوار المحاضرة للتنوخي، تحقيق المؤلف ح8 ص 267 رقم القصة 116 .

وبلغ المهدي أن ابن جامع ، وإبراهيم الموصلي ، يأتيان ولده موسي الهادي ، فبعث إليهما ، فجيء بهما ، فضرب الموصلي ضربا مبرحا ، وقال له ابن جامع : ارحم أمي ، فرق له ، وقال له : قبحك الله ، رجل من قريش يغني ، وطرده . ( الاغاني 303/6) . واتهم المهدي ، آدم بن عبد العزيز بن عمر بن عبد العزيز ، بالزندقة ، فضربه ثلثمائة سوط . ( الاغاني 287/15) .

وغضب المهدي مرة علي يعقوب بن داود ، فأخرجه من حبسه ، وناظره ، ثم قال له : اتكذبني ، وضربه اثني عشر سوطأ ضربا مبرحا ، ثم رده إلي الحبس . ( الطبري 162/8).

وضرب المهدي (ت 169 ) أبا العتاهية بسبب عشقه عتبة ، فقال أبو دهمان الغلابي : [ الاغاني 257/22 ].

لولا الذي أحدث الخليفة في ال ****عشاق من ضربهم إذا عشقوا

بحث باسم الذي أحب ولا**** كني أمرؤ قد ثناني الفرق

وغضب بشار بن برد علي تلميذه سلم الخاسر ، فضربه ثلاثة أسواط ، وسبب ذلك إن بشارة كان قد نظم قصيدة ، قال فيها :

قالوا حرام تلاقينا، فقلت لهم ****ما في التلاقي ولا في غيره حرج

من راقب الناس لم يظفر بحاجته ****وفاز بالطيبات الفانك اللهج

ص: 52

فعمد سلم إلي البيت الثاني ، فسلخ معناه ، وقال :

من راقب الناس مات همأ**** وفاز باللذة الجسور

فراج بيت سلم ، واندثر بيت بشار ، فغضب بشار ، وأحضر سلمة ، وقنعه ثلاثا بمخصرة في يده ، وقال له : يا فاسق ، تجيء إلي معني سهرت له عيني ، وتعب فيه فكري ، وسبقت الناس اليه ، فتسرقه ، وتختصر لفظه ، فيذهب بيتي ، وظل سلم يترضاه ، ويحلف له ألا يعود ، حتي رضي عنه . ( الاغاني 264/19) .

وبلغ موسي الهادي (ت 170 ) وهو أمير ، حال بنت جميلة لعمارة بن حمزة ، فراسلها ، فقالت لأبيها ذلك ، فقال : ابعثي إليه في المصير إليك ، فأرسلت إليه بذلك ، وحمل موسي نفسه علي المصير إليها ، فأدخلته حجرة قد فرشت ، وأعدت له ، فلما حصل فيها دخل عليه عمارة ، فقال له : السلام عليك أيها الأمير ، ماذا تصنع هاهنا ، اتخذناك ولي عهد فينا ، أو فحلا لنسائنا ، ثم أمر به فبطح في موضعه ، وضربه عشرين درة خفيفة ورده إلي منزله ، فحقدها موسي علي عمارة ، وأراد أن ينتقم منه لما استخلف فلم يتمكن ، راجع القصة بتمامها في معجم الأدباء 6 / 5 و6 .

وبلغ الحسين بن عبد الله العباسي ، أن ابني هشام الكرنباني ، ينسبان إليه فعل القبيح ، فلقيهما في سكة المربد بالبصرة ، فشد عليهما بسوطه وهو راكب ، فضربهما ضربا مبرحا . ( الاغاني 241/13).

واتهم المهدي العباسي ، بشار الشاعر ، بالزندقة ، فأمر به فضرب سبعين سوطا ، فكان كلما أوجعته الضربة ، صاح : حس ، حس ( بالحاء والسين ، وقد حرفها البغداديون فهم يلفظونها الآن خس ، بالخاء المكسورة ) ، فقال أحدهم : انظروا إلي زندقته ، يقول حس ، ولا يقول بسم الله ، أو الحمد لله ، فقال له : ويحك ، أهو طعام فأسمي عليه ، أو نعمة

ص: 53

أحمد الله عليها ، ومات بعد الضرب . ( الاغاني 244/3 ووفيات الأعيان 426/1 )

وأمر الهادي ، بعلي بن الحسين بن علي بن الحسين ، الملقب بالجزري ، فضرب خمسمائة سوط ، وسبب ذلك ، إن عليا تزوج رقية بنت عمرو العثمانية ، وكانت تحت المهدي ، فبلغ ذلك موسي الهادي ، فأرسل إليه ، فأحضره ، وقال له : أعياك النساء إلا امرأة أمير المؤمنين ؟ فقال : ما حرم الله علي خلقه إلا نساء جدي ، فأما غيرهن فلا ، ولا كرامة ، فغضب موسي ، وشجه بمخصرة كانت في يده، وأمر بضربه خمسمائة سوط ، فضرب ، وأراده أن يطلقها ، فلم يفعل ، فحمل من بين يديه في نطع ، فألقي ناحية ، وكان في يده خاتم سري ، فرآه بعض الخدم ، وقد غشي عليه من الضرب ، فأهوي إلي الخاتم ، فقبض الجزري علي يد الخادم ودقها ، فصاح الخادم ، وجاء إلي موسي فأراه يده ، فاستشاط موسي ، وقال له : ما حملك علي ما فعلت ؟ قال : سله ، ومره أن يضع يده علي رأسك وليصدقك ، ففعل موسي ذلك ، فصدقه الخادم ، فقال : أحسن والله ، أنا أشهد أنه أبن عمي ، وأمر بإطلاقه . ( الطبري 8/ 219 والمحاسن والمساوي 2/ 139).

وذكر أن بعض المغنين ، غني عند الرشيد ، بشعر مدح به أخوه علي بن المهدي ، المعروف بابن ريطة ، وهي بنت السفاح ، وغناه المغني وهو لا يعرف قائله ، ولا من قيل فيه ، وهو :

قل لعلي أيا فتي العرب ****وخبر نام وخير منتسب

أعلاك جذاك باعلي إذا ****قصرجد في ذروة النسب

يريد الشاعر بقوله : إن علي بن المهدي أعلاه جداه أي المنصور من جهة أبيه والسفاح من جهة أمه ، وفيه تعريض بالرشيد ، لأن أمه الخيزران

ص: 54

كانت أمة ، فتغير الرشيد تغير شديدا ، واستفهم من المغني عن الشعر ، وقائله ، ومن قيل فيه ، فوجده لا يعلم شيئا من ذلك ، فبحث عن أول من غني فيه ، فكان عبد الرحيم الدفاف ، فأمر به ، فضرب أربعمائة سوط . ( الاغاني 267/3 والهفوات النادرة 45).

وحبس الرشيد ، محمد بن زياد ، المعروف بابن أبي عمر ، الفقيه الأمامي ، وضربه ، ليدل علي مواضع الشيعة ، وأصحاب الإمام موسي بن جعفر . ( الاعلام 365/6).

وغضب الرشيد علي مروان بن أبي حفصة ، لما سمع رثاءه لمعن بن زائدة ، بالأبيات :

أقمنا باليمامة بعد معن**** مقام لانريد به زيا؟

وكان الناس كلهم لمعن ****إلي أن زار حفرته عيالا

وقلنا أين نذهب بعد معي**** وقد ذهب النوال فلانوالا

فأمر به فأحضر ، وأمر الخدم بضربه بالسياط ، فضرب أكثر من مائة سوط . راجع القصة مفصلة في كتاب الفرج بعد الشدة للتنوخي ، رقم القصة 297 .

وكان أبو صدقة المغني ، عبدا لبعض آل الزبير ، وكان خياط ، وكان يؤدي ضريبته إلي سيده در همين في كل يوم ، فسمع جارية تغني صوتا ، فأعجبه ، فطلب منها أن تعيده ، فطلبت ثمنا لإعادته در همين ، فأعطاها الدرهمين ، وكان لا يملك غيرهما ، فلما عاد إلي سيده وهو لا يملك الضريبة ، بطحه ، وضربه مائة مقرعة ، وحلق رأسه ولحيته ، ومنعه قوته وكان أربعة أرغفة ، راجع القصة مفصلة في كتاب الفرج بعد الشدة للتنوخي ، تحقيق المؤلف ، رقم القصة 252 .

وكان لعلية بنت المهدي ، وكيل اسمه سباع ، فوقفت علي خيانة منه لها ، فضربته وحبسته . ( الاغاني 10 / 183 ).

ص: 55

وضرب الأشك ، أمير المغنين ، مغنية مائة مقرعة ، وسبب ذلك : إن الأشك وهو من أهل حان ، وكان قد أمره الرشيد علي المغنين ، وكان منقطعة إلي الفضل بن الربيع ، فأقعده مع مطارحي الجواري الغناء، فغمز بعضهم جارية ، فنظر إليه الأشك ، فقال له : ما تنظر ، إنما غمزتها بصوت ، فقال الأشك : واحرباه ، أنا أمير المغنين ، ولا أعرف غمز الغناء ، من غمز الزناء ، ثم أمر به فضرب مائة مقرعة . ( الوافي بالوفيات 277/9 ) .

وحبس الرشيد يحيي بن عبد الله العلوي ، في المطبق ، وكان في أضيق البيوت وأظلمها ، ودخل عليه وقد مضي من الليل هجعة ، فكلمه ، ثم أمر به فضرب مائة عصا ( مقاتل الطالبيين 481) .

وغني علويه الرشيد ، بيتا من الشعر :

وأري الغواني لا يواصلن آمرء ****فقد الشباب وقد يصلن الأمردا

فغضب الرشيد ، وقال له : يا عاض بظر أمه ، تغني في مدح المرد ، وذم الشيب ، وستارت منصوبة ، وقد شبت ، كأنك إنما عرضت بي ، ثم دعا بمسرور ، وأمره أن يأخذ بيده فيخرجه ، ويضربه ثلاثين درة ، وأن لا يرده إلي مجلسه ، ففعل ذلك . ( الاغاني 252/5 و 360/11 ).

وضرب بكار الزبيري ، أمير المدينة، الحسين بن عبد الله بن إسماعيل ، بالسوط ، ضربا مبرحا ، فمات من ذلك الضرب . ( مقاتل الطالبيين 497) .

وقال الحسين بن الضحاك : ضربني الرشيد في خلافته لصحبتي ولده ، ثم ضربني الأمين لممايلة ابنه عبد الله لي ، ثم ضربني المأمون لميلي إلي محمد ( الأمين ) ، ثم ضربني المعتصم لموده كانت بيني وبين العباس بن المأمون ، ثم ضربني الواثق لشيء بلغه من ذهابي إلي المتوكل ، وتغاضب

ص: 56

المتوكل علي مرة ، فقلت له : يا أمير المؤمنين ، إن كنت تريد أن تضربني كما ضربني آباؤك ، فأعلم أن آخر ضرب ضربته كان بسببك . ( الاغاني 165/7 و 226 ووفيات الأعيان 353/1 و 354 ).

وفي السنة 183 قتل بالضرب أبو عمرو البهلول بن راشد الحجري ، من العلماء الزهاد ، رأي من أمير إفريقية محمد بن مقاتل العكي ، تصرف لا يتفق والدين ، فشدد في منعه، فبعت إليه العكي من قيده ، وجرده ، وضربه عشرين سوطأ ، وحبسه ، فكان موته من الضرب . ( الاعلام 55/2 و56 ) .

وضرب السندي بن شاهك ، حجاما فضوليا ، سبعين سوطأ . ( العقد الفريد 6 / 445 و446) .

وسب ذلك : إن المأمون ، أرسل إليه ، وكان بخراسان ، فطوي المراحل ، وقدم بغداد ، وانصرف إلي منزله ، فطلب حجامه ، فقيل : هو محموم ، وجاءوه بغيره ، فلما باشر بالعمل ، قال له : من أنت ؟ فأخبره باسمه ، فقال له : إني أري أثر السفر عليك ، فمن أين قدمت ؟ فأخبره ، فقال له : وفي أي شيء قدمت ؟ فقال له : إذا فرغت من عملك ، سوف أخبرك بالقصة علي وجهها ، فلما فرغ من الحجامة ، أمر بتعليق الحجام في العقابين ( خشبتان يشبح الرجل بينهما فيجلد ) ثم أخذ يقص عليه مراحل سفره ، والحجام يجلد بالسياط ، حتي إذا جلده سبعين سوطا ، استعفاه الحجام ، وحلف أنه لا يعود إلي الفضول ، فتركه . ( العقد الفريد 6/ 445 و446).

أقول : هكذا ورد الخبر في العقد الفريد ، وفيه نظر، لأن السندي بن شاهك ، لم يستخدمه المأمون ، بالنظر لمواقفه في أيام الفتنة بين الأخوين ، وكان السندي أحد أثنين قاما ببيعة إبراهيم بن المهدي ، مراغمة للمأمون ( الطبري 557/8 ) . ولما دخل طاهر بن الحسين ، قائد المأمون ،

ص: 57

بغداد ، كتب إليه السندي يسأله الأمان ، فوقع في كتابه : عش ما لم أرك ( تاريخ بغداد لابن طيفور 70) وصرح المأمون مرة ، بأن دم أخيه الأمين في عنق ثلاثة ، أحدهم السندي بن شاهك ، أما الآخران فهما الفضل بن الربيع ، وبكر بن المعتمر ( تاريخ بغداد 15)، وقد توفي السندي في السنة 204 ، أي سنة دخول المأمون بغداد ( تاريخ بغداد 191 ) فلا مجال للإدعاء بأنه عمل في خدمة المأمون ، وإذا صحت القصة ، فيقتضي أن تنسب إلي إبراهيم بن السندي بن شاهك ، الذي نصبه المأمون ، لما دخل إلي بغداد ، صاحب خبر علي ما وراء بابه . (تاريخ بغداد 35 و 37 ).

وجني دعبل الخزاعي الشاعر ، جناية بالكوفة ، فأخذه العلاء بن منظور الأسدي صاحب شرطة الكوفة وحبسه ، ثم ضربه ثلثمائة سوط . ( الاغاني 136 ، 135/20)

ولما حج الرشيد ، اعتقل الإمام موسي بن جعفر ، وأخذه معه لما عاد إلي العراق ، فحبسه عند الفضل بن يحيي البرمكي ، ثم بلغه إنه عنده في رفاهية ، وسعة ، ودعة ، فبعث من يتحقق له ذلك ، ولما تأيد له ، أمر بالفضل فضرب مائة سوط . ( مقاتل الطالبيين 503 ).

وقام رجل إلي هارون الرشيد ، وهو يخطب بمكة ، فقال له : كبر مقتا عند الله أن تقولوا ما لا تفعلون ، فأمر به فضرب مائة سوط . ( العقد الفريد 53/1)

ورفع صاحب بريد أصبهان ، عيسي الرواوزدي ، إلي الرشيد ، أن أحمد بن عيسي العلوي ، وصاحبه حاضر ، بالبصرة والأهواز يترددان ، فكتب الرشيد إليه بأمره بطلبهما، وكتب إلي أبي الساج ، وهو علي البحرين ، وخالد بن الأزهر ، وهو علي الأهواز ، وخالد طرشت ، وهو علي بريد طريق السند ، بأن يسمعا ويطيعا لصاحب بريد أصبهان ، فتوصل صاحب

ص: 58

بريد أصبهان إليهما ، وأغراهما بالمسير إلي الكوفة ، وجعلهما في سفينة ، ثم أحشا بالأمر ، فتسللا وهربا ، فقدم عيسي علي الرشيد، وأخبره بتفريط الملاحين في السفينة ، فضربهم الرشيد ضربا مبرحا ، وحبسهم في المطبق . ( مقاتل الطالبيين 627).

وتلاحي إبراهيم الموصلي، وابن زيدان صاحب البرامكة ، وهما يلعبان الشطرنج ، فأخذ ابن زيدان الشاه ، وضرب به رأس إبراهيم ، وقال له : يا زنديق ، تكفر بحضرتي ، فأمر إبراهيم غلمانه ، فضربوا ابن زيدان ضربا شديدأ . ( الاغاني 350/16) .

وسعي بمالك (ت 179 ) إلي جعفر بن سليمان ، أمير المدينة العباسي ، وقالوا : إنه لا يري أيمان بيعتكم هذه بشيء، فدعاه وجده ، وضرب بالسياط ، ومدت يده حتي انخلع كتفه . ( وفيات الأعيان 4 / 137 والعيون والحدائق 298 ).

وفي السنة 184 خاصم وكيل السيدة أم جعفر زبيدة ، إلي محمد بن مسروق قاضي مصر ، فجلس مع خصمه متربعا ، إدلالا بموضعه من السيدة ، فأمر به محمد بن مسروق نبطح ، وضرب عشرة ، فبغاه إلي زبيدة ، فعزله أبو البختري قاضي القضاة . ( القضاة 392 ).

وغمز المأمون ، جارية مغنية ، لحنت وهي تغني ، في مجلس أبيه الرشيد ، فأحس به الرشيد ، فكتب إليه رقعة طلب فيها منه أن يأمر من يضر به عشرين مقرعة جيادة ، فدعا المأمون البوابين ، وأمرهم ببطحه وضربه ، طاعة الأبيه ، فامتنعوا ، فأقسم عليهم ، فامتثلوا أمره . ( العقد الفريد 5/ 120 ).

وكان أبو محمد اليزيدي ، يؤدب المأمون ، فأبطأ عليه المأمون يوما ، ثم أبطأ عليه يوما آخر ، فلما خرج ، أمر بحمله وضربه تسع درر ، راجع القصة في كتاب المحاسن والمساوي 215/2.

ص: 59

وكان هارون بن سليم بن عياش القرشي ، يتكلم في مصر بالعصبية ، فأرسل إليه القاضي ابن مسروق ، قاضي مصر (177 - 184)، وقال له : ما يؤمنك أن أكتب فيك إلي أمير المؤمنين بما تضرب به بين الناس ، وأخذ جمعة من جلسائه فضربهم ، وطاف بهم . ( القضاة للكندي 391 ).

وكان أبو مالك النضر التميمي مع الرشيد ، وكان أبوه مقيم بالبادية ، فأصاب قوم من عشيرته الطريق ، فخرج عامل ديار مضر ، وقصد بني تميم ، فأخذ منهم جماعة فيهم أبو النضر والدأبي مالك ، وضربه حتي مات . ( الاغاني 253/22 ). .

وضرب مسرور الخادم ، الفضل بن يحيي البرمكي ، مائتي سوط ، بأمر الرشيد ، فكاد أن يموت ، وتفصيل ذلك : إن الرشيد سير مسرورا الخادم إلي السجن ، وأخرج له الفضل ، فقال له : إن أمير المؤمنين يقول لك : اصدقني عن أموالك ، وإن لم تصدقني ، أن أضربك مائتي سوط ، وأري لك أن لا تؤثر مالك علي نفسك ، فرفع الفضل رأسه ، وقال : والله ، ما كذبت فيما أخبرت به ، ولو خيرت بين الخروج من الدنيا ، وبين أن أضرب سوطأ واحدا ، لاخترت الخروج ، وأمير المؤمنين يعلم ذلك ، وأنت تعلم ، إنا كنا نصون أعراضنا بأموالنا ، فكيف صرنا نصون أموالنا بأنفسنا، فإن كنت قد أمرت بشيء فامض له ، فأخرج مسرور أسواطأ كانت معه في منديل ، وأمر الخدم فضربوه مائتي سوط أشد الضرب ، فكاد أن يتلف ، وتركوه ، وكان هناك رجل بصير بالعلاج ، فطلبوه لمعالجته ، فلما رآه ، قال : يكون قد ضربوه خمسين سوطأ ، فقيل : بل مائتي سوط ، فقال : ما هذا إلا أثر خمسين سوط لا غير ، ولكن يحتاج أن ينام علي ظهره ، علي بارية ، وأدوس صدره ، فجزع الفضل من ذلك ، ثم أجاب إليه ، فألقاه علي ظهره ، وداسه ، ثم أخذ بيده ، وجذبه عن البارية ، فتعلق بها من لحم ظهره شيء كثير ، ثم أقبل يعالجه ، إلي أن نظر يوما إلي ظهره ، فخر المعالج ساجدأ ،

ص: 60

وقال : الحمد لله ، إنه قد بريء ، وقد نبت في ظهره لحم حي ، ثم قال : : هذا ضرب خمسين سوطأ ، أما والله لو ضرب ألف سوط ما كان أثرها باشد من هذا الأثر ، وإنما قلت ذلك حتي تقوي نفسه ، فيعينني ذلك علي علاجه ، ثم إن الفضل آقترض من بعض أصحابه عشرة آلاف درهم ، وبعث بها إلي الفتي الذي عالجه ، فأبي أخذها، وردها عليه ، فاعتقد إنه قد استقلها ، فاقترض عشرة آلاف أخري ، وبعث بالعشرين ألف إليه ، فردها ، وقال : أنا أعالج فتي من الأبناء بكراء ؟ ما كنت لأخذ كراء علي معالجة فتي من الكرام ، لا أقبلها ولو كانت عشرة آلاف دينارة ، وسألوا عن الفتي ، وإذا به صاحب طيور يعيش من بيع أفراخها . ( وفيات الأعيان 4 / 33 و34 والمحاسن والمساوي 2/ 173 و174).

أقول : تكتب هذه القصة في باب مكارم الأخلاق .

وتزوج الهيثم بن عدي الطائي الراوية ، (ت 209 ) من بني الحارث بن كعب ، فلم يرتضوه ، وأذاعوا عنه إنه ذكر العباس بن عبد المطلب بشيء ، فحبس ، وطولب بتطليق زوجته ، محتجين عليه بأنه دعي في العرب ، وجاءوا بشعر لأبي نواس ، قال فيه :

يا هيثم بن عدي لست للعرب ****ولست من طيء إلا علي شغب

إذا نسبت عدية في بني ثعل**** فقدم الدال قبل العين في النسب

فأمر الرشيد بالتفريق بين الهيثم وبين زوجته ، فأدخلوه دار ، وضربوه بالعصي حتي طلقها . ( معجم الأدباء 262/7 ).

وغني علويه ، الأمين ، صوتة بشعر فيه هجاء لجونقا ، وكان الفضل بن الربيع حاضرا ، فغضب ، وقال : يا أمير المؤمنين إن جونقا كاتبي ، وإذا استخف به فإنما استخف بي ، فقال الأمين : خذوه ، فأخذوا علويه وضرب ثلاثين درة ، وأمر باخراجه . ( الاغاني 11 / 344 و345).

ص: 61

وغني علويه ، بين يدي الأمين :

اليت هندأ أنجزتنا ما تعد ****وشفت أنفسنا مما تجد

واستبدت مرة واحدة ****إنما العاجز من لا يستبد

فقال الفضل بن الربيع، للأمين ، إن علويه قد عرض بأخيك المأمون ، وقصده لك ، ومحاربته إياك ، فتقدم بأن يجر من بين يديه ، وأن يضرب خمسين سوطا . ( الهفوات النادرة 383 و384) .

وتزوج بكار بن عبد الله الزبيري (ت 195 )، امرأة من ولد عبد الرحمن بن عوف ، واتخذ عليها جارية ، وأغارها ، فتآمرت علي قتله مع غلامين له زنجيين ، ودخلا عليه وهو نائم ، فقعدا علي وجهه حتي مات ، فاجتمع أهله ، وأخذ الغلامان فضربا ضربا مبرحا، فأقرا بقتله ، وبأنها أمرتهما بذلك ، فأخرجت من الدار ولم تورث . ( الطبري 246/8 و247).

ولما تواقف علي بن عيسي ، قائد جيش الأمين ، وطاهر بن الحسين قائد جيش المأمون ، في السنة 195 بالري ، خرج من عسكر طاهر ثلاثة أنفس إلي علي بن عيسي ، يتقربون إليه بذلك ، وتبين أن أحدهم كان من جند ولده عيسي ، فأمر به فضرب مائتي سوط ، واستخف بالرجلين الآخرين ، وانتهي الخبر إلي اصحاب طاهر ، فأزدادوا جدا في محاربته ونفورة منه . ( الطبري 391/8 ).

وفي السنة 199 وجه إبراهيم بن موسي بن جعفر ، الذي استولي علي اليمن ، رجلا عقيليا ( من أولاد عقيل ) يحج بالناس ، فبلغه أن المعتصم بمكة ومعه جند ، فأقام خارج مكة ، ومرت به قافلة من الحاج والتجار تحمل كسوة وطيبة للكعبة ، فأخذ أموال التجار وكسوة الكعبة ، فقدم التجار إلي مكة عراة مسلوبين ، فبعث المعتصم إلي العقيلي جيشا قدره مائة جندي ، ففر

ص: 62

منهم من فر ، وأسر الباقين ، فلما أحضرهم ، قال لهم : أغربوا با كلاب النار ، وأمر بهم فضرب كل واحد منهم عشرة أسواط وخلي سبيلهم ، فرجعوا إلي اليمن ، ومات أكثرهم في الطريق جوعا وعرية . ( الطبري541/8 ).

ولما ظهر أبو السرايا بالكوفة ، جهز إليه الحسن بن سهل ، جيش بقيادة زهير بن المسيب ، فانكسر زهير ، وفر من المعركة ، فلما عاد إلي الحسن بن سهل ، أحضره ، فلما رآه رماه بعمود حديد كان في يده فشتر إحدي عينيه . ( مقاتل الطالبيين 529).

وفي السنة 204 ناظر أحد أصحاب مالك بن أنس ، واسمه فتيان الإمام الشافعي ، فاستظهر الشافعي ، فضاق فتيان ذرعا ، وشتم الشافعي شتم قبيحأ ، فلم يرد عليه الشافعي حرفأ ، فرفع الأمر إلي السري ، الوالي بمصر ، فأمر بفتيان فضرب بالسياط ، وطيف به علي جمل ( معجم الأدباء 395/6)

لما خرج طاهر بن الحسين ، لحرب علي بن عيسي بن ماهان ، كان صاحب علم ابن ماهان ، حاتم الطائي ، وكان قد ضرب ثمانمائة سوط حتي ذهب لحم أليته ، وكان له أربعة غلمان يحملونه حتي يقعد في سرجه . ( الديارات 143).

وكان علي بن عيسي بن ماهان (ت 195 ) قد ضرب أحمد بن هشام ، أربعمائة سوط ، لما كان عامل خراسان للرشيد ، فلما قدم علي بن عيسي علي رأس جيش الأمين ، لحرب المأمون ، خرج من عسكر المأمون أحمد بن هشام ، وصاح بعلي : أليست هذه بيعتك للمأمون ، ألا تتقي الله ؟ فقال علي : من جاء به فله ألف درهم . ( الطبري 393/8 ).

وفي السنة 202 قبض ابراهيم بن المهدي ، لما استخلف ببغداد ، علي رجل من أصحاب سهل بن سلامة الأنصاري ، الذي قام يدعو للأمر

ص: 63

بالمعروف والنهي عن المنكر ، فضربه إبراهيم ، ونتف لحيته ، وقيده ، وحبسه ، وكان يدعي محمد الرواعي . ( الطبري 563/8 ).

وفي السنة 210 اكتشف المأمون مؤامرة لاستخلاف إبراهيم بن المهدي ، اشترك فيها إبراهيم بن محمد بن عبد الوهاب بن إبراهيم الإمام ، المعروف بابن عائشة ، ومحمد بن إبراهيم الأفريقي ، ومالك بن شاهي ، وفرج البغواري ، فأمر المأمون بابن عائشة ، فأقيم ثلاثة أيام في الشمس علي باب المأمون ، ثم ضرب بالسياط ، ثم حبس في المطبق ، وضرب الآخرون كذلك ، ثم بلغ المأمون أنهم يريدون أن يشغبوا ، وينقبوا السجن ، فدعا بابن عائشة وبالإفريقي ، والبغواري ، وبشاطر اسمه أبو مسمار ، فضرب أعناقهم ، وصلبهم علي الجسر الأسفل . ( الطبري 602/8 - 604).

وبلغ أبا جعفر مضرطان ، أن عبد الصمد بن المعدل ، هجاه ، فقال اله : بلغني أنك هجوتني ، فقال له : ومن أنت حتي أهجوك ؟ فقال : هذا شر من الهجاء ، ووثب إلي عبد الصمد يضر به، فقال الحمدوي : [ الاغاني 236/13}

ألذ من صحبة القناني**** أو اقتراح علي قيان

لكز فتي من بني لكيز ****يهدي له أهون الهوان

أهوي له بازل خدب ****يطحن قرنيه بالجران

فنال منه ثؤور قوم ****باليد طور؛ وباللسان

وكان يفسوفصار حق ****يضرط من خوف مضرطان

وقتل إسحاق بن موسي الهادي العباسي ، قتله ولده وخادم له ، فأقاد المأمون من الولد ، وقتل الخادم ضربا بالسياط . ( اسماء المغتالين 199).

وخرج إسحاق بن إبراهيم المصعبي ، يوما من عند المأمون ، فوجد خليفة صاحب البريد في الدار يقهقه ، وخليفة صاحب الدار جالس لا ينكر

ص: 64

عليه ذلك ، فضرب كل واحد منهما مائة مقرعة ، وحبسهما، ودعا بصاحب البريد وصاحب الدار ، وقال لهما : كنتما أنتما أحق بهذا الأدب ، إذ تقلدان خلافتكما في الدار من يضيع الأمور ، ويهملها . ( الديارات 39 ).

وفي السنة 217 ولي المأمون ، مصر ، كيدر ، واسمه نصر بن عبد الله ، وولي الشرطة رجلا من العجم اسمه ابن بسطام ، فعزله كيدر الرشوة أرتشاها ، وأمر بضربه بالسوط في صحن المسجد الجامع . ( الولاة للكندي 193 ) .

وبلغ القاضي محمد بن أبي الليث، قاضي مصر (226 - 230 ) ، أن يحيي بن زكريا ، يشيع عنه إنه معزول ، ويشنع عليه ، فأحضره ، ونهاه فلم ينته ، فضربه ، وحبسه . ( القضاة للكندي 459) .

وتقدمت شكوي إلي قاضي مصر ، عيسي بن المنكدر (212 - 214)، علي ابن عبد ربه ، فأبلغه بلزوم حضوره في مجلس الحكم ، فلم يحضر ، فأمر باحضاره ، وضربه في المسجد عشرين سوطا . ( القضاة للكندي 439).

وشكا مؤدب الواثق ، إلي المعصتم ، أن الواثق لا يتعلم ، فإذا طالبه بذلك شتمه ، ووثب عليه ، فأمر المعتصم ، محمد بن عبد الملك الزيات ، بأن يضرب الواثق أربع مقارع، فخرج محمد ، واستدعي الواثق ، وضربه ثلاث عشرة مقرعة ، فحقدها عليه . ( نشوار المحاضرة للتنوخي ج8 ص 17 - 19 رقم القصة 4/8 ) .

ولما اطلع المعتصم في السنة 222 علي مؤامرة قسم من قواده عليه ، ومحاولتهم نصب العباس بن أخيه المأمون خليفة ، بدلا منه ، قتل العباس بأن منع عنه الماء ، فأماته عطشا ، ثم قتل المتآمرين ، كل واحد بفن من القتل ،

ص: 65

الواحد بضرب العنق ، والآخر بالخنق ، والآخر بالضرب بالخشب حتي يموت . ( العيون 3/ 398 ).

ولما نزل ياطس ، قائد جيش عمورية ، فلاقي المعتصم ، وهو محاصر عمورية ، خلع سيفه من عنقه ، ودفعه إلي الحسن ، ثم وقف بين يدي المعتصم ، فقنعه المعتصم سوطة . ( العيون والحدائق 395/3 والطبري 68/9)

وكان إسحاق بن إبراهيم المصعبي ، في قصره يشرب ، ومعه محمد بن راشد الخناق ، وكان خصيصا به أثيرا عنده ، فورد علي إسحاق كتاب من المعتصم ، فلما فرغ من قراءته ، قال : سياط وعقابين وجلادين ، فأحضر ذلك ، فأمر بمحمد بن راشد فأقيم من مجلسه ، وشق عنه ، ونصب في العقابين ، وهو يقول : أيها الأمير ، ما حالي ، وما قصتي ؟ فقال : الحق الجوهر الذي كان لفلان ، من صفته كيت وكيت ، تحضرنيه الساعة ، فتلكا ، فضرب ، فلما أحس بالضرب ، قال : أنا أحضره ، وأحضره لوقته ، فأنفذه إسحاق إلي المعتصم ، وعاد إلي محمد بن راشد فخلع عليه ، ورده إلي موضعه . ( الديارات 41 و42) .

أقول : العقابان : خشبتان يشبح عليهما من يراد جلده (لسان العرب ).

وضرب صاحب مسلحة الناحية بدير الجاثليق، الطبيب يوحنا بن ماسويه (ت 243) عشرين مقرعة ضربة موجعة ، وسبب ذلك إن الطبيب سهل بن سابور ، خرج في يوم الشعانين يريد دير الجاثليق ، فرأي زميله يوحنا بن ماسويه في هيأة أحسن من هيأته ، ودابة أفره من دابته ، فحسده علي نعمته الظاهرة ، فصار إلي صاحب مسلحة الناحية ، وقال له : إن ابني يعقني ، وقد أعجبته نفسه ، وقد أخرجه العجب إلي أن يحجد أبوتي له ،

ص: 66

وأريد منك أن تبطحه وأن تضربه عشرين ډرة موجعة ، وأعطيك عشرين دينارا ، ثم انتظر حتي وصل يوحنا ، فأشار له إليه ، فأخذه صاحب المسلحة ، وناظره ، فانكر إنه ابن سهل ، فبطحه صاحب المسلحة ، وضربه عشرين مقرعة . (تاريخ الحكماء 197).

وكان أبو علي بن الرشيد ، مستهترة بالشراب والقيان ، فوجه إليه إسحاق بن إبراهيم المعصبي ، ينهاه ، فلم ينته ، فركب إليه وهو في دير مديان علي نهر كرخايا بالجانب الغربي من بغداد ، وأخرجه وهو سكران في ثياب مصبغة ، وقد تضمخ بالخلوق ، وقال له : سوءة لك ، رجل من ولد الخلافة علي مثل هذه الحال ، ثم أمر به فبطح علي بساط بباب الدير ، وضربه عشرين درة . ( الديارات 34 و35) .

وكان مازيار بن قارن بن وندا هرمز ، صاحب طبرستان ، وكان المأمون يكتب إليه : من عبد الله المأمون إلي جيل جيلان ، أصبهبذ أصبهبذان ، بشوار حر شاه ، محمد بن قارن مولي أمير المؤمنين ، وخالف مازيار علي المعتصم في السنة 225 ، وأسر ، وأحضر إلي سامراء ، فأمر المعتصم بضرب مازيار ، فضرب أربعمائة وخمسين سوطا ، وطلب ماء فسقي ، فمات من ساعته ، وصلب إلي جانب بابك . ( تجارب الأمم 516/6 والطبري 104 - 100/9 )

: وكان الشاعر الأندلسي أحمد بن نعيم السلمي ، يكتب لأحد الحكام في الأندلس ، فاتهمه بالتحريض عليه ، فأمر بتجريده ، فجرد، وضرب خمسمائة سوط ، ثم أمر فجر برجله إلي بعض المزابل ، وهم يظنونه ميتا ، فأفاق ، وسار إلي بعض الملوك ، واستجار به ، ثم أخذ في هجاء الذي ضربه ، وبلغ المهجو ذلك ، فكتب بحمله إليه ، فدخل قاصده البلد ، والناس قد انصرفوا من جنازته . ( الوافي بالوفيات 220/8 ) .

ص: 67

وروي لنا صاحب مصارع العشاق 148/2 - 151 ، قصة شاب من بني هلال ، اسمه نمير بن نحيف ، ضرب ثلاثين سوطأ ، فلم ينبس ببنت شفة ، تسترأ منه علي متعاشقين ، وتفصيل ذلك : إن فتي صديقا لنمير ، من بني هلال ، اسمه بشر ، ويعرف بالأشتر ، كان ينعشق جارية من قومه ، اسمها جيداء ، فاشتهر أمرهما، ووقع الشر بين أهليهما، حتي كثرت بينهم الجراحات ، وتباعد منزلاهما ، فلما طال البلاء علي الأشتر ، جاء إلي صاحبه نمير ، وطلب منه أن يسعده علي زيارة جيداء ، وركبا معا ، وتوصل نمير إلي جارية لجيداء ، فواعدته علي اللقاء عند شجرات في أعقاب البيوت ليلا ، واجتمع الحبيبان ، وجلسا يتشاكيان ، ثم أرادت الانصراف ، فقال الأشتر : أما فيك يا جيداء حيلة ، فنتحدث ليلتنا ، فقالت : لا سبيل إلي ذلك ، إلا إذا حل صاحبك محلي ، فرضي نمير أن يعود إلي الخباء حالا محلها ، فألسبته ثوبها ، ولبست ثوبه ، وأوصته أن يدخل إلي خبائها، حتي إذا جاء زوجها، طلب منه القدح ليحتلب ، فلا يعطيه القدح ، إلا بعد أن يطيل نكده ، فإن احتلب في القدح ، فلا يأخذه منه حتي يطيل نكده ، فإذا أخذه منه ، فإن الزوج ينصرف ، لينام وحده ، وصنع نمير ما أوصته به جيداء ، ولكنه لما أهوي بيده ليأخذ القدح ، اختلفت يده ويد الزوج ، فانكفأ القدح ، وأندلق ما فيه ، فغضب الزوج ، وقال : هذا طماح مفرط ، وعمد الي سوط مفتول ، كمتن الثعبان المطوق ، فضرب به نميرة ثلاثين ، حتي جاءت أمه واخوته ، وأخت له ، فحالوا بينه وبين استمرار الضرب ، وكان نمير لا يستطيع أن يتكلم ولا أن يكشف وجهه ، فأصاب الضرب من ظهره موضعة أثر فيه أثرأ موجعة ، فلما خرج الزوج وأهله عنه ، جاءت أم جيداء ، تكلمه ، وتحسبه أنه أبنتها ، فتغطي بثوبه ، وسكت لا يكلم أحدأ ، وقالت أم جيداء : يا جيداء ، اتقي الله ربك ، ولا تعرضي لمكروه زوجك ، وأما الأشتر ، فلا أشتر لك أخر الدهر ، ثم خرجت ، وقالت : سأرسل إليك أختك توانسك وتبيت الليلة عندك ، فلبث غير ما كثير ، وجاءت الجارية ، أخت جيداء ، تبكي ، وتدعو علي من

ص: 68

ضرب اختها ، وسكت نمير لا يكلمها ، حتي إذا اضطجعت إلي جانبه ، وتمكن منها ، ست فاها بيده ، وقال لها : يا هذه ، أختك تلك مع الأشتر ، وقد قطع ظهري الليلة بسببها ، وأنت أولي بالستر عليها ، فاهتزت الجارية من الروع، كما تهتر القصبة ، ثم بات مع نمير منها أملح رفيق ، وظلا يتحدثان وتضحك منه ، ومما بلي به من الضرب، حتي برق النور ، وإذا جيداء قد دخلت من آخر البيت ، فلما رأتهما ارتاعت وفزعت ، وقالت : من هذه عندك ؟ قال : أختك ، وحدثاها بما حصل ، وأخذ نمير ثيابه ، وعاد إلي صاحبه .

وفي السنة 223 تأمر بعض القواد علي المعتصم ، وبايعوا العباس بن المأمون ، وكان منهم عمرو الفرغاني ، فلما نزل المعتصم بنصيبين في بستان ، دعا صاحب البستان ، وأمره فحفر بئرا بقدر قامة ، ثم دعا بعمرو الفرغاني ، وقال : جردوه ، فجرد ، وضربوه بالسياط ، والبئر تحفر ، حتي إذا فرغ من حفرها ، أمر المعتصم فضرب وجه عمرو وجسده بالخشب ، فلم يزل يضرب حتي سقط ، ثم قال : جوه الي البئر فأطرحوه فيها ، فطرح في البئر ، وطمت عليه ( الطبري 77/9 وابن خلدون 265/3 وتجارب الأمم 501/6)

وكان هارون بن عبد الله قاضي مصر (217 - 226) يتفقد أحوال الأيتام الذين لهم اموال في صندوقه ، أو أودعها لدي أولياء اختارهم ، ووجد مرة في أمر يتيم ، بعض الخلل ، فأحضر الولي الذي كان اليتيم في حجره ، وضربه ، وطاف به ، أي أشهر ( القضاة للكندي 444) .

وفي السنة 227 ضرب أحد الجند بفلسطين أخت أبي حرب اليماني ، بسوط ، وكان غائبا ، فلما عاد إلي منزله شكت إليه حالها ، وأرته الأثر الذي بذراعها من الضربة ، فأخذ أبو حرب سيفه وقتل الجندي ، وصار إلي جبل

ص: 69

من جبال الأردن ، وخرج علي السلطان ، وصار في نحو مائة ألف ( تجارب الأمم 526/6 ).

وفي السنة 229 اعتقل الواثق أحمد بن إسرائيل الكاتب ، وأمر بضربه في كل يوم عشرة أسواط ، فضرب نحو ألف سوط ، وأخذ منه ثمانين ألف دينار ( تجارب الأمم 527/6 ).

وأمر الواثق ، بأن يضرب اسحاق الموصلي ، فضرب ثلاثين مقرعة ، وسبب ذلك ، إن المعتصم لما خرج الي عموريه ، استخلف الواثق ، فجلس الواثق مجلسا جمع فيه الندماء والمغنين ، وبدأ هو فغني ، وغني الباقون ، وامتنع اسحاق عن الغناء ، فغضب الواثق ، وقال له : يا خوزي يا كلب ، أتنزل لك ، وأغني ، وتترفع علي ، ابطحوه ، فبطح ، وضرب ثلاثين مقرعة ( الاغاني 298/9 ).

واجتمع عند مخارق (ت 231 ) اصحابه ، فطبخ لهم ، وجلسوا يأكلون ويشربون ، وإذا بامرأة تصيح من الشط : يا أبا المهنا، الله ، الله ، في ، حلف زوجي بالطلاق أن يسمع غناءك ويشرب عليه ، فأحضره وغناه ، وكانت زوجته داية هارون بن مخارق ، ولما انصرف عادت المرأة إلي مخارق ، وقالت إن زوجها حلف بالطلاق مرة أخري أن يسمع غناءه ، فعاود إحضاره ، وغناه ، ثم جاءت المرأة مرة ثالثة ، فأحضر الزوج ، وبعد أن غناه ، أمر غلمانه فبطحوه وضربه خمسين مقرعة ، وأحلفه بالطلاق أن لا يذكره أبدا ( الاغاني 355/18 - 357).

وكان من جملة ألوان العذاب الذي صبه المتوكل علي وزيره محمد بن عبد الملك الزيات ، أن أمر به فبطح ، فضرب علي بطنه خمسين مقرعة ، ثم قلب ، فضرب علي ظهره مثلها، فمات وهو يضرب ، وهم لا يعلمون ، فأصبح ميتا قد ألتوت عنقه ، ونتقت لحيته ( الطبري 159/9 و 160).

ص: 70

وفي السنة 232 سار بغا الكبير علي رأس جيش لقتال بني نمير ، فقتل منهم وأسر ، وقيد الأسري وحملهم معه ، فشغبوا في الطريق ، فأحضرهم ، وضرب كل واحد منهم ما بين الخمسمائة سوط والأربعمائة ، وأقل وأكثر . ( تجارب الأمم 535/6 والطبري 149/9 ).

وكان أبو جعفر النحوي ، المعروف بابي عصيدة ، يؤدب المعتز ، فلما بلغه أن أباه المتوكل أراد أن يعقد له ولاية العهد ، أخر غداءه ، وضربه بلا ذنب ، فدعاه المتوكل ، وسأله عن سبب ذلك ، فقال : أخرت غداءه ، ليعرف أثر الجوع، وضربته من دون ذنب ، ليعرف أثر الظلم في نفس المظلوم ، فأمر له المتوكل بعشرة آلاف درهم . ( معجم الأدباء 222/1 و223) .

واتهم المتوكل نديمه ابراهيم بن حمدون ، بأنه حزين لموت الواثق ، وكان يبغض كل من أظهر ميلا للوائق ، فأمر بنفيه إلي السند ، وأن يضرب ثلثمائة سوط ( معجم الأدباء 368/1 ) .

وفي السنة 233 ، أمر المتوكل بابراهيم بن الجنيد النصراني ، فضرب بالأعمدة وحبس ، فأدي سبعين ألف دينار ( الطبري 162/9 ).

وفي السنة 235 جيء بيحيي بن عمر العلوي ، الي عمر بن فرج الرخجي ، وكان إليه أمر العلويين ، ناط به المتوكل ذلك لعلمه بعداوته لهم ، فأمر عمر بيحيي فضرب ثماني عشرة مقرعة ، وحبسه ببغداد بالمطبق ، فكان ذلك سبب خروجه علي العباسيين ( الطبري 182/9 و 299 ومقاتل الطالبيين 639)

ولما عزل ابن أبي الليث ، قاضي مصر ، طالبه خلفه برفع حسابه ، فكان يوقف كل يوم بين يدي القاضي الخلف ، فيضرب عشرين سوطا . ( الولاة للكندي 469) .

ص: 71

وفي السنة 235 ظهر بسامراء ، رجل من نيسابور اسمه محمود بن الفرج ، زعم إنه ذو القرنين ، ومعه سبعة وعشرون رجلا من أتباعه يشهدون له بالنبوة ، وأن جبريل يأتيه بالوحي ، فأحضره المتوكل وأحضر أتباعه ، فأصر محمود علي ادعاء النبوة ، وعاد أتباعه عن تأييد قوله ، فأمروا بأن يصفعوه فصفعه كل واحد منهم عشر صفعات ، ثم ضرب محمود بالسياط حتي مات ( الطبري 175/9 ).

وكان عبيد الله بن يحيي بن خاقان ، قبل أن يستوزره المتوكل ، يلزم مجلس المتوكل من السحر إلي أن ينام المتوكل ليلا ، وأمره المتوكل في بعض الأيام ، أن يكتب كتابا ، فلم تكن معه دواة ، فلما خرج عبيد الله من مجلس المتوكل ، بادر إليه إيتاخ حاجب المتوكل ، وقال له : إنما طلبك أمير المؤمنين لتكتب بين يديه فإذا حضرت بلا دواة ، فلأي شيء تجييء ، فقال له عبيد الله : أي مدخل لك أنت في هذا ؟ أنت حاجب أو وزير ؟ فاغتاظ منه إيتاخ ، وأمر به فبطح ، وضربه علي رجليه عشرين مقرعة ، راجع تفصيل القصة في كتاب نشوار المحاضرة للتنوخي (ج 8/ ص 12 - 16 رقم القصة 3)

وخاصم ابن أبي الجهم ، قوما من العمريين والعثمانيين ، فذكر سلفهم بسوء ، فكلمه أحد الهاشميين ، فذكر جده العباس بسوء ، فبلغ ذلك المتوكل ، فأمر بضربه مائة سوط ، تولي ضربه إياها إبراهيم بن اسحاق بن إبراهيم المصعبي ، فقال يتهم المتوكل بالسوأة : ( معجم الأدباء 30/2 ) .

تبرا الكلوم وينبت الشعر ****ولكل مورد غلة صدر

واللؤم في أثواب منبطح ****لعبيده ما أورق الشجر

وأمر عامل مصر للمتوكل ، بضرب رجل من الجند، فضرب عشرة أسواط، فاستحلف العامل بحق الحسن والحسين إلا عفا عنه ، فزاده ثلاثين

ص: 72

درة ، ورفع ذلك صاحب البريد الي المتوكل، فورد كتاب المتوكل علي العامل بضرب ذلك الجندي مائة سوط ، فضربها ، وحمل الي العراق ( الولاة للكندي 203).

وبلغ المتوكل ، أن محدثا روي حديثة في مناقب علي وفاطمة والحسن والحسين ، فأمر بأن يضرب ألف سوط ( تاريخ بغداد للخطيب 287/13 ).

وغضب المتوكل في السنة 230 علي قاضي مصر ، فأمر بحبسه ، ومصادرة أمواله ، وأموال أصحابه ، ثم أمر بلعنه علي المنابر ، وظل في السجن سنتين ، ثم أمر باعادته إلي القضاء ، فأعيد، ثم أمر برده إلي السجن ، هو وأصحابه ، فردوا ، ثم أمر بحلق لحيته ، وضربه بالسياط ، وأن يحمل علي حمار ، ويطاف به في الفسطاط . ( أخبار القضاة 462 - 465)

وأحدث شخص اسمه عبدان بن الموفق ، بسامراء ، فتنة ، فقبض عليه سعيد الحاجب ، وضربه خمسمائة سوط ، وحبسه ثم أطلقه ، فقدم بغداد وأحدث فتنة أخري ، فضرب ، وصلب ( الطبري 357/9 - 361) .

وفي السنة 241 وثب أهل حمص بعامل المتوكل ، فأمره المتوكل أن يأخذ من رؤسائهم ثلاثة نفر ، فيضربهم ضرب التلف ، فإذا ماتوا صلبهم علي أبوابهم ، وأن يأخذ بعد ذلك من وجوههم عشرين إنسانا فيضرب كل واحد منهم ثلثمائة سوط ، وأن يحملهم في الحديد إلي باب أمير المؤمنين ، وأن يخرب ما بها من الكنائس والبيع ، وألا يترك في المدينة نصرانية ، ثم وجه المتوكل رجلا من اصحاب الفتح بن خاقان ، فأخذ اثنين من أهل حمص هما محمد بن عبد الحميد، والقاسم بن موسي ، فضربهما ضرب التلف حتي ماتا ، وصلبهما علي أبواب حمص ، وقدم سامراء بثمانية ، فمات أحدهم في الطريق ، ثم أخذ عامل حمص عشرة نفر آخرين ، وضربهم

ص: 73

بالسياط ، فمات منهم خمسة ، ثم ظفر بعبد الملك بن اسحاق ، أحد رؤوس الفتنة ، فضربه بالسياط ، حتي مات ( الطبري 199/9 و200).

وفي السنة 241 أمر المتوكل ، فضرب عيسي بن جعفر بن محمد بن عاصم ، صاحب خان عاصم ببغداد ، ألف سوط ، فمات ، ورمي به في دجلة ( الطبري 201/9 ).

وكان نجاح بن سلمة الكاتب ، علي ديوان التوقيع والتتبع علي العمال ، للمتوكل ، ورفع في السنة 245 علي الحسن بن مخلد صاحب ديوان الضياع، وموسي بن عبد الملك صاحب ديوان الخراج ، أنه إن سلما إليه ، استخرج منها أربعين ألف ألف درهم ، وكان هذان منقطعين إلي الوزير عبيد الله بن يحيي بن خاقان ، فخدع الوزير نجاحا ، فكتب نجاح إنه لما ضمنهما كان شاربا ( سكرانا ) ، فأخذ الوزير الرقعة الي المتوكل ، ورفع الحسن وموسي رقعة للمتوكل ضمنا فيها نجاحا بالفي ألف دينار ، فأسلمه المتوكل إليهما ، فأخذا قلنسوته عن رأسه ، وضرب مرارا بالمقارع في غير مواضع الضرب ، وغمز وخنق ، فأصبح ميتا . ( الطبري214/9 - 217) .

وقدم طباخ المتوكل ، إلي أحد المغنين طبقأ وعليه رغيفان ، ثم قال له : أيش تشتهي حتي أجيئك به ؟ قال : خبزة ، وبلغ المتوكل ذلك ، فأمر بالطباخ فضرب مائتي مقرعة . ( الاغاني 292/20 ).

وفي السنة 245 ضرب المتوكل بختيشوع الطبيب ، مائة وخمسين مقرعة ، وأثقله بالحديد ، وحبسه في المطبق ( الطبري 218/9 ).

ولما تحرك الأتراك بسامراء في السنة 251 انحدر المستعين ووصيف وبغا إلي بغداد ، فمنع أتراك سامراء الناس من الانحدار في أثرهم ، ووجدوا ملاحا قد أكري سفينته إلي بغداد ، فضربوه مائتي سوط ، وصلبوه علي دقل

ص: 74

سفينته ، فامتنع أهل السفن من الانحدار إلا سرا ، أو بمؤونة ثقيلة ( الطبري 282/9)

وفي السنة 251 خرج بالكوفة علوي اسمه الحسين بن محمد الطالبي ، وبعث إليه المستعين جندا ، فأسروه ، وأسروا معه جماعة من أتباعه ، فلما أحضروا إلي بغداد ، تبين أن قسما من الاسري ، كانوا قد خرجوا مع يحيي بن عمر ، وأسروا ثم أطلقوا ، فأمر محمد بن عبد الله بن طاهر ، أن يضرب كل واحد ممن أطلق فعاد ، خمسمائة سوط ، فضربها ، أما بقية الأسري فقد أطلقوا ( الطبري 330/9 ).

وفي السنة 252 وثبت الأتراك علي عيسي بن فرخان شاه ، وتناولوه بالضرب ، وأخذوا دوابه ، فهاج المغاربة ، راجع تفصيل ذلك في الطبري 369/9)

وفي السنة 252 غضب المعتر علي أخويه أبي أحمد ، والمؤيد ، وهما شقيقان ، فحبسهما في الجوسق ، وقيد المؤيد، وصيره في حجرة ضيقة ، وضربه أربعين مقرعة ، وحبس كنجور حاجب المؤيد، وضربه خمسين مقرعة ، وضرب خليفته أبا الهول خمسمائة سوط ، وطوف به علي جمل ( الطبري 361/9 و 362 ).

وفي السنة 252 وقعت ببغداد فتنة ، بين جند بغداد ، وأصحاب أمير بغداد محمد بن عبد الله بن طاهر ، وكان علي رأس الفتنة اثنان أحمد بن الخليل ، وعبدان بن الموفق ، وكان عبدان هذا ديوانه في ديوان وصيف في سامراء ، فقدم بغداد ، وباع دارة له بمائة ألف دينار ، وشخص إلي سامراء ، فلما وثب الشاكرية فيها، وثب معهم ، فضربه سعيد الحاجب خمسمائة سوط ، وحبسه طويلا ، ثم أطلق ، فلما كانت فتنة المستعين ، صار إلي بغداد ، وانضم إلي أصحاب الفتنة ، وحرضهم ، ورأسهم ، وأخذ ينفق

ص: 75

عليهم ، ثم التك، وفلوهم فأمر بصه عليهم ، ثم اقتتلوا مع أصحاب الأمير محمد بن عبد الله بن طاهر ، فاستعلي عليهم أصحاب الأمير ، وفلوهم ، وقتل ابن الخليل وصلب ، أما عبدان فاستر ، فدل عليه ، وحمل الي ابن طاهر ، فأمر بصفعه ، فصفع ، وضرب مائة سوط بثمارها، وسحب بقيوده الي أن أخرج الي خارج الدار ، وحمل علي بغل إلي الجسر حيث صلب ، وربط بالحبال ، فاستسقي وهو مصلوب ، فمنعه الموكلون به الماء ، فقيل لهم : إن شرب الماء مات ، قال : فاسقوه إذن ، واستمر يومين ، ومات في الثالث ( الطبري 357/9 -361 ).

وفي السنة 252 بعد أن قتل المعتز سلفه المستعين ، وأخاه المؤيد استأثر القواد الأتراك بالسلطان ، وحرموا منه المغاربة ، فاجتمع المغاربة مع محمد بن راشد، ونصر بن سعيد، وغلبوا الأتراك علي الجوسق ، وأخرجوهم منه ، وقالوا لهم : في كل يوم تقتلون خليفة وتخلعون آخر، وتقتلون وزيرا ، وكانوا قد وثبوا علي عيسي بن فرخان شاه فتناولوه بالضرب ، وأخذوا دوابه ، ولما طرد المغاربة الأتراك من الجوسق ، غلبوهم علي بيت المال ، وأخذوا خمسين دابة من دوابهم ، فاجتمع الأتراك وأرادوا حرب المغاربة ثم اصطلحوا ، وعلم الأتراك أن رئيس المغاربة محمد بن راشد ونصر بن سعيد ، هما في منزل محمد بن عزون ، فأخذوهما وقتلوهما ، ولما بلغ المعتز ذلك أراد قتل محمد بن عزون ، فكلم فيه فنفاه إلي بغداد ( الطبري 369/9 ).

وفي السنة 255 جاء القائد التركي صالح بن وصيف ، يطالب بأرزاق جنده ، فراجعه أحمد بن اسرائيل ، وقال له : يا عاصي بن العاصي ، فغضب صالح حتي سقط مغشيا عليه ، فثار حرسه بالباب ، ودخلوا علي الخليفة ، وأخذوا أحمد بن اسرائيل ، والحسن بن مخلد وأبا نوح عيسي بن ابراهيم ، وضرب أحمد بن اسرائيل حتي كسرت أسنانه ، وضرب الحسن بن مخلد مائة عصا ، وصفع أبو نوح حتي جرت الدماء من أخادعه ، وحبسوا ، ثم أن

ص: 76

صالحة أخرج أحمد بن اسرائيل ، وأبا نوح ، من الحبس ، وضربا بحضرته خمسمائة سوط ، حتي ماتا ( الطبري 397/9 و 398 ).

أقول : ذكر الطبري في تاريخه 398/9 ، إن المهتدي ، انزعج لما بلغه موت أحمد بن اسرائيل وأبي نوح ، واسترجع مرارا ، أما البيهقي ، فقد أورد خبرا غير هذا ، قال : إن المهتدي هو الذي أمر باعتقال أحمد بن اسرائيل ورفيقيه ، وإنه رسم أن يضرب أحمد بن اسرائيل ، بباب العامة ، ألف سوط ، فإن مات ، وإلا زيد ضربا حتي يتلف ، وإن سبب ذلك ، إن المهتدي ، قبل أن يستخلف ، كان كثير الزيارة للمعت لما كان خليفة ، وكان يشير علي المعتز ، فيعمل بإشارته ، وكان كثير المعارضة الأم المعتز، فلم تزل بولدها ، حتي أمر وزيره أحمد بن اسرائيل، بإحدار المهتدي وأهله إلي بغداد ، علي كره منه ، وكان احمد بن اسرائيل يكره المهتدي ، فأمر بأن ينحدر هو وحرمه نهارا ، ليسوءه بذلك ، ويضع منه ، فسأله المهتدي ، أن يجعل الإنحدار ليلا ، وكان أحمد متهورة ، لا يحفظ لسانه ، فأطلق لسانه ، بكلام بشع قبيح في المهتدي وحرمه ، فحقدها المهتدي علي أحمد ، ولما استخلف أمر باعتقاله وضربه ، راجع التفصيل في المحاسن والمساويء (182/2 و 183).

وفي السنة 255 شد محمد بن أوس ، القائد ، بغداد ، علي رجل من المراوزة ، فضربه في دار سليمان ثلثمائة سوط ، ضربا مبرحا ( الطبري 400/9 وا40) .

وضرب المستعين أبا معشر البلخي المنجم ، أسواطأ ، لأنه أصاب في شيء خبر به قبل وقته ، فكان يقول : أصبت ، فعوقبت . (تاريخ الحكماء 153)

وفي السنة 255 ظهر صاحب الزنج في جنوب العراق ، وادعي إنه علوي ، وأخذ يغري الزنج العبيد بالفرار من سادتهم واللجوء إليه ، فاجتمع

ص: 77

إليه بشر كثير من غلمان الشورجيين ، وكان يخطب فيهم ، ويمنيهم ، ويعدهم أن يقودهم ، ويملكهم الأموال ، ثم دعا مواليهم ، فقال : قد أردت ضرب أعناقكم لما كنتم تأتون إلي هؤلاء الغلمان الذين استضعفتموهم وقهرتموهم ، وفعلتم بهم ما حرم الله عليكم أن تفعلوه بهم ، وحملتم عليهم ما لا يطيقون ، ولكن أصحابي كلموني فيكم ، فرأيت إطلاقكم ، فقالوا له : إن هؤلاء الغلمان أباق ، وهم يهربون منك كما هربوا منا ، فخذ منا مالا ، وأعدهم إلينا ، فأمر الغلمان فأحضروا شطبأ ، ثم أمر فبطح كل قوم مولاهم ووكيلهم ، فضرب كل رجل منهم خمسمائة شطبة ، ثم أطلقهم ( الطبري 414/9 ) .

وغضب المهتدي العباسي (ت 256)، علي حماد بن إسحاق القاضي ، فضربه بالسياط ، وأشهره مطافأ به علي بغل بسر من رأي ، وصرف أخاه إسماعيل بن إسحاق عن القضاء بعسكر المهدي ( الرصافة ) ، فلما ولي المعتمد أعاد إسماعيل إلي القضاء ( تاريخ بغداد للخطيب 287/6 ).

وفي السنة 257 ظهر في بغداد ، بموضع يقال له بركة زلزل ، علي خناق قد قتل خلقا كثيرا من النساء ، ودفنه في دار كان فيها سابقا ، فحمل الي المعتمد، فأمر به فضرب ألفي سوط وأربعمائة أرزن ، فلم يمت ، حتي ضرب الجلادون أنثييه بخشب العقابين ، فمات ، فرد إلي بغداد ، فصلب بها ، ثم أحرقت جثته ( الطبري 479/9 ) .

وفي السنة 258 جيء إلي بغداد بسعيد بن أحمد الباهلي ، مقدم الباهليين ، وكانوا قد أظهروا الفساد ، وطمعوا في البطائح بعد إخراج الزنج منها ، فأمر به المعتمد ، فضرب سبعمائة سوط ، وصلب ، فمات ( الطبري 490/9 وابن الأثير 248/7 والمنتظم 8/5 ).

وفي السنة 258 أسر يحيي بن محمد البحراني من كبار قواد الزنج ، رشق بالسهام ، فأصابه منها ثلاثة ، في عضديه وساقه اليسري ، وتسلمه

ص: 78

أصحاب السلطان ، فحمل إلي أبي أحمد، فحمله أبو أحمد إلي سامراء ، فادخل علي جمل ، وبنيت له دكة في الحير ، ثم رفع للناس حتي أبصروه ، ثم ضرب بالسياط ، ضرب مائتي سوط بثمارها ، ثم قطعت يداه ورجلاه من خلاف ، ثم خبط بالسيوف ، ثم ذبح ، ثم أحرق ، وعظم قتل يحيي علي صاحب الزنج ( الطبري 497/9 - 499 ).

وفي السنة258 ضرب بباب العامة بسامراء ، رجل يعرف بأبي فقعس ، قامت عليه البنية بأنه يشتم السلف ، فضرب ألف سوط وعشرين سوطا ، فمات ( المنتظم 8/5 الطبري 500/9)

وفي السنة 259 انصرف كنجور والي الكوفة يريد سامراء بغير إذن ، فتوجه إليه من سامراء ، عدة من القواد ، فلاقوه في عكبرا ، فذبحوه ذبحا، وأخذ كاتب له نصراني ، فصودر ، ثم ضرب بباب العامة ، ألف سوط ، فمات ( الطبري 502/9 ).

وفي السنة 260 قتل أبو جعفر محمد بن الدقيقي ، قتله مفلح غلام موسي بن بغا ، شهد عليه قوم بالرفض ، أي التشيع للامام علي ، فضربه بالسياط حتي مات . ( الاعلام 357/6 ) .

وكان العباس بن أحمد بن طولون ، قد خرج علي أبيه ، وانصرف إلي برقة ، عند غيبة أبيه أحمد في الشام ، فأسره أحمد ، وأدخل إلي الفسطاط علي قتب علي بغل مقيدا في السنة 267 ونصب لكتاب العباس ، ومن خرج معه ، دكة عظيمة عالية ، وجلس أحمد في علو يوازيها ، وكان العباس قائمة بين يديه في خفتان ( قفطان ) ملحم ، وعمامة ، وخف ، وبيده سيف مشهور ، فضرب وزير لعباس ، وأسمه جعفر بن محمد بن جدار ، ثلثمائة سوط ، وتقدم إليه العباس ، بأمر من أبيه ، فقطع يديه ورجليه من خلاف ، وفعل مثل ذلك ، بالمنتوف ، وبأبي معشر ، واقتصر بغيرهم علي ضرب

ص: 79

السوط ، فلم تمض أيام حتي ماتوا . ( الولاة للكندي 224 ومعجم الأدباء 417 - 415/2)

وقبض ابن أبي عون ، صاحب الشرطة ببغداد ، في عهد المعتمد العباسي ، (256 - 279 ) علي عيار قتل رجلا، فضربه بالسياط حتي تلف ، ثم صلبه في موضع جنايته ، راجع تفصيل ذلك في كتاب الفرج بعد الشدة للقاضي التنوخي ، في القصة رقم 221 .

ورأي أحمد بن طولون (ت 270 ) ذات يوم ، حمالا يحمل صا ، وهو يضطرب تحته ، فقال : لو كان هذا الاضطراب من ثقل المحمول ، لغاصت عنق الحمال ، وأنا أري عنقه بارزة ، وما هذا إلا من خوف ما يحمل ، فأمر ، نحط الصن ، فوجد فيه أعضاء جارية قد قتلت ، فقال للحمال : أصدقني عن حالها ؟ فقال : أربعة نفر في الدار الفلانية ، أعطوني دنانير وأمروني بحملها فضرب الحمال مائتي سوط ، وأمر بقتل الأربعة ( نحفة المجالس ونزهة المجالس للسيوطي / 323) .

وأحضر الأمير الموفق (ت 278 ) ، سليمان بن وهب ، وابنه عبيد الله بن سليمان ، فأمر بالأب أولا فضرب نيفا وعشرين مقرعة ، ثم أحضر عبيد الله ، وأمر بضربه ، فراجعه سليمان وكلمه ، فكفت عن ضربه ، ولم يحدث عليهما من بعد ذلك منه مكروه ، راجع تفصيل القصة في كتاب نشوار المحاضرة للتنوخي ( ج 8 ص 106 و 107 رقم القصة 48/8 ) .

ولما اعتقل الموفق ، وزيره سليمان بن وهب ، وولده عبيد الله ، اعتقل جهبذهما ليث ، وطالبه بمال ، فأنكر أن عنده شيئا ، فأحضر غلامه جيش ، وضربه مقارع يسيرة ، فدلهم علي بئر أخرجوا منها ثمانين ألف دينار، راجع التفصيل في كتاب نشوار المحاضرة للتنوخي ، رقم القصة 44/8 .

وروي حامد بن العباس ، لأصحابه ، إنه شاهد في أحد الأيام ، في دار الأمير الموفق ، عبيد الله بن سليمان ، وأباه سليمان بن وهب ، وقد أخرجا

ص: 80

من الحبس ، وضرب عبيد الله بالمقارع، بأمر من الوزير صاعد، وكان سليمان يستعطفه ، ليكف عن ضرب ولده ، فلا يكف ، فلما زاد الضرب ، قال سليمان الصاعد : يا كافر ، با فاجر ، أما تستحي ؟ إنا آصطنعناك ، وأقعدناك هذا المقعد، تضربه بين يدي ، ستة عليك ، راجع القصة مفصلة في كتاب نشوار المحاضرة للتنوخي ، تحقيق المؤلف ( ج 8 ص 104 رقم القصة 47)

وغضب الوزير إسماعيل بن بلبل، علي عبيد الله بن سليمان ، وعلي وكيله ، وعلي حاجبه ، فأمر بالوكيل والحاجب ، فأقيما علي باب دار عبيد الله بن سليمان ، وضرب كل واحد منهما عشرين مقرعة ، وصفع الوكيل بعد الضرب ، خمسين صفعة ، راجع تفصيل القصة في كتاب نشوار المحاضرة للتنوخي تحقيق المؤلف ( ج 8 ص 176 رقم القصة 71).

وضرب عيار بغدادي خمسمائة سوط ، في وقت واحد، فلم يتأوه ، ولم ينطق ، فلما كان بعد أيام ، حم حمي صعبة ، وضرب عليه رأسه ، فأقبل يصيح كما يصيح البعير ، فاجتمع عليه قوم من أهل الحبس ، وقالوا : فضحتنا ، أنت ضربت بالأمس خمسمائة سوط فلم تصح ، تحم ساعة من ليلة فتصبح ، فقال : ما كنت لأتجلد علي عذاب الله ، راجع القصة في كتاب نشوار المحاضرة للتنوخي، تحقيق المؤلف ( ج 8 ص 265 رقم القصة 114)

وذكر هارون بن ملول المصري ، أنه تصرف في أمواله تصرفة لم يرض عنه أصحاب أبيه من التجار ، فضربوه ضربا مبرحا ، حتي عاد الي ما يرتضون من تصرف .

روي ذلك أحمد بن يوسف الكاتب ، في كتابه المكافأة ( ص 34 - 36) قال : حدثني هارون بن ملول ، قال : لما مات أبي ورثت منه مالا

ص: 81

جما ، وكان يقصرني علي زي التجار ، ويمنعني من التخرق ، والسرف في الهيأة ، فعمدت إلي ثياب وشي سعيدي ، كانت في المتاجر التي خلفها والدي ، فقطعتها ( يعني خاطها لنفسه ) وقطعت لخدم أرتبطتهم للتجارة ، من الملحم والديباج ما لا يتسمح به أحد من أبناء الترفه ، وجلست في الوشي ، وقام الغلمان بين يدي فيما قطعته لهم ، ووافاني إسحاق بن إبراهيم ( پريد به شيخ السوق ) مفتقدة ، ثم وافاني جماعة من إخوان أبي وأصفيائه ، فلما كان في عشي ذلك اليوم وافاني رسول إسحاق بن إبراهيم بن تميم يقول : عندي من لا تحتشمه ، فتؤنس جماعتنا بحضورك ، فقد أعجبني اليوم حسن زيك ، فزدت في الخلعة ، وركبت ، فلما دخلت إليه ، لم أفقد عنده أحدا من إخوان والدي ، فلما توسطت الصحن ابتدرني الغلمان ، وصاح بي إسحاق : تتوهم با جاهل ، أن أباك مضي واسترحت ؟ ولا تعلم أن أباك خلف لك هؤلاء الآباء بأسرهم يردونك عن الخطأ بأليم العقوبة ، ولا يشفعون في مصلحتك من عظيم ما كان أبوك يرق عنه فيك ، ثم بطحت في وسط الدار ، وضربت ضربا مبرحا ، ولم ترفع المقرعة عني حتي حلفت لهم أن لا أزيد علي معرض والدي وأقتصاده .

وضرب أحمد بن طولون ، أحد أتباعه واسمه الحسن بن سليمان بن ثابت ، مرتين ، فمات في الثانية .

حدث نسيم ، خادم أحمد بن طولون ، قال : صار الي ابن سليمان بن ثابت ، وكان سليمان يعمل لأحمد بن طولون علي أملاكه ، ورفع رقعة قال فيها : إن شقيرة الخادم أودع أباه أربعمائة ألف دينار ، فلما قرأها الأمير أحمد ، قال لابن سليمان : أمسك عن هذا واطو مجيئك إلي عن كل أحد، ولم يمض عام حتي مات سليمان ، فرد الأمير أحمد ما كان بيده إلي ولده الحسن بن سليمان ، وضم إليه من الرجال من تقوي به يده ، وبعد شهور ، دعا به وقال له : كيف حالك مع مخلفي أبيك ، وهل أنكرت منهم شيئأ ؟

ص: 82

فقال : قد أعز الله جانبي بالأمير ، ومنع مني ، فقال له : إحمل إلي الأربعمائة ألف دينار التي عندكم لشقير الخادم ، فلجلج ، فصرفه بأحمد بن إسماعيل بن عمار ، وأسلمه إليه ، وأمره بمطالبته بالسوط ، فضربه خمسين سوطأ ، واصطفي ما كان له ، فلم يجد عنده بعض ما تقوله علي أبيه ، وعاود مطالبته ، فضربه مرة أخري ، فمات ، فعجبت من هلاكه بهذا المقدار من الضرب ، فأخبرت أن هذا المضروب ، كان يستزير الفواسد من النساء في وفور حاله ، فزارته امرأة كانت ربيطة لجلاد بالسوط ، وعلم الجلاد بذلك ، فبكر إليه ، ووقف له ، حتي إذا خرج انكب علي فخذه وقبلها ، ثم قال : يا سيدي ، قد أغناك الله عن مساءتي بما بسطه من الرزق عليك ، وظاهره من الإحسان لديك ، وكانت مهجتي عندك البارحة ، فإن رأيت أن تهبها لي ، فلك منها عوض ، وليس لي عنها معدل ، فصاح في وجهه ، وأمر بإبعاده ، فلما شد بالعقابين ، تقدم الجلاد فضربه ضرب القتل ، فأتي علي نفسه .

وضرب أحمد بن طولون ، الحسين الملقب شعرة ، ثلثمائة سوط ، وطاف به .

وسبب ذلك : إن الحسين الملقب شعرة ، أحد ندماء المتوكل، رحل الي مصر بعد مقتل المتوكل ، وانضوي إلي أحمد بن المدبر ، عامل الخراج بمصر ، وكان عامل الصلاة بها أحمد بن طولون ، وكان شعرة هذا يقلد أحمد بن طولون في تزمته وكلامه ، لكي يضحك ابن المدبر ، فاتصل ذلك بابن طولون ، فأحضره وقال له : بلغني أنك تتنادر بي ، ولك في غيري من الناس مندوحة ، فأحذرني ، فإنك إن وقعت لم ينفعك ابن المدبر ولا غيره ، فجحد ذلك ، وانصرف إلي ابن المدبر ، وحدثه بحديث ابن طولون ، وقال له : يا سيدي ، لو شاهدت أحمد بن طولون يؤنبني ، وأخذ يحكيه في حديثه وهيأته ، فضحك ابن المدبر ، واتصل ذلك بأحمد بن طولون فأمسك عنه وتربص به ، وحصل أن اضطربت الرعية لارتفاع السعر ، فركب ابن طولون ،

ص: 83

وتقدم بعقوبة القماحين ، وازدحمت النظارة من السطوح عليه ، فوقع مركن فيه ريحان علي الأرض بمزاحمة من تشوف من النساء ، فمسح كفل دابة ابن طولون ، فسأل عن الدار لمن هي ؟ فقالوا : لحسين شعرة ، فأحضره ، وضربه ثلثمائة سوط ، وطاف به ، ولم يفلح حسين شعرة بعدها ( المكافأة الأحمد بن يوسف الكاتب 132 - 134).

أقول : ورد اسم هذا المضحك في الكتاب : الحسين بن شعرة ، والصحيح أن شعرة لقب له ، وقد ورد في البصائر والذخائر 25/1 أنه كان للمتوكل مضحكان ، يقال لأحدهما شعرة وللآخر بعرة ، وكان المتوكل يستطيب معاشرة المخنثين ومجالستهم ( الملح والنوادر 282 ) وكان قد بسط نديمه عبادة المخنث ، الذي كان مجاهرة بالعهر والبغاء ( البصائر والذخائر م 4 ص 65 ) بحيث أباح له أن يدخل عليه وهو نائم مع نسائه ( الملح والنوادر 148) وكان أول خليفة ظهر في مجلسه اللعب والمضاحبك ( مروج الذهب 391/2 ) وكان أبو الشبل البرجمي قد نفق عليه بإيثاره العبث ( الاغاني 193/14 ) وكان أصحابه يسخفون ويسفون بحضرته ، وكان بهاتر الجلساء ، ويفاخر الرؤساء ( زهر الآداب 252/1 ) ولم يعد المتوكل في نشأته إعدادا يؤهله للموضع الذي وضعته الظروف فيه ، وعندما توفي أخوه الواثق ، واجتمع رجال الدولة يتذاكرون فيمن يرشح للخلافة ، كان المتوكل - إذ ذاك - في قميص وسراويل ، قاعدة مع أبناء الأتراك ، يتساءل ما الخبر ؟ ( الطبري 154/9 ) وكان وهو شاب له شعر قفا ، في زي المخنثين ( الطبري 157/9) غير أن وفاة الواثق ، وعدم وجود خلف له في سن تؤهله للحكم ، اضطر رجال الدولة إلي اختيار المتوكل خلفا لأخيه ، وأصر القاضي النبيل أبو عبد الله أحمد بن أبي دؤاد علي مبايعته ، وألبسه الطويلة ، وعممه بيده ( الطبري 9/ 154 ) وكان جزاؤه منه علي ذلك ، أن قبض ضياعه ، وضياع أولاده ، وأجبرهم علي الإقرار والإشهاد ببيعها ، وحبس أولاده ، ثم نفاهم عن

ص: 84

سامراء ، ولم يحبس القاضي ، لأنه كان مشلولا طريح الفراش ( الطبري 189/9 ) ولما تولي الحكم ساس المملكة سياسة صبيانية خرقاء ، قوامها التعصب والنزق ، وهو أول من أظهر من بني العباس الإنهماك علي الشهوات ، وغضب علي نديمه أحمد بن إبراهيم بن حمدون ، فنفاه الي تكريت ، ثم بعث إليه من قطع أذنيه ( معجم الأدباء 365/1 ) وكان قد غضب علي إبراهيم بن حمدون ، والد أحمد ، إذ اتهمه بأنه حزين لموت الواثق ، فأمر بنفيه إلي السند، وأن يضرب ثلثمائة سوط ، ( معجم الأدباء 368/1 ) ولاطف أحد ندمائه ، فأمر بأن تدخل في أسته فجلة ( الهفوات النادرة رقم 218 ص 230 ) ، وكان يرسل الحيات والعقارب والأسد علي ندمائه ليفرعهم ، ويضحك منهم ( العيون والحدائق 556/1 وتجارب الأمم 556/6)

وكان المتوكل شديد البغض للامام علي وأهل بيته ، وكان يقصد من يتولي عليا وأهله ، بالقتل والمصادرة ، بحيث كان اتهام الإنسان بالتشيع لآل علي في أيامه ، كافية لقتله ( وفيات الأعيان 340/5 ) ، وكرب قبر الحسين الشهيد ، وعفي آثاره ، ووضع علي سائر الطريق مسالح ، لا يجدون أحدا زاره إلا أتوه به ، فقتله ، أو أنهكه عقوبة ( مقاتل الطالبيين 597 و تاريخ الخلفاء 347 والطبري 185/9 ) ولما كرب قبر الحسين ، وعفي آثاره ، وهدم ما حوله من الدور ، كتب أهل بغداد شتمه علي الحيطان ، فقال ابن بام : ( فوات الوفيات 203/1 ).

تا الله إن كانت أمية قد أتت ****قتل ابن بنت نبيها مظلوما

فلقد أتاه بنو أبيه بمثله ****هذا لعمرك قبره مهدوما

أسفوا علي أن لا يكونوا شاركوا ****في قتله فتبعوه رميما

وكان المتوكل يكره من تقدمه من الخلفاء : المأمون ، والمعتصم ، والواثق ، لمحبتهم عليا وأهل بيته ( ابن الأثير 56/7 ) وكان يظهر من سب

ص: 85

الإمام علي ، والاستهزاء بذكره كثيرا ( خلاصة الذهب المسبوك 226) وكان نديمه عبادة المخنث ، يرقص بين يديه ، والمغنون يغنون : أقبل الأصلع البطين ، خليفة المسلمين ، ( ابن الأثير 55/7 ) وبلغه أن أمير مصر ، ضرب رجلا عشر درر ، فاستحلفه بحق الحسن والحسين أن يكف عنه ، فكتب إلي الأمير أن يجلده مائة جلدة ( الولاة والقضاة للكندي 203) وبلغه أن أبا عمر الجهضمي ، روي حديثا عن النبي صلوات الله عليه ، أثني فيه علي الحسن والحسين وأبيهما وأمهما ، فأمر بضربه ألف سوط ( تاريخ بغداد للخطيب 287/13 و 288 ) وغضب ولده المنتصر ، يوما ، من استهزاء عبادة المخنث بعلي ، فقال له : يا أمير المؤمنين ، إن الذي يحكيه هذا الكلب ويضحك منه الناس ، هو ابن عمك ، وشيخ أهل بيتك ، وبه فخرك ، فكل أنت لحمه ، ولا تطعم هذا الكلب وأمثاله منه ، فقال المتوكل للمغنين : غنوا جميعا ( ابن الأثير 55/7 )

غار الفتي لابن عمه**** رأس الفتي في حرامه

وقتل المتوكل ، ابن السكيت ، إمام اللغة والأدب ، لأنه أثني علي الحسن والحسين ( ابن الأثير 91/7 ) وغضب علي قاضي القضاة بمصر ، فأمر بأن تحلق لحيته ، وأن يطاف به علي حمار ، وأن يضرب في كل يوم عشرين سوطا ( تاريخ الخلفاء 347) واستعمل علي المدينة ومكة ، عمر بن فرج الرخجي ، لمعرفته بنصبه ، وبغضه عليا وأهل بيته ( ابن الأثير 56/7 ) فمنع آل أبي طالب من التعرض لمسألة الناس ، ومنع الناس من البر بهم ، وكان لا يبلغه أن أحدا بر أحدا منهم بشيء. وإن قل - إلا أنهكه عقوبة ، وأثقله غرمة ، حتي كان القميص يكون بين جماعة من العلويات ، يصلين فيه ، واحدة بعد واحدة ، ثم يرفعنه ، ويجلسن إلي مغازلهن ، عواري ، حواسر ، إلي أن قتل المتوكل ، فعطف عليهم المنتصر ، وأحسن اليهم ( مقاتل الطالبيين 599 ) وكان المتوكل يسمع ، قبل الخلافة ، غناء نخلة

ص: 86

جارية حسين الخلال ، فلما ولي الخلافة طرق دار الحسين ليه ، وقال له : اشتهيت أن أسمع غناء نخلة ، فأخرجها إليه مطمومة الشعر ، فقال له : يا خلال ، أليس قد ولدت منك إبنأ ؟ قال : بلي ، قال : فإني أحب أن تعتقها ، قال : هي حرة ، فقال المتوكل : فأشهد أني قد تزوجتها ، قومي يا نخلة ، وأخذها وخرج ، ووصف للمتوكل عائشة بنت عمر بن فرج الرخجي ، فوجه في جوف الليل ، والسماء تهطل ، الي عمر : أن أحمل الي عائشة ، فسأله أن يصفح عنها ، فأبي ، وحملها إليه في الليل ، فوطئها ، ثم ردها إلي منزل أبيها ( المحاسن والاضداد 118)، وأنفق المتوكل علي بناء قصوره في سامراء ، أربعة وعشرين ألف ألف دينار ( الديارات 364-371 ) وكان المصروف علي ثلاثة منها مائة ألف ألف درهم ( مروج الذهب، 418/2 ) وصرف في حفلة ختان ولده المعتز ستة وثمانين ألف ألف درهم ( الديارات 150 - 157) وبلغ ما نثره في تلك الحفلة علي المغنين والمغنيات عشرين ألف ألف درهم ، وحصل في ذلك اليوم للمزين الذي ختن المعتز ، نيف وثمانون ألف دينار سوي المصاغ والخواتم ، والجواهر ، والعدات ( الديارات 155 و156) ورغب يوما أن يعمل الشاذكلاه ، بأن يشرب علي الورد ، ولم يكن موسم ورد ، فأمر فست له خمسة آلاف ألف درهم ، وأن تلون ، وتنشر مكان الورد ، لكي يشرب عليها ، وكان قد بايع لولده المنتصر ، ثم المعتر ثم المؤيد (ابن الأثير 49/7 ) ثم رغب في تقديم المعتز لمحبته لأمه، فسأل المنتصر أن ينزل عن ولاية العهد، فأبي ، فكان يحضره مجلس العامة ، ويحط منزلته ، ويتهدده ، ويشتمه ( تاريخ الخلفاء 350 ) ويطلب من الفتح أن يلطمه ( الطبري 225/9 وتجارب الأمم 555/6 وابن الأثير 97/7 ) وأمر المتوكل بقبض ضياع وصيف ، واقطاعها الفتح بن خاقان ( الطبري 222/9 وتجارب الأمم 554/6 ) كما أنه وافق الفتح بن خاقان ، علي الفتك بوصيف ، وبغا ، وابنه المنتصر ( تجارب الأمم 554/6 ) واشتد عبثه ، قبل قتله بيومين ، بابنه المنتصر ، مرة يشتمه ، ومرة يسقيه فوق طاقته ، ومرة يأمر بصفعه ، ومرة

ص: 87

يتهدده بالقتل ( الطبري 225/9 ) فاضطر المنتصر أن يشاور بعض الفقهاء ، وأن يعلمهم بمذاهب أبيه ، وحكي عنه أمور قبيحة ، فأفتوه بقتله ، فاتفق مع الأتراك ، وقتلوه ( تاريخ الخلفاء 350 ) . وقد كان تصرف المتوكل ، مع أولاده ، ومع قواده ، ومع حاشيته ، ومع رعيته ، لا بد أن يؤدي به إلي النهاية التي انتهي إليها، ففتح بذلك علي من خلفه من الخلفاء ، وعلي من يلوذ بهم من رجال الدولة ، بابا استحال سده ، وكان فاتحة لما أصيب به الخلفاء من بعده، والوزراء وسائر رجال الدولة، من قتل وسمل، وتشريد ، وأمتهان .

وروي لنا التنوخي ، في نشوار المحاضرة ج 1 ص 312 - 318 قصة طريفة عن قائد من القواد الأتراك في دولة المعتضد ، أمر المعتضد بضربه بمداق الجص حتي مات ، رواهاله القاضي محمد بن عبد الواحد الهاشمي ، عن شيخ من التجار كان له علي أحد قواد المعتضد مال جليل ، وكان يماطله به ، وكان إذا طالبه ، حجبه ، واستخف به ، وتظلم الي الوزير ، فلم يجده التظلم نفعا، وشكا أمره إلي أحد إخوانه ، فأخذه إلي شيخ خياط في سوق الثلاثاء، وشكا إليه أمره، فقام الخياط معه وجاء إلي دار القائد ، وكان غائب، فلما رأي غلمان القائد الخياط أعظموه، وأهووا ليقبلوا يده ، فمنعهم ، وأحاطوه بإكرام عظيم حتي جاء القائد ، ولما علم بوجود الخياط في داره ، أقبل عليه ، قبل أن يغير ثيابه ، وقال له : لست أنزع ثيابي ، أو تأمر بأمرك ، فخاطبه في أمر دين الرجل التاجر ، فسارع إلي سداد قسم منه ، وإعطائه بالباقي رهنا فوضه في بيعه إلي أجل واستيفاء باقي في دينه منه ، ولما خرجوا من عند القائد أعظم التاجر أمر هذا الخياط الشيخ، الذي استخلص له دينا ، عجز الوزير عن استخلاصه ، ولما بلغوا إلي دكان الخياط ، طرح التاجر المال بين يديه ، وقال له : يا شيخ، إن الله قد رد علي هذا بك ، فأحب أن تأخذ نصفه ، أو ثلثه ، أو ربعه ، بطيب من قلبي ، فقال اله الخياط : انصرف بمالك ، بارك الله لك فيه ، فقال له التاجر : بقيت لي

ص: 88

حاجة ، وهي أن تخبرني عن سبب طاعة هذا القائد لك ، مع تهاونه بأكابر أهل الدولة ، فأراد الخياط التخلص من الإجابة ، وأصر عليه التاجر ، فقال الخياط : أنا رجل أوم ، وأقريء في هذا المسجد ، منذ أربعين سنة ، ومعاشي من هذه الخياطة ، وفي أحد الأيام صليت المغرب ، وخرجت أريد منزلي ، فاجتزت بتركي كان في هذه الدار ، وقد مرت به آمرأة جميلة ، فتعلق بها. وهو سكران - ليدخلها داره ، وهي تستغيث ، فلا يغيثها أحد ، وتقول : إن زوجي حلف بطلاقي أن لا أبيت خارج منزله ، فإن بيتني هذا ، أخرب بيتي ، مع ما يرتكبه مني من المعصية ، وما يلحقه بي من العار ، فجئت الي التركي ، ورفقت به ، وسألته أن يتركها، فضرب رأسي بالدبوس ، فشجني ، وأدخل المرأة ، وصرت الي منزلي ، فغسلت الدم ، وشددت الشجة ، واسترحت ، وخرجت فصليت العشاء بالمسجد ، ولما فرغنا من الصلاة ، قلت لمن حضر : قوموا معي إلي عدو الله هذا التركي ، ننكر عليه ، ليطلق المرأة ، فقاموا معي ، واجتمعنا علي بابه ، وضججنا ، فخرج الينا في عدة من غلمانه ، وضربونا ، وقصدني من بين الجماعة ، فضربوني ضربا عظيما، حتي كدت أن أتلف ، وحملني الجيران الي منزلي وأنا كالتالف ، فعالجني أهلي ، ونمت قليلا ، ونبهني الوجع في نصف الليل ، فقلت في نفسي ، إن هذا قد سكر طول ليله ، فلو أذنت الآن ، فقد يقع له أن الفجر قد طلع ، فيطلق المرأة لتلحق ببيتها ، فتسلم من الطلاق ، وخرجت الي المسجد متحاملا، فأذنت ، وجلست أتطلع إلي الطريق أترقب خروج المرأة ، فإن خرجت ، وإلا أقمت الصلاة ، حتي لا يشك في الصباح ، فيخرجها ، فما مضي علي أذاني غير قليل ، إلا وقد امتلأ الشارع خي ورجالا ومشاعل ، يسألون عن أذن في هذه الساعة من الليل ، ففزع ، وسكث ، ثم قلت : أخاطبهم ، لعلي أستعين بهم في إخراج هذه المرأة ، وصحت بهم من المنارة : أنا أذنت ، فصاحوا بي : إنزل ، فنزلت ، وأخذوني معهم ، وإذا بهم غلمان القائد بدر ، فحملني بدر إلي أمير المؤمنين المعتضد ، فلما رأيته

ص: 89

هبته ، وأرتعدت ، فسكن مني ، وقال لي : ما حملك علي أن تؤذن في غير وقت الأذان ؟ فحدثته بالقصة ، وأريته آثار الضرب الذي بي ، فأمر بإحضار القائد التركي ، والمرأة ، وأمر بدرا بأن يحمل المرأة إلي زوجها مع وصية منه بالعناية بها والرعاية لها ، ثم خاطب الغلام وأنا قائم أسمع ، سأله عن رزقه ، وعن عطائه ، وعن وظائفه ، وعن جواريه ، وهو يذكر أشياء عظيمة جليلة ، فقال له : أما كان لك في هذه النعمة ، ما يكقك عن ارتكاب المعاصي حتي تخرق هيبة السلطان وتتجاوز ذلك إلي الوثوب بمن أمرك بالمعروف ، ونهاك عن المنكر ؟ ثم قال : هاتم جوالق ، ومداق الجص ، وقيودا ، وغلا ، ثم أمر به فقيد ، وغل ، وأدخل الجوالق ، وأمر الفراشين فدقوه بمداق الجص ، وهو يصيح حتي انقطع صوته ، ثم أمر بطرحه في دجلة ، وقال لي : يا شيخ ، إذا رأيت منكرة ، صغيرة أو كبيرة ، فأنكره ، فإن لم يقبل منك ، فالعلامة بيننا أن تؤذن في غير وقت الأذان .

وذكر الأمير جعفر بن ورقاء الشيباني ، إنه كان في أيام المتعضد شابأ ، وكان مع نظرائه من أولاد الأمراء والقواد ، مرسومين بالمقام في الدار ، علي رسم الخدمة ، بنوائب (جمع نوبة ) كانت لهم ، وكانوا يجتمعون في حجرة يستريحون فيها بعد انقضاء الخدمة وانصراف الموكب ، فيخلعون عمائمهم ، وينزعون خفافهم ، ويلعبون الشطرنج والنرد ، فاطلع عليهم أحد أصحاب الأخبار في الدار ، فكتب بخبرهم إلي المعتضد ، فأمر من كان في النوبة ، فضرب كل واحد منهم عدة مقارع. ( رسوم دار الخلافة 72).

وأمر المعتضد بأحد غلمانه ، فمد أمامه ، وضرب مائة مقرعة ، وذلك إن أحد غلمان المعتضد أخذ ثلاث بطيخات من سوادي ، فأخذ السوادي يبكي ، ومر به المعتضد ، فسأله عن سبب بكائه ، فأخبره ، فأحضر الغلام ، وأمر به فمد أمامه ، وضرب مائة مقرعة ، وهو يقول له : يا كلب ، يا كذا وكذا ، ما كان معك ثمن هذا البطيخ ؟ راجع القصة مفصلة في كتاب نشوار

ص: 90

المحاضرة للتنوخي (ج 1 ص 330 رقم القصة 176 ) .

وبلغ أماجور التركي ، أمير دمشق للمعتمد ، أن أعرابيا أهان جنديا من جنوده ، بأن نتف شعرتين من شاربه ، فأمر بالاعرابي ، فنتف شعر بدنه كله ، من أجفانه ورأسه ولحيته ، وما ترك علي جسمه شعرة ، ثم ضربه ألف سوط ، وقطع يديه ورجليه وصلبه ( الوافي بالوفيات 376/9 ).

واجتاز عامل الأهواز بالقاضي وهو في مجلس حكمه ، فتكلم بكلمة عدها القاضي إستهانة به ، فشكاه إلي الخليفة ، فأمر بأن يضرب العامل علي باب المسجد بالأهواز الف سوط ( نشوار المحاضرة ج 2 ص 23 رقم القصة6)

وذكر صاحب مروج الذهب 509-507/2 ألوانا من الضرب مارسها المعتضد علي أحد اللصوص ، فقال : إن المعتضد أحضر اللص أمامه ، ورفق به ، فأنكر ، فتهدده ، فأنكر ، فضربه بالسوط ، والقلوس ، والمقارع، والدرة ، علي ظهره ، وبطنه ، وقفاه ، ورأسه ، وأسفل رجليه وكعابه ، وعضله ، حتي لم يكن للضرب فيه موضع .

وذكر التنوخي ، أن عامل الزاب ونهر سابس ، عملت له مؤامرة في أيام الوزير عبيد الله بن سليمان ، وزير المعتضد ، بخمسة وعشرين ألف درهم ، فلم يؤد ، وألط بالمال ، فضرب سبع مقارع، وكان إذا خرج بإنسان من العمال إلي هذا القدر من المكروه ، فعندهم أنه النهاية ( نشوار المحاضرة القصة 7/8 ) .

وفي السنة 285 ادعي ابن قريش في القاهرة أنه ينكر أن يكون أحد من الناس ، خيرا من أهل رسول الله صلي الله عليه وسلم ، فضرب بالسياط ، ومات بعد يومين ( كتاب الولاة والقضاة للكندي 243) .

ووجد ابن أبي عوف ، رجلا مع ابنته ، ولم يكن لها بمحرم ،

ص: 91

فاستدعي صاحب الشرطة فضرب الرجل بالسياط علي باب داره ، فصاح الرجل : يا قوم ، أيح أحد الزانيين دون الآخر ، راجع القصة في كتاب نشوار المحاضرة للتنوخي ، في القصة المرقمة 58/2 ).

وفي السنة 287 وفد علي الحضرة رسل ثلاثة وجههم وصيف خادم ابن أبي الساج ، ليسأل من الخليفة ولاية الثغور ، وأن يوجه إليه بالخلع ، فأمر المعتضد أن يقرر الرسل بالسبب الذي من أجله فارق وصيف صاحبه ابن أبي الساج ، فقرروا بالضرب ، فذكروا بأنه فارقه علي موطأة بينهما علي أنه متي صار إلي الموضع الذي هو به ، لحق به صاحبه فتغلبا علي ديار مضر ( الطبري 77/10 ) .

وكان الفيلسوف أحمد بن الطيب السرخسي ، نديم المعتضد، وغضب عليه في السنة 283 فضربه مائة سوط ، وحوله الي المطبق ( معجم الأدباء 158/1)

وفي السنة 284 أولع العامة بالخدم السود ، الذين يخدمون السلطان ، وكانوا يلبسون البياض ، فكانوا يصيحون بهم يا عقعق ، لأن العقعق فيه سواد وبياض ، ووجه المعتضد مرة خادمة أسود برسالة ، فصاحوا به : يا عقعق ، فغضب وقنع الصائح بسوطه ، فاجتمع عليه العامة ، ونكسوه ، وضربوه ، فأمر المعتضد بتأديبهم ، وتأديب من يصيح علي الخدم عقعق ، فركب طريف المخلدي الخادم في جماعة من الفرسان والرجالة ، إلي رأس الجسر من الجانب الشرقي بباب الطاق ( الصرافية الآن ) وقبض علي سبعة أنفس ، فضربوا بالسياط في مجلس الشرطة بالجانب الشرقي ، ثم عبر طريف إلي الكرخ ، ففعل مثل ذلك ، وأخذ خمسة أنفس ، فضربهم في مجلس الشرطة بالشرقية ( الشرقية في الجانب الغربي من بغداد ، وانما سميت الشرقية لأنها شرقي مدينة المنصور ، وجامع المنطقة الموجود الآن جزء من الشرقية ) وحمل الجميع علي جمال ، وأشهروا ، ونودي عليهم : هذا جزاء من أولع

ص: 92

بخدم السلطان ، وصاح بهم : يا عقعق ( الطبري 53/10و54 ) .

ولما انتصر هارون بن خمارويه ، علي عمه ربيعة بن أحمد بن طولون في السنة 284 أخرجه إلي دار الإمارة القديمة ، وضربه ألفا ومائتي سوط ، فمات ( الولاة والقضاة للكندي 242 و243) .

وبلغ المكتفي (ت 295 ) أن عام له بكورة أرجان ، طالب أحد الرعايا بالخراج ، فتغيب عليه ، فأحرق بابه ، فأنفذ من قبض علي العامل ، وضربه علي باب المسجد بأرجان ألف سوط ( نشوار المحاضرة ج 2 رقم الصفحة 7).

وفي السنة 291 قتل أبو علاثة محمد بن أحمد بن عياض ، وكان رجلا ذا لسان وعارضة ، فكان ممقوتا عند كثير من الناس ، فزلت به القدم ، وشهد عليه قوم من سفل الناس ووضعائهم ، فقبل السلطان شهاداتهم ، وأيدهم عامة أهل المسجد فضرب مرارا بقصد إذلاله ، ثم قتل ( الولاة للكندي 243 و244).

وفي السنة 296 حصر أبو عبد الله الشيعي ، داعية الفاطميين ، الماسة ، وبعث إلي واليها رسولا ، فقتله ، ثم بعث آخر فقتله ، فلما فتح أبو عبد الله سجلماسة ، قبض علي الوالي ، وضربه بالسياط حتي قتله ( ابن الأثير 48/8 ) .

وفي السنة 296 لما فشلت حركة ابن المعتز ، وثبت المقتدر ، ونصب ابن الفرات وزيرا، استتر محمد بن داود الجراح ، فسعي به رجل إلي ابن الفرات ، وقال إنه يعرف موضع محمد بن داود ، والتمس أن ينفذ معه من يدله عليه ويسلمه إليه ، وكان ابن الفرات يكره السعاية ، فأجلس الساعي في موضع ، وبعث إلي محمد بن داود من أوصاه بالانتقال في موضعه ، ثم بعث رجالة مع الساعي ، فلم يعثروا علي أحد ، فأخذ ابن الفرات الساعي وضربه

ص: 93

مائتي سوط علي باب العامة ، وشهره علي جمل ، ونادي عليه ، ثم حدره إلي البصرة . ( تجارب الأمم 11/1 والتكملة 6 والوزراء للصابي 31) .

وفي السنة 299 لما عزل الوزير ابن الفرات ، وزير المقتدر ، عن وزارته الأولي ، اعتقل ولده المحسن ، وضرب علي رأسه ، وسائر جسده بالطبرزينات ، وقيد ، وغل ، وألبس جبة صوف ، وجبة شعر ، وعذب بكل شيء ( الوزراء للصابي 65).

وفي السنة 303 أوقع ورقاء بن محمد ، بالأعراب، بناحية الأجفر ، فقتل جماعة ، واستأسر جماعة ، وقدم بهم ، فوثبت العامة علي الأساري ، فقتلتهم ، وضرب رجل منهم بالسياط في باب العامة ، ذكر أنه صاحب حصن الحاجر ، وأن الحاج أستجاروا به ، فوصل إليه من أمتعتهم شيء كثير ( المنتظم 130/6 ).

وادعي رجل في السنة 306 علي علي بن عيسي الوزير ، ادعاء كاذبة ، فأمر به المقتدر فضرب مائة سوط ، وحبس في المطبق ، ثم نفي إلي مصر ( تجارب الأمم 61/1 ).

وادعي أحد الناس علي الوزير ابن الفرات بأنه بعث به إلي أبي الساج يطالبه بأن يعصي الخليفة ، وحقق معه ، فظهر كذبه ، فأمر المقتدر بأن يضرب أمامه مائة مقرعة أشد الضرب ، راجع تفصيل القصة في نشوار المحاضرة للتنوخي (ج 4 ص 33 رقم القصة 12 ).

وكان موسي بن خلف ينظر في نفقات دار ابن الفرات ، فلما عزل ابن الفرات عن وزارته الثانية ، أحضر حامد بن العباس موسي بن خلف وسأله عن أموال ابن الفرات ، فقال إنه لا يعرف عنها شيئأ ، فأمر الغلمان بصفعه فصفع ، وكان شيخا كبيرا قد أتت عليه تسعون سنة ، فلما عاوده بالمكروه والعذاب ، مات تحت الضرب ، وضربه بعد موته سبعة عشر سوطا ، فلما

ص: 94

علم بموته أمر بجر رجله ، فجرت ، وتعلقت أذنه في رژة عتبة الباب ، فانقلعت ، ( تجارب الأمم 65/1 ).

وفي السنة 309 جرت محاكمة الحلاج ، بمحضر من الوزير حامد بن العباس ، والقضاة ، وكان حامد شديد التعصب عليه ، فألزم القضاة بأن يصدروا فتوي بإحلال دمه ، وكتب إلي المقتدر كتابا يطلب فيه الإذن بنفاذ الفتوي ، فأمر المقتدر بإحضار الحلاج إلي مجلس الشرطة ببغداد ، وأن يضرب ألف سوط ، فإن لم يمت ، فتقطع يداه ورجلاه ، ثم عنقه ، وينصب رأسه ، وتحرق جثته ، فأحضر الوزير حامد، صاحب الشرطة ، وأقرأه التوقيع ، وتقدم اليه بتسلم الحلاج ، وإمضاء الأمر فيه ، فامتنع من ذلك ، وذكر إنه يتخوف أن ينتزع من يده ، فوقع الاتفاق علي أن يحضر بعد العتمة ومعه جماعة من غلمانه ، وقوم علي بغال يجرون مجري الساسة ، ليجعل علي بغل منها ، ويدخل في غمار القوم ، ففعل ذلك ، وحمله تلك الليلة علي الصورة التي ذكرت حتي أوصلوه إلي الجسر ( كان محل صاحب الشرطة علي رأس الجسر) وبات محمد بن عبد الصمد ورجاله حول المجلس ، فلما أصبح يوم الثلاثاء أخرج الحلاج إلي رحبة المجلس ، واجتمع من العامة خلق عظيم لا يحصي عددهم ، وأمر الجلاد بضربه ، فضرب ألف سوط ، ثم قطعت يده ، ثم رجله ، ثم ضرب عنقه ، وأحرقت جثته ونصب رأسه علي الجسر ، ثم حمل إلي خراسان ( تجارب الأمم 81/1)

أقول : راجع محاكمة الحلاج في كتاب نشوار المحاضرة للتنوخي ، تحقيق المؤلف ج 6 ص 79 - 92 رقم القصة 51 ، وكنت قد علقت علي محاكمة الحلاج ، بأن الذي ظهر لي منها إنه لم يرتكب ذنبأ يستوجب العقوبة ، فضلا عن القتل

وفي السنة 311 تسلم المحسن بن الفرات ، أبا القاسم بن الحواري ،

ص: 95

فصفعه صفعا عظيما في دفعات ، وضربه بالمقارع، ثم أخرجه إلي الأهواز ، مع مستخرج له ، فلما وصل اليها ، قتله المستخرج ( تجارب الأمم 113/1)

ودخل أحد الشعراء علي الداعي العلوي ، الحسن بن القاسم (ت 316) في يوم مهرجان ، فأنشده :

لا تقل بشري ولكن بشريان**** غرة الداعي ويوم المهرجان

فتشاءم من قوله : لا تقل بشري ، وبطحه فضربه خمسين عصا ( رسوم دار الخلافة 64).

وفي السنة 312 ظهر في دار للسيدة ( أم المقتدر ) ، كان المقتدر يكثر من الجلوس فيها رجل أعجمي ، فسئل، فلم يجب ، ورفق به فلم يغن الرفق ، وكان جوابه بالفارسية : نميدانم ، أي لا أدري ، فعوقب بالضرب حتي تلف ، ثم صلب ، ولفت عليه حبل من قنب ، ومشاقة ، ولطخ بالنفط ، وضرب بالنار ( المنتظم 187/6 و188 وتجارب الأمم 118/1 ).

ولما نوظر ابن الفرات بعد عزله من وزارته الثالثة ، أمر المقتدر ، هارون بن غريب أن يضربه بالسوط ، فأقامه بين الهنبازين ، وضربه خمس درر ، ثم ضرب ثلاث دفعات بالفلوس ( الحبال الغليظة ) . ( تجارب الأمم 135/1 والوزراء للصابي 68 ، 69 ).

أقول : الهنباز ، بالفارسية : المشابه ، والمماثل، والظاهر أن الهنبازين ، عمودان متقابلان ، فيهما حلقتان تشد إليهما يد المراد ضربه ثم يضرب .

وفي السنة 312 أخرج المحسن من محبسه فضرب ضرب التلف ، وأوقع به نازوك حتي تدود بدنه ، ولم يبق فيه فضل لمكروه ، وصبر بعد ذلك

ص: 96

علي مكاره عظيمة لم يسمع بمثلها ، ومضت له أيام لم يطعم طعاما ، وإنما يشرب الماء شربا يسير ، وهو في أكثر أوقاته مغشي عليه ( تجارب الأمم 136/1)

وفي السنة 313 بحث أبو القاسم الخاقاني ، في أيام وزارته ، عمن يدعي عليه من أهل بغداد ، أنه يكاتب القرمطي ، ويتدين بدين الإسماعيلية ، إلي أن تظاهرت عنده الأخبار بأن رجلا يعرف بالكعكي ، ينزل بالجانب الغربي ، رئيس للرافضة ( يريد الشيعة ) وإنه من الدعاة إلي مذهب القرامطة ، فتقدم إلي نازوك بالقبض عليه ، فمضي ليقبض عليه ، فتسلق من الحيطان وهرب ، ووقع برجل في داره ، كان خليفته ، ووجد في الدار رجالا يجرون مجري المتعلمين ، فضرب الرجل ثلثمائة سوط ، وشهره علي جمل ، وحبس المقتدر الباقين ( المنتظم 195/6 ).

وكان محمد بن خلف ، كاتب ابن أبي الساج ، قد طمع في وزارة المقتدر ، وأتخذ من الدس علي ابن أبي الساج وسيلة لمكاتبة الخضرة ، وأحس ابن أبي الساج بذلك ، فقبض عليه واعتقله وقيده بخمسين رطلا ، وأسلمه إلي الحسن بن هارون فأهانه ، وصفعه ، وضربه بالمقارع، وكان ذلك في السنة 315 ( تجارب الأمم 172/1 ).

وقبض الوزير علي بن عيسي ، في السنة 315، علي رجل شيرازي ، واتهمه بمكاتبة القرمطي ، فأمر بصفعه بحضرته ، وضربه بالمقارع، وقيده ، وغله بغل ثقيل ، وجعل في فمه سلسلة ، وأسلمه إلي نازوك ، وحبسه في المطبق ، فمات بعد ثمانية أيام ، لأنه امتنع من أن يأكل ويشرب حتي مات ( تجارب الأمم 182/1 ).

وزور نصر الحاجب ، وكان عدوا لأبي الحسن علي بن عيسي ، رج؟ يعرف بالجوهري ، زعم إنه رسول للقرامطة ، وإنه سفر بينهم وبين علي بن

ص: 97

عيسي ، وعاون ابن مقلة نصرة الحاجب ، فهم المقتدر أن يضرب أبا الحسن علي بن عيسي بالسوط علي باب العامة ، بحضرة الفقهاء والقضاة وأرباب الدواوين ، ثم ظهر بطلان الإدعاء ( الوزراء 342 - 343) .

وفي السنة 315 أخذ خناق ينزل درب الأقفاص من باب الشام ، خنق جماعة ، ودفنهم في عدة دور سكنها ، وكان يحتال علي النساء ، يكتب لهن كتب العطف ، ويدعي عنده علم النجوم والعزائم ، فيقصدنه ، فإذا حصلت المرأة عنده سلبها ، ووضع وترا له في عنقها ، ورفس ظهرها، وأعانته أمرأته ، وأبنه ، فإذا ماتت حفر لها، ودفنها ، فعلم بذلك ، فكبست الدار ، فأخرج منها بضع عشرة امرأة مقتولة ، ثم ظهر عليه عدة ادر ، كان يسكنها ، مملوءة بالقتلي من النساء خاصة ، فطلب ، فهرب إلي الأنبار ، فأخذ ، وحمل إلي بغداد ، فضرب ألف سوط ، وصلب وهو حي ، حتي مات . ( المنتظم 207/6 ).

وفي السنة 319 ضرب الوزير الحسين بن القاسم ، بين المقتدر وبين مؤنس ، فأصعد مؤنس من بغداد ، وبعث خادمه بشري رسولا الي المقتدر ، فتناوله الحسين بن القاسم بالشتم ، وضربه بالمقارع، وصادره ، ثم أنفذ إلي داره فحمل ما فيها ، وقبض علي امرأته وصادرها ( ابن الأثير 237/8 تجارب الأمم 222/1 ) . .

وضرب مرداويج (ت 323 ) وزيره أبا سهل ، ضربا أحاله لا يتمكن من المشي ، ولا من الجلوس ثم أعاده للوزارة فكان يصل إليه في عمارية . ( تجارب الأمم 146/2 ).

وفي السنة 321 قبض ابن مقلة ، وزير القاهر ، علي أبي الخطاب بن أبي العباس بن الفرات ، وطالبه بمال ، فقال له : أنا لم أتصرف منذ أكثر من عشرين سنة ، ولما تصرفت كنت عفيفة، ما آذيت أحدا ، فأسلمه إلي أبي

ص: 98

العباس الخصيبي ، فأحضر له صاحب الشرطة ، فجرده ، وضربه عشر درر ، وخلع تخليعا يسيرا ، ثم ضربه بالمقارع، فلم يؤد شيئا ، فرده إلي ابن مقلة ، فأوهمه أنه يقتله ، وأخذه السياف ، وشد رأسه وعينيه ، ووجهه إلي القبلة ، فتشاهد أبو الخطاب ، وأدرك ابن مقلة أنه لا أمل له في الحصول علي شيء منه ، فأطلقه إلي منزله ، بعد أن توسط له أبو يوسف البريدي بأن يؤدي عشرة الاف دينار ( تجارب الأمم 250/1 - 253).

وفي السنة 321 كبس علي القائد علي بن يلبق ، وأخذ، وأحضر أمام القاهر ، فضرب بحضرته ضربا مبرحا ، فصحح عشرة آلاف دينار ( تجارب الأمم 266/1 ) .

وفي السنة 321 أحضر القاهر رجلا قطع الطريق في دجلة ، فضرب بحضرته ألف سوط ، ثم ضربت عنقه ، وضرب جماعة من أصحابه ، وقطعت أيديهم وأرجلهم . ( المنتظم 249/6 ) .

وغضب أبو الهيجاء الحمداني ، علي ولده حسن (ناصر الدولة الحمداني فيما بعد ) فضربه علي وجهه بالسوط ، فأثر فيه أثرا قبيحا ، وقال له : با كلب ، سمت بك نفسك إلي أن تمتلك النهروان ، راجع القصة مفصلة في كتاب نشوار المحاضرة للتنوخي ، تحقيق المؤلف (ج 2 ص 148 رقم القصة 77) .

وأبصر أحد خلفاء الحجاب ، في قصر الخلافة ، في عهد القاهر ، أحد كتاب دلويه ، كاتب الحاجب سلامة ، قد جلس في دهليز باب الخاصة ، ووضع رجلا علي رجل ، فضرب رجله ضربة مؤلمة بعصا كانت في يده . ( رسوم دار الخلافة 76).

وقبض محمد بن القاسم بن عبيد الله ، وزير القاهر ، علي أبي الطاهر محمد بن الحسن الكاتب ، صاحب الجيش ، وعلي ولده أبي الحسن ،

ص: 99

وحبسهما في حجرة ضيقة ، وأجلسهما علي التراب ، وشدد عليهما، وصادرهما علي مبلغ معين ، فكان يخرجهما في كل يوم ، فيطالبان بمال المصادرة ، ويضرب الإبن بحضرة أبيه ، راجع في كتاب الفرج بعد الشدة للتنوخي ، تحقيق المؤلف ، رقم القصة 99 كيفية تخلصهما من الحبس .

وفي السنة 322 ظهر ببغداد رجل يعرف بأبي جعفر محمد بن علي الشلمغاني ، ويعرف بابن أبي العزاقر وكان قد ظهر وحامد بن العباس في الوزارة ، وذكر عنه إنه يقول بتناسخ اللاهوت ، وإن اللاهوت قد حل فيه ، فاستتر ، ثم ظهر في زمان الراضي ، وقيل إنه أدعي الألوهية ، فأحضره الراضي ، فأنكر ما آتهم به ، وقال : أنا أباهل من يدعي علي هذه المقالة ، فإن لم تنزل العقوبة علي من باهلني بعد ثلاثة أيام ، وأقصاه سبعة أيام ، فدمي لكم حلال ، فأنكر هذا القول عليه ، وقيل يدعي علم الغيب ، وأفتي قوم بأن دمه حلال إلا أن يتوب من هذه المقالة ، فضرب ثمانين سوطة ، ثم قتل وصلب ( المنتظم 271/6 ).

وفي السنة 323 ، اشتهر ببغداد في عهد الوزير ابن مقلة ، رجل من القراء ، يعرف بابن شنبوذ ، يقريء الناس ، ويقرأ في المحراب ، بحروف يخالف فيها المصحف ، فيما يروي عن ابن مسعود ، وأبي بن كعب ، مما كان يقرأ به قبل المصحف الذي جمعه عثمان ، ويتبع الشواذ ، فيقرأ بها، ويجادل ، حتي عظم أمره ، وفحش ، وأنكره الناس ، فناظره الوزير ، وأستنزله ، فأبي أن ينزل ، فأمر الوزير بتجريده ، وإقامته بين الهنبازين ، وأمر بضربه بالدرة علي قفاه ، فضرب نحو العشرة ضربة شديدة ، فلم يصبر ، وإستغاث ، وأذعن بالرجوع، فخلي عنه ، واستتيب ، وأطلق ، ويقول أصحابه أنه دعي علي ابن مقلة بقطع اليد، فإستجيب له ، وهذا من عجيب الإتفاق إن صح ( معجم الأدباء 301/6 والمنتظم 275/6 ووفيات الأعيان 299/4)

ص: 100

وفي السنة 324 قبض الراضي علي وزيره أبي علي بن مقلة ، واستوزر عبد الرحمن بن عيسي ، أخا الوزير علي بن عيسي ، ولم أبو علي بن مقلة اللوزير عبد الرحمن ، فضربه بالمقارع، وأخذ خطه بألف ألف دينار ، ثم سلمه إلي أبي العباس الخصيبي ، فجري عليه من المكاره ، والضرب ، والدهن ، أمر عظيم ، ودخل عليه الطبيب ثابت بن سنان فوجده مطروحا علي حصير خلق ، علي بارية ، وهو عريان بسراويل ، ومن رأسه إلي أطراف أصابعه بلون الباذنجان ( تجارب الأمم 337/1 والتكملة 94).

وفي السنة 328 انهزم أبو نصر محمد بن ينال الترجمان ، من الديلم ، في الجبل ، وأتصل خبر هزيمته ببجكم ، وهو بواسط ، فوجه بمن ضربه في منزله بالمقارع، وقيده ، وحبسه مدة ( تجارب الأمم 415/1 ).

وفي السنة 328 قبض ببغداد علي جاسوس الديلمي المقيم بالأهواز ، اي معز الدولة البويهي ، فضرب ضرب التلف ، وقطع ثلاث قطع ، وصلب بين الأتونات ( العيون والحدائق ج 4 ق 2 ص 82).

وفي السنة 329 لما انحدر البريديون عن بغداد إلي البصرة ، ظهر ابن سنجلا وسلفه علي بن يعقوب ، وصارا إلي دار الوزير القراريطي ليسلما عليه فقبض عليهما ، ونالهما مكروه غليظ بالضرب والتعليق ، وصودرا علي مائة وخمسين ألف دينار . ( تجارب الأمم 19/2 ).

وفي السنة 330 خرج الأخشيد أبو بكر محمد بن طغج ، من القاهرة ، يريد الشام ، فلاقاه ، وهو راكب للمسير ، شيخ يعرف بابن الصابوني ، يتظلم فتطير منه ، وأمر به فضرب خمس عشرة مقرعة ، وهو ساكت ، فقال الأخشيد : هوذا يتشاطر ، فقال له كافور : قد مات ، فأنزعج الأخشيد ، وكان يكره سفك الدماء ، واستقال سفرته ، وعاد الي بستانه في القاهرة ، وأحضر أهل الرجل ، فأطلق لهم ثلثمائة دينار . ( خطط المقريزي 25/2 ).

ص: 101

وكان لسيف الدولة الحمداني ، صاحب حلب ، مجلس يحضره العلماء في كل ليلة ، فيتكلمون بحضرته ، فوقع بين المتنبي وبين ابن خالويه النحوي كلام ، فوثب ابن خالويه علي المتنبي ، فضرب وجهه بمفتاح كان معه ، فشجه ، وخرج ، ودمه يسيل علي ثيابه ، فغضب ، وخرج الي مصر ، وامتدح كافورة ( وفيات الأعيان 122/1 و 123).

وأملق بغدادي ، فرأي في منامه أن غناه بمصر ، فسافر إليها ، وبات في مسجد ، فأبصره الطائف ، واشتبه به ، فأنكر حاله ، وبطحه فضربه ، ثم كان ذلك سبب غناه ، راجع القصة في كتاب الفرج بعد الشدة ، تحقيق المؤلف ، رقم القصة 212.

وفي السنة 331 ضرب ناصر الدولة ، أبا علي هارون بن عبد العزيز الأوارجي ، علي ضعف جسمه ، سبعمائة مقرعة ( التكملة 130).

وفي السنة 333 وصل إلي بغداد أبو الحسين البريدي ، وسعي في تولي البصرة ، فلم يتمكن المكان ابن أخيه أبي القاسم ، فلما يئس من تولي البصرة ، سعي في عزل أبي جعفر بن شيرزاد ، عن كتابة توزون ، وأن يتولاها هو بدلا منه ، وأحس ابن شيرزاد بذلك ، فغضب ، وانقطع في داره فترضاه توزون ، وقبض علي أبي الحسين البريدي ، وضرب ضربة عنيفة ، وقد ، وأحدر إلي دار السلطان ، ونصب له مجلس حضره الفقهاء والقضاة ، وأحضر له السيف والنطع ، وتليت عليه فتوي سابقة بإباحة دمه ، وأبو الحسين يسمع ورأسه مشدود ، والسيف مسلول بازائه في يد السياف ، ثم ضربت عنقه ، وصلب ، ثم أحرق ( تجارب الأمم 79/2 و80).

أقول : وفي السنة 333 لما قتل أبو الحسين البريدي ببغداد ، وأحرق ، سجل في الحساب تسعة دراهم ثمن بواري ونفط لإحراق جثته ( تجارب الأمم 80/2)

ص: 102

وفي السنة 335 ضرب أبو جعفر الصيمري ابن شيرزاد بحضرته بالمقارع ، وطالبه بمال المصادرة ( تجارب الأمم 111/2 ).

وفي السنة 340 رفع الي المهلبي وزير معز الدولة البويهي ، إن رجلا يعرف بالبصري ، مات ببغداد ، وهو مقدم العزاقرية ، أتباع ابن أبي العزاقر ، وهو يدعي أن روح ابن أبي العزاقر قد حلت فيه ، وإن له أصحابا يعتقدون ربوبيته ، ويدعون أن أرواح النبيين والصديقين قد حلت فيهم ، وكان فيهم غلام شاب يدعي أن روح علي بن أبي طالب قد حلت فيه ، وامرأة تدعي أن روح فاطمة الزهراء حلت فيها ، وخادم لبني بسطام يدعي أنه ميكائيل فأمر بهم المهلبي فضربوا ونالهم بمكروه ، فتوصلوا إلي من ألقي إلي معز الدولة أنهم من شيعة علي ، فأمر بإطلاقهم ، وخاف المهلبي أن يتشدد معهم لئلا ينسب إلي عداوة الشيعة فسكت عنهم ( ابن الأثير 495/8 ) .

وفي السنة 341 غضب مع الدولة البويهي ، علي وزيره المهلبي ، فبطش به ، وضربه مائة وخمسين مقرعة ، حتي كاد أن يتلف ، ثم أعاده إلي الوزارة ، ( ابن الأثير 499/8 وتجارب الأمم 145/2)للتفصيل راجع كتاب نشوار المحاضرة للقاضي التنوخي (ج 1 ص 140 رقم القصة 70) .

وضرب معز الدولة ، وزيره المهلبي ، مرة أخري ، لما رأي تتماعسأ منه في أمر بناء داره الشاطئية بباب الشماسية ، فإنه أمر بوزيره فبطح ، وضرب مقارع كثيرة ، ثم قال : أخنقره ، فجعل في عنقه حبل ، وأمسكه ركابيون الخنقه ، فسكن منه القواد ، حتي تركه ، راجع تفصيل القصة في كتاب نشوار المحاضرة للتنوخي ، تحقيق المؤلف ، رقم القصة 70/1 .

ولما توفي القاضي أبو السائب ، في السنة 350 ، صودر غلامه محمد الحاجب ، وضربه الوزير المهلبي ، ضرب التلف ، لما كان يبلغه عنه من

ص: 103

التخرم والتهتك ، فتثر كعابه ضربة ، وكان الرجل عاهرة يتعرض لحرم الناس ( تجارب الأمم 184/2 ).

ولما توفي الوزير المهلبي ، في السنة 352 ختم أبو الفضل الشيرازي علي داره ، وأبو الفضل زوج ابنة المهلبي ، وأحضر أبا العلاء بن أبرونا وكان كاتب المهلبي ، فعوقب أشد عقوبة ، وضرب أبرح ضرب ، فلم يقر بشيء، فعدل أبو الفضل إلي تجني ، زوجة المهلبي ، وأمر بضرب ابنها أبي الغنائم بين يديها ، فأمرت باحضار أبي العلاء ، فأحضر في سبنية ، فجعلت تسأله عن شيء شيء، وهو يخبرها بمكانه ، راجع تفصيل القصة في كتاب نشوار المحاضرة للقاضي التنوخي ، في القصة المرقمة ( 54/8)

وفي السنة 353 قبض بمصر، علي رجل يعرف بابن أبي الليث الملطي ، ينسب إلي التشيع ، فضرب مائتي سوط ، ثم ضرب خمسمائة سوط ، وجعل في عنقه غل ، وحبس ، وكان يتفقد في كل يوم ، لئلا يخفف عنه ، ويبصق في وجهه ، فمات في محبسه ، وحمل ليلا ، ودفن ( خطط المقريزي 340/2 ) .

وضرب الوزير ابن بقية (ت 367) وزير بختيار ، القاضي أبا محمد بن معروف ، بالسياط ، وضرب أخاه أبا القاسم أيضا ، وشهره علي جمل في الجانب الشرقي . ( الامتاع والمؤانسة 217/3 )،

واتهم عضد الدولة ، أحد ندمائه الملقب بالهائم ، بأنه أطلع علي حديث جري بين القاضي التنوخي ، وأبي بكر بن شاهويه ، وكتمه عنه ، فأمر به فمد وضرب مائة مقرعة ، ثم أقيم فنفض ثيابه ، وقال : أكثر الله خيركم ، وأتصل ذلك بعضد الدولة ، فأمر بضربه مائة أخري ، راجع تفصيل ذلك في كتاب نشوار المحاضرة للتنوخي ، في القصة المرقمة 45/4) .

وأمر عضد الدولة مرة أخري ، بضرب نديمه الهائم ، فضرب مائتي

ص: 104

سوط ، وسبب ذلك : إن عضد الدولة ، كان ينظم الأبيات ، وكان نظمه بالعربية لا يرتقي الي مرتبة الشعر ، وفي أحد الأيام ، كان اثنان من ندمائه ، وهما النابغ والهائم ، يلعبان الشطرنج، بحضرة عضد الدولة ، فغاصا في الفكر لدستهما ، وأنشد أحدهما :

وأبو القاسم يروي شعرنا ****حسن ذاك ، ويأتي بالخبر

والشعر لعضد الدولة ، فقال له الآخر : أف منك ، ومن هذا الشعر ، فأعاد ذاك إنشاد البيت ، علي مذهب الشطرنجيين في مغايظة ملاعبيهم ، وتكرار ما يثقل عليهم ، فقال له : هذه شعرة ، لا شعر ، فردده ، وكرر ذاك ، السب للشعر وقائله ، وعضد الدولة يسمعهما ، إلي أن فرغا من دستهما ، فنهض عضد الدولة ، واستدعي أبا علي بن محمد ، استاذ الدار ، وتقدم إليه بضربهما مائتي سوط ، وأن يأمرهما بأن لا يتكلما بعد يومهما علي الشطرنج بشيء ، ففعل ذلك ، وعرفا ما كان منهما ، راجع في كتاب نشوار المحاضرة للقاضي التنوخي في القصة 9/3 بعض ما أورده التنوخي من شعر عضد الدولة .

أقول : ذكر أبو الحسن علي بن عيسي الربعي ، أن عضد الدولة أخرج إليه مجلدأ بأدم مبطنة بديباج أخضر ، مذهب، بخط حسن ، فيه شعر مدبر وحش ، ليس له معني ، فقال له : كيف تري هذا الشعر ؟ فقال له : هذا شعر مدبر ، والذي قاله خرب البيت مسود الوجه ، ومضي علي ذلك زمان ، ثم دخل عليه ، فأومأ إلي خادم ، وقال له : إمضي إلي مرقدنا، وجئنا بشعرنا ، فمضي وجاء بالمجلد بعينه ، فعرضه عليه ، وقال له : كيف تراه ؟ قال علي بن عيسي فتلجلج لساني ، وربا في فمي ، وقلت : حسنأ جدأ . ( معجم الأدباء 286/5 و287).

وضرب رجل من أهل العصبية خمسمائة سوط ، في وقت واحد ، فلم

ص: 105

يتأوه ، ولم ينطق ، فلما كان بعد أيام ، حم حمي صعبة ، فأقبل يصيح كما يصيح البعير ، فقالوا له : أنت تضرب بالأمس خمسمائة سوط فلا تصيح ، تحم ساعة فتصيح ؟ فقال : عذاب الله عز وجل أشد من عذاب المخلوقين . ( نشوار المحاضرة 265/8 رقم القصة 114).

وفي السنة 375 قتل المنصور محمد بن أبي عامر الأندلسي ، ابن عمه عمروا ، المعروف بعسكلاجة ، بالضرب بالسياط ، وسبب ذلك إن المنصور كان قد سعي في تقديمه ، حتي ولي بلاد المغرب ، فأخذ يتنقص المنصور ، وحجز عنه الأموال ، فاستقدمه ، وجلده جلدا مبرحا ، كانت فيه منيته . ( الاعلام 250/5 ).

ويسمي التيس ذو الحلمتين في عنقه ، علوية ، تشبيها لحلمتيه بشعرتي العلوي المسبلتين علي رقبته ، ومر أبو الفرج العلوي ، بموضع بيع الغنم ، فسمع من يقول : نبيع هذا التيس العلوي الأحول الأعرج ، وكان أبو الفرج العلوي ، أحول أعرج ، فلم يشك أنه يقصده بذلك ، فراغ عليه ضربا ، إلي أن تبين أن التيس حقيقة أحول أعرج ، فتخلص من يده ( اخبار الحمقي 71)

وكان العلاء بن الحسن غالبا علي أمر صمصام الدولة ، ثم سعي به ، فقبض عليه ، وعلي كتابه وحواشيه ، وعلي أبنته زوجة العلوي الرازي ، وعوقبوا أشد معاقبة ، وطالبوا أشد مطالبة ، حتي تلفت ابنته ، وجماعة من أصحابه تحت الضرب وظل العلاء معتقلا في إحدي المطامير ، ثم أخرج من محبسه وقد ضعف بصره ، فعولج ورد إلي الوزارة ( ذيل تجارب الأمم 247/3)

وفي السنة 389 عصي الشاه صاحب غرشستان ، علي السلطان محمود ابن سبكتكين، فحاربه، وأسره، فأمر بضربه، فضرب تأديبا له، ثم أودعه السجن ، فمات في السجن ( ابن الأثير 148/9 )

ص: 106

وتقدم الحسن المغربي ، إلي قاضي مصر الحسين بن علي ، المعروف بابن حيون ، في خصومة في السنة 389 ، فزل لسانه بشيء خاطب به القاضي ، فأغضبه ، فأمر والي الشرطة بضربه ، فضربه ألفا وثمانمائة درة بحضرة صاحب القاضي ، وطيف به ، فمات من يومه . ( اخبار القضاة 597)

وفي السنة 390 قبض أبو الفضل محمد بن القاسم بن سودمنذ العارض في دولة بهاء الدولة البويهي ، علي أبي القاسم الطويل الحاجب ، وضربه ألف عصا . ( تاريخ الصابي 383/8 ) .

وغضب بهاء الدولة البويهي (ت 403 ) علي أبي القاسم الأبرقوهي ، فأمر به ، فبطح، وضرب عشرين عصا جيادا ( الهفوات النادرة 341) .

وفي السنة 403 ضرب الحاكم الفاطمي ، بالقاهرة ، جماعة بسبب اللعب بالشطرنج ( خطط المقريزي 288/2 ) .

وكان الحاكم الفاطمي ، أمر في السنة 405 أن لا تغادر المرأة بيتها إلا بإذن ، فاحتالت إحدي النساء علي قاضي القضاة ، فأوصلها إلي دار عشيقها ، وجاء الزوج إلي القاضي ولامه علي ما صنع ، فركب القاضي إلي الحاكم وأخبره بالقصة ، فأمر الحاكم بحمل المرأة والرجل إليه ، وأستجوبهما ثم أمر بأن تلفت المرأة في بارية وتحرق ، وأن يضرب الرجل ألف سوط ( المنتظم 269/7 و 270).

وفي السنة 408 توفي مهذب الدولة أبو الحسن علي بن نصر ، صاحب البطيحة ، وهو الذي نزل عليه القادر بالله ، فتامر عبد الله بن بني ، ابن أخت مهذب الدولة ، مع بعض القواد ، فاعتقلوا أبا الحسين بن مهذب الدولة ، ونصبوا عبد الله بن بني فلما استولي علي الحكم ، أحضر أبا الحسين بن مهذب الدولة ، وضربه ضربا شديدا توفي منه بعد ثلاثة أيام من موت أبيه ،

ص: 107

ولقي عبد الله عاقبة غدره ، فمات بعد ثلاثة أشهر ( ابن الأثير 302/9 و303).

وفي السنة 414 قبض متولي الشرطة بالقاهرة ، علي رجل وامرأته ، وضربهما ، وشهرهما ، ونودي عليهما : هذا جزاء من تقود علي عياله مع اليهود والنصاري ( اخبار مصر للمسبحي 12 ).

وفي السنة 415 ضرب بالقاهرة بدر الدولة نافذ الخادم ، غلامه حل ، وهو متولي أمره ، ثلثمائة عصا ، لأنه خانه في أمواله ، وسرق منه تسعة آلاف دينار ( اخبار مصر للمسبحي 20).

وفي السنة 415 أمر الخليفة الظاهر الفاطمي ، بالقاهرة ، بأن يضرب ابن دايته ، ثلاثين عصا، لأن الظاهر أبصره وقد أشهر سكينأ علي رجل من الرعية سكر وعربد ( أخبار مصر للمسبحي 20 و21).

وفي السنة 415 أخد رجل يتصدق ، وقد قطع طرف سرج فضة لأحد الأتراك بمصر ، فضرب بالسياط ، وشهر علي جمل ( أخبار مصر للمسبحي 30)

وفي السنة 415 ضرب بالقاهرة رجل آدعي الشرف ( يعني إنه آنتسب إلي العلويين ) وطيف به علي جمل ( اخبار مصر للمسبحي 34).

وفي السنة 415 ضرب الشريف أبو طالب العجمي ، صاحب الصناعة ، ابن أبي الرداد ، قياس الماء ، بالعصي ، وأمر به فلطم حتي سقط ، وحمل الي داره بعد أن أعتقله في مقياس الماء بالجزيرة ( اخبار مصر للمسبحي 37 ).

وفي السنة 415 وجد بمصر نصرانيان مع مسلمتين ، فضرب جميعهم ، وشهروا ( اخبار مصر للمسبحي 50 ) .

ص: 108

أقول : أورد المسبحي هذا الخبر في الصحيفة 98 وفيه أن النصرانيين قتلا ، وضربت المسلمتان وشهرتا .

وفي السنة 415 ضرب إنسان سرق حاملين نحاس، وشهر والحاملان بين يديه علي الجمل بعد أن ضرب ضربا مبرحا ، وطيف به علي جمل ، ثم أعيد إلي السجن ( اخبار مصر للمسبحي 61).

وفي السنة 415 ضزب ابن كافي الكتامي ، متولي الشرطة السفلي بمصر ، مختثا زعم إنه يقود علي خمسة من النساء في منزله ، وشهره ( اخبار مصر للمسبحي 68 ).

وفي السنة 415 ضرب المحتسب جماعة من الخبازين ضربأ وجيعة ، وذلك لأنه وجد موازينهم للأرطال باخسة ( اخبار مصر للمسبحي 72).

وفي السنة 416 زاد أمر العيارين، وكبسوا دور الناس نهارا ، وفي الليل بالمشاعل والموكبيات ، وكانوا يدخلون علي الرجل فيطالبونه بذخائره ، ويستخرجونها منه بالضرب ، كما يفعل المصادر ون ( المنتظم 22/8 ).

وكان أبو الفوارس بن بهاء الدولة البويهي (ت19) ظالما، وكان إذا شرب ضرب أصحابه ، وضرب وزيره في بعض الأيام مائتي مقرعة ، وأحلفه بالطلاق أن لا يتأوه ( المنتظم 37/8 ).

وفي السنة 422 حصلت فتنة ببغداد بين الشيعة والسنة، فركب الوزير ، فرجم باجرة ، فوقعت في صدره ، فسقطت عمامته ، وقتل من أهل الكرخ جماعة ، ووقع القتال في أصقاع في جانبيها ، ودخل العيارون البلد ، وكثر الإستقفاء والعملات ليلا ونهارا ، وعدم المال عند جلال الدولة البويهي ، فأمر وزيره أبا إسحاق إبراهيم بن أبي الحسين ، أن يقبض علي أبي المعمر إبراهيم بن الحسامي البسامي ،طعما في ماله ، فقبض الوزير عليه ، وجعله في داره ، فثار الأتراك ، وقصدوا دار الوزير ، وأخذوه وضربوه ،

ص: 109

وأخرجوه من داره حافيا ، ومزقوا ثيابه ، وأخذوا عمامته فقطعوها ، وأخذوا خواتيمه من يده ، فدميت أصابعه ، وكان جلال الدولة في الحمام ، فخرج مرتاعا ، فركب ، وظهر لينتظر ما الخبر ، فأكب الوزير يقبل الأرض ، ويذكر ما فعل به ، فقال له جلال الدولة : أنا ابن بهاء الدولة ، وقد صنع بي أكثر من هذا ، ثم أخذ من البسامي ألف دينار وأطلقه واختفي الوزير ( ابن الأثير 424،423،419/9)

وفي السنة 431 وقعت معركة بين أبي الفتح بن أبي الشوك ، وبين عمه مهلهل ، علي قلعة بواز ، فظفر مهلهل ، ووئي ابن أخيه منهزمة ، فقتل كثير من عسكر ابن أبي الشوك ، وأسر ابن أبي الشوك وأحضر عند عمه مهلهل ، فضربه عدة مقارع، وحبسه عنده ، وعاد ( ابن الأثير 470/9 ) .

وفي السنة 441 غضب إبراهيم ينال ، أخو السلطان طغرل بك لأمه ، علي وزيره أبي علي ، فضربه ، وسمله ، وقطع شفتيه ( ابن الأثير 556/9)

وفي السنة 456 جمع أبو عبد الله محمد بن أحمد بن الحسن ، المعروف بابن جردة ، من مياسير أهل بغداد ، جمعا كثيرا من الضعفاء ، ليتصدق عليهم ، فكثروا ، فمنعهم بواب باب المراتب ، فأثخنوه ضربة ، وفرق ابن جردة علي مائتي نفس ، قميصا قميصا ودرهمين در همين ثم كثر الجمع ، وجاء النفاطون والركابية ، فخافهم علي نفسه ، فرمي الثياب والدراهم عليهم ، ومضي ، فأزدحموا ، فمات خمسة رجال وأربع نسوة ، وصار الرجل يلقي الرجل ، فيقول : كنت في وقعة ابن جردة ؟ فيقول : نعم ، فيقول : الحمد لله علي سلامتك ( المنتظم 236/8 ) .

وفي السنة 463 وقعت حرب عظيمة بين السلطان ألب ارسلان وملك الروم ، فانكسر ملك الروم ، وأسر ، فأحضر بين يدي ألب أرسلان ، فضربه

ص: 110

بيده ثلاث مقارع أو أربعة ، ورفسه مثلها ، ثم أطلقه علي أن يؤدي ألف ألف وخمسمائة ألف دينار، وفي كل سنة ثلثمائة وستين ألف دينار ، ويطلق كل أسير في الروم ( ابن الأثير 65/10 و66 والمنتظم 263/8 ).

أقول : كان ملك الروم ، قد جمع في السنة 463 جموعأ كثيرة ، وقصد الديار الإسلامية ، وكان جيشه يشتمل علي 35 ألفا من الإفرنج، و30 ألفا من الروم ، ومعه مائتا بطريق ومتقدم ، مع كل واحد منهم ما بين ألفي فارس إلي خمسمائة ، ومن خمسة عشر ألف جندي من الغين الذين من وراء القسطنطينية ، ومائة ألف نقاب ، ومائة ألف روزجاري ، وأربعمائة عجلة عليها السلاح والسروج والعرادات ، والمجانيق ، منها منجنيق يمده ألف ومائتا رجل ، وكان مقابله السلطان ألب أرسلان السلجوقي ، في عشرين ألفا ، وراسل السلطان ملك الروم ، بالمصالحة وعقد الهدنة بينهما، فأجابه ملك الروم يقول : إني أنفقت الأموال الكثيرة ، وجمعت العساكر العظيمة ، فكيف أتركها ؟ وأما بشأن الهدنة ، فلا هدنة إلا بالري ، يعني إنه يريد أن يفتح البلاد الإسلامية ، حتي يصل إلي الري ( طهران ) وهناك يعقد الهدنة ، فلما وصل هذا الجواب إلي السلطان ألب أرسلان ، استقتل ، ولما صلي الجمعة ، صلي معه عسكره جميعا ، وبكي وتضرع لله، وسأله النصر ، وقال العسكره : إني أريد أن أصدم الروم في هذا الوقت الذي ترتفع فيه أكفت المسلمين ، في جميع أنحاء العالم بالدعاء للإسلام بالنصر ، فإما أن أنال النصر ، وأما أن أمضي شهيدا إلي الجنة ، فمن أحب منكم أن يتبعني ، فليتبعني ، ومن أحب أن ينصرف فليمض مصاحبة ، فما ها هنا الآن سلطان يأمر ، وإنما أنا اليوم واحد منكم ، وغاز معكم ، فاشتد هياج أفراد العسكر ، وصاحوا بالسلطان : نحن معك ، فأفعل ماتريد، فرمي السلطان القوس والنشاب ، ولبس السلاح ، وأخذ الدبوس ، وعقد ذنب فرسه بيده ، وركبها، ففعلوا مثله ، وزحفوا جميعا كتلة واحدة ، وصاح وصاحوا ، وحملوا علي الروم حملة

ص: 111

واحدة ، وثار الغبار ، ودامت المعركة ساعة واحدة ، وانجلت عن هزيمة الروم ، وأسر ملكهم .

وفي السنة 464 كان ابن محسن الوكيل ( المحامي ) قد توكل في دعوي ضد أحد أصحاب الأمير ظفر الخادم ، في موضوع يتعلق بدار ، وحضر الأمير ظفر عند الوزير ، ورأي ابن محسن ( المحامي ) ، فشتمه ، وقال : هذا بأخذ أموال الناس ويبيع الشريعة بالثمن الخسيس ، فمنعه الوزير من الاستمرار في الشتم ، فنهض غاضبا وقال لأتباعه : إن رأيتم ابن محسن ، فاقتلوه ، وركب قاضي القضاة للقاء صافي الخادم ، وخرج ابن محسن معه ، فضربه أصحاب ظفر ، فوقعت مقرعة في قاضي القضاة ، فامتعض ، ونزل عن بغلته، وعبر الي داره ماشيا ، وكان ذلك بمرأي من الخليفة ، فأمر الخليفة بطرد ظفر من دار الخلافة ، وختم علي داره وعلي إصطبلاته ، ونقض الدار موضوع الدعوي ، وأن يضرب الغلام الذي ضرب ( المحامي ) ابن محسن ، علي باب النوبي مائة سوط ، وأن يوفد أحد الغلمان الخواص الي قاضي القضاة فيعتذر إليه مما جري . ( المنتظم 273/8 ).

وفي السنة 478 تكلم بهراة متكلم فلسفي ، فأنكر عليه عبد الله الأنصاري ، وأثخن أصحابه المتكلم الفلسفي ضربة ، وأحرقوا داره ، فالتجأ الي دار القاضي أبي سعد ، مدرس فوسنج ، فهاجمه أصحاب الأنصاري هناك ، ونشأت عن ذلك خصومات ومعارك وجراحات ، فأمر نظام الملك بنفي الأنصاري ، فنفي ، وهدأت الحال ، ثم أعيد بعد أن خبت الفتنة ( المنتظم 15/9 و16).

وفي السنة 488 ورد بغداد الأمير يوسف بن ابق ، موفدا من الملك تتش السلجوقي ، ليفاوض الخليفة في إقامة الدعوة له ، فخرج لاستقباله حاجب من حجاب ديوان الخلافة ، فغضب الأمير يوسف ، وضرب الحاجب ، وطلب أن يستقبله الوزير ( المنتظم 9/ 84).

ص: 112

وفي السنة 497 قتل الشاعر أبو الحسن أحمد بن الحسين بن حيدرة ، المعروف بابن خراسان ، ضربة بالسياط ، لأنه كان هجاء ، هجا فخر الملك ابن عمار صاحب طرابلس وأخاه ، فأمر به فضرب حتي مات ( النجوم الزاهرة 188/5)

في السنة 502 أطلق القمص بروديل، صاحب الرها وسروج وغيرهما، من السجن في الموصل، بعد أن مضي عليه خمس سنين سجينا ، علي أن يفدي نفسه بمال ، وأن يطلق أسري المسلمين الذين في سجنه ، وسار القمص الي الرها ومعه أصحاب جاولي الذي أطلقه من السجن ، فلما وصلوا سروج ، عمر أصحاب جاولي المسجد وكان رئيس سروج مسلما قد ارتد فسمعه أصحاب جاولي ، يقول في الإسلام قولا شنيعة ، فضربوه، فغضب الافرنج ، وشكوهم للقمص ، فقال : هذا لا يصلح لنا ولا للمسلمين ، وقتله . ( ابن الأثير 462/10 ) .

وفي السنة 526 ثبت علي شهود ثلاثة ، أنهم شهدوا شهادة زور أخذوا عليها أجرأ ، فأخرجوا إلي باب النوبي مع حاجب الباب والمحتسب ، وأقيموا علي الدكة ، ودرروا ( ضربوا بالدرة ) وحضر ذلك الخاص والعام ( المنتظم 21/10)

وفي السنة 529 قتل الحافظ الفاطمي ، الشاعر علي بن عياد الإسكندري ، المعروف بابن القيم ، وكان شاعر الوزير أحمد بن الأفضل الجمالي ، ولما قتل الحافظ وزيره ، أمر باحضار ابن القيم ، وطلب منه أن ينشده قصيدة كان قد نظمها في ذم الخلفاء المصريين الفاطميين ، وتقبيح معتقداتهم ، وأمر غلمانه ، فانهالوا عليه ضربة ، حتي مات ( الاعلام 133/5)

وفي السنة 542 ضرب الموحدون بمراكش ، الأمير المرابطي سير بن

ص: 113

الحاج بالخشب ، حتي قتلوه ، وسبب ذلك : إن عبد المؤمن الموحدي ، لما ملك مدينة مراكش، أحضر أمامه الأمير إسحاق ، وجميع من معه من أمراء المرابطين ، فقتلوا ، وجعل إسحاق يرتعد ، رغبة في الحياة ، ويدعو لعبد المؤمن ، ويبكي ، فقام اليه الأمير سير بن الحاج ، وهو من الشجعان المعروفين ، وكان إلي جانبه مكتوفة ، وبزق في وجهه ، وقال له : تبكي علي أبيك وأمك ؟ إصبر صبر الرجال ، فهذا رجل لا يخاف الله ، ولا يدين بدين ، فقام إليه الموحدون بالخشب ، فضربوه حتي قتلوه ( ابن الأثير 584/10)

وفي السنة 547 أخذ أبو النجيب ، مدرس النظامية ، الي باب النوبي ، فأقيم علي الدكة الظاهرة بين اثنين ، وكشف رأسه ، وضرب بالدرة خمس مرات ، وأعيد الي حبس الجرائم ، وسبب ذلك لأنه عاد إلي تدريس النظامية دون إذن من الخليفة ( المنتظم 147/10 ).

وفي السنة 547 قبض علي البديع المتصوف الواعظ ، ووجدت عنده ألواح من طين فيها قبل ( جمع قبلة بكسر القاف ) وعليها مكتوب أسماء الأئمة الإثني عشر ، فاتهم بالرفض ( أي التشيع ) فشهر بباب النوبي ، وكشف رأسه ، وأدب ( أي ضرب ) وألزم بيته ( أي حبس في داره ) ( المنتظم 148/10)

وفي السنة 555 توفي المقتفي ، وبوي المستنجد، فقبض علي القاضي ابن المرخم وكان شريرة مرتشية ، واستصفي أمواله ، وكان قد ضرب فلم يقر ، فضرب ابنه فأقر بأموال كثيرة ، وأحرقت كتبه في الرحبة، وحبس ، فمات في الحبس ( المنتظم 194/10 ).

وفي السنة 555 أخذ معلم أولاد ، كان قد أصبح مخبرا للخليفة المقتفي ، فلما مات المقتفي ، كتب الي خلفه ولده المستنجد، يريد أن يكون مخبرا له كما كان لأبيه ، فأمر بالقبض عليه ، وضرب وعوقب الي أن سال دمه ، وأعيد إلي الحبس ( المنتظم 195/10 ).

ص: 114

وثمة قصة تجمع بين الغدر والضرب ، قام بها الملك الظاهر غازي بن السلطان صلاح الدين الأيوبي ، فإنه في السنة 597 حصر مدينة منبج، واستنزل صاحبها شمس الدين عبد الملك بن محمد المقدم بالأمان ، ثم غدر به فاعتقله ، وقصد فامية ، وبها قراقوش نائب ابن المقدم ، فطالبه بتسليم المدينة ، فأبي ، فأحضر عبد الملك بن المقدم ، وأحضر معه أصحابه الذين استأمنوا معه ، وضربهم أمام قراقوش ليضطره إلي تسليم القلعة ، وبقي قراقوش ممتنعا ، وعبد الملك يستغيث من الضرب فأمر قراقوش فضربت النقارات علي قلعة فامية ، لئلا يسمع أهل البلد صراخه ، ولم يسلم القلعة ( أعلام النبلاء 201/2 و202).

وفي السنة 556 خرج الوزير من داره ليمضي الي الديوان ، فأراد الغلمان رد باب المدرسة التي بناها ابن طلحة ، وهي في طريق موكب الوزير ، ليمر ، فمنعهم الفقهاء ، وضربوهم بالأجر ، وصدر الأمر بضرب الفقهاء وتأديبهم ، ونفيهم من الدار ، فمضي أصحاب استاذ الدار إلي المدرسة فعاقبوهم هناك ( المنتظم 199/10 ).

وفي السنة 565 خطب ابن مخلد النصراني ، الي ابن التلميذ، الطبيب النصراني ، ابنته ، فامتنع ، فلجأ إلي استاذ الدار الذي أحضر الجاثليق ، وأحضروا البنت فأذنت ، فعقدوا عقدها، وحملوها الي ابن مخلد ، فشكا ابن التلميذ الي الخليفة ، فأخذ ابن مخلد وضربه مائة خشبة ، وفرق بينه وبين الزوجة ، ووكل بالجاثليق ، وطرد كاتب الحكم من الديوان ، وضرب صاحب الخبر في الباب ضربا عنيفا لأنه قصر في الإخبار ، وحط مرتبة حاجب الباب ، فأصبح نائبا ( المنتظم 230/10 ).

وحج الأمير ألب قرا بن عبد الله التركي ، مملوك طاشتكين ، أحد الأمراء في عهد الناصر العباسي ، في سنة من السنين نيابة عن طاشتكين ، فعسف الحجاج وأذاهم ، فأمر الخليفة بحبسه، وتقييده بالحديد، وضربه

ص: 115

الضرب المبرح ، فواصلوا الضرب عليه أيامأ ، فلم يمت ، وبقي مدة ثم أطلق ، فمات سنة 600 ( الجامع المختصر 129).

وأخذ الأمير آي أيه التركي ، المعروف بالشاهين ، أحد الأمراء الناصرية ، المتوفي سنة 600 شيخا من اقطاعه بواسط ، فضربه الف خشبة . ( الجامع المختصر 129).

وأمر المستنصر يوسف بن الناصر محمد ، سلطان الموحدين (594 . 620) بضرب ابن غالب الداني ألف سوط ، وصلبه ، فضرب بإشبيلية خمسمائة سوط ، فمات ، وضرب بقية الألف حتي تناثر لحمه ، ثم صلب ( نفح الطيب 310/3 )

وكان أبو إسحاق السنهوري ، يعادي ابن دحية الكلبي (ت 133) ، فكتب السنهوري محضرة بأن دحية الكلبي ، لم يعقب ، تكذيبة للشيخ ابن دحية في أذعائه النسب اليه ، فغضب السلطان الملك الكامل بن العادل الأيوبي ، وأمر بالسنهوري فضرب بالسياط ، وأشهر علي حمار ، ونفي من مصر ، ( نفح الطيب 136/3 ).

وفي السنة 662 سعي خادم أسود ، لدي الملك الظاهر بيبرس ، سلطان مصر ، بمولاه الشيخ شمس الدين ، شيخ الحنابلة ، وكانت سعايته في ورقة مختومة ، فبعث السلطان الورقة الي الشيخ فحضر الشيخ اليه ، وحلف علي كذب السعاية ، وإن هذا الخادم ، طردته ، فأختلق علي ، فأمر السلطان ، بالخادم ، فضرب مائة عصا . ( خطط المقريزي205/2)

ولما هاجم التتر بلاد المسلمين ، كانوا يأخذون الناس ، فيضربوهم لاستخراج ما أخفوه من أموال ، فكان منهم من يموت تحت الضرب ( ابن الأثير 392/12 ).

وفي السنة 607 اتهم ابن الدخينة، بحادثة سرقة ، فاعتقل وزوجته ،

ص: 116

وابنه وبناته ، وعذبوا ، فمانت الزوجة تحت الضرب ( الذيل علي الروضتين 76 )

وفي السنة 608 أخذ حاجب الباب كمال الدين محمد بن الناعم ، وكان حسن الصورة ، قبيح الفعال ، صادر جماعة ، وماتوا تحت الضرب ، فلما قبض عليه ضرب ضربا مبرحا ، فلم يقر بشيء ، فمات تحت الضرب ، ورمي به في دجلة كما كان يفعل بالناس ، وظهر له بعد ذلك أموال عظيمة ، ودفائن كثيرة ( الذيل علي الروضتين 79 و 80).

وفي السنة 611 أمر الخليفة بابن بكروس الحنبلي ، وكان يلي نيابة باب النوبي ، فضرب بالخشب حتي مات ( شذات الذهب 40/5 والذيل علي الروضتين 88 ) .

وبعث الخليفة الناصر العباسي (ت 622) عسكرأ الي ششتر ( تستر ) ، في قوة الأمطار ، وشدة البرد ، فقال أحد المتفرجين : أريد من الله ، من يخبرني إلي أين يمضي هؤلاء المدابير ، ولو ضربت مائة خشبة ، وبلغ الخبر الناصر ، فأمر الوزير فأحضره ، وضربه مائة خشبة ، وقال له : هؤلاء العسكر ذاهبون إلي ششتر ، فقال : لا كتب الله لهم السلامة ، فضحك الحاضرون ، وبلغ الخبر الناصر ، فأمر أن يدفع إليه عن كل عصا دينار ، فدفع إليه مائة دينار ( نكت الهميان 94 و95).

وفي السنة نيف بعد الستين وستمائة ، مات شمس الدين محمد بن عبد الله الجزري ، بعدن من جراء العذاب والضرب والحبس ، وكان الملك المظفر الرسولي بتعز ، ولاه ديوان النظر بعدن ، ثم اتهمه ، فصادره وضربه ، وحبسه ، ثم أطلقه ولكنه مات من أثر العذاب ( الاعلام 111/7 ).

وفي السنة 682 توفي الوزير نجم الدين حمزة بن محمد الأصفوني ، وزير المنصور قلاوون ، واتهم عبد له اسمه فرج ، بأنه دس له السم ، فأخذ

ص: 117

الشجاعي فرجا هذا ، وضربه بالمقارع إلي أن مات ( تاريخ ابن الفرات 284/7)

وفي السنة 683 ظفر المؤيد عمر بن يحيي ، بأحمد بن مرزوق المغربي ، وكان قد غلب علي إفريقية ، وتسمي بأمير المؤمنين ، ثم دالت دولته ، فعذبه المؤيد ، ومات تحت السياط ( الوافي بالوفيات 175/8 ) .

وفي السنة 678 ضرب سعد الدولة اليهودي ، المستوفي ، ببغداد ، عز الدين الإربلي ، ناظر الكوفة ، فمات من تواتر الضرب ( تاريخ الكوفة 235 و 236 )،

وفي السنة 690 كان السلطان الملك الأشرف خليل ، ملك مصر والشام ، في قلعة دمشق ، والأمير عم الد بن سنجر ، نائب السلطان في القلعة ، واقفا في مجلسه ، فتكلم أحد الأمراء بكلام مضحك تناول فيه الأمير علم الدين سنجر ، يريد أن يشرح خاطر السلطان ، فضحك السلطان ، وغضب الأمير علم الدين ، وقال : هذه صبيانية ، فغضب السلطان ، وأمر بالأمير علم الدين فضرب بين يديه ضربأ كثيرة مؤلمة ، ثم أمر به فقيد، وألبس عباءة ، وأستعمل مع الأسري ، وأهين إهانة شديدة ، وأحتيط علي أمواله ، وحبس بالقلعة ( تاريخ ابن الفرات 120/8 ).

وفي السنة 693 لما قتل الأشرف خليل ، ملك مصر والشام ، قبض علي وزيره الصاحب بن السلعوس ، وأحتيط علي موجوداته ، وتسلمه الأمير بهاء الدين قراقوش الظاهري ، وكان عدوا له ، فأول ما تسلمه ضربه ألفا ومائة مقرعة ، ثم تسلمه الأمير بدر الدين لؤلؤ المسعودي ، فعاقبه أنواع العقوبات ، وعذبه أشد العذاب ، وأخذ يضربه بالمقارع في المدينة ، ويطلع به راكبا حمارة الي القلعة ، فيقف له الحرافيش في الطريق ، ومعهم المداسات المقطعة ، ويقولون له : يا صاحب ، علم لنا علي هذا ، ثم

ص: 118

أحضروا جميع أقاربه وأصحابه في مصر والشام ، فأذيقوا النكال ، ومات الصاحب تحت الضرب ، قيل إنه ضرب وهو ميت ثلاث عشرة مقرعة (تاريخ ابن الفرات 176/8 - 178).

وذكر الملثم أبو العباس أحمد ( 658 - 740) في كتابه : إن الأمير السلار (ت 709) جاء إليه طواشي حبشي ، وشكا إليه من سيده ، وقال له : إنه رام مني ألفاحشة ، فامتنعت ، وقلت هذا حرام ، فبطحني وضربني مائة دبوس ، ثم رمي إليه سراويله ملطخة بدمه ، فغضب سلار ، وقال له : يا عبد السوء ، جيد عمل معك ، أحد يشتكي من أستاذه ، فقال له : ما بقيت أقيم عنده ، وأريد السوق ( يعني يريد أن يبيعه ) ، فأمر سلار به ، فضرب مائتي عصا ، وأرسله الي استاذه ( الدرر الكامنة 199/1 ) .

وفي السنة 707 لما بويع السلطان أبو ثابت عامر بن عبد الله بن يوسف المريني ، خلفا لجده السلطان أبي يعقوب المريني ، عقد أبو ثابت لابن عمه يوسف بن محمد ، علي بلاد مراكش ونواحيها ، فحدثته نفسه بالانتزاء ، فقتل الوالي بمراكش ضربا بالسياط ، فقصده أبو ثابت ، ففر الي جبال هكورة ونزل علي مخلوف بن هنوا ، وتذمم بجواره ، فلم يجره ، واقتاده الي مراكش ، مع ثمانية من أصحابه ، فقتلوا في مصرع واحد، بعد أن مثل بهم السلطان بالضرب بالسياط ( ابن خلدون 235/7 و236 ).

وكان الأمير آقوش الأشرفي جمال الدين البرناق ، الذي ولي نيابة دمشق في السنة 711 قاسي القلب ، يعاقب علي الذنب الصغير بالعقاب الشديد ، حتي إنه مات تحت الضرب جماعة ممن أمر بضربهم ( الدرر الكامنة 424/1)

وفي السنة 718 توفي الشيخ مجد الدين محمد بن القاسم المرسي المغربي ، بدمشق ، امتحن علي يد الأمير سيف الدين كراي ، النائب

ص: 119

بدمشق ، فضربه بباب القصر الأبلق ، بالعصي ، ضربا كثيرة ، فقتله ( الوافي بالوفيات 352/4 ).

وفي السنة 721 أحضر أحد المماليك وقد شرب الخمر هو وغلامه ، فأمر الملك الناصر محمد بن قلاوون ، بأن يضربا بالسياط ، فضربا ضربا مبرحة مات منه المملوك بعد يومين . ( النجوم الزاهرة 73/9 ).

وفي السنة 724 ، نصب السلطان الملك الناصر محمد بن قلاوون ، الأمير سيف الدين قدادار ، واليا علي القاهرة ، الاضطراب الأحوال فيها ، وتسلط الحرافيش ، فأول ما بدأ به أن أحضر الخبازين ، وضرب كثيرا منهم بالمقارع، ضربا مبرحا ، وسمر عدة منهم في دراريب حوانيتهم ، ثم عرض أهل السجن ، ووسط جماعة من المفسدين عند باب زويلة . ( خطط المقريزي 149/2).

وفي السنة 725 توقي الشيخ شمس الدين محمد بن أبي طالب الأنصاري ، وكان شيخ خانقاه حطين من بلاد صفد، فورد عليه إنسان أضافه في الخانقاه ، وأراد السفر في الليل، وعلم النجم ، تلميذ الشيخ شمس الدين ، أن مع ذلك الإنسان ذهب ، فتبعه ، وقتله ، فبلغت القصة الأمير سيف الدين كراي ، نائب صفد، فأحضر الشيخ شمس الدين ، وضربه ألف مقرعة ، وعاقبه ( عذبه ) ، ثم أفرج عنه ( الوافي بالوفيات 164/3 ).

وفي السنة 733 غضب الأمير تنكز، نائب السلطنة في الشام ، علي ناصر الدين محمد بن كوندك ، دواداره ، بعد أن خدمه اثنين وعشرين عاما . فأهانه ، وضربه بالمقارع، ونفاه الي القدس ( الدرر الكامنة 269/4 ).

وكان بهاء الدين محمود بن محمد السلمي ، يكتب خطا في غاية الجودة ، فوصف للأمير تنكز ، نائب السلطنة بالشام ، حسن خطه ، فأحضره ، وسأله أن ينسخ له صحيح البخاري ، فاعتذر اليه بأنه مشغول بتعليم أولاد

ص: 120

الناس ، فقال له : أنا أصبر عليك ، وأعطاه الورق والأجرة ، وأغفله سنة ، ثم طلبه ، فأحضر له مجلد واحدا منه ، فغضب ، وأمر به ، فمد علي الأرض ، وضربه ضربا مبرحا ، فمات بدمشق في السنة 735 ( الدرر الكامنة 104/5)

وفي السنة 739 مات الأمير جمال الدين آقوش الاشرفي ، في سجنه بالاسكندرية ، وكان عسوقة جبارة في بطشه ، مات عدة من الناس تحت الضرب قدامه ( خطط المقريزي 55/2 ) وكان يضرب الألف عصا وأكثر ، ومات تحت ضربه جماعة ، منهم بازدار من بازدارية السلطان ، كان يسير برا باب اللوق ، وشتم سقاء كان عنده ( أي عند الأمير اقوش ) وشتم أستاذه ، فأمسكه ، وضربه أكثر من ألف عصا، وقال له : والك ، أنت واياه تخاصمتما ، أنا أيش كنت ؟ ومات البازدار من الضرب بعد يومين ( الوافي بالوفيات 338/9 ) ، وعمر هذا الأمر جامعة ظاهر الحسينية بالقاهرة ، فوجد ذات يوم فيه كرديا قد بسط سفرته وهو يأكل ، فرماه وضربه ستمائة عصا ( الوافي بالوفيات 336/9 ) .

وخلع السلطان الملك الناصر أحمد بن محمد بن قلاوون ، علي ناصر الدين ، بغير علم الأمير طشتمر نائب السلطنة بمصر ، فغضب النائب وأحضر ناصر الدين ، وعراه من الخلعة ، وضربه ضربا مبرحا، وغرمه اربعين ألف درهم ، ( النجوم الزاهرة 64 و63/10)

وفي السنة 738 تغير الأمير تنكز نائب السلطنة في الشام ، علي كاتب السر بدمشق علم الدين محمد بن أحمد بن فضل الله المصري الكاتب ، فضربه بالعصي ضربة مؤلمة ، واحتاط علي موجوده ، واعتقله مدة ، ثم أفرج عنه ( الدرر الكامنة 3/ 459 ).

وذكر ابن بطوطة إنه وجد أهل خوارزم علي عادة جميلة ، وهي إن من

ص: 121

لم يحضر الصلاة مع الجماعة ، يضربه الإمام بمحضر من الجماعة ، وفي كل مسجد درة معلقة لذلك ، ويغرم خمسة دنانير تنفق في مصالح المسجد، أو الإطعام الفقراء والمساكين ، ويذكرون إن هذه العادة عندهم مستمرة علي قدم

الزمان . (مهذب رحلة ابن بطوطة 298/1 ).

وغضب السلطان محمد بن تغلق ، سلطان الهند ، علي أمير بخت ، الملقب : شرف الملك ، فأمر السلطان بأن يضرب مائة مقرعة في كل يوم وبقي علي ذلك مدة . (مهذب رحلة ابن بطوطة 112/2 ).

وكان السلطان محمد بن تغلق ، سلطان الهند، ولي خطيب الخطباء بدهلي ، النظر في خزانة الجواهر في السفر ، فاتفق أن سراق الكفار ضربوا علي الخزانة ليلا ، وذهبوا بشيء منها ، فأمر بالخطيب ، فضرب حتي مات . ( مهذب رحلة ابن بطوطة 94/2 ).

وكان السلطان محمد بن تغلق ، سلطان الهند ، أمر بقتل شاب صغير الانبات بعارضيه ، فقتل ، فقال الحاجب خواجه أمير علي التبريزي ، لقاضي القضاة كمال الدين : هذا الشاب لم يجب عليه القتل ، فبلغ ذلك السلطان ، فقال : هلا قلت هذا قبل موته ؟ وأمر به فضرب مائتي مقرعة ، وسجن ، وصادر جميع أمواله ( مهذب رحلة ابن بطوطة 94/2 ).

وفي السنة 740 توفي الخليفة العباسي أبو الربيع المستكفي سليمان بن أحمد ، منتفيا بقوص من مصر ، هو وأفراد عائلته ، وكان قد ولد في السنة 183 وخلف والده في الخلافة في السنة 701، وقويت العلاقة بينه وبين السلطان الناصر محمد بن قلاوون ، فأصبحا كالأخوين ، ولما خرج بيبرس الجاشنكير علي الناصر محمد، قلده المستكفي السلطنة ، فحقدها الناصر عليه ، ولما عاد الي السلطنة في السنة 709 اعتقله ببرج القلعة ، وسمي البرج الذي اعتقل فيه ، برج الخليفة ، ثم أفرج عنه بعد خمسة أشهر ، وفي

ص: 122

السنة 738 غضب عليه ثانيا ، لما بلغه إنه يراسل بعض الأمراء ، بواسطة أحد الفقهاء ، فقبض علي الفقيه ، وضرب حتي مات تحت الضرب ، وأمر السلطان بنفي الخليفة وجميع أهل بيته ، فنفي إلي قوص ومعه جميع أفراد عائلته ، وأمر بأن يصرف له راتبه هناك ومقداره خمسة آلاف درهم في الشهر ، ثم زاد راتبه الي ثمانية آلاف درهم ، وظل بقوص حتي مات في السنة 740 ( الدرر الكامنة 336/2 - 338 ).

وكان أبو خرشة محمد بن علي بن المؤذن ، النجار بغرناطة ، حاذق في تعبير الرؤيا ، وأتفق أن صاحب غرناطة رأي رؤيا ، فطلب من يعبرها ، فدلوه عليه ، فأحضره ، وقصها عليه ، ولم يعلمه إنه الرائي ، فعبرها له بمكروه يحصل للرائي ، فأمر به فضرب بالسياط ، ونفاه الي مراكش ( الدرر الكامنة 219/4)

أقول : لما كانت وفاة ابن المؤذن في سنة بضع وأربعين وسبعمائة ، فيلوح لي أن صاحب غرناطة كان أبا الحجاج يوسف النيار بن اسماعيل ، الذي ولي غرناطة في السنة 733 إلي السنة 755.

وغضب السلطان الناصر محمد بن قلاوون (ت 741) علي الأسعد غبريال النصراني ، فأسلمه للعلم سنجر الخازن ، فضربه بالمقارع، وصادره ، ومات بعد أسبوع من العقوبة ( الدرر الكامنة 3/ 297 ).

وفي السنة 742 قتل ضربأ بالمقارع، في حلب ، الأمير لؤلؤ الفندشي . وكان قد تولي شد الدواوين بحلب ، ثم بالقاهرة ، وكان ظالما جائرأ ، ما حل في مكان إلا وضج الناس من ظلمه ، وكان آخر أمره في حلب ، فلما حضر طشتمر حمص أخضر نائبا للسلطان في حلب ، اعتقله ، وأمر به فضرب بالمقارع حتي مات ( الدرر الكامنة 359/3 و 360 ).

وفي السنة 768 غضب الأمير يلبغا مدبر المملكة المصرية في دولة

ص: 123

الأشرف شعبان ، علي الأمير الطواشي سابق الدين مثقال بن عبد الله الحبشي الأنوكي ، مقدم المماليك عند الأشرف ، فأمر به فضرب ستمائة عصا ونفي الي أسوان ( الدرر الكامنة 363/3 وبدائع الزهور 43/2/1 ).

وفي السنة 748 أمر السلطان ، فضرب عبد العزيز الجوهري ، وعبد المؤمن استاداره ، بالمقارع ( النجوم الزاهرة 120/10 ).

وفي السنة 749 لما قتل السلطان الملك المظفر حاجي بن محمد بن فلاوون ، قبض علي نديمه الشيخ علي الكسيح، وضرب بالمقارع والكسارات ضربأ عظيم ، ونوع له العذاب أنواعة ، حتي هلك ( النجوم الزاهرة 191/10 ).

وفي السنة 751 توفي الفقيه محمد بن أبي بكر الزرعي ، المعروف بابن قيم الجوزية ، وكان عالما جريئة شديد التعصب لابن تيمية ، وهو الذي هذب كتبه ، ونشر علمه ، واعتقل مرة مع ابن تيمية في القلعة ، بعد أن أهين ، وطيف به علي جمل ، مضروبة بالدرة ( الدرر الكامنة 21/4) .

وفي السنة 762 وقف الناس لسلطان مصر ، وشكوا من الفار الضامن ، فقبض عليه ، وضربه الوزير بالمقارع ضربا مبرحا ، وصادره . ( النجوم الزاهرة 262/10 ).

وفي السنة 765 قتل جمال الدين عمر بن عبد المحسن الأنباري ببغداد ، ضرب بين يدي الوزير ضربا مبرحا ، حتي مات ( تاريخ العراق للعزاوي 113/2 ) .

أقول : روي صاحب الدرر الكامنة 249/3 خبر موت جمال الدين الحنبلي في السنة 766 قال : في السنة 766 مات من جراء الضرب جمال الدين الحنبلي ، عمر بن عبد المحسن ، محتسب بغداد وقاضي الحنابلة

ص: 124

بها ، تعصب عليه و الروافض ، ونسبوه إلي ما لا يصح عنه ، فضرب بين يدي الوزير ضربا مبرحا ، فمات .

وفي السنة بضع وستين وسبعمائة ، توقي أبو جعفر الغرناطي أحمد بن محمد الأنصاري ، وكانت قد أصابته محنة من صاحب غرناطة، اتهمه بأنه اختار للثائر عليه وقتا للقيام حسب أحكام النجوم ، فقبض عليه ، وضربه بالسياط ، ونفاه الي تونس ( الدرر الكامنة 327/1 ).

وكان قطب الدين محمد بن محمود المقدسي ، الملقب بالهرماس ، أثيرا عند السلطان حسن بن السلطان الناصر محمد بن قلاوون ، حتي أنه كان يدخل عليه بلا إذن ، ثم إنه سافر للحج ، فارغروا عليه في غيابه صدر السلطان ، فلما عاد منع من الدخول الي السلطان ، وهدمت داره التي هي بجوار جامع الحاكم ، وقبض شرف الدين الزركشي عليه وعلي ولده ، وضربه بالمقارع عشرة ، ونفاه إلي مصياف حيث توفي في السنة 769 ( الدرر الكامنة22/5)

وفي السنة 770 ثار عامر بن محمد بالمغرب علي السلطان عبد العزيز المريني ، وبايع أميرا من بني عبد الحق ، من أولاد أبي ثابت ، اسمه تاشفين ، فجرد السلطان عبد العزيز جيشا لمحاربته ، واستمر الحصار سنة ، ثم أسر عامر وسلطانه تاشفين ، فأشهرا علي جملين ، وأفرغ عليهما الروث ، ثم أمر السلطان ، فضرب عامر حتي أنتن لحمه، وورمت أعضاؤه، وهلك بين أيدي الوزعة ( ابن خلدون 326/7 ) .

ومما عذب به الوزير الصاحب شمس الدين موسي (ت 771) إنه ضرب بالسياط مرارة ، حتي قيل أنه أحصي مجموع ما ضرب فبلغ ستة عشر ألف و شيب ، وكان يضرب بمقرعة معقدة ، فإذا نزلت علي جنبيه ، أحدثت فيه ثقوبة ، وكان يرمي بعد الضرب عريانة في الشتاء علي البلاط ، فيتمرغ

ص: 125

عليه وهو لا يعي ، وضرب مرة فسقط من ظهره قطعة لحم بقدر الرغيف ( النجوم الزاهرة 110/11 - 112).

وفي السنة 775 كان يقعد في وسط الرملة بالقاهرة ، إنسان مغربي ويرفع صوته قائلا : اقتلوا سلطانكم ، ترخص أسعاركم ، ويجري ماؤ كم ، فلما تزايد هذا منه ، قبض عليه والي القاهرة ، وضربه بالمقارع، وطرده من المدينة ( بدائع الزهور 125/1/2 ).

وفي السنة 776 ضرب الصاحب كريم الدين بن الغنام ، ضربا مبرحا ، وأنزل من حبسه في القلعة بالقاهرة ، لكي يبيع قماشه وحلي نسائه ، سدادا اللمبلغ الذي صدر عليه ( بدائع الزهور 147/2/1 ).

وفي السنة 781 قبض علي الخواجا كمال الدين علي الخروبي ، بالقاهرة ، وضرب بالمقارع، وأشهر علي جمل ، ونودي عليه : هذا جزاء من يتكلم فيما لا يعنيه ( بدائع الزهور 248/2/1 ).

وفي السنة 781 قبض علي الطواشي مثقال الجمالي ، الزمام ، وضرب ضربا مبرحا ، وطولب بالكشف عن ذخائر السلطان المقتول شعبان ( بدائع الزهور 291/2/1 ).

وفي السنة 782 قبض الأمير بركة الجوباني ، بالقاهرة ، علي الوزير تاج الدين بن الملكي ، وضربه نحو سبعين عصا ، ورسم عليه ، فلما أرضاه بالمال ، خلع عليه وأعاده إلي الوزارة ( بدائع الزهور 253/2/1).

وفي السنة 782 قدم القاهرة شيوخ من عربان البحيرة ، فضربوا بالمقارع، وسجنوا ( بدائع الزهور 280/2/1 ).

وفي السنة 783 جاء شخص أعجمي ، إلي الأتابكي برقوق ، وقال له : إن النيل لا يزيد في هذه السنة ، فأتفق أن النيل زاد زيادة عظيمة ،

ص: 126

فقبض برقوق علي الأعجمي ، وضربه بالمقارع، وشهره بالقاهرة علي جمل ( بدائع الزهور 287/2/1 ).

وفي السنة 783 تعرض شخص يقال له : ابن نهار ، بالقاضي الشافعي ابن جماعة ، وقال له : قد حكمت علي بحكم لا يجوز شرعا ، فأمر به الأتابكي برقوق ، فضرب بالمقارع، وأشهر بالقاهرة علي جمل ( بدائع الزهور 294/2/1)

وفي السنة 784 قبض علي علي خان بن قرمان ، كاشف الوجه البحري ، وضرب ضربا مبرحا بين يدي الأتابكي برقوق بالقاهرة ( بدائع الزهور 307/2/1 ) .

وفي السنة 784 تغير خاطر السلطان علي الصاحب علم الدين الطنساوي فضربه ضربا مبرحا ، ورم عليه ( بدائع الزهور 323/2/1 ).

وفي السنة 785 زادت العقوبة علي سعد الدين بن البقري ، فضرب بالمقارع، وألزم بحمل خمسمائة ألف درهم ، بعد أن أخذ منه ما يقرب من ثلثمائة ألف دينار ، ثم أعيد ضربه ضربا مبرحا ( نزهة النفوس والأبدان 78 و81).

وفي السنة 786 غضب السلطان برقوق ، علي ناظر الجيوش تقي الدين عبد الرحمان الشافعي ، فضربه بالدواة في رأسه ، ثم أمر به ، فضرب بين يديه بالعصي ، نحوا من ثلثمائة ضربة ، فحمل إلي داره في محفة ، ومات ( نزهة النفوس 96 وبدائع الزهور 347/2/1 )

وفي السنة 786 قبض علي الأمير يلبغا الصغير الخازندار ، وسبعة أنفار من المماليك ، بلغ السلطان أنهم يريدون الفتك به ، فضربوا ، ورسم بنفيهم إلي الشام ( نزهة النفوس 92) .

ص: 127

وفي السنة 786 غضب الملك الظاهر برقوق ، سلطان مصر ، علي بهادر كاشف الوجه البحري ، وضرب بين يديه بالمقارع نحوا من ستين شيبا ( نزهة النفوس 101).

أقول : الشيب ( بالكسر ) : السوط ، قال ابن الوردي : ( شفاء الغليل 120)

من كان مردودا بعيب فقد**** ردتني العيد بعيبين

الرأس واللحية شابا معا**** عاقبني الدهر بشيبين

وفي السنة 787 حضر والي البهنسا، الأمير علي خان ، أمام السلطان ، فشكوه إليه ، فرسم بضربه ، فضرب ضربا مبرحا ، وأخرج من القاهرة منفيا ، وغرم عشرة آلاف دينار (نزهة النفوس 114 وبدائع الزهور 359/2/1)

وفي السنة 788 قبض بمصر علي عثمان بن قراجا ، وعلي ابن أخيه ناظر الجيش ، وضرب بالعصي ضربا مبرحا ، نحو المائة وأربعين ضربة ( نزهة النفوس 131).

وفي السنة 788 أنكر قاضي دمنهور بالبحيرة ، علي ضامن المكوس ، ما يستأديه من المسلمين ، فأمر السلطان بضرب القاضي ، ونفيه من دمنهور . ( نزهة النفوس 140).

وفي السنة 788 قبض السلطان الملك الظاهر علي الفقيه أحمد بن محمد التيمي المعروف بابن البرهان ، لاتهامه بأنه يحرض علي خلع السلطان ونصب آخر بدله من قريش ، ولما أحضره واستنطقه ، أعلمه أنه يرغب في أن يقوم رجل من قريش يحكم بالعدل ، فإن هذا هو الدين الذي لا يجوز غيره ، فأمر السلطان بضربه ، فضرب هو وأصحابه ، وحبسوا في الخزانة حبس أهل الجرائم ، وأفرج عنهم في السنة 791 ( الضوء اللامع 96/2 و 97 ).

ص: 128

ولما عاد السلطان أبو العباس المريني ، في السنة 789 الي سرير ملكه ، قبض علي ابن أبي عامر ، وكان يحقد عليه تصرفات أجراها معه ، بعد خلعه ، وكلمات صدرت عنه في حقه ، فاعتقله ، وأمتحنه بالضرب بالسياط ، إلي أن مات تحت الضرب ، ولما حمل الي داره ميتا ، وأخذ أهله في تجهيزه ليدفن أمر السلطان بأن يسحب في نواحي البلد، فحمل من نعشه ، وربط في رجله حبل، وسحب في سائر المدينة ، ثم ألقي علي بعض المزابل ( ابن خلدون 360/9 ).

وفي السنة 788 رأي السلطان ، وهو في القصر المطل علي الرملة ، بالقاهرة ، خيمة بيضاء ، فبعث من يري من فيها ، فقيل له : إن فيها الصاحب كريم الدين بن مكانس ، ورفاق له ، وهم يشربون الخمر ، فأمر السلطان باحضارهم ، وضربهم بالمقارع، وغرم ابن مكانس مائة ألف درهم ( بدائع الزهور 380/2/1 ونزهة النفوس 151) وورد الخبر في تاريخ ابن الفرات 5/9 كما يلي : في السنة 789 بلغ السلطان الملك الظاهر برقوق ، بأن الصاحب كريم الدين بن مكانس ، ناظر الدولة ، وأبا البركات بن الرويهب ، ضربا خيمة علي جانب البحر ، يتفرجان فيها ، وعندهما مغاني ، فقبض عليهما، وسلما إلي الأمير حسام الدين حسين بن الكوراني ، والي القاهرة ، فضربهما بالمقارع، فكتب ابن مكانس خطه بمائة ألف درهم ، وأبو البركات بخمسين ألف درهم .

وفي السنة 788 غضب السلطان برقوق بالقاهرة ، علي ناظر الجيش موفق الدين ، فضربه نحو مائة وأربعين عصا ، وحبسه . ( النجوم الزاهرة 243/11)

وفي السنة 789 أمر سلطان مصر ، الأمير حسام الدين ، والي القاهرة ، أن يضرب الفقهاء الشاميين ، فضربهم بالمقارع، وقيدهم . (تاريخ ابن الفرات 7/9) .

ص: 129

وفي السنة 790 تمارض الأمير منطاش ، بالقاهرة فعاده الأمير الطنبغا، ولما أراد أن يخرج ، قبض منطاش عليه ، وعلي عشرين من مماليكه ، وضرب أحدهم ضربا مبرحا ، مات منه بعد أيام . ( النجوم الزاهرة 332/11)

وفي السنة 791 أمر الأمير منطاش ، فضرب العلامة شمس الدين الركراكي مائة ضربة ، وسجن بالاصطبل، لأنه طلب منه أن يكتب بتأييد الفتوي الصادرة ضد الملك الظاهر ، فأبي ( بدائع الزهور 418/2/1 ونزهة النفوس 268 والنجوم الزاهرة 362/11 ).

وفي السنة 791 رسم بتخشيب أيدي المماليك الظاهرية وأرجلهم ( نزهة النفوس 266 ).

وفي السنة 791 قبض الأمير منطاش ، بالقاهرة ، علي الأمير ناصر الدين محمد بن الحسام ، شاد الدواوين ، وضرب ضربا مبرحا . (نزهة النفوس 252).

وفي السنة 791 رسم ، بالقاهرة ، بضرب الأمير أقبغا المارداني ، ويضرب عبد الرحمن بن الصاحب كريم الدين بن مكانس ، فضربا ضربا مبرحا ( نزهة النفوس 244) .

وفي السنة 791 خلع الملك المنصور ، سلطان مصر والشام ، علي خياط بقيصرية أمير علي بالقاهرة ، واستقر معلم الخياطين السلطانية ، فبلغ ذلك الأمير الكبير يلبغا الناصري ، نائب السلطنة ، فأرسل اليه من أحضره ، ونزع عنه الخلعة ، وضربه ضربا مبرحا ، فحصل للملك المنصور بذلك شدة عظيمة ، وقال : مرسومي في خياط ما يمتثل ، فكيف هذه السلطنة ؟ ( تاريخ ابن الفرات 113/9 ونزهة النفوس 231 والنجوم الزاهرة 331/11 ).

وفي السنة 792 أمر الظاهر برقوق ، سلطان مصر والشام ، بإحضار

ص: 130

الصاحب كريم الدين ابن الغنام وولده ، والقاضي فخر الدين بن مكانس ، فضرب ابن الغنام سبع ضربات بالمقارع، وعري ولده ولم يضرب ، وضرب ابن مكانس ثلاث مرات ، في كل مرة ثلاثة عشر شيبا ( تاريخ ابن الفرات 205/9 )

وفي السنة 792 أمر الملك الظاهر برقوق ، بإحضار الأمير الطنبغا الجربغاوي وضربه مائة شيب مقارع، ثم زاده سبعة شيوب (تاريخ ابن الفرات 234/9 ).

وفي السنة 792 سلم الوزير الصاحب كريم الدين بن مكانس ، للأمير بكلمش ، أمير آخور ، فضرب بين يديه بالمقارع ( نزهة النفوس 299 ).

وفي السنة 792 ضرب الصاحب موفق الدين أبو الفرج ضربا مبرحا ( نزهة النفوس 301).

وفي السنة 792 قبض علي جماعة من اتباع الأمير الطنبغا الجوباني ، وضربوا بالمقارع، وأعيدوا بعد الضرب الي السجن ببرج القلعة . ( نزهة النفوس 314) .

وفي السنة 792 اتجه السلطان الظاهر نحو الديار المصرية ، واستولي اعوانه علي غزة ، وضربوا نائبها حسن بن باكيش ضربا مبرحا يوم دخول السلطان إليها ( نزهة النفوس 286).

وفي السنة 792 أحضر أمام السلطان مملوك ، اتهم بإثارته الفتن وإشاعتها فضرب بين يدي السلطان ضربا شديدا مبرحا ، وسمر علي جمل ، وشهر بالقاهرة ، وأودع بخزانة شمائل ، ولم يعرف له خبر بعد ذلك ( نزهة النفوس 309).

وفي السنة 793 طلب حسن بن باكيش ، الذي كان نائب غزة ، من الحبس ، وضرب بين يدي السلطان بالمقارع ضربا مبرحا ، وطلب أقبغا

ص: 131

المارداني ، بعده ، فضرب علي أكتافه مقترحة . ( بدائع الزهور 443/2/1 ونزهة النفوس 323) .

وفي السنة 792 وصل من طرابلس القاضي شهاب الدين الحنبلي في حالة فظيعة ، فلما مثل أمام السلطان ، جرد من ثيابه ، وضرب بالمقارع، وسبب ذلك إنتصاره للأمير منطاش لما استولي علي طرابلس ( نزهة النفوس 323)

وفي السنة 793 أمر الملك الظاهر باحضار القاضي ابن الحبال الحنفي ، قاضي طرابلس ، فأحضر ، وضرب بالعصي « مقترح » بسبب فتيا أفتي بها في حقه ، لخصمه منطاش ( تاريخ ابن الفرات 248/9 ).

أقول : المقترح ، اسم للون من ألوان الضرب ، وهو أن يضرب الإنسان علي لوح كتفه وهو واقف ، فإذا مال الي الأمام ضرب علي صدره ( الوافي بالوفيات 346/9 ) .

وفي السنة 793 أمر الملك الظاهر باحضار ابن فضالة شيخ الزهور ، الي الإصطبل السلطاني ، فأحضر ، وضرب بالمقارع، كما ضرب خالد بن بغداد بالعصي ( تاريخ ابن الفرات 9 ق 245/2 ).

وفي السنة 793 وقف شخص من التجار للسلطان برقوق ، بالقاهرة ، وادعي علي القاضي شهاب الدين القرشي ، قاضي قضاة الشام ، فأحضر القاضي من السجن وجد من ثيابه ، وضرب بالمقارع ضربا مبرحا ، ثم سلم الوالي القاهرة ، فضربه ، وعصره مرارة ، وسجنه بخزانة شمائل ( نزهة النفوس 326) ثم أعاد ضربه بالمقارع نمو مائتي شيبا حتي كاد أن يموت (نزهة النفوس 328) ثم أعيد ضربه ضربا شديدا حتي مات ( نزهة النفوس 329)، وكان سبب ذلك إنه كان قد أفحش في خصومته للسلطان برقوق لما كان القاضي بدمشق ، فكان يقف علي سور دمشق ، وينادي : إن قتال برقوف

ص: 132

أوجب من صلاة الجمعة ، راجع النجوم الزاهرة 21/12 و22 و25 .

وفي السنة 793 تقدمت للسلطان ، بالقاهرة ، شكوي ضد أمير ملك ابن اخت جتمر ، فأحضر أمير ملك وضرب بالمقارع ضربا مبرحا ، وتسلمه الوالي فمات بعد ثلاثة أيام . ( نزهة النفوس 327) .

وفي السنة 794 طلب السلطان الظاهر ، الولاة المعزولين ، وأحضرهم أمامه ، وأمر بايدمر الشمسي أبي زلطة ، فضرب أمامه بالمقارع، خمسة وثمانين شيبة ، ثم سلم الجميع إلي متولي القاهرة ، فضرب أبا زلطة علي أكتافه بالعصي مقترحا ( تاريخ ابن الفرات 296/9 ).

وفي السنة 794 وقف للسلطان الظاهر برقوق جماعة من الفلاحين بالجيزة وشكوا إليه من الكاشف ناصر الدين محمد شاه ، وأنه أخذ أموالهم ، وهتك حريمهم ، وفسق بأولادهم ، فأحضره ، وعزاه ، وضربه بالمقارع، ثم عزله ، وسلمه إلي والي القاهرة ، ليستخلص منه أموال الفلاحين ، فأخذه الوالي ، وعرضه ، وضربه بالمقارع ثانية ( تاريخ ابن الفرات 335/9 ).

أقول : ذكر صاحب نزهة النفوس 359 وصاحب بدائع الزهور 458/2/1 قصة ضرب هذا الرجل ، في أخبار السنة 795 فذكر أنه في هذه السنة قبض السلطان علي الأمير ناصر الدين محمد بن اقبغا ، لظلمه الفلاحين فضربه بالمقارع بين يديه ، ثم سلمه إلي ابن الطبلاوي ، فضربه ضربا مبرحة ، ثم سلم إلي الوالي ، فكرر ضربه مرارة ، بمحضر من خصومه .

ولما قصد تيمورلنك بغداد في السنة 795 ، جهز السلطان أحمد الجلايري ، سلطان العراق ، جيشأ ، وعين لقيادته الأمير ستائي ، فانكسر ستائي ، وعاد إلي بغداد ، فغضب عليه السلطان ، وأمر به فضرب ضربا وجيعا ( تاريخ العراق للعزاوي 2/ 200 و201).

وفي السنة 795 سلم الصاحب تاج الدين إلي الوالي ، فبالغ في ضربه

ص: 133

بالمقارع حتي صار دمه كالمياه في ثوبه ، متلطخا به ، وأهانه إهانة زائدة ، حتي إنه صار راكب حمارة ، وفي رقبته الحديد ، وأثوابه ملطخة بالدم ، وهو مرمي علي قوارع الطريق . ( نزهة النفوس 365 ).

وفي السنة 799 ورد من السلطان ، « مثال شريف » بالقبض علي القاضي نصر الله بن شطية ، وتسليمه للأمير علاء الدين بن الطبلاوي ، والي القاهرة ، فتسلمه ، وضربه بالمقارع، وحبسه بخزانة شمائل (تاريخ ابن الفرات 385/9 ) .

وفي السنة796 مات أبو الفرج المصري ، الذي جمع بين نظر الخاص الشريف والوزارة ، وكان ظالمأ، فاعتقله السلطان ، وصادره ، ومات تحت الضرب والعقوبة ( تاريخ ابن الفرات 390/9 ).

وفي السنة 797 قدمت للسلطان الظاهر برقوق ، شكاوي علي الأمير يلبغا الزيني والي الأشمونين ، فأحضره السلطان ، وعزله ، وضربه بالمقارع واحدا وخمسين شيبا ، ( تاريخ ابن الفرات 402/9 ).

وفي السنة 797 قدمت للسلطان الظاهر برقوق ، شكوي ، قدمها نصراني ، علي القاضي شمس الدين محمد الدفري نائب قاضي القضاة ، فأحضره السلطان ، وبطحه، وضربه قدامه ، ورسم عليه حتي يعطي النصراني ما شكاه عليه ( تاريخ ابن الفرات 402/9 ) .

وفي السنة 797 حكم بتعزير شهاب الدين أحمد العبادي ، أحد نواب الحنفية ، ففوض تعزيره إلي قاضي القضاة الحنفي ، فأمر بكشف رأسه ، ومشيه بين يدي البغال التي ركبها القضاة والنواب ، ثم سجنه في حبس الديلم ، ثم طلب الي بيت قاضي القضاة ، فضرب علي قدميه نحوا من أربعين ضربة وأعيد إلي السجن ، ثم أطلق ( نزهة النفوس 410) .

وفي السنة 797 أمر الشيخ اسماعيل بن ابراهيم الجبرتي ، برجل من

ص: 134

فقرائه ، فضرب بالسياط ، وأخرج من مدينة زبيد ، وفي اليوم التالي له ، أمر بضرب الشيخ صالح المكي ، فضرب بالسياط ضربا مبرحا ، ثم استأذن السلطان في إخراجه من اليمن ، فأجاب إلي ذلك . ( العقود اللؤلؤية 272/2 و273).

وفي السنة 799 ضرب محمد بن محمود الأستادار ، فوق أربعمائة عصاة ، وسط ، بسبب دواة ذكر أنها عنده بألقاب بأسمه مثل ألقاب السلطنة الشريفة ، وأحضرت الدواة ولم يثبت ما ذكر . ( نزهة النفوس 447).

وفي السنة 800 ضرب الأمير بكلمش ، موقعه صفي الدين الدميري ، بالمقارع حتي مات ، وسبب ذلك ، أن الأمير بكلمش ضرب صفي الدين وصادره ، فشكاه إلي السلطان بقصيدة ، قال فيها: أتأكلني الذئاب وأنت ليث ؟ فسمع الأمير بكلمش بذلك فطلبه وضربه بالمقارع، وكانوا كلما ضربوه، رشوا عليه الملح ، وكلما استغاث أجابه بكلمش : قل لليث يخلصك من الذيب ، فلم يزل يضربه حتي مات ( نزهة النفوس 459).

وفي السنة 801 سعي أحد المماليك ، بالقاهرة ، بجماعة في الأمراء ، واتهمهم بأنهم يريدون قتل السلطان ، وظهر كذبه ، وقرر فأقر ، بعد أن ضرب ألف عصا . ( النجوم الزاهرة 95/12 )

وفي السنة 801 لما احتضر السلطان الظاهر بمصر ، تحرك الزعر بالقاهرة ، فركب والي المدينة فمسك جماعة ، وضربهم بالمقارع (نزهة النفوس 494) .

وفي السنة 801 تنكر السلطان بمصر ، علي الأمير سودون الحمزاوي ، فضربه بين يديه ، وسجنه ، ثم نفاه إلي بلاد الشام . ( بدائع الزهور 511/2/1)

وفي السنة 801 طلع رجل عجمي ، إلي السلطان ، وهو جالس للحكم

ص: 135

بين الناس ، ومد يده إلي لحيته ، فقبض عليها ، وسبه سبا قبيحا ، فبادر إليه رؤوس النوب ، وأقاموه ، ومروا به ، وهو مستمر في السب ، فسلم إلي الوالي ، فضربه أياما حتي مات ( بدائع الزهور 516/2/1).

وفي السنة 802 أحضر السلطان أرناط اليوسفي كاشف الوجه البحري ، وضربه عريانا بالمقارع والعصي معين ، وعزله . ( بدائع الزهور 552/2/1 ) .

ولما فتح تيمورلنك دمشق في السنة 803 كان من جملة ما عذب به الدمشقيون الضرب بالسياط ، وكانوا اذا أشرف المعذب علي الهلاك ، خلوا عنه حتي يستريح، ثم عادوا الي ضربه ، حتي كان المعذب يحسد رفيقه الذي هلك تحت العقوبة ( النجوم الزاهرة 244/12 و245).

وفي السنة 803 قبض الأمير شهاب الدين أحمد ، شاد الدواوين ، علي يلبغا السالمي ، وضربه ضربا مبرحا ، وبالغ في عصره وتعذيبه . ( بدائع الزهور 630/2/1 )

وفي السنة 803 قدح شمس الدين البرقي ، أحد موقعي قضاة الحنفية، في يلبغا السالمي ، فأخذ البرقي ، وضرب عريانا ، ضربا مبرحا ، كما ضرب جماعة من اليهود والنصاري ، وضرب كذلك دوادار والي القاهرة . (بدائع الزهور 608/2/1).

وفي السنة 804 توفي برهان الدين إبراهيم بن محمد الدمشقي ، وكان قد قرأ علي الجمال بن الشرائحي الرد علي الجهمية ، لعثمان الدارمي ، فأخذ أحد الفقهاء الكتاب وذهب به إلي القاضي المالكي ، فطلب القاضي إحضار الشيخ برهان الدين ، وأغلظ له ، ثم طلبه ثانيا ، وسأله عن عقيدته فقال : الإيمان بما جاء عن رسول الله ، فانزعج القاضي وأمر بتعزيره ، فعزر، وضرب ، وطيف به ، ثم طلبه بعد جمعة ، لكونه بلغه عنه كلام

ص: 136

أغضبه ، فضربه ثانية ، ونادي عليه ، وحكم بسجنه شهرة ( الضوء اللامع 146/1)

وفي السنة 804 قبض الأمير سودون الحمزاوي ، نائب السلطنة بصفد ، علي الحاجب بصفد علي بن بهادر ، وضربه ضربا مبرحا ، مات من جرائه ( الضوء اللامع 208/5 و279/3 ).

وفي السنة 805 ضرب والي القاهرة ، بأمر من الأمير يشبك ، محتسب القاهرة محمد بن شعبان ، زيادة علي أربعين عصا ، لسوء سيرته ، وكان ضربه أمام الناس ، بمحضر الأمير . ( بدائع الزهور 669/2/1 ).

وفي السنة 810 أحضر الأمير سودون الحمزاوي ، امام القضاة وبمحضر من السلطان ، وثبت عليه انه قتل علي بن بهادر ظلما ، فحكموا بقتله فقتل ، وكان الذي ادي الي محاكمته ، انه كان خصيصا عند الظاهر برقوق، ثم تنكر عليه، فضربه ضربا مبرحا، وحبسه، وأخرجه إلي البلاد الشامية ، ثم حبس باسكندرية ، ثم أطلق ، ثم توجه الي الشام مجردة ، فلما صار بدمشق ، عصي ، وقصد صفد فملكها، ثم قبض عليه شيخ ، وجهزه الي الناصر ، فحبسه ، ثم عقد له مجلس القضاء الذي حاكمه وحكم عليه بالقتل ( الضوء اللامع 279/3 ).

وفي السنة 818 عزل الكاشف لولو الرومي ، وصودر ، وعوقب أشد عقاب ، وذكر أن فخر الدين لما رام عقابه ، أمر أن يفرش تحته بساط ، فقال له لولو : تعلم الرياسة ، افرش لي البساط لما أجلس بجانبك ، أما الأن فالأرض أليق ، وتوفي في السنة 821 ( الضوء اللامع 234/6 ).

وفي السنة 821 ضرب السلطان ، والي القاهرة ، ابن الطبلاوي بالمقارع، وسبب ذلك ، أن صبيا غرق ، فلم يمكن الوالي من دفنه، إلا إذا أعطي خمسة دنانير ، وكان الأب فقيرا ، فترك ولده ملقي علي شط الخليج ،

ص: 137

حتي أكلت الكلاب رجليه ، فبلغ السلطان ذلك ، فضرب الوالي ( بدائع الزهور 40/2 ) .

وفي السنة 824 ادعي رجل من اهالي الصعيد بمصر ، اسمه عرام ، النبوة ، وزعم إنه رأي فاطمة الزهراء عليها السلام ابنة النبي صلوات الله عليه ، وإنها أخبرته عن أبيها بأنه - أي عرام - سيبعث بعده ، وتبعه جماعة ، فأحضره القاضي عبد الرحمن بن عبد الوارث ، وضربه تعزيرا ، وحبسه وأهانه ، فرجع عن دعواه ، وتاب ( الضوء اللامع 91/4 ) .

وفي السنة 835 أحضر أمام قاضي مدينة دمشق ، شخص من قرية يلدار شهدوا عليه أنه قال : لا تجوز زيارة النبي صلوات الله عليه ، فأمر به فضرب ، ونودي عليه ( أشهر ) وحبس ، ثم أطلق ( حوليات دمشقية 21).

وفي السنة 835 قصد الحنابلة بدمشق ، رجلا شافعية ، فضربوه ، فقام جماعة من الشافعية ، وقصدوا الحنابلة ، وضربوهم ، وضربوا شيخهم عبد الرحمن المعروف بأبي شعر ، بحيث ألقوه علي الأرض ، فشكوا إلي النائب ، فنودي : أن الشافعية لا يتعرضون إلي الحنابلة ، ولا الحنابلة إلي الشافعية ( حوليات دمشقية 22 ) .

وفي شهر محرم من السنة 836 ضرب السلطان الأشرف برسباي ، سلطان مصر ، الأمير اقبغا الجمالي الاستادار عدة مقارع، ونحو ثلثمائة عصا، وجعل «الزنجير ، والحديد في رقبته ، وأنزله علي حمار الي بيت الأمير التاج ( تاج الدين ) والي القاهرة ، ليعاقبه ( يعذبه ) علي المال ( حوليات دمشقية 40 و41).

وفي السنة 838 ضرب الوزير الصاحب الأستادار كريم الدين ، بالمقارع، وقد عري من ثيابه ، زيادة علي مائة شيب ، ثم ضرب علي أكتافه بالعصي ، ضربا مبرحا ، وعصرت رجلاه بالمعاصير ، ثم أنزل من سجنه

ص: 138

بالقلعة ، وأركب بغلا ، ومضي به الأعوان الموكلون به إلي بيت والي القاهرة ، ليؤدي ما صودر عليه ، فشرع في بيع موجوده ، وأفرج عنه بعد أن حمل عشرين ألف دينار للسلطان ، وضمنه جماعة من الأعيان في سداد الباقي ( حوليات دمشقية 122 و 124).

وفي السنة 838 تغير السلطان علي سعد الدين ابراهيم ناظر الخاص وأمر به فبطح علي الأرض ، وضرب ضربا مبرحا ، وسبب ذلك إن السلطان ألزمه بأن يلي الوزارة فامتنع ( حوليات دمشقية 121 و122).

وفي السنة 839 حضر رسول شاه رخ بن تيمورلنك إلي القاهرة ، ومعه كتاب من شاه رخ إلي السلطان الأشرف برسباي ، يطالبه بأن تضرب السكة باسم شاه رخ ، وأن يخطب له علي المنبر ، وأحضر الرسول خلعة ليلبسها السلطان علي اعتبار كونه نائبا لشاه رخ ، فغضب السلطان ، وأمر برسول شاه رخ فضرب ضربا مبرحا ، وألقي في بركة ماء ، وكان يوما شديد البرد ، ثم أنزل هو وأصحابه ، ورسم بنفيهم ، فساروا في البحر الي مكة ، وحجوا ( حوليات دمشقية 163).

وكان القاضي عبد المعطي بن محمد الريشي ، نائب القاضي الحنفي بالقاهرة (ت 833 ) يصفع من يتحاكم إليه ، ويرسل لمن يريد إهانته من بياض الناس ، من يقوم بصفعه ، ورفع إليه بالقاهرة ، شاب اتهم بأنه فسق بصبي ، فأمر من بحضرته من الفعلة ، أن يفسقوا به قصاصا بزعمه لما صنع ، فلما بلغ نائب الاستادار ذلك ، أحضره ، وضربه ، واجتمع عليه العوام فصفعوه ، فلما حضر الاستادار ، وعلم بالقصة ، أحضره أمام القضاة الأربعة ، وطرحه وضربه سبعمائة عصا ، وحصل له من الناس صفع عظيم ، ثم بلغ خبره إلي السلطان فأحضره ، وضربه بالمقارع، وحبسه مدة طويلة ( الضوء اللامع 82/5).

وفي السنة 842 في أيام الظاهر جقمق ، امتحن القاضي أبو البقاء

ص: 139

محمد بن عبد العزيز بسيب جارية أفسدها عبده ، فجر ذلك إلي إهانته، وضربه ، واشهاره علي حمار ، وفي عنقه باشه ( الضوء اللامع 63/8 ).

وفي السنة 843 انعقد مجلس شرعي ، للقضاة والعلماء ، للنظر في التهم الموجهة إلي الفقيه بدر الدين الحسن بن الحسين الحسيني ، وهي الزندقة والاستهزاء بالشريعة ، وارتكاب الكبائر ، وأمر القاضي الحنفي بحبسه ليبين أسباب طعنه في الشهود ، فقاسي في توجهه إلي الحبس من الإهانة والصفع ، وفي الجلسة الثانية ، أهين نفس الإهانة ، وضرب في المجلس أربعين سوطا، وأعيد إلي الحبس ، ثم سكنت القضية ( الضوء اللامع 99/3 ) .

وفي السنة 844 جرت مناظرة بين شهاب الدين الشهرزوري ، وبين حميد النعماني ، من ذرية الإمام أبي حنيفة ، فاعتدي شهاب الدين علي النعماني ، وذكر جده بسوء ، وبلغ السلطان ذلك ، فأمر به فاعتقل ، وسجن بالبرج ، ثم أحضر أمام السلطان ، وضرب ثمانين مقرعة ، ثم أمر بنفيه ( الضوء اللامع 242/1 ).

وفي السنة 851 توفي السلطان شاہ رخ بين تيمورلنك ، وكان قد تسلطن بعد وفاة ابن أخيه ، الذي خلف جده تيمورلنك ، وهو خليل بن أميران شاه ، وكان شاه رخ، قد نذر أن يكسو الكعبة ، فلما تسلطن كتب إلي سلطان مصر الأشرف برسباي ، يستأذن منه في أن يكسو الكعبة ، فأبي الأشرف ، وترددت الرسل بينهما، ثم أرسل إليه جماعة ذكر أنهم أشراف وعلي يدهم خلعة له، فاشتد غضبه من ذلك، وجلس بالاسطبل السلطاني ، واستدعي بهم، ثم أمر بالخلعة فمزقت ، وضربهم ضربا شديدا ، حتي أشرف عظيمهم علي الهلاك ، ثم أمر بهم فألقوا مندسين في فسقية ماء بالاسطبل ، والأوجاقية ممسكين بارجلهم يغمسونهم في الماء ، حتي أشرفوا علي الهلاك ، والسلطان يسب مرسلهم جهارة ، ويحط من قدره ، مع مزيد تغير لونه ، لشدة حنقه ، ثم قال لهم ، وقد أحضروا بين يديه : قولوا لشاه رخ ،

ص: 140

إن الكلام الكثير لا يصلح إلا من النساء ، وكلام الرجال ، لا سيما الملوك ، إنما هو فعل ، وها أنا قد أبدعت فيكم كسرا لحرمته ، فإن كانت له مادة وقوة ، فليتقدم ( الضوء اللامع 297/3 ).

وفي السنة 866 تولي مجد الدين يعقوب بن منقورة ، نظر الدولة ، فلم يلبث سوي ثلاثة أيام ، وضربه السلطان ضربا مبرحا كاد يموت منه ، ووضعه في الحديد ، وسلمه للوالي علي أن يؤدي مالا عظيمة ، آل أمره فيه إلي ثلاثة آلاف دينار باع فيها تعلقاته وأثاثه وأقترض وصار مثلة ( الضوء اللامع 287/10)

وفي السنة 871 قتل الأمير تمراز الجركسي ، بناء علي حكم صدر عليه من القاضي بالقتل قصاصأ لأنه ضرب شخصا فمات ، فقتل بالمرقب ( الضوء اللامع 36/2 ).

وفي السنة 873 مات شمس الدين محمد بن أبي الأهناسي الوزير ، وكان في أول ولاية الظاهر جقمق قد ضرب كاتبا من الكتاب ، فأصبح بعد الضرب ميتا ، فأحضره السلطان ، وضربه بحضرته بالمقارع، وأشهره ، ثم أرسل به إلي القاضي المالكي ، فعفا عنه بعض مستحقي الدم ، فحبس بسبب حق الباقين ، ثم أطلق ( الضوء اللامع 193/7 ).

وفي السنة 877 ضرب الشيخ بقر بن راشد ، شيخ عرب الشرقية ، ضربا مبرحا مرة بعد أخري ، فمات ( الضوء اللامع 17/3 ).

وفي السنة 880 غضب السلطان برقوق علي الوزير كريم الدين أبي الفضائل عبد الكريم وعلي أخيه فخر الدين عبد الرحمن ، فأمر بهما ، فألقيا علي الأرض ، وضربا ( الضوء اللامع 312/4 ).

وفي السنة 882 قبض سلطان مصر ، علي برهان الدين النابلسي ، وكيل بيت المال ، وأمر به فضرب أكثر من ألفين وستمائة عصا، وزاد في

ص: 141

العقوبة أن قلع أضراسه ، ودقها في رأسه ( بدائع الزهور 172/2 ) .

وفي السنة 882 أمر السلطان بابراهيم بن أحمد بن ثابت النابلسي ، الذي نصبه وكيلا له ، فأحضر وضرب بين يديه بالمقارع، ثم حمل الي الدوادار الكبير فضرب بين يديه كذلك ، حتي أشرف علي التلف ، ثم حمل من بيت الدوادار في قفص الي الجمالية ، فمات ( الضوء اللامع 11/1 ).

وفي السنة 896 مات عمر بن عبد العزيز الفيومي ، نصب نفسه وكيلا في الخصومات ( اسمه الآن المحامي ) فمنعه السلطان في السنة 889 بعد أن ضربه الضرب المبرح ، فامتنع ، ثم عاد ، فأعيد عليه الضرب المبرح بالمقارع في السنة 890 حتي كاد أن يموت ، وأمر بنفيه ، ومات في السنة 899 ( الضوء اللامع 93/6 ) .

وفي السنة 910 جري تعذيب القاضي بدر الدين ، كاتب الاسرار بالقاهرة ، وكان من جملة ماعذب به ، أن ضرب أولا أمام السلطان الغوري ، ثم عصر ، وأستمر في العذاب الشديد حتي مات ( الكواكب السائرة 176/1 ).

وفي السنة 911 أمر القاضي عبد البر الشحنة ، بتعزير الشاعر يوسف السلموني ، فضرب ، وأشهر علي حمار وهو مكشوف الرأس ، وسبب ذلك إن يوسف السلموني هجا القاضي معين الدين بن شمس وكيل بيت المال ، فشكاه إلي السلطان الغوري ، فقال له : إن وجب عليه في الشرع شيء فأبوه ، فقدمه إلي القاضي فعزره ( الكواكب السائرة 318/1 ).

وفي السنة 911 مات الشيخ العارف بالله الصوفي محمد بن سلامة الهمذاني ، من الضرب بالمقارع، ضربه الأمير طرباي راس نوبة ، وسبب ذلك انه تزوج بامرأة ، وكان لها ابن عم مغربي أراد الزواج امنها ولم ترده ، فذهب إلي الأمير ، وشكاها وزوجها، فأحضرهما الأمير وضربهما ،

ص: 142

بالمقارع، وجرسهما علي ثورين وأشهرهما في القاهرة ، فما وصل إلي باب المقشرة حتي مات ( شذرات الذهب 55/8 ).

وفي السنة 916 مات القاضي بدر الدين حسن ، كاتب أسرار القاهرة ، بعد أن صودر ، وحبس ، وضرب بحضرة السلطان الغوري ، وعذب بألوان أخري من العذاب إلي أن مات بقلعة مصر ( شذرات الذهب 74/8) .

وفي السنة 923 تبين لقاضي العثمانية ، بالقاهرة ، أن فقيها من نواب الشافعية ، زوج آمرأة لم تكمل انقضاء عدتها ، فأحضر الفقيه ، وضربه ضربا مبرحا ، ثم كشف رأسه ، وألبسه عليه كرشأ من كروش البقر بروثه ، وأركبه علي حمار بالمقلوب ، وأشهره في القاهرة ( بدائع الزهور 184/5 ).

وفي السنة 925 أمر ملك الأمراء بمصر ، نائب السلطان العثماني علي يونس الحلبي الأستادار ، « فبطح في الحوش ، وضرب ضربا مبرحا ، نحو ستمائة عصا ، فنزل إلي بيته وهو مبطوح علي حمار ، فأقام أياما ، ومات وقد نال منه الضرب ( بدائع الزهور 298/5 ).

وفي السنة 916 مات من الضرب محمد المغربي الديرني أمين المصبغة بحلب ، وكان بعض تجار الصابون اتهمه بخيانة ، فاستعان عليه بابرك الجركسي نائب القلعة ، فضربه ضربا مبرحا ، فمات تحت الضرب ، واضطرب المغاربة لأجل ذلك ، حتي كادوا لا يدفنونه حتي يأخذوا بثأره ( اعلام النبلاء 375/5 ).

وفي السنة 919 اتهم رجل بالقاهرة أنه زني بامرأة ، فأحضر أمام حاجب الحجاب ، فضربهما ، فأقرا بالزنا، ولما أحضرا أمام السلطان الغوري ، رجعا عن اقرارهما ، فعقد السلطان مجلسا جمع فيه العلماء ، فأفتي القاضي شمس الدين الزنكلوني ، وولده ، بصحة الرجوع عن الإقرار ، فغضب السلطان وأمر بالقاضي الزنكلوني وولده ، فضربا في المجلس حتي

ص: 143

ماتا تحت الضرب ، وأمر بالمتهمين بالزنا ، فشنقا بالقاهرة ( شذرات الذهب 119/8)

وفي السنة 930 أحضر أحمد باشا ، والي مصر الخارج علي الدولة ، جماعة من الأكابر والتجار ، وصادرهم ، وأمر بضربهم بالمقارع والكسارات ( الكواكب السائرة 157/1 ).

وفي السنة 930 أحضر أحمد باشا ، والي مصر الخارج علي الدولة العثمانية ، جماعة من أعيان اليهود ، وأمر بتعذيبهم بأنواع العذاب حتي مات بعضهم ، فقال له القاضي بدر الدين : هذا لا يحل ، فغضب ، وقال له : هذا منك توجع لليهود ، وأمر بضربه ( الكواكب السائرة 157/1 ).

وكان حسين بك ، كافل حلب للسلطنة العثمانية ، للمدة من 941 - 949 ظالم ، جائرة ، سفاحا للدماء ، وكان يكسر الأطراف ، ويحرق بالنار ، وبالمواد المحرقة ، ومن جملة ما صنع أنه أمر شخصا في حلب أن يزوج أخته من شخص لم يرضه ، فزوجها من غيره ، فغضب حسين بك ، وأمر باعتقال أخي البنت وأبيها، فاسترا، فأحضر عم البنت ، وأغلظ عليه بالكلام ، وضربه ضربا مبرحا ( اعلام النبلاء 199/3 ).

وفي السنة 967 عزل القاضي أحمد بن حامد ، عن قضاء حلب ، وكان عفيفة ، إلا أن فيه حدة ، مر فقير علي سجادته ، يوم الجمعة ، فأوجعه ضربة ، وغضب علي نائبه فضربه ، وغضب علي كاتبه فعض أذنه ( الكواكب السائرة 124/3).

وخرج القاضي محمد افندي بن العلامة المفتي أبي السعود ، وكان قاضي القضاة بدمشق ، في يوم عيد علي فرس ، فلما مر علي باب دار الإمارة ، كان طبل الوالي يضرب ، فنفرت فرس القاضي ، فأمر القاضي بتخريق الطبل ، وبلغ الخبر الوالي أمير الأمراء أحمد باشا ، فأمر بقطع ذنب

ص: 144

فرس القاضي ، وأن يضرب أصحابه ، فضربوا ضربا مبرحا ، وقدم الوالي إلي السلطان العثماني شكوي علي القاضي ، وقدم القاضي شكوي علي الوالي ، فنقل الوالي من دمشق إلي سيواس ، ونقل القاضي إلي حلب ، وذلك في زمن السلطان سليمان ( 926 - 976) ( تراجم الأعيان 189/1 ).

ولما عاد سليمان باشا الخادم ، من حملته ضد البرتغال خائبا ، مر بمكة ، وظلم الناس فيها ، حتي إنه جلس بالمسجد الحرام ، وأحضر رجلا من الروم صوفيأ ، يقال له موسي ، وينبز : قزل آشك ، وأمر بأن يضرب بالعصا ، فقال له : هذا بيت الله الحرام ، لا يضرب فيه أحد ، فأمر بإخراجه خارج المسجد الحرام ، حيث ضرب هناك ( البرق اليماني 89).

وفي السنة 1019 قتل السيد نور الله التستري الحسيني ، بمدينة لاهور ، ولاه السلطان أكبر شاه قضاء القضاة بلاهور ، واشترط عليه أن لا يخرج في أحكامه عن المذاهب الأربعة ، وكان القاضي من علماء الإمامية ، والظاهر أنه حكم وفق مذهبه ، فأمر به السلطان أكبر شاه، فقتل ضربا بالسياط . ( الاعلام 30/9 ) .

وفي السنة 1021 ضرب الشيخ محمد بن البيطار ، إمام جامع منجك بدمشق ، ضربا مات من بعده ، وسبب ذلك إن محمد باشا بن سنان باشا ، نائب السلطان بدمشق ، جاء في بعض الليالي الي جامع منجك ، ليزور الشهداء داخل الجامع ، فطرق له باب الجامع ، فأجاب الشيخ بعد حين بعنف ، وصاح : من الطارق في هذا الوقت ؟ فقيل له : الوزير ، وكان محمد باشا جبارة ، فلما فتح الباب أمر به فضرب ضربا مبرحا ، فمات من الضرب ، وكانت سنه 84 سنة ( خلاصة الأثر 294/4 ).

وفي السنة 1114 نصب بالقاهرة الأمير علي أغا في «أغاوية مستحفظان ، فقام بتسعير المواد الغذائية ، وأخذ يشق الأسواق وأمامه القابجية

ص: 145

والملازمون والوالي وأمين الإحتساب والجاويشية ونائب القاضي ومعه كيس جوخ مملوء عكاكيز شوم علي كتف قواس ، وفي أول يوم ضرب اثنين قبانية ، وثلاثة زيانين ، وجزارين لحم خشن ، ومات الستة من الضرب ، وكان لا يقبل رشوة ، وكل من وجده عاملا علي خلاف الشرط ، يبطحه ، ويضربه بالمساوق الشوم ، حتي يتلف أو يموت ، وغالب من ضربه لم يعش ( تاريخ الجبرتي 163/1- 165).

وفي السنة 1181 اتفق علي بك بلوط قبان ، شيخ البلد بالديار المصرية ، مع أتباعه محمد بك أبو الذهب وأيوب بك علي قتل الأمير حسن بك جوجو ، وحضر حسن بك عند علي بك ومعه علي بك جن علي ، فجلسا عنده حصة من الليل ، وقاما ليذهبا ، فركبا وركب معهما محمد بك أبو الذهب وأيوب بك ، فلما صاروا في الطريق خلف جامع قوصون ، سحب محمد بك وأيوب بك سيفيهما ، وقتلا حسن بك وعلي بك ، وعادا إلي سيدهما ( الجبرتي 322/1 ).

وفي السنة 1182 قبض الأمير علي بك بالقاهرة علي المعلم إسحاق اليهودي ، معلم الديوان ، وأخذ منه أربعين ألف محبوب ذهب ، وضربه حتي مات ( الجبرتي 363/1 ).

وفي السنة 1182 قبض الأمير علي بك بالقاهرة علي الشيخ أحمد الكتبي ، المعروف بالسقط ، « وضربه علقة قوية ، وأمر بنفيه إلي قبرص ، فلما نزل إلي البحر الرومي ذهب إلي إسطنبول ، وكان الشيخ أحمد من دهاة العالم يسعي في القضايا والدعاوي ، ويحيي الباطل ويبطل الحق بحسن سبكه وتداخله ( الجبرتي 363/1 ).

وفي السنة 1187 اشتد ظلم الوزير عمر باشا والي بغداد، حتي إنه قبض علي جماعة من أهل الكاظمية ، وعذبهم بالضرب بالعصي ، حتي مات واحد

ص: 146

منهم ، وكانت العاقبة ، أن عزل عمر باشا ، ثم قتل ( تاريخ العراق للعزاوي 52/6)

وفي السنة 1190 هجم الإنكشارية بحلب ، علي السيد حسين أغا صاري كوله اوغلي ، سردار حلب سابقا ، وضربوه ، وضربوا جماعته ، وخربوا بيته ، وأحرقوه ، فمات السيد حسين بعد ثلاثة أيام ( اعلام النبلاء 350/2)

وفي السنة 1191 قبض الأغا بالقاهرة علي إنسان شريف ، من أولاد البلد ، يسمي حسن المدابغي ، وضربه حتي مات ( الجبرتي 498/1 ) .

وفي السنة 1191 أحضر الأمير مراد بك بالقاهرة ، شخصا من أتباع الأمير يوسف بك ، اسمه سليمان كاشف ، « وضربه علقة بالنبابيت » ( الجبرتي 498/1 ) .

وفي السنة 1190 قبض إبراهيم بك شيخ البلد بالديار المصرية ، علي إبراهيم أغا بيت المال ، المعروف بالمسلماني ، وضربه بالنبابيت حتي مات ، وأمر بالقائمة في بحر النيل ( الجبرتي 551/1 ).

وفي السنة 1214 لما استعرت الحرب بين الجيش الافرنسي ، وبين المماليك وأهل القاهرة ، وظهر استعلاء الفرنسيس ، تدخل جملة من المشايخ ، وسعوا في المصالحة ، وراجعوا القائد الافرنسي ، ثم عادوا إلي أصحابهم ، وحدثوهم في أمر الصلح ، فقام الانكشارية والعامة علي المشايخ ، وسبوهم ، وشتموهم ، وضربوا الشيخ الشرقاوي والسرسي ، ورموا عمائمهم ، وأسمعوهم قبيح الكلام ، وصاروا يقولون : هؤلاء المشايخ ارتدوا ، وعملوا فرنسيس ، ومرادهم خذلان المسلمين ، وإنهم أخذوا دراهم من الفرنسيس ( الجبرتي 335/2 )،

وفي السنة 1214 لما استعرت الحرب بين الجيش الافرنسي ، وبين

ص: 147

المماليك وأهل القاهرة ، حصر الجيش الافرني بولاق ، وقبض علي البشتيلي ، الذي كان يحرض علي الحرب ويحول دون الصلح ، وعثر القائد الافرنسي علي رسالة من البشتيلي إلي عثمان كنخدا ، قال فيها: إن الكلب دعانا إلي الصلح ، فأبينا ، فلما قبض عليه القائد الافرنسي ، أسلمه إلي العصبة التي كانت تحت إمرته من العامة ، وكانوا قد اعترفوا بأنه هو الذي كان يحرضهم علي الإستمرار في الحرب ، فأمرهم بأن يباشروا قتله بأيديهم ، فطافوا به البلد ، ثم قتلوه ضربا بالنبابيت ( الجبرتي 339/2 ).

وفي السنة 1215 لما سكنت الحرب بين الجيش الأفرنسي ، وأهالي القاهرة ، قبض الفرنسيس علي الشيخ السادات وألزموه بأداء غرامة ثقيلة ، واعتقلوه ، وأعتقلوا معه زوجته ، وكانوا يضربونه في كل يوم، بمحضر من زوجته، خمس عشرة عصا في الصباح ، ومثلها في الليل ، وكلما ضربوه كانت زوجته تبكي وتصيح ، ثم شفع فيها المشايخ ، فنقلت إلي بيت الشيخ الفيومي ، وأستمر زوجها في الإعتقال والمطالبة ( الجبرتي 348/2 ) .

وفي السنة 1215 هاج بعض أهالي طنتدا علي الفرنسيس ، وصاحوا بهم : نصر الله دين الإسلام ، وهاجوا ، وماجوا ، ولقلقت النساء بألسنتهن ( زغردن ) ، وضربوا الفرنسيس وجرحوهم ، وطردوهم ، فذهبوا ، وعادوا بجميع عسكرهم ، واعتقلوا آل الخادم ، وقرروا عليهم غرامة ، وأطلقوهم الجمعها ، وحجزوا كبيرهم مصطفي الخادم ، وفي كل وقت كانوا ينوعون عليه العذاب ، والضرب حتي علي كفوف يديه ورجليه ( الجبرتي 353/2 ).

وفي السنة 1216 قبض الأمير محمد باشا أبو مرق علي مقدمه مصطفي الطاراتي، «وضربه علقة ، وحبسه ، وأخذ منه خمسة عشر ألف ريال ، مع بقائه معتقلا ، وكان مصطفي الطاراتي هذا ، قد تقدم عند بونابارته (نابليون بونابرت ) ثم عند كلهبر (كليبر) ثم تعلق بخدمة يعقوب القبطي ، وتولي أمر اعتقال المسلمين وحبسهم وعقوبتهم وضربهم ، فكان يجلس علي الكرسي ،

ص: 148

وقت القائلة ، ويأمر أعوانه بإحضار أفراد المحبوسين من التجار وأولاد الناس ويسبهم ويأمر بهم فيبطحونهم ويضربونهم بين يديه ( الجبرتي 490/2 ، 491 ) ثم إنه فر من الإعتقال ، ولما أعيد اعتقاله قتل ، وترك مرميا تحت الأرجل ثلاث ليال ( الجبرتي 500/2)

وفي السنة 1216 قبض الفرنسيون بالقاهرة علي رجل ظنوه جاسوسة ، فأحضروه عند قائمقام ، فسألوه ، فلم يقر بشيء ، فضربوه عدة مرار ، حتي ذهل عقله ، وصار كالمختل ، وكرروا عليه الضرب والعقاب ، وضربوه بالكرابيج علي كفوفه ووجهه ورأسه ، حتي قيل إنهم ضربوه نحو ستة آلاف كرباج ، ثم أودعوه الحبس ( الجبرتي 469/2 ) .

وفي السنة 1216 (1801 م ) خرجت من الجزائر ، فركاطة ( سفينة حربية ) بقصد الغزو ، ورئيسها الحاج علي ططار ، فرأي يوما من الأيام مركبة ، فجعل له إشارة ليأتيه ، فلما رأي الإشارة هرب ، فزاد إشارة أخري ، فزاد في الهرب ، فضربه بكورة مدفع ، فرقد المركب ، وجاء رئيسه في زورق ، فلما طلع سأله عن جنسه ، فقال له : فرنسيس ، فقال له : لماذا هربت ؟ فاعتذر له ، فأمر به ، فربطوه الي مدفع ، وضربه مائتي سوط ، ثم أطلقه ، فمات من الضرب ( مذكرات الزهار 68 ).

وفي السنة 1217 فرض خورشيد باشا ، حاكم الإسكندرية ، بالقطر المصري ، ضرائب جديدة علي الباعة والمحترفين ، فلما علم بها الإنكليز الذين في الاسكندرية ، أحضروا مناديا وأمروه بأن ينادي بإبطال تلك الضرائب ، فخرج المنادي ، ونادي بإبطال تلك الضرائب ( حسبما رسم الوزير محمد باشا والحاكم خورشيد أغا، فسمعوا ما قاله ، وأحضروه ، وضربوه ضربة شديدة ، وأمروه أن ينادي بأن هذا الإلغاء « حسبما رسم ساري عسكر الإنكليز » ( الجبرتي

534/2 ) .

ص: 149

وفي السنة 1217 مر الأمراء المماليك بمنية بن خصيب ، وطلبوا من حاكمها سليم كاشف أن ينتقل منها ، وأن يتركها لهم ليقيمون فيها أياما ويقضون أشغالهم ، فأمتنع ، فحصروه فيها ، فقاومهم أربعة أيام ، ثم اقتحموا عليه البلدة ، وقتلوا أهلها ، ومن كان بها من العسكر ، وأسروا حاكمها سليم كاشف ، فأحضروه أمام إبراهيم بك رأس المماليك ، فوبخه ، وأمر بضربه ، فضربوه « علقة بالنبابيت » ( الجبرتي 556/2)

وفي السنة 1217 حضر إلي الإسكندرية قليون ، وفيه تجار وبزرجانية ، يقال له : قليون مهردار الدولة ، فأرسي بالمينة الغربية ، وطلع منه قبطان وبعض التجار إلي البلدة ، وأقام نحو يومين أو ثلاثة ، فطلع رجل نصراني وأخبر الانكليز أنه مات به رجل بالطاعون ، ومات قبله ثلاثة أيضا، فطلبوا القبطان فهرب ، فأرسلوا إلي المركب وأحضروا اليازجي ، وتحققوا القضية ، وأحرقوا المركب بما فيها، وأشهروا اليازجي ، وعوه من ثيابه ، وسحبوه بينهم في الأسواق ، وكلما مروا به علي جماعة من العثمانية مجتمعين علي مصاطب القهاوي ، بطحوه بين أيديهم ، وضربوه ضربا شديدا ، ولم يزالوا يفعلون به ذلك ، حتي قتلوه ( الجبرتي 533/2 ).

وفي السنة 1218 كان للجرار عصبة من الأكراد بدمشق ، يرأسهم الشيخ طه الكردي ، يعذبون الخلق أنواع العذاب ، ويسلبونهم أموالهم ، ولم يكن يمر يوم دون أن يقبض علي أربعة أو خمسة ، من أرباب الوجاهة والثروة ، يسجنون في سجن القلعة ، ويعذبهم الأكراد الموفدون من قبل الجزار ، بالكماشات والحديد والعصي ، إلي أن يشرفون علي الموت ( خطط الشام 19/3 ).

وفي السنة 1219 حضر إلي القلعة بالقاهرة ، يوسف أفندي ، الذي عزل عن نقابة الأشراف ، وتكلم كلاما ( سيئا ) في حق الباشا ، فقبض عليه صالح أغا قوش ، وضربه ضربا مبرحا ، وأهانه إهانة زائدة ، وأنزلوه آخر

ص: 150

النهار ، وحبسوه ببيت عمر افندي النقيب ( الجبرتي 3/ 44) . :

وفي السنة 1219 ركب والي القاهرة العثماني ، وشق من وسط المدينة فمر علي سوق الغورية ، وأنزل شخصا من أبناء التجار ، وكان يتلو القرآن ، فأمر الأعوان ، فسحبوه من دكانه ، وبطحوه علي الأرض ، وضربوه عدة عصي من غير جرم ولا ذنب ، ثم تركه وسار إلي الأشرفية ، فأنزل شخصا من حانوته ، وفعل به مثل ذلك ( الجبرتي 648/2 ).

وفي السنة 1221 توفي الأمير محمد بك الألفي المرادي ، بالديار المصرية ، ومما يؤثر عنه إنه دخل مرة في أول أمره علي الأمير علي أغا التوكلي ، وتشفع عنده في أمر، فقبل رجاءه ، ثم نكث ، فحنق منه ، واحتد ، ودخل عليه في داره يعاتبه ، فرد عليه الأمير علي أغا بغلظة ، فأمر الألفي الخدم بضربه ، فبطحوه ، وضربوه بالنبابيت ، ضربا مات منه بعد يومين ( الجبرتي 148/3 ).

وفي السنة 1223 قبض محو بك ، كاشف البحيرة ، بالديار المصرية ، علي السيد حسين نقيب الأشراف بدمنهور ، وأهانه ، وضربه ، وصادره ، وأخذ منه ألفي ريال ، بعد أن حلف إنه إن لم يأت بها في مدة أربع وعشرين ساعة فسوف يقتله ، فوقع في عرض النصاري المباشرين ، فدفعوها عنه حتي تخلص ، وكذلك قبض علي رجل من التجار ، وقرر عليه جملة كثيرة من المال ، فدفع الذي حصلته بده ، وبقي عليه ما قرره عليه ، فلم يزل في حبسه حتي مات تحت العقوبة ، فطلب أهله رمته ، فحلف لا يعطيها لهم حتي يكون ابنه في الحبس مكانه ( الجبرتي 243/3 ) ولم يلبث الباشا ( محمد علي ) أن غضب علي محو بك ، ونفاه إلي أبي قير وصادر أمواله ( الجبرتي 3/ 245 ).

وفي السنة 1228 فرض محمد علي باشا، علي حسين افندي الروزنامجي ، مصادرة قدرها2500 كيس ، فباع حصصه وأملاكه وادر

ص: 151

مسكنه ، ولم يوف إلا خمسمائة كيس ، فطالب الباشا بالباقي ، فقال : لم يبق عندي شيء، وقد بعت التزامي وأملاكي وبيتي وتداينت من الربويين حتي وفيت خمسمائة كيس ، فحنق منه ، وسبه ، وقبض علي لحيته ، ولطمه علي وجهه ، وجرد السيف ليضربه ، فترجي فيه الكتخدا والحاضرون ، فأمر به فبطحوه ، وأمر القواسة الأتراك بضربه ، فضربوه بالعصي المفضضة التي بأيديهم ، بعد أن ضربه هو بيده عدة عصي ، وشج جبهته ، ثم أقاموه ، وألبسوه فروته ، وحملوه وهو مغشي عليه ، وأركبوه حمارة ، وأحاط به خدمه وأتباعه حتي أوصلوه الي منزله ، وأرسل معه جماعة يلازمونه ، ولا يدعونه يدخل إلي حريمه ولا يصل إليه أحد، ثم حمل إلي القلعة وسجن وأخوه عثمان افندي ( الجبرتي 401/3 ) .

وفي السنة 1228 قبض إبراهيم بك بن محمد علي باشا ، بالصعيد من مصر ، علي قاسم افندي بن أمين الدولة ، كاتب الشهر ، وضربه «علقة قوية » ، وكان قاسم افندي خصيصا به مثل الوزير والصاحب ، والنديم (الجبرتي 392/3 ).

وفي السنة 1231 قبض كتخدا بك بالقاهرة ، علي المعلم غالي رئيس الكتاب وأمر بحبسه ، وحبس معه أخوه فرنسيس وخازنداره المعلم سمعان ، وطولب المعلم غالي بستة الاف كيس ، ثم أحضرهم وضرب فرنسيس ، ثم أمر الكتخدا بضرب المعلم غالي ، فقال : وأنا أضرب أيضا ؟ فقال له الكتخدا : نعم ، وضربوه علي رجليه بالكرابيج ، وكرروا عليه الضرب ، وضرب المعلم سمعان ألف كرباج حتي أشرف علي الهلاك ، ثم أفرج عن فرنسيس وعن سمعان ليتداركا المبالغ المطلوبة من المعلم غالي ، فهلك سمعان ، ورفع الضرب عن المعلم غالي وأخيه كي لا يموتا ( الجبرتي 502/3)

وفي السنة 1231 حصل في الناس لغط وانزعاج ، ونقل أصحاب

ص: 152

الحوانيت بضائعهم منها فحضر كتخدا بك إلي سوق الغورية ، وجلس بالمدفن ، وأمر بضرب شيخ الغورية ، فبطحوه علي الأرض في وسط السوق ، وهو مرشوش بالماء ، وضربه الأتراك بعصيهم ، ثم ركب ومر في طريقه علي خان الحمزاوي ، وطلب البواب ، فلما مثل بين يديه ، أمر بضربه كذلك ، وضرب أيضا شيخ مرجوش ( الجبرتي 5ظ515/3)

ولما توفي علي باشا ، أمير الجزائر ، في السنة 1233 ( 1817 م) تسلل صهره السيد الحاج مصطفي بن الشيخ مالك ، الي الوزير الثالث حسين خوجة الخيل ، وأخبره بموت الباشا، وأخذه إلي دار الملك ، وأجلسه علي السرير ، ووقف علي رأسه بسيفه ، وقال للحاشية ورجال الدولة : إن علي باشا ، قد أوصي بالإمارة لحسين باشا، فبايعوه جميعا، ولما تم أمر حسين باشا ، اعتقل الحاج مصطفي ، وابن أخيه ، وطالبهما بأموال علي باشا ، وبسط عليهما العذاب بالسياط ، حتي أصبحا في آخر رمق ، فأطلقهما ، وأمر بحملهما إلي داريهما ، فماتا في الطريق ( مذكرات الزهار 142).

وفي السنة 1261 أمر المهدي صاحب اليمن ، بضرب الحكيم اليماني محمد بن صالح الصنعاني ، من مجتهدي الزيدية ، فضرب بالجريد ، ونفي إلي كمران ( الاعلام 33/7 ).

وفي السنة 1247 لما عزل داود باشا، وولي بغداد علي باشا اللاز ، انتصب لظلم الناس إثنان : الملا علي الخصي ، ومحمد الليلاني ، وبلغ من قسوتهما أنهما عذبا النساء ، حتي أنهما ضربا زوجة رضوان أغا ، وقد قتل ، بالفلقة ( تاريخ بغداد للعزاوي 13/7 ).

وفي السنة 1267 أخذ ظاهر المحمود شيخ عشيرة زوبع ، وكريدي شيخ الخزاعل، وآخرون رؤساء معهما ، وسفروا إلي اسطنبول ، فأراد ظاهر أن يهرب في الطريق ، وأحس به الموكلون به ، فضربوه ضربة موجعا ( تاريخ العراق للعزاوي 90/7 ) .

ص: 153

وفي السنة 1268 كان الوزير نامق باشا، والي العراق ، في موكبه في السوق ، ذاهبة لصلاة الجمعة ، فصادف وجود صيرفي شامي من تبعة فرنسا في الطريق راكبا ، فلم يترجل للوالي ، فأمر الوالي الجندرمه ، فأنزلوه من حصانه ، وضربوه ضربة موجعة ، بكعوب بنادقهم حتي أسالوا منه الدماء ( تاريخ العراق للعزاوي 99/7 ) .

وفي السنة 1327 اعتقل السلطان عبد الحفيظ ، صاحب المغرب ، الفقيه أبا عبد الله محمد بن عبد الكبير الكتاني ، وحبسه ، لأنه لما بايعه اشترط عليه أن يتقيد بالشوري ، ولما حبسه حبس معه جميع أفراد عائلته حتي النساء والصبيان ، ثم أمر بجلد الفقيه ، فجلد ، وحمل إلي فاس الجديدة ، فمات فيها ( الاعلام 83/7 ) .

وفي السنة 1340 توفي الشيخ علي المقداد ، من خصوم الترك في اليمن ، قبض عليه الأتراك ، وربطوه بعجلة مدفع ، وأهانوه ، وكسروا يده ، فخاصم الترك ثلاثين عاما يقاتل جيوشهم ، ويغزو مراكزهم حتي مات ( الاعلام 175/5 ) .

ص: 154

طرائف عن الضرب

كان نعيمان الصحابي مزاحا ، ومر ذات يوم بمخرمة بن نوفل الزهري ، وهو ضرير ، في المسجد ، فقال مخرمة : خذ بيدي حتي أبول ، فأخذ بيده ، حتي إذا كان في أقصي المسجد، قال له : اجلس ، فجلس يبول ، فصاح به الناس : يا أبا المسور ، إنك في المسجد ، فقال : من قادني ؟ قالوا : نعيمان ، فقال : الله علي ، لأضر بنه بعصاي هذه ، فجاء إليه نعيمان ، وقال له : يا أبا المسور هل لك في نعيمان ؟ قال : نعم ، فأخذ بيده حتي أوقفه علي عثمان بن عفان ، وهو خليفة ، وتنحي عنه ، فرفع مخرمة عصاه وأهوي بها علي عثمان ، فصاح به الناس : ضربت أمير المؤمنين ، فقال : من قادني ؟ قالوا : نعيمان ، فقال : لا جرم ، لا تعرضت له أبدا ( المحاسن والمساويء 223/2 ) .

وجاء رجل إلي الإمام علي ، فقال : إن هذا زعم أنه أحتلم علي أمي ، فقال : أقمه في الشمس ، وأضرب ظله ( البصائر والذخائر 89/1/3)

وجلد صهيب المدني في الشراب ، وكان جسيما ، وكان الجلاد قصيرة قميئا ، فقال له : تقاصر لينالك السوط ، فقال له : ويلك ، إلي أكل الفالوذج تدعوني ؟ وددت أني أطول من عوج ، وأنت أقصر من يأجوج ومأجوج ( البصائر والذخائر598/2/2 ).

ص: 155

كان نعيمان الصحابي مزاحا ، ومر ذات يوم بمخرمة بن نوفل الزهري ، وهو ضرير ، في المسجد ، فقال مخرمة : خذ بيدي حتي أبول ، فأخذ بيده ، حتي إذا كان في أقصي المسجد، قال له : اجلس ، فجلس يبول ، فصاح به الناس : يا أبا المسور ، إنك في المسجد ، فقال : من قادني ؟ قالوا : نعيمان ، فقال : الله علي ، لأضر بنه بعصاي هذه ، فجاء إليه نعيمان ، وقال له : يا أبا المسور هل لك في نعيمان ؟ قال : نعم ، فأخذ بيده حتي أوقفه علي عثمان بن عفان ، وهو خليفة ، وتنحي عنه ، فرفع مخرمة عصاه وأهوي بها علي عثمان ، فصاح به الناس : ضربت أمير المؤمنين ، فقال : من قادني ؟ قالوا : نعيمان ، فقال : لا جرم ، لا تعرضت له أبدا ( المحاسن والمساويء 223/2 ) .

وجاء رجل إلي الإمام علي ، فقال : إن هذا زعم أنه أحتلم علي أمي ، فقال : أقمه في الشمس ، وأضرب ظله ( البصائر والذخائر 89/1/3)

وجلد صهيب المدني في الشراب ، وكان جسيما ، وكان الجلاد قصيرة قميئا ، فقال له : تقاصر لينالك السوط ، فقال له : ويلك ، إلي أكل الفالوذج تدعوني ؟ وددت أني أطول من عوج ، وأنت أقصر من يأجوج ومأجوج ( البصائر والذخائر598/2/2 ).

ص: 156

وأتي عبد الصمد بن علي ، بأناس من الشطار ، فأمر بضربهم وحلق رؤوسهم ولحاهم ، ففعل ذلك بهم ، وكان فيهم رجل سناط ، فقيل له : إن هذا ليست له لحية ، فهل نزيده في الضرب ؟ قال : لا ، ولكن أحلقوا لحية هذا الشرطي مكانه ( المحاسن والمساويء 154/2 ).

ودخل ابن هرمة علي المنصور العباسي ، فامتدحه ، وقال : حاجتي أن تكتب إلي عاملك بالمدينة ، أن لا يحدني متي وجدني سكرانة ، فقال : هذا حد ولا سبيل إلي إبطاله ، قال : مالي حاجة غير ذلك ، فأمر المنصور بأن يكتب إلي عامل المدينة ، من أتاك بابن هرمة وهو سكران ، فاجلده ثمانين ، وآجلد الذي جاء به مائة ، قال : وكان الشرطة يمرون به وهو سكران ، فيقولون : من يشتري ثمانين بمائة ، فيمرون ويتركونه ( تحفة المجالس للسيوطي 81) .

وكان زياد بن عبيد الله الحارثي ، واليا علي المدينة ، وكان فيه بخل وجفاء ، فاهدي إليه كاتب له سلالأ فيها أطعمة ، وقد تنوق فيها ، فوافته وقد تغذي ، فقال : ماهذه ؟ قالوا : غداء بعث به فلان الكاتب ، فغضب ، وقال : يبعث أحدهم الشيء في غير وقته ، يا خيثم ( بريد صاحب شرطته ) ، أدع لي أهل الصفة ، يأكلون هذا ، فبعث خيثم الحرس يدعونهم ، فقال الرسول الذي جاء بالسلال : أصلح الله الأمير ، لو أمرت بهذه السلال أن تفتح ، وتنظر ما فيها ، قال : أكشفوها ، فإذا طعام حسن من دجاج ، وفراخ ، وجداء ، وسمك ، وأخبصة ، وحلواء فقال : ارفعوا هذه السلال ، وجاء أهل الصفة ، فأخبر بهم ، فأمر باحضارهم ، وقال : يا خيثم ، إضرب كل واحد منهم عشرة أسواط ، فقد بلغني أنهم يفسون في مسجد رسول الله ، ويؤذون المصلين ( الاغاني 170/19 ونهاية الأرب 35/3 ) .

وروي الإمام الشافعي ، أنه كان بالمدينة وال ، وكان صالحا ، فقال : ما للناس لا يجتمعون علي بابي ، كما يجتمعون علي أبواب الولاة ، فقالوا :

ص: 157

لأنك لا تضرب أحدا ، ولا تؤذي الناس ، فصاح : علي بالإمام ، فنصب بين العقابين ، وأمر بضربه فضرب ، وأخذ يصيح : أيش ذنبي أعز الله الأمير ، والأمير يقول : جملنا بنفسك ، حتي اجتمع الناس علي بابه . ( معجم الأدباء 392/6)

وقصد رجل ، الخصيب بن عبد الحميد، عامل مصر ، مستميحا ، فلم يعطه شيئا ، فانصرف ، فأخذه أبو الندي اللص ، وكان يقطع الطريق ، فقال : هات ما أعطاك الخصيب ، قال : لم يعطني شيئا، فضربه مائتي مقرعة ، يقرره علي ما ظن أنه ستره عنه ، ثم قدم علي الخصيب بعد ذلك زائرة ، فلم يعطه شيئا ، فقال له : جعلت فداك ، تكتب إلي أبي الندي أنك لم تعطني شيئا لئلا يضربني . ( الملح والنوادر 201).

أقول : أبو الندي ، مولي بلي ، مصري ، خرج يقطع الطريق ، في السنة 191 في عهد ولاية الحسين بن جميل مصر (190 - 192) وكان أتباعه يبلغ عددهم الألف رجل ، وكان يقطع طريق الشام ، فوجه الرشيد يحيي بن معاذ في طلبه وعقد له علي الشام ، فأسره يحيي ، وقدم به الرقة علي الرشيد في السنة 192 ، فقتله الرشيد ( الطبري 323/8 و 339 والولاة للكندي 144,143).

قال أبو الحسن الهمداني : كان والدي إذا أراد أن يؤدبني ، بأخذ العصا بيده ، ويقول : نويت أن أضرب ابني تأديبا كما أمر الله ، وإلي أن ينوي ويتم النية ، كنت أهرب . ( المنتظم 100/9 ).

وكان صاحب ربع يتشيع ، فارتفع اليه خصمان اسم أحدهما علي ، واسم الآخر معاوية فأنحي علي معاوية ، فضربه مائة سوط من دون أن تتجه عليه حجة ، ففطن من أين أتي ، وقال : أصلحك الله ، سل خصمي عن كنيته ، فإذا هو أبو عبد الرحمن ، وهي كنية معاوية بن أبي سفيان ، فضربه

ص: 158

فقال لصاحبه ، ما أخذته مني بالإسم ، استرجعته منك بالكنية ( شرح نهج البلاغة 371/19 ) .

واختصم اثنان إلي أحد الولاة ، فلم يحسن أن يقضي بينهما، فضربهما معا ، وقال : الحمد لله ، إذ لم يفتني الظالم منها . ( أخبار الحمقي 93)

وعرض أبو خندف دوابه، فأصاب فيها واحدة عجفاء مهزولة ، فقال : هاتوا الطباخ ، فبطحه ، وضربه خمسين مقرعة ، ثم سأله : ما لهذه الدابة علي هذه الحال ؟ فقال له : يا سيدي ، أنا طباخ ، ماعلمي بأمر الدواب ؟ قال : بالله ، أنت طباخ ، فلم لم تقل لي ، إذهب الآن ، فإذا كان غدا ، إضرب السائس ستين مقرعة ، يفضل لك عشرون فطب نفسا ( اخبار الحمقي 97)

ومن طريف ما يذكر أن أبا العباس الحويزي ، رتب ناظرة في بعض الأعمال ، فظلم الناس ، وتعدي ، وكان كثير التهجد والصلاة ، وربما أتاه الأعوان ، فقالوا : لقد ضربنا فلان ضربأ عظيما ، ولم يؤد شيئا ، فيبكي ، ويقول : قطعتم علي وردي ، يا سبحان الله ، واصلوا عليه الضرب ، ثم يعود إلي ورده . ( الوافي بالوفيات 120/8 ).

و أقول : أبو العباس هذا ، أحمد بن محمد الحويزي ، عامل نهر ملك ، وثب عليه في السنة 550 ثلاثة نفر ، فقتلوه ، وكان ظالما ، يضرب الناس ، ويعلقهم ، وكان مع ظلمه كثير التلاوة للقرآن ، مع الظلم الخارج عن الحد ، فلما قتل ، جيء به إلي بغداد ، ودفن ، وحفظ قبره حتي لا تنبشه العوام ، فظهر بعده من سبه ولعنه أمر عظيم ( المنتظم 161/10 و162).

ص: 159

الفصل الثاني : الصفع

الصفع : ضرب القفا بالكف مبسوطة . والعامة البغداديون يسمونها : كفخة ، فصيحة ، وفي لبنان تسمي الصفعة : كفا .

والأصل في الصفع ، أن يكون للتأديب ، كأن يصفع القاضي من يخل بالاحترام الواجب نحو مجلس الحكم ( القصص 10/2 و 178/6 من كتاب نشوار المحاضرة للتنوخي ) ، وقد يرد لإجبار المكلف علي أداء الضريبة المتحققة عليه ( راجع القصة 4 30 من كتاب الفرج بعد الشدة للقاضي التنوخي ، تحقيق المؤلف ) وقد يرد لإلزام العمال المصروفين بسداد ما بذمتهم من الأموال الأميرية ( راجع القصة 21/8 من كتاب نشوار المحاضرة للتنوخي ) ، وقد يرد لإجبار من صودر علي أداء المبلغ الذي صودر عليه ( القصص 35/1 و 3/ 122 من كتاب نشوار المحاضرة للقاضي التنوخي )،وقد يرد من أجل استخراج الودائع ( تجارب الأمم 65/1 ) أو لتقرير مبلغ المصادرة ( تجارب الأمم 65/1) أو للإهانة والإيذاء ( تجارب الأمم 103/1 والمستظرف من أخبار الجواري للسيوطي ص 29 والقصة 250 من كتاب الفرج بعد الشدة للتنوخي ) .

وقد يرد عقابا للمدعي الذي عجز عن القيام بما ادعي ( مروج الذهب 510/2 و511 ) وقد يرد كذلك لإجبار المصفوع علي ترك عناده ( القصة 291 من كتاب الفرج بعد الشدة للتنوخي ، تحقيق المؤلف ) ، وقد يصفع

ص: 160

المتشدق المتقعر في كلامه ( الامتاع والمؤانسة 52/2 ) ، وكان الصفع أول ما يعاقب به العامل عند صرفه ومحاسبته ( نشوار المحاضرة للتنوخي ، رقم القصة 68/1و 21/8 ) كما كان متعارفة أنه إذا عزل الوزير ، اعتقل هو وأصحابه ، وضربوا ، وصفعوا ، وطالبوا بالأموال ( نشوار المحاضرة للتنوخي رقم القصة 35/1 و 133/1 ) ، ومما يبعث علي العجب ، أن المصانعة ، كانت في بعض الأوقات تتخذ سبأ من أسباب المداعبة بين الأخوان والخلان ، فقد ذكر التنوخي في القصة 304 من كتاب الفرج بعد الشدة ، إن جماعة من قواد المعتضد ، وأمرائه ، كانوا مشتهرين المصانعة ، مكاشفين بها ، وذكر أبو حيان التوحيدي ، في البصائر والذخائر 307/1 إنه سمع القاضي ابن سيار يقول : الصفع علي الريق ، أصلح من شربة سويق ، وسئل القاضي أبو بكر بن قريعة ، عن حد القفا، فقال لسائله : هو ما اشتمل عليه جربانك ، وشرطك فيه حجامك ، وداعبك فيه أخوانك ، وباسطك فيه غلمانك ، وأدبك فيه سلطانك (اليتيمة 238/2 وتاريخ بغداد للخطيب 320/2 ) ، ودخل أبو العيناء علي ابن منارة الكاتب ، وعنده أبو عبيد الله بن المرزبان ، فقال لابن منارة ، أحب أن أعبث بأبي العيناء ، فقال له : لا تفعل ، فأبي ، فلما جلس أبو العيناء ، قال له : يا أبا عبد الله ، لم لبست جباعة ؟ قال : وما الجباعة ؟ قال : التي بين الجبة والدراعة ، فقال له أبو العيناء : لأنك صفديم ، قال : وما الصفديم ؟ قال : الذي ما بين الصفعان والنديم ، فوجم ابن المرزبان ( الملح والنوادر للحصري 183 ، والبصائر والذخائر م 3 ق 1 ص 326) .

وروي التنوخي ، في القصة 98/2 من نشوار المحاضرة ، إنه كان بباب الطاق ، حذاء ماجن ، يسمي النعال بأسماء من جنس الصفعة ، علي سبيل الهزل ، فيقول : هذه صلعكية ، وهذه راسكية ، وهذه قفوية ،.

وجاء في القصة 119/8 من كتاب نشوار المحاضرة للتنوخي ، إن

ص: 161

راوي القصة ، ذكر إنه تطايب للقائد التركي ، وتصفع له ، وإن القائد دعا جماعة من أصحابه القواد ، فخرج عليهم في زي الصفاعنة ، وهي قصة بالغة الطرافة، راجعها في كتاب نشوار المحاضرة للتنوخي ( ج 8 ص 273 و 274 ).

وقد أدرجنا في هذا البحث ، ما ورد في كتاب الهفوات النادرة ، القصة رقم 219 ص 231 ، قصة أمير البصرة إسحاق بن العباس بن محمد ، لما قمر عشر صفعات ، فأحالها علي صاحب شرطته الذي طلب أن يكون صفع المداعبة والاخوان ، لا صفع العقوبة والسلطان .

ويتضح مما تقدم أن المصانعة ، في بعض الأوقات ، كان لها سوق رائجة ، وأن الصفع كان يقع علي سبيل المباسطة، ( معجم دوزي للألبسة ص 271 ، والقصة 166/1 من كتاب نشوار المحاضرة للقاضي التنوخي ) .

ولما استوزر علي بن عيسي للمقتدر ، في السنة 314، كان من جملة ما صنعه أن أسقط أرزاق الصفاعنة ( ابن الأثير 165/8).

وذكر التوحيدي ، في كتاب البصائر والذخائر 168/4 يقال : اذا رأيت رجلا خرج من عند الوالي ، وهو يقول : بيد الله فوق أيديهم ، فاعلم أنه قد صفع .

وكان صاحب القيروان ، زيادة الله بن عبد الله بن ابراهيم ، المعروف بابن الأغلب ، يكثر من شرب الخمر والمجون والفساد ، واتخذندامي يتصافعون أمامه ( فوات الوفيات 34/2 ).

واثبت ابن النديم في الفهرست ( ص 157 ) بحثا يتعلق بالفن الثالث من المقالة الثالثة ، اشتمل علي ما صنف من الكتب في أخبار الندماء والجلساء والادباء والمغنين والصفادمة والصفاعنة ، وكلمة الصفادمة ، استعملها أبو العيناء فيمن كان بين الصفعان والنديم ، فسماه صفديما، وقد أثبتنا قصة أبي

ص: 162

العيناء في موضعها، كما ذكر ابن النديم في الفهرست ( ص 170 ) ان الكتنجي ألف كتابا في الصفاعنة .

وذكر دوزي في معجم الألبسة العربية ( ص 271) انه اذا كان النوروز في مصر ، اجتمع العامة وتراشوا بالماء والخمر ، وتراشقوا بالبيض ، وتصافعوا بالخفاف ، قال الشاعر :

بداري رجال للجنون ترجلت**** عمائهم عن هامهم والطيالس

مساحب من جر الزقاق علي القفا**** وصفع بأنطاع جني ويابس

ونقل عن تاريخ مصر لابن اياس : إن السلطان برقوق رسم في السنة 787 بإبطال ما كان يعمل يوم النوروز بالديار المصرية ، وهو أول اليوم من السنة القبطية ، حيث كان العامة يجتمعون ، ويركبون شخصا منهم علي حمار ، وهو عريان ، وعلي رأسه طرطور خوص ، ويسمونه : أمير النوروز ، ويدورون علي بيوت الناس من الأكابر والأعيان ويطالبونهم بالأموال ، وكل من امتنع « بهدلوه ، وسبوه ، وكانوا يقفون بالطرقات ، ويتراشون بالماء والخمر ، ويتراشقون بالبيض ويتصافعون ( معجم دوزي 271 و 272 ).

وكان من جملة ما يمتحن به المتهم باتباع إعتقاډ حادث ، أن يؤمر بأن يصفع من اتهم باعتقاد عصمته ، فإن فعل نجا، وإن نكص ثبتت عليه التهمة ، وعلي هذا المثال جري التحقيق في قضية أبي جعفر محمد بن علي الشلمغاني المعروف ، بابن أبي العزاقر ، الذي قتل في السنة 322 فإنه اتهم بأنه قد أحدث مذهبا في التناسخ ، وادعي حلول روح الإله فيه ، وأحضر ، وأحضر معه بعض من اتهم بأنه من أتباعه ، وأمروا بصفعه ، فصفعه بعضهم ، فأطلق ، ومد أحدهم يده إليه ، فارتعد، ثم أهوي علي الشلمغاني ، فقبل الحيته ، ورأسه ، وكانت عاقبة ذلك ، أن صلبا معا ، ثم أحرقا بالنار . ( اين الأثير 290/8 و291).

ص: 163

كما كانت كلمة «واحدة» ، من دون إيضاح ، تدل علي الصفعة ، وذكر الخالدي إنه مدح سيف الدولة الحمداني بقصيدة ، كان فيها هذا البيت :

وأنكرت شيبة في الرأس ****واحدة فعاد يسخطها ما كان يرضيها

فأنكر أحد السامعين كلمة : واحدة ، حتي مع تعيين الموصوف ، وقال ينبغي أن يقول : بدل واحدة ، طالعة ، أو لائحة . ( الأذكياء 142).

وقال أبو بكر بن زهر ، عن ابن جهور : إن أعطي ، بلغة المشرق ، بمعني صفع وضرب ، وقد حدثت أنا عنهم ، أن الرجل اذا كلم الأخر بما لا يرضيه ، ثم انصرف عنه ، صاح الأخر في أثره ، أعطه ، بمعني إصفعه ( شرح المقامات الحريرية للشريشي 302/2 ).

أقول : الكلمة الآن عند البغداديين ، التي تؤدي معني الصفع ، في مثل هذا الموقف قوله : سوگه ، أي سقه .

وقال الأعمش : إذا رأيتم الشيخ لا يحسن شيئا فاصنعوه ( البصائروالذخائر م 2 ق 2 ص 443) .

وكان فرهاد باشا، الملقب ( صولي فرهاد ، أي الأعسر ، الذي ولي اليمن للعثمانيين في السنة 954 رجلا فاض ، أديبا ، يحسن إيراد النكتة ، ومما يؤثر عنه . إن أحد الظرفاء أنشد في مجلسه قول الشاعر :

وقالوا : المشيب وقار الفتي ****فقلت : أصفعوني وردواشبابي

فضحك فرهاد باشا ، وقال له : أما الأولي فنقدر عليها الأن ( يعني الصفع)، وأما الثانية فلا يقدر عليها الا الله تعالي ( البرق اليماني 102 و103).

وكان الأطباء البغداديون ، يستعملون الصفع ، لعلاج اللقوة ، بأن يصفع المصاب باللقوة ، صفعة شديدة ، علي غفلة ، من ضد الجانب

ص: 164

الملقي ، ليدخل قلب المصفوع ما يحميه ، فيحول وجهه ضرورة بالطبع إلي حيث صفع ، فترجع لقوته ( كتاب الأذكياء لابن الجوزي 176).

أقول : اللقوة ، تسمي الأن ببغداد : الشرجي ، يراد به الهواء الشرقي ، والمصاب باللقوة ، يقولون عنه : ضربه الشرجي ، وقد أدركت بعض العامة ببغداد ، وهم يعالجون من يصاب باللقوة ، بأن يبصق علي النعل ، ثم يصفع به وجه المصاب باللقوة ، وأحسب أن المقصود بذلك تحريك حرارة المصفوع وحدته ، لتعود عنه اللقوة ، علي غرار علاج من سبقهم من أطباء القرون الوسطي البغداديين .

وسبب تسمية البغداديين ، من أصيب باللقوة ، أنه : ضربه الشرجي ، لأنهم يحسبون أن اللقوة ، أي الاسترخاء ، في أحد شقي الوجه ، يحصل من الهواء الشرقي ، لأن الهواء الشرقي في العراق ، حار ، خانق ، مصدر لأنواع الأذي ، وما تزال إحدي الشتائم في العراق شائعة ، وهي قولهم : سليمه گرفته ، أو سليمه أخذته ، وكلمة : سليمه محرفة عن السلامي ، وهي ريح الجنوب ، أي الريح الشرقية ، قلبوا الألف ياء ، بالإمالة المعروفة عند البغداديين ( راجع كتابنا موسوعة الكنايات العامية البغدادية ج 2 ص 171 ).

والهواء الشرقي ( الجنوبي ) في البصرة والخليج أشد إزعاجا وأذي منه في بغداد ، وقد ذكر صاحب احسن التقاسيم ص (125) وصاحب معجم البلدان 647/1 أبياتا في هذا الموضوع ، لأحد الشعراء ، قال :

نحن في البصرة في لو****ن من العيش طريف

فإذا هبت شمال**** بين جنات وريف

وإذا هبت جنوب**** فكأنا في كنيف

وقدم أبو إسحاق الصابي البصرة ، وأقام بها أياما ، فضاق بالعيش فيها ذرعا ، وكتب إلي أصحابه ببغداد يقول : ( معجم البلدان 648/1 ).

ص: 165

لهف نفسي علي المقام ببغدا**** د وشربي من ماء كوز بثلج

نحن بالبصرة الذميمة نسقي**** شر سقيا من مائها الأترجي

أصفر منكر ثقيل غليظ**** خائر مثل حقنة القولنج

كيف نرضي بشر به وبخير**** منه في كنف أرضنا نستنجي

وكتب ابن الجباب إلي الرشيد بن الزبير ، يطلب منه أن يرعي خاله ابن الخلال في نكبة أصابته : ( وفيات الأعيان 223/7 ).

تسمع مقالي يا ابن الزبير**** فأنت خليق بأن تسمعه

بلينا بذي نسب شابك**** قليل الجدي في زمان الدعه

إذا ناله الخير لم نرجه ****وإن يصفعوه صفعنا معه

وشتم أعرابي ، عاملا علي بلد ، فقال له : صب الله عليك الصادرات ، يريد الصرف ، والصفع ، والصلب ، ( الأذكياء 93) .

وكان إبراهيم بن أبي بكر الجزري ، المعروف بالفاشوشة ، تاجرا بسوق الكتب بدمشق ، له فيها دكان كبير ، جاء إليه إنسان في أحد الأيام ، وقال له : هل عندك كتاب فضائل يزيد ؟ فقال له : نعم ، ودخل إلي الدكان ، وخرج وفي يده جراب عتيق ، وجعل يصفعه به علي رأسه ( الوافي بالوفيات 339/5)

أقول : قال صالح بن الإمام أحمد بن حنبل : قلت لأبي ، إن قوما يقولون إنهم يحبون يزيد ، فقال : يا بني ، وهل يحب يزيد أحد يؤمن بالله واليوم الآخر؟

ولد يزيد بالشام ، ونشأ بها في ظل والده الذي حكم الشام حكمة مستمرأ دام ما يزيد علي أربعين سنة ، فنشأ نشأة الأمراء الأرستقراطيين ، يشرب الخمر ، ويسمع الغناء ، ويمارس الصيد ، ويتخذ القيان ، ويتفكه بما يلهو به المترفون من اللعب بالقرود ، والمعافرة بالكلاب والديكة ( الاغاني

ص: 166

300/17 و 301 والبصائر والذخائر 266/4 وأنساب الأشراف ج 4 ق 2 ص 1 و 3) حتي وصفه أبو حمزة الخارجي ، بأنه : يزيد الخمور ، ويزيد الصقور ، ويزيد الفهود ، ويزيد الصيود ، ويزيد القرود ( السيادة العربية 143)، وكان تصرفه وهو ولي عهد ، يستره لين أبيه مع الناس ، فلما مات ، انكشفت أعماله للناس ، فلم يحتملها أحد منهم ، لقرب عهدهم بأيام الخلفاء الراشدين (11- 40) ، فاضطروا إلي قتاله ، وكانت أيام حكمه ( 64-62 ) ثلاث سنوات لم تخل واحدة منها من عظيمة من العظائم ، ففي السنة الأولي قتل الحسين عليه السلام وأهل بيت رسول الله صلوات الله عليه ، فضحي بالدين يوم الطف ( الاغاني 22/9 ) وفي السنة استباح مدينة رسول الله صلوات الله عليه ، وانتهك حرمات أهلها ، ذبحا ، ونهبا ، وانتهاك حرمات ( اليعقوبي 253/2 ) فشفي بذلك غيظه من الأنصار الذين قاموا بنصرة الدين ، وعاونوا في انتصار المسلمين في موقعة بدر حيث قتل في مبارزة واحدة ، أبو جدته هند ، وعمها ، وأخوها ( الاغاني 189/4 ) ذلك الغيظ الذي لم يطق كتمانه وهو أمير ، فطلب من كعب بن جعيل أن يهجو الأنصار ، فأبي ، وأشار عليه بالأخطل ( العقد الفريد 321/5 ) فهجاهم ، ووصفهم باللؤم ، وعيرهم بأنهم يهود ، فلما ذبح أهل المدينة ، كان جند يزيد يقاتلونهم ، ويقولون لهم : يا يهود ( أنساب الأشراف 37/2/4 )، وعلي أثر مذبحة المدينة ، عرضت علي يزيد جريدة بأسماء القتلي ، فتمثل بقول ابن الزبعري : ( رسائل الجاحظ 19 - 20).

ليت أشياخي ببدر شهدوا ****جزع الخزرج من وقع الأسل

الاستطالوا وأستهلوا فرحا ****ثم قالوا : يا يزيد لا تشل

قد قتلنا الغر من ساداتهم**** وعدلناه ببدر فانعدل

وفي السنة الثالثة ، استباح الكعبة ، حرم الله سبحانه وتعالي ، وسفك فيها الدماء، وأحرقها ( اليعقوبي 253/2 وأنساب الأشراف ج 4 ق 2)

ص: 167

ص 1 والفخري 123) وقضي في سنة حكمه الثالثة ، فختم بهلاكه صحيفة سوداء ملوثة ، حتي أن رجلا ذكره في مجلس الخليفة الصالح عمر بن عبد العزيز ، فقال : أمير المؤمنين يزيد ، فقال له عمر : تقول أمير المؤمنين ، وأمر به فضرب عشرين سوطأ ( تاريخ الخلفاء 209).

وصفع عبد الملك بن مروان ، وجه أم البنين ، ابنة أخيه عبد العزيز، وزوجة ولده الوليد .

وسبب ذلك : إن أم البنين ، دخلت علي عمها عبد الملك ، فقال لها : هل من حاجة ؟ قالت : نعم . فقال : قد قضيت كل حاجة لك ، إلا ابن قيس الرقيات ( وهو شاعر كان يمدح المصعب بن الزبير خصم عبد الملك ) ، فقالت له : لا تستثنين علي ، فنفح عبد الملك بيده ، فأصاب حر وجهها ، فوضعت يدها علي خدها ، فقال لها : ارفعي يدك ، فقد قضيت كل حاجة لك ، وإن كانت ابن قيس الرقيات ، فقالت : حاجتي أن تؤمنه ، قال : هو آمن ، راجع تفصيل القصة في كتاب الفرج بعد الشدة للقاضي التنوخي (ج 4 ص 281 - 286 رقم القصة 462) . ومن الكنايات البغدادية القديمة عن المصافعة ، قولهم : نخلوه ، أي صفعوه ، أحسب أنهم استعاروا ذلك من الشيء اذا وضع في المنخل ونخل ، قلبوه وحركوه ، قال الصفدي :

ورب صديق غاظه حين جاءه**** من القوم صفع دائم الهطل بالنعل

فقلت له : تأبي المروءة أننا ****نخليك يا بستان فينا بلا نخل

أقول : في البيت الأخير تورية مع الكناية ، فإن ذكر النخل مع البستان يعني النخل الذي هو الشجر ، ويعني أيضا النخل الذي هو مصدر نخل ينخل ، والمراد به الصفع ، وقال ابن الحجاج : ( شفاء الغليل 101).

ص: 168

مرني بصفع الأعدا إذا اضطربوا**** من حسد اليوم بالزرابيل

الزربول : ما يلبس بالرجل ، عامية ، وقد يسميها العامة البغداديون : الزربون .

وقال : سليمان بن نوبخت ، يهجو ابا نؤاس : ( أخبار أبي نؤاس لابن منظور 200).

ولما تطرق أعراضنا ****ولم يك في عرضه منتقم

كتبت الهجاء علي أخدعيه**** بمزدوج من أكف الخدم

وقال أبو الرقعمق في المصانعة : ( اليتيمة 340/1 ).

إن الذين تصافعوا ****بالقرع في زمن القشور

الو كنت ثم ، تقول : هل**** من أخذ بيد الضرير

ولقد دخلت علي الصدي ****ق البيت في اليوم المطير

متشمرأ متبخترة**** للصفع بالدلو الكبير

فأدرت حين تبادروا**** دلوي فكان عمي المدير

با للرجال تصافعوا ****فالصفع مفتاح السرور

لا تغفلوه فإنه ****يستل أحقاد الصدور

هو في المجالس كالبخو**** رفلاتملوا من بخور

وقال :

وكنا من الظرف لو أننا ****أقمنانصافع شهرة ولا

نعيب الوفاء ولهفي علي ****أخادع من لا يعيب الوفا

وقد كنت تبث ولكنني**** إذا الصفع دار أتاني الجشا

فلا تترك الصفع جهلا به**** فما أطيب الصفع لولا العمي

ص: 169

وقال أيضا : ( اليتيمة 334/1 ) .

ذهب الناس فما أحد ****يشتهي أن تنفخ القرب

ولكم بتنا علي طرب ****ورؤوس القوم تستلب

وكؤوس الصفع دائرة ****ملؤها اللذات والطرب

وكأن الصفع بينهم ****شعل النيران تلتهب

سوف يدرون آيما رجل**** ضيعوا مني اذا طربوا

بسيوف شراكها أدم**** مرهفات للعمي سبب

وقال حسنون المجنون بالكوفة : لذات الدنيا ، الأمن ، والعافية ، وصفع الصلع الزرق ، وحك الجرب ( الامتاع والمؤانسة 50/2 ) .

وقال بشربن هارون : ( الامتاع والمؤانسة 56/2 ).

إن أبا موسي له لحية ****تدخل في الجحر بلا إذن

وصورة في العين مثل القذي ****ونغمة كالوقرفي الأذن

كم صفعة صاحت إلي صانع ****بالنعل من أخدعه خذني

وقال اللحام الحراني الشاعر : ( اليتيمة 113/4 ).

عبدان هامته للصفع معتادة**** لا سيما من أكف السادة القادة

كأن أيدي الندامي في تناولها ****أيدي صيام إلي كيزان براده

وقال ابن عنين ، يهجو الرشيد النابلسي الشاعر : ( ديوان ابن عنين 185 ) .

تعجب قوم لصفع الرشيد ****وذلك ما زال من دابه

رحمت آنكسار قلوب النعال ****وقد دنسوها بأثوابه

فوالله ما صنعوه**** بها ولكنهم صنعوها به

ولابن الحجاج شعر كثير في المصانعة ، أورد صاحب اليتيمة ، قسما منه ، راجع كتاب اليتيمة ( 86/3 - 88 ) .

ص: 170

وقال الأحنف العكبري : ( اليتيمة 124/3 ).

لقد بت بماخور ****علي دف وطنبور

وصوت الطبل كردم طع ****وصوت الناي طلير

فصرنا من حمي البيت**** كانا وسط تتور

وصرنا من أذي الصفع**** كمثل العمي والعور

وما أحسن إشارة ابن الحلاوي الموصلي (ت 656) إلي المصانعة ، في قوله من قصيدة : ( الوافي بالوفيات 108/8 ).

فطب طرطب فوق رأسي**** وطاق طرطاق ، في قذالي

ومن قصيدة للشاعر الاندلسي أبي عبد الله بن الأزرق : ( نفح الطيب 229/3)

أفدي صديقأ كان لي**** بنفسه يسعدني

فربما أصفعه ****وربما يصفعني

طقطق طق طقطق طق**** أصخ بسمع الأذن

وقال الحمدوني : ( العقد الفريد 76/6 ).

بينما نحن سالمون جميعا ****إذ أتانا ابن سالم مختالا

فتغني صوتا فكان خطاء**** ثم ثني صوتا فكان محالا

سالنا خلعة علي ما تغني**** فخلعنا علي قفاه النعالا

وكتب أبو الحسن الجزار إلي السراج الوراق من قصيدة : ( فوات الوفيات 283/4 ).

إستعمل العفص بعد الدبغ مقلوبا ****لتغتدي طالبة طورا ومطلوبا

وأسكر من الراح وأفهم ما أشرت له**** فليس يحتاج لا كأسا ولا كوبا

والق الأيادي وأقبل من هديتها ****ما كان من قوص أو إخميم مجلوبا

ص: 171

فاستوف غير ضجور بالامارة ما**** علي جبينك ما قد كان مكتوبا

أقول : يريد بالعفص مقلوبة : الصفع ، وقوله: إسكر من الراح ، أي من ضرب الراحات أي الأكف ، والذي يجلب من قوص وإخميم هي النعال ، وكانت الكناية عن الصفعة بكلمة ، مكتوبة ، راجع القصة 304 من كتاب الفرج بعد الشدة للتنوخي تحقيق مؤلف هذا الكتاب .

وقال أبو روح الهروي : ( اليتيمة 348/4 ) .

حقيق بك أن تطعم ****عفصأ وهو معكوس

وأن يلبس جنباك ****الذي مقلوبه طوس

فهذا لك مطعوم**** وهذا لك ملبوس

اقول : مقلوب العفص : الصفع ، ومقلوب طوس : السوط .

وقال الشريف بن الهبارية الشاعر (ت 509 ) : ( فوات الوفيات 131/1)

رأيت في النوم عرسي وهي ممسكة**** أذني وفي كفها شيء من الأدم

موج الراس مسو به نقط**** لكن أسفله في هيأة القدم

ولم يزل بيديها وهي تنطلني**** به وتلتذ بالإيقاع والنغم

حتي تنبهت محمر القذال ولو ****طال المنام علي الشيخ الأديب عمي

والأصل في الصفع ، أن يحصل باليد مبسوطة علي القفا ، كما أسلفنا ، ولكنه قد يحصل بأشياء أخري ، وستجد في الفقرات التي اشتمل عليها هذا البحث أن الصفع حصل في بعض القصص بالنعل أو الخف أو اللالكة ، أو بالقباقيب أو الزرابيل (نوع من أحذية النساء ) ، أو بالشمشك ( نوع من الأحذية ) ، أو بالجراب الخالي ، أو بالجراب المحشو بالحصا ، أو بالقربة ، أو بالكرش ، وقد صفع شيخ أهوازي ، بدجاجة مشوية ، وصفع

ص: 172

الشاعر محمد بن وهيب ، علي حد قوله « بالنعال المخصوفة، والخشب الدقاق ، والأيدي الثقال ،، وصفع أبو الهيثم في دار عضد الدولة بعمامته ، ضرب بها رأسه حتي تقطعت ، أما المصافة بالمخاد والوسائد والمنادر ، فأحسب أنها ما زالت موجودة في بغداد ، ويسمونها الأن «ضرب مخاديد ،، وهي قديمة العهد فيها ، وقد روي الحصري في ملحه ( ص 256 ) قال : حضر علي بن بسام، مع جحظة البرمكي، دعوة ، فتفرق الجماعة المخاد ، وبقي جحظة بلا مخدة ، فقال : ما لكم لم تدفعوا إلي مخدة ؟ فقال له ابن بسام : عن قليل تصير إليك كلها ، يريد إنه سوف يصفع بها جميعا ، فتجتمع عنده .

والمصانعة بالمنادر ، كانت في أيام صبانا ، متعارفة في بغداد ، والمنادر مفردها « مندر » وهو وسادة قليلة الحشو ، مربعة ، يضعها الجالس لحته ، أحسب أن أصلها و مندل ، من الندل ، وهو نقل الشيء من موضع إلي آخر، لأن هذه الوسادة لخقتها ، يتمكن صاحبها من نقلها معه أينما ذهب ، وكان التلامذة في المدارس يتخذون لأنفسهم و منادر » يقعدون عليها ، ويترامون بها إذا أمنوا أن يطلع عليهم أجد ، وكنا في المدرسة الثانوية ، نمازح بالمنادر ، أحد زملائنا رحمه الله ، لأنه كان يتوافر ويتعالي علينا ، فكنا نشفي منه غيظنا بذلك ، وكان الجبوري رحمه الله أحد أصحابنا في كلية الحقوق ، مولعة بالتحدث بالفصحي ، وكان يختار حوشي الألفاظ في كلامه ، فكان أصحابه وزملاؤه في الصف يرمونه بالمنادر ، كلما تشدق وتقعر في كلامه ، وكان من زملائه في الصف صديقنا الأستاذ عبد الرزاق الظاهر ، فنصحه أن يكف عن التشدق بالفصحي ، ليرتاح مما يلاقي من التلامذة ، فالتفت إليه ، وقال له بالفصحي : وما العمل ، وقد أصبحت سليقة ، فاغتاظ منه عبد الرزاق وقال له : إذن ، داوم علي تلقي المنادر .

وكان العامة ببغداد منذ أكثر من ألف سنة ، ينصافون بورق السلق

ص: 173

والقرع، ولكنهم من بعد أن اكتشفوا الرقي المق ، أصبحوا يتصافعون به ، وقد أدركت بعض صبيان البقالين يتصافعون في موسم الرقي ، بالرقي المق ،

والرقي ، هو البطيخ الأحمر ، يسمي ببغداد ، بالرقي ، نسبة إلي الرقة ، وهي كل لسان رملي يغمره الماء ثم ينحسر عنه ، فينتج أجود أنواع البطيخ ، والمق من الرقي ، ما كان لبه رخوة ، فصيحة، وتكون الرقية المقة ، مملوءة بعصير حلو أحمر .

وبشأن المصانعة بأوراق السلق ، جاء في المنتظم 277/6 و 278 إن نفطويه تقدم إلي بقال ، وسأله : كيف الطريق إلي درب الرء اسين ؟ فالتفت البقلي إلي جاره ، وقال : يا فلان ألا تري إلي هذا الغلام ، فعل الله به وصنع ، فقد احتبس علي ، فقال : وما الذي تريد منه ؟ قال : لم يبادر فيجيئني بالسلق ، فبأي شيء أصفع هذا الماص بظر أمه - وأشار إلي نفطويه - لا يكني ، فتركه ، وانصرف .

أقول : اعتبر البقال البغدادي ، نفطويه ، متقرأ ، متشدقأ ، لأنه خالف البغداديين في التلفظ بالهمزة في قوله : الرء اسين ، لأن البغداديين يلفظونها : الرواسين ، وهم اذا وردت الهمزة في آخر الكلمة حذفوها ، وإذا وردت في أول الكلمة أو في وسطها أبدلوها بالواو أو الياء ، والمثل علي حذفها في آخر الكلمة ، أن البغداديين ، لا يقولون سماء ، قباء ، عباء ، هواء ، دواء ، وإنما يقولون : سما ، قبا ، عبا ، هوا ، دوا ، واذا كانت الهمزة في أول الكلمة : مثل أرخ ، أكد، أدب ، أشر ، أبدلوها فقالوا : ورخ ، وكد، يدب ، يسر ، وإذا كانت الهمزة في وسط الكلمة مثل بئر ، لفظوها : بير ، وفي فأر ، ثأر ، لفظوها ، فار ، ثار ، وفي حاثم ، قائم ، صائم ، نائم ، دائم ، لفظوها ، حايم ، قايم ، صايم ، نايم ، دايم ، وفي جنائن ، مدائن ، مكائن ، لفظوها : جناين ، مداين ، مكاين .

ص: 174

والتبرم من المتشدقين ، لا تختص به بغداد دون غيرها من المدن ، ولا يختص به زمان من الأزمنة ، وكتب الأدب تزخر بالعديد من النوادر المتعلقة بهذا الموضوع، وقد أدرجت قسم منها في هذا البحث ، والبغداديون الآن يكنون عن المتشدق ، بقولهم : يتنحور ، مسخوا بها كلمة : يتنحي من النحو ، والعامة النجفيون ، ويسمونهم في النجف : العمايدية ، إذا تشتق أحد طلبة العلم في كلامه ، قالوا له : إعلان الخرا بالمدرسة ، وذكر ابن الجوزي في أخبار الحمقي ص 162 نوادر للمتشدقين فيها ذكر للصفع ، فذكر أن نحوية وقف علي صاحب بطيخ ، فقال له : بكم تلك وذانك الفاردة ؟ فنظر البقال يمينا وشمالا ، ثم قال : أعذرني ، فما عندي شيء يصلح للصفع ، وإن نحوية وقف علي قصاب ، وقد أخرج بطنين سمينين ، فقال له : بكم البطنان ؟ فقال : بمصفعان يا مضرطان ، وقال نحوي آخر لبقال : عندك بسر فرسا ؟ فقال له : عندي قرعة ، يعني أن جوابه الصفع ، لأن القرع كان مما يتصافع به في ذلك الزمن .

: ومن أعجب ألوان الصفع ، الصفع بدجاجة مشوية ، وقد روي الجاحظ في كتابه البخلاء ( ص 148)، إن رمضان البصري ، كان مع شيخ أهوازي ، في جعفرية (نوع من السفن ) ، وكان رمضان في ذنبها، والأهوازي في صدرها ، فلما جاء وقت الغداء ، أخرج الأهوازي من سلة له دجاجة ، وفرخا واحدا مبردا ، وأقبل يأكل ويتحدث ، ولا يعرض عليه الطعام ، وليس في السفينة غيرهما ، فأخذ رمضان ينظر إلي طعام الأهوازي ، فقال له : يا هناه ، لا تنظر إلي طعامي ، فإني أخاف أن تكون عينك مالحة ، فتصيبني بالعين ، وتؤذيني ، فغضب رمضان ، ووثب عليه ، وقبض علي الحية الأهوازي بيده اليسري ، وتناول الدجاجة بيمناه ، وما زال يضرب بها رأس الأهوازي ، حتي تقطعت ، ثم عاد إلي مكانه ، فمسح الأهوازي وجهه ولحيته ، ثم أقبل علي رمضان ، وقال له : قد أخبرتك إن عينك مالحة ،

ص: 175

وإنك ستصيبني بعين ، فقال له رمضان : وما علاقة هذا بالعين ؟ فقال له الأهوازي : إن العين مكروه يحدث . وها قد أنزلت بنا عينك أعظم المكروه .

وأول ما بلغنا من أخبار الصفع في العهد الأموي ، كان في عهد هشام بن عبد الملك ، فقد جيء إلي هشام بن عبد الملك ، برجل عنده قيان وخمر وبربط ، فقال هشام : اكسروا الطنبور علي رأسه ، فبكي الشيخ لما ضربوه ، فقالوا : عليك بالصبر ، فقال : أترونني أبكي للضرب ؟ إنما أبكي لاحتقاره البربط ، إذ سماه طنبورة . ( الطبري 203/7 و 204 والعقد الفريد 262/5 ) .

وسمع المنصور العباسي ، وهو في قصره ، صوت طنبور ، فنظر ، فإذا أحد خدمه يلعب بالطنبور ، وحوله جماعة من الجواري يضحكن منه ، فتنمر ، وأمر فضرب رأس الخادم بالطنبور ، حتي تكشر ( الفخري 159 والطبري63/8 ).

وذكر أن المنصور العباسي لدغ، فدعا مولي له اسمه أسلم ، فرقاه ، فأمر له برغيف ، فأخذ الرغيف ، وثقبه ، وصيره في عنقه ، وأخذ يقول لمن يلاقيه : رقيت أمير المؤمنين ، فبريء ، فأمر لي بهذا الرغيف ، فبلغ ذلك المنصور ، فقال له : أردت أن تشنع علي ، قال : إني ذكرت ما وقع ، فأمر المنصور بأن يصفع ثلاثة أيام ، في كل يوم ثلاث صفعات ( المحاسن والمساويء 198/1 ).

وقال الزبير بن بكار : تقدم وكيل مؤنسة ، قهرمانة الخيزران ، إلي شريك القاضي مع خصم له ، فجعل يستطيل عليه إدلالا بموضعه من مؤنسة ، فقال له شريك ، كف لا أم لك ، فقال : تقول لي هذا وأنا وكيل مؤنسة ، فقال شريك : با غلام اصفعه ، فصفعه عشر صفعات ، فانصرف

ص: 176

إلي صاحبته ، وعرفها ما ناله ، فشكت شريكا إلي المهدي ، فعزله ( البصائر والذخائر 214/1/3 ) .

وأمر جعفر بن المنصور العباسي ، المعروف بابن الكردية ، بحماد الراوية ، فصفع ، ثم جر برجله ، حتي أخرج من بين يديه ، وخرق سواده ، وآنكسر جفن سيفه ، وسبب ذلك إن مطيع بن إياس كان منقطعة إلي جعفر ، فذكر له حماد الراوية ، وكان مطرح مجفوا في أيام بني العباس ، فطلب منه أن يحضره ، فاستعار حماد سيفا وسوادا ، ودخل علي جعفر ، فأستنشده الجرير ، فأنشده قصيدته التي مطلعها :

بان الخليط برامتين فودعوا

واندفع ينشد ، حتي بلغ قوله :

وتقول بوزع قد دبت علي العصا**** هلا هزئت بغيرنا بابوزع

فأستعاد جعفر البيت ، وقال له : ما هو بوزع ؟ قال : إسم امرأة ، فقال جعفر : امرأة اسمها بوزع؟ أنا بريء من الله ورسوله ، ومن العباس بن عبد المطلب ، إن كانت بوزع إلا غولة من الغيلان ، تركتني - والله - يا هذا ، لا أنام الليلة من الفزع بيوزع ، يا غلمان قفاه ، فصفع صفعة عظيمة ، وجروا برجله حتي أخرج من بين يديه ، وتخترق سواده وآنكسر جفن سيفه ( الهفوات النادرة 393 - 390 والاغاني 81/6 و 253/8 ).

وسمع ماني الموسوس مؤنأ يؤذن أذانا ضعيفة ، وكان شيخأ ضعيف الصوت والجسم ، فصعد إليه ، وصفعه صفعة منكرة علي صلعته ، وقال له : إذا أذنت فعطعط ولا تمطمط ( الاغاني ط بولاق 85/20 ).

أقول : العطعطة : تتابع الاصوات واختلاطها ، والمطمطة : التواني في الكلام .

ص: 177

وعرض للرشيد رجل متنصح ، فأخبره بأن جعفر بن يحيي ، قد أطلق يحيي بن عبد الله من الحبس ، فأعطاه ألفي دينار ، وقال له : خذ هذه وأريد أن تحتمل مكروها تمتحن به في طاعتي ، ثم صاح : يا غلام ، فأجابه خاقان وحسين ، فقال : إصفعا ابن اللحناء ، فصفعاه نحوا من مائة صفعة ، ثم أخرجاه إلي الدار وعمامته في عنقه ، وقالا : هذا جزاء من يسعي بباطنة أمير المؤمنين ( مقتل الطالبيين 467 والطبري 290/8 ).

وكان الرشيد مشغوفة بدنانير جارية البرامكة ، يكثر مصيره إلي مولاها يحيي بن خالد ، ويقيم عندها ، ويبرها ، ويفرط ، فلما قتل البرامكة ، دعا دنانير ، وأمرها أن تغني ، فقالت : يا أمير المؤمنين ، إني آليت ألا أغني بعد سيدي أبدا ، فغضب ، وأمر بصفعها ، فصفعت ، وأقيمت علي رجليها. ( الاغاني 68/18 ).

وغني زرياب ، زيادة الله بن الأغلب بشعر لعنترة فيه فخر بسواده ، فغضب زيادة الله ، وأمر به فصفع قفاه وأخرج من مجلسه ، وقال له : إن وجدتك في بلدي بعد ثلاثة أيام ضربت عنقك ، فجاز البحر إلي الأندلس ، واستقر وثبت أمره هناك . ( العقد الفريد 6/ 34).

وصفع يحيي بن زياد الحارثي ، صديقه مطيع بن إياس ، بوسادة ، وسبب ذلك إن يحيي قال لمطيع ، انطلق بنا إلي فلانة صاحبتي ، وبيننا مغاضبة ، فأصلح بيننا ، فدخلا إليها ، وأخذ يحيي يعاتب صاحبته ، ومطيع ساكت ، فصاح به يحيي : ما يسكتك ، أسكت الله نأمتك ؟ فقال مطيع :

أنت معتلة عليه ، وما زا ****ل مهينأ لنفسه في رضا

فأعجب يحيي بما سمع وهش له ، فقال مطيع :

فدعيه وواصلي ابن إياس**** جعلت نفسه الغداة فدا

ص: 178

فقام إليه يحيي بوسادة في البيت ، فما زال يجلد بها رأسه ، ويقول : إلهذا جئت بك يا ابن الزانية ( الاغاني 284/13).

وتساب دعبل الخزاعي ، ومسلم بن الوليد ، وحكما فتاة كانت معهما ، فحكمت علي دعبل ، بأن تعرك أذنه ، ويصفع قفاه ، ففعل به مسلم ذلك .

وسبب ذلك : إن دعبلا، عثر علي فتاة جميلة ، وأعوزه المكان ، فأخذها إلي دار صديقه مسلم بن الوليد ، وكان الإثنان في ضيق ، فأخذ دعبل من مسلم منديلا باعه في السوق بدينار ، واشتري بالثمن لحما وخبزة ونبيذة ، وجاء بما اشتري ، ثم عاد إلي السوق فاشتري ريحانة وطيبة ونقلا ، ولما عاد ، وجد أنهما قد أختليا في سرداب في الدار ، وأقفلا عليهما الباب ، فناداهما ، فلم يجيباه ، وتركاه يبيت في الدار وحده ، وهو يشتعل غيظا ، ولما أصبحوا ، أنشد مسلم

بت في درعها، وبات رفيقي**** جنب القلب طاهر الأطراف

ثم خرجا من السرداب ، فأخذ دعبل يشتم مسلما ، فقال له مسلم : يا صفيق الوجه ، منزلي ، ومنديلي ، وطعامي ، وشرابي ، فما شأنك في الوسط ؟ فقال له دعبل : حق القيادة ، فقالت الفتاة : حق قيادته ، أن تعرك أذنه ، وأن يصفع قفاه ، ففعل به مسلم ذلك ( العقد الفريد 397/6 - 400)

وروي أبو جعفر محمد بن وهيب الحميري الشاعر ، مؤدب الفتح بن خاقان (ت 225 ) ، لإسحاق الموصلي ، قصة من أعجب القصص ، حصلت له بمكة ، حيث أغراه جمال فتاة علي اتباعها ، فاحتالت عليه حتي وجد نفسه في السوق ، مجردة من ثيابه ، ووثب الناس عليه ، فصفعوه « بالنعال المخصوفة ، والخشب الدقاق ، والأيدي الثقال » .

قال حماد بن إسحاق الموصلي ، سمعت محمد بن وهيب الشاعر ،

ص: 179

يحدث أبي ، قال : حججت ، فبينا أنا في سوق الليل ، بمكة ، بعد أيام الموسم ، إذا أنا بامرأة من نساء مكة ، معها صبي ، وهي تسكته ، وهو يأبي أن يسكت ، فأسفرت ، فإذا في فيها كسر درهم ، دفعته إلي الصبي ، فسكت ، فإذا وجه رقيق ، وإذا شكل ودل ، ولسان ذلق ، ونغمة رخيمة ، فلما رأتني أحد النظر إليها ، قالت : أمغن أنت ؟ قلت : لا ، قالت : فماذا ؟ قلت : شاعر ، قالت : اتبعني ، قلت : إن شرطي الحلال من كل شيء ، فقالت : إرجع في حرامك ، ومن أرادك علي حرام ؟ فخجلت ، وغلبتني نفسي علي رأيي ، فتبعتها، ودخلت زقاق العطارين ، ثم صعدت درجة ، وقالت : أصعد ، فصعدت ، فقالت : إني مشغولة ، وزوجي رجل من بني مخزوم ، وأنا امرأة من زهرة ، وعندي حر ضيق ، يعلوه وجه أحسن من العافية ، بحلق ابن سريج ، وترنم معبد ، وتيه ابن عائشة ، وخنث طويس ، اجتمع كله لك بأصفر سليم ، قلت : وما أصفر سليم ؟ قالت : دينار ، اليومك وليلتك ، فإذا أقمت جعلت الدينار وظيفة ومهرة . وتزوجت تزويجا صحيحة ، قلت : فداك أبي ، إن اجتمع لي ما ذكرت ، فليس في الدنيا أنعم عيشأ مني ، إلا من في الجنة ، قالت : هذه شريطنك ، قلت : وأين هذه الصفة ، فدعت جارية لها ، وقالت لها : قولي لفلانة ، ضعي ثيابك عليك ، وعجلي ، وبحياتي عليك ، لا تمسي عطرة ، ولا طيبا ، فتحبسينا بدلالك وعطرك ، قال : فإذا جارية قد أقبلت ، بوجه ما أحسب الشمس قد طلعت علي مثله قط ، كأنها صورة ، فسلمت ، وقعدت كالخجلة ، فقالت لها المرأة : إن هذا الذي ذكرتك له ، وهو في هذه الهيأة التي ترين ، قالت : حياه الله وقرب داره ، قالت : قد بذل لك من الصداق دينارة ، قالت : أي أم ، أخبرته بشريطتي ؟ قالت : لا والله يا بنية ، أنسيتها ، ثم نظرت إلي ، وغمزتني ، وقالت : تدري ما شريطتها؟ قلت : لا ، قالت : أقول لك بحضرتها ما إخالها تكرهه ، إنها أفتك من عمرو بن معدي كرب ، وأمنع من ربيعة بن مكدم ، ولست تصل إليها حتي تسكر ، وتغلب علي عقلها فإذا

ص: 180

بلغت تلك الحال ، ففيها مطمع ، قلت : ما أهون هذا وأسهله ، فقالت لها الجارية : وتركت شيئأ أيضا ، فقالت الأم : نعم ، والله ، إنك لن تنالها ، إلا مجردأ ، مقب؟ ، ومدبرة ، قلت : وهذا أيضا أفعله ، قالت : هلم دينارك ، فأخرجت دينارة ، فنبذته إليها ، فصفقت ، فأجابتها امرأة ، فقالت : قولي لأبي الحسن وأبي الحسين هلا الساعة ، فقلت في نفسي : أبو الحسن وأبو الحسين علي بن أبي طالب عليه السلام ، قال : فإذا شيخان خاضبان ، نبيلان ، قد أقبلا، فصعدا ، فقضت المرأة عليهما القصة ، فخطب أحدهما ، وأجاب الأخر ، وأقررت بالتزويج ، وأقرت المرأة ، ودعوا لنا بالبركة ، ثم نهضا ، قال : أستحييت أن أحمل الجارية مؤونة من الدينار ، ودفعت إليها آخر ، وقلت لها ، هذا لطيبك ، قالت : بأبي أنت ، إني لست ممن يمس طيبة لرجل ، إنما أتطيب لنفسي إذا خلوت ، قلت : فأجعلي هذا الغذائنا اليوم ، قالت : أما هذا فنعم ، فنهضت الجارية ، وأمرت باصلاح ما نحتاج إليه ، ثم عادت ، وتغدينا، وجاءت بأداة وقضيب وقعدت تجاهي ، ودعت بنبيذ قد أعدته ، ثم أندفعت تغني بصوت لم أسمع قط مثله ، فإني الف بيوت القيان وغيرها ، منذ ثلاثين سنة ، وقد سمعت مهدية ، جارية ابن الساحر ، وغيرها من المجيدات ، فما سمعت بمثل ترنمها ، فكدت أن أطير ، سرور وطربا ، وجعلت أريغ أن تدنو مني ، فتأبي ، إلي أن تغنت ، بشعر لم أعرفه ، وهو :

راحوا يصيدون الظبا، وإنني**** لأري تصيدها علي حراما

أعزز علي بأن أروع شبيهها**** أو أن يذقن علي يدي حماما

فلما قوي علي النبيذ، وجاءت المغرب ، تغنت ببيت ، لم أعرف معناه ، للشقاء الذي كنت فيه ، ولما كتب علي رأسي ، والهوان الذي أعد لي ، إذ تغنت :

كأني بالمجرد قد علته ****نعال القوم أو خشب السواري

ص: 181

فقلت لها : جعلت فداك ، لم أفهم هذا البيت ، ولا أحسبه مما يتغني به ، قالت : أنا أول من تغني به ، وهو بيت عائر ، لا يدري قائله ، ومعه بيت آخر ، قلت : سريني بأن تغنيه ، لعلي أفهم معناه ، قالت : ليس هذا وقته ، وهو آخر ما أتغني به ، قال : وجعلت لا أنازعها في شيء، إجلالا لها وإعظامأ ، فلما أمسينا ، وصلينا المغرب وجاءت العشاء الأخيرة ، وضعت القضيب ، فقم ، وصليت العشاء ، وما أدري كم صليت ، عجلة ، وتشوقا ، فلما سلمت ، قلت : تأذنين ، جعلت فداك ، في الدنو منك ؟ فقالت : تجرد ، وذهبت كأنها تريد أن تخلع ثيابها ، فكدت أن أشق ثيابي من العجلة للخروج منها ، فتجردت ، وقمت بين يديها مكفرة لها، أي خاضعا مطأطئأ ، فقالت : إنته إلي زاوية البيت ، وأقبل إلي ، حتي أراك مقبلا ومدبرة ، قال : وإذا حصير في الغرفة عليه طريقي إلي الزاوية ، فلما صرت فوقه ، خسف بي ، واذا تحته خرق إلي السوق ، فإذا أنا في السوق ، مجردة ، وإذا الشيخان الشاهدان ، قد كمنا ناحية ، وأعذا نعالهما ، فلما هبطت عليهما ، بادراني ، فقطعا نعالهما علي قفاي ، وتبعهما أهل السوق ، وضربت ، والله - يا أبا محمد ، حتي أنسيت اسمي ، فبينا أنا أخبط بنعال مخصوفة ، وأيد ثقال، وخشب دقاق ، وإذا بصوت من فوق البيت يغني به :

كأني بالمجرد قد علته**** نعال القوم أو خشب السواري

ولو علم المجرد ما أردنا ****لبادرنا المجرد للصحاري

فقلت : هذا هو ، - والله - وقت غناء البيت ، وهو آخر بيت قالت إنها تغنيه ، فلما كادت نفسي تطفأ ، جاءني واحد بخلق إزار ، فألقاه علي ، وقال لي : بادر ، ثكلتك أمك ، رحلك ، قبل أن يدركك السلطان فتفتضح ، فانصرفت إلي رحلي ، مطحونة ، مرضوضا . ( بلاغات النساء 156-159)

ودخل رجل علي المأمون ، فقال : السلام عليك يا أمير المؤمنين ،

ص: 182

( بضم الراء من أمير ) ، فقال : يا غلام ، اصفع ( المحاسن والمساويء 94/2)

وسأل المعتصم ، كاتبه أحمد بن عمار ، عن معني الكلأ ، فلم يعرف ، فأمر بصفعه ثلاث صفعات ( الهفوات النادرة 259).

ولاعب إسحاق بن العباس بن محمد ، والي البصرة ، الصباح بن عبد العزيز الأشعري ، بالنرد ، وقمره ، فصفعه عشرة جيادة ، ثم لاعبه فقمره الصباح ، وأراد صفعه ، فأحاله علي صاحب الشرطة خليفته عبد السميع ، وتفصيل القصة ، إن إسحاق بن العباس بن محمد كان واليا علي البصرة ، وكان مزاحا عبيثا، فلاعب الصباح بن عبد العزيز الأشعري ، بالنرد ، في أمره ورضاه ، فقمره إسحاق ، فقال له الأسباح : احتكم أيها الأمير وأجمل ، فقال : أصفعك عشرأ جيادة ، قال : أر الفداء ، أعزك الله ، قال : والله ، لو أعطيتني جميع ما تملك ما قبلته ، ثم التفت إلي غلام أسود ، كأنه شيطان ، فقال له : اصفع ، وجود ، فصفعه عشرا ، كاد أن يعميه ، ثم لاعبه وغلبه ، وفعل به مثل فعله الأول ، ثم عاود اللعب ، فغلبه الصباح ، وقال له : قمرتني ، أيها الأمير ، نويتين ، فلم تحسن الصنيع ، ولم تجمل الفعل ، ولم ترجع عن الصفع الوجيع ، قال : فما تريد ؟ قال : أصفعك كما صفعت ، وأقابلك بمثل ما فعلت ، قال : ويلك ، تفضحني ، ويبلغ أمير المؤمنين خبرنا ، فيكون سبب عزلي ، ونكبتي ، وزوال نعمتي ، قال : إذن لا أبالي والله ، قال : أو أدفع إليك خليفتي عبد السميع ، فتصفعه عشرا ، قال : لا أفعل ، قال : أعطيك فاضل الصرف فيما بين الصفع مائة دينار ، قال : هات علي بركة إليه ، فأحضر عبد السميع ، فجاء كالفيل ، فقال له : إجلس ، فجلس ، فقال له : ما أشك في مودتك إياي ، وموالاتك لي ، قال : أنا عبد الأمير وخادمه ، قال : ما أعرفني بذاك منك وفيك ، إعلم أن هذا الفاسق ، الأحمق ، الجاهل ، لاعبني بالنرد ، وقص عليه القصة إلي ما

ص: 183

انتهي الأمر بينهما إليه ، ووقف الحكم عليه ، فقال عبد السميع ، أعيد الأمير بالله ، ما ظننت أنه ينزلني هذه المنزلة ، ويحتني في هذه المرتبة ، قال : صدقت والله ، ولا ظننت أنا أن مثل هذا يتفق ويكون ، ولا خطر لي ببال ، لكنها بلية أوقعت نفسي فيها ، وزلة ما كان لي مثلها قبلها ، وأحب أن تنقذني منها، وتحتمل المكروه عني فيها ، فأقلني ، وأنقذني منها، فأقبل عبد السميع علي الصباح ، وقال له : تأمر - أعزك الله - أن ألطم عشرا عوض الصفع ؟ فقال له : أنت - والله - أحمق ، إما أن تمكنني من قفاك ، وإلا قم إلي قفا الأمير أعزه الله ، فقال إسحاق بن العباس ، لعبد السميع : دع هذا وأمثاله عنك ، فهو أنكد، وألج ، وأشأم ، من أن يرجع ، أو يحسن ، أو يجمل ، فقال الصباح : الأمير بذاك بدأ ، وأمر به وبمثله ، فقال عبد السميع : إصفع ، لا بارك الله لك وفيك ، فالتفت الصباح إلي عبير له أسود كأنه الجمل الهائج ، فقال : إصفع ، وجود ، وبالغ ، وخذ بثأر مولاك ، ولا تراقب ، فصفع عبد السميع عشر صفعات كاد رأسه أن يقع منها ، وقال له الأمير بعد ذلك : يعز علي والله ما نالك ولحقك ، إرجع إلي عملك ، وكان يخلفه علي الشرطة وجميع أموره ، ولا ينفذ لإسحاق أمر إلا علي يده ، فقام بجر رجليه ، وعاودا اللعب ، فقمره الصباح ثانيا، واتفقا علي ما اتفقا عليه واستدعي عبد السميع ، فتغافل وأحتج ، فلم ينفعه ، وجاء مكرها وهو وجل خائف ، فقال له إسحاق : إعلم أن هذا الأحمق قد قمرني ثانيا ، واحتكم مثل حكمه الأول ، فقال عبد السميع : أعزلني أيها الأمير ، فلا رأي لي في خدمتك ، فقال له : أعني هذه المرة ، وخلصني من هذا الجاهل ، القليل العقل والمروءة ، العادم المعرفة والدراية ، فقال : إنا لله وإنا إليه راجعون ، فقال الصباح لعبده : إصفع ، وجود ، صفعة ينشر الشعر من اللحية ، ويحلق الشعر من القفا ، فقال : لا كرامة ولا عزازة ، اصفع با هذا صفع المداعبة والإخوان ، لا صفع العقوبة والسلطان ، وأجمل فيما تفعل ، فعسي أن تقع لك حاجة فأجازيك بالحسني ، فقال له مولاه : إصفع الرقيع ،

ص: 184

الصفع الوجيع ، ولا تصغ إلي ما لم يصغ إليه من قبل مولاك ، فقال إسحاق : إستعن بالله ، وأجر علي عادتك في طاعتك ، فقال لا حول ولا قوة إلا بالله ، وجثا علي ركبتيه وصفعه العبد صفعة زعزع به أركان رأسه ، فبكي وانتحب مما لحقه ، فقال له إسحاق : بعز والله علي ، إرجع إلي عملك أعزك الله ، فقال : لعن الله هذا العمل ، ولعن يوما توليته فيه ، لي إليك حاجة ، قال : كل حوائجك عندي مقضية ، قال : لا تلاعب هذا المشؤوم دفعة أخري ، فإنه ألعب منك ، فقال : اسكت ، فوالله إني لأرجو أن تتولي منه ما تولي منك ، وأن تشتفي منه ، كما اشتفي منك ، قال : ما أريد ذاك أيها الأمير ، قال : فما ألاعبه ، كما تشتهي ، ونهض يجر رجليه خزيان حيران ، وتقدم إلي صاحبه بأن يقف هناك ، وينظر ما يكون من الأمير والصباح ، ويعلمه ، وتقدم بأن يسرج له فرس ، وقعد ينتظر الغلام ، فجاءه ، وأعلمه بأنهما لعبا ، وأن الصباح قمر إسحاق ، وإن إسحاق تقدم باستدعائه ، فركب الفرس ، وهرب علي وجهه ، وهو يقول : لا والله ، لا أطيع ، ولا أجيب ، ولا أعمل له عملا أبدأ، وعرف إسحاق بذلك ، فابتاع القمرة من الصباح بخمسة آلاف درهم ، ولم يلعب معه بعدها ( الهفوات النادرة 231 - 234)

أقول : ورد في القصة إن الملاعبة بالنرد كانت ( علي الأمر والرضا) اي ان للغالب أن يحتكم ، وهذا الطراز من الملاعبة ، يسمي الأن في بغداد ( دلخاه ) والكلمة فارسية ( دلخواه ) بمعني ( المرغوب أو المطلوب ) يعني أن للغالب أن يطلب ويحتكم .

وذكر أحد أصدقاء الفقيه أبي قديسة ، أنه وجد في وجهه آثار منكرة ، فسأله عنها ، فقال : دخلت البارحة إلي القاضي محمد بن أبي الليث ، قاضي مصر ، وعنده إخوانه ، فلما رآني ، قال لهم : أطفئوا السراج ، فقطفي ، وقاموا إلي يضربونني في وجهي ورأسي ، ومع ذلك ، فإني لم أقصر

ص: 185

فيهم ، فوالله لقد صفعت القاضي من بينهم ( القضاة للكندي 467) .

وغضب المتوكل علي عمر بن فرج الرخجي ، فأمر بأن يصفع في كل يوم ، فأحصي ما صفع ، فكان ستة آلاف صفعة ( مروج الذهب 403/2 ).

أقول : عمر بن فرج بن زياد الرخجي : ذكرنا أصله ونسبته في ترجمة أبيه ، في موضع آخر من هذا الكتاب ، وكان عمر ، وأبوه فرج ، من شرار الخلق ، تقلد عمر الأهواز للمأمون ، فسرق ، وخان ( القصة 341 من كتاب الفرج بعد الشدة للقاضي التنوخي ، تحقيق المؤلف ) ، ثم تقلد الديوان في أيام المعتصم ، وعزل ( القصة 379 في كتاب الفرج بعد الشدة ، والبصائر والذخائر م ا ص 54 ) ثم تقلد الأهواز للمتوكل ( القصة 2/2 من نشوار المحاضرة للقاضي التنوخي ، تحقيق المؤلف ) ، وكان من اهل الرشا ( القصة 3/2 من نشوار المحاضرة ) فاعتقله المتوكل وقبض ضياعه ، وأمواله ، وجواريه ، وكن مائة ، ثم صولح علي أن يؤدي عشرة آلاف ألف درهم ، علي أن يرد عليه ما حيز عنه من ضياع الأهواز فقط ( الطبري 161/9 والكامل لابن الأثير 39/7 ) ثم غضب عليه ثانية ، فأمر بأن يصفع في كل يوم ، فأحصي ما صفع ، فكان ستة آلاف صفعة ، وألبس جبة صوف ، ثم سخط عليه آخر مرة ، فأحدره إلي بغداد ، فأقام بها إلي أن مات ( مروج الذهب 403/2 ) ، وكان عمر من المعروفين ببغض الإمام علي وأهل بيته ، ( ابن الأثير 56/7 ) ، وكان يتبرع بالتجسس علي العلويين ( البصائر والذخائر م 3 ق 1 ص 319 والقصة 374 من كتاب الفرج بعد الشدة للتنوخي ) وعرف المتوكل فيه ذلك ، فولاه أمر الطالبيين ، فعسفهم ، وأخد يحيي بن عمر ، فضربه ثماني عشرة مقرعة ، وحبسه في المطبق ، فاضطره بذلك إلي الخروج فخرج بالكوفة ، وقتل ، بعد معارك عنيفة ( الطبري 182/9 و 266 - 271 والكامل لابن الأثير 126/7 - 130 ) ، ثم استعمله المتوكل علي مكة والمدينة ، فمنع آل أبي طالب أرزاقهم وعطاءهم ، ومنعهم من التعرض

ص: 186

المسألة الناس ، ومنع الناس من البر بهم ، وكان لا يبلغه أن أحدأ بر أحدأ منهم بشيء إلا أنهكه عقوبة ، وأثقله غرمأ ، حتي كان القميص يكون بين جماعة من العلويات ، يصلين فيه واحدة بعد واحدة ، ثم يرفعنه ، ويجلسن إلي مغازلهن، عواري ، حواسر ، إلي أن قتل المتوكل ، فعطف المنتصر عليهم ، وأحسن إليهم ( مقاتل الطالبيين 599 ) .

وفي السنة 230 قبض بسامراء علي رجل اسمه محمود بن الفرج النيسابوري ، كان يزعم أنه نبي يوحي إليه ، وأنه ذو القرنين ، وله مصحف ادعي أنه قرآنه ، وقبض علي سبعة وعشرين من أتباعه ، يدعون إليه في سامراء وبغداد ، فأحضروا أمام المتوكل ، فأمر أصحاب محمود بصفعه ، فصفعه كل واحد منهم عشر صفعات ، ثم أمر بمحمود فضرب مائة سوط ، فمات ( الطبري 175/9 ).

وكانت فريدة ، حظية الواثق ، فلما توفي وخلفه المتوكل ، أرادها علي الغناء ، فأبت وفاء للواثق ، فأقام علي رأسها خادمة ، وأمره أن يضرب رأسها أبدأ أو تغني ( الأغاني 115/4 ). وكلم المتوكل جاريته قبيحة أم المعتز ، فأجابته بشيء أغضبه ، فرماها بمخدة ، فأصابت عينها ، فأثرت فيها ، فبكت ، وبكي ولدها المعتر لبكائها ( الأغاني 214/10 ) .

وغضب المتوكل علي ولده المنتصر ، فأمر الفتح بن خاقان بأن يصفعه ، فأمر الفتح يده علي قفا المنتصر ( الطبري 225/9 والعيون والحدائق 554/3 و555 هه وابن الأثير 97/7 ).

أقول : كان المتوكل قد بايع لولده المنتصر بولاية عهده ، ثم للمعتر ، ثم للمؤيد ، ثم إن قبيحة أم المعتز ، وكانت أثيرة عند المتوكل، أرادت أن يقدم المعتز ، فطلب المتوكل من ولده المنتصر أن يقدم أخاه المعتز علي

ص: 187

نفسه ، فأبي ، فاغتاظ منه المتوكل ، وأخذ يعبث به في مجالسه ، مرة يشتمه ، ومرة يسقيه فوق طاقته ، ومرة يأمر بصفعه ، ومرة يتهدده بالقتل ، وأمر الفتح مرة أن يصفعه ، فأمر الفتح يده علي قفا المنتصر .

وكان محمد بن الحسن الجرجاني متقرأ في كلامه ، فدخل الحمام يوما ، فقال للقيم : أين الجليدة التي تسلخ بها الضويطة من الأخقيق ؟ فصفع القيم قفاه بجلدة النورة ، وفر هاربا ، فلما خرج من الحمام وجه إلي صاحب الشرطة ، فأخذ القيم فحبسه ، فلما كان عشاء ذلك اليوم كتب إليه القيم رقعة ، يقول فيها : قد أبرمني المحبوسون بالمسألة عن السبب الذي حبست له ، فأما خليتني ، وأما عرفتهم ، فوجه من أطلقه ، وأتصل الخبر بالفتح ، فحدث به المتوكل ، فقال : ينبغي أن يغني هذا القيم عن الخدمة في الحمام ، وأمر له بمائتي دينار ( الامتاع والمؤانسة 52/2)

وفي السنة 252 قبض محمد بن عبد الله بن طاهر ، أمير بغداد ، علي عبدان بن الموفق ، أحد أصحاب الفتن ، فأمر به الأمير محمد فصفع ، ثم أمر به فسحب بقيوده ، ثم أمر به فجرد ، وضرب مائة سوط بثمارها ، ثم صلب فمات ( الطبري 361/9 ).

وفي السنة 255 حصلت منافرة بين صالح بن وصيف، وأحمد بن إسرائيل ، بحضور المعتر ، فقال له أحمد : يا عاصي يا ابن العاصي ، فهجم أصحاب صالح علي المجلس ، فانسحب الخليفة ، وقبض أصحاب صالح علي أحمد بن إسرائيل ، والحسن بن مخلد ، وأبي نوح عيسي بن إبراهيم ، فضرب أحمد بن إسرائيل حتي تكشرت أسنانه ، وبطح ابن مخلد فضرب مائة سوط ، وصفع أبو نوح حتي جرت الدماء من محاجمه ، ثم أخذت رقاعهم بمال جليل قط عليهم ، وتركوا . ( الطبري 387/9 ) .

ولما قبض الجند الأتراك في السنة 256 علي المهتدي ، كان من جملة

ص: 188

ما عذبوه به ، أنهم صفعوه ، وبزقوا في وجهه ، ثم دفعوه إلي من عصر خصيتيه فمات ( الطبري 458/9 ).

وروي بنان ، رأس الطفيليين في بغداد ، أن طفيلي البصرة ، صفعوه وطردوه ، وذلك إنه دخل البصرة ، فقيل له : إن ههنا عريفا للطفيلية ، يبرهم ، ويكسوهم ، ويرشدهم إلي الأعراس ، ويقاسمهم ، فصار بنان إليه ، فبره ، وكساه ، وأقام عنده ثلاثة أيام ، وله خلق يصيرون إليه بالزلات ، فيعطيهم النصف ، ويأخذ النصف ، قال بنان : ووجهني معهم في اليوم الرابع ، فحصلت في موضع وليمة ، فأكلت ، وأزللت معي شيئا كثيرة ، فجئته به ، فأخذ النصف ، وأعطاني النصف ، فبعت ما دفع لي بدراهم ، فلم أزل علي هذا أياما ، فدخلت يوما إلي عرس جليل ، وأكلت ، وخرجت بزلة حسنة ، فلقيني إنسان ، فاشتراها مني بدينار ، فأخذته ، وكتمته أمرها، فدعا جماعته من الطفيلية ، وقال لهم : إن هذا البغدادي قد خان ، وظن أني لا أعلم كل شيء يفعله ، فأصفعوه ، وعرفوه ما كتمنا ، فأجلسوني ، وما زالوا يصفعونني ، واحدا ، واحدة ، ويقول الأول منهم : قد أكل مضيرة ، ويصفعه الآخر ، ويشم يده ، ويقول : وأكل بقيلة ، ويقول الآخر : وأكل سميذا ، حتي أتوا علي كل شيء أكلته ، ما غلطوا بزيادة ولا نقصان ، ثم صفعه شيخ منهم صفعة عظيمة ، وقال : باع الزلة بدينار، فأخذوا مني الدينار ، وثيابي التي أعطونيها ، وطردوني ( التطفيل للخطيب البغدادي 81 - 82).

وكان بويه ، والد عماد الدولة ، وركن الدولة ، ومعز الدولة ، سماكا فقيرا في بلد الديلم ، ورأي مناما ، فقضه علي منجم ، فقال له : لا أفسره إلا بألف درهم ، فقال له : أنا فقير ، صياد سمك ، وما رأيت هذا المبلغ ، ولا عشره ، ولكن أعطيك سمكة ، فرضي ، وفر له المنام ، بأن أولاده ، وما زالوا صبيانا ، سوف يملكون العالم ، فقام إلي المنجم ، وصفعه ، وقال له : أخذت السمكة حراما ، وسخرت مني ، أنا صياد فقير ، وأولادي

ص: 189

صغار ، راجع القصة مفصلة في كتاب نشوار المحاضرة للتنوخي ، برقم 89/4 .

وحدث أحمد بن عبيد الله بن عمار ، قال : كنا نختلف إلي أبي العباس بن المبرد ، ونحن أحداث ، نكتب عن الرواة ما يروونه من الأداب والأخبار ، وكان يصحبنا فتي من أحسن الناس وجها ، وأنظفهم ثوبا ، وأجملهم زيا ، ولا نعرف باطن أمره ، فانصرفنا يوما من مجلس أبي العباس بن المبرد ، وجلسنا في مجلس نتقابل بما كتبناه ، ونصحح المجلس الذي شهدناه ، فإذا بجارية قد اطلعت فطرحت في حجر الفتي رقعة ما رأيت أحسن من شكلها ، مختومة بعنبر ، فقرأها منفردأ بها ، ثم أجاب عنها ، ورمي بها إلي الجارية ، فلم نلبث أن خرج خادم من الدار في يده كرش ، فدخل إلينا ، فصفع الفتي به حتي رحمناه ، وخلصناه من يده، وقمنا أسوء الناس حالا ، فلما تباعدنا ، سألناه عن الرقعة ، فإذا فيها مكتوب :

كفي حزن أنا جميعأ ببلدة**** كلانا بهاثاو ولا نتكلم

فقلنا له : هذا ابتداء طريف ، فبأي شيء أجبت أنت ؟ قال : هذا

صوت سمعته يغني فيه ، فلما قرأته في الرقعة ، أجبت عنه بصوت مثله ، فسألناه ما هو ؟ فقال : كتبت في الجواب :

أراعك بالخابور نوق وأجمال

فقلنا له : ما وفاك القوم حقك قط ، وقد كان ينبغي أن يدخلونا معك في القصة ، لدخولك في جملتنا، ولكنا نحن نوفيك حقك ، ثم تناولناه فصفعناه ، حتي لم يدر أي طريق يأخذ ، وكان آخر عهده بالإجتماع معنا . ( الاغاني 120/7 و121).

وغضب الوزير إسماعيل بن بلبل، علي بواب عبيد الله بن سليمان ، وعلي وكيله ، فأمر فأخذا إلي باب عبيد الله ، وضرب كل واحد منهما عشرين

ص: 190

مقرعة ، وصفع الوكيل بعد الضرب خمسين صفعة ، راجع القصة مفضلة في كتاب نشوار المحاضرة164/8 - 169 رقم القصة 71.

وأمر المعتضد بابن المغازلي المضحك ، فصفع عشر صفعات بجراب مملوء بالحصي المدور ، فكادت رقبته أن تنفصل ، وطنت أذناه .

وسبب ذلك : إن ابن المغازلي ، كان معروفة في بغداد بأنه في نهاية الحذق في إضحاك الناس ، لا يستطيع من يراه ، أو يسمع كلامه ، إلا أن يضحك ، وكان لا يدع حكاية أعرابي ، وتركي ، ومكي ، ونجدي ، ونبطي ، وزنجي ، وسندي ، وخادم ، إلأ حكاها ، ويخلط ذلك بنوادر تضحك الثكلي ، ووقف يومأ بباب الخاصة ، يضحك ويتندر ، فقط أحد الخدم قصته علي المعتضد ، فأمره بإحضاره ، فذهب إليه الخادم ، واشترط عليه أن له نصف الجائزة التي يأمر له الخليفة بها، وأدخله علي الخليفة ، فساءله ، ثم قال له : إن أضحكتني فلك خمسمائة درهم ، وإن لم أضحك صفعتك بهذا الجراب عشر صفعات ، فوافق ابن المغازلي ، ولم يدع حكاية أعرابي ، ولا نحوي ، ولا مخنث ، ولا قاض ، ولا زطي ، ولا نبطي ، ولا سندي ، ولا زنجي ، ولا خادم ، ولا ترك ، ولا شطارة ، ولا عيارة ، ولا نادرة ، إلا قصها ونفذ ما عنده ، وتصدع رأسه ، والمعتضد عابس الوجه ، لا يضحك ، ولا يبتسم ، فقال له : يا أمير المؤمنين ، قد نفد والله ما معي ، وتصدع رأسي ، وما رأيت مثلك ، وما بقيت لي إلا نادرة واحدة ، فقال : هاتها ، قال : يا أمير المؤمنين ، وعدتني أن تصفعني عشرا ، وجعلتها مكان الجائزة ، فأسألك أن تضعف الجائزة وأن تضيف إليها عشرة أخري ، فأراد أن يضحك ، ثم أستمسسك ، وقال : نفعل ، يا غلام خذ بيده ، فأخذه بيده ، ومد قفاه ، وصفع أول صفعة بالجراب ، فكأنما سقطت علي قفاه قلعة ، وإذا بالجراب مملوء بحص مدور ، فلما أتم الصفعات العشر ، كادت رقبته أن تنفصل ، وعنقه أن يتكسر ، وطنت أذناه ، وقدح الشرر من عينه ، ولما تمت

ص: 191

العشر صاح : نصيحة ، وقص علي الخليفة اتفاقه مع الخادم ، علي أن له نصف الجائزة ، وطلب من الخليفة ، أن يصفع الخادم العشر الأخري ، فضحك المعتضد ، ضحكة مفرطأ، وأحضر الخادم ، وأمر بصفعه ، ثم أعطي ابن المغازلي خمسمائة درهم ( مروج الذهب 511-509/2)

وارتفع إلي أبي خازم القاضي ، وكان قاضي الشرقية ، خصمان ، فأجترأ أحدهما بحضرته إلي ما يوجب التأديب ، فأمر بصفعه ، فمات ، فكتب الي الخليفة المعتضد، يطلب أن تؤدي ديته من بيت مال المسلمين ، لأن المراد بتأديبه كان مصلحة المسلمين ، فوداه ( نشوار المحاضرة ، رقم القصة 66/4)

وروي القاضي أبو عمر ، أن خادما من خدم المعتضد، تقدم إلي أبيه القاضي يوسف ، في حكم ( دعوي ) ، فأمره القاضي أن يوازي خصمه في المجلس ، فأبي ، إدلالا بمحله من المعتضد ، فصاح القاضي : قفاه ( يعني إنه أمر بصفعه ) وقال : أتؤمر بموازاة خصمك فتمتنع ، يا غلام هات النحاس الأمره ببيع هذا العبد وحمل ثمنه إلي أمير المؤمنين ، راجع القصة بكاملها في المنتظم 97/6.

وذكر التنوخي ، في نشوار المحاضرة ، أن ابن قديدة ، ضامن ضياع السيدة أم المقتدر ، قبض علي أكار من أكرة ضيعة مجاورة ، وصفعه صفعة عظيمة ، راجع تفصيل القصة في كتاب نشوار المحاضرة للتنوخي ، رقم القصة 119/1 .

وذكر جعفر بن محمد بن الفرات ، أخو الوزير أبي الحسن بن الفرات ، قال : صرفت محمد بن سيف العامل عن باروديا ، وتقلدتها ، وأستدركت عليه أشياء ، طالبته بها ، فلم يرد ، وناظرته فأقام علي أمر واحد، فأمرت بصفعه ، فلم يتأوه ، وإنما صاح : واحدة ، وصفع أخري فصاح : ثانية ، إلي

ص: 192

أن صفع ثلاث عشرة صفعة ، وهو يعدها، فتعجبت منه ، وقلت له : يا هذا، ويحك ، أي فائدة لك في العد ؟ قال : أنا أعد الصفعات ، الأصفعك بعددها ، إذا صرفتك وتقلدت مكانك ، فلا أظلمك بالزيادة ، ولا تفوز بالنقصان ، فأخجلني ، وقلت له : قم إلي منزلك في غير حفظ الله ، وأطلقته ، وذهب المال ( نشوار المحاضرة ج 8 ص 90 رقم القصة 21/8 ) .

وكان أبو خليفة القاضي بالبصرة ، كثير الاستعمال للسجع في ألفاظه ، حتي صار ذلك عنده طبعا ، وكان بالبصرة رجل يتحامق ، ويتشبه بأبي خليفة في السجع ، ويعرف بأبي الرطل ، وقدمت هذا الرجل امرأته إلي القاضي أبي خليفة بالبصرة ، وادعت عليه الزوجية والصداق ، فأقر لها بهما ، فقال له أبو خليفة : أعطها مهرها، فقال أبو الرطل : كيف أعطيها مهرها ولم تفلع مسحاتي نهرها ، فقال له أبو خليفة : فأعطها نصف صداقها ، فقال : لا ، أو أرفع بساقها ، وأضعه في طاقها ، فأمر به أبو خليفة فصفع ، راجع القصة مفضلة في كتاب نشوار المحاضرة للتنوخي ج 2 ص 28 رقم القصة 10/2 .

وذكر صاحب مروج الذهب ( ج 2 ص 501 ) إن أبا خليفة الفضل بن الحباب الجمحي قاضي البصرة ، خرج يوما مع أصحابه إلي بعض البساتين ، وجلسوا تحت النخل علي شط النهر ، وعمد أحد أصحابه، فسأله، عن الآية : و يا أيها الذين آمنوا قوا أنفسكم وأهليكم نارا ) ، ما هو موقع الواو في قوا من الإعراب ؟ فقال : موقعها الرفع ، وقوله : قوا ، أمر للجماعة من الرجال ، فسأله : كيف يقال للواحد والإثنين من الرجال ؟ قال : يقال : ي قيا، وللجماعة قوا ، فسأله : وكيف يقال للنساء ؟ فقال : للواحدة في ، وللاثنتين قيا ، وللجماعة قين ، قال : فكيف يقال للرجال والنساء جميعا ، فقال : قي، فيا ، قوا ، قي ، قيا ، قين ، قالها بعجلة أستلفتت نظرة الأكرة الذين كانوا يعملون بقربهم في البستان ، فهجموا علي أبي خليفة وصحبه ، وصاحوا بهم : يا زنادقة ، تقرءون القرآن بحروف الدجاج ، وصفعوهم .

ص: 193

أقول : كان أبو خليفة لا يتكلف الإعراب ، بل صار له ذلك طبعأ ، الدوام استعماله إياه من عنفوان حداثته ، وكان قد وفد علي المعتضد ببغداد ، علي رأس وفد من أهل البصرة ، يشكون ما نزل بهم من محن الزمان ، وجور العمال ، فجلس لهم المعتضد من وراء حجاب ، وأمر الوزير القاسم بن عبيد الله ، بالجلوس لهم ، من حيث يسمع المعتضد خطابهم ، وكان المبتديء بالنطق أبو خليفة ، فقال : غمر العامر ، ودثر الظاهر ، واختلفت العواء ، وخسفت الجوزاء ، وأناخت علينا المصائب ، واعتورتنا المحن ، وقام كل رجل منا في ظلمة واصطلمت الضياع ، وإنخفضت القلاع، فأنظر إلينا بعين الإمام ، تستقم لك الأيام ، وتنقاد لك الأنام ، فنحن البصريون لا ندفع عن فضيلة ، ولا ننافس عن جليلة ، وسجع في كلامه ، وأغرق في خطابه ، فقال له الوزير : أحسبك مؤديا أيها الشيخ ، فقال له : أيها الوزير ، المؤدبون أجلسوك هذا المجلس ، فأعجب المعتضد بما سمع وأكثر من الضحك ، وبعث إلي الوزير ، فقال له : أكتب لهم بما يريدون وأجبهم إلي ما سألوه ( مروج الذهب 2/ 500 ).

ولما أراد المكتفي أن يخرج لقتال القرامطة ، اتفق المنجمون ببغداد ، ورأسهم أبو الحسن العاصمي ، علي أن المكتفي إذا خرج لقتال القرامطة ، لم يرجع لبغداد ، وتزول دولته ، وأن طالع مولده يقتضي ذلك ، وخوفوا وزيره القاسم بن عبيد الله من الخروج معه ، فخرج المكتفي ، وحارب القرامطة ، وظفر بهم ظفر، مؤژرة ، ولما عاد وزيره القاسم ، أمر بإحضار العاصمي رئيس المنجمين ، وصفعه صفعة عظيمة ( الفلاكة والمفلوكون 26 ) .

ومن أطرف القصص المتعلقة بالمصانعة ، قصة الرجل الذي أحاله العباس بن عمرو الغنوي ، أمير ديار ربيعة ، علي صاحب له من أمراء النواحي ، بثلاث مكتوبات ، أي ثلاث صفعات ، وقد حدثنا الرجل عن نفسه ، فقال إنه كان مبدنا وكان قد حلق رأسه ، وعليه منديل خفيف ،

ص: 194

أطارته الريح ، فبدا رأسه الحليق وقفاه العريض ، يغريان بالصفع ، ورآه العباس بن عمرو فصفعه ثلاث صفعات ، فتعلق الرجل به ، فأحاله بالمكتوبات الثلاث علي صاحبه أمير الناحية ، اقرأ القصة مفصلة في كتاب الفرج بعد الشدة للقاضي التنوخي رقم القصة 304 ج 3 ص 185 - 192 .

ويروي البغداديون نادرة تتعلق بالصفع ، خلاصتها إن بغدادية أبصر شخصا مبدنا ، عريض القفا ، فقال لأصحابه : من منكم يصفع هذا القفا العريض ، وله ريال مجيدي ، فعمد إليه أحدهم ، وصفعه علي قفاه صفعة رنانة ، ولما التفت المصفوع، تظاهر الصافع بالخجل ، وأعتذر إليه بأنه حسبه فلانة صديقه ، وعاد فأخذ الريال المجيدي ، فقال له البغدادي : ما قولك في أن تصفعه ثانيا ولك ريالان مجيديان ، فركض إلي الرجل وصفعه صفعة ثانية ، ولما التفت إليه عاود الاعتذار والتظاهر بالخجل ، وعاد فأخذ الريالين ، وقال له الفتي : ما قولك في أن تصفعه ثالثا ولك خمسة ريالات مجيدية ، فعاود الإقتراب من الرجل ، وعاود صفعه ، ولما التفت اليه المصفوع ، قال له : يا سيدي لا أدري بماذا أعتذر إليك هذه المرة ، ولكني أرجو أن تكون علي يقين ، أنه ما دام قفاك عريضأ ، وما دام صاحبنا عنده ريالات مجيدية ، فإن الصفع سوف يلاحقك أينما توجهت .

وكان محمد بن نصر بن بسام ، من أسري الناس منزلا وطعاما وعبيدة ، وكان جاهلا، وينادمه جاهل مثله ، وهو عبد الله بن إسحاق بن إبراهيم المصعبي ، ولكن أولادهما تأدبوا ، وفهموا ، فظرفوا ، وعرفوا ، وكان الفضل بن محمد اليزيدي النحوي ، العالم الأديب ، يختلف الي الأولاد يطارحهم الشعر ، واجتمعوا يوما في مجلس ، فغني بقول جرير :

ألا حي الديار بسعد إني ****أحب لحب فاطمة الديارا

فقال عبد الله بن إسحاق ، لمحمد بن نصر : لولا جهل العرب ، ما

ص: 195

كان معني لذكر السعد هنا ، فقال له محمد : لا تفعل يا أخي ، فإنه يقوي معدهم ، ويصلح أسنانهم ، فالتفت علي بن محمد ( وهو الشاعر المعروف بابن بسام ) إلي الفضل اليزيدي ، وقال له : يا أستاذ ، بالله آصفعهما ، وأبدأ بأبي ( الهفوات النادرة 313 و 314).

وشكا رجل ، إلي صاحبه ، إن له علي بعض القواد دينا ، ولا يتمكن من مقاضاته ، فأخذه إلي شيخ خياط في سوق الثلاثاء ، وطلب عونه في استخلاص الدين ، فنهض معهما ، فقال الرجل لصاحبه : لقد عرضت هذا الشيخ وإيانا لمكروه عظيم ، هذا إذا حصل علي باب القائد، صفع ، وصفعنا معه ، راجع القصة مفصلة في كتاب الفرج بعد الشدة للتنوخي ، تحقيق المؤلف ، رقم القصة 250 .

وكان الوزير ابن الفرات ، يداعب أحد أصحابه ، ويمد يده إليه ( يعني يصفعه ) ، فلما ولاه القضاء ، وقره عن ذلك ، راجع تفصيل القصة في كتاب نشوار المحاضرة للتنوخي ( ج 1 ص 233 رقم القصة 123/1 ).

ورفع صاحب الخبر ، إلي الوزير ابن الفرات ، أن عامة صفع واحدا من التناء لتقاعده عن أداء الخراج ، فوقع إليه : في الحبس للتناء مأدبة ، فلا تعامل بعدها أحدأ بهذه المعاملة ، فأمكنه من الإقتصاص منك ( الوزراء للصابي 281 ) .

وفي السنة 302 جلس الوزير علي بن عيسي للمظالم ، في كل يوم ثلاثاء ، فجيء برجل يزعم أنه نبي ، فناظره ، فقال : أنا أحمد النبي ، وعلامتي أن خاتم النبوة في ظهري ، ثم كشف عن ظهره ، فإذا سلعة صغيرة ، فقال له : هذه سلعة الحماقة ، وليست بخاتم النبوة ، ثم أمر بصفعه ، وتقييده ، وحبسه في المطبق ( صلة الطبري ص 26 ).

وفي السنة 306 لما ولي حامد بن العباس الوزارة للمقتدر ، ولي اين

ص: 196

حماد الموصلي ، مناظرة ابن الفرات ، فأحضر المحسن ، وموسي بن خلف ، فطالبهما بالمال ، وأسرف في صفعهما ، وضربهما ( صلة الطبري ص 39 ).

وأحضر حامد بن العباس في السنة 306 المحسن بن الفرات ، وأمر بصفعه ، فصفع ، ورأي علي رأسه شعرا كثيرة ، فقال : هذا لا يتألم بالصفع ، هاتوا من يحلق شعره ، فحلق شعره ، وأعيد، فصفعه حتي كاد يتلف ( تجارب الأمم 65/1)، وكان هذا الصفع سبب قتل المحسن له ، نما تولي أبوه الوزارة الثالثة ، راجع التفصيل في كتاب نشوار المحاضرة وأخبار المذاكرة للقاضي التنوخي ، في القصة المرقمة 3/ 122 .

وروي لنا أبو القاسم بن زنجي ، إنه كان في دار حامد بن العباس ، وزير المقتدر ، إذ أدخل اليه الفراشون ، رجلا مكورا في كساء أسود ، عرف من بعد ذلك إنه المحسن بن الفرات ، ثم سمع صوت صراخ ، ووقع الصفع ، وحامد يقول للصانع : جود ، والرجل المصفوع يقول : الله ، الله ، قد ذهبت . والله - عيني ، وهو يقول له : إلي لعنة الله ، يا ابن كذا ، ويا زوج كذا ، ويسرف في الشتم ويبالغ ، ويقول له الرجل : لا تسن أيها الوزير ، هذه السنة ، علي أولاد الوزراء ، ويقول له : وأنت من أولاد الوزراء ، ثم يزيده صفعة وشتمة ، فلما لم يبق فيه بقية ، أمر برده إلي حيث كان فيه ، فأخذه الفراشون ، وحملوه ، وجاء أحدهم إلي الموضع الذي كنت فيه ، فأخبرنا إن الرجل هو المحسن بن أبي الحسن بن الفرات ، وإنه مقيد بقيد ثقيل ، وعليه جبة صوف قد غمست في النفط مزرورة إلي عنقه ، وإنهم ردوه إلي الحجرة التي كان فيها وحبسوه في الكنيف منها ، ودلوا رأسه في بئره . ( الوزراء للصابي 264).

وذكر القاضي التنوخي في نشوار المحاضرة ج 3 ص 186- 184 إن المحسن بن الفرات ، كتب إلي ابن الشلمغاني ، وكان في نهاية الإختصاص

ص: 197

بحامد بن العباس ، يسأله ، مسألة حامد الرفق به ، والتقدم إلي المستخرج بالتوقف عن ضربه وإذلاله ، ليؤدي علي مهل ، فتكفل ابن الشلمغاني في أمره ، وخاطب حامد بن العباس في ذلك ، فرده ، فعاود في مجلس حافل ، ولج حامد ، فصاح : هاتم المحسن ، ابن كذا وكذا ، وها تم الغلمان والمقارع، فقبل ابن الشلمغاني يده ، فلم يقنع حامد، وحلف أنه لا بد أن يضربه وأن يصفعه في ذلك المجلس، فلما أحضر المحسن، قام ابن الشلمغاني ، وترك المجلس ، وانصرف ، فاستشاط حامد، وجن ، وأخرج غيظه علي المحسن ، وصفعه الصفع المشهور، الذي كان سبب قتل المحن له ، لما ولي أبوه الوزارة الثالثة ، ولما ترك ابن الشلمغاني المجلس ، دخل إلي حاجب حامد ، وأخذ يشكو ما يجده إلي الحاجب ، ويقول : هذا الرجل يريد أن يقتلنا كلنا من بعده ، ولما انتهي حامد من صفع المحسن ، نادي علي ابن الشلمغاني ، وقال له : يا أبا جعفر ، من حق مودتي لك ، أن تتوافي لأعدائي ، وتقوم من مجلسي اذا رأيتني أوقع بهم ، فقال له : نصف ، أو نقول : صدق الأمير ؟ قال : أسمع وأنصف ، قال : أيها الوزير ، هذا رجل سألتك فيه ، فأعمل إنه كان بقا" لابن وزير أنت تعلم حالته وقديم رياسته، فما كان يحسن أن تردني فيه ، ولا إن رددتني ، أن تسومني الجلوس ، وحضور عذاب من شفعت فيه ، وأنت تعلم أن الأيام دول ، وأن لهذا الفعل عاقبة ، يكفيك الله إياها ، فأي شيء يضرك من سلامة مهجتي في حال العافية ، وإفلات نعمتي من شر هؤلاء ، وأن يقولوا غدا داهننا ، ولم يشفع لنا ، ولو كان نصحنا ما خالفه الوزير ، مع ما بينهما ، وما قعد ليشاهد صفعنا، إلا تشفيا منا، وأي شيء أحسن بك من أن تنسب حاشيتك ، ومن أخترته لمودتك وأنسك إلي الخير ، وبعدهم من الشر ، فيقال أنه لو لم يكن خيرا ، لما استصحب الأخيار، وإنما يحمله علي ما فعله ، الغضب ، والحاجة إلي المال ، والا فالخير طبعه والغالب عليه ، ولا يقال إنه شرير جمع الأشرار حواليه ، قال : فخجل حامد ، واعتذر إليه ، وقال :

ص: 198

اخرج الآن ، وخذ بيد المحسن وتوسط أمره ، وخقف محنته .

وأحضر حامد بن العباس ، وزير المقتدر ، موسي بن خلف ، وكان ينظر في نفقات دار ابن الفرات ، وهو شيخ في التسعين ، فسأله عن ودائع ابن الفرات ، فأنكر معرفته بها ، فأمر بصفعه ، فصفع ، إلي أن أشار علي بن عيسي إلي الغلمان بالكف عنه ، ثم عاوده حامد بالمكروه مات ، حتي أحضره ليلة بين يديه ، وضربه ، حتي مات تحت الضرب ، فقيل له : إنه قد مات ، فقال : اضربوه ، فضرب بعد موته سبعة عشر سوطأ ، ولما علم بموته ، أمر بجر رجله ، فجرت ، وتعلقت أذنه في رژة عتبة الباب فانقلعت ، وحمل إلي بيته ميتا ( تجارب الأمم 65/1 ).

وفي السنة 309 تسلم الوزير حامد بن العباس ، وزير المقتدر ، الحلاج ، فكان يخرجه الي من حضره ، فيصفع ، وتنتف لحيته . ( صلة الطبري ص 52)

أقول : راجع خبر مقتله في موضعه من هذا الكتاب .

وفي السنة 309 أجري الوزير حامد بن العباس وزير المقتدر ، محاكمة الحلاج ، وكان خلال المحاكمة متحاملا عليه ، متعصبا ضده ، وحضر أبو العباس بن عطاء ، أحد الفقهاء ببغداد ، فشهد في صالح الحلاج ، فراجعه حامد ، فجبهه ابن عطاء ، فأمر به فصفع بخفه صفعة مات منه بعد أسبوع، وتفصيل ذلك ، إن الحلاج لما أحضر للمحاكمة ، عرض دليلا ضده ، كتاب كتبه إلي أحد أصحابه ، عنوانه : من الرحمن الرحيم إلي فلان ، فاتهموه بادعاء الربوبية ، فقال : أنا لا أدعي الربوبية ، ولكن هذا عين الجمع عندنا ، فإن الكاتب هو الله ، وأنا واليد آلة فيه ، وسئل أبو العباس بن عطاء ، عن رأيه في قول الحلاج ، فصوبه أبو العباس ، وقال : أنا أقول بقوله ، وهذا هو الإعتقاد الصحيح ، فاغتاظ منه حامد واستنكر منه أن يصوب هذا الاعتقاد ،

ص: 199

فصاح به ابن عطاء : مالك ولهذا ، عليك بما نصبت ل، من أخذ أموال الناس ، وظلمهم ، وقتلهم ، فصاح الوزير : فكه، فوجيء فكاه، ثم أمر فنزع خفه ، وضرب به دماغه ، فما زال يصفع حتي سال الدم من منخريه ، ثم حمل إلي داره فمات بعد أسبوع ( تاريخ بغداد 128/8 ).

وفي السنة 311 لما عزل حامد بن العباس عن وزارة المقتدر ، وخلفه في الوزارة ابن الفرات ، اعتقل حامد ، وأحضر أمام المحسن ، وطالبه ، وأمر بصفعه ، فصفع خمسين صفعة ، حي سقط مغشيا عليه ، وما زال يصفع حتي أعطي توكي" ببيع ضيعنه ، ثم عامله المحسن من بعد ذلك ، معاملة تجري مجري السخف من إذلاله والوضع منه ( تجارب الأمم 103/1 ).

أقول : المعاملة المشار إليها آنفا ذكرها صاحب الصلة ، إذ قال : في السنة 311 تسلم المحسن بن الفرات ، الوزير حامد بن العباس بعد عزله ، فأخذ يصفعه، ويضربه ، ويخرجه إذا شرب ، فيلبسه جلد قرد له ذنب ، ويقيم من يرقصه ويصفعه ، ويشرب علي ذلك ( صلة الطبري 58 ).

وفي السنة 311 لما وزر أبو الحسن بن الفرات ، وزارته الثالثة ، وسلط ولده المحن علي الناس ، أخذ المحسن الوزير علي بن عيسي ، وتقدم بإحضار قيد فيه عشرون رطلا ، وجبة صوف مدهونة بماء الأكارع ، فأحضرت ، وجيء بحداد وأمر بتقييده ، فقيد، وألبس الجبة ، ثم دعا المحسن بعشرة غلمان ، كان قد واقفهم علي أن يشددوا المكروه به ، وأمرهم بصفعه ، فصفعه كل واحد منهم صفعة عظيمة ، فصاح في ثلاثة : أوه ، وقال في الباقي : أستغفر الله من ذنب مكن مثلك من مثلي . ( تجارب الأمم 110/1 والتكملة 41، وابن الأثير142/8 والوزراء 323 و324) .

وكتب المحسن بن الفرات إلي محمد بن نصر ، بالقبض علي أبن حماد الموصلي ، فأخذ ابن حماد ، وضربه ضربا أثخنه ، لعداوة كانت

ص: 200

بينهما ، ثم أنفذه ، فتسلمه المحسن، وأمر بصفعه ، فصفع صفعة شديدة ، فلم يرض بذلك ، وأحضره بين يديه ، وصفعه علي رأسه ، إلي أن خرج الدم من فيه ، ومات من ليلته . ( تجارب الأمم 93/1 والوزراء للصابي 47)

وشكا خازن ابن أبي الساج ، في السنة 315 من المال الذي يحمله محمد بن خلف النيرماني ، للإنفاق في الرجال والغلمان ، فإن أكثر ذلك المالك غلة ودراهم بهرجة وخراسانية ، فغضب محمد بن خلف ، وقال لابن أبي الساج : ما جرا هذا الكلب علي خطابي بحضرتك ، إلا لأنه وقف علي فساد رأيك في ، والآن فوالله لانظرت في شيء من أمرك ، ونفض يده في وجهه ، وخرج من مجلسه ، فغضب ابن أبي الساج ، وقال لغلمانه : ضعوا أيديكم في قفا الكلب اللاحد الخنزير ، وأسمعوني صوته بالصفع ، فصفعوه نحوا من مائة صفعة ، وأخذ سيفه ومنطقته ، واعتقل في حجرة ، وقيد بخمسين رطلا . ( تجارب الأمم 171/1 و172).

ولما وزر أبو الحسن بن الفرات وزارته الثالثة ، وأطلق يد ولده المحسن في الإيذاء كان ممن أخذه المحسن أبو بكر الشافعي ، صاحب الوزير علي بن عيسي ، وأوقع به مكروها ، وصادره وعذبه ، فلما عاد أبو الحسن علي بن عيسي للوزارة ، عرض عليه أبو بكر رقاعة يطلب فيها أصحابها قضاء مصالح لهم ، فضجر الوزير من كثرتها ، فقال له : أيها الوزير ، إذا كان حظنا من أعدائك ، في أيام نكبتك الصفع ، ومنك ، في أيام ولايتك المنع ، فمتي ۔ ليت شعري - وقت النفع ؟ فضحك ، ووقع له في جميع الرقاع ( نشوار المحاضرة للتنوخي ج 1/ص 84 رقم القصة 35/1 ).

وكان أبو محمد بن أبي أيوب الواسطي ، من تجار واسط الموسرين ، وكان يصانع أصدقائه بالمخاد ( جمع مخدة وهي الوسادة ) فدخلت عليه ذات

ص: 201

يوم مغنية كان يهواها ، فوجدته بصانع أصدقائه بالمخاد ، فلما جلسوا علي الشراب ، اقترح عليها صوتا ، وهو :

أبيني س لاحي لا أبالك إنني ****أري الحرب لا تزداد إلا تماديا

فأعطته مخدة ( نشوار المحاضرة للتنوخي ج 1 ص 102 رقم القصة 51/1)

وكان محمد بن عبد الله المعروف بابن الخصيب ، قاضي مصر (300 - 248) يمازح بعض أصحابه في المصانعة ، فعمل فيه بعض الشعراء : ( القضاة للكندي 579)

إني إلي القاضي أتت بحرمة ****هي بيننا حق كفرض لازم

سر لطيف في قفاه وفي يدي**** هي آية بهرت عقول العالم

وفي السنة 322 أفتي الفقهاء بإباحة دم ابن الشلمغاني ، وابن أبي عون ، فصلبا وأحرقا بالنار ، وسبب ذلك أن أبا جعفر محمد بن علي الشلمغاني ، المعروف بابن أبي العزاقر ، أحدث مذهبا غالية في التناسخ ، وادعي حلول الألوهية فيه ، واتبعه جماعة من وجوه الكتاب ببغداد ، فقبض عليه الوزير ابن مقلة ، وسجنه ، وكبس داره ، فوجد فيها رقاعا ممن علي مذهبه ، يخاطبونه فيها بما لا يخاطب به البشر بعضهم بعضا، ولما سئل الشلمغاني عن أمره ، أنكر ما اتهم به ، وأظهر الإسلام ، وتبرأ مما يقال فيه ، وأخذ ابن أبي عون ( أحد الأدباء الكبار ، وصاحب كتاب التشبيهات ) وابن عبدوس ( المؤرخ المشهور ، صاحب كتاب الوزراء والكتاب ) ، وأحضرا مع ابن الشلمغاني عند الخليفة ، وأمرا بصفع ابن الشلمغاني ، فمد ابن عبدوس يده ، وصفعه ، أما ابن أبي عون فإنه مد يده إلي لحيته ورأسه ، فارتعدت بده ، وقبل لحية الشلمغاني ورأسه ، وقال : إلهي ، وسيدي ، ورازقي ، فقال الراضي لابن الشلمغاني : زعمت أنك لا تدعي الألوهية ، فما هذا ؟

ص: 202

فقال : وما علي من قول ابن أبي عون ، والله يعلم ، انني ما قلت له انني اله قط ، فقال ابن عبدوس : أنه لم يدع الألوهية ، وإنما ادعي انه الباب إلي الإمام المنتظر، فحوكم ، فأفتي الفقهاء بإباحة دمه ، فصلب ابن الشلمغاني وابن أبي عون ، وأحرقا بالنار ( ابن الأثير 290/8 - 294 ).

وفي السنة 325 وقعت بالسوس معركة بين عسكر البريدي بقيادة أبي جعفر محمد المعروف بالجمال ، وعدته عشرة آلاف بأتم آلة وأكمل سلاح ، وبين عسكر ابن رائق بقيادة بجكم ، وعددهم ثلثمائة ، فانكسر عسكر البريدي ، ولما عاد قائده أبو جعفر محمد المعروف بالجمال ، الي البريدي ، صفعه بخفه ، وقال : انهزمت مع عشرة آلاف من بين يدي ثلثمائة غلام ( تجارب الأمم 371/1 وابن الأثير 335/8 ).

وجاء في كتاب نشوار المحاضرة للقاضي التنوخي ، إن رجلين اختصما إلي أحد القضاة ، وادعي أحدهما علي الأخر شيئا ، فقال للمدعي عليه : ما تقول ؟ ، فضرط بفمه ( عفط ) فقال المدعي : يسخر بك أيها القاضي ، فقال القاضي : اصفع يا غلام ، فقال الغلام : من أصنع؟ الذي سخر منك ، أم الذي ضرط عليك ؟ فقال : بل دعهما وأصفع نفسك ( كتاب نشوار المحاضرة واخبار المذاكرة للقاضي التنوخي ج 6 ص 263 رقم القصة 178/6 ).

وجاء إلي القاضي أبي القاسم علي بن المحسن التنوخي ، وهو علي حماره في الطريق ، رجل ، فأعطاه رقعة ومضي ، ففتحها واذا فيها :

إن التنوخي به أبن**** لأنه يسجد للفيش

له غلامان ينيكانه**** بعلة الترويح في الخيش

فلما قرأها ، قال لغلمانه : ردوا ذاك زوج القحبة ، فأحضروه ، فقال له : من أعطاك هذه الرقعة ؟ فقال : أعطانيها أحد الناس وطلب مني أن أوصلها إليك ، فقال : قل له ، يا كشخان ، يا قرنان ، يا زوج ألف قحبة ،

ص: 203

ثم صاح بغلمانه : قفاه ، قفاه ، فصفعوه ( الهفوات النادرة 243) .

وكان أبو محمد المافروخي ، عامل البصرة ، في العهد البويهي ، فأفاء ، وحدث أن أحد خلفائه ، ترك بحضرته ولد له فأفاءأ ، فلما كلمه أبو محمد ، فأفأ ، فأجابه الولد ، وفافا ، فقال أبو محمد : يا غلمان قفاه ، كأنه يحكيني ، فصفع صفعة محكم ، ثم حضره أقوام وحلفوا له انه فأفاء ، فقال : الذنب ذنب أبيه لأنه ترك في حضرتي مثله ، راجع القصة مفصلة في كتاب ( نشوار الحاضرة ج 4 / ص 14 رقم القصة 7).

وسقط غراب علي حائط صحن دار دار سهل بن بشر ، عامل الأهواز ، فنعب ، فتطير من صياحه ، وأمر بصفع البواب ، لأنه من الغراب من دخول الدار ( الهفوات النادرة 318) .

وكان أبو العباس سهل بن بشر ، ضامن الأهواز ، حديدا ، وشتم مرة أحد الفراشين ، وألح عليه ، فحمي الفراش وأخذ قربة ، وصفعه بها إلي أن قطع القرية علي قفاه ، راجع التفصيل في القصة المرقمة 107/7 من كتاب نشوار المحاضرة للتنوخي ج 7 ص 181 .

وتناظر أبو الحسين الناشيء، ومتكلم من الأشعرية ، فرفع الناشيء بده ، وصفع الأشعري ، فغضب ، وقال له : هذا سوء أدب ، وخارج عن المناظرة ، فقال له : إن نسبت العمل إلي ، فقد ناقضت مذهبك الذي يقول إن كل الأفعال من الله تعالي ، وإن انتقلت من مذهبك ، واعتبرت الضربة مني ، فخذ العوض . ( معجم الأدباء 237/5 ) .

وذكر القاضي التنوخي في نشوار المحاضرة ج 2 ص 124 و125 رقم بن مخلد ، أسلم ابن مقلة إلي أبي العباس الخصيبي ، فبسط عليه العذاب ، وضربه ، وأقامه بين غلامين ، وأقام خلفه أخر يصفعه .

ص: 204

أقول : كان ابن مقلة قد نفي سليمان بن الحسن ، وأبا العباس الخصيبي ، وتقدم بإنفاذهما في البحر إلي عمان فخب بهما البحر ، ويئسا من الحياة ، فقال الخصيبي : اللهم إني أستغفرك من كل ذنب وخطيئة ، وأتوب إليك من معاودة معاصيك ، إلا من مكروه أبي علي بن مقلة ، فإنني إن قدرت عليه جازيته عن ليلتي هذه ، وما حل بي منه فيها ، وتناهيت في الإساءة إليه ، فقال سليمان : ويحك ، في مثل هذا الموضع ، وأنت معاين للهلاك تقول هذا ؟ فقال : لا أخاد ع ربي ، وأعيدا من عمان ، فلما عزل ابن مقلة في خلافة الراضي ، ضمنه الخصيبي بألفي ألف دينار ، وتسلمه وأوقع به كثيرا من المكاره .

وغضب الصاحب أبو محمد بن مكرم ، علي صاحب دواته أبي الحسن سعيد بن نصر ، فتقدم بصفعه علي باب داره بالشمشكات .

قال أبو القاسم سعدان العطار : اجتاز بي أبو الحسن سعيد بن نصر ، دواتي الصاحب أبي محمد بن مكرم ، فسلم علي وسلمت عليه ، ولما مضي ، سألني بعض الحاضرين عنه ، فقلت له : أذكر هذا ، وقد أنكر عليه ابن مكرم فعلا فعله ، فتقدم بصفعه علي باب داره بالشمشكات ، واتفق أن أبا الحسن لم يكن بعد عني كثيرا ، فسمع قولي ، فالتفت إلي ، وقال : ما وجدت ما تعرفني به ، غير هذا الحديث ( الهفوات النادرة 204 ص 214) .

وروي القاضي التنوخي في كتاب الفرج بعد الشدة ، إن صوفيا أقسم لا يذوق شيئا ، أو يبعث إليه جام فالوذج حار ، ولا يأكله إلا بعد أن يحلف عليه ، فلما كاد أن يموت من الجوع، أوي وصاحبه ، وقد انتصف الليل ، إلي جامع ، فأنطرحا هناك ، وإذا بجارية سوداء أقبلت ومعها طبق مغطي ، وكشفت الغطاء عن جام فالوذج حار ، ووضعته بين أيديهما ، فامتنع الصوفي عن الطعام ، فشالت الجارية يدها، وصفعته صفعة عظيمة ، وقالت له : والله ، لئن لم تأكل لأصفعنك هكذا ، إلي أن تأكل ، فأكل وأكل رفيقه معه ،

ص: 205

ثم سألا الجارية عن قصة هذا الجام من الفالوذج ، فقالت : أنا جارية في بيت رئيس هذه القرية ، وهو رجل أحمق حديد ، طلب منا منذ ساعة فالوذجا ، فقمنا لنصلحه ، والدنيا شتاء وبرد ، فإلي أن باشرنا العمل ، تأخر عنه ، فطلبه مرتين ، وفي الثالثة حرد ، وحلف بالطلاق ، لا يأكله هو، ولا أحد من داره ، ولا أحد من أهل القرية ، ولا يأكله إلا رجل غريب ، فخرجت في منتصف الليل ، أطلب في المسجد غريبا ليأكله ، فوجدنا كما ، ولو لم يأكل هذا الشيخ لقتلته صفعة إلي أن يأكل ، لئلا تطلق ستي ، راجع القصة مفصلة في كتاب نشوار المحاضرة للتنوخي (ج 3 ص 76 و 77 رقم 54/3 وفي كتاب الفرج بعد الشدة للتنوخي رقم القصة 261).

وقد أشرنا في مقدمة هذا البحث ، الي قصة طريفة عن محتال من العيارين البغداديين ، كان يحسن السريانية ، فكان يلبس زي الرهبان ، ويدخل إلي أحد القواد الأتراك ، ويخبره بأنه كان في الدير الفلاني ، وأنه رأي في منامه النبي صلوات الله عليه ، وأراد أن يسلم علي يده ، فقال له : إذهب إلي القائد فلان ، وأسلم علي يده ، فإنه من أهل الجنة ، ثم يقطع الزنار بحضرته ، ويتلفظ بالشهادتين ، فيجود عليه القائد بمال وثياب ، وجري علي طريقته هذه في الحيلة علي القواد ، واحدة بعد الأخر ، وفي أحد الأيام ، جاء إلي أحد القواد ، بزي الرهبان ، وقص عليه قصة المنام والدير ، وإذا بالمجلس أحد الذين سبق أن أحتال عليهم وأسلم علي يده ، فقامت عليه القيامة ، ولكنه تجلد ، وأتم مراسيم قطع الزنار ، والتلفظ بالشهادتين ، وتناول جائزة القائد ، وبارح المكان ، فلحق به القائد الذي عرفه ، وحمله إلي داره ، ففزع الرجل ، وقال له : يا سيدي أنا صفعان فقير ، فقال له التركي : إني لم أرد أن أفضحك ، وتركتك لتجوز حيلتك علي الباقين كما جازت علي، قال العيار : فتصفعت له ، وطايبته ثم دعا أصحابه من القواد الأتراك ، وأخرجه عليهم في «زي الصفاعنة ، راجع تفصيل القصة في كتاب نشوار

ص: 206

المحاضرة ج 8 ص 272 - 274 رقم القصة 119/8 .

وكان بمصر في أيام المادرائيين ، شريف من ولد العباس ، يعرف بأبي جعفر الشق ، شبيه بابن الجصاص في الغفلة والجد والنعمة ، ذكر عنه أنه قدم علي مائدته يوما حصرمية غير محكمة الصنع، فغضب ونادي الطباخ فلامه علي ذلك ، فاعتذر بأنه سأل المنفق أن يشتري ما يحتاج إليه ، فلم يلب طلبه ، فأحضر المنفق ، فاعتذر بأنه سأل الجهبذ ، فتأخر في أداء ما طالبه بأدائه ليشتري ما طلب منه ، فأحضر الجهبذ ، فاعتذر بأنه طالب الكاتب بأن يوقع له ، فتأخر عن ذلك ، فأحضر الكاتب ، وسأله ، فلم يكن عنده جواب ، فأوقف الكاتب ، وأوقف خلفه الجهبذ ، وخلف الجهبذ المنفق ، وخلف المنفق الطباخ ، وقال : نفيت من العباس ، إن لم يصفع كل واحد منكم من يليه بأشد ما يقدر عليه ، فتصانعوا ، راجع القصة في نشوار المحاضرة للتنوخي (ج 6 ص 206 - 208 رقم القصة 132/6 ).

وحضر أبو الهيثم ، في دار عضد الدولة ببغداد ، وجلس وأخذ عمامته عن رأسه ، ووضعها بين يديه ، فكتب بذلك صاحب الخبر ، فخرج إليه أستاذ الدار وخرق به ، وشتمه وأخذ عمامته فضرب بها رأسه حتي تقطعت قطعة ، ثم اعتقل . ( رسوم دار الخلافة 77) .

وكان من الآيين في دار الخلافة ، أن اللون الأحمر ، ينفرد به الخليفة ، واتفق أن دخل دار الخلافة ، ابن أبي الشوارب الأموي القاضي ، لابسأ خفا أحمر ، فرآه أبو الحسن الشرابي الحاجب ، وكان من أعدائه ، فأمر أحد الغلمان فنزع خف القاضي ، وضرب به رأسه . ( رسوم دار الخلافة 75 ).

وغضب الوزير أبو القاسم المغربي علي بعض العمال ، واحتد عليه ، فقال له : لأتقدم بصفعك ، فقال له العامل : بل نترك العمالة ، ولا تصفعنا ولا نصفعك ( الهفوات النادرة 182).

ص: 207

وحضر إلي أبي الغنائم القنائي ، أحد أتباعه ، وشكا إليه من بعض الناس ، فقال له مستهزئا : لم صبرت علي هذا الفعل منه ، كان يجب عليك أن تشيل قفاك فتصفع يده ، لا تفكر فيه ولا تحتشمه ، فقال له : هذا يفعله سيد مثلك ، أما أنا فلا أقدم علي مثله ، فخجل أبو الغنائم وامتقع لونه ( الهفوات النادرة 65 ).

وفي السنة 344 تحارب ابن ماكان ، بأصبهان ، وابن العميد وزير ركن الدولة ، فأسر ابن ماكان ، وأحضر امام ابن العميد، فخرج من بين الجمع ركابي أو مكاري فصفع آبن ماكان صفعة طن بها الموضع ، فلحق ابن العميد غيظ عظيم ، وأمر بطلبه ليقطع يده ، إذ اعتبر العمل إهانة لأسير لا يملك الدفاع عن نفسه ، فهو عمل مخالف للمروءة ، ( تجارب الأمم 161/2 ).

وكان من رسم الأبزاعجي ، صاحب الشرطة في بغداد ، في عهد معتر الدولة ، أنه إذا أراد أن يقرر إنسانا ، قرره وهو قائم بين نفسين ، ووراءه جماعة بمقارع، فإذا حك رأسه ، ضرب المقرر صفعة واحدة عظيمة بالمقرعة ، فيقول للذي ضربه : قطع الله يديك ورجليك ، يا فاعل ، يا صانع ، من أمرك بضربه ؟ ولم ضربته ؟ تقدم يا هذا لا بأس عليك ، أصدق ، فقد نجوت ، فإن أقر ، وإلا حك رأسه ثانية وثالثة أبدا ، وكذلك كانت عادته في جميع الجناة ، وهو رسم له معروف عند المتصرفين بحضرته ، راجع التفصيل في كتاب نشوار المحاضرة ( ج 3 ص 217 رقم القصة 141/3 ).

وكان أبو طاهر ، علي مطبخ أبي محمد بن مكرم ، فقدم علي الطبق خبز رديء ، فأمر أبو طاهر ، باحضار الخباز وصفعه عشرين صفعة ( الهفوات النادرة 307) .

وكان أبو القاسم الحسن بن أميرويه الديلمي ، يكتب لأبي القاسم

ص: 208

علي بن الحسين ، ابن اخت الوزير أبي الفرج بن فسانجس ، فجري علي ابن أميرويه ، من الجند الأتراك ، استخفاف وصفعوه ، فجاء إلي صاحبه علي بن الحسين ، غاضبا ، وقال له : يا سيدنا أنا أخدم بين يديك ، وليس لي بعد الله غيرك ، والجاري خمسمائة درهم ليس تكفيني لنفقتي ، فلم الأتراك في كل وقت يصفعونك ، ويجرون برجليك ويستخفون بك ، فضحك منه ، وقال : لسوء أدبهم ، وأدب من يجرون برجله ، وأعرض عنه ، وصار بعدها لا يكلمه إلا بالفارسية ( الهفوات النادرة 338 ).

أقول : هذا الكاتب الديلمي ، ابن أميرويه ، كان يكتب لموسي بن فياذة ، القائد الديلمي ، وقد حفظ عنه ، انه كتب رقعة مع جارية له إلي البقلي : يدفع البقلي - أعزه الله - في الجارية ، عشرين قاعة كبارا ، فقال لها البقلي : دعيني أدفع فيك قثاءة واحدة بكل ما في الصين من القثاء ( الهفوات النادرة 337).

وكتب صاحب حلب إلي عامله علي انطاكية ، أن يصفع كاتبه ، وسبب ذلك : إن عامل انطاكية ، كان له كاتب أحمق ، وغرق في البحر شلنديان من مراكب المسلمين التي يقصدون فيها الروم ، فكتب الكاتب عن صاحبه العامل ، إلي الأمير بحلب : بسم الله الرحمن الرحيم ، أعلم الأمير - أعزه الله - إن شلنديين ، أعني مركبين ، صفقا، أي غرقا، من خب البحر ، أي من شدة موجه ، فهلك من فيهما ، أي تلفوا ، فأجابه صاحب حلب : ورد كتابك ، أي وصل ، وفهمناه ، أي قرأناه ، فأدب كاتبك، أي اصفعه ، واستبدل به ، أي أصرفه ، فإنه مائق ، أي أحمق ، والسلام ، أي قد انقضي الكتاب ( الهفوات النادرة 305 و306) .

وفي السنة 431 اتهم باديس صاحب غرناطة ، أبا الفتوح ثابت بن محمد الجرجاني ، بالتآمر ضده ، ففر منه إلي إشبيلية ، ثم عاد إليه مستسلمة ، فحلق رأسه ، وأدخله إلي غرناطة مشهرا علي بعير ، ومن خلفه

ص: 209

أسود فظ ضخم يوالي صفعه ( الاحاطة 462 - 466) .

وفي السنة 478 غضب المعتمد بن عباد اللخمي ، صاحب إشبيلية وقرطبة ، علي رسول الاذفنش ، فأمر بصفعه ، فصفع حتي ندرت عيناه ، وسبب ذلك ، إن المعتمد كان يؤدي الضريبة في كل عام إلي الاذفونش ، فلما ملك الأذفونش طليطلة، أرسل إليه الضريبة ، علي عادته ، فردها، وطمع في تملك قسم مما يملكه المعتمد ، وبعث إليه رسولا يطالبه بتسليم جميع الحصون التي في الجبل ، فغضب المعتمد ، وأمر بالرسول فصفع صفعة عظيمة ، حتي ندرت عيناه ( ابن الأثير 143/10 ).

ومر المعتمد بن عباد اللخمي ، صاحب قرطبة وإشبيلية ، ذات ليلة ، ومعه وزيره ابن عمار ، باب شيخ كثير التهكم ، فضربا عليه الباب .

فقال : من هذا ؟ والله لو ضرب آبن عباد بابي ما فتحت له .

فقال المعتمد : فإني أبن عباد .

فحسب الرجل أن أحد أصدقائه يمازحه ، فقال : مصفوع ألف صفعة . فضحك المعتمد ، حتي سقط إلي الأرض ( نفح الطيب 127/4 ).

وفي السنة 484 صفع إنسان يبيع الحصر ، أبا سعد بن سمحة اليهودي وكيل السلطان ونظام الملك ، واتهم بأن الوزير أبا شجاع وضعه علي ذلك ، فأرسل السلطان إلي الخليفة في عزله ، فعزله ، فلما بلغه الأمر بعزله قال : ( ابن الأثير 186/10 و187).

تولاها وليس له عدو**** وفارقها وليس له صديق

ولما حبس المستظهر العباسي (ت 512)، وزيره أبا منصور عميد الدولة بن جهير ، واستصفي أمواله ، أدخله حمامة ، وسمر عليه الباب ، حتي مات ، ثم عرضه علي الشهود ، ليروا أنه مات حتف أنفه ، فدخل أخوه مع

ص: 210

الشهود ، ولما راه ميتا ، صاح : يا أخي قتلوك ، فهجم عليه خدم الخليفة ، ضربا وصفعة بالنعال ، حتي قتلوه ( الوافي بالوفيات 272/1 و273 ) .

وغضب الأمر الفاطمي (ت 524 ) علي المستوفي الراهب ، ابن أبي نجاح ، لتفاقم ظلمه ، فأمر به ، فقتل ضربأ بالنعال ، في مجلس الشرطة ، بالقاهرة ، وجر الي كرسي الجسر ، وسمر علي لوح ، وطرح في النيل، وجذف ، حتي خرج إلي البحر الملح . ( خطط المقريزي 291/2 ).

وفي السنة 501 توفي تميم بن المعز بن باديس ، صاحب إفريقية ، وكان له في البلاد أصحاب أخبار يجري عليهم أرزاق سنية ليطالعوه بأحوال أصحابه لئلا يظلموا الناس ، وكان بالقيروان رجل تاجر ، له مال وثروة ، فذكر التجار في بعض الأيام تميمة ، فامتدحوه ، وذلك التاجر حاضر فترحم علي أبيه المعز ولم يذكر تميم بخير، فرفع ذلك إلي تميم ، فأحضره إلي قصره ، وسأله: هل ظلمتك ؟ قال : لا ، قال : فهل ظلمك بعض أصحابي ؟ قال : لا ، قال : فلم أطلقت لسانك أمس بذمي ؟ فسكت ، فقال له : لولا أن يقال عني أنني شرهت إلي مالك لقتلتك ، ثم أمر به فصفع في حضرته قليلا ، ثم أطلقه فخرج وأصحابه ينتظرونه ، فسألوه عن خبره ، فقال : أسرار الملوك لا تذاع ، فصارت بإفريقية مثلا . ( ابن الأثير 451/10 ).

وفي السنة 526 أحضر نازح خادم خاتون زوجة المستظهر ، إلي دار الخلافة ، وقيل له : أنت حافظ خاتون المستظهرية ، وقد قذفت بابن المهير ، فصفع ، وأخذت خيله وقريته ، وقتل ابن المهير ، وحل المسترشد إقطاعها ، وأقام معها في دارها من يحفظها . ( المنتظم 27/10 ) .

وكان من جملة العذاب الذي عذب به نصر بن عباس ، الذي قتل الظافر الفاطمي ، أن أدخل إلي نساء الظافر ، فأقمن يضربنه بالقباقيب والزرابيل ( أخفاف النساء) (النجوم الزاهرة 311/5 ) .

ص: 211

وفي السنة 557 ادعت امرأة علي ابن النظام فقيه النظامية ، أنه تزوجها ، فجحد ، وحلف ، ثم قرر ، فأقر ، فعزل من التدريس ، ووكل به ، وأخذ الفقيه الذي عقد لهما العقد ، فصفع علي باب النوبي . ( المنتظم 203/10)

وفي السنة 578 حصر صلاح الدين الأيوبي ، بلدة الموصل، فدافع عنها أصحابها دفاعا مجيدا ، ونصب صلاح الدين منجنيقا ، فنصب عليه أهل البلد ، تسعة مجانيق ، وخرج جماعة من العامة ، فأخذوه ، وجري عنده قتال كثير ، فأخذ بعض العامة لالكة (نوع من الأحذية ) من رجليه ، فيها مسامير كثيرة ، ورمي بها أميرة يقال له جاولي الأسدي ، مقدم الأسدية وكبيرهم ، فأصاب صدره ، فوجد لذلك ألما شديدا ، وأخذ اللالكة وعاد عن القتال الي صلاح الدين ، وقال : إن أهل الموصل يقاتلوننا بحماقات ، ما رأيت مثلها ، وألقي اللالكة ، وحلف أنه لا يعود يقاتل ، أنفة ، حيث ضرب بهذه ( ابن الأثير 85/11 و486) .

وهجا الشاعر أبو المكارم هبة الله بن وزير ، القاضي السعيد أبا القاسم هبة الله بن جعفر السعدي (ت 108)، فأحضره السعيد ، وصفعه وشتمه ، فكتب إليه أبو الحسن ابن المنجم الشاعر : ( مرآة الجنان لليافعي 18/4 ).

قل للسعيد أدام الله نعمته ****صديقنا ابن وزير كيف تظلمه

صفعته إذ غدا يهجوك منتقما ****فكيف من بعد هذا ظلت تشتمه

هجو بهجو وهذا الصفع فيه ربا ****والشرع لا يقتضيه بل يحرمه

فإن تقل ما بهجو عنده ألم ****فالصفع والله أيضا ليس يؤلمه

وفي السنة 802 عاقب الأمير تنم ، كاغل حلب ، شخصأ من أكابر أهل عين تاب بالصفع ، فأدخله السجن ، فمات بالسجن من الصفع ، وكان الأمير تنم كثير الطمع في أموال الرعية ، وصادر كثيرة منهم ، وانحلت الأمور في

ص: 212

أيامه وكثر قطاع الطريق ، فلم تطل أيامه بحلب ، وعزله السلطان ( اعلام النبلاء 47/3 ) .

وهجا الشاعر ابن القطان البغدادي (ت 558 ) قاضي القضاة جلال الدين الزينبي ، بقصيدة ، فسير إليه أحد غلمانه ، فأحضره ، وصفعه ، وحبسه ، فلما طال حبسه ، كتب إلي مجد الدين أستاذ دار الخليفة :

إليك أظل مجد الدين أشكو**** بلاء حل لست له مطيقا

وقوما بلغوا عني محا ****إلي قاضي القضاة الندب سيقا

فأخفق نعله بالصفع رأسي**** إلي أن أوجس القلب الخفوقا

علي الخصم الأداء ، وقد صفعنا**** إلي أن ما تهدينا الطريقا

فيامولاي هب ذا الإفك حقا ****أيحبس بعدما استوفي الحقوق

فأخرجه مجد الدين من الحبس ، فقال : ( وفيات الأعيان 484/3 و58/6 ).

عند الذي طرف بي إنه**** قد غض من قدري وآذاني

فالحبس ما غير لي خاطرة ****والصفع مالين آذاني

وفي السنة 199 قبض الظاهر بيبرس ، سلطان مصر، علي الملك المغيث فتح الدين عمر الأيوبي ، صاحب الكرك ، وبعث به معتقلا إلي مصر ، فحمل إلي امرأة الظاهر بيبرس ، بقلعة الجبل ، فأمرت جواريها ، فقتلنه ضربا بالقباقيب ، وكانت تنقم عليه إنه أساء معاملتها لما كانت بالكرك ، لما هرب زوجها الظاهر بيبرس من خصومه ( المختصر في تاريخ البشر 216/3 و217) .

وفي السنة 681 أحضر إلي بغداد عبد يشوع ويعقوب ، وكانا قد رفعا علي الصاحب علاء الدين صاحب الديوان ، فطيف بهما في بغداد عريانين ، والعوام يصفعونهما ويضربونهما بالأجر ، ثم قتلا بقية اليوم ، وجر العوام

ص: 213

جثتيهما ، وأحرقوهما بباب قلاية النصاري ( الحوادث الجامعة 422) .

وفي السنة 732 توفي فخر الدين محمد بن فضل الله القبطي ، ناظر الجيش بالقاهرة ، وكان هو المدبر لمملكة الناصر محمد بن قلاوون ، وكان كثيرا ما يعارض السلطان ، فيغضب السلطان منه ثم يعود فيرضي عنه ، وكان لا يتناول راتبا من السلطان ، وإنما يأخذ في كل يوم ( كماجة ) واحدة ، يقول إنه يأخذها تبركا ، وكان يمازحه ويطلعه علي أسراره ، وغضب عليه السلطان الناصر مرة لكثرة معارضته له ، فصاح عليه : اخرج من وجهي ، ولا أري وجهك من بعدها ، فخرج وهو يقول : لقد أراحني الله ، فغضب منه ، ونزع خفيه ، وضربه بهما ، ثم رضي عنه وأعاده ( الدرر الكامنة 255/4 و 256).

وفي السنة 742 كان القاضي حسام الدين حسن بن محمد البغدادي الغوري ، بالجامع ، فهجم عليه جماعة من « زفورية المطبخ ، فضربوه ، ومزقوا ثيابه ، وخرقوا عمامته ، وتناولوه بنعالهم يضربونه حتي أدركه بعض الأمراء وهو يستغيث ، فخلصه منهم ، وحمل الغوري إلي بيته بالصالحية ، فاقتحم عليه العوام منزله ، ونهبوا جميع ما فيه ، وشرعوا في كتابه محضر لإثبات فسقه ، فتعصب له بعض الأمراء ، وخلصه وأخرج من الديار المصرية ( الدرر الكامنة 127/2 و129).

وأورد صاحب النجوم الزاهرة 60/10 و61 خبر الاعتداء علي القاضي الغوري بالشكل الآتي : قال : في السنة 742 لما جلس الناصر أحمد بن الناصر محمد بن قلاوون علي العرش بالقاهرة ، جاء القاضي حسام الدين الغوري ، لتقديم التهاني ، وكان طباخ السلطان يحقد علي القاضي أنه أهانه في أحد الأيام في مجلس الحكم ، فأغري به صبيان المطبخ وجمع من الأوباش ، فأقاموه ، وأنزلوا عمامته في حلقه ، وقطعوا ثيابه ، وضربوه بالنعال ضربا مبرحا ، وهو يستغيث ، وهجم العامة علي داره فنهبوها .

ص: 214

أقول : حسام الدين الغوري ، نشأ ببغداد ، وتولي الحسبة بها ، ثم تولي القضاء ، وقدم إلي مصر صحبة وزير بغداد نجم الدين محمود في السنة 738 لما وقعت الفتنة ببغداد ، وأستقر بالقاهرة في قضاء الحنفية ، وكان سليط اللسان فاحش الألفاظ ، أغضب جميع رجال الدولة حتي السلطان ، وكان يستطيل بكلامه مع السلطان بالتركية ، ويبالغ في الغض من رفقته ، والظاهر أن ما ناله من الضرب والإهانة ، كان بتحريض من بعض رجال الدولة .

وفي السنة 755 عزل تاج الدين ابن الغنام ، ناظر الجيش وناظر الخاص بمصر ، وكشف رأسه ، وضرب بالنعال ، ومات تحت العقوبة ( الدرر الكامنة 201/1 ).

وكان القاضي عبد المعطي بن محمد الريشي ، نائب القاضي الحنفي بالقاهرة (ت 833 ) يصفع من يتحاكم إليه ، ويرسل لمن يريد إهانته من بياض الناس ، من يقوم بصفعه ( الضوء اللامع 82/5 ).

وفي السنة 892 توفي أبو المعالي علي بن عبد المحسن القطيعي ، وكان مقيمة بدمشق ، وأفتي في مسألة الطلاق برأي ابن تيمية ، فامتحن بسببها علي يد القاضي الباعوني ، قاضي الشافعية بدمشق ، فأمر به فصفع ، وأركب علي حمار، وطيف به في شوارع دمشق ، وسجن ( الضوء اللامع 256/5)

وفي السنة 886 نصب قاضيأ للمالكية بالقاهرة ، الفقيه عبد الرحمن بن خلدون الحضرمي ، من أهل تونس ، وكان قد تنقل بين المغرب والأندلس ، ثم حج ، فلما عاد إلي القاهرة ، نصبه السلطان قاضيأ للمالكية ، ففتك بكثير من أعيان الموقعين والشهود ، وصار يعزر بالصفع ، ويسميه : الزج ، فإذا غضب علي إنسان ، قال : زجوه ، فيصفع حتي تحمر رقبته ( الضوء اللامع 145/4 و146).

ص: 215

وفي السنة 922 غضب الشيخ سعود بالقاهرة ، علي الزيني بركات بن موسي ، صاحب الحسبة ، فأمر بكشف رأسه ، وضربه بالنعال ، فصفعوه بالنعال علي رأسه حتي كاد يهلك ( بدائع الزهور 112/5 و 113 ).

وفي السنة 998 توقي الشيخ زين الدين عمر الرسام الدمشقي ، وكان سبب موته أنه طالب أحمد الخليلي الجابي بعلوفته في وقف الحرمين ، فأجابه أحمد بمجون وسخرية ، فصفعه الشيخ زين الدين ، فشكاه إلي القاضي ، فأعترف بصفعه وأستطال عليه في المجلس ، فعزره القاضي ، فعاد إلي بيته محموما ومات ( الكواكب السائرة 198/3 ).

وفي السنة 1192 أمر مراد بك ، بمصر ، بقطع يدي عبد الرحمن أغا، وسلمه السواس الخيل ، فصفعوه ، ثم قطعت يده ، ثم قتل ( تاريخ الجبرتي 532/1 ) .

وفي السنة 1192 حصلت معركة بين الأمراء المحمديين ( أصحاب محمد بك أبي الذهب والعلويين ( أصحاب علي بك بلوط قبان ) فانكسر العلويون ، وهرب حسن بك الجداوي ، فهاجمه العرب ، وحصره رتيمة شيخ عرب بلي ، وقبض عليه ، وأخذ سلاحه ، وعزاه ، وكتفه ، وصفعه رتيمة علي قفاه ووجهه ، وسحبه ماشي حافيا ، وبلغ ذلك الشيخ إبراهيم شيخ بلقيس ، فركب إليه وخلصه ، وفك كتافه ، وألبسه ثيابا ، وأعطاه دراهم ودنانير ( الجبرتي 520/1 ).

وفي السنة 1199 حصلت فتنة بالإسكندرية ، بين أهل البلد ، وأغات القلعة والسردار ، بسبب قتيل من أهل البلد ، قتله بعض أتباع السردار ، فثار العامة ، وقبضوا علي السردار ، وأهانوه ، وجرسوه علي حمار ، وحلقوا نصف الحينه ، وطافوا به البلد وهو مكشوف الرأس، وهم يضربونه ، ويصفعونه بالنعالات ( الجبرتي 594/1 ) .

ص: 216

وفي السنة 1213 قتل الشيخ سليمان الجوسقي ، شيخ طائفة العميان بالقاهرة ، إتهمة الإفرنسيون ، بإثارة الفتنة عليهم ، وكان قد غضب عليه الشيخ الحفني ، في أمر من الأمور ، فأرسل إليه من أحضره موثوقة ، مكشوف الرأس ، مضروبا بالنعالات علي دماغه وقفاه ، من بيته إلي بيت الشيخ بالموسكي ، بين ملا العالم ( الجبرتي 2/ 279 ) .

ص: 217

الفصل الثالث :

أ- الركل

الركل : الضرب برجل واحدة ، والبغداديون يسمون الركلة : جلاقة ، والفعل : جلق ، يجلق ، تجليقا ( بالجيم المثلثة ) ، وتسمي في لبنان : البطة ، وفي مصر : شلوت .

أقول : لم أعثر علي أصل كلمة الجلافة ، ووجدت في المعجم الذهبي : إن كلمة شلاق الفارسية تعني السوط ، وأن كلمة جالاك الفارسية ، تعني السريع ، ووجدت في النجوم الزاهرة 297/7 أن كلمة جالق التركية يراد بها الفرد الحاد السريع الإندفاع، ولبط : فصيحة وتعني الإلقاء علي الأرض ، أما الشلوت ، فلم أعثر علي أصل لها ، ولعل الكلمة محرفة عن الجلاق .

وهذا اللون من العذاب ، أي الركل ، يقصد به الإهانة .

وأقدم ما بلغنا عن هذا اللون من العذاب ، ما أصاب عمار بن ياسر ، من الركل ، لما كتب عدة من أصحاب رسول الله صلوات الله عليه ، كتابا إلي عثمان ، عددوا فيه ما نسبوا إليه من أحداث ، وخوفوه ربه ، وأعلموه أنهم مواثبوه إن لم يقلع ، وأخذ الكتاب إليه عمار بن ياسر ، فقرأ عثمان صدرا منه ، ثم قال لعمار : أعلي تقدم من بينهم ؟ فقال عمار : لأني أنصحهم لك ، فقال : كذبت ، وأمر غلمانه فمذوا بيديه ورجليه ، ثم ضربه عثمان

ص: 218

برجليه وهي في الخقين علي مذاكيره ، فأصابه الفتق ، وكان ضعيفا كبيرة ، فغشي عليه ( أنساب الأشراف 49/5) .

والخبر الذي يليه عن هذا اللون من العذاب ، مارسه عبد الله بن الزبير ، فإنه لما أيس من الظفر جمع أصحابه ، وأستشارهم فيما يصنع ، فقال له أخوه عروة ، وكان جالسا معه علي السرير ، يا أمير المؤمنين ، قد جعل الله لك أسوة ، فقال عبد الله : من هو أسوتي ؟ قال : الحسن بن علي ، خلع نفسه وبايع معاوية ، فرفع عبد الله رجله ، وركل عروة ، حتي ألقاه ، ثم قال له : ياعروة ، قلبي إذن مثل قلبك ( الإمامة والسياسة 24/2)

ولما فرغ مسلم بن عقبة من قتل أهل المدينة ، في وقعة الحرة ، جلس علي سرير ، وأمر أهل المدينة أن يبايعوه علي أنهم عبيد ليزيد بن معاوية ، وخول له ، إن شاء وهب ، وإن شاء أعتق ، وإن شاء أسترق ، فمن أبي ذلك قتله ، وجاء عمرو بن عثمان بن عفان إليه ، فأجلسه معه علي السرير ، ولما حاول أن يخلص مدنيا من القتل ، ركله برجله ، فرماه من فوق السرير ( الامامة والسياسة 8/2 ).

وكان زفر بن الحارث الكلابي ، حارب عبد الملك بن مروان ، ثم نزل اليه بالأمان ، فأمنه ، وأجلسه معه علي السرير ، فدخل عليه الأخطل ، وقال العبد الملك : تجلس عدو الله هذا معك علي السرير ، وهو القائل بالأمس :

وقد ينبت المرعي علي دمن الثري**** وتبقي حزازات النفوس كما هيا

فقبض عبد الملك رجله ، وركل بها صدر زفر ، فقلبه عن السرير ، وقال : أذهب الله حزازات تلك الصدور ، فقال زفر : أنشدك الله يا أمير المؤمنين ، والعهد الذي أعطيتني ، راجع التفصيل في الأغاني 296/8 و297).

ص: 219

وغضب أبو نعيم المحدث ، من يحيي بن معين ، فرفع رجله وركل بها يحيي ، فرمي به عن الدكة ، وسبب ذلك ، إن يحي أراد أن يختبر أبا نعيم ، وأبو نعيم من ثقات المحدثين ، فكتب ثلاثين حديثا فيها سند لأبي نعيم ، وأدخل فيها ثلاثة أحاديث ، لا سند له فيها ، وجاء إليه ، فلما قرأ عليه ما كتب ، كان إذا وصل إلي حديث ليس فيه سند ، قال له : هذا ليس من حديثي فأضرب عليه ، فلما أتم قراءته ، أحس إنه إنما جاء ليختبره ، فغضب ، وركله برجله ، فرماه عن الدكة ، راجع القصة مفصلة في كتاب تاريخ بغداد للخطيب 353/12 .

ولعاتكة بنت الفرات بن معاوية البكائي ، زوجة يزيد بن المهلب ، قصة طريفة مع بدوي ، إذ أمرت جواريها ، فركلنه في أسته ، قصها علينا أبو الفرج الأصبهاني في الأغاني 271/13 قال : خرجت عاتكة إلي بعض بوادي البصرة ، فلقيت بدوا معه سمن ، فقالت له : أتبيع هذا السمن ؟ فقال : نعم ، قالت : أرنا إياه ، ففتح نحيا ، فنظرت إلي ما فيه ، ثم ناولته إياه ، وقالت : إفتح آخر، ففتح آخر ، فنظرت إلي ما فيه ثم ناولته إياه ، فلما شغلت يديه ، أمرت جواريها فجعلت بركلن في استه، وجعلت تنادي : با ثارات ذات النحيين ، تعني ما صنع بذات النحيين في الجاهلية ، فإن رجلا يقال له : خوات بن جبير رأي امرأة معها نحيا سمن ، فقال : أريني هذا ، ففتحت له أحد النحيين ، فنظر إليه ، ثم قال : أريني الأخر ، ففتحته ، ثم دفعه إليها ، فلما شغل يديها ، وقع عليها ، فلم تقدر علي الإمتناع خوفا من أن يذهب السمن ، فضربت العرب المثل بها، وقالت : أشغل من ذات النحيين ، فأرادت عاتكة أن تثأر للنساء بما فعلته .

وكان أحمد بن الخصيب ، وزير المنتصر العباسي ، يركل المتظلمين ، وكانت فيه مروءة وحدة وطيش ، فعرض له رجل، فألح عليه ، فاحتد،

ص: 220

وأخرج رجله من الركاب ، وركله بها في صدره ، فقال فيه الشاعر : ( وفيات الأعيان 187/1 ).

قل للخليفة يا أبن عم محمد ****أشكل وزيرك إنه رگال

قد نال من أعراضنا بلسانه ****ولرجله عند الصدور مجال

وكانت في أبي العباس بن الفرات ، حدة ، وسفه لسان ، وحدث أن ألح عليه أحد المتظلمين من أهالي سميا ، قرية من نواحي الكوفة ، فرفسه برجله في الركاب ، وقتعه بالمقرعة ، وبصق عليه ، راجع القصة مفصلة في كتاب نشوار المحاضرة للتنوخي في القصة رقم 35/8 .

وفي السنة 1023 غضب والي الشام أحمد باشا الحافظ ، علي حمزة الرومي ، صاحب صنجق الرسول عليه أفضل الصلاة والسلام ، فأمر بحبسه في قلعة دمشق ، فراجعه في ذلك أكبر الجاويشة واسمه محمد الشهير بابن الدزدار ، فرفسه الوزير برجله في صدره ، وشتمه . (تراجم الأعيان 213/1 و214).

وفي السنة 1248 وقعت معركة ، بالقرب من حمص ، بين الجيش المصري بقيادة ابراهيم باشا بن محمد علي باشا ، وبين الجيش العثماني بقيادة محمد باشا البيرقدار ، والي حلب ، فانكسر الجيش العثماني ، وعاد محمد باشا البيرقدار إلي السردار حسين باشا، القائد العام للجيش العثماني ، فوبخه السردار ، ورفسه برجله ، ونزع عنه سيفه وطرده من أمامه ، ووكل به بعض الخدم ( اعلام النبلاء 417/3 - 419 )

ص: 221

ب - اللطم

اللطم : ضرب الخد أو الجسد بالكف أو بباطن الكف .

ثم صرفت الكلمة إلي ضرب الخد بالكف المبسوطة ، وقد ورد في كتاب البصائر والذخائر 174/4 ان احد الشطار البغداديين قال يفخر بنفسه : لو كلمني رجل من نحاس ، ورجلاه من رصاص ، اصفعه صفعتين ، فأصير انفه في قفاه .

والبغداديون يسمون الضربة بالكف علي الخد : عجل ، بكسر العين والجيم وأحسبها جاءت من المعاجلة ، كما أنهم يسمون هذه الضربة : راشدي ، وبعضهم يسميها : محمودي ، ويقال أن راشدي ، نسبة إلي راشد باشا ، عسكري تركي ، كان معروفا بشدة الضربة ، بحيث إنه ضرب شخصا بكفه علي خده ، فأغمي عليه ، وأن محمودي ، نسبة إلي محمود بك ، عسكري تركي آخر ، كان إذا ضرب بكفه شخصا علي خده ، لوي عنقه .

كان عمر بن الخطاب يطوف بالبيت ، فقال له رجل: يا أمير المؤمنين ، إن عليا لطمني ، فوقف عمر إلي أن وافي علي ، فقال له عمر: يا أبا الحسن ألطمت هذا ؟ قال : نعم ، قال : ولم ؟ قال : لأنني رأيته ينظر إلي حرم المسلمين في الطواف ، فقال : أحسنت ( البصائر والذخائر510/2/3)

ص: 221

ولما أسلم جبلة بن الأيهم الغاني أمير الشام ، حج ، فبينا هو يطوف بالبيت محرمة ، وعليه إزاران، ارتدي بواح، وأتزر بالآخر ، إذ وطيء رجل طرف إزاره ، فأنحل عنه حتي بدت عورته ، فغضب ، ولطم الرجل ، فشكاه الملطوم إلي عمر ، فقال له عمر : أقد الرجل أو استوهب منه ، فقال له جبلة : كيف وأنا ملك وهو سوقة ، فقال له عمر : إن الناس في الحق سواء ، فلما جن الليل علي جبلة ، ترك مكة ، ولحق بأرض الشام ، ثم بأرض الروم ( الاغاني 162/15 و 163 والمحاسن والمساويء 54/1 ).

أقول : كان جبلة بن الأيهم ، آخر ملوك الغساسنة بالشام ، أسلم في أيام الخليفة عمر ، وقدم الحجاز ، وحج ، فداس رجل علي ردائه وهو يطوف البيت ، فلطمه ، فشكاه الملطوم إلي عمر ، فقال له عمر : أرضه أو أقده ، فقال له : أنا ملك ، وهو سوقة ، فقال له عمر : إن الإسلام ساوي بينكما ، فاستمهله إلي غد ، فلما جن الليل ، خرج في حشمه وعبيده ، ومن أطاعه من قومه ، ولحق بالروم ، وتنضر ، ثم ندم علي ما كان منه ، وروي عنه إنه قال : ( العقود اللؤلؤية 35/1 و36).

تنصرت الأشراف من أجل لطمة**** وما كان فيها لو صبرت لها ضرر

تكنفني فيها لجاج ونخوة****فكنت كمن باع الصحيحة بالعور

فياليت أمي لم تلدني ، وليتني****رجعت إلي القول الذي قاله عمر

ويا ليت لي بالشام أدني معيشة**** أجاور قومي ذاهب السمع والبصر

وفي أيام معاوية ، لطم بالقسطنطينية ، أحد بطارقة الروم ، أسيرا مسلما ، فالمه ، فصاح ، وبلغ ذلك معاوية ، ففادي بالاسري ، والرجل من بينهم ، فأطلقهم ، ثم أحتال حتي وقع البطريق في قبضته ، فجلس له مجلسا عاما ، وأحضره ، ثم أحضر الأسير ، وأمره أن يقتص من البطريق ، فقام إليه ولطمه في مجلس معاوية ، ثم أطلق البطريق ، وأعاده إلي بلاد الروم ، راجع

ص: 222

تفاصيل القصة في ( مروج الذهب 483/2 - 487 وخطط الشام 163/1)

ولطم رجل ، الأحنف بن قيس ، فسأله عن السبب ، فقال : جعل لي جعل ، علي أن ألطم سيد بني تميم ، فقال له الأحنف : ما صنعت شيئا ، عليك بحارثة بن قدامة ، فإنه سيد بني تميم ، وكان حارثة حديدا ، فانطلق ، فلطمه ، فقطع يده . ( الاذكياء 105).

ا ولطم يحيي بن عروة بن الزبير ، وجه حاجب عبد الملك بن مروان ، فأدمي أنفه ، وسبب ذلك ، إن يحيي وفد علي عبد الملك بن مروان ، فجلس يوما علي بابه ، فجري ذكر عبد الله بن الزبير ، فنال منه حاجب عبد الملك ، فرفع يحيي يده ولطم وجه الحاجب ، حتي أدمي أنفه ، فدخل الحاجب علي عبد الملك ودمه يجري من أنفه ، وأخبره بأن يحيي قد ضربه ، فأمر بإدخاله ، فأدخل ، وقال له : ما حملك علي ما صنعت بحاجبي ، فقال : يا أمير المؤمنين ، إن عمي عبد الله كان أحسن جوارأ لعمتك ، منك النا ، والله ، إن كان ليوصي أهل ناحيته ألا بذكروكم عندها إلا بخير ، وكان يقول لها : من سب أهلك فقد سب أهلي ، فسكن عبد الملك واتكأ ، ولم تزل تعرف منه الزيادة في إكرام يحيي بعدها ( شرح نهج البلاغة 261/3 ).

ولطم محمد بن زيد بن علي بن الحسين ، محمد بن هشام بن عبد الملك ، في المسجد الحرام عدة لطمات ، وقال له : يا خبيث تؤدي إلي حقي ؟

وتفصيل ذلك : إن المنصور ، سنة حج ، عرض عليه بمكة جوهر فاخر ، عرف إنه كان لهشام بن عبد الملك ، وانتقل إلي ولده محمد بن ام ، فعلم أن محمدا بمكة ، وأراد القبض عليه ، فقال للربيع : إذا كان غدأ ، وصليت بالناس في المسجد الحرام ، فأغلق الأبواب كلها ، وأفتح

ص: 223

للناس بابا واحدا ، وقف عليه ، لا يخرج منه إلا من عرفته ، فلما كان من الغد ، وغلقت الأبواب ، عرف محمد بن هشام ، إنه مأخوذ ، فتحير ، والتجأ إلي محمد بن زيد بن علي بن الحسين ، وهو لا يعرفه ، واستجار به ، فأجاره ، ولما عرف محمد بن هشام ، أن الذي استجار به هو محمد بن زيد ، قال : عند الله أحتسب نفسي ، ذلك لأن هشام أبا محمد ، قتل زيدا وصلبه بالكوفة ، وأمر برأس زيد فوضع في حجر والدته ريطة بنت عبد الله بن محمد بن الحنفية ، فقال له محمد بن زيد : لا بأس عليك ، فإنك لست قاتل زيد ، وليس في قتلك إدراك لثأره ، وقد استجرت بي ، فأنا بخلاصك أولي مني بإسلامك ، ثم طرح عليه رداءه ، فغطي وجهه ورأسه ، ولبيه به ، وأقبل به يجره إلي أن بلغ الباب الذي عليه الربيع ، فلطمه أمامه لطمات ، وقال له : يا أبا الفضل ، إن هذا الخبيث جمال من أهل الكوفة ، أكراني جماله ذاهبا وراجعة ، وقد هرب مني ، وأكري غيري ، فتضم إلي حرسيين يصيران به معي إلي القاضي ، فأمر الربيع حرسيين بالمضي معه ، فلما بعد عن الربيع ، قال له : يا خبيث ، تؤدي إلي حقي ، فقال : نعم ، يا ابن رسول الله ، فأمر محمد بن زيد الحرسيين بأن يعودا لشأنهما، وأطلق محمد بن هشام ، فقبل محمد بن هشام رأسه ، وقال له : بأبي أنت وأمي ، وأخرج جوهرة له قدر ، فدفعه إليه ، وتوسل إليه أن يقبله ، فقال له يا ابن العم ، إنا لا نأخذ علي المعروف أجرة ، فانصرف راشدأ ، راجع القضة مفضلة في كتاب ( الفرج بعد الشدة للتنوخي تحقيق المؤلف ، رقم القصة 234 ).

ولطم شيخ من عبد القيس ، فتي من العشيرة ، لأنه ألح في مساءلة ضيف لهم ، في قصة من أعجب القصص ، رواها الجاحظ في كتابه البخلاء ( ص 197) ، قال : كان عبد النور ، كاتب ابراهيم بن عبد الله بن الحسن ، قتيل باخمري ، قد استخفي من المنصور ، بالبصرة ، في بني عبد القيس ، فخبأوه في غرفة ، قدامها جناح ، وكان - لشدة خوفه . لا يطلع رأسه

ص: 224

منها ، فلما سكن الطلب شيئا ، وثبت عنده حسن جوار القوم ، صار يجلس في الجناح ، يرضي بأن يسمع الصوت ولا يري الشخص ، لما في ذلك من الأنس ، عند طول الوحشة ، فلما طالت به الأيام ، صار ينظر في خرق خرقه في الجناح بقدر عينه ، فلما طالت به الأيام ، صار ينظر في شق باب كان مسمورا ، ثم ما زال يفتحه ، الأول فالأول ، إلي أن صار يخرج رأسه ، ويبدي وجهه ، فلما لم ير شئ يريبه ، قعد في الدهليز ، فلما زاد في الأنس ، جلس علي باب الدار ، ثم صلي في مصلاهم ، وعاد الي حجرته ، ثم صلي بعد ذلك ، وجلس في ناديهم ، والقوم عرب ، وكانوا يفيضون في الحديث ، ويذكرون من الشعر الشاهد والمثل ، ومن الخبر الأيام والمقامات ، وهو في ذلك ساكت ، إذ أقبل عليه ذات يوم ، فتي منهم ، خرج عن أدبهم ، وأغفل بعض ما راضوه به من سيرتهم ، فقال له : يا شيخ ، إنا قوم نخوض في ضروب من الأحاديث ، فربما تكلمنا بالمثلية ، وأنشدنا الهجاء ، وأوردنا أخبار المثالب ، ولا نأمن أن يكون ثناؤنا ومديحنا لبعض العرب ، مما يسوءك ، فلو عرفتنا نسبك ، كفيناك ما يسوءك ، من هجاء قومك ، ومن مديح عدوك ، فلطمه شيخ منهم ، وقال له : لا أم لك ، محنة كمحنة الخوارج ، وتنقير كتنقير العتابين ؟ ولم لا تدع ما يريبك ، الي ما لا يريبك ؟ فتسكت ، إلا عما توقن بأنه يشره .

قال عبد النور : ثم إن موضعي نبابي ، لبعض الأمر ، فتحولت إلي شق بني تميم ، فنزلت برجل منهم ، وأكمنت نفسي ، إلي أن أعرف سبيل القوم ، وكان للرجل كنيفت إلي جانب داره ، يشرع في طريق لا ينفذ ، إلا أن من مر في الشارع، رأي مسقط الغائط ، من خلاء ذلك الجناح ، وكان صاحب الدار ضيق العيش ، فاتسع بنزولي عليه ، فكان القوم إذا مروا به ، ينظرون إلي موضع الزبل والغائط ، فلا يذهب قلبي إلي شيء مما كانوا يذهبون إليه ، فبينما أنا جالس ذات يوم ، إذا أنا بأصوات ملتفة علي الباب ،

ص: 225

واذا صاحبي ينتفي ويعتذر ، وإذا الجيران قد اجتمعوا إليه ، وقالوا : ما هذا الثلط الذي يسقط من جناحك ؟ بعد أن كنا لا نري إلا شيئا كالبعر ، من يبس الكعك ، وهذا ثلط يعبر عن أكل غض ، ولولا أنك اشتملت علي بعض من تستر وتواري لأظهرته ، ولولا أن هذا طلبة السلطان ، لما تواري ، ولسنا نأمن أن يجر علي الحي بلية ، ولست تبالي ، إذا حسنت حالك في عاجل أيامك ، إلام يفضي بك الحال ، وما تلقي عشيرتك ، فإما أن تخرجه إلينا ، واما أن تخرجه عنا ، قال عبد النور : فقلت : هذه والله القيافة ، ولا قيافة بني مدلج ، إنا لله ، خرجت من الجنة إلي النار ، وقلت : هذا وعيد ، وقد أعذر من أنذر ، فلم أظن أن اللؤم يبلغ ما رأيت من أولئك .

ودخل ابن مناذر علي الرشيد ، وقد هيا مدحة له ، فبدر الفضل بن

الربيع ، فقال : يا أمير المؤمنين ، هذا شاعر البرامكة ومادحهم ، فعبس الرشيد ، وأمر به فلطم وجهه ، ثم قال : أسحبوه علي وجهه ، فسحب حتي أخرج من المجلس ( الأغاني 201/18 و202).

وحضر ابن ليحيي بن حسان ، أمام قاضي مصر ، عيسي بن المنكدر ( 219-214 ) في خصومة ، فتبسم ، فأمر القاضي بلطمه ، فلطم ( القضاة للكندي 439) .

وكان المتوكل ، قد بايع بولاية العهد أولاده الثلاثة علي الترتيب ، المنتصر ، فالمعتز ، فالمؤد، ثم بدا له فأراد تقديم المعتز ، فأبي عليه المنتصر ذلك ، فأخذ يكثر من العبث بابنه المنتصر ، مرة يشتمه ، ومرة يسقيه فوق طاقته ، ومرة يأمر بصفعه ، ومرة يتهدده بالقتل ، والتفت إلي الفتح بن خاقان مرة ، وقال له : برئت من قرابتي من رسول الله ، إن لم تلطمه . يعني المنتصر - فقام الفتح ولطمه مرتين ، يمر يده علي قفاه ، ثم التفت إلي ولده ، وقال له : سميتك المنتصر ، وسماك الناس لحمقك : المنتظر ( الطبري 225/9)

ص: 226

ولما اعتقل محمد بن عبد الملك الزيات ، اعتقل الجاحظ ، وكان منقطعة إليه ، فجيء به مقيدة أمام القاضي أحمد بن أبي دؤاد ، فقال : جيئوا بحداد ، وأمره أن يفك حديد الجاحظ ، فأخذ الحداد يعنف بساق الجاحظ ، فلطمه الجاحظ ، وقال : أعمل عمل شهر في يوم ، وعمل يوم في ساعة ، وعمل ساعة في لحظة ، فإن الغرر علي ساقي وليس بجذع ولا ساجة ( وفيات الأعيان 103/5) .

وفي السنة 255 لما أراد الاتراك خلع المعتز ، دخلوا عليه وأخرجوه ، وجعلوا يلطمون وجهه ، ويقولون له : أخلع نفسك ( تاريخ الخلفاء 360).

وكان لروزبهان الديلمي القائد ، كاتب يعرف بأبي الحسن القمي ، وقد استخلفه بحضرة معز الدولة البويهي ، فاتفق أن كان الوزير أبو محمد المهلبي في دار معز الدولة ، ووقعت علي وجهه ذبابة ، فنهض القمي ، وقرب من الوزير ، ثم لطمه علي وجهه ، وقال له دبابة ، فقال له : يا جاهل ، فإذا كانت ذبابة ، تقتلها علي وجهي ، قم ، قم ، فقد سقط عنك القلم . ( الهفوات النادرة 271 ) .

وروي الوزير عبد المجيد بن عبدون ، الشاعر الأندلسي المعروف ، إنه كان في الكتاب وهو ابن ثلاث عشرة سنة ، فنظم بيتين من الشعر ، في لوم من يتكسب بشعره ، فحسب المعلم انه نظم هذين البيتين تجريحا له ، لأنه كان يتكسب بشعره ، فلطمه ، وعرك أذنه ، وقال له : لا تشتغل بهذا ، وكتب البيتين عنده ، والبيتان هما : ( المعجب للمراكشي 141).

الشعر خطة خسف **** لكل طالب عرف

للشيخ عيبة عيب **** وللفتي ظرف ظرف

وفي السنة 415 حضر إلي قصر الخليفة الظاهر الفاطمي بالقاهرة ، أبو عبد الله محمد بن جيش الكتامي ، وقد اختل عقله ، فرفع رأسه إلي القصر ،

ص: 227

و شتم أقبح شتم ، وقذف أعظم قذف ، وبالغ ، فتبادر إليه الرقاصون ، فلطموه حتي سقط إلي الأرض ، ثم جروا برجله ، ووضعوا عمامته في عنقه ، وسيق إلي سجن الشرطة ، وضرب ثلاثين درة ( أخبار مصر للمسبحي 73 و74).

وفي السنة 1286 (1869 م ) أدت لطمة إلي فتنة أريقت من أجلها الدماء ، وتفصيل ذلك إن توفيق بك ، ابن أخت مدحت باشا المشهور، كان متصرفا للواء الحلة ، وكان عنيفا شرسا ، وحدث أن لطم أحد الرؤساء في الحلة ، فهجم عليه الرئيس الملطوم وقتله ، وأعقب ذلك حدوث ثورة في الفرات الأوسط ، فجردت لها السلطة جيشا قضي علي الثورة ، وشنق الرؤساء القائمين بها ( الشعر السياسي العراقي في القرن التاسع عشر ص 71)

ص: 228

ج- اللكم واللكز

اللكم : الضرب باليد مجموعة الأصابع ، واللكز : النخس بجمع اليد والبغداديون يسمون اللكمة : دمغة ، وهي فصيحة ، من دمغه أي قهره .

وفي الفرات الأوسط ، يسمون اللكمة : البة ، وهي فصيحة، فإن اللبة : وسط الصدر والمنحر ، ولبه : ضربه في صدره .

جاء صبي إلي الفاروق عمر ، فلم يلتفت إليه ، فنخسه .

كان عمر يفرض للناس ، فجاء عبد الله بن عمير ، وكان أبوه عمير قد استشهد يوم حنين ، فقال الصبي لعمر: افرض لي ، فلم يلتفت إليه ، فنخسه ، فقال عمر : حس ، وأقبل عليه ، وقال له : من أنت ؟ قال : عبد الله بن عمير ، فقال عمر : يا پرفا أعطه ستمائة ، فاستكثرها يرفا ، وأعطاه خمسمائة ، فرجع الصبي إلي عمر وأخبره ، فقال عمر : يا پرفا، أعطه ستمائة وحلة ، فأخذ الحلة ، ولبسها أمام عمر ، ورمي بما كان عليه من أخلاق ، فقال له عمر : يا بني ، خد ثيابك هذه ، فتكون المهنة أهلك ، وهذه لزينتك ( الطبري 4/ 221 و 222) .

وكان الشاعر عتيبة بن مرداس السلمي ، شاعر، خبيث اللسان ، مخوف المعرة ، وكان يلقب : ابن نسوة ، وقدم علي ابن عامر بن كريز ، وكان جواد ، فلم يعطه شيئا ، وقال له : إنك ما تسأل بحسب ، ولا دين ، ولا

ص: 229

منزلة ، وما أري لرجل من قريش أن يعطيك شيئا ، وأمر به فلكز وأهين . ( الاغاني 231/22 ).

وكان حامد بن العباس وزير المقتدر ، يلكم المراجعين ، وذكر صاحب مروج الذهب ، أنه تظلم إلي حامد بن العباس ، متظلم ، فنهض إليه ، وقلب ثيابه علي كتفه ثم لكمه .

أقول : قوله قلب ثيابه علي كتفه ، يعني أنه شمرها ، والبغداديون ، يقولون عمن شمر ثيابه عن ذراعيه : تشله .

وفي السنة 325 اقتتل بجكم ومعه مائتان وسبعون رجلا من الأتراك ، وجند البريدي وقائدهم غلامه أبو جعفر محمد المعروف بالجمال وهم ثلاثة آلاف ، فانكسر جند البريدي ، وعاد إليه الجمال فغضب منه أبو عبد الله البريدي ، وقام إليه فجعل يلكمه بيديه . ( ابن الأثير 235/8 ).

وروي التنوخي في كتابه نشوار المحاضرة ، في القصة المرقمة 63/5 أن فتي رأي جنازة ، فشارك في حملها طلبا للأجر ، فلم يجد من يعينه إلي أن وصل بها إلي القبر ، ففر الذي كان يحملها معه ، فرام زيادة الأجر، وطلب أن يحفر لها قبر ، فلما حفر ، وأخذ الحفار الجنازة للدفن ، وثب من اللحد، ولكم الفتي ، وجعل عمامته في رقبته ، وصاح : يا قوم قتيل ، ونظروا فإذا في التابوت ، جثة رجل مقطوع الرأس ، فلم يتخلص إلا بشق الأنفس ، وحلف من بعد ذلك بالطلاق ، أن لا يشيع جنازة أبدا، راجع تفصيل القصة في نشوار المحاضرة .

ودخل ابن أبي الطيب النيسابوري النحوي ، في السنة 414 علي السلطان محمود بن سبكتكين ، فجلس دون أمر من السلطان ، فقال السلطان الغلام من غلمانه : دق رأسه ، فلكمه علي رأسه لكمة كانت سببا لطرشه ، ثم عرف السلطان منزلته من الدين والعلم والنزاهة والورع، فاعتذر إليه ، وأمر له

ص: 230

بمال ، فلم يقبله ، وقال : لا حاجة لي في المال ، فإن استطعت أن ترد علي سمعي قبلته ، فقال له السلطان : أيها الرجل ، أن للملك صولة ، وهو مفتقر الي السياسة ، ورأيتك قد تعديت الواجب ، فجري مني ما جري ، والآن فأحب أن تجعلني في حل ، فقال له : الله بيني وبينك بالمرصاد ، أنت إنما احضرتني لسماع الوعظ ، وأخبار الرسول ، والخشوع، لا لإقامة قوانين الملك ، واستعمال السياسة ، فإن ذلك يتعلق بالملوك وأمثالهم ، لا بالعلماء فخجل الملك ( معجم الأدباء 232/5 ).

وفي السنة 541 أمر السلطان مسعود السلجوقي بقتل القائد عباس صاحب الري ، وأحضره إلي داره ، فلما دخل عليه منع أصحابه من الدخول معه ، ثم عدلوا به إلي حجرة ، وطالبوه بخلع الزردية ، فقال : إن لي مع السلطان مواثيق وعهود ، فلكموه ، وحينئذ تشاهد، وخلع الزردية ، وألقاها ، فضربوه بالسيوف وأحتوا رأسه ، ( ابن الأثير 117/11 ) .

وفي السنة 800 أراد السلطان الملك الظاهر برقوق ، بالقاهرة ، القبض علي الأمير نوروز ، فأظهر السلطان إنه تعب من المشي ، واتكأ علي الأمير نوروز ، ولما وصل إلي الباب الذي يطلع منه إلي القصر ، أدار السلطان يده علي عنق نوروز ، فبادره الخاصكية باللكم ، وأسقطوه إلي الأرض ، وقيدوه ، وحملوه إلي السجن .

ص: 231

د. وجء العنق

وجع العنق : لكزه بمقدم اليد مجموعة .

وهو من ألوان العذاب التي يراد بها التأديب .

وكان عمارة بن حزم ، وهو صحابي عقبي بدري ، في جيش النبي ، في غزوة تبوك ، فندت ناقة النبي ، فقال زيد بن لصيب ، أحد المنافقين ، وهو في رحل عمارة : إن محمدا يزعم أنه يخبركم بخبر السماء ، وهو لا بدري أين ناقته ، وبلغ عمارة ما قال زيد : فجاء إليه ، ووجأ عنقه ، وهو يقول : في رحلي داهية ولا أدري ، أخرج عني يا عدو الله ( ابن الأثير 279/2 و 280 والطبري 106/3 ).

وأمر الخليفة عمر بن الخطاب ، غلامه يرفأ ، فوجا عنق أحد الوافدين عليه ، وسبب ذلك : إن القائد سلمة بن قيس الأشجعي ، انتصر في إحدي معاركه ، ووجد سفطأ فيه حلي ، فقال لأصحابه : هل تطيب أنفسكم أن نبعث بهذا الأمير المؤمنين ؟ فقالوا : نعم ، فبعث به إلي المدينة ، ودخل الرسول علي عمر ، وسلم إليه السفط ، وحدثه بقصته ، فوثب عمر ، وصاح بالرسول : كف ما جئت به ، يا يرفأ جأ عنقه ، فما زال الرسول يجمع ما في السفط ، ويرفأ يجأ عنقه ، ثم قال له : عد إلي قائدك يقسم هذا بين جنده ، أما والله ، لئن تفرق المسلمون في مشاتيهم قبل أن يقسم هذا فيهم لأفعلن

ص: 232

بك وبصاحبك الفاقرة ، وعاد الرسول إلي قائده ، وأخبره بالحال ، فقسمه بين جنده ( الطبري 186/4 - 189).

كان سعيد بن مالك ، پلي السليحين للخليفة عمر ، واعتدي علي دهقان القرية ، وأمر بوجء عنقه ، فشكاه إلي عمر ، فكتب إليه : بسم الله الرحمن الرحيم من عبد الله عمر أمير المؤمنين ، إلي سعيد بن مالك ، سلام عليك ، أما بعد ، فإن مهرزاد دهقان السليحين ذكر أن له ضيعة إلي جانبك ، وإنه أتاك يستعديك علي نفسك ، فأمرت به فوجئت عنقه ، فإذا جاءك كتابي هذا فأرضه من حقه ، وإلا فأقبل إلي راجة والسلام ، راجع تفصيل القصة في كتاب المحاسن والمساويء 147/2 و148 .

ولما استباح مسلم بن عقبة المري ، مدينة الرسول عليه الصلاة والسلام ، بأمر من يزيد بن معاوية ، جيء إليه بيزيد بن وهيب ، وكان له صهر مع مروان بن الحكم ، فقال مسلم ليزيد بايع : فقال : أبايعك علي الكتاب والسنة ، فأمر به مسلم أن يقتل ، فتكلم فيه مروان ، فأمر مسلم بمروان فوجئت عنقه ، وقتل يزيد ( الطبري 493/5 وابن الأثير 119/4 ).

وأحضر زائدة بن قدامة الثقفي ، إلي عبيد الله بن زياد ، كتابا من يزيد بن معاوية ، يأمره فيه بإطلاق المختار بن أبي عبيد الثقفي من حبسه ، فأمر عبيد الله بزائدة فوجئت عنقه ، وقال : إنطلقوا به إلي المنبس ، ثم أخرجه والمختار ، وقال للمختار ، أجلتك ثلاثا ، فلا تساكتني ( انساب الأشراف 87/2/4) .

وقبض عبد الله بن الزبير، علي عنق الفرزدق ، وضغط علي حلقه ، حتي كاد أن يقتله .

وسبب ذلك : إن النوار بنت أعين المجاشعي ، وهي ابنة عم الفرزدق خطبها قوم ، فوكلت ابن عمها الفرزدق ، ليعقد زواجها ، فاغتنم الفرزدق

ص: 233

الفرصة ، وأشهد الناس علي أنه زوجها لنفسه ، فأبت النوار قبول النكاح ، وشكته إلي قاضي البصرة ، وخشي القاضي مغبة إصدار الحكم ، فأشار عليهم بمراجعة الخليفة ، وكان اذ ذاك عبد الله بن الزبير ، مركزه مكة ، وهو المسيطر علي الجزيرة العربية ، والعراق وخراسان فأرادت الخروج الي الحجاز ، فتهدد الفرزدق كل من أراد حملها ، فامتنع الناس خوفا منه ، إلا أل قيس بن عاصم ، فإنهم وعدوها بحملها إلي الحجاز ، فقال الفرزدق يتهددهم :

بني عاصم لا تحملوها فإنكم ****محامل للسوءات دسم العمائم

بني عاصم ، لو كان حيا أبوكم**** للام بينه اليوم قيس بن عاصم

ولم يلتفت آل قيس بن عاصم إليه ، وحملوها إلي الحجاز ، فنزلت علي زوجة ابن الزبير ، وتبعها الفرزدق ، فنزل علي حمزة بن عبد الله بن الزبير ، ونظر ابن الزبير في القضية ، وأصدر حكمه في غير مصلحة الفرزدق ، استنادا للحكم الشرعي ، بأنه ليس للوكيل أن يكون جامعة لطرفي العقد ، فقال الفرزدق :

أما بنوه فلم تنجع شفاعتهم ****وشفعت بنت منظور بن زبانا

ليس الشفيع الذي يأتيك مؤتزرة ****مثل الشفيع الذي يأتيك عريانا

فبلغ ابن الزبير شعره ، ولاقاه علي باب المسجد ، وهو خارج منه ، فتقدم إلي الفرزدق ، وقبض علي عنقه ، وضغط علي حلقه ، حتي كاد أن يقتله ، ثم تركه . ( الاغاني 294/21 والعقد الفريد واعلام النساء 193/5 و194).

ولما تحرك عبد الله بن الجارود ، علي الحجاج بن يوسف الثقفي ، في السنة 75 أرسل الحجاج إليه رسولا ، فتهدده الرسول : فقال له ابن

ص: 234

الجارود : يا ابن الخبيثة ، لولا أنك رسول ، لقتلتك ، وأمر به فوجيء في عنقه وأخرج ( ابن الأثير 384/4 ) .

وغضب الحجاج علي بصري لحن في كلامه ، فقال : لعنة الله عليك وعلي من بعث بك ، جؤوا في قفاه . وسبب ذلك : إن الحجاج بعث إلي والي البصرة يطلب منه أن يبعث إليه عشرة رجال ، فاختار رجالا منهم كثير بن أبي كثير ، وكان رجلا عربية ، قال كثير : فقلت في نفسي ، لا أفلت من الحجاج إلا باللحن ، فلما دخلنا عليه ، دعاني وقال : ما اسمك ؟ قلت : كثير ، قال : ابن من ؟ فقلت في نفسي ، إن قلتها بالواو لم آمن أن يتجاوزها ، فقلت : ابن أبا كثير ، فقال : عليك لعنة الله ، وعلي من بعث بك ، جؤوا في قفاه ، فأخرجت ( معجم الأدباء 25/1 ).

وفي السنة 77 جمع الحجاج ، رؤساء أصحابه ، واستشارهم في حرب الخوارج ، فنهض قتيبة ، فقال للحجاج : إن الأمير - والله - ما راقب الله ولا حفظ أمير المؤمنين ، ولا نصح للرعية ، فخنق الحجاج قتيبة بعمامته خنقا شديدة ( الطبري 272/6 و273).

وقيل لعمر بن عبد العزيز : إن بالمدينة مخأ قد أفسد الناس ، فأحضره ، وأمر بحبسه ، ووكل به معلمأ يعلمه القرآن ، وما يجب عليه من حدود الطهارة والصلاة ، وأجري عليه في كل يوم ثلاثة دراهم ، وعلي معلمه ثلاثة دراهم أخر ، علي أن لا يخرج من الحبس حتي يحفظ القرآن أجمع ، فلم يتعلم شيئا ، ويئس عمر من فلاحه . فقال : ما أري هذه الدراهم إلا ضائعة ، ولو أطعمناها جائعا أو محتاجأ أو كسوناها عريانا لكان أصلح ، ثم دعا به ، وأمر به فوجئت عنقه ، ونفاه . ( الاغاني 337/6 و 338).

ولما خرج يزيد بن المهلب ، بالبصرة ، علي الأمويين ، بلغه أن قتادة يتنقصه وينال منه ، فبعث إليه ، فأحضره وشتمه ، فأغلظ له قتادة ، فأمر به

ص: 235

فوجيء عنقه ، ووضع فيها حبل ، ونفاه إلي الأهواز ( العيون والحدائق 66/3)

وسأل هشام بن عبد الملك ، الوليد بن يزيد، يوما، فأجابه جوابا فا ، فأمر به فوجأ عنقه .

وسبب ذلك : إن هشام دخل عليه الوليد ، فقال له : كيف أنت يا وليد ؟

قال : صالح ، قال : ما فعلت برابطك ؟ ( البربط : العود ) ، قال : مستعملة ، قال : فما فعل ندماؤك ؟ قال : صالحون ، ولعنهم الله إن كانوا شرا ممن حضرك ، فقال له هشام : يا ابن اللحناء ، جئوا عنقه ( الأغاني 5/7 و6 ).

وأنشد أبو النجم الراجز ، هشام بن عبد الملك ، أرجوزته المشهورة ، التي أولها :

الحمد لله الوهوب المجزل**** أعطي فلم يبخل ولم يبخل

حتي انتهي إلي قوله : والشمس في الجو كعين الأحول ، وكان هشام أحول ، فظن أن أبا النجم عرض به ، فأمر به فوجئت عنقه ( رسوم دار الخلافة 62) .

وكان مالك بن المنذر بن الجارود ، يلي أحداث البصرة وشرطتها لخالد القسري فضرب عمر بن يزيد الأسيدي بالسياط حتي قتله ، فشكت عاتكة ، امرأة عمر مالكا إلي هشام بن عبد الملك ، فبعث فأحضر مالكا ، وأمر به فوجئت عنقه ، وحبس ، فمات في الحبس . ( العيون والحدائق 87/3 و 88 ) .

ودس يوسف بن عمر ، لدي هشام بن عبد الملك ، علي خالد

ص: 236

القسري ، فاتهمه بأنه قوي العلويين بالأموال ليخرجوا ، وأن زيدا ما خرج إلا بإذن خالد، فقال هشام للرسول : كذبت ، وكذب صاحبك ، إنا لا نتهم خالدا في طاعته ، وأمر بالرسول فوجئت عنقه . ( الطبري 255/7 ووفيات الأعيان 106/7 ).

وكان عقيل بن غلفة ، من مضر ، أعرج ، جافية ، شديد الهوج ، لا يري أن له كفؤة ، ودخل علي أمير المدينة عثمان بن حيان المري ، فقال له عثمان : زوجني ابنتك ، فتصامم عنه ، وقال له : أبكرة من إبلي تعني ؟ فقال له عثمان : ويلك ، أمجنون أنت ؟ قال : أي شيء قلت لي ؟ قال : قلت لك : زوجني ابنتك ، فقال : أفعل إن كنت عنيت بكرة من ابلي ، فأمر به فوجئت عنقه ( الأغاني 254/12 و255).

وكان محمد بن خالد القسري ، يلي المدينة ، للمنصور العباسي ، ثم عزله برياح بن عثمان المري ، فلما قدم رياح ، اعتقل محمد بن خالد ، وأمر به فضرب أسواطأ ، ووجئت عنقه ( العيون والحدائق 3/ 244) .

وفي السنة 158 لما نزل المنصور العباسي ، وهو في مرض موته ، آخر منزل نزله ، وهو في طريقه إلي مكة ، قال لحاجبه : اقرأ لي آية من كتاب الله تشوقني إلي ربي ، عز وجل ، فتلا: وسيعلم الذين ظلموا أي منقلب ينقلبون ، فأمر بفتيه فوجئا ، وقال : ما وجدت شيئا تقرؤه غير هذه الآية ( الطبري 107/8 ).

وقال المهدي العباسي ، لأبي دلامة : هل بقي أحد من أهلي لم يصلك ؟ فقال : كلهم قد وصلني ، إلا حاتم بني العباس ، قال : ومن هو؟ قال : عمك العباس بن محمد ، فالتفت المهدي إلي خادم علي رأسه ، وقال له : جا عنق العاض بظر أمه ( الأغاني 265/10و266 ).

وتقدم رجل من آل زياد بن أبيه ، إلي المهدي العباسي ، وهو ينظر في

ص: 237

المظالم ، فقال له : من أنت ؟ قال : أنا ابن عمك ، فقال : أي بني عمي أنت ؟ فأنتسب إلي زياد بن أبيه ، فقال له : يا ابن سمية الزانية متي كنت ابن عمي ، وأمر به فوجيء في عنقه ، وأخرج ، ونهض الناس ، فأمر باخراج آل زياد من نسب قريش، وكان معاوية بن أبي سفيان قد أدخلهم فيه لما استلحق زيادا ( الطبري 129/8 و130 وابن الأثير 47/6 و48) .

وأنشد منصور النمري ، هارون الرشيد ، قصيدة مدحه بها ، وهجا آل علي وثلبهم ، فضجر هارون ، وقال له : يا ابن اللحناء ، أتظن أنك تتقرب إلي بهجاء قوم أبوهم أبي ، ونسبهم نسبي ، وأصلهم وفرعهم ، أصلي وفرعي ، فقال : وما شهدنا إلا بما علمنا، فازداد غضبه ، وأمسر مسرورة فوجأ عنقه وأخرج ( الأغاني 144/13 ).

وفي السنة 200 غاضب القائد هرثمة بن أعين ، الحسن بن سهل ، وكر عائدا إلي المأمون بمرو ، وكتب إليه المأمون أن يرجع فيلي الشام أو الحجاز ، فأبي إلا أن يصل للمأمون ، وكان مدلا بأعماله في خدمة المأمون وأبيه ، فلما وصل إلي مرو ، ضرب طبوله ، ليسمع المأمون إنه ورد ، فأحضره المأمون أمامه ، وعنفه ، وأمر به فوجيء أنفه ، وديس بطنه ، وسحب من بين يديه ، وحبس ، فمكث في الحبس أيامأ ، ثم دشوا إليه فقتلوه ، وقالوا : إنه مات ( الطبري

542/8 و543 وابن الأثير 413/6 و315 والعيون والحدائق 349/3 و 350) .

وفي السنة 201 كان اختلاف القواد ، وضعف سلطة الحكومة ببغداد ، أدي إلي تسلظ الفساق والشطار علي البلدة ، وأخذوا يغصبون أموال الناس ، ويعتدون عليهم ، فقام في بغداد رجلان ، أولهما سهل بن سلامة الأنصاري ، والثاني خالد الدريوش ، ودعوا الجيران ، وأهل المحلات علي التعاون في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ، وردع الفساق والشطار ، فنهض أهل كل محلة ، وكونوا جماعة ضد شظار المحلة ، فارتدع الشطار ، وكفوا عن تصرفاتهم ، وكان سهل بن سلامة ، يذكر حكام بغداد بأسوأ ذكر ، ويسميهم

ص: 238

الفساق ، لأن أكثر أصحابهم من الشطار والفاق ، فغف بوا ، ونهوه عن ذكرهم بالسوء ، فأصر علي ذكرهم ، فحاربوه في السنة 202 ، فانكسر ، وأستتر ، ثم قبضوا عليه ، وأمروه أن يخرج إلي الناس ، وأن يقول لهم : إن ما كنت أدعوكم إليه باطل ، فأخرج إلي الناس ، فقال : قد علمتم ما كنت أدعوكم إليه من العمل بالكتاب والسنة ، وأنا أدعوكم إليه الساعة ، فلما قال هذا ، ضربوا وجهه ، ووجؤوا عنقه ، وأخذوه فقيدوه ، وحملوه إلي ابراهيم بن المهدي بالمدائن ، فحبسه سنة كاملة ( الطبري 551/8 - 564 وتجارب الأمم 441/6 ) .

وفي السنة 251 لما شغب الأتراك بسامراء ، علي المستعين ، فانحدر إلي بغداد ، ندم أتراك سامراء علي ما صنعوا ، وقدموا بغداد ، ودخل قوادهم علي المستعين ، واستغفروه ، فصفح عنهم ، فقال له بايكباك : ما دمت قد صفحت ورضيت ، فقم ، فاركب معنا إلي سامراء ، وكان أمير بغداد محمد بن عبد الله بن طاهر ، حاضرة المجلس ، فأومأ إلي ابن أبي عون فلكز في حلق بايكباك ، وقال له : هكذا يقال لأمير المؤمنين ، قم ، فاركب معنا ؟ ( الطبري 284/9 ).

وأمر أحد الجباة الظلمة ، برجل فوجئت عنقه ، فصاح الرجل يستغيث بالله فكانت العقبة هلاك الجابي .

روي القصة أحمد بن يوسف الكاتب ، في كتابه المكافأة ( ص 120 و121) قال : حدثني عمر بن يزيد البرقي ، قال : حضرت مصدقا ( الذي يجمع الصدقات أي الزكاة ) شديد الاستحلال ، بعيدا من الرأفة ، فعرضت نعم رجل حسن الطريقة ، فنخير عليه المصدق ، وظلمه ، واستعمل من سوء التحكم عليه ، ما لا يصبر عليه غيره ، فأمسك ، ثم نظر بعد إنفصال ما بينهما ، إلي فصيل سمين في إبله ، فقال لغلمانه : خذوا هذا الفصيل حتي يصلح لنا غداء ، فقال صاحب الإبل : قد أخذت زيادة عن حقك ، فما

ص: 239

هذا ؟ فقال : لا بد لي من أخذه ، فقال : فإني لا أسلمه ، فأمر بوجيء عنقه ، فوجئت عنقه ، وأخذت مقادة الفصيل من يده ، فصاح بأعلي صوته : كل هذا بعينك يا جبار ، فخرج من الحواء ، فحل يرغو ، وقصد المصدق ، وأخذ بعضده ، ولم يزل يضرب به الأرض حتي قتله .

وفي السنة 309 شتم الوزير حامد بن العباس ، وزير المقتدر ، السمري صاحب الحلاج ، وأمر به فوجيء فكه ، وتفصيل ذلك : إن حامد بن العباس تعصب علي الحلاج تعصب ضارية ، فاعتقله ، وحاكمه ، وكان السمري صاحب الحلاج ، ممن أحضر للشهادة ، فاستعفي من أدائها وأصر الوزير علي أن يؤدي الشهادة ، وأصر السمري علي الإستعفاء ، فأعلمه إنه لا يعفيه ، فقال السمري : أنا أعلم أني إذا حدثتك كذبتني ولم آمن مكروهأ، فوعده أن لا يلحقه مكروه ، فقال : كنت معه بفارس ، وخرجنا نريد اصطخر في يوم شات ، فلما صرنا في بعض الطريق ، أعلمته بأنني قد اشتهيت خيارا ، فقال لي : في مثل هذا المكان ، وفي مثل هذا الوقت ؟ فقلت : هو شيء عرض لي ، ولما كان بعد ساعات ، قال لي : أنت علي تلك الشهوة ؟ قلت : نعم ، فمضي إلي سفح جبل ثلج ، فأدخل يده فيه ، وأخرج لي منه خيارة خضراء ، ودفعها إلي ، فقال له حامد : فأكلتها ؟ قال : نعم ، فقال له : كذبت يا ابن مائة ألف زانية ، في مائة ألف زانية ، أوجعوا فكه ، فأسرع إليه الغلمان ، فوجئوا فكه ، وهو يصيح ، أليس من هذا خفنا ؟ ( تاريخ بغداد للخطيب 136/8).

وفي السنة 309 أجري الوزير حامد بن العباس ، وزير المقتدر ، محاكمة الحلاج ، وكان الوزير متحاملا علي الحلاج ، فحضر أحد الفقهاء ببغداد ، وهو أبو العباس بن عطاء وشهد في صالح الحلاج ، فلما ناقشه الوزير جبهه ، فغضب ، وصاح بالغلمان : فكه، فوجأ الغلمان فكيه وجئا شديدة ، راجع تفصيل القصة في هذا الكتاب في الباب الثالث : الضرب ، القسم الثاني : الصفع .

ص: 240

ه-. الرجم

الرجم : الرمي بالحجارة ، وقد يحصل بغيرها .

وهذا اللون من العذاب ، إذا حصل بالحجارة ، فهو للأذي ، وإذا حصل بغيرها، فهو للاهانة ، كما لو كان الرجم بالبيض الفاسد ، أو الطماطة

وكان البغداديون ، يرجمون بالطابوق ، ومفرده : طابوقة ، وهي أجرة عريضة مسطحة تفرش بها الأرض ، وكان البغداديون يستعملون الطابوق في بناء شتر سطوح دورهم ، إذ أنهم ينامون في السطوح ليلا، فكانوا يقيمون حول كل سطح ، شتر مرتفعة من الطابوق ، لتحجز بين أهل كل سطح وبين جيرانهم ، ويسمون الترة : تيغه ، فارسية ، بمعني الحافة ، وتصف الطوابيق في الشترة ، واحدة فوق الأخري ، علي حافاتها الرقيقة ، فتكون السترة رقيقة ، سهلة القلع ، وكانت لسهولة قلعها ، تتخذ سلاحا للمستقر في السطح ، برمي به الماشي في الطريق .

وأذكر أنه في السنة 1932 ، جيء إلي محكمة الجنايات ببغداد ، باثنين من أهل بغداد ، هما الحاج شاكر والسيد عزيز ، قتلا في محلة باب الشيخ ( باب الأزج ) شخصأ اسمه أحمد الشنان ، وكان قد خططا لإفلاتهما ، وعينا الأزقة التي يمران فيها ، ولكنهما صادفا في أول زقاق مرا فيه ، تلاميذ

ص: 241

مدرسة قد انتشروا فيه ، فلجأ إلي زقاق آخر، فلحق بهما مطاردون كان عددهم يزيد كلما امتدت المطاردة ، وعندما وصلا إلي محلة بني سعيد تلقاهما الطابوق من السطوح ، وألحوا عليهما بالرجم ، فانكسرت ساق أحدهما وعقر ، وجاءت الثاني ضربة صائبة علي أنفه فكسرته ، فاستسلما ، وجرت محاكمتهما أمام المحكمة الكبري بغداد ، وهي محكمة الجنايات ، وكنت إذ ذاك كاتب الضبط فيها إثر تخرجي من كلية الحقوق ، وحكم عليهما بالإعدام ، وأعدما شنقا في الموضع الذي ارتكبا فيه جريمة القتل .

اقول : ادركت الناس ببغداد ، والصبيان في كل محلة ، يترامون ويتراجمون بالحجارة مع صبيان المحلات الأخري ، ويسمون المعركة بالحجارة : كسار، وكانوا يضربون مواعيد لهذه المعارك ، ويجتمعون في ساحة من ساحات المحلة ، وقد أعد كل واحد منهم مقلاعأ ، ويسمونه : معجال ( بالقلب وإبدال القاف جيمة مثلثة ) وكمية من الحجارة ، فإذا تكامل عددهم ، زحفوا علي صبيان المحلة الأخري ، وكانوا قد استعدوا مثل استعدادهم ، وهم ينشدون في مسيرتهم أناشيد حماسية ، تسمي : الهوسات ، مفردها : هوسة ، وقد سمعت احدي الهوسات تتكرر ومطلعها: صفن يا البيض شهود لنا ، يريدون بالبيض النساء ، فإذا تراءي الجمعان ، جري التراجم بالحجارة بواسطة المقاليع ، وقد حضرت إحدي هذه المعارك ، وكنت صبيا في العاشرة ، ولم أكن أملك مقلاعا ، ولذلك كنت واقفا في الساقة بين النظارة ( المتفرجين ) وأبصرت صبيا شديد السمرة ، أصابه في جبينه حجر ، فشجه ، فانسحب من ساحة المعركة وهو يبكي ، ويصيح : لك آنفشخت ، وقد انقرض هذا النوع من المعارك في محلات بغداد منذ خمسين سنه.

وأول ما بلغنا من أخبار الرجم بالحجارة ، ما أصاب مسلم بن عقيل بالكوفة ، فإنه لما أحيط به ، واقتحموا عليه الدار التي لجأ إليها ، خرج إليهم

ص: 242

بسيفه ، فطردهم من الدار ، ثم عادوا إليه ، فعاود الشد عليهم ، فاختلف هو وبكير بن حمران الأحمري ضربتين ، ضرب بكير فم مسلم ، فقطع شفته العليا ، وأشرع السيف في السفلي ، ونصلت لها ثنيتاه ، وضربه مسلم علي رأسه ضربة منكرة ، وثني بأخري علي حبل العاتق ، وأشرفوا عليه من سطح البيت ، وأخذوا يرمونه بالحجارة ، ويلهبون النار في أطنان القصب ، ثم يقلبونها عليه من فوق البيت ، فترك الدار إلي السكة ، مشهرة سيفه يقاتل ، وهو يقول :

أقسمت لا أقتل إلا حرا ****وإن رأيت الموت شيئا نكرا

فقال له محمد بن الأشعث : يا فتي لك الأمان ، لا تقتل نفسك ، أنت آمن فاستسلم ، فأخذوه إلي عبيد الله بن زياد ، فقتله ( الطبري373/5 و374) .

ومما بلغنا من أخبار الرجم بالحجارة ، إنه لما خرج يزيد بن المهلب بالبصرة ، أخذ دينار السجستاني ، مولي آل المهلب ، في العطارين ثم صار إلي الوانين ، فرمي بصخرة من سطح ، فأصابت ظهره ، فمات ( العيون والحدائق 57/3 ).

وذكر الجاحظ أن عمرو القصبي من موالي ربيعة بن حنظلة بالبصرة ، جم بالسنانير الميتة ، وكذلك صنعوا بخالد بن طليق الخزاعي ، قاضي المهدي علي البصرة ، فإنه رجم بالسنانير الميتة ، وزعم أهله أن ذلك كان عن تدبير محمد بن سليمان ( العباسي ) ( الحيوان 275/6 و276).

وغضب المهاجر بن عبد الله الكلابي ، أمير اليمامة ، علي جماعة من قومه ، فأمر بإخراجهم مشهرين ، وأن يجلس لهم الصبيان في السكك معهم البعر ، ليرجموهم به ، وينثروه عليهم ، ففعل ذلك ، وقد أوردنا القصة في

ص: 243

بحث الإشهار ، وهو القسم الأول من الفصل الثاني من الباب الخامس من الكتاب .

وفي السنة 196 ولي الأمين ، الأمير عبد الملك بن صالح العباسي ، علي الشام ، وأمره أن يجند جندة لحرب المأمون ، فجاءه أهل الشام ، الزواقيل والأعراب ، من كل فج ، وكان لديه جند من الأبناء، من أهل خراسان ، فاختصم الزراقيل والأبناء ، وتحاربوا ، فوجه إليهم رسولا يأمرهم بالكف ، ووضع السلاح ، فرجموه بالحجارة . ( الطبري 426/8 ) .

وفي السنة 198 أخذ البغداديون منجنيقيا يدعي السمرقندي ، فصلبوه حيا ، وأقبلوا عليه رميا بالحجارة والسهام حتي قتلوه ، وتفصيل القصة : إن المعركة علي بغداد ، كانت علي أشدها بين محمد الأمين المحصور ببغداد ، وبين طاهر بن الحسين قائد جيش المأمون ، المحاصر لها، وألح محمد في احراق الدور والدروب التي أصبحت تحت سيطرة جيش طاهر ، وكان المتولي لذلك منجنيقي يعرف بالسمرقندي ، كان رميه عن مجانيق في سفن بباطن دجلة ، وكان محمد الأمين ، إذا اشتد أمر أهل الأرباض علي من بإزائهم من أصحابه بالخنادق ، يبعث فيحضر السمرقندي ، فيرميهم ، وكان راميا لا يخطيء حجره ، فلما قتل محمد في السنة 198 وقطع الجسر ، وأحرقت المجانية التي كانت في دجلة ، استتر السمرقندي ، وطلبه الناس ، فاكتري بغلا ، وخرج هاربا يريد خراسان ، فلما كان ببعض الطريق ، استقبله رجل فعرفه ، فقال للمكاري : إلي أين تذهب مع هذا الرجل ؟ والله لئن ظفروا به معك ، لتقتلن ، وأهون ما يصيبك أن تحبس ، فقال المكاري : إنا لله وإنا إليه راجعون ، قد- والله - سمعت به ، قتله الله ، ثم انطلق إلي مسلحة ( مركز شرطة ) فأخبرهم خبره ، فأخذوه ، وبعثوا به إلي هرثمة ، فحمله إلي خزيمة بن خازم ، فدفعه خزيمة إلي من وتره ، فأخرج إلي شاطيء دجلة من الجانب الشرقي ، فصلب حيا ، وأقبل عليه الناس رميا بالحجارة ، والنشاب ،

ص: 244

وطعنا بالرماح ، حتي قتلوه ، وجعلوا يرمونه بعد موته ، ثم أحرقوه من غبر، فأحترق بعضه ، ومزقت الكلاب بعضه ( الطبري 447/8 و497 و498) .

وحصلت في سامراء في السنة 299 في عهد المستعين ، فتنة ، فركب أوتامش ووصيف ويغا ، وقتلوا جماعة من العامة ، فرمي وصيف بقذر فيه طعام مطبوخ ، فأمر وصيف النفاطين ، فأحرقوا تلك المنطقة التي رمي منها بالقدر . (الطبري 263/9 ).

وذكر الجاحظ، في كتاب الحيوان 372/1 أن فارس الحمامي ، وكان حارسا وقيم حمام ، أبصره المحتسب الأحدب ، وهو يكوم كلبة ، فرماه فدمعه ، أي أصابه في دماغه فقتله .

ورمي أعرابي ممرور ، في المربد بالبصرة ، إنسانا ، فشجه، وهو لا يعرفه ، فرفعه إلي الوالي ، فقال له الوالي : لم رميت هذا وشجبته ؟ ، فقال : أنا لم أرمه ، هو دخل تحت رميتي ( البيان والتبيين 192/2 ).

وزعم رجل سلولي ، أن له علاقة بامرأة ابن الدمينة ، فتربص به، ووثب عليه وقد جعل له حصي في ثوب ، فضرب بها كبده حتي قتله . ( الأغاني 90-94/17)

وفي السنة 307 زاد السعر ببغداد ، فاجتمع الناس وتظلموا من زيادة السعر ، حيث بلغ الخبز الحواري ثمانية أرطال بدرهم ، وكسروا منابر الجوامع ، وقطعوا الصلاة بعد الركعة الأولي ، واستلبوا الثياب ، ورجموا بالأجر ، واجتمع منهم عدد كثير بالمسجد الجامع الذي في دار السلطان علي نصر الحاجب ، فوثبوا عليه ، ورموه بالأجر ، ثم صاروا في ذلك اليوم إلي دار حامد بن العباس ، فأخرج إليهم غلمانه ، فرموهم بالأجر والنشاب ، واشتدت الفتنة ، وصار من العامة عدد كبير إلي الجسور فأحرقوها ، وفتحوا السجون ، ونهبوا دار صاحب الشرطة ، ولما ركب حامد في طياره يريد دار

ص: 245

السلطان ، قصده العامة ، ورجموه بالآجر ( تجارب الأمم 73/1 و 74 ) .

وفي السنة 312 حصلت وقعة الهبير ، واستباح أبو طاهر القرمطي قافلة الحجاج ، فقتل منهم خلقأ كثيرة ، وسبي النساء والصبيان ، وأخذ الجمال والأمتعة ، وترك الباقين بلا زاد ولا راحلة ، فماتوا جوعا وعطشأ ، ولما بلغ الخبر بغداد ، انقلبت ، وخرج النساء حافيات ، ناشرات الشعور ، مسودات الوجوه ، يلطمن ، ويصرخن في الشوارع، وينادين : القرمطي الصغير أبو طاهر قتل المسلمين في طريق مكة والقرمطي الكبير ابن الفرات قتل المسلمين ببغداد ، ورجم العامة طيار ابن الفرات بالأجر ، حتي كاد أن يغرق وهو فيه ، ورجموا ولده المحن أيضا ( تجارب الأمم 122/1 والوزراء للصابي 57 و58 وابن الأثير 147/8 و148).

وفي السنة 312 لما عزل الوزير ابن الفرات من الوزارة ، وأخذ من داره حاسرة ، أجلس في طيار ، وحمل إلي دار نازوك ، ثم أخرج منها إلي طيار مؤنس ، فلما أبصرته العامة في الطيار ، رجموه بالحجارة ، وهم يصيحون : قد قبض علي القرمطي الكبير ، ولما وصل الطيار إلي باب الخاصة من دار الخلافة ، خرج جمع عظيم من السميريات ، لرجم ابن الفرات ، وولديه ، وكتابه ، بالآجر ، فحاربهم الجند ، ورموهم بالسهام ، وجرح بعضهم ، حتي انصرفوا ( تجارب الأمم 126/1 ).

وفي السنة 312 مات أبو الحسن علي بن عيسي الصائغ ، النحوي ، الأديب ، الشاعر، وكان بسيراف عند عاملها درك ، وخرج معه في هيج كان مع العامة بها ، فرموه بالمقاليع ، فأصاب علي بن عيسي حجر ، فهلك ( معجم الأدباء 277/5 ).

والظاهر ان رجم العامة بغداد ، لرؤساء الدولة ، كان أمرا متعارفأ ، فإن الوزير علي بن عيسي ، في رقعته إلي السيدة أم المقتدر ، ذكر فيها ، أنه

ص: 246

منذ وزر للمقتدر ، امتلأت قلوب العامة ، هيبة ، « بعد ان كانت تثب علي الرؤساء وترميهم بالحجارة ، عند اجتيازهم في دجلة » . ( الوزراء للصابي 309)

وروي أبو الحسن ابن الأزرق التنوخي ، إنه كان يعبر دجلة ، فأبصر في صحن دار ابن الحراصة ، بدار الجهشياري شخصين علي فاحشة ، ظاهرين ، غير مستترين ، فاقترب منهما، مع من في السميرية ، ورجموهما . راجع التفصيل في القصة 187/1 من كتاب نشوار المحاضرة للتنوخي .

وفي السنة 319 دخل الحضرة ( بغداد ) خسمائة فارس ، كانوا مقيمين بالجبل ، في ماه الكوفة ( الدينور ) ، فطالبوا بأرزاقهم ، فأمرهم الوزير أبو القاسم الكلوذاني بالرجوع إلي مواضعهم لينفق فيهم هناك ، فلم يسمعوا ، ورجموه بالأجر ، وهو منصرف في طياره ، فأغلق بابه ، وأعتزل الوزارة . ( تجارب الأمم 218/1 و219).

وفي السنة 329 دخل الأمير ابن رائق بغداد ، وحاربه كورنكيج والديلم، فانضمت العامة إلي الأمير ابن رائق، ورموا كورنكيج والديلم بالشتر والأجر فانهزم أصحاب كورنكيج ، واستترهو . ( التكملة 125 وتجارب الأمم 21/2)

وذكر القاضي التنوخي ، في كتابه الفرج بعد الشدة ، أن ابن المعتز ، لما بويع بالخلافة بالمخرم ، ثم فسد أمره ، انقلبت العامة مع المقتدر ، ورموا ابن المعتز بالشتر، أي أنهم رجموه بأجرها ، راجع القصة في كتاب الفرج بعد الشدة للقاضي التنوخي ، تحقيق المؤلف ، رقم القصة 307.

وفي السنة 345 كان القائد الديلمي روزبهان ، من قواد معز الدولة البويهي ، يحاصر عمران بن شاهين صاحب البطائح ، فترك محاصرته ،

ص: 247

وقصد الأهواز ، وعصي علي معز الدولة ، فانحدر إليه مع الدولة ، وواقعه عند قنطرة أربق ، فأسره ، وأصعد به إلي بغداد في زبزب ، فخرج إليه العامة ببغداد ، ورجموا روزبهان بالأجر ( التكملة 171).

وفي السنة 391 طلب أبو نصر سابور ، ببغداد ، من الغلمان ، الخروج إلي فارس ، فطالبوا بقبض استحقاقهم ، وهجموا علي أبي نصر ، فهرب من أيديهم ، وبادر العلويون والعامة ، فدفعوهم عن الدار ، ورموهم بالأجر من السطوح (تاريخ الصابي 387/8 ) .

وفي السنة 391 قتل ببغداد ، المعروف بأرسلان ، الذي كان يتصرف في الوقوف ، قتله العامة بالأجر ، وفدغوا رأسه . (تاريخ الصابي 402/8)

وفي السنة 420 بعث الخليفة خطيبا من عنده يخطب في جامع براثا ، فختم خطبته بقوله : اللهم اغفر للمسلمين ، ومن زعم أن عليا مولاه ، فرماه العامة بالأجر ، فأدموا وجهه ، وخلع كتفه ، وكسر أنفه ، وخلصه أصحاب المسالح ، ثم كبسوه في داره وأخذوا ما فيها وأعروه . ( المنتظم 41/8 - 43)

وفي السنة 421 جرت منازعة بين أحد الأتراك النازلين بباب البصرة ، وبعض الهاشميين فاجتمع الهاشميون الي جامع المدينة ، ورفعوا المصاحف ، واستنفروا الناس ، فاجتمع لهم الفقهاء والعدد الكثير من الكرخ وغيرها ، وضجوا بالاستغاثة من الأتراك وسبهم ، فركب جماعة من الأتراك ، فلما رأوهم قد رفعوا أوراق القرآن علي القصب ، رفعوا بإزائهم قناة عليها صليب ، وترامي الفريقان بالنشاب والأجر ، وقتل من الأجر قوم ( المنتظم 50/8)

وفي السنة 422 حدثت فتنة بين أهل الكرخ، وبين جماعة من

ص: 248

الأتراك ، وركب وزير الملك ، فرجم ، ووقعت أجرة في صدره ، وسقطت عمامته ( المنتظم 55/8).

وفي السنة 424 في إحدي الجمع ، ثار العوام في جامع الرصافة ، علي الخطيب ورجموه ، ومنعوه من الخطبة ، وقالوا له : إن خطبت للبرجمي ، وإلا فلا تخطب لخليفة ولا لملك ( المنتظم 75/8 ).

أقول : كان البرجمي العيار ، قد زاد شره ما بين السنتين 421 و425 وكثرت عملاته ، وأهلك الناس ، وعجزت السلطة عنه ، وغرق في السنة 425.

وكان أبو العباس الحويزي ، الناظر في اعمال نهر الملك ، ظالما ، فقتل في الحمام ، ولما أخرج ليدفن ، ضرب الناس تابوته بالأجر ، ولو لم يكن الاستادار معه لأحرق تابوته . ( الوافي بالوفيات 122/8 ).

وفي السنة 427 شغب الجند ببغداد ، علي السلطان جلال الدولة البويهي ، وقالوا له : إن البلد لا يحتملنا وإياك ، فأخرج من بيننا ، فإنه أولي لك ، فقال : أمهلوني ثلاثة أيام ، حتي أخذ حرمي وولدي وأمضي ، فقالوا : لا نفعل ، ورموه بأجرة في صدره ، فتلقاها بيده ، ورموه بأخري فأصابت كتفه ، والتجأ إلي دار المرتضي ، ثم أصعد إلي تكريت ، ثم أصلح الخليفة بين جلال الدولة وبين جنده ، فعاد إلي بغداد ( المنتظم 89/8 وابن الأثير 446/9 )

وفي السنة 475 قام قاض أشعري يقال له البكري ، بالوعظ في جامع المنصور ، وأورد اعتراضات علي أقوال الحنابلة ، فرجمه الحنابلة بالأجر ( المنتظم 4/9 ) .

وفي السنة 495 نشبت معركة بين العامة البغداديين ، وبين جند شحنة بغداد ، وكان أحد جند صاحب الشحنة ، قتل ملاحا ، فهاج العامة ، ورجموا

ص: 249

رجال صاحب الشحنة بسوق الثلاثاء ( ابن الأثير 338/10 ) .

أقول : سبب الفتنة ، أن جماعة من أتباع شحنة بغداد ايلغازي ، جاءوا إلي دجلة ، ونادوا ملاحة ليعبر بهم ، فتأخر ، فرماه أحدهم بنشابة وقعت في مشعره، فمات ، فأخذ العامة القاتل إلي باب النوبي ( أحد أبواب دار الخلافة ) فلقيهم اين ايلغازي مع جماعة من أصحابه ، فأخذوا صاحبهم من يد العامة ، فرجمته العامة بسوق الثلاثاء ، فذهب إلي أبيه مستغيثأ ، فعبر ايلغازي إلي محلة الملاحين ( مربعة القطانين ) فنهب أصحابه ما وجدوا فعطف عليهم العيارون ، فقتلوا أكثرهم ، ونزل من سلم منهم إلي المشرعة ليعبروا دجلة ، فلما توسطوا النهر، ألقي الملاحون أنفسهم في الماء وتركوهم ، فغرقوا ، وكان من غرق أكثر ممن قتل ( ابن الأثير 337/10 و338).

وفي السنة 492 استولي الافرنج علي القدس ، وكان من جملة من وقع في أسرهم أبو القاسم مكي بن عبد السلام الأنصاري ، الحافظ ، الرحالة ، فقرروا أن فكاكه بألف دينار، ولم يستفكه أحد، فرموه بالحجارة ، حتي قتلوه . ( الاعلام

215/8 ) .

وفي السنة 520 لما قتل الباطنية ، قسيم الدولة آفسنقر البرسقي ، صاحب الموصل، بالجامع ، بالموصل، في يوم جمعة ، ذكر إن هؤلاء الذين قتلوه ، كانوا يجلسون عند إسكاف بدرب ايليا بالموصل ، فأحضر ، وقرر ، فلم يقر ، فهدد بالقتل ، فقال : إن هؤلاء وردوا منذ سنين لقتل قسيم الدولة ، فلم يتمكنوا من قتله إلا الآن ، فقطعت يداه ، ورجلاه ، وذكره ، ورجم بالحجارة حتي مات ( ابن الأثير 634/10 ، 635 ).

وفي السنة 521 حدثت فتن في بغداد ، بين الحنابلة وبين أتباع أبي الفتوح الاسفرايني الواعظ ، وتعرض أصحابه بمسجد ابن جردة فرجموا ،

ص: 250

ورجم معهم أبو الفتوح ، واجتاز مرة بسوق الثلاثاء فرجم ، ورميت عليه الميتات ( المنتظم 6/10).

وفي السنة 542 كان رسول الحسن صاحب إفريقية عند رجار الصقلي ، وكان عنده كذلك رسول يوسف صاحب قابس ، الذي سلم قابس الرجار ، فنال رسول يوسف من الحسن صاحب إفريقية فأخبر الحسن رسوله بالأمر ، فسير الحسن جماعة من أصحابه في البحر ، وأخذوا رسول يوسف ، وأحضروه أمام الحسن ، فسبه ، وقال له : ملكت الإفرنج بلاد المسلمين ، وطولت لسانك بذمي ، ثم أركبه جملا ، وعلي رأسه طرطور بجلاجل، وطيف به في البلد ، ونودي عليه ، هذا جزاء من سعي أن يملك الفرنج بلاد المسلمين ، فلما توسط المهدية ، ثار به العامة ، فقتلوه بالحجارة ، ( ابن الأثير 121/11)

وفي السنة 546 سأل الواعظ ابن العبادي ، أن يجلس في جامع المنصور ، وضمن له نقيب النقباء الحماية من الحنابلة الذين كانوا لا يمكنون من الوعظ فيه إلا حنبلية ، وجلس الواعظ في الرواق ، وحضر النقيبان ( نقيب العلويين ونقيب العباسيين ) واستاذ الدار ، وخلق كثير ، فلما شرع في الكلام ، أخذته الصيحات من الجوانب ، ونفر الناس ، وضربوا بالأجر ، فتفرق الناس منهزمين ، كل قوم يطلبون جهة ، وأخذت عمائم الناس وفوطهم ، وجذبت السيوف حوله ، وتجلد ، وثبت ، وسكن الناس ، وتكلم ساعة ، ثم نزل ( المنتظم 145/10 ).

ولما قتل نصر بن عباس ، الخليفة الظافر الفاطمي ، بأمر من والده عباس ، نقم المصريون علي عباس وولده ما صنعاه ، وصار الناس يسمعونهما المكروه ، حتي أنه رمي من طاق ببعض الشوارع وهو مار ، بهاون من نحاس ، وفي يوم آخر بقذر مملوءة ماء حارة ( النجوم الزاهرة 297/5 ) .

ص: 251

وكان الأمير أسامة بن منقذ، حاضرة هذه الوقائع ، وآتهمه بعض الناس بأنه كان مشاركا فيها ، وقد حدثنا في كتابه الاعتبار عن كيفية قتل الظافر ، وكيف اتخذ عباس من قتل الظافر حجة ، فقتل أخوي الظافر ، اتهمهما بقتله ، فقتلهما ، وقد سمي الأمير أسامة هذه الأعمال بغية قبيحة، مما يدل علي أنه لم يشارك في هذا العمل ، وذكر في كتابه ، أنه بعد ما عمله عباس وولده نصر ، جفت عليهما قلوب الناس وأضمروا لهما العداوة والبغضاء ، وخامر عليه الجند ، وقاتلوه في الشوارع والأزقة ، فرسانهم يقاتلون في الطريق ، ورجالتهم يرمون بالنشاب ، والنساء والصبيان يرمونهما بالحجارة من الطاقات ، وكان ذلك في السنة 549 ( الاعتبار لأسامة بن منقذ 20 - 22) .

وفي السنة 556 خرج الوزير ابن هبيرة ، من داره الي الديوان ، والغلمان يطرقون له ( يصيحون أمامه الطريق ، الطريق ) ، وأرادوا أن يردوا باب المدرسة الكمالية ، فمنعهم من فيها من الفقهاء ، وضربوا الغلمان بالأجر ، فصدر الأمر بتأديب الفقهاء وضربهم ( المنتظم 199/10 ابن الأثير 265)

وفي السنة 563 عاقب المحتسب ببغداد ، جماعة من المتعيشين ، فرجموه بالآجر ، إلي أن كاد يهلك ، وأختفي ، ولم يجسر علي الركوب ، حتي أنفذ حاجب الباب معه مستخدمين رافقوه إلي داره ، وأخذ المتعيشون فعوقبوا وحبسوا ( المنتظم 223/10 ) .

وفي السنة 569 خطب محمد الطوسي في التاجية ، وكان من جملة ما قال : إن ابن ملجم لم يكفر بقتله عليا عليه السلام ، فهاج عليه الناس ، ورموه بالأجر ، وحفظه الأتراك حتي خرج ، وأراد أن يجلس مرة ثانية ، فاجتمع الناس ، وتأهبوا لرجمه ، وأعدوا له قوارير النفط ، فلم يحضر . ( المنتظم 242/10 ) .

ص: 252

وفي السنة 572 أشهر طحان من أهل الكرخ ، فضرب مائة سوط ، وسود وجهه ، وشهر في الغد، وخلفه من يضربه بالخشب ، والعامة ترجمه ، ثم أعيد إلي الحبس ( المنتظم 267/10 ).

وفي السنة 573 هاجت العامة ببغداد ، وقلعوا طوابيق جامع الخليفة ، ورجموا الجند ، ثم رجموا حاجب باب الخليفة ، ثم نهبوا دكاكين المخلطين ، وسبب ذلك إن فتنة حصلت بالمدائن ( اسمها الآن سلمان باك ) بين المسلمين واليهود ، فشكا المسلمون أمرهم بأن قدم منهم وفد راجع صاحب المخزن ( وزير الداخلية ) والظاهر إنهم خاشنوا صاحب المخزن ، فأمر بحبسهم ، ثم أطلقهم ، فقصدوا جامع الخليفة ( وكان يسمي جامع القصر ، واسمه الآن جامع سوق الغزل ) واستغاثوا ، فهاج العامة ، فجاء جماعة من الجند للتهدئة ، فقلع العامة طوابيق الجامع ، ورجموا الجند ، فهربوا ، وقصد العامة دكاكين المخلطين ، ونهبوها ، لأن اكثر المخلطين يهود ، وأراد حاجب الباب أن يمنعهم فرجموه فهرب منهم ، وانقلب البلد ( ابن الأثير 447/11 و448 والمنتظم 275/10 ) .

وفي السنة 574 كبس بالكرخ علي رجل يقال له أبو السعادات بن قرايا ، كان ينشد علي الدكاكين ، انهم بأنه رافضي ( أي شيعي ) فأخذ، فقطع لسانه بكرة يوم الجمعة ، ثم قطعت يده ، ثم حط إلي الشط ليحمل إلي المارستان ، فضربه العوام بالأجر في الطريق ، فهرب إلي الشط ، فجعل يسبح وهم يرجمونه ، حتي مات ، ثم أخرجوه وأحرقوه ، ورمي باقيه في الماء ( المنتظم 286/10 ).

وقدم أبو الخير القزويني (ت 590 ) إلي بغداد ، وجلس يوم عاشوراء في المدرسة النظامية ، فقيل له : ألعن يزيد بن معاوية ، فقال : ذاك إمام مجاهد ، فجاءه الرجم ، حتي كاد يقتل ، وسقط عن المنبر ، فأدخل إلي بيت في النظامية ، وأخذت فتاوي الفقهاء بتعزيره ، فقال بعضهم : يضرب عشرين

ص: 253

سوطأ ، فقيل له : من اين لك هذا ؟ فقال : إن عمر بن عبد العزيز ، سمع قائلا يقول : أمير المؤمنين يزيد بن معاوية ، فضربه عشرين سوطأ . ( النجوم الزاهرة 134/6 ).

وفي السنة 602 ثار العامة بهراة ، وجرت فتنة عظيمة بين الحدادين والصفارين ، قتل فيها جماعة ، ونهبت الأموال ، وخربت الديار ، فخرج أمير البلد ليكفهم ، فرجموه بالحجارة ، فناله ألم شديد، وحمل إلي القصر الفيروزي ، واختفي أيامأ، حتي سكنت الفتنة ، فظهر ( ابن الأثير 208/12)

وفي السنة 631 صعد سعد الدين بن غراب ، إلي القلعة بمصر ، لينفق في المماليك ، فثاروا به ، وضربوه ، ورجموه حتي كاد أن يموت ، ثم رجموه مرة أخري ( بدائع الزهور 631/2/1 و635).

وفي السنة 669 توفي العلامة ابن عصفور الإشبيلي ، علي بن مؤمن ، حامل لواء العربية بالاندلس ، قال عنه ابن تيمية : إنه رجم بالناربخ ، في مجلس الشراب ، حتي مات ( فوات الوفيات 110/3 ).

وفي السنة 674 وجد رجل وامرأة في شهر رمضان ، في حمام ببغداد علي فاحشة ، فأمر صاحب الديوان علاء الدين ، بحصبهما ، فحصبا ظاهر سور بغداد ، ولم ير في تاريخ أنه حصب ببغداد أحد ( الحوادث الجامعة ص 386).

ومن جملة ألوان العذاب التي كان سلطان المغول ما نكوبن تولوي (649 - 659 ) يمارسها، أن يقتل من يعذبهم رجما بالحجارة ، أو أن يضعهم في أكياس ويرميهم تحت سنابك الخيل ، ومع ذلك فإن المؤرخين يقولون عنه إنه كان أقل حكام المغول تعطشا للدماء ( علاقات بين الشرق والغرب 196 - 197).

ص: 254

وفي السنة 681 أحضر إلي بغداد عبد يشوع ويعقوب ، وكانا قد رفعا علي الصاحب علاء الدين صاحب الديوان ، فطيف بهما في بغداد عاريين ، والعوام يصفعونهما ، ويرجمونهما بالأجر ( الحوادث الجامعة 422) .

وفي السنة 715 قتل المبشر الاسباني ريموند لول ( 630 - 715) رجما بالحجارة ، وكان قد وقف حياته علي الحرب والتبشير من أجل استعادة البلاد المقدسة ، وسجل آراءه في كتاب له أصدره في السنة 705 وكانت خلاصة مشروعه ، إنه دعا الي طرد المسلمين من أسبانيا أولا ، ثم العبور منها إلي الشمال الإفريقي ، والزحف إلي مصر ، وجعل الجزر رودس ومالطة وقبرص مراكز الإنطلاق الرئيسية في الهجوم ، كما أشار إلي الإستيلاء علي القسطنطينية ، لتكون نقطة انطلاق للجيوش القادمة من شرق أوروبا ووسطها ، كما دعا إلي درس العربية والعلوم الإسلامية الدينية وغير الدينية من أجل عملية التنصير ، وقصد الشمال الإفريقي ثلاث مرات ، قابل في المرة الأولي قاضي قضاة تونس ابن عمار وسجل مناظرته معه في كتاب نشر بعد موته ، وفي المرة الثانية أخرجته السلطة التونسية من البلاد ، أما في المرة الثالثة فقد قتل رجما بالحجارة ( علاقات بين الشرق والغرب 229).

وفي السنة 770 وقعت معركة بين العامة المصريين ، والجنود المماليك ، وكان سلاح العامة ، الحجارة ، فانتصروا علي المماليك ، ودحر وهم ( بدائع الزهور 89/2/1 ).

وفي السنة 802 حصر أبو فارس ، صاحب إفريقية ، مدينة توزر ، وأسر صاحبها أبا بكر بن يحيي بن يملول ، فصلبه ، وقتل رجما بالحجارة ، وانقرضت بمهلكه دولة بني يملول ( الضوء اللامع 97/11 ).

وفي السنة 814 رجم رجل تركماني بدمشق ، تحت قلعتها ، اعترف بالزنا وهو محصن ، فأقعد في حفرة ، ورجم حتي مات ( شذرات الذهب 105/7)

ص: 255

وفي السنة 837 قام مماليك الطباق بالقلعة بالقاهرة ، برجم المباشرين عند خروجهم من الخدمة السلطانية ، لتأخر جوامكهم بالديوان المفرد عن وقت إنفاقها ( حوليات دمشقية 95).

وفي السنة 883 قتل كلابي حاكم بغداد ، الحاج ناصر القتباني ، وأولاده ، وحصب غلامه شعبان ( أي قتله رميا بالحجارة ) ، والسبب إنهم اتهموا بأن لهم علاقة بالمشعشع العلوي صاحب الحويزة . (تاريخ العراق للعزاوي261/3 ).

وفي السنة 903 عصي الأمير آقبردي الدوادار ، علي سلطان مصر ، وترك مصر إلي بلاد الشام ، وحصر دمشق فلم يتمكن منها ، وحصر حلب نحوا من شهرين ، وكان إينال السلاحدار نائب حلب ، من عصبة أقبردي ، فأراد أن يسلمه مدينة حلب ، فهاج أهل حلب ، ورجموه ، وطردوه من المدينة ، وحصنوها بالمدافع ، فانزاح آقبردي عنها ( اعلام النبلاء 106/3 و107).

وفي السنة 934 قتل بحلب القاضي علي بن أحمد ، المعروف بقرا قاضي ، وكان قد سن علي الناس بحلب سننأ ظالمة ، ورام أن يضع رسوما علي الملح حتي يجعله أغلي من الفلفل ، ومنع بيع الحنطة العائدة للسلطان علي رغم القحط والغلاء ، فنقم عليه الناس ، واجتمعوا عليه في يوم جمعة ، وقت الصلاة ، وقتلوه رجما بالحجارة ، وضرب بالنعال ، حتي مات ، وجردوه من ثيابه ليحرقوه ، فحيل بينهم وبين إحراقه ( اعلام النبلاء 471/5 ) .

وفي السنة 1008 عزل المولي احمد بن سليمان الأياشي ، قاضي قضاة دمشق ، من منصبه ، بعد أن تضافر اهل دمشق علي اتهامه بالرشوة ، ورجموه بالحجارة رجما متداركا ( خلاصة الأثر 209/1 ).

وذكر المحبي في خلاصة الأثر 80/3 ان سبب قتل السيد عبد الله في

ص: 256

السنة 1096 إن سعر القمح ارتفع بحلب ، حتي بيع الأردب بخمسة وعشرين قرشأ ، وشاع الخبر إن السيد عبد الله ارتشي هو وقاضي حلب ، وانهما أخذا رشوة مقدارها ألف قرش ، وأباحا للمحتكرين بيع الأردب بهذا الثمن ، فحقد عامة حلب علي السيد عبد الله ، وحدث أن دعا السيد عبد الله ، متسلم حلب إلي داره ، ولما تركها مرض ومات بعد ثمانية أيام ، فاتهم الناس السيد عبد الله بأنه دس السم إلي المتسلم ، ولما حمل المتسلم ليدفن ، كان السيد عبد الله من جملة المشيعين ، فصاحت امرأة : هذا قاتل المتسلم ، وتبعها في الصراخ رجل من العوام ، فصاح الرجال والصبيان ، وهجموا علي السيد عبد الله ، وضربوه بالحجارة ، فأصابت حجارة رأسه وعثرت به الفرس ، فانكب علي وجهه ، فهجم عليه الناس وقتلوه ، ولم يبقوا فيه عضوا صحيحا .

وفي السنة 1107 اجتمع الفقراء والشحاذون ، رجالا ونساء وصبيانا ، بالقاهرة ، وطلعوا إلي القلعة ، ووقفوا بحوش الديوان ، وصاحوا من الجوع ، فلم يجبهم أحد، فرجموا بالأحجار ، فركب الوالي وطردهم ، فنزلوا إلي الرميلة ، ونهبوا حواصل الغلة ( تاريخ الجبرتي 47/1 ).

وفي السنة 1191 هاج الأزهريون علي الأمير يوسف بك ، وأغلقوا الجامع الأزهر ، وأبطلوا الدروس والأذان والصلوات ، فأرسل الأمير إبراهيم بك ، من طرفه ، إبراهيم أغا بيت المال ، لإصلاح الحال ، فخرج إليه بعض المجاورين من المغاربة ، ورجموه بالحجارة ، فكر عليهم ، وقتل منهم ثلاثة ، وجرح منهم ومن العامة ( الجبرتي 497/1 ) .

ص: 257

و - التعذيب بالنطح

وانفرد الأشرف برسباي ، سلطان مصر من السنة 824 إلي 841 بنوع طريف جدا من العذاب ، فقد كان عنده أمير يلقبه : الناطح ، كان ينطح المراد تعذيبه بين يدي السلطان ، وكان كل من نطحه كسر رأسه . (جامع كرامات الأولياء للنبهاني 265/1) .

وحدثنا صديقنا الاستاذ زهير المارديني ، الكاتب الدمشقي المعروف ، في كتابه « نهاية شاعر » ( ص 209 و210) عن فتي من الإسكندرية ، اسمه حميدو ، كان إذا نطح أحدة ( أتلفه ) وربما قضي عليه ، وإنه نازل في أحد الأيام مصارعة يونانية ، ونطحه برأسه ثلاث نطحات ، وغادره صريعا غارقا في دمه.

ص: 258

ز- الوطء بالاقدام

وهذا اللون من ألوان العذاب ، قديم الممارسة .

وأول من قتل وطأ بالأقدام ، علي ما بلغنا ، فزاري اسمه أربد، نهض في مسجد الكوفة ، والإمام علي يخطب ، ويحض الناس علي مناهضة معاوية في الشام ، والتأهب للمسير إليه ، فقام أربد الفزاري ، وقال : أتريد أن تسير بنا إلي إخواننا من أهل الشام ، فنقتلهم ، كما سرت بنا إلي إخواننا من أهل البصرة ، فقتلناهم ؟ كلا ، هاالله ، إذن لا نفعل ذلك ، فقام الأشتر ، فقال : أيها الناس ، من لهذا ؟ فهرب الفزاري ، فسعي شؤبوب من الناس في إثره ، فلحقوه بالكناسة ، فضربوه بنعالهم حتي سقط ، ثم وطؤوه بأرجلهم ، حتي مات ( الأخبار الطوال 164)

قال الشاعر : ( شرح نهج البلاغة 173/3 و 174)

أعوذ بربي أن تكون منيتي**** كما مات في سوق البراذين أربد

تعاوره همدان خفق نعالهم**** إذا رفعت عنه بنزلت يد

وسبق في السنة 36 لأصحاب طلحة والزبير ، لما قدما البصرة محاربين للإمام علي عليه السلام ، أن دخل بعض أتباعهما علي عثمان بن حنيف أمير البصرة لعلي ، فتوطؤوه ، وضربوه أربعين سوطا ، ونتفوا شعر لحيته ورأسه وحاجبيه وأشفار عينيه ، وحبسوه ، ثم طردوه ، فخرج إلي علي ، فلاقاه

ص: 259

بالربذة ، فقال له : يا أمير المؤمنين ، بعثتني ذا لحية ، وجئتك أمرد ، فقال له : أصبت أجرأ وخيرة ( الطبري 468/4 و469) .

وبعث المختار الثقفي ، من يقبض علي شمر بن ذي الجوشن ، ففر من الكوفة ، ونزل ببعض القري ، وكتب إلي المصعب بن الزبير ، فأخذ الكتاب صاحب مسلحة للمختار ، فوجه إلي شمر خيط أحاطت بالقرية ، فخرج إليهم شمر فجالدهم ، فطعنه أحدهم في ثغره نحره ، ثم أوطأه الخيل وبه رمق حتي مات ، واحت رأسه ، ووجه به إلي المختار ، ونبذت جيفته للكلاب. ( انساب الأشراف 238/5).

وقال رجل من بني مرة ، للوليد بن عبد الملك : اتق الله يا وليد، فإن الكبرياء لله ، فأمر به فوطيء حتي مات ( لطائف المعارف 19 ).

وفي السنة 246 قتل المتوكل يعقوب بن اسحاق النحوي ، المعروف بابن السكيت ، سأله المتوكل ، أيما أحب إليه ، المعتر والمؤيد، أو الحسن والحسين ؟ ولم يرض جوابه ، فأمر الأتراك فداسوا بطنه ، فحمل إلي داره فمات ( ابن الأثير

91/7 ) .

وفي السنة 656 قتل المستعصم آخر الخلفاء العباسيين ، بأن وضع في غرارة ، ورفس حتي مات ، وكان هولاكو التتاري قد حاصر بغداد ، فخرج إليه الوزير مؤيد الدين أبو طالب محمد بن العلقمي ، ثم عاد ، وقال للخليفة ، قد تقدم السلطان ( پريد هولاكو) أن تخرج إليه ، فأخرج ولده الأوسط وهو أبو الفضل عبد الرحمن ، فلم يقع الإقتناع به ، فخرج الخليفة والوزير ، ومعه جمع كثير ، فلما صاروا بظاهر السور ، منعوا أصحابه من الوصول معه ، وأفردوا له خيمة وأسكن بها ، وخرج ابن الخليفة الأكبر أبو العباس أحمد ، يوم الجمعة ، ثم دخل الخليفة بغداد يوم الأحد، رابع صفر ، ومعه جماعة من أمراء المغول ، والخواجة نصير الدين الطوسي ،

ص: 260

فأخرج الخليفة إليهم من الأموال والجواهر والحلي والزركش والثياب والأواني الذهب والفضة والاعلاق النفيسة ، جملة عظيمة ، ثم عاد مع الجماعة إلي ظاهر السور بقية ذلك اليوم ، فأمر السلطان بقتله ، فقتل يوم الأربعاء رابع عشر صفر ، ولم يهرق دمه ، بل جعل في غرارة ، ورفس حتي مات ، ثم قتل ولده الأكبر فالأوسط ( الحوادث الجامعة 327) .

وفي السنة 697 قتل بجامع الخليفة ببغداد ، في يوم الجمعة ، رجل علوي ، كان متغير العقل ، نسب العوام إليه إنه قال ما لا يجوز ، فاجتمعوا عليه وضربوه ، ورفسوه حتي مات ، ثم أخرجوه إلي باب الجامع ، فأنكر الديوان ذلك ، ولم يعرف قاتله ( الحوادث الجامعة 466) .

وفي السنة 701 قتل بظاهر بغداد ، زين الدين هبة الله العلوي الحلي النقيب ، صدر البلاد الفراتية ، قتله بنو محاسن ، قودا بدم صفي الدين بن محاسن ، وكان السيد زين الدين قد أمر به فرفس حتي مات ، وكان قتل السيد زين الدين بموافقة أرنية ، حاكم بغداد ( في التراث العربي 597/1)

وكان فخر الدين أحمد بن مظفر بن مزهر النابلسي ، الكاتب المشهور ، المتوفي سنة 703 رتب ناظرا لبعلبك ، فحصل بينه وبين الأمير ناصر الدين ، النائب ببعلبك ، صراع وإخراق ، الأمر تعرض إليه بسبب الحريم ، فاعتقله ، وبعث به إلي الأمير علاء الدين طيبرس النائب بدمشق ، وكان طيبرس يكرهه ، فلما رآه أمر برميه في البركة ، وأن يدوسه المماليك بأرجلهم ، وغرمه عشرة آلاف درهم ( الوافي بالوفيات 182/8 ).

وفي السنة 1066 توفي الشيخ نور الدين علي بن زين العابدين الأجهوري ، وكان قد أضر علي أثر ضربة تلقاها من أحد الطلبة ، بالجامع الأزهر بالقاهرة ، وكان ذلك الطالب قد تزوج ، وتشاجر مع أمرأته فطلقها

ص: 261

ثلاثا ، ثم ندم وطلب من الشيخ الأجهوري أن يجدد له عقد عليها ، فأفتاه بأنها لا تحل له حتي تنكح زوجا غيره ، فحقدها عليه ، وجاء إليه وهو في الدرس ، وقد أخفي في ثيابه سيفا ، واستله ، وضرب به الأجهوري علي رأسه ، فشجه ، وقام أهل الحلقة ومن حضر الجامع ، وتناولوا المعتدي ، يمينا وشمالا ، حتي قتلوه ضربأ بالأيدي ، والنعال ، والعصي ، ودوسا بالأرجل ، وأثرت الضربة في الشيخ الأجهوري ، فأصيب بصره ( خلاصة الأثر 158/3 ).

ص: 262

المجلد 3

اشارة

موسوعه العذاب

تاليف: عبود الشالجي

مشخصات: 7ج

الدارالعربيه للموسوعات

بيروت - لبنان

ص: 1

اشارة

ص: 2

ص: 3

ص: 4

ص: 5

الباب الرابع : الحبس والقيد والغل والمسوح

اشارة

ص: 6

مقدمة

الحبس ، في اللغة : الضبط والتقييد ، ومنه سمي وقف الملك حبسا ، لأنه يعني ضبط الغلة ، وقيدها ، بأن تصرف علي جهة معينة .

والحبس الشرعي : تعويق الشخص ، ومنعه من التصرف بنفسه ، سواء حبس في بيت ، أو في مسجد ، أو لازمه خصمه .

والقيد ، في اللغة : الحبس والمنع ، ومنه قيد الكلمات ، عند إثباتها في الصحف ، يعني حبسها كي لا تضيع .

والقيد في الإصطلاح : كل ما يمسك عن الحركة .

والغل : طوق من حديد يجعل في اليد ، أو في العنق .

والجامعة : القيد إذا ربط اليدين بالعنق ، فجمعهما معا .

وقد رأيت أن أجمع ما يتعلق بالحبس وبالقيد في باب واحد، لأن العقوبة بهما ، تكاد تكون متلازمة ، حتي لكأن القيد والحبس متلازمان .

وقد جعلت هذا الباب مشتملا علي فصول ثلاثة :

الفصل الأول : الحبس ، ويشتمل علي ثلاثة أقسام :

القسم الأول : السجون الاعتيادية :

1- سجون الدولة

ص: 7

2 - سجون الأمراء والأميرات .

3- حبس الانسان في داره .

4 - الحبس عند أحد رجال الدولة .

5 - سجن الأمراء في الجوسق بسامراء .

6- الحبس في دار الخلافة ببغداد .

7 - الحبس في القلاع والحصون .

القسم الثاني : السجون غير الاعتيادية :

1 - الحبس في الحبوس الضيقة .

2 - الحبس في المطبق .

3- الحبس في المطامير .

4 - الحبس في السرداب .

5 - الحبس في الجب .

6-الحبس في زورق مطبق .

القسم الثالث : الحبس بقصد الإهانة وتكون في المواضع التالية :

1- الحبس في الكنيف .

2 - الحبس في الإصطبل .

3- الحبس مع المجانين في المارستان .

4 - الحبس في قفص .

ص: 8

الفصل الثاني : الغل والقيد والمسوح وجباب الصوف ، ويشتمل علي قسمين :

القسم الأول : الغل والقيد .

القسم الثاني : المسوح وجباب الصوف .

الفصل الثالث : طرائف عن الحبوس .

ص: 9

ص: 10

الفصل الأول : الحبس

اشارة

الحبس : يعني الضبط والإمساك .

والحبس : المصدر والإسم .

والمحبس ( بفتح الباء ) المصدر . ( وبكسر الباء ) الموضع الذي يحبس فيه .

والسجن : ( بفتح السين ) المصدر . ( وبكسر السين ) الإسم ، وهو المحبس .

وروي أن النبي صلوات الله عليه ، حبس يوم وليلة .

ولم يكن للنبي صلوات الله عليه ، ولا لأبي بكر محبس معذ، ولما انتشرت الرعية ، في أيام الخليفة عمر ، أعد حبسة في مكة ، في دار اشتراها من صفوان بن أمية بأربعة آلاف درهم ( خطط المقريزي 187/2 ).

أقول : الظاهر إن الحطيئة ، الشاعر الهجاء ، كان من جملة من حبس في هذا المحبس ، لما هجا الزبرقان بن بدر ، فحبسه الفاروق عمر ، فكتب إليه من الحبس ، أبيات منها ( الملح والنوادر 228 ).

ماذا تقول لأفراخ بذي مرخ**** زغب الحواصل لا ماء ولا شجر

ألقيت كاسبهم في قعر مظلمة**** فاغفر عليك سلام الله يا عمر

ص: 11

وذكر صاحب شفاء الغليل ( ص 109 ) إنه لم يكن في زمن النبي صلوات الله عليه ، ولا في زمن الخلفاء أبي بكر ، وعمر، وعثمان ، سجن ، وكان يتم الحبس في المسجد ، أو في الدهليز حيث أمكن ، فلما كان زمن الإمام علي ، أحدث السجن ، وهو أول من أحدثه في الإسلام .

وكان الخليفة الصالح عمر بن عبد العزيز ، إذا أراد أن يعاقب رجلا ، حبسه ثلاثة أيام ، ثم عاقبه ، كراهة أن يعجل في أول غضبه ( تاريخ الخلفاء 236)

وبحث المقريزي في خططه بحثا مفصلا عن السجون عامة ، وعن السجون بمصر خاصة ، ومما قاله : إن الحبس الموجود الأن ، لا يجوز عند أحد من المسلمين ، وذلك إنه يجمع الكثير في موضع يضيق عنهم ، لا يتمكنون فيه من الوضوء ، والصلاة ، ويؤذيهم الحر في الصيف ، والبرد في الشتاء ، واما سجون الولاة ، فلا يوصف ما يحل بأهلها من البلاء ، وأشتهر أمرهم بأنهم يخرجون مع الأعوان في الحديد ، يستجدون ، وهم يصرخون في الطرقات من الجوع، فإذا تصدق عليهم أحد، لا ينالهم إلا ما يدخل بطونهم ، وجميع ما يجتمع لهم من صدقات الناس ، يأخذه السجان ، وأعوان الوالي ، ومن لم يرضهم بالغوا في عقوبته ، وهم مع ذلك يستعملون في الحفر ، وفي العمائر ، ونحو ذلك من الأعمال الشاقة ، فإذا انقضي عملهم ، ردوا إلي السجن في حديدهم ، من غير أن يطعموا شيئا ( خطط المقريزي 187/2 ).

ووصف المقريزي ، في خططه ( 188/2 ) سجون مصر ، وعدها، فذكر خزانة البنود : وقال إن هذا السجن يحبس فيه الأمراء والأعيان ، أما حبس المعونة : فيحبس فيه أرباب الجرائم من السراق وقطاع الطريق ، وكان حبسأ ، حرجأ ضيقا ، شنيعأ ، يشم من اقترب منه رائحة كريهة ، أما الحبس المعروف بخزانة شمائل ، فكان من أشنع السجون ، وأقبحها منظر ، بحبس

ص: 12

فيه من وجب عليه القتل ، أو القطع ، من السراق وقطاع الطريق ، ومن يريد السلطان إهلاكه من المماليك ، وأصحاب الجرائم العظيمة ، ومما يلفت النظر ، قول المقريزي : إن السجان به ، يوظف عليه والي القاهرة شيئا يحمله إليه من المال في كل يوم ، يعني إن الموظف يظلم المساجين ، ويعذبهم ، ليدفعوا له ، لكي يدفع جزءا منه للوالي ، وهذا مما يبعث علي العجب ، أن يكون الموظف هو الذي يدفع ، ولا يأخذ راتبأ ، وذكر المقريزي سجن المقشرة ، وذكر إنه صار سجنا لأرباب الجرائم ، بعد هدم خزانة شمائل سنة 818، وإنه من أشنع السجون ، وأضيقها، يقاسي فيه المسجونون من الغم والكرب ما لا يوصف ، وذكر المقريزي الجب ، الذي بقلعة الجبل ، وقال إنه أنشي ء سنة 681 في أيام المنصور قلاوون وفي السنة 729 « نزل إليه » يشاد العمائر ، ليصلح عمارته ، فشاهد أمرا مهولا من الظلام وكثرة الوطاويط ، والروائح الكريهة ، فتحدث إلي الأمراء في أمره ، وكلموا السلطان ، فأمر بردمه .

أقول : لاحظ قول المقريزي ، إن شاد العمارات «نزل » إلي السجن ، يعني إنه كان جبا ، لا باب له ، وإنما ينزل إليه من أعلاه ، وهذا أسوء أنواع السجون .

ووصف المقريزي (ت 845) حبس المعونة ، بالقاهرة ، الذي كان سجنا لأرباب الجرائم ، فقال : إنه كان شنيع المنظر ، ضيقأ ، لا يزال من يجتاز عليه يشم منه رائحة منكرة ، وكان قلاوون ، وهو أمير ، يمر به ، فيشم منه رائحة رديئة ،ويسمع منه صراخ المسجونين ، وشكواهم الجوع والعري والقمل ، فلما تسلطن هدمه . ( خطط المقريزي 102/2 ).

وفي السنة 818 هدم بالقاهرة السجن الذي كان يسمي : خزانة شمائل ، فوجد فيه من رمم القتلي ، ورؤوسهم شيء كثير ، وأفرد لنقل ما

ص: 13

خرج من التراب عدة من الجمال والحمير ، بلغت علائقهم في كل يوم خمسمائة عليقة . ( خطط المقريزي 328/2 ).

وكان سنجر الحلبي ، أحد المماليك الصالحية ، ولاه المظفر قطز ، سلطان مصر نيابة دمشق ، فلما قتل قطز علي عين جالوت ، وتسلطن من بعده الظاهر بيبرس ، ثار سنجر بدمشق ، ودعا إلي نفسه في السنة 658 وتلقب بالملك المجاهد ، ثم خامر عليه أمراؤه بدمشق ، وقبضوا عليه ، وبعثوا به إلي مصر ، فاعتقله الظاهر ، وظل محبوسا من السنة 659 إلي السنة 689 مدة تنيف علي ثلاثين سنة ، فلما ولي الملك الأشرف خليل بن قلاوون أخرجه وأعاده من الأمراء الأكابر ، وتوفي سنة 962 وقد جاوز تسعين سنة ، وانحني ظهره وتقوس . ( خطط المقريزي 46/2 ) .

وكان الأمير شمس الدين الشمسي الصالحي ، من كبار المماليك بالقاهرة ، اعتقله الملك المنصور قلاوون ، في السنة 680 ، وظل معتقلا اثنتي عشرة سنة ، فأفرج عنه الأشرف خليل في السنة 692 وأعاده إلي الإمارة ، ولما تسلطن المنصور لاجين ، اعتقله في السنة 698 ، ومات في الاعتقال سنة 699 ( خطط المقريزي 69/2 و 70 ).

وأغفل المقريزي لونا عجيبا من ألوان الحبس ، وهو « الترسيم في المسجد ، فقد نقل صاحب سيرة الملك المنصور ( ص 54 ) أنه في السنة 678 أفرج عن الصاحب فتح الدين ابن القيسراني ، وزير الشام ، ونزل إلي بيته بعد أن أقام « في الترسيم في المسجد بالقلعة المنصورة » نيفا وثلاثين يوما .

وفي السنة 698 توفي في القاهرة ، الأمير بدر الدين بيسري ، سجينا في قلعة الجبل ، حبسه المنصور قلاوون تسع سنين ، وأطلقه ولده الملك الأشرف خليل ، ثم حبسه الملك المنصور لاجين ، واستمر محبوسا ، حتي

ص: 14

مات في هذه السنة ، في عهد الملك الناصر محمد بن قلاوون . ( النجوم الزاهرة 185/8 ).

وفي السنة 735 أفرج السلطان الملك الناصر عن الأمير بيبرس الحاجب ، وكان في السجن منذ السنة 725 ، وأفرج أيضا عن الأمير طغلق التازي ، أحد الأمراء الأشرفية ، وكان له في السجن ثلاث وعشرون سنة ، ومات بعد أسبوع من إطلاقه ، وأفرج كذلك عن الأمير غانم بن أطلس خان ، وكان له في السجن خمس وعشرون سنة ، وأفرج عن الأمير برلغي الصغير وله في السجن ثلاث وعشرون سنة ، كما أفرج عن سبعة أمراء آخرين كانوا قد سجنوا منذ السنة 710 ( النجوم الزاهرة 109/9 و110).

وفي السنة 737 أفرج السلطان الملك الناصر محمد بن قلاوون ، سلطان مصر والشام (ت 791) عن الأمير طرنطاي المحمدي ، بعدما أقام في السجين سبعة وعشرين سنة ( النجوم الزاهرة 116/9).

وفي السنة 1229 قتل باي تونس الأمير عثمان بن علي التركي ، قتله ابن عمه محمود بن محمد ، واستقر في موضعه ، وولد للأمير عثمان في سنة قتله غلام أسموه محمدأ فسجنه محمود ، وظل مسجونا طول مدة حكم محمود بن محمد ، ومدة حكم ولديه حسين ومصطفي ، ومدة حكم أحمد بن مصطفي كذلك ، ولما ولي تونس محمد بن حسين بن محمود ، أطلق محمد بن الأمير عثمان في السنة 1271 ، وتوفي بعد إطلاقه من السجن في السنة 1285( معجم أنساب الأسر الحاكمة 131 ) أقول : يعني أن مدة حبسه أنافت علي اربعين سنة .

ومن أعجب الحبوس ، الحبس الذي كان يلقي فيه المغاربة في الحجاز ، ذكره صاحب المستبصر (ت 690 ) ، قال : في أيام الأمير عيسي بن فليتة ، أمير الحجاز (ت 570 ) كان يؤخذ من كل مغربي ، قدم للحج ،

ص: 15

سبعة يوسفية ضريبة ، ومن لم يؤد ، كان يؤخذ ويدلي في صهريج من صهاريج جدة ، وهو صهريج مسجد الأبنوس ، ويعلقونه بحقوه ، وقد عرش بها أخشاب لهذا الفن ، فإذا حج الناس ، وقضوا مناسكهم ، وأفاض كل راجعة إلي مقصده ، فحينئذ يخرجون المغاربة من الصهاريج ، ويقطون علي المراكب الراجعة إلي مصر ، وعيذاب ، والقلزم ( المستبصر 48 ).

وكان يحشر في الحبوس ، حتي من لا ذنب له ، كما صنع الملك المنصور قلاوون ، إذ بعث إلي الصعيد، بمصر ، الأمير حسام الدين طرنطاي ، في السنة 179 فأخذ خلقأ عظيمة من أعيانهم رهائن ، وأحضرهم إلي القاهرة فأودعهم السلطان الحبوس . ( النجوم الزاهرة 324/7 ) .

وكانت الحبوس الاعتيادية ، متعددة الاسماء والأوصاف ، فقد كان لأهل الجرائم سجن ، وللظلمة حبس ، ولصاحب الشرطة في الجانب الشرقي ببغداد مجلس وحبس ، ولصاحب الشرطة في الجانب الغربي ببغداد ، مجلس وحبس ، وكان هذان المجلسان، علي طرفي الجسر ببغداد ، وهو الجسر الذي حل محله الآن جسر الصرافية الحديد ، وكان للنساء سجن ، بل كان للطرارات من النساء سجن ، وكان للقاهر سجون ، يسميها: الحبوس الغامضة ، وفي أيام المكتفي ، كان أسري القرامطة ، يحبسون في الحبس الجديد ، وكان قصر الذهب في مدينة المنصور ، في عهد المعتز العباسي ، سجنا ، يأمر الخليفة بأن يحبس فيه من يريد حبسه ، وكان الخليفة الناصر إذا غضب علي أحد المقدمين من رعيته، أصدر أمره بأن يوجه به إلي حبس المدائن ، فيضيف إلي الحبس النفي .

وكان للأمراء ، والأميرات ، والوزراء ، والقواد ، سجون ، ولست أريد أن لكل واحد من هؤلاء سجنأ بالمعني الذي نعرفه الآن ، ولكن كان لكل واحد من هؤلاء ، الحق في أن يحبس من يريد حبسه ، وستجد في هذا البحث أن أحد المتعاملين مع السيدة زبيدة أم جعفر ، أخل بأداء دين ترتب

ص: 16

بذمته لها، فحبسته ، وأن علية بنت المهدي أتهمت وكيلا لها بخيانة في مال ، فحبسته ، وأن القاسم بن الرشيد غضب علي أبي العتاهية فحبسه في داره ، أي في دار القاسم ، فاستغاث أبو العتاهية بالسيدة زبيدة أم جعفر ، فكلمت الرشيد ، فأمر بإطلاقه ، وأن السيدة فاطمة زوجة ناصر الدولة الحمداني ، اتهمت وكيلا لها بخيانة في أموالها ، فحبسته ، كما أن الوزير كان يحبس من يريد حبسه في دار الوزارة ، كما يحبس الخليفة في دار الخلافة ، وأورد صاحب الوافي بالوفيات 480/9 في ترجمة الأمير عز الدين أيبك المعظمي ، إنه لما تم الصلح ، بين السلطان الكامل والسلطان الناصر داود ، كان الأمير عز الدين الوسيط في الصلح ، فأشترط لنفسه بلادا ، وأملاكا ، ومسامحات ، وإفساحأ في « الممنوعات » ، وكان من جملة ما اشترط أن يكون له بدمشق حبس يحبش فيه نوابه ».

وكان للمقتدر قهرمانة اسمها زيدان ، يحبس عندها من يريد حبسه من الوزراء والأمراء والقواد ، كما كان لأبي أحمد الموقق ، المهيمن علي الدولة في عهد أخيه المعتمد ، سجن خاص به ، وممن دخل هذا السجن ولده أبو العباس أحمد ، الذي أصبح بعد أن بويع بالخلافة ، المعتضد بالله.

وكان السجن يختلف باختلاف ظروف المحبوس فيه ، ومقامه ، فإن كان محترما ، مرعي الجانب ، ولا خشية من انتفاضه علي الدولة ، فيحبس في داره ، ويمنع من مبارحتها ، وإن كان ثائرة أعتقل ، أو أميرة ، أو قائدة ، أو رجل دولة ، ممن يخشي أنقاضه ، حبس في دار أحد الحاشية ، أو في دار الخلافة ؛ أو دار الوزارة ، بحيث يكون تحت المراقبة اليقظة ، فإن أريد إضافة إلي حبسه ، إبعاده عن الناس ، حبس في إحدي القلاع أو الحصون ، تحت مراقبة تامة ، وفي يد ثقة يطمئن إلي اخلاصه وأمانته .

وقد روي لنا التنوخي ، في كتابه الفرج بعد الشدة في القصة المرقمة 196 قصة طريفة عن أبي تغلب الحمداني ، صاحب الموصل، فإنه اعتقل

:

ص: 17

أخاه محمد في قلعة أردمشت ، من أعمال الموصل ، وحبسه في مطمورة بها ، ووكل بحفظه عجوزة يثق بها جلدة ، ضابطة ، اسمها : نازبانو ( فارسية : سيدة النساء ) ، وأمرها أن لا توصل إليه أحد ، ولا تعرفه خبرة ، وأن تخفي موضعه عن جميع شحنة القلعة وحفظتها ، وأقام محمد في مطمورته هذه ثماني سنين ، ثم كتب أبو تغلب إلي متسلم القلعة، أن يقتل أخاه محمدا ، فلما أراد أن يدخل إليه ليقتله ، حالت نازبانو دون ذلك ، وأبت أن تمكن منه ، إلا بكتاب يرد عليها من أبي تغلب ، فإلي أن كتب إليها ، كان قد آنكسر في حربه مع عضد الدولة ، وأنصرف إلي بلاد الشام ، وأحتل عضد الدولة الموصل ، فأطلق محمد ، وأمره علي شمال العراق ، بدلا من أخيه .

وكان الخلفاء العباسيون ، في صدر ايامهم ، يحبسون من يخافون غائلته في دار أحد رجال الدولة ، أو كبار الخدم ، ولما انتقلوا إلي سامراء ، كان الأمراء من أفراد العائلة المالكة ، يحبسون في الجوسق ، وكان كل من أراد الأتراك مبايعته بالخلافة ، من بعد المنتصر ، أخرجوه من السجن في الجوسق ، وأحضروه إلي قصر الخلافة ، حيث يبايع ، ويقضي في سدة الحكم أمدة قصيرة ، ثم يخلع ، ويقتل، ويعود الأتراك إلي الجوسق ، لاستخراج غيره من الأمراء ، إلي حيث يبايع، ويقضي في الحكم أمد قصيرة ، ليلاقي نفس المصير الذي لاقاه من تقدمه ، ولما عادوا إلي بغداد ، كان الأمراء العباسيون يحجزون في الحريم الطاهري ( الأن بستان العطيفية ) وكانت محلة ذات بيوت عامرة ، تشتمل علي مسنات علي نهر دجلة ، وكان الأمراء يقيمون فيها مع عوائلهم ، وكان عليها سور ، وعلي أبواب السور حراس ، يرأسهم خادم من ثقات الخليفة ، لا يمكن أحدا ممن يقيم فيها ، من مبارحة الدار ، إلا بإذن من الخليفة ، ثم تحول الحال ، من بعد ذلك ، إذ أصبح الخلفاء أكثر حيطة تجاه إخوانهم وأبنائهم وأعمامهم ، وأفراد العائلة

ص: 18

كافة ، ممن يخافون انتفاضه ، أو ممن يرونه لائقأ للحلول محلهم ، فنقلوهم إلي دور داخل دار الخلافة ، لتكون الرقابة عليهم أيسر ، وفي هذه الدور وجدهم هولاكو ، لما فتح بغداد ، حيث قتلهم بأجمعهم .

قال صاحب الوافي بالوفيات 294/2 : إن الأمير الموقق أبا أحمد لما غلب علي الأمور « حظر علي أخيه الخليفة المعتمد، واحتاط عليه ، وعلي ولده ، وجمعهم في موضع واحد ، ووكل بهم » .

وقال صاحب الوافي بالوفيات ، في موضع آخر 276/2 : إن السلطان علاء الدين محمد بن تكش خوارزم شاه ، طلب من الخليفة العباسي أن يخطب له علي منابر بغداد ، كما خطب لسلاطين بني سلجوق ، فأجابه ديوان الخليفة بأن ظروفا أوجبت الخطبة للسلجوقيين ، بالنظر لتغلب الخارجي علي بغداد ، ونزوح الخليفة القائم إلي حديثة وعانة ، حتي نصره السلطان طغرل بك بن ميكائيل السلجوقي ، فاقتضي ذلك إقامة الخطبة ، ولا يلزم أن يكون لك تحكم مثل أولئك ، ومتي إحتجنا اليك في مثل ذلك - والعياذ بالله - أجبنا سؤالك ، وأنت ممالكك متسعة ، فلا تضايق أمير المؤمنين في داره ، وأعيد رسوله ومعه الشيخ شهاب الدين عمر السهروردي ، فلما دخل علي السلطان ، روي في مجلسه حديثا معناه التحذير من أذية آل العباس ، فلما فرغ من رواية الحديث ، قال السلطان : إني ما اذيت أحدا من أولاد العباس ، ولا قصدتهم بسوء ، وبلغني أن في محابس أمير المؤمنين منهم خلقا كثيرا مخلدون ، يتوالدون ويتناسلون ، فلو أعاد الشيخ هذا الحديث علي مسامع أمير المؤمنين ، كان أولي وأجدي .

أما إذا كان الحبس يقصد به إهانة المحبوس ، إضافة إلي أذي الحبس ، فيحبس في الكنيف ، أو في الأصطبل، أو في المارستان مع المجانين ، وقد يحبس في قفص من حديد ، وهذا اللون الأخير من الحبس ، هو بالإشهار أشبه منه بالحبس .

ص: 19

وكانت الحبوس ، علي اختلاف أنواعها ، ينطبق عليها الوصف الذي وصفها به بلال بن أبي بردة ، لما أخذ خالد بن صفوان ، فضربه مائة سوط ، ثم أمر به إلي الحبس ، فقال له خالد : علام تفعل بي هذا ؟ فقال بلال : يخبرك بذلك باب مصمت وقيود ثقال ، وقيم يقال له حفص ، راجع تفصيل القصة في نكت الهميان للصفدي 148 .

ومهما كان شكل الحبس ، وموضعه ، فإنه لون من ألوان العذاب ، ولذلك ، كانت الشكوي منه عامة ، ومن أظهر من المحبوسين تجلدة ، فإن ذلك لا يعني أنه لم يتألم من الحبس ، ولكنه تظاهر بخلاف ما يعاني ، وقد حبس المتوكل علي بن الجهم، فقال من قصيدة :( المحاسن والاضداد 28).

قالوا: حبست فقلت: ليس بضائري ****حبسي وأي مهند لا يغمد

أو ما رأيت الليث يألف غيله ****كبر وأوباش السباع تردد

والحبس ما لم تغشه لدنية**** شنعاء تيم المنزل المتورد

بيت يجدد للكريم كرامة ****ويزار فيه ولا يزور ويحمد

وقد نقض علي ابن الجهم قصيدته هذه ، عاصم بن محمد الكاتب ، لما حبسه أحمد بن عبد العزيز بن أبي دلف ، إذ قال من قصيدة ، ( المحاسن والاضداد 29 ).

قالوا حبست فقلت : خطب أنكد**** أنحي علي به الزمان المرصد

من قال إن الحبس بيت كرامة**** فمكاشر في قوله متجلد

ما الحبس الا بيت كل مهانة**** ومذلة ومكاره لا تنفد

يكفيك أن الحبس بيت لا يري**** أحد عليه من الخلائق يحسد

في مطبق فيه النهار مشاكل**** الليل والظلمات فيه سرمد

وما أحسن قول عبد الله بن معاوية بن عبد الله بن جعفر ، لما حبس : ( المحاسن والاضداد 30).

ص: 20

خرجنا من الدنيا ونحن من أهلها****فلسنا من الأموات فيها ولا الأحيا

إذا دخل السجان يوما لحاجة**** عجبنا وقلنا : جاء هذا من الدنيا

ونفرح بالرؤيا ، فجل حديثنا***** إذا نحن أصبحنا الحديث عن الرؤيا

فإن حسنت كانت بطيئة مجيئها ****وإن قبحت لم تنتظر وأتت سعيا

وقال أبو محجن الثقفي ، لما حبس ، من قصيدة : ( الاغاني 5/19)

وقد شفت جسمي أني كل شارق**** أعالج كب مصمتة قد برانيا

إذا قمت عناني الحديد وغلقت **** مصاريع من دوني تصم المناديا

وقال عبيد الله بن الحر ، لما حبسه مصعب بن الزبير ، في السنة 68 : ( الطبري 131/6 ).

فمن مبلغ الفتيان ان أخاهم**** أتي دونه باب شديد وحاجبه

بمنزلة ما كان يرضي بمثلها ****إذا قام عنته كبول تجاذبه

علي الساق فوق الكعب أسودصامت**** شديد بداني خطوة ويقاربه

وقال محمد بن صالح العلوي ، لما حبسه المتوكل بسر من رأي : ( الأغاني 371/16 ) .

ألم يحزنك يا ذلفاء أني**** سكنت مساكن الأموات حيا

وممن أبدع في وصف سجنه الوزير أبو مروان عبد الملك بن إدريس الجزيري ، لما سجنه المظفر العامري في أحد أبراج طرطوشة ، فقال من قصيدة :

يأوي إليه كل أعور ناعب**** وتهب فيه كل ريح صرصر

ويكاد من يرقي إليه مرة ****من عمره يشكو آنقطاع الأبهر

ص: 21

وقال يصف حاله في حبسه ، وهو من بديع الشعر : ( نفح الطيب 587/1 و 588 )

شحط المزار فلا مزار ونافرت**** عيني الهجوع فلا خيال يعتري

أرزي بصبري وهو مشدود العري**** وألان عودي وهو صلب المكسر

وطوي سروري كله وتلذذي**** بالعيش طي صحيفة لم تنشر

ها أنني ألقي الحبيب توهمأ ****بضمير تذكاري وعين تذكري

عجبا لقلبي يوم راعتني النوي**** ودنا وداعي كيف لم يتفطر

ومن لطيف الشعر ، قول القائل : ( شرح نهج البلاغة 51/5)

وما وجد صعلوك بصنعاء موثق ****بساقيه من سمر القيود كبول

قليل الموالي ملم بجريرة**** له بعد نومات العيون غليل

يقول له السجان أنت معذب ****غداة غير أو رائح فقتيل

بأكثر من وجدي بكم يوم راعني**** فراق حبيب ما إليه سبيل

وحبس خالد بن عبد الله القسري ، أمير العراقيين ، الكميت بن زيد الشاعر ، فكانت امرأته تختلف إليه في ثياب وهيأة ، حتي عرفها البوابوان ، فلبس يوما ثيابها وخرج ، فقال : ( الحيان 365/2 )

خرجت خروج القدح قدح ابن مقبل**** علي الرغم من تلك النوابح والمشلي

علي ثياب الغانيات وتحتها**** صريمة عزم أشبهت سلة النصل

وقال أبو إسحاق الصابي ، لما حبس : ( التيمية 244/2 ).

يا أيها الرؤساء دعوة خادم ****أوفت رسائله علي التعديد

أيجوز في حكم المروءة عندكم ****حبسي وطول تهددي ووعيدي

أنا بين إخوان لناقد أوثقوا ****بسلاسل وجوامع وقيود

وموكلين بنانذل لعهم ****فكاننا لهم عبيد عبيد

ص: 22

من كل حر ماجد صنديد**** في كل وغد عاجز رعديد

قصرت خطاه خلاخل من قيده ****فتراه يمشي كالفتاة الرود

ولما اعتقل المأمون بن ذي النون ، صاحب طليطلة ، أبا مروان عبد الملك بن غصن الحجاري (ت 454 ) ، حبسه في حصن وبذة ، من أعمال طليطلة ، قال يصف سجنه : ( اعتاب الكتاب 220 ).

نحن في حالة الأيسر منها ****يتلظي الردي وتبكي الخطوب

مالنا في وطء البسيطة حظ****لا ولا في نشق الهواء نصيب

في محل كأنه ظلف شاة**** ليس فيه لذي دبيب دبيب

وكأن الكبل الثقيل إذا ما ****رن في الساق للخطوب خطيب

وكان الحاجري الشاعر (ت 632) محبوسا في قلعة خفتيدكان ، ثم نقل إلي الاعتقال بإربل ، ومن شعره لما كان محبوسا في قلعة خفتيدكان : ( وفيات الأعيان 504/3 )

قيد أكابده وسجن ضيق**** يارب شاب من الهموم المفرق

كيف السبيل إلي اللقاء ودونه**** شماء شاهقة وباب مغلق

وقال الشاعر الكبير معروف الرصافي (ت 1364 ) ( 1945 م)، يصف حالة السجن ببغداد ، في العهد التركي الذي انتهي في السنة 1339 (1917 م)، من قصيدة عنوانها : السجن في بغداد ، قال في مطلعها :

سكنا ولم يسكن حراك التبدد ****مواطن فيها اليوم أيمن من غد

منها :

زر السجن في بغداد ، زورة راحم ****التشهد الأنكاد ، أفجع مشهد

محل به تهفوا القلوب من الأسي ****فإن زرته فأشدد علي القلب باليد

مقابر بالأحياء غضت لحودها**** بخمس بمئتين أنفس أو بأزيد

ص: 23

وقد عمهم قيد التعاسة موثقا ****فلم يتميز مطل عن مقيد

تواصلت الأحزان في جنباتها**** بحيث متي يبل الأسي يتجدد

وقد عميت منها النوافذ والكوي**** فلم تكتحل من ضوء شمس بمرود

تصعد من جوف المراحيض فوقها**** بخار إذا تمرر به الريح تفسد

تدور رؤوس القوم من شم نتنها ****فمن يك منهم عادم الشم يحسد

يزور هبوب الريح إلا فناءها ****فلم تحظ من وصل النسيم بموعد

تظن إذا صدر النهار دخلتها ****كأنك في قطع من الليل أسود

فلو كان للعباد فيها إقامة**** الصلوا بها ظهرأ صلاة التهجد

ومما كان يزيد في عذاب المحبوس ، أنه لم يكن له أمد معين يقضيه في الحبس ثم يخلي ، وإنما يحبس ، ثم يهمل ويترك ، وقد ينسي ، اللهم إلا إذا تذكره المسلط ، أو توسل بوسيلة يتذكره بها ، فإما أن يشتد في أمره ، فيقضي عليه ، وإما أن يخفف ويخلي عنه .

ومن الأمثلة علي التشدد ، ما صنعه المنصور بعبد الله بن الحسن العلوي ، فإنه كان قد حبسه وأهل بيته ، وبالغ في أذاهم.

ولما أراد المنصور الخروج للحج ، جلست له ابنة لعبد الله بن الحسن ، يقال لها : فاطمة ، فلما أن مر بها ، أنشأت تقول :

إرحم كبيرة سنه متهدم ****في السجن بين سلاسل وقيود

أرجوك بالرحم القريبة بيننا ****ما جدنا من جدكم ببعيد

فقال أبو جعفر : أذكرتنيه ، ثم أمر به فحدر إلي المطبق ، وكان آخر العهد به .( تاريخ بغداد للخطيب 432/9 ) .

ومن الأمثلة علي التخفيف والتخلية ، ما صنعه أبو العباس بن الموصول . البزاز الحلبي ، لما اعتقله الأمير سيف الدولة الحمداني ، فإنه كتب رقعة إلي الأمير يسأله فيها أن يحضره مجلسه ، فأمر بإحضاره ، وسأله عن سبب طلبه

ص: 24

الحضور ، فقال : لعلمي أن الأمير سوف يطلقني من الاعتقال في هذا اليوم ، قال : ومن أين علمت ذلك ؟ فقال : رأيث البارحة في منامي ، آخر الليل ، رجلا قد سلم إلي مشطأ ، وقال لي : سرح لحيتك ، ففعلت ذلك ، وتأولت التسريح ،سراح من شدة واعتقال ، ولكون المنام في آخر الليل ، حكمت أن تأويله يصح سريعة ، فجعلت الطريق إليه ، مسألة الحضور ، لأستعطف الأمير ، فقال له : أحسنت التأويل ، وقد أطلقتك ، وسوغتك خراجك في هذه السنة ( كتاب الفرج بعد الشدة ، للتنوخي ، تحقيق المؤلف ، رقم القصة 202)

وحبس الربيع بن أنس ، ثلاثين سنة ، فمات في الحبس ( البصائر والذخائر 304/1/3 ).

وحبس الحجاج إبراهيم بن الربيع التيمي ، وهو أحد الزهاد الأخيار ، في سجن واسط ، فمات ، فرمي به في الخندق ، ولم يجرأ أحد أن يدفنه ، فمزقته الكلاب ( البصائر والذخائر 304/1/3 ) .

وكان الوليد بن عبد الملك ، أراد أن يخلع أخاه سليمان من العهد، ويعهد إلي ولده عبد العزيز ، فأجابه إلي ذلك الحجاج ، وقتيبة بن مسلم ، وقال الوليد لعمر بن عبد العزيز : بايع لابن أختك عبد العزيز ، وكان عبد العزيز ابن الوليد من أم البنين أخت عمر ، فقال له عمر : إنما بايعناك وسليمان في عقد واحد ، فكيف نخلعه ونتركك ؟ فأخذ الوليد مندي ، وجعله في عنق عمر بن عبد العزيز ، ولواه حتي كاد أن يموت ، فصاحت أخته أم البنين ، زوجة الوليد ، حتي أطلقه ، وحبسه في بيت ثلاثة أيام ( وطين عليه ) حتي كلمته أم البنين ، فأخرجه وقد التوت عنقه ( النجوم الزاهرة 233/1 ).

وفي السنة 132 وثب أبو مسلم الخراساني ، علي علي بن جديع الكرماني ، أحد كبار القواد ، بنيسابور ، فقيده ، وحبسه ، وقتله ( وفيات الأعيان 150/3 ) .

ص: 25

وغضب الرشيد علي إبراهيم الموصلي ، فحبسه بالرقة ( الاغاني 205/6)

ووجد الرشيد علي منصور زلزل ، فحبسه عشر سنين ، أو نحوها ، ثم تذكره ، فأحضره وقد أبيض شعر رأسه ولحيته . ( الاغاني 201/5).

ومن طريف الأخبار ، أن محمد بن أبي المضاء حضر أمام القاضي عيسي بن المنكدر ، قاضي مصر (212-214)، في خصومة ، فحكم عليه ، فتعرض له بكلام قبيح ، فأمر به فحبس ، وكان ابن المنكدر ينفق علي عيال ابن أبي المضاء طول حبسه . ( القضاء للكندي 439) .

وأمتحن المعتصم ، أبا عبد الله نعيم بن حماد الخزاعي ، في أمر خلق القرآن ، فأبي أن يجيب بخلقه ، فحبسه ، حتي مات في السنة 228 ( الاعلام 14/9)

وفي السنة 225 لما تغير المعتصم علي الافشين ، أمر عبد الله بن طاهر أن يحتال لولده الحسن بن الافشين فيعتقله ، فاعتقله ، وحمله إلي سامراء ، فحبس ، وظل محبوسا خمسة وعشرين سنة ، حتي أطلقه المستعين في السنة 200 . ( الطبري 106/9 و 107 و 110 و 276).

وفي السنة 233 أمر المتوكل بابراهيم بن الجنيد النصراني ، فضرب بالاعمدة ، حتي أدي سبعين ألف دينار ، ثم حبسه ( الطبري162/9 ).

وسجن المتوكل محمد بن صالح العلوي ، من أولاد الحسن ، ثم خلي عنه ، في قصة عاطفية ، من أبلغ ما سمع من القصص من هذا اللون ، فيها شهامة ، وفيها وفاء ، وفيها أريحية وفتوة ، وخلاصتها : إن محمد بن صالح ، كان قد خرج علي المتوكل ، مع من بيض ، وأخاف الطريق في بلده الحجاز ، وتسلط في أحد الأيام علي قافلة ، فملكها ، وبينما كان أصحابه يحوزونها ، وينيخون الجمال ، أطلت عليه امرأة جميلة الوجه ، حسنة المنطق ، من

ص: 26

العمارية ( الكجاوة ) وقالت له : يا فتي ، إن رأيت أن تدعو لي بالشريف المتولي أمر هذا الجيش ، فقال لها : أنا هو، فقالت : أنا حمدونة بنت عيسي بن موسي بن أبي خالد الحربي ، ولأبي سلطان ولنا نعمة ، وأنا أسألك أن تصونني وتسترني ، وهذه ألف دينار معي لنفقتي ، فخذها حلا ، وهذا حلي علي ، ثمنه خمسمائة دينار ، فخذه وضمني ما شئت بعده ، آخذه لك من تجار المدينة ، وأريد منك أن تدفع عني ، وأن تحميني من عاړ يلحقني ، فوقع كلامها في قلبه ، وقال لها : قد وهب الله لك مالك ، وحالك ، وجاهك ، ووهب لك القافلة بجميع ما فيها ، ثم نادي أصحابه ، وقال لهم : إني أجرت هذه القافلة ، وخفرتها ، وحميتها ، فمن أخذ منها خيطأ أو عقالا ، فقد آذنته بحرب ، وأنصرف عنها بأصحابه ، ثم ان محمد بن القاسم أسلمه قومه إلي القائد العباسي أبي الساج ، فاعتقل في سامراء ، ودخل عليه السجان يوما ، فقال له : إن بالباب أمرأتين ، تزعمان أنهما من أهلك . وقد حظر علي أن يدخل عليك أحد ، ولكنهما أعطتاني دملج ذهب علي أن أوصلهما إليك ، وقد أذنت لهما ، وهما في الدهليز .

فلما خرج إليهما : إذا بصاحبته حمدونة ، فلما رأت ثقل حديده ، وما هو عليه من الضر ، بكت ، وأقبلت عليه ، فقالت له : فداك أبي وأمي ، والله ، لو استطعت أن أقيك بنفسي وأهلي مما أنت فيه ، لفعلت ، وكنت بذلك مني حقيقة ، وسوف لا أترك السعي في خلاصك ، وهذه دنانير وثياب وطيب ، فاستعن بها علي موضعك ، ورسولي يأتيك في كل يوم بما يصلحك ، حتي يفرج الله عنك ، وما زال رسولها يأتيه في كل يوم ، وتواصل برها بالسجان ، حتي أطلق من السجن ، فسأل صاحبه إبراهيم بن المدبر ، وكان إبراهيم فتي أريحيأ ، كريمأ ، أديبأ ، شاعرأ ، أن يكلم عيسي بن موسي في تزويجه بالفتاة ، فكلمه ، فأبي ، وقال : والله ، أنا لا أعرف أشرف منه ، ولكني أخاف المتوكل ، وولده بعده ، علي نعمتي ونفسي ، فلم يزل به ، حتي زوجه ،

ص: 27

وساق عنه الصداق ، ولكن محمد بن صالح ، لم يهنأ بعيشه ، إذ مات شابأ بالجدري ، وكان شاعرأ عذب الشعر ، وهو الذي قال في الحبس ، هذه الأبيات الرائقة :

وبدا له من بعد ما أندمل الهوي**** برق تألق موهنأ لمعانه

يبدو كحاشية الرداء ودونه**** صعب الذري متمنع أركانه

فدنا لينظر كيف لاح فلم يطق ****نظر إليه ورده سجانه

فالنار ما اشتملت عليه ضلوعه**** والماء ما سخت به أجفانه

راجع أخبار محمد بن صالح العلوي ، في الأغاني 360/16 - 372.

وذكر البحتري ، إنه زار المعت، في حبسه ، في عهد خلافة المستعين ، وإنه مدحه بأبيات نال جزاءه عليها لما خلع المستعين ، واستخلف المعتر ، راجع تفصيل ذلك في كتاب الفرج بعد الشدة للتنوخي ، تحقيق المؤلف ، رقم القصة 153.

ولما قتل المهتدي محمد بن هارون الواثق ، في السنة 256 ، حمل إخوته من أولاد الواثق ، ومنهم صبي صغير اسمه محمد بن هارون ، سماه المعتصم جده بأسمه ، وكناه بكنيته ، إلي بغداد ، فحبسوا بها ( الوافي بالوفيات 147/5 ).

وفي السنة 302 قبض علي الحسين بن عبد الله المعروف بابن الجصاص ، وحبس ، وقيد واستصفي كل شيء له ( الطبري 149/10 )، أقول : هذا استصفاء ثان ، لأن استصفاءه الأول ، تم لما التجأ إليه ابن المعتز في السنة 296 إذ إعتقل في تلك السنة ، وبلغ مقدار ما صودر عليه ستة آلاف ألف دينار ، علي قول ( نشوار المحاضرة للتنوخي رقم القصة 7/1 ) وعشرة آلاف ألف دينار علي قول أخر ( الوزراء 245).

أقول : كان ابن الجصاص جوهرية بمصر، وأتصل بخمارويه بن

ص: 28

أحمد بن طولون أمير مصر ، ثم أقام ببغداد ، وتوفي بها سنة 315 ، وكان عظيم الغني واسع الثراء ، والرجل تاجر لا دخل له في السياسة ، وكان ذنبه أن خصما للخليفة التجا إليه فآواه ( تجارب الأمم 7/1 والتكملة 5 ).

وكان حامد بن العباس ، من كبار العمال في الدولة العباسية ، حبسه الوزير اسماعيل بن بلبل ، وزير المعتمد ، من أجل بقايا كانت عليه ، راجع في القصة 172 من كتاب الفرج بعد الشدة ، كيف تخلص من حبسه .

ولما توفي لؤلؤ غلام سيف الدولة ، خلفه في حكم حلب ولده منصور ، وحضر عنده سبعمائة رجل من بني كلاب ، فقبض عليهم ، وقتل بعضهم ، وحبس الباقين ، ومن جملتهم صالح بن مرداس ، وأحتال صالح حتي فر من السجن وهاجم منصور ومعه ألفا رجل من قومه ، فأسره وقيده بالقيد الذي كان منصور قيده به ، وفيه لبنة من الحديد . ( خطط الشام 248/1 ).

وكان الأحوص الغلابي ، قاضي البصرة ، حريصا علي حرمة القضاء واستقلاله ، وكان يسنده الوزير ابن الفرات ، فلما عزل ابن الفرات ، ركب عامل البصرة ، ابن كنداج ، بنفسه ، وقبض علي القاضي ، ومشاه بين يديه ، طول الطريق ، إلي داره ببني نمير ، حتي أدخله السجن من تحت الخشبة ، فأقام فيه مدة ثم مات ، ولم يسمع بقاض أدخل السجن من تحت الخشبة غيره ، ولا بقاض مات في السجن سواه ( نشوار المحاضرة ، رقم القصة 124/1)

أقول : كنت قد سجلت في تعليقي علي قوله : أدخل السجن من تحت خشبة أني لم أفهم معني ذلك ، وإن كان المقتضي من العبارة ، إن دخول السجن من تحت الخشبة، أشد وأمعن في الأذي ، راجع كتاب نشوار المحاضرة ( ج 1 ص 226 الحاشية رقم 1).

ص: 29

وفي السنة 363 اتهم الوزير ابن بقية ، محمد بن أحمد الجرجرائي بأنه يسعي في طلب الوزارة ، فصعب عليه ذلك لأن الجرجرائي كان قد تعاقد مع تحفة قهرمانة بختيار علي أن تدفع عنه ، فاحتال بأن أرسله إلي البصرة ، وكتب إلي صاحب له بالبصرة اسمه عبد العزيز بن الكراعي فاعتقله ، وعمد ابن بقية إلي تحفة القهرمانة فاشتري سكوتها عن الجرجرائي بخمسين ألف درهم دفعها إليها ، وأصعده الكراعي إلي واسط ، حيث تسلمه أبو غالب عامل واسط ، فمات في حبسه ( تجارب الأمم 321/2 - 323 ).

وفي السنة 374 خطب أبو الحسين بن عضد الدولة ، بالأهواز ، لفخر الدولة ، ثم قصده أخوه شرف الدولة ، ففر إلي عمه فخر الدولة ، وأقام بأصبهان ينتظر العون من عمه فخر الدولة في استعادة الأهواز له ، فلما طال عليه الأمر قصد التغلب علي أصبهان ، ونادي بشعار أخيه شرف الدولة ، فاعتقله جند فخر الدولة بأصبهان ، وسيروه إلي الري فحبسه عمه ، وبقي محبوسا إلي أن مرض عمه فخر الدولة مرض الموت ، فأرسل إليه من قتله في السجن ، وكان يقول شعرأ حسنا ، منه : ( ابن الأثير 45/9 ) .

هب الدهر أرضاني وأعتب صرفه ****وأعقب بالحسني وفك من الأسر

فمن لي بأيام الشباب التي مضت ****ومن لي بما قد فات في الحبس من عمري

وكان المستنصر الفاطمي قد حبس حازم وحميد ولدي جراح ، من أمراء عرب الشام ، وبقيا في حبسه نيفا وعشرين سنة حتي أخرجهما ناصر الدولة بن حمدان ( النجوم الزاهرة 15/5 ).

وفي السنة 399 مات في حبس السلطان يمين الدولة محمود بن سبكتكين الغزنوي ، بالهند ، خلف بن أحمد، الذي كان صاحب سجستان ، وكان معتقلا بالجوزجان ثم بلغه أنه يزمع الفرار ، فضيق عليه ، وأخذه معه في حملته علي الهند فمات هناك في حبسه .

ص: 30

أقول : من النادر أن يعثر الإنسان ، في صفحات التاريخ ، علي شرير مثل خلف بن أحمد هذا ، وهو يعرف بابن بانويه ، لأن جده لأمه عمر و بن الليث الصفار ، وكان خلف قدم بغداد في أيام المطيع العباسي ، فخلع عليه ، وولاه سجستان ، وكان خلف يتظاهر بالتقوي ، ويمشي إلي الجامع في كل جمعة بالطيلسان ، وربما خطب ، وصلي بالناس ، وأملي الحديث ، وكان علما مفردة في المكر والغدر ، وبلغ من غدره وقسوته إنه قتل ولدين من أولاده بيده ، قتل الأول منهما لأنه بعث به علي رأس عسكر ، فعاد مفلولا ، أما الثاني فقد خدعه وأستماله وأوهمه أنه يريد أن يسلم إليه الأمر ، فانخدع ولده ، واجتمع به ، وقبل يده ، فعانقه الأب ، ورفع صوته بالبكاء ، وكان رفع صوته بالبكاء علامة منه لأفراد كمين كان قد أعذهم لأخذ ولده ، فخرج الكمين ، وأسر الولد ، وأصعده إلي القلعة ، فقتله أبوه بيده ، ثم غسله ، وصلي عليه ، ودفنه ، راجع ترجمة أحمد بن خلف هذا في هذا الكتاب ، في الفصل الحادي عشر و القتل بالة من الات القتل ، الفصل الأول : « القتل بالسيف » القسم الثالث « القتل غدرا ».

وفي السنة 400 توفي الأمير الأموي الأندلسي الشاعر مروان بن عبد الرحمن بن مروان بن عبد الرحمن الناصر ، وكان في بني أمية كابن المعتز في بني العباس ملاحة شعر وحسن تشبيه ، قتل هذا الأمير أباه ، لأنه كان قد ربي معه جارية ، فألفها وعشقها ، ثم استأثر بها أبوه ، فثارت غيرته ، وقتله ، فحبس في أيام المنصور بن أبي عامر ست عشرة سنة ، ثم أطلق ، فعاش بعد إطلاقه ست عشرة سنة ، وهذا من نادر الأتفاق . ( الاعلام 96/8 ).

وفي السنة 493 عزل الخليفة وزيره عميد الدولة بن جهير ، وأخذ من ماله خمسة وعشرين ألف دينار ، وقبض عليه وعلي إخوته ، ومات في حبسه بدار الخلافة ، وكان عزله بناء علي طلب من مؤيد الملك وزير السلطان محمد السلجوقي ( ابن الأثير 299/10 ).

ص: 31

وفي السنة 515 حصر بلك بن بهرام ، ابن أخي ايلغازي ، مدينة الرها ، وصاحبها جوسلين الافرنجي ، فوقع جوسلين أسيرة ، وجعل في جلد جمل ، وخيط عليه ، وحبس ( ابن الأثير 593/10).

وفي السنة 546 وقعت حرب بين نور الدين محمود زنكي ، وبين جوسلين الافرنجي وكان فارس الإفرنج غير مدافع ، فانهزم المسلمون ، وأسر منهم جملة ، وكان من جملة من أسر سلاح دار نور الدين ، ومعه سلاح سيده نور الدين ، فسيره جوسلين مع السلاح إلي الملك مسعود بن قليج أرسلان ، صاحب قونية ، وقال له : هذا سلاح زوج إبنتك ، يعيره بذلك ، وعلم نور الدين بالحال ، فعظم عليه ، وأعمل الحيلة علي جوسلين حتي أسره ، وحبسه . ( ابن الأثير

154/11 و155).

ولما ألف ابو المعالي ابن حمدون (ت 562 ) كتابه التذكرة ، ووقف المستنجد العباسي ، علي أخبار وحكايات فيه توهم في الدولة غضاضة ، عزله عن ديوان الزمام وحبسه ، وظل في حبسه حتي مات . ( وفيات الأعيان 380/4)

واتهم الشيخ عبد السلام بن الشيخ عبد القادر الكيلاني ، بالفلسفة ، فاعتقل وأخذت كتبه في الفلسفة وعلم الهيأة ، فأحرقت ، وظل عبد السلام في السجن حتي أطلق سنة 589 ( تاريخ الحكماء 229) .

وكبس في السنة 617 علي الطبيب النصراني ، أبي علي بن أبي الخير ، فوجد عنده آمرأة مسلمة من الخواطيء ، تعرف بست شرف ، وقرر ، فأقر علي جماعة من الخواطيء المسلمات ، كن يأتينه لأجل دنياه ، من جملتهن أمرأة تعرف ببنت الحنش الركابدار ، اسمها آشتياق ، وكانت زوجة ابن البخاري صاحب المخزن ، أم أولاده ، فقبض علي النسوة ، وأودعن سجن الطرارات ، ورسم بقتل الطبيب أبي علي ، ففدي نفسه بستة آلاف دينار .. ( تاريخ الحكماء 812 و413).

ص: 32

وفي السنة 838 اعتقل الأشرف برسباي ، سلطان مهر، جماعة من حجاج الفرنج الذين قدموا لزيادة كنيسة قمامة في القدس ، وحبسهم بالقاهرة ، والظاهر إن حبسهم كانت ترافقه ألوان من العذاب ، بحيث أنه لم يطل الا أيام ، ولكن عدة منهم ماتوا ، خلال تلك الأيام القليلة ، وتفصيل ذلك : إن الملك الاشرف سيف الدين أبا النصر برسباي سلطان مصر والشام والحجاز ، كان قد أحتكر - فيما أحتكر - مادة الفلفل ، ففرض أن لا يتعامل به أحد إلا السلطان ، بحيث لا يباع إلا له ، ولا يشتري إلا منه ، وأصبح تبعا لذلك ، يفرض الثمن الذي يرتأيه ، ويلزم التجار بشرائه، بأن « يلقيه » عليهم ، ويتقاضي ثمنه منهم ، وكان التجار الفرنج ممن أبتلي بذلك ، فشكوا أمرهم إلي أولياء أمورهم في كتالونيا ، فعمد الكتالونيون ، في رمضان سنة 838 إلي مهاجمة ساحل بيروت ، واستولوا علي خمس مراكب فيها بضائع كثيرة ، ورجال عديدون ، وبعث ملكهم إلي والي دمياط كتابة ليوصله إلي السلطان ، يتضمن « جفاء ومخاشنة» بسبب « إلزام الفرنج أن يشتروا الفلفل المعد للمتجر السلطاني » فغضب السلطان لما قريء عليه ومزقه ، وأضمرها للكتالونيين ، حتي قدم إلي بيت المقدس في أول السنة 839 جماعة من الفرنج لزيارة كنيسة قمامة ، علي عادتهم ، أمر السلطان باعتقالهم ، وحملوا إلي القاهرة ، بحجة أن فيهم كتالونيون ، وسجنهم مهانين ، ثم أفرج عنهم بعد أيام ، وقد مات منهم عدة ( حوليات دمشقية 108 ، 117 ، 118 ، 156).

وأورد صاحب حوليات دمشقية ( ص 160 و161) خبرة طريفة عن إلغاء السجون في القاهرة في السنة 839 في عهد سلطان مصر الملك الأشرف سيف الدين أبي النصر برسباي ، وإطلاق جميع المسجونين ، قال : في السنة 839 اشتد الغلاء بالقاهرة ، فعرض أرباب السجون في ثالث جمادي الآخرة ، ورسم الأرباب الديون ( الدائنين ) أن يقوموا بمؤونة مسجونيهم ، حتي تنقضي أيام الغلاء ، هذا إن كان مبلغ الدين كبيرة ، فإن كان يسيرة ألزم رب الدين بتقسيطه

ص: 33

علي المدين ، أو الإفراج عنه ، وأصبح القاضي يكتب علي أمر حبس المدين : يعتقل ، بشرط أن يفرض له رب الدين ما يكفيه من المؤونة ، وبعد عشرة أيام من عرض المسجونين أمر السلطان في ثالث عشر جمادي الآخرة فأفرج عن جميع من في السجون حتي أرباب الجرائم وقطاع الطريق ، ورسم السلطان بأن لا يسجن القضاة والولاة أحدأ ، وإن من قبض عليه من السراق يقتل ولا تقطع يده ، فغلقت السجون ولم يبق مسجون ، وبعد خمسة أيام ، أي في ثامن عشر جمادي الآخرة ، أعيد فتح السجون ، ووضع فيها مسجونون ( حوليات دمشقية 161 ، 160)

ص: 34

الفصل الأول
القسم الأول السجون الاعتيادية
اشارة

1- سجون الدولة التي يحبس فيها القاضي وصاحب الشرطة

2- سجون الأمراء والاميرات والوزراء والقواد .

3- حبس الانسان في داره .

4 - الحبس عند احد رجال الدولة .

5- سجن الأمراء بالجوسق في سامراء .

6 - الحبس في دار الخلافة ببغداد .

7 - الحبس في القلاع والحصون .

ص: 35

ص: 36

1- سجون الدولة

في معركة القادسية ، في السنة 14 ، كان القائد سعد بن أبي وقاص ، قد حبس أبا محجن الثقفي ، واسمه عمرو بن حبيب ، وقيده ، وكان حبسه في حجرة من حجر القصر ، ولما التحم المسلمون والفرس في المعركة يوم أغواث ، صعد أبو محجن إلي سعد بن أبي وقاص قائد جند المسلمين ، وتوسل إليه أن يطلقه ليحارب ، فزبره سعد، ورده ، فنزل ، وكلم سلمي ، زوجة سعد ، وقال لها : يا سلمي ، أريد أن تخلي عني ، وتعيريني البلقاء ( فرس سعد ) فلله علي ، إن سلمني الله ، أن أرجع إليك ، حتي أضع رجلي في قيدي ، فقالت : وما أنا وذاك ، فرجع پرسف في قيوده ، وهو يقول :

كفي حزن أن تعثر الخيل بالقنا**** وأترك مشدودأ علي وثاقيا

إذا قمت عناني الحديد وأغلقت**** مصاريع دوني قد تصم المناديا

وقد كنت ذا مال كثير وإخوة ****فقد تركوني واحدة لا أخا ليا

والله عهد لا أخيس بعهده ****لئن فرجت ألا أزور الحوانيا

فأطلقته سلمي ، فأخذ أبو محجن الفرس ، وخاض المعركة ، وأخذ يقصف الفرس قصف منكرة ، وتعجب منه الناس ، ولم يعرفه أحد منهم ، وجعل سعد يقول وهو مشرف علي الناس ، والله لولا محبس أبي محجن القلت هذا أبو محجن ، وهذه البلقاء ، ولما انتصف الليل ، تحاجز الناس ، فأعاد أبو محجن الفرس إلي مكانها ، ووضع رجله في القيد من جديد ، فذهبت سلمي إلي زوجها سعد ، وأخبرته بخبر أبي محجن ، فدعا به سعد ، وأطلقه ( الطبري 548/3 - 550).

ص: 37

وقال بعض جلساء يزيد بن المهلب له : لم لا تتخذ لك دارا ؟ فقال : وما أصنع بها؟ ولي دار حاصلة مجهزة علي الدوام ، فقال له : وأين هي ؟ قال : إن كنت متولية فدار الإمارة ، وإن كنت معزولا فالسجن ( وفيات الأعيان 294/6)

أقول : حبس يزيد بن المهلب مرتين ، حبسه الحجاج في الأولي ، وقد ذكرنا ذلك في موضع آخر من هذا الكتاب ، وحبسه عمر بن عبد العزيز في الثانية ، وذلك إن سليمان بن عبد الملك كان قد ولي يزيد بن المهلب علي العراق وخراسان ، فأعد يزيد حملة فتح بها جرجان وطبرستان فأصاب غنائم كثيرة ، فكتب إلي سليمان بن عبد الملك : إني قد فتحت طبرستان وجرجان ، وإني باعث إليك بقطران عليها الأموال ، يكون أولها عندك وآخرها عندي ، فلما مات سليمان وخلفه عمر بن عبد العزيز ، أخذه بهذا الكتاب وطالبه بالأموال ، فقال يزيد : إني كنت من سليمان بالمكان الذي قد رأيت ، وإنما كتبت إلي سليمان لأسمع الناس به ، وقد علمت أن سليمان لم يكن اليأخذني بشيء مما سمعت ، ولا بأمر أكرهه ، فقال عمر : ما أجد في أمرك إلا حبسك . فاتق الله وأن ما قبلك ، فإنها حقوق المسلمين ، ولا يسعني تركها ، وحبسه ، وظل في محبسه حتي بلغه مرض عمر ، وخشي أن يموت عمر ، ويخلفه يزيد بن عبد الملك ، وكان عدوا له ، ففر من السجن ، وكتب إلي عمر : إني - والله - لو علمت أنك تبقي ما خرجت من محبسي ، ولكني الا آمن يزيد بن عبد الملك ، وكان سبب عداوة يزيد بن عبد الملك له ، إن يزيد بن المهلب لما ولي العراق ، اعتقل بأمر من سليمان ، جميع آل أبي عقيل رهط الحجاج ، وعذبهم ، وكانت أم الحجاج بنت محمد بن يوسف الثقفي ، وهي ابنة أخي الحجاج ، تحت يزيد بن عبد الملك ، وهي أم ولده الوليد ، فكتب يزيد بن عبد الملك إلي يزيد بن المهلب في التخفيف عن آل أبي عقيل ، فرد عليه يزيد ردا عنيفا ، فحلف يزيد بأنه إذا تمكن من يزيد بن

ص: 38

المهلب أن يقطع منه طابقا ، فكان يزيد بن المهلب يخشي ذلك . راجع التفصيل في ترجمة يزيد بن المهلب في وفيات الأعيان ( 278/9 - 309)

وحبس عمر بن عبد العزيز ، مخنثأ مدنيا ، ووكل به معلم يعلمه القرآن ، وما يجب عليه من حدود الطهارة والصلاة .

أقول : قيل لعمر بن عبد العزيز إن بالمدينة مختثا قد أفسد نساءها ، فكتب إلي عامله بالمدينة أن يحمله ، فأدخل عليه ، فإذا شيخ خضيب اللحية والأطراف ، معتجر بسبنية ، قد حمل دفا في خريطته ، فلما وقف بين يدي عمر ، صعد بصره فيه وصوبه وقال : سوءة لهذه الشيبة ، وهذه القامة ، أتحفظ القرآن ؟ قال : لا والله يا أبانا ، قال : قبحك الله ، وأشار إليه من حضره ، فقالوا : أسكت ، فسكت ، فقال له عمر : أتقرأ من المفضل شيئا ؟ قال : وما المفضل ؟ قال : ويلك ، أتقرأ من القرآن شيئا ؟ قال : نعم ، اقرأ « الحمد لله ، وأخطيء فيها في موضعين أو ثلاثة ، وأقرأ (قل أعوذ برب الناس ، وأخطيء فيها ، واقرأ « قل هو الله أحد ، مثل الماء الجاري ، قال : ضعوه في الحبس ، ووكلوا به معلما يعلمه القرآن ، وما يجب عليه من حدود الطهارة والصلاة ، وأجروا عليه في كل يوم ثلاثة دراهم ، وعلي معلمه ثلاثة دراهم أخر ، ولا يخرج من الحبس حتي يحفظ القرآن أجمع ، فكان كلما علم سورة نسي التي قبلها ، فبعث رسولا إلي عمر : يا أمير المؤمنين وجه إلي من يحمل إليك ما أتعلمه أو فأولا ، فإني لا أقدر علي حمله جملة واحدة ، فيئس عمر من فلاحه ، وقال : ما أري هذه الدراهم إلا ضائعة ، ولو أطعمناها جائعة ، أو أعطيناها محتاجة ، أو كسرناها عريانأ ، لكان أصلح ، ثم نفاه ، راجع القصة بتفاصيلها في الأغاني 337/6 و 338.

وكان بلال بن أبي بردة ، قد اتخذ دارة بالكوفة ، فما نزلها في السنة 120 إلا مقيدة ، ثم اتخذت من بعد ذلك سجنا ( الطبري 153/7 ).

ص: 39

وفي السنة 125 أراد الوليد بن يزيد أن يبايع بولاية العهد لولديه الحكم وعثمان ، فشاور سعيد بن بيهس ، فنهاه ، وقال : لا تفعل فإنهما غلامان لم يحتلما ، فغضب ، وحبسه ، حتي مات في الحبس ( الطبري 232/7 ) .

وفي السنة 125 أمر الوليد بن يزيد بابن عمه سليمان بن هشام ، فضربه مائة سوط ، وحلق راسه ولحيته ، ونفاه إلي معان من أرض الشام ، فلم يزل محبوسة هناك ، إلي أن قتل الوليد ( الطبري 231/7 ).

ولما قدم يوسف بن عمر الثقفي العراق ، عام لهشام ، اعتقل سلفه في الإمارة ، خالد بن عبد الله القسري ، وأخذ يزيد بن خالد ، فضربه ثلاثين سوط ( وفيات الأعيان 105/7 ).

وغضب المهدي العباسي ، علي أبي العتاهية ، لأنه ترك قول الشعر ، فأمر بأن يحبس في حبس الجرائم ، فلما وضع في الحبس دهش ، وذهل عقله ، ورأي منظرأ هاله ، ثم أبصر كهلا حسن المنظر ، تبين عليه سيماء الخير ، فقصده ، وجلس إليه ، فأنشد الرجل :

تعودت مس الضر حتي ألقته ****وأسلمني حسن العزاء إلي الصبر

وصرني يأسي من الناس واثقأ ****بحسن صنيع الله من حيث لا أدري

وتبين أن الرجل اسمه حاضر ، صاحب عيسي بن زيد العلوي ، وقد حبسه المهدي ، لأنه أبي أن يرشده إلي موضع عيسي .

راجع القصة بتفصيلها في كتاب الفرج بعد الشدة للقاضي التنوخي ، رقم القصة 173 ج 2 ص 116 - 119 .

ولما قتل مروان الجعدي بمصر ، كان معه ولداه عبد الله وعبيد الله ، ففرا عنه ، إلي أسوان من صعيد مصر ، ثم صارا إلي بلاد النوبة ، ونالهم وأصحابهما جهد شديد ، وضر عظيم ، فهلك عبيد الله بن مروان في جماعة ممن كان معه ، قتلا ، وعطشا ، وضرا ، وشاهد من بقي منهم أنواع الشدائد

ص: 40

وضروب المكاره ، ووقع عبد الله في عدة ممن نجا معه في أرض البجة ثم عبروا إلي ساحل الحجاز ، وتنقل هو ومن معه من أهله ومواليه ، في البلاد متخفين ، ثم ظفر به السفاح ، فحبسه ، وظل محبوسأ بقية أيام السفاح ، والمنصور ، والمهدي ، والهادي ، وبعض أيام الرشيد ، وأخرجه الرشيد وهو شيخ ضرير ، فسأله ، فقال : يا أمير المؤمنين ، حبست غلاما بصيرة ، وأخرجت شيخ ضريرة ( شرح نهج البلاغة 121/7 و 122).

وذكر السندي بن شاهك ، وكانت إليه الشرطة في مدينة السلام ، قال : كنت نائما ذات ليلة في غرفة الشرطة ، بالجانب الغربي من مدينة السلام ، كما جري به رسم ولاة الشرطة من المبيت في أعمالهم ، إلا في ليال معلومة ، فسمعت قعقعة لجم البريد ، ودق باب الغرفة ، فأمرت بفتحها ، فدخل علي سلام الأبرش الخادم ، وكان الرشيد بوجهه في مهماته ، وأعطاني كتاب ، ففتحته واذابه من الرشيد وفيه : يا سندي ، هذا كتابنا بخطنا ، مختوم بالخاتم الذي في يدنا ، وموصله سلام الأبرش ، فإذا قرأته فقبل أن تضعه من يدك ، إمض إلي دار يحيي بن خالد ، للإحاطة عليه ، وسلام معك ، حتي تقبض عليه وتوقره حديدة ، وتحمله إلي الحبس في مدينة أمير المؤمنين المنصور ، المعروف بحبس الزنادقة ، وتتقدم إلي باذام بن عبد الله خليفتك، بالمصير إلي الفضل ابنه ، عند ركوبك إلي دار يحيي ، وقبل انتشار الخبر ، وتقدم إليه بأن يفعل بالفضل، ما تقدمت به إليك في يحيي ، وأن يحمله إلي حبس الزنادقة ، فإذا فرغت منهما ، فمر أصحابك بالقبض علي أولاد يحيي ، وأولاد إخوته ، وقراباته ( الهفوات النادرة 192 و 193).

وفي السنة 175 حبس هشام بن عبد الرحمان الداخل ، صاحب الاندلس ، ابنه عبد الملك ، لشيء بلغه عنه ، فبقي مسجونا حياة أبيه ، وبعض ولاية أخيه ، وتوفي محبوسا في السنة 198 ( ابن الأثير 124/6 ).

ص: 41

وفي السنة 198 ثار أهل الربض بقرطبة علي أمرهم الحكم المرواني ، وهاجموه وحصروه في قصره ، وكان بزيع مولي أمية بن عبد الرحمن الداخل ، محبوسا في حبس الدم بقرطبة ، وفي رجليه قيد ثقيل ، فلما رأي أهل قرطبة قد غلبوا الجند ، سأل الحرس أن يفرجوا له ، فأخذوا عليه العهود إن سلم ، أن يعود إليهم ، وأطلقوه فخرج ، فقاتل قتالا شديدأ ، فلما انهزم أهل الربض ، عاد إلي السجن ، فانتهي خبره إلي الحكم ، فأطلقه ، وأحسن إليه ( ابن الأثير 300/6 ) .

وفي السنة 202 قبض ابراهيم بن المهدي ، إبان حكمه القصير الأمد ، علي رجل من أصحاب سهل بن سلامة الأنصاري ، من دعاة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ، يدعي محمد الرواعي ، فضربه ابراهيم ، ونتف لحيته ، وقيده ، وحبسه ( الطبري 563/8 ) .

وفي السنة 230 زاد شر بنو سليم حول المدينة بالحجاز ، وحاربهم أمير المدينة ، فكسروه ، وقتلوا جماعة من قريش والأنصار ، فوجه إليهم الواثق بغا الكبير ، فحاربهم ، وكسرهم ، ونزلوا علي حكم الواثق ، فحبس بغا منهم من عرف بالشر والفساد ، مقدارهم ألف رجل، في دار يزيد بن معاوية بالمدينة ، وبعد انقضاء موسم الحج ، توجه إلي بني هلال ، وأخذ من مردتهم وعتائهم نحوا من ثلثمائة ، حبسهم مع من حبس من بني سليم ، فأصبح مجموعهم ألف وثلثمائة فنقبوا الدار ليخرجوا ، ورأي أهل المدينة النقب ، فجاءوا ، فوجدوهم قد وثبوا علي الموكلين بهم ، وقتلوا بعضهم ، وأخذوا سلاحهم ، فاجتمع عليهم أهل المدينة ، أحرارهم وعبيدهم ، وحاربوهم ، فقتلوهم أجمعين ، وكان رئيسهم يرتجز : ( الطبري 129/9 - 133)

لا بد من زحم وان ضاق الباب ****الموت خير للفتي من ألعاب

ص: 42

وفي السنة 254 قتل القائد التركي بغا الشرابي ، فأمر المعتر باعتقال أولاده ، وكانوا قد فروا إلي بغداد ، فاعتقل منهم بقصر الذهب خمسة عشر ، وأودع عشرة منهم في المطبق ( الطبري 381/9 ) .

ولما قتل الواثق ، في السنة 231 أحمد بن نصر الخزاعي ، تتبع مشايعيه فوضعوا في الحبوس ، وأخذ منهم اثنان وعشرون ، حبسوا في حبس الظلمة ، ومنع عنهم الزوار ، ومنع عنهم الصدقة التي يعطاها أهل السجون ، وثقلوا بالحديد (الطبري 139/9 ).

وفي السنة 272 كانت للزنج حركة بواسط ، وصاحوا : أنكلاي يا منصور ، وكان أنكلاي ( ابن صاحب الزنج ) والمهلبي وسليمان بن جامع ، والشعراني والهمداني ، وآخر معهم من قواد الزنج ، محبسين في دار محمد بن عبد الله بن طاهر ، بمدينة السلام وفي دار البطيخ في يد غلام من غلمان الموقق ، يقال له فتح السعدي فكتب الموفق إلي فتح يأمره بأن يوجه إليه برؤوس هؤلاء الستة ، فضرب أعناقهم ، ووجه برؤوسهم إلي الموفق ( الطبري 11/10 ).

وفي السنة 275 أمر أبو أحمد ( الأمير الموفق ) بتقييد الطائي ( أحد كبار العمال ) وحبسه ، وكان يلي الكوفة وسوادها ، وطريق خراسان ، وسامراء والشرطة ببغداد ، اوخراج بادوريا ، وقطربل ، ومسكن ، وشيئا من ضياع الخاصة ، كما أمر بحبس ولده أبي العباس أحمد ( المعتضد فيما بعد) فشغب أصحابه ، وحملوا السلاح ، وركب غلمانه، واضطربت بغداد لذلك ، فركب أبو أحمد الموقق ، حتي بلغ باب الرصافة ، وقال لأصحاب أبي العباس : ما شأنكم ؟ أترونكم أشفق علي إبني مني ؟ هو ولدي ، واحتجت إلي تقويمه ، فانصرف الناس ( الطبري 15/10)

وحبس أحمد بن طولون ، كاتبه أحمد بن أيمن ، وصادر أمواله ، فلم

ص: 43

يخرج من الحبس إلا بعد وفاة أحمد، وسبب ذلك إن أحمد رقص في مجلس خاص حضره أحمد بن طولون وحاشيته ، فغمزه ابن طولون أن يسقط علي أبي ذؤيب ، وكان أبو ذؤيب يعمل غمازا لأحمد، يسعي إليه بالكتاب والمعاملين ، فتزالق أحمد بن أيمن ، وسقط علي أبي ذؤيب ، فأخذ أبو نؤيب يبكي ، فصاح عليه ابن طولون ، فقال له : لم يوجعني ما سقط علي من بدنه ، إنما المني ثقله لما علي ظهره من بدر الأموال التي أختانها وحازها من أموال الأمير ، فاضطعنها ابن طولون ، واعتقل ابن أيمن بعد مديدة ، وصادر أمواله ، وأودعه السجن ( المكافأة 91 ).

وفي السنة 280 وجه يوسف بن أبي الساج 32 نفسا من الخوارج ، من طريق الموصل، فضربت أعناق 25 منهم ، وصلبوا ، وحبس سبعة منهم في الحبس الجديد . ( الطبري 34/10 ).

وفي السنة 281 بعث عامل ديار مضر ، إلي بغداد نيفا وأربعين نفسا من أصحاب أبي الأغر، علي جمال ، عليهم برانس ، ودراريع حرير ، فحبسوا في الحبس الجديد . ( الطبري 36/10 ).

وفي السنة 282 قبض علي بكتمر بن طاشتمر ، وقيد، وحبس ، وصودرت أمواله وضياعه ودوره ، وكان من كبار القواد في الدولة ، وكان في السنة 290 واليا علي حمص ، وقاد في السنة 299 حملة لقتال أحمد بن عبد العزيز بن أبي دلف ، فظفر به وعاد إلي بغداد ، فولي الدينور ، وشارك في محاربة صاحب الزنج ( الطبري 510/9 ، 552 ، 554 ، 584 و 21/10 و40) .

وفي السنة 289 بعد قتل بدر المعتضدي ، قبض علي ستة عشر قائدا من أصحاب بدر ، وحدروا في سفينة مطبقة عليهم مقيدين ، إلي البصرة ، فحبسوا في سجنها ( الطبري 93/10 ) .

ص: 44

وفي السنة 290 خرج إبراهيم الخليجي بمصر ، فحاربه الجيش العباسي ، وأسره وآخرين من أتباعه ، وأدخل إلي دار السلام ، ومعه 21 من أتباعه ، مشهرين علي جمال ، وعليهم برانس ودراريع حرير ، فأمر المكتفي بحبس ابن الخليجي في الدار ( دار الخلافة ) وبحبس الباقين في الحبس الجديد . ( الطبري 129/10 ).

وفي السنة 292 وجه عامل البصرة ، إلي السلطان ببغداد ، رجلا ذكر إنه أراد الخروج علي السلطان ، وصار إلي واسط ، فقبض عليه ، وعلي جماعة من أصحابه ، فحمل علي الفالج وبين يديه ابن له صبي علي جمل، ومعه تسعة وثلاثون إنسانا علي جمال ، وعلي جماعتهم برانس الحرير ودراريع الحرير ، وأكثرهم يستغيث ويبكي ، ويحلف إنه بريء ، وجازوا بهم في التمارين وباب الكرخ والخلد ، حتي وصلوا إلي دار المكتفي ، فأمر بردهم ، وحبسهم في الحبس الجديد ( الطبري 118/10 ).

وفي السنة 296 صادر الوزير ابن الفرات ، أبا عمر القاضي علي مائة ألف دينار، واعتقله في ديوان بيت المال ، فأدي أكثر المال ، فأطلقه ابن الفرات إلي منزله ( تجارب الأمم 14/1 ).

وفي السنة 306 وقعت فتنة ببغداد ، بين العامة والحنابلة ، فأخذ الخليفة جماعة منهم ، وسيرهم إلي البصرة ، فحبسوا بها ( ابن الأثير 115/8)

وفي السنة 316 وقع شر بين سواس هارون بن غريب الخال ، وسواس نازوك ، فأخذ نازوك ( وكان صاحب الشرطة ) ، سواس هارون ، وضربهم ، وأودعهم سجن الجرائم . ( تجارب الأمم 187/1 ).

وفي السنة 318 عظم الأمر في تسحب الرجالة المصافية ، وكثرت مطالباتهم ، فركب محمد بن ياقوت ، صاحب الشرطة ، في الفرسان ، وطرد

ص: 45

المصافية من دار السلطان ، ونادي أن لا يقيم أحد منهم ببغداد ، وأخذ من بقي منهم بعد النداء ، فأودعهم سجن الجرائم ( تجارب الأمم 203/1 ).

وفي السنة 321 وجه القاهر إلي إسحق بن علي القنائي ، وعبد الوهاب بن عبد الله الخاقاني ، علي أن يقلد أحدهما الوزارة ، والأخر الدواوين ، فلما حضرا ، قبل القواد أيديهما، وجلس بين أيديهما سلامة الحاجب ، فلم يلبث أن خرجت رسالة القاهر بالقبض عليهما ، وإدخالهما الحبوس الغامضة ، ثم وجه القاهر إلي سليمان بن الحسن ، واستحضره للوزارة ، وحضر في طياره ، وتلقاه الناس والقواد ، وقبلوا يده ، وجلس الاستاذون بين يديه في دار السلطان ، ووجه القاهر من قبض عليه وأدخله الحبوس الغامضة ، ووجه إلي الفضل بن جعفر للوزارة ، فاستتر الفضل . ( تجارب الأمم 272/1 ).

وفي السنة 327 خالف القائد التركي بالبا ، علي الراضي ، وكان بالبا من قواد بجكم ، فقلده أعمال طريق الفرات بأسرها، ليكون في وجه ابن رائق ، وكان ابن رائق بالشام ، فاتفق بالبا مع ابن رائق ، وخلع الراضي ، فسير إليه بجكم طائفة من عسكره ، فكبسوه بالرحبة ، فاستتر منهم ، فظفروا به ، وأخذوه ، وأدخلوه إلي بغداد علي جمل ، ثم حبس ، فكان آخر العهد به ( ابن الأثير 355/8 ) .

وروي لنا القاضي التنوخي ، في كتابه نشوار المحاضرة ج 2 ص 208 رقم القصة 108 إن أمير البصرة ، حبس معتزليا ، لأنه قال : إن القرآن مخلوق ، فطاف إسماعيل الصفار ، شيخ المعتزلة بالبصرة ، علي أصحابه ، وحضر مع ألف منهم ، ودخل إلي الأمير ، وقال له : أعز الله الأمير ، بلغنا أنك حبست رجلا منا لأنه قال إن القرآن مخلوق ، وها هنا ألف ، كل واحد منهم يقول إن القرآن مخلوق ، فإما حبستنا جميعا ، أو أطلقته لنا ، فاضطر الأمير إلي إطلاقه .

ص: 46

وفي السنة 334 كان الخليفة المستكفي جالسا علي سريره ، ومجلسه غاص بالناس ، وحضر مع الدولة البويهي ، ورسول صاحب خراسان ، فحضر رجلان من نقباء الديلم ، يصيحان ، وتناولا يد المستكفي ، فظن أنهما يريدان تقبيل يده ، فمدها إليهما ، فجذباه عن سريره ، وجعلا عمامته في حلقه ، وساق الديلمان الخليفة ماشية إلي دار معز الدولة ( هي دار مؤنس المجاورة لدار الخلافة ) فاعتقل بها ، ثم سمل ، ونهبت دار الخلافة حتي لم يبق بها شيء ، وقبض علي كاتب الخليفة ، وأخذت علم ، قهرمانة الخليفة ، فقطع لسانها ( ابن الأثير 450/8 و451) .

أقول : دار مؤنس ، كانت علي شاطيء دجلة ، مجاورة لدار الخلافة ( رسوم دار الخلافة 136 ) وكان الجسر بحضرتها ( المنتظم 171/7 ) وكانت بسوق الثلاثاء ( المنتظم 206/6 والتكملة 110) وهو سوق البزازين ( معجم البلدان 193/3 ) ومن دار مؤنس اقتطعت المدرسة النظامية ( التكملة 148 ) وكانت في وسط سوق الثلاثاء ( ابن بطوطة 175/1 ) واقتطعت منها كذلك المدرسة المستنصرية وكانت في آخر سوق الثلاثاء ( ابن بطوطة 175/1 )، ويبدو من هذه الدلالات إن دار مؤنس كانت واقعة علي دجلة شمالي دار الخلافة ، يفصلها عنها السوق الذي ينزل من دجلة من قهوة الشط ، مارا بخان دلة ، والممتد إلي الشورجه، أما طرفها الثاني فقد كان مطلا علي الجسر ، وقد كان في موضعه الذي هو فيه الآن ، ولا يستغرب أن تكون دار مؤنس بهذه السعة ، فقد كان القائد العام للجيش ، وكانت سلطته تزيد علي سلطة الخليفة ، وكانت داره تشتمل علي مواضع لكتابه ، وعماله ، وحرسه ، وغلمانه ، مع دوابهم وأتباعهم ، وما يقتضي إعداده لإيوائهم وإطعامهم ، وأصبحت هذه الدار بعد مقتل مؤنس ، مقرا للحكام الذين تسلطوا علي بغداد ، فنزلها ابن رائق لما أصبح أميرة للأمراء في السنة 324 ، ونزلها من بعده بجكم في السنة 326 ( التكملة 110) ونزلها من بعدهما أبو الحسين

ص: 47

البريدي لما استولي علي بغداد في السنة 330 في عهد المتقي ( التكملة 127 ) كما نزلها توزون لما نصب أميرة للأمراء في السنة 331 ( التكملة 134 ) وأقام فيها من بعده سيف الدولة الحمداني في السنة 331 ( التكملة 134 ) وأقام بها كذلك معز الدولة البويهي ، لما استولي علي بغداد في السنة 334 ( التكملة 148 ) إلي أن بني داره بالشماسية ( الصليخ ) فانتقل إليها في السنة 350 قبل أن يتم بناؤها ( تجارب الأمم 183/2 والتكملة 179)، وبعد أن تركها معز الدولة أصبحت مقرا للأمراء من أولاده ( التكملة 214)، إن المدرسة المستنصرية ما تزال ماثلة تحدد لنا الجانب الشمالي من دار مؤنس ، أما المدرسة النظامية ، وسوقها الملاصق لها ، فيبدو أنها كانت علي قطعة الأرض المستطيلة التي يحدها من الشرق سوق الجوخجية (باعة الجوخ ) ومن الغرب سوق المصبغة ، ومن الشمال سوق اليمنجية ، وهم صناع الأحذية الحمراء الصرارة المسماة باليمنيات ، مفردها اليمني ، ومن الجنوب السوق النازل من دجلة ، من قهوة الشط ، مارأ بخان دلة ، والممتد إلي سوق العطارين ، وعلي هذا فإن المدرسة النظامية ، التي كانت الامثال تضرب بحسنها ( ابن بطوطة 175/1 ) لم يبق منها الآن إلا قطعة صغيرة من الأرض ، بين الدكاكين ، لعلها لا تزيد في المساحة علي حجرة واحدة من حجراتها الماضية ، اتخذت كتابا للصبيان ، كان فيه مؤدب يعلمهم الكتابة وقراءة القرآن ، اسمه الملا أحمد ، لم أدركه ، وأدركت ولده الملا إبراهيم ، توفي ، وخلفه أخوه الملا مسلم ، ولما مات أغلق بابها ، وظلت سنين مهجورة ، ثم أقدم بعض البرازين من أصحاب الدكاكين المحيطة بهذه القطعة ، ففتحوا بابها ، ورمو شعتها ، وفرشوها بالحصر والبواري ، وجهزوها بالماء والنور ، وأتخذوها مصلي لأهل سوقهم .

وفي السنة 336 كان محمد بن عبد الرزاق بطوس وأعمالها ، فخالف علي الأمير نوح الساماني ، صاحب خراسان وما وراء النهر ، فأمر نوح قائده

ص: 48

منصور بن قراتكين بأن يسير إلي محمد وأن يطرده عما في يده من الأعمال ، فسار إلي نيسابور ، ثم اسقوا ، وطرد محمدأ منها، ثم قصد طوس ، وكان بها رافع بن عبد الرزاق ، ففر رافع منها ، واحتمي بقلعة درك ، فحصره منصور ، فهرب منها ، ولما احتل منصور قلعة درك ، وجد بها عيال محمد بن عبد الرزاق ووالدته ، فأنفذهم إلي بخاري فاعتقلهم بها ( ابن الأثير 470/8 و471) .

وفي السنة 353 قبض بمصر علي رجل يعرف بابن أبي الليث الواسطي ، ينسب إلي التشيع ، فضرب مائتي سوط ، ثم ضرب خمسمائة سوط ، وجعل في عنقه غل ، وحبس ، وكان يتفقد في كل يوم لئلا يخقف عنه ، ويبصق في وجهه ، فمات في محبسه ، وحمل ليلا، ودفن ( خطط المقريزي 340/2 ).

وفي السنة 379 قبض بهاء الدولة البويهي ، علي تحرير الخادم ، واعتقله في الخزانة ( أي في دار الإمارة ) ، ثم خير فاختار أن يعتقل في دار أبي جعفر الحجاج ، ثم ألح الحسين الفراش ، فأذن له بهاء الدولة أن ينقله إلي داره ( دار الحسين )، ويعتقله فيها. ( ذيل تجارب الأمم 154 - 157)

وفي السنة 380 قبض علي أبي الفرج محمد بن أحمد ، المعروف بابن الزي ، صاحب المعونة بغداد ، واعتقل بالخزانة ( ذيل تجارب الأمم 179 - 181)

وأمر الصاحب بن عباد ، بحبس مكي المنشد، فحبس في دار الضرب ، فاتفق أن الصاحب صعد إلي سطح داره ، وأشرف علي دار الضرب ، فناداه مكي : فاطلع فرآه في سواء الجحيم ، فضحك الصاحب ، وقال : اخسئوا فيها ولا تعلمون وأمر بإطلاقه ( معجم الأدباء 281/2 ) .

ص: 49

وفي السنة 381 أرسل بهاء الدولة البويهي بن عضد الدولة ، إلي الخليفة الطائع ، يسأله أن يأذن له بالحضور لخدمته ، ليجدد العهد به ، فأذن له في ذلك ، وجلس له كما جرت العادة ، فدخل بهاء الدولة ، وقبل الأرض ، وأجلس علي كرسي ، فدخل بعض الديلم ، ومد يده كأنه يريد أن يقبل يد الخليفة ، ثم جذب يد الخليفة ، فأنزله عن سريره ، والخليفة يقول : إنا لله وإنا إليه راجعون ، وهو يستغيث ولا يلتفت إليه ، وحمل في الحال إلي دار بهاء الدولة ( دار مؤنس ) حيث حبس هناك ، وأشهد عليه بالخلع ، وكان من جملة الحاضرين في المجلس الشريف الرضي ، فقال في ذلك أبياتا منها : ( شرح نهج البلاغة 79/9 و 80).

من بعد ما كان رب الملك مبتسمأ**** إلي أدنيه في النجوي ويدنيني

أمسيت أرحم من قد كنت أغبطه ****لقد تقارب بين العز والهون

ومنظر كان بالسراء يضحكني**** يا قرب ما عاد بالضراء يبكيني

هيهات أغتر بالسلطان ثانية ****قد ضل ولاج أبواب السلاطين

وفي السنة 383 كان أبو القاسم علي بن أحمد الأبرقوهي ، أحد الوزراء السابقين ، معتقلا عند الوزير أبي نصر سابور ، فاختفي أبو نصر ، واستر ، وطولب بأن يسلم أبا القاسم ، فأسلمه ، وحمل إلي الخزانة في دار المملكة ، وعاد إلي الوزارة ، ثم خاف فاستتر . ( ذيل تجارب الأمم 251 و252).

وفي السنة 414 كان القاسم بن حمود علي قرطبة يسنده البربر ، فحاربه أهل قرطبة ، وهزموا البربر هزيمة منكرة ، فسار القاسم عنها إلي إشبيلية ، فمنعه أهل إشبيلية من دخولها ، فنزل بشريش ، فزحف إليه يحيي ابن أخيه علي بن حمود ، فأخذه أسيرة وحبسه يحيي ، فبقي في حبسه إلي أن توفي يحيي ، وملك أخوه إدريس ، فقتله في الحبس في السنة 431 بعد أن ظل محبوس ست عشرة سنة ( ابن الأثير 273/9 - 276 ) .

ص: 50

وفي السنة 415 قبض بالقاهرة علي رجل تاجر ، كان جالسا في قيسارية البر بمصر ، وهو سكران ، في هذا الشهر العظيم ( رمضان ) فاعتقل في حبس الشرطة السفلي ( أخبار مصر للمسبحي 63 ).

وفي السنة 420 احتل يمين الدولة محمود بن سبكتكين الري ، واعتقل صاحبها مجد الدولة بن فخر الدولة بن بويه ، وكانت أم مجد الدولة تدبر أمره ، فلما ماتت في السنة 419 اختلت أحواله ، فكاتب محمود بن سبكتكين ، فبعث إليه قائد أمره أن يقبض علي مجد الدولة ، فاحتل القائد الري ، وقبض علي مجد الدولة ، وعلي ولده أبي دلف ، ولما علم يمين الدولة ، باعتقال مجد الدولة ، سار إلي الري ، وأحضر مجد الدولة ، وقال له : أما قرأت الشاهنامه تاريخ الفرس ، وتاريخ الطبري تاريخ المسلمين ؟ قال : بلي ، قال : ما حالك حال من قرأها ، أما لعبت الشطرنج ؟ قال : بلي ، قال : فهل رأيت شاهأ يدخل علي شاه ؟ قال : لا ، قال : فما حملك علي أن أسلمت نفسك إلي من هو أقوي منك ؟ ثم سيره إلي خرسان مقبوضأ ، ثم ملك قزوين وقلاعها ، وقبض علي صاحبها ولكين بن وندرين ، وسيره إلي خراسان ( ابن الأثير 371/9 و 372).

وفي السنة 421 توفي يمين الدولة محمود بن سبكتكين ، وأوصي بأن يخلفه ولده محمد، فعارضه أخوه مسعود ، وأغري الحاجب علي خويشاوند، وعمه يوسف بن سبكتكين ، فقبضا علي محمد ، وحبساه في قلعة تكناباد ، وناديا بشعار مسعود ، فلما تسلطن مسعود ، كان أول ما صنعه أن قتل الحاجب عليا ، وحبس عمه يوسف ( ابن الأثير 389/9 - 400) .

وفي السنة 430 توفي الوزير أبو القاسم بن ماكولا ، محبوسا بهيت ، وكان مقامه في الحبس سنتين وخمسة أشهر ، وكان جلال الدولة أسلمه إلي قرواش ، فحبسه بهيت حتي مات ( ابن الأثير 466/9 ) .

ص: 51

وفي السنة 439 قبض الملك أبو كاليجار فناخسرو بن مجد الدولة بن بويه ، علي وزيره محمد بن جعفر بن أبي الفرج ، الملقب بذي السعادات بن فسانجس ، وسجنه ، وهرب ولده أبو الغنائم ، وبقي الوزير مسجونة حتي مات في رمضان من السنة 440 ، وقيل أرسل إليه أبو كاليجار من قتله في السجن ( ابن الأثير 542/9 ).

وكان شرف الدولة مسلم بن قريش ، قد ملك من السندية علي نهر عيسي ببغداد ، إلي منبج بالشام ، وما والاها من البلاد ، وكان في يده ديار ربيعة ومضر من أرض الجزيرة ، والموصل ، وحلب ، وما كان لأبيه وعمه قرواش ، ولما قتل في السنة 477 قصد بنو عقيل أخاه إبراهيم بن قريش ، وكان أخوه قد حبسه ، فأخرجوه من الحبس ، وملكوه أمرهم ، وكان قد مكث في الحبس سنين كثيرة ، بحيث انه لم يمكنه امشي والحركة لما أخرج ( ابن الأثير 141/10 ).

وفي السنة 483 غضب الأمير عبد الله بن بلكين ، علي وزيره أبي جعفر أحمد بن خلف القليعي ، وحبسه في قصره ، ثم أطلقه ، ففر إلي أمير المسلمين يوسف بن تاشفين ، وأغراه بفتح غرناطة ، فقصدها، وفتحها ( الاحاطة 154 -156).

وفي السنة 484 هاجم جيش أمير المسلمين علي بن يوسف بن تاشفين ، صاحب بلاد المغرب ، إشبيلية، وفيها المعتمد بن عباد اللخمي ، الأمير ، الأديب ، الشاعر ، الكثير المحاسن ، فأشتبك الجيشان في معركة ضارية ، وكان الظفر فيها لجيش أمير المسلمين ، فأسر المعتمد ، وأسرت معه زوجته وأولاده الذكور والإناث ، وحملوا إلي مدينة أغمات ، فحبسوا فيها ، « وفعل أمير المسلمين بهم أفعالا لم يسلكها أحد ممن قبله ، ولا يفعلها أحد ممن يأتي بعده ، إلا من رضي بهذه الرذيلة ، وذلك إنه سجنهم ، ولم يجر عليهم ما يقوم بهم ، حتي كانت بنات المعتمد يغزلن

ص: 52

للناس بأجرة ، ينفقونها علي أنفسهم » ، فأبان أمير المسلمين بذلك الفعل ، عن صغر نفس ولؤم قدرة ( ابن الأثير 187/10 - 190).

وفي السنة 539 قبض السلطان مسعود، علي وزيره البروجردي، ووزرله بعده المرزبان بن عبيد الله الأصبهاني ، وسلم إليه البروجردي ، فاستخرج أمواله ، ومات في الحبس ( ابن الأثير 102/11 ).

وفي السنة 540 اتصل بالخليفة المقتفي عن أخيه أبي طالب ما كرهه ، فضيق عليه ، وأحتاط علي غيره من أقاربه ( يعني إنه حبسهم ) ( ابن الأثير 106/11)

وفي السنة 543 أرسل رجار صاحب صقلية ، أسطو" بقيادة قائده جرجي ، فقصد المهدية ، وكان فيها الحسن صاحب إفريقية ، فخرج عنها مع أولاده وثقله ، واستولي جرجي علي المدينة ، وأراد الحسن أن يصل إلي عبد المؤمن الموحدي ، صاحب المغرب ، فاستأذن من صاحب بجاية يحيي بن عبد العزيز بن حماد ، وهو من أبناء عمه، أن يسمح له بزيارته ليمر منه إلي عبد المؤمن ، فأذن له ، فلما مر به ، غدر به ، وأخذه وأولاده ، وسيرهم إلي جزيرة بني مزغناي ، ووكل بهم من يمنعهم من التصرف ، وبقوا هناك محبوسين إلي السنة 547 فلما ملك عبد المؤمن بجاية ، أحسن إلي الحسن ، وأعلي مرتبته ولما فتح عبد المؤمن المهدية ، أمر واليها بأن يقتدي برأي الحسن ، ويرجع إلي قوله ( ابن الأثير 125/11, 128 ، 158).

وفي السنة 547 اعتقل أبو النجيب مدرس النظامية ، وأخذ إلي باب النوبي ، حيث در ( أي ضرب بالدرة وهي العصا)، ثم أعيد إلي حبس الجرائم ، لأنه عاد إلي تدريس النظامية ، دون إذن من الخليفة ( المنتظم 147/10)

وفي السنة 547 أمر المقتفي بتأديب جماعة ممن كانوا يتعصبون

ص: 53

للسلطان مسعود السلجوقي ، فقبض علي الحيص بيص الشاعر ، وأخذ من بيته حافيا ، مهانة ، وحمل إلي حبس اللصوص ( المنتظم 197/10 ). وفي السنة 00ه لما استخلف المستنجد، قبض علي القاضي ابن المرخم ، وكان من أهل الرشا، واستصفيت أمواله ، وأعيد منها إلي الناس ما ادعوا عليه ، وكان قد ضرب فلم يقر ، فضرب ابنه ، فأقر بأموال كثيرة ، وأحرقت كتبه في الرحبة ، وحبس، فمات في الحبس ( المنتظم 147/10 ).

وكذلك حبس المستنجد في السنة 555 القاضي المأموني أحمد بن علي النحوي ، وكان قد ولي القضاء في السنة 534 ، فلما ولي المستنجد ، حبس القضاة ، والمأموني فيهم ، وصادر جميع ما يملكه ، وبقي في الحبس إحدي عشرة سنة ، ولما ولي المستضيء في السنة 566 أفرج عن المحبوسين ، والمأموني فيهم ، وأعاد عليهم ما صدر منهم ( الوافي بالوفيات 213/7)

وفي السنة 602 توفي الفرضي البغدادي ، محمد بن محمد ، وكان في أول أمره، مع الفتاك الشطار ، وحبس مدة سبع عشرة سنة ( الوافي بالوفيات 144/1 ).

وفي السنة 626 أحضر أبو القاسم علي بن البوري ، إلي باب النوبي وضرب مائة عصا ، وقطع لسانه ، وحمل إلي حبس المدائن ( الحوادث الجامعة 453) .

وفي السنة 627 توفي أبو الفتوح عبد الرحمن بن عرند الدنيسري الشاعر ، وكان محتسبأ بمدينة دنيسر ، بلدة قرب ماردين ، حبسه صاحب ماردين ، فمات في حبسه ( شذرات الذهب 125/5 ).

وفي السنة 710 سجن الملك الناصر محمد بن قلاوون ، الأمير غانم بن أطلس ، ثم أطلقه في السنة 735 بعد أن ظل في السجن خمسا وعشرين سنة ، وكان غانم من أتباع المظفر بيبرس ، فخامر عليه إلي الناصر بالكرك ، فما أفاده ذلك ، وحبسه الناصر ( الدرر الكامنة 297/3 ) .

ص: 54

وفي السنة 711 مات الأمير برلغي في الحبس ، وكان قد ظاهر السلطان الظاهر بيبرس الجاشنكير ، وتزوج ابنته ، فلما تحرك الملك الناصر من الكرك ، خرج برلغي بالعسكر ليصده ، فغدر بيبرس ، ولحق بالناصر ، ولكن الناصر لم يثق به ، فاعتقله ، في السنة 709 وحبسه ، وأجري عليه راتبا ، وشفع فيه مهنا أمير فضل ، فوعده السلطان بإطلاقه ، ولم يطلقه حتي مات في حبسه ( الدرر الكامنة 9/2 و10).

وفي السنة 711 مات في السجن الأميران بتخاص المنصوري ، وأسندمر نائب طرابلس وكان سبب سجن الأمير بتخاص أنه أعان السلطان بيبرس الجاشنكير لما تسلطن وولي له أمره أول سلطنته ، فلما قدم الناصر محمد بن قلاوون من الكرك في السنة 709 أراد بتخاص أن يتحرك عليه ، واتفق مع بكتمر الجوكندار ، نائب السلطنة ، علي أن يسلطنا موسي بن الصالح علي بن المنصور ، وبلغ السلطان ذلك ، فأرسل من يحضره ، فامتنع في داره ، فأمر بإحراقها عليه ، ثم قبض عليه ، وسجن بالكرك ، ومات بها في السجن في السنة 711 ( الدرر الكامنة 5/2 ).

وفي السنة 712 اتهم السلطان الناصر محمد بن قلاوون ، الأمير بانيجار المنصوري ، بأنه يريد الفتك به ، فقبض عليه ، وسجنه ، وظل مسجونة إلي أن مات في السنة 716 ( الدرر الكامنة 4/2 ) .

وفي السنة 715 قبض الناصر محمد بن قلاوون ، علي الأمير بهادر بن عبد الله التركماني ، وحبسه خمس عشرة سنة ، ثم أطلقه ، وقربه ، وتوفي في السنة 739 ( الدرر الكامنة 29/2 ) .

وغضب السلطان الملك الناصر محمد بن قلاوون ، علي الأمير تمر الساقي المنصوري ، في السنة 715 فاعتقله ، وبقي معتقلا عشرين سنة ،

ص: 55

وأفرج عنه في السنة 735 وأعطي إمرة طبلخاناه بدمشق ، وتوفي في السنة 743( الدرر الكامنة 54/2 ).

وفي السنة نيف وعشرين وسبعمائة مات في سجن الكرك ، الأمير طوغان المنصوري ، اعتقله السلطان الملك الناصر محمد بن قلاوون ، وأبقاه في الاعتقال حتي مات ( الدرر الكامنة 329/2 ) .

وفي السنة 731 مات الأمير لاجين المنصوري ، وكان السلطان الناصر محمد بن قلاوون ، سجنه في السنة 710 فأقام في السجن سبعة عشر عاما ، وكان يعمل في اعتقاله كوفيات من الصوف المرعز، فتباع لحسنها بأغلي الأثمان ، وكان يتصدق بأثمانها ( الدرر الكامنة 357/3 و 358) .

وفي السنة 732 مات محترق شرف الدين الناسخ ، عيسي بن محب النابلسي ، وكان قد اتخذ التزوير صناعة ، فكان يكتب علي هوامش القصص ما يريد، ويحاكي خط كاتب السر إذ ذاك علاء الدين بن الأثير ، فيتوجه صاحب القصة إلي الدوادار ، فيدخل بها العلامة ، فمشت بذلك حاله ، إلي أن عثر عليه ابن الأثير ، فرفعه للسلطان فأمر بحبسه ، فحبس سبع سنين ، إلي أن انفصل ابن الأثير ، فأفرج عنه ، فلم يلبث أن بات ليلة وفي يده طوافة ( وهي الفتيلة الموقدة يطاف بها لي ) فنعس ، فاحترق ، وأصبح ميتأ ( الدرر الكامنة 287/3 - و288 ).

وفي السنة 741 مات الأمير تنكز نائب الشام ، وهو معتقل بمصر ، اذ بلغ السلطان الناصر محمد بن قلاوون ، أنه علي وشك الخروج عليه ، فاعتقله في السنة 740 وحمل إلي مصر ، فبعث إليه السلطان يسأله : أبصر من يكون وصيك ، فرد عليه : إن خدمتك ونصيحتك لم تترك لي صديقأ ، فأمر بحمله إلي سجن الإسكندرية ، وأستمر في الإعتقال دون الشهر ، ومات في حبسه ( الدرر الكامنة 55/2 - 62).

ص: 56

وفي السنة 74 توفي الأمير بلبان المحمدي ، وكان السلطان الناصر محمد بن قلاوون لما عاد من الكرك ، اعتقله ، وسجنه ، فأقام في السجن سبعة وعشرين سنة ، ثم أطلقه وولاه أمرة بطرابلس ، ثم نقل إلي إمرة بدمشق ، فمات في يوم وصوله إليها ( الدرر الكامنة 28/2 ).

وفي السنة 749 مات الأمير برلغي الصغير ، وكان قريب السلطان الملك الناصر محمد بن قلاوون لأمه ، وكان قدم مصر في السنة 704 وترقي إلي أن صار من جملة الأمراء ، ثم تنكر له الناصر فحبسه ، وأبقاه محبوسا ثلاث عشرة سنة ، ثم أفرج عنه ، ولم يتركه مرتاحا ، فإما أن يبعثه في تجريده ، وإما أن يعتقله ، ولما توفي السلطان في السنة 741 أمر من بعده ، ومات بالطاعون ( الدرر الكامنة 2/ 10).

وفي السنة 752 مات في السجن بالقاهرة ، الأمير طفيل بن منصور ، أمير المدينة ، قبض عليه في موسم السنة 701 وحمل إلي مصر، حيث حبس ومات في الحبس ، وسبب حبسه إنه عزله السلطان في السنة 750 عن المدينة ، وولي ابن عمه سعد بن ثابت ، فهجم طفيل علي المدينة ، ونهب ما كان بها للحاج ، فاعتقل في الموسم التالي ، وحبس ومات ( الدرر الكامنة 325/2)

وفي السنة 761 أحضر شمس الدين الباجريقي الفقيه ، أمام القاضي تاج الدين السبكي بالقاهرة ، وادعي عليه أنه قال : ليس كل الحق مع أهل السنة ، بل إن بعض أقوال المعتزلة قد تكون حقا ، فعزره القاضي علي هذا القول ، بأن أمر به فكشف رأسه ، ونودي عليه من العادلية إلي الشامية البرانية ، ثم سجن ( الدرر الكامنة 414/3 ) .

وفي السنة 769 مات في سجن الاسكندرية ، الأمير بكتمر المحمدي ، وكان أميرا كبيرا فبلغ الأشرف شعبان ، إنه يتآمر عليه ليعزله ويوتي ابن

ص: 57

زوجته ، اسماعيل بن الناصر حسن ، فقبض عليه ، وعلي غيره ممن اتهمهم معه، وأرسلهم إلي الاسكندرية ، فمات الأمير بكتمر في السجن ( الدرر الكامنة 21/2 ).

ومما يؤثر عن ناظر الجيش عبد الله بن مشكور الحلبي ، المتوفي سنة 778 إنه وقف علي المحبوسين من الشرع بحلب ، وكانوا قبل في حبس أهل الجرائم ( الدرر الكامنة 412/2 ) .

وفي السنة 800 أراد السلطان الظاهر برقوق بالقاهرة ، القبض علي الأمير نوروز ، فأظهر السلطان أنه تعب من المشي ، واتكأ علي الأمير نوروز ، ولما وصل إلي الباب الذي يطلع منه إلي القصر ، أدار السلطان يده علي عنق نوروز ، فبادره الخاصكية باللكم وأسقطوه الأرض ، وقيدوه وحملوه إلي السجن .

وفي السنة 817 مات في السجن بالقاهرة ، الشريف سليمان بن وهبة بن جماز ، أمير المدينة ، وليها مدة ، ثم عزل ، وقبض عليه المؤيد شيخ ، وسجنه ، حتي مات في سجنه بالقاهرة ، وهو في عشر الأربعين ( الضوء اللامع 270/3 ).

وفي السنة 825 مات في سجنه بقلعة القاهرة ، الشريف غرير بن هيازع ، أمير المدينة وينبع، وكان قد حصل خلاف بينه وبين ابن عمه عجلان ، فهجم غرير علي حاصل المسجد ، وأخذ منه مالا ، فأمر السلطان باعتقاله ، فاعتقل، وحمل إلي القاهرة في السنة 824 ومات في سجنه في السنة 825 ( الضوء اللامع161/5 ).

وفي السنة 833 توفي السلطان شهاب الدين أبو السعادات أحمد بن شيخ المحمودي ، مسجونا في سجن الاسكندرية ، ولم تزد سنه عن احدي عشرة سنة ، وكان قد ولي السلطنة خلفا لأبيه شيخ ، ثم خلع وحبس ومات ،

ص: 58

وكان فيه حول فاحش في عينيه حصل عند سلطنته من دق الكوسات علي حين غفلة ( الضوء اللامع 313/1 ) .

وفي السنة 845 ولي علي بن حسن بن عجلان ، إمارة مكة ، ونقل عنه إلي السلطان بالقاهرة ، ما أوغر صدره عليه ، فقبض عليه وعلي أخيه إبراهيم ، وحبسا في برج القلعة ، ثم نقله هو وجماعة إلي الإسكندرية ، ثم إلي دمياط ، حتي توفي في السنة 803 وهو في سجنه ( الضوء اللامع 211/5)

وفي السنة 855 توفي الشريف إبراهيم بن حسن بن عجلان الحسني المكي ، وكانت وفاته بثغر دمياط ، وكان السلطان حبسه أو بالبرج ، ثم نقله إلي الإسكندرية ثم إلي دمياط ، حيث توفي بها ( الضوء اللامع 41/1 ) .

وفي السنة 862 توفي في سجن الإسكندرية ، القائم بأمر الله أبو البقاء حمزة بن الخليفة المتوكل علي الله محمد ، بويع له بالخلافة بالقاهرة في السنة 855 ، وخلع منها في السنة 809 وسجن بالاسكندرية ، وظل فيها سجينا حتي مات في السنة 862 ( نظم العقيان 107 و108).

وحبس السلطان قانصوه الغوري ، سلطان مصر ، الشيخ أمين الدين محمد بن النجار الدمياطي (ت 928 ) ، وسبب ذلك : إن بعض التجار أودع عنده مالأ له صورة ، وقال له : إذا بلغ ولدي بعد موتي فدفعه إليه ، فجاء الولد إليه ، وهو دون البلوغ ، يطلب منه المال ، فقال له : حتي تبلغ ، فشكاه إلي السلطان ، فطلبه السلطان ، وطالبه بالوديعة ، فأنكرها، وحلف علي إنكاره ، ثم لما بلغ الولد ، دفع الوديعة إليه ، وبلغ السلطان ذلك ، فأحضره ، وقال له : كيف تحلف علي إنكار الوديعة ، ثم تقر بها ؟ فقال له : إن فقهاء الشافعية ، رخصوا للوديع ، أن ينكر الوديعة ، إذا طلبها السلطان الظالم وخاف منه عليها ، ورخصوا له أن يحلف علي إنكاره ، وأنت ظالم ،

ص: 59

فرسم عليه السلطان ، أي أمر بحبسه ( الكواكب السائرة 33/1 و 34 ).

وفي السنة 977 توفي مسجونة السلطان بدر بن عبد الله الكثيري ، سلطان حضرموت ، وكان قد قبض عليه ولده عبد الله ، وسجنه ، وتسلطن من بعده ، ومات بدر في السجن ( شذرات الذهب 383/8 ).

وفي السنة 1213 (1798 م ) لما استولي الفرنسيون علي مصر ، وبلغ الخبر إلي مصطفي باشا ، حاكم الجزائر (1212 - 1222) استدعي القنصل الفرنسي ، وسأله عن ذلك ، فأخبره باستيلاء الجيش الفرنسي علي مصر ، فاغتاظ الباشا ، وأمر بالقنصل ، فقد وحبس ، وأمر بجميع قناصل فرنسا في بلاد الجزائر ، فأحضرهم وحبسهم وقيدهم ، فكتبت حكومة فرنسا إلي السلطان العثماني ، فكتب السلطان إلي أمير الجزائر بإطلاقهم ، فأطلقهم ، وعادوا إلي بلادهم ( مذكرات الزهار 76).

ص: 60

2- سجون الأمراء والأميرات والوزراء والعمال

لما اعتقل الحجاج يزيد بن المهلب ، اعتقل معه أخويه المفضل وعبد الملك ، وكان إذا خرج أخرجهم معه ، وجعل عليهم في العسكر كھيأة الخندق ، وجعلهم في فسطاط قريبا منه ، وجعل عليهم حرسا من أهل الشام ( وفيات الأعيان 291/6 ).

أقول : في السنة 85 عزل الحجاج يزيد بن المهلب عن خراسان ، وأحضره ، وحاسبه ، وحبسه ، وحبس معه أخويه المفضل وعبد الملك ، وطالبهم بستة آلاف ألف ، وأخذ يعذبهم ، وكان يزيد يصبر علي العذاب ، وكان الحجاج يغيظه ذلك ، فقيل له : إنه رمي بنشابة ، فثبت نصلها في ساقه ، فلا يمسها شيء إلا صاح ، فأمر بأن يعذب بدهق ساقه ، فلما فعل به ذلك ، صاح ، وأخته هند بنت المهلب عند الحجاج ، فلما سمعت صياح يزيد صاحت ، وناحت ، فطلقها ، ولما خرج الحجاج إلي رستقباد في السنة 90 أخرج يزيد وأخويه معه ، وجعلهم في عسكره ، وجعل عليهم كهيأة الخندق ، وجعلهم في فسطاط قريبة من حجرته ، وجعل عليهم حرسا من أهل الشام ، واعتقل الحجاج أخاهم حبيب بن المهلب ، وحبسه بالبصرة ، وبسط عليه العذاب ، فدبروا أمرهم ، وفروا من سجن الحجاج ، والتجأوا إلي سليمان بن عبد الملك ، فأجارهم ، فغضب الوليد ، وأمر بإحضار يزيد، فبعث به سليمان إلي الوليد ، وجعل معه ولده أيوب بن سليمان في سلسلة

ص: 61

واحدة ، فرق له الوليد ، وأن يزيد ، وكتب إلي الحجاج أن يكف عن آل المهلب ( الطبري 393/6 , 448 ، 452 - 458) .

وفي السنة 90 نقض نيزك طرخان ، الصلح الذي كان بينه وبين المسلمين ، فقصده قتيبة بن مسلم في السنة 91، واحتال عليه حتي جاء إليه بغير أما ، فدفع نيزك إلي بسام الليثي ، فجعل نيزك في قبة ، وحفر حول القبة خندقأ ، ووضع عليه حرسأ ، ثم دعا به قتيبة ، ودعا بسيف حنفي ، فأنتضاه ، وطول كميه ، ثم ضرب عنقه بيده ، وأمر عبدالرحمن فضرب عنق صول ، وأمر صالحة فقتل شقران ابن أخي نيزك ، وقتل مع نيزك سبعمائة من أصحابه ( الطبري 445/6 ) .

ويروي لنا القاضي التنوخي في القصة 174 من كتاب الفرج بعد الشدة ، خبرا عن الفيض بن أبي صالح ، يدل علي ما يتحلي به هذا الرجل ، من نبل وشهامة ، وخلاصة الخبر : إن السيدة أم جعفر ( زبيدة )، حبست وكيلا لها ، وجب عليه أداء مائتي ألف درهم ، فكتب المحبوس إلي صديقين له ، يستغيث بهما ، فركب هذان إلي داود كاتب السيدة ليكلماه في أمر صديقهما المحبوس ، ولقيا في طريقهما الفيض بن أبي صالح ، وأخذاه معهما ، ليكتم كاتب السيدة ، ولما صار الثلاثة إلي كاتب السيدة ، وكلموه في إطلاق الرجل ، قال : أكتب إلي أم جعفر ، فعادت الرقعة منها بأنه لا سبيل إلي إطلاقه إلا بعد أداء ما بذمته من مال ، فلما قرأ الأولان التوقيع ، قالا : قد قضينا حق الرجل ، فقوموا ننصرف ، فقال لهما الفيض : كأننا إنما جئنا لنؤكد حبس الرجل ؟ فقالا له : ماذا نصنع ؟ فقال : نؤدي المال عنه ، ثم أخذ الدواة ، وكتب إلي وكيله كتابا يطلب فيه منه أن يحمل مائتي ألف درهم إلي كاتب السيدة ، ودفع الفيض الكتاب إلي داود كاتب السيدة ، وقال له : قد أزحنا علتك في المال فأدفع إلينا صاحبنا ، هذا والفيض لا يعرف الرجل ، وإنما جاء معينة لصديقيه الأخرين .

ص: 62

وكان لعلية بنت المهدي ، وكيل إسمه سباع ، فوقفت علي خيانة منه لها ، فضربته ، وحبسته .

وغضب القاسم بن الرشيد، علي أبي العتاهية ، فأحضره ، وشتمه ، وضربه ، وحبسه في داره ، أي في دار القاسم ، فاستغاث أبو العتاهية ، بأم جعفر ، فكلمت الرشيد ، فأمر بإطلاقه . ( الأغاني 66/4 ).

وروي سليمان بن وهب ، إنه كان مع أحمد بن الخصيب ، وخلق من العمال والكتاب ، معتقلين في حبس الوزير محمد بن عبد الملك الزيات في آخر وزارته للواثق ، مطالبين بما صودروا عليه ، فسعي قاضي القضاة أحمد بن أبي دؤاد في إطلاقهم ، فأطلقوا ، وأطلق لهم ضياعهم ، راجع تفصيل ذلك في كتاب الفرج بعد الشدة للتنوخي ، تحقيق المؤلف ، رقم القصة 164 ب.

وذكر علي بن الحسين بن عبد الأعلي الاسكافي ، إنه كان يكتب لبغا الكبير ، وإنه صرفه ، ونكبه ، وصادره ، وحبسه ، وقصده بكل مكروه ، ثم أحضره أمامه ، فحمل إليه في قيوده ، وعليه ثياب في نهاية الوسخ ، فأطلقه ، راجع سبب إطلاقه في كتاب الفرج بعد الشدة للتنوخي ، تحقيق المؤلف ، رقم القصة 190.

وفي السنة 272 كانت للزنج بواسط ، حركة ، وصاحوا : انكلاي ، يا منصور ، وأنكلاي هو ابن صاحب الزنج ، وكان انكلاي وآخرون من قواد صاحب الزنج ، محبوسين في دار أمير بغداد محمد بن عبد الله بن طاهر ، وفي دار البطيخ في يد غلام من غلمان الموقق ، فأمر الموفق بقتلهم ، فدخل الغلام ، واسمه فتح عليهم وجعل يخرجهم واحدة واحدة ، فيذبحهم غلام له ، وطرح أجسادهم في بالوعة ، وبعث برؤوسهم إلي الموفق ( الطبري 11/10)

ص: 63

وفي السنة 272 توفي أبو أيوب سليمان بن وهب ، وهو في حبس الموفق . ( الطبري 9/10).

ولما احتضر الموقق ، كان ولده أبو العباس أحمد ( المعتضد ) في حبس أبيه ، فكسر غلمان أبي العباس الأقفال ، وأحضروه لمواجهة أبيه ( الطبري 20/10 ).

أقول : كان سبب حبس الموقق ، ولده أبا العباس أحمد ( المعتضد فيما بعد ) أنه أمره أن يسير علي رأس جيش إلي بعض الوجوه ، فأبي ، وقال : لا أخرج إلا إلي الشام ، لأنها الولاية التي ولانيها أمير المؤمنيني ( أي المعتمد ) ، فاغتاظ منه أبوه ، وأمر بإحضاره ، فأحضر ، فأمر بعض خدمه أن يحبسه في حجرة من حجر داره ، فلما حبس ثار القواد من أصحابه ومن تبعهم ، وركبوا ، واضطربت بغداد ، فركب الموفق إلي الميدان ، وقال لهم : ما شأنكم ، أترون أنكم أشفق مني علي ولدي ، وقد احتجت إلي تقويمه ، فانصرفوا ، للتفصيل راجع كتاب الفرج بعد الشدة للقاضي التنوخي ج 1 ص 182 - 185رقم القصة 65.

وفي السنة 287 قبض المعتمد علي محمد بن شيخ ، وجماعة من أهله ، وحبسهم في دار ابن طاهر ( الطبري 74/10 ).

وكان القاسم بن عبيد الله بن سليمان بن وهب ، معروفة بالقسوة ، وكان يحضر عذاب من أراد تعذيبه ، وكان آل عبيد الله بن سليمان ، يحقدون علي أحمد بن محمد بن بسطام ، سوالف منكرة ، فلما حبس القاسم ، ابن بسطام ، قبض علي جميع خلفائه في الأعمال ، وأمر بهم فحملوا إلي داره ، وأحضرهم وأحضر لهم الجلادين والسياط ، راجع تفصيل القصة في كتاب المكافأة ص 176 و177 وراجع كذلك كتاب الفرج بعد الشدة للتنوخي تحقيق المؤلف رقم القصة 193 .

ص: 64

وفي السنة 311 اعتقل الوزير ابن الفرات ، وزير الما در ، سلفه في الوزارة حامد بن العباس ، في دار الوزارة ، وأمر أن يفرش له موضعه فرش حسنا ، وأن يتفقد في طعامه وشرابه وطيبه ، حتي يخدم بمثل ما كان يخدم به وهو وزير ، وأن تقطع له كسوة فاخرة ، ويجعل معه لخدمته من الخدم والفراشين من يوثق به . ( تجارب الأمم 98/1 ).

وفي السنة 314 عزل المقتدر وزيره أبا العباس الخصيبي ، وقبض عليه وعلي ولده وكتابه ، وحملوا إلي دار السلطان ، وحبسوا عند زيدان القهرمانة ، وحمل باقي المعتقلين إلي دار الوزارة بالمخرم ( تجارب الأمم 149/1 ).

وطالب أبو جعفر بن شيرزاد، وزير امير الأمراء توزون ، أبا عبد الله العلوي ، ببغداد ، وأعتقله في دار الوزارة ، مطالبا إياه ببقايا من الأموال الأميرية ، وكان أبو جعفر سمحا علي الطعام ، يحب أن يأكل الناس علي مائدته ، فانتظر العلوي ، حتي نصبت مائدة أبي جعفر ، وجلس ليأكل ، وكان يأكل في كل يوم مرة ، بعد المغرب ، فتقدم أبو عبد الله العلوي ، وجلس علي المائدة ، فتهلل وجه أبي جعفر ، وصاح به : إلي عندي يا سيدي ، إلي عندي ، وأجلسه إلي جانبه ، فلما انتهي الطعام ، قال له أبو جعفر : لقد آذيتك يا سيدي أبا عبد الله بتأخيرك عن منزلك ، ثم أخرج أوراق المطالبة ، وسلمها إليه ، وأطلقه ، راجع تفصيل القصة في كتاب نشوار المحاضرة للقاضي التنوخي ج 2 ص 336 - 338 رقم القصة 177.

وفي السنة 445 اعتقل المعتضد بن عباد ، صاحب إشبيلية (ت 464 ) عز الدولة محمد بن نوح الزناتي ، صاحب مدينة مورور بالأندلس ، وحبسه في حمام بإشبيلية ، وكبله بالحديد ، ثم قتله ( الاعلام 349/7 ) .

واعتقل السلطان علي بن عثمان المريني ، سلطان المغرب ، في السنة 734 أخاه عمر ، وأحضره إلي فاس ، وحبسه في حجرة من حجرات قصره ( الاعلام 314/5) .

ص: 65

وفي السنة 637 ببغداد ، تحيل قوم غرباء كانوا في « حبس الوزير » في داره بدرب البطيخ ، ونقبوه وخرجوا ليلا، ومضوا لا يعلمون أين يقصدون ، فساقهم القضاء إلي دار حاجب باب النوبي تاج الدين ابن الدوامي ، فأنكرهم الغلمان ، وسألوهم عن حالهم ، فاستجاروا بهم ، وقالوا : قد هربنا من حبس الوزير ، فقبضوا عليهم ، وعرفوا حاجب الباب ، فحبسهم ، وأنهي حالهم ، فتقدم بقطع أيديهم وأرجلهم من خلاف ر الحوادث الجامعة 127 ).

ص: 66

3- حبس الانسان في داره

في السنة 126 خاف نصر بن سيار أمير خراسان ، من جديع بن علي بن شبيب الأزدي ، الملقب بالكرماني ، لأنه ولد في كرمان، أن يحدث فتنة ، فحبسه ، فكلمه فيه قومه ، فقال نصر : إني حلفت أن أحبسه ، ولا يبدؤه متي سوء ، فإن خفتم عليه ، فاختاروا رج يكون معه ، فأختاروا يزيد النحوي ، فكان معه في القهندز ، فلبث في الحبس تسعة وعشرين يوما ، ثم تسلل من سرب في موضع مجري الماء ، فخرج ، وكان قد التفت علي بطنه ، وهو في المجري حية ، فلم تضره ، فقال أصحابه من الأزد : كانت الحية أزدية ، فلم تضره ، ولما خرج الكرماني ، جمع ليحارب نصرة ، ثم سفر بينهما الناس ، فوضع الكرماني يده في يد نصر ، فألزمه أن يلزم بيته ( الطبري 288/7 و 289).

ولما قتل الرشيد ، جعفر البرمكي في السنة 187 ، حول أخوه الفضل ليلا فحبس في ناحية من منازل الرشيد ، أما أبوهما يحيي فحبس في منزله ، ثم حبس الفضل ويحيي ومحمد في دير القائم ، وجعل عليهم حفظة من قبل مسرور الخادم وهرثمة بن أعين ، وصير معهم زبيدة بنت منير ، أم الفضل ، ودنانير جارية يحيي ( الطبري 296/7 و297 ).

ولما عزل الرشيد ، علي بن عيسي بن ماهان ، عن ولاية خراسان ،

ص: 67

وحمل إلي بغداد في السنة 192 ، أمر الرشيد به ، فحبس في بيته ( الطبري340/8)

ووجد الأمين ، علي العباس بن عبد الله بن جعفر بن المنصور ، فأراد قتله ، ثم أمر أن يحبس في حجرة من حجر داره ( دار العباس ) ، ويدخل عليه ثلاثة رجال من مواليه ، من مشايخهم يخدمونه ، ويجعل له وظيفة في كل يوم ثلاثة ألوان ( الطبري511/8)

ولما دخل المأمون بغداد ، أمر في السنة 205 بحبس الطبيب جبرئيل بن بختيشوع في منزله ( تاريخ الحكماء 141 ).

أقول : الظاهر إن سبب حبس المأمون بختيشوع، لأن بختيشوع كان عينة للأمين علي أبيه الرشيد ، وكان مسرور الخادم رقيب المأمون ، وكان الرشيد عالما بذلك ، راجع التفاصيل في تاريخ الطبري 338/8 و 339.

وفي السنة 219 غضب المعتصم علي الفضل بن مروان ، وأخذه برفع حسابه ، فلما أنجزه ، لم يناظره فيه ، وأمر بحبسه في منزله ببغداد ، في شارع الميدان ( الطبري 20/9 ).

وحبس الواثق ، الإمام أحمد بن حنبل ، علي القول بخلق القرآن ، حبسه في داره ، أي في دار أحمد بن حنبل ، ومنعه من الخروج منها . ( وفيات الأعيان 1/ 64 ) .

وذكر أحمد بن يوسف الكاتب ، في كتابه المكافأة ( ص50-48):إن حبس الإنسان في داره ، في أيام أحمد بن طولون ، يؤيس من خلاصه .

ولما اختلف أحمد بن طولون ، صاحب مصر والشام . مع الأمير الموفق ، الحاكم في دولة أخيه المعتمد ، طلب أحمد من قاضي مصر ، بكار بن قتيبة ، أن يعلن خلع الموقق من ولاية العهد ، فأبي ، فحبسه في دار ،

ص: 68

وظل مسجونأ عدة سنين ، حتي توفي في السنة 270 ، وكان يجلس في السجن لأصحاب الحديث ، ويحدثهم فيه ، ولما مات أحمد بن طولون ، قيل البكار : انصرف إلي منزلك ، فقال : الدار بأجرة ، وقد صلحت لي ، واستقر فيها ، وأخذ يدفع أجرها ( وفيات الأعيان 279/1 و281 ).

وفي السنة 512 توفي الخليفة المستظهر بالله ، فخلفه ولده المسترشد بالله ، وهرب منه أخوه الأمير أبو الحسن بن المستظهر ، والتجأ إلي الأمير دبيس ، صاحب الحلة ، ثم فارقه وجمع جمعا ، وتفرق جمعه وحمل إلي أخيه المسترشد ، فأنزله دارا حسنة ، كان هو يسكنها قبل أن يلي الخلافة ( يعني إنه اعتقله فيها اعتقا جميلا ) ( ابن الأثير 538/10 ).

وفي السنة 456 عزل السلطان ألب أرسلان، عميد الملك الكندري ، من الوزارة ، وحبسه بنيسابور في دار عميد خراسان ، ثم نقله إلي مرو الروذ ، وحبسه في داره ، ثم بعث إليه من قتله . ( وفيات الأعيان 142/5)

وفي السنة 542 قبض صاحب الموصل ، سيف الدين غازي ، علي الفقيهين كمال الدين الشهرزوري ، وأخيه تاج الدين ، واعتقلهما بقلعة الموصل ، فشفع لهما الخليفة ، فأخرجا من الاعتقال ، وقعدا في بيوتهما ، وعليهما الترسيم ، أي أنهما حبسا في بيوتهما .( وفيات الأعيان 241/4 و242 ).

وفي السنة 547 قبض علي البديع المتصوف الواعظ ، ووجدت عنده ألواح طين فيها قبل ( جمع قبلة بكسر القاف ) وعليها مكتوب أسماء الأئمة الإثني عشر ، فاتهم بالرفض ( التشيع ) وشهر بباب النوبي ، وكشف رأسه ، وأدب ( أي ضرب ) وألزم بيته ( أي حبس في داره ) (المنتظم 148/10 )

وفي السنة 606 عزل الخليفة الناصر فخر الدين بن امسينا عن نيابة

ص: 69

الوزارة ، وألزم بيته ، ثم نقل إلي المخزن علي سبيل الاستظهار عليه ( ابن الأثير 287/12 ).

وفي السنة 610 توفي الوزير معز الدين أبو المعالي سعد بن علي ، المعروف بابن حديدة ، وزير الخليفة الناصر ، وكان الخليفة قد عزله ، وألزمه بيته ( ابن الأثير 302/12 ) .

ص: 70

4 - الحبس :عند احد رجال الدولة

استأمن عمير بن الحباب السلمي ، إلي عبد الملك بن مروان ، فأمنه ، ثم غدر به ، فحبسه عند مولاه الريان ( ابن الأثير 309/4 ) .

ولما استخلف المهدي العباسي في السنة 159 أخرج الحسن بن إبراهيم بن عبد الله العلوي ، من المطبق ، وحوله إلي نصير الوصيف ، فحبسه عنده ( الطبري 117/8 ) .

وفي السنة 164 عزل المهدي عبد الله بن سليمان ، عامله علي اليمن ، ووجه من يستقبله ، ويفتش متاعه ، ثم أمر بحبسه عند الربيع حين قدم ( الطبري 151/8 ).

وكان الإمام موسي بن جعفر ، في عهد المهدي العباسي ، محبوسا عند الربيع الحاجب ( الطبري 177/8 ).

ولما استخلف الرشيد ، أمر بحبس إبراهيم الحراني ، الذي كان وزير للهادي ، عند يحيي بن خالد البرمكي في داره ، ثم كلمه فيه محمد بن سليمان ، فأطلقه ( الطبري 233/8 ).

ولما تواترت الأخبار علي الرشيد ، بميل الناس إلي أحمد بن عيسي بن زيد العلوي ، أمر بحمله ، فحمل إلي بغداد ، فحبسه عند الفضل بن الربيع ، في داره الشارعة ، علي دجلة ، قرب رأس الجسر ، بمشرعة

ص: 71

الصخر ، راجع التفصيل في القصة 195 من كتاب الفرج بعد الشدة للقاضي التنوخي ، تحقيق مؤلف هذا الكتاب .

وكان الرشيد، قد أعطي أمانأ ليحيي بن عبد الله العلوي ، فحضر بساطه ، ثم بدا له ، فأعاد اعتقاله ، وحبسه عند مسرور الكبير ، في سرداب ( مقاتل الطالبيين 472) .

وفي السنة 187 سعي بعبد الملك بن صالح العباسي ، ولده عبد الرحمن وكاتبه قمامة ، إلي الرشيد ، واتهماه بأنه يسعي لنفسه في الخلافة ، فاعتقله الرشيد وحبسه عند الفضل بن الربيع ( اعلام النبلاء 171/1 والطبري 302/8 ).

ولما اعتقل الرشيد ، الإمام موسي بن جعفر ، بالمدينة ، أخذه معه إلي العراق ، وحبسه عند الفضل بن يحيي البرمكي ، ثم بلغه أنه عنده في رفاهية وسعة ودعة ، فأمر بتسليم موسي إلي السندي بن شاهك ( مقاتل الطالبيين 503)

ولما اعتقل الإمام موسي الكاظم ، في دار السندي بن شاهك ، تولت أخت السندي ، حبسه ، فكانت تقول : خاب قوم تعرضوا لهذا الرجل الصالح . ( ابن الأثير 164/6 ).

ولما قبض علي إبراهيم بن المهدي ، أمر المأمون بحبسه في دار أحمد بن أبي خالد الأحول الوزير ، للتفصيل راجع كتاب الفرج بعد الشدة ، القصة 349.

وحبس المأمون ، يحيي بن خاقان ، أخا الفتح بن خاقان ، وطالبه بخمسة آلاف ألف درهم ، وجعل محبسه عند أحمد بن هشام ، فقال أحمد للموكلين بيحي : إحفظوه ، وأحذروا أن يسم نفسه ، فبلغ ذلك المأمون ، وكان يعلم بأن بين يحيي وأحمد عداوة وشر، فقال لأحمد : لا يأكل يحيي

ص: 72

بن خاقان إلا ما يؤتي به من منزله ، راجع في القصة 177 من كتاب الفرج بعد الشدة ، كيف تخلص يحيي من سجنه .

ولما تأمر العباس بن المأمون ، علي عمه المعتصم ، في السنة 223 ، اعتقل المعتصم العباس ، ومنع عنه الماء ، فمات بمنبج ، ودفن هناك ، ولما ورد المعتصم سامراء ، أمر بأولاد سندس ( أشقاء العباس ) من ولد المأمون ، فسلموا إلي إيتاخ ، فحبسوا في سرداب من داره ، ثم ماتوا بعد ( الطبري 79/9 ).

وسخط الواثق علي إبراهيم بن رياح ، صاحب ديوان الضياع، فدفعه إلي عمر بن فرج الرخجي ، فحبسه . ( اعتاب الكتاب 145).

واعتقل المتوكل ، أبا سعيد الثغري ، القائد الشهير ، صاحب النكاية في حرب بابك ، وحروب الثغور، وأسلمه إلي أبي الحسين النصراني الجهبذ ، فأخذ يعذبه ، فشق ذلك علي المسلمين ، راجع كيفية إطلاقه ، وسببه ، في كتاب الفرج بعد الشدة للتنوخي ، تحقيق المؤلف ، رقم القصة 154.

ولما أراد المتوكل قتل إيتاخ ، أمر إسحاق بن إبراهيم المصعبي ، بأن يعتقله إذا عاد من الحج إلي بغداد ، فاعتقله ، وحبسه في بيته بالجانب الشرقي من بغداد ، وقيده بقيد ثقيل ، وصير في عنقه ثمانين رطلا ( الطبري 169/9)

ولما غضب المتوكل في السنة 237 علي القاضي النبيل أحمد بن أبي دؤاد ، وكان مشلولا طريح الفراش ، قبض ضياعه ، وحبس ولده محمد في ديوان الخراج ، وحبس إخوته عند خليفة صاحب الشرطة . ( الطبري 189/9)

ولما ضرب أبو نوح ، بأمر من صالح بن وصيف ، في سامراء ، في

ص: 73

السنة 255 ضرب التلف ، مات في يومه في حبس السرخسي خليفة طلمجور علي شرط الخاصة ( الطبري 9/ 398 ).

وكان الحسن بن مخلد الكاتب ، محبوسا في دار القائد صالح بن وصيف ، فلما آستر صالح في السنة 209 خوفا من موسي بن بغا الذي قدم سامراء ، ذهب يا جور صاحب موسي فأخرج الحسن من حبسه . ( الطبري 440/9 )

ولما أعاد محمد بن سليمان ، فتح مصر ، جمع جميع آل طولون ، وهم بضعة عشر رجلا، فحبسهم وقيدهم ، واستصفي أموالهم ، وبعث بهم الي بغداد فحبسوا في دار صاعد . ( النجوم الزاهرة 111/3 ).

وفي السنة 301 عزل المقتدر وزيره أبا علي الخاقاني ، وقبض عليه ، وعلي ولديه عبد الله وعبد الواحد، وعلي أسبابه وكتابه ، واعتقلوا في يد نذير الحرمي ( تجارب الأمم 26/1 ).

وفي السنة 311 لما ناظر الوزير ابن الفرات ، أبا الحسن علي بن عيسي، أمر أن يعتقل في بيت شفيع اللؤلؤي ، فنهض علي بن عيسي مع شفيع ، فأجلسه شفيع في صدر طياره وحمله الي داره ( تجارب الأمم 111/1 و112).

كما إنه لما عزل ابن الفرات في السنة 311 اعتقل في بيت شفيع اللؤلؤي أيضأ ، ثم طلب الوزير الخاقاني أن يعتقل ابن الفرات عنده ، فأسلم إليه ، فناظره ابن بعد شر ، وأوقع به مكروهأ، فطلب ابن الفرات أن ينقل اعتقاله الي دار شفيع اللؤلؤي ، أو غيره من ثقات السلطان ( تجارب الأمم 131 - 127/1)

ومما يذكر أن علي بن عيسي لما صعد درجة شفيع إلي داره مد شفيع إليه يده ، فأتكأ عليها ، ولما صعد ابن الفرات درجة شفيع، جعل يزحف علي

ص: 74

الدرج ، فلم يعنه شفيع ، فعاتبه ابن الفرات ، وقال له : لم لم تعطني يدك ، كما أعطيتها عليا ؟ فقال له : لأن عليا أتقي الله منك ( التكملة 41) .

وفي السنة 312 لما عزل المقتدر الوزير ابن الفرات ، عن وزارته الثالثة ، بعث إليه القائدين نازوك ويلبق ، فدخلوا عليه في دار حرمه ، وأخرجوه حافية ، مكشوف الرأس ، وأخذ الي دجلة ، فألقي عليه القائد يلبق طيلسانا غطي به رأسه ، وحمل إلي طيار فيه مؤنس المظفر ، ومعه هلال بن بدر ، ثم سلم إلي شفيع اللؤلؤي ، فحبس عنده ، ثم قبض علي ولده المحسن ، فرد إلي دار الوزير ، فعذب بأنواع العذاب فلم يجب إلي أداء دينار واحد ، وقال : لا أجمع لكم بين نفسي ومالي ، وأراد المقتدر نقل الوزير وولده المحسن إلي دار الخلافة ، فاحتج القواد ورجال الدولة علي ذلك ، وطالبوا بقتلهما ، فأصدر المقتدر أمره الي نازوك بقتلهما، فقتل المحسن أولا ، وحمل رأسه إلي أبيه ، فارتاع إرتياعا شديدأ ، ثم عرض علي السيف ، فقتل وهو ابن إحدي وسبعين سنة ، وحمل رأساهما إلي المقتدر ، فأمر بتغريقهما ( ابن الأثير 149/8 - 153).

وفي السنة 318 وردت علي أحمد بن نصر القشوري ، وكان علي المعاون بالأهواز ، رقعة من المقتدر بخطه ، يطلب فيها اعتقال البريديين الإخوة الثلاثة ( أبو عبد الله وأبو يوسف وأبو الحسين ) ، وتحصيلهم في داره ، حتي يرد عليه توقيع آخر بخطه ، فقبض عليهم ، واعتقلهم في داره الشاطئية ، حتي ورد عليه كتاب المقتدر بحملهم الي الحضرة ( تجارب الأمم 206/1 و207).

وفي السنة 318 عزل المقتدر ، وزيره ابن مقلة ، وصادره ، فشفع فيه مؤنس ، أن يعفي من المصادرة ، وأن يعتقل عند مرشد الخادم ، فأجيب الي ذلك . ( تجارب الأمم 209/1 ).

ص: 75

وفي السنة 319 اعتقل القائد هارون بن غريب ( ابن خال المقتدر ) أبا بكر محمد بن أحمد بن قرابة وحبسه عنده ، ووكل به حاجبه ، وعده من غلمانه ، وكان ابن قرابة شريرة ، توصل إلي المقتدر ، وأخذ يسعي إليه برجال الدولة ، فيصادرهم ، ويقرض الدولة كل دينار بربح درهم ، وكان آخر من سعي به للمقتدر ، القائد هارون بن غريب ، وذكر للمقتدر أن عند هارون آزاجأ مملوءة ما ، فذكر المقتدر ذلك لهارون ، فضمن له أن يستخرج من ابن قرابة ، إن أسلم إليه ، خمسمائة ألف دينار ، فأمره المقتدر باعتقاله ومطالبته ، فأعتقله ، وأنزل به من المكروه ، ما أشفي به علي التلف ، ثم حصلت واقعة قتل المقتدر ، ففر من كان موكلا به ، وبقي معه غلامان أعطاهما خمسمائة دينار ، فصارا معه إلي فرضة جعفر ( بالجانب الغربي ) ، وأدخلاه إلي مسجد ، وأحضرا حدادة ، وحلا قيوده ، وأطلقاه ( تجارب الأمم 1/ 230 و 231 ).

ولما قتل المقتدر في السنة 320 طلب محمد بن المعتضد لمبايعته ، وكان هو ومحمد بن المكتفي ، معتقلين في يد فائق الحرمي وجه القصعة ، أحد خدم المقتدر . ( تجارب الأمم 242/1 ).

وفي السنة 321 قبض الوزير ابن مقلة ، وزير القاهر ، علي سلفه الوزير الكلوذاني ، وعلي أسبابه ، وكاتبه ، واعتقلهم ، وحبسهم عند أبي بكر بن قرابة ( تجارب الأمم 246/1 ).

وفي السنة 321 قبض الوزير ابن مقلة ، وزير القاهر، علي الإخوة الثلاثة بني البريدي ، وأسلمهم إلي محمد بن خلف النيرماني ، فاعتقلهم محمد بن خلف في داره ، وفرق بينهم ، ورفه عن أكبرهم أبي عبد الله ، وأوقع بأخويه ، وعلق عليهما الجرار المملوءة ، ودهقهما ، وأوقع بهما مكاره عظيمة . ( تجارب الأمم 246/1 و 247).

وفي السنة 350 احتاج معز الدولة الي مال للنفقة علي بناء داره فاعتقل

ص: 76

الوزير المهلبي ، حاشية الأمير مع الدولة ، وألزمهم بأداء مبالغ ألتزموا بها ، فلم يلتزم أبو علي الخازن بشيء، وادعي الفقر ، فاعتقله الوزير في حجرة من حجر داره . ( تجارب الأمم 186/2 ).

وفي السنة 359 عزل بختيار البويهي ، وزيره أبا الفضل العباس بن الحسين الشيرازي ، واستوزر أبا الفرج محمد بن العباس بن فسانجس ، فتسلم أبو الفرج ، أبا الفضل ، وحبسه في داره ، وضيق عليه ( تجارب الأمم 263/2 ) .

وكان القائد الديلمي أسفار بن كردويه ، ببغداد في السنة 372 وكان ذا سلطان ، يحبس في داره ، ويقيد ، وكان من الظلم علي حال معروفة ، وهو أحد اثنين رفع عضد الدولة العدوي عنهما ، أي إنه أن لا تسمع بحقهما دعوي في المحكمة ، راجع في ذيل تجارب الأمم 47 قضة التانيء الذي حبسه أسفار وكيف خرج يحجل في قيوده حتي شكا حاله لعضد الدولة .

وفي السنة 387 قبض المقلد بن المسيب العقيلي ، بالموصل ، علي أخيه علي بن المسيب ، بأن نقب علي بيته ليلا، ودخل عليه ، فأخذه وحصله في خزانته ، أي في حبسه بداره ، فأستنفر أخوهما الحسن بن المسيب حلل العرب ، فنفر منهم عشرة آلاف رجل ، وحشد المقلد جيشأ ، وقبل أن تنشب المعركة بين الأخوين ، قدمت رهيلة بنت المسيب ، أخت المقلد ونادت أخاها ، وهي في هودج ، وقالت له : يا مقلد ، قد ركبت مركبا وضيعة ، وقطعت رحمك ، وعققت آبن أبيك ، فراجع الأولي بك ، وخل عن الرجل ، وأكفف هذه الفتنة ، ولا تكن سببا لهلاك العشيرة ، فلان المقلد في يدها ، وأمر بفك قيد أخيه ، وأطلقه ، ورد عليه جميع ما أخذ منه ( تاريخ الصابي 300/8 - 302).

وفي السنة 560 لما توفي الوزير ابن هبيرة ، أخذ حاجبه ابن تركان ،

ص: 77

وحبس في دار أستاذ الدار ( المنتظم 211/10 ) .

وفي السنة 573 بعث صاحب المخزن ( وزير الداخلية ) ببغداد ، إلي تتامش ليحضر عنده ، وكانت له عادة بزيارته في الليل يخلوان للحديث ، فحضر عنده ، فوكل به في حجرة من دار صاحب المخزن ، وأنفذ إلي داره ، فأخذ الخيل والكوسات ، وكل ما في الدار ، وبقي موكبه في دار صاحب المخزن ( المنتظم 274/10 ) .

ص: 78

5-حبس الامراء العباسيين بالجوسق في سامراء

في السنة 251 لما انحدر المستعين إلي بغداد ، وعجز أتراك سامراء عن إغرائه بالعودة ، عمدوا إلي المعتز ، وكان هو والمؤيد محبوسين في حجرة صغيرة في الجوسق ، فأخرجوه من الحبس ، وأخذوا من شعره ، وبايعوه بالخلافة ، وبايعوا لأخيه ابراهيم المؤيد ، بولاية العهد . ( ابن الأثير 139/7 - 142 والطبري 284/9 و285 ).

وفي السنة 252 غضب المعتز علي أخويه أبي أحمد ، والمؤيد ، وهما شقيقان ، فحبسهما في الجوسق ، وقيد المؤيد، وصيره في حجرة ضيقة ، وضربه خمسين مقرعة وحبس كنجور حاجب المؤيد، وضربه خمسين مقرعة ، وضرب خليفته أبا الهول خمسمائة سوط ، وطوف به علي جمل ( الطبري 361/9 و 362 ).

ولما قتل المهتدي ، وأرادوا مبايعة المعتمد ، أخرجوه من محبسه في الجوسق بسامراء ، وبايعوه ( الطبري 467/9 وابن الأثير 235/7 ) .

وفي السنة 252 سخط علي كنجور ، من أعاظم القواد ، وكان قائم بحماية الثغور ، فأمر بحبسه في الجوسق ، ثم حمل إلي بغداد مقيد ، ثم وجه به إلي اليمامة ، فحبس هناك ( الطبري 372/9 ).

ص: 79

6- الحبس في دار الخلافة ببغداد

في السنة 139 اعتقل أبو جعفر المنصور عمه عبد الله بن علي ، وحبسه في قصره ، في محبس خاص ، كان قد هيأه له من قبل ( الطبري 501/7 و 502).

أقول : لما بويع المنصور بالخلافة ، بعد وفاة أخيه السفاح ، خرج عليه عمه عبد الله بن علي وادعي أن أبا العباس السفاح ، طلب منه أن ينتدب القتال مروان ، علي أن يكون ولي عهده ، وشهد له بذلك عدد من القواد ، فوجه إليه المنصور أبا مسلم الخراساني ، فاشتبك معه في معركة ضارية ، فأنفل جيش عبد الله ، وفر عبد الله وقواده إلي البصرة ، حيث لجأ إلي أخيه سليمان بن علي ، فكتب أبو جعفر إلي سليمان وأخيه عيسي ، يطلب منهما إشخاص عبد الله إليه ، وأعطاهما من الأمان ما وثقا به ، فقدما علي المنصور ، ومعهما أخوهما عبد الله ، وعامة قواده ، وخواص أصحابه ومواليه ، فلما دخلا علي أبي جعفر وأعلماء بحضور عبد الله ، وسألاه أن يأذن له بالدخول ، أنعم لهما بذلك ، وشغلهما بالحديث ، وكان قد هيأ العبد الله محبسا في قصره ، وأمر أن يصرف إليه ساعة وصوله ، ففعل به ذلك ، ونهض أبو جعفر من مجلسه ، وقال لعيسي وعلي : سارعا بعبد الله ، فلما خرجا لم يجداه ، فعلما أنه قد حبس ، فعادا إلي أبي جعفر ، فحيل بينهما وبين الوصول إليه ، وأخذت سيوف من حضر من أصحاب عبد الله وحبسوا ، وكان أحدهم خفاف بن منصور ، حذرهم غدر المنصور ، فلم

ص: 80

يسمعوا ، فلما رأي دلائل الغدر ، قال لهم : إن أطعتموني شددنا شدة واحدة علي أبي جعفر ، فلا يحول بيننا وبينه حائل ، حتي تأتي علي نفسه وننجو بأنفسنا ، فعصوه ، فلما أخذت سيوفهم ، جعل خفاف يضرط في لحيته ( يعفط ) ويتفل في وجوه أصحابه ، ثم أمر أبو جعفر فقتل بعضهم في حضرته ، وبعث بالبقية إلي أبي داود خالد بن إبراهيم بخراسان فقتلهم هناك ، أما فيما يتعلق بمصير عبد الله بن علي ، فإن المنصور قتله في السنة 147 وان كان المؤرخون قد اختلفوا في كيفية القتل ، فمن قائل ان المحبس الذي كان المنصور قد هيأه له ، كان قد بناه علي أساس من الملح ، وانه أجري إليه الماء ليلا فأنهدم علي عبد الله وقتله ، والي ذلك ذهب أكثر المؤرخين ، ومن قائل أنه قتله خنقأ ، وإليه ذهب صاحب مروج الذهب 241/2 ولعله جمع بين القتلتين بأن خنقه ثم هدم عليه البيت ، وكان عبد الله سقاكا للدماء ، غدار ، راجع نتفأ من أخبار غدره وسفكه للدماء ، في هذا الكتاب ، في الباب الحادي عشر « القتل بالة من الات القتل » الفصل الأول « القتل بالسيف » القسم الثالث « القتل غدرة » .

في السنة 196 وثب الحسين بن علي بن عيسي بن ماهان ، أحد قواد الأمين ، بالأمين ، فأخرجه من قصر الخلد ، وحبسه في قصر أبي جعفر بالمدينة . ( الطبري 429/8 ) .

وفي السنة 293 أخرج المكتفي مضاربه إلي الشماسية ( الصليخ ) علي أن يخرج إلي الشام بسبب الخليجي ، ثم وردت الكتب بأن القواد في مصر حاربوا ابن الخليجي ، وهزموه ، وأسروه ، ووجهوا به إلي الحضرة ، فأدخل إلي مدينة السلام من باب الشماسية ، وقدم بين يديه واحد وعشرون رجلا علي جمال ، وعليهم برانس ودراريع حرير ، فلما وصل الخليجي إلي المكتفي ، نظر إليه ، وأمر بحبسه في الدار ( دار الخلافة ) ، وأمر بحبس الآخرين في الحبس الجديد ( الطبري 128/10 و 129 ).

ص: 81

وذكر قاضي القضاة أبو عمر ، أنه لما بويع ابن المعتز، ثم انتقضت بيعته ، أخذ مع أبي المثني القاضي ، ومحمد بن داود الجراح ، وحبسوا في دار الخلافة ، في ثلاثة أبيات متلاصقة ، وأن محمد بن داود الجراح ، وأبا المثني القاضي ، ذبحا أمامه في صحن الدار واحدة بعد الآخر ، فلما أصبح تخلص من الموت ، ولكنه أبصر مقدم لحيته وقد ابيضت فيه طاقات شعر مما الاقي في ليلته تلك ، راجع تفصيل القصة في كتاب الفرج بعد الشدة للتنوخي ، في القصة رقم 179 .

وفي السنة 296 لما فسد أمر ابن المعتز ، إستتر علي بن عيسي ومحمد بن عبدون ، فكبس عليهما ، وأخرجا ، ووكل بهما في دار الخلافة ( تجارب الأمم 7/1).

وفي السنة 297 أدخل إلي بغداد طاهر ويعقوب، ابنا محمد بن عمرو بن الليث الصفار ، أسيرين ، في قبة علي بغل ، وقد كشف جلالها ، وحبسا في دار السلطان ( دار الخلافة ) . ( تجارب الأمم 16/1 ).

وفي السنة 301 قبض علي الحلاج بالسوس ، وأدخل بغداد ، مشهرة علي جمل فصلب وهو حي ، وصاحبه خال ولده ، في الجانبين جميعا ، وحبس الحلاج وحده في دار السلطان . ( تجارب الأمم 32/1 ).

وفي السنة 303 حمل الحسين بن حمدان ، من باب الشماسية إلي دار السلطان مصلوبة علي نقنق ، منصوبا بأعلي ظهر فالج ، وابنه مشهور علي جمل آخر ، والبرانس علي رؤوسهما ، وسار بين يديه الأمير أبو العباس ( الراضي ) والوزير علي بن عيسي ، والقواد ، والجيش والفيلة ، فلما وصلوا إلي دار السلطان ، وقف الحسين بين يدي المقتدر ، ثم أمر بتسليمه إلي زيدان القهرمانة ، فحبس عندها في دار السلطان . ( تجارب الأمم 37/1 و38) .

ص: 82

وفي السنة 311 أخرج ابن الفرات من حجرته التي كان معتقلا فيها بدار السلطان ، عند زيدان القهرمانة ، ووضع مكانه علي بن عيسي حيث عزل واعتقل ، ووزر ابن الفرات وزارته الثالثة . ( تجارب الأمم 88/1 ).

ولما خاف حامد بن العباس ، سطوة غريمه ابن الفرات وزير المقتدر ، جاء إلي دار الخلافة ، وكلم مفلح ، أحد خدم المقتدر ، بأن يكلم الخليفة في أن يعتقل حامد في دار الخلافة كما اعتقل فيها علي بن عيسي ، وأن لا يسلم إلي الوزير ابن الفرات . ( تجارب الأمم 97/1 ) .

وكان في دار الخلافة ، في عهد المقتدر ، دار خاصة ، تشرف عليها زيدان القهرمانة ، يحبس فيها الوزراء ، والقواد ، وكبار رجال الدولة ، وقد حبس فيها في السنة 304 القائد الحسين بن حمدان التغلبي وولده ، والوزير أبو الحسن علي بن عيسي ، والأمير يوسف بن أبي الساج ، كما اعتقل فيها في السنة 306 الوزير أبو الحسن بن الفرات ، وظل معتقلا فيها خمس سنين ، واعتقل فيها في السنة 314 الوزير الخصيبي ، وفي السنة 316 الوزير علي بن عيسي ، ولما عزل المقتدر ، وأعيد إلي الخلافة ، حمل من دار مؤنس إلي دار زيدان القهرمانة ( تجارب الأمم 38/1 ، 40، 50، 66، 68 ، 149 ،184 ، 198)

وفي السنة 312 لما اعتقل الوزير أبو الحسن بن الفرات ، أحدر إلي دار السلطان ( دار الخلافة ) ، أما أولاده وكتابه ، فاعتقلوا في دار نصر الحاجب ( تجارب الأمم 126/1 ). ثم احتج القواد علي بقائه في دار الخلافة ، فحبس في دار شفيع اللؤلؤي ( تجارب الأمم 127/1 ). وكان المحسن ، ابن الوزير ، قد استتر ، ثم قبض عليه ، فحبس في دار الوزراة بالمخرم ( العلوانية ) ( تجارب الأمم 132/1 ).

ص: 83

ولما عزل أبو العباس الخصيبي في السنة 314 حبس في دار الخلافة عند زيدان ، ثم حمل إلي ثمل القهرمانة ، فاعتقل عندها. ( تجارب الأمم 157/1)

وفي السنة 316 عزل الوزير علي بن عيسي ، وصار إليه القائد هارون بن غريب ، فاعتقله وأخاه عبد الرحمن بن عيسي ، وحملا إلي دار السلطان ، فسلم علي بن عيسي إلي زيدان القهرمانة ، واعتقل عبد الرحمن عند نصر . ( تجارب الأمم 185/1 ).

وفي السنة 317 خلع المقتدر ، ونصب أخوه القاهر خليفة بدلا منه ، وأخرج مؤنس علي بن عيسي من الحبس من دار السلطان ( أي دار الخلافة ) ومن المحبوسين الذين أخرجهم من دار الخلافة ، أبو القاسم الحسين بن روح ، وكان في الحبس منذ خمس سنين ( تجارب الأمم 193/1 و195 ) ثم انقلب الحال وعاد المقتدر إلي الخلافة ، فأخذ القاهر يبكي ويقول : يا أمير المؤمنين ، نفسي ، نفسي ، فطمأنه المقتدر ، وقال له : أنا أعلم أنه لا ذنب لك ، وأنك قهرت ، ولو لقبوك المقهور ، لكان أولي من تلقيبك بالقاهر ، ثم ان المقتدر حبس القاهر عند والدته ( والد المقتدر ) فأحسنت إليه ، وأكرمته ، ووعت عليه في النفقة ، وأشترت له السراري والجواري للخدمة ، وبالغت في إكرامه والإحسان إليه بكل طريق ( ابن الأثير 207/8 ).

أقول : راجع في هذا الكتاب ، في الباب الخامس ، في القسم الثاني من الفصل الثاني ( التعليق ) ما جازي به هذا العاق اللئيم ، أم المقتدر .

وفي السنة 319 عزل المقتدر وزيره سليمان بن الحسن بن مخلد ، وقبض عليه وعلي أبي القاسم عبيد الله بن محمد الكلوذاني ، وحملا إلي دار السلطان ( دار الخلافة ) فاعتقلا فيها ( تجارب الأمم 211/1 ) .

ومما يشبه الحبس ، ما عاناه أحد عرفاء الفراشين في دار المقتدر ،

ص: 84

وكان مكلفا برش الخيش في مجلس أعد للمقتدر ، فلما رش الخيش ، أغفي في إحدي زوايا المكان ، ولم ينتبه إلا والمقتدر في مجلسه ، وحوله الجواري ، وهو يشرب ويستمع للغناء ، وعلم العريف أنه إن ظهر قتل ، فصعد إلي باطن بادهنج ( بادگير ) في الموضع ، وظل فيه إلي أن انتهي المجلس ، راجع التفصيل في كتاب الفرج بعد الشدة للقاضي التنوخي ، تحقيق المؤلف ، رقم القصة 180 .

وفي السنة 321 ضيق القواد علي القاهر، ونقل علي بن يلبق ، المحبوسين في دار السلطان ( دار الخلافة ) ، إلي داره ، ومنهم السيدة أم المقتدر ( تجارب الأمم 290/1 ) .

ولما قتل القاهر إسحاق بن إسماعيل، وضع في محبسه بدار السلطان ، الفضل بن جعفر ، الذي كان وزيرا للمقتدر . (( تجارب الأمم 287/1)

وفي السنة 321 بعث القاهر خادمه سابور ، فقبض علي وزيره محمد بن القاسم ، وأخذه وأخذ المحبوسين في داره ، فنقلهم إلي دار السلطان ( دار الخلافة ) . ( تجارب الأمم 272/1 ).

ولما قتل القاهر في السنة 321 القائد مؤنس ، أرسل رأسه إلي أبي العباس بن المقتدر ( الراضي ) ، وكان في حبس القاهر . ( تجارب الأمم 268/1)

وفي السنة 322 تحرك الغلمان الساجية والحجرية لخلع القاهر ، لأنهم بلغهم إنه قد بني لهم المطامير ليحبسهم فيها ، فحلف لهم القاهر ، أن ما يبنيه ، ليس بمطامير وإنما هي حمامات رومية للحرم . ( تجارب الأمم 286/1)

وكان القاهر قد اعتقل طريف السبكري ، وحبسه في دار السلطان ( دار

ص: 85

الخلافة ) ، فلما تحرك الغلمان علي القاهر، واعتقلوه ، فتحوا محبس طريف السبكري ، وكسروا قيده ، وأطلقوه ، وأدخلوا القاهر إلي موضعه ، وحبسوه فيه ، ووكلوا بالباب جماعة من الساجية والحجرية ( تجارب الأمم 289/1)

ولما خلع القاهر في السنة 322 ، سألوا عن المكان الذي كان فيه أبو العباس بن المقتدر ، وكان هو ووالدته محبوسين ، فأخرجوه من السجن ، وأجلسوه ، وبايعوه بالخلافة ، ولقب بالراضي بالله . ( ابن الأثير 282/8 ) .

ولما بويع الراضي في السنة 322، استوزر ابن مقلة، فأطلق كل من كان في حبس القاهر من كاتب وجندي ( يريد المدنيين والعسكريين ) (تجارب الأمم 295/1 ) .

وفي السنة 324 لما عزل الراضي ، عبد الرحمن بن عيسي وزيره ، اعتقله وأخاه أبا الحسن علي بن عيسي ، وحبسه في دار الخلافة ، فتوسط الأمر أبو محمد الصلحي وكلم الراضي ، فأمر بنقله إلي دار الوزير . ( الوزراء 360 ).

أقول : ذكر صاحب رسوم دار الخلافة ( ص 60 و61) انه لما عزل الراضي وزيره عبد الرحمن بن عيسي عن وزارته ، اعتقل أخاه علي بن عيسي في دار الخلافة ، فتوشط أبو محمد الحسن بن عمر الصلحي ، في أمره ، وكلم الراضي فوجده مغتاظأ من علي بن عيسي ، وقال له : إنه ما خاطبني إلا قال لي : واك ( أصلها ويلك ، خففت إلي والك ، ثم خففت إلي واك ) فهل يتلقي الخلفاء بمثل هذا ؟ فما زال الصلحي به حتي أمر بنقله إلي الاعتقال ، في دار الوزارة ، حيث صحح ( أي أذي ) ما أخذ به خطه ( أي ما صودر عليه ) وصرف إلي منزله .

ص: 86

وفي السنة 329 دخل الأمير ابن رائق بغداد ، وظفر بكورتكين ، فحبسه بدار الخليفة . ( ابن الأثير 377/8 ) .

وفي السنة 330 اعتقل كورنكيج ، رئيس الجند الديلم ، وحمل إلي دار السلطان ( دار الخلافة ) ، ولما أحتل أبو الحسين البريدي بغداد ، أخذ كورنكيج وقيده ، وأصدره إلي أخيه أبي عبد الله ، فكان آخر العهد به . ( تجارب الأمم 2/ 22 و25).

وفي السنة 381 تقدم الي الخليفة الطائع ، وهو في مجلسه ، أصحاب بهاء الدولة البويهي ، وأنزلوه من سريره ، ولفوه في كساء ، وحملوه في زبزب ، حيث اعتقل في دار المملكة ( المخرم ) ولما استقر القادر في الخلافة ، سلم إليه الطائع ، فأنزله حجرة من خاص حجره ، ووكل به من يخدمه ( ويحفظه ) من خواص خدمه ، وأحسن ضيافته ، وكان يطلب الزيادة في الخدمة ، كما كان أيام الخلافة ، فيأمر له القادر بذلك ، وحكي عنه إن القادر أرسل إليه طيبا ، فقال : من هذا يتطيب أبو العباس ؟ يعني القادر ، قالوا : نعم ، فقال : قولوا له عني ، في الموضع الفلاني كندوج فيه طيب كنت أستعمله ، فليرسل إلي بعضه ، ويأخذ الباقي لنفسه ، ففعل ذلك ، وأرسل إليه القادر يومأ عدسية ، فقال : ما هذا ؟ فقالوا : عدسية ، فقال : عدس وسلق ، أو قد أكل أبو العباس منها ؟ قالوا : نعم ، قال : قولوا له عني ، لما أردت أن تأكل عدسية لم اختفيت ؟ فما كانت العدسية تعوزك ، ولم تقلدت هذا الأمر ؟ فأمر القادر أن تفرد له جارية من طباخاته تطبخ له ما يلتمسه كل يوم ( ذيل تجارب الأمم 203 و 245 وابن الأثير 93/9 ) .

وفي السنة 496 قبض علي وزير الخليفة ، سديد الملك أبي المعالي ، وحبس في دار بدار الخلافة ، وكان أهله قد وردوا عليه من إصبهان ، فنقلوا إليه ، وكان محبسه جميلا ، وسبب عزله جهله بقواعد ديوان الخلافة ، وأطلق في السنة 497 من الحبس ( ابن الأثير 362/10 و 377) .

ص: 87

وفي السنة 531 استوزر الحافظ العلوي ، صاحب مصر ، رضوان بن الولخشي ، ولقبه الملك الأفضل، وعزله في السنة 33ه ففر إلي الشام ، وعاد في السنة 534 مع عسكر ، فقاتل ، وانكسر ، فأخذه الحافظ ، وحبسه في قصره ، وجمع بينه وبين عياله في القصر ، فبقي محبوسا في القصر إلي السنة 543 ، فنقب الحبس وخرج ، وجمع جمعا ، وحارب ، فانكسر ، وعمد أحد أصحابه إليه ، فضرب رأسه بالسيف ، فقتله ، وحمل رأسه إلي الحافظ ( ابن الأثير 49/11 ) .

ولما مات المستنجد في السنة 566، كان ولده أبو محمد الحسن ، محبوسا ، علي سنة بني العباس ، في حبس الأولاد والأقارب ، فعمد أستاذ الدار عضد الدين ، واستخرج أبا محمد الحسن من حبسه ، وشرط عليه شروطة ، منها أن يكون هو الوزير ، وأن يكون ولده أستاذ الدار ، وفلان أمير العسكر ، وفلان كذا وكذا ، فالتزم له بجميع ما طلب ، وحلف له علي ذلك أيمانا مغلظة ، فبايعه أستاذ الدار ، وبايعه الآخرون من الحاشية في داخل الدار البيعة الخاصة ، ولقب بالمستضيء ( الفخري 318 و 319) .

وفي السنة 575 توفي الخليفة المستضيء، ونلفه ولده الناصر ، فقبض علي ظهير الدين بن العطار ، وكان متمكنة في دولة المستضيء ، ووكل به في داره ، ثم نقل إلي التاج ، وقيد، ووكل به . ( ابن الأثير ا 459/11)

وفي السنة 601 سخط الخليفة الناصر العباسي علي ولده محمد ( الظاهر فيما بعد ) وعزله عن ولاية العهد ، وألزمه أن يخلع نفسه ، فخلعها وأشهد علي نفسه ، وحبسه في دار من دور الخلافة مبيضة الأرجاء ، حتي ضعف بصره ، وكان حراسه يفتشون ما يرد إليه حتي اللحم والطعام ، وكان أبوه لما عزله عهد بولاية العهد إلي ولده الثاني أبي الحسن علي ، وحدث أن توفي أبو الحسن علي في السنة 118 فأعيد الظاهر إلي ولاية العهد، ولما

ص: 88

توفي الناصر في السنة 622 خلفه ولده الظاهر ، وهو ابن 52 سنة ( الوافي بالوفيات 96/2 و 97 ).

وفي السنة 604 قبض الناصر العباسي ، علي وزيره نصير الدين الرازي ، وحبسه في دار بدار الخلافة ، تحت الاستظهار ، حتي مات في الحبس في السنة 617 ( الفخري 326).

وفي السنة 606 عزل نائب الوزارة فخر الدين أبو البدر محمد بن أحمد بن امسينا الواسطي ، وأغلق بابه ، ونقل من دار الوزارة إلي دار الخلافة العزيزة ، ليلا ، وحبس في باطنها ، وكان آخر العهد به . ( الجامع المختصر 285)

وفي السنة 629 توفي مؤيد الدين القمي ، وزر للناصر العباسي ، ثم الولده الظاهر ، ثم لولده المستنصر ، وقبض عليه المستنصر ، وحبسه في باطن دار الخلافة مدة ، فمرض ، فأخرج فمات ( الفخري 328).

وكان الخلفاء العباسيون ، يحبسون إخوانهم ، وأعمامهم ، وأقرباءهم ، علي تكرمة ، في دور يحفظون فيها مع أفراد عائلتهم ، من زوجات وسر اري ، وبنين وبنات ، وكان مقر هؤلاء الأمراء أول الأمر ، دورا في الحريم الطاهري ، بالجانب الغربي ، وكان الحريم الطاهري ، محاطة بسور يحرسه قوم فرضت عليهم أوامر مشددة بأن لا يدعو أحدا من الأمراء يبارحه إلا بأمر من الخليفة أو من الأمير النافذ الحكم في الدولة ( القصة 163 و166 من كتاب الفرج بعد الشدة للتنوخي ، تحقيق المؤلف ، وتجارب الأمم 3/1، 193 ، ومعجم البلدان 255/2 والتكملة 59 والفخري 333 ).

ثم نقل مقر هؤلاء الأمراء ، إلي دور في داخل دار الخلافة ، لتكون مراقبتهم أسهل ، والسيطرة علي تصرفاتهم أقوي ، ونورد علي سبيل المثال : أن الخليفة المستظهر لما توفي ، واستخلف ولده المسترشد ، فر أخوه الأمير

ص: 89

أبو الحسن إلي الحلة في السنة 512 ، واستقر ضيفا عند أميرها دبيس ، فحاول المسترشدر بمختلف الطرق أن يستعيد أخاه ، ولما استعاده حبسه ، وقتل من أعانه علي الهرب ، وشدد في التضييق عليه ، حتي إنه سد عليه باب حبسه ، وأبقي منه موضعا يكفي لإيصال الحوائج إليه ، وفي السنة 514 طالب السلطان محمود السلجوقي ، الخليفة المسترشد بأن يفرج عن الأمير أبي الحسن ، فبذل له المسترشد ثلثمائة ألف دينار ، ليسكت عن هذه المطالبة ( المنتظم 198/9 ، 205، 207، 218) .

ولما فتح التر بقيادة هولاكو بغداد ، أخرجوا الأمراء العباسيين من دار الخلافة ، من الدور التي كانوا معتقلين فيها ، وهم إخوة الخليفة وأعمامه وأقاربه ، وقتلوهم جميعا .

ص: 90

7 - الحبس في القلاع والحصون

أراد المتوكل ، أن يختبر الطبيب حنين بن اسحاق ، فأحضره ، ووصله ، واكرمه ، وأمره أن يركب دواء ساما ليقتل به عدوا له، فاعتذر حنين بأنه لم يتعلم صنع السموم فتهدده ، فأصر علي قوله ، فحبسه في إحدي القلاع، وأحضره بعد سنة ، وراوضه من جديد في صنع الدواء السام ، فأصر علي الاعتذار ، فاقتنع المتوكل بشرف حنين وذمته ، وخلع عليه وأكرمه . تاريخ الحكماء 175 - 177).

واتهمت فاطمة بنت أحمد بن علي الهزارمردي الكردي ، زوجة ناصر الدولة ، أحد عمالها بخيانة في مالها ، فاعتقلته في إحدي القلاع ، ثم كتبت تأمر بقتله ، ولم يكن أحد في القلعة يحسن القراءة والكتابة غيره ، فلما قرأ في الكتاب الأمر بقتله ، أغفل قراءته ، ثم احتال في الهرب ، راجع تفصيل ذلك في القصة 170 من كتاب الفرج بعد الشدة للتنوخي ، تحقيق المؤلف .

وفي السنة 356 قبض أبو تغلب الحمداني ، علي أبيه ناصر الدولة ، باتفاق مع أمه فاطمة بنت أحمد الكردية ، وأخيه أبي البركات ، وأخته جميلة ، وحبسه ، فلما فعل ذلك اختلف الإخوة فيما بينهم ، وتفرقت كلمتهم وانتشر أمرهم ، ثم عثروا علي مكاتبة من أبيهم لأولاده الآخرين ، فتحرزوا منه ، ونقلوه إلي قلعة كواشي ( أرد مشت ) ( ابن الأثير 631/8 - 634 ) ، وسير أبا تغلب أخاه محمدا لمحاربة أخيهما حمدان ، ثم بلغه أن محمدا قد

ص: 91

خامر عليه مع حمدان ، فأحضره ، واستصفي أمواله ، واعتقله في قلعة أرد مشت ، ثم كتب يأمر بقتله ، فتأخر تنفذ ذلك حتي تخلص محمد ، وحل محل أخيه أبي تغلب في الإمارة والحكم ، في قصة طريفة ، راجع كتاب الفرج بعد الشدة للقاضي التنوخي ، تحقيق المؤلف رقم القصة 196 .

وفي السنة 336 خالف كوركير القائد الديلمي ، علي معز الدولة بن بويه ، فسار إليه الصيمري ، وزير معز الدولة ، وقاتله ، وأسره ، فحبسه معز الدولة ، بقلعة رامهرمز ( ابن الأثير 469/8 ) .

وفي السنة 337 سار السلار المرزبان بن محمد ، الي الري ، ليطرد ركن الدولة عنها، فحاربه ركن الدولة ، وأسره ، مع ثلاثة عشر قائد من قواده ، وحمله إلي القلعة بسميرم ، وحبسه فيها ( تجارب الأمم 115/2 ).

وفي السنة 342 تخلص المرزبان ، من حبس ركن الدولة ، وكان ركن الدولة قد حبسه في قلعة سميرم ، فسعت أم المرزبان ، وهي بنت جستان بن وهسوزان الملك ، ووضعت جماعة للسعي في تخليص ابنها، فقصدوا قلعة سميرم ، وأظهروا أنهم تجار ، وإن المرزبان قد أخذ منهم أمتعة نفيسة ولم يؤد إليهم ثمنها، واجتمعوا بمتولي قلعة سميرم ، واسمه شير أسفار، وعرفوه قصتهم ، وسألوه أن يجمع بينهم وبين المرزبان ، ليحاسبوه ، ويأخذوا خطه إلي والدته ، لتؤدي إليهم حقهم ، فرق لهم أسفار ، وجمعهم بالمرزبان ، فطالبوه ، فأنكر ، فغمزه بعضهم ، ففطن ، وأعترف لهم ، وأستمهلهم حتي يتذكر ، فأقاموا في القلعة ، وبذلوا الأموال لشير أسفار والأجناد ، وضمنوا لهم الأموال الجليلة، إذا حصلوا علي مالهم بذمة المرزبان فصاروا يدخلون الحصن بغير إذن ، وكان لشير أسفار غلام أمرد جميل الوجه يحمل ترسه وزوبينه ، فتظاهر المرزبان ، بأنه قد عشق ذلك الغلام ، وأعطاه مالا كثيرة ، فواطأه علي ما يريد، وأوصل إليه مبارد ، فبرد قيده ، وأصبح يتمكن من إخراجه من ساقه متي شاء واتفق المرزبان وأصحابه والغلام علي

ص: 92

قتل شير أسفار في يوم عينوه ، وكان شير أسفار يقصد المرزبان كل أسبوع ذلك اليوم يتفقده وقيوده ، فلما كان يوم الموعد دخل أحد أولئك التجار فقعد عند المرزبان ، وجلس آخر عند الباب ، وأقام الباقون بباب الحصن ينتظرون الصوت ، ودخل أسفار إلي المرزبان ، فأخرج ساقه من القيد ثم أخذ الترس والزوبين من الغلام ، وقتل شير أسفار ، وثار التاجر الذي عند البواب فقتله ، ودخل الذين كانوا بباب الحصن إلي المرزبان، وأمن المرزبان الباقين من جند القلعة وأخرجهم ، ثم لحق بأمه وأخيه ( ابن الأثير 502/8 و503).

وفي السنة 344 هجم ابن ماكان علي إصبهان ، واستولي عليها، فحاربه ابن العميد وزير ركن الدولة ، وأسره، وجميع قواده ، وحملهم إلي القلعة بخان لنجان ، واعتقلهم بها ( تجارب الأمم 159/2 و 160).

وفي السنة 364 خالف أهل كرمان علي عضد الدولة ، وأمروا قائد تركيا ، اسمه يوزتمر ، وكانت الفتنة بتحريض من طاهر بن الصمة ، من الجرومية ، فأصبح طاهر وزيرا ليوز تمر، فكتب عضد الدولة إلي قائده المطهر بن عبد الله بقصد كرمان ، فحصر يوزتمر في حصن في وسط مدينة بم ، فطلب يوزتمر الأمان ، فأمنه ، فخرج ومعه طاهر ، فأمر المطهر بطاهر فأشهر ثم ضرب عنقه ، أما يوزتمر ، فرفعه إلي بعض القلاع، فكان اخر العهد به ( ابن الأثير 655/8 و656).

وفي السنة 383 تخلص أولاد بختيار البويهي من محبسهم في قلعة خرشنة ، وكان عضد الدولة قد حبسهم فيها بعد أن قتل أباهم ، فلما ولي شرف الدولة بن عضد الدولة ، أحسن إليهم وأطلقهم ، وأنزلهم بشيراز ، وأقطعهم ، فلما مات شرف الدولة ، حبسوا في قلعة ببلاد فارس ، فاستمالوا مستحفظها ومن معه من الديلم ، فأفرجوا عنهم ، واجتمع عليهم جمع ، فسير إليهم صمصام الدولة جند ، فتحصن بنو بختيار وكانوا ستة ، ومن معهم من الديلم ، بالقلعة ، فاحتال قائد الجيش فملك القلعة ، وأسر أولاد بختيار ،

ص: 93

فأمر صمصام الدولة ، فقتل اثنان منهم ، وأعيد الأربعة الباقون إلي الحبس في قلعة الجنيد ( ابن الأثير 96/9 ذيل تجارب الأمم 248 و249).

وكان الوزير أبو مروان عبد الملك الخولاني ، أثيرة عند المنصور ابن أبي عامر ، ولكن المظفر بن المنصور اتهمه ، فاعتقله في برج من ابراج قلعة طرطوشة ، حتي مات في الاعتقال ( نفح الطيب 586/1 و 587 ).

وقبض عضد الدولة علي أبي الوفا طاهر بن محمد ، واعتقله بقلعة الماهكي ، فلما توفي عضد الدولة ، كتب الوزير ابن سعدان ، الي الموكل بالقلعة ، فقتله، وأنفذ رأسه في مخلاة ، إلي ابن سعدان ، فشاهده ، وتقدم بدفنه ، فدفن تحت مسناة داره علي دجلة ، بالجانب الشرقي ، في مشرعة باب الطاق ( الصرافية الأن ) فلما قتل ابن سعدان ، رمي برأسه وبدنه في دجلة ، فانحدر الرأس إلي مشرعة المخرم ( العلوانية الآن ) ودفن تحت مسناة دار أبي الوفاء طاهر بن محمد ( الهفوات النادرة 217 ).

وفي السنة 390 انقرضت الدولة السامانية ، وكان آخر أمرائها عبد الملك بن نوح ، تولي الإمارة في السنة 389 فقصده الملك خان التركي وأسمه أبو نصر أحمد بن علي ، ولقبه شمس الدولة ، فاقتحم عليه مدينة بخاري ، فاستتر عبد الملك ، وبث عليه الطلب ، حتي ظفر به فحبسه ببافكند حتي مات ، وحبس معه أخاه أبا الحارث منصور بن نوح الذي كان في الملك قبله ، وأخويه أبا إبراهيم إسماعيل وأبا يعقوب إسحاق ، وعميه أبا زكريا وأبا سليمان ، وغيرهم من آل سامان ، وأفرد كل واحد منهم بحجرة ، وآخر ملوكهم هو عبد الملك بن نوح بن نصر بن أحمد بن إسماعيل ، كلهم ملكوا ( ابن الأثير 129/9 ).

وفي السنة 391 أعلن القادر العباسي البيعة بولاية العهد لولده أبي الفضل ، ولقبه الغالب بالله ، وسبب ذلك إن أبا عبد الله الواثقي ، من أولاد

ص: 94

الواثق ، وكان من أهل نصيبين ، جاء إلي بغداد ، ثم قصد خراسان ، وعبر إلي ما وراء النهر ، وقصد هارون بن ايلك بغراخان ، ملك الترك ، وصحبه أبو الفضل الفقيه ، وادعي الفقيه إنه رسول الخليفة ، وانه يأمر بمايعة هذا الواثقي بولاية العهد ، فأجابه هارون خان ، وبايعه ، وخطب له ببلاده ، ونفق عليه ، فبلغ القادر ذلك ، فعظم عليه ، وراسل هارون خان في أمره ، فلم يصغ إلي مراسلته ، ولما توفي هارون ، وخلفه أحمد قراخان ، كاتبه الخليفة في معناه ، فأمر بإبعاده ، وحينئذ بايع الخليفة لولي عهده ، وأما الواثقي ، فإنه قصد بغداد ، فطلب ، وفر إلي البصرة ، ثم إلي فارس ، فكرمان ، ثم إلي بلاد الترك ، وراسل الخليفة الملوك في طلبه ، فسار إلي خوارزم ، ثم فارقها ، فأخذه يمين الدولة ، فحبسه في قلعة ، إلي أن توفي بها ( ابن الأثير 165/9 و166).

وفي السنة 441 اختلف قرواش بن المقلد ، الملقب معتمد الدولة ، مع أخيه زعيم الدولة بركة أبي كامل ، واقتلا، ثم فارق قرواش أصحابه ، فضعف أمره ، فجاء إليه أخوه بركة ، واجتمع به ، ونقله إلي حلته ، وأحسن عشرته ، وأنفذه إلي الموصل محجورة عليه ، وجعل معه بعض زوجاته في دار ، ثم جاء إليه ، وقبل يده ، وصالحه ، وأعاده إلي التصرف ، ثم عاد أخوه فمنعه من التصرف ، وفي السنة 443 توفي بركة ، وتأمر خلفا له قريش بن بدران بن المقلد ، فنقل عمه قرواش إلي قلعة الجراحية من اعمال الموصل ، فاعتقل بها، وتوفي السنة 444 ( ابن الأثير 554/9 ، 564، 579 ، - 587)

وفي السنة 444 قبض عيسي بن خميس بن مقن، علي أخيه أبي غشام صاحب تكريت ، وسجنه في سرداب بالقلعة ، واستولي علي تكريت ، وفي السنة 448 مات عيسي ، وكانت زوجته أميرة بنت غريب بن مقن ، فخافت أن يملك أبو غشام البلد ، فقتلته ( ابن الأثير 591/9 ، 627).

ص: 95

ولما قتل طغرل في السنة 444 تذاكر قواد الدولة الغزنوية ، ميمن يولوه للسلطنة ، فأشاروا بولاية فرخ زاد بن مسعود بن محمود ، وكان محبوسا في إحدي القلاع، وأحضر ، وسلطن . ( ابن الأثير 9/ 584 ).

وفي السنة 447 دخل السلطان طغرلبك بغداد ، فوثب العامة بأتباعه ، فأتهم الملك الرحيم البويهي ، وطلب حضوره ، وبعث له أمانة ، فقصده الملك الرحيم ، ومعه رسل من الخليفة ببراءته مما حصل ، فلما وصلوا إلي خيامه ، نهبهم الغير ، ونهبوا رسل الخليفة ، وأخذوا دوابهم وثيابهم ، ولما دخل الملك الرحيم ، خيمة السلطان ، قبض عليه ، وحبسه بقلعة السير وان ، ثم نقله إلي قلعة الري ، حيث مات سنة 450 ( ابن الأثير 612/9 و 650).

وكانت أرملة فخر الدولة البويهي ، هي الحاكمة صاحبة الأمر والنهي في جميع بلاد الري والجبل ، والإسم لولدها مجد الدولة ، وأراد مجد الدولة أن يسير أمور الدولة بنفسه ، فضايق والدته وحجر عليها ، فهربت منه إلي بدر بن حسنويه ، واستعانت به فأعانها بجيش طرد مجد الدولة ، فنصبت بدلا منه أخاه شمس الدولة ، وعادت هي إلي إدارة الحكم في البلاد ، وقيدت مجد الدولة ، وسجنته في القلعة ، ثم رأت تغير من شمس الدولة ، ورغبة منه في تسيير الأمور بنفسه ، فعزلته ، وأعادت ولدها مجد الدولة إلي الملك ، وصارت هي تدبر الأمر ، وتسمع رسائل الملوك ، وتجيب عليها ، فاستنجد شمس الدولة ببدر بن حسنويه ، فأنجده بجيش لم يصنع شيئا ( ابن الأثير 203/9 و 204).

وكان شرف الدولة مسلم بن قريش ، أمير بني عقيل (ت 478 ) قد قبض علي أخيه إبراهيم ، واعتقله في إحدي القلاع، فلما أراد المضي إلي خراسان ، إلي السلطان ألب أرسلان ، استدعي مستحفظ القلعة ، وقال له : أنا ماض إلي هذا السلطان ، ولست أعلم ما يكون متي هناك ، فإن أنا

ص: 96

هلكت ، أو قبض علي ، فأطلق أخي إبراهيم ، ليقوم مقامي في إمارة العشيرة ( الهفوات النادرة 247 ) .

وأمر السلطان محمود بن محمد بن ملكشاه ، باعتقال عزيز الدين المستوفي ، متولي الخزانة ، فاعتقل بقلعة تكريت ، وحبسه فيها حتي قتله سنة 525 ( وفيات الأعيان 189/1 ).

وفي السنة 515 مات الشاعر مسعود بن سعد اللاهوري ، نديم السلطان سيف الدين محمد بن ابراهيم الغزنوي ، وكان موته في قلعة نايء ، سجينا ، طال سجنه عشرين سنة حتي مات ( الاعلام 111/8 ).

وفي السنة 515 وقعت معركة بين بلك بن بهرام ، ابن أخي ايلغازي صاحب حلب ، وبين جوسلين الافرنجي ، صاحب الرها ، فظفر بلك ، وأسر جوسلين ، وابن خالته كليام ، وجماعة من فرسانه المشهورين ، فحبس جوسلين في جلد جمل ، وخيط عليه ، وبذل في فداء نفسه ما جزيلا ، فلم يجب إلي ذلك ، وحبسوا جميعا في قلعة خرتبرت وفي السنة 517 حارب بلك ، ملك الفرنج بغدوين ، فأسره ، وأضافه إلي المحبوسين بقلعة خرتبرت ( ابن الأثير

593/10 و 613).

وفي السنة 516 حارب دبيس بن صدقة ، عسكر السلطان محمود السلجوقي ، وظفر بهم ، فلما سمع السلطان محمود بخبر الوقعة ، قبض علي منصور أخي دبيس ، وكحله ( سمل عينيه ) ، وقبض علي ولده ، وحبسهما في قلعة برحين ، وهي مجاورة لكرج ، ولما بلغ دبيسأ أن السلطان كحل أخاه ، جز شعره ، ولبس السواد ( ابن الأثير 599/10 ، 600، 607) .

وفي المنة 534 وقعت معركة بين الأمير بوزابه ، والملك سلجوق شاه بن السلطان محمود السلجوقي ، فوقع سلجوق شاه أسيرا في يد بوزابه ، فسجنه في قلعة بفارس ( ابن الأثير 70/11 ).

ص: 97

وفي السنة 541 حبس السلطان مسعود ، أخاه سليمان شاه ، بقلعة تكريت ( ابن الأثير 118/11 ).

وفي السنة 542 قبض صاحب الموصل ، سيف الدين غازي ، ابن عماد الدين زنكي ، علي الفقيهين كمال الدين الشهرزوري وأخيه تاج الدين ، واعتقلهما بقلعة الموصل ، فشفع لهما الخليفة ، فأخرجا من الاعتقال ، وقعدا في بيوتهما وعليهما الترسيم ، ولما مات سيف الدين ، رفع الترسيم عنهما . ( ( وفيات الأعيان 241/4 و242).

وفي السنة 559 حاصر شهاب الدين الغوري ، لهاوور ، واستنزل ملكها خسروشاه ، أخر الملوك الغورية من أولاد سبكتكين ، بالأمان علي نفسه ، وأهله ، وماله ، وله من الاقطاع ما أراد ، فنزل علي ذلك ، ثم ورد رسول من غياث الدين الغوري ، أخي شهاب الدين ، يطلب إنفاذ خسرو شاه ، فأنفذ إليه مع ولده ، ورفعا في الطريق إلي بعض القلاع، فكان آخر العهد بهما . ( ابن الأثير 168/11 و 169).

وفي السنة 617 اعتقل الملك الأشرف ، بقلعة حران ، الأمير عماد الدين بن المشطوب ، وضيق عليه تضييقة شديدة ، من الحديد الثقيل في رجليه ، والخشب في يديه ، وحصل في رأسه ولحيته وثيابه من القمل شيء كثير ، ومكث علي تلك الحال في الاعتقال ، حتي توفي في السنة 619 ( وفيات الأعيان 181/1 ).

أقول : كان ابن المشطوب هذا مغرق في الخيانة والغدر والبغي ، وقد أدرجنا في هذا الكتاب ، نتفا من غدراته في الباب الحادي عشر : القتل ، الفصل الأول : القتل بالسيف ، القسم الثالث : القتل غدرا .

وفي السنة 637 لما استولي الملك الصالح نجم الدين أيوب علي مصر ، قبض علي أخيه العادل ، وحبسه في القلعة سنين ( النجوم الزاهرة

ص: 98

312/6) حتي توفي في الحبس في السنة 645 ، وكان للعادل ولد صغير ، يقال له الملك المغيث ، اعتقل في السنة 661 بقلعة الجبل بمصر ، وكان للمغيث ولد ينعت بالملك العزيز ، اعتقل كذلك في السنة 666 بقلعة الجبل ( وفيات الأعيان 86/5 و 87 ) .

وتامر الملك الجواد مظفر الدين يونس بن مودود ، والأمير ناصر الدين ابن يغمور ، علي الملك الصالح إسماعيل صاحب دمشق ، فاطلع الصالح علي ما أضمراه ، واعتقلهما ، فسجن الملك الجواد بقلعة غزتا حيث مات في السنة 641 ، وسجن ابن يغمور بقلعة دمشق ( فوات الوفيات 397/4 ).

وتوجس الملك الصالح نجم الدين ايوب (ت 647 ) بن السلطان الملك الكامل الأيوبي ، من المماليك الاشرفية ، فاعتقلهم جميعا وسجنهم ، ثم قبض علي شمس الدين الخاص وجوهر النوبي وعلي جماعة من الأمراء الكاملية ، وسجنهم بقلعة صدر بالقرب من أيلة . ( النجوم الزاهرة 320/6 )

وفي السنة 694 بلغ السلطان ايرنجين بن أبانا التتاري ( كيخاتو) (690 - 694 ) أن قسما من الأمراء قد تآمروا عليه ، وأرادوا أن ينصبوا بايدوخان ، فاعتقلهم ، وأنفذهم إلي قلعة تبريز فحبسوا فيها (تاريخ الغيائي 49 ، 48)

وفي السنة 711 فرض الأمير كراي المنصوري ، نائب السلطنة بدمشق ، علي أهل دمشق ضرائب ثقيلة علي الأملاك ، فاجتمع القضاة والخطيب والعامة ، وحملوا المصحف ، ووقفوا له بسوق الخيل ، فغضب ، وأمر بالشيخ نجم التونسي ، فضرب ضربا شديدا ، ثم أمر بمد الخطيب جلال الدين القزويني ليضرب ، فشفع فيه ، ولما بلغ السلطان الملك الناصر ذلك ، أنكره أشد الانكار ، وبعث إلي الأمير كراي من أحضره معتقلا، فحبسه في

ص: 99

الكرك من السنة 711 إلي السنة 717 فأطلق وحضر إلي القاهرة ، فاعتقله السلطان بقلعة الجبل ، حتي مات في الحبس في السنة 719 ( الدرر الكامنة 352/3 و 353) .

وفي السنة 728 مات في حبس القلعة تقي الدين بن تيمية ، وكان بعض الفقهاء والقضاة في دمشق والقاهرة ، خاصموه ، وتألبوا عليه ، وتعصب له منهم جماعة ، فحبس بأحد أبراج القلعة بالقاهرة ، ثم نقل إلي الجب ، ثم أطلق بشفاعة الأمير مهنا أمير آل فضل ، ثم سجن بحارة الديلم بالقاهرة ، ثم نقل إلي الاسكندرية ، فحبس هناك ببرج شرقي ، ثم أطلقه السلطان الناصر ، ثم حبس بقلعة دمشق ، ثم أطلق ، ثم حبس ثانية بقلعة دمشق ، ومات وهو في حبس القلعة ( الدرر الكامنة 154 - 170) .

أقول : الشيخ أبو العباس أحمد بن عبد الحليم الحراني ، المعروف بابن تيمية ، وهو لقب جده الأعلي ( 661 - 728) فقيه ، محدث ، حافظ ، مفسر ، ذا سطوة وإقدام ، وعدم مداراة ، وكان مغري بست ابن عربي ، والعفيف التلمساني ، وابن سبعين ، وكان يقول عن الغزالي هو قاووز الفلاسفة ، يسخر به ، وكان كثير الحط علي الإمام فخر الدين الرازي ، اما ابن المطهر الحلي ، رأس الشيعة في زمانه ، فكان يسميه ابن المنجس ، عقد له مجلس بمصر في مقالة قالها ، فحكم بحبسه فحبس بالاسكندرية ، ثم أطلق ، وكان العوام بمصر يعظمونه ، ثم تكلم علي السيدة نفيسة ، فأعرضوا عنه ، ثم حوكم بدمشق ، وأعيد إلي القاهرة ، وحبس بالقلعة ، ومات وهو معتقل ، راجع ترجمته في الوافي بالوفيات 15/7 - 33.

وفي السنة 728 مات بسجن القلعة بالقاهرة الأمير بكتمر المنصوري ، وكان من أكابر الأمراء ، غضب عليه السلطان الناصر محمد بن قلاوون ، فاعتقله وحبسه بالاسكندرية ، ثم أفرج عنه ، ثم أعتقله وسجنه بالقلعة ،

ص: 100

فمكث مسجونأ ست سنوات ، ومات في سجنه ( الدرر الكامنة 15/2 و16 ).

وفي السنة 736 مات المستمسك بالله محمد بن أحمد الحاكم العباسي ، في حياة أبيه مسجون بالبرج في القلعة ، وكان أكبر من أخيه المستكفي ، وقد ولي الخلافة ولده بعد المستكفي ( الدرر الكامنة 465/3)

وفي السنة 753 توفي عضد الدين عبد الرحمن ، قاضي قضاة المشرق ، وشيخ العلماء ، مات مسجونا بقلعة بقرب إيج ، غضب عليه صاحب كرمان ، فحبسه بها ، واستمر محبوسا إلي أن مات ( شذرات الذهب 175/6)

وفي السنة 760 اعتقل شاه شجاع ، أباه الأمير محمد بن مظفر ، وكحله ( أي سمل عينيه ) وسجنه بقلعة سرمق ( الغياثي 147 - 150).

وفي السنة 769 قبض السلطان الاشرف بالقاهرة علي جماعة من المماليك اليلبغاوية ، ووجه بهم إلي قلعة الكرك ، حيث سجنوا في القلعة هناك بجب مظلم ، وأقاموا به مدة سنين . ( بدائع الزهور 71/2/1 ).

وفي السنة 789 اعتقل صدر الدين سليمان بن يوسف الياسوفي ، وحبس في سجن القلعة بالشام ، فحصل له فزع شديد أورثه الإسهال ، فمات في حبس القلعة مبطونا ، وسبب اعتقاله إنه قام مع الشيخ شهاب بن البرهان بالشام في الدعوة إلي القيام علي الملك الظاهر ، فلما عاد الملك الظاهر إلي السلطان ، جري اعتقاله ، وموته في السجن ( الدرر الكامنة 261/2 ۔ 264)

وفي السنة 805 مات في سجنه بقلعة القاهرة الشريف عنان بن مغامس أمير مكة ، وكان السلطان بالقاهرة ، قد حبسه بقلعة القاهرة في السنة 795 ثم

ص: 101

نقله في السنة 799 إلي السجن باسكندرية ، ثم أعيد إلي قلعة القاهرة في السنة 804 وتوفي في السنة 805 في سجنه بقلعة القاهرة ( الضوء اللامع148/5)

وفي السنة 833 مات في حبسه ببرج في قلعة القاهرة ، الأمير هابيل بن عثمان بن قرايلك ، صاحب الرها، وكانت جيوش سلطان مصر قد حصرته ، فنزل بالأمان ، فحمل وتسعة من أعوانه إلي مصر مقيدين ، فرسم السلطان الأشرف بحبسه في برج القلعة في السنة 832 ومات في حبسه بعد سنة واحدة ( الضوء اللامع 206/10 ).

وفي السنة 847 مات في سجنه بقلعة صفد، الأمير أزبك السيفي . الملقب جحا ، اعتقله الملك الظاهر جقمق لما خرج عليه ( الضوء اللامع 270/2)

وفي السنة 870 قبض السلطان الظاهر خشقدم علي الأمير جانبك الأشرفي ، وحبسه بالاسكندرية ، ثم حمل فحبس بقلعة صفد ، حتي مات وهو في الحبس ( الضوء اللامع 53/3 ) .

ولما قتل جهان شاه في السنة 872 كان ولده حسن علي معتقلا بقلعة يقال لها : قهقهة ، من أعمال أذربيجان ، فحضر أصحاب والده جهان شاه ، وأخرجوه ، وسلطنوه بأذربيجان ( تاريخ الغياثي 326) .

أقول : في السنة 872 لما قتل جهان شاه بن قرا يوسف ، خلفه في حكم اذربيجان ولده حسن علي ، وكان مخبولا ، فإنه لما تسلطن أمر بقص أذناب الخيل ومعارفها وأن لا يتركوا شعرها يظهر بحيث كلما ظهر حلقوه بالموسي ، كما أمر النساء أن لا يلبسن السراويل ، وأمر كل من كان مقرون الحاجبين أن يحلق ما بينهما من الشعر ليظهرا مفترقين ، وكان يجمع النساء حوله عاريات ، ويجلس وسطهن ، ويعمل ما تطيب له نفسه . ويهتك ما

ص: 102

يجب ستره ، وكان يأمر البنات بالرقص عاريات ، ثم يخبار واحدة منهن فيجامعها ، وكان يختار بنات أمرائه ، ويتزوج منهن عنوة ، ثم يتركهن إلي غيرهن ( تاريخ الغياثي 327 و 328) .

وفي السنة 874 توفي زين الدين يحيي بن عبد الرزاق الأستادار بالقاهرة ، وكان قد نكب بعد وفاة الملك الظاهر مرارة ، وصودر ، وضرب ، وقاسي أهوالأ ، وذ؟ ، ونفية، وصودر نحوا من عشرين مرة ، ثم صادره الاشرف قايتباي مرة بعد أخري ، وحبسه بالبرج من القلعة ، وأعاد ضربه إلي أن أشرف علي الموت ، وحمل إلي البرج ( يعني البرج الذي سجن فيه ) ، حتي مات في السنة 874 ( الضوء اللامع 234/10 ).

وفي السنة 789 مات الحافظ صدر الدين سليمان بن يوسف بن مفلح الياسوفي محبوسا في قلعة دمشق ، وسبب حبسه إنه صدر أمر بالقبض علي أحمد الظاهري ومن ينسب إليه فاتفق أن عثر علي أحد المنسوبين إلي أحمد الظاهري ، ومعه اثنان من طلبة الياسوفي ، فقبض عليهما أيضا ، وعلي الياسوفي ، وحبس في قلعة دمشق حتي مات ( شذرات الذهب 307/6 و 308) .

وفي السنة 926 انتزع السلطان بدر بن عبد الله ، من السلطان محمد بن بدر الكثيري مدينة شبام ، وسجنه في حصن قرية مريحة ، وظل محبوسة عشرين سنة ، ومات سنة 946 ( الاعلام 275/6 ) .

وفي السنة 937 توقي قاضي القضاة ولي الدين محمد المعروف بابن الفرفور ، محبوسا في حبس القلعة بدمشق ( شذرات الذهب 225/8 ) .

وفي السنة 963 تسلطن جهانگير بن كيكاوس بن أشرف علي مدينة نور ، ثم أسره طهماسب سلطان العجم ، وحبسه بألموت ( قلعة ) حتي مات في حبسه ( معجم أنساب الأسر الحاكمة 292 ) .

ص: 103

ووجدت في صدر مخطوطة الجزء الأول من كتاب الفرج بعد الشدة اللقاضي التنوخي « نسخة الظاهرية بدمشق » شرحا من محمد رفيع الشافعي « المحبوس في سجن القلعة بدمشق ، إن هذه المخطوطة أعارها إياه الشيخ عبد الرحمن الكزبري ، ولم يذكر المستعير التاريخ ، والذي نعرفه أن الشيخ عبد الرحمن الكزبري الدمشقي المحدث ، توفي في السنة 1252 حاجأ بمكة ، عن ثمانية وسبعين عاما ، في عهد السلطان عبد المجيد العثماني ، الذي حكم ( 1255 -1277 ).

ص: 104

القسم الثاني : السجون غير الاعتيادية
اشارة

1- الحبس في الحبوس الضيقة

2 - الحبس في المطبق .

3 - الحبس في المطمورة .

4 - الحبس في الجب.

5 - الحبس في السرداب .

6 - الحبس في زورق مطبق .

ص: 105

ص: 106

1- الحبوس الضيقة

أما بشأن الحبوس الخاصة التي تمتاز بضيق مساحتها ، من أجل تعذيب المحبوس ، فإن أول ما بلغنا خبره منها ، سجن عبد الله بن الزبير ، المعروف بسجن عارم حيث بني عبد الله بن الزبير بمكة ، بناء ضيقا في السجن ، ذراعين في ذراعين ، وسجن فيه عارم ، غلام مصعب بن عبد الرحمن بن عوف ، وعدة معه ، وأطبق عليهم حتي ماتوا ، فسمي السجن ، سجن عارم ، وفيه حبس ابن الزبير محمد بن الحنفية وقوما من بني هاشم ، حتي بعث إليهم المختار من الكوفة ، جندأ دخلوا مكة، وكسروا باب السجن ، وأخرجوهم ، قال كثير عزة يخاطب عبد الله بن الزبير : ( انساب الأشراف 27/2/4 ) .

تحدث من لاقيت أنك عائذ**** بل العائد المحبوس في سجن عارم

فما ورق الدنيا بباق لأهلها**** ولا شدة البلوي بضربة لازم

وحبس عبد الله بن الزبير ، في سجن عارم ، الحسن بن محمد بن الحنفية ، وأراد قتله ، فأعمل الحيلة حتي تخلص من السجن ، وتعسف الطريق علي الجبال ، حتي أتي مني ، وبها أبوه محمد بن الحنفية ( شرح نهج البلاغة 146/20 ).

وكان للحجاج بن يوسف الثقفي ، سجنان ، أحدهما واسع الرقعة ،

ص: 107

ليس فيه ستر ستر الناس من الشمس في الصيف ، ولا من المطر والبرد في الشتاء ، وربما كان المسجون يستتر بيده من الشمس ، فيرميه الحرس بالحجارة ، وكان أكثر المحبوسين فيه مقرنين بالسلاسل ، وكانوا يسقون الزعاف ، ويطعمون الشعر المخلوط بالرماد ، وخلف الحجاج فيه ، لما هلك ، ثمانين ألفا ، حبسوا بغير جرم ، منهم خمسون ألف رجل ، وثلاثون ألف امرأة ، وكان يحبس النساء والرجال في موضع واحد ( مروج الذهب 128/2 والعيون والحدائق 3/ 10 ومحاضرات الأدباء 195/3 ).

وكان للحجاج سجن ثان يسمي الديماس ، والديماس الحفيرة في باطن الأرض ، وكان الديماس من الضيق ، بحيث لا يجد المسجون فيه إلا موضع مجلسه ، وكان كل جماعة من المسجونين يقرنون في سلسلة واحدة ، فإذا قاموا ، قاموا معا ، واذا قعدوا قعدوا معا ( الفرج بعد الشدة ، لابن ابي الدنيا ، مخطوط ص 11)، ولا يجد المسجون المقيد منهم إلا موضع مجلسه ، فيه يأكلون ، وفيه يتغوطون ، وفيه يصلون وقد وصف إبراهيم بن يزيد التيمي ، الرجل الزاهد ، هذا الديماس لما حبسه الحجاج ، وأثبت ذلك القاضي التنوخي في كتابه الفرج بعد الشدة ، تحقيق المؤلف ، في القصة 87 و 88 ، ومما يجدر ذكره ، أن هذا الرجل الزاهد ، كانت خاتمة حياته في ديماس الحجاج هذا ، فإن الحجاج منع عنه الطعام ، وأرسل عليه الكلاب تنهشه حتي مات ( اللباب 190/1 )، ولما مات رمي بجثته في الخندق ، ولم يجرأ أحد أن يدفنه حتي مزقته الكلاب ( البصائر والذخائر م 3 ق 1 ص 304).

و لما ولي سليمان بن عبد الملك ، يزيد بن المهلب العراق ، نظر في أمر نفسه ، فقال : إن العراق قد أخربها الحجاج ، وأنا اليوم رجاء أهل العراق ، ومتي قدمتها وأخذت الناس بالخراج وعذبتهم عليه ، صرت مثل

ص: 108

الحجاج أدخل علي الناس الخراب ، وأعيد عليهم تلك السجون التي قد عافاهم الله منها . ( الطبري 523/6 ).

وحبس المهدي ، إبراهيم الموصلي ، فحذق في الحبس القراءة والكتابة ، وكان قد منعه من الدخول علي ولديه موسي وهارون ، ثم بلغه أنه دخل عليهما ، وشرب معهما ، وكان مستهترين بالنبيذ ، فأحضره ، وأمر به فجرد ، وضرب ثلثمائة وستين سوطأ ، ثم ضربه بيده بالسيف في جفنه ، فشجه ، ثم أمر به فأعيد ضربه ، ثم أمر عبد الله بن مالك ، بأن يصيره في حبس شبيه بالقبر ، فأخذه عبد الله ، وأمر بكبش فذبح وسلخ ، وألبس جلده ، ليسكن ألم الضرب ، ثم دفعه إلي خادم له فصيره في ذلك القبر ، ووكل به جارية يقال لها : جة ، فتدي بن كان في ذلك القبر وبالبق ، فدخن عليه بالفحم والكندر ، فكاد أن يموت اختناقا ، وكان معه في القبر حيتان تخرجان ثم تعودان إلي جحريهما ، ومكث في ذلك القبر حين ، ثم أخرج ( الاغاني 161/4 و162).

وحبس الرشيد ، أبا العتاهية ، في بيت ، خمسة أشبار في مثلها ، فصاح : الموت ، أخرجوني ، وأقول كلما شئتم ( الاغاني 4 / 64 ) .

وبني المعتصم ، في بستان موسي ، سجنا كان القيم به مسرور مولي الرشيد ، وكا كالبئر العظيمة ، حفرت إلي الماء ، وهو علي هيأة المنارة ، مجوف ، مدرج من داخله ، قد حفرت فيه في مواضع من التدريج مستراحات ، في كل مستراح بيت ، يجلس فيه رجل واحد، علي مقداره ، يكون فيه مكبوبا علي وجهه ، لا يمكنه أن يجلس فيه ، ولا أن يمد رجليه ، وحبس فيه محمد بن القاسم العلوي ، المعروف بالصوفي ، فلما استقر به ، أصابه من الجهد لضيق الموضع ، وظلمته ، ورطوبته ، ومن البرد والرطوبة ما كاد يتلفه من ساعته ، راجع تفصيل القصة في كتاب الفرج بعد الشدة للتنوخي تحقيق المؤلف ، رقم القصة 194 .

ص: 109

ولما اعتقل المعتصم ، الإفشين ، بني له حبسا مرتفعة ، وسماه : اللؤلؤة ، أشبه شيء بالمنارة ، وجعل في وسطها مقدار مجلسه فقط ، وكان الرجال يدورون تحته حولها ( الطبري 106/9 و 107 وتجارب الأمم 519/6 والعيون والحدائق 405/3 ) .

وكان أحد الأتراك ، ضمن لأعداء القائد أشناس ، أن يقتله ، فأمر أشناس بحبسه ، فحبس في بيت مظلم ، وسد عليه الباب ، وكان يلقي إليه في كل يوم رغيف وكوز ماء ( تجارب الأمم 501/6 ).

وفي السنة 233 حبس المتوكل وزيره محمد بن عبد الملك الزيات ، في تنور ، وكان يحقد عليه تصرفات عامله بها قبل الخلافة ، فلما استخلف ، أقره علي الوزارة حينأ ، ثم أصدر أمره باعتقاله سرا إلي إيتاخ ، فلما بعث إليه ايتاخ ، ظن أن الخليفة دعا به ، فركب بعد غدائه مبادرأ ، فلما حاذي منزل إيتاخ ، قيل له : اعدل إلي منزل أبي منصور ، فعدل ، وأوجس في نفسه خيفة ، فلما جاء إلي الموضع الذي ينزل منه إلي إيتاخ، عدل به يمنة، فأحس بالشر ، ثم أدخل حجرة ، وأخذ سيفه ومنطقته ، وقلنسوته ودراعته ، فدفعت إلي غلمانه ، وقيل لهم انصرفوا ، فانصرفوا ، لا يشكون أنه مقيم عند إيتاخ ليشرب النبيذ ، وفي ذلك اليوم صودر ما في بيته ، وضبطت أمواله وأملاكه ، ثم أمر إيتاخ بتقييده ، فقيد ، وامتنع من الطعام ، وكان لا يذوق شيئا ، وكان شديد الجزع في حبسه ، كثير البكاء ، قليل الكلام ، كثير التفكر ، فمكث أياما ، ثم سوهر ، ومنع من النوم ، ثم ترك يوم وليلة ، فنام وانتبه ، فاشتهي فاكهة وعنبا ، فأكل ، ثم أعيد إلي المساهرة ، ثم أمر بتنور من خشب ، فيه مسامير من حديد قيام ، كان هو قد أمر بعمله ، وعذب به أبن أسباط المصري ، فابتلي هو وعذب به ، وذكر الموكل بعذابه ، قال : كنت أخرج وأقفل الباب عليه ، فيمد يديه إلي السماء جميعة . حتي يدق موضع كتفه ،

ص: 110

ثم يدخل التنور فيجلس ، والتنور فيه مسامير حديد، وفي وسطه خشبة معترضة ، يجلس عليها المعذب إذا أراد أن يستريح ، فيجلس علي الخشبة ساعة ، ثم يجيء الموكل به ، فإذا هو سمع صوت الباب يفتح ، قام قائما كما كان ، قال المعذب : ثم خاتلته يوما ، وأريته أني أقفلت الباب ، ولم أقفله ، إنما أغلقته بالغلق ، ثم مكثت قلي ، ودفعت الباب علي غفلة ، فإذا هو قاعد في التنور علي الخشبة ، فقلت له : أراك تعمل هذا العمل كلما خرجت ، فكنت إذا خرجت بعد ذلك، شددت خناقه ، فكان لا يقدر علي القعود ، واستللت الخشبة حتي كانت تكون بين رجليه ، فما مكث بعد ذلك إلا أياما ثم مات ( الطبري 156/9 - 159 ) .

وقبض أحمد بن طولون ، علي أحمد بن محمد بن المدبر ، عامل الخراج بالشام ، وحبسه في حبس ضيق ، حتي ذهب بصره ، ومات ، راجع تفصيل ذلك في كتاب المكافأة ص 131 - 138 .

وقال أحمد بن المدبر : حبست في حبس لابن طولون ، ضيق ، وكان فيه خلق ، وبعضنا علي بعض ، فحبس معنا أعرابي ، فلم يجد مكانا يقعد فيه ، فقال : يا قوم ، لقد خفت من كل شيء ، إلا اني ما خفت قط ، ألا يكون لي موضع من الأرض في الحبس ، أقعد فيه ، ولا خطر ذلك بالي ، فاستعيذوا بالله من حالنا . ( الوافي بالوفيات 39/8 ).

وقد فاق الجميع ، في اختيار أضيق الحبوس . الوزير ابن بقية ، وزير بختيار البويهي ، فإنه في السنة 364 اعتقل أبا نصر بن السراج ، وبعد أن عذبه أضاف العذاب ، وبسط عليه ألوان المكاره ، حبسه في صندوق ، ومنع عنه الطعام ، حتي مات ( تجارب الأمم 359/2 ).

وفي السنة 431؛ اتهم باديس صاحب غرناطة ، أبا الفتوح ثابت بن محمد الجرجاني بالتآمر ضده ، ففر منه إلي إشبيلية ، ثم أستسلم إليه ، فبعث

ص: 111

به إلي غرناطة ، حيث أشهر ، ثم أودع حبسا ضيقا، ولما عاد باديس إلي غرناطة قتله ( الاحاطة 462 - 466) .

ومن الحبوس الضيقة ، الحبس الذي اعتقل فيه جوسلين صاحب الرها ، ففي السنة 516 ظفر بلك بن بهرام ، ابن أخي ايلغازي صاحب حلب ، بجوسلين الافرنجي صاحب الرها وابن خالته قلران ، بالقرب من سروج فأسرهما ، فجعل جوسلين في جلد جمل ، وخاطه عليه ، ثم حمله الي قلعة خرتبرت ، فحبسه بها في جب فيها ، فأغري جوسلين ، وآخرون معه من الافرنج ، جماعة من أهل الحصن ، فأطلقوهم ، ووثبوا علي الحصن ، فامتلكوه ، وملكوا ما فيه من الخزائن ، فقصد بلك خرتبرت ، واستولي عليها ، وقتل أصحابه الذين أطلقوا الإفرنج ، كما قتل من فيه من الإفرنج، وأبقي علي الملك بغدوين ، وقلران ، وابن أخت بغدوين ، وسيرهم إلي حران فحبسهم بها، ثم عاد فنقلهم إلي حبس حلب ( اعلام النبلاء 442/1 و 449 و 450 و452 وابن الأثير 593/10 ).

وكان مروان بن عبد الله ، أحد أمراء بني أمية ، قد تأمر علي بلنسية في السنة 540 ، واستولي علي لقنت وشاطبة ، ثم خلعه جنده ، ودفع إلي عدوه عبد الله بن محمد صاحب بلنسبة قبله ، فأشخصه إلي ميورقة ، وحبسه عشر سنين في بيت مظلم . ( الاعلام 96/8 ).

وغضب السلطان محمد بن محمد بن محمد النصري (ت 710) علي طائفة من مماليك أبيه ، فسجنهم في مطبق الأري بحمراء غرناطة ( الاحاطة 555 و556 ) .

أقول : الأري ، محبس الدواب .

وفي السنة 1170 (1756 م ) اعتقل حسن ، باي قسطنطينة ، الأمير يونس بن علي باشا حاكم تونس وحبسه في حجرة ضيقة ، طين عليه بابها ،

ص: 112

وتفصيل ذلك : إنه في عهد حاكم الجزائر ، علي باشا بوصباع ، الملقب علي نكسيس ، أو بابا علي ( 1168- 1179) (1754 - 1765 ) ثار الأمير يونس علي أبيه علي باشا حاكم تونس ، فتدخل حاكم الجزائر وقصد تونس في السنة 1170 ، وقتل الأمير علي باشا ، ونصب بدلا منه الأمير محمد بن حاكم تونس السابق الحسين بن علي ، وأسر الأمير يونس ، وحبسه عند داي قسنطينة حسن باي أزرق عينه ، وهو ابن أخت علي باشا، أمير الجزائر ، فاستأصل الباي حسن جميع ما كان يملكه يونس من أموال وذخائر ، وأمتعة و جواهر ، وطرد من كان معه من غلمانه وأتباعه ، ولم يترك معه إلا كاتبه ورجلين يخدمانه ، وبني عليه باب المحبس ، وترك فيه منفذا يدخل إليه ما يحتاج منه ، ثم شرع في بناء محبس جديد في سقيفة داره ، وجصص جدرانه ، وجعله ضيقة جدا ، ونقله إليه وحده ، وطين عليه بابه ، وجعل فيه منفذة يدخل إليه منه طعامه وشرابه ( مذكرات الزهار ص 17).

وفي السنة 1170 (1756 م) كان حاكم البنغال سراج الدولة ، من نسل مرشد قلي خان ، فاختلف مع الإنكليز ، وحاربهم ، ودحرهم ، وأسر من بقي في كلكوتا من الإنكليز ، وكان عددهم مائة وستة وأربعون شخصا ، فوضعهم في سجن كلكوتا الأسود ، وكانت مساحته 18 قدما في 16 قدما ، فحشرهم فيه حشرة ، وكان الوقت صيفا ، فاختنقوا فيه ، وفي ثاني يوم لم يبق منهم سوي ثلاثة وعشرين فقط ، أطلق سراحهم ( الاسلام والدول الاسلامية في الهند 209).

أقول : رأيت في لندن ، في متحف مدام توسو ، في القاعة المسماة : قاعة الرعب ، مثالا لسجن من السجون الضيقة ، وهو عبارة عن حجرة طولها متران ونصف متر، وعرضها متر وربع متر ، ليس لها منفذ ولا شباك ولا كوة ، غير الباب ، وفي زاوية من الحجرة ، كومة من القش لنوم المحبوس ، وذكروا أن المحبوس قضي في هذه الحجرة سنين طوالا .

ص: 113

وقرأت في كتاب كتبه بالانكليزية طبيب ألماني ، ساقته ظروفه إلي الخدمة في مدينة الهفوف هيأت له فيه الصدفة ، أن يطلع علي السجن الذي يعتقل فيه الأشخاص الذين يكونون خطرا علي الحكم القائم ، فذكر إنه دخل إلي بناء يشتمل علي عدد من الحجر ليس لها كوي ولا شبابيك ، ولا منفذ لها إلا الباب ، وكانت جميع الحجر ، والممرات المؤدية إليها مظلمة ، تنار بمصابيح نفطية ، وأبصر المساجين كل مسجون مربوط إلي زاوية في الحجرة ، وقد ربطته سلسلة ، أحد طرفيها في ساقه ، والطرف الثاني مثبت بالحائط ، كي لا يتمكن من مبارحة موضعه .

ص: 114

2 - الحبس في المطبق

المطبق : السجن تحت الأرض ، سمي بذلك لأنه يطبق علي المسجون ، فيحول بينه وبين رؤية النور ، ويتركه في ظلام دامس ، وعزلة موحشة ، ويعد به علي الأكثر - للمساجين السياسيين ، ويكون شديد الظلمة ، سييء التهوية ، ومن مكث فيه زمانأ انطفأ بصره .

وأول من اتخذ المطبق من العباسيين المنصور ، بناه ببغداد ، وقبل أن يبني مطبقه ، كان يحبس خصومه السياسيين في سراديب تحت الأرض ، كالسرداب الذي حبس فيه آل الحسن العلويين ، وسيأتي وصفه .

ولما خلف المهدي العباسي ، أباه المنصور ، أمر في السنة 159 باطلاق من كان في سجن المنصور ، إلا من كان قبله تباعة دم أو قتل ، أو كان معروفة بالسعي بالفساد ، فأطلقوا ، وكان ممن أطلق يعقوب بن داود ، وكان الحسن بن إبراهيم بن عبد الله العلوي ، محبوسا مع يعقوب في مطبق واحد، فلما أطلق يعقوب ، ساء ظن الحسن ، فأرسل بعض من يثق به ، فباشر بحفر سرب إلي الموضع الذي هو فيه ، لينسل منه ويتواري ، وبلغ المهدي ذلك ، فأنفذ من أبصر السرب ، فحول الحسن من محبسه إلي نصير الوصيف فحبسه عنده ، فعاود أصحاب الحسن المحاولة ، وأخرجوه ، وطلب فلم يقع أحد له علي أثر ، وكلم المهدي يعقوب بن داود في أمره ، فقال :

ص: 115

إن أعطيته الأمان ، أحضرته ، فأعطاه الأمان ، فأحضره ( الطبري 117/8 وابن الأثير 37/6 ) .

وفي السنة 161 ظفر المهدي العباسي ، بعبد الله بن مروان الحمار ، فحبسه في المطبق ، ومات في السنة 170 في عهد الهادي ( الطبري 205 ، 135/8)

أقول : ورد في موضع آخر من هذا الكتاب ، إن عبد الله هذا ظفر به السفاح ، وإنه حبسه ، وظل محبوسة حتي أخرجه الرشيد وقد عمي ، وقال له : يا أمير المؤمنين ، دخلت السجن شابا بصيرا ، وتركته شيخا ضريرة .

وأغزي المهدي العباسي ، في السنة 164 عبد الكبير بن عبد الحميد ، الروم ، فلم يقاتل ، وعاد فاش ، فأراد المهدي ضرب عنقه ، فكلم فيه ، فحبسه في المطبق . ( الطبري 150/8 ).

وكتب محمد بن الليث ، أحد النساك ، رسالة إلي هارون الرشيد ، يعظه فيها ، فغضب عليه ، وأغراه به يحيي البرمكي ، فأمر بحبسه في المطبق ، فلما أصطلم البرامكة ، أحضره ، وقال له : يا محمد ، أتحبني ؟ قال : لا والله ، يا أمير المؤمنين ، وضعت في رجلي الأكبال ، وحلت بيني وبين العيال ، بلا ذنب ، فكيف أحبك ؟ قال : صدقت ، وأمر بإطلاقه ، ثم قال له : يا محمد ، أتحبني ؟ قال : لا والله يا أمير المؤمنين ، ولكن قد ذهب ما في قلبي ، فأمر بأن يعطي مائة ألف درهم ، وقال له : يا محمد ، أتحبني ؟ قال : أما الآن فنعم ( الطبري 288/8 ) .

وحبس الرشيد يحيي بن عبد الله في المطبق ، وكان في أضيق البيوت وأظلمها ، ودخل عليه وقد مضي من الليل هجعة ، فكلمه ، ثم أمر به ، فضرب مائة عصا . ( مقاتل الطالبيين 481) .

وأخذ الرشيد ، قوما من أصحاب يحيي بن عبد الله العلوي ، فحبسهم

ص: 116

جميعا في المطبق ، فمكثوا فيه اثنتي عشرة سنة . ( مقاتل الطالبيين 485 ).

وغضب الرشيد علي إبراهيم الموصلي ، فحبسه في المطبق ، فقال أبو العتاهية : ( وفيات الأعيان 41/1 ) .

سلم يا سلم ليس دونك سر**** حبس الموصلي فالعيش مر

ماستطاب اللذات منذغاب في المطا ****بق راس اللذات في الناس حر

حبس اللهو والسرور فما في**** الأرض شيء يلهي به ويسر

وأنشد الرشيد، أبياتا نسبت إلي أبي نواس ، فيها ما يخالف أحكام الدين ، فقال : علي بابن الفاعلة ، وطرحه في المطبق .

ذكر المرزباني ، في الموشح 426 - 428 إن الرشيد جلس مجلسا ، ذكر فيه الشعراء ، فغمز سليمان بن أبي جعفر من أبي نواس ، وقال : يا أمير المؤمنين ، هو كافر بالله ، لا يرعوي من سكرة ، ولا يأنف من فاحشة ، وهو القائل :

يا ناظرة في الدين ما الأمر**** لاقدر صح ولا جبر

ما صح عندي من جميع الذي**** تذكر إلا الموت والقبر

وهو القائل :

باح لساني بمضمر السر ****وذاك إني أقول بالجبر

وليس بعد الممات مرتجع ****وإنما الموت بيضة العقر

فقال أحد الجلساء ، وقد قال في غلام نصراني :

تمر فاستحييك أن أتكلما ****ويثنيك زهو الحسن عن أن تسلما

أليس عظيم عند كل موحد ****غزال مسيحي يعذب مسلما

فلولا دخول النار بعد بصيرة ****عبدت مكان الله عيسي بن مريما

ص: 117

وقال في نصراني آخر :

وملحة بالعذل ذات نصيحة ****ترجو أنابية ذي مجون سارق

بكرت تخوفني المعاد وشيمتي ****غير المعاد ومذهبي وخلائقي

فأجبتها كفي ملامك إنني ****مختار دين أقسة وجثالق

والله لولا أنني متخوف**** أن أبتلي بإمام جور فاسق

التبعتهم في دينهم ودخلته**** ببصيرة مني دخول الوامق

إني لأعلم أن ربي لم يكن**** ليخصهم إلا بدين صادق

فقال الرشيد للفضل : برئت من المنصور ، إن لم يبت هذا الكلب في المطبق ، لتنكرني فعلا وقوڈ ، فوجه الفضل من ساعته من أخذ بأفواه السكك ، فوجد ، فأودع المطبق .

وفي السنة 210 اطلع المأمون علي أن ابراهيم بن عائشة ، وهو عباسي من أولاد ابراهيم الامام ، ومحمد بن إبراهيم الإفريقي ، ومالك بن شاهي ، وفرج البغدادي ، بصدد إحداث فتنة في بغداد لخلع المأمون ، ونصب إبراهيم بن المهدي خليفة ، فأمر المأمون بابراهيم بن عائشة أن يقام ثلاثة أيام في الشمس ، علي باب دار المأمون ، ثم ضربه يوم الثلاثاء بالسياط ، ثم حبسه في المطبق ، ثم ضرب مالك بن شاهي وأصحابه ، ثم بلغ المأمون آنهم بصدد إحداث فتنة في المطبق ، فركب إليهم من ساعته بنفسه ، وكانوا قد سدوا باب السجن من داخل ، فلم يدعوا أحد يدخل عليهم ، فلما وافي المطبق ، دعا بهؤلاء الأربعة ، فضرب أعناقهم صبرة ، وصلبهم علي الجسر الأسفل ببغداد ( الطبري 602/8 و604).

وكان المطبق في أيام المأمون ، بباب الشام ، بمدينة المنصور ( الاغاني 179/20 ).

وفي السنة 227 خرج أبو حرب المبرقع اليماني بفلسطين ، وكان سبب

ص: 118

خروجه علي السلطان ، إن أحد الجنود أراد أن ينزل في دار أبي حرب ، وهو غائب عنها ، فمنعته احدي حرم أبي حرب ، إما زوجته أو أخته ، فضربها بسوط كان معه ، فاتقته بذراعها ، فأصاب السوط ذراعها ، فأثر فيها ، فلما رجع أبو حرب إلي منزله ، بكت ، وشكت إليه ما فعل بها ، وأرته الأثر الذي بذراعها من ضربه ، فأخذ أبو حرب سيفه ، ومشي إلي الجندي ، فضربه به فقتله ، ثم خرج علي السلطان ، وألبس وجهه برقعأ كي لا يعرف ، وصار إلي جبل من جبال الأردن ، وأخذ يأمر بالمعروف وينهي عن المنكر ، فأستجاب له جماعة ، وصار في زهاء مائة ألف ، فبعث إليه المعتصم رجاء بن أيوب الحضاري ، وبعد وقائع ، أسر أبو حرب ، وأسر معه أحد قواده ابن بيهس من رؤساء اليمانية ، فحملا إلي سامراء ، وجعلا في المطبق ( الطبري 117/9 و118).

وفي السنة 235 اعتقل المتوكل يحيي بن عمر العلوي ، وكان إلي عمر بن فرج الرخجي أمر العلويين ، فضربه عمر ثمان عشرة مقرعة ، وحبسه ببغداد بالمطبق ( الطبري 182/9 ، 266 ).

أقول : هذه المعاملة هي التي أخرجت يحيي وأدي خروجه إلي قتله .

وفي السنة 245 أمر المتوكل ، فضرب بختيشوع المتطبب مائة وخمسين مقرعة ، وأثقل بالحديد ، وحبس في المطبق . ( الطبري 218/9 ) .

وسعي إلي المتوكل ، بذي النون المصري ، فأمر بإحضاره من مصر ، فراه إسحاق بن إبراهيم السرخسي بمكة ، وفي يده الغل ، وفي رجليه القيد ، وهو يساق إلي المطبق ، والناس يبكون حوله . ( وفيات الأعيان 316/1 ).

ولما قتل بغا الشرابي ، أمر المعتز باعتقال أولاده ، وكانوا قد فروا إلي بغداد ، فاعتقل خمسة عشر منهم بقصر الذهب ( بمدينة المنصور ) ، وأودع عشرة منهم في المطبق . ( الطبري 381/9 ) .

ص: 119

ولما قدم سليمان بن عبد الله بن طاهر ، إلي بغداد ، واليا عليها ، في السنة 255 كان قد حقد علي الحسين بن اسماعيل المصعبي ، لنصرته لأخيه عبيد الله بن عبد الله بن طاهر ، فأخذ كاتب الحسين فحبسه في المطبق ، وأخذ حاجبه فحبسه في سجن باب الشام ( الطبري 400/9 ) .

أقول : سجن باب الشام هو مطبق ايضا راجع الاغاني 179/20 .

وفي السنة 272 ثقب المطبق من داخله ، وأخرج الذوائبي العلوي ، ونفسان معه ، فغلقت أبواب مدينة أبي جعفر ، وأعيد الفارون إلي الاعتقال ، فأمر الموفق بأن تقطع أيديهم وأرجلهم من خلاف ، فقطعت في مجلس الجسر بالجانب الغربي ، وبمحضر من أمير بغداد محمد بن طاهر . ( الطبري 9/10)

وغضب أحمد بن طولون (ت 270 ) علي أحمد بن إسماعيل بن عمار ، أحد أتباعه ، فحبسه في المطبق ، حتي مات ، وسبب ذلك أن أحمد بن إسماعيل كان عظيم الإخلاص لأحمد، وأشار عليه مشورة ، فلم يعمل بها ، فبسط لسانه بانتقاده علي جهة الإشفاق عليه ، فقال عنه : أنه لم يتمرن في الرئاسة ، وفيه لجاج لا يؤمن عليه منه ، فبلغ ذلك أحمد بن طولون فحبسه في المطبق حتي مات ( المكافأة 115 ).

وكان أحمد بن طولون ، قد غضب علي مهندس نصراني ، بني له العين ، ورماه في المطبق ، ثم احتاج إليه ، فأحضره ، وقد طال شعره حتي نزل علي وجهه . ( خطط المقريزي 265/2 ).

وفي السنة 278 لما توفي الموفق ، كسرت أبواب السجون ، ونقبت حيطانها ، وخرج كل من كان فيها ، وخرج كل من كان في المطبق . ( الطبري 22/10 ) .

وفي السنة 285 أوقع صالح بن مدرك الطائي ، بالحاج ، وقتل منهم

ص: 120

خلقا ، ومات منهم بالعطش أيضا خلائق ، وأخذ من الناس نحوا من ألفي ألف دينار ، فظفر أبو الأغر، خليفة المبارك السلمي ، بصالح بن مدرك ، وعلم صالح بسوء المنقلب ، فاستلب سكينا وقتل نفسه ، وكان معه من الأسري أربعة من أولاد عم صالح بن مدرك ، أدخلوا المطبق . ( مروج الذهب 519/2 ).

وشهد رجل ، بمحضر المقتدر ، علي الوزير المعزول ، ابن الفرات ، شهادة زور ، فأمر المقتدر بأن يضرب مائة سوط ، ويثقل بالحديد، ويحبس في المطبق ، للتفصيل راجع كتاب نشوار المحاضرة ، في القصة المرقمة 12/4.

وذكر النوري الصوفي ، أنه اعتقل وجماعة من الصوفية ، في المطبق ببغداد ، ثم أخرجهم الوالي ليعذبهم ، فتخلصوا بأسر سبب ، راجع تفصيل ذلك في كتاب الفرج بعد الشدة للتنوخي ، تحقيق المؤلف ، رقم القصة 186.

وذكر أبو منصور أحمد بن محمد بن مطر ، إنه كان محبوسا مع الحلاج في المطبق ( تاريخ بغداد للخطيب 116/8 ).

وروي أبو علي الناقد، إنه أبصر في المطبق ببغداد ، في أيام المقتدر ، رجلا مغلو" ، علي ظهره لبنة حديد ، فيها ستون رطلا ، وكان الرجل مظلومة ، راجع القصة مفضلة في كتاب الفرج بعد الشدة ، تحقيق المؤلف ، رقم القصة 183 .

وحبس المنصور بن أبي عامر ، مروان بن عبد الرحمن الأموي ، في المطبق ، فأقام في الحبس سنين ، وكتب يوما قصة يشكو فيها أمره ، فرفعت للمنصور ، فأخذها في جملة رقاع، ودخل إلي داره ، فجاءت نعامة كانت هناك ، فجعل يلقي إليها الرقاع، فتبتلعها ، ولما ألقي إليها رقعة الأموي ،

ص: 121

أخذتها ودارت ثم عادت فألقتها ، في حجره ، صنعت ذلك ثلاث مرات ، فتعجب المنصور ، وقرأ الرقعة ، وأمر بإطلاقه ، فسمي ؛ طليق النعامة ( المعجب للمراكشي 286).

وغضب المنصور ابن أبي عامر ، علي كاتبه ابي مروان عبد الملك الجزيري ، فسجنه في مطبق الزاهرة مدة . ( اعتاب الكتاب 196).

وفي السنة 477 حاصر شرف الدولة مسلم بن قريش ، صاحب الموصل ، أنطاكية ، وجرت حرب ، سقط فيها شرف الدولة قتيلا ، فأخرج أخوه إبراهيم بن قريش ، من السجن ، وكان أخوه قد سجنه ، وملكوه أمرهم ، وكان قد مكث في الحبس سنين كثيرة ، يحث أنه لم يمكنه المشي والحركة لما أخرج . ( ابن الأثير 10/ 139 - 141).

وهجا المؤيد الشاعر ، أبو سعيد عطاف بن محمد الألوسي ، المقتفي العباسي ، فحبسه، وظل في السجن عشر سنين ، وخرج من السجن أعمي ، فسافر إلي الموصل وتوفي بها سنة 557 . ( الاعلام 31/5 ) .

وفي السنة 570 اختلت الأحوال بحلب ، علي أثر وفاة السلطان الملك العادل نور الدين محمود ، وكان خلفه الملك الصالح إسماعيل في دمشق ، فحضر إلي حلب ، وكان المسيطرون في حلب ثلاثة أخوة ، مجد الدين ابن الداية ، وإليه قلعة حلب ، وأخوه شمس الدين علي وإليه أمور الجيش والديوان ، وبدر الدين حسن وإليه الشحنكية ، فلما وصل الملك الصالح إلي حلب ، خرج الناس الي لقائه ، وفي مقدمتهم بدر الدين حسن الذي يلي الشحنكية، فلما وقعت عليه عين السلطان ترجل ليخدم هو وأصحابه ، فتقدم عز الدين جرديك ، أحد القواد ، وأخذ بيده ، وشتمه ، وجذبه ، ثم أركبه خلفه رديفة وقبض سابق الدين أخوه في الحال ، وتخطف أصحابه بأجمعهم ، وأحتيط عليهم ، واصعدوا إلي القلعة ، فقبضوا علي مجد الدين ، وهو

ص: 122

مريض طريح الفراش ، فحمل إلي حيث الملك الصالح فاستقبله أحد مماليك نور الدين ، وركله برجله ركلة دحاه بها علي وجهه ، فانشقت جبهته ، وصدوا جميعا بالحديد ، وحبسوا في جب القلعة ، كما قتل أبو الفضل بن الخشاب رأس الشيعة في حلب ، وكان المتجرد في كل ما تقدم عز الدين جرديك الذي ولي من بعد ذلك مدينة حماة ، ثم أن الأمير جرديك قدم حلب يقترح علي الملك الصالح أن يتصالح مع صلاح الدين الأيوبي ، فغضب عليه الملك الصالح ، وأمر بحبسه ، فقبض عليه ، وثقل بالحديد ، وأخذ بالعذاب الشديد ، وحمل إلي الجب ، الذي فيه أولاد الداية ، فلما قدم جرديك ، وشد في وسطه الحبل ، ودلي إلي الجب ، وأحس به أولاد انداية ، قام إليه منهم حسن ، وشتمه أقبح شتم ، وسبه الأم سب ، وحلف بالله إن أنزل إليهم ليقتله ، فامتنعوا من تدليته ، فحضر الأمير سعد الدين إلي الجب ، وصاح علي حسن ، وشتمه ، وتوعده ، فسكن حسن ، وأمسك ، وأنزل جرديك إلي الجب ، فكان عند اولاد الداية ، وأسمعه حسن كل مكروه ( اعلام النبلاء 94-90/2)

وفي السنة 910 توفي عبد الرحمن بن عبد اللطيف الحلبي الجلومي المشهور بابن الفلكي ، ولي الحجوبية بطرابلس ، وعزل فعاد إلي حلب ، فد عليه بعض أعدائه عند السلطان الغوري ، انه ظلم الناس ، وانه كان يضرب الفلاح فيستجير بمحمد و ، فيقول له : أضربك إلي أن يخلصك مني محمد، فطلبه السلطان ، وحبسه بالعرقانة ، وهي سجن مظلم جدأ بالقاهرة ، فتركه في هذا السجن تسع سنين ، لم يحلق له فيها شعر ، ولم يقلم له ظفر ، فاختل بصره ، وطال شعره وأظفاره ، ثم أن أخته توسلت إلي زوجة السلطان ، فكلمت السلطان فأطلقه ( اعلام النبلاء 364/5 و365).

وكان قراجا باشا ، أول باشا في حلب عينته الدولة العثمانية لما استولت علي ديار الشام ، وكان الأمير عز الدين بن الشيخ مند اليزيدي ، أمير لواء

ص: 123

أكراد حلب ، فدس لدي قراجا باشا علي الأمير قاسم الكردي القصيري ، وقال لقراجا باشا : إن له تسع زوجات جمع بينهن ، فكتب بأمره إلي السلطان ، فطلب إلي الباب العالي السليمي ، فقتل هناك عند وصوله ، ثم أمر بولده جان بلاط فأبقاه بالسراي نحو ثمان سنين ، فلما تسلطن السلطان سليمان ، رافقه في فتح رودس ، ثم رقاه حتي باشر سنجق المعرة ، فقطع دابر المفسدين وقطاع الطرق ، وكان قد أعد لهم سجنا هو بئر عميقة ، وأشبعهم بلاء ( عذابا ) حتي حسم مادتهم ( اعلام النبلاء 87/6 و 88 ).

وفي السنة 1238 (1822 م ) قدم إلي الجزائر ، من تونس ، رجل من أولاد يونس ( بن علي باي ) والتجأ الي حاكم الجزائر ، فوهب له دارا في قسنطينة ، وأجري له جاريا بجميع ما يحتاج إليه ، وفي أحد الأيام ، هجم علي مجلس الباي رجل هائل القامة ، عاري البدن ، أظافره مثل أظافر النسر ، وكان يصيح بأنه يريد حكم الشرع، فأحضره الباي ، واستنطقه ، فأخبره بأنه منذ سنوات مسجون في سجن تحت الأرض ، لا يري فيه النور ، وسأله الباي عمن سجنه ، فقال : ابن يونس ، فأحضر الباي ابن يونس ، وسأله عن جلية الأمر ، فخرس لسانه ولجلج ، فانتهره الباي ، وقال له : لو لم تكن غريب الدار لفعلت بك مثلما فعلت به ، ولكن إذهب إلي دارك وحسبك الله ، فعاد ابن يونس إلي داره وهو مرعوب ، وهرب ليلا من قسنطينة ولجأ إلي الجبال ( مذكرات الزهار 150 ) .

ص: 124

3. المطمورة

المطمورة : حفيرة تتخذ في باطن الأرض ، ضيقة الفوهة ، كانت تتخذ لحفظ الحبوب ، ثم اتخذ ما يشبهها علي شكل حجر مظلمة تحت الأرض ، يوصل إليها دهليز مظلم ضيق لا ينفذ إليه النور ، قال خالد الكاتب يرثي متاعه :

لا جزاك الله خيرا عن فتي**** أيها العضو العديم المنفعة

طالما طوفت ساحات الوغي**** وفتحت القلعة الممتنعة

وتقحمت مطامير الهوي ****، فعرفت الضيق فيها والسعة

واتخذ المعتضد المطامير ، وجعل فيها صنوف العذاب ، وجعل عليها نجاح الحرمي ، المتولي لعذاب الناس ، فلما ولي المكتفي ، أمر بهدمها، وإطلاق من كان محبوسا فيها ( مروج الذهب 496/2 و 527).

وقبض المعتضد علي نديمه واستاذه أحمد بن الطيب الفيلسوف ، وحبسه في المطامير ، ثم قتله ، لأنه أفضي بسر من أسرار المعتضد، وصل إليه بحكم مجالسته إياه ، وذلك إن المعتضد أخبر غلامه بدرة بأنه علي أن يعزل عبيد الله بن سليمان وزيره ، عن الوزارة ، فدافعه بدر عن ذلك ، وكان أحمد الطيب حاضرة المجلس ، فأخبر عبيد الله بما دار من الكلام ، بعد أن أحلفه أن يستره ، فقلق عبيد الله ، وصار من غير إلي المعتضد، ومعه ثبت

ص: 125

بجميع ما يملك ، وتضرع إليه كي لا يعزله ، فأنكر المعتضد انه ارتأي ذلك ، وعنف بدرة علي إفشاء السر ، فحلف له أيمانا مغلظة علي براءته ، ثم اعترف عبيد الله بأن الذي أخبره هو أحمد بن الطيب ، فأمر به المعتضد إلي الحبس ، هذا ما ورد في كتاب إعتاب الكتاب ( ص 177 و 178 ) وقد ذكر صاحب تاريخ الحكماء ( ص 77 و 78 ) ان الذي حصلت معه القصة هو القاسم بن عبيد الله بن سليمان ، لما صار وزيرا للمعتضد .

وفي السنة 284 اتهم أبو هاشم بن صدقة الكاتب ، بمكاتبة القرامطة ، فاعتقل ، وقيد ، وحبس في المطامير . ( الطبري 64/10 ).

وفي السنة 285 قطع صالح بن مدرك الطائي علي الحاج بالأجفر ، واستباح القافلة وأخذ جماعة من النساء الحرائر والمماليك ، وقيل إنه أخذ من القافلة بقيمة ألفي ألف دينار ( الطبري 67/10 )وفي السنة 287 واقع الجند العباسي طيئا ، ووافي أبو الأغر ، مدينة السلام ومعه راس صالح بن مدرك هذا، وراس غلام له أسود ، وأربعة أساري من بني عم صالح ، فنصبت الرؤوس علي رأس الجسر الأعلي بالجانب الشرقي ، وأدخل الأسري المطامير ( الطبري 74/10 و75 ).

أقول : ورد هذا الخبر ، في بحث المطبق ، منقولا عن مروج الذهب ، وقد أثبتناه في هذا البحث لاشتماله علي تفصيل أكثر .

وفي السنة 287 التقي جيش عمرو بن الليث الصفار ، وجيش اسماعيل بن احمد الساماني ، فأسر عمرو ، وبعث به الساماني إلي بغداد ، فحبسه المعتضد في مطمورة ( النجوم الزاهرة 3/ 119) .

أقول : اقرأ في بحث الإشهار في القسم الأول من الفصل الثاني من الباب الخامس من هذا الكتاب ، كيفية دخول عمرو بن الليث مشهرا إلي بغداد ، حيث عرض علي المعتضد، ثم حبس .

ص: 126

وكان من جملة الأسباب التي دعت الغلمان الحجرية والساجية ، إلي الأتفاق علي خلع القاهر العباسي ، إنه حفر في دار الخلافة نحو خمسين مطمورة تحت الأرض ، وأحكم أبوابها ، فقيل لهم إنه لمقدمي الساجية والحجرية ، فاتفقوا علي خلعه ، وخلعوه ، وساروا به إلي الحبس الذي كان قد حبس فيه قائدهم طريف السبكري ، فأخرجوا طريفة من الحبس ، ووضعوا القاهر فيه ( ابن الأثير 281/8 ).

وكان أبو العشائر محمد بن علي المعروف بابن البلالي ، غاليا في التسنن ، وكان يقول : إن بلالأ خير من موسي بن جعفر ومن أبيه ، فنفاه الوزير القمي الشيعي الي واسط ، وكان ناظرها غالية في التشيع ، فطرحه في مطمورة ، فمات فيها وانقطع خبره ( شذرات الذهب 43/5 ) .

وكان المؤيد الألوسي الشاعر ( 494 - 557 ) ، لجأ إلي خدمة السلطان مسعود السلجوقي ، وتعرض لذكر المقتفي العباسي بالسوء ، فقبض عليه المقتفي وحبسه في مطمورة أكثر من عشر سنين ، ولما مات المقتفي أخرجه المستنجد، وقد غشي بصره من ظلمة المطمورة . ( وفيات الأعيان 346/5 و347 ).

ولما توفي الوزير بن هبيرة في السنة 560 قبض علي ولديه ، فهرب أحدهما من السجن في السنة 561 ثم أعيد إلي الحبس فرمي به في مطمورة ، ولما أرادوا قتله أدلوا إليه حبلا ، فتعلق به وصعد. ( المنتظم 218/10)

وفي السنة 610 غضب الخليفة الناصر علي فخر الدين إسماعيل بن علي الرفاء ، المعروف بغلام ابن المني ، فقطع لسانه ، وألقاه في مطمورة ، فمات فيها ( الوافي بالوفيات 159/9 ).

وكان أبو إبراهيم اسماعيل بن حجاتن الرجراجي المغربي ، من

ص: 127

الأوتاد ، وغلبت عليه أحوال المشاهدة ، وكان لا يتكلم إلا بالعربي الفصيح ، وتكلم ذات يوم في الجامع ، فتكلم في حق العامل بكلام خاف منه الناس علي أنفسهم ، وخرجوا من المسجد كلهم ، وخرج العامل ، فقيل له : هذا هو الذي تكلم في المسجد بما سمعته ، فقال : احملوه إلي السجن ، وقيدوه ، وأجعلوه في مطمورة عميقة ، ففعلوا ما أمرهم به العامل ، وبعد ساعة أبصره ماشية ، فغضب ، وقام بنفسه ، وحمله إلي السجن ، وجعل علي رجليه كبلين ، وده بالحبل في حفرة ، وجعل عليها لوحا، وأمر رجالا يجلسون عليه ( التشوف إلي رجال التصوف لابن الزيات ص 359) .

ص: 128

4 - الحبس في الجب

الجب : البئر العميقة ، والجب والمطبق متقاربان ، بل متماثلان ، في الضيق ، والظلمة ، والوحشة ، إلا أني أفردته بالبحث لاختلاف الاسم ، وإلا فإنهما واحد .

وقد روي لنا المؤرخون أن المهدي حبس يعقوب بن داود في بئر بنيت عليها قبة ، فمكث في حبسه خمس عشرة سنة ، يدلي له في كل يوم رغيف وكوز ماء ، ويؤذن بأوقات الصلاة ، إذ أن نور النهار لا ينفذ إلي موضعه ، فلم يكن يفرق بين الليل والنهار ، وإن هارون الرشيد لما أطلقه ، أمر من دلي إليه حبلا ، وطلب منه أن يشد به وسطه ، ففعل ، فأخرجوه ، فلما تأمل الضوء غشي علي بصره ( وفيات الأعيان 25/7 والطبري 159/8 والعيون والحدائق 278/3 والفرج بعد الشدة القصة رقم 183 ).

وفي السنة 223 تأمر بعض القواد علي المعتصم ، ومنهم أحمد بن الخليل ، فأمر المعتصم به أن يحمل علي بغل ، بإكاف بلا وطاء ، وأن يطرح في الشمس إذا نزل ، ويطعم في كل يوم رغيفا واحدة ، ثم أمر أشناس فدفعه إلي محمد بن سعيد السعدي ، فحفر له بئرا في الجزيرة بسامراء ، وأنزله فيها ، وأطبقها عليه ، وفتح له كوة يرمي إليه منها بالخبز والماء ، فسأل عنه المعتصم ، فأخبر بالمكان الذي هو فيه ، فقال : أحسب إنه قد سمن علي هذه الحال ، فأخبر أشناس محمد بن سعيد بذلك ، فصب عليه ماء في البئر

ص: 129

ليمتليء ويغرق ، فلم يمتليء البئر ، فسلمه أشناس الي غطريف الجندي ، فمكث عنده أيامأ ومات ( الطبري 87/9 ).

وفي السنة 500 أقطع السلطان محمد السلجوقي ، الأمير جاولي سقاوو ، الموصل ، وكان من قبل ذلك في خوزستان وفارس ، وأساء السيرة في أهلها ، فقطع أيديهم ، وجدع أنوفهم ، وسمل أعينهم ، فلما سار إلي الموصل ، تصدي له صاحبها جكرمش ، وقاتله ، وفر أصحاب جكرمش، وبقي هو لا يقدر علي الفرار لأنه كان مصابة بالفالج ، يحمل في محقة ، فأسره جاولي ، وسجنه في جب، ووكل به حراسا لئلا يسرق ، وتوفي في سجنه ( ابن الأثير 424/10 و425) .

وكان الملك الكامل صاحب مصر ، حصر آمد، وفتحها، وأخذ صاحبها محمود بن محمد بن قرا أرسلان إلي مصر ، وأكرمه ، فكاتب محمود الروم ، وسعي في هلاك الكامل، فحبسه في الجب مدة ، ثم أطلقه ، فذهب إلي التار، فقتلوه في السنة 617 ( النجوم الزاهرة 250/6 ).

وغضب الملك الكامل ، صاحب مصر ، علي صلاح الدين الإربلي ، فحبسه في الجب سنتين ، ثم أخرجه ، وتوفي الصلاح سنة 631 . ( النجوم الزاهرة 286/6 ).

وفي السنة 655 قبض بالقاهرة علي الأتابك سنجر الحلبي ، وأنزلوه إلي الجب بالقلعة . ( النجوم الزاهرة 42/7 ) .

وفي السنة 710 اعتقل السلطان الملك الناصر محمد بن قلاوون ، نائب حلب الأمير أسندمر كرجي ، وحمل إلي القاهرة ، وأعتقل بالقلعة ، وبعث يسأل السلطان عن ذنبه ، فأعاد جوابه : مالك ذنب إلا أنك قلت لي لما ودعتك عند سفرك : يا خوند ، لا تبق في دولتك كبشأ كبيرة ، ولم يبق عندي كبش كبير غيرك . ( النجوم الزاهرة 27/9 ).

ص: 130

وكانت بالهند قلعة اسمها : الدويفير ، فيها سجن أهل الجرائم العظيمة ، في جباب بها ( جمع جب ، وهو البئر العميقة ) ، وبها فيران كبار الحجم ، أعظم من القطط ، بحيث أن القطط تهرب منها ، قال الرحالة ابن بطوطة ، إنه رآها هناك ، وإن الملك خطاب الافغاني ، أخبره إنه كان مسجون هناك ، في جب بهذه القلعة ، يسمي : جب الفيران ، فكانت تجتمع عليه ليلا ، وتهاجمه ، فيقاتلها ، ويلقي من ذلك جهدأ ، وكان سبب خروجه من هذا الجب ، إن الملك ( مل ) كان مسجون في جب يجاوره، فمرض ، وأكلت الفيران أصابعه وعينيه ، فمات ، وبلغ السلطان ذلك ، فأمر بإخراجه ، وكان السلطان في ذلك الحين ، السلطان محمد بن تغلق ، سلطان الهند [ 725 - 752 ] مهذب رحلة ابن بطوطة 169/2 و 170 .

وفي السنة 769 قبض السلطان الأشرف ، علي جماعة من المماليك ، ووجه بهم إلي قلعة الكرك ، حيث سجنوا في جب مظلم ( بدائع الزهور 71/2/1)

وفي السنة 788 مات أمير المدينة هيازع بن هبة الحسني ، في سجن سلطان مصر ، وكان قد غضب عليه، وأعتقله بمصر، ثم أرسله إلي الإسكندرية فأبقاه محبوسة في الجب ، إلي أن مات . ( الاعلام 113/9)

وفي السنة 791 أمر الأمير الكبير منطاش بالقاهرة ، بأن تخلي خزانة الخاص ، مما فيها من الصناديق ، وأن تسد شبابيكها ، وبابها ، وأن يفتح لها من سقفها طاق ، لتتخذ جبا يحبس بها من يراد حبسه. (تاريخ ابن الفرات 161/9)

وفي السنة 975 كان الإمام الزيدي ، المطهر ، يحاصر صنعاء اليمن ، وكان أمير صنعاء العثماني محمد بك قزل باش ، فأستسلم للإمام ، ونزل هو

ص: 131

وقواده علي أمان المطهر ، فأعتقلهم ، وجعل كل أمير من الأمراء في بئر ، علي فوهته عدد من الرقباء والحراس ، يدلي إليه في كل يوم قليل من الماء والطعام ( البرق اليماني 183 ).

وفي السنة 976 فر الأمير عبد الله الداعي الهمداني ، من حبس الإمام المطهر الزيدي ، فندم لأنه لم يقيده ، وكان عنده عدة أمراء عثمانيين من كبار القواد قد سجنهم في آبار محفورة ، فأمر فقيد كل أمير منهم بنصف قنطار من الحديد الموزون ( البرق اليماني 228 و 229) .

ص: 132

5-الحبس في السرداب

السرداب : فارسية ، معناها : الماء البارد ( شفاء الغليل 105)، وهو حجرة في باطن الأرض ، تتخذ تحت مستوي أرض الدار ، وقد اتخذ السرداب في الأصل ، ليستكن فيه من يريد الاحتماء من وقدة الشمس إبان القيظ ، فإن كانت الحجرة للعقوبة ، تركت من دون كوة ، ولا نافذة ، ولا منفذ لها إلا الباب ، فساءت تهويتها ، وشاعت الظلمة فيها ، وأصبحت مماثلة للمطبق من جميع الجهات .

أما إذا أريد بها التنعم في الصيف ، فيتخذ للسرداب ، كوي لجلب الضوء ، ومنافذ لجر الهواء تسمي : البادكير أو البادهنج ، راجع وصف ذلك في حاشية القصة 180 من كتاب الفرج بعد الشدة للقاضي التنوخي ، تحقيق المؤلف .

حبس المنصور ، عبد الله بن الحسن ، وأقاربه من بني الحسن ، في سرداب تحت الأرض ، لا يعرفون ليلا ولا نهارا ، والسرداب عند قنطرة الكوفة ، ولم يكن عندهم بئر للماء ، ولا سقاية ، فكانوا يبولون ويتغوطون في موضعهم ، وإذا مات منهم ميت ، لم يدفن ، بل يبلي وهم ينظرون إليه ، فاشتدت عليهم رائحة البول والغائط ، فكان الورم يبدو في أقدامهم ، ثم يترقي إلي قلوبهم ، فيموتون ، ويقال : إن أبا جعفر ، ردم عليهم السرداب فماتوا . وكان يسمع أنينهم أيام (النجوم الزاهرة 4/2) .

ص: 133

ومات إسماعيل بن الحسن ، فترك عندهم ، حتي جيف ، فصعق أخوه داود ، ومات ( مروج الذهب 236/2 ) وقيل إن بعضهم وجدوا مسمرين في الحيطان ( اليعقوبي 370/2 ).

وغضب الأمين علي عمه إبراهيم المهدي ، فأمر به ، فحبس في سرداب في داره ، راجع القصة في كتاب الفرج بعد الشدة للتنوخي ، تحقيق المؤلف ، رقم القصة 185 .

ولما اعتقل المعتصم ، ابن اخيه العباس بن المأمون ، وقتله ، لاتهامه إياه بالتآمر عليه ، اعتقل أشقاءه ، أولاد سندس من المأمون ، ودفعهم إلي القائد إيتاخ ، فحبسهم في سرداب من داره ، حيث ماتوا .

وكان من أراد المعتصم أو الواثق ، قتله ، فعند إيناخ يقتل ، وبيده يحبس ، منهم محمد بن عبد الملك الزيات ، وأولاد المأمون من سندس ، وصالح بن عجيف وغيرهم ( الطبري 79/9 و 167).

وفي السنة 444 قبض عيسي بن خميس بن مقن ، علي أخيه أبي غشام صاحب تكريت ، بها، وسجنه في سرداب بالقلعة ، واستولي علي تكريت . ( ابن الأثير 591/9 ).

وفي السنة 528 قبض الخليفة المسترشد العباسي ، علي نظر الخادم ( الخصي ) ببغداد ، وحبسه في سرداب ، واستصفي أمواله فلما انكسر عسكر المسترشد في السنة 529 وأسره السلطان مسعود ، طلب مسعود من المسترشد أن يطلقه ، فأطلقه ( المنتظم 46/10 ) .

ص: 134

6- الحبس في زورق مطبق

والزوارق المطبقة ، تحاط من جهاتها بحواجز من الخشب أو الحديد ، تحول دون رؤية ما في داخلها ، كما تحول بين من في داخلها ورؤية ما في الخارج ، وهي - في العادة - تتخذ واسطة لنفي من يراد نفيه ، أو نقله إلي موضع من المواضع البعيدة ، بحيث يكون في داخل الزورق ، وكأنه في حبس منفرد .

وقد يتخذ الزورق نفسه ، موضعا لسجن من يراد سجنه ، كما صنع الطيب بن يحيي ، صاحب حرس الحسن بن سهل ، قائد المأمون ، فإن الحسن لما قبض علي زيد بن موسي بن جعفر العلوي ، الذي خرج بالبصرة ، وأحمد بن محمد بن عيسي الجعفري ، أسلمها إلي صاحب حرسه ، الطيب بن يحيي ، فضيق عليهما ، بأن حبسهما في سفينة ، وأطبق عليها ألواحأ ، وجعل لها فتحأ يدخل منه الطعام والشراب ، وعندهما دث مقطوع الرأس ، يحدثان فيه ، فإذا كاد أن يمتليء ، أخرج ، فرمي ما فيه ، ثم رد ، راجع التفصيل في القصة رقم 403 من كتاب الفرج بعد الشدة اللقاضي التنوخي ، تحقيق مؤلف هذا الكتاب .

أما فيما يتعلق باللون الأول ، وهو نفي المطلوب نفيه في الزوارق المطبقة ، فقد مارسه الوزير أبو الحسن بن الفرات ، مع سليمان بن الحسن بن مخلد وكان الوزير ابن الفرات قد أحسن إلي سليمان بن الحسن

ص: 135

بن مخلد ، وقلده ديوان الخاصة ، ولكن سليمان سعي عليه لدي الخليفة ، فقبض ابن الفرات عليه ، وأنفذه إلي واسط ، في زورق مطبق ، وصودر ، وعذب بواسط : راجع كتاب نشوار المحاضرة 191/8 رقم القصة 82.

وفي السنة 321 أمر علي بن يلبق بالقبض علي البربهاري ، رئيس الحنابلة ، فاستتر ، وقبض علي جماعة من كبار أصحابه ، وجعلوا في زورق مطبق ، وأحدروا إلي البصرة . ( تجارب الأمم 260/1 و 261 ).

وفي السنة 350 ثارت فتنة في بغداد ، بين العلويين والعباسيين ، وكان الوزير أبو محمد المهلبي ، وزير معز الدولة ، قد غضب علي محمد بن الحسن بن عبد العزيز العباسي ( الهاشمي ) ، فقال : طبقوا عليه زورقا و آنفوه إلي عمان ، فراسله الخليفة المطيع ، فعفا عنه ، وتلقط خلقا من أحداث الهاشميين ، فجعلهم في زواريق ، وطبقها عليهم ، وسمرها ، وأنفذها إلي بصني وبيرون فحبسهم في حبوس ضيقة هناك ، ودور تجري مجري القلاع، راجع القصة علي تفصيلها في كتاب نشوار المحاضرة وأخبار المذاكرة للتنوخي ، رقم القصة 37/1 .

ص: 136

القسم الثالث : الحبس بقصد الاهانة
اشارة

1 - الحبس في الكنيف

2 - الحبس في الاصطبل

3 - الحبس في دار المجانين

4 - الحبس في قفص

ص: 137

ص: 138

1- الحبس في الكنيف

الحبس في الكنيف ، جرت ممارسته بقصد الإذلال .

وأول من مارس هذا اللون من العذاب ، علي ما بلغنا ، المأمون ، وهذا أمر مستغرب من صدوره من مثله ، مع ما عرف من فضله وكريم خلقه ، مارسه مع جاريته غريب ، لما وقف علي أنها تتعشق أحد الفتيان ، فقد كانت عريب المأمونية ، تعشق محمد بن حامد، وكانت تلقاه في الوقت بعد الوقت ، فلما وقف المأمون علي خبرها مع محمد بن حامد ، أمر بإلباسها جنية صوف ، وختم زيقها ، وحبسها في كنيف مظلم شهرة لا تري الضوء ، يدخل إليها خبز وملح وماء ، من تحت الباب في كل يوم ، ثم ذكرها ، فرق لها ، وأمر بإخراجها ، وظلت علي محبة محمد بن حامد ، فزوجه المأمون بها ( الاغاني 68/21 و 69 ).

وعذب بهذا اللون من العذاب ، أبو ايوب سليمان بن وهب ، وكان يكتب لإيتاخ الخزري ، القائد ، وكان إيناخ عظيمة في دولة المعتصم والواثق ، فلما قبض المتوكل علي إيتاخ قبض علي كاتبه سليمان بن وهب ، وسلمه إلي إسحاق بن إبراهيم المصعبي وقال له : هذا عدوي ، ففضل لحمه عن عظمه ، وإن إسحاق أخذه فقيده بقيد ثقيل ، وألبسه جبة صوف ، وحبسه في كنيف ، وأغلق عليه خمسة أبواب ، فكان لا يعرف الليل من النهار ، وأقام علي ذلك عشرين يوما ، لا يفتح عليه الباب إلا دفعة واحدة في كل يوم

ص: 139

وليلة ، يدفع إليه فيها خبز وملح جريش ، وماء حار ، فكان يأنس بالخنافس وبنات وردان ، ويتمني الموت من شدة ما هو فيه للتفصيل راجع كتاب الفرج بعد الشدة تحقيق المؤلف القصة رقم 73.

وأحضر الوزير حامد بن العباس ، المحسن بن الفرات ، فصفعه صفعأ عظيمة ، ثم ردوه إلي الحجرة التي كان فيها ، وحبسوه في الكنيف ، ودلوا رأسه في بئره ( الوزراء للصابي 264).

والظاهر أن الحبس في الكنيف ، كان في تلك الأيام متعارف ، إلي درجة أن معز الدولة البويهي ، كان أول تهدي هدد به وزيره الصيمري ، أن يحبسه في الكنيف ، راجع القصة 47/1 من كتاب نشوار المحاضرة للقاضي التنوخي، وروي السيوطي ، في كتاب تحفة المجالس ، ونزهة المجالس ، ص 331 قصة غلام يروي لسيده ، إنه في سبيل تعديل آعوجاجه ، حبس ، وضرب ، وقيد ، وعوقب ، وألبس الصوف ، وببيت في الكنيف ، ولم يرعو .

وفي السنة 1205 (1790 م ) توقي الأمير محمد باشا المجاهد ، صاحب الجزائر ، فخلفه الخزناجي حسن ، فأصبح حسن باشا ، وبعد أن تمت بيعته ، أصدر أمره باعتقال علي أغا ، الذي كان يزاحمه في طلب الولاية ، فاعتقل ، وحبس

في مطهرة ( حمام أو كنيف ) ( مذكرات الزهار 51و52)

ص: 140

2 - الحبس في الاصطبل

والحبس في الإصطبل ، يراد به الإذلال كذلك ، وإن كان أقل أذي من الحبس في الكنيف .

وقد مارس هذا اللون من العذاب ، الأمير منطاش بالقاهرة ، فإنه في السنة 791 طلب من العلامة شمس الدين الركراكي ، أن يكتب بتأييد الفتوي الصادرة ضد الملك الظاهر ، فأبي ، فأمر به فضرب مائة ضربة ، وسجن بالاصطبل . (بدائع الزهور 418/2/1 والنجوم الزاهرة 362/11 وتاريخ ابن الفرات 162/9 ).

وفي السنة 1246 اتهم عامل حمص الشاعر أمين الجندي بأنه قد هجاه فحبسه في الإصطبل فاتفق بعد أربعة أيام أن هجم جماعة علي العامل وقتلوه ، وأطلقوا الشاعر الجندي من سجنه ( أعيان القرن الثالث عشر 40 ) .

ص: 141

3- الحبس في دار المجانين

تناول القاضي أبو القاسم علي بن المحسن التنوخي (ت 447 ) الكافي أبا عبد الله القنائي ، بكلام قبيح ، وبلغ ذلك الكافي ، فلام التنوخي ، وقال له : يا قاضي ، ما فعلت معك قبيحا يقتضي طعنك علي ، فقال له : با مولانا ، أنا مجنون ، فقال : إذا كنت مجنونة ، فالمارستان لمثلك عمل ، وفي حملك إليه ومداواتك فيه ، ثواب ومصلحة ، وكف لك عن الناس ، ونادي العريف الذي علي بابه ، وقال له : احمله الي المارستان ، وأحبسه مع إخوانه المجانين ، فأخذ، وحمل إلي المارستان ، وحبس فيه ، فركب المرتضي والرؤساء إلي الكافي ، وكلموه فيه ، حتي أطلق ( معجم الأدباء 307/5 و 308) .

وفي السنة 626 نقل عن عبد الله بن إسماعيل ببغداد ، ما اقتضي إحضاره إلي دار الوزارة ، فضرب مائة عصا ، وقطع لسانه ، وحمل إلي المارستان العضدي ، وحبس في حجرة المجانين ( الحوادث الجامعة 4 ).

وفي السنة 626 ظهرت خيانة علي عبد العزيز القبيطي ، المكلف بحفظ الحوائج في مخزن المارستان العضدي ، حيث جري جرد ما هو موجود في المخزن ، وسئل صاحب المخزن وخازن المارستان ، والطبيب ، والقوام ، فاتفقوا علي أن الموجود من الحوائج في المخزن تكفي مرضي المارستان سنة كاملة ، وكان ابن القبيطي قد أنهي أن المارستان خال من

ص: 142

الحوائج ، وأنه يشتري ما يحتاج إليه المرضي ، فأمر به فصفع إلي أن وقع علي الأرض ، وتقدم بحمله إلي حجرة المجانين ، فحبس بها مسلسلا ( الحوادث الجامعة ص 1).

وفي السنة 628 جيء بإنسان من همذان ادعي ان له اتصالا بالخليفة المستنصر ، فقطع لسانه ، وحبس بالمارستان ( الحوادث الجامعة 24) .

وفي السنة 699 ادعي أبو العباس الملثم أحمد بن عبد الله بن هاشم ( 658 - 740 ) إنه المهدي فحبسوه عند المجانين ، ثم أراد الفقهاء أن بشنقوه ، فأرسل إليه القاضي تقي الدين بن دقيق العيد أن يظهر التجانن ، نكسر الكوز الذي عنده فيه الماء ، وكسر الزبدية التي فيها الطعام ، وشطح في الناس ، فحكم القاضي بأنه مجنون ، وأطلقه ( الدرر الكامنة 197/1 -200)

وفي السنة 781 قبض بالقاهرة علي رجل ادعي النبوة ، وأنه من مضر ، وأن الوحي يجيئه تارة بواسطة جبرائيل ، وتارة بواسطة ميكائيل ، وأنه أنزل عليه قرآن خاص به ، فضرب بالمقارع، وسجن مع المجانين بالمارستان ، ثم رجع عن قوله فأفرج عنه . ( بدائع الزهور 249/2/1 ).

وأمر أحد القضاة بالفقيه الشيخ محمد بن محمد الزغبي الدمشقي (ت 978) فحبس بالبيمارستان ( دار المجانين ) ( الكواكب السائرة 3/ 34).

ص: 143

4 - الحبس في قفص

وفي السنة 347 فتح القائد جوهر ، مدينة سجلماسة ، واعتقل صاحبها الشاكر لله محمد بن الفتح بن ميمون من آل مدرار ، وساقه أسيرة إلي المهدية ، ومعه أحمد بن أبي بكر اليفرني ، أمير فارس ، وخمسة عشر رجلا من أشياخها ، ودخل بهم إلي المعر ، وهم بين يديه في أقفاص من خشب ، علي ظهور الجمال ، وعلي رؤوسهم قلانس من لبد، مستطيلة ، مثبتة بالقرون ( الاعلام 78/8 ).

وفي السنة 548 حارب السلطان سنجر شاه السلجوقي ، الترك ، فكسروه ، وأسر وه ، ووضعوه في قفص من حديد ، فبقي فيه مدة ، وهو يخدم نفسه ، وليس معه أحد . ( عيون التواريخ 465 و466 والنجوم الزاهرة د/ 309) .

وفي السنة 550 قتل نصر بن عباس ، الخليفة الظافر الفاطمي ، بأمر من أبيه عباس ، وزير الظافر ، فقصدهما الملك الصالح طلائع بن رژيك ، قفا إلي الشام ، وقتل عباس ، وقبض علي نصر فأعيد إلي القاهرة ، في قفص من حديد . (النجوم الزاهرة 310/5 ) .

وفي السنة 635 حصر بدر الدين لؤلؤ ، الملك الصالح أيوب بن الكامل ، بسنجار ، فأرسل إليه الصالح يطلب الصلح ، فقال : لا بد من حمله في قفص . ( النجوم الزاهرة 299/6 ) .

ص: 144

ويروي أن تيمور كوركان ، المعروف بتيمورلنك ، وكان أعرج ، لما انتصر علي السلطان بايزيد العثماني ، وأسره ، وكان أعور ، حبسه في قفص ، وكان يحمله معه أينما رحل ، ويحضره في أوقات فراغه ، فيحادثه ، وراه في أحد الأيام ، كئيبأ منكسرة ، فقال له : أحسبك تذكرت ضياع ملكك فأكتأبت ؟ إن هذه الدنيا لو كانت تساوي في نظر الخالق شيئا ، لما تركها مقسومة بين أعرج وأعور .

ولما فتح الشاه عباس الصفوي بغداد ، في السنة 1032 وأسر بكر الصوباشي ، وضعه وأخاه عمر ، في قفص من حديد . ( تاريخ العراق للعزاوي 165/4- 181 ).

وفي السنة 1185 تولي سليمان شاه بن أحمد شاه ، الإمارة في قندهار ، فخرج عليه أخوه تيمورشاه في هراة ، وحارب أخاه سليمان ، فظفر به ، وحبسه في قفص ، وظل في حبسه في القفص حتي مات ( أعيان القرن الثالث عشر 277) .

واشتبك الأخوان محمود شاه (1207- 1247) وشاه شجاع ، ولدا تيمورشاه ملك الأفغان ، في تنازعهما علي السلطان ، فأنفل جيش شاه شجاع ، فاستنجد بعطا محمد والي كشمير ، فنهد إليه علي رأس خمسة آلاف من الجنود ، ولكنه لما وافي ، قبض علي شاه شجاع، وحبسه في قفص ، وحمله معه إلي كشمير ( اعيان القرن الثالث عشر 284 ) .

وآخر من عوقب بالحبس في قفص ، علي ما بلغنا ، أمير هندي ، من أمراء البيت المالك في دهلي ، فإنه قابل الأميرة جهان بيكم ، ابنة الأميرة سكندر بيكم ، أميرة بهوبال (ت 1285 ه 1868 م ) وطلب الاقتران بها ، وكانت المقابلة في بيت أحد أقاربها، وبلغ الأميرة سكندر بيكم ذلك .

ص: 145

فأمرت بابنتها ، فضربت ضربا مبرحا ، وحبستها في غرفتها أشهرا ، وأمرت بالأمر ، فوضع في قفص ، وعلق القفص علي باب القلعة في بهوبال ، وظل الأمير معلقا شهورا ، حتي توسط الإنكليز في إطلاق سراحه ، فعفت عنه ، وأطلقت سراحه ( اعلام النساء 201/2 ).

ص: 146

الفصل الثاني : القيد والغل والمسوح وجباب الصوف

اشارة

ص: 147

ص: 148

القسم الأول : القيد والغل

أسلفنا ان القيد في اللغة كل ما يمنع من التصرف ، جمعه قيود وأقياد ، ومنه أخذ القيد الذي هو التسجيل في الدفاتر لكي تضبط الكلمة فلا تضيع ، قال النبي صلوات الله عليه : قيد الإيمان الفتك ، ومعناه : إن الإيمان يمنع من الفتك ، كما يمنع القيد صاحبه عن التصرف ، وقال امرؤ القيس ، يصف فرسه :

وقد أعتدي والطير في وكناتها ****بمنجرد قيد الأوابد هيكل

أراد إنه لسرعته كأنه يقيد الأوابد، التي هي الحمر الوحشية ، فكأنه يقيدها فيلحقها .

والغل : طوق حديد يوضع في اليد أو العنق ، وقال صاحب لسان العرب : الغل ، وجمعه أغلال ، هو الجامعة التي توضع في العنق أو اليد ، واستدل علي ذلك بقوله تعالي : ولا تجعل يدك مغلولة إلي عنقك ، يعني ممسوكة عن الإنفاق ، وقال : إن الغل يكون من القد أو الحديد .

والجامعة : القيد إذا ربط اليدين بالعنق ، فجمعها معأ ، والجمع في اللغة الضم والتأليف ، ومنه يوم الجمعة ، والمسجد الجامع ، لأن الناس يجتمعون فيه ، وتسمي المزدلفة جمعة ، لأن الناس يجتمعون فيها .

وممارسة العذاب بالقيد والغل ، قديمة ، قدم الحبس ، وكان أكثر

ص: 149

المحبوسين يقيدون ويكتلون ، حتي أن هدبة بن الخشرم الشاعر ، وكان قد حبس ليقتل قودا ، لارتكابه جريمة قتل ، فإنه لما حبس ، أثقل بالقيود ، ولما دخلت عليه امرأته السجن ، دخلت إلي رجل قد طال حبسه ، وأنتنت في الحديد رائحته ( الاغاني 266/21 ).

وكتب معاوية بن أبي سفيان ، إلي زياد بن أبيه ، أن يطلب عبد الله بن هاشم المرقال ، أشد الطلب ، فإذا عثر عليه فأحلق رأسه ، وألبسه جبة شعر ، وقيده ، وغل يده إلي عنقه ، وأحمله إلي علي قتب بغير وطاء ولا غطاء ، ( شرح نهج البلاغة 30/8 و31) .

أقول : كان هاشم بن عتبة بن أبي وقاص ، الملقب بالمرقال ، من أصحاب علي ، وكان شديد الوطأة علي معاوية وأصحابه في معارك صفين ، وكان ولده عبد الله مثله في شجاعته وشدة وطأته علي أهل الشام ، وقتل هاشم في إحدي معارك صفين ، فلما انقضي أمر صفين ، وصالح الحسن معاوية ، اشترط معاوية علي نفسه أن لا بطلب أحدا من أصحاب علي بما كان منهم قبل المصالحة ، فلما تم الصلح ، حنث بما تعهد به ، وطلب أصحاب علي ، فمنهم من قتله مثل عمرو بن الحمق الخزاعي ، وحجر بن عدي وأصحابه ، ومنهم من حبسه مثل عبد الله بن هاشم المرقال ، راجع تفصيل القصة في كتاب شرح نهج البلاغة 30/8 - 33.

ولما قتل الحسين عليه السلام ، وأصحابه ، في موقعة الطف ، أرسل عبيد الله بن زياد رأس الحسين ورؤوس أصحابه ، إلي دمشق ، وحمل مع الرؤوس نساء الحسين وبناته وصبيانه ، وفيهم علي بن الحسين ( زين العابدين ) وكان صبيا مريضة ، فوضع ابن زياد الغل في يديه وفي عنقه ، وحمل الجميع علي الأقتاب ( ابن الأثير 83/4 والطبري 460/5 ) .

ص: 150

ولما قتل الحسن عليه السلام بالعراق في السنة 61 ، أخذ عبد الله بن الزبير يدعو إلي نفسه ، ويبايع الناس بمكة ، فبلغ ذلك يزيد ، فحلف ليوثقنه في سلسلة ، وبعث إلي الحجاز بسلسلة من فضة ، ليوثق بها ، وبرنس ختر ، فبلغ ذلك ابن الزبير ، فقال : ( الطبري 475/5 و476) .

إني لمن نبعة صم مكاسرها ****إذا تناوحت القصباء والعشر

فلا ألين لغير الحق أسأله ****حتي يلين لضرس الماضع الحجر

وقال عبيد الله بن الحر ، لما حبسه مصعب بن الزبير ، يصف أقياده ( الطبري 131/6 ).

فمن مبلغ الفتيان أن أخاهم ****أتي دونه باب شديد وحاجبه

بمنزلة ما كان يرضي بمثلها ****إذا قام عته كبول تجاذبه

علي الساق، فوق الكعب، أسود صامت****شديد بداني خطوه ويقاربه

وقال أبو محجن الثقفي ، لما حبس من قصيدة : ( الاغاني 5/19) .

إذا قمت عناني الحديد وغلقت**** مصاريع من دوني تصم المناديا

وقد شفت جسمي أنني كل شارق ****أعالج كب مصمتا قد برانيا

وللبغداديين ، اصطلاح عامي بغدادي ، يطلق علي الموغل في الشر ، فهم يسمونه : سيبندي ، فارسية وتعني المربوط من ثلاث ، إذ كان الشرير يحبس ، فإن زاد شره حبس مقيدة ، فإن أوغل في الشر، قد ساقاه ، وربطت إحدي يديه معهما ، وتركت له يد واحدة يقضي بها حاجاته ، راجع موسوعة الكنايات العامية البغدادية للمؤلف ج 2 ص 180 .

من طريف مايذكر أن المسجونين في سجن بغداد يكنون عن

ص: 151

المسجونين الذين لم تقيد أرجلهم بالسلاسل والقيود ، بأنهم حفاة ، ويكنون عن الردهة التي تضم المسجونين الذين لم تقيد ارجلهم بالسلاسل «قاووش الحقاي ».

أقول : القاووش ، تركية ، معناها الردهة ، اي الحجرة الواسعة ، والحفاي : جمع عامي بغدادي مفرده : الحافي ، والجمع الفصيح : الحفاة ، راجع موسوعة الكنايات العامية البغدادية للمؤلف ج 2 ص 298 .

ومن طريف ما يذكر في أخبار القيد ، إن الفرزدق الشاعر ، قيد رجله بالحديد ، والي علي نفسه ألا يحل قيده حتي يحفظ القرآن ، وسبب ذلك : إن غالب بن صعصعة ، وفد علي الإمام علي ، ومعه ابنه الفرزدق ، فقال له : من أنت ؟ قال : غالب بن صعصعة ، قال : ذو الإبل الكثيرة ، قال : نعم ، قال : ما فعلت إبلك ؟ قال : أذهبتها النوائب ، وزعزعتها الحقوق ، قال : ذاك خير سبلها ، ومن هذا الغلام معك ؟ قال : ابني ، وهو شاعر ، فقال له : علمه القرآن فهو خير له من الشعر ، فكان ذلك في نفس الفرزدق ، حتي قيد نفسه ، والي ألا يحل قيده حتي يحفظ القرآن ، فما حله ، حتي حفظه ، وذلك حيث قال : ( شرح نهج البلاغة 21/10 و 22 ).

وما صب رجلي في حديد مجاشع ****مع القد إلا حاجة لي أريدها

أقول : لقول الإمام علي ، في غالب ، إنه صاحب الإبل الكثيرة ، قصة يقتضي إيرادها هنا ، وهي إن غالب كان رئيسا لقومه ، وله مناقب ومحامد ، منها إنه أصاب أهل الكوفة مجاعة ، وهو بها ، فخرج أكثر الناس إلي البوادي ، فكان هو رئيس قومه ، وكان سحيم بن وثيل الرياحي رئيس قومه ، واجتمعوا بمكان يقال له صوار ، في أطراف السماوة من بلاد كلب ، علي مسيرة يوم من الكوفة ، فعقر غالب لأهله ناقة ، وصنع منها طعاما ،

ص: 152

وأهدي إلي قوم من تميم لهم جلالة ، جفانا من ثريد، ووجه إلي سحيم جفنة ، فكفاها ، وضرب الذي أتاه بها ، وقال : أنا مفتقر إلي طعام غالب ؟ إذا نحر ناقة ، نحرت أنا أخري ، فوقعت المنافرة بينهما ، وعقر سحيم لأهله ناقة ، فلما كان من الغد ، نحر غالب ناقتين ، فعقر سحيم ناقتين ، فلما كان اليوم الثالث ، عقر غالب ثلاثا ، فعقر سحيم ثلاثا ، فلما كان اليوم الرابع عقر غالب مائة ناقة ، ولم يكن عند سحيم هذا القدر ، فلم يعقر شيئا ، وأسرها في نفسه ، فلما انقضت المجاعة ، ودخل الناس الكوفة ، قال بنو رياح السحيم : جررت علينا عار الدهر ، هلا نحرت مثل ما نحر ، وكنا نعطيك مكان كل ناقة ناقتين ، فاعتذر بأن إبله كانت غائبة ، وعقر بالكوفة ثلثمائة ناقة ، وقال للناس : شأنكم والأكل ، وكان ذلك في خلافة الإمام علي بن أبي طالب ، فأستفتي في حل الأكل منها، فأفتي بحرمتها ، وقال : هذه ذبحت لغير مأكلة ، ولم يكن المقصود منها إلا المفاخرة والمباهاة ، فألقيت الحومها علي كناسة الكوفة ، فأكلتها الكلاب والرخم والعقبان ( وفيات الأعيان 86/6 و87).

ولما أراد عبد الملك ، أن يقتل عمرو بن سعيد الأشدق ، جمعه في جامعة ، أي أنه قيد يديه إلي طوق في عنقه ، وقال له : ما كنت لأخرجها منك إلا صدأ ، يعني أن يقطع رأسه فيخرج الطوق من عنقه ممدأ راجع الطبري 143/6

و144 .

ولما هلك الحجاج ، استخلف مكانه يزيد بن أبي مسلم ، فكان مثله في الظلم والجور ، فأقره الوليد بن عبد الملك علي العراق ، ولما مات الوليد ، واستخلف سليمان بن عبد الملك ، ولي يزيد بن المهلب علي العراق ، وأحضر إليه يزيد بن أبي مسلم في جامعة ، وكان يزيد هذا ، قصيرة دميمة ، قبيح الوجه ، عظيم البطن ، تحتقره العين ، فلما نظر إليه سليمان ، قال له : أنت يزيد بن أبي مسلم ؟ قال : نعم ، قال : لعن الله من أشركك

ص: 153

في أمانته وحتمك في دينه ، قال : يا أمير المؤمنين إنك رأيتني والأمور عني مدبرة ، ولو رأتني وهي علي مقبلة ، لاستعظمت مني ما استصغرت ، ولاستجللت ما احتقرت ، قال : أتري صاحبك الحجاج يهوي بعد في نار جهنم ، أم قد استقر في قعرها ؟ فقال يزيد : لا تقل ذلك يا أمير المؤمنين ، فإن الحجاج يأتي يوم القيامة عن يمين أبيك وعن شمال أخيك ، فضعه حيث شئت . ( وفيات الأعيان 309/6 و 310) .

وفي السنة 90 نقض نيزك طرخان التركي ، عهده مع قتيبة بن مسلم ، وغدر به ، واتفق مع ملوك الترك في بلخ ومرو والطالقان والفارياب والجوزجان علي حرب قتيبة ، ثم قدم علي طخارستان ، فأخذ ملكها وقيده بقيد من ذهب ، ووضع عليه الرقباء ، وأستعد للحرب . ( الطبري 446/6 ) .

وفي السنة 90 لما فر يزيد بن المهلب ، من سجن الحجاج ، التجأ إلي سليمان بن عبد الملك ، فأبي الوليد أن يؤمنه ، وأمره أن يبعث به إليه في وثاق ، فبعث سليمان إلي الوليد بيزيد وقد قرن به ولده أيوب بن سليمان ، في سلسلة واحدة ، فلما دخلا علي الوليد، ورأي السلسلة في يد ابن أخيه ، قال : لقد بلغنا من سليمان ، وأمن يزيد وكف عنه ، وكتب الي الحجاج بأن يكف عن آل المهلب . ( الطبري 451 و452) .

وكان عمر بن هبيرة ، أميرا علي العراقيين ، فلما ولي هشام ، عزله بخالد القسري ، فأخذه خالد ، فقيده ، وألبسه مدرعة صوف ، وحبسه ، فاحتال حتي فر من السجن ، ولحق بالشام ، راجع تفصيل ذلك في كتاب الفرج بعد الشدة للتنوخي ، تحقيق المؤلف ، رقم القصة 191 .

ولما قتل الإمام زيد بن علي بن الحسين ، صار ولده يحيي إلي الري ، ونزل علي الحريش بن عبد الرحمن الشيباني ، فاعتقله عقيل بن معقل الليثي

ص: 154

عامل بلخ لنصر بن سيار ، وبعث به عقيل إلي نصر ، فحبسه ، وقيده ، وجعله في سلسلة ( مقاتل الطالبيين 154).

: أقول : إن يحيي أطلق من الحبس ، وفك حديده ، فصار جماعة من مياسير الشيعة إلي الحداد الذي فك حديده من رجله ، وسألوه أن يبيعهم إياه ، وتنافسوا فيه ، وتزايدوا ، حتي بلغ عشرين ألف درهم ، فخاف أن يشيع خبره ، فقال لهم : اجمعوا ثمنه بينكم ، فرضوا بذلك ، وأعطوه المال فقطعه قطعة قطعة ، وقسمه بينهم ، فاتخذوا منه فصوصا للخواتيم ( مقاتل الطالبين 155)

وكان زياد بن عبيد الله الحارثي ، بلي المدينة المنصور ، فاتهمه بالتراخي في البحث عن محمد ( النفس الزكية ) وابراهيم ولدي عبد الله بن الحسن ، فعزله ، وأمر به فحبس ، وكبل بأربعة كبول ، ثم حمل إلي العراق ( الطبري 530/7 ).

وخرج رياح عامل المنصور علي المدينة ، ببني حسن ، ومحمد عبد الله بن عمرو بن عثمان ، إلي الربذة ، فلما صاروا بقصر نفيس ، علي ثلاثة أميال من المدينة ، دعا بالحدادين والقيود والأغلال ، فألقي كل رجل منهم في كبل وغل ، فضاقت حلقتا قيد عبدالله بن الحسن ، فعضناه ، فتأوه منها ، فأقسم عليه أخوه علي ليحولن إليه حلقتيه إذا كانت أوسع ، فحولها ( مقاتل الطالبيين 196).

ودخلت أم يحيي بن عبد الله بن الحسن ، زوجة عبد الله ، علي زوجها السجن ، فإذا هو متكيء علي برذعة ، في رجله سلسلة . ( مقاتل الطالبيين 216)).

ولما ثار السودان بالمدينة ، وطردوا عبد الله بن الربيع ، عامل

ص: 155

المنصور ، ومن معه من الجند ، أخرجوا أبا بكر بن أبي سبرة من الحبس ، فقدم المسجد ، وارتقي المنبر ، وإن حديده لفي ساقه ، فخطب الناس ، ودعاهم إلي طاعة المنصور ، وصلي بالناس ، حتي عاد ابن الربيع إلي المدينة ( الطبري 611/7 - 614).

وفي السنة 147 بعث عبد الرحمان الداخل ، مولاه بدرة ، وتمام بن علقمة ، الي طليطلة ، وبها هشام بن عذرة ، فحصراه ، وضيقا عليه ، فوقع في الأسر ، هو وحياة بن الوليد اليحصبي ، وعثمان بن حمزة بن عبيد الله بن عمر بن الخطاب ، وجيء بهم إلي عبد الرحمان ، في جباب صوف ، وقد حلقت رؤوسهم ولحاهم ، وأركبوا الحمير ، وهم في السلاسل ، وصلبوا بقرطبة ( ابن الأثير 583/5 ).

وفي السنة 155 انكرت الخوارج الصفرية ، بمدينة سجلماسة ، بالمغرب ، علي أميرهم عيسي بن جرير أشياء ، فشدوه وثاقة ، وجعلوه علي رأس الجبل ، فلم يزل كذلك حتي مات ( ابن الأثير 8/6).

وقال نصيب الأصغر ، مولي المهدي ، يصف قيوده في السجن : ( الأغاني وبولاق 28/20 ) .

أتمام إنك قد فككت تماما**** حلقة برين من النصيب عظاما

حلقة توشطها العمود فلزها ****لولا ثمامة والإله لداما

ولما بعث الرشيد، القائد هرثمة ، الي خراسان ، في السنة 191 ، بعث معه بوقر من القيود والأغلال ، لتقييد أمير خراسان ، علي بن عيسي بن ماهان ، وأتباعه ، وبعث معه إلي علي ، كتاب بعزله ، أوله : بسم الله الرحمن الرحيم ، يا ابن الزانية ... الخ.

فأخذه هرثمة ، واعتقله ، وقيده ، وصادره ، وأخذ جميع ما لديه ، حتي حلي نسائه ، ثم وجهه إلي بغداد علي بعير ، بلا وطاء تحته ، وفي عنقه

ص: 156

سلسلة ، وفي رجليه قيود ثقال ، ما يقدر معها علي نهوض أو اعتماد .

راجع تفصيل القصة في الطبري 327/8 - 337.

ولما أمر الرشيد ، مسرورا بقتل جعفر ، ذهب إليه ، فأخذه ، وحبسه ، وقيده بقيد حمار ، وأخبر الرشيد بإحضاره ، فأمره بقتله ( الطبري 295/8 ) .

وبلغ الرشيد ، قصيدة أبي نواس ، في هجاء مضر ، التي يقول فيها :

أما قريش فلا افتخار لها**** إلا التجارات من مكاسبها

فأمر بحبسه ، فلم يزل محبوسا حتي ولي محمد الأمين ، فقال أبو نواس فيه :

تذكر أمين الله ، والعهد يذكر ****مقامي وإنشاديك والناس حضر

ونثري عليك الدر يادر هاشم ****فيا من رأي درا علي الدر ينثر

وغنت بالشعر جارية أمام الأمين ، فسأل عن قائل الأبيات ، فقالوا : إنها لأبي نواس ، فقال : وما فعل ؟ قالوا : محبوس ، فقال : ليس عليه باس ، فأخبروه بقول الأمين ، فكتب إليه أبياتا آخرها :

أمين الله إن السجن باس ****وقد أرسلت : ليس عليك باس

فأرسل إليه الأمين ، فكسرت قيوده ، وأخرج من السجن . وأدخل عليه فمدحه بأبيات ، فخلع عليه ، وصيره في ندمائه ( الطبري 514/8 - 516 )

وكان يحيي بن عبد الله العلوي ، في حبس الرشيد ، مكبلا بالحديد ، فإذا أحضره الرشيد أمامه ، أحضر في حديده ( الطبري 244).

ولما صار الرشيد إلي طوس ، وقدم بكر بن المعتمد من بغداد ، ومعه كتب ظاهرة ، فطالبه بأن يحضر ما معه من الكتب السرية ، فأنكرها بكر ،

ص: 157

وقال : ما معي إلا الكتب التي أوصلتها، فتوعده الرشيد، فأصر علي الانكار ، فقال الرشيد : قنبوه ، فجيء بالقنب ، وقنب من فرقه إلي قدمه ، راجع التفصيل في القصة 358 من كتاب الفرج بعد الشدة للتنوخي ، تحقيق المؤلف .

أقول : القنب ، بكسر القاف وضمها ، نبات هندي ينتج ليفة متينة تصنع منه الحبال ، والبغداديون ، بلفظون الكلمة بابدال القاف جيمة مكسورة ، فيقولون : جنب وبعضهم يلفظها بابدال القاف ، بالجيم المصرية .

ولما بعث الأمين ، قائده علي بن عيسي بن ماهان ، لحرب المأمون ، زار السيدة زبيدة مودعة ، فقالت له : يا علي ، إن أمير المؤمنين ، وان كان ولدي ، وإليه تناهت شفقتي ، وعليه تكامل حذري ، فإني علي عبد الله ( تعني المأمون ) منعطفة مشفقة ، لما يحدث عليه من مكروه وأذي ، وإنما آبني ملك نافس أخاه سلطانه ، والكريم بأكل لحمه ويمنعه ، فأعرف لعبد الله حق والده وأخوته ، ولا تجبهه بالكلام ، فإنك لست نظيره ، ولا تقتسره اقتسار العبيد ، ولا ترهقه بقيد ولا غل ، ولا تمنع منه جارية ولا خادما ، ولا تعنف عليه في السير ، ولا نساوه في المسير ، ولا تركب قبله ، ولا تستقل علي دابتك حتي تأخذ بركابه ، وإن شتمك فأحتمل منه ، وإن سفه عليك فلا ترانه ، ثم دفعت إليه قيدا من فضة ، وقالت : إن صار في يدك ، فقيده بهذا القيد . ( الطبري 405/8 و 406) .

وروي عن القاضي أحمد بن أبي دؤاد ، إن ابراهيم بن المهدي ، أحضر أمام المأمون وفي رجله قيدان ، للتفصيل راجع كتاب الفرج بعد الشدة للتنوخي ، رقم القصة 348.

وفي السنة 218 دعا المأمون إلي القول بخلق القرآن ، فامتنع الإمام أحمد بن حنبل ومحمد بن نوح ، عن القول بخلق القرآن ، وقالا : هو كلام

ص: 158

الله ، فأمر بهما إسحاق بن إبراهيم صاحب الشرطة ببغداد ، فشدا بالحديد ، ووجه بهما إلي طرطوس ، حيث المأمون ، فبلغهم وهم في الطريق خبر وفاة المأمون ، فأعادوهما ( الطبري 645/8 ).

وبعث عبد الله بن طاهر ، بأحد أتباعه ، فاعتقل محمد بن القاسم العلوي الصوفي ، فلما أوصله إلي عبد الله ، ونظر إلي محمد ، وثقل الحديد عليه ، قال التابعه : أما خفت الله في فعلك ، أتقيد هذا الرجل الصالح، بمثل هذا القيد الثقيل ؟

فقال له : أيها الأمير ، خوفك أنساني خوف الله .

فقال : خفف هذا الحديد كله عنه ، وقيده بقيد خفيف ، في حلقته رطل بالنيسابوري (200 درهم ) ، وليكن عموده طويلا، وحلقتاه واسعتين ، ليخطو فيه ، ومضي ، فتركه ( مقاتل الطالبين 583 و 584 ).

وفي السنة 223 عند عودة المعتصم من فتح عمورية ، اطلع علي مؤامرة من بعض قواده ، لخلعه واستخلاف العباس بن المأمون ، وأقر له العباس بذلك ، وسمي له من دخل في المؤامرة ، فأمر المعتصم بالعباس ، وبالقواد المتآمرين ، فأثقلوا بالحديد ، وأمر أن يحملوا علي بغال بأكف بلا وطاء ، وأن يطرحوا في الشمس إذا نزل الجيش ، وأن يطعم كل واحد منهم في اليوم رغيفا واحدا ، وظهر أن هرثمة بن النضر الختلي ، والي مراغة ، شريكهم في المؤامرة ، فكتب المعتصم بحمله في الحديد، فتكلم فيه الافشين ، فوهبه المعتصم له ، فكتب الافشين إلي هرثمة ، يعلمه أن أمير المؤمنين قد وهبه له ، وإنه قد ولاه البلد الذي يصل إليه الكتاب فيه ، فوردوا به الدينور بعد العشاء ، مقيدة ، فطرحوه في الخان ، وهو موثق في الحديد ، فوافاه الكتاب في جنح الليل ، فأصبح وهو والي الدينور ( الطبري 78/9 ) .

وفي السنة 224 لما أزمع مازيار بن قارن الخلاف علي المعتصم ، أمر

ص: 159

الأبناء والعرب في سارية وآمل ، فاجتمعوا ، وكان وعدهم أن يرد عليهم ضياعهم وأموالهم ، فلما اجتمعوا أمر بهم فكتفوا ، وساقهم إلي جبل علي ثمانية فراسخ من سارية وأمل ، وكبلهم بالحديد ، وحبسهم ، وكانت عدتهم قد بلغت عشرين ألفا ( الطبري 9/ 84).

وفي أيام الواثق ، امتحن أبو يعقوب البويطي ، صاحب الشافعي ، بخلق القرآن ، وحمل من مصر إلي بغداد ، علي بغل ، وفي عنقه غل ، وفي رجليه قيد ، وبين الغل والقيد سلسلة من حديد فيها طوبة وزنها أربعون رطة، ووضع في الحبس ، مقيدة إلي أنصاف ساقيه ، مغلولة يداه إلي عنقه ، ومات في حبسه في السنة 231 ( وفيات الأعيان 61/7 - 64).

وفي السنة 231 قتل الخليفة الوائق ، أحمد بن نصر الخزاعي ، ضربه بالسيف بيده ، وسبب ذلك إنه أراد أن يخرج علي السلطان ، وعين وأصحابه يوما لذلك ، واتفقوا علي أن تكون الإشارة بينهم للخروج أن يضرب الطبل في موضع معين ، وحدث أن الموكل بالطبل سكر قبل الموعد بليلة ، فقام إلي الطبل وضربه ، فلم يجتمع عليه أحد ، وسمع صاحب الشرطة ببغداد ، ضرب الطبل ، فبعث من يتحقق له السبب ، وأخذ رجلا في الحمامات اسمه عيسي الأعور ، فأقر له بالقصة ، وسمي من دخل مع أحمد بن نصر في المؤامرة ، فأخذ منهم أبا هارون ، وداره بالجانب الشرقي ، وطالب و داره بالجانب الغربي ، وقيدهما بسبعين رطلا من الحديد ، ثم أخذ خصي لاحمد بن نصر ، فاعترف علي سيده ، فأخذ أحمد وأبنان له ، وخصيان ، ورجل كان يغشاه ، فحملوا علي بغال بأكف ، ليس تحتهم وطاء ، وقيد أحمد بزوج قيود ، ولما قتله الواثق ، صلب في الموضع الذي صلب فيه بابك ، وفي رجله زوج القيود التي كانت فيها لما حمل من بغداد ( الطبري 135/9 - 139)

وفي السنة 233 قبض المتوكل علي عمر بن فرج الرخجي ، وهو من

ص: 160

شرار الخلق ، فدفعه إلي إسحاق بن إبراهيم المصعبي ، فحبس ، وألبس جبة صوف ، وقيد بقيد ثلاثين رطلا ، وقبضت ضياعه وأمواله، ووجد في منزله خمسة عشر ألف درهم ، وحمل مولاه نصر ثلاثين ألف دينار ، وحمل نصر من مال نفسه أربعة عشر ألف دينار ، وأصيب له بالأهواز أربعون ألف دينار ، ولأخيه محمد بن فرج مائة وخمسون ألف دينار، وحمل من داره من الجوهر قيمة أربعين ألف دينار ، ومن المتاع ستة عشر بعيرة فرشأ ، وحمل من متاعه علي خمسين جملا ، كرت مرارة ، وأخذ عياله ففتشوا ، وكن ملئة جارية ، ثم صولح علي أن يؤدي عشرة آلاف ألف درهم ، علي أن يرد عليه ما حيز من ضياعه بالأهواز فقط ( الطبري 161/9 ).

أقول : قال علي بن الجهم يحرض نجاح بن سلمة الكاتب علي عمر بن فرج الرخجي ، وكان إلي نجاح التبع علي العمال :

أبلغ نجاحا فتي الكتاب مالكة ****تمضي بها الريح إصدار، وإيرادا

لا يخرج المال عفوأ من يدي عمر**** أو يغمد السيف في فوديه إغمادا

الرخجيون لا يوفون ما وعدوا ****والرخجيات لا يخلفن ميعادا

ووصف سليمان بن وهب ، حاله لما أمر المتوكل باعتقاله ، وأسلمه إلي إسحاق بن إبراهيم المصعبي ، فقيده بقيد ثقيل ، وألبسه جبة صوف ، وحبسه في كنيف ، وأغلق عليه خمسة أبواب ، فكان لا يعرف الليل من النهار ، راجع التفصيل في كتاب الفرج بعد الشدة للتنوخي ، رقم القصة 73 .

وكان الجاحظ ، منقطعة إلي الوزير محمد بن عبد الملك الزيات ، فلما نكب المتوكل محمد بن عبد الملك ، اعتقل الجاحظ، وأحضر أمام القاضي أحمد بن أبي دؤاد ، مقيدة في جبة صوف ، راجع القصة مفصلة في كتاب الفرج بعد الشدة للتنوخي ، في القصة رقم 127 .

ولما اعتقل إيتاخ ببغداد ، بأمر من المتوكل ، قيد ، وثقل بالحديد ، في

ص: 161

عنقه ، ورجليه ، وجعلوا في عنقه غلا بثمانين رط ، وكانت وظيفته في كل يوم رغيفأ وكوز من ماء ( ابن الأثير 46/5 و47 وتجارب الأمم 544/6 ).

ولما اعتقل محمد بن البعث ، الخارج بأذربيجان في السنة 239 ، جيء إلي سامراء به وبأخويه وابنه وخليفته ، فلما قربوا من سامراء ، حملوا علي الجمال يستشرفهم الناس ، وأمر المتوكل بحبسه وحبسهم ، وأثقله حديدا ، وكان الحديد في عنقه مائة رطل ، فلم يزل مكبوبا علي وجهه حتي مات ( الطبري 171/9 ).

وزارت فتاة من سامراء محمد بن صالح العلوي ، في سجنه بسامراء ، فلما رأت ثقل حديده ، بكت ، راجع القصة في الفصل الأول من هذا الباب .

وفي السنة 255 طالب الاتراك بأرزاقهم ، فقال أبو نوح لصالح بن وصيف في مجلس المعتز : يا عاصي يا ابن العاصي ، هذا تدبيرك علي الخليفة ، فغضب صالح وغشي عليه ، فلما أفاق جري بينه وبين المعت كلام كثير ، وخلا صالح بالمعتر ، ثم دعي بابي نوح والحسن بن مخلد فأخذت سيوفهما وقلانسهما ، ومؤقت ثيابهما ، ولحقهما أحمد بن إسرائيل ، فألقي نفسه عليهما ، فثلث به ، ثم أخرجوا إلي الدهليز ، وحملوا علي الدواب والبغال ، وارتدف خلف كل واحد منهم تركي، وأخذوا إلي دار صالح بن وصيف ، وجعل في عنق كل واحد منهم عشرون رطلا من حديد ، وقبضت أموالهم ودورهم ، وسموا : الكتاب الخونة . ( الطبري 388/9 ) .

وفي السنة 255 كتب يعقوب بن الليث الصفار ، وعلي بن الحسين بن قريش ، إلي السلطان ، أي الخليفة ، كل منهما يطلب ولاية كرمان ، فكتب السلطان لكل واحد منهما بالولاية ، إغراء لكل واحد منهما بالأخر ، لأن كليهما لم يكن في طاعته ، فزحف يعقوب علي كرمان . كما أن علي بن

ص: 162

الحسين وجه قائده طوق بن المغلس إليها ، وجرت بينهما حرب انتصر فيها يعقوب ، وأسر طوقا ، ووجد من جملة ما غنم من طوق صناديق فيها قيود وأغلال ، كان أعدها لقيد من يأسره ، فأمر يعقوب بإخراج أكبر القيود وأثقلها ، فقيد به طوقا ، وغله بغل . ( الطبري 384/9 و385) .

وفي السنة 269 خرج الخليفة المعتمد يريد اللحاق بمصر ، وسبب ذلك إن المعتمد كان محجور عليه في خلافته ، والحكم كله لأخيه الموفق أبي أحمد ، حتي إنه طلب يوم ثلثمائة دينار يجيز بها شاعرة فلم يصل إليها ، فقال :

أليس من العجائب أن مثلي ****يري ما قل ممتنعأ عليه

وتؤخذ باسمه الدنيا جميعا وما من ذاك شيء في يديه

فلما اشتغل أبو أحمد بحرب الزنج ، فارق المعتمد دار ملكه ، ومعه حاشيته ، قاصدأ مصر ، بعد أن كاتب أحمد بن طولون ، واتصل بأبي أحمد خبر مفارقة المعتمد ، فكتب إلي إسحاق بن كنداجيق ، وكان يلي الموصل والجزيرة ، أن يعترض المعتمد ومن معه ، وأن يعيدهم إلي سامراء ، فاعترضهم إسحاق ، وقد قربوا من الرقة ، فأخذهم ، وقبض عليهم ، وقيدهم ، بالقيود الثقيلة ، ودخل علي المعتمد فعنفه ، وعذله في شخوصه عن دار ملكه وملك آبائه ، ومفارقته أخاه علي الحال التي هو فيها ، ثم حمل المعتمد، ومن معه في قيودهم ، حتي وافي بهم سامراء ، فأمر أبو أحمد فخلع علي إسحاق خلعة جليلة ، وقلد سيفين ، وتوج بتاج من الذهب مرصع بالجوهر ، وألبس وشاحين مرضعين بالجوهر الثمين ( الطبري 620/9 - 622 وشرح نهج البلاغة 200/8 و201).

وذكر المبرد ، إنه زار دارا للمجانين ، وكلم أحدهم ، فلما وثب إليه ،

ص: 163

رأي القيد في رجله ، قد شد إلي خشبة في الأرض ، فأمن من عائلته . ( وفيات الأعيان 317/4 ).

وفي السنة 271 وثب يوسف بن أبي الساج ، عامل مكة ، علي غلام للطائي ، اسمه بدر ، خرج واليا علي الحاج ( أميرة للموسم) ، فهاجم الجند أصحاب بدر ، يوسفة ، وأعانهم الحاج ، فاستنقذوا الوالي بدرة ، وأسروا بن أبي الساج ، فقيدوه ، وحملوه إلي مدينة السلام ، وكانت الحرب بينهم علي أبواب المسجد الحرام ( الطبري 8/10).

واعتقل المعتضد، وزيره اسماعيل بن بلبل ، وجعل في عنقه غلا فيه رمانة حديد ، والغل والرمانة مائة وعشرون رطة. ( مروج الذهب 493/2)

وفي السنة 299 لماعزل الوزير بن الفرات ، وزير المقتدر ، عن وزارته الأولي ، اعتقل ولده المحن ، وضرب علي رأسه وسائر جسده بالطبرزينات ، وقيد وغل ، وألبس جبة صوف ، وجبة شعر ، وعذب بكل شيء ( الوزراء للصابي 65).

وفي السنة 4 30 تغلب كثير بن أحمد، علي أعمال سجستان ، فجهز إليه السلطان جيشا بقيادة القائد بدر بن عبد الله الحمامي ( بتخفيف الميم ، نسبة إلي الطير الحمام ) متقلد أعمال فارس ، فقصده بدر ، ومعه زيد بن إبراهيم المنصوب عاملا علي الخراج بسجستان ، فلما وصلوا ، اشترك أهل البلد في قتال عسكر الخليفة ، إذ بلغهم أن زيد، عامل الخراج ، قد أحضر قيودا وأغلالا يقيدهم بها ، فانكسر جيش الخليفة ، وأسر زيد بن ابراهيم ، فوجدت القيود والأغلال معه ، فجعلوها في رجليه وعنقه ( ابن الأثير 104/8)

وفي السنة 306 لما عزل الوزير ابن الفرات عن وزارته الثانية ، وخلفه

ص: 164

حامد بن العباس ، اعتقل المحسن ابن الوزير ابن الفرات ، وأحضر أمام حامد ، فصفعه ، وشتمه ، ثم أعيد الي محبسه ، وكان مقيدة بقيد ثقيل ، وعليه جبة صوف قد غمست في النفط مزرورة إلي عنقه ( الوزراء 264 ).

وفي السنة 315 تحقق القائد يوسف بن أبي الساج ، أن كاتبه محمد بن خلف النيرماني ، يسعي عليه ، فاعتقله ، وقيده بخمسين رطة ، وألبسه قميص بايباف ( تجارب الأمم 172/1 ). أقول : لم أفهم معني كلمة ( بايباف ) ولم يفهمها قبلي الأستاذ مرجليوث محقق كتاب تجارب الأمم ، وأحسبها مصحفة ، ولم أستطع ردها إلي أصلها .

وذكر أبو علي الناقد ، الوكيل علي أبواب القضاة ببغداد ، وكان إليه خبر المسجونين ببغداد ، إنه أبصر في المطبق بمدينة السلام ، في أيام المقتدر بالله ، رجلا مغلو" ، علي ظهره لبنة من حديد، فيها ستون رطلا ، راجع التفصيل في كتاب الفرج بعد الشدة ، رقم القصة 183 .

ولما اعتقل الوزير أبو الحسن بن الفرات ، بعد عزله عن وزارته الأولي ، ناظره أبو العباس بن ثوابه ، فأمر بعرك أذنه ، وقيده ، وأخلي الحجرة التي حبس فيها حتي من الحصير ، حتي اضطر إلي أن يحدث في مكانه ، وغلبت رائحة القذر علي البيت ثم أحضر له بعد يومين جبة صوف أخري ، وغلا برمانة ، يمنع المغلول من أن يرد رأسه إلي خلف ، وغلا بغير رمانة ، وألسه الجبتين واحدة فوق الأخري ( تجارب الأمم 89/1 ).

ولما اعتقل الوزير حامد بن العباس ، المحسن بن الفرات ، بعد عزل أبيه عن وزارته الثانية ، أحضره أمامه، وأمر به فصفع ، وشتمه ، وكان المحسن مقيدا بقيد ثقيل ، وعليه جبة صوف قد غمست في النفط ، مزرورة

ص: 165

إلي عنقه ، وردوه إلي الحجرة التي كان فيها ، وحبسوه في الكنيف ، ودلوا رأسه في بئره ( الوزراء للصابي 264 ).

ولما اعتقل الوزير ابن الفرات ، بعد عزله عن وزارته الثانية ، ألبس جبة صوف قد نقعت في ماء الأكارع ، وقيد بقيد ثقيل ، وغل بغل ، وكان الحر شديدة ، فأشرف علي التلف ( كتاب الوزراء للصابي 119).

ولما عزل الوزير ابن الفرات ، في السنة 312 عن وزارته الثالثة ، اعتقل ولده المحن ، وأخذه القائد هارون بن غريب الخال ( غريب خال المقتدر ) فضربه علي رأسه بالدبابيس ، وقيده ، وغله ( تجارب الأمم 135/1 والوزراء 65 ).

ولما قتل الوزير ابن الفرات ، في السنة 312 ، تسلم خلفه الخاقاني ، أولاد ابن الفرات ، وكتابه ، فأسلمهم إلي أبي العباس بن بعدشر ، فقيدهم ، وأجلسهم علي الأرض ، في الحر الشديد ( تجارب الأمم 128/1 ).

وفي السنة 322 اشتبك عماد الدولة البويهي ، مع القائد ياقوت علي رأس جيش عباسي ، بقرب شيراز ، وكان من سعادة عماد الدولة ، أن جماعة من أصحابه استأمنوا إلي ياقوت ، فحين رآهم ياقوت أمر بضرب رقابهم ، فأيقن أصحاب ابن بويه ، إنه لا أمان لهم عند ياقوت ، فاستقتلوا ، وكسب عماد الدولة المعركة ، وانفل الجيش العباسي ، وانهزم ياقوت، ووجدوا في مخلفات ياقوت برانس ثبود عليها أذناب الثعالب ، وقيود، وأغلالا ، فسألوا عنها أصحاب ياقوت ، فقالوا : إن هذه أعدت لكم لتجعل عليكم ، ويطاف بكم في البلاد ، فأشار أصحاب ابن بويه أن يفعل بهم مثل ذلك ، فأمتنع ، وقال : إنه بغي ولؤم ظفر ، ثم أحسن إلي الأساري ، وأطلقهم ، وخيرهم بين المقام عنده ، أو اللحاق بياقوت ، فاختاروا المقام عنده ، فخلع عليهم ، وأحسن إليهم، واستولي علي شيراز ( ابن الأثير 275/8 و276).

ص: 166

وكان بالبصرة لص فاره مقدام ، يقال له : عباس ويعرف بابن الخياطة ، غلب الأمراء ، وأشجي أهل البلد ، فاعتقله صاحب الشرطة ، وألقاه في الحبس ، وكبله بمائة رطل جديد ، فلما كان بعد سنة من حبسه ، سرق من أحد التجار جوهر بعشرات ألوف دنانير ، واتفق الجميع علي أن هذه العملة من عملات ابن الخياطة ، فأحضر صاحب الشرطة ابن الخياطة من الحبس ، وأمر بإزالة قيوده ، وإدخاله الحمام ، وخلع عليه ، وواكله ، وسأله عن القصة ، فاعترف له بأنه هو السارق ، وأعاد المسروق ، في قصة طريفة ، راجعها مفصلة في كتاب نشوار المحاضرة للقاضي التنوخي ج 7 ص 97 - 100 رقم القصة 58/7.

وفي السنة 402 كانت وقعة بين أبي نصر بن لؤلؤ ، صاحب حلب ، وهو من موالي سعد الدولة بن سيف الدولة الحمداني ، وبين صالح بن مرداس ، فأسر صالحا وحبسه ، وقيده بقيد لبنة حديد في رجليه ، وفر صالح من القلعة بأن رمي بنفسه من أعلاها إلي تلها ، واختفي في سيل ماء ، ثم حارب ابن لؤلؤ ، فأسره ، وجعل في رجله القيد الذي كان ابن لؤلؤ قد جعله في رجليه وفيه اللبنة الحديد . ( ابن الأثير 229/9 ).

ولما اعتقل المأمون بن ذي النون ، صاحب طليطلة ، أبا مروان عبد الملك بن غصن الحجاري (ت 454 ) حبسه في حصن وبذة ، من اعمال طليطلة ، فقال في وصف حبسه وأقياده : ( اعتاب الكتاب 220) .

نحن في حالة الأيسر منها****يتلظي الردي وتبكي الخطوب

مالنا في وطء البسيطة حظ ****لا ولا في نشق الهواء نصيب

في محل كأنه ظلف شاة**** ليس فيه لذي دبيب دبيب

وكأن الكبل الثقيل اذا ما**** رت في الساق للخطوب خطيب

ولما حاصر المرابطون ، المعتمد بن عباد ، واستولوا علي إشبيلية ،

ص: 167

أخذوا المعتمد ، وقيدوه من ساعته ، وحملوه إلي مراكش ، فاعتقل بأغمات ، وكانت قيوده في السجن تمنعه من الحركة ( وفيات الأعيان 30/5 و 32 و36).

وقال المعتمد بن عباد صاحب إشبيلية ، يصف قيده الذي قيد به في محبسه بإفريقية ؛ ( ابن الأثير 249/10 ).

تعطف في ساقي تعطف أرقم ****يساورها عضأ بأنياب ضيغم

وفي السنة 547 وقعت حرب بين السلطان سنجر والغورية ، فانهزم الغورية ، وأسر ملكهم علاء الدين حسين ، فأحضره سنجر أمامه ، وسأله : يا حسين ، لو ظفرت بي ما كنت تفعل بي ؟ فأخرج له قيد فضة ، وقال : كنت أقيدك بهذا ، وأحملك إلي فيروزكوه ، فخلع عليه سنجر ، ورده الي فيروزكوه . ( ابن الأثير 164/11 ).

وفي السنة 584 فتح جيش السلطان ص لاح الدين الأيوبي ، قلعة برزية ، وأطلق من فيها من أسري المسلمين ، وكانت أرجلهم في القيود والخشب المثقوب ( ابن الأثير 16/12 ).

وفي السنة 588 حارب شهاب الدين الغوري ، أحد ملوك الهنود ، وأسره ، فلما أحضر بين يديه ، لم يخدمه ( أي لم ينحن له للسلام عليه ) ، فأخذ بعض الحجاب بلحيته ، وجذبه إلي الأرض ، حتي مست جبينه ، فقال له شهاب الدين : لو أسرتني ما كنت تفعل بي ؟ فقال : كنت أعددت لك قيدأ من ذهب ، أقدك به ( ابن الأثير 93/12 ) .

وفي السنة 617 قبض الملك الأشرف مظفر الدين بن العادل الأيوبي علي الأمير عماد الدين المشطوب ، واعتقله في قلعة حران ، وضيق عليه تضييقة شديدة ، من الحديد الثقيل في رجليه ، والخشب في يديه ، وحصل في

ص: 168

رأسه ولحيته وثيابه من القمل شيء كثير ، ومكث علي هذه الحال حتي توقي سنة 619 ( وفيات الأعيان 181/1 ).

وفي السنة 727 كانت الكائنة باسكندرية مصر ، وتوجه الجمالي إليها ، وصادر الكارم والحاكة وغيرهم ، وضرب القاضي ، ووضع الزنجير في رقبته ، وكان ذلك أمرأ فظيعة ( الوافي بالوفيات 369/2 ) .

وفي السنة 742 غضب نائب السلطان بالقاهرة ، علي جماعة من الأمراء ، فأمر بهم فأنزلوا عن خيولهم إنزالا قبيحة ، وقيدوا ، وعملت الزناجير في رقابهم ، والخشب في أيديهم وسجنوا بخزانة شمائل ( النجوم الزاهرة 15/10)

وفي السنة 791 رسم الأمير منطاش ، بالقاهرة ، بتخشيب المماليك الظاهرية ، المسجونين بقلعة الجبل ، في أيديهم وأرجلهم . ( النجوم الزاهرة 360/11)

وفي السنة 785 اتهم السلطان بمصر الخليفة المتوكل العباسي . بالتآمر عليه ، فأمر بتقييده وسجنه في البرج الذي بالقلعة ، ثم تشفع له الأمراء ، في فك القيد عنه فأبي ، فتقدم إليه الأمير سودون النائب ، وباس رجله ، فوافق . ( بدائع الزهور 333/28 - 336 ).

وفي السنة 791 قبض بالقاهرة ، علي الأمير محمود الأستادار ، وولده محمد ، وصفد كل منهما بقيد زنته أربعون رطلا ، خارجة عن قوائمه فإنها عشرة أرطال ، وجعل في عنق محمود ثلاث باشات . (تاريخ ابن الفرات 102/9 ونزهة النفوس 231 ).

وفي السنة 791 لما قبض علي السلطان الظاهر برقوق ، صفد بقيد ثقيل ( نزهة النفوس 223) .

ص: 169

وفي السنة 793 قبض بالقاهرة علي والي القاهرة ، حسام الدين بن الكوراني ، وعصر ، وضرب ، وقيد بقيد ثقيل زنته خمسون رطلا . ( نزهة النفوس 293 ) .

ولما عصي الأمير عين الملك ، علي السلطان محمد بن تغلق ، سلطان الهند ، وأسر ، أحضر بين يديه مشهرة ، فأمر السلطان بأن يقيد بأربعة كبول ، وأن تغل يداه إلي عنقه . (مهذب رحلة ابن بطوطة 2/ 109 و 110 ).

وفي السنة 976 فر الأمير عبد الله الداعي الهمداني ، من حبس الإمام مطهر الزيدي ، فندم لأنه لم يقيده ، وكان عنده عدة أمراء عثمانيين من كبار القواد ، قد سجنهم في آبار محفورة ، فأمر فقيد كل أمير بنصف قنطار من الحديدالموزون ( البرق اليماني 228 و 229) .

وكان جلال الدين والي حلب في السنة 1227 يحضر من الأهالي من يريد مصادرته ، ويضعه في السجن في القلعة ، ويوضع في رقبته زنجير له شوك ويطالب ، فإن اذي أطلق ، وإلا خنق ورميت جثته في الخندق ( اعلام النبلاء375/3 - 377 ).

وفي السنة 800 قدم إلي مصر ، رسول الظاهر مجد الدين عيسي ، متملك ماردين ، وذكر إنه ظل مسجونأ مدة سنتين عند تيمورلنك ، في قيد زنته 20 رطلا من الحديد . ( بدائع الزهور 499/2/1 ) .

وفي السنة 808 توفي الخليفة المتوكل علي الله ، أبو عبد الله محمد بن المعتضد بالله العباسي ، وكان الظاهر برقوق قد قيده وسجنه بالبرج فأقام فيه سبع سنين ، وهو بالقيد، حتي ذاب لحم ساقيه . ( بدائع الزهور 745/2/1)

وواجه الشيخ شهاب الدين الخراساني ، سلطان الهند محمد بن تغلق ، بما أرتكبه من مظالم ، وعددها له واحدة واحدة ، فأخذ السلطان سيفه

ص: 170

وسلمه لوزيره صدر الجهان ، وقال له : يثبت هذا أني ظالم ، وأقطع عنقي بهذا السيف ، فقال الشيخ : ومن يقدر أن يشهد بذلك فيقتل ، ولكنك أنت تعرف ظلم نفسك ، فأمر السلطان بأن يسلم الشيخ لرئيس الدويدارية ، فقيده بأربعة قيود ، وغل يديه ، فأمتنع الشيخ طيلة مدة اعتقاله عن الطعام والشراب أكثر من خمسة عشر يوما ، ثم قتل في سجنه ( مهذب رحلة ابن بطوطة 87/2 و 88 ) .

أما السلطان سليم شاه ، سلطان الهند، فإنه لما سير جيشا لاعتقال أخيه الأكبر عادل ، بعث مع قائده سلسلة من الذهب ، ليقيد أخاه بها ، وتفصيل ذلك ، إنه لما قتل شير شاہ فريد، سلطان الهند ( حكمه 947۔ 952) وهو يحاصر حصن كالينجار ، خلفه علي العرش ولده سليم شاه ( إسلام شاه ) فارتاب بنية أخيه الأكبر عادل ، ثم اصطلح معه ، وولاه إحدي الولايات وبعد شهرين ، عاوده آرتيابه منه ، فبعث إليه أحد كبار قواده ، ومعه سلسلة من الذهب ، وأمره أن يقيده بها . ( الاسلام والدول الاسلامية في الهند 60).

وفي السنة 1247 (1897 م ) ثار الشاميون علي واليهم محمد سليم باشا ، وحصروه في القلعة ، وكتب أهالي دمشق عريضة للسلطان محمود في اصطنبول ، يعلنون فيها خضوعهم للدولة ، ويذكرون بأن الوزير محمد سليم باشا ، بادأهم بالإعتداء ، وضرب محلات دمشق من القلعة بالقنابر ، وكلفوا سليم أغا ابن السقا أميني ، وهو دمشقي يتاجر مع إصطنبول ، أن يحمل العريضة الي إصطنبول ، وأعطوه خمسة عشر كيسا أجرأ ، فلما وصل إلي اصطنبول واطلع السلطان علي العريضة ، أمر بالرسول فحبس في سراية الوزير الأعظم ، ولما بلغ السلطان من بعد ذلك ما فعله الشاميون من قتل واليهم وحاشيته ، اشتد غضب السلطان ، وأمر بالرسول فنقل إلي سجن مظلم ، وہ جنزروه » من رقبته ، ومن رجليه ويديه ، ورتبوا له رغيف خبز كل

ص: 171

يوم ، وفنجانين ماء ( مذكرات تاريخية 18 - 20 و40 و41) .

وفي السنة 1257 بدمشق ارتفع ضرب العصي واللومان ( الحبس ) والقتل ، وصار كل من أذنب ، « يوضعوا له ، جنزير ، ويدور يكنس في السراي وفي البلد ( مذكرات تاريخية 247 ).

وفي السنة 1219 فرض الباشا ( الوالي ) بمصر ، توزيع فردة ( مطالبة بمال ) علي أهل مصر لغلاق جامكية العسكر ( لسداد الرواتب المتأخرة اللجنود ) وقسموا المطلوب علي تجار البن وخان الخليلي والمغاربة وأهل الغورية ، وكل من تراخي في الدفع ( الأداء ) قبضوا عليه وأودعوه في أضيق الحبوس ، ووضعوا الحديد في يديه ورجليه ورقبته ، ومنهم من يوقفونه علي قدميه والجنزير مربوط في السقف ( الجبرتي 28/3 ) .

وفي السنة 1229 ( 1814 م ) حبس متسلم البصرة ، مصطفي أغا بن صاري محمد أغا ، في سراي الحكومة بالبصرة ، وسبب ذلك إنه اختلف مع بيبي خدوج ( خديجة بنت الشيخ درويش رأس عائلة آل باش أعيان ، فشكت بيبي خدوج أمرها إلي سعيد باشا بن سليمان باشا، والي العراق ، وكان ابن خالها ، فغضب لها ، وأصدر أمره بعزل المتسلم ، وكتب بذلك سرا إلي صالح أفندي كاتب الخزينة ، فاتفق صالح أفندي ، مع قبطان باشا ، وأعتقلا المتسلم ، وحبساه في غرفة بالسراي ، ووضعا الحديد في ساقيه ، وصبا فيه الرصاص ، كيلا يمكن فكه بسهولة ( مجلة لغة العرب البغدادية ج 12 سنة 3 سنة 1332).

ص: 172

القسم الثاني : المسوح وباب الصوف

الجبة ، والجمع جبب وجباب : ضرب من مقطعات الثياب ، والجبة المعروفة الآن عندنا ببغداد ، رداء فضفاض يرتديه الفقهاء المعممون ، يقوم مقام العباءة عند طبقة التجار ، ومقام المعطف لأصحاب البنطلون ، للتفصيل راجع معجم دوزي لألبسة العرب ص 107 - 117.

والمسح ، والجمع مسوح وأمساح : ما يلبس من نسيج الشعر علي البدن ، إما إظهارا للحزن ، وإما أن يضطر إلي لبسه للإهانة أو الإيذاء ، راجع معجم دوزي لألبسة العرب 405 - 407، قال أبو العتاهية ، في جواري المهدي ، لما ارتدين المسوح حزنا علي وفاته :

رحن في الوشي وأق****بلن عليهن المسوح

كل نطاح من ال****دهر له يوم نطوح

نح علي نفسك يا ****مسكين إن كنت تنوح

التموت ولو عمر**** ت ما عمر نوح

وقد كان من ألوان العذاب التي تمارس ، إضافة إلي عذاب الحبس ، والقيد ، والغل ، إلباس المحبوس المسوح ، أو چباب الصوف ، فإن أريد الزيادة في العذاب ، نقعت الجباب في النفط ، أو في ماء الأكارع.

وكان عبد الله بن هاشم المرقال ، من أصحاب علي ، شديد الوطأة في

ص: 173

حرب صفين ، علي أهل الشام ، فلما وقع الصلح بين الحسن ومعاوية ، استتر عبد الله بالبصرة ، فكتب معاوية إلي زياد بن أبيه ، أن يطلب عبد الله أشد الطلب ، فإذا ظفر به فأحلق رأسه ، وقيده ، وألبسه جبة شعر ، وغل يده إلي عنقه ، وأحمله علي قتب بغير وطاء ولا غطاء ، وأنفذه إلي ، ففعل زياد ذلك ( شرح نهج البلاغة 30/8 - 33).

واتهم الوليد بن عبد الملك ، علي بن عبد الله بن العباس ، بأنه قتل سليطأ ، وسليط ابن أمة لعبد الله بن عباس ، ثم ادعي انه ولده ، فلما قتل ، اتهم علي بقتله ، فأخذه الوليد ، وضربه واحدة وستين سوطأ ، وألبسه جبة شعر ، وأقامه في الشمس ، وصب علي رأسه الماء ( الديارات 215 و216) .

وأمر يزيد بن عبد الملك ، بعزل عامل المدينة عبد الرحمن بن الضحاك الفهري ، وبسط العذاب عليه ، فأخذه عبد الواحد بن عبد الله النضري ، عامل الطائف ، وعذبه وألبسه جبة صوف ، وسبب ذلك إن عبد الرحمن بن الضحاك ، خطب فاطمة بنت الحسين الشهيد ، فردته ، فألح عليها ، وحلف لئن لم تفعل سيجلدن أكبر بنيها ، عبد الله بن الحسن ، في الخمر ، فكتبت إلي يزيد بن عبد الملك تشكو أمرها ، فلما أخذ يزيد الكتاب ، وقرأه ، اشتد به الغضب ، وجعل يضرب بخيزرانة في يده ، وهو يقول : لقد اجترأ الضحاك ، هل من رجل يسمعني صوته في العذاب وأنا علي فراشي ، ثم كتب إلي عبد الواحد بن عبد الله النضري وهو بالطائف ، بأنه قد ولاه المدينة ، وأمره أن يغرم ابن الضحاك أربعين ألف دينار ، وأن يعذبه حتي يسمع صوته وهو علي فراشه ، ولما ورد بريد دمشق ، لم يدخل علي ابن الضحاك ، فأوجس خيفة من ذلك ، ودفع الي حامل البريد ألف دينار ، فأخبره بكتاب الخليفة ، فخرج ابن الضحاك إلي الشام ، وأستجار بمسلمة بن عبد الملك ، فأجاره ، وكتم أخاه يزيد ، فأبي أن يعفيه ، ورده إلي المدينة ،

ص: 174

حيث ألبسه النضري جبة صوف ، وعذبه ، وغرمه ( الطبري 12/7 - 14) .

وكان عمر بن هبيرة ، أميرا علي العراقين ، فلما ولي هشام بن عبد الملك ، عزله بخالد القسري ، فأخذه خالد ، فقيده ، وألبسه مدرعة صوف ، وحبسه ، فاحتال حتي فر من السجن ، ولحق بالشام ( كتاب الفرج بعد الشدة للتنوخي ، رقم القصة 191 ) .

وفي السنة 85 ضرب هشام بن إسماعيل المخزومي ، عامل عبد الملك علي المدينة ، سعيد بن المسيب ، ستين سوطأ، ضربا مبرحا ، وألبسه المسوح ، وتبان الشعر ( التبان سراويل قصيرة لسترة العورة يلبسها الملاحون والمصارعون والسباحون والرياضيون ) وسرحه إلي ذباب ، وهي ثنية بالمدينة ، كانوا يقتلون عندها ويصلبون ، فظن انهم يريدون قتله ، فلما انتهوا به إلي ذلك الموضع ، ردوه ، فقال : لو ظننت أنهم لا يصلبونني ما لبست التبان المسوح ، فإني حسبت أنهم سوف يصلبونني ، فقلت : سراويلي تسترني ، وكان سبب ضربه ، أنه طولب بأن يبايع للوليد بن عبد الملك ، فأبي ، وقال لا أبايع أحد، وعبد الملك الذي باعته ما يزال حيا ( الطبري 415/6 و416) .

وأراد هشام بن عبد الملك ، أن يحول ولاية عهده ، عن الوليد بن يزيد ، إلي ولده مسلمة أبي شاكر ، فأبي الوليد ، فقال له هشام : اجعلها له من بعدك ، فأبي ، فتنكر هشام ، وأخذ ابن سهيل ، وهو من خاصة الوليد، فضربه ، وسيره ( نفاه ) ثم أخذ عياض بن مسلم ، كاتب الوليد، فضربه ضربا مبرحا وألبسه المسوح ، فكتب الوليد إلي هشام ( الطبري 211/7 و212 و215) .

رأيتك تبني جاهدأ في قطيعتي**** ولو كنت ذا حزم لهدمت ما تبني

تثير علي الباقين مجني ضغينة**** فويل لهم إن مت من شر ما تجني

ص: 175

كأني بهم والليت أفضل قولهم ****ألا ليتنا، والليت إذ ذاك لا يغني

كفرت بدأ من منعم لو شكرتها ****جزاك بها الرحمان ذو الفضل والمن

وفي السنة 106 وقعت الفتنة بين مصر واليمن بخراسان ، وكان سبب ذلك : إن مسلم بن سعيد غزا ، فتباطأ الناس عنه ، وكان ممن تباطأ البختري بن أبي درهم ، فرد مسلم نصر بن سيار وجماعة معه الي بلخ ، لكي يخرج الناس فيلتحقوا بجيش مسلم ، فأحرق نصر باب البختري بن أبي درهم ، وباب زياد بن طريف الباهلي ، فغضب عمرو بن مسلم ، أخو قتيبة ، واجتمعت مضر علي نصر بن سيار ، وربيعة والأزد علي عمرو بن مسلم ، وحمل أصحاب عمرو علي نصر وأصحابه ، فاشتبكوا ، فكان أول قتيل من باهلة ، من أصحاب عمرو بن مسلم ، وقتل معه ثمانية عشر رجلا، وأنهزم عمرو ، وأرسل يطلب الأمان من نصر ، فأمنه ، وضربه مائة ، وضرب البختري ، وزياد بن طريف مائة مائة ، وحلق رؤوسهم ولحاهم ، وألبسهم المسوح ( ابن الأثير 127/5 و128 ).

وفي السنة 141 خلع عبد الجبار بن عبد الرحمن ، عامل خراسان للمنصور ، فوجه إليه المنصور جيشأ بقيادة ولده المهدي ، فأقام بالري ، ووجه خازم بن خزيمة ، لحرب عبد الجبار ، وبعد معركة ضارية ، انكسر جيش عبد الجبار ، وأخذ هو أسيرة ، فألبس جبة صوف ، وحمل علي بعير ، ووجهه إلي ذنب البعير ، وحمل إلي المنصور ، ومعه ولده وأصحابه ، فبسط المنصور عليهم العذاب ، ثم أمر به فقطعت يدا عبد الجبار ، ورجلاه ، وضربت عنقه ، وأمر بتسيير ولده إلي دهلك ( ابن الأثير 505/5 و506)

وفي السنة 147 بعث عبد الرحمن الداخل مولاه بدرة ، وتمام بن علفة إلي طليطلة ، وبها هشام بن عذرة ، فحصراه ، وضيقا عليه فوقع في الأسر ، هو وحياة بن الوليد اليحصبي ، وعثمان بن حمزة بن عبيد الله بن عمر بن الخطاب ، وجيء بهم إلي عبد الرحمن في جباب صوف ، وقد حلقت

ص: 176

رؤوسهم ولحاهم ، وأركبوا الحمير ، وهم في السلاسل، وصلبوا بقرطبة ( ابن الأثير 583/5 ).

وحبس المهدي العباسي ، إبراهيم الموصلي ، وأمر أن يلبس جبة صوف ، وكان يخرج علي تلك الحال ، فيطرح علي الجواري ، فكتب ذات يوم إلي أصحابه ، وهم مصطبحون :

ألا من مبلغ قومأ**** من أخواني وجيراني

هنيئا لكم الشرب**** علي ورد وتهتان

واني مفرد وحدي**** بأشجاني وأحزاني

فمن جف له جفن**** فجفناي يسيلان

فوقف المهدي علي رقعته ، فرق له وأطلقه ( الأغاني 189/5 ) .

وكان الجاحظ ، منقطعة إلي الوزير محمد بن عبد الملك الزيات ، فلما نكب المتوكل محمد بن عبد الملك ، اعتقل الجاحظ، وأحضر أمام القاضي أحمد بن أبي دؤاد مقيدا في جبة صوف ، راجع القصة مفصلة في كتاب الفرج بعد الشدة للقاضي التنوخي ، تحقيق المؤلف ، في القصة رقم 127 .

وتقلد محمد بن هلال ، الخراج بمصر ، عزل به أحمد بن محمد بن المدبر ، فحبسه أبن هلال ، وطالبه ، وألبسه جبة صوف كانت علي بعض الساسة ، وأقيم في الطريق علي كناسة ، وختمت الجبة في عنقه .

قال أحمد بن يوسف في كتاب المكافأة ( ص 139 و 140)، إن أحمد بن محمد بن المدير ، عامل الخراج بمصر ، رجع يومأ إلي داره ، فاستقبلته امرأة ، فقالت له : أيها السيد ، نحن مائة عيل علي فلان المتقبل ، وقد ضاع شملنا لحبسه ، فاتق دعوة تعرج منا إلي الله فيك ، فقال يهزأ بها : إذا عزمتم علي هذا ، فليكن الدعاء في السحر ، فإنه أنجع ، فما مضي شهر حتي عزل

ص: 177

بمحمد بن هلال الذي تقلد خراج مصر ، الذي حاسبه ، واعتقله ، وألبسه جبة صوف كانت علي بعض الساسة ، وختم الجبة في عنقه، وأقامه في الطريق علي كناسة ، فكان أول من وافاه الإمرأة التي استغاثت به فهزأ بها ، فقال له : جزاك الله يا أبا الحسن خيرة ، فقد نفعتنا بأكثر مما ضررتنا، لأننا جربنا ما أشرت به ، فوجدناه أنجع شيء يلتمس .

واعتقل المعتضد العباسي ( قبل أن يستخلف ) أبا الصقر اسماعيل بن بلبل الشيباني ، وزير ابيه الموفق ، علي أثر وفاة أبيه ، وكبله بالحديد ، وجعل في عنقه غلا فيه رمانة حديد ، والغل والرمانة مائة وعشرون رطلا ، وألبس جبة صوف قد غمست في الدبس وودك الأكارع ، وتركه في الشمس ، وعلق معه رأس ميت ، وعذبه أنواع العذاب ، ولم يزل علي ذلك حتي مات ، ودفن بغله وقيوده ، وكان ذلك في السنة 278 ( مروج الذهب 493/2 والوافي بالوفيات 96/9).

ولما عزل الوزير ابن الفرات ، وزير المقتدر ، عن وزارته الأولي في السنة 299 تسلمه أبو الهيثم العباس بن محمد بن ثوابة الأنباري ، وكان من شرار الخلق ، فعذبه وقيده بقيد ثقيل ، وألبسه جبة صوف قد نقعت في ماء الأكارع ، وغله بغل ، وأجلسه في الشمس ، راجع التفصيل في نشوار المحاضرة للتنوخي ج 5 رقم القصة 27 .

ولما قبض علي المحسن بن الفرات ، بعد عزل والده عن وزارته الأولي ، ضرب علي رأسه ، وسائر جسده ، بالطبرزينات ، وقيد ، وغل، وألبس جبة صوف ، وجبة شعر ، وعذب بكل شيء ( الوزراء للصابي 65 ).

وذكر أبو القاسم زنجي ، أن حامد بن العباس ، وزير المقتدر ، لما خلف أبا الحسن بن الفرات ، بعد وزارته الثانية ، أمر بالمحسن فقيد بقيد ثقيل ، وألبس جبة صوف قد غمست في النفط ، مزرورة في عنقه ( الوزراء للصابي 264).

ص: 178

الفصل الثالث : طرائف عن الحبوس

وقيل ليزيد بن المهلب : لم لا تتخذ لك دارا ؟ فقال : وما أصنع بها ، ولي دار حاصلة مجهزة علي الدوام ؟ فقيل له : وأين هي ؟ قال : إن كنت متولية فدار الإمارة ، وإن كنت معزولا فالسجن . ( وفيات الأعيان 294/6 ) .

وحبس المصعب بن الزبير، عبيد الله بن الحر الجعفي ، فكلم الأحنف ، مصعبأ ، فأطلقه ، فقال عبيد الله للأحنف : يا أبا بحر ، جعلني الله فداك ، ما أدري ما أكافئك به ، إلا أن أقتلك ، فتدخل الجنة شهيد ، وأدخل أنا النار ، فضحك الأحنف ، وقال : لا حاجة لي في مكافأتك يا ابن أخي . ( أنساب الأشراف 288/5 ) .

وقرأ الحجاج في سورة هود : يا نوح إنه ليس من أهلك ، إنه عمل غير صالح ، فلم يدر كيف يقرأ : عمل ، بالضم أو بالفتح : فقال لحرسي : ائتني بقاريء ، فأتي به ، وقد ارتفع من مجلسه ، فحبس ، واعترض الحجاج أهل الحبس بعد ستة أشهر ، فلما انتهي إليه ، قال له : فيم حبست ؟ قال : في ابن نوح ، أصلح الله الأمير ، فأمر باطلاقه . ( العقد الفريد 36/5 ) .

ولما كان الشيء بالشيء يذكر ، فإن البغداديين ، يتندرون بقصة يروونها عن الحاكم العسكري ، الذي كان ببغداد في عهد عبد الكريم قاسم ، فقد ذكروا أن أحد أولاد الحاكم احتاج إلي أستاذ يلقي عليه درسا إضافية في أحد

ص: 179

المواضيع المدرسية ، وذكر له اسم الاستاذ ، فدونه علي ورقة ، وسلمها لأحد أتباعه ، وكلفه بإحضاره ، وبعد مرور أسبوع، تذكر أن المدرس لم يحضر ، فسأل تابعه : أين فلان ، أما أحضرتموه ؟ فقال له: لقد أحضرناه يا سيدي ، وأشبعناه ضربأ طيلة الأسبوع. ولكنه إلي الآن لم يعترف بشيء.

أقول : الحاكم العسكري الذي كان ببغداد علي عهد عبد الكريم قاسم ، رجل من كبار الضباط ، اسمه أحمد صالح العبدي ، وأنا لم ألقه ، ولم أره ، ولكني سمعت عنه إنه كان رضي الأخلاق ، بحيث استبعد ان تصدر عنه هذه النادرة ، ولكن البغداديين معروفون بسبك النوادر علي حكامهم ، وهذا من ذاك .

وروي القاضي حيان بن بشر ، وكان قد تولي قضاء بغداد وأصبهان : إن عرفجة قطع أنفه يوم الكلام (بالميم ) ، وكان مستمليه رجلا من أهل كجة ، فقال له : أيها القاضي ، إنما هو يوم الكلاب ( بالباء ) ، فأمر القاضي بحبسه ، فدخل الناس إليه ، وقالوا : ما دهاك ؟ فقال : قطع أنف عرفجة في الجاهلية ، وأبتليت أنا به في الإسلام . ( اخبار الحمقي 83 ).

وغضب الرشيد علي ثمامة بن أشرس ، فدفعه إلي سلام الأبرش ، وأمره أن يضيق عليه ، وأن يدخله بيتأ ، ويطين عليه ، ويترك فيه ثقبأ، ففعل ذلك ، وكان يدس إليه الطعام من الثقب ، وجلس سلام عشية يقرأ في المصحف، فقرأ: و ويل يومئذ للمكذبين 4 (بفتح الذال)، فقال له ثمامة : اقرأ ( المكذبين ) - بكسر الذال - وجعل يشرح له ، ويقول : المكبون ، بالفتح ، هم الأنبياء ، والمكبون ، بالكسر هم الكفار ، فقال له سلام : قد قيل لي أنك زنديق ولم أقبل ، وضيق عليه أشد التضييق ، ثم رضي الرشيد عن ثمامة ، وأطلقه ، فكان يحضر مجلسه ، فسأل الرشيد جلساءه يوما ، فقال : أخبروني عن أسوء الناس حالا ؟ فقال كل واحد شيئا ، فلما بلغ القول إلي

ص: 180

ثمامة ، قال : أسوء الناس حالا ، عاقل يجري عليه حكم جاهل ، فتبين الغضب في وجه الرشيد ، فقال : يا أمير المؤمنين ، ما أحسبني وقعت بحيث أردت ، قال : لا والله ، فحدثه بحديث سلام الأبرش ، فضحك ، وقال : صدقت ، ولقد كنت أسوء الناس حالا . ( أخبار الحمقي 151 ) .

وتذكرني هذه القصة ، بقصة يتناقلها البغداديون ، عن فقيه حبس ظلمة ، فكان يعظ المسجونين ، ويحضهم علي التمسك بالدين والأخلاق ، فلا يري تجاوبا من أحد منهم ، إلا من شخص واحد، كان يقبل علي الواعظ ، وينصت إليه باهتمام عظيم ، ويبكي بكاء شديدا ، فأعجب به الواعظ ، وقال له مرة : بارك الله فيك يا ولدي ، فإن وعظي - علي ما يظهر الي - عظيم الأثر فيك ، ولا بد أنك قد انتفعت به ، فقال له : إني ، با سيدي ، لم أفهم شيئا من وعظك ، أما سبب بكائي ، فلأنني لما حبست ، فارقت تيسأ ، قد ربيته ، وأحببته حبي لولدي ، وكلما رأيتك تحرك لحيتك ، وأنت تعظ ، تذكرت لحية تيسي الذي فارقته ، فبكيت حزنا علي فراقه .

وروي أن أفلح بن أفلح ، ناظر قوسان ، المتوفي سنة 595 خرج مع هيأة لتخمين المزروعات ، فضايق المعاملين والتناء ، واستوفي منهم عشرة آلاف دينار ، لنفسه ، فسأله أحد أعضاء الهيأة عن المال الذي جمعه ، فقال له : هذا المال جمعته لي ولاعضاء الهيأة وللكاتب والبراطيل ونفقة الحبس ، ولما سأله إيضاحأ ، قال له : هذه عشرة آلاف دينار ، أعطيك منها ألفا ، وللكاتب الفأ ، وللمشرف الفأ ، وأبرطل بألف ، وأنفق علي نفسي في الحبس ألفا ، وأبقي لعيالي منها خمسة آلاف ، فإن خسرت في آخر السنة ، أكون قد رتبت لنفسي ما يكفيني . ( الجامع المختصر 16 و 17 ).

وكان أبو الينبغي ، ضعيف الشعر ، قلما يصح له الوزن ، إلا إنه كان ظريفة طيبة ، وتكلم بكلام ، فحبس ، فقيل له : ما كان خبرك ؟ فقال : أبو

ص: 181

النيبغي ، قال ما لا ينبغي ، ففعل به ما ينبغي ( الملح والنوادر 258 ).

ومن أصناف المتدين ، الشجولي ، الذي كان يؤثر في يده اليمني ورجليه حتي يري الناس أنه كان مقيدا مغلو" ، ويأخذ بيده تكة فينسجها ، يوهمك أنه من الخلدية ، وقد حبس في المطبق خمسين سنة ( المحاسن والمساويء 218/2) .

وقال المعتمد اللخمي ، صاحب إشبيلية ، لما حبس بالمغرب العربي :

تعلمت في السجن نسج التكك**** وكنت امرأ قبل حبسي ملك

ص: 182

الباب الخامس : النفي والاشهار

اشارة

جمعت في هذا الباب بين النفي والإشهار ، لأنهما كثيرا ما يجتمعان في العقوبة ، وقلما تم نفي من دون إشهار .

ولما كان الإشهار يتم في أغلب الأحيان ، مع عقوبة إضافية ، وهي التعليق ، أو التسمير ، فقد أفردت للإشهار بحثا ، وللتعليق بحثا آخر ، وكذلك للتسمير .

وبذلك تم تصنيف هذا الباب الي فصلين ، كما يلي :

الفصل الأول : النفي

الفصل الثاني : الاشهار ، وينقسم الي ثلاثة أقسام

القسم الأول : الاشهار .

القسم الثاني : التعليق ، وهو علي ألوان سبعة :

اللون الأول : التعليق من اليدين

الون الثاني : التعليق من يد واحدة .

اللون الثالث : التعليق من الساق .

اللون الرابع : التعليق من الإبط .

اللون الخامس : التعليق من الثدي .

ص: 183

اللون السادس : التعليق بالقارة .

اللون السابع : التعليق منكسا .

القسم الثالث : التسمير .

ص: 184

الفصل الأول : النفي

النفي ، في اللغة : التنحية ، ومنه قولهم : انتفي منه ، أي تبرأ منه .

ونظر محمد بن كعب القرظي ، إلي الخليفة الصالح عمر بن عبد العزيز ، فأطال النظر ، فقال له عمر : مالك نديم النظر إلي ، قال : أنظر إلي ما نفي من شعرك ، وحال من لونك ، ذلك ، إن عمر قبل أن يستخلف كان أنيقأ ، مترفة ، منعم ، فلما استخلف ، تقشف وتشعث ، جريأ علي سنة الخلفاء الراشدين ، رضي الله عنهم ، بأن يعيش أحدهم عيشة أدني فرد في الرعية « لئلا يبخع الفقير بفقره » .

والنفي في الإصطلاح : طرد الإنسان من الموضع الذي هو فيه إلي موضع آخر غيره .

وإن كان النفي لمدة معينة ، سمي تغريبة .

وكان النفي ، في صدر الإسلام ، عقوبة قائمة بذاتها ، غير مضافة إلي عقوبة أخري غيرها ، ولكنها في العهد الأموي ، وما بعده من العهود ، أصبحت - علي الأكثر - عقوبة تبعية ، تضاف إلي الضرب والمصادرة .

وكان الأمويون يمارسون هذا اللون من العذاب ، بنفي من يريدون نفيه إلي عمان ، أو دهلك ، وهي جزيرة جرداء في البحر الأحمر .

ص: 185

أما العباسيون ، فقد توسعوا في تعيين أماكن النفي ، فنفوا إلي إقريطش (كريت ) ، وإلي طنجة ، وإلي عمان ، وإلي الأهواز .

وكان المحتسب في مدن الأندلس ، في عهد المسلمين ، يمر بالأسواق راكبا وأعوانه معه ، وميزانه الذي يزن به في يد أحد الأعوان ، ولا يجسر أحد أن يبيع بأكثر مما حد له المحتسب ، فإن ظفر بأحد باع بأكثر مما حد له ، ضرب ، وجرس ( أشهر) ، فإن عاود نفي من البلد ( نفح الطيب 218/1 و 219).

وأول من نفي في الإسلام ، الحكم بن أبي العاص ، أبو مروان ، وكان من أشد الناس أذي للنبي صلوات الله عليه ، وقدم المدينة بعد فتح مكة ، فكان يمر خلف النبي فيغمز به ويحكيه ، وإذا صلي قام خلفه فأشار بأصابعه ، وأطلع علي النبي ذات يوم وهو في بعض حجر نسائه ، فنفاه هو وولده إلي الطائف ، فلما قبض النبي ، سئل أبو بكر في رده ، فأبي ، وسئل عمر في رده فأبي ورده عثمان ، فكان رده من جملة الأعمال التي أنكرها عليه المسلمون ( أنساب الأشراف 27/5 ).

ونفي النبي صلوات الله عليه ، عن المدينة، مختثين : هما هنب وماتع . ( لسان العرب ماده : هنب ).

ونفي الخليفة عمر بن الخطاب ، نصر بن حجاج عن المدينة ، إلي البصرة ، ثم رده، وسبب ذلك، أن الخليفة طاف ليلة بالمدينة ، فسمع امرأة تنشد في خدرها :

هل من سبيل إلي خمر فأشربها ****أم من سبيل إلي نصر بن حجاج

إلي فتي ماجد الأخلاق ذي كرم ****سهل المحيا كريم غير ملجاج

وكانت المرأة هي الفارعة ، أم الحجاج بن يوسف الثقفي ، كانت تحت

ص: 186

المغيرة بن شعبة ، فولدت منه ابنة ، ثم طلقها، فتزوجها يوسف ، فولدت الحجاج .

فلما أصبح عمر ، قال : علي بنصر بن حجاج ، فجيء به ، فإذا هو

أحسن الناس وجها ، فأمر بقص شعره ، فبدا أجمل مما كان ، فنفاه إلي البصرة ، ثم رده ، عندما وصفت له عفته . راجع القصة في وفيات الأعيان 31/2 و 32 والمحاسن والاضداد 141 و142 والاغاني 191/6 و192 .

وفي السنة 31 نفي عثمان بن عفان ، أبا ذر الصحابي إلي الربذة ، فمات هناك في السنة 32.

أقول : أبو ذر من المسلمين الأولين ، ولما أسلم بمكة، كان المسلمون يكتمون إسلامهم ، فخرج أبو ذر إلي الكعبة ، وصاح بأعلي صوته : أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله ، فقام إليه مشركو قريش فضربوه حتي أضجعوه ، وعاود الإعلان بالشهادة في اليوم الثاني ، فعادوا إلي ضربه ، وهاجر أبو ذر مع النبي ، وجاهد معه في غزواته ، وكان معه في غزوة تبوك ، فتأخر بعيره عن مسايرة المسلمين ، فلما أبطأ به ، أخذ متاعه ، وحمله علي ظهره ، وخرج يتبع الرسول ماشية ، ونظر المسلمون إليه من بعيد وهو يقصدهم ، فقال النبي : يرحم الله أبا ذر ، يمشي وحده ، ويموت وحده ، ويبعث وحده ، فلما دعا أبو ذر إلي العدل الإجتماعي في عهد عثمان نفاه إلي الشام ، وكان عليها معاوية ، فتبرم به ، فأعاده عثمان ، ونفاه إلي الربذة ، فمات بها ، ولم يكن معه لما مات غير آمرأته وغلامه ، فغسلاه ، وكفناه ، ووضعاه علي قارعة الطريق ، فأقبل من العراق ركب فيهم عبد الله بن مسعود ورهط من أهل العراق عمار ، فقام إليهم الغلام ، وقال لهم : هذا أبو ذر ، صاحب رسول الله ، فأعينونا علي دفنه ، فاستهل عبد الله بن مسعود يبكي ، ويقول : صدق رسول الله ، تمشي وحدك ، وتموت وحدك ، وتبعث وحدك ، ثم نزل هو وأصحابه فواروه ( نور اليقين 31 والطبري 107/3 ) وكان سبب

ص: 187

تبرم معاوية بأبي ذر ، إن أبا ذر سمع معاوية يقول عن الفيء إنه مال الله ، يريد بذلك أن يحجبه عن أصحاب الحق من المسلمين ، فدخل عليه وقال اله: ما يدعوك إلي أن تسمي مال المسلمين، مال الله؟ قال: ألسنا عباد الله والمال ماله، والخلق خلقه، والأمر أمره؟ قال: لا تقله، فإنه مال المسلمين ، وقام أبو ذر بالشام وجعل يقول : يا معشر الأغنياء واسوا الفقراء ، بشر الذين يكنزون الذهب والفضة ، ولا ينفقونها في سبيل الله بمكاو من نار تكوي بها جباههم وجنوبهم وظهورهم ، فنفي معاوية أبا ذر عن الشام ، وأعاده إلي المدينة ومعه حارس ، سماه دليلا ، ولما عاد أبو ذر إلي المدينة من الشام ، أخرجه عثمان إلي الربذة ( الطبري 283/4 ) .

ونفي عثمان عامر بن عبد قيس ، من البصرة إلي الشام ، سعي به حمدان بن أبان مولي عثمان ، وكان حمدان قد تزوج امرأة في عدتها ، فنكل به عثمان ، ونفاه إلي البصرة ، فلزم ابن عامر أمير البصرة ، وكان من دسائسه أن دس علي عامر بن عبد قيس ، بأنه لا يري التزويج ، ولا يأكل اللحم ، ولا يشهد الجمعة ، فنفاه عثمان إلي الشام ، فلما قدم علي معاوية بالشام ، وافقه وعنده ثريدة، فأكل منها، فقال له معاوية : يا هذا تدري فيم أخرجت؟ قال: لا، قال: أبلغ الخليفة أنك لا تأكل اللحم، وأنك لا تري التزويج ولا تشهد الجمعة ، وقد رأيتك تأكل اللحم وعرفت أن قد كذب عليك ، فقال : أما الجمعة فإني أشهدها في مؤخر المسجد ، وأرجع في أوائل الناس ، وأما التزويج فإني خرجت وأنا يخطب علي ، وأما اللحم ، فقد كنت لا آكل ذبائح القصابين منذ أن رأيت قصابأ يجر شاة إلي مذبحها ، وذبحها فلم يذكها ، فقال له معاوية : فارجع ، فقال : لا أرجع إلي بلد استحل أهله مني ما استحلوا ( الطبري 4 /327 و 328 ).

ونفي عثمان من الكوفة إلي الشام رهطأ من أشراف أهل العراق ، وهم مالك الأشتر ، وزيد بن صوحان ، وصعصعة بن صوحان ، وكميل بن زياد ،

ص: 188

وعمير بن ضائي ، وجندب بن زهير الغامدي ، وثابت بن قيس النخعي ، وجندب بن كعب الأزدي ، وعروة بن الجعد، وعمرو بن الحمق الخزاعي ، فتبرم منهم معاوية بالشام ، فأعادهم إلي سعيد بن العاص بالكوفة ، وعاد سعيد فنفاهم بأمر عثمان إلي حمص ، وعليها عبد الرحمن بن خالد بن الوليد ، فأنزلهم بالساحل ، وأجري عليهم رزقا ( الطبري 318/4 ، 323 ، 325 ، 326 )

وغضب المصعب بن الزبير ، أمير العراق ، علي إبراهيم بن حيان ، مولي بني عجل ، فقطع يده ، ونفاه ، فصار إلي الروم ، وسبب ذلك ، إن المصعب كان أميرا علي العراق لأخيه عبد الله بن الزبير ، فشخص ابراهيم بن حيان من العراق إلي عبد الله بن الزبير بمكة ، وأخبره بأنه أهل العراق يحبون ولاية ابنه حمزة بن عبد الله ، فولي عبد الله ولده حمزة علي البصرة ، وعزل عنها المصعب ، وكتب إلي المصعب أن يضم من قبله من رجال البصرة إلي حمزة ، فغضب المصعب ، ورحل إلي الحجاز ، وقال الأخيه عبد الله : ما رأيت في حمزة ابنك ، حتي عزلتني ووليته ، فقال له : لم أعزلك تفضيله عليك ، ورده أميرة علي المصرين جميعا في الكوفة والبصرة ) فلما عاد المصعب إلي العراق ، قبض علي ابراهيم بن حيان ، وقطع يده ، ونفاه ، فصار إلي الروم ، فجني جناية هناك ، فقطعوا رجله ( انساب الاشراف 256/5 و336 ).

وكان عبيد الله بن زياد بالكوفة يهدد الناس بالنفي إلي عمان الزارة ( الطبري 359/5 ).

أقول : في معجم البلدان 907/2 ان الزارة : قرية بالبحرين .

وفي السنة 93 توفي جابر بن زيد الأزدي البصري ، تابعي ، من الأئمة ، من أصحاب ابن عباس ، نفاه الحجاج إلي عمان ، ومات هناك ( الاعلام 91/2 ).

ص: 189

وكان يزيد بن المهلب ، لما ولي خراسان ، كتب إلي سليمان بن عبد الملك ، إن معه خمسة وعشرين ألف ألف درهم ، ومات سليمان ، وخلفه عمر بن عبد العزيز ، فطالبه بما أقر به في كتابه ، وأمر عامله علي العراق عدي بن أرطأة الفزاري ، فأوثق يزيد ، وبعث به إلي دمشق ، فطالبه بالأداء ، فلم يؤد ، فحبسه عمر ، وألبسه جبة صوف ، وحمله علي جمل ، وأمر بنفيه إلي دهلك ، فغضب له قومه ، وأرادوا إطلاقه ، فرده إلي محبسه . ( وفيات الأعيان 299/6

و300) .

وقد نفي الخليفة عمر بن عبد العزيز ، عمر بن أبي ربيعة ، إلي دهلك ، لما بلغه عنه من تعرضه للنساء ، وتشبيبه به ( الاعلام 211/5 ) .

وبلغ عمر بن عبد العزيز ، أن مختثا بالمدينة ، قد أفسد الناس ، فأحضره ، وأمر بحبسه ، ووكل به من يعلمه القرآن ، فلم يتعلم شيئأ ، فدعا به ، وأمر به فوجئت عنقه ، ونفاه من المدينة ( الاغاني 337/6 و 338 ).

ولما خرج يزيد بن المهلب بالبصرة ، بلغه أن قتادة الفقيه يتنقصه ، فأحضره ، وشتمه ، فأغلظ له قتادة ، فأمر به فوجيء عنقه ، ووضع فيها حبل ، ونفاه إلي الأهواز . ( العيون والحدائق 66/3 ).

وغضب هشام بن عبد الملك ، علي الشاعر اسماعيل بن يسار ، فأمر بأن يغط في بركة أمامه فغط حتي كادت نفسه أن تخرج ، ثم أمر بإخراجه وهو يشر ، ونفاه من وقته ، وسبب ذلك إنه أنشد هشامأ قصيدة يفخر فيها بالفرس .

وكان إسماعيل شعوبيا شديد التعصب للعجم ، وأنشد يوما في مجلس فيه أشعب قصيدة يفخر بها علي العرب ، منها :

إذ نربي بناتنا وتدشون ****سفاها بناتكم في التراب

فقال له أشعب : صدقت والله يا أبا فائد، أراد القوم بناتهم لغير ما

ص: 190

أردتموهن له ، دفن الفوم بناتهم خوفا من العار ، وربيتموهن لتنكحوهن .

فضحك القوم حتي استغربوا ، وخجل إسماعيل حتي لو قدر أن يسيخ في الأرض لفعل ( الاغاني412/4و423 و424).

وغضب المنصور العباسي ، علي الطبيب عيسي الجنديسابوري ، فصادره ، وأمر بنفيه ، فنفي أقبح نفي ( تاريخ الحكماء 248).

وفي السنة 141 خلع عبد الجبار بن عبد الرحمن ، عامل خراسان للمنصور ، فقصده خازم بن خزيمة ، وأسره، وأدخله بغداد مشهرة ومعه أولاده ، فقتله المنصور ، وأمر بأولاده فنفوا إلي دهلك ، وهي جزيرة في بحر اليمن ، فلم يزالوا بها ، حتي أغار عليهم الهنود ، فسبوهم فيمن سبوا ( ابن الأثير 506/5)

وفي السنة 165 فتح عبد الرحمن الداخل مدينة سرقسطة بالأندلس ، وقتل الحسين بن يحيي الذي عصي عليه فيها ، وكان قد أقسم أن ينفي أهل سرقسطة عنها ، فنفاهم بأجمعهم لليمين التي تقدمت منه ، ثم ردهم إليها ( ابن الأثير 68/6 ).

وغضب المهدي العباسي ، علي القائد هرثمة بن أعين ، فأمر بنفيه إلي المغرب الأقصي ، راجع تفصيل القصة في كتاب المكافأة لأحمد بن يوسف ص 96 – 98 .

وفي السنة 175 نفي هشام بن عبد الرحمن ، صاحب الاندلس ، اخويه سليمان وعبد الله ، وأجلاهما عن الأندلس . ( ابن الأثير 123/6 ).

ونفي المأمون ، الشاعر أحمد بن أبي نعيم إلي السند ، وسبب ذلك : إن المأمون مازح القاضي يحيي بن أكثم ، فسأله من الذي يقول :

قاض يري الحد في الزناء ولا**** يري علي من يلوط من باس

ص: 191

فقال له : يقوله - يا أمير المؤمنين - الفاجر أحمد بن أبي نعيم ، الذي يقول :

ما أحسب الجورينقضي وعلي الأم****ة وال من آل عباس

فأفحم المأمون ، وقال : ينفي أحمد بن أبي نعيم إلي السند ، فنفي ، والمقطوعة التي قالها أحمد بن أبي نعيم ، منها : ( وفيات الأعيان 153/6 و 154 ).

أنطقني الدهر بعد إخراس****النائبات أطلن وسواسي

با بؤس للدهر لا يزال كما**** يرفع ناسا يحط من ناس

لا أفلحت أمة وحق لها**** بطول نكس وطول إنعاس

ترضي بيحيي يكون سائسها**** وليس يحيي لها بسواس

قاض يري الحد من الزناء ولا**** يري علي من يلوط من باس

أميرنا يرتشي وحاكمنا ****بلوط والراس شر ما راس

لا أحسب الجورينقضي وعلي الأم****ة وال من آل عباس

وفي السنة 220 غضب المعتصم علي الفضل بن مروان ، وكان يقوم بجميع أمره من وزارة وكتابة ، فأمر بحبسه ، فحبس في داره ( دار الفضل ) ببغداد ، في شارع الميدان ، واستوزر محمد بن عبد الملك الزيات ، فأمر بنفي الفضل إلي قرية في طريق الموصل ، يقال لها السن، وصار محمد بن عبد الملك الزيات وزير وكاتبا للمعتصم ( الطبري 20/9 ).

وغضب الواثق العباسي ، علي المسدود المغني ، فقال : خذوا برجل العاض ببظر أمه ، فسحب من بين يديه ، وقال : ينفي إلي عمان الساعة ، فأحدر من وقته .

وقد ذكرنا في موضع آخر من هذا الكتاب ، تفصيل القصة ، راجع الباب الأول ، الفصل الخامس ، وراجع الاغاني 289/20 .

ص: 192

وغضب الواثق علي إسحاق الموصلي ، كاده عنده مخارق ، فأمر به فسحب من المجلس ، ونفي إلي بغداد ، ثم تدخلت فريدة محظية الواثق في الأمر ، فأصلحت له قلب الواثق ، وعاد إلي منادته ، راجع الاغاني 361/5)

وكان عبادة المخنث ، المجاهر بالبغاء ، من ندماء المتوكل ، وغضب عليه المتوكل ، فنفاه إلي الموصل . (وفيات الأعيان 355/1 ) .

ونفي المتوكل ، علي بن الجهم إلي خراسان ، وكتب إلي عامله عليها طاهر بن عبد الله بن طاهر ، أنه أذا ورد عليه أن يصلبه نهارا كاملا ، مجردة ، ففعل ذلك . ( وفيات الأعيان 355/3) .

وغضب المتوكل علي نديمه إبراهيم بن حمدون ، إذا اتهمه بأنه حزين الموت الواثق ، فنفاه إلي السند ، وضربه ( معجم الأدباء 368/1 ) .

وغضب المتوكل علي نديمه أحمد بن إبراهيم بن حمدون ، فنفاه إلي تكريت ثم قطع أذنيه . ( معجم الأدباء 365/1 ).

وقال ابن حمدون النديم ، لعبادة المخنث نديم المتوكل، لو حججت ، لاكتسبت أجرأ ، فقال : اسمعوا إلي هذا العيار ، يريد أن ينفيني من سامراء علي جمل ( الديارات 187 ).

وفي السنة 244 غضب المتوكل، علي بختيشوع الطبيب ، وقبض ماله ، ونفاه إلي البحرين . ( الطبري 210/9 ).

ولما بويع المنتصر بالخلافة في السنة 247 أمر بعمه علي بن المعتصم ، فنفي إلي بغداد ، ووكل به هناك ، وفي السنة 253 أمر المعتز بنفيه من بغداد إلي واسط ، فنفي إليها ، ثم رد إلي بغداد ( الطبري 239/9 و377 ).

ص: 193

وفي السنة 248 غضب الموالي ( الاتراك ) ، علي أحمد بن الخصيب ، فاستصفي ماله ، ومال ولده ، ونفي إلي إقريطش (كريت ) ( الطبري 259/9 ).

وأمر الخليفة المنتصر ، بنفي عمر بن فرج الرخجي إلي بلاد الترك ( اي ما وراء النهر)، راجع القصة في كتاب المكافأة لأحمد بن يوسف الكاتب ص 43 - 47.

أقول : عمر بن فرج الرخجي هذا ، من سفلة الناس وشرارهم ، راجع ترجمته في هذا الكتاب في الباب الثالث ، الفصل الثاني : الصفع .

وفي السنة 248 خرج عبيد الله بن يحيي بن خاقان ، إلي الحج ، فوجه خلفه رسول اسمه شعيب ، بنفيه إلي برقة ، ومنعه من الحج . ( الطبري 258/9)

وفي السنة 250 غضب المستعين علي جعفر بن عبد الواحد، واتهمه بأنه بعث إلي الشاكرية من أفسدهم ، فنفاه إلي البصرة ( ابن الأثير 174/7)

وفي السنة 252 سخط المعتز علي دنجور ، وأمر بحبسه في الجوسق ، ثم أمر بنفيه إلي بغداد مقيدة ، ثم وجه به إلي اليمامة ، فحبس هناك ( الطبري 372/9)

وفي السنة 252 حصلت فتن بين الأتراك والمغاربة ، في سامراء ، فعمد بايكباك رأس الأتراك إلي محمد بن راشد ونصر بن سعيد رئيسي المغاربة فقتلهما ، وكان الذي دس عليهما محمد بن عزون ، فغضب المعتز علي محمد بن عزون وأراد قتله ، فكلم فيه ، فنفاه إلي بغداد ( الطبري 369/9)

وفي السنة 252 كلف المعتز العباسي ، مؤدبه محمد بن عمران

ص: 194

الضبي ، أن يسمي له رجالا للقضاء ، فسمي للمعتز ثمانية رجال ، منهم الخصافي والخلنجي ، فأمر بنصبهم قضاة ، فاعترض علي ذلك شفيع الخادم ، ومحمد بن إبراهيم ، المعروف بابن الكردية ، وعبد السميع بن هارون ، وقالوا : هؤلاء من أصحاب ابن أبي دؤاد ، وأنهم « رافضية ، قدرية ، زيدية ، جهمية ، فأمر المعتز بطردهم ، ونفاهم إلي بغداد ( الطبري 371/9)

وفي السنة253 غضب المعتر ، علي أخيه أبي أحمد الموقق ، ابن المتوكل ، فنفاه إلي واسط ، ثم إلي البصرة ، ثم رد إلي بغداد ، وأنزل في الجانب الشرقي ، في قصر دينار بن عبد الله ( الطبري 377/9 ).

أقول : قصر دينار بن عبد الله بالمخرم ( العلوازية ) ، وقد ذكره الشاعر ، حين قال :

ومن يشتري مني ملوك المخرم**** أبغ حسنا وابني هشام بدرهم

وأعطي رجاء فوق ذاك زيادة**** وأمنح دينارة بغير تندم

فإن طلبوا مني الزيادة زدتهم ****أبا دلف والمستطيل بن أكثم

ويتضح من الشعر ، أن هؤلاء الذين ذكرهم ، جميعهم دورهم في المخرم ، ويريد بالحسن : الحسن بن سهل ، وبأبني هشام ، علي بن هشام ، وأخيه أحمد بن هشام، وبرجاء ، رجاء ابن أبي الضحاك الجرجرائي ، والد الحسن بن رجاء ، وبدينار ، دينار بن عبد الله ، من موالي الرشيد ، وبأبي دلف ، القاسم بن عيسي ، وبأبن أكثم ، القاضي يحيي بن أكثم ، وهؤلاء الذين ذكرهم ، أركان دولة المأمون .

ولما قتل صالح بن وصيف ، القائد التركي ، المعتر ، استترت أمه قبيحة ، وأرضت صالح بالمال ، فأخذ منها مالا وجواهر ، ونفاها إلي مكة ، وبقيت هناك إلي أن ولي المعتمد ، فردها . (تاريخ الخلفاء 360 ).

ص: 195

ونفي المعتمد، الحسن بن مخلد الوزير ، الي مصر ، فكان مضيه إليها سبب تلفه ، إذ حبسه أحمد بن طولون ، حتي مات في حبسه ، وسبب نفي الحسن ، إنه كان متعط ، وحضر مجلسا غنت فيه إحدي جواري بدعة الكبري ، أبيات طرب لها الحسن ، وكان آخر تلك الأبيات :

لا تهلكي جزعة فإني واثق**** برماحنا وعواقب الأيام

فقيل للمعتمد : إن هذا يتربص بك الدوائر ، فنفاه إلي مصر ، للتفصيل راجع كتاب نشوار المحاضرة للتنوخي تحقيق المؤلف ج 8 ص 30 رقم القصة 9.

وتهدد الوزير إسماعيل بن بلبل ، عبيد الله بن سليمان ، بالنفي إلي طنجة ، راجع القصة مفضلة في كتاب نشوار المحاضرة للتنوخي ، تحقيق المؤلف ج 8 ص 164 - 169 رقم القصة 71.

وفي السنة 290 قبض القاسم بن عبيد الله ، وزير المكتفي ، علي الحسين بن عمرو النصراني ، ونفاه إلي واسط ( علي قول الطبري 103/10 ) وإلي الأهواز ( علي قول التنوخي في نشوار المحاضرة 268/3 ) وسبب ذلك : إن الحسين بن عمرو النصراني كان يكتب للمكتفي ، قبل الخلافة ، وكان قوي الصلة به ، فلما استخلف ، رغب الحسين في الوزارة ، وأحكمت له الأمر ، فارس داية المكتفي ، ولما كانت نصرانيته تحول دون استيزاره ، فقد اقترح علي أن تكون الوزارة ، باسم إبراهيم بن حمدان الشيرازي ، كاتب الحسين ، وأن تكون الدواوين ، وأمور الدولة بأجمعها، في يد الحسين ، وتم الإتفاق مع المكتفي علي يوم معين ، يعزل فيه القاسم ، وينصب إبراهيم بدلا منه ، راجع في كتاب نشوار المحاضرة للتنوخي ج 3 ص 268 - 272 رقم القصة 171 الطرق التي توصل بها القاسم المعرفة الخبر ، وكيف تم له تدارك أمره ، بحيث مكنه الخليفة من الحسين بن عمرو ، وكاتبه إبراهيم ، حتي نفاهما ، ثم قتلهما .

ص: 196

وفي السنة 306 وقعت فتنة ببغداد بين العامة والحنابلة ، فأخذ الخليفة جماعة منهم ، وسيرهم إلي البصرة ، فحبسوا هناك ( ابن الأثير 115/8 ).

ولما وزر ابن الفرات ، وزارته الثانية ، رفع ابن مقلة ، وقدمه ، وزاد في رزقه ، فلما عزل ابن الفرات ، كان ابن مقلة من أشد الناس عليه ، فلما وزر ابن الفرات وزارته الثالثة ، نكب أبا علي بن مقلة ، وحبسه ، وأسلمه إلي ولده المحن ، وكان المحسن قاسية ، وإسلام المحبوس إليه ، يعني قتله ، فكتب ابن مقلة إلي الوزير ، وكلمه بعض أصحابه ، فأخذه من يد ولده المحسن ، ونفاه ، وسليمان بن الحسن إلي فارس ، راجع تفصيل القصة في كتاب الفرج بعد الشدة للتنوخي ، رقم القصة 117 .

وسعي أبو الحسن بن أبي البغل ، لأخيه أبي الحسين ، في الوزارة ، وشعر الخاقاني الوزير بالأمر ، فاعتقل الأخوين ، وأنزلهما في زورق مطبق ، وحدرهما إلي واسط ، لينفيهما منها إلي حيث يتقرر رأيه عليه . ( الوزراء للصابي 296 ) .

وعثر الوزير ابو الحسن بن الفرات علي ورقة سقطت من سليمان بن الحسن ، فيها سعاية به ، فقبض عليه للوقت ، وأنفذه إلي واسط ، في زورق مطبق ، وصودر ، وعذب ، راجع القصة مفصلة في كتاب نشوار المحاضرة للتنوخي ، تحقيق المؤلف ، ج 8 ص 191 رقم القصة 82.

وفي السنة 311 لما استوزر المقتدر ، أبا الحسن بن الفرات ، وزارته الثالثة ، عمل المحسن ، ابن الوزير، علي قتل علي بن عيسي ، فلم يدعه أبوه ، واستقر الأمر علي نفيه وإبعاده عن الحضرة ، فنفاه إلي مكة ، وضم إليه المحسن موكلين ، وأوصاهم بسمه في الطريق إن تمكنوا ، أو قتله بمكة ، فتحرز علي بن عيسي في مأكله ومشربه ، حتي وصل إلي مكة ، فاستعان بقاضيها ، وهو من أنصاره ، فطرد الموكلين به ، وسلم ، راجع كتاب نشوار

ص: 197

المحاضرة للقاضي التنوخي، تحقيق المؤلف ج 4 ص 70 - 73 رقم القصة 37 .

وفي السنة 318 عزل المقتدر وزيره ابن مقلة ، وقبض عليه ، وصادره ، ونفاه إلي بلاد فارس ( وفيات الأعيان 114/5 ).

واستوحش مؤنس من الحسين بن القاسم بن عبيد الله ، وزير المقتدر ، فطلب منه أن يعزله ، فعزله ، فطلب منه أن ينفيه إلي عمان ، فأبي ( النجوم الزاهرة 229/3 ).

وفي السنة 319 هم المقتدر باستيزار أبي علي بن مقلة ، فكره ذلك القائد هارون بن غريب ، واتفق مع الوزير ابن الفرات ، فنفي ابن مقلة إلي شيراز . ( تجارب الأمم 229/1 ) .

وكان الوزير أبو علي بن مقلة ، نفي أبا العباس الخصيبي ، وسليمان بن الحسن بن مخلد إلي عمان ، وكاتب صاحب عمان بحبسهما ، والتضييق عليهما ( تجارب الأمم 323/1 ) .

أقول : كان الوزير آبن مقلة قد أحدر الخصيبي وسليمان بن الحسن إلي البصرة ، وأمر البريدي بنفيهما في البحر ، فجن عليهما الليل ، وكادا يغرقان ، وأيسا من الحياة ، فقال الخصيبي : اللهم إني أستغفرك من كل ذنب وخطيئة ، وأتوب إليك من معاودة معاصيك ، إلا من مكروه أبي علي بن مقلة ، فإني إن قدرت عليه جازيته عن ليلتي هذه ، وما حل بي منه فيها ، وتناهيت في الإساءة إليه ، فقال له سليمان : أفي هذا الموضع ، وأنت معاين الهلاك ، تقول هذا ؟ فقال : ما كنت لأخدع ربي ، ولما صارا إلي عمان ، عدل بالخصيبي إلي سرنديب، فعرف سليمان بن الحسن، ابن وجيه صاحب عمان خبره ، فأمر برده إلي عمان ، ثم ان الراضي عزل ابن مقلة ، وولي عبد الرحمن بن عيسي فضمن الخصيبي ابن مقلة ، وتسلمه ، وعذبه ، وعامله بصنوف المكاره ، راجع كتاب نشوار المحاضرة للتنوخي ج 2 ص 124 و125.

ص: 198

رقم القصة 63/2 وكتاب تجارب الأمم 323/1 .

ولما استوزر المقتدر الحسين بن القاسم بن عبيد الله ، في السنة 319 ، تجرد لنفي علي بن عيسي وأخيه عبد الرحمن ، إلي مصر والشام ، فدافع مؤنس عنهما ، فتقرر نفي علي بن عيسي إلي الصافية ، ( وهي بليدة قرب دير قني ، مقابل النعمانية ، في وسط العراق ) . ( تجارب الأمم 220/1 و221) .

وفي السنة 319 عزل الحسين بن القاسم عن وزارة المقتدر ، واعتقل عند الوزير الخلف ، أبي الفتح الفضل بن جعفر بن الفرات ، ثم نفي إلي البصرة ، وأقيم له في كل شهر خمسة آلاف درهم ( تجارب الأمم 228/1)

وفي السنة 321 بلغ مؤنسا الخادم ( المظفر ) أن محمد بن ياقوت يسعي عليه عند القاهر ، وأن الواسطة بينهما الطبيب عيسي ، طبيب القاهر ، فوجه علي بن يلبق ، فقبض علي عيسي في حضرة القاهر، ونفاه إلي الموصل ( الطبري 250/8 وتجارب الأمم 259/1 ).

وفي السنة 321 أراد القائد علي بن يلبق أن يقبض علي البربهاري ، لأنه يثير الفتن هو وأصحابه ، فاستتر البربهاري ، وأخذ جماعة من اعيان أصحابه ، وحبسوا ، وجعلوا في زورق ، وأحدروا إلي عمان ( ابن الأثير 273/8)

وجاء في تجارب الأمم 260/1 والنجوم الزاهرة 238/3 أن أصحاب البربهاري أحدروا إلي البصرة .

أقول : البربهاري ، نسبته إلي البربهار ، وهي أدوية تجلب من الهند ( اللباب 107/1 ) ولعلها التي تسمي الآن بالبهارات ( الاعلام 217/2 )، أبو محمد الحسن بن علي بن خلف الحنبلي ، شيخ الحنابلة في وقته ، ولد

ص: 199

سنة 233 ، وكان عنيفا في تصرفاته ، حتي طلبه القاهر في السنة 321 ليعتقله ، فاستتر ، ثم ظهر ، وعاد إلي العنف ، فأراد الراضي أن يعتقله في السنة 323 فاستتر ، ومات في استشاره في السنة 329، ولم أقرأ عن رجل اختلف فيه المؤرخون ، اختلافهم في البربهاري ، فإن المؤرخين الحنابلة ، جعلوا منه قديسأ، بل نبيا مرسلا ، أما المؤرخون الآخرون ، فجعلوا منه وحش كاسر ، وممن أعلن بذمه أبو بكر الصولي ، في كتابه الأوراق ، وقال عنه صاحب التكملة ( ص 91) إن أصحاب البربهاري يذكرون عنه صلاحأ كثيرة ، وأضداده يذكرون خلاف ذلك ، والظاهر أن صاحب التكملة من مرجحي « خلاف ذلك ، لأنه روي عنه في كتابه ، إنه وضع بعرة جمل في درج مقفل له منظر ، وجاء به إلي بزاز في الكرخ ( يعني انه شيعي ) وقال له : هذه بعرة جمل أم المؤمنين عائشة ، وأريد أن أرهنها عندك علي ألف دينار ، كما روي عنه القاضي التنوخي في كتابه نشوار المحاضرة ج 2 ص 233 ان البربهاري بلغه أن نائحة اسمها خلب ، تنوح علي الحسين وأهل البيت ، فأمر أصحابه أن يطلبوها ويقتلوها ، كما روي عنه في موضع آخر ج2 ص 295 أقوالأ تدل علي إنه لا يحسن التعبير الفصيح ، ويخطيء في تهجي الألفاظ ، وكان البربهاري ، قد جمع حوله عصبة من الحنابلة ، قال عنهم ابن الأثير في الكامل 307/8 و 308 إنهم أخذوا يكبسون دور العامة والقواد ، وإن وجدوا نبيذا أراقوه ، وكسروا آلة الغناء ، واعترضوا في البيع والشراء ، ومشي الرجال مع النساء والصبيان ، فإذا رأوا ذلك سألوا الرجل عن الذي معه ، من هو ؟ فإن أخبرهم ، وإلا ضربوه ، وحملوه إلي صاحب الشرطة ، وشهدوا عليه بالفاحشة ، فأرهجوا بغداد ، واستظهروا بالعميان الذين كانوا يأوون إلي المساجد ، فكان إذا مر بهم شافعي المذهب ، آغروا به العميان ، فيضربونه بعصيهم حتي يكاد يموت ، وذكر صاحب معجم الأدباء 436/6 إنهم هاجموا الإمام الطبري ، صاحب التفسير والتاريخ ، فرموه بالمحابر ، وهو علي المنبر ، فقام ودخل إلي داره ، فرموا داره بالحجارة ،

ص: 200

حتي صار علي بابه كالتل العظيم ، ولما توفي الإمام الطبري ، دفن لي؟ ، لأنهم منعوا من دفنه، وادعوا عليه الرفض ( أي التشيع ) ثم ادعوا عليه الالحاد، وقد أوضح أبو الفرج بن الجوزي ، وهو حنبلي ، سبب غضبهم عليه ، ومنعهم من دفنه ، في كتابه المنتظم 172/6 إن الإمام الطبري كان يري جواز المسح علي القدمين ، ولا يوجب غسلهما ، فلهدا نسب إلي الرفض ، وقال ابن الأثير 308/8 و 309 : ولما زاد شرهم وفتنتهم ، خرج توقيع الخليفة الراضي ببيان هاجم فيه البربهاري وعصابته ، وأنكر عليهم فعلهم ، ووبخهم وأمر أن لا يجتمع منهم اثنان، وأن لا يتناظروا في مذهبهم ، وتهددهم « بالضرب والتشريد، والقتل والتبديد » ، وذكر صاحب تجارب الأمم 322/1 إن بدر الخرشني ، ركب في السنة 323 وحبس جماعة من أصحاب البربهاري ، فاستتر البربهاري ، وكان سبب ذلك « تشترطهم علي الناس، وإيقاعهم الفتن المتصلة» وظل البربهاري مستترة في دار أخت توزون، ومات في استتاره ، ودفن في تلك الدار ، أما ما أثبته المؤرخون الحنابلة عنه ، ومنهم أبو الفرج عبد الرحمن بن الجوزي ، صاحب المنتظم ، وعبد الحي بن العماد صاحب شذرات الذهب ، فإن أولهما وصفه في المنتظم 323/6 بأنه « جمع العلم والزهد، وإنه « تنزه عن ميراث أبيه ، وإنه «كان شديدة علي أهل البدع ، فما زالوا يثقلون عليه قلب السلطان ، حتي استتر عند أخت توزون « نحوا من شهر ، ثم مات ، فحضر للصلاة عليه « رجال بثياب بيض وخضر ملأوا الدار فصلوا عليه ، وزاد علي ذلك بأنه « كشف عن قبره بعد سنين ، فوجدوه صحيحا لم يرم ، وظهرت من قبره روائح الطيب ، حتي ملأت مدينة السلام ، ونقل ابن العماد في شذرات الذهب 319/2 - 322 ما كتبه ابن الجوزي ، ووصف البربهاري بأنه « الفقيه القدوة ، شيخ الحنابلة بالعراق حالا وقالا ، وانه آستتر في السنة إحدي وعشرين ( وثلثمائة ) ثم تغيرت الدولة فزادت حرمته ، ثم سعت المبتدعة به ، فنودي بأن لا يجتمع في بغداد اثنان من أصحاب البربهاري فاختفي إلي أن مات في رجب ،

ص: 201

والذي يؤخذ علي ابن الجوزي أنه بلغ من تعصبه للبربهاري أن نسب إليه ، ما لم ينسب إلي الأنبياء والصديقين ، فزعم إنه صلت عليه الملائكة ، وهذا ما لم يدعه أحد حتي للأنبياء ، كما نسب إليه أنه كشف عن قبره بعد سنين ، فوجد بدنه صحيح لم يرم ، وإن روائح الطيب فاحت من قبره حتي عمت وملأت مدينة السلام ، وكان الأنسب لفقيه مثل ابن الجوزي ، أن لا يتورط في نسبة جميع هذه المعاجز الي البربهاري ، يضاف إلي ذلك إنه أثبتت في تاريخه : إن البربهاري تنزه عن ميراثه من أبيه ، وغفل عن الوجه السيء في القضية ، وهو إن تنزه البربهاري عن ميراثه من والده ، يعني أن ذلك المال فيه شبهة الحرام ، كما ذكر إن مدة اختفاء البربهاري في دار أخت توزون « شهر واحد ، مع أن بقية المؤرخين اجمعوا علي أن البربهاري استتر في السنة 323 ومات وهو مستتر في السنة 329.

ونفي محمد بن القاسم بن عبيد الله ، وزير القاهر ، أخاه الحسين ، إلي الرقة ، في قصة من أقبح القصص ، دلت علي ما اشتمل عليه محمد بن القاسم ، هذا ، من خة ونذالة ، فإن محمد بن القاسم ، استوزره القاهر ، في السنة 321 وكان أخوه الحسين مستترأ ، فراسله أخوه الوزير محمد ، وسأله أن يظهر لكي يقلده ثلاثة دواوين ، ديوان السواد ، وديوان الجيش ، وديوان النفقات ، وحلف له بالله العظيم ، وبسائر أيمان البيعة ، وبعتق مماليكه ، وطلاق نسائه ، علي صحة ضميره له ، وبأن باطنه مثل ظاهره ، وكتب له بذلك رقعة أشهد الله فيها علي نفسه ، فاطمأن أخوه إلي تلك الأيمان ، وصار إلي أخيه ، وإذا بأخيه الوزير قد أعد له زورقأ مطبقأ ، فلما حصل عنده أمر بتحصيله في الزورق ، ووقفت أمه علي الخبر ، وهما شقيقان ، فجاءت حتي وقفت لمحمد علي شاطيء دجلة ، في الموضع الذي ينزل منه إلي طياره ، وهناك خلق من الناس ، فاستغاثت إليه ، وكشفت شعرها بين يديه ، وأظهرت ثديها، وحلفته بكل حق لها عليه ، أن يطلق

ص: 202

آبنها ، فلم يلتفت إليها ، وجلس في طياره ، وانحدر إلي دار السلطان ، وأمر بأخيه ، فنفي إلي الرقة ( تجارب الأمم 266/1 و267 ) ،ولأجل معرفة مصير محمد بن القاسم هذا ، راجع القصة 100 من كتاب الفرج بعد الشدة اللقاضي التنوخي ، تحقيق المؤلف .

وكان ابن سليمان الكاتب ، قد تعهد له المستكفي ، بأن يستكتبه ، لما سعي له في الخلافة ، فلما بويع بالخلافة استكتبه ، ثم أخذ هو وعلم قهرمانة المستكفي ، يغصبون أموال التجار علنا ، فبعث توزون إلي المستكفي يلومه علي ذلك ، وطلب من المستكفي أن يصرف أبا عبد الله بن سليمان عن كتابته فصرفه ، فأخذه توزون ، وأخذ أخاه وابنه ، ونفاهم إلي الشام ، وكان ذلك في السنة 333 . ( تجارب الأمم 76/2 ) .

وفي السنة 337 نفي معز الدولة ، أصفهدوست ، خال أولاده ، ومن أكابر قواده ، إلي رامهرمز ، وسجنه بها . ( ابن الأثير 480/8 ) .

وفي السنة 358 استولي شيرزاد كاتب الفارسية في دولة بني بويه ، علي بختيار استيلاء عظيما . وحلف بختيار أنه لا يقرر أمرأ إلا بعد مشاورته ورضاه ، فناصبه الكتاب والجند العداء ، وتوافقوا علي الفتك به ، فخشي شيرزاد من القتل ، ونفاه بختيار إلي الأهواز . ( تجارب الأمم 257/2 - 259)

ولما استوزر بختيار ابن بقية ، نفي أبا محمد الخازن بن فسانجس إلي واسط ، وأجري عليه رزقأ ، ثم إن أبا محمد أصعد إلي بغداد بغير أمره ، فاغتاظ ، وقبض عليه ، ونفاه إلي البطيحة ، ثم أصعد سر واستر ببغداد ، فقبض ابن بقية عليه وعلي أخيه الوزير أبي الفرج ونفاهما إلي سرمن رأي ، واعتقله بها سنة 360 . ( تجارب الأمم 287/2 ).

ص: 203

وفي السنة 369 قبض عضد الدولة علي نقيب الطالبيين أبي أحمد الموسوي ، وعلي أخيه أبي عبد الله ، وعلي قاضي القضاة أبي محمد عبيد الله بن أحمد بن معروف ، ومحمد بن عمر العلوي ، ونفاهم إلي فارس ( تجارب الأمم 399/2 ).

وغضب المنصور بن أبي عامر الأندلسي ، علي عبد الملك بن إدريس الجزيري فنفاه من قرطبة. ( إعتاب الكتاب 193).

وفي السنة 404 أمر الحاكم الفاطمي ، بنفي المنجمين من بلاده . (وفيات الأعيان 295/5 ).

وفي السنة 446 بويع محمد بن إدريس من آل حمود بالخلافة ، فنفي أخاه الحسن الملقب بالسامي إلي العدوة . ( المعجب للمراكشي 120 ).

واتصل ابن عمار الأندلسي ، بالمعتمد اللخمي ، في حياة أبيه المعتضد ، فاشتدت الإلفة بينهما ، حتي لم يستطع المعتمد أن يفارقه ، ولما ولي المعتمد مدينة شلب لأبيه ، أخذ معه ابن عمار وزيرا ، فأمر المعتضد بنفي ابن عمار من بلاده ، فنفي إلي أقاصي بلاد الأندلس ( المعجب للمراكشي 176).

وفي السنة 497 ورد للسلطان سنجر ، ملطف ( كتاب في قصاصة ) : لا يتم لك أمر مع هذا الأمير برغش ، وورد ملطف للأمير برغش : لا يتم لك أمر مع هذا السلطان ، فجرت مضاهاة الخط ، وثبت إنه بخط كاتب الطغرائي وزير سنجر ، فأخذ الكاتب وقتل ، وعزل الطغرائي ، ونفي إلي غزنة ( ابن الأثير 378/10 ).

وكان ابن عنين الأنصاري الدمشقي الشاعر، نظم قصيدة في ثلب

ص: 204

أهالي دمشق ، سماها: مقراض الأعراض ، فنفاه السلطان صلاح الدين الأيوبي من دمشق ، فكتب إليه لما خرج : ( وفيات الأعيان 14/5)

فعلام أبعدتم أخا ثقة ****لم يقترف ذنبأ ولا سرقا

أنفوا المؤذن من بلادكم ****إن كان ينفي كل من صدقا

وقبض صاحب دمشق ، بوري بن طغتكين ، علي الشاعر ابن منير الطرابلسي (ت 548 ) لهجائه الناس ، وحبسه ، وعزم علي قطع لسانه ، ثم شفع فيه ، فنفاه عن دمشق . ( وفيات الأعيان 156/1 ).

وفي السنة 082 عاد عبد الله بن غانية ، إلي ميورقة ، فوجد أخاه محمد ، قد انتقض عليه وأخذ يدعو للموحدين ، فاستعاد عبد الله الحكم ، واعتقل أخاه محمد ، ونفاه إلي الأندلس ، حيث أكرمه الموحدون إكرامة عظيمة ، وولوه علي مدينة دانية . ( المعجب للمراكشي 352).

وفي السنة 629 نقل عن عبد الله بن ذبابة ، ما اقتضي ضربه علي باب النوبي ، وقطع لسانه ، وإحداره إلي البصرة ، وإلزامه المقام بها . ( الحوادث الجامعة 31) .

وفي السنة 690 أمر السلطان الملك الأشرف خليل ، ملك مصر والشام ، بإخراج ولدي الملك الظاهر بيبرس ، وهما الملك المسعود خضر صاحب الكرك ، والملك العادل سلامش ملك مصر المخلوع، ونفاهما مع أنهما إلي بلاد الأشكري ملك الفرنج ، فلما استقرا بالقسطنطينية ، أحسن إليهم الأشكري وأجري عليهم مايقوم بهم ومن معهم ، ومات سلامش هناك ، فصبرته والدته بالصبر ، وجعلته في تابوت ، ولم تدفنه ، إلي أن عادت به إلي الديار المصرية ( تاريخ ابن الفرات 130/8 ).

وفي السنة 737 أخذ بمصر شمس الدين بن اللبان الشافعي ، وشهد

ص: 205

عليه عند الحاكم بعظائم تبيح الدم ، فرسم بنفيه ( شذرات الذهب 114/6 )

وفي السنة 769 توقي قطب الدين القدسي ، المعروف بالهرماس ، وكان قد صحب الناصر حسن ، وحظي عنده ، ثم غضب عليه الناصر ، وطرده ، بعد أن ضربه بالمقارع، ونفاه إلي مصياف . ( الدرر الكامنة 33/4)

وفي السنة 786 قبض علي الأمير يلبغا ومعه سبعة أنفار من المماليك وضربهم سلطان مصر، ورسم بنفيهم إلي الشام ( بدائع الزهور 344/2/1)

وفي السنة 787 أمر سلطان مصر ، بنفي الأمير علي خان ، والي البهنسا من مصر ، بعد أن ضرب ، وغرم عشرة الاف دينار . ( بدائع الزهور59/2/1 )

وفي السنة 788 أنكر قاضي دمنهور ، علي ضامن المكوس ، ما بستأديه من المسلمين ، فأمر السلطان بضرب القاضي ونفيه . ( نزهة النفوس 140)

وفي السنة 790 أمر السلطان الملك الظاهر برقوق ، بنفي الطواشي بهادر ، مقدم المماليك السلطانية ، فنفي من القاهرة إلي صفد، قيل لأنه وجده سكرانا ( تاريخ ابن الفرات 33/9 ).

وفي السنة 801 تنگر سلطان مصر ، علي الأمير سودون الحمزاوي ، فضربه ، ونفاه إلي بلاد الشام . ( بدائع الزهور 511/2/1).

في السنة 811 نفي سلطان مصر ، الأمير يلبغا السالمي ، من القاهرة إلي الاسكندرية . ( الاعلام 276/9 ) .

ص: 206

وغضب ملك الأمراء ، نائب السلطان العثماني بمصر ، علي أحد الرعية ، فجدع أنفه ، وصلم أذنيه ، ونفاه إلي مكة ( بدائع الزهور 394/5)

وفي السنة 969 توفي الشيخ ابو محمد معروف بن عبد الله اليمني بدوعان منفية ، وهو من أهل شبام ، فخشيه السلطان بدر الكثيري لاعتقاد الناس فيه ، فأمر بإشهاره ونفيه ، فربط في عنقه حبل ، وطيف به ينادي عليه : هذا معبودكم يا أهل شبام ، ثم نفي عن شبام ، فاستقر بدوعان وبها مات ( شذرات الذهب 357/8 ).

وفي السنة 1032 نفي السلطان جاني بك كراي بن مبارك ، خان القرم ، إلي جزيرة رودس ، ومات هناك منفية في السنة 1036 ( معجم انساب الاسرات الحاكمة367 و 368 ).

وفي السنة 1054 عزل السلطان محمد كراي الرابع بن سلامت ، خان القرم ، من السلطنة ، ونفي إلي رودس ، وكان قد ولي السلطنة في السنة 1051 ( معجم انساب الاسرات الحاكمة 368) .

وفي السنة 1094 عزل السلطان مراد كراي بن مبارك ، خان القرم ، من السلطنة ونفي إلي يمبلوي ، حيث توفي هناك في السنة 1107 ( معجم انساب الاسرات الحاكمة 368) .

وفي السنة 1103 عزل السلطان سعادة كراي بن قريم ، خان القرم ، من السلطنة ، ونفي إلي رودس ، حيث توفي منفية في السنة 1116 ( معجم انساب الاسرات الحاكمة 368 ).

وفي السنة 1108 أحضر الباشا بمصر ، الشيخ محمد الزرقاني ، أحد شهود المحكمة ، بسبب انه كتب حجة وقف تتعلق بمنزل آل إلي بيت المال ، فأمر به فحلقت لحيته ، وأشهر في الأسواق علي جمل ، والمنادي

ص: 207

ينادي عليه : هذا جزاء من يكتب الحجج الزور ، ثم أمر بنفيه إلي جزيرة الطينة ( تاريخ الجبرتي 49/1 و50 ) .

وفي السنة 1125 عزل السلطان دولت كراي بن سليم ، خان القرم ، من السلطنة ، ونفي إلي رودس ، بعد أن حكم القرم من السنة 1121 ( معجم انساب الاسرات الحاكمة 368 ).

وفي السنة 1122 عزل الداماد علي باشا الجورليلي ، الصدر الأعظم ، وهو زوج بنت السلطان مصطفي خان ، ونفي الي جزيرة مدللي، وقتل هناك ( اعلام النبلاء 308/3 ).

وفي السنة 1144 قام نادر شاه بعزل الشاه طهماسب الثاني ونفاه ( معجم أنساب الاسرات الحاكمة 388 ).

وفي السنة 1169 عزل السلطان أرسلان كراي بن دولت ، خان القرم ، من السلطنة ، ونفي إلي خيوس ، بعد أن حكم من السنة 1161 ( معجم انساب الاسرات الحاكمة 368) .

وفي السنة 1171 وصل الأمر العالي السلطاني ، علي يد محمد أغا الأورفه لي ، رئيس البوابين بالباب العالي ، بالقبض علي أسعد باشا العظم ، والي حلب ، ونفيه إلي جزيرة كريت ، ثم قتل بداخل حمام ، بمدينة أنقره ( اعلام النبلاء 335/3 ).

وفي السنة 1178 عزل الصدر الأعظم مصطفي باشا ، ونفي إلي جزيرة مدللي ، وهناك أعدم ، وقطع رأسه ، وأحضر للأستانة ( اعلام النبلاء 339/3 )

وفي السنة 1178 نفي السيد محمد افندي نقيب الطالبيين بحلب ، الشهير بحلبي افندي ، ابن المولي السيد احمد افندي طه زاده ، إلي بروسه ، بشكاية أحد أهالي حلب ( اعلام النبلاء 3/ 345 ) .

ص: 208

وفي السنة 1185 نفي حسين باشا الداماد ابن العمادي ، والي حلب ، إلي قلعة البيرة ، وبعد أيام أرسل إليه من قتله ، وأرسل رأسه إلي الدولة ( اعلام النبلاء 348/3 ) .

وفي السنة 1194 في عهد الوزير عبدي باشا، سر عسكر أناطولي ، والي حلب ، توجه كاتب الديوان ، وابن جيان ، الي دار أحمد افندي الخنكارلي ، وابنه محمد أغا إذذاك متسلم حلب ، فطلبوا أحمد افندي من الحرم ، بعدما أحاط التفنكجية بداره بالسلاح الكامل ، فخرج إليهم ، وتلقاهم أحسن ملتقي ، وجلس لمؤانستهم ، فلم يشعر الا وقد أحاطوا به ، وقبضوا عليه ، وذبحوه ، وحروا رأسه ، ورجعوا به إلي السرايا ، ثم أخذوا ولده المتسلم محمد أغا ، والسيد أحمد افندي الكواكبي ، وعينوا معهما بيارق ، وأخذوهما مع الرأس ، إلي ناحية اعزاز ، فحبسوهما في جادر ( خيمة ) وركزوا الرأس حذاء ابنه ، ثم نفي الكواكبي إلي قلعة البيرة ، وعين معه بيارق ، وأرسل الرأس للدولة العلية ( اعلام النبلاء 356/3 ) .

وفي السنة 1200 توفي عبد الغني بن محمد الحنفي الدمشقي ، ومما يؤثر عنه انه نفي مرتين ، الأولي نفاه الصدر الوزير محمد باشا السلحدار إلي جزيرة لمني ، والثانية نفاه والي دمشق الوزير درويش باشا بن عثمان باشا إلي جزيرة عورت تجاه بلدة طرابلس الشام (سلك الدرر 39/3 ).

وفي السنة 1200 حصل قحط ببغداد ، فهاج لفيف من الناس ، وحملوا علم الشيخ عبد القادر الكيلاني ، وخرجوا في مظاهرة يصيحون : إن عباد الله ماتوا جوعا ، فأمر الوزير ، والي بغداد بتفريقهم ، فهاجمهم الجنود ، وقتلوا بعضهم ، وأسروا آخرين فصلبهم في الحال وقبض علي آخرين فجلدهم بالعصي ، ثم نفاهم إلي البصرة ( تاريخ العراق للعزاوي 98/6 ).

وفي السنة 1286 (1791م) أصدر وكيل الحرج في الجزائر ، علي

ص: 209

برغل ، للقبطان الحاج محمد ، قائد أسطول الجزائر ، أمرا بالإعتداء علي مراكب الأميركان ، خلافا لأمر الأمير حسن باشا، أمير الجزائر ، وأطاع القبطان ، أمر وكيل الحرج ، ظنا من إنه صادر عن الأمير ، ولما بلغ الأمير تصرف القبطان ، غضب منه ، وأمر بقتله ، فتقدم علي برغل إلي الأمير ، وأخبره بأن الذنب ذنبه ، لا ذنب القبطان ، لأن القبطان اتبع أمره ، حاسبة إنه أمر صادر عن الأمير ، فسكن غضب الأمير ، وأمر بعلي برغل ، فنفي إلي اصطنبول ( مذكرات الزهار 61 و62).

وفي السنة 1217 (1802 م ) ظهر الدرقاوي في ناحية وهران ، وهو شريف عربي ، وكاتب العرب في أمر القيام علي الترك ، وادعي إنه صاحب الوقت ( صاحب الزمان ) ، فالتفت عليه العرب والبربر ، وحاربه مصطفي باي صاحب وهران ، فانهزم الباي ، وانكسر عسكره كسرة شنيعة ، فبعث الأمير مصطفي حاكم الجزائر جندة ، بقيادة الحاج علي أغا، لمعونة صاحب وهران ، فلم يتمكنوا من شيء ، وحصرهم جند الشريف ، فاحتالوا حتي تخلصوا من الحصار وعادوا إلي الجزائر ، فاغتاظ الأمير مصطفي باشا ، وأمرهم بالعودة للحرب ، فانتقض عليه جنده ، وجاهروا بخلعه ، وأمروا عليهم الحاج علي أغا قائدهم ، ولكن الأغا امتنع عن قبول الإمارة ، فأجبروه علي ذلك ، ثم انحل أمرهم ، واستسلموا للباشا مصطفي ، فأمر بالحاج علي أغا، فنفي إلي اصطنبول ( مذكرات الزهار 84 و85). :

وفي السنة 1229 رسم كتخدا الوالي بالقاهرة ، بنفي طائفة من الفقهاء من ناحية طندتا إلي أبي قير ، بسبب فتيا أفتوها في حادثة ببلدهم ، وقضي بها قاضيهم ، وأنهيت الدعوي إلي ديوان مصر، فطلبوا إلي إعادة الدعوي ، فحضروا ، وترافعوا إلي قاضي العسكر ، وأثبتوا عليهم الخطأ ، فرسم بنفي الشاكي والمفتين والقاضي ( الجبرتي 463/3 ) .

وفي السنة 1232 (1816 م ) لما قتل الأمير عمر باشا، والي

ص: 210

الجزائر ، ونصب علي باشا خلفا له ، جاء بمائتي رجل من العسكر ، فأبقاهم معه ، ثم عزل الوزراء ، فمنهم من أبقاه ، ومنهم من قتله ، ونفي الخزناجي إلي تلمسان ، ونفي خوجة الخيل إلي مستغانم ( مذكرات الزهار 131 و132).

وفي السنة 1232 تحرك العسكر علي علي باشا، أمير الجزائر ، وخلعوه ، ونصبوا شاوش الحملة ، أي قائد البعث ، أميرا عليهم ، ولكن الشاوش رفض الإمارة ، فأجبروه، ونصبوا له وزراء ، ثم أن الأمير علي باشا ، انتصر عليهم ، وقتل منهم ، وعذب ، ونفي ، ولما قبض علي شاوش الحملة ، قال له : لقد علمت أنك كنت مجبرا علي التأمير ، ولذلك فإني اكتفي بنفيك ، ونفاه إلي البر التركي ( اصطنبول ) ( مذكرات الزهار 136 و137).

السنة 1244 قتل أحمد بك بن ابراهيم باشا بحلب ، وكان قد صدر له أمر بأن يتوجه إلي أرضروم بمائة وخمسين عسكرية فخرج من حلب ، ولكنه مرض فعاد إلي حلب ، فصدر أمر سلطاني إلي علي باشا ، بقتل أحمد بك ، فتوجه علي باشا لزيارة أحمد بك ، فتلقاه وأحسن استقباله ، وتحادثا مدة ، ثم نهض علي باشا وخرج من باب القصر ، فشيعه أحمد بك ، وكان علي باشا قد أوعز لثلاثة من أتباعه ، أن يطلقوا النار علي أحمد بك إذا خرج لتوديعه ، فلما خرج أطلقوا عليه النار ، وقتلوه ، ثم قطعوا رأسه ، وأدخلوا الجثة إلي الحريم ، وأرسل الوالي الرأس إلي الأستانة ، فأحضر السلطان مصطفي بك ميرآخور ، أخا أحمد بك ، وعرض عليه اليه الرأس ، وقال له : هل هذا رأس أخيك ؟ فلما أجاب بالايجاب أمر بقتله ، فقتل ، وأصدر السلطان أمره بمصادرة أملاكهما ، ونفي أولادهما ، وكافة من يلوذ بهما، البعض منهم إلي سيواس ، والبعض الي عينتاب والبعض الي أمكنة أخري ( اعلام النبلاء 414-412/3 )

ص: 211

ولما استولي الفرنسيون علي الجزائر في السنة 1245 (1830م) طالبوا المفتي الشيخ مصطفي بن الكبابطي ، بتسليم سجل الأوقاف ، فأبي ، وامتنع من تسليمه ، فاعتقله القائد الفرنسي ، ونفاه إلي خارج الجزائر ، فقصد مدينة الاسكندرية ، فتلقاه أهلها ، ورحبوا به ، وتوفي هناك ( مذكرات الزهار 183)

ص: 212

الفصل الثاني

القسم الأول : الاشهار

الشهرة : وضوح الأمر في شنعة حتي يشهره الناس ، وفي الحديث : من لبس ثوب شهرة ، ألبسه الله ثوب مذلة ( لسان العرب ).

والاشهار ، في الاصطلاح : عرض الإنسان في وضع مزر ، إذلا له ، وتشنيعا عليه .

والناس في كثير من المواضع ، يسمون الإشهار تجريسا ، فإذا أشهر شخص ، قالوا : جرسوه ، والسبب في ذلك ، أن أكثر الذين يشهرون يصحبهم شخص يحمل جرسأ يدقه لتنبيه الناس إليه ، ليكون ذلك أبلغ في إهانته ، وقد يحمل علي الدابة مقلوبة وجهه إلي الذنب ، ولذلك قال القيراطي الشاعر ، يهجو شاعرة ، ويتهمه بأنه يسرق معاني شعره ، ولكنه لا يضعها في مواضعها ، قال : ( شفاء الغليل 67).

وشاعر بالمعاني لا شعور له ****مركب الجهل يبدي سوء تركيب

موكل بمعانيه يجرسها ****فما يركب معني غير مقلوب

وكان الإشهار يتم علي ألوان تختلف باختلاف المطلوب إشهاره ، فإن كان المطلوب إشهاره قائدأ ، أو ثائرا عظيم النكاية ، أركب في ( تاريخ ابن خلدون 262/3 ) ، أو جم (تجارب الأمم 49/1 )، وإلا أركب حمارأ ( نفح الطيب 136/3 )، وفي مصر قد يشهر علي ثور ( شذرات الذهب 41/8 )،

ص: 213

ويطاف به في البلد ( شذرات الذهب 55/8 ، وإعلام النبلاء 520/4 و521 ) ، وقد يطاف به وهو مقيد ( تاريخ ابن خلدون 228/3 ) ، وقد يوضع في لحيته ريش ، وبيده قصبة ( إتعاظ الحنفا 126 ) ، أو يطاف به وهو في قفص ( إتعاظ الحنفا 131)، وقد يضاف إلي إشهاره أن يوكل به من يصفعه ( إعلام النبلاء 520/4 و521) ، أو من يلقي عليه الروث ( ابن خلدون 326/7 ) وقد يردف وراءه قرد يصفعه ( إعاظ الحنفا 270 ) ، أو أن يلبس برنسأ كبيرة ، بثوب مشهر ، مكتوب علي ظهره اسمه ، وما فعل ( إتعاظ الحنفا 209)، أو أن يطاف به وهو خلال ذلك يضرب بالمقارع ( شذرات الذهب 55/8 ) ، أو أن يسود وجهه ( بدائع الزهور 211/5 ) من بوتقة معدة لذلك ، وتسمي ببغداد « بوتقة السواد » ( المنتظم 237/10 ) ، وقد يركب ووجهه إلي جهة الذنب ( البصائر والذخائر م 3 ق 1 ص 161)، وقد يحصل بإلباس الرجل ثياب النساء ، وإشهاره بتلك الثياب ( انساب الاشراف 304/5 ووفيات الأعيان 410/6 ؛ والعيون والحدائق 365/3 وتجارب الأمم 456/6)

وركوب الحمير ، عند أهل الهند، عيب كبير ، وحميرهم صغار الاجسام ، وإذا أرادوا تشهير أحد بعد ضربه أركبوه الحمار ( مهذب رحلة ابن بطوطة 147/2 ).

وكان من جملة ما يصنع بمن يراد إدخاله إلي مصر مشهرة ، أن يربط عنقه بحبل ، ويحمل إلي البلد والحبل في عنقه ( المكافأة 60 - 64).

وفي بغداد ، كان من يراد اشهاره ، يلطخ وجهه باللبن الرائب ، ثم يشهر ، ويتضح ذلك من رباعية من نظم الملا عبود الكرخي ، قال : ( موسوعة الكتابات العامية البغدادية ).

بجدر عقلك يطبخوه ****وجلدك . اعلم - يصلخوه

بلبن وجهك يلطخوه ****وبالشوارع يشهروك

ص: 214

وكان العصاة ، في أيام الخلفاء الراشدين ، يشهرون ، بأن تنزع عمائمهم ، ويقامون للناس ، حتي جاء زياد بن أبيه ، فأضاف إليها الضرب بالسياط ، وجاء المصعب بن الزبير ، فحلق مع الضرب ، وجاء بشر بن مروان ، فكان يصلب تحت الإبطين ، ويدق المسامير في الأكف ، فلما جاء الحجاج ، قال : كل هذا لعب ، فكان يجازي بالقتل ( شرح نهج البلاغة45/12)

وأشهر الإمام علي ، النجاشي الشاعر ، إذ شرب الخمر في رمضان ، فضربه بالكوفة ، ثمانين للسكر ، ومائة لحرمة شهر رمضان ، وحمله علي جمل ، وطاف به في الكوفة ( البصائر والذخائر 468/2/2 ) .

وشهر عبيد الله بن زياد ، شاعرة هجاه ، بأن سقاه مسهلا، وقرن به هرة وخنزيرة ، وطيف به وبطنه تسيل ( الوافي بالوفيات 248/5 وابن الأثير 523/3 ووفيات الأعيان 349 و 350 ).

أقول : كان الذي شهره عبيد الله بن زياد ، هو الشاعر يزيد بن مفرغ الحميري ، وكان سبب هجائه له ، إنه صحب عباد بن زياد ، أخا عبيد الله ، لما ولي سجستان ، وانشغل عباد بحروبه عن ابن مفرغ ، فبسط لسانه فيه ، فبلغه ذلك ، فحبسه ، وصادره ، ثم أطلقه ، ففر إلي الشام ، ولج في هجاء بني زياد ، فطلبه عبيد الله طلبا شديدا ، وكتب في أمره إلي يزيد بن معاوية ، فأمر يزيد بطلبه ، ففر من الشام إلي البصرة ، فظفر به عبيد الله ، فحبسه ، واستأذن يزيد في قتله ، فلم يأذن له ، وإنما مكنه أن ينكل به علي أن لا يبلغ به القتل ، فأمر عبيد الله بابن مفرغ فسقي نبيذا حلوة ، قد خلط معه الشبرم ، فأسهل بطنه ، وطيف به وهو علي تلك الحال ، وقرن بهرة وخنزيرة ، فجعل يسلح والصبيان يتبعونه ويصيحون ، ثم رده إلي الحبس ، راجع التفصيل في وفيات الأعيان 342/6- 354.

ص: 215

ولما قدم سلم بن زياد ، أميرا علي خراسان ليزيد بن معاوية ، أخذ سلفه الحارث بن قيس بن الهيثم السلمي ، فحبسه ، وأقامه في سراويل ، وضرب ابنه شبيب ( الطبري 472/5 ) .

وكان في جند عبد الملك الذي حاصر زفر في قرقيسيا ، رجل من كلب يقال له الذيال ، كان يخرج فيشتم زفر ، فأمر زفر بعض من معه ، أن يحضروه إليه ، فأحضروه إليه بحيلة ، وأخبره الذي أحضره إنه قد أمنه ، فوهب له زفر دنانير ، وحمله علي راحلة ، وألبسه ثياب النساء ، وبعث معه رجالا أوصلوه إلي عسكر عبد الملك ، ونادوا : هذه جارية بعث بها زفر إلي عبد الملك ( انساب الأشراف 304/5 ) .

وفي السنة 69 شهر مصعب بن الزبير جماعة من وجوه أهل البصرة ، وطيف بهم في أقطار البصرة ، بعد أن ضربهم مائة مائة ، وسبهم ، وحلق رؤوسهم ولحاهم ، وهدم دورهم ، وصهرهم في الشمس ثلاثا ، وحملهم علي طلاق نسائهم ، و حجر أولادهم في البعوث ، وأحلفهم أن لا ينكحوا الحرائر ، وسبب ذلك إنهم ناصروا عبد الملك بن مروان ، لما بعث إلي البصرة خالد بن عبد الله يهيج أهلها علي ابن الزبير ، ولكن خالد لم يوفق ، إذ أشعل حربأ دامت أربعة وعشرين يوما ، ثم استجار بمالك بن مسمع فأخرجه من البصرة ، ولما عاد المصعب إلي البصرة ، صنع بمن ناصر خالد بن عبد الله ، ما ذكرناه آنفا ( الطبري 151/6 - 155 ) .

ولما فتح يزيد بن المهلب جرجان في السنة 98 كتب إلي سليمان بن عبد الملك أن قد صار إليه ، مما هو حق بيت المال من خمس ما أفاء الله علي المسلمين من الفيء والغنيمة ، ستة آلاف ألف درهم ، وإنه سوف يحمل ذلك إلي أمير المؤنين ، فقال له كاتبه المغيرة بن أبي قرة : لا تكتب بتسمية مال ، فإنك من ذلك بين أمرين : إما استكثره فأمرك بحمله ، وإما سخت نفسه به لك فسوغكه ، فتكلفت الهدية ، فلا يأتيه من قبلك شيء إلا أستقله ،

ص: 216

ولم يقع منه موقعأ ، ويبقي المال الذي سميت مخلدا عليك في دواوينهم ، فإن ولي وال بعده أخذك به ، فلا تمض كتابك ، ولكن أكتب بالفتح فقط ، فأبي يزيد ، فلما توفي سليمان وولي الأمر عمر بن عبد العزيز طالبه بالمال ، وأمر به فحمل إليه مقيدة ، وقال يزيد : إني كتبت إلي سليمان لأسمع الناس به فقال له عمر : ما أجد في أمرك إلا حبسك ، فاتق الله ، وأما قبلك ، فإنها حقوق المسلمين ولا يسعني تركها ، فأبي يزيد أن يؤدي شيئا ، فألبسه عمر جبة من صوف وحمله علي جمل ، وأمر أن ينفي إلي دهلك ، ثم خشي أن ينتزعه قومه ، فرده إلي محبسه ، فلم يزل في محبسه حتي بلغه مرض عمر ، ففر من السجن ( الطبري 6/ 544 و557 ).

وتنازع الفرزدق والنوار ، إلي عبد الله بن الزبير ، فالتجا الفرزدق إلي حمزة بن عبد الله بن الزبير ، والتجأت النوار إلي بنت منظور بن زبان ، زوجة عبد الله ، فتوجه القضاء علي الفرزدق، فقال يهجو ابن الزبير :

أما بنوه فلم تقبل شفاعتهم ****وشفعت بنت منظور بن زبانا

ليس الشفيع الذي يأتيك متزرة ****مثل الشفيع الذي يأتيك عربانا

فغضب ابن الزبير : وقال له : يا ألأم الناس ، وأمر به فأقيم ( أي شهر ) . ( الاغاني 326/9 ).

وذكر أن أم أشعب الطماع، شهد عليها بالزنا ، فحلقت ، وأشهرت علي جمل ، وأمرت أن تنادي علي نفسها : من رآني فلا يزنين ، فصاحت بها امرأة : يا فاعلة ، نهانا الله عز وجل عن هذا ، فعصيناه ، فهل نطيعك أنت ، وأنت مجلودة محلوقة ، يطاف بك علي جمل؟ ( الاغاني 135/19 و137).

وأمر عمر بن عبد العزيز، أمير المدينة ، بجرير وعمر بن لجا ، لما

ص: 217

تهاجيا وتقاذفا ، فقرنا وأقيما موقوفين للناس بسوق المدينة ، قرنهما في حبل واحد . ( الاغاني 82/8 ).

وكان عبد الرحمن بن الضحاك الفهري ، أميرة علي المدينة في السنة 106 فخطب فاطمة بنت الحسين ، فأبت أن تتزوجه ، فهددها بأن يتهم ولدها عبد الله بن الحسن بشرب الخمر ، ويضربه الحد، فشكته إلي يزيد بن عبد الملك ، فغضب ، ونزل عن فراشه وجعل يضرب الأرض بخيزرانة في يده ، وهو يقول : هل من رجل يسمعني صوته في العذاب وأنا علي فراشي ، ثم كتب بتولية عبد الواحد النضري المدينة ، وأمره بأن يغرم ابن الضحاك أربعين ألف دينار ، وأن يعذبه حتي يسمعه صوته وهو علي فراشه بدمشق ، وأحس ابن الضحاك بالأمر ، عرفه من صاحب البريد بعد أن وصله بألف دينار ، ثم التجأ ابن الضحاك إلي مسلمة بن عبد الملك بالشام ، فأبي يزيد أن يجيره ، ورده إلي النضري بالمدينة ، فألبسه جبة صوف ، وأقامه ( أشهره ) يسأل الناس ، وعذبه ( الطبري 14/7 و 13 ).

وفي السنة 110 قدم عبيدة بن عبد الرحمن السلمي ، إفريقية ، أميرة عليها لهشام بن عبد الملك ، فرأي المستنير بن الحارث الحريثي ، غزا صقلية ، وقفل بأصحابه عند حلول الشتاء ، فغرق من معه ، ونجا هو ، فاعتقله عبيدة ، وعاقبه علي تفريطه في أرواح جنده ، فحبسه ، وجلده ، وشهره بالقيروان ( ابن الأثير 174/5 ).

في السنة 110 ألح عامل الخراج بسمرقند علي أخذ الجزية حتي ممن أسلم ، واستخف بعظماء الرعية ، وأمر بالدهاقين فأقيموا ، وخرقت ثيابهم ، وألقيت مناطقهم في أعناقهم ، وأخذوا الجزية ممن أسلم من الضعفاء ( الطبري 56/7)

وفي السنة 141 خلع عبد الجبار بن عبد الرحمن ، عامل المنصور علي

ص: 218

خراسان ، فقاتله خزيمة بن خازم وأسره ، وأشهره بأن ألبسه مدرعة صوف ، وحمله علي بعير ، وجعل وجهه من قبل عجز البعير ( العيون والحدائق 228/3 ) .

وفي السنة 147 خرج هشام بن عذرة ، علي عبد الرحمن الداخل بالأندلس ، وتحضن بطليطلة ، فسير إليه عبد الرحمن مولاه بدرة علي رأس جيش ، فحصره ، وضيق عليه وأسره هو وحياة بن الوليد اليحصبي وعثمان بن حمزة بن عبيد الله بن عمر بن الخطاب ، فجيء بهم إلي عبد الرحمن ، مشهرين علي حمير ، وقد حلقت رؤوسهم ولحاهم ، وألبسوا جباب صوف ، وقيدوا بالسلاسل ( ابن الأثير 583/5 ).

وفي السنة 160 خرج بخراسان ، يوسف بن إبراهيم ، المعروف بيوسف البرم ، فوجه إليه المهدي العباسي ، يزيد بن مزيد، فأسره ، وبعث به إلي المهدي، وبعث معه جماعة من وجوه أصحابه ، فلما انتهي بهم إلي النهروان حمل يوسف علي بعير وقد حول وجهه الي ذنب البعير ، وأصحابه كل واحد علي بعير ، فأدخلوا الرصافة وأدخلوه إلي المهدي ، فأمر هرثمة بن أعين فقطع يدي يوسف ورجليه وضرب عنقه وأعناق أصحابه ، وصلبهم علي جسر دجلة الأعلي ( الطبري 124/8 ).

وأخذ عمر بن عبد العزيز بن عبد الله العمري ، من أولاد عمر بن الخطاب ، في السنة 169 أبا الزفت الحسن بن محمد ، ومسلم بن جندب ، وعمر بن سلام ، علي شراب ، فأمر بهم فضربوا ، ثم أمر بهم فجعلت في أعناقهم حبال ، وطيف بهم في المدينة ، ثم حبسهم يومأ وليلة ( الطبري 192/8)

وغضب المهاجر بن عبد الله الكلابي، أمير اليمامة، علي جماعة من قومه ، فأمر بإخراجهم مشهرين ، وسبب ذلك : إن المهاجر ، كان أشرف عربي في زمانه ، وكان عاملا علي اليمامة لبني أمية وبني العباس ، أربعين

ص: 219

سنة، وكان كريمة ، سخيا ، يؤتي في الدية والحمالة ، فلا يرد أحدأ ، وكانت أمه جارية ، فبينما هو جالس يوما في منظرة له ، إذ رأي خمسين راكبا من قومه ، قد طلعوا عليه في زي جميل، ومراكب ، ورواحل ، فسره ذلك منهم ، وأمر لهم بدار كبيرة ، وطعام كثير ، ثم دخل عليهم ، وحياهم ، وأقبل عليهم فرحة ، وواكلهم ، وحادثهم ، وآنسهم ، وبسطهم ، وهو لا يشك أنهم جاءوه في دية ، أو حمالة ، أو مغرم ثقيل ، فقال لهم : حياكم الله ، وأنعم بكم عينا يا بني عمي ، ما حاجتكم ؟ فقد قضاها الله تعالي ، قالوا : إن ابن عم لك ، أصاب رجلا من طائفة العشيرة ، وهو ابن أم ولد ، ( أي ابن جارية ) ، وقد خشينا أن يؤخذ بدله منا ابن صريحة ( أي عربية النسب ) ، فيكون لهم الفضل علينا، وليس فينا ابن أم ولد ، غيرك ، فنحن نحب أن تنقاد معنا ، ندفعك إلي القوم فيقتلوك ، ويصلح الله تعالي بك هذا الأمر ، ولا يكون لهم علي عشيرتك فضل ، فلما سمع ذلك ، قام عنهم ، ودعا صاحب شرطته ، فأمره أن يخرجهم ، فيحملهم علي رواحلهم محولة وجوههم إلي أذنابها ، وأن يجلس لهم الصبيان في السكك معهم البعر ، يرجموهم به ، وينشروه عليهم ، حتي يخرجهم من البلد ، ففعل . ( الهفوات النادرة 371 و372) .

وولي عبد الرحمن العمري ، قضاء مصر ، للرشيد ، من سنة 185 إلي سنة 194 فجعل أموال الأيتام إلي يحيي بن عبد الله بكير ، فاشتري بها الرباع والنخيل، وأقبل يستغلها ، ويدفع إلي الأيتام من تلك الغلة ، ما يستنفقونه ، وبحسب ما يدفعه إليهم من أصل المال ، فلما صارت إليهم رؤوس أموالهم ، ادعي يحيي أن الأصول له ، فلما قدم مصر القاضي هاشم بن أبي بكر البكري ( 194 - 196 )، شكوه إليه ، فأمر به فربط علي العمود المقابل الباب اسرائيل بالقاهرة ، ونودي ، عليه : هذا جزاء كل خائن ، وأقام أياما يحل رباطه وقت كل صلاة . ( القضاة للكندي 404) .

ص: 220

وفي السنة 190 أشهر رافع بن الليث بن نصر بن سيار ، بمدينة سمرقند ، مقيدأ علي حمار ( الطبري 319/8 والعيون والحدائق 311/3 وابن خلدون 228/3 ).

أقول : تزوج رافع بن الليث بابنة لأبي النعمان الطائي ، وكانت ذات يسار ، فادعي ابن عمها يحيي ، إنها ما زالت في عصمته ، وشكا أمره إلي الرشيد ، فأمر الرشيد عامله علي بن عيسي بأن يفرق بينهما ، وأن يجلد رافع الحد ( حد الزنا ) وأن يقيده ويطوف به في مدينة سمرقند مقيدة علي حمار ، فدرأ عنه سليمان بن حميد ، عامل سمرقند ، وحمله مقيدة علي حمار ، حتي طلقها ، ثم حبسه في سجن سمرقند ، ففر من السجن ، والتجأ إلي علي بن عيسي بلخ ، فأراد علي أن يقتله ، فعاد إلي سمرقند، ووثب بعاملها سليمان بن حميد فقتله ، واتفق عليه أهل سمرقند فراسوه ، وبعث إليه علي بن عيسي ولده عيسي علي رأس جيش ، فقتله رافع ( الطبري 319/8 - 323)

وفي السنة 191 عزل علي بن عيسي بن ماهان عن خراسان ، وأشهر علي جمل ، وفي رجليه قيد ( العيون والحدائق 315/3 ).

أقول : كتاب الرشيد بعزل علي بن عيسي بن ماهان من الكتب الطريفة ، فإنه كتبه بخطه ، وأعطاه لهرثمة ، فسلمه بيده إلي علي ، وهذا نصه : بسم الله الرحمن الرحيم يا ابن الزانية ، رفعت من قدرك ، ونوهت باسمك ، وأوطات سادة العرب عقبك ، وجعلت أبناء ملوك العجم خولك وأتباعك ، فكان جزائي أن خالفت عهدي ، ونبذت وراء ظهرك أمري ، حتي عثت في الأرض ، وظلمت الرعية ، وأسخطت الله وخليفته بسوء سيرتك ، ورداءة طعمتك ، وظاهر خيانتك ، وقد وتيت هرثمة بن أعين مولاي ثغر خراسان ، وأمرته أن يشد وطأته عليك ، وعلي ولدك ، وكتابك ، وعمالك ، ولا يترك وراء ظهوركم درهما ، ولا حقا لمسلم ولا معاهد إلا أخذكم به ،

ص: 221

حتي ترده إلي أهله ، فإن أبيت ذلك ، وأباه ولدك وعمالك، فله أن يبسط عليكم العذاب ، ويصب عليكم السياط ، ويحل بكم ما حل بمن نكث وغير ، وبذل وخالف ، وظلم وتعدي وغشم ، انتقاما لله عز وجل بادئأ ، ولخليفته ثانيأ ، وللمسلمين والمعاهدين ثالثأ ، فلا تعرض نفسك للتي لا شوي لها ، وأخرج مما يلزمك طائعا أو مكرها ( الطبري 327/8 ) .

وبلغ الأمين ، أن عمه يعقوب بن المهدي (ت 207) ، لا يقيم نسبه ، فدعاه ، وقال له : أنتسب ، فقال : أنا يعقوب بن المهدي ، فقال : ابن من ؟ فلم يعلم ، فأمر به ، فحمل علي الفيل ، وحلف لا ينزله حتي يحفظ نسبه . ( الهفوات النادرة 372 و 373).

أقول : كان يعقوب بن المهدي هذا ، آية في التخلف ، ويكفي لبيان تخلفه أنه لا يقيم نسبه ، وبلغ من حمقه ، إنه صنع سجلا يثبت فيه ما يملكه ، فأثبت فيه ما يشتهي تملكه ، حتي ولو لم يملكه ، وكان لا يمسك الفساء ، فاتخذت له دايته مثلثة ، وهي عطر يها بأن تخلط ثلاثة أجزاء من الطيب كالمسك والند والعنبر ، فلما وضعتها تحته لتبخره ، فسا، وقال الدايته : هذه المثلثة ، ما هي طيبة ، فقالت له : لما كانت مثلثة ، كانت طيبة ، فلما ربعتها ، فسدت ، وذكروا أن المأمون ، كان يوما علي المنبر ، يوم الجمعة ، وأمامه أخوه أبو عيسي ، بين الحشد، فدخل يعقوب بن المهدي ، فأمسك أبو عيسي أنفه ، وسده بأصابعه ، يشير إلي فساء يعقوب ، ولحظ المأمون ذلك ، فكاد أن ينفجر ، ثم تماسك ، وأتم خطبته ، فلما تنزل ، عنف أبا عيسي تعنيفا شديدا ، وقال له : لقد هممت أن آمر بضربك مائة عصا ، فإياك أن تعاود مثل ذلك ( الهفوات النادرة 380 و381 الاغاني 189/10)

وفي السنة 210 اعتقل إبراهيم بن المهدي ، وأشهر في رحبة الجسر ، بالملابس التي كان يرتديها لما قبض عليه ، وهي ملابس النساء ، وصيرت

ص: 222

المقنعة التي كان متنقية بها في عنقه ، والملحفة في صدره . ( الطبري 603/8 ومروج الذهب 348/2 وتجارب الأمم 456/6 والعيون والحدائق 365/3)

أقول : كان إبراهيم بن المهدي ، قد أعلن خلافته ببغداد ، بعد قتل الأمين ، ولما قصد المأمون بغداد ، استتر في السنة 203 وظل علي استتاره ،

حتي أخذ في السنة 210 ، أمسك وهو متنقب في زي امرأة ، وكان يمشي بين امرأتين أخذه حارس أسود ليلا ، ولما أبصر النسوة الثلاث ، سألهن : من آنتن ، وأين تردن في هذا الوقت ؟ وآرتاب بإبراهيم من بينهن ، وأراد أن يأخذه إلي صاحب المسلحة ، فأعطاه إبراهيم خاتم من الياقوت كان في بده ، ليخليهن ، فأبي ، ورفعه إلي صاحب المسلحة ، فجبذه ، فبدت الحيته ، فرفعه إلي صاحب الجسر ( صاحب الشرطة ) فعرفه ، وذهب به إلي دار المأمون ، واحتفظ به في الدار ، فلما كان غداة الأحد، أقعد في دار المأمون ، لينظر إليه الناس ، وصيروا المقنعة التي كان متنقبأ بها في عنقه ، والملحفة التي كان ملتحفة بها في صدره ، ليراه الناس ويعلموا كيف أخذ، فلما كان الخميس ، حوله المأمون إلي منزل أحمد بن أبي خالد الأحول ، فحبسه عنده ، ثم أخرجه المأمون معه لما خرج إلي الحسن بن سهل بواسط ، وكلمه فيه الحسن ، بناء علي رغبة ابنته بوران التي تزوجها المأمون ، فرضي عنه ، وخلي سبيله ، وجعل معه اثنين يحفظانه ، إلا أنه موسع عليه ، عنده أمه وعياله، ويركب إلي دار المأمون ، ومعه هؤلاء يحفظونه ( الطبري 603/8 و607).

وهجا أبو جعفر محمد بن عبد العزيز ، فتي عباسيا من أولاد العباس بن محمد ، فشكاه إلي المأمون ، فأشهر بأن صلب علي خشبة ، عند الجسر ، يوما كاملا إلي الليل ، ثم أنزل ، فلما أنزلوه دعا بحمال وأمره بأن يحمل الخشبة معه ، فقيل له : ما هذا ؟ ، فقال : أول حملان حملني عليه أمير

ص: 223

المؤمنين ، لا أضيعه ، وباع الخشبة بثلاثة دراهم ، اشتري بها تينا وعنبأ الصبيانه ، فرفع خبره إلي المأمون ، فضحك ، وأمر له بخمسة آلاف درهم ( الوافي بالوفيات 260/3 ) .

وفي السنة 214 أقبل أبو إسحاق بن الرشيد ( المعتصم فيما بعد ) ، إلي مصر، فحارب ثائرين فيها ، فهزمهم ، وبعث في طلب عبد الله بن حليس وعبد السلام بن أبي الماضي ، فقيدهما، وسجنهما، ثم أقامهما للناس ، ثم دعا بهما فضرب أعناقهما وصلبهما . ( الولاة للكندي 188 ).

ولما أدخل محمد بن القاسم العلوي الصوفي إلي بغداد ، نزع عنه جلال القبة عند النهروان ، ولما صار بالنهرين ، قالوا له : يا أبا جعفر ، انزع عمامتك ، فإن أمير المؤمنين المعتصم ، أمر أن تدخل حاسرة ، فطرحها ، ودخل الشماسية في يوم النيروز ، في السنة 219 وهو في القبة ، وهي مكشوفة ، وهو حاسر ، وعديله شيخ من أصحاب عبد الله بن طاهر ، وأصحاب السماجة بين يديه يلعبون ، والفراغنة يرقصون ( مقاتل الطالبيين 585)

ولما أدخل بابك الخرمي ، إلي سامراء ، في السنة 223 ، ألبس قباء ديباج ، وقلنسوة سمور مدورة ، وأدخل راكبا علي فيل قد خضب ، فقال محمد بن عبد الملك الزيات ( الطبري 52/9 و53 ) .

قد خضب الفيل كعاداته**** يحمل شيطان خراسان

والفيل لا تخضب أعضاؤه**** إلا لذي شأن من الشان

وذكر صاحب مروج الذهب : إن بابك أنزل بالقاطول ، علي خمسة فراسخ من سامراء ، وبعث إليه بالفيل الأشهب ، وكان قد حمله بعض ملوك الهند إلي المأمون ، وكان في عظيم قد جلل بالديباج الأحمر والأخضر ، وأنواع الحرير الملون ، ومعه ناقة عظيمة بختية قد جتلت بما وصفنا ، وحمل

ص: 224

إلي الافشين دراعة من الديباج الأحمر ، منسوجة بالذهب ، قد رضع صدرها أنواع الياقوت والجوهر ، ودراعة دونها ، وقلنسوة عظيمة كالبرنس ، ذات سفاسك ، بألوان مختلفة ، وقد نظم علي القلنسوة كثير من اللؤلؤ والجوهر ، وألبس بابك الدراعة الجليلة ، وألبس أخوه الأخري ، وجعلت القلنسوة علي رأس بابك ، وعلي رأس أخيه نحوها ، وقدم إليه الفيل ، وإلي أخيه الناقة ، فلما رأي الفيل استعظمه ، وقال : ما هذه الدابة العظيمة ؟ واستحسن الدراعة ، وضرب له المصاف ، صفين من الخيل والرجال في السلاح والحديد والرايات والبنود ، من القاطول إلي سامراء ، مدد واحد ، متصل غير منفصل ، وبابك علي الفيل ، وأخوه وراءه علي الناقة ، والفيل يخطر بين الصفين به ، وبابك ينظر إلي ذات اليمين ، وذات الشمال ، وأتي ببابك ، فطوف بين يدي المعتصم ، فقال له : أنت بابك ؟ فلم يجب ، وكررها عليه مرارة ، وبابك ساكت ، فقال له الأفشين : الويل لك ، أمير المؤمنين يخاطبك وأنت ساكت ؟ ، فقال : نعم ، أنا بابك ، فأمر المعتصم بقطع يديه ورجليه ، فجد ، وقطعت يمناه ، وضرب بها وجهه ، وفعل مثل ذلك بيساره ، وثلث برجليه ، وهو يتمرغ في النطع ، في دمه ، ويضرب بما بقي من زنديه وجهه ، ثم أدخل السيف بين ضلعين من أضلاعه ، ثم جز لسانه ، ثم قطع رأسه ، وحمل أخوه عبد الله ، مع رأس بابك ، إلي مدينة السلام ، حيث صنع به أميرها إسحاق بن إبراهيم ، ما صنع بأخيه بابك ( مروج الذهب 368/2 و 369 ).

أقول : قوله عن بابك ، إنه كان يضرب بما بقي من زنديه وجهه ، في حاجة إلي إيضاح ، وقد أوضح ذلك ، القاضي التنوخي ، في كتابه نشوار المحاضرة وأخبار المذاكرة ، في القصة المرقمة 74/1 حيث ذكر أن بابك ، لما قطعت يمناه ، وجري دمها ، مسح به وجهه كله ، حتي لم يبق من حلية وجهه ، وصورة سحنته شيء ، فقال المعتصم : سلوه لم فعل هذا ؟ فسئل ،

ص: 225

فقال : قولوا للخليفة ، إنك أمرت بقطع أربعتي ، وفي نفسك قتلي ، فلا شك إنك لا تكويها ، وسوف تدع دمي ينزف ، فخشيت أن يخرج الدم متي ، فتبين في وجهي صفرة ، يقدر لأجلها من حضر ، أني قد فزعت من الموت ، وإنها لذلك ، لا من خروج الدم ، فغطيت وجهي بما مسحته عليه من الدم ، حتي لا تبين الصفرة .

فقال المعتصم : لولا أن أفعاله لا توجب العفو عنه ، لكان حقيقأ بالإستبقاء لهذا الفضل ، وأمر بامضاء أمره فيه ( نشوار المحاضرة ، ج 1 ص 147 و148 رقم القصة 74 ).

وذكر نصر بن مرزوق ، قال : كنت جالسا في المسجد بمصر أيام المحنة سنة 227 ، فسمعت ضوضاء ، ورأيت الناس قد جفلوا ، وإذا هرون بن سعيد الابلي ، وطيلسانه تحت عضده ، وعمامته في رقبته ، ومطر غلام ابن أبي الليث القاضي بمصر يسوقه بعمامته ، ثم أخرجه من المسجد يطاف به في الطرق . ( اخبار القضاة 452).

وقال الغزي : أنشدني من أساري بني نمير ، أيام الواثق ، وهو مشهور علي بعير ، مع جماعة : ( البصائر والذخائر 361/2/2 ).

للبسي برنسونقاء عرضي**** أحب إلي من جدد الثياب

يروح المرء مختالا فخورة ****نقي الثوب مطبوع الإهاب

وغضب المتوكل ، علي قاضي القضاة ، بمصر ، فأمر بأن تحلق الحيته ، وأن يطاف به علي حمار ، وأن يضرب في كل يوم عشرين سوطة ( تاريخ الخلفاء للسيوطي 347) .

وغضب المتوكل علي علي بن الجهم ، فأمر بنفيه إلي خراسان ، وحمله إليها مشهرة ( البصائر والذخائر 597/2/2 و598 ) .

ص: 226

وفي السنة 235 جيء إلي سامراء ، بابن البعيث ، وأخويه ، وابنه ، وخليفته ، أسري ، فلما قربوا من سامراء ، حملوا علي الجمال يستشرفهم الناس ، وأمر المتوكل بحبسه وحبسهم ، وأثقله حديدا ، وكان الحديد في عنقه مائة رطل ، فلم يزل مكبوبة علي وجهه حتي مات ( 171/9 ).

ولما ولي المنتصر ، مصر ، لأبيه المتوكل، استخلف يزيد بن عبد الله ، فوردها في السنة 240 ، فأمر باخراج المؤنثين ، وضربهم ، ونفيهم ، وأن يطاف بهم ( الولاة للكندي 203).

وفي السنة 251 كان أتراك سامراء ، يحاصرون بغداد ، وفيها المستعين ، فأسروا جماعة من جند بغداد ، وبعثوهم إلي سامراء في جوالق ، قد أخرجوا منها رؤوسهم . ( الطبري 320/9 ).

وفي السنة 252 غضب المعتز علي أخويه أبي أحمد والمؤيد، وهما شقيقان ، فحبسهما في الجوسق ، وقيد المؤيد، وصيره في حجرة ضيقة ، وضربه خمسين مقرعة ، وحبس كنجور حاجب المؤيد، وضربه خمسين مقرعة ، وضرب خليفته أبا الهول خمسمائة سوط ، وأشهره بأن طوف به علي جمل ( الطبري 361/9 و 362 ).

وفي السنة 256 قبض علي صالح بن وصيف وهو مستتر ، وحمل علي برذون ، والعامة تعدو خلفه ، وضربه أحد الأتراك بالسيف من وراء عاتقه ، ثم احترزوا رأسه ( الطبري 454/9 ) .

وفي السنة 258 أسر يحيي بن محمد البحراني ، من كبار قواد الزنج ، رشق بالسهام ، فأصابه منها ثلاثة في عضديه وساقه اليسري ، وتسلمه أصحاب السلطان ، فحمل إلي أبي أحمد، فحمله أبو أحمد إلي سامراء ، فأدخل علي جمل ، وبنيت له دكة في الحير ، ثم رفع للناس حتي أبصروه ، ثم ضرب مائتا سوط بثمارها ، ثم قطعت أطرافه ، وخبط بالسيوف ، ثم ذبح وأحرق ( الطبري 491/9 ، 492 ، 529 ).

ص: 227

وفي السنة 268 أسر العلوي المعروف بالحرون بمكة ، وأدخل إلي عسكر أبي أحمد في أول السنة 268 علي جمل ، وعليه قباء ديباج وقلنسوة طويلة ( الطبري 612/9 و 613) .

ولما اختلف أحمد بن طولون ، مع أبي أحمد الموفق العباسي ، أعلن ابن طولون لعن الموفق ، وخلعه من ولاية عهد المعتمد ، وأمتنع بكار ( القاضي ) من لعنه ، وأصر علي الإمتناع ، فغضب عليه ابن طولون ، وأمر بتمزيق ثيابه ، وجروه برجله ، وليس عليه إلا سراويل وخفان وقلنسوة ، مسلوب الثياب ، وأقامه للناس لمطالبته بما يدعونه عليه من مظالم ، وسجنه ، ثم نقله إلي دار آكتريت له ، فاستقر فيها حتي مات سنة 270 وقد قارب التسعين ، وكانت مدة ولايته 24 سنة ( القضاة 512 - 514 ) .

وفي السنة 274 دخل صديق الفرغاني ، دور سامراء ، فأغار علي أموال التجار ، وأكثر العبث في الناس ، وكان صديق هذا يخفر الطريق ، ثم تحول فصار لضأ خاربة يقطع الطريق ، وكان الطائي الموكل بحفظ الطريق ، فراسله في السنة 275 ووعده ، ومناه ، وأمنه ، فعزم صديق علي الدخول في طاعته في الأمان ، فحذره من ذلك غلام له يقال له هاشم ، وكان شجاعأ، فلم يقبل صديق منه ، ودخل سامراء مع أصحابه ، وصار إلي الطائي ، فأخذه الطائي ، ومن دخل معه منهم ، فقطع يد صديق ورجله ، ويد هاشم ورجله ، وأيدي جماعة من أصحابه وأرجلهم ، وحبسهم ، ثم حملهم في محامل إلي مدينة السلام ، وقد أبرزت أيديهم وأرجلهم المقطعة ، ليراها الناس ثم حبسوا ( الطبري 13/10 و14 ).

ولما فتح يعقوب بن الليث الصفار شيراز ، قبض علي علي بن الحسين بن قريش ، وعذبه بأنواع العذاب ، وعصر أنثييه ، وشد الجوزتين

ص: 228

علي صدغيه ، وقيده بأربعين رط ، حتي خلط ووسوس من شدة العذاب ، ثم سلمه إلي الحسن بن درهم ، فضربه ، وعذبه ، ثم ارتحل من شيراز إلي كرمان ، وأخذه معه ، فلما أتي كرمان ألبسه الثياب المصبغة ، وقنعه بمقنعة ، ونادي عليه ، وحبسه . ( وفيات الأعيان 410/6 ) .

وفي السنة 281 وافي ترك بن العباس ، عامل السلطان علي ديار مضر ، مدينة السلام ، بنيف وأربعين نفسا من أصحاب أبي الأغر صاحب سميساط ، علي جمال ، عليهم برانس ودراريع حرير ، فمضي بهم إلي دار المعتضد ، ثم حبسوا . ( الطبري 36/10 ).

ولما أسر هارون الشاري ، في السنة 283 ، أدخل إلي بغداد علي فيل مجلل بالديباج ، وأرادوا أن يلبسوه داعة ديباج ، فأبي ، وقال : هذا لا يحل ، فأكره علي ذلك ، وجعل علي رأسه برنس حرير ، ولما قدم ليصلب ، نادي بأعلي صوته : لا حكم إلا الله ، ولو كره المشركون ( الطبري 44/10 وابن الأثير 477/7 ومروج الذهب 512/2)

ولما أسر عمرو بن الليث الصقار ، في السنة 287 ، جيء به إلي بغداد في قبة قد أرخي جلالها عليه ، فلما بلغ باب السلامة ، أنزل عمرو من القبة ، وألبس دراعة ديباج ، وبرنس السخط ، وحمل علي جمل له سنامان ، يقال له إذا كان ضخما علي هذه الصورة : الفالج ، وقد ألبس الجمل الديباج ، وحتي بذوائب وأرسان مفضضة ، وأدخل بغداد ، فأشتقها في الشارع الأعظم إلي دار الخليفة بالقصر الحسني ( وفيات الأعيان 428/6 ) وكان خلفه في الموكب بدر ( المعتضدي ) والوزير القاسم بن عبيد الله في الحبيش ، فأتوا به الثريا ، فرآه المعتضد ، ثم ادخل المطامير ( مروج الذهب 521/2 ) ، وهذا الجمل الذي حمل عليه عمرو ، وهو المسمي الفالج ، كان قد اهداه عمرو للخليفة منذ ثلاث سنين ، فلما جيء به أسيرة أشهر عليه ، قال الشاعر : ( وفيات الأعيان 429/6 ) .

ص: 229

وحسبك بالصقار نبلا وعزة ****يروح ويغدو في الجيوش أميرا

حباهم بأجمال ولم يدر أنه**** علي جمل منها يقاد أسيرا

أقول : كان عمرو بن الليث الصفار ، يلي خراسان إلي شط جيحون ، و فارس ، والري ، وكرمان ، وقم ، وأصبهان ، ثم سأل السلطان أن يوليه ما وراء النهر ، فولاه ، وكان علي ما وراء النهر ، إسماعيل بن أحمد الساماني ، فاسرع عمرو بجيشه للاستيلاء علي ما وراء النهر، فكتب إليه إسماعيل : إنك قد وليت دنيا عريضة ، وأنا في يدي ما وراء النهر ، وهي ثغر ، فاقنع بما في يدك ، ودعني مقيمة في هذا الثغر ، فلم يجبه إلي ذلك ، وسار لحربه ، فاشتبكا في معركة أنجلت عن ظفر إسماعيل ، وسقط عمرو أسيرا في يده ، فحمله إلي بغداد مقيدة ، ولما بلغ النهروان حل قيده ، وحمل في قبة قد أرخي جلالها عليه ، فلما بلغ باب السلامة ، أدخل مشهرا ، وأدخل علي الخليفة ، وأوقف علي بعد خمسين ذراعأ منه ، فقال له : هذا يبغيك يا عمرو ، ثم أخرج من بين يديه إلي حجرة قد اعدت له ( وفيات الأعيان 429 - 419/6)

وفي السنة 288 أسر المعتضد ، بالثغر الشامي ، وصيفة الخادم ، ونفر ممن أعانوه علي العصيان ، ودخل بغداد ، وأمامه وصيف الخادم علي جمل فالج وعليه دراعة ديباج وبرنس ، وخلفه علي جمل آخر البغيل ، وخلف البغيل ابنه علي جمل آخر ، وخلف ابن البغيل علي جمل آخر ، رجل من أهل الشام يعرف بابن المهندس ، وقد لبسوا الدراريع من الحرير الأحمر والأصفر ، وعلي رؤوسهم البرانس . ( مروج الذهب 521/2 ).

ولما أسر الحسين بن زكرويه المعروف بصاجب الشامة ، رئيس القرامطة ، في السنة 291 أشهر عند دخوله بغداد علي فيل ، وأركب علي كرسي ارتفاعه ذراعان ونصف ذراع علي ظهر الفيل ، وجعل في فيه خشبة مخروطة شدت إلي قفاه علي هيأة اللجام ( المنتظم 43/6 ) .

ص: 230

أقول : في السنة 291 خرج محمد بن سليمان ، وقو . السلطان علي رأس جيش يريدون القرمطي ، فلاقوه في موضع يقرب من حماة ، واشتبكوا معه في معركة دامية ، فانهزم القرامطة ، وقتل منهم عدد عظيم ، وركب رئيسهم ابن زكرويه ، ومعه ابن عمه المسمي المدثر ، والمطوق ، وغلام لهم رومي ، يريدون الكوفة ، فأخذوا في الطريق ، وحملوا إلي بغداد ، وأدخل صاحب الشامة إلي الرقة ، ظاهرة للناس علي فالج ( الجمل ذي السنامين ) عليه برنس حرير ، ودراعة ديباج ، وبين يديه المدثر والمطوق علي جملين ، فلما أوصلوهم إلي بغداد ، عملوا لصاحب الشامة كرسيا ارتفاعه ذراعين ونصف ذراع ، يركب علي ظهر الفيل ، فحمل علي الفيل، والأسري بين يديه ، علي جمال ، مقيدين ، عليهم دراريع حرير ، وبرانس حرير ، والمطوق في وسطهم ، غلام ما خرجت لحيته ، وقد جعل في فيه خشبة مخروطة ، شدت إلي قفاه ، بهيأة اللجام ، وذلك أنه لما أدخل الرقة ، كان يشتم الناس إذا دعوا عليه ، ويبزق عليهم ، ففعل به ذلك لئلا يشتم إنسانا ( الطبري 108/10 - 112).

وفي السنة 292 قبض عامل البصرة ، علي رجل أراد الخروج بواسط ، فأحدر إلي البصرة ، ثم أصعد إلي بغداد ، فأشهر علي الفالج ، وبين يديه ابن له صبي علي جمل ومعه تسعة وثلاثون إنسان علي جمال ، وعلي جماعتهم برانس الحرير والدراريع الحرير ، فحبسوا في السجن المعروف بالجديد . ( الطبري 118/10 ) .

وفي السنة 293 أدخل إلي بغداد الخليجي المتغلب علي مصر ، وكان قد أسر بعد معركة مع قواد المكتفي ، فأشهر من باب الشماسية ( الصليخ )، علي جمل وقدم بين يديه واحد وعشرون رجلا علي جمال ، وعليهم برانس ودراريع حرير ، فلما وصل الخليجي إلي المكتفي ، أمر بحبسه في الدار ، وأمر بحبس الأخرين في الحبس الجديد . ( الطبري 121/9 و129).

ص: 231

وفي السنة 297 أدخل إلي بغداد طاهر ويعقوب ابنا محمد عمرو بن الليث أسيرين في قبة علي بغل، وقد كشف جلالها، وحبسا في دار السلطان . ( تجارب الأمم 16/1 ).

وفي السنة 297 ورد الخبر من مؤنس بأنه ظفر بالليث بن علي ، ودخل إلي بغداد بالليث ومن أسر معه ، وتأهب السلطان لدخولهم ، وصفت الفيلة وكانت ثلاثة ، وسويت الطرق والشوارع، وأدخل الليث علي فيل ، وبين يديه رأس إسماعيل بن الليث علي رمح ، وثلاثة من كبار الأسري علي جمال ، وكان الليث علي فيل ، وعليه دراعة ديباج وبرنس طويل ومؤنس خلفه في الجيش ، وكان قد أعد له مع البرنس مصفعة (أي أداة يصفع بها) ، فسأل مؤنس في إعفائه منها ، لأنها كانت أعدت للقرمطي ، وسأل مؤنس أيضا في ابنه أن لا يشهر لأنه صبي ، فأجيب ذلك . ( العيون والحدائق ج 4 ق 1 ص 225) .

وفي السنة 298 قدم القاسم بن سيما من غزوة الصائفة في أرض الروم ، ومعه خلق كثير من الأساري وخمسون علجأ قد أشهروا علي الجمال ، بأيدي بعضهم أعلام الروم ، وعليها صلبان ذهب وفضة . ( المنتظم 97/6 ) .

وفي السنة 299 حارب الأمير أحمد الساماني بكري ، ومحمد بن علي بن الليث ، فأسرهما، وبعث بهما إلي بغداد ، فأدخلا مشهرين علي فيلين . ( تجارب الأمم 20/1 وابن الأثير 91/8 ) .

وفي السنة 299 وصل وصيف كامه ، القائد إلي بغداد ومعه القتال أسيرة وثلاثة عشر رجلا من الأسري ، فأدخلوا من باب الشماسية ، وأركب القتال الفيل ، وعليه ديباجة وبرنس ، وأركب بقية الأسري الجمال مشهرين بالبرانس والديباج . ( العيون والحدائق ج 4 ق 1 ص 241 و242) .

ص: 232

وفي السنة 301 قبض الراسبي بالسوس علي الحسين بن منصور الحلاج ، فحمل إلي مدينة السلام مشهرة علي جمل، وأمر الوزير علي بن عيسي به ، فصلب حيا في الجانب الشرقي في مجلس الشرطة ، ثم في الجانب الغربي ، ثم حبس ( المنتظم 123/6 ).

وفي السنة 302 ادعي رجل أنه ابن الرضا العلوي ، وكشف عن حاله ، فظهر أنه كذاب ، فشهر في الجانبين ، وحبس . ( المنتظم 127/6 و 128 ).

وفي السنة 4 30 أدخل الحسين بن حمدان ، إلي بغداد ، من باب الشماسية ( الصليخ ) إلي دار السلطان ( دار الخلافة ) مصلوبا علي نقنق ، منصوبا علي ظهر فالج ، وابنه مشهور علي جمل آخر ، والبرانس علي رؤوسهما ، وأوقف الحسين بين يدي المقتدر ثم أسلم إلي زيدان القهرمانة ، وحبس عندها بدار السلطان ( تجارب الأمم 37/1 و 38 ).

أقول ؛ خالف الحسين بن حمدان في السنة 303 وخرج عن الطاعة ، فتشاغل الجيش بمحاربته ، وأدي ذلك إلي خلل عظيم لأن انشغال الجيش، دفع الروم الي قصد حصن منصور ، فأفتتحوه ، وسبوا جميع أهله ، إذ تشاغل الجيش عن الصائفة ثم ان مؤنس الخادم ( المظفر ) قصد الحسين وحاربه ، فانفل جمعه ، وسقط أسيرة في يد مؤنس مع جميع أهله وكثير من أصحابه ، ودخل مؤنس إلي بغداد ومعه الحسين وولده مشهرين ، وقد حمل الحسين مصلوبة علي نقنق ، منصوب علي ظهر فالج ، وابنه مشهورة علي جمل آخر والبرانس علي رؤوسهما، وسار بين يديه الأمير أبو العباس بن المقتدر ( الراضي أخيرا ) والوزير أبو الحسن علي بن عيسي ، والأستاذ مؤنس الخادم ( المظفر ) وأبو الهيجاء عبد الله بن حمدان ( أخو الحسين ) وإبراهيم بن حمدان ، وسائر القواد والجيش والفيلة ، فلما وصلوا إلي دار السلطان ، أوقف الحسين بين يدي المقتدر، ثم أمر بتسليمه إلي زيدان القهرمانة ، وحبس

ص: 233

عندها في دار السلطان ( تجارب الأمم 37/1 و 38 ) راجع التكملة 16 وابن الأثير 93/8 .

وفي السنة 304 ادخل إلي بغداد القائد يوسف بن أبي الساج مشهرة علي جمل ، وعليه برنس بأذناب الثعالب ( ابن الأثير 99/8 - 102).

أقول : في السنة 304 عصي الأمير يوسف بن أبي الساج علي السلطان ، وقطع الحمل إلي الحضرة ، وكان يلي ارمينية وأذربيجان ، وأظهر أن الوزير علي بن عيسي أنفذ إليه لواء وعهدأ بالري وقزوين وأبهر وزنجان ، فاغتاظ المقتدر من هذا التصرف ، وأمر فكتب له كتاب غليظ ، وسير إليه جيشأ ، فظفر به ابن أبي الساج ، وأسر جماعة من قواده أدخلهم إلي الري مشهرين ، فسير إليه المقتدر مؤنس الخادم ( المظفر) ، فظفر ابن ابي الساج ، وأسر جماعة من القواد أدخلهم إلي أردبيل مشهرين ، ثم اشتبكا في معركة أخري علي باب اردبيل ، فانكسر يوسف وأسر ، وحمله مؤنس معه إلي بغداد ، وكانوا في بغداد قد أعدوا ليوسف ما يشهر به عجلة واسعة المقعد توضع علي ظهر الفيل وأن يلبس المصبغات والبرانس ، ويوضع في العجلة ، ويعلق في عنقه طبل ، ويجلس معه المخنثون في العجل يطبلون ويزمرون ، وبلغ ذلك مؤنس فأنكره ، وكتب إلي المقتدر ، يسأله أن لا يشهر بركوب الفيل والعجل ، ودخل مؤنس بغداد وبين يديه يوسف علي جمل ، وعليه الدراعة التي كانت علي عمرو بن الليث الصفار ، وقد ألبس البرنس ، وفي رجله خف أسود ، راجع تجارب الأمم 44/1 - 50 ومروج الذهب 551/2 .

وفي السنة 304 أشهر ببغداد ، حيوان يسمي الزبزب ، نصب برحبة الجسر معلقأ ليراه الناس ، وسبب ذلك إن العامة في الصيف ، تفرعت من حيوان سموه الزبزب ، ذكروا إنهم يرونه في الليل علي سطوحهم ، وإنه يأكل أطفالهم ، قالوا : وربما قطع يد الإنسان وهو نائم ، أو ثدي المرأة فيأكله ، فكانوا يتحارسون طول الليل ، ريتزاعقون ولا ينامون ، ويضربون الطسوت

ص: 234

والصواني والهواوين ليفزعوه ، وأرتجت بغداد لذلك ، حتي أخذ السلطان حيوانأ غريبأ أبلق كأنه من كلاب الماء ، وقال : هو الزبزب ، وإنه اصطيد ، فصلب علي نقنق ، عند الجسر الأعلي ، وبقي مصلوب حتي مات ( تجارب الأمم 39/1 ).

وفي السنة 304 تحرك الجند علي قرهب ، صاحب صقلية ، واعتقلوه ، وولده ، وبعثوا بهما إلي القيروان ، حيث شهرا ، ثم قتلا ( العيون والحدائق ج 4 ق 1 ص 269 ).

وكان قاضي البصرة ، الأحوص الغلابي ، عفيفة عن الأموال ، وكان يستمع الشكاوي ضد أمير البصرة ابن كنداج ، وكان الوزير ابن الفرات وزير المقتدر ، يسند القاضي ، فلا يستطيع أمير البصرة أن يعرض له بسوء ، فلما عزل ابن الفرات ، ذهب ابن كنداج بنفسه إلي القاضي ، وأعتقله ، وجره ماشية إلي السجن بالبصرة ، وحبسه هناك حتي مات ، راجع تفصيل ذلك في كتاب نشوار المحاضرة للتنوخي ج 1 ص 236 رقم القصة 124/1 .

وفي السنة 313 كبست دار رجل يعرف بالكعكي ، رئيس الرافضة ، اتهم بأنه داعية للقرامطة ، فعثروا علي خليفته ، فضرب ثلثمائة سوط ، وأشهر علي جمل ( المنتظم 195/6) .

وفي السنة 316 واقع الجند العباسي القرامطة ، فقتلوا منهم ، وأسروا ، وأدخل الأسري إلي بغداد مشهرين ، معهم أعلام بيض منكسة ، وعليها مكتوب : ( ونريد أن نمن علي الذين استضعفوا في الأرض ) ، فقتل الأسري ، واستقام أمر السواد ( المنتظم 216/6 ).

وفي السنة 318 خرج بسنجار خارجي اسمه صالح بن محمود ، من بجيلة ، وكان يعشر القوافل ، ويطالب المسلمين بزكاة أموالهم ، والنصاري بجزية رؤوسهم ، فقصده نصر بن حمدان ، أمير الموصل ، والتحم معه في

ص: 235

معركة قتل فيها من رجال صالح نحو مائة ، وقتل من أصحاب نصر جماعة ، ثم أسر صالح ومعه ابنان له ، وأدخلوا إلي الموصل ، ثم حملوا إلي بغداد ، فأدخلوا مشهورين ( ابن الأثير 8 / 220 و221) .

وفي السنة 322 اشتبك عماد الدولة بن بويه ، مع القائد ياقوت علي رأس جيش عباسي بقرب شيراز ، وكان من سعادة عماد الدولة أن جماعة من أصحابه استأمنوا إلي ياقوت ، فحين رآهم ياقوت أمر بضرب رقابهم ، فأيقن أصحاب ابن بويه أنه لا أمان لهم عند ياقوت ، فاستقتلوا ، وكسب ابن بويه المعركة ، وانفل الجيش العباسي ، وانهزم ياقوت ، ووجدوا في مخلفات ياقوت برانس لبود عليها أذناب الثعالب ، وقيودا وأغلا ، فسألوا عنها أصحاب ياقوت، فقالوا : إن هذه أعدت لكم لتجعل عليكم ، ويطاف بكم في البلاد ، فأشار أصحاب ابن بويه أن يفعل بهم مثل ذلك ، فامتنع ، وقال : إنه بغي ولؤم ظفر ، ثم أحسن إلي الأساري وأطلقهم ، وخيرهم بين المقام عنده ، أو اللحاق بياقوت ، فاختاروا المقام عنده ، فخلع عليهم ، وأحسن إليهم ، واستولي علي شيراز ( ابن الأثير 275/8 و 276 ) .

وفي السنة 322 صار أصحاب أبي طاهر القرمطي إلي نواحي توج في مراكب ، فأوقع بهم عامل البلد، وأسر منهم ثمانين رجلا ، فيهم رجل يعرف بابن الغمر ، فأدخل الأساري إلي بغداد مشهرين ، ووضع علي رأس ابن الغمر قرون ، وكانوا ، علي جمال بدراريع ديباج وبرانس ، واعتقلوا بدار السلطان ( تجارب الأمم 284/1 ).

وكان بجكم قلد بالبا التركي ، أعمال المعاون بالأنبار ، ثم قلده أعمال طريق الفرات ، ولكن بالبا غدر بيجكم ، وكاتب ابن رائق ، وأقام له الدعوة ، فأنفذ إليه بجكم عسكرة ، فأسروه في السنة 328، وأدخل الي بغداد مشهر علي جمل عليه نقنق ، وهو مصلوب ( ابن الأثير 355/8 وتجارب الأمم 410/1 )

ص: 236

أقول : سماه صاحب لسان العرب «نقنيق ، وقال : إنه الخشبة التي يعلق عليها المصلوب ، ولكني وجدت جميع كتب التاريخ تسميها نقنق ، بلا ياء .

وفي السنة 330 خلع المتقي العباسي علي ناصر الدولة الحمداني ، ونصبه أميرة للأمراء ، وأنحدر معه من الموصل إلي بغداد ، فأصعد أبو الحسين البريدي من واسط لحرب ناصر الدولة ، والتقوا خارج المدائن ( سلمان باك ) فكان الظفر للبريدي أولا ، ثم استعلي ناصر الدولة ، فانهزم البريدي ، وقتل جماعة من أصحابه ، وأسر جماعة ، ودخل ناصر الدولة بغداد وبين يديه يأنس غلام البريدي ، وأبو الفتح بن أبي طاهر ، والمذكر البريدي ، مشهرين علي جمال ، وعلي رؤوسهم برانس ( تجارب الأمم 30/2 والتكملة 129 وابن الأثير 384/8 و385) .

وفي السنة 331 خرج عدل البجكمي ، علي ناصر الدولة ، وكان ناصر الدولة قد قلده الرحبة ، فحاربه ناصر الدولة ، وأسره وابنه ، وشهرهما علي جملين ( التكملة 132).

أقول : كان عدل من أصحاب بجكم ، فلما قتل بجكم صار إلي ابن رائق ، وسار معه إلي بغداد ، وأصعد معه إلي الموصل ، فلما غدر ناصر الدولة بابن رائق ، وقتله وهو في ضيافته ، صار عدل في جملة ناصر الدولة ، فسيره مع علي بن خلف بن طناب ، إلي ديار مضر والشام ، فأرسله ابن طناب مع جيش ليطرد عامل ابن رائق عن قرقيسيا ، فطرده وحازها لنفسه ، وغزا قري الخابور ، وعسف أهلها ، وجمع مالا جما ، وجمع الجنود والعساكر من كل مكان ، وسار يريد نصيبين ، فلاقاه الحسين بن حمدان في جيش ، فاستأمن أكثر أصحاب عدل إلي ابن حمدان ، فأسره ابن حمدان ، وأسر معه ابنه ، فسمل عدلا ، وسيرهما إلي بغداد ، فشهرا بها معا ( ابن الأثير396 - 394/8)

ص: 237

وفي السنة 334 حاصر ناصر الدولة ، ومعه أبو جعفر ابن شيرزاد ، بغداد ، وفيها مع الدولة ، فظفر ابن شيرزاد بكافور خادم معز الدولة ، فشهره ، فظفر معز الدولة بأبي الحسن بن شيرزاد ، فصلبه حيا ، فأطلق أبو جعفر الخادم ، فحط معز الدولة أبا الحسن بن شيرزاد أخاه ( التكملة 151)

وفي السنة 336 أسر أبو زيد الخارجي ، وأحضر جريحة إلي المنصور الفاطمي فمات من جراحه ، قأمر بادخاله في قفص قد عمل له ، وجعل معه قردين يعلبان عليه ، وأمر بسلخ جسده وحشاه تبنا ( ابن الأثير 441/8 ) .

وفي السنة 345 عصي روزبهان ، القائد الديلمي ، علي معز الدولة ، فحاربه ، وأسره، وأدخله إلي بغداد ، في زبزب ، مكشوفأ ، ليراه الناس ، فأخذ الناس يدعون علي روزبهان . ( تجارب الأمم 162/2 - 165 ).

وفي السنة 347 فتح القائد جوهر مدنية سجلماسة ، واعتقل صاحبها الشاكر لله محمد بن الفتح بن ميمون ، من آل مدرار ، وساقه أسيرا إلي المهدية ، ومعه أحمد بن بكر اليفرني ، أمير فاس ، وخمسة عشر رجلا من اشياخها ، ودخل بهم إلي المعتر الفاطمي ، وهم بين يديه ، في أقفاص من خشب ، علي ظهور الجمال ، وعلي رؤوسهم قلانس من لبد مستطيلة ، مثبتة بالقرون ، وطيف بهم في بلاد إفريقية ، وأسواق القيروان ، ثم ردوا إلي المهدية ، وحبسوا بها ، حتي ماتوا في سجنها ( الاعلام 78/8 ).

وفي السنة 358 تحرك الشريف أبو القاسم إسماعيل بن أبي يعلي العباسي بدمشق ، علي الفاطميين ، وقام معه بعض العوام ، ودعا للمطيع العباسي ، فحاربه القائد الفاطمي جعفر بن فلاح، فهرب الشريف أبو القاسم ، ثم قبض عليه جعفر ، فشهره علي جمل، وعلي رأسه قلنسوة من البود ، وفي لحيته ريش مغروز ، ومن ورائه رجل من المغاربة يوقع به ( يصفعه ) ثم حبسه ( النجوم الزاهرة 33/4 ).

ص: 238

أقول : ذكر صاحب اتعاظ الحنفا ص 126 هذا الخبر في أخبار السنة 359 وزاد فيه أن الشريف أبا القاسم العباسي لما أشهر وضعوا في يده قصبة .

وفي السنة 361 خرج عبد العزيز بن إبراهيم الكلابي بالصعيد، وسود ( أي إنه لبس السواد شعار العباسيين ) ودعا لبني العباس ، فأخذ، وأدخل في قفص ، مغلوة ، وطيف به ( اتعاظ الحنفا 131).

وفي السنة 361 نشبت معركة عظيمة بين الدمستق الرومي ، وبين هبة الله بن ناصر الدولة الحمداني ، فانكسر الروم ، وكثر القتلي منهم ، وأنفذ إلي بغداد الرؤوس والأيدي ، وكانت كثيرة ، فشهرت ببغداد ( تجارب الأمم 312/2)

وفي السنة 364 قبض المطهر بن عبد الله ، وزير عضد الدولة ، علي طاهر بن الصمة وكان قد خالف علي عضد الدولة ، فشهره ، ثم ضرب عنقه . ( ابن الأثير 656/8 ).

وفي السنة 369 أخذ عبد العزيز بن محمد المعروف بالكراعي ، وشهر بالبصرة ، وبمدينة السلام منصوبا علي نقنق في سفينة ، وعلي رأسه برنس ، ثم طرح إلي الفيلة ، فخبطته ، وصلب إلي جانب ابن بقية ( تجارب الأمم 414/2)

وفي السنة 369 قدم أولاد حسنويه علي عضد الدولة ، فقلد بدرة زعامة الأكراد البرزيكاني ، فأحفظ ذلك عاصمة ، فنبذ طاعة بدر ، وحاربه ، ووقع في يده أسيرة ، فأدخله إلي همذان ، مشهرة علي جمل ، وألبس دراعة ديباج ، ( ابن الأثير 6/9 وذيل تجارب الأمم 9 و12).

وفي السنة 369 بعث عضد الدولة ، أبا العلاء عبيد الله بن الفضل بن نصر النصراني ، الملقب بالمظفر ، لمحاربة بني شيبان ، وكانوا قد أفسدوا ،

ص: 239

وقطعوا الطرق ، فأقام بدقوقا ، وأسري إليهم ، فأوقع بهم وقعة عظيمة ، ودخل إلي بغداد ، ومعه ثمانمائة أسير منهم ، مشهرين علي الجمال ، بالبرانس الطوال ، والثياب الملونة ، فأودعوا الحبوس والمطابق . ( تجارب الأمم 399/2 ).

وفي السنة 373 احتل باد الكردي الموصل، فسير إليه صمصام الدولة البويهي في السنة 374 عسكر واقتلوا ، فانكسر باد ، وأسر كثير من عسكره ، وحملوا إلي بغداد ، فأشهروا بها ( ابن الأثير 38/9 ) .

وفي السنة 382 شغب بعض الفقهاء في مصر، علي القاضي عبد العزيز خليفة أبيه محمد بن النعمان ، بالقاهرة ، فقبض علي بعضهم ، وطوف بثلاثة منهم علي الجمال . ( اخبار القضاة 594 ).

وفي السنة 383 أسر جند فارس ، أبا العلاء عبيد الله بن الفضل قائد جيش بهاء الدولة ، فحملوه إلي شيراز ، وأدخل إلي المعسكر علي جمل وقد ألبس ثياب مصبغة وطيف به ، وأبصرته السيدة والدة صمصام الدولة ، فأمرت قهرمانتها ، فحطته عن الجمل ، وخلعت عنه الثياب المصبغة ، وأمرت باعتقاله في القلعة . ( ذيل تجارب الأمم 253 و 254 وابن الأثير 97/9 ) .

وفي السنة 386 توفي المنصور بن يوسف بلكين ، صاحب إفريقية ، وولي بعده ولده باديس ، فثار عليه رجل صنهاجي ، اسمه خليفة بن مبارك ، فأخذ ، وحمل إلي باديس ، فأركب حمارة ، وجعل خلفه رجل أسود يصفعه ، وطيف به ، ولم يقتل ، إحتقارا له ، وسجن . ( ابن الأثير 127/9 ).

وفي السنة 395 قبض بالقاهرة ، في أيام الحاكم الفاطمي ، علي جماعة ، وجدوا في الحمام بغير مازر ، فضربوا ، وشهروا . ( خطط المقريزي 341/2 ) .

ص: 240

وفي السنة 397 ظفر الحاكم الفاطمي بأبي ركوة ، واسمه الوليد ، وانما كني بأبي ركوة ، لركوة كان يحملها في أسفاره ، علي ستة الصوفية ، وهو أموي من أولاد هشام بن عبد الملك ، نزح من الأندلس ، وقد أناف علي العشرين ، ودرس بمصر ، ثم قصد مكة واليمن، وعاد إلي مصر، ودعا بها إلي القائم ، فأجابه كثيرون من بني قرة وزناته ، وتظاهر بالنسك والدين ، وأمهم في الصلوات ، وعلم صبيانهم الخط ، فبايعوه بالإمامة ، فسار بهم إلي برقة ، واستولي عليها ، وأظهر العدل ، فسير إليه الحاكم جيشا ، ففله أبو ركوة ، وأخذ يبعث السرايا إلي مصر ، ثم قصد الصعيد، فسير إليه الحاكم جيشأ من اثني عشر ألفأ، سوي العرب ، ثم أضاف إليهم أربعة آلاف فارس ، فأسري أبو ركوة وكبس عسكر الحاكم بالجيزة ، وقتل منهم ألف فارس ، ونزل أبو ركوة عند الهرمين ، ثم اشتبك مع عسكر الحاكم ، فانهزم أبو ركوة ، وقتل من عسكره ألوف كثيرة ، فسار إلي بلد النوبة ، ولحق به رسول الحاكم ، فتسلمه ، وحمله إلي مصر، فأشهر بها ، وطيف به ليقتل، ويصلب ، فمات قبل وصوله ، فقطع رأسه ، وصلب ( ابن الأثير 197/9 - 203 والمنتظم 374/7 و203/9 والنجوم الزاهرة 216/4 و217) .

وشهر بالقاهرة في أيام الحاكم الفاطمي (ت 411) جماعة ، وضربوا لأنهم وجد عندهم فقاع وملوخية ، والسمك الذي لا قشر له ، وذلك لأن الحاكم منع أكلها ( خطط المقريزي 287/2 ) .

وقتل الحاكم الفاطمي ، قاضيه حسين بن علي بن النعمان ، وكان قد ملا عينه ويده ، وشرط عليه أن يتعفف عن أموال الناس ، ثم ظهرت عليه خيانة ، فأمر به فأشهر محمولا علي حمار نهارا ، ثم ضرب عنقه ، وأحرق ( النجوم الزاهرة 71 ).

وفي السنة 404 أفسدت خفاجة في سواد الكوفة ، فسير فخر الملك

ص: 241

إليهم عسكرأ ، فأسر كبيرهم محمود بن ثمال ، وجماعة معه ، وأدخلوا إلي بغداد مشهرين ، وحبسوا ( ابن الأثير 245/9 ).

وفي السنة 415 ضرب إنسان بالسياط ، بالقاهرة ، وحمل علي جمل ، وطيف به في البلد، وفي يده جرسان، يجرس علي نفسه، ويصيح بملء صوته : هذا جزاء من يسرق في اليوم دفعتين ، وذكر أنه كان مجرسأ يجرس علي المحبسين بحبس بنان ( اخبار مصر للمسبحي 62).

و في السنة 415 علق رجل لص ، بالقاهرة ، وجد قد فتح دكانأ ، فضرب ، وشهر في البلد علي جمل، ثم أعيد إلي المطبق ( أخبار مصر اللمسبحي 19 ).

وفي السنة 415 قبض علي الرجل الذي سرق مال القرافية بمصر ، فقطعت يمينه ، وطيف به علي جمل ، فلما أعيد إلي السجن مات ( اخبار مصر للمسبحي 71 و 107).

وفي السنة 431 اتهم باديس صاحب غرناطة ، أبا الفتوح ثابت بن محمد الجرجاني بالتآمر ضده ، ففر منه إلي إشبيلية ، ثم استسلم إليه ، فبعث به إلي غرناطة ، فتسلمه قداح صاحب عذابه ، فحلق رأسه ، وأدخله إلي غرناطة مشهرة علي بعير ، وخلفه أسود فظ ضخم ، يوالي صفعه ، وأودع حبس ضيق ، ثم عاد باديس الي غرناطة فقتله ( الاحاطة 462 - 466) .

وفي السنة 446 قصد بنو خفاجة ، الجامعين ، وأعمال نور الدولة دبيس ، ونهبوا ، وفتحوا ، فأستنجد نور الدولة بالبساسيري ، فسار إليه ، وقاتل خفاجة ، فانهزموا ، ودخلوا البر ، فلم يتبعهم ، فعادوا إلي الفساد ، فعاد إليهم ، وسلك البر وراءهم ، ولحقهم بخفان ، وهو حصن بالبر ، فأوقع بهم ، وقتلهم ، ونهب أموالهم وجمالهم ، وخرب حصن خفان ، وأراد تخريب القائم به ، وهو بناء من آجر وكلس ، قيل إنه كان علم تهتدي به

ص: 242

السفن ، لما كان البحر يجيء إلي النجف ، ودخل بغداد ومعه خمسة وعشرون رجلا من خفاجة ، عليهم البرانس ، وقد شدهم بالحبال إلي الجمال ( ابن الأثير 600/9 ) .

أقول : تحدث القاضي التنوخي في كتابه الفرج بعد الشدة عن البناء الذي أراد البساسيري تخريبه ، وسماه القاضي : إصبع خقان ، وذكر إن شخصا سقط من أعلاه ، وبينه وبين الأرض ألف ذراع ، فدخلت الريح في ثيابه ، وتخللتها ، فنزل إلي الأرض سالمة ، راجع القصة 398 من كتاب الفرج بعد الشدة ، تحقيق المؤلف .

وذكر ناصر خسرو ، في رحلته إن تجار مصر يصدقون في كل ما يبيعون ، وإذا كذب أحدهم علي مشتر ، فإنه يوضع علي جمل، ويعطي جرسأ بيده ، ويطاف به في المدينة ، وهو يدق الجرس ، وينادي : لقد كذبت ، وها أنا أعاقب ، وكل من يقول الكذب ، فجزاؤه العقاب . ( رحلة ناصر خسرو 105 ) .

وفي السنة 446 بدأت الوحشة بين القائد البساسيري ، والخليفة القائم ، وكان الذي أنيث الفتنة رئيس الرؤساء ابن المسلمة ، الذي كان يساند أعداء البساسيري ، فسار البساسيري إلي الأنبار ، وحصرها، وأسر أبا الغنائم بن المحلبان أحد أصحاب ابن المسلمة ، وكان قد ألقي بنفسه في الفرات ، فأخرج ، وأدخل إلي بغداد علي جمل وعليه قميص أحمر ، وعلي رأسه برنس ، وفي رجليه قيد ، وأراد صلبه ، وصلب من معه من الاسري ، فسأله نور الدولة دبيس ، أن يؤخر ذلك حتي يحضر ، فلم يصلب ابن المحلبان ، وصلب جماعة من الأسري ( ابن الأثير 69/9 و602).

وفي السنة 448 دخل ابن فسا نجس واسط ، وخطب فيها للمصريين ، فحاربه الجند العباسي ، وأسروه ، وأدخل إلي بغداد في السنة 449 مشهر

ص: 243

علي جمل ، وعليه قميص أحمر ، وعلي رأسه طرطور بودع ، وصلب ( ابن الأثير 625/9 ).

وكان رئيس الرؤساء ابن المسلمة ، صاحب الدولة ، في أيام الخليفة القائم ، وكان شديدة علي أهل الكرخ ، مجتهدة في أذاهم ، وفي السنة 448 تقدم إلي صاحب المعونة بقتل شيخ البرازين بباب الطاق « لما كان يتظاهر به من الغلو في الرفض » ، فقتل ، وصلب علي باب دكانه ، وطلب أبا جعفر الطوسي ، الفقيه الإمامي ، فهرب منه ، فنهبت داره ، وفي السنة 449 كبست دار أبي جعفر الطوسي مجددا ، وكان متكلم الشيعة بالكرخ ، فأخذ ما وجد في داره من دفاتر ، مع كرسي كان يجلس عليه للكلام ، فأحرقت ، وفي السنة 450 دخل البساسيري بغداد ، وخطب المستنصر الفاطمي ، وأسر الخليفة القائم ، وقبض علي ابن المسلمة ، فلما رآه قال له : مرحبا بمهلك الأمم ، ومخرب البلاد ، ومبيد العباد ، فقال له : العفو عند المقدرة ، فقال له : قد قدرت أنت فما عفوت ، وأنت تاجر ، صاحب طيلسان ، ولم تستبق من الحرم والأطفال ، فكيف أعفو عنك ، وأنا صاحب سيف ، وقد أخذت أموالي ، وعاقبت حرمي ، ونفيتهم في البلاد ، وشتتني ، ودرست دوري .

واجتمع العامة ، فسبوا ابن المسلمة ، وهموا به ، فأخذه البساسيري إلي جنبه ، خوفا عليه من العامة ، وحل الركابية حزام البرذون الذي كان تحته ، ليسقط ، فيتمكن العامة من قتله ، فسقط ، فوقف البساسيري ، يذب عنه ، إلي أن أركبه ، ومضي به إلي الخيمة ، فقيده ، ووكل به ، وضرب ضربا كثيرة .

ثم أخرج من محبسه بالحريم الطاهري ، وعليه جبة صوف ، وطنطور من لبد أحمر ، وفي رقبته مخنقة من جلود كالتعاويذ، وأركب جملا ، وطيف به في محال الجانب الغربي ، ومن ورائه من يصفعه بقطعة جلد ، وشهر في البلد ، ونثر عليه أهل الكرخ ، لما اجتاز بهم ، خلقان المداسات ، وبصقوا

ص: 244

في وجهه. ولعن وسب في جميع المحال ، ونصبت له خشبة بباب خراسان ، فحط عن الجمل ، وخيط عليه جلد ثور قد سلخ في الحال ، وجعلت قرونه علي رأسه ، وعلق بكلابين من حديد في دقته ، واستبقي في الخشبة حيا ، فلبث إلي آخر النهار يضطرب ، ثم مات ( المنتظم 171/8 - 197)

وفي السنة 460 كانت حرب بين شرف الدولة مسلم بن قريش صاحب الموصل ، وبين بني كلاب بالرحبة ، وهم في طاعة العلوي المصري ، فكسرهم شرف الدولة ، وغنم منهم أسلاب وأعلاما عليها سمات المصري ، فبعث بها إلي بغداد ، فكسرت ، وطيف بها في البلد . ( ابن الأثير 57/10)

وفي السنة 467 تقدم ببغداد ، فخر الدولة ، إلي المحتسب بالحريم ، بنفي المفسدات ، وبيع دورهن ، فشهر جماعة منهن علي الحمير ، مناديات علي أنفسه وأبعدهن إلي الجانب الغربي ( المنتظم 294/8 ) .

أقول : كأن الجانب الغربي ليس من بغداد .

وفي السنة 473 ولي ابن الخرقي الحسبة ببغداد ، فمنع قوام الحمامات أن يمكنوا أحدأ يدخل بغير مئزر ، وتهددهم بالإشهار (المنتظم 129/9 ).

وبعث المعتمد اللخمي ، صاحب قرطبة واشبيلية ، وزيره ونديمه ابن عمار ، علي جيش لفتح مرسية ، ففتحها وحازها لنفسه ، وتنكر للمعتمد ، وهجاه ، ثم ثار عليه أهل مرسية ، وأخرجوه ، فالتجأ إلي حصن شقورة ، فاعتقله صاحب الحصن ، وسلمه للمعتمد ، لقاء مال ، فأمر به المعتمد ، فأدخل إلي قرطبة ، ثم إلي إشبيلية ، مشهرة ، علي بغل ، بين عدلي تبن ، وقيوده ظاهرة للناس . ( المعجب للمراكشي 180 - 189).

وفي السنة 484 أشهر بغداد رجل إسمه تليا ، وعلي رأسه طرطور ،

ص: 245

وهو يصفع بالدرة ، والناس يشتمونه وهو يسبهم ، ثم صلب ، وسبب ذلك إنه كان يشتغل بالتنجيم ، وادعي أنه المهدي ، واستغوي جماعة ، واتفق مع أحد رؤساء الأعراب وحسن له نهب البصرة ، فنهبها وأحرق مواضع فيها ، منها دارين للكتب ، وأخذ تليا بالبحرين ، وحمل إلي بغداد حيث أشهر وصلب ( ابن الأثير 183/10 و 184 والمنتظم 55/9 و58 ) .

وفي السنة 494 أشهر في دامغان رجل وفي عنقه يد صبي قد ذبحه وأكله ( المنتظم 123/9 ).

وفي السنة 513 مات في السجن أبو الدلف محمد بن هبة الله الكاتب المعروف بابن زهمونة وكان فاضله شعر وبلاغة، وكان كاتبأ للأمير أبي الحسن بن المستظهر ، فلما خرج الحسن علي أخيه المسترشد ، كان أبو الدلف معه ، فلما أعيد أبو الحسن ، وأبو الدلف معه ، أركب علي جمل بسرج ، وألبس قميصأ أحمر ، وجعل في عنقه مخانق من برم وعظام ، وبعر ، وجعل علي رأسه برنس أحمر بودع وخرز ، وشهر من باب النوبي الشريف إلي باب الأزج ، وخلفه غلام يعلوه بالدرة ، وينادي عليه ، ثم سجن ، ومات في السجن ( عيون التواريخ 92 والمنتظم 198/9 و 205 والوافي بالوفيات 153/5 ) .

أما الأمير أبو الحسن ، فقد حبس في حجرة ، وسد عليه الباب ، وأبقي منه موضع تصل منه الحوائج ، ثم أحضر في السنة 513 وقيل له : قد وجد في قبة دارك تشعيث ولعله منك ، ولعلك عزمت علي الهرب مرة أخري ، فحلف أنه لم يفعل ، وتنصل، ثم أعيد إلي موضعه علي التضييق . ( المنتظم 207/9 ).

وفي السنة 514 دخل السلطان محمود بن محمد السلجوقي إلي بغداد، وطالب بالافراج عن الأمير أبي الحسن ، فبذل له الخليفة ثلثمائة ألف دينار اليسكت عن هذا ( المنتظم 218/9 ) .

ص: 246

وفي السنة 522 ظهر ببغداد ، عند وراق ، كراسة اشتراها في جملة كاغد ، مكتوب فيها القرآن ، وقد كتب ما بين كل سطرين من القرآن سطر من الشعر علي وزن آخر الآيات ، ففتش عن كاتبها ، فظهر إنه معلم ، فكبس بيته ، فوجدوا له كراريس علي هذا المعني ، وسئل فأقر، فحمل علي حمار ، وأشهر في البلد ، وأراد العامة إحراقه ( المنتظم 6/10 و7).

وفي السنة 525 أحضر ثلاثة من الشهود ، شهدوا شهادة زور اعتمدوها ، وأخذوا عليها رشوة كبيرة ، في دار مرهونة بكتاب دين ، فأخرجوا إلي باب النوبي ، ودرروا بمحضر من الناس ( المنتظم 21/10 ).

وفي السنة 529 حصلت معركة في مصر بين جنود الاستاذ ابن اسعاف القادم من بلاد الصعيد، وجنود الوزير حسن بن الحافظ الفاطمي ، فأسر الأستاذ ابن اسعاف ، وحمل إلي القاهرة علي جمل ، وعلي رأسه طرطور لبد أحمر ( خطط المقريزي 18/2 ).

وفي السنة 531 أشهر ببغداد أربع نسوة في الأسواق علي بقر التقائين مسودات الوجوه ، لأنهن شربن المسكر في الشط مع رجال ( المنتظم 69/10)

وفي السنة 533 طلب رجلان من وزير السلطان مسعود ، أن يضمنهما المكوس التي أزيلت ، وبذلا مائة ألف دينار، فرفع أمرهما إلي السلطان ، فشهرا في البلد مسودي الوجوه . ( المنتظم 79/10 ).

وفي السنة 535 أشهر في بغداد أحد المحتالين ، بأن أركب حمارا وطيف به ، وسبب ذلك ، إنه قدم بغداد ، وأظهر النسك والزهد، وأقام في قرية السلطان بباب بغداد ، فقصده الناس من كل جانب ، واتفق أن بعض أهل السواد دفن ولدا له قريبا من قبر السبتي ، فمضي هذا الرجل نبشه ، ودفنه في موضع ، ثم قال للناس إنه رأي عمر بن الخطاب في المنام ومعه

ص: 247

علي ابن أبي طالب ، وإنهما سلما عليه ، وقالا له : إن في هذا الموضع صبي من أولاد أمير المؤمنين علي ، وخطابه المكان ، فحفروه ، فرأوا الصبي ، وهو أمرد ، فمن وصل إلي قطعة من كفنه فكأنه قد ملك الملك ، وخرج أرباب الدولة وأهل بغداد لرؤيته ، وانقلب البلد ، وطرح في الموضع دساتيج ماء الورد ، والبخور ، وأخذ التراب للتبرك ، وأزدحم الناس علي القبر ، حتي لم يصل أحد من كثرة الزحام ، وجعل الناس يقبلون يد المتزاهد ، وهو يظهر التمنع والبكاء والخشوع، والناس يزدحمون عليه تارة ، وعلي الميت تارة ، وظل الحال أيامة ، وجاء السوادي ، فأبصره ، وقال : هذا والله ولدي ، وكنت دفنته عند السبتي ، فهرب المتزاهد لما أحست بافتضاح حيلته ، فطلبوه ، فأخذ ، وأركب حمار وأشهر . ( المنتظم 88/10 و 89 ) .

وفي السنة 542 اجتمع عند رجار الصقلي ، صاحب صقلية ، رسول يوسف صاحب قابس ، ورسول الحسن صاحب إفريقية ، وجرت بين الرسولين مناظرة ، فذكر رسول يوسف ، الحسن ، ونال منه ، وذمه ، فأرسل رسول الحسن إليه رقعة علي جناح طائر قض عليه فيها القصة ، فسير الحسن جماعة من أصحابه في البحر فأخذوا رسول يوسف ، وأحضروه أمامه ، نسبه ، وقال له : ملكت الافرنج بلاد المسلمين ، وطولت لسانك بذمي ، ثم أركبه جملا ، وعلي رأسه طرطور بجلاجل، وطيف به في البلد ، ونودي عليه : هذا جزاء من سعي في تمليك الإفرنج بلاد المسلمين ، فلما توسط المهدية ثار به العامة فقتلوه . ( ابن الأثير 121/11 ).

وفي السنة 543 هاجم سيف الدين سوري بن الحسين ، ملك الغور ، غزنة ، فملكها ، ثم انكسر ، وأسره بهرام شاه الغرنوي ، فأمر به فسود وجهه ، وأركب بقرة ، وطيف به في البلد ، ثم صلب . ( ابن الأثير 135/11)

وفي السنة 550 استولي علاء الدين ، أخو سيف الدين سوري ، علي

ص: 248

غزنة ، وأمر بمن أشهر أخاه سيف الدين ، فرماهم من شاهق، وبالنساء اللواتي غنين بشتمه فحبسه في حمام حتي هلكن ، وأخذ خلقأ كثيرا من أهل غزنة ، وحملهم مخالي مملوءة ترابا إلي فيروزكوه ، فبني بالتراب قلعة ( ابن الأثير 165/11 و166).

وفي السنة 547 أخذ أبو النجيب مدرس النظامية ، إلي باب النوبي ، فأقيم علي الدكة الظاهرة بين اثنين ، وكشف رأسه ، وضرب بالدرة خمس مرات ، وأعيد إلي حبس الجرائم ، وسبب ذلك لأنه عاد إلي تدريس النظامية ، دون إذن من الخليفة . ( المنتظم 147/10 ).

وفي السنة 547 قبض علي البديع المتصوف الواعظ ، ووجدت عنده ألواح من طين فيها قبل ( جمع قبلة ) وعليها مكتوب أسماء الأئمة الاثنا عشر فاتهم بالرفض ( التشيع ) ، فشهر بباب النوبي ، وكشف رأسه ، وأدب أي ضرب وألزم بيته ( أي حبس في بيته ) . ( المنتظم 148/10 ).

وفي السنة 557 اذعت امرأة أن الفقيه ابن النظام مدرس النظامية ، قد تزوجها فجحد، وحلف ، ثم أقر ، فافتضح ، فعزل عن التدريس ، وأخذ فصفع علي باب النوبي . ( المنتظم 203/10 ).

وفي السنة 559 شهرت امرأة تزوجت بزوجين ، ومعها أحدهما ( المنتظم 208/10 ).

وفي السنة 562 لما قتل شاور ، الوزير الفاطمي ، القاضي الرشيد بن الزبير ، بمصر ، أركبه علي جمل ، وعلي رأسه طرطور ، ووراءه جلو از پنال منه ، ثم شنقه ( الوافي بالوفيات 224/7 ).

وفي السنة567افتتح أبو الفتح التدريس في مدرسة السلطان ببغداد ، بقوله : زعمت طائفة من الأصوليين ، أن الله ليس بموجود ، وبلغ الوزير ذلك فأحضره ، وقال له : ما وجدت في العلوم إلا هذا؟ وأمر بأن يحضر بوتقة السواد وحمار ليشهر في البلد . ( المنتظم 236/10 و237 ) .

ص: 249

وفي السنة 572 اتهم طحان من أهل الكرخ بأنه قال قولا مخالفأ للشريعة فضرب مائة سوط ، وسود وجهه ، وشهر في الغد ، وخلفه من يضربه بالخشب والعامة يرجمونه ، ثم حبس . ( المنتظم 267/10 ).

ولما زار الرحالة ابن جبير الاسكندرية ، في السنة 578شاهد موكبا الأسري من الروم ، أشهروا في شوارع البلدة ، راكبين علي الجمال ، ووجوههم إلي أذنابها ، وحولهم الطبول والأبواق . ( رحلة ابن جبير 31) .

وفي السنة 584 بعث الخليفة الناصر ، جيشا مقدمه الوزير جلال الدين عبيد الله بن يونس ، لمحاربة السلطان طغرل شاه السلجوقي ، فكسره طغرل ، وأسر ابن يونس ، فحلق رأسه ، وألبسه طرطورة أحمر فيه جلاجل . ( ابن الأثير 24/12 و25 والذيل علي الروضتين 6).

وفي السنة 607 خرج قطب الدين سنجر ، مملوك الخليفة الناصر ، وكان صاحب خوزستان ، عن طاعة الخليفة ، فبعث الخليفة إليه جندأ ، ففر إلي شيراز ، فطالبوا صاحبها بتسليمه ، فسلمه إليهم بأمان علي حفظ حياته ، فحمل إلي بغداد ، وهو علي بغل بأكاف ، وفي رجله سلسلتان ، في يد كل جندي سلسلة ، وحبس مدة ، ثم عفا عنه الخليفة ، وأطلقه . ( ابن الأثير 289/12 و 290 ).

وفي السنة 615 توفي الشاهد أبو غالب محمد بن محمد ، المعروف بابن الصباغ ، وكان قد شهد في كتاب ، شهادة لم يتثبت منها ، فلما ظهرت الحال ، عزل القاضي ، وأشهر ابن الصباغ ، ومعه شاهد آخر، علي جملين بحريم دار الخلافة ، مكشوفي الرأس ( الوافي بالوفيات 167/1 ).

وفي السنة 653 قبض علي نباش ، وجدت في داره عدة أكفان ،

ص: 250

فقطعت يداه ، وعلقتا في حلقه ، وأشهر ببغداد ( الحوادث الجامعة 306 و307) .

وفي السنة 654 زادت دجلة زيادة عظيمة ، وغرقت بغداد ، وعمل اليهود سكرة في رأس بين الدربين ودرب القيار ، فنازعهم فيه من يتعدي ضرره إلي ملكه ، وجرت خصومات ، وشهروا السلاح ، ونادوا يا آل خيبر ، فقبض الشحنة علي جماعة منهم ، وضربهم ، وشوه خلقهم ، وشهرهم ، ونودي عليهم : هذا جزاء من شهر السلاح علي المسلمين ، وقال : يا آل خيبر ( الحوادث الجامعة 318 ).

وفي السنة 677 قبض علي أحمد بن بقا الشربدار ، لرفعه علي الصاحب علاء الدين الجويني صاحب ديوان العراق ، فحبس ، ثم عمل له حجلة ، وسمر عليها ، وجعل علي رأسه مسخرة كان ببغداد يعرف بالموصلي ، يصفعه بنعل ، ويروحه به ، ثم يبول عليه ، والناس يمدون الحجلة بالحبال في الأسواق والدروب في جانبي بغداد ، فأخذ في سب الصاحب ، فوضعوا في فمه مسلة منعته من الكلام ، ودام تعذيبه بالحجلة ، إلي آخر النهار ، ثم قطع رأسه ، ووضع مكانه رأس تيس بلحيته ، وطيف به ، وأحرق العوام جثته ، ورفع رأسه علي خشبة وطيف به . ( الحوادث الجامعة 401 و تاريخ العراق للعزاوي 291/1 ) .

وفي السنة 680 توفي مجد الدين صالح بن الهذيل بواسط. وكان من أكابر المتصرفين بواسط وغيرها ، تولي صدرية واسط ، ولقب بالملك ، ثم أخذ ودوشخ وطولب بأموال واسط ، ثم رتب صدر في طريق خراسان ، ثم أخذ وخزم أنفه ، وطيف به ببغداد ، ثم عزل ، ورتب ناظرة بقوسان ( الحوادث الجامعة 418 ).

وفي السنة 681 أحضر إلي بغداد عبد يشوع، ويعقوب ، وكانا قد رفعا

ص: 251

علي الصاحب علاء الدين صاحب الديوان ، فطيف بهما في بغداد عريانين ، والعوام يصفعونهما ويضربونهما بالآجر ، ثم قتلا بقية اليوم ، وجر العوام جثتيهما ، وأحرقوهما بباب قلاية النصاري . ( الحوادث الجامعة 422) .

وكان تغير السلطان في السنة 683 سببا في تغير جميع الحكام في العراق ، فقبض علي خواجه هارون صاحب الديوان ، وشمس الدين زرديان نائبه ، ونظام الدين عبد الله بن قاضي البندنيجين ، وأخرج هذا الأخير من الغد في دوشاخة ، وقد سود وجهه ، وأركب علي بهيم ، وشهر في بغداد ، والعوام يطرقون بين يديه استهزاء به ، ثم قصفت رقبته بدوشاخة فمات . ( الحوادث الجامعة 437 ، 438 ) .

وفي السنة 702 وقعت معركة عنيفة بين جيش التتار ، وجيش السلطان الملك الناصر محمد بن قلاوون ، وقبض الناصر علي رجل من أمراء حلب ، كان قد انتمي إلي التتار ، وأخذ يدلهم علي الطرقات ، فأمر به فسمر علي جمل ، وشهر بدمشق وضواحيها . ( النجوم الزاهرة 164/8 ).

وفي السنة 716 توفي نجم الدين سليمان الصرصري ، البغدادي ، الحنبلي ، وكان قد اتهم بالتشيع لآل البيت ، فرفع إلي القاضي الحنبلي بالقاهرة ، فأمر بضربه ، وتعزيره ، وأشهره ، وطيف به ، ونودي عليه ، وطرد من جميع ما بيده من المدارس، وحبس أيام ، ثم أطلق ، فهاجر إلي مكة ، ثم عاد إلي فلسطين ، فمات في الخليل ( شذرات الذهب 39/6 و40) .

وفي السنة 719 عصي القائدان ايرنجين وقورشي علي السلطان أبي سعيد ملك العراق وأذربيجان ، فحاربهما السلطان وأسرهما ، وأمر بهما فسمرا ، وقتلا شر قتلة ( التاريخ الغياثي 58 )، وفي تاريخ العراق للعزاوي 462/1 إن السلطان أبو سعيد أمر بالأمير قورشي فألبس طرطورة أحمر ، وحلقت لحيته ، وسمر ، وطيف به ، ثم قتل بعد ذلك .

ص: 252

وخالف الأمير عين الملك ، علي السلطان محمد بن تغلق ، سلطان الهند ، فحاربه السلطان وكسره ، وأخذه أسيرة ، وأحضر إليه راكبا علي ثور ، وهو عريان ، مستور العورة بخرقة مربوطة بحبل ، بواقي الحبل في عنقه ، وأمر السلطان بأن يكسي ثوبا من ثياب الزمالة ، وأن يقيد بأربعة كبول ، وأن تغل يداه إلي عنقه ، وسلم إلي الوزير . (مهذب رحلة ابن بطوطة 2/ 109 و110).

وفي السنة 742 عبر متولي الحسبة بالقاهرة ، علي رجل في سوق باب الزهومة ، اسمه محمد بن خلف ، عنده مخزن فيه حمام وزرازير ، متغيرة الرائحة ، لها نحو خمسين يوما ، فكشف عنها ، فبلغت عدتها أربعة وثلاثين ألفا ومائة وستة وتسعين طائرة ، من ذلك حمام ألف مائة وستة وتسعون ، وزرازير ثلاثة وثلاثون ألفأ ، كلها متغيرة اللون والريح ، فأذبه ( أي ضربه )، وشهره ( خطط المقريزي 97/2 ).

وفي السنة 742 أشهر بمصر والقاهرة ، علي جمل ، أبو الفرج ابن حظير ، ففرح أهل مصر والقاهرة بذلك ، وأشعلوا الشموع، بالحوانيت والشوارع، ودقوا الطبول ، ( النجوم الزاهرة 23/10 ).

وفي السنة 753 نشبت معركة بين بني عبد الواد برئاسة أبي ثابت ، وبين السلطان أبي عنان المريني ، فأسر أبو ثابت ووزيره يحيي بن داود ، فأمر أبو عنان بهما ، فأشهرا بتلمسان علي جملين ، ثم قتلا في ظاهر البلد ، قعصة بالرماح ( ابن خلدون 121/7 ).

وفي السنة 753 ظهر بصفد شخص ادعي أنه هو الملك المنصور أبو بكر بن الناصر محمد وزعم أن والي قوص لما صدر إليه الأمر بقتله ، لم يقتله ، وإنما قتل شخصا آخر بدلا منه ، فأحضره نائب صفد ، وحقق معه ، فأصر علي آدعائه ، فحمل إلي مصر ، فأمر نائب السلطنة بمصر ، بضربه ،

ص: 253

وتسميره ، فضرب ، وسمر ، وهو يقول : لي أسوة بإخوتي الناصر والكامل والمظفر ، فأمر بقطع لسانه ، فقطع ، ثم قتل بعد ذلك ( الدرر الكامنة 495/1 و496) .

وفي السنة 762 أشهر الأمير أسد بن أميري الكردي ، من أمراء الشام ، وسمر علي جمل ، وطيف به ، ثم سجن ، وسبب ذلك ، إن الأمير بيدرا نائب دمشق لما خرج علي السلطان المنصور ، الذي خلف أخاه الناصر حسن ، خامر الأمير أسد معه ، فلما تغلب السلطان المنصور ، وفتح دمشق ، اعتقل الأمير أسد، وأشهر ، وسمر ، ثم أودع الحبس ( الدرر الكامنة 382/1)

وفي السنة 779 أخرج والي القاهرة ، الأمير حسين بن الكوراني ، جماعة من العامة من الحبس ، وسمرهم ، وطاف بهم في القاهرة ، ثم وسطهم في الرميلة ، ثم أخذ ثلاثة مماليك صغار واتهموا بأنهم نهبوا من خيول نائب السلطان ، فطيف بهم ، ثم وسطوا تحت القلعة ( بدائع الزهور 203/2/1)

وفي السنة 770 ثار عامر بن محمد بالمغرب علي السلطان عبد العزيز المريني ، وبايع أميرة من بني عبد الحق ، من أولاد أبي ثابت ، اسمه تاشفين ، فجرد السلطان عبد العزيز جيشأ لمحاربته ، وأسر عامر وسلطانه تاشفين ، فأمر السلطان بهما فأشهرا علي جملين ، وأفرغ عليهما الروث ( سرجين الدواب ) وعبثت بهما أيدي الاهانة ، ثم قتلا ( ابن خلدون 326/7)

وفي السنة 780 اتهم نائب الإسكندرية الأمير خليل بن عرام ، بأنه قتل الأمير بركة ، في سجنه بالإسكندرية ، فحمل إلي القاهرة ، وعري ، وضرب بالمقارع، وسمر علي جمل بلعبة ، تسمير عطب ، وطيف به في البلد ،

ص: 254

فهجم عليه جماعة من مماليك بركة وهبروه بالسيوف (النجوم الزاهرة 184/11 و185).

وفي السنة 792 قبض السلطان برقوق علي مملوك اتهمه باثارة الفتنة بين المماليك ، فضرب ضربا مبرحا ، وسمر علي جمل، وشهر ، ثم سجن بخزانة شمائل ، فلم يعرف له خبر بعد ذلك ( النجوم الزاهرة 14/12 ).

وفي السنة 788 رسم السلطان بالقاهرة ، بالقبض علي جماعة من المماليك ، ومعهم الأمير تمر بغا الحاجب ، وسمروا ، وأركب كل مملوكين علي جمل، وظهر أحدهما لظهر الآخر، وتمر بغا علي جمل وحده ، وأشهروا بالقاهرة ، وحريمهم نائحات ، حاسرات عن وجوههن ، يلطمن خدودهن ، ثم وسطوا ( نزهة النفوس 128 ).

وفي السنة 857 رسم السلطان الملك الأشرف ، بتوسيط ثلاثة من أهل القاهرة ، ثبت أنهم كانوا يحضرون عندهم بنات الخطا ، فإذا بتن عندهم ، قتلوه ، وأخذوا ما عليه من القماش ، وفعلوا ذلك غير مرة ، حتي غمز عليهم ، فأشهر وهم في القاهرة ، وقدامهم أقفاص حمالين فيها عظام الأموات و التي كانوا يقتلونها من النساء » . وكان لهم يوم مشهود ( بدائع الزهور 41/2)

وفي السنة 864 توفي زين الدين أبو الخير محمد بن أحمد المعروف بابن الفقيه ، وكان قد خاصم ناظر الخاص بالقاهرة ، فسعي به إلي السلطان ، فأمر في السنة 854 بعزله عما كان يليه من وكالة بيت المال والبيمارستان وغيرها ، ووثب به طائفة من المماليك فضربوه ، ونهبوا بيته ، وأحرقوا بابه ، وجاء نقيب الجيش فأخذه ماشية ، وأمر السلطان بمحاكمته أمام القاضي المالكي ، فأمر بسجنه في سجن الديلم ، فأخذوه علي حمار وفي عنقه جنزير ، ثم نفاه السلطان إلي طرطوس ، فأخرج مع الضرب والتنكيل ،

ص: 255

وعاد إلي مصر في السنة 864 وهو متوعك ، فمات في السنة 864 ( الضوء اللامع 63/7 - 65).

وفي السنة 877 أسر شاه سوار ، الذي كان قد خرج علي سلطان مصر ، وحمل إلي القاهرة فأدخل إليها مشهرا علي فرس ، وعليه « خلعة تماسيح علي أسود » ، وعلي رأسه عمامة كبيرة ، وفي عنقه زنجير ( سلسلة ) كبير طويل ، وقد ركب إلي جانبه أحد الأمراء ،وقد قرن مع سوار في السلسلة ( اعلام النبلاء 71/3 - 74).

وقد روي صاحب الضوء اللامع خبر إشهار الأمير سوار بصورة أكثر تفصيلا ، قال :

وفي السنة 877 قتل الأمير شاه سوار بن ناصر الدين بك بن دلغادر التركماني ، وكان قد خرج عن طاعة سلطان مصر ، وقصد بعض البلاد الحلبية ، مدعيا أن حلب ملك آبائه ، فرد عليه الظاهر خشقدم عدة عساكر ، باءت كلها بالفشل ، ولكن التجريدة الثالثة ، وقائدها الدويدار الكبير يشبك ، كانت من القوة والكثرة ، بحيث رأي شاه سوار أنه ليس بإمكانه مقاومتها ، فأستسلم ، وحمل إلي مصر ، فأمر السلطان والي القاهرة ، سر ، بإتلافه ، فتسلمه ، وأركبه وهو مطوق بحديد به قصبة في رأسها جرس كبير من نحاس ، علي هجين ، وذلك بقصد الإزدراء به ، إلي أن جيء به لباب زويلة ، فعلق بكلاليب شكت في كتفه ، فلم يلبث أن مات في يومه ( الضوء اللامع 274/3 و275 ).

وفي السنة 891 اشتبك الجيش المصري ، والجيش العثماني ، في معركة عنيفة ، فانتصر الجيش المصري ، وقتل كثير من جند السلطان العثماني ، وأسر قائد الجيش العثماني ، وكثير من كبار قواده ، ووصل رسول من صاحب حلب ، ومعه عدة وافرة من الرؤوس التي قطعت من عسكر ابن

ص: 256

عثمان ، وزينت له القاهرة ، وخرج الناس للفرجة، ودخل القاصد والرؤوس أمامه محمولة علي الرماح ، ثم دخل الجيش الظافر ، ومعه رؤساء العساكر العثمانية ، وهم «مزنجرون » بزناجير ، والصناجق منكسة ، وكان قسم من الأمراء العثمانيين علي خيولهم ، وهم بزناجير ، يقدمهم قائد الجيش المأسور أحمد بن هرسك ، وهو علي فرس ، وفي عنقه زنجير ، فوزع السلطان الأسري علي أمرائه لحبسهم عندهم ، حتي إنه أودع قسما منهم لدي القضاة ( اعلام النبلاء 91/3 - 95) .

وفي السنة 911 مات الشيخ العارف بالله الصوفي محمد بن سلامة الهمذاني ، من جراء الضرب بالمقارع، ضربه الأمير طرباي راس نوبة بالقاهرة ، وسبب ذلك إنه تزوج بامرأة خنثي ، وكان لها ابن عم مغربي أراد الزواج بها ، ولم ترده ، فذهب إلي الأمير ، وشكاها وزوجها ، فأحضرهما الأمير وضربهما بالمقارع، وجرسهما علي ثورين ، وأشهرهما في القاهرة ، فما وصل إلي باب المقشرة حتي مات ( شذرات الذهب 55/8 ).

وعاقب ملك الأمراء بمصر ، فتي سرق ثورة ، بأن أشهره علي الثور المسروق ، ثم قتله . ( بدائع الزهور 358/5) .

وفي السنة 923 تبين لقاضي العثمانية بالقاهرة ، إن فقيها من نواب الشافعية ، زوج امرأة لم تكمل انقضاء عدتها ، فأحضر الفقيه ، وضربه ضربة مبرحا ، ثم كشف رأسه ، وألبسه عليه كرشأ من كروش البقر بروثه ، وأركبه علي حمار بالمقلوب وأشهره في القاهرة ( بدائع الزهور 5 / 184 ).

وفي السنة 932 بعث السلطان العثماني ، جيشأ لغزو اليمن ، فمر الجيش بمكة ، وكان فيه جماعة من اللاوند ، أكثروا التعديات بمكة ، فغضب الشيخ محمد بن عراق وأحضر رئيسهم الأمير خير الدين ، وأغلظ له القول ، فأخذ الأمير خير الدين يقبل أقدام الشيخ ، ويعتذر إليه ، ثم أمر فأمسك

ص: 257

جماعة من مفسدي اللاوند، وربطوهم ، وخرقوا لهم ( جروحا ) في سواعدهم وأعضاءهم بالسكاكين ، وأركبوهم الجمال ، وطافوا بهم في مكة . ( الفتح اليماني 44 ).

وفي السنة 975 استولي ابن الشويع ، من أتباع الإمام الزيدي باليمن ، علي مدينة تعز ، وأسر أميرها الأمير قاسم الهلالي العثماني ، وفائق بك ، أحد القواد العثمانيين ، وبعث بهما إلي الإمام الزيدي ، مشهرين علي جمل واحد ، والقيود في أرجلهما ، فمات قاسم الهلالي في الطريق ( البرق اليماني 187)

وكان تاج الدين عبد الوهاب بن رجب النحوي ، المتوفي سنة 1015 ممتحنة بأمرين غريبين ، الأول ، إنه إذا أتلف الحكام من المجرمين أحدأ ، وأشهر وه ، فإنه يتبع ذلك الرجل ، ولا يزال تابعة له إلي المكان الذي يقتل فيه ، فيقف في أقرب مكان منه ، إلي أن يشاهد صورة قتله ، ويستمر واقفا الي انتهاء الأمر ، وهذه عادته دائما ، والثاني : إنه كان متهالكأ علي لعب الشطرنج في دكاكمن باب الجابية ، يجلس في بعض الدكاكين ، ويلعب مع من أراد ، ويكشف رأسه ، ويضع العمامة إلي جانبه ، ولا يزال يلعب إلي أن تغرب الشمس ( خلاصة الأثر 102/3 ).

وثار السيك ، في البنجاب بالهند، علي السلطان فروخ سير (1124 - 1131 ) فجرد عليهم جيشأ أوقع فيهم مذبحة عظيمة ، قتل فيها الآلاف ، حتي إنه بعث إلي دلهي ألفي رأس ، وألف أسير ، من بينهم بندا زعيم السيك ، وابنه الصبي البالغ من العمر ثماني سنوات ، فأدخل الأسري مشهرين علي الجمال ، وقتل الأسري ، ومن أفظع ما حصل إن بندا زعيم السيك ، أمر بأن يقتل ولده بيده ، وعفا السلطان عن أحد الأسري ، ولكن الأسير رفض العفو ، وأصر علي أن يشارك رفاقه في مصيرهم ( الإسلام والدول الإسلامية في الهند 186 و 187 ).

ص: 258

وفي السنة 1184 أظهر الشيخ عبد اللطيف كبير ختام المشهد النفيسي بالقاهرة ، عنزة ، وأدعي لها كرامات ، وإنها كانت تتكلم ، وإنها أصبحت في المقام ، أو فوق المنارة ، وإن السيدة نفيسة تكلمت وأوصت عليها ، وإن الشيخ سمع كلامها من داخل القبر ، وتسامع الناس بذلك فأقبلوا لزيارتها من كل فج ، وعرفهم الشيخ إنها لا تأكل إلا قلب اللوز والفستق ، ولا تشرب إلا ماء الورد والسكر ، فأتوه بأصناف ذلك بالقناطير ، وعمل النساء للعنز القلائد الذهب والأطواق والحلي ، فبعث الأمير كتخدا إلي الشيخ عبد اللطيف وطلب منه الحضور مع العنز ليتبرك بها هو وحريمه ، فركب بغلته والعنز في حجره ومعه طبول وزمور و بيارق ومشايخ وجم غفير من الناس ، وبعد أن تترك الأمير بها ، أمر بإرسالها إلي الحرم ، وأشار إلي الكلارجي فذبحها ، وطبخها، وقدمها علي مائدة الغداء ، وأكل منها الشيخ عبد اللطيف ، ولما فرغوا من الطعام ، عرفه الأمير إنهم أكلوا العنز ، ثم وبخ الشيخ عبد اللطيف ، وأمر أن يوضع جلد العنز علي عمامته ، ويعود به كما جاء ، بجمعيته وبين يديه الطبول ، ووكل به من أوصله إلي محله علي هذه الصورة ( تاريخ الجبرتي 403 - 401/1 )

وفي السنة 1189 تحرك أهالي حلب علي واليهم الحاج علي باشا جه طلجلي ، وكان ظالما من أهل الرشي، وحصروه في سراي حلب، ثم أخرجوه مع جماعته ، من باب الفرج ، وشبكوا التفنك علي رأسه مثل الجملون ، من دار العدل إلي باب الفرج ، والنساء خلفه بالزغاريد ، والأولاد بالشتم الشنيع ( اعلام النبلاء 349/3 ).

وفي السنة 1199 قتل أحد أتباع سردار الإسكندرية ، رجلا، فثار العامة وقبضوا علي السردار ، وأهانوه ، وجرسوه علي حمار ، وحلقوا نصف الحيته ، وطافوا به في البلد وهو مكشوف الرأس، وهم يضربونه ، ويصفعونه بالنعال . (تاريخ الجبرتي 594/1 ) .

ص: 259

وغضب علي أغا، أحد مماليك مصر، علي أحد الشيوخ ، واسمه الشيخ أحمد ، فشهره ، وعلقه علي شباك السبيل بباب الخرق بقاووقه وهيأته ( الجبرتي 157/2 ).

وفي السنة 1213 قبض الفرنساويون بمصر ، علي السيد محمد كريم ، الذي قاوم احتلالهم مصر ، فحمل إلي القاهرة ، حيث أشهر علي حمار ، وطيف به وحوله جمع من العساكر ، يتقدمهم طبل يضرب ، ثم قتل بالرميلة ، وقطعوا رأسه ، ووضعوه علي نبوت ، وطافوا به ( الاعلام 237/7 ).

وفي السنة 1214 قبض الإفرنسيون بمصر ، علي شخص اسمه عثمان خجا، كان متوليا علي رشيد، ثم ظاهر الأتراك ، وحارب الجنود الافرنسيين ، فنقلوه من الإسكندرية إلي رشيد، ودخلوا به البلد مكشوف الرأس ، حافي القدمين ، وطافوا به البلد يزفونه بطبولهم ، حتي وصلوا به إلي داره ، فقطعوا رأسه ، وعلقوها في شباك الدار ( تاريخ الجبرتي 301/2 ).

وفي السنة 1215 أشهر بالقاهرة امرأتان ، طيف بهما في الشوارع بين يدي الحاكم ، ينادي عليهما : هذا جزاء من يبيع الأحرار ، ذلك لأنهما باعتا امرأة لبعض النصاري الأروام بتسعة ريالات ( الجبرتي 401/2 ).

وفي السنة 1217أرسي بالاسكندرية ، قليون ، وطلع منه للبلدة القبطان وبعض التجار ، ثم اطلع الإنكليز علي وجود طاعون في القليون ، فأحرقوه ، وأخذوا اليازجي ، فأشهر وه ، وعروه من ثيابه ، وسحبوه في الأسواق ، وكلما مروا به علي جماعة من العثمانية مجتمعين علي مصاطب القهاوي ، بطحوه بين أيديهم ، وضربوه ضربا شديدا ، حتي قتلوه . (تاريخ الجبرتي 533/2)

وفي السنة 1228 قبض عساكر الشريف غالب شريف مكة ، علي الأمير عثمان المضايفي وهو زوج أخت الشريف ، ولكنه انحاز إلي الوهابيين ،

ص: 260

وحارب في صفهم ، وافتتح لهم الطائف ، وقتل الرجال ، وسبي النساء ، وهدم قبة ابن عباس الغريبة الشكل ، فلما قبض عليه أحضر أمام الشريف غالب وفي رقبته الجنزير ، وأخذوه إلي جدة ، واستمر في الترسيم ( الجبرتي 409/3 ) ثم حمل إلي القاهرة ، فخرج صالح بك السلحدار لملاقاته ، فلما واجهه نزع الجنزير من عنقه ، وأخذه إلي مجلس كتخدا فأعجب الحاضرين بحديثه ، ثم أخذه كتخدا إلي منزله ، وأقام عنده مكرما ثلاثة أيام ثم حمل إلي اصطنبول ( الجبرتي 410/3 ) .

وفي السنة 1229 جرسوا شخصا بأن أركبوه علي حمار بالمقلوب ، وهو قابض بيده علي ذنب الحمار ، وعمموه بمصارين ذبيحة ، وعلي كتفه كرش ، بعد أن حلقوا نصف لحيته وشواربه ، قيل إن سبب ذلك إنه زور حجة تقرير علي أماكن تتعلق بامرأة أجنبية ، وباع بعض الأماكن ، وكانت تلك المرأة غائبة عن مصر ، فلما حضرت وجدت مكانها مسكونة بالذي اشتراه ، فرفعت قصتها إلي كتخدا بك ، ففعل به ذلك ، بعد وضوح القضية ( الجبرتي 469/3)

وفي السنة 1230 أحضر إلي القاهرة ، الشخص المدعو طامي ، وكان شديد الوطأة علي العسكر المصري في حربه مع الوهابيين ، وقتل كثيرا من العساكر المصرية في معركتهم في قنفذة ، وقد أسر بطريقة الغدر فإنه جاء مدعوا عند ابن أخيه ، فلما أتاه آمنا قبض عليه بناء علي مؤامرة سابقة بينه وبين الشريف راجح شريف مكة ، بناء علي اتفاق سابق مع الباشا قائد الجيش المصري ، ولما وصل طامي إلي القاهرة أدخلوه علي هجين وفي رقبته الحديد والجنزير مربوط في عنق الهجين ، وصورة طامي رجل شهم عظيم اللحية وهو لابس عباءة عبدانية ، ويقرأ وهو راكب ( الجبرتي 477/3)

ص: 261

وفي السنة 1234 أحضر إلي الاستانة الأمير عبد الله بن سعود ، ورفيقان له ، هما سري وعبد العزيز بن سلمان ، وكان سعود قد حاربه إبراهيم باشا بن محمد علي باشا صاحب مصر ، وطلب سعود الصلح ، وأخذه إبراهيم إلي مصر، وطلبه السلطان العثماني ، وأحضر إلي الأستانة ( اصطنبول ) ، وطيف به وبرفيقيه في شوارعها، ثم أعدم الثلاثة في ميدان مسجد أيا صوفيا ( الاعلام 222/4 ) .

ولما أنشأ محمد علي الشيرازي ، الديانة البابية في السنة 1260 (1844م)، واعتنق ديانته في إيران جماعة من الناس ، أعدمت الحكومة الإيرانية زعيمهم ، واعتقلت أتباعه من رجال ونساء وأطفال ، فعرتهم من ثيابهم ، وكبلتهم بالحبال ، وأحدثت في بدن كل واحد منهم جرحا وضع فيه الجلاد فتيط ملتهبة ، وأشهرتهم في شوارع طهران ، وهم يصرخون في حماس : إنا لله وإنا إليه راجعون . ( قصة الاضطهاد الديني ) .

ص: 262

القسم الثاني : التعليق
اشارة

العلق في اللغة : النشوب أي الإلتصاق والملازمة ، ومنه العلق الذي هو المحبة والهوي ، قال الشاعر :

علقتها عرضأ، وعلقت رجلا**** غيري وعلق أخري ذلك الرجل

والعلاقة ، بكسر العين : علاقة السيف والسوط ، وها هنا فائدة ، وهي : إن العربي يعلق سيفه بنجاد إلي عنقه وهو العلاقة ، أما الإفرنجي ، فيربط سيفه إلي حزامه ، وقد وجدت مصارعي الثيران في اسبانيا ، يضعون علي صدورهم ضمة من شرائط الحرير المونة ، سألت عنها ، فقالوا إنها للزينة ، وإن أسمها عندهم : ألإلكه ، فعرفت إنها بقية علاقة السيف العربي .

والتعليق ، من ألوان العذاب التي تمت ممارستها في جميع العهود ، ويكون إما بتعليق الأسير من يديه ، أو من يد واحدة ، أو من أحد ساقيه ، وقد يكون التعليق من تحت الإبط ، ويكون ذلك لإشهار المعلق ، وقد أغرق بعض المتسلطين في القسوة ، فعلي النساء من أثدائهن ، وزاد نائب دمشق فعلق اللصوص بكلاليب في أفواههم .

وقد أجملت جميع هذه الألوان من العذاب في هذا البحث .

وما أحسن ، ما قال ابن المعتز، في أرجوزته ، يصف التعليق والصفع في الحبس ، وصب الزيت : ( ديوان ابن المعتز ص 137).

ص: 263

فكم ، وكم ، من رجل نبيل**** ذي هيبة ، ومركب جليل

رأيته بتل بالأعوان ****إلي الحبوس ، وإلي الديوان

حتي أقيم في جحيم الهاجرة**** ورأسه كمثل قذر فائرة

وجعلوا في يده حبالا****من قتب ، يقطع الأوصالا

وعلقوه في عري الجدار ****كأنه برادة في الدار

وصفقوا قفاه صفق الطبل ****نصبأ لعين شامت وخل

وحمروا نقرته بين النقر**** كأنها قد خجلت مما نظر

إذا استغاث من سعير الشمس**** أجابه مستخرج برفس

وصب سجان عليه الزيتا**** فصار بعد بة كميتا

حتي إذا طال عليه الجهد**** ولم يكن مما أرادوا بد

قال أئذنوا لي أسأل التجارا ****قرضأ وإلا بعتهم عقارا

وأجلوني خمسة أياما ****وطوقوني منكم إنعاما

فضايقوا وجعلوها أربعة**** ولم يؤمل في الكلام منفعة

وجاءه المعيون الفجرة ****وأقرضوه واحدة بعشرة

وكتبوا صكا ببيع الضيعة و****حلفوه بيمين البيعة

ثم تأتي ما عليه وخرج ****ولم يكن يطمع في قرب الفرج

وجاءه الأعوان يسألونه**** كأنهم كانوا يدللونه

وإن تلكا أخذوا عمامته ****وجمشوا أخدعه وهامته

ص: 264

الصنف الأول : التعليق من اليدين

في إحدي المعارك بين الجيش العباسي وصاحب الزنج ، قتل صاحب الزنج علي بن محمد الورزنيني فأمر أبو أحمد الموفق برفع راس صاحب الزنج علي قناة ، وانصرف إلي الموفقية ، ورأس صاحب الزنج منصوب بين يديه علي قناة في شذاة ، وسليمان بن جامع والهمذاني ، من كبار قواد صاحب الزنج مصلوبين أحياء في شذاتين عن جانبيه حتي وافي قصره بالموفقية ( شرح نهج البلاغة 210/8 و211) .

وممن عذب بالتعليق ، أبو العباس أحمد بن محمد بن الفرات ، لما اعتقل في أيام المعتمد ، إذ علق بحبال في يديه ، بقيت آثارها فيها مدة حياته ( كتاب الوزراء للصابي 12 ).

وفي السنة 300 علق الحسين بن منصور الحلاج ، صلب وهو حي ، في الجانب الشرقي يومين اثنين وفي الجانب الغربي يومين اثنين ( المنتظم 115/6)

وعذب بهذا اللون كذلك ، الوزير أبو علي بن مقلة ، استوزره الراضي في السنة 322 ثم عزله في السنة 324 بعبد الرحمن بن عيسي ، وسلم ابن مقلة إليه ، فضربه بالمقارع، وعلقه ، وجري عليه من المكاره بالتعليق وغيره من العقوبة شيء كثير . ( وفيات الأعيان 114/5 ).

ص: 265

وعذب بهذا اللون كذلك ، أبو جعفر الكرخي ، المعروف بالجرو ، عذبه أبو القاسم البريدي ، بألوان من العذاب ، منها أنه سمر يديه في حائط وهو قائم علي كرسي ، ثم نخي الكرسي من تحته ، فبقي معلقا من يديه ، راجع التفصيل في كتاب نشوار المحاضرة وأخبار المذاكرة للقاضي التنوخي رقم القصة 124/4 .

وفي السنة 329 ظهر ابن سنجلا وسلفه علي بن يعقوب من استتارهما ، وصارا إلي دار الوزير القراريطي ، ليسلما عليه ، فقبض عليهما ، وحملهما إلي دار السلطان ( دار الخلافة ) ، وأمر بحبسهما ، ونالهما مكروه غليظ ، بالضرب والتعليق ، وصودرا علي مائة وخمسين ألف دينار . ( تجارب الأمم 19/2 ).

وكان الوزير صفي الدين بن شكر (ت 622 ) يحقد علي الكاتب الأسعد بن مماتي (ت 606 ) فاستكتبه سنة ، ثم عمل عليه المؤامرات ، ووضع عليه المحالات ، وأحال عليه الأجناد في المطالبة ، حتي ذكر أنه علق علي باب داره بمصر علي ظهر الطريق ، في يوم واحد، أحد عشرة مرة ( اعلام الناس 325/4) .

وغضب السلطان محمد بن تغلق ، سلطان الهند، علي ابن ملك التجار ، وعلي صهره ابن قطب الملك ، فأمر بهما فعلقا من أيديهما في خشب ، ثم رميا بالنشاب حتي ماتا ( مهذب رحلة ابن بطوطة 94/2 ).

ولما فتح تيمورلنك دمشق ، في السنة 803 كان من جملة ما عذب به الدمشقيون التعليق من إبهام اليدين بحبل مشدود إلي السقف ، فإذا رفع المعذب عن الأرض ، أشعلت النار تحته ، فإذا سقط في النار ، نحي عنها ، وترك علي الأرض حتي يفيق ، ليعاود تعذيبه ( النجوم الزاهرة 244/12 و245 ).

ص: 266

وفي السنة 837 ولي الأمير قرقماس ، نيابة السلطنة بحلب ، فقطع دابر قطاع الطرق الحرامية ، وكان اذا وقع في قبضته أحد منهم ، علقه بكلاليب تحت ألواحه ( أي دفة ظهره ) ( اعلام النبلاء 31/3 ) .

وفي السنة 877 جيء بالأمير شاه سوار من آل دلغادر ، إلي القاهرة ، وأشهر ، ثم أخذ إلي باب زويلة ، وعلق بكلاليب شكت في كتفه ، فلم يلبث أن مات ( الضوء اللامع 374/3 و375 )

وفي السنة 883 أحضر الدوادار الكبير جماعة من عرب هوارة ، فيهم الأمير أحمد بن إسماعيل الهواري ، فعلقوا باب زويلة وهم أحياء ، إلي أن ماتوا ( الضوء اللامع 244/1 ).

ص: 267

الصنف الثاني : التعليق من يد واحدة

مارس هذا اللون من العذاب ، الوزير أبو الحسن بن الفرات ، بأن أمر أبا منصور بأن يتولي مطالبة محمد بن جعفر بن الحجاج ، فأخذه ، وشديده إلي حبل مد إلي بكرة علي رأس دقل ، وجذب الحبل ، فارتفع الأسير إلي أعلي الدقل ، معلقا بيد واحدة ، وهو يستغيث ، راجع تفصيل القصة في كتاب الوزراء للصابي ص 138 .

ولما عزل ابن الفرات عن وزارة المقتدر ، وخلفه حامد بن العباس ، في السنة 306 نصب أبا أحمد بن حماد ، لمناظرة الوزير المعزول وحاشيته ، فناظر ولده المحسن ، وعلقه في حبل الستارة، بفرد يد ( تجارب الأمم 65/1)

وفي السنة 390 خرج الموفق وزير بهاء الدولة ، في طلب ابن بختيار ، وبادر أبو عبد الله الحسين بن محمد بن يوسف ، عامل در ابجرد لاستقباله ، فشاهد الموفق من كثرة حواشيه ، وسعة كراعه ، ما عظم في نفسه ، وحمله حسده عليه أن قبض عليه ، وعلي أصحابه ، وأخذه معه محمولا علي جمل ، بعد أن احتوي علي جميع ماله ، وكان إذا نزل في منزل ، أحضره ، وطالبه ، وضربه ، وعذبه ، حتي أنه في أحد الأيام علقه باحدي يديه في بعض أعمدة الخيم ، وأمر كذلك أن يحمل علي الجمل معلقأ ، واشتد غيظ الموقق من صبره وتحمله ، فقال : ما رأيت أشد نفسة من هذا الرجل ، فقد عذب اليوم

ص: 268

بكل نوع من العذاب، وحل الساعة عن الشد والتعليق ، وها هو جالس يسرح الحيته بيده ، وما عنده فكر في كل ما لحقه . (تاريخ الصابي 350/8 ) .

ومن الطريف أن نورد في هذا البحث ، أن صالح بن عبد القدوس ، قال : ليس شيء ، إلا وفيه منفعة ، فقال له رجل : وأي منفعة في أن يعلق رجل من أحدي يديه ؟ فقال : سبحان الله ! لا يعرق إبطه . ( البصائر والذخائر 558/2)

ص: 269

الثالث : التعليق من الساق

قال جعفر بن حنظلة البحراني : وعظت المنصور ، حتي حسبت أن عظتي قد نجعت ، فأطرق ساعة ، ثم قال : يا غلام ، آدع سليمان بن مجالد ، فدعاه ، فقال له : يا سليمان ، علق أصحاب قيليا بأرجلهم ، حتي يؤدوا ما عليهم ، وكان المنصور قد جعل قيليا لصالح ابنه ، قال جعفر : فعلمت أن عظتي لم تنفع قليلا ولا كثيرة ( المحاسن والمساويء 29/2 ).

وقبض الحاكم الفاطمي بمصر ، علي صاحب دكان في القاهرة ، خان من ائتمنه ، فقتله ، وعلقه برجله علي باب دكانه ( النجوم الزاهرة 75 ).

وفي السنة 794 غضب السلطان بمصر ، علي الصاحب فخر الدين بن مكانس ، فضربه علقة قوية ، وعلقه من رجليه بسرياق ، وهو منكس علي وأسه ، ثم شفع فيه بعض الأمراء ، فأنزلوه .

ص: 270

الصنف الرابع : التعليق من الابط

في السنة 232 غضب المتوكل علي علي بن الجهم الشاعر : فنفاه إلي خراسان ، وأمر أميرها هناك بأن يصلبه ، فلما وصل ، حبسه طاهر بن عبد الله بن طاهر ، ثم أخرجه فصل به مجردأ نهارا كاملا ( الاغاني 208/10 ووفيات الأعيان 355/3) .

وفي السنة 301 حمل الحسين بن منصور الحلاج إلي بغداد ، وأدخل مدينة السلام علي جمل ، ومعه غلام له علي جمل آخر ، مشهرين ، ونودي عليه : هذا أحد دعاة القرامطة ، وحبس ، ثم أمر به الوزير فصلب حيا في الجانب الشرقي ، في مجلس الشرطة علي رأس الجسر بباب الطاق (أي الصرافية ) ثم في الجانب الغربي ، ثم حمل إلي دار السلطان فحبس بها . ( تجارب الأمم 32/1 والتكملة 13 والمنتظم 123/6 ).

وفي السنة 401 منع الحاكم الفاطمي ، القاهريين ، من الركوب إلي القاهرة في القوارب ، في الخليج ، وفي السنة 594 تجدد هذا المنع ، ونهي عن ركوب المتفرجين في المراكب في الخليج وعن ركوب النساء مع الرجال ، وعلق جماعة من رؤساء المراكب بأيديهم . ( خطط المقريزي 143/2)

ومن طريف ما يذكر في هذا الباب ، أنه كان في زمن المعتمد بن

ص: 271

عباد ، صاحب إشبيلية ( حكمها من 461 - 484 ) سارق داهية يلقب بالباز الأشهب ، وكان له في السرقة كل عجيبة ، وكان مسلطا علي أهل البادية ، وبلغ من حيلته أنه سرق وهو مصلوب ، فإن المعتمد أمر به أن يصلب علي ممر أهل البادية ، لينظروا إليه ، وليحترزوا منه ، فبينما هو علي خشبته ، علي تلك الحال ، إذ جاءت إليه زوجته وبناته ، وجعلن يبكين حوله ، ويقلن : لمن تتركنا نضيع بعدك ، وإذا ببدوي علي بغل ، وتحته حمل ثياب وأسباب ، فصاح عليه : يا سيدي ، أنظر في أي حالة أنا ، ولي عندك حاجة ، فيها فائدة لي ولك ، قال : وما هي ؟ قال : أنظر إلي تلك البئر ، فإني لما أرهقني الشرط ، رميت فيها صرة فيها مائة دينار ، فعسي أن تحتال في إخراجها ، ولك نصفها ، وهذه زوجتي وبناتي يمسكن بغلك خلال ما تخرجها ، فطمع البدوي في الدنانير ، وخلع ثيابه وعمد إلي حبل ، وتدلي في البئر ، فلما حصل في البئر ، أمر الباز الأشهب زوجته فقطعت الحبل ، وأخذت البغل وما عليه ، وثياب البدوي التي كانت علي جسده ، وذهبت به ، وظل البدوي يصيح في البئر ، حتي تسني له الخلاص ، ورفعت القصة إلي المعتمد ، فأحضره ، وسأله : كيف صنع ذلك ؟ ، فقال : يا سيدي لو علمت قدر لذتي في السرقة ، لخليت ملكك واشتغلت بها ، فلعنه ، وضحك منه ، واستتابه ، ونصبه حارسأ في حوز من أحواز المدينة ( نفح الطيب 128/4 ).

ص: 272

الصنف الخامس : التعليق من الثدي

لما استخلف القاهر ، عذب امرأة أبيه ، السيدة أم المقتدر ، وضربها

بيده مائة مقرعة ، وعلقها بثديها ، ثم علقها وهي منكسة ، فكان بولها يجري علي وجهها، راجع التفصيل في كتاب نشوار المحاضرة ، في القصة رقم 33/2)

ولما قتل جهان شاه ، خلفه ولده حسن علي ميرزا ، في السنة 872 فحاصر زوجة أبيه ، وقبض عليها ، وصلبها معلقة بثدييها ، فظلت ثلاثة أيام حتي ماتت . (تاريخ العراق للعزاوي 185/3 ، 187 ، 189 ).

ص: 273

الصنف السادس : التعذيب بالقارة

أما اللون السادس : وهو تعليق الانسان بكلاليب في بدنه ، فيسمي التعذيب بالقارة ، والبغداديون يلفظونها : كنارة ، جريا علي طريقتهم في لفظ القاف كافة فارسية ، كالجيم المصرية .

والقتارة : خشبة قد ثبتت فيها كلاليب من الحديد ، يعلق فيها القصاب اللحم .

وأول من مات بالقارة ، الجندي الذي قتل المقتدر ، وتفصيل القصة إنه في السنة 320 خرج المقتدر إلي شمالي بغداد لمحاربة مؤنس ، فانكسر جيش المقتدر ، وأحاط به رجال مؤنس ، وضربه رجل من خلفه ضربة سقط منها علي الأرض ، ثم ذبح ، وسلبت ثيابه حتي السراويل ، ورفع رأسه علي سيف ثم علي خشبة، وساق قاتله نحو دار الخلافة ليخرج القاهر ليبايع ، فصادفه حمل شوك فزحمه حتي ألجأه إلي قنارة لحام فعلقه كلاب ، وخرج الفرس من تحته ، فمات ، وحطه الناس وأحرقوه بحمل الشوك الذي زحمه . (تجارب الأمم 237/1 ).

وقد استعمل القائد البساسيري ، القنارة ، في تعذيب رئيس الرؤساء ، ابن المسلمة ، وكان ابن المسلمة ، نافذ الكلمة في دولة الخليفة القائم ، وكان شديد علي الشيعة ، حتي إنه في السنة 448 أمر بقتل أبي عبد الله بن

ص: 274

الجلاب ، شيخ البازين بباب الطاق ، ولما كان يتظاهر به من الغلو في الرفض » ، فقتل ، وصلب علي باب دكانه في المنتظم 172/8 و 173 ) فلما احتل البساسيري بغداد في السنة 450 اعتقل ابن المسلمة ، ثم أخرجه من محبسه بالحريم الطاهري ، وعليه جبة صوف ، وطرطور من لبد أحمر ، وفي رقبته مخنقة من جلود كالتعاويذ ، وأركب جملا ، وطيف به في محال الجانب الغربي ، ووراءه من يصفعه بقطعة جلد ، وشهر في البلد ، وسب ولعن في جميع المحال ، ثم نصبت له خشبة بباب خراسان ، فحط من الجمل ، وخيط عليه جلد ثور قد سلخ في الحال وجعلت قرونه علي رأسه ، وعلق بكلابين من حديد في كتفيه ، واستبقي في الخشبة حيا ، ولبث يضطرب إلي آخر النهار ، ثم مات ( المنتظم 196/8 و197 ) .

ونسي الناس ، العذاب بالقنارة ، حتي أعادها بهاء الدين محمد بن الصاحب شمس الدين الجويني ملك اصبهان ( الحوادث الجامعة 410) .

ثم استعمل القارة ، الأمير قرقماس ، أمير حلب ، فكان يعذب بكلاليب ، تشك في لوح الكتف ( اعلام النبلاء 31/3 ) .

وكان نور الدين عبد الرحمن ، نائب الدستجراني ، صاحب الديوان ببغداد ، ظالمة ، سلك مسلك بهاء الدين بن شمس الدين الجوني في التمثيل والشناعة في القتل ، وأحدث القتارة بواسط ، كما أحدثها بهاء الدين في إصبهان ، وكانت قد نسيت من عهد البساسيري (تاريخ العراق بين احتلالين للعزاوي 370/1 ).

وفي السنة 804 مارس هذا اللون من العذاب ، نائب الشام ، لما كثر المناسر ( عصابات اللصوص ) بدمشق ، فقبض علي قوم منهم ، وكبس بيوتهم ، فوجد فيها أشياء كثيرة من المسروقات ، فعلق هؤلاء بكلاليب من أفواههم . ( بدائع الزهور 646/2/1 ).

ص: 275

الصنف السابع : التعليق منسية

أول من مارس هذا اللون من العذاب عبد الله بن علي العباسي ، مارسه مع من قبض عليه من بني أمية ، إذ كان يصلبهم منگسين ، ويقطع الأيدي والأرجل ، ويسقيهم النورة والصبر ، والرماد والخل ( شرح نهج البلاغة 156/7 ).

ومارس هذا العذاب من بعده الخليفة القاهر العباسي ، لما خلف أخاه المقتدر بالله ، فإنه عذب امرأة أبيه ، السيدة أم المقتدر ، بأن علقها وهي منكسة ، فكان بولها يجري علي وجهها ، راجع نشوار المحاضرة للتنوخي في القصة المرقمة 33/2 .

وفي السنة 573 عذب الملك الصالح اسماعيل بن نور الدين زنكي ، الخادم كمشتكين ، بأن علقه منتسا ، ودخن تحت أنفه حتي مات . ( النجوم الزاهرة 81/6 ).

وفي السنة 622 اتهم الملك المعظم ، اثنين من الدماشقة ، بالتآمر عليه ، فصلبهما منكسين علي رؤوسهما ، حتي ماتا ( الذيل علي الروضتين 144)

وفي السنة 801 توفي الوزير ابن مكانس ، وكان الظاهر برقوق قد

ص: 276

صادره ، واعتقله وعذبه ، وعلقه في السجن منكسا علي رأسه ، فقال : ( النجوم الزاهرة 131/12 ).

وما تعلقت بالسرياق منتكسأ ****لحرمة أوجبت تعذيب ناسوتي

لكنني مذ نفثت السحر من أدبي**** علقت تعليق هاروت وماروت

ولما فتح تيمورلنك دمشق في السنة 803 كان من جملة ما عذب به الدمشقيون أن يعلقوا منكوسين ( النجوم الزاهرة 244/12 و245 ).

وكان إبراهيم لوري ، سلطان الهند (915 - 932 ) ، يعذب الناس في سجونه، بأن يعلقهم منكوسين ، أرجلهم إلي الأعلي ورؤوسهم نحو الأرض . ( الإسلام والدول الإسلامية في الهند 35 ).

ص: 277

القسم الثالث : التسمير

السمر في اللغة : الشد ، ومنه المسمار لأنه يشد بين اللوحين .

والتسمير في الاصطلاح : تعذيب الإنسان بدق المسامير في كفيه ، أو قدميه ، أو أي عضو من أعضائه .

ويحصل التسمير بدق مسامير في المعذبين ، تسمرهم إلي ألواح قائمة ، أو حيطان .

وكان المستمرون ، في بغداد ، يستمرون إلي حائط أو لوح ثابت ، ويمكثون في موضعهم الذي سمروا فيه ، مشهرين في إحدي الرحبات ، يراهم الناس ( الحوادث الجامعة 488 و489 ) ، أما في مصر ، فكانوا يستمرون إلي خشب كالصليب ، ثم يدار بهم مشهرين ، ثم تنصب خشبتهم ، وهم عليها ، علي باب زويلة ، أو إحدي الرحبات ، ويظل أحدهم مسمرة حتي يموت ، ويكون موته - في الأكثر - بالقتل توسيطأ ، إلا إذا ناله عفو من السلطان ( نزهة النفوس 90، 130 ، 167 ، 474، 490) .

أول من مارس هذا اللون من العذاب ، بشر بن مروان ، عامل العراق العبد الملك بن مروان ، فيمن تخلف عن البعث ، فقد كان سلفه المصعب بن الزبير ، يعاقب من تخلف عن البعث ، بأن يحلق رأسه ولحيته ، ويخلع عمامته ، ويقيمه للناس مشهرة . فلما ولي بشر ، أضاف إليه تعليق الرجل

ص: 278

بمسمارين بدقهما في يديه إلي حائط . (تاريخ ابن خلدون 39/3 ، 88).

وذكر الوطواط في الغرر : إن بشر بن مروان ، كان شديدة علي الجناة ، وكان إذا ظفر بجان ، أقامه علي كرسي ، وسمر كفيه في الحائط ، ثم نزع الكرسي من تحت رجليه فلا يزال يضطرب حتي يموت .

ومارس هذا اللون من العذاب ، المنصور العباسي ، مع قسم ممن سجنهم من آل الحسن ، فقد وجدوا موتي مسمرين في الحيطان ( تاريخ اليعقوبي 2/ 370) .

وعذب أبو القاسم البريدي ، أبا جعفر الكرخي ، المعروف بالجرو ، بأن سمر يديه في حائط ، راجع تفصيل ذلك في كتاب نشوار المحاضرة للتنوخي تحقيق المؤلف في القصة المرقمة 124/4 .

وكان من جملة القصر الكبير ، في العهد الفاطمي بالقاهرة ، موضع يعرف بالسقيفة ، يقف عنده المتظلمون ، ويصيحون : لا إله إلا الله ، محمد رسول الله ، علي ولي الله ، فيسمعه الخليفة ، ويأمر بإحضاره ، أو يفوض أمره إلي الوزير أو القاضي ، وحدث أن وقف تحت السقيفة ، صاحب معدية ، في إحدي النواحي وشكا إلي الخليفة من أحد الكتاب ، زور عليه خراج ، لعداوة بينهما ، وتأيدت شكوي المتظلم ، فأمر الخليفة الحافظ الفاطمي (ت 544 ) ، بالكاتب ، فسمر في مركب ، وأقام له من يطعمه ويسقيه ، وأن يطاف به سائر الأعمال ، وينادي عليه ، ففعل به ذلك ( خطط المقريزي 405/1 و 406) .

وفي السنة 646 قتل مملوك تركي ، سيده ، بدمشق ، فسمرت بده ، وعضداه ، ورجلاه ، في يوم الجمعة ، ومات يوم الاحد ( الذيل علي الروضتين 180 ).

وفي السنة 662 ظهر بالقاهرة أن امرأة عجوزة من الحسينية ، عندها

ص: 279

امپراتان « تجيب لهم شباب»، فيثور عليهم رجال عندها ، فيقتلونهم ، ويعطونهم لوقاد الحمام يحرقهم ، وإذا كثر القتلي ، يعطوهم لملاح يغرقهم ، وكان والي الحسينية شريكهم ، فحسب الذين قتلوا ، فكانوا خمسمائة نسمة ، فأمر السلطان بأن يستمروا جميعا في الحسينية ( شذرات الذهب 307/5 ).

وفي السنة 665 ادعي أقوش القبجاقي ، الصالحي ، النجمي ، أحد كبار المماليك بالقاهرة ، النبوة ، وذلك في شهر رمضان ، فلما سمع السلطان ذلك ، أمر بستميره ، وسمر معه جماعة ( الوافي بالوفيات 322/9 ) .

وفي السنة 679 اعتقل في القاهرة ، شخصان ، أحدهما يلقب بالجاموس ، والآخر بالمحوجب ، تشطرا ، وقطعا الطريق علي السابلة ، فأمر السلطان بإحضارهما ، ولما أحضرا ، أمر بستميرهما علي باب زويلة ، فسمرا ، وماتا ، بعد أيام ( تاريخ ابن الفرات 192/7 ).

وورد الخبر في كتاب سيرة الملك المنصور ، بالشكل الآتي : وفي السنة 679 ظهر بالقاهرة شخص يعرف بالجاموس ، ادعي الشطارة والدعارة ، وصار منفردا يحمل سيفا سمنطارة ( أي قصير معقوف ) وينفرد بمن يصادفه بظاهر القاهرة ، فيسلبه ما يحمله ، ونزل علي جماعة من الناس في بيوتهم ، فهابوه ، وأعطوه ما أراد ، وقتل جماعة وظهر معه شخص آخر يعرف بالمحوجب ، وأقاما مدة ، فأحضر الملك المنصور والي مصر ووالي القاهرة ، وتهددهما أن يحضرا الجاموس والمحوجب ، فقبضا عليهما ، فأمر السلطان بتسميرهما ، فسمرا علي باب زويلة أحد أبواب القاهرة ، فأقاما أياما وماتا ( سيرة الملك المنصور 79 ).

وفي السنة 679 ضرب المملوك سنقر الغشمي ، بالقاهرة ، الأمير علاء الدين الحبيشي بسكين ، فشق بطنه ، وقتله ، فرسم المنصور ، ملك مصر ،

ص: 280

أن يسمر الغشمي ، فسمر يوم الخميس ، ومات يوم السبت (تاريخ ابن الفرات 169/7 ).

وفي السنة 679 وجد العدل ابن مزروع النيلي الدباس ، مقتولا في بيته ، ففحص النائب ع-ن حاله ، فإذا مملوكه قد استعان بصديق له ، واجتمعا علي قتله ، فسمر المملوك ، وصلب رفيقه ( الحوادث الجامعة 413) .

وفي السنة 679 غرقت ببغداد امرأة نسب إليها أنها قتلت زوجها ، وكان محبا لها ، محسن إليها ، وقد أوصي إليها في ماله وأولاده ، فأحضرت من قتله ، فلما قررت اعترفت بذلك ، فأخذ القاتل وسمر ( الحوادث الجامعة 413)

وفي السنة 680 قبض علي شخص يلقب : بالكريدي ، بالقاهرة ، اتهم بقطع الطريق ، والسلب ، فأمر بتسميره ، فسمر علي جمل ، وأقام أياما يطاف به بمصر والقاهرة ، وقطع عنه الموكل به الأكل والشرب ، ليقصر أجله ، كي لا يطول عذابه ، فقال له الكريدي : لا تفعل ، فإن شر الحياة خير من الموت ، فعاد الموكل إلي إطعامه ، ثم وقعت فيه شفاعة ، فعفي عنه ، وأخلي سبيله . ( تاريخ ابن الفرات 212/7 ) .

وفي السنة 691 تسور عبد أسود ، إلي أسطحة أدر الحرم السلطانية بقلعة دمشق ، فقبض عليه ، وقرر ، فذكر أن أحد المؤذنين بجامع القلعة نصب له سلمة ، وأصعده إلي هناك ، فطولع السلطان بذلك ، فورد المرسوم بقطع أطرافهما ، وتسميرهما ، ففعل ذلك بهما (تاريخ ابن الفرات 136/8)

وفي السنة 693 تأمر قسم من الأمراء علي الملك الأشرف خليل ، ملك مصر ، وقتلوه ، فعوقبوا بأن قطعت أيديهم وأرجلهم ، وسمروا علي الجمال ، وطيف بهم ، ثم وسطوا ( بدائع الزهور 130/1 ).

ص: 281

وفي السنة 694 قتل ببغداد رجل أعجمي ، يعرف بتاج الدين ابن الدامغاني ، بدرب حبيب ، وآتهم بقتله جماعة من مجاوريه، فأخذوا وحبسوا ، فحصل الحماة قاتله ، وهو صبي أمرد من الدرب ، فاعترف بقتله من غير أن يضرب ، وقال : إن ابن اخي المقتول أعطاه ، وآخر معه ، مائة دينار ، علي أن يقتلا عمه، وأدخلهما دارا كان يخلو فيها عمه ، فلما دخل وسط النهار ، علي عادته ، نزلا إليه وقتلاه ، فأحضر ابن أخيه ، فاعترف بذلك ، فصلب ، وأما القاتل ، فضرب في يديه مسامير إلي لوح وراء ظهره ، وطيف به بجانبي بغداد ، ثم سمر بباب السور ، وعمل عليه ما يقيه الشمس ، ليطول عذابه ، فبقي أياما لا يظهر عليه جزع، بل يطلب من النظارة أنواع المأكل والفواكه وغيرها ، ويحادثهم ويطارف عليهم ، ويطلب من الناس شيئا لأجل من يرش الماء حول خشبته ، ويقول : في عزمنا أن نقيم هذه السنة هنا ، ثم قتل بعد ذلك علي خششبته ، وهو قوي الجنان ، قال للذي يريد أن يقتله : إضرب ضربة جيدة في مكان كذا ، ففعل ( الحوادث الجامعة 488 و 489) .

وفي السنة 709 لما قدم السلطان الملك الناصر محمد بن قلاوون ، من الكرك إلي القاهرة ، قدمته الثالثة ، قبض علي النجم الحطيني ، وأمر به فسمر ، وحمل علي جمل إلي دمشق ، وسبب ذلك إن النجم هذا ، كان شيطانا جريئا ، ولعب بعقل جولجين جمدار السلطان الناصر ، وأراه ملحمة عتقها، وفيها ذكر لاسم أبيه وأمه ، وذكر علامات وآثار في جسده ، وإنه سوف يتسلطن ، وأطلع الناصر علي ذلك فقتل جولجين ، وأمر بالنجم ، فأخذ من قريته حطين ، وسمر ، وشهر بدمشق ( الوافي بالوفيات 164/3 ). هذا ما ورد في الوافي بالوفيات ، اما ما ورد في كتاب الدرر الكامنة ، فهو : وفي السنة 715 اعتقل السلطان الملك الناصر محمد بن قلاوون ، الأمراء بهادر المعزي ، وايد غدي شقير ، وبكتمر الحاجب ، وجاولجين

ص: 282

الخازن ، رفع إليه إنهم اتفقوا علي الخروج عليه ، وذكر أن نجم بن أحمد الحطيني هو الذي حسن لهم ذلك ، وذكر أن النجم كان قد داخل أحدهم ، وعمل ملحمة ، وعتقها ، وذكر فيها حلية الخاصكي ، وذكر فيها علائم في جسده ، كان أطلع عليها ممن رآها ، ولعب بعقله ، يريد إنه ذكر في تلك الملحمة ، إن من كانت هذه العلائم في بدنه ، فإنه سوف يكون سلطان ، فاعتقل النجم الحطيني ، وسمر بالقاهرة ، وأرسل إلي دمشق فدخلها مسمرة ، مغطي الوجه ، علي جمل ، ونودي عليه : هذا جزاء من يتكلم فيما لا يعنيه ، واستمروا يطوفون به بلاد الشام إلي أن وصلوا الفرات فألقوه في الماء ( الدرر الكامنة 161/5 ).

وفي السنة 716 تسلطن السلطان أبو سعيد بن محمد خربنده ، خلفأ لوالده ، وكان مدبر دولته جوبان ، فأثار غيرة الحاشية ، وتحرك ضده الأمير أرتخين والأمير قورمشي في السنة 719 ، وهاجماه مع عدد من الأمراء ، بقصد قتله ، ففر منهم والتجأ إلي السلطان ، فخرج السلطان مع جوبان المحاربة الأمراء المخالفين ، فلما رأي الأمراء الذين مع قورمشي وأرتخين ، أن السلطان مع جوبان ، وكانوا قد أفهموهم غير ذلك ، انحازوا بأجمعهم إلي جهة السلطان ، وانهزم عسكر أورتخين وقورمشي ، وأمسك هذان الأميران ، وسمرا ، وقتلا شر قتلة ( تاريخ الغياثي 59 - 58 تاريخ العراق للعزاوي 460/1)

وفي السنة 724 ولي الأمير قدادار ، ولاية القاهرة ، فأحضر الخبازين وبطش بهم ، وسمر عدة منهم في دراريب حوانيتهم . ( خطط المقريزي 149/2)

وفي السنة 724 عثر والي القاهرة ، الأمير قدادار ، علي إنسان سرق شيئا من بيت في الليل بالقاهرة ، وتزيا بزي النساء ، فسمره علي باب زويلة . ( خطط المقريزي 150/2).

ص: 283

وفي السنة 731 مات يوسف بن سليمان الكركي ، مسمرة ، مشهرأ علي جمل ، وكان قد خدع السلطان الناصر محمد بن قلاوون بأنه يحسن صناعة الكيمياء ، ورتب في محضره حيلة ، أدخل بموجبها بوتقة في النار ، وأخرجها سبيكة ذهب ، فخلع عليه الناصر ، وبذل له ماله ، فاستأذن أن يسافر إلي الكرك لكي يحضر الأعشاب التي هي أصل الصناعة ، فأذن له ، فخادع من كان معه وهرب ، فبحثوا عنه حتي قبضوا عليه في إخميم ، وكان آخر أمره أن مات مستمرة مشهرة علي جمل ( الدرر الكامنة 5/ 231 ).

وفي السنة 742 قتل عبد المؤمن بن عبد الوهاب البغدادي ، بعد أن سمر علي جمل وطيف به ، وكان واليأ علي قوص ، ولما خلع قوصون السلطان المنصور أبا بكر بن الناصر أرسله إلي قوص ، وراسل عبد المؤمن ، فقتله وبعث إليه برأسه ، فلما تسلطن الناصر أحمد، أخو المنصور، أحضر عبد المؤمن من قوص ، وسمره علي جمل ، وطيف به ، ثم قتل ( الدرر الكامنة 33/3 و 34 ).

وفي السنة 742 أمر الأمير قوصون بالقاهرة ، بتسمير جماعة من العامة ، فسمر تسعة منهم علي باب زويلة ، ثم سمر ثلاثة من الطواشية ، فمات أحدهم ، وأطلق الآخران . ( النجوم الزاهرة 29/10 ).

وفي السنة 754 اعتقل الأمير أرغون ، قراجا بن ذي الغادر ، وبعث به إلي السلطان الملك الصالح بالقاهرة ، فأمر بتسميره ، فسمروه ، وطافوا به علي جمل ، في مصر والقاهرة ، قبل توسيطه . ( اعلام النبلاء 435/2 ) .

ولما ولي الأمير بيبغا أرس القاسمي (ت 754 ) نيابة حلب ، شدد علي من يشرب الخمر ، وكان إذا جيء إليه بسكران أمر بأن يسمر وأن يطاف به بشوارع حلب . ( النجوم الزاهرة 293/10 ) .

ص: 284

وفي السنة 754 سمر عيسي بن حسن العائذي ، أمين الهجن السلطانية بالقطر المصري ، ولم ير اجلد منه في حال تسميره ، حتي إنه لم تسمع منه كلمة واحدة ، ثم سلم لأهله ( الدرر الكامنة 281/3 ).

وفي السنة 758 مات الأمير سيف الدين شيخو، وكان عظيم الثراء ، فإن وارده من اقطاعه ، وأملاكه، ومستأجراته ، بالشام ، ومصر، في كل يوم ، مائتا ألف درهم ، سوي الإنعام والتقادم ، «وما كان يأخذه من البراطيل علي ولاية الأعمال »، هاجمه أحد المماليك ، وضربه بالسيف علي وجهه ويده ، فأخذ الضارب وسجن ، وسمر ، وطيف به ، ومات الأمير شيخو من الضربة ( خطط المقريزي 314/2 ) .

وقص صاحب الدرر الكامنة ، قصة مقتل الأمير شيخو، بتبسط أكثر ، فقال : في السنة 758 هجم مملوك اسمه أي قجا ، علي نائب السلطنة الأمير شيخو الناصري ، فضربه بالسيف ، فجرحه في وجهه وفي يده ، وكان ذلك في دار العدل بحضرة السلطان وكانت ساعة صعبة ، مات فيها من الزحام كثير ، وركب عشرة من مقدمي الألوف وأمسك آي قجا وقرر فقال : ما أمرني أحد ، وانما قدمت له قصة ، فما قضي لي حاجتي ، فسمر أي قجا، وطيف به ، ومات الأمير شيخو بعد أشهر ( الدرر الكامنة 294/2 ) .

وفي السنة 760 توفي الأمير جانبك القرماني ، وكان قد لاقي محنة ، فسمر في بعضها ، ورسم الناصر بتوسيطه ، ثم شفع فيه فأفرج عنه ( الضوء اللامع 59/3 ).

وفي السنة 764 سمر الأتابك يلبغا، بالقاهرة ، خادمين من خدام السلطان ، لكلام بلغه إنهما تكلما به . ( النجوم الزاهرة 25/11 ).

وفي السنة 767 تسلم الأمير حسام الدين المعروف بالدم الأسود ، أولاد الكنز ، وكانوا في سجن القاهرة ، فأخذهم إلي قوص علي جمال ، وقد

ص: 285

سمروا في أيديهم بمسامير حديد، علي لعب من خشب ، وشق بهم من قوص إلي أسوان ، ثم وطهم بها ( بدائع الزهور 40/2/1 ) .

وفي السنة 772 قبض ابن السنبلي ، بأمر من السلطان الأفضل ، صاحب اليمن ، علي مشايخ القرشيين ، وأمر السلطان بتلفهم ( يريد بقتلهم ) ، فوسط منهم خمسة نفر ، وسمر ثلاثة ، وشنق الباقين . ( العقود اللؤلؤية 148/2 ).

وفي السنة 779 سمر أحد مماليك السلطان بالقاهرة ، اسمه تكا، وطيف به علي جمل ، ونودي عليه : هذا جزاء من يرمي الفتن بين الأمراء ، ويتكلم فيما لا يعنيه . ( بدائع الزهور 217/2/1 ) .

وفي السنة 780 أشيع أن جماعة من المماليك ، مقدارهم ثمانمائة مملوك ، اتفقوا علي إثارة فتنة ، فقبض عليهم ، ووضعوا في الزناجير ، وعمل أيدي كل اثنين منهم في خشبة ، وسجنوا ، ووسط منهم جماعة ، بعدما سمروا ، وطيف بهم ، وغرق جماعة ، ( بدائع الزهور 224/2/1 ، 225)

وفي السنة 780 سمر برقوق بالقاهرة اثني عشر مملوكة من المماليك السلطانية ، وعشرين من مماليك طشتمر ، لكلام صدر منهم بحقه ( النجوم الزاهرة 166/11 ).

وفي السنة 780 أعلن موت الأمير بركة ، في سجنه بالاسكندرية ، وبعثوا من القاهرة من حقق في أمر موته ، فظهر أنه قد قتل ، وأن قاتله الأمير خليل بن عرام نائب الاسكندرية ، فاعتقل ابن عرام ، وحمل إلي القاهرة ، حيث عري من ثيابه ، وضرب بالمقارع ستة وثمانين شيبة ، ثم سمر علي جمل بلعبة « تسمير عطب ، وطيف به في البلد، فهجم عليه جماعة من مماليك بركة ، وهبروه بالسيوف ( النجوم الزاهرة 184/11 و185).

ص: 286

أقول : يلاحظ من قوله « تسمير عطب » ، إن هناك تسمير سلامة ، بحيث يسمر المعذب تسميرة يتفادي فيه إصابة المقاتل ، أما تسمير العطب ، فهو التسمير الذي يراد به التعجيل بموت المعذب .

وفي السنة 780 ظهرت في مصر عجيبة ، فإن حائطأ في المدينة أخذ يتكلم وصار كل من يحضر يسأل الحائط ، ويتلقي منه الجواب ، فأزدحم الناس عليه ، وافتتنوا به ، وحضر المحتسب ، وأخرب بعض الحائط ، وشدد في البحث ، فلم يصل إلي نتيجة ، ثم اشتبه بأن المتكلم زوجة صاحب المنزل ، فأحضر الأتابك برقوق ، صاحب المنزل وامرأته ، وسأل المرأة فأنكرت ، فضربها ، فأقرت ، فأمر بتسميرها ، وتسمير شخص آخر اسمه عمر كان يتحدث ويطنب في ذكر هذه المعجزة ، كما إنه ضرب زوج المرأة ، وضرب معه عمر ، بالمقارع، وطيف بهما في شوارع القاهرة ، وحبس الثلاثة ، ثم أفرج عنهم ( النجوم الزاهرة 173/11 ).

وفي السنة 783 جاء شخص اعجمي إلي الأتابكي برقوق ، وقال له : إن النيل لا يزيد في هذه السنة ، فاتفق أن النيل زاد زيادة عظيمة ، فقبض برقوق علي الاعجمي وضربه بالمقارع، وشهره بالقاهرة علي جمل ( بدائع الزهور 287/2/1 ).

وفي السنة 783 تعرض شخص يقال له ابن نهار ، بالقاضي الشافعي ابن جماعة وقال له : قد حكمت علي بحكم لا يجوز شرعا ، فأمر به الأتابكي برقوق ، فضرب بالمقارع، وأشهر بالقاهرة علي جمل . ( بدائع الزهور 294/2/1)

وفي السنة 785 اتهم السلطان برقوق ، سلطان مصر ، الخليفة المتوكل علي الله ، بأنه اتفق مع جماعة من الأفراد ، علي قتله ، فسجن الخليفة ، وأمر بالأميرين قرط وإبراهيم أن يشهرا ويوطا ، فسمرا ، وأشهرا ، ووسط

ص: 287

أحدهما الأمير قرط ، وشفع في الأمير إبراهيم ، فنجا في آخر لحظة . ( نزهة النفوس والابدان 69 - 71) .

وفي السنة 788 تجمع في القاهرة منسر ( عصابة ) نحو ستين رجلا ، وكمنوا فيها فحاربهم والي القاهرة ، وحصل منهم نحو ثمانية عشر نفرة ، فسمروا علي الجمال في أيديهم بالخشب ، وألبسوا في أرجلهم قباقيب الخشب ، ووسطوا ، إلا واحدة منهم ، أخروه ليدل علي باقيهم ( بدائع الزهور 370/2/1 ونزهة النفوس 130).

وفي السنة 788 رسم السلطان بمصر ، بإشهار جماعة من المماليك اتهمهم بالتآمر علي حياته ، فسمروا ، وأركب كل مملوكين علي جمل ، وظهر أحدهما لظهر الآخر ، وأشهروا بالقاهرة ، وحريمهم نائحات ، صائحات ، حاسرات عن وجهه ، يلطمن خدودهن ، ثم وسطوا ( نزهة النفوس 128 وبدائع الزهور 368/2/1 ) .

وفي السنة 790 سمر بالقاهرة ، علي بن نجم ، أمير عربان الفيوم ، ومعه عشرون رجلا، وذلك بسبب قتلهم محمد وعمرة ابني شادي ( نزهة النفوس 167).

وفي السنة 791 حضر من الكرك مملوك ، وبدوي ، وصحبتهما مطالعة الحسام الدين الكوراني ، والي القاهرة ، بتجهيز الإقامات للملك الظاهر ، فحبسا ، ثم سمرا ، وأشهرا ، بالقاهرة ومصر ( نزهة النفوس 253 ).

وفي السنة 791 أمر الأمير الكبير يلبغا الناصري ، الأمير حسام الدين الكوراني ، والي القاهرة ، أن يسمر جماعة من العربان الذين أحضروا إلي القاهرة ، فسمر منهم نحو ثمانين نفر ، بعضهم علي جمال ، وبعضهم مشاة ، وكان ذلك تسمير سلامة ، لتخويفهم ، وتخويف غيرهم ، فسمرهم الوالي بقبة النصر ، ظاهر القاهرة ، وطاف بهم داخل القاهرة وظاهرها، وفي بقية

ص: 288

النهار ، أمر الأمير الكبير بالإفراج عنهم ، ( تاريخ ابن الفرات 114/9 ) .

وفي السنة 792 أحضر بالقاهرة أمام السلطان ، مملوك ، أتهم باثارة الفتن ، فضرب ، وسمر علي جمل ، وشهر بالقاهرة ، وأودع بخزانة شمائل ، ولم يعرف له خبر بعد ذلك ( نزهة النفوس 309) .

وفي السنة 792 اتهم بالقاهرة، أحد مماليك الأمير بركة ، باحداث فتن بين الأمراء ، فأمر السلطان ، فأحضر بين يديه ، وضرب مقترحا ، ثم أمر بتسميره ، فسمر تسمير سلامة ، وطيف به القاهرة ، ثم سجن بخزانة شمائل ، وكان آخر العهد به تاريخ ابن الفرات 216/9 ).

وفي السنة 792 قبض علي الأمير يلبغا، وآتهم بإثارة الفتن ، فرسم بتسميره وإشهاره ، والنداء عليه ، ففعلوا ذلك ( نزهة النفوس 309).

وفي السنة 793 خرج السلطان برقوق من حلب ، ولما وصل إلي دمشق ، قتل بها الأمير الابغا العثماني ، والأمير سودون باق ، وسمر بها ثلاثة عشر أميرة . ( نزهة النفوس 338 والنجوم الزاهرة 34/12 ).

وفي السنة 797 تولي الأمير يلبغا السالمي ، النظر في الخانكاه الصلاحية ، بمصر ، واقتضي الأمر أن يقتصر في صرف الجرايات علي ما دونه الواقف من شروط ، فقطع جراية نحو ستين رجلا من الصوفية ، منهم صوفي اسمه شهاب الدين أحمد العبادي ، فغضب العبادي ، وبسط لسانه بتكفير السالمي ، فقبض عليه السالمي ، وخلصه منه بعض الأعيان ، وسمع السلطان بذلك ، فغضب وأحضر العبادي ، ونصب له مجلسأ حضره الفقهاء والقضاة ، فاقتضي الحال تعزيره ، فعزر، وكشف رأسه ، وأخرج من القلعة ماشية ، وحبس بحبس الديلم ، ثم نقل إلي حبس الرحبة ، ثم استدعي إلي دار قاضي القضاة وضرب بحضرة والي القاهرة نحو الأربعين عصا تحت

ص: 289

رجليه ، ثم أعيد إلي الحبس ، وأفرج عنه بشفاعة شيخ الإسلام . (خطط المقريزي 416/2 ) .

وفي السنة 800 سمر من بني وائل ، مائة وثلاثة رجال ، بالقاهرة . ( بدائع الزهور 509/2/1 ).

وفي السنة 800 سمر أربعة نفر من مماليك علي باي ، وأشهروا ( نزهة النفوس 474 ).

وفي السنة 800 رسم السلطان بمصر، بتوسيط شاهين ، دوادار الأتابكي كمشبغا ، فسمر ، وأشهر علي جمل ، وطيف به ، ثم وسط ( بدائع الزهور 493/2/1 ) .

وفي السنة 800 كذلك ، قبض علي سبعة أنفس ، من حاشية علي باي ، فرسم السلطان بمصر ، بتسميرهم ، وتوسيطهم ، فسمروا ، وأشهروا علي جمال ، ثم وسطوا عند بركة الكلاب . ( بدائع الزهور 508/2/1)

وفي السنة 800 عزل الأمير علاء الدين بن الطبلاوي الحاجب ، وأخوه ناصر الدين محمد متولي القاهرة ، ونقلا إلي بيت الأمير يلبغا ظهر النهار راكبين علي الحمير ، في الباشات والجنازير وسلما لمتولي القاهرة الجديد ، ثم توجهوا بابن الطبلاوي إلي بيته وعاقبوا أم ابنه وجواريه والخطيب ابن عمه ، وأخذوا من الذهب تسعة عشر ألف دينار . ( نزهة النفوس 465) .

وفي السنة 801 سمر سبعة نفر، أحدهم والد علي باي ، والثاني أخوه ( نزهة النفوس 490).

وفي السنة 842 عصي الأمير تغري ويرمش السيفي ، كافل حلب ، علي السلطان الظاهر جقمق ، صاحب مصر والشام ، فجد عليه عسكر من مصر ، وأسر ، وأدخل إلي حلب مشهرة علي بغلة ، وخلفه شخص بيده

ص: 290

خنجر ، وفي يده صولجان يلعب به ، فأسمعه الناس ما يكره ، وأصعد إلي القلعة ، حيث أودع السجن بقيد ثقيل ، ثم قتل ( اعلام النبلاء 38/3 ) .

وفي السنة 858 سمر السلطان بالقاهرة شخصا من العربان يسمي الفضل ، اشتهر بالشجاعة وقتل الأنفس ، ثم أشهر وسلخ ( بدائع الزهور - صفحات لم تنشر - ص 21).

وفي السنة 1206 تم تسعير القمح بالقاهرة ، بأربعة ريالات الأردب ، ومن يخالف التسعيرة ، يأخذه الأغا في القاهرة ، ويسمره من أذنه . ( تاريخ الجبرتي 134/2 ) .

ص: 291

المجلد 4

اشارة

موسوعه العذاب

تاليف: عبود الشالجي

مشخصات: 7ج

الدارالعربيه للموسوعات

بيروت - لبنان

ص: 1

اشارة

ص: 2

ص: 3

ص: 4

الباب السادس : التعذيب بالطعام والشراب

اشارة

الطعام : اسم جامع لكل ما يؤكل .

والطعم ( بطاء مفتوحة ) : ما يؤديه الذوق ( المذاق ).

والطعم ( بطاء مضمومة ) : ما أكل .

والشراب : ما يشرب من أي نوع كان ، ويشمل كل ما لا يمضغ .

والشرب ( بشين مفتوحة وراء ساكنة ) : اسم جمع لشارب ، واسم من اسماء الماء ، واسم للمورد ، وللنصيب من الماء ، وللجماعة يشربون سوية .

والشريب : المولع بالشراب .

والشراب : الكثير الشرب .

والشراب : تعبير بغدادي يطلق علي كل من يكثر من شرب الخمر ، ويقول البغداديون :

الشراب مزته جمع ( بجيم وميم مكسورين ) ، يعني إنه بعد أن يتناول كأسه يمسح شفتيه بقبضة يده مجموعة ، ويكتفي بذلك نقلا . والشوارب : مجري الماء في الحلق .

والشاربان : ما سال علي الفم من الشعر .

والتعذيب بالطعام والشراب ، يحصل بإطعام ما ليس بطعام ، كإطعام

ص: 5

الرسول ، الرسالة التي أحضرها ، أو إطعام الانسان سلحه ، أو إطعامه قطعة من لحم بدنه ، وقد بلغ ببعض الناس ، أن أطعم أسيره لحم ولده الذي قتله أمامه .

وأما التعذيب بالشراب ، فيكون بسقي المسهل، أو الماء مخلوطة بالرماد ، أو خلط الماء بمواد غريبة كالغائط ، وإجبار المعذب علي شربه .

ويدخل في هذا الباب ، التعذيب بالملح ، إما بأن يسقاه المعذب ، مذابة في الماء ، وإما بإسعاطه إياه في أنفه ، وإما برشه علي جروحه ، ويشتمل هذا الباب علي ثلاثة فصول :

الفصل الأول : التعذيب باطعام ما ليس بطعام .

الفصل الثاني : التعذيب بسقي الدواء المسهل .

الفصل الثالث : التعذيب بالملح ، وهو علي ثلاثة ألوان :

اللون الأول : رش الملح علي جروح المعذب.

اللون الثاني : إسعاط المعذب بالملح .

اللون الثالث : سقي المعذب الماء المخلوط بالملح والرماد .

ص: 6

الفصل الأول : التعذيب بإطعام ما ليس بطعام

في السنة 72 كتب عبد الملك بن مروان ، إلي عبد الله بن خازم السلمي ، أمير خراسان لابن الزبير ، يدعوه إلي بيعته ، ويطعمه خراسان سبع سنين ، فقال عبد الله ، للرسول : لولا أنك رسول لضربت عنقك ، ثم أطعمه الرسالة ، فأكلها . ( الطبري 176/6 و 178 ).

وكان الحجاج بن يوسف الثقفي ، يطعم المسجونين في سجنه ، الشعير مخلوطة بالرماد ( محاضرات الأدباء 195/3 ) .

وروي صاحب الأغاني 282/11 : إن نصرانية اسمه شمعلة ، دخل علي أحد الخلفاء الأمويين ، فقال له : أسلم يا شمعلة ، فأبي ، فغضب ، وأمر فقطعت بضعة من فخذه ، وشويت بالنار ، فأطعمها .

وهجا أحد الشعراء مالك بن طوق ، فطلبه ، فهرب منه إلي البصرة ،

وكان عليها إسحاق بن العباس العباسي ، فقبض عليه ، ودعا له بالسيف والنطع ، فتضرع إليه ، فأعفاه من القتل ، ودعا له بالعصا ، فضربه حتي سلح ، وأمر به ، فألقي علي قفاه ، وفتح فمه ، فرد سلحه فيه، والمقارع تأخذ رجليه ، وهو يحلف ألا يكف عنه حتي يبلع سلحه ، فما رفعت عنه العصا، حتي بلع سلحه كله . ( الاغاني 185/20 و 186).

وفي السنة 247 وقعت حرب عظيمة بين ملوك الهند، وبين جيش

ص: 7

السلطان غياث الدين الغوري ، وكان بقيادة أخيه شهاب الدين ، فانهزم جيش الغوري ، وأصاب شهاب الدين ضربة بطلت فيها يده اليسري ، وضربة أخري علي رأسه ، سقط منها الأرض ، فأنقذه غلمانه ، وحملوه علي رؤوسهم حتي وصلوا به إلي مدينة أغرا ، فأول ما عمل أنه أخذ قواده الذين فروا عنه ، وأسلموه ، فملا مخالي خيلهم شعير ، وحلف أنهم لا بد أن يأكلوه ، فأكلوه ضرورة . ( ابن الأثير 173/11 ).

وحارب الأمير زنكي بن خليفة الشيباني ، صاحب طخارستان ، الأمير فماج صاحب بلخ ، فانكسر زنكي ، وأخذه الأمير قماج ، هو وابنه أسيرين ، فقتل قماج ، ابن زنكي ، وجعل يطعم أباه لحمه ، ثم قتل الأب أيضأ ، ثم أن الأمير قماج دخل في حرب مع الغير، فانكسر ، وأسر هو وولده ، فقتلهما الغير سنة 548 . ( ابن الأثير 179/11 ).

وفي السنة 550 قتل نصر بن عباس ، الظافر الفاطمي ، بأمر من أبيه عباس وزير الظافر ، فقصدهما الملك الصالح طلائع بن رژيك ، ففرا إلي الشام ، وقتل عباس ، وأسر نصر ، وأعيد إلي القاهرة ، فعذب ، وأدخل إلي نساء الظافر فقطعن لحمه ، وأطعمنه إياه . ( النجوم الزاهرة 311/5 ) .

وغضب السلطان محمد بن تغلق ، سلطان الهند ، علي الشيخ شهاب الدين بن شيخ الجام الخراساني ، من كبار المشايخ الصلحاء ، فأمر بأن يطعم خمسة أستار من العذرة ، وهي رطلان ونصف من أرطال المغرب ، فأخذه الموكلون بمثل هذه الأمور ، وهم طائفة من كفار الهنود ، فمدوه علي ظهره ، وفتحوا فمه بالكلبتين ، وحلوا العذرة بالماء ، وسقوه ذلك ( رحلة ابن بطوطة ، طبعة صادر 472 و473) .

وفي السنة 916 مات القاضي بدر الدين حسن ، كاتب أسرار القاهرة ، بعد أن صودر ، وحبس ، وضرب بحضرة السلطان الغوري ، ثم عصر بدنه ،

ص: 8

ثم لف القصب والمشاق علي يديه وأحرقت ، ثم عصر رأسه ، ثم أحمي له الحديد ، ووضع علي يديه ، وقطع ثديه ، وأطعم لحمه ، واستمر في العذاب الشديد إلي أن مات بقلعة مصر ( شذرات الذهب 74/8 ).

أقول : ذكر صاحب الكواكب الزاهرة 176/1 آن تعذيب القاضي بدر الدين ، جري في السنة 910.

وفي السنة 930 أمر أحمد باشا ، والي مصر ، بمحاسبة مباشري الأمير فارس ، وأحضرهم ، وعذبهم عذابا شديدا ، وقطع من لحومهم وأطعمهم منها ( الكواكب السائرة 156/1 ).

وفي السنة 1156 صدر بمصر فرمان بتحريم الدخان ( التبغ ) ، ونزل الأغا والوالي فنادوا بذلك ، وجري التشديد والانكار علي من يفعل ذلك من عال أو دون ، وصار الأغا يشق البلد في التبديل كل يوم ثلاث مرات ، وكل من رأي في يده آلة الدخان ( السبيل) عاقبه ، وربما أطعمه الحجر الذي يوضع فيه الدخان بالنار ( الجبرتي 228/1 ) .

أقول السبيل : عند البغداديين ، هو الأداة التي يوضع فيها التبغ للتدخين ، وهي الأداة المسماة عند الإفرنج ( البايب ) و ( الغليون ) وهي أداة ذات فوهة مدورة ، يوضع فيها التبغ ، ولها من طرفها الآخر ذنب يمتص منه المدخن الدخان بعد إشعال التبغ ، وكانت تصنع في العراق من الطين ، وتسمي : سبيل ( بكسر السين ) وجمعها: سبلان ، وأحسب أنها كانت في مصر من الطين أيضا ، وان سماه الجبرتي حجرة ، لأن الطين إذا صهرته النار انقلب إلي صلابة الحجارة.

وفي السنة 1208 أصبحت الفتن في حلب متواصلة بين الانكشارية والسادة الأشراف ، وبينما كان بعض الأشراف مارين أمام جامع الأطروش ، انقض عليهم الانكشارية ، فهربوا منهم إلي داخل الجامع ، وأغلقوا عليهم

ص: 9

الباب ، فأحرق الانكشارية الباب ، ودخلوا عليهم ، ففروا منهم إلي المنارة ، فلحقوا بهم ، فألقوا بأنفسهم إلي سطح الجامع ، ومنه إلي بيوت الخلاء ، فلحقوا بهم ، وقبضوا عليهم ، فاستغاثوا بهم ، فلم يغاثوا ، بل بالوا بأفواههم ، ثم ذبحوهم ( اعلام النبلاء 371/3 ) وفي السنة 1227 قبض والي حلب جلال الدين باشا علي زعماء الانكشارية ، وهم ابراهيم أغا الحربلي وياسين أغا بن تل قراصية ، ومعهما ثمانية عشر شخصا ، وقتلهم بأجمعهم ( اعلام النبلاء 375/3 ).

ولما تسلطن أورنك زيب، سلطان الهند (1119-1068) سير جيشا المقاتلة أخيه دارا ، فأسر دار وقتله ، وقبض علي ابن لأخيه دارا فاعتقله في سجن كواليور ، وكان يرغم في السجن علي تعاطي كميات كبيرة من الأفيون في صباح كل يوم قبل الطعام مما عجل بموته ( الاسلام والدول الاسلامية في الهند 114) .

ص: 10

الفصل الثاني : التعذيب بسقي الدواء المسهل

وهذا اللون من العذاب ، المقصود منه الإهانة والإيذاء ، لا القتل .

وأول من مارسه ، عبيد الله بن زياد ، عذب به يزيد بن مفرغ الحميري ، لأنه هجا أباه زياد ، وهجا أولاده ، فقبض عليه ، وأمر به فسقي نبيذة حلوة ، خلط معه الشبرم ، فأسهل بطنه ، وطيف به في الطرق ، وهو في تلك الحال ، مغلوط ، وقرن بهرة وخنزيرة ، وكلاب ينهشنه ، فجعل يسلح والصبيان يتبعونه ، ثم رد إلي محبسه ، وقامت الشرط علي رأسه تصب عليه السياط ( الاغاني 264/18 و267 ) ، ثم أخرجه عبيد الله إلي أخيه عباد بسجستان ، ووكل به رجالا ألزموه بأن يمحو بأظافره جميع ما كتبه من الشعر في هجاء زياد وأولاده ، وكتبه علي حيطان الخانات التي نزلها في الطريق ، ما بين سجستان والبصرة ، فكان يحك ذلك بأظافره ، حتي ذهبت أظافره ، فكان يمحوه بعظام أصابعه ودمه ( الاغاني 299/18 ) . كما أمر عبيد الله ، الموكلين بابن مفرغ، أن لا يتركوه يصلي إلا إلي قبلة النصاري ، إلي المشرق ( الاغاني 269/18 ) ، راجع أنساب الاشراف 78/2/4 .

وشتم أبو حزابة ، قريشأ في قصيدة ، فغضب منه عون بن عبد الرحمن بن سلامة، وأغلظ له ، ثم أمر ابن أخ له ، فدعا أبا حزابة ، وأطعمه ، وسقاه ، وخلط في شرابه شبرما ( شراب مسهل ) ، فسلحه ، فخرج أبو حزابة ، وقد أخذه بطنه ، فسلح علي بابهم ، وفي طريقه ، حتي بلغ أهله ، ومرض أشهر ، ثم عوفي ، وهجا عون ( الاغاني 263/22 ) .

ص: 11

ص: 12

الفصل الثالث : التعذيب بالملح

ويحصل إما برش الملح علي جروح المعذب ، أو بإسعاطه بالملح في أنفه ، وإما أن يذاب في الماء ، ويسقاه .

أما اللون الأول من هذا العذاب ، وهو رش الملح علي جروح المعذب ، فإن أول من مارسه الحجاج بن يوسف الثقفي ، فإنه اعتقل فيروز ، أعظم مولي بالعراق قدرة ، وأمر فشق له قصب ، ثم شد عليه ، وجعل يسله قصبة قصبة ، ثم صب عليه الخل والملح حتي مات ( المعارف لابن قتيبة 337 ).

وفي السنة 800 ضرب الأمير بكلمش ، موقعه صفي الدين الدميري ، بالمقارع، حتي مات ، وسبب ذلك ، أن الأمير بكلمش ضرب صفي الدين ، وصادره ، فشكاه إلي السلطان بقصيدة قال فيها : أتأكلني الذئاب وأنت لي ؟ فسمع الأمير بكلمش بذلك ، فطلبه ، وضربه بالمقارع، وكانوا كلما ضربوه رشوا عليه الملح ، وكلما استغاث أجابه بكلمش : قل لليث يخلصك من الذيب ، ولم يزل يضربه حتي مات ( نزهة النفوس 459 ).

وكان المعذبون في الهند في عهد السلطان محمد بن تغلق ، يوضع علي جروحهم الرمل والبول ، زيادة في الامهم . ( رحلة ابن بطوطة طبعة صادر 475) .

ص: 13

وأما اللون الثاني من العذاب ، وهو إسعاط المعذب بالملح ، فقد مارسه المتسلطون في مصر ، مضافة إلي العذاب بالضرب .

وكان من جملة ألوان العذاب التي عذب بها الصاحب شمس الدين موسي المتوفي سنة 771 أن سقط بالماء والملح والخل والجير ( النجوم الزاهرة 110/11 - 112).

وفي السنة 799 ضرب سعد الدين بن البقري ، هو وولده ضربا كبيرة بالمقارع والعصي ، وسقطا بالملح مرات ، إلي أن مات سعد الدين ، وغسل بالميضأة ، ودفن بالخندق ، ولم يمش في جنازته أحد. (نزهة النفوس 442)

وفي السنة 799 ضرب محمد بن محمود الأستادار ، فوق أربعمائة عصاة ، وسقط ، بسبب دواة ذكر أنها عنده ، بألقاب مثل ألقاب السلطنة الشريفة ، وأحضرت الدواة ، ولم يثبت ما ذكر . ( نزهة النفوس 447) .

وأما اللون الثالث من العذاب ، وهو سقي الماء المخلوط بالملح والرماد ، فإن أول من مارسه ، الحجاج بن يوسف الثقفي ، اذ كان لا يسمح لمن يسجنهم بشرب الماء إلا مخلوط بالملح والرماد . ( محاضرات الأدباء 195/3)

حبس الحجاج ، مالك بن أسماء بن خارجة ، وضيق عليه كل أحواله ، حتي كان يشاب له الماء الذي كان يشربه بالرماد والملح ، فأشتاق الحجاج إلي حديثه يوما ، فأحضره ، فبينما هو يحدثه استسقي ماء ، فأتي به ، فلما نظر إليه الحجاج ، قال : لا هات ماء السجن، فأتي به ، وقد خلط بالملح والرماد فسقيه . ( الاغاني 231/17 ).

وكان عبد الله بن علي العباسي ، يعذب من ظفر به من بني أمية ، بأن

ص: 14

يسقيهم النورة والصبر ، والرماد والخل ، يخلط لهم ذلك مع ماء شربهم ( شرح نهج البلاغة 156/7 ) .

وفي السنة 800 غضب سلطان مصر ، علي علاء الدين والي القاهرة ، فكان مما عاقبه به ، أن سقاه الماء مخلوط بالجير والملح . ( بدائع الزهور 309/1)

ولما احتل التار، أمسكوا بالشريف أبي الحسن علي بن محمد الحسيني ، وملؤا له سطل نحاس من الماء والملح ليسقوه إياه ، وشرعوا في ربطه ، فجاء ثور فشربه في لحظة ، فعجبوا ، وأطلقوه ، ولم يعاقبوه ، وكان ذلك في السنة 803. ( اعلام النبلاء 131/5).

ص: 15

ص: 16

الباب السابع : التعذيب بالحلق والنتف

اشارة

اللحي : عظم الحنك الذي عليه الأسنان .

واللحية : شعر الخدين والذقن ، فاللحية تجمع الوجه كله ، فما كان من الصدغ إلي منبت الأسنان ، فهو العذار، وما أنسبل من مقدمها ، فهو السبلة ، والسبال فوق الشارب ، والشارب حرف الشفة العليا ، أقول : البغداديون الآن يسمون السبال : شارب ، ويجمعونه علي شوارب ، والعنفقة : ما تحت الشفة السفلي ، والعثنون طرف اللحية مما يلي الصدر ، فإذا كانت اللحية في الذقن ، فالرجل كوسج ، فارسية : كوسه ، فإذا كان الرجل أمرد فهو سناط وسنوط .

واللمة : بكسر اللام ، الشعر المجاوز شحمة الأذن ، أما مجتمع شعر الرأس ، فهو الجمة .

الحلق : إزالة الشعر بالموسي ، أو بأية آلة حادة .

والنتف : الإنتزاع.

واللحية عند العرب واجبة الكرامة ، ويقسم الواحد منهم بلحيته ، أو بلحية من يخاطبه ، وجاء الإسلام ، فأقر لها حرمتها وكرامتها ، وقد أمر النبي صلوات الله عليه بتوقير اللحي ، فقال : أحفوا الشوارب وأعفوا اللحي ، وكان من يمين عائشة : لا والذي زين الرجال باللحي ، وبلغ من حرمة اللحي

ص: 17

عندهم ، انهم كانوا يحصون السناط الأشراف أي الذين لا لحية لهم ، ولا يحصون الأشراف من ذوي اللحي ، لأن الشريف عندهم لا بد أن تكون له الحية ، وهم يعدون من السناط الأشراف عبد الله بن الزبير ، وقيس بن سعد بن عبادة ، أحد دهاة العرب ، وسيد قومه غير مدافع ، وكان يلقب : خصي الأنصار لأنه لم تكن في وجهه طاقة شعر ، وقال الشاعر يذم قوما بأنهم سناط :

زرق إذا لاقيتهم سناط**** ليس لهم في نسب رباط

ولا إلي حبل الهدي سراط**** فالسب والعار بهم مناط

وكان الأحنف بن قيس من السادات الطلس ( وفيات الأعيان504/2)والأطلس : الذي لا لحية له ، وكان رهطه يقولون : وددنا أنا أشترينا للأحنف الحية بعشرين ألفا ( الاعلام 263/1 ).

وكان أبو الحسن علي بن هلال ، المعروف بابن البواب ، صاحب الخط المشهور ، طويل اللحية جدأ ، ذكر صاحب الهفوات ، إنه كان في الديوان كاتب يعرف بأبي نصر بن مسعود ، فلقي يوما أبا الحسن بن البواب ، فسلم عليه ، وقبل يده ، فقال له ابن البواب : الله ، الله ، يا سيدي ، ما أنا وهذا ؟ فقال له : لو قبلت الأرض بين يديك ، لكان قليلا ، قال : ولم ذلك يا سيدي ؟ قال : لأنك تفردت بأشياء ما في بغداد كلها من يشاركك فيها ، مثل الخط الحسن ، وأنه لم أر في عمري كاتب من طرف عمامته إلي طرف الحيته ذراعان ونصف ذراع غيرك ، فضحك ابن البواب منه ، وجزاه خيرا ، وقال له : أسألك أن تكتم هذه الفضيلة علي ، ولا تكرمني لأجلها ( معجم الأدباء 453/5 ) .

وكان رسول الله صلوات الله عليه ، إذا أهتم بأمر ، أكثر من مس لحينه ( البصائر والذخائر 228/1/2 ) .

ص: 18

وقال يزيد بن المهلب : ما رأيت عاق ينوء به أمر ، إلا كان معوله علي الحيته ( البصائر والذخائر 228/1/2 ) . اقول : يعني انه يكثر عندئذ من مست الحيته .

وحدثني صالح خضوري رحمه الله ، قال : كان أبي صيرفيا في مدينة العمارة ، وكنت وأنا صبي أقعد في دكانه ، أقض حاجاته فيما يرسلني فيه ، وأحفظ الدكان إذا بارحه ، وكنت أري الناس يراجعونه ، فيقترضون منه ، وكلما سلم إلي أحد منهم مالأ ، أخذ من المدين ورقة صغيرة مطبقة ، وكان يطويها أولا بعناية ، ثم يكتب عليها إسم صاحبها ، ومقدار الدين ، ثم يودعها صندوقه ، وكنت أتعجب مما أشاهد، ولكني لم أجسر علي السؤال من والدي عن ذلك ، وأغتنمت ذات يوم فرصة مبارحة والدي الدكان ، ليتغدي في الدار ، ففتحت الصندوق ، وأخرجت إحدي الوريقات ، وفتحتها، فوجدت في باطنها شعرة واحدة ، فبهت ، وتحيرت ، وأعدت لفت الشعرة ، ثم طويت عليها الورقة ، وأعدتها إلي موضعها من الصندوق ، وهاج بي الفضول ، حتي إذا عاد والدي إلي الدكان ، سألته عن قصة هذه الشعرة ، وأخبرته بأنني قد اطلعت علي ورقة من الأوراق التي تشتمل عليها صندوقه ، فقال : يا ولدي ، هذه الشعارات هي الرهن الذي يقدمه لي هؤلاء لقاء ما يقترضون من مال ، فإن كل واحد منهم يقترض ما يحتاج إليه من مال ، فلا أكتب عليه صكا ، وإنما يعطيني شعرة من لحيته ، أحفظها عندي ، تقوم مقام الرهن ، ويعود في وقت الإستحقاق ، فيؤدي الدين ، ويسترد الشعرة التي أودعها ، قال صالح : ولم يضع علي والدي دين من هذه الديون قط .

ومن أمثال البغداديين التي تدل علي عنايتهم باللحية ، قولهم : إذا طلعت لحية إبنك زين ( احلق ) لحيتك ، ويعني المثل إنه إذا كبر ولدك وتصدي للرئاسة ، فأترك له موضعك ليتصدر خلفا لك ، كني عن الرئاسة والمقام الرفيع باللحية ، وكني عن التنازل عن الرئاسة بحلق اللحية .

ص: 19

وكان هجو الرجل ، بالإشارة الي لحيته ، شدي - الوقع علي المهجو ، ومن قول المتنبي في الفخر ، من قصيدة له في مدح الأمير سيف الدولة :

إذا شاء أن يلهو بلحية أحمق**** أراه غباري ثم قال له الحق

وروي لنا صاحب كتاب زهر الربيع قصة طريفة عن رجل طويل اللحية ، خلاصتها : إن جلساء أحد الأمراء ، أجمعوا في مجلسه علي انه اذا توفرت في الرجل ثلاث صفات ، كان من الحمقي ، إحداها طول اللحية ، فأمر الأمير بالبحث عن رجل يتصف بهذه الصفات ، ووجدوا رجلا طويل اللحية ، فأحضروه للتحقق من الصفتين الباقيتين ، وكان الأمير منهمكا في بعض الأمور ، فأجلسوه حتي يفرغ ، وكان جلوسه علي كرسي من خيزران ، فلما فرغ الأمير ، أمرهم باحضار الرجل ، فقام والكرسي ملصق بعجيزته ، وقد أمسكه براحتيه ، فعجب منه الأمير ، وسأله عن السبب ، فقال : إني لما جلست علي هذا الكرسي ، تحسست بأصابعي فروج خيوط الخيزران تحتي ، فوجدتها متباعدة ، وأردت أن أقيس مقدار تباعدها، فاجتهدت حتي أدخلت إحدي بيضتي في فرجة من هذه الفروج ، ولما حاولت أن أخرجها أعياني ذلك ، فقال الأمير : لا حاجة بنا إلي التحقيق عن الصفتين الباقيتين ، فإنه بتصرفه هذا قد أغنانا عن ذلك .

وحدثونا عن صوفي طويل اللحية ، كان مقيمة بالتكية الخالدية بالنجف ، وكان يدخل الي قبر أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام ، ويمسك بلحيته ، ثم يرفع بصره الي السماء ، ويقول : يا رب ، بحق هذه اللحية ، إغفر لصاحب هذا القبر .

راجع في الفصل الأول من الباب الأول : الشتيمة ، من هذا الكتاب ، قصة الفخر الجنيدي ، الذي أمر الرشيد بإشخاصه إليه من مصر ، فلما أدخل عليه إذا لحيته قد وصلت إلي سرته طولا ، وإلي أباطه عرضأ ، فلما رآه قال :

ص: 20

أحمق ورب الكعبة ، فلما فاتشه ظهرت حماقته .

وأراد ماجن أن يضحك من طبيب ، فقال له : أجد في أطراف شعري مغصأ ، وفي بطني ظلمة ، والطعام الذي آكله يتغير في جوفي ، فقال له : أما ما تجد من المغص في أطراف شعرك ، فأحلق لحيتك ورأسك ، فإنه يزول ، وأما الظلمة في بطنك فعلق علي باب دبرك مصباحأ ، وأما تغير الطعام في جوفك ، فكل خراك ، وأربح النفقة ( البصائر والذخائر 116/4 ).

وكان أبو خالد القاص ، يقول في دعائه : يا ساتر عورة الكبش ، لما عرف من فضله وصلاحه ، وهاتك عورة التيس ، لما علم من قذره وفجوره ، أستر علينا وارحمنا، وأهتك ستر أعدائنا ، فقيل له : وما فضيلة الكبش ؟ قال : لأنه يقال كبش إبراهيم الذي فدي به ابنه ، ولأنه يذبح في العقيقة ، قيل : فما ذنب التيس ؟ قال : يشرب بوله ، وينزو علي الشاة التي لم تستحق النزو، ويؤذي المسلمين بنتن ريحه ، ويعلم الناس الزنا، وبه يعاب أصحاب اللحي الكبار ، يقال : جاءني بلحية التيس ( البصائر والذخائر 486/1 و487) .

وكان محمد بن عمرو بن حزم ، أمير المدينة في العهد الأموي ، عظيم اللحية ، له جارية موكلة بلحيته ، إذا ائتزر عليها ، وكان إذا جلس للناس ، جمعها ، ثم أدخلها تحت فخذه ( الاغاني 146/19 ).

وكان الفضل بن غانم الخزاعي ، قاضي مصر في السنة 198 كبير اللحية جدأ ، فكان يجعل في لحيته عوذة ، خوفا عليها من العين ( القضاة للكندي 420) .

وكان الشيخ ضياء الدين القرمي ، المتوفي سنة 780 ذا هيأة غريبة ، له الحية طويلة جدا تصل إلي رجليه ، وكان إذا نام يجعلها في كيس ، وإذا ركب آنفرقت حول وجهه فرقتين ( بدائع الزهور 35/2/1 ) .

ص: 21

وذكر أبو العباس المبرد في كتابه الكامل 128/2 : إن يزيد بن مزيد الشيباني ، نظر إلي رجل ذي لحية عظيمة ، وقد تلقفت علي صدره ، وإذا هو خاضب ، فقال له : إنك من لحيتك في مؤونة ، فقال : أجل، ولذلك أقول : ( وفيات الأعيان 336/6 ).

لها درهم للدهن في كل ليلة ****وآخر للحناء يبندران

ولولا نوال من يزيد بن مزيد**** الصوت في حافاتها الجلمان

ومن اللحي المشهورة لحية عباد بن زياد ، وكانت كأنها جوالق لكبرها ، وحدث ذات يوم أن كان راكبا ودخلت الريح في لحيته فنفشتها ، فضحك الشاعر ابن مفرغ وقال لرجل من لخم كان الي جانبه :

ألا ليت اللحي كانت حشيشأ**** فنعلفها خيول المسلمينا

فبلغ ذلك عبادة ، فنكبه وأذاه ، راجع تفصيل ذلك في الأخبار الطوال 296 ووفيات الأعيان 342/6 ومعجم البلدان 903/2 .

وكان أبو بكر محمد بن منصور القصري ، المفسر ، المقريء المتوفي سنة 547 ، طويل اللحية ، وكان إذا جلس تصل إلي حجره ( الوافي بالوفيات 68/5)

إن العناية الزائدة باللحية ، تجاوزت في بعض الأحيان الحد، فأصبحت مجالا للتعليق أو السخرية ، إذ كان بعض أصحاب اللحي ، يتعاهدها في كل ليلة بالدهن والحناء ، وأطال بعضهم لحيته حتي تجاوزت سرته ، وأطالها بعضهم حتي تجاوزت ركبته، وكان بعضهم يضعها في كيس إذا نام ، ويطويها تحته إذا قعد، واتخذ بعضهم جارية كان عملها مقصورة علي العناية بلحية سيدها، فوجد الساخرون بهم ، طريقة للسخرية ، قال الشاعر :

ص: 22

إذا عرضت للفتي لحية**** وطالت وصارت الي سرته

فنقصان عقل الفتي عندنا**** بمقدار ما زيد في لحيته

وقال الشاعر البصري ابن لنكك :

لا تخدعنك اللحي ولا الصور**** تسعة أعشار من تري بقر

في شجر السرو منهم مثل ****له رواء وماله ثمر

وروي الذهبي في تاريخ الإسلام ، انه كان في السنة 368 في بغداد ، قاض اسمه أحمد بن سيار ، له لحية طويلة ، ويلبس دنية طويلة ، وله هيبة ، تقدمت إليه امرأتان ، فأدلت الأولي بدعواها ، وسأل المدعي عليها عما تجيب به ، فقالت : أفزع أيد الله القاضي ، فقال لها : مم تفزعين ؟ قالت : لحية

طولها ذراع، ووجه طوله ذراع، ودنية طولها ذراع ، فأخذتني هيبتها ، فوضع القاضي دنيته عن رأسه ، وغطي بكمه لحيته ، وقال لها : قد نقصتك ذراعين ، فأجيبي عن دعواها .

أقول : الدين ، وجمعه دنان، كهيأة الحب إلا إنه أصغر منه ، في أسفله كهيأة قونس البيضة ، فلا يقعد حتي يحفر له ، والدنية : قلنسوة أشبه شيء بالدن اختص بها الفقهاء والقضاة .

وقال الجاحظ : قيل لرجل طويل اللحية : مالك لا تأخذ من لحيتك ؟ فقال : أنا أصون بها عرضي ، فإن الناس اذا نظروا إليها قالوا : انظروا إلي الحيته كأنها كارة ، ويقولون : لحيته كأنها جوالق ، ويقولون : لا بارك الله في هذه اللحية ، فما لي أعرض لشيء يصون عرضي ( المحاسن والمساوي ء 232/2)

وذكر محيي الدين بن الجوزي ، عن البرد في قونية ، إن إنسانا خرج من الحمام في تلك المدينة ، في زمن الشتاء ، فجمدت لحيته ، ثم زلق ، فانكسرت ، وذهب منها قطعة ( الحوادث الجامعة 186).

ص: 23

وقال رؤبة في لحية حرب بن قطن : ( شرح المقامات الحريرية 34/1)

هلوفة كأنها جوالق**** نكراء لا بارك فيها الخالق

لها فضول ولهانفائق**** اذا الرياح العصف السوابق

طيرنها طارت لها عقائق**** أن الذي يحملها لمائق

وقال الشاعر يهجو : ( مجمع الأمثال 117/1 ) .

وله لحية تيس**** وله منقار نسر

وله نكهة لي**** خالطت نكهة صقر

وأنشد أبو علي : ( شرح المقامات الحريرية 1/ 34).

وأنت أمرؤ قد كثات لك لحية**** كأنك منها قاعد في جوالق

وقال الشاعر في رجل قصير طويل اللحية : ( شرح المقامات الحريرية 35/1)

ماطول داود إلا طول لحيته**** يظل داود فيها غير موجود

تكنه خصلة منها إذا نفخت**** ريح الشمال وجف الماء في العود

وكان مع المهدي رجل من أهل الموصل ، يقال له سليمان بن المختار ، وكانت له لحية طويلة عظيمة ، فذهب يوما ليركب ، فوقعت لحيته تحت قدمه في الركاب ، فذهب عامتها ، فقال آدم بن عبد العزيز في ذلك : ( الوافي بالوفيات 296/5 ).

قد آستوجب في الحكم****سليمان بن مختار

بماطول من لحي ****ته جزا بمنشار

أو النتف أو الحلق**** أو التحريق بالنار

فقد صار بها أش****هر من راية بيطار

ص: 24

وسارت الأبيات ، وأنشدت للمهدي ، فقال أسيد بن أسيد الأزدي ، وكان وافر اللحية ، ينبغي الأمير المؤمنين أن يكف هذا الماجن عن الناس ، فبلغ آدم ذلك ، فقال :

الحية طالت وتمت**** الأسيد بن أسيد

كشراع من عباء ****قطعت حبل الوريد

بعجب الناظر منها ****من قريب وبعيد

هي أن زادت قليلا ****قعطت خيل البريد

ولبعض المحدثين : ( الحيوان 89/6 ) .

بالحية طالت علي نوكها**** كأنها لحية جبريل

لو كان ما ينصب من مائها**** نهرأ إذا طم علي النيل

أو كان ما يقطر من دهنها ****كيلوي ألف قنديل

ولو تراها وهي قد سرحت ****حسبتها بندأ علي فيل

ومن اللحي المشهورة ، لحية العوفي القاضي ، كانت تبلغ الي حد ركبته ، وقال فيها الشاعر :

الحية العوفي أبدت**** ما اختفي من حسن شعر

هي لو كانت شراعا ****لذوي متجر بحر

جعل السير من الصين ****إلينا نصف شهر

هي في الطول وفي العر**** ض تعدت كل قدر

وكان يوسف بن عمر الثقفي ، الملقب أحمق ثقيف ، من أقصر الناس قامة ، وأطولهم لحية ، وكان يلي العراق للأمويين ، فلما قبض عليه بعد قتل الوليد بن يزيد ، أخذ عامل الحرس بلحيته ، فهرها، ونتف بعضها ، فلما أدخل علي يزيد بن الوليد ، أمسك بلحيته ، وانها لتجوز سرته ، وجعل يقول : نتفت - والله - لحيتي يا أمير المؤمنين ، فما بقي فيها شعرة ( الطبري 275/7)

ص: 25

وقال ابن المعتز ، في ارجوزته ، يصف ما يصيب المسجونين ، من ضرب وصفع ، ونتف لحية : ( ديوان ابن المعتز 131).

وويل من مات أبوه موسرا**** ألبس هذا محكما مشهرا

وطال في دار البلاء سجنه**** وقيل : من يدري بأنك أبنه

فقال : جيراني ، ومن يعرفني**** فتفوا سباله حتي فني

وأسرفوا في لكمه ودفعه**** وانطلقت أكفهم في صفعه

ولم يزل في أضيق الحبوس**** حتي رمي إليهم بالكيس

وكان حلق اللحية ، أو نتفها ، من العقوبات التي يمارسها المتسلطون ضد خصومهم من وجوه الناس ، من أمراء ورؤساء ، وقضاة وفقهاء .

ويمكن حصر ألوان العذاب الذي ينطوي تحت عنوان الحلق والنتف ، بحلق اللحية ، أو حلق اللمة ، أو حلقهما معا ، أو مسح الوجه ، ويعني ذلك حلق اللحية والشارب والحاجبين ، وبنتف اللحية ، أو نتف شعر الرأس ، أو نتفهما معا ، وبنتف شعر البدن وشعر الرأس جميعا .

ويشتمل هذا الباب ، علي فصلين اثنين ، وهما :

الفصل الأول : الحلق ، وينقسم الي ثلاثة أقسام :

القسم الأول : حلق اللحي واللمم .

القسم الثاني : حلق اللمم

القسم الثالث : المسح

الفصل الثاني : النتف ، وينقسم الي ثلاثة أقسام :

القسم الأول : نتف اللحية .

القسم الثاني : نتف شعر الرأس

القسم الثالث : نتف شعر البدن

ص: 26

الفصل الأول : الحلق

القسم الأول : حلق اللحي واللمم

ولي عبد الله بن عامر ، أمير العراق ، في السنة 43 ، قيس بن الهيثم خراسان ، فأبطأ في حمل الخراج ، وأمسك عن إرسال « الهدية » ، فوجد عليه ابن عامر ، وولي عبد الله بن خازم خراسان ، فبلغ ذلك قيس فأقبل علي ابن عامر ، تاركة خراسان ، فازداد ابن عامر عليه غضبا، وقال له : ضيعت الثغر ، فضربه مائة ، وحلقه ، وحبسه . ( الطبري 209/5 و210)

وكان مصعب بن الزبير ، يعاقب من تخلف عن البعث ، بأن يحلق رأسه ولحيته ، وتخلع عمامته ، ويقام للناس ، فلما ولي بشر بن مروان ، أضاف إليه تعليق المتخلف بمسمارين في يده في حائط ، فيخترق المسماران يده ، وربما مات ، فلما جاء الحجاج ، ترك ذلك كله ، وجعل عقوبة المتخلف القتل ( تاريخ ابن خلدون 41/3 و42) .

وتحرك أهل البصرة في السنة 71 علي مصعب بن الزبير ، وكان إذ ذاك بالكوفة ، فقدم ، وأحضر قومأ من رؤسائهم ، وسبهم ، ثم ضربهم مائة مائة ، وحلق رؤوسهم ولحاهم، وهدم دورهم ، وصهرهم في الشمس ثلاثا ، وحملهم علي طلاق نسائهم ، وجمر أولادهم في البعوث ، وطاف بهم في أقطار البصرة ، وأحلفهم أن لا ينكحوا الحرائر ( أنساب الأشراف 162/2/4 والطبري 155/6 ) .

ص: 27

ووجد مصعب بن الزبير ، علي الفرات بن معاوية البكائي ، فأمر به ، فحلق رأسه ولحيته في غداة يوم ، فراح إليه الفرات من يومه ، وقد اعتم، فسلم عليه ، فتذمم مصعب ، وقال : رجل فعل به ما فعلت ، وأتاني في عشية يومه ، فأحسن إليه ، وأكرمه، ووصله ، وولاه ( أنساب الأشراف 280/5)

وكتب عبد الملك بن مروان ، إلي عماله بالبيعة للوليد ثم لسليمان من بعده ، فأحضر هشام بن إسماعيل ، عامل عبد الملك علي المدينة ، سعيد بن المسيب، وأراده علي البيعة ، فأبي ، وقال : لا أبايع بيعتين، وقد قال النبي صلي الله عليه وسلم : إذا كانت بيعتان في الإسلام فاقتلوا الأحدث منهما، فأخذه هشام ، وجلده مائة سوط ، وحلق رأسه ولحيته ، وأوقفه في السوق ، راجع التفصيل في كتاب الإمامة والسياسة 45/2 و46.

وغضب الوليد بن عبد الملك ، علي عبيدة بن عبد الله ، عامله علي الأردن ، فعزله ، وضربه ، وحلقه ، وأقامه للناس ، راجع التفصيل في كتاب الفرج بعد الشدة للتنوخي في القصة المرقمة 290 ج 3 ص 133 و134 .

ولما حلقت لحية ربيعة بن أبي عبد الرحمن ، كانت امرأة بالمسجد، تقف عليه كل يوم في حلقته ، وتقول : لك الله يا ابن أبي عبد الرحمن ، من حلق لحيتك . فلما أبرمته ، قال لها : يا هذه ، إن ذاك حلقها في جزة واحدة ، وأنت تحلقينها في كل يوم . ( العقد الفريد 44/4 ) .

وكتب الحجاج إلي محمد بن القاسم الثقفي ، أن أذع عطية بن سعد العوفي ، فإن سب علي بن أبي طالب ، وإلا فأضربه أربعمائة سوط ، وأحلق رأسه ولحيته ، فأحضره ، فأبي أن يفعل ، فضربه أربعمائة سوط ، وحلق رأسه ولحيته . ( الاعلام 32/5 ) .

وذكر أن قاضي البصرة ، هشام بن هبيرة ، رفع إليه قوم يخلطون دقيق

ص: 28

الشعير ، بدقيق البر، فحلق أنصاف رؤوسهم ، وأنصاف لحاهم ( اخبار القضاة 300/1 ) .

وكان إياس بن عبد الله بن عمر ، عامل خوارزم علي حربها لقتيبة ، فاستضعفه أهلها ، فجمعوا له ، فعزله قتيبة ، ووجه أخاه عبد الله بن مسلم إليها وأمره أن يضرب إياس بن عبد الله ، وحيان النبطي مائة مائة ، وأن يحلقهما . (الطبري 6/ 480) .

وفي السنة 104 ولي عمر بن هبيرة ، معقل بن عروة ، عام علي هراة ، فأتي هراة ، ولم يأت الحرشي عامل خراسان ، فأمر الحرشي بإحضاره، وقال له : ما منعك أن تأتيني قبل أن تأتي هراة ؟ قال : أنا عامل الابن هبيرة ، ولأني كما ولاك ، فضربه سعيد مائتي سوط وحلقه ( الطبري 16/7)

وكان القعقاع بن ضرار علي شرطة الكوفة ، وكان يقف بين يديه حجام ، وسفرة موضوعة فيها المواسي ، فإذا أتي بشراب النبيذ، حلق رؤوسهم ولحاهم . ( الاغاني 413/20 ).

وفي السنة 106 وقعت الفتنة بخراسان ، بين مصر واليمن ، وكان سبب ذلك ، ان مسلم بن سعيد غزا ، فتباطأ الناس عنه ، وكان ممن تباطأ البختري بن أبي درهم ، فرد مسلم ، نصر بن سيار وجماعة معه إلي بلخ ، لكي يخرجوا الناس ، فيلتحقوا بجيش مسلم ، فأحرق نصر باب البختري بن أبي درهم ، وباب زياد بن طريف الباهلي ، فغضب عمرو بن مسلم ، أخو قتيبة ، فاجتمعت مضر علي نصر بن سيار ، وربيعة والأزد علي عمرو بن مسلم ، وحمل أصحاب عمرو علي نصر وأصحابه ، فاشتبكوا ، فكان أول قتيل من باهلة من أصحاب عمرو بن مسلم ، وقتل معه ثمانية عشر رجلا ، وانهزم عمرو ، وأرسل يطلب الأمان من نصر ، فأمنه ، وقاده وفي عنقه حبل ،

ص: 29

وضربه مائة ، وضرب البختري وزياد بن طريف مائة مائة ، وحلق رؤوسهم ولحاهم ، وألبسهم المسوح ( الطبري 30/7 و 31 وابن الأثير 127/5 و 128 ).

وفي السنة 109 تعصب أسد بن عبد الله القسري ، أمير خراسان ، الليمانية ، فضرب من المضرية نصر بن سيار ونفرأ معه بالسياط ، ثم حلقهم بعد الضرب ، وبعث بهم إلي أخيه خالد بالعراق ، وكتب إليه أنهم أرادوا الوثوب عليه ، فكان الموكل بهم كلما نبت شعر أحدهم ، حلقه . ( الطبري 49/7)

وكان سليمان بن هشام بن عبد الملك ، يساعد أباه ويشاركه في ذم الوليد بن يزيد ، فلما ولي الوليد الخلافة ، كان من جملة ما عاقب به سليمان ، أن أمر به فحلفت لحيته ، وضربه مائة سوط ، وغربه الي معان من أرض الشام ( الطبري 7/ 231 و 232 والعيون والحدائق 3/ 130 والعقد الفريد 462/4 وتاريخ ابن خلدون 109/3 ). وكان المثني بن يزيد بن عمر بن هبيرة ، واليا علي اليمامة ، من قبل أبيه لما كان أميرا علي العراق ، فضرب عدة من بني حنيفة ، وحلقهم ( تاريخ ابن خلدون 106/3 ).

وفي السنة 142 نقض أصبهبذ طبرستان العهد الذي بينه وبين المسلمين ، فحاصروه ، فقال أبو الخصيب لأصحابه : أضربوني ، وأحلقوا رأسي ولحيتي ، ففعلوا ، ولجأ إلي الأصبهبذ وزعم أنه عائذ به ، حتي أمنه ، فتح باب الحصن للمسلمين ، فمص الأصبهبذ خاتمأ له فيه سم ، فقتل نفسه . ( الطبري 513/7 ).

وتهدد المنصور العباسي ، علي لسان الربيع ، جمعا من أتباعه ، بضربهم وحلق لحاهم ، فقال ابن عياش المنتوف للربيع : يا شبه عيسي بن

ص: 30

مريم ( لأن الربيع لم يعرف أبوه ) أبلغ أمير المؤمنين ، أننا لا نتحمل الضرب ، أما حلق اللحي فإذا شئت ( وكان ابن عياش منتوفا ، اي لا لحية له ) فذكر ذلك للمنصور ، فضحك ، وقال : قاتله الله ( الطبري 79/8 ) .

وفي السنة 147 خرج هشام بن عذرة ، علي عبد الرحمن الداخل بالأندلس ، وتحضن بطيطلة ، فسير إليه عبد الرحمن جندة بقيادة بدر مولاه ، فحصره ، وضيق عليه ، وأسره هو وحياة بن الوليد اليحصبي ، وعثمان بن حمزة بن عبيد الله بن عمر بن الخطاب ، فجيء بهم إلي عبد الرحمن مشهرين علي حمير ، وقد حلقت رؤوسهم ولحاهم ، وألبسوا جباب صوف ، وقيدوا بالسلاسل ( ابن الأثير 583/5 ).

وهجا أبو سماعة المطيعي الشاعر ، سليمان بن أبي جعفر المنصور ، عم الرشيد ، وكان إليه محسنأ ، فأمر به الرشيد، فحلقت لحيته ورأسه ( نشوار المحاضرة ، رقم القصة 128/7 ).

وروي أبو صدقة المغني للرشيد ، قصة صوت ، دفع في سبيل أخذه أربعة دراهم ، وأخذ من الرشيد لما غناه به أربعة آلاف دينار ، فقال : إن مولاه في الحجاز ، كان قد شرط عليه في كل يوم درهمين ضريبة ، فدفع الدرهمين في سبيل الصوت ، أول يوم ، ثم دفع درهمين اثنين ، في سبيل الصوت في اليوم الثاني ، فلما انقطعت الضريبة عن المولي ، سبه ، وقال له : يا ابن اللحناء ثم بطحه ، وضربه خمسين جريدة بأشد ضرب ، وحلق الحيته ورأسه ( مروج الذهب 285/2 ).

وخرج ابراهيم بن صالح ، عامل دمشق للرشيد، مع وفد من الشاميين ، للسلام علي الخليفة ، واستخلف علي عمله ولده اسحاق ، فحصلت في دمشق فتنة ، فحبس اسحاق رؤساء من قيس ، وأخذ أربعين رجلا من محارب ، فضربهم ، وحلق رؤوسهم ولحاهم ، وضرب كل واحد منهم ثلثمائة سوط ( خطط الشام 191/1 ).

ص: 31

وفي السنة 195 ظهر شخص من بني أمية بالشام ، ادعي أنه السفياني ، ويلقب : العميطر ، فقاومه محمد بن صالح بن بيهس الكلابي ، وبعث إليه العميطر جيشأ مكونة من اثني عشر ألف محارب ، فانتصر الكلابي ، وقتل منهم ألفين ، وأسر ثلاثة آلاف فحلق رؤوسهم ، ولحاهم ، وأحلفهم أنهم يصيرون إلي العميطر ، ويصيحون : نحن عتقاء آبن بيهس . ( خطط الشام 185/1 ).

أقول : إن ابن بيهس هذا ، أسر في السنة 227 في دمشق ، وحمل إلي سامراء ، ومعه أبو حرب المبرقع الذي أسر بفلسطين ، فجعلا في المطبق ( الطبري 118/9 ) .

وفي السنة 235 غضب المتوكل علي ابن أبي الليث قاضي مصر ، فأمر بحبسه وولده وأصحابه وأعوانه ، فاستصفيت أموالهم كلهم ، ثم ورد كتاب المتوكل يأمر بلعنه علي المنابر ، فلعن ، ثم ورد كتاب المتوكل في السنة 237 بتخليته وأصحابه وأولاده من السجن ، وإعادته إلي القضاء ، وتكليفه بالنظر في قضية الجروي ، فحكم فيها ، ثم ورد كتاب المتوكل في السنة نفسها (237 ) بأن يحلق رأس ابن أبي الليث القاضي ولحيته ، وأن يضرب بالسوط ، وأن يحمل علي حمار بأكاف ويطاف به في الفسطاط ففعل به ذلك ، وحبس ، ثم نفي إلي العراق . ( اخبار القضاة 463 - 465) .

وفي السنة 262 بعث أحمد بن محمد بن طاهر ، أبا العباس النوفلي ، في خمسة آلاف رجل ، ليخرج أحمد بن عبد الله الخجستاني من نيسابور ، فبلغ أحمد خبره ، فأرسل إلي النوفلي ، ينهاه عن سفك الدماء ، فأخذ النوفلي الرسل ، وأمر بضربهم ، وحلق لحاهم ، وفاجأهم الخجستاني بجيشه، فأسر النوفلي ، وبلغه ما صنع برسله ، فقال له : إن الرسل ، تختلف إلي بلاد الكفار ، فلا يتعرضون لهم ، أفلم تستح أن تأمر برسلي بما

ص: 32

أمرت ؟ فقال له النوفلي : أخطأ ، فقال له : لكنني سأصيب في أمرك ، ثم قتله ( ابن الأثير 302/7 ) .

وفي السنة 286 قبض عامل القطيف علي يحيي بن المهدي ، الداعي القرمطي ، فضربه ، وحلق رأسه ولحيته . ( الكامل لابن الأثير 495/7 ) .

وذكر الوزير ابن الفرات ، أن المثني من أهل همينيا ، حلقت نصف الحيته عقوبة علي اقتطاع اقتطعه . ( الوزراء للصابي 283 ) .

وفي السنة 318 شغب الرجالة المصافية ، ببغداد ، علي المقتدر ، فأمر محمد بن ياقوت صاحب الشرطة ، فطردهم عن دار المقتدر ، وأخرجهم من بغداد ، وظفر بقوم منهم لم يخرجوا ، فضربهم ، وحلق لحاهم ، وشهر بهم . (ابن الأثير 217/8 ) .

وفي السنة 337 أرسل المرزبان محمد بن مسافر ، رسولا إلي معز الدولة ، فحلق معز الدولة لحيته ، وسبه ، وسب صاحبه ، فغضب المرزبان ، وهاجم الري . ( تجارب الأمم 2/ 131 ابن الأثير 8/ 479) .

وروي الفارس أسامة الكناني ، إنه حضر مع الأمير صلاح الدين الغسياني ، فتح حصن ماسر ، وكان الغسياني ظالمة ، فحضر إليه شيخ مليح الشيبة ، يمشي علي عصاتين ، فسلم علي صلاح الدين ، فقال : أي شيء هو هذا الشيخ ؟ قالوا : هو إمام الحصن ، فقال له : تقدم يا شيخ، ومد يده فقبض علي لحيته ، وأخرج سكينة مشدودة في بند قبائه ، وقطع لحيته من حكمته ( مقدم وجهه ) ، فقال له ذلك الشيخ : يا مولاي ، بأي شيء آستوجبت أن تفعل بي هذا الفعل ؟ قال : بعصيانك علي السلطان ، فقال له : والله ، ما علمت بوصولكم حتي جاء الناطور الساعة ، أعلمني واستدعاني . ( الاعتبار 109 ).

أقول : ورد في اعلام النبلاء 16/1 ه أن لقبه: الغسياني ، فاقتضي التنبيه .

ص: 33

وفي السنة 514 أساء نجم الدين ايلغازي ، صاحب حلب ، إلي جماعة من التركمان في عسكره ، لشيء أنكره عليهم ، فبالغ في إهانتهم ، وحلق لحي بعضهم ، وقطع أعصابهم ( اعلام النبلاء 436/1 ).

وفي السنة 515 قبض سليمان بن ايلغازي علي حجاب أبيه ، فصفعهم ، وحلق لحاهم ( اعلام النبلاء 440/1 ) .

وفي السنة 530 حكم بخلع الراشد، فبارح الموصل، إلي أذربيجان ، ثم إلي همذان ، فأفسد جماعته بها، وقتلوا جماعة ، وصلبوا آخرين ، وحلقوا لحي جماعة من العلماء ( تاريخ الخلفاء 436 ).

ورسم السلطان بدمشق ، أن تحلق لحية شخص له بين الناس وجاهة ، فحلق نصفها ، ثم شفع فيه ، فعفا عن حلق الباقي ، فقال مهذب الدين ابن الخيمي : ( وفيات الأعيان 56/6 ) .

رزت ابن آدم لما قيل قد حلقوا ****جميع لحيته من بعدما ضربا

فلم أر النصف محلوقة فعدت له**** مهنئا بالذي منها له وهبا

فقام ينشدني والدمع يخنقه**** بيتين ما نظما مينا ولا كذبا

إذا أتتك لحلق الذقن طائفة ****فأخلع ثيابك منها ممعنا هربا

وإن أتوك وقالوا : إنها نصف**** فإن أطيب نصفيها الذي ذهبا

وفي السنة 591 حصلت معركة الزلاقة بين أبي يوسف يعقوب بن يوسف أمير الموحدين ، وبين الفونس صاحب طليطلة ، فانكسر الفونس ، وقتل أكثر جنده ، وعاد الفونس إلي طليطلة ، فحلق رأسه ولحيته ، ونكس صليبه ، والي أن لا ينام علي فراش ، ولا يقرب النساء ، ولا يركب فرسأ ، حتي يأخذ الثار . ( النجوم الزاهرة 138/6).

وفي السنة 605 قتل سنجر شاه ، صاحب جزيرة ابن عمر ، وكان

ص: 34

ظالمين ، سيء السيرة ، حلق من لحي رعيته ، ما لا يحصي . ( ابن الأثير 282/12)

وكان ببغداد ، في رباط شيخ الشيوخ ، صوفي كبير اللحية جدا ، وكان معني بها بها أغلب زمانه ، يدهنها ، ويسرحها ، ويجعلها ليلا عند نومه في كيس ، فقام بعض المريدين إليه في الليل وهو نائم ، فقصها من الأذن إلي الأذن ، فأصبحت كالصريم ، وأصبح الصوفي شاكيا إلي شيخ الرباط ، فجمع الصوفية ، وسألهم ، فقال المريد : أنا قصصتها ، فقال له : لماذا فعلت ذلك ، ويلك ، فقال : أيها الشيخ ، إنها كانت صنمه ، وكان يعبدها من دون الله ، فأنكرت ذلك بقلبي ، وأردت اجعله عبد الله ، لا عبدا للحيته ( شرح نهج البلاغة 208/11 ).

وفي السنة 617 بعث جنكيز خان ، إلي بلاد ما وراء النهر ، جماعة من التجار من رعيته ، فقتلهم نائب خوارزم شاه ، وأخذ أموالهم ، فبعث جنكيز خان ، إلي خوارزم شاه ، رسولا ، ومعه جماعة ، يعتب علي خوارزم شاه ، ويطلب إعادة المال ، والاقتصاص ممن ارتكب القتل ، فأمر خوارزم شاه ، بالرسول ، فقتل ، ثم حلق لحي الذين كانوا معه ، فكان ذلك من أسباب اقتحام التتار ، بلاد المسلمين ( ابن الأثير 363/12 ).

وفي السنة 658 اتفق ببغداد علي بهادر شحنة بغداد ، وعماد الدين القزويني وجماعة من صدور العراق ، وقصدوا السلطان هولاكو في الشام ، . ورفعوا علي صاحب الديوان علاء الدين عطا ملك الجويني ، فحوكم وأمر السلطان بقتله ، ثم خفف العقوبة إلي حلق لحيته ، فحلقت ، وكان يجلس في الديوان ويستر وجهه ( تاريخ العراق للعزاوي 238/1 ) .

وفي السنة 719 اعتقل السلطان أبو سعيد، سلطان العراق ، الأمير قرشي فأمر به فحلقت لحيته ، ثم أشهر ، وقتل. ( تاريخ العراق للعزاوي 462/1)

ص: 35

وفي السنة 755 حج الشاعر شمس الدين محمد بن يوسف الخياط الدمشقي ، الملقب بالضفدع، فلم يترك أحدأ في الركب من الأعيان إلا هجاه ، فشكوه إلي أمير الركب ، فأحضره ، وأهانه ، وحلق لحيته ، وطوفه ، ينادي عليه . ( الاعلام 27/8 ) .

وفي السنة 921 وصل السلطان الغوري ، سلطان مصر والشام إلي حلب ، وأرسل إلي السلطان سليم العثماني رسولا يطلب فيه أن يصالحه مع الشاه إسماعيل شاه العجم ، فلما وصل الرسول إلي السلطان سليم ، قبض عليه وحلق لحيته، وأعاده إلي الغوري وقال له : قل لأستاذك ، إن اسماعيل خارجي ، وأنت مثله ، وأنا أقاتلك قبله ، والميعاد بيننا وبينك في مرج دابق ( الكواكب السائرة 296/1 ).

وقص علينا صاحب إعلام النبلاء قصة حلق لحية هذا السفير ، بتفصيل أكثر ، فقال في كتابه : وفي السنة 922 ارسل السلطان الغوري ، سلطان مصر والشام ، إلي السلطان العثماني ، السلطان سليم ، رسولا ومعه جماعة ، فأمر السلطان سليم بقتلهم ، أما الرسول فاكتفي بحلق لحيته ، وتفصيل ذلك ، أن السلطان الغوري ، أرسل رسوله ، من امرائه ، إلي السلطان سليم ، في عشرة فرسان دارعين مدججين ، من خيرة فرسانه ، فلما وقعت عليهم عين سليم ، علم أن الغوري أراد إرهاب عسكره برؤية هؤلاء الفرسان ، فتميز غيظا ، وقال للسفير : اما كان عند مولاك رجل من أهل العلم يرسله إلينا ، حتي أرسلك وأصحابك هؤلاء يهول بكم علي جندي ؟ وأمر بضرب أعناقهم ، فشفع فيهم وزيره يوسف باشا ، وقال له : إن الرسول لا يقتل ، فأبقي عليه وحده ، وقتل الباقين ، ثم أمر بالسفير بعد يومين ، فحلقت الحيته إهانة له ، وألبسه ثوب أسمال ، وأركبه علي حمار ظالع ، وقال له : اذهب إلي مولاك ، وقل له يفرغ ما في وطابه ( اعلام النبلاء 124/3 ).

وكان الشيخ الزاهد أبو بكر الحديدي ، المتوفي في السنة 925 شديد

ص: 36

الحرص علي السنة ، لا يسامح أحدا في شيء من أدائها ، وكان معه مقراض ، من رأي شاربه طويلا قصه ، فإن امتنع تبعه قائلا : واديناه ، يا محمداه ، حتي يمكنه من قصه ( الكواكب السائرة 119/1 ).

وفي السنة 1089 توقي عبد الواحد الأنصاري قاضي القنفذة ، وكان أمير القنفذة قد بلغه عنه ما أوجب أن يقبض عليه ، وأمر به فحلقت لحيته ، وأراد قتله ، فشفع فيه ، فتركه ( خلاصة الأثر 96/3 ) .

وفي السنة 1108 أحضر الباشا بمصر ، الشيخ محمد الزرقاني ، أحد شهود المحكمة ، بسبب إنه كتب حجة وقف تتعلق بمنزل آل إلي بيت المال ، فأمر به فحلقت لحيته ، وأشهر ، ونفي (تاريخ الجبرتي 49/1 و50).

وفي السنة 1179 ( 1765 م ) بعثت الحكومة الإيرانية ، للمير مهنا، حاكم بندرريق ، أحد كبار موظفيها ، لاستيفاء الجعالة السنوية المقررة علي حاكم بندرريق ، فأهان المير مهنا الموظف، وأمر بلحيته فحلقت ( رحلة نيبور (148/2)

وفي السنة 1199 قتل أحد أتباع سردار الاسكندرية ، رجلا ، فثار العامة بالسردار ، وقبضوا عليه ، وحلقوا نصف لحيته ، وجرسوه ، وأهانوه . ( تاريخ الجبرتي 594/1 ).

وفي السنة 1229 زور رجل من أهل مصر ، أوراقأ علي امرأة غائبة ، وباع أملاكها ، فأمر كتخدا محمد علي باشا ، بإشهاره ، وحلق نصف لحيته وشاربه . ( الجبرتي 469/3 ) .

وجيء إلي أحد الأمراء ، بأناس من الشطار ، فأمر بضربهم ، وحلق

ص: 37

رؤوسهم ولحاهم ، وكان فيهم رجل سناط ( لا لحية له ) ، فقيل له : إن هذا ليست له لحية ، فهل نزيده في الضرب ؟ قال : لا ، ولكن احلقوا لحية هذا الشرطي مكانه ( المحاسن والمساويء 154/2) .

ص: 38

القسم الثاني : حلق اللمم

كان هاشم بن عتبة بن أبي وقاص ، الملقب هاشم المرقال ، وابنه عبد الله ، من أصحاب الإمام علي ، وكانت وطأتهما شديدة علي أهل الشام في حروب صفين ، وقتل هاشم في أحد أيام صفين ، فلما انقضي أمر صفين ، وتسلم الأمر معاوية ، استتر عبد الله بالبصرة ، فكتب معاوية إلي زياد بن أبيه ، عامله علي البصرة ، أن أطلب عبد الله بن هاشم أشد طلب ، فإذا ظفرت به ، فأحلق رأسه ، وألبسه جبة شعر ، وقيده ، وغل يده إلي عنقه ، وأحمله علي قتب بلا غطاء ولا وطاء ، وأنفذه إلي ، ففعل زياد ذلك ( شرح نهج البلاغة 30/8 - 33).

وشبب يزيد بن الطثرية ، بامرأة من جرم ، فشكوه إلي صاحب اليمامة ، فجعل عقوبته حلق لمته ، فحلقها ، فقال يزيد : ( الاغاني 178/8)

أقول لثوړ وهو يحلق لمتي****بحجناء مردود عليها نصابها

ترفق بها يا ثور ليس ثوابها****بهذا ، ولكن غير هذا ثوابها

وشرب طخيم الأسدي بالحيرة ، فأخذه العباس بن معبد المري ، وكان علي شرطة يوسف بن عمر ، فحلق رأسه ، فقال : ( الاغاني 8/ 179) .

ص: 39

لقد حلقوا مني غدافا كأنها ****عناقيد كرم أينعت فأسبطت

يظل العذاري حين تحلق لمتي**** علي عجل يلقطنها حين جزت

وفي السنة 306 لما عزل الوزير ابن الفرات عن وزارته الثانية للمقتدر ، وخلفه حامد بن العباس ، أحضر المحسن بن الفرات ، وطالبه ، فبلح ، فأمر بصفعه ، فصفع ، فرأي علي رأسه شعرأ كثيرة ، فقال : هذا لا يتألم بالصفع ، هاتوا من يحلق شعره ، فأخرج من بين يديه ، فحلق شعره ، ثم أعيد إليه ، فصفعه حتي كاد يتلف . ( تجارب الأمم 65/1 ).

وفي السنة 431 اتهم باديس صاحب غرناطة ، أبا الفتوح ثابت بن محمد الجرجاني بالتآمر ضده ، ففر منه إلي إشبيلية ، ثم استسلم إليه ، فكان مما عذبه به ، أن حلق رأسه ، وأشهره ، وحبسه ، وقتله ( الاحاطة 462-466)

ولم يكن حلق اللمة مقصورة علي الرجال ، وإنما كان يمارس علي النساء في بعض الأحوال ، فقد أخذت أمرأة في زنا ، فحلقت ، وسود وجهها ، وأشهرت علي جمل ، فكانت وهي يطاف بها ، تقول : من رآني فلا بزنين ، فصاحت بها إحدي النسوة : يا فاجرة ، أمرنا الله بذلك فلم نطعه ، افنطيعك أنت ، وأنت محلوقة ، مسودة الوجه ، مشهرة علي جمل ؟

أقول : وقد جرت ممارسة هذا اللون من العذاب ، أي حلق اللمم ، في فرنسا ، اثر اندحار المانيا الهتلرية ، في الحرب العالمية الثانية ، في السنة 1945 ، وانسحاب جنودها وعسكرييها من فرنسا ، فاقتيدت الفتيات والنسوة اللاتي صاحبن وعاشرن الألمان المحتلين ، وحلقت لممهن .

ص: 40

القسم الثالث : المسح

أما المسح ، وهو أوسع مدي من الحلق ، لأنه يعني حلق اللحية والشارب والحاجبين ، فقد مارسه إبراهيم بن هشام ، أمير المدينة علي رجل من الموالي ، تزوج بعربية من بني سليم ، فأحضره ، وفرق بينه وبين زوجته ، وضربه مائتي سوط ، وحلق رأسه ولحيته وحاجبيه . ( الاغاني 106/16)

وفي السنة 598 اخذ الخليفة الناصر العباسي ، قوام الدين بن الزاهد ، وكيل ولي العهد ( الخليفة الظاهر ) وضرب ظاهر باب النوبي الشريف مائة عصا ، ومسح وجهه ، وأحدر واسطأ فحبس بها ، قيل في سبب ذلك ، إنه عثر عليه وهو يطلب كتاب السموم لابن وحشية ، ومات قوام الدين هذا وهو في الحبس ( الجامع المختصر 83 و 104).

ص: 41

ص: 42

الفصل الثاني : النتف

القسم الأول : نتف اللحية

أول لحية نتفت في الإسلام ، لحية عثمان بن حنيف ، عامل الإمام علي علي البصرة ، في السنة 39 ، لما قدمها طلحة والزبير ، فحاربهم عثمان بن حنيف ، ثم هادنهم ، وكتبوا بينهم كتابة ، ثم عمد قوم من أصحاب طلحة والزبير ، إلي عثمان ، فأسروه ، ونتفوا شعر لحيته ، وشعر رأسه ، وحاجبيه ، وأشفار عينيه ، وحبسوه ، ثم أطلقوه ، فقدم علي الإمام علي بالربذة ، فقال : يا أمير المؤمنين ، بعثتني ذا لحية ، وجئتك أمرد ، فقال له : أصبت خيرا وأجرة ( الطبري 466/4 و469 و480 وابن الأثير 216/6 - 226) .

ولما استباح يزيد بن معاوية ، المدينة ، في وقعة الحرة ، فقتل ، ونهب ، وسبي ، وانتهك الحرمات ، أحضر قائد الجيش وهو مسلم بن عقبة المري ، عمرو بن عثمان بن عفان ، وقال : يا أهل الشام ، هل تعرفون هذا ؟ هذا الخبيث بن الطيب ، هيه يا عمرو ، إذا ظهر أهل المدينة ، قلت : أنا رجل منكم ، وان ظهر أهل الشام ، قلت : أنا ابن أمير المؤمنين عثمان ، ثم أمر به فنتفت لحيته ، حتي ما تركت فيها شعرة ( الطبري 494/5 وابن الأثير 120/4 والاخبار الطوال 266 وأنساب الأشراف 39/2/4 ).

ودخل بعض الأفراد من جند الشام علي أبي سعيد الخدري ، صاحب رسول الله صلوات الله عليه ، في وقعة الحرة ، فوجدوه يصلي ، ولم يجدوا

ص: 43

عنده شيئا ، فضربوا به الأرض ونتفوا لحيته. ( الاخبار الطوال 268 و 269 ).

ولما قتل الوليد بن يزيد ، وتوئي يزيد بن الوليد ، ولي منصور بن جمهور العراق ، ففر يوسف بن عمر إلي الشام ، واستتر ، فقبض عليه وقد لبس لبسة النساء وجلس بين نسائه وبناته ، فجروا برجله ، ونتفوا قسما من لحيته ، وكان من أعظم الناس لحية ، وأقصرهم قامة ، وحبس في السجن مع الحكم وعثمان ابن الوليد ، فلما مات يزيد، وولي إبراهيم ، وانتقض أمره ، دخل يزيد بن خالد القسري السجن فأخرج يوسف بن عمر وقتله . ( الطبري 274/7)

وبايع المأمون في السنة 201 بولاية عهده للإمام علي بن موسي الرضا فغضب العباسيون ، وبايعوا بالخلافة في بغداد إبراهيم بن المهدي ، وكان الفضل بن سهل يكتم هذه الأخبار عن المأمون ، فأخبره بها الإمام علي الرضا ، فقال : هل يعلم بذلك قوم من أهل عسكري ؟ فسمي له أشخاصة ، فأحضرهم ، وسألهم فحدثوه بالصحيح ، وبلغ ذلك الفضل بن سهل ، فأخذهم ، وضرب بعضهم بالسياط ، وحبس بعضهم ، ونتف لحي بعضهم . ( العيون والحدائق 356/3 و357 الطبري 565/8 ).

وحدث علي أثر قتل الأمين ، ببغداد ، اختلال في الأمن ، وظهر رجل اسمه سهل بن سلامة الأنصاري ، دعا إلي الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ، وضرب علي أيدي الفساق والشطار ، وكان إبراهيم بن المهدي ، قد أعلن خلافته ببغداد ، فاعتقل سهلا ، وأخذ رجلا من أصحابه ، فتقدم إليه إبراهيم وضربه ، ونتف لحيته ، وحبسه . ( الطبري 551/8 و 552 ,563 ) .

وفي السنة 253 حصر يعقوب بن الليث الصفار ، مدينة شيراز ، ودخلها عنوة ، وأخذ عاملها علي بن الحسين بن قريش أسيرة ، فلما أحضر

ص: 44

أمامه قنعه بيده عشرة أسواط ، وأخذ حاجبه بلحيته فنتف أكثرها ، وقيده بقيد فيه عشرون رط ، ثم أبدله بقيد أربعين رطلا ، ثم عذبه بألوان العذاب ( وفيات الأعيان 409/6 ).

وفي السنة 309 تسلم الوزير حامد بن العباس ، وزير المقتدر ، الحلاج الصوفي ، فكان يخرجه إلي من حضره ، فيصفع ، وتنتف لحيته ( صلة الطبري 52 ).

وناظر الوزير حامد بن العباس ، أبا الحسن بن الفرات ، لما عزل عن وزارته الثانية ، فشتمه حامد شتما مسرفأ ، وأمر أن تنتف لحيته ، فلم يقدم عليه أحد ، فمد حامد يده إلي لحية ابن الفرات ، ونتف منها خصلة . ( وزراء 108).

وفي السنة 354 كاتب أهالي طرسوس ، نقفور ملك الروم ، يبذلون له إتاوة ، فأحضر الرسول وأحرق الكتاب علي رأسه ، فاحترقت لحيته . ( ابن الأثير 8/ 56 ) .

وغضب القاضي أبو القاسم التنوخي ، علي غلام لأبي الحسين هلال الصابي ، اسمه جميلة ، فضربه ، ونتف ذقنه ، وقال له : يا ماص بظر أمه ، أنا شاهد الخرا، راجع القصة في بحث الشتيمة ، وفي معجم الأدباء (306 و307).

وفي السنة 535 حصلت مراسلة بين الخطا وبين السلطان سنجر ، فكتب سنجر إلي زعيم الخطا يتهدده بعسكره الذين بالغ في وصفهم ، فقال عنهم : إنهم يشقون الشعرة بسهامهم ، ولم يرض وزيره طاهر حفيد نظام الملك بهذا الكتاب ، ولكن سنجر أصر علي إرساله ، فلما وصل إلي كوخان زعيم الخطا ، أمر بنتف لحية الرسول ، وأعطاه إبرة ، وكلفة أن يشق بها شعرة من لحيته ، فلم يقدر ، فقال : كيف يزعم ملكك أن عنده من يشق الشعرة

ص: 45

بالسهم وأنت عاجز عن شقها بإبرة ؟. ( ابن الأثير 85/11 ) .

وفي السنة 676 هجم أتباع الملك السعيد صاحب مصر والشام ، علي نائب السلطنة ، الأمير شمس الدين الفارقاني ، وسحبوه إلي داخل القلعة ، وبالغوا في ضربه وأذيته ، ونتفوا لحيته ، واعتقلوه بالقلعة ، فلم يلبث إلا أياما يسيرة ، ومات ( تاريخ ابن الفرات 95/7 ).

وغضب السلطان محمد بن تغلق ، سلطان الهند ، علي الشيخ شهاب الدين الخراساني ، من كبار المشايخ الصلحاء ، فأمر الشيخ ضياء الدين السمناني ، بنتف لحيته ، فأبي وامتنع ، فأمر السلطان بنتف لحيتيهما جميعا ، فنتفتا . (مهذب رحلة ابن بطوطة 87/2 ).

وفي السنة 761 خرج الوزير الحسن بن عمر ، وزير السلطان أبي سالم المريني ، علي سلطانه ، ولحق تبادلا ، واعتصم بالجبل ، واستجار بالحسين بن علي الورديغي ، فبعث السلطان وزيره الحسن بن يوسف ، وبذل لبعض أهل الجبل ماله ، فانفضوا عن الحسن ، وقبضوا عليه ، وأسلموه إلي الوزير ، فحمله إلي السلطان الذي احتفل باستقباله ، ثم أشهره علي جمل ، ثم أمر به فسحب علي وجهه ، ونتفت لحيته ، وضرب بالعصي ، وتل إلي محبسه ، وقتل قعصة بالرماح في ساحة البلد ، ثم نصب شلوه علي سور البلد ( ابن خلدون 310/7 ) .

وفي السنة 1205 غضب والي مصر ، علي واعظ بشناقي اسمه عبد الوهاب ، اتهمه بالتصرف في تركة كان أمينا عليها ، فلطمه علي وجهه ، ونتف لحيته ، وأمر به فحبس ، وحوسب ، واستعيد منه ما أخذه من التركة (الجبرتي 93/2 ) .

ولما هلك الجزار صاحب عكا ودمشق في السنة 1219 بلغ أهل دمشق خبر هلاكه ، فتوجه الناس إلي القلعة ، وأخرجوا المحبوسين من سجونهم ،

ص: 46

وتتبعوا أعوان الجزار فقتلوهم ، وبحثوا عن الأكراد ، الذين كان الجزار قد وكلهم بعذاب الناس ، فعثروا عليهم في قرية التل ، فأحضروهم ، وعذبوهم بمثل الأنواع التي عذبوا بها الناس ، ثم نتفوا لحاهم ، وقتلوهم شر قتلة . ( مجموعة محمود الحمزاوي ) .

ص: 47

القسم الثاني : نتف شعر الرأس

وعذب أبو الحسن بن أبي البغل، ابن جبير النصراني ، كاتب ابن الفرات ، بأن دعا بمزين ، وأمره بأن ينتف بالمنقاش ربع شعر رأس ابن جبير ، فرشي الموكلين ، وحلقوا قسما منه حلق ، وأعلموه أنه قد نتف ، فأمر أن يقير الموضع النظيف من الرأس بقير حار ، فكاد يتلف ، راجع تفصيل القصة في كتاب نشوار المحاضرة وأخبار المذاكرة للتنوخي ، في القصة رقم 41/8)

ص: 48

القسم الثالث : نتف شعر البدن

وبلغ أماجور التركي ، أمير دمشق للمعتمد ، أن أعرابيا أهان جنديا من جنوده ، بأن نتف شعرتين من شاربه ، فأمر بالأعرابي ، فنتف شعر بدنه كله ، من أجفانه ، ورأسه ، ولحيته ، وما ترك علي جسمه شعرة ، ثم ضربه ألف سوط ، وقطع يديه ورجليه ، وصلبه .

وقد روي الصفدي ، في الوافي بالوفيات 375/9 هذه القصة بتفصيل ، فأحببت أن أوردها بنصها ، قال : بعث أماجور التركي ، أمير دمشق ، في أيام المعتمد ، جنديا إلي أذرعات في رسالة ، فنزل اليرموك ، فصادف أعرابيا في قرية ، فجلس الجندي إليه ، فمد الأعرابي يده، ونتف من سبال الجندي خصلتي شعر ، وعاد الجندي إلي دمشق ، وبلغ الخبر أماجور ، فدعاه وسأله عن القصة ، فاعترف ، فحبسه ، ثم استدعي بمعلم صبيان ، وأعطاه مالا ، وقال له : أذهب إلي المكان الفلاني ، وأظهر أنك تعلم الصبيان ، فلا بد أن تري الأعرابي هناك فشاغله ، وأعطاه طيورة ، وقال : عرفني الأخبار يوما بيوم ، ففعل المعلم ما أمره ، فرأي الأعرابي ، وشاغله ، وأطلق الطيور ، فركب أماجور بنفسه ، ووصل إليها في يوم واحد ، وأخذ الأعرابي مكتوفة ، ودخل دمشق ، وقال له : ما حملك علي ما فعلت برجل من أولياء السلطان ؟ قال : كنت سكرانا لم أعقل ، فأمر بنتف كل شعرة فيه من أجفانه ولحيته ورأسه ، وما ترك علي جسمه شعرة ، وضربه ألف

ص: 49

سوط ، وقطع يديه ورجليه ، وصلبه ، وأخرج الجندي من الحبس ، وضربه مائة سوط ، وطرده من الخدمة ، وقال : أنت ما دافعت عن نفسك ، فكيف تدافع عني ؟ ( الوافي بالوفيات 375/9 و376) .

ص: 50

الباب الثامن : التعذيب بالتعرض للعورة

اشارة

للعورة : كل ما يستحيا منه إذا ظهر .

والعورة من الرجل : ما بين السرة إلي الركبة .

ومن المرأة : جميع جسدها ، الا الوجه واليدين إلي الكوعين .

ولما كنا قد أفردنا للمرأة بحثا مفردة ، فإن البحث في هذا الباب مقصور علي ما يتعلق بالرجل وحده .

وينقسم التعذيب بالتعرض للعورة بالنسبة للرجل ، إلي فصلين :

الفصل الأول : التعذيب بالتعرض للقبل ، وينقسم إلي ثلاثة أقسام :

القسم الأول : التعذيب بالخصاء.

القسم الثاني : التعذيب بعصر الخصية .

القسم الثالث : التعذيب بجب الذكر .

الفصل الثاني : التعذيب بالتعرض للدبر ، وينقسم إلي قسمين :

القسم الأول : التعذيب بالخوزقة .

القسم الثاني : التعرض للدبر بألوان أخري من العذاب

ص: 51

ص: 52

الفصل الأول : التعذيب بالتعرض للقبل

اشارة

ص: 53

ص: 54

القسم الأول : التعذيب بالخصاء

الخصاء : سل الخصيتين ، سواء بالقطع ، أو بأن تعصب مجامعها من أصلها، وتترك معقودة بخيط شديد، فلا تلبث أن تسقط ( الحيوان 131/1 ). راجع بحث الخصاء في كتاب الحيوان للجاحظ (106/1 -181)

والخصاء من المثلة المحرمة في الإسلام ، وعن ابن عباس ، إنه قال في قوله تعالي : ( ولآمرنهم فليغير خلق الله و قال : هو الخصاء .

ودخل معاوية يوما ، علي امرأته ميسون ابنة بحدل ، وهي أم يزيد ، ومعه خصي له ، فاستترت ميسون من الخصي ، فقال لها معاوية : أتستترين منه ، وإنما هو مثل المرأة ، قالت : أتري أن المثلة به ، تحل ما حرم الله تعالي ؟. ( الحيوان 177/1 ).

وخطب من عقيل بن علفة، سلاماني ، إحدي بناته ، فغضب ، وأخذ السلاماني فكتفه ، ودهن آسته بشحم ، وألقاه في قرية النمل، فأكلن خصيتيه ، حتي ورم جسده ، ثم حله ، وقال له : يخطب إلي عبد الملك بن مروان فأرده ، وتجتريء أنت علي . ( الاغاني 255/12 ).

وكان سليمان بن عبد الملك من أشد الناس غيرة ، سمع رجلا يتغني فأمر به فخصي ، وأمر بأن يخصي المخنثون في كل بلد، راجع القصة مفضلة في كتاب الهفوات النادرة ص 39 - 42 ، وص 89 - 91.

ص: 55

أقول : جاء في الأغاني أن الأمر صدر بإحصاء المختثين ، وأن نقطة وقعت علي الحاء ، فصيرتها خاء ، ولا أظن الأمر كما قال ، إذ ما فائدة الخليفة من إحصاء المخنثين ومعرفة عددهم .

وأثبت الجاحظ في كتابه الحيوان 121/1 و 122 قصة خصاء الدلال ونومة الضحي المختثين المدنيين ، قال : خصاهما عثمان بن حيان المري ، والي المدينة ، بكتاب هشام بن عبد الملك ، ومن بني مروان من يدعي أن عامل المدينة صحف ، لأنه رأي في الكتاب : إحص من قبلك من المختثين ، فقرأها : إخص من قبلك من المخنثين ، وذكر عن الهيثم الكاتب الذي تولي قراءة الكتاب ، إنه قال : كيف يقولون ذلك ، ولقد كانت الخاء معجمة بنقطة كأنها سهيل ، أو تمرة صيحانية ، وقال اليقطري : ما وجه كتاب هشام في إحصاء عدد المخنثين ؟ وهذا لا معني له ، وما كان الكتاب إلا بالخاء المعجمة ،، دون الحاء المهملة ، وذكر عن مشايخ المدينة ، عن الدلال ونومة الضحي ، إنهما قالا : الآن صرنا نساء بالحق ، كأن الأمر لو كان إليهما لاختارا أن يكونا امرأتين ، قال : وذكر إنهما خرجا بالخصلتين من الخصاء والتخنيث ، من فتور الكلام ، ولين المفاصل والعظام ، ومن التفكك والتشي، إلي مقدار لم يروا أحدا بلغه ، لا من مختثات النساء ، ولا من مؤنثي الرجال.

وفي السنة 289 واقع أبو سعيد القرمطي ، بني ضبة ، وظفر بهم ، وأخذ منهم خلقا ، وبني لهم حبسا عظيما جمعهم فيه ، وسده عليهم ، ومنعهم الطعام والشراب ، فمكثوا شهرة ، ثم فتح عليهم ، فوجد أكثرهم موتي ، ويسير بحال الموتي ، قد تغذوا بلحوم الموتي ، فخصاهم ، وخلاهم ، فمات أكثرهم ( اتعاظ الحنفا 164 ).

وبعث السلطان طغرلبك ، وزيره عميد الملك الكندري ، ليخطب له

ص: 56

امرأة ، فخطبها الكندري لنفسه وتزوجها ، فاغتاظ منه طغرلبك ، واستبقاه في خدمته لكفاءته ، ولكنه خصاه ، عقوبة له ، فقال الشاعر : ( الفخري 70) .

قالوا محا السلطان عنه بفعله**** سمة الفحول وكان قرمصائلا

قلت : آسكتوا ، فالآن زاد، فحولة**** لما غدا من أنثييه عاطلا

والفحل يأنف أن يسمي بعضه**** أنثي لذلك جدها مستاصلا

وكان مجاهد الدين بهروز ، صاحب تكريت (ت 540 ) ، في أول أمره بدوين ، فاتهم بزوجة بعض الأمراء ، فأخذه صاحب دوين ، فخصاه ، فلما مثل به لم يقدر علي الإقامة بالبلد ، فخرج واتصل بمحمد بن ملكشاه السلجوقي ، وكان ذلك أول تقدمه . ( وفيات الأعيان 256/1 ).

وفي السنة 734 قبض بالقاهرة علي عبد أسود كان يتعرض لأولاد الناس ، فخصي ، فمات ( تاريخ ابي الفدا 112/4 ) .

ص: 57

القسم الثاني : التعذيب بعصر الخصية

وكان من جملة ألوان العذاب ، الذي مارسه يوسف بن عمر الثقفي ، علي بلال بن أبي بردة ، أن جعل الوتر في خصيتيه ( البيان والتبيين 220/1)

وفي السنة 245 بذل الحسن بن مخلد وموسي بن عبد الملك ، ألفي ألف دينار في نجاح بن سلمة ، فأسلمه المتوكل إليهما ، فضرباه بالمقارع مرارة ، وعذباه ، وخنق ، وعصرت خصاه ، فمات . ( تجارب الأمم 554/6 والطبري 214/9 - 217) .

أقول : كان نجاح بن سلمة ، علي ديوان التوقيع، والتتبع علي العمال ، فكان جميع العمال يتقونه ، ويقضون حوائجه ، وكان المتوكل ربما نادمه ، وكان الحسن بن مخلد علي ديوان الضياع، وموسي بن عبد الملك علي ديوان الخراج ، وكان الحسن وموسي منقطعين إلي الوزير عبيد الله بن يحيي بن خاقان ، فكتب نجاح بن سلمة إلي المتوكل رقعة ذكر فيها خيانات الحسن وموسي ، وإنه يستخرج منها أربعين ألف ألف درهم ، فأدناه المتوكل ، وشاربه تلك العشية ، وقال له : بكر إلي غدا حتي أدفعهما إليك ، فغدا وقد رتب أصحابه ، وقال : يا فلان خذ أنت الحسن ، ويا فلان خذ أنت موسي ، وبلغ الوزير عبيد الله الخبر ، فأمر بأن يحجب نجاح عن المتوكل ، وأحضره وقال له يا أبا الفضل ، أنا أشير عليك بأمر فيه لك

ص: 58

صلاح ، وهو أن أصلح بينك وبين الحسن وموسي ، وتكتب رقعة تذكر فيها انك كنت شارب وانك تكلمت بأشياء تحتاج إلي معاودة النظر فيها ، وأنا أصلح الأمر عند أمير المؤمنين ولم يزل يخدعه حتي كتب رقعة بما أمره به ، فأدخلها عبيد الله علي المتوكل ، وقال له : يا أمير المؤمنين قد رجع نجاح عما قال البارحة ، وهذه رقعة موسي والحسن يتقبلان نجاح بما كتبا، فتأخذ ما ضمناه به ، ثم تعطف عليهما، فتأخذ منهما قريبا مما ضمنا لك ، فسر المتوكل ، وطمع فيما قال عبيد الله ، وقال له : إدفع نجاح إليهما ، فدفعه إليهما ، فأخذاه وصار به موسي إلي ديوان الخراج ، وأخذ ولده أبو الفرج ، وكاتبه إسحاق بن سعد ، وعبد الله بن مخلد المعروف بابن البواب وكان منقطعة إلي نجاح ، وأخذ جميع ما لنجاح من صامت وغيره ، وضرب مرارة بالمقارع « في غير موضع الضرب » نحوا من مائتي مقرعة ، وغمز ، وخنق ، ثم عصرت مذاكيره وخصيتاه ، فمات .

وفي السنة 256 قتل الخليفة المهتدي العباسي ، بعصر خصيتيه ، وتفصيل ذلك ، إن النزاع اشتد بين المهتدي وبين الأتراك ، وحاول المهتدي أن يتقرب إلي قلوب العامة ، فبني قبة للمظالم ، وجلس فيها للخاص والعام ، وأمر بالمعروف ، ونهي عن المنكر ، وحرم الشراب ، ونهي عن القيان ، وأظهر العدل ، وكان يخطب بالناس ، ويؤمهم في أيام الجمع ، فشغب عليه الأتراك فخرج إليهم في السلاح ، معلقا في عنقه مصحفا ، واستنفر العامة ، وأباحهم دماء الأتراك ، وأموالهم ، ونهب منازلهم ، فحاربه الأتراك ، وانتصروا عليه ، وقبضوا عليه ، فداسوا خصيتيه ، وصفعوه حتي مات ، وأشهدوا علي موته إنه سليم ، ليس به أثر ، لزيادة التفصيل راجع الطبري 458/9 و 468 و 469 ومروج الذهب 2/ 464 وفوات الوفيات 535/2 و تاريخ الخلفاء163 وابن الأثير 228/7 - 233.

وفي السنة 257 ظهر في موضع ببغداد ، يقال له : بركة زلزل ، علي

ص: 59

خناق ، وقد قتل خلق كثير من النساء ، ودفنه في دار كان فيها ساكنة ، فحمل إلي المعتمد ، فضرب ألفي سوط ، وأربعمائة أرزن ، فلم يمت ، حتي ضرب الجلادون أنثييه بخشب العقابين ، فمات ، ورد إلي بغداد فصلب بها ، ثم أحرق ( الطبري 479/9 ) .

أقول : الأرزن : شجر صلب ، تتخذ منه عصي صلبة ، والعقابان : خشبتان يشبح الرجل بينهما للجلد .

ولما فتح يعقوب بن الليث (ت 265 ) شيراز ، أسر أميرها علي بن الحسين ، فقنعه عشرة أسواط بيده ، وأخذ حاجبه بلحيته فنتف اكثرها ، وقيده بقيد فيه عشرون رطلا ، ثم عذبه بأنواع العذاب ، وعصر أنثييه ، وشد الجوزتين علي صدغيه ، وألح عليه بالعذاب ، حتي خلط ووسوس من شدة العذاب ، ثم قيده بقيد أربعين رطلا ، ولما ارتحل من شيراز حمله معه ، فلما أتي كرمان ألبسه المصبغ من الثياب ، وقنعه بمقنعة ، ونادي عليه وحبسه . ( وفيات الأعيان 409/6 و410) .

وفي السنة 296 خلع المقتدر ، وبويع ابن المعتز بالخلافة ، وانتقض أمر ابن المعتز فقبض عليه المقتدر ، وحبس إلي الليل ، وعصرت خصيتاه حتي مات ، ولفت في كساء وسلم إلي أهله ( ابن الأثير 18/8 و تاريخ ابن خلدون 359/3 ) .

وسئل الحافظ النسائي ، إمام عصره في الحديث ، وهو بجامع دمشق ، عما روي في فضائل معاوية بن أبي سفيان ، فقال : أما يرضي معاوية ، أن يخرج رأسا برأس ، حتي يفضل ؟ وفي رواية أخري إنه قال : ما أعرف له فضيلة إلا «لا أشبع الله بطنك » ، فما زالوا يدفعون في خصييه ، وداسوه ، فحمل إلي الرملة ، فمات فيها سنة 303 ( وفيات الأعيان 77/1 ) .

أقول : قوله «لا أشبع الله بطنك » حديث مروي عن الرسول صلوات الله عليه ، قاله لمعاوية ، بعد أن أرسل إليه مرتين ، فقيل هو يأكل .

ص: 60

وذكر صاحب وفيات الأعيان 61/2 أن ناصر الدولة الحمداني ، قتل عمه سعيد بن حمدان ، والد أبي فراس الحمداني ، بأن أمر فعصرت مذاكيره فمات .

أقول : كان ذلك في السنة 323 ، وقد ذكر صاحب تجارب الأمم سبب ذلك ، أن أبا العلاء شرع في تضمن الموصل وديار ربيعة ، وضمن ذلك سرا ، وخلع عليه ، مع أنها تحت ضمان ناصر الدولة ابن أخيه ، وأصعد أبو العلاء إلي الموصل ، وأظهر أنه يريد مواقفة ابن أخيه ناصر الدولة علي ما عليه من مال الضمان ، وعرف ابن أخيه خبر موافاته ، فخرج نحوه مظهرة تلقيه ، وأعتمد أن يخالفه في الطريق ، فلم يلتقيا ، ومضي أبو العلاء إلي دار ناصر الدولة ، فنزلها ، وسأل عن خبره ، فقيل له : إنه خرج ليتلقاه ، فجلس ينتظره ، ولما علم ناصر الدولة بأن عمه قد حصل في داره ، وجه بغلمانه ، فدخلوا علي عمه ، وقيدوه ، ثم وجه اليه من قتله . ( تجارب الأمم 323/1 و 324) .

وفي السنة 422 تآمر رجلان وامرأة علي أبي علي بن ماكولا، فقتلوه بعصر خصاه . ( النجوم الزاهرة 21/4/4 ) .

وذكر أن خمسة من الخدم ، هاجموا الملك معز الدين أيبك ، ملك مصر ، سنة 656 في الحمام ، وربطوا محاشمه بوتر ، وجذبوه حتي مات . ( بدائع الزهور 91/1 ).

وفي السنة 744 قتلت الأميرة عزة الملك زوجها الأمير حسن الجوباني بأن عصرت خصيتيه حتي قضي . ( تاريخ العراق للعزاوي 2/ 45).

وفي السنة 1010 مات في سجنه بدمشق ، الحاج أحمد العجمي ، أمين البهار ، بالضرب ، وعصر مذاكيره . ( تراجم الأعيان 135/1 ).

وفي السنة1043 قتل إبراهيم باشا ، إبن عبد المنان الدفتردار بدمشق ، وكان من جملة ما عذب به أن عصرت مذاكيره ( خلاصة الأثر 30/1 ) .

ص: 61

القسم الثالث : التعذيب بجب الذكر

الحب : القطع .

والمجبوب : الخصي الذي استؤصل ذكره وخصيتاه .

والمرأة الجباء : التي لا أليتين لها ، وتسمي كذلك : رسحاء .

والبعير الأجب : الذي قطع سنامه .

واستعار النابغة الذبياني ، هذا الوصف للعيش ، فقال :

فإن يهلك أبو قابوس يهلك**** ربيع الناس والبلد الحرام

ونمسك بعده بذناب عيش**** أجب الظهر ليس له سنام

وكان التعذيب بجب الذكر ، يمارس ضد الأطفال الذين يؤسرون أو يخطفون ثم يجبون ، ليكونوا خدما في الحريم ، وليس هؤلاء موضوع بحثنا ، وإنما يقتصر بحثنا عمن عذب بهذا اللون من العذاب ، إنتقاما منه أو إيذاء له

وأول خبر بلغنا من هذا الباب ، ما حصل علي يسار الكواعب ، وكان يسار هذا ، عبدا لبعض رجال العرب ، وكان لمولاه بنات ، فجعل يتعرض لهن ، فقلت له : يا يسار ، إياك والتعرض لبنات الأحرار ، فأبي ، فلما أكثر ، واعدنه ليلا ، فأتاه ، وقد أعددن له موسي ، فلما خلا بهن ، قبضن عليه ، وجبين مذاكيره . ( الاغاني 334/9 والبصائر والذخائر 776/2/2 ) .

ص: 62

وكان لزنباع بن روح الجذامي ، غلام اسمه سندر ، فوجده يقبل جارية له ، فجبه ، وجدع أنفه ، وصلم أذنه ، فأتي سندر رسول الله صلوات الله عليه ، فأرسل الي زنباع ، وقال له : لا تحملوهم من العمل ما لا يطيقون ، وأطعموهم مما تأكلون ، وألبسوهم مما تلبسون ، فإن رضيتم فأمسكوا ، وإن كرهتم فبيعوا ، ولا تعذبوا خلق الله ، ومن مثل به ، أو أحرق بالنار ، فهو حر، وهو مولي الله ورسوله ، فأعتق سندر . ( خطط المقريزي 136/2 ).

وتسمع سليمان بن عبد الملك الأموي ، إلي رجل يتغني ، فأحضره وقال له : ما حملك علي الغناء وأنت بالقرب مني وبجانبي حرمي ، ثم أمر به فجب . ( التكملة 2).

وفي السنة 127 انتقضت حمص علي مروان الحمار الأموي ، فحصرها ، فطلبوا منه الأمان ، فأمنهم علي أن يمكنوه من أشخاص منهم رجل حبشي كان يشتم مروان، وكان يشد في ذكره ذكر حمار، ويقول: يا بني شليم ، يا أولاد كذا وكذا ، هذا لواؤ كم ، ولما تسلم الحبشي ، سلمه إلي بني شليم ، فقطعوا ذكره ، وجدعوا أنفه ، ومثلوا به . ( الطبري 7/ 327 ) وابن الأثير 333/5 ) .

وأمر الهادي ، بتعذيب غلام سندي ، بأفظع ما يمكن من العذاب ، وقتله من بعد ذلك ، وأن يطرد من مملكته كل سندي ، وسبب ذلك أن شريف من أولاد المهلب في المنصورة من بلاد السند، وجد زوجته مع غلامه السندي علي ريبة ، فجب ذكر الغلام ، فتحين الغلام الفرصة ، وأخذ غلامين ابنين لسيده ، وصعد بهما إلي أعلي مكان في داره ، وهدد سيده بأن يرمي بهما ، أو أن يجب ذكر نفسه ، كما جبه من قبل ، ووجد المهلبي أن لا محيض ، فجب ذكره أمام الغلام ، وعندئذ رمي الغلام بالطفلين ، فتقطعا ،

ص: 63

وقال : ما صنعت بنفسك ، مقابل ما صنعت بي ، وقتل الطفلين زيادة ، راجع القصة مفصلة في كتاب المحاسن والمساويء للبيهقي 210 و211 وفي مروج الذهب 258/2 .

ولما قدم بدر الجمالي إلي القاهرة في السنة 266 فر ابن أخي ابن المدبر، وهو عبد الله بن يحيي بن المدبر، في زي المكدين ، وكان متزوجة بإحدي بنات نزار بن الخليفة المستنصر ، فاعتقل ، وقطع ذكره ، ووضع في فيه ، ثم قتل . ( النجوم الزاهرة 22/5 ).

وكان الأتابك عماد الدين زنكي ، شديد الغيرة علي نساء الأجناد ، ويعتبر التعرض لهن ، من الذنوب التي لا تغتفر ، وكان يقول : إن جندي لا يفارقونني في أسفاري ، وقلما يقيمون عند أهلهم ، فعلينا أن نمنع من التعرض لحرمهم ، وبلغه أن الدزدار الذي أقامه بقلعة الجزيرة ، واسمه حسن البربطي ، يتعرض لحرم الأجناد فيها ، فأمر حاجبه صلاح الدين الباغسياني ، أن يسير مجد ، وأن يدخل الجزيرة ، فإذا دخلها أخذ البربطي ، وقطع ذكره ، وقلع عينيه ، وصلبه ، فلم يشعر البربطي ، إلا وقد وصل الباغسياني البلد ، فخرج إلي لقائه ، فأكرمه ، ودخل معه البلد ، وقال له : المولي أتابك يسلم عليك ، ويريد أن يعلي قدرك ، ويرفع من منزلتك ، ويسلم اليك قلعة حلب ، ويوليك جميع البلاد الشامية ، فتتجهز، وتحدر أموالك إلي الموصل ، ففرح ، وجمع كل أمواله، ووضعها في السفن ليحدرها إلي الموصل ، فحين فرغ من جميع ذلك ، أخذه ، ونفذ فيه ما أمر به الأتابك ( اعلام النبلاء 516/1 ).

ولما حصر الافرنج حلب ، في السنة 518 ، كانوا إذا ظفروا بأحد المسلمين ، قطعوا يديه ومذاكيره ( اعلام النبلاء 457/1 ) .

وفي السنة 520 قتل صاحب الموصل قسيم الدين آفسنقر البرسقي ،

ص: 64

قتله الباطنية عندما كان يصلي في الجامع ، وبعد البحث ذكر أن هؤلاء القتلة كانوا يجلسون عند إسكان بالموصل فطولب بأن يقر علي الباطنية ، ثم قطعت يداه ورجلاه وذكره ، ورجم بالحجارة ، فمات . ( ابن الأثير 635/10 ).

وفي السنة 542 توفي صاحب قابس ، فاستولي علي البلد مولي له إسمه يوسف ، وكاتب رجار الصقلي ، وأطاعه ، وسير له رجار خلعة وعهدأ ، فحاصر الحسن صاحب إفريقية ، قابس ، وثار أهل البلدة بيوسف ، وتسلم الحسن البلد ، وأخذ يوسف أسيرة ، فعذب أنواع العذاب ، وقطعوا ذكره ، وجعلوه في فمه . ( ابن الأثير 120/11 ).

وفي السنة 600 أخذ معلم يعرف بيحيي بن أبي سعد البصري ، وحبس بحجرة باب النوبي ، ثم أخرج إلي ظاهر الباب ، وأحضر جميع المعلمين بمدينة السلام ، وجب ذكره بمشهد من الجميع ، وحمل إلي المارستان ، وسبب ذلك أنه لاط بصبي كان عنده يعلمه الخط . ( الجامع المختصر 121 ).

وفي السنة 754 توفي محمد بن محمد بن محمد الغرناطي الأندلسي ، استقر مؤذنة بالحرم الشريف بالمدينة ، وكان في بداية أمره قد جب مذاكيره ، ثم ندم علي ذلك لانقطاع نسله فلما مات وجدوا له مالا طائلا ، وتوفي وله إحدي وثمانون سنة ( الدرر الكامنة 355/4 ) .

أقول : قصة هذا الرجل داخلة ضمن بحثنا في العذاب بقطع الذكر ، وان كان هو الذي صنع بنفسه ما صنع .

وفي السنة 1231 تعلق في القاهرة شخص عسكري ، بغلام من أولاد البلد ، وأراد أن يرتكب منه الفاحشة في الطريق ، فخادعه الغلام ، وقال له : إن كان ولا بد، فأدخل بنا إلي مكان لا يرانا فيه أحد، فدخل معه إلي درب حلب ، حيث دور الأمراء التي أصبحت خرائب ، وحل العسكري

ص: 65

سراويله ، فقال له الغلام : ارني « بتاعك ، فلعله يكون عظيما لا أتحمله جمعه ، وقبض عليه ، وكان بيده موسي مخفية في يده الأخري ، فقطع ذكره بتلك الموسي سريعا ، وسقط العسكري مغشيا عليه ، وتركه الغلام ، وذهب في طريقه ، وحضر رفقاء العسكري ، وحملوه ، وأحضروا له سليما الجرائحي ، فقطع ما بقي من مذاكيره ، وأخذ في معالجته ومداواته ، ولم يمت ( الجبرتي 516/3 ) .

ص: 66

الفصل الثاني : التعذيب بالتعرض للدبر

اشارة

ص: 67

ص: 68

القسم الأول : التعذيب بالخوزقة
اشارة

الخزق : إقحام الشيء الصلب .

والخازق : سنان الرمح .

والمخزقة : الحربة .

والخازوق : وتد طويل محدد الرأس ، يسميه البغداديون : قازوغ ، والبغدادي ، إذا ضايق خصمه أو أحرجه ، يكني عن ذلك بقوله : قوغته ، أي أقعدته علي القازوغ.

وقد استعمل الوتد في التعذيب ، في ألوان عدة ، فأستعمله المنصور العباسي ، بأن دقه في عيني مطير بن عبد الله ، لما غضب عليه ( المحاسن والمساويء 138/2 ) واستعمله الأمير خاير بك الجركسي ، بأن كان يشك الرجل به من أضلاعه ، ويسميه « شك الباذنجان ( إعلام النبلاء 433/5 ) وكان أهالي الماليبار يستعملونه في تعذيب السارق ، بأن يمدونه علي لوح من الخشب ، فيه وتد ناتيء يدخل في بطنه ، ويخرج من ظهره ( مهذب رحلة ابن بطوطة 2/ 180)، وروي أن السلطان غياث الدين محمد بن تغلق ، سلطان الهند ، اتهم المهردار الملك كافور ، فأمر ، فضرب له عمود في الأرض محدد الطرف ، وركز في عنقه ، حتي خرج طرفه من جنبه ( مهذب رحلة ابن بطوطة 50/2)

ص: 69

أما الخوزقة ، بإقعاد الإنسان علي الخازوق، فإن هذا اللون من التعذيب متأخر ، ولم تقتصر ممارسته ضد الذكور من المعذبين ، وإنما عذبت به المرأة أيضا .

ففي السنة 480 قبض علي تركي أخذ صبيا ، فأدخل في دبره دبوسة ، فمات ، فأخذ التركي ، وصلب . (( المنتظم 37/9 ).

وفي السنة 666 قتلت امرأة ببغداد اسمها عروس خاتون ، كانت زوجة بعض أصحاب توكال بخشي شحنة بغداد ، اسمه حسين أغا، وسبب ذلك ، إنها هويت غلاما أمرد مليحا ، فلما عرف بذلك أرادوا قتله ، فأبي الشحنة ، وقال : يقتلان جميعا ، أو يستبقيان بعد أخذ الحد منهما ، فأخرج الغلام إلي ظاهر السور ، وضرب له وتد في الأرض ، وأقعد عليه فمات ، ثم قدم المرأة وقتلها بيده وهو يبكي أسفا عليها ( الحوادث الجامعة 361) .

وفي السنة 702 قتل في وقعة شقحب ، الأمير سيف الدين ايدمر القشاش ، وكان قاسيا علي أهل الفساد ، ومن ألوان العذاب التي كان يعذب بها الناس أنه كان يغرس خازوقة في الأرض ، ويجعل محدده قائما ، وبجانبه صاري كبير يعلق فيه الرجل ، ثم يرسله فيسقط علي الخازوق ، فيدخل فيه ويخرج من بدنه . ( النجوم الزاهرة 205/8 ).

وكان من جملة مظالم الأمير يشبك الدوادار ، في السنة 874 في صعيد مصر ، أن أقعد علي الخازوق ، جماعة من العربان ( بدائع الزهور 116/2)

وفي السنة 902 قتل القاضي شمس الدين بن الزلق ، بدمشق ، قتلته سرتاه ، بتحريض من الدوادار ، وأمير آخور ، واستدار ( استاذ دار ) الحاجب تمر بغا ، فأخذ الجميع وخوزقوا ، خلا الجارية الصغري ، فإنها غرقت ، لأنها كانت حبلي ( قضاة دمشق 182).

ص: 70

وكان الأمير خاير بك ، المتوفي سنة 928 كافي حلب للسلطان الغوري ، ثم نائب مصر للسلطان سليم العثماني ، طالما ، قاسية ، قتل ما لا يحصي من الخلائق ، وشنق رجلا علي عود خيار شنبر ، وشنق جماعة كثيرة من الناس ، ووسط ، وخوزق ، واقترح لهم أشياء في عذابهم ، فكان يخوزقهم في أضلاعهم ، ويسميه شك الباذنجان ، وقتل بمصر أكثر من عشرة آلاف رجل ، راح أغلبهم ظلما ( اعلام النبلاء 433/5 ) .

وعاقب ملك الأمراء ، نائب السلطان بمصر ، فتي سرق ثورة ، بأن أمر به فقطع أنفه ، وأذنه ، وأشهر علي الثور المسروق ، ثم قتله بإقعاده علي الخازوق . ( بدائع الزهور 358/5 ).

وفي السنة 1017 تولي الحكم بدمشق سنان باشا ، المعروف بكجك سنان لقصره ، وحارب السكبانية المتفقين مع عرب المفارجة ، فقتل منهم نحو ثلثمائة ، وأمسك منهم نحو خمسين رجلا ، دخل بهم إلي دمشق راكبين الجمال ، وعلي كتف كل واحد منهم خشبة طويلة ، هي خازوق له ، وفي اليوم الثاني ، أتلفوهم بالخازوق ، وفرقوا أجسادهم علي المحلات بدمشق ، وكان أحدهم أقرع أشقر ، لما ضرب الخازوق في بدنه ، كان يطلب الماء فلا يسقي ، ثم إنه في الليل هرب من الخازوق ، ومشي من تحت القلعة إلي أن دخل في سوق برا ، فوجد في الصباح ميتا ، وهو إلي القبلة ، وما علم الناس كيف نزل عن الخازوق ، مع أنه مربوط اليدين ، موثق الرجلين . ( تراجم الأعيان 233/2 وخطط الشام 255/2 ).

وفي السنة 1098 كان والي حماة ، إذا غضب علي شخص أمر به فأعدم بإقعاده علي الخازوق ( خطط الشام 2/ 277 ).

وفي السنة 1215 قتل سليمان الحلبي ، الجنرال كليبر قائد الجيش الفرنسي بمصر ، فحكمت عليه المحكمة العسكرية ، التي شكلت لمحاكمته

ص: 71

بالقاهرة ، بأن تحرق يده اليمني ، وأن يوضع علي الخازوق حتي يموت . ( الجبرتي 389/2 ) .

ومما يجدر ذكره، أن الفرنسيين احتفظوا بالهيكل العظمي لسليمان ، وعرضوه في متحف حديقة الحيوان والنبات بباريس ، كما احتفظوا بجمجمته في غرفة التشريح بمدرسة الطب بباريس ، كما أن الخنجر الذي استعمله في قتل الجنرال كليبر حفظ في مدينة كاركاسون بفرنسا . ( الاعلام 197/3 ).

وفي أيام الجزار (ت 1218) حصلت فتنة في بلاد بشارة ، فأرسل الجزار علي العصاة عسكر قتلوا منهم ما ينيف علي ثلثمائة رجل ، وأسروا عددا منهم ، فأحضروا إلي عكا، حيث جعلهم الجزار علي الأوتاد ( أي أقعدهم علي الخازوق ) وقتلهم ( خطط الشام 19/3 و 20 ).

وذكر الجبرتي ، أن كاشف الغربية، كان يخوزق الناس . (تاريخ الجبرتي 57/3 ).

وفي السنة 1230 خوزقوا شيخ عرب بلي ، فيما بين العزب والهايل ، بالديار المصرية ، بعد حبسه أربعة أشهر ( الجبرتي 476/3 ) .

وفي السنة 1231 تعرض بعض العيارين بالقاهرة ، القهوة الباشا بشبرا ، وسرقوا جميع ما بالنصبة من الأواني والبكارج والفناجين والظروف ، فأحضر الباشا بعض أرباب الدرك بتلك الناحية ، وألزمه بإحضار السراق والمسروق ، وإنه لا يقبل له عذرا في التأخير ، فاستهمله أياما ، ثم أحضر المسروق بأجمعه ، وأحضر خمسة أشخاص كانوا هم السراق ، فأمر الباشا بالسراق فخوزقوا في نواحي متفرقة ، بعد أن قرروهم علي أمثالهم وعرفوا عن أماكنهم ، وجمع منهم زيادة علي الخمسين ، وشنق الجميع في نواحي متفرقة بالأقاليم مثل القليوبية والغربية والمنوفية ( الجبرتي 515/3)

ص: 72

طرائف

أمر المتوكل العباسي ، بأن تدس في دبر نديمه ابن حمدون ، فجلة .

ذكر أن أبا إسحاق الأهوازي ، عابر الرؤيا ، حمل إلي المتوكل ، فلما أدخل عليه ، قال المتوكل النديمه ابن حمدون : اعبث به ، فقال له ابن حمدون : متي تعلمت العبارة ( أي تفسير الرؤيا ) ، فقال له : أنا معبر ، قبل أن تكون مضحكة ، قال : فما تقول في رؤ يا رأيتها ؟ قال : وما هي ؟ قال : رأيت كأن أمير المؤمنين حملني علي فرس أشهب أخضر الذنب ، قال : إن صدقت رؤياك ، فإن أمير المؤمنين يأمر بأن يدخل في أستك فجلة ، فيغيب أصلها الأبيض ، وتبقي الخضرة بين فخذيك ، فضحك المتوكل ، وقال : صدقت رؤياك يا ابن حمدون ، هاتوا فجلة ، فقال له : يا أمير المؤمنين ، أنت أمرتني ، قال : ولكنك رأيت الرؤيا قبل أمري لك ، وأمر بأن يفعل به ذاك ، ففعل ( الهفوات النادرة 230 و231 ) .

ورفع إلي القاضي عبد المعطي بن محمد الريشي ، نائب القاضي الحنفي بالقاهرة (ت 833 ) شاب آتهم بأنه فسق بصبي ، فأمر من بحضرته من الفعلة أن يفسقوا به ، قصاصا بزعمه لما صنع ( الضوء اللامع 82/5 ).

وجاءت امرأة إلي أبي العطوف القاضي بفتي ، فقالت : إن هذا آفتض ابنتي ، فقال للرجل : أفعلت ؟ قال : نعم ، قال : ولم ؟ قال : لاعبتني امرة

ص: 73

مطاعة ، فقمرتني ، فأدخلت في آستي مدقة الهاون، ولاعبتها ، فقمرتها ، فافتضضتها ، فقال أبو العطوف : يا هذه ، إن الذي أدخلت ابنتك في است هذا ، أشد مما أدخل هذا في حر ابنتك . ( البصائر والذخائر 233/4 ).

ويتندر البغداديون ، بقصة فتي تدهدي من أعلي السلم ، وكان في أسفل السلم إبريق ، فدخلت البلبلة فيه ، فقال : الحمد لله ، فقيل له : علي م تحمد الله ؟ فقال : أحمده لأن البلبلة صادفت ثقب فدخلت فيه ، ولو أنها صادفت بطني أو صدري لخرقته وقتلتني .

ص: 74

القسم الثاني : التعرض للدبر بألوان أخري من العذاب

وثمة ألوان أخري من العذاب ، حصل فيها التعرض للدبر ، منها ما صنعه عمر بن هبيرة ، أمير العراقين ، بسعيد الحرشي ، عامله علي خراسان ، لما عزله عنها ، فإنه نفخ في دبره النمل ( العيون والحدائق 84/3 والحيوان للجاحظ 33/4).

أقول : كان عمر بن هبيرة أمير العراق ، بعث في السنة 104 جميل بن عمران إلي خراسان ، لينظر في الدواوين ، فقيل للحرشي عامل خراسان : ما قدم جميل لينظر في الدواوين ، وانما قدم ليتعرف أخبارك ، فسم الحرشي بطيخة ، وبعث بها إلي جميل ، فأكلها ومرض ، وتساقط شعره ، وعاد إلي ابن هبيرة ، فعولج ، وصح ، وقال لابن هبيرة : إن الحرشي لا يري إلا أنك عامل من عماله ، فغضب ابن هبيرة ، وعزل الحرشي ، وأحضره ، واعتقله ، وعذبه بأن نفخ في دبره النمل ، ولما ورد خالد القسري عام في العراق ، وحبس ابن هبيرة ، وفر من حبسه ، بعث خالد سعيد الحرشي في طلبه ، فادر كه قبل أن يقطع الفرات ، فقال لعمر بن هبيرة : يا أبا المثني ، ما ظنك بي ؟ قال : ظني بك أنك لا تدفع رجلا من قومك ، فقال له : هو ذاك ، فالنجاء ، وتركه ، وعاد عنه ( الطبري 15/7 و 17 ).

وفي السنة 106 كانت الوقعة بين المصرية واليمانية ، في أرض بلخ ،

ص: 75

وانتصر المضرية ، فقال لهم أحد قوادهم : لا تقتلوا الأسري ، بل جردوهم ، وجوبوا ( اكشفوا ) سراويلاتهم عن أدبارهم ، ففعلوا . ( الطبري 32/7 ).

وفي السنة 251 حاصر أبو أحمد ( الأمير الموفق العباسي ) وجند الأتراك ، بغداد ، وفيها المستعين ، وأميرها محمد بن عبد الله بن طاهر ، وكان علي السور بباب الشماسية ( الصليخ ) من الرماة جماعة ، فكان مغربي يجيء حتي يقرب من الباب ، ثم يكشف استه ، ثم يضرط ويصيح ، فحرر عليه أحد الرماة سهما ، فأنفذه في دبره ، فقتله ( الطبري 305/9 ) .

ومارس هذا اللون من العذاب ، المعتضد مع أحد اللصوص ، إذ أحتال عليه بكل حيلة ، وعذبه ألوان العذاب ، فلم يقر بالسرقة ، ثم احتال عليه بحيلة أخري فأقر ، وهو لا يعي ، وأرشد إلي موضع المسروق ، فأمر المعتضد به ، فشد يداه ورجلاه ، وأمر بمنفاخ فنفخ في دبره ، وحشي قطنا في أذنيه ، وفمه ، وخيشومه ، وظل ينفخ فيه حتي أصبح كالزق المنفوخ ، وورمت سائر أعضائه ، حتي كاد أن ينشق ، ثم أمر ففصد له عرقان فوق الجبين ، فخرجت الريح منهما مع الدم ، إلي أن خمد وتلف ، راجع تفصيل القصة في مروج الذهب 507/2 -509)

وفي السنة 489 علب الملك رضوان ، في حلب ، بركات بن فارس الفوعي ، بأن نفخ في دبره بالكير . ( اعلام النبلاء 375/1 ) .

وفي السنة 510 أقطع السلطان محمد، الأمير جاولي سقاوو ، بلاد فارس ، فحاصر أبا سعد بن مما في قلعته بمنطقة كازرون ، وكانت حصينة ، فأقام عليها سنتين ، ولم يظفر ، فبعث إلي أبي سعد رسولا ، فقتل أبو سعد الرسول ، فبعث إليه جماعة من الصوفية ، فأطعمهم أبو سعد الهريسة والقطائف ، ثم أمر بهم ، فخبطت أدبارهم ، وألقوا في الشمس ، فهلكوا . ( ابن الأثير 518/10)

ص: 76

وفي السنة 693 لما تأمر بعض الأمراء بمصر ، علي السلطان الملك الأشرف خليل ، وضربوه بالسيوف ، جاء سيف الدين بيدرا رأس نوبه ، وأدخل فيه السيف من أسفله وشقه إلي حلقه . ( فوات الوفيات 407/1 ) .

ص: 77

ص: 78

الباب التاسع : التعذيب بالتعرض للجوارح

اشارة

الجرح والاحتراج : الكسب .

والجوارح : أعضاء الإنسان ، سميت جوارح ، لأنه يجترحن الخير والشر ، أي يكسبنه .

وقد قسمنا هذا الباب المتعلق بالتعذيب بالتعرض للجوارح ، إلي فصلين :

الفصل الأول : التعرض للعين بالسمل .

الفصل الثاني : التعرض لبقية الجوارح ، وقسمناه الي ستة أقسام

القسم الأول : قطع الأطراف أي الأيدي والأرجل

القسم الثاني : سل اللسان .

القسم الثالث : جدع الأنف وصلم الأذن .

القسم الرابع : قلع الأضراس .

القسم الخامس : سل الأظافر

القسم السادس : خلع المفاصل .

ص: 79

ص: 80

الفصل الأول : السمل

السمل ، وقد يسمي : الكحل ، إزالة البصر من العين ، بآلة حادة ، أو بدواء كالكحل ، يوضع فيها ، وتربط عليه الأجفان .

وكان السمل من نصيب الطبقة العالية ، إذ كان مقصورة علي الخلفاء والملوك ، والوزراء ، والقواد ، والدعاة .

ولم يكن السمل معروفة في القرن الأول الهجري ، وندر أن مارسه أحد في القرن الثاني ، إذ لم يمارسه إلا أسد القسري ، ضد أحد الدعاة العباسيين ، كما مارسه مروان الحمار ، ضد يزيد بن خالد القسري ، بأن أحضره أمامه ، ومد أصابعه فاقتلع عينيه بيده ، ومارسه المنصور ضد شخص شتمه ، فأمر به فدقت الأوتاد في عينيه ، وضرب محمد بن عبد الله بن عمرو بن عثمان ، فأصاب السوط إحدي عينيه ، فسالت . فلما حل القرن الثالث أصبح السمل أسلوبا رسميا من أساليب التعذيب ، يمارسه المتغلبون ضد خصومهم السياسيين ، وأصبح صناعة معروفة ، بحيث أن الراضي لما أراد أن يسمل عمه القاهر ، أحضر طبيب ، وسأله « عمن يحسن أن يسمل»، فذكر له رجلا ، فأحضره ، وقام بالعمل المطلوب فيه .

ويتضح لنا من كتاب « البرق اليماني » أن السمل كان في القرن العاشر الهجري ، في اليمن ، يمارسه القائد المنتصر ، في أسراه ، إذ كانت خاتمة

ص: 81

الأسير ، واحدة من اثنتين ، أما القتل بقطع العنق ، وأما السمل ، وإن سلمان الريس ، أحد قواد العثمانيين ، لما دخل مدينة زبيد باليمن ، في السنة 933، علي أثر معركة أسر فيها جماعة من الجنود ، مع قائدهم ابن حمزة ، فكان يأمر بقتل البعض، وبسمل عيون البعض الآخر ، إلي أن سمل عيون طائفة كبيرة ، أولهم ابن حمزة ( البرق اليماني 51 و52).

وفي كتاب «سياحة في آسيا الوسطي » قص علينا مؤلفه ، وهو يهودي مجري ، سافر إلي آسيا الوسطي ، متنكرا باسم الحاج محمد رشيد افندي ، أن التعذيب بالسمل كان يمارسه حكام امارة خيوه في آسيا الوسطي ، بأن يطرح المعذب علي الأرض ، وقد ربطت يداه الي ظهره ، ثم تحض عيناه بالسكين أو الموسي ، راجع كتابنا موسوعة الكنايات العامية البغدادية ج 1 ص 575 و576.

وأول من مارس هذا اللون من العذاب ، أسد بن عبد الله القسري ، عامل خراسان لبني أمية ، إذ قبض في السنة 118 علي عمار بن يزيد ، الداعية العباسي ، الملقب بخداش ، فلما مثل بين يديه سأله عن حاله ، فأغلظ خداش له القول ، فأمر به فقطعت يده ، وقلع لسانه ، وسملت عينه ، ثم دفعه الي يحيي بن نعيم الشيباني عامل آمل ، فقتله وصلبه بأمل ( الطبري 109/7 وابن الأثير 197/5 ).

ومارس هذا اللون من العذاب من بعده ، مروان الحمار ، آخر الحكام الأمويين ، فقد أدخل عليه يزيد بن خالد القسري ، وكان قد حاربه قبل أن يلي الخلافة ، فلف مروان مندي” علي إصبعه ، ثم أدخلها في عين يزيد فقلعها ، واستخرج الحدقة ، ثم أدار يده فاستخرج الحدقة الأخري ( فوات الوفيات 127/4 ).

ومارس هذا اللون من العذاب ، عبد الملك بن قطن الفهري ، أمير

ص: 82

الأندلس ، إذ قبض علي زياد بن عمرو اللخمي ، وسمل عينيه ، وسبب ذلك : إن البربر حصروا كلثوم بن عياض القشيري ، بسبته، وكان معه ابن أخيه بلج ، وجند من أهل الشام ، حتي جاعوا ، واستغاثوا بوالي الأندلس عبد الملك ، فتقاعس عن نصرتهم ، لخوفه علي سلطانه منهم ، فأغاثهم زياد بن عمرو اللخمي بمركبين مشحونين ميرة ، وبلغ ذلك عبد الملك ، فأخذ زياد ، وضربه سبعمائة سوط ، وسمل عينيه ، ثم ضرب عنقه ، وصلبه ، وصلب علي يساره كلبأ ، وعبر بلج إلي الأندلس بجيشه ، وأسر عبد الملك في السنة 123 فصلبه بقرطبة ، وصلب علي يمينه خنزير ، وعلي يساره كلبا ( نفح الطيب 19/3 - 21) .

وكان داود بن علي العباسي ، يمثل بمن يعثر عليه من بني أمية ، يسمل العيون ويبقر البطون ، ويجدع الأنوف ، ويصلم الآذان ( شرح نهج البلاغة 156/7)

وجيء بني الحسن ، مغلولين ، إلي الربذة ، وأدخلوا علي أبي جعفر المنصور ، ومعهم العثماني محمد بن عبد الله بن عمرو بن عثمان بن عفان ، وأمه فاطمة بنت الحسين بن علي بن أبي طالب ، فأمر بالعثماني فضرب بالسياط ، فأخرج كأنه زنجي ، قد غيرت السياط لونه ، وأصاب سوط منها إحدي عينيه فسالت ( مقاتل الطالبيين 220 ).

ولما حمل إلي المنصور ، رأس محمد بن عبد الله بن الحسن ( النفس الزكية ) ، قال المنصور لمطير بن عبد الله : أما تشهد أن محمدا بايعني ؟ ، قال : أشهد بالله ، أنك أخبرتني بأن محمد خير بني هاشم ، وأنك بايعت له ، فقال له : يا ابن الزانية ، أنا قلت ذلك؟ قال : الزانية ولدتك ، قال : يا ابن الزانية الفاعلة ، أتدري ما تقول ؟ قال : التي تعني خير من أمك ، فأمر به ، فوتد في عينيه ، فما نطق . ( المحاسن والمساويء 138/2 ).

ص: 83

وفي السنة 182 سملت عينا ملك الروم قسطنطين بن ليون ( الطبري 269/8 والعيون والحدائق 301/3 ).

وكان أحمد عبد الله الخجستاني له غلام اسمه قتلغ ، وهو علي شرابه ، فسقاه يوما ، فرأي في الكون شيئا ، فأمر به فقلعت إحدي عينيه ، فأضمرها له، واتفق مع غلام آخر اسمه رامجور ، علي قتله ، وقتلاه . ( ابن الأثير 303/7 ).

وكان القاهر ، محمد بن المعتضد، من اعظم الناس شرا ، وأقساهم قلب ، وكان يعامل الراضي معاملة سيئة ، فلما قبض عليه في السنة 322، كان يعرف ماله عند الراضي ، فعذب عذابا شديدا ، وخلع ، وأشار القائد سيما بسمله ، فاستحضر الراضي بختيشوع بن يحيي الطبيب ، وسأله عمن يحسن أن يسمل ، فذكر له رجلا، فأحضر ، وكحل القاهر بمسمار محمي دفعتين ، فسمل عينيه حتي سالتا جميعا علي خديه ( مروج الذهب 553/2 والتكملة 82 والمنتظم 265/6 وتاريخ الخلفاء 388 وتجارب الأمم 292/1 والعيون والحدائق ج 4 ق 2 ص 25).

وفي السنة 223 أوقع توفيل ملك الروم ، بأهل زبطرة ، فخرب بلدهم ، ومثل بهم ، فسمل أعينهم ، وقطع آذانهم وأنافهم ( العيون والحدائق 389/3 )

وفي السنة 327 حمل عبد الصمد بن المكتفي إلي دار الخلافة ، فذكر انه كحل في ليلته ، أي سملت عيناه ، وحمل إلي داره ميتأ . ( العيون والحدائق ج 4 ق 2 ص 79 ).

وفي السنة 331 ظفر ناصر الدولة بعدل البجكمي ، وكان قد عاث في بلاد ناصر الدولة ، فسمله ناصر الدولة ، وسيره وابنه الي بغداد ، فشهرا فيها . ( ابن الأثير 394/8 و395 ).

ص: 84

وفي السنة 331 تنازع الإمارة بالعراق ، القائدان التركيان توزون (طوسون ) وجخجخ ، ثم أستقر الحال علي أن يكون توزون أميرة ، وجخجخ صاحب الجيش ، وتصاهرا ، ثم بلغ توزون أن جخجخ بسبيل خيانته والإنحياز إلي البريدي ، فسار إليه جريدة في مائتي غلام ، وكبسه في فراشه ، فلما أحس به، ركب دابة بقميص ، وفي يده لت ، ودفع عن نفسه قليلا ، ثم أخذ، وحمل إلي توزون ، فحمله الي واسط ، وفي ثاني يوم وصوله سمله فأعماه ( ابن الأثير 397/8 و 398 ).

وفي السنة 333 قبض علي اسكورج الديلمي ، وسملت عيناه ، وكانت إليه شرطة بغداد في عهد المتقي ( العيون والحدائق ج 4 ق 2 ص 159).

وفي السنة 332 قلد ناصر الدولة الحمداني ، أبا عبد الله الحسين بن سعيد بن حمدان ، ( أخا الأمير أبي فراس الحمداني ) حلب وأعمالها ، وديار مضر والعواصم ، وما يفتحه من بلاد الشام ، فحارب أهل الرقة ، فدخلها عنوة ، وأسر أميرها محمد بن حبيب ، وسمل عينيه ( اعلام النبلاء 247/1 )

وفي السنة 333 وصل الخليفة المتقي ، إبراهيم بن جعفر المقتدر بالله ، إلي بغداد ، ونزل بالسندية ، فاستقبله أمير الأمراء توزون ، القائد التركي ، وترجل له ، وقبل الأرض بين يديه ، وأنزله في مضرب نفسه ، ثم سمله بحضرة علم ، قهرمانة المستكفي بالله ، وكانت قد رتبت معه ذلك ، ليكون المستكفي بالله ، خلفا له ، وكان الذي كحله ، اسمه سنيدي ، من أصحاب علم ، فلما كحل المتقي ، صاح ، وصاح النساء والخدم لصياحه ، فأمر توزون بضرب الدبادب حول المضرب ، فخفي الصراخ ، وحمل إلي الحضرة ، مسمول العينين ( الأوراق للصولي ، اخبار الراضي والمتقي 282 و283 والفخري 284 ومروج الذهب 575/2 و تاريخ الخلفاء 396 وتجارب الأمم 72/2 و 76 والمنتظم لابن الجوزي 338/6 و 339 ) .

ص: 85

أقول : كان هذا التصرف من توزون ، بعد أن أمن المتقي ، وحلف له أيمانا مؤكدة ، بمحضر من القضاة والعدول والعباسيين والطالبيين ومشايخ الكتاب ، فقد حلف بحضرتهم للمتقي ، وكتب بذلك كتابة ، وأحكم ، ووقعت فيه الشهادة من جميع من حضر علي توزون . ( تجارب الأمم 67/2)

وفي السنة 334 اتهم معز الدولة ، المستكفي ، بأنه يكاتب خصومه الحمدانيين ، فانحدر إلي دار الخلافة ، فسلم علي الخليفة المستكفي ، وقبل الأرض ، وقبل يد الخليفة ، وطرح له كرسي ، فجلس ، ثم تقدم رجلان من الديلم ، فمذا أيديهما إلي المستكفي ، فظن أنهما يريدان تقبيل يده ، فناولهما يده ، فجذباه ، فنكساه عن السرير ، ووضعا عمامته في عنقه ، وجراه، وحمل راجلا إلي دار مع الدولة ( وهي التي كانت دار مؤنس ) فأعتقل بها ، وخلع من الخلافة ، وسميت عيناه . ( المنتظم 343/6 وتاريخ الخلفاء 397 ومروج الذهب 15/2 والفخري 287).

وفي السنة 334 قبض علي علم قهرمانة المستكفي ، فسملت عيناها ، وقطع لسانها ( تجارب الأمم 2/ 100).

أقول : علم هذه ، اسمها الأول څن الشيرازية ( بحاء مضمومة وسين ساكنة ) وكانت جزلة ، ذات لسان ، تتكلم بالعربية والفارسية ، وهي التي سعت للمستكفي في الخلافة ، وكلمت بعض المتصلين بتوزون ، وجمعت بين المستكفي وتوزون ، إذ أخرجت المستكفي من دار ابن طاهر ، في زي امرأة ، فقام توزون بسمل المتقي ، واستخلاف المستكفي في السنة 333 ، فلما تمت الخلافة للمستكفي ، غيرت اسمها، وجعلته علم ( بعين ولام مفتوحين ) وصارت قهرمانة للمستكفي ، واستولت علي أمره كله ، واتخذت لها حاشية من شرار الناس ، ألبستهم سيوف ومناطق ، وصاروا حجابا في دار الخلافة ، وأخذت تتولي عرض الغلمان والحجاب والرجالة في دار الخلافة ،

ص: 86

وأخذ حاشيتها يكبسون التجار والمستورين ويسلبون أموال الناس ظلمة ، وفي السنة 334 مات توزون ، واستولي أبو الحسين أحمد بن بويه علي بغداد ، ودخل علي المستكفي فلقبه معز الدولة ، كما لقب أخويه عماد الدولة ، وركن الدولة ، واستحلف المستكفي معز الدولة لنفسه ، ولعلم قهرمانته ، ولأبي أحمد الشيرازي كاتبه ، وهو زوج ابنة علم ، ثم ان معز الدولة ارتاب في تصرفات علم ، وساء ظنه فيها، لأنها أخذت تقيم الولائم لقواد الديلم ، وتداخلهم ، فأتهمها بأنها تريد إفسادهم عليه ، وعلم بما سبق من جسارتها وإقدامها علي قلب الدول ، فخلع المستكفي ، وقبض علي علم هذه وسملت عيناها ، ثم قطع لسانها، راجع التفصيل في تجارب الأمم75/2 و85 و 86 و 100 .

وفي السنة 334 استعان أبو سالم ديسم بن إبراهيم الكردي ، بسيف الدولة الحمداني فأعانه ، فقصد مدينة سلماس ، وملكها ، وخطب بها لسيف الدولة ، وكان السلار المرزبان بن محمد غائبا بناحية باب الأبواب ، مشغو؟ بقوم خرجوا عليه هناك ، فلما عاد وأصلح أمره ، قصد ديسم ، فاستأمن رجال ديسم إلي سلار ، وفر ديسم فالتجأ إلي ابن الديراني صاحب ارمينية ، مستجير به ، فقبله ، ثم غدر به ، وقبض عليه وقيده ، وحمله إلي السلار ، فسمل عينيه ثم قتله ( تجارب الأمم 161/2 ).

وفي السنة 334 خلع الجند الساماني بنيسابور ، طاعة أميرهم نوح ، صاحب خراسان وما وراء النهر ، ورأسوا عليهم إبراهيم بن أحمد بن إسماعيل الساماني ، عم نوح ، وبعد معارك عدة ، تصالح إبراهيم ونوح ، ثم إن نوح آرتاب بعمه إبراهيم ، فقبض عليه وعلي أخويه محمدوأحمد، فسمل أعينهم ، وقتل طغان الحاجب ( ابن الأثير 459/8 - 461 و465) .

وفي السنة 335 أسر ناصر الدولة الحمداني ، تكين الشيرزادي القائد

ص: 87

التركي ، فسمل عينيه ، ثم أنفذه الي قلعة من قلاعه، فاعتقله بها ( تجارب الأمم 110/2 ).

وفي السنة 357 أصيب الأمير اليسع بن أبي علي بن ألياس ، في خوارزم ، برمد شديد فحمله الضجر ، علي أن قلع عينه الرمدة بيده ، وكان ذلك سبب هلاكه . ( ابن الأثير 585/8 - 587 ).

أقول : تذكرني هذه القصة ، بقصة مماثلة ، قصها علينا المستر ريج ، المقيم البريطاني ببغداد ، في أيام الوزير داود باشا ، فقد ذكر أنه زار عثمان باشا بابان في السليمانية ، فوجد عنده أحد الرؤساء ، بعين واحدة ، والأخري غائرة عليها أثر جرح بليغ ، وذكروا له إن الرجل ، وكان شديد الحدة ، وقعت علي عينه ذبابة ، فطردها ، فعادت ، وعاود الطرد ، فعاودت العودة ، ووالي طردها ، فوالت عودتها ، حتي ملأته غيظا ، فسل خنجره ، وطعن به عينه ، فسالت العين ، وفرت الذبابة .

وفي السنة 363 أصعد بختيار إلي الموصل، لمحاربة أبي تغلب الحمداني ، فارتفع عنه أبو تغلب ، واحتل بختيار الموصل، ثم تم الصلح بينهما، وأنحدر بختيار ، ودخل أبو تغلب الموصل، وظفر بجماعة ، كانوا مالوا إلي بختيار ، فسمل أعينهم ( تجارب الأمم 2/ 320) .

وفي السنة 366 اعتقل مؤيد الدولة البويهي ، وزيره أبا الفتح بن العميد ، وسمل عينه الواحدة ، ونگل به ، وجر لحيته ، وجدع أنفه ، وعذبه بأنواع العذاب إلي أن تلف ( معجم الأدباء 349/5 و 350 وابن الأثير 675/8)

أقول : كان أبو الفتح بن العميد الملقب بذي الكفايتين ( أي كفاية

ص: 88

السيف والقلم ) قد وژر بعد أبيه لركن الدولة البويهي ، ثم لولده مؤيد الدولة ، ونال الوزارة وهو ابن 22 سنة ، وقتل وهو ابن 29 سنة ، وسبب قتله انه تمكن من الدولة ، وسيطر علي الجند والقواد ، فخيفت عائلته ، فقبض عليه مؤيد الدولة ، وحمله إلي بعض القلاع ، ثم أنهض إليه من تكفل بتعذيبه ، فنگل به، وسملت عينه الواحدة ، وجرت لحيته ، وجدع أنفه ، وعذب بأنواع العذاب إلي أن تلف .

وفي السنة 367 بعث عضد الدولة إلي ابن عمه بختيار ، يطالبه بتسليم ابن بقية وزيره ، فسمله بختيار ثم بعث به إلي عضد الدولة ، وسمل معه صاحبة المعروف بابن الراعي ، وحمل ابن بقية مسمو" إلي عضد الدولة ، وكان ناز بالزعفرانية ( وهي منطقة جنوبي بغداد ، وما زال هذا اسمها) فأشهر في العسكر علي جمل ، ثم طرح إلي الفيلة ( تجارب الأمم 377/2 و 380) .

وفي السنة 370 قتل نقفور ملك الروم ، وسملت عين أخيه لاون ( ذيل تجارب الأمم 13).

وفي السنة 376 اصطلح الأخوان صمصام الدولة وشرف الدولة ولدا عضد الدولة البويهي ، ثم مال العسكر إلي شرف الدولة ، فانحدر صمصام الدولة إلي أخيه راضية بما يعامله به ، فلما وصل إليه ، قبل الأرض بين يديه ثلاث دفعات ، ثم قبل يده ، فقال له أخوه : تمضي وتغير ثيابك ، وتتودع من تعبك ، وحمل إلي خيمة وخركاه قد ضربا له من دون سرادق ، ثم أمر به فحمل إلي إحدي القلاع ، ومرض شرف الدولة في السنة 379 ، فألح تحرير الخادم علي شرف الدولة في قتل أخيه صمصام الدولة ، فأبي ، فألح عليه أن يسمل عينيه ، فأنفذ فراشأ اسمه محمد لسمل عيني صمصام الدولة ، وأعطاه « شيئأ » أمره أن يكحله به ثلاثة أيام ، وأن يشد عليه عينيه ، وكان

ص: 89

الفراش في طريقه إلي صمصام الدولة لا توفي شرف الدولة ، ولكن أمره بسمل أخيه نقذ رغم موت الآمر ( ذيل تجارب الأمم 149- 150، والمنتظم 132/7 ، وابن الأثير 48/9 و61 وتاريخ الخلفاء 409).

وفي السنة 381 خلع الخليفة الطائع ، وأسلم إلي خلفه القادر بالله ، بعد أن سملت عيناه ، وقطعت قطعة من إحدي أذنيه ، ولما تسلمه القادر بالله ، تقدم بجدع أنفه ، فقطع يسير من مارن أنفه ، مع ما كان قطع أو من أذنه ، وتوفي الطائع في السنة 393 . ( شذرات الذهب 143/3 ).

أقول : لم يرد في الكامل لابن الأثير 79/9 - 82، وفي تجارب الأمم 201/2 - 208 أي ذكر لسمل الطائع ، أو لقطع أذنه ، أو جدع أنفه ، إلا أني وجدت في المنتظم 158/7 أن الخلافة لما تقررت للقادر ، وكان لاجئ في البطيحة خوفا من الطائع ، أنفذ إليه مع الرسل قطعة من أذن الطائع ، راجع تعليقي علي هذا الخبر في حاشية القصة 108/7 من كتاب نشوار المحاضرة وأخبار المذاكرة للقاضي التنوخي ج 7 ص 281.

وفي السنة 389 تامر قائدان سامانيان ، هما بكتوزون وفائق ، علي أميرهما منصور بن نوح الساماني ، صاحب بخاري وما وراء النهر ، فخلعاه ، وسملا عينيه ، فعمي، وأقاما مقامه أخاه عبد الملك ، وهو صبي صغير ( ابن الأثير 145/9 ).

أقول : ذكر صاحب معجم أنساب الأسرات الحاكمة ( ص 292) إن السمل حصل في السنة 386 وإن الذي قام به هو الأمير أبو الفوارس بكتوزون.

وفي السنة 392 تامر أبو عبد الله الحيري ، كاتب الحسن بن المسيب ، وهو من شرار الخلق ، علي أبي الحسين بن شهرويه ، كاتب قرواش ، وأبي عبد الله المستخرج ، وكيل قرواش ، فقتلهما ، وقتل كثيرا من

ص: 90

الناس غيرهما، وسم سيده الحسن ، فأغروا به مرح ، أخا الحسن بن المسيب ، الذي خلفه في ضمان الموصل، فقبض عليه ، وسمل عينيه ، فمات ، فلما دفن ، نبش أهل الموصل قبره ، وأحرقوه لسوء معاملته لهم ، وما قدمه من القبيح إليهم ( تاريخ الصابي 444/8 - 446) .

وفي السنة 392 قبض عميد الجيوش بواسط علي أبي القاسم بن العاجز ، وأمر به فسملت عيناه ، ثم قطعت عنقه ، وطيف برأسه في جانبي مدينة السلام ( تاريخ الصابي 442/8 ) .

وفي السنة 398 كثرت العملات ببغداد ، وكبس الذعار عدة مواضع ، وقصد قوم منهم مسجد براثا ليلة الجمعة ، وأخذوا حصره ، وستوره ، وقناديله ، فجد أصحاب الشرطة في طلبهم ، فظفروا ببعضهم ، فشهر وا ، وكحلوا ، وقطعوا ( المنتظم . / 237 ).

وفي السنة 411 ملك مشرف الدولة أبو علي بن بهاء الدولة البويهي ، العراق ، وكان الجند قد شغبوا علي سلطان الدولة ببغداد ، وأرادوا أن يبايعوا أخاه مشرف الدولة ، فأراد سلطان الدولة أن يعتقله ، فلم يتمكن ، وانحدر إلي واسط ، ونصب أخاه مشرف الدولة نائبا عنه ببغداد ، فلما وصل سلطان الدولة الي تستر ، استوزر ابن سهلان ، وكان قد وعد أخاه مشرف الدولة أن لا يستوزره ، فاستوحش منه مشرف الدولة ، وقطع خطبته بالعراق ، فسير إليه جيشة بقيادة ابن سهلان ، فالتقي الجيشان بواسط ، وكان النصر لمشرف الدولة، وقبض علي ابن سهلان ، فكحله وأعماه ( ابن الأثير 317/9 و 318) .

وفي السنة 421 توقي السلطان يمين الدولة محمود بن سبكتكين ، وأوصي بالملك لابنه محمد، وكان أصغر سنا من أخيه مسعود ، فطالب مسعود بالسلطنة ، وحارب أخاه محمدا وتسلطن في موضعه ، وسمل أخاه وحبسه (ابن الأثير 398/9 - 400 و485 والوافي بالوفيات 8/5 ) .

ص: 91

أقول : جاء في معجم الأنساب الأسرات الحاكمة ( ص 416) أن الأخوين محمد ومسعود توأمان .

وفي السنة 439 قبض الأكراد الكرية ، علي سرخاب أخي أبي الشوك ، لأنه أساء السيرة فيهم ، ووترهم ، وحملوه إلي إبراهيم ينال ، فقلع إحدي عينيه ( المنتظم 132/8 وابن الأثير 536/9 ).

وفي السنة 441 طلب السلطان طغرل بك من أخيه لأمه إبراهيم ينال بن يوسف أن يسلم إليه مدينة همدان ، فامتنع ، واتهم وزيره أبا علي بالسعي بينهما بالفساد ، فقبض عليه ، وأمر به فضرب بين يديه ، وسمل إحدي عينيه ، وقطع شفتيه . ( ابن الأثير 556/9 ) .

وكان الأمير ألطنطاش ، الذي استولي علي صرخد و بصري ، سمل عيني أخيه خطلخ ، ونفاه ، ولما عزل ألطنطاش وعاد إلي دمشق ، حاكمه خطلخ إلي الشرع ، وسملت عيناه قصاصأ ، فبقيا أعميين ( الوافي بالوفيات 369/9 )

ولما تسلطن ملكشاه ، خلفا لوالده ألب أرسلان ، حاربه عمه قاورد بك ، وأنكسر ، فأسره ملكشاه ، وخنقه ، وجمع أولاد عمه قاورد ، وصهره إبراهيم ينال ، وكحلهم بين يديه ، وقدم أولهم سلطان شاه إسحاق بن قاورد ، وهو أكبرهم ، وكان شابا كما بقل عذاره ، فأخذ إخوته الصغار ، واحدة بعد واحد، وجعل يضمهم إليه ، ويقبلهم ، ويقول لهم : هذا قضاء الله ، فلا تجزعوا ، فإن الموت يأتي علي جميع الناس ، وكحل ، وكحلوا ، فمات منهم اثنان ، وظل سلطان شاه معتقلا من السنة 465 في همدان ، ثم فر إلي كرمان ، وتملك هناك ، حتي مات في السنة 476 ( نكت الهميان 118).

ووجدت أن الصفدي ، صاحب نكت الهميان ، اشار إلي هذا الخبر في كتابه الوافي بالوفيات 421/8 اذ ذكر ان إسحاق بن قاورد بك ، لما سمل

ص: 92

هو واخوته ، اعتقل في همذان في السنة 465 ، وفي السنة 466 دبر سلطان شاه حيلة مع بعض الموكلين به ، فنقبوا له السقف ، وفر ومعه أخوه ، إلي كرمان ، وعاد إلي الحكم هناك مقام أبيه ، إلي أن توفي في السنة 476 فقصدت أمه السلطان ملكشاه بهدايا وألطاف ، فأكرمها ، وأقر أخا سلطان شاه في موضعه .

أقول : ورد اسم عم ملكشاه ، في نكت الهميان ( فاورت ) مصحفا ، كما ورد في الوافي بالوفيات ( فاورد بل) مصحف ايضأ ، والصحيح : قاورد بك ، وقد ورد اسمه في الكامل لابن الأثير ( قاورت ) وفي معجم زامباور ( قاورد ) ، وفي المعجم الذهبي : إن «قاورد » بالفارسية ، اسم لنوع من الحلوي ، وقاورد هذا ، أو قاورد بك ، أخو السلطان ألب أرسلان ، وكان حاكما علي كرمان منذ السنة 433 باسم السلطان عماد الدين قرا أرسلان قاورد بن داود ، فلما تسلطن أخوه السلطان عضد الدولة أبو شجاع محمد ألب أرسلان بن داود ، تحرك عليه في السنة 459 وأراد السلطنة لنفسه ، فسار إليه أخوه السلطان ألب أرسلان ، وحاربه ، فآنفل عسكر قاورد واستسلم إلي أخيه ، فعفا عنه أخوه ، وأعاده إلي مملكته ، وأكرمه إكرامة زائدة، وأقر قاورد في سلطنته علي كرمان ، فلما قتل ألب أرسلان في السنة 465 وبويع ولده ملكشاه بالسلطنة ، تحرك قاورد مجددا يريد السلطنة لنفسه ، وجرت المعركة بين جنده وجند ملكشاه ، فأنفل جيش قاورد ، وأحضر هو أسير أمام ملكشاه ، فأمر به فخنق ، وأقر كرمان بيد أولاده ، أي أولاد قاورد ، وفي المنتظم : إن ملكشاه لما أحضر أمامه عمه أسيرة، قال له : يا عم، أما تستحي من هذا الفعل، اطرحت وصية أخيك، وأظهرت الشماتة به، وقصدت ولده ، ثم أمر باعتقاله في همدان ، ولما وافاها ملكشاه ، أمر به فخنق ، ويظهر من معجم زامباور ، ما يؤيد ما جاء في تاريخ ابن الأثير ، بأن ملكشاه أقر حكم كرمان لأولاد عمه قاورد ، وقد جاء في معجم زامباور آن كرمان شاه ، خلف

ص: 93

أباه قاورد في حكم كرمان في السنة 466 ، ثم خلفه أخوه سلطان شاه بن قاورد في السنة 467 ثم خلفه أخوه توران شاه بن قاورد في السنة 477، وذكر ابن الأثير في الكامل : إن ملكشاه قصد بعسكره كرمان في السنة 472 فخرج إليه سلطانها سلطان شاه ، وهو ابن عم ملكشاه ، وتلقاه ، وهاداه ، وخدمه ، فأقره علي كرمان ، ولم أجد في جميع ما لدي من المراجع ، ما يؤيد ما جاء في نكت الهميان ، عن سمل عيون أولاد قاورد بك ، وعن اعتقال سلطان شاه ، ولا أدري من اين جاء صاحب نكت الهميان بهذا الخبر ، وقد أثبت ما قاله وما ناقضه ، والحكم للقاريء ، راجع ابن الأثير 53/10 ، 79، 115 ومعجم الاسرات الحاكمة لزمباور 333 و335 والمنتظم . 278/8 .

وفي السنة 490 خالف أمير أميران ، علي السلطان بركياروق ، فحاربه السلطان سنجر ، وأسره ، وسمل عينيه ( الكامل لابن الأثير 266/10 ) .

وفي السنة 491 عصي الأمير دولت شاه علي السلطان سنجر السلجوقي ، فحاربه ، وأسره سنجر ، فحبسه ، وكحله ( ابن الأثير 279/10)

وفي السنة 495 وقع الصلح بين السلطان بركياروق ، وأخيه السلطان محمد ولدي السلطان ملكشاه ، فنسب السلطان محمد ، للأمراء الذين كانوا معه ، ممن وافق علي الصلح ، وسعي فيه ، أنهم خامروا عليه ، فقتل الأمير بسمل ، وكحل الأمير إيتكين ( ابن الأثير 332/10 ).

وفي السنة 500 اقطع السلطان محمد، الأمير جاولي سقاوو ، الموصل ، وكان جاولي قد استولي علي البلاد التي بين خوزستان وفارس ، وأقام بها سنين ، وعمر قلاعها ، وأساء السيرة في أهلها ، وقطع أيديهم ، وجدع أنوفهم ، وسمل أعينهم ( ابن الأثير 422/10 ) .

ص: 94

وكان أبو البركات الأنصاري الدمشقي ، المعروف بابن البقلي ، قد ور الصاحب حمص، ثم بلغه إنه يكاتب صاحب دمشق ، فقبض عليه ، وكحله ، وتوفي أبو البركات سنة 517 ( النجوم الزاهرة 227/5 ) .

وفي السنة 474 ابن بهمنيار ، كاتب خمارتكين الشرابي ، علي الوزير نظام الملك ، وزير السلطان ملكشاه السلجوقي ، فقبض علي ابن بهمنيار ، وسمل . ( المنتظم 330/8 ).

وفي السنة 475 هلك أحمد بن سليمان بن محمد بن هود ، الملقب بالمقتدر بالله ، وكان أبوه قد قسم مملكته بين أولاده ، فاحتال أحمد علي ثلاثة من إخوته ، فاستولي علي ممالكهم ، واعتقلهم ، وسمل بعضهم ( الاعلام 128/1 و129 ).

وفي السنة 476 قتل سيد الرؤساء أبو المحاسن بن كمال الملك بن أبي الرضا ، وكان قد قرب من السلطان ملكشاه قربأ عظيمة ، وكان أبوه يكتب الطغراء ، فقال أبو المحاسن للسلطان : سلم إلي نظام الملك وأصحابه ، وأنا أسلم إليك منهم ألف ألف دينار ، فإنهم يأكلون الأموال ويقتطعون الأعمال ، فبلغ ذلك نظام الملك ، فعمل سماطأ عظيمأ ، وأقام عليه مماليكه ، وهم ألوف من الأتراك ، وأقام خيلهم ، وسلاحهم علي خيولهم ، فلما حضر السلطان قال له : إني خدمتك ، وخدمت أباك وجدك ، ولي حق خدمة ، وقد بلغك أني آخذ عشر أموالك ، وهذا صحيح ، أنا آخذه وأصرفه إلي هؤلاء الغلمان الذين جمعتهم لك ، وأصرفه أيضا إلي الصدقات والصلاة والوقوف التي يكون ذكرها ، وشكرها ، وأجرها لك ، وها أموالي ، وجميع ما أملكه ، بين يديك ، وأقنع أنا بمرقعة وزاوية ، فأمر السلطان بالقبض علي أبي المحاسن ، وحمل إلي قلعة ساوة ، وقورت عيناه بالسكين ، وحملت الي السلطان فتقدم بطرحها لكلب الصيد ( المنتظم 6/9 والكامل لابن الأثير 131/10)

ص: 95

وفي السنة 477 عصي الأمير تكش علي أخيه السلطان ملكشاه ، فقصده السلطان ، وأخذه ، وكان قد حلف له بالأيمان إنه لا يؤذيه ، ولا يناله منه مكروه ، فأفتاه بعض من حضر ، بأن يجعل الأمر إلي ولده أحمد، ففعل ذلك ، فأمر أحمد بكحله ( أي سمل عينيه ) فسملتا ، وأودع السجن ( ابن الأثير 138/10 ).

وفي السنة 508 لما استولي أرسلان شاه بن مسعود الغزنوي ، علي السلطنة ، قبض علي إخوته ، فقتل بعضأ منهم ، وسمل أعين البعض الآخر ( الكامل لابن الأثير 505/10)

وفي السنة 514 سمل السلطان محمود السلجوقي ، عين أخي دبيس بن صدقة صاحب الحلة ( الكامل لابن الأثير 600/10 ).

وفي السنة 515 عصي سليمان بن ايلغازي علي أبيه ، وتحضن بحلب ، وكان قد تجاوز العشرين من عمره ، حمله علي ذلك جماعة من أصحابه ، فسمع والده بالخبر ، فسار إليه مجدا ، فلما وصل إلي حلب ، خرج سليمان إليه معتذرة، فأمسك عنه ، وقبض علي من أغراه بذلك ، منهم أمير من الأمراء ، كان أرتق والد ايلغازي قد التقطه ورباه ، واسمه ناصر ، فقلع ايلغازي عينيه وقطع لسانه ، ومنهم انسان حموي من بيت قرناص كان قد رأسه ايلغازي علي أهل حلب ، فسمل عينيه ، وقطع يديه ورجليه ، فمات ( ابن الأثير 591/10 و 592 واعلام النبلاء 441/1 و 442) .

وفي السنة 521 تسلم القائد قتلغ آبه قلعة حلب ، فظهر منه جور علي الناس شديد ، وظلم عظيم ، ومد يده إلي أموال الناس ، ولا سيما التركات ، فإنه أخذها ، وكانت حلب قد أعطاها السلطان العماد الدين زنكي ، فاستنزل قتلغ آبه من القلعة ، وسلمه إلي رئيس البلد فضائل بن بديع ، فكحله ( سمل عينه ) ( ابن الأثير 650/10 ).

ص: 96

وفي السنة 551 مات خوارزم شاه آتسز، وخلفه ولده أرسلان ، فبدأ ملكه ، بأن قتل نفرا من أعمامه ، وسمل أخأ من اخوانه . ( الكامل لابن الأثير 209/11 ).

وذكر الأمير أسامة بن مرشد (ت 584 ) ، أنه زار القدس مرة ، مع الأمير معين الدين ، فجاء إليه شاب مسلم مسمول العينين ، كان يحتال علي الإفرنج ويقتلهم ، فأجروا محاكمته ، وكيفية ذلك ، بأن ملأوا له بتية عظيمة ماء ، وكتفوه ، ورموه في البتية ، وعندهم أنه إن كان بريئا غاص في الماء ، فيرفعوه عندئذ ، وان كان مذنب طفا فوق الماء ، ولما رموه في الماء ، حاول أن يغوص فلم يتمكن ، فوجب عليه حكمهم ، فسملوا عينيه ( الاعتبار 139 و140 ).

وذكر الفارس أسامة بن مرشد الكناني ، إن تانكارد صاحب أنطاكية ، أسر فتي كرديا من أصحاب أسامة ، في المعركة ، فعذبه أنواع العذاب ، وأراد أصحابه قلع عينه اليسري ، فقال : إقلعوا عينه اليمين ، حتي إذا حمل الترس استترت عينه اليسار ، فلا يعود يبصر شيئا ، فقلعوا عينه اليمين ، وافتداه والد أسامة بحصان أدهم من جياد الخيل . ( الاعتبار 66 67 ).

وفي السنة 556 قبض المؤيد، صاحب نيسابور ، علي السلطان محمود بن محمد السلجوقي ، وعلي ولده جلال الدين محمد ، فسمل أعينهما، وسجنهما ، فمات الأب ، ثم مات ولده بعده حزنا علي أبيه . الكامل لابن الأثير 273/11 ) .

وفي السنة 582 توفي طغان شاه ، صاحب نيسابور ، فقصد خوارزم شاه ، نيسابور ، وفتحها ، وأخذ سنجر شاه بن طغان شاه ، فتزوج خوارزم شاه بأمه ، وزوج سنجر شاه ، بابنته ، فماتت ، فزوجه بأخته ، ثم بلغه أنه يريد العودة لحكم نيسابور ، فسمله وأعماه ، وأبقاه عنده إلي أن مات في السنة 595 . ( ابن الأثير 380/11 ) .

ص: 97

وفي السنة 600 ملك الإفرنج مدينة القسطنطينية ، وأزالوا ملك الروم عنها، وكان ملك الروم تزوج أخت ملك الافرنج ، فرزق منها ولدا ، ثم وثب علي الملك أخ له ، فقبض عليه ، وسمل عينيه ( الجامع المختصر 123)

وفي السنة 602 لما توفي شهاب الدين الغوري ، كان الحسين بن خرميل والي هراة ، فحاول أن يستعين بخوارزم شاه ، ولكن أهل هراة كانوا مع غياث الدين الغوري ، وكان مدرس النظامية بهراة ، الفقيه علي بن عبد الخلاق بن زياد ، من أنصار الغورية ، فقال لابن خرميل : ينبغي أن تخطب للسلطان غياث الدين ، وتترك المغالطة ، فحقدها عليه ، ثم قبض عليه ، وسمل عينيه فأعماه ( ابن الأثير 228/12 ) .

وفي السنة 643 مات مسمول العينين يوسف بن هلال ، صهر محمد بن مردنيش صاحب بلنسية بالأندلس ، وكان قد عصي علي ابن مردنيش ، واستولي علي مرتلة ، وبعد حواث أسر يوسف بن هلال ، فأخذه ابن مردنيش إلي حصن مرئلة ، وطلب منه أن يأمر أصحابه بتسليمها ، فامتنع ، فأمر بنزع إحدي عينيه ، فنزعت عينه اليمني بعود ، ثم طلب منه ثانية أن يأمر أصحابه بتسليمها ، فعاود الإمتناع ، فأمر به ، فنزعت عينه اليسري أيضأ . ( الاعلام 337/9)

وفي السنة 659 دعا الأمير يحيي بن محمد السراجي ، من أشراف اليمن ، إلي نفسه ، في ناحية حصور ، باليمن ، وأطاعه أهل تلك الناحية ، فقاتله الأمير علم الدين سنجر ، فانهزم يحيي ، ولجأ إلي بلد بني فاهم ، فأمسكوه ، وسلموه إلي الأمير علم الدين ، فكحله في السنة 660 ، فعمي . ( العقود اللؤلؤية 137/1 والاعلام 209/9 ).

وفي السنة 715 لما توفي السلطان علاء الدين الخلجي ، سلطان

ص: 98

الهند ، خلفه ولده شهاب الدين عمر ، فأمر بإخوته الثلاثة ، أبي بكر خان ، وشادي خان ، وخضر خان ، فسملت أعينهم ، أما أخوه قطب الدين ، فاكتفي بسجنه ولم يسمله ، وفي السنة 719 تامر قطب الدين مع بعض الأمراء ، واعتقل أخاه شهاب الدين عمر ، وتسلطن مكانه ، ثم أمر بقتل إخوته جميعا ، فقتلوا ( مهذب رحلة ابن بطوطة52-38/2)

وفي السنة 718 قبض السلطان الناصر محمد بن قلاوون ، علي الأمير بهادر الإبراهيمي ، أمير الحاج لأنه جبن عن مواجهة الشريف حميضة ، وفي السنة 720 أمر به فسملت عيناه ، فذهب بصره ( الدرر الكامنة 31/2 ).

وسمل السلطان محمد بن تغلق ، سلطان الهند، أعين قاضي مدينة كول ، ومحتسبها ، لأنهما كانا في مجلس ذكر فيه أحد أعدائه بخير ، فلم يعترضا، (مهذب رحلة ابن بطوطة 92/2 ) .

وفي السنة 726 تحرك العوارين بزبيد، باليمن ، فتولي أمرهم الأمير الظاهر ، أمير زبيد ، وشنق طائفة منهم ، وكحل طائفة أخري ( العقود اللؤلؤية 42/2)

وفي السنة 733 أحضر الأمير سيف الدين تنكز ، نائب دمشق ، حاجب العرب علاء الدين علي بن مقلد ، وضربه بالمقارع ضربا شديدا مبرحا ، وكحله ، واعتقله ، فتكلم في السجن بما لا يليق ، فقطع لسانه ، ومات في الحبس . (نكت الهميان 219).

وفي السنة 740 اعتقل الأمير صارم الدين صاروخا المظفري ، بدمشق ، بأمر من السلطان الناصر محمد بن قلاوون ، ثم صدر مرسوم السلطان بمصر ، بكحله ، فكحل وعميت عيناه ( نكت الهميان 171 ).

أقول : جاء في الدرر الكامنة 296/2 إن الأمير صاروجا مات في السنة 743.

ص: 99

ولما قتل شاه محمد ، في طريق بغداد ، في السنة 837 جمع ولده شاه علي إخوانه ونساءه ونساء أبيه ، وعاد إلي إربل ، وفيها مرزه علي ، فاعتقله ، ففر من حبسه ، واستولي علي قلعة الكرخيني ، وأقام فيها ، فقصده عمه الأمير أسبان ، ففر منه إلي تبريز ، إلي عمه جهان شاه ، فلما وصل إليه ، اعتقله ، وسمل عينيه ، فظل بتبريز أعمي ( تاريخ الغياثي 200 ).

أقول : جاء في تاريخ العزاوي 3/ 90 : إن الشاه محمد بن الأمير إسكندر ، لما قتل ، تسلطن ولده شاه علي ، فأخذه الأمير أصبهان ( أسبان ) وكحله .

وفي السنة 852 قصد ألغ بيك بن شاہ رخ ، مدينة هراة ، وكان بها علاء الدولة بن بايسنقر بن شاہ رخ ، مع جدته كوهرشاد زوجة شاہ رخ ، فاستولي ألغ بيك علي هراة ، والتجأ علاء الدولة إلي أخيه بابر الذي أمر بسجنه ، ثم سمل عينيه في السنة 855 وتوفي علاء الدولة في السنة 865 ( تاريخ الغياثي 223 و 224 ).

وفي السنة 755 كان نائب السلطنة بحلب الأمير طاز بن قطناج ، فرام العصيان وجمع جموعا ، فخذله بعض الأمراء في حلب ، وعزله السلطان ، وطلبه إلي مصر ، فامتنع أولا ، وأذعن ثانية ، فلما جاوز دمشق في طريقه إلي مصر ، أدركه أخو نائب دمشق ، واعتقله ، وكحله ( سمل عينيه ) فعمي ، واعتقل بالكرك ( الدرر الكامنة 315/2 ).

وفي السنة 755 تملك محمد بن مظفر بن منصور ، فارس ، والعراق ، ويزد، وكرمان ، وأصبهان ، وصير لحكمه وجها شرعيا ، بأن أحضر شخصا عباسيا ، وقلده الخلافة ، ولقبه المعتضد بالله ، وجعله نائبا عنه في حكم المملكة ، ثم نصب ولده شاه شجاع وليا للعهد ، وفي السنة 760 قبض شاه شجاع علي والده ، وسمل عينيه ، واعتقله بقلعة سرمق من اعمال شيراز ( التاريخ الغياثي 147. 150 ) .

ص: 100

وقد ورد هذا الخبر في شذرات الذهب 297/6 فذكر إنه في السنة 706 ( الصحيح في السنة 760) اتفق الإخوة الخمسة شاه شجاع ، وشاه محمود ، وشاه ولي ، وأحمد، وأبو يزيد، علي أبيهم ( محمد بن مظفر) فاعتقلوه ، وسملوا عينيه فأعموه ، وحبسوه في قلعة من عمل شيراز ، وتولوا الحكم مكانه .

أقول : في السنة 787 مات شاه شجاع بن محمد بن مظفر اليزدي ، وكانت علته أنه لا يشبع ، فكان لا يسير إلا والمأكول علي البغال صحبته ، فلا يزال يأكل ، وكان مظفر جد شاه شجاع ، صاحب درك يزد و كرمان في أيام السلطان أبي سعيد بن خربندا ، ولما مات قام ولده محمد مقامه ، ولم يزل أمره يقوي حتي ملك كرمان ، انتزعها من شيخ بن محمود شاه ، وفر شيخ إلي شيراز ، فحاصره محمد بن مظفر بها، إلي أن ظفر به فقتله ، ولما مات أبو سعيد ، استقل محمد بملك العراق كله ، وكان له من الأولاد خمسة ، شاه ولي ، وشاه محمود ، وشاه شجاع ، وأحمد ، وأبو يزيد ، فاتفق هؤلاء علي والدهم ، فسملوا عينيه وسجنوه في قلعة من أعمال شيراز ، في السنة 760 وتولي شاه شجاع شيراز و كرمان و يزد ، وتولي شاه محمود أصبهان ، ومات شاه ولي ، وأستمر أحمد وأبو يزيد في كنف شاه شجاع ، ووقع الخلف بين شاه محمود وشاه شجاع ، فانتصر شاه شجاع ، ومات شاه محمود ، واستولي شاه شجاع علي أذربيجان ، انتزعها من أويس ، وكان شاه شجاع عالمة ، محبا للعلم والعلماء ، ينظم الشعر بالعربية والفارسية ويكتب الخط الفائق ، ولما مات أستقر ولده زين العابدين في الحكم من بعده ، إلي أن خرج عليه تيمورلنك فقتله وقتل أقاربه ( شذرات الذهب 297/6 )، وجاء في تاريخ الغياثي 158 - 160 و184 في مصير زين العابدين بن شاه شجاع ، إن تيمورلنك لما فتح في السنة 795 مدينة شيراز ، وقتل صاحبها شاه منصور بن شاه مظفر ، قتل جميع الحكام من آل مظفرما عدا ولدي شاه شجاع ، أولهما

ص: 101

شبلي ، وكان أبوه شاه شجاع قد سمل عينيه ، وثانيهما زين العابدين وكان ابن عمه شاه منصور قد سمل عينيه ، وأخذ تيمورلنك شبلي بن شاه شجاع ، وبعث به إلي سمرقند ، وعين له اقطاعا .

وحصلت معركة بين سلطان زين العابدين ، يعاونه آل مظفر ، وبين شاه منصور ، فانتصر شاه منصور ، وفر سلطان زين العابدين هاربا ، ولكنه اعتقل وأحضر أمام شاه منصور ، فكحله فأعماه ، وسجنه بقلعة سفيد ( التاريخ الغياثي 1160).

وسلط الله تيمورلنك علي شاه منصور ، فحاربه بقرب شيراز ، في موقعة أسفرت عن مقتل شاه منصور ، وجاءوا برأسه الي تيمور ( التاريخ الغياثي 164)

وأطلق تيمور السلطان زين العابدين من سجنه ، وأخرجه مكحولا ، وأنعم عليه ، ( التاريخ الغياثي 162).

وقال صاحب الدرر الكامنة ( 209/2 ) : أن زين العابدين بن شاه شجاع بن محمد بن مظفر اليزدي ، ملك شيراز بعد أبيه ، بعهد منه ، فوثب عليه ابن عمه شاه منصور واستولي علي شيراز ، وأسر زين العابدين ، وسمل عينيه ، ولما توجه تيمورلنك إلي شيراز ، وفتك بالذي استولي عليها ، خلص زين العابدين من الأسر ، وقرر له من الرواتب ما يكفيه .

وفي السنة 762 أفرج الملك المنصور محمد بن الناصر محمد بن قلاوون ، عن الأمير طاز اليوسفي ، وكان معتقلا بالإسكندرية ، وقد سبق للسلطان الملك الناصر حسن أن كحله ( سمل عينه ) ، فحضر طاز أمام السلطان ، وعلي عينيه شعرية ( غشاء أسود رقيق يغطي به وجه المرأة والأرمد ) . ( النجوم الزاهرة 4/11) .

وفي السنة 788 توفي أمير مكة أحمد بن عجلان ، فخلفه ولده

ص: 102

محمد ، وكان الأمير المتوقي ، قد حبس جماعة من أقربائه الاشراف ، إذ كانوا قد نفروا منه ، وتركوا مكة ، وخرجوا ، فتبعهم أخوه محمد بن عجلان ، وكفل لهم عن أخيه الرضا التام ، فعادوا معه ، فأمر الشريف أحمد بحبسهم ، فقال له أخوه : إني كفلت لهم عنك الرضا ، فلا تخيبني معهم ، فاما أن تطلقهم وترضي عنهم، واما أن تتركهم يخرجون من مكة ، فأبي ، فقال له أخوه : إذن فأحبسني معهم ، لأني أنا الذي أتيت بهم ، فحبسه معهم ، فأقاموا في الحبس ثلاث سنين ، فلما مات الشريف أحمد ، وخلفه ولده محمد، سمل أعينهم وهم في الحبس ، وسمل عين عمه محمد معهم كذلك ، وفي نفس السنة قتل الشريف محمد ، قتله أمير الحاج المصري لما بلغه ظلمه وتعديه ، فخلفه الشريف عنان بن مغامس أحد المساجين وكان قد فر من السجن ، وشارك في الحكم محمد بن عجلان ، الذي كحله ابن أخيه ( العقود اللؤلؤية 2/ 187 - 189).

وروي صاحب نزهة النفوس والابدان ص 139 هذه القصة بصورة أكثر اختصارة ، وأشد فجيعة ، فذكر أن الشريف أحمد بن عجلان ، شريف مكة ، توفي في السنة 788 فأقيم مكانه ولده محمد ، بأمرة عمه كبيش بن عجلان ، فكحل كبيش أعين جماعة من بني حسن ، وهم أحمد وحسن ابنا أخيه ثقبة ، ومحمد بن عجلان ، وابن أحمد بن ثقبة ، وكان عمره اثنتي عشرة سنة (نزهة النفوس والابدان 139).

وفي السنة 793 أخذ في مدينة تعز ، باليمن ، رجل من البهادرة ، ذكروا إنه ساحر ، وكان يتشبه بالمسلمين ، فسملت عيناه ، وقطعت يده . ( العقود اللؤلؤية 223/2 ) .

وفي السنة 799 خلع السلطان غياث الدين ، من ملوك البهمنيين بالدكن ، وسملت عيناه ، بعد أن مكث في الحكم شهرين اثنين ( انساب الاسرات الحاكمة 437) .

ص: 103

وفي السنة 802 حاول أحد اليمانيين أن يخرج من مدينة زبيد ، وكان الوالي قد منعه من مبارحتها ، فاتفق مع جمال ، علي أن يخرجه في محارة علي ظهر جمله ، فلما وصل به إلي باب المدينة ، أراد البوابون أن يختبروا ما في المحارة ، فضربوا عليها بالحديد ، فتوجع الرجل وأن ، فلزموا الجمل، وأبركوه ، وأخرجوا الرجل ، وقدموه إلي الأمير ، فأمر الأمير به وبالجمال ، فسملت عيناهما معا . ( العقود اللؤلؤية 312/2 ) .

وفي السنة 872 قصد جهان شاه بن قرا يوسف بلاد حسن بيك ، فتحصن منه ، وظل مراقبأ له ، ثم إن جهان شاه « أعطي العسكر دستور ، وبقي هو وجماعة قليلة ، ليمضي وراءهم ، فأحس حسن بيك بقلة من معه ، ونزل إليه ، وصدمه صدمة عنيفة ، فركب جهان شاه وفر هاربا ، فصادفه أحد الغلمان ، فضربه بالسيف ، وقطع رأسه ، وحمله إلي حسن بيك ، فبعث به حسن بيك إلي مصر، وأسر حسن بيك ، ولدي جهان شاه وهما محمدي ميرزا ويوسف نويان ، فأمر بمحمدي ميرزا ، فقتل ، وأمر بيوسف نويان فسملت عيناه بقضبان ملتهبة ( تاريخ الغياثي 293 - 299 ) .

وذكر الغياثي في تاريخه 381 - 383 أنه علي أثر المعركة بين جهان شاه وحسن بيك ، وقتل جهان شاه ، أسر حسن بيك ولدي جهان شاه وهما محمدي ميرزا ويوسف نويان ، فقتل محمدي ميرزا ، وأخذ يوسف معه ، ولما حصر حسن بيك بغداد ، وامتنع التواجي بير محمد من تسليمها ، قيل لحسن بيك إن يوسف نويان أرسل إلي التواجي بير محمد يقول له : لا تسلم بغداد ، فإني هارب إليك ، وعندئذ أمر حسن بيك بسمل عيني يوسف نويان ، فأعماه ، ثم إن يوسف فر من حسن بيك إلي شيراز ، واستقر عند حاكمها كور بير علي بن علي شكر الذي جاهر حسن بيك بالعصيان ، فأرسل إليه حسن بيك جيشا قتل كوربير علي ويوسف نويان معا في السنة 874.

أقول : ذكر العزاوي رحمه الله في تاريخه ، تاريخ العراق بين احتلالين

ص: 104

178/3 إن المعركة بين شاه جهان وحسن بك الطويل حصلت في السنة 871 وان حسن بك ، قبض علي ولدي شاه جهان ، وهما محمدي ميرزا ويوسف ميرزا ، بعد قتل أبيهما ، فسمل أعينهما .

وفي السنة 894 سمل سلطان المغرب ، عين الأمير محمد بن سعد ، الملقب بالزغل، وألقاه في السجن حتي مات ، إذ نقم عليه ما صنع ، من تسليم القسم الذي كان تحت حكمه من مملكة غرناطة إلي الأسبان ، فأدي ذلك إلي ضياع غرناطة بأجمعها . ( محاكم التفتيش 14 و15 ).

وفي السنة 904 قبض سلطان مصر ، علي حرامي يقال له : ابن الوارث ، فقطع لسانه ، وكحل عينيه بالنار ، والطريف في الأمر ، أن ابن الوارث لم يكفت عن السرقة ، إذ قبض عليه بعد ذلك ، وعلي رأسه عملة ( مال مسروق ) ( بدائع الزهور 353/2 ) .

وفي السنة 950 هلك الحسن بن محمد الحفصي ، من الملوك الحفصيين بتونس ، وكان قد تسلطن بعد وفاة أبيه في السنة 932 ، فاستولي جيش السلطان سليم العثماني ، بقيادة خير الدين باشا علي تونس ، فحاربه الحسن ، فانكسر ، فاستعان بصاحب أسبانيا فأمده بأسطول ، فانتصر علي العثمانيين ، وطردهم من تونس ، ولكن تونس أصبحت تحت حكم الأسبان ، ثم انتقضت القيروان علي الحسن ، فخرج لإخضاعها ، فوثب علي الحكم بتونس ولده أحمد بن الحسن ، فاستعان الحسن عليه بالأسبان ، ولكن الظفر كان لأحمد بن الحسن ، فقبض علي أبيه ، وسمل عينيه ، فأعماه ، ففر منه وهو أعمي إلي القيروان ، فهلك فيها، أما أحمد فقد طرده الأتراك من تونس ، فرحل الي صقلية ومات بها . ( الاعلام 107/1 و 108 و 234/2 و235 ) .

وثار قمران بن بابر ، أكثر من مرة ، علي أخيه السلطان ناصر الدين

ص: 105

همايون بن السلطان ظهير الدين بابر ، سلطان الهند ، ( حكمه 937 - 962)، فاعتقله وسمل عينيه ، ونفاه إلي مكة . ( الاسلام والدول الإسلامية في الهند 56 ) .

وكان الحكيم شفائي ، الطبيب الخاص للشاه عباس ، شاه العجم (ت 1038) ونديمه ، وشاعره ، وكان عند الشاه بالمكانة المكينة ، ثم غضب عليه ، فحمي ميلا من الحديد ، وكحله به ، فأعماه ، وأبعده عن مجلسه ( خلاصة الأثر 269/2 ).

وفي السنة 1148 قام نادر شاه ، بعزل الشاه عباس الثالث ، وسمل عينيه ، وكان نادر شاه قد نصبه سلطان في السنة 1144 ثم خلعه وسمل عينيه ، حيث توفي في السنة 1149 ( معجم انساب الأسرات الحاكمة 388)

ولما قتل نادر شاه في السنة 1160 خلفه ابن أخيه علي قولي خان ، وتربع علي العرش باسم علي شاه ، وكان مستشاره أخوه ابراهيم ميرزاخان ، وفي السنة 1161 اختلفا وتحاربا ، فظفر إبراهيم ميرزاخان ، وقبض علي أخيه علي شاه فسمل عينيه ( تاريخ العراق للعزاوي 289/5 ) .

وفي السنة 1163 عزل شاه رخ حفيد نادر شاه ، عن العرش ، وسملت عيناه ، فعمي ( معجم انساب الاسرات الحاكمة 389)، ويذكر صاحب المعجم ان شاہ رخ أعيد إلي السلطنة في نفس السنة، ثم عزل، ثم أعيد إلي السلطنة في السنة 1168 وعزل في السنة 1210.

وفي السنة 1192 عين لولاية بغداد ، الوزير حسن باشا، والي كركوك ، فكتب إلي أحمد باشا والي بابان بأن يحضر لمعونته ، فبادر أحمد باشا لامتثال الأمر ، إلا أنه كان قد حبس أخاه محمد باشا في قلعة سروجك ،

ص: 106

فأشير عليه بقتله ، إلا أنه رق له واكتفي بسمل عينيه ، ثم بارح إلي بغداد . ( تاريخ العراق للعزواي 78/6 ) .

وفي السنة 1202 قتل حمزة كاشف المعروف بالدودار ، رجلا نصرانية روميأ صائغأ ، اتهمه مع زوجته ، فقبض عليه وعذبه أيامأ ، وقلع عينيه ، وأسنانه ، وجدع أنفه ، وقطع شفتيه وأطرافه حتي مات ، وأراد أن يقتل زوجته، فهربت ، والتجأت إلي الست نفيسة زوجة مراد بك ، فطلقها ( الجبرتي 52/2 ).

وفي السنة 1207 توفي تيمور شاه ، ملك الأفغان ، وخلفه ولده همايون شاه ، فنفس عليه أخوه زمان شاه الملك ، وحاربه ، فأنفل جيش همايون ، ثم عاد فجند جيشأ آخر ، وحارب أخاه زمان شاه ، فآنفل جيشه ثانية ، وفر إلي الملتان ، فأسره عامل الملتان ، وبعث به إلي أخيه زمان ، فسمل عينيه ، وحبسه ، ثم خرج عليه أخوه محمود بهراة ، وتحاربا ، فأنفل جيش محمود ، ولجأ إلي فتح علي شاه سلطان العجم ، ثم إلي شاه مراد صاحب بخاري ، ثم إلي خوارزم ، ثم عاد إلي شاه إيران ، فأعانه بجيش حارب به أخاه زمان شاه ، وانتصر محمود شاه ، وأسر أخاه زمان شاه ، فأمر به فسمل عينيه وحبسه ، ثم ثار الأفغانيون علي محمود شاه ، اتهموه بالميل إلي التشيع واعتقلوه ، وحبسوه ، وأخرجوا أخاه زمان شاه من السجن ، وسلطنوه ، وأحضروا أمامه أخاه محمود ، ليقتص منه ، فعفا عنه ، واكتفي بحبسه ، ثم فر محمود من السجن ، وسعي حتي عاد إلي السلطنة ، وأطلق لأخيه زمان شاه أن يسافر للحج ، فقصد مكة ، ومات في الحجاز في السنة 1222 ( اعيان القرن الثالث عشر 278 - 281 ).

وفي عهد محمود شاه بن تيمورشاه ، ملك الأفغان (1027 - 1246) توجه وزيره فتح محمد خان ، علي رأس جيش للاستيلاء علي خراسان ، فلم يوفق ، وانفل جيشه وعاد ، فكتب شاه إيران إلي ملك الأفغان يتهدده ، فرد

ص: 107

عليه محمود شاه يعتذر ، ويدعي أن الوزير صنع ذلك بدون موافقته ، فكتب إليه شاه إيران يطلب منه إما أن يبعث إليه بالوزير فتح محمد خان ، واما أن بسمل عينيه ، ويتهدده إن لم يفعل ذلك أن يهجم بجيشه علي بلاد الأفغان ، فأمر محمود شاه ، بوزيره فتح محمد خان فسملت عيناه ، فغضب أخوة فتح محمد خان ، وكانوا عشرين ، واتفقوا مع أخوة محمود شاه ، وكانوا إثنين وثلاثين، وخلعوا محمود شاه ، ونادوا بسلطنة شاه زاده أيوب ، واستولوا علي أكثر بلاد الأفغان ، بحيث لم يبق في يد محمود شاه غير هراة ( اعيان القرن الثالث عشر 282 و283).

ص: 108

الفصل الثاني : التعرض لبقية الجوارح

اشارة

ص: 109

ص: 110

القسم الأول : قطع الأطراف

التعذيب بقطع الأطراف ، كان متعارف منذ ابتداء العهد الأموي ، واول من مارسه معاوية بن أبي سفيان ، ضد خارجي حاول قتله ، إذ أن ثلاثة من الخوارج تعاهدوا علي قتل الامام علي ومعاوية وعمرو بن العاص ، وأقبل الذي تعهد بقتل معاوية ، واسمه النزال بن عامر ، فقام خلفه في الصلاة ، ووجاه في أليته بخنجر كان معه ، فأخذ، وأدخل عليه ، فقال له : ألم أقتلك يا عدو الله ؟ فقال معاوية : كلا يا ابن أخي ، وأمر به معاوية ، فقطعت يداه ورجلاه ، ونزع لسانه ، فمات ، ثم أمر فاتخذت المقاصير في الجوامع ( الأخبار الطوال 215) .

وفي السنة 50 توقي المغيرة بن شعبة ، أمير الكوفة لمعاوية ، فولاها زياد ، جمع له البصرة والكوفة ، وقدم زياد الكوفة ، فصعد المنبر ، فخطب ، فلما فرغ من الخطبة حصبوه وهو علي المنبر ، فجلس حتي أمسكوا ، ثم دعا قوما من خاضته ، وأمرهم بأخذ أبواب المسجد، ثم جلس علي كرسي بباب المسجد ، فدعاهم أربعة أربعة ، يحلفون بالله ، ما ما من حصبك ، فمن حلف خلاه ، ومن لم يحلف حبسه ناحية ، حتي صار إلي ثلاثين ( أو ثمانين ) فقطع أيديهم علي المكان ، ثم اتخذ من بعد ذلك المقصورة ( الطبري 235/5 و 236 وتاريخ الكوفة 43 ).

وكان عبد الله بن عمر بن غيلان ، عامل البصرة لمعاوية ، يخطب علي

ص: 111

المنبر ، فحصبه رجل من بني ضبة ، فأمر به فقطعت يده ( الطبري 299/5)

وأمر زياد بن أبيه ، عامل معاوية علي العراق ، بجويرية بن مسهر العبدي ، فقطعت يداه ورجلاه ، ثم صلبه بالكوفة ( تاريخ الكوفة 66 ، 271)

ولما أخذ بيهس الخارجي ، قطعت يداه ورجلاه ، ثم ترك يتمرغ في التراب ، فلما أصبح ، قال : هل أحد يفرغ علي دلوين ، فإني أحتلمت في هذه الليلة . ( البصائر والذخائر 515/2/3 ).

وجيء إلي زياد ، برشيد الهجري ، من أصحاب الإمام علي ، فأمر به فقطعت يداه ، ورجلاه ، ثم قطع لسانه ، ثم صلب خنقا في عنقه ( شرح نهج البلاغة 294/2 ) .

وجيء إلي عبيد الله بن زياد ، بابن مكعبر ، فقطع يديه ورجليه ، وسمل عينيه ( أنساب الأشراف 82/2/4 ).

وأخذ عبيد الله بن زياد ، في السنة 58 عروة بن أدية ، أخا أبي بلال ، فقطع يديه ورجليه ، وصلبه علي باب داره ، فقال عروة لأهله ، وهو مصلوب : انظروا إلي هؤلاء الموكلين بي ، فأحسنوا إليهم ، فإنهم أضيافكم ( العقد الفريد 234/1 ) .

وجعل لأحد الناس جعل علي أن يلطم سيد بني تميم ، فجاء إلي الأحنف ، فلطمه ، فقال له الأحنف : يا ابن أخي ما دعاك إلي هذا ؟ قال : قد جعل لي جعل، علي أن ألطم سيد بني تميم ، فقال له : ما أنا بسيد تميم ، وإنما سيدها حارثة بن قدامة ، وكان حديدا ، فذهب الرجل ، فلطم حارثة ، فقطع يده ، فبلغ ذلك الأحنف ، فقال : أنا قطعتها . ( المحاسن والمساويء 166/2 ).

ص: 112

وكان مالك بن النسير البدي ، قد ضرب الحسين الشهيد في موقعة الطفت علي رأسه ، وعليه برنس ، فامتلا دما ، فألقاه ، فجاء مالك فأخذه ، فبعث المختار لما ظهر بالكوفة ، مالك بن عمرو النهدي ، فجاء بمالك ، فأمر بنار فأججت في الرحبة ، ثم أمر فقطعت يده وألقيت في تلك النار، ثم قطعت رجله فألقيت فيها ، وهو ينظر ، ولم يزل يفعل ذلك بعضو منه بعد عضو حتي مات ( انساب الأشراف 239/5 ).

وفي السنة 66 بعث المختار الثقفي ، قائده عبد الله بن كامل ، إلي مرة بن منقذ العبدي ، قاتل علي بن الحسين ، فخرج عليهم مرة ، وبيده الرمح ، وهو علي فرس جواد ، فضربه عبد الله بن كامل بالسيف علي يده ، فأسرع فيها السيف وشلت ، وأفلت منهم ، فلحق بمصعب بن الزبير بالبصرة ( الطبري 6/ 64 ) .

وقطع أحد ولاة المدينة ، رجل حريث مولي بني بهز ، من سليم ، فكان إذا مشي كأنه يرقص ، فسمي : حريث رقاصة ، وكان حريث هذا من أشد الناس علي بني أمية ، لما أخرج الحجازيون بني أمية من مكة والمدينة أيام يزيد بن معاوية ، راجع التفصيل في الاغاني 23/1 - 26.

وكان إبراهيم بن حيان ، وهو مولي لبني عجل ، شخص من البصرة إلي مكة ، فأشار علي عبد الله بن الزبير ، بأن يولي علي البصرة ولده حمزة ، وأخبره بأن أهل البصرة يحبون ولايته ، فعزل أخاه المصعب ، وولي ولده حمزة ، فغضب المصعب ، وشخص إلي مكة ، فأرضاه عبد الله وأعاده واليأ علي المصرين ( البصرة والكوفة ) ، وظفر المصعب بإبراهيم بن حيان ، فقطع يده ونفاه ، فصار إلي الروم ، وجني هناك جناية فقطعوا رجله . ( أنساب الأشراف 256/5 و336 ).

وفي السنة 84 أحضر الحجاج حطيط الزيات الكوفي ، وكان عابدأ ، زاهدا ، يصدع بالحق ، وقال له : ما تقول في أبي بكر وعمر ؟

ص: 113

قال : أقول فيهما خيرا .

فقال له : ما تقول في عثمان ؟

قال : ما ولدت في زمانه .

فقال له : يا ابن اللخناء ، ولدت في زمن أبي بكر وعمر ، ولم تولد في زمن عثمان ؟

فقال : إني وجدت الناس اجتمعوا في أبي بكر وعمر ، فقلت بقولهم ، ووجدتهم اختلفوا في عثمان ، فوسعني السكوت .

فقال معد ، صاحب عذاب الحجاج : إني أريد أن تدفعه إلي ، فوالله لأسمعنك صياحه .

فسلمه إليه ، فجعل يعذبه ليلته كلها ، وهو ساكت ، فلما كان وقت الصبح كسر ساق حطيط ، ثم أعاده إلي الحجاج ، فعذبه بأنواع العذاب ، وكان يأتي بالمسال فيعززها في جسمه وهو صابر ، ثم لفه في بارية ، وأبقاه حتي مات . ( النجوم الزاهرة 208/1 ).

وطلب الحجاج الثقفي ، الهيصم بن جابر المدائني ، فهرب الهيصم إلي المدينة ، وطول شعره ، واختضب ، ولعب بالحمام ، فلم يعرفه بها أحد ، وبحث عنه الحجاج ، فأعياه ، ولم يعرف موضعه ، ثم بلغ الوليد بن عبد الملك إنه بالمدينة ، فكتب إلي عامله بها عثمان بن حيان بطلبه ، ووصف له صفته ، فقرأ عثمان الكتاب علي الناس ، والهيصم جالس ، فنظر إليه رجل إلي جنبه ، فقبض عليه ، وجاء به إلي حيان ، فأقر إنه الهيصم ، فحبسه ، وكتب إلي الوليد بوجدانه ، وكان عثمان بن حيان يرسل إلي الهيصم في كل ليلة فيسامره ، فأضحي معجبة به ، وأتاه كتاب الوليد أن أقطع يده ورجله ، وأقتله من بعد ذلك ، فقال له عثمان : اعهد، فقد كتب إلي أمير

ص: 114

المؤمنين في قتلك ، فقال : جميعا أم متفرقأ ؟ قال : متفرقة ، قال : إنا لله وإنا إليه راجعون ، وأوصي ببنية له أن ترد إلي أهله ، وأنفذ فيه أمر الوليد ، فمر به عبد الله بن عمرو بن عثمان بن عفان ، وقد قطعوا يده ورجله ، فقال له : إصبر يا هميس وكان هذا لقبه ( العيون والحدائق 15/3 و16).

وأمر هشام بن عبد الملك ، بغيلان بن مسلم الدمشقي ، رأس المقالة الغيلانية ، فقطعت يداه ورجلاه ، وصلبه علي باب كيسان بدمشق ( الطبري 203/7 )

أقول : كان غيلان ، رأس المقالة الغيلانية ، وكان يقول بالقدر خيره وشره من العبد ، وإن الإمامة تصلح في غير قريش ، وان كل من قام بالكتاب والسنة فهو مستحق لها ، ولا تثبت إلا باجماع الأمة ، فأحضره هشام ، وقال له : ويحك يا غيلان ، قد أكثر الناس فيك ، فأخبرنا بأمرك ، فإن كان حقا اتبعناه ، وان كان باطلا نزعت عنه ، قال : نعم ، فدعا هشام ميمون بن مهران ليكلمه ، فقال له ميمون : سل ، فإن أقوي ما تكونون إذا سألتم ، فقال له : أشاء الله أن يعصي ؟ فقال له ميمون : أفعصي كارها ؟ فسكت ، فقال له هشام : أجبه ، فلم يجبه ، فقال هشام : لا أقالني الله إن أقلتك ، وأمر به فقطعت يداه ورجلاه ، وصلبه علي باب كيسان بدمشق .

وفي السنة 107 قبض أسد بن عبد الله القسري ، أمير خراسان ، علي جماعة من دعاة بني العباس ، فقطع أيديهم وأرجلهم وصلبهم . ( الطبري 40/7)

ثم قبض في السنة 108 علي عمار العبادي ، أحد دعاة بني العباس أيضا ، فقطع يديه ورجليه أيضا . ( ابن الأثير 140/5 والطبري 43/7 ).

وفي السنة 118 كان عمار بن يزيد واليأ علي دعاة بني العباس بخراسان ، وتسمي : خداش ، فاعتقله أسد بن عبد الله القسري أمير

ص: 115

خراسان ، وأحضره وأمر به فقطعت يده ، وقلع لسانه ، وسملت عينه ، وصلبه ( الطبري 109/7 ).

وفي السنة 118 نزل أسد القسري ، عامل خراسان ، مدينة بلخ ، وسرح جديعة الكرماني إلي قلعة التبوشكان في طخارستان ، وهي التي تحضن فيها الحارث بن سريج وأصحابه وأصهاره ، فحصرهم الكرماني حتي فتحها وقتل جميع أصهار الحارث ، وسبي عامة أهلها من العرب والموالي ، وباعهم فيمن يزيد ، في سوق بلخ ، وكان قد نقم علي الحارث أربعمائة وخمسون رجلا من أصحابه ، يرأسهم جرير بن ميمون القاضي ، فقال لهم الحارث : إن كنتم لا بد مفارقي ، فأطلبوا الأمان وأنا شاهد ، فإنهم يجيبونكم ، وإن ارتحلت قبل ذلك لم يعطوا الأمان ، فقالوا له : إرتحل أنت وخلنا ، فلما رحل ، أرسلوا يطلبون الأمان ، فأبي أسد ، وسرح إليهم جديعأ في ستة آلاف ، فحصرهم ، وسألوا أن ينزلوا علي حكم أسد علي أن يترك لهم نساءهم وأولادهم ، فنزلوا علي حكمه ، فأمر الكرماني بأن يحمل إليه خمسين رجلا من وجوههم فيهم المهاجر بن ميمون ، فحملوا إليه فقتلهم ، وكتب إلي الكرماني بأن يجعل الذين بقوا عنده أثلاثة ، فثلث يقتلهم ، وثلث يقطع أيديهم وأرجلهم ، وثلث يقطع أيديهم ، ففعل الكرماني ذلك ( ابن الأثير 197/5 و198).

ولما خرج يحيي بن زيد بن علي بن الحسين ، ثائرة بالجوزجان ، كان ممن لحق به الحسحاس الأزدي ، فلما قتل يحيي ، قبض نصر بن سيار علي الحسحاس ، فقطع يديه ورجليه ، وقتله ( مقاتل الطالبيين 157 ) .

وفي السنة 127 أسر مروان الجعدي ، ثابت بن نعيم الجذامي ، وثلاثة من أولاده ، وهم نعيم ، وبكر ، وعمران ، فأمر بهم فقطعت أيديهم وأرجلهم ، وطرحوا علي أبواب جامع دمشق ، ثم صلبهم علي أبواب دمشق ( الطبري 296/7 - 315 وابن الأثير 328/5 - 330 ).

ص: 116

أقول : إن ثابت بن نعيم الجذامي ، وأولاده ، لهم تاريخ طويل في الفساد وإشعال نيران الفتن ، وأول ما بلغنا من أخبار ثابت ، إنه كان بإفريقية في عهد هشام بن عبد الملك ، وكانت له يد طولي في إشعال نار الفتنة بها ، وكانت عاقبة تلك الفتن ، أن قتل كلثوم بن عياض القسري ، أمير إفريقية ، فوجه هشام إلي إفريقية حنظلة بن صفوان علي رأس جيش ، لإصلاح أمورها ، فسعي ثابت في إفساد الجيش علي حنظلة ، فكتب حنظلة إلي هشام يشكو إليه أمر ثابت ، فكتب هشام إليه بتوجيه ثابت إلي دمشق في الحديد ، فوجهه حنظلة إليه ، فوضعه في السجن ، فلم يزل في حبسه ، حتي قدم مروان بن محمد، وكان يلي ارمينية ، علي هشام ، في بعض وفاداته ، فسألوه أن يكتم هشامأ في إطلاق ثابت ، فاستوهبه مروان منه ، فوهبه له ، فأخذه معه إلي ارمينية ، وولاه ، وحباه ، ولكن نفس ثابت اللئيمة ، أبت عليه إلا أن يسيء إلي من أحسن إليه ، فأخذيد إلي قواد مروان ، ويثيرهم عليه ، واستطاع أن يختزل جماعة صالحة منهم ، انضموا إليه ورأسوه عليهم ، وجاهروا مروان بالعصيان ، فحشد مروان لهم ، فلما رأوا منه الجد ، عادوا فأنقادوا له ، وأمكنوه من صاحب الفتنة ثابت بن نعيم ومن أولاده الأربعة ، نعيم ، وبكر وعمران ، ورفاعة ، فأمر بهم ، فأنزلوا عن خيولهم ، وأخذ سلاحهم ، ووضعت السلاسل في أرجلهم ، ووكل بهم من يحرسهم ، حتي ورد حران ، والظاهر إنه أطلقهم ، ولما أعلن مروان خلافته ، ظهر ثابت بن نعيم مجددا ، ودعا أهل الشام إلي الانتفاض علي مروان ، وراسلهم ، وكاتبهم ، فانتقضوا ، وانتقض أهل حمص ، فأخمد مروان ثورات أهل الشام ، فحرك ثابت بن نعيم ، أهل فلسطين ، وجند منهم جيشا حصر به طبرية ، فوجه إليه جيشا ، فأنفل جيش ثابت ، وانصرف إلي فلسطين منهزمة ، وأسر ثلاثة من أولاده ، وهم نعيم ، وبكر ، وعمران ، وأفلت ثابت ، وولده رفاعة ، ثم إن عامل مروان علي فلسطين ظفر بثابت ، فبعث به موثقة إلي مروان ، فأمر به وبأولاده الثلاثة ، فقطعت أيديهم وأرجلهم ،

ص: 117

وحملوا إلي دمشق ، فطرحوا علي أبواب الجامع ، ثم صلبهم علي أبواب دمشق ، أما رفاعة بن ثابت ، وكان أخبثهم جميعا ، فإنه أفلت من مروان ، ولحق بمنصور بن جمهور بالسند ، فأكرمه منصور ، وولاه ، وخلفه مع أخ له اسمه منظور بن جمهور ، فوثب رفاعة عليه ، فقتله ، وبلغ منصورة ذلك ، وهو متوجه إلي الملتان بالسند ، وكان منظور بالمنصورة ، فعاد منصور الي رفاعة ، فأخذه ، وبني عليه أسطوانة من أجر مجوفة ، وأدخله فيها ثم سمره إليها ، وبني عليه ( الطبري 296/7 - 315 وابن الأثير 328/5 - 330 ).

وفي السنة 128 كان مروان الجعدي يحارب الخوارج ، وبعث إليهم كاتبه محمد بن سعيد رسولا ، فمالأهم وانحاز إليهم ، ثم جيء به إلي مروان أسيرة ، فقطع يده ورجله ولسانه ( الطبري 347/7 ).

وفي السنة 128 حصر مروان الجعدي ، شيبان الخارجي بالموصل، وقد انضم إلي شيبان ، سليمان بن هشام ، في جماعة من بني أمية ، فجيء إلي مروان بإبن أخ لسليمان بن هشام ، يقال له : أمية بن معاوية بن هشام ، وكان قد بارز رجلا من فرسان مروان ، فأسره الرجل ، وجاء به إلي مروان ، فقال له : أنشدك الله والرحم يا عم ، فقال : ما بيني وبينك اليوم من رحم ، وأمر به ، وعمه سليمان وإخوته ينظرون ، فقطعت يداه ، وضربت عنقه ( الطبري 350/7 ) .

وفي السنة 141 خلع عبد الجبار بن عبد الرحمن ، عامل خراسان للمنصور ، فوجه إليه المنصور جيشا بقيادة ولده المهدي ، فأقام بالري ، ووجه خازم بن خزيمة لحرب عبد الجبار ، وبعد معركة ضارية ، انكسر عبد الجبار ، وأخذه خزيمة أسيرة ، فألبسه جبة صوف ، وحمل علي بعير ووجهه إلي ذنب البعير ، وحمل إلي المنصور ومعه ولده وأصحابه ، فبسط المنصور عليهم العذاب ، وضربوه بالسياط ، ثم أمر المسيب بن زهير ، فقطع يدي

ص: 118

عبد الجبار ورجليه ، وضرب عنقه ، وأمر بتسيير ولده إلي دهلك ( الطبري 503/7 - 509 وابن الأثير 505/5 و506).

وكان عبد الله بن معاوية بن عبد الله بن جعفر الطيار (ت 131 ) من أقسي خلق الله قلبأ ، وغضب علي غلام له وهو في غرفة بإصبهان ، فأمر بأن برمي به منها إلي أسفل ففعل به ذلك ، فتعلق بدرابزين كان علي الغرفة ، فأمر بقطع يده التي أمسكه بها ، ومر الغلام يهوي حتي بلغ إلي الأرض فمات ( الاغاني 232/12 ).

أقول : راجع ترجمة عبد الله بن معاوية في هذا الكتاب في الباب الثالث : الضرب .

ولما قتل يحيي بن زيد، الثائر بالجوزجان ، احتز رأسه رجل اسمه سورة بن محمد ، وأخذ سلبه رجل من موالي عنزة اسمه عيسي ، وبقيا حتي أدركهما أبو مسلم الخراساني ، فقبض عليها ، وقطع أيديهما وأرجلهما، وقتلهما ، وصلبهما ( مقاتل الطالبيين 158 ) .

وكان داود بن علي العباسي ، يمثل بمن يقبض عليه من بني أمية ، فيقطع أيديهم وأرجلهم ، كما كان يصلبهم منگسين ( شرح نهج البلاغة 156/7)

وفي السنة 145 ولي المنصور العباسي علي المدينة ، عبد الله بن الربيع ، فقدمها مع جند ، وأخذ الجنود ينازعون تجار المدينة فيما يشترون ، ولا يؤدون لهم ثمنه ، فخرجت طائفة من التجار إلي ابن الربيع ، وشكوا ذلك إليه ، فنهرهم ، وشتمهم ، فطمع الجند فيهم ، وحدث أن رجلا من الجند آشتري من جزار لحما ، وأبي ان يعطيه ثمنه ، فطعنه الجزار بشفرته ، فقتله ، وتنادي سودان المدينة علي الجند، فقتلوهم بالعمد في كل ناحية ، فهرب ابن الربيع وجنده ، وأخرج أهل المدينة ابن أبي سبرة من الحبس ، فرقي

ص: 119

المنبر وهو في كبله ، ثم عاد ابن الربيع إلي المدينة ، فقطع أيدي رؤساء السودان ، وهم : وثيق ، وأبو النار ، ويعقل ، ومسعر ( الطبري 610/7 -614)

وبعث المنصور ، في السنة 151 أسد بن المرزبان إلي البصرة ، وكلفه النظر في أمر من الأمور فبلغه أنه قصر في تنفيذ أمره ، فبعث إليه أبا سويد الخراساني ، وكان صديق أسد، فلما وصل إليه ، قال له : يا أسد هل أنت سامع مطيع ؟ قال : نعم ، قال : مد يدك ، فمد يده ، فضربها ، فأطنها ، ثم أمره فمد رجله ، ثم يده ، ثم رجله ، حتي قطع أطرافه الأربعة ، ثم قال له : مد عنقك ، فمده ، فضرب عنقه . ( الطبري 40/8 ) .

وفي السنة 154 قتل المنصور وزيره أبا أيوب المورياني ، وأخاه خالد ، وأمر بقطع أيدي أبناء أخي أبي أيوب وأرجلهم ، وضرب أعناقهم ، ففعل ذلك . ( ابن الأثير 612/5 والطبري 44/8 ) .

وفي السنة 156 ظفر الهيثم بن معاوية ، عامل البصرة للمنصور ، بعمرو بن شداد الذي ولي فارس لإبراهيم بن عبد الله العلوي ، قتيل باخمري ، فقطع يديه ورجليه ثم ضرب عنقه ( الطبري 50/8 ومقاتل الطالبيين 330 و 331 ).

أقول : ولي إبراهيم بن عبد الله ، عمرو بن شداد، فارس ، فصار إليها ، وطرد ولاة المنصور ، فلما قتل إبراهيم ، ورده نعيه وهو في أقاصي فارس ، وبلغ الخبر الرؤساء وهم مقيمون معه ، فتأمروا به ، وقالوا : ما يغسل ما عند أبي جعفر علينا إلا توجيه هذا إليه ، وعلم عمرو بما أجمعوا عليه ، فلم يظهر عليه شيء، وطعموا علي مائدته ، ثم ركب وركبوا يريدون أداني فارس وهم علي ثقة بأنه لا يمكن أن يفوتهم ، غير انه آنسل من ليلته ، ففاتهم ، وطلبوه فأعجزهم ، ودخل البصرة ، فاستخفي فيها ، ثم ظفر به الهيثم عامل

ص: 120

البصرة ، فإن عمرا ضرب غلامأ له ، فذهب إلي عامل البصرة ودل عليه ، فأخذ ، وكتب الهيثم إلي المنصور ، فبعث إليه من بغداد رسو" تسلمه ، وجاء به إلي الرحبة ، فأمر ابن دعلج ( أحسبه اسم رسول المنصور ) بقطع يده ، فمدها ، فقطعت ، ثم مد اليسري فقطعت ، ثم رجله اليمني فقطعت ، ثم مد اليسري فقطعت ، وما يقربه أحد ولا يمسه ، ثم قال له ، مد عنقك ، فمها ، فضربه ضارب بسيف كليل فلم يصنع شيئا ، فقال : اطلبوا سيف صارمة ، فعجل الضارب فنبا ، فلم يصنع شيئا ، فقال عمرو : سيف أصرم من هذا ، فقال ابن دعلج لعمرو : والله ، أنت الصارم ، وسل ابن دعلج سيفا كان عليه ، فدفعه إلي الرجل ، فضرب به عمر ، فقطع عنقه .

وفي السنة 160 خرج بخراسان يوسف بن إبراهيم ، المعروف بيوسف البرم ، فوجه إليه المهدي العباسي ، يزيد بن مزيد الشيباني ، فأسره ، وبعث به إلي المهدي ، وبعث معه جماعة من وجوه أصحابه ، فلما انتهي بهم إلي النهروان ، حمل يوسف علي بعير وقد حول وجهه إلي ذنب البعير ، وأصحابه كل علي بعير ، فأدخلوا الرصافة ، وأدخلوا إلي المهدي ، فأمر هرثمة بن أعين ، فقطع يدي يوسف ورجليه ، وضرب عنقه ، وأعناق أصحابه ، وصلبهم علي جسر دجلة الأعلي ، مما يلي عسكر المهدي ( الطبري 124/8 وابن الأثير 43/6 ) .

وفي السنة 193 كان الرشيد بطوس ، يعالج سكرات الموت ، لما أحضر أخو الثائر رافع بن الليث ، فأدخل عليه وهو علي سرير مرتفع عن الأرض بقدر عظم الذراع ، وعليه فرش بقدر ذلك ، فقال له : أما والله . يا ابن اللغناء ، إني أرجو أن لا يفوتني خامل ( پريد رافعا ) ، ثم دعا بقصاب ، وقال له : لا تشحذ مداك ، اتركها علي حالها، وفضل هذا الفاسق ابن الفاسق وعجل ، لا يحضرن أجلي وعضوان من اعضائه في جسمه ، ففضله

ص: 121

حتي جعله أشلاء فقال : عد أعضاءه ، فعدها ، فإذا هي أربعة عشر عضوا ( الطبري 342/8 ).

أقول : لزيادة التفصيل راجع كتاب الفرج بعد الشدة للقاضي التنوخي تحقيق المؤلف ، رقم القصة 358.

وزور بعض الكتاب ، في ديوان إسحاق بن إبراهيم المصعبي ، أمير بغداد ، تزويرا بمال أخذوه ، فوقف إسحاق علي ذلك ، فأخذ بعضهم فقطع أيديهم ، وفر الباقون.

للتفصيل راجع كتاب الفرج بعد الشدة للقاضي التنوخي ، تحقيق المؤلف ، رقم القصة 390.

وقدمت يوما لإسحاق بن إبراهيم المصعبي ، هريسة ، وإذا فيها شعرة ، فأمر بالطباخ ، فقطعت يده . ( الديارات 123 و 124 ).

وكان المعتصم ، قوي العضلات ، شديد البطش ، وكان يجعل زند الرجل ، بين إصبعيه ، فيكسره . (تاريخ الخلفاء 334).

ولما ثار المازيار علي حكم المعتصم ، كان الدرني ، قائد جيشه في السهل ، وكان شجاعا بطلا ، فلما استولي جيش عبد الله بن طاهر علي الجبل ، أراد الدرني الإنحياز إلي الغيضة ، فأسر ، وأحضر أمام محمد بن إبراهيم بن مصعب ، فأمر به ، فمدت يداه فقطعت من مرفقيه ، ومدت رجلاه فقطعنا من الركبة ، فقعد الدرني علي استه، ولم يتكلم ، ولا تغير ، فأمر محمد بضرب عنقه ( تجارب الأمم 513/6 - 515 والطبري 101/9 ).

وفي السنة 223 وافي الأفشين سامراء ، ومعه بابك الخرمي ، الثائر الفارسي ، أسيرة ، وألبس بابك قباء ديباج ، وقلنسوة سمور مدورة ، وحمل علي الفيل ، من المطيرة إلي باب العامة ، فلما مثل أمام المعتصم ، أمر

ص: 122

فنودي علي سياف بابك ، فلما حضر ، أمره المعتصم ، بقطع يديه ورجليه ، فبدأ بيمناه فقطعها ، فلما جري دمها، مسح به وجهه كله ، حتي لم يبق من حلية وجهه ، وصورة سحنته شيء ، فقال المعتصم : سلوه لم فعل هذا ؟ فسئل ، فقال : إن الخليفة لما أمر بقطع أربعتي ، فإن في نفسه قتلي ، وهذا يعني إنه سوف لا يكوي مكان القطع ، ويبقي دمي ينزف ، فخشيت إذا خرج الدم مني ، أن تتبين في وجهي صفرة يقدر من يراها إني قد فزعت من الموت ، فغطيت وجهي بما مسحته عليه من الدم ، حتي لا تبين الصفرة ، فأعجب المعتصم جوابه ، وقال : لولا أن أفعاله لا توجب العفو عنه ، لكان حقيقة بالإستبقاء لهذا الفضل ، وأمر بامضاء أمره فيه ، فقطعت أربعته ، ثم ضرب عنقه ، وجعل الجميع علي القطن ، وصب عليه النفط وضرب بالنار ، وصنع مثل ذلك بأخيه عبد الله ، ببغداد ، فما كان فيهما من صاح أو تأوه ، للتفصيل راجع كتاب نشوار المحاضرة واخبار المذاكرة للقاضي التنوخي تحقيق المؤلف ج1 ص 147 و148 رقم القصة 74/1 .

أقول : بابك الخرمي ، ثائر فارسي ، خرج في السنة 201 بريد إرجاع دولة الفرس ، وإعادة الدين المجوسي ، وهزم من جيوش السلطان عدة ، وقتل من قواده جماعة ، ودامت حركته عشرين سنة ، قتل فيها ربع مليون من البشر ، ولما تمزق جيشه في آخر معركة خاضها مع الجيش العباسي ، تسلل متجها إلي أرمينية ، يريد اللجوء إلي بلاد الروم ، ونزل بابن سنباط الأرمني ، فأخبر ابن سنباط الأفشين بموضع بابك عنده ، فبعث إليه من تسلمه منه ، وحمله إلي سامراء حيث تم إعدامه ، ولما تسلل بابك بعد أن خسر المعركة ، بعث إليه الافشين ، صحبة رسولين من أصحابه ، بكتاب أمان إذا استسلم ، وبعث معهما برسالة إلي بابك من ابنه ، يسأله فيها أن يصير إلي الأمان ، فلما تسلم بابك الكتاب لم يفتحه ، وقتل أحد الرسولين ، وأعاد الثاني بجواب منه إلي ولده ، يقول له فيه : أنت لست إبني ، تعيش يوما واحدا وأنت رئيس ،

ص: 123

خيرا من أن تعيش أربعين سنة وأنت عبد ذليل ، ولما أسر بابك ، استنقذ من أسره من المسلمين سبعة آلاف وستمائة ، فلما نظر الأسري إلي بابك أسيرة ، صاحوا وبكوا حتي ارتفعت أصواتهم ، فقال لهم الافشين : لعنة الله عليكم ، أنتم بالأمس تقولون أسرنا ، وأنتم اليوم تبكون عليه ، فقالوا : إنه كان يحسن إلينا ( الطبري 31/9 - 50 ) .

ولما قتل بابك الخرمي في سامراء ، حمل أخوه ، واسمه عبد الله ، إلي بغداد ، وكان إسحاق بن إبراهيم المصعبي ينتظره في رأس الجسر ، فأمر بقطع يديه ورجليه ، فلم ينطق ، ولم يتكلم وأمر بصلبه ، فصلب في الجانب الشرقي بين الجسرين ، بمدينة السلام ( الطبري 9/ 54).

وفي السنة 253 شغب الأتراك والفراغنة بسامراء ، وطالبوا بأرزاقهم ، فخاشنهم وصيف ، فوثبوا عليه ، وضربه أحدهم بالسيف ضربتين ، ووجأه آخر بسكين ، ثم ضربوه بالطبرزينات حتي كسروا عضديه ، ثم ضربوا عنقه ، ونصبوا رأسه علي محراك تنور . ( الطبري 374/9 ) .

وخرج ابن الصوفي العلوي ، بمصر ، في السنة 253 ، فوجه إليه ابن طولون بقائده ابن أزداد في جيش ، فانهزم اين ازداد ، وظفر به العلوي فقطع يديه ورجليه وصلبه . ( الولاة للكندي 213) .

وفي السنة 254 تمكن المعتر من بغا الشرابي ، فأمر بقتله ، فضربه وليد المغربي ضربة علي جبهته ورأسه ، ثم قطع يديه ، ثم ضربه حتي صرعه ، وذبحه ، وحمل رأسه في بركة قبائه إلي المعتز ، فوصله بعشرة آلاف دينار . (الطبري 380/9 ) .

وفي السنة 258 أسر يحيي بن محمد الأزرق البحراني ، من كبار قواد الزنج ، رشق بالسهام ، فأصابه منها ثلاثة في عضديه وساقه اليسري ، وتسلمه أصحاب السلطان ، فحمل الي أبي أحمد ( الموقق ) فحمله أبو أحمد إلي

ص: 124

سامراء ، فأدخل علي جمل ، وبنيت له دكة في الحير ، ثم رفع للناس حتي أبصروه ، فضرب بالسياط ، ضرب مائتي سوط بثمارها ، ثم قطعت يداه ورجلاه من خلاف ، ثم خبط بالسيوف ، ثم ذبح ، ثم أحرق ، وعظم قتل يحيي علي صاحب الزنج ( الطبري ( 497/9 - 499) .

وفي السنة 268 قبض أحمد بن طولون علي ولده العباس الذي خرج عليه وحاربه ، فأمر فبنيت له دكة عظيمة رفيعة ، ثم أمر بأحد أصحاب العباس وهو جعفر بن جدار ، فضرب ثلثمائة سوط ، ثم أمر العباس فتقدم إليه فقطع يديه ورجليه . ( الولاة للكندي 224) .

وفي السنة 268 ظفر الموقق بالذوائبي العلوي ، وكان مماي لصاحب الزنج فاعتقله ( الطبري 611/9 ) ،وفي السنة 272 نقب الذوائبي المطبق ببغداد وخرج مع اثنين آخرين ، فنذر بهم ، وغلقت أبواب مدينة المنصور ، فأخذ الذوائبي ومن خرج معه ، فركب محمد بن طاهر أمير بغداد إلي مجلس الجسر بالجانب الغربي وأحضر الذوائبي هناك ، فقطعت يد الذوائبي ورجله من خلاف ، أي اليد اليمني والقدم اليسري ، ثم كوي ( لقطع نزف الدم ) . ( الطبري 9/10).

وبلغ أماجور التركي ، أمير دمشق للمعتمد ، أن أعرابيا أهان جنديا من جنوده ، بأن نتف شعرتين من شاربه ، فاحتال علي الأعرابي ، حتي اعتقله ، فنتف شعر بدنه كله ، ثم ضربه ألف سوط ، ثم قطع يديه ورجليه ، ثم صلبه ، راجع القصة مفصلة في هذا الكتاب ، في الباب السابع : الحلق والنتف ، الفصل الثاني : النتف ، القسم الثالث : نتف شعر البدن .

وفي السنة 274 دخل صديق الفرغاني ، دور سامراء ، فأغار علي أموال التجار ، وأكثر العيث في الناس ، وكان صديق هذا يخفر الطريق ، ثم تحول التها خاربة يقطع الطريق ( الطبري 13/10 ) فوجه الطائي - وكان إليه طريق

ص: 125

سامراء - جيشا إلي سامراء في السنة 275 وراسل صديقا ومناه ، فصار إلي الطائي ، فاعتقله الطائي ، ومن دخل معه ، وقطع يد صديق ورجله ، وأيدي جماعة من أصحابه وأرجلهم ، وحملهم في محامل إلي مدينة السلام ، وقد أبرزت أيديهم وأرجلهم المقطعة ، ليراها الناس ، ثم حبسهم ( الطبري 14/10)

وقتل العلويان محمد بن علي بن إبراهيم ، وعلي بن محمد بن علي بن عبد الله ، ببغداد ، جري قتلهما علي الدكة ، مع القرمطي المعروف بصاحب الخال ، من غير أن يكونا خرجا معه ، وإنما اتهما بذلك ، فأخذا ، فقطعت أيديهما ، وأرجلهما ، وضربت أعناقهما صبرا ( مقاتل الطالبيين 697).

وكان في بغداد هاشمي ، من أولاد علي بن ريطة ( من أولاد المهدي ) من شرار الناس ، أحب مغنية ، وأرادت سيدتها بيعها ، فطلب أن تحضر لأخر مرة ، وبعث جذرها لثلاثة أيام ، ثم إنه قتلها وفضل أعضاءها، ووضعها في جراب ، وألقاها في دجلة ، فأحضر المعتضد الهاشمي ، وقرره فاعترف فحبسه ، وكان ذلك آخر العهد به ، راجع تفصيل القصة ، وكيف تمكن المعتضد من اكتشاف المجرم في كتاب نشوار المحاضرة وأخبار المذاكرة للتنوخي ، تحقيق المؤلف رقم القصة 45/7 .

ولما فتح محمد بن سليمان ، مصر ، أسرف في الشدة علي أهل مصر ، من ضرب أعناق ، وقطع أيدي وأرجل ، وتمزيق الظهور بالسياط ، والصلب علي جذوع النخل ونحو ذلك من أصناف النكال . ( النجوم الزاهرة 139/3)

وظفر الجيش العباسي في السنة 289 بابن أبي الفوارس ، أحد قواد القرامطة ، ومعه جماعة من أتباعه ، فأخذ أبو الفوارس ، فقلعت أضراسه ، ثم شد في إحدي يديه بكرة ، وفي الأخري صخرة ، ورفعت البكرة ، ولم

ص: 126

يزل علي حاله إلي وقت الظهر ، ثم قطعت يداه ورجلاه ، ثم قطعت عنقه ( النجوم الزاهرة 126/3 والطبري 86/10 ومروج الذهب 522/2 ).

وفي السنة 290 وافي القرمطي بن زكروية الرقة ، فكسر جميع الجيوش التي واجهته وأجابه أكثر أهل البوادي ، وفتح حماة ومعرة النعمان فقتل أهلها حتي النساء والأطفال ، ثم سار إلي بعلبك ، فقتل عامة أهلها ، ولم يبق منهم إلا اليسير ، ثم سار إلي سلمية ، فدخلها وقتل أهل سلمية أجمعين حتي صبيان الكتاتيب ، ثم قتل البهائم أيضا ، ثم دار في القري يحرق ويسبي ويقتل ، وكتب أهل مصر إلي المكتفي يشكون ما لقوا من ابن زكروية المعروف بصاحب الشامة وأنه قد أخرب البلاد وقتل الناس ، فجهز إليه المكتفي جيشا ، فأسر صاحب الشامة وقسما من أتباعه ( الطبري 97/10 - 109)، وفي السنة 290 استعدت بغداد لاستقبال صاحب الشامة القرمطي وأتباعه ، منهم المدثر والمطوق وجماعة من الأسري ، وكان الرأي أن يدخل القرمطي بغداد مصلوبا علي دقل، والدقل علي ظهر فيل ، فأمر بهدم طاقات الأبواب التي تقصر عن هذا العلو ، مثل باب الطاق ، وباب الرصافة ، ثم غير المكتفي رأيه ، وأمر دميانة فعمل كرسيا، وركب الكرسي علي ظهر الفيل ، وكان ارتفاعه عن ظهر الفيل ذراعين ونصف ذراع ، وأدخل الأسري إلي بغداد علي جمال مقيدين، عليهم دراريع حرير وبرانس حرير ، والمطوق في وسطهم ، غلام ما نبتت لحيته ، قد جعل في فيه خشبة مخروطة ، شدت إلي قفاه كهيأة اللجام ، لأنه لما دخل الرقة كان يشتم الناس إذا دعوا عليه ، ويبزق عليهم ، ففعل به ذلك لئلا يشتم أحدا ، وأمر المكتفي ببناء دكة في المصلي العتيق من الجانب الشرقي ، عشرين ذراعا في عشرين ، وارتفاعها نحو عشرة أذرع ، وبني لها درج ، ثم أمر المكتفي القواد والغلمان بحضور الدكة ، وخرج خلق كثير من الناس للرؤية ، وحضر الواثقي صاحب شرطة بغداد ، وحمل الأسري ، وكان عددهم ثلثمائة وستين أسيرة ،

ص: 127

ووكل بكل واحد منهم عونان ، وجيء بالقرمطي الحسين بن زكرويه صاحب الشامة ، ومعه ابن عمه المدثر علي بغل في عقارية ، وقد أسبل عليها الغشاء ، يحيط بهما جماعة من الفرسان والرجالة ، فأصعدا إلي الدكة ، وأقعدا ، وقدم أربعة وثلاثون إنسانة من الأساري ، فقطعت أيديهم وأرجلهم ، وضربت أعناقهم واحدأ بعد واحد، كان يؤخذ الرجل فيبطح علي وجهه ، فتقطع يمني يديه ، ويلقي بها إلي أسفل ليراها الناس ، ثم تقطع رجله اليسري ، ثم يسري يديه ، ثم يمني رجليه ، ويرمي بما قطع إلي أسفل ، ثم يقعد فيمد رأسه ، فيضرب عنقه ، ويرمي برأسه وجثته إلي أسفل ، فلما فرغ من قتل هؤلاء الأربعة والثلاثين ، وكانوا من وجوه أصحاب القرمطي ، وكبرائهم ، قدم المدثر ، فقطعت يداه ورجلاه ، وضربت عنقه ، ثم قدم القرمطي ، فضرب مائتي سوط ، ثم قطعت يداه ورجلاه ، وكوي ، فغشي عليه ، ثم أخذ خشب فأضرمت فيه النار ، ووضع في خواصره وبطنه ، فجعل يفتح عينيه ثم يغمضهما ، فلما خافوا أن يموت ضربت عنقه ، ورفع رأسه علي خشبة ، وكبر الحاضرون ، ثم قام الواثقي بضرب أعناق باقي الاسري ، فلما كان من غير ذلك اليوم حملت رؤوس القتلي من المصلي إلي الجسر ، وصلب بدن القرمطي في طرف الجسر الأعلي ببغداد ، وحفرت لأجساد القتلي آبار إلي جانب الدكة ، وطرحت فيها ، وطمت ، ثم أمر بعد أيام بهدم الدكة . ( الطبري 113/10 و 114).

وفي السنة 294 اعترض زكروية القرمطي ، قافلة الحاج الخراسانية ، بالعقبة ، من طريق مكة ، فأوقع بها ، وقتل النساء والرجال ، وسبي من النساء من أراد ، واحتوي القرامطة علي من كان وما كان في القافلة ، ثم واجهوا القافلة الثانية فقتلوا من فيها عن آخرهم ، إلا من استعبدوه ، ثم لحقوا من أفلت من السيف ، فأعطوهم الأمان ، فعادوا ، فقتلوهم أجمعين ، وسبوا من النساء والأولاد من أرادوا ، وكان في القافلة الثانية أبو العشائر الحمداني ،

ص: 128

فوضعوا القتلي بعضهم فوق بعض ، حتي صاروا كالتل العظيم ، ثم قطعوا يد أبي العشائر ورجليه ، ثم ضربوا عنقه ، وكان نساء القرامطة يطفن مع صبيانهم في القتلي ، يعرضون عليهم الماء ، فمن كلمهم أجهزوا عليه ( الطبري 131/10 و 132).

وفي السنة 304 قبض ذكا الأعور ، عامل مصر للمقتدر ، علي قوم من أهل مصر اتهمهم بمكاتبة صاحب إفريقية ، فقطع أيديهم وأرجلهم ( الولاة اللكندي 274 ) .

وفي السنة 307 تحرك السعر في بغداد ، فهاجت العامة ، وكسروا المنابر ، وقطعوا الصلاة ، ونهبوا دكاكين الدقاقين ( أصحاب الدقيق ) وسلبوا الثياب ، ورجموا بالأجر ، وأحرقوا الجسرين ، وفتحوا السجون ، وأخرجوا المحبسين منها، ونهبوا دار صاحب الشرطة، ودار غيره ، فأنفذ لهم المقتدر ، خاله غريب القائد ، مع جيش ، فقاتل العامة ، فهربوا من بين يديه ، ودخلوا الجامع باب الطاق ( الصرافية ) فوكل بأبواب الجامع ، وأخذ من فيه ، فحبسهم ، وضرب بعضهم ، بالسياط ، وقطع أيدي من عرف منهم بالفساد ( ابن الأثير 116/8 و 117 وتجارب الأمم 74/1 ).

وفي السنة 309 قتل الحسين بن منصور الحلاج ، الصوفي المشهور ، وكان للعامة فيه اعتقادات عجيبة ، منها أنه يحيي الموتي ، وأن الجن يخدمونه ، وكان الحلاج ينكر ذلك ، ويقول : أنا رجل أعبد الله ، وعاداه الوزير حامد بن العباس ، فاستصدر فتوي بإباحة دمه ، ولما صدر الحكم بإعدام الحلاج ، امتنع المقتدر من المصادقة عليه ، فألح عليه الوزير حامد بن العباس إلحاحا شديدا ، فأصدر الخليفة موافقته علي الحكم ، واتخذت احتياطات أمن مشددة ، فقد كان رجال الحكم يخشون أن يغلبهم الناس علي الحلاج ويستنقذوه من أيديهم ، وأحضر في يوم تنفيذ الحكم في رحبة الجسر ، حيث مجلس صاحب الشرطة ، واجتمع من الناس خلق لا يحصي

ص: 129

عددهم ، فضرب إلي تمام الألف سوط ، ثم قطعت يده ، ثم رجله ، ثم يده ، ثم رجله ، ثم حر رأسه ، وأحرقت جثته ، ولما صارت رمادا ألقيت في دجلة ، راجع في كتاب نشوار المحاضرة للتنوخي ج 79/6 - 92 رقم القصة 51 كيفية محاكمة الحلاج وإعدامه ، وقد اختلف المؤرخون في الحلاج اختلافا بينا ، فمن مادح غال ، ومن ذام قال ، والذي يظهر من محضر محاكمته أنه لم يرتكب ذنبا يستوجب العقوبة ، فضلا عن القتل .

وفي السنة 317 هاجم الجنود القاهر ، وكان معه أبو الهيجاء عبد الله بن حمدان ، والد سيف الدولة ، فتعلق القاهر بأبي الهيجاء وقال له : تسلمني ؟ فهاجت الحمية والأنفة في أبي الهيجاء ، وقال له : لا والله ، لا أسلمك ، وجرد سيفه ، وأخذ يدافع عن القاهر ، فاضطر المحاربون إلي قتله ، ورموه بالسهام ، فأصابه سهم تحت ثديه ، وآخر أصاب ترقوته ، وثالث شك فخذيه ، وهو يصيح : يا آل تغلب ، أأقتل بين الحيطان ، أين الكميت ؟ أين الدهماء ؟ ثم سقط ، فأسرع إليه أسود ، فضرب يده اليمني فقطعها وفيها السيف وغشيه أسود آخر فحز رأسه . ( ابن الأثير 200/8 - 205 وتجارب الأمم 198/1 والتكملة 60 و61).

وفي السنة 321 جلس القاهر العباسي بالميدان ، وأحضر رجلا قطع الطريق في دجلة ، فضرب بحضرته ألف سوط ، ثم ضربت عنقه ، وضرب جماعة من أصحابه ، وقطعت أيديهم وأرجلهم ( المنتظم 249/6 ).

وفي السنة 326 قطعت يد الوزير أبي علي بن مقلة ، وقطع لسانه ، وسبب ذلك : إن الراضي استوزره ، ولكن الأمور كانت كلها في يد أمير الأمراء ابن رائق ، وليس في يد الوزير منها شيء ، وكان ابن رائق قد قبض أموال ابن مقلة وأملاكه ، وأملاك ابنه ، فخاطبه في أمر ردها ، فلم يردها ، فسأل أصحابه أن يكتموه في ردها ، فوعدوه ، ولم تقض حاجته ، فلما رأي ذلك سعي بابن رائق ، وكاتب بجكم يطمعه في موضع ابن رائق ، كما كتب

ص: 130

إلي وشمگير بمثل ذلك ، وهو بالري ، وكتب إلي الراضي يشير عليه بالقبض علي ابن رائق ويضمن له أن يستخرج منه ومن أصحابه ثلاثة آلاف ألف دينار ، وأشار عليه باستدعاء بجكم ، وإقامته مقام ابن رائق ، وتعجل ابن مقلة ، فكتب إلي بجكم يعرفه إجابة الراضي إلي إحلاله محل ابن رائق ، ويحته علي الحركة والمجيء إلي بغداد ، ثم طلب ابن مقلة من الراضي أن يأذن له في أن ينتقل ويقيم عنده بدار الخلافة إلي أن يتم علي ابن رائق ما اتفقا عليه ، فأذن له، فحضر متنكر آخر ليلة من رمضان ، فلما حصل بدار الخلافة ، أمر الراضي ، فاعتقل في حجرة ، وأنفذ إلي ابن رائق فأعلمه الحال ، وعرض عليه خط ابن مقلة ، وما زالت الرسل تتردد بين الخليفة وابن رائق ، إلي منتصف شوال ، فأخرج ابن مقلة من محبسه ، وقطعت يده في حجرة بدار السلطان ( دار الخلافة ) بحضرة فاتك ، حاجب ابن رائق ، وجماعة من القواد ، وعالجه علي أثر القطع ثابت بن سنان ، في آخر اليوم الذي قطع فيه ، فوجده في حال صعبة ، ووجد ساعده قد ورم ورما عظيما، وعلي موضع القطع خرقة غليظة كردوانية كحلية ، مشدودة بخيط قنب ، فحل الشد، ونحي الخرقة ، فوجد تحتها في موضع القطع سرجين الدواب ، فنفضه عنه ، وإذا رأس الساعد، أسفل القطع مشدود بخيط قبب قد غاص في ذراعه لشدة الورم ، وابتدأ ساعده يسود ، فعالجه ، ثم كاتب الراضي مرة أخري ، يطلب الوزارة ، ويذكر أن قطع يده لا يمنعه من عمله ، وكان يشد القلم علي يده المقطوعة ويكتب ، فلما اقترب بجكم من بغداد ، طمع ابن مقلة في الخلاص ، فأمر الراضي وابن رائق ، بقطع لسانه ، فقطع ، وألبس جبة صوف ، وترك معه في الحبس دورق واحد، يشرب منه ، ووكل به خادم صبي أعجمي ، فكان لا يفهم عنه ولا يخدمه ، ثم فرق بينه وبين الخادم ، فبقي وحده ، ولحقه ذرب في الحبس ، فال به الحال أن كان يستقي الماء من البئر بيده اليسري ، ويمسك الحبل بفيه ، ولحقه شقاء شديد ثم أمر الراضي بقطع الخبز عنه أياما ، فمات ، للتفصيل راجع تجارب الأمم 387/1 و 390.

ص: 131

والأوراق للصولي 105 والتكملة 109 و110 ووفيات الأعيان 114/5 - 117 و تاريخ ابن خلدون 406/3 وابن الأثير 345/8 و346 والمنتظم 293/6 و 311.

ومما يقتضي إيراده ، أن ابن مقلة كان قد أصدر أمره ، وهو وزير ، بقتل الحسين بن القاسم بن عبيد الله ، الذي وژر للمقتدر ، ولما وقعت الفتنة ببغداد في أيام المتقي ، أخرج من الخزانة سفط فيه يد مقطوعة ، ورأس مقطوع ، وعلي اليد رقعة ملصقة عليها مكتوب عليها : هذه اليد يد أبي علي بن مقلة ، وعلي الرأس : هذا رأس الحسين بن القاسم ، فكانت هذه اليد ، هي التي وقعت بقطع هذا الرأس ( الفخري 274).

وفي السنة 330 نصب المتقي ، الأمير ناصر الدولة بن حمدان ، أميرة للأمراء ( تجارب الأمم 28/2 ) ولما دخل بغداد ، أخذ ينظر في قصص أصحاب الجنايات وفيما ينظر فيه صاحب الشرطة ، وتقام الحدود الواجبة عليهم من ضرب وقطع يد ورجل بحضرته ، وتعرض عليه الأيدي والأرجل إذا قطعت ، وتعد بحضرته ، ويستوفي العدد عليهم ، لئلا يرتفق أصحاب الشرطة من الجناة ويطلقوا من دون علمه ( تجارب الأمم 38/2 ) .

وفي السنة 341 أسر معبد بن حرز الزناتي بالمغرب ، وجيء به إلي المنصورية ، وطيف به وبابنه في مدينة القيروان ، وقد أشهرا ، وقطعت يدا ولده ورجلاه وهو يري ذلك في باب أبي الربيع ، وصلب ، ثم سلخ جلد معبد ، وهو حي ، ولم يتحرك ، وحشي بالتبن ( العيون والحدائق ج 4 ق 2 ص 195).

وأقر ملاح للأبزاعجي صاحب شرطة بغداد ، أنه حمل في سفينته امرأة وطفلتين ، ينقلهن من بغداد إلي باب الشماسية ( الصليخ)، فراودها في الطريق علي نفسها ، فأبت ، فأغرق طفلتيها الواحدة بعد الأخري ، وأراد

ص: 132

إغراقها ، فاستسلمت له ، ثم أغرقها ، فأمر الأبزاعجي به ، فقطع يديه ورجليه ، ثم ضرب عنقه ، واحرق جسده بالنار، راجع تفصيل القصة في كتاب نشوار المحاضرة للتنوخي ج 3 ص 214 - 220 رقم القصة 141/3 .

وفي السنة 367 كان الأمير علي الموسم بمكة باديس بن زيري ، بعثه العزيز الفاطمي ، فلما وصل مكة ، أحضر ممثلي اللصوص بها، واتفق معهم علي تقبل الموسم منهم بخمسين ألف درهم يقبضونها ولا يتعرضون لأحد خلال موسم الحج ، فوافق ، وقال : إجمعوا إلي أصحابكم ، حتي يكون العقد مع جميعكم ، فاجتمعوا ، وكانوا نيفا وثلاثين رجلا ، فقال : هل بقي منكم أحد؟ فحلفوا له أنه لم يبق منهم أحد، فقطع أيديهم كلهم . ( ابن الأثير 8 / 694).

وذكر القاضي التنوخي ، في كتابه نشوار المحاضرة واخبار المذاكرة ، في القصة المرقمة 60/3 ( ج 3 ص 88-90)، أن الخوارج في سجستان ، يقطعون السارق من المرفق .

أقول : إن الاختلاف الحاصل بين الطوائف الإسلامية ، في موضوع مقدار ما يقتضي قطعه من السارق ، يرجع إلي الاختلاف في تحديد اليد ، تطبيق لحكم الآية الكريمة : و والسارق والسارقة فاقطعوا أيديهما جزاء بما كسبا و ( 38 م المائدة 5 ) ، وقد فسر أكثر الفقهاء ، اليد ، بأنها الكفت بكامله ، وحكموا في القطع للسرقة ، بأن يتم من الرسغ ، وهو المفصل بين الكفت والساعد ( مجمع البيان ج 3 ص 192)، أما الإمامية ، فإنهم قرروا ، أن الآية الكريمة : و وإن المساجد لله » (18 ك الجن 72)، منعت قطع الكف بكامله ، لأن المساجد، مفردها مسجد ( بفتح الجيم ) هي الأعضاء التي يسجد عليها ، والمساجد أو الأراب السبعة التي يسجد عليها ، هي : الجبهة ، والأنف ، واليدان ، والركبتان ، والرجلان ( لسان العرب ، مادة : سجد) وحيث أن السجود يقتضي وجود الكف ، فلا تقطع ، وحكموا في

ص: 133

القطع للسرقة بأن تقطع الأصابع من أصولها، ويترك الإبهام والكف ( مجمع البيان ج 3 ص 192)، أما الخوارج ، فقرروا أن الآية الكريمة، في الوضوء ، وفاغسلوا وجوهكم وأيديكم إلي المرافق ، 6م المائدة 5 ) ، حددت اليد إلي المرفق ، ولذلك أفتي فقهاؤهم بقطع اليد، وفقا للتحديد الوارد في هذه الآية ، بأن يشمل الكف والساعد ، ويتم من المرفق .

وروي أن منصور بن سهل ، وكان يلي البصرة في السنة 384 ( تجارب الأمم 259/3 ) قبض علي سارق ، وأراد قطع يده ، فقيل له : إنه خياط حاذق ، فقال : اقطعوا رجله ، ودعوا يده ، فقطعت رجله ( أخبار الحمقي والمغفلين 95).

وكان غلمان حسام الدولة المقلد بن المسيب العقيلي ، قد استولوا علي دوابه ، وفروا بها ، فتبعهم ، وظفر بهم ، وقتل ، وقطع أحد عشر غلاما منهم ، وأعادهم إلي خدمته ، فاغتاله أحدهم في السنة 391 . (تاريخ الصابي 389/81 ) .

وفي السنة 398 كثرت العملات ببغداد ، وكبس الذعار عدة مواضع ، وقصد قوم منهم مسجد براثا ، ليلة الجمعة ، وأخذوا حصره ، وستوره ، وقناديله ، فجد أصحاب الشرطة في طلبهم ، فظفروا ببعضهم ، فشهر وا ، وعوقبوا، وكحلوا ، وقطعوا . ( المنتظم 237/7 ).

وفي السنة 400 قتل المهدي الأموي ، أبو المطرف محمد بن هشام بن عبد الجبار بن عبد الرحمن الناصر ، وكان قد استخلف بقرطبة ، فهاجمه سليمان بن الحكم ، الملقب بالمستعين بالله ، وطرده من قرطبة ، فاستعان بالإفرنج ، وهاجم قرطبة ، فأنكسر ، وأسر ، فقطعت أربعته ، ثم ضربت عنقه ( الوافي بالوفيات 163/5 - 165).

وقطع الحاكم الفاطمي (ت 411 ) أيدي كثير من الكتاب ، بالساطور

ص: 134

علي الخشبة من وسط الذراع . ( خطط المقريزي 287/2 ) .

ومن عجائب الحاكم الفاطمي ، إنه كان يأمر بقطع يد أحد أصحابه ، ثم يعيده إلي خدمته ، ثم يقطع يده الأخري ، ويبعث إليه بالأطباء لعلاجه ، ويبره بالذهب ، ثم يقطع لسانه ، ويبعث إليه بالأطباء لعلاجه ، وقد صنع ذلك بأحد أتباعه المسمي غبن ، راجع خطط المقريزي 297/2 و 298 والنجوم الزاهرة 63 و65.

وغضب الحاكم الفاطمي ، صاحب مصر ، علي أبي القاسم الجرجرائي (ت 436) وكان يتقلد أحد الدواوين ، فأمر به فقطعت يداه ، فعصب يديه بعد قطعهما ، وانصرف إلي الديوان ، فجلس كعادته ، وقال : إن أمير المؤمنين لم يعزلني ، وإنما عاقبني لجنايتي ، فعجب الناس منه ، واستعظمه الحاكم ، فرفعه إلي الوزارة . ( اعتاب الكتاب 199).

أقول : إن الظافر الفاطمي ، الذي خلف أباه الحافظ استوزر الجرجرائي ، رغم أنه مقطوع اليدين ، فكان القاضي أبو عبد الله القضاعي ، يكتب عنه العلامة : وهي : الحمد لله ، شكرأ لنعمته ( النجوم الزاهرة 248/4)

وفي السنة427 توفي رافع بن الحسين بن مقن ، صاحب تكريت ، وكان شجاعا حازما ، وكانت يده قد قطعت ، لأن بعض عبيد بني عمه كان يشرب معه، وجري بينه وبين آخر كلام ، فجدا سيفيهما ، وقام رافع يصلح بينهما، فضرب العبد بسيفه فأصابت يد رافع غلطة فقطعها ، فعمل رافع لنفسه كفا أخري يمسك بها العنان ، ويقاتل . ( ابن الأثير 451/9 ).

وذكر أسامة بن منقذ في كتاب الاعتبار 155 و156 أنه كان في جيش الأمير أتابك زنكي ، لما حاصر حصن الصور في ديار بكر ، وكان فيه رماة جرخية ، فأمر من ناداهم ، بأنه إذا أصيب أحد من رجاله بنشابة منهم ، فإنه

ص: 135

سيقطع أيديهم ، ولما استولي علي الحصن ، اتفق أن نشابة جرخ ضربت رجلا من الخراسانية في ركبته ، قطعت الفلكية التي علي مفصل الركبة ، فمات ، فاستدعي أتابك الرجخية ، وهم تسعة نفر ، فجاءوا ، وقسيهم موتورة علي أكتافهم ، فأمر بحر إبهاماتهم من زنودهم ، فأسترخت أيديهم وتلفت .

وذكر صاحب الإحاطة في أخبار غرناطة (305.311 ) ان من جملة ألوان العذاب التي كان يمارسها إبراهيم بن محمد بن همشك ، صاحب شقورة بالأندلس (ت 571) قطع وإخراج الأعصاب والرباطات عن الظهور .

وثمة تقاليد، هي في الواقع ، لون من العذاب ، منها أن السلطان محمود بن سبكتكين ، كان إذا هادن ملك، بعث إليه قباء ، وعمامة ، وسيف ، ومنطقة ، وفرسأ ، ومركبة ، وخفا ، وخاتما عليه اسمه ، وأمره أن يقطع إصبعه ، ويبعث به إليه ، وهي عادة للتوثقة عندهم ، وكان عند محمود ، من أصابع هؤلاء الذين هادنوه ، الكثير ( المنتظم 53/8 ) ، أقول : لو كان قطع الإصبع يقوم به الطرفان المتقابلان ، لكان محمود بن سبكتكين ، بعد عشر مهادنات ، بلا إصبع .

وفي السنة 481 حاول سعد الدولة كوهرائين ، صد بعض العامة عن امرأة تبيع الماء ، فطعنه أحدهم بأسفل رمحه ، فسقط في الطين ، فأخذ من العامة ثمانية نفر، قتل واحدة منهم ، وقطع أعصاب ثلاثة نفر ( ابن الأثير 164/10)

وفي السنة 495 قتل تيران شاه بن توران شاه ، صاحب كرمان ، وكان قاسية، قتل ألفي رجل من الإسماعيلية ، أتباع أمير اسمه إسماعيل صبرة ، وقطع أيدي ألفي رجل آخرين . ( ابن الأثير 320/10 ).

وفي السنة 515 عصي سليمان بن ايلغازي علي أبيه ، وتحضن بحلب ، وكان قد تجاوز العشرين من عمره ، حمله علي ذلك جماعة من

ص: 136

أصحابه ، فسمع والده بالخبر ، فسار إليه مجدا ، فلما وصل إلي حلب ، خرج سليمان إليه معتذرة ، فأمسك عنه ، وقبض علي من أغراه بذلك ، منهم أمير من الأمراء كان قد التقطه أرتق ، والد ايلغازي ، ورباه ، واسمه ناصر ، فقلع ايلغازي عينيه ، وقطع لسانه ، ومنهم إنسان حموي من بيت قرناص ، كان قد رأسه ايلغازي علي أهل حلب ، فقطع يديه ورجليه وسمل عينيه ، فمات ( ابن الأثير 591/10 و 592 ).

وفي السنة 546 قطعت يد رجل متفقه ، يقال له شجاع الدين ، كان يتخادم للفقهاء والوعاظ ، ظهرت عليه عدة عملات ، فقطع ( المنتظم 145/10)

وفي السنة 564 قبض وزير الخليفة المستنجد بالله ، وهو شرف الدين أبو جعفر أحمد بن محمد بن سعيد المعروف بابن البلدي ، علي الحسين بن محمد المعروف بابن السيبي ، وعلي أخيه الأصغر ، وكانا ابني عمة عضد الدين استاذ دار الخليفة ، وكان الأصغر عامل البيمارستان ، فاتهم بخيانة ، وقطعت يده ورجله ، وحمل إلي البيمارستان ، فمات به ( ابن الأثير 349/11 )

وفي السنة 574 كبس بالكرخ علي رجل يقال له أبو السعادات بن قرايا ، كان ينشد علي الدكاكين ، اتهم بالترفض ( أي التشيع ) فأخذ، فقطع لسانه ، ثم قطعت يده ، ثم رجم حتي مات ، ثم أحرق ( المنتظم 286/10)

ولما ولي الظافر الفاطمي ، الخلافة ، فتك بأبني الأنصاري ، وكانا قد استعليا في دولة أبيه الحافظ ، فركب الظافر بعد العشاء الآخرة ، ووقف علي باب الملك ، وأحضر ابني الأنصاري ، واستدعي متولي الستر، وهو صاحب العذاب ، وأحضرت آلات العقوبة ، فضرب الأكبر بحضوره بالسياط إلي أن

ص: 137

قارب الهلاك ، وثني بأخيه ، وأمر بإخراجهما ، وقطع أيديهما، وسل السنتهما من القفا ، وصلبا علي بابي زويلة زمنا ( النجوم الزاهرة 295/5 ).

وكان الوزير ابن البلدي ، وزير المستنجد ، في أيام وزارته ، قطع أنف امرأة ، ويد رجل ، فلما توفي المستنجد ، واستخلف المستضيء ، أسلمه إلي أولياء الثأر ، فقطعوا أنفه ، ثم بتروا يده ، ثم ضرب بالسيوف ، وألقي في دجلة ، وكان ذلك في السنة 566 ( المنتظم 233/10 ) .

وفي السنة 604 قطعت يدا أبي الغنائم نصر بن ساوي النصراني ، الناظر في أعمال دجيل ورجلاه ، وصلب ، وعلق مقابل دار الأمير علاء الدين تتامش الناصري ، وسبب ذلك انه قد نسب الي أبي الغنائم أنه توصل الي قتل الأمير تتامش بالسم ، وكان تتامش مقطع دقوقا ، فلما مات مسموما ، نسب إلي أبي الغنائم انه دست له السم ، فتقدم بأخذه ، وأن يفعل به ما سبق ذكره ، وكان شيخا مليح الهيأة ، مترفة ، منعم ، وبلغني إنه بذل عشرة آلاف دينار علي أن لا يقتل ، فلم يقبل منه ، ثم أحرق بعد صلبه ، فطيف به المحال مسحوبا ( الجامع المختصر 220).

وفي السنة 629 جرت فتنة بين أهل باب الأزج وأهل المختارة ، وتراموا بالبندق والمقاليع والآجر، وتجالدوا بالسيوف ، فقتل من الفريقين وجرح جماعة . فتقدم في عشية اليوم التالي بخروج الجند ، وكفهم عن ذلك ، فخرج نائب باب النوبي ، ومعه جماعة من الجند ، وكفهم ، وقبض علي جماعة منهم ، فضربهم ، وقطع أعصابهم ، فسكنت الفتنة ( الحوادث الجامعة 31).

وفي السنة 637 تحيل قوم غرباء ، كانوا في حبس الوزير ، وهو داره بدرب البطيخ ، ونقبوه ، وخرجوا ليلا ، ومضوا لا يعلمون أين يقصدون ، فساقهم القضاء الي دار حاجب باب النوبي تاج الدين بن الدوامي ، فأنكرهم

ص: 138

الغلمان ، وسألوهم عن حالهم ، فاستجاروا بهم ، وقالوا : قد هربنا من حبس الوزير ، فقبضوا عليهم ، وعرفوا حاجب الباب ، فحبسهم ، وأنهي حالهم ، فتقدم بقطع أيديهم وأرجلهم من خلاف ر الحوادث الجامعة 127 ).

وفي السنة 653 نبش قبر امرأة في مقبرة معروف الكرخي ، وأخذت أكفانها ، فخرج بعض أهل قطفنا ليصلي ، فرأي النباش ، فهرب ، فأنهي ذلك ، فكبس عليه وأخذ ، فوجدوا عنده عدة أكفان ، فقطعت يداه وعلقتا في حلقه ، وأشهر ببغداد ( الحوادث الجامعة 307) .

وفي السنة 653 وثب أهل النيل علي الشحنة بها فقتلوه ، لكونه أساء السيرة فيهم ، وكان يهجم علي نسائهم ويفتك به ، فشكو أمره إلي الخليفة والوزير وصاحب الديوان ، فلم يلتفت إليهم ، فقتلوه ، فلما بلغ الخليفة خبر قتله ، أمر الأمير سيف الدين قليج، بالمسير إليهم ومؤاخذة من فعل ذلك ، فسار إليهم ، وأخذ جماعة ، فقتل منهم ، وصلب ، وقطع أعصاب آخرين وأيديهم ، وأحرق دورا كثيرة ، ونهب أموال أصحابها ( الحوادث الجامعة 302)

وفي السنة 690 قتل ببغداد ، شاب يهودي ، وقطعت أطرافه ، وطاف به العوام في دروب بغداد ( الحوادث الجامعة 465).

وفي السنة 692 وثب باطني علي نفاجو ، أمير المسلحة بالعراق ، علي رأس الجسر العضدي ببغداد ( يريد رأس الجسر من الجانب الغربي حيث كان البيمارستان العضدي ) . وطعنه بخنجر فقتله ، فقبض عليه ، وتسلمه ابن نفاجو ، فمثل به ، وقطع أطرافه وهو حي ( تاريخ العراق للعزاوي 356/1)

وفي السنة 693 تأمر بعض الأمراء المماليك بمصر ، علي الملك الاشرف خليل ، وقتلوه ضربا بالسيوف ، وكان علي رأسهم الأمير بيدرا ،

ص: 139

فانتصر للسلطان قسم من الأمراء ، علي رأسهم الأمير كتبغا ، وقبضوا علي بيدرا ، وقطعوا يده ، ثم قطعوا كتفه ، وقتلوه ، ثم قبضوا علي أميرين اشتركا في قتل الملك الاشرف وهما الأمير سيف الدين بهادر ، وجمال الدين اقشي ، فضرب عنقاهما وأحرقت جثتاهما، ثم قبض علي سبعة أمراء آخرين ، اشتركوا في قتل الملك الأشرف ، فقطعت أيديهم ، وأرجلهم ، وسمروا علي الجمال ، وطيف بهم ، وأيديهم في أعناقهم ، وماتوا شر ميتة ( تاريخ ابن الفرات 170/8 - 174).

وفي السنة 694 تأمر الأمير لاجين والأمير كتبغا نائب السلطان ، علي خلع السلطان الملك الناصر محمد ابن قلاوون ، علي أن يبايع كتبغا بالسلطنة ، وبلغ ذلك الأمراء الأشرفية ، فهاجوا ، ووثبوا ، فقبض عليهم الأمير كتبغا ، وقطع أيدي بعضهم ، وأرجلهم ، وكحل البعض وقطع ألسنة آخرين ، وصلب جماعة منهم ، علي باب زويلة ، ثم خلع السلطان الناصر محمد بن قلاوون من السلطنة ، وتسلطن بدلا منه . ( النجوم الزاهرة 48/8 و49) .

وفي السنة 702 قطعت يد تاج الدين ابن المناديلي الناسخ بدمشق ، إذ وجدت بخطه كتابة باسم نصيحة أريد بها احداث فتنة . ( الوافي بالوفيات . 303/8)

وفي أيام ملك الأمراء أرغون شاه ، في حكم دمشق ، قام بعض العامة بخطف الخبز من دكاكين الخبازين ، فجمعهم بحجة توزيع الخبز عليهم ، وأمر بقطع أيديهم وأرجلهم . (مهذب رحلة ابن بطوطة 271/2 و 272 ) .

وذكر ابن بطوطة ، إنه لما وصل إلي مدينة كنكار ، في جزيرة سيلان ، وجد خارجها مسجد الشيخ عثمان الشيرازي ، وسلطان المدينة وأهلها يعظمونه ، وكان الدليل إلي القدم ( قدم آدم ) ، ولكن قطعت يده ورجله ،

ص: 140

فصار الادلاء أولاده وغلمانه ، وسبب قطع أطرافه ، إنه ذبح بقرة ، وحكم كفار الهنود إن من ذبح بقرة ، قتل، إما ذبحا ، وإما وضع في جلدها وأحرق ، وكان الشيخ عثمان معظم عندهم ، فاكتفوا بقطع أطرافه (مهذب رحلة ابن بطوطة 215/2 ) .

وفي السنة 739 غضب السلطان الملك الناصر محمد بن قلاوون ، سلطان مصر ، علي أحمد بن يحيي العمري الكاتب ، فحبسه ، ثم إن بعض الكتاب نقل عنه إنه زور توقيعا فأمر الناصر به فقطعت يده في السجن ، ثم أطلق وتوفي 749 ( الدرر الكامنة 352/1 - 354 ).

وفي السنة 756 خرج عيسي بن الحسين ، صاحب جبل الفتح والثغور الأندلسية التي تحت حكم صاحب المغرب ، علي السلطان أبي عنان صاحب المغرب ، فخالفه كثير من أصحابه ، واعتقلوه وولده ، وبعثوا به إلي السلطان أبي عنان ، فقتل عيسي قعصة بالرماح ، وقطعت اطراف ولده أبي يحيي من خلاف ، وترك ينزف حتي مات ( ابن خلدون 295/7 و 296 ) .

وفي السنة 761 وصل جماعة من الشرفاء ، إلي المهجم في اليمن ، فاعتدي بعض غلمان الأشراف ، علي واحد من أهل المدينة ، فقبض عليه ، وقطعت يده . ( العقود اللؤلؤية 112/2 ).

وفي السنة 782 ادعي شخص افرنجي ، ضد آخر من المسلمين ، أمام الأمير بركة ، بالقاهرة ، فلم تثبت دعوي الإفرنجي ، فغضب الإفرنجي ، وأخرج سكينا ، طعن بها الترجمان ، فقتله في مجلس الحكم ، فأمر الأمير بركة ، بالإفرنجي ، فسمر ، وطيف به في القاهرة علي جمل ، بعد أن قطعت يداه ورجلاه ، ثم أحرق بالنار ، خارج القاهرة . (بدائع الزهور 255/2/1)

وفي السنة 787 أمر السلطان الملك الظاهر برقوق في القاهرة ، بإبطال

ص: 141

ما كان الناس يتعاطونه في النيروز من رش الماء ، والرجم بالبيض ، والمصافعة ، وتوعد من يتعاطي ذلك منهم ، ورسم لوالي القاهرة ، بالقبض علي المخالفين ، فقبض الوالي علي جماعة ، وضربهم بالمقارع، وقطع أيدي جماعة منهم . ( بدائع الزهور 365/2/1 ).

وفي السنة 788 لما توفي السلطان أبوفارس موسي ، صاحب المغرب ، طلب وزيره مسعود بن ماسي ، من صاحب غرناطة ، الأمير الواثق بالله أبا زيان محمد بن أبي الفضل بن علي ، فأحضره وبايعه ، ثم اختلف الوزير مع ابن الأحمر صاحب غرناطة ، فأطلق ابن الأحمر السلطان المخلوع أبا العباس المريني ، وسيره إلي المغرب للمطالبة بعرشه ، فاجتمع عليه جمع من أنصاره ، وحاصر الوزير مسعود بن ماسي ، ومعه السلطان الواثق بالله أبو فارس ، ودام الحصار ثلاثة أشهر، ثم حصل الصلح بين الطرفين علي أن يستسلم الواثق ووزيره ، لأبي العباس ، علي أن يمكن الواثق من الجواز للأندلس ، وأن يستوزر مسعود بن ماسي ، ويطلق يده في الدولة ، وتم الأمان والصلح علي هذا الوجه ، ودخل السلطان أبو العباس البلد في السنة 789 وقبض علي الواثق ، وبعث به معتقلا إلي طنجة ، حيث قتله هناك ، ثم قبض علي الوزير مسعود بن ماسي وإخوته ، وحاشيته ، وأمتحنهم جميعا ، فهلكوا في العذاب ، وسلط علي الوزير مسعود من العذاب والانتقام ، ما لا يعبر عنه ، ونقم عليه ما كان يفعله في دور بني مرين ، فإنه كان ينهب بيوتهم ، ويخربها ، فأمر السلطان بعقوبته في أطلالها ، فكان يؤتي به إلي كل بيت منها ، فيضرب عشرين سوطأ ، ولما تجاوز العذاب به الحد ، أمر السلطان بقطع أطرافه ، فهلك عند قطع الطرف الثاني من أطرافه ( ابن خلدون 357/7)

وفي السنة 791 أعيد حسين بن الكوراني ، إلي ولاية القاهرة ، لأن الزعر كثر عتوهم وفسادهم ، فتتبع الزعر ، وقبض علي أربعة عشر نفرا ،

ص: 142

فقطع أيديهم وشهرهم في البلد ، ثم قبض علي ستة آخرين من الزعر، ومعهم السلاح ، فقطع أيديهم وشهرهم . ( نزهة النفوس 245 و 248).

وفي السنة 792 حدثت فتنة بدمشق ، فركب الأمير يلبغا الناصري ، وحارب أهل الفتنة ، وكسرهم ، وقبض علي أكابرهم ، فوسطهم تحت القلعة ، وحبس عدة منهم ، وقطع أيدي سبعمائة إنسان . ( نزهة النفوس 310)

وفي السنة 792 قطع الأمير صارم الدين ، والي القاهرة ، أيدي سبعة نفر من الزعر . (تاريخ ابن الفرات 203/9 ).

وفي السنة 793 أخذ في مدينة تعز ، باليمن ، رجل من البهادرة ، ذكروا إنه ساحر ، وكان يتشبه بالمسلمين ، فسملت عيناه ، وقطعت يده . ( العقود اللؤلؤية 223/2 ) .

وفي السنة 800 أمر السلطان الأشرف ، سلطان اليمن ، بقطع يد ابن الرباحي نقاش السكة في تعز ، فقطعت ( العقود اللؤلؤية 294/2 ).

وفي السنة 801 وصل صاحب حيس باليمن ، إلي السلطان برجل اسمه عثمان بن مطير كان يسرق بالليل وينهب بالنهار ، فأمر السلطان بقطع يده ورجله من خلاف ، فاقام أيام بعد القطع ، وهلك ( العقود اللؤلؤية 305/2)

وفي السنة 803 اتفق قوم علي اغتيال نائب الإسكندرية ، فقبض عليهم وقتل بعضهم ، وقطع أيدي بعضهم . ( بدائع الزهور 632/2/1 ) .

وفي السنة 805 قام جماعة من المماليك الناصرية ، بالقاهرة ، بضرب بعض الأمراء ، فرسم السلطان بإحضار أولئك المماليك ، فضربهم بالمقارع ، وأشهرهم علي جمال ، وقطع أيدي جماعة منهم ( بدائع الزهور 668/2/1)

ص: 143

وفي السنة 903 جيء إلي سلطان مصر ، بسارق ، فأمر بقطع يده ورجله ، والطريف في الأمر ، أن السلطان ألزم السارق نفسه بتنفيذ العقوبة ، بأن قطع أطرافه بيده ( بدائع الزهور 42/1 ) .

وفي السنة 911 ظهر علي الشيخ سنطباي بالقاهرة، وكان يدعي التصوف ، وله جماعة من أصحابه ، إنه يسك النقود المغشوشة ( يضرب الزغل ) فأحضره السلطان الغوري ، وأحضر أتباعه ، وضربهم بحضرته ، فأقروا بصنع الزغل، وإن شيخهم سنطباي معهم في العمل ، فأمر السلطان بهم فقطعت أيديهم ، وأمر بقطع يد الشيخ سنطباي ، فشفع له الأمير قرقماش ، فعفا السلطان عن قطعه ، ونفاه إلي القدس ( الكواكب السائرة يا 212/1 )

وكان ملك الأمراء ، نائب السلطان العثماني بمصر ، مولعا بقطع الأطراف ، ففي السنة 926 قبض علي صيرفي يهودي ، اتهم بأنه تعامل في مسكوكات مغشوشة ، فضربه ، وقطع يده ، وعلقها في أنفه ، وأشهره ( بدائع الزهور 5/ 337 ).

وكان لعبد الكريم بن محمود الطاراني ، المتوفي سنة 1041 أخ اسمه محمد حسن الخط الي الغاية ، سافر إلي مصر ، وقلد الطغراء السلطانية ، فأحضره حاكم مصر ، وسأله ، فاعترف بالتقليد ، فأمر به حاكم مصر ، فقطعت يده اليمني ، وكان بعد ذلك يلفت علي يده خرقة ، ويمسك بها القلم ، ويكتب ( خلاصة الأثر 3/ 12 ).

وكان المير مهنا بن المير ناصر ، حاكم بندر ريق علي خليج البصرة من السنة 1168 - 1183 عظيم القسوة في تعذيب رعاياه ، بجدع آنافهم وصلم آذانهم ، كما أنه قتل أباه ، وأمه ، وأخاه ، وستة عشر رجلا من أفراد عائلته (رحلة نيبور 145/2- 149).

ص: 144

وفي السنة 1185 اختلف الأمير محمد بك أبو الذهب مع سيده الأمير علي بك ، وترك القاهرة إلي الصعيد، ثم وقع علي مراسلة بين سيده علي بك وبين الأمير أيوب بك ، فأحضر أيوب بك ، واتهمه بوجود مراسلة بينه وبين علي بك ، فأنكر وحلف ، وقال إنه إذا صح ذلك فيجب أن تقطع يده ولسانه ، فأظهر له محمد بك الرسالة المكتوبة بخط يده ، الي علي بك ، ولم يحر جوابأ ، فأمر به فقطعت يده ، ثم شبكوا في لسانه ستارة ، وجذبوه اليقطعوه ، فتخلص منهم ورمي بنفسه في النيل، فغرق ( الجبرتي 408/1)

وفي السنة 1192 أمر مراد بك ، بمصر ، بقطع يدي عبد الرحمن اغا، وسلمه السواس الخيل ، فصفعوه ، ثم قطعت يده ، ثم قتل ( تاريخ الجبرتي 532/1 ).

،وكان أحمد باشا الجزار (ت 1219)، مشتهرا بالتمثيل بالناس ، بقطع الأطراف والأناف والآذان ( تاريخ الجبرتي 49/3 ) .

وفي السنة 1327 استولي محمد بن علي الإدريسي ، علي صبيا ، وقطع يدي حاكمها الشريف أحمد الخواجي ، من زعماء أبي عريش ( الاعلام 196/7)

ص: 145

القسم الثاني : سل اللسان

أما التعذيب بسل اللسان ، فإن أول من مارسه ، زياد بن أبيه ، جيء إليه برشيد الهجري ، من أصحاب الإمام علي ، فأمر به فقطعت يداه ورجلاه ، ثم قطع لسانه ، ثم صلب خنقأ في عنقه ( شرح نهج البلاغة 294/2)

ومارس هذا اللون من العذاب ، من بعد زياد ، هشام بن عبد الملك الأموي إذ قطع لسان غيلان بن مسلم الدمشقي ، لأنه كان يقول بالقدر ، فأمر به فقطعت يداه ورجلاه ، وألقي في الكناسة ، فاحتوشه الناس ، فأمر بقطع لسانه ، ثم ضرب عنقه ( العقد الفريد 380/2 ) .

أقول : الظاهر أن هشام قتله لأنه كان يري أن الإمامة تصح في غير قريش ، وأن كل من كان قائما بالكتاب والسنة فهو مستحق لها، وأنها لا تثبت إلا بإجماع الأمة .

وفي السنة 118 قبض أسد بن عبد الله القسري ، علي خداش ، أحد دعاة العباسيين ، فقطع لسانه ، وسمل عينيه ( ابن الأثير 197/5 ).

وفي السنة 128 كان مروان الجعدي ، يحارب الخوارج ، وبعث إليهم كاتبه محمد بن سعيد رسولا ، فمالأهم وانحاز إليهم ، ثم جيء به إلي مروان أسيرة ، فقطع يده ورجله ولسانه ( الطبري 347/7 ).

ص: 146

وفي السنة 132 لما وصل مروان الجعدي إلي « أبو صير » بمصر ، فارا من بني العباس ، اتهم أحد قواده بمكاتبة العباسيين ، فقطع لسانه ( فوات الوفيات 128/4 ).

وأمر هشام بن عبد الرحمن الداخل، بالأندلس ، بأبي المخشي عاصم بن زيد العبادي ، شاعر الأندلس ، فقطع لسانه ، وسبب ذلك ، إن أبا المخشي مدح أبا أيوب ، أخا هشام ، فعرض في القصيدة بهشام ، إذ قال :

وليس كمن إذا ما سيل عرفة**** يقلب مقل فيها أعورار

وكان هشام في إحدي عينيه نكتة بياض ، كجده هشام بن عبد الملك ، ثم ظفر هشام ، وكان يلي الحرب بماردة ، بأبي المخشي ، فأمر به فقطع لسانه ( بدائع البدائه 38 ).

وغضب المأمون علي أبي الحسن الشاعر ، المعروف بالعكوك ، فأمر باعتقاله ، وأحضر أمامه ، فقال له : يا ابن اللحناء ، أنت القائل للقاسم بن عيسي ( أبي دلف )

كل من في الأرض من عرب**** بين باديه إلي حضرة

مستعير منك مكرمة**** يرتديها يوم مفتخره

جعلتنا ممن يستعير منه المكارم ، فقال : يا أمير المؤمنين ، أنتم أهل بيت لا يقاس بكم، وإنما عنيت بقولي ، أقرانا وأشكالا لأبي دلف ، فقال له المأمون : أنا أستحل دمك بكفرك في شعرك ، حيث قلت في عبير ذليل مهين

أنت الذي تنزل الأيام منزلها ****وتنقل الدهر من حال إلي حال

وما مددت مدي طرفي إلي أحد**** إلا قضيت بأرزاق وآجال

ص: 147

ذاك هو الله عز وجل ، فجعلت بشعرك مع الله شريكا ، ثم أمر به فسل لسانه من قفاه ، فمات . ( وفيات الأعيان 353/3 ).

أقول : يغلب علي ظني أن المأمون آنما قتله لأنه عرض به ، وعيره بأن أمه أمة ، في شعر مدح به الأمين من جملته هذا البيت :

لم تلده أمة تع**** رف في السوق التجارا

وقد سبق أن أوردنا ما يشبه ذلك في هذا الكتاب ، في الفصل الأول من الباب الثاني : الضرب ، اذ غني الرشيد ببيتين في مدح علي بن المهدي ، وأمه ريطة بنت أبي العباس السفاح ، وفيهما تعريض بالرشيد بأن أمه أمة ، فراجع القصة في موضعها .

وكان يعقوب بن السكيت ، النحوي ، اللغوي ، يؤدب أولاد المتوكل ، فقال له المتوكل يومأ : أيما أحب إليك ، ابناي هذان ، أم الحسن والحسين ؟ فأجاب بجواب لم يرضه المتوكل ، فأمر الأتراك فداسوا بطنه ، وسلوا لسانه ، فقتلوه ( معجم الأدباء 301/7 ).

وقطع الراضي لسان وزيره أبي علي بن مقلة ، في السنة 328، بعد آن قطع يده . ( الوافي بالوفيات 109/4 ).

وفي السنة 334 قطع لسان علم ، التي كانت قهرمانة المستكفي وكانت قد سملت عيناها أيضا. ( تجارب الأمم 2/ 100). :

وفي السنة 379 قبض بهاء الدولة البويهي، علي الحسين الفراش ، وأحضره إلي بغداد ، وأمر باخراج لسانه من قفاه ، فمات ، ورمي به إلي دجلة ( ذيل تجارب الأمم 169).

وفي السنة 474 حاول أحد خدم الأمير شرف الدولة مسلم بن قريش ، صاحب الموصل أن يخنقه ، وهرب قبل أن يتم خنقه ، وأدرك الأمير

ص: 148

أصحابه ، فنجا من الموت ، وقبض علي الخادم ، فقطع لسانه ، ثم قتله ( المنتظم 331/8 ).

وفي السنة 475 بلغ جمال الملك بن الوزير نظام الملك ، أن جعفرك ، مضحك السلطان ملكشاه ، يحاكي نظام الملك في كلامه وهيأته ، ويضحك السلطان ، فترك بلخ ، وكان والية بها ، ووافي إصبهان حيث والده والسلطان ، وأغلظ لإخوته القول لسكوتهم عن جعفرك ، ثم أمر بالقبض علي جعفرك، وسل لسانه من قفاه ، فيقال ان السلطان ملكشاه ، وضع علي جمال الملك من سقاه سما في كوز فقاع ، فلما شربه مات ( ابن الأثير 123/10 و124).

وفي السنة 515 عصي سليمان بن ايلغازي علي أبيه ، وتحضن بحلب ، وكان قد تجاوز العشرين من عمره ، حمله علي ذلك جماعة من أصحابه ، فبلغ والده الخبر ، فسار إليه مجدا ، فلما وصل إلي حلب ، خرج سليمان إليه معتذرة ، فأمسك عنه ، وقبض علي من أغراه بذلك ، منهم أمير من الأمراء اسمه ناصر ، كان ارتق والد ايلغازي ، قد التقطه ورباه ، فقلع ايلغازي عينيه ، وقطع لسانه ( ابن الأثير 591/10 و 592 ).

ولما ولي الظافر الفاطمي ، الخلافة ، في السنة 544 قتل ابني الأنصاري ، وكانا قد استعليا في دولة أبيه الحافظ ، فضربهما بالسياط ، وقطع أيديهما، وسل ألسنتهما من القفا، ثم صلبهما . ( النجوم الزاهرة 295/5)

وقطع الخليفة الناصر ، في السنة 110 لسان الفقيه المأموني ، وألقاه في مطمورة ، حتي مات ( الوافي بالوفيات 159/9 ).

وفي السنة 611 غضب الخليفة الناصر ، علي ابن الماشطة الحنبلي ، وكان يلي ضياع الخاص ، فأمر به فضرب مائة خشبة ، وقطع لسانه ، وأعطوه

ص: 149

لسانه في مداسه ، ونادوا عليه : هذا جزاء من يكثر كلامه . ( الذيل علي الروضتين 85 ).

وفي السنة 625 نقل عن عبد الله بن اسماعيل ، صاحب ابن المني الواعظ ما اقتضي أن أحضر إلي دار الوزارة ، وضرب مائة عصا، وقطع لسانه ، وحمل إلي المارستان العضدي ، وحبس في حجرة المجانين ( الحوادث الجامعة 14 ).

وفي السنة 626 أحضر أبو القاسم علي بن البوري ، إلي باب النوبي ، وضرب مائة عصا ، وقطع لسانه ، وحمل إلي حبس المدائن ، وكان شابا حسن الصورة ، تام الخلقة ، جميلا ، نقل عنه ما اقتضت السياسة أن يعمل به ذلك ( الحوادث الجامعة 3 و4 ).

وفي السنة 628 جيء من همذان ، بإنساني ادعي أن له اتصالا بالخليفة المستنصر ، فقطع لسانه ، وحبس في المارستان ( الحوادث الجامعة 24) .

وفي السنة 709 هجا بعض العوام بمصر ، السلطان بيبرس الجاشنكير ، فقطع ألسنتهم ( بدائع الزهور 151/1 ).

وفي السنة 733 أخذ حاجب العرب بدمشق علي بن مقلد ، فضرب ، وحبس ، وأخذ ماله ، وقطع لسانه ، ثم قطع لسانه مرة ثانية ، فمات آخر النهار ( المختصر في تاريخ البشر 109/4 ).

وفي السنة 735 قتل حمزة التركماني ، قتله الأمير تنكز نائب السلطنة في الشام ، وكان من خواص تنكز ، ثم تغير عليه ، فأعتقله ، وعذبه بأن أمر به فرمي بالبندق ، حتي تورم جسده ، ثم أطلقه ، وبلغه إنه تكلم عنه بسوء ، فبعث به إلي البقاع ، حيث قطع لسانه من أصله ، فمات ( الدرر الكامنة 166/2 و تاريخ ابي الفدا 114/4 ).

وفي السنة 751 كان الأمير أبو عنان فارس بن علي ، مستوليا علي فاس ، فأعلن بها سلطنته ضد أبيه السلطان أبي الحسن المريني ، الذي كان

ص: 150

مقيما بمراكش ، وقبض أبو عنان علي كاتب الجباية يحيي بن حمزة بن شعيب بن محمد بن أبي مدين ، واتهمه بممالأة أبيه السلطان عليه، فقطع لسانه ، فمات ( ابن خلدون 286/7 ).

وكان الأمير يلبغا العمري ، في السنة 768 بالقاهرة ، فقتله مماليكه ، لأنه كان ظالمة ، وكان يتنوع في فرض العقاب علي مماليكه ، علي أدني جرم ، وكان إذا غضب علي أحد مماليكه ، فربما قطع لسانه ، فاتفقوا علي قتله ، وقتلوه ( النجوم الزاهرة 35/11 - 40 وبدائع الزهور 45/2/1 ) .

وفي السنة 822 توفي أحمد بن يوسف الشاعر المعروف بابن الزعيفريني وكان قد مدح الأمير جمال الدين الاستادار بأبيات تنبأ له فيها بأنه سيملك مصر ، ويملك بعده ابنه ، فأطلع الملك الناصر فرج علي الأبيات ، فأمر بقطع لسانه ، وعقدتين من أصابع يده اليمني ، فرفق به عند القطع ، فلم يمنعه من النطق ، وأظهر الخرس مدة أيام الناصر ، ثم تكلم بعد ذلك ، وكتب بيده اليسري ( شذرات الذهب 155/7 ).

وكان سليمان باشا بن قباد ، محافظ دمشق ، المتوفي سنة 997 شديد السطوة ينوع أنواع العذاب ، وقتل حمدان وهو بالمرجة ، وسل لسانه من تحت حنكه ، ثم شنقه في شجرة ( الكواكب السائرة 158/3 ) .

وفي السنة 1122 وقعت محاربة بين القيسية واليمنية ببلاد الشام ، فقتل كثير من اليمنية ، وخمسة أمراء من بني علم الدين ، وأمسك الشيخ محمود أبو هرموش ، وقطع الأمير حيدر الشهابي لسانه ، وأباهم يديه . ( خطط الشام 2882)

وفي السنة 1185 اتهم الأمير محمد بك أبو الذهب ، بمصر ، أحد الأمراء ، و سمه أيوب بك ، بخيانته ، فأمر بقطع يده ولسانه ( تاريخ الجبرتي 407/1 و408) .

ص: 151

القسم الثالث : جدع الأنف وصلم الأذن
اشارة

الجدع : القطع ، وترد علي قطع الأنف، والأجدع : مقطوع الأنف ، وقال الحسين بن مطير الأسدي ، يرثي معن بن زائدة الشيباني :

ولما مضي مع مضي الجود وانقضي**** وأصبح عرنين المكارم أجدعا

والصلم : قطع الشيء من أصله ، وترد علي قطع الأذن ، والأصلم : من كانت أذناه مقطوعتان .

والعذاب بجدع الأنف وصلم الأذن ، قد يمارس كل لون منهما علي انفراد ، وقد يمارسان مجتمعين ، ولذلك فقد قسمت هذا القسم إلي ثلاثة أبحاث .

البحث الأول : جدع الأنف

البحث الثاني : صلم الأذن

البحث الثالث : جدع الأنف وصلم الأذن مجتمعين .

ص: 152

البحث الأول : جدع الأنف

من أوائل من مارس العذاب بجدع الأنف حميد بن الحارث بن بحدل ، في كلب ، بعد وقعة مرج راهط ، فإنه بعد أن قتل وأسر ، عمد إلي من ظفر به من القتلي والأسري ، فقطع سبالهم وأنافهم ، وجعلها في خيط ، وبعث بها إلي الشام ( الأغاني 200/19 ).

ومن اخبار جدع الأنف ، ما صنعته حليلة هدبة بن الخشرم ، وكانت من اجمل النساء ، فإنها جدعت أنفها لما قدم زوجها للقتل ، وكان هدبة شاعرة راوية ، كان رواية الحطيئة ، والحطيئة راوية كعب بن زهير ، وكان جميل بثينة راوية هدبة ، وكثير راوية جميل ، وكان لهدية أخوة ثلاثة ، كلهم شاعر ، وكانت أم هدية شاعرة أيضا ، وكان هدبة مقبلا من الشام في ركب من قومه ، وفيهم زيادة بن زيد ، وهو شاعر ، وكان زيادة وهدية يتناوبان سوق الابل ، فارتجز زيادة رجزا ذكر فيه أخت هدبة ، فحمي هدبة ، ولما جاء دوره ارتجز فذكر أخت زيادة ، فتسابا ، وتشاتما طويلا ، وحجز القوم بينهما ، فلما قضيا حجهما مع الناس ، جعل هدية وزيادة يتهاديان الأشعار ، وأصاب هدبة غرة من زيادة فقتله ، فطلبه والي المدينة سعيد بن العاص ، فأعياه ، فاعتقل عم هدية وأهله ، فلما بلغه ذلك ، أقبل فأمكن من نفسه ، وشخص أخو زيادة إلي معاوية بدمشق ، واستعدي علي هدبة ، فكتب معاوية إلي سعيد أن يقيده به اذا قامت البينة ، وكره سعيد أن يحكم بينهما ، فبعث بهما إلي معاوية ،

ص: 153

وأقر هدية بقتل زيادة ، وأراد معاوية تأجيل القصاص ، وأمر بأن يحبس هدبة ، حتي يبلغ ابن لزيادة ، لم يكن قد بلغ الحلم ، فلما بلغ بعد ثلاث سنين ، وأصر علي القود ، أخرج هدية من الحبس ، وحمل ليقتل ، أبصر امرأته بين النظارة فأنشدها شعرأ صرح فيه بأنه يغار عليها أن تتزوج من بعده ، فعمدت الزوجة الي مدية جدعت بها أنفها ، وأقبلت عليه مجدوعة تدمي ، وقال له : يا هدية ، اتخاف أن يكون بعد هذا نكاح ؟ فقال : الآن طاب الموت ، راجع أخبار هدبة في الأغاني 254/21 - 274 وفي خزانة الادب للبغدادي 84/4 - 87 وفي الاعلام 69/9 ، ومن ابيات هدية ، التي أصبحت مثلا سائرا قوله :

عسي الكرب الذي أمسيت فيه**** يكون وراءه فرج قريب

ودخل الجحاف بن حكيم بن عاصم السلمي ، علي عبد الملك بن مروان ، والأخطل التغلبي عنده ، فقال الأخطل :

ألا سائل الجحاف هل هو ثائر**** بقتلي أصيبت من تميم وعامر

فأثار ذلك حفيظة الجحاف ، وأجابه قائلا :

بلي ، سوف نبكيهم بكل مهند**** ونبكي عميرة بالرماح الشواجر

وكان الجحاف يأكل رطبا ، فجعل يتساقط من يده من فرط غيظه ، ثم قال للاخطل : يا ابن النصرانية ، ما كنت أظن أنك تجتريء علي بمثل هذا ، فأرعد الأخطل من خوفه ، وقام إلي عبد الملك فأمسك ذيله ، وقال له : هذا مقام العائذ بك ، وقام الجحاف يمشي ويجر ثوبه وهو لا يعقل ، ثم اصطنع كتابة بعهده علي صدقات تغلب وبكر بالجزيرة ، وقال لأصحابه : إن أمير المؤمنين قد ولاني علي هذه الصدقات ، فمن أراد اللحاق بي فليفعل، فصحبه منهم جماعة ، فلما وصل الي رصافة هشام ، أخبرهم بما كان من الأخطل إليه ، وإنه افتعل الكتاب ، وإنه ليس بوال ، فمن أحب أن يشاركه

ص: 154

في غسل العار فليصحبه ، ومن أراد العودة فليعد ، فرجعوا غير ثلثمائة قالوا : إنهم يموتون بموته ويحيون بحياته ، فسار إلي تغلب بأصحابه ، فقتل منهم مقتلة عظيمة ، وكان الأخطل بينهم فرمي بنفسه في جت ، فسلم ، ولحق الجحاف ببلاد الروم ، حتي أخذوا له الأمان من عبد الملك ، فقدم عليه ، فألزمه ديات من قتل ، فقام بجمعها وأوصلها ، ثم أظهر التوبة هو وأصحابه ، ومضي معهم حجاجأ إلي مكة ، وقد زموا أنفسهم ( أي إنهم خرقوا حاجز بين المنخرين ، ووضعوا فيه زمامة ) وتعلق الجاف بأستار الكعبة ، وهو يصيح : اللهم أغفر لي ، وما أظنك تفعل ، فسمعه محمد بن الحنفية ، فقال له : يا شيخ ، القنوط ش من الذنب ( أنساب الأشراف 328/5 - 331 وابن الأثير اصل 322 - 320/4)

وفي السنة 78 وثب الروم علي ملكهم ، فخلعوه ، وجدعوا أنفه ، ونفوه ( شذرات الذهب 84/1 ).

وفي السنة 127 انتقضت حمص علي مروان الحمار الأموي ، فحصرها ، ثم امنهم ، بشرط أن يسلموا إليه أشخاصة ، منهم حبشي كان يسب مروان ، وقت الحصار ، وكان يشد في ذكره ، ذكر حمار ، ويقول : يا بني شليم ، هذا لواؤكم ، فلما تسلمه مروان ، أسلمه لبني شليم ، فجدعوا أنفه ، وقطعوا ذكره ، ومثلوا به . ( ابن الأثير 333/5 ).

وقدمت إلي عبد الرحمن بن حجيرة ، قاضي مصر (69 - 83)، امرأة من حمير ، جدعت أنف أمة لها ، فأعتقها ابن حجيرة ، وحكم بولائها للمسلمين يعقلون عنها ويرثونها . ( الولاة للكندي 317 و 318 ).

وأنشد حريث الطائي ، شعرأ في هجاء بني عتود ، فسمعه واحد منهم اسمه أوفي بن حجر ، فأمسك هراوة جمع بها يديه ، وضرب بها أنفه فحطمه . ( الاغاني 383/14 - و384) .

ص: 155

وكان داود بن علي العباسي، يمثل بمن يعثر عليه من بني أمية ، فيجدع أنوفهم ، ويصلم آذانهم ، ويسمل عيونهم ويبقر بطونهم ( شرح نهج البلاغة 156/7)

ولما جيء إلي المنصور ، برأس إبراهيم بن عبد الله بن الحسن ، قتيل باخمري ، وضع بين يديه في ترس ، فأكب عليه بعض السيافة ، فبصق في وجهه ، فنظر إليه أبو جعفر وأمر بدق أنفه ، فدق ، وأخذته أعمدة الحرس ، فما زال يهشم بها ، حتي خمد ( الطبري 11/8 و82).

وفي السنة 164 ولي مصر للمهدي العباسي ، سالم بن سوادة التميمي ، وكان أجدع جدعته اليمانية ( الولاة للكندي 123).

أقول : يريد إنه قد جدع أنفه أيام الفتنة التي وقعت بخراسان بين القيسية واليمانية ، فكان القيسيون إذا ظفروا بيماني ، قتلوه أو مثلوا به ، وكذلك اليمانية إذا ظفروا بقيسي .

ولما خلع المطيع في فتنة الأتراك ، ادعي محمد بن عبد الواحد بن المقتدر ، الخلافة ، وتلقب المستجير بالله ، فلما استقرت الخلافة للطائع ، طلبه ، فظفر به ، وقطع أنفه ، وبقي إلي أن توفي في السنة 183 ، وكان له ولد أسود يضرب علي المغنيات ( الوافي بالوفيات 69/4 ).

وفي السنة 357 ظهر ببغداد رجل يأمر بالمعروف وينهي عن المنكر ، ويجدد ما عفا من أمور الدين ، فبايعه قوم ، وسمي نفسه محمد بن عبد الله ، يدعي تارة إنه علوي ، ويدعي تارة إنه عباسي ، فأخذ ومعه أخ له ، فأسلمهما بختيار إلي الخليفة المطيع ، فجدع أنفه ، ثم خفي خبره ( يعني إنه قتله » ( ابن الأثير584/8 و585 ) وورد ذلك في الوافي بالوفيات كما يلي : وفي السنة 357 قبض عز الدولة بختيار علي أبي الحسين محمد بن الخليفة عبد الله المستكفي بن علي المكتفي العباسي ، وأنفذه إلي دار الخلافة ،

ص: 156

فجدع أنفه ، وقطعت شفته العليا ، وشحمتا أذنيه ، وحبس في دار الخلافة ، وكان معه أخوه علي ، وكان أبو الحسن هذا قد هرب من بغداد لما خلع أبوه المستكفي وسملت عيناه ، ثم عاد في السنة 357 إلي بغداد سر ، وطلب الخلافة ، وادعي أن أباه كان قد نصبه وليا لعهده ، فبايعه جماعة من الديلم ، وخلق من أهل بغداد ، منهم أبو القاسم اسماعيل بن محمد، المعروف بزنجي ، وترتب له وزيرة ، وتلقب بالمستجير بالله ، فأخذه بختيار ، وأنفذه إلي دار الخليفة ، حيث جدع أنفه وقطعت شفته وشحمتا أذنه ( الوافي بالوفيات 313/3 و69/4 ).

وقبض فخر الدولة بن ركن الدولة البويهي ، علي وزيره أبي الفتح بن العميد ، واجتاح ماله ، وسمل عينه الواحدة ، وقطع أنفه ، وجر لحيته ، وقطع يديه ، وما زال يعرضه علي ألوان العذاب حتي تلف ( وفيات الأعيان 111/5)

وفي السنة 463 خرج أرمانوس ملك الروم ، في مائتي ألف مقاتل ، وقصد بلاد الإسلام ، وكانت مقدمته بقيادة مقدم الروسية ، فاصطدم بمقدمة الملك فانهزمت الروسية ، وأسر مقدمهم ، وحمل إلي السلطان ، فجدع أنفه ( المنتظم 261/8 وابن الأثير 65/10 ) .

وفي السنة 566 قتل الوزير ابن البلدي ، وزير المستنجد، فقطع أنفه ، ثم قطعت يده ، لأنه في أيام وزارته كان قد قطع أنف امرأة ، ويد رجل ، ثم ضرب بالسيوف ، وألقي في دجلة ( المنتظم 233/10 ).

وفي السنة 568 أنفذ الأمير شملة التركماني ، ابن أخيه ، ابن سنكا ، الاحتلال نهاوند، فتحصن منه أهلها، وشتموه أقبح شتم ، فعاد عنهم ، ثم كبسهم ، واستولي علي البلد ، فقبض علي القاضي والرؤساء وصلبهم ، ونهب البلد وأحرقه ، وأخذ الوالي فقطع أنفه وأطلقه ( ابن الأثير 391/11)

ص: 157

وفي السنة 598 اجتمع مملوكان تركيان في دار يشربان خمرة ، وعندهما مغنية ، فسكر أحدهما ، فراود المغنية عن نفسها ، فغار الآخر منه ، وضربه بسكين فقتله ، فتقدم بصلب القاتل ، فصلب علي رأس درب الباهقي ببغداد ، وجدع أنف المغنية ( الجامع المختصر 82).

أقول : صلب القاتل أمر مفهوم ، ولكن ما هو ذنب المغنية لكي يجدع أنفها ؟

وفي السنة 605 قتل سنجر شاه ، صاحب جزيرة ابن عمر ، وكان قبيح السيرة ، ظالم ، غاشمة ، لا يمتنع من قبيح يفعله ، من غصب ، وقتل ، وإهانة ، وكان يكثر من قطع الألسنة والأنوف والأذان ، أما اللحي ، فإنه حلق منها ما لا يحصي ، وكان جل فكره في ظلم يفعله ، وكان من شدة ظلمه ، أنه كان إذا استدعي إنسان ليحسن إليه ، لا يصل إلا وقد قارب الموت من شدة الخوف ( ابن الأثير 281/12 و282 ) .

وفي السنة 708 أمر السلطان بيبرس الجاشنكير ، سلطان مصر ، الأمير أقوش الرومي ، بإنشاء جسر من القاهرة إلي دمياط ، فتشدد في إتمامه ، وضرب كثيرا من الناس بالمقارع ، وخزم أنوفهم ، وصلم آذانهم . ( خطط المقريزي 171/2 ).

وثار الراجا الهندوسي بولاية ديفاجيري ، علي قطب الدين مبارك شاه (716- 720) سلطان الهند، فقطع أذنيه وأنفه ( الإسلام والدول الاسلامية في الهند 15).

وجاء في كتاب الدرر الكامنة 89/2 آن تاج الدين أحمد بن محمد قاضي بغداد ، غضب عليه حاكم بغداد وهو ابن قرا يوسف ، فأمر به فجدع أنفه ، ففر هو وأخوه إلي القاهرة ، ثم استقرا بدمشق .

وعاقب ملك الأمراء ، نائب السلطان بمصر ، فتي سرق ثورة ، فقطع

ص: 158

أنفه ، وأذنه ، وشهره علي الثور المسروق ، ثم قتله علي الخازوق ( بدائع الزهور 358/5 ).

وعاقب ملك الأمراء ، نائب السلطان بمصر ، صيرفية حجازية ، اتهمه بأنه صرف أشرفية ذهبية ، بأكثر مما قرر صرفه به ، فخزم أنفه ، وعلق فيه الميزان ، وأشهره في القاهرة ، ثم شنقه ( بدائع الزهور 341/5 ).

وفي السنة 926 قبض ملك الأمراء ، نائب السلطان بمصر ، علي صيرفي يهودي ، اتهم بأنه تعامل في مسكوكات مغشوشة ، فضربه ، وقطع يده ، وعلقها في أنفه ، وأشهره ( بدائع الزهور 5 / 337 ).

وفي السنة 961 شكا أحد أهالي حلب ، إلي القاضي ، أحد أتباع قباد باشا ، والي حلب ، فبعث القاضي بالمدعي مع محضر باشي لتبليغ تابع الوالي بالشكوي ، فعمد الوالي إلي المدعي ، فجدع أنفه ( اعلام النبلاء 210/3)

وروي الرحالة نيبور ، أن المير مهنا بن ناصر ، حاكم بندر ريق ، علي الساحل الشرقي لخليج البصرة (ت 1183)، كان عظيم القسوة في تعذيب رعاياه يجدع أنوفهم ويصلم آذانهم ( رحلة نيبور 148/2 ).

وفي السنة 1216 خالف ، بالقاهرة ، بعض الخبازين والجزارين ، التسعيرة ، فقبض عليهم المحتسب ، وخزم آنافهم ، وعلق الخبز في آناف الخبازين ، واللحم في آناف الجزارين ( تاريخ الجبرتي 513/2 ).

وفي السنة 1216 خالف بعض الباعة التسعيرة ، بالقاهرة ، فعلق بعضهم علي حوانيتهم ، وخزموا آنافهم ( الجبرتي 514/2 )

وكان أحمد باشا الجزار (ت 1219 مشتهرأ بقطع الأطراف وجدع الأنوف ، وصلم الآذان ( تاريخ الجبرتي 3/ 49) .

ص: 159

وذكر أن أحمد باشا الجزار (ت 1219)، استراب من بعض سراريه ومماليكه ، فقتل من قويت فيه الشبهة ، وأحرقهم ، ومثل بالباقين ذكورة وإناثا ، وقطع آنافهم ، ونفاهم ( تاريخ الجبرتي 49/3 ) .

وفي السنة 231 خزم المحتسب ، بالقاهرة ، آناف أشخاص من الجزارين ، وعلق فيها قطعة من اللحم ، لأنهم باعوه بأكثر من التسعيرة ( تاريخ الجبرتي 561/3 ) .

وذكر أبو الفرج بن الجوزي : إن قاضي تاهرت ( بلد بأقصي المغرب ، مراصد الاطلاع 251/1 ) ، عرض عليه رجل جني جناية ليس لها في القرآن ولا في السنة حد منصوص ، فقرر أن يضرب أوراق المصحف ببعض ثلاث مرات ، ثم يعمل بما يخرج ، وفعل، فخرج قوله تعالي : نيمه علي الخرطوم ، فأمر بالرجل ، فقطع أنفه ( أخبار الحمقي والمغفلين 104).

ص: 160

البحث الثاني : صلم الأذن

أما اللون الثاني ، وهو صلم الأذن ، فقد مارسه المتوكل علي نديمه أحمد بن إبراهيم بن حمدون ، إذ غضب عليه ، فنفاه إلي تكريت ، ثم بعث إليه من قطع أذنه ( معجم الأدباء 365/1 ).

وفي السنة 381 خلع بهاء الدولة البويهي ، الخليفة الطائع ، وكان الطائع قد احتفل في جلوسه لاستقباله ، فلما دخل عليه قبل الأرض ، وطرح له كرسي فجلس عليه وتقدم أصحاب بهاء الدولة من الطائع ، فجذبوه بحمائل سيفه ، وأنزلوه عن السرير ، ولقوه في كساء ، وحملوه إلي زبزب ، وأصعدوا به إلي الخزانة في دار المملكة « المخرم »، وانصرف بهاء الدولة إلي داره ، وأظهر أمر القادر بالله ، وأشهد علي الطائع بأنه خلع نفسه ، وأرسل المحضر مع أذن الطائع إلي القادر في البطيحة ، فأصعد إلي بغداد ، وكان قد أقام بالبطيحة سنتين وأشهر . ( المنتظم 156/7 و 157).

وفي السنة 1206 ارتفعت أسعار الغلة في القاهرة ، وضجت الرعية « وعيطوا علي الحكام » فصار الأغا يركب علي الرقع والسواحل، ويضرب المتسببين في الغلة ، ويسمرهم علي آذانهم ( تاريخ الجبرتي 134/2).

وفي السنة 1232 نصب الباشا محمد علي بالقاهرة ، مصطفي كاشف كرد ، محتسبأ ، فركب « في كبكبة » وطاف علي الباعة ، وأخذ يضرب بالدبوس هشمة ، ويعاقب بقطع شحمة الأذن . (تاريخ الجبرتي 562/3 ) .

ص: 161

ص: 162

البحث الثالث : جدع الأنف وصلم الأذن

أما اللون الثالث ، وهو جدع الأنف وصلم الأذن ، مجموعين ، فإن أقدم ما بلغنا بشأنه ، ما أورده الطبري ، بأن أهل بيكند، في السنة 87 صالحوا قتيبة بن مسلم الباهلي ، أمير خراسان ، فاستعمل عليهم رجلا ، وسار عنهم مرحلة أو مرحلتين ، فقتلوا العامل وأصحابه ، وجدعوا أنوفهم وآذانهم ، فبلغ قتيبة ذلك ، فعاد إلي بيكند ، وهي أدني مدائن بخاري إلي النهر ، وقاتلهم ، حتي فتح المدينة ( الطبري 431/6 ) .

وفي السنة 223 أوقع ملك الروم ، بأهل زبطرة ، فسبي المسلمات ، ومثل بمن صار في يده من المسلمين ، وسمل أعينهم ، وقطع آذانهم وآنافهم . ( الطبري 9/ 55).

وفي السنة 300 ورد إلي بغداد رسول من عامل برقة ، ( وهي من عمل مصر إلي ما خلفها بأربع فراسخ ، ثم ما بعد ذلك من عمل المغرب ) ، بخبر خارجي خرج ، وإنه ظفر بعسكر الخارجي وقتل خلق من أصحابه ، وبعث خيوطا فيها آذان وأنوف من قتله . ( الطبري 146/10 والمنتظم 115/6 ) .

في السنة 329 حارب الديلم ابن رائق بغداد ، وظهر عليهم ابن رائق ، فانهزموا ، وبقيت منهم بقية ، فظفر ابن رائق منهم بنحو ثلثمائة فحبسوا بدار الفيل في ظهر سور الحسني وأدخل إليهم الرجالة السودان

ص: 163

فخبطوهم حتي أتوا عليهم ، وكان جماعة منهم في دار فاتك حاجب ابن رائق ، فجعل يرمي بهم من الأروقة إلي السطوح ، ويقال للعامة خذوهم ، فيبادر العامة بقطع آنافهم ، وأنافهم ، وآذانهم ، وأصابعهم ، وهم قيام أحياء ، واستفظع الناس هذا الفعل، واستعظموه ، وكرهوه ( الأوراق للصولي ، أخبار الراضي والمتقي 208 ).

وفي أيام عز الدولة ، بختيار الديلمي ( 356 - 367 ) ، قبض ببغداد علي أبي الحسن محمد بن المستكفي بالله العباسي ، وكان ببغداد لما قبض معز الدولة علي أبيه ، وخلعه وسمل عينيه واعتقله ، ففر إلي الشام ، ثم إلي مصر ، وعاد إلي بغداد ، وطلب الخلافة ، واتبعه جماعة ، فقبض عليه عز الدولة بختيار ، وجدع أنفه ، وقطع شحمتي أذنيه وشفته العليا ، وحبس في دار الخلافة ، ومعه أخ له اسمه علي ، فهربا من السجن ، وقصدا خراسان ، وانقطع خبر أبي الحسن . ( الوافي بالوفيات 313/3 والاعلام 98/7 ).

أقول : إن جدع الأنف ، وقطع شحمة الأذن ، والشفة العليا ، لم يقصد بها المثلة فقط ، وإنما قصد بها حرمان الانسان من طلب الخلافة ، لأن المشروط في الخليفة أن يكون سالم الحواس ، وعلي هذا الأساس ، كان يقع سمل الخلفاء ، لئلا يحق لهم في مستقبل الأيام من بعد سملهم ، أن يطالبوا بالعودة إلي منصب الخلافة .

وفي السنة 381 خلع بهاء الدولة ، الخليفة الطائع ، وقطع قطعة من إحدي أذنيه وسملت عيناه ، وسلم إلي القادر بالله ، فتقدم بجدع أنفه ، فقطع يسير من مارن أنفه ، مع ما كان قطع أو من أذنه . ( شذرات الذهب 143/3)

أقول : لم يرد في بقية التواريخ أن الطائع سملت عيناه ، وقد انفرد صاحب شذرات الذهب برواية هذا الخبر .

وفي السنة 529 حارب الخليف المسترشد ، السلطان مسعود ، وانهزم

ص: 164

جيش الخليفة ، وأسمر المسترشد ، فهجم عليه في خيمته عدد من الرجال فجدعوا أنفه ، وأذنيه ، وعروه ، ثم قتلوه ( ابن الأثير 27/11 ).

وفي السنة 552 حاصر الأتراك من جند محمد شاه ، بغداد ، وكان الضعفاء من أهل بغداد ، يعبرون جند الأتراك ، ثم يعودون إلي بغداد يجلبون علف وحطب فبيبيعونه ويعيشون بثمنه ، وربما حشوا فيه اللحم والتفاح والخضرة ، ففطن بهم الأتراك فمنعوهم ، فلم يمتنعوا ، فحصر كوجك زعيم الأتراك ، جماعة منهم ، وقطع آذانهم ، وخرم أنوفهم ، فعادوا ودماؤهم تسيل ، وشكوا إلي الخليفة أمرهم بأن وقفوا تحت التاج واستغاثوا ، فقسم فيهم مالا وأمر بمداواتهم . ( المنتظم 173/10 ).

وكان سنجر شاه ، صاحب جزيرة ابن عمر (ت 605 ) ظالما ، عذب رعيته ، وكان يكثر من قطع الألسنة ، والأنوف ، والآذان ، أما اللحي ، فإنه حلق منها ما لا يحصي ( ابن الأثير 282/12 ) .

وسرق فتي بمصر ، ثورة ، فأمر به ملك الأمراء بمصر فقطع أنفه ، وأضاف إلي ذلك أن قطع أذنه ، ثم شهره علي الثور المسروق ، ثم قتله بالخازوق ( بدائع الزهور 358/5 ).

وغضب ملك الأمراء ، نائب السلطان بمصر ، علي أحد الرعية ، فقطع أنفه وأذنيه ، ورسم بنفيه إلي مكة ، وأنزله من القلعة ، والدم يقطر من أنفه ومن أذنيه . ( بدائع الزهور 394/5 ).

وكان أحمد باشا الجزار (ت 1219) ، مشتهرة بالتمثيل بالناس ، بقطع الأطراف والأنوف والآذان ( تاريخ الجبرتي 49/3 ) .

وجاء في كتاب «اعيان دمشق في القرن الثالث عشر ونصف القرن الرابع عشر لمحمد جميل الشطي : أسرف أحمد باشا الجزار في القتل والتعذيب ، وقطع الأناف ، والآذان ، والأطراف ، وسلب النعم ، ومات في

ص: 165

سجنه ما لا يحصي من الأعيان والعلماء وغيرهم ، ومنهم من أطال حبسه حتي مات في سجنه ،.

وقال صاحب خطط الشام 21/3 : كان الجزار يقتل الصغير والكبير ، من وزراء وعلماء وأفندية وأغوات ، وكان إذا عامل أحد المغضوب عليهم بالرفق ، وعزف عن قتله ، يجذم أنفه ، ثم يصلم أذنه اليمني ، ثم يقلع عينه اليمني .

ص: 166

القسم الرابع : قلع الأضراس

الضرس : بالكسر ، السن الذي من جانبي الفك ، والبغداديون يسمونه : الرحي لأنه يطحن الطعام .

والأسنان كلها إناث ، إلا الأضراس والأنياب ، قال الشاعر :

وسرب سلاح قد رأينا وجوهه ****إناثا أدانيه ذكورا أواخره

والتعذيب بقلع الضرس ، قليل الممارسة ، وأول ما بلغنا خبره ، أنه مارسه يوسف بن عمر الثقفي ، الملقب : أحمق ثقيف ، عامل هشام الأموي ، علي العراق ، فإنه قال لكاتبه : ما حبسك عني ؟ قال : اشتكيت ضرسي ، فقال : تشتكي ضرسك ، وتقعد عن الديوان ؟ ثم دعا بالحجام ، وأمره ، فقلع ضرسين من اضراسه ( المحاسن والمساويء 143/1 ).

ولما ولي هشام بن عبد الملك ، الخلافة ، أحضر فقاش الفقعسي ، وأمر بقلع أضراسه وأظفار يديه ، فلما فعل به ذلك قال :

عذبوني بعذاب**** قلعوا جوهر راسي

ثم زادوني عذابا**** نزعوا عني طساسي

الطساس : الأظفار ، ويريد بجوهر الراس : الأضراس . ( شفاء الغليل 131).

ص: 167

ولما حبس المنصور العباسي ، آل الحسن ، أرسل عبد الله بن الحسن ، إلي عيسي بن علي ، فاستأذن أبا جعفر ، وصار إليه في الحبس ، فاستسقاه ماء باردة ، فأتي بقلة فيها ماء وثلج ، فإنه ليشرب ، إذ دخل أبو الأزهر ، فأبصره يشرب من القلة ، وهي علي فيه ، فضرب القلة برجله ، فألقي ثنيتيه ، فأخبر عيسي أبا جعفر بذلك ، فقال له : أله عن هذا يا أبا العباس ( مقاتل الطالبيين 225) .

وفي السنة 255 تخاصم القائد صالح بن وصيف ، والكتاب ، فقبض علي أحمد بن اسرائيل وضربه حتي كسر أسنانه ( الطبري 387/9 ) .

أقول : كان أول ما ذكر عن صالح بن وصيف ، إنه اشترك مع إخوة له أربعة أولاد وصيف ، في مقتل المتوكل في السنة 247، ولما انخزل المستعين عن سامراء في السنة 251 وأستقر ببغداد ، كان صالح بن وصيف أحد قواده ، وكان موك؟ بباب الشماسية ( الصليخ ) وكانت من المناطق المهمة في المواجهة بين العسكرين ، ولما تنازل المستعين عن الخلافة ، وتصالح الجند الأتراك فيما بينهم ، عاد صالح إلي سامراء مع من عاد ، وأصبح ذا صولة في الدولة ، وفي السنة 255 تحرك الجند الأتراك في سامراء بقيادة صالح يريدون أرزاقهم ، وكانت الفتن المتواصلة ، وتمزق رقعة الدولة ، واستبداد أصحاب الأطراف بما تحت أيديهم ، قد أفرغ خزانة الدولة من المال ، وكان الجند يحيلون الذنب في خلو الخزينة من المال علي الكتاب ، ويتهمونهم باحتجان الأموال لأنفسهم ، ونشبت خصومة عنيفة ، أمام المعتر ، بين صالح بن وصيف ممثلا الجند الأتراك ، وبين أحمد بن إسرائيل وزير الخليفة ، شكا خلالها صالح للمعتز من انقطاع أرزاق الجند الأتراك ، واتهم الكتاب بأنهم « ذهبوا بأموال الدنيا ، فاغتاظ أحمد بن اسرائيل ، وشتم صالح بن وصيف ، وقال له : يا عاصي يا ابن العاصي ، يشير إلي موقفه ، وموقف أبيه ، من مقتل المتوكل أولا ، ومن إعانة المستعين ثانية ، فاشتد

ص: 168

انزعاج صالح ، وتظاهر بالإغماء ، فرشوا علي وجهه الماء ، وبلغ الخبر أصحابه وهم علي الباب ، فهاجوا ، ودخلوا علي المعتز ، وقد أشهروا سيوفهم ، فدخل المعتز وتركهم ، فنهض صالح ، وأخذ أحمد بن إسرائيل وأبا نوح عيسي بن ابراهيم والحسن بن مخلد ، فقيدهم ، وأثقلهم بالحديد ، وحملهم إلي داره ، وتوسل إليه المعتز أن يترك له أحمد بن اسرائيل ، وقال : إنه كاتبي ، وقد رباني ، فلم يلتفت إليه صالح ، وضرب ابن اسرائيل حتي كسر أسنانه ( الطبري 227/9 ، 341، 381، 387) .

وفي السنة 289 ظفر شبل غلام الطائي ، برئيس من رؤساء القرامطة ، يعرف بابن أبي الفوارس ، وبعث به إلي الحضرة ، فدعا به المعتضد، وأمر به فقلعت أضراسه ، ثم خلعت مفاصله بمد إحدي يديه ببكرة ، وعلق بالأخري صخرة ، وترك علي حاله تلك من نصف النهار إلي المغرب ، ثم قطعت يداه ورجلاه من غد ذلك اليوم ، وضربت عنقه ، وصلب بالجانب الشرقي ، ثم حملت جثته بعد أيام إلي الياسرية ، فصلب مع من صلب هناك من القرامطة ( الطبري 86/10 ).

وكان ابن صلايا العلوي ، نائب إربل (ت 656 ) ، يعاقب شارب الخمر بقلع أضراسه ( الوافي بالوفيات 129/5 ).

وفي السنة 749 لما قتل السلطان الملك المظفر حاجي بن محمد بن قلاوون ، قبض علي نديمه الشيخ علي الكسيح ، وقلعت أسنانه وأضراسه ، شيئا بعد شيء ، وضرب بالمقارع والكسارات ضربا عظيما ، ونوع له العذاب أنواعا حتي هلك ، وكان بشع المنظر ، له حدبة في ظهره ، وحدبة في صدره ، كسيحة لا يستطيع القيام ، وإنما يحمل علي ظهر غلامه ، وكان يضحك الملك المظفر ، ثم نادمه ، وعاقره الشراب ، وزوجة الملك باحدي حظاياه ، ولما قتل الملك المظفر ، أخذ الشيخ علي ، وعذب حتي هلك ( النجوم الزاهرة 191/10 ).

ص: 169

وكان الأمير سودون الشيخوني ، بالقاهرة ، يعاقب من استعمل الحشيشة ، بقلع أضراسه ، فقلع في السنة 780 أضراس كثير من العامة ( خطط المقريزي 128/2 ).

وفي السنة 882 قبض سلطان مصر علي برهان الدين النابلسي وكيل بيت المال ، وبعد أن ضرب أكثر من الفين وستمائة عصا ، أمر به فقلعت أضراسه ودقت في رأسه ( بدائع الزهور 172/2 ).

وفي السنة 1202 قتل حمزة كاشف المعروف بالدوديدار ، رجلا نصرانيا رومية صائغ ، اتهمه مع زوجته ، فقبض عليه ، وعذبه أياما ، ومن جملة ما عذبه به ، أن قلع عينيه ، وأسنانه ، وجدع أنفه ، وقطع شفتيه وأطرافه حتي مات ( الجبرتي 52/2 ) .

وفي السنة 1217 حصلت معركة بين المماليك الذين في الصعيد، وجماعة من الجيش العثماني ، وكانت الدائرة علي الجيش العثماني فقتل أكثر الجماعة ، وأسر رئيسها واسمه أجدر وكان موصوفة بالشجاعة والاقدام ، فأحضر أمام الأمير الألفي ، رأس المماليك ، فقال له : لأي شيء سموك أجدر ؟ فقال : الأجدر معناه الأفعي العظيمة ، فقال له : يحتاج إلي تطريمك وإخرج سمك ، وأمر به فقلعت أسنانه ، ثم قتلوه ( الجبرتي 538/2 ) .

ص: 170

القسم الخامس : سل الأظافر من الاصابع

أول ما بلغنا عن هذا اللون من العذاب ، مارسه هشام بن عبد الملك ، بفقاش الفقعسي ، وكان فقاش تولي أمر وليمة في قريش ، فأجلس عمارة الكلبي فوق هشام بن عبد الملك ، فأحفظه ذلك ، والي علي نفسه ، أنه متي أفضت إليه الخلافة عاقبه ، فلما استخلف ، أمر أن يؤتي به ، وان تقلع أضراسه ، وأظفار يديه ، ففعل به ذلك ( شفاء الغليل 131).

وعذب أبو القاسم البريدي ، أبا جعفر الكرخي ، المعروف بالجرو ، بسل أظافيره ، راجع كتاب نشوار المحاضرة واخبار المذاكرة ، في القصة المرقمة 4/ 124 .

وعذب أبو جعفر بن شيرزاد ، أبا الحسين البريدي ، في السنة 333 ببغداد ، بسل أظافيره ( التكملة 145).

وكان من جملة ما عذب به المعتضد، قرطاس ، أحد رماة صاحب الزنج ، بأن قلع أظفاره . ( القصة 78/1 من نشوار المحاضرة ) .

وكان الأمير سيف الدين الناصري (ت 738 ) ، مشد الدواوين بمصر ، يعذب الناس ، بدق الليط تحت أظافرهم ( الوافي بالوفيات 348/9 ) .

ص: 171

ص: 172

القسم السادس : خلع المفاصل

عذب الأتراك المهتدي ، بألوان من العذاب ، كان من جملتها خلع مفاصل يديه ورجليه ( الطبري 86/10 وابن الأثير 233/7 ).

وذكر صاحب فوات الوفيات 3/ 320 أن جملة ما عذب به المعتز أنهم نزعوا أصابع يديه ورجليه .

ولما جيء إلي المعتضد، بابن أبي الفوارس ، أمر بخلع مفاصله فمدت إحدي يديه ببكرة ، وعلق في اليد الأخري صخرة ، حتي خلعت يده ، وترك كذلك من نصف النهار إلي المغرب ، ثم قطعت أطرافه ، وقتل ( الطبري 86/10 ).

ولما قتل نصر بن عباس ، الظافر الفاطمي ، في السنة 550 ، وفر إلي الشام ، فأسر ، وأعيد ، أمرت أخت الظافر ، فخلعت يد نصر . ( النجوم الزاهرة 310/5 ).

ولما فتح تيمورلنك دمشق في السنة 803 كان من جملة ما عذب به الدمشقيون خلع المفاصل، بأن يربط كتفا المعذب بحبل ، ويلوي الحبل بالعصا ، حتي ينخلع مفصل الكتفين ( النجوم الزاهرة 12/ 244 و245 ) .

ص: 173

ص: 174

الباب العاشر : ألوان من العذاب

اشارة

يشتمل هذا الباب علي ألوان من العذاب ، رأينا أن يقسم علي ثلاثة فصول :

الفصل الأول : تعذيب الوزراء والعمال المصروفين

الفصل الثاني : أصناف مختلفة من العذاب ، وقد أثبتنا فيه خمسة عشرة بحثا ، عن خمسة عشر لونا من ألوان العذاب ، وهي :

1- محنة القرامطة

2- حمل الأثقال

3- المساهرة

4 - إرسال السباع والحشرات علي المعذب

5 - شق لحم البدن بالقصب الفارسي .

6- العصر

7 - الدهق

8- التعذيب بالزمارة

9 - التعذيب بالمضرسة

10 - التعذيب بالدوشاخة

11 - ثقب الكعاب

12 - تنعيل الناس بنعال الدواب

ص: 175

13 - قطع أجزاء من لحم البدن

14 - قرض لحم البدن بالمقاريض

15 - قتل الأسير ووضع رأسه في حجر أقرب الناس إليه .

الفصل الثالث : التعذيب في قصص الاضطهاد الديني

ص: 176

الفصل الأول : تعذيب الوزراء والعمال المصر وفين

كان صرف الوزير أو العامل ، في العهد الأموي والعباسي ، يعني نقله من دار العمل إلي السجن ، حيث يطالب هو وجميع أفراد حاشيته ، ويعذبون ، كما كان يعني عزل الوزير، أو صاحب الديوان ، نهب داره أيضا ، ولذلك نجد في الأخبار، أن الوزير الفلاني ، صرف علي تكرمة ، بأن أنفذ إلي داره من حماها من النهب ، ولم يسلم أحد من الوزراء ، أو العمال أو أصحاب الدواوين ، بعد الصرف ، من المطالبة ، والحبس والعذاب ، إلا قليلا ، وكأن دخول السجن بعد الصرف ، شرط من شروط استعمالهم ، حتي أن صاحب الضوء اللامع، ذكر في أخبار الوزير سعد الدين إبراهيم بن بركة القبطي الوزير ، إن السلطان المؤيد لما قبض عليه عندما عزله في السنة 816 «لم يتفق له عند القبض أن يضرب ، ولا تمكنت أعداؤه منه ، ولزم منزله حتي مات في السنة 818 ( الضوء اللامع 33/1)

وقال أبو دلامة لما حبسه المهدي عندما وجده سكرانة : ( العقد الفريد 261/1)

أمير المؤمنين فدتك نفسي****علام حبستني وخرقت ساجي

أقاد إلي السجون بغير ذنب ****كأني بعض عمال الخراج

ص: 177

وكان أبو الحسن الكاتب الملقب بابن الماشطة ، عزل عن عمل كان إليه وحبس ، فقال : ( معجم الأدباء 114/5 ).

قالوا حبست فقلت الحبس لاعجب**** حبس الكرامة لا حبس الجنايات

حبس العمالة بعد العزل عادتنا**** ريث التتبع أو رفع الجماعات

ونظر إسماعيل بن عمار إلي عمال يوسف بن عمر ، يعذبون ، فقال : ( الاغاني 369/11 ) .

رأيت صبيحة النيروز أمرأ ****فظيعا عن إمارتهم نهاني

أعجل - ان أتي - أجلي بوقت**** وحسبي بالمجرحة المتان

فما عذري اذا عرضت ظهري**** لألف من سياط الشاهجان

وأسحب في سراويلي بقيدي**** إلي حسان معتقل اللسان

وكانت مصادرة العمال والكتاب ، وكل من كان له تصرف في الدولة ، قد أصبحت آيينا ، بحيث أن من العيوب التي نسبت إلي الوزير علي بن عيسي ، لما شغبوا عليه عند المقتدر ، أن أخبروه ، أن الوزير علي بن عيسي لا يصادر أحد من عماله ، ويقول : لا أخون عام بعد أن ائتمنته . ( تجارب الأمم43/1 ).

وكان السلطان يصل في المكروه بالمعذبين المطالبين ، وبأتباعهم ، إلي حد القتل ، ولما عزل الوزير ابن الفرات عن وزارته الثانية للمقتدر في السنة 306 أحضر أحد أتباعه واسمه موسي بن خلف ، وكان شيخ في التسعين ، وسئل عن ودائع الوزير ابن الفرات وأمواله ، فأنكر معرفته بشيء منها ، فأمر الوزير حامد بن العباس بصفعه ، وعاوده بالمكروه مرات ، حتي مات تحت الضرب ، وأمر بجر رجله وهو ميت ، فجر ، وتعلقت أذنه في رزة عتبة الباب ، فانقلعت ( تجارب الأمم 64/1 و65).

ص: 178

ولما توفي الوزير المهلبي ، وزير معز الدولة في السنة 352 ، تصدي أتباع مع الدولة للبحث عما خلف من أموال وودائع ، واعتقلوا زوجته وابنه ، وأخذ كاتبه أبو العلاء عيسي بن الحسن بن أبرونا ، وطولب ببيان ما يعرفه عن أموال سيده ، وعوقب أشد عقوبة ، وضرب أبرح ضرب ، وهو لا يزيد علي إنكار معرفته بأي شيء ، ولما صدر الأمر بضرب أبي الغنائم ، ابن الوزير ، بكت أمه ، وسألت أبا العلاء أن يكشف عما يعلمه من أموال سيده ، ليتخلص ولدها من الضرب ، فكشف لها عن أموال طائلة ، فقال له بعض من حضر : ويلك ، ألست من الآدميين ؟ تقتل هذا القتل ، ويفضي حالك إلي التلف ، وأنت لا تعترف ( التكملة 185).

وكان المنصور العباسي ، ولي محمد بن خالد القسري ، علي المدينة ، ثم عزله برياح بن عثمان المري ، فلما قدم رياح المدينة ، اعتقل سلفه القسري ، وطالبه ، فأحاله علي كاتبه مولاه رزام ، فغضب رياح ، وأمر به ، فضرب أسواطأ ، ووجئت عنقه ، وأخذ كاتبه رزامة ، وأمره أن يرفع علي محمد بن خالد ، فأمتنع ، فبسط عليه العذاب ، وكان يضربه في كل غب خمسة عشر سوطأ ، مغلولة يداه إلي عنقه ، من بكرة إلي أول الليل ، ويدار به في أفناء المسجد والرحبة ، حتي أصبح ما بين قرنه إلي قدمه قرحة واحدة ، حتي إنه أخرج يوما للضرب ، فلم يكن في بدنه موضع للضرب ، فضرب علي باطن كفيه ( الطبري 533/7 و534 ) ، وكانت آخرة هذا الظالم أن قتل أشنع قتلة ، فإنه لما ظهر النفس الزكية ، محمد بن عبد الله بن الحسن ، اعتقله ، ولما قتل محمد ، عمد أحد أنصاره إلي السجن ، فاقتحمه علي رياح ، وذبحه ، ولم يجهز عليه ، بل تركه يضطرب حتي مات ، ثم تركت جثته للصبيان ، يدورون حولها، وينشدون ، ( العيون والحدائق 244/3 و247).

سلحت أم رياح ****فأتتنا برياح

ص: 179

فأتتنا بأمسير**** ليس من أول الصلاح

ما سمعنا بأمير**** قبل هذا من سفاح

ويمكن أن يتخذ ما أصاب الوزير ابن مقلة من أذي ، مثالا لما يصيب الوزراء والعمال والكتاب والقواد ، إذا نحوا عن مناصبهم في الدولة ، ذلك لأن ما أصاب ابن مقلة ، وصل إلينا مفصلا ، أما الباقون ، فقد أجمل المؤرخون ما أصابهم ، بأن ذكروا أنهم قتلوا ، أو أنهم ماتوا تحت العذاب .

وكان أول ما عذب به الوزير ابن مقلة ، أن استدرجه الخليفة الراضي إلي قصره ، حيث اعتقله في إحدي حجر القصر ، ثم أخذ إلي بيت البوابين وأحضر له من قطع يده بحضور ابن بدر الشرابي ، صاحب الشرطة ، وجماعة من أصحابه القواد في الشرطة ، ثم رد إلي محبسه ، وساءت حالته الصحية في آخر النهار ، فاستدعي له الراضي الطبيب ثابت بن سنان ، فوجد محل القطع قد ورم واسود ، فعالجه ، ثم عاودت الراضي هواجسه منه ، فأمر بقطع لسانه ، فقطع ، وألبس جبة صوف ، وأفرد في الحبس ، لا يدخل إليه أحد ، فكان يري من شقوق الباب يستقي الماء من باطن البئر ، مستعينا بفمه ، وبيده اليسري الصحيحة ، ولحقه شقاء شديد .

ثم أمر الراضي بقطع الخبز عنه ، فقطع عنه أياما ، حتي مات جوعا ، ودفن في دار السلطان . ( تجارب الأمم 386/1 - 395 ).

ولمن أراد الاطلاع بتفصيل أوفي ، علي ما أصاب الوزراء ، أن يراجع كتابنا « الرواتب في الإسلام ، الباب الثاني «الوزارة والوزراء » الفصل الرابع « مصير الوزراء ».

كان عمر بن هبيرة ، أمير العراق ، ولي سعيد بن عمرو الحرشي ، خراسان ، في السنة 103 ، ثم بلغه عنه ما حقده عليه ، فعزله ، وأحضره ، وعذبه بأن أمر فنفخ في دبره النمل ( الحيوان 4 / 33 والاعلام 1523 ).

ص: 180

وفي السنة 116 عزل هشام بن عبد الملك ، عامله علي خراسان ، الجنيد بن عبد الرحمن ، وولي عليها عاصم بن عبد الله الهلالي ، فقدم وقد مات الجنيد ، واستخلف عمارة بن حريم ، فحبس عاصم ، عمارة ، وعمال الجنيد ، وعذبهم ( الطبري 93/7 ).

ولما عزل هشام بن عبد الملك ، خالد بن عبد الله القسري عن العراق ، ووتي بدلا منه يوسف بن عمر الثقفي ، خطب الناس يوسف بالكوفة ، فذكر أن الخليفة أمره بأن يأخذ عمال خالد ، وأن يشفيه منهم ، وأنه سوف يفعل ذلك ويزيد ، وهدد العراقيين بأنه سوف يقتل منافقيهم بالسيف وجناتهم وفاقهم بالعذاب ( الطبري 151/7 ).

ولم يقصر يوسف بن عمر ، الملقب « أحمق ثقيف ، في تنفيذ رغبة هشام فإنه قبض علي جميع عمال خالد ، وهم ثلثمائة وخمسون ، وعذبهم ، وضرب مولي لخالد اسمه داود ، حتي مات ( العيون والحدائق 103/3 )، وقبض علي طارق ، صاحب خالد القسري ، وضربه خمسمائة سوط ( الطبري 150/7 و151).

وكان المنصور العباسي ، لا يعزل أحد من عماله ، إلا ألقاه في دار خالد البطين ، فيستخرج منه مالا ( الطبري 81/8 )

وكان لعيسي بن موسي ، أمير الكوفة ، صاحب عذاب ، اسمه بطين ، يتسلم من وقعت عليه مطالبته ، فيعذبه ويستأديه ( الاغاني 150/18 ).

وكان التعذيب يقع بمحضر من الشخص الذي تناط به مناظرة المصروف المطالب ( القصة 27/5 من كتاب نشوار المحاضرة ) ، وقد يقع التعذيب بمحضر من الوزير ( القصة 47/8 من كتاب نشوار المحاضرة )، وفي بعض الأحيان يقع التعذيب بمحضر من الأمير ( القصة 48/8 من كتاب نشوار المحاضرة ) .

ص: 181

وكان العمال والكتاب المصروفون ، يحبسون ، ويضربون ، ولكن مع حفظ حياتهم ، حتي أن الخليفة ربما وكل بالمسجون المطالب ، شخصا من قبله ، هو في الظاهر لزيادة المطالبة ، والتشدد فيها ، وفي الباطن لحفظ حياة العامل ، كي لا يتجاوز الوزير حده في المطالبة إلي قتل المطالب ، وكانوا يقولون : هؤلاء أكابر العمال الذين قامت هيبتهم في نفوس الرعية ، وعرفوا أقطار البلاد ، وهم أركان الدولة ، وأنداد الوزارة ، والمرشحون لها ، فإن لم تحفظ نفوسهم ، وضع ذلك من الأمر ، وأثر فيه ( القصة 40/8 من كتاب نشوار المحاضرة للتنوخي ).

وقد لاقي العمال المصروفون ، فترات من الترفيه ، ارتفع فيها عنهم العذاب ، أذكر منها الفترة التي حكم فيها الخليفة الصالح عمر بن عبد العزيز ، فإنه أول ما استخلف كتب إلي عماله أن لا يغل مسجون ( العيون والحدائق 63/3 ).

وكتب عدي بن أرطأة ، عامل العراق ، إلي عمر بن عبد العزيز ، يستأذنه في عذاب العمال ، فكتب إليه : كأني لك جنة من عذاب الله ، وكأن رضاي ينجيك من سخط الله ، من قامت عليه بينة ، أو أقر بما لم يكن مضطهدة مضطرة إلي الإقرار به ، فخذه بأدائه ، فإن كان قادرا عليه فاستأده ، وإن أبي فأحبسه ، وإن لم يقدر فخل سبيله بعد أن تحلفه بالله إنه لا يقدر علي شيء ( شرح نهج البلاغة 20/17 ).

وكان كثير من أهل الذمة ، في العراقين وخراسان ، قد أسلموا ، وكان المقتضي حسب أحكام الإسلام ، أن ترفع عنهم الجزية ، ولكن الحجاج بن يوسف الثقفي ، لما رأي أن ذلك يستوجب نقصا في الخراج ، أمر بإبقاء الجزية علي رقابهم ، وأن تؤخذ منهم ، وقد أسلموا ، كما كانت تؤخذ منهم ، وهم كفار ، فكان ذلك من الأسباب التي أدت إلي ثورة الناس علي الحجاج ، وتأييدهم لابن الأشعث لما خرج عليه وحاربه ، فلما ولي الخليفة

ص: 182

الصالح عمر بن عبد العزيز ، كتب إلي كل واحد من عماله : أنظر من صلي قبلك إلي القبلة ، فأرفع عنه الجزية ، فكتب بعضهم إلي عمر : إن الناس قد سارعوا إلي الإسلام ، نفورة من الجزية ، فلو أمتحناهم بالختان ، فكتب عمر في جواب ذلك : إن الله بعث محمدا * داعيا ، ولم يبعثه خاتنا (الكامل الابن الأثير101,51/5)

راجع ما كتبناه عن الحجاج ، وقسوته ، وجرائمه ، وسياسته المالية المخربة ، في كتاب الفرج بعد الشدة لقاضي التنوخي ، في حواشي القصص المرقمات 67 و 149 و182 وفي كتابنا « الكنايات العامية البغدادية » في الفقرة « ظلم الحجاج ، وفي هذا الكتاب في الباب الحادي عشر : القتل ، الفصل الأول : القتل بالسيف ، القسم الثاني : القتل في المعركة .

ويكفي لبيان رجحان سياسة عمر بن عبد العزيز ، في اللين والعدل ، أن نورد أن جباية سواد العراق ، كانت في عهد الخليفة عمر بن الخطاب ، مائة ألف ألف ، وثمانية وعشرين ألف ألف درهم ، فنزلت في عهد الحجاج إلي ثمانية عشر ألف ألف درهم ، أي أنها نزلت إلي الشبع ، ثم عادت فارتفعت في عهد الخليفة عمر بن عبد العزيز، إلي مائة ألف ألف وأربعة وعشرين ألف ألف درهم ( أحسن التقاسيم للمقدسي 133 ).

ولما ظهر إبراهيم بن عبد الله بن الحسن ، بالبصرة ، محاربأ للمنصور العباسي ، أخذ حميد بن القاسم ، أحد عمال أبي جعفر ، فقال له المغيرة : أدفعه إلي ، قال : ما تصنع به ؟ قال : أعذبه ، قال : لا حاجة لي في مال لا يؤخذ إلا بالعذاب . ( مقاتل الطالبيين 334 ).

ولما وزر أبو الحسن علي بن عيسي ، للمقتدر ، في السنة 301 كتب إليه عامل با دوريا ، إن قوما من أهالي بادوريا ، ألطوا بالخراج ، واستأذنه في إطلاق يده في تقويمهم » فكتب إليه : إن الخراج - عافاك الله - دين ،

ص: 183

وليس يجب فيه غير الملازمة ، فلا تتعد ذلك إلي غيره ، والسلام . ( تجارب الأمم 31/1 ) .

وكان المتوكل يضيف إلي عذاب من يأمر بتعذيبه ، أن يبعث إليه بمن يعيره أو يكايده ، أو يعبث به ، أو يسخر منه ، كما صنع مع وزيره محمد بن عبد الملك الزيات ، فإنه حبسه ، وأحمي له التنور الحديد الذي كان محمد قد صنعه لتعذيب ضحاياه ، وأقعده فيه ، ثم أمر المتوكل نديمه عبادة المخنث ، المجاهر بالعهر والبغاء ، أن يدخل إلي محمد ، فيكايده ، فدخل إليه ، فوقف بإزائه ، ثم قال له : اسمع يا محمد ، كان في جيراننا حفار يحفر القبور ، فمرضت مخنثة من جيراني ، وكانت صاحبة لي ، فبادر ، فحفر لها قبرة ، فبرأت هي ، ومرض هو بعد أيام ، فدخلت إليه صاحبتي ، وهو في النزع ، فقالت له : وي ، فلان ، حفرت لي قبرأ وأنا في عافية ، أو ما علمت ان من حفر بئر سوء وقع فيها ؟ وحياتك يا محمد ، لقد دفناه في ذلك القبر ، والعقبي لك ، قال : فما برح من إزاء محمد بن عبد الملك ، يؤذيه ، ويكايده ، حتي مات . ( الاغاني 73/23 و 74 ) .

وفي السنة 299 قبض المقتدر علي الوزير أبي الحسن بن الفرات ، ووكل بداره ، وهتك حرمه أقبح هتك ، ونهبت داره ، ودور كتابه وأسبابه ، وقبض علي كتابه ، ونهبت دورهم وهدمت ، وناظرهم ابن أبي البغل ، وعذبهم ، وناظر ابن الفرات ، غير أنه لم يمكن من إيقاع مكروه به ، ومكن من جميع أسبابه وكتابه ( تجارب الأمم 20/1 و21).

راجع في كتاب نشوار المحاضرة ، وأخبار المذاكرة للقاضي التنوخي ، في القصة المرقمة 41/8 ، كيف عذب ابن أبي البغل هذا ، أحد كتاب الوزير ابن الفرات ، وكيف نتف ربع شعر رأسه ، ثم قيره بقير حار ، حتي اضطره إلي أن يؤدي سبعين ألف دينار .

ولما عزل الوزير علي بن عيسي في السنة 304 وأعيد ابن الفرات

ص: 184

الوزارة المقتدر ، قبض ابن الفرات علي أسباب علي بن عيسي ، وإخوته ، وكتابه ، وجميع عماله بالسواد وبالمشرق والمغرب ، وصادرهم ، وقبض علي الوزير الأسبق ، أبي علي الخاقاني ، وتتبع أسبابه ، وألزمهم مصادرة ثانية . ( تجارب الأمم 42/1 ).

وكان الوزراء والعمال والكتاب ، إذا اتهموا بوجود مال في حوزتهم ، اعتقلوا ، وعذبوا ، وطولبوا ، ولما عزل الوزير ابن الفرات ، عن وزارته الثانية للمقتدر في السنة 306، وحبس في دار الخلافة ، قال له مناظره : أصدق عن نفسك ، فقد وصل إليك من ضياعك وغلاتك في كل سنة ألف ألف ومائتا ألف دينار ، ومن وجوه إرتفاقاتك مثلها ، فأكتب خطك بألف ألف دينار معجلة ، تقدمها ، إلي أن ينظر في أمرك ، حتي تسلم نفسك ، وإلا سلمت إلي من يعاملك بمثل ما يعامل به مثلك من الخونة الذين دبروا علي المملكة . ( تجارب الأمم 64/1 ).

وفي السنة 310 اتهم المقتدر ، قهرمانته أم موسي ، بأنها تسعي في نقل الخلافة إلي غيره ، فأعتقلها ، وأسلمها إلي ثمل القهرمانة ، وأعتقل معها أخاها ، وأختها ، فاستخرجت ثمل منهم أموالا عظيمة ، وجواهر نفيسة ، ومن الثياب والكسوة والطيب والفرش ما يعظم مقداره ، حتي أن الوزير علي بن عيسي نصب لذلك ديوان خاصأ سماه : ديوان المقبوضات عن أم موسي وأسبابها . ( تجارب الأمم 1/ 84).

ولما عزل حامد بن العباس عن وزارة المقتدر في السنة 311 وولي الوزارة ابن الفرات ، أمر بحبس مواضع فيها أسباب حامد وكتابه ، فأثارهم ، وكان المحسن يسرف في المكروه الذي يوقعه بمن يحصل في يده منهم . (تجارب الأمم 93/1 ).

ولما وزر ابن الفرات للمقتدر ، في وزارته الثالثة ، عمد إلي أصحاب

ص: 185

الوزير علي بن عيسي وأسبابه ، فصادرهم جميعا ، منهم ابن مقلة ، والشافعي ، ولما لم يجد علي النعمان بن عبد الله سبيلا ، لأنه كان قد تاب من التصرف ، أحدره إلي واسط ، فقبض عليه البزوفري ، في جامع واسط ، لما رأي من إكرام الناس له ، وأخذ منه سبعة آلاف دينار ، كما صادر المادرائيين وأبا الحسن الإسكافي ، ونفي ابن مقلة إلي البصرة . ( التكملة 41 و42) .

وفي السنة 321 لما اعتقل الوزير ابن الفرات ، استتر ولده المحن ، وكان يخرج متنكر في زي امرأة ، ثم يعود ، وحدث ذات يوم أن تأخرت عودته ، فالتجأ مع النساء إلي دار امرأة ، كان زوجها قد أحضر في دار المحسن ليصادره ، فلما رأي الناس في داره يجلدون ويشقصون ، ويعذبون ، مات فجأة ، فلما رأت المرأة المحن ، واطلعت علي أنه رجل، أخبرت نصر الحاجب ، فأمر صاحب الشرطة بالقبض عليه ، فأخذ ، وحبس في دار الوزير . ( ابن الأثير 150/8 - 155).

ولما استوزر المقتدر أبا العباس الخصيبي في السنة 312، اعتقل سلفه الخاقاني ، واستتر ولده ، وكتابه ، وأسبابه ، وصادرهم . ( تجارب الأمم 143/1 و144 ).

وفي السنة 324 عزل الراضي ، وزيره ابن مقلة ، واستوزر عبد الرحمن بن عيسي ، وسلم ابن مقلة إلي الوزير عبد الرحمان ، فضربه بالمقارع . وانتهب الناس داره ودار ابنه ، وطرحوا فيها النار ، ونهب جماعة من كتابه ( تجارب الأمم 337/1 ).

وفي السنة 331 عبر وزير المتقي ، أبو إسحاق القراريطي ، إلي ناصر الدولة ببغداد ، فاعتقله ، وجماعة معه ، واستوزر للمتقي أبا العباس أحمد بن عبد الله الإصبهاني ، وصودر القراريطي والكتاب والمتصرفون . ( تجارب الأمم 38/2 ) .

ص: 186

وفي السنة 361 استوزر بختيار، ابن بقية ، فقبض علي سلفه أبي الفضل الشيرازي الوزير ، وعلي جميع كتابه ، ومن يتصل به ( تجارب الأمم 311/2)

وفي السنة 375 قتل بالعذاب أبو العباس بن سابور المستخرج ، أي الذي يقوم بتعذيب الناس لاستخراج ما يتقرر عليهم علي سبيل المصادرة ، فقيل أنه عرضت فتوي علي أبي بكر الخوارزمي الفقيه ، مضمونها : ما يقول الشيخ في رجل مطالب ، معاقب ، قد ترددت عليه مكاره هونت عليه الموت ، هل له فسحة في قتل نفسه ، وإراحتها مما تلاقيه ؟ فكتب في الجواب : إنه لا يجوز ، ولا يحل له فعله ، والصبر علي ما هو فيه أدعي إلي تضاعف ثوابه ، وتمحيص ذنوبه ، فلما انصرف حاملها ، قال بعض الحاضرين ، لزهير بن أبي بكر : هذه رقعة ابن سابور المستخرج ، فقال أبو بكر : ردوا حاملها ، فردوه ، فسأله عنها ، فأخبره أنها لابن سابور ، فقال أبو بكر : قل له ، إن قتلت نفسك ، أو أبقيت عليها ، فعاقبتك إلي الخسارة ، ومصيرك إلي النار . ( ذيل تجارب الأمم 118) .

وفي السنة 393 عزل بهاء الدولة وزيره أبا غالب ، واستوزر أبا الفضل محمد بن القاسم بن سودمند ، فقبض أبو الفضل علي أبي غالب وحواشيه وأصحابه ، وصادرهم جميعا ، وعسف أبا غالب وأرهقه . ( ذيل تجارب الأمم 459 و460) .

وفي السنة 689 قتل الملك الأشرف خليل، الأمير حسام الدين طرنطاي بالقاهرة ، وكان طرنطاي ، هو المتصرف في دولة المنصور قلاوون ، والد الأشرف خليل ، فلما توفي قلاوون ، وولي الأشرف ، قبض عليه وبسط عليه العذاب ، وعصره إلي أن هلك ، وصبر علي العذاب صبرا لم يعهد مثله ، ولما غسلوه وجدوه قد تهرأ لحمه ، وتزايلت أعضاؤه ، وإن جوفه كان مشقوقة ، كل ذلك ولم تسمع منه كلمة ، ( النجوم الزاهرة 384/7 ) .

ص: 187

وفي السنة 739 أمر السلطان الملك الناصر محمد قلاوون باعتقال النشو ناظر الخاص وأفراد عائلته ، فانتحر أخو النشو واسمه مجد الدين رزق الله بن فضل ، بأن نحر نفسه بسكين ، ثم ضرب المخلص أخو النشو حتي هلك ، ثم ماتت أمه عقيب ذلك ، ثم عذب صهره ولي الدولة فمات تحت « العقوبة » ورمي للكلاب ، ثم صبت ألوان « العقوبة » علي النشو حتي هلك ( النجوم الزاهرة 135/9 و142 ).

وغضب السلطان الملك الناصر محمد بن قلاوون (ت 741 ) علي مضحك له يدعي عزيز ، فأمر المماليك ، فعروه ، وربطوه مع قواديس الساقية ، ودارت به البقر ، فصار عزيز تارة ينغمس في الماء ، وتارة يظهر وهو يستغيث وقد عاين الموت ، حتي مضي نحو ساعتين وانقطع حته ، فتدخل أميران في استعطاف السلطان حتي أمر بإطلاقه ( النجوم الزاهرة 54/9 ).

وفي السنة 753 قبض الأمير صرغتمش بالقاهرة علي الوزير علم الدين المعروف بابن زنبور ، وصادره ، ونهب أمواله ، وضربه عريانين ، ثم أخذ أبنه الصغير وضربه ، بمرأي من أمه ، فأسمعته الأم كلام جافيأ ، فأمر بها فعصرت ، ثم أخرج ابن زنبور وفي عنقه باشه وجنزير ، وضرب عريانا قدام باب قاعة الصاحب بالقلعة ، ثم عصر ، وسقي الماء والملح ، ثم سلم لشاد الدواوين ، فنوع عليه العذاب ، ثم أخرج الي قوص منفيأ ، فمات هناك ( النجوم الزاهرة 284/10 ) .

أقول : أورد المقريزي في خططه 61/2 و62 قصة تعذيب الوزير ابن زنبور ، بتفصيل أكثر ، فذكر انه في السنة 753 غضب الأمير صرغتمش ، رأس نوبة بالقاهرة علي الوزير ابن زنبور ، وأمر أتباعه فاعتقلوه ، وطلب ولد الوزير ، وصار به إلي بيت أبيه ، وأحضر أمه ليعاقبه وهي تنظره ، حتي يدلوه علي المال ، ثم ألزم والي مصر بإحضار بناته ، فنودي عليهن في مصر والقاهرة ، ثم حمل الي داره وعري ليضرب ، وبعد أن ضرب ، عريت

ص: 188

زوجته ، وضرب ولده ، ثم أخرجه في باشا وزنجير ، وضرب في رحبة قاعة الصاحب من القلعة بالمقارع، وتوالت عقوبته ، وأسلم لشاد الدواوين ليعاقبه حتي يموت ، فحال الأمير شيخو دون ذلك ، ثم عاد صرغتمش ، فسلمه لشاد الدواوين ، وعاقبه عقوبة الموت ، فغضب الأمير شيخو ، ومنع من ضربه ، وكاد الأمر أن يتسع بين شيخو وصرغتمش ، ثم آل الأمر إلي تسفير ابن زنبور الي قوص ، حيث مات هناك بعد أحد عشر يوما ، في السنة 754 . ( خطط المقريزي 61/2 و62) .

وفي السنة 771 توفي الوزير الصاحب شمس الدين موسي ، وكان في شبابه ضعيف البنية ، نحيف البدن ، قليل الأكل ، مصابا بالربو، وضيق النفس ، وقد لزمته الحمي الصالبة ، ولا يبرح محتمية ،، يلبس الفراء صيفا وشتاء ، فلما صودر ، وتسلمه والي القاهرة ، وأخذ يعذبه ألوان العذاب ، إذ ضربه أول يوم مائتي شيب (سوط ) وسعطه بالماء والملح ، والخل ، والجير ، حتي حسب أنه مات ، ولكنه أصبح حيا سويا ، فضربه ، وعقد له المقرعة ، حتي كانت اذا نزلت علي جنبيه أحدثت فيه ثقوبة ، وبعد المعاقبة ، كان يرمي عريانة في الشتاء علي البلاط ، فيتمرغ عليه ، وهو لا يعي من شدة الضرب ، ثم عصروه في كعبه وصدغيه ، ثم عوقبت زوجته ، وكانت مثله ضعيفة وحاملا ، فولدت وهي تعصر بالمعصرة ، وعاش ولدها حتي كبر ، وقيل إن الصاحب شمس الدين ضرب ستة عشر ألف شيب ، وقد ضرب مرة فسقط من ظهره قطعة لحم بقدر الرغيف ، فلما أطلق تعافي من جميع أمراضه ، وصار صحيح البدن ( النجوم الزاهرة 110/11 - 112).

وفي السنة 798 قبض السلطان الظاهر برقوق ، بالقاهرة علي الأمير محمود بن علي الاستادار ، ثم أحضره أمامه وهو في ألم عظيم من العصر والضرب والعقوبة ، وكلمه ، فامتلأ عليه غضبا وأمر بعقوبته حتي يموت ، واستمر تحت العذاب حتي مات في السنة 799 بعدما أخذ منه ألف ألف دينار

ص: 189

عينا، وأربعمائة ألف دينار ، وألف ألف درهم فضة ، وبضائع وغلال ثمنها أكثر من ألف ألف درهم فضة ( النجوم الزاهرة 63/12 و 64 و 159).

أقول : في السنة 791 قبض علي الأمير جمال الدين محمود الاستادار بالقاهرة، وعلي ولده محمد، وصفد كل واحد منهما بقيد زنته أربعون رطلا ، خارجة عن قوائمه ، فإنها عشرة أرطال ، وجعل في عنق محمود ثلاث باشات ، ثم أفرج عن الأمير محمود في السنة عينها وخلع عليه خلعة سنية ، وكان له موكب جسيم « إلي الغاية »، ثم أعيد القبض عليه في نفس السنة ، ثم أطلق في السنة 792 واستقر مشيرا للدولة ، ثم قبض عليه في السنة 793 وصودر ، ثم أعيد إلي الاستادارية ، وخلع عليه السلطان ، للدلالة علي رضاه عنه ، ولما عاد من دمشق إلي القاهرة ، جري له استقبال حافل ، فدخل في موكب جسيم يشبه موكب السلطان ، وفرشت له الشقق الكمخا والحرير علي الأرض ليطأها بفرسه ، واجتمع أهالي القاهرة لرؤيته ، ومرض الأمير محمود ، فعاده السلطان وجلس عنده ساعة ، وطال مرض الأمير محمود ، فأصدر السلطان أمره في السنة 798 إلي والي القاهرة بأن ينقل الأمير محمودة ( وهو مريض ) إلي داره ( دار والي القاهرة ) من أجل استخلاص ما يمكن استخلاصه منه من أموال ، فنقله والي القاهرة إلي داره ، وعصره ، وعاقبه ، وأفحش في عقوبته ، ثم نقل من بيت الوالي إلي خزانة شمائل ( أي السجن ) ، وفي السنة 799 مات الأمير جمال الدين محمود بن علي الطازي ، استادار العالية ، وكان موته بخزانة شمائل ( احد سجون القاهرة ) ولم يدفنوه إلا بعد الكشف لجماعة من الشهود « بأنه سالم من الخنق والسقي ( أي السم ) وغيرهما ، وإنه مات « بقضاء الله وقدره » بعد مسكه ، وضربه ، وإهانته ، ومصادرته ، وأخذ ما فوقه وما تحته ( نزهة النفوس 221 - 454)

وفيما أصاب الوزير الصاحب سعد الدين نصر الله ، المعروف بابن

ص: 190

البقري ، بالقاهرة ، عبرة لمن يعمل في خدمة دواوين الحكم ، ولكن الناس لا يتعظون ، فقد ولاه السلطان الظاهر برقوق في السنة 783 نظر الديوان المفرد ، والديوان الخاص ، بمصر ، وقبض عليه في السنة 785 ، وصودر ، وأخذ منه مائتا ألف دينار ، وسلم لشاد الدواوين ، فضربه بقاعة الصاحب ، بالقلعة ، نيفا وثلاثين شيبة ، ثم أطلق ، وفي السنة 792 أعيد إلي الوزارة ، ثم صرف بعد خمسة أشهر ، واعتقل هو وولده ، ثم أطلقا ، واستخدم مستوفية للدولة ، ثم قبض عليه وصودر علي سبعين ألف درهم ، وأطلق ، ثم أعيد إلي الوزارة في السنة 795 ، وفي السنة 796 اعتقل هو وولده ، ثم صودرا ، وأطلقا ، وفي السنة 797 استخدم ناظرة للاملاك ، وفي السنة 798 أعيد إلي الوزارة ، وفي السنة 799 قبض عليه ، وصودر ، وعوقب عقابا شديدا ، وأخرج نهارة ، وهو عاري البدن ، مكشوف الرأس ، مربوطا بحبل يجر به ، وثيابه مضمومة بيده ، وقد انتهك بدنه من شدة الضرب ، ثم أعيد إلي السجن ، وخنق في السنة 799 ( خطط المقريزي 95/2 و 96) .

أقول : لا بد لي أن أشير إلي تصرف وضيع ، قام به السلطان الظاهر برقوق ، مع نساء ابن البقري ، فإن برقوق بلغه في السنة 780 أن في دار ابن البقري احتفال ضخم ، وأن نساءه والنساء المدعوات قد ظهرن في زينتهن وتحلين بجواهرهن ، فشره إلي الإستيلاء عليها، وكان ابن البقري عنده ، فأمر به فاعتقل ، وأوعز إلي أمراء من لدنه ، فهجموا علي النساء في دار ابن البقري ، وسلبوهن جواهرهن ، واستولوا علي ما وجدوا في الدار من أموال ومتاع ، فإذا كان السلطان يصنع هذا ، فلا لوم علي اللصوص في ممارسة اللصوصية ( نزهة النفوس 77) .

وقد حفظ لنا ، صاحب كتاب أنساب الأشراف ، قصيدة لأحد الشعراء كتب بها إلي عبد الله بن الزبير ، يشكو فيها من عماله بالعراق ، ويتهمهم

ص: 191

بالخيانة ، ويسميهم واحدة واحدة ، ويصف أعمالهم ، ويعين عقوبتهم ، منها : ( أنساب الأشراف 191/5 - 194).

يا ابن الزبير أمير المؤمنين ألم**** يبلغك ما فعل العمال بالعمل

باعوا التجار طعام الأرض واقتسموا**** صلب الخراج شحاحا قسمة النفل

فاشدد يديك بزيد إن ظفرت به ****وأشف الأرامل من دحروجة الجعل

خذ العصيفير فانتف ريش ناهضه ****حتي ينوء بشر بعد مقتبل

وخذ حجيرة فأتبعه محاسبة**** وإن عذرت فلا تعذر بني قفل

لا تجعلن مال بيت المال مأكلة**** لكل أزرق من همدان مكتحل

والحارثي سيرضي إن تقاسمه**** إذا تجاوزت عن أعماله الأول

وأدع الأقارع فأقرعهم بداهية**** وأحمل خيانة مسعود علي جمل

كانوا أتونا رجالأ لا ركاب لهم ****فأصبحوا اليوم أهل الخيل والإبل

لن يعتبوك ولما يعل هامهم**** ضرب السياط وشد بعد في الحجل

إن السياط إذا عضت غواربهم**** أبدوا ذخائر من مال ومن حلل

وقد أورد صاحب الصلة ( ص 34 ) أبياتا ، أثبت قائلها فيها ، ألوانا من العذاب الذي كان يصب علي العمال والمتصرفين المصروفين ، منها :

اين ضرب المقارع الأرزنيا**** ت(1) وأين الترهيب والانتهار

أين صفع القفا وأين التهاوي****ل (2) إذا علقت عليها الثفار(3)

أين ضيق القيود والألسن الف**** أين القيام والإخطار

أين عرك الأذان واللطم للها****م وعصر الخصي وأين الزيار(4)

أين نتف اللحي وشد الحيازي****م) وأين الحبوس والمضمار

ص: 192

وفي وفيات الأعيان 469/4 و470 أبيات لابن التعاويذي ، ذكر فيها ما أنزله الوزير ابن البلدي ، بالعمال المصروفين ، من ألوان العذاب ، وأول القصيدة :

يا قاصدا بغداد حد عن بلدة**** للجور فيها زخرة وعباب

ومنها :

شهدوا معادهم فعاد مصدقة**** من كان قبل ببعثه پرتاب

حشر وميزان وعرض جرائد**** وصحائف منشورة وحساب

وبها زبانية تبث علي الوري ****وسلاسل ومقامع وعذاب

ما فاتهم من كل ما وعدوا به**** في الحشر إلا راحم وهاب

ص: 193

ص: 194

الفصل الثاني : أصناف مختلفة من العذاب

اشارة

ص: 195

ص: 196

البحث الأول : محنة القرامطة

كانت القرامطة ، تسلم من اعتبروه مجاوزة أحكام قوانينهم ، الي المحنة ، وكانوا إذا نقموا علي رجل ، استدعوه من حيه ، إلي الأحساء بلدهم ، فطرحوه ، إما مقيدا يكدي في البلد ، أو سائس للخيل ، أو راعية للغنم أو الإبل ، أو ضربوه ، وجددوا عليه ، في كل يوم ، لونا من العقاب ، ولا يزال عندهم حوله ، وأكثر ، وربما عاقبوه بألوان أخر ، فجميع ما يعملونه من التأديب ، يسمونه ( محنة ،، راجع التفصيل في القصة ( 75/8 ) من كتاب نشوار المحاضرة للتنوخي ، تحقيق المؤلف .

ص: 197

البحث الثاني : حمل الأثقال

والمراد بالأثقال ، كل ما هو ثقيل بصورة عامة ، سواء كان حجارة ، أو حطبة ، أو جرارة مملوءة .

وهذا اللون من العذاب ، يمارس بقصد الإيذاء والإذلال ، وأكثر ما يمارس ضد المطالبين بالأموال ، من مصادرين ، أو عمال معزولين .

ويظهر مما ذكره سليمان بن سهل البرقي ، أن العمال المعزولين ، كان عذابهم حمل الحجارة علي أكتافهم ، والمقارع تأخذهم ، راجع القصة المرقمة 379 من كتاب الفرج بعد الشدة للقاضي التنوخي ، تحقيق مؤلف هذا الكتاب .

وجاء في الغرر للوطواط (ص 278 ) إن أبا الشمقمق ، وفد علي محمد بن مروان بنيسابور ، يريد محمد بن عبد السلام ، فلما دخلها، صار إلي منزل محمد ، فأخبر أنه في دار الخراج مطالب ، فقصده ودخل عليه وهو قائم في الشمس وعلي عنقه صخرة عظيمة فتغير له ، فلما رآه محمد ، قال :

ولقد قمت علي رجال طالما**** قدم الرجال عليهم فتمولوا

أخني الزمان عليهم فكأنهم ****كانوا بأرض أقفرت فتحولوا

وذكر يوسف بن إبراهيم الكاتب (ت 265) : إن أحمد بن محمد بن المدبر ، عامل الخراج بمصر ، اعتقله مع من اعتقل ، وطالبه ببقايا ، وكان

ص: 198

يغدو علي المعتقلين في كل يوم غلام لابن المدير يحجبه ، فيكتب علي كل رجل ما يؤديه في يومه ، فإن لم يكتب شيئا أخرج ، فحملت عليه الحجارة ، وطولب أعنف مطالبة ( المكافأة 190 ).

ولما قبض محمد بن خلف النيرماني ، في السنة 321 علي أبي عبد الله البريدي ، وعلي أخويه أبي يوسف ، وأبي الحسين ، رفه أبا عبد الله ، وأوقع بأخويه ، وعلق عليهما الجرار المملوءة ، ودهقهما . ( تجارب الأمم 247/1 ).

وكان مرداويج الديلمي ، من قواد أسفار بن شيرويه ، المتغلب علي الري ، ثم خرج عليه ، وقتله ، وتغلب علي الري وأصبهان ، ثم ملك الجبل بأسره إلي حلوان ، فطغي وتجبر ، وقال : أريد أن أبطل دولة العرب وأرد دولة العجم ، وكتب إلي ابن وهبان عامله علي الأهواز ، أن يعد له إيوان كسري منزلا إذا تقدمه إلي الحضرة ، وأن يعمره ويعيده كهيأته قبل الإسلام ، وصاغ لنفسه تاجأ عظيمة ، ورضعه بالجوهر ، وكان يجلس علي سرير من الذهب ، قد جعل عليه منصة عظيمة ، ودونه سرير من فضة ، وكراسي كبار مذهبة ، من أجل جلوس أصحابه ، وحدث في السنة 323 أن تقدم بإسراج الدواب ليعود إلي داره بعد أن طاف بالصحراء ، ثم نعس نعسة ، ونام فأبطأ ، واتفق أن شغبت دواب الغلمان ، وارتفعت أصواتها ، وأصوات من يزجرها، ولم يكن ممكن أن يفرق بينها لازدحامها بالباب ، ولأن أكثرها بأيدي غلمان الغلمان ينتظرون ركوب الأمير ، فيركب الغلمان بركوبه ، فانتبه مرداويج مذعورا ، وقام بنفسه ليري بنفسه سبب الضجة ، فلما عرف حقيقة الأمر ، أمر أن تحط السروج عن ظهور الدواب ، وتجعل علي ظهور الغلمان ، وتدفع الدواب بأرسانها إليهم ، ليقودوها بأنفسهم إلي الإصطبلات ، ففعلوا ذلك ، وكانت صورة قبيحة جدا ، ثم ركب وهو يتوعد الغلمان ، فاتفقوا علي الفتك به ، فلما دخل الحمام ، هجموا عليه فسند الباب بسرير ، فتعذر عليهم فتح الباب ، فصعد نفر منهم إلي قبة الحمام ، وكسر الجامات ، ورموه بالنشاب

ص: 199

فدخل البيت الحار ، فعادوا إلي الباب وكسروه ودخلوا إليه فشق بعضهم جوفه بسكين ، وخرجوا من عنده ، ثم عادوا إليه لح رأسه ، فوجدوه قد جمع حشوة بطنه وردها وقبض عليها بشماله ، وقاتلهم بكرنيب في يده ساعة ، ثم تغلبوا عليه فحوا رأسه . ( تجارب الأمم 161/1 و162 و 213 و313 و 314 و317 و 318 ).

واجتاز بدر بن حسنويه (ت 405 ) في بعض مرتحلاته برجل متحطب ، قد حط حمله عن ظهره ، وكان أحد فرسان بدر أخذ منه رغيفين كانا معه ، فشكا المتحطب حاله إلي بدر ، وقال له : أيها الأمير ، لقد غصبني أحد فرسانك رغيفين من الخبز كنت أعددتهما لأتغدي بهما في البلد ، حيث أبيع حطبي وأعود بثمنه علي عيالي ، فقال له : هل تعرف الرجل ؟ قال : نعم ، بوجهه ، فجاء به إلي مضيق جبل ، وأوقفه ووقف معه وأمر العسكر بالاجتياز ، وعرف المتحطب صاحبه ، فأنزله بدر وحطه عن فرسه ، وأمره بأن يحمل الحطب علي ظهره إلي البلد ، وأن يدخل به السوق ، إلي أن يباع ويتسلم صاحبه ثمنه ، وكان الفارس موسرة فحاول أن يفتدي نفسه بمال ، فأبي إلا أن يحمل الحطب إلي البلد علي ظهره . ( ذيل تجارب الأمم 289 ).

وفي السنة 550 فتح علاء الدين الغوري غزنة ، وكان أهلها قد ثاروا علي سلطانهم ، أخيه سيف الدين ، وأسروه ، وصلبوه ، فانتقم منهم ، وكان من جملة ما صنعه بهم ، أن أخذ منهم جماعة كثيرة ، وحملهم مخالي ملئت تراب ، وأخذهم إلي فيروزكوه ، حيث بني بذلك التراب قلعة في فيروزكوه . ( ابن الأثير 266/11 ).

وفي السنة 785 رسم السلطان برقوق ، سلطان مصر ، بالقبض علي والي اطفيح علي بن بدر ، وتقييده ، وأن يكون مع المقيدين بنقل التراب ، ففعل به ذلك ، وسجن بالقلعة . ( نزهة النفوس والابدان 72 ).

ص: 200

البحث الثالث : المساهرة

وفي السنة 234 قبض المتوكل علي وزيره محمد بن عبد الملك الزيات ، وعذب أول الأمر ، بأن سوهر ، ومنع من النوم ، وكلما أغفي نخس بمسلة ، وكان قد اتخذ تنورة من خشب ، فيه مسامير حديد قيام ، وكان عذب به ابن أسباط المصري ، ثم ابتلي هو به ، فعذب فيه حتي مات . ( تجارب الأمم 6/ 539 ) .

ومارس المعتضد ، التعذيب بالمساهرة ، مع أحد اللصوص ، اتهمه بسرقة من بيت المال ، فأمر بإحضار ثلاثين أسود ، وأمرهم بأن يتناوبوا في ملازمته ، بحيث لا يمكن من الإتكاء ، ولا الإستناد ، ولا الإستلقاء ، ولا الإضطجاع ، فإذا خفق خفقة وجيء فكه ، وقمع رأسه ، فداموا علي ذلك أيام حتي قارب الرجل التلف ، راجع تفصيل القصة في مروج الذهب مد509 - 507/2.

وكان من جملة العذاب الذي عذب به بكر الصوباشي ، ببغداد ، في السنة 1032 أن سوهر سبعة أيام ، كوي خلالها بالنار ، ثم أحرق هو وأخوه ، راجع التفصيل في هذا الكتاب ، في الباب الرابع عشر : التعذيب بالنار والماء المغلي ، الفصل الأول : التعذيب بالنار .

ص: 201

البحث الرابع : إرسال السباع والحشرات

إن هذا اللون من العذاب ، كان يمارس لإيذاء الأسير وإرهابه ، ولم يكن المقصود به قتله .

وأول من مارسه عبد الله بن الزبير ، فإنه حبس أخاه عمرو بن الزبير ، وضربه أشد ضرب ، ثم أرسل عليه الجعلان ، فكانت تدت عليه فتثقب لحمه ، وهو مقيد مغلول ، يستغيث فلا يغاث ، حتي مات . ( الاغاني 74/5 و75 و 237/14 ).

أقول : كان عمرو بن الزبير ، يلي شرطة المدينة للأمويين ، فهدم دور بني هاشم ، ودور بني الزبير ( بني أبيه ) وبلغ منهم كل مبلغ ، وضرب محمد بن المنذر بن الزبير مائة سوط ، ثم دعا بعروة بن الزبير ( أخيه ) ليضربه ، فقال له محمد : أتضرب عروة ؟ فقال له : نعم ، إلا أن تحتمل ذلك عنه ، فقال : أنا احتمله، فضربه مائة سوط أخري ، وضرب عمرو الناس ضربة شديدة ، فهربوا من المدينة إلي عبد الله بن الزبير بمكة ، ثم إن عمرة قاد جيشأ لحرب أخيه عبد الله ، وقصده في مكة ، وأعد له جامعة ، ليجمع فيها يديه إلي عنقه ، ولما وقعت المعركة انفل جيش عمرو ، ووقع أسيرة في يد أخيه ، فأقاد الناس منه ، وضربه ضربا شديدا ، حتي قاح جسده ، فأرسل عليه الجعلان تدت عليه فتثقب لحمه حتي مات ، فأمر بدفنه في مقابر

ص: 202

المشركين ( الاغاني 74/5 و75 و 237/14 والطبري 344/5و345وأنساب الأشراف 23/2/4 - 25 و 28 ) .

ولما عزل عمر بن هبيرة ، سعيد الحرشي عن خراسان ، عذبه بأن نفخ في دبره النمل ، ( العيون والحدائق 84/3 والحيوان للجاحظ 33/4 ) .

وقال القاسم بن الرشيد ، (173 - 208 ) لقوام حمامه ، نوروا الناس بالمجان ، ففعلوا ذلك ، فلم يبق محتاج إلا جاء يتنور ، فلما علم أنهم قد كثروا ، أخرج عليهم الأسد، من باب كان يدخل منه إلي الحمام ، فخرج الناس عراة ، مغمي عليهم ، مع ما عليهم من النورة ، هاربين من الأسد، فصاروا إلي شارع قصره ، وأشرف عليهم وهو يضحك . ( المحاسن والمساويء 134/1).

كان محمد بن مناذر الشاعر ، يرسل العقارب في المسجد بالبصرة ، حتي تلسع الناس ، وكان يصب المداد بالليل في أماكن الوضوء حتي يسود وجوههم . ( معجم الأدباء 108/7 ).

وكان المتوكل ، يرسل الحيات والعقارب والأسود علي ندمائه ليفعهم ويضحك هو منهم . ( العيون والحدائق 556/3 وتجارب الأمم 556/6 والطبري 228/9 ) .

وروي إبراهيم النظام ، إنه أبصر صاحب مسلحة ، في أجمة البصرة ، غضب علي ملاح نبطي ، فشده قماط ، ورمي به في الأجمة حيث البعوض ، فصاح الملاح ، اقتلني أي قتلة شئت ، وأرحني ، فأبي ، وطرحه ، فظل الملاح يصيح ، ثم عاد صياحه أنينا ، ثم خفت ، فجاء إلي المقموط وقت العتمة ، فإذا هو ميت ، وإذا هو أشد سوادا من الزنجي ، وأشد انتفاخا من الزق المنفوخ ( الحيوان الجاحظ 399/6 و 400) .

ص: 203

وذكر المقريزي في خططه ، لونا من ألوان العقوبة ، كان يمارس بمصر ، وهو أن يحلق رأس الإنسان ، وتشد عليه خنافس، وقال : إن هذا اللون من العذاب لا يصبر عليه الإنسان ساعة . (خطط المقريزي 427/1)

وكان أحمد باشا الجزار (ت 1219 ) يعذب النساء ، بوضع السنانير في سراويلهن ( مجلة العرفان ، المجلد 29 ج 10 ص 1197 كانون الأول 1974 نقلا عن العقد المنضد في شرح قصيدة علي الأسعد ) .

ص: 204

البحث الخامس : شق لحم البدن بالقصب الفارسي

أمر الحجاج بن يوسف الثقفي ، بفيروز ، فعذب ، ثم أمر بأن يشد عليه القصب الفارسي المشقوق ، ثم يجر عليه حتي يجرح بدنه ، ثم ينضح عليه الخل ، ثم قتله ( الكامل لابن الأثير 488/4 و489 ).

وعذب أبو القاسم البريدي ، بالبصرة ، أبا جعفر الكرخي ، المعروف بالجرو ، بأن سمر يديه في حائط ، وسل أظافيره ، وضرب لحمه بالقصب الفارسي . ( القصة 124/4 من نشوار المحاضرة ) .

ص: 205

البحث السادس : العصر

ويتم بعصر البدن بين لوحين ، أو بين خشبتين ، أو بعصر الصدغين بالجوزتين ، بأن تشد كرتان ، تشبهان الجوزتين علي الصدغين .

وممن عذب بالعصر ، خالد بن عبد الله القسري ، أمير العراقين ، عذبه به خلفه يوسف بن عمر الثقفي ، فقد وضع قدميه بين خشبتين ، وعصرهما ، حتي انقصفا ، ثم رفع الخشبة إلي ساقيه ، وعصرهما حتي انقصفا، ثم إلي وركيه ، ثم إلي صلبه ، فلما انقصف صلبه ، مات . ( وفيات الأعيان 229/2 ) .

وعذب يعقوب الصقار ، علي بن الحسين ، في فارس ، لما فتح شيراز ، بأنواع العذاب ومنها أنه شد الجوزتين علي صدغيه . ( وفيات الأعيان 452/5)

ومن طريف أخبار العذاب بالعصر ، ما أورده صاحب فوات الوفيات 194/2 و195 عن الوزير المصري الصاحب صفي الدين عبد الله بن علي ، المعروف بابن شكر ، المتوفي سنة 622 فإنه عرض له إسهال وزحير أنهكه ، حتي أيس الأطباء منه ، فدعا من حبسه عشرة من شيوخ الكتاب والعمال ، وقال لهم : أنتم تشمتون بي ، وركب عليهم المعاصير ، فكان يزحر ، وهم يصيحون .

ص: 206

أقول : مما هجي به الوزير ابن شكر ، قول ابن عنين فيه :

ضاق صدري ، وضاع في الناس قدري**** من حضوري باب اللئيم أبن شكر

لو أتته حوالة بخراء**** قال ستوا بلحيتي باب جحري

وقال فيه ابن شمس الخلافة :

مدحت السنة الأنام مخافة**** وتقارضت لك بالثناء الأحسن

أتري الزمان مؤخرا في مدتي**** حتي أعيش إلي انطلاق الألسن

وفي السنة 1980 قتل الأمير علم الدين سنجر اشجاعي ، بأن عصر بالمعاصير ، وكسرت رجلاه حتي مات ( بدائع الزهور 117/1 ) .

وفي السنة 693 ضرب الصاحب شمس الدين بن السلعوس ، وعصر حتي مات ( بدائع الزهور 130/1 والوافي بالوفيات 87/4 ).

وفي السنة 770 قبض السلطان الاشرف بمصر ، علي الأمير بيدمر الخوارزمي نائب الشام ، وألزمه بحمل ثمانمائة ألف دينار ، وعصره ( بدائع الزهور 87/2/1 ). .

وفي السنة 771 توفي الصاحب شمس الدين بن موسي ، وكان قد صودر ، وعصر ، وعذب بأنواع العذاب ، وضربه والي القاهرة أول يوم مائتي شيب ( سوط ) وسعطه بالماء والملح والخل والجير ، وعقد له المقرعة ، حتي كانت إذا نزلت علي جنبه أحدثت فيه ثقوبا ، وكان بعد المعاقبة يرمي عريانا في الشتاء علي البلاط ، فيتمرغ عليه وهو لا يعي ، ثم عصروه في كعبه واصداغه ، وقيل إنه احصي مقدار ما ضرب فكان ستة عشر ألف شيب ، وقد ضرب مرة فسقط من ظهره قطعة لحم بقدر الرغيف ، ومن أعجب العجب ، إن هذا الرجل ، كان قبل العذاب مريضأ ، ضعيف البنية ، نحيف البدن ، قليل الأكل ، مصابة بالربو ، وضيق النفس ، وكانت الحمي الصالبة تلازمه ،

ص: 207

ولا يبرح محتميا ، يلبس الفراء صيفا وشتاء، فلما عذب هذا العذاب وأطلق ، تعافي من جميع أمراضه وصار صحيح البدن ، ومن العجائب ايضا ان امرأته عذبت كذلك بألوان العذاب ، وكانت ضعيفة وحاملا ، وولدت وهي تعصر بالمعصرة ، وعاش ولدها حتي كبر ( النجوم الزاهرة 110/11 - 112). .

وفي السنة 789 أرسل الملك الظاهر ، صاحب مصر والشام ، إلي الأمير جمال الدين محمود ، شاد الدواوين ، يأمره بالعودة من الشام ، بعد أن أوقع الحوطة علي الأمير بيدمر ملك الأمراء بدمشق ، وعلي أهله ، وحاشيته ، وأصحابه ، حتي أحتاط علي موجوده ، وعصره ، وعصر جواريه ، وأصحابه ، وحاشيته ( تاريخ ابن الفرات 3/9 ).

وفي السنة 791 قبض الأمير الكبير تمر بغا منطاش ، بالقاهرة ، علي الأمير سيف الدين أرغون العثماني الجمقدار ، واتهمه بالمخامرة عليه ، وعصره مرارا كثيرة ( تاريخ ابن الفرات 133/9 و134).

وفي السنة 791 عوقب الطواشي صندل المنجكي ، وقرر علي ذخائر السلطان الملك الظاهر ، وعصر مرارة بالقاهرة ( نزهة النفوس 242).

وفي السنة 792 لما تحرك أنصار الظاهر برقوق بالقاهرة ، اعتقلوا والي القاهرة الأمير حسام الدين حسين الكوراني ، لأنه كان قد شتم الظاهر ، وأهان أفراد عائلته إهانة بالغة ، فنهبت داره ، وقيد بقيد زنته ثمانون رطة، وفي ثاني يوم تسلمه الوالي الجديد ، وقيده في باشة وزنجيل ، وأنزله إلي بيته ، فضربه مقترحة ، وعصره ، ثم عصر ركبتيه ، ثم أحضره بعد ذلك وعصره عصرة شديدة ، وفي السنة 793 أمر الظاهر بتوسيطه ، فقام والي القاهرة بتوسيطه ( تاريخ ابن الفرات 197/9 ، 198 ، 203 ، 257 ).

أقول : ذكر صاحب بدائع الزهور 445/2/1 أن الكوراني بعد ضربه وعصره قتل خنقأ .

ص: 208

وفي السنة 793 أمر سلطان مصر ، بقاضي قضاة الشام ، شهاب الدين القرشي ، فأحضر من السجن وضرب بالمقارع ، ثم سلم إلي والي القاهرة ، فضربه وعصره مرارا حتي مات . ( نزهة النفوس 326 - 329) .

وفي السنة 795 قبض علي الأمير منطاش، وأخذ إلي حلب، فسافر إليه الأمير طولومن علي باشاه ، فعاقبه ، وقرره ، وعصره ، وأهلكه بالعقوبة ، ثم ذبحه . ( نزهة النفوس 361 ).

وفي السنة 798 رسم بمصر لشاد الدواوين ، أن يحضر محمود الاستادار ، فأحضر ، وعصره من ليلته ، حتي كاد أن يهلكه ( نزهة النفوس والابدان 428) .

وفي السنة 798 قبض علي الأمير محمد بن جمال الدين ، وسجن ، وعوقب ، وعصر ، ثم خنق ( بدائع الزهور 479/2/1 ) .

أقول : الأمير ناصر الدين محمد بن الأمير جمال الدين محمود ، كان أبوه الأمير محمود استادارة للسلطان الظاهر برقوق ، أما الأمير محمد، فقد نصبه السلطان الظاهر في السنة 794 نائبا للسلطان في الإسكندرية ، وفي السنة 797 قدم الأمير محمد من الاسكندرية وقدم للسلطان تقدمة ( هدية ) عظيمة ، اشتملت علي الذهب والحرير والخيل ، فقبلها السلطان وشكره علي هديته ، وفي السنة 798 اعتقل الأمير محمد مع أبيه الأمير محمود ، وأسلم الأمير محمد إلي ابن الطبلاوي الوزير « ليخلص » منه مائة ألف دينار ، فأهانه الوزير ، وأخرق به ، وبالغ في تنقيصه ، وجرده من ثيابه ليضربه بحضور الخاص والعام ، فقال له : يا أمير ، قد رأيت عنا ، وما كنا فيه ، وقد زال ، وعزك أيضأ ما يدوم ، فترك ضربه لما سمع هذا الكلام ( نزهة النفوس 342 ،404 ، 424 ) ، ويتضح مما أورده صاحب بدائع الزهور إن محمد عذب وخنق في السنة 798 أما أبوه فقد أوردنا في موضع آخر من هذا

ص: 209

الكتاب إنه عذب ، وصودر ، ومات في سجنه في السنة 799 فأحضروا إليه جماعة ليطلعوا علي أنه « سالم من الخنق والسقي وغيرهما ، ويكاد المريب أن يقول خذوني .

وفي السنة 800 اتهم السلطان بمصر ، الأمير علي باي ، بالتآمر عليه ، فاعتقله ، وأحضره ، وأحضر المشاعلي ( الجلاد ) ، وأمر بإحضار المعاصير ، فأحضرت ، وعصر بحضرته ، وفي اليوم التالي عذب كذلك بحضور السلطان عذابا شديدا حتي كسرت رجلاه وركبتاه ، ثم إن السلطان ضربه بعكاز كان في يده من الفولاذ ، فخسف صدره ، فأخذ إلي الخارج وخنق ( بدائع الزهور 507,506/2/1)

أقول : أنا أوردنا هذا الخبر ، في موضعه من الباب الثاني عشر : القتل بكتم النفس ، الفصل الأول : الخنق ، وإنما أثبتناه هنا، لأن تعذيب هذا الأسير بالعصر ، جري علي خلاف المعتاد ، لأن التعذيب بالعصر يجري عادة حيث توجد المعصرة ، وهي أغلب ما يكون موضعها في السجن ، ولكن العصر ها هنا، جري بحضور السلطان ، إذ أوعز بإحضار آلة العصر ، فأحضرت ، وجري عصر الأسير وتعذيبه بمحضر من السلطان ، حتي كسرت ساقاه وركبتاه ، ولم يشتف السلطان بما حصل لأسيره ، حتي نهض إليه وضربه بعكاز من الفولاذ ، فخسف صدره ، الأمر الذي يدل علي أن السلطان كان شديد الغضب عليه ، وقد أوضح لنا صاحب نزهة النفوس ( ص470) سبب هذا الغضب ، فإنه هو الذي اشتري علي باي ، وكان إذ ذاك صبيا صغيرة ، فأذبه ، ورباه مثل ولده في حجره ، ونصبه دوادارة ، ومنحه إقطاع ثقيلا ، ثم ولاه الخازاندارية ، وكان عنده بمنزلة عظيمة ، وكان لا يرد له طلبأ ، ويركن إليه في جميع أموره ، فكان جزاء السلطان منه ، أن رتب مؤامرة لقتله ، لا عجب أن غضب السلطان عليه هذا الغضب .

وفي السنة 800 قبض السلطان بمصر ، علي الأمير علاء الدين بن

ص: 210

الطبلاوي ، وعلي أخيه ، وابن عمه ، وعلي جميع عياله ، وحاشيته ، وأصحابه ، فضرب بين يدي السلطان ، وسجن ، ثم تسلمه الأستادار ، فعذبه ، وعصره بالمعاصير في كعابه ، وسقاه الماء بالجير والملح ، وضربه كسارات ، وأذاقه ما كان يفعله بالناس ، ثم ألبسه خوذة حديد محمية بالنار ، ولما استصفيت أمواله ، أعيد إلي السجن . ( بدائع الزهور 499/2/1 ) .

وفي السنة 801 أحضر السلطان ، الوزير ابن الطوخي ، وطالبه مشافهة بمال ، فذكر أنه ليس لديه مال ، فسلمه إلي الوزير تاج الدين ، فأخذه إلي داره ، وعصره . ( بدائع الزهور 519/2/1).

وفي السنة 803 قبض الأمير شهاب الدين أحمد شاد الدواوين ، علي يلبغا السالمي وضربه ضربا مبرحا ، وبالغ في عصره وتعذيبه ( بدائع الزهور 630/2/1)

ولما فتح تيمورلنك دمشق في السنة 803 كان من جملة ما عذب به الدمشقيون العصر ( النجوم الزاهرة 12/ 244 و245 ).

وفي السنة 824 هلك تحت العذاب الأمير الحسن بن عبد الله البدر الطرابلسي ، وكان قد ولي الأستادارية ، فظلم الناس ، فقبض عليه المؤيد ، وشتمه ، وهمم بقتله ، وأمر به فعصر ، وعذب ، وعوقب أتباعه ، حتي إن زوجته الشريفة عذبت معه أيضا ، ثم أفرج عنه ، واستقر في كشف الوجه القبلي ، فظلم وجار ، فصودر وأهين ، ثم ولي الوزارة في أيام المؤيد ، ثم أعطي تقدمة طرابلس ، فلما عصي جقمق انتمي إليه ، فاعتقله الأمير ططر ، وضربه ، وعصره ، واستمر تحت العقوبة ( العذاب ) حتي هلك ( الضوء اللامع 102/3 ).

وفي السنة 857 تسلطن الملك المنصور عثمان بن الملك الظاهر ، فقبض علي الأمير زين الدين الاستادار ، وأحضر له المعاصير ، وعصر في

ص: 211

أركابه ( پريد ركبه ) حتي كسرها . ( بدائع الزهور 17/2 ).

ولما عصي الأمير تغري ورمش علي السلطان ، عذب بأن عصر بين أبواب القلعة . ( اعلام النبلاء 38/3 ) .

وعذب السلطان الغوري ، جمال الدين الحلبي ، بوضعه بالمقشرة . ( اعلام النبلاء 530/5 و 531 ).

وكان من جملة ما عذب به السلطان الغوري ، القاضي بدر الدين بن مزهر ، كاتب أسرار القاهرة ، في السنة 916، أن عصر بدنه ورأسه ( شذرات الذهب 74/8 ).

وفي السنة 1255 أحضر شريف باشا، متسلم دمشق ، وحقق معه ، فلم يقر ، وعذب ، فلم يقر ، فوضعوا له الكعاب علي مصادغه ، فلم يقر فعقدوا المرسة ، وصاروا يبرمونها علي أصداغه ، فلم يقر ، فقام الوزير ، وجرد سيفه ، بحمق ( بغضب ) لأجل أن يقر ، فما أقر ، بل مد رقبته لأجل ( أن ) يقتله ويستريح ( مذكرات تاريخية 200 ).

وفي السنة 1255 أجري التحقيق بدمشق ، مع حلاق يهودي ، اسمه سليمان ، وأحضره المتسلم شريف باشا أمامه ، وقرره ، وضرب فلم يقر ، فوضعوا له الكعاب علي مصادغه ( أصداغه ) وصار القواص باشي يبرم بند السيف علي الكتاب ، والضرب « عمال » علي ظهره ، وعلي كعب رجليه ( مذكرات تاريخية 193 ) .

ص: 212

البحث السابع : الدهق

الده : آلة تعذيب ، تشتمل علي خشبتين ، يضيق بهما علي ساقي المعذب ، أو علي أحد أجزاء بدنه .

وقد عذب الحجاج بن يوسف الثقفي ، آزادمرد ، بأن دق يده علي رجله ، ودهقه ، ودق ساقه .

راجع التفصيل في القصة 69/1 من كتاب نشوار المحاضرة ، وأخبار المذاكرة ، للقاضي التنوخي ، تحقيق المؤلف .

وحبس الحجاج ، يزيد بن المهلب ، وأخويه المفضل وعبد الملك ، وأخذ يعذبهم ، وكان يزيد يصبر علي العذاب ، فيغتاظ الحجاج من صبره ، فقيل له : إنه رمي بنشابة فثبت نصلها في ساقه ، فلا يمسها شيء إلا صاح ، فأمر أن يعذب بدهق ساقه ، فدهقت ، فصاح ، وكانت أخته هند بنت المهلب عند الحجاج ، فلما سمعت صباح يزيد صاحت ، فطلقها الحجاج . ( الطبري 448/6 ).

وكان من جملة العذاب الذي عذب به بلال بن أبي بردة ، أن دهق حتي دقت ساقه ، وجعل الوتر في خصيتيه . ( البيان والتبيين 220/1 ) .

وروي لنا صاحب المحاسن والمساويء ، أن المنصور العباسي ، حضر

ص: 213

تعذيب جارية مدنية ، وأنها دهقت بأمر منه ، وبحضوره ، حتي أغمي عليها . ( المحاسن والمساويء 114/1 ) .

وقبض المأمون ، علي أحد عماله ، وهو عمرو بن بهنوي ، فأسلمه إلي الفضل بن مروان ، فطالبه ، ودهنه، راجع القصة 68/1 من نشوار المحاضرة وأخبار المذاكرة للقاضي التنوخي.

وكان الوزير أبو علي بن مقلة ، يشكو طول حياته من ضيق النفس لأن الدستواني دهقه علي صدره . ( التكملة 94).

ولما قبض محمد بن خلف النيرماني ، علي آل البريدي الثلاثة ، رقه أبا عبد الله وأوقع بأخويه أبي يوسف وأبي الحسين ، ودهقهما ( تجارب الأمم 247/1)

وفي السنة 344 تعرض عمران بن شاهين ، صاحب البطائح ، لكار كبير فيه أموال لمعز الدولة والتجار ، فأخذه ، وقبض علي المرعبل ، ملاح معز الدولة ، فصادره ، وضربه ضربأ عظيمة ، ودهقه إلي أن أزمنه . ( تجارب الأمم 159/2 ).

ص: 214

البحث الثامن : التعذيب بالزمارة

الزمارة : ساجور يعلق في العنق ، مثل القلادة أو الخشبة التي تعلق في عنق الكلب .

ولما أحضر الحجاج بن يوسف الثقفي ، سعيد بن جبير ليقتله ، جيء به إليه ، وفي عنقه زمارة ( لسان العرب ، مادة : زمر والبيان والتبيين 74/3)

ولما حمل محمد بن عبد الله بن عمرو بن عثمان ، مع بني الحسن ، إلي العراق بأمر المنصور ، كان في عنق محمد زمارة ، وحدث أن انبعث بعير محمد وهو غافل لم يتأهب له ، وفي رجليه سلسلة ، وفي عنقه الزمارة ، فهوي ، وعلقت الزمارة بالمحمل ، فظل منوطا بعنقه يضطرب ، فبكي عبد الله بن الحسن وجزع جزعة شديدة ( مقاتل الطالبين 222) .

ص: 215

البحث التاسع : التعذيب بالمضرسة

المضرسة : آلة تعذيب فيها من باطنها نتوءات تشبه الأضراس .

وقد قتل يوسف بن عمر ، خالد بن عبد الله القسري ، بأن نقله من الشام إلي العراق ، لابس عباءة ، علي محمل ليس تحته وطاء ، ثم وضع المضرسة علي صدره ، فقتله ، وكان ذلك في السنة 126 فإن الوليد بن يزيد لما استخلف ، أمر بحمل خالد إليه ، وكان لا يطيق المشي ، وإنما يحمل في كرسي ، فلما حمل إليه ، أمره بالكشف عن موضع ولده يزيد ، وتهدده ، فغضب خالد ، وقال له : إنه لو كان تحت قدمي ما رفعتهما ، فأمر الوليد غيلان صاحب حرسه ، بأن يبسط عليه العذاب ، وقال له : أسمعني صوته ، فعذبه غيلان بالسلاسل ، ثم حبسه عنده ، حتي قدم يوسف بن عمر من العراق ، وكان يحقد علي خالد، فاشتراه من الوليد بخمسين ألف ألف درهم ، فدفعه إلي يوسف ، فنزع يوسف عنه ثيابه ، ودرعه عباءة ، وألحفه بأخري ، وحمله في محمل بغير وطاء ، وزميله أبو قحافة المري بن أخي الوليد بن تليد ، وكان عاملا لهشام علي الموصل ، وبدأ يوسف يعذب خالد وهو في طريقه إلي العراق ، ولما قدم يوسف الحيرة ، بسط العذاب علي خالد ، بأن أمر بعود فوضع علي قدميه ، ثم قامت عليه الرجال حتي كسرت قدماه ، ثم علي ساقيه حتي كسرتا ، ثم علي حقويه ، ثم وضع المضرسة علي صدره فقتله ( الطبري 259/7 و260).

ص: 216

أقول : كان يوسف بن عمر ، كثير المساويء ومن جملة مساوئه انه كان الثيم القدرة ، ولما حمل خالدة إلي العراق بلغه أن زيد بن تميم القيني ، بعث إلي خالد بشربة سويق حب رمان معمولي له اسمه سالم فضرب زيدا خمسمائة سوط ، وضرب سالم ألف سوط ، وبلغه أن عامر بن سهلة الأشعري مر بقبر خالد ، فعقر فرسه علي القبر ، فأخذ عامرة وضربه سبعمائة سوط ( الطبري 27/7 ) .

ص: 217

البحث العاشر : التعذيب بالدوشاخة

واستحدث في أيام المغول ، التعذيب بالدوشاخة ، وهي خشبة ذات شعبتين ، تعلق في رقبة المراد تعذيبه ( القاموس الذهبي 283). فاذا شدد ضغطها علي العنق ، انقصف ، ومات المعذب .

وبهذه الآلة عذب مجد الدين ، ملك واسط ، لما قبض عليه في السنة 660 وضرب ، وشهر ، ودوشخ ( الحوادث الجامعة 349 ).

وفي السنة 680 رفع علي الصاحب علاء الدين ، صاحب الديوان ، ببغداد ، فاعتقل، وصودر ، ودوشخ ، وألقي تحت دار المسناة التي بأعلي بغداد ، علي شاطيء دجلة مكتوفة ، عليه قميص واحد ، وكان البرد شديدأ جدا ( تاريخ العراق للعزاوي 299/1 و 300) .

وفي السنة 683 لما تسلطن أرغون ، قبض علي الخواجة هارون ، صاحب الديوان ، وعلي شمس الدين نائبه ، وعز الدين جلال المشارك في كتابة السلة ، ونظام الدين عبد الله بن قاضي البندنيجين ، فأخذوا ، ووكل بهم ، ودوشخوا ، وطوق خواجه هارون ، وحملوا جميعا إلي العصمتية ، المجاورة لمشهد عبيد الله ، وحبسوا هناك ، ثم أخرج نظام الدين بن قاضي البندنيجين ، من الغد ، في دوشاخة ، وقد سود وجهه ، وأركب علي بهيم ، وشهر في بغداد ، والعوام يطرقون بين يديه استهزاء به ( أي يصيحون بين يديه

ص: 218

الطريق ، الطريق ) ثم أعيد إلي موضعه ، وقبض علي شرف الدين محمد بن يصلا وكيل الديوان ، ودوشخ أيضا ، وضرب ، وطولب بمال كثير ، أما النظام ( أي نظام الدين ابن قاضي البندنيجين ) فقد أدي مالأ عظيما ، وعوقب معاقبة عظيمة ، وقصفت رقبته بدوشاخة فمات ، وأما خواجه هارون ، فحمل فحمل إلي الأمير أروق ، والطوق في حلقه ( الحوادث الجامعة 437) .

وفي السنة 686 ضرب جماعة من حكام العراق ، ودوشخوا، منهم زين الدين الحظائري ، ونجم الدين أحمد كاتب الجريد ( تاريخ العراق للعزاوي 340/1 ).

وفي السنة 694 اعتقل صدر واسط والبصرة ، فخر الدين مظفر ابن الطراح ، ودوشخ ، وطوق ، وضرب ، وعوقب ، ثم قتل ، وحمل رأسه إلي واسط ، وعلق علي الجسر بعد أن طيف به في شوارعها وسوقها (تاريخ العراق للعزاوي 369/1 ).

ص: 219

البحث الحادي عشر : ثقب الكعاب

ويحصل بثقب مؤخر القدم ، بمثقب من الحديد، ويضرب فيها الرزز والحلق . وقد حصل هذا اللون من العذاب في حلب ، مارسه رضوان بن تتش السلجوقي في السنة 489 علي أحد المتزعمين في حلب واسمه بركات بن فارس الفوعي ويلقب بالمجن، وكان في أول أمره من قطاع الطريق ، ثم تقدم ورأس أهالي حلب ، ثم عصي علي الملك رضوان ، فقبض عليه ، وسجنه ، وعذبه عذابا شديدا ، ومما عذبه به أن أحمي الطشت حتي صار مثل النار ووضعه علي رأسه ، ونفخ في دبره بكير الحداد ، وثقب كعابه ، وضرب فيها الرزز والحلق ، ولما وضع النجار المثقب علي كعبه ، قطع الجلد واللحم ووقف المثقب ، لطم المجن النجار ، وقال له : ويلك لا تعرف صنعتك ، أحضر خشبة وضعها علي الكعب ، وأظهر عند العذاب جلدأ عظيما . ( إعلام النبلاء 375/1 ).

وفي السنة 521 خلف الأمير مسعود أباه الأمير آقسنقر ، علي حلب والموصل ، ثم توفي فجأة ، فقيل انه سم ، وقصد الأمير ختلغ آبه حلب ، فتسلمها ، وصعد إلي قلعتها ، فطمع في أموال أهلها ، وصادر قسمأ منهم ، وقبض علي شرف الدين أبي طالب ابن العجمي ، وعمه أبي عبد الله ، واعتقلهما بقلعة حلب ، وثقب كعاب أبي طالب ، وصادره ، فقام عليه أهل حلب ، وحصروه ، وأخرجوه من القلعة ، واستولي عماد الدين زنكي علي حلب ( اعلام النبلاء 474/1 ) .

ص: 220

البحث الثاني عشر : تنعيل الناس بنعال الدواب

ومن ألوان العذاب ، هذا اللون العجيب ، وهو تنعيل الناس بنعال الدواب ، وذلك بأن تلصق القطعة الحديد التي تنقل بها الدواب ، علي باطن قدم الأسير ، وتدق فيها المسامير ، فتخرق باطن القدم .

وقد سجل التاريخ ، أن أبا عبد الله البريدي ، وإخوته ، كانوا يمارسون تنعيل الناس بنعال الدواب ، من جملة ألوان العذاب الذي كانوا يصبونه علي الناس ( تجارب الأمم 14/2 ).

وفي السنة 740 هلك الأمير علاء الدين علي بن حسن البرواني ، والي القاهرة ، بعدما قاسي أمراضأ شنيعة مدة سنة ، وكان ظالما عسوف سقاك للدماء ، وكان ينعل الرجل في رجليه بالحديد كما تنعل الخيل ( النجوم الزاهرة 323/9 ) .

ص: 221

البحث الثالث عشر : قطع أجزاء من لحم البدن

ومن ألوان العذاب الذي يدل علي أشد القسوة ، قطع أجزاء من لحم البدن ، وهذا اللون من العذاب ، قليل الممارسة .

وأول ما بلغنا عنه ، أن نصرانية اسمه شمعلة ، دخل علي أحد الخلفاء الأمويين ، فقال له : أسلم يا شمعلة ، فأبي ، فغضب ، وأمر فقطعت بضعة من فخذه ، وشويت بالنار ، فأطعمها ( الاغاني 282/11 ).

وفي السنة 850 حاصر جهان شاه بغداد ، وفتحها ، وقبض علي الأمير شيخي بك ، وقرن مع ابن العرية الجلاد ، وأسلما إلي نساء الأمير با يزيد ، الذي سبق أن قتله شيخي بك ، فسحبنهما علي الشوك ، وقطعن لحم جسديهما بالسكاكين ، حتي ماتا ( تاريخ العراق للعزاوي 133/3 و135).

وكان الأمير محمد أغا بن محمد كتخدا أباظة ، المتوفي سنة 1209 قد تولي الحسبة بمصر ، وعاقب عقوبات شديدة ، منها إنه وزن مرة جانبا من اللحم وجده مع من آشتراه ، فوجده ناقصأ ، فأكمل الوزن بقطعة من جسد الجزار ( الجبرتي 171/2 و172) .

وفي السنة 1232 لما دخل داود باشا بغداد ، وتولي إدارتها ، أخذ حمادي بن أبي عقلين ، وكان أثيرأ عند سعيد باشا ، سلف داود باشا في حكم بغداد ، فعذبه بتقطيع لحمه حيا ، فكان يلتمس أن يعجل بقتله فلا يجاب ( تاريخ العراق للعزاوي 244/6 ) .

ص: 222

البحث الرابع عشر : قرض لحم البدن بالمقاريض

ومن ألوان العذاب التي عرفت في العهد العباسي ، قرض لحم البدن بالمقاريض.

وأول ما بلغنا عن هذا اللون من العذاب ، ما ذكر أنه في السنة 332 قتل أبو طاهر القرمطي ، وبعض قواده ، قتلهم خادم له أصبهاني ، فقبض عليه ، وقرض لحمه بالمقاريض إلي أن مات ( تجارب الأمم 57-55/2)

وفي السنة 333 اتهم ابن شيرزاد ، أبا الحسين البريدي ، بأنه يخطب كتابة توزون ، فقبض عليه ، وضربه ضربا مبرحا ، وقرض لحم فخذيه بالمقاريض ، وانتزعت أظفاره ، ثم جلس له المستكفي ، وأحضر الفقهاء والقضاة ، وأحضر البريدي ، وبسط النطع ، وجرد السيف ، وتليت فتوي سابقة كانت قد صدرت بإباحة دمه ، وأبو الحسين يسمع ، ورأسه مشدود ، فأمر المستكفي بضرب عنقه ، من دون أن يحتج لنفسه بحجة . ( تكملة تاريخ الطبري 145 ).

وفي السنة 549 قتل نصر بن عباس ، الخليفة الفاطمي ، الظافر ، فقصد الصالح بن رژيك ، والي منية بن خصيب ، القاهرة ، وفر نصر ، وأبوه ، وأصحابه ، وقصدوا طريق الشام ، فخرج عليهم الإفرنج ، وقتلوا عباسة ، وأسروا نصرة ، فجعلوه في قفص من حديد ، وأعادوه إلي القاهرة ، فقطعوا يدية ، وقرضوا جسمه المقاريض ، وصلبوه علي باب زويلة ، وبقي سنة ونصف مصلوبة . ( شذرات الذهب 153/4 ووفيات الأعيان 492/3 ) .

ص: 223

البحث الخامس عشر : قتل الأسير ووضع رأسه في حجر أقرب الناس إليه

وثمة لون من ألوان العذاب ، دلت ممارسته علي قسوة بالغة ، وهو قتل الأسير ، وقطع رأسه ، ووضعه في حضن زوجه أو أبيه .

وأول من مارس هذا اللون من العذاب ، معاوية بن أبي سفيان ، فإنه لما قتل الإمام علي بن أبي طالب ، واستولي معاوية علي السلطة ، أخذ معاوية يحاسب أصحاب علي علي تصرفاتهم السابقة ، ويطالبهم بالبراءة من علي ، فإن لم يبرأوا ، جرد لهم السيف ، وأعد لهم أكفانهم ، وحفر لهم قبورهم ، وقتلهم أمام قبورهم المحفورة ، وأكفانهم المنشورة في العقد الفريد 234/3)

ولما استتب له الأمر ، فر منه من عمرو بن الحمق الخزاعي ، وكان من أنصار علي ، فأذكي عليه العيون والأرصاد ، واعتقل امرأته ، وحبسها في سجن من سجون دمشق ، ثم أمسك بعمرو ، فقتله ، وقطع رأسه ، وأمر أحد أعوانه ، بأن يدخل علي المرأة في سجنها ، وأن يضع رأس زوجها في حجرها ( بلاغات النساء 64 والديارات 179 و 180).

وسار من بعده بهذه السيرة هشام بن عبد الملك ، إذ أمر برأس الإمام زيد بن علي بن الحسين ، فوضع في حجر والدته ، ريطة بنت عبد الله بن محمد بن الحنفية .

ص: 224

وقابل عامر بن إسماعيل، قائد الجيش العباسي، صنع هشام ، بأن أمر أن يوضع رأس مروان الحمار ، آخر الحكام الأمويين ، في حجر أبنته ( بلاغات النساء 145).

ولما قتل المنصور إبراهيم بن عبد الله بن الحسن ، قتيل باخمري ، بعث برأسه إلي أبيه عبد الله بن الحسن ، وهو مسجون عنده ، فلما وضع الرأس بين يديه ، قال : أهلا وسهلا ، يا أبا القاسم ، والله ، لقد كنت من الذين يوفون بعهد الله إذا عاهدوا ، ولا ينقضون الميثاق ، والذين يصلون ما أمر الله به أن يوصل ، ويخشون ربهم ، ويخافون سوء الحساب ، ثم تمثل : ( مروج الذهب 237/2 وزهر الاداب 76/1 ).

فتي كان يحميه من الذل سيفه ****ويكفيه سوءات الأمور اجتنابها

ولما قتل المستعين ، أمر المعتر برأسه ، فوضع بين يدي جاريته التي كان يتحظاها، فأخذت تصرخ : يا قوم ، أخذتموني غصبا ، ثم تجيئوني برأس مولاي ، فتضعونه بين يدي ( الديارات 170) .

ولما أصدر المقتدر أمره إلي نازوك ، بقتل الوزير ابن الفرات ، وولده المحسن ، جاء نازوك إلي الحجرة التي كان ابن الفرات معتقلا فيها، وجلس ، وبعث عجيبة خادمه ، ومعه جماعة من السودان ، فضرب عنق المحسن ابنه ، وجاءوا برأسه إلي أبيه ، فوضعوه بين يديه ، فارتاع لذلك آرتياعا شديدا ، ثم عرض هو علي السيف فضربت عنقه ( الوزراء للصابي 71)

وفي السنة 321 اعتقل القاهر كلا من القائد علي بن يلبق ، وأبيه القائد يلبق ، والقائد مؤنس المظفر ، ودخل القاهر إلي موضع اعتقالهم ، فذبح علي بن يلبق بحضرته، وأخذ الرأس إلي أبيه ، فوضع بين يديه ، فلما راه جزع ، وبكي بكاء عظيما ، ثم ذبح يلبق ، وأخذ الرأسين إلي مؤنس ، ثم

ص: 225

أمر القاهر ، فجر برجل مؤنس إلي البالوعة ، وذبح كما تذبح الشاة ، والقاهر يراه ( تجارب الأمم 268 و 267/1 ).

وفي السنة 534 قتل الحافظ الفاطمي ، وزيره رضوان ، وبعث برأسه إلي زوجته ، وكانت في حبسه ، فوضع الرأس في حجرها ، فنظرت المرأة إلي الرأس ، وقالت : هكذا يكون الرجال ( ابن الأثير 49/11 ).

وأسر الأمير قماج ، صاحب بلخ ، الأمير زنكي ، صاحب طخارستان ، وولده ، فقتل الولد ، وجعل يطعم أباه لحمه ، ثم قتل الأب أيضا ( ابن الأثير 179/11)

وفي السنة 818 عصي بعض النواب ، علي الملك المؤيد شيخ ، فخرج إليهم بنفسه ، ولما قبض علي نائب حلب ، إينال الصصلاني ، قتله علي صدر أبيه ، ثم قتل الأب بعد ذلك ( بدائع الزهور 5/2).

ص: 226

الفصل الثالث : التعذيب في قصص الاضطهاد الديني

اشارة

بدأ الإضطهاد الديني ، منذ أن نشأت العقيدة عند الإنسان ، إذ أختلفت العقائد باختلاف الناس ، وتعاقب الأيام ، وقد نال الأنبياء ، ومن تبعهم ، من الأذي من جراء الدعوة إلي دياناتهم ، ما قد سطر في صحائف التاريخ .

وأخبار الإضهاد الديني ، من القدم والكثرة ، بحيث لا يمكن أن تجمع في مؤلف ، وقد رأيت أن أوجز في هذا الفصل بحثا عما لاقي النبي صلوات الله عليه ، والمسلمون الأولون من مشركي قريش ، وبحثا عما لاقي المسيح عليه السلام ، وأتباع الدين المسيحي من اضطهاد ، وأتبعت هذين البحثين ببحث ثالث عن ألوان العذاب التي مارستها محاكم التفتيش علي من اتهمت أو أدانت ، أما ألوان الاضطهاد الديني الأخري ، فقد أوردتها متفرقة في مواضعها ، عند البحث عن أصناف العذاب .

ص: 227

البحث الأول : اضطهاد أتباع الديانة الإسلامية

أول من عذب في سبيل الإسلام ، رسول الله صلوات الله عليه ، فإنه لما جهر بدعوة الإسلام ، لاقي ، ومن اتبعه من المسلمين الأولين ، ألوانا من الإضطهاد ، من مشركي قريش ، بدأ بالسخرية ، وترتفع إلي ما فوق ذلك من ألوان الاضطهاد ، فاتهموه بالسحر مرة ، وبالكذب أخري وبالكهانة تارة ( نور اليقين 55).

ولما باشر النبي صلوات الله عليه ، بالدعوة إلي الإسلام ، بدأ بدعوة بني عبد المطلب ، فأعد لهم مأدبة ، فأكلوا ، ثم تكلم ، فقال : يا بني عبد المطلب ، إني - والله - ما أعلم أحد من العرب ، جاء قومه ، بأفضل مما قد جئتكم به ، إني قد جئتكم بخير الدنيا والآخرة ، وقد أمرني الله تعالي ، أن ادعوكم إليه ، فأيكم يؤازرني علي هذا الأمر ، علي أن يكون أخي ، ووصيتي وخليفتي فيكم ؟ فأحجم القوم بأجمعهم ، ونهض ابن عمه علي بن أبي طالب ، وكان أحدثهم ستا ، وقال : يا نبي الله ، أنا أكون وزيرك عليه ، فقال له النبي : إجلس ، ثم كرر قوله ثلاث مرات ، وفي كل مرة ، كان علي يقوم إليه ، فلما قام في الثالثة ، أخذ النبي بعنق علي ، وقال : إن هذا أخي ، ووصيتي ، وخليفتي فيكم ، فقام القوم يضحكون ، ويقولون لأبي طالب : أمرك ابن أخيك ، أن تسمع لابنك وتطيع ( الطبري 320/2 و 321).

ولما أعيت مشركي قريش الحيل ، جاءوا إلي أبي طالب ، وطلبوا منه

ص: 228

أن يسلم إليهم النبي صلوات الله عليه ، يقتلونه ، وأن يأخذ من أولادهم من شاء يتبناه ، ويكون له ولدا ، فقال لهم : عجبا لكم ، تعطوني إبنكم أغذوه لكم ، وأعطيكم إبني تقتلونه ؟ فلما أجابهم بذلك ، أجمعوا أمرهم علي منابذة بني هاشم وبني المطلب ولدي عبد مناف ، وإخراجهم من مكة ، ومقاطعتهم فلا يبيعونهم شيئا ولا يبتاعون منهم ، حتي يسلموا محمدا للقتل ، وكتبوا بذلك صحيفة وضعوها في جوف الكعبة ، فانحاز بنو هاشم بسبب ذلك في شعب أبي طالب ، ودخل معهم بنو المطلب ، سواء في ذلك مسلمهم وكافرهم ، ما عدا أبا لهب ، وجهد القوم في الشعب من جراء المقاطعة ، حتي كانوا يأكلون أوراق الأشجار ، وكان مشركو قريش يمنعون التجار من مبايعتهم ( الطبري 333/2 ونور اليقين 53 ).

ولما اشتد اضطهاد قريش للمسلمين ، هاجر جماعة منهم إلي الحبشة ، فبعثت قريش في أثرهم عمرو بن العاص ، وعمارة بن الوليد، وبعثوا معهما هدايا للنجاشي ، صاحب الحبشة ، لكي يطرد المسلمين من أرضه ، فأعادهما النجاشي خائبين ( نور اليقين 54).

مر أبو جهل بن هشام ، بالنبي صلوات الله عليه ، وهو جالس عند الصفا ، فاذاه وشتمه ، فلم يكلمه رسول الله ، وكانت امرأة تتسمع الحديث ، ولما رأت حمزة ، عم النبي ، عائدا من الصيد، حدثته المرأة بالقصة ، وقالت له : يا أبا عمارة ، لو رأيت ما لقي ابن أخيك محمد آنفا من أبي الحكم بن هشام ، وجده ها هنا جالسا ، فسه وآذاه ، فامتلأ حمزة غضب لما أصاب ابن أخيه ، وذهب ، وهو في فورة غضبه ، إلي حيث وجد أبا جهل في مجلسه ، ورفع قوسه ، وضربه بها ضربة ، فشجه بها شجة منكرة ، وقال له : أتشتم ابن أخي وأنا علي دينه ، فرد علي إن استطعت ( الطبري 333/2 و334 ).

وكان أبو لهب بن عبد المطلب ، عم النبي ، عظيم الإيذاء للنبي ،

ص: 229

وكان يرمي القذر علي بابه ، فكان النبي يميطه ويطرحه ، ويقول : يا بني عبد مناف ، أي جوار هذا ؟ وكانت تشاركه في قبيح عمله هذا ، زوجته أم جميل بنت حرب بن أمية ، وهي عمة معاوية ، وكانت كثيرا ما تسب رسول الله صلوات الله عليه ( نور اليقين 37).

أقول : دخل عقيل بن أبي طالب ، علي معاوية ، في مجلسه بالشام ، فقال معاوية لجلاسه : هل تعلمون من هو الذي أنزلت فيه الآية : و تبت يدا أبي لهب وتب 4 ، إن أبا لهب هو عم هذا ، وأشار إلي عقيل ، فقال عقيل : وهل تعلمون أن امرأته حمالة الحطب ، هي عمة هذا، وأشار إلي معاوية ( وفيات الأعيان 156/6 ).

وكان عقبة بن أبي معيط ، من أشد الناس علي رسول الله صلوات الله عليه ، لقيه مرة فوجأ عنقه ، وبزق في وجهه ، ولطم عينه ، ولقيه مرة أخري فوضع ثوبه في عنق رسول الله ، فخنقه خنقا شديدا ، وجاء أبو بكر فأخذ بمنكبه ، حتي دفعه عن رسول الله ( نور اليقين 38):

وحدث مرة أن كان النبي النبي صلوات الله عليه ، يصلي في المسجد ، فقام إليه عقبة بن أبي معيط ، وأخذ فرث جزور ، فألقاه علي النبي وهو ساجد ، وظل النبي في سجوده ، حتي جاءت ابنته فاطمة الزهراء عليها السلام ، فأماطت عنه الفرث ( نور اليقين 37 ).

ولما قصد النبي الطائف ، ودعا ثقيف إلي الإسلام ، رجموه بالحجارة ، حتي أدموا رجله ، وقال رسول الله : ما كنت أرفع قدما وأضعها إلا علي حجر ( الفرج بعد الشدة ج 1 ص 191 ، واليعقوبي 36/2 ).

ولما توفيت أم المؤمنين خديجة ، ثم توفي أبو طالب ، نال مشركو

قريش من النبي ، ما لم يمكنهم نيله منه في حياة أبي طالب ، فكانوا ينشرون التراب علي رأسه وهو سائر ، ويضعون أوساخ الشاة عليه في صلاته ،

ص: 230

ويتعلقون به يتجاذبونه ، ويصرخون في وجهه (نور اليقين 57 والطبري 344/2)

ولما أسلم قوم من الأنصار ، من أهل المدينة ، وأعلنوا إسلامهم ، غاظ ذلك مشركي قريش في مكة ، وتشاوروا ما يصنعون برسول الله ، فقال قوم : نخرجه من أرضنا، ونستريح منه ، فرفض هذا الرأي ، وقالوا : إذا خرج اجتمعت حوله الجموع لما يرونه من حلاوة منطقة وعذوبة لفظه ، وقال قوم : نوثقه ونحبسه حتي يموت ، فرفض هذا الرأي ، وقالوا : إن أتباعه سوف يتفانون في تخليصه ، ويجر ذلك علينا حربا نحن في غني عنها ، وقال قوم : نأخذ من كل قبيلة شاب جلدة ، يجتمعون أمام داره ، فإذا خرج ضربوه ضربة رجل واحد ، فيفترق دمه في القبائل ، ولا يقدر بنو عبد مناف علي حرب قريش كلها ، فأقروا هذا الرأي ، وعينوا ليلة لتنفيذ مؤامرتهم ، وبلغ رسول الله خبرهم ، فبارح مكة ، مهاجرة إلي المدينة ، وأمر ابن عمه عليا أن يبيت في فراشه تلك الليلة ، كي لا يشك المتآمرون في وجوده اثناء الليل ، وكانوا يردون النظر من شقوق الباب ، فيرون عليا مسجي ببردة النبي ، فيحسبونه النبي ، ولما نهض علي في الصباح ، ورآه المتآمرون ، علموا بفساد مكرهم ، وانتهروا عليا ، وضربوه ، وأخرجوه إلي المسجد ، فحبسوه ساعة ، ثم تركوه ، وأرسلوا الطلب في كل جهة ، وجعلوا الجوائز لمن يأتي بمحمد أو يدل عليه ( الطبري 373/2 و 375 ونور اليقين 69 و70) .

ولما هاجر رسول الله إلي المدينة ، ومعه أبو بكر ، جاء إلي دار أبي بكر نفر من قريش فخرجت إليهم إبنته أسماء ، فقال لها أبو جهل بن هشام ، أين أبوك يا بنية ؟ فقالت : لا أدري فرفع أبو جهل يده ، فلطم خدها لطمة طرح منها قرطها ( الطبري 379/2 و 380 ).

ولما أرادت زينب ، ابنة رسول الله ، الهجرة إلي المدينة ، لتلحق بأبيها صلوات الله عليه ، حملها أخو زوجها ، في هودج علي بعير ، وحمل سلاحه

ص: 231

ورافقها ، قاصدين المدينة ، فقصدها قوم من مشركي قريش ، وسبق إليها هبار بن الاسود ، فردعها بالرمح وهي في هودجها ، وكانت حاملا ، فطرحت حملها ( الطبري 2/ 469 و 470) .

وقبض مشركوا قريش علي سعد بن عبادة ، لما أسلم ، وربطوا يديه إلي عنقه ، بنسع نعله ، وأقبلوا به حتي أدخلوه إلي مكة ، يضربونه ، ويجذبونه بجمته ، وكان ذا شعر كثير ، وتقدم منه سهيل بن عمرو ، فلطمه لطمة شديدة ( الطبري 367/2 و 368) .

وكان بلال بن رباح ، مؤذن النبي صلوات الله عليه ، ممن أوذي في سبيل الإسلام ، وكان مملوكا لأمية بن خلف الجمحي القرشي ، فكان أمية يجعل في عنقه حبلا ، ويدفعه إلي الصبيان يلعبون به ، وكان أمية يخرج به في وقت الظهيرة إلي الرمضاء ، أي الرمل الشديد الحرارة ، لو وضعت عليه قطعة لحم لنضجت ، ثم يأمر بالصخرة العظيمة ، فتوضع علي صدره ، ثم يقول له : لا تزال هكذا حتي تموت ، أو تكفر بمحمد، فيقول : أحد، أحد ، وظل بلال في العذاب ، حتي اشتراه أبو بكر وأعتقه ( نور اليقين 41 و42) .

وعذب خباب بن الأرت عذابا شديدا ، وكانوا يعرونه ويلصقون ظهره بالرمضاء ، ثم بالرضف ، وهي الحجارة المحماة بالنار ، ويلوون عنقه ( ابن الأثير 67/2 و68 ).

ومن الذين عذبوا في سبيل الإسلام ، صهيب بن سنان ، وحمامة بن بلال ، وعامر بن فهيرة ، الذي كان يعذب حتي لا يدري ما يقول ، وأبو فكيهة الذي لما أسلم ، أخذه أمية بن خلف ، وربط في رجله حبلا ، وأمر به فجر ، ثم ألقاه في الرمضاء ، وخنقه خنقا شديدا حتي حسبوه قد مات ، ثم اشتراه أبو بكر وأعتقه ( ابن الأثير 68/2 و 69 ونور اليقين 42) .

ص: 232

وممن عذب في سبيل الإسلام من النساء أم عنيس ، كان يضربها الأسود بن عبد يغوث ، ومولاة لبني نهد ، ولبيبة وزنيرة ، جاريتان لبني عدي ، وقد عذبت زنيرة حتي عميت ( ابن الأثير 69/2 و 70 ونور اليقين 42) .

وممن عذب في سبيل الإسلام ، أبو ذر الغفاري ، فإنه لما أسلم ، خرج إلي الكعبة ، فصاح بأعلي صوته : أشهد أن لا إله إلا الله ، وأن محمدا رسول الله ، فقام إليه مشركوا قريش ، فضربوه حتي أضجعوه ، وعاود الإعلان بالشهادة في اليوم الثاني ، فعادوا إلي ضربه ( نور اليقين 31) .

وممن عذب في سبيل الإسلام ، عمار بن ياسر ، وأبوه ياسر، وأمه سمية ، وكان مشركوا قريش يأخذونهم إلي الأبطح ، إذا حميت الرمضاء ، يعذبونهم بحر الرمضاء ، وكان أبو جهل يحمي لعمار دروع الحديد في اليوم الصائف ، ويلبسه إياها ، وشددوا عليه العذاب بالحر تارة ، وبوضع الصخر علي صدره أخري ، وبالتغريق تارة أخري ، ومات ياسر تحت العذاب ، أما سمية فإن أبا جهل طعنها في قبلها بحربة فماتت ، وكانت أول شهيدة في الإسلام ( ابن الأثير 67/2 ونور اليقين 42 و43) .

ص: 233

البحث الثاني : اضطهاد اتباع الديانة المسيحية

أول من اضطهد من أجل الديانة المسيحية، المسيح عليه السلام ، وأخذ إلي ساحة الإعدام في ظاهر بيت المقدس ، وهو يضرب ، وقد لفت علي رأسه إكليل من الشوك ، يحمل صليبه الذي سمر مصلوبا عليه ، حتي إذا وصل إلي موضع إعدامه ، سمر إلي الصليب بمسامير خرقت كفيه وقدميه .

وممن اضطهد من تلامذة المسيح عليه السلام وحواريه ، القديس بطرس ( 10 ق - 67) وكان سماكا في بحيرة طبرية ، وأسمه سمعان ، فسماه المسيح بطرس ، وجعله رئيس الرسل ، وقد قتل مصلوبا في رومه .

وممن اضطهد أيضأ القديس أندراوس ، أخو القديس بطرس ، وقد قتل مصلوبة علي خشتين ، بشكل علامة الضرب في الحساب ، فسميت صليب القديس أندراوس .

وممن مات شهيدا من تلامذة المسيح عليه السلام ، يوحنا الإنجيلي الملقب يوحنا الحبيب ، ويعقوب المسمي بالأصغر ، وفيليبوس ، ومتي العشار .

كان أول مظاهر الإضطهاد الدامي ضد المسيحيين ، حصل في السنة 64 م في عهد الطاغية نيرون ، محرق روما ، فإنه أحرق روما ، وألقي التهمة

ص: 234

علي المسيحيين ، فأخذهم ، وألقي بعضهم للكلاب تنهش جسمه ، وطلي أجساد بعضهم بالقار والشمع ، وأشعل فيهم النار ، فأحرقهم أحياء ، وأقام حفلة ألعاب في بستانه ، وأخذ قسما من المسيحيين ، فاتخذهم مشاعل ، بأن ربطهم ، وأشعلهم ، لينير بهم الملعب . ( قصة الاضطهاد الديني 34).

وجري ، في روما ، ما بين السنتين 161 - 181 اضطهاد المسيحيين ، فكانوا يجمعونهم في مدرج عام ، ويلقي بهم إلي الوحوش الضارية ، فتفترسهم أمام المخرجين الذين يحضرون للتلهي بمشاهدتهم ، وهم يتعذبون . (قصة الاضطهاد الديني 35 ).

وفي عهد قسطنطين الكبير 274 - 337 كان يعاقب بالإحراق ، كل مسيحي يتهود ، وكل يهودي ألقي علي مسيحي حجرة ، ويعاقب بالاعدام كل مسيحي تزوج بيهودية ( قصة الاضطهاد الديني 49) .

وفي السنة 305 أمر دقلديانوس ، باضطهاد المسيحيين ، فهدم كنائسهم ، وأعدم كتبهم المقدسة ، وقبض علي الكهان ، وسائر رجال الدين ، وعذبهم بأن مرق أجسادهم بالسياط ، وكلاليب الحديد ، وأحرقهم بالنار ، وقطع أجسادهم بالسيوف ، وطرح قسم منهم للسباع ، وأراد من المسيحيين بمصر ، أن يؤلهوه ، فلما أبوا ، اعتقلهم ، وعذبهم بإحراقهم علي نار بطيئة ، حتي سمي عصره : عصر الشهداء . ( قصة الاضطهاد الديني40)

وظهر في القرن الرابع والقرن الخامس الميلادي ، طائفة من المسيحيين ، يسمون الدوناتست ، قام المسيحيون الأخرون باضطهادهم ، وهدم كنائسهم ، وإحراق كتبهم ، ونفي كهانهم ، ومصادرة اجتماعاتهم . ( قصة الاضطهاد الديني 52 ).

وفي السنة 385 أعدم الامبراطور ماكسيموس ، بمعونة رجال

ص: 235

الاكليروس ، بريسكليان الأسباني ، وأتباعه ، بتهمة الإلحاد . ( قصة الاضطهاد الديني 55).

وفي مصر ، قبيل الفتح العربي ، فكر هرقل ملك الروم ، في توحيد المذاهب المسيحية ، وأقر ذلك مجمع خلقيدونيه ، وتولي قبرس بمصر تطبيق ذلك ، وعندما أخفق في إقناع المصريين ، أخذ بنيامين كبير أساقفة مصر ، وسلط علي جسمه نيران المشاعل ، فأخذ جسمه يحترق حتي سال دهنه علي الأرض ، ثم أمر به فقلعت أسنانه ، ثم أغرقه في البحر . ( قصة الاضطهاد الديني 17 و18 ).

وفي السنة 1215م اتهمت الكنيسة ، الألبيين ، من رعايا أمير تولوز ، بفرنسا ، بالهرطقة ( تهمة عامة ، تتخذ حجة للقتل، مثل تهمة الزندقة في الدولة العباسية ) . فتعقبتهم رجالا ، ونساء ، وأطفالا ، شنقا ، وإحراقا ، وأعدام ( قصة الاضطهاد الديني 67 ).

وفي السنة 1478م أصدر البابا سكستوس الرابع ، مرسومة بإنشاء محكمة التفتيش في أسبانيا ، فأنشئت أول محكمة في قشتالة ، ثم إشبيلية ، وغرناطة ، وغيرها من مدن أسبانيا ، وصبت هذه المحاكم عذابها علي اليهود ، وعلي المسلمين ، وكان أسلوب المحاكمة فيها، أن كل من يساق إليها يعتبر مجرم إلا إذا اثبتت براءته ، وكان مبدأ المحكمة : لأن يدان مائة بريء ، زورا وبهتانا ، ويعانون العذاب ألوان ، خير من أن يفلت من العقاب مذنب واحد . ( قصة الاضطهاد الديني 71 و73 ).

وذكر المؤرخ لورنتي ، وكان سكرتيرة لديوان التحقيق ، إن محكمة التفتيش في أسبانيا ، قدمت إلي النار أكثر من واحد وثلاثين ألف إنسان ، وحكمت علي أكثر من مائتين وتسعين ألف إنسان ، بعقوبات تلي الإعدام صرامتها ، وهذا الرقم ، لا يشمل الدين أودت بحياتهم فروع هذه المحكمة ،

ص: 236

في مكسيكو ، وليما ، وقرطاجنة ، وجزر الهند الغربية ، وصقلية ، وسردينيا ، ووهران ، ومالطة .

وحدد بعض المؤرخين عدد الذين أعدموا في عهد شارل الخامس ( شارلكان ) في الأراضي الواطئة ( بلجيكا وهولاندة ) وحدها بخمسة آلاف نسمة .

وفي عهد ولده فيليب الثاني ، لاقي خمسون ألفا حتفهم ، وعندما أصدر الديوان المقدس قرارا بإدانة جميع سكان الأراضي الواطئة والحكم عليهم بالإعدام ، بتهمة الهرطقة ، واستثني من هذا القرار بضعة أفراد ، ذكرت أسماؤهم نضا في القرار ، وصادق الملك علي القرار ، قدم للإعدام ملايين من الرجال والنساء والأطفال . ( قصة الاضطهاد الديني 78-80) .

وكان العذاب الذي يصيب المحكوم عليهم في محاكم التفتيش ، بطيئة ، فإن الذي يحكم عليه بالإحراق بالنار ، كانت النار التي يحرقون بها ، بطيئة لا تأتي عليهم دفعة واحدة ، وكان يسبق الإحراق مراحل من الكي بالنار ، وكان اعتراف الشخص بالإلحاد لا يكفي ، بل يواصل تعذيبه بحجة آن مواصلة التعذيب تؤدي إلي اكتشاف شركائه في الجريمة . ( قصة الاضطهاد الديني 75).

وكانت محاكم التفتيش ، تصدر أحكامها علي المائلين أمامها ، بأنهم مرقوا من الدين ، فتتولي السلطات تعذيبهم ، وإعدامهم حرقة ، ويجري إحراقهم في محارق تقام في ميادين عامة في المدن الكبيرة ، وتنظم لذلك احتفالات تشهدها الجماهير ، والأحبار ، وأحيانا الملوك . ( قصة الاضطهاد الديني 27 و 28 ).

وفي حركة الإصلاح الديني ، في أوربا ، في القرن السادس عشر الميلادي ، كان أتباع المذهب البروتستنتي ، يتقدون حماسة ، فكان

ص: 237

الكاثوليك يوقدون لهم النار لإحراقهم ، وهم يتقدمون إليها من دون خوف ، وهم ينادون بالدعاية للمذهب البروتستنتي ، فاضطر معذبوهم إلي قطع ألسنتهم ، قبل إحراقهم ( قصة الاضطهاد الديني 19 و 20).

وفي السنة 1572 دبر الكاثوليك بفرنسا، مذبحة الهيجونوت ( البروتستانت ) ، فذبح منهم عشرة آلاف نسمة ، منهم ألفا نسمة في باريس ( قصة الاضطهاد الديني 90).

وفي السنة 1625 تأمر بعض الكاثوليك علي نسف البرلمان الانكليزي ، أثناء افتتاحه ، وافتضحت المؤامرة ، وأعدم مدبروها بعد عذاب مرير جسيم . ( قصة الاضطهاد الديني 94). .

وفي السنة 1553 اعتقل في سويسره ، سرفيتوس الاسباني لأنه كان لا يقول بعقيدة التثليث ، فحاكمته حكومة كلفن وأدين ، وأعدم إحراقة . ( قصة الاضطهاد الديني 105).

وأصدر البابا في العام 1670 قرارا بحرمان أليزابيت ، ملكة انكلترا البروتستانتية ، وأباح لرعاياها حق التمرد عليها ، فقابلت أليزابيت ذلك ، بالتخلص من وريثة عرشها الكاثوليكية ، ماري ، بأن دبرت ضدها تهمة بأنها أنتمرت بأليزابيت ، وحاكمتها ، وأعدمتها ( قصة الاضطهاد الديني 88 ) .

ص: 238

البحث الثالث : العذاب الذي مارسه ديوان التفتيش في اسبانيا واوربا

كان من جملة ألوان العذاب ، التي مارسها ديوان التفتيش :

1- الاحراق بالنار .

2 - الدفن حيا .

3 - سمل العيون

4 - سحب الأظافر

5- سل الالسنة .

6 - قلع الأثداء .

7- فسخ الفك . 8 خلع الأطراف .

9- تمزيق الأرجل .

10 - سحق العظام .

11 - التعذيب بالماء ، سقيأ وتقطيرة .

12 - التعذيب بالجاروكا .

13 - التعذيب بالأسياخ المحماة .

14 - التعذيب بالقوالب الحديد المحماة .

للتفصيل راجع كتاب محاكم التفتيش للدكتور علي مظهر ص 91- 93 و 115 ، وكتاب نهاية الأندلس لعبد الله عنان ص 244 .

ص: 239

وكان من جملة الآلات التي احتوت عليها قاعات التعذيب في ديوان التفتيش :

1- أسواط بها قطع من الحديد الشائك .

2 - كلاليب لانتزاع اللحم من العظم .

3 - قدور من الحديد لصهر الرصاص وصبه علي المعذبين .

4 - قدور لغلي الزيت والماء وصبه علي المعذبين .

5- دواليب وسحابات ذات مسامير حادة لتمزيق الأجساد .

6- عضاضات حديد لعض اللحم .

7- أكاليل حديد ذات مسامير حادة ناتئة من الداخل، تطوق بها جبهة

المعذب ، وتضيق بمفتاح يدور بلولب يغرز المسامير في الجبين.

8- كلاليب ذات رؤوس حادة لقلع أثداء النساء من صدورهن .

9- آلات لسل الألسنة .

10 - الات لتكسير الأسنان .

11 - أحذية حديد تعرض علي النار ، فإذا حميت وأحمرت حشرت فيها قدم المعذب .

12 - أحذية فيها مسامير من داخلها .

13 - سفافيد حديد ، توضع في النار ، ويكوي بها البدن .

14 - مشنقة معلقة في السقف تخنق المعذب ، ولا تقتله ، ليكون ذلك أطول لعذابه .

15 - سلاسل غليظلة أنيطت بها أثقال حديد ، معلقة بالسقف ، تعلق بأطراف السجين ، فتجذبه الأثقال ، وتمزق أعضاءه .

16 - توابيت من الحديد، يحشر المعذب في باطنها، وفي بابها سكاكين حادة ، فإذا أطبق باب التابوت ، اخترقت عيني المعذب سكينان ، ونفذتا إلي باطن الدماغ ، وثالثة إلي قلبه ، وأخري إلي معدته .

ص: 240

17 - آلات لطي بدن المعذب ، وكسر عظام ظهره .

18 - مطارق ثقيلة لسحق الرؤوس .

19 - صليب ، يدعي : صليب أندراوس ، لصلب الضحايا .

20 - آلة تسمي : الجحش الخشبي ، يربط إليها الأسير ، ويطوق صدره بالة من حديد ، تضيق بلوالب ، حتي تنقطع أنفاسه .

21 - آلة من الحديد توضع في فم الأسير، كي لا يتمكن من الصراخ ، إذا بوشر بتعذيبه .

الزيادة التفصيل راجع كتاب محاكم التفتيش للدكتور علي مظهر ، ص 50 و51 و 79 - 81.

ص: 241

ص: 242

الباب الحادي عشر : القتل

اشارة

القتل : بفتح القاف : الإماتة ، وإزهاق الروح .

والقتل ، في جميع الشرائع ، من اعظم الجرائم ، والقاتل ، في شريعة الإسلام ، مخلد في جهنم ، قال تعالي : ومن يقتل مؤمنا متعمدا ، فجزاؤه جهنم خالدا فيها (93 م النساء 4) ، وقال : ومن قتل نفسا بغير نفس ، أو فساد في الأرض ، فكأنما قتل الناس جميعا (32م المائدة 55 ).

ومما جاء في عهد الإمام علي عليه السلام ، للاشتر : إياك والدماء ، وسفكها بغير حلها ، فإنه ليس شيء أدعي لنقمة ، ولا أعظم تبعة ، ولا أحري بزوال نعمة ، وانقطاع مدة ، من سفك الدماء بغير حقها ، فلا تقوين سلطانك بسفك دم حرام ، فإن ذلك مما يضعفه ويوهنه ، بل يزيله وينقله ( نهاية الأرب 31/6)

وقد أورد الثعالبي في الطائف المعارف ( ص 191 ) : إن أربعة في الإسلام قتل كل واحد منهم أكثر من ألف ألف رجل ، وهم الحجاج بن يوسف الثقفي ، وأبو مسلم الخراساني ، وبابك الخرمي ، والبرقعي ، وأحسبه يريد بالبرقعي ، المقنع الخراساني ، الثائر سنة 159 بخراسان .

وإذا كان هؤلاء ، قتل كل واحد منهم - طول حياته - ألف ألف رجل ، فإن هولاكو - علي ما يقول الذهبي ، قد قتل في السنة 656، في موقعة

ص: 243

واحدة ، عند احتلاله بغداد أكثر من ألف ألف رجل ( فوات الوفيات 233/2)

وقد كانت الدماء التي أراقها يزيد بن معاوية ، في وقعة الطفت بكربلاء ، وفي وقعة الحرة بالمدينة ، مما كره الناس في آل أبي سفيان ، فانقرض ملكهم بهلاكه ، كما إن ما أراقه الحجاج من الدماء ، كان السبب الأقوي في زوال ملك بني مروان ( السيادة العربية لفان فلوتن 44 ) إذ تألب عليهم الناس في كل مكان ، حتي إذا باد ملكهم ، عاد عليهم العباسيون بالسيف ، قتلا واستئصالا ، فلم يسلم منهم حتي الصبيان ، بل لم يسلم منهم حتي الموتي في قبورهم ، حيث نبشت قبور آل مروان ، وأحرقت عظامهم .

وقد أفردنا هذا الباب الحادي عشر ، لأخبار القتل بالة من الآلات ، وقسمناه إلي ثلاثة فصول :

الفصل الأول : القتل بالسيف .

الفصل الثاني : القتل بالة من الآلات المعدة للقتل غير السيف .

الفصل الثالث : القتل بأداة من الأدوات غير المعدة للقتل .

ص: 244

الفصل الأول : القتل بالسيف

اشارة

كان القتل بالسيف أول الأمر ، مقصورة علي قطع العنق بالسيف ، ثم تنوق المعبون في تحويره ، فابتكروا التوسيط ، وهو قطع الوسط بالسيف ، ثم زاد فيه جلادوا السلطان محمد بن تغلق ، سلطان الهند ( 725 - 752) فابتكروا قطع البدن حمائل ، ويعني ذلك ، أن يسري السيف في البدن ، علي الموضع الذي تعلق عليه حمالة السيف ، فيقطع العنق ، والكتف وفيه الذراع ، وجزءا من الصدر ، كما ابتكروا قطع البدن إلي ثلاث قطع ، الرأس ، والصدر مع الذراعين ، والجذع مع الساقين .

والقتل بالسيف ، بالنسبة لأصنافه ، ينقسم إلي أقسام خمسة :

القسم الأول : القتل صبرة ، ويعني قتل الإنسان ، وهو مجرد من أسباب الدفاع .

القسم الثاني : القتل في المعركة ، وهذا اللون من القتل ، لا يحتاج إلي تفصيل ، وهو من الكثرة بحيث لا يتسع الكتاب ، إلا لإيراد ما اشتهر

القسم الثالث : القتل غدرة ، ويعني قتل الإنسان بعد إعطائه الأمان ، أو ما هو في حكم الأمان ، كما لو كان قد دخل إلي بيت القاتل ، أو تحرم بطعامه .

ص: 245

القسم الرابع : القتل غيلة ، وهو مهاجمة الإنسان تسلط، أو خفية ، وقتله .

القسم الخامس : القتل في سبيل الاستئثار بالسلطان ، ويختص بقتل الانسان أخاه أو أباه ، رغبة في التفرد بالسلطان ، وقد شاع هذا اللون من القتل ، ما بين القرنين الخامس والعاشر للهجرة .

القسم السادس : التوسيط .

ص: 246

القسم الأول : القتل صبرة

الصبر : الحبس ، ومن حبس شيئا فقد صبره ( لسان العرب ).

والقتل صبرأ : نصب الانسان للقتل .

وقد نهي النبي صلوات الله عليه عن صبر ذي الروح ، وكل ذي روح يصبر حيا ثم يرمي حتي يقتل ، فقد قتل صبرة ، ومنه قيل للرجل يقدم فيضرب عنقه ، قتل صبرا يعني أنه أمسك علي الموت .

وحوادث القتل صبرة في التاريخ لا يمكن الاحاطة بها ، لكثرتها ، وقد اقتصرنا في هذا البحث علي ايراد المشهور منها ، مما تيسر لنا اثباته .

وقد اضفنا إلي اخبار القتل صبرأ ، اخبار القتل فتك ، والفتك : القتل مجاهرة ( لسان العرب ) والفاتك : الجريء الشجاع ، قال شاعر العربية احمد شوقي رحمه الله من قصيدة :

الم تبق فينا يا فؤاد بقية**** لفتوة أو نهزة لعراك

كنا إذا صققت نستبق الهوي**** ونشد شد العصبة الفتاك

واليوم تبعث في حين تهزني**** ما يبعث الناقوس في النساك

في السنة 2 أسر المسلمون ، النضر بن الحارث بن علقمة ، من بني عبد الدار من قريش ، فأمر النبي صلوات الله عليه بقتله ، فقتل ، فرثته إبنته بأبيات من عيون الشعر ، قالت : ( الاعلام 28/6 ) .

ص: 247

يا راكبا إن الأثيل مظنة**** من بعد خامسة وأنت موفق

أبلغ بها ميتأ بأن تحية**** ما أن تزال بها الركائب تخفق

مني إليك وعبرة مسفوحة**** جادت بوابلها وأخري تخنق

أمست رماح بني أبيه تنوشه**** الله أرحام هناك تمزق

أمحمد ولأنت نجل نجيبة ****في قومها والفحل فحل معرق

ما كان ضرك لو منت وربما**** من الفتي وهو المغيظ المحنق

وفي السنة 2، في موقعة بدر ، أسر عقبة بن أبي معيط ، وكان شديد الأذي للمسلمين عند ظهور الدعوة ، فقتله المسلمون ، ثم صلبوه ، وهو أول مصلوب في الإسلام . ( الاعلام 5/ 36).

وفي السنة 3 ه ، في موقعة أحد، أمر النبي صلوات الله عليه ، بقتل أبي عزة عمرو بن عبد الله الجمحي ، الشاعر، وكان النبي قد أسره مشركا يوم بدر ، فقال له : يا رسول الله ، لقد علمت مالي من مال ، وإني لذو حاجة ، فامنن علي ، ولك أن لا أظاهر عليك أحد ، فأطلقه ، فلما تأهب المشركون لموقعة أحد، أغراه صفوان بن أمية ، فخرج مع المشركين يحارب النبي والمسلمين ، فأسره المسلمون ، فقال : يا رسول الله من علي ، فقال النبي : لا يلدغ المؤمن من جحر مرتين ، لا ترجع إلي مكة تمسح عارضيك ، وتقول خدعت محمد مرتين ، وأمر به فضربت عنقه ( الاعلام 251/5)

وفي السنة 8 عند فتح مكة ، قتل مقيس بن صبابة بن حزن ، الشاعر ، وكان له أخ اسمه هشام ، أسلم ، فقتله رجل من الأنصار خطأ ، وقدم مقيس مظهرة الإسلام ، فأسلم ، وأمر له النبي صلوات الله عليه ، بدية أخيه فقبضها ، ثم تربص بقاتل أخيه ، فقتله ، وأرتد، ولحق بقريش ، وقال في ذلك شعرة ، فأهدر النبي دمه ، فلما كان يوم فتح مكة ، قتل بين الصفا والمروة . ( الاعلام 210/8 ) .

ص: 248

وفي السنة 11 هاجم خالد بن الوليد ، مالك بن نويرة ، اتهمه بأنه قد آرتد عن الإسلام ، وقتله ، واختلف أصحاب خالد ، فقال بعضهم : سمعنا الأذان من جماعة مالك ، فلم يكن لخالد أن يقتله ، واشتد عمر علي أبي بكر في طلب عزل خالد ومحاكمته ، فأبي أبو بكر ، وأدي لورثة مالك ديته . ( ابن الأثير 357/2 -360) .

وفي السنة 11 قتل الأسود العنسي ، وهو الأسود ذو الخمار عبهلة بن كعب ، العنسي ، وكان كاهنا شعباذأ ، فتنبأ باليمن ، واتبعه أقوام من العرب ، وغلب في السنة 10 علي اليمن ، فآنسل اليه في السنة 11 بعض المسلمين من الأبناء ، وتقدم أحدهم فأخذ برأسه فوق عنقه ، ثم وضع ركبته علي ظهره فدقه ، ثم أراد أن يح عنقه ، فاضطرب ، وحاول أن يقوم ، فجلس اثنان علي صدره ، وأخذ ثالث بشعره ، وأغلق فاه بخرقة من القماش ، ثم أمر الشفرة علي حلقه ، فخار خوار الثور ومات ( الطبري 235 ، 185 ، 147/3)

وفي السنة 30 هجم الثائرون علي دار الخليفة عثمان بن عفان ، واقتحموها ، دخلوا إليها من دار مجاورة ، حتي ملؤوها ، وكان كل من ينتدب لقتله ، يدخل ، ثم يعود ناكصأ ، وكان ممن دخل عليه محمد بن أبي بكر ، ثم عاد منكسرا ، فثار ثلاثة من الناس ، ودخلوا عليه وضربوه ، فقتلوه . ( ابن الأثير 3/ 178 ).

وفي السنة 36 لما قدم الزبير وطلحة البصرة ، لمحاربة الإمام علي ، أخذا عثمان بن حنيف ، عامل علي علي البصرة ، فضربوه ضرب الموت ، ونتفوا كل شعرة في رأسه ووجهه ، حتي حاجبيه وأشفار عينيه ، وأرادوا الإستيلاء علي بيت المال ، فحفظه السبابجة وكان منوطأ بهم حراسة بيت المال ، فأسروا منهم سبعين ، ذبحهم عبد الله بن الزبير كما تذبح الغنم ، وبقيت منهم طائفة متمسكة بحفظ بيت المال ، فأوقع بهم الزبير ليلا ، وأخذ

ص: 249

منهم خمسين أسير ، فقتلهم صبر أيضا ، والسبابجة قوم من السند، كانوا بالبصرة جلاوزة وحراس السجن و بيت المال ( شرح نهج البلاغة 321/9 ).

وفي السنة 37 قتل قوم من خوارج البصرة عبد الله بن خباب بن الأرت ، صاحب رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم ، لاقوه يسوق حمارا ، وكانت امرأته معه ، فسألوه عن الخلفاء الأربعة الراشدين ، فأثني عليهم ، فأمسكوا به ، وأضجعوه ، وذبحوه ، ثم أخذوا امرأته وهي حبلي متم فبقروا بطنها ( الطبري 81/5 و82).

وفي السنة 38 قتل محمد بن أبي بكر الصديق ، عامل مصر للإمام علي ، وهو ابن 28 سنة ، قتله معاوية بن حديج ، من أصحاب معاوية بن أبي سفيان ، ووضعه في جيفة حمار ، ثم أحرقه ، فجزعت عليه أخته أم المؤمنين عائشة ، جزعا شديدا ، وأخذت عياله إليها ، ولم تأكل منذ ذلك الوقت شواء ، حتي ماتت . ( ابن الأثير 357/3 ).

وأول من سن قتل الأطفال والنساء ، في الإسلام ، معاوية بن أبي سفيان ، فإنه بعث بسر بن أرطأة ، وبعث معه جيش ، وأمره أن يسير في البلاد ، فيقتل كل من وجده من شيعة علي بن أبي طالب وأصحابه ، ولا يكفوا أيديهم عن النساء والصبيان ، فاجتاح المدينة ، ومكة ، والسراة ، واليمن ، قت ، وهدمة ، ووجد آبنين صبين لعبيد الله بن العباس في اليمن ، فأخذهما ، وذبحهما بيده ، بمدية كانت معه ، ثم آنكفأ راجعا إلي معاوية (الاغاني 266/16 ).

أقول : لما أخذ بسر الصبيين ليذبحهما، قام أمامه رجل من بني كنانة ، فحامي عنهما ، فقال له بسر : ثكلتك أمك ، لم عرضت نفسك للقتل ، فقال : أقتل دون جاري ، فقتله بسر ، ثم قدم الغلامين فذبحهما ، فخرج نسوة من بني كنانة ، فقالت إحداهن لبسر : هذه الرجال تقتل ، فيما

ص: 250

بال الولدان، والله ، ما كانوا يقتلون في جاهلية ولا إسلام ، والله ، إن سلطان لا يشتد إلا بقتل الضرع الضعيف ، والشيخ الكبير ، ورفع الرحمة ، وقطع الأرحام ، لسلطان سوء ، فقال بسر : والله ، لهممت أن أضع فيكن السيف ، قالت : والله ، إنه لأحب إلي أن فعلت ، ثم إن بسرا قتل مائة شيخ من أبناء فارس باليمن ، لأن ابني عبيد الله بن العباس ، كانا مستترين في بيت امرأة من أبنائهم ، ( شرح نهج البلاغة 14/3 و16 ).

وخاطر رجل ، أن يقوم إلي زياد بن أبيه ، وهو يخطب ، فيقول له : أيها الأمير من أبوك ؟ ففعل ، فقال له زياد : هذا يخبرك ، وأشار إلي صاحب الشرطة ، فقدمه ، فضرب عنقه ( العقد الفريد 54/1 ) .

وفي السنة 40 ثاور الجراح بن سنان الأسدي ، الإمام الحسن بن علي ، بالمدائن ليغتاله ، فأصابته الضربة في فخذه ، وقطع الجراح بالسيوف ( الطبري 4/ 121 ) وفي تاريخ اليعقوبي 215/2 إنه قبض علي لحية الجراح ولويت فاندقت عنقه .

وفي السنة 41 خرج يزيد بن مالك الباهلي ، الملقب بالخطيم ، وسهم بن غالب الهجيمي ، فأصبحوا عند الجسر ، فوجدوا عبادة بن قرص الليثي ، من الصحابة ، وهو يصلي عند الجسر ، فقتلوه ، ثم خرج سهم إلي الأهواز ، وعاد ، فظفر به زياد أمير البصرة فقتله ، وصلبه علي بابه ، وأما الخطيم فإن زياد نفاه إلي البحرين ، ثم أذن له فقدم البصرة وأمره بملازمة بيته ، ثم شك في أمره ، فأمر به ، فقتل ، وألقي في باهلة ( الطبري 171/5 و 228) .

وفي السنة 41 قتل المغيرة بن شعبة ، عامل معاوية علي الكوفة ، معين بن عبد الله المحاربي ، أحضره ، وسأله : أتشهد أن معاوية خليفة ، وأنه أمير المؤمنين ، فقال : أشهد أن الله عز وجل حق ، وأن الساعة آتية لا ريب فيها : وأن الله يبعث من في القبور ، فأمر به فقتل . ( الاعلام 195/8 ) .

ص: 251

وفي السنة 45 قتل خالد بن عبد الرحمن بن خالد بن الوليد المخزومي ، الطبيب ابن أثال النصراني طبيب معاوية ، وسبب ذلك إن معاوية الما رغب في نصب ولده يزيد لولاية العهد، خطب في أهل الشام ، وقال لهم : إن أمير المؤمنين قد كبرت سنه ، ورق جلده . ودق عظمه ، واقترب أجله ، ويريد أن يستخلف عليكم ، فمن ترون ؟ فقالوا : عبد الرحمن بن خالد بن الوليد ، ذلك لأن عبد الرحمن ، كان قد عظم شأنه بالشام ، ومال إليه أهلها ، لما كان عندهم من آثار أبيه خالد بن الوليد ، ولغنائه عن المسلمين في أرض الروم ، وبأسه ، فلما سمع معاوية منهم ذلك ، سكت ، ود إلي عبد الرحمن ، الطبيب ابن أثال ، فسقاه شربة مسمومة فمات ، وقدم ولده خالد المدينة ، فجلس يوما إلي عروة بن الزبير ، فسلم عليه ، وانتسب له ، فلما عرف انه ابن عبد الرحمن ، قال له : ما فعل أبن أثال ؟ فقام خالد من عنده متوجها إلي حمص ورصد بها ابن أثال ، فاعترضه بالسيف ، فقتله ، ثم عاد إلي الحجاز ، فأتي عروة ، فقال له عروة : ما فعل ابن أثال ؟ فقال : قد كفيتك ابن أثال ، ولكن ما فعل ابن جرموز ؟ ( پريد قاتل الزبير) فسكت عروة ( الاغاني 197/16 والطبري 227/9 و 228 وكتاب اسماء المغتالين 168 و 160).

أقول : الذي في الأغاني إن الذي فتك بابن أثال هو خالد بن المهاجر بن خالد بن الوليد ، غضب لعمه عبد الرحمن . ولما فتح مصعب بن الزبير العراق ، قبض علي ابن جرموز قاتل أبيه الزبير ، واعتقله ، وكتب إلي أخيه عبد الله يسأله عما يفعل به ، فكتب إليه عبد الله : إني لا اقتل ابن جرموز بالزبير ، وأمره باطلاقه .

وأحضر عروة بن أدية ، من نساك الخوارج ، أمام زياد بن أبيه ، فسأله عن قوله في أبي بكر وعمر ، فقال خيرا ، فقال له : ما تقول في عثمان وعلي ، فتولي عثمان ست سنين من خلافته ، ثم شهد علبه بالكفر ، وتولي

ص: 252

عليا مثل ذلك إلي أن حكم ، ثم شهد عليه بالكفر ، ثم سأله عن معاوية ، فسبه سبا قبيحة ، ثم سأله عن نفسه ، فقال له : أولك لزنية ، وآخرك لدعوة ، وأنت بعد ذلك عاص ربك ، فأمر به فقتل ( شرح نهج البلاغة 80/5 ).

وفي السنة 51 قتل معاوية بن أبي سفيان ، حجر بن عدي ، الصحابي ، الناسك ، الزاهد ، مع ستة من أصحابه ، وهم شريك بن شداد الحضرمي ، وصيفي بن فسيل، وقبيصة بن ضبيعة ، وكدام بن حيان ، ومحرز بن شهاب وعبد الرحمن بن حسان ، وكانت التهمة التي استوجبوا بها القتل ، أنهم من شيعة الإمام علي ، وأنهم أبوا أن يتبرؤا منه ، وكان مقتل الستة الأولين في وضع بالغ القسوة ، فإن معاوية أمر أن يطالبوا بالبراءة من علي ، فإن أبوا ، فتحفر قبورهم أمامهم ، وتهيا لهم أكفانهم ، ثم يقتلون من بعد ذلك ، ولما مشوا إلي حجر بالسيف ، ارتعد ، فقيل له : إنك زعمت أنك لا تجزع من الموت فقال : وكيف لا أجزع، وأنا أري قبرأ محفورة ، وكفنا منشورة ، وسيفا مشهورة .

أما السادس ، عبد الرحمن بن حسان ، فإنه أحضر أمام معاوية ، فسأله عن قوله في علي ، فأثني عليه ، فرده معاوية ، إلي زياد ، وأمره أن يقتله شر قتلة ، فدفنه حيا ( الطبري 275/5 -277 وابن الأثير 3/ 472 - 488) .

وكان سعيد بن عثمان بن عفان ، ولي خراسان ، لمعاوية بن أبي سفيان ، وناهضه الصغد ، فقاتلهم ، وهزمهم ، وحصرهم في مدينتهم ، فصالحوه ، وأعطوه رهنما ، خمسين غلاما ، من أبناء عظمائهم ، فلما عزل عن خراسان ، لم يعد الغلمان الرهائن إلي أهليهم ، وإنما أخذهم معه عبيدة أرقاء إلي المدينة ، وخلع عنهم كسوتهم ومناطقهم ، وألبسهم جباب صوف ، وألزمهم السواني والعمل الصعب ، فدخلوا عليه ، وفتكوا به ، ثم قتلوا أنفسهم ( الطبري 306/5 والمعارف لابن قتيبة 202 وانساب الأشراف 117/5 و119) .

ص: 253

وجيء الي عبيد الله بن زياد ، بأحد الخوارج النساك ، ويعرف بابن سعاد ، وسعاد أمه ، فسأله ما تقول في أبي بكر وعمر ؟ فأثني عليهما ، فقال له : ما تقول في عثمان ومعاوية ، ألا تتولاهما ؟ فقال : إن كانا وليين لله ، فلست معادية لهما ، فأعجزه ، وأمر بإخراجه إلي رحبة البصرة ليقتل هناك ، فلما وافي الرحبة ، جعل الشرط يروغون عن قتله ، لأنه كان زاهدأ متقشفة ، فأقدم المثلم بن مسروح الباهلي ، فقتله ، فائتمر به الخوارج أن يقتلوه ، وكان المثلم مغرما باللقاح ( النوق الغزيرة اللبن ) فدوا إليه فتي لقيه بالمربد ، وأخبره بأن لديه لقحة صفي ، فجاء معه ، حتي أدخله إلي دار ، وأغلق عليه بابها ، وثار به الخوارج فقتلوه ، وكان يحمل دراهم ، فشقوا بطنه ، ووضعوا دراهمه في داخل بطنه ، وأطلقوا فرسه في الليل ، فذلك حيث يقول أبو الأسود الدؤلي من أبيات : ( شرح نهج البلاغة 87/5 و 88 ) .

واليت لا أغدو إلي رب لقحة**** أساومه حتي يؤوب المثلم

وفي السنة 60 قدم الكوفة ، مسلم بن عقيل ، داعيأ للحسين بن علي عليه السلام وهو في طريقه إلي العراق ، فنزل علي هاني بن عروة ، ولما أحس به عبيد الله بن زياد ، عامل يزيد علي الكوفة ، حارب مسلما ، وأسره ، ثم أحضر هانيء بن عروة ، وقال له : جئت بمسلم ، فأدخلته دارك ، وجمعت له السلاح والرجال ، فقال : جاء علي بابي ، ونزل علي ، فاستحييت من رده ، ولزمني من ذلك ذمام ، فأمر ابن زياد بمسلم ، فأصعد إلي أعلي القصر ، ورمي به إلي الأرض ، وأمر بهانيء ، فأخرج إلي السوق ، فقتل ، فقال الفرزدق : ( ابن الأثير 35/4 و 36 ).

إذا كنت لا تدرين ما الموت فانظري**** إلي هاني في السوق وابن عقيل

إلي بطل قد هشم السيف وجهه ****وأخر يهوي من طمار قتيل

وفي السنة 60 لما قتل عبيد الله بن زياد ، مسلم بن عقيل ، وهانيء بن عروة ، دعا بعبد الأعلي الكلبي ، وكان قد قبض عليه ، وهو يريد أن يمضي

ص: 254

إلي مسلم بن عقيل لينصره ، فقال له : أخبرني بأمرك ، فقال : أصلحك الله ، إنما خرجت لأنظر ما يصنع الناس ، فاستحلفه يمينا إنه صادق في قوله ، فأبي أن يحلف ، فأمر به ، فضربت عنقه ( الطبري 370/5 و 379) .

وكان عمارة بن صلخب الأزدي ، استعد لنصرة مسلم بن عقيل ، فلما قتل ، أحضره عبيد الله بن زياد ، قال له : ممن أنت ؟ قال : من الأزد ، قال : انطلقوا به إلي قومه ، فضربت عنقه فيهم ( الطبري 379/5 ).

وأخذ عبيد الله رجلا يقال له مالك بن نمير ، فأمر أبا عة النميري الشرطي أن يقتله ، فأبي ، وقال : دمي دون ديني ، فأمر غيره فقتل مالكة ( أنساب الأشراف 89/2/4 ).

وخطب عبيد الله بن زياد ، بعد معركة الطف ، فقال : الحمد لله الذي أظهر الحق وأهله ، ونصر أمير المؤمنين يزيد وجنده ، وقتل الكذاب بن الكذاب الحسين بن علي وشيعته ، فوثب إليه عبد الله بن عفيف الأزدي ، وكان قد أضر ، فقال له : يا ابن مرجانة ، إن الكذاب بن الكذاب هو أنت وأبوك ، والذي ولاك وأبوه ، فقال عبيد الله بن زياد : علي به ، فوثب فتية من الأزد فانتزعوه من الشرط ، وأخذوه إلي أهله ، فأرسل إليه عبيد الله ، من أتاه به ، فقتله ، وصلبه في السبخة ( الطبري 458/5 و459).

وفي السنة 62 لما انتهت معركة الحرة ، التي استباح فيها جيش يزيد بن معاوية ، مدينة الرسول صلوات الله عليه ، قتلا ، ونهبا ، وسلبة ، وسبيا ، وانتهاك حرمات ، جلس قائد الجيش مسلم بن عقبة ، لأهل المدينة ، وطلب منهم أن يبايعوه علي أنهم عبيد قن ليزيد بن معاوية ، إن شاء استرق ، وإن شاء عفا ، وجاء يزيد بن عبد الله بن زمعة بن الأسود ، ومحمد بن أبي الجهم العدوي ، فقالا له : نبايعك علي كتاب الله وسنة نبيه ، فقدمهما ، فضرب عنقيهما ، فقال له مروان بن الحكم : سبحان الله ، أتقتل رجلين أتيا

ص: 255

ليؤمنا ؟ فنخس خاصرته بالقضيب ، وقال : وأنت - والله - لو قلت مقالتهما ، ما رأيت السماء إلا برقة .

وجاء معقل بن سنان ، وكان صديقا لمسلم بن عقبة من قبل ، فقال له مسلم : أي الشراب أحب إليك ؟ قال : العسل ، قال : آسقوه ، فشرب حتي آرتوي ، ثم قال له : والله ، لا تشرب بعده شرابا إلا الحميم في نار جهنم ، وقدمه ، فضرب عنقه . ( الطبري 491/5 - 495) .

وفي السنة 64 لما هلك يزيد بن معاوية ، دعا عبيد الله بن زياد ، أهل البصرة لأن يبايعوه ، علي أن يقوم بأمرهم حتي يصطلح الناس علي إمام ، فبايعوه ، ثم خافهم ، فالتجأ إلي دار مسعود بن عمرو ، رأس الأزد ، علي كره من مسعود ، ونصب البصريون عبد الله بن الحارث المعروف باسم : ببه ، رأسا عليهم ، إلي أن يجتمع الناس علي إمام ، وتحرك مسعود لإصلاح حال عبيد الله بن زياد مع أهل البصرة ، فجاء إلي الجامع وصعد المنبر ، واعتدي أصحابه في طريقهم علي الناس ، فهاجت تميم ، ودخلوا المسجد ومسعود علي المنبر ، فقتلوه ، فوداء الأحنف عشر ديات ( الطبري 510/5 - 528 ) .

وبعث مروان بن الحكم جيشأ بقيادة حبيش بن دلجة ، فقاتلهم أهل المدينة ، وأهل البصرة من أتباع ابن الزبير ، وانتصروا عليهم ، ونزل منهم خمسمائة علي حكم عباس بن سهل ، أمير المدينة لابن الزبير ، فأمر بهم فضربت أعناقهم جميعا ( الامامة والسياسة 15/2).

وفي السنة 65 قتل النعمان بن بشير الأنصاري ، وهو الأنصاري الوحيد الذي كان في صف معاوية ، في معارك صفين ، ولما هلك يزيد، كان النعمان علي حمص ، وبايع لابن الزبير ، وأعان الضحاك في معركته مع الأمويين ، فلما بلغه خبر انكسار الضحاك ، خرج من حمص فار بأهله ، فخرج بعض أهل حمص في طلبه ، ولحقه منهم عمرو الكلاعي ، فقتله ( ابن الأثير 151/4 ).

ص: 256

وفي السنة 66 وقعت حرب بين فئات متنازعة بالبصرة ، فقتل رجل من تمهم عقبة بن عشيرة الشتي ، ثم قتل التميمي ، فجاء أخو عقبة ، فولغ في دم ( الطبري 68/6 ) .

وفي السنة 66 كان علي الكوفة إبراهيم بن مطبع ، يليها لعب-د الله الزبير ، وعلي شرطته إياس بن مضارب ، وكان المختار بن أبي عبيد الثقفي يدير للإستيلاء علي الكوفة ، وقد بايعه إبراهيم بن الاشتر ، ومن إبراهيم بعد المغرب ، بإياس بن مضارب ، ومعه شرطة ، فأراد إياس أن يعتقل إسراهيم ، فقال له إبراهيم : لا أبالك ، خل سبيلنا ، فأبي ، وكان مع إياس رجل يحمل رمحاً ، فأخذ إبراهيم منه الرمح ، وطعن به إياساً في ثغره نحره ، فصرعه ، وقال لرجل من أصحابه : انزل إليه فاختر رأسه ، فنزل إليه فاحت-ر رأسه ، وتفرق أصحابه ( الطبري 19/6 و20 )

وفي السن-ة 66 اشتبك المخ-ار بن أبي عبيد الثقفي ، وإبراهيم بن مطيع ، والي الكوفة لابن الزبير ، في معركة انتهت بظفر المختار ، وأحضر إليه خمسمائة أسير ، فأمر المختار بأن يعرضوا عليه ، وأن يدلوا علي من محضر منهم مقتل الحين ، فعرضوا عليه ، فقدم منهم م-التين وثمانية وأربعين ، ممن شهد مقتل الحسين ، فضرب أعناقهم ، وأمر المختار ف-ودي في الكوفة كل من أغلق بابه فهو آمن ، إلا رجلا أشرك في دم آل محمد ( الطبري 50/6 - 52 )

وفي السنة 66 لما ظهر المختار بالكوفة ، واحتل قصر الإمارة ، جلس يابع الناس ، فجاء إليه المنذر بن حسان بن ضرار الضبي ، فسلم عليه وبايعه ، ومعه ولد، حيان بن المنذر ، قراء الناس عند الباب ، فقال أحدهم هذا - والله - من رؤوس الح-ارين ، وش-دوا عليه وعلي ابنه ، فقتلوهما ( الطبري 32/6)

ص: 257

وفي السنة 66 لما استقر المختار بالكوفة ، أخذ في طلب قتلة الحسين ، ففر منه شمر بن ذي الجوشن ، يريد البصرة ، وفيها مصعب بن الزبير ، فعرف أبو عمرة صاحب شرطة المختار مكان شمر ، وكان أبو عمرة في موضع يبعد عن موضع شمر ثلاثة فراسخ ، فقصده وحصره بأصحابه ، فخرج شمر يحاربهم ، وقد أعجلوه عن لبس سلاحه وثيابه ، فقتلوه ( الطبري 68/6)

وفي السنة 66 أحضر المختار الثقفي بالكوفة ، عبد الله بن أسيد الجهني ، ومالك بن النسير البدي ، وحمل بن مالك المحاربي ، وهؤلاء ممن اشترك في قتل الحسين ، في معركة الطف ، فقال المختار لهم : يا أعداء الله ، وأعداء كتابه ، وأعداء رسوله ، أين الحسين بن علي ؟ أدوا إلي الحسين ، قتلتم من أمرتم بالصلاة عليه ، فقالوا : رحمك الله ، بعثنا ونحن كارهون ، فامنن علينا وأستبقنا ، فقال المختار ، هلا مننتم علي الحسين ابن بنت نبيكم ، وأستبقيتموه وسقيتموه ، ثم قال المختار للبدي : أنت صاحب برنسه ، فقال عبد الله بن كامل : نعم ، هوهو ، فقال المختار : إقطعوا يدي هذا ورجليه ، ودعوه يضطرب حتي يموت ، ففعل به ذلك ، وترك ، فلم يزل ينزف الدم حتي مات ، وأمر بالآخرين ، فقدما فقطع عنقاهما ( الطبري 19/6 و20 ).

وفي السنة 66 دل المختار علي جماعة ممن شارك في موقعة الطف وحضر مقتل الحسين ، فأحضرهم ، ومنهم زياد بن مالك ، وعمران بن خالد، وعبد الرحمن بن أبي خشكارة الجبلي ، وعبد الله بن قيس الخولاني ، وكانوا قد أصابوا من الورس الذي كان مع الحسين ، فقال لهم المختار : يا قتلة الصالحين ، وقتلة سيد شباب أهل الجنة ، ألا ترون الله قد أقاد منكم اليوم ، لقد جاءكم الورس ، بيوم نحس ، ثم أمر بهم فأخرجوا إلي السوق ، فضربت أعناقهم ( الطبري 08/6 ) .

وفي السنة 66 بعث المختار ، فأحضر عبد الله وعبد الرحمن ابني

ص: 258

صلخب ، وعبد الله بن وهب ، وهم ممن حضر معركة الطف ، وقاتل الحسين ، فأمر بهم فقتلوا في السوق ( الطبري 58/6 ) .

وفي السنة 66 بعث المختار عبد الله بن كامل، إلي عثمان بن خالد بن أسير الجهني ، وإلي أبي أسماء بشر بن سوط القابضي ، وكانا ممن شهد قتل الحسين ، واشتركا في دم عبد الرحمن بن عقيل بن أبي طالب ، وفي سلبه ، فأحاط عبد الله بن كامل عند العصر بمسجد بني دهمان ، ثم قال : علي مثل خطايا بني دهمان منذ خلقوا إلي يوم يبعثون ، إن لم أوت بعثمان بن خالد بن أسير ، إن لم أضرب أعناقكم من عند آخركم ، فقالوا له : أمهلنا نطلبه ، وخرجوا مع الخيل في طلبه ، فوجدوه وأبا أسماء القابضي جالسين في الجبانة ، يريدان أن يخرجا إلي الجزيرة ، فحملوهما إلي ابن كامل ، فقال : الحمد لله الذي كفي المؤمنين القتال ، لو لم يجدوا هذا مع هذا ، العنانا إلي منزله في طلبه ، فالحمد لله الذي حينك حتي أمكن منك ، وخرج بهما إلي بئر الجعد ، فضرب عنقيهما ، ثم عاد فأخبر المختار بخبرهما ، فأمره أن يرجع فيحرقهما بالنار ، فعاد وأحرقهما ( الطبري 59/6 ).

وفي السنة 66 بعث المختار ، أبا عمرة صاحب شرطته ، ومعاذ بن هانيء بن عدي الكندي ، ابن أخي حجر بن عدي ، فأحاطا بدار خولي بن يزيد الاصبحي ، صاحب رأس الحسين ، الذي جاء به ، فاختبأ خولي في المخرج ( الكنيف ) فأمر معاذ أبا عمرة أن يطلبه في الدار ، فخرجت امرأته إليهم ، فقالوا لها : أين زوجك ؟ فقالت : لا أدري أين هو، وأشارت بيدها إلي المخرج ، فدخلوا ، فوجدوه قد وضع علي رأسه قوصرة ، فأخرجوه ، وقتلوه إلي جانب أهله ، ثم أحرقوه ( الطبري 59/6 و60).

وفي السنة 66 بعث المختار أبا عمرة ، صاحب شرطته ، إلي عمر بن سعد ، قائد الجيش الذي قتل الحسين وأهل بيته ، فدخل عليه ، وقال له : أجب الأمير ، فنهض عمر ، فعثر في جبة له ، وضربه أبو عمرة بسيفه ،

ص: 259

فقتله ، وجاء برأسه في أسفل قبائه ، حتي وضعه بين يدي المختار ، وكان حفص بن عمر بن سعد في مجلس المختار ، فقال المختار لحفص : أتعرف هذا الرأس ؟ فقال حفص : نعم ، ولا خير في العيش بعده ، فقال له المختار : صدقت ، فإنك لا تعيش بعده ، وأمر به ، فضربت عنقه ، وقال المختار ، هذا بحسين ، وهذا بعلي بن الحسين ، ولا سواء ( الطبري 60/6 و61 ).

وفي السنة66 طلب المختار ، عمرو بن الحجاج الزبيدي ، أحد من شارك في قتل الحسين في موقعة الطف ، ففر حتي صار بواقصة ، فأدركه أصحاب المختار ، وقد سقط من العطش ، وبه رمق ، فذبحوه ( انساب الأشراف 240/5 ).

وفي السنة 67 قتل مصعب بن الزبير كلا من عبد الرحمن وعبد الرب ابني حجر بن عدي الذي قتله معاوية لأنه أبي أن يبرأ من الإمام علي ، وقتل عمران بن حذيفة بن اليمان من التابعين ، قتلهم كلهم صبرا ، بعد قتله المختار الثقفي ، وقتل أصحابه ( ابن الأثير 250/4 والاعلام 2232/5 ).

وفي السنة 67 عزل عبد الله بن الزبير ، أخاه المصعب عن البصرة ، وولاها ابنه حمزة ، وكانت فيه خفة وضعف ، ومن جملة ما صنع إنه بعث إلي مردان شاه ، فاستحثه بالخراج ، فأبطأ به ، فقام إليه بسيفه فضربه ، فقتله ، فقال الأحنف : ما أحد سيف الأمير ( الطبري 117/6 ) .

وفي السنة 99 قتل نجدة الحروري الحنفي ، وكان قد تسمي بأمير المؤمنين ، نقم عليه أصحابه أمورأ ، فقتلوه . ( الاعلام 324/8 و 325 ).

وفي السنة 72 قتل عبد الله بن خازم السلمي ، أمير خراسان ، كان يلي خراسان لبني أمية عشر سنين ، ولما أعلن ابن الزبير خلافته، كتب إليه بطاعته ، ولما قتل عبد الملك ، المصعب بن الزبير ، بعث إليه برأسه ،

ص: 260

فغسله ، وصلي عليه ، ودفنه ، ولم يعط للأمويين طاعة ، فانتقض عليه بعض أهل خراسان وقتلوه ، وبعثوا برأسه إلي عبد الملك . ( الاعلام 215/4 ) .

وفي السنة 76 لما خرج شبيب ، من رؤساء الخوارج ، ارتفع إلي أرض الموصل ، فلقي سلامة بن سيار بن المضاء التيمي ( تيم شيبان ) ، فدعاه للخروج معه ، فاشترط عليه سلامة ، أن يعيره ثلاثين فارسا من أصحابه ينتخبهم ، ثم لا يغيب عنه إلا ثلاث ليال ، ففعل ، وانتخب ثلاثين فارس وانطلق بهم نحو عنزة ، أرادهم ليشفي نفسه منهم ، لقتلهم أخاه فضالة ، وذلك إن فضالة كان قد خرج قبل ذلك في ثمانية عشر فارسا ، فلما رأته عنزة قتلوهم ، وأتوا برؤوسهم إلي عبد الملك بن مروان ، فأكرمهم ، وأنزلهم بانقيا ، وفرض لهم ، فخرج سلامة في أصحابه الثلاثين ، حتي انتهي إلي عنزة ، فجعل يقتل المحلة بعد المحلة ، حتي انتهي إلي فريق منهم فيهم خالته وقد أكبت علي ابن لها ، وهو غلام حين احتلم ، فأخرجت ثديها السلامة ، وقالت : أنشدك برحم هذا يا سلامة ، فأبي إلا أن يقتله ، وقتله ( الطبري 224/6 و225) .

وفي السنة 77 قتل أمية بن عبد الله بن خالد بن أسيد، عامل خراسان ، بكير بن وشاح السعدي ، عامل طخارستان ، وذلك إن أمية كان قد ولي بكيرة غزو ما وراء النهر ، ثم بدا له فأمره بالمقام ، ثم نهض أمية يريد بخاري ووتي بكير، مرو، فعاد بكير ، وخلع أمية ، وتحضن في مرو، وبلغ أمية ذلك ، فعاد من بخاري ، وحصر بكيرا في مرو ، ثم تصالحا ، وعاد بكير للطاعة ، ثم بلغه أنه يريد أن يعاود الخروج ، فحبسه وابني أخيه بد وشمردل ، ثم قتل بكير، وقتل ابني أخيه معه ( الطبري 311/6 - 317 ).

وكانت لبكير ، جارية أثيرة عنده ، إسمها العارمة ، ولما قاتل بكير أمية ، جعل علي شرطته أبا رستم العبشمي ، فنادوه : يا صاحب شرطة عارمة ، فغضب ، وأحجم ، فهدأه بكير ، ثم أن أمية ، لما قتل بكير ،

ص: 261

اعتقل العارمة ، وأهداها إلي بحير، خصم بكير ( الطبري 6/ 314۔ 317)

وفي أثناء المعارك بين أمية ، وبكير بن وساج ، نادي رجل من تميم : يا أمية ، يا فاضح قريش ، فالي أمية إن ظفر به ، أن يذبحه بين شرفتين من سور المدينة ، وظفر به ، فذبحه ( الطبري 6/ 314).

وفي السنة 75 قتل الحجاج ، عمير بن ضابيء البرجمي ، جاء يستأذن منه في التخلف عن البعث لشيخوخته ، فقتله . ( الاعلام 265/5 ).

أقول : إن قتلي الحجاج يزيد علي الألف ألف شخص ، وإنما ذكرت هذا الرجل ، لأنه أول شخص قتله الحجاج عند قدومه الكوفة .

ووافي الحجاج بن يوسف الثقفي البصرة ، فأمر الناس بالخروج لحرب الخوارج ، فجيء إليه بشيخ أعور ، يضع علي عينه العوراء صوفة ، فكان يلقب ذا الكرسفة ، فقال : أصلح الله الأمير ، إن بي فتقأ ، وقد عذرني بشر بن مروان ، وقد رددت العطاء ، فقال له الحجاج : إنك عندي لصادق ، ثم أمر به فضربت عنقه ، وجيء إليه بآخر ، فقال : أنشدك الله أيها الأمير في دمي ، فوالله ، ما قبضت ديوانا قط ، ولا شهدت عسكر قط ، وأنا حائك ، أخذت من تحت الجقة ، فقال : اضربوا عنقه ، فقتل ( شرح نهج البلاغة 183/4 و 184).

ولما قاتل المهلب الخوارج ، في يوم سلي وسلبري ، وقتل رأس الخوارج عبيد الله بن بشير بن الماحوز ، وجه المهلب ، أحد الأزد ، برأسه إلي الحارث بن عبد الله عامل البصرة لابن الزبير ، فلما وصل الأزدي حامل الرأس إلي كربج ( موضع قرب سوق الأهواز ) لقيه إخوة عبيد الله ، وهم حبيب وعبد الملك وعلي أولاد بشير بن الماحوز ، فسألوه : ما الخبر ؟ فقال لهم ، وهو لا يعرفهم : قتل الله ابن الماحوز ، وهذا رأسه معي ، فوثبوا عليه

ص: 262

فقتلوه ، وصلبوه ، وأخذوا رأس أخيهم فدفنوه ، فلما ولي الحجاج ، دخل عليه علي بن بشير ، وكان وسيما جسيمة ، فقال : من هذا ؟ فأخبروه ، فأمر به فضربت عنقه ، وأخذ ولدين له ابنه الأزهر وابنته ، فوهبهما لأهل الأزدي المقتول ( شرح نهج البلاغة 158/4 و159).

وفي السنة 82، دعا الحجاج ، بكميل بن زياد ، أحد شيعة علي ، فقال له : أنت المقتص من أمير المؤمنين عثمان ؟ قد كنت أحب أن أجد عليك سبية ، فقال له : علي إينا أنت أشد غضبا ، عليه حين أقاد من نفسه ، أو علي حين عفوت عنه ؟ ثم قال له : يا أيها الرجل من ثقيف ، لا تصف علي أنيابك ، ولا تكشر علي كالذئب ، فما بقي من عمري إلا ظمء الحمار ، إقض ما أنت قاض ، فإن الموعد الله ، والقتل بعده الحساب ، فأمر به فقتل ( ابن الأثير 481/4 ) .

أقول : كان كميل بن زياد النخعي ، برح الكوفة ، وقصد الخليفة عثمان بن عفان بالمدينة ، فناقشه في أمور ، فأغضب عثمان ، فوجأ عثمان وجهه ، فوقع علي استه ، فقال : أوجعتني يا أمير المؤمنين ، فندم عثمان علي ما صنع ، وقال لكميل : اقتد مني ، فقال كميل : قد عفوت ، فلما قدم الحجاج العراق ، طلب كميل ، فاستتر منه ، فأخذ به عشيرته النخع ، فقال الأسود بن الهيثم للحجاج ، ما تريد من شيخ قد كفاكه الكبر ، فقال له الحجاج : أما والله لتحبسن عني لسانك ، أو لأحسن رأسك بالسيف ، فلما رأي كميل ما لقي قومه من الخوف ، وهم ألفا مقاتل ، قال : الموت خير من الخوف ، إذا أخيف بسببي ألفان وحرموا ، فخرج حتي أتي الحجاج ، فقتله (الطبري 403/4 و404) .

وفي السنة 83 بعد انتهاء معركة دير الجماجم ، التي انتصر الحجاج فيها علي عبد الرحمن بن الأشعث ، جلس الحجاج يبايع الناس من أصحاب ابن الأشعث ، وكان لا يبايعه أحد، إلا سأله : أتشهد إنك كفرت بخروجك

ص: 263

علي ، فإذا قال نعم بايعه ، وإلا قتله ، فجاء إليه رجل من خثعم ، كان معتز الناس جميعا من وراء الفرات ، فسأله عن حاله ، فقال : ما زلت معتز" وراء هذه النطفة ، فقال : متربص ، أتشهد أنك كافر ؟ قال : بئس الرجل أنا إن كنت عبدت الله ثمانين سنة ثم أشهد علي نفسي بالكفر ، قال : إذن أقتلك ، قال : وإن قتلتني ، فوالله ، ما بقي من عمري إلا ضمء حمار ، فقال : اضربوا عنقه ، فضربت عنقه ( الطبري 365/6 ).

وفي السنة 83 في معركة مسكن ، قتل زياد بن غنيم الطائي من أصحاب الحجاج ، وقتل من أصحاب ابن الأشعث أبو البختري الطائي ، وعبد الرحمن بن أبي ليلي ، ومشي بسطام بن مصقلة الشيباني في أربعة آلاف من أهل الحفاظ من أصحاب ابن الأشعث ، فكسروا جفون السيوف ، وقاتلوا قتالا شديدا ، فقتل قسم عظيم منهم ، وأخذ منهم بكير بن ربيعة أسيرة ، فقتله الحجاج صبرا ( الطبري 366/6 و 367 ).

وفي السنة 83 في يوم مسكن ، قتل الحجاج من أصحاب عبد الرحمن بن الأشعث ، أربعة آلاف رجل ، بعد انتهاء المعركة ، سوي من قتل في المعركة ، وكان ممن قتل من الأشراف ، مع ابن الأشعث ، عبد الله بن شداد الهاد، وبسطام بن مصقلة بن هبيرة ، وعمر بن ضبيعة الرقاشي ، وبشر بن المنذر بن الجارود ، والحكم بن مخرمة ، وبكير بن ربيعة الضبي ، وأحضرت رؤوسهم إلي الحجاج علي ترس ، فنظر إليهم ، ثم قال : ضع هذا الترس بين يدي مسمع بن مالك بن مسمع ، فوضع بين يديه ، فبكي ، فقال له الحجاج : ما أبكاك ، أحزنا عليهم ؟ قال : بل جزع لهم من النار ( الطبري 383 382/6)

وفي السنة 83 أحضر الحجاج ابن القرية ، أيوب بن زيد الهلالي ، أحد بلغاء الدهر ، وكان قد لحق بابن الأشعث ، فاعتذر إليه ابن القرية ،

ص: 264

فقال له الحجاج : كلا والله ، لأرينك جهنم ، ثم قال : قدمه يا حرسي ، فأضرب عنقه ، فضرب عنقه ( الطبري 385/6 و386) .

أقول : في الأخبار الطوال 322 و 323 إن الحجاج قتل ابن القرية بيده ، وإنه طعنه عندما قتله بحربة ، راجع الخبر في كتابنا هذا في الفصل الثاني من الباب الحادي عشر ( القتل بأنواع السلاح غير السيف ) القسم الرابع ( القتل قعصة بالرماح ).

وفي السنة 83 جيء إلي الحجاج ، بعمر بن موسي بن عبيد الله بن معمر ، صاحب شرطة عبد الرحمن بن الأشعث ، فقال له : يا عبد المرأة ، تقوم بالعمود علي رأس ابن الحائك ( يريد ابن الأشعث ) ، فقال له : أصلح الله الأمير ، كانت فتنة شملت البر والفاجر ، فدخلنا فيها، وقد أمكنك الله منا، فإن عفوت فبحلمك ، وفضلك ، وإن عاقبت عاقبت ظلمة مذنبين ، فقال الحجاج : أما قولك إنها شملت البر والفاجر ، فكذبت ، ولكنها شملت الفجار ، وعوفي منها الأبرار ، وأما اعترافك بذنبك ، فعسي أن ينفعك ، فرجا الناس له العافية ، ثم نظر إليه وقد نحي عنه ، فقال : اضربوا عنقه ، فضربت عنقه ( الطبري 6/ 374).

وفي السنة 83 دعا الحجاج بالهلقام بن نعيم ، وقال له : إجعل ابن الأشعث طلب ما طلب ، ما الذي أملت أنت معه ؟ قال : أمل أن يملك فيوليني العراق ، كما ولاك عبد الملك ، فقال الحجاج : يا حوشب ، قم فأضرب عنقه ، فقام إليه ، فقال الهلقام : يا ابن لقيطة ، أتنكأ الجرح ، فضرب عنقه .

ثم أتي بعبد الله بن عامر ، فلما قام بين يديه ، قال له : لا رأت عيناك يا حجاج الجنة ، إن أقل ابن المهلب بما صنع ، قال : وما صنع ؟ قال :

لأنه كاس في إطلاق أسرته**** وقاد نحوك في أغلالها مضرا

ص: 265

وقتي بقومك ورد الموت أسرته****وكان قومك أدني عنده خطرا

فأطرق الحجاج مليا ، ووقرت في قلبه ، ثم قال له : وما أنت وذاك ؟ إضرب عنقه ، فضربت عنقه .

ثم جيء بفيروز ، فقال له الحجاج : يا أبا عثمان ، ما أخرجك مع هؤلاء ، فوالله ما لحمك من لحومهم ، ولا دمك من دمائهم ، فقال : فتنة عمت الناس فكنا فيها ، فقال : فاكتب لي أموالك ، قال : ثم ماذا ؟ قال : أكتبها أولا ، قال : ثم أنا آمن علي دمي ؟ قال : أكتبها ثم أنظر ، قال : اكتب يا غلام ، ألف ألف ، ألفا ألف ، فذكر مالا كثيرة ، فقال الحجاج : أين هذه الأموال ؟ قال : عندي ، قال : أدها ، قال : وأنا آمن علي دمي ؟ قال : والله ، لتوؤدينها ثم لأقتلنك ، قال : لا تجمع مالي ودمي ، فأمر بفيروز فعب ، وكان مما عذب به ، إنه كان يشد علي بدنه القصب الفارسي المشقوق ، ثم يجر عليه حتي يخرق جسده ، ثم ينضح عليه الخل والملح ، فلما أحست بالموت ، قال لصاحب العذاب ، إن الناس لا يشكون أني قتلت ، ولي ودائع وأموال عند الناس ، فأظهروني ليعلموا أني حي فيؤدوا المال ، فأعلم الحجاج ، فقال : أظهروه ، فأخرج إلي باب المدينة ، فقال للناس : أنا فيروز حصين ، إن لي عند أقوام مالأ ، فمن كان لي عنده شيء فهو له ، وهو منه في حل ، فلا يؤذين منه درهما واحدا ، ليبلغ الشاهد الغائب ، فأمر الحجاج به فقتل ( الطبري 378/6 - 384) .

وفي السنة 83 جيء للحجاج ، بأعشي همدان ، وكان قد ناصر ابن الأشعث بيده ولسانه ، آزره بسلاحه ، ومدحه بشعره ، فقال له الحجاج : إيه يا عدو الله أنت القائل في مدح ابن الأشعث .

بين الأشج وبين قيس باذخ**** بخ بخ لوالده وللمولود

ص: 266

لا والله ، لا تبخبخ بعدها لأحد أبدأ ، وقدمه فضرب عنقه ( الطبري 378/6)

وفي السنة 83 جيء للحجاج بمحمد بن سعد بن أبي وقاص ، وكان من أصحاب ابن الأشعث ، فقال له الحجاج : إيها يا ظل الشيطان ، أعظم الناس تيها وكبرة ، تأبي بيعة يزيد بن معاوية ، وتتشبه بحسين وابن عمر ، ثم صرت مؤذنين لابن كناز ، وجعل يضرب رأسه بعود في يده حتي أدماه ، ثم أمر بضرب عنقه ، فقتل ( الطبري 379/6 ) .

وبلغ الحجاج ، أن عمرو بن يزيد النهدي ، رثي مصعب بن الزبير ، فقال :

ألم تر أن الجود إذ مات مصعب**** دفناه واسترعي الأمانة ذيب

فهبنا أناسا أوبقتنا ذنوبنا**** أمالثقيف حوبة وذنوب

فأحضره الحجاج ، وقال له : أنت القائل ما قلت ؟ فقال : فقدنا مصعبأ ، ففقدنا به عدۀ شام ، وعطاء جزة ، فأمر به الحجاج ، فضربت عنقه . ( انساب الأشراف 281/5 ).

وفي السنة 85 قتل الحجاج ، مثجور بن غيلان الضبي ، من أشراف أهل البصرة ، وكان خطيبا ، نسابة ( الاعلام 156/6 ).

وفي السنة 85 قتل الحجاج قيس بن عباد ، من ثقات التابعين ، ومن كبار صالحيهم ، وكان ممن خرج مع ابن الأشعث ( الاعلام 57/6 ) .

وفي السنة 91 اتفق المهاجر بن ابي المثني التجيبي ، بالإسكندرية ، مع مائة من المصريين ، علي أن يفتكوا بقرة بن شريك ، أمير مصر ، وكان أحد الظلمة ، فاطلع عليهم رجل يكني أبا سليمان ، فأخبر قرة ، فأخذهم ، وقتلهم بأجمعهم ، فكان يزيد بن حبيب مفتي مصر ، إذا أراد أن يتكلم

ص: 267

بشيء ، قال : إحذروا أبا سليمان ، ثم قال : الناس كلهم أبو سليمان ( الاعلام 254/8 ).

أقول : كان قرة بن شريك من شرار الخلق ، وكان أمير مصر للوليد بن عبد الملك ، وهلك في أيامه ، وكان عمر بن عبد العزيز يقول : الوليد بالشام ، وقرة بمصر ، والحجاج بن يوسف بالعراق ، ومحمد بن يوسف باليمن ، امتلأت الأرض ظلما وجورا .

وفي السنة 93 غزا عبد الرحمان بن مسلم ، ملك خام جرد ، وقاتله ، فقتله عبد الرحمان ، وقدم علي قتيبة بأربعة آلاف أسير فقتلهم ، أمر قتيبة بسريره فأخرج ، وبرز للناس ، وأمر بقتل الأسري ، فقتل بين يديه ألف ، وعن يمينه ألف ، وعن شماله ألف ، وخلف ظهره ألف ( الطبري 470/6 ) .

وفي السنة 95 قتل الحجاج بالعراق سعيد بن جبير التابعي الفقيه الزاهد، وكان قد خرج مع عبد الرحمان بن الأشعث، ولما انكسر عبد الرحمان تنقل في البلاد ثم لجأ إلي مكة ، فاعتقله خالد القسري ، وبعث به إلي الحجاج فقتله ( ابن الأثير 579/4 و 580 ).

و أقول : كان أول من قتل الحجاج في إمارته علي العراق عمير بن ضابيء البرجمي ، وقد أسلفنا إيراد ذلك في موضعه ، وكان سعيد بن جبير آخر من قتله الحجاج ، قتله في شعبان سنة 95 وهلك الحجاج في رمضان من تلك السنة ، وكان سعيد أعلم الناس ، أخذ العلم عن ابن عباس وابن عمر ، ولما خرج ابن الأشعث علي الحجاج خرج معه العدد العديد من العلماء والقراء والزهاد ، حسبة وديانة ، يريدون الخلاص من ظلم الحجاج ، وظلم عبد الملك بن مروان ، ولما انتصر الحجاج ، وتشتت جيش ابن الأشعث ، التجا سعيد إلي إصبهان ، فطلبه الحجاج من عامله عليها ، فتحرج من إرساله ، وأرسل إلي سعيد أن تحول عني ، فتنحي عنه ولجأ الي أذربيجان ،

ص: 268

ومكث زمان، ثم خرج إلي مكة ، فلما وليها خالد القسري ، قبض علي سعيد ، وبعث به إلي الحجاج مقيدا ، فلما حضر أمام الحجاج ، أخذ يتشقي منه ، وقال له ما اسمك ؟ قال : سعيد بن جبير ، فقال : بل أنت شقي بن كسير ، قال : أمي أعلم باسمي منك ، فقال له : شقيت أنت وشقيت أمك ، ثم أمر به فقتل ( الطبري 487/6 - 491 ووفيات الأعيان 371/2 - 374) .

أقول : كان الحجاج يقول : إني - والله - لا أعلم علي وجه الأرض خلق هو أجرأ علي دم مني ( العقد الفريد 176/2 ) وقيل لعبد الله بن المبارك : أبو مسلم كان خيرة أو الحجاج ؟ فقال : لا أقول إن أبا مسلم كان خيرا من أحد ، ولكن الحجاج كان شرا منه ( ابن الأثير 479/5 ) وبلغ من شنيع سمعة الحجاج ، واشتهاره بالظلم ، أن أبا مسلم الخراساني ، الذي اشتهر بقسوته ، وضراوته علي الدم الحرام ، قيل في حقه : إنه حجاج زمانه ( مرآة الجنان 285/1 ).

راجع ترجمة حياة الحجاج بن يوسف الثقفي في كتابنا هذا ، في الباب الحادي عشر : القتل، في القسم الثاني من الفصل الأول : ( القتل في المعركة ).

وفي السنة 96 لما قتل وكيع بن حسان بن أبي سود ، قتيبة بن مسلم ، نادي : لا يسلبن قتيل ، فمر عبيد الهجري ، علي أبي الحجر الباهلي وهو قتيل ، فسلبه ، فبلغ ذلك وكيعا ، فضرب عنقه ( الطبري 519/6 ) .

وجيء إلي وكيع بسكران ، فأمر به فقتل ، فقيل له : ليس عليه القتل وإنما عليه الحد، فقال : أنا لا أعاقب بالسياط ، وإنما أعاقب بالسيف الطبري 519/6).

أقول : وفي أيام الملك الظاهر بمصر ، قبض علي ابن الكازروني وهو

ص: 269

سكران فصلب ، وفي عنقه جرة خمر ، فقال الحكيم ابن دانيال الموصلي : ( الوافي بالوفيات 54/3 ) .

لقد كان حد الخمر من قبل صلبه**** خفيف الأذي إذ كان في شرعنا جلدا

فلما بدا المصلوب قلت لصاحبي : ****ألا تب فإن الحد قد جاوز الحدا

وجلس الوليد بن عبد الملك (ت 96 ) علي المنبر في يوم جمعة، حتي اصفرت الشمس ، فقام إليه رجل ، فقال : يا أمير المؤمنين ، إن الوقت لا ينتظرك ، وإن الرب لا يعذرك ، قال : صدقت ، ومن قال مثل مقالك ، لا ينبغي له أن يقوم مقامك ، من هنا من أقرب الحرس إليه ، يقوم فيضرب عنقه ، فضربت عنقه ( العقد الفريد 53/1 ).

وفي السنة 98 غزا يزيد بن المهلب ، أمير خراسان ، دهستان ، فبعث إليه صول دهقان دهستان ، يسأله الأمان علي نفسه وماله وأهل بيته ، علي أن يدفع إليه المدينة ، وما فيها ، وأهلها ، فقبل منه ، ودخل المدينة ، وأخذ ما كان فيها من أموال وكنوز ، ومن السبي ما لا يحصي ، وقتل أربعة عشر ألف تركي صبرة ( الطبري 6/ 534 ) .

ولما كان يزيد بن المهلب في غزو طبرستان ، غدر أهل جرجان ، وخلعوا ، وقتلوا من كان عندهم من المسلمين ، وعددهم أربعة آلاف ، أميرهم عبد الله بن المعمر ، قتلوا جميعا في ليلة واحدة ، فحلف يزيد بن المهلب ، إنه إن ظفر بهم ، لا يرفع عنهم السيف حتي يطحن بدمائهم ، ويختبر ذلك الطحين ، ويأكل منه ، ثم قصد جرجان ، فتحصنوا منه ، فأقام عليها سبعة أشهر ، لا يجد إلي مناجزتهم سبيلا ، حتي عثر علي موضع ينفذ منه إلي عسكرهم ، فبعث ولده خالدا ، في ثلثمائة أنجاد ، وقال له : إن غلبت علي الحياة ، فلا تغلبن علي الموت ، وإياك أن أراك عندي منهزمة ، ثم ناجزهم في اليوم الثاني ، وجاءهم بعث خالد بن يزيد من ورائهم ، فانفل

ص: 270

جيشهم ، وأعطوا بأيديهم ، ونزلوا علي حكم يزيد، فسبي ذراريهم ، وقتل مقاتلتهم ، وصلبهم فرسخين عن يمين الطريق ويساره ، وقاد منهم اثني عشر ألفا إلي الأندرهز ، وادي جرجان ، فقتلهم هناك ، وأجري الماء في الوادي علي الدم ، وعليه أرحاء ، ليطحن بدمائهم ، لتبر يمينه ، فطحن ، واختبز ، وأكل ( الطبري 541/6 - 543 ) .

وخطب يوسف بن عمر ، في مسجد الكوفة ، فتكلم إنسان مجنون ، فقال : يا أهل الكوفة ، ألم أنهكم أن يدخل مجانينكم المسجد، اضربوا عنقه ، فضربت عنقه ( المحاسن والمساويء 143/1 ).

وفي السنة 102 خرج يزيد بن المهلب بالبصرة ، علي يزيد بن عبد الملك بن مروان ، ومعه جميع آل المهلب ، فحاربه الجيش الأموي بقيادة مسلمة بن عبد الملك والعباس بن الوليد بن عبد الملك ، فقتل يزيد وقتل معه أخواه حبيب ومحمد وآنسحب الباقون من آل المهلب ، وتحملوا ومعهم نساؤهم وأولادهم إلي السند ، فبعث إليهم مسلمة بن عبد الملك ، جيشأ تعقبهم ، وحاربهم بقندابيل فقتل أكثرهم ، وأسر الباقين وهم أحد عشر رجلا، وحملوا إلي يزيد بن عبد الملك بالشام ، فأمر بهم فقتلوا بين يديه صبرة ، وبقي منهم صبي صغير ، فقال لهم : اقتلوني فلست بصغير ، ولا خير في العيش بعد أهلي ، فأمر يزيد به فقتل ( فقيل ضحي بنو أمية بالدين يوم الطف ، وبالكرم يوم العقر ، ففي يوم الطف قتل الحسين عليه السلام وأصحابه ، وفي يوم العقر قتل يزيد بن المهلب وأصحابه ( في التراث العربي 538 و 539 وشرح نهج البلاغة 254/3 ).

وفي السنة 102 لما خرج يزيد بن المهلب ، علي يزيد بن عبد الملك أصعد من البصرة إلي واسط ، وحبس في واسط اثنين وثلاثين رجلا منهم عدي بن أرطأة ، عامل البصرة للأمويين ، وابنه محمد ، ومالك وعبد الملك

ص: 271

ابن مسمع ، فلما قتل يزيد في المعركة ، أخرج معاوية ابنه جميع المحبوسين ، فضرب أعناقهم ، وانحدر الي البصرة ( ابن الأثير 84/5 و85).

ولما قتل يزيد بن المهلب ، في موقعة العقر ، في السنة 102 أمر يزيد بن عبد الملك بقتل الأسري ، فأخرج العريان بن الهيثم جماعة منهم ليقتلهم ، فقام نحو من ثلاثين رجلا من تميم ، وقالوا : نحن الذين آنهزمنا بالناس ، فابدأوا بنا ، فقال لهم العريان : أخرجوا علي اسم الله ، فقطع أعناقهم ، فما فرغ منهم حتي جاء أمر الأمير مسلمة بن عبد الملك ينهي عن القتل ( الطبري 598/6 ) .

وفي السنة 103 قتل يزيد بن عمر بن هبيرة ، أمير واسط للأمويين ، صالح بن عبد الرحمن التميمي ، الكاتب الذي نقل دواوين الخراج في العراق من الفارسية إلي العربية ، كان يلي الديوان للحجاج ، وولاه سليمان بن عبد الملك خراج العراق ، وأقره عمر بن عبد العزيز سنة واحدة ، ثم عزله ، ولما ولي يزيد بن عبد الملك ، كان صالح بالشام ، فكتب يزيد بن عمر بن هبيرة ، إليه ، يطلب أن يبعث إليه صالحا ، فبعثه إليه ، فقتله . ( الاعلام 277/3 ).

وفي السنة 109 قتل عمر بن يزيد بن عمير الأسيدي ، ذكره يزيد بن عبد الملك مرة ، فقال : هذا رجل العراق ، ولعل ذلك استقر في ذهن خالد القسري ، فإنه لما ولي البصرة ، أمر صاحب شرطته ، أن يحتج بحجة فيقتل عمر بن يزيد ، فقتله . ( الاعلام 231/5 ).

وفي السنة 110 أسر الترك بخراسان ، الحجاج بن حميد النضري ، وكان مرابطا في قلعة كمرجة بخراسان ، وطالبوه بأن يأمر أتباعه بإسلام القلعة ، فلما أبي ، قتلوه صبرة . ( الاعلام 174/2 ).

ص: 272

وفي السنة 112 قتل أحد رجال المسلمين ، في موقف من مواقف الشهامة والنبل ، والتضحية ونكران الذات ، وذلك إن الخزر والترك ، اشتبكوا مع الجراح بن عبد الله الحكمي وجنده ، في مرج اردبيل ، فقتلوه ، وكثيرة ممن كان معه ، ثم انتشروا ، وأوغلوا في بلاد الإسلام ، فسير إليهم هشام بن عبد الملك جيشأ بقيادة سعيد الحرشي ، وكان الخزر قد حصروا مدينة ورثان ، وأوشك أهلها علي الإستسلام ، فخاف الحرشي أن تضعف مقاومة أهلها ، فبعث إليهم رسولا من أصحابه ، يأمرهم بالصبر ، ويخبرهم بأنه قادم إليهم ، فسار القاصد ، ولقيه بعض الخزر في الطريق ، فأخذوه ، وسألوه عن حاله ، فأخبرهم ، وصدقهم ، فقالوا له : إن فعلت ما نأمرك به أحسنا إليك وأطلقناك ، وإلا قتلناك ، قال : فما الذي تريدون ؟ قالوا : تقول لأهل ورثان إنكم ليس لكم مدد ، ولا من يكشف ما بكم ، وتأمرهم بتسليم البلد ، فأجابهم إلي ذلك ، فلما قارب المدينة ، وقف بحيث يسمع أهلها كلامه ، فقال لهم : أتعرفونني ؟ قالوا : نعم ، قال : قال فإن الحرشي قد وصل إلي مكان كذا في عساكر كثيرة ، وهو يأمركم بحفظ البلد والصبر ، ففي هذين اليومين يصل إليكم ، فرفعوا أصواتهم بالتهليل والتكبير ، وقتلت الخزر الرجل ، ورحلوا عن ورثان ( ابن الأثير 159/5 - 162 )

وفي السنة 117 خرج بإفريقية ميسرة السقاء ، وقتل القائد عمر بن عبد الله المرادي بطنجة ، وسبب ذلك : إن ميسرة وجماعة معه من البربر ، بضعة عشر إنسانا ، قصدوا الخليفة هشام بن عبد الملك بدمشق ، فلما قدموا عليه طلبوا الإذن ، فصعب عليهم ، فأتوا الأبرش ، فقالوا : أبلغ أمير المؤمنين ، إن أميرنا يغزو بنا وبجنده ، فإذا أصاب نقلهم دوننا ، وقال : هم أحق به ، فقلنا : هو أخلص لجهادنا ، لأنا لا نأخذ منه شيئا ، فإن كان لنا فهم منه في حل ، وإن لم يكن لنا لم نرده ، وقالوا : إذا حاصرنا مدينة قال : تقدموا ، وأخر جنده ، فقلنا : تقدموا ، فإنه إزدياد من الجهاد ، ومثلكم كفي أخوانه ،

ص: 273

فوقيناهم بأنفسنا ، وكفيناهم ، ثم إنهم عمدوا إلي ماشيتنا، فجعلوا يبقرونها علي السخال ، يطلبون الفراء البيض لأمير المؤمنين ، فيقتلون ألف شاة في جلد ، فقلنا : ما أيسر هذا الأمير المؤمنين ، فاحتملنا ذلك ، وخليناهم وذلك ، ثم إنهم سامونا أن يأخذوا كل جميلة من بناتنا ، فقلنا : لم نجد هذا في كتاب ولا سنة ، ونحن مسلمون ، فأحببنا أن نعلم أعن رأي أمير المؤمنين ذلك أم لا ؟ فقال الأبرش : نفعل ، فلما طال عليهم ، ونفدت نفقاتهم ، كتبوا أسماءهم في رقاع ، ورفعوها إلي الوزراء ، وقالوا : هذه أسماؤنا وأنسابنا ، فإن سألكم أمير المؤمنين عنا ، فأخبروه ، ثم كان وجههم إلي إفريقية ، فخرجوا علي عامل هشام ، فقتلوه ، واستولوا علي إفريقية ، وبلغ هشام الخبر ، وسأل عن النفر ، فرفعت إليه أسماؤهم ، فإذا هم الذين جاء الخبر إنهم صنعوا ما صنعوا ( الطبري 254/4 و255 .

أقول : ميسرة هذا ، ويسمي ميسرة السقاء، خارجي صفري ، وقد خرج هو وأصحابه في السنة 117 وقتلوا عمر بن عبد الله المرادي ، القائد في طنجة ، واستولوا علي طنجة ، وبويع ميسرة بالخلافة ، وتسمي بأمير المؤمنين ، وكثر جمعه من البربر ، ثم إن أصحاب ميسرة أنكروا أشياء من سيرته فقتلوه ، وولوا عليهم خالد بن حميد الزناتي ، ووجه إليهم جيش ، فاستقتلوا فقتل خالد وأصحابه ، وقتل في الوقعة حماة العرب وفرسانها ، واستمرت القلاقل والحروب إلي السنة 123 فوجه هشام واليأ جديدة علي إفريقية ، هو كلثوم بن عياض القشيري ، فقتله البربر ، فوجه بأمير جديد هو حنظلة بن صفوان الكلبي ، فخاض عدة معارك ضارية انتصر فيها علي البربر ، راجع التفصيل في الكامل لابن الأثير 190/5 - 194 .

وفي السنة 121 قتل عبد الملك بن قطن الفهري ، المتغلب علي الأندلس ، زياد بن عمرو اللخمي ، والسبب في ذلك إن البربر هاجوا بإفريقية ، وحصروا عامل إفريقية وجنده بمدينة سبتة ، فاستغاثوا بعرب

ص: 274

الأندلس ، فمنع عبد الملك من معونتهم ، وأشفق عليهم زياد بن عمرو اللخمي ، فأرسل إليهم مركبين مملوءين ميرة ، فأمسكت الميرة أرماقهم ، وبلغ عبد الملك ما صنع زياد ، فأحضره ، وضربه سبعمائة سوط ، وسمل عينيه ثم قتله ، وصلبه ، وصلب معه كلبأ ( نفح الطيب 20/1 ).

وفي السنة 121 غزا نصر بن سيار ، ما وراء النهر ، فأسر كورصول ، عظيم الترك ، فقال له نصر : الحمد لله الذي أمكن منك يا عدو الله ، فقال له : ما ترجو من قتل شيخ مثلي ، أنا أعطيك أربعة آلاف بعير من إبل الترك ، وألف برذون ، فسأله : كم غزوت ؟ ( يريد غزوه للمسلمين ) ، فقال : اثنين وسبعين غزوة ، فقال له : أشهدت يوم العطش ؟ قال : نعم ، قال : لو أعطيتني ما طلعت عليه الشمس ، ما أفلت من يدي بعدما ذكرت من مشاهدك ، وقال لعاصم بن عمير السعدي ، أحد كبار قواده ، وهو الذي أسر كورصول : قم إلي سلبه فخذه ، فقال كورصول : من أسرني ؟ فقال له وهو يضحك : أسرك يزيد بن قران الحنظلي ، وأشار إليه ، فقال كورصول : هذا لا يستطيع أن يغسل استه ، فكيف يأسرني ، أخبرني من أسرني ، قال : أسرك عاصم بن عمير ، وكان بطلا ، يلقب : هزار مرد ، فقال : لست أجد ألم القتل ، إذا كان الذي أسرني فارسا من فرسان العرب ، فقتله ، وصلبه علي شاطيء النهر ، فلما قتل كورصول أحرقت الترك أبنيته ( خيامه ) وقطعوا آذانهم ، وقضوا شعورهم ، وأذناب خيلهم حزنا عليه ، فلما أراد نصر الرجوع ، أحرقه ، لئلا يحملوا عظامه ( ابن الأثير 237/5 والطبري 175/7)

وفي السنة 126 قبل الوليد بن يزيد بن عبد الملك ، قتله ابن عمه يزيد بن الوليد الذي لقب بالناقص ، خرج عليه بدمشق ، وبايع له أهلها سرا ، ثم احتل دمشق ، وبعث من يحارب الوليد ، وكان الوليد بالبخراء ، فحصروه ، وتسوروا عليه الحائط ، وقتلوه . ( ابن الأثير 280/5 - 289 ).

ص: 275

وفي السنة 126 لما قتل الوليد بن يزيد ، وبايع الناس يزيد بن الوليد ، ثار أهل حمص ، وأغلقوا أبوابها ، وأقاموا النوائح والبواكي علي الوليد ، وهدموا دار العباس بن الوليد، لأنه أعان يزيد علي الثورة علي الوليد ، وسلبوا حرم العباس ، وأخذوا بنيه فحبسوهم ، وكان عامل حمص مروان بن عبد الله بن عبد الملك بن مروان ، فتابع أهل حمص علي ما أرادوا ، وخرج الحمصيون لمحاربة يزيد بن الوليد في دمشق ، وبعث إليهم يزيد جندا يقودهم عبد العزيز بن الحجاج ، فطلب عاملهم مروان منهم أن يرصدوا البعث الذي قصدهم ، وأن يتركوا محاربة يزيد الآن ، فاتهمه الحمصيون بالخيانة ، وقتلوه ، وقتلوا ولده ، واشتبك الحمصيون في معركة مع جيش يزيد ، فتصدع جيش الحمصيين ، وانفل، بعد أن قتل منهم ثلثمائة رجل ( الطبري 262/7-266)

وفي السنة 126 لما ولي يزيد بن الوليد الخلافة ، دعا الناس إلي بيعته ، فبايعه قيس بن هانيء العبسي ، وقال له : يا أمير المؤمنين ، اتق الله ، ودم علي ما أنت عليه ، فما قام مقامك أحد من أهل بيتك ، وإن قالوا عمر بن عبد العزيز ، فأنت أخذتها بحبل صالح ، وأخذها عمر بحبل سوء ، فبلغ مروان بن محمد قوله ، فقال : ما له قاتله الله ، ذمنا جميعا ، وذم عمر ، فلما ولي مروان في السنة 127 بعث رجلا ، وقال له : إذا دخلت مسجد دمشق ، فانظر قيس بن هانيء، فأقتله ، فانطلق الرجل ، فدخل مسجد دمشق ، فرأس قيس يصلي ، فقتله ( الطبري 274/7 و 275 ) .

وفي السنة 127 لما بويع يزيد بن الوليد بالخلافة ، ولي منصور بن جمهور علي العراق ، فاستتر يوسف بن عمر الثقفي ، الذي كان عاملا علي العراق ، ثم فر إلي البلقاء ، فبعث إليه يزيد أحد قواده لاعتقاله ، فوجدوه قد اختبأ بين نسائه تحت قطيفة خير قد أخفينه تحتها ، وجلسن علي حواشيها حاسرات ، فجروا برجله ، وأقبلوا به إلي يزيد، فلقيه في الطريق أحد

ص: 276

أصحاب الحرس ، فأخذ بلحيته فهزها ونتف بعضها ، وكان من أعظم الناس الحية ، وأقصرهم قامة ، فأدخلوه علي يزيد ، فقبض علي لحية نفسه ، وكانت تجوز سرته ، وجعل يقول : نتفت يا أمير المؤمنين لحيتي ، فما بقيت منها شعرة ، فأمر به يزيد فحبسه في الخضراء ، ثم نقل إلي سجن الشام ، فلما قدم مروان الشام ، قام يزيد بن خالد القسري بقطع عنق يوسف ، انتقاما لأبيه ( الطبري 274/7 - 275 ).

وفي السنة 127 شخص مروان الجعدي إلي الرقة ، لتوجيه ابن هبيرة إلي العراق لمحاربة الضحاك بن قيس الشيباني الخارجي ، فاستأذن سليمان بن هشام من مروان ، في المقام أيام لإصلاح أمره ، فأذن له ، فأقبل قسم من الجند علي سليمان ، ودعوه إلي خلع مروان ومحاربته ، وقالوا له : أنت أرضي منه عند أهل الشام ، وأولي بالخلافة ، فأجابهم ، وخرج إليهم بإخوته ومواليه ، وسار مع من اتبعه من الجند إلي قنسرين ، وكاتب أهل الشام ، فانفضوا إليه من كل جانب ، فواقعهم مروان ، فانكسر سليمان ، فأمر مروان بقتل الأسري ، فكان مجموع من قتل في المعركة وبعدها من عسكر سليمان ، ما يزيد علي الثلاثين ألفا ، منهم إبراهيم بن سليمان ، أكبر ولده ، وأسر خالد بن هشام المخزومي ، أحد أخوال هشام بن عبد الملك ، وكان بادنة ، كثير اللحم ، فأدني إليه وهو يلهث ، فقال له مروان : أما كان لك في خمر المدينة وقيانها ، ما يكفك عن الخروج مع الخراء تقاتلني ؟ فقال : يا أمير المؤمنين ، إنه أكرهني ، فأنشدك الله والرحم ، فقال له : وتكذب أيضا ، كيف أكرهك ، وقد خرجت بالقيان والزقاق والبرابط معك في عسكره ، ثم قتله ، ثم شخص مروان الي سليمان وقد تحصن بحمص ، فلما دنا منهم ، تبايع قسم من عسكر سليمان ، سبعمائة فارس ، علي الموت في حرب مروان ، ودخلوا في معركة ضارية مع جند مروان ، بقيادة معاوية السكسكي وثبيت البهراني ، فأسر السكسكي ، فقال لمروان : استبقني ، فإني فارس

ص: 277

العرب ، فقال له : كذبت ، الذي أسرك أفرس منك ، وأمر به فأوثق ، وقتل مروان من جند سليمان علي حمص نحوا من ستة آلاف ، ثم صالحوه علي أن يمكنوه من سعيد بن هشام ( أخي سليمان ) وابنيه عثمان ومروان ، ومن رجل كان يغير علي عسكرهم ، ومن حبشي كان يشتمه وأمضي لهم الصلح ( الطبري 323/7 - 327) .

وفي السنة 128 التحق محارب بن موسي ، مولي بني يشكر ، بعبد الله بن معاوية بن عبد الله بن جعفر ، وكان محارب عظيم القدر بفارس ، فجاء يمشي في نعلين إلي دار الإمارة باصطخر ، فطرد عامل عبد الله بن عمر بن عبد العزيز عنها ، وطلب من الناس أن يبايعوه لعبد الله بن معاوية ، وخرج محارب إلي كرمان ، فأغار عليها، وانضم إلي محارب ، الأمراء والقواد من أهل الشام ، فقصد المسيب ، عامل ابن عمر علي شيراز ، فقتله ، ثم خرج إلي إصبهان ، ونافر ابن معاوية ، وقاتل جنده بسابور ، فانهزم محارب ، وأتي كرمان ، فأقام بها ، حتي قدم ابن الأشعث ، فصار معه ، ثم نافره ، فقتله ابن الأشعث ، وقتل معه أربعة وعشرين إبنأ له ( الطبري 371/7 و 372 )

وفي السنة 129 بعث يزيد بن هبيرة ، عامل العراقين للأمويين ، جيشا القتال عبد الله بن معاوية بن عبد الله بن جعفر ، فالتقوا عند مرور الشاذان ، فأنفل جيش ابن معاوية ، وقتل جمع من أصحابه ، وأسر جماعة حملوا إلي يزيد بن هبيرة ، فأمر بالأسري فأطلقوا ، إلا حصين بن وعلة السدوسي ، فإنه أمر بقتله ، فقال له : أقتل من بين الأسراء ؟ قال : نعم ، أنت مشرك ، لأنك قلت : ( الطبري 373/7 ).

ولو أمر الشمس لم تشرق

وفي السنة 129 قتل نصر بن سيار ، أمير خراسان ، جديع بن علي

ص: 278

الكرماني ، الأزدي ، فارس خراسان ، وكان قد خرج علي نصر ، ثم صالحه ، ثم اتفق مع أبي مسلم الخراساني ، فخافه نصر ، وبعث إليه ثلثمائة فارس ، فقتلوه ( الاعلام 104/2 ).

ولما استولي أبو حمزة الخارجي علي مكة والمدينة ، سير إليه مروان الجعدي جيشا علي رأسهم عبد الملك بن عطية ، فالتقوا عند بئر ميمون ، فقتل أبو حمزة وكثير من أصحابه ، وأسر من أصحابه أربعمائة ، فقال لهم ابن عطية : ويلكم ما دعاكم إلي الخروج مع هذا ؟ فقالوا : إنه ضمن لنا الكنة ، يريدون الجنة ، فقتلهم بأجمعهم ، ثم تمتد إلي اليمن ، واستخلف علي المدينة ابن أخيه الوليد بن عروة ، وكتب مروان الجعدي ، إلي عبد الملك بن عطية ، أن يحج بالناس ، فخرج من اليمن مخفا في نفر من أصحابه ، عددهم إثنا عشر رجلا ، فلما نزل الجرف أحاط به وبأصحابه إبنا جمانة المراديان ، وقالا لعبد الملك وأصحابه : أنتم لصوص ، فأراهم كتاب الخليفة بتأميره علي الموسم فقالا : هذا باطل ، وقتلوا عبد الملك ومن معه ، فلما أبطأ عبد الملك ، افتعل ابن اخيه الوليد بن عروة ، كتابا من عمه يأمره بالحج بالناس ، وحج بهم ، ولما بلغه قتل عمه ، مضي إلي الذين قتلوه ، فقتل منهم مقتلة عظيمة ، وبقر بطون نسائهم ، وقتل الصبيان ، وحرق من قدر عليه منهم ( الطبري 398/7 ، 400 ، 410 ، 411) .

وفي السنة 130 بعث أبو مسلم الخراساني ، وهو بمرو، لاهز بن قريظ التميمي ، يدعو نصر بن سيار إليه ، فلما رأي لاهز نصر ، قرأ له آية من القرآن « إن الملا يأتمرون بك ليقتلوك ، فأخرج إني لك من الناصحين » ففطن نصر ، وقال لغلامه : ضع لي وضوء ، يعني ماء للوضوء ، وقام كأنه يريد الوضوء ، فدخل بستانة ، وخرج منه فركب ، وهرب ، وعلم أبو مسلم بما صنع لاهز ، فقال له : يا لاهز ، أتدغل في الدين ؟ وضرب عنقه ( الطبري 383/7 - 385) .

ص: 279

وفي السنة 130 دخل أبو مسلم الخراساني مرو ، وبعث إلي نصر بن سيار ، أمير خراسان ، ففر منه ، فأخذ أبو مسلم ثقات نصر ، وصناديدهم ، فكتفهم ، وفيهم سلم بن أحوز صاحب شرطة نصر ، والبختري كاتب نصر ، و آبنان لنصر ، ويونس بن عبد ربه ، ومحمد بن قطن ، ومجاهد بن يحيي بن حصين ، والنصر بن إدريس ، ومنصور بن عمر ، وعقيل بن معقل الليثي ، وسيار بن عمر السلمي ، مع رجال من رؤوس مضر ، فاستوثق منهم بالحديد ، وكانوا في الحبس عنده ، واستشار أبا طلحة بشأنهم فقال له : إجعل سوطك السيف ، وسجنك القبر ، فأمر بقتلهم جميعا ، وكانوا أربعة وعشرين رج؟ ( الطبري 384/7 و 385 وابن الأثير 381/5 و 382) .

وفي السنة 130 قتل مروان الجعدي ، الشاعر عطية بن الأسود الكلبي لأنه قال شعرأ هجاه به ، وحرض اليمانيين علي الثورة عليه ( الاعلام32/5)

وفي السنة 132 قتل أبو مسلم الخراساني ، سليمان بن كثير ، أحد كبار الدعاة العباسيين ، وسبب ذلك إن سليمان ساير عبيد الله بن الحسين الأعرج العلوي ، فقال سليمان للأعرج : يا هذا ، إنا كنا نرجو أن يتم أمركم ، فإن شئتم فادعونا إلي ما تريدون ، فظن عبيد الله إنه دسيس من أبي مسلم ، وخاف ذلك ، فجاء إلي أبي مسلم ، وحدثه بما قال سليمان ، فبعث أبو مسلم إلي سليمان ، وقال له : أتحفظ قول الإمام لي ، من اتهمته فأقتله ؟ قال : نعم ، قال : فإني قد اتهمتك، قال : أنشدك الله ، قال : لا تناشدني الله وأنت منطو علي غش الإمام ، وأمر بضرب عنقه ( الطبري 450/7 ).

وفي السنة 132 كان في حبس مروان بحران ، سعيد بن هشام بن عبد الملك ، وابناه عثمان ومروان ، وإبراهيم بن علي بن عبد الله بن العباس ، وعبد الله بن عمر بن عبد العزيز، والعباس بن الوليد ، وأبو محمد السفياني ، واسمه زياد بن عبد الله بن يزيد بن معاوية ، وكان يقال له

ص: 280

البيطار ، فهلك منهم بالوباء العباس بن الوليد، وإبراهيم بن محمد، وعبد الله بن عمر ، فلما كانت وقعة الزاب ، وانكسر مروان ، خرج سعيد بن هشام ومن معه من الحبس ، وقتلوا صاحب السجن ، وتخلف أبو محمدالسفياني في الحبس ، فاجتمع أهل حان ، وقتلوا سعيد بن هشام ، وشراحيل بن مسلمة بن عبد الملك ، وعبد الملك بن بشير التغلبي ، وبطريق ارمينية الرابعة ، واسمه كوشان ، رميا بالحجارة ولم يخرج السفياني فيمن خرج ، ولم يلبث مروان بعد قتلهم إلا خمس عشرة ليلة ، وقدم حان منهزمة ، فأطلق أبا محمد ، وبقية من كان في حبسه ( الطبري 436/7 ) .

وفي السنة 132 وجه أبو مسلم محمد بن الأشعث علي فارس ، وأمره أن يأخذ عمال أبي سلمة ، فيضرب أعناقهم ، ففعل ذلك ( الطبري 458/7)

وفي السنة 132 قام العباسيون بمذبحة عامة للأمويين ، فأبادوا منهم خلقا ، وتولي كبر ذلك عبد الله بن علي ، عم السفاح ، فإنه قتلهم قتلا ذريعا في حران ، وفي دمشق ، والبلقاء ، وقتل علي نهر أبي فطرس بضعة وثمانين رجلا، فيهم الغمر بن يزيد بن عبد الملك ، وبعث قسما ممن قبض عليهم من بني أمية إلي أبي العباس السفاح ، فقتلهم ، وصلبهم بالحيرة ، وكان ممن قتلهم عبد الله بن علي بدمشق يزيد بن معاوية بن عبد الملك بن مروان ، وعبد الجبار بن يزيد بن عبد الملك بن مروان ، فإنه قتلهما وصلبهما ، وقتل بالبلقاء سليمان بن يزيد بن عبد الملك ، وتتبع عبد الله ، بني أمية من أولاد الخلفاء وغيرهم ، ولم يفلت منهم إلا الرضيع ، أو من فر إلي الأندلس ، وقتل عبد الصمد بن علي نحوا مما قتل أخوه عبد الله ، وقتل داود بن علي من ظفر به من بني أمية بمكة والمدينة ( مروج الذهب 194/2 وابن الأثير 431/5 ، و448 ) وقال أبو سعيد مولي فائد ، يرثي من قتل من بني أمية ، ويذكر مواضع مصارعهم : ( معجم البلدان 336/4 ).

ص: 281

أفاض المدامع قتلي كدا**** وقتلي بكثرة لم ترمس

وقتلي بوج وباللابتين ****وأخري بنهر أبي فطرس

أولئك قومي أناخت بهم**** نوائب من زمن متعس

هم أضرعوني لريب الزمان**** وهم ألصقوا الرغم بالمعطس

وفي السنة 132 دخل شبل بن عبد الله الشاعر ، مولي بني هاشم ، علي عبد الله بن علي العباسي ، عم السفاح ، وعنده نحو تسعين رجلا من بني أمية علي الطعام ، فأنشده :

أصبح الملك ثابت الأساس**** بالبهاليل من بني العباس

طلبوا وتر هاشم فشفوها**** بعد ميل من الزمان وياس

لا تقيل عبد شمس عثارة**** وأقطعن كل رقلة وغراس

وأذكروا مصرع الحسين وزيدأ ****وقتي بجانب المهراس

والامام الذي بحران أضحي**** ثاويا بين غربة وتناسي

فأمر بهم عبد الله ، فضربوا بالعمد ، حتي قتلوا ، وبسط الأنطاع ، فأكل طعامه ، وهو يسمع أنين بعضهم حتي ماتوا . ( ابن الأثير 430/5 ) .

أقول : علق ابن الأثير 431/5 علي القصة بقوله : قيل إن سديف الشاعر أنشد هذا الشعر أمام السفاح ، ومعه كانت الحادثة وهو الذي قتلهم ، وكذلك ذكر البيهقي في المحاسن والمساويء 62/2 ، ويتراءي لي أن الحادثة كانت أمام السفاح ، أما الشاعر فهو شبل بن عبد الله مولي بني هاشم ، وهو قد أثبت اسمه في البيت الأخير من المقطوعة حيث قال :

نعم كلب الهراش مولاك شبل**** لو نجا من حبائل الإفلاس

أما سديف ، فهو صاحب الأبيات التي قتلت سليمان بن هشام بن عبد الملك ، وكان سليمان قد بايع مروان الجعدي ، ثم خرج عليه في السنة 127 وجمع سبعين ألفا وعسكر بقنسرين ، فحاربه مروان ، وفل جيشه ، فلجأ

ص: 282

إلي حمص ، ومني هناك بهزيمة ثانية ، فانصرف إلي عبد الله بن عمر بن عبد العزيز بالعراق ، حيث بايع الضحاك بن قيس الشيباني الخارجي ، ولما هلك الضحاك في السنة 129 انصرف سليمان إلي عبد الله بن معاوية بن عبد الله بن جعفر وبايعه ، ولما فسد أمر عبد الله ، ركب سليمان ومن معه من أهله السفن وسار إلي السند ، ولما ولي السفاح الخلافة ، قصده سليمان ، وحضر عنده ، فأكرمه ، وأعطاه يده فقبلها ، فقام سديف وأنشد السفاح أبياتا منها :

لا يغرنك ما تري من رجال**** إن تحت الضلوع داء دوا

فضع السيف وأرفع السوط حتي**** لاتري فوق ظهرها أموية

فأقبل سليمان علي سديف ، وقال له : قتلتني يا شيخ، وقام السفاح فدخل ، وأخذ سليمان ، فقتل ( ابن الأثير 337/5 ، 355 ، 371)

وفي السنة 132 قتل سليمان بن علي ، أمير البصرة ، جماعة من بني أمية ، كانت عليهم الثياب الموشية ، وأمر بهم فجروا بأرجلهم ، وألقوا في الطريق ، فأكلتهم الكلاب ( ابن الأثير 5/ 431 ).

وتقلد شاب عراقي ، من موالي السفاح ، مدينة حمص ، فلما وافاها ، عمد إلي دار رئيس من رؤسائها ، فذبحه وذبح جماعة من غلمانه .

ذكر مصقلة الحمصي ، عن مشايخ من أهل حمص ، قالوا : كان يسكن حمص ، شاب من أهل العراق حسن الصورة ، لين العريكة ، فأقام مدة ، حتي صار الأمر لبني العباس ، فتقلد ذلك الفتي حمص ، وكان مولي من موالي أبي العباس ( السفاح )، فلما دخلها ، قصد إلي دار رئيس كان بها من أصحاب بني أمية ، فذبحه فيها ، وجماعة من غلمانه ، ثم خرج ، فأحسن السيرة ، وألان الجانب ، فقيل له : ليس يشبه ما أنت عليه ، ما فرط منك إلي الرجل الذي ذبحته وشمله ، فقال : اسمعوا مني ما جري علي

ص: 283

علته ، إجتزت به ، وقد نظفت أثوابأ لا أملك غيرها، وقد دعيت لأمر لا يسعني التأخر عنه ، احتاج فيه إلي حسن الهيأة وإظهار التجمل ، ومعي رسول من استحضرني ، وهو قاعد علي الباب ، فراثت دابتي بحيث تقع عينه من رحبة مبلطة لداره ، فأمضني ( أي قال لي يا ماص بظر أمه ) ، وأمر غلمانه بترجيلي ، وضربي ، فركبتني أيديهم ، ثم حلف ألا أبرح حتي أكنس روث دابتي بيدي في كمي ، وأحمله في ثوبي وحجري ، وأخذت فجررت إلي ذلك ، ولم تزل حاشيته تضحك مما نزل بي ، فحدثت مولاي بما جري ، فاستحلفني بحقه علي غليظ ما أتيته إليه ( المكافأة 126 و127).

وفي السنة 133 خرج علي أبي مسلم ، شريك بن شيخ المهري ، ببخاري ، وقال : ما علي هذا اتبعنا آل محمد ، علي أن نسفك الدماء ، ونعمل بغير الحق ، وتبعه علي رأيه أكثر من ثلاثين ألفا ، فوجه إليه أبو مسلم جندة فقتلوه ( الطبري 459/7 ) .

وفي السنة 133 قتل عمرو بن سهيل بن عبد العزيز بن مروان ، وكان قد خرج علي مروان بن محمد المعروف بمروان الجعدي ، ومروان الحمار ، فقبض عليه ، وحبسه بالفسطاط ، فلما قتل مروان ، فر عمرو من الحبس ، فطلبه صالح بن علي العباسي ، وظفر به ، فقتله ( الاعلام 247/5 ) .

وفي السنة 134 بعث أبو العباس السفاح جندة إلي السند، لقتال منصور بن جمهور ، فلاقاه ، وحاربه ، وكان منصور في اثني عشر ألفأ، فهزمه ومن معه ، ومضي فمات عطشا في الرمال ( الطبري 464/7 ) .

وفي السنة 134 خلع بسام بن إبراهيم ، فوجه إليه السفاح ، القائد خازم بن خزيمة ، فانهزم بسام ، وإستبيح عسكره ، فاتبعه خازم ، ومر في طريقه بذات المطامير ، وبها أخوال السفاح ، من بني عبد المدان ، فمر بهم في مجلسهم، فلم يسلم عليهم، فلما جاز شتموه، فعاد وقتلهم وآنتهت أموالهم،

ص: 284

وبلغ اليمانيين ما صنع خازم ، فشكوه إلي أبي العباس السفاح ، فهم بقتل خازم ، فكلمه بعض حاشيته ، وقالوا : إن صممت علي قتله ، فأبعثه في البحوث المخوفة ، فإن ظفر كان ظفره لك ، وإن قتل ، فهو الذي أردت ، فبعثه مع سبعمائة إلي الخوارج بعمان ، فأوقع بهم ، وقتل من أصحاب خازم عدد كبير ، وكان النصر من نصيبه ، فقتل منهم عشرة آلاف ، بعث برؤوسهم إلي البصرة ، فحملت إلي السفاح ( الطبري 461/7 - 463) .

وفي السنة 135 قتل سباع بن النعمان الأزدي ، أحد القائمين بالدعوة العباسية ، ولاه أبو مسلم الخراساني سمرقند، لما تغلب علي خراسان ، فاستقر فيها إلي أن ظهر السفاح، وبويع، فاشتبه به أبو مسلم أنه يريد أن يثب عليه ، فاعتقله ، وحبسه بأمل ، ثم أوعز إلي عامل آمل أن يقتله ، فقتله . ( الاعلام 119/3 ).

ولما خرج عبد الله بن علي العباسي ، علي ابن أخيه المنصور ، مطالبة بالخلافة ، وادعي أن أبا العباس السفاح ، طلب منه أن ينتدب لقتال مروان ، علي أن يكون ولي عهده ، بعث المنصور محمد بن صول إلي عبد الله بن علي ، ليمكر به ، فلما أتاه ، قال : أشهد أني سمعت أبا العباس يقول : الخليفة بعدي عمي عبد الله ، فقال له عبد الله : كذبت ، إنما وضعك أبو جعفر ، وضرب عنقه ( ابن الأثير 5 / 465) .

وفي السنة 137 قتل المنصور ، أبا مسلم الخراساني ، وقد كانت له اليد الطولي في بناء الدولة العباسيين ، ثم بدرت منه بوادر ، غرست الشكوك في قلب المنصور ، فدبر له من يفتك به في مجلسه ، ولما دخل عليه ، أخذ في تعداد ما عاب عليه من تصرفاته ، ثم صفق بيديه ، وكانت هذه الإشارة ، إيذانا بالفتك به ، فخرجوا ووضعوا عليه سيوفهم فقتلوه . ( ابن الأثير 478 - 468/5 )

ص: 285

وروي صاحب الفخري ( ص 170 ) كيفية قتل أبي مسلم ، قال : لما دخل أبو مسلم علي المنصور ، ساعة وصوله ، أدناه وأكرمه ، وأمره أن يعود إلي خيمته ، ويستريح ، ويدخل الحمام ، ويعود من الغد ، فمضي ، وأعد له المنصور جماعة من أصحابه خلف الستور ، بأيديهم السلاح ، وأوصاهم انه إذا صفق بيديه ، أن يخرجوا ويقتلوا أبا مسلم ، فلما دخل عليه أبو مسلم ، شرع في توبيخه ، وتقريعه علي ذنب ذنب ، وأبو مسلم يعتذر عن كل واحد بعذر ، فعدد عليه عدة ذنوب ، فقال أبو مسلم : يا أمير المؤمنين ، مثلي لا يقال له هذا ، ولا تعدد عليه مثل هذه الذنوب بعد أن فعلت ما فعلت ، فاغتاظ المنصور ، وقال له : يا ابن اللحناء ، أنت فعلت هذا ؟ والله ، لو كانت مكانك أمة سوداء لفعلت ما فعلت ، وهل نلت ما نلت الا بنا وبدولتنا ، فقال أبو مسلم : دع هذا ، فقد أصبحت لا أخشي غير الله ، فصفق المنصور بيده ، فخرج أولئك النفر ، وخبطوه بالسيوف ، فصاح : استبقني يا أمير المؤمنين لعدوك ، فقال المنصور : وأي عدو أعدي لي منك ، ثم أمر به فكف في بساط.

وفي السنة 138 خرج بالأندلس عامر بن عمرو بن وهب القرشي ، علي يوسف بن عبد الرحمان الفهري ، واحتل سرقسطه ، فقصده يوسف ، فقبض أهل سرقسطة علي عامر وعلي ولده وهب ، وأسلموهما إلي يوسف ، فقتلهما . ( الاعلام 23/4 ).

وفي السنة 138 خرج علي المنصور أحد قواده ، جهور بن مرار العجلي ، فوجه إليه المنصور محمد بن الأشعث الخزاعي ، فانكسر جيش جهور ، وقتل من أصحابه خلق كثير ، ولحق جهور بأذربيجان ، فأخذ، وقتل (الطبري 497/7 ) .

وقتل المنصور العباسي ، رجلا عفيف نزيهأ ، من أهل الكوفة ، اسمه الفضيل بن عمران وكان قد ضمه إلي ولده جعفر ، فسعت به حاضنة جعفر

ص: 286

إلي المنصور ، واتهمته بأنه يعبث بجعفر ، فأرسل المنصور اثنين من أتباعه ، وأمرهما بقتل الفضيل فقتلاه ( الطبري 99/8 و100) راجع تفصيل القصة في هذا الكتاب في الباب الأول : الشتيمة ، في الفصل الخامس : الرفث في الشتيمة .

وفي السنة 140 قتل أبو المغيرة ، خالد بن كثير، أحد كبار القواد العباسيين ، قتله أمير خراسان للمنصور ، عبد الجبار بن عبد الرحمن ، اتهمه بالدعوة للعلويين ( الاعلام 2/ 339 ).

وفي السنة 140 قتل عبد الجبار بن عبد الرحمن ، أمير خراسان للمنصور ، مجاشع بن حريث الأنصاري ، أحد كبار العمال ، اتهمه بالتشيع الأولاد الإمام علي ( الاعلام 159/6 ).

وفي السنة 140 جيش بيوسف الفهري ، الذي كان أميرا علي الأندلس جيشا ، وقصد إشبيلية وعليها عامل لعبد الرحمن الداخل ، فاقتل الجيشان ، وهزم جيش يوسف ، وقتل يوسف ، وجيء برأسه إلي عبد الرحمن ، وكان عنده عبد الرحمن بن يوسف رهينة ، فقتله ، ونصب رأسه مع رأس أبيه ( ابن الأثير 499/5 ) .

أقول : أورد صاحب نفح الطيب خبر مقتل يوسف الفهري وولده بتفصيل أكثر ، ولكنه جعله من أخبار السنة 142 قال : وفي السنة 142 تحرك يوسف بن عبد الرحمن الفهري ، علي عبد الرحمن الداخل بالاندلس ، واشتبك يوسف وعبد الملك بن عمير ، أمير إشبيلية ، وانكسر يوسف ، فمر پريد طليطلة ، فلاقاه عبد الله بن عمرو الأنصاري ، وقال : هذا الفهري ، وفي قتله الراحة له ، والراحة منه ، وقتله ، وأحتر رأسه ، وقدم به علي عبد الرحمن الداخل بقرطبة ، فلما وصل إلي قرطبة ، أمر عبد الرحمن بقتل عبد الرحمن بن يوسف الفهري ، وكان في السجن بقرطبة ، وضم راس الإبن إلي

ص: 287

رأس الأب ، ووضعهما علي قناتين ، وأشهرهما بباب قصره ( نفح الطيب 34/3 و35 ).

وفي السنة 143 قتل عبد الرحمن الداخل ، بإشبيلية ، رزق بن النعمان الغساني من أمراء الأندلس ، وكان قد خاصمه وقاومه ، واحتل إشبيلية ، فحصره عبد الرحمن فيها ، فأسلمه أهلها إليه ، فقتله . ( الاعلام 45/3 ) .

وفي السنة 144 ثار بطليطلة ، هشام بن عذرة الفهري ، علي عبد الرحمن الداخل ، فسار إليه عبد الرحمن ، وشدد عليه الحصار ، فمال إلي الصلح ، وأعطاه ابنه أفلح رهينة ، فأخذه عبد الرحمن وعاد إلي قرطبة ، فعاد هشام الي الخلع ، وعاد إليه عبد الرحمن ، وحاصره ، ونصب عليه المجانيق ، فلم تؤثر في طليطلة ، لحصانتها ، فقتل ولده أفلح ، ورمي إليه رأسه في المنجنيق ، وعاد إلي قرطبة ( ابن الأثير 527/5 و528 ).

وفي السنة 144 غضب أبو الأزهر ، أحد قواد المنصور ، علي مدني ، فبعج بطنه بسيفه فقتله ، وسبب ذلك ، إن المنصور العباسي ، غضب علي زياد بن عبيد الله الحارثي ، عامله علي المدينة ، لأنه لم يستطع القبض علي محمد بن عبد الله بن الحسن ، الملقب بالنفس الزكية ، وعلي أخيه إبراهيم ، فوجه المنصور أبا الأزهر ، أحد قواده وأمره بشد زياد في الحديد ، ومصادرة أمواله ، وقبض جميع ما وجد له ، وأخذ عماله ، وإشخاصه وإياهم إلي العراق ، فقدم أبو الأزهر، وقام بما أمره به ، وكبل زيادأ بأربعة كبول ، وحدث أن كان أبو الأزهر راكبا ، فلصق به رجل، فقال : إن عندي نصيحة في محمد وإبراهيم ، فقال له أبو الأزهر : إذهب عنا ، قال : إنها نصيحة الأمير المؤمنين ، فكرر عليه أبو الأزهر : إذهب عنا ، ويلك قد قتلنا الخلق ، قال : فأبي أن ينصرف ، فتركه أبو الأزهر ، حتي خلا الطريق ، ثم بعج بسيفه بطنه بعجة ألقاه ناحية ( الطبري 517/7 - 530).

ص: 288

وفي السنة 145 لما خرج محمد بن عبد الله ( النفس الزكية ) علي المنصور ، واعتقل أمير المدينة رباح بن عثمان المري ، عمد صاحب شرطة محمد ، واسمه إبراهيم بن خضير ، إلي رياح ، فذبحه ، ولم يجهز عليه ، وتركه يضطرب حتي مات . ( العيون والحدائق 244/3 ).

وفي السنة 145 قتل المنصور عثمان بن محمد الزبيري ، وكان قد خرج علي المنصور مع النفس الزكية ، بالمدينة ، فلما قتل محمد، لجأ إلي البصرة فقبض عليه ، وحمل إلي المنصور ، فقتله . ( الاعلام 376/4 ).

وكان محمد بن عبد الملك بن مروان ، الذي ولي مصر لأخيه هشام ، من جملة من ظفر بهم عبد الله بن علي في السنة 145 وذبحه صبرا . ( الوافي بالوفيات 31/4 ) .

وفي السنة 146 خرج عبد الرحمن الداخل ، لملاقاة العلاء بن مغيث اليحصبي ، وكان قد ثار بباجة ، ودعا للمنصور العباسي ، ولبس السواد ، شعار العباسيين ، فحاربه عبد الرحمن بجهة إشبيلية ، وهزمه ، وجيء به ، وبكبار أصحابه ، فقطع يديه ورجليه ، ثم ضرب عنقه وأعناق أصحابه ، وأمر فقطت الصكاك ( البطاقات ) في آذانهم بأسمائهم ، وأودعت الرؤوس في جوالق ، ومعها اللواء الأسود ( العباسي ) وأنفذ بالجوالق تاجرأ من ثقاته ، وأمره أن يضعه بمكة أيام الموسم ، ففعل ، ووافق أبا جعفر المنصور قد حج ، فوضعه علي باب سرادقه ( نفح الطيب 3/ 36).

وفي السنة 147 هجم خدم محمد بن أبي العباس السفاح ، علي أحد رجال حرس المنصور ، فقتلوه ، وسبب ذلك إن المنصور كان قد ولي ابن أخيه محمد بن أبي العباس السفاح ، البصرة ، ووجه معه بجماعة من المجان ، فأقاموا معه بالبصرة ، يظهر منهم المجون ، أراد بذلك أن يبغضه للناس ، ثم أرسل المنصور رسولا الي الخصيب المتطبب يأمره أن يتوخي قتل

ص: 289

محمد بن أبي العباس ، فصنع سما قات ، ثم انتظر علة تحل بمحمد ، فوجد حرارة، فأوصاه الطبيب الخصيب بأن يأخذ شربة دواء، فطلب منه محمد، أن يهينها له ، فهاها ، وجعل فيها ذلك السم ، ثم سقاه إياها ، فمات منها ، فكتبت بذلك أم سلمة ، الي المنصور ، تعلمه أن الخصيب قتل ابنها ، فكتب المنصور يأمر بحمله إليه ، فلما صار إليه ضربه ثلاثين سوطا ، ضربة خفيفة ، وحبسه أياما ، ثم وهب له ثلثمائة درهم ( الطبري 86/8 ) ولما مات محمد ، صاحت امرأته البغوم بنت علي بن الربيع : واقتيلاه ، فضربها رجل من الحرس علي عجيزتها بجلويز (فارسية : المقود ) ، فتعاوره خدم محمد فقتلوه ، وطل دمه ( الطبري 25/8 ).

وفي السنة 150 خرج أستاذ سيس علي المنصور في جيوش عظيمة ، فبعث إليه المنصور أجشم المروزي ، فقتل أجشم وأستبيح عسكره ، فبعث الحربه خازم بن خزيمة ، فالتحم مع أستاذ سيس في معركة قتل فيها سبعون ألفا ، وأسر أربعة عشر ألفا فضرب أعناقهم ( الطبري 31/8 وتاريخ الخلفاء 262)

وفي السنة 151 كان معن بن زائدة الشيباني ، ببست ، وهو أمير سجستان ، فهجم عليه خوارج ، وهو في بيته يحتجم ، ففتكوا به ، وشق بعضهم بطنه بخنجر ، فقتلهم ابن أخيه يزيد بن مزيد ، ولم ينج منهم أحد ( ابن الأثير 606/5 ).

وفي السنة 154 غضب المنصور علي وزيره أبي أيوب المورياني ، فاعتقله ، وعذبه ، وصادره وقتله ، وقتل معه أخاه ، وابني أخيه ، راجع حاشية القصة 58/8 كتاب نشوار المحاضرة وأخبار المذاكرة للقاضي التنوخي تحقيق المؤلف .

وفي السنة 155 قبض محمد بن سليمان العباسي ، عامل المنصور علي

ص: 290

الكوفة ، علي عبد الكريم ابن أبي العوجاء ، وهو خال معن بن زائدة الشيباني ، فضرب عنقه ، لاتهامه إياه بالإلحاد ( الطبري 48/8 ) .

وفي السنة 156 ثار أهل إشبيلية علي عبد الرحمن الداخل ، فبعث إليهم ابن عمه عبد الملك بن عمر لحربهم ، فلما قارب عبد الملك إشبيلية ، قدم ابنه أمية ليعرف حالهم ، فرجع إلي أبيه ، فلامه أبوه علي إظهار الوهن ، وقام إليه فضرب عنقه ، وجمع أهل بيته وخاصته ، وقال لهم : طردنا من المشرق ، إلي أقصي هذا الصقع، ونحسد علي لقمة تبقي الرمق ، إكسروا جفون السيوف ، فإما موت وإما ظفر ، ففعلوا ، وحمل بين أيديهم ، فظفر ( ابن الأثير 9/6 و10).

وفي السنة 158 بعد وفاة المنصور العباسي ، فتح ولده المهدي بابا أفضي إلي أزج كبير ، فيه جماعة من قتلي الطالبيين ، وفي آذانهم رقاع فيها أنسابهم ، وإذا فيهم أطفال ، وشباب ، ومشايخ ، عدة كبيرة ، فارتاع المهدي ، وأمر ، فحفرت لهم حفيرة ، فدفنوا فيها ، وعمل عليهم دكان دكة ) ( الطبري 105/8 ).

وفي السنة 161 قتل المهدي محمد ابن وزيره أبي عبيد الله ، بتهمة الزندقة ، وكان الذي دس عليه عند المهدي ، الربيع الحاجب ، إتهمه ببعض حرم المهدي ، فأحضره ، وطلب منه أن يقرأ آيات من القرآن ، فاستعجم عليه ، فأمر أباه أن يتقدم إليه ، فيضرب عنقه ، فنهض الأب ، فعثر ، فقال العباس بن محمد ، إن رأيت يا أمير المؤمنين أن تعفي الشيخ ، ففعل ، وأمر به فأخرج ، فضربت عنقه ( الطبري 8/ 139).

أقول : أسلفت في موضع آخر من هذا الكتاب ، أن الزندقة ، ليس لها حد في اللغة ، ولعل اقرب تحديد لها، أنها الانحراف عن الطريق السوي ، وقد أبتدع الإتهام بالزندقة ، من أجل أن يقتل أصحاب السلطان من يريدون

ص: 291

قتله من أقرب السبل ، ولذلك فإن من جملة ما قرروه ، أن من ألصقت به هذه التهمة لا تقبل توبته ، وفي هذه القصة مصداق لما أوردنا ، فإن جهل الإنسان بقراءة القرآن لا يعتبر جرما يستوجب من أجله أن يقتل ، وقد أورد الطبري في صلب القصة أن الربيع الحاجب ، وكانت صناعته الدس ، دس علي هذا الفتي ابن الوزير عند المهدي ، واتهمه ببعض حرم المهدي ، فأدي ذلك إلي اتهامه بالزندقة ، وقد ذكر بعض المؤرخين ، أن المهدي بلغه عن ابنة وزيره ، وهي أخت الفتي ، جمال ، فأمر جاريته الخيزران أن تستزيرها ، فزارتها، ودخلت وإياها الحمام ، فهجم المهدي عليهما، فتسترت بالخيزران ، واحتمت بها منه ، وعادت فأبلغت أخاها ، بما كان من المهدي ، فطلب منها بعد حين ، أن تستزير الخيزران ، فزارتها، ودخلتا الحمام ، فدخل الفتي عليهما ، وقال للخيزران : هذه بتلك ، وإن كنت لا أستحل هذا ، ثم كر راجعة ، وعلم المهدي بما حدث ، فكانت عاقبته تهمة الزندقة التي أوردته المنون .

وروي لنا أبو العتاهية ، إن المهدي حبسه في سجن الجرائم ، فوجد في السجن الرجل المسمي حاضرة داعية عيسي بن زيد العلوي ، وإن المهدي أحضرهما أمامه ، وسأل حاضرة عن عيسي بن زيد وأراد أن يدله علي موضع آستتاره ، فقال له : ما يدريني أين عيسي بن زيد ، طلبته ، وأخفته ، فهرب منك في البلاد ، وأخذتني فحبستني ، فمن أين أقف علي موضع هارب منك ، وأنا محبوس ، فقال له : والله لتدلني عليه أو لأضرب عنقك الساعة ، فقال له : إصنع ما بدالك ، أنا أدلك علي ابن رسول الله لتقتله ، وألقي الله ورسوله يطالبانني بدمه ؟ والله لو كان بين جلدي وثوبي ما كشفت عنه ، فأمر به المهدي ، فضربت عنقه ، راجع التفصيل في كتاب الفرج بعد الشدة للتنوخي في القصة رقم 173 ج 2 ص 116 - 119 .

وفي السنة 161 قبض علي عبد الله بن مروان الجعدي بالشام ، فحمل

ص: 292

الي المهدي ، فحبسه بالمطبق ، وجاء عمرو بن سهلة الأشعري ، فادعي علي عبد الله إنه قتل أباه ، وحاكمه عند القاضي ، وفي خلال المرافعة جاء عبد العزيز بن مسلم العقيلي الي القاضي ، وقال : زعم عمرو بن سهلة أن عبد الله قتل أباه ، وكذب ، والله ، ما قتل أباه غيري ، أنا قتلته يأمر مروان ، وعبد الله بريء من دمه ، فترك عبد الله ، ولم يعرض المهدي لعبد العزيز ، لأنه قتله بأمر مروان ( ابن الأثير 54/6 و55 ) .

أقول : ورد في موضع آخر من هذا الكتاب أن عبد الله حبسه ، السفاح وأطلقه الرشيد .

وفي السنة 163 أعلن عبد الرحمن الداخل في الأندلس ، عزمه علي التجه للخروج إلي المشرق ، لمحو الدولة العباسية ، فعصي عليه سليمان بن يقظان ، والحسين بن يحيي الأنصاري بسرقسطة ، واشتد أمرهما ، فترك ما كان عزم عليه ، وسير إليهما في السنة 164 جيشأ بقيادة ثعلبة بن عبيد ، وبعد معارك عدة أسر سليمان ثعلبة ، وفرق جيشه ، ثم استعان بكارلوس ملك الافرنج ، وتعهد له أن يسلم إليه البلد وثعلبة ، فلما وصل كارلوس ، أسلم إليه ثعلبة ، فأخذه وعاد إلي بلاده ، وسار عبد الرحمن علي رأس جيش إلي سرقسطة ، وكان الحسين قد قتل صاحبه سليمان ، ورغب الحسين في الصلح ، وأذعن للطاعة ، فصالحه عبد الرحمن ، وأخذ ابنه سعيد رهينة ، وعاد عنه وفي السنة 165 عاد الحسين بن يحيي إلي العصيان بسرقسطة ، فسير إليه عبد الرحمن ، غالب بن ثمامة في جند كثيف ، فاقتتلوا ، فأسر جماعة من أصحاب الحسين ، فيهم ولده يحيي ، فسيرهم إلي الأمير عبد الرحمن ، فقتلهم جميعا ، وشدد ثمامة في حصر سرقسطة ، ثم سار عبد الرحمن إلي الحسين بنفسه ، فحصر سرقسطة ، ونصب عليها ستة وثلاثين منجنيقة ، وملكها عنوة ، وقتل الحسين أقبح قتلة ( ابن الأثير 62/6 - 68 ).

ص: 293

وفي السنة 166 تأمر العلاء بن حميد القشيري ، والمغيرة بن الوليد بن معاوية بن هشام ( ابن أخي عبد الرحمن الداخل ) وهذيل بن الصميل، وسمرة بن جبلة ، علي خلع عبد الرحمن ، فأنبأه العلاء القشيري بخبرهم ، فقتلهم جميعا ( ابن الأثير 74/6 ).

وفي السنة 169 قبض الفضل بن صالح العباسي ، أمير مصر علي دحية بن مصعب بن الأصبغ بن عبد العزيز بن مروان ، وقتله ، وكان دحية ممن بايع محمد بن عبد الله بن الحسن ( النفس الزكية ) في السنة 145 علي يد ولده علي الذي قدم مصر في ذلك الحين ، وفي السنة 167 خرج بصعيد مصر ، ودعا لنفسه بالخلافة ، وعظم أمره ، فسار إليه أمير مصر موسي بن مصعب علي رأس جيش ، فظفر دحية بموسي وقتله وفل جيشه ، وأستعان دحية بالخوارج والبربر الذين في الواحات ، فأعانوه أولا ، وانصرفوا عنه آخر الاختلافهم وإياه في أمر الخليفة عثمان ، فضعف أمره ، فاعتقله الفضل بن صالح العباسي ، بعد قتال شديد ، وقتله ، وكانت نعم أم ولد دحية تقاتل معه في حروبه ( ولاه مصر للكندي 113 و 114 و128 130 وخطط المقريزي -308/1)

وفي السنة 169 جيء إلي موسي الهادي ، بأسري ستة ، ممن أسر في معركة فخ التي قتل فيها الحسين بن علي العلوي ، فأمر موسي بالاسيرين الأولين فقتلا ، واستبقي الثالث والرابع ، أما الخامس والسادس وهما عذافر الصيرفي وعلي بن السابق القلاس الكوفي ، فأمر بهما فقتلا وصلبا بباب الجسر ( الطبري 198/8 ).

ولما قتل الحسين صاحب فخ في السنة 169 كان معه إدريس بن عبد الله العلوي ، أبو الأدارسة بالمغرب ، فوقع إلي مصر ، وعلي بريد مصر واضح مولي صالح بن المنصور ، وكان يتشيع ، فحمل إدريس علي البريد إلي المغرب ، فضرب الهادي عنق واضح ، وصلبه ( الطبري 198/8 ) .

ص: 294

وكان موسي الهادي ، لما استخلف ، يريد من هارون أن يخلع نفسه

من ولاية العهد، لتكون لولده جعفر بن موسي ، وأيده في ذلك بعض القواد ، وحدث يوما أن كان هارون وابن اخيه جعفر بن موسي راكبين ، فبلغا قنطرة من قناطر عيساباذ ، فالتفت القائد أبو عصمة ، وكان مرافقة لجعفر ، وقال لهارون : مكانك ، حتي يجوز ولي العهد، فقال هارون السمع والطاعة للأمير ، ووقف حتي جاز جعفر ، فلما مات موسي ، كان هارون بعيسابان ، فلما دعي ليقدم إلي بغداد ، أمر بأبي عصمة ، فقطعت عنقه ، وشد جمته في رأس قناة ، وكانت في مقدمة موكبه الذي دخل به بغداد ( الطبري 232/8)

وفي السنة 171 كان أميرا علي الجزيرة للرشيد ، القائد أبو هريرة محمد بن فروخ ، فخرج الصحصاح الخارجي ، وهزم جيش أبي هريرة ، وغلب علي ديار ربيعة ، فسير إليه الرشيد جيشأ حارب الصحصاح وقتله ، وعزل الرشيد أبا هريرة عن الجزيرة ، ووجه إليه القائد أبا حنيفة حرب بن قيس ، فحمل أبا هريرة إلي بغداد ، حيث قتله الرشيد ( ابن الأثير 112/6 و114).

وفي السنة 178 قتل الفضل بن روح بن حاتم ، أمير إفريقية للرشيد ، قدم إفريقية في السنة 177 ، فخاصمه أهل إفريقية ، وقاتلوه ، وقتلوه في القيروان ( الاعلام 354/5 ).

وفي السنة 180 خرجت المحمرة بجرجان ، فكتب علي بن عيسي بن ماهان ، أمير خراسان ، بأن الذي هيج ذلك عمرو بن محمد العمركي ، فأمر الرشيد بقتله ، فقتل بمرور الطبري 266/8 ).

وفي السنة 181 عصي القائد مخلد بن مرة الأزدي ، في إفريقية ، علي أميرها محمد بن مقاتل ، والتف حوله جمع من الجند ، وحارب ابن مقاتل ، وظفر ابن مقاتل به ، فذبحه ( الاعلام 74/8 ) .

ص: 295

وفي السنة 184 قتل الحكم بن هشام بن عبد الرحمن الداخل، عمه سليمان بن عبد الرحمن ، وكان سليمان قد خرج علي أخيه هشام ، ثم اختفي ، وظهر في عهد الحكم ، وجمع الجموع ، فظفر به الحكم ، وقتله ( الاعلام 3/ 189 ).

وفي السنة 187 قتل الرشيد ، جعفر البرمكي ، وزيره ، بالعمر الذي عند الانبار ، أرسل مسرورا الخادم ، ليلا ، وأمره بقتله ، فسأله إمهاله لكي يوصي ، فأمهله ، فتوالت رسل الرشيد علي مسرور ، تستحثه ، فعاد مسرور المراجعته ، فقال له : يا ما بظر أمه ائتني برأسه ، قال مسرور : فعدت ، فطلب مني جعفر ، أن أكرر مراجعته ، فعدت إليه ، فحذفني بعمود في يده ، وحلف انه إن لم يأته برأسه ليقتله ، فعاد إليه ، وقطع رأسه ، وأحضره إلي الرشيد ، فأمر أن يقطع بدنه إلي قطعتين ، تنصب كل قطعة علي جسر ، وأن ينصب رأسه علي جسر ، وحبس أباه وإخوته . ( ابن الأثير 175/6 - 179)

وفي السنة 187 قتل عثمان بن إبراهيم ، أباه إبراهيم بن عثمان بن نهيك ، وكان إبراهيم من رجال دولة الرشيد ، وكان من خلصاء جعفر البرمكي ، فلما قتل الرشيد جعفر ، جاء عثمان فأوصل الي الرشيد أن أباه يبكي جعفرة ، ويتوعد بقتل قاتله ، واستشهد بخادم لأبيه إسمه نوال ، فأيد ذلك ، وأراد الرشيد أن يمتحن إبراهيم ، فدعاه ، وتعشي معه ، وشرب ، فلما انتشي إبراهيم ، قال له الرشيد : يا إبراهيم ، إني ندمت علي قتل جعفر بن يحيي ندامة ما أحسن أن أصفها ، فما وجدت طعم النوم من فارقته ، فلما سمع منه إبراهيم ذلك ، أسبل عبرته ، وقال : رحم الله أبا الفضل ، والله يا سيدي لقد أخطأت في قتله ، وأين يوجد في الدنيا مثله ، فصاح به الرشيد : قم عليك لعنة الله ، يا ابن اللحناء ، فقام ما يعقل ما يطأ ، فانصرف إلي أمه ، فقال : يا أم ، ذهبت والله نفسي ، قالت : كلا إن شاء الله ، وما

ص: 296

ذاك يا بني ؟ قال : إن الرشيد امتحني بمحنة ، لو كان لي ألف نفس ، ما خرجت بواحدة منها ، وبعد ليال قلائل ، دخل عليه ابنه ، فضربه بسيفه ، حتي مات ( الطبري 310/8 -312) .

وفي السنة 191 خرج أبو النداء ( قاطع طريق ) بالشام ، فوجه الرشيد في طلبه يحيي بن معاذ ، وعقد له علي الشام ، فأسره يحيي في السنة 192 وقدم به علي الرشيد ، وهو بالرقة ، فقتله ( الطبري 323/8 و 339 ).

أقول : أوردنا في هذا الكتاب ، في ذيل الفصل الأول من الباب الثالث « الضرب » في بحث « طرائف عن الضرب »، قصة الرجل الذي قصد الخصيب بن عبد الحميد ، عامل مصر، مستميحة ، فحرمه ، ولما انصرف أخذه أبو الندي ، وطالبه أن يخرج ما أعطاه الخصيب ، وضر به مائتي مقرعة ، يقرره علي ما ظن إنه ستره عنه ، وقدم الرجل علي الخصيب ثانية ، فلم يعطه شيئا ، فقال له : جعلت فداك ، تكتب إلي أبي الندي ، إنك لم تعطني شيئا ، لئلا يضربني ( الملح والنوادر 201).

وفي السنة 198 حصلت وقعة الربض بقرطبة ، حيث كره القرطبيون الحكم ، لتشاغله باللهو والصيد والشرب ، ثم قتل جماعة من أعيانهم ، فصاروا يسبونه ، فعمد إلي عشرة من رؤساء من شتمه فقتلهم ، وصلبهم ، فهاج أهل الربض ، وحصروه في قصره ، فحاربهم الحكم ومعه قسم من جنده ، فانهزم أهل الربض ، وقتل منهم كثيرة ، وأسر منهم جماعة ، وانتقي من الأسري ثلثمائة من وجوههم ، فقتلهم ، وصلبهم منكسين ( ابن الأثير 299/6 و300) .

وقد أوردت في هذا الكتاب ، في الباب الأول « الشتيمة » في الفصل الخامس « الرفث في الشتيمة » قصة عن الحكم لما حصره أهل الربض في قصره ، فطلب من أحد غلمانه أن يحضر له قارورة الغالية ، فتلكأ الغلام ،

ص: 297

وقال : يا مولاي ، هذا وقت الغالية ، فقال له : ويلك ، يا ابن الفاعلة ، بم يعرف رأسي اذا قطع ، إن لم يكن مغلفا بالغالية ( المعجب للمراكشي 45)

أقول : إذا صحت القصة ، فإنها تدل علي رباطة جأش نادرة المثيل .

وفي السنة 198 كان عياد بن محمد ، قد ولي مصر للمأمون ، فكتب الأمين إلي ربيعة بن قيس الحوفي بولايته علي مصر ، ونشبت بين الأميرين معركة ، انتهت بالقبض علي عباد ، وإرساله إلي الأمين ، فقتله ببغداد . ( الاعلام 29/4 ).

وفي السنة 198 شدد طاهر بن الحسين ، حصار بغداد ، فأرسل الأمين إلي القائد هرثمة ، يطلب أن يخرج إليه بالأمان ، فأنعم له هرثمة لذلك ، واشتد ذلك علي طاهر ، وقال : هو في الجانب الذي أنا فيه ، وأنا الذي أحرجته بالحصار حتي طلب الأمان ، فلا أرضي أن يخرج إلي هرثمة ، فيكون له الفتح دوني ، وبلغ ذلك هرثمة ، فاجتمع القواد في منزل خزيمة بن خازم ، وحضر طاهر وقواده ، وهرثمة ، وسليمان بن المنصور ، والسندي ، وأخبروا طاهر ، أن الأمين لا يخرج إليه ، واتفقوا علي أن يخرج الأمين إلي هرثمة ، وأن تدفع إلي طاهر الخاتم ، والقضيب والبردة ، عدة الخلافة ، فأجاب إلي ذلك ، ثم بلغه أن الأمين وعدة الخلافة ، ستصرف إلي هرثمة ، فاغتاظ ، وبعث قوما من أصحابه ، ترصدوا للأمين ، حتي إذا خرج لينصرف إلي هرثمة ، أمهله حتي ركب في الحراقة ، ثم عمد أصحابه إلي الحراقة فأغرقوها ، وسقط من فيها إلي الماء ، فسبح الأمين إلي الشاطيء ، وأخذه أصحاب طاهر ، فحبسوه في بيت ، ثم دخل إليه جماعة منهم ، فطرحوه علي وجهه ، وذبحوه من قفاه ، وأخذوا رأسه إلي طاهر ، حيث نصبه علي برج . ( ابن الأثير 282/6 - 287).

ص: 298

أقول : يظهر من أبيات اثبتها الإمام الطبري في تاريخه 489/8 ، أن جثة الأمين ربطت بحبل ، وجرت في الطرقات ، قال :

لم يكفه أن حر أوداجه**** ذبح الهدايا بمدي الجازر

حتي أتي يسحب أوصاله**** في شطن يفني مدي السائر

وقد سجل الوراق عمرو بن عبد الملك العتري ، كثيرا من الوقائع التي حصلت ببغداد في هذا الحصار ، وقد أثبت الإمام الطبري في تاريخه مقطوعات من شعره الذي نظمه في ذكر هذه الوقائع ، وكان ما نظمه من الشعر مرآة صادقة لما حصل في بغداد ، وكان إذا أدلهمت الخطوب ، وبرج به القلق ، لجأ إلي الشراب ، يرفه عن نفسه بعض ما نابها من القلق ، وقال في ذلك : ( الطبري 475/8 ) .

وقائل كانت لهم وقعة**** في يومنا هذا وأشياء

قلت له : أنت امرؤ جاهل**** فيك عن الخيرات إبطاء

إشرب ودعنا من أحاديثهم**** يصطلح الناس إذا شاءوا

وكان القائد هرثمة بن أعين ، عظيم الإدلال علي المأمون ، لما كان منه في نصيحته له ولآبائه ، وكان قد فارق الحسن بن سهل في السنة 200 علي نزاع ، وتوجه إلي خراسان ، فكتب إليه المأمون أن يأتي الشام أو الحجاز ، أميرة ، فأبي ، وأصر علي التوجه لخراسان ، فشوش عليه الفضل بن سهل ذهن المأمون ، فلما دخل عليه هرثمة ، خاشنه المأمون واتهمه ، فلما ذهب هرثمة ليدافع عن نفسه، أمر به المأمون ، فديس بطنه ، ووجيء أنفه ، وسحب من بين يديه ، فحبس ، ود إليه الفضل من قتله في الحبس ، وقالوا إنه مات . ( ابن الأثير 314/6 و315) .

وفي السنة 200 أسر أبو السرايا ، السري بن منصور ، وكان قد أقام بالعراق دولة واسعة المساحة ، قصيرة المدة ، وكان أبو السرايا من رجال

ص: 299

هرثمة ، فمطله بأرزاقه ، ففارقه ، وبايع محمد بن إبراهيم العلوي بالكوفة ، وحارب جند المأمون ، وانتصر عليهم في معارك ، ثم أسر في آخر معركة ، وحمل إلي الحسن بن سهل ، فأمر بضرب عنقه ، فذكر أنه لم ير أحد عند القتل أشد جزعا منه ، كان يضطرب بيديه ورجليه ، ويصيح أشد ما يكون من الصياح ، حتي جعل في رأسه حبل ، وهو يضطرب ويتلوي ويصيح ، حتي ضربت عنقه ( الطبري 535/8 وتجارب الأمم 423/6 ).

وفي السنة 201 عصي محمد بن أبي خالد القائد علي الحسن بن سهل ، وطرد علي بن هشام عن بغداد ، واستولي عليها ، وعلي ما في جنوبها من السواد ، حتي اقترب من واسط ، وفيها الحسن بن سهل وجنده ، وبعث محمد ولده هارون إلي إسكاف بني الجنيد ، ففتحها ، وأسر زهير بن المسيب عامل الحسن عليها، وأصعده إلي بغداد ، وحبسه بها عند ولده جعفر بن محمد ، ثم قصد الحسن محمد بن أبي خالد، واشتبك معه في معركة عنيفة ، كان الظفر فيها للحسن ، وأفلت محمد و به جراحات ، فحمله ابنه أبو زنبيل حتي أدخله بغداد ، فمات بها من ليلته ، فعمد ولده إلي زهير بن المسيب فضرب عنقه ، ذبحه ذبحا ، وأخذ رأسه فبعث به إلي أخيه عيسي بن محمد، فنصبه علي رمح ، وأخذوا جسده ، فشدوا في رجليه حبلا ، ثم طافوا به في بغداد ، فلما جنهم الليل طرحوه في دجلة ( الطبري 546/8 - 548)

وفي السنة 205 ولي طاهر بن الحسين خراسان للمأمون ، ولما خرج إليها كان ممن خرج معه أسد بن أبي أسد، فلما كان طاهر بمرو، احتاج أن يوجه قوما الي خوارزم و بخاري ، فسمي أسد، فيمن سمي ليخرج مع القائد الذي أمره بالتوجه إلي تلك الناحية ، فالتوي أسد ، وكتب إلي طاهر يشتط في المسألة والأرزاق ، فوقع طاهر في كتابه :

لا تكون جاهلا**** أنت في البعث يا أسد

ص: 300

فعاوده ، وضرب أصحابه حتي كاد أن يبطل أمر القائد المتوجه إلي تلك الناحية ، فدعا به ، وقال له : لعلك تحسب أنك ببغداد ، أتريد أن تفسد علي عملي ، وأمر فضربت عنقه بين يديه ( تاريخ بغداد لابن طيفور 66).

وفي السنة 210 تامر إبراهيم بن محمد بن عبد الوهاب العباسي ، المعروف بابن عائشة ، ومحمد بن إبراهيم الإفريقي ، ومالك بن شاهي ، وآخرون ، علي خلع المأمون ، ونصب إبراهيم بن المهدي ، وسعي بهم أحد من آشترك معهم في المؤامرة ، وهو عمران القطربلي ، فحبسهم المأمون ، وأرادوا أن ينقبوا السجن ، فبلغ المأمون خبرهم ، فأحضرهم ، وقتلهم صبرأ ، وصلب ابن عائشة ، وهو أول عباسي صلب في الإسلام ( ابن الأثير 391/6 و 392 ).

وفي السنة 214 تحرك جعفر بن داود القمي ، فظفر به عزيز مولي عبد الله بن طاهر ، ورده إلي مصر ، ثم هرب الي قم ، وخلع بها ، فحاربه علي بن عيسي القمي ، وأسره ، وبعث به إلي بغداد ، فضربت عنقه ( الطبري 622/8، 626، 630 ).

وفي السنة 215 قتل الافشين بمصر ، علي بن عبد العزيز الجردي ، وكان قد أحدث بمصر فتنة ، فأخمدها عبد الله بن طاهر ، وحمل ابن الجردي إلي العراق ، وعاد به الافشين إلي مصر ، علي أن يسلم ما لديه من أموال ، فلما وصل إلي مصر، لم يؤد شيئا ، فقتله الافشين ( الاعلام 113/5)

وفي السنة 216 وثب عبدوس الفهري بمصر ، علي عمال المعتصم ( وكانت إليه مصر في أيام المأمون ) فقتل بعضهم ، وفي السنة 217 دخل المأمون مصر ، وجيء إليه بعبدوس الفهري ، فضرب عنقه ( ابن الأثير 419/6 و421) .

ص: 301

وفي السنة 217 فتك المأمون بعلي بن هشام ، وأخيه الحسين ، وكان علي من أثر الناس عن المأمون ، خدمه منذ ابتداء أمره إلي أن تمت خلافته ، واستقام الأمر في يده ، وكان المأمون ولاه الجبل ، فظلم ، وجار ، وقتل ، وصادر ، فوجه المأمون إليه عجيف القائد ، فأراد أن يبطش بعجيف ، ويلحق ببابك ، فظفر به عجيف ، وقدم به وبأخيه الحسين ، فأمر بهما فضرب عنقاهما ، وطيف برأس علي بن هشام في بغداد ، وخراسان ، والشام ، والجزيرة ، ثم ذهبوا به إلي مصر ، ثم ألقي في البحر ، وكان المأمون أمر أن تصلب جثته وتعلق عليها رقعة ذكر فيها سبب قتله ليقرأها الناس ، وفيها : أما بعد ، فإن أمير المؤمنين كان دعا علي بن هشام فيمن دعا من أهل خراسان أيام المخلوع ، إلي معاونته والقيام بحقه ، وكان فيمن أجاب وأسرع الإجابة ، وعاون فأحسن المعاونة ، فرعي أمير المؤمنين ذلك له ، وأصطنعه ، وهو يظن به تقوي الله وطاعته ، والإنتهاء إلي أمر أمير المؤمنين في عمل إن أسند إليه في حسن السيرة وعفاف الطعمة ، وبدأه أمير المؤمنين بالإفضال عليه ، فولاه الأعمال السنية ، ووصله بالصلات الجزيلة التي أمر المؤمنين بالنظر في قدرها ، فوجدها أكثر من خمسين ألف ألف درهم ، فمد يده إلي الخيانة ، والتضييع لما استرعاه من الأمانة ، فباعده عنه وأقصاه ، ثم استقال أمير المؤمنين عثرته فأقاله إياها ، وولاه الجبل وأذربيجان وكور أرمينية ، ومحاربة أعداء الله الخرمية ، علي ألا يعود لما كان منه ، فعاود أكثر مما كان بتقديمه الدينار والدرهم علي العمل لله ودينه ، وأساء السيرة ، وعسف الرعية ، وسفك الدماء المحرمة ، فوجه أمير المؤمنين عجيف بن عنبسة مباشرة الأمره ، ورامية إلي تلافي ما كان منه ، فوثب بعجيف يريد قتله ، فقوي الله عجيفة بنيته الصادقة في طاعة أمير المؤمنين ، حتي دفعه عن نفسه ، ولو تم ما أراد بعجيف لكان في ذلك ما لا يستدرك ولا يستقال ، ولكن الله إذا أراد أمر كان مفعولا ، فلما أمضي أمير المؤمنين حكم الله ، في علي بن هشام ، رأي أن لا يؤاخذ من خلفه بذنبه ، فأمر أن يجري لولده ولعياله ، ولمن أتصل

ص: 302

بهم ، ومن كان يجري عليهم ، مثل الذي كان جارية في حياته ، ولولا أن علي بن هشام أراد العظمي بعجيف ، لكان في عداد من كان في عسكره ، ممن خالف وخان ، كعيسي بن منصور ونظرائه ، والسلام ( الطبري 628 و 627/8).

وفي السنة 226 قتل رجاء بن أبي الضحاك الجرجرائي ، صاحب خراج دمشق ، في أيام المعتصم ، قتله علي بن إسحاق ، نائب صاحب المعونة بدمشق ، راجع القصة مفصلة في كتاب الفرج بعد الشدة للقاضي التنوخي تحقيق المؤلف رقم القصة 219 ج 2 ص 299 وه 29 .

وفي السنة 231 قتل الخيفة هارون الواثق ، أحمد بن نصر الخزاعي ، ضربه بالسيف بيده ، وسبب ذلك إنه أراد الخروج ، وعين وأصحابه يوما لذلك ، واتفقوا علي أن تكون الإشارة بينهم للخروج ، أن يضرب الطبل في موضع معين ، وحدث أن الموكل بالطبل سكر قبل الموعد بليلة ، فقام إلي الطبل فضربه ، فلم يجتمع عليه أحد ، وسمع صاحب الشرطة ضرب الطبل ، فبعث من يتحقق له السبب ، وأخذ رجلا في الحمامات اسمه عيسي الأعور ، فأقر له بالقصة ، وسمي الذين دخلوا مع أحمد بن نصر في المؤامرة ، فأخذ منهم أبو هارون وداره بالجانب الشرقي ، وطالب ، وكانت داره بالجانب الغربي ، وقيدهما بسبعين رطلا من الحديد، ثم أخذ خصي لأحمد بن نصر ، فاعترف علي سيده ، فأخذ أحمد، وإبنان له ، وخصيان ، ورجل كان يغشاه اسمه إسماعيل بن محمد الباهلي ، فحملوا إلي سامراء علي بغال بأكف ، ليس تحتهم وطاء ، وقيد أحمد بزوج قيود ، فجلس لهم الواثق مجلس عامة ، وناظر أحمد بن نصر ، وحاول ابن أبي دؤاد أن يؤخر أمره ، حتي يهدأ الواثق ، فقال الواثق : إذا رأيتموني قمت إليه ، فلا يقوم أحد معي ، فإني احتسب خطاي إليه ، ودعا بالصمصامة ، وبنطع ، فصير أحمد في وسطه ، وشد رأسه بحبل ، ومد الحبل ، فضربه الواثق ضربة ، فوقعت

ص: 303

علي حبل العائق ، ثم ضربه أخري علي رأسه ، ثم انتضي سيما الدمشقي سيفه ، فضرب عنقه ، وحر رأسه ، وصلب في الموضع الذي صلب فيه بابك ، وفي رجليه زوج قيود ، وعليه سراويل ، وقميص ، وحمل رأسه إلي بغداد ، فنصب في الجانب الشرقي أيامأ ، وفي الجانب الغربي أيام ، وجري تتبع أصحاب أحمد بن نصر ، فوضعوا في الحبوس المظلمة ، ومنعوا من أخذ الصدقة التي يعطاها أهل السجون ، ومنعوا من الزوار ، وثقلوا بالحديد ( الطبري 135/9 - 139).

وفي السنة 237 وثب أهل أرمينية بعاملهم يوسف بن أبي سعيد محمد بن يوسف الثغري ، فقتلوه ، وقتلوا كل من قاتل معه ، ومن لم يقاتل أمروه أن يتعري وينجو بنفسه ، فمات كثير منهم من البرد ، وسقطت أصابع قسم منهم ، فبعث إليهم الخليفة القائد بغا ، فتبع قتلة يوسف وأصحابه فقتل منهم زهاء ثلاثين ألفا ، وسبي منهم خلقا كثيرة ، فباعهم بأرمينية ( الطبري 187/9 و188).

وفي السنة 240 وثب أهل دمشق بعاملهم سالم بن حامد ، فقتلوه علي باب الخضراء ، وقتلوا من قدروا عليه من رجاله ، فغضب المتوكل ، وأرسل جيشأ من سبعة آلاف بقيادة أفريدون التركي ، وأباح له القتل والنهب ثلاثة أيام ، ولكن أفريدون قتل برمحة دابة ، وهو علي أبواب دمشق ( خطط الشام 193/9 ).

وفي السنة 248 قتل محمد بن هارون الكاتب ، أصيب علي فراشه مقتولا ، وبه عدة ضربات بالسيوف ، وأخذ خادم له أسود ، اعترف بأنه قتله ، فضربت عنقه ، وصلب عند خشبة بابك ( الطبري 255/9 ).

وفي السنة 248 خرج محمد بن عمرو الشاري بناحية الموصل ، فخرج إليه إسحاق بن ثابت الفرغاني ، فأسره وجماعة من أصحابه ، فقتلوا ، وصلبوا ( الطبري 255/9 ).

ص: 304

وفي السنة 249 قتل القائد أوتامش ، وكاتبه شجاع بن القاسم ، وكان المستعين ، لما أفضت إليه الخلافة ، أطلق يد أوتامش وشاهك في بيوت الأموال ، فكانت الأموال التي ترد من الآفاق ، يصير معظمها إلي أم المستعين ، وإلي أوتامش ، وشاهك الخادم ، وبقي كبار القواد مثل وصيف وبنا بمعزل ، فأغريا الموالي بأوتامش ، فتحركوا عليه ، وبلغه الخبر فأراد الهرب ، فلم يمكنه ، فاستجار بالمستعين ، فلم يجره ، فأخذه الأتراك وقتلوه ، وقتلوا كاتبه شجاع بن القاسم ( الطبري 263/9 و 264 ).

وفي السنة 251 كان جيش المعتر، قد حاصر بغداد وبها المستعين ، فأراد بعض الموكلين بالسور ببغداد أن يصبح : مستعين يا منصور ، فصاح : معتر يا منصور ، فقتله المولون بالباب ، إذ حسبوه من خصومهم ، وبعثوا برأسه إلي دار محمد بن عبد الله بن طاهر ، أمير بغداد ، فأمر بنصبه ، فجاءت أمه وأخوه في عشية اليوم بجثته في محمل ، يصيحان ، ويطلبان رأسه ، فلم يدفع إليهما ، ولم يزل منصوب علي الجسد إلي أن أنزل مع ما أنزل من الرؤوس ( الطبري 304/9 ).

ولما خلع المستعين في السنة 251 وبايع المعتر ، بعث إليه القائد سعيد الحاجب فيقال إن سعيدة أنزله من القبة التي كان فيها علي الدابة ، وكانت تعادله دايته ، وضربه بالسيف ، فصاح وصاحت دايته ، فقتلهما معا ، وقيل إن سعيدا لما استقبله سأله أن يمهله ليصلي ركعتين ، فلما سجد في الركعة الثانية ، قتله واخذ رأسه ( الطبري 363/9 و 364 ).

وفي السنة 254 اتفق المعتز، وجماعة من القواد الأتراك يرأسهم بايكباك ، علي الفتك ببغا الشرابي ، فتحرز منهم ، وعسكر مع جماعته في تل عكبرا ، ثم بداله فعاد إلي سامراء ، ليلا في زورق ، فاعتقله وليد المغربي صاحب الجسر وجاء فأبلغ المعتز، فأمره بقتله ، وقال له : ويلك جئني برأسه ، فرجع الوليد ، وقال للموكلين به : تنحوا حتي أبلغه رسالة ، فلما

ص: 305

تنخوا ، ضربه بسيفه علي جبهته ورأسه ، ثم تناهي علي يديه فقطعها، ثم ضربه حتي صرعه ، وذبحه ، وحمل رأسه في بركة قبائه ، وأتي به المعتز ، فوهب له عشرة آلاف دينار، وخلع عليه ، ونصب رأسه بسامراء ، ثم ببغداد ، ووثب المغاربة علي جثته فأحرقوها بالنار ( الطبري 379/9 و 380 ).

وفي السنة 256 كان صالح بن وصيف ، القائد التركي المسيطر علي جميع أمور الدولة ، بعد أن خلع المعتر، وقتله ، واستخلف المهتدي ، وقتل جماعة من الكتاب ، وخشي بقية القواد سطوته ، فكاتبوا موسي بن بغا، فلما حضر موسي بجيشه إلي بغداد ، استر صالح ، ثم عثر عليه صبي ، فأخبر عنه ، فقصده خمسة من اصحاب السلطان ، وأخرجوه حافية ، مكشوف الرأس ، وعليه قميص ومبطنة ملحم وسراويل ، فحمل علي برذون ، والعامة تعدو خلفه ، حتي انتهوا به إلي دار موسي بن بغا ، ثم أخرجوه ليذهبوا به إلي الجوسق ، فقتلوه في الطريق ، وأحتوا رأسه ، وحمل علي قناة ، وطيف به ، ونودي عليه : هذا جزاء من قتل مولاه ، إشارة إلي قتله المعتز ، ونصب بباب العامة ساعة ، ثم نخي ، وفعل به مثل ذلك ثلاثة أيام تتابع ( الطبري 454 - 440/9)

وفي السنة 256 كان الخليفة المهتدي ، بعث القائد التركي بايكباك في جيش مع موسي بن بغا ومفلح ، فعاد بايكباك الي سامراء بدون إذنه ، فلما دخل عليه غضب ، وأمر الكرخي محمد بن المباشر ، فضرب عنق بايكباك ، وأمر القائد عتاب بن عتاب ، أن يلقي برأس بايكباك إلي أتباعه ، فأخذ عتاب الرأس ، ورمي به إليهم ، فجاشوا ، وهجموا علي عتاب فقتلوه ، فوجه المهتدي وأحضر من أطاعه من الجند، واشتبك مع الأتراك ، وخرج المهتدي ، والمصحف في عنق أحد أصحابه ، فأنفل جمعه ، ومضي منهزم والسيف مشهور في يده ، وهو يصيح : أيها الناس ، أنصروا خليفتكم ، فقبض الأتراك عليه ، وأخذوا يصفعونه ويبزقون في وجهه ، ثم عصرت

ص: 306

خصيتاه ، فمات ( الطبري 456/9 - 458) .

ولما اعتقل المهتدي ، عمد أبن عم لبايكباك ، فجرح المهتدي بخنجر في أوداجه ، وانكب عليه فالتقم الجرح ، والدم يفور منه ، وأقبل وهو سكران يمتص الدم حتي روي ( مروج الذهب 464/2 ) .

ولما اقتحم الزنج البصرة في السنة 207 وقتلوا من فيها ، وأخربوها ، كان ممن قتل أبو الفضل الرياشي ، الراوية المحدث ، قتل وهو في المسجد ، فلما خرج الزنج من البصرة ، دخل الناس إلي المسجد بعد سنتين من مقتل الرياشي ، فوجدوه صحيح الخلق ، لم يتغير له حال ، سوي أن جلده لصق بعظمه ويبس ( المنتظم 6/5).

أقول : هذا الخبر ، يعني أن المسجد الجامع بالبصرة ، ظل بعد أن خرب الزنج البصرة ، سنتين كاملتين ، لم يدخل إليه إنسان ، ولم يصل فيه أحد ، وفي هذا دليل علي مقدار الخراب الذي أصاب البصرة ، حتي ضرب بخرابها الأمثال ، فقيل في الأمر الذي يصعب تداركه : بعد خراب البصرة .

وفي السنة 258 ضرب عنق قاض لصاحب الزنج ، كان قد نصبه قاضية بعبادان ، وضربت أعناق أربعة عشر رجلا من الزنج بباب العامة بسامراء ، وكانوا قد أسروا بناحية البصرة ( الطبري 490/9 ) .

وفي السنة 259 قتل القائد التركي كنجور عامل الكوفة ، وسب ذلك إنه ترك موضع عمله ، وانصرف بريد سامراء ، بدون إذن ، فأمر بالرجوع ، فأبي ، فحمل إليه مال ليفرقه في أصحابه ويعود ، فلم يقنع ، فلما وصل إلي عكبرا ، توجه إليه عدة من القواد ، فذبحوه ذبحا، وحمل رأسه إلي سامراء ، وكان معه كاتبه النصراني فضرب ألف سوط ، فمات ( الطبري 502/9 ) .

وفي السنة 259 حمل إلي سامراء جماعة من أسري الزنج ، فوثب بهم العامة ، فقتلوا أكثرهم ، ودخل الزنج الأهواز في هذه السنة ، فقتلوا زهاء خمسين ألفا ( المنتظم 19/5 ) .

ص: 307

وفي السنة 265 فتح أحمد بن طولون أنطاكية ، وقتل عاملها سيما الطويل ( الطبري 543/9 ) .

أقول : سيما الطويل أحد القواد الأتراك ، كان في صف بايكباك واشترك في السنة 256 في محاربة المهتدي وقتله ، ولي أنطاكية في السنة 258 ولاه إياها أبو أحمد الموفق .

وفي السنة 265 وثب القاسم بن مما ، بدلف بن عبد العزيز بن أبي دلف ، بإصبهان ، فقتله ، فوثب جماعة من أصحاب أبي دلف ، علي القاسم ، فقتلوه ، ورأسوا عليهم أحمد بن عبد العزيز ( الطبري 543/9 ).

وفي السنة 265 قتل جماعة من الأعراب ، بدقما، جعلان الملقب بالعيار ، وكان قد خرج لبذرقة قافلة ، فوجه السلطان في طلب الذين قتلوه جماعة من الموالي ، فهرب الأعراب ، وبلغ الذين شخصوا في طلبهم عين التمر ، ثم عادوا إلي بغداد ، وقد مات منهم من البرد جماعة ( الطبري 543/9)

وفي السنة 266 قتل أهل حمص عاملهم عيسي الكرخي ( الطبري206/9)

وفي السنة 267 قتل أبو زكريا يحي بن محمد ، الملقب بحيكان ، إمام أهل الحديث بنيسابور ، وكان قد صد هجوم أحمد بن عبد الله الخجستاني ، لما هاجم نيسابور ، فظفر الخجستاني ، وأسر حيكان ، وحبسه ، ثم دخل عليه السجن ، فقتله ( الاعلام 206/9 ).

وفي السنة 270 قتل صاحب الزنج ، علي بن محمد الورزنيني ، بعد فتنة دامت خمس عشرة سنة ، وكان قد قتل من المسلمين ألف ألف وخمسمائة ألف ، ما بين شيخ وشاب ، ذكر وأنثي ، وقتل في يوم واحد بالبصرة ثلثمائة ألف إنسان (النجوم الزاهرة 48/3 ).

ص: 308

وكان طغج بن جف ، يلي دمشق وطبرية لخمارويه بن أحمد بن طولون ، وكان ولده محمد ( الاخشيد فيما بعد ) خليفة أبيه بطبرية ، وكان بطبرية أبو الطيب محمد بن أبي حمزة العلوي ، وكان وجه طبرية شرفأ ، وملكة ، وقوة ، فكتب محمد إلي أبيه طغج ، يذكر له إنه ليس له أمر ولا نهي مع أبي الطيب العلوي ، فكتب إليه أبوه : أعز نفسك ، فأسري محمد علي العلوي أبي الطيب ، فوجده في بستان له فقتله ( خطط الشام 213/1 ) .

وفي السنة 272 كانت للزنج حركة بواسط ، فصاحوا : أنكلاي ، يا منصور ، وأنكلاي هو ابن صاحب الزنج ، وكان قد أودع الحبس بعد مقتل أبيه ، ومعه جماعة من قواد الزنج منهم علي بن أبان المهلبي وإبراهيم بن جعفر الهمذاني ، وسليمان بن جامع ، والشعراني ، وكانوا قد حبسوا في دار محمد بن عبد الله بن طاهر ، في دار السلام ، وفي دار البطيخ ، في يد غلام من غلمان الموفق ، يقال له : فتح السعيدي ، فكتب الموفق إلي فتح ، أن يوجه إليه برؤوس هؤلاء الستة ، فدخل إليهم ، وجعل يخرج الأول فالأول منهم ، فذبحهم غلام له ، وقلع رأس بالوعة في الدار ، وطرحت أجسادهم فيها ، وسد رأسها، ووجه برؤوسهم إلي الموفق ثم ورد كتاب الموقق علي محمد بن عبد الله بن طاهر ، أمير بغداد ، بأن يصلب جثث هؤلاء الستة ، فأخرجوا من البالوعة ، وقد انتفخوا ، وتغيرت روائحهم ، وتقشر بعض جلودهم ، فحملوا في المحامل ، المحمل بين رجلين ، وصلب ثلاثة منهم بالجانب الشرقي ، وثلاثة بالجانب الغربي ، وركب محمد ، حتي صلبوا بحضرته ( الطبري 11/10 ).

وفي السنة 273 قتل هاشم بن عبد العزيز بن هاشم ، قتله المنذر بن محمد بن عبد الرحمن الأموي ، سلطان الأندلس ، وكان هاشم وزير أبيه محمد ، عظيم المكانة عنده ، فلما ولي المنذر نكبه لأشياء حقدها عليه في خلافة أبيه ، فحبسه ، وعذبه ، ثم قتله ( الاعلام 48/9 ) .

ص: 309

وفي السنة 280 وجه يوسف بن أبي الساج اثنين وثلاثين رجلا من الخوارج ، من طريق الموصل، فضربت أعناق خمسة وعشرين منهم ، وصلبوا ، وحبس سبعة منهم في الحبس الجديد ( الطبري 34/10 ).

وفي السنة 283 عزم الجند علي خلع جيش بن خمارويه ، وأرادوا تولية عمه ، وبلغ جيش ذلك ، فقتل عمين من أعمامه ، ورمي برأسيهما إلي الجند، فهجم الجند عليه ، وقتلوه ، وأقعدوا أخاه هارون في الإمرة ( ابن الأثير 478/7 ) .

وفي السنة 284 وثب أبو ليلي الحارث بن عبد العزيز بن أبي دلف ، بشفيع الخادم الموكل به ، فقتله ، واستولي علي قلعة الزر، وكان عمر بن عبد العزيز ، قد أخذ أخاه الحارث ، وقيده ، وحبسه في قلعة الزر، وفيها كل ما كان لآل أبي دلف من مال ومتاع نفيس ، وقد كان عمر ، وكل بالقلعة وبأخيه ، الخادم شفيعا ، فكلمه الحارث في أمر إطلاقه فأبي ، وقال : لا أفعل إلا ما يأمرني به أخوك عمر ، فاحتال الحارث حتي برد قيده ، وأصبح يستطيع أن يخرجه من ساقيه متي شاء ، وكان شفيع الخادم يزور الحارث في كل ليلة ، فيجلس عنده ، ثم يخرج ويقفل الباب عليه ، واحتال الحارث في سكين أدخلها إليه غلامه ، وفي إحدي الليالي شرب مع شفيع الخادم ، فلما قام الخادم لحاجته ( ليبول ) ، أمر الحارث جاريته ، فوضعت ثيابا في الفراش وغطتها ، وآختبأ هو خارج الحجرة ، فلما عاد شفيع ، قالت له الجارية : إنه قد نام ، فأقفل شفيع الباب ، والحارث خارجها، وذهب شفيع إلي فراشه ، فتسلل الحارث إلي شفيع ، وذبحه بالسكين التي كانت عنده ، ثم أخذ سيف شفيع ، وانتضاه ، فوثب الغلمان الذين كانوا في حراسة شفيع فزعين ، فصاح بهم ، وأمنهم ، علي أن يخرجوا من الدار ، فخرجوا بأجمعهم ، فجاء الحارث ، وقعد علي باب القلعة ، وجمع من كان في القلعة ، ووعدهم الإحسان ، وأستحلفهم علي طاعته ، وجمع جماعة من الأكراد والزموم ،

ص: 310

وخرج علي السلطان ، فتوجه إليه عيسي النوشري علي رأس جيش ، فاشتبك الجيشان دون إصبهان ، فأصاب أبا ليلي الحارث سهم في حلقه ، فنحره ، وسقط عن دابته ، وانهزم أصحابه ، وحمل رأسه إلي إصبهان ، ثم جيء به إلي بغداد ( الطبري 63/10 - 67).

وفي السنة 287 خرج القائد عباس بن عمرو الغنوي ، من البصرة ، علي رأس جيش يقصد أبا سعيد الجنابي القرمطي ، فلما التقي الجيشان ، اشتبكا في معركة ضارية ، فانكسر جيش العباس ، وقتل منهم كثير ، وأسر العباس ، وأسر معه نحو سبعمائة من أصحابه ، فلما كان من غد يوم الوقعة ، أحضر الجنابي الأسري ، وقتلهم جميعا ، ثم أمر بحطب فطرح عليهم وأحرقهم ، وأطلق قائدهم العباس ، وحمله رسالة إلي المعتضد ( الطبري 77/10 و78 ).

أقول : راجع نص الرسالة ، وتفصيل القصة ، في كتاب نشوار المحاضرة للقاضي التنوخي تحقيق المؤلف ج 4 ص 130 - 132 رقم القصة 62.

وقتل إبراهيم بن أحمد بن محمد بن الأغلب ، أمير إفريقية ( توفي سنة 289 ) كثيرة من أصحابه ، وحجابه ، ونسائه ، وقتل اثنين من أبنائه ، وثمانية من إخوته ، وقتل سائر بناته ، فعزله المعتضد ، فرحل إلي صقلية ، ومات بها ( الاعلام 22/1 ) .

أقول : اقتصر ابن الأثير 520/7 عند ذكر إبراهيم بن الأغلب هذا ، علي وصفه بسوء الأخلاق ، وقد تبسط ابن خلدون 203/4 و 204 في ذكر ما آرتكبه من جرائم ، وعلل ارتكابه لها بأنه أصيب بالماليخوليا ، وهذا هو أقرب تعليل لتصرفاته ، فإن الذي يقتل نساءه ، وأبناءه ، وبناته ، ورجاله وخدمه ، لا بد أن يكون مجنونة ، حتي إنه افتقد ذات يوم مندي" لشرابه ، فقتل بسببه ثلثمائة خادم .

ص: 311

وفي السنة 289 خلع محمد بن هارون ، قائد إسماعيل بن أحمد الساماني ، وبيض ( أي لبس البياض ، وهذا يعني الخروج علي الدولة العباسية التي كان شعارها السواد ) والسبب في ذلك إن أهل الري كاتبوه ، وسألوه المصير إليهم ليستولي عليها، لأن عاملهم أوكرتمش التركي ، أساء السيرة فيهم ، فقصدهم محمد ، وحارب أوكرتمش، وقتله ، وقتل آبنين له ، وقائد من قواد السلطان ، واستولي علي الري ( الطبري 88/10 و89).

وقتل المعتضد العباسي ( توفي سنة 289 ) ، أحد السودان ، لأنه أخذ عذقا من بسر ، وخلاصة القصة إن المعتضد خرج يوما فعسكر بباب الشماسية ( الصليخ ) ، ونهي أن يأخذ أحد من جنده شيئا من البساتين ، فأتي بأسود ، قد أخذ عذق من بسر ( البسر : التمر اذا لون ولم ينضج ) ، فأمر المعتضد بضرب عنقه ، فضربت عنقه ، ثم التفت المعتضد إلي أصحابه ، وقال : ويلكم ، أتدرون ما تقول العامة ؟ قالوا : لا ، قال : يقولون ، ما في الدنيا أقسي قلبأ من هذا الخليفة ، ولا أقل دينا منه ، لأن النبي ، قال : لاقطع في تمر ولا كثر ( الكثر : الجمار ) فما رضي هذا الخليفة أن يقطع في هذا ، حتي قتل ، والله ، ما قتل هذا الأسود بسبب هذا ، ولكن لي معه خبر طريفة ، استأمن هذا من عسكر الزنج ، إلي أبي الموقق ، فخلع عليه ، ووصله ، فرأيته يوما ، وقد نازع رجلا في شيء ، فضربه بفأس ، فقطع يده ، فمات الرجل ، فحمله الناس إلي أبي الموقق ، فأهدر دم المقطوع اليد ، وأطلق الأسود ، يتألف الزنج بهذا الفعل ، فاغتظث ، وقلت : تري أتمكن من قتل هذا الأسود ، وأنفذ حد الله عز وجل فيه ؟ فوالله ، ما وقعت عيني عليه إلا في هذه الساعة ، فقتلته بذلك الرجل ( المنتظم 136/5 ).

وفي السنة 289 أمر المعتضد عند موته بقتل عمرو بن الليث الصفار ، وكان في حبسه ، وكان لاحتضاره لا يطيق النطق ، فأشار إلي صافي ، بأن وضع يده علي رقبته وعلي عينه ، يعني إذبح الأعور ، فلم يفعل صافي

ص: 312

ذلك ، ثم ذبحه القاسم بن عبيد الله الوزير ( الطبري 88/10 ) .

وفي السنة 290 هرب من مدينة السلام ، القائد المستأمن أبو سعيد الخوارزمي ، وأخذ نحو طريق الموصل ، فكتب إلي عبد الله ، المعروف بغلام نون ، وكان يتقلد المعاون بتكريت والأعمال المتصلة بها إلي حد سامراء وإلي الموصل ، في معارضته وأخذه ، فعارضه عبد الله ، فخدعه أبو سعيد ، وفتك به فقتله ، ومضي نحو شهرزور ، حيث صاهر ابن أبي الربيع الكردي ، واتفقا علي حرب السلطان ، ثم قتل أبو سعيد بعد ذلك ( الطبري 98/10.

وفي السنة 292 بعث المكتفي إلي مصر جيش بقيادة محمد بن سليمان ، لاستئصال بني طولون ، فاستولي علي دمشق ، ثم قصد مصر واستولي عليها ، وذبح الأمراء بني طولون ، وكان عشرين إنسانأ ، هم وقوادهم ، ذبحوا بين يديه كما تذبح الشياه ، وأشخص من أبقي عليه منهم إلي بغداد ( خطط الشام 207/1 ).

وفي السنة 297 قتل العباس بن الحسن ، وزير المكتفي ، ووزير المقتدر من بعده ، قتله الحسين بن حمدان ، وقتل معه فاتك المعتضدي ، وسبب ذلك ، إن المتكفي لما ثقل في علته ، فكر الوزير العباس فيمن يقتضي أن يبايع بالخلافة من بعده ، وذاكر كبار رجال الدولة ، فأشاروا بابن المعتز، ووصفوه بالفضل والكفاية ، فأداره أبو الحسن علي بن محمد بن الفرات عن رأيه ، وأشار عليه باستخلاف جعفر بن المعتضد، وكان ما يزال صبية ، فقال له الوزير : إن جعفر صبي ، فقال : المصلحة في أن تستخلف من يسلم الأمر إليك ، ويدعك تدبره أنت ، فذلك خيرا من أن تستخلف من يباشر التدبير بنفسه ، وقد عرف دار هذا ، ونعمة هذا ، وبستان هذا ، وجارية هذا ، وفرس هذا ، فمال العباس الوزير إلي رأي ابن الفرات ، وقام بمبايعة جعفر بن المعتضد ، ولقب بالمقتدر بالله ، فاتفق محمد بن داود بن الجراح ،

ص: 313

أحد كبار الكتاب ، مع الحسين بن حمدان ، أحد كبار القواد ، علي إزالة أمر المقتدر بالله ، ونصب عبد الله بن المعتز مكانه ، ووافقا علي ذلك جماعة من القواد والكتاب والقضاة ، فركب الوزير العباس بن الحسن يوما يريد بستانه ، فأعترضه الحسين بن حمدان ، وقتله ، فصاح عليه فاتك المعتضدي ، فقتل فاتكأ ، واجتمع رجال الدولة ، في دار سليمان بن وهب ، بالمخرم ( العلوازية ) ، وهي الدار التي أصبحت من بعد ذلك دار الوزارة ، وحضر عبد الله بن المعتز ، من داره التي علي الصراة ، وبايعوا ابن المعتز بالخلافة ، ولقب المرتضي بالله ، واستوزر أبا عبد الله محمد بن داود بن الجراح ، وقلد من أراد تقليده من الكتاب ، ونفذت الكتب إلي الأمصار عن ابن المعتز ، ووجه إلي المقتدر لكي ينتقل من دار الخلافة ، فاجتمع القواد الذين مكثوا مع المقتدر ، وأجمع رأيهم علي محاربة أصحاب ابن المعتز، فأصعدوا إليهم ، ففزع أصحاب ابن المعتز ، وتهاربوا ، وتفرق شملهم ، وعادت الدولة إلي المقتدر ، وقبض علي وصيف بن صوار تكين ، وخطارمش ، ويمن ، وفاتك ، وجماعة ممن حضر مبايعة ابن المعتز ، وفيهم القاضي أبو عمر محمد بن يوسف ، والقاضي أبو المثني أحمد بن يعقوب والقاضي وكيع محمد بن خلف ، واعتقلوا جميعا في دار الخلافة ، ثم أسلموا إلي مؤنس الخازن ، الذي تولي الشرطة ، فقتلهم تلك الليلة ، سوي علي بن عيسي ، ومحمد بن عبدون ، والقاضي أبي عمر ، والقاضي محمد بن خلف ، وكان القاضي أبو المثني ، أول قاض قتل صبرة في الإسلام ، وكان قد بايع ابن المعتز ، فلما انتقض أمره ، أراده أصحاب المقتدر ، أن يقر علي نفسه بالخطأ، ويسلم ، فأبي ، وقال : إن المقتدر لصغر سنه لا يصلح للخلافة ، وأصر علي قوله ، فذبح ( راجع القصة مفصلة في كتاب الفرج بعد الشدة للقاضي التنوخي ، تحقيق المؤلف ، في القصة المرقمة 179) ولما فسد أمر ابن المعتز ، استتر وزيره محمد بن داود بن الجراح ، ثم خرج في إحدي الليالي ، فظفر به ، وتسلمه مؤنس الخازن ، فقتله ، وطرحه علي

ص: 314

الطريق ، فأخذه أهله ودفنوه ، واستوزر المقتدر ، أبا الحسن علي بن محمد بن الفرات ، فأحس ابن الفرات أن سوسن حاجب المقتدر ، يسعي في الوزارة لمحمد بن عبدون ، من كبار الكتاب ، فقتل سوسن من ليلته ، وأنفذ إلي محمد بن عبدون، من أسلمه إلي مؤنس الخازن ، فقتله ( تجارب الأمم 1302/1)

وفي السنة 296 فتح أبو عبد الله الشيعي ، مدينة سجلماسة ، وقبض علي صاحبها المنتصر أليسع بن ميمون بن مدرار ، وقتله . ( الاعلام 77/8)

وفي السنة 296 قتل اليقظان بن محمد بن أفلح الرستمي ، من أئمة الأباظيين بالجزائر ، قتله الفاطميون مع طائفة من أسرته ، وانتهت به الدولة الرستمية . ( الاعلام 274/9 ) .

وفي السنة 298 إلتمر أهالي سجلماسة بالأمير الكتامي إبراهيم بن غالب ، فثاروا عليه ، وقتلوه ، هو ومن كان معه من كتامة ( الاعلام 77/8)

وفي السنة 298 قتل المهدي عبيد الله الفاطمي ، داعيته أبا عبد الله الشيعي ، وأخا أبي عبد الله ، أبا العباس ، وكان قد بلغه أنه وأخاه يتآمران عليه ، فأمر بعض رجاله أن يقتلوهما ، ولما حملوا عليهما ، قال لهم أبو عبد الله الشيعي : لا تفعلوا ، فقالوا له : إن الذي أمرتنا بطاعته ، أمرنا بقتلك ، وقتلوهما ، ثم قتل المهدي من اتفق معهما . ( ابن الأثير 50/8-52)

وقتل الأمير علي بن أحمد الراسبي (ت 301) علي مائدة طعامه ، أحد الرؤساء الأكراد ، لما أقر بأنه قتل رجلا ظلم ، وخلاصة القصة إن الراسبي كان يتغذي ، وعلي مائدته خلق فيهم رجل من رؤساء الأكراد ، كان

ص: 315

يقطع الطريق ، واستأمن إلي الراسبي ، فأمنه ، وقدم علي المائدة حجل، فألقي الراسبي منه ، واحدة إلي الكردي ، كما يلاطف الرؤساء مؤاكليهم ، فأخذها الكردي وجعل يضحك ، فسأله الراسبي عن سبب ضحكه ، فقال : كنت أيام قطعي الطريق ، رأيت رجلا يسير وحده ، فسلبته ما كان معه ، وعريته من ثيابه فأخذتها ، ثم علوته بالسيف لأقتله ، فقال لي : إنك قد أخذت جميع ما عندي ، حتي عريتني من ثيابي ، فلماذا تريد قتلي ؟ فلم ألتفت إليه ، وأقبلت أقنعه بالسيف ، فتلقت كأنه يطلب شيئأ ، فأبصر حجلة قائمة ، فقال : يا حجلة اشهدي لي عند الله إنه يقتلني ظالمأ، فما زلت أضربه حتي قتلته ، فلما رأيت هذه الحجلة ، تذكرت حماقة ذلك الرجل ، فضحكت ، فلما سمع الراسبي ذلك ، انقلبت عيناه حردة ، وقال له : لا جرم إن شهادة الحجلة لا تضيع ، يا غلام اضرب عنقه ، فبار إليه الغلمان يخبطونه بسيوفهم ، فكأن رأسه قثاءة قطعت نصفين ، وتدحرج الرأس بين أيدي الطاعمين ، وجرت جثته ، ومضي الراسبي في الأكل ( راجع القصة مفصلة في كتاب نشوار المحاضرة واخبار المذاكرة للقاضي التنوخي ، تحقيق المؤلف ج 3 ص 208 - 210 رقم القصة 136/3)

أقول : الأمير علي بن أحمد الراسبي ، كان يتقلد جند يسابور والسوس وماذرايا إلي آخر حدودها، وكان يورد من ذلك ( يؤدي للدولة ) ألف ألف دينار وأربعمائة ألف دينار ، في كل سنة ، ولم يكن معه أحد يشركه في العمل من أصحاب السلطان ، لأنه تضمن الحرب والضياع والشحنة وسائر ما في عمله ، وكان واسع الصنيعة ، كثير الغلة ، وكان له ثمانون طرازة ينسج له فيها الثياب من الخير وغيره ، وتوفي في السنة 301 وخلف ثروة عظيمة ( صلة الطبري 23 ) .

وفي السنة 303 خرج جماعة من الأعراب علي قافلة الحجاج ، فآذوهم ، وحاربهم أبو حامد ورقاء المرتب علي الثعلبية لحفظ الطريق ، فقتل

ص: 316

منهم جماعة ، وأسر الباقين ، وأحضرهم إلي بغداد ، فأمر المقتدر بتسليمهم إلي صاحب الشرطة ليحبسهم ، ولكن العامة ثاروا بهم ، فقتلوهم ، وألقوهم في دجلة . ( ابن الأثير 95/8 ).

وفي السنة 306 قتل الحسين بن حمدان التغلبي ، عم الأمير سيف الدولة الحمداني ، وكان قد خرج عن طاعة المقتدر ، ثم عاد إلي الطاعة ، ثم عاود الخروج فحورب ، وأسر ، وحمل إلي بغداد في السنة 303 فحبسه المقتدر ، ثم قتله . ( الاعلام 254/2 - 255 ).

وفي السنة 309 فتح جيش العبيديين سجلماسة ، وقبض علي حاكمها أحمد بن ميمون وقتله ( الاعلام 77/8 ) .

وفي السنة 310 خرج ألياس بن إسحاق بن أحمد الساماني ، علي عمه نصر بن أحمد ، واستعان بمحمد بن الحسين بن مت ، فاجتمع له ثلاثون ألف عنان ، فقصد سمرقند، فسير إليه عمه نصر قوادة في ألفين وخمسمائة ، فكمنوا له كمينأ ، وفاجأوه ، فانهزم ، ووصل ابن مت إلي طراز ، فأخذه دهقان الناحية ، وقتله ، وأنفذ رأسه إلي بخاري ( ابن الأثير 133/8 ).

ولما حوكم الحلاج ، في مجلس يرأسه الوزير حامد بن العباس ، وكان متعبأ عليه ، أصدر الفقهاء حكما بقتله ، فامتنع المقتدر عن تنفيذ الحكم ، وألح حامد ، فكتب المقتدر ، بأن يسلم الحلاج إلي صاحب الشرطة ، وأن يضربه ألف سوط ، فإن تلف تحت الضرب ، وإلا ضربت عنقه ، فأخذه صاحب الشرطة لي ، بين جماعة من الساسة ليخفي أمره ، فإنه كان يخاف أن ينتزع من يده ، وأخرج في الصباح إلي رحبة مجلس صاحب الشرطة ، وهو في الجانب الغربي من بغداد ، في رأس الجسر ، وضرب ألف سوط ، ثم قطعت يده ، ثم رجله ، ثم يده ، ثم رجله ، وحر رأسه ، وأحرقت جثته ، فلما صارت رمادأ ألقيت في دجلة ، راجع تفصيل محاكمة الحلاج في كتاب نشوار المحاضرة للتنوخي ، رقم القصة 51/6 ج 6 ص 79 - 92 حيث

ص: 317

يتضح لمن يطالعها ، أن الحلاج لم يرتكب ذنبا يستوجب العقوبة فضلا عن القتل.

وفي السنة 311 أخذ شاكر ، خادم الحلاج ، وضربت عنقه ( النجوم الزاهرة 207/3 ).

ولما ور ابن الفرات للمقتدر ، وزارته الثالثة ، في السنة 311، اعتقل عبد الوهاب بن احمد بن ما شاء الله البيع ( يسمي الآن ببغداد البياع ) ، وحبسه ، ثم قتله ، فقال الناس : إن كان دم لا يطالب الله به ابن الفرات ، فهو دم ابن ما شاء الله ، ولمقتل هذا الرجل قصة وردت في كتاب الوزراء للصابي ( ص 239 - 237 ) قال : كان الفضل بن الحسن الواسطي ، يتولي بيع غلات أبي العباس وأبي الحسن ابني الفرات ، وكانت عظيمة ، لكثرة ضياعهما ، وزيادة آرتفاعهما ، فاتفق أن مات ، فأقاما مقامه عبد الوهاب بن أحمد بن ما شاء الله ، أحد غلمانه الرقاشين بين يديه ، وقدماه ، ورفعا منه ، ونوها بأسمه ، وأكسباه ما جزيلا ، فتأئلت به حاله ، وصرف أبو الحسن عن وزارته الأولي ، فخدم علي بن عيسي ، وباع غلاته ، فلما عاد أبو الحسن بن الفرات إلي الوزارة ثانية ، لم يؤاخذه بخدمة علي بن عيسي ، وأجراه علي رسمه في بيع غلاته ، وخاطب أبا عمر القاضي ، في قبول شهادته ، وإظهار عدالته ، وقبض علي ابن الفرات ، وتقلد حامد بن العباس ، وزارة المقتدر ، فلما صرف حامد، ووزر ابن الفرات الوزارة الثالثة ، قبض علي ابن ما شاء الله ، فأنفذ مفلح الأسود ، خادم المقتدر بالله ، وكانت له قدم متمكنة ، ومنزلة متقدمة ، ودالة قوية علي ابن الفرات ، لأنه قام بأمره ، عند عوده في هذا الوقت إلي الوزارة يسأله في بابه ، وحضر كاتبه برسالة في معناه ، فقال ابن الفرات : الأستاذ هو الصاحب ، وأمره الممتثل ، وأنت أيها الرسول المأمون ، لكنني أحضر ابن ما شاء الله ، وأواقفه بين يديك علي ما تسمعه ، فإن أردت بعد ذلك أن تأخذه ، سلمته إليك ، ولم أراجعك فيه ، ثم تقدم بإحضار ابن ماشاء الله ، فحضر يرسف في

ص: 318

قيوده ، فأمر بنزع الحديد عنه ، فنزع من وقته ، ثم قال له : اجلس ، فامتنع ، فكر عليه القول ، فجلس ، ثم أحلفه يمينا استوفاها عليه ، إنه يسمع ما يقول له ، ويجيب بما عنده ، من غير تقية ولا تورية ولا مواربة ، ومتي ذكر له ما فيه تزيد رده ، أو تعنت دفعه ، وناظره مناظرة النظير لنظيره ، من غير مراعاة لموضعه ، ولا أحتشام لمكانه ، فلما فرغ من ذلك ، قال له : ألم يكن الفضل بن الحسن الواسطي بيعي ، وبيع أبي العباس أخي ، وله الحال والجاه والمنزلة والوجاهة بمعاملتنا ، وتولي غلاتنا ، وكنت رفاشأ بين يديه ؟ قال : بلي ، قال : فلما مات ألم نصطنعك ، وقمك في خدمتنا مقامه ، ونرتبك الترتيب الذي شاع ذكرك به ؟ ومال الناس إلي معاملتك به ، من أبي الحسن علي بن عيسي خصمنا ، وغيره من أصحاب السلطان ، حتي كثر مالك ، وتريشت حالك ؟ قال : بلي ، قال : فلما سخط علي السلطان وانصرفت عما كنت أخدمه فيه ألم تعدل إلي أبي الحسن علي بن عيسي - وهو عدوي - تعامله وتداخله ؟ قال : بلي ، قال : ثم عدت إلي خدمة السلطان فهل واخذتك بذلك ، أو نقمته عليك ، أو عدلت في خدمتي عنك ؟ قال : لا ، قال : فهل أستعنا بك في نكبة ، أو حملناك من أمرنا كلفة ، أو حملت إلينا قط مراعاة أو ملاطفة ، أو فعلت ذلك مع أحد من أسبابنا ، في وقت استغناء أو حاجة ؟ قال : لا ، قال : أفلم نرفع من قدرك ، وألزمنا أبا عمر القاضي قبول شهادتك حتي زدت علي الأماثل من نظرائك ؟ قال : بلي ؟ ثم قال له المحسن إبنه ، وكان حاضرة : أما جئتك ليلة في سميرية ، ومعي خديجة بنت الفضل بن جعفر بن الفرات ، بنت عمي ، وزوجتي ، وثلاثون بدرة عينا نقلتها علي كتفي إلي المسجد المجاور لدارك بشارع الماديان ، وعلي قريب من سوق الطعام ، وأجلست المرأة تحفظ البدر ، وطرقت بابك متخفيا ، وعلي كنانة سوداء ، وبيدي طبرزين ، ودفعت الباب ففتحت لي جاريتك ، وهجمت عليك ، وأنت وحرمك في صفة دارك ، فارتعت ، وقلت : من أنت ؟ فلما تبينت وجهي ، قلت : سيدنا الوزير ؟ قلت : لست

ص: 319

الوزير ، أنا سرور خادم خديجة بنت الفضل بن جعفر ، أخرج معي وأبعد من معك عنك ، فخرجت ، ونقلنا البدر إلي دارك ، ومعها زوجتي ، وقلت لك : هذه خديجة بنت عمي ، وزوجتي ، وهي طالق مني ثلاثا بتاتا إن كان هذا المال لي أو لأبي ، بل هو ملكها ، وإرثها من أبيها ، وهو وديعة لها عندك ، وأمانة في عنقك ، لا تعط أحدا منه دينارة فما فوقه سواها ، فقلت : نعم ، وتسلمت البدر ؟ قال : نعم ، قال : أفلم أخاطبك بعد مدة من ذلك ، علي أن تقرضني من الجملة بدر تين ، فما فعلت ، وأعتذرت بما كان جري ، فعذرتك ، وقلت لك : إنما أعتبرتك وأختبرتك ؟ قال : نعم ، فقال له أبو الحسن بن الفرات : أفلم تحضر مع الشهود عند مصادرتنا ، وقد جمع الناس للكشف عن حالنا ، وبقية إن كانت بقيت من أموالنا ، ثم انتهي الأمر يومئذ إلي استحلافنا، فحلفنا - أنا والمحسن إبني - بالأيمان المغلظة السلطانية المشتملة علي الطلاق والعتاق وصدقة المال ، انه لم يبق لنا موجود ، ولا مذخور ، ولا مودوع ، وأقسمنا بعد القسم بالله ، بحق رأس أمير المؤمنين علي مثل ذلك ، وأحللناه من دمنا ، إن كنا كاذبين ؟ قال : نعم ، قال : أفلم تسمع اليمين وأنت تعلم اننا صادقان فيها ، بخروج ما عندك عما نملكه مع ما قاله لك المحبين في أمره إنه لزوجته من دونه ودون غيره ، وإنه مال ورثته عن أبيها ، ما استفادته منا ، قال : نعم ، قال : أفلم تقم في ذلك المجلس ، مع علمك ما تعلم ، وقلت : كذب ، له عندي ثلاثون بدرة عين أو دعنيها ابنه المحن ؟ ولو لم نبلغك ما بلغناك ونقدمك من منزلة الشهود إلي ما قدمناك ، لما حضرت ذلك المجلس ، ويا ليتك ، لما فعلت ما فعلت ، صدقت عن باطن الأمر ، فقد كان يسعك أن تعطي ما أعطيت ، وتسلم ما سلمت ، بعد أن تذكر ما جري بين المحسن وبينك .

فلما سمع كاتب مفلح ، من قول ابن الفرات لابن ما شاء الله ما قال ، واعترافه له بجميع ذلك ، نهض ، وقال : أستودع الله الوزير ، وانصرف .

ص: 320

وأمر الوزير برد ابن ما شاء الله إلي محبسه ، ثم قتله .

وقال الناس : إن كان دم لا يطالب الله بن ابن الفرات ، فدم ابن ما شاء الله ( الوزراء 234 - 237 ).

وفي السنة 312 سلم المحسن بن الفرات إلي أحد أتباعه ، جماعة من العمال والكتاب والتجار ، فيهم النعمان بن عبد الله ، وعبد الوهاب بن ما شاء الله ، ومؤنس خادم حامد ، فأظهر انه يطالبهم بما بقي عليهم من مبالغ المصادرة ، فلما حصلوا في يده ذبحهم ذبح الغنم . (تجارب الأمم 123/1)

وفي السنة 312 قتل محمد بن خزر الزناتي ، مصالة بن حبوس المكناسي ، من أكبر قواد عبيد الله المهدي ، وولي للمهدي علي تاهرت والمغرب الأوسط، واستولي علي فاس وسجلماسة . ( الاعلام 128/8 ).

وفي السنة 315 نشبت معركة ضارية بين أبي طاهر القرمطي ، والجيش العباسي بقيادة يوسف بن أبي الساج ، فانكسر الجيش العباسي ، وأسر يوسف جريحا ، فقتله . ( ابن الأثير 170/8 - 173).

وفي السنة 316 كان أسفار بن شيرويه الديلمي ، قد ملك الري ، وطبرستان وجرجان ، وقزوين ، وزنجان ، وأبهر ، وقم ، والكرج ، وعظمت جيوشه ، فطغي وتجبر ، وقرر أن يجعل لنفسه تاجأ ، وأن ينصب لنفسه بالري سريرة من الذهب ، وبطش بأهل قزوين ، وأخذ أموالهم ، وعذبهم ، وقتل كثيرة منهم ، وعسفهم عسفا شديدا ، حتي إنه سمع المؤذن يؤذن ، فأمر به فألقي من أعلي المنارة إلي الأرض ، فاستغاث الناس من شره وظلمه ، وخرج أهل قزوين بأجمعهم ، إلي الصحراء ، رجا" ، ونساء ، وولدانا ، يتضرعون إلي الله ، ويدعون عليه ، ويسألون الله كشف ما بهم ، فبلغه ذلك ، فضحك منهم ، وشتمهم ، وكان قد بعث أحد قواده مرداويج ، إلي سلار صاحب

ص: 321

شميران الطرم ، يدعوه إلي طاعته ، فاتفق مرداويج مع سلار ، علي محاربة أسفار ، وتخليص الناس مما يلاقون من الجهد والبلاء من حكمه ، وكتب مرداويج إلي جماعة من القواد الذين يثق بهم من جماعة أسفار ، يعرفهم ما اتفق عليه هو وسلار ، فأجابوه ، وكانوا قد سئتموا حكم أسفار لظلمه وجوره ، حتي أن مطرف بن محمد ، وزير أسفار ، وافقهم علي التخلص منه ، فلما قصده مرداويج وسلار ، ثار به جنده ، فهرب منهم في جماعة ، وركب المفازة ، يريد قلعة ألموت ، حيث أمواله وذخائره ، وبلغ مرداويج خبره ، فخرج في أثره ، وقدم بعض قواده بين يديه ، فلحقه ذلك القائد وقد نزل يستريح ، فسلم عليه بالإمرة ، فقال له أسفار : لعل خبري قد اتصل بكم ، وأرسلوك في طلبي ، قال : نعم ، فبكي أصحابه ، فأنكر عليهم أسفار ذلك ، وقال لهم : بمثل هذه القلوب تتجندون ؟ أما علمتم أن الولايات مقرون بها البليات ، ثم أقبل علي القائد وهو يضحك ، وسأله عن قواده الذين أسلموه وخذلوه ، فأخبره بأن مرداويج قتلهم ، فتهلل وجهه ، وقال : كانت حياة هؤلاء غصة في حلقي ، وقد طابت نفسي الآن ، فحمله القائد إلي مرداويج ، فلما راه ، نزل إليه وذبحه ( ابن الأثير 193/8 - 195 ) .

ولما عزل المقتدر ، في السنة 317 ونصب أخوه القاهر خليفة ، حضر قسم من الجند بعد يومين من بيعة القاهر ، يطالبون بمال البيعة ، واقتربوا من مجلس القاهر ، فخرج إليهم نازوك ، وكانت إليه الشرطة والحجابة ، فشهروا عليه السلاح ، فولي منهم ، فعدوا خلفه ، وقتلوه وقتلوا غلامه عجيبأ ، وصاحوا : مقتدر ، يا منصور ، وصلبوا نازوك وعجيبة علي خشب الستارة التي علي شاطيء دجلة ، وأعادوا المقتدر إلي الخلافة . ( تجارب الأمم 196و 195/1).

وفي السنة 321 احتال القاهر ، علي القواد مؤنس ويلبق وولده علي فاعتقلهم ، ثم دخل علي علي بن يلبق ، وأمر به فذبح أمامه ، وآحت رأسه ،

ص: 322

فوضعوه في طشت ، ومضي القاهر والطشت يحمل بين يديه ، حتي دخل علي يلبق ، فوضع الطشت بين يديه ، وفيه رأس ولده ، فلما رآه بكي ، فأمر به القاهر فذبح أيضا ، وجعل رأسه في الطشت ، وحمل بين يدي القاهر ، ومضي حتي دخل علي مؤنس ، فوضع الطشت بين يديه ، فلما رأي الرأسين ، استرجع ، وتشهد ، فقال القاهر : جوا برجل الكلب الملعون ، فجروه ، وذبحوه ، ووضعوا رأسه في الطشت ، وطيف بالرؤوس في بغداد . ( ابن الأثير 260/8 و261).

أقول : الطشت بالشين ، لغة في الطست بالسين .

وفي السنة 321 اتهم مرداويج ، وزيره مطرف بن محمد ، بأنه مال إلي جانب السامانية ، فقتله ( ابن الأثير 263/8 ).

وفي السنة 322 قتل الراضي ، الحسين بن القاسم بن عبيد الله بن سليمان بن وهب ، وكان سبب ذلك إن الحسين بن القاسم سبق أن وژر في السنة 319 للمقتدر ، فخاصم مؤنسأ ، وأوقع في قلب المقتدر أن مؤنسأ يحاول خلع المقتدر ، ويحاول أن يأخذ أبا العباس أحمد بن المقتدر ( الراضي فيما بعد ) من داره بالمخرم ويسير به نحو الشام ، فيبايعه هناك ، فرد المقتدر ولده أبا العباس أحمد إلي دار الخلافة ، وعلم أبو العباس بالسبب ، فحقدها علي الحسين ، فلما ولي الخلافة ، وتبين من محاكمة ابن الشلمغاني ، الذي أنشأ ديانة جديدة ، أن الحسين من أتباعه ، وكان الحسين بالرقة ، فأنفذ الراضي إليه من قتله ، وحمل رأسه إلي بغداد ( ابن الأثير 232/8 و 294 ) .

وفي السنة 322 اشتبك عماد الدولة بن بويه ، مع القائد ياقوت ، وياقوت علي رأس جيش عباسي ، بقرب شيراز ، وكان من سعادة عماد الدولة أن جماعة من أصحابه استأمنوا إلي ياقوت ، فحين رآهم ياقوت ، أمر بضرب رقابهم ، فأيقن أصحاب عماد الدولة أنه لا أمان لهم عند ياقوت ، فاستقتلوا ،

ص: 323

وكسب عماد الدولة المعركة ، وانفل الجيش العباسي ، وانهزم ياقوت ، ووجدوا في مخلفات ياقوت ، برانس لبود عليها أذناب الثعالب ، وقيودا وأغلالا ، فسألوا عنها أصحاب ياقوت ، فقالوا : إن هذه أعدت لكم لتجعل عليكم ، ويطاف بكم في البلاد ، فأشار أصحاب عماد الدولة عليه أن يفعل بهم مثل ذلك ، فامتنع ، وقال : إنه بغي ، ولؤم ظفر ، ثم أحسن إلي الأساري وأطلقهم ، وخيرهم بين المقام عنده ، أو اللحاق بياقوت ، فاختاروا المقام عنده ، فخلع عليهم ، وأحسن إليهم ، واستولي علي شيراز ( ابن الأثير 275/8 و 276 ) .

وفي السنة 322 قتل هارون بن غريب الخال ، وغريب هو خال المقتدر ، وكان سبب قتله إنه لما استخلف الراضي ، وجد هارون إنه أحق بالدولة من غيره ، لقرابته ، وإنه ابن خال المقتدر ، فكاتب القواد ببغداد يعدهم الإحسان والزيادة في الأرزاق ، وسار من الدينور يريد خانقين ، فانزعج القواد في بغداد ، وشكوه إلي الراضي ، فأذن لهم في منعه ، فراسلوه ، وبذلوا له طريق خراسان ، زيادة علي ما في يده من الأعمال ، فلم يقنع ، وتقدم إلي النهروان ، وشرع في جباية الأموال ، فخرج إليه محمد بن ياقوت القائد ، وكانت إليه حجية الخليفة ، في جيش بغداد ، فاصطدم الجيشان ، وكانت الكفة الراجحة لجند هارون ، وسار محمد بن ياقوت ليقطع قنطرة نهربين ، وهي في طريقه إلي بغداد ، فبلغ ذلك هارون ، فسار نحو القنطرة منفردة من أصحابه ، طمعا في قتل محمد بن ياقوت ، أو أسره ، فتقنطر به فرسه ، فسقط في ساقية ، فلحقه غلام له اسمه يمن ، فضربه بالطبرزين حتي أثخنه ، وكسر عظامه ، ثم نزل إليه فذبحه ، ثم رفع الرأس وكبر ، فانهزم أصحابه وتفرقوا ، وقتل جماعة من قواده ، وأسر جماعة ، ودخل محمد بن ياقوت بغداد ورأس هارون بين يديه ، ورؤوس جماعة من قواده ، فنصب بغداد ( ابن الأثير 288/8 و 289 ) .

ص: 324

وفي السنة 331 استقدم الأمير نوح الساماني ، محمد بن أحمد النسفي البردهي ، وكان قد طعن فيه عنده ، فقتله ، وصلبه ، فسرق من الجذع ، ولم يعلم من سرقه ( ابن الأثير 404/8 ) .

وفي السنة 332 صار محمد بن ينال الترجمان إلي سيف الدولة ، وهو بالرقة ، فعاتبه سيف الدولة علي أشياء بلغته عنه ، وكان اتهم بأنه عقد الرئاسة لنفسه علي العجم ، وواطأ المتقي علي الإيقاع بسيف الدولة ، فجحد محمد بن ينال ذلك ، فلما خرج من حضرته بعد العتاب ، وثب به غلمان سيف الدولة ، فقتلوه بسيوفهم ( تجارب الأمم 55/2 ).

وفي السنة 332 قتل أبو عبد الله البريدي ، أخاه أبا يوسف البريدي ، وكان أبو عبد الله عظيم البذل للمال ، بخلاف أبي يوسف فإنه كان جماعة للمال ، مقتصدة في الصرف ، وكان أبو عبد الله كلما احتاج إلي مال ، وطلب من أبي يوسف أن يقرضه ، خاشنه أبو يوسف ، وعيره بالتبذير ، واحتاج أبو عبد الله مرة إلي مال ، فبعث إليه علي سبيل الرهن ، جوهرة كان بجكم قد أعطاه لسارة ابنة أبي عبد الله البريدي لما تزوجها ، فأحضر أبو يوسف الجوهرية ، وأراهم الجوهر لتقدير ثمنه ، فلما أثنوا علي الجوهر ، خاشنهم أبو يوسف وقال لهم إنه لا يساوي أكثر من خمسين ألف درهم ، وبعث إلي أخيه خمسين ألف درهم ، وحفظ الجوهر في حوزته ، فدمعت عينا أبي عبد الله ، وعدد ما فعله مع أخيه أبي يوسف من الإحسان ، فلما كان من الغد ، أقام غلمانه في طريق مسقوف بين داره والشط ، وأقبل أخوه أبو يوسف من الشط ، فدخل في ذلك الطريق ، فثاروا به ، فقتلوه ، وهو يصيح : يا أخي ، يا أخي ، قتلوني ، وأخوه يسمعه ، ويقول : إلي لعنة الله ، حتي قتلوه ( ابن الأثير 409/8 و410) .

وفي السنة 333 ضربت عنق طاهر الهاشمي ، من ولد إبراهيم الإمام ، وابن السوسي الحجري ( من الغلمان الحجرية ) ، بحضرة الحسين ، أي في

ص: 325

الساحة بمقبرة الحسين الحلاج ، وصلبوا هناك ، وضربت أيضا عنق ممراح اليلبقي ، أي من أتباع يلبق القائد التركي الذي قتله القاهر ، وكان ممراح يكبس المنازل ويقطع الطريق في السماريات ، والسمارية من وسائل الانتقال في الماء ( العيون والحدائق ج 4 ق 2 ص 157 ) .

وفي السنة 333 قدم أبو الحسين البريدي ( ثالث الأخوة البريديين )، بغداد ، مستأمنا إلي توزون ، فأمنه ، وأكرمه أبو جعفر بن شيرزاد وزير توزون ، وطلب أن يعان علي ابن أخيه الذي استولي علي البصرة ، فأنفذ ابن أخيه مالا إلي توزون وابن شيرزاد ، فأنفذوا له الخلع ، وأقروه علي عمله ، فلما أيس أبو الحسين من البصرة ، عمل علي أن يحل عند توزون ، محل ابن شيرزاد ، وعلم ابن شيرزاد بذلك ، فقبض عليه وقيده ، وعذبه ، وضربه ضربا عنيفا ، وأحضر له فتوي كانت قد صدرت أيام ناصر الدولة بإباحة دمه ، وأحضر الفقهاء، وتليت الفتوي أمامهم ، ثم قطعت عنقه ( ابن الأثير 442/8)

وحضر أبو القاسم عبد الله بن محمد بن الحسين العبقسي ، مجلس صاحب الشرطة بنصيبين ، وقد أحضر أمامه سبعة من اللصوص قاطعي الطريق ، فشهد لثلاثة منهم ، فخلصهم من العقوبة ، وأطلقوا ، وضربت أعناق الباقين ، راجع تفصيل ذلك في كتاب نشوار المحاضرة وأخبار المذاكرة اللقاضي التنوخي ج 5 ص 254 - 258 رقم القصة 132 .

واعترف فتي بغدادي ، من أولاد الجند ، بأنه قتل فتاة بغدادية وصاحبها الأسود ، ودلالة عجوزة ، لأنهم أرادوا قتله ، وحاز الألوف مما وجده عندهم من أموال ، راجع تفصيل ذلك في كتاب نشوار المحاضرة للتنوخي ج 5 ص 259 - 264 رقم القصة 133 .

وفي السنة 334 خرج أبو علي بن محتاج ، علي أميره نوح

ص: 326

الساماني ، صاحب خراسان وما وراء النهر ، واستولي علي عدة مدن ، منها مرو ، وولي عليها أبا أحمد محمد بن علي القزويني ، فبعث الأمير نوح ، قائده منصور بن قراتكين إلي مرو ، فخرج إليه القزويني مستسلمة ، فأكرمه ، وسيره إلي بخاري ، مع ماله وأصحابه ، فأكرمه الأمير نوح ، وأحسن إليه ، إلا إنه وكل به ، يعني إنه . وضعه تحت المراقبة الدقيقة ، فظفر في بعض الأيام ، برقعة كتبها القزويني ، بما أنكره ، فأحضره ، وبكته بذنوبه ، ثم قتله ، ( ابن الأثير 461/8 و462) .

وفي السنة 335 كان جنود الدولة السامانية ، قد أزعجهم محمد بن أحمد الحاكم ، المتولي للأمور لسوء سيرته ، فقالوا لأميرهم نوح الساماني ، صاحب خراسان وما وراء النهر ، إن الحاكم أفسد عليك الأمور بخراسان ، وأحوج أبا علي إلي العصيان ، وأوحش الجنود ، وطلبوا تسليمه إليهم، وإلا ساروا إلي عمه فأمروه ، فأسلمه إليهم ، فقتلوه ( ابن الأثير 9/8 و4 ).

وفي السنة 349 غزا سيف الدولة الروم في ثلاثين ألفا ، وعند عودته ، أخذ عليه الروم الدروب ، وسدوا طريقه ، وكان مع سيف الدولة أربعمائة أسير من الروم ، فضرب أعناقهم ، ونجا في ثلثمائة من أصحابه ، واستباح الروم بقية الجيش ، وقتل منهم كثير ( خطط الشام 219/1 ) .

وفي السنة 349 ظهر بأذربيجان ، رجل من أولاد عيسي بن المكتفي ، تلقب بالمستجير بالله ، ولبس الصوف ، وأظهر العدل ، وأمر بالمعروف ، ونهي عن المنكر ، وكثر أتباعه ، فقصده جستان وابراهيم ولدا المزربان ، فلما التقوا ، انهزم أصحاب المستجير ، وأسر ، فقتل ( ابن الأثير 529/8 و 530 ) .

وفي السنة 353 خرج نجا غلام سيف الدولة ، علي سيده ، واستولي علي أكثر بلاد أرمينية ، وأعلن عصيانه ، وكاتب معز الدولة ، ووعده المعاضدة والمساعدة علي مواليه الحمدانيين ، فقصده سيف الدولة بجيش ،

ص: 327

فقر نجا منه ، ثم استأمن إليه ، فأحسن إليه سيف الدولة ، وأعاده إلي مرتبته ، ثم إن غلمان سيف الدولة ، وثبوا بنجا في السنة 354 فقتلوه بين يديه ، فغشي علي سيف الدولة ، وأخرج نجا ، فطرح في مجري الماء والأقذار ، ثم أخرج ودفن ( ابن الأثير 551/8 و 552).

وفي السنة 359 قتل الأمير سليمان بن محمد، من بني ألياس ، صاحب كرمان قتله البويهيون ( معجم انساب الأسر الحاكمة 327) .

وفي السنة 359 قبض الوزير أبو الفرج بن فسانجس ، علي سلفه الوزير أبي الفضل الشيرازي ، وعلي أسبابه ، فصادرهم ، وقتل بالعذاب صهرة لابي الفضل إسمه ابراهيم بن محمد ( تجارب الأمم 264/2 ).

وفي السنة 360 هلك أبو طاهر الحسين بن الحسن عامل البصرة ، وكان ذاشهامة وكفاية وتهور ، فطمع في الوزارة ، وحاول إرضاء بختيار بالمرافق والأموال ، فصادر الناس ، وبسط يده في القبض علي التجار والعوام واستخرج منهم أموالا كثيرة ، وأحس الوزير أبو الفضل الشيرازي بأنه طامع في الوزارة ، فكتب إلي بختيار يعرفه أنه قد أخرب البصرة وأفسد نيات أهلها ، وأنهم عرب لا يتحملون ما يتحمله غيرهم ، وما دامت أموالهم قد حصلت ، فالصواب يقضي بإرضائهم بالقبض علي هذا العامل ، والاستبدال به ، فأمر بالقبض عليه ، فقبض الوزير عليه وعلي أخيه والمتصلين به حتي زوجته ، وعياله وأقاربه ، وأسبابه كلهم وكان العامل من أهل الشر ، فكثر خصماؤه ، فعسفه علي بن الحسين خلفه في عمالة البصرة ، وسلمه إلي مستخرج كان قد وتره ، فنالته منه مكاره عظيمة ، خاف معها أن يسلم فيكون بواره علي يده ، فأتي علي نفسه ، ثم ألحق به أخاه ، وأقاربه ، وزوجته ، فأتلف الجماعة بأسرها ، وعقي آثارها . ( تجارب الأمم 293/2 - 299 ).

وفي السنة 361 سار محمد بن هانيء الأندلسي الشاعر مع المعز

ص: 328

العلوي قاصدا مصر ، فلما وصل إلي برقة ، رؤي ملقي علي جانب البحر قتيلا لا يدري من قتله . ( ابن الأثير 621/8 ).

وفي السنة 361 اجتمع عوام بغداد ، علي صاحب شرطة بختيار ، واسمه خمار ، فحملوا عليه ، وقتلوه خفقا بالسيوف واللتوت ، وفضلوا جثته آراب ، حتي أخذ كبده بعض السفهاء، وقلبه آخر ، وكل جارحة منه ، وجدت في يد سفيه ، ثم أحرقوا باقي جثته بالنار . ( تجارب الأمم 305/2 و306).

وفي السنة 361 قتل الخير بن محمد بن محمد بن خزر ، الملقب بالمنتصر ، من سلاطين المغرب الأوسط ، وهو من بني مغراوة ( معجم أنساب الأسر الحاكمة 112).

وفي السنة 363 قصد القرامطة مصر ، في جمع عظيم ، فصمد لهم المعز لدين الله ، وحاربهم ، فانكشفوا ، وفروا ، واستولي المعز علي المعسكر القرمطي ، وأسر من القرامطة نحو ألف وخمسمائة أسير ، فضرب أعناقهم ( ابن الأثير 323/2).

وفي السنة 363 خشي ابن بقية وزير بختيار ، علي منصبه ، أن يخلفه عليه محمد بن أحمد الجراجرائي ، لأنه وجده قد خفت علي قلب بختيار ، فأرسله إلي البصيرة في مهمة ، ثم كتب إلي وكيل له بالبصرة ، أن يقبض عليه ، فاعتقله ، وأحدره إلي واسط ، وكتب ابن بقية إلي عامله علي واسط ، فتسلمه ، ومكث عنده أياما ، وقتله ، وأظهر أنه أعتل ومات . ( تجارب الأمم 323/2)

وقبض الأبزاعجي ، صاحب شرطة بغداد ، في عهد معز الدولة البويهي ، علي ملاح غرق امرأة وإبنتيها، من أجل الإستيلاء علي حليها، والعبث بها ، فأمر به ، فقطعت يداه ، ورجلاه ، ثم قطعت عنقه ، وأحرق

ص: 329

جسده بالنار، راجع القصة مفصلة في كتاب نشوار المحاضرة للتنوخي ، رقم القصة 141/3 ج 3 ص 214 - 220 .

وفي السنة 366 هاجم سجلماسة ، خزرون بن فلفول ، من رؤساء مغراوة ، وانتصر علي المعتز بالله أبي محمد بن الشاكر لله محمد ، وقتله ، وبعث برأسه إلي قرطبة ، وبقتله انتهي أمر بني مدرار . ( الاعلام 78/8 ).

وبعث العزيز الفاطمي بمصر ، إلي كتامة بالمغرب ، داعيا يقال له : أبو الفهم الحسن بن نصر ، يدعوهم إلي طاعته ، ويطلب أن تميل كتامة إليه ، وترسل إليه جندة يقاتلون المنصور الصنهاجي المستولي علي إفريقية ، فدعاهم أبو الفهم ، وكثر من تبعه منهم ، فعزم المنصور علي قصده ، فكتب العزيز إلي المنصور يحذره من ذلك ، فلم يستمع المنصور ، وتجهز لحرب كتامة ، وقاتلهم ، فهزمهم ، وهرب أبو الفهم إلي جبل وعر ، والتجأ إلي قوم من كتامة يقال لهم : بنوا إبراهيم ، فأرسل إليهم المنصور يهددهم ، فقالوا : لا نسلم ضيفنا ، فأرسل ، فأخذه قسرا ، وضربه ضربا شديدا ، ثم قتله ، وسلخه ، وأكلت صنهاجة وعبيد المنصور لحمه ( ابن الأثير 54/9 ).

وفي السنة 367 نشبت معركة بين بختيار البويهي ، وابن عمه عضد الدولة ، بقصر الجص ، بنواحي تكريت ، فأسر بختيار ، وحمل إلي عضد الدولة ، فأمر بقتله ، فقتل ( ابن الأثير 691/8 ) .

وفي السنة 368 قتل مروان بن عبد الرحمن بن مروان بن عبد الرحمن الناصر ، بالأندلس ، أباه عبد الرحمن بن مروان ، وسبب القتل أنه كان يتعشق جارية رباها أبوه معه ، ثم استأثر بها أبوه ، فاشتدت غيرته ، وقتل أباه فسجنه المنصور بن أبي عامر ست عشرة سنة ، ثم خرج من السجن ، فعاش ست عشرة سنة ، وتوفي سنة 400 ، وكان في ملاحة الشعر وحسن التشبيه ، في بني أمية ، كابن المعتر في بني العباس . ( الاعلام 96/8 ).

ص: 330

وفي اسنة 369 وقعت الحرب بين أبي تغلب ، وبين الفضل وابن الجراح ، بالرملة ، فأصابت أبا تغلب ضربة علي رأسه ، وعرقب فرسه ، فسقط إلي الأرض ، فأسره ابن الجراح ، وسيره علي ناقة ، وقد شد رجليه بسلسلة إلي بطنها ، فأراد الفضل أن يأخذه منه ، فبادر ابن الجراح ، وأناخ الناقة ، وضرب أبا تغلب بسيفه فقتله . ( تجارب الأمم 403/2 ) .

وفي السنة 370 كان عضد الدولة ، قد خلع علي بدر بن حسنويه ، وأمره مكان أبيه ، فحسده أخواه عاصم وعبد الملك ، وخرجا عليه ، فسير إليهما عضد الدولة جيشأ أوقع بعاصم ، وأسره، وقتل أولاد حسنويه ، إلا بدرا . ( ابن الأثير 5/9 و6 ).

وفي السنة 372 اعتقل الحاجب المنصور، إبن أبي عامر ، الوزير جعفر المصحفي ، وصادر أمواله ، ثم قتله ، وبعث بجسده إلي أهله . ( الاعلام 119/2)

وفي السنة 372 قتل أبو علي الحسن بن بشر الراعي ، عامل نصيبين ، وكان ظالما شريرة ، لما بلغ الناس خبر وفاة عضد الدولة ، إذ هاجمه أهل البلد ، للفتك به ، فخرج في لباس امرأة ، وغمز عليه فأخذ وقتل ، وكان الراعي هذا ، نصرانية من أهل رأس عين صحب بني حمدان ، وأسلم ، وفر إلي بغداد ، فقلده ابن بقية الوزير واسط ، ثم استخلفه ببغداد ، وفي السنة 366 قتل عددا من الناس بأمر من الوزير ابن بقية ، ولما اعتقل بختيار وزيره ابن بقية ، اعتقل الراعي معه ، ثم سمله ( تجارب الأمم 8/2 و3 و 359 و 369 وذيل تجارب الأمم 83).

وفي السنة 372 لما توفي عضد الدولة ببغداد ، كان ولده شرف الدولة شيرزيل بكرمان ، فلما بلغه خبر وفاة أبيه ، سار مجدأ إلي فارس فملكها، وقبض علي نصر بن هارون النصراني ، وزير أبيه ، فقتله ، لأنه كان يسيء صحبته أيام أبيه ( ابن الأثير 23/9 ) .

ص: 331

وفي السنة 375 تحرك أبو الحسين بن عضد الدولة ، بأصبهان ، وأراد الاستيلاء عليها ، فاعتقله أبو العباس الضبي ، وقيده ، وحبس في قلعة ببلاد الديلم ، ولما اشتدت العلة بفخر الدولة ، أنفذ إليه من قتله في السنة 387، ووجدوا مكتوبة في حبسه من نظمه : ( ذيل تجارب الأمم 122 و123).

هب الدهر أرضاني ، وأعتب صرفه**** وأعقب بالحسني وفك من الأسر

فمن لي بأيام الشباب التي مضت**** ومن لي بما قدفات في الحبس من عمري

وفي السنة 377 جهز شرف الدولة البويهي عسكر كثيفا بقيادة قراتكين الجهشياري وهو مقدم عسكره وكبيرهم ، لقتال بدرين حسنويه ، فعاد قراتكين منكسرة ، فقبض شرف الدولة عليه ، وقيده ، ثم قتله في يومه ( ابن الأثير 52/9 و53 وذيل تأارب الأمم 140).

وفي السنة 379 قتل أبو الفضل بن أبي مكتوم ، وزير الأمير أبي علي البويهي ، بأرجان ، قتله القائد التركي البكي ، وكان قد قدم أرجان ، فخرج الأمير والوزير لاستقباله ، فتقدم جند أتراك من الوزير ، وجوه إلي حيث ذبحوه ، ثم جاء البكي إلي الأمير وأعتذر إليه ، بأنه وقف علي سوء نية الوزير ، فقتله ، فلم يجد الأمير بدأ من السكوت . ( ذيل تجارب الأمم 161 و162).

وفي السنة 379 قبض بهاء الدولة البويهي ، علي تحرير الخادم واعتقل في الخزانة ، أي في دار الإمارة ، ثم خير فاختار أن يعتقل في دار أبي جعفر الحجاج ، ثم ألح الحسين الفراش ، فأذن له بهاء الدولة بأن ينقله إلي داره ( دار الحسين ) ويعتقله فيها، فنقله إلي داره ، وقتله في الحبس . ( ذيل تجارب الأمم 154 - 157 ).

وفي السنة 379 خرج إنسان من كتامة يقال له أبو الفرج ، واتخذ البنود والطبول ، وضرب السكة ، وجرت بينه وبين المنصور بن يوسف بن بلكين

ص: 332

وقائع عديدة ، فسار إليه المنصور في عساكره ، فانهزم أبو الفرج ، وقتل من كتامة مقتلة عظيمة ، واختفي أبو الفرج في غار في جبل ، فوثب عليه غلامان له ، فأخذاه إلي المنصور ، فقتله ( ابن الأثير 67/9 ).

وفي السنة 380 قبض علي أبي الفرج محمد بن أحمد ، المعروف بابن الزطي ، صاحب المعونة ببغداد ، وكان ظالما شريرة ، وتر الناس ، وعرف بكثرة المال فقبض عليه ، واعتقل بالخزانة ، وكرر الضرب عليه أياما ، ثم ضمنه أبو القاسم الشيرازي بألف ألف وخمسمائة ألف درهم ، وقال : إن المال لا يصح وهو حي ، يخافه أصحاب الودائع ، فقتل ، وحمل رأسه إلي المعلم ، فأنفذه إلي محمد بن مكرم ، فوضعه في دهليزه ليراه الناس . ( ذيل تجارب الأمم 179 - 181 ).

وكان بكجور ، مولي قرغويه غلام سيف الدولة ، علي حمص ، في السنة 372 ولاه عليها أبو المعالي ابن سيف الدولة الحمداني ، فعصي عليه ، وكاتب العزيز الفاطمي ، فولاه دمشق ، فأساء السيرة فيها ، فعزله ، فحارب العزيز ، ولكنه آنكسر ، وتوجه إلي الرقة ، وراسل بهاء الدولة البويهي الينضم إليه ، وكاتب كذلك باد الكردي المتغلب علي ديار بكر ، وراسل في الوقت عينه سعد الدولة أبا المعالي ، بأن يعود إلي طاعته ، ويعيد إليه حمص ، فرفضه جميع الذين كاتبهم ، وبقي في الرقة ، فكاتب العزيز يغريه بالإستيلاء علي حلب ، فوافقه العزيز في الظاهر ، وكتب إلي والي طرابلس أن يعينه بالعساكر ، وكتب سيرا إلي والي طرابلس ، أن يترك بكجور حتي يتورط مع سعد الدولة ، ثم يتخلي عنه ، وتم الأمر علي ذلك ، فإن بكجور قصد حلب ، وأغتر بوعد والي طرابلس أن ينجده بالعساكر ، فلما نشبت المعركة بين بكجور وسعد الدولة ، انكسر بكجور ، وتفرق عنه أصحابه ، فأخذه أحد الأعراب وحمله إلي سعد الدولة ، فأمر بقتله ، فقتل ، وكان قتله في السنة 381 ( ابن الأثير 17/9 و 18 ، 58 و85-87 ) .

ص: 333

وفي السنة 381 قتل الحاكم الفاطمي ، أرجوان الخادم ، وكان أرجوان يأخذ الحاكم بالسلوك الحسن ، وينصحه ، ويصده عن التبذير ، فضجر منه ، وكان ريدان الصقلبي، أحد خدم الحاكم ، يغريه بأرجوان ، فأمر ريدان أن يقتله إذا ساروا في البستان ، ولما جاء أرجوان ، دخلوا إلي البستان ، ومشي الحاكم وأرجوان خلفه ، ومن بعده ريدان ، فأهوي ريدان بالسكين في ظهر أرجوان ، فقال أرجوان للحاكم : يا مولاي ، غدرت ، فصاح الحاكم بالخدم، وتكاثروا ، وأجهزوا عليه . ( ذيل تجارب الأمم 230 و 231 ).

وفي السنة 381 اعتقل القائد أبو منصور فولاذ بن ماناذر ، الوزير أبا القاسم العلاء بن الحسن ، وزير صمصام الدولة البويهي ، في حجرة من حجر دار الإمارة ، وكانت بينهما من قبل مودة ، ثم انقلبت لتعارض المصالح إلي عداوة ، فاعتقل فولاذ الوزير ، لما زاره ، وخرجا معا ، حتي وقفا بباب بيت ، فدفعه فولاذ إلي داخل البيت وأغلق عليه بابه ، وولي به قومأ من أتباعه ، وكان للبيت باب آخر مسمر ، غفل عنه فولاذ ، فقلع الوزير مساميره ، ونفذ منه إلي صمصام الدولة ، وخوفه من فولاذ، وأغراه بأن يقبض عليه ، فوضع صمصام الدولة من يقبض عليه إذا قدم ، وسمع الحديث علي الأرزناني النديم ، وكان يتجسس لفولاذ ، فلما وافي فولاذ، أشار عليه أن يعود ، فرجع فولاذ ، ومضي علي وجهه إلي الأكراد الخسروية ، فنزل عليهم ، وعلم صمصام الدولة بما صنع علي الأرزناني ، فأمريه ، فقتل. ( ذيل تجارب الأمم 199 - 201).

وفي السنة 385 حارب الأمير مأمون بن محمد ، والي الجرجانية اللسامانيين ، خوارزم شاه أبا عبد الله محمد بن أحمد ، وأسره ، وأمر به فقتل بين يديه ، وسبب ذلك ، إنه في السنة 383 اختلف أبو علي بن أبي الحسن بن سيمجور ، مع الأمير نوح بن منصور الساماني ، صاحب خراسان

ص: 334

وما وراء النهر ، فكاتب بغراخان التركي يحضه علي الإستيلاء علي بخاري عاصمة السامانية ، فسار بغراخان قاصدأ بخاري ، وطرد الأمير نوحأ منها ، ثم مرض بغراخان ، ورحل عن بخاري ، فعاد إليها نوح ، وعندئذ كاشف أبو علي الأمير نوحا بالعصيان ، فكتب الأمير نوح إلي محمود بن سبكتكين بولاية خراسان ، فحضر بجيش وطرد أبا علي ، فانسحب إلي جرجان ، ثم عاود أبو علي الطمع في خراسان ، وقصدها بجيشه ، وبعد معارك إنفل جيشه، وقتل منه الكثير ، ونجا أبو علي إلي قرية بقرب خوارزم ، فأرسل له أبو عبد الله محمد بن أحمد ، خوارزم شاه ، ضيافة ، فلما كان الليل أرسل إليه جماعة من عسكره فاعتقلوه ، فبلغ ذلك الأمير مأمون بن محمد ، والي الجرجانية ، فعظم عليه ذلك ، وسار في جيش فحارب خوارزم شاه ، وأسره ، وأطلق أبا علي من الحبس ، وفك قيوده ، وعاد إلي الجرجانية ، وأحضر خوارزم شاه محمد بن أحمد ، وقتله بني يدي أبي علي ، وذلك في السنة 385 ، ثم كتب مأمون إلي الأمير نوح ، يشفع في أبي علي ، ويطلب الصفح عنه ، فأجيب إلي ذلك ، فقصد أبو علي بخاري ، فيمن بقي من أهله وأصحابه ، فلما بلغوا بخاري استقبلوا استقبالا حسنأ ، فلما دخلوا علي الأمير نوح ، أمر بالقبض عليهم ، وبلغ سبكتكين الخبر ، فأرسل يطلب أن يحبس أبو علي عنده ، فأخذه وحبسه ومات في حبسه سنة 387 ، وكان ابنه الحسن قد لحق بفخر الدولة بن بويه ، فأكرمه ، فسار عنه إلي خراسان ، فظهر حاله ، فأسر ، وحبس مع والده أبي علي ( ابن الأثير 98/9 - 109).

وفي السنة 387 امر الحاكم الفاطمي ، بالقاهرة ، بقطع عنق عيسي بن نسطورس ، فقطعت عنقه بالمقس ، وكان عيسي هذا أثيرا عند العزيز الفاطمي ، فلما توفي ، قتله الحاكم ، وقال عيسي ، وهو ماض ليقتل : كل شيء كنت أحسبه إلا موت العزيز بالله ، ولكن الله لا يظلم أحد ، والله ، إتي الأذكر ، وقد ألقيت في السنة 386 أوراق علي بعض المتهمين بالنهب ، وكان

ص: 335

في بعضها القتل ، وفي بعضها الضرب ، فأخذ شاب ممن كان فيهم رقعة ، كان فيها القتل ، فأمرت بقتله ، فصاحت أمه ، ولطمت وجهها، وحلفت أنها ، وأبنها ، ما كانا ليلة النهب في شيء من أعمال مصر ، وإنما وردا مصر بعد النهب بثلاثة أيام ، وناشدتني الله تعالي . أن أجعله ممن يضرب بالسوط ، وأن يعفي من القتل، فلم ألتفت إليها ، وأمرت بضرب عنقه ، فقالت أمه : إن كنت لا بد قاتله ، فأجعله آخر من يقتل ، لا تمتع به ساعة ، فأمرت به، فجعل أول من ضرب عنقه ، فلطخت بدمه وجهها، وسبقتني إلي القصر ، وهي منبوشة الشعر ، ذاهلة العقل ، فلما وافيت ، قالت لي : قتلته ، كذلك يقتلك الله ، فأمرت بها فضربت حتي سقطت إلي الأرض ، ثم ترون الأن ما ترون . راجع في بحث المرأة الباب التاسع عشر من هذا الكتاب ، الفصل الثاني عشر ( تعذيب المرأة بالضرب ) سبب كتابة هذه الرقع وتوزيعها علي المتهمين . ( خطط المقريزي 196/2 ).

وفي السنة 387 قتل مجد الدولة وزيره أبا علي بن حمولة ، وكان قد خرج لاحتلال جرجان ، فعاد مفلولا ، فقبض عليه ، وحبس في قلعة استوناوند ، ثم أنفذ إليه من قتله ( ذيل تجارب الأمم 299 ).

أقول : أبو علي أحمد بن الحسن بن حمولة ، ورد اسمه في نشوار المحاضرة للتنوخي ، حمولي ، بالياء ، لأن البغداديين يلفظونها بالإمالة ، كما ورد لفظ هلال ، في النشوار ، مكتوب بالياء : هليل ، راجع القصص 169/1 و 47/2 من النشوار ، نشأ أبو علي ضعيف الحال جدا ، وتحدث عن نفسه ، أنه كان ببغداد ، زمانأ ، أمينا علي زورق ، ما بين سورا ( منطقة الحلة ) والقصر ( قصر ابن هبيرة أي المسيب ) ، وذكر أبو الفرج الأصبهاني ، أنه رآه وهو حارس لمتاع التجار في خان يطرح فيه متاع الموصل، ثم ترقت به الحال في أيام معز الدولة فأصبح أثير عنده ، وصار - علي ما يقول التنوخي في نشواره - في السماء رفعة ، وجلالأ ، ويسارا ، وإليه طراز الحرم الديباج ،

ص: 336

وابتياع الثياب ، ومرتبته عند معز الدولة ، أجل مرتبة ، وكانت داره ببغداد من السعة ، بحيث أنه لما ترك بغداد ، أصبحت ديوانا من دواوين الدولة ، ولما خلا دست الوزارة من الصاحب ابن عباد ، بذل أبو علي الفخر الدولة ستة آلاف ألف درهم ، فاستوزره وأبا العباس الضبي ، فأصبح كل واحد منهما يقوم بعمل الوزارة يومأ ، وأراد أن يؤثر أثرأ فخرج علي رأس جيش الاحتلال جرجان ، فعاد مفلو ، فأجتمع في دار الإمارة بزميله وبالأمراء ، وكانوا قد اجمعوا علي اعتقاله ، فاتفق أنه خرج من القاعة ليقضي حاجة ، فعدل به إلي موضع في الدار ، وقيد ، وحمل إلي القلعة ، حيث قتل، راجع ذيل تجارب الامم 263 و 264 و 298 و 299 .

وفي السنة 388 قتل صمصام الدولة بن عضد الدولة ، وحمل رأسه إلي أبي نصر بن بختيار ، فلما وضع الرأس بين يديه ، قال يخاطب الرأس : هذه سنة سنها أبوك ، يشير إلي أن عضد الدولة ، هو الذي ست هذه السنة بقتله ابن عمه بختيار ، والد أبي نصر . ( ابن الأثير 142/9 و143).

وفي السنة 388 رحل صمصام الدولة من شيراز ، يريد الأهواز ، فنهبه الأكراد في طريقه ، وصار إلي الدودمان ، وهي علي مرحلتين من شيراز ، وطمع طاهر الدودماني رئيس القرية في صمصام الدولة ، فاعتقله ، إلي أن وافي خصومه أصحاب ابن بختيار ، فأخذوه وقتلوه ، فلما حصل بهاء الدولة أخو صمصام الدولة ، بفارس ، أمر بنهب قرية الدودمان ، وأحرقها ، وقتل كل من وجد بها من أهلها حتي استأصل شأفتهم ، انتقاما لأخيه . (تاريخ الصابي 314/8 و 315 و 327).

وفي السنة 389 قبض أولاد بختيار علي أبي القاسم بن الرضيع، وقتلوه ، وكان يلي أرجان ، ثم اعتقله أبو علي ، وأنفذه إلي القلعة ، وأطلقه صمصام الدولة ، واعتقلا معأ ، وقتلا. ( ذيل تجارب الأمم 159 و160 و315) .

ص: 337

وفي السنة 389 جرت منازعة بين أبي عبد الله محمد بن علي بن هدهد ، وبين أبي الحسن بن رهزاد الأحول، فبذل أبو الحسن فيه بذ" كثيرة ، يعني أنه دفع للوزير مالأ لكي يعتقل خصمه ويسلمه إليه ، فقبض أبو نصر سابور علي ابن هدهد، وسلمه إلي أبي الحسن الأحول ، وقتل ابن هدهد في دار الأحول ، وادعي أن العيارين كبسوا عليه وقتلوه . (تاريخ الصابي 338/8)

وفي السنة 389 قتل زهمان بن هندي الذي كان صاحب خانقين ، وقتل معه أولاده الثلاثة ، دلف ، ومقداد ، وهندي ، وكيفية ذلك أن أبا الفتح محمد بن عناز كان قد احتال عليهم ، فاعتقلهم ، ونقلهم إلي قلعة البردان ، وحبسهم فيها ، وملك نواحيهم ، ومضت مدة ، فثار أولاد زهمان في القلعة ، وكسروا قيودهم ، وحاولوا الفتك بالموكلين بهم ، فتجمع عليهم حماة القلعة ، وقتلوا الأولاد الثلاثة بحضرة أبيهم ، وأخذوا الأب فجعلوه في بيت ، وسدوا بابه ، وأبقوا كوة كانوا يلقون إليه منها قرص من الشعير وقليل ماء ، فبقي أيام، ومات ( تاريخ الصابي 8/ 339 ).

في السنة 390 قتل أبو نصر بن بختيار البويهي ، وكان قد قصد كرمان وانتصر علي الجيش الموجود فيها ، فعظم الأمر علي بهاء الدولة البويهي ، وسير إليه جيشا بقيادة المرفق علي بن إسماعيل ، فقصد ابن بختيار في ثلثمائة من شجعان أصحابه ، فأدركه بدرابزين ، واشتبك معه في معركة ، فغدر بابن بختيار أحد أصحابه ، وضربه بلت فألقاه ، وحمل رأسه إلي الموفق ، فحمله إلي بهاء الدولة ، ولما عاد الموفق إلي بهاء الدولة ، خرج إليه بنفسه ، وأكرمه ، وعظمه ، ثم قبض عليه بعد أيام ، وحبسه ، ثم قتله في السنة 394 ( ابن الأثير 160/9 - 162).

وفي السنة 391 قبض بمصر ، علي رجل من أهل الشام ، سئل عن أمير المؤمنين علي بن أبي طالب ، فقال : لا أعرفه ، فأعتقله قاضي القضاة

ص: 338

حسن بن النعمان قاضي الحاكم الفاطمي ، وبعث به إلي السجن ، وبعث إليه في السجن أربعة من الشهود ، فأقر بالنبي صلوات الله عليه ، وأنه نبي مرسل ، وسئل عن علي بن أبي طالب ، فقال : لا أعرفه ، فأمر قائد القواد الحسين بن جوهر بإحضاره ، فأحضر ، وخلا به ، ورفق القول له ، فلم يرجع عن إنكاره معرفة علي بن أبي طالب ، فطولع الحاكم بأمره ، فأمر بضرب عنقه ، فضربت عنقه ، وصلب . ( خطط المقريزي 341/2 ) .

وفي السنة 391 قتل أبو الحسن علي بن طاهر الكاتب ، وكان سافر إلي مصر ، ثم عاد مع الحاج ، وتحدث الناس أنه ورد باتفاق مع صاحب مصر ، علي الشروع في إفساد الدولة العباسية ، فكبسه العيارون في داره بدرب المقير من سويقة غالب ، وضربوه بالسيوف ، فقامت جاريته دونه ، فضربوا يدها ضربة أبانتها ، وقتلوه . (تاريخ الصابي 398/8 ).

وفي السنة 392 حصلت بين أبي الحسن بن أبي الوزير، وبين أبي القاسم بن مسرة ، وحشة ، فوقع فيه أبو الحسن عند الأمير مرح بن المسيب ، صاحب الموصل ، وأمير بني عقيل ، وكثر ماله عنده ، وأغراه بمصادرته ، فصادره ، ثم قال له : هذا شاعر ، وقد أسأت إليه ، فإن أفلت من يدك ، هجاك ، ومرق عرضك ، فقتله مرح ، وشق بطنه ، وملاه حصي ، ورمي به في دجلة . ( ذيل تجارب الأمم 447) .

وفي السنة 395 قتل أبو إبراهيم إسماعيل بن نوح الساماني ، آخر ملوك الدولة السامانية في ما وراء النهر ، وكان معتقلا مع بقية السامانيين في سجن إيلك خان ملك الترك ، ففر من سجنه ، ولم شمل السامانيين ، وتلقب بالمنتصر ، واحتل بخاري ، ثم تفرق عن أصحابه ، فوثب بعض أنصار إيلك خان عليه ، وقتلوه . ( الاعلام 327/1 ) .

وفي السنة 396 قبض بالقاهرة علي رجل سب عائشة ، وزوجها صلوات الله عليه ، فشهر ، وضربت عنقه . ( خطط المقريزي 343/2 ).

ص: 339

وفي السنة 396 قتل بهاء الدولة البويهي ، أبا عباس بن واصل ، وكان قد غلب علي البطيحة والبصرة والأهواز، وتفصيل القصة إن أبا العباس بن واصل ، كان في ابتداء حاله ينوب عن طاهر بن زيرك الحاجب في الجهبذة ، وارتفع معه ، ثم فارقه وقصد شيراز ، واتصل بخدمة فولاذ ، فلما قبض علي فولاذ عاد أبو العباس إلي الأهواز ، ثم أصعد إلي بغداد ، وخدم مهذب الدولة بالبطيحة ، فجد معه عسكرة لحرب لشكرستان لما استولي علي البصرة ، فوصل بعسكره إلي سيراف ، وغلب علي أسافل دجلة ، وخلع طاعة مهذب الدولة ، فسير إليه مهذب الدولة جيشا ، فظفر به أبو العباس ، ثم حارب لشكرستان وهزمه واستولي علي البصرة ، فاتفق لشكرستان ومهذب الدولة علي أبي العباس وحارباه ، فانهزم لشكرستان ، وأصعد إلي البطيحة مفلولا ، فأخلي مهذب الدولة البطيحة ، فاستولي عليها أبو العباس وأضافها إلي البصرة ، ثم تحرك عليه أهل البطائح وحاربوه ، فطردوه ، فعاد إلي البصرة ، واستعد بهاء الدولة البويهي لمحاربته ، فواقعه أبو العباس وانتصر عليه ، واشتغل أبو العباس بالتجهز لغزو خوزستان ، وأعاد بهاء الدولة مهذب الدولة إلي البطائح ، ثم إن العباس قصد الأهواز في السنة 395 والتقي جيشه بجيش بهاء الدولة بظاهر الأهواز ، فكان النصر لأبي العباس ، ثم تصالح وبهاء الدولة ، وعاد إلي البصرة وفي السنة 396 عاد أبو العباس إلي غزو الأهواز ، فانحاز عنه بهاء الدولة ، واستولي أبو العباس علي الأهواز ، ثم اقتتل وبهاء الدولة ، فانكسر أبو العباس ، وعاد إلي البصرة مهزوما ، فقصده وزير بهاء الدولة بعسكر ، وحصره ، فهاجمه أبو العباس وهزمه ، ثم اقتلا مرة أخري فانكسر أبو العباس ، وأصعد منهزمة إلي الكوفة ، ثم سار منها إلي خانقين ، وكان قد تعب فنام ، وبلغ خبره إلي أبي الفتح بن عناز الكردي ، فسار إليه ، وأخذه ، وحمله إلي بغداد ، فحمل إلي بهاء الدولة ، فلقيهم قاصد في الطريق ، أرسله بهاء الدولة يأمر بقتله ، فقتل ، وحمل رأسه إلي بهاء الدولة ، وطيف به في خوزستان وفارس ( ابن الأثير 9/ 180 - 196).

ص: 340

وفي السنة 396 قتل السلطان شهريار بن دارا ، سلطان مازندران ، قتله قابوس بن وشمگير ، واستولي علي بلاده ( معجم انساب الأسر الحاكمة 286)

وفي السنة 397 ظفر الحاكم الفاطمي ، بأبي ركوة ، واسمه الوليد، وإنما كني بأبي ركوة لركوة كان يحملها معه في أسفاره علي سنة الصوفية ، وهو أموي من أولاد هشام بن عبد الملك ، نزح من الأندلس ، وقد أناف علي العشرين ، ودرس بمصر ، ثم قصد مكة واليمن ، وعاد إلي مصر، ودعا بها إلي القائم ، فأجابه كثيرون من بني قرة وزناته ، وتظاهر بالنسك والديانة ، وأمهم في الصلوات ، وعلم صبيانهم الخط ، فبايعوه بالإمامة ، فسار بهم إلي برقة ، واستولي عليها ، وأظهر العدل ، فسير إليه الحاكم جيشأ ، ففله وانتصر عليه ، وأخذ يبث السرايا إلي مصر ، ثم قصد الصعيد، فوجه إليه الحاكم جيشأ من اثني عشر ألفا ، سوي العرب ، ثم أضاف إليهم أربعة آلاف فارس ، فأسري أبو ركوة ، وكبس عسكر الحاكم بالجيزة، وقتل منهم ألف فارس ، ونزل أبو ركوة عند الهرمين ، وفي آخر معركة مع عسكر الحاكم ، انهزم أبو ركوة ، وقتل من عسكره ألوف كثيرة ، فسار إلي بلد النوبة، ولحق به رسول الحاكم ، فتسلمه ، وحمله إلي مصر ، فأشهر بها ، وطيف به ، وقد ألبس طرطورة ، وجعل خلفه قرد يصفعه ، ثم حمل إلي ظاهر القاهرة ليقتل ويصلب ، فمات قبل وصوله ، فقطع رأسه ، وصلب ( ابن الأثير 197/9 - 203)

أقول : لما خرج أبو ركوة ، علي الحاكم الفاطمي بمصر ، أجمع المنجمون ، علي أن دولة الفاطميين ستندثر ، وأن أبا ركوة سينتصر ، ويأخذ الحاكم أسيرة ، ولم يبق بمصر منجم إلا حكم بذلك ، وأكبرهم المعروف بالفكري ، منجم الحاكم ، فسير الحاكم عسكرأ ظفر بأبي ركوة ، وأسره ،

ص: 341

وأدخله إلي مصر مشهرة حيث قتل، فأحضر الحاكم منجمه الفكري ، وقتله ( الفلاكة والمفلوكون 27 ) .

وفي السنة 397 قتل عيسي بن سعيد، الوزير الأندلسي ، المعروف بابن القطاع ، وكان عظيم التمكن في دولة ابن أبي عامر بالأندلس ، وصاهره في السنة 399 ثم ساء ما بينه وبين عبد الملك بن محمد بن أبي عامر ، فاستدعاه وهو في مجلس شراب ، وقتله ، وقتل معه بعض أصحابه ، وقضي علي عصبته وأنصاره . ( الاعلام د/287 ).

وفي السنة 398 عزل الحاكم الفاطمي صالح بن علي الروذباري ، وقرر مكانه ابن عبدون النصراني الكاتب ، ثم قتل ابن عبدون وأخذ ماله ( خطط المقريزي 287/2 ).

وفي السنة 399 ظهر بقرطبة محمد بن هشام بن عبد الجبار بن عبد الرحمن الناصر، فبايعه الناس ، وتلقب بالمهدي ، فخرج عليه هشام بن سليمان بن عبد الرحمن الناصر ، وأنتصر محمد عليه وأسره ، فقتله ، وقتل معه عدة من قواده ، وفر منه ابن أخي هشام ، وهو سليمان بن الحكم بن سليمان بن الناصر ، وحشد، واستعان بالنصاري ، وحارب محمد بن هشام ، فكسره ، ففر إلي طليطلة ، واستعان بالنصاري ، وعاد إلي قرطبة ، ثم تأمر عليه بعض الجند ، واعتقلوه ، وأخرجوا هشام المؤيد ، وبايعوه ، وأحضروا محمدا ، وحاكموه ، وقتلوه . ( ابن الأثير 679/8 -682 ).

وفي السنة 400 خرج عبد الرحمن بن المنصور بن أبي عامر ، غازي ، فظهر بقرطبة محمد بن هشام الأموي ، وخلع هشام المؤيد، فانقلب يريد قرطبة وتفرق عنه أصحابه ، قبل وصوله إلي قرطبة ، فبعث إليه محمد بن هشام ، فأحيط به ، وذبح ، وحمل إلي قرطبة ، فصبر بدنه ، وكسي قميصا وسراويل ، وعلق علي خشبة طويلة بقرطبة . ( الاعلام 101/4 ).

ص: 342

وفي السنة 400 قتل الحاكم الفاطمي بمصر ، أبا الحسن علي بن الحسين المغربي الكاتب ، وكان إليه نظر الشام ، وتدبير الرجال والأموال . ( الاعلام 88/5 ) .

وفي السنة 400 قتل الحاكم الفاطمي ، القائد فضل بن صالح الوزيري ، من أعيان الدولة الفاطمية بمصر . ( الاعلام 355/5 ) .

وفي السنة 401 قتل الحاكم الفاطمي بمصر الحسين وعبد العزيز ، ولدي القائد جوهر ، فاتح مصر للفاطميين ، وباني مدينة القاهرة . ( الاعلام 252/2)

وفي السنة 401 نصب الحاكم أحمد بن محمد القشوري الكاتب ، في الوساطة والسفارة ثم قتله بعد عشرة أيام . ( خطط المقريزي 287/2 ).

وفي السنة 403 قتل في قرطبة ، أبو بكر عبد الله بن حسين بن إبراهيم ، كان يلي الشرطة بقرطبة ، ولما استولي عليها البربر ، قتلوه ( الاعلام 208/4 ).

وفي السنة 404 قود الحاكم الفاطمي ، الأمير باروح التركي ، ولقبه علم الدولة ، أمير الأمراء ، وولاه الشام ، وسيره إليها ، فحمل معه زوجته إبنة الوزير يعقوب بن كلس ، فاعترضه في غزة المفرج بن دغفل بن الجراح ، فأوقع به ، وأسره ، وقتله ، واستولي علي ما يحمله ( خطط الشام با245/1)

وفي السنة 404 ولي الحاكم الفاطمي ، ولاية عهده لأبي القاسم عبد الرحمن بن ألياس ، وجعله الخليفة من بعده ، وسيره إلي الشام ، فثار عليه الجند ، وكتب إليه الحاكم بأن يعود إلي مصر ، فلما ترك دمشق ، تسلط عليها فتي من أهلها اسمه محمد بن أبي طالب ، واجتمع إليه جمع من

ص: 343

أحداث دمشق ورعاع حوران ، فحارب الجند ، وطردهم من دمشق ، فلما تمكن من دمشق ، قتل قاضيها ، وتسلط هو والأحداث عليها ، وقتل جماعة من الناس ونهبهم ، فهاج عليه الدمشقيون ، وقبضوا عليه ، وقتلوه ، وصلبوه علي باب الجابية ، وقتلوا من كان علي رأيه ، واستقام أمر دمشق ( خطط الشام 247/1 ).

وفي السنة 405 قتل الحاكم الفاطمي ، قاضي القضاة مالك بن سعيد الفارقي ، وكان قد استقر في قضاء القضاة سبع سنين إلا أشهرا ، وكان إقطاعه في السنة خمسة عشر ألف دينار . ( خطط المقريزي 288/2 ).

وفي السنة 405 قتل الحاكم الفاطمي ، الحسين بن طاهر الوزان ، بعد أن قضي ناظرأ في الوساطة سنتين وشهرين ، ونصب بدلا منه عبد الرحيم بن أبي السيد الكاتب وأخاه أبا عبد الله الحسين في الوساطة والسفارة ، ثم قتلهما بعد اثنين وستين يوما . ( خطط المقريزي 288/2 ).

وفي السنة 405 قلد الحاكم الفاطمي ، الفضل بن جعفر بن الفرات ، الوساطة ، ثم قتله في اليوم الخامس من ولايته. (خطط المقريزي 288/2)

وفي السنة 407 بايع أهل قرطبة ، عبد الرحمن بن هشام بن عبد الجبار بن عبد الرحمن الناصر ، وتلقب بالمستظهر بالله ، فأخذ قسمأ من أعيان قرطبة ، وحبسهم ، فألبوا عليه الناس من السجن ، فأجابهم صاحب الشرطة ، والناس ، وهاجموا المستظهر ، وقتلوه ، فدامت خلافته شهر واحد وسبعة عشر يوما . ( ابن الأثير 276/9 ) .

وفي السنة 407 قتل الشيعة بجميع بلاد إفريقية ، وسبب ذلك إن المعز بن باديس ، ركب ، ومشي في القيروان ، والناس يسلمون عليه ، فاجتاز بجماعة ، فسأل عنهم ، فقل : هؤلاء رافضة ، يسبون أبا بكر وعمر ،

ص: 344

فقال : رضي الله عن أبي بكر وعمر ، فانصرفت العامة من فورها إلي درب المقلي من القيروان ، وكان اجتماع الشيعة فيه ، فقتلوا منهم ، وكان ذلك شهوة العسكر وأتباعهم ، طمعا في النهب ، وأغراهم عامل القيروان ، وحرضهم ، والسبب إنه كان قد أصلح أمور البلد ، فبلغ أن المعز يريد عزله ، فأراد إفساد البلد ، فقتل من الشيعة خلق كثير ، وأحرقوا بالنار ، ونهبت ديارهم ، وقتلوا في جميع إفريقية ، واجتمع منهم جماعة إلي قصر المنصور ، قريب القيروان ، وتحصنوا به ، فحصرهم العامة ، وضيقوا عليهم ، فاشتد عليهم الجوع ، فأقبلوا يخرجون والناس يقتلونهم ، حتي قتلوا عن آخرهم ، ولجأ من كان منهم بالمهدية ، إلي الجامع ، فقتلوا كلهم . ( ابن الأثير 294/9 و295 ).

وفي السنة 405 قتل هلال بن بدر بن حسنويه ، وكان قد خالف أباه ، وعصي عليه ، واستولي علي ملكه ، وأسره ، ثم أطلقه ، فطفق بدر يحرض عليه ، حتي استقر معتقلا عند بهاء الدولة ، وعاد بدر إلي سلطانه ، فلما قتل بدر ، أطلق سلطان الدولة ابنه هلال ، وأعانه بجيش ليستعيد ملك أبيه ، فنشبت معركة بين هلال وبين شمس الدولة بن فخر الدولة ، وانكسر هلال ، وأسر ، فقتل . ( ابن الأثير 249/9 ) .

وفي السنة 406 قتل الأمير طاهر بن هلال بن بدر بن حسنويه ، صاحب كردستان ، قتله الأمير أبو الشوك حسام الدولة فارس بن محمد صاحب حلوان وقرميسين ودقوقا ( معجم أنساب الأسر الحاكمة 321) .

وفي السنة 406 تحرك علي الأمير باديس بن المنصور بن بلكين ، عمه حماد بن بلكين ، فبعث إليه أخا حماد واسمه إبراهيم بن بلكين ، لكي يصلح أمره ، فاتفق حماد وإبراهيم ، وجاهرا باديس بالخلاف ، وسفكا الدماء وقتلا الأطفال ، وأحرقا الزروع والمساكن ، وسبيا النساء ، وحدث أن فر إلي باديس جماعة من جند قلعة حماد ، وكان فيها إبراهيم ، فأخذ إبراهيم أبناءهم ،

ص: 345

وذبحهم علي صدور أمهاتهم ، فقيل إنه ذبح بيده منهم ستين طفلا ، فلما فرغ من الأطفال ذبح الأمهات ( ابن الأثير 254/9 ).

وفي السنة 406 قبض سلطان الدولة ، علي وزيره فخر الملك أبي غالب ، وقتله ، ووجد له ألف ألف دينار عينأ ، سوي الأعراض ، وسوي ما نهب ، وكان أبو غالب كافية ، حسن الولاية والآثار . ( ابن الأثير 260/9 ).

واستدعي الحاكم الفاطمي ( 375 - 386 - 411 ) ، أحد الركابية ، فأوقفه بين اثنين ، ورماه برمح ، ثم أضجعه ، واستدعي سكينة فذبحه بيده ، ثم استدعي ساطورة ، ففرق بين رأسه وجسده ، ثم استدعي ماء ، فغسل يده بأشنان ، ثم ركب ( النجوم الزاهرة 67 ).

وطلب الحاكم الفاطمي ، خادما ، ففر والتجأ إلي الحجرة التي فيها قبور آبائه مستجير ، فأمر به ، فضرب بالسيوف حتي مات ( النجوم الزاهرة 63)

وفي السنة 407 ولي الأندلس علي بن حمود العلوي ، بمعونة خيران العامري الذي خرج علي سليمان بن الحكم بن سليمان بن عبد الرحمن الناصر ، وكان علي بمدينة سبتة ، فقدم الأندلس ، وحصر قرطبة ، وحارب سليمان بن الحكم ، فانهزم سليمان والبربر ، وقتل منهم خلق كثير ، وأخذ سليمان أسيرة ، فحمل إلي علي بن حمود ، ومعه أخوه وأبوه ، فقتل علي بن حمود ، سليمان ، وقتل معه أخاه وأباه ، وكان الأب شيخ صالحا منقبضأ ، لم يتدنس بشيء من أحوال ابنه ، واستقر علي بقرطبة ، ثم خرج عليه خيران في السنة عينها ، وبايع عبد الرحمن بن محمد بن عبد الملك بن عبد الرحمن الناصر ، وتبعه قوم فحاصروا غرناطة ، ولكن عبد الرحمن انكسر وقتل .

وفي السنة 408 تجهز علي بن حمود ليقصد جيان ، فبرز عسكره إلي ظاهر قرطبة ، ووقفوا ينتظرون خروجه ، فدخل الحمام ، ومعه غلمانه ، فقتله غلمانه في الحمام ( ابن الأثير 269/9 - 273 ) .

ص: 346

وفي السنة 412 طلب الديلم الذين عند مشرف الدولة البويهي ببغداد ، أن يأذن لهم بأن ينحدروا إلي بيوتهم بخوزستان ، فأذن لهم ، وأمر وزيره أبا غالب بالإنحدار معهم ، فقال له : إني إن فعلت ، خاطر بنفسي ، ولكني أبذلها في خدمتك ، وأنحدر بالعساكر ، فلما وصل إلي الأهواز ، نادي الديلم بشعار سلطان الدولة ، وهجموا علي أبي غالب ، فقتلوه ( ابن الأثير 323/9)

وفي السنة 413 قتل المعز بن باديس ، صاحب إفريقية، وزيره وصاحب جيشه أبا عبد الله محمد بن الحسن ، وسبب ذلك لأن الوزير أقام سبع سنين ، يجبي الأموال ، ويرفعها عنده ، ولم يحمل إلي المعز شيئا منها ، فعظم ذلك عليه ، وقتله . ( ابن الأثير 327/9 ) .

ولما قتل المعز بن باديس ، صاحب إفريقية ، وزيره أبا عبد الله محمد بن الحسن ، في السنة 413 بلغ خبر قتله أخاه عبد الله ، أمير طرابلس ، فأرسل إلي زناته ، وأدخلهم مدينة طرابلس ، وقتلوا من كان بها من صنهاجة ، وسائر الجيش ، واحتلوا المدينة ، فلما سمع المعز بذلك أخذ أولاد عبد الله و نفرا من أهله وحبسهم ، ثم قتلهم بعد أيام ، لأن نساء المقتولين بطرابلس استغثن إلي المعز، في قتلهم ، فقتلهم . ( ابن الأثير 328/9)

وفي السنة 414 قتل مشرف الدولة أبو علي الحسن البويهي ، وزيره أبا محمد الحسن بن سهلان ، وذلك بعد أن سمل عينيه في السنة 412 ( معجم أنساب الأسر الحاكمة 325) .

وفي السنة 414 نهض في البيت الحرام بمكة ، يوم الجمعة ، يوم النفر الأول ، رجل من مصر ، بإحدي يديه سيف مسلول ، وفي الأخري دبوس ،

ص: 347

بعد فراغ الإمام من الصلاة ، وقصد الحجر الأسود ، وضرب الحجر ثلاث ضربات بالدبوس ، وقال : إلي متي يعبد الحجر الأسود ؟ فثار به رجل وطعنه بخنجر ، فقتله وقطعه الناس ، وأحرقوه ، وقتل جماعة ممن أتهم بمصاحبته ( ابن الأثير 332/9 و 333 ).

وفي السنة 414 بويع بالخلافة في قرطبة ، أبو المطرف عبد الرحمن بن هشام بن عبد الجبار بن عبد الرحمن الناصر ، وهو ابن 22 سنة وتلقب بالمستظهر بالله ، ودامت خلافته 47 يوما، فأخذ بعض أعيان قرطبة فسجنهم ، فوثب عليه محمد بن عبد الرحمن مع طائفة من الغوغاء فقتلوه ( الاعلام 116/4 و 117) .

وفي السنة 415 توقي الملك سلطان الدولة البويهي بشيراز ، وخلفه أبو الفوارس أخوه ، وطالب الأجناد بحق البيعة ، فتقوم أبو محمد بن مكرم ، الملقب بالأوحد، وتأخر في إيصال المال ، فقبض عليه أبو الفوارس ، وقتله ( ابن الأثير 337/9 ) .

وفي السنة 415 دخل حسان بن الجراح ، عسقلان ، وخشب سبعين رجلا من العسكرية ، وقتل طائفة من الحمدانية والغلمان ، ووضع السيف والنهب في بلد الرملة ( اخبار مصر للمسبحي 51).

وفي السنة 415 دخل صيرفي إلي الجامع العتيق ليصلي المغرب ، فتبعه راجل أراد أن يأخذ كيسه ، وضربه بسكين كبير ، فصاح الصيرفي ، وفر الراجل ، فقبض عليه ، وضرب عنقه بباب البرادع ، وصلب علي جذع في كوم دينار ، وحمل الصيرفي في قفص وقيذا إلي بيته ومعه كيسه ، وعوفي بعد ذلك ، وعاد إلي حانوته ( اخبار مصر للمسبحي 52 و 53 و 98 ).

وفي السنة 415 قبض علي الشيخ العميد محسن بن بدوس ، وهو في ديوانه بالقاهرة ، فاعتقل ، وأخرج بالعشي إلي مجاز القصر الكبير ، فضربت

ص: 348

عنقه ، وهو يصيح ويستغيث ويقول : والله ، ما خنت ، ولا سرقت ، ولا غششت ( اخبار مصر للمسبحي 95 ).

وفي السنة 415 قبض بالقاهرة ، علي رجل ذكر إنه نبش قبرأ في صحراء المقطم ، وضربت عنقه بالقرافة ، وصلب هناك ( اخبار مصر للمسبحي 98) .

وفي السنة 415 ضربت رقبة حدث نصراني ، كان أسلم ، وحج ، وربي ذؤابتين ، وجعلهما مسبلتين ، وأدعي الشرف ( أي إنه أنتسب للعلويين ) ، ثم عاد فتنصر ، فقتل ، وصلب في كوم دينار ( اخبار مصر للمسبحي 99).

وفي السنة 415 ذبح أبو الحسن السوسنجردي ، وكان شيخأذا سمت ، وذبح غلامه معه ، في داره بحايز الأوز بالقاهرة ، طرقه لصوص نهارا فذبحوه وأخذوا ما وجدوا له فقبض متولي الشرطة علي واحد منهم ، وضرب رقبته ( اخبار مصر للمسبحي 106).

وفي السنة 415 قتل المخنث البغدادي ، وكان دلالا في المتاع والجوهر النفيس والأعلاق الثمينة ، وكان موسرة كثير المال ، وكان يزمر مليحا ، وله جوار في منزله يغنين ، وكان يحب المردان ، وينفق عليهم ، وقيل إن قاتله ولد للقاضي ابن منهال ، كان يهواه ، في دار ابن مزبان المقامر ( أخبار مصر للمسيحي 104).

وفي السنة 415 قتل الأعراب بنو قرة ، شجاعأ، قاضي سفط الجيزة ودليلها ( أخبار مصر للمسبحي 111) .

وفي السنة 415 ضربت أعناق اثنين وعشرين رجلا بالقاهرة ، منهم واحد وعشرون من العبيد الذين نزلوا لنهب مصر ، ورميت جثثهم للكلاب ، والثاني والعشرون إنسان كتامي ، تعرض للنهب أيضا ( أخبار مصر للمسبحي 111)

ص: 349

وفي السنة 416 ملك نصر الدولة بن مروان مدينة الرها، وكانت الرها الرجل شرير جاهل من بني نمير ، اسمه عطير ، وكان يحكمها نائب له اسمه أحمد بن محمد ، حسن السيرة ، عادل في الرعية ، فاحتج عطير علي نائبه بحجج واهية ، فقتله ، فأنكرت الرعية علي عطير قتله ، وكاتبوا نصر الدولة بن مروان ، ليحضر ويتسلم البلد ، فبعث زنك أحد قواده ، فتسلم البلد ، وتوسط عطير بصالح بن مرداس صاحب حلب ، فأعطاه نصر الدولة نصف البلد ، وخرج عطير يومأ إلي السوق في الرها ، فتعلق به ابن أحمد الذي قتله عطير ، وقتل عطير، وقتل معه ثلاثة من بني نمير ، فاتهم بنو نمير القائد زنك بأنه قد حرك الولد علي صاحبهم ، ونصبوالزنك كمينا ، وقتلوه بحجر مقلاع أصابه فسقط ، وكان قتل زنك في السنة 418 ، ثم أن صالح بن مرداس شفع من جديد لدي نصر الدولة ، فأعاد الرها إلي ابن عطير وابن شبل النميريين ، وباع ابن عطير حصته من الرها، لملك الروم ، بعشرين ألف دينار ، فاستولي الروم عليها ، وخربوا مسجدها ، وقتلوا قسما من أهلها ( ابن الأثير 347/9 و 348) .

وفي السنة 417 نشبت حرب شديدة بين الأكراد الجوزقان وعساكر علاء الدولة بن كاكويه ، وسبب ذلك ان علاء الدولة استعمل ابن عمه أبا جعفر علي سابورخواست ، وضم إليه أبا الفرج البابوني ، فجرت بين الإثنين مشاجرة أدت إلي المنافرة ، فضرب أبو جعفر ، أبا الفرج ، بل كان في يده فقتله ، فنفر أتباعه الأكراد الجوزقان ، وقتلوا أبا جعفر . ( ابن الأثير 351/9 و352) .

وفي السنة 421 توفي السلطان يمين الدولة محمود بن سبكتكين ، وأوصي بأن يخلفه ولده محمد ، فخلفه ، إلا أن علي خويشاند الحاجب ، ويوسف بن سبكتكين القائد ، أخا السلطان محمود ، خلعا محمد، واعتقلاه ،

ص: 350

وكتبا إلي السلطان مسعود بن محمود ، وهو أكبر سنا من محمد، بأن يحضر ليتسلطن ، فحضر ، وتسلطن ، وكان أول ما فعله ، أن قتل الحاجب علي ، وعمه يوسف . ( ابن الأثير 399/9 و 400) .

وفي السنة 421 قتل الوزير أبو علي بن ماكولا ، وزير جلال الدولة البويهي ، كان له غلام وجارية اتفقا علي فساد ، فعلم بهما، وعرفا إنه قد علم بحالهما ، فقتلاه ( ابن الأثير 407/9 ) .

وفي السنة 423 اجتمع ناس كثير من الشيعة بإفريقية ، وساروا إلي أعمال نفطة ، فاستولوا علي بلد منها ، وسكنوه ، فجرد إليهم المعز بن باديس عسكرأ ، فدخلوا البلاد ، وحاربوا الشيعة ، وقتلوهم أجمعين ( ابن الأثير 427/9)

وفي السنة 424 قبض عسكر السلطان مسعود علي شهريوش ، صاحب ساوة ، فقتل وصلب علي سور ساوة ، وكانت له ساوة ، وقم ، وتلك النواحي ، فطمع في الري ، وسار إليها فحاصرها، فبعث إليه السلطان مسعود الغرنوي جيشا ، فقبض عليه وقتله ( ابن الأثير 429/9 ) .

وفي السنة 428 اتهم السلطان جلال الدولة البويهي ، بارسطفان ، حاجب الحجاب ، وكان من أكابر الأمراء . بأنه يسعي في تحريض الأتراك عليه ، فخاف بارسطغان ، والتجأ إلي دار الخلافة ، ثم كشف القناع لجلال الدولة ، وراسل الملك أبا كاليجار ، وأكره الخطباء علي الخطبة له ، ثم فارقه الديلم فضعف أمره ، وانحدر إلي واسط ، فبعث إليه جلال الدولة من لحقه في الطريق وقاتلوه ، وأسر ، وحمل إلي جلال الدولة ، فقتله ، وكان عمره نحو سبعين سنة ( ابن الأثير 454/9 ).

وفي السنة 431 قتل باديس الصنهاجي ، صاحب غرناطة ، أبا الفتوح

ص: 351

ثابت بن محمد الجرجاني ، وكان باديس قد اتهمه بالتآمر عليه مع ابن عم باديس پذير بن حباشه ، ففر ثابت إلي إشبيلية ، فقبض باديس علي زوجة أبي الفتوح ثابت وولديه الطفلين ، وحبسهم بالمنكب ، عند قداح صاحب عذابه ، وكان أبو الفتوح يحب زوجته ، فلم يطق صبرا علي فراقها ، فرمي بنفسه علي باديس ، وتوسل إليه أن يعفو عنه ، فبعث به إلي غرناطة ، صحبة حارسين ، وتسلمه قداح ، علي أبواب غرناطة ، فحلق رأسه ، وأركبه علي بعير ، وجعل خلفه أسود فظ ضخم يوالي صفعه ، فادخل البلد مشهرا ، وأودع حبس ضيقة ، ولما قدم باديس غرناطة أحضر أبا الفتوح ، وسبه ، وبكته ، ثم جرد سيفه ، وخبطه به فجدله ، وأمر بحر رأسه ، وكان معه في الحبس صنهاجي من أصحاب ابن عمه يدير ، فأحضره ليقتله ، فجزع ، وألح في ضراعته ، فغضب منه باديس ، وقال له : أما تستحي ، يا ابن الفاعلة ، يصبر المعلم الضعيف القلب علي الموت ، وأنت تجزع هذا الجزع ، وتعتبر نفسك من أشد الرجال ، وأمر به فضربت عنقه ( الاحاطة 462 - 466) .

وفي السنة 431 قتل حسن بن يوسف بن عبد الله الكلبي ، الملقب صمصام الدولة ، أخر الأمراء الكلبيين في صقلية ، تولي الحكم فيها سنة 417 بعد مقتل أخيه أحمد الأكحل ، ثم ثارت عليه بعض أجزاء صقلية ، فخلعوه ، وولوا قائدأ بدله ، فكان أول ما صنعه القائد أن فتك بالصمصام . ( الاعلام 243/2 ) .

وفي السنة 432 سار مودود بن السلطان مسعود ، لما بلغه قتل والده ، إلي غزنة ، فتصاف هو عمه الملك محمد ، فانكسر جيش محمد، وقبض مودود عليه ، وعلي أولاده ، وقتلهم جميعا ، إلا عبد الرحيم ، فإن تصرفه مع عمه مسعود لما حبس نجاه من القتل ، وخلاصة القصة ، أن مسعود لما حبس دخل عليه ولدا أخيه عبد الرحمن وعبد الرحيم ، فعمد عبد الرحمن ، فأخذ القلنسوة من رأس عمه مسعود ، فأنكر ذلك عبد الرحيم ، وأخذ القلنسوة

ص: 352

من يد أخيه ، وقبلها ، ووضعها علي رأس عمه ، وشتم أخاه ، فنجاه ذلك من القتل . ( ابن الأثير 488/9 ) .

وفي السنة 434 قتل قرواش العقيلي ، صاحب الموصل ، كاتبه أبا الفتح بن المفرج ، صبرة . ( ابن الأثير 514/9 ).

وهجا الشاعر ، محمد بن منظور القرشي ، من أهل قزوين ، آل عبد العزيز المذحجيين ، وكانوا ينزلون الري وقزوين .

بنو عبد العزيز إذا أرادوا ****سماح لم يلق بهم السماح

لهم عن كل مكرمة حجاب**** فقد تركوا المكارم واستراحوا

فقتله موسي بن عبد العزيز . ( الوافي بالوفيات 77/5 ) .

وفي السنة 434 أصاب خوارزم شاه ألتونتاش جراحة وهو محاصر قلعة دبوسية ، فلما عاد إلي خوارزم ، مرض منها ومات ، وخلفه ولده الأكبر هارون ، وتولي ضبط أموره الوزير أبو نصر أحمد بن محمد بن عبد الصمد ، واتفق أن وزير السلطان مسعود الغزنوي مات ، فاستوزر أبا نصر ، فاستناب أبو نصر عند هارون ولده عبد الجبار ، فاختلف هارون وعبد الجبار ، وأراد هارون قتله ، فاختفي ، ووضع جماعة علي الفتك بهارون ، ففتكوا به ، وقام عبد الجبار بحفظ البلد ، وبعد أيام يسيرة ، وثب غلمان هارون بعبد الجبار فقتلوه ، وولوا البلد إسماعيل بن التونتاش ، أخا هارون ، وعصوا علي مسعود الغزنوي ، فكتب مسعود إلي شاه ملك بن علي ، أحد أصحاب الأطراف ، بأن يقصد خوارزم ، فقصدها واستولي عليها ، وطرد إسماعيل ، فالتجأ إسماعيل إلي طغرل بك السلجوقي ، فأعانه بجيش فاستعادها ( ابن الأثير 506-504/9)

وفي السنة 436 أوقع بغراخان ، صاحب ما وراء النهر ، بجمع كثير من الإسماعيلية ، وكانوا قد قصدوا ما وراء النهر ، ودعوا إلي طاعة المستنصر

ص: 353

بالله العلوي ، صاحب مصر ، فتبعهم جمع كثير ، وسمع ملكها بغراخان بخبرهم ، وأراد الإيقاع بهم ، فخاف أن يسلم منه بعض من أجابهم من أهل البلاد ، فأظهر لبعضهم إنه يميل إليهم ، ويريد الدخول في مذهبهم ، وأحضرهم مجالسه ، حتي عرف من أجابهم إلي مقالتهم ، ثم قتل من بحضرته منهم ، وكتب إلي سائر البلاد بقتلهم ، فقتلوا بأجمعهم ( ابن الأثير 524/9)

وفي السنة 439 قبض الملك أبو كاليجار ، علي وزيره محمد بن جعفر بن فسانجس ، وسجنه ، ومات في السجن في السنة 440 وهو ابن إحدي وخمسين سنة ، وقيل أن أبا كاليجار بعث إليه من قتله . ( ابن الأثير 542/9)

وفي السنة 440 قتل المستنصر الفاطمي بمصر ، وزيره فخر الملك صدقة بن يوسف الفلاحي ، وكان أول أمره يهوديا فأسلم ، واتصل بالدزبري ، وخدمه بالشام ، ثم خافه فعاد إلي مصر، وخدم الجرجرائي الوزير ، ونفق عليه ، فلما توفي الجرجرائي ، استوزره المستنصر ، فلما ور سعي في قتل الحسن بن علي الانباري ، مزاحمه في الوزارة ، ليتخلص منه ، فقتله ، ثم إن المستنصر ، عزل صدقة بن يوسف الفلاحي عن الوزارة واعتقله ، وقتله في الحبس الذي قتل فيه سلفه ابن الانباري ( خطط المقريزي 424/1 و425 وابن الأثير 552/9 وبدائع الزهور 60/1 ).

وفي السنة 444 قتل السلطان عبد الرشيد بن محمود بن سبكتكين ، وكان قد ولي السلطنة في السنة 441 خلفا للسلطان مودود الغزنوي ، إذ كان محبوسا ، فأخرج من حبسه في القلعة وبويع ، وفي السنة 444 وثب عليه حاجبه طغرل، وكان قد بعث به علي رأس جيش لإجلاء الغز من خراسان ، فعاد إلي عبد الرشيد وقتله ، فغضب لقتله أمير اسمه خيرخيز ، وكاتب الأمراء في غزنة يعيرهم باستيلاء طغرل، وتحكمه فيهم ، فدخل جماعة منهم علي

ص: 354

طغرل ، وضربه أحدهم بسيفه ، وتبعه الباقون فقتلوه ، ونصبوا فرخ زاد بن مسعود سلطانأ ، وكان محبوسا في إحدي القلاع ، فأحضر ، وأجلس سلطانة ، وقام خيرخيز بتدبير الأمور ، وأخذ كل من أعان في قتل عبد الرشيد فقتله ( ابن الأثير 582/9 - 585 ) .

وفي السنة 444 ملك الموصل قريش بن بدران العقيلي ، فأخرج عمه قرواش العقيلي من السجن ، وقتله صبرة ( فوات الوفيات 199/3 ).

أقول : قرواش ( بكسر القاف ) هو معتمد الدولة ، أبو المنيع ، قرواش بن المقلد العقيلي ، أمير بني عقيل، صاحب الموصل، والكوفة ، والمدائن ، وسقي الفرات ، خلف أباه في الحكم ، في السنة 391 ، ودامت إمارته خمسين سنة ، وفي السنة 441 وثب عليه أخوه زعيم الدولة بركة ، فقبض عليه ، وقيده ، وحبسه في قلعة الجراحية ، إحدي قلاع الموصل ، ولما توفي بركة ، خلفه ابن أخيه أبو المعالي قريش بن بدران ، وكان أول ما فعله ، أن قتل عمه قرواش في السنة 444 ، وكان قرواش كريما ، وهاب نهابا ، وقد مدحه كثير من الشعراء ، ومن جملة مادحيه الطاهر الجزري ، وله فيه ، وهو من باب الاستطراد من علم البديع :

وليل كوجه البرقعيدي ظلم**** وبرد أغانيه، وطول قرونه

سريت ونومي فيه نوم مشرد**** كعقل سليمان بن فهد ودينه

علي أولق فيه انزعاج كأنه**** أبو جابر في طيشه وجنونه

إلي أن بدا ضوء الصباح كأنه**** سنا وجه قرواش وضوء جبينه

وقد سبقه إلي هذا اللون من الإستطراد ، البحتري ، في قوله في فرس :

ما إن يعاف قذي ولو أوردته**** يومأ خلائق حمدويه الأحول

ولابن عنين الدمشقي ، أبيات من هذا اللون ، في فقيهين دمشقيين ،

ص: 355

تناظرا ، وكان أحدهما ينبز بالبغل ، والآخر بالجاموس ، قال : ( وفيات الأعيان 263/5 - 268 ).

البغل والجاموس في جدليهما**** قد أصبحا عظه لكل مناظر

برزا عشية ليلة فتباحثا ****هذا بقرنيه وذا بالحافر

ما أتقنا غير الصباح كأنما**** لقنا جدال المرتضي بن عساكر

لفظ طويل تحت معني قاصر**** كالعقل في عبد اللطيف الناظر

اثنان مالهما وحقك ثالث**** إلا رقاعة مدلويه الشاعر

وفي السنة 445 اعتقل المعتضد بن عباد ، صاحب إشبيلية ، عز الدولة ، محمد بن نوح الزناتي ، صاحب مدينة مورور ، بالأندلس ، وحبسه في حمام بإشبيلية ، وكبله بالحديد ، مع بعض أمراء زناته ، ثم قتله ، وسبب ذلك أنه بايع للمهدي الحمودي ، فأغضب ذلك المعتضد، وقد وجد رأس محمد ، ورؤوس الزناتين الأخرين بعد مدة ، في صندوق بقصر المعتضد، كان يحتفظ به رؤوس الملوك والرؤساء الذين قتلهم . ( الاعلام 349/7 ).

وفي السنة 446 توقي القائد بن حماد بن بلكين ، بإفريقية ، وخلفه ولده محسن ، فبادر عند تقلده الحكم ، فقتل أربعة من أعمامه ، وفي السنة 447 بعث إلي ابن عمه بلكين بن محمد ، ليحضر ، فلما قرب منه ، أوصي أتباعه بقتله ، وكان بلكين محسنا إليهم ، فأخبروه ، فحاربه ، ففر محسن ، فأدركه بلكين ، وقتله ، واستولي علي قلعته ( ابن الأثير 355/9 ، 600، 601)

وفي السنة 448 تقدم رئيس الرؤساء ابن المسلمة ، وكان شديدا علي الشيعة ، إلي صاحب المعونة ابن النسوي ، بقتل أبي عبد الله بن الجلاب ، شيخ البزاز بن بباب الطاق « لما كان يتظاهر به من الغلو في الرفض ، فقتل ، وصلب علي باب دكانه ( المنتظم 8/ 172 و 173 ).

ص: 356

وفي السنة 448 قتل السامي بالله إدريس بن يحيي من آل حمود العلويين ، من ملوك الحموديين في مالقة وسبتة والأندلس ، وكان قد خلف عمه محمد بن إدريس ، ثم ترك الحكم ، فاعتقل ، وسيق إلي سبتة ، فقتل . (الاعلام 269/1 ) . .

وفي السنة 449 اكتشف المعتضد اللخمي ، صاحب إشبيلية ، واسمه عباد بن محمد ، أن ولده إسماعيل ، وهو خليفته ، وولي عهده ، يأتمر به ، فحبسه في قصره ، ثم أحضره ، وقتله بيده ، وقتل الوزير الذي تواطأ معه ، وآخرين ( الاعلام 30/4 ) .

وفي السنة 450 وثب علي السلطان فرخ زاد الغزنوي ، مماليكه ، واتفقوا علي قتله ، وقصدوه وهو في الحمام ، وكان معه سيف ، فسله ، وقاتلهم ، ومنعهم حتي أدركه أصحابه وخلصوه ، وقتلوا أولئك الغلمان . ( ابن الأثير 5/10) .

وفي السنة 452 قتل أمير اليمن المؤيد نجاح ، قتله علي الصليحي ، فخلفه ولده سعيد الأحول الذي توفي في السنة 481، ونجاح هذا عبد حبشي أسس دولة في اليمن في السنة 412، واستمر في حكم اليمن حتي قتله علي الصليحي في السنة 452 ( معجم انساب الأسر الحاكمة 179 و181).

وفي السنة 454 قتل سلطان المغرب الأوسط بلكين بن محمد، من بني حماد ، وكانت حاضرته قلعة بني حماد بإفريقية ( معجم انساب الاسر الحاكمة 110) .

وفي السنة 456 توفي بلكين بن باديس الصنهاجي ، صاحب إفريقية ، فاتهم والده باديس جواري ولده ، وبعض فتيانه وبني عمه ، فقتلهم ، وفي السنة 459 اتهم وزيرة اليهودي ابن نفراله ، بأنه هو الذي دس السم لولده بلكين ، فقتله ( الاحاطة 439 - 442) .

ص: 357

وفي السنة 456 قتل الوزير عميد الملك الكندري ، بأمر من السلطان ألب أرسلان ، وكان الكندري وزيرة للسلطان طغرلبك ، فلما تسلطن ألب أرسلان ، بعث به إلي مروالروذ ، ثم أرتاب فيه ، فبعث غلمان لقتله ، فدخلوا عليه ، فقال له أحدهم : قم ، فصل ركعتين ، وتب إلي الله تعالي ، فعرف ما يراد به ، وقال : أدخل فأودع أهلي ، ودخل إلي زوجته ، فارتفع الصياح ، وتعلق به الجواري ، ونشرن شعورهن، وحثين التراب علي رؤوسهن ، فدخل إليه الغلام ، وقال له : قم ، فقال : خذ بيدي ، فقد منعني الجواري من الخروج ، وخرج إلي مسجد كان هناك ، فصلي ركعتين ، ثم مشي حافية إلي وراء المسجد ، فجلس ، وخلع فرجية سمور عليه ، فأعطاهم إياها، وخرق قميصه وسراويله ، حتي لا يؤخذا ، وجاءوه بشاروفة ، فقال : لست بعيار ولا لص فأخنق ، والسيف أروح لي ، فشدوا عينيه بخرقة خرقها من طرف كمه ، وضربوه بالسيف ، وأخذوا رأسه ، وتركوا جثته ، فأخذتها أخته إلي بلده كندر ، وكان عمره نيفا وأربعين سنة ( المنتظم 239/8)

أقول : كان السلطان قد غضب علي الكندري ، فخصاه بخوارزم ، وقد أثبتنا هذا الخبر في موضعه من هذا الكتاب ، قال ابن خلكان ، في وفيات الأعيان 142/5 : من العجائب ان الكندري أريق دمه بمروالروذ ، ودفنت جثته بكندر ، وحمل رأسه إلي نيسابور حيث دفن هناك ، وكانت مذاكيره قد دفنت بخوارزم .

وفي السنة 457 استولي الجلالقة ، علي مدينة قلمرية ، وكانت تحت حكم المظفر بن الأفطس ، صاحب بطليموس ، وكان استيلاء الجلالقة عليها بخيانة أميرها وهو أحد عبيد المظفر ، فضرب المظفر عنقه . ( الاعلام 102/7)

ص: 358

وفي السنة 457 علي أثر المعركة الطاحنة التي انتصر فيها تميم بن المعز ، صاحب إفريقية ، علي ابن عمه الناصر بن علناس ، آثر تميم إصلاح ذات البين ، وبعث رسولا منه اسمه محمد بن البعبع ، وكان تميم قد أفضل عليه إفضا تاما ، فلما ذهب محمد إلي الناصر ، غدر بتميم ، وحسن للناصر أن يستولي علي ملك ابن عمه تميم ، واتفق معه علي أن يتجسس له أخبار تميم ، وحدث أن أطلع تميم علي خيانة رسوله ، فأحضره ، وكاشفه ، فقال له الرسول : العفو يا مولانا ، فقال له تميم : لا عفا الله عنك ، وأمر به فقتل ، وغرقت جثته ( ابن الأثير 47/10 - 49) .

وفي السنة 460 قتل المعتضد بن عباد ، صاحب إشبيلية ، أبا حفص عمر بن حسن الهوزني ، شاعر ، عالم ، سياسي، من أهل إشبيلية ، كان من أصحاب المعتضد ، ثم فارقه عاتبأ ، ثم عاد إليه ، فقتله بيده ، في قصره ، ودفنه داخل القصر بثيابه وقلنسوته . ( الاعلام 201/5 ).

وفي السنة 465 قتل السلطان ألب أرسلان السلجوقي ، لما عبر جيحون ، جاءه أصحابه بمستحفظ قلعة يعرف بيوسف الخوارزمي ، فأمر أن تضرب له أربعة أوتاد ، وتشد أطرافه إليها ، فقال له يوسف : يا مخنث ، مثلي يقتل هذه القتلة ؟ فغضب السلطان ، وقال للغلمان : خلوه ، وأخذ القوس والنشاب ، وكان راميا لا يخطيء سهمه ، فوثب يوسف يريده ، فلما رأي السلطان ذلك ، قام عن سدته ، ونزل عنها ، فعثر ووقع علي وجهه ، فبرك عليه يوسف ، وضربه بسكين كانت معه في خاصرته ، وضرب أحد الفراشين ، يوسف ، بمرزبة علي رأسه ، فقتله ، وقطعه الأتراك ، ومات السلطان بعد أربعة أيام . ( ابن الأثير 73/10 ).

وفي السنة 465 قتل ناصر الدولة الحمداني ، بمصر ، وهو أبو علي الحسن بن حمدان من أحفاد الأمير ناصر الدولة الحمداني صاحب الموصل ، وسبب قتله أن أم المستنصر الفاطمي ، كانت قد عينت أبا سعيد إبراهيم

ص: 359

التستري اليهودي ، وزيرا لها ، فأشار عليها أن تستوزر أبا نصر الفلاحي ، فاستوزرته للمستنصر ، وخشي الفلاحي علي مركزه من التستري ، فوضع غلمانا علي قتل اليهودي ، فقتلوه ، فغضبت أم المستنصر ، وأغرت به ولدها ، فقتله ، وولي الوزارة أبو محمد اليازوري ، فقتل، وكان ناصر الدولة ، أكبر قائد بمصر ، فتولي تدبير الأمور ، وحصلت بين الجند الأتراك ، وبين العبيد ، معارك ضارية ، أبادت العبيد ، وأضعفت الأتراك ، فعظم أمر ناصر الدولة ، وحاربه الأتراك ، فانتصر عليهم ، وكاتب الخليفة العباسي ببغداد ، ليخطب له بمصر ، فتآمر عليه قواد الأتراك ، ودخلوا عليه سحرا ، فضربوه بالسيوف ، وقتلوه ، وقتلوا أخاه فخر العرب ، كما قتلوا أخاه الثالث تاج المعالي ، فانقطع ذكر الحمدانية بمصر . ( ابن الأثير 80/10 – 87 ).

وفي السنة 471 سير أمير الجيوش بدر ، عسكرأ من مصر ، فحصر دمشق ، فاستنجد صاحبها إقسيس ، بتاج الدولة تتش السلجوقي ، فسارتش النصرته ، فلما وصل تتش إلي الشام ، انصرف المصريون ، وخرج إقسيس التلقيه عند سور البلد ، فاغتاظ منه تتش حيث لم يبعد في تلقيه ، فاعتذر له إقسيس بأعذار لم يقبلها تتش ، فقبض عليه ، وقتله من ساعته . ( ابن الأثير 111/10)

وفي السنة 479 قتل ببغداد رجلان ، كان السبب في قتلهما أن امرأة كانت تطر ( أي إنها نشالة ) وتأخذ أموال الناس وتنفق عليهما، ثم مالت إلي أحدهما دون الآخر، فظفر به الآخر فقتله ، فظفرت بالقاتل ، أخت المقتول ، فجرحته فجاء أخوها فقتله ، وقبرا من ساعتهمار المنتظم 26/9 ).

ولما أسر المعتمد بن عباد اللخمي ، صاحب إشبيلية وقرطبة ، في السنة 484 لما اقتحم عليه المرابطون إشبيلية ، قتل ولداه الفتح ويزيد بين يديه صبرا ( ابن الأثير 191/10 ).

ص: 360

أقول : في هذا القول نظر ، فإن المراكشي ، وهو أعلم بالموضوع ، ذكر في المعجب ص 206 و205 إن ولدي المعتمد، أبا خالد يزيد الراضي ، والمعتد بالله ، كان معتصمين بمعقلين من معاقل الأندلس الحصينة ، وإن أباهما كتب إليهما ، يتول أن يستسلما ، فنزلا بعد عهود مبرمة ، ومواثيق محكمة ، فغدر المرابطون بهما ، وقتلاهما ، وقد بسطنا هذا الخبر في بحث الغدر من هذا الكتاب ، القسم الثالث : القتل غدرة من الفصل الأول : القتل بالسيف ، من الباب الحادي عشر : القتل .

وفي السنة 485 حصر جيش المرابطين ، عمر بن الأفطس ، صاحب بطليوس ، وكان قد أعان المرابطين ، علي محاربة المعتمد بن عباد صاحب إشبيلية ، فلما فرغ المرابطون من المعتمد، وأسروه ، واستولوا علي إشبيلية ، وحملوا المعتمد إلي أغمات بالمغرب وسجنوه. بها ، قصد جيش المرابطين ، بطليوس ، وحاربوه ، وفتحوا بلده ، وأسروه ، وأسروا ولديه ، فلما عرضوا علي السيف ، قال عمر : قدموا ولدي للقتل قبلي حتي أحتسبهما ، ويكونا في صحيفتي ، فقتل ولداه قبله ، وقتل هو من بعدهما ( ابن الأثير 193/10 ).

أقول : عمر بن الأفطس هذا هو المتوكل علي الله أبو محمد عمر بن المظفر ، كان يملك بطليوس وأعمالها ، ويابره ، وشنترين ، وإشبونة ، وله قدم راسخة في صناعة النظم والنثر ، مع شجاعة مفرطة ، وفروسية تامة ، وكانت أيامه وأيام سلفه بالأندلس أعيادومواسم ، وكانوا ملجأ لأهل الآداب ، خلدت فيهم ولهم قصائد أشادت بمآثرهم وأبقت علي غابر الدهر حميد ذكرهم ، وفيهم نظم الوزير ابن عبدون ، قصيدته الشهيرة ، في خمسة وسبعين بيتا ، التي مطلعها : ( المعجب للمراكشي 127 - 140).

الدهر يفجع بعد العين بالأثر ****فما البكاء علي الأشباح والصور

ص: 361

ومنها :

بني المظفر والأيام ما برحت**** مراح والوري منها علي سفر

سحقا ليومكم يومأ ولا حملت**** بمثله ليلة في سالف العمر

من للأسرة أو من للأعنة أو ****من للأسنة يهديها إلي الثغر

من الليراعة أو من للبراعة أو**** من للسماحة أو للنفع والضرر

أودفع كارثة ، أو ردع ازفة**** أو قمع حادثة ، تعيا علي القدر

وفي السنة 486 هجم غلمان نظام الملك ، علي تاج الملك أبي الغنائم المرزبان بن خسرو ، وكان متهما بالمواطأة علي قتل نظام الملك ، فقطعوه إربا إربا ، وفضلوه أجزاء ، وحملت إلي بغداد إحدي أصابعه . ( المنتظم 9/ 74 وابن الأثير 216/10 ) .

وفي السنة 486 حرضت تركان خاتون ، زوجة السلطان ملكشاه ، إسماعيل ياقوتي ، وهو خال بركياروق ، وابن عم السلطان ملكشاه ، أن يحارب بركياروق ، وأطعمته في الزواج بها ، وأمدته بجند ، فحارب بركياروق ، وانكسر ، فانحاز إلي جانب تركان خاتون ، فرفضه قوادها ، وطردوه ، فعاد إلي بركياروق ، فأتهمه قواد بركياروق ، ووثبوا عليه فقتلوه . ( ابن الأثير 224/10 ) .

وفي السنة 486 كان إبراهيم بن قريش بن بدران يملك الموصل، فحاربه تاج الدولة تتش بن ألب أرسلان ، فظفر تتش ، وأسر إبراهيم وجماعة من أمراء العرب ، فقتلهم صبرا ( ابن الأثير 221/10 ) .

وفي السنة 486 عصي عامل صور للمستنصر الفاطمي ، واسمه منير الدولة الجيوشي علي المستنصر ، فسير إليه عسكرأ فتحوا صور ، وأخذ منير الدولة ومن معه من أصحابه محمولين إلي مصر ، فقتلوا هناك بأجمعهم ، ولم يعف عن أحد منهم ( ابن الأثير 223/10 ) .

ص: 362

وفي السنة 486 قتل السلطان بركياروق ، الأمير بلبرد ، أحد أمرائه الكبار ، وكان من كبار أمراء السلطان ملكشاه ، وزاده بركياروق اقطاع كوهرائين وشحنكية بغداد ، إذ بلغ السلطان بركياروق عنه ، إنه تكلم فيما يتعلق بوالدته ( والدة السلطان ) بكلام شنيع فأصبح مقتولا ( ابن الأثير 226/10)

وفي السنة 486 قتل الأمير أبو نصر علي بن هبة الله بن علي بن جعفر ، المعروف بابن ماكولا مصنف كتاب الإكمال ، قتله غلمانه الأتراك بكرمان ( ابن الأثير 227/10 ).

وفي السنة 487 سار تاج الدولة تتش ، صاحب دمشق ، قاصدأ أخذ حلب من قسيم الدولة أقسنقر ، ونشبت بينهما معركة ضارية ، ففر أصحاب أقسنقر ، وثبت هو ، فأسر ، وأحضر عند تتش ، فقال له : لو ظفرت بي ، ما كنت صنعت ؟ قال : كنت أقتلك ، فقال له : أنا أحكم عليك ، بما كنت حكمت به علي ، فقتله صبرة . ( ابن الأثير 232/10 ).

وفي السنة 487 استولي تاج الدولة تتش علي حلب ، وأسر الأميرين كربوقا وبوزان ، وأراد أن يستولي علي حران والرها ، وكانتا لبوزان ، فامتنع حفظتها من تسليمها إليه ، فقطع عنق بوزان ، وبعث إليهم برأسه ، فسلموا البلدين . ( ابن الأثير 232/10 ).

وكان الأمير تتش بن ألب أرسلان ، قد استنجد به أتسز الخوارزمي ، صاحب دمشق ، فجاء بجيشه إلي دمشق ، وقتل أتسز واستولي علي الشام ، كما قتل آق سنقر ، وبوزان ، وجماعة من أمرائهم ، واما من جملتهم بكجور ، فإنه فر منه ، فقبض علي أولاده الستة وقتلهم ، ثم صاف الأمير تتش ، بركياروق إبن أخيه ملكشاه ، فجاء بكجور إلي بركياروق وهو يبكي ، وقال له : إن عمك قتل أولادي ، وأنا قاتله بأولادي ، فقال له : إفعل ، فهاجمه في المعركة ، وقتله ( النجوم الزاهرة 155/5 ) .

ص: 363

وفي السنة 488 قتل أحمد خان بن خضر ، والي بخاري للسلاجقة ، وكان السلطان ملكشاه قد أسره في السنة 482 ( معجم أنساب الأسرات الحاكمة 312) .

وفي السنة 489 صادر أرسلان أرغون ، صاحب خراسان ، وزيره عماد الملك أبا القاسم بن نظام الملك ، علي ثلثمائة ألف دينار ، ثم قتله ( ابن الأثير 264/10 ).

وفي السنة 489 تحرك بحلب إنسان يلقب بالمجن ، كان سوادية يشق الخشب ، ثم صار رئيس الأحداث بها ، وصار له أتباع كثيرون ، فسيطر علي حلب ، وقتل أناسا فيها، فحدثته نفسه أن يتفرد في الحكم عن الملك رضوان ، وأحس رضوان بذلك ، فقصده ، فاختفي ، ثم اعتقل بعد ثلاثة أيام ، فأخذ ، وعوقب ، وعذب ثم قتل هو أولاده . ( ابن الأثير 255/10 ، 256)

وفي السنة 490 قتل عثمان ، وكيل دار نظام الملك ، اتهم بأنه يكاتب صاحب غزنة بأخبار السلطان ، فأخذ وحبس ، ثم اطلع عليه في الحبس مستمر علي المكاتبة ، فقتل . ( ابن الأثير 270/10 ) .

وفي السنة 490 قتل الأمير أرسلان أرغون ، أخو السلطان ملكشاه ، وكان سبب قتله إنه كان شديد علي غلمانه ، فاتفق إنه طلب غلامأ له ، فدخل عليه وليس معه أحد ، فأنكر عليه تأخره ، فاعتذر ، فلم يقبل عذره ، وضربه ، فأخرج الغلام سكينا معه وقتله ، وأخذ الغلام ، فقيل له : لم فعلت هذا ؟ فقال : لأريح الناس من ظلمه ( ابن الأثير 262/10 ) .

وفي السنة 490 قصد الأمير مسعود بن تاجر ، وكان له منزلة عظيمة عند السلاجقة ، وكان أبوه مقدم عسكر داود ، جد الملك ملكشاه ، قصد الأمير آخور زائرأ له ، ومعه ولده ، فأخذهما أمير آخور وقتلهما، وفي السنة 492

ص: 364

أرسل امير آخور ، وجماعة من القواد الي السلطان بركياروق ، يطلبون منه أن يسلم إليهم مجد الملك البلاساني ، مستشاره ، ليقتلوه ، فحاول السلطان أن يحميه ، فلم يتمكن ، وأسلمه ، فقتل ، وفي السنة 493 هلك المير آخور ، فائهم مؤيد الملك وزير السلطان محمد ، بأنه قد دس السم له وقوي هذا الظن ، أن وزير المير آخور هرب عقيب موته ، فقبض عليه وقتل ، وكان أمير آخور قد اتخذ الأمير إياز بمثابة الولد ، وأوصي له بجميع أمواله ، فأخذ الأمير إياز يطالب مؤيد الملك بدم المير آخور ، وغاضب السلطان محمد من أجل ذلك ، وانحاز الي السلطان بركياروق ، واقتتل الأخوان ، وكان مع السلطان بركياروق خمسون ألفا ، ومع أخيه السلطان محمد خمسة عشر ألفة ، فانتصر بركياروق ، وانهزم محمد ، وأسر وزيره مؤيد الملك ، وحمل إلي السلطان بركياروق فقتله ، وسنه اذ ذاك خمسون سنة ( ابن الأثير 264/10 ).

أقول : ذكر صاحب كتاب الأعلام 347/4 إن مقتل الوزير جري في السنة 495 وإن الذي قتله هو السلطان بركياروق ، قتله بيده ، اما ابن الأثير 264/10 فقد ذكر إن مقتل الوزير حصل في السنة 493 وان الذي قتله هو الأمير إياز .

وفي السنة 490 (1096م) قام أميكو الالماني بقيادة حملة صليبية ، وأوهم الناس أن المسيح نصبه إمبراطورة علي بيت المقدس ، وهاجم مدينة شباير في ألمانيا ، وقام بمذبحة في الحي اليهودي بالمدينة ، وقتل منهم أحد عشر زعيما دينيا ، وهدموا المعبد، ومزقوا التوراة ، وساقوا الزعيم موسي بن إسحاق إلي المعبد، حيث أعدموه هناك (علاقات بين الشرق والغرب51و50)

وفي السنة 490 لما اجتازت الحملة الصليبية الأولي بلاد الشام ، مروا بالمعرة ، واستولوا عليها ، ووضعوا السيف في أهلها ، فقتلوا منهم ما يزيد علي مائة ألف إنسان ، وسبوا منهم ، ثم ساروا عن المعرة بعد أن قتلوا أهلها، وقطعوا أشجارها، وذكر أحد المؤرخين إن الصليبيين قتلوا أهل

ص: 365

المعرة ، حتي الذين اعتصموا بالجوامع ، وأختبأوا في السراديب ، وهدموا أسوارها وأبراجها ، وأحرقوا مساجدها، وكسروا منابرها، وهدموا دورها ، ولما جاعوا أخذوا يأكلون جثث الموتي ( خطط الشام 281/1 ) .

وفي السنة 492 قتل بنيسابور ، الفقيه أبو القاسم ابن إمام الحرمين أبي المعالي الجويني ، وكان خطيب نيسابور ، فاتهم العامة أبا البركات الثعلبي بأنه هو الذي سعي في قتله ، فوثبوا به ، فقتلوه ، وأكلوا لحمه ( ابن الأثير 291/10)

وفي السنة 492 قتل مجد الملك البلاساني ، أبو الفضل أسعد بن محمد، وكان متحكما في دولة السلطان بركياروق ، وكان سبب قتله أن الباطنية ، والواقتل الأمراء الأكابر في الدولة ، فنسب ذلك إلي مجد الملك ، وتظافر الأمراء علي مطالبة السلطان بتسليم مجد الملك إليهم لقتله ، فأبي عليهم ، فأرسل مجد الملك إلي السلطان ، يقول : المصلحة أن تحفظ أمراء دولتك ، وتقتلني أنت ، فلم تطب نفس السلطان بقتله ، وأرسل إليهم واستحلفهم علي أنه إن سلمه إليهم ، فإنهم يحبسونه في إحدي القلاع ، فحلفوا ، فسلمه إليهم ، فقتله الغلمان قبل وصوله إليهم . ( ابن الأثير 289/10 و290 ).

وفي السنة 492 لما استولي الصليبيون علي بيت المقدس ، أخذوا يقتلون في المسلمين أسبوعا كاملا، وقتل من المسلمين في المسجد الأقصي ما يزيد علي سبعين ألفا ، منهم جماعة كثيرة من أئمة المسلمين وعلمائهم وعبادهم وزهادهم، ممن جاور في ذلك الموضع الشريف ( خطط الشام 282/1)

وجاء في كتاب «علاقات بين الشرق والغرب ص 71 ، إنه في السنة 492 (1099م) استولي الصليبيون علي بيت المقدس . وقاموا بمذبحة

ص: 366

وخاض رجالهم فيها بالدماء إلي ركبهم ، واندفعوا يذبحون كل من رأوه ، حتي الذين استسلموا وأسروا ، وجمعوا اليهود في معبدهم ، ثم أحرقوا المعبد ، وأحرقوهم في داخله .

وفي السنة 493 قتل الأمير بلكابك سرمز، بأصبهان ، بدار السلطان محمد ، وكان كثير الإحتياط من الباطنية ، لا يفارقه لبس الدرع ، ففي ذلك اليوم لم يلبس درعا ، فهاجمه اثنان من الباطنية ، وقتلاه ، فقتل أحدهما ، ونجا الأخر . ( ابن الأثير 301/10 ).

وفي السنة 493 عزل الوزير عميد الدولة بن جهير ، وصودر علي خمسة وعشرين ألف دينار ، وقبض عليه وعلي إخوته ، وحبس في دار الخلافة ، فمات في حبسه بعد شهر من اعتقاله ( ابن الأثير 299/10 ).

أقول : موت الوزير ، بعد حبسه بشهر ، يعني إنه قتل ، ومما يبعث علي التأمل ، ما ذكره ابن الأثير 337/10 إنه في السنة 493 بيع رحل بني جهير ودورهم بباب العامة ، ووصل ثمن ذلك إلي مؤيد الملك بن نظام الملك ، وزير السلطان محمد ، ولما قتل مؤيد الملك في السنة 494 أخذ ماله وبركه ، وحمل إلي الوزير الأعين أبي المحاسن ، وفي السنة 495 قتل الوزير الأعز أبو المحاسن ، وبيع رحله واقتسمت أمواله ، وأخذ السلطان ، والوزير الذي ولي بعده ، أبو منصور الميذي ، أكثر أمواله ، وتفرق الباقي أيدي سبا ، قال ابن الأثير : وهذه عاقبة خدمة الملوك .

وفي السنة 493 فتح تميم بن المعز، صاحب إفريقية ، مدينة سفاقس ، وكان صاحبها حمو قد تغلب عليها ، واشتد أمره بوزير كان عنده ، حسن الرأي والتدبير ، فأرسل إليه تميم يطلبه ليستخدمه ، ووعده ، وبالغ في استمالته ، فلم يقبل، فسير تميم جيشا لحصار سفاقس ، وأمر الأمير مقدم الجيش ، أن يهدم ما حول المدينة ويحرقه ، ويقطع الأشجار ، سوي ما يعود

ص: 367

لذلك الوزير ، فلا يتعرض له ، ويبالغ في صيانته ، ففعل ذلك ، فلما رأي حمو ذلك ، اتهم وزيره ، فقتله ، فانتشر أمره ، وأنحل نظام دولته ، واستولي جند تميم علي المدينة ( ابن الأثير 298/10 ).

وفي السنة 493 نشبت معركة بين السلطان بركياروق ، وأخيه السلطان سنجر ، وكان أمير داذ حبشي صاحب خراسان وطبرستان وجرجان ، مع بركياروق ، فأنكسر بركياروق ، وأسر أمير داذ حبشي ، فقتل. ( ابن الأثير 297/10).

وفي السنة 494 اتهم تيران شاه بن توران شاه بن قاورت بك ، صاحب كرمان ، بالنحلة الباطنية ، أفسده انسان إسمه أبو زرعة ، فطردهما أهالي كرمان ، ونصبوا مكانه واليأ ، إسمه أرسلان شاه ، فجرد أرسلان وراءهما عسكر ، فقتلهما . ( ابن الأثير 321/10 ) .

وفي السنة 494 قتل جاوولي سقاووه ، صاحب رامهرمز وأرجان ، كثيرة من الباطنية ، فإنهم ملكوا قلاعأ بخوزستان وفارس ، وعظم شرهم ، فوافق جماعة من أصحابه ، أظهروا الشغب عليه ، وفارقوه إلي الباطنية ، واستقروا معهم ، ثم إنه أظهر رغبته في مفارقة بلاده ، وحمل أمواله وسار ، فنزل الباطنية لسلب أمواله ، فلما تقابلوا ، إنحاز إليه أصحابه الذين لجأوا إليهم ، واتفقوا عليهم فأبادوهم ، ولم يفلت منهم إلا ثلاثة نفر ( ابن الأثير 319/10 و 320).

وفي السنة 494 قتل السلطان بركياروق كل من اتهم بأنه من الباطنية في عسكره ، وسبب ذلك أنهم ازدادوا في عسكره حتي خيف أن يستولوا علي العسكر وأصبح الناس يتهمونه بأنه من مذهبهم . ( ابن الأثير 313/10 و322). وكان أول قتيل قتله الباطنية ، مؤن من أهالي ساوة ، دعوه إلي نحلتهم ، فأباها ، فخافوا أن ينم عليهم ، فقتلوه ، وبلغ ذلك نظام الملك ،

ص: 368

فأمر بأخذ من يتهم بقتله ، فأخذ نجار اسمه طاهر ، فقتل ، ومثل به ، وجروا برجله في الأسواق فهو أول قتيل منهم ، وكان والد هذا النجار واعظ ، قدم بغداد ، ثم قصد البصرة ، وتوجه في رسالة إلي كرمان ، فاتهم بأنه باطني ، وقتلته العامة . ( ابن الأثير 313/10 ) .

وهجا الشاعر أبو بكر الأبيض ، الزبير بن عمر ، أمير قرطبة للملئمين ، فقتله .

وتفصيل ذلك : إن أبا بكر الأبيض هجا الزبير ، أمير قرطبة ، فقال :

عكف الزبير علي الضلالة جاهدة****ووزيره المشهور كلب النار

ما زال يأخذ سجدة في سجدة**** بين الكؤوس ونغمة الأوتار

فإذا أعتراه السهو سبح خلفه ،****صوت القيان ورتة المزمار

وبلغ قوله الزبير ، فأحضره ، وقرعه ، فقال له الأبيض : إني لم أر أحق منك بالهجو ، ولو علمت بما أنت فيه من المخازي لهجوت نفسك ، فأمر بقتله ، فقتل ( نفح الطيب 490/3 ) .

أقول : أبو بكر محمد بن أحمد الاشبيلي الأنصاري ، الملقب بالأبيض ، كان من فحول الشعراء ، ومما يؤثر عنه إنه سئل عن كلمة لغوية ، فلم يجب ، فالي علي نفسه ، أن يقيد نفسه بقيد حديد ، ولا ينزعه عنه حتي يحفظ « الغريب المصنف ، ودخلت عليه أمه وهو في الحديد ، فجزعت ، فقال :

ريعت عجوزي أن رأتني لابسة**** حلق الحديد ومثل ذاك يروع

قالت : جننت ؟ فقلت : بل هي همة ****هي عنصر العلياء والينبوع

سن الفرزدق سته فتبعتها ****إني لما سن الكرام تبوع

ص: 369

وسنة الفرزدق أشار إليها ، هي أن الفرزدق قيد نفسه حتي حفظ القرآن ، وقد ذكرنا قصته في موضع آخر من هذا الكتاب ، راجع الباب الرابع : الحبس والقيد ، الفصل الثاني ، القسم الأول : القيد والغل .

وفي السنة 495 نشبت معركة بين عامة بغداد ، وبين عسكر الأمير إيلغازي بن أرتق ، شحنة بغداد ، وسببها ، أن جماعة من عسكر إيلغازي جاءوا ليعبروا دجلة ، فنادرا ملاح ليعبر بهم ، فتأخر ، فرماه أحدهم بنشابة ، فوقعت في مشعره ، فمات ، فأخذوا العامة القاتل، وقصدوا باب النوبي ، بدار الخلافة ، فلقيهم ولد إيلغازي في جماعة ، فاستنقذه ، فرجمهم العامة بسوق الثلاثاء ، فمضي إلي أبيه إيلغازي مستغيثا ، فعبر إيلغازي مع جنده إلي محلة الملاحين ، المعروفة بمربعة القطانين ، فنهبها، فعطف عليه العيارون ، فقتلوا أكثر جنده ، ونزل من سلم منهم في السفن ليعبروا دجلة ، فلما توطوها ، ألقي الملاحون أنفسهم في الماء ، وتركوهم فغرقوا . ( ابن الأثير 338/10 ).

وفي السنة 495 طمع قدرخان ، جبريل بن عمر ، صاحب سمرقند ، بالإستيلاء علي خراسان ، فقصد خراسان ، فبادر السلطان سنجر ، وحاربه ، ونشبت بينهما معركة ، فانكسر قدرخان ، وأسر ، فلما وصل أمام السلطان سنجر ، قبل الأرض واعتذر ، فقال له سنجر : إن خدمتنا ، أولم تخدمنا ، فما جزاؤك إلا السيف ، ثم أمر به فقتل . ( ابن الأثير 338/10 ) .

وفي السنة 495 قتل الأمير جناح الدولة الحسين بن ايتكين ، زوج خاتون أم الملك رضوان السلجوقي صاحب حلب ، قتله ثلاثة من الأعجام الإسماعيلية بعث بهم حكيم منجم بحمص اسماعيلي المذهب ، وقتلوا معه بعض أصحابه ، فأمسك الإسماعيلية وقتلوا ( اعلام النبلاء 348/10 ).

وفي السنة 502 قتل قاضي أصبهان عبيد الله بن علي الخطيبي

ص: 370

بهمذان ، وكان قد تجرد في أمر الباطنية ، تجرد عظيمة ، وصار يلبس درعة ، حذرا منهم ، ويحتاط ، ويحترز ، فقصده إنسان أعجمي ، يوم جمعة ، فقتله ، وكذلك قتل أبو العلاء صاعد بن محمد بن عبد الرحمن قاضي نيسابور ، قتله باطني ، وقتل الباطني . ( ابن الأثير 471/10 و472) .

وفي السنة 502 ، وصل إلي المهدية ، ثلاثة نفر غرباء ، وكتبوا إلي أميرها يحيي بن تميم ، يقولون : إنهم يعملون الكيمياء ، فأحضرهم ، وأمرهم بالعمل أمامه ، وقعد معهم ، هو والشريف أبو الحسن ، وقائد جيشه ، واسمه إبراهيم ، فلما رأي هؤلاء المكان خالية ، ثاروا بهم ، فضرب أحدهم يحيي بن تميم ، علي رأسه ، فوقعت السكين في عمامته فلم تصنع شيئا ، ورفسه يحيي فألقاه علي ظهره ، ودخل يحيي بابا وأغلقه علي نفسه ، وضرب الثاني الشريف فقتله ، أما القائد، فسل سيفه وقاتل ، ووقع الصوت ، فدخل أصحاب الأمير ، وقتلوا هؤلاء الغرباء الثلاثة . ( ابن الأثير 473/10)

وفي السنة 502 قتل رئيس سروج ، وكان مسلمأ ثم أرتد لما استولي النصاري علي سروج ، قتله بردويل القمص الأفرنجي ، صاحب سروج والرها وغيرهما ، وسبب ذلك : إن جاولي كان قد أسر بردويل ، وبقي في أسره خمس سنين ، ثم أطلقه بشروط ، وبعث معه من ينظر في تنفيذ ما اتفقا عليه ، وكان بسروج ثلثمائة مسلم ضعفي ، فعمر أصحاب جاولي مسجدهم ، فقال رئيس سروج المرتد، في الإسلام قولا شنيع ، فغضب أصحاب جاولي ، وضربوه ، وجري بينهم وبين الإفرنج نزاع بسبب ذلك ، فذكر ذلك للقمص بردويل ، فقال : هذا لا يصلح لنا ولا للمسلمين ، وقتله ( ابن الأثير 461/10 و462) .

وفي السنة 495 توقي قوام الدولة كرابوقا ، فاختلف علي الزعامة ، كل من سنقرجه ، وموسي التركماني ، فلما تلاقيا ، جرت بينهما محاورات ،

ص: 371

وجذب سنقرجة سيفه ، وضرب موسي صفحة علي رأسه ، فجذب موسي سنقرجه وألقاه علي الأرض ، وكان معه ولد منصور بن مروان ، الذي كان أبوه صاحب ديار بكر ، فجذب سكينا ، وضرب رأس سنقرجه ، فأبانه ، وصارت الموصل لموسي التركماني ، ولكن موسي لم يهنأ بالحكم ، فإن الغلمان القوامية ( نسبة الي قوام الدولة كرابوقا)، وثب عليه عدة منهم ، ورماه أحدهم بنشابة ، فقتله . ( ابن الأثير 341/10 - 343) .

وفي السنة 499 ظهر بنهاوند ، رجل من السواد ، ادعي النبوة ، وسمي أربعة من أصحابه : أبا بكر ، وعمر، وعثمان ، وعلي ، فأطاعه خلق كثير من السوادية ، وأتبعوه ، وباعوا أملاكهم ، ودفعوا إليه أثمانها ، فقتل بنهاوند . ( ابن الأثير 399/10 ).

وفي السنة 500 قصد الأمير جاولي سقاووه الموصل، وكانت في بد جكرمش ، فكسره وأسره ، ومات في يده ، فكتب قاضي الموصل أبو القاسم بن ودعان ، للأمير جاولي ، يقول له : إن قتلت أبا طالب بن كسيرات ، وهو من أعيان الموصل، سلمت الموصل إليك ، فقتله جاولي ، وبعث برأسه إليه ، فأظهر الشماتة به ، فغضب الأتراك من تصرف القاضي ابن ودعان ، وثاروا به فقتلوه ، وكان بين مقتلهما شهر واحد. ( ابن الأثير 424/10و424/10 و425) .

وفي السنة 503 توجه الوزير نظام الملك أحمد بن نظام الملك ، وزير السلطان محمد السلجوقي ، إلي الجامع ، فوثب به الباطنية ، فضربوه بالسكاكين ، فجرح في عنقه ومرض مدة ، ثم عوفي ، وأخذ الباطني الذي جرحه ، وسقي الخمر حتي سكر ، ثم سئل عن أصحابه ، فأقر علي جماعة بمسجد المأمونية ، فأخذوا وقتلوا ( ابن الأثير 478/10 ) .

وفي السنة 503 توفي فاتك بن جاش ، صاحب مدينة زبيد باليمن ،

ص: 372

فخلفه ولده منصور ، فثقل عليه تحكم وزيره أنيس الفاتكي ، فاستدعاه إليه ، وأمر به ، فقتل أمامه ( الاعلام 241/8 ).

وفي السنة 504 في أيام الأمر الفاطمي ، قصد بردويل الافرنجي صاحب القدس وعكا ويافا ، مصر ، فدخل الفرما ، وأحرقها ، وأحرق جامعها ومساجدها ، وقتل بها رجلا مقعدا وابنته ، ذبحها علي صدره ، ثم رحل وهو مريض ، فهلك في طريقه قبل وصوله إلي العريش ، فشق أصحابه بطنه ، ورموا حشوته هناك ، فهي ترجم إلي اليوم . ( وفيات الأعيان 301/5 ).

وفي السنة 508 قتل السلطان سنجر السلجوقي ، وزيره أبا جعفر محمد بن فخر الملك أبي المظفر بن نظام الملك ، ووجد له في أمواله من العين ألفا ألف دينار ، ومن الجوهر والأموال ما لا حد له . ( ابن الأثير 549/10 )

وفي السنة 510 هلك جاولي سقاووه ، صاحب فارس ، وكان السلطان محمد أقطعه فارس ، فخرج إليها من بغداد ، ومعه طفل من أولاد السلطان ، عمره سنتان ، إسمه : جغري ، فمر ببلاد الأمير بلدجي ، وكان قد علم الطفل جغري ، ابن السلطان ، أن يقول بالفارسية : خذوه ، وهو لا يعرف معناها ، فلما جاء الأمير بلدجي ، ليقدم التحية لابن السلطان ، قال الطفل بالفارسية : خذوه ، فأخذ وقتل ، وطلب جاولي سقاووه ، غيره من الأمراء ، فأبوا الحضور ، ومن جملتهم أبو سعد بن مما ، فاضطر إلي محاصرته في قلعته ، وبعث إليه رسولا ، فقتل الرسول ، وبعث إليه قوما من الصوفية ، فأطعمهم الهريسة والقطائف ، ثم أمر بهم فخبطت أدبارهم ، وألقوا في الشمس ، فهلكوا ، فاضطر جاولي أن يؤمن أبا سعد ، فخرج بالأمان ، ثم احتال عليه ، فقتله ، وفي السنة 009 توقي الطفل جغري ، وقد بلغ الخامسة ، ثم هلك جاولي من بعده . ( ابن الأثير 516/10 -520 ).

ص: 373

وفي السنة 513 نشبت حرب بين السلطان سنجر ، وبين ابن أخيه السلطان محمود ، فانكسر محمود ، وظفر سنجر بأتابكه غر أوغلي ، فقتله ، وكان غز أوغلي ظالمة . ( ابن الأثير 552/10 ).

وفي السنة 513 وقع صاحب زردنا، وهو القومس الأبرص روبارد ( روبرت ) أسيرة ، إذا سقط عن فرسه في المعركة ، فأسر ، وحمل إلي إيلغازي بظاهر حلب ، فأنفذه إلي أتابك طغتكين ، فقتله صبرة ( اعلام النبلاء 434/1)

وفي السنة 513 استولي علي بن سلمان علي البصرة ، وكانت في إقطاع الأمير آقسنقر البخاري ، فاتفق عليه أميران ، هما غز أوغلي وسنقر ألب ، وقبضا علي البخاري وقيداه ، ثم وثب عليه سنقرألب ، فقتله ، فوثب غزأوغلي علي سنقر ألب وقتله ، وكان غز أوغلي يحقد علي علي بن سكمان ، أمير الحاج ، أمورة ، فلما عاد علي مع الحاج ، أوعز غز أوغلي إلي الأعراب ، أن يقصدوا الحجاج ، وينهبوهم ، فتعرضوا للحجاج ، فقاتلهم علي بن سكمان ، وطردهم ، ولما وصل بالحجاج إلي البصرة ، منعه غزأوغلي من دخولها ، ثم خرج إليه فحاربه ، فقتل غزاوغلي ، وملك علي بن سلمان البصرة ( ابن الأثير 559/10 ).

وفي السنة 513 قتل الأمير منكوبرس شحنة بغداد ، وكان ظالما ، جائرة ، جسور علي المنكرات ، وكان قد خرج علي السلطان سنجر ، ولما انتصر سنجر علي ابن أخيه السلطان محمود ، جاء منكوبرس، ودخل علي السلطان سنجر ، ومعه سيف وكفن ، فقال له سنجر : أنا لا أؤاخذ أحدأ ، وسلمه إلي السلطان محمود ، وقال له : هذا مملوكك ، فاصنع به ما تريد ، فأخذه ، وكان في نفسه منه غيظ شديد، لتعديه ، وظلمه ، وجرأته علي المنكرات ، فقتله صبرا ( ابن الأثير 556/10 ).

ونصب الأمر الفاطمي ، الذي ولد بالقاهرة سنة 490، واستخلف وهو

ص: 374

طفل سنة 495، لوزرائه ، ففي السنة 515 قتل وزيره الأفضل ، واستوزر بعده ابن فاتك البطائحي ، ولقبه بالمأمون ، ثم قتله سنة 521 مع اخوته الخمسة ، ونصب بدلا من الوزير صاحبي ديوان أحدهما جعفر بن عبد المنعم ، والآخر سامري اسمه إبراهيم ومعهما مستوف ، يعرف بابن أبي نجاح كان راهبأ ، فظلم الراهب الناس ، وتفاقم شره ، حتي قبض عليه الأمر ، وأمر به فقتل ضربا بالنعال ، في مجلس الشرطة ، وجر إلي كرسي الجسر ، وسمر علي لوح ، وطرح في النيل ، وجذف ، حتي خرج إلي البحر الملح . ( خطط المقريزي 291/2 ).

وفي السنة 515 قتل العميد فخر الكتاب مؤيد الدين وزير السلطان مسعود ( معجم أنساب الأسر الحاكمة 340 ) .

وفي السنة 516 قتل الأمير جيوش بك ، صاحب أذربيجان ، قتله السلطان محمد بباب تبريز ( ابن الأثير 10/ 604).

وفي السنة 517 قتل السلطان محمود ، وزيره شمس الملك عثمان بن نظام الملك ، قبض عليه أولا ، وسلمه إلي طغايرك ، فبعثه إلي بلده خلخال ، فحبسه فيها ، وتحرك أبو نصر المستوفي ، أحمد بن حامد ، الملقب بالعزيز ، فأغري السلطان محمود بقتله ، فأمر بقتله ، فلما دخل عليه السياف ليقتله ، قال له : أمهلني حتي أصلي ركعتين ، فلما صلي جعل يرتعد ، وقال للسياف : سيفي أجود من سيفك ، فاقتلني به ، ولا تعذبني ، أما أبو نصر المستوفي ، الذي سعي في قتل شمس الملك ، فلم تطل أيامه حتي قتل في السنة 525 إذ اعتقله الأنساباذي ، وزير السلطان محمود ، وبعث به إلي مجاهد الدين بتكريت فقتله ( ابن الأثير 164/10 و 670) .

وفي السنة 518 قتل بجامع همذان ، أبو سعد محمد بن نصر الهروي ، وكان ينفذه الخليفة المستظهر العباسي في رسائله إلي الأقطار . ( الاعلام 347/7 ) .

ص: 375

وفي السنة 520 قتل أبو منصور محمد بن ناصر الصائغ الصراف ، الفقيه المحدث ، قبض عليه علاء الدولة كرشاسب بن علي بن فرامرز ، وحمله إلي طبس ، وقتله هناك ، ودفنه في البرية ( الوافي بالوفيات 107/5)

وفي السنة 523 شرع تاج الملوك بوري بن طغدكين ، صاحب دمشق ، في الترتيب لقتل وزيره المزدقاني، اتهمه بمباطنة الإسماعيلية ، فلما كان في سابع عشر رمضان ، وانصرف الناس من مجلسه ، قام الوزير للخروج ، فتقدم إليه بعض الأصحاب ، وأشغله بحديث ، ثم أشار تاج الملوك الإشارة التي قررها مع المرتبين له ، فوثبوا به فقتلوه ، وقطعوا رأسه ، وأمر بجثته فأخرجت إلي باب الحديد ( عيون التواريخ 203).

أقول : ثم فتك صاحب دمشق بالإسماعيلية ، فقتل منهم في السنة 523 ستة آلاف نفس ، اتهمهم بأنهم كاتبوا الإفرنج لكي يسلموا إليهم مدينة دمشق ( خطط الشام 4/2) .

وفي السنة 525 لما مرض السلطان محمود السلجوقي ، خاف وزيره أبو القاسم الأنساباذي ، من بعض الأمراء والأعيان ، فأرسل عزيز الدين أبا نصر أحمد بن حامد المستوفي ، مقبوض عليه ، إلي مجاهد الدين بهروز ، بتكريت ، فقتل هناك في السنة 526 ، أما الأمير أنوشتكين المعروف بشير كير ، وولده عمر ، وهو أمير حاجب السلطان ، فقتلا قبل وفاة السلطان . ( ابن الأثير 199/10 و 970 و 683 ).

وفي السنة 529 نشبت معركة بين السلطان سنجر ، وابن أخيه السلطان مسعود ، فانكسر مسعود ، وأسر الأمير قراجه الساقي من اصحاب مسعود ، فلما أحضر أمام السلطان سنجر ، قال له : با مفسد ، أي شيء كنت ترجو بقتالي ؟ قال : كنت أرجو أن أقتلك ، وأقيم سلطان أحكم عليه ، فقتله صبر . ( ابن الأثير 677/10 و678) .

ص: 376

وفي السنة 526 قتل السلطان محمود السلجوقي ، صاحب خزانته ، أحمد بن حامد الإصبهاني ، وكان قد اطلع علي سر من اسراره ، فخشي أن يفشيه ، فقبض عليه ببغداد ، وحبسه في قلعة تكريت ، ثم قتله . ( الاعلام 104/1)

وفي السنة 527 وثب أحد المماليك ، علي شمس الملوك صاحب دمشق ، وضربه بسيف ، فخابت الضربة ، فأخذ، وقرر ، فقال : أردت اراحة المسلمين من شرك وظلمك ، ولم يزل يضرب ، حتي أقر علي جماعة ، فأخذوا وقتلوا من غير تحقيق ، كما قتل شمس الملوك أخاه سونج . ( ابن الأثير 8/11 و9) .

وفي السنة 529 قتل محمد بن احمد بن خلف ، قاضي قرطبة ، قتل في جامع قرطبة ، وهو ساجد . ( الاعلام 210/6 ) .

وفي السنة 530 اتفق الأمراء بدمشق علي قتل الحاجب يوسف بن فيروز ، وبينما كان الحاجب يسير مع صاحب دمشق شمس الملوك ، وكان إلي جانب الحاجب الأمير بزاوش يحادثه ، إذ جرد بزاوش ، سيفه ، وضرب الحاجب فقتله ( ابن الأثير 39/11 ).

وفي السنة 532 نشبت حرب بين السلطان مسعود ، وبين الأمير منكوبرس صاحب فارس ، ونائبه بخوزستان الأمير بوزابه ، والأمير عبد الرحمن طغايرك صاحب خلخال ، والملك داود بن السلطان محمود ، فانتصر السلطان مسعود ، وأخذ الأمير منكوبرس أسيرأ، فقتل بين يديه صبرا ، وتفرق عسكر مسعود في اتباع المنهزمين ، فكر بوزابة ، وعبد الرحمن طغايرك علي عسكر مسعود ، ففروا ، وقبض بوزابة علي جماعة من أمراء السلطان مسعود ، منهم صدقة بن دبيس صاحب الحلة ، ومنهم ولد أتابك قراسنقر صاحب أذربيجان ، وعنتر بن أبي العسكر ، وغيرهم ، فلما بلغه قتل صاحبه منكوبرس ، قدمهم وقتلهم أجمعين . ( ابن الأثير 60/11 و61) .

ص: 377

وفي السنة 533 قتل السلطان مسعود وزيره كمال الدين محمد بن الحسين الخازن ، وسبب قتله أنه كان شجاعا ، عادلا ، كشف أشياء كانت مستورة ، يخان فيها ويسرق ، فثقل علي المتصرفين وأرباب الأعمال ، فأغروا به الأمراء ، لاسيما قراسنقر صاحب أذربيجان ، فإنه فارق السلطان وأرسل يقول : أما أن تنفذ رأس الوزير، وإلآ خدمنا سلطانا آخر ، فقتله السلطان علي كره منه ، وأرسل رأسه إلي قراسنقر ، وكانت وزارته سبعة أشهر . ( ابن الأثير 64/11 ).

وفي السنة 539 قتل الكاتب الأندلسي محمد بن يحيي الشلطيشي ، المعروف بابن القابلة ، وكان أثيرا عند صاحبه ابن قسي ، ثم نقم عليه فقتله ( الاعلام 7/8) .

وفي السنة 541 قتل السلطان مسعود ، الأمير عباس ، صاحب الري ، وكان السلطان يتخوف منه ، وكيفية قتله ، إنه دعي لمواجهة السلطان ، فلما دخل ، منع أصحابه من الدخول معه ، وعدلوا به إلي حجرة ، وقالوا له : اخلع الزردية : فقال : إن لي مع السلطان أيمانا وعهودة ، فلكموه ، وعندئذ تشاهد ، وخلع الزردية ، وألقاها ، فضربوه بالسيوف ، واحتوا رأسه ، وأخذوه للسلطان ، ، ومن الإتفاق العجيب ، أن العبادي الواعظ ، كان يعظ يوما ، وعباس صاحب الري حاضر ، فتواجد بعض أهل المجلس ، ورمي نفسه نحو عباس ، فضربه أصحابه ، ومنعوه من الإقتراب من عباس ، لأنه كان شديد الإحتراز من الباطنية ، لأنه قتل كثيرة منهم ، وكان ما يزال لابسة الزردية لا تفارقه ، ويحيط به غلمانه الأجلاد ، فقال له العبادي : يا أمير ، إلي م هذا الإحتراز ، واللله ، لئن قضي عليك بأمر ، لتحلن أنت بيدك أزرار الزردية ، فينفذ القضاء فيك ، فكان الأمر كما قال . ( ابن الأثير 117/11)

وفي السنة 541 أسر عبد المؤمن الموحدي ، آخر ملوك المرابطين بمراكش ، إبراهيم بن تاشفين بن علي بن يوسف اللمتوني ، وكان إبراهيم

ص: 378

صغير السن ، فأدركت عبد المؤمن عليه رأفة ، وأراد استبقاءه ، فقال له أحد أصحابه : أتحب أن تربي فرخ سبع ؟ فأمر بقتله ومن معه جميعا . ( الاعلام 27/1)

وفي السنة 542 لما ملك عبد المؤمن الموحدي ، مدينة مراكش ، أحضر أمامه الأمير إسحاق ، وجميع من معه من أمراء المرابطين ، فقتلوا ، وجعل إسحاق يرتعد رغبة في الحياة ، ويدعو لعبد المؤمن ، ويبكي ، فقام إليه الأمير سير بن الحاج ، وكان إلي جانبه مكتوفة ، وبزق في وجهه ، وقال له : تبكي علي أبيك وأمك ؟ إصبر صبر الرجال ، فهذا رجل لا يخاف الله ، ولا يدين بدين ، فقام إليه الموحدون بالخشب ، فضربوه ، حتي قتلوه ، وكان من الشجعان المعروفين ، وقدم إسحاق ، فضربت عنقه ، علي صغر سنه وهو اخر ملوك المرابطين . ( ابن الأثير 10/ 584 ) .

ولما بلغ الأمير بوزابة ، مقتل عباس صاحب الري ، خرج في جيشه من فارس و خوزستان لمحاربة السلطان مسعود ، والتقيا بمرج فراتكين ، فانكسر بوزابة ، وأسر ، وحمل إلي السلطان ، فقتل بين يديه في السنة 542. ( ابن الأثير 119/11 ).

وفي السنة 543 قتل الملك الأفضل رضوان ، وزير الحافظ الفاطمي ، وحمل رأسه إلي الحافظ ، فأرسله إلي زوجته ، فوضع الرأس في حجرها ، فقالت : هكذا يكون الرجال . ( ابن الأثير 49/11 ) .

وفي السنة 544 قتل دولت شاه بن بهرام شاه ، من آل البتكين ، قتله جهانسوز الغوري ( معجم انساب الأسر الحاكمة 418 ).

وفي السنة 544 توفي الحافظ الفاطمي ، فخلفه الظافر ، واستوزر ابن مصال ، فاستمرت وزارته أربعين يوما ، وقصده العادل بن السلار، من ثغر الاسكندرية ، فأصبح وزير بدله ، وسير ربيبه ، ابن زوجته ، واسمه عباس بن

ص: 379

أبي الفتوح ، إلي ابن مصال ، فظفر به وقتله ، وفي السنة 548 قتل عباس ، العادل ، وولي الوزارة مكانه ، وكان ولده نصر ، يعاشر الظافر ، فاتفق عباس وولده نصر علي الظافر وقتلاه ، في السنة 549 ، واتهم عباس أخوي الظافر بقتله ، فقتلهما ، فثار عليه المصريون جميعهم ، واستغاثوا بطلائع بن رژيك ، فقصد القاهرة ، وفر عباس وولده ، فلاقاهم الإفرنج في الطريق ، وقتلوا عباسأ ، وأسروا ولده نصر، وأعادوه إلي المصريين ، حيث عذب ، وقتل . ( ابن الأثير 142/11 ، 191 - 194 ).

وذكر أسامة بن مرشد في كتابه : الإعتبار ، إن الملك العادل ، وزير الظافر من السنة 544 إلي 548 ، اعتقل شابا اتهمه بتزوير التواقيع ، وأمر بضرب رقبته ( الاعتبار 10).

وفي السنة 546 قتل أبو القاسم أحمد بن الحسين بن قسي ، أول ثائر في الأندلس علي الملثمين ، ادعي الهداية ، وتسمي بالإمام ، واستولي علي قلعة ميرتله في غرب الأندلس ، وولاه الموحدون مدينة شلب ، وقتل فيها . ( الاعلام 113/1 و114).

وفي السنة 548 قتل أبو سعد محمد بن يحيي النيسابوري ، رئيس الشافعية بنيسابور ، قتله الغير لما استولوا علي نيسابور ، في وقعتهم مع السلطان سنجر السلجوقي . ( الاعلام 7/8).

وفي السنة 547 توفي السلطان مسعود السلجوقي ، ونصب بدله ابن اخيه ملكشاه بن محمود بن محمد ، وكان مقدم العسكر خاص بك ، فطمع في السلطنة ، وقال الملكشاه : إني أريد لك الملك من غير منازع ، وأخوك ينازعك ، والمصلحة اني أقبض عليك ، وأكتب إلي أخيك محمد ، فإذا وصل قبضت عليه وأسلمته إليك فقال : افعل ، فقبض عليه ، وكتب إلي محمد بن محمود ، فحضر ، وأجلسه علي العرش ، وأحس محمد بمطامع خاص بك ، فدعاه إلي القصر هو وزنكي الجندار وشمله التركماني ، فلما

ص: 380

صعدوا الدرج ، قال شمله الخاص بك : إرجع ، فما هذا علامة خير ، فلم يرجع ، فلما حصلوا في بعض مضايق القصر ، أخذتهم السيوف ، فقتل خاص بك ، وزنكي الجدار ، وفر شمله ، فرموا برأسي خاص بك وزنكي ، وأكلت الكلاب لحومهما ، واستولي محمد علي أموالهما ومماليكهما ( عيون التواريخ 462 و463 وابن الأثير 164/11 ).

وفي السنة 548 غضب مجير الدين ابق ، صاحب دمشق ، علي وزيره الحيدرة ابن الصوفي ، فاستدعاه إلي القلعة ، وضرب عنقه ، وأخرج رأسه إلي حافة الخندق ، ونهب العامة دوره وأمواله ، ووزر من بعده ، رضي الدين ابن القلانسي ، وخلع عليه خلعة الوزارة ، ولقب بالألقاب التالية : وجيه الدولة ، سديد الملك ، فخر الكفاة ، عز المعالي ، شرف الرؤساء ( عيون التواريخ 473)

وحارب الأمير قماج ، صاحب بلخ ، الأمير زنكي ، صاحب طخارستان ، فانكسر زنكي ، فأخذه الأمير قماج ، هو وابنه أسيرين ، وقتل قماج ابن زنكي ، وجعل يطعم أباه لحمه ، ثم قتل الأب أيضأ .

ثم دخل الأمير قماج في حرب مع الغير ، فأنكسر ، وأسر هو وولده ، فقتلهما الغير سنة 548 . ( ابن الأثير 179/11 ).

وكان جزاء شراب الخمر ، في بعض الأحيان ، القتل ، في مملكة السلطان أبي يوسف الموحدي ، ملك المغرب (554 - 595 ) . ( وفيات الأعيان 11/7 ).

وفي السنة 549 ، قتلت امرأة ، ببغداد ، قتلتها جاريتها ، فأخرجت الجارية ، إلي الرحبة ، وقتلها زوج المرأة ، بحضرة الناس ، كما يقتل الرجال ( المنتظم 159/10 ).

أقول : قوله كما يقتل الرجال ، أي إنها قتلت صبر بقطع عنقها بالسيف .

ص: 381

وفي السنة 552 كان بخراسان غلاء شديد ، أكلت فيه سائر الدواب ، حتي أكل فيه لحم البشر ، وكان بنيسابور طباخ ، فذبح إنسانة علوية ، وطبخه ، وباعه في الطبيخ ، ثم ظهر عليه ذلك ، فقتل . ( ابن الأثير 228/11)

وفي السنة 553 قتل عبد المؤمن الموحدي صاحب المغرب ، وزيره أبا جعفر أحمد بن أبي جعفر بن عطية القضاعي ، وقتل معه أخاه أبا عقيل عطية ، اتهم وزيره بالميل إلي المرابطين الذين كانوا ملوك المغرب ، إذ تزوج أبو جعفر من ابنة يحيي الحمار من أمرائهم ، وكانت أمها زينب بنت علي بن يوسف اللمتوني ، فوجد أعداؤه السبيل إلي نكبته ، فاعتقله عبد المؤمن ، وقيد إلي المسجد في اليوم الثاني من اعتقاله ، حاسر الرأس ، وأقيم للناس ، ثم لف معه أخوه عطية ، وتوجه عبد المؤمن إلي تربة المهدي محمد بن تومرت ، فاستصحبهما منكوبين بحالة ثقاف ، ولما عاد قتلهما في الطريق ( الاحاطة 271 - 275 ونفح الطيب 184/5 ).

وفي السنة 556 قتل الأمير ترشك ، مقطع بلد اللحف ، وكان الخليفة قد أمره بالحضور إلي بغداد ، ليخرج علي رأس جيش ، لطرد جمع من التركمان ، فأبي أن يحضر ، وقال : أبعثوا العسكر ، وأنا أقاتل بهم ، فجهز الخليفة عسكرة ، ولما وصل ترشك إليهم ، قتلوه ، وبعثوا برأسه إلي الخليفة . ( ابن الأثير 290/11 ) .

وبلغ من تعظيم العدوية ، للشيخ حسن ، حفيد أبي البركات ، أخي الشيخ عدي بن مسافر (ت 07ه ) ، إنه قدم عليه واعظ ، فوعظه حتي رق قلبه ، وبكي ، وغشي عليه ، فوثب العدوية علي الواعظ ، فذبحوه ، وأفاق

ص: 382

الشيخ ، فرآه يتشحط في دمه ، فقال : ما هذا ؟ فقالوا : أيش هذا من الكلاب حتي يبكي سيدنا الشيخ ؟ ( فوات الوفيات 335/1 ).

أقول : تذكرني هذه القصة بقصة شاه ولي ، وهي - علي ما بلغنا - قصة علوي ، قصد بلاد الأفغان ، ومكث زمن ، فاشتهر أمره عند أهلها ، وأصبحت له في قلوبهم منزلة عظيمة ، ثم اشتاق إلي أهله ، فعزم علي العودة إليهم ، وحاول أتباعه أن يقنعوه بالبقاء ما بين ظهرانيهم ، فأبي وأصر ، فتركوه ، حتي إذا بارحهم ، كمنوا له في الطريق ، وقتلوه ، وعادوا به ، فدفنوه في احتفال جمع أسمي مظاهر الاحترام.

وفي السنة 559 قتل منكبرس عامل البصرة قتله الخليفة المستنجد ( معجم انساب الاسر الحاكمة 67 وابن الأثير 323/11 ).

وفي السنة 559 قتل السيد أبو سعيد ، صاحب غرناطة ، أبا جعفر أحمد بن عبد الملك بن سعيد العنسي ، من أولاد عمار بن ياسر صاحب رسول الله صلوات الله عليه ، وهو من بيت مشهور بالأندلس ، وكان من الشعراء الأدباء ، وكان يتعشق الشاعرة الأديبة حفصة بنت الحاج الركوني ، وكان يزاحمه في حبها السيد أبو سعيد صاحب غرناطة ، فنشأت بينهما من أجل ذلك عداوة ، وحدث أن أخا أبي جعفر ، وهو عبد الرحمن بن عبد الملك ، وقريبه حاتم بن حاتم بن سعيد ، ظاهرا الثائر ابن مردنيش ، فاستغل أبو سعيد موقفهما ، وقبض علي أبي جعفر وقتله صبرا ( الاحاطة 224 - 227)

وفي السنة 559 تقدم بقتل تسعة من اللصوص ، فأخرجوا من الحبس فقتلوا ، واحد بباب الأزج ( محلة باب الشيخ ) ، والآخر بالرحبة ( ساحة قصابي لحم البقر بالشورجة ) ، وآخر بباب الغربة ( أحد أبواب دار الخلافة ، وكان قريب من مشرعة الإبريين ( شريعة التمر ، وقد دخل هذا الباب في شارع

ص: 383

المستنصر ) ، وآخر بالأكافين ( لا أعرف موضعه ) ، وأربعة علي عقد سوق السلطان في الميدان ) ، وواحد بسوق السلطان ( شارع الميدان المؤدي لباب المعظم ) .

أقول : تذكرني هذه القصة ، بقصة مماثلة لها ، سواء في القتل ، أو في العدد ، حصلت في السنة 1931 او 1932 وكنت إذ ذاك ، كاتبأ في المحكمة الكبري لمنطقة بغداد ( محكمة الجنايات ) ، إذ رفع شيخ بغدادي ، شكوي إلي الملك فيصل الأول رحمه الله ، قال فيها إن له أولاد ثلاثة ، وإن شخصا تنازع وأحد أولاده وقتله ، وحكم عليه بالإعدام ، وخفض الحكم إلي الأشغال الشاقة المؤبدة ، وإن القاتل أطلق بعد تسع سنين ، فقتل ولده الثاني ، وحكم عليه بالإعدام ، وخفف الحكم إلي الأشغال الشاقة المؤبدة ، وهو في شكواه هذه لا يحتج علي تخفيف الحكم ، وإنما يريد من الملك أن يحمي له ولده الثالث ، إذ لم يبق له غيره ، وكان لهذه الشكوي أبلغ الأثر لدي الملك فيصل رحمه الله ، فأحالها علي وزرائه مع الوصية بإعدام من اكتسب الحكم بحقه القطيعة ، علنأ ، فأعد تسعة أشخاص من هؤلاء ، وأعدموا شنقا ، علنا ، في يوم واحد ، منهم إثنان في باب الشيخ ، وثالث في الميدان ، واثنان في الكاظمية ، وواحد في الأعظمية ، والباقون في أماكن متفرقة من منطقة بغداد.

وفي السنة 564 قتل الوزير شاور السعدي ، الملقب بأمير الجيوش ، وزير العاضد الفاطمي ، قتله صلاح الدين الأيوبي ، بعد الإتفاق بين العاضد وشيركوه ، إذ اتهم بممالأة الإفرنج ، والاستعانة بهم لطرد جيش نور الدين من مصر ( ابن الأثير 340/11 والاعلام 225/3 ).

أقول : في السنة 558 عزل العادل ، وزير العاضد الفاطمي ، شاور عامل الصعيد، فحشد شاور ، وقصد العادل بمصر ، ففر العادل منه ، ولكنه قبض عليه ، وقتله ، وحل في الوزارة بدلا منه ، فخرج عليه ضرغام ، ونازعه

ص: 384

الوزارة ، ففر منه شاور إلي الشام ، واستغاث بنور الدين بن زنكي ، فبعث معه جيشأ بقيادة شيركوه ( عم صلاح الدين الأيوبي ) ، فحارب ضرغام ، وقتله عند مشهد السيدة نفيسة ، وأعاد شاور للوزارة ، ثم اتهم شيركوه شاور بأنه راسل الإفرنج للتخلص من جيش نور الدين ، فانسحب شيركوه وجيشه إلي الشام في السنة 559 ثم عاد في السنة 562 إلي مصر، فعاود شاور الإستنجاد بالافرنج ، فأنجدوه ، فاشتبك شيركوه معهم ، وظفر بهم ، وهزمهم ، وملك الإسكندرية ، واستناب بها صلاح الدين ، ابن أخيه ، ثم قصد الصعيد فملكه ، ثم تم الصلح مع الإفرنج علي أن يبارحوا مصر جميعهم ، فبارحوها ، وعاد شيركوه إلي الشام ، ثم عاود الإفرنج الدخول إلي مصر ، والتحكم فيها ، وجعلوا لهم شحنة في القاهرة ، وتسلموا أبوابها ، وشرع إفرنج الشام في التأهب لاحتلالها ، وسار قسم منهم لاحتلال بلبيس ، فاحتلوها ، ونهبوها ، وقتلوا ، وأسروا ، وسبوا ، فخافهم المصريون ، ولما حصروا مصر ، أمر شاور بإحراقها ، والإنتقال إلي القاهرة ، خيفة أن يملكها الافرنج ، وأرسل العاضد الفاطمي إلي نور الدين يستغيث به ، وأرسل طي الكتب شعور النساء ، فحمي نور الدين ، وجهز جيشأ بقيادة أسد الدين شيركوه ، فلما قدم الجيش مصر ، رحل عنها الإفرنج ، وخشي القواد معرة شاور ، فقتلوه ، ولما قتل شاور التجأ أولاده إلي قصر الخليفة ، فكان آخر العهد بهم ( يعني إنهم قتلوا ) ( ابن الأثير 290/11 - 299 و 324 - 327 و335 - 340 ).

وفي السنة 564 قتل مؤتمن الخلافة بالقاهرة ، وهو خصي كان بقصر العاضد، وإليه الحكم فيه ، ذكر إنه اتفق مع جماعة وكاتب الإفرنج لإزاحة صلاح الدين ، ووضع الكتاب في أحد نعلين جديدين ، وعثر إنسان تركماني علي القاصد ، ورأي النعلين ، فأشبته بهما، وأخذهما إلي صلاح الدين ، ففتقهما ، واطلع علي مافيهما، واستشعر مؤتمن الخلافة ، فلزم القصر لا

ص: 385

يخرج منه ، ولم يظهر له صلاح الدين شيئا ، ثم أطمأن بعد حين ، وخرج إلي قرية له تعرف بالحراقانية ، للتنزه ، فبعث إليه صلاح الدين من أخذه وقتله ، فغضب السودان الذي بمصر لقتله ، لأنه كان يتعصب لهم ، فحشدوا ، وكانت عدتهم تزيد علي خمسين ألفا ، فاشتبكوا مع جيش صلاح الدين في معركة ضارية ، كانت عاقبتها إبادتهم ( ابن الأثير 345/11 و346).

وفي السنة 566 لما بويع الخليفة المستضيء، دعي الوزير ابن البلدي للبيعة ، فقصد دار الخلافة ، ولما دخلها صرف إلي موضع ، فقتل ، وقطع جسده الي قطع ، وألقيت في دجلة ( ابن الأثير 361/11 ).

وفي السنة 568 نزح آل شهاب من حوران إلي وادي التيم ، وكانوا خمسة عشر ألفا ، فجيش عليهم الإفرنج خمسين ألفا ، بقيادة البطريق الكبير قنطورا ، وأمده صاحب قلعة الشقيف بخمسة عشر ألفا ، واشتبك الجيشان في معركة دامت ثلاثة أيام ، قتل فيها من الإفرنج ثلاثة آلاف ، ومن آل شهاب ثلاثمائة ، ونقب بنو شهاب حيطان قلعة حاصبيا، مدة عشرة أيام ، وأخذوا قنطور البطريق الكبير وثلثمائة من جماعته وقتلوهم، وأرسلوا رؤوسهم إلي السلطان نور الدين محمود ( خطط الشام 41/2 ).

وفي السنة 568 مات خوارزم شاه أرسلان بن أنسز ، وملك بعده ولده سلطان شاه محمود ، ودبرت والدته الملك والعساكر ، فأنف الولد الأكبر علاء الدين تكش ، من طاعة أخيه الأصغر ، واستعان بالخطا ، وقصد أخاه في جيش كثيف ، فاستعان سلطان شاه ، بالمؤيد صاحب نيسابور ، فجمع جيوشه وخاض المعركة بجانب سلطان شاه ، فانكسر عسكر المؤيد، وأخذهو أسيرة ، وأحضر أمام خوارزم شاه علاء الدين تكش فأمر بقتله ، فقال له المؤيد : يا مخنث ، هذا فعل الناس ؟ فلم يلتفت إليه ، وقتل بين يديه صبرا ( ابن الأثير 377/11 و 385).

ص: 386

وفي السنة 569 سير الخليفة من بغداد جيشا ، حارب ابن سنكا، فأسره جيش الخليفة ، وقتله ، وحمل رأسه إلي بغداد فعلق بباب النوبي ( ابن الأثير 409/11 ).

وفي السنة 582 قتل الناصر العباسي استاذ داره مجد الدين أبا الفضل بن الصاحب ، وكان متحكما في الدولة ، وهو الذي قام ببيعة الناصر ، وظهرت له أموال عظيمة أخذها الخليفة ، وكان حسن السيرة ، والذي سعي به عبيد الله بن يونس ، أحد صنائعه ( أبن الأثير 592/11 ).

وفي السنة 583 لما انتصر السلطان صلاح الدين الأيوبي ، علي الأفرنج ، في موقعه حطين ، وأسر ملوكهم وأمراءهم ، قتل البرنس أرناط صاحب الكرك ، وحقن دماء الباقين ( ابن الأثير 562/11 ).

أقول : كان البرنس أرناط ، صاحب الكرك ، عنيفة في الخصومة ، وسبق له مرة أن صنع سفنا وضعها في خليج العقبة ، ليسير بها إلي مكة والمدينة ليخر بهما ، فلم يتم له شيء من ذلك ، وفي السنة 582 صادر قافلة عظيمة للمسلمين ، برغم الهدنة التي كانت بنيه وبينهم ، فناشده أهل القافلة الصلح الذي بينه وبين المسلمين ، فصدر منه قول يتضمن الإستخفاف بالنبي محمد صلوات الله عليه ، فلما وقع في الأسر ، جلس صلاح الدين في خيمته ، وأحضر الأسري من الملوك والأمراء ، وكانوا في أشد العطش، فأمر السلطان للملك جفري بشربة من الجلاب والثلج فشرب ، ثم ناول البرنس أرناط ليشرب ، فقال السلطان صلاح الدين للترجمان قل للملك جفري إنك أنت الذي سقيته ، ولم اسقه أنا ، ذهب في قوله هذا ، إلي أن من جميل عادات المسلمين وكريم أخلاقهم أن الأسير إذا أكل أو شرب عندهم فهو أمان اله عندهم ، ثم أمر السلطان لهم بطعام وبعد أن أكلوا ، أحضر البرنس أرناط ، وقرعه بذنوبه ، وعرض عليه الإسلام ، فأبي ، فقام إليه وضربه بالنمجاه فقتله ، وقال : إني نذرت دفعتين أن أقتله إن ظفرت به ، الأولي لما

ص: 387

أراد المسير إلي مكة والمدينة ، والثانية : لما أخذ القفل غدرة ، ولما قتل البرنس أرناط ، حملت جثته إلي خارج الخيمة ، فرآها الملك جفري ، وكان في دهليز الخيمة ، فظن إنه سوف يلحق به ، فاستحضره السلطان صلاح الدين ، فطيب قلبه ، وقال له : لم تجر عادة الملوك أن يقتلوا الملوك ، ولكن هذا تجاوز الحد ، وتجرأ علي الأنبياء ( وفيات الأعيان 176/7 و 177 وسيرة صلاح الدين لابن شداد 78 و 79).

وفي السنة 584 وثب اثنان في زي الصوفية ، علي الشيخ محمد بن قائد، في رباطه بدمشق ، فقتلاه ، وقتلا خادمه عبد الحميد، وهربا ، فلقيهما فلاح في يده مر ، فقتلهما ( الوافي بالوفيات 352/4 ).

وفي السنة 584 قتل أبو المنصور عيسي بن مودود بن علي ، والي تكريت ، قتله إخوته . ( الاعلام 296/5 ).

وفي السنة 587 قتل تاج الدولة خسرو ملك بن خسرو شاه ، صاحب البنجاب ( معجم أنساب الأسر الحاكمة 418).

وفي السنة 588 غزا السلطان شهاب الدين الغوري ، الهند ، ونشبت بينه وبين ملك الهند معركة انتهت بانكسار ملك الهند، وجيء به ، إلي شهاب الدين أسيرا ، فقال له شهاب الدين : لو أسرتني ما كنت تعمل بي ؟ فقال : كنت قد أعددت لك قيدأ من الذهب ، أقيدك به ، فقال له شهاب الدين : نحن لا نجعل لك من القدر ما نقيدك ، ثم قتله . ( ابن الأثير 93-91/12)

وفي السنة 592 قتل صدر الدين محمود بن عبد اللطيف الخجندي ، رئيس الشافعية بأصبهان ، قتله ملك الدين سنقر الطويل ، شحنة أصفهان بها ، وكان صدر الدين قدم بغداد ، واستوطنها ، وولي النظر في المدرسة

ص: 388

النظامية ، ولما ملك جند الخليفة إصبهان ، عاد الخجندي وأقام في إصبهان ، فقتله سنقر ( ابن الأثير 124/12 ).

وفي السنة 598 قتل الملك المعز إسماعيل بن طغتكين بن أيوب بن شادي ، وكان أهوجا، سيء السيرة ، زعم أنه أموي ، وادعي الخلافة ، وتلقب بالإمام الهادي بنور الله ، المعز لدين الله ، أمير المؤمنين ، فلما سمع بذلك عمه العادل الأيوبي ، ساءه وهمه ، وكتب اليه يلومه ويوبخه ، ويأمره بالعدول إلي نسبه الصحيح ، وأن يترك ما ارتكبه مما يضحك الناس منه، فلم يلتفت إليه ، ولم يرجع ، وانضاف إلي ذلك إنه أساء السيرة في اجناده وأمراءه ، فوثب عليه أخوان من امرائه ، فقتلاه ، ومن شعره : ( الوافي بالوفيات 125/9 وابن الأثير 130/12 ).

وإني أنا الهادي الخليفة والذي**** أدوس رقاب الغلب بالضمر الجرد

ولا بد من بغداد أطوي ربوعها****وأنشرها نشر السماسر للبرد

وأنصب اعلامي علي شرفاتها **** وأحيي بها ما كان أسسه جذي

ويخطب لي فيها علي كل منبر**** وأظهر دين الله في الغور والنجد

وفي السنة 600 نهض الناس بواسط علي قوم من الباطنية، كانوا يخفون أمرهم ، ويسترون أحوالهم ، وقتلوا منهم جماعة ، وأحرقوهم ، ونهبوا دورهم ، وكان أمر هؤلاء قد ظهر بواسط ، وصار اليهم جماعة من أهلها ، وصار لهم بها جاه وتقدم ، فاتفق أن قدم اليها رجل يعرف بالزكي محمد بن عصية ، أصله من الفاروث ، وقد كان مقيما ببلاد العجم مدة ، ونسب إلي هذا المذهب ، ونزل دارا تعرف بدار الهمام مجاورة لدور بني الهروي ، في الموضع المعروف بسوق الخشب ، وتحدث الناس فيه ، وأكثروا غشيانهم له ، وممن كان يغشاه رجل يعرف بحسن الصابوني ، فجاز هذا الرجل علي شخص نجار بالموضع المعروف بالسويقة ، فعرض له النجار بشيء من أمرهم ، فرد عليه الصابوني جوابأ أغلظ له فيه وتوعده ، فنهض له النجار

ص: 389

وقتله ، فتسامع الناس بذلك ، فوثبوا ، وقتلوا جميع من وجدوا ممن ينسب إلي هذا المذهب ، وقصدوا دار ابن عصية ، وقد اجتمع بها جماعة ممن كان يري رأي هؤلاء ، وأغلقوها ، وصعدوا إلي سطحها ، ورموا بالبندق ، ورماهم الناس بالأجر والنشاب ، وتسوروا عليهم الدور ووصلوا إلي سطح الدار المذكورة ، وقتلوا من كان بها وأحرقوهم ، وتحصن ابن عصية وجماعة بغلق الأبواب ، فنزل جماعة من الشبان إلي الدار ، وفتحوا الباب ، فدخلها خلق كثير ، وقتل ابن عصية ومن كان معه ، وقتل في ذلك ثلاثون رجلا ( الجامع المختصر 118). :

وفي السنة 600 لما انكسر السلطان شهاب الدين الغوري ، في معركة مع الخطا ، قصد أحد مماليكه ، واسمه أيبك بالترا ، بلاد المولتان بالهند، وقتل نائب السلطان بها ، وأعلن سلطنته فيها ، وكان يشجعه علي ذلك إنسان اسمه عمر بن يزال ، فبلغ خبره إلي السلطان شهاب الدين ، فسار إلي الهند ، وأخذ مملوكه أيبك ، وصاحبه عمر بن يزال ، فقتلهما أقبح قتلة ( ابن الأثير 12/ 187 و 188).

وفي السنة 601 خرج عسكر من الغورية ، مقدمهم الأمير زنكي بن مسعود ، إلي مدينة مرو ، فلقيهم نائب خوارزم شاه بمدينة سرخس ، وهو الأمير جقر ، وكمن لهم كمينا، فلما وصلوا إليه هزمهم ، وأخذ وجوه القواد أسري ، فلم يفلت منهم إلا القليل ، وأخذ أميرهم زنكي أسيرة ، فضربت عنقه ، وعلقت الرؤوس بمرو أياما ( ابن الأثير 206/12 ).

وفي السنة 601 قتل ببغداد ولد ابن الفضلي ، وكان شابة مليحة حسن الصورة ، قتله يوسف بن كيش ، ضربه بسكين في درب حبيب ، فهرب من بين يديه ، فلحق به وقد وصل إلي السوق ، فضربه ضربة أخري ، فقتله ، فأخذ ، وتقدم بتسليمه إلي أولياء المقتول ، وكان القاتل يوسف « أيضا ، شابة مليحا جميل الصورة ، فأشير علي أولياء ابن الفضلي ، بإطلاقه «صدقة عن

ص: 390

الخليفة صلوات الله عليه ، وقيل لهم : لو أراد قتله لما أطلق وستم إليكم ، فمضوا به إلي باب البدرية الشريفة ، وأطلقوه هناك ( الجامع المختصر 143)

وفي السنة 602 ظفر الأمير ألدز ، بجيش أرسله إليه علاء الدين بن محمد صاحب غزنة ، وأسر منه ألف أسير من جملتهم جلال الدين أخو علاء الدين ، ثم قصد ألدز غزنة ، وطلب من علاء الدين أن يسلم إليه القلعة ، وإلا قتل من عنده من الأسري ، فلم يسلمها ، فأحضر ألدز أربعمائة أسير ، أمام القلعة ، وقتلهم بأجمعهم ، فاضطر علاء الدين لتسليم القلعة ( ابن الأثير 236/12)

وفي السنة 602 قطع ابن الشحيح عامل الأعلي بالخالص ، الماء عن الخالص ، فانقطع عن نهر موسي الذي يسقي البستان بالدار العزيزة ( دار الخلافة ) فتقدم إلي الحماة بقتل ابن الشحيح ( الجامع المختصر 167).

وفي أيام الناصر الموحدي (ت 610) قتل القائد أبو عبدالله الجزيري ، وقتل معه أصحابه ، وتفصيل ذلك : إن أبا عبدالله الجزيري ، كان يطعن في الحكام والموحدين ويتهمهم بمخالفة تعاليم المهدي محمد بن تومرت ، وبأنهم صيروا الخلافة ملكا، وتوسعوا في الرفاهية وأهملوا حق الرعية ، ومن جملة ما قاله :

في أم رأسي سر ****يبدو لكم بعد حين

الأبلغن مرادي **** إن كان سعدي معيني

أولا فاكتب ممن**** سعي لإظهار دين

فطلبه الناصر الموحدي ، محمد بن يعقوب بن يوسف بن عبد المؤمن ، ففر منه ، واستر ، وأخذ ينتقل مستخفيا مع أصحابه ، إلي أن حصل في حصن قولية من عمل مدنية بسطة ، فبينما هو ذات يوم في جامعها مع أصحابه ، وكانوا يأكلون بطيخة ، ويرمون القشور في صحن الجامع ، إذ

ص: 391

أنكر عليهم ذلك رجل من العامة ، وقال لهم : أما تتقون الله تعالي ، تتهاونون ببيت من بيوته ، فضحكوا منه ، واستهزؤا به ، فصاح الرجل بفقيه من العامة ، فحملوهم إلي الوالي ، فعرفه الوالي ، وقتله ، وقتل جميع من معه من أصحابه، فأعفي الناصر أرض قولية، من جميع التكاليف ( أي أنه أسقط عن أهلها جميع الضرائب ) ( نفح الطيب 65/4 و66).

وفي السنة 604 أمر خوارزم شاه ، خاله أمير ملك ، الذي نصبه أميرة علي هراة ، أن يقصد غياث الدين محمود الغوري، آخر سلاطين الغور ، وأن يقبض عليه ، وعلي أخيه علي شاه بن خوارزم شاه ، فقبض عليهما ، فأمره بقتلهما، فقتلا ، وبقتل غياث الدين ، انتهت دولة الغوريين ( ابن الأثير 266/12 و267).

وفي السنة 604 قتل الحسين بن خرميل ، من كبار قواد الغوريين ، وكان قد تقلب مرارا ، تارة مع الغوريين ، علي خوارزم شاه ، وتارة مع خوارزم شاه ضد الغوريين ، وفي آخر أمره ، وكان علي هراة ، حبس بعض الخوارزمين لتعديهم علي الرعية ، فبعث إليه خوارزم شاه قائدأ ، وأمره سرا باعتقال ابن خرميل ، والإستيلاء علي بلده، ولما وصل القائد اعتقل ابن خرميل ، فثار أهل هراة ، وامتنعوا فيها ، فتهددهم القائد بأن يقتل ابن خرميل إن لم يسلموا البلد ، فأصروا علي الامتناع ، فقتله . ( ابن الأثير 260/12 -262)

وفي السنة 604 حصر خوارزم شاه مدينة هرات ، وبعث إلي وزير الحسين بن خرميل ، يقول إنك امتنعت عن تسليم المدينة لأحد، إلا إذا حضر خوارزم شاه ، وها أنا قد حضرت ، فأجابه قائلا : لا أفعل، لأنكم غدارون ، لا تبقون علي أحد، فغضب خوارزم شاه من قوله ، وشدد في حصاره حتي ملك البلد عنوة ، وقبض علي الوزير فقتله ( ابن الأثير 265/12)

ص: 392

وفي السنة 605 قبل السلطان معز الدين سنجر شاه ، صاحب جزيرة ابن عمر ، قتله ولده غازي ، وكان سنجر سيء السيرة مع الناس كلهم من الرعية والجند والحريم والأولاد ، وبلغ من قبح فعله إنه سير ابنيه محمود ومودود إلي قلعة فرح من بلد الزوزان ، وأخرج ابنه غازي إلي دار بالمدينة أسكنه فيها ، ووكل به من يمنعه من الخروج ، فأعمل الابن الحيلة حتي نزل من الدار ، وتسلق إلي دار أبيه ، واختفي عند بعض سراريه ، وعلم به أكثر من بالدار ، فستروا عليه بغضأ لأبيه ، وتوقعة للخلاص منه ، وفي إحدي الليالي دخل عليه ولده في إحدي الحجر ، والأب سكران، فطعنه أربع عشرة طعنة بالسكين ، ثم ذبحه ، وتركه ملقي ، ولما علم استاذ دار سنجر بما حصل ، أغلق الأبواب علي غازي ، وأحضر محمود بن سنجر شاه من موضع اعتقاله في قلعة فرح ، وجمع أعيان الدولة فبايعوه ، ثم فتحوا باب الدار علي غازي وأرادوا أخذه ، فمانعهم ، فقتلوه ، وألقوه علي باب الدار ، ولما استقر محمود في السلطنة ، أخذ كثير من الجواري اللواتي لأبيه ، فغرقه في دجلة ، وأحرق وجوه بعضهن بالنار قبل تغريقهن ( ابن الأثير 12/ 280 - 282 ) .

أقول : كان سنجر شاه هذا ، مخلوق شريرة ، قال فيه السلطان ص لاح الدين الأيوبي : ما قيل لي عن أحد شيء من الشر، فرأيته ، إلأ كان دون ما يقال فيه ، إلا سنجرشاه ، فإنه كان يقال لي عنه أشياء استعظمتها ، فلما رأيته صغر في عيني ما قيل فيه ( ابن الأثير 62/12 ) وكان سنجرشاه ، قبيح السيرة ، ظالمأ، غاشمة ، كثير المخاتلة ، والمواربة ، لا يمتنع عن قبيح يفعله مع رعيته وغيرهم ، من القتل والسلب، والأهانة ، وقطع الألسنة ، والأنوف ، والأذان ، أما اللحي فإنه حلق منها ما لا يحصي ، وبلغ من شدة ظلمه ، إنه كان إذا استدعي إنسان ليحسن إليه لا يصل إلا وقد قارب الموت من شدة الخوف ، ونفقت في أيامه سوق الأشرار والساعين بالناس، فخرب البلد ، وتفرق أهله ( ابن الأثير 282/12 ).

ص: 393

وفي السنة 606 انتصر خوارزم شاه علي الخطا ، وعاد إلي خوارزم ومعه سلطان سمرقند ، وكان من أحسن الناس صورة ، فكان أهل خوارزم يجتمعون حتي ينظروا اليه ، فزوجه خوارزم شاه ابنته ، ورده إلي سمرقند ، وبعث معه شحنة يكون معه بسمرقند ، كما كان رسم الخطا ، فلما عاد إلي سمرقند ، أقام سنة ، فرأي من سوء سيرة الخوارزميين ما أزعجه فأمر السمرقنديين بقتلهم ، وكان يجعل الرجل منهم قطعتين ، ويعلقهم في الأسواق كما يعلق القضاب اللحم ، وأراد قتل زوجته ابنة خوارزم شاه ، فأغلقت الأبواب ، وأرسلت اليه تقول : أنا امرأة ، وقتل مثلي قبيح ، فتركها ، وبلغ الخبر خوارزم شاه ، فكتب إلي صاحب سمرقند : إنك قد صنعت ما لم يصنعه مسلم ، فأخرج من البلد ، وامض حيث شئت، فأبي عليه ذلك ، فأمر عسكره ، فزحف علي سمرقند ، واحتلها ، وقتل سلطانها، وقتل معه مائتي ألف إنسان ( ابن الأثير 268/12 -269).

وفي السنة 610 قتل الأمير ايدغمش ، الذي كان صاحب همذان ، استولي عليها منكلي ، وطرده ، فقصد بغداد ، فأكرمه الخليفة ، وسير معه جيشأ لاستعادة همدان ، فبعث إليه منكلي من اخذه وقتله ( ابن الأثير 301/12)

وفي السنة 610 ظفر عز الدين كيكاوس بن كيخسرو ، صاحب بلاد الروم ، بعمه طغريل شاه ، وقتله ، وذبح أكثر امرائه ، وأراد أن يقتل أخاه علاء الدين كيقباد ، فشفع فيه بعض أصحابه ، فعفا عن قتله ، وحبسه ، ولما مات كيكاوس في السنة 616 أخرج الجند أخاه كيقباد من حبسه، وسلطنوه ودامت سلطنته 17 سنة وتوفي في السنة 633 ( تاريخ أبي الفدا 115/3،124 ،156)

وفي السنة 611 قتل مؤيد الملك الشحري . وزير شهاب الدين الغوري ، ووزير تاج الدين ألدز من بعده ، جاء إليه أربعون نفرة من الأتراك ،

ص: 394

وأخبروه أن السلطان يريده أن يحضر جريدة لمهم تجدد، فسار معهم في عشرة مماليك ، فلما انفردوا به قتلوه ، وهربوا ، فظفر بهم خوارزم شاه محمد ، فقتلهم . ( ابن الأثير 304/12 ).

وفي السنة 112 استولي الأمير أتاج الدين ألدز ، علي الهاوور في الهند ، ثم قصد دهلي ، فحاربه صاحبها شمس الدين الترمش ، فانكسر ألدز ، وأخذ ، فقتل . ( ابن الأثير 311/12 ، 312).

وفي السنة 612 قتل السلطان جلال الدين علي بن سام الغوري ، صاحب باميان ، قتله خوارزم شاه ، وكان قد أسره في السنة 602 ( معجم انساب الأسر الحاكمة 419).

أقول : ورد في المعجم ، في الصحيفة 421 إن السلطان جلال الدين قتله خوارزم شاه في السنة 608 وهو خطأ، لأن خوارزم شاه اجتاح المنطقة التي كان جلال الدين يحكم جزء منها في السنة 612، وورد في تاريخ أبي الفدا 107/3 إن الذي أسر جلال الدين هو الأمير يلدز التركي أحد مماليك غياث الدين الغوري ، وإنه بعد أسر جلال الدين أكرمه واحترمه ، ولكنه لم يذكر شيئا عن مقتل جلال الدين ، وإنما ذكر إن خوارزم شاه فتح في السنة 912 غزنة وأعمالها، وإن الأمير يلدز فر منه إلي داخل الهند حيث قتل في احدي المعارك هناك ( تاريخ ابن الفدا 116/3 )

. وفي السنة 612 كان الأمير قتلغ تكين ، علي غزنة ، نائبا عن الأمير تاج الدين ألدز ، فغدر به ، وأسلم غزنة إلي خوارزم شاه ، فلما دخل خوارزم شاه البلد ، أحضر قتلغ تكين ، وسأله عن حاله مع ألدز ، فقال : إن ألدز يعتمد علي ، ويثق بي ، وأنا المرجع في كل الأمور ، فقال له خوارزم شاه : إذا كنت قد غدرت برفيقك ومن أحسن إليك ، فكيف أثق بك ، ثم استخرج جميع ماله ، وقتله . ( ابن الأثير 309/12 و 310) .

ص: 395

وفي السنة 616 قطع عنق افرنجي بالسيف ، أمام ضريح النبي صلوات الله عليه ، وسبب ذلك إنه لما حاصر السلطان الملك الكامل الايوبي ( 576 - 635 ) الافرنج في دمياط ، في السنة 616 ، كان أحد علوجهم ، يعلن في أثناء الحصار ، بسب النبي محمد صلوات الله عليه ، فلما استولي الكامل علي دمياط ، كان هذا العلج في جملة الأسري ، فبعث به إلي المدينة ، وأمر أن يؤخذ إلي قبر النبي ، وأن يقطع عنقه أمام القبر ، فأخذ، وأقيم ، وقطع رأسه ، أول يوم عيد الفطر للسنة 616. ( وفيات الأعيان 91/5 ).

وفي السنة 116 هاجم التار بلاد خوارزم شاه علاء الدين محمد بن تكش ، وانجفل الناس ، أمرت أم خوارزم شاه ، بقتل من كان كان محبوسا من الملوك بخوارزم ، فقتلوا وكانوا بضعة عشر نفسا ، ثم سارت بالخزائن إلي قلعة ايلال بمازندران ( شذرات الذهب 65/5 ).

وفي السنة 618 حصلت معركة بين جنكيز خان ، ومنكوبرتي جلال الدين خوارزمشاه ، في خوارزم ، ففر خوارزمشاه ، وأسر ولده وهو ابن سبع سنين أو ثمان ، فقتل بين يدي جنكيز خان صبر . ( تاريخ العراق بين احتلالين 122/1 ).

وفي السنة 622 تحالف رئيس تبريز وشمس الدين الطغرائي علي الإمتناع عن طاعة جلال الدين بن خوارزم شاه محمد بن تكش ، فعاد جلال الدين إلي تبريز ، وأمر بالرئيس أن يطاف به في البلد ، وكل من كان له قبله مظلمة فليأخذها منه ، وكان ظالما ، ففرح الناس بذلك ، ثم قتله . ( ابن الأثير 437/12 ) .

وخرج الظافر البياسي ، من بني عبد المؤمن ، بالأندلس ، علي العادل الموحدي ، سلطان مراكش ، واسمه أبو محمد عبد الله بن أبي يوسف يعقوب ، بن أبي يعقوب يوسف بن عبد المؤمن الموحدي وكانت مدة سلطنة العادل ( 621 - 624) وانتصر الظافر أولا ، ثم تردت أحواله ، وقتله أحد

ص: 396

الفرسان ، وأحضر رأسه إلي الأمير إدريس أخي العادل ، فأجازه بألف دينار ، ثم إنه قتله من بعد ذلك ، وقال : لا أستطيع أن أبصر من قتل ملكا ( الوافي الوفيات 320/8 و 321) .

أقول : لما خرج الظافر بالأندلس ، علي العادل ، ترك العادل الأندلس في عهدة أخيه إدريس ومضي هو إلي مراكش ، فاستولي البياسي علي معظم بلاد الأندلس ، وانحاز إدريس إلي إشبيلية من دون مال ولا رجال ، وحصره البياسي في إشبيلية ، واشتبكا في معركة ضارية ، فظفر إدريس ، وفر البياسي إلي قرطبة ، فد إدريس إلي أهل قرطبة من خوفهم من البياسي وإنه علي وشك الاستعانة بالنصاري ، فهاج أهل قرطبة علي البياسي وطردوه ، ففر منهم ولحق به فارس فقتله ، وحمل رأسه إلي إدريس ، فأعطاه ألف دينار ، وجعله من خاصته ، ثم إنه قتله من بعد ذلك ، وقال : لا أستطيع أن أبصر من قتل ملكة .

وفي السنة 624 قتل العادل الموحدي سلطان مراكش ، فهجم ابن هود بالأندلس علي حصن من حصون مرسية ، وانتزعه من الموحدين وخطب فيه البني العباس ، ثم اتفق ابن هود مع قاضي مرسية علي أن يحتال علي أمير مرسية الموحدي ، فدخل عليه القاضي وأخذ يده ليقبلها ثم أمسكها ، وقبض جماعته علي الأمير ، وأخرجوه من مرسية ، وتسلم ابن هود مرسية ، فكان أول شيء فعله ، أن قتل القاضي الذي دبر له هذه الحيلة . (الوافي بالوفيات 322/8 ).

وفي السنة 624 قتل السلطان العادل الموحدي ، صاحب المغرب ، خنقا بمراكش ، وخلفه ابن أخيه يحيي بن الناصر محمد ، فأعلن إدريس ، أخو العادل ، خلافته بالأندلس ، وعصت عليه مرسية ، فحصرها بجيشه ، وغضب علي جماعة من قواده ، فقتلهم بأنواع القتل ، فهاج ذلك أهل الأندلس عليه ، واستولي ابن هود علي جميع البلاد ، ولم تبق في يد إدريس إلا إشبيلية ،

ص: 397

فترك ولده علي فيها ، وانصرف الي مراكش ، فقبض أهل إشبيلية علي علي ، وسجنوه ، ودخلوا في طاعة ابن هود ، ولما وصل إدريس إلي مراكش ، حارب ابن أخيه يحيي بن الناصر محمد ، وهزمه ، ودخل مراكش ، وأمر باعتقال اثنين وأربعين من أعيان مراكش ، وضرب أعناقهم جميعا ، فأبغضه الناس ، فاستنصر إدريس بالنصاري ، فثار عليه أخوه عمران بن المنصور ، فخرج إدريس لمحاربته ، فدخل يحيي بن الناصر الي مراكش ، وتحضن بها، وفتك بالنصاري أصحاب إدريس ، وبلغت الأخبار إدريس ، فمات حزنا ، وكان إدريس قد لقبه أهل المغرب ، بحجاج المغرب لقسوته وسفكه الدماء ، فقال : ( الوافي بالوفيات 320/8 - 323) .

أنا الحجاج لكني صبور**** مقر بالحساب وبالعقاب

وأعلم أن لي بفناء قوم ****عموا عن رشدهم ذخر الثواب

وفي السنة 627 أرسل الملك الأشرف مملوكه عز الدين أيبك الي خلاط ، وأمره بالقبض علي الحاجب حسام الدين علي بن حماد ، المتولي الخلاط والوالي بها من قبل الأشرف ، فقبض عليه عز الدين أيبك وقتله ، فلما قتل ظهرت كفايته ، فإن خوارزم شاه جلال الدين احتل ولاية خلاط ، وقتل عز الدين أيبك ، وكان سبب قتله إن مملوكة لحسام الدين ، كان قد التجأ الي خوارزم شاه ، فلما احتل خلاط ، وأسر أيبك ، طلبه ذلك المملوك منه ليقتله بصاحبه حسام الدين ، فسلمه اليه ، فقتله ( ابن الأثير 485/12 و486 ).

وفي السنة 627 قبض محمد بن يوسف بن هود ، بماردة ، علي عبد الله بن محمد بن سيدراي بن وزير القيسي ، من أمراء المغرب ، كان يلي قصر الفتح ، وأخرجه الإفرنج منها، فالتجأ إلي مراكش ، ثم زار إشبيلية ، فقبض عليه ابن هود ، وقتله ( الاعلام 269/4 ) .

وفي السنة 628 قتل خوارزم شاه جلال الدين ، وزيره ، وقتل أحد

ص: 398

أتباعه لأنه قال له إن خادمه الخصي قد مات ( ابن الأثير 495 - 497) .

أقول : قال ابن الأثير ، إن خوارزم شاه جلال الدين ، كان سيء السيرة ، قبيح التدبير لملكه ، لم يترك أحدا من الملوك المجاورين له إلا عاداه ، ونازعه الملك ، وأساء مجاورته ، ثم ظهر من قلة عقله ما لم يسمع بمثله ، فقد كان له خادم خصي ، اسمه قلج ، وكان يهواه ، فاتفق أن الخادم مات ، فأظهر من الهلع والجزع عليه ما لم يسمع بمثله ، ولا لمجنون ليلي ، وأمر الجنود والأمراء أن يمشوا في جنازته رجالة ، ومشي بعض الطريق راجلا ، فألزمه أمراؤه ووزيره بالركوب ، ولما وصل إلي تبريز ، أرسل إلي أهل البلد ، فأمرهم بالخروج عن البلد لتلقي تابوت الخادم ، ففعلوا ، فأنكر عليهم حيث لم يبعدوا ، ولم يظهروا من الحزن والبكاء أكثر مما فعلوا ، ثم لم يدفن ذلك الخصي ، وإنما كان يستصحبه معه حيث سار ، وهو يلطم ويبكي ، وامتنع عن الأكل والشرب ، وكان إذا قدم له طعام ، يقول : احملوا منه إلي قلج ( يعني خادمه الميت ) ، ولا يتجاسر أحد أن يقول له إنه مات ، فإنه قيل له مرة إنه مات ، فقتل من قال له ذلك، فكانوا يحملون الطعام ويعودون ، ويقولون : إنه يقبل الأرض ، ويقول إنني الآن أصلح مما كنت ، فلحق أمراؤه ، من الغيظ والأنفة من هذه الحال ، ما حملهم علي مفارقة طاعته ، والانحياز عنه مع وزيره فبقي حيران ، وعند ذلك دفن الغلام الخصي ، وراسل الوزير ، واستماله حتي عاد إليه ، فبقي أياما ، ثم أمر بقتل الوزير ، فقتل .

وفي السنة 628 قتل صاحب بعلبك ، الملك الأمجد مجد الدين أبو المظفر بهرام شاه بن فروخ شاه بن شاهنشاه بن أيوب بن شادي ، ملك بعلبك خمسين سنة ، خلفا لوالده ، قتله أحد مماليكه ، وسبب ذلك إنه سرقت له دواة من ذهب تساوي مائتي دينار ، فظهرت عند هذا المملوك ، فحبسه ، ففتح المملوك الخزانة بسكين قلع بها رژة الباب ، وأخذ سيف الأمجد ، وكان

ص: 399

يلعب بالشطرنج ، فضربه فحل كتفه ، وطعنه بالسيف في خاصرته ، فقتله ، وفر المملوك ، فتبعه بعض المماليك ، وقتلوه ( شذرات الذهب 127/5 ).

وفي السنة 631 قتل الموقق أبو العباس السبتي ( الينشتي ) صاحب سبتة أبا جعفر احمد بن محمد بن طلحة ، الشاعر ، الأديب ، وكان يحقد عليه إنه يغتابه ، ويسخر منه ، وبلغه إنه هجاه ، فقال فيه :

سمعنا بالموقق فارتحلنا**** وشافعناله أدب وعلم

ورمت يدا أقبلها وأخري**** أعيش بفضلها أبدأ وأسمو

فأنشدنا لسان الحال عنه**** بد شد وأمر لا يتم

فاشتدت موجدته عليه ، وتربص به ، حتي بلغه إنه قال في شهر رمضان أبياتعلي سبيل العبث ، فاتخذها حجة ، وبعث إليه من هجم عليه وقتله ، أما الأبيات فهي : ( الاحاطة 243 - 247 ونفح الطيب 307/3 -310 والوافي بالوفيات 47/8 ) .

يقول أخو الفضول وقد رانا****علي الإيمان يغلبنا الجنون

أتنتهكون شهر الصوم هلا**** حماه منكم عقل ودين

فقلت أصحب سوانا نحن قوم**** زنادقة مذاهبنا فنون

ندين بكل دين غير دين إلي**** رعاع فمابه أبدأ ندين

بحي علي الصيوح الدهر ندعو**** و إبليس يقول لنا أمين

أيا شهر الصيام إليك عنا ****فانا فيك أكفر مانكون

وفي السنة 636 قتل زبان بن مدافع ، عزيز بن عبد الملك الأزدي ، من أمراء الأندلس ، وكان عزيز ولي مرسية لابن هود ، واستقل بها بعد وفاته ، ودعا لنفسه ، فبويع ، وبعد تسعة أشهر ، تغلب عليه زبان ، فاعتقله ، وقتله ( الاعلام 24/5 ).

وكانت خاتمة حياة الملك المعظم توران شاه ، آخر سلاطين الأيوبيين

ص: 400

بمصر ، في السنة 648 فاجعة من الفواجع ، فقد خلف أباه الملك الصالح علي العرش ، علي أثر إنتصار عظيم ، انتصر فيه الجيش المصري علي الافرنج ، فأسر ملك فرنسا ، قائدهم ، ومعه مائة ألف أسير ، واستعاد منه دمياط ، وكان قد استولي عليها ، ولكنه لم يستقر في السلطنة سوي أربعين يوما ، إذ تأمر عليه الأمراء ، فلما جلس علي السماط ، ليأكل ، تقدم إليه أحد المماليك ، وضربه بسيف فقطع أصابع يديه ، ففر إلي برج علي الساحل من الخشب ، فاقتحموا عليه البرج ، وسيوفهم مصلتة ، فصعد إلي أعلاه ، فرموه بالنشاب ، وأطلقوا النار في البرج ، فألقي نفسه ، وركض الي البحر ، وهو . يقول : لا أريد ملككم، دعوني أرجع إلي الحصن ، يا مسلمين ، ما فيكم من يصطنعني ويجيرني ، فلم يجبه أحد من العساكر والنشاب يأخذه من كل ناحية ، وأدركوه فقطعوه بالسيوف ، فمات قتي حريقأ غريقا . ( خطط المقريزي 223/1 ) .

وكان الأمير شمس الدين لؤلؤ ، مقدم عسكر حلب ، يظهر الإستهانة بالمماليك الذين بمصر ، ويقول عنهم : كل عشرة من المماليك مقابل كري ، ويقول : أخذ القاهرة بمائتي قناع ( يعني مائتي امرأة ) ، ولما حصلت المعركة بين جنده ، وبين المصريين ، انكسر جيشه ، ووقع أسيرا في أيدي المماليك ، وجيء به إلي المعز أيبك ، فاقترح أحد المماليك ، الإبقاء عليه ، فقالوا : هذا جعلنا مخانيث ، كيف نتركه ، وضربوا عنقه . ( النجوم الزاهرة

7/7 ) .

وكان الملك الصالح إسماعيل ، يعادي الملك الصالح نجم الدين أيوب ، وفي السنة 648 وقع الصالح إسماعيل أسيرة في يد مماليك الصالح نجم الدين ، فأدخلوه الي القاهرة ، وأوقفوه أمام تربة (قبر) سيدهم الصالح نجم الدين ، وصاحوا : يا خوند ، اين عينك تري عدوك أسيرا بين أيدينا

ص: 401

، ثم سحبوه إلي الحبس ، حيث غيبوه إلي يومنا هذا ( يعني قتلوه في الحبس ) . ( النجوم الزاهرة 9/7).

وكان الملك السعيد حسن ، حفيد العادل الأيوبي ، قد انضم الي التتار ، وحارب معهم جيش الملك المظفر قطز ، ولما انكسر جيش التتار ، جيء بالملك السعيد ، أمام المظفر قطز ، فاعتذر إليه ، فلم يقبل عذره ، وأمر به ، فضربت عنقه . ( النجوم الزاهرة 80/7 ).

وفي السنة 652 (1254 م) سير السلطان مانكو بن تولوي ، سلطان المغول ، أخاه هولاكو، إلي الغرب ، فاستولي علي جميع المدن التي مر بها ، وهاجم معاقل الإسماعيلية ونزل شيخ الجبل ركن الدين خرمشاه ، علي أمان هولاكو ، فبعث به إلي السلطان مانكو في قره قوم ، ولكن مانكو رفض أن يواجهه وأعاده الي هولاكو ، وقتله الجند في الطريق ، بناء علي تعليمات من السلطان ، كما إنه أمر بإبادة الاسماعيلية كافة ، فتظاهر هولاكو بالعفو عنهم ، حتي إذا برزوا من مكامنهم ، أمر بهم فأعدموا جميعا ( علاقات بين الشرق والغرب 198).

وفي السنة 655 قتلت شجرة الدر ، زوجها الملك معز الدين أيبك ، سلطان مصر ، قتله خدمها بأمر منها في الحمام . ( خطط المقريزي 238/2)

أقول : انتقم علي بن معز الدين أيبك ، من زوجة أبيه شجرة الدر ، فقتلها ، راجع كيفية مقتلها في هذا الكتاب ، في الباب التاسع عشر : المرأة ، في الفصل الخامس : ألوان من القتل .

وفي السنة 656 قتل هولاكو، أبا المكارم محمد بن ناصر بن صلايا العلوي ، نائب إربل ، وكان من رجالات العالم رأيا وعقلا وحزمة ، وسبب قتله ، إن بدر الدين لؤلؤة صاحب الموصل، أغري به هولاكو، وقال له :

ص: 402

هذا شريف ( علوي ) ، ونفسه تحدثه بالخلافة ، ولو قام تبعه الناس ، فقتله هولاكو ، بقرب توريز . ( الوافي بالوفيات 128/5 ).

وفي السنة 656 لما فتح جيش هولاكو بغداد ، كان الفئام من الناس يجتمعون في الخانات ، ويغلقون عليهم الأبواب ، فيفتحها التتار ، إما كسرا ، وإما حريقأ ، ثم يدخلون عليهم ، فيهربون منهم إلي الأسطحة ، فيقتلونهم حتي تجري الميازيب من الدماء ، في الأزقة ، وكذلك كانوا يفعلون بهم في المساجد والجوامع والأربطة ( في التراث العربي 441/1 نقلا عن تاريخ ابن كثير ) .

وجاء في كتاب «علاقات بين الشرق والغرب 200 )، إنه في السنة 656 حصر هولاكو بغداد ، وفتحها عنوة ، وأباد الجيش العباسي ، وقتل الخليفة وجميع الأمراء العباسيين ، وأفراد عوائلهم ، ورجال الدولة ، ولم يتعرض للمسيحيين ، بتأثير زوجته دقوز خاتون ، وكانت نسطورية ، وبدأ جيش هولاكو بنهب المدينة في اليوم الثالث عشر من فتحها ، وظلت عمليات القتل والنهب بغداد أربعين يوما ، وقدر عدد القتلي ببغداد بثمانين ألفا، وملأت الجثث الشوارع والأزقة ، فاضطر هولاكو إلي الإنسحاب من المدينة للروائح الخبيثة ، ولخوفه من انتشار الأوبئة في جيشه .

أقول: لما فتح هولاكو بغداد ، أرسل في طلب بدر الدين لؤلؤ ، صاحب الموصل ، وكان شيخا داهية في الثمانين من عمره ، وكان أصحابه قد نصحوه بأن لا يذهب الي هولاكو ، فعصاهم ، وقال : إني سوف أتمكن من ترويضه وسوف أقوده من أذنيه ، وقصد هولاكو، ومعه هدايا قيمة ، نثرها أمامه ، واستخرج من بينها قرطين ثمينين ، قال لهولاكو : أتوسل إلي السلطان أن يسمح لي بتعليقها في أذنيه ، ليزيدني هذا الشرف اعتبارا بين أتباعي ، فسمح له هولاكو بذلك ، وقام بدر الدين بتعليق القرطين في أذني هولاكو ، ونظر إلي

ص: 403

أتباعه ، وكأنه يقول لهم : ألا ترونني قد قدت القند المغولي من أذنيه ( علاقات بين الشرق والغرب 200).

وفي السنة 657 مات بدر الدين لؤلؤ صاحب الموصل ، وكانت وفاته بالموصل، في عشر التسعين سنة ، وكان أول أمره يقوم بتدبير أستاذه نور الدين أرسلان شاه ، فلما مات نور الدين ، قام بتدبير ولده عز الدين مسعود ، فلما مات ، أقام صبيين من بعده ، ثم انه قتلهما غيلة ، الواحد بعد الآخر ، واستولي علي الحكم . ( النجوم الزاهرة 70/7 ).

وفي السنة 658 قتل الملك المظفر قطز بن عبد الله المعزي ، ثالث ملوك المماليك ، بمصر والشام ، وهو الذي كسر التتار بعين جالوت في السنة 108 ، ولما عاد إلي مصر ، تقدم منه بعض أمرائه وتناولوه بسيوفهم فقتلوه ( الاعلام 47/6 ) .

وفي السنة 658 استولي التتار أصحاب هولاكو، علي ميافارقين ، بعد أن حصروها سنتين ، حتي فنيت أزوادهم ، ومات أكثرهم بالوباء وبالقتل ، فقتلوا صاحبها الكامل محمد بن المظفر بن العادل الأيوبي ، وحملوا رأسه علي رمح ، وطافوا به في حلب وحماة ودمشق ، بالمغاني والطبول ، وعلقوه في شبكة بسور باب الفراديس ، إلي أن عادت دمشق الي المسلمين ( خطط الشام 114/2 ) .

وفي السنة 658 جرت محاكمة نجم الدين أحمد بن عمران الباجسري ، اذ قبض عليه ، وأخرج مكتوفة الي ظاهر بغداد ، وأحضر أمام صاحب ديوان العراق علاء الدين الجويني ، والخواجه نصير الدين الطوسي ، وجلال الدين ابن الدويدار ، فحاكموه وفقا لشريعة جنكيز خان ، وصدر الحكم بقتله ، فقتل ، وأخذ ابن الدويدار مرارته ، وطيف برأسه علي خشبة ونهبت داره ( الحوادث الجامعة ) .

ص: 404

وفي السنة 658 حصر هولاكو التتاري بجنده مدينة حلب ، واستولي عليها ، وحصر قلعتها ، فوثب جماعة من أهلها علي صفي الدين بن طرزة رئيس حلب ، وعلي نجم الدين أحمد بن عبد العزيز ، فقتلوهما ، إتهموهما بمواطأة التتار ( اعلام النبلاء 286/2 ).

وفي السنة 659 اشتبك التتار مع الجيش الشامي ، في حمص ، وانكسر التتار كسرة شنيعة ، وعاد فلهم إلي حلب ، فأخرجوا من فيها من الرجال والنساء ، وأفرزوا الغرباء عن أهالي حلب ، ثم أخذوا الغرباء إلي ناحية بابلا ، وضربوا أعناقهم بأجمعهم ( اعلام النبلاء 300/2 ) .

وفي السنة 659 لما وصل إلي هولاكو ، خبر انكسار عسكر التتار بأرض الشام ، ومقتل قائده كتبغا ، وانكسار عسكره مرة ثانية خارج حمص ، غضب ، واستدعي الملك الناصر يوسف ، وأخاه الظاهر غازي ، وقال للناصر : أنت قلت إن عسكر الشام في طاعتك ، فغررت بي ، وقتلت عساكري ، فقال له الملك الناصر : لو كنت أنا بالشام ، ما ضرب أحد وجه عساكرك بالسيف ، ومن يكون في بلاد توريز ( تبريز ) كيف يحكم علي بلاد الشام ، فتناول هولاكو ( ناصج ) وضربه به ، ثم رماه بفردة ثانية ، فقتله ، ثم أمر بضرب رقاب الباقين ، فقتلوا الظاهر أخا الناصر ، والصالح ابن صاحب حمص ، والجماعة الذين كانوا معهم ( تاريخ ابي الفدا 211/3 و 212).

وفي السنة 660 قتل بالموصل ، أبو المحاسن محيي الدين يوسف بن يوسف المعروف بابن زيلاق الموصلي ، الشاعر ، الكاتب ، كان كاتب الانشاء بالموصل ، وقتله التتار لما استولوا علي الموصل ( الاعلام 342/9)

وفي السنة 661 قبض السلطان الملك الظاهر ، سلطان مصر ، علي شمس الدين افوش البرلي ، وحبسه « وكان آخر العهد به »، أي انه قتله ( اعلام النبلاء 312/2 ).

ص: 405

وفي السنة 662 اتهم الملك الناصر يوسف ، طبيبه زين الدين سليمان بن المؤيد العقرباني ، بأنه كاتب الملك الظاهر ، فأمر به فقتل بين يديه ، وقتل معه أقاربه وخاصته ، وكانوا خمسين ( شذرات الذهب 309/5 ) .

وفي السنة 671 قتل الحافظ المفسر ، أبو المحامد محمود بن محمد البخاري ، في بخاري ، في وقعة التتار . ( الاعلام 60/8 ).

ومر هولاكو بحران ومعه وزيره نصير الدين الطوسي ، فوقف له جمع من الفقراء القلندرية ، فقال السلطان لنصير الدين : من هؤلاء ؟ فقال : هؤلاء فضلة في العالم ، لأن الناس أربع طبقات ، بين إمارة ، وتجارة ، وصناعة ، وزراعة ، فمن لم يكن منهم ، كان كلا عليهم ، فأمر هولاكو بقتلهم ، فقتلوا ( الحوادث الجامعة 343) . :

وفي السنة 675 حشد التتار ، وزحفوا علي البلستين ، فحاربهم الملك الناصر بجيشه ، واستقتل الجيشان ، ثم ظفر المسلمون ، وقتل من التتار خلق كثير ، وقتل مقدمهم ، وغالب كبرائهم ، وأسر جماعة كثيرة منهم ، فلما بلغ سلطانهم أباقا بن هولاكو ، خبر الوقعة ، جاء في جموع المغول الي موضع المعركة ، فأبصر القتلي من التتار ، فاشتد غضبه ، وقتل من أهالي قيسارية ، وأهل تلك الناحية قريبا من مائتي ألف إنسان ( وقيل خمسمائة ألف ) وقتل القاضي جلال الدين حبيب ، ثم أمر بقتل ( البروانا ) واسمه سليمان ، والبروانا لقب معناه الحاجب بالعجمي ، حقد عليه أباقا، لأنه أبصر القتلي من التتار فقط ، ولم يشاهد قتلي من الروم جماعة البروانا ، فاتهم البروانا بانه لم ينصح في المعركة ( اعلام النبلاء 325/2 - 327) .

وفي السنة 677 قتل الامير تاج الدين شاه بن خليل ، أتابك لورستان الصغري ، وكان قتله بأمر من السلطان أبانا المغولي ( معجم أنساب الاسر الحاكمة 354 ) .

وفي السنة 680 مات منكوتمر بن هولاكو ، بجزيرة إبن عمر ، جريحا ،

ص: 406

علي أثر آنكساره في المعركة بينه وبين السلطان سيف الدين قلاوون ، فتقدم شخص يدعي القرقوبي ، وذكر لأم منكو تمر ، أن أبنها مات مسمومأ ، وأن الذي دس له السم القاضي جمال الدين محمد المعروف بابن العجمية ، فقبضت أم منكو تمر علي القاضي جمال الدين وجميع أولاده وذبحتهم ، واستولت علي أمواله ، وبعد ذلك اعتقل التاتار القرقوبي الذي سعي بالقاضي جمال الدين ، وقتلوه شر قتلة ، هو وأولاده ( تاريخ ابن الفرات 235/7 ).

وفي السنة 681 قتل الصاحب علاء الدين الجويني ، صاحب الديوان بالعراق ، مجد الملك اليزدي ، توني قتله شرف الدين هارون بن شمس الدين أخي علاء الدين، وحملت أطرافه إلي البلاد، وسلخ رأسه وحمل إلي بغداد، وشوي الخربندية لحمه وأكلوه ، وشربوا الخمر في قحف رأسه (تاريخ العراق بين احتلالين للعزاوي 305/1 ) .

وفي السنة 682 حصر الجند المصريون ، حصن مرقية ، فحضر ابن صاحب الحصن ، مستخفيا الي أبواب السلطان الملك المنصور برقوق ، وتدرك ( تعهد ) تحصيل هذا الحصن ، وتسليمه لمولانا السلطان ، وتوجه إلي عكا مختفية علي البريد ، فأمسكه أهل عكا ، وأتصل خبره بأبيه ، فحضر من طرابلس الي عكا ، وتسلمه ، وقتله بيده في وسط عكا ( سيرة الملك المنصور 89)

وفي السنة 683 قتل أحمد بن أبي مرزوق ، المعروف بابن أبي عمارة ، وكان قد ادعي أنه الفاطمي المنتظر ، وانتسب إلي آل البيت ، وتسلطن علي المغرب ثلاث سنين ، ثم قصده أبو حفص عمر بن يحيي ، المعروف بالمستنصر بالله ، فانخذل ابن أبي عمارة واستر ، فاعتقله المستنصر ، ومثل به ، وقتله . ( الاعلام 240/1 ).

وفي السنة 683 قتل شمس الدين الجويني ، صاحب ديوان الممالك ،

ص: 407

بأذربيجان ، وكتب ساعة قتله وصية ، قال في آخرها : فإن وجد فيها الناظر خلط ، فلا غرو ، فإني سطرتها وأنا عريان ، والسيف مشهر علي رأسي ( تاريخ العراق بين احتلالين للعزاوي 325/1 ) .

ولما تسلطن السلطان أرغون بن أبانا التاري ( 683 .690 ) بأن له غدر من الأمير بوغانوين ، فعاتبه علي ذلك ، فاعترف بذنبه ، فقتله ، وقتل كل من وافقه ( تاريخ الغياثي 47).

وفي السنة 686 دخلت العرب في يوم جمعة إلي الجامع بالمحول ، فأخذوا ثياب كل من كان فيه ، ثم قصدوا ناحية الحارثية ، وكبسوها ليلا ، وأخذوا ما قدروا عليه ، وقتلوا جماعة من أهلها ، فلم يزل شحنة بغداد يفحص عنهم ، حتي ظفر بأكثرهم ، وضرب أعناقهم ، وبني رؤوسهم في قبة الجسر ، وجعل وجوههم ظاهرة ليعتبر بها كل مفسد ( الحوادث الجامعة 451)

وفي السنة 689 سأل السلطان أرغون ، عمن بقي من أولاد شمس الدين الجويني ، فأخبر بهم ، فأمر بقتلهم ، فقتل منهم في تبريز مسعود فرج الله ، وكان مسعود قد أعرس منذ ليال ، وأما فرج الله فقد كان صبيا في المكتب ، فلما أخرج ليقتل، توهم أنهم يريدون تأديبه لئلا ينقطع عن المكتب ، فجعل يقول بالفارسية : والله ، ما بقيت انقطع عن المكتب فرق له الناس ، وكان أخوهما نوروز في الروم ، فسارت الأيلجية إليه ، فقتل هناك . ( الحوادث الجامعة 462 وتاريخ العراق للعزاوي 348/1 ) .

وفي السنة 688 قتل مجد الدين إسماعيل بن ألياس البغدادي ، الصاحب ، ببغداد تحت الدار الشاطئية ، وكان قتله آخر النهار ، وهو صائم ، فطلب ماء ليشرب ، فلما أتي به ، نظر إلي الشمس وقد قرب غروبها ، فلم يشرب ، وقال للسياف : إضرب ضربة واحدة ، فقال له : نعم ، وسلمت

ص: 408

جثته بعد قتله إلي أولاده ، وكان رحمه الله من محاسن الزمان ( في التراث العربي 598/1 ) .

وفي السنة 689 قتل الملك الأشرف خليل بن المنصور قلاوون ، نائب السلطنة بمصر ، الأمير حسام الدين طرنطاي ، وكانا يتعاديان قبل أن يتسلطن الأشرف ، فلما تسلطن ، ظل الأمير طرنطاي علي استهانته بالاشرف ، ويقال إنه دبر لقتله ، فعاجله الأشرف بأن قبض عليه ، وأمر به فعذب أمامه ، واشترك السلطان في تعذيبه حتي قتله ، وادعي إنه دخل عليه لابسة آلة الحرب ، وندب الأشرف علم الدين سنجر الشجاعي ، وكان يكره طرنطاي ، أن يقوم بإيقاع الحوطة علي موجودات طرنطاي ، فلم يترك الشجاعي قليلا ولا كثيرة ، وبعد أيام من قتل الأمير طرنطاي ، سأل ولد طرنطاي ، وكان أعمي ، الدخول علي الملك الأشرف ، فأذن له ، فلما دخل عليه ، جعل المنديل علي وجهه ويكي ، ومد يده وقال : شيء لله ( يعني إنه يستعطي ) وذكر أن الأهله أياما « ما عندهم ما يأكلونه ، ، فرق عليه السلطان ، وأفرج عن أملاك طرنطاري ، وقال : تبلغوا بريعها ( سيرة الملك المنصور 284 - 287 ) .

وفي السنة 689 قتل السلطان شمس الدين كيومرث ، سلطان دهلي ، ودام حكمه أقل من سنة ( معجم أنساب الأسر الحاكمة 422).

وفي السنة 690 توفي السلطان أرغون التتاري ، فقتل الأمراء ، سعد الدولة ابن الصفي الماشعيري ( نسبة الي ماء الشعير) اليهودي ، وكان سعد الدولة وأخواه قد تقاسموا السلطان علي العراق ، إذ كان سعد الدولة هو المشرف علي ديوان العراق ، وبعد قتل سعد الدولة ، تقدموا الي الملك نور الدين ، بالقبض علي مهذب الدولة أخي سعد الدولة ، فقبض عليه ، ونهبت داره ، ودور اليهود كافة ، وأخذت أموالهم ودام ذلك ثلاثة أيام ، حتي ركب جمال الدين في جماعة من الجند والكلجية ، ومنعوا العوام عن ذلك ، وحبسوا جماعة منهم ، وقتلوا نفرين ، فسكنت الفتنة ، ولما استجوب مهذب

ص: 409

الدولة عن الأموال ، وطولب بإخراجها، أجاب : أما مال الديوان ففي الخزانة ، وأما ما يخصني ، فأنت تعلم أني لم أجمع مالا ، فضرب ، فلم يقر بشيء فأمروا بقتله في الديوان ، فضرب بالسكاكين والسيوف ، وكان بالإتفاق في الديوان نجار ، قد جاء متفرجا ومعه فأس ، فضربه عدة ضربات ، ثم قطع إربا إربا ، وتناهبه العوام ، فتعمم نقاط بمصرانه ، وطافوا به في شوارع بغداد ودروبها ، ثم أحرق بباب جامع الخليفة ، ما عدا رأسه ، فإنه سلخ وحشي تبنا، وطيف به في جانبي بغداد ، وحمل إلي واسط ، فعلق علي جسرها ( الحوادث الجامعة 465) .

وفي السنة 691 حصلت ملاسنة بين الأمير علم الدين سنجر البندقداري ، وبين الأمير زين الدين كتبغا ، فجر البندقداري سيفه ليضرب به الأمير كتبغا ، فلما رأي بدر الدين بلبان الأزرق مملوك كتبغا ذلك ، جرد سيفه ، وضرب به البندقداري من ورائه ، فحل كتفه ويده ، ونزل بقية مماليك الأمير كتبغا فألقوا البندقداري عن فرسه وذبحوه بسوق الخيل ( سيرة الملك المنصور 278 ).

وفي السنة 693 قتل بالقاهرة ، الأمير علم الدين سنجر الشجاعي ، وزير السلطان الملك الناصر ، وكان ظالمة ، عسوفا ، فتكاثر عليه المماليك ، وضربوه بالسيوف ، فقتلوه ، ورفعوا رأسه علي رمح ، وأعطوه للمشاعلية ، فجبوا عليه مصر والقاهرة ، وحصل للمشاعلية مال كثير لبعض الناس قاطبة له ، وقيل إنهم كانوا يأخذون الرأس من المشاعلية ، ويدخلونه الي البيوت فتضربه النساء بالمداسات . ( النجوم الزاهرة 46/8 ) .

وفي السنة 693 قتل السلطان الملك الاشرف خليل بن قلاوون ، بالحمامات ، بمصر ، وقد خرج للصيد، إذ جاءه بعض الأمراء ، وقد استعدوا لقتله ، فابتدره الأمير بدرا ، فضربه بالسيف ضربه قطع بها يده مع كتفه ، فجاء الأمير حسام الدين لاجين ، وقال لبيدرا : يا نحس ، من يريد

ص: 410

ملك مصر والشام تكون هذه ضربته ؟ ثم ضرب السلطان علي كتفه ، فحلها ، ووقع السلطان علي الأرض ، فجاء الأمير بهادر راس نوبه ، وشق بدن السلطان بالسيف ، وتركوه في موضعه قتيلا ، وبايع المتآمرون الأمير بيدرا ، فبات ليلة واحدة وهو سلطان ، ولما بلغ بقية الأمراء مقتل السلطان ، هاجموا بيدرا وأصحابه المتآمرين ، وقبضوا علي بيدرا ، فقطعوا يده ، ثم حوا رأسه ، وحملوا الرأس علي رمح ، وسيروه إلي القاهرة ، ثم قبضوا علي بقية الأمراء الذين شاركوا في قتل الأشرف ، فاعتقل سيف الدين بهادر وجمال الدين آقوش ، وضرب عنقاهما ، وأحرقا ، أما الأمراء سيف الدين نوعيه ، وسيف الدين النهاق ، وعلاء الدين الطنبغا الجمدار ، وشمس الدين سنقر، وحسام الدين طرنطاي ، ومحمد خواجا، وسيف الدين أردس ، فقد أمر السلطان محمد بن قلاوون ، بأن تقطع أيديهم ، فقطعت ، وسمروا علي الجمال ، وعلقت أيديهم في حلوقهم ، وظلوا كذلك حتي ماتوا . ( النجوم الزاهرة 17/8 - 22) .

أقول : سبق أن أوردنا نقلا عن كتاب سيرة الملك المنصور 284 - 287 : إن الأشرف خليل ، قتل الأمير حسام الدين طرنطاي في السنة 989 ، ولعل الأمير حسام الدين طرنطاي المذكور في هذا الخبر . هو غير سميه الذي قتل في السنة 689 , فاقتضي التنبيه علي ذلك .

وفي السنة 694 قتل السلطان جلال الدين فيروز شاه ، سلطان دهلي ، قتله الأمير علاء الدين محمد الذي تسلطن من بعده باسم السلطان علاء الدين محمد شاه ( معجم أنساب الأسر الحاكمة 422) .

وفي السنة 694 أحدث بعض المماليك ، وعددهم أكثر من ثلثمائة ، فتنة بالقاهرة ، وفشلت حركتهم ، فأعتقلوا ، وأحضروا أمام الأمير كتبغا ، نائب السلطان ، بباب القلعة ، فضربت رقاب بعضهم بين يديه ، وقطع أيدي بعضهم وأرجلهم ، وكحل بعضهم ( سملت أعينهم)، وقطعت ألسنة

ص: 411

بعضهم ، وصلب منهم جماعة علي باب زويلة ، ونفي بعضهم ، وفرق باقيهم علي الأمراء . (تاريخ ابن الفرات 192/8 ).

وفي السنة 694 قبض علي صدر واسط ، فخر الدين بن الطراح ، وعلي أصحابه ، ثم دوشخ ، وطوق ، وأسمع كل قبيح ، وحمل إلي الديوان ببغداد ، ورجمه - وهو في طريقه - أولاد حصينة العلويون ، ووكل به في بغداد أياما ، وضرب ، وعوقب ، ثم قتل ، وحمل رأسه إلي واسط ، وعلق علي الجسر أيام بعد أن طيف به في شوارعها وسوقها ( تلخيص مجمع الآداب ج 410/2 -412 والحوادث الجامعة ) .

وفي السنة 697 قتل احمد بن عبد الرزاق الخالدي ، صاحب ديوان الممالك الغازانية ، وكان ظالما عسوفة ، قتل هو وأخواه قطب الدين وزين الدين ( الوافي بالوفيات 58/7 ) .

وفي السنة 694 فتك الأمير حسام الدين لاجين نائب السلطنة ، بالأميرين بتخاص وبكتوت العادليين ، فقتلهما، وهجم علي مخيم السلطان كتبغا ، ليقتله ، فصد ، وأحس السلطان بذلك ، ففر إلي دمشق ، وبويع لاجين بالسلطنة ( النجوم الزاهرة 64/8).

وفي السنة 698 تأمر قسم من الأمراء بالقاهرة ، علي قتل السلطان الملك المنصور لاجين ، فدخل عليه الأمير كرجي ، والسلطان يلعب الشطرنج ، وعنده خواضه ، وتقدم كرجي كأنه يصلح الشمعة ، ثم ضرب السلطان بالسيف علي كتفه ، فنهض السلطان ، فضربه الأمير نوعيه بالسيف علي رجله فقطعها ، وأغلقوا الباب ، وذهبوا إلي الأمير منكو تمر نائب السلطنة ، وأخذوه ، فأنزلوه إلي الجب في القلعة، ثم أخرجوه وذبحوه علي باب الجب ، ثم حصلت قلاقل بين الأمراء ، فقتل علي أثرها الأمراء كرجي

ص: 412

وطنجي ونوغيه الكرموني ، وجيء بالسلطان الملك الناصر من الكرك ( النجوم الزاهرة 102/8 -105).

وفي السنة 699 قصد السلطان غازان ، حفيد هولاكو ، بلاد الشام ، في مائتي ألف ، فقابله السلطان الناصر محمد بن قلاوون ، في مائتي ألف ، فانتصر غازان ، ودخل عسكره مدينة دمشق ، فخرب عسكره الدور والمساكن بدمشق ، وضواحيها، مما لم يخربه الحريق ، وأسروا من أهل البلد أربعة آلاف نسمة ، وقتلوا بالتعذيب ما بين ثلثمائة إلي أربعمائة ، مطالبين بالأموال ( خطط الشام 140/2).

وفي السنة 701 قتل الفقيه فتح الدين أحمد بن محمد البقي المصري ، وكان فقيها ، تأدب وناظر ، وقطع المتناظرين ، وفاق الأقران ، وكان يستخف ببعض الفقهاء والقضاة ومنهم القاضي المالكي ، فتربص القاضي المالكي به وحكم بقتله بتهمة الإنحلال واستحلال المحرمات ، والإستهزاء بالدين ، فأخذ يتلفظ بالشهادتين ، ويصيح يا مسلمين ، كنت كافرا وأسلمت ، فلم يجده ذلك ، وضربت رقبته بين القصرين بالقاهرة ( الدرر الكامنة 329/1

- 333).

وفي السنة 702 هاجم سيف الدين أسندمر الكرجي ، جزيرة أروادي وكان الإفرنج قد تحصنوا بها ، وبنوا عليها سورة ، وأخذوا يقطعون الطريق علي المسلمين ، فحصرها أسندمر ، وفيها جمع كثير من الإفرنج ، وبعد معركة عنيفة، انتصر المسلمون ، وملكوا الجزيرة وقتلوا وأسروا جميع أهلها ، وبلغ عدد القتلي نحوا من ألفين ، والأسري نحوا من خمسمائة ( خطط الشام 142/2)

وفي السنة 4 70 ضربت رقبة كمال الدين الأحدب ، وكان قد جاء إلي القاضي المالكي جمال الدين يستفتيه ، وهو لا يعلم إنه القاضي ، فقال له :

ص: 413

ما تقول في إنسان تخاصم مع إنسان فقال له الخصم : تكذب ولو كنت رسول الله ، فقال له القاضي : من قال هذا ؟ قال : أنا ، فأشهد عليه القاضي من كان حاضرا ، وحبسه وأحضره من الغد بدار العدل ، وحكم بقتله (شذرات الذهب 9/6 و 10).

وفي السنة 706 قتل ظهر الدين محمد بن الحسن بن محاسن الصرصري ، رئيس العراق في دولة أبغا ( أباقا ) ومن بعده ، وكان يتردد إليه حكام البلد ، وله جود ومكارم ، وكان يفطر في رمضان في كل ليلة مائة فقير وفقيرة ، وتزوج زبيدة بنت هارون بن الوزير الجويني واتفق أنه وعد غلامأ له بأن يزوجه بنت جارية له ، ثم زوجها لغيره ، فبادر الغلام وقتل الزوج ، فبلغ ذلك ظهير الدين، فخرج ، فطعنه القاتل بسكين في خاصرته ، فقتله ( الدرر الكامنة 41/4)

وفي السنة 706 قتل ملك المغرب أبو يعقوب يوسف بن يعقوب بن عبد الحق وكان قد خضب رجليه بالحناء ، وهو مستلق علي قفاه ، فوثب عليه أحد مواليه واسمه سعادة الخصي ، وطعنه طعنات قطع بها أمعاءه ، وخرج ، وأدركوه فقتلوه ، ومات الملك علي أثر ذلك ( النجوم الزاهرة 225/8 )

وفي السنة 707 قام برلغي ، مقدم التتار المقيمين بلاد الروم، بقتل صاحب سيس هيثوم بن ليون ، بعد أن ذبح ابن أخيه تروس الصغير علي صدره ، فمضي أخو هيثوم إلي السلطان خدابنده ملك التتار ، وشكا اليه برلغي ، فأمر السلطان بقتل برلغي ، فقطع عنقه بالسيف ( المختصر في تاريخ البشر 54/4 ).

وفي السنة 708 يوم عيد الفطر ، قتل بغرناطة ، ذو الوزارتين ، الوزير أبو عبدالله محمد بن عبد الرحمن الأندلسي ، المعروف بابن الحكيم ، وزير السلطان أبي عبدالله النصري ، سلطان غرناطة ، علي أثر خلع السلطان أبي

ص: 414

عبدالله ، وقتل معه صاحبه الفقيه الصوفي أبو عبدالله محمد بن خميس التلمساني ( نفخ الطيب 362/5 و 498).

أقول : زاد في الخبر صاحب الدرر الكامنة 115/4 و 116 : أن الوزير لما قتل ، نهبت أمواله ، وطيف بجسده بعد القتل ومثل به .

وفي السنة 709 خلف أبو بكر بن الواثق يحيي الحفصي ، أخاه المستنصر في حكم تونس ، فدامت ولايته 17 يوما ، إذ وثب عليه خالد بن يحيي الحفصي ، فاعتقله وقتله ( الاعلام 47/2 ).

وغضب السلطان محمد بن محمد بن محمد النصري (ت 710) علي طائفة من مماليك أبيه فسجنهم في المطبق بحمراء غرناطة ، ومنعهم القوت ، حتي أكل بعضهم بعضا، وأشفق عليهم أحد حراسهم ، فطرح لهم خبز يسيرة ، ونمي ذلك إلي السلطان ، فأمر به فذبح علي حافة الجب ، فسالت عليهم دماؤه ( الاحاطة 555 و 556).

وفي السنة 710 تمرد جماعة من الأمراء علي السلطان محمد خربنده ، فقصدهم السلطان ، وقتل منهم جماعة ، كان من بينهم ملك الأمراء قتلغ شاه ( تاريخ الغياثي 54، 55).

وفي السنة 711 رفع إلي السلطان خربندا ، سلطان العراق ، إن الوزير مبارك شاه ، ويحيي بن إبراهيم صاحب سنجار، ومحمد بن الساوجي العجمي من كبار رجال الدولة بالعراق ، قد اتفقوا علي قتله ، فأمر بهم فقتلوا جميعا ، وحين قدم الساوجي للقتل ، صلي ركعتين ، وودع أهله ، وثبت للقتل ، وخلع فرجيته علي قاتله ( الدرر الكامنة 219/4 ).

وفي السنة 715 أمر السلطان الملك الناصر ، باعتقال الأمير أيد غدي المعروف بشقير ، وكان أثيرا عند السلطان ، عظيم المكانة عنده ، فسعي به الأمراء ، واتهموه بأنه يريد خلع السلطان ، فأمر السلطان ، باعتقاله ،

ص: 415

فاعتقل ، وقتل في يومه ، ومن عجيب ما يذكر إن السلطان كان قد أمر له في صباح ذلك اليوم بألفي دينار ذهبا ، فلما قبض عليه بعد الظهر ، كان الكيسان من جملة ما قبض من موجوده ( الدرر الكامنة 455/1 ).

وفي السنة 715 قتل أحمد الرويس الأقباعي بدمشق ، وكان له كشف وإخبار عن المغيبات ، فضل به الجهلة ، وكان يقول : أتاني النبي صلوات الله عليه وحدثني ، وكان يأكل الحشيشة ، ويترك الصلاة ، وعليه قباء ( شذرات الذهب 35/6 ).

ولما مات السلطان خربندا ( خدابندا ) سلطان التتار ، اتهم وزيره رشيد

الدولة أبو الفضل فضل الله بن أبي الخير الهمذاني ، بأنه قتله ، وأحضر طبيب خربندا اليهودي الجلال بن الحزان ، وسئل عن موت خربندا ، فقال : أصابته هيضة قوية انسهل بسببها ثلثمائة مجلس ، وتقيأ قيأ كثيرة ، فاتفقنا علي أن نعطيه أدوية قابضة مخشنة، فقال الرشيد، هو إلي الآن يحتاج إلي الإستفراغ ، فسقيناه برأيه مسه ، فانسهل به سبعين مجلسأ ، فسقطت قوته ومات ، وصدقه الرشيد علي ذلك ، فقال الجوبان للرشيد : فأنت قتلته ، وأمر به فقتل ، وفصلوا أعضاءه ، وبعثوا إلي كل بلد بعضو ، وأحرقوا بقية جسده ، وحمل رأسه إلي تبريز ، ونودي عليه : هذا رأس اليهودي الملحد، وكان موت السلطان خربندا في السنة 716 (الدرر الكامنة 315/3 ).

وفي السنة 716 قتل الأمير بكتمر المنصوري ، وكان عظيما في دولة الناصر محمد بن قلاوون ، وكان السلطان يقول له : يا عمي ، ثم اتهمه بموافقة بتخاص علي خلع الناصر ، وإقامة موسي بن الصالح علي بن المنصور، فقبض عليه ، وحبس في سجن الإسكندرية ، ثم نقل إلي الكرك وقتل في حبسه ( الدرر الكامنة 18/2 و 19).

وفي السنة 716 قتل في السجن بالكرك ، الأمير قطلو بك المنصوري الكبير ، وكانت اليه نيابة صفد ، فاعتقل في السنة 711 ونقل إلي السجن

ص: 416

بالكرك ، حيث قتل ، وكان كريما جوادة ، كما كان ظالما متعذيأ لا يدفع الأحد ثمن ما يشتريه إلا بشق الأنفس ، وذكر أن تاجر له عليه حق ، دخل عليه ومعه الشيخ ابن تيمية ، يشفع له في قضاء حقه ، فقال قطلوبك لابن تيمية : إذا رأيت الأمير بباب الفقيه ، فنعم الأمير ونعم الفقيه ، وإذا رأيت الفقيه بباب الأمير ، فبئس الأمير وبئس الفقيه ، فقال له ابن تيمية : كان فرعون أنحس منك ، وموسي خيرأ مني ، وكان يأتي إلي بابه كل يوم يأمره بالإيمان ، وأنا أمرك أن تدفع لهذا حقه ، فلم يسعه إلا امتثال أمره ( الدرر الكامنة 3/ 337 و 338 ).

وفي السنة 717 ظهر في جبال بلاطنس ، من أعمال اللاذقية ، إنسان من النصيرية ، ادعي أنه الإمام المهدي محمد بن الحسن العسكري ، ثاني عشر الأئمة فتبعه ثلاثة آلاف من النصيرية ، وهاجم بهم مدينة جبلة ، ونهبها ، فجود إليه عسكر من طرابلس ، فتفرق جمعه ، وأخذ فقتل ( خطط الشام 147/2)

وفي السنة 718 قتل في الحبس ، بأمر من السلطان الناصر محمد بن قلاوون ، الأمير موسي بن علي بن قلاوون ، وكان الناصر قد أمره ، وزوجه الأمير سلار ابنته ، ثم بلغ السلطان أن بكتم الخزندار وبتخاص المنصوري اتفقا مع الأمير موسي علي إقامته سلطانأ ، وإنهما استمالا كثيرا من الجند ، فقبض الناصر علي بكتمر وبتخاص وتغيب الأمير موسي ، فشدد السلطان في البحث عنه ، حتي قبض عليه ، وأراد السلطان قتله ، فشفعت فيه « أردني » زوجة الناصر ، فأمر بسجنه ، وأرسله الناصر إلي قوص ، وبقي مسجون من السنة 710 حتي « أشيع موته ، في السنة 718 ( الدرر الكامنة 148/5 و 149)

وفي السنة 820 قتل الفقيه اسماعيل بن سعيد الكردي المقريء المصري ، اتهم بالزندقة ، وشهدوا عليه بأنه سب لوطة، وجاء أحد مدعي التقوي إلي القاضي فأخبره بأنه رأي النبي في منامه ، وقال له : قل للقاضي

ص: 417

يضرب رقبة اسماعيل ، فإنه ست أخي لوطأ ، فحكم القاضي المالكي بقتله ، فقتل بحكم القاضي المالكي ، بالقاهرة ، بين القصرين ( الدرر الكامنة 391/1 و392).

أقول : ذكر صاحب النجوم الزاهرة 250/9 أن الشيخ اسماعيل الكردي كان عارفة بعلوم كثيرة ، حتي إنه كان يحفظ التوراة والإنجيل .

وفي السنة 720 قتل سيف الدين آقجبا مملوك الأمير ركن الدين بيبرس وكان عنده فضيلة ، إلا أنه ادعي النبوة ، وشاع ذلك عنه ، حتي قتل ( النجوم الزاهرة 250/9 ).

وفي السنة 723 طلع ضياء الدين عبدالله الدربندي ، إلي قلعة دمشق ، وهو يحمل طبرة ، فأبصر مسلم) يقبل يد نصراني من الكتاب ، والنصراني يزجره ، فغضب ، وضرب الكاتب بالطبر علي كتفه فهدله ، وأخذ يصيح : يا عدو الله ، تفعل بالمسلم هكذا ، فقبضوا عليه ، وبلغ الناصر خبره فظنه من الفداوية ، فأمر بقتله، فقتل ( الدرر الكامنة 418/2 ).

وفي السنة 725 قتل حديث الحسني ، بالمدينة ، عمه أمير المدينة الشريف منصور بن جماز .

وفي السنة 720 قتل الشاعر اليماني منصور بن عيسي بن سحبان ، في صبيا ، باليمن ، قتله أحد أشراف اليمن ( الاعلام 241/8 ).

وفي السنة 726 ضربت عنق الفقيه ناصر المقريء الصالحي المعروف ، بابن الهيتي ، قبض عليه بحلب ، وأرسل مقيدة إلي دمشق ، وأقيمت البينة علي زندقته أمام القاضي شرف الدين المالكي ، فحكم بقتله ، ولم يتكلم بشيء ، بل تشهد ، وصلي ركعتين ، وتلا القرآن ، وضربت عنقه وهو يقول : ( الدرر الكامنة 159/5 و 160).

إن كان سفك دمي أقصي مرامهم****فما غلت نظرة منهم بسفك دمي

ص: 418

وفي السنة 727 قتل السلطان أبو سعيد بن خربندا ، ملك العراق وأذربيجان ، الأمير دمشق خواجة ، وهو ابن الأمير جوبان ، وسبب قتله إن السلطان خربندا لما توفي كان السلطان أبو سعيد صبيا ، فقام الأمير جوبان بتدبير المملكة ، ونصب ولده دمشق خواجه أميرا علي الأردو ( الجيش) ، ولما كبر السلطان أبو سعيد حقد علي جوبان وولده تحكمهما بحيث لم يكن له من الأمر شيء ، واتفق أن سافر الأمير جوبان الي خراسان ، فانتهز أبو سعيد الفرصة ، وأمر بالقبض علي دمشق خواجه وقتله متهمة إياه بأن صلات غير شرعية بينه وبين إحدي نساء والده السلطان خربندا ، فقبض أتباع السلطان أبي سعيد علي دمشق خواجه ، وقطعوا رأسه ، وأحضروه إلي بين يدي السلطان أبي سعيد ، فأخذ المغل يرفسون رأسه ، راجع التفصيل في المختصر لأبي الفدا 96/4 والتاريخ الغياثي58.

وعلي أثر ذلك فر الأمير جوبان والد دمشق خواجه من السلطان أبي سعيد، والتجأ إلي هراة ، فقبض عليه ملكها غياث الدين في السنة 728 وقتله ، وقتل معه ولده جلوخان ( التاريخ الغياثي 60).

وفي السنة 727 وقعت بالاسكندرية مشاجرة بين تجار من النصاري وأهل الاسكندرية ، وحسب الاسكندريون أن أمير المدينة ويلقب بالكركي أعان النصاري عليهم ، فثاروا به وحصروه في قصره ، فاستغاث بالملك الناصر محمد بن قلاوون ، فأعانه بجيش أعاد الأمن في البلاد ، وقتل من أهل البلد ستة وثلاثين رج قطع بدن كل واحد منهم إلي قطعتين ، وصلبهم صفين ( رحلة ابن بطوطة 18/1 ).

وفي السنة 728 قتل السلطان الناصر محمد بن قلاوون الأمير تمرتاش ( دمرداش ) بن النوين جوبان ، وكان من أكابر امراء السلطان أبو سعيد سلطان العراق واذربيجان ، فقتل أخاه دمشق خواجه ، ففر تمرتاش إلي السلطان

ص: 419

الناصر بمصر ، فأكرمه وأمره ، فكتب أبو سعيد إلي الناصر يطلب منه ارسال تمرتاش ، فقطع عنقه وأرسل إليه رأسه ، وطلب منه مقابل ذلك أن يرسل إليه رأس قراسنقر أحد الأمراء المصريين ، وقد فر منه ، وصادف أن قراسنقر مات حتف أنفه عند وصول كتاب الناصر ، فكتب أبو سعيد إلي الناصر أنه مات حتف أنفه ، ولو قتله لبعث برأسه ( الدرر الكامنة 53/2 ).

وفي السنة 729 قتل الوزير أبو عبد الله الغرناطي ، المعروف ، بابن المحروق، وكان وكيلا عن أبي الجيوش صاحب غرناطة، ثم عن خلفه أبي الوليد ، فتآمر عليه محمد بن أبي الوليد وقتله ( الدرر الكامنة 455/3 ).

وفي السنة 730 حصلت فتنة بمكة سببها تعدي العبيد فيها علي بعض حجاج العراق ، وكانت عاقبة الفتنة أن قتل من الأمراء المصريين الأمير الدمر ، وولده، ومملوكه ، وأمير عشرة يعرف بابن التاجي ، وقتل معهم خلق من الحجاج ، ولما بلغ الخبر الملك الناصر محمد بن قلاوون ، بعث الي مكة جيشأ كثيفة ، فقتلوا جماعة من العبيد وأسرفوا في ذلك ، وشردوا أشراف مكة والعبيد عن أوطانهم ، وأخذوا أموالهم . ( النجوم الزاهرة 283/9 ).

وفي السنة 731 قتل بغرناطة أبو عبدالله محمد بن إبراهيم المكي الحسيني ، قدم من مكة علي السلطان أبي سعيد المريني سلطان المغرب ، وتأثل مالأ وجاهة ، ثم دخل غرناطة بنية الجهاد ، فأكرمه صاحبها ، واستوطنها إلي أن قتله بعض مماليكه، فقتل بعده ( الدرر الكامنة 383/3 ).

وفي السنة 731 أوقع ابن مؤمن ، أحد أصحاب السلطان المجاهد صاحب اليمن، فتنة بين السلطان وبين أتابكه الزعيم ، فاستوحش منه السلطان، ولا علم للزعيم بشيء من ذلك ، فاتفق أن عمل الزعيم سماطا اللعسكر كافة ، وسأل السلطان حضور السماط ، فدس ابن مؤمن إلي السلطان أن الزعيم يقصد القبض عليه ، فاستدعي الزعيم ، ولما وصل ، أمر بقتله ،

ص: 420

فقتل ، واعتقل جماعة من أصحابه فقيدهم، وحبسهم ( العقود اللؤلؤية 57/2 و 58).

وفي السنة 731 أخذ ابن مؤمن ، يدس للغياث بن السناني ، عند السلطان المجاهد، صاحب اليمن ، وسعي حتي أحضر أمام القاضي ، وادعي عليه أنه قتل شخصأ ظلمة ، وأظهر السلطان كتابة بخطه اعترف فيه بقتل الرجل ، فحكم بإعدامه، وقتل . ( العقود اللؤلؤية 58/2 و 59).

وفي السنة 733 ثار الجند بظاهر جبل الفتح ( جبل طارق ) علي سلطانهم سلطان غرناطة محمد بن اسماعيل النصري الأنصاري الخزرجي ، وطعنه أحدهم ، فقتله وهو ابن ثماني عشرة سنة ( الدرر الكامنة 10/4 ).

وفي السنة 734 لاقي القاضي جمال الدين بن مؤمن ، المصير الذي كان يبعث إليه أفراد حاشية المجاهد ، صاحب اليمن ، فإن ابن مؤمن كان رجلا حسودأ ، يغري السلطان بذوي المكانة ، فيهلكهم ، وتلف بسعايته كثير من الناس ، وآخر من دس له عند السلطان ، القاضي موقق الدين بن الصاحب ، فأذن السلطان لابن مؤمن ، في مصادرته ، فضيق عليه ضيقا شديدا ، يريد إهلاكه ، فتوصل القاضي موفق الدين ، إلي كتابة رسالة إلي السلطان يستغيث به فيها ، فأمر السلطان بإطلاقه ، بعد أن فدي نفسه بعشرة آلاف دينار ، ثم اتفق القاضي موفق الدين ، والقاضي جمال الدين محمد بن حسان ، وزورا رسائل بخط يشبه خط ابن مؤمن ، فيها ما يدل علي اشتراكه في مؤامرة ضد السلطان ، وألقيا الأوراق بحيث وصلت إلي السلطان، فأمر السلطان بالقبض عليه ، وقتله ، وصادر أمواله ، للتفصيل راجع كتاب العقود اللؤلؤية 62/2- 64.

وفي السنة 736 توفي السلطان أبو سعيد بهادر بن الجايتو محمد خدابنده ، سلطان العراق ، وكان وزيره غياث الدين خواجا بن الوزير رشيد

ص: 421

الدولة، هو المتحكم في الدولة ، فعمد إلي شاب من بقايا النسل اسمه أرباكاون ، ومهد له الأمور ، ونصبه سلطان ، باسم معين الدين أرباكاون ، فخرج عليه علي باشا ، خال السلطان أبي سعيد ، ورشح للسلطنة رج اسمه موسي ، وانتصر علي باشا ، وتسلطن موسي ، فقتل أرباكاون وقتل معه الوزير غياث الدين خواجا ( شذرات الذهب 113/6 والوافي بالوفيات 329/4 ).

وفي السنة 736 قتل شرف الدين محمود شاه ، المسمي طمطاح ، صاحب بلاد فارس ، جري قتله بأمر من السلطان معز الدين أرباكاون ( معجم انساب الأسر الحاكمة 380) .

وذكر الرحالة ابن بطوطة عن السلطان محمد بن تغلق ، سلطان الهند (725- 752)، إنه كان لا يخلو بابه عن مقتول الأ في النادر ، قال : وكنت كثيرا ما أري الناس يقتلون علي بابه ، ويطرحون هنالك ، ولقد جئت يوما ، فنفر بي الفرس ، ونظرت إلي قطعة بيضاء في الأرض ، فقلت : ما هذه ؟ فقال بعض أصحابي : هي صدر رجل ، قطع ثلاث قطع ، وكان يعاقب علي الصغيرة والكبيرة ، ولا يحترم أحد من أهل العلم والصلاح والشرف ، وفي كل يوم يرد علي المشور ( البلاط ) من المسلسلين ، والمغلولين ، والمقيدين ، مئون ، فمن كان للقتل، قتل ، أو للعذاب عذب ، أو للضرب ضرب ، وعادته أن يؤتي كل يوم بجميع من في سجنه من الناس ، إلي المشور ، ما عدا يوم الجمعة ، فإنهم لا يخرجون فيه ، وهو يوم راحتهم ، يتنظفون فيه ، ويستريحون . (مهذب رحلة ابن بطوطة 85/2).

وخرج بمدينة سيوستان ، بالهند، الأمير قيصر الرومي ، علي ملك الهند غياث الدين محمد بن تغلق ( 725- 752)، وأعلن العصيان ، واستولي علي ما بها من أموال السلطان ، فنهد اليهم عماد الملك سرتيز ، مملوك السلطان ، وهو يومئذ أمير أمراء السند ، فانهزم قيصر ، وتحصن بالمدينة ، ولما اشتد عليهم الحصار ، طلبوا الأمان ، فأمنهم عماد الملك ، ولما نزلوا

ص: 422

غدر بهم ، وأخذ أموالهم ، وأمر بقتلهم ، فكان في كل يوم يضرب أعناق بعضهم ، ويوط بعضهم ، ويسلخ آخرين ، ويملا جلودهم تبنا ، ويعلقها علي السور ، فكان علي معظم السور ، تلك الجلود مصلوبة ، ترعب من ينظر إليها ، وجمع رؤوسهم في وسط المدينة، فكانت مثل التل هناك ، ونزلت بتلك المدينة، إثر هذه الوقيعة ، بمدرسة فيها كبيرة ، وكنت أنام علي سطحها ، فإذا استيقظت في الليل أري تلك الجلود المصلوبة ، فتشمئ نفسي منها ، ولم تطب نفسي بالسكن بالمدرسة ، فانتقلت عنها (مهذب رحلة ابن بطوطة 6/2 و7 ).

وكان السلطان محمد بن تغلق ، سلطان الهند ( 725- 752)، شديدا في أمر الصلاة ، ولقد قتل في يوم واحد، تسعة رجال ، علي تركها ، وكان أحدهم مغنية . (مهذب رحلة ابن بطوطة 2/ 83).

وذكر ابن بطوطة، أن ابن أخي النائب عن السلطان بقالقوط ( كلكتا) غصب سيفا لبعض تجار المسلمين ، فشكا التاجر إلي عمه ، فلما حضر ابن أخيه ، قال له : هذا سيف المسلم ؟ قال : نعم ، قال : اشتريته منه؟ قال : لا ، فقال لأعوانه : أمسكوه، ثم أمر به فضربت عنقه بذلك السيف ( مهذب رحلة ابن بطوطة 2/ 192).

وبلغ السلطان محمد بن تغلق ، سلطان الهند، أن الفقيه عفيف الدين تكلم في بعض الأمور ، فسجنه ، ثم أطلقه، فلقيه بعد خروجه من السجن، صاحبان له من الفقهاء، فقالا له: الحمد لله علي خلاصك ، فقال : الحمد الله الذي نجانا من القوم الظالمين ، فلم يصلوا إلي دورهم حتي بلغ السلطان الخبر ، فأحضر الثلاثة بين يديه ، وأمر بعفيف الدين أن تقطع عنقه حمائل ( أي أن يقطع الموضع الذي تم عليه حمالة السيف ، الرأس والصدر والكتف مع إحدي اليدين )، وأمر بضرب عنق الفقيهين الأخرين أيضا . فقالا : أما هو فيستحق العقاب لما قال وأما نحن فبأي جريمة تقتلنا؟ فقال

ص: 423

لهما : إنكما سمعتما كلامه فلم تنكراه ، فقتلوا جميعا . ( مهذب رحلة ابن بطوطة 98/2 و 99).

وكان الذي يتولي عذاب المخالفين للسلطان محمد بن تغلق سلطان الهند ، الأمير المعروف ، بأجدر ملك ، وهو نائب الوزير ، واسمه محمد بن النجيب ، وكان ظالما قاسي القلب ، وكان السلطان يسميه : أسد الأسواق ، وكان لقسوته، ربما عض المعذبين بأسنانه (مهذب رحلة ابن بطوطة 102/2)

وأمر السلطان محمد بن تغلق ، قائدا من قواده ، بالخروج إلي قتال بعض الهنود والكفار ، فتخلف بعض العسكر ، فأمر بالقبض عليهم ، وأحضر ثلثمائة وخمسين نفرا منهم ، فأمر بقتلهم ، فقتلوا . (مهذب رحلة ابن بطوطة 86/2)

ووصف لنا ابن بطوطة ، في كتاب رحلته ، قسوة السلطان غياث الدين الدامغاني ، سلطان بلاد المعبر ، فإنه أمر بقطع أشجار إحدي الغابات في مملكته وأمبر بأسر كل من يعثر عليه من الكفار الهنود في تلك الغابة ، فكانوا إذا قبضوا علي أسري من هؤلاء ، صنعوا خشبة محددة الطرفين ، وأجبروه علي حملها ، ومعه امرأته وأولاده ، وفي الصباح يقسم الأسري أربعة أقسام ، ويؤتي إلي كل باب من أبواب الكتكر ( أي المعسكر ) بقسم منهم ، فتركز الخشب التي حملوها بالأمس ، ثم يركزون عليها حتي تنفذ في أجسامهم ، ثم تذبح نساؤهم ، ويربطن بشعورهن إلي الخشبات التي قتل عليها أزواجهن ، ثم يذبح الأولاد الصغار في حجورهن ، ويتركون هناك ، ثم يشتغلون بقطع غيضة أخري ويصنعون بمن أسروه كذلك ، وذلك أمر شنيع ما علمته لأحد من الملوك . قال : وقد رأيته يوما ، والقاضي عن يمينه ، وأنا عن شماله ، وهو يأكل معنا ، وقد أتي بكافر ، معه امرأته وولده وسنه سبع سنوات ، فأشار إلي السيافين أن يقطعوا رأسه ، وقال لهم : وابنه وزوجته ،

ص: 424

فقطعت رقابهم ، وصرفت بصري عنهم ، فلما قمت ، وجدت رؤوسهم مطروحة بالأرض . قال : وقد حضرت عنده يوما ، وقد أتي برجل من الكفار ، فتكلم بما لم أفهمه ، فإذا بجماعة من الزبانية قد آستلوا سكاكينهم ، فبادرت الي القيام ، فقال لي : إلي أين ؟ ، فقلت : أصلي العصر ، ففهم عني ، وضحك ، وأمر بقطع يديه ورجليه ، فلما عدت وجدته متشطأ في دمائه . (مهذب رحلة ابن بطوطة 223/2 - 224) .

وفي السنة 740 غضب السلطان الملك الناصر محمد بن قلاوون ، علي الأمير تنكز نائب الشام ، فبعث من قبض عليه ، وأحتاط علي أمواله ، وأحضره إلي القاهرة ، واعتقله فيها نحو شهر ، ثم قتله في محبسه في 11 محرم سنة 741 . ( خطط المقريزي 54/2 ).

وفي السنة 741 أفسد المعازبة ، بالتهائم ، في اليمن ، فهاجمهم السلطان المجاهد ، وقتل منهم عدة مستكثرة ، ورمي بعضهم للفيلة ، وغرق الباقين في البحر ، ثم آل أمرهم أن شيخ عليهم أمرأة يقال لها : بنت العاطف ، وكساها ، فكانت تركب دابة من الحمر ، أو ناقة ، وتقود المعازبة بأسرهم . ( العقود اللؤلؤية 69/2 ).

وفي السنة 742 قتل السلطان المنصور أبو بكر بن الناصر محمد بن قلاوون ، وكان قد خلف أباه في السنة 741 فانحاز الي قسم من الأمراء ، واستهان بالآخرين ، فتأمروا عليه ، ورأسوا عليهم الأمير شوصون ، فاعتقله قوصون ونفاه الي قوص ، وكتب إلي متوليها يأمره بقتله ، فقتله ، وحمل رأسه سرا إلي قوصون ( الدرر الكامنة 494/1 و495) .

وفي السنة 742 قتل في سجن الاسكندرية ، الأمير بشتاك الناصري ، وهو اول أمير اعتقل وقتل بعد وفاة الناصر في السنة 741 وكان الناصر محمد بن قلاوون قد اشتراه بستة آلاف درهم ، وقربه وقدمه ، ولما توفي

ص: 425

الأمير بكتمر ، أعطي لبشتاك دار بكتمر ، وإصطبله ، ووجه بأم أحمد بن بكتمر ، ووصل إقطاعه الي سبع عشرة طبلخانة ، ولما توفي الناصر ، كان صغو الأمير قوصون لابنه المنصور ، وصغو بشتاك لابنه الناصر أحمد ، فظفر قوصون ، وتسلطن المنصور بوصية من أبيه الناصر ، فطلب بشتاك نيابة دمشق ، فأمر له بها ، ولما تجهز للسفر ، وصعد ليودع السلطان ، اعتقل ، وحمل إلي الإسكندرية حيث قتل في الحبس ( الدرر الكامنة 11/2 و 12 ).

وفي السنة 742 قتل الأمير طاجار المارديني الناصري ، اتهمه الأمير قوصون بأنه سعي به وحسن للسلطان المنصور أبي بكر أن يقتله ، فاعتقله قوصون ، وبعث به إلي الإسكندرية ، وقتل هناك ( الدرر الكامنة 314/2) .

وفي السنة 743 قتل الأمير جلال الدين مسعود اينجو، قتله الملك ياغي باستي بن تيمورطاش صاحب أذربيجان ، وفي السنة 745 ثأر أخو الأمير مسعود لأخيه فقتل الملك باغي باستي ( معجم أنساب الأسر الحاكمة 380 )

وفي السنة 744 قتل الشيخ حسن كوجك بن تيمورتاش ، صاحب أذربيجان اغتالته زوجته ( معجم انساب الاسر الحاكمة 380 ).

وفي السنة 742 قتل في سجن الإسكندرية الأمير برسبغا الحاجب الناصري وكان هو الذي يتولي عقوبة المباشرين اذا صودروا ، فهلك علي يده النشو، وأقاربه ، والصاحب أمين الدين وغيرهم ( الدرر الكامنة 7/2).

وفي السنة 742 قتل في سجن الإسكندرية الأمير جركتمر بن بهادر ، وكان الأمير الوحيد الذي أعان بيبرس الجاشنكير في سلطنته ، وسلم من الناصر محمد بن قلاوون ، وسبب سلامته أن قرا سنقر كان صهره فحماه ، وشفع فيه إلي السلطان ، فعفا عنه ( الدرر الكامنة 71/2 ).

وفي السنة 742 قتل في محبسه بالإسكندرية ، الأمير قوصون الساقي

ص: 426

الناصري ، وكان من غلمان التار، فأشتراه السلطان الناصر محمد بن قلاوون ، وقدمه ، وزوجه بابنته ، ولما توفي الناصر تعصب لولده المنصور أبي بكر ، حتي سلطنه ، وقام هو بأمر المملكة ، ثم دبت بينهما الوحشة ، فأمر قوصون بالمنصور فأبعد إلي قوص ، وكتب إلي عاملها بقتله فقتله ، ولما أراد أحمد بن الناصر أن يتسلطن ، أباها عليه قوصون ، وسير إليه جيش المحاربته ، فانحاز الجيش إلي أحمد، وثار الأمراء والعوام بقوصون فاعتقلوه ، وبعث به الناصر أحمد إلي الاسكندرية حيث حبس هناك ، ثم بعث إليه من قتله في حبسه ( الدرر الكامنة 342/3 و 343) .

وفي السنة 742 اعتقل السلطان الناصر أحمد بن قلاوون ، الأمير طشتمر الساقي حمص أخضر ، والأمير قطلوبغا الفخري ، وحبسهما في غزة ، وأمر بقتلهما بالجوع ، فأقيما يومين وليلتين لا يأكلان ، فكسرا قيديهما ، وخلعا باب السجن ، وحاولا الهرب ، فأمسكا، وأقيما علي الخندق ، وقطعت أعناقهما بحضور السلطان . ( النجوم الزاهرة 69/1 و 70 ).

وفي السنة 743 قتل الأمير طغاي بن سوتاي ، صاحب ديار بكر ، قتله ابراهيم شاه أخو علي باشا خال « أبو سعيد ، لأن الأمير طغاي سبق له أن قتل علي باشا فثأر إبراهيم شاه لأخيه ( الدرر الكامنة 322/2 ) .

وفي السنة 744 حمل الأمير أقبغا بن عبد الواحد، صاحب إمرة دمشق ، إلي القاهرة ، « فكان آخر العهد به »، أي إنه قتل ، وكان جبارة شديدا علي الناس ( الدرر الكامنة 418/1 و419) .

وفي السنة 744 قتل بالقاهرة الأميران الأخوان قطلوبغا الساقي الناصري المعروف بالفخري ، وطشتمر نائب السلطنة بحلب ، وكانا قد قاما بنصرة الناصر أحمد بن الناصر محمد بن قلاوون ، فنصب السلطان أحمد الأمير قطلوبغا نائبا للسلطنة بدمشق ، ثم غدر السلطان الناصر أحمد بهما ،

ص: 427

وأمر باعتقالهما ، فاعتقلا ، وأحضرا إلي القاهرة ، ويقال انه لما قدما للقتل، قال قطلوبغا : ابدأوا بي قبل طشتمر ، فإنه لا ذنب له ، فلعل أن تحصل فيه شفاعة ، وقتلا معا ( الدرر الكامنة 335/3 و 336 ).

أقول : سبق ان اثبت ما ورد في النجوم الزاهرة 69/10و 70 أن مقتل هذين الأميرين كان في السنة 742 فليلاحظ .

وفي السنة 744 ضربت عنق حسن بن محمد بن أبي بكر السكاكيني ، بسوق الخيل بدمشق ، حكم عليه قاضي دمشق بأنه زنديق « لغلوه في الرفض » ( الدرر الكامنة 119/2 ).

وفي السنة 744 قتل السلطان خليل التتاري ، سلطان ما وراء النهر ، وزيرة العلوي الحسيني ، وكان قد أعانه في تأسيس دولته ، وحارب في سبيل توطيد ملكه ، فدوا له عند السلطان ، وأوغروا عليه صدره ، وأوهموه أن الوزير يطلب السلطنة ، ويقول إنه لنسبه الشريف ، أحق بالسلطنة من السلطان خليل ، فأمر بقتله فقتل ، وكان ذلك سبب خراب ملكه ( مهذب رحلة ابن بطوطة 313/1 ) .

وفي السنة 744 قتل إبراهيم بن يوسف المقصاتي « الرافضي إلي لعنة الله » شهد عليه بسب الصحابة رضي الله عنهم ( شذرات الذهب 140/6 ).

وفي السنة 745 قتل ذبحا ، بالكرك ، السلطان الناصر أحمد بن الناصر محمد بن قلاوون ، ولد في السنة 716 وبعث به والده إلي الكرك يتعلم الفروسية ، فتولع بغلام يقال له الشهيب وتهتك فيه ، وحاول أبوه إبعاده عنه ، فلم ينجح فيه ترغيب ولا ترهيب ، فأعاده إلي الكرك ، وأوصي بولاية العهد لابنه الآخر أبي بكر سيف الدين ، ولما توفي الناصر ، خلفه ولده أبو بكر سيف الدين وتلقب بالمنصور ، ولكن بعض الأمراء تعصب لأخيه أحمد، فسلطنوه ولقبوه بالناصر ، لقب أبيه ، فتوجه بعد أربعين يوما إلي الكرك ،

ص: 428

فقبض هناك علي الأميرين اللذين أعاناه علي السلطنة وهما الأمير طشتمر حمص أخضر ، وكانت إليه نيابة السلطنة بمصر ، والأمير قطلوبغا الفخري ، وكانت إليه نيابة السلطنة بدمشق ، فضرب عنقيهما صبرة ، وسبي حريمهما، ومكن منهن نصاري الكرك ، فأشمأزت منه النفوس، وخلعه الأمراء بمصر ، وسلطنوا أخاه الصالح إسماعيل ، وجهزوا إليه عساكر حاصرت الكرك ، وأمسك في السنة 745 وذبح ، وحمل رأسه إلي القاهرة ( الدرر الكامنة 315/1 و316) .

وفي السنة 747 قتل السلطان الملك الكامل شعبان بن الناصر محمد بن قلاوون ، وكان قد ولي السلطنة في السنة 746 خلفا لأخيه الصالح اسماعيل ، بعهد منه إليه ، وأهمل أمور الملك ، فثار عليه الأمير يلبغا اليحياوي ، نائب السلطنة بدمشق ، وأشاع خلعه معتمدا علي أن السلطان الملك الناصر ، كان قد أوصي الأمراء، بأن من تسلطن من أولاده ، اذا لم يسلك الطرق المرضية ، فجروا برجله وملكوا غيره ، فلما بلغ الكامل شعبان خبر نائب السلطنة بدمشق ، جهز اليه جيش كثيفة ، فثار به من بقي من الأمراء في القاهرة ، وخلعوه ، وبايعوا أخاه المظفر حاجي ، وقتلوا الكامل ( الدرر الكامنة 2/ 289).

وفي السنة 747 قبض السلطان الملك المظفر حاجي علي يلبغا اليحياوي ، وأصعده إلي قلعة قاقون ، وقتل فيها ( النجوم الزاهرة 162/10)

وفي السنة 747 بلغ السلطان باليمن ، أن جماعة من المماليك الغرباء ، علي وشك المناداة ابن أخيه الملك الفائز أبي بكر بن حسن ، سلطانا بدله ، فاعتقل ابن اخيه في تعز ، حيث مات في سجنه بعد قليل ، ثم اعتقل جماعة من الممليك الغرباء ، وأتلفهم قت، وشنقأ ، وتغريق . ( العقود اللؤلؤية 2/ 79 - 80) .

ص: 429

وفي السنة 747 قتل الأمير قماري الناصري ، أخو بكتمر الساقي ، أمره الناصر ، وخرج مع الفخري لحصار الناصر أحمد بالكرك ، ثم نصب نائب بطرابلس ، ثم اعتقل وحمل الي مصر ، ونقل إلي سجن الإسكندرية « فكان آخر العهد به ، أي إنه قتل ( الدرر الكامنة 341/3 ).

وفي السنة 747 قتل الأمير سيف الدين الحاج النائب ، المعروف بال ملك ، كان أثيرأ جدأ عند السلطان الملك الناصر ، وفي أيام الصالح إسماعيل كانت إليه نيابة السلطنة بمصر ، ثم أخرجه الكامل لنيابة الشام ، وأرسل إليه في الطريق من توجه به إلي صفد ، ثم اعتقل في غزة ، ونقل إلي الإسكندرية ، فاعتقل بها ، وأعدم ( الدرر الكامنة 439/1 ).

وفي السنة 748 مات المغني أبو سعيد الكردي ، عمر بن خضر ، وكان أبوه خضر قد أتصل بهولاكو، ثم سخط عليه ، فقتله ، وباع أولاده ، فاشتري الصاحب شرف الدين هارون الجويني عمر هذا وهو صغير جدا ، فاجتهد حتي فاق في الغناء ، وتنقل حتي استقر عند السلطان الناصر ، فرتب له راتبأ ، وألف كتابا في الغناء ( الدرر الكامنة 240/3 ).

وفي السنة 748 قبض بالقاهرة علي الأميرين آق سنقر ، والحجازي ، فقطعا قطعا ( النجوم الزاهرة 159/10 ).

وفي السنة 748 أخرج من القاهرة الأمراء طغاي تمر النجمي ، وسيف الدين بيدمر البدري ونجم الدين محمود الوزير ، علي الهجن إلي الشام ، وأدركهم الأمير سيف الدين منجك ، وقتلهم في الطريق ( خطط المقريزي 425/2)

وفي السنة 748 قتل السلطان شهاب الدين بن عمر ، سلطان جزيرة مالديف ( ذيبة المهل ) وخلفته أخته ملكت رهندي بنت عمر ، وحكم معها زوجها محمد جمال الدين في السنة 764 ثم زوجها الثاني عبد الله كلاغه في

ص: 430

السنة 775 وتوقيت الملكة ملكت رهندي في السنة 781 فخلفتها أختها ملكت ددفتي بنت عمر ( معجم أنساب الأسر الحاكمة 450 ).

وفي السنة 748 قتل في غزة ، بأمر من السلطان حاجي بن الناصر محمد بن قلاوون ، وزير بغداد نجم الدين محمود بن علي بن شروين البغدادي ، وكان قد فر من بغداد ، وهو وزير فيها ، لما خشي الفتك به ، فالتجأ إلي الناصر ، ولما سلم عليه قبل يده ، ووضع في كفه حجر بلخش وزنه أربعون درهما ، فأكرمه السلطان ، وأمره ، ووضي بأن يرتب وزيرة من بعده ، فلما توفي الناصر، استوزره ولده المنصور ، فأحسن إلي الناس واستمر في وزارته في عهد الصالح إسماعيل، وعزل في دولة الكامل شعبان ، فلما ولي المظفر حاجي أعيد إلي الوزارة ، ثم أخذ مع أمراء آخرين إلي غزة ، حيث قتلوا بها في السنة 748 ( الدرر الكامنة 99/5 و100).

وفي السنة 748 قتل السلطان المظفر، الأمير ملكتمر الناصري الحجازي ، وأصله من بغداد ، وتقدم عند السلطان الملك الناصر محمد بن قلاوون ، وسجن بعد وفاة الناصر ، ثم أطلق ، وأعيد إلي إمرته ، وقام بدولة المظفر ابن الناصر ، وعظم في دولته ، ثم سعي به إلي المظفر بأنه يريد « أن يركب عليه ، فاعتقله ، وكان آخر العهد به ( الدرر الكامنة 128/5 ).

وفي السنة 748 قتل الأمير آق سنقر الناصري ، تزوج بابنة الملك الناصر محمد بن قلاوون ، وتنقل في أعمال عدة وتأمر في دولة الملك الكامل ، ثم سعي في إزالة السلطنة عن الملك الكامل ، وأصبح أكبر الأمراء في دولة المظفر حاجي ، ثم فسد ما بينهما ، فاعتقله المظفر وقتله ( الدرر الكامنة 422/1)

وفي السنة 748 قتل الأمير أغرلو ، وكان قد قتل ثلاثين أميرة في مدة أربعين يوما ، ولما قتل أخرجه العامة من قبره ، وأقاموه في الصفة التي كان

ص: 431

فيها ، ثم نوعوا به النكال ، وصلبوه ، لما كان في قلوبهم له من البغض لشدة ظلمه ، فبلغ السلطان ذلك ، فأنكره ، وأرسل الأوجاقية فأوقعوا بالعوام ، وأذاقوهم الضرب والقطع ( أي قطع الأيدي ) فكان كما يقال : ظالم في حياته ، مشؤوم في وفاته ( الدرر الكامنة 417/1 و418) .

وفي السنة 748 قتل السلطان حاجي بن الناصر محمد بن قلاوون ، وهو ابن سبع عشرة سنة ، خرج عليه قسم من أمرائه ، فحاربهم ، فجرح ، وسقط ، فأخذوه إلي تربة ثم قتلوه هناك ( الدرر الكامنة 83/2 - 85 ).

أقول : ولد حاجي في السنة 732 وأبوه الناصر محمد في الحجاز ، فسمي حاجي ، وكان أخوه الكامل قد قبض عليه وسجنه وسجن معه أخاه حسينا ، وذلك في السنة 747 وقتل أخاهما يوسف ، وأمر لاجين زوج أم حاجي أن يطلقها، فطلقها، وأمر أن يكون محبس حاجي وحسين بالقرب منه ، ثم ثار الأمراء علي الكامل ، فاعتقلوه ، وحبسوه في موضع حاجي ، وأخرجوا حاجي من الحبس ، وسلطنوه ، وكان ذلك في نفس السنة أي في السنة 797 وفرح الناس بحاجي أول الأمر ، ثم أنعكس مزاجهم لما رأوا لعبه وإقباله علي اللهو ، حتي وصلت قيمة عصابة حظيته اتفاق التي تلفها علي جبينها مائة ألف دينار ، وبلغت النفقة علي حظيرة الحمام سبعين ألف درهم ، ثم باشر بقتل أمرائه فقتل الحجازي ، وأقسنقر ، وقرابغا ، وأغرلوا شاد الدواوين ، وبيدمر البدري ، والوزير نجم الدين وزير بغداد ، وطقشتمر الدوادار ، وأوصي غلمانه بقتل أمراء آخرين ، فأحست هؤلاء بذلك ، فاجتمعوا وحشدوا ، وحاربوه ، وأسروه ، وقتلوه .

وفي السنة 750 تل أرغون شاه الناصري ، نائب دمشق ، وكان السلطان أبو سعيد أرسله إلي الناصر، فحظي عنده ، وتأمر ، وناب في عدة بلدان ، حتي وصل إلي نيابة دمشق ، ثم برز الأمر بامساكه ، فأمسك وذبح ( شذرات الذهب 166/6 ).

ص: 432

وفي السنة 750 رتب السلطان المجاهد، صاحب اليمن ، بواسطة القاضي صفي الدين أحمد بن محمد بن عمار ، مؤامرة ، قتل بها الشيخ عكم بن وهبان صاحب أبيات حسين ، وكان قد خرج عن طاعته ، فلما قتله القاضي ، قطع رأسه ورأس آخر معه ، وخرج بالرأسين إلي السلطان ( العقود اللؤلؤية 83/2 ) .

وفي السنة 752 ذبح لي أحمد بن محمد بن قرصة الأنصاري، وكان شاعرة هجاء ، فسبب له الهجاء ذهاب روحه ، رحل مرة من مصر إلي دمشق ، ونزل في بيت منها، فأصبح مذبوحة ، لا يدري من ذبحه ، فقال فيه حسن الزعاري : ( الدرر الكامنة 313/1 ) .

مات ابن قرصة بعد طول تعرض**** للموت ميتة شر كلب نسابح

ما زال يشحذ مدية الهجو التي ****طلعت عليه طلوع سعد الذابح

حتي فري ودجيه عبد صالح **** عقر النطيحة عقر ناقة صالح

وفي السنة 753 قتل ذبحا عثمان بن عبد الرحمن العبد وادي ، من ملوك الدولة العبدوادية في تلمسان ، وكان قد قام بتلمسان ، فحاربه السلطان أبو عنان المريني ، ففر عثمان ، واستتر ، ثم قبض عليه ، وحبس ، فامتنع عن الطعام ليموت جوعا ، فأمر السلطان أبو عنان بقتله ، فقتل ذبحأ . ( الاعلام 369/4 ).

وفي السنة 753 تأمر بنو عبد الواد ، علي عمر بن علي أمير تلمسان للمريني ، فباكره أحدهم بداره ، وانحني عليه كأنه يقبل يده ، ثم طعنه بخنجر ، فقر الأمير إلي داخل الدار ، فاتبعوه وأجهزوا عليه ( ابن خلدون 290/9)

وفي السنة 753 عصي الأمير بيبغا أروس نائب حلب ، علي السلطان ، وأعانه في ذلك الأمير بكلمش نائب طرابلس ، والأمير أحمد نائب حماة ،

ص: 433

فأمر السلطان بمحاربتهم ، وتوجه إلي الشام ، ففر أولئك الأمراء ، وتوجهوا إلي بلاد التركمان ، فقطع التركمان رؤوسهم ، وأرسلوها إلي السلطان ، فرسم بأن تعلق علي باب زويلة ، فعلقت ثلاثة أيام ( أعلام النبلاء

433/2 و 434)

وورد الخبر في الدرر الكامنة كما يلي : وفي السنة 754 قتل بحلب الأمير بكلمش الناصري ، وكان ظالمة جائرة ، يتعرض لحريم الناس ، ثم اشترك مع ببغاروس في فتنته في السنة 753 ثم فر إلي دلغادر بمرعش ، فغدر به وسيره إلي حلب ، فاعتقل، وقتل فيها في السنة 754 وحمل رأسه إلي مصر ( الدرر الكامنة 23/2 ) وكذلك جري مع بيغاروس فإنه قتل بحلب مع بكلمش ، وحمل رأسه إلي مصر ( الدرر الكامنة 2/ 45).

وفي السنة 754 ولي شجاع الدين عمر بن العماد ، علي التهائم ، فعسف الشيخ أحمد عمر الأشعري ، عسفا شديدا ، وطالبه بخمسة آلاف دينار ، فامتنع، فأصر علي قتله ، فقصده علي بن الشيخ أحمد ومعه أتباع له ، ودخلوا علي الأمير ابن العماد، وقتلوه ، راجع التفصيل في كتاب العقود اللؤلؤية 94/2 و 95).

وفي السنة 755 قتل علي بن الحسن الحلبي «الرافضي ، لأنه شق الصفوف في الجامع الأموي ، وهو يلعن من ظلم آل محمد ، فانتهره عماد الدين بن كثير ، وأغري به العامة ، وقال : إن هذا يسب الصحابة ، فحكم نائب المالكي بضرب عنقه ، وضربت عنقه بسوق الخيل ، وأحرق العوام جسده ( الدرر الكامنة 3/ 110).

أقول : ذكره صاحب الدرر الكامنة مرة ثانية ( 168/3 و 169) وسماه علي بن أبي الفضل بن محمد بن حسين الحلبي « الرافضي ).

وفي السنة 756 ضربت عنق الملك الأشرف بن تيمورتاش ، صاحب

ص: 434

أذربيجان ، بأمر من جاني بك ، صاحب القبجاق ، وكانت مدة حكمه 12 سنة ( معجم انساب الاسرات الحاكمة 380).

وفي السنة 757 قتل ثابت بن محمد الطرابلسي ، أمير طرابلس الغرب ، تسلل الفرنج إلي طرابلس علي هيأة التجار ، ثم هجموا علي البلد وقتلوا كثيرا من أهلها ، واستولوا عليها وحاصروا القلعة ، فهرب ثابت منهم بأن تدلي بعمامته من القصر ، ففطن له بعض العرب ممن يعاديه ، فقتله ( الدرر الكامنة 2/ 64 - 65 ).

وفي السنة 758 قام جاني بيك ، صاحب بلاد الدشت ، وهو من أحفاد جنكيزخان بقتل الملك الأشرف بن تمرتاش بن جوبان ، وعلق رأسه في تبريز ، وكان الملك الأشرف ظالما ( تاريخ الغياثي 85 ) .

وفي السنة 759 قتل الأمير طرغتمش الناصري ، وكان قد أفرط في الإدلال ، فاعتقل بأمر السلطان حسن ، وجهز إلي الإسكندرية مع جماعة من الأمراء نحو العشرة ، فأصبح من دونهم مقتولا ( الدرر الكامنة 306/2 ).

وفي السنة 761 قتل الحسن بن عمر الفودوي ، الذي كان وزيرة بفاس للسلطان المريني ، أبي عنان فارس بن علي ، ولم يكن الحسن علي ولاء مع ولي عهده أبي زيان ، فلما توفي أبو عنان ، أحضر الفودوي طفلا من ابناء السلطان ، وبايع له بالملك ، وأخذ ولي العهد أبا زيان فقتله ، وطارد بقية أبناء السلطان الآخرين ، فتحرك أحد إخوان السلطان أبي عنان ، واسمه إبراهيم بن علي ، وأحتل العاصمة ، فبايعه الفودوي ، ثم هرب منه ، وأعلن العصيان ، فأسر ، وحمل إلي فاس ، وطيف به علي جمل ، وأحضر أمام السلطان إبراهيم ، فأمر فسحب علي وجهه، وضرب، ثم قتل. ( الأعلام 226/2)

وفي السنة 762 قتل السلطان المستعين بالله أبو سالم إبراهيم بن أمير

ص: 435

المسلمين أبي الحسن المريني ، سلطان المغرب ، وحمل رأسه إلي وزيره عمر بن عبدالله الفودوي في مخلاة ( الأعلام 46/1 ) أقول : كان أبو سالم إبراهيم يلي سجلماسة في حياة أبيه ، فلما توفي أبوه ، استولي ولده فارس علي السلطنة ، ونفي أبا سالم وأخاه أبا محمد إلي الأندلس ، فاستقرا بغرناطة في السنة 752 ، وفي السنة 759 توفي أمير المسلمين فارس ، وخلفه ولده أبو بكر سعيد ، وهو صبي ، فخرج أبو سالم ، ولحق بصاحب قشتالة ، وهو يومئ بإشبيلية ، فأعانه بمال وسلاح ، فنزل ببلاد غمارة ، وزحف فاستولي علي طنجة وسبتة ، واستولي علي المغرب ، فتسلطن ، وكان أول ما صنعه أن جمع جميع الأمراء من شجرة أبيه، فالتقط من الصبية من بين مراهق ومحتلم ومستجمع ، طائفة تناهز العشرين ، غلمانا روقة ، فأمر بهم فأغرقوا ، وفي السنة 792 ثار عليه وزيره عمر بن عبدالله الفودوي ، ففر أبو سالم منه ، ولجأ الي بعض بيوت البادية ، فأمسك، وسيق إلي مصرعه ، وقتل بظاهر البلد ( الاحاطة 311- 318).

وفي السنة 762 توفي بردي خان المغلي ، صاحب بلاد الدشت ، فأرسلت جدته طيطو خاتون إلي قلته خان ، فقررته في المملكة ، فأقام ثمانية أشهر ، وأساء السيرة، فقتلوه ، وقرروا عوضه نوروزخان ، من أقاربه ( الدرر الكامنة 7/2).

أقول : جاء في قاموس زامباور معجم أنساب الأسر الحاكمة ص 363 إن المتوفي اسمه « بردي بك محمد » وأنه من بني باتو من القبيل الأزرق ، بالقبجاق الغربي ، حكم منذ السنة 758، وإن الذي خلفه « قولتا» والذي خلفه « نوروز بك محمد» ولم يعين تاريخأ لانتهاء حكم الأول ولتستم الآخرين الحكم من بعده .

وفي السنة 762 هجم الأمراء بالقاهرة علي السلطان الناصر حسن بن الناصر محمد بن قلاوون ، وخلعوه ، وعذبوه حتي هلك بعد أيام ، ودفن في

ص: 436

مصطبة في داره ، وسلطنوا صلاح الدين محمد بن المظفر حاجي بن الناصر محمد ( شذرات الذهب 196/6 ).

أقول : روي صاحب النجوم از اهرة 313/10 قصة مقتل السلطان الناصر حسن ، بشكل آخر ، فذكر أنه في السنة 762 قبض علي الملك الناصر حسن ومعه ايدمر الدواداري ، وهما في زي الأعراب ، يريدان التوجه إلي الشام ، فحملا إلي يلبغا ، فقتلهما يلبغا قبل طلوع الشمس .

وفي السنة 767 قتل أحمد بن محمود بن صدقة الحلبي الأديب ، وكان مشتغلا بالتصوف ، فضبطت عليه ألفاظ ، حكم عليه من أجلها القاضي المالكي صدر الدين الدميري ، بالقتل، فقتل بمشهد من الناس تحت قلعة حلب ( الدرر الكامنة 335/1 و 336).

وفي السنة 767 قتل السلطان أويس بن الشيخ حسن الجلائري ، سلطان العراق (ت 776) أحمد بن أخيه حسين ، اتهمه بأنه كان قد حرض تابعه مرجان الطواشي أمير العراق علي العصيان « وسر بقتله أهل السنة لأنه كان ينصر الرافضة » ( الدرر الكامنة 134/1 ).

وفي السنة 768 قتل في سجنه الأمير يلبغا بن عبدالله الخاصكي الناصري ، وكان أول ما أمره الناصر حسن ، ثم أنه قام علي أستاذه الناصر حسن حتي قتل ، وتسلطن المنصور محمد بن حاجي ، واستقر يلبغا أتابك له ، ثم خلعه في السنة 764 ونصب الأشرف شعبان ، وزاد يلبغا رفعة ولقب نظام الملك ، وصار اليه الأمر والنهي ، وهو السلطان في الحقيقة ، والأشرف له الإسم فقط ، وأصبح مماليكه نواب السلطنة في البلاد ، واستكثر من المماليك ، فبلغت عدة مماليكه ثلاثة آلاف مملوك ، وكان يركب في ألف مملوك ، ثم إن مماليكه أجمعوا علي قتله ، فحاربهم بليغا ، وأقام سلطانة جديدة هو أنوك ، أخا الأشرف ، ولكن عسكره أنفل، ففر، ثم عاد طائعا في

ص: 437

عنقه منديل ، فأمر السلطان بحبسه ، ثم أذن في قتله ، فقتله بعض مماليكه في السجن ( الدرر الكامنة 213/5 - 215).

وفي السنة 768 قتل الأمير أسندمر اليحياوي، نائب السلطنة في طرابلس الشام ، وشاع أن ولده قتله ( الدرر الكامنة 413/1 ).

وفي السنة 768 قتل الوزير عمر بن عبد الله الفودوي بعد حياة حافلة بالفتك وهو من وزراء الدولة المرينية بالمغرب ، وكان يخدم السلطان أبا سالم إبراهيم بن علي ، ثم تنكر له ، فاتفق مع غرسيه بن انطون قائد جند النصاري ، وخلع أبا سالم ، وقتله ، في السنة 762 ، وجيء له برأسه في مخلاة ، ونصب للسلطنة فتي معتوه من بني مرين واسمه تاشفين ، ثم غدر بغرسية وأصحابه فقتلهم ، ثم خلع تاشفين ونصب مكانه في السنة 763 أبا زيان محمد بن يعقوب المريني ثم قتله خنقأ رألقاه في بئر ، وأشاع أنه سقط في البئر وهو سكران ، وجاء بأمير غيره من بني مرين اسمه عبد العزيز بن علي ، فبايعه ، وكان عبد العزيز يقظة حازمة ، فأعد له جماعة من الخصيان في زوايا داره ، ولما حضر عنده عمر ، أشار إليهم ، فقتلوه هبرة بالسيوف ( الاعلام 12/5 ).

وروي ابن خلدون ، في تاريخه قصة مقتل هذا الوزير ، وأقاربه ، وأتباعه ، فقال في السنة 768 تشدد الوزير عمر بن عبدالله بن علي ، في الأستبداد علي السلطان أبي فارس عبد العزيز المريني ، سلطان المغرب ، فحجره ، ومنعه من التصرف ، ومنع الناس من النهوض له ، ثم إن الوزير خطب أميرة مرينية ، وشرط لأهلها أن يولي أخاها السلطنة ، وبلغ السلطان ذلك، فأعد له من يغتاله إذا دخل عليه ، فلما دخل الوزير تناوله أصحاب السلطان هبرة بالسيوف حتي قتلوه ، ثم أمر السلطان باعتقال ابن الوزير وأخيه ، وعمه ومن يتعلق بهم ، وقتلوا جميعا ( ابن خلدون 323/7 ) .

وفي السنة 770 قبض السلطان الأفضل باليمن علي ثمانية عشر شيخا ،

ص: 438

من مشايخ العنسيين ، وقتلهم جميعا ( العقود اللؤلؤية 138/2 ).

وفي السنة 771 قتل الأمير يونس النوروزي ، وكان أثير عند الظاهر برقوق ، ولما كانت فتنة يلبغا الناصري ، خرج مع الأمراء الذين جهزهم الظاهر لمحاربة بليغا وأصحابه ، فانكسر جيش برقوق ، وانهزم الأمير يونس ، مع من انهزم ، فظفر به الأمير عنقاء بن شطي من آل مزين ، فقتله ، وقطع رأسه ، وتقرب به إلي الناصري ( الدرر الكامنة 264/5 ).

وفي السنة 773 رسم السلطان بمصر ، بضرب عنق بعيادة ، مشارف ديوان المواريث الحشرية ، فأعدم ( بدائع الزهور 106/2/1 ).

وفي السنة 779 قبض علي الأمير ينبك بالقاهرة ، وأرسل إلي سجن الاسكندرية « فكان ذلك آخر العهد به ، ( النجوم الزاهرة 8/11 و15).

وفي السنة 780 أعلن موت الأمير بركة في سجنه بالإسكندرية ، فبعثوا من القاهرة ، من حقق في أمر موته ، فظهر أنه قد قتل ، وأن قاتله الأمير خليل بن عرام ، نائب الإسكندرية ، فاعتقل ابن عرام ، وحمل إلي القاهرة حيث عري من ثيابه، وضرب بالمقارع ستة وثمانين شيبة ، ثم سمر علي جمل بلعبة تسمير عطب ، وطيف به في البلد ، فهجم عليه جماعة من مماليك بركة ، وهبروه بالسيوف ، فقطعوه قطعأ عديدة ، وتناهبوا أعضاءه ، فأخذ أحدهم أذنه ، والآخر رجله ، وقطع رأسه ، وعلق بباب زويلة ( النجوم الزاهرة 184/11 و 185).

وفي السنة 784 اتفق الأمراء ، وقتلوا السلطان حسين بن أويس بن الشيخ حسن بزرك ( الكبير) وأجلسوا مكانه أخاه السلطان أحمد ، وكان السلطان حسين ، مولعا بحب النساء ، واللهو والطرب ، وكان يرتدي ألبسة النساء ويدخل الولائم والأعراس متنكرة ليطلع علي النساء ، فنفرت منه النفوس ، وشكا الأمراء ذلك إلي الأمير زكريا ، فقال لهم : أشكروا الله الذي بلاكم بمن يجعل القناع علي رأسه ، ولم يبلكم بمن يجعل القناع علي

ص: 439

رؤوسكم ، وكانت مدة حكم السلطان حسين ثماني سنوات ( التاريخ الغياثي 100 و101).

وفي السنة 785 ارتد ستة أنفار إلي النصرانية ، بعد إسلامهم ، فضربت أعناقهم تحت المدرسة الصالحية بالقاهرة ( بدائع الزهور 331/2/1 ).

وفي السنة 785 احتال الأمير طغاي تمر ، نائب الكرك ، علي الأمير خاطر أمير العربان، فظفر به وبأبنية الإثنين ، فذبح الثلاثة بيده . ( بدائع الزهور 2/1/ 331).

وفي السنة 785 ( أو 786)، قتل محمد بن مكي العراقي ، الفقيه الشيعي ، كبير الرافضة ( الشيعة ) بدمشق ، لإظهاره الرفض ، ضربت عنقه تحت القلعة ، وقتل رفيقه عرفة بطرابلس بتهمة التشيع أيضأ ( نزهة النفوس 88 وتاريخ العراق للعزاوي 179/2 ).

وفي السنة 786 أمر السلطان الأشرف ، صاحب اليمن ، بقتل ابن شرف الصنعاني ، وكان سفيرة بينه وبين الإمام ، اتهمه بأنه خان في سفارته، وأفشي سرة أودعه إياه، فقتل ( العقود اللؤلؤية 2/ 180).

وفي السنة 788 هاجم اثنان من الفداوية، الشريف محمد بن أحمد بن عجلان ، أمير مكة ، وقتلاه طعنا بالخناجر ( النجوم الزاهرة 246/11 ).

وفي السنة 789 حصر المستنصر أبو العباس احمد بن إبراهيم المريني ، مدينة فاس ، وفتحها، وخلع صاحبها الواثق بالله محمد بن أبي الفضل المريني ، وبعث به إلي طنجة ، حيث قتل ( الأعلام 222/7 ).

وفي السنة 789 قبض المستنصر أبو العباس احمد بن ابراهيم المريني ، سلطان فاس ، علي وزيره مسعود بن عبد الرحمن بن ماساي ، وعلي إخوته ، وحاشيته ، وعذبهم، حتي هلكوا جميعا ( الأعلام 112/8 ، و 113)

ص: 440

وفي السنة 789 ضربت عنق ميخائيل الأسلمي بالإسكندرية ، وكان نصرانيا فأسلم ، وعمل تاجر الخاص ، ثم قرر في نظر إسكندرية ، وسبب قتله أتهامه بالزندقة «وشهد عليه بذلك خمسون إلا واحدا ، ( شذرات الذهب 306/6 و 307).

وفي السنة 789 دخل تيمورلنك إصبهان، « ورمي عليهم مال الأمان » وأرسل عليهم المحصلين لتحصيله ، فعصوا عليه ، « ومسكوا » المحصلين ، وقتلوهم ، فكر عليهم تيمورلنك ، وحاصرهم ، وأخذهم ، وقتل منهم سبعين ألفا ( تاريخ الغياثي 182).

وفي السنة 791 قتل قاضي القضاة شهاب الدين أبو الخير أحمد بن عمر الحموي ، وكان الملك الظاهر قد ولاه القضاء ، وقدمه ، فأفتي شهاب الدين بوجوب محاربته ، وقام بنصر أعدائه ، وشهر السيف ، وركب بنفسه ، والمنادي ينادي بين يديه : قوموا انصروا الدولة المنصورية ، بأنفسكم ، وأموالكم ، فإن الظاهر من المفسدين العصاة الخارجين ، فلما انتصر الظاهر ، أخذه وحبسه بالقلعة ، ثم حمل مقيدا إلي قريب من خان شيخون ، وقتل هناك ( النجوم الزاهرة 11/ 382 وشذرات الذهب 215/6 ).

وفي السنة 791 قتل السلطان غياث الدين سالار تغلق شاه ، سلطان دهلي ، بعد أن حكم ستة أشهر ( معجم أنساب الأسر الحاكمة 423).

وفي السنة 791 جاء إلي الكرك ، قاصد من القاهرة، لقتل السلطان الملك الظاهر برقوق ، فاجتمع انصار برقوق ، ووثبوا علي القاصد فقتلوه ، وجروا برجله إلي حيث الظاهر برقوق ، وقالوا له : دس برجلك علي رأس عدوك . ( النجوم الزاهرة 349/11 و 350).

وفي السنة 792 قبض السلطان برقوق علي مملوك اتهمه بإثارة الفتنة بين المماليك ، فضرب ضربا مبرحا ، وسمر علي جمل، وشهر ثم سجن

ص: 441

بخزانة شمائل « فلم يعرف له خبر بعد ذلك » يعني أنه قتل . ( النجوم الزاهرة 14/12)

وفي السنة 792 قبض السلطان علي عدة من الأمراء ، فسجن في قلعة القاهرة ، « وكان ذلك آخر العهد بهم » ( النجوم الزاهرة 27/12 ).

وفي السنة 792 أغار جماعة من بني الدريهم علي عبيد العبادل ، ليأخذوا شيئا من ماشيتهم ، فيفدونه منهم ، وكان العبيد علي حذر ، فتقاتلوا ، فقتل أحد مشايخ العبيد ، فانتقم العبيد ، فقتلوا رئيس الحرس وهو علي بن النهاري ، وكان أبوه شيخ بني الدريهم وكبيرهم ، فلما حمل إلي أبيه قتيلا ، أقسم أن يقتل به أكبر العبادل ، وكانت العبادل أكثر عددا وبني الدريهم أكثر شرا ، ثم وجدوا غرة من الشيخ علي بن محمد العجمي ، شيخ الأشاعر ، فقتلوه ، وفي السنة 799 قتل الشيخ النهاري بن عيسي الأشعري ، شيخ بني الدريهم ، قتله أولاد علي بن العجمي ، بأبيهم ، وقتل معه الشيخ علي بن جهيض الأشعري ( العقود اللؤلؤية 217/2 ، 260).

وفي السنة 792 قتل الأمير منطاش بدمشق ، الأمير محمد بن بلبان بن المهمندار نائب القلعة بحلب ، وكان واسع الثروة جدا ( الدرر الكامنة 17/4)

وفي السنة 793 اعترض السلطان برقوق ، الأمراء المحبوسين، وأفرد منهم جماعة للقتل ، فأخرجوا من خزانة شمائل ، ومضوا بهم الجبلية ، مثل الحرامية ، في القيود والباشات ، إلي خارج القاهرة ، بالترب ، بالصحراء ، وضربوا رقابهم ، ( تاريخ ابن الفرات 258/9 ).

وفي السنة 793 رسم للأمير علاء الدين الطبلاوي ( والي القاهرة ) أن يتسلم عدة من الأمراء ، « ويوقع فيهم قضاء الله وقدره ، فتسلمهم ، وقتلهم ، وهم صراي تمر دوادار منطاش ، وتكا الأشرفي ، ودمرداش اليوسفي ،

ص: 442

ودمرداش القشتمري ، وتسلم أيضا علي الجركتمري فلم يقتله معهم ، وإنما عصره وقتله بعد ، وقطلو بك نائب صفد( نزهة النفوس 330) ، وفي اليوم التالي لمقتلهم، رسم لوالي القاهرة بعرض المسجونين من المنطاشية (أتباع الأمير منطاش ) فعرضوا بين يديه ، فميز منهم جماعة ورسم للوالي « بانفاذ قضاء الله وقدره فيهم ، فقتلوا ، وهم جنتمر أخو طاز، وولده ، وألطنبغا الجربغاوي ، وتقطاي الطواشي الطشتمري ، وفتح الدين محمد بن الشهيد ، فضربت أعناقهم بالصحراء ( نزهة النفوس 331 ).

وفي السنة 793 اجتمع القضاة ، وأحضر الأمير الطنبغا الدوادار ، والطنبغا الحلبي ، وادعي عليها، فحكم بإراقة دمهما، وقتلا، وحمل رأساهما علي رمحين ، ونودي عليهما في شوارع القاهرة . ( النجوم الزاهرة 25/12)

وفي السنة 793 قتل بالقاهرة « بسيف السلطان » الرئيس فتح الدين أبو الفتح محمد بن إبراهيم النابلسي ، كانت ولادته سنة 728 ( الدرر الكامنة با383/3)

وفي السنة 793 أمر الإمام صلاح الدين بن علي ، امام اليمن ، بقتل الفقيه أحمد بن زيد اليمني من رؤساء أهل صعدة ، فاستجار الفقيه بالمصحف ، وحمله علي رأسه ، فلم يغن عنه ذلك ، وقتل ، ولحق الإمام به بعد موته بيسير ( الدرر الكامنة 134/1 وشذرات الذهب 327/6 ) .

وفي السنة 794 اعتقل السلطان برقوق ، الأمير قرا دمرداش ، نائب السلطنة في حلب ، « فكان أخر العهد به ، أي أنه قتله ( الدرر الكامنة 329/3 و 330 ).

وفي السنة 793 أرسل سلطان مصر ، إلي دمشق بقتل جانتمر أخي طاز نائب الشام ، وابنه ، والطواشي طقطاي ، والشيخ فتح الله محمد بن الشهيد

ص: 443

الدمشقي ، صاحب ديوان الإنشاء بدمشق ، فضربت أعناقهم في الصحراء . ( بدائع الزهور 445/2/1 ) .

وفي السنة 793 أرسل الغني بالله محمد بن يوسف النصري ، صاحب غرناطة ، أتباعه إلي دار وزيره أبي عبد الله محمد بن يوسف ، المعروف بابن زمرك ، فقتلوه في داره ، وهو رافع يديه بالمصحف ، وقتل من وجد معه من بنيه وخدمه ، وكان ابن زمرك قد سعي بأستاذه لسان الدين بن الخطيب فقتل خنقا . فلقي جزاء عمله . ( الاعلام 29/8 ) .

وفي السنة 793 اطلع السلطان برقوق ، صاحب مصر والشام ، وهو في الشام ، علي خيانة الأمير يلبغا الناصري ، نائب السلطان بدمشق ، فقبض عليه ، وذبحه ، بعد توبيخ كثير ، وقيل إن مماليك السلطان هبروا الناصري بالسيوف ( تاريخ ابن الفرات 271/9 ) .

أقول : أورد صاحب اعلام النبلاء الخبر بتفصيل أكثر ، قال : في السنة 793 قدم السلطان دمشق ، واستصحب معه الأمير يلبغا الناصري ، ثم أمتد إلي حلب ، فأقام بها شهورة ، وفي ليلة عوده ، قتل يلبغا الناصري وثلاثة وعشرين أميرة ، اتهمهم بالخيانة ، فأحضر يلبغا ، وواجهه بالتهمة ، ووبخه ، فلم ينطق بحجة ، وانعقد لسانه عن الكلام ، فأمر السلطان بالقبض عليه وعلي جماعة الأمراء الذين اتهمهم ، وحبسهم بقلعة حلب ، ثم أمر بقتلهم ، فقتلوا ( اعلام النبلاء 471/2 و472) .

وفي السنة 793 قتل كاتب السر ، فتح الدين أبو بكر محمد بن إبراهيم النابلسي ، المعروف بابن الشهيد ، وكان قد اشترك في الثورة علي الظاهر برقوق ، فلما انتصر برقوق ، اعتقل في دمشق ونقل إلي القاهرة مقيدة ، وأودع السجن مع أهل الجرائم ، ثم أمر به ، فأخرج إلي ظاهر القاهرة ، فضربت عنقه بالقرب من القلعة ( شذرات الذهب 329/6 و 330 ).

ص: 444

وفي السنة 794 لما تغير الملك الظاهر برقوق ، علي الأمير يلبغا نائب حلب ، وقتله ، اعتقل البيري علي بن عبد الله بن يوسف ، كاتب يلبغا ، وأخذه معه إلي القاهرة ، حيث قتله أيضا . ( الاعلام 122/5 ).

وفي السنة 795 قتل أمير قسطموني وسينوب ، الأمير سليمان بن بايزيد بن آل جندار أوغلو الأسفندياري ، بعد أن حكم منذ السنة 787 ، قتله السلطان بايزيد العثماني ( معجم أنساب الأسر الحاكمة 224) .

وفي السنة 795 حصر تيمورلنك قلعة سفيد ، وكانت حصينة للغاية ، حتي قيل إن ثلاثة أشخاص من الرجال فيها بإمكانهم أن يمنعوا جيشأ بأكمله ، فشدد تيمورلنك في حصارها ، حتي فتحها ، وقتل حاكمها محمد آزاد مهتر الذي كان من قبل شاه منصور ، وأخرج السلطان زين العابدين بن شاه شجاع من محبسه في القلعة ، وكان شاه منصور قد سمل عينيه وحبسه في القلعة ، فأطلقه تيمورلنك ، وأنعم عليه ، ووعده بأن «يأخذ حيفه من شاه منصور » ( تاريخ الغياثي 162).

وفي السنة 795 كانت شيراز وأصبهان وأبرقوه لشاه منصور ، وكانت يزد الشاه يحيي وهو مع ولديه فيها ، والسلطان أحمد بكرمان ، والسلطان أبو إسحاق بالسيرجان ، ففتح تيمورلنك شيراز ، وقتل شاه منصور ، ثم طلب حضور جميع أولاد وأسباط آل مظفر ، فحضر شاه يحيي وأولاده من يزد ، والسلطان أحمد من كرمان ، وأما السلطان مهدي بن شاه شجاع ، والسلطان غضنفر بن الشاه منصور ، فقد كانا في شيراز ، وجاء السلطان أبو إسحاق حفيد شاه شجاع من السيرجان ، فأخذهم تيمورلنك معه ، متوجها إلي إصبهان ، وفي الطريق أمر تيمورلنك بقتل جميع آل مظفر ، فقتلوهم جميعا ، صغارا وكبارا ، وما بقي في البلاد من نسلهم قتلهم الولاة ، وكان للسلطان أحمد ، أخي شاه شجاع ولدان صغيران بكرمان ، فأمر متولي كرمان ، أحد الجلادين بقتلهما ، فقتلهما ( تاريخ الغياثي 164 و165).

ص: 445

وفي السنة 797 قتل السلطان أبو يعقوب يوسف بن يعقوب المريني ، وزير ولده الأمير علي بمراكش ، غيظا منه ، وحنقأ عليه وسبب قتله : أن السلطان يوسف كان قد سخط علي اثنين من مشايخ المصامدة فأمر ولده الأمير علي باعتقالهما ، فاعتقلهما مع أولادهما وحاشيتهما ، وكان أحمد بن الملياني، أحد كتاب السلطان ، يحقد علي الشيخين المذكورين ، فزور كتابا عن لسان السلطان الي ولده الأمير علي ، يأمره بقتلهما ، فقتلهما ، وفر الكاتب ابن الملياني ، علي أثر إرسال الكتاب ، إلي الأندلس ، وبعث الأمير علي ، وزيره إلي أبيه يخبره بإنفاذ أمره ، فاشتد غضب السلطان ، لما أبلغه الوزير الخبر ، وأمر بالوزير فقتل من فوره ، كما أمر باعتقال ولده الأمير علي ، فاعتقل، وأمر بالقبض علي الكاتب ابن الملياني ، ففاته ، وفر إلي الأندلس ، ومات بها ( ابن خلدون 231/7 ، 232).

وفي السنة 798 حدثت في مدينة زبيد باليمن ، حوادث قطع طريق ، وبعد البحث ظهر أن جماعة ، يظهرون أنهم من الفقراء ، يخرجون ليلا فيسرقون وينهبون ويقطعون الطريق ، ففتشوا مساكنهم ، فوجدوا فيها كثيرا من الثياب الفاخرة ، ووجدوا أنهم قد أعدوا لهم طعاما وهيأوه للأكل، مع أن الوقت رمضان ، فظهر أنهم لا يصومون وأنهم يتزون بزي الفقراء وأهل الفاقة ، فأمر السلطان بتلفهم ، أي بقتلهم . ( العقود اللؤلؤية 286/2 ).

وفي السنة 799 وقع الغلاء بدمشق ، وكان بها أمير يقال له ابن النشو ، كان يشتري الغلال ويخزنها حتي يبيعها بالسعر الزائد ، فاجتمع العوام وحصل بينهم وبينه كلام ، وهو راكب ، فرجموه ، ورموه عن فرسه ، وقتلوه ، وذبحوه ، وقطعوا رأسه ثم أحرقوه بالنار ، ولم ينتصر له نائب دمشق ولا أحد من أمرائها ( تاريخ ابن الفرات 462/9 ).

وفي السنة 801 أرسل تيمورلنك إلي السلطان أحمد بن أويس ، ببغداد ، أحد قواده واسمه شروان ، فتظاهر بأنه قد فر من تيمور ، لاجئة إلي

ص: 446

السلطان أحمد بن أويس ، فأكرمه ، وأقطعه ، ثم عثر أحد خدم السلطان علي ورقة بخط شروان ، بالمبالغ التي وهبها إلي قواد السلطان أحمد ، ليحوزهم إلي جانبه ، فقدم الخادم الورقة إلي السلطان أحمد ، وكان من جملة الأسماء المدونة في تلك الورقة ، اسم الخادم الذي قدمها للسلطان ، ومقدار ما أخذه من شروان ، فقتل السلطان ذلك الخادم بيده ، ثم أمر بعض القواد بقتل شروان ، فقتلوه ، ثم قتل جميع القواد الذي وردت أسماؤهم في تلك الورقة ، وذلك بأن يقول للقائد : إذهب فاقتل القائد الفلاني ، ولك بيته وماله ، فيقتله ويستولي علي جميع ما يعود له ، ثم يرسل من يقتل ذلك القائد ، وهكذا قتل القواد واحدة بعد الآخر ، حتي قتل في أسبوع واحد، أكثر من ألفي نفس من أمرائه وأقاربه ومقربيه ، حتي أنه قتل عمته وفاخاتون ، وكانت بمثابة أمه ، وهي التي ربته منذ نعومة أظافره ، كما قتل أكثر حريمه وخدمه الذين كانوا عنده ، قتلهم بيده ، وألقاهم في دجلة ( تاريخ الغياثي 119-121).

وفي السنة 801 قتل إبراهيم بن برية ، مستوفي البيمارستان المنصوري ، وكان مسيحية من كتاب الأقباط ، أسلم ، ثم ارتد عن الإسلام ، وعرض عليه الرجوع مرارة فأبي ، وأصر ، ولم يبد سبأ لذلك ، فضربت عنقه بباب القلة من القلعة بحضرة الطواشي شاهين الحسني أحد خاصكية السلطان ( الضوء اللامع 33/1 ).

وفي السنة 802 قتل السلطان أبو سعيد المريني ، صاحب أعنته ، القائد عبد الرحمن بن أحمد القبائلي ، وقتل معه أباه . ( الاعلام 67/4 ).

ولما فتح تيمورلنك بغداد للمرة الثانية ، في السنة 803 أمر كل نفر من عساكره بأن يحضر رأس إنسان ، وقال أحد الأمراء ، وكان أسيرأ عند تيمورلنك ، إنه أمر كل واحد من عسكره أن يحضر رأسين ، بحيث كان الواحد منهم إذا عجز عن إحضار رأسين يقطع رأس امرأة ، ويزيل شعرها ،

ص: 447

وقد اختلفت تقديرات المؤرخين في مقدار القتلي من بغداد في هذه الواقعة ، فقدروا القتلي ما بين تسعين ألفا إلي مائتين وخمسين ألفا ، وهذه التقديرات تدل علي ضخامة عدد القتلي ( تاريخ الغياثي 129-126).

أقول : لما بارح السلطان أحمد بن أويس بغداد في السنة 802 فارا من تيمورلنك ، ترك بغداد في عهدة شخص من قواده ، اسمه فرج ، لضبط أمورها ، وتوجه أحمد مع قره يوسف إلي الروم ، فقام فرج بمقاومة تيمورلنك لما حصر بغداد ، فإن جند تيمورلنك لما طلبوا تسليم البلد ، قال لهم فرج : إن السلطان أحمد أمرني أن لا أسلم بغداد إلا إذا حضر تيمورلنك بنفسه ، وأخبروا تيمورلنك بقوله ، فقدم وأرسل إلي فرج يخبره بحضوره ، فأنكر فرج صحة مجيئه ، فسأل تيمور أن يبعثوا شخصا يثق به أهل بغداد ، فذكروا شخص اسمه الشيخ بشار من محلة أبي حنيفة الإمام الأعظم ، قالوا إنهم يعتقدون فيه ، فأحضره تيمورلنك ، وجاء معه إلي خارج السور ، فقال الشيخ بشار لفرج وللحاضرين معه ، وحلف لهم علي مصحف كان معه ، بأن تيمورلنك موجود إلي جانبه ، فكذبه فرج ومن معه ، وشتموه ، ورموه بالنشاب ، وعندئذ شدد تيمورلنك الحصار علي بغداد واستولي عليها في السنة 803 ، وكانت عاقبة فرج أن مات غرقا ( تاريخ الغياثي 123- 125).

وفي السنة 802 قتل الأمير نوروز الظاهري ، كانت اليه حجوبية دمشق ، فقتله نائب السلطنة بها الأمير تنم الحسني بعد خروجه علي الناصر فرج ( الضوء اللامع 205/10 ).

وفي السنة 802 قتل بقلعة دمشق ، الأمير طيفور الظاهري ، وكان في حجوبية دمشق الكبري ، وكان ممن وافق تنم الحسني علي العصيان ، فقبض عليه ، وقتل بالقلعة ( الضوء اللامع 14/4 ).

وفي السنة 802 قتل الأمير أقبغا الطولوني علاء الدين الظاهري ، وكان

ص: 448

قتله مع الأمير إيتمش، وكان قد عين لنيابة غزة ، ثم أمسك قبل دخوله إليها ، وحمل إلي قلعة الصبيبة فاعتقل بها ، ثم قتل ( الضوء اللامع 318/2 ).

وفي السنة 802 قتل الأمير أرغون شاه ، والأمير إيتمش بقلعة دمشق ، وكان أرغون شاه أسيرة عند الظاهر برقوق ( الضوء اللامع 267/2 ).

وفي السنة 802 قتل الأمير ألطنبغا شادي من مماليك يلبغا العمري ، قتل مع ايتمش البجاسي ( الضوء اللامع 2/ 320).

وفي السنة 802 قتل بقلعة دمشق الأمير ايتمش البجاسي الجركسي أتابك العسكر في أيام الظاهر برقوق ، وكان مقدم العسكر الذي جهزه برقوق القتال يلبغا الناصري ، فظفر به يلبغا وحبس بدمشق ، ثم أطلق لما عاد حكم برقوق ، وجعله المنظم في الدولة ، وقتل بعد موت برقوق ( الضوء اللامع 324/2)

وفي السنة 802 قتل الأمير يعقوب شاه الظاهري ، وكان قتله بقلعة دمشق ، وقد أناف علي الثلاثين ( الضوء اللامع 281/10 ).

وفي السنة 802 قتل في محبسه بقلعة دمشق ، الأمير يونس الظاهري ، الخروجه مع تنم الحسني نائب الشام ، وكان ظالما غشوما ، قتل جماعة من طرابلس ، ولما عصي مع تنم ، قتل قاضي طرابلس المالكي ، وقاضيها الحنفي ، وخطيبها ( الضوء اللامع 346/10 ).

وفي السنة 802 قتل الأمير سيف الدين تنم ، بدمشق ، وكان قد قصد مصر ليتسلطن ، فاشتبك مع الأمراء المصريين في معركة بالرملة ، انكسر علي أثرها وأسر ، فحمل إلي دمشق ، وقتل فيها ( الضوء اللامع 3/ 44).

وفي السنة 802 وافي تيمورلنك مرج دابق ، وجهز رسولا إلي حلب ، فأمر سودون نائب السلطنة بحلب بقتل الرسول ، فقتل ، فحصر تيمورلنك

ص: 449

حلب ، وفتحها عنوة ، فلجأ النساء والأطفال إلي الجوامع والمساجد، فلم يجدهم ذلك ، واستمر القتل والأسر في أهالي حلب ، فقتلوا الرجال ، وسبوا النساء والأطفال ، وقتل خلق كثير من الأطفال تحت حوافر الخيل وعلي الطرقات ، وأحرقت المدينة ، ثم رحل إلي دمشق ، فاستولي عليها ، وصنع بها أعظم مما فعله بحلب ، ونهب المدينة ، وخربها خرابأ فاحشة ، ولم يصل تخريب هولاكو للشام إلي قريب مما حصل في أيام تيمور ، ثم عاد إلي حلب فأحرقها مرة ثانية ، وقتلوا، وسبوا ، وأسروا ( الضوء اللامع 46/3 - 48).

وفي السنة 803 قتل بغزة علاء الدين علي بن عبدالله الطبلاوي ، وكانت إليه جميع الأمور في دولة الظاهر برقوق ، ثم غضب عليه السلطان ، فقبض عليه وعلي ابن عمه ناصر الدين شاد الدواوين وعلي أخيه ناصر الدين والي القاهرة ، فاجتمع العامة بالرميلة ، ورفعوا المصاحف والأعلام ، وطالبوا بإطلاقه وإعادته ، فقوبلوا بالضرب والشتم ، فتفرقوا ، وأرسله الأمير يلبغا ، راكبا علي فرس ، وفي عنقه باشة حديد، فسلم عليه ما عنده من أموال وعروض ، ثم طلب الحضور بين يدي السلطان ، ليسر اليه كلامأ ، فأبي السلطان ، فأخرج الطبلاوي سكينة وطعن بها نفسه ، ثم ضربه يلبغا مجددا ، وسجن بالخزانة ، ثم أطلق ، ففرج به العامة ، وزينوا له البلد ، وأكثروا من الخلوق بالزعفران ، فنفاه السلطان إلي الكرك ، وقتل بغة ( الضوء اللامع 252/5 و 253).

وفي السنة 803 قتل الفقيه شمس الدين أبو عبدالله محمد بن أحمد المعري ، قتله تيمورلنك، لأنه لقيه بكلام شديد ( الضوء اللامع 13/7 ).

وفي السنة 803 حصر تيمورلنك قلعة النجق بنفسه ، وكانت عساكره تحصرها منذ عشر سنوات ، فلما حصرها بنفسه استولي عليها ، وأحضروا أمامه كوتوال القلعة ( الكوتوال : هندية ، بمعني محافظ أو حامي ) فأمر تيمورلنك بقتله ، فقتل ( تاريخ الغياثي 201 ) .

ص: 450

وفي السنة 803 قتل الشيخ شمس الدين محمد بن عبد الرحمن بن الحافظ الذهبي ، أخذه العسكر التيموري ، فقتلوه ( شذرات الذهب 36/7 ) .

وفي السنة 804 قتل فضل الله التبريزي ، صاحب النحلة المسماة بالحروفية ، وكان ملتجئأ إلي أمير زاده بن تيمورلنك ، وأمر تيمورلنك ولده أمير زاده بقتله ، فقتله بيده ، وبعث برأسه وجثه إلي أبيه تيمورلنك فأحرقهما ، ونشأ في أتباعه واحد يقال له نسيم الدين ، وكان بحلب ، فأمر المؤيد بقتله ، فقتل ، وسلخ جلده في السنة 821 ( الضوء اللامع 173/6 ).

وفي السنة 804 كان أمير زاده بن تيمورلنك ، يحكم أذربيجان ، وقتل بيده فضل الله التبريزي ، بأمر من أبيه تيمور ، وكان لفضل الله اتباع ومريدون ، فوثب اثنان من مريدي فضل الله ، علي أمير زاده في الجامع ، وقت صلاة الجمعة ، وجرحاه جرحا بالغا لزم من أجله الفراش مدة طويلة ، وقتل الرجلان شر قتلة ( الضوء اللامع 174/6 ).

وفي السنة 804 فتح تميورلنك بغداد ، وأمر كل نفر من عسكره أن يحضر له رأسا ، وبني منائر من الرؤوس المقطوعة ، وأخرب عسكره البيوت وأحرقوها ، وأخربوا العمارات والمساكن ( التاريخ الغياثي 203).

أقول : سبق للغياثي أن ذكر أن تيمورلنك فتح بغداد في السنة 803 راجع الصحيفة 123 - 125 وهو التاريخ الصحيح ، فإن تيمورلنك استولي علي بغداد ثانية في 27 ذي القعدة سنة 803 راجع معجم زامباور لأنساب الأسر الحاكمة . :

وفي السنة 805 قتل الأمير قرقماس الظاهري في دمشق، بسيف السلطان الناصر ، وكان قد أراد الإلتجاء إلي نائب السلطنة بحلب ، فأمسك في بعلبك ، وجيء به إلي دمشق ، فحبسه نائبها ، ثم جاء المرسوم بقتله ، فقتل وقتل معه جماعة من المماليك ( الضوء اللامع 218/6 ).

وفي السنة 806 جيء إلي تيمورلنك بالأمير نور الورد ، ابن السلطان

ص: 451

أحمد ، سلطان العراق، وكان نور الورد شابا في الثامنة عشرة ، فأمر تيمورلنك بقتله ، فقتل ( التاريخ الغياثي 130).

وفي السنة 806 قتل بقلعة المرقب ، بالإسكندرية ، الأمير سودون طاز ، وكان عظيما في دولة الناصر بن برقوق ، ثم فسد، ما بينهما ، فخرج بمماليكه مطالبة بعزل الأمير يشبك، فلم يجب إلي ذلك ، وخرج الناصر المحاربته ، فاذعن الأمير سودون واستسلم ، فحمل إلي إسكندرية ، وقتل هناك في حبسه ( الضوء اللامع 3/ 280، 281).

وفي السنة 807 خرج السلطان الناصر من مصر وقصد الشام لقتال الأمير شيخ الذي عصي عليه ، فانكسر الناصر ، وقبض شيخ علي الأمير صرق الظاهري فأمر به ، فقتل بين يديه صبرأ ( الضوء اللامع 322/3 ).

وفي السنة 808 قتل السلطان جكم ، الأمير دقماق الظاهري ، نائب حماة ، صبرأ بظاهرها ( الضوء اللامع 218/3 ) .

وفي السنة 808 قتل الأمير دقماق المحمدي ، كافل حماة ، حاصره شيخ وجكم ، واشتبكا معه في معركة ، فانكسر دقماق، وأحضر بين يدي جكم ، فقتله ( اعلام النبلاء 150/5 ).

وفي السنة 808 قتل الأمير نعير بن حيار بن مهنا، أمير آل فضل بالشام ، وكان قد أجار الأمير منطاش لما انكسر في معركته مع برقوق ، ثم أغراه برقوق بالمواعيد، فأسلم منطاشا ، وعد ذلك عليه عيبا عظيما ، ثم جرت بينه وبين الأمير جكم حرب ، فانكسر نعير ، وجيء به إلي حلب ، فقتل ، وقد نيف علي السبعين ( اعلام النبلاء 148/5 ).

وفي السنة 809 قتل الأمير جكم ، وكان قد خرج علي الظاهر برقوق ، وأعلن نفسه سلطانا ، وقصد مدينة آمد، وحارب صاحبها قرايلك، فانكسر قرايلك ، وسقط ولده ابراهيم أسيرة في يد جكم ، فقتله بيده ، ثم اقتحم

ص: 452

جكم بعساكره أرضا موحلة ، فوحلت فرسه ، فرجمة التركمان حتي قتلوه ، وقطع قرايلك رأسه وبعث به إلي الظاهر برقوق ( أعلام النبلاء 151/5 ۔ 156)

وفي السنة 809 قتل اميران شاه بن تيمور كوركان (تيمورلنك)، والد خليل ، وكان أبوه أي تيمور كوركان قد ولاه أذربيجان ، وجعل معه أخويه أبا بكر وعمر ، وجماعة من أمرائه، وكانت تخته تبريز ، وقتل بعده ولده ( الضوء اللامع 321/2 ).

وفي السنة 810 قبض علي الأمير سودون الظاهري ، وسجن بالإسكندرية ، ثم قتل بأمر السلطان ( الضوء اللامع 275/3 ) .

وفي السنة 810 قتل الأمير يشبك الشعباني ، قتله الأمير نوروز علي بعلبك ، وأرسل برأسه إلي السلطان الناصر ، فطيف بها، وعلقت أياما ( الضوء اللامع 279/10 ).

وفي السنة 810 ضربت عنق والي الفيوم ، بين يدي الاستادار جمال الدين ( بدائع الزهور 2/1/ 777).

وفي السنة 811 قتل بأمر السلطان الناصر ، الأمير سودون المارداني ، وكان دوا دارة كبيرة ، وكان ممن قاتل السلطان الناصر، لما أراد الناصر الطلوع إلي القلعة . فلما ظفر الناصر اعتقله ، وحبسه بالإسكندرية ، ثم قتله في محبسه ( الضوء اللامع 285/3 ).

وفي السنة 812 قتل الوزير جمال الدين يوسف بن أحمد البيري ، وكان عظيما في الدولة ، بحيث أصبح مرجعا في الإقليمين المصري والشامي ( شذرات الذهب 100/7 ).

وفي السنة 812 قتل بالقاهرة شريف ، لأنه جري تعزيره ، فقال : قد ابتلي الأنبياء ، فزجر عن هذا القول ، فقال : قد جري علي رسول الله صلي الله عليه وسلم

ص: 453

في حارة اليهود أكره من هذا ، فاستفتي في حقه ، فافتوا بكفره ، فضربت عنقه بين القصرين بحكم القاضي المالكي شمس الدين المدني ( شذرات الذهب 96/7 ).

أقول : ما اجرأ هذا القاضي المالكي علي دماء الناس

وفي السنة 812 قتل الأمير إينال المصلاي ، نائب السلطنة بحلب ، وكان قد وليها عن المؤيد، ثم عصي عليه ، فقتل بقلعة حلب ( الضوء اللامع 327/2)

وفي السنة 812 غضب السلطان علي الأمير بلاط أحد المقدمين بالقاهرة ، فأمر به فحبس بالإسكندرية ، ثم أخرج منها إلي دمياط ، فقتل في الطريق ( الضوء اللامع 18/3)

وفي السنة 813 قتل السلطان أحمد بن أويس ، قتله قرا يوسف صاحب تبريز حصره ببغداد ، وحاربه ، وأسره ، فقتله ، وكان قد خلف في السلطنة أخاه الشيخ حسين بن أويس في السنة 784 وكان سلطان فاتكأ سفاك للدماء ، وعنده جور وظلم ( شذرات الذهب 101/7 ).

وفي السنة 813 دخل شاه محمد بن قرا يوسف بغداد ، وكان ببغداد الشيخ أحمد السهروردي، وله ولد هو عمل غير صالح ، فسعي بأبيه عند شاه محمد وأخبره بأنه يتقول بأن السلطان أحمد - خصم قره يوسف - ما زال حية ، فأمر شاه محمد ، باحضار الشيخ أحمد ، فأحضروه ، وسألوه، فأنكر ، فبهته الولد وأصر علي السعي بأبيه ، فقال له شاه محمد : إن كنت صادقأ ، فخذ هذا السيف واقتل به أباك ، فأخذ السيف ، وقطع عنق أبيه ، فأمر شاه محمد بالولد ، فأحرق ( التاريخ الغياثي 247).

وفي السنة 814 أخذ السلطان الملك الناصر فرج بن الظاهر برقوق ، يذبح مماليك أبيه بيده مثل الغنم ، ثم قبض علي جماعة من الأمراء ، فوط

ص: 454

منهم خمسة ، وغرق الباقين ، وذبح عشرين مملوكة من مماليك أبيه ، ووسط تحت القلعة خمسة عشر مملوكة ، ثم ذبح ليلا مائة مملوك من الجراكسة ، ثم نزل في الصباح ، وقتل عشرة أخرين ، ثم نادي للمماليك الظاهرية بالأمان ، فظهروا ، وقبض عليهم وسجنهم ، وفي ليلة واحدة ذبح منهم مائة وعشرين مملوكا ، ثم صار يذبح منهم في كل ليلة ، ويرميهم من سور القلعة ( بدائع الزهور 812/2/1 -814).

وفي السنة 814 قتل أمير ينبع ، الأمير وبير بن نخبار بن محمد الحسني ، وكان قتله غيلة ، فقتل أخوه مقبل ، وابنه علي ، قتلي كثيرة ممن أتهموهم بقتله ، واستقر في أمرة ينبع من بعده أخوه مقبل ، وبعد سبع عشرة سنة خلع ، ونصب في موضعه عقيل بن وبير ( الضوء اللامع 210/10 ) .

وفي السنة 814 قبض السلطان الناصر ، علي الأمير قانبك الظاهري ، وقتله ( الضوء اللامع 198/6 ).

وقتل في السنة 814 بالإسكندرية ، الأمير يشبك الظاهري ، وكان قد ولي نيابة غزة، فظلم أهلها ظلما فاحشا ( الضوء اللامع 280/10 ).

وقتل في السنة 814 يحيي بن غريب شاه ، ويلقب خان جهان ، وزير صاحب الهند الغياث أبي المظفر اعظم شاه بن اسكندر شاه ( الضوء اللامع 240/10)

وفي السنة 815 قتل الأمير نانباي العمري ، قتله الأمير سنبغا نائب الغيبة بالقاهرة ، وكان السلطان الناصر ، خارج الديار المصرية ، وكان الأمير قانباي مسجونا بأمر الناصر ، فلما انكسر الناصر بادر سنبغا فقتل الأمير قانباي ، قيل أنه قتله من دون أمر الناصر ، وقيل أنه قتله بناء علي أمر منه ، فلما تسلطن المؤيد ، وقفت أم قانباي ، وهي أخت الظاهر برقوق للسلطان ،

ص: 455

فأمر المؤيد بقتل سنبغا ، فقتل بمحضر من أم قانباي ، فهجمت علي جثته ونهشت كبده ( الضوء اللامع 196/6 ).

وفي السنة 816 قتل الأمير العجل بن نعير ، أمير آل فضل بالشام والعراق ، وكان قد خرج عن طاعة أبيه في السنة 806 وأعان جكم لما خرج علي الظاهر برقوق ، وظل يقاتل بين يديه إلي أن قتل علي يد طوخ ، وحمل رأسه ، فعلق علي باب قلعة حلب وهو ابن ثلاثين سنة ( إعلام النبلاء 167/5)

وفي السنة 816 قتل الأمير فضل بن عيسي بن رملة بن جماز، أمير ال علي ، قتله الأمير نوروز ، وكان الأمير فضل ممن نصر برقوق لما خرج من الكرك ، فصار وجيها عنده ، ودامت إمارته خمسة وثلاثين سنة ( الضوء اللامع 174/6)

وفي السنة 816 أمر المؤيد شيخ بحبس الأميرين تغري بردي وأخيه قرقماس بالإسكندرية، وقتلهما، ثم أمر في السنة 818 بقتل عمهما الأمير دمرداش المحمدي ( الضوء اللامع 219/6 ).

وفي السنة 819 ظهر بدمشق ، رجل ادعي أنه السفياني ، وكان من الفقهاء ، فأطاعه جماعة ، وسامحهم بخراج سنة ، وصار يكتب في مراسيمه تحت البسملة ، من السفياني الملك الأعظم ، ثم قبض عليه نوروز نائب الشام وقتله ( بدائع الزهور 7/2).

وفي السنة 817 قتل ذبحة ، الأمير طوخ الظاهري ، نائب السلطنة بحلب ، وكان قد عصي علي الناصر ابن استاذه برقوق ، وانضم لشيخ ونوروز ، فلما اقتسما البلاد ولاه نوروز نيابة حلب ، وكان معه علي المؤيد ، فلما انتصر المؤيد، قبض عليه ، وقتله ذبحا بقلعة دمشق ( الضوء اللامع 9/4).

وفي السنة 817 قتل الأمير يشبك بن أزدمر الظاهري ، نائب السلطنة

ص: 456

بحلب، قتله المؤيد وقتل معه صاحبه الأمير نوروز الحافظي ، وكان الأمير يشبك شجاعة ، اشترك في المعركة التي دارت مع تيمورلنك ، فقتل أبوه ، وحمل أسيرة الي تيمورلنك وفي بدنه ما يزيد علي ثلاثين جرحا بين ضربة سيف وطعنة رمح ، فأعجب به تيمورلنك ، وأمر بالعناية به وبمداواته، فعولج حتي شفي ، ثم هرب وعاد إلي الناصر ( الضوء اللامع 270/10 ).

أقول: عاد صاحب الضوء اللامع ( 279/10 ) فذكر أن الأمير يشبك ، نائب السلطنة بحلب ، قتل في السنة 824، وهو التاريخ الصحيح لمقتله ، وأيد ذلك صاحب كتاب اعلام النبلاء ( 13/3 - 15)أما كيفية مقتله فذكر أن السلطان المؤيد توفي في السنة 824 والعساكر المصرية بحلب ، فلما بلغهم خبر وفاة السلطان ، اتفقوا علي العودة إلي دمشق ، تركوا حلب ، فبدا للأمير يشبك أن يلحق بهم ويطوقهم ( ولعله طمع في السلطنة )، فخلي سماط طعامه ، وخرج لمواقعتهم، فقتل، وحمل رأسه إلي القرمشي رأس المماليك السلطانية ، فعاد القرمشي إلي حلب ، ووجد سماط طعام يشبك حاضرا قد مد، فأكله ومن معه .

وفي السنة 817 قتل السلطان المؤيد، الأمير قمش أحد الأمراء المقدمين من مماليك الظاهر برقوق ، وكان نائب السلطنة بطرابلس ( الضوء اللامع 225/6 ).

وفي السنة 817 قتل السلطان المؤيد، الأمير برصيغا ، أحد مقدمي الظاهرية وكان خيرا عاقلا يحفظ القرآن ( الضوء اللامع 10/3).

وفي السنة 818 قتل الأمير سودون المحمدي الظاهري ، وكان السلطان شيخ قد اعتقله ، وحبسه بالإسكندرية ، ثم قتل في محبسه ( الضوء اللامع 285/3)

وفي السنة 818 قتل الأمير طوغان الظاهري ، في سجنه بالإسكندرية ،

ص: 457

وكان دوادارة كبيرة ، وأرسله الناصر ، سلطان مصر ، لمحاربة شيخ ونوروز مع أمراء آخرين ، فخامر علي الناصر، وانحاز إلي شيخ ونوروز ، فلما ظفر شيخ ، تزايدت عظمته جدأ ، ثم اتفق مع بعض المماليك « وركبوا علي السلطان ، وانتظر من تواعد معه فلم يحضر أحد ، فاختفي ، ثم وجد بمصر القديمة ، وحمل إلي القلعة ، ثم حمل إلي الإسكندرية ، حيث سجن فيها ، ثم قتل ( الضوء اللامع 11/4 ).

وفي السنة 818 قتل الأمير قانباي الظاهري ، ويعرف بقانباي الصغير ، وكانت إليه نيابة السلطنة بدمشق ، فعصي علي السلطان، وحاربه ، وانكسر ، وقبض عليه ، وقتل بقلعة دمشق ( الضوء اللامع 196/6 ).

أقول : أورد صاحب خطط الشام 195/2 و 196 الخبر بتفصيل أوفي ، قال : في السنة 818 أعلن الأمير قانباي المحمدي ، نائب دمشق ، والأمير إينال الصصلاني ، نائب حلب ، العصيان علي الملك شيخ ، الملك المؤيد ، فخرج اليهم المؤيد شيخ من مصر، وواقعهم ، فانتصر عليهم ، وقبض علي الأمير قانباي المحمدي ، نائب الشام ، فقطع رأسه ، ثم قبض علي الأمير إينال الصصلاني ، وقتله علي صدر أبيه ، ثم قتل الأب من بعد ذلك .

وفي السنة 818 قتل بالإسكندرية الأمير دمرداش الظاهري ، نائب السلطنة في حلب ( الضوء اللامع 3/ 219) .

وفي السنة 818 قتل الأمير أسبغا الزردكاش ، إذ قبض عليه ، وحبس بالإسكندرية ، ثم قتل في حبسه ( الضوء اللامع 312/2 ).

وفي السنة 820 قتل الأمير أقباي المؤيدي ، نائب السلطنة بالشام ، وكان قتله بالقلعة بدمشق ، بأمر من السلطان الملك المؤيد ( الضوء اللامع 314/2)

ص: 458

وفي السنة 821 قتل في حبسه الأمير أقبغا شيطان علاء الدين الظاهري، وكانت اليه حسبة القاهرة وشد الدواوين ، قبض عليه ، وحبس، ثم قتل ( الضوء اللامع 318/2 ) .

وفي السنة 283 قتل القاضي بدر الدين محمد بن إسرائيل ، المعروف بابن قاضي سماونة ، اتهم بأنه يسعي ليتسلطن ، فأخذ، وقتل بسيروز ( الاعلام 10/8 - 41).

وفي السنة 823 قتل أبو سعيد عثمان بن أحمد المريني ، صاحب المغرب ، بويع في السنة 800 وقتله وزيره عبد العزيز اللبابي . ( الاعلام 362/4)

وفي السنة 824 قتل بحبس الإسكندرية ، الأمير جلبان المؤيدي ، أحد المقدمين في الدولة المؤدية بمصر ( الضوء اللامع 78/3).

وفي السنة 824 قتل صبرة ، بقلعة دمشق ، الأمير جقمق سيف الدين التركماني ، وكان يلي دمشق ، فأظهر العصيان ، فاعتقله الأمير ططر ، وحبسه بقلعة دمشق ، وعصره ، ثم أمر بقتله فقتل صبرة ( الضوء اللامع 74/3 و75).

وفي السنة 824 قتل الأمير قجعار الحسني ، قبض عليه الأمير ططر ، وحبسه بالإسكندرية ثم قتله ( الضوء اللامع 612/6 ).

وفي السنة 824 قتل الأمير الطنبغا سيف الدين القرمشي ، وكان قد استولي علي حلب ثم قصد دمشق، وجاء العسكر المصري ، فاستقبلهم القرمشي ، وعانق زعيمهم الأمير ططر ، فخلع عليه ، وصعد إلي القلعة ، فأمر ططر بالقبض علي الطنبغا ، فاعتقل ، وقتل ( الضوء اللامع 319/2 ).

وفي السنة 825 تشوش شاه محمد بن قرا يوسف ، سلطان بغداد ، من جماعة من أصحابه ، فاعتقلهم ، وقتلهم ، وكان شاه محمد في أول حكمه

ص: 459

بغداد ، في حال حسنه ، ثم اختل عقله ، وقال : أنا لا أحتاج إلي عسكر ، يكفيني للحماية نهر دجلة وسور بغداد ، وفض عساكره ، ثم ترك مطالبة الناس بالخراج ، ثم اشتبه بقسم من أصحابه ، فقبض عليهم ، وأحضرهم إلي شاطيء الدجلة، تحت القلندرخانه ، وجلس يشرب الخمر ، وكان الفصل صيفأ ، ضحوة النهار ، وطلب من يقتلهم ، وكان مع المعتقلين اثنان من الحمالين ، فقال لأحدهما : اقتل هؤلاء وأطلقك ، فلم يفعل، فقام الآخر وقتلهم ، وهم أحد عشر نفرأ ، وقتل معهم الحمال الذي لم يرض بقتلهم ، فأطلق شاه محمد الحمال القاتل ، فقال له : أخاف أن أخرج إلي الناس فيقتلوني ، فوضعه في سفينة عبرت به إلي الجانب الغربي ( تاريخ الغياثي 247-250).

وكان ثمة مودة بين الشاه علي بن الشاه محمد صاحب بغداد وبين خواجه ولي وأبصر الشاه علي صاحبه خواجه ولي وقد أقيم في النطع وضرب السياف عنقه بالسيف فقطع منها شيئا وبقي البلعوم وبعض الودج ، فاستغاث خواجه ولي بالشاه علي ، فأقامه وأخرجه من النطع ، وأمر بحمله ومعالجته ، فعولج وخيط قفاه فعاش بعد ذلك أربعين سنة ( التاريخ الغياثي 261).

وفي السنة 827 قتل الأمير تاني بك البجاسي، نائب السلطنة بدمشق ، كان قد بلغ السلطان عنه شيء، فكتب إلي الحاجب «بالركوب عليه » فركبوا ، فظفر تاني بهم ، وسار في أثرهم ، فسقطت رجل فرسه في حفرة من القناة فسقط ، فأمسكوه ، وحملوه إلي قلعة دمشق ، حيث قتل ( الضوء اللامع 26/3)

وفي السنة 828 غضب السلطان الأشرف ، سلطان مصر ، علي الأمير طوغان أمير آخور ، وحبسه بالمرقب، ثم قتله ( الضوء اللامع 11/4 )

وفي السنة 830 كانت بغداد قد اصبحت تحت حكم أويس بن شاه ولد بن شاه زاده بن أويس ، فحاربه شاه محمد بن قرا يوسف ، واستولي علي

ص: 460

بغداد مرة أخري ، وقتل أويسا ( الضوء اللامع 324/2 وشذرات الذهب 192/7)

وفي السنة 830 قتل علي باك بن خليل الدلغادري ، وكان قد حصر حلب في السنة 829 وحاربه أهلها ، وقتل منهم ، وقتلوا من أصحابه ، ثم جلا عنها لما بلغه أن الأمير نوروز ، نائب السلطنة بدمشق قد قصده المحاربته ، ولما نصب الأمير جارقطلو كاف؟ لحلب ، بث عليه الأرصاد ، حتي أخبروه بأنه قد دخل عينتاب ، فخرج جارقطلو سرا من حلب ، ووصل إلي عينتاب بكرة النهار ، وإذا بعلي باك قد سكر وبات عند قينة ، وكان ما يزال نائما، فأرسل اليه من أيقظه ، وأخبره بأن الكافل في انتظاره ، فنزل وفي عنقه منديل ( إشارة الإستسلام ) فاعتقله ، وأخذه إلي حلب ، وأحضر من أدعي عليه قتل ابن عمه ، وفي خلال المحاكمة ، أمسك علي باك بسيف الحاجب ليقتل غريمه المدعي ، فجذبه الحاجب بجنزيره، فسقط علي الأرض ، وقتل ( اعلام النبلاء 182/5 -183).

وفي السنة 832 ضربت عنق نور الدين علي بن محمد التوريزي ، من كبار التجار بمصر ، وجدت لديه رسالة من ملك الحبشة يطلب فيها منه أن يصوغ له بعض الصلبان والنواقيس ، ويحضه علي شراء مسمار من المسامير التي سمر بها المسيح عليه السلام ، فحبس ، وفوض السلطان أمره إلي القاضي المالكي ، فحكم بقتله ، وضربت عنقه بين القصرين ، وهو يعلن بالشهادتين ، وتبين لأكثر الناس أنه مظلوم ( الضوء اللامع 29/6 ).

وفي السنة 833 قتل الظاهر الرسولي يحيي بن اسماعيل صاحب اليمن، شهاب الدين أحمد بن عبد الله العلوي الزبيدي ، وسبب ذلك إن الملك الظاهر رأي زوجة اسماعيل أخي شهاب الدين فأعجبه جمالها ، فأمر زوجها اسماعيل بطلاقها، وضيق عليه حتي اضطره إلي طلاقها، فتزوجها الظاهر ، وفر اسماعيل إلي مكة ، فلما بلغ الظاهر فراره ، قتل أخاه شهاب

ص: 461

الدين ، ونهب بيوتهم وأزال نعمتهم ( الضوء اللامع 360/1 ) وذكر إنه دس إلي اسماعيل من قتله بالسم بمكة ( الضوء اللامع 301/2 ).

وفي السنة 834 قتل بدمشق رجل راود امرأة عن نفسها، فامتنعت عليه ، فقتلها ، وقتل زوجها ، فرسم النائب بقتله ( حوليات دمشقية 5).

وفي السنة 836 ضربت بالقاهرة رقبة رجل ارتد عن الإسلام ، وكان من خبره إنه كان نصرانية ، ووجده رجل مع زوجته ، فتخلص من القتل بأن أعلن إسلامه ، ثم ندم علي ذلك وجاء بعد أشهر إلي أحد القضاة ، وأخبره برغبته في العودة إلي النصرانية ، فتلطف به القاضي ، ومن عنده ، وهو يلح ويعاند ، فسجن ، وعرض عليه الإسلام مرارة ، فلما أعياهم أمره ، ضربت رقبته ، وأحرقت جثته ( حوليات دمشقية 45).

وفي السنة 836 كان الملك الأشرف برسباي ، صاحب مصر والشام ، يحصر مدينة آمد، فأسر جماعة من أصحاب صاحب آمد، فقتل بعضهم، وترك بعضهم في الحديد ( حوليات دمشقية 66 و 67).

وفي السنة 839 أوهم رجل من استراباد ، اسمه نظام الدين أسدالله الحسيني ، الأمير أسبان بن قرا يوسف، بأنه يعمل الأكسير ، الذي يقلب المعادن الخسيسة إلي معادن نفيسة، فطلب منه أن يعمل ذلك أمامه ، فقال : إن عمل الإكسير يحتاج فيه إلي أعشاب وأدوية لا توجد إلا في ماردين ، فأرسله أسبان إلي ماردين مع وزيره خواجه بير أحمد ، فلم يعودا ، وظهرا بعد ذلك في مصر ، وقصدا سلطانها الملك الظاهر جقمق ، وأوهماه ، كذلك بأنهما يصنعان الإكسير ، وحصلا منه علي مال كثير ، فلم يصح ما ادعياه ، وضاع علي السلطان ما صرفه ، فاستفتي العلماء في حقهم ، فأفتوا بقتلهم ، فقتلهم ( تاريخ الغياثي 268، 269).

ولما فتح الأمير أسبان ، قلعة إربل في السنة 839، أخذ حاكمها ، وهو

ص: 462

ابن عمه ميرزا علي ، هو وجميع عائلته ، وتزوج بابنته بلقيس باشا ، ولما وصل أسبان إلي الحلة، مرض ، فدخل عليه الأمير شيخي ، وأخبره بأن جماعة من القواد قد اتفقوا مع مرزا علي علي قتل الأمير أسبان ، والمناداة بمرزا علي سلطانة بدله ، وعدد له من المتآمرين الأمير زاهد، وقطلو بك العراقي ، فأمر الأمير أسبان باعتقالهم جميعهم ، ثم احضر ميرزا علي وأولاده، فأمر بقتلهم بحضرته ، وبحضرة زوجته بلقيس باشا بنت مرزا علي ، فقتل أبوها وأخوتها وأولادهم حتي الأطفال الذين في المهد ، ولما أبصرت بلقيس باشا مصرع أبيها وأخوتها ، بكت ، فأمر أسبان بخنقها ، فقتلت خنقأ ، وكان ذلك في السنة 841 ( تاريخ الغياثي 270، 271).

وفي السنة 840 قتل الأمير قرمش الظاهري ، وكان قد اشترك مع جان بك في العصيان ، ثم استر ، فقبض عليه بعد أن استتر عشر سنين ، وسجن بقلعة حلب ، ثم قتل ( الضوء اللامع 221/6 ).

وفي السنة 842 قتل الأمير إينال الحكمي ، نائب السلطنة بالشام ، إذ خرج عن طاعة السلطان ، فأمر به فقتل ، وحمل رأسه إلي القاهرة ( الضوء اللامع 327/2 ).

وفي السنة 842 قتل الأمير يخشباني المؤيدي ، بناء علي حكم صدر بكفره ، وكان الظاهر جقمق قد حقد عليه أمورأ ، فقبض عليه ، وبعث به إلي إسكندرية مقيدة ، ولم يلبث حتي اثبت كفره ، وهو في السجن ، وحكم بضرب عنقه ، فضربت وكانت التهمة الموجهة إليه أنه سب شريفا من أهل منفلوط ، وشهد عليه بذلك ، فأنكر الأمير التهمة ، وحلف إنه لم يفعل ، فقيل له : إن الإنكار لا يفيد بعد قبول الشهادة ، فاستسلم للقتل ، وضربت عنقه ( الضوء اللامع 269/10 ).

وفي السنة 842 قتل بدمشق ، محمد شيخ كرك نوح ، ويعرف ببلبان ،

ص: 463

قتله هو وولده عامة دمشق ، وقتلوا معهما من قومها جماعة ، بغية وعدوانا ، ولكنهم احتجوا في قتله بأنه كان يهم بالرفض ( أي التشيع)، وكان محمد القتيل صاحب همة عالية ، ومروءة غزيرة ، وأفضال وكرم ( الضوء اللامع 119/10)

وفي السنة 842 عصي الأمير تغري ويرمش السيفي ، كافل حلب ، علي السلطان الظاهر سيف الدين جقمق ، صاحب مصر والشام ، فجد عليه عسكر من مصر ، فأسر ، وأدخل إلي حلب راكبا بغلة ، وخلفه شخص بيده خنجر ، وفي يده صولجان يلعب به ، فأسمعه الناس ما يكره ، وأصعد إلي القلعة ، وأودع السجن في قيد ثقيل ، فقال : بقي بيني وبين القتل مسافة الطريق ، يريد مسافة ما يكتب إلي السلطان بالقاهرة ، ليأمر فيه بما يراه ، ولما ورد المرسوم بقتله، أنزلوه من السجن ، وعصروه بين أبواب القلعة ، ليقر علي المال ، فلم يعترف، فأحضروه إلي باب القلعة ، وقدموه لضرب الرقبة ، فنادي عليه الجلاد : هذا جزاء من خرج عن الطاعة ، فقال : قل هذا جزاء من لم يرع نعمة الله ، وبعد قطع عنقه ، دفنت جثته في حانوت من مدرسته التي بناها ووقفها في حلب ( اعلام النبلاء 38/3 ) .

وفي السنة 844 مات الأمير مغلباي ، مسجونة في قلعة دمشق بأمر من السلطان الظاهر جقمق ( الضوء اللامع 165/10 ).

وفي السنة 846 قتل القائد أحمد بن علي بن سنان ، أحد قواد مكة ، وطيف برأسه بجدة ثم دفن من يومه ، وكان من أعيان القواد ( الضوء اللامع 20/2)

وفي السنة 848 هلك الأمير أسبان ، ونصب الأمراء ولده فولاذ ، سلطانا من بعده علي بغداد ، وكان فولاذ صغيرة ، فلما سمع الأمير الوند بن اسكندر ، بأنهم تعدوه إلي فولاذ، غضب ، وقصد بغداد بجيش ، فلما وصل

ص: 464

إلي أنحاء الخالص ، قابله جيش بغداد ، واشتبك الجيشان في معركة ، وكان الظفر من نصيب الوند، فلما ظفر ، ترك الإحتياط ، فكبسه عسكر بغداد وهو في غفلته ، فانفل عسكر الوند ، ومضي هارب ناجي بنفسه ، وانحاز أكثر عسكره الي عسكر بغداد ، فلما وصلوا إلي بغداد ، قبض الأمير شيخوبيك علي جميع الأفراد والأمراء من عسكر ألوند الذين استسلموا، وقتلهم بأجمعهم ( تاريخ الغياثي 280، 281).

ولما فتح الأمير جهان شاه بن قرا يوسف ، مدينة بغداد ، في السنة 849 أمر بنهب بغداد ثلاثة أيام وثلاث ليالي ، وعذب الناس وعاقبهم، فمات كثير من الناس في العقوبة ( العذاب ) ، وأمر بقبض الإسفاهية ( العساكر ) البغدادية وقتلهم، ثم فرض علي كل خيمة من عسكره ، عشرة رؤوس ، فقتلوا ما مقداره عشرة آلاف رأس ، وهذه القتلة «ما كانت أقل من قتلة تيمور » ( تاريخ الغياثي 286).

وفي السنة 853 قتل أبو زكريا يحيي بن زيان الوطاسي المريني ، وزير المغرب الأقصي، واستقر بعده قريبه أبو حسن علي بن يوسف بن زيان ، وكان يحيي يلقب بالأزرق لزرقة عينيه ( الضوء اللامع 226/10 ).

وفي السنة 854 ضربت عنق أبي الفتح محمد بن محمد بن علي الطيبي ، بدمشق ، تحت القلعة ، استنادا إلي « محاضر كتبت بكفره » وكان الناس قد منعوا السياف من قتله ، بحيث لم يتمكن منه أياما ، إلي أن أخذ علي حين غفلة منهم ، وكان لما قتل يكثر من التهليل والذكر ، وانتاب الناس قبره أياما ، وأكثروا من البكاء عليه ، وسموه الشهيد المظلوم ( الضوء اللامع 141/9)

وفي السنة 757 أمرت الشريفة فاطمة بنت الحسن بن الناصر ، ملكة اليمن ، بقتل حسن بن محمد مداعس ، خلف باب سويدان ، فقتل ( الاعلام 326/5)

ص: 465

وفي السنة 857 قتل الأمير تغري بردي الظاهري ، وكان السلطان الأشرف إينال قد ولاه البهنسية ، فلما خرج إليها ، ندم السلطان ، وأرسل إليه سونج بغا ليقبض عليه ، فتلقاه صاحب الترجمة مع علمه بسبب مجيئه ، وأذعن بالطاعة وتقدم فسلم عليه ، فلما حاذاه قبض عليه سونج بغا وأخبره بأنه مأمور بوضعه في الحديد ، فقال له : الطائع لا يحتاج إلي هذا، فقال له : لابد من هذا ، فاستعان تغري بردي بأصحابه ، فرموا سونج بغا بسهم فقتلوه ، فهجم أصحاب سونج بغا علي تغري بردي وقتلوه ( الضوء اللامع 29/3 ).

وفي السنة 861 دخل الأمير بير بوداق بن جهان شاه ، مدينة يزد ، وصادر اهلها ، وعسفهم ، ونصب ساتلمش الشيرجي محلا، وكان داروغة يزد ، واسمه قنبر الخزنجي ، نوكر، ( خادما) لجهان شاه ، والد الأمير بير بوداق ، ولم يكن حاضرة في يزد بل كان ملازمة خدمة جهان شاه، فطمع ساتلمش الشيرجي ، في امرأة قنبر وأولاده ، وفسق بهم ، فلما حضر قنبر الي يزد . علم بالقصة ، فعمد إلي امرأته وولده وابنتيه ، فقطع رؤوسهم ، ووضعها في مخلاة ، وطرحها أمام جهان شاه وقال له : هذا جزاء من يواظب في خدمتك ، وحدثه عن القصة ، فأرسل جهان شاه إلي ولده بيربوداق يطلب منه إرسال ساتلمش الشيرجي ، فامتنع ، وأصر علي الإمتناع علي رغم إلحاح الأب وتكرار المطالبة ، فغضب جهان شاه، وعزله عن إمرة بغداد ، وطلب منه أن يقنع بشيراز، فأبي ، فقصده جهان شاه بجيشه إلي شيراز ، فانحاز بير بوداق إلي بغداد ، وعسف أهلها، فكرهوه ، وفي السنة 869 تحرك جهان شاه ، إلي بغداد، وحصرها، فأعطي بيربوداق لقسم من العسكر « دستورة » لقلة الأقوات في بغداد ، كما إنه أذن لمن أراد الخروج من الرعية أن يخرج بشرط أن يسلم جميع أمواله ويخرج ، ولما ضاق الحصار علي الأمراء ببغداد ، خامر بعضهم وراسلوا جهان شاه ، ليسلموا البلد إليه ، فأحس بهم بيربوداق ، وضرب أعناقهم ورماها إلي جهان شاه خارج السور ،

ص: 466

وبعد حصار دام سنة ونصف سنة ، وافق بيربوداق علي أن يترك بغداد، بأن يعبر إلي الجانب الغربي ، ويأخذ معه مائة فارس من جماعته، ويذهب حيث يشاء ، وكان في خاطره أن يتوجه إلي شاه سوار دلغادر ( ذي القدر ) ثم بلغ جهان شاه أن ولده بيربوداق ينوي العودة إلي التحصن داخل بغداد ، فأرسل إليه أخاه محمدي ميرزا مع آخرين ، ولما دخلوا عليه ، جرد محمدي ميرزا سيفه ، وضرب أخاه بيربوداق . فقتله ، وكان قتله في السنة 870 ( تاريخ الغياثي 290، 291 ، 315 - 325 ).

وفي السنة 866 قام حسن باك بن علي بن قرايلوك صاحب ديار بكر ، بقتل آخر أمراء حصن كيفا من بني أيوب ، أيوب بن علي بن محمود ، وكان هو القائم بتدبير المملكة الأخيه الصالح زين الدين ، فقام حسن باك ، بقتل الملك الصالح ، وأخيه أيوب ، وقتل أخا لهما آخر اسمه عبد الرحمن ، واستولي علي الحصن ( الضوء اللامع 332/2 ).

وفي السنة 866 قتل السلطان عبد الحق المريني بفاس ، وزيره يحيي بن يحيي بن زيان الوطاسي ، وقتل معه جميع الوطاسيين إلا من نجا منهم ( الاعلام 224/9 ).

وفي السنة 869 قتل السلطان عبد الحق بن عثمان المريني ، اخر ملوك بني مرين ، وكان ظالما فاتك ، فثار عليه الناس ، بفاس ، وولوا عليهم الشريف أبا عبدالله الحفيد، واعتقلوا السلطان عبد الحق ، وأشهروه علي بغل ، ثم ضربت عنقه ( الاعلام 53/4 ) .

وفي السنة 870 غضب السلطان الظاهر خشقدم علي الوزير الاستادار منصور بن الصفي ، فصادره ، وضربه ، وقيده بالحديد ، وحكم فيه أعداءه ، وأمر المالكي ( القاضي ) بقتله ، فقتل عند خيمة الغلمان ، وتزايد الصراخ عليه من العامة ، واسمعوا أخصامه من السب والمكروه ، ما الله به عليم ( الضوء اللامع 171/10 ).

ص: 467

وفي السنة 872 قتل جهان شاه ، وخلفه علي أذريبجان ولده حسن علي ، وكان جهان شاه أبوه قد حبسه، فلما قتل ، أخرج من السجن وأجلس علي العرش ، فكان أول ما صنعه ، الانتقام من أقارب زوجة أبيه بيكم خاتون ، إذ كان ينسب إليها إنها كانت تحرض أباه علي حبسه ، فلما جلس علي عرش تبريز ، أمر بأقوامها وأهلها وإخوانها، فعاقبهم ، وعذبهم، وصلبهم، وقتلهم بأجمعهم ( التاريخ الغياثي 378).

ولما قتل جهان شاه ، وسمعت امرأته بموته ، تحصنت في قلعة النجق ، وكان فيها جملة خزائن مال ، فأرسلت جملة من الخزائن إلي ولدها حسن بك ابن جهان شاه واستعجلته علي القدوم إلي قلعة النجق ، فوقعت الخزائن في يد حسن علي بن جهان شاه أخي حسن بك، فاستولي عليها ، وتقدم فحصر قلعة النجق فلم يقدر عليها ، فبعث من أغري حراس القلعة ، فخامروا علي المرأة ، وقبضوا عليها ، وسلموا الي حسن علي المرأة والخزائن والقلعة ، فأخذ حسن علي زوجة أبيه إلي تبريز ، حيث صلبها بثدييها ، فاستمرت في هذا العذاب ثلاثة أيام حتي ماتت ، ولما سمع حسن بك ، بما صنعه أخوه حسن علي ، بوالدته ( والدة حسن بك ) غضب ، وكان يحاصر بغداد فترك حصارها وتوجه إلي تبريز ، فحاصر أخاه حسن علي، وفي أثناء الحصار فر قائدان من قواد حسن علي إلي حسن بك ، وهما شاه علي وإبراهيم شاه ، فقبض حسن علي علي أولادهما ونسائهما فقتلهم جميعا ، كما قتل كل من كانت له علاقة بالقائدين المذكورين ، وفر حسن علي من تبريز الي همدان ، فاتبعه حسن بك ، ففر منه إلي جبل ألوند ، فأرسل إليه من حصره هناك ، فلما عرف حسن علي أنه مقبوض عليه أخرج سكينا وذبح نفسه ، فمات وكان ذلك في السنة 873 ، وكان مدة حكمه سنة واحدة . ( التاريخ الغياثي 326-331).

وتقدم حسن بك ، صاحب ديار بكر، في السنة 873 فحاصر بغداد ،

ص: 468

وكان يحكمها التواجي بير محمد ، من قبل جهانشاه ، فأحضر حسن بك أخا للتواجي وقدمه الي قريب السور ، وطلب من بير محمد أن يسلم البلد، وإلا قتل أخاه ، فلم يجب إلي التسليم ، فقتل أخاه بمرأي منه ( التاريخ الغيائي 379)

وفي السنة 873 نصب حسين علي بن زينل بن بير علي ، سلطانا علي العراق ، وكان أول ما صنعه ، أن شكا إليه أهل بغداد، من جماعة «عوانية » منهم فضيل ، وناصر مصطفي ، وخواجه شيخي ، ويوسف الاسكافي ، وغيرهم ، فأمر بقتلهم ، فقتلوا في التاريخ الغياثي 332).

وأعطي سلطان العراق ، حسين علي زينل ، مدينة الحلة ، إلي ابن قراموسي، فاتفق مع درويش يقال له : شاه علي بن الاسكندر ، وعصي علي سلطان بغداد ، فسير إليه جيشا ، فأسروا الإثنين ، وقتلوهما ، وكان الدرويش قد لجأ إلي موضع الغيبة في الحلة ، وهو مقام صاحب الزمان ، وصاح أنا درويش ، وهذا « بالغصب جابني » فلم يسمعوا منه ، وقطعوا رأسه ، ونصب حسين علي زينل أخاه شاه منصور حاكما في الحلة في السنة 874 ( تاريخ الغياثي 332- 333).

وفي السنة 874 مرض السلطان حسين علي زينل ، ببغداد فبلغه أن جماعة من الأمراء تأمروا علي قتله ، فأحضر أخاه شاه منصور من الحلة ، وأخبره بالقصة ، فاحتالوا علي أولئك الأمراء ، وكانوا خمسة ، فأحضروهم ، وقتلوهم ، ورموا جثتهم في الميدان ، ثم مات السلطان حسين وخلفه أخوه الشاه منصور ( تاريخ الغياثي 333).

وفي السنة 878 قتل الصدر العثماني محمود باشا ، وزير السلطان محمد بن مراد العثماني ( معجم أنساب الأسر الحاكمة 241).

وفي السنة 882 توقي الشيخ حسن الطويل ، سلطان العراق ، فخلفه

ص: 469

ولده خليل ، وقتل خليل في السنة 884، قتله بعض أمرائه ، وتسلطن بعده أخوه يعقوب الشيخ حسن ( أعلام النبلاء 81/3 ).

وفي السنة 883 أتهم الحاج ناصر القتباني ، وأولاده ، وغلامه شعبان ببغداد ، بأن لهم علاقة بالمشعشع ، فقتل الحاج ناصر وأولاده ، أما غلامه شعبان فقتل رميا بالحجارة ( التاريخ الغياثي 395).

وفي السنة 885 قتل الأمير يشبك الظاهري الصغير ، وكان قد سار علي رأس عسكر هائل إلي حلب ، قاصدا البلاد العراقية ، فلما قطع الفرات وتوجه إلي الرها ، قبض عليه أحد أمراء يعقوب بن حسن بك ، وضرب عنقه صبرا ، وبعث بجثته إلي مصر ( الضوء اللامع 274/10 ).

وفي السنة 885 فرضت ضريبة علي الدور بحلب ، فهاج العامة ، واتهموا بوضعها محمد بن حسن الباعوري ، وكانت إليه الكثير من الأمور السلطانية بحلب ، ورجموا داره بالحجارة ، ولما ركب في عصر ذلك اليوم من الميدان إلي تحت القلعة ، خرجوا عليه ، ففر منهم ، فأدركوه بالكلاسة ، وقتلوه ، وحملوه إلي تحت القلعة ، وأحرقوه ( الضوء اللامع 224/7 ).

وفي السنة 886 قام محمد بن همياران شاه ملك كلبرجة ، بقتل وزيره خواجه جهان محمود ملك التجار ، وكان ملك التجار قد اتصل بأبيه همياران شاه فاستوزره ، ولما توفي أوصاه بأولاده ، فقرر ولده نظام شاه ، ولم يستكمل خمس عشرة سنة . فلم يلبث أن مات ، فقرر أخاه محمد شاه ، وهو ابن سبع سنين ، وساس الخواجا جهان المملكة ، ولكنه استبد بالتصرف ، وحجر علي السلطان ، فاتفق السلطان مع جماعة من حاشيته ، وطلب حضور خواجه جهان ، فلما دخل عليه وثب عليه عبد حبشي من عبيد السلطان ، فقتله ، بالسيف ، ثم قتل غلامه ( الضوء اللامع 245/10 ). ولم يلبث محمد شاه أن قتل في السنة 887 بعد قتله وزيره بسنة واحدة ( الضوء اللامع 10/ 69).

ص: 470

وفي السنة 896 قبض علي عبد الملك بن علي الساوجي ببغداد، وكان قد نال رتبه عالية ، في عهد أبن اخته القاضي مسيح الدين عيسي الساوجي ، قاضي السلطان يعقوب بن السلطان حسن الطويل ، فلما مات السلطان يعقوب ، قتل القاضي مسيح الدين ، وعذب خاله عبد الملك الساوجي ، حتي مات ( تاريخ العراق للعزاوي 3/ 3/ 283).

وفي السنة 901 وقع قتال بين الأمير علي الشهابي، في جماعة وادي التيم ورجال الشوف ، وبين عمه الأمير بكر الشهابي ، وانتصر الأمير علي ، فقتل عمه بيده وقتل معه بيده أيضأ ثلاثين من جماعته. ( خطط الشام 209/2)

وفي السنة 902 قتل قاضي القضاة شمس الدين محمد بن المزلق ، . بدمشق ، تآمرت عليه جاريتاه ، واتفقتا مع ثلاثة مماليك علي قتله ( الكواكب السائرة 37/1 ).

وفي السنة 903 قتل الفقيه الإمامي ، صدر الدين الكبير ، محمد إبراهيم الحسني ، بشيراز، قتله التركمان ، وكان له منصب الصدارة للسلطان شاه طهماسب الصفوي ( الاعلام 192/6 ).

وفي السنة 904 قتل الملك الناصر أبو السعادات محمد بن قايتباي ، خلف أباه في السلطنة ، ثم اتهم بارتكاب الجرائم ، فقتل ( شذرات الذهب 23/8)

وفي السنة 904 قتل لطف الله الشهير بمولانا لطفي التوقاتي ، وكان يطيل لسانه علي أقرانه من العلماء ، فأبغضوه ، ونسبوه إلي الإلحاد والزندقة ، فحكم عليه المولي خطيب زاده بإباحة دمه ، فقتلوه ، وهو يكرر كلمتي الشهادة ، ويژه عقيدته عما نسبوه إليه من الإلحاد ( شذرات الذهب 24/8 ).

وفي السنة 906 أمر الملك العادل طومان باي ، بعد نصف شهر من

ص: 471

سلطنته، بقتل الأمراء قصروه ، والرماح أمير سلاح ، والأشرف الغوري الدوادار الكبير ، وغيرهم « فركب عليه الأمراء » فنزل السلطان من القلعة هاربا ، واختفي ، فبحثوا عنه حتي وجدوه، فقتلوه، وقطعوا رأسه ، وخلفه الملك الأشرف أبو النصر قانصوه الغوري ، آخر ملوك الجراكسة ( أعلام النبلاء 112/3 ).

وفي السنة 908 قتل أبو السعود قاضي قضاة مكة ، قتله الشريف بركات أمير مكة ( الكواكب السائرة 121/1 وشذرات الذهب 36/8).

وفي السنة 913 قتل الشيخ زين الدين عبد الغفار الضرير ، ببلدة مطبوس ، بالقرب من الإسكندرية ، وسبب قتله أن بلدة مطبوس كانت جارية في إقطاع الأمير طراباي وبها رجل متدارك لمالها اسمه أبو عمرو ، فوقع بينه وبين أهل البلدة شر ، فشكوه للأمير طراباي ، فأرسل طراباي أخاه للتحقيق ، فضرب أخو طراباي أحد أهالي البلدة بالدبوس ، فهاج أهل البلدة ورجموه ، فأمر « بضرب السيف فيهم » فقتل منهم ما يزيد علي ثلاثين نفرة ، فقال له الشيخ زين الدين : هذا لا يحل لك ، فضرب عنقه ، وألقي بجثته في البحر ( الكواكب السائرة 240/1 ).

وفي السنة 916 قتل الشيخ محمد العجمي الشهير ، بالطواقي ، شيخ الزاوية الخوارزمية بدمشق ، بتحريض من الدوادار ، إذ دس اليه ليلا جماعة من غوغاء دمشق، فطعنوه بالسكاكين ، ثم ذبحوه، وقطعوا رأسه واقتلعوا قلبه ، وألقوا جثته في بئر الزاوية ( الكواكب السائرة 77/1 و78).

وكان أول ما مهد به السلطان سليم العثماني ، لمحاربة الشاه اسماعيل الصفوي ، شاه العجم ، أن بدأ السلطان سليم فقتل الشيعة ببلاده ، وكانوا نحوا من أربعين ألفا، ثم زحف في السنة 920 علي بلاد الشاه اسماعيل الصفوي (خطط الشام 216/2 ).

ص: 472

وفي السنة 921 قتل السلطان سليم العثماني ، الأمير علي دولات ( الكواكب السائرة 283/1 ).

وكان الشاه اسماعيل علي الصفوي ، شاه العجم ، قتل صاحب هراة ، وولده وبعث برأس الأب إلي السلطان سليم العثماني ، وبرأس الولد إلي السلطان قانصوه الغوري ، سلطان مصر والشام ، وكتب إلي السلطان سليم بطاقة بعث بها مع الرأس، فيها : (اعلام النبلاء 133/3 ).

نحن أناس شأننا دائمأ**** حب علي ابن أبي طالب

يعيبنا الناس علي حبه****فلعنة الله علي العائب

وبعث إلي السلطان الغوري مع الرأس ، بطاقة فيها :

السيف والخنجر ريحاننا**** أف من النرجس والأس

وشربنا من دم أعدائنا **** وكأسنا جمجمة الرأس

لما اجتاز السلطان سليم العثماني بالبيرة ، يريد الشاه اسماعيل الصفوي ، أساء علاء الدولة عامل الغوري علي البيرة معاملته ، فلما عاد من غزو الصفوي ، قبض علي علاء الدولة وذبحه وذبح معه أولاده ، وأرسل الرؤوس إلي الغوري ، ( خطط الشام 218/2 ).

وفي السنة 922 لما قتل السلطان سليم العثماني ، السلطان قانصوه الغوري ، وفتح حلب ، كان مع الغوري خلفاء المشايخ ، مثل خليفة سيدي أحمد البدوي ، وخليفة سيدي عبد القادر الجيلاني ، وخليفة سيدي إبراهيم الدسوقي ، وأمثالهم، فلما وقعت الكسرة علي الغوري ، بقي المشايخ وأتباعهم بحلب ، فلما سمعوا بأن السلطان قادم إلي حلب ، خافوا من سطوته، وقصدوا الشام ، فرآهم السلطان سليم عن بعد ، ومعهم الرايات ، فسأل عنهم ، فأخبروه بأنهم خلفاء المشايخ الذين كانوا قدموا مع الغوري وهم

ص: 473

يريدون الآن الذهاب إلي مصر ، فأمر بهم فأحضروا بين يديه ، وأمر بضرب أعناقهم، فقتلوا بأجمعهم ( أعلام النبلاء 172/3 ).

وفي السنة 923 قتل القاضي حسام الدين محمد بن عبد البر ، المعروف بابن الشحنة ، قاضي الحنفية بالقاهرة المعزية، قتله السلطان طومان باي بالصعيد، وكان السلطان الأشرف طومان باي ، قد خلف السلطان الغوري الذي قتل في معركة مرج دابق التي انتصر فيها السلطان سليم العثماني ، فلما دخل السلطان سليم القاهرة ، في السلطان طومان باي الي الصعيد ، وأرسل يطلب الأمان ، فأرسل اليه الأمان صحبة جماعة من القضاة منهم القاضي حسام الدين ، فقتله طومان باي ، وقتل معه بعض الجماعة الآخرين الذين حضروا معه رسلا ( أعلام النبلاء 398/5 والكواكب السائرة 305/1)

وفي السنة 923 والسلطان سليم العثماني في طريقه إلي مصر ، بلغه أن أهالي مدينة الرملة ، قتلوا جماعة من عسكره ، فأمر السلطان بقتل جميع أهالي بلد الرملة ، فقتلوا بأجمعهم « ولم يبق فيها ديار ولا نافخ نار » ( خطط الشام 226/2 ).

وفي السنة 923 لما تلاقي الجيش العثماني ، وجيش المماليك المصري ، بمصر ، أشيع في مدينة غزة ، أن جيش المماليك قد انتصر علي الجيش العثماني ، فبادر علي باي الدوادار ، نائب غزة ، وأجناده ، فنهبوا وطاق العثمانيين الموجودين عندهم ، وأحرقوا خيامهم ، وقتلوا من كان في الوطاق والمدينة من العثمانيين ، وكانوا أربعمائة، بين شيخ، وصبي، ومريض قد تخلف عن اللحاق بالجيش لمرضه، فعاد سنان باشا، قائد الجيش العثماني الي غزة، وجمع أهلها وسألهم عمن فعل ذلك بأفراد جيشه ؟ فأحالوا علي نائب غزة وأجناده ، فأمر سنان باشا بكبس بيوت غزة ، فوجدوا فيها قماش العثمانية ، وخيولهم، وخيامهم، فقال لهم سنان باشا ، نحن لما دخلنا غزة،

ص: 474

هل شوشنا علي احد منكم؟ قالوا : لا، قال : إذن لماذا فعلتم بعسكرنا ما فعلتم ؟ فلم يأتوا بجواب ولا عذر ولا حجة ، فأمر عسكره بأن « يلعبوا » فيهم بالسيف ، فقتلوا منهم ما لا يحصي عدده ( خطط الشام ، 226/2 ، 227) .

وفي السنة 924 عصي الأمير ناصر الدين ، والي صيدا ، علي السلطان سليم العثماني ، وأعانه الأمراء زين الدين وقرقماس وعلم الدين سليمان ، فقبض جان بردي الغزالي ، والي دمشق ، عليهم ، وبعث برأس الأمير ناصر الدين ، ورأس ابن الحرفوش ، إلي السلطان سليم ، وأطلق سراح الباقين ( خطط الشام 227/2 ).

وكان الأمير جان بردي الغزالي ، من أمراء السلطان الغوري ، ثم خانه ، والتحق بالسلطان سليم العثماني ، فنصبه نائبا في الشام ، ثم فكر في الخروج علي الأتراك ، فادعي السلطنة ، وتلقب بالملك الأشرف ، فحاربه الجيش العثماني ، فانكسر الغزالي ، ودخل إلي الشام ، وكان فيها خمسة آلاف جندي تركي إنكشاري ، كان السلطان سليم قد جعلهم حامية في دمشق ، فأولم لهم الغزالي وليمة ، وجمعهم، ثم قتلهم علي بكرة أبيهم ( خطط الشام 233/2 ).

وفي السنة 928 حضر فرهاد باشا ، بأمر من السلطان العثماني ، وأحضر علي بك صاحب مرعش وأخوته الثلاثة إلي ارتيقاباد قرب توقات ، وقطع رؤوسهم بأجمعهم ، وكان علي بك قد خلف عمه علاء الدولة بعد مقتله في المعركة في السنة 921 ( معجم انساب الأسر الحاكمة 236).

وفي السنة 929 قتل الشيخ شهاب الدين أحمد بن اسكندر الحلبي ، بدمشق ، قتله اللصوص بدرب الروم ( الكواكب السائرة 131/1 ).

وفي السنة 930 أمر احمد باشا ، والي مصر ، بمحاسبة مباشري الأمير

ص: 475

فارس ، وأحضرهم وعذبهم ، فاعترض الأمير فارس علي تعذيبهم ، فأمر أحمد ، باشا بضرب عنقه ، فضربت ( الكواكب السائرة 156/1 ).

وفي السنة 930 صادر أحمد باشا ، والي مصر ، الأمير جانم الحمزاوي ، علي مائة وستين ألف دينار ، فشفع له الأمير قراموسي ، فغضب أحمد باشا ، وأمر بالأمير قراموسي، فضربت عنقه ( الكواكب السائرة 156/1 ).

وفي السنة 930 أعلن والي مصر أحمد باشا، الخروج علي السلطنة العثمانية ، فعصي عليه من في قلعة الجبل من الينكجرية والجراكسة ، وأعلنوا بقاء طاعتهم للدولة ، فحصر أحمد باشا القلعة ، وفتحها عنوة ، وقتل جميع من فيها حتي أئمة الجوامع والمؤذنين ، ولم يرحم صغيرة ولا كبيرة ، فقتل نحو ألف من الينكجرية ، وستمائة من الجراكسة ، وألف من المصريين ، ونهبوا بيوت من بقي ، واستباحوا حريمهم ( الكواكب السائرة 157/1 ).

وفي السنة 930 قتل أحمد باشا، والي مصر للسلطان سليمان العثماني ، وكان السلطان سليمان قد نصبه نائبا عنه في مصر ، وهو من خواص السلطان سليم العثماني فأراد أن يستقل بحكم مصر ، وكاتب الشاه اسماعيل الصفوي ، شاه إيران ، فتحرك الأمراء المصريون ضده ، وأعانهم جند بعث بهم السلطان سليمان ، فانفل جمع أحمد باشا وقتل مع ستة أنفار من خواصه ، وعلي رأسه بباب زويلة، ثم جهز إلي السلطان سليمان ( الكواكب السائرة 156/1 - 159).

وفي السنة 930 قطعت رأس المولي ظهير الدين الأردبيلي الحنفي ، الشهير بقاضي زاده ، بالقاهرة ، لأنه قال علي المنبر : إن مدح الصحابة علي المنبر ليس بفرض ، ولا يخل بالخطبة ، فاتهم بإظهار شعار الرفض واعتقاد الإمامية ، فقطع رأسه وعلق علي باب زويلة بالقاهرة ( شذرات الذهب 173/8)

ص: 476

وفي السنة 933 قتل بدر الدين أحمد بن قاضي القضاة تقي الدين ، وكان ناظر أوقاف الحرمين بحلب، وسبب قتله إنه انضم إلي قرا قاضي مفتش أوقاف حلب وأملاكها ، فلما قتل قرا قاضي بجامع حلب ، قتل معه، وأراد العامة إحراقه ، فاستخلصه أهله ودفنوه ( شذرات الذهب 193/8 ).

وكان الواعظ محمد بن عمر الانطاكي ، المتوفي سنة 938، المعروف بملاعرب ، شديدة في الوعظ علي الشاه اسماعيل الصفوي ، وعلي الرافضة ( الشيعة)، واتفق أن حضر مجلسه رجل فارسي من أتباع الألجي الذي بعث به الشاه اسماعيل ، إلي السلطان الغوري ، فلما سمع منه قوله في الشاه والشيعة، جرد سيفه ليضربه ، فاجتمع عليه الحلبيون وقتلوه ، وكان في جميع خطبة « يقدح في الرافضة علي أكمل وجه ، إلا إنه « أخذ في النهي عن أخذ أموالهم ، فقيل له : قد كنت تبيحها بالأمس ، فما لك اليوم تنهي عن أخذها ؟ فقال : لأن الخنكار ( يريد السلطان سليم ) قد أمنهم ( اعلام النبلاء 493/5 و494) .

وفي السنة 944 قتل الأمير جانم الحمزاوي ، وولده يوسف ، قتلهما سليمان باشا كافل القاهرة ، وكان الأمير جانم قد ولي ولايات عدة في عهد السلاطين المماليك، ثم تولي نظارة الأموال السلطانية بالديار المصرية ، ولما أراد سليمان باشا كافل القاهرة ، أن يسافر علي رأس حملة لحرب الهند، طلب من الأمير جانم ، أن يكون مرافقة له في الحملة، فأجاب ، وذهب مع سليمان باشا إلي اصطنبول ، حتي اخذ موافقة الباب العالي ، ولكنه لما رجع إلي مصر ، بدا له أن لا يسافر ، وبلغ ذلك سليمان باشا ، فكتب الي السلطنة يستأذن في عقاب من يحاول تخريب سفر الحملة ، فأذن له السلطان في أن يتصرف التصرف الذي يراه مناسبا ، وعندئذ أحضر الأمير جانم ، وولده يوسف ، وقطع رأسيهما وسلخ جلديهما وحشاه تبنا ، وصلبها بباب زويلة ( أعلام النبلاء 512/5. 514).

ص: 477

ووصف صاحب البرق اليماني ، كيفية قتل الأمير جانم الحمزاوي ، وولده يوسف بك أمير الحج ، فقال : في السنة 944 كان سليمان باشا الخادم ، يلي مصر للسلطان سليمان ، فاختلف مع الأمير جانم الحمزاوي ، فكتب فيه وفي ولده يوسف ، إلي السلطان ، فكتب إليه : إدفع شرهما ، فطلب منهما أن يحضرا عنده ، فحضر الإبن يوسف بك أمير الحج ، فأجلسه عند الكيخيا ، وأمره أن يشاغله حتي يحضر أبوه، فشاغله باللعب بالشطرنج ، حتي حضر الأب ، فأسلموه إلي الجلاد ، فلما أيقن بالقتل ، صلي ركعتين ، وطلب إلي الجلاد أن يقتله بسيفه ، لأنه كان حادا، وأراد الكيخيا أن يخلص الإبن من القتل ، فتوسل إلي سليمان باشا أن يعفو عنه ، فسبه، وصاح به : ائتني برأسه وإلا ألحقتك به ، فأمر الجلاد بأن يدخل عليه ، فدخل عليه مع اثنين من غلمانه ، وصرعوه، وقطعوا رأسه، فأمر سليمان باشا بالرأسين ، فسلخا، وحشيا تبنا، وعلقا علي باب زويلة ( البرق اليماني 71- 73).

أقول : وكان الأمير جانم الحمراوي ، بمصر ، يحقد علي القاضي شرف الدين ، المعروف بالصغير ، فذهب الي الباب العالي ( اصطنبول )، وسعي في قتل شرف الدين وحصل علي مرسوم سلطاني بقتله ، فخاف شرف الدين ، وسافر بعده إلي اصطنبول ، فواجهه الأمير جانم ، في اسكدار ، وخدعه، وجامله، وعاد معه، حتي إذا وصل إلي مصر، أبرز المرسوم، وسلم شرف الدين إلي الصوباشي ، فعذبه بالاسكنجة، واستصفي أمواله ، ثم قبض علي أحد أقارب شرف الدين وكان شابا، مانم عذاره ، وكانت له أم حنون ، هو وحيدها، وكانت مولعة به، مجنونة بحبه ، فدارت علي جميع العلماء والصلحاء ، وتوسلت بالمشايخ والأولياء ، وحملت الجميع علي الأمير جانم ليعيد لها ولدها ، فأظهر لهم إجابة سؤالهم ، وواعد بتسليمه في ليلة معينة، ودس له السم ، فلم يعمل فيه ، فأمر بخنقه ، وسلم إليها مخنوقأ ، فلما قام الوالي سليمان باشا ، والي مصر ، بقتل الأمير چانم الحمزاوي، وولده ، في

ص: 478

السنة 944 وعلق رأسيهما بباب زويلة ، تخلقت ( تحت ) أم الشاب قريب القاضي شرف الدين بالزعفران ، شماتة بهما، وجاءت حتي وقفت تحت رأسيهما ، وأظهرت فرحها وحبورها ( البرق اليماني 73- 75).

وفي السنة 945 قتل شاه رخ بن فرخ ميرزا ، ملك شروان ، قتله الشاه طهماسب الصفوي ( معجم انساب الاسر الحاكمة 280).

وفي السنة 940 قتيل أمير عدن عامر بن داود ، من بني طاهر ، قتله الوزير سليمان باشا، الذي وجهه السلطان سليمان العثماني لدفع البرتغال عن الهند . ( الاعلام 17/4 ).

وفي السنة 961 قتل السلطان محمود شاه بن لطيف شاه ، سلطان كجرات بالهند ، قيل إنه مات بالسم ، وقيل إنه قتل غيلة ، وبعد قتله بعث قتلته علي الوزراء بحجة أن السلطان يطلبهم ، وكل من قدم من الوزراء قتلوه (شذرات الذهب 328/8 ).

وفي السنة 966 قتل الشهيد الثاني زين الدين بن علي الجبعي العاملي ، وشي به للسلطان العثماني ، فطلبه ، فذهب إلي الأستانة محفوظة ، فقتله المحافظ عليه في الطريق ، وأحضر رأسه للسلطان، فأمر السلطان بقتل قاتله فقتل . ( الاعلام 105/3).

وفي السنة 968 جاء جنكيزخان الي سرت وأحرق دورها، وخربها، وسبي أهلها ، وقتل صاحبها خداوندخان الذي كان أمير جلي رفيع المنزلة حسن الاخلاق طيب السيرة ( شذرات الذهب 352/8 ).

وفي السنة 974 كان درويش باشا بن رستم باشا، نائب السلطنة بطرابلس ، أميرة للركب الشامي إلي مكة ، فقتل بطريق مكة ، معصوم بيك وزير الشاه ومن معه ثم رجع إلي محل نيابته بطرابلس ثم ولي نيابة الشام (الكواكب السائرة 150/3).

ص: 479

وفي السنة 974 أعدم بأمر من السلطان العثماني سليمان القانوني أرسلان باشا بن محمد يحيي زاده ، والي بلاد المجر ، وكان قد ولي الحكم ببلاد المجر في السنة 972 ( معجم انساب الأسر الحاكمة 255).

وفي السنة 975 كان محمود باشا ، والي مصر للعثمانيين ، ناز من القلعة علي بركة الناصرية ، فأصيب برصاصة ، تحت كتفه الأيسر ، واستقرت تحت ثديه الأيمن ، فهجم مماليكه علي الموضع الذي جاءت منه الرصاصة ، فرأوا البندقية، وقد تركها الرامي وهرب ، ووجدوا فلاحين يمشيان ، فأخذوهما ، وسألوهما عن صاحب البندقية ، فقالا إنهما سمعا صوتا، ولم يريا شخصا ، فقطعوا عنقيهما ظلما وعدوانا ( البرق اليماني 155).

وفي السنة 975 هاجم اليمنيون ، مراد باشا ، المعروف بكورمراد والي اليمن ، فكسروه ، وأسروه مع كبار رجاله ، فأخذه صاحب المضح ، وهو طالب ثأر ، لأن سليمان باشا الوالي العثماني ، كان قد صلب جده ، فأخذ مراد باشا، وقطع رأسه بيده ( البرق اليماني 181).

وفي السنة 975 قتل السلطان إبراهيم الثالث الأفغاني، سلطان دهلي ، من بني سور ، بعد أن حكم من السنة 961 قتله سليمان قراراني حاكم بنغالة ( معجم انساب الأسر الحاكمة 422).

وفي السنة 980 قتل السلطان برهان بن توفال ، سلطان الدكن ، قتله مرتضي نظام شاه ، واستولي علي الحكم ( معجم الأسر الحاكمة 438).

وفي السنة 982 قبل الطبيب الياس القرماني ، وسبب قتله إنه طبب الوزير فرهاد باشا ، وكان مصابة بسلس البول ، فمات في أيام قلائل بالزحير ، فاتهم بقتله ، وترصد له جماعة فرهاد باشا حين خرج من داره فضربوه بالسكاكين فقتلوه ، فغضب السلطان لذلك ، وصلب بعضهم ونفي الباقين ( شذرات الذهب 397/8 ) .

ص: 480

وفي السنة 984 قتل السلطان داود شاه ، بن سليمان خان قراراني حاكم بنغالة وبهار ، قتله خان جهان الذي ولي حكم بنغالة من قبل أباطرة دهلي ( معجم أنساب الأسر الحاكمة 428).

وفي السنة 986 قتل جمال الدين محمد طاهر الهندي ، « وكان يقوم علي طائفتي الرافضة والمهدوية ، ويناظرهم ، ويريد إرجاعهم إلي الحق ، وقهرهم في مجالس وأظهر فضائحهم ، وقال بكفرهم ، فسعوا عليه واحتالوا ، حتي قتلوه » ( شذرات الذهب 410/8 ).

وفي السنة 987 قتل الوزير محمد باشا ، بالقسطنطينية ، وكان وزيرة للسلطان سليمان ، ثم للسلطان سليم ، ثم للسلطان مراد ( شذرات الذهب 414/8)

أقول : ليس العجب من موت الوزير محمد باشا قتلا ، وإنما العجب من طول سلامته بحث استمر وزير لثلاثة من السلاطين العثمانيين .

وفي السنة 987 قتل ذبحا يحيي القدسي الشهير بالسايس ، قطعت رأسه لأنه سب شريفة وسب جده ، وأثبت ذلك عليه « بالتعصب ، وضربه الجلاد مرتين أو ثلاثا بالسيف ، فلم ينقطع عنقه ، فذبحه ذبحا، فشار النيكجرية بالجلاد وقطعوه بالسكاكين ( الكواكب السائرة 3/ 220).

وفي السنة 997 قتل بخاري شهاب الدين عبدالله بن محمود الخراساني ، الفقيه الإمامي ، وجري قتله علي التشيع ، وأحرق جسده في ميدانها ( الاعلام 279/4 ).

وفي السنة 997 قتل محافظ دمشق ، سليمان باشا بن قباد ، قتله عبيده في داره ( الكواكب السائرة 158/3 ).

وفي السنة 997 قتل فرهاد باشا ، والي المجر للسلطان العثماني مراد الثالث ، قتله جنوده ( معجم انساب الأسر الحاكمة 255).

ص: 481

وفي السنة 1004 قاد السلطان محمد بن مراد العثماني ، المعركة مع ملك المجر بنفسه ، وانتصر عليه ، وفي ثاني يوم النصر عزل وزيره الأعظم إبراهيم باشا ، ونصب مكانه سنان باشا بن جفال ، وعزل خان التتار غازي كراي خان ، ونصب في موضعه أخاه فتح كراي خان ، ولما وصل إلي أدرنة بعد خمسة وأربعين يوما ، عزل سنان باشا ، وأعاد إبراهيم باشا ، وعزل فتح كراي خان ، وقتله، وأعاد غازي كراي ، وفي السنة 1006 عزل إبراهيم باشا وزيره ، وولي حسن باشا الخادم في موضعه، ثم غضب علي حسن باشا ، وحبسه في يدي قله ، وقتله بعد ثمانية أيام ( خلاصة الأثر 218/4 ، 219).

وفي السنة 1008 قتل والي حلب إبراهيم باشا ، سبعة عشر شخصا من الإنكشارية ، جاءوا من الشام وأخذوا يجبون أموالا من الناس بحجة أنهم من محلي الأموال الأميرية، فلما ظهر كذبهم ، أمر والي حلب بهم فقتلوا ( أعلام الناس 3/ 219، و220).

وفي السنة 1011 قتل مدرس مدرسة بهرام ، عبد الرحمن المعروف بصاري ، اتهم بالالحاد ، فأمر السلطان العثماني بقتله ، فقتل ( خلاصة الأثر 219/4)

وفي السنة 1011 بلغ السلطان العثماني محمد الثاني بن مراد (1003۔ 1012) أين ولده محمود ، أكبر أولاده ، قد تكلم عن أمور تتعلق بالدولة، فأحضره، وسأله، فأجابه بجواب لم يرضه ، فقتله بيده ، وكان عمره 18 سنة ( خلاصة الأثر 4/ 221).

وفي السنة 1011 شكا العساكر من غضنفر أغا حافظ الباب السلطاني ، وعثمان أغا ضابط الحرم ، فأمر السلطان بقتلهما ، فقتلا ، ثم اجتمع العسكر بات ميدان ، وشغبوا، فأحضر السلطان رؤساءهم بويزار عثمان ، واكوز محمود ، ودبه كور رضوان ، فقتلوا بحضرة السلطان ( خلاصة الأثر 219/4 ۔ 221)

ص: 482

وفي السنة 1012 عزل السلطان وزيره الأعظم حسن باشا اليمشجي ، ونصب پاوز علي باشا وزير اعظم بدلا منه ، فطلب العساكر أعادة اليمشجي للوزارة، فغضب السلطان من جرأتهم، وأرسل الي اليمشجي من قتله وهو في بستانه ( خلاصة الأثر 4/ 221).

وفي السنة 1013 قتل الوزير إبراهيم باشا، نائب السلطان بمصر ، قتلته العساكر المصرية ، وقالوا أنهم قتلوه حمية للشيخ زين العابدين الذي أحضره الي قلعة الجبل ، ومات عند دخوله ، فرجح الناس إنه خنقه أو سمه بأمر سلطاني ، فلم يبق بعده إلا أياما يسيرة، ولما أراد التفتيش علي عسكر مصر ، هاجوا عليه وقتلوه وادعوا أنهم قتلوه حمية للشيخ زين العابدين ( خلاصة الأثر 61/1 ، 62).

وفي السنة 1014 قتل الأمير حسين باشا جانبولاد الكردي، أمير الأمراء بحلب ، قتله الوزير سنان باشا بن جغاله ، لأنه كان قد طلب منه أن يحضر مع عساكره ، لمحاربة شاه العجم ، فتقاعس عنه ، حتي إذا عاد سنان باشا من حربه مع العجم ظافرأ، لاقاه حسين باشا بمدينة وان ، فأمر به ، فقتل ( خلاصة الأثر 87/2 ).

وفي السنة 1017 قتل السلطان توقتيمش كراي بن غازي ، قتله محمد كراي بن سعادت ، وكان قد تسلطن في السنة 1016 ( معجم انساب الاسر الحاكمة 367).

وذكر إن السلطان جهانكير سلطان الهند ( 1014- 1037 ) كان شديد القسوة ، وإنه قتل سكرتيره لمجرد شكه في إخلاصه ، من دون تحقيق ، وإنه قتل خادمة، لأنه كسر آنية . ( الإسلام والدول الإسلامية في الهند 89).

وفي السنة 1018 قتل يحيي بن عيسي الكركي السلطي ، متهما بالإلحاد والزندقة ، وكان في أول أمره ، قد أعلن عن اعتقادات فاسدة ،

ص: 483

فأحضره قاضي عجلون، وأدبه، بأن ضربه خمسمائة سوط علي رجليه وعلي بدنه ، ثم قصد الشام ، وأعلن عن معتقداته ، فأحضره القاضي بدمشق ، ورآه مجنونة ، فأمر بإيداعه البيمارستان ، ولكن بعض المتعصبين راجعوه والكوا في أمر محاكمته ، فأحضر ، وحوكم، فاعترف بما كتب ، فحكم عليه بالقتل ، وأرادوا إشهاره في البلد، ثم خافوا أن يتعصب له العوام فيخلصوه ، فضربت عنقه بفناء المحكمة وطمس قبره ( خلاصة الأثر 478/4 - 480).

وفي السنة 1020 قتل بأمر سلطاني ، الأمير علي بن جانبولاد، أمير لواء الأكراد بحلب ، فإنه لما قتل عمه حسين باشا، خرج علي الدولة العثمانية ، وجمع جموعة من السكبانية ، ودبر علي قتل حسين باشا والي حلب، واستولي علي حلب ، فنصب السلطان الأمير يوسف بن سيفا صاحب عكار أميرا علي عساكر الشام ، وكلفه بمحاربة الأمير علي بن جانبولاد ، فجمع له ابن سيفا جيشأ عرمرمة ، ولكنه انكسر أمام عسكر ابن جانبولاد ، فاتصل الأمير علي بن جانبولاد، بالأمير فخر الدين معن ، أمير الشوف وبلاد صيدا ، واتفقا علي حرب الأمير يوسف بن سيفا ، وقصدوا طرابلس الشام ، واستوليا عليها ، وامتنعت القلعة عليهما، واستقرا في البقاع ، فقصدتهما عساكر الدولة من الشام ، ولما نشبت المعركة انكسرت عساكر الدولة ، وأحاط عسكر ابن جانبولاد بالشام ، فأرضاه الشاميون بفدية ، فعاد عنهم ، وتصالح مع الأمير يوسف بن سيفا الذي دخل تحت حكمه ، وأصبحت البلاد من حماة إلي أدنة تحت حكم ابن جانبولاد ، فوجه السلطان الصدر الأعظم مراد باشا لحربه ، فقصدوه علي رأس ثلثمائة ألف عسكري ، واشتبك معه في معركة ضارية فانفل عسكر ابن جانبولاد ، وفر إلي ملطية ، ثم قصد اصطنبول، ومثل أمام السلطان ، فعفا عنه السلطان ، وعينه واليا علي طمشوار ، ثم أصدر السلطان أحمد أمر بقتله ، فقتل ، وأرسل رأسه الي باب السلطنة ( خلاصة الأثر 135/3- 140).

ص: 484

وفي السنة 1020 عزل السلطان أحمد بن السلطان محمد العثماني ، وزيره الأول الصدر الأعظم درويش باشا، وأعدمه ( معجم انساب الأسر الحاكمة 242).

وفي السنة 1022 خرج الأمير عبدالله كتخدا الوزير جعفر باشا والي اليمن ، علي الوالي ، وتحضن في صنعاء ، فحاربه جعفر باشا ، فاستسلم ونزل اليه ، فأمر به فقطعت عنقه ( خلاصة الأثر 487/1 ).

وفي السنة 1023 قتل السلطان أحمد، وزيره الأعظم نصوح باشا ، وكان قد ولاه الوزارة العظمي في السنة 1020 وزوجه بابنته ، ثم قتله بعد ذلك ، وكان نصوح باشا ، قد ولي كفالة حلب ، فأصلح أمورها ، وأزال نفوذ العسكر الذين كانوا قد تسلطوا عليها ، وفرقهم ، وطرد رؤساءهم ، ثم نقل إلي ولاية أنا طولي ، ثم عين واليأ علي بغداد ، ثم نائبا للسلطان في ديار بكر ، ثم واليا علي مصر ، ثم عينه السلطان صدرأ أعظم ، فعقد الصلح مع شاه العجم ، ودخل القسطنطينية في السنة 1020 فقابله السلطان أحمد بالقبول والإقبال ، وزوجه ابنته ، ثم قتله ( خلاصة الأثر 448/4 - 451).

وفي السنة 1026 عزل الشريف إدريس بن الحسن ، شريف مكة ، وزيره أحمد بن يونس ، وكان قد عظم شأنه ، وقبض عليه ، فسجنه، وكبله بالحديد ، وقتله في وادي النار ( خلاصة الأثر 372/1 ).

وفي السنة 1030 كان الأمير فروخ صاحب القدس ونابلس ، وأمير الحاج الشامي ، قد قصد مكة مع المحمل ، وفوض أمر حكومة القدس ونابلس إلي مملوك له يدعي يوسف ، فعمد ولده الأمير محمد بن فروخ ، إلي يوسف فقتله، واستولي علي الحكم، وصادف أن والده الأمير فروخ مات بالحجاز ، فسافر الأمير محمد بن فروخ إلي الروم ، وتعين أميرة للحج بدلا من والده ، ودامت له الإمارة 18 سنة ، وتوفي في السنة 1081 وفيه نظم ابن النحاس قصيدته المشهورة التي مطلعها: ( خلاصة الأثر 108/4 ).

ص: 485

بات ساجي الطرف والشوق يلح****والدجي إن يمض جنح يأت جنح

ويقول فيها :

واذا قيل ابن فروخ أتي ****سقطوا، لو أن ذاك القون مزح

وفي السنة 1031 قتل الصدر الأعظم دولار باشا، الوزير الأول للسلطان العثماني عثمان الثاني ( معجم انساب الأسر الحاكمة 243).

وفي السنة 1031 قام قره داود ، زوج أخت السلطان مصطفي العثماني ، بقتل السلطان العثماني عثمان الثاني ، وأعاد صهره السلطان مصطفي للسلطنة ، فقتله السلطان مصطفي في السنة عينها ( معجم انساب الأسر الحاكمة 243).

وفي السنة 1032 قتل السلطان مصطفي الأول العثماني وزيره الأول الصدر الأعظم كورجي محمد ( معجم أنساب الأسر الحاكمة 243).

وفي السنة 1032 لما استولي الشاه عباس ، شاه العجم ، علي بغداد ، نصب السلطان أحمد باشا حافظ وزيرة أعظم ، وأمره بالتوجه إلي بغداد وطرد العجم منها، فوافي بغداد ، وحصرها، فلم يتمكن من احتلالها ، وضاق الأمر علي عساكره ، ووقع فيهم الغلاء ، وهرب غالبهم ، واجتمع جمع كبير منهم ، ورجموا أحمد باشا قائدهم ، وطلبوا منه أن يرفع الحصار لكي يعودوا إلي أوطانهم ، فأستمهلهم ، فأمهلوه، ثم هجموا عليه ووضعوا في عنقه محرمة ، وجذبوه فقلعوه من مجلسه ، فاضطر إلي أن يرحل بهم ويفك الحصار عن بغداد ، ولما وصل إلي حلب أبلغ بقرار عزله ، فعاد إلي اصطنبول ، ثم نصب صدرة أعظم في السنة 1061 فاجتمع العساكر ، وهاجوا ، وطالبوا السلطان برأسه ، فخيره السلطان بين أن يقتله بنفسه ، أو أن يسلمه الي العساكر ، فاختار الثانية فأسلمه إلي العساكر ، فقتلوه ( خلاصة الأثر 385/1).

ص: 486

أقول : جاء في معجم زامباور ( ص 243) إن حافظ احمد باشا نصبه السلطان مراد الرابع ، صدرأ أعظم في السنة 1034 وعزله في السنة 1036 ثم نصبه صدرا أعظم مرة ثانية في ربيع الأول من السنة 1041 وقتل في رجب من السنة 1041.

وجاء في تاريخ العراق للعزاوي 4 / 172 : إنه في السنة 1032 حاصر حافظ أحمد باشا والي ديار بكر ، بغداد لتأديب بكر الصوباشي ، الذي قتل والي بغداد يوسف باشا ، وعصي فيها ، فانكسر جيش بغداد ، وقتل منه 3700 جندي وأسر منه 2500 أسير ، فأمر الباشا بقتلهم جميعا ، فقتلوا .

وفي السنة 1033 اختلف الأمير فخر الدين بن معن ، مع كيوان بن عبدالله ، سردار عسكر دمشق ، وأحد كبراء جنود الشام ، فضربه بخنجر فقتله ، وكان كيوان آية في الظلم والجور ، والإعتداء علي الناس ، وكان قد اتفق مع بعض القضاة والشهود ، واستولي علي كثير من الأوقاف والأملاك ، وكان يحتال للحصول علي المال بأنواع عجيبة من الحيل ، ثم اتفق مع الأمير فخر الدين بن معن ، وخرجا علي الدولة العثمانية ، وأصلح بين الأمير فخر الدين وبين الأمير علي بن جانبولاد ، فاتحدا ضد الدولة ، وما زال يتقلب بين الدولة وأعدائها حتي وقعت الفتنة بينه وبين الأمير فخر الدين بن معن ، فطعنه الأمير فخر الدين بخنجر ، فقتله ( خلاصة الأثر 3/ 299 - 302) .

وفي السنة 1033 قتل السلطان مراد الرابع العثماني وزيره الأول الصدر الأعظم كما نكش قره علي ( معجم أنساب الأسر الحاكمة 243) .

وفي السنة 1037 نسب القضاة والمدرسون في الأستانة ، إلي الصدر الأعظم مره حسين باشا ، أنه قال عن صاحب الرسالة ، النبي صلي الله عليه وسلم : إن من مات من ألف سنة ، كيف يعتبر كلامه وقد صار عظما رميمة ، فقدم حسين باشا ، لضرب عنقه ، وضج العساكر يطلبون التأني في

ص: 487

أمره ، فصاح المفتي المولي حسين بن محمد، المعروف بأخي زاده ، بالجلاد ، بصوت هائل : أضرب عنق هذا اللعين ، فضرب الجلاد عنقه في الحال ( خلاصة الأثر 110/2 ).

وفي السنة 1039 دخل الأمير قانصوه باشا ، مكة ، في طريقه إلي بلاد اليمن ، نائبا للسلطان فيها ، ومعه جيش عظيم ، فلما دخل مكة اختلف مع الشريف أحمد بن عبد المطلب ، فقبض عليه وقتله ، وأقام مكانه الشريف مسعود بن إدريس ، وأرسل يوسف الكتخدا إلي اليمن فقبض علي عابدين باشا ، وحبسه ، وقتله صبر بعد ثلاثة أيام ، ووصل قانصوه باشا إلي اليمن فقبض علي الفقيه أحمد بن محمد بن جعفر العجيل، وحبسه ، وصادره ثم صلبه ، ثم قتل الأمير سليمان في السنة 1060 ثم أمر باعتقال يوسف الكتخذا ، وضرب عنقه، فقام عليه العسكر، وحصروه في القلعة ، فاستغاث بالإمام الحسن الزيدي ، فخلصه ( خلاصة الأثر 297/3 - 299).

وفي السنة 1040 قتل الأمير قانصوه باشا، الأمير سليمان ، بإصرار من عساكره ، وكانوا قد شرطوا عليه قبض سبعة أنفار من القواد من جماعته ، فقتلوا اثنين منهم ، وحبسوا أربعة ، وفر السابع ونجا بنفسه ، واستمر خلافه مع عسكره ، حتي التجا الأمير قانصوه في السنة 1045 إلي الإمام الحسن الزيدي ، فحماه ، وزوده، وسيره إلي مكة ( خلاصة الأثر 297/3 -299).

وفي السنة 1040 ولي حلب مرتضي باشا نوغاي ، وفي السنة 1043 وافي حلب السردار محمد باشا ، فاستقبله مرتضي باشا ، وظهر للسردار أن مرتضي باشا قد تساهل في القبض علي بعض المفسدين، فأنهي أمره للدولة ، فجاء الأمر بقتل مرتضي نوغاي باشا، وكلف السردار بأن يتولي هذه المهمة بنفسه ، فقتله وبعث برأسه إلي الاستانة ( أعلام النبلاء 246/3 ۔ 247)

ص: 488

أقول : ورد هذا الخبر في خطط الشام كما يلي :

وفي السنة 1043 جاء الصدر الأعظم محمد باشا ، إلي حلب ، يحمل مرسوم سلطانية ، بقتل نوغاي باشا، بحجة أنه أهمل في تأديب الأشقياء فقطعت عنقه ، وأرسل رأسه بلحيته البيضاء إلي جانب السلطنة ( خطط الشام 261/2 ).

وفي السنة 1041 قتل السلطان مراد الرابع العثماني، وزيره الأول الصدر الأعظم خسرو باشا ( معجم الأسر الحاكمة 243) .

وفي السنة 1041 قتل السلطان مراد الرابع العثماني ، وزيره الأول ، الصدر الأعظم حافظ احمد باشا ( معجم انساب الأسر الحاكمة 243).

وقد سبق أن أوردنا هذا الخبر ، ولكن أتساق قتل السلطان لأثنين من وزرائه في نسق واحد في سنة واحدة ، أوجب ذكرها هنا .

وفي السنة 1042 بلغ الوزير الأعظم العثماني بيرام باشا ، إن الشاعر عمر المعروف بنفعي قد هجاه ، فحنق عليه وقتله ( خلاصة الأثر 229/3 ).

وفي السنة 1043 ثار الانكشارية بحلب علي رئيسهم كوسا محمد أغا ، وطلبوا عزله ، وأحدثوا فتنة ، فخرج كوسا محمد أغا متوجها إلي الاستانة ، وقابل السلطان ، وعدد له خدماته ، فأمر السلطان بقتله ، فقتل ( أعلام النبلاء 248-247/3)

وفي السنة 1043 قتل بأمر سلطاني الأمير فخر الدين بن قرقماس بن معن الدرزي ، وكان قد علا شأنه ، واستولي علي بلاد كثيرة منها صيدا وصفد ، وبيروت ، وما حولها ، ثم استولي علي طرابلس ، ثم قصده مصطفي باشا

ص: 489

بعساكر الشام ، فحاربهم وانتصر عليهم ، وأسر مصطفي باشا ، ثم اطلقه ، فوجه إليه السلطان أحمد باشا المعروف بالكوجك، فقتل ولده الأمير علي بن فخر الدين في المعركة ، ثم حصر فخر الدين في قلعة جزين ، فنزل إليه طائعا مستسلما ، فأخذه ودخل به إلي دمشق في موكب حافل ، وكان فخر الدين في الموكب خلف الباشا ، علي فرس ، مقيدة ، ثم أرسله الي جهة السلطان، فأمر السلطان بقتله ، فقتل ( خلاصة الأثر 386/1 ، 387 و 267/3 ، 268 ) كما خنق ولده مسعود ( سلك الدرر 59/2).

وقتل امام اليمن ، محمد بن أحمد بن الحسن (1047- 1130) ولده ، إرهابا لعسكره ، وقال : ما فرطت في ابني إلا ليعلم الناس أني لا أعرف إلا القتل ، ولا أتوقف فيه بحال ( خلاصة الأثر 311/4 ).

وفي السنة 1052 وقع بين علي بن حسين الأرنود ، أحد كبراء جند الشام ، وبين نائب السلطان الوزير أحمد باشا ، مغاضبة، فأمر احمد باشا بإحضاره ، فأحضر، فأمر بقتله، فقتل ، وألقي خارج باب السعادة ( خلاصة الأثر 6/3 و1).

وفي السنة 1055 فتح القائد البحري يوسف باشا ، جزيرة كريت ، فلما قدم القسطنطينية ، قتله السلطان إبراهيم لأمر نقمه عليه ( خلاصة الأثر 14/1)

وفي السنة 1057 قتل السلطان العثماني إبراهيم الأول ، وزيره الأول ، الصدر الأعظم صالح باشا ( معجم انساب الأسر الحاكمة 243).

وفي السنة 1008 قتل السلطان إبراهيم الأول العثماني، وزيره الأول ، الصدر الأعظم أحمد هزار پاره ( معجم الأسر الحاكمة 243) .

وفي السنة 1058 قام العسكر باصطنبول علي السلطان إبراهيم ، واجتمعوا في جامع السلطان أحمد ، وحضر العلماء والصدور، فعزم القاضي

ص: 490

مصطفي ، قاضي القسطنطينية ، علي الحضور معهم ، فنصحه أصحابه أن لا يحضر ، فأبي وأصر علي الحضور ، فلما وافي الجامع ، تعرض له العسكر ، وقتلوه بباب الجامع ( خلاصة الأثر 394/4 ).

وفي السنة 1058 اتفق أرباب الدولة العثمانية ، وخلعوا السلطان ابراهيم من السلطنة ، وخلفه ولده محمد، وفي ثالث يوم من خلعه ، قتلوه ، وقد اتفق له ما لم يتفق لغيره من السلاطين ، فإنه رأي سلطنة أبيه وعمه وأخويه وولده ( خلاصة الأثر 15/1).

وفي السنة 1058 قتل المولي حسين الشهير بالجنجي ، قاضي العسكر في دولة السلطان إبراهيم ، وكان سبب اتصاله بالسلطان إبراهيم العثماني ، إن السلطان لم يكن يولد له ، فتلا عليه المولي حسين بعض العزائم والأدعية ، فحملت إحدي جواريه وولد له ولد، فانهالت الدنيا علي المولي حسين ، وحصل علي أموال عظيمة ، وصار له جاه كبير ، فلما خلع السلطان إبراهيم ، حبس المولي حسين، وصودر ، وحمل الي قصبة ميخاليج حيث قتل هناك ( خلاصة الأثر 123/2 ).

وفي السنة 1065 هاج العسكر علي الوزير الأعظم مصطفي باشا ، الشهير بأبشير وكان قد ولي الوزارة العظمي في السنة 1064 فلم تطل مدته في الوزارة ، إذ هاج عليه العسكر ، وقتلوه ( خلاصة الأثر396/4 ).

وفي السنة 1065 قتل بدمشق عبد السلام بن عبد النبي المرعشي ، أحد أعيان الجند ، مع آخرين ، بموجب أمر سلطاني ، لأنهم تحركوا في وجه الوالي الذي نصبه السلطان ، وحالوا دون مباشرته بعمله ، ومنعوه من دخول دمشق ، فعاد الوالي إلي أدنه ، وكتب إلي السلطنة ، فصدر الأمر بنصب وال جديد ، وبقتل هؤلاء الذين تحركوا ، فقتلوا ( خلاصة الأثر 418/2 ).

وفي السنة 1070 صدر أمر سلطاني بعزل غازي باشا بن شاہ سوار

ص: 491

الجركسي ، عن محافظة مصر ، وحبسه، فحبس أيام ، ثم صدر الأمر بقتله ، فقتل ( خلاصة الأثر 245/3).

وفي السنة 1071 قتل الرئيس مصطفي رمضان الدفتري بمدينة أدرنة ، اتهم بالتصرف في أموال الخزينة بدمشق ، فأمر السلطان بقتله ، فقتل ، قال المحبي : من العجائب أن الرئيس مصطفي ولد بدمشق ومات بأدرنة، أما والده رمضان فقد ولد بأدرنة ومات بدمشق ( خلاصة الأثر 372/4 ).

وفي السنة 1071 اتصل بمسامع الصدر الأعظم ، أن أبا النور محمد باشا ، والي حلب، صار « يضرب السكة المغشوشة » لنفسه ، فعرض ذلك علي الحضرة السلطانية، فأمر السلطان بعزله ، وأحضر إلي الأستانة ، ولما وصل ، أمر بقتله ، فقتل ( أعلام النبلاء 272/3 ).

وفي السنة 1072 قتل حسين باشا المعروف بدالي حسين ، أحد الوزراء الكبار في الدولة العثمانية ، وكان شديد الصلة بالسلطان مراد فاتح بغداد ، وقد صحبه في سفر بغداد ، وبعد وفاة السلطان مراد ، ولي حكومة بغداد ، ثم ولي وزارة البحر ، وفي عهد السلطان إبراهيم عين واليا لجزيرة كريت ، فأقام فيها سبع عشرة سنة ، وفتح أكثر بلادها وقراها، ثم أرسل اليه السلطان ختم الوزارة العظمي ، أي أنه طلب حضوره ليكون صدرأ أعظم ، وقبل أن يصل إلي إسطنبول فوضت الوزارة إلي غيره ، فلما دخل حسين باشا إلي أدرنة في موكب حافل ، اجتمع بالسلطان محمد بن إبراهيم ، فأرسله إلي اصطنبول وحبس في المكان المعروف بيتي قله ، واستفتي مفتي الدولة في قتله ، فامتنع، فعزل المفتي ، وولي مكانه آخر أفتي بقتله ، فقتل ( خلاصة الأثر 123/2 و 124).

وفي السنة 1072 توقي محمد باشا الكوبري ، الوزير الأعظم للسلطان محمد بن السلطان إبراهيم ، وكانت أمور الدولة قد اختلت، وكان الوزير بولي

ص: 492

أياما ، ثم يعزل أو يقتل ، وبلغ من تفلت الأمور أن جماعة من الخدم العبيد في قصر السلطان، هجموا علي جدته صاحبة الخيرات ، فقتلوها ليلا، فأشار علي أغا الطويل ، من أغوات الحرم ، باستيزار محمد باشا الكوبري ، فنصبه السلطان وزير اعظم ، فكان أول ما صنعه أن نفي علي أغا الطويل إلي قبرس ، ولما سئل عن سبب ذلك ، قال : إن الذي يملك التعيين يملك العزل ، ثم قتل كثيرا من رجال الدولية ، حتي أن أحد الباشاوات ، واسمه خسرو باشا ، كان بينه وبين الكوبري محبة زائدة ومواثيق ، فأحضره، وقال له : إني أريد أن أقتلك ، فقال له : لم يحصل مني ما يستوجب القتل، وأنا علي عهدك وميثاقك ، فقال له : إن في قتلك إرهابا للقوم ، إذ يقولون إن الوزير قتل أقرب الناس إليه ، فهو لا يتوقف في أمر القتل ، فألقي بذلك الرعب في قلوبهم، فتوسل خسرو باشا إليه أن يبقي عليه ، فأبي ، وقتله ( خلاصة الأثر 311/4 ).

وفي السنة 1073 قتل في محبسه ، بأمر من السلطان العثماني، حسين باشا بن حسن حاكم غزة ، وكان أميا ، خلف أباه في حكم غزة ، وقدمت بشأنه شكوي إلي السلطان بعدم اهتمامه بحراسة الحجاج وهم في طريقهم إلي الحج ، فاعتقل بأمر السلطان ، وسجن بقلعة دمشق ، ثم حمل إلي اصطنبول ، فقتل في سجنه ( خلاصة الأثر 88/2 و 89).

وفي السنة 1073 قتل الأميران منصور بن الشهاب التيماني ، أمير وادي التيم ، وابن عمه الأمير علي ، وكان قد اشتركا في حركة ضد الدولة العثمانية ، ثم انفق عسكرهما ، فلجأ الأمير منصور إلي القسطنطينية ليسترضي السلطان ، فلما وافي القسطنطينية عوجل بالقتل ، أما ابن عمه الأمير علي ، فإنه أستتر ، ثم ظفروا به فقتلوه في السنة عينها ( خلاصة الأثير 430/4 ).

وفي السنة 1086 ورد أحمد باشا واليا علي مصر، وأراد فرض ضرائب علي العقار ، فاجتمع العسكر ، وهاجوا ، وصادف أن كان كاتب مقاطعة

ص: 493

الغلال عبد الفتاح افندي الشعراوي ، نازلا من الديوان، وكان قد قدم صحبته أحمد باشا إلي مصر ، فاتهموه بأنه هو الذي أغري الباشا علي فرض تلك الضرائب ، وهجموا عليه ، وقطعوه قطعأ ( الجبرتي 149/1 ، 150).

وفي السنة 1088 قتل الأتراك بمكة ، جماعة من العجم اتهموهم بتلويث البيت الشريف ، إذ اطلع علي هذا التلويث بعض سدنة البيت الحرام ، فاجتمع خاصة أهل مكة ، والشريف ، والقاضي ، وقرروا إن هذا المتجري لابد أنه من الرافضة ( الشيعة ) وجزموا به ، وقرروا أن يقتلوا كل من اشتهر بالرفض ووسم به ، وصادفوا بالحرم خمسة انفار من القوم ( الشيعة ) ومنهم السيد محمد مؤمن ، وكان رجلا مسنا ، متعبدا ، متزهدا الا أنه معروف بالتشيع، فقتلوه ، وقتلوا الأربعة الآخرين ( خلاصة الأثر 432/3 و 433).

وفي السنة 1091 باغت الأمير عمر الحرفوش ، مع آل حمادة ، جماعة الأمير فارس شهاب ، في نيحا ، قرب الفرزل، فقتله، وقتل معه خمسين رجلا من شيوخ وادي التيم ( خطط الشام 276/2 ).

وفي السنة 1094 خرج الوزير الأعظم مصطفي باشا المرزيفوني ، المحاربة ملك المجر ، فانكسر جيشه ، وعاد إلي مدينة بلغراد ، فورد امر السلطان بقتله في السنة 1095 فقتل ( 397/4 - 403).

أقول : ذكر صاحب معجم أنساب الحاكمة (ص 244) إ اسم الوزير المقتول قره مصطفي باشا مرزونلي ، وأن إعدامه تم في السنة 1090 بأمر من السلطان محمد الرابع العثماني ، وأنه أعدم في بلغراد .

وفي السنة 1099 قتل السلطان محمد الرابع العثماني ، وزيره الصدر الأعظم أبازه باشا سياوش ( معجم انساب الأسر الحاكمة 244).

وفي السنة 1101 اعدم بأمر من السلطان سليمان الثاني العثماني ،

ص: 494

الصدر الأعظم وزيره الأول نشانجي اسماعيل باشا ( معجم انساب الأسر الحاكمة 244).

وفي السنة 1106 ورد أمر سلطاني من اصطنبول ، بقتل حسن بن علي الرومي الدفتري ، « أحد خواجكان الدولة ، وكان قد عاد من مهمة أرسله بها السلطان إلي بلاد النمسا ، فوصل الأمر بقتله ، وهو في داره بحماة ، وكان مريضا قد عبر الثمانين ، فقتل ( سلك الدرر 32/2 ).

أقول : جاء في خطط الشام 285/2 في أخبار السنة 1106 خبر مقتل هذا الرجل بتفصيل أكثر ، قال : في السنة 1106 قام الحمويون علي متسلم حماة سعد بن مزيد ، لظلمه وجوره ، وأخرجوه من البلد ، فشكاهم إلي الدولة في اصطنبول ، واتهم أحد وجهاء حماة ، واسمه حسن الدفتري المشهور بابن قنيف ، بأنه هو الذي أثار الفتنة ، فجاء أمر السلطان بقتله ، فقتل ( خطط الشام 285/2).

وفي السنة 1108 قامت العساكر علي باسف ( يوسف ) اليهودي ، وقتلوه ، وجوه من رجله ، وطرحوه في الرميلة ، وجمعوا حطب وأحرقوه ، وسبب ذلك إن يوسف اليهودي رحل إلي اصطنبول ، وحضر ومعه فرمان بزيادات في الضرائب ، واستقبله اليهود في بولاق ، ولما أعلن ما جاء به ، اغتم الناس ، وراجعوا الباشا ، فلم يجبهم بما يرضيهم ، فهاجوا، وأخذوا اليهودي ، وقتلوه، وأحرقوه ( تاريخ الجبرتي 49/1 ).

وفي السنة 1110 ظهر بمصر رجل من أهل الفيوم ، يدعي العليمي ، واجتمع عليه كثير من العوام ، وادعوا فيه الولاية ، وأقبل الناس عليه من كل جهة ، فقامت عليه العساكر ، وقتلوه بالقلعة ، ودفن بمشهد السيدة نفيسة ( تاريخ الجبرتي 50/1 ).

وفي السنة 1111 ظهر باليمن ابراهيم بن علي بن حسن الشرفي

ص: 495

المحطوري ، وحرم الدخان ، وادعي الخلافة ، فتبعه كثير من الناس، واستمرت فتنته ثلاثة أشهر ، قتل فيها عشرون ألفا، ثم ظفر به صاحب صعدة ، فذبحه ، وصلبه ( الأعلام 48/1 ).

وفي السنة 1114 قتل بأمر سلطاني الصدر الأعظم علي باشا المعروف بالعربجي، وثم قتله في قبرس ، وكان وزير شديد البأس، حاد المزاج ( سلك الدرر 3/4).

وفي السنة 1122 عزل الداماد علي باشا الجور ليلي ، الصدر الأعظم ، وزوج بنت السلطان مصطفي خان ، ونفي إلي جزيرة مدللي ، وقتل هناك ( اعلام النبلاء 308/3 ).

وفي السنة 1123 وقعت بمصر فتن بين الجند المماليك والينكجرية ، فقتل إيواظ بك زعيم القاسمية ، وكان شجاعأ، أطلق خصومه عليه الرصاص ، فأصابته رصاصة في صدره ، فقتل ( تاريخ الجبرتي 75/1 ) ثم تغلب المماليك وعزلوا الباشا نائب السلطان بمصر ، وأنزلوه من القلعة ، وقام المماليك بالإقتصاص ممن قتل إيواظ بك فقتلوا حسني أغا مستحفظان ، رأوه خارج من بيته من باب المطبخ فقطعوه ، وقطعوا اسماعيل افندي بالمحجر ، وكذلك عمر أغات الجراكسة قتل بحضرة اسماعيل بن إيواظ ، ونزل إفرنج أحمد وكجك أحمد أوده باشا إلي المحجر متنكرين ، فعرفهما الجالسون بالمحجر فقبضوا عليها ، وذهبوا بهما إلي باب العزب ، وقطعوا رأسيهما ، وقبض علي احمد كتخدا وطلعوا به إلي الباب حيث خنق ، وحمل إلي منزله في تابوت ( تاريخ الجبرتي 80/1 و 81).

وفي السنة 1126 قتل الأمير قيطاس بك ، من أمراء المماليك بمصر ، قتله عابدي باشا ، والي مصر ، إذ دبر عليه بأن طلب منه الحضور إليه ليرافقه الي موضع اسمه سبيل علام ، فنصحه بعض الأمراء أن لا يحضر في

ص: 496

الموعد ، فلم يأبه للنصيحة ، وحضر لمقابلة الباشا ، فلما صعد إليه ، هجم عليه أتباع الباشا وقتلوه بالخناجر ، وقطعوا رأسه ورموه إلي أتباعه من الشباك ، بعد أن سلخ وجهه ( تاريخ الجبرتي 157/1 ). فهاج أتباع قيطاس بك في السنة 1127 وقتلوا الكتخدا شريف حسين وإبراهيم باش أوده باشا، ثم تحرك أخو الشريف حسين وهو محمد كتخدا كدك ، وقتل حسن كتخدا النجدلي ، وناصف كتخدا القاز دغلي، وهرب كور عبدالله ، ثم قبض عليه بعد ستة أيام ، وأحضر راكب حصانأ وفي عنقه جنزير ، وعلي رأسه ملاءة ، فأمر به الباشا ، فقتل ( الجبرتي 158/1 ).

وفي السنة 1130 عين السلطان العثماني ، رجب باشا، واليأ علي مصر ، وأوعز اليه بأن يقتل علي باشا والي مصر المعزول ، فلما وصل رجب باشا إلي مصر ، واستقر بالقلعة ، أمر بعمل حساب علي باشا ، ثم أحضره ، وقطع رأسه ، وسلخها، وأرسلها إلي الباب العالي ، ودفنت جثته بالقرافة ، وعرف قبره ، بقبر علي باشا المظلوم ( الجبرتي 96/1 ).

وفي السنة 1130 توقي المهدي الزيدي ، محمد بن أحمد ، من أئمة الزيدية ، وكان جبارة بطاشا ، قتل أبنأ له في جرم يسير إرهابأ للناس ، وقتل عالم من الناس سفك دماءهم بمجرد الظنون والشكوك ، خلع من الحكم سنة 1129 ( الإعلام 239/6 ).

وثار السيك ، في البنجاب ، بالهند، علي السلطان فروخ سير (1124- 1131) فجرد عليهم جيشأ أوقع فيهم مذبحة عظيمة ، قتل فيها الآلاف، حتي إنه بعث إلي دلهي ألفي رأس ، وألف أسير ، من بينهم « بندا » زعيم السيك ، وابنه الصبي البالغ من العمر ثماني سنوات ، فأدخل الأسري مشهرين علي الجمال وأمر السلطان بقتل الأسري ، ومن افظع ما حصل أن بندا زعيم السيك ، أمر بأن يقتل ولده بيده ، وظهر من السيك تضامن وارتباط يثيران الإعجاب ، حتي أن السلطان أصدر أمرا بالعفو عن أحد هؤلاء

ص: 497

الأسري ، ولما أريد اطلاقه ، أبي ، وأصر إلا أن يشارك رفاقه مصيرهم ( الإسلام والدول الإسلامية في الهند 186 و 187).

وفي السنة 1136 قتل الأمير أحمد بك المسلماني . قتله والي مصر محمد باشا بأن أرسله إلي ولاية جرجا « ليشهل غلال الميري » ثم أرسل إلي سليمان كاشف فرمانأ بقتل الأمير احمد ، فذهب سليمان كاشف إلي الأمير احمد ، بحجة السلام عليه ، ثم غمز عليه بعض أتباعه ، فضربوه، وقتلوه ، وقطعوا رأسه ( الجبرتي 177/1 ).

وفي السنة 1136 قتل إسماعيل بك إيواظ واسماعيل بك جرجا، في قاعة كتخدا الوالي ، بالقلعة بمصر ، بناء علي اتفاق مع الوالي محمد باشا ، إذ تقدم منه الأمير ذو الفقار وقدم له عريضة، فأخذ في قراءتها فهجم عليه ذو الفقار ، وقتله بخنجر ، وكان آخرون من الأمراء متآمرين مع ذي الفقار ، فلما رأوه طعن اسماعيل بك إيواظ سلوا سيوفهم وقتلوا اسماعيل بك جرجا، وقطعوا رأس الأميرين ، وسلخوهما ( الجبرتي 183/1 ).

أقول : قتل اسماعيل بك إيواظ وهو ابن ثمان وعشرين سنة .

وفي السنة 1139 لما قتل إسماعيل بك إيواظ بالقاهرة ، باتفاق مع الوالي محمد باشا ، قرر أن يقتل من بعده كلا من عبدالله بك زوج أخت اسماعيل إيواظ والأمير محمد بك إيواظ والأمير إبراهيم بك تابع الجزار ، فاحتال عليهم حتي حضروا عند الكتخدا ، ثم دخل الجوخدارية علي عبدالله بك ، فأخذوا ثيابه ، وما في جيوبه ، وأنزلوه وسلموه إلي الوالي ، فأركبه علي ظهر كديش ، ونزلوا بمحمد بك إيواظ ومعه الأمير إبراهيم بك الجار علي حمارين ، وأخذ الثلاثة إلي مركب في النيل وقام المشاعلية بقتلهم وسلخوا رؤوسهم ، ورموا جثتهم في البحر ( الجبرتي 185/1 -187)

ص: 498

وفي السنة 1138 اتفق بمصر ثلاثة من أمراء المماليك وهم مصطفي بك إيواظ وعلي بك أبو العذب ، وأبو دفية ، علي قتل الباشا نائب السلطان بمصر ، والدفتردار علي بك الهندي ومحمد بك ذي الفقار ، وبلغ الباشا الخبر ، فلما طلع علي بك أبو العذب قبض عليه الباشا وقتله ، ثم أمر بالقبض علي الآخرين ، فقبض علي مصطفي بك إيواظ وأركب حمارة ، وصحبته مقدمه ، وأحضروهما أمام الباشا ، فأمر بقتله ، وقتل مقدمه ، فقتلا معا ( الجبرتي 110/1 و 111 ) .

وفي السنة 1140 كان الأمير محمد بك بن يوسف بك الجزار ، في كشوفية المنوفية فعينوا له بأمر الباشا ، تجريدة لقتله ، وبلغه ذلك ، فارتحل في مركب إلي رشيد، مع مملوكين من مماليكه ، فنمي خبره إلي حسين جربجي ، فقبض عليه وعلي أحد المملوكين ، وكتب إلي القاهرة ، فأرسل الباشا إليه فرمانا بقتل الأمير محمد بك ، وقتل مملوكه معه ، ومع الفرمان اغا من قبل الباشا ، فقتلوا محمد بك ومملوكه ، وسلخوا رأسيهما، ورجع بهما الأغا المعين من قبل الباشا إلي القاهرة ( الجبرتي 200/1 ).

وفي السنة 1140 قتل الأمير علي بك الهندي ، والأمير ذو الفقار قانصوه ، إذ احتيل علي الأمير علي بك حتي أحضروه إلي دار ذي الفقار بك ، ثم أخذوا حصانه والكرك الذي كان عليه ، وأركبوه كديشا عريانا ، ثم أخذوا معه ذا الفقار قانصوه وسحبوهما عريانين إلي سبيل المؤمن ، وقطعوا رأسيهما، ووضعوا جثتيهما في تابوتين ، وأرسلوا التابوتين إلي بيتيهما ( الجبرتي 199/1 ).

وفي السنة 1161 قتل الشاه حسين الأول ، قتله السلطان الأفغاني أشرف ، وكان الشاه حسين قد عزله السلطان محمود الأفغاني في السنة 1135 ( معجم انساب الأسر الحاكمة 388) .

ص: 499

وفي السنة 1142 قتل عبدالغفار اغا بن تنسن افندي ، وكان قتله خطأ ، إذ أنه ورد إلي الباشا والي مصر ، رسالة من اصطنبول تتضمن الوصية بعبد الغفار اغا ، فأمر كتخدا الشاويشيه بأن يحضره من أجل تلطيفه ، فأمر كتخدا الوالي باحضاره امام الباشا، وحسب الوالي أن المطلوب قتله ، فأحضره ، وواجه الباشا ، ولما أراد العودة إلي داره ، أوصلوه إلي باب بيته ثم أمسكوا به وقتلوه ، فصرخت والدته ، وزوجته ، وجواريه ، وتظلموا إلي الباشا ، وقالت والدته : إذا كان الباشا أراد قتله كان يفعل ذلك بعيدا عنا ، فتعجب الباشا ، وسأل عن القصة ، فأخبروه بما حصل ، فاغتاظ ، وعزل الوالي ( الجبرتي 215/1 و 216).

وفي السنة 1143 قتل الصدر الأعظم الداماد ابراهيم باشا، الوزير الأول للسلطان أحمد الثالث العثماني ( معجم انساب الأسر الحاكمة 245 ) .

وفي السنة 1147 غلت الأسعار في حلب ، وقلت الأقوات ، فتحرك العامة لنهب الخبز من الخبازين ، فصادفوا في طريقهم خليل المداري دائرة علي الأفران ، يقبض ثمن الطحين ، فهاجموه ، ففر منهم نحو البرية ، فأدركوه ، وقتلوه ( اعلام النبلاء 6 / 488) .

وفي السنة 1147 ظهر بالجامع الأزهر ، رجل تكروري ، وأدعي النبوة ، فأحضروه بين يدي الشيخ أحمد العماري ، فسأله عن حاله ، فأخبره إنه كان في شربين ، فنزل عليه جبريل ، وعرج به إلي السماء ليلة سبع وعشرين رجب ، وإنه صلي بالملائكة ركعتين ، وأذن له جبريل ، ولما فرغ من الصلاة أعطاه جبريل ورقة ، وقال له : أنت نبي مرسل ، فأنزل وبلغ الرسالة ، وأظهر المعجزات ، فلما سمع الشيخ كلامه ، قال له : أنت مجنون ، فقال : لست بمجنون ، وإنما أنا نبي مرسل ، فأمر بضربه ، فضربوه وأخرجوه من الجامع ، ثم سمع به عثمان كتخدا ، فأحضره ، وسأله ، فقال له مثل ما قاله للشيخ العماوي ، فأرسله إلي المارستان ، واجتمع عليه الناس

ص: 500

والعامة ، رجالا ونساء ، ثم إنهم أخفوه عن أعين الناس ، ثم طلبه الباشا، فأجابه بمثل كلامه الأول ، فأمر بحبسه في « العرقانة » ثلاثة أيام ، ثم إنه جمع العلماء ، وسألوه فلم يتحول عن كلامه ، وأمروه بالتوبة فامتنع ، وأصر علي أقواله ، فأمر الباشا بقتله ، فقتلوه بحوش الديوان ، وهو يقول : فأصبر كما صبر أولوا العزم من الرسل ( الجبرتي 1/ 219).

وفي السنة 1149 قتل الأمراء عثمان كاشف ، ورضوان بك أمير الحاج سابقا ، ومملوكه سليمان بك ، إذ أن المؤامرة التي اشتركوا فيها وقتلوا فيها الأمير محمد قطامش وأصحابه ، خابت ، وانعكس الحال عليهم ، فاختفوا بخان النحاس في خان الخليلي ، وصحبتهم صالح كاشف ، ثم دبروا رأيا في ظهورهم ، وذهب عثمان كاشف إلي إبراهيم جاويش قازدغلي ، بعد المغرب ، واستجار به ، وأخبره بأن رفاقه في خان النحاس ، فأخره عنده ، وأرسل إلي محمد جاويش الطويل يخبره بأن عثمان كاشف عنده ، فأرسل إليه جماعة وقفوا له في الطريق ، ولما خرج قتلوه ، ثم إن ابراهيم جاويش ، أخبر أغات مستحفظات بمكان اختباء الجماعة الآخرين ، فكبسهم وقبض علي رضوان بك وصحبته ثلاثة ، أخذهم إلي الباشا ، فقطع رؤوسهم ، أما صالح كاشف ، فلما سمع بقتل أصحابه ، فر متسترا ، حتي وصل إلي اصطنبول ، وواجه دار السعادة ( أحسبه أحد خدم السلطان الأغوات ) وكان هذا من أتباع والد محمد بك الدفتردار ، فعرفه عن نفسه ، فقال له : أنت السبب في خراب بيت ابن سيدي ، واستأذن في قتله ، فقتلوه بين الأبواب ، في المحل الذي قتل فيه الصيفي ، سراح جركس ، فكان تحرك هؤلاء الجماعة ، وطلبهم الظهور ، كالباحث عن حتفه بظلفه ( الجبرتي 287/1 ، 258).

وفي السنة 1149 قتل الأمير محمد بك بن اسماعيل بك الدفتردار ، وهو الذي حصلت مذبحة الأمراء في داره ، بمعرفة منه ، فإنه لما حصل المذبحة ، « وانقلب التخت عليهم ، اختفي في مكان لم يعرف به أحد.

ص: 501

فمرضت أمه مرض الموت ، ولهجت بذكر ولدها ، تريد أن تراه ، فأحضروه إليها، مرتدية ملابس النساء ، فنظرت إليه وتأوهت ، وماتت ، وعاد إلي موضعه ، فدلت عليه امرأة بلانة ، ذهبت إلي أغات البنكجرية ، وأخبرته بموضعه فكبسوه ، وأخذوه ، وأركبوه حمارة ، وطلعوا به إلي القلعة ، « ورموا عنقه ، ( الجبرتي 257/1 ).

وفي السنة 1152 كبس وزير صيدا ( الوالي ) ، بلاد الشقيف ، وقتل الشيخ أحمد فارس وأولاده ( خطط الشام 2/ 293 ) .

وفي السنة 1153 قتل الأمير علي كتخدا الجلفي ، بمؤامرة دبرها والي مصر سليمان باشا الشامي ، المعروف بابن العظم ، إذ أتفق مع الأمير عمر بك بن علي بك قطامش علي قتل الأمراء أصحاب الرياسة بمصر ومن جملتهم الكتخدا الأمير علي الجلفي ، فدبر الأمير عمر بك ، لكل واحد من الأمراء من يقوم بقتله ، وكان المعين لقتل الأمير علي الجلفي ، شخص من اتباع يوسف كتخدا اسمه «لاظ ابراهيم ، وفي الوقت المعين ترصد لاظ ابراهيم للأمير علي ، فلما وصل إلي الموضع ، خرج لاظ ابراهيم ، وتقدم إلي المترجم كأنه يريد أن يقبل يده ، فلما قبض علي يده ، ضربه بالطنبجة في صدره ، فسقط إلي الأرض ، وسحبوه إلي الخرابة ، وفيه الروح ، فقطعوا رأسه ، ووضعوها تحت مصطبة الباب ( الجبرتي 254/1 ) وكان الذي قام بتدبير المؤامرة أحمد كتخدا البركاوي ، فغضب الأمراء لمقتل علي بك الجلفي ، وطاف أحمد كتخدا البركاوي علي الأمراء طول الليل ، فلم يقبله لم يجره ) أحد منهم ، فضاقت الدنيا في وجهه ، وتوفي في تلك الليلة الأمير محمد كتخدا الطويل ، فاجتمع الأمراء في بيته لحضور مشهده ، فدخل عليهم أحمد كتخدا البركاوي ، وقال لهم : انا في عرض هذا الميت ، فأمروه بالانتظار في إحدي الحجر حتي يعودون من الجنازة ، وجلس لاظ ابراهيم ( قاتل الأمير علي الجلفي ) بالحوش مع اثنين من السراجين ، وعندئذ قتل

ص: 502

السراجون لاظ ابراهيم وأحمد كتخدا كذلك أما لاظ ابراهيم فقطعوه قطعة ، وأما أحمد كتخدا ، فقطعوا رأسه ، وأخذوها إلي رضوان كتخدا ، فأعطاهم البقاشيش ، وقطع رجل ذراعه ، وذهب بها إلي الست الجلفية ، زوجة علي كتخدا الجلفي ، وأخذ منها بقشيشة أيضا ، واستمر أحمد كتخدا مرمية علي الأرض بلا رأس ولا ذراع ، حتي دفنوه بعد الغروب ، ثم دفنوا معه الرأس والذراع ( الجبرتي 255/1 و 256 ) .

وفي السنة 1160 اتفق والي مصر محمد راغب باشا، مع الأمير حسين بك الخشاب علي قتل الأمراء خليل بك ، وعلي بك الدمياطي ، وعمر بك بلاط ، ومحمد بك ، علي أن يتم ذلك في يوم الإجتماع في الديوان ، فلما كان يوم الديوان ، أحدث عثمان أغا أغات المتفرقة ، وكان من جملة المتأمرين شغبأ ، فسحب عثمان أغا أبو يوسف النمشة ، وضرب خليل بك ، فأسرع الباقون وضربوا عمر بك بلاط ، فقتلا ، ودخلوا برأسيهما إلي الباشا ، فقام علي بك الدمياطي ومحمد بك ، ونزلا ماشيين ، ودخلا إلي نوبة الجاويشية ، فأرسل الباشا إلي الإختيارية ، يقول : إنهما مطلوبان للدولة ( أي أنه أمر بقتلهما)، وأخذهما ، وقطع رأسيهما أيضا ( الجبرتي 229/1 و 230 ).

وفي السنة 1160 قتل نادر شاه طهماسب قلي خان ، شاه إيران ( معجم انساب الأسر الحاكمة 389) .

وفي السنة 1167 قتل علي مراد خان ، الذي تولي الحكم في إيران ، قتله محمد خان الزند ( معجم انساب الأسر الحاكمة 389) .

وفي السنة 1169 أعدم السلطان عثمان الثالث العثماني ، وزيره الأول الصدر الأعظم نشانجي بيقلي علي باشا ( معجم انساب الأسر الحاكمة 247)

ص: 503

وفي السنة 1171 قتل الأمير سليم الباباني ، المستولي علي شهرزور وبشدر ، قتله سليمان باشا والي بغداد ( معجم انساب الأسر الحاكمة 398)

وفي السنة 1171 وصل الأمر العالي السلطاني ، علي يد محمد اغا الأورفه لي ، رئيس البوابين بالباب العالي ، بالقبض علي أسعد باشا العظم ، والي حلب ، ونفيه إلي جزيرة كريت ، ثم قتل بمدينة أنقرة بداخل حمام ( اعلام النبلاء 335/3 ).

وفي السنة 1171 استعدي أهالي دمشق ، إلي السلطنة العثمانية ، من الدفتردار فتحي افندي ، حيث إنه ظلم الناس في دمشق ، وبالغ في أذاهم ، فأمر السلطان بإحضاره إلي اصطنبول ، ومحاكمته ، فأحضر ، وحوكم ، وثبتت عليه التهم ، فأمر السلطان بإعدامه ، فبذل فتحي افندي أموالا ، فأدخلوا علي السلطان شخصا آخر بدلا منه ، وأوهموه بأنه فتحي افندي ، وقتل أمام السلطان ، أما فتحي افندي ، فعاد إلي دمشق يزاول أفاعيله المنكرة ، حتي إذا تكررت الشكوي منه ، ورد أمر سلطاني بقطع رأسه ، فقطعت ، وجرت جثته في شوارع المدينة ، وترك من بعد ذلك ، فأكلته الكلاب ( خطط الشام 2/ 298 ).

وفي السنة 1171 تأمر قسم من الأمراء بالقاهرة ، علي قتل الأمير حسين بك الصابونجي ، واتفقوا مع أصحابه علي قتله ، وحضروا عنده يوم الجمعة علي جاري عادتهم ، وزاروا معه ضريح الإمام الشافعي ، ثم رجع صحبتهم إلي مصر القديمة ، وباتوا صحبته في أنس وضحك ، وفي الصباح حضر لهم الفطور فأكلوه ، وطلبوا منه إنعامة ، فكتب إلي كل واحد منهم وصولا بألف ريال وألف أردب قمح وغلال ، ووضعوا الأوراق في جيوبهم ، ثم سحبوا عليه السلاح وقتلوه ، وقطعوه قطعأ ، فقام مماليكه بوضع أعضائه في خرج ،

ص: 504

وأخذوه علي هجين فدخلوا به المدينة حيث غسلوه وكفنوه ودفنوه ( الجبرتي 294/1)

وفي السنة 1174 تقلد الأمير حسين بك كشكش إمارة الحج ، ووقف له العرب في مضيق ، وطلبوا عوائدهم ، وحضر إليه كبراؤهم ، فأمر بقتلهم ، فنزلوا عليهم بالسيوف ، وفيهم نيف وعشرون كبير من مشايخ العربان خلاف هزاع المذكور ، وعاد بالحاج إلي مصر ولم يمكن العرب من مديد الأذي إليه أو إلي أحد من الحاج ( الجبرتي 309/1 ).

وفي السنة 1177 قتل صلابت جنك بن نظام الملك ، نظام حيدر آباد ، وكان قد استولي علي الحكم في السنة 1164 تحت وصاية الفرنسيين ، فعزل في السنة 1175 وقتله نظام علي في السنة 1177 ( معجم انساب الأسر الحاكمة 446 ).

وفي السنة 1177 قتل الأمير سليمان الباباني ، وهو ابن الأمير سليم المقتول سنة 1171 وكان قد استرد سلطانه في السنة 1171 واستولي علي أردلان في السنة 1176 ( معجم أنساب الأسر الحاكمة 398 ).

وفي السنة 1178 (1764م) قامت ثورة في بغداد علي الوالي علي باشا ، فهرب من السراي متنكر في زي امرأة ، والتجأ إلي إحدي الدرر القريبة منه ، ولكن الثوار علموا بمقره فأخرجوه ، وحملوه إلي القلعة ، وقتلوه

حكم المماليك في العراق لعلاء موسي كاظم نورس ص 35 ).

وفي السنة 1178 عزل الصدر الأعظم مصطفي باشا ، ونفي إلي جزيرة مدللي ، وهناك أعدم ، وقطعت رأسه ، وأحضرت للأستانة ( اعلام النبلاء 339/3)

وفي السنة 1179 كان علي بك بلوط قبان ، صاحب السلطة بمصر ، فأرسل إلي حسين بك كشكش فرمانا بنفيه إلي جهة عينها له ، فلم يطع ،

ص: 505

وجاء إلي القاهرة ، ونزل في داره ، فأراد علي بك أن يسمه ، وأوعز للطبيب عبدالله الحكيم أن يدس له السم ، وكان حسين بك قد طلب منه معجون اللباءة ، فوضع له فيه سمأ ، فارتاب به حسين بك ، وطلب من الطبيب أن يأكل منه فأبي ، فأمر بقتله ( الجبرتي 315/1 ).

وفي السنة 1182 تأمر علي بك واتباعه بالقاهرة علي قتل الأمير صالح بك القاسمي ، وفي اليوم المتفق عليه ، اجتمع الأمراء بمنزل علي بك علي العادة وفيهم صالح بك ، فلما انقضي المجلس وركب صالح بك ، ركب معه محمد بك وأيوب بك ورضوان بك وأحمد بك بشناق المعروف بالجزار ، وأحدقوا بصالح بك ، فلما وصلوا إلي مضيق الطريق تأخر محمد بك ومن معه عن صالح بك ، وتظاهر بأنه قد غضب علي سائسه ، وسل سيفه وضرب صالح بك ، وسحب الأخرون سيوفهم ، وضربوا بها صالح بك ، حتي قتلوه ، إلا أحمد بك بشناق ، فإنه لم يسل سيفه ، وصعد الأمراء القتلة إلي القلعة ، وأخذوا في عتاب أحمد بك بشناق إذ اتهموه بأنه لم يشترك معهم في قتل صالح بك ، فأنكر أحمد بك التهمة ، وقال : إني اشتركت معكم ، فكذبوه ، وقالوا له : أرنا سيفك ، فامتنع ، وقال : إن سيفي لا يخرج من غمده بقصد الفرجة ، ثم أوجس أحمد بك خيفة من جماعة علي بك من جراء هذه التهمة ، فخرج من القاهرة خلسة إلي الإسكندرية ، ثم بارحها وآل أمره إلي أن صار أحمد باشا الجزار ، الذي تملك عكا ، وتولي الشام ، وطار صيته في الممالك ( الجبرتي 359/1 -361) .

وفي السنة 1183 أرسل علي بك ، رأس المماليك بالقاهرة ، تجريدة القتال عرب الحبايبة والهنادي ، وكان شيخهم سويلم بن حبيب منعزلا في خيمة صغيرة عند امرأة بدوية بعيدا عن المعركة ، فدلهم عليه بعض العرب ، فكبسوه ، وقتلوه ، وقطعوا رأسه ، ورفعوها علي رمح ( الجبرتي 375/1) .

وفي السنة 1183 ، قتل عمر باشا، والي بغداد ، الأمير عبدالله بن

ص: 506

شاوي الحميري ، رأس أسرة الشاوي في العراق ، خوفا من اتساع نفوذه ، واتهمه بالمخامرة علي الدولة . ( الاعلام 4/ 222 و 223) .

وفي السنة 1183 أعدم السلطان مصطفي الثالث ، وزيره الأول الصدر الأعظم يعليقجي زاده نيشانجي محمد أمين باشا ( معجم انساب الأسر الحاكمة 246).

وفي السنة 1184 أرسل علي بك رأس المماليك بالقاهرة ، عبدالرحمن آغا مستحفظان ، إلي ناحية غزة، وأمره بقتل سليط شيخ عربان غزة ، فلم يزل يتحيل عليه حتي قتله هو وإخوته وأولاده ( الجبرتي 1/ 399 ).

وفي السنة 1185 نفي حسين باشا الداماد ، والي حلب ، إلي قلعة البيرة ، وبعد أيام أرسل إليه من قتله ، وأرسل رأسه للدولة ( اعلام النبلاء 348/3)

وفي السنة 1186 قدم الأمير محمد بك أبو الذهب إلي القاهرة ، المحاربة سيده علي بك ، فخرج علي بك من القاهرة ، وسار نحو الشام ، فدخل محمد بك القاهرة ، واستقر بها ، وأرسل عبدالرحمن آغا مستحفظان ، إلي الأمير عبدالله كتخدا الباشا الوالي ، فذهب إليه بداره ، وقطع رأسه ( الجبرتي 1/ 416) .

وفي السنة 1184 أمر علي بك ، أمير مصر ، بارسال تجريدة من العسكر إلي الشام ، لمعونة الشيخ ظاهر العمر علي الدولة ، وكان قد أرسل أحد رجاله إلي غزة فقتل سليطأ شيخ عربان غزة ، هو وإخوته وأولاده ، ثم بعث تجريدة عظيمة بقيادة الأمير محمد بك أبي الذهب ، في جند كثير من المغاربة والهنود والأتراك واليمانية والمناولة ( الشيعة ) ، فحصر محمد بك أبو الذهب يافا ، واستولي عليها ، ثم استولي علي الممالك الشامية إلي حلب ، ثم عاد فجأة إلي مصر، وفي السنة 1188 عاد علي رأس جيش إلي بلاد

ص: 507

الشام ، ولكن لمحاربة الظاهر عمر ، فحصر يافا ، وضيق علي أهلها ، فكانوا يصعدون علي السور ، ويسبون المصريين وأميرهم سبا قبيحة ، فأوغروا صدر محمد بك أبي الذهب ، فلما فتحها، قبض علي أهلها ، وأمر بهم فربطوا بالحبال والسلاسل ، وسبوا النساء والصبيان ، وقتلوا منهم مقتلة عظيمة ، ثم جمعوا الأسري خارج البلد ، وأعملوا فيهم السيف ، وقتلوهم عن آخرهم ، لم يميزوا بين مسلم ومسيحي وموسوي ، ولا بين العالم والجاهل ، والعامي والسوقي ، وبنوا من رؤوس القتلي عدة صوامع ، وجوهها بارزة ( خطط الشام 308/2)

أقول : هذا ما ورد في كتاب خطط الشام ، أما ما جاء في كتاب سلك الدرر عن هذا الخبر فهو :

في السنة 1189 توجه محمد بك أبو الذهب ، من مصر ، بعسكر المحاربة عمر الظاهر صاحب عكا ويافا ، ففتح قلعة يافا عنوة ، وأمر بالقبض علي أتباع عمر الظاهر ، وربطهم بحبل « علي بعضهم بعضا ، ثم جلس علي كرسي ، وأمر بضرب أعناقهم ، فضربت أعناقهم عن آخرهم ، وهو جالس ينظر إليهم ( سلك الدرر 57/1 ).

وأعاد صاحب سلك الدرر 184/3 و 185 وصف كيفية فتح الجيش المصري بقيادة محمد بك أبي الذهب يافا ، قال : لما حاصر محمد بك أبو الذهب يافا، كان أهلها يصعدون علي السور ، ويسبون الجنود المصريين وأميرهم سبأ قبيحا ، فلما فتحها أبو الذهب ، نهبها جنده ، وسبوا النساء والصبيان ، وقتلوا منهم مقتلة عظيمة ، وجمعوا الأسري خارج البلد ، وقتلوهم عن آخرهم ، ولم يميزوا بين الشريف والوضيع ، والعالم والجاهل ، واليهودي والنصراني ، والعامي والسوقي ، والظالم والمظلوم ، وبنوا من رؤوس القتلي ، عدة صوامع ، وجوهها بارزة ، ثم ارتحل عنها أبو الذهب قاصدأ عكا ، فلما بلغ الظاهر ما صنع أبو الذهب بيافا، فر من عكا هاربا ،

ص: 508

فدخل إليها أبو الذهب بلا مقاومة ، ولكن القدر لم يمهله ، فمات في عكا .

وأورد الجبرتي في تاريخه ، قصة افتتاح يافا ، فقال : وفي السنة 1189 حضر محمد بك ابو الذهب ، بجيشه المصري ، مدينة يافا ، فحاربه أهلها ، وكانوا يصعدون إلي أعلي السور ، ويسبون المصريين وأميرهم سبا قبيحة ، ثم فتحها محمد بك عنوة ، وقبضوا علي أهلها ، وربطوهم بالحبال والجنازير ، وسبوا النساء والصبيان ، وقتلوا منهم مقتلة عظيمة ، ثم جمعوا الأسري خارج البلد ، « ودوروا فيهم السيف » وقتلوهم عن آخرهم ( الجبرتي 1/ 474 ).

وفي السنة 1189 ( 1775م) تل عمر باشا والي بغداد بأمر من السلطان العثماني فقطع رأسه وأرسل إلي الأستانة ( حكم المماليك في العراق لعلاء موسي كاظم نورس 37 ).

وفي السنة 1189 امتنع الأمير ظاهر العمر ، صاحب عكا ، من أداء الأموال الأميرية ، فأرسلت إليه الدولة قائد البحر حسن باشا الجزائري لمطالبته بالأداء ، فأغراه مستشاره ابراهيم الصباغ أن لا يؤدي شيئا ، فضرب حسن باشا عكا بالقنابل ، ففر الأمير ظاهر إلي خارج عكا ، فاغتاله أحد عبيده ، وأحضر رأسه إلي القائد التركي حسن باشا ، يتقرب إليه بذلك ، ولما علم القائد أن هذا العبد ، هو عند الأمير ظاهر منذ خمس عشرة سنة ، غضب منه لخيانته ، وأمر بقتله ، فقتل ، وأرسل القائد رأس الأمير ظاهر العمر ، إلي اصطنبول ( خطط الشام 2/ 310) .

أقول : ورد الخبر في سلك الدرر ببعض الاختلاف ، سواء في اسم الأمير أو في تاريخ مقتله ، وفي كيفية قتله ، قال : وفي السنة 1190 قتل الشيخ عمر بن صالح الظاهر الصفدي ، صاحب عكا ويافا ، قتله الوزير حسن باشا القبودان ، وكان الوزير سليمان باشا العظم قد قتل أخاه مصطفي ، وشنقه بدمشق ، ثم قصده فلم يتمكن منه ، إذ أنه لما وصل إلي قرب عكا ، دس

ص: 509

إليه من سمه في طعامه ، فمات وأعيد إلي دمشق جثة هامدة ، ثم قصده محمد بك أبو الذهب من مصر، فأحتل يافا، ثم قصده إلي عكا ، ففر منه ، ومات أبو الذهب بعكا ، ثم كان قتل الشيخ عمر علي يد الوزير حسن باشا القبودان ( سلك الدرر 184/3 و 185 ).

وفي السنة 1190 بعد قتل الأمير ظاهر العمر ، أمرت الدولة بالبطش بأولاده ، فاعتقلهم حسن باشا ، قائد البحر ، وحملهم معه إلي الأستانة ، وقتل أحدهم في الطريق ، واسمه أحمد ، لأنه طعن في حسن باشا ، وأفلت من يد الدولة ، أحد أولاد الأمير ظاهر ، واسمه الشيخ علي ، فأرسلت الدولة إلي محمد باشا العظم ، بأن يرسل إليها رأس الأمير علي الظاهر ، أو يؤخذ رأسه هو بدلا منه ، فقتل والي دمشق ، الأمير علي ، وأرسل رأسه ومعه رؤوس ثلاثة من أصحابه ، وانكر قوم أن الرأس رأس الأمير علي الظاهر ، فأحضر ولداه الحسن والحسين ، وعرضت عليهما الرؤوس المقطوعة ، فبكيا ، وقالا : هذا رأس أبينا الأمير علي ، وكان عظيم العارضين ، حتي إنه كان يدعي أبو سبعة شنبات ( خطط الشام 2 / 310 و 311) .

وفي السنة 1191 قتل الأمير يوسف بك ، من كبار المماليك بالقاهرة ، وكان قبل قتله ، قد قتل الشيخ صادومة وأمر برمي جثته في البحر ( النيل )، وسبب ذلك إن هذا الشيخ واسمه أحمد ويلقب بصادومة ، كان يدعي طول الباع في الروحانيات واتفق أن الأمير يوسف بك اختلي ذات ليلة بمحظيته ، فرأي علي سوأتها كتابة ، فسألها عن ذلك ، وتهددها بالقتل ، فأخبرته أن امرأة ذهبت بها إلي الشيخ صادومة ، وهو الذي كتب هذه الكتابة علي سوأتها اليحببها إلي سيدها ، فنزل يوسف بك وأمر بالقبض علي الشيخ صادومة ، وقتله ، وإلقاء جثته في النيل ، ففعلوا ذلك ، وأرسل إلي داره فأحتاطوا علي ما فيها ، وأخرجوا منها أشياء كثيرة ، وتماثيل ، منها تمثال قطيفة علي هيأة الذكر ، فأحضروا له تلك الأشياء ، فصار بريها للجالسين عنده ، والمترددين

ص: 510

عليه من الأمراء وغيرهم ، ووضع ذلك التمثال بجانبه علي الوسادة ، فيأخذه بيده ، ويشير لمن يجلس معه، ويتعجبون ويضحكون ( الجبرتي 511/1).

وفي السنة 1191 تأمر كل من الأمراء حسن الجداوي واسماعيل بك الصغير أخو علي بك العزاوي وسليم بك الإسماعيلي وعبدالرحمن بك العلوي ، علي الأمير يوسف بك ، فجلسوا عنده ، وحادثوه ، ثم سحب عبد الرحمن بك النمشاة ، وضرب بها يوسف بك ، فأراد أن يهم قائمة ، فداس علي ملوطة اسماعيل بك ، ووقع علي ظهره ، فنزلوا عليه بالسيوف وقتلوه ( الجبرتي 502/1 ) .

وفي السنة 1192 قتل الأمير عبدالرحمن اغا ، اغات مستحفظان ، قتل بحلوان ، وكان قد نجا من خصومه الذين يحكمون القاهرة ، ومر بحلوان يريد السفر إلي قبلي ( الصعيد ) فلما وصل إلي حلوان ، أرسل مملوكة له ليجيء له بلوازم من داره ، فعلم مراد بك بوجوده فسار بنفسه إلي حلوان ، وحصرها ، وأخذوا عبد الرحمن اغا قبضا باليد ، وعروه ثيابه حتي السراويل ، وسحبوه بينهم عريانا مكشوف الرأس والسوأتين ، وأحضروه بين يدي مراد بك ، فلما وقعت عينه عليه ، أمر بقطع يديه ، وسلموه لسواس الخيل يصفعونه ويلطمونه علي وجهه ، ثم قطعوا عنقه بسكين حرا ، وهم يقولون له : أنظر قرص البرغوث ، يذكرونه بقوله لمن كان يقتله : لا تخف يا ولدي ، إنما هي كقرصة البرغوث ، ودخل مراد بك القاهرة ، ورأس عبدالرحمن آغا ، أمامه ، علي رأس رمح ( الجبرتي 532/1).

وفي السنة 1192 غلت أسعار القمح بحلب ، فقام الناس علي القاضي ، وأخذوه معهم إلي السرايا ، وأهانوه وشتموه ، ووضعوه في الجاويشخانة ، وأرادوا قتله ، فسكن الوالي إبراهيم باشا خاطرهم ، وسير القاضي إلي إسلامبول ، ووافي حلب قاضي جديد هو إمام زاده السيد محمد

ص: 511

صادق أفندي ، فصار يدور بنفسه في الأسواق ، ونظر في أمور الخبز، وصار يرسل إلي المحكمة أناس يعاقبهم بضرب العصي ، وأنا يرفعهم إلي القلعة ، وفي تلك الأثناء ، قام الناس علي أحمد الخباز في السقطية ، وجاؤوا إلي القاضي ، فأمر برفعه إلي القلعة ، فذهب به الناس إلي الباشا ، فحال وصوله إلي السرايا ، أمر الباشا بقتله ، فقطع رأسه في الحال ( اعلام النبلاء 351/3 و 352).

وفي السنة 1194 في عهد الوزير عبدي باشا سرعسكر أنا طولي ، والي حلب ، توجه كاتب الديوان ، وإبن جيان ، إلي دار أحمد أفندي الخنكارلي - وابنه محمد أغا إذ ذاك كان متسلمة . فطلبوه من الحرم بعدما حاطوا داره بالتفنكجية، المسلحين بالسلاح الكامل ، فخرج إليهم ، وتلقاهم أحسن ملتقي ، وجلس لمؤانستهم ، فلم يشعر إلا وقد أحاطوا به وقبضوا عليه ، وذبحوه ، وحزوا رأسه ، ورجعوا به إلي السرايا ، ثم أخذوا ولده محمد أغا المتسلم ، والسيد أحمد أفندي الكواكبي ، وعينوا معهما بيارق، وأخذهما مع الرأس إلي ناحية أعزاز ، فحبسوهما في جادر ( خيمة ) وركزوا الرأس حذاء إبنه ، ثم نفي الكواكبي إلي قلعة البيرة ، وعين معه بيارق ، وأرسل الرأس للدولة العلية ( اعلام النبلاء 356/3) .

وفي سنة 1195 قتل بشير از صادق الزند ، حاكم إيران ( معجم أنساب الأسر الحاكمة 389) .

وفي السنة 1198 أعدم السلطان شاهين كراي بن أحمد ، آخر خانات القرم ، جري إعدامه بجزيرة رودس ، وضمت القرم إلي روسيا ( معجم أنساب الأسر الحاكمة 329).

وفي السنة 1200 أرسل القبطان حسن باشا، وكان بالقاهرة ، إلي أحمد بن عياد المغربي ، وكان ببولاق، يطلب منه مالا بالقرض ، فأبي أن يدفع

ص: 512

شيئا، فتوجه إليه إسماعيل كتخدا القبطان ، وكانت له عداوة سابقة مع إبن عياد ، فدخل عليه في داره ، والتجأ إبن عياد إلي الحريم ، وضرب علي الكتخد الرصاص ، فقتل إثنين من أتباعه ، فهجم الكتخدا وأصحابه عليه ، وأمسكوا به ، وقطعوا رأسه ، وألقوا جثته في الطريق ( الجبرتي 657/1 ) .

وفي السنة 1200 ورد إلي الديار المصرية ، جيش علي رأسه القبطان حسن باشا . وحدث عندما كان في القاهرة ، أن قبض علي ثلاثة من العسكر خطفوا أمتعة وأقمشة من الدكاكين في سوق الغورية ، كما قبض علي ثلاثة من العسكر « أفسدوا بالنساء » فرفعوا أمرهم إلي القبطان ( حسن باشا) فأمر بقتلهم ، فضربوا أعناق ثلاثة بالرميلة ، وثلاثة في جهات متفرقة ( الجبرتي 634/1)

وفي السنة 1201 قبض علي عثمان التوقتلي ، تابع أحمد قبودان حمامجي أوغلي ، وعوقب بأنواع العذاب ، وصودرت أمواله ، ثم قتل بالرميلة ( الجبرتي 2 / 23).

وفي السنة 1202 ضربت بالقاهرة أعناق خمسة أشخاص من أتباع الشرطة ، يقال لهم : البصاصون ، وسبب قتلهم أنهم أخذوا « عملة » وأخفوها عن حاكمهم ، واختصوا بها دونه ، ولم يشركوه معهم ( الجبرتي 54/2)

وفي السنة 1202 قام إسماعيل باشا، كبير الأرناؤط ، بقتل رئيس عسكره ، إتهمه بالمخامرة عليه ، فأحضره ، ولاطفه ، وأكرمه ، واختلي به ، ثم أغتاله ، وقطع رأسه ، وألقاها من الشباك إلي جماعته ( الجبرتي 53/2)

وفي السنة 1205 قبض أحمد باشا الجزار في دمشق ، علي أولاد السيد عبيد وسجنهم ، وصادرهم ، ثم قبض علي ثلاثين من أتباعه ، فسجنهم

ص: 513

في القلعة ، ففدوا أنفسهم بمائتين وخمسين ألف قرش ، فأذوها ثم قتلهم ، وقبض علي مفتي عكا ، وعلي رئيس مينائها، فقتلهم صبرا ( خطط الشام 22/3)

وفي السنة 1205 تنازع بطال أغا زاده نوري محمد أغا ، متصرف عينتاب مع الإنكشارية ، فاستغاث أهل عينتاب بمتصرف كلز محمد علي باشا آل طال زاده ، فجاء إلي عينتاب ، وطرد نوري محمد أغا ، ثم أخذ في ظلم الرعية ، أكثر مما ظلمها نوري محمد اغا ، فاتفق عليه أهالي عينتاب ، وقتلوه ، فلما بلغ نوري محمد اغا ، ذلك ، عاد إلي نواحي عينتاب ، وأخذ يقطع الطريق ، فعينت الدولة كوسا مصطفي باشا لقمع فتنته ، فتوجه إلي عينتاب وحصرها ، فنزل نوري محمد اغا مستسلمة ، فأعدم ( اعلام النبلاء 369/3)

وفي السنة 1207 قبض أحمد باشا الجزار ، علي محمد بن حسن بن علي العاملي ، وأحرق كتبه ، وسجنه أربعة أشهر، ثم قتله . ( الأعلام 323/6)

وفي السنة 1211 قتل لطف علي الزند، آخر حكام إيران من آل الزند ، قتله أغا محمد القاجاري ( معجم أنساب الأسر الحاكمة 389) .

وفي السنة 1211 قتل غيلة أغا محمد القاجاري ، بعد أن حكم إيران مدة تقل عن السنة ( معجم أنساب الأسر الحاكمة 389) .

وفي السنة 1211، قتل أحمد الجزار ، الحاكم التركي في تبنين ، زين بن خليل بن موسي الزين ، الأنصاري ، الخزرجي ، العاملي ( نسبة إلي جبل عامل ) ، ولم يكتف بقتله ، بل أحرق جثته ، ومكتبته . ( الأعلام 104/3)

وفي السنة 1212 قام الإنكشارية علي أعيان حلب ، وقتلوا كثيرا

ص: 514

منهم ، حتي كانوا يقتلون السيد وهو يصلي في المحراب ، فعرض الحال علي الدولة ، فأرسلت شريف باشا، واليا علي حلب فمنعه الإنكشارية من دخولها ،، فتعهد لهم بأن يكون في جانبهم ، ثم إنه راسل الإنكشارية سرا ، فثاروا بالسادات ، وكبسوهم ليلا، وقتلوا منهم مائتين وخمسين نفسا ( خطط الشام 11/3 ).

وفي السنة 1213 لما قصد نابليون بونابارت بلاد الشام ، بعث إلي الجزار صاحب عكا ، رسولا ، فلم يرد عليه جوابا ، فأرسل إليه رسولا ثانية ، فقتله الجزار ( خطط الشام 17/3 ).

وفي السنة 1213 إعتقل الإفرنسيون بالقاهرة شيخ العرب سليمان الشواربي شيخ قليوب ، ومعه ثلاثة من عرب الشرقية ، وحبسوهم بالقلعة ، ثم أنزلوهم إلي الرميلة ، علي يد الأغا، وقطعوا أعناقهم ثم وضعوا جثة الشواربي مع رأسه في تابوت ، وأخذه أتباعه إلي بلاد قليوب ، ليدفن هناك ( الجبرتي 241/2 ).

وفي السنة 1213 هاج غلام مملوك بالقاهرة ، في أول يوم عيد الأضحي ، وخرج إلي السوق وسيفه مسلول ، وصادف ثلاثة من الإفرنسيين فقتل واحدة منهم ، ثم قبض عليه ، وسأل عن سبب صنعه ، فقال : إنه يوم الأضحية، وأحببت أن أضحي بالإفرنسيين ، فحبس وقتل ( الجبرتي 275/2)

وفي السنة 1213 قبض الإفرنسيون بالقاهرة ، علي شخص من الأجناد المماليك إسمه مصطفي كاشف ، ورد إلي القاهرة من دون إذن ، فقطعوا رأسه ، وطافوا بها ينادي عليها المنادي بأن هذا جزاء من يدخل إلي مصر من دون إذن الفرنسيس ( الجبرتي 2/ 237 ).

وفي السنة 1214 قتل الإفرنسيون بالقاهرة الأمير عبد الله أغا، أمير

ص: 515

- افا ، وكانوا قد أسروه عند افتتاحهم مدينة يافا ، فاعتقلوه ، ثم قتلوه جبرتي 2/ 297 ) .

وفي السنة 1214 لما استعرت الحرب بين الجيش الإفرنسي ، وبين المماليك وأهل القاهرة ، بعث القائد الإفرنسي إلي أهالي بولاق رسولا إفرنسية ، ينادي : الأمان الأمان ، سواسوا ، فأنزلوه عن فرسه ، وقتلوه (الجبرتي 2/ 337 ).

وفي السنة 1214 هاجم جماعة من الجيش العثماني ، قلعة أبو قير ، وكان فيها جماعة من الجيش الإفرنسي ، فانتصر الإفرنسيون ، وأسر قائد الجيش السيد مصطفي باشا ، ومعه عثمان خجا، فنقلوا مصطفي باشا إلي الجيزة ، أما عثمان فاعتقلوه بالإسكندرية ، ثم نقلوه إلي رشيد ، فدخلوا به البلد وهو مكشوف الرأس ، حافي القدمين ، وطافوا به البلد يزفونه بطبولهم ، حتي وصلوا به إلي داره فقطعوا رأسه تحتها، ثم رفعوا رأسه ، وعلقوها في شباك داره ليراها من يمر بالسوق (الجبرتي 301/2 ).

وفي السنة 1214 كان الجيش الإفرنسي بمصر ، قد اتفق مع العثمانيين علي الجلاء عن مصر ، ثم اتهموا الوزير العثماني يوسف باشا ، بأنه قد اتفق سرا مع الإنكليز خصومهم علي استئصالهم ، فعادوا وتحصنوا في مواقع حصنوها حول القاهرة ، وراسلوا الوزير يوسف باشا، وطالبوه بالرحيل خلال أربع ساعات ، ولم يكن الوزير متهيأ للحرب ، فاضطر للرحيل ، ودخل أمراء المماليك القاهرة ولما دخل نصوح باشا إلي القاهرة ، قال للعامة : أقتلوا النصاري ، وجاهدوا فيهم ، فهاج العامة ، وصاحوا ، ومروا مسرعين يقتلون من صادفوه من نصاري القبط والشوام ، وذهبوا إلي حارات النصاري ، وأخذوا يكسبون الدور ، ويقتلون من يصادفون من الرجال والنساء والصبيان ، وينهبون ، وأعلن عثمان كتخدا أن كل من جاءه برأس نصراني أو يهودي أو فرنساوي ، حيا أو ميتا ، يأخذ البقشيش ( الجبرتي 2 / 323 - 325) .

ص: 516

وفي السنة 1214( 1799م دخلت النجف قافلة من الوهابيين تمتار، وشاهد أفرادها ، شيخ الخزاعل وهو يقبل عتبة باب مرقد الإمام علي بن أبي طالب ، فهجموا عليه وقتلوه ( حكم المماليك في العراق 55 ).

وفي السنة 1216 مات بالقاهرة تسعة أشخاص في شربة عرقسوس ، وذلك إن شخصا من العسكر الأرنؤد بالحملة ، شرب من العرقسوسي ، شربة عرقسوس ، ولم يدفع له ثمنها، فشكاه العرقسوسي إلي القلق الإنكشاري ، فأحضره وأمره أن يدفع ثمنها ، ونهره ، وأراد ضربه ، فاستل العسكري طبنجته ، وضرب الحاكم ( القلق ) فقتله ، وهرب إلي حارة الجوانية ، ودخل إلي دار ، وامتنع فيها ، وصار يضرب بالرصاص علي كل من قصده ، فقتل خمسة أنفار ، ومر شخصان من الأرنؤد بتلك الخطة ، فقتلهما الإنكشارية ، لكون الغريم أرنؤدية من جنسهما ، فلما أعياهم أمره ، حرقوا عليه الدار ، فخرج هاربة من النار ، فقبضوا عليه وقتلوه ، ومات تسعة أشخاص في شربة عرقسوس ( الجبرتي 2 / 479) .

وفي السنة 1216 لما دخل العسكر العثماني القاهرة ، ورحل الإفرنسيون ، أعدم بالرميلة شخص إسمه حجاج ، كان متولي الأحكام ببولاق أيام الفرنسيين ، وقتل معه آخر قيل إنه أخوه ، كما قتل آخرون بالأزبكية ، وجهات مصر ( الجبرتي 2/ 482) .

وفي السنة 1216 حدث بالقاهرة، أن شخصين من القليوبية ، دخلا دار رجل نصراني فأخذا من داره بقجتين من الثياب، وخرجا، فوجدا شخصين من الفلاحين مازين ، فسخراهما في حمل البقجتين ، وخرج النصراني ، وشكا إلي القلق ، فأمر بالقبض علي الشخصين العسكريين ، فتخلصا وهربا، وأخذوا الشخصين المسخرين، فقطعوا رأسيهما ظلما وعدوانا ، ( الجبرتي 480/2)

ص: 517

وفي السنة 1216 أمر الباشا والي مصر ، بقتل محمد أغات ، المعروف بالوسيع ، أغات المغاربة ، فقطع رأسه علي الجسر ببركة الأزبكية ، وكتب سبب قتله في رقعة وضعت عند رأسه ( الجبرتي515/2 ).

وفي السنة 1216 أمر الباشا والي مصر ، برمي رقبتي محمد أغا والي القاهرة ، وسليم أغا المحتسب ، فقطعوا رأس الوالي تحت بيت الباشا علي الجسر ، وقطعوا رأس المحتسب عند باب الهواء وختم علي دورهما (الجبرتي 512/2).

وفي السنة 1216 قتل بالقاهرة رجل إسمه مصطفي الصيرفي ، قطعوا رأسه تحت داره عند حانوته ، وسبب قتله إتهامه بأنه كان قد تعاون مع نصاري القبط في أيام الفرنسيين في توزيع الفرد ( الجبرتي 495/2) .

وفي السنة 1216 قطعوا بالقاهرة رأس علي جلبي تابع حسن أغا شنن ، بباب الخرق ، بأمر من الوزير العثماني ، إتهم بأنه دل الفرنسيين علي مخبات كان يوسف باشا الكبير قد أودعها عند حسن أغا شنن ، وثبت ذلك عند القاضي ، فقتل ، وترك مرمية ثلاثة أيام بلياليها ( الجبرتي509/2).

وفي السنة 1219 (1801م) هاجم الوهابيون كربلا، واقتحموها وأسرفوا في القتل والنهب ، ولم يعمل عمر أغا حاكم البلدة شيئا لحمايتها ومقاومة الغزاة فأمر سليمان باشا والي بغداد باعتقال عمر أغا، وإعدامه، فأعدم ( حكم المماليك في العراق 58 ) .

وفي السنة 1217 قتل بالقاهرة ، شخص عسكري نصراني ، عند باب الخرق ، قتله أغات التبديل ، بسبب أنه كان يقف عند باب داره ، بحارة عابدين ، هو ورفيقان له ، ويخطفون من مر بهم من النساء في النهار إلي أن قبض عليه ، وهرب رفيقاه ( تاريخ الجبرتي 554/2 ).

وفي السنة 1217 قتل الباشا والي مصر ، ثلاثة أشخاص من النصاري

ص: 518

المشاهير ، وهم ألطون أبو طاقية ، وإبراهيم زيدان ، وبركات معلم الديوان ، وختم الدفتر دار علي دورهم ، وأملاكهم ، وشرعوا في نقل موجوداتهم إلي بيت الدفتردار لتباع بالمزاد ( الجبرتي 530/2 ).

وفي السنة 1217 أراد جماعة من العسكر العثماني بالإسكندرية ، القبض علي امرأة من النساء اللاتي يصاحبن الإنكليز ، فمنعها عسكر الإنكليز منهم ، فتضاربوا ، وقتل إثنان من الإنكليز ، فاجتمع الإنكليز ، وراسلوا الحاكم خورشيد باشا، بأن يخرج إلي خارج البلدة ، وأن يحاربهم ، فامتنع ، فأمروه بالنزول من القلعة ، وأسكنوه في دار بالبلد ، وجردوا العسكر العثماني من السلاح ( الجبرتي 2 / 534 ) .

وفي السنة 1217 غضب الباشا والي مصر ، علي محمد كتخدا ، محافظ البحيرة ، وأحضره ، فلما حضر أمر بقتله ، فنزل به لعسكر ، ورموا رقبته عند باب الباشا ، ثم نقلوه إلي بين المفارق ، واستمر مرميأ عريانا إلي قبيل الظهر ، ثم شالوه إلي بيته ( الجبرتي 2/ 545 ) .

وفي السنة 1218 قتل علي باشا والي بغداد كلا من محمد بك الشاوي وأخيه عبد العزيز ( حكم المماليك في العراق 65).

وفي السنة 1218 أمر طاهر باشا ، قائمقام الوالي بمصر ، فقبض علي المعلم ملطي القبطي من أعيان كتبة القبط ، وكان قاضيا أيام الفرنسيس ، فرموا رقبته عند باب زويلة ، وكذلك قطعوا رأس المعلم حنا الصبحاني ، أخي يوسف الصبحاني ، من تجار الشوام ، عند باب الخرق ، وأقاما مرميين إلي ثاني يوم ( الجبرتي 2/ 574 ).

وفي السنة 1218 طارد ثلاثة من العسكر ، بالقاهرة ، رجلا تاجرا ، فهرب منهم إلي حمام الطنبدي ، فدخلوا خلفه وقتلوه ، في داخل الحمام ،

ص: 519

وأخذوا ما في جيبه من الدراهم ، وذهبوا ، وحضر أهله ، وأخذوه في تابوت ودفنوه ( الجبرتي 616/2 ).

وفي السنة 1218 راجع الإنكشارية بالقاهرة ، طاهر باشا، قائمقام الوالي بمصر ، وطالبوا بجماكيهم المنكسرة ، فقال لهم : ليس لكم عندي شيء، ولا أعطيكم إلا من وقت ولايتي ، فأوغر ذلك صدورهم ، وألحوا عليه ، فنتر فيهم، فضربه أحدهم بسيفه ، فطير رأسه ، ورماها من الشباك إلي الحوش ، وهاجوا علي أتباعه فقتلوا منهم جماعة ، ووقع الحريق والنهب في الدار ، وشق الوالي والأغا ينادون بالأمان حسبما رسم الوالي أحمد باشا، وظلت جثة طاهر باشا مرمية لم يلتفت إليها أحد ( الجبرتي 575/2 ) ، فهاج الأرنؤد لمقتل طاهر باشا ، وحصروا أحمد باشا مع الإنكشارية ، حتي استسلموا ، فاعتقلوا أحمد باشا ، والشخصين اللذين قتلا طاهر باشا ، وهما إسماعيل أغا وموسي أغا، وقطعوا رأسيهما ، وذهبوا بهما إلي زوجة طاهر باشا ، وإلي أخي طاهر باشا ( الجبرتي 581/2 ).

وفي السنة 1218 كان عرضي ( اوردي ) الباشا والي مصر ، بناحية شلقان ، وأرسل أمير آخوره علي جمال لجلب برسيم، فوجدوا جمالأ للأمير الألفي ، فطردوها ، وعلم الألفي بدلك ، فأمر أحد كشافه بالركوب عليهم ، فذهب إليهم وقتل المير اخور وساق معه الجمال ، وبلغ الباشا الخبر فغضب ، فترضاه رضوان كتخدا إبراهيم بك وأعاد إليه الجمال ، وذهب دم المير آخور هدرأ ( الجبرتي 618 ) ، ثم إن عسكر الأرنؤد اتفقوا مع المماليك ورتبوا مؤامرة ، وافتعلوا مضاربة كان من جرائها أن قتل الوالي علي باشا ، وقتل معه إبن أخته حسن بك ، وكتخداه ، وثمانية عشر رجلا من أتباعه ، وروي أن الباشا لما سقط وفيه رمق ، رأي أحد الأمراء المصريين ، فقال له : في عرضك يا فلان ، إن معي كفنا بداخل الخرج ، فكفني فيه ، وادفني ، ولا تتركني مرميا ، فصنع له ما طلب ( الجبرتي 621/2).

ص: 520

وفي السنة 1218 هاج عسكر الأرنؤد بمصر ، وجاء جماعة منهم إلي بيت الدفتر دار بالقاهرة وكان معه يوسف كتخدا بك ، فدخلوا وأغلقوا الباب ، وقبضوا أولا علي الدفتر دار ، وشلحوه من ثيابه ، وهو يقول: عيبتر ، وأخرجوه إلي فسحة في الدار ، وقطعوا رأسه بعد ضربات ، وهو يصيح مع كل ضربة ، لكون المشا علي ( الجلاد لا يحسن الضرب ، ولم يكن معه سلاح، بل ضربه بسلاح بعض العسكر الحاضرين ، ثم فعلوا ذلك بيوسف كتخدا بك وهو ساكت لم يتكلم ، وأخذوا الرأسين ، وتركوهما مرميين ، وخرجوا بعدما نهبوا ما وجدوه ( الجبرتي 579/2 ).

وخرج أحمد باشا الجرار ذات يوم ، قبل طلوع الشمس ، إلي باب السراي ، وأمر بإغلاق أبواب المدينة ، وقبض علي كثيرين من العمال والكتاب والأهالي ، وسجنهم ، وكانوا مائتين وثلاثين إنسانة ، ثم قبض علي النواب وسجنهم معهم ، ثم أحضر الفعلة وسجن منهم جملة، ثم أحضر التجار وأرباب الصنائع والحمالين ، وسجن منهم جماعة ، فامتلأت السجون ، وفي غد ذلك اليوم ، أحضر المغاربة ، وأمرهم أن يخرجوا السجناء إلي خارج البلد ، وأن يقتلوا الجميع ، ففعلوا ما أمرهم به ، وكان يوما عصيبا ، لم تكن تسمع فيه إلا صراخ المقتولين ظلمأ، وعويلهم ، وأنينهم ، وبقي القتلي مطروحين خارج البلد ، ثم أذن لأهاليهم أن يدفنونهم ، وأنذر كل امرأة ترفع صوتها أن تقتل حا" ، ثم أرسل جنوده فأحضر مشايخ البلاد ، وأصحاب الإقطاعات ، فمنهم من قتله ، ومنهم من اكتفي بجدع أنفه ، وصلم أذنه ( خطط الشام 22/3 ).

وفي السنة 1218 اعطيت للجزار ولاية دمشق ، فبعث إليها وهو في عكا، تعريفة إلي دمشق ، صحبة المفتي أسعد افندي المحاسني ، وبعد تلاوته، أخرجت الأوامر الصادرة منه ، فإذا أحدها تعيين القائمقام ، فجري ايجابه ، وإذا أوامر أخري بالقبض علي عبد الرحمن افندي المرادي ، المفتي

ص: 521

السابق ، وجملة من الرؤساء والوجوه ، فسجنوا في القلعة ، وفي غيرها ، وكتب للجرار بذلك ، فحضر الجواب بعد ليلتين بإعدامهم الحياة ، فقتلوا عبد الرحمن افندي المرادي ، والدفتر دار حسن افندي ليلا ، ثم قتلوا جملة ذوات معتبرين ، وبادروا بسلب الأموال ( مجموعة السيد محمود الحمزاوي ).

وجاء في خطط الشام 3/ 20 إن الدولة العثمانية ، لما بلغها مقتل من قتل في دمشق ، كتبت إلي الجزار تلومه علي قتل عبد الرحمن افندي المرادي ، فألقي تبعة قتله علي وكيله محمد بن عقيل ، وقبض علي وكيله ، وقطع جسمه إربا .

وقال الشيخ البيطار في تاريخه : كان أحمد باشا الجزار ، مجبوط علي الفظاظة والقسوة ، مطبوعة علي الفسوق والآثام ، سقاكا للدماء ، وفي السنة 1218 أضيف إلي حكمه ، ولاية دمشق ، فزاد في طغيانه ، وقتل الأنفس ، وسلب الأموال ، حتي قتل خلق كثيرا من أعيان دمشق ، ومن أفضلهم عبد الرحمن افندي المرادي ، مفتي دمشق ، وأسعد افندي المحاسني ، فقيهها أيضا ، واصطنع للناس أنواع العذاب ، بالات أخترعها له طائفة من الأكراد ، عاونوه علي ظلم العباد ، وأقروه علي دعواه بأنه مجدد الوقت ، وكان رئيسهم يدعي التصوف ، ويقول : إن الشيخ الأكبر أخبر عنه في فتوحاته ، وأدعوا أن ما يرتكبه من القتل والنهب ، ليس حراما ، بل إنه حلال، حتي إنهم أكفروا من أنكر عليهم ذلك من علماء عصرهم .

أقول : قرأت في كتاب لا يحضرني اسمه ، لوزير مغربي ، لقي الجزار في مكة ، وجالسه ، وتحدث إليه ، وتناول معه الطعام ، فذكر أن الجزار كان لا يثق بأحد من الناس ، حتي إنه كان يحضر طعامه بيده ، إذ لا يطمئن الأتباعه ، وإنه أراه كراس يظهر عليه أثر القدم ، فيه رموز وإشارات فيها أوصاف الجزار ، وإنه صاحب الزمان ، قال : وسألني عن رأيي فيما جاء في

ص: 522

الكراس ، فصدقته ، وأخبرته بأن ما جاء في الكراس مخاريق يصنعها بعض المحتالين لاصطياد الدراهم ، وإن في أمكاني أن أصنع له كراسأ مثل هذا الكراس ، وأكتب فيه ما أريد، ثم أعالجه حتي تظهر عليه دلائل القدم ، فلما سمع ذلك مني ، بانت عليه دلائل الإنكسار ، ودخلت عليه يوما ، وكان مع أصحابه ، فكلمهم بالتركية ، وهو يحسب أني لا أحسنها ، وقال لهم : إن هذا الرجل، كلمني كلاما كسر به رأسي . أقول : ليس هذا نص ما ورد في الكتاب ، وانما ألممت بالمعني .

ولما هلك الجزار في السنة 1219 كان أحد الباشاوات ، واسمه اسماعيل باشا الأرناؤطي في حبسه ، فخرج من الحبس ، واستولي علي متروكات الجزار ، وعلي منصبه ، قاضطرت الدولة إلي قتاله ، وجيشت عليه جيشأ حصره في عكا أربعة أشهر ، حتي أخذ وقتل ( خطط الشام 26/3 ).

وفي السنة 1219 مر بالقاهرة جماعة من العسكر العثماني بخط الدرب الأحمر ، فأرادوا أخذ قنديل من قناديل السوق ، فقام عليهم الخفير بريد منعهم ، فذبحوه ، وأخذوا القنديل ، كما وجدوا عسكريا مقتولا جهة الموسكي ( الجبرتي 25/3 ).

وفي السنة 1219 تشاجر في القاهرة شخص من العسكر العثماني ، مع شخص حكيم فرنساوي ، عند حارة الإفرنج بالموسكي ، فأراد العسكري قتل الفرنساوي ، فعاجله الفرنساوي فضربه وقتله ، وفر هاربا ، فاجتمع العسكر وأرادوا نهب الحارة ، فوصل الخبر إلي محمد علي ، فركب في الوقت ومنع العسكر من النهب ، وأغلق باب الحارة ، وقبض علي وكيل قنصل الفرنساوية ، وأخذه معه ، وحبسه عنده ، حتي سكن العسكر ( الجبرتي

25/3)

وفي السنة 1219 وصل إلي القاهرة شخص رومي بمراسلة من الأمير

ص: 523

الألفي من المماليك ألي والي مصر أحمد رشيد باشا، ولما قرأ الباشا الرسالة ، أمر بقتل الرسول ، فرموا عنقه برحية القلعة ( الجبرتي 14/3 ).

وفي السنة 1219 أرسل الألفي الصغير ، من أمراء المماليك ، ورقة إلي شخص من كبار العسكر بالقاهرة مقطوع الأنف ، كان من أتباعه حين كان بمصر ، يدعوه في الورقة للحضور إليه ، ويعده بالإكرام ، فأخذ الورقة والرسول إلي الوالي أحمد خورشيد باشا، فأمر الوالي بقتل الرسول ، فرموا رأسه بالرميلة ، وأنعم علي مقطوع الأنف بعشرين ألف نصف فضة وشكره ( الجبرتي 15/3 ).

وفي السنة 1219 قبض والي القاهرة علي شخص يشتري طربوشا عتيقة من سوق العصر بسويقة لاجين ، وإتهمه بأنه يشتري الطرابيش للماليك النازحين إلي الصعيد، ورمي رقبته عند باب الخرق ظلمأ (الجبرتي 653/2)

وفي السنة 1219 نزل الباشا في التبديل ( متنكرأ ) ومر من سوق السمكرية ، فرأي عسكريأ يشتري كوز صفيح ، فأعطاه خمسة أنصاف ، فأبي السمكري إلا عشرة ، فلم يدفع له إلا خمسة ، فتدخل الباشا، وقال للعسكري : أعطه ثمنه ، فقال له العسكري ، ولم يعرف إنه الباشا : وايش علاقتك ؟ فقال له : أما تخاف من الباشا ؟ فقال العسكري : الباشا علي زبي ، فضربه الباشا ، وقتله ( الجبرتي 3/ 32).

وفي السنة 1219 ركب الباشا ( والي مصر ) بالتبديل، ونزل من جهة التبانة ، فوجد في طريقه عسكريا يأخذ حمل تبن من صاحبه قهرأ ، فكلمه ، وهو لم يعرفه ، فأغلظ له في الجواب ، فقتله ، ثم نزل إلي جهة باب الشعرية ، وخرج علي ناحية قناطر الأوز ، فوجد جماعة من العسكر غاصبين قطعة زبدة من رجل فلاح ، وهو يصيح ، فأدركهم وهم سبعة ،

ص: 524

وفيهم شخص ابن بلد أمرد ، لابس ملابس العسكر ، فأمر بقتلهم ، فقبضوا علي ثلاثة منهم ، وفيهم ابن البلد ، وقتلوهم ، وهرب الباقون ، ثم نزل إلي ناحية قنطرة الدكة ، وقتل شخصين أيضا ، وبناحية بولاق كذلك ، وبالجملة فإنه قتل في ذلك اليوم نيف وعشرين شخصأ ، وأراد بذلك الإخافة ، فانكف العسكر عن الإيذاء قليلا ( الجبرتي 37/3 ) .

وفي السنة 1220 مر بالقاهرة ثلاثة من العساكر « السجمان ، بناحية مرجوش فصادفوا غلام حمامية من اللاذنجية ، خرج ليشتري قهوة ، فأرادوا أخذه ، ففر منهم ، فضربوه برصاصة وقتلوه ، فتبعهم الناس ، فوصلوا إلي النحاسين ، وعطفوا علي خان الخليلي ، وأرادوا الخلوص إلي جهة المشهد الحسيني ، فأغلقوا البوابة في وجوههم ، فضربوا علي من يلاحقهم ، فقتلوا شخصا وجرحوا آخر ، وفرغ ما عندهم من البارود ، فطلعوا إلي ربع وكالة الشبراوي ، فاجتمع الناس وكسروا باب الربع ، فنزلوا يريون الهرب ، فقتلهم الناس ( الجبرتي 65/3 ).

وفي السنة 1220 مر بعض أولاد البلد بجهة الخرنفش بالقاهرة ، فضربه بعض عسكر حجو المقيم بيت شاهين كاشف فقتله ، افشار أهل الناحية ، وتضاربوا بالرصاص ، وقتل من الطرفين أشخاص ، وتسلقوا علي بيت حسن بك مملوك عثمان الحمامي الحكيم ، وذبحوه ، وكذلك رجل زيات ، وعبد صالح أغا الجلفي ، وحسن ابن كاتب الخردة ، وكان سبب الحادثة إن عسكرية اشتري من رجل خردجي ملاعق ، وأراد أن يردها من الغد فلم يقبل . وتسابا ، فضربه العسكري ، فصاح الخردجي : هذا ما يحل من الله ، النصراني يضرب الشريف ، فاجتمع الناس ، وسحبوه إلي بيت النقيب ، فلما اقتربوا من البيت ، ضربوه وقتلوه ، وأخرجوه إلي تل البرقية ، ورموه هناك الجبرتي 75/3 ).

وفي السنة 1220 دخل إلي القاهرة قسم من المماليك جاءوا من خلف

ص: 525

الجبل ، فأحاط بهم العسكر ، وضاربهم ، فدخلوا إلي جامع البرقوقية ، وأغلقوا الباب علي أنفسهم ، فأحرق العسكر الباب ، وقبضوا عليهم ، وعروهم ، وذبحوا منهم نحو الخمسين مثل الأغنام ، وساقوا نحو الخمسين أيضا وهم عراة ورؤوسهم مكشوفة وأقدامهم حافية ، مكتوفين ، يضربونهم ، ويصفعونهم علي أقفيتهم ووجوههم ويسبونهم ، وأخذوهم إلي بيت الباشا ، محمد علي ) بالأزبكية ، وكان من جملتهم احمد بك تابع البرديسي ، وقد كان أميرة بدمياط ، فطلب أحمد بك ماء ، فحلوا اكتافه وجاءوا اليه بماء ليشرب ، فخطف بطقان من وسط بعض الواقفين ، وهاج فيهم ، وأراد قتل محمد علي باشا ، وقتل أنفارة ، فقام الباشا وصعد إلي فوق ، وتكاثروا علي أحمد بك وقتلوه ، ووضعوا باقي الجماعة في جنازير ، وفي أرجلهم القيود ، وربطوهم بالحوش ، وهم علي الحالة التي حضروا فيها من العري والحقارة والذلة ، وفي ثاني يوم أحضروا الجزارين ، وأمروهم بسلخ الرؤوس بين يدي المعتقلين ، وهم ينظرون إلي ذلك ، وأحضروا جماعة من الإسكافية فحشوها تبنا وخيطوها ، ثم عادوا فقتلوا جميع المعتقلين ما عدا حسن شبكة ومعه اثنان قيل إنهم عملوا علي أنفسهم ثلثمائة كيس ( أي تعهدوا بدفعها ) فأبقوهم ، وقتلوا الباقين قتلا شنيعأ ، وعذبوهم في القتل من أول الليل إلي آخره ، ثم قطعوا رؤوسهم وحشوها تبنا ، ووسقوها في مركب ، وبعثوا من يوصلها إلي إسلامبول ( إصطنبول ) ( الجبرتي 3/ 85 و 86).

وفي السنة 1220 قبض المحافظون بالقاهرة علي خيال مقبل من جهة مصر القديمة ، يريد الطلوع إلي القلعة آخر النهار ، ووجدوا معه أوراقا ، فأخذوه إلي محمد علي باشا ، فوجدوا في ضمنها خطابا إلي الباشا المخلوع من علي باشا وياسين بك مضمونها أنه في صباح يوم الجمعة نطلق من الجيزة سبعة سواريخ تكون اشارة بيننا وبينكم ، فعندما ترونها تضربون بالمدافع والبمب علي بيت محمد علي ، ونحن نعدي إلي مصر القديمة ، ويصل

ص: 526

البرديسي من خلف الجبل ، ويأتي باقي المصريين من ناحية طرا ، ويقوم من بالبلدة علي من فيها ، ويتم المرام ، فاشتد غيظ محمد علي علي الرجل ، فاستجار الرجل بالقاضي ، فلم يجره وأمر به فأخذوه وقتلوه ، ورموه ببركة الأزبكية ( الجبرتي 79/3 ).

وفي السنة 1221 هاج الإنكشارية علي السلطان سليم الثالث العثماني ، وخلعوه وقتلوه ، لأنه حاول إصلاح الإدارة والجندية في الدولة العثمانية ، وتولي مكانه السلطان مصطفي الرابع ، فدام ملكه أربعة عشر شهرة ، ثم قتله الإنكشارية كذلك ( خطط الشام 28/3 ).

وفي السنة 1222 ظهر بناحية فيها العسل ، رجل اسمه الشيخ سليمان ، ادعي الولاية وتبعه كثير من الناس ، ولما كثر أتباعه ، قدم القاهرة ، فأحضره الكتخدا ، وبعث معه أشخاصا ذهبوا به إلي بولاق ، وأنزلوه في مركب ، وانحدروا به ومعه أربعة من تلاميذه ، ثم قتلوه ، وألقوه في البحر ( النيل) وألقوا تلاميذه الأربعة ، فنجا منهم واحد سبح في الماء وطلع إلي البر وهرب ( الجبرتي 213/3 ) .

وفي السنة 1223 مر بلاد النصيريين طبيب انكليزي ، فقتله الرعاع هناك ، فأرسل سليمان باشا والي صيدا ، عسكر، بزعامة مصطفي بربر ، اللقبض علي القتلة ، فاكتسح العسكر بلاد النصيرية ، وقتل سبعين رجلا من كبارهم ، وحشي رؤوسهم تبنا ، وبعث بها إلي سليمان باشا ( خطط الشام 28/3 و 29 ).

وفي السنة 1223 وردت الأخبار من اصطنبول بأن طائفة النيكجرية قاموا علس السلطان سليم وعزلوه وأجلسوا مكانه السلطان مصطفي ، وأبطلوا النظام الجديد ، وقتلوا الدفتر دار وكتخدا الدولة ، وقطعوهم ، وكان السلطان سليم قد أرسل يستنجد بمصطفي باشا البيرقدار وكان القائد بالروملي ، فركب في

ص: 527

عدة وافرة من العسكر وقدم إصطنبول ، ودخل إلي القصر السلطاني ، فوجد السلطان سليم مقتولا ، فعزل السلطان مصطفي ونصب السلطان محمود في مكانه ( الجبرتي 3/ 237 و 238 ).

وفي السنة 1224 قتل محمد علي باشا ، الأمير مصطفي أغا تابع حسن بك في قصبة رضوان ، وسبب ذلك إن أختلاف وقع بين قبودان بولاق وأحد العساكر الأرناؤد ، فسل القبود ان سيفه ليضربه ، فعاجله الأرناؤدي وضربه بالطبنجة فقتله ، وفر القاتل إلي حيث اجتمع جماعة من الدقة فالتجأ إليهم ، فحموه ، وكان مصطفي اغا ملتزم البلدة ، فخشي أن تخرب البلدة ، وقال لهم : يا جماعة ، نذهب إلي الباشا ، ليري رأيه ، فذهبوا بأجمعهم ، والقاتل معهم ، فلما طلعوا إلي ساحل بولاق فر القاتل والتجأ إلي عمر بك الأرناؤدي ، وأراد مصطفي اغا أن يأخذه ، فقال له عمر بك : قل للباشا إنه عندي ، فذهب إلي الباشا ( محمد علي ) وأخبره بالحال ، فغضب ، وقال له : لماذا تركته يهرب ، وأمر بقتل الامير مصطفي فأنزلوه إلي الرميلة ، ورموا رقبته عند باب القلعة ( الجبرتي 257/3 ).

وفي السنة 1227 (1812 م ) ثار محمد باي ، بوهران ، علي أمير الجزائر ، الحاج علي باشا ، فبعث إليه الأمير جيشأ بقيادة عمر اغا، وكان عمر أغا يحقد علي محمد باي ، لأنه سبق أن قتل أخا له ، فقصد الأغا وهران ، وكتب إلي حاشية محمد باي ، يأمرهم بالقاء القبض عليه واعتقاله ، فألقوا القبض عليه ، وأوثقوه ، فلما وصل عمر اغا ، عذبه ، ثم قتله ، وسلخ جلدة رأسه ، وحشاها قطنأ ، وبعث بالرأس إلي الأمير في الجزائر ، فأمر الأمير بأن ينصب الرأس علي عمود بركز فوق باب البلدة ، وظل هناك عدة سنين ( مذكرات الزهار 107).

وفي السنة 1227 قتل بالإسكندرية محمد افندي الودنلي ، الذي كان ناظر المهمات وكان أثيرا عند محمد علي باشا ، فحسده الكتخدا ودست عليه ،

ص: 528

فعزله الباشا ، ولما أراد العودة إلي وطنه في تركيا ، أذن له ظاهرا ، وكتب إلي حاكم اسكندرية ، بقتله ، فقتله ، وكان كريم ، محسنأ ( تاريخ الجبرتي 392 - 385/3)

ومن أغرب أنواع الفتك ، الفتك بقصد الإرهاب ، وقد مارسه رجل من شرار الخلق ، وهو جلال الدين ، والي حلب في السنة 1227 فانه كان إذا أراد النزول إلي السوق ، أمر فزينت له الأسواق نهارة ، فينزل ، ومعه البلطجية والعساكر عن يمينه وشماله ، فيدور في الأسواق ، ومتي أدار الوالي نظره إلي رجل ، فإن البلطجية يأتون فيضربون رقبة صاحب ذلك الحانوت ، يفعل ذلك بثلاثة أو أربعة أشخاص ، ثم يعود ، وتكرر منه هذا الفعل ، فسأله وجوه البلد ، عن سبب قتل هؤلاء ، وعن ذنبهم ، فقال : إنهم لا ذنب لهم ، غير أني أريد إرهاب الناس ( اعلام النبلاء 377/3 و 378) .

وفي السنة 1228 (1813 م ) نشبت معركة بين والي بغداد عبد الله باشا وبين حمود الثامر ، أمير المنتفق ، لأن سعيد باشا بن سليمان باشا التجأ إلي حمود ، فطالب الوالي حمود بتسليمه ، فأبي ، وأسفرت المعركة عن انكسار جيش بغداد ، وأسر الوالي عبد الله باشا، والكتخدا طاهر أغا، والقواد ، وكان برغش بن حمود الثامر قد جرح في المعركة ، فلما مات ، قطع أصحاب حمود رأس الوالي والكتخدا ( حكم المماليك في العراق 86 والاعلام 315/2).

وفي السنة 1228 أرسل محمد علي باشا، إلي اصطنبول ، ولده إسماعيل ، ومعه مفاتيح مكة والمدينة وجدة ، وكان يحملها لطيف أغا، أحد خدم محمد علي باشا ، ومعه مضيان أمير المدينة للوهابيين ، فأعدم مضيان، وكرم لطيف أغا، وأنعم عليه الخنكار بطوخين فأصبح لطيف باشا ( الجبرتي 401/3 و 411).

ص: 529

وفي السنة 1228 ارتاب محمد علي باشا، ببعض تصرفات لطيف باشا، الذي كان لطيف أغا ، فأمر الكتخدا باستئصاله ، وبارح القاهرة ، ليتم الاستئصال في غيابه ، وأحس لطيف باشا بما يحيط به ، فأمر أتباعه بالإجتماع بسلاحهم ، وبلغ الكتخدا ذلك ، فعاجله ، وجمع القواد ، وأرسل اليه يطلب حضوره ، فامتنع عن الحضور ، فأرسل الكتخدا قسما من قواده فأحاطوا بدار لطيف باشا ، واقتحموا عليه الدار ، فاختبأ، وانتقل إلي موضع آخر ، فأحسوا به واعتقلوه وأخذوه إلي الكتخدا ، فتعلق لطيف باشا بالقائد محمود بك وقال له بالتركية : أنا في عرضك ، وماتت يده علي قبطان سيف محمود بك ، بحيث إنهم اضطروا إلي قطع القيطان بالسكين ، وأخذوا لطيف باشا ، وأزاحوا عمامته ، وضربه المشاعلي ( الجلاد ) بالسيف ضربات، ووقع إلي الأرض ولم ينقطع عنقه ، فكملوا ذبحه مثل الشاة ، وقطعو رأسه ، وعلقوها تجاه زويلة ( الجبرتي 411/3 - 415).

وفي السنة 1228 قتل عثمان بن عبد الرحمن المضايفي ، من أمراء الحجاز ، كان من أنصار الشريف صاحب مكة ، واختلف معه ، فرحل إلي نجد ، وانحاز إلي السعوديين ، ثم فتح الطائف ، فولاه السعوديون عليها ، ولما استولي الجيش المصري علي الطائف ، هاجمها عثمان بشرذمة من القبائل ، فقبض عليه الشريف غالب ، وسجنه ، ثم قتله . ( الاعلام 370/4)

ومن طريف ما روي الحاج الزهار في مذكراته ( ص 111 و 112) إن الحاج علي باشا، أمير الجزائر (1224 - 1230) قتل جماعة من كبراء اليهود ، لأنهم ليسوا ألبسة خضراء ...

وفي السنة 1231 اتهم محمد علي باشا ، بالقاهرة ، أحد قواده واسمه احمد أغا البخورجي المدللي ، بأنه يلقي الفتن بين أولاد الباشا وبين كبار

ص: 530

العسكر ، فأحضره ، وعنفه ، ثم أمر بقتله ، فنزلوا به إلي باب زويلة ، وقطعوا رأسه هناك ، وتركوه مرميا طول النهار ( الجبرتي 508/3 ).

ولما تولي علي باشا ، حكم الجزائر في السنة 1232 (1819 م) أظهر شهامة وجرأة ، فأوجس العسكر منه خيفة ، وثاروا عليه ، وكان مستعدا المواجهة من يثور عليه ، فتحصن منهم ، وفشلت ثورتهم ، فقبض علي سبعة من زعمائهم، وأمر بهم ، فقطعت رؤوسهم عند باب القصبة ، وكان أمره بقطع رؤوسهم ، إهانة لهم ، لأن العسكري الذي يستوجب القتل ، يخنق في دار سركاجي ( مذكرات الزهار 130 و139 ).

ولما تولي علي باشا ، إمارة الجزائر ، في السنة 1232 (1816 م) ثار عليه جافر باي قسنطينة ، وجند جندة ، فأخمد علي باشا الثورة ، وبعث جندا إلي قسنطينة، فقتلوا جافر باي ، ونصب بدلا منه مملوك من مماليك الأغا اسمه أحمد ، وعين صهره مصطفي بن مالك ، ليكون ناظرة عليه ، ( مذكرات الزهار 137 و 139).

وفي السنة 1233 قتل الوزير فتح خان الأفغاني ، قتله السلطان كامران صاحب هراة بعد أن سمل عينيه ( معجم انساب الأسر الحاكمة 448).

ومن أعجب أنواع الفتك ، قتل الأبرياء ، بدلا من المحكوم عليهم بالإعدام ، الذين كانوا يطلقون لقاء رشوة يعطونها، ويؤخذ مكانهم أناس أبرياء ، فيعدمون ، وكان ذلك يجري في السنة 1233 في حلب ، في ولاية

خورشيد باشا ، وتقدمت شكاوي في الموضوع وأجري التحقيق في القضية ، فظهر أن كبار موظفي الولاية لهم يد في الموضوع، فاضطر الأغا القائم بالتفتيش إلي السكوت، ومثل هذه الأمور ليست مختصة بولاية واحدة، بل يوجد كثير من هؤلاء الرجال، في نفس العاصمة اصطنبول ، ولم يكن للرجل قيمة ، ولا للدم حرمة ، وكان يذبح الإنسان كما تذبح الدجاجة الصغيرة ( اعلام النبلاء 386/3 و 387) .

ص: 531

وفي السنة 1233 (1817 م) قام السيد علوي ، أغا الانكشارية ببغداد ، بأمر من داود باشا ، بقطع رأس سعيد باشا ، سلفه في حكم بغداد ، وصهره أخي زوجته ، فقطع السيد عليوي رأسه ، وغطوا بدنه بحصيرة ، بينما أندفعت أمه مذعورة ، ولما عثرت علي جثته ألقت بنفسها عليها ، فأخذوها من بين يديها ، وبعد حين اتهم داود باشا، السيد عليوي ، أغا الإنكشارية ، بالخيانة، فقطع عنقه ، وبعث برأسه إلي الأستانة ( حكم المماليك في العراق 101 و 106).

وفي السنة 1233 قتل محمد بن احمد الرفيدي المتحمي ، من أمراء عسير ، وكان أميرة في السراة ، وحارب جيش محمد علي ، ثم توالت عليه حملات الأتراك ، وأعانهم محمد بن عون ، شريف مكة، ورجال من العرب ، فأسر المتحمي ، وقتل وهو مريض ( الأعلام 242/6 ).

وفي السنة 1234 تحرك الإنكشارية بحلب علي الوالي ، وعلي العسكر السلطاني ، وكبسوا أفراد العسكر السلطاني ، وقتلوا من وجدوه منهم ، وكان في المدينة من قبل الوالي موظفان غير المتسلم ، وهما الجوخدار والأربا أميني ، فلما علما بالثورة هربا ، وحث الجوخدار ابنه علي الهرب ، فأبي أن يبرح مكانه ، فحصره الثائرون، ونقبوا عليه داره ، ففر من السطح إلي دار جاره ، فلحقوا به ، وقتلوه ، ومثلوا به ، وألقوا جثته من إحدي الكوي إلي البرية ، ثم هاجموا كاتب السر وقتلوه ، وقتلوا معه اثنين وعشرين رجلا من العسكر ( إعلام النبلاء 390/3 و 391).

وفي السنة 1234 قتل بالأستانة الأمير عبد الله بن سعود ورفيقان له هما سري وعبد العزيز بن سلمان ، وكان سعود قد حاربه إبراهيم باشا بن محمد علي ، وطلب سعود الصلح ، وأخذه إبراهيم إلي مصر، وطلبته الحكومة العثمانية من محمد علي ، فأرسله إلي اصطنبول ، حيث طيف به وبرفيقيه في شوارعها ، ثم أعدموا في ميدان مسجد أيا صوفيا . ( الإعلام 222/4 ).

ص: 532

وفي السنة 1235 كان أحد الإفرنج في الإسكندرية ، بالديار المصرية ، وخرج إلي كفر حشاد يصطاد الطير ، فضرب طيرأ ببندقيته ، فأصابت بعض الفلاحين في رجله ، وصادف وجود عسكري من الأرنؤود بيده هراوة ، فجاء إلي الإفرنجي ، وقال له : أما تخشي أن يأتي إليك بعض الفلاحين ويضربك علي رأسك هكذا ، وأشار بما في يده علي رأس الإفرنجي ، فضربه الإفرنجي ببندقيته فقتله ، فأخذ الإفرنجي والمقتول إلي الكتخدا ، واجتمع الأرنؤود ، وطالبوا بقتل الإفرنجي ، وتهددوا بنهب البلد ، وقتل جميع الإفرنج ، فأمر الكتخدا بقتل الإفرنجي فنزلوا به إلي الرميلة ، وقطعوا رأسه ( الجبرتي 609/3 ).

وفي السنة 1239 حضر إبراهيم باشا بن محمد علي باشا ، من الصعيد إلي القاهرة ، وأحضر معه أربعة أشخاص ، قبض عليهم ، من المفسدين ، وهم في الجنازير الحديد ، فشق بهم البلد ، ثم حبسوهم، ثم قتلوهم إثنان بالرميلة ، وأثنان بباب زويلة ( الجبرتي 3/ 120).

وفي السنة 1241 (1825 م) قتل عبدالله الجزار والي عكا ، بشير بن قاسم جان بولاد ( جنبلاط )، اختلف مع الأمير بشير الشهابي ، فسجن في دمشق ، ونقل إلي عكا ، فأطلقه واليها عبد الله الجزار ، فكتب الأمير بشير الي محمد علي باشا صاحب مصر ، يشير بقتله ، فقتله الجزار ( الإعلام 29/2).

وفي السنة 1241 قتل صبرأ ، الحكيم اليماني محمد بن صالح الصنعاني ، من مجتهدي الزيدية ، إذ أوغروا عليه صدر المهدي ، صاحب اليمن ، فضرب بالجريد ، ونفي إلي كمران ، ثم اعتقل في الحديدة ، ثم أفتي الفقهاء بقتله ، فضربت عنقه . ( الاعلام 33/7 ).

وفي السنة 1242 عزم الشريف يحيي بن سرور ، شريف مكة ، علي

ص: 533

إزاحة أحد أقاربه وهو الشريف شنبر من طريقه ، فقتله وهو في المسجد الحرام ، عند باب الصفا ، بعد صلاة المغرب ( أعيان القرن الثالث عشر 132)

وفي السنة 1244 قتل أحمد بك بن إبراهيم باشا بحلب ، وكان قد صدر له أمر بأن يتوجه إلي أرضروم بمائة وخمسين عسكريأ ، فخرج من حلب ، ولكنه أصيب بمرض ، فعاد إلي حلب فصدر أمر سلطاني إلي علي باشا والي حلب ، بقتل احمد بك ، فتوجه علي باشا لزيارة أحمد بك ، فتلقاه وأحسن استقباله ، وتحادثا مدة ، ثم نهض علي باشا ، وخرج من باب القصر ، فشيعه احمد بك ، وكان علي باشا قد أوعز لثلاثة من أتباعه ، أن يطلقوا النار علي أحمد بك إذا خرج لتوديعه ، فلما خرج معه ، أطلقوا عليه النار ، وقتلوه ، ثم قطعوا رأسه ، وأدخلوا الجنة إلي الحريم ، وأرسل الوالي الرأس إلي الأستانة ، فأحضر السلطان ، مصطفي بك ميرآخور ، أخا أحمد بك ، وعرض عليه الرأس ، وقال له : هل هذا هو رأس أخيك ؟ ولما أجاب بالإيجاب ، أمر السلطان بقتله، فقتل ، وأصدر السلطان أمرأ بمصادرة أملاك الأخوين ، ونفي أولادهما ، وكافة من يلوذ بهما ، البعض منهم إلي سيواس ، والبعض إلي عينتاب ، والبعض إلي امكنة أخري ( اعلام النبلاء 412/3 - 414)

وفي السنة 1247 (1831 م) كان في اصطنبول رجل بغدادي تاجر ، صاحب ثروة وجاه ، اسمه قاسم أغا العقيلي ، فلما صدر أمر الدولة بأخذ صليان من الشام ( الصليان ضريبة علي الأشجار ، أخذت من ساليانه ، تركية بمعني سنوية ) فمن طمع قاسم أغا، وحبه في الدنيا ، ضمن مادة الصليان من الدولة ، وأحضر معه البراءة إلي الشام ، بانتظار الوزير ( الوالي ) ، فلما حضر محمد سليم باشا ، وفرض الصليان، ثار عليه أهل الشام ، وحصروه في القلعة ، فهرب قاسم أغا، واختفي في الصالحية ، وحلق ذقنه حتي لا

ص: 534

يعرف ، لكنهم عرفوه ، وقطعوه « أربع شقف » في الصالحية ( مذكرات تاريخية 18).

وفي السنة 1249 قتل إبراهيم باشا بن محمد علي باشا ، بمدينة حلب ، أحمد اغا بن هاشم ، أحد زعماء الإنكشارية ، أتهمه بأنه جمع الإنكشارية ، وأغراهم بقتل إبراهيم باشا ، ولما أمر بقتله ، أخذ وقتل أمام قهوة الأغا بحلب ، وبعد مدة دعا إبراهيم باشا الأغوات إلي المكان المعروف بالشيخ أبي بكر ، فلما اجتمعوا ، ضرب عليهم « زنجير » وقبض عليهم ، وأمر بقتلهم فقتلوا ، ونظم الشيخ عبد الرحمن الموقت ، في هذه الحادثة ، قصيدة يشير بها إلي سرور أهل حلب بالخلاص من شرهم ، مطلعها: ( اعلام النبلاء 424/3 و425) .

أهل الفساد شرهم****في حلب الشهباء دائم

وفي السنة 1240 انتقضت نابلس ، علي حكم إبراهيم باشا، ثم أخضعها وفر مشايخها وعددهم 120 رجلا إلي ابن دوحي رئيس غزة ، فطلبهم إبراهيم باشا ، وأحضرهم إلي دمشق في الأغلال، فقطع رؤوس اثنين منهم في دمشق ، وبعث الباقين إلي عكا حيث قطعت رؤوسهم هناك ( مذكرات تاريخية 114).

وفي السنة 1250 تحرك الدروز علي إبراهيم باشا ، وأرسلوا رسائل ثلاث إلي شيخ ضيعة الهجانة ، ليوصلها إلي المفتي وشمدين أغا والبوظلي ، فنزل شيخ الهجانة وسلم الرسائل ، أما المفتي ، حالا أحرق الرسالة، وأما شمدين أغا فإنه أخذها إلي متسلم الشام وسلمها إليه ، فأرسل المتسلم الي المفتي ، وسأله ، فأخبره بأنه أحرق الرسالة ، فبعث الأوضه باشي إلي البوظلي لإحضاره ، فأحس البوظلي بالشر واحتال علي الأوضة باشي ، وأفلت منه ، وهرب من الشام ، فلما علم المتسلم بذلك قطع رأس الأوضه باشي ، ورأس شيخ الهجانة ، ورأس واحد آخر من الميدان (مذكرات تاريخية 125 و 126).

ص: 535

وفي السنة 1255 جرت في دمشق محاكمة علي أغا خزينة كاتبي ( كاتب الخزينة ) ونسب إليه إنه تكلم في حق الحكم بكلام غير لائق ، وكان المجلس برئاسة شريف باشا، متسلم دمشق ، وأحد أعضائه بحري بك ، وكانا راغبين في قتله ، لأنه «لسانه طويل ، وما يعرف خاطر أحد » وكان حكم القاضي نسيب افندي « من حيث المذكور ، ثبت إنه تكلم بحق الحكم ، وما راعي الشرف الحاصل له من ولي الأمر ، فترتيب جزاه منوط بأولياء الأمور » ونبه شريف باشا علي القواص ، أن يأخذ علي أغا، صباح اليوم التالي ، ويقطع رأسه أمام باب السراي ، وفي الصباح ذهب القواص إلي علي أغا وقال له : قم كلم أفندينا ، فلما نزل من الكشك ، قال له : أفندينا برا في أرض السرايا ، وأخذه لأودة القهوة ، وسگر ( أغلق ) الباب ، وصار يعريه ، وأخذ ساعته ، وكيس الخرجية ، وشق قميصه ، وربط له عيونه ، وكتفه ، وجاء به إلي باب السراي ، فبركه ، وقطع رأسه ، وظل مرميا بباب السراي طول النهار ( مذكرات تاريخية 183 - 185 ).

وفي السنة 1255 تحرك الشيخ حسين جنبلاط، في ناحية سعسع، وأخذ يقطع الطريق ، فأرسل إليه الأمير خليل جماعة من رجاله ، وحصروه ، وقتلوا من رجاله أربعة ، وأسروه ومعه أحد عشر من رجاله ، وأحضروهم للشام ( دمشق ) مكتوفين ، فلما وصلوا إلي السراي ، قطعوا رؤوسهم، أربعة في باب السراي ، وأربعة في الشاغور ، وأربعة في الميدان ( مذكرات تاريخية 175، 176).

وفي السنة 1256 دخل إبراهيم باشا إلي دمشق ، ويوم دخوله رمي رقبة نقولا ظاهر ، الذي كان معتمد إمارة حاصبيا ، لأنه كان عليه مبلغ للميري ، وهرب ، وأسره المير بشير ، وبعث به إلي دمشق ، وبقي محبوسا ، حتي وصل إبراهيم باشا ، وقال للمتسلم : إلي الآن ما قتلت نقولا ظاهر ؟ بدي

ص: 536

بمروري من باب السرايا ، أنظر رأسه مرمي ، فحا أرسل شريف باشا ناس من طرفه ، بسرعة ، وقطع رأسه . ( مذكرات تاريخية 222).

وفي السنة 1257 ( 1841 م ) قتل السلطان أكبر بن دوست محمد ، من سلاطين الأفغان، السير ماكناتن ، وقد توفي أكبر في السنة 1266 ( معجم انساب الأسر الحاكمة 448).

وفي السنة 1257 تحرك قسم من الدروز، وحضروا إلي سعسع، وقطعوا الطريق ، فحصرهم إبراهيم باشا، وقتل منهم جماعة ، وأرسل إلي دمشق آذان الذين قتلوا ، وأرسل منهم مرابيط ( أسري ) إلي دمشق ، وبوصوله إلي دمشق ، أمر علي 12 منهم ، فقطعت رؤوسهم ، ورموهم من باب السراي إلي الدرويشية ( مذكرات تاريخية 226).

وفي السنة 1265 فتح المتوكل الزيدي ، محمد بن يحيي ، صنعاء بمعونة من الجيش التركي . وطرد صاحبها الناصر علي بن عبدالله ، ولما انتشر جنود الترك في صنعاء ، طلب بعضهم من أحد أهلها خمرة ، فثار أهل صنعاء ، وغضبوا علي المتوكل للإستعانة بالترك ، وسقط المتوكل أسيرا في بد العامة ، فعاد الناصر وأمر بالمتوكل فضربت عنقه في السنة 1266( الاعلام 13/8)

وفي السنة 1274 (1857م ) ثار الهنود علي الإنكليز، ونادوا ببهادر شاه ملكا علي الهند، وانتهت الثورة بالفشل ، وقبض علي بها درشاه ، وحكم عليه بالإعدام، وأبدل الحكم بالسجن مدي الحياة ، ونفي إلي مدينة رانغون حيث مات سنة 1892 وكان أشد ما يثير الألم ، أن الضابط الإنكليزي هدسن ، جاء بأبناء بهادر شاه الثلاثة ، وأعدمهم أمام والدهم ( الإسلام والدول الإسلامية في الهند 211 و 212).

وفي السنة 1277 حصلت في بلاد الشام مذبحة النصاري ، وهي التي

ص: 537

أصبحت تسمي «مذبحة الستين ، لأنها استعرت في السنة 1860 ميلادية ، وكان أول أمرها في بيت مري من لبنان ، إذ هجم قسم من الدروز ، علي قرية بيت مري ، وأحرقوا ثلاث قري ، وقتلوا بعض رجالها، ثم أوعز خورشيد باشا ، قائد الجند في الساحل ، إلي سعيد بك جنبلاط ، أن يقوم بقتل النصاري ، فأوعز إلي رجاله بالهجوم علي النصاري ، فقتل الدروز بضعة عشر من النصاري في الطريق ، وأرغم طاهر باشا ، قائد الحامية في دير القمر ، النصاري علي تسليم سلاحهم ، فلما تسلمه ، سمح للدروز بالهجوم علي المدينة ، فسالت الدماء أنهارة ثلاثة أيام ، ولم ينج من النصاري إلا القليل ، ويقال إنه بلغ عدد القتلي في دير القمر نحوا من ألفي قتيل ، وفي حاصبيا نزع من النصاري سلاحهم ، ففتك بهم الدروز ، حيث قتل من المسيحيين سبعمائة وأربعة وعشرون، وفي نفس اليوم الذي قتل فيه النصاري في حاصبيا ، هجم دروز حوران ، علي نصاري راشيا الوادي في بيوتهم ، وفي السراي ، وأجهزوا عليهم ، وقتلوهم مع أمراء الشهابية ، وبلغ عدد قتلي المسيحيين في راشيا الخمسمائة ، بين رجل وامرأة وطفل ، وهاجم الدروز بقيادة اسماعيل الأطرش ، مدينة زحلة فقاومه أهلها، وقتل من أهل زحلة مائة ، ومما يذكر الإسماعيل الأطرش ، إنه وجد في راشيا مائة وخمسة وثلاثين مسيحية ، التجأوا إلي شيخ المسلمين في قرية كناكر ، فقتلهم ، وسرت الفتنة إلي دمشق ، فهجم جماعة من الأوباش علي النصاري ، ووضعوا فيهم السيف ، وقدر عدد من قتل من النصاري بدمشق ثلاثة آلاف وخمسمائة نسمة ، يضاف إليهم ألف نسمة من الغرباء الذين التجأوا إلي دمشق فرارا من الموت ، فلاقوه فيها ، ويقال إن قتلي المسيحيين في الجبل لا يتجاوز الأربعة آلاف ، فأرسل السلطان العثماني وزيره فؤاد باشا ، وخوله أن ينزل العقوبة بمن كان سببا في هذه الفتنة ، فأعاد فؤاد باشا الأمن إلي نصابه ، وأعدم والي دمشق المشير أحمد باشا رميا بالرصاص

، كما أعدم 11 مسلما بالرصاص ، وشنق 56 ونفي 145 وحكم بالأشغال الشاقة علي 186

ص: 538

استخدموا في إنشاء الطرق ، كما أعدم قائد حي النصاري ، وقائد حامية حاصبيا ، وقائد حامية راشيا ، وعزل خورشيد باشا قائد الجند في الساحل ( خطط الشام 81/3-90).

أقول : لمن أراد الاطلاع بتفصيل علي مذابح الستين ، أن يرجع إلي كتاب « حسر اللثام عن نكبات الشام » المطبوع بمصر في السنة 1895 ولم يذكر فيه اسم مؤلفه.

وفي السنة 1302 قتل جنود الإمام المهدي السوداني ، غوردون باشا ، في الخرطوم ، وقطعوا رأسه ، وحملوه علي رمح . ( الاعلام 245/6 ).

وفي السنة 1304 قام مصطفي الكاتب في المحكمة الشرعية ، ومأمور صندوق القاصرين ، بقتل نجم الدين نائب القاضي ، بأن طعنه بخنجر ، حتي قتله ، في محلة الفضل ببغداد ، فحوكم القاتل ، وصدر الفرمان بقتله ، فقتل في ساحة الميدان علنا ، بحضور جمع عظيم من الناس ، بقطع عنقه بالسيف ، في السنة 1305( تاريخ العراق بين احتلالين للعزاوي 80/8 ).

وفي السنة 1313 بدأت مذابح الأرمن في بلاد الدولة العثمانية ، ثم همدت بعد مداخلة سفراء الدول الأجنبية، ثم اشتدت واستعرت، فذبح قسم عظيم من الأرمن ، وأجلي الباقون ، ولم يكن لدي وقت تحرير هذه السطور مرجع لبيان التفاصيل، ولذلك اكتفيت بما أورد محمد كردعلي في خطط الشام 111/3 و127 بأن الأتراك والأكراد ذبحوا من الأرمن الثائرين نحوا من مائة ألف نفس .

أقول : للشاعر العربي الكبير معروف الرصافي ، قصيدة في مذابح الأرمن ، رثي فيها لهم، وبرأ الدين من الجرائم التي ترتكب باسمه ، وعنوان القصيدة « أم اليتيم » تحدث فيها عن فتاة أرمنية قتل زوجها، وتركها وحيدة

ص: 539

مع طفلها ابن السنوات الخمس ، وذكر إن القتيل لم يرتكب ذنبأ ، إنما قتله التعصب الذميم.

مشي أرمنية في المعاهد فارتمت**** به في مهاوي الموت ضربة مسلم

علي حين ثارت للنوائب ثورة **** أتت عن حزازات الي الدين تنتمي

فقامت لها بين الديار مذابح ****تخوض منها الأرمنيون بالدم

وليس بدين كل ما يفعلونه**** ولكنه جهل وسوء تفهم

لئن ملأوا الأرض الفضاء جرائما**** فهم أجرموا والدين ليس بمجرم

وفي السنة 1320 (1902 م) ذبح ابن صنيتان ، رئيس الضفير ، ولده ، وبعث برأسه إلي عشيرة العمور من شمر ، وكانت في جواره ، وسبب ذلك أن العمور ، وهم فخذ من شمر ، كانوا نازلين في جوار الضفير جماعة ابن صنيتان ، وخرج العمور مرة للغزو ، فلحق بهم أحد أولاد ابن صنيتان ، وغزا معهم ، فغنموا ، وأراد ولد ابن صنيتان أن يأخذ ناقة من نوق الغزو ، فمنعه رئيس العمور ، لأن من تقاليد الغزو ، أن العقيد ( رئيس الحملة ) له وحده أن يختار ، ولا حق لغيره في الإختيار ، فغضب ولد ابن صنيتان، وأسرها في نفسه ، وبعد أيام قدم رئيس العمور إلي خباء ابن صنيتان زائرا ، فلما أخذ مكانه في المضيف، أطلق ولد ابن صنيتان عليه النار، فقتله، وفر ، فقوض أفراد العمور خيامهم ، يريدون ترك جوار ابن صنيتان ، ولما بلغ ابن صنيتان الخبر ، دعا إخوته وقومه ، وقال لهم : إن لم تأتوني بالصبي ولدي قبل المغرب فإني سوف أنتحر ، فبحثوا عن الولد ، وأحضروه إلي أبيه ، فقام إليه أبوه ، وقال له : إن ولدأ يهين جواري ، ويقتل جاري في بيتي ، لا يجازي بغير الذبح ، وأمسك بولده فذبحه ، وبعث برأسه إلي عشيرة العمور التي قتل رئيسها ( مجلة لغة العرب البغدادية ج7 سنة 3).

وفي السنة 1324 قتل الأمير طلال بن نايف ، من آل الرشيد، قتله

ص: 540

الأمير سلطان بن حمود من أبناء عمه من آل رشيد ( معجم انساب الاسر الحاكمة 192).

وفي السنة 1332 قتل الأمير زامل بن سالم من فرع بني سبحان ، من آل الرشيد ( معجم انساب الأسر الحاكمة 192).

وفي السنة 1367 (1948 م)، قتل الإمام أحمد ، صاحب اليمن، عبدالله بن الوزير ، الذي حكم اليمن ، علي أثر مقتل الإمام يحيي حميد الدين وقتل معه وزير خارجيته حسين الكبسي اليماني ، وكانا قد اشتركا في التدبير علي الفتك بالإمام الشيخ يحيي حميد الدين ( الأعلام 283/2 ).

ص: 541

المجلد 5

اشارة

موسوعه العذاب

تاليف: عبود الشالجي

مشخصات: 7ج

الدارالعربيه للموسوعات

بيروت - لبنان

ص: 1

اشارة

ص: 2

موسوعة العذاب

ص: 3

GLEBEWEALD LTD

اخراج و تنفيذ

الدار العربية للموسوعات

بيروت لبنان

ص: 4

القسم الثاني: القتل في المعركة

اشارة

العرك ، في اللغة : الفرك والدلك . والموج المعترك : المتلاطم والعراك : التزاحم ، ثم صرفت الكلمة الي القتال .

وما أحسن ما قال شاعر العربية ، أحمد شوقي رحمه الله ، من قصيدة كلها غرر ، يخاطب قلبه :

لم تبق فينا يا فؤاد بقية**** الفتوة أو نهزة لعراك

ومعترك المنايا : السن ما بين الستين والسبعين .

وكلمة العراك ، في بغداد ، تعني المخاصمة ، حتي لو كانت باللفظ ، يقول البغدادي : تعاركت مع فلان ، أي خاصمته ، ولا يعني القتال.

ويقولون عن الشخص الطويل اللسان ، ذي الوجه الوقاح : عراك ، علي وزن فعال .

وقد عرف الإنسان المعارك ، منذ أن عرف نفسه ، وتاريخ الجنس البشري ملوث الصفحات بالدم ، دم القتلي ، سواء قتلي المعارك ، أو قتلي الفتك ، أو قتلي الغيلة ، أو قتلي الغدر .

وظهر من بين أفراد هذا الجنس ، أشخاص أبادوا الملايين من أبناء جنسهم .

وكانت المعارك في القرون الأولي والوسطي ، معارك مبيدة ، يهلك فيها

ص: 5

الألوف ، وعشرات الألوف ، ومئات الألوف ، لأن القرن فيها يواجه قرنه ، ولا بد أن يقتل أحدهما ، إن لم يقتلا معا .

وكانت المعارك في تلك العصور تبرز فيها شجاعة الشجاع ، لأنه يبرز إلي ساحة المعركة، بلا جنة ولا حماية ، إلا قوة ساعده ومضاء سيفه ، وشجاعة قلبه .

وكانت الإختراعات من أجل حماية المحارب ، كلما تقدمت باعأ ، تقدمت الاختراعات في آلات التدمير ذراعا ، حتي توج الإنسان اختراعاته ، في أسباب التدمير ، بالقنبلة الذرية ، المبيدة المبيرة .

وكانت الحروب بين قبائل العرب ، تستعر وتستشري، لأسباب تتعلق بتقاليدهم ، وظروف عيشهم ، حتي إذا وحدهم الإسلام ، انصرفوا إلي الفتوحات ، وسجلوا في معاركها مواقف بطولة تذكر فتشكر .

وأدي اهتمام العرب بالمعارك ، إلي تكريمهم للشجاعة ، والعناية بالبطولة، وكانوا يتناقلون أخبار الشجعان ، ويكرمون خصومهم وأسراهم في المعارك ، إذا كانوا قد أظهروا شجاعة في المعارك .

وكانوا يعدون القتل في ساحة المعركة فخرا ، والموت علي الفراش عيبا ، ولما احتضر القائد خالد بن الوليد ، أحد أبطال المسلمين ، كان يشكو ويتألم ، لأنه مات علي فراشه « كما يموت الحمار »، مع أنه ما في جسده موضع إلا وفيه ضربة بسيف ، أو طعنة برمح ، أو رمية بسهم » ( المعارف267)

ولما قتل الحسين الشهيد عليه السلام في واقعة الطف بكربلاء ، وجد في بدنه ثلاث وثلاثون طعنة ، وأربع وثلاثون ضربة ( الطبري 453/5 ).

وقد افتخر عبد الله بن الزبير ، وهو علي المنبر ، بالمسجد الحرام ، بمن قتل من أهله في المعارك ، فقال : إن يقتل المصعب ، فقد قتل أبوه ،

ص: 6

وأخوه ، وعمه ، إنا والله لا نموت حتفة، ولكن نموت فعصة بالرماح، وموتا تحت ظلال السيوف ( العقد الفريد 101/1 ).

وبلغ من التقدير الذي أسبغ علي خالد بن الوليد ، إنه لما مات في السنة 21لم تبق أمرأة من آل المغيرة، إلأ قصت شعرها ، ووضعته علي قبره .

وكان الامام علي بن أبي طالب ، يقول : والله ، ما أبالي أسقطت علي الموت أم سقط الموت علي ( العقد الفريد 102/1 ).

وكان إذا خرج إلي الحرب يقول : ( العقد الفريد 105/1 ).

أي بومي من الموت أفر ****يوم لم يقدر أم يوم قدر

يوم لم يقدر لا أرهبه ****ومن المقدور لا ينجو الحذر

ولما كانت حرب صقين ، والناس في أشد ما يكون من الحرب ، قال علي رضوان الله عليه : ألا ماء فأشربه ؟ فأتاه شاب من بني هاشم بشربة من عسل ، فتناوله ، وشرب منه ، وقال : يا فتي ، عسلك هذا طائفي . فقال : سبحان الله ، في هذا الوقت ، تعرف الطائفي من غيره ؟ فقال له : يا فتي ، إنه لم يملا صدر ابن عمك شيء قط ( المحاسن والمساويء 2/ 139).

وكان عبدالله بن خازم السلمي ، شجاعا بطلا ، حتي قيل : ما

استحيا شجاع أن يفر من عبدالله بن خازم ، وكان مع شجاعته المفرطة يخاف من الجرذ ، وذكروا أنه بينما كان عبدالله في مجلس عبيدالله بن زياد ، إذ جيء إليه بجرذ أبيض ، فعجب منه عبيد الله ، وقال العبد الله بن خازم : هل رأيت يا أبا صالح أعجب من هذا ؟ ونظر إليه ، فإذا عبدالله قد تضاءل حتي صار كأنه فرخ ، وأصفر حتي كأنه جرادة ، فضحك عبيد الله ، وقال : أبو صالح يعصي الرحمن ، ويتهاون بالسلطان ، ويمشي إلي الليث الورد ، ويلقي الرماح بنحره، وقد أعتراه من جرذ ما ترون ، أشهد أن الله علي كل شيء قدير ( العقد الفريد 167/1 ).

ص: 7

وكان اهتمام العرب بتناقل أخبار الشجعان معجبين ، يرافقه تناقلهم أخبار الجبناء مستهزئين ، ولهم في ذلك أمثال وأقاصيص ، فمن الأمثال قولهم : أجبن من المنزوف ضرطة ، ويذكرون في أصله أن نسوة من العرب لم يكن لهن رجل ، فتزوجت واحدة منهن برجل كان ينام إلي الضحي ، فإذا نبهته زوجه ، قال لها : لو لعادية نبهتني ، أي خيل عادية عليكن مغيرة ، فأدفعها عنكن ، فلما رأين ذلك ، فرحن، وقلن : إن صاحبنا لشجاع ، ثم أردن تجربته ، ولما أيقظته زوجته ، وقال لها : لو لعادية نبهتني ، قلت له : نواصي الخيل معك ، فجعل يقول : الخيل ، الخيل ، ويضرط ، حتي مات .

وكان حميد الأرقط جبانا ، سئل يومأ : هل قاتلت قط ؟ قال : نعم ، في المنام ، قالوا : وكيف كانت وقعتك ؟ قال : انتبهت وأنا منهزم ( المحاسن والأضداد للجاحظ 58).

وكان الحجاج بن يوسف الثقفي ، أمير العراقين لعبد الملك بن مروان ، جبانا ، ولما حصر عبدالله بن الزبير بمكة، كان يبعث يبجنوده يحاربون ويتحرز من لقاء عبدالله ، ولما بلغه أن عبد الله قتل ، تصرف تصرفا بادي الخزاية ، إذ تظاهر بالبطولة ، وعمد إلي جنة عبدالله بن الزبير ، في مسجد الكعبة ، وبرك علي الجثة ، واستل سيفه ، وقطع عنقه بيده ، فقد جبن عن مواجهته حيا ، فبادر باحتزاز رأسه ميتا ( العقد الفريد 418/4 ). وبعد ذلك نكص الحجاج عن مبارزة غزالة ، زوجة شبيب الخارجي ، فقال فيه الشاعر : ( وفيات الأعيان 455/2 ).

أسد علي وفي الحروب نعامة **** فتخاء تفزع من صفير الصافر

هلا برزت الي غزالة في الوغي**** بل كان قلبك في جناحي طائر

وذكر الطبري في تاريخه 273/6 إن قتيبة بن مسلم ، عر الحجاج

ص: 8

بجبنه ، وطالب بأن يخرج بنفسه للمعركة ، فلعنه الحجاج ، وخنقه بعمامته خنقا شديدا ، وتظاهر بالشجاعة ، وحلف إنه سوف يبرز للحرب غدا ، ثم تناسي يمينه .

وكان خالد بن عبدالله القسري ، أمير العراقين للامويين ، من أجبن الناس ، وكان علي المنبر بالكوفة ، فأنبيء بأن خارجة قد خرجت ، فدهش وتحير ، وقال : أطعموني ماء ، فقال فيه الكميت : ( الأغاني ط. بولاق 58/19)

وما خالد يستطعم الماء فاغرة**** بعدلك ، والداعي إلي الموت ينعب

وتناقل الرواة من خصوم خالد القصة ، وذكرها الشعراء في أشعارهم ، فقال احدهم : ( الطبري 129/7 و 130).

الأعلاج ثمانية وشيخ**** كبير السن ليس بذي نصير

تقول لما أصابك اطعموني**** شرابا ثم بلت علي السرير

ولما ولي مروان الجعدي الأموي الحكم ، تحرك عليه أهل مكة ، فوجه إليهم جيشا من المدينة ، خرج أفراده في المصبغات ، ومعهم الملاهي ، فلما نشبت المعركة ، فر أهل المدينة ، وعادوا منهزمين ، ودخل احدهم إلي منزله بالمدينة ، وقال لخادمه : غاق باق ، يريد أغلق الباب ، من عظم دهشته ، يحسب أنهم ما زالوا خلفه ( العيون والحدائق 164/3 ).

وروي التوحيدي في البصائر والذخائر 322/1/3 و 323 قصة عن فتي ثقفي ، وفد علي الحجاج ، فأكرمه ، وأهدي اليه جارية ، فما لبثت الجارية عنده إلا سواد ليلتها، ثم هربت منه ، وأحضرها الشرط أمام الحجاج ، فعنفها علي هربها ، فحدثته بقصة عن الفتي الثقفي ، تنبيء عن جبن بندي له الجبين ، فقال لها الحجاج : ويحك ، لا تعلمي بهذا أحدا فإنه فضيحة ، قالت : يا سيدي علي أن لا تردني اليه.

ص: 9

غزوات النبي صلوات الله عليه وقعة بدر الكبري

كانت هذه المعركة في السنة الثانية للهجرة ، في بدر ، وهي عين ماء بين مكة والمدينة ، احتفرها بدر بن قريش بن الحارث ، فسميت به ، كما سميت قريش باسم أبيه ، وعلي هذه العين وقعت معركة بدر التي أظهر بها الله الإسلام ، وفرق بين حقه وباطل المشركين ( معجم البلدان 524/1 ).

وكان سبب المعركة ، إن أبا سفيان بن حرب ، رأس مشركي قريش ، كان قادما من الشام في سبعين راكبا ، ومعه أموال قريش وتجارتها ، وبلغ ذلك المسلمين بالمدينة ، فخرجوا يريدونهم ، ونزلوا بدرا ، وبلغ ذلك أبا سفيان فاستنفر مشركي قريش ، فبرزوا في تسعمائة وخمسين رجلا، وكان عدد المسلمين ثلثمائة وثلاثة عشر رجلا ( الطبري 421/2 -442).

وكان أول قتيل من المسلمين ، مهجع ، مولي عمر بن الخطاب ، رمي بسهم فقتل ( الطبري 448/2 ).

وقتل من بعده حارثة بن سراقة ، رمي بسهم وهو يشرب من الحوض فقتل ( الطبري 448/2 ).

ولما تأهب المسلمون لخوض المعركة ، قال النبي صلوات الله عليه : والذي نفس محمد بيده ، لا يقاتلهم اليوم رجل فيقتل صابرا محتسبا ، مقب غير مدبر ، إلأ أدخله الله الجنة ، فقال عمير بن الحمام ، أخو بني

ص: 10

سلمة، وفي يده تمرات يأكلهن : بخ، بخ، ما بيني وبين أن أدخل الجنة، إلا أن يقتلني هؤلاء ، ثم قذف التمرات من يده ، وأخذ سيفه، وخاض المعركة ، وقاتل حتي قتل ( الطبري 448/2 ).

وكان عوف بن الحارث ، يقاتل في معركة بدر دارعأ، ثم استقتل ، فنزع درعه ، وأخذ سيفه ، وخاض المعركة حتي قتل ( الطبري 448/2 و 449)

وممن قتل في موقعة بدر ، معوذ بن عفراء ، ضرب أبا جهل بسيفه فأثبته ، ثم قاتل حتي قتل ( الطبري 2/ 455).

وكان أبو جهل في موقعة بدر ، قد التف حوله جماعة من قومه يحمونه ، فقصده معاذ بن عمرو بن الجموح ، فضربه علي ساقه ضربة أطنت قدمه بنصف ساقه ، ومر به وهو عقير ، معوذ بن عفراء ، فضربه حتي أثبته ، وتركه وبه رمق ، ثم وجده عبدالله بن مسعود ،وهو في آخر رمق ، فوضع قدمه علي عنق أبي جهل ، ثم برك عليه ليقتله ، وقال له : هل أخزاك الله يا عدو الله ، فقال له أبو جهل : لقد أرتقيت با رويعي الغنم مرتقي صعبأ ( الطبري 454/2 و 455 وابن الأثير 127/2 ).

وفي موقعة بدر تقدم الأسود بن عبد الأسد المخزومي ، وكان شرسا ، فقال : أعاهد الله الأشرب من حوضهم - يعني حوض بدر - ولأهدمنه ، أو الأموت دونه ، وقصد الحوض ، فلما كان دون الحوض ، قصده حمزة بن عبدالمطلب ، فضربه بالسيف ، فأطئ قدمه بنصف ساقه ، فوقع علي ظهره تشخب رجله دما، ثم حبا إلي الحوض حتي أقتحم فيه ، يريد أن يبر بيمينه ، واتبعه حمزة يضربه ، فقتله في الحوض ( الطبري 445/2 ).

وفي موقعة بدر ، خرج من المشركين عتبة بن ربيعة ( والد هند أم معاوية بن أبي سفيان ) وأخوه شيبة ، وابنه الوليد بن عتبة ، فدعوا المسلمين

ص: 11

للمبارزة فخرج اليهم فتية من الأنصار ، فقالوا لهم : مالنا بكم من حاجة ، ثم نادوا : يا محمد ، أخرج لنا أكفاءنا من قومنا ، فخرج إليهم حمزة بن عبد المطلب ، وعلي بن أبي طالب ، وعبيدة بن الحارث ، فلما دنوا منهم ، وتعارفوا ، قالوا لهم : أنتم أكفاء كرام ، وبارز كل واحد واحدة ، بارز عبيدة عتبة ، وبارز حمزة شيبة ، وبارز علي الوليد ، وكانت عاقبة المبارزة ، أن قتل عتبة وشيبة والوليد ، وقطعت رجل عبيدة فمات ( الطبري 2/ 445).

وممن قتل في موقعة بدر ، ثلاثة من أولاد الأسود بن المطلب بن أسد بن عبد العزي ، وهم زمعة ، وعقيل، والحارث بن زمعة ، وكان الأسود قد أضر ، فلما بلغ قريش خبر قتلي بدر ، منعوا أهلهم من النياحة عليهم أبكي لا يشمت بهم خصومهم ، وسمع الأسود نائحة بمكة في الليل ، فقال الغلام له : انظر ، هل أحل النحب ، وهل بكت قريش علي قتلاها ، لعلي بأبكي علي أبي حكمة ( يعني زمعة ) ، فإن جوفي قد احترق ، فلما رجع الغلام إليه قال : إنما هي امرأة تبكي علي بعير لها أضلته ، فقال الأسود : ( معجم البلدان 525/1).

اتبكي أن يضل لها بعير**** ويمنعها من النوم السهود

فلا تبكي علي بكر ولكن**** علي بدر تقاصرت الجدود

وقتل من المشركين في معركة بدر ، حنظلة بن أبي سفيان ، أخو معاوية ، قتله علي بن أبي طالب ( ابن الأثير 128/2 ).

وقتل المسلمون في بدر ، منبه ونبيه ، ولدا الحجاج السلمي، وهما من أشراف قريش ( الاعلام 221/8 ).

وقتل في بدر ، نوفل بن خويلد ، وكان من أشد الناس أذي للمسلمين ، قتله علي بن أبي طالب ( الاعلام 32/9 ).

ص: 12

وقتل في بدر العاص بن سعيد الأكبر بن العاص ، مشركة ( الاعلام 14/4)

وقتل في بدر أمية بن خلف ، وولده علي بن أمية ، وكان قد عزم علي القعود لما تجهز المشركون إلي بدر ، فأتاه عقبة بن أبي معيط بمجمرة فيها بخور ونار ، وقال له : يا أبا علي استجمر ، فإنما أنت من النساء ، فقال له أمية : قبحك الله ، وقبح ما جئت به ، وتجهز، وخرج معهم ( ابن الأثير 117/2 ، 118، 128)

فأسر في المعركة ، هو وولده علي ، أسرهما عبد الرحمن بن عوف ، وكان صديقة لأمية ، فأخذهما عبد الرحمن إلي النبي صلوات الله عليه ، فأبصرهما بلال الحبشي ، وهما في طريقهما إلي النبي صلوات الله عليه ، وكان أمية يعذب من اسلم من أهل مكة ، وعذب بلا في جملتهم ، فصاح بلال : يا أنصار الله ، رأس الكفر ، أمية بن خلف ، لا نجوت إن نجا ، فاجتمع بعض المسلمين علي أمية وابنه علي ، وهبر وهما بالسيوف ، فقتلوهما ( الطبري 451/2 - 453).

وقتل في معركة بدر في السنة 2 ، أبو البختري العاص بن هشام ، وكان النبي صلوات الله عليه ، قد أمر أصحابه بأن لا يقتلوا أبا البختري ، وأن يحقنوا دمه ، لأنه كان أكف مشركي قريش عن رسول الله وهو بمكة ، وكان لا يؤذيه ، ولا يبلغه عنه شيء يكرهه ، وكان ممن قام في نقض الصحيفة التي كتبت قريش علي بني هاشم وبني المطلب، فلقيه المجذر بن زياد ، فقال له : يا أبا البختري ، إن رسول الله قد نهي عن قتلك ، وأمرنا بحقن دمك ، وكان مع أبي البختري زميل له خرج معه من مكة ، من بني ليث ، اسمه جنادة ، فقال أبو البختري : وزميلي ؟ فقال له المجذر : ما أمرنا رسول الله إلا بك وحدك ، فأنت آمن ، فقال : لا والله ، إذا لأموتن أنا وهو جميعا ، لا تتحدث نساء قريش عني بأني تركت زميلي حرصا علي الحياة ، وجرد سيفه ، وقاتل وهو يقول :

ص: 13

لايسلم ابن حرة أكيله****حتي يموت أو يري سبيله

ومات أبو البختري قتي، دفاعا عن زميله ( الطبري 450/2 و 451)

ولما انتهت موقعة بدر بظفر المسلمين ، وقتل من قتل من رجالات قريش ، كان أول من قدم مكة بمصاب قريش ، الحيسمان الخزاعي ، فقالوا له : ما وراءك ؟ قال : قتل عتبة بن ربيعة ، وشيبة بن ربيعة ، وأبو الحكم بن هشام ، وأمية بن خلف ، وزمعة بن الأسود ، وأبو البختري بن هشام ، ونبيه ومنبه ابنا الحجاج ، قال : فلما جعل يعدد أشراف قريش ، قال صفوان بن أمية ، وهو قاعد في الحجر : والله ، إن يعقل هذا ، فسلوه عني ، قالوا : ما فعل صفوان بن أمية ؟ قال : هو ذاك جالس في الحجر ، وقد - والله - رأيت أباه وأخاه حين قتلا ( الطبري 461/2 ).

موقعة أحد

في السنة الثالثة اللهجرة ، وقعت موقعة احد بين المسلمين ، ومشركي قريش ، وأحد : جبل شمالي المدينة ، يبعد عنها مي واحد ، وذلك إن قريش لما أصيبت يوم بدر ، وعاد فلها إلي مكة ، مشي الباقون منهم ، إلي أبي سفيان ، والد معاوية ، وقالوا له : إن محمدا قد وترنا ، وقتل خيارنا ، وتعاونوا فيما بينهم ، علي تهيئة حملة لمحاربته ، وخرجت قريش بحدها وجدها وأحابيشها ، وكان أبو سفيان قائد المشركين لحرب النبي صلوات الله عليه ، ومعه زوجته هند بنت عتبة بن ربيعة ، وهي أم معاوية بن أبي سفيان ، وأخرج قوم من قريش نساءهم معهم ( الطبري 499/2 - 508).

وكان المسلمون يتسابقون إلي الخروج مع النبي صلوات الله عليه في غزواته ، وكان عليه السلام ، يعرض أصحابه ، ويرد منهم الصغير

ص: 14

والضعيف ، ولما خرج لمعركة أحد، عرض أصحابه ، فرد سمرة بن جندب ، إذ وجده صغيرة ، وأجاز رافع بن حديج ، فشكا سمرة أمره ، وقال : ردني رسول الله ، وأجاز رافعا ، وأنا أصرع رافعا ، فأمرهما النبي، فتصارعا ، فصرع سمرة رافعة ، فأجازهما معا ( الطبري 505/2 و506).

وكان من جملة القتلي في معركة احد، المجذر بن ذياد البلوي ، شاعر، فارس ، قتله الحارث بن سويد بن الصامت ( الاعلام 163/6 و 164)

وفي معركة احد، كان لواء النبي صلوات الله عليه ، مع مصعب بن عمير ، فقتله ابن قميئة الليثي ، وهو يظن أنه رسول الله ، وعاد إلي قريش قال : قتلت محمد ( الطبري 516/2 ).

ومن جملة القتلي الذين مثل بهم في معركة أحد ، عبدالله بن جحش ، أخو زينب بنت جحش ، أم المؤمنين ، مثل به كما مثل بحمزة ، إلا إنه لم يبقر عن كبده ، بل جدع أنفه ، وصلمت أذناه ، فأمر النبي به ، فدفن مع حمزة في قبر واحد ( الطبري 530/20 )

وكان حمزة بن عبد المطلب ، عم النبي صلوات الله عليه ، في معركة أحد معلما ، قتل أرطاة بن عبد شرحبيل ، وسباع بن عبد العزي الغبشاني ، صاح به حمزة : هلم إلي يا آبن مقطعة البظور، وكانت أمه ختانة بمكة ، وكان حمزة يعلم عند المعركة بريشة نعامة يضعها علي صدره ، وكان وحشي ، وهو غلام حبشي لجبير بن مطعم يريد قتل حمزة ، لأن سيده جبير وعده أن يعتقه إذا هو قتل حمزة بعمه ( عم جبير ) طعمة بن عدي ، كما إن هندا ، أم معاوية ، كانت كلما مرت بوحشي ، صاحت به : إيه أبا دسمة ، اشف واشتف ، تطالبه بقتل حمزة ، لأنه ، في معركة بدر ، قتل أباها، وشرك في قتل أخيها ( الطبري 501/2 و 502 و 516 و 517)، ولما قتل حمزة ،

ص: 15

جاءت إليه هند أم معاوية ، فجدعت أنفه وأذنيه ، وبقرت بطن حمزة واقتلعت كبده فلاكتها ثم لفظتها ، فسميت منذ ذلك الحين ، آكلة الأكباد ، كما إنها جدعت آذان بقية القتلي وأنافهم ، واتخذت منها قلائد وخدمة ( الطبري 525/2 ) ووقف أبو سفيان علي جثة حمزة ، فأخذ يضرب شدقه بزج رمحه ، وهو يقول : ذق عقق ، ( الطبري 527/2 ) يريد أن يقول : ذق جزاء عملك يا عاق ، لأنه ع الأرستقراطية القرشية ، وأبصره الحليس بن علقمة ، وهو يعبث بجثة حمزة ، فصاح : يابني كنانة، انظروا إلي ما يصنع هذا بابن عمه ، فقال له أبو سفيان : ويحك أكتمها علي ، فإنها كانت زلة ( الاعلام 300/2)

ولما كر النبي من معركة أحد راجعة إلي المدينة، لقيته حمنة بنت جحش ، فنعي لها أخوها عبد الله بن جحش ، فاسترجعت واستغفرت له ، ثم نعي لها خالها حمزة بن عبد المطلب ، فاسترجعت واستغفرت له ، ثم نعي لها زوجها مصعب بن عمير ، فصاحت، وولولت ، فقال رسول الله : إن زوج المرأة منها لبمكان ، لما رأي من تثبتها عند مصرع أخيها وخالها ، وصياحها علي زوجها . (الطبري 532/2 ).

ولما كر رسول الله ، من معركة بدر، راجع إلي المدينة ، مر بامرأة من بني دينار ، وقد أصيب زوجها وأخوها ، وأبوها ، فلما نعوا لها ، قالت : فما فعل رسول الله ؟ قالوا : هو بخير يا أم فلان ، إنه بحمد الله كما تحبين ، فقالت : أرونيه أنظر إليه ، فلما رأته ، قالت : كل مصيبة بعدك جلل ( الطبري 533/2 ).

ومر أحد الأنصار بسعد بن الربيع الأنصاري ، وهو جريح في ساحة المعركة ، وبه رمق ، فقال له سعد : أبلغ رسول الله عني السلام ، وأبلغ قومي أنه لا عذر لهم إن خلص إلي النبي ، وفيهم عين تطرف ، ثم مات ( الطبري 528/2 ).

ص: 16

وفي هذه المعركة قتل عبدالله بن عمرو بن حرام ، الانصاري ، الخزرجي ، وهو من أجلاء الصحابة ( الاعلام 250/4 ) فأمر النبي بدفنه مع عمرو بن الجموح في قبر واحد ، وقال : إنهما كانا متصافيين في الدنيا ، فاجعلوهما في قبر واحد ،فدفنا ( الطبري 532/2).

ولما هجم المشركون ، في موقعة أحد، علي النبي ، قام زياد بن السكن ، في خمسة نفر من الأنصار ، فقاتلوا دونه ، رجلا ، رجلا ، كلما قتل احدهم ، تقدم الآخر ، وكان آخرهم زياد ، فقاتل حتي أثبتته الجراحة ، فقال النبي : أدنوه مني ، فمات وخده علي قدم رسول الله ( الطبري 515/2).

ولما حمي وطيس المعركة ، في معركة احد ، كان اليمان بن حسيل بن جابر ، والد حذيفة ، وثابت بن وقش ، وهما شيخان كبيران ، في الآطام مع النساء والصبيان ، فقال كل منها لصاحبه : ما بقي لكل واحد منا من عمره إلا ظمأ حمار ، وإنما نحن هامة اليوم أو غد، ثم أخذا سيفيهما، وخاضا المعمعة ، ولم يعلم بهما، فأما ثابت فقتله المشركون ، وأما اليمان ، فاختلفت عليه أسياف المسلمين ، فقتلوه وهم لا يعرفونه ( الطبري 530/2 ).

وفي معركة أحد، أصيب أحد المسلمين، وأسمه يزيد بن حاطب ، فجيء به إلي دار قومه وهو يموت ، فجعل المسلمون يقولون له : ابشر يا ابن حاطب بالجنة ، فصاح بهم أبوه حاطب ، وهو شيخ كبير : بأي شي تبشرونه ، أبجنة من حرمل ، غررتم - والله - هذا الغلام من نفسه ، وفجعتموني به ( الطبري 531/2 ).

وفي معركة أحد، صاح صائح من المشركين : إن محمدا قد قتل ، فانخذل قسم من المسلمين ، فصاح بهم أنس بن النضر : إن كان محمدا قد قتل فإن رب محمد لم يقتل ، ثم شد بسيفه علي المشركين ، وقاتل حتي

ص: 17

قتل ، وقيل إنه وجد في بدنه سبعون ضربة وطعنة ( الطبري 520/2 وابن الأثير 156/2 ).

وقتل في معركة أحد من المسلمين ، حنظلة بن أبي عامر ، المعروف بابن الراهب، فلما انتهت المعركة ، صاح أبو سفيان : يوم بيوم بدر ، وحنظلة بحنظلة ، يريد إنه انتصر في احد ، فغطي بذلك هزيمة بدر ، وإن حنظلة بن الراهب الذي قتل يوم أحد، بواء بولده حنظلة بن أبي سفيان ، الذي قتله المسلمون يوم بدر ( الطبري 521/2 و 52).

وقتل في معركة أحد، في صف المسلمين ، مخيريق اليهودي ، قال لأصحابه اليهود قبل المعركة : يا معشر يهود ، والله ، لقد علمتم أن نصر محمد عليكم لحق ، فقالوا : اليوم يوم السبت ، فقال : لا سبت ، وأخذ سيفه وعدته ، وقال : إن أصبت فما لي لمحمد ، يصنع به ما يشاء ، وقاتل في صف المسلمين ، حتي قتل ، وهو علي يهوديته ( الطبري 531/2 ) فقال النبي : مخيريق خير يهود ( ابن الأثير 162/2 ).

وفي معركة أحد، قتل من المشركين عمرو بن عبدالله الجمحي ، وشيبة بن مالك ، أحد بني عامر بن لوي ، قتلهما علي بن أبي طالب ( الطبري 514/2)

وكان لواء المشركين ، في موقعة أحد، بيد صواب ، غلام حبشي لبني أبي طلحة ، فقاتل حتي قطعت يداه ، ثم برك عليه ، فأخذ اللواء بصدره وعنقه ، حتي قتل عليه ، وهو يقول : هل أعذرت ؟ ( الطبري 513/2 ).

وتعاقد خمسة من المشركين ، في موقعة أحد، علي قتل رسول الله ، وهم عتبة بن أبي وقاص ، وعبد الله بن شهاب الزهري ، وابن قميئة الليثي ، وأبي بن خلف الجمحي ، وعبد الله بن حميد الأسدي ، فأصاب ابن شهاب جبهته ، ورماه عتبة بأربعة أحجار ، فكسر رباعيته وشتي شفته، وأما ابن قميئة

ص: 18

فكلم وجنته ، ودخل من حلق المغفر فيها وعلاه بالسيف ، وشد عليه أبي بن خلف بحربة ، فأخذها النبي منه ، وطعنه بها فقتله ، أما عبدالله بن حميد فقتله أبو دجانة الأنصاري ( ابن الأثير 2/4 و 1 و 15).

وقتل عاصم بن أبي الأفلح، في موقعة احد، أخوين من المشركين ، هما مسافع بن طلحة وكلاب بن طلحة ، رمي كل واحد منهما بسهم فقتله ، فنذرت أمهما ، إن أمكنها الله من عاصم ، أن تشرب في قحف رأسه الخمر ( الطبري 517/2 ).

وكان طلحة بن عثمان ، في معركة أحد يحمل لواء المشركين ، فصاح : يا أصحاب محمد ، إنكم تزعمون أن الله يعجلنا يبسيوفكم إلي النار ، ويعجلكم بسيوفنا إلي الجنة ، فهل منكم أحد يعجله الله بسيفي الي الجنة ، أو يعجلني بسيفه إلي النار ؟ فنهد إليه علي بن أبي طالب ، فضربه بالسيف علي ساقه فقطعها ، فسقط طلحة وانكشفت عورته ، وقال لعلي : أنشدك الله والرحم يا ابن عم ، فتركه ، فقال النبي لعلي : ما منعك أن تجهز عليه ؟ فقال : يا رسول الله ، ناشدني الرحم ، وانكشفت عورته ، فاستحييت منه ( الطبري 509/2 ، 510).

وللإمام علي بن أبي طالب ، قصة مشابهة لهذه القصة ، في حيائه ، وصده عن خصمه ، لانكشاف عورته ، فقد حدث في أحد أيام صفين ، أن بعث إلي معاوية : لم تقتل الناس بيني وبينك ؟ أبرز الي ، فأينا قتل صاحبه تولي الأمر ، فقال معاوية لعمرو بن العاص : ما تري ؟ فقال : قد انصفك الرجل فابرز إليه ، فقال له معاوية : أتخدعني عن نفسي ، ووجد من ذلك علي عمرو ، فهجره أياما ، فقال عمرو لمعاوية : أنا خارج إلي علي غدا، فلما أصبحوا بدر عمرو فوقف بين الصفين ، ثم نادي : يا أبا الحسن اخرج إلي ، أنا عمرو بن العاص ، فخرج اليه علي ، وانتضي علي سيفه ، فحمل عليه ، فلما أراد أن يجلله رمي بنفسه عن فرسه ، ورفع احدي رجليه ، فبدت

ص: 19

عورته ، فصرف علي وجهه ، وتركه ، وانصرف عمرو إلي معاوية ، فقال له معاوية : احمد الله ، وسوداء استك يا عمرو ( الأخبار الطوال 176 و 177)، وفي ذلك يقول أبو فراس الحمداني :

ولست كمن رد الردي بمذلة**** كما ردها يوما بسوأته عمرو

وفي القصيدة التترية ، تهكم لاذع بما صنع عمرو بن العاص ، إذ قال ناظمها في وصفه :

بطل بسوأته يحارب**** لا بصارمه الذكر

وقعة الخندق

وفي السنة 5، في وقعة الخندق ، خرج عمرو بن عبدو ود ، معلمأ ، فلما وقف ، قال له الإمام علي : يا عمرو ، إنك كنت تعاهد الله علي ألأ يدعوك أحد من قريش إلي خلتين ، إلأ اخذت منه إحداهما قال : أجل ، قال علي : فإني أدعوك إلي الإسلام ، قال : لا حاجة لي بذلك ، قال : فإني أدعوك إلي النزال ، قال : ولم يا ابن أخي ؟ فوالله ما أحب أن أقتلك ، فقال له علي : ولكني أحب أن أقتلك، فحمي عمرو ونازله ، فقتله علي ، وقتل مع عمرو رجلان احدهما اسمه منبه ، أصابه سهم فمات منه بمكة ، وآخر من بني مخزوم اسمه نوفل ، و وكان اقتحم الخندق ، فتورط فيه ، فرموه بالحجارة ، فقال : يا معشر العرب ، قتلة احسن من هذه ، فنزل اليه علي فقتله ( الطبري 574/2).

أقول : كان عمرو بن عبدود ، فارس قريش وشجاعها في الجاهلية ، أدرك الإسلام ولم يسلم ، ولما قتله الإمام علي ، قالت اخت عمرو ترثيه : ( الاعلام 252/5 ).

لو كان قاتل عمرو غير قاتله**** لكنت أبكي عليه آخر الأبد

لكن قاتله من لا يقاس به**** أبوه قد كان يدعي بيضة البلد

ص: 20

غزوة بني قريظة

وفي السنة 5، في غزوة بني قريظة ، قتل خلاد بن سويد ، من الخزرج ، طرحت عليه يهودية اسمها بنانة ، رحي فشد خته شدخ شديدأ ( الطبري 592/2 ).

غزوة خيبر

وفي السنة 7 وقعت غزوة خيبر ، وخيبر ناحية علي ثمانية برد من المدينة ، لمن يريد الشام ، تشتمل علي سبعة حصون ومزارع ( معجم البلدان 503/2 - 505)

وتم الفتح في غزوة خيبر ، بقتل مرحب ، صاحب الحصن ، وكان من أبطال اليهود ، خرج للمبارزة ، وعليه مغفر يماني ، قد نقبه مثل البيضة علي رأسه ، وهو يقول :

قد علمت خيبر أني مرحب**** شاكي السلاح بطل مجرب

فبرز إليه علي بن أبي طالب ، فاختلفا ضربتين ، فبدره علي ، فقد الجحفة ( الترس ) والمغفر ، ورأسه ، حتي وقع في الأرض ، فقتله ( ابن الأثير 220/2 ).

أقول : لما فتح النبي خيبر ، أقر أهلها فيها ، وعاملهم علي الشطر من التمر والحب .. وبعث اليهم النبي عبدالله بن رواحة ، ليخرص عليهم ، فقال لهم : إن شئتم خرصت وخيرتكم ، وإن شئتم خرصتم وخيرتموني ، فأعجبهم ذلك ، وقالوا : هذا هو العدل ، هذا هو القسط ، وبه قامت السموات والأرض ( معجم البلدان 504/2 و 500).

نكتة : سمع أحد أنصاف المتعلمين ، رج؟ ينشد بيتا من الشعر :

وكان بنو عمي يقولون مرحبا**** فلما رأوني معدما مات مرحب

فقال : كذب قائل هذا البيت ، مرحب قتله الإمام علي بن أبي طالب .

ص: 21

غزوة مؤتة

وفي السنة 8، في غزوة مؤتة ، قتل في المعركة جعفر بن أبي طالب ، الملقب جعفر الطيار ، من السابقين إلي الإسلام ، أسن من أخيه الإمام علي بعشر سنين ، كانت إليه الراية في الموقعة ، فنزل عن فرسه ، وحمل الراية بيمناه ، وقاتل ، فقطعت يمناه ، فحمل الراية بيسراه ، فقطعت ، فاحتضنها إلي صدره ، وسقط قتيلا وفي جسده نحو تسعين رمية وطعنة ( الاعلام 118/2)

أقول : في غزوة مؤتة ، قتل زيد بن حارثة، وجعفر بن أبي طالب، وعبد الله بن رواحة ، وكان جيش الروم الذي واجههم ، يفوقهم عددا وعدة ، فأخذ خالد بن الوليد الراية ، وانسحب عائدة إلي المدينة ، فلما وصلوها خرج إليهم الناس يحثون عليهم التراب ، ويقولون : يا فرار ، يا فرار ، فقال رسول الله صلوات الله عليه : ليسوا بالفرار ولكنهم الكرار إن شاء الله ( ابن الأثير حب 238 -234/2)

فتح مكة

وفي السنة الثامنة ، عدا بنو بكر بمكة، علي خزاعة ، وكانت خزاعة في حلف رسول الله ، وبكر في حلف قريش ، فأعانت قريش بكرأ علي خزاعة ، فخرج عمرو بن سالم الخزاعي ، حتي قدم علي رسول الله ، فوقف عليه ، وأنشده أبياتا منها : ( ابن الأثير 239/2- 254).

لاهم إني ناشد محمدأ ****حلف أبينا وأبيه ألا تلدا

هم بتونا بالوتير هجدا ****وقتلونا ركع وسجدا

فقال له النبي : نصرت يا عمرو ، وتجهز ، وقصد مكة في عشرة آلاف

ولما قصد النبي مكة ، خرج أبو سفيان ، إلي العباس عم النبي ، فحمله إلي النبي ، ولما أدرك أبو سفيان إنه سوف يقتل إن لم يسلم ،

ص: 22

أسلم ، ثم وقف مع العباس ، ينظر إلي جيش المسلمين الذي قدم لفتح مكة ، فلما مرت الكتيبة الخضراء ، وفيها النبي ، وحوله المهاجرون والأنصار ، وهم في الحديد ، لا يري منهم إلا الحدق ، نسي أبو سفيان أنه أسلم ، فالتفت إلي العباس ، وقال له : يا أبا الفضل، لقد أصبح ملك ابن أخيك عظيما ، فقال له العباس ويحك إنها النبوة ، فقال : نعم ، إذن ، ودخل أبو سفيان إلي مكة ، فقال لأهلها : يا معشر قريش ، قد جاءكم محمد بما لا قبل لكم به، فأسلموا تسلموا ، فغضبت زوجته هند ، أم معاوية ، وأقبلت عليه فأخذت بلحيته ، وقالت : يال غالب ، اقتلوا هذا الشيخ الأحمق ، فقال لها : أرسلي لحيتي ، وأقسم لئن أنت لم تسلمي لتضربن عنقك .

أقول : سميت الكتيبة ، كتيبة النبي صلوات الله عليه ، بالخضراء ، لأن رجالها كانوا مكتسين بالحديد، ولونه يميل إلي السواد والعرب يسمون الخضرة سوادة ، ويسمون السواد خضرة ، والخضرة في شيات الخيل : غبرة تخالطها دهمة ، وسمي العرب ريف العراق بالسواد ، لخضرته العميقة ، كما سموا السمرة والأدمة ، خضرة ، قال اللهبي :

وأنا الأخضر من يعرفني**** أخضر الجلدة من جنس العرب

من يساجلني يساجل ماجد**** يملأ الدلو إلي عقد الكرب

وكان بعض مشركي قريش ، قد اجتمعوا بالخندمة ، ليقاتلوا ، ومعهم الأحابيش ، فلقيهم خالد بن الوليد ، فقتل من المسلمين كرز بن جابر ، أحد بني محارب بن فهر ، وحبيش بن خالد ، والأشعر بن ربيعة الكعبي ، وسلمة بن الميلاء ، وكان حبيش ويكني أبا صخر ، قتل قبل كرز ، فجعله كرز بين رجليه ، وقاتل حتي قتل ، وهو يرتجز ، ( الطبري 42/3 - 66).

ص: 23

قد علمت صفراء من بني فهر**** نقية الوجه نقية الصدر

الأضرب اليوم عن أبي صخر

وكان حماس بن قيس ، أخو بني بكر ، من مشركي قريش ، يعد سلاح ، قبل دخول المسلمين إلي مكة ، فقالت له امرأته : لماذا تعد ما أري ؟ قال : لمحمد وأصحابه : واني - والله - لأرجو أن أخدمك بعضهم ( يعني إنه يأسر بعض المسلمين فيتخذ منهم خدمة )، فلما استعرت الحرب بالخدمة، وقتل من المشركين قريب من اثني عشر أو ثلاثة عشر ، ثم انهزموا، وخرج حماس منهزمين، حتي دخل بيته ، ثم قال لأمرأته : أغلقي علي بابي ، فقالت له : أين ما كنت تقول ؟ فقال :

إنك لو شهدت يوم الخندمه**** إذف صفوان وفر عكرمه

واستقبلتنا بالسيوف المسلمه**** يقطعن كل ساعد وحجمه

لهم نهيت خلفنا وهمهمه**** لم تنطقي في اللوم أدني كلمه

غزوة حنين

وفي السنة 8 أجمعت هوازن علي غزو المسلمين ، وتهيأت لذلك ، فلما بلغ النبي خبرهم ، أجمع علي المسير إليهم ، وقصدهم في اثني عشر ألفا ، فلما وصل المسلمون إلي وادي حنين ، وهو واد بينه وبين مكة بضعة عشر ميلا ( معجم البلدان 350/2) كانت هوازن كامنة لهم فيه ، فهاجمتهم من كل جانب ، فانكشف المسلمون ، ثم فاءت فئة منهم ، فالتفوا حول النبي، واشتدت المعركة ، فقال النبي : الآن حمي الوطيس ، وهو أول من قالها ، وكان صاحب راية هوازن ، ذا الخمار ، يحمل الراية وهي سوداء ، وهو علي جمل أحمر ، يتقدم الناس ، فإذا أدرك رجلا طعنه ، ثم رفع رايته لمن وراءه فاتبعوه ، فلما رأي المسلمين نكايته فيهم ، أهوي له علي بن أبي طالب ، ورجل من الأنصار ، فضرب علي عرقوبي الجمل ،

ص: 24

فوقع علي عجزه ، ووثب الأنصاري علي الرجل ، نضربه ضربة أطن قدمه بنصف ساقه فانعجف عن رحله ، وكانت الهزيمة علي هوازن ، وقتل من ثقيف وبني مالك سبعون رجلا، وقتل من المسلمين أيمن بن عبيد، ويزيد بن زمعة ، وسراقة بن الحارث ، وأبو عامر الأشعري ، عم أبي موسي ( ابن الأثير 261/2 -266 والطبري 3/ 70- 82).

غزوة الطائف

الطائف، مدينة في الحجاز ، مسيرة يوم للطالع من مكة ، ونصف يوم للهابط ، وهي ذات مزارع ونخيل وأعناب وموز ، وسائر الفواكه ، وكانت ، وما تزال ، مصيف أهل الحجاز ، قال معاوية بن أبي سفيان ، عن مولاه سعد ، وكان يلي أمواله بالحجاز : أغبط الناس عيشأ مولاي سعد ، يتربع بجدة ، ويتقيظ الطائف ، ويشتو بمكة ( معجم البلدان 495/3- 501).

لما انهزمت هوازن ، في غزوة حنين ، لجأت ثقيف إلي الطائف ، وكانت مدينة مسورة ، فسار اليهم النبي ، وحصرهم ، ثم كفت عنهم ، بعد أن قتل من أصحابه اثنا عشر رجلا ، بسهام أهل الطائف ، منهم سبعة من قريش ، وأربعة من الأنصار ، ورجل من بني ليث ، منهم عرفطة بن حباب الأزدي ، الذي كان يلقب زاد الراكب ( الاعلام 15/5 ) وعبدالله بن أبي أمية المخزومي، وعبدالله بن أبي بكر الصديق، والسائب بن الحارث بن عدي ( الطبري 82/3 وابن الأثير 266/2 ).

معركة اليمامة

في السنة 10 قدم وفد بني حنيفة علي النبي صلوات الله عليه ، وفيهم مسيلمة الكذاب ، واجتمع مسيلمة بالنبي ، ثم عاد الي اليمامة ، وأدعي النبوة ، وزعم أنه شريك رسول الله في النبوة ، فاتبعه بنو حنيفة ، ورتب لهم

ص: 25

قرآنأ ، وكانت سجاح قد تنبأت في بني تغلب ، وأقبلت بهم لتغزو المسلمين ، ثم أمرتهم بغزو اليمامة أولا ، وبلغ ذلك مسيلمة، فهابها، فأهدي لها ، ووفد عليها، واتفق معها علي أن يكون أمرهما واحدا ، وأن تقسم الغنائم بينهما مناصفة ، وقيل إنه تزوجها ، وبعث أبو بكر في السنة 12 الحرب مسيلمة جيش بقيادة عكرمة بن أبي جهل، ثم اتبعه بجيش علي رأسه شرحبيل بن حسنة ، فتعجل عكرمة ، فناجز مسيلمة ، فنكبوه ، وتريث شرحبيل ، حتي جاءه خالد بن الوليد علي رأس جيش، وسارا معا ، وكان مسيلمة في أربعين ألف مقاتل، ووقعت المعركة في عقرباء، وهي طرف اليمامة، فانهزمت بنو حنيفة ، فقال المحكم بن الطفيل : يا بني حنيفة ، أدخلوا الحديقة، فإني سأمنع أدباركم ، وحصلت المعركة الثانية في الحديقة ، وقتل من بني حنيفة آلاف .

ومن أبلي في وقعة عقرباء البراء بن مالك ، أخو أنس بن مالك ، وكان إذا حضرته الحرب ، أخذته العرواء ( الرعدة ) حتي يقعد عليه الرجال ، ثم ينتفض تحتهم حتي يبول في سراويله ، فإذا بال، ثار كما يثور الأسد، فلما بال وثب ، وصاح بأصحابه ، فعادوا إليه ، وحاربوا أشد حرب ، ولما احتبس بنو حنيفة في الحديقة ، صاح البراء : يا معشر المسلمين القوني عليهم في الحديقة ، فصاحوا به : لا تفعل ، فقال : والله ، لتطرحني عليهم فيها ، فحملوه، فاقتحم عليهم حتي فتح باب الحديقة ، فدخلها المسلمون، وأبادوهم ( الطبري 3/ 290).

وفي وقعة عقرباء ، في السنة 11 ، قتل مسيلمة بن حبيب ، المعروف بمسيلمة الكذاب ، وكان قد ارتد عن الإسلام ، وادعي النبوة ، فواقعه خالد بن الوليد علي رأس جيش من المسلمين ، فقتل مسيلمة في المعركة ، قتله اثنان ، أحدهما وحشي قاتل حمزة ، دفع عليه حربته ، والثاني رجل من الأنصار، ضربه بالسيف ( الطبري 3/ 290 وابن الأثير 360/2 -366).

ص: 26

وفي وقعة عقرباء ، في السنة 11 قتل مع مسيلمة الكذاب ، الرحال بن عنفوة بن نهشل ، وكان الرحال قد أسلم، وهاجر إلي النبي صلوات الله عليه ، وقرأ القرآن ، وتفقه في الدين ، فبعثه النبي معلما لأهل اليمامة ، ليشد من أمر المسلمين ، فكان أعظم فتنة علي بني حنيفة من مسيلمة ، إذ شهد له بأنه سمع محمد صلوات الله عليه ، يقول إنه قد أشرك مسيلمة معه ، فصدقوه ، واستجابوا له ، ولما وقعت معركة عقرباء ، كان الرحال أول من الاقي المسلمين يحاربهم فقتل ( الطبري 382/2 و 289).

أقول : قتل في وقعة عقرباء من المسلمين أكثر من ستمائة ، أما بنو حنيفة أتباع مسيلمة ، فقتل منهم سبعة آلاف في وقعة عقرباء ، ولما انحازوا إلي الحديقة ، وكانت مسورة ، دخلها عليهم المسلمون ، فقتلو منهم سبعة آلاف أيضا ، فسميت الحديقة ، حديقة الموت ( الطبري 3/ 297).

وممن قتل في وقعة عقرباء ثابت بن قيس الأنصاري ، قتله رجل من المرتدين ، قطع رجله ، فرمي بها قاتله ، فقتله ( الطبري 297/3 ).

وممن قتل في وقعة عقرباء زيد بن الخطاب ، أخو عمر بن الخطاب ، وكان قد أبصر ضعضعة في صفوف المسلمين ، فصاح بهم : عضوا علي أضراسكم ، وأضربوا عدوكم ، وامضوا قدمأ ، وهجم في المقدمة ، وقاتل حتي قتل ( الطبري 291/3 ).

وفي السنة 11 ارتدت مهرة ، وعليها المصبح ، فقصدهم عكرمة بن أبي جهل بجيش من المسلمين ، وأرسل عكرمة الي المصبح يدعوه إلي الإسلام ، والرجوع عن الكفر ، فأبي ، فاقتتلوا اشد قتال ، فقتل المصبح ، وانكشف جمعه ( الطبري 317/3 ).

وفي السنة 11 لما خرج خالد في طلب طليحة بن خويلد الأسدي الذي ادعي النبوة ، أرسل خالد عكاشة بن محصن ، وثابت بن أقرم الأنصاري ،

ص: 27

طليعة ، فلقيهما حبال، أخو طليحة ، فقتلاه ، فبلغ خبره طليحة ، فخرج هو وأخوه سلمة فقتل طليحة عكاشة ، وقتل أخوه ثابتا ، ورجعا ( ابن الأثير 347/2 ) ولما نشبت المعركة ، فر طليحة ، ثم عاد إلي الإسلام ، وجاء إلي عمر الفاروق فبايعه ، فقال له : أنت قاتل عكاشة وثابت ؟ والله ، لا احبك أبدا (ابن الأثير 348/2 ).

وفي السنة 12 قدم خالد بجيش من المسلمين، لمحاربة الفرس في العراق ، وكان هرمز الفارسي صاحب الثغر ، فطلب أن يبارز خالدة ، فبرز له خالد ، وقتله بكاظمة ، وغنم قلنسوة هرمز ، وكانت مفصصة بالجوهر ، فنفلها أبو بكر له ، وكان الجنود الفرس ، قد عقلوا أنفسهم بالسلاسل، كيلا يفروا ، فلما دارت عليهم الدائرة، قتلوا جميعا ، وسميت المعركة ذات السلاسل ( الطبري 349/3 ).

وفي السنة 12 كانت وقعة المذار ، وكان جيش المسلمين بقيادة خالد بن الوليد ، قد تقدموا داخل العراق ، بعد انتصارهم بكاظمة ، فلما بلغوا المذار ، واجهوا الجيش الفارسي بقيادة قارن بن قرياس ، واقتتل الجيشان ، وقتل قارن ، وقتل من الجيش الفارسي مقتلة عظيمة ، قيل انه قتل منهم ثلاثون ألفا ، سوي من غرق منهم ، وأفلت القليلون منهم عراة أو شبه عراة ( الطبري 351/3، 352).

وفي السنة 12 كانت معركة الولجة ، بين جيش المسلمين بقيادة خالد بن الوليد ، وبين الجيش الفارسي بقيادة الاندرزغر ، فانكسر الفرس ، ومضي قائدهم في هزيمته حتي مات عطشأ، وقتل خالد منهم رجلا يعدل بألف رجل ( الطبري 353/1 و 354 ).

وفي السنة 12 حشد الفرس ، وأعانهم قسم من نصاري العرب ، واجتمعوا علي محاربة جيش المسلمين بقيادة خالد بن الوليد ، فالتقوا علي

ص: 28

الفرات ، في موضع اسمه « اليس » بلام مشددة ، وطلب خالد المبارزة ، فبرز له مالك بن قيس ، من جذرة ، فصاح به خالد : يا ابن الخبيثة ، ما جرأك علي من بينهم ، وليس فيك وفاء ، وضربه ، فقتله ، وقتل من الفرس ، ومن أعانهم ، في موقعة اليس ، سبعون ألفا ( الطبري 356/3 - 358).

وفي السنة 12 قصد جيش المسلمين بقيادة خالد بن الوليد، عين التمر ، فتحصن منه الفرس ، وكانوا بقيادة مهران بن بهرام جوبين ، في جمع عظيم من العجم ، وتصدي له العرب بقيادة عقة بن أبي عقة ، في جمع عظيم من النمر وتغلب وإياد ومن لافهم ، ولما التقي الجيشان ، حمل خالد علي عقة، فأسره ، وانكسر جنده ، والتجأوا إلي الحصن ، ثم نزلوا علي حكم خالد ، فبدأ خالد بعقة ، فقتله ، وطرحه علي الجسر ، ثم ضرب أعناق أصحابه أجمعين ( الطبري 376/3 و 377).

وفي السنة 12 قصد خالد يقود جيش المسلمين، دومة الجندل ، وأخذ في طريقه أحد رؤساء أهل دومة وهو أكيدر بن عبد الملك ، فقتله ، ثم اشتبكت المعركة عند الحصن ، وانتصر المسلمون ، وأخذ خالد الجودي بن ربيعة ، رئيس دومة أسيرة ، فضرب عنقه ، ولجأ الفارون إلي الحصن ، فاقتحمه المسلمون ، وقتلوهم ( الطبري 378/3 ، 379).

وفي السنة 12 قصد القعقاع بن عمرو، أحد قواد خالد بن الوليد ، مع جيش من المسلمين، حميد، والتقي بجيش من الفرس ، فاقتتلوا، وانكسر الفرس ، وقتل قائدهم روزبة ، وأحد قوادهم زرمهر ( الطبري 3/ 380).

أقول : في غزوات العراق ، كان كل فخذ هاجرت بأسرها تدعي : البررة ، وكل قوم هاجروا من بطن ، يدعون الخيرة ( الطبري 3/ 380) .

وفي السنة 13 كان جيش المسلمين بالشام ، له أمراء متعددون ، وكانت كلمتهم متفرقة ، فخطبهم خالد بن الوليد ، ودعاهم إلي تأمير كل أمير

ص: 29

يوما واحدا ، تكون له الكلمة النافذة علي جميعهم ، فأمروه لذلك اليوم ، فرتب صفوف المسلمين ، وصدم بهم الروم صدمة عنيفة ، وجاء البريد إلي خالد ، وهو في صميم المعركة ، بموت أبي بكر ، واستخلاف عمر ، وعزل خالد، وتأمير أبي عبيدة ، فكتم خالد الخبر ، واستمر في المعركة ، فاستسلم له جرجة ، قائد الروم ، وأسلم ، وحارب مع خالد ، فقتل في المعركة ، وحمي وطيس المعركة ، فنادي عكرمة بن أبي جهل : من يبايعني علي الموت ؟ فبايعه أربعمائة من وجوه المسلمين وفرسانهم ، فقاتلوا أمام فسطاط قائدهم خالد بن الوليد ، حتي اثبتوا جميعا جراحأ ، وقتلوا إلا من برأ، وجيء إلي خالد بعكرمة جريحا ، فوضع رأسه علي فخذه ، وجيء إليه بعمرو بن عكرمة جريحا ، فوضع رأسه علي ساقه ، وجعل يمسح عن وجهيهما ويقطر الماء في حلقيهما حتي مات الأب والأبن معا .

قتل في هذه المعركة من المسلمين ثلاثة الأف، منهم عكرمة ، وابنه عمرو ، وسلمة بن هشام ، وعمرو بن سعيد، وأبان بن سعيد ، وجندب بن عمرو الدوسي ، والطفيل بن عمر ، وكليب بن عمير بن وهب ، وهبار بن سفيان ، وهشام بن العاص ، أما الروم فقتل صناديدهم ، ورؤوسهم ، وفرسانهم ، وقتل أخو ملكهم هرقل، وأسر التذارق أخوه الآخر، وقتل القبقلار الرومي ( ابن الأثير 417/2 ) .

وبعد إنتهاء المعركة ، وظفر المسلمين أعلن خالد وفاة أبي بكر . وأسلم القيادة إلي أبي عبيدة ( الطبري 395/3 - 405) .

أقول : مما يؤثر عن خالد بن الوليد في هذه المعركة ، إن رجلا قال له قبل الاشتباك بين الجيشين : ما أكثر الروم وأقل المسلمين ، فقال له خالد : بل ما أقل الروم وأكثر المسلمين ، إنما تكثر الجنود بالنصر وتقل بالخذلان ( الطبري 398/3 ).

وفي معركة اليرموك ، في السنة 13 ، قاتلت النساء المسلمات ، بجانب

ص: 30

الرجال ، وممن قاتلن في تلك المعركة ، جويرية ابنة أبي سفيان ، وكانت مع زوجها، وأصيبت بعد قتال شديد ( الطبري 401/3 ).

وفي معركة فحل ، في السنة 13 ، اقتل المسلمون والروم ، فقتل قائد الروم سقلار بن مخراق ، ونائبه نسطورس ، وانكسر الروم ، وكانت معركة فاصلة ، قتل فيها من الروم ثمانون ألفا ( الطبري 442/3 و 443).

ولما استخلف عمر ، في السنة 13 ندب الناس لحرب فارس ، فكان أول منتدب أبو عبيد بن مسعود الثقفي ، أبو المختار ، فأمره عمر علي الجيش ، ( الطبري 3/ 445).

وفي وقعة الجسر ، كان علي الجيش الفارسي بهمن جادويه ، وراية الجيش درفش كابيان ، راية كسري ، وعلي جند المسلمين قائدهم أبو عبيد ، وكان الجيش الفارسي قد أحضر الفيلة ، ليستعين بها في حربه ، ومنها فيل أبيض ، عليه الحلي ، فحاصت خيول المسلمين عن الفيلة ، فلما رأي أبو عبيد ما صنع الفيل ، سأل : هل لهذه الدابة من مقتل ؟ قالوا : نعم ، إذا قطع مشفرها ماتت ، فنهد أبو عبيد بنفسه إلي الفيل الأبيض ، فنفح خرطومه بالسيف ، وخبطه الفيل برجله ، وبرك عليه فقتله ، وتوالي علي حمل الراية سبعة من المسلمين ، كلما قتل منهم واحد خلفه آخر ، وقتل من المسلمين في هذه الواقعة أربعة الآف ( الطبري 455/3 - 458).

أقول : أهدي إلي أبي عبيد، وهو يجول بجنده في العراق ، قوم من فارس أطعمة من الأخبصة وغيرها ، فقال أبو عبيد لهم : أأكرمتم الجند بمثله؟ قالوا : لا، فرده، وقال : لا حاجة لي به، بئس المرء أبو عبيد إن صحب قوما من بلادهم أهرقوا دماءهم دونه ، فاستأثر عليهم بشيء يصيبه، لا والله ، لا يأكل أبو عبيد مما أفاء الله عليهم إلأ مثلما يأكل أوساطهم ( الطبري 452/3 ).

وفي معركة النمارق ، انتصر المسلمون بقيادة أبي عبيد الثقفي ، علي الفرس ، وأسر قائد الفرس جابان ، أسره مطر بن فضة التيمي ، وكان جابان

ص: 31

شيخا كبيرا ، فقال لمطر : هل لك أن تؤمني ، وأعطيك غلامين أمردين خفيفين في عملك ؟ فوافق مطر ، وأخذه فأدخله علي أبي عبيد، ونال موافقته ، فصاح الناس : هذا الملك جابان ، وهو قائد الجيش ، فقال أبو عبيد : قد آمنه رجل مسلم والمسلمون في التواد والتناصر كالجسد الواحد ، ما لزم بعضهم لزم كلهم ، فقالوا له : إنه الملك ، فقال أبو عبيد : وإن كان ، لا أغدر ( الطبري 449/3 و 450).

وفي موقعة البويب في السنة 13 اقتل جيش المسلمين ، وعليهم المثني ، وجند الفرس ، وعليهم مهران مرزبان الحيرة ، ومردان شاه ، فقتل من المسلمين مسعود بن حارثة ، أخو المثني ، ولما ارت مسعود صاح : يا معشر بكر بن وائل ، ارفعوا رايتكم ، رفعكم الله ، لا يهولنكم مصرعي ، وقتل أنس بن هلال ، وكان نصرانية ، حارب في جند المسلمين ، عصبية للعرب ، وقتل قائد الفرس مهران ، وقتل صاحب خيله شهر براز ( الطبري 461/3 و 462).

وفي موقعة البويب ، صف المثني جند المسلمين ، يهيئهم للحرب ، فأبصر رجلا يستوفز ، ويستنتل من الصف ، فقال : ما بال هذا ؟ قالوا : هو ممن فر من الزحف يوم الجسر ، وهو يريد أن يستقتل ، فقرعه بالرمح ، وقال : لا أبالك ، الزم موقفك ، فإذا أتاك قرنك ، فاغنه عن صاحبك ، ولا تستقتل ( الطبري 91/3 و 492).

معركة القادسية

وفي السنة 14 وقعت معركة القادسية ، بين جيش المسلمين ، وجند فارس ، وكان ابتداء أمرها، أن الخليفة عمر ، لما بلغه قتل أبي عبيد الثقفي ، قائد جيش المسلمين، واجتماع أهل فارس علي رجل من آل كسري ، جمع ذوي الرأي من المسلمين ، واستشارهم في أن يسير هو علي

ص: 32

رأس جيش إلي فارس ، فأشاروا عليه بأن يقيم ، ويبعث قائدة علي الجيش ، فبعث سعد بن أبي وقاص ، في أربعة آلاف ، ثم أمته بأربعة آلاف ، وكان المثني قبله في ثمانية آلاف .

وعند وصول سعد ، توفي المثني بن حارثة ، من جراحة كانت أصابته يوم الجسر ، فانتقضت عليه ، ومات منها ، فأنضاف جيشه إلي جيش سعد ، وأضاف اليهم الأشعث بن قيس في ألف وسبعمائة من أهل اليمن ، وانضاف اليه آخرون من بعث الشام ، بأمر من الخليفة ، فكان من شهد معركة القادسية من جيش المسلمين بضعة وثلاثين ألفا ، قابلهم الجند الفرس في مائة وعشرين ألفا، علي مقدمتهم الجالنوس في أربعين ألفا ، وعلي ميمنته الهرمزان ، وعلي ميسرته مهران بن بهرام ، وهما في ستين ألفا ، وعلي ساقته البيرزان في عشرين ألفا ، وكانوا مع أتباعهم أكثر من مائتي ألف ، وعليهم جميع قائدهم رستم ، ومعه ثلاثة وثلاثون فية ، منها فيل سابور الأبيض ، وكانت الفيلة تألفه ، وكان أعظمها وأقدمها .

وبدأت معركة القادسية، بيوم أرماث ، وكان سعد مريضأ ، لم يشترك في المعركة، وإنما كان في فراشه مشرفا علي الناس من القصر ، يرمي بالرقاع فيها أمره ونهيه إلي خالد بن عرفطة ، فيبلغها الجند .

ولما تلاحم الفريقان ، عمد فريق من جند المسلمين إلي الفيلة ، فأخذوا بأذنابها ، وقطعوا وضنها ، وقتلوا من عليها .

ثم تلاه يوم أغواث، فاجتلدوا بالسيوف حتي المساء ، ولم تشترك الأفيال في القتال ، كانت توابيتها تكسرت بالأمس ، في يوم أرماث ، وقتل في هذا اليوم كثير من أعلام الفرس ، قتل منهم عشرة آلاف ، وقتل من المسلمين الفان .

وكان اليوم الثالث ، يوم عماس، واشترك فيه الفرس بأفيالهم ، ومعها الرجالة ، يحمونها أن تقطع وضنها ، ومع الرجالة فرسان يحمونهم ، ولما بدأ

ص: 33

الإلتحام ، قال عمرو بن معدي كرب الزبيدي لأصحابه : إني حامل علي الفيل ومن حوله ، فلا تدعوني أكثر من جزر جزور ، فإن تأخرتم عني، فقد تم أباثور ، وأني لكم بمثل أبي ثور ، ثم انغمس في المعركة، وستره الغبار ، وتبعه أصحابه ، فوجدوه راجلا يضرب بسيفه ، إذ طعن فرسه ، فنزل عنه وتركه ، فلما جاء أصحابه ، انفرج الفرس عنه ، فأخذ برجل فرس فارس منهم ، فلم يستطع الفرس الحركة ، ونزل عنه فارسه وفر ، فركبه عمرو بد من فرسه ، ولما عادت الفيلة الي مضايقة المسلمين ، أمر سعد أربعة من قواده أن يكفوه أمر فيلين كانا يقودان باقي الفيلة ، فعمد كل قائدين إلي احد هذين الفيلين ، فغرسا رمحيهما في عيني الفيل، فنفض الفيل رأسه ، وطرح سائسه ، وكذلك حصل مع الثاني ، وصاح الفيلان، ثم ولي الأجرب الذي عور ، فوثب في العتيق، فاتبعته الفيلة ، فخرقت صفوف الأعاجم ، ودامت الملحمة طول النهار ، والليل ، إلي الصباح ، فسميت ليلة الهرير ، ولما أصبح المسلمون ، ولم تغمض اعينهم ، تذامروا من جديد، وهاجموا الفرس ، وضرب احد المسلمين ، وهو هلال بن علفة ، رستم ، قائد الفرس ، ففر منه وارتمي في العتيق فاقتحمه هلال عليه ، وأمسك به وقد عام ، فأخذ برجله ، وأخرجه ، فضرب جبينه بالسيف فقتله ، ثم صعد علي سرير رستم ، وصاح : قتلت رستم ورب الكعبة، إلي، فأطاف به المسلمون، وكبروا ، وتنادوا وتفرق الفرس وفروا .

وكان منهم ثلاثون ألفا ، قد قرنوا أنفسهم بالسلاسل ، كيلا يفروا ، فتهافتوا في العتيق ، فقتلوا جميعا ، ما أفلت منهم أحد، وأخذ ضرار بن الخطاب راية الفرس ، درفش كابيان ، فعوض عنها بثلاثين ألفا ، وكانت قيمتها ألف ألف ومائتي ألف ، وقتل من الفرس في هذه المعركة عشرة آلاف سوي من قتل منهم قبل، وبلغ عدد قتلي المسلمين في جميع أيام حرب القادسية ستة الاف .

ص: 34

وقتل زهرة التميمي الجالنوس ، أحد كبار قواد الفرس ، وأخذ سلبه إلي سعد ، فقال له سعد: هل أعانك عليه أحد ؟ قال : نعم ، قال من ؟ قال : الله ، فنفله سلبه ، فباعه بسبعين ألف درهم ( الطبري 480/3- 570).

وفي معركة دستميسان ، في السنة 14 كان عتبة بن غزوان ، قائد جيش المسلمين ، قد شخص إلي المدينة ، وأمر المغيرة بن شعبة علي الجيش ، فجمع أهل ميسان للمسلمين ، والتحم معهم المغيرة في حرب ، وكانت النساء مع الأثقال ، فقالت احداهن : لو لحقنا بالمسلمين فكنا معهم ، واعتقدت لواء من خمارها ، واتخذت النساء من خمره رايات ، وخرجن يردن المسلمين ، فانتهين اليهم ، والمشركون يقاتلونهم ، فلما رأي المشركون الرايات مقبلة ، ظنوا إنها مد د جاء للمسلمين ، فانكشفوا ، واتبعهم المسلمون ، فقتلوا منهم عدة ( الطبري 596/3 ).

وفي السنة 15 بعث هرقل ، البطريق توذر ، علي رأس جيش ، فقصد دمشق ، واشتبك مع جيش المسلمين بقيادة يزيد بن أبي سفيان ، ولحق بهم خالد بن الوليد وهم يقتتلون ، فصدم الروم من خلفهم ، فلم يفلت منهم إلا الشريد ، وقتل قائدهم توذر . وفي السنة 10 اقتتل بمرج الروم ، جيش الروم ، يقوده شنس، وجيش المسلمين يقوده أبو عبيدة ، فقتل من الروم مقتلة عظيمة ، وقتل قائدهم شنس ( الطبري 598/3 و 599).

وفي السنة 15 في معركة قنسرين ، كان علي جيش الروم ميناس ، وهو رأس الروم، واعظمهم بعد هرقل ، وعلي جيش المسلمين خالد بن الوليد ، وكان النصر للمسلمين ، وقتل ميناس ( الطبري 601/3 .

وفي السنة 15 توتي معاوية قيسارية ، فسار إليها، ومعه جند من

ص: 35

المسلمين ، وحارب الروم ، وكانوا قد تحصنوا بقيسارية ، ثم خرجوا فحاربوه حرب استماتة فبلغ قتلاهم في المعركة ثمانين ألفا ، وكملها في هزيمتهم مائة ألف ( الطبري 3/ 604).

وفي السنة 15 وقعت معركة بابل ، إذ اجتمع الفرس ببابل ، علي الفيرزان ، فاشتبك معهم المسلمون في معركة ضارية ، والمسلمون يقودهم سعد ، فانكسر الفرس ، وتمزق جيشهم ، ولحق بهم المسلمون إلي المدائن ، وكان قائد الفرس في المدائن ، شهريار ، دهقان الباب ، فطلب شهريار المبارزة ، فبرز له نائل بن جعشم الأعرجي ، من بني تميم ، فقتله نائل ، وانكشف أصحابه ، وأخذ نائل سلب شهريار ، وسواريه ، وفرسه ، فعزم عليه سعد أن يلبس قباء شهريار ، ودرعه ، وسواره ، فانطلق فلبس كل ذلك ، وجاء إلي سعد ، فقال له : اخلع سواريك؛ إلا أن تري حربأ فتلبسها ، فكان أول رجل من المسلمين سور بالعراق ( الطبري 620/3- 622).

وفي السنة 10 وقعت معركة اليرموك ، حيث سار هرقل وجيشه، ونزل بانطاكية ، ومعه بشر كثير من المستعربة ، ومثلهم أهل أرمينية ، وبعث أحد قواده ، واسمه الصقلار ، في مائة ألف مقاتل ، منهم اثنا عشر ألفا من أهل أرمينية عليهم جرجة ، ومن المستعربة ، من غسان قضاعة اثنا عشر ألفأ، عليهم جبلة بن الأيهم الغساني ، وسائرهم من الروم ، والتقوا باليرموك بالمسلمين ، والمسلمون في أربعة وعشرين ألف بقيادة أبي عبيدة ، فاقتتل الجيشان اقتتالا شديدا ، وقتل الصقلار قائد الروم ، وقتل معه سبعون ألفا من جنده ( الطبري 570/3- 572).

وفي السنة 16 وقعت معركة بهرسير ، وكان الفرس قد تحصنوا بها ، وأحاط بهم جند المسلمين بقيادة سعد ، وكان زهرة بن الحوية ، أحد أبطال المسلمين ، قد لبس درعا مفصومة ، فقيل له : ألا أمرت بهذا الفصم فسرد ، فإنا نخاف عليك منه ، فقال : إني لكريم علي الله إن ترك سهم

ص: 36

فارس الجند كله ، ثم أتاني من هذا الفصم ، حتي يثبت في ، فكان أول رجل من المسلمين أصيب يومئذ بنشابهة ، فثبتت في ذلك الفصم ، فأرادوا نزعها ، فقال : دعوني ، فإن نفسي معها ما دامت في ، لعلي أن أصيب منهم بطعنة ، أو ضربة ، أو خطوة ، ومضي نحو العدو ، فضرب بسيفه شهربراز القائد الفارسي ، فقتله ، وأحيط بزهرة ، فقتل ( الطبري 6/4).

وفي السنة 16 كانت الخنساء الشاعرة مع جيش المسلمين في العراق ، ومعها أولادها الأربعة ، فقالت لهم : يا بني أنتم أسلمتم طائعين ، وهاجرتم مختارين ، فإذا اصبحتم غدأ ، فاغدوا الي قتال عدوكم مستبصرين ، وبالله علي أعدائه مستنصرين ، فلما أضاء لهم الصبح، باكروا مراكزهم ، فتقدموا واحدة بعد واحد، ينشدون الأراجيز ، فقاتلوا حتي استشهدوا جميعا ، فلما بلغها الخبر ، قالت : الحمد لله الذي شرفني بقتلهم ، وأرجو من ربي أن يجمعني بهم في مستقر رحمته ، فكان عمر يعطيها أرزاق أولادها الأربعة لكل واحد مائة درهم حتي قبض وماتت الخنساء ( خزانة الأدب 210/1 ).

وفي السنة 16 لما انتصر جيش المسلمين، بقيادة سعد، في موقعة المدائن ، وصل إلي أيديهم تاج كسري، وجواهره، وثيابه الديباج المنسوجة بالذهب ، المنظوم بالجوهر ، وأسفاط من اللؤلؤ، والزمرد، والياقوت، فبعث بها سعد إلي الخليفة عمر ، فقال عمر : إن أقوام أدوا هذا لذوو أمانة ، فقال له علي : إنك عففت فعفت الرعية ( الطبري 19/4 و20).

وفي السنة 16، تذامر الفرس ، راجتمعوا بجلولاء، وحشدوا بقيادة مهران الرازي ، فأنفذ إليهم سعد جيشا من اثني عشر ألفا ، بقيادة هاشم بن عتبة الملقب بالمرقال ، فحصرهم في جلولاء ، وأمده سعد بفرسان آخرين ، فالتحم مع الفرس في معركة اشبهت معركة ليلة الهرير ، قتل فيها من الفرس مائة الف ، وجلت جثث القتلي المجال وما بين يديه وما خلفه ، فسميت جلولاء ( الطبري 24/4- 26).

ص: 37

وفي السنة 17 نهد العلاء بن الحضرمي ، عامل البحرين ، وعبر بجيش من المسلمين ، البحر الي فارس، وكان الفرس قد اجتمعوا علي الهربذ ، فقتل من المسلمين ، من قوادهم سوار بن همام ، والجارود بن المعلي ، واستعان الفرس بأمداد من أهل فارس كلهم ، وبعث سعد إلي المسلمين مددة ، والتحم الجيشان في معركة ضارية ، فانكسر الفرس وقتل منهم مقتلة عظيمة ( الطبري 79/4 ).

وفي النسة 17 كانت معركة السوس، وكان يزدرجرد قد دعا قائده سياه ، فوجهه في ثلثمائة ، منهم سبعون رجلا من عظمائهم ، وأمره أن ينتخب من كل بلد يمر بها من أحب ، ثم وجد وأصحابه أن لا قبل لهم بمقاتلة المسلمين ، فدخلوا في الإسلام علي شروط اشترطوها ، منها أن يقاتلوا العجم مع المسلمين ، ولا يقاتلوا العرب ، ووجد أبو موسي الأشعري من سياه وأصحابه تراخيا : فقال له : يا أعور ، ما أنت وأصحابك كما كنا نري ، فحمي سياه ، وجاء إلي حصن من حصون الفرس ، فتماوت علي بابه ، فلما رأوا لباسه مثل لباسهم ، فتحوا الباب ليدخلوه فثار ، وقاتلهم ، حتي أخلوا باب الحصن ، فاحتله المسلمون ( الطبري 90/4 و91 ).

وفي السنة 17 وقعت معركة ، علي أبواب تستر ، بين المسلمين والفرس يقودهم الهرمزان ، ولما حمي وطيس المعركة ، قال المسلمون للبراء بن مالك : يا براء ، أقسم علي ربك ليهز منهم لنا ، فقال : اللهم أهزمهم ، واستشهدني ، فهزموهم حتي أدخلوهم خنادقهم ، ثم اقتحموها عليهم ، ثم عبروا إلي داخل تستر من مجري مائها ، فلما أفضوا إليها كبروا ، وكبر المسلمون ، وتحضن الهرمزان في القلعة، ثم نزل علي حكم عمر ، فأنزلوه ، وشدوه وثاقا ، وكان الهرمزان قد قتل خلال المعركة البراء بن مالك ، ومجزأه بن ثور بنفسه ، وقدم المدينة وفد من الجند ومعهم الهرمزان ، فلما أرادوا دخول المدينة ، ألبسوا الهرمزان كسوته من الديباج وفيه الذهب ؛

ص: 38

ووضعوا علي رأسه تاجه الأذين المكلل بالياقوت ، وعليه حليته ، وجاءوا به إلي الخليفة، فلم يجدوه في بيته ، ووجدوه نائما في زاوية المسجد ، فصعق الهرمزان مما رأي ، قال : أين وزراؤه وحجابه وحراسه ، فقالوا: ليس له حارس ولا حاجب ، فقال : فهو إذن نبي ، ولما أبصره عمر ، أمر بأن تخلع عنه حليته ، ثم احضره ، ولما جيء به اليه ، استسقي ماء ، فلما جيء به إليه ارتجفت يده ، فقال له عمر : لا بأس عليك حتي تشربه، فأكفأ القدح ، وقال : قد امنتني حتي أشربه ، فقال له عمر : كذبت ، أنا أؤمن قاتل مجرأة والبراء ، فقال له المسلمون : قد أمنته يا أمير المؤمنين ، فأسلم الهرمزان ، وفرض له عمر في العطاء ، وأنزله المدينة ( الطبري 83/4 - 88).

وفي السنة 21 وقعت معركة نهاوند ، وكانت الأعاجم قد اجتمعت بها ، فأمر الخليفة عمر ، قائده سعدأ ، أن يبعث الي نهاوند بجيش يقوده النعمان بن مقرن، وكتب الخليفة الي النعمان كتاب ، قال فيه : بسم الله الرحمن الرحيم . من عبدالله عمر أمير المؤمنين إلي النعمان بن مقرن ، س لام عليك ، فإني أحمد اليك الله الذي لا إله إلا هو ، أما بعد ، فإنه قد بلغني أن جموعة من الأعاجم كثيرة ، قد جمعوا اليكم بمدينة نهاوند، فإذا أتاك كتابي هذا ، فسر بأمر الله ، وبعون الله ، وبنصر الله ، بمن معك من المسلمين ، ولا توطئهم وعرة فتؤذيهم ، ولا تمنعهم حقهم فتكفرهم ، ولا تدخلنهم غيضة ، فإن رجلا من المسلمين أحب إلي من مائة ألف دينار، والسلام عليك ، فسار النعمان إلي نهاوند ، وخاض مع الفرس معركة ضارية ، وانتصر المسلمون ، وفتحت نهاوند ، وجاءت قائدهم النعمان نشابة فقتل ، فلفه أخوه سويد في ثوبه ، وكتم قتله ، حتي فتح الله عليهم ، ولما بلغ عمر مقتل النعمان بكي ، وسأل عمن قتل ، فعدله أناس ثم قيل وآخرون لا تعرفهم ، فقال وهو يبكي : لا يضيرهم ألا يعرفهم عمر ، ولكن الله يعرفهم ( الطبري 114/4 و 116 و 120 ).

ص: 39

أقول : كان النعمان بن مقرن ، عاملا علي كسكر ، فكتب إلي الخليفة عمر ، يقول : مثلي ومثل كسكر ، كمثل رجل شاب والي جنبه مومسة تلون له وتعطر . فأنشدك الله لما عزلتني عن كسكر ، وبعثتني إلي جيش من جيوش المسلمين ( الطبري 126/4 ).

ولما صرع النعمان بن مقرن ، والمعركة في شدتها، راه معقل بن يسار، فجاء إليه بإداوة فيها ماء ، فغسل عن وجهه التراب ، فقال له : من أنت ؟ قال : معقل بن يسار ، قال : ما فعل الناس ؟ قلت : فتح الله عليهم ، قال : الحمد لله ، أكتبوا بذلك إلي عمر ثم فاظت نفسه ( الطبري 143/4 ).

وفي معركة الباب مع الترك ، في السنة 22 كان علي جند المسلمين عبد الرحمن بن ربيعة ، ووحمي القتال ، فقاتل عبد الرحمن حتي قتل ، وانكشف الناس ، فأخذ الراية أخوه سلمان بن ربيعة ، وحمي الناس ، وخرج بهم إلي جيلان ( الطبري 158/4 ).

وقتل في المعركة من أبطال المسلمين معاوية النخعي ، أصابه حجر فهشم رأسه ، ومعضد الشيباني ، أصابته شظية من حجر منجنيق ففضخت هامته ، وعمرو بن عتبة ، أصابته جراحة فقتل ، وقاتل القرثع الضبي ، حتي خرق بدنه بالحراب ( الطبري 305/4 و 306).

وفي موقعة بيروذ ، بالأهواز ، في السنة 23 كان جيش المسلمين بقيادة أبي موسي الأشعري ، يقاتل جيش فارس ، وقد توافي إليه أهل النجدات من أهل فارس والأكراد، فقام المهاجر بن زياد، وقد تحنط واستقتل ، فأقسم علي كل صائم أن يرجع ليفطر ، فرجع أخوه الربيع بن زياد فيمن رجع لإبرار قسمه ، وإنما أراد بذلك توجيه أخيه عنه لئلا يمنعه من الإستقتال ، وتقدم فقاتل حتي قتل ، فقاد أخوه الربيع جند فتحوا بيروذ ( الطبري 4 / 183 و 184).

وفي السنة 29 كان عبيد الله بن معمر التيمي ، أميرة علي فارس ،

ص: 40

فحشد له الفرس ، واشتبكوا معه في معركة علي باب اصطخر ، فقتل عبيد الله وهزم جنده ( الطبري 265/4 ).

وفي السنة 31 قتل يزدجرد ، آخر ملوك فارس ، بمدينة مرو، واختلف في كيفية قتله ، فمن قائل إنه شدخ رأسه بحجر ومن قائل إنه خنق بوتر ، ومن قائل إنه ضرب رأسه بفأس ( الطبري 294/4).

وفي السنة 31 قتل الأقرع بن حابس الدارمي التميمي ، في معركة الجوزجان مع الفرس ، ولقب بالأقرع ، لقرع كان في رأسه (الاعلام 242/1)

أقول : ما زال البغداديون ، إذا أشاروا إلي الأقرع ، قالوا : ابن حابس

وفي السنة 35 لما حصر الثائرون، الخليفة عثمان في داره ، برز نيار بن عياض ، شيخ كبير ، يناشد عثمان الله أن يعتزلهم ، فرماه كثير من الصلت الكندي بسهم فقتله ، فقالوا لعثمان : ادفع الينا قاتل نيار بن عياض ، فقال : لم أكن لأقتل رجلا نصرني وأنتم تريدون قتلي ، ثم اقتتلوا علي باب الدار ، فحمل المغيرة بن الأخنس ، من أصحاب عثمان علي الثائرين ، فضربه عبدالله بن بديل ، فقتله ، وقتل في المعركة بباب الدار زياد بن نعيم الفهري ، في ناس من أصحاب عثمان (الطبري 382/4 و 383). وقتل يوم الدار عبدالله بن وهب القرشي الصحابي ( الاعلام 288/4 ).

حرب الجمل

في السنة 36 كانت حرب الجمل بين الإمام علي بن أبي طالب ، وبين طلحة والزبير ، ومعهما عائشة ، وكان طلحة والزبير قد بايعا علية بالمدينة ، ثم صارا الي مكة ، وصحبا عائشة في جمع إلي البصرة ، ثائرين علي علي ، فقصدهم علي إلي البصرة في جمع من المهاجرين والأنصار، وجند من أهل

ص: 41

البصرة والكوفة ، وسميت الحرب حرب الجمل ، نسبت إلي جمل عائشة ، واسمه عسكر ، اشتري لها بمائتي دينار ، وحضرت عائشة المعركة ، بعد أن استقرت في هودج قد ألبس الأدراع .

وكان أول قتيل في معركة الجمل ، مسلم بن عبدالله ، من أصحاب علي ، خرج فوقف بين الصفين يدعوا إلي السلم ، فرشقوه بالسهام رشقا واحدة ، فقتلوه ، فكان أول قتيل في المعركة ، وقالت أمه ترثيه : ( الطبري 529/4)

لا هم إن مسلما أتاهم**** مستسلما للموت إذ دعاهم

إلي كتاب الله لا يخشاهم**** فزملوه من دم إذ جاهم

وأمهم قائمة تراهم ****يأتمرون الغي لا تنهاهم

وقتل علي خطام جمل عائشة ، سبعون رجلا ، يأخذ الواحد الخطام بيده فيقتل ، فيتقدم غيره .

وخرج من أصحاب عائشة ، كعب بن سور ، يدعوا إلي المصحف، فرشقه السباية بالسهام رشقا واحدا ، فقتلوه ، ومر به الإمام علي ، فوقف عليه، وقال : والله ، إنك - ما علمت - كنت صليبا في الحق، قاضيا بالعدل ، وأثني عليه .

: وقتل علي راية الإمام علي ، عشرة من أهل الكوفة ، كلما أخذها رجل قتل .

وقتل عمرو بن يثربي الضبي ، من أصحاب عائشة ، ثلاثة من أصحاب علي ، هما علباء بن الهيثم السدوسي ، وزيد بن صوحان ، وهند بن عمرو الجملي ، ثم اخذ برأس الجمل وهو يرتجز :

أنا لمن ينكرني ابن يثربي**** قاتل علباء وهند الجملي

وابن صوحان علي دين علي

ص: 42

فناداه عمار بن ياسر ، من أصحاب علي ، وطالبه بالمبارزة ، فترك زمام الجمل في يد رجل من بني عدي يدعي عمرة بن بحرة ، وقصد عمارة ، فاتقاه عمار بالدرقة فأنشب سيفه فيها ، وضربه عمار علي رجليه فقطعهما ، فوقع علي استه ، وعندئذ ترك عمرة الجمل ، وأقبل يطلب عمارة ، فنهد إليه ربيعة العقيلي ، فتضاربا ، فأثخن كل واحد منهما صاحبه ، فماتا معا ، وقام مقام العدوي ، فتي من بني ضبة اسمه الحارث ، وأخذ يرتجز :

نحن بنو ضبة أصحاب الجمل**** ننعي ابن عفان بأطراف الأسل

الموت أحلي عندنا من العسل**** ردوا علينا شيخناثم بجل

وكان ممن قتل علي خطام جمل عائشة ، عبد الرحمن بن عتاب ، والأسود بن أبي البختري ، وأخذ عمرو بن الأشرف العتكي ، بخطام الجمل ، فأقبل عليه الحارث بن زهير الأزدي ، فاختلفا ضربتين ، فوقعا يفحصان الأرض، بأرجلهما حتي ماتا .

وتبارز عبدالله بن حكيم بن حزام من أصحاب عائشة ، وعدي بن حاتم الطائي من أصحاب علي ، فضرب عبدالله عدية ففقأ عينه ، وضرب عدي عبدالله فقتله .

وكانت راية الأزد مع مخنف بن سليم ، فقتل ، فتناول الراية من أهل بيته الصقعب ، وأخوه عبد الله بن سليم ، فقتل ، فأخذها العلاء بن عروة . وكانت راية عبد القيس الكوفة ، بيد القاسم بن مسلم، فقتل ، وقتل معه زيد بن صوحان ، وأخوه سيحان ، وأخذ الراية عدة منهم فقتلوا ، منهم عبدالله بن رقية ، وراشد

وكانت راية بكر بن وائل الكوفة ، مع الحارث بن حسان بن خوط الذهلي ، فقتل هو وابنه ، وأخوة له خمسة .

ص: 43

وقتل محمد بن طلحة بن عبيدالله ، وكان يلقب بالسجاد ، لكثرة تعبده ، وكان في جانب عائشة .

وقتل ربيعة بن مسلم ، جد اسحاق بن مسلم ، أصيب قدام الجمل .

وزحف القعقاع ، من أصحاب علي إلي قرب الجمل، فوجد أنه لم يبق حول الجمل عامري إلا أصيب ، فصاح القعقاع ، ببحير بن دلجة ، من أصحاب عائشة ، يا بحير بن دلجة ، أدع بي اليك ، فدعاه ، فقال : أنا آمن حتي أرجع ؟ قال : نعم ، فجاء ، فاجت ساق البعير ، فسقط ، وصاح القعقاع بمن يليه أنتم آمنون ، واجتمع القعقاع - من أصحاب علي - وزفر بن الحارث - من أصحاب عائشة - علي قطع بطان البعير ، وحملا الهودج ، - فوضعاه .

وقتل يوم الجمل أخوان، عبدالله بن خلف الخزاعي ، مع عائشة ، وعثمان بن خلف الخزاعي مع علي .

ولما أبصر الإمام علي ، عبد الرحمن بن عتاب قتيلا ، قال هذا يعسوب القوم .

قتل في وقعة الجمل عشرة آلاف علي قول ، وخمسة عشر ألف علي قول ، وصلي الإمام علي ، علي جميع القتلي .

وذكر الإمام علي في كتاب إلي عامله بالكوفة ، أسماء القتلي من أصحابه ومنهم ثمامة بن المثني ، ومحدوج ، وهند بن عمرو، وعلباء بن الهيثم ، وسيحان وزيد ابنا صوحان ( الطبري 4/ 506- 540).

وفي السنة 36، لما قدم الزبير وطلحة البصرة ، خارجين علي الإمام علي ، حاربهم حكيم بن جبلة ، إنتصارة لعثمان بن حنيف أمير البصرة ، لما أسروه ، فضرب رجل منهم رجل حكيم فقطعها ، فحبا، حتي أخذها، ثم

ص: 44

رمي بها صاحبه ، فصرعه وزحف إليه ، فقتله ، ثم اتكأ عليه ، وهو يقول :

با ساق لن تراعي إن معي ذراعي

أحمي بها كراعي

ومر به رجل ، وهو رثيث ، فقال له : مالك يا حكيم ؟ قال : قتلت ، قال : من قتلك ؟ قال : وسادتي ، ثم مات . ( الطبري 471/4 وابن الأثير 218/3)

وفي السنة 36، في حرب الجمل أصيب طلحة بن عبيد الله ، بسهم شك ساقه ، فنزف دمه ، ومات ، وكان الذي رمي طلحة ، مروان بن الحكم ، وطاف الإمام علي في القتلي بعد المعركة ، ووقف علي طلحة ، وهو صريع ، فقال : لهفي عليك يا أبا محمد ، إنا لله وإنا إليه راجعون ، والله لقد كنت أكره أن أري قريشأ صرعي ، أنت والله كما قال الشاعر: ( ابن الأثير 343/3 و 255).

فتي كان يدنيه الغني من صديقه**** إذا ما هو استغني ويبعده الفقر

وفي حرب الجمل ، حمل عمار بن ياسر ، من أصحاب علي ، علي الزبير بن العوام ، من أصحاب عائشة ، فجعل يحوزه بالرمح، فقال له الزبير : أتريد أن تقتلني يا أبا اليقظان ؟ فقال له : لا، يا أبا عبد الله ( الطبري 512/4)

وفي وقعة الجمل ، كان من جملة القتلي من أصحاب علي ، مخنف بن سليم الأزدي ( الاعلام 75/8 ) ومن أصحاب عائشة ، عبدالله بن حكيم الأسدي ( الاعلام 213/2 ) وعمرو بن الأشرف الكعبي ( الاعلام 43/5 ) ومسلم بن عبدالله العجلي ( الاعلام 118/8 ) ومجاشع بن مسعود السلمي ( الاعلام 160/6 ) والحسين بن ضرار الضبي ، وكان قد ناهز المائة ( الاعلام 288/2 ) .

ص: 45

وقتل في وقعة الجمل، المعرض بن علاط ، فقال أخوه الحجاج : ( الطبري 4 / 545).

ولم أر يوم كان أكثر ساعية**** بكف شمال فارقتها يمينها

حرب صفين

صفين ، موضع بقرب الرقة ، علي شاطيء الفرات من الجانب الغربي، بين الرقة وبالس، وفيها جرت معارك صفبين بين الإمام علي ومعاوية .

اختلف المؤرخون في تعداد الجيشين ، فذكر صاحب معجم البلدان 403/3 إن جيش علي كان تسعين ألفا ، وجيش معاوية مائة وعشرين ألفا ، وقال آخرون إن عليا كان في مائة وعشرين ألفا ، وأن معاوية كان في تسعين ألفا ، ورجح ياقوت القول الثاني ، وذكر كلوب باشا في كتابه مختصر تاريخ العرب ص 68 إن جيش علي كان خمسين ألفا .

وقتل في هذه الحروب من أصحاب علي خمسة وعشرون ألفأ، ومن اصحاب معاوية خمسة وأربعون ألفا ، وطالت مدة هذه الحرب فاستغرقت مائة يوم وعشرة أيام ، وكانت الوقائع فيها تسعين وقعة .

وسبب المعركة أن الإمام عليا ، لما بويع بالخلافة ، علم معاوية ، وكان علي الشام ، أن عليا لن يستعمله ، فبادره بالعداء محتجأ بأنه خرج للمطالبة بدم عثمان ، واتهم علية بأنه قد آوي قتلته ، فاضطر الإمام علي إلي محاربته ، بأن خرج إليه من الكوفة ، قاصدأ الشام ، فالتقيا بصفين .

ولما عبر جيش علي ، جسر الرقة ، في طريقه إلي صفين ، زحمت الخيل علي الجسر بعضها بعضا ، فسقطت قلنسوة عبدالله بن الحجاج الأزدي ، فنزل وأخذها ثم ركب ، وقال لصاحبه :

ص: 46

فإن يك ظن الزاجري الطير صادقأ**** كما زعموا أقتل وشيكأ وتقتل

فقتلا جميعا يوم صفين ( الطبري 4 /566).

وفي السنة 36 لما خرج معاوية بجيشة إلي صفين ، نزل جيشه علي المشرعة ، وحال بين أصحاب علي وبين الماء ، فبعث الإمام علي إلي معاوية رسولا قال له : ائت معاوية، وقل له إنا سرنا مسيرنا هذا اليكم ، ونحن نكره قتالكم قبل الإعذار اليكم ، وإنك قدمت إلينا خيلك ورجالك ، فقاتلتنا قبل أن نقاتلك ، وبدأتنا بالقتال ، ونحن من رأينا الكف عنك حتي ندعوك ونحتج عليك ، ثم حلتم بين الناس وبين الماء ، فأبعث إلي أصحابك ، فليخلوا بين الناس وبين الماء ، ويكفوا ، حتي ننظر فيما بيننا وبينكم ، فيما قدمنا له وقدمتم له ، فقال معاوية للرسول : سيأتيكم رأيي ، ثم بعث خيلا لمنع أصحاب علي من الماء ، فاضطر أصحاب علي الي محاربة أصحاب معاوية ، حتي طردوهم عن الماء ، وأرادوا أن يعاملوا اصحاب معاوية بالمثل ، بمنعهم من الماء ، فأرسل اليهم علي ، خذوا من الماء حاجتكم ، وارجعوا إلي عسكركم ، وخلوا بينهم وبين الماء ( الطبري 571/4 و 572).

وكان الإمام علي ، يأمر قواده في كل موطن يلقون فيه عدوا ، فيقول : لا تقاتلوا القوم حتي يبدءوكم ، فإذا هزمتموهم فلا تقتلوا مدبرة ، ولا تجهزوا علي جريح ، ولا تكشفوا عورة ، ولا تمثلوا بقتيل ، فإذا وصلتم إلي رحال القوم ، فلا تهتكوا سترا ، ولا تدخلوا دارا إلا بإذن ، ولا تأخذوا شيئأ من أموالهم إلا ما وجدتم في عسكرهم ، ولا تهيجوا امرأة بأذي ، وإن شتمن أعراضكم ، وسببن أمراءكم وصلحاءكم ، فانهن ضعاف القوي والأنفس ( الطبري 10/5 و11).

وفي موقعة صفين في السنة 37 بارز زياد بن النضر ، من أصحاب علي ، أخا لأمه اسمه عمرو بن معاوية ، من أصحاب معاوية، وكانت أمهما

ص: 47

امرأة من بني زيد ، فلما التقيا تعارفا ، وتواقفا ، ثم انصرف كل واحد منهما عن صاحبه ( الطبري 12/5 ).

ولما خرج جيش علي ، لقتال جيش معاوية ، كان الأشتر علي المقدمة ، وحصلت بينهم مناوشة ، قتل فيها عبدالله بن المنذر التنوخي ، فارس أهل الشام ، وكان فتي حدثا ( الطبري 4 /567).

وفي حرب صفين ، كان هاشم بن عتبة بن أبي وقاص ، من أصحاب علي ، وكان يلقب بالمرقال ، لأنه كان يرقل في سيره في المعركة ، وكان أعور ، أصيبت عينه في معركة جلولاء ، وكان في المعركة يرتجز :

أعور يبغي أهله محلا**** قد عالج الحياة حتي ملا

يتلهم بذي الكعوب تلا**** لا بد أن يفل أو يف

فذكر إنه قتل يومئذ تسعة أو عشرة ، وحمل عليه الحارث بن المنذر التنوخي ، فطعنه ، فسقط ( الطبري 44/5 ).

وفي معركة صفين ، مر الأسود بن قيس المرادي ، بعبد الله بن كعب المرادي ، وهو باخر رمق ، فقال له : عز - والله - علي مصرعك ، أما والله ، لو شهدتك لأسيتك ، ولدافعت عنك ، ولو عرفت الذي اشعرك ، أحببت أن لا يتزايل حتي أقتله ، أو ألحق بك ، أما والله ، إن كان جارك ليأمن بوائقك ، وإن كنت لمن الذاكرين ، الله كثيرة ، فقال له عبد الله : أوصيك بتقوي الله ، وبمناصحة أمير المؤمنين ، وأن تقاتل معه المحلين ( يريد أصحاب معاوية ) وأبلغ أمير المؤمنين ، عتي السلام ، وقل له : قاتل عن المعركة حتي تجعلها خلف ظهرك ، فإنه من أصبح غدا والمعركة خلف ظهره ، كان العالي ، ثم لم يلبث أن مات ، فأقبل الأسود الي علي ، فأخبره، فقال : رحم الله عبدالله جاهد فينا عدونا في الحياة ، ونصح لنا في الوفاة ( الطبري 46/5 ) .

وفي معركة صفين ، قتل أصحاب معاوية ، عمار بن ياسر ، من كبار

ص: 48

أصحاب علي ، وعمار من أوائل من أسلم ، وكان النبي صلوات الله عليه يسميه : الطيب المطيب ، وقال له : يا عمار تقتلك الفئة الباغية ، وفي يوم مصرعه قال عمار : إني لا أعلم اليوم عم هو أرضي الله من مجاهدة هؤلاء الفاسقين ، ثم خاض المعمعة ، في جماعة من أصحابه ، استبسلوان واستقتلوا ، ونظر إلي راية معاوية ، فقال : لقد قاتلت صاحب هذه الراية ثلاثا مع رسول الله صلوات الله عليه ، وهذه الرابعة ، ما هي بأبر ولا أتقي ، وخاض المعركة حتي قتل ، فاضطرب أهل الشام لقتله للحديث المروي عن رسول الله بأنه تقتله الفئة الباغية ، فقال معاوية : إنما قتل عمارة من جاء به ، فبلغ ذلك علية فقال : إذن فإن النبي صلوات الله عليه هو الذي قتل عمه حمزة يوم أحد ( الطبري 38/5 ۔ 42 وابن الأثير 310/3 و 311) .

وفي معركة صفين ، قتل سمير بن الريان بن الحارث العجلي ، وكان من أشد الناس بأسا ( الطبري 36/5 ).

وفي معركة صفين ، قتل من أصحاب معاوية ذو الكلاع وكان علي قبائل حمير ( الطبري 36/0 ) وبشر بن مرة بن شرحبيل ، والحارث بن شرحبيل ( الطبري 37/0 ).

وقتل في صفين مع الإمام علي ، قيس بن مكشوح ، وهو صحابي ، ابن اخت عمرو بن معدي كرب الزبيدي ( الاعلام61/6 ) وعبد الله بن أبي الحصين الأزدي ( الاعلام 213/2 ) ومالك بن الجلاح ، وهو شاعر ، ناسك ، شجاع ( الاعلام 130/6 ) وعبدالله بن الحجاج الأزدي ( الاعلام 206/4 ) وعبد الرحمن بن حنبل الجمحي، صحابي أصله من اليمن ومولده مكة ( الاعلام 76/4 ) وعبدالله بن بديل بن ورقاء الخزاعي ، وكان قائد الرجالة في العسكر (الاعلام 200/4 ) وخزيمة بن ثابت الأنصاري ، الصحابي ، حامل راية بني خطمة من الأوس يوم فتح مكة ( الاعلام 2/ و351) .

ص: 49

وفي السنة 37 قتل في معركة صفين ، مع الإمام علي ، مالك بن حري التميمي ، وكان قد رأي فتورا من تميم في المعركة ، فصاح فيهم يذكرهم بأحسابهم ، فقالوا : أتنادي بنداء الجاهلية ؟ فقال : الفرار ويلكم أقبح ، إن لم تقاتلوا علي الدين ، فقاتلوا علي الأحساب ، وأخذ يرتجز ويقاتل ، حتي قتل . ( الاعلام 132/6 ).

وفي معارك صفين ، في السنة 37 تبارز عبيد الله بن عمر بن الخطاب ومحمد بن جعفر بن أبي طالب ، فتطاعنا حتي تكسرت رماحهما، وتضاربا حتي انكسر سيف محمد ، ونشب سيف عبيدالله بن عمر في الدرقة ، فتعانقا ، وعض كل واحد منهما أنف صاحبه ، فوقعا عن فرسيهما ، وحمل اصحابهما عليهما ، فقتل بعضهم بعضا ، حتي صار عليهما مثل التل العظيم من القتلي ، وغلب علي علي المعركة ، وأزال أهل الشام عنها ، فقال : اكشفوا هؤلاء القتلي عن ابن أخي ، فجعلوا يجرون القتلي حتي كشفوهما ، فإذا هما متعانقان، فقال علي : أما والله لعن غير حب تعانقتما ( مقاتل الطالبيين 21 و 22).

وفي السنة 37 قتل البراء بن وفيد العذري ، الهمداني ، في معارك صفين ، وكان أولا من أصحاب معاوية ، فلما منع معاوية ، أصحاب علي من الماء ، غضب البراء ، وقال له : تمنعونهم الماء ، وفيهم العبد، والأمة ، والأجير ، ومن لا ذنب له ، هذا والله أول الجور ، لقد بصرت المرتاب ، وشجعت الجبان ، وحملت من لا يريد قتالك علي كتفيك فكلمه عمرو بن العاص ، فأغلظ له ، وتحول إلي معسكر علي ، فقاتل معه حتي قتل ( الاعلام 15/2 ).

وفي معركة صفين ، خرج رجل من أهل الشام يدعو إلي المبارزة ، فخرج اليه عبدالرحمن بن محرز الكندي ، فتجاولا ساعة، ثم حمل عبد الرحمن علي الشامي ، فطعنه في ثغرة نحره ، فصرعه ، ثم نزل إليه فسلبه

ص: 50

درعه وسلاحه ، فإذا هو اسود ، فقال : يا الله ، لقد اخطرت نفسي لعبد أسود ( الطبري 30/5).

وفي معركة صفين خرج رجل من عك ، يسأل المبارزة ، فبرز إليه قيس بن فهد الكناني ، فضرب العكي ، فصرعه ، واحتمله أصحابه ، فقال قيس : ( الطبري 30/5 ).

لقد علمت عك بصفين إننا ****إذا التقت الخيلان نطعنها شزرا

ونحمل رايات الطعان بحقها ****فنوردها بيضأ ونصدرها حمرا

وفي معركة صفين، خرج قيس بن يزيد، من أصحاب معاوية ، فدعا إلي المبارزة ، فخرج إليه أخوه أبو العمرطة بن يزيد، من أصحاب علي ، فلما تقاربا ، تعارفه وتواقفا ، ثم انصرف كل واحد منهما عائدة إلي أصحابه ( الطبري 30/5 ).

وممن قتل في معركة صفين من ذوي النجدة نهيك بن عزيز من بني الحارث بن عدي ، وعمرو بن يزيد من بني ذهل ، وسعيد بن عمر ( الطبري 30/5 ) وقتل من النخع بكر بن هوذة ، وحيان بن هوذة ، وشعيب بن نعيم ، وربيعة بن مالك ، وأبي بن قيس ، أخو علقمة بن قيس الفقيه، وقطعت رجل علقمة بن قيس ( الطبري 32/5 ).

وفي موقعة صفين ، قتل حازم بن أبي حازم الأحمس ، أخو قيس بن أبي حازم ، وقتل نعيم بن صهيب بن العلية البجلي ، من أصحاب علي ، فجاء ابن عمه وسميه نعيم بن الحارث ، وهو من أصحاب معاوية إلي معاوية ، فقال له : إن هذا القتيل ابن عمي ، فأريد أن أدفنه ، فقال له : لا تدفنه، فليس لذلك أه ، فقال له : والله ، لتأذن لي في دفنه ، أو لألحق بهم وأدعك ، فأذن له في دفنه ( الطبري 26/5 ).

وفي موقعة صفين ، قال عقبة بن حديد النمري : إني قد سئمت

ص: 51

الدنيا ، وغرقت نفسي عنها ، وقد بعت هذه الدار بالتي أمامها ، فتبعه أخوته عبيد الله ، وعوف ، ومالك ، وقالوا له : قبح الله العيش بعدك ، واستقدموا ، فقاتلوا حتي قتلوا ( الطبري 27/5 و 28).

وفي موقعة صفين ، كانت كل قبيلة من العرب ، تحارب أختها ، فازد العراق ، تحارب أزد الشام ، وبجيلة العراق ، تحارب بجيلة الشام ، وتقدم جندب بن زهير الأزدي ، من أصحاب علي ، فبارز رأس أزد الشام من أصحاب معاوية ، فقتله الشامي ، وقتل من رهطه عجل وسعد ابنا عبدالله ، وقتل مع مخنف بن سليم الأزدي ، من رهطه ، عبدالله وخالد ابنا ناجد، وعمرو وعامر ابنا عويف ، وعبد الله بن الحجاج ، وأبو زينب بن عوف ، وخرج عبدالله بن الحصين في القراء الذين مع عمار بن ياسر ، فقتل معه ( الطبري 27/5 ).

وفي موقعة صفين ، حمل عبدالله بن الطفيل البكائي ، من أصحاب علي ، علي جمع لأهل الشام ، فلما انصرف ، حمل عليه رجل من بني تميم ، اسمه قيس بن قرة ، فوضع الرمح بين كتفي عبدالله بن الطفيل ، فرأي ذلك يزيد بن معاوية ، ابن عم عبدالله بن الطفيل ، فوضع رمحه بين كتفي التميمي ، وقال له : والله ، لئن طعنته الأطعنك ، فقال التميمي : عليك عهد الله وميثاقه ، لئن رفعت السنان عن ظهر صاحبك ، لترفعن سنانك عني ؟ قال : نعم ، لك بذلك عهد الله ، فرفع السنان عن ابن الطفيل ، فرفع يزيد السنان عن التميمي ، فقال له التميمي : ممن أنت ؟ قال : من بني عامر ، فقال له : جعلني الله فداكم ، أينما ألفكم ألفكم كرامة ، وإني الحادي عشر من أهل بيتي ورهطي قتلتموهم اليوم ( الطبري 29/5 ).

وفي موقعة صفين ، كان يقف علي رأس معاوية ، رجل يحمل ترسا مذهبا ليستره من الشمس ، وفي يوم من أيام صفين ، قالت بجيلة من أصحاب علي ، لأبي شداد قيس بن مكشوح : خذ رايتنا، فقال : غيري خير لكم مني

ص: 52

فقالوا : ما نريد غيرك ، فقال : والله ، لئن أعطيتمونيها لا أنتهي بكم دون صاحب الترس المذهب ، قالوا : إصنع ما شئت ، فأخذها ، وزحف بهم ، حتي انتهي بهم إلي صاحب الترس المذهب ، وكان في جماعة عظيمة من أصحاب معاوية ، فاقتتل الناس إقتالا شديدا ، وشد أبو شاد بسيفه نحو صاحب الترس ، فتعرض له مولي لمعاوية رومي فضرب قدم أبي شداد ، فقطعها ، وضربه أبو شداد فقتله ، وإشرعت إليه الأسنة ، فقتل ، فأخذ الراية عبد الله بن قلع الأحمسي ، وهو يقول :

لا يبعد الله أبا شداد**** حيث أجاب دعوة المنادي

وشد بالسيف علي الأعادي**** نعم الفتي كان لدي الطراد

وفي طعان الرجل والجلاد

وقاتل عبدالله حتي قتل ، فأخذ الراية أخوه عبد الرحمن بن قلع ، فقاتل حتي قتل ، ثم أخذها عفيف بن أياس ، فلم تزل في يده حتي تحاجز الناس ( الطبري 25/5 و 26).

وفي يوم من أيام صفين ، كان أتباع معاوية ، قد نظموا حوله لحمايته صفوف خمسة ، عقل أصحابها أنفسهم بالعمائم ، كي لا يفروا ، فشد عليهم الأشتر ، مع أصحابه من جند علي ، فصرع منهم أربعة صفوف ، وانتهي إلي الخامس ، فدعا معاوية بفرس ، فركبه ، وكان يقول : أردت أن أنهزم ، ثم ذكرت قول الشاعر :

أبت لي عفتي ، وأبي بلائي**** وأخذي الحمد بالثمن الرجيح

وإقحامي علي المكروه نفسي**** وضربي هامة البطل المشيح

وقولي كلما جشأت وجاشت**** مكانك تحمدي أو تستريحي

فمنعني ذلك من الفرار ( الطبري 24/5 ).

وفي يوم من أيام صفين ، قاتل عبدالله بن بديل ، في عصبة من

ص: 53

القراء ، من أصحاب علي ، ما بين المائتين إلي الثلثمائة ، فقتل عبدالله بيده سبعة ، فأحيط به وبطائفة من أصحابه ، فقتل عبدالله وقتلوا معه ( الطبري 23/5)

وفي يوم من أيام صفين ، مر الأشتر ، وهو يكشف كتائب خصومه، في جمع من أصحابه ، بزياد بن النضر في الميمنة ، وقد قاتل حتي صرع ، ثم مر بيزيد بن قيس محمولا نحو العسكر ، وقد صرع ، فقال الأشتر : هذا والله ، الصبر الجميل والفعل الكريم ( الطبري 21/5 ).

وفي يوم من أيام صفين ، صمد مع الإمام علي ، ثمانمائة من همدان ، أصيب منهم مائة وثمانية ، كان منهم أحد عشر رئيسا ، كلما قتل منهم رجل ، أخذ الراية آخر ، وقتل من جملتهم أخوة ستة ، هم كريب بن شريح ، ثم أخوه شرحبيل ، ثم أخوه مرثد ، ثم أخوه هبيرة ، ثم أخوه بريم ، ثم أخوه سمير ، ثم أخذ الراية سفيان بن زيد ، ثم أخوه عبد بن زيد ، ثم أخوه كريب بن زيد ، فقتل هؤلاء الأخوة الثلاثة ، ثم أخذ الراية عمير بن بشير ثم الحارث بن بشير ، فقتلا ، ثم أخذ الراية وهب بن كريب ، فأراد أن يستقتل ، فقال له رجل من قومه : انصرف بهذه الراية رحمك الله ، فقد قتل أشراف قومك حولها ، فلا تقتل نفسك وما بقي من قومك ( الطبري 20/5 و21).

وفي أحد أيام صقين، نادي علي معاوية ، قال له : علام يقتتل الناس بيننا ، هلم أحاكمك إلي الله ، فأينا قتل صاحبه استقامت له الأمور ، فقال له عمرو بن العاص : أنصفك الرجل ، وما يجمل بك إلا مبارزته ، فقال له معاوية : ما أنصفت ، وإنك لتعلم إنه لم يبارزه رجل قط إلا قتله ، أراك قد طمعت فيها بعدي ( الطبري 42/5).

وفي أحد أيام صقين ، خرج فارس أهل الشام أبو الأحمر عوف بن مجزأة المرادي ، فطلب المبارزة ، فخرج إليه فارس أهل الكوفة العكبر بن

ص: 54

جدير الأسدي ، فاطعنا ، فصرعه العكبر وقتله ، وعاد وهو يقول : ( شرح نهج البلاغة 89/8 -91).

قتلت المرادي الذي كان باغي**** ينادي وقد ثار العجاج نزال

فأوجرته في ملتقي الحرب صعدة**** ملأت بها رعبأ قلوب رجال

وفي أحد أيام صفين ، خرج من أصحاب علي ، أثال بن حجل بن عامر المذحجي ، وطلب المبارزة ، فخرج إليه أبوه حجل بن عامر ، ولم يعرف أحدهما الآخر، حتي إذا تطاعنا انتسبا، فعرف أحدهما الآخر ، ونزلا ، فاعتنق كل واحد منهما صاحبه ، وبكيا ، فقال الأب لولده : يا بني ، هلم إلي الدنيا ، فقال له ولده : يا أبت ، هلم إلي الآخرة ، ثم افترقا ، وعاد كل واحد منهما إلي أصحابه ( شرح نهج البلاغة 82/8 و83 ) .

وفي السنة 36 في صفين ، كان الإمام علي ، يمشي نحو ميسرة أصحابه ، وقد اشتبك الناس ، فبصر به أحمر ، وهو مولي أبي سفيان أو عثمان فأقبل نحوه ، فخرج إليه كيسان ، مولي علي ، فضربه أحمر فقتله ، فأخذ علي بجيب درع أحمر ، وجذبه ؛ فاقتلعه من سرجه ، وجلد به الأرض ، فكسر منكبيه وعضديه ، فهجم عليه أهل الشام ، فقال له ولده الحسن : ما ضرك لو سعيت حتي أنتهيت إلي هؤلاء القوم من أصحابك ؟ فقال له : يا بني ، إن لأبيك يوما لا يعدوه ، ولا يبطيء به عنه السعي ، ولا يعجل به إليه المشي ، إن أباك - والله - لا يبالي أوقع علي الموت أم وقع الموت عليه ، ( الطبري 19/5 وابن الأثير 299/3 ).

ظهور الخوارج

وفي أحد أيام صفين ، دارت الدائرة علي معاوية وأصحابه ، فاحتال عمرو بن العاص ، وهو من أنصار معاوية ، بأن أمر أن ترفع المصاحف علي الرماح ، وأن ينادي : هذا كتاب الله حكما بيننا وبينكم ، فكف الطرفان عن الحرب ، واتفقا علي حكمين يحكمان في النزاع بين علي ومعاوية ، وفقا

ص: 55

الاحكام القرآن ، ولما جري التوقيع علي صك التحكيم ، انفصل من قوم أنصار علي ، وقالوا : لا يجوز تحكيم الرجال في هذا الأمر ، وإنما الحكم لله ، وخرجوا علي علي ، وأمروا عليهم عبد الله بن وهب الراسبي ، وكان الفرط عبادته ، وكثرة سجوده ، يلقب ذا الثفنات ، ثم اجتمعوا في جسر النهروان ، وكاتبوا إخوانأ لهم من أهل البصرة ، فاجتمع هؤلاء في خمسمائة رجل ، وأمروا عليهم مسعر بن فدكي التميمي ، فلحقوا بأصحابهم الكوفيين ، بعد أن ارتكبوا في طريقهم فظائع من قتل الرجال وبقر بطون النساء ، فبعث الإمام علي إليهم ، يطلب إليهم تسليم من ارتكب جرائم قتل الرجال والنساء ، لإقامة الحد عليهم ، فقالوا : كلنا قتلتهم ، وكلنا نستحل دماءهم ودماءكم ، وكلمهم علي مرارة ، فلم يجد منهم إلا العناد والمكابرة والمنابذة ، فأمر علي ، فرفعت راية أمان مع أبي أيوب الأنصاري ، وأمر فنودي : من جاء هذه الراية ، ممن لم يقتل ولم يستعرض فهو آمن ، ومن انصرف الي الكوفة ، أو إلي المدائن ، أو خرج من هذه الجماعة ، فهو آمن ، فتفرق منهم من تفرق ، وبقي منهم مع عبد الله بن وهب الراسبي ألفان وثمانمائة ، فزحفوا علي علي ، وهم يتنادون : الرواح الرواح إلي الجنة ، فواجههم علي في جيشه ، فحطمهم ، وقتل أبو زيد الأنصاري ، زيد بن حصين ، طعنه في صدره بالرمح حتي نجم من ظهره ، وقتل عائذ بن حملة التميمي كلابأ ، واشترك هانيء بن خطاب الأرحبي ، وزياد بن خصفة في قتل عبد الله بن وهب الراسبي رأس الخوارج ، وشد جيش بن ربيعة أبو المعتمر الكناني ، علي حرقوص بن زهير فقتله ، وشد عبد الله بن زحر الخولاني علي عبد الله بن شجرة السلمي ، فقتله ، ووقع شريح بن أوفي الخارجي إلي جانب جدار ، فقاتل علي ثلمة فيه طويلا ، الي أن قتل ثلاثة من همدان ، فأخذ يرتجز ويقول :

قد علمت جارية عبسية**** ناعمة في أهلها مكفية

أني سأحمي ثلمتي العشية

ص: 56

فشد عليه قيس بن معاوية الدهني ، فقطع رجله ، وظل يقاتل ، وهو يقول :

القرم يحمي شوله معقولا

ثم شد عليه قيس بن معاوية ثانية ، فقتله ، ولما انتهت المعركة ، طلب عدي بن حاتم الطائي ، ولده طرفة ، بين القتلي من الخوارج ، فوجده ، فدفنه ، وقال : الحمد لله الذي ابتلاني بيومك علي حاجتي إليك .

ولم يقتل من جند علي في هذه المعركة إلا سبعة (الطبري 72/5 . 92)

ولما قتل أهل النهروان ، خرج أشرس بن عوف الشيباني ، علي علي بالدسكرة في مائتين ، ثم سار إلي الأنبار ، فوجه علي إليه الأبرش بن حسان في ثلثمائة ، فواقعه ، فقتل أشرس ( ابن الأثير 372/3 ).

وفي موقعة النهروان ، خرج أحد الخوارج ، فدعا الإمام علي للمبارزة ، وهو يقول:

أطعنهم ولا أري عليا**** ولو بدا أجرته الخطيا

فخرج إليه الإمام علي ، فضربه بالسيف ، فقتله ، فلما خالطه السيف صاح : يا حبذا الروحة إلي الجنة ( شرح نهج البلاغة 96/5 ).

وخرج علي الإمام علي ، هلال بن علفة ، من تيم الرباب ، ومعه أخوه مجالد ، فجاء ماسبذان ، فوجه إليه الإمام علي ، معقل بن قيس الرياحي ، فقتله ، وقتل أصحابه ، ( ابن الأثير 372/3 ).

أقول : كان هلال بطلا من الأبطال ، وهو الذي قتل رستم في حرب القادسية ( الاعلام 93/9 ) .

ثم خرج علي الإمام علي ، الأشهب بن بشر ، في مائة وثمانين رجلا ،

ص: 57

فوجه إليهم الإمام علي ، جارية بن قدامة السعدي ، فاقتتلوا بجرجرايا ، فقتل الأشهب وأصحابه ( ابن الأثير 373/2 ) .

ثم خرج سعيد بن قفل التيمي ، من تيم الله بن ثعلبة ، بالبندنيجين ( مندلي ) ومعه مائتا رجل ، فأتي در زيجان ، علي فرسخين من المدائن ( اسمها الآن سلمان باك ) فخرج إليهم سعد بن مسعود ، فقتلهم ( ابن الأثير 373/2)

ثم خرج أبو مريم السعدي التميمي ، ومعه أربعمائة رجل ، فقصدوا الكوفة ، وكانوا من أشجع الخوارج ، فأرسل إليه علي يدعوه إلي دخول الكوفة ، فأبي ، وقال : ما بيننا غير الحرب ، فبعث إليه جيشا فكشفهم ، فخرج إليهم علي ، وقدم بين يديه قائده جارية وأسفرت المعركة عن قتلهم بأجمعهم إلا خمسين نفر آستأمنوا فأمنهم ( ابن الأثير 373/3 ).

وفي السنة 38 خرج علي علي ، الخريت بن راشد الناجي ، في جماعة من قومه ، وكفروا عليا لأنه حكم الرجال ، ولاقوا في طريقهم دهقانا مسلما ، من دهاقين أسفل الفرات ، اسمه زاذان فروخ ، فسألوه عن رأيه في علي ، فقال : إنه أمير المؤمنين ، فضربوه بالسيوف فقطعوه ، فبعث إليهم الإمام علي ، بعثا في مائة وثلاثين رجلا ، فلحقهم بالمذار، واصطدموا بهم في معركة عارمة ، ثم انسحب الخريت وأصحابه ، فمروا إلي الأهواز ، فبعث الإمام علي معقل بن قيس في ألفي رجل ، فصدم الخريت صدمة حادة برامهرمز ، فقتل كثير من أنصاره ، وفر الخريت حتي لحق بأسياف البحر ، فتبعه معقل ، حتي وجده ، ونصب معقل راية أمان ، من أتاها من الناس فهو آمن ، فتفرق عن الخريت جل من كان معه من غير قومه ، ثم التحم العسكران ، فقتل الخريت بن راشد، ومعه مائة وسبعون رجلا من اتباعه ، وفر الباقون ( الطبري 113/5 - 122).

ص: 58

وخرج حوثرة بن وداع الأسدي ، علي معاوية ، ومعاوية في الكوفة ، في السنة 41، ووافي نخيلة في مائة وخمسين ، فدعا معاوية أبا حوثرة ، وقال له : إذهب فاكفني أمر ابنك فصار إليه أبوه ، ودعاه إلي الرجوع ، فأبي ، فقال له : يا بني ، أجيئك بابنك ، فلعلك تراه فتحن إليه ، فقال له : يا أبت ، أنا - والله - إلي طعنة نافذة ، أتقلب منها علي كعوب الرمح ، أشوق مني إلي ابني ، فرجع أبو حوثرة إلي معاوية ، فوجه معاوية إلي حوثرة جيشأ من أهل الكوفة ، وخرج أبو حوثرة فيمن خرج ، ودعا أبو حوثرة ولده للبراز ، فقال له : يا أبت ، لك في غيري سعة ، ولي في غيرك مذهب ، واشتبك جيش الكوفة مع حوثرة وأتباعه في معركة فقتل حوثرة وأصحابه إلا خمسين رجلا دخلوا الكوفة ، فلما رأي قائد جيش الكوفة ، حوثرة قتيلا ، ورأي بوجهه أثر السجود ، وكان صاحب عبادة ، ندم علي قتله ، وقال : ( ابن الأثير 410/3 و411 وشرح نهج البلاغة 99/5 ).

قتلت أخا بني أسد سفاها ****العمر أبي فما لقيت رشدي

فهب لي توبة يارب وأغفر**** لما قارفت من خطأ وعمد

وفي السنة 42 قتل الحارث بن مرة العبدي ، من أصحاب الإمام علي ، بأرض السند غازية ، وكان قد قصد السند في السنة 39 بأمر من الإمام ، فغنم ، وبقي غازية إلي أن قتل بأرض القيقان هو ومن معه إلا قليلا ( ابن الأثير 381/3 ) .

وفي السنة 43 قتل المستورد بن علفة ، أمير الخوارج بالعراق ، إذ خرج بجماعة من أصحابه بالمذار ، فبعث إليهم المغيرة بن شعبة ، أمير الكوفة لمعاوية ، بعثأ من شيعة علي ، أميرهم معقل بن قيس في ثلاثة آلاف ، وبعث إليهم أمير البصرة عبد الله بن عامر ، بعثأ من شيعة علي ، أميرهم شريك بن الأعور الحارثي ، في ثلاثة آلاف ، والتقي الخوارج وجماعة معقل ، في معركة ضارية ، فقتل عمير بن أبي اشاعة الأزدي ، من صناديد

ص: 59

أهل الكوفة ، وبلغ الخوارج مسير جيش من البصرة إليهم ، فتسللوا هاربين إلي ساباط ، فعاد البصريون إلي البصرة ، ولحق معقل بن قيس بالخوارج ، فناجزهم ، وتبارز معقل والمستورد ، بيد المستورد رمح ، وبيد معقل سيف ، فأشرع المستورد الرمح في صدر معقل حتي خرج السنان من ظهره ، وضرب معقل المستورد بالسيف ، علي رأسه حتي خالط السيف أم الدماغ ، فخرا ميتين، وقتل أصحاب المستورد ، إلا واحدة أمنه المغيرة ( الطبري 181/5 ۔ 209)

وفي السنة 50 قتل عبد العزيز بن زرارة الكلابي ، عند أسوار القسطنطينية ، وكان من فرسان العرب ، وهو القائل :

قد عشت في الدهر أطوار علي طرق**** شتي فصادفت منها اللين والبشعا

كلا بلوت فلا النعماء تبطرني ****ولا تجشمت من لاوائها جزعا

لا يملا الأمر صدري قبل موقعه**** ولا أضيق به ذرعا إذا وقعا

وكان عبد العزيز يتعرض للشهادة ، فلم يقتل ، وفي أحد أيام المعركة حمل علي من يليه ، فقتل فيهم ، وانغمس بينهم ، فشجرة الروم برماحهم حتي قتلوه ( ابن الأثير 459/3 ) .

وفي السنة 52 خرج زياد بن خراش العجلي ، في ثلثمائة فارس ، فأتي أرض مسكن من السواد ، فسير إليه زياد بن أبيه خيلا عليها سعد بن حذيفة ، فقتل زياد العجلي وأصحابه ( ابن الأثير 491/3 ) .

وفي السنة 57 قتل قثم بن العباس بن عبد المطلب ، في إحدي المعارك التي دارت علي أسوار سمرقند ، وكان الإمام علي ولاه المدينة ، فلما قتل الامام علي ، خرج في أيام معاوية إلي سمرقند، وقتل هناك ( الاعلام 29/6 ).

وفي السنة 58 كانت طائفة من الخوارج الذين بايعوا المستورد بن

ص: 60

علفة ، في سجن المغيرة بن شعبة ، فلما مات المغيرة خرجوا من السجن ، فاجتمعوا بقيادة حيان بن ظبيان السلمي ، ومن رؤسائهم معاذ بن جوين الطائي ، وأبو سليمان عتريس بن عرقوب الشيباني ، وعسكروا ببانقيا ، فبعث إليهم جيش ، فقتلوا جميعا ( الطبري 309/5 - 311) .

وفي السنة 58 كان قوم من الخوارج بالبصرة ، أخذهم عبيد الله بن زياد ، فحبسهم ، ثم دعا بهم ، وعرض عليهم أن يقتلوا من يأمرهم بقتله ، ويخلي سبيل القاتلين ، ففعلوا ، فأطلقهم ، وكان منهم طواف بن غلاق ، فلامهم أصحابهم ، وقالوا لهم : قتلتم إخواننا ، فقالوا : أكرهنا ، وندم طواف وأصحابه ، وأخذوا يبكون ، وعرضوا الدية علي أولياء من قتلوا ، فأبوا ، وعرضوا عليهم القود ، أي أن يقتلوهم مقابل من قتلوا ، فأبوا ، ثم تداعوا إلي الخروج ليفتكوا بابن زياد ، فخرجوا وكانوا سبعين رجلا، ومضوا إلي الجلحاء ، فندب ابن زياد لهم الشرطة البخارية ، فانهزم الشرط ، وكثرهم الناس ، فقاتلوهم ، فقتلوهم ، وبقي طواف في ستة نفر ، فأقحم فرسه الماء ، فرماه البخارية بالنشاب ، فقتلوه ، وصلبوه ، فقال شاعر منهم : ( ابن الأثير 517/3).

يا رب هب لي التقي والصدق في ثبت ****وأكف المهم فأنت الرازق الكافي

حتي أبيع التي تفني باخرة**** تبقي علي دين مرداس وطواف

معركة الطف

وفي السنة 61 كانت مذبحة الطف ، التي قتل فيها الإمام الشهيد أبو عبد الله الحسين بن علي ، سبط الرسول ، وأهل بيته ، وإخوانه ، وأولاد أخيه وأبناء عمه، وأنصاره ، علي يد القائد عمر بن سعد، الذي بعثه عبيد الله بن زياد عامل العراق ليزيد بن معاوية ، وكان عمر علي رأس جيش

ص: 61

قوامه أربعة آلاف ، وكان الحسين في اثنين وستين رجلا ، فكانت معركة لا تعادل فيها ، وتغلبت الكثرة علي الشجاعة ، وقاتل الحسين ، وأصحابه ، قتالا لم يشاهد مثله ، وظهر من الحسين ومن خاصته وأصحابه ، من الصبر ، والإحتساب ، والشجاعة والورع ، والخبرة بآداب الحرب ، والبلاغة ، والمواساة بالنفس ، وكراهية الحياة ، ما ظل خالدأ علي كتر السنين ، حتي قتلوا جميعا ، وحمل رأس الحسين ، ونساؤه ، وأطفاله ، أسري إلي الشام ، حتي أوقفوا أمام يزيد بن معاوية ( الفخري 115).

وقتل مع الحسين ، من إخوته ، العباس ، وجعفر ، وعبد الله ، وعثمان ، ومحمد ، وأبو بكر ، ومن أولاده علي ، وعبد الله ، ومن أبناء أخيه الحسن ، أبو بكر ، وعبد الله ، والقاسم ، وقتل عون و محمد ولدا عبد الله بن جعفر الطيار بن أبي طالب ، ومن أولاد عقيل ، جعفر ، وعبد الرحمن ، وعبد الله ، ومسلم ( قتل بالكوفة ) وعبد الله بن مسلم ، ومحمد بن أبي سعيد بن عقيل ( الطبري 468/5 و469) .

وفي الليلة التي كانت في صباحها معركة الطف ، جمع الحسين عليه السلام أصحابه وقال لهم : إني قد رأيت لكم ، فانطلقوا جميعا في حل ، فإن القوم إنما يطلبونني ، ولو قد أصابوني لهوا عن طلب غيري ، فقام إليه مسلم بن عوسجة الأسدي ، فقال : أنحن نتخلي عنك ، ولم نعذر إلي الله في أداء حقك ، أما والله حتي أكسر في صدورهم رمحي ، وأضرب بسيفي ما ثبت قائمه في يدي ، ولو لم يكن معي سلاح أقاتلهم به ، لقذفتهم بالحجارة دونك ، حتي أموت معك ( الطبري 419/5 ) .

ولما أحاط جند عبيد الله بن زياد ، بالحسين وأصحابه ، عرض عليهم الحسين أمرأ من ثلاثة أمور : إما أن يسيروه إلي يزيد ، فيضع يده في يده ، أو يمكنوه من الرجوع من حيث أتي ، أو يمكنوه فيسير في ثغر من الثغور ، يقيم فيه بقية حياته ، فأبوا إلا أن ينزل علي حكم ابن زياد ، فقال الحر بن يزيد

ص: 62

الحنظلي ، وهو من جيش ابن زياد : والله ، لو سألكم هذا ، أحد الترك والديلم ، ما حل لكم أن تردوه ، ولما رأي إصرارهم ، أنفصل عنهم ، والتحق بالحسين ، وحاربهم ، وقتل منهم رجلين ، ثم قتل ( الطبري 392/5)

وكان زهير بن القين ، من رجال ابن زياد ، وكان يساير الحسين في قدومه ، لا يتركه يفوته ، فدعاه الحسين مرة إليه ، فذهب ثم عاد مستبشرا قد أسفر وجهه ، فأمر بفسطاطه وثقله ومتاعه فقدم ، وحمل إلي الحسين ، ثم قال لامرأته : أنت طالق الحقي بأهلك ، فإني لا أحب أن يصيبك من سببي إلا خير ، ثم قال لأصحابه : من أحب منكم أن يتبعني وإلا فإنه آخر العهد، ثم الحق بالحسين ، وقتل معه ( الطبري 396/5 ).

وفي معركة الطف ، برز اثنان من جند ابن زياد ، هما يسار مولي زياد ، وسالم مولي عبيد الله بن زياد ، فقالا : من يبارز ؟ فبرز إليهما عبد الله بن عمر الكلبي ، من أصحاب الحسين ، فقالا له : من أنت ؟ فانتسب لهما ، فقال له يسار : نحن لا نعرفك ، ليخرج إلينا زهير بن القين ، أو حبيب بن مظاهر ، فقال عبد الله ليسار : يا ابن الزانية ، ما يخرج إليك أحد من الناس إلا وهو خير منك ، ثم شد عليه بسيفه فقتله ، فشد عليه سالم وضربه ، فأطاح أصابع يده اليسري ، ومال عليه الكلبي فقتله ، ثم أقبل وقد قتلهما جميعا وهو يرتجز : ( الطبري 429/5 و 430) .

إني آمرؤ ذو مرة وعصب**** ولست بالخوار عند النكب

وفي معركة الطف ، برز نافع بن هلال ، من أصحاب الحسين ، ونادي : أنا الجملي ، أنا علي دين علي ، فبرز إليه من أصحاب ابن زياد مزاحم بن حريث ، فحمل عليه نافع فقتله ، فصاح عمرو بن الحجاج بأصحابه : يا حمقي أتدرون من تقاتلون ؟ فرسان المصر ، قومة مستميتين، لا

ص: 63

يبرزن لهم منكم أحد ، فإنهم قليل ، وقلما يبقون ، والله ، لو لم ترموهم إلا بالحجارة لقتلتموهم ، فقال عمر بن سعد ، قائد الجيش ، صدقت ، الرأي ما رأيت ، وأمر أصحابه ألا يبارزوا أحدا من أصحاب الحسين ( الطبري 735/5 ) وقاتل نافع أشد قتال ، ثم ضرب حتي كسر عضداه ، وأخذ أسيرة ، فأخذه شمر بن الجوشن ، ومعه أصحاب له يسوقون نافع ، حتي جاءوا به إلي عمر بن سعد ، فقال له عمر : ويحك يا نافع ، ما حملك علي ما صنعت بنفسك ، فقال له ، والدماء تسيل علي لحيته : والله ، لقد قتلت منكم اثني عشر ، سوي من جرحت ، وما ألوم نفسي علي الجهد ، ولو بقيت لي عضد وساعد ، ما أسرتموني ، فانتضي شمر بن ذي الجوشن سيفه فقتله ( الطبري 441/0 و 442 ).

وفي معركة الطف ، تظافر اثنان من جند ابن زياد ، علي حبيب بن مظاهر ، من أنصار الحسين ، أحدهما تميمي اسمه بديل بن حريم ، والآخر اسمه الحصين بن تميم ، فطعنه التميمي بالرمح ، فوقع ، وذهب ليقوم ، فضربه الحصين بالسيف ، فوقع ، ونزل إليه التميمي فاحترز رأسه ، واختلفا ، كل منهم يدعي قتله ، ثم أصلحوا بينهما ، علي أن يأخذ الحصين الرأس ، فيعلقه في عنق فرسه ، ويجول به في العسكر ، ثم يعيده للتميمي ليقدمه للأمير فينال الجائزة ، فأخذه الحصين ، وجال به في العسكر ، ثم أعاده للتميمي الذي توجه به إلي الكوفة ، فبصر القاسم بن حبيب بن مظاهر ، رأس والده مع التميمي ، فتثبت منه ، ثم أخذ يختلف في طلبه ، والتماس غرته ، حتي وجده في عسكر مصعب بن الزبير ، في فسطاطه وحيدا ، فضربه بسيفه حتي قتله ( الطبري 5/ 439 و440 ).

ولما قتل حبيب بن مظاهر ، استقتل الحر بن يزيد ، وزهير بن القين ، فكانا إذا شد أحدهما واستلحم ، شد الآخر حتي يخلصه ، ثم إن رجالة شدت علي الحر بن يزيد ، فقتل ، وقاتل زهير أشد قتال ، فشد عليه كثير بن

ص: 64

عبد الله الشعبي ، ومهاجر بن أوس ، فقتلاه ( الطبري 441/5 ) .

ولما ترك الحر بن يزيد ، جيش ابن زياد ولحق بالحسين ، قال يزيد بن سفيان التميمي : أما والله لو أني رأيت الحر بن يزيد حين خرج منا ، لأتبعته السنان ، وإذا بالحر بن يزيد قد حمل علي القوم ، وقرب منه ، فقيل له : هذا هو الحر بن يزيد ، فخرج إليه ، وقال له : هل لك يا حر في المبارزة ؟ قال : نعم ، قد شئت ، وتبارزا ، فقتله الحر ( الطبري 434/5 ).

وفي معركة الطف ، كان من أصحاب الحسين رجل من كلب ، قتل رجلين من أصحاب ابن زياد ، ثم قتل بعدها اثنين آخرين ، فحمل عليه هانيء بن ثبيت الحضرمي ، وبكير بن حي التميمي فقتلاه ، فخرجت امرأته تمشي إلي زوجها ، حتي جلست عند رأسه ، تمسح عنه التراب وتقول : هنيئا لك الجنة ، فقال شمر بن ذي الجوشن ، لغلام يسمي رستم : إضرب رأسها بالعمود ، فضربها به ، فماتت مكانها ( الطبري 438/5 ).

وفي معركة الطفت ، تبارز يزيد بن معقل ، من أصحاب ابن زياد ، وبرير بن حضير من أصحاب الحسين ، فضرب برير يزيد بن معقل ، ضربة بالسيف قدت المغفر ، وبلغت الدماغ ، فقتله ، وتقدم كعب بن جابر الأزدي ، فطعن برير بالرمح ، فغيب السنان في ظهره ، فقتله ( الطبري 432/5)

وقاتل أصحاب الحسين ، في معركة الطف ، بين يديه ، قتالا ينبيء عن العقيدة الصحيحة ، والمروءة ، والتفاني في التضحية ، وبذل الذات ، تقدم إليه من أصحابه عبد الله وعبد الرحمن ابنا عزرة الغفاريان ، فسلما عليه ، ثم انغمسا في المعركة ، فقاتلا حتي قتلا.

وأقبل عليه الفتيان الجابريان سيف بن الحارث ، ومالك بن عبد ، وهما

ص: 65

ابنا عم ، وأخوان لأم ، فسلما عليه ، ثم انغمسا في المعركة ، فقاتلا حتي قتلا .

وأقبل عليه حنظلة بن أسعد الشبامي ، فسلم عليه ، ثم انغمس في المعركة ، فقاتل حتي قتل .

وقاتل بين يدي الحسين ، عابس بن أبي شبيب الشاكري ، ومعه شوذب مولي شاكر ، فسلما علي الحسين ، ثم تقدم شوذب ، فقاتل حتي قتل ، وانغمس عابس في المعركة ، وبه ضربة علي جبينه ، فعرفه أصحاب ابن زياد ، فقالوا : هذا أشجع الناس ، هذا ابن أبي شبيب ، لا يخرجن إليه أحد ، فأخذ عابس ينادي : ألا رجل لرجل ، فقال عمر بن سعد : ارضخوه بالحجارة ، فرموه بالحجارة من كل جانب ، فلما رأي ذلك ألقي درعه ومغفره ، ثم شد علي الناس ، فتعطفوا عليه من كل جانب ، فقتلوه ( الطبري 444 - 442/5)

وكان أبو الشعثاء يزيد بن زياد الكندي ، خرج مع جند ابن زياد ، لمحاربة الحسين ، فلما رد عمر بن سعد شروط الحسين ، مال أبو الشعثاء فأنحاز إلي الحسين ، وأخذ يرمي بين يديه بالسهام ، وكان راميا ، رمي بمائة سهم ، فأسقط منها خمسة أسهم ، وكان من أول من قتل في المعركة ( الطبري 445/5 و446) .

ولما حمي وطيس المعركة ، اجتمع من أصحاب الحسين عمر بن خالد الصيداوي ، وجابر بن الحارث السلماني ، وسعد مولي عمر بن خالد ، ومجمع بن عبد الله العائذي ، فشدوا بأسيافهم علي الجند الأموي أصحاب ابن زياد ، فلما أوغلوا فيهم ، عطفوا عليهم ، فأقبلوا يحوزونهم ، وقطعوهم عن أصحابهم ، فحمل العباس بن علي فأستنقذهم ، ثم عادوا فخاضوا المعركة ، حتي قتلوا في مكان واحد ( الطبري 446/5 ) .

ص: 66

وممن قتل مع الحسين ، في معركة الطف ، يزيد بن نبيط من عبد القيس ، وقتل معه ولداه عبد الله وعبيد الله ( الطبري 354/5 ).

وأول من قتل في معركة الطف ، من آل أبي طالب ، علي الأكبر بن الحسين عليه السلام ، فإنه شد علي أصحاب ابن زياد ، وهو يرتجز :

أنا علي بن الحسين بن علي ****نحن ورب البيت أولي بالنبي

تا الله لا يحكم فينا ابن الدعي

وفعل ذلك مرارة ، فبصر به مرة بن منقذ بن النعمان العبدي ، فأعترضه ، فطعنه ، فصرع ، واحتوشه الناس ( أحاطوا به ) ، فقطعوه بأسيافهم ، فأقبل الحسين إلي ابنه ، وأقبل فتيانه إليه ، فقال : احملوا أخاكم ، فحملوه من مصرعه حتي وضعوه بين يدي الفسطاط الذين كانوا يقاتلون أمامه .

ثم إن عمرو بن صبيح الصداني ، رمي عبد الله بن مسلم بن عقيل بسهم ، فوضع كفه علي جبهته ، فأخذ لا يستطيع أن يحرك كفه ، ثم انتحي له بسهم آخر ، ففلق قلبه .

وحمل عبدالله بن قطبة الطائي ، علي عون بن عبدالله بن جعفر بن أبي طالب ، فقتله .

وحمل عامر بن نهشل التيمي ، علي محمد بن عبدالله بن جعفر ، فقتله .

وش عثمان بن خالد بن أسير الجهني ، وبشر بن سوط الهمداني علي عبد الرحمن بن عقيل بن أبي طالب ، فقتلاه .

ورمي عبدالله بن عزرة الخثعمي، جعفر بن عقيل ، فقتله .

وبرز من أصحاب الحسين ، القاسم بن الحسن ، غلام ، عليه

ص: 67

قميص ، وفي يده سيف ، فشد عليه عمرو بن سعد بن نفيل الأزدي ، فضرب رأسه ، بالسيف ، فوقع الغلام لوجهه ، وصاح : يا عماه ، فهجم الحسين علي عمرو، وضربه بالسيف ، فقطع يده من المرفق ، وحملت خيل ابن زياد ، لاستنقاذ عمرو ، فسقط عمرو تحت الخيل ، فوطأته ، فمات ، وبقي الحسين قائمة علي رأس الغلام وهو يفحص برجليه، ثم احتمله حتي وضع جثته إلي جانب جثة ولده علي ( الطبري 446/5 و 447).

وفي معركة الطف ، رمي عبدالله بن عقبة الغنوي ، أبا بكر بن الحسين ، بسهم فقتله .

وتقدم إلي المعركة عبدالله وجعفر وعثمان ، أبناء علي بن أبي طالب ، أشقاء أبي الفضل العباس بن علي ، قال لهم العباس : يا بني أمي ، تقدموا ، فقاتلوا حتي قتلوا ( الطبري 448/5 و449)، ثم قتل العباس بن علي ، قتله رجل من بني أبان بن دارم ( مقاتل الطالبيين 118) أما عبدالله وجعفر فقتلهما هاني بن ثبيت الحضرمي ، وأما عثمان فإن خولي بن يزيد رماه بسهم فأوهطه ، وشد عليه أحد بني أبان بن دارم ، فقتله ( مقاتل الطالبيين 82 -84)

ورمي رجل من بني أبان بن دارم، محمد بن علي بن أبي طالب ، فقتله وجاء برأسه ( الطبري 449/5 ).

وأبصر هاني ء بن ثبيت الحضرمي ، غلاما من آل الحسين ، وهو ممسك بعمود إحدي الخيم ، عليه أزار وقميص ، وهو مذعور ، يتلفت يمينا وشمالا ، فأقبل عليه ، حتي إذادنا منه ، مال عن فرسه ، واقتصد الغلام ، فقطعه بالسيف .

وخرج من أخبية الحسين غلام من أهله ، فمنعته زينب، أخت الحسين من الدخول بين المتحاربين ، فأفلت الغلام من يدها ، وجاء مشتدة إلي

ص: 68

الحسين ، فقام إلي جانبه ، فأهوي بحر بن كعب إلي الحسين بالسيف ، فصاح به الغلام : يا ابن الخبيثة ، أتقتل عمي ، فضربه بحر بالسيف ، فاتقاه الغلام بيده ، فقطعها ، فإذا يده معلقة ، فصاح الغلام : يا أمتاه ، فأخذه الحسين فضمه إلي صدره ، وقال : يا ابن أخي ، إصبر علي ما نزل بك ( الطبري 451/5 ).

ولما قتل كل من كان مع الحسين ، إلأ ثلاثة أو أربعة ، دعا بسراويل محققة ، ففزره ، ونكثه ، لكيلا يسلبه ، ولكنه لما قتل ، جاء بحر بن كعب ، فسلبه إياه ، وتركه مجردة ( الطبري 5/ 451).

ودنا الحسين ، لما اشتد به العطش ، ليشرب من الماء ، فرماه حصين بن تميم بسهم ، فوقع في فمه ، فجعل يتلقي الدم بكفه ، ويرمي به إلي السماء ( الطبري 449/5 ).

وبعد أن قتل أصحاب الحسين ، وشباب أهل بيته ، مكث الحسين طويلا كلما انتهي إليه رجل من أصحاب ابن زياد ، انصرف عنه ، وكره أن يتولي قتله ، فقصده مالك بن النسير ، من كنده ، وضربه علي رأسه بالسيف ، وعليه برنس ، فقطع البرنس ، وأصاب السيف رأسه فأدماه ، وامتلا البرنس دما ، فألقي البرنس ، ودعا بقلنسوة فلبسها، واعتم ، وقد أعيا ، وجيء له بطفل من أطفاله ، فوضعه في حجره ، فرماه أحد أصحاب ابن زياد ، بسهم ، فذبحه ، فتلقي الحسين دمه في كفه فلما ملا كفه ، صبه علي الأرض ( الطبري 448/5 ).

ولما قتل جميع من كان مع الحسين من المقاتلة ، نادي شمر بن ذي الجوشن : ويحكم ، ماذا تنتظرون بالرجل، اقتلوه ، ثكلتكم أمهاتكم ، فحملوا علي الحسين من كل جانب ، وضربه زرعة بن شريك التميمي علي يده اليسري ، وضربه علي عاتقه ، فأخذ ينوء ويكبو، وحمل عليه وهو في

ص: 69

تلك الحال ، سنان بن أنس النخعي ، فطعنه بالرمح ، فوقع علي الأرض ، فقال سنان لخولي بن يزيد الأصبحي : احت رأسه ، فضعف وأرعد، فقال له سنان : فت الله عضدك ، وأبان يدك ، ونزل سنان إلي الحسين فذبحه ، وأحتر رأسه ، ثم دفع الرأس إلي خوتي ، وقد ضرب بالسيوف .

ووجد في جسد الحسين لما قتل ، ثلاث وثلاثون طعنة، وأربع وثلاثون ضربة .

وسلب جسد الحسين ما عليه من الثياب ، فأخذ سراويله بحر بن كعب ، وأخذ قيس بن الأشعث ، قطيفته ، فسمي من بعد ذلك : قيس قطيفة ، وأخذ نعليه رجل من بني أود ، يقال له الأسود ، وأخذ سيفه رجل من بني نهشل بن دارم ، فوقع بعد ذلك إلي أهل حبيب بن بديل ( الطبري 453/5)

وكان آخر من قتل من أصحاب الحسين ، سويد بن عمرو بن أبي المطاع ، وكان قد صرع فأثخن ، ووقع بين القتلي مثخنا ، فسمعهم يقولون : قتل الحسين ، فوجد إفاقة ، فجرد سكينا كان معه ، وقاتلهم بسكينته ، حتي قتل، قتله عروة بن بكار التغلبي ، وزيد بن رقاد الجنبي ، وكان آخر قتيل ( الطبري 453/5).

وقتل من أصحاب الحسين عليه السلام أثنان وسبعون رجلا، وقتل من أصحاب عمر بن سعد، ثمانية وثمانون رجلا، سوي الجرحي ( الطبري 455/3)

ومال أصحاب ابن زياد ، علي أخبية الحسين ، وعلي ثقله ومتاعه ، وإن كانت المرأة لتنازع ثوبها عن ظهرها، حتي تغلب عليه ، فيذهب به منها ( الطبري 453/3 ).

وبعد إنتهاء المعركة ، نادي عمر بن سعد في أصحابه ، من ينتدب

ص: 70

للحسين ، ويوطئه فرسه ، فانتدب عشرة منهم إسحاق بن حيوة الحضرمي ، وهو الذي سلب قميص الحسين ، وأحبش بن مرثد بن علقمة الحضرمي ، فجاء هؤلاء العشرة ، فداسوا الحسين بخيولهم ، حتي رضوا صدره وظهره .

وفي ثاني يوم المعركة ، عاد عمر بن سعد مع جيشه إلي الكوفة ، وحمل معه بنات الحسين ، وأخواته ، ومن كان معه من الصبيان ، وعلي بن الحسين ( السجاد زين العابدين ) وهو مريض ، فلما مررن بمصارع الحسين وأهل بيته وأتباعه، صحن، ولطمن ، فقدم بهن علي ابن زياد بالكوفة ، فنصب ابن زياد مجلسا ، ووضع رأس الحسين بين يديه وأحضر المجلس صبيان الحسين وأخواته ونساءه ، يتشقي منهن ، وأخذ ينكت ثنايا الحسين بقضيب في يده ، فلما رآه زيد بن أرقم قال له : أعل بهذا القضيب عن هاتين الثنيتين، فوالله الذي لا إله غيره ، لقد رأيت شفتي رسول الله علي هاتين الشفتين يقبلهما، ثم انفضخ الشيخ يبكي ، فقال له ابن زياد : أبكي الله عينيك ، فوالله لولا أنك شيخ قد خرفت وذهب عقلك ، لضربت عنقك ، فنهض وخرج ( الطبري 454/5 -457).

وأمر عبيد الله بن زياد ، بنساء الحسين وصبيانه ، وأمر بعلي بن الحسين ، فغل بغل إلي عنقه ، ثم سرح بهم مع شمر بن ذي الجوشن ، ومحفز بن ثعلبة ، فلما انتهوا إلي باب يزيد بن معاوية ، بدمشق ، صاح محفز : هذا محفز بن ثعلبة ، أتي باللئام الفجرة ( الطبري 460/5 ) .

وجلس يزيد بن معاوية مجلسا عاما ، وأدخل عليه علي بن الحسين ، وصبيان الحسين ونساؤه ، والناس ينظرون ، ثم دعا بالنساء والصبيان ، فأجلسوا بين يديه ، فرأي هيأة قبيحة ( الطبري 461/5 ).

ولما بلغ أمير المدينة ، عمرو بن سعيد الأشدق ، نعي الحسين ،

ص: 71

وسمع واعية نساء بني هاشم في دورهن علي الحسين ، ضحك ، وقال ( الطبري 466/5 ).

عجت نساء بني زياد عجة**** كعجيج نسوتناغداة الأرنب

أقول : هذه الشماتة من عمرو بن سعيد ، دلت علي وضاعة ولؤم، إذ ليست الشماتة من شيم الرجال.

وفي السنة 61 قتل كهمس بن طلق الصريمي ، من شجعان الخوارج ، كان مع أبي بلال مرداس بن حدير ، بأسك ، في المعركة ، وكان كهمس من أبر الناس بأمه ، قال لها قبل أن يخرج : يا أمه ، لولا مكانك لخرجت ، فقالت له : يا بني قد وهبتك لله ، فخرج (الأعلام 96/6 ).

وفي السنة 62 قتل الفاتح عقبة بن نافع الفهري ، في إفريقية ، بعد انتصاراته العظيمة علي الروم والبربر ، حتي وصل الي البحر المحيط ، فقال : يا رب ، لولا هذا البحر لمضيت مجاهد في سبيلك ، ولما اطمأن عقبة ، أمر أصحابه أن يتقدموه فوجأ فوجأ ، وسار في نفر يسير ، فطمع أعداؤه فيه ، وهاجموه ، فكسر عقبة وأصحابه أجفان سيوفهم ، واستقتلوا ، فقتلوا بأجمعهم ( ابن الأثير 105/4 -108).

وقعة الحرة

وفي السنة 63 كانت وقعة الحرة ، وهي الوقعة التي استباح فيها جند يزيد بن معاوية ، مدينة الرسول صلوات الله عليه ، قتلا ، ونهبأ ، وسلبأ ، وانتهاك حرمات ، وسبب الوقعة إن أهل المدينة ، وكانوا ما يزالون قريبي العهد بالخلفاء الراشدين ، أنفوا من استخلاف يزيد بن معاوية ، إذ لم يطيقوا خلافة شاب « لا دين له ، يشرب الخمر ، ويضرب بالطنابير ، وتعزف عنده القيان ، ويلعب بالكلاب » ( ابن الأثير 103/4 ) وكما سماه أبو حمزة « يزيد

ص: 72

الفهود ، ويزيد القرود ، ويزيد الصيود ، فأعلنوا خلع يزيد ، وأخرجوا بني أمية من المدينة ، فأرسل يزيد ، مسلم بن عقبة المري ، الذي سماه الناس : مسرفأ . علي رأس جيش اشتمل علي اثني عشر ألفا ، وأوصاه يزيد بأن يبيح المدينة ثلاثة أيام ، وقدم مسلم ، فخاض مع أهل المدينة معركة غير متكافئة ، وغلبت الكثرة الشجاعة ، وكان أول من قتل في المعركة غلام من غلمان مسلم ، كان يحمل راية أهل الشام ، فحسبه الفضل بن العباس الهاشمي ، قائدهم مسلمين ، فهاجمه وهو يقول : لأقتل أميرهم أو لأقتلن دونه ، فانفرجت خيل أهل الشام عن نحو خمسمائة رجل جثاة علي الركب ، مشرعي الأسنة ، فخرقهم حتي وصل إلي حامل الراية ، فضربه علي رأسه بالسيف ، فقد المغفر ، وفلق هامته ، وصاح ، قتلت طاغية القوم ورب الكعبة ، فصاح به مسلم : أخطأت استك الحفرة وتناول مسلم الراية ، وذمر أصحابه ، ومشي بالراية ، وحمي القتال ، فقتل الفضل بن العباس ، وقتل معه زيد بن عبد الرحمن بن عوف ، وإبراهيم بن نعيم العدوي ، في رجال من اهل المدينة .

ثم أمر مسلم ، فوضع له سرير بين الصفين ، وجلس عليه ، وقال لأهل الشام : قاتلوا عن أميركم أو دعوا .

وكان علي رأس أهل المدينة عبدالله بن حنظلة ( غسيل الملائكة ) فقدم بنيه واحدا واحدا ، وكانوا ثمانية ، حتي قتلوا بين يديه ، وهو يضرب بسيفه ويقول :

بعدا لمن رام الفساد وطغي**** وجانب الحق وآيات الهدي

و لا يبعد الرحمن إلا من عصي

فقتل عبدالله بن حنظلة ، وأولاده الثمانية ، وقتل معه أخوه لأمه محمد بن ثابت بن قيس بن شماس ، ومحمد بن عمرو بن حزم الأنصاري ، وقتل كذلك عبدالله بن عاصم الأنصاري ، وعبيد الله بن عبد الله بن موهب ،

ص: 73

ووهب بن عبد الله بن زمعة بن الأسود ، وعبدالله بن عبد الرحمن بن حاطب ، وزيد بن عبد الرحمن بن عوف ، وعبدالله بن نوفل بن الحارث بن المطلب ، وعبدالله بن زيد بن عاصم الأنصاري ، قاتل مسيلمة الكذاب ( الطبري 483/5 - 490 وابن الأثير 4/ 121 والاعلام 219/4 ).

أما ما صنعه مسلم بأهل المدينة من قتل ونتف لحي ونخس بالقضيب وشتم ، فيعود ذلك لأبواب أخري من هذا الكتاب .

وفي السنة 64 لما انتهي جيش يزيد بن معاوية ، من استباحة المدينة ، وقتل رجالها، ونهب أموالهم ، قصد مكة ، وفيها عبد الله بن الزبير ، وقد الحق به أخوه المنذر بن الزبير ، بعد أن شهد وقعة الحرة ، ولما تقابل الجمعان ، برز أحد الشاميين ، فدعا المنذر للمبارزة ، فبرز اليه المنذر ، فضرب كل واحد منها صاحبه ، فخرا ميتين .

ثم التحم عبد الله وأصحابه بجند يزيد ، فقتل من أصحاب عبدالله ، المسور بن مخرمة أصابه حجر من حجارة المنجنيق فقتله ، وقتل المصعب بن عبد الرحمن بن عوف ، أصابه سهم فقتله ، وقتل من أصحابه آخرون .

وكان جند يزيد يقذفون الكعبة بالمجانيق ، وأحرقوها بالنار ، وهم يرتجزون :

خطارة مثل الفنية المزبد**** نرمي بها أعواد هذا المسجد

وظل جيش يزيد محاصرة الكعبة ، حتي جاءهم نعي يزيد بن معاوية ( الطبري 496/5 - 499).

موقعة مرج راهط

وفي السنة 64 وقعت معركة مرج راهط ، بين الزبيرية الذين يدعون إلي خلافة عبدالله بن الزبير ، والمروانية الذين يدعون إلي استخلاف مروان بن

ص: 74

الحكم ، وكان رأس الزبيرية، الضحاك بن قيس ، ورأس المروانية مروان بن الحكم ، واستمرت المعركة عشرين ليلة ، وكان الظفر فيها لبني أمية ، وقتل الضحاك ، وقتلت قيس قتلا ذريعا ، وقتل مع الضحاك من أشراف الناس من أهل الشام ثمانون رجلا كلهم كان يأخذ القطيفة ، والذي كان يأخذ القطيفة يأخذ معها ألفين من العطاء ، وهو شرف العطاء ، وفر زفر بن الحارث وهو من أصحاب الضحاك من المعركة ، فقال يعتذر من فراره : ( الطبري 535/5 -542)

العمري لقد أبقت وقيع راهط**** لمروان صدع بين متنائي

ولم تر مني نيوة قبل هذه**** فراري وتركي صاحبي ورائية

هب يوم واحد أن أسأته **** بصالح أيامي وحسن بلائيا

فلا صلح حتي تنحط الخيل بالقنا**** وتثأر من نسوان كلب نسائيا

وقد ينبت المرعي علي دمن الثري**** وتبقي حزازات النفوس كما هيا

وكان الذي قتل الضحاك ، دحية بن عبد الله ، وقتل مع الضحاك هانيء بن قبيصة النميري ، سيد قومه ، قتله وازع بن ذؤالة الكلبي ، وقتل مالك بن يزيد بن مالك من بني عليم ، وزمل بن عمرو بن ربيعة صاحب لواء قضاعة ، وثور بن معن بن يزيد السلمي ( الطبري 538/5 وابن الأثير 150/4 ) .

معركة التوابين

وفي السنة 64 تحرك الشيعة بالعراق ، للمطالبة بدم الإمام الشهيد الحسين ، وذلك إن قوما من الشيعة ، اجتمعوا بالكوفة ، اثر مقتل الحسين ، فتلاوموا ، وقالوا : دعونا الحسين ، ووعدناه النصرة ، ثم تركناه ، وإنه لا يغسل عارنا إلا قتل من قتله ، وفزعوا إلي رؤسائهم ، وهم خمسة : سليمان بن صرد الخزاعي ، من الصحابة ، والمسيب بن نجبة الفزاري ، وعبد الله بن سعد بن نفيل الأزدي ، وعبد الله بن وأل التميمي ، ورفاعة بن شداد

ص: 75

البجلي ، فاجتمع هؤلاء في دار سليمان بن صرد ، وتذاكروا ، وكاتبوا أصحابهم ، ثم نادوا في الكوفة : يا لثارات الحسين ، فثار الناس معهم ، وسار سليمان بن صرد علي رأس جيش التوابين ، يريد عبيد الله بن زياد ، فمروا في طريقهم بقبر الحسين ، فصاحوا صيحة واحدة ، وبكوا عنده ، وأقاموا يوما وليلة ، ثم سار حتي وصلوا قرقيسيا ، فتزودوا ، ثم انتهوا إلي عين الوردة ، وواجههم الجيش الأموي ، فطالبهم التوابون بأن يسلموا إليهم عبيد الله بن زياد قاتل الحسين ، لأن ثأرهم عنده ، فأبوا ، فنزل التوابون ، وكسروا جفون سيوفهم ، والتحموا في معركة ضارية ، فقتل سليمان بن صرد ، فأخذ الراية المسيب بن نجبة ، فقاتل حتي قتل ، فأخذ الراية عبد الله بن سعد بن نفيل ، حتي طعن في ثغرة نحره فقتل ، ثم قتل أخوه خالد بن سعد ، وأخذ الراية عبد الله بن وأل ، فقاتل حتي قتل ، واستمر القتال حتي العشاء ، وخرج من التوابين عبد الله بن عزيز الكندي ، ومعه ابنه محمد غلام صغير ، فصاح : يا أهل الشام ، هل فيكم أحد من كندة ؟ فخرج إليه منهم رجال ، فقالوا : نعم ، نحن هؤلاء ، فقال لهم : دونكم أخوكم ، فابعثوا به إلي قومكم بالكوفة ، فصاحوا به : أنت آمن ، وأخذ ولده يبكي ، فقال لهم عبد الله : إني لا أرغب عن مصارع إخواني ، وقاتل الجند الأموي ، حتي قتل ، وأخذ الراية الوليد بن غصين الكناني ، فقاتل أشد قتال ، وقتل قبل المساء ، وتقدم كريب بن يزيد الحميري ، في مائة رجل من أصحابه من حمير وهمدان ، حتي إذا دنا من جند أهل الشام ، اقترب منهم ابن ذي الكلاع الحميري ، وسألهم ، فلما عرفهم صاح بهم : أنتم آمنون ، فقال له كريب : إنا قد كنا آمنين في الدنيا ، وإنما خرجنا نطلب أمان الآخرة ، فقاتلوا ، حتي قتلوا بأجمعهم . ومشي صخير بن حذيفة المزني ، في ثلاثين من مزينة ، فقاتلوا حتي قتلوا ، حتي إذا آدلهم الليل ، انسحب الباقون من التوابين ، بقيادة رفاعة بن شداد ، ومروا بقرقيسيا، فتزودوا ، وداووا جرحاهم ، وعاد كل من سلم إلي أهله ( الطبري 552 -605).

ص: 76

وفي السنة 65 بعث مروان بن الحكم جيشا إلي المدينة ، بقيادة حبيش بن دلجة ، لطرد عامل ابن الزبير، فأجتمع عليه جند المدينة ، وجند من البصرة جاءوا لمعونة ابن الزبير ، والتحموا في معركة قتل فيها حبيش بسهم غرب ، قالوا إنه رماه به يزيد بن سياه الأسواري ، وقتل معه المنذر بن قيس الجذامي ، وأبو عتاب مولي أبي سفيان ، وتحرز منهم نحو خمسمائة في المدينة ، فنزلوا علي حكم عباس بن سهل الأنصاري ، عامل المدينة لابن الزبير ، فأمر بهم ، فضربت أعناقهم ( الطبري 611/5 و612).

وفي السنة 65 قتل نافع بن الأزرق ، رأس الخوارج ، وكانت شوكته قد اشتدت ، وقصد البصرة ، وفل بعونها واحدة بعد الآخر، وقتل عثمان بن عبيد الله بن معمر ، وهزم جنده ، ولما بلغ دولاب من الأهواز ، التحم مع الجيش الذي جاء لمحاربته من البصرة ، فاقتتلوا أشد قتال ، فقتل مسلم بن عبيس أمير جند البصرة ، فأمروا عليهم الحجاج بن باب الحميري ، وقتل نافع بن الأزرق ، فأمر الأزارقة عليهم عبيد الله بن الماحوز ، فقتل الحجاج بن باب ، فأمر أهل البصرة عليهم ربيعة الأجذم التميمي . وقتل ربيعة ، فأخذ الحارثة بن بدر راية أهل البصرة ، وكانوا قد انكشفوا ، فانسحب بهم ، وهو يقول :

كرنبوا ودولبوا وحيث شئتم فآذهبوا

وأقبل الخوارج يريدون البصرة ، فنهد لهم المهلب بن أبي صفرة ، وحازهم إلي الأهواز ، فالتقوا في معركة ضارية ، فانكشف أهل البصرة ، وانحاز المهلب في ثلاثة آلاف ، فهجم علي الخوارج في معسكرهم ، وقتل عبيد الله بن الماحوز ، وأصحابه قتلا ذريعا ، وانفل عسكرهم وتشتتوا ، وقتل منهم في هذه الواقعة سبعة آلاف ( الطبري 613/5 -619).

وفي معركة سلي بالأهواز ، بين الخوارج وجند البصرة ، قاتل أبو علقمة

ص: 77

اليحمدي قتالا لم يقاتله أحد من الناس ، وأخذ ينادي في شباب الأزد وفتيان اليحمد، أعيرونا جماجمكم ساعة من نهار ، فكر معه الشباب والفتيان ، يحاربون ثم يرجعون إليه يضحكون ، ويقولون : يا أبا علقمة ، القدور تستعار ( الطبري 621/5 ) .

ولما ظهر المختار الثقفي بالكوفة في السنة 66، اصطدم أصحابه بأصحاب إبراهيم بن مطيع عامل ابن الزبير علي الكوفة ، فقتل نعيم بن هبيرة ، أحد قواد المختار ، وبصر خزيمة بن نصر العبسي ، أحد أصحاب المختار ، براشد بن إياس ، صاحب شرطة ابن مطيع ، فحمل عليه ، وطعنه ، فقتله ، ونادي : قتلت راشدأ ورب الكعبة ، فانهزم أصحاب راشد ( الطبري 25/6 - 27 ) .

وفي السنة 66 كان المختار الثقفي قد استقر أمره بالعراق وفارس ، واستقر أمر مروان بن الحكم بالشام ومصر ، فبعث مروان إلي العراق جندا عليهم عبيد الله بن زياد ، وأمره أن يستبيح الكوفة ثلاثة أيام إذا ظفر بأهلها ، فأقبل عبيد الله بجند الشام نحو الموصل ، فوجه إليه المختار ثلاثة آلاف مختارين ، علي رأسهم يزيد بن أنس ، وبلغ يزيد موضعأ اسمه بنات تلي، وهو مريض مدنف ، فبعث إليه عبيد الله ستة آلاف رجل من جند الشام علي رأسهم ربيعة بن المخارق ، ولما تصاف الفريقان ، خرج يزيد بن أنس ، وهو مريض ، علي حمار ، يمشي معه الرجال يمسكونه عن يمينه وعن شماله ، بفخذيه ، وعضديه ، وجنبيه ، فشجع أصحابه ، واستثار هممهم ، ثم وضع له سرير في وسطهم ، واستقر مطروحأ عليه ، وقال لأصحابه : إن شئتم فقاتلوا عن أميركم ، وإن شئتم ففروا عنه ، والتحم الفريقان في معركة ضارية ، فقتل ابن المخارق ، وتشتت جند الشام ، وجيء إلي يزيد بن أنس ، وهو في السوق ( النزع ) بثلثمائة أسير ، فأخذ يوميء بيده ، أن أضربوا أعناقهم ، فقتلوا عن آخرهم ( الطبري 38/6 - 42) .

ص: 78

وفي السنة 66 حارب قسم من أهالي الكوفة المختار ، فانكشفوا ، وانتصر المختار ، وممن قتل في هذه المعركة حسان بن فائد من قوادهم ، . وشرحبيل بن ذي بقلان ، وعبد الرحمن بن سعيد بن قيس الهمداني ، اختصم فيه ثلاثة نفر ، سعر الحنفي وأبو الزبير الشبامي ، ورجل آخر ، قال سعر : طعنته طعنة ، وقال أبو الزبير : لكني أنا ضربته عشر ضربات أو أكثر ، فقال المختار : كلكم محسن ( الطبري 49/6 و56 ).

معركة الخازر

وفي السنة 66 وجه المختار الثقفي ، قائده إبراهيم بن الأشتر ، علي رأس جند من العراق ، لقتال جند الأمويين ، المقبل من الشام إلي الموصل ، بقيادة عبيد الله بن زياد ، فالتقوا بخازر ، علي خمسة فراسخ من الموصل، وكان جند الشام أربعين ألفا ، أضعاف جند العراق ، والتحم الفريقان في معركة ضارية ، قتل فيها قائد الميسرة في جيش العراق ، علي بن مالك الجشمي ، فأخذ الراية قرة بن علي ، وقاتل حتي قتل ، وقتل معه رجال من أهل الحفاظ ، وانهزمت الميسرة ، فأخذ الراية عبد الله بن ورقاء ، وأرجع رجال الميسرة للقتال، وكشف ابن الأشتر رأسه ، وصاح : يا شرطة الله ، إلي ، أنا ابن الأشتر ، وقال لصاحب رايته : إنغمس برايتك فيهم ، وكرد إبراهيم الرجال بن يديه كأنهم الحملان ، فأنفل الجيش الشامي ، وفروا ، وحمل شريك بن جدير التغلبي ، من جند العراق ، علي الحصين بن نمير ، من قواد الجند الشامي ، وهو يحسبه عبيد الله بن زياد ، وأخذ شريك يصيح : اقتلوني وابن الزانية ، فقتل الحصين بن نمير ، وقتل في ذلك اليوم شرحبيل بن ذي الكلاع ، من قواد الشام ، ولما انهزم جند الشام ، تبعهم الجند العراقي ، فكان من غرق من جند الشام ، أكثر ممن قتل ، وقال إبراهيم لأصحابه : إني قتلت رجلا وجدت منه رائحة المسك ، شرقت يداه ،

ص: 79

وغربت رجلاه ، فالتمسوه ، فإذا هو عبيد الله بن زياد ، وقد قد بدنه إلي نصفين ( الطبري 86/6 -92).

أقول : وفي مقتل عبيد الله بن زياد ، يقول الشاعر : ( معجم البلدان 903/2)

إن الذي عاش ختارة بذمته****ومات عبدا قتيل الله بالزاب

أقول لما أتاني ثم مصرعه****لابن الخبيثة وابن الكودن الكابي

ما شق جيب ولا ناحتك نائحة **** ولا بكتك جياد عند أسلاب

إن المنايا إذا حاولن طاغية**** ولجن من دون أستار وأبواب

العبد للعبد لا أصل ولا ورق ****ألوت به ذات أظفار وأنياب

ولما قتل إبراهيم بن الأشتر ، عبيد الله بن زياد ، بعثت إليه هند بنت أسماء بن خارجة الفزاري ، امرأة عبيد الله بن زياد ، وكانت معه في العسكر ، فأخبرت إبراهيم بانتهاب ما كان معها من المال ، فقال : كم ذهب لك ؟ قالت : ما قيمته خمسون ألف درهم ، فأمر لها بمائة ألف درهم ، ووجه معها مائة فارس ، حتي أتوابها أباها بالبصرة ( الأخبار الطوال 296 ).

قارن ، هداك الله ، بين صنيع إبراهيم هذا ، وصنيع المصعب بن الزبير ، فإنه لما قتل المختار بن أبي عبيد الثقفي ، أحضر عمرة بنت النعمان بن بشير الأنصاري ، زوجة المختار ، وسألها عن رأيها في زوجها ، فأثنت عليه ، وطلب منها أن تبرأ منه ، فقالت : كيف تبرأ الحرة من زوجها ؟ فأمر بها فأخرجت إلي الجبانة ، فضربت عنقها، راجع تفصيل ذلك في هذا الكتاب ، في الباب التاسع عشر المرأة » في الفصل الثاني «قتل المرأة بالسيف » .

وعلي أثر انتهاء معركة الخازر ، دخل عبيد الله بن عمر الساعدي ،

ص: 80

علي إبراهيم بن الأشتر ، ومدحه بأبيات من الشعر الرائق النفيس ، فأعطاه عشرة آلاف درهم ، قال : ( الأخبار الطوال 296 ) .

الله أعطاك المهابة والتقي**** وأحل بيتك في العديد الأكثر

وأقر عينك يوم وقعة خازر**** والخيل تعثر بالقنا المنكسر

إني أتيتك إذ بنابي منزلي**** وذممت إخوان الغني من معشري

وعلمت أنك لا تخيب مدحتي**** ومن تكن بسبيل خير تشكر

فهلم تحوي من يمينك نفحة ****إن الزمان ألح يا ابن الأشتر

وقعة المذار

وفي السنة 67 خرج المصعب بن الزبير ، من البصرة ، قاصدأ المختار الثقفي وأصحابه ، بالكوفة ، فالتقي الجمعان بالمذار ، يقود جند الكوفة أحمد بن شميط ، ويقود جند البصرة ، المصعب بن الزبير ، والتحم الجيشان في معركة طاحنة ، فقتل أحمد بن شميط قائد جند الكوفة ، وقتل عبد الله بن كامل من كبار قواد المختار ، وآخرون معهم ، وكان عبد الله بن عمرو النهدي ، من أصحاب صفين ، في جيش المختار ، فقتل في هذه المعركة ، وانفل جيش الكوفة ، وكان الكوفيون الذين فروا من المختار ولجأوا إلي المصعب ، أشد علي الكوفيين من أهل البصرة ، إذ قتلوا كل من أسر وأستسلم ، وقتل جماعة من أصحاب المصعب منهم عبيد الله بن علي ، ومحمد بن الأشعث ، وأنحاز المختار إلي القصر ، ولما اشتد عليه الحصار ، خرج مستقت في تسعة عشر رجلا من أصحابه ، فقتل ، وقتلوا معه ، وأمر المصعب بكفت المختار فقطعت ثم سمرت بمسمار حديد إلي جنب المسجد، فما زالت هناك حتي جاء الحجاج بن يوسف الثقفي أميرأ علي العراق ، ونظر إليها ، فقال : ما هذه ؟ قالوا : كفت المختار ، فأمر بنزعها ، أما رأس المختار ، فقد بعث به إلي أخيه عبد الله بن الزبير بالحجاز ، وأما

ص: 81

المحصورون في القصر من أصحاب المختار وعددهم ستة آلاف أو سبعة آلاف ، فقد استنزلهم المصعب من القصر بالأمان ، ثم قتلهم بأجمعهم ( الطبري 93/6 - 110 والأخبار الطوال 308 واليعقوبي 264/2 ) .

وفي السنة 68 قصد الخوارج إصبهان ، وحصروها ، وكان مصعب بن الزبير قد ولي عليها إسماعيل بن طلحة ، فبعث عليها عتاب بن ورقاء ، فصبر عتاب ، وأخذ يخرج إليهم في كل يوم يقاتلهم علي باب المدينة ، ويرميهم من فوق السور بالنبل والنشاب والحجارة ، ودام الحصار أشهرا ، فأصاب الناس في إصبهان جهد من الحصار ، فجمع عتاب جنده وخطبهم ، وحرضهم ، ونصب لواء الجاريته ياسمين ، وقال : من أراد البقاء فليلحق بلواء ياسمين ، ومن أراد الجهاد فليخرج معي ، وصبح الخوارج ، وهم آمنون من آن يؤتوا في عسكرهم ، حتي انتهي إلي الزبير بن ( أبي ) الماحوز ، فثبت في جماعة من أصحابه ، فقاتل حتي قتل ، وأنحازت الأزارقة إلي قطري فبايعوه ، وقال أحد أصحاب عتاب في ذلك : ( الطبري 25/6 و126 والاعلام 153/9 و 154 ) .

. خرجت من المدينة مستميتة**** ولم أك في كتيبة ياسمينا

وفي السنة 69 ولي عبد الملك بن مروان ، زهير بن قيس البلوي علي إفريقية ، وبعثه علي رأس جيش لقتال كسيلة البربري ، قاتل عقبة بن نافع الفهري ، فلاقاه كسيلة في حشد عظيم ، فانتصر زهير ، وقتل كسيلة وجماعة من قواده ، وانفض جمعه ، فاغتنم روم القسطنطينية خلو برقة من الجيش ، فهاجموها بمراكب كثيرة من جزيرة صقلية فقتلوا ونهبوا ، فاستنجد المسلمون في برقة بزهير ، فخفت إليهم في خفت من أصحابه ، فقتل زهير وأصحابه ، ولم ينج منهم أحد ( ابن الأثير 108/4 - 110 ).

وفي السنة 69 حكم محكم من الخوارج بالخيف من مني ، فقتل ،

ص: 82

قالوا : كان معه جماعة ، فأمسك الله بأيديهم ، وبدر هو من بينهم فسل سيفه ، فمال عليه الناس فقتلوه ( الطبري 149/6 ).

أيام بين قيس وتغلب

وفي السنة 70 نشبت معارك بين قيس وتغلب ، وسبب ذلك إنه لما انقضي أمر مرج راهط ، بايع عمير بن الحباب السلمي ، مروان بن الحكم ، وفي نفسه ما فيها مما أصاب قيسأ في يوم مرج راهط ، فانضم عمير إلي زفر بن الحارث في قرقيسيا ، يدبران لكلب واليمانية ، وتغلب عمير علي نصيبين ، ثم استأمن إلي عبد الملك بن مروان ، فأمنه، ثم غدر به فحبسه عند مولاه الريان ، فسقاه عمير ومن معه من الحرس خمرة ، فأسكرهم ، وتسلق في سلم من الحبال ، وأفلت من السجن ، وعاد إلي الجزيرة ، فاجتمعت إليه قيس ، فأغار علي كلب ، ثم اشتبك مع تغلب ، فاقتتلوا في يوم ماكسين ، وكان لقيس علي تغلب ، وقتل من تغلب خمسمائة ، وقتل قائدهم شعبث بن مليك ، وكانت رجله قد قطعت في المعركة ، فقاتل حتي قتل وهو يقول :

قد علمت قيس ونحن نعلم**** إن الفتي يقتل وهو أجذم

وثاني أيامهم ، يوم الثرثار الأول ، وكان لتغلب علي قيس ، فإن تغلب استعدت واستجاشت ، فانهزمت قيس ، وقتلت تغلب منهم مقتلة عظيمة ، وبقروا بطون ثلاثين امرأة ، وثالث الأيام ، يوم الثلاثاء الثاني ، وكان لقيس علي تغلب ، وكان ممن قتل فيه من تغلب ابنا عبد يشوع وغيرهما من أشراف تغلب ، ورابع الأيام يوم الفدين لقيس علي تغلب ، وخامسها يوم السكر ، القيس علي تغلب ، وسادسها يوم المعارك ، تناصفوا فيه ، وسابعها يوم الشرعبية ، وكان لتغلب علي قيس ، قتل فيه عمار بن المهزم السلمي ، وثامنها يوم البليخ ، لقيس علي تغلب ، وبقر فيه القيسيون بطون نساء من

ص: 83

-دا

تغلب ، كما حصل من تغلب في يوم الثرثار الأول ، وتاسعها يوم الحشاك ، وكانت فيه المعارك علي أشدها ، وكان التغلب علي قيس ، وفيه قتل عمير بن الحباب السلمي ، وقتل معه من قيس بشر كثير ، وعاشرها يوم الكحيل ، وسببه إن تميم بن عمير بن الحباب ، قصد زفر بن الحارث في قرقيسيا ، واستنجد به للثأر من تغلب ، فاستخلف زفر علي قرقيسيا أخاه أوسأ ، ووجه خي إلي بني فدوكس ، بطن من تغلب ، ووجه ابنه الهذيل في جيش إلي بني كعب بن زهير ، وبعث مسلم بن ربيعة العقيلي إلي بطن من تغلب ، ثم قصد بني تغلب ، فلحق بهم في الكحيل من أرض الموصل ، فقتل من تغلب مقتلة عظيمة ، وبقروا بطون النساء ، وغرق من بني تغلب في دجلة أكثر ممن قتل ، وأسر زفر من بني تغلب مائتين ، فقتلهم صبرأ ، ولما استقرت الأمور العبد الملك ، قدم عليه الأخطل التغلبي ، وعنده الجحاف بن حكيم السلمي ، فقال له عبد الملك : يا أخطل ، أتعرف هذا ؟ قال : نعم ، هو الذي أقول فيه :

ألا سائل الجحاف هل هو ثائر****بقتلي أصيبت من سليم وعامر

وأنشد القصيدة بتمامها ، وكان الجحاف يأكل تمرة ، فجعل النوي يتساقط من يده غيظا ، وأجاب الأخطل ، فقال :

بلي سوف نبكيهم بكل مهند**** ونبكي عميرة بالرماح الشواجر

ثم قال للأخطل : يا ابن النصرانية ، ما كنت أظن أنك تجتريء علي بمثل هذا ، فأرعد الأخطل من خوفه ، وقام إلي عبد الملك فأمسك ذيله ، وقال : هذا مقام العائذ بك ، فقال له عبد الملك : أنا لك جار ، وقام الجحاف وهو يجر ثوبه ما يعقل ، فزور لنفسه عهدا علي صدقات تغلب وبكر بالجزيرة ، وقال لأصحابه : إن أمير المؤمنين ولاني علي هذه الصدقات ، فمن أراد اللحاق بي فليفعل ، فخرج معه جماعة ، فلما أتي رصافة هشام ،

ص: 84

أعلم أصحابه بما كان من الأخطل إليه ، وإنه قد افتعل هذا العهد لينتقم من تغلب ، فمن أراد أن يصحبني علي ذلك ، وإلا فليعد ، فعادوا إلا ثلثمائة ، فقصد بني تغلب ، وهم علي الرحوب عند جبل البشر ، فقتل منهم مقتلة عظيمة ، وأسرف في القتل ، وبقر بطون النساء عن الأجنة ، واقترف أمرأ عظيما ، فدخل الأخطل علي عبد الملك ، فأنشده : ( معجم البلدان 633/1)

لقد أوقع الجحاف بالبشر وقعة**** إلي الله منها المشتكي والمعول

فإن لم تداركها قريش بعدلها ****يكن عن قريش مستراد ومزحل

فقال له عبد الملك : إلي أين يا ابن النصرانية ؟ قال : إلي النار ، فقال له عبد الملك : أولي لك ، لو قلت غير ذلك لقتلتك ، وهرب الجحاف فالتجأ إلي بلاد الروم ، ثم أمنه عبد الملك علي أن يؤدي ديات من قتل ، فعاد ، وجمع الديات ، وتنسك ، ومضي حاجة ، وقد خزم هو وأصحابه آنافهم ، وتعلق الجحاف بأستار الكعبة ، وهو يصيح : اللهم أغفر لي ، وما أظنك تفعل ، فسمعه محمد بن الحنفية ، فقال له : يا شيخ ، قنوط من رحمة الله شر من ذنبك ( ابن الأثير 309/4 - 322).

معركة مسكن

وفي السنة 71 تلاقي في دير الجاثليق بمسكن ، جند العراق ، عليهم المصعب بن الزبير ، وقائده ابراهيم بن الأشتر ، بجند الشام عليهم عبدالملك بن مروان ، والتحم العسكران في معركة ضارية ، فقتل إبراهيم بن الأشتر ، ومسلم بن عمرو الباهلي ، والد قتيبة ، ويحيي بن مبشر ، وكلهم من أصحاب المصعب ، وعرض عبد الملك الأمان علي المصعب ، فأباه ، ولما أدرك مصيره ، قال لولده عيسي : يا بني أركب أنت ومن معك الي عمك بمكة ، ودعني فإني مقتول ، فقال له ابنه : والله ، لا أخبر قريشأ عنك أبدا ،

ص: 85

وتقدم فقاتل حتي قتل ، وأثخن المصعب بالرمي ، فشد عليه زائدة بن قدامة ، وصاح : يا لثارات المختار، فصرعه ، ونزل إليه عبيد الله بن زياد بن ظبيان ، فأحتر رأسه ، وجاء به إلي عبد الملك بن مروان ، فأثابه بألف دينار ، فأبي أن يأخذها ، وقال : إني لم أقتله علي طاعتك ، وإنما قتلته علي وتر صنعه بي ، إذ كان قتل أخاه النابي ء بن زياد ( الطبري 151/6 - 159).

وفي مصرع المصعب ، يقول ابن قيس الرقيات : ( الاخبار الطوال313)

لقد أورث المصرين خزيا وذلة**** قتيل بدير الجاثليق مقيم

فما صبرت للحرب بكر بن وائل**** ولا ثبتت عند اللقاء تميم .

ولكنه ضاع الذمار فلم يكن**** بهاعربي عند ذاك كريم

أقول : كان سبب قتل المصعب للنابي ء بن زياد ، إن المطرف صاحب شرطة المصعب بالبصرة ، أخذ النابيع بن زياد ، ورجلا من بني نمير ، كانا قد قطعا الطريق فقتل النابيء، وضرب النميري بالسياط وتركه ، ثم إن المطرف ولاه المصعب الأهواز ، فخرج إليها ، فلاقاه عبيد الله بن زياد أخو النابيء ، فطعنه فقتله ، ولحق بعبد الملك بن مروان ، ثم مر بالبصرة ، ورأته ابنة مطرف ، فقيل لها : هذا قاتل أبيك ، فقالت : في سبيل الله أبي ، فقال ابن ظبيان : ( الطبري 156/9 - 160).

وما في سبيل الله لاقي حمامه**** أبوك ولكن في سبيل الدراهم

أقول : منطقة مسكن التي قتل فيها المصعب ، اسمها الآن عند الأعراب في تلك المنطقة : خرايب مسكين ، وما يزال قبر المصعب عليه قبة ، والأعراب هناك قد حرفوا اسمه ، فهو عندهم الشيخ منصور ( الديارات 350- 351 وري سامراء 198/1 )، وأحسب أن القبة بنيت علي قبر المصعب في السنة 20 وكانت الفتن في بغداد قد اشتعلت بين الشيعة والسنة ، وكان

ص: 86

الشيعة يحتفلون في النصف من شعبان بزيارة قبر الحسين عليه السلام ، فأحدث خصومهم زيارة قبر المصعب بن الزبير في رمضان من كل سنة ، واستعدوا لهذه الزيارة ، وعملوا مجانيق مذهبة ، ورفعوها، وطافوا بها في الأسواق ، وبين أيديهم البوقات ، ووقفوا بإزاء دار المملكة ، ومعهم لفيف كثير ، ودعوا للسلطان ، وأحدث ذلك وقوع القتال بين هذه الطائفة ، وبين أهل الكرخ ( المنتظم 78/8 ).

وفي السنة 72 كتب عبد الملك بن مروان ، لعبد الله بن خازم ، عامل خراسان لابن الزبير ، وعرض عليه إمارة خراسان سبع سنين إن بايعه وترك آبن الزبير ، فأبي ، فكتب عبد الملك إلي بكير بن وشاح عامل مرو، يعرض عليه إمارة خراسان ، ويحرضه علي الخروج علي ابن خازم ، فخلع بكير بن وشاح ، ابن الزبير ، ودعا إلي عبدالملك ، فقصده عبدالله بن خازم الي مرو ، وحارب بكيرة ، فقتل ابن خازم ، وحمل علي بغل ، وقد شدوا في مذاكيره حبلا وحجر عدلوه به علي البغل ( الطبري 176/6و 177).

وفي السنة 72 سار عبدالملك بن مروان إلي قرقيسيا ، فحصر زفر بن الحارث فيها ، وبعد معارك حصلت ، أمر عبدالملك أخاه محمد ، أن يعرض علي زفر الأمان وكان ابنه وكيع بن زفر قد قتل ، فأعطاه محمد الأمان له ولولده هذيل ، علي أنفسهما ومن معهما ، وأن يعطيا ما أحبا ، فأبي زفر ، فقال له ولده الهذيل : لو صالحت هذا الرجل فقد أطاعه الناس وهو خير لك من ابن الزبير ، فأجاب الي قبول الأمان علي أن له الخيار في بيعته سنة ، وأن ينزل حيث شاء ، وأن لا يعين عبد الملك علي قتال ابن الزبير ، فبينا الرسل تختلف بينهما ، إذ جاء رجل من كلب ، فقال إن الجند الشامي هدم من سور قرقيسيا أربعة أبراج ، فعاد عبد الملك عن المصالحة ، وزحف إليهم ، فهزموا أصحابه ، فاضطر إلي إعطاء زفر ما أراد ، وعدل الشرط الأخير ، بأن لا يبايع زفر عبد الملك حتي يموت ابن الزبير ، وخاف زفر أن يغدر به عبد الملك ،

ص: 87

كما غدر بعمرو بن سعيد ، فلم ينزل إليه ، إلا بعد أن أرسل إليه قضيب النبي صلوات الله عليه ، أمانا له ، فنزل إليه ، ولما رأي عبد الملك قلة من كان مع زفر ، ندم علي أمانه ، وقال : لو علمت إنه في هذه القلة لحاصرته أبدأ حتي ينزل علي حكمي ، فبلغ قوله زفر ، فقال : إن شئت رجعنا ورجعت ، فقال : بل نفي لك يا أبا الهذيل ( ابن الأثير 337/4 - 340).

وفي السنة 73 قتل عبدالله بن الزبير بمكة ، وكان قد أعلن خلافته ، واستولي علي أكثر بلاد الإسلام ، إذ حكم مصر وإفريقية ، وفلسطين، وجزيرة العرب ، والعراق ، وخراسان، وما وراء النهر ، والسند، ثم عاكسته الظروف ، فتقلص ظل حكمه ، وقتل أخوه المصعب ، وآل أمره إلي أن حصره الحجاج في جند عبد الملك بن مروان بمكة، فلما كان قبيل مقتله تفرق عنه الناس ، وخرجوا إلي الحجاج بالأمان ، حتي فارقه ابناه حمزة وخبيب ، وختم عبدالله حياته بعمل نادر المثيل ، من أعمال البطولة والفداء ، شاركته فيه أمه أسماء ذات النطاقين بنت الصديق أبي بكر ، فإن عبد الله ، لما أدرك مصيره ، جاء إلي أمه ، وهي عجوز عمياء بلغت المائة ، وشكا إليها تخلي الناس عنه ، وخذلانهم أياه ، وقال لها : إن القوم يعطونني ما أردت من الدنيا ، فما رأيك ؟ فقالت : يا بني ، أنت أعلم بنفسك ، إن كنت تعلم أنك علي حق، فامض له ، فقد قتل عليه أصحابك ، فقال لها : إني أخشي إن قتلت أن يمثل بي ، فقالت له : يا بني إن الشاة إذا ذبحت لم تألم السلخ ، فخرج ، وحارب ، واستقتل ، فقتل ( ابن الأثير 352/4 - 354)، ولما وثق الحجاج بمقتل ابن الزبير ، تظاهر بالشجاعة ، وتقدم إلي ابن الزبير وهو ميت في المسجد الحرام ، فبرك عليه ، واحت رأسه بيده في داخل المسجد في العقد الفريد 418/4 ).

أقول : وهكذا يأبي الحجاج ، إلا أن يكون حقيرة في جميع تصرفاته ، فقد جبن عن لقاء عبدالله بن الزبير وهو حي ، حتي إذا وثق من موته ، تقدم فقطع رأسه .

ص: 88

الحجاج بن يوسف الثقفي سيرة رجل شرير

أبو محمد الحجاج بن يوسف الثقفي ( 40- 95)، والي العراقين لعبد الملك بن مروان ، وهو الذي يضرب به المثل في الظلم والجور ، ثققي من نسل أبي رغال ( اليعقوبي 374/2). وأبو رغال بقية من قوم ثمود ، كان قائد الفيل ، ودليل الحبشة ، لما غزوا الكعبة فهلك فيمن هلك منهم ، ودفن بين مكة والطائف ، ومر النبي صلوات الله عليه بقبره فرجمه وأمر برجمه فرجم ( الأغاني 303/4 ).

وكانت ثقيف ، عشيرة الحجاج ، من أشد القبائل علي رسول الله ، فقد تهزأوا به ، وقعدوا صفين، فلما مر بهم ، رجموه بالحجارة حتي أدموا رجله ، وقال رسول الله : ما كنت أرفع قدما ، ولا أضعها ، إلأ علي حجر ( اليعقوبي 36/2 ).

وقال الإمام علي ، في احدي خطبه : لقد هممت أن أضع الجزية علي ثقيف ( الأغاني 306/4 ).

كل ذلك كان من جملة أسباب حقد الحجاج ، علي النبي صلوات الله عليه ، وعلي أولاده ، وبغضه أياهم، حتي ضرب بذلك المثل ، قال الشاعر : ( معجم البلدان 323/2 ).

أنا في الحلة الغداة كأني**** علوي في قبضة الحجاج

وبلغ من حقده علي النبي ، إنه لما دخل المدينة ، سماها : نتنة ، وقد سماها رسول الله : طيبة ، ولما رأي الناس يطوفون بقبر رسول الله ومنبره ، قال إنما يطوفون برمة وأعواد ( العقد الفريد 49/5 )، يريد بالأعواد منبر النبي ، وبالرمة جسده الشريف .

ص: 89

وتبع حقده علي النبي ، حقده علي الذين نصروه وآزروه ، وهم الأنصار ، فكان يسميهم : الأشرار ( العقد الفريد 39/5 )، وختم أعناق بعض الصحابة منهم ، بقصد إذلالهم ( الطبري 195/6 ).

وكان يقول : ويحكم ، أخليفة أحدكم في أهله ، أكرم عليه ، أم رسوله إليهم ؟ يشير بذلك إلي أن عبد الملك بن مروان أكرم علي الله من النبي صلوات الله عليه( في العقد الفريد 52/5 )

ولد الحجاج بالطائف ، وكان والده يؤدب الصبيان ( العقد الفريد 13/5 ) وجاء مشوها واحتيج إلي إجراء جراحة له ، لكي يكون في حالة طبيعية ( مروج الذهب 97/2 ) ، ونشأ أخفش العينين ، دقيق الصوت ( شذرات الذهب 106/1 ، والعيون والحدائق ، 11/3 ) ، فكان لتشويه بدنه ، وخفش عينيه ، ودقة صوته ، ووضاعة نشأته ، أصل قوي فيما ابتلي به من قسوة عجيبة ، وكان يخبر عن نفسه أن اكبر لذاته في سفك الدماء ( وفيات الأعيان 30/2 ) وكان يقول : إني - والله - لا أعلم علي وجه الأرض خلقأ ، هو أجرأ علي دم مني ( العقد الفريد 176/2 )، وكان له في القتل ، وسفك الدماء ، غرائب لم يسمع بمثلها ( وفيات الأعيان 31/2 )، وهو أحد أربعة في الإسلام قتل كل واحد منهم أكثر من ألف ألف رجل (لطائف المعارف . 141)

وكانت سياسة الحجاج التي سلكها في العراق ، من أهم الأسباب التي أدت إلي سقوط الدولة الأموية ( السياسة العربية 44)، ولما هلك ، خلف في حبسه ثمانين ألفأ حبسوا بغير جرم ، منهم خمسون ألف رجل ، وثلاثون ألف امرأة، وكان يحبس الرجال والنساء في موضع واحد ، ولم يكن لحبسه ستر يستر الناس من الشمس في الصيف ، ولا من المطر والبرد في الشتاء ( مروج الذهب 128/2 ، والعيون والحدائق 10/3 ) وذكر صاحب محاضرات الأدباء

ص: 90

195/3 إنه أحصي من قتل الحجاج ، سوي من قتل في بعوثه ، وعساكره ، وحروبه فوجدوا مائة وعشرين ألفا ، ووجد في حبسه مائة ألف وأربعة عشر ألف رجل، وعشرون ألف امرأة ، منهن عشرة آلاف امرأة مخدرة ، وكان حبس الرجال والنساء في مكان واحد، ولم يكن في حبسه ظل ولا سقف ، وربما كان الرجل ليستر بيده من الشمس فيرميه الحرس بالحجارة ، وكان أكثرهم مقرنين بالسلاسل، وكانوا يسقون الزعاف ، ويطعمون الشعير المخلوط بالرماد ، وكان المسجونون في سجن الحجاج يقرنون بالسلاسل ، فإذا قاموا قاموا معا ، وإذا قعدوا قعدوا معا ( الفرج بعد الشدة - لابن أبي الدنيا - مخطوط ص 11) ولا يجد المسجون المقيد منهم ، إلا مجلسه ، فيه يأكلون، وفيه يتغوطون ، وفيه يصلون ( القصة 87 من كتاب الفرج بعد الشدة للتنوخي ، تحقيق المؤلف ).

وبلغ من شنيع سمعة الحجاج ، وشهرته بالظلم ، إن أبا مسلم الخراساني ، الذي اشتهر بقسوته، وضراوته علي الدم الحرام ، حتي قيل أنه قتل أكثر من ألف ألف رجل ، (لطائف المعارف 141-142)، قيل في حقه إنه حجاج زمانه ( مرآة الجنان 285/1)

وقال الخليفة الصالح، عمر بن عبد العزيز : لعن الله الحجاج ، فإنه ما كان يصلح للدنيا ، ولا للأخرة ( معجم البلدان 3/ 178)، وقال فيه : لو جاءت كل أمة بمنافقيها، وجئنا بالحجاج لفضلناهم ( العقد الفريد 5/ 49)، وقيل للشعبي : أكان الحجاج مؤمنا ، قال : نعم : بالطاغوت، كافرة بالله ( البصائر والذخائر م 2 ق 1 ص 73 والعقد الفريد 49/5 )، وقيل لعبد الله بن المبارك : أبو مسلم كان خيرة أو الحجاج ؟ قال لا أقول أن أبا مسلم كان خيرا من أحد، ولكن الحجاج كان شرا منه ( ابن الأثير 479/5 ) وكان الحسن البصري ، يسميه : فاسق ثقيف ( وفيات الأعيان 374/2)، وقال القاسم بن

ص: 91

محمد بن أبي بكر : كان الحجاج ينقض عري الإسلام عروة عروة ( العقد الفريد 49/5 ) وقال ابن سيرين لم ير أغشم من الحجاج ( شذرات الذهب 106/1)

وقال فيه صاحب العقد الفريد للملك السعيد ( ص 118): كان الحجاج بن يوسف الثقفي ، قد جمع خلالا قبيحة ، ظاهرة وباطنة ، من دمامة الصورة ، وقبح المنظر ، وقساوة القلب ، وشراسة الأخلاق ، وغلظ الطبع ، وقلة الدين ، والاقدام علي انتهاك حرمة الله تعالي ، حتي حاصر مكة ، وهدم الكعبة ، ورماها بالمنجنيق ، والنفط والنار ، وأباح الحرم ، وسفك الدماء ، وقتل في مدة ولايته ألف ألف وستمائة ألف مسلم ، ومات في حبوسه ثمانية عشر ألف إنسان ، وكان لا يرجو عفو الله ، ولا يتوقع خيره ، وكأنه قد ضرب بينه وبين الرأفة والرحمة بسور من فظاظة ، وغلاظة ، وقسوة .

وكان الحجاج يتفنن في ابتكار ألوان العذاب التي يعذب بها من أوقعه سوء الطالع في يديه ، فقد جيء الله بابن القرية، أحد فصحاء العرب وحكمائهم ، فأمر به ، فأمسكه رجال أربعة ، حتي لا يستطيع حراكا ، ثم وضع الحجاج حربة في ثندوءته، ودفعها حتي خالطت جوفه ، ثم خضخضها، وأخرجها ، فأتبعها دم أسود ، فقال الحجاج : هكذا تشخب أوداج الأبل ، وفحص ابن القرية برجله ، وشخص ببصره ، وجعل الحجاج ينظر إليه ، حتي قضي ( الأخبار الطوال 222 و 223).

وأمر الحجاج بأحد أسراه ، فشد علي بدنه القصب الفارسي المشقوق ثم سل عنه ، حتي شرح بدنه ، ثم نضحه بالخل والملح ، حتي مات ( الكامل للمبرد 207/2 ).

وجيء إليه بمحمد بن سعد بن أبي وقاص أسيرأ ، فظل يضرب رأسه بعصا كانت في يديه ، حتي أدماه ، ثم أطمعه في أن يطلقه ، وأطرق مليأ ، كأنه يفكر ، ثم قال لرجل من أهل الشام : أضرب لي مفرق رأسه ، فضربه ،

ص: 92

فمال نصفه ها هنا ، ونصفه ها هنا، ( الطبري 379/6 والإمامة والسياسة 41/21/2)

وحبس إبراهيم بن يزيد التيمي الزاهد، ومنع عنه الطعام ، ثم أرسل عليه الكلاب تنهشه حتي مات ( اللباب 190/1 ) ولما مات رمي بجثته في الخندق ، ولم يجرأ أحد علي دفنه ، حتي مزقته الكلاب ( البصائر والذخائر م 3 ق 1 ص 304).

وفي معركة الزاوية ، إحدي معاركه مع ابن الأشعث ، قتل الحجاج أحد عشر الفأ ، بالخديعة والمكر ، فقد أمر مناديه ، فصاح لا أمان لفلان ابن فلان وسمي رجالا فقال العامة : قد أمن الناس ، وحضروا فأمر بهم فقتلوا ( ابن الأثير 469/4 ) ولما دخل البصرة ، جلس علي المنبر بالجامع ، وأمر جنده بأخذ الأبواب، وقال لهم : إذا رأيتموني وضعت عمامتي عن رأسي ، فضعوا سيوفكم ، ثم بدأ خطبته ، فحصبه الناس فخلع عمامته ، ووضعها علي ركبتيه ، فجعلت السيوف تبري الرقاب ، وسالت الدماء إلي أبواب المسجد ، وإلي السكك ( الامامة والسياسة 25/2-26).

وكان صغيرا في تصرفاته ، حبس مالك بن اسماء بن خارجة ، وضيق عليه كل أحواله ، حتي كان يشاب له الماء الذي كان يشربه ، بالرماد والملح ، وأحضره عنده يوما ، فبينما هو يحدثه ، استسقي ماء ، فأتي به ، فلما نظر إليه الحجاج ، قال : لا، هات ماء السجن، فأتي به وقد خلط بالملح والرماد فسقيه ( الأغاني 231/17 ).

وقبض علي يزيد بن بن المهلب ، وعذبه، فكان يزيد يصبر علي العذاب ، فقيل له : إنه رمي بنشابة ، فثبت أصلها في ساقه ، فلا يمسها شيء إلا صاح ، فأمر أن يعذب بذلك ، وأن يدهق ساقه ، فلما فعل به ذلك ، صاح وسمعته أخته هند بنت المهلب ، وكانت عند الحجاج ، فصاحت فطلقها ( وفيات الأعيان 291/9 ).

ص: 93

وبقدر ما كان الحجاج قاسية ، متغطرسة علي الناس ، كان ذليلا أمام عبد الملك بن مروان ، كتب إليه مرة : إن خليفة الله في أرضه ، أكرم عليه من رسوله إليهم ، يريد بذلك أن عبدالملك بن مروان ، أكرم علي الله من النبي صلوات الله عليه .

وبلغه أن عبد الملك عطس يوما فشمته أصحابه ، فرد عليهم ودعا لهم ، فكتب إليه : بلغني ما كان من عطاس أمير المؤمنين ، ومن تشميت أصحابه له ، ورده عليهم ، فيا ليتني كنت معهم ، فأفوز فوزا عظيما (العقد الفريد 53/5)

وكان الحجاج ، إضافة إلي صفاته القبيحة هذه ، جبانا ، منخلع الفؤاد ، برغم تظاهره بالشجاعة، فهو في السنة 73 حاصر بالجيش الأموي ، عبدالله بن الزبير ، بمكة ، ولما بلغه أن عبد الله قد قتل ، تصرف تصرف بادي الخزاية ، إذ تظاهر بالبطولة ، وجاء إلي مسجد الكعبة ، ولما رأي عبد الله قتيلا ، برك علي جثته ، وقطع عنقه بيده ، فقد جبن عن مواجهته حيا ، فبادر باحتزاز عنقه ميتا ( العقد الفريد 418/4 ).

وفي السنة 77 طالبته غزالة ، إحدي المحاربات في جيش الخوارج، بالمبارزة ففر منها ، وجبن عن مواجههتها ، فقال فيه الشاعر : (وفيات الأعيان 455/2 ).

أسد علي وفي الحروب نعامة**** فتخاء تفزع من صفير الصافر

هلا برزت الي غزالة في الوغي**** بل كان قلبك في جناحي طائر

وكانت السياسة المخربة ، التي اتبعها الحجاج ، خلال مدة حكمه ، من أهم الأسباب التي أدت إلي سقوط دولة بني مروان ( السياسة العربية لفان فلوتن 44)، وخربت العراق تخريبأ تاما ، فقد فرض الحجاج ، علي أهل الإسلام الذين سكنوا الأمصار ، ممن كان أصله من السواد ، من أهل الذمة

ص: 94

فأسلم ، بالعراق ، أن ردهم إلي قراهم ورساتيقهم ، ووضع الجزية علي رقابهم ، علي نحو ما كانت تؤخذ منهم وهم علي كفرهم ( وفيات الأعيان 311/6 )، إذ أن هؤلاء لما أسلموا ، كتب عمال الحجاج إليه ، بأن الخراج قد انكسر ، وأن أهل الذمة قد اسلموا ، ولحقوا بالأمصار ، فأمر بإخراج أهل القري إلي قراهم ، وأن تؤخذ منهم الجزية علي نحو ما كانت تؤخذ منهم ، وهم كفار ( ابن الأثير 4/ 464 و101/5)، فاجتمع إلي ابن الأشعث ، أهل الكوفة ، وأهل البصرة ، والقراء ، وأهل الثغور والمسالح ، وتضافروا علي حرب الحجاج ( ابن الأثير 469/4 ).

ولما ثار أهل العراق علي الحجاج واحتشدوا لحربه ، استنجد بعبد الملك ، فأمده بجند من أهل الشام ( بلاغات النساء 120) فأنزلهم في بيوت أهل الكوفة ، وهو أول من أنزل الجند في بيوت الناس ( ابن الأثير 482/4 ).

ولما قتل الحجاج ، ابن الأشعث ، قال الحجاج : الآن فرغت لأهل السواد ، فعمد إلي رؤسائهم ، وأهل بيوتاتهم من الدهاقين ، فقتلهم صبرا ، وجعل كلما قتل رجلا من الدهاقين ، أخذ أمواله ، وأضر بمن بقي منهم اضرارا شديدا ، فخربت الأرض ( فتوح البلدان 291).

وكانت عاقبة هذه السياسة الخرقاء ، أن جباية سواد العراق ، وكانت علي عهد الخليفة عمر بن الخطاب ، مائة ألف ألف وثمانية وعشرين ألف ألف درهم ، نزلت في عهد الحجاج ، إلي ثمانية عشر ألف ألف درهم فقط ، ثم ارتفعت في عهد الخليفة عمر بن عبد العزيز إلي مائة ألف ألف وأربعة وعشرين ألف ألف درهم ( احسن التقاسيم للمقدسي 133) فقال عمر بن عبد العزيز : لعن الله الحجاج ، فإنه ما كان يصلح للدنيا ولا للآخرة ، فإن عمر بن الخطاب رضي الله عنه ، جبي العراق ، بالعدل والنصفة ، مائة ألف ألف وثمانية وعشرين ألف ألف درهم ، وجباه الحجاج مع عسفه وجبروته ثمانية عشر ألف ألف درهم فقط ، قال عمر : وها أنا وقد رجع إلي علي

ص: 95

خرابه ، جبيته مائة ألف ألف، وأربعة وعشرين ألف ألف درهم بالعدل والنصفة ( معجم البلدان 178/3 ).

ومما يدل علي عقلية الحجاج الفاسدة ، إنه لما خرب السواد ، من جراء إفراطه في الظلم وفي سوء الجباية ، تخيل أن الانقطاع عن الزراعة ، إنما كان لقلة الماشية التي تعين الفلاحين علي حرث الأرض ، فأصدر أمره بتحريم ذبح البقر فقال الشاعر ( الأغاني 378/16 ).

شكونا إليه راب السواد**** فحرم فينا لحوم البقر

فكنا كمن قال من قبلنا**** أريها السهاوتريني القمر

وسمي الناس سليمان بن عبد الملك ، مفتاح الخير ، لأنه أذهب عنهم سنة الحجاج ، وأخلي السجون ، وأطلق الأسري ( وفيات الأعيان 420/2 ) ، ولما توئي يزيد بن المهلب العراق نظر في نفسه ، وقال : إن العراق قد أخربها الحجاج ، وأنا اليوم رجاء أهل العراق ، ومتي أخذت الناس بالخراج ، وعذبتهم عليه ، صرت مثل الحجاج ، أدخل علي الناس الخراب ، وأعيد عليهم تلك السجون التي قد عافاهم الله منها ( وفيات الأعيان 296/6 و 297) ولما خرج يزيد بن المهلب ، بالعراق، علي الأمويين ، بايعه الناس علي كتاب الله ، وسنة رسوله ، وأن لا تعاد عليهم سيرة الفاسق الحجاج ( وفيات الأعيان 304/6 ).

وليس الحجاج هو الملوم وحده علي سياسته المخربة ، فإن عبد الملك بن مروان ، الذي سلطه علي العراق ، هو الملوم الأول علي ذلك ، فالحجاج سيئة من سيئات عبد الملك ( واسطة السلوك 209) ويحق لعبد الملك أن يحذر من الله تعالي لأن من يكن الحجاج بعض سيئاته ، يعلم أي شيء يقدم عليه ( ابن الأثير 521/4).

وقد كان عبد الملك ، مطلعأ تمام الاطلاع ، علي سياسة الحجاج

ص: 96

المخربة ، وقد كتب اليه مرة يقول : إن رأيك الذي يسول لك أن الناس عبيد العصا ، هو الذي أخرج رحالات العرب إلي الوثوب عليك ، وإذا أخرجت العامة بعنف السياسة ، كانوا أوشك وثوبا عليك عند الفرصة ، ثم لا يلتفتون إلي ضلال الداعي ، ولا هداه ، إذا رجوا بذلك إدراك الثأر منك ، وقد ولي العراق قبلك ساسة، وهم يومئذ أحمي أنوف، وأقرب من عمياء الجاهلية ، وكانوا عليهم أصلح منك عليهم ( العقد الفريد 45/5).

وظلت سيرة الحجاج في الظلم والعسف ، تدور مع التاريخ ، ويتداولها الناس خلفا عن سلف حتي حيكت حولها الروايات، ورتبت بشأنها القصص ، فذكروا أن أعرابية سأله الحجاج : كيف سيرة أميركم الحجاج ؟ فقال ظلوم غشوم ، لا حياه الله ، ولا بياه ، فقال : لو شكوتموه إلي أمير المؤمنين ، فقال الأعرابي : هو أظلم منه وأغشم ، عليه لعنة الله ( الملح والنوادر للحصري 15)

وذكروا إن رجلا رأي في منامة الحجاج بن يوسف ، فقال له ما حالك ؟ فقال له : ما أنت وذاك لا أم لك؟ فقال : سفيه في الدنيا ، سفيه في الآخرة ( المحاسن والمساويء 14/2 .

ووصف الحجاج نفسه ، بأنه : حقود ، حسود ، كنود ، فقال له سيده عبد الملك بن مروان : ما في إبليس شر من هذه الخلال ( نهاية الأرب 267/3)

ولعل أصدق ما وصف به الحجاج ، ما وصفه به سيده عبد الملك بن مروان ، فقد كتب اليه يقول : إنك عبد طمت بك الأمور ، فغلوت فيها، حتي عدوت طورك ، وجاوزت قدرك ، أنسيت حال آبائك في اللؤم والدناءة في المروءة والخلق ، فعليك لعنة الله من عبد أخفش العينين، أسك الرجلين ، ممسوح الجاعرتين ( ابن الأثير 386/4 ) .

ص: 97

وقد عم شؤم الحجاج ، أفراد عائلته من آل أبي عقيل جميعهم ، فإنهم بعد هلاكه، أمر سليمان بن عبد الملك باعتقالهم وسيرهم إلي العراق ، حيث حبسهم صالح بن عبد الرحمن بواسط ، وعذبهم حتي قتلهم ( ابن الأثير 588/4 و 589)، ولما استخلف الخليفة الصالح عمر بن عبد العزيز ، سير الباقين من آل أبي عقيل إلي البلقاء ، وكتب إلي الحارث بن عمر الطائي ، عامله عليها : أما بعد، فقد بعثت إليك بآل أبي عقيل ، وبئس - والله - أهل البيت في دين الله ، وهلاك المسلمين ، فأنزلهم بقدر هوانهم علي الله تعالي ، وعلي أمير المؤمنين ( البصائر والذخائر م 2 ق 2 ص 586).

راجع بقية أخبار الحجاج في الطبري 202/6 ، 320، 380 - 388، 481، 482، 488، و 69/8 وابن الأثير 481/1 ، 359/4 ، 434، 462، 504، و 37/5 ، 51، والأغاني 67/6 ، 68، 145، 192، 201، 206، 246، 75/8 ، والعقد الفريد 174/2، 175، 324، 354، و 477/3 ، 119/4 ، و 119/4 ، و 37/5 ، 38، 46. 48، 55، 57، 59، و العيون والحدائق 19/3 والبيان والتبيين 21/1 ، 22، 193، 29/2 ، 84، وشذرات الذهب 106/1 ، 108، ومروج الذهب 274/2، 291، 295 ، والامتاع والمؤانسة 178/3 ، 182 والمحاسن والمساويء 1/ 100، 220، والمعارف لابن قتيبة 548 والفهرست 202 وتاريخ الخلفاء .179

وفي السنة 72 قامت معركة في كرمان بين الخوارج أصحاب قطري بن الفجاءة ، يقودهم صاحب بن مخارق ، وبين جند البصرة يقودهم عبد العزيز بن عبدالله ، أخو خالد بن عبدالله أمير البصرة ، ومعه مقاتل بن مسمع من قواد البصريين ، فقتل مقاتل وآنفل الجيش ، وأنهزم عبد العزيز ( ابن الأثير 342/4 و 343).

وفي السنة 73 بعث ابن الزبير سليمان بن خالد الأنصاري عاملا علي

ص: 98

خيبر وفدك ، فبعث عبد الملك بن مروان ، عبد الواحد بن الحكم في أربعة آلاف ، فنزلوا وادي القري ، وسير سرية عليها أبو القمقام في خمسمائة إلي سليمان ، فوجدوه قد هرب ، فطلبوه ، فأدركوه ، فقتلوه ومن معه .

واستعمل ابن الزبير جابر بن الأسود الزهري علي المدينة ، فوجه جابر ، أبا بكر بن أبي قيس في ستمائة وأربعين فارسأ إلي خيبر ، فوجدوا أبا القمقام ومن معه بفدك يعسفون الناس ، فقاتلوهم ، فانهزم اصحاب أبي القمقام ، وأسر منهم أسري ، فقتلوا صبرا .

فوجه عبد الملك جيشا بقيادة طارق بن عمرو، وأمره أن ينزل بين ايلة ووادي القري ، فوجه طارق إلي أبي بكر جيشا ، فاقتتل الجيشان ، وقتل أبو بكر ومائتا رجل من أصحابه .

وكان عامل ابن الزبير علي البصرة ، قد بعث ألفي رجل إلي المدينة المعونة ابن الزبير ، فلما قتل أبو بكر ، أمر ابن الزبير جند البصرة ، بأن يسيروا لقتال طارق فقصدوه ، واشتبكوا معه في معركة ، فقتل مقدم البصريين ، وقتل أصحابه قتلا ذريعا ، وطلب طارق مدبرهم ، وأجهز علي جرحاهم ، وقتل الأسري ( ابن الأثير 348/4 و 349).

وقتل مع عبد الله بن الزبير ، عبدالله بن مطيع الكعبي القرشي ، وكان من رجال قريش ، ولي الكوفة لابن الزبير ، وكافح في محاربة الحجاج كفاحا مجيدا ، وكان يحارب وهو يرتجز :

أنا الذي فررت يوم الحرة ****والحر لا يفز إلا مرة

واليوم أجزي فرة بكرة

ولما قتل ، أرسل الحجاج رأسه مع رأسي ابن الزبير وابن صفوان إلي الشام ( ابن الأثير 355/4 والاعلام 282/4 ).

ص: 99

وقتل مع عبدالله بن الزبير في حصار مكة ، أخوه المنذر بن الزبير ، وكان علي بغلة، فصرع عنها ، فقاتل وهو راجل، وهو يقول : ( الاعلام -228/8)

بأبي بنو العوام الأ وردا**** من يقتل اليوم يزود حمدا

وقتل مع عبدالله بن الزبير ، عبدالله بن صفوان بن أمية بن خلف الجحمي ، رئيس مكة وابن رئيسها ، وهو من الشجعان ، وعمارة بن عمرو بن حزم الأنصاري ، من أشراف التابعين ، وقطع الحجاج رأسي عبدالله وعمارة ، وبعث بهما مع رأس ابن الزبير إلي عبد الملك بن مروان ( ابن الأثير 357/4 والاعلام 226/4 و 194/5 ).

أقول : كان عبد الله بن الزبير أول مولود ولد للمهاجرين في المدينة ، فلما ولد كبر المسلمون فرحة به ، ولما قتل كبر أهل الشام فرحا بقتله ، فقال عبدالله بن عمر : انظروا إلي هؤلاء ، يكبرون فرحا بقتله ، ولقد كبر المسلمون فرحا بولادته .

ولما قتل ابن الزبير ، أراد الحجاج أن ينتقم من أخيه عروة بن الزبير ، وكان عروة ، قد قصد عبد الملك بن مروان ، فكتب إلي عبد الملك أن ينفذ عروة اليه ، فقال عبد الملك لبعض أحراسه : انطلق بعروة الي الحجاج ، فقال عروة : يا بني مروان ، ليس الذليل من قتلتموه ، ولكن الذليل من ملكتموه ، وليس بملوم من صبر فمات ، ولكن الملوم من فر من الموت ، فخجل عبد الملك ، وامتنع عن إنفاذه ، وكتب إلي الحجاج : اله عن عروة ، فلن أسلطك عليه ( الاخبار الطوال 314-316 وابن الأثير 356/4 - 358).

وفي السنة 73 قتل أبو فديك عبدالله بن ثور ، الزعيم الحروري ، هزم عدة قواد ، فأمر عبد الملك بن مروان ، عامله علي البصرة عمر بن عبيد

ص: 100

الله بن معمر ، أن يندب اليه الناس ، ويسير إلي قتاله ، فقصده في عشرة آلاف ، فالتقي الجمعان بالبحرين ، واشتبكوا في معركة ضارية ، فقتل أبو فديك واستبيح عسكره ، وحصر أصحابه بالمشقر ، فنزلوا علي الحكم ، فقتل منهم نحو ستة آلاف ، وأسر ثمانمائة ( ابن الأثير 362/4 ).

وكان عبد الملك بن مروان ، قد ولي علي إفريقية حسان بن النعمان الغساني ، لما قتل عامله علي إفريقية زهير بن قيس ، في السنة 69 ، فسار حسان إليها في جيش عظيم لم يدخل إفريقية جيش مثله ، فحصر قرطاجنة وبها من الروم والبربر ما لا يحصي كثرة ، فقتل منهم كثيرا ، وفر الباقون في المراكب ، فدخلها حسان ، فقتل وسبي ونهب ، ثم هدمها، ثم جمع له الروم والبربر في طقورة وبنزرت ، فسار إليهم ، وحاربهم ، واصطلمهم ، ثم قصد ملكة البربر بجبل أوراس وكانوا يسمونها الكاهنة ، اجتمع عليها البربر بعد قتل كسيلة ، فسار اليها ، والتحم الجيشان ، فأسفرت المعركة عن انهزام المسلمين ، وقتل منهم خلق كثير ، وانهزم قائدهم حسان ، وأسرت الكاهنة جماعة كبيرة من المسلمين فأطلقتهم ، وعاد حسان إلي برقة ، واستقر بها خمس سنين ، وفي السنة 74 سير إليه عبد الملك الجنود والأموال ، فسار إلي الكاهنة ، ولما بلغها قدومه ، أحضرت أولادها ، وقالت لهم : إني مقتولة ، فأمضوا إلي ح ان ، وخذوا لأنفسكم أمانة ، فساروا إليه ، والتقي جند المسلمين ، وجند الكاهنة ، واشتد القتال ، فنصر المسلمون ، وانهزم البربر ، وقتلوا قتلا ذريعا ، وانهزمت الكاهنة . وأدركت ، فقتلت ( ابن الأثير 368/4 - 372).

وفي السنة 75 ولي عبد الملك بن مروان ، علي السند، سعيد بن أسلم بن زرعة فخرج عليه معاوية ومحمد ابنا الحارث العلاقيان ، فقتلاه وغلبا علي البلاد ( ابن الأثير 380/4 ) .

ص: 101

معارك الخوارج

وفي السنة 75 ورد الحجاج الثقفي البصرة ، وجند الناس لحرب الخوارج ، وخطب فيهم ، فقال : إن الزيادة التي زادكم ابن الزبير في أعطياتكم ، زيادة فاسق منافق ، ولست أجيزها ، فقام اليه عبدالله بن الجارود العبدي ، فقال : إنها زيادة قد أثبتها لنا أمير المؤمنين عبد الملك ، فكذبه وتوعده ، فخرج ابن الجارود علي الحجاج وتابعه وجوه الناس ، وحاربوا الحجاج ، فقتل ابن الجارود وجماعة من أصحابه ، وبعث الحجاج برؤوسهم إلي المهلب ، إرهابأ للناس ( الطبري 210/6 و 211)

وفي السنة 75 اصطدم جند العراق ، بالخوارج في رامهرمز ، في معركة عنيفة ، فقتل عبد الرحمن بن مخنف قائد جند الكوفة ، وقتل معه أبو الأحوص صاحب عبد الله بن مسعود، وخزيمة بن نصر العبسي، أبو نصر الذي قتل مع الإمام زيد بن علي بن الحسين وصلب معه ( الطبري 211/6 و 212)

وفي السنة 76 خرج صالح بن مسرح ، بدارا ، وكان صالح ناسكا مخبت مصفر الوجه ، صاحب عبادة وكان له أصحاب يقرؤهم القرآن ويفقههم ، ثم جمع اصحابه، وقال لهم : هذا الجور قد فشا ، وهذا العدل قد عفا ، ولا تزداد هذه الولاة علي الناس إلا غلوة وعتوا وتباعد عن الحق ، وجرأة علي الرب ، فاستعدوا وخرج مع مائة وعشرة ، فبعث إليهم محمد بن مروان صاحب أرمينية جيشا يشتمل علي ألف مقاتل ، فهزموه ، فغضب محمد بن مروان ، وبعث إليهم ثلاثة آلاف بقيادة قائدين فالتحموا مع الخوارج في معركة ضارية ، ولما جن الليل انسحب الخوارج قاصدين العراق ، فبعث إليهم الحجاج جيشأ من ثلاثة آلاف محارب بقيادة الحارث بن عميرة، فلاقاه صالح في تسعين رجلا ، وكانت معركة غير متكافئة قتل فيها صالح وعشرون من أصحابه فبايع السبعون الباقون شبيبأ ، فهجم بهم ليلا علي معسكر

ص: 102

الجند العراقي ، فصرع قائده الحارث ، فاحتمله اصحابه وفروا ، وغنم شبيب ما في المعسكر العراقي ، وقصد بأصحابه الكوفة ، وفيها الحجاج ، ثم ارتحل نحو المدائن ، ثم اصعد إلي تكريت ، ثم نزل إلي براز الروز ، وعبر إلي جرجرايا ( الطبري 224/6 - 232).

وفي السنة 76 بعث الحجاج عثمان بن سعيد، الملقب بالجزل ، علي أربعة آلاف ، لقتال شبيب الخارجي ، فطاوله عثمان ، فغضب الحجاج ، وبعث سعيد بن المجالد قائدة بدلا من الجزل ، فتعجل القائد الجديد الإصطدام بالخوارج ، ولم يستمع لنصائح الجزل ، فدخل مع الخوارج في معركة كانت عاقبتها أن قتل سعيد، وانكسر الجيش العراقي ، ودار شبيب في العراق ، وصعد إلي أذربيجان ، ثم عاد إلي حربي ، وجاء فدخل الكوفة ، وفيها الحجاج ، فأغلق الحجاج باب قصره خوفا من شبيب ، وجاء شبيب فضرب علي باب القصر بعمود في يده ، ثم قال يعرض بالحجاج :

وكأن حافرها بكل خميلة**** كيل يكيل به شحيح معدم

عبد دعي من ثمود أصله**** لا بل يقال أبو أبيهم يقدم

واقتحم شبيب المسجد الأعظم بالكوفة ، فقتل فيه عقيل بن مصعب الوادعي ، وعدي بن عمرو الثقفي ، وأبو ليث بن أبي سليم ، وأزهر بن عبدالله العامري ، ومروا بدار حوشب ، وهو علي الشرط ، فنادوه لينزل ، فحذرهم ، وأغلق الباب في وجوههم ، فقتلوا غلامه ، وأخذوا برذونه ، ومروا بالجحاف بن نبيط الشيباني ، فنادوه لينزل فأبي ، وقتلوا ذهل بن الحارث ، وكان زاهدأ مصلا ، ثم خرجوا من الكوفة ، ومروا بالمردمة ، فدخل عاملها الحمام ، فدخل عليه شبيب ، فأخرجه ، وضرب عنقه ، ثم لاقاه النضر بن القعقاع بن شور ، فقال له شبيب : يا نضر ، لاحكم الا الله ، يزيد أن يلقنه ، ليقول مثل قوله فيسلم ، فلم يفهم النضر ، وقال : إنا لله وإنا إليه راجعون ،

ص: 103

فش؛ أصحاب شبيب علي النضر فقتلوه ، فوجه إليه الحجاج زحر بن قيس في ألف وثمانمائة فارس ، فصدمه شبيب ، فصرع زهر ، وهرب أصحابه ، وعاد زحر إلي الحجاج وبوجهه ورأسه بضع عشرة جراحة ، ما بين ضربة وطعنة ( الطبري 233/6 - 243).

وفي السنة 76 ولي عبد الملك بن مروان ، محمد بن موسي بن طلحة ، سجستان ، وبعث به إلي الحجاج ، ليبعث معه بعث يوصله إلي محل عمله، فقال الحجاج : أنت عامل كل بلد مررت به، وهذا شبيب في طريقك ، فحاربه ، فعدل إليه محمد ، فأرسل إليه شبيب : إنك امرؤ مخدوع ، قد اتقي بك الحجاج ، وأنت جاري ، ولك علي حق ، فانطلق لما أمرت به ، ولك الله ، أن لا أوذيك ، فأبي إلا محاربته ، فراجعه شبيب مرارة ، وهو يأبي إلا محاربته ، وبرز للقتال ، فبرز إليه البطين ، ثم قعنب ، ثم سويد ، من رؤساء الخوارج ، فأبي إلا منازلة شبيب ، فبرز إليه شبيب ، وقال له : أنشدك الله في دمك ، فإن لك جوارة ، فأبي إلا قتاله ، فحمل عليه شبيب ، فضربه بعصا من حديد ، فيها أثنا عشر رطلا بالشامي ، فهشم بيضة كانت علي رأسه ، وانهشم رأسه فسقط - فكقنه شبيب ودفنه ، وابتاع ما غنموا من عسكره ، فبعث به إلي أهله ، وقال لأصحابه : إنه جاري بالكوفة ، ولي أن أهب ما غنمت لأهل الردة ( الطبري 247/6 و 248) .

وفي السنة 76 بعث الحجاج جندا من الكوفة ، ستة آلاف محارب ، عليهم عبد الرحمن بن الأشعث ، لمحاربة شبيب الخارجي ، فطاوله عبد الرحمن ، ولم يدخل معه في معركة حاسمة ، فسعي به عثمان بن قطن ، عامل المدائن ، إلي الحجاج ، واتهم عبد الرحمن ، بالإهمال ، فكتب الحجاج إلي عثمان بتأميره علي الجيش وعزل عبد الرحمن ، فقدم عثمان واشتبك مع شبيب وأصحابه في معركة كانت خاتمتها أن قتل عثمان بن قطن ، قائد الجيش ، قتله مصاد أخو شبيب ، وقتل عقيل بن شداد قائد الميسرة ،

ص: 104

ومالك بن عبدالله الهمداني ، وخالد بن نهيك الكندي ، والأبرد بن ربيعة الكندي ، وقتل في المعركة من الجند العراقي ما يزيد علي ألف ، وقتل معظم العرفاء ، وعاد الجيش مفلولا إلي الكوفة ( الطبري 249/6 -255).

وفي السنة 76 بعث الحجاج جندا من الكوفة ، علي رأسهم زائدة بن قدامة ، لحرب شبيب الخارجي ، فدخل زائدة مع شبيب في معركة شديدة ، فقتل القائد زائدة ، وقتل قائد الميسرة بشر بن غالب في نحو خمسين من أصحابه من أهل الصبر ، منهم عروة بن زهير الأزدي ، واستسلم الجيش ، وبايعوا شبيبة ، فأطلقهم ( الطبري 244/6 -246).

وفي السنة 77 استنصر الحجاج بعبد الملك بن مروان ، فبعث إليه جيشأ من ستة آلاف مقاتل، لمحاربة شبيب ، فضم إليهم جيشا من أهل الكوفة يشتمل علي خمسين ألف مقاتل ، وجعل علي الجميع عتاب بن ورقاء أميرة ، فتلاقي مع شبيب بالمدائن ، ومع شبيب ألف رجل، ولكنه دخل المعركة بستمائة منهم ، إذ تخلف عنه أربعمائة ، وحمل شبيب بأصحابه ، فهزم ميسرة الجيش الأموي ، وقتل قائدهم قبيصة بن والق ، ثم حمل علي قائد الجيش عتاب بن ورقاء فقتله ، ووطئت الخيل زهرة بن حوية ، وكان هرم لا يقدر علي القيام ، فأخذ يذب بسيفه وهو جالس ، فضربه الفضل بن عامر الشيباني بسيفه ، فقتله ، ورآه شبيب قتيلا ، فقال : هذا زهرة بن حوية ، والله ، لئن قتل اليوم علي ضلالة ، لرب يوم من أيام المسلمين حسن فيه بلاؤه ، وعظم فيه غناؤه ، ولرب خيل للمشركين هزمها ، وسرية لهم ذعرها، وقتل في المعركة عمار بن يزيد الكلبي ، وأبو خيثمة بن عبدالله ، وانفل العسكر الأموي ، فأحضرهم شبيب ، فبايعوه ، وأطلقهم ، وحوي شبيب ما في المعسكر ، ثم قصد الكوفة ، فوجه الحجاج إليه الحارث بن معاوية الثقفي في ناس من الشرط ، فخرج في نحو ألف رجل ، فصدمه شبيب فقتله ، وعاد أصحابه منهزمين إلي الكوفة ، فأخذ أهل الكوفة بأطراف

ص: 105

السكك ، وجاء شبيب فاستقر بأقصي السبخة ، فأخرج الحجاج مولي له اسمه أبو الورد عليه تجفاف ، وقالوا : هذا الحجاج ، فحمل عليه شبيب فقتله ، ثم أخرج له الحجاج غلامه طهمان في مثل عدة أبي الورد ، وعلي هيأته ، فحمل عليه شبيب فقتله ، فخرج اليه الحجاج في جميع عسكره ، وشاغل شبيب في الحرب ، ثم بعث خالد بن عتاب إلي معسكر شبيب ، فقتل مصادر أخا شبيب، وقتل غزالة امرأة شبيب ، وأحرق معسكره، فكر شبيب راجعة وفك حصاره عن الكوفة ( الطبري 257/6 - 271)

. أقول : لما حمل شبيب علي طهمان ، حاسبة أنه الحجاج ، وضربه ، قال لما سقط : آخ ( بالخاء ) فقال شبيب : قاتل الله ابن أم الحجاج ، اتقي الموت بالعبيد ، ذلك إن العرب تقول عند التأوه ( آح ) بالحاء المهملة ( شرح نهج البلاغة 4/ 270).

وفي السنة 77 بعث الحجاج جندا من الكوفة ثلاثة آلاف بقيادة سفيان بن الأبرد ، وجندا من البصرة أربعة آلاف بقيادة زياد بن عمرو العتكي ، المحاربة شبيب ، فاجتمعوا بجسر دجيل، واشتبكوا وشبيب في معركة ضارية ، وتتاركوا لحلول الظلام ، وجاء شبيب ليعبر الجسر ، فنزل حافر فرسه علي حرف سفينة الجسر ، فسقط في الماء ، فأرتس، ثم ارتفع وهو يقول : ذلك تقدير العزيز العليم ، واحتواه الماء فغرق ، وانفل أصحابه ( الطبري 282-279/6)

وفي السنة 77 أعلن مطرف بن المغيرة بن شعبة ، وكان عام علي المدائن ، خلع عبد الملك بن مروان والحجاج ، وبايعه علي ذلك قوم ، وخرج يريد حلوان ، ثم عبرها ونزل قم وقاشان وإصبهان ، فبعث اليه الحجاج جندة ستة آلاف ، فاشتبكوا وأصحاب مطرف في معركة عنيفة ، وقاتل مطرف حتي قتل ، وقتل معه جماعة من أصحابه ، من الزهاد الأخيار ( الطبري 299-284/6)

ص: 106

وفي السنة 77 قتل أمير الخوارج قطري بن الفجاءة ، وأحد كبارهم عبيدة بن هلال ، وأمير من أمرائهم عبد ربه الكبير ، ومعهم كثير من أصحابهم ، وذلك إن الخوارج اختلفوا علي قطري ، فانخزل عنه منهم جماعة بايعوا عبد ربه الكبير ، فقصد قطري وأصحابه طبرستان ، فبلغ الحجاج ذلك ، فرد عليه جيشا عظيما من أهل الشام ، وجعل قائدهم سفيان بن الأبرد ، وكتب إلي جيش الكوفة بطبرستان ، أن ينضم إلي جيش سفيان ، فتقابلوا في شعب من شعاب طبرستان ، واقتتلوا ، فسقط قطري عن فرسه ، وقد هوي في الشعب ، فرموه بالحجارة ، واندفع اليه نفر من أهل الكوفة ، فقتلوه ، أما عبد ربه وأصحابه، فأقام بكرمان ، فحاربه المهلب ، فقتل عبد ربه ، وقتل أكثر أصحابه ، ولم ينج منهم إلا القليل ، وبقتل قطري وعبيدة بن هلال، ضعف أمر الخوارج ، وكان أمرهم قد اتصل بضعة وعشرين سنة ، وأول رؤسائهم نافع بن الأزرق ، وآخرهم قطري بن الفجاءة وعبيدة بن هلال ( الطبري 308/6 -311) وابن الأثير 437/4 - 443).

أقول : كان عبيدة بن هلال من متألهي الخوارج ، وشعرائهم ، وخطبائهم ، راجع في هذا الكتاب رأيه في الفرزدق وجرير في الباب الأول : الشتيمة ، الفصل الأول : الشتيمة مع ذكر اسم الله ، في بحث : لعنه الله .

معركة دير الجماجم ومسكن

وفي السنة 79 غزا عبيد الله بن أبي بكرة عامل سجستان ، رتبيل ملك الترك ، فانسحب رتبيل أمام جيش المسلمين ، حتي إذا أوغلوا في بلاده ، أطبق عليهم من كل جانب ، وأخذ الترك عليهم الدروب ، فصالحهم عبيد الله علي سبعمائة ألف درهم ، يؤديها إلي رتبيل علي أن يمكن جيش المسلمين من الخروج من أرضه ، فقال له شريح بن هانيء ، وهو من أصحاب الإمام علي إني بلغت من العمر طويلا، وقد كنت أطلب الشهادة منذ زمان ، وإن

ص: 107

فاتتني اليوم فلن أدركها حتي أموت ، ثم صاح : يا أهل الإسلام ، تعاونوا علي عدوكم ، من أراد الشهادة فإلي ، فأجابه قليل من المتطوعة ، وسار معه أهل الحفاظ وفرسان الناس ، فقاتلوا ، فقتل هانيء ، وقتل جماعة من أصحابه ، ونجا الباقون فخرجوا إلي دار الإسلام ( ابن الأثير 4/ 450 و 451)

ولما بلغ الحجاج ذلك ، بعث في السنة 80 جيش من أربعين ألف مقاتل ، عشرين ألفا من البصرة ، ومثلهم من الكوفة ، وأمر عليهم عبد الرحمن بن محمد بن الأشعث ، فقصد بهم سجستان ، فانضم اليه جيش سجستان ، وحارب رتيبل ، وفي السنة 81 ألح عليه الحجاج في مناجزة رتيل ، فإن لم يناجزه فهو معزول ، فأعلن عبد الرحمن خروجه علي الحجاج، وصالح رتبيل علي أن ابن الأشعث إذا ظهر فلا خراج علي رتيبل أبدأ ما بقي ، وإن هزم فأراد ، الجاه عنده ، وأقبل عبد الرحمن يسير بالناس عائدة لحرب الحجاج ، وجاء حتي نزل البصرة ، وجاءه الحجاج بجند من الشام ، فاشتبك الجيشان في معركة ضارية، قتل فيها كثير من أصحاب ابن الأشعث ، من القراء والزهاد ، وانفل جيش عبد الرحمن ابن الأشعث ، فقصد الكوفة ودخلها ، وطرد منها جند الشام ، وانضاف اليه مع أهل الكوفة ، أهل البصرة ، وقصده الحجاج من البصرة ، فخرج إليه ، والتقي الجيشان في دير الجماجم ، ومع ابن الأشعث أهل الكوفة ، وأهل البصرة ، وأهل الثغور والمسالح ، والقراء من المصرين ، اجتمعوا جميعا علي قتال الحجاج ، وعدد من يأخذ العطاء منهم مائة ألف مقاتل، ومعهم مثلهم من مواليهم ، فبعث اليهم عبد الملك بن مروان أخاه محمد ، وابنه عبدالله ، فعرض علي ابن الأشعث أن يعزل عنهم الحجاج ، ولابن الأشعث أي بلد من العراق ( أي البصرة أو الكوفة ) يكون عليه واليا ما دام حيا وعبد الملك واليا ، ومال عبد الرحمن بن الأشعث إلي القبول ، ولكن جند العراق ، أبوا

ص: 108

ذلك ، وقالوا بخلع عبد الملك بن مروان مع الحجاج ، والتحم الجيشان في السنة 83 في معركة دير الجماجم ، فقتل رأس

كتيبة القراء جبلة بن زحر ، وكان من النشاك الزهاد ، شجرة الشاميون بالرماح ، فأذروه عن فرسه ، فوقع قتيلا ، وجزع عليه أصحابه من القراء مع ابن الأشعث ، ولما انتهت معركة دير الجماجم بانتصار الحجاج ، فتك في جيش ابن الأشعث فتكأ ذريعأ ، وجلس يبايع الباقين من أصحاب ابن الأشعث ، وكان لا يبايعه أحد الأ سأله : أتشهد أنك كفرت بخروجك علي ؟ فإن أقر بالكفر بايعه ، وإلا قتله ، وقتل منهم أحد عشر ألفأ غدرة ، خدعهم بالأمان ، حتي إذا اجتمعوا إليه ، أمرهم بوضع أسلحتهم ، ثم قتلهم بأجمعهم ( الطبري 322/6 - 359 ) وقد أثبتنا هذا الخبر في القسم الثالث ( القتل غدر ) من الفصل الأول ( القتل بالسيف ) من الباب الحادي عشر ( القتل ) فراجعه هناك .

ومن بعد معركة دير الجماجم ، وقعت معركة مسكن ، بين جند الحجاج ، وجند ابن الأشعث ، فقتل زياد بن غنيم القيني من أصحاب الحجاج ، وقتل من أصحاب ابن الأشعث ، أبو البختري الطائي ، وعبد الرحمن بن أبي ليلي ، ومشي بسطام بن مصقلة الشيباني ، في أربعة آلاف من أهل الحفاظ ، من أصحاب ابن الأشعث ، فكسروا جفون السيوف ، وقاتلوا قتالا شديدا ، فقتل قسم عظيم منهم ، وأخذ منهم بكير بن ربيعة ، فقتله الحجاج ( الطبري 366/6 و 367).

وفي السنة 85 قتل توبة بن الحمير العقيلي العامري، صاحب ليلي الأخيلية، قتل في إحدي غزواته ، قتله بنو عوف بن عقيل ( الاعلام 73/2 و 74)

وفي السنة 85 قتل موسي بن عبدالله بن خازم ، وكان من رجالات العرب ، قاتل مع أبيه ، ثم خرج يسير في بلاد خراسان ، فاستولي علي ترمذ، وحصره العرب والترك ، فلم يقدروا عليه ، وأقام في حصنه خمس

ص: 109

عشرة سنة ، وصار ما وراء النهر لموسي لا يعاره فيه أحد، وفي السنة 80 بعث المفضل بن المهلب عامل خراسان، عثمان بن مسعود ، وأمره بمحاربة موسي ، فخرج في جيش ، واستعان بالترك وطرخون ، فحصروا موسي مدة طويلة ، وخرج إليهم مرة يقاتلهم ، فعثر فرسه فسقط، ثم عاد فوثب علي فرسه ، فصاح عثمان : وثبة موسي ورب الكعبة ، وعادت فرس موسي فعثرت، فسقط عنها ، فانطووا عليه ، فقتلوه ، فجاء رجل من الجند ، فضرب ساق موسي ، فلما ولي قتيبة ، أخبر بذلك، فأحضره ، وقال له : ما حملك علي ما صنعت بفتي العرب بعد موته ؟ قال : كان قتل أخي ، فأمر به قتيبة ، فقتل بين يديه ( الطبري 409/6 - 412).

وفي السنة 87 غزا قتيبة بيكند ، وهي أدني مدائن بخاري إلي النهر ، فلما نزل بهم استنصروا الصغد ، واستمدوا من حولهم ، فأتوهم في جمع كثير ، وأخذوا الطرق علي قتيبة ، فانقطعت الأخبار عنه شهرين ، وهم يقتتلون في كل يوم ، وكان لقتيبة عين من العجم اسمه تندر ، أعطاه أهل بخاري مالا ليرد عنهم قتيبة ، فأتاه فقال له سرا : إن الحجاج قد عزل ، وقد أتي عامل الي خراسان ، فلو رجعت بالناس ، فأمر به فقتل ، خوفا من أن يظهر الخبر فيهلك الناس ، ثم أمر أصحابه ، بالجد في القتال ، فقاتلهم قتا شديدا ، فانهزم الكفار، وقتل منهم مقتلة عظيمة ، وتحصنوا في المدينة ، وسألوه الصلح ، فصالحهم ، واستعمل عليهم عام ، وارتحل يريد الرجوع فلما سار خمسة فراسخ نقضوا الصلح وقتلوا العامل ومن معه ، فرجع قتيبة وحصرهم ، فسألوه الصلح فأبي ودخل المدينة عنوة وقتل من كان بها من المقاتلة ( ابن الأثير 528/4 و 529).

وفي السنة 89 قتل داهر ملك السند ، قتله محمد بن القاسم الثقفي في معركة فاصلة ، وكان محمد قد استعمله الحجاج علي السند ، وسيره مع ستة آلاف مقاتل مجهزين بجميع ما يحتاجون إليه ، فقصد السند عن طريق

ص: 110

مكران ، وفتح في طريقه قزبور ، وارمائيل ، والديبل ، والبيرون ، وسربيدس ، وسهبان ، وسدوستان ، ثم التقي وداهر ، وكان داهر علي فيل وحوله الفيلة ، فاقتتلوا اقتتالا شديدا ، فقتل داهر ، وانهزم جيشه ، وقال الذي قتل داهر :

الخيل تشهد يوم داهر والقنا ****ومحمد بن القاسم بن محمد

أني فرجت الجمع غير مصرد**** حتي علوت عظيمهم بمهند

فتركته تحت العجاج مجدلا **** متعفر الخدين غير مود

ثم أتم محمد فتح السند ( ابن الأثير 536/4 - 539).

وفي السنة 90 فتح قتيبة بن مسلم بخاري ، ولما حصرها بجيشه ، استجاش صاحبها وردان خداه ، الصغد والترك ، فأتوه ، وقاتلوا اشد قتال ، ثم صالحوه فعاد عنهم ، فغدر نيزك ونقض العهد بينه وبين قتيبة ، فقصده قتيبة ، وحصره ، ثم بعث اليه من خدعه حتي أحضره بغير أمان ، فقتله بيده ، وأمر بقتل ابن أخيه ، وصول طرخان ، وقتل من أصحابه سبعمائة ( ابن الأثير 542/4 - 552).

وفي السنة 91 غزا قتيبة شومان وكش ونسف ، وكان ملك شومان طرد عامل قتيبة من عنده ، فبعث اليه قتيبة رسولين احدهما عربي اسمه عياش ، والآخر من أهل خراسان ، يدعوان ملك شومان الي الإلتزام بالعهد الذي قطعه علي نفسه مع قتيبة ، فخرج أهل شومان إليهما ، فرموهما ، فانصرف الخراساني ، وقاتلهم عياش ، فقتلوه ، ووجدوا به ستين جراحة ، فسار إليهم قتيبة ، وحصر حصنهم ، فلما أيس ملك شومان من الخلاص ، جمع ما كان بالحصن من مال وجوهر ، ورمي به في بئر بالقلعة ، لا يدرك قعرها ، ثم خرج إليهم فقاتل حتي قتل ، ثم فتح كش ونسف وفارياب ، وقصد الصغد فصالحه ملكها طرخون ودفع إليه رهنا ، وعاد قتيبة (ابن الأثير 553/4 و 554)

ص: 111

وفي السنة 92 غزا طارق بن زياد الأندلس في اثني عشر ألفا ، وقتل ملكها لذريق في معركة فاصلة ، وبعث فصائل من جيشه، ففتح قرطبة وغرناطة وما لقه وتدمير ، وقصد طليطلة فاستولي عليها .

وفي السنة 93 دخل موسي بن نصير ، أمير إفريقية والمغرب ، الأندلس ، وسار من طريق غير الطريق الذي سلكه مولاه طارق ، ففتح عدة مدن ، منها قرمونة ، وإشبيلية ، وماردة ، وباجة ، وسرقسطة ، ووصل إلي جيليقية ، واستخلف علي الأندلس ولده عبد العزيز ، وعاد فعبر البحر إلي سبتة ( ابن الأثير 556/4 - 567 ).

وفي السنة 93 غزا قتيبة خوارزم ، بطلب من ملكها خوارزم شاه ، وكان أخوه خرزاد قد غلبه علي السلطة ، وكثر تعدية علي الناس ، فكتب خوارزم شاه إلي قتية يدعوه لفتح خوارزم ، علي أن يسلم إليه أخاه ، وأن يعينه علي خصمه ملك خام جرد ، فغزا قتيبة خوارزم وصالحه ملكها علي فدية ، وأسلم إليه أخاه وأصحاب أخيه فقتلهم ، ثم غزا قتيبة خام جرد ، ففتحها ، وقتل ملكها ، ثم سار إلي سمرقند ، فاستجاش له الصغد جميع جيرانهم ، فاجتمع عليه ملك الشاش ، وخاقان ، وأخشيد فرغانة ، فحصرهم قتيبة ، وقتل منهم جماعة ، فصالحوه ، واشترط عليهم أن يدخل سمرقند فيصلي ويتغذي ويخرج ، فلما دخل ، قال لهم : لست خارجا منها، واستقر فيها ، فقال الناس : غدر قتيبة بأهالي سمرقند ( ابن الأثير 571/4 - 573 ).

أقول : لما استخلف الخليفة الصالح عمر بن عبد العزيز ، تظلم إليه أهالي سمرقند ، وشكوا اليه أن قتيبة غدر بهم ، إذ دخل سمرقند علي أن يخرج منها ، فمكث فيها وأخرجهم من أرضهم ، فأحالهم عمر الي القاضي ، فأقاموا لديه البينة علي مدعاهم ، فأصدر القاضي حكمه ، بأن يخرج الجيش من سمرقند ، وأن يعادوا إلي حالتهم الأولي التي كانوا عليها قبل غدر قتيبة ،

ص: 112

ثم تجري المراجعة بينهم ، فإما حرب وإما صلح ، فاقر السمرقنديون الصلح ( الطبري 568/6 ).

وفي السنة 95 خلع الحارث بن سريج بخراسان ، ولبس السواد ، ودعا إلي كتاب الله وسنة نبيه ، فخرج إليه نصر بن سيار في عشرة آلاف ، والحارث في أربعة آلاف ، فدعاهم الحارث إلي الكتاب والسنة ، فقال له قطن بن عبد الرحمن الباهلي : يا حارث ، أنت تدعو إلي الكتاب والسنة ، والله ، لو أن جبرائيل عن يمينك ، وميكائيل عن يسارك ، ما أجبتك ، فقاتلهم ، فأصابت قطن رمية في عينه ، فكان أول قتيل ( الطبري 95/7 و 97 ).

وفي السنة 96 فتح قتيبة كاشغر ، وأوغل حتي بلغ قريب الصين ، وكان يبعث طلائعه من فرسان الناس ، ومعهم من العجم من يستنصحه ، وإذا بعث طليعة بعث معه بنصف لوح منقوش ، وأبقي النصف الثاني عنده ، ويأمر الطليعة بأن يدفن النصف في موضوع يعينه له ، ثم يبعث بعد سفر الطليعة من يستخرجه من المحل الذي دفن فيه ، ليعلم أصدقت الطليعة أم لا ( ابن الأثير 8- 5/5)

وفي السنة 96 قتل قتيبة بن مسلم ، أمير خراسان ، وقتل معه أحد عشر رجلا من أهل بيته ، من بني مسلم ، منهم سبعة من صلب مسلم ، وأربعة من بني أبنائهم ، قتلوا في معركة غير متكافئة ، بين قتيبة وأهل بيته في جهة ، وبين الجند بقيادة وكيع بن أبي سود في الجهة الأخري ، وسبب ذلك : أن الوليد بن عبد الملك كان قد رغب في تنحيه أخيه سليمان بن عبد الملك عن ولاية العهد ، ومبايعة ولده عبد العزيز ، ومالأه علي ذلك كبار عماله ، ومنهم الحجاج وقتيبة بن مسلم ، فلما مات الوليد ، واستخلف سليمان ، أدرك قتيبة إنه سوف يلاقي من سليمان يوما عصيبا ، فأثران يتغذي بسليمان قبل أن يتعشي به ، فأعلن خلع سليمان ، فلم يؤيده الجند ، وحاربوه ، وقتلوه وجماعة من اهل بيته ، راجع القصة مفصلة في هذا الكتاب ، في الباب الأول :

ص: 113

الشتيمة ، الفصل الرابع ، القسم الثاني « مجموعة ألفاظ في الشتمية » .

وفي السنة 98 كان عبد الله بن معمر اليشكري ، يلي قهستان ليزيد بن المهلب أمير خراسان ، فثار عليه أهلها، وحاربوه ، فقتلوه ، وقتلوا معه جنده ، وكانوا أربعة آلاف ( الاعلام 284/3 ) ، فغزا يزيد بن المهلب جرجان وطبرستان ، وفي احدي المعارك خرج محمد بن أبي سبرة الجعفي فبارز تركيا قد صد الناس عنه ، فاختلفا ضربتين ، فثبت سيف التركي في بيضة ابن سيرة ، وضربه ابن أبي سبرة ، فقتله ، ثم أقبل وسيفه في يده يقطر دمة ، وسيف التركي في بيضته ، فنظر الناس إلي أحسن منظر رأوه من فارس ، ونظر يزيد إلي ائتلاف السيفين والبيضة والسلاح ، فقال : من هذا ؟ فقالوا : ابن أبي سبرة ( الطبري 33/6 ه ) ، ثم إن يزيد بن المهلب صالح صاحب طبرستان وقصد صولا التركي ، صاحب جرجان ، فصدمه صدمة عنيفة ، فصالحه عن نفسه وماله وثلثمائة من أهله وخاصته ، فأجابه يزيد، وخرج صول بماله وبثلثمائة ممن أحب ، فقتل يزيد من الأتراك أربعة عشر ألفا ، وأطلق الباقين ، وأعطي يزيد الجند أرزاقهم من الغنائم التي غنمها ، وأصاب يزيد بها تاجأ فيه جوهر ، فقال : أترون أن أحدأ يزهد في هذا ؟ قالوا : لا ، فدعا محمد بن واسع الأزدي ، فقال له : خذ هذا التاج ، قال : لا حاجة لي به ، فقال له : عزمت عليك ، فأخذه وخرج ، فلقي سائلا ، فدفعه إليه ، فأحضر يزيد السائل ، واستعاد منه التاج ، وعوضه عنه مالأ كثيرة ( ابن الأثير 29/5 - 36 ).

وفي السنة 101 خرج شوذب ، واسمه بسطام من بني يشكر، في ثمانين رجلا، فكتب عمر بن عبد العزيز إلي عامله علي الكوفة ، أن لا يحركهم إلا إذا سفكوا دم أو أفسدوا في الأرض ، وكتب عمر إلي شوذب ، طلب فيه منه أن يبعث إليه من يناظره ، فبعث إليه شوذب اثنين من أصحابه ، أحدهما حبشي اسمه عاصم ، والآخر من بني يشكر ، فقدما علي

ص: 114

عمر بخناصرة ، وجرت بينهم محاورة ، دلت علي مقدار ما كان يتحلي به عمر من فضل ومعرفة وعدل ، راجعها مفصلة في أبن الأثير 49/5 و 50 ، فقال له أحدهما وهو عاصم : أشهد أنك علي حق ، وأقام عنده ، أما اليشكري فقال له : ما أحسن ما ذكرت ، ولكني أعود إلي أصحابي فأعرض عليهم ما قلت وأعلم حجتهم ، وذهب ، فتوفي عمر بعد ذلك بأيام ( ابن الأثير 45/5 - 48) فلما توفي عمر ، أمر عامل الكوفة أحد قواده أن يهاجم شوذبة ، فتأهب المهاجمته ، فقال الخوارج : قد مات الرجل الصالح ، فاقتتلوا ، فانتصر شوذب ، وفر جيش الكوفة ، وجرح قائدهم محمد بن جرير في أسته ، ثم وجه يزيد بن عبد الملك إلي شوذب ، تميم بن الحباب في ألفين ، فقتلوه وقتلوا أصحابه ، فأرسل إليهم يزيد نجدة بن الحكم الأزدي في جيش ، فقتلوه وقتلوا أصحابه ، ثم وجه إليهم الشحاج بن وداع في ألفين ، فقتلوه وهزموا أصحابه ، ( ابن الأثير 68/5 - 70 ) فلما قدم مسلمة الكوفة لمحاربة يزيد بن المهلب الذي خرج بالبصرة ، شكا إليه أهل الكوفة مكان شوذب ، وخوفهم منه ، وما قتل منهم ، فبعث إليه سعيدا الحرشي في عشرة آلاف ، فرأي شوذب ما لا طاقة له به ، فقال لأصحابه : من كان يريد الله فقد جاءته الشهادة ، ومن كان يريد الدنيا فقد ذهبت الدنيا ، وإنما البقاء في الدار الآخرة ، وكسروا أغماد سيوفهم ، وحملوا ، فكشفوا سعيد الحرشي وأصحابه مرارا ، حتي خاف سعيد الفضيحة ، وذمر أصحابه ثم هجم بهم ، فطحنهم طحنا ، وقتلوا جميعا ( الطبري 575/6 - 578 ) .

وفي السنة 102 أقبل كورصول ، عظيم الترك ، وحصر قصر الباهلي ، فصالح أهل القصر الترك علي أربعين ألفا ، وأعطوهم سبعة عشر رجلا رهينة ، ولما بلغ المسلمين ذلك ، ندب عثمان بن عبد الله الناس ، فانتدب له المسيب بن بشر الرياحي ، ومعه أربعة آلاف ، وكان كلما تقدم نحو القصر ، انصرف عنه بعض من معه ، حتي انصرف عنه ألف وثلثمائة ، وسار

ص: 115

بالباقين فرسخا، فانصرف عنه ألف آخر ، ثم سار فرسخا آخر ، فانصرف عنه ألف ، حتي إذا كان علي فرسخين من القوم ، أخبروه بأن الترك قد قتلوا الرهائن الذين كانوا في أيديهم من المسلمين ، فوصلوا إلي القصر وكان من فيه قد أزمعوا علي قتل النساء والأطفال ، ثم يخرجون مستقتلين حتي يموتون ، فأمرهم المسيب بالصبر ، ثم جمع أصحابه وكانوا سبعمائة ، وأثار حماستهم ، وذمرهم ، فثاروا في السحر ، وهاجموا الترك ، وأبلي رجال من المسلمين ترجلوا وقاتلوا منهم البختري أبو عبد الله المرائي ، قاتل حتي قطعت يمينه ، فأخذ السيف بشماله فقطعت ، فجعل يذب بيديه حتي استشهد ومنهم محمد بن قيس الغنوي ، وزياد الأصبهاني ، ومعاوية بن الحجاج ، وثابت قطنة ، ضرب عظيمة من عظمائهم فقتله ، ونادي منادي المسيب لما انهزم الترك : لا تتبعوهم ، وأقصدوا القصر فاحملوا من لا يقدر علي المشي ممن فيه ، وقال لهم : من حمل امرأة أو صبية أو ضعيفا فأجره علي الله ، ومن أراد الأجر ، فله أربعون درهما ، وإن كان في القصر أحد من أهل عهدكم ( أي ذمي ) فاحملوه ، وانتهي رجل من فقيم إلي امرأة ، فقالت له : أغثني أغاثك الله ، فوقف وقال لها : دونك وعجز الفرس ، فوثبت فإذا هي علي عجز الفرس ، فإذا هي أفرس من رجل، وتأخر عنهم هلال الحريري ، فحملوه وبه بضع وثلاثون جراحة ، فبرأ ، ثم أصيب يوم الشعب مع الجنيد ، وعور في تلك الليلة أبو سعيد معاوية بن الحجاج الطائي ، وشلت يده ، وقد كان ولي لسعيد ولاية ، فبقي عليه شيء ، فدفعه سعيد إلي شداد بن خليد الباهلي ليحاسبه ويستأديه ، فضيق عليه شداد ، فقال : يا معشر قيس ، سرت إلي قصر الباهلي وأنا شديد البطش، حديد البصر، فعورت ، وشلت يدي ، وقاتلت مع من قاتل حتي استنقذناهم بعد أن أشرفوا علي القتل والأسر والسبي، وهذا صاحبكم يصنع بي ما يصنع، فكفوه عني، فخلاه ( الطبري 607/6 -612) .

ص: 116

معركة العقر

وفي السنة 102 قتل يزيد بن المهلب ، واصحابه في معركة العقر ، وذلك إن يزيد بن المهلب ، كان قد ولي خراسان لسليمان بن عبد الملك ، ففتح جرجان ، وكتب إلي سليمان بخبر الفتح ، وذكر أنه قد حصل عنده من الخمس ستمائة ألف ألف ، فقال له كاتبه المغيرة بن أبي قرة : لا تكتب بتسمية مال ، فإنك من ذلك بين أمرين ، إما طالبك بحمله إليه ، وإما أعطاكه ، فلا تجيئه من بعد ذلك هديه منك إلا استقلها ، ويبقي ذكر المال مخلدا في دواوينهم ، فإن ولي وال بعده أخذك به ، فلم يقبل يزيد، وأمره بإمضاء الكتاب ، فلما توفي سليمان ، وخلفه عمر بن عبد العزيز ، أرسل إلي يزيد فأحضره ، وطالبه بالمال الذي أقر به في كتابه إلي سليمان ، فقال له يزيد : كنت من سليمان بالمكان الذي رأيت ، وإنما كتبت إلي سليمان لأسمع به الناس ، وقد علمت أن سليمان لم يكن ليأخذني به ، فقال له عمر : لا أجد في أمرك إلا حبسك ، فاتق الله وأد ما قبلك ، فإنها حقوق المسلمين ولا يسعني تركها ، وحبسه حتي يؤدي ، فلم يزل محبوسا ، حتي اشتد مرض عمر بن عبد العزيز ، فخاف يزيد أن يقتله يزيد بن عبد الملك إذا ولي الخلافة، ففر من سجن عمر ، وكان سبب خوفه من يزيد ، أن سليمان بن عبد الملك لما ولي الخلافة ، طلب جميع رهط الحجاج ، من آل أبي عقيل ، وسلمهم إلي يزيد بن المهلب ، وكان أمير العراق ، ليستخلص منهم أموالهم ، فعذبهم ، وأمر بأموال الحجاج وعياله ، وكانوا بالبلقاء من أعمال دمشق ، فنقل الخزائن والعيال إليه ، وكان فيمن أتي به أخت لأم الحجاج زوجة يزيد بن عبد الملك ، وهي بنت أخي الحجاج محمد بن يوسف الثقفي ، فعذبها يزيد فيمن عذب ، فجاء يزيد بن عبد الملك ، إلي يزيد بن المهلب ، فشفع فيها ، فلم يشفعه ، فقال له : الذي قررتم عليها أنا أحمله ، فأبي يزيد ، فقال لابن المهلب : والله ، لين وليت من الأمر شيئأ لأقطعن منك

ص: 117

عضوا ، فقال له يزيد : وأنا - والله - لئن كان ذلك الأرمينك بمائة ألف سيف ، فحمل يزيد بن عبد الملك ، ما كان عليها ومقداره مائة ألف دينار، فأداه ، وحقدها علي يزيد ، فلما اشتد مرض عمر ، فر يزيد من السجن وكتب إلي عمر كتاب يقول فيه ، إني - والله - لو وثقت بحياتك لم أخرج من محبسك ، ولكني خفت أن يلي يزيد فيقتلني شر قتلة ، فلما ولي يزيد أمر باعتقال جميع آل المهلب فحبسهم أمير البصرة ، وفيهم المفضل وحبيب ومروان بنو المهلب ، ولما وصل يزيد إلي البصرة ، اختلف الناس إليه ، فجمع جمعا واستولي علي البصرة ، وواسط ، فجهز إليه يزيد بن عبد الملك جيشا من سبعين ألف مقاتل بقيادة أخيه مسلمة بن عبد الملك وإبن أخيه العباس بن الوليد بن عبد الملك ، فسار يزيد عن واسط حتي نزل العقر ، وقد أحصي ديوانه مائة وعشرين ألفا ، والتحم العسكران في معركة طاحنة ، فقتل يزيد بن المهلب وقتل قبله أخوته حبيب ، ومحمد ، والسميدع ، وأنهزم الناس، وكان معاوية بن يزيد بن المهلب بواسط، ولديه أسري محبسين ، فلما بلغه خبر قتل أبيه ، أخرجهم من الحبس ، اثنين وثلاثين أسيرة ، فضرب أعناقهم ، منهم عدي بن أرطاة أمير البصرة ، ومحمد ولده ، ومالك وعبد الله ابنا مسمع وآخرون ، ولما قتل يزيد ، اجتمع آل المهلب بالبصرة ، وأعدوا لهم السفن البحرية ، وحملوا فيها عيالاتهم وأموالهم ، ولججوا في البحر ، حتي إذا كانوا بحبال كرمان ، نزلوا من السفن ، وحملوا عيالاتهم وأموالهم علي الدواب ، فبعث مسلمة بن عبد الملك جيشا في طلبهم ، فأدركهم في عقبة كرمان ، فقاتلوه ، فقتل المفضل بن المهلب ، والنعمان بن ابراهيم بن الأشتر ، ورث كره بني أميه عن أبيه ابراهيم وجده مالك الأشتر ، ومحمد بن اسحاق بن محمد بن الأشعث ، وجرح أخوه عثمان جراحة شديدة ، وهرب إلي حلوان ، ودل عليه فقتل ، ومضي الباقون من آل المهلب حتي بلغوا قندابيل ، فلحق بهم جند بعث بهم مسلمة فاشتبكوا معهم في معركة ضارية فقتلوا عن آخرهم ، وحملت رؤوسهم ، وفي أذن كل واحد منهم رقعة فيها اسمه ،

ص: 118

ولحق أبو عيينة بن المهلب وعمر بن يزيد بن المهلب وعثمان بن المفضل بن المهلب بخاقان ورتبيل ، وحمل تسعة أحداث من أولاد بني المهلب إلي يزيد بن عبد الملك ، فضرب أعناقهم ، وهو تصرف بادي الخزاية ولكنه غير مستغرب من يزيد ، ولما أحضر هؤلاء الأحداث في مجلسه ، كان عنده كثير عزة ، فأنشده ابيات سل فيها سخيمته ، قال :

حليم إذا مانال عاقب مجملا**** أشد العقاب أو عفالم يثرب

فعفوأ أمير المؤمنين وحسبة ****فما تأته من صالح لك يكتب

أساءوا فإن تصفح فإنك قادر**** وأفضل حلم حسبة حلم مغضب

فأبي يزيد أن يعفو عنهم ، وأمر بهم فضربت أعناقهم في مجلسه ، وبقي غلام صغير ، فقال : اقتلوني معهم ، فما أنا بصغير ، فقال : انظروا اهل أنت ؟ فقال : أنا أعلم بنفسي ، فقد احتلمت ، فأمر به يزيد فقتل ( الطبري 578/6 - 602 وابن الأثير 5 / 34 - 89).

وتصرف مسلمة بن عبد الملك ، تصرفة مخزية كذلك ، فإنه سبي نساء آل المهلب ، وأصر علي أن يبيعهم بيع الرقيق ، فاشتراهم الجراح بن عبد الله الحكمي بمائة ألف درهم وأطلقهم ، ولم يأخذ مسلمة منه شيئا .

قال كثير عزة : ضحي بنو أمية بالدين يوم ألطف ، وبالكرم يوم العقر .

وفي السنة 102 قتل في معركة مع الإفرنج بالأندلس ، الأمير السمح بن مالك الخولاني ، في وقعة البلاط ، وكانت قرطبة عاصمة إمارته وهو الذي بني قنطرتها ( الاعلام 203/3 ).

وفي السنة 104 غزا الحرشي الصغد ، فحصرهم في خجندة ، وجرت علي بابها معركة ضارية ، فانكسر الصعد، وطلبوا الصلح ، فصالحهم علي أن لا يحدثوا حدثأ ، فان أحدثوا حلت دماؤهم ، ثم بلغ الحرشي أن امرأة مسلمة قتلت ، فأحضر قاتلها فقتله ، فقتل الصغد مائة وخمسين رجلا من

ص: 119

المسلمين كانوا عندهم أسري ، فانتقض الصلح ، وقاتل الصغد بالخشب ، فقتل منهم ثلاثة آلاف ، ثم توجه إلي حصن تحصن به دوشتي ، دهقان سمرقند ، فنزل ديوشتي علي حكم الحرشي ، فأكرمه ، وصالح أصحاب القلعة علي أن لا تسبي نساؤهم ويسلموا القلعة ، ثم وافي كتاب ابن هبيرة باطلاق ديوشتي ، فقتله الحرشي وصلبه ( بعد الأمان الذي أعطاه ) ، ثم نزل علي كش ، فصالحه ملكها سبكري ، ونزل بالأمان ، فغدر به وقتله وصلب جثته ومعه الأمان ( ابن الأثير 109-107/5 )

وفي السنة 104 اجتمعت الخزر، وأعانهم القفجاق وغيرهم من الترك ، ولاقوا المسلمين في موضع يعرف بمرج الحجارة ، فاقتتلوا اقتتالا شديدة ، فقتل كثير من المسلمين ، وغنم الخزر مافي عسكرهم ، فاستعمل يزيد بن عبد الملك الجراح بن عبد الله الحكمي علي أرمينية وأمده بجيش كثيف ، فلاقاه الخزر يقودهم ابن ملكهم ، فظفر المسلمون بالخزر، وقتل منهم خلق كثير ، ثم فتح حصونة عدة ، وحصر حصن بلنجر ، وهو من أشهر حصون الخزر ، واشتبك الجيشان في معركة ضارية ، فانهزم الخزر ، واستولي المسلمون علي الحصن ( ابن الأثير 110/5 - 113 ).

وفي السنة 105 خرج مسعود بن أبي زينب العبدي ( من عبد القيس ) بالبحرين ، فاستولي عليها ، ثم قصد اليمامة ، وعليها سفيان بن عمرو العقيلي ، فالتقيا بالخضرمة ، وأسفر القتال عن قتل مسعود ، وقام بأمر الخوارج بعده هلال بن مدلج ، فقاتلهم ، فقتلت زينب أخت مسعود ، فتحصن هلال وأصحابه في قصر هناك ، فنصبوا عليه السلالم ، وصعدوا إليه فقتلوه ، واستأمن أصحابه فأمنوا ( ابن الأثير 118/5 و 119) .

وفي السنة 105 خرج مصعب بن محمد الوالبي ، ومعه مالك بن الصعب ، وجابر بن سعد ، وهم من رؤساء الخوارج ، فأمروا عليهم مصعبة ، وأمروا معه اخته آمنة ، وساروا معه ، فوجه إليهم خالد القسري جيشا ،

ص: 120

فلاقاهم في اعمال الموصل ، فقتلوا جميعا ( ابن الأثير 119/5 و 120 ).

وفي السنة 106 غزا مسلم بن سعيد الترك ، فلما بلغ فرغانة ، لاقاه خاقان ملك الترك ، فحاربه ، فقتل جماعة من المسلمين ، وقتل المسيب بن بشر الرياحي ، والبراء ، وكان من فرسان المهلب ، وقتل أخو غوزك ، وسار مسلم حثيثا ليتخلص من الترك ، فأرسل إليه حميد بن عبد الله ، وكان علي الساقة : قف لي ، فإن خلفي مائتي رجل من الترك ، حتي أقاتلهم ، وكان حميد مثقل جراحة ، فوقف له ، وعطف حميد علي الترك ، فقاتلهم ، وأسر قائد الصغد ، وقائد الترك ، فانهزم الباقون ، ورجع حميد ، فرمي بنشابة في ركبته ، فمات ( ابن الأثير 128/5 و 129 ).

وفي السنة 107 خرج عباد الرعيني باليمن محكمة ، ومعه ثلثمائة من أصحابه، فحاربهم يوسف بن عمر، أمير اليمن ، فقتلوا بأجمهم ( الطبري 40/7) . وفي السنة 110 في معركة مع الترك بما وراء النهر ، مير ثابت قطنة بعبد الملك بن دثار الباهلي ، فقال له : هل لك في الجهاد ؟ فقال : أمهلني حتي أغتسل وأتحنط ، فوقف له حتي أغتسل ، ثم مضيا ، وقال ثابت لأصحابه : أنا أعلم بقتال هؤلاء منكم ، وحرضهم ، فحملوا ، واشتد القتال ، فقال ثابت قطنة : اللهم إني كنت ضيف ابن بسطام البارحة ، فأجعلني ضيفك الليلة ، وحمل ، وحمل أصحابه، فرجع أصحابه ، وثبت هو ، ورمي برذونه فشب ، وضربه فأقدم ، وضرب ثابت ، فارتث ، فقال وهو صريع : اللهم ، إني اصبحت ضيفة لابن بسطام ، وأمسيت ضيفك ، فإجعل قراي منك الجنة ، فقتلوه ، وقتلوا معه عدة من المسلمين ، منهم صخر بن مسلم بن النعمان العبدي ، وعبد الملك بن دثار الباهلي ( ابن الأثير 10/5 و151).

وفي السنة 110 حصر خاقان مدينة كمرجة ، وهي من أعظم مدن خراسان ، وبها جمع من المسلمين ، فتحصنوا بها ، وتراموا بالسهام ، فأصابت بازغري أحد كبارهم نشابة في سرته ، فمات من ليلته ، فغضبوا لموته ،

ص: 121

وأخذوا الأسري الذين عندهم وهم مائة ، فيهم أبو العوجاء العتكي ، والحجاج بن حميد النضري ، فقتلوهم ، ورموا إليهم برأس الحجاج ، وكان عند المسلمين مائتان من أولاد المشركين رهائن فقتلوهم ، وحمي الوطيس ، واشتد القتال ، وتقدم ملك الطاربند ، وقاتل وهو علي ثلمة في السور إلي جنب بيت فيه رجل مريض من تميم ، فرماه التميمي بكلاب فتعلق بدرعه ، ثم نادي النساء والصبيان فجذبوه ، فسقط لوجهه ، ورماه رجل بحجر ، فأصاب أصل أذنه ، فصرع، وطعنه آخر فقتله ، فاشتد قتله علي الترك ، ثم اتفق الطرفان علي هدنة ، يرتحل بموجبها خاقان عنهم ، ويرتحلون هم عن كمرجة إلي الدبوسية، وتم ذلك ( ابن الأثير 151/5 -154).

وفي السنة 111 ولي الجنيد بن عبد الرحمن ، خراسان ، لهشام بن عبد الملك ، فقدم خراسان في خمسمائة ، وامتد إلي ما وراء النهر ، وكتب إلي سلفه أشرس ، وكان يقاتل أهل بخاري والصغد : أن أمدني بخيل ، فوجه إليه عامر بن ملك الحماني ، فعرض لعامر الترك والصغد ، فدخل حائط حصينا ، وقاتلهم علي الثلمة ، فانهزم الترك وقتل عظيم من عظمائهم ، ووصل إلي الجنيد ، فالتحم الجنيد والترك في معركة ضارية ، وكاد الجنيد أن يهلك ومن معه ، ثم ظفر الجنيد، وأسر ابن أخي خاقان ، فبعث به إلي هشام ( ابن الأثير 156/5 و 157 ) .

وفي السنة 112 قتل الجراح بن عبد الله الحكمي، دخل بلاد الخزر، وحاربهم فهزمهم، فاجتمع عليه الخزر والترك ، واقتلوا أشد قتال ، وصبر الفريقان ، فاستشهد الجراح ومن كان معه بمرج اردبيل ، فلما قتل طمع الخزر وأوغلوا في البلاد ، حتي قاربوا الموصل وكان الجراح خيرا ، فاضة ، من عمال عمر بن عبد العزيز ، ولما بلغ هشام خبره ، دعا سعيدة الحرشي ، وقال له : بلغني أن الجراح انحاز ( اي هرب ) عن المشركين ، قال : كلا يا أمير المؤمنين ، الجراح أعرف بالله من أن يهزم ، ولكنه قتل ، فبعث به هشام إلي أرمينية ، فوصل مدينة أرزن ، ولقيه جماعة من أصحاب الجراح ، فردهم

ص: 122

معه ، وفتح بهم خلاط ، وما يليها من الحصون ، حتي وصل برذعة ، وكان ابن خاقان يومئذ بأذربيجان يغير وينهب ، ويسبي ويقاتل ، وهو محاصر مدينة ورثان ، فخاف الحرشي أن يملكها ، فأرسل بعض أصحابه ، إلي أهل ورثان سرا ، يعرفهم وصوله ، ويأمرهم بالصبر ، فسار القاصد، إلي ورثان ، واعتقله الخزر وهو في طريقه ، ووعدوه بإطلاق سراحه ، إن أخبر أهل ورثان بأنه لا مدد لهم ، ولكن الرجل وقف موقفا بديعة من مواقف النبل والشهامة ، والتضحية ونكران الذات ، إذا أخبر أهل ورثان ، بأنه رسول الحرشي إليهم ، وإنه قادم لخلاصهم ، فرفع أهل ورثان أصواتهم بالتكبير والتهليل ، وثبتوا علي مقاومة أعدائهم ، وقتلت الخزر الرجل ، ورحلوا عن ورثان ، فوصل الحرشي إليها، ثم فارقها إلي أردبيل، فارتحل الخزر عنها، وبلغ الحرشي باجر وان ، فجاء من أخبره بأن عسكر للخزر، عشرة آلاف ، ومعهم أساري مسلمون خمسة آلاف ، علي أربعة فراسخ ، فسري إليهم الحرشي لي ، وكبسهم مع الفجر ، فأستأصلهم جميعا غير رجل واحد ، وإستنقذ الاسري المسلمين منهم ، ثم جاءه من أخبره بوجود جيش للخزر ومعهم حرم الجراح وأولاده أسري ، فسار الحرشي إليهم ، وهاجمهم ، فأبادهم ، ولم يفلت إلا الشريد ، واستنقذ حرم الجراح وأولاده ، وأكرمهم ، وأحسن إليهم ، فحشد له ابن ملك الخزر في عساكر كثيرة ، والتقيا بأرض برزند ، واقتتل الجيشان أشد قتال ، واستغاث الأساري المسلمون الذين هم في يد الخزر، فحمي المسلمون ، واشتدت نكايتهم في العدو ، فولي الخزر الأدبار ، وغنم المسلمون ما في معسكرهم ، ثم عاود ابن ملك الخزر الكرة ، فاصطدم بجيش المسلمين علي نهر البيلقان ، وكانت العاقبة للمسلمين ، وكان من غرق من الخزر أكثر ممن قتل المسلمون ( ابن الأثير 159/5 - 162).

وفي السنة 112 خرج الجنيد أمير خراسان ، غازية يريد طخارستان ، فوجه عمارة بن حريم إلي طخارستان في ثمانية عشر ألفة ، ووجه ابراهيم بن

ص: 123

بسام الليثي في عشرة آلاف إلي وجه آخر ، وعبر الجنيد ، فنزل كش ، ثم قصد سمرقند ، فكان علي أربعة فراسخ منها ، فصبحه خاقان في جيش عظيم يشتمل علي أهل الصغد وفرغانه والشاش وطائفة من الترك ، واشتبك الفريقان في معركة حامية ، فقتل عبيد الله بن زهير ، وابن جرقاش، والفضيل بن هناد ، وتداول راية الأزد ثمانية عشر رجلا فقتلوا ، وقتل من الأزد ثمانون ، وتقاتل الناس حتي أعيوا ، فكانت السيوف لا تقطع ، وقطع عبيدهم الخشب يقاتلون به ، حتي من الفريقان ، فكانت المعانقة ، ثم المحاجزة ، وقتل من الأزد عبد الله بن بسطام ، ومحمد بن عبد الله بن حوزان ، والحسن بن شيخ ، والفضيل صاحب الخيل ، ويزيد بن الفضل الحداني ، وكان قد حج فأنفق في حجته ثمانين ومائة ألف ، وقال لأمه : إدعي الله أن يرزقني الشهادة ، فدعت له ، وغشي عليها ، فاستشهد بعد مقدمه من الحج بثلاثة عشر يوما ، وقتل النضر بن راشد العبدي ، وكان قد دخل علي امرأته ، والناس يقتتلون ، فقال لها : كيف أنت إذا أتيت بأبي ضمرة ( يعني نفسه ) في لبد مضرجا بالدم ، فشقت جيبها ، ودعت بالويل ، فقال لها : حسبك ، لو أعولت علي كل أنثي لعصيتها ، شوقا إلي الجنة ، وقاتل حتي استشهد ، ولما اشتد ضيق الجنيد بعث إلي سورة بن الحر ، وهو محاصر بسمرقند يستنجد به ، فخرج إليه في اثني عشر ألفأ ، فلاقاه الترك وقاتلوه ، فجمع سورة الخيل وصك الترك بها صكأ ، وسقط سورة فاندقت فخذه ، وقتلهم الترك فلم ينبج منهم غير ألف أو ألفين ، واستشهد حليس بن غالب الشيباني ، وأنحاز المهلب بن زياد العجلي في سبعمائة إلي رستاق يسمي المرغاب ، فنزلوا قصرا هناك ، فأتاهم الاشكند صاحب نسف ، في خيل ومعه غوزك ، فأعطاهم غوزك الأمان ، فنزلوا بالأمان ، وسيقوا إلي خاقان ، فقال : لا أجيز أمان غوزك، وقتلهم، وعاد الترك إلي محاربة الجنيد ، فنادي الجنيد : أي عبد قاتل فهو حر ، فقاتل العبيد قتالا عجيبة ، وانهزم الترك ، ودخل الجنيد سمرقند ، ثم زحف إلي

ص: 124

بخاري ، وكان نصر بن سيار قد أبلي في هذه الأيام بلاء حسنا ( ابن الأثير 170 -162/5)

وفي السنة 113 قتل أحد أبطال المسلمين عبد الوهاب بن بخت ، وكان يحارب مع البطال في المعارك مع الروم ، فانكشف الناس عن البطال ، فألقي عبد الوهاب بيضته عن رأسه ، وصاح : أمن الجنة تفترون ؟ ثم تقدم في نحور العدو ، وخالط القوم ، فقتل فرسه وقتل ( الطبري 88/7 ).

وفي السنة 113 كان عبد الرحمن بن عبدالله الغافقي أمير الأندلس ، ولاه عليها في السنة 110 عبيدة بن عبد الرحمن السلمي ، أمير إفريقية لهشام ، فخرج عبد الرحمن في غزاة ببلاد الافرنج ، وعبر جبال البيرانس ، وأوغل في بلاد الغال ، وفتح مدينة بوردو ، ودحر جيوش شارل مارتل ( والد شارلمان ) ثم جمع شارل مارتل جيشأ آخر ، ونشبت حرب دامية في بواتية ، بقرب نهر اللوار ، قتل فيها عبد الرحمن ( ابن الأثير 174/5 والأعلام 84/4 و85 ) .

وفي السنة 116 خلع الحارث بن سريج ، ولبس السواد ، ودعا إلي كتاب الله وسنة نبيه ، والبيعة للرضا ، وكان في أربعة آلاف ، فحاربه نصر بن سيار وهو في عشرة آلاف ، فانتصر الحارث ، ودخل بلخ ، ثم فتح الجوزجان والطالقان ومرو الروذ ، ثم قصد مرو في ستين ألفا ، وفيها عاصم بن عبد الله أمير خراسان ، فالتقوا ، فانهزم جيش الحارث ، وغرق منهم بشر كثير ، وغرق خازم بن عبدالله بن خازم ، من أصحاب الحارث ( ابن الأثير 183/5 و 184).

وفي السنة 117 استعمل هشام بن عبد الملك علي إفريقية والأندلس ، عبيد الله بن الحبحاب ، وكان علي مصر ، فاستخلف عليها ولده ، وسار إلي إفريقية ، وبعث حبيب حفيد عقبة بن نافع غازية إلي المغرب ، ثم سيره في

ص: 125

البحر الي جزيرة سردانية ، فظفر ، فسره ثانية إلي صقلية في السنة 122 ومعه ابنه عبد الرحمن بن حبيب ، فظفر ، وحصر سراقوسة ، حتي صالحوه علي الجزية ، ثم عاد إلي إفريقية لينجد عبيد الله لأن البربر ثاروا عليه لسوء سيرة ولده إسماعيل الذي استعمله علي طنجة ، فظلم الناس ، فثاروا عليه مسلمهم وكافرهم ، ورأسوا عليهم ميسرة السقاء ، وكان خارجية صفرية ، فقتلوا القائد عمر بن عبدالله المرادي ، واستولوا علي طنجة ، وبايعوا ميسرة بالخلافة ، وخوطب بأمير المؤمنين وكثر جمعه ، ثم إن البربر انكروا من ميسرة بعض سيرته فقتلوه ، وولوا أمرهم خالد بن حميد الزناتي ، فسير اليهم عبيد الله جيشا يقوده خالد بن حبيب فانكسر جيشه وقتل خالد في جماعة من أصحابه من حماة العرب وفرسانها، فسميت غزوة الأشراف ، وانتقضت إفريقية والأندلس، فعزل هشام عبيدالله في السنة 123 واستعمل كلثوم بن عياض القشيري ، وسيره علي رأس جيش كثيف ، فقتل كلثوم في أول معركة مع البربر ، وقتل معه حبيب بن أبي عبيدة ووجوه العرب، فظهر خارجي اسمه عكاشة بن أيوب الفزاري ، وحارب جيش القيروان فهزمه أولا ، وقابل جيشأ آخر فانهزم عكاشة ، وانفل جيشه ، فبعث هشام حنظلة بن صفوان الكلبي أميرة علي إفريقية ، فزحف إليه عكاشة الخارجي ، وبعد معركة ضارية انهزم عكاشة ، وقتل من البربر ما لا يحصي ، ثم حاربهم خارجي آخر اسمه عبد الواحد بن يزيد الهواري ، فهزمهم ، وكان جيشه يشتمل علي ثلثمائة ألف مقاتل ، فحصر القيروان ، فكسر الناس أجفان سيوفهم وحملوا علي الخوارج حملة واحدة ، في موضع يعرف بالأصنام ، فانهزم الخوارج والبربر ، وقتل عبد الواحد، وحمل رأسه إلي حنظلة ، وأمر حنظلة بإحصاء القتلي من الخوارج والبربر فعجز الناس حتي عدوهم بالقصب ، فكانت عدة القتلي مائة ألف وثمانين ألفا ، ثم أسر عكاشة مع طائفة أخري بمكان آخر، فحمل الي حنظلة ، فقتله ، وكان الليث بن سعد يقول : ما غزوة إلي الآن أشد بعد غزوة بدر ، من غزوة العرب بالأصنام ( ابن الأثير 190/5 -194).

ص: 126

وفي السنة 119 غزا أسد القسري ، عامل خراسان ، الختل ، وحاربهم فانتصر ، وبلغ خاقان ملك الترك أن أسد في حال مضيعة ، فأراد أن يصطلمه ، فحشد له ، وقصده ، وبعد معارك عدة ، قتل خاقان ( الطبري 113/7-124)

وفي السنة 119 خرج البختري ، صاحب الأشهب ، علي خالد القسري في ستين ، فوجه خالد إليه السمط بن مسلم البجلي في أربعة آلاف ، فاقتلوا بناحية الفرات ، فانهزمت الخوارج ، وقتلوا ( ابن الأثير 212/5)

وفي السنة 119 خرج الصحاري بن شبيب بن يزيد، وكان قد أتي خالدة وسأله الفريضة ، فقال خالد : وما يصنع ابن شبيب بالفريضة ؟ فمضي ، وندم خالد ، وخاف أن يفتق عليه فتقا ، فطلبه ، فلم يرجع إليه ، فلامه أصحابه علي مواجهة خالد وطلبه الفريضة ، فقال : ما أردت الفريضة ، وإنما أردت التوصل إليه لئلا ينكرني ، ثم أقتله بفلان ( يريد رجلا من الصفرية كان خالد قتله صبرأ )، ثم خرج في ثلاثين رجلا، فوجه اليه خالد جندا ، فلاقوه ، فقاتلهم قتالا شديدا ، فقتلوه وجميع أصحابه ( ابن الأثير 213/5)

وفي السنة 119 قتل بهلول بن بشر ، والبهلول لقب له ، واسمه كثارة ، وكان متألها زاهدأ ، مشتهرة بالبأس ، وكان قوته في كل يوم دانقا واحدة ، فخرج يريد الحج ، فأمر غلامه أن يبتاع له خلا بدرهم ، فجاءه غلامه بخمر ، فأمره برده وأخذ الدرهم ، فلم يجبه البائع إلي ذلك ، فجاء بهلول إلي عامل القرية ، وهي من السواد، فكلمه ، فقال له العامل : الخمر خير منك ومن قومك ، فمضي بهلول في حجه حتي فرغ منه ، وعزم علي الخروج علي السلطان ، ولقي بمكة من كان علي رأيه ، فاتعدوا علي قرية من قري الموصل، فاجتمع بها أربعون رجلا ، وأمروا عليهم البهلول ، حتي

ص: 127

انتهوا إلي القرية التي كان ابتاع الغلام فيها الخل فأعطي خمرة ، فجاء إلي العامل فقتله ، فبعث إليه خالد القسري بعث ، فهزمه بهلول ، وبلغ بهلول أن ستة نفر من أهل الكوفة ، خرجوا إليه يريدون اللحاق به ، فقتلوا في قرية صريفين ، فجاء بهلول إلي القرية ، وسأل عمن قتلهم ، وأظهر إنه جاء من قبل خالد ليعطيهم ما لقتلهم من قتلوا ، فتقدم إليه قوم أدعوا أنهم القتلة ، فخشي بهلول أن يكون هؤلاء قد ادعوا ذلك حبا في الربح ، وسأل أهل القرية عنهم ، فأيدوا أنهم القتلة ، فأمر بهم فقتلوا ، وبعث إليه خالد بعثة آخر ، فحاربه البهلول ، فانفل البعث ، ومر البهلول بالموصل ، فخافه صاحب الموصل ، وكتب إلي هشام بأن خارجة خرجت ، فكتب إليه هشام : وجه لها كثارة ، فقال العامل : إن كثارة هو الخارج ، فبعثوا إليه جندا من الكوفة ، وجندا من الجزيرة، فلما رأي كثرتهم وهو في سبعين ، استقتل وكان عدد محاربيه من الجيوش عشرين ألفا ، فخاض معهم معركة غير متكافئة حتي قتل ( ابن الأثير 209/5 -212).

وفي السنة 121 غزا نصر بن سيار الشاش ، فأغار عليهم الأخرم ، فارس الترك ، فقتله المسلمون ، ورموا برأسه إلي الترك ، فصاحوا وانهزموا ، ثم سار نصر إلي فرغانة ، فحاصر قبا ، واقتلوا ، فقتل الدهقان ، وأسر ابنه ، فقتله نصر ( ابن الأثير 238/5 ).

وفي السنة 122 قتل الإمام زيد بن علي بن الحسين ، بعث به هشام بن عبد الملك إلي الكوفة ، فأقبلت الشيعة إليه ، وبايعوه ، وبلغ عدد من بايعه أربعون ألفا ، وحلفوا له الإيمان المغلظة علي تأييده ، فجاء إليه مسلمة بن كھيل ، فقال لزيد : أنشدك الله كم بايعك ؟ قال : أربعون ألفا ، قال : فكم بايع جدك ؟ ( يريد الحسين ) فقال : ثمانون ألفا ، قال : فكم بقي معه ؟ قال : ثلثمائة ، قال : نشدتك الله أنت خير أم جدك ؟ قال : جدي ، قال : فهذا القرن خير أم ذلك القرن ؟ قال : ذلك القرن ، قال : أفتطمع أن يفي

ص: 128

لك هؤلاء ، وقد غدر أولئك بجدك ؟ وكتب إليه عبدالله بن الحسن بن الحسن يصده عن الخروج ، فلم يصغ إليه ، وأمر أصحابه بالإستعداد ، وألح يوسف بن عمر الثقفي ، عامل العراق لهشام في البحث عنه ، فخاف أن يؤخذ ، وتعجل في خروجه ، فلما خرج كان مجموع من وافاه مائتين وثمانية عشر رجلا ، فاشتبك مع جند الشام في عدة معارك في داخل الكوفة ، كان الظفر فيها لزيد، وحمل نائل بن فروة العبسي من أهل الشام علي نصر بن خزيمة من أصحاب زيد ، فضربه بالسيف ، فقطع فخذه ، وضربه نصر فقتله ، ولم يلبث نصر أن مات ، وحمي الوطيس ، فقتل معاوية بن اسحاق الأنصاري وقاتل بين يدي زيد قتالا شديدا حتي قتل ، ثم رمي زيد بسهم ، فأصاب جبهته اليسري ، فثبت في دماغه ، فأحضروا له طبيبأ ، فانتزع النصل ، فلما نزع النصل مات ، فدفنه أصحابه في نهر يعقوب ، سكر أصحابه الماء ، ودفنوه ، ثم أجروا الماء ، و يوسف علي قبره، فاستخرجه ، وقطع رأسه ، وصلب بدنه بالكناسة هو ونصر بن خزيمة ومعاوية بن اسحاق وزياد النهدي، وبعث الرأس إلي هشام ، فعلق علي باب دمشق ، ثم أرسل إلي المدينة ، وبقي البدن مصلوبة إلي أن مات هشام ، وولي الوليد ، فأمر به فأنزل وأحرق ( ابن الأثير 229/5 - 247).

وفي السنة 122 قتل عبدالله الانطاكي ، الملقب بالبطال ، أحد أبطال المسلمين ، في معركة مع الروم ، وكان له عندهم ذكر عظيم ، وخوف شديد ، وروي إنه دخل بلادهم في بعض غزواته ، ودخل قرية لهم ليلا ، فسمع امرأة تقول لصغير لها يبكي : اسكت ، وإلا اسلمتك للبطال ، ثم رفعته بيدها، وقلت : خذه يا بطال ، فتناول البطال من يدها، ثم أعاده إليها ( ابن الأثير 248/5 ).

وفي السنة 125 قتل يحيي بن الإمام زيد بن علي بن الحسين بالجوزجان ، وكان يحيي مع والده في المعركة التي قتل فيها بالكوفة، فلما

ص: 129

قتل أبوه ، انصرف إلي بلخ ، فطلبه أمير العراق يوسف بن عمر ، فانتقل الي نيسابور ، فقاتله واليها عمرو بن زرارة ، وكان يحيي في سبعين ، وعمرو في عشرة آلاف ، فانتصر يحيي ، وقتل عمرة ، فبعث نصر بن سيار ، صاحب شرطته سلم بن أحوز المازني ، فقاتل يحيي قتالا شديدأ ، فأصاب يحيي سهم عاثر في جبهته ، فسقط قتيلا، وحمل رأسه إلي الوليد بن يزيد ، وصلب جسده بالجوزجان ، وبقي مصلوبة إلي أن ظهر أبو مسلم الخراساني ، فأنزل الجثة، وصلي عليها ، ودفنها، وقتل سلم بن أحوز ( الاعلام 179/9)

وفي السنة 126 قتل يزيد بن الطثرية ، الشاعر المطبوع من بني قشير ، في يوم الفلج الأول ، وسبب ذلك إن الوليد بن يزيد لما قتل ، كان علي اليمامة علي بن المهاجر ، استعمله عليها يوسف بن عمر ، فقال له المهير : أترك لنا بلادنا ، فأبي ، فحاربه المهير ، فهرب علي ، وتأمر المهير علي اليمامة ، ثم مات ، واستخلف عبدالله بن النعمان ، فاستعمل المندلث علي الفلج ، فقاتله بنو كعب بن عامر ، فقتل المندلث وجماعة من أصحابه ، ومنهم يزيد بن الطثرية ، والطثرية أمه ، واسم أبيه : المنتشر ( ابن الأثير 299/5 ).

وفي السنة 127 سار مروان الجعدي في جنود الجزيرة، لمحاربة إبراهيم بن الوليد ، الذي خلف يزيد بن الوليد ، وكان مروان في ثمانين ألفا ، فلاقاه جيش إبراهيم في مائة وعشرين ألفأ، واشتبك الجيشان في معركة ، مظفر مروان ، وقتل من جيش إبراهيم سبعة عشر ألفأ ، فلما رأي أصحاب إبراهيم ظفر مروان ، عمد يزيد بن خالد القسري إلي سجن دمشق ، فقتل الحكم وعثمان ولدي الوليد بن يزيد ، وضرب عنق يوسف بن عمر ثأرا لأبيه خالد ، لأن الوليد بن يزيد اسلمه إلي يوسف بن عمر فعذبه حتي قتله ، ولما دخل مروان دمشق ، ثار من بدمشق من موالي الوليد بن يزيد إلي عبد العزيز بن الحجاج بن عبد الملك، فقتلوه، ونبشوا يزيد بن الوليد من قبره ،

ص: 130

فصلبوه علي باب الجابية ، فبويع مروان بالخلافة ، وأمن إبراهيم بن الوليد وسليمان بن هشام ، فقدما عليه بحران ، فبايعاه ( ابن الأثير 321/5 -324)

وفي السنة 127 انتقض أهل حمص علي مروان ، فسار إليهم وحاربهم ، فقتل منهم جماعة ، وصلب خمسمائة حول المدينة ، ثم خالف عليه أهل الغوطة ، وولوا عليهم يزيد بن خالد القسري ، وحصروا دمشق ، فوجه إليهم مروان جيشأ من عشرة آلاف ، فانهزموا ، وقتل يزيد ، وقتل معه عمر بن هانيء العبسي ، وكان عابدأ ، كثير المجاهدة ، ثم خالف علي مروان أهل فلسطين ، فسير اليهم جيشأ فهزمهم ، ثم خرج عليه سليمان بن هشام وعسكر بقنسرين، واجتمع إليه نحوا من سبعين ألفا من أهل الشام ، وجاء مروان في جيشه ، فاقتتلا ، ففر سليمان ومن معه ، وقتل من جيشه ما ينوف علي ثلاثين ألف قتيل ، وقتل إبراهيم بن سليمان ، وهو أكبر ولده ، وخالد بن هشام المخزومي ، خال هشام بن عبدالملك ، وانتهي سليمان في هزيمته إلي حمص ، فعسكر بها وحضنها ، فقصده مروان ، واقتتلا ، فظفر مروان ، وقتل من عسكر سليمان نحو ستة آلاف ، فلما بلغ سليمان ذلك ، غادر حمص إلي تدمر ، فنزل مروان علي حمص ، ونصب عليهم نيفة وثمانين منجنيقة يرمي بها بالليل والنهار ، فطلبوا الأمان ، فأمنهم علي أن يمكنوه من سعيد بن هشام ، وابنيه عثمان ومروان ، ومن رجل يسمي السكسكي كان يغير علي عسكره ، ومن حبشي كان يشتم مروان، فأسلموهم إليه ، وسار عنهم ( ابن الأثير 328/5 - 334).

وفي السنة 127 خرج الضحاك بن قيس بالكوفة في ثلاثة آلاف ، فقاتله عامل العراق ، عبدالله بن عمر بن عبد العزيز ، وهو في أكثر من ثلاثين ألفا ، فانكسر عبدالله بن عمر ، وقتل أخوه عاصم ، وجعفر بن عباس الكندي صاحب شرطته ، واستولي الضحاك علي الكوفة ، وأرضها ، والسواد ، فقال

ص: 131

عبدالله يرثي أخاه : ( الطبري 316/7 - 320) .

رمي غرضي ريب الزمان فلم يدع**** غداة رمي للقوس في الكفت منزعا

رمي غرضي الأقصي فأقصد عاصمأ ****آخأ كان لي حرز ومأوي ومفزعا

فليت المنايا كن خفن عاصمأ **** فعشنا جميعا أو ذهبن بنا معا

وفي السنة 128 اصطلح الضحاك بن قيس الخارجي ، وعبدالله بن عمر عامل العراق ، فقدم عبدالله عليه ، وصلي خلفه ، فانصرف عنه الضحاك ، واستولي علي الموصل بمواطأة من أهلها، ثم قصد نصيبين فحاصرها ، وهو في مائة وعشرين ألفا ، فقصده مروان في جنده ، فترجل الضحاك في ستة آلاف من ذي الثبات من أصحابه ، وأحدقت بهم خيل مروان، فأصطلموهم ، وعثروا علي الضحاك بين القتلي ، وفي وجهه أكثر من عشرين ضربة ، فبايع أصحابه الخيبري ، فقتل ، فبايعوا أبا الذلفاء شيبان بن عبد العزيز اليشكري ، فانسحب بهم إلي الموصل، فتبعهم مروان ، وظل يحاربهم ستة أشهر ، فارتحلوا عن الموصل الي حلوان ، فالأهواز ، ففارس ، فالبحرين ، فعمان ، وكان الخوارج بعمان أباظية ، وشيبان وأصحابه صفرية ، فاقتتلوا ، فقتل شيبان ومن معه ( الطبري 344/7 - 351- 463).

وفي السنة 128 قتل الحارث بن سريج بخراسان ، وكان قد خرج منذ السنة 116 علي عامل خراسان ، ولبس السواد ، وخلع طاعة بني مروان ، ودعا إلي الكتاب والسنة ، واستولي علي الجوزجان والطالقان ومرو الروذ ، وعظم أمره ، وارتفع عدد جيشه ألي ستين ألفا ، ثم انكسر ، فرحل إلي بلاد الترك ، وأقام اثنتي عشرة سنة ، ثم أمنه يزيد بن الوليد ، فعاد إلي مرو ، وعرض عليه نصر عامل خراسان ، أن يوليه ، وأن يعطيه مائة ألف دينار ، فأبي ، وقال : أنا لا أطلب الدنيا ، وإنما أطلب العمل بكتاب الله وسنة نبيه ، واستعمال أهل الخير ، ثم اختلف مع نصر بن سيار، فحاربه، فقتل من

ص: 132

الطرفين كثير ، ثم انهزم أصحاب الحارث ، فثبت ، وقتل وقتل معه جماعة كثيرة من أصحابه ( الطبري 330/7 - 340).

وفي السنة 129 قتل نصر بن سيار عامل خراسان ، وزعيم المضرية ، جديع بن علي الكرماني ، زعيم اليمانية ، لقب بالكرماني لأنه ولد بكرمان ، وكان نصر وجديع قد اشتبكا في حرب طويلة ، وكان الكرماني قد قتل الحارث بن سريج ، فقصده ابن الحارث وطعنه في خاصرته ، فخر عن داتبه ، وقتل ، فالتحق ولده علي بن جديع بأبي مسلم الخراساني ، مخاصمة منه النصر بن سيار ( الطبري 371/7 ).

وفي السنة 129 قتل بشر بن جعفر السعدي عامل مرو الروذ لنصر بن سيار ، قتله خازم بن خزيمة ، من شيعة بني العباس ، وكان خازم لما أراد الخروج بمرو الروذ ، منعه بنو تميم ، فقال لهم : إنما أنا رجل منكم أريد أن أغلب علي مرو ، فإن ظفرت فهي لكم، وإن قتلت فقد كفيتم أمري ، فكقوا عنه ، فلما أمسي ، بيت أهل مرو ، فقتل بشرا عاملها ( ابن الأثير 361/5 ).

وفي السنة 129 قتل أبو الخطار حسام بن ضرار الكلبي الذي كان أميرة بالأندلس ، وسبب ذلك إن ثوابة بن سلامة الذي تأمر بالأندلس ، توفي ، فاختلف المضرية واليمانية ، في اختيار خلفه ، كل فئة تريده منها، ثم حسمت الفتنة باختيار الأمير من قريش ، فأختير يوسف بن عبد الرحمن الفهري ، وأراد أبو الخظار حسام بن ضرار الكلبي أن يستعيد إمارته ، فجمع اليمانية ، واجتمع المصرية حول الصميل بن حاتم ، واقتتلوا أياما كثيرة قتا لم يكن بالأندلس أعظم منه ، فانهزمت اليمانية ، واستتر أبو الخطار ، فدل عليه ، وأخذه الصميل بن حاتم فقتله ، ثم خرج علي يوسف الفهري ، ابن علقمة اللخمي بأربونة ، فقتل وحمل رأسه إلي يوسف ، ثم خرج عليه عذرة الذمي ، لقب بالذمي لاستعانته بأهل الذمة ، فانتصر أولا ، وانكسر أخيرة وقتل ( ابن الأثير 375/5 و 376) .

ص: 133

وفي السنة 130 قتل شيبان بن سلمة الحروري ، رأس الخوارج ، وسبب قتله إن علي بن جديع الكرماني ، كان قد اجتمع مع شيبان علي قتال نصر بن سيار ، لأن نصرا قتل جديع أبا علي وصلبه ، فلما فر نصر من مرو ، وصالح علي بن جديع أبا مسلم الخراساني ، فارق شيبان عليا ، وتنحي عن مرو ، فبعث أبو مسلم إلي شيبان يطلب منه أن يبايعه ، فقال شيبان : أنا أدعوك إلي بيعتي ، وسار شيبان إلي سرخس ، فبعث إليه أبو مسلم جيشأ، فقتل شيبان وعدة من أصحابه ( الطبري 385 و 386).

وفي السنة 130 وجه أبو مسلم الخراساني ، قحطبة بن شبيب إلي طوس في عدة من القواد والجند، لمحاربة نصر بن سيار ، عامل خراسان ، فالتقي الجيشان بطوس ، فانهزم أصحاب نصر ، وقتل منهم بضعة عشر ألفة ، وقتل تميم بن نصر ، وكثير من قواده وجنده ( الطبري 388/7 - 390).

وقصد قحطبة جرجان ، وعاملها نباته بن حنظلة ، ولاه عليها يزيد بن عمر بن هبيرة أمير العراق ، وكان مع نباته جند من أهل الشام ، فاقتلوا ، فقتل نباته ، وقتل معه عشرة آلاف من جند الشام ، وبعث قحطبة إلي أبي مسلم برأس نباته ، ورأس ابنه حية ( الطبري 391/7 و 392).

ثم بلغ قحطبة أن أهل جرجان علي وشك الإنتقاض عليه فاستعرضهم، وقتل منهم ثلاثين ألفا ( الطبري 401/7 ).

وفي السنة 130 قتل أبو حمزة الخارجي واسمه المختار بن عوف الأزدي السليمي البصري ، وكان أول أمره من الخوارج الأباظة ، يوافي كل سنة مكة ، يدعو الناس إلي خلاف مروان بن محمد ، وكان قد ورد مكة في السنة 129 وهو في سبعمائة فحجوا ، وخرج عامل مكة والمدينة وهو عبد الواحد بن سليمان بن عبد الملك من مكة إلي المدينة ، فجرد علي أبي حمزة وأصحابه بعثة ، فظفر بهم أبو حمزة وقتل منهم خلفا كثيرة ، ثم دخل

ص: 134

المدينة ، وخرج بأصحابه يريد الشام لقتال مروان ، وكان مروان قد جرد له أربعة آلاف فارس بقيادة عبد الملك بن محمد بن عطية السعدي ، فالتقوا بوادي القري ، فقال أبو حمزة لأصحابه : لا تقاتلوهم حتي تختبروهم ، فصاحوا بهم : ما تقولون في القرآن والعمل به ؟ فقال الشاميون : نضعه في الجوالق ، فقالوا لهم : ما تقولون في مال اليتيم ؟ قالوا : نأكل ماله ونفجر بأمه ، فقال أبو حمزة لأصحابه : قد حل لكم قتالهم، فاشتبكوا في معركة ضارية ، فقتل أبو حمزة وكثير من أصحابه ، وعاد فله إلي المدينة منهزمين ، فوثب بهم أهل المدينة ، فقتلوهم ( الطبري 398/7 و 399 وابن الأثير 351/5 ، 373، 391). وممن قتل في هذه المعارك من خصوم أبي حمزة ، ما يقرب من ثلثمائة رجل من أهل المدينة من قريش، منهم أمير أهل المدينة عبد العزيز بن عبدالله ، وحمزة بن مصعب بن الزبير ، وابنه عمارة ، وابن أخيه مصعب ، وقتل من أصحاب أبي حمزة بلج بن عيينة ( سماه صاحب الأعلام 71/8 عقبة ) بن الهيصم الأسدي ، وأبو الحر علي بن الحصين التميمي ، من فقهاء الأباظية ، وعبد العزيز القاريء المدني المعروف بيشكست النحوي ، وكان من أهل المدينة يكتم مذهب الخوارج، فلما دخل أبو حمزة المدينة انضم إليه ( الطبري 398/7 وابن الأثير 391/5 ) والأعلام 31/8 و 93/5 ).

وفي السنة 130 لما قتل محمد بن عطية ، أبا حمزة الخارجي ، أقام بالمدينة شهرة ، ثم سار نحو اليمن ، وبلغ عبدالله بن يحيي ، الملقب الطالب بالحق مسيره ، وهو بصنعاء فأقبل إليه بمن معه ، فنشبت بينهما معركة ، فقتل ابن يحيي ، وحمل راسه الي مروان بالشام ( ابن الأثير 392/5)

وسار آبن عطية إلي صنعاء ، فدخلها وأقام بها ، فكتب إليه مروان يأمره أن يسرع السير ليحج بالناس ، فسار في اثني عشر رجلا، وخلف

ص: 135

عسكره أربعين ألفا وخيله بصنعاء ، فلما نزل الجرف أتاه ابنا جمانة المراديان في جمع كثير ، وقالوا له ولأصحابه : أنتم لصوص ، فأراهم ابن عطية كتاب الخليفة بتأميره علي الموسم ، فقالوا : هذا باطل، فأنتم لصوص ، وحاربوه ، فقاتلهم ابن عطية قتالا شديدا ، حتي قتل ( ابن الأثير 392/5 والطبري 398/7 ، 400) .

أقول : راجع ما صنعه الوليد بن عروة ، ابن أخي محمد بن عبد الملك ، انتقاما لعمه من الذين قتلوه ، في الباب الرابع عشر من الكتاب « التعذيب بالنار » القسم الأول من الفصل الأول ( الاحراق ) وفي الباب التاسع عشر ( المرأة ) الفصل الخامس ( ألوان أخري من القتل ) .

وفي السنة 131 قتل القائد عامر بن ضبارة ، قائد جيش الأمويين ، وكان نصر بن سيار عامل خراسان لمروان الحمار ، كتب إليه يستنجد به ، ويطلب مددأ ، وجاء في كتابه إليه : إما أنا بمنزلة من أخرج من بيته إلي حجرته ، ثم أخرج من حجرته إلي داره ، ثم أخرج من داره إلي فناء داره ، فإن أدركه من يعينه ، فعسي أن يعود إلي داره وتبقي له ، وإن أخرج من داره إلي الطريق ، فلا دار له ولا فناء ، فكتب مروان إلي يزيد بن عمر بن هبيرة عامله علي العراق ، أن يبعث إليه مددأ ، فكتب ابن هبيرة ، إلي ولده داود ، وإلي عامر بن ضبارة . أن يسيرا لملاقاة قحطبة ، قائد جيش أبي مسلم الخراساني ، الداعية العباسي ، وكان يقال لعسكر ابن ضبارة ، عسكر العسكر ، والتقي الجيشان ، قحطبة في عشرين ألفأ، والجند الأموي مائة وخمسون ألفا ، فانكسر الجند الأموي ، وفر داود بن يزيد بن هبيرة ، فسأل عنه عامر بن ضبارة ، فقيل : انهزم ، فقال : لعن الله شرنا منقلبأ ، وقاتل حتي قتل ( الطبري 401/7 -406).

وفي السنة 131 كان الحسن بن قحطبة ، يحاصر نهاوند ، وبلغه خبر قتل

ص: 136

عامر بن ضبارة ، فكبر وأصحابه ، فقال عاصم بن عمير السعدي ، الملقب هزار مرد ، للجيش المحصور في نهاوند ، أخرجوا إلي الحسن بن قحطبة ، فإنكم تقومون له ، فإذا جاء أبوه معه ، لم تقوموا له ، فأبوا عليه ، وسار قحطبة إلي ابنه ، وطلب من المحصورين خروجهم بالأمان ، فأبي الخراسانيون ، ورضي أهل الشام ، وخرجوا إلي قحطبة ، وقالوا للخراسانيين : أخذنا الأمان لنا ولكم ، فخرجوا جميعا ، فأمر قحطبة بقتل الخراسانيين ، ووفي لأهل الشام بالأمان ، وكان ممن قتل من أهل خراسان ، عاصم بن عمير من ابطال العرب ، وأبو كامل، وحاتم بن الحارث بن سريج ، وابن نصر بن سيار ، وعلي بن عقيل ، وبيهس ( ابن الأثير 400/5)

وفي السنة 131 وجه قحطبة القائدين أبا عون عبد الملك بن يزيد الخراساني ومالك بن طرفة الخراساني ، في أربعة آلاف إلي شهرزور ، وبها عثمان بن سفيان علي مقدمة عبدالله بن مروان الحمار ، واشتبكوا في معركة فقتل عثمان وانهزم أصحابه ( ابن الأثير 400/5 -401).

وفي السنة 132 عبر قحطبة بن شبيب الفرات في جيشه العباسي ، القتال ابن هبيرة والجيش الأموي ، واشتبك في معركة علي شاطيء الفرات ، فضرب معن بن زائدة ، قحطبة بالسيف علي حبل عاتقه ، فسقط في الفرات ، فأخرجوه ، فقال لهم : إذا أنا مت ، فشدوا يدي ، وألقوني في الماء ، لئلا يعلم الناس بموتي ، ففعلوا ذلك ، وقام ولده الحسن بن قحطبة بأمر الجيش ( ابن الأثير 403/5 404).

وفي السنة 132 قتل معاوية بن سفيان بن معاوية بن يزيد بن المهلب ، وكان أبوه قد ولي البصرة للعباسيين ، وقدمها وعليها سلم بن قتيبة الباهلي ، للأمويين ، فكتب إليه يأمره بالتحول من دار الإمارة ، فأبي ، وحاربه ، فقتل معاوية بن سفيان ، فانكسر سفيان القتل ولده وانهزم ( ابن الأثير 406/5 ).

ص: 137

وفي السنة 132 قتل يحيي بن معاوية بن هشام ، أخو عبد الرحمن الداخل ، في معركة الزاب ، مع مروان الحمار ( الأعلام 218/9 ).

وفي السنة 132 اقتحم العباسيون دمشق ، وقتلوا أميرها الوليد بن معاوية بن مروان بن عبد الملك ، وكان يليها لمروان الحمار ( الاعلام 144/9)

وفي السنة 132 قتل مروان الحمار ، آخر الحكام الأمويين ، بوصير من اعمال مصر ، وكانت هزائمه قد توالت ، من معركة الزاب بالعراق ، فمر بحران ، وحمص ، ودمشق ، وفلسطين ، والعريش ، حتي نزل ببوصير ، واشتبك هناك في معركة مع الجيش العباسي ، فقتل في المعركة، وحمل رأسه إلي السفاح ( ابن الأثير 417/5- 426).

ولما أحضر رأس مروان ، ووضع بين يدي السفاح ، سجد لله شكرا ، وقال : الحمدلله الذي أظفرني بك ، وأظهرني عليك ، قد قتلت بالحسين وبني أبيه ، من بني أمية مائتين ، وأحرقت شلو هشام ، بابن عمي زيد بن علي ، وقتلت مروان بأخي إبراهيم ( مروج الذهب 203/2 ).

وفي السنة 132 بيض أبو الورد مجزأة بن الكوثر الكلابي، أي إنه خرج علي بني العباس ولبس البياض شعار بني أمية ، لأن العباسيين شعارهم السواد ، وسبب ذلك : إن أبا الوردكان من قواد مروان، فلما قتل، دخل في طاعة بني العباس ، وكان يقيم بقنسرين، وكان أولاد مسلمة بن عبد الملك مجاورين له ، بيالس والناعورة ، فقدم قائد من قواد عبد الملك بن علي فاضطهد أولاد مسلمة بن عبد الملك ، فشكوا ذلك إلي أبي الورد ، فخرج من مزرعته واسمها خساف ، حتي هجم علي القائد وهو بحصن مسلمة ، فقتله وقتل من معه ، وبيض وخلع عبدالله بن علي ، ودعا أهل قنسرين إلي ذلك ، فبيضوا بأجمعهم ، ثم بيض أهل دمشق بأجمعهم ، وقدموا عليهم أبا

ص: 138

محمد السفياني بن عبدالله بن زيد بن معاوية ، وكانوا في أربعين ألفا ، واقتلوا مع جيش عبدالله بن علي ، فكانت الدائرة أول الأمر علي الجيش العباسي ، وقتل منهم ألوف ، ثم عاود الجيش العباسي الكرة ، وثبت أبو الورد في نحو خمسمائة من قومه وأهل بيته ، فقتلوا جميعا ، وهرب السفياني ولحق بتدمر ، ثم بالحجاز ، وبلغ عامل الحجاز للمنصور الموضع الذي استتر السفياني فيه ، فبعث إليه من قتله ، وأخذ آبنين له أسيرين ، وبعث بالرأس والإبنين إلي المنصور ( الطبري 443/7 - 445).

وفي السنة 133 خرج شريك بن شيخ المهري ببخاري ، وهو أحد انصار العباسيين ، خرج علي أبي مسلم الخراساني ، لما أبصر جوره وظلمه ، وقال : ما علي هذا اتبعنا آل محمد ، أن تسفك الدماء ، ويعمل فينا بغير الحق ، وآزره أكثر من ثلاثين ألفا ، فقاتله أبو مسلم وقتله ( الأعلام 239/3)

ولما غدر أبو جعفر المنصور بيزيد بن عمر بن هبيرة ، وقتله في السنة 133 بعد أن أمنه ،، خرج ولده المثني بن يزيد باليمامة ، وكان أميرها ، وجمع جمعأ ، فبعث إليه عامل المدينة القائد أبا حماد الأبرص، واسمه ابراهيم بن حسان السلمي ، فقتل المثني وأصحابه ( ابن الأثير 448/5 ).

وفي السنة 134 خلع بسام بن إبراهيم بن بسام ، من فرسان أهل خراسان، وخرج بالمدائن ، فوجه اليه السفاح خازم بن خزيمة ، فاقتتلوا ، فانهزم بسام وأصحابه ، وقتل منهم كثير ( ابن الأثير 450/5 ).

وفي السنة 134 قتل شيبان بن عبد العزيز اليشكري الحروري ، أحد شجعان الخوارج ، وكان قاتل مروان في نواحي ماردين ، ثم انصرف إلي الموصل ، ثم تراجع إلي البصرة ، ثم أرسي بجزيرة بن كاوان ، ثم صار إلي عمان ، وهم صفرية ، وكان في عمان الجلندي وأصحابه وهم أباظية ،

ص: 139

فاقتتلوا فيما بينهم ، فقتل شيبان ومن معه ، ثم قدم خزيمة بن خازم عمان علي رأس جيش ، فلقيهم الجلندي وأصحابه ، فاقتتلوا اقتالا شديدا ، وكثر القتل في أصحاب خازم ، وقتل أخ له من أمه في تسعين رجلا، واقتتلوا من الغد، فقتل من الخوارج تسعمائة ، واحرق منهم تسعون ، ثم أمر خازم خلال المعركة بإحراق بيوتهم وكانت من خشب ، فلما أضرمت النار في بيوتهم أنصرفوا إليها فغشيهم خازم وأصحابه وقتلوا الجلندي وقتلوا أصحابه ، وبلغ عدد القتلي عشرة آلاف بعث برؤوسهم إلي البصرة ، فحملت إلي السفاح ( ابن الأثير 451/5 و 452).

وفي السنة 135 خرج زياد بن صالح ، أحد القواد الخراسانيين في ما وراء النهر ، فقصده أبو مسلم ، فانفصل قواد زياد عنه ، وانصرفوا إلي أبي مسلم ، فلجأ زياد إلي دهقان هناك فقتله وبعث برأسه إلي أبي مسلم ، وعلم أبو مسلم أن الذي أفسد زياد هو سباع بن النعمان الأزدي ، وقيل له إن السفاح بعث به ، وأمره إن رأي فرصة من أبي مسلم أن يقتله ، فأمر بسباع فحبس بأمل ، ثم كتب إلي عامله بأمل أن يقتل سباع فقتله ( ابن الأثير 455/5)

وفي السنة 137 خرج عبدالله بن علي ، علي المنصور ، فسير إليه أبا مسلم الخراساني ، وبعد معركة عنيفة ، انهزم عبد الله ، وانفل جيشه ، وقصد عبدالله أخاه سليمان بن علي بالبصرة ، فتواري عنده ( ابن الأثير 464/5۔ 468)

وفي السنة 137 خرج سنباذ في خراسان ، يدعو للمطالبة بدم أبي مسلم الخراساني ، واستولي علي نيسابور وقومس والري ، فوجه اليه المنصور جيش اشتبك معه في معركة ، فقتل من أصحابه نحوا من ستين ألفا ، ثم قتل سنباذ بين طبرستان وقومس ( الطبري 495/7 ).

وفي السنة 137 خرج ملبد بن حرملة الشيباني ، وحكم بناحية

ص: 140

الجزيرة ، فوجه إليه أبو جعفر المنصور تسعة بعوث ، فانتصر ملبد عليها جميعا ، وفقها ، وهزم جندها ، فوجه إليه المنصور خازم بن خزيمة في ثمانية آلاف ، فالتحم معه في معركة ضارية ، فقتل الملبد وألف ومائة من أصحابه ، وهرب الباقون ( الطبري 495/7 - 499).

وفي السنة 138 خرج علي المنصور أحد قواده جمهور بن مرار العجلي ، فوجه إليه المنصور محمد بن الأشعث الخزاعي ، فانكسر جيش جمهور ، وقتل من أصحابه خلق كثير ، ولحق جمهور بأذربيجان ، فأخذ وقتل ( الطبري 497/7 ).

وفي السنة 143 ثار بالأندلس رزق بن النعمان الغاني علي عبد الرحمن الداخل ، وكان رزق علي الجزيرة الخضراء ، فاجتمع اليه خلق عظيم ، فسار إلي شذونة فملكها، ودخل مدينة إشبيلية ، فحصره عبد الرحمن فيها وقتله ( ابن الأثير 512/5 ).

وفي السنة 144 قتيل أبو الخطاب عبد الأعلي بن السمح المعافري الحميري ، زعيم الأباظية في إفريقية ، وكان قد استولي علي طرابلس الغرب، وحكم إفريقية كلها ، فوجه المنصور إليه جيشأ بقيادة أمير مصر محمد بن الأشعث، فقتله ، وقتل اثني عشر ألفا من أصحابه ( الأعلام 42/4 ) .

وفي السنة 145 ظهر بالمدينة محمد بن عبدالله بن الحسن بن الحسن ، الملقب بالنفس الزكية ، فبعث إليه المنصور عيسي بن موسي في جيش ، وقاتل محمد حتي قتل ، فلما أحضر رأسه الي عيسي ، قال لأصحابه : ما تقولون فيه ؟ فوقعوا فيه ، فقال : كذبتم ، ما لهذا قتلناه ، وإنه كان صواما قواما ، ولكنه خالف أمير المؤمنين ، وشق عصا المسلمين ( ابن الأثير 543/5- 551).

وممن قتل مع محمد بن عبدالله النفس الزكية ، أخوه موسي بن

ص: 141

عبد الله ، والحسين وعلي ابنا زيد بن علي بن الحسين ، ولما بلغ المنصور أن ابني زيد أعانا محمد عليه ، قال : عجبا لهما قد خرجا علي ، وقد قتلنا قاتل أبيهما كما قتله ، وصلبناه كما صلبه ، وأحرقناه كما أحرقه ، وقتل مع محمد ، حمزة بن عبدالله بن محمد بن الحسين ، وعلي وزيد ابنا الحسن بن زيد بن علي وكان أبوهما مع المنصور ، والحسن ويزيد وصالح بنو معاوية بن عبدالله بن جعفر ، والقاسم بن اسحاق بن عبدالله بن جعفر، والمرجي علي بن جعفر بن اسحاق بن علي بن عبد الله بن جعفر ، وكان أبوه مع المنصور ، ومن غير بني هاشم محمد بن عبد الله بن عمرو بن سعيد، ومحمد بن عجلان ، وعبدالله بن عمر بن حفص بن عاصم ، أخذ أسيرة ، فأحضر أمام المنصور فقال له : أنت الخارج علي ؟ قال : لم أجد إلا ذلك ، أو الكفر بما أنزل الله علي محمد ، ( ابن الأثير 552/5 و 553).

وفي السنة 145 لما ظهر محمد بن عبدالله ( النفس الزكية ) بالمدينة ، كان من أقوي أنصاره ابن خضير ، وهو من أولاد المصعب بن الزبير ، وقد دعاه قائد الجيش العباسي حميد بن قحطبة أن ينزل علي الأمان ، فأبي، وظل يحارب حتي قتل ، وأحتر رأسه وكأنه باذنجانة مفلقة من كثرة الجراح ، ولما رأي ابن خضير الخلل في أصحاب محمد، عاد إلي المدينة ، فدخل إلي حيث سجن رياح بن عثمان المري عامل المدينة ، وأخوه عباس ، فذبح رياحا ، ولم يجهز عليه ، فجعل رباح يضرب برأسه الجدار حتي مات ، ثم أحرق ابن خضير الديوان ، كي لا يؤخذ من بايع محمدأ فيعاقبون ، ثم عاد إلي المعركة من جديد ، فجعل ابن قحطبة يدعوه إلي الأمان ويشح به علي الموت ، وهو يشد بسيفه علي الناس راجلا ، فخالط الناس ، فضربه ضارب علي أليته فحلها ، فرجع الي اصحابه وشق ثوبا فعصبها إلي ظهره ، وعاد إلي القتال ، فضربه ضارب علي حجاج عينه ، فأغمض السيف عينه ، وخر ، فابتدره القوم ، واحتوا رأسه ، فلما قتل ترجل محمد ، وقاتل علي جثته ، حتي قتل .

ص: 142

ولما قتل ابن خضير ، كانت أخته أمينة بنت خضير ، خارج المدينة ، فمر بها رجل مصعد من المدينة ، فسألته : ما فعل محمد ؟ فقال : قتل ، قالت : فما فعل ابن خضير ؟ قال : قتل ، فخرت ساجدة ، فقال لها زوجها : أنسجدين أن قتل أخوك ؟ قالت : نعم ، أليس لم يفر ولم يؤسر ( الطبري 591/7 - 594 و605).

وفي السنة 145 ظهر إبراهيم بن عبد الله بن الحسن بن الحسن ، أخو النفس الزكية ، بالبصرة ، فوجه إليه المنصور عيسي بن موسي في خمسة عشر ألفا، وكان ديوان إبراهيم قد أحصي مائة ألف ، وكان معه لما فصل عن البصرة عشرة آلاف ، ونزل بباخمري ، علي ستة عشر فرسخا من الكوفة ، واشتبك مع الجيش العباسي ، وكان علي ابراهيم قباء زرد ، فآذاه الحر، فحل ازرار قبائه ، وشال الزرد حتي سال عن ثدييه ، وحسر عن لبته ، فأتته نشابة عائرة فأصابته في لبته ، فنحرته ( ابن الأثير 565/5 - 570).

ولما أتي المنصور برأس إبراهيم ، وضعه بين يديه ، وجلس مجلس عاما، وأذن للناس ، فكان الداخل يسلم ، ويتناول إبراهيم فيسيء القول فيه ، ويذكره بالقبيح ، التماسا لرضا أبي جعفر ، وأبو جعفر ممسك ، متغير اللون ، حتي دخل جعفر بن حنظلة ، فوقف ، فسلم ، ثم قال : عظم الله أجرك يا أمير المؤمنين في ابن عمك ، وغفر له ما فرط فيه من حقك ، فأسفر لون أبي جعفر وأقبل عليه ، فقال : أبا خالد ، مرحبا وأه ، ها هنا ( الطبري 648/7 و 649).

وفي السنة 146 دخل العلاء بن مغيث الأندلس ، ولبس السواد ، ودعا للمنصور العباسي ، واجتمع إليه خلق كثير ، فخرج إليه عبد الرحمن الداخل ، وقاتله بنواحي إشبيلية ، فقتل من أصحابه سبعة الاف ، وقتل العلاء ( ابن الأثير 575/5 ).

ص: 143

وفي السنة 147 أغار أستراخان الخوارزمي ، في جمع من الترك ، علي المسلمين بأرمينية ، فقتل كثيرا من المسلمين ، فسير المنصور لمحاربته جبرائيل بن يحيي وعبد الله بن حرب ، فهزم جبرائيل، وقتل أبن حرب (الطبري 7/8 وابن الأثير 577/5 ).

وفي السنة 148 خرج حسان بن مجالد الهمداني ، بنواحي الموصل، فخرج اليه عسكر الموصل، وعليهم الصقر بن نجدة وبلال القيسي والحسن بن صالح الهمداني ، فالتقوا ، فانهزم الصقر ، وأسر الحسن وبلال ، فقتل حسان بلا واستبقي الحسن ، لأنه من همدان ، ففارقه بعض أصحابه لهذا ، ولما بلغ المنصور خروج حسان ، وأنه همداني ، قال متعجبا : خارجي من همدان ؟ وإنما أنكر المنصور ذلك لأن عشيرة همدان عامة شيعة لعلي ، فقيل له : إن خاله حفص بن أشيم وكان من علماء الخوارج وفقهائهم ، فقال المنصور : فمن هناك ( ابن الأثير 584/5 و 585).

أقول : لما خرج حسان، أعانه قوم من أهل الموصل، فعزم المنصور علي إنفاذ الجيوش للفتك بأهالي الموصل، وأحضر أبا حنيفة، وابن أبي ليلي ، وابن شبرمة ، وقال لهم : إن أهل الموصل شرطوا لي أنهم لا يخرجون علي ، فإن فعلوا حلت دماؤهم ، وأموالهم ، وقد خرجوا ، فسكت أبو حنيفة ، وتكلم الرجلان ، فقالا : رعيتك فإن عفوت فكنت أهل لذاك ، وإن عاقبت فيما يستحقون ، فقال لأبي حنيفة : أراك سكت يا شيخ ، فقال له : يا أمير المؤمنين أبا حوك ما لا يملكون ، أرأيت لو أن امرأة أباحت فرجها بغير عقد نكاح ، أكان يجوز أن توطأ ؟ قال : لا ، وكف عن أهل الموصل ( ابن الأثير 85/5 ).

وفي السنة 150 خرج الحسن بن حرب الكندي بتونس علي الأغلب بن سالم التميمي عامل المنصور بها، فالتقي الجيشان ، واقتتلا ، فأصاب الأغلب سهم فقتله ، وأصيب الحسن فقتل كذلك ، وولي أصحابه منهزمين ،

ص: 144

فصلب الحسن ودفن الأغلب وسمي : الشهيد ( ابن الأثير 586/5 و 587 ) .

وفي السنة 150 خرج سعيد اليحصبي علي عبد الرحمن الداخل واستولي علي إشبيلية ، فحصره عبد الرحمن فيها وقتله . فقدم أصحابه خليفة بن مروان ، فدام الحصار عليهم حتي قتل خليفة ( ابن الأثير 588/5 و589 ) .

وفي السنة 150 خرج غياث بن المسير الأسدي ، بالأندلس ، علي عبد الرحمن الداخل، فقاتله عمال عبد الرحمن ، وقتلوه ، وبعثوا برأسه إلي قرطبة ( الأعلام 318/5 ).

وفي السنة 150 خرج أستاذ سيس ، في خراسان ، وهزم عدة من القواد ، فوجه إليه المنصور خازم بن خزيمة ، فاشتبك معه في معركة ضارية ، قتل فيها من أصحاب أستاذ سيس نحوا من سبعين ألفا ، وأسر أربعة عشر أيضا، قدمهم خازم فضرب أعناقهم ، ونزل أستاذ سيس علي حكم أبي عون ، أحد القواد فحكم بأن يوثق أستاذ سيس وأهله وبنوه بالحديد ، وأن يعتق الباقون ، وهم ثلاثون ألفا ، فأجاز خازم حكم أبي عون، وكسا كل واحد منهم ثوبين ( الطبري 29/8 - 32).

وفي السنة 154 قتل أمير إفريقية للمنصور ، عمر بن حفص بن عثمان المهلبي ، وكان يلقبه العجم : هزارمرد ، أي ألف رجل لشجاعته ، دخل القيروان سنة 151 فتكاثر عليه الخوارج ، وحصروه في القيروان، فقاتل حتي قتل ( الأعلام 202/5 ).

وفي السنة 155 قتل أبو حاتم يعقوب بن حبيب الأباظي ، رأس الخوارج الأباظية بإفريقية ، قتله يزيد بن حاتم أمير إفريقيةللمنصور العباسي ( ابن الأثير 5/6).

وفي السنة 156 عصي أهل إشليبية علي عبد الرحمن الداخل فسير إليهم ابن عمه عبد الملك بن عمر ، وبقي عبد الرحمن كالمدد له

ص: 145

فلما قارب عبد الملك أهل إشبيلية ، قدم ابنه أمية ليعرف حالهم ، فرآهم مستيقظين ، فرجع إلي أبيه ، فلامه أبوه علي إظهار الوهن ، وضرب عنقه ، وجمع أهل بيته وخاصته ، وقال لهم : طردنا من المشرق إلي أقصي هذا الصقع، ونحسد علي لقمة تبقي الرمق ، أكسروا جفون السيوف ، فالموت أولي أو الظفر ، فحملوا بأجمعهم ، فهزم أهل إشبيلية ، وظفر عبد الملك ، فقدم عليه عبد الرحمن ، وعبد الملك يسيل جرحه دمأ ، وسيفه يقطر دما ، وقد لصقت أصابع يده بقائم سيفه ، فقبله بين عينيه ، وجزاه خيرا ، وشكره وصاهره ، وموله ( ابن الأثير 9/6 و10).

وفي السنة 161 خرجت المحمرة بجرجان ، عليهم رجل اسمه عبد القهار ، فغلب عليها وقتل بشرة كثيرة ، فغزاه عمر بن العلاء من طبرستان ، فقتله وأصحابه ( ابن الأثير 58/6 ).

وفي السنة 161 سير عبد الرحمن الداخل جيشا إلي دحية الغساني ، وكان عاصيا في بعض حصون البيرة ، فقتله ، وسير جيشأ إلي إبراهيم بن شجرة البرلسي ، وكان قد عصي ، فقتله ، وسير جيشا إلي العباس البربري ، فقتله أيضا ، وعصي بطليطلة القائد السلمي ، أحد قواد عبد الرحمن الداخل ، فسير إليه جيشأ حصره في طليطلة ، وفي أحد الأيام طلب السلمي البراز ، فبرز إليه مملوك أسود ، فاختلفا ضربتين ، فوقعا صريعين ، ثم ماتا جميعا ( ابن الأثير 58/6 و 59).

وفي السنة 161 قتل عبد السلام بن هاشم اليشكري ، بقنسرين ، بعث إليه المهدي جيشأ بقيادة شبيب بن واج المرور وذي ، ألف فارس ، أعطي كل واحد ألفا ، فوافوا عبد السلام بقنسرين ، فقاتلوه فقتلوه ( ابن الأثير 57/6 ).

وفي السنة 168 خرج بأرض الموصل خارجي اسمه ياسين ، من بني تميم ، وهزم عسكر الموصل ، وغلب علي أكثر ديار ربيعة والجزيرة ، فوجه إليه المهدي أبا هريرة محمد بن فروخ وهرثمة بن أعين، فحارباه ، فصبر

ص: 146

لهما ، فقتلاه وعدة من أصحابه وفر الباقون ( ابن الأثير 78/6 ).

وفي السنة 168 ثار أبو الأسود محمد بن يوسف بن عبد الرحمن الفهري ، وكان عبد الرحمن الداخل قد سجنه بسجن قرطبة ، لما فر أبوه ، وقتل أخوه عبد الرحمن، فتعامي في الحبس ، حتي اقتنع الجميع بأنه أعمي ، ثم فر من الحبس ، والتجأ إلي طليطلة، واجتمع له خلق كثير ، واشتبك مع جيش عبد الرحمن الداخل في معركة ضارية ، فانهزم محمد، ومات في السنة 170 وقام بعده أخوه قاسم ، وجمع جمعأ ، ثم جاء إلي عبد الرحمن بغير أمان ، فقتله ( ابن الأثير 6/

وفي السنة 168 قتل أمير مصر للمهدي ، موسي بن مصعب الخثعمي ، وكان ظالما شريرة ، نقم عليه الجند والناس ، وقاتلوه فقتلوه ( الاعلام 283/8)

وفي السنة 169 ظهر الحسين بن علي ، صاحب فخ ، بالمدينة ، دخل المسجد، وجلس علي المنبر ، ثم صلي الغداة ، وجاء الناس لمبايعته ، فجاء خالد البربري القائد ، في جند له عددهم مائتان ، فاقتحم الرحبة ، وقد ظاهر بين درعين ، وبيده السيف مصليا ، وفي منطقته عمود ، وأخذ يصيح بالحسين : أنا كسكاس ، قتلني الله إن لم أقتلك ، وحمل عليهم حتي دنا منهم ، فقام إليه إبنا عبد الله بن حسن ، يحيي وإدريس ، فضربه يحيي علي أنف البيضة فقطعها وقطع أنفه ، وشرقت عيناه بالدم فلم يبصر ، وبرك يذب عن نفسه بسيفه وهو لا يبصر ، واستدار له إدريس من خلفه ، فضربه فصرعه ، وعلوه بسيفيهما حتي قتلاه ، وسلباه درعيه وسيفه وعموده ، وحملوا علي أصحابه فانهزموا ( الطبري 194/8 ) وأقام الحسين بالمدينة أحد عشر يوما ثم غادرها إلي مكة ونادي فيها أيما عبد أتانا فهو حر ، فأقبل إليه العبيد، ثم وقعت المعركة بين أصحاب الحسين والجند العباسي ، فقتل الحسين ، وقتل معه سليمان بن عبدالله بن الحسن المثني جد السليمانيين أصحاب الدولة في تلمسان ، وأفلت من المنهزمين إدريس بن عبدالله ، أبو

ص: 147

الأدارسة بالمغرب ، وقع إلي مصر، وعلي بريدها واضح مولي صالح بن المنصور ، وكان يتشيع ، فحمله علي البريد إلي المغرب ، فضرب الهادي عنق واضح ، وصلبه ( الطبري 198/8 والأعلام 190/3 وابن الأثير 93-90/6)

وفي السنة 171 خرج الصحصح الخارجي بالجزيرة ، وكان عليها أبو هريرة محمد بن فروخ فوجه عسكر إلي الصحصح ، فهزمه صحصح وسار إلي الموصل ، فلقيه عسكرها فظفر بهم وقتل منهم كثيرة ، وعاد إلي الجزيرة فغلب علي ديار ربيعة ، فوجه الرشيد جيشأ بقيادة أبي حنيفة حرب بن قيس ، فاشتبك مع الخارجي في دورين، وقتله، وعزل الرشيد أبا هريرة عن الجزيرة ، وأحضره إلي بغداد ، وقتله ( ابن الأثير 112/6 و 114).

وفي السنة 171 قتلت تغلب القائد روح بن صالح الهمداني، وكان قد استعمله الرشيد علي صدقات تغلب ، وكان قد جري بينه وبين تغلب خلاف ، وجمع جمعا وقصدهم ، فاجتمعوا وبيتوه ، فقتلوه هو وجماعة من أصحابه ، وبلغ ذلك حاتم بن صالح ، وهو بالسكير فجمع جمع كثيرة ، وبيت تغلب ، فقتل منهم خلق كثيرة ، وأسر مثلهم ( ابن الأثير 113/6 ).

وفي السنة 172 خرج سليمان وعبد الله ابنا عبد الرحمن الداخل علي اخيهما هشام بالأندلس ، فجرد إليها جيشأ ، وحصلت بينهم معارك ، ثم إن الحال استقر علي أن يأخذ سليمان أهله وأولاده وأمواله ويفارق الأندلس ، وأعطاه هشام ستين ألف دينار مصالحة عن حصته من تركة أبيه عبد الرحمن ، واجلي عبد الله أيضا عن الأندلس .

ثم خرج بالأندلس علي هشام ، سعيد بن الحسين بن يحيي الأنصاري بشاغنت في شرق الأندلس، فملك طرطوشة، فعارضه موس بن فرتون، واقتتلا ، فانهزم سعيد ، وقتل ، وسار موسي إلي سرقسطة فملكها ، فخرج عليه مولي للحسين بن يحيي ، اسمه جحدر ، فقاتله ، وقتل موسي .

ص: 148

ثم خرج بالأندلس علي هشام ، مطروح بن سليمان بن يقظان

برشلونة ، وجمع جميعأ كثيرة ، فملك سرقسطة ووشقة ، ثم قتله بعض أصحابه وانتهي أمره ( ابن الأثير 116/6 -118 و 123).

وفي السنة 175 خرج الفضل الخارجي بنواحي نصيبين ، وقصد الموصل ، فخرج إليه عسكرها، فهزمهم علي الزاب ، ثم عادوا لقتاله ، فقتلوه وأصحابه ( ابن الأثير 133/6 و 134).

وفي السنة 175 وقعت الفتنة بين المضرية واليمانية بالشام ، وكان رأس المصرية فيها أبو الهيذام عامر بن عبادة بن خريم الناعم ، أحد فرسان العرب المشهورين ، لم ينكسر له جند ، ولم تنكس له راية ، وكان سبب الفتنة ، إن عامل الرشيد علي الشام قتل أخأ لأبي الهيذام ، فخرج أبو الهيذام بالشام ، وجمع جمعة عظيمة، وقال يرثي أخاه :

سأبكيك بالبيض الرقاق وبالقنا**** فإن بها ما يبلغ الطالب الوترا

ولست كمن ينعي أخاه بعبرة**** يعصرها من ماء مقلته عصرا

وإنا أناس ما تفيض دموعنا**** علي هالك منا وإن قصم الظهرا

ولكنني أشفي الفؤاد بغارة ****تلهب في قطري كتائبها جمرا

ودامت المعارك بين المضرية واليمانية سنين ، ثم احتيل علي أبي الهيذام ، بأن كتب اليه أخ له أن يكفت فكف ، وحمله أخوه إلي الرشيد، فمن عليه وأطلقه ومات أبو الهيذام في السنة 182 ( ابن الأثير 127/6 ۔ 133)

وفي السنة 177 قتل بخراسان الحصين الخارجي ، وكان قد خرج في السنة 175 بخراسان، فأرسل إليه عامل سجستان عثمان بن عمارة جيشأ فظفر بهم الحصين ، فكتب الرشيد إلي الغطريف في طلبه ، فسير إليه جيشأ بقيادة داود بن يزيد في اثني عشر ألف ، فهزمه الحصين وكان في ستمائة ، وقتل منهم خلقا كثيرة ، ثم قتل في السنة 177 ( ابن الأثير 124/6 ).

ص: 149

وفي السنة 178 قتل الفضل بن روح بن حاتم، عامل إفريقية للرشيد ، وكان الرشيد استعمله علي إفريقية في السنة 177 ، فأساء السيرة في أهلها ، فخرجوا عليه ، وأمروا عليهم عبدالله بن الجارود ، ويعرف بعبدويه الأنباري واعلنوا بأنهم لم يخلعوا طاعة الرشيد، وإنما يريدون خلع الفضل عنهم ، فسير إليهم الفضل جيشا بقيادة ابن عمه يزيد بن حاتم، فقتلوه، وأسروا من كان معه من القواد ، . وعاد الفضل فسير اليهم عسكرا آخر فانكسر ، وعاد الفضل إلي القيروان منهزمة ، فحصروه في القيروان وقتلوه ، فانقسم الجند إفريقي إلي فئتين، واشتد القتال بينهما ، فوجه الرشيد إلي إفريقية القائد هرثمة بن أعين ، وبعث معه يحيي بن موسي لمحله من أهل خراسان ، فسير هرثمة ابن الجارود إلي الرشيد ، فحبسه ( ابن الأثير 135/6 - 139 ).

وفي السنة 178 خرج بالجزيرة الوليد بن طريف التغلبي ، ففتك بابراهيم بن خازم بن خزيمة بنصيبين ، ثم قويت شوكة الوليد، فدخل أرمينية ، وحصر خلاط ، وأصعد إلي أذربيجان ، ثم انحدر إلي حلوان ، فأرض السواد ، وعبر إلي غرب دجلة ، وقصد مدينة بلد ، وعاث في أرض الجزيرة ، فسير إليه الرشيد ، يزيد بن مزيد الشيباني ، فاشتبك مع الوليد في معركة قتل فيها الوليد ، فلما قتل ، لبست أخته الدرع واعتقلت رمحا ، وحملت علي الناس ، فقال يزيد : دعوها ، ثم خرج إليها ، فضرب بالرمح قطاة فرسها ، ثم صاح بها ، أغربي غرب الله عليك ، فقد فضحت العشيرة ، فاستحيت وأنصرفت ، وقالت في أخيها الوليد قصيدة من أبدع الرثاء وأفجعه ، مطلعها : ( الطبري 261/8 وابن الأثير 141/6 - 143).

بتل نهاكي رسم قبر كأنه**** علي جبل فوق الجبال منيف

تضمن مجدأ عد مليا وسؤددة ****وهمة مقدام ورأي حصيف

وفي السنة 180 خرج خراشة الشيباني ، وحكم بالجزيرة ، فقتله مسلم بن بكار العقيلي ( الطبري 266/8 ) .

ص: 150

وفي السنة 181 استعمل الرشيد علي افريقية محمد بن مقاتل بن حكيم العكي ، ومحمد هذا رضيع الرشيد ، فأساء السيرة في أهلها ، فاختلف عليه الجند ، وقدموا عليهم مخلد بن مرة الأزدي ، فسير إليه محمد بن مقاتل جيش فقاتلوه ، فانهزم مخلد ، واختفي في مسجد، فأخذ وذبح ( ابن الأثير 154/6)

وفي السنة 183 خرج بنسا من خراسان ، أبو الخصيب وهيب بن عبد الله النسائي مولي الحريش ، ثم خرج إلي علي بن عيسي بن ماهان عامل خراسان ، بالأمان ، في السنة 184 فأكرمه ، ثم عاد فخرج ثانية في السنة 185 ، فحاربه علي في السنة 186 فقتله ، وسبي نساءه وذراريه ( الطبري 275 ، 273 ، 272 ، 270/8)

وفي السنة 184 خرج أبو عمرو الشاري ، فوجه الرشيد إليه زهير القصاب ، فقتله بشهر زور ( الطبري 272/8 ).

وفي السنة 185 قتل أهل طبرستان ، عاملها مهرويه الرازي ( الطبري 273/8)

وفي السنة 185 قتل عبد الرحمن الأبناوي ، أبان بن قحطبة الخارجي بمرج القلعة ( الطبري 273/8 ).

وفي السنة 185 خرج حمزة بن اترك الخارجي ، وقصد بوشنج ، فخرج إليه عمرويه بن يزيد الأزدي ، عامل هراة ، في ستة آلاف ، فقاتله ، فهزمه حمزة ، وقتل من أصحابه جماعة ، وقتل عمرويه ، فوجه إليه علي بن عيسي عامل خراسان ولده عيسي ، فقاتله حمزة ، فظفر أولا ، وانهزم أخيرة ، وقتل أصحابه ( ابن الأثير 150/6 و151).

وفي السنة 186 خرج بتونس ، خارجي اسمه حمديس ، ونزع السواد ، وكثر جمعه ، فسير إليه ابراهيم بن الأغلب ، عامل إفريقية ،

ص: 151

عمران بن مخلد ، فنهزم حمديس ، وقتل من أصحابه عشرة آلاف رجل ( ابن الاثير 156/6 ).

وفي السنة 187 خرج عبد السلام بأمد ، وحكم ، فقتله يحي بن سعيد العقيلي ( الطبري 302/8 ) .

وفي السنة 190 خرج سيف بن بكر ، من عبد القيس ، فوجه إليه الرشيد محمد بن يزيد بن مزيد ، فحاربه ، وقتله بعين النورة (الطبري 322/8 وابن الأثير 197/6 ).

وفي السنة 191 خرج بناحية حولايا خارجي اسمه ثروان بن سيف ، فوجه إليه طوق بن مالك ، فهزمه طوق ، وفل جمعه ( الطبري 323/8 ) ثم عاد وجمع ، وقتل عامل السلطان بطف البصرة ( 340/8 ).

وفي السنة 191 غزا يزيد بن مخلد الهبيري ، أرض الروم ، في عشرة آلاف ، فأخذت الروم عليه المضيق ، فقتلوه وخمسين رجلا ( ابن الأثير 205/6)

وفي السنة 192 قتل الرشيد الهيصم اليماني ، أحد الخوارج ، وكان حماد البربري عامل الرشيد علي مكة واليمن قد ظفر به ( الطبري 272/8 و 340 وابن الأثير 209/6 ).

وفي السنة 194 قتل شقيق البلخي الزاهد ، في غزاة كولان من بلاد الترك ( ابن الأثير 237/6 ).

وفي السنة 195 اقتتل جيش الأمين بقيادة علي بن عيسي بن ماهان ، وجيش المأمون بقيادة طاهر بن الحسين ، وقتل علي بن عيسي ، وجيء برأسه إلي طاهر ، وحملت جثته علي خشبة ، وقد شدت يداه إلي رجليه ، كما يحمل الحمار الميت ، فأمر به طاهر ، فلفت في لبد ، وألقي في بئر ، وكتب

ص: 152

طاهر بالفتح إلي ذي الرياستين الفضل بن سهل وزير المأمون : كتبت إليك ، ورأس علي بن عيسي بين يدي ، وخاتمه في إصبعي ، والحمد لله رب العالمين ( الطبري 390/8 - 394 وابن الأثير 195/6 - 244).

وفي السنة 195 لما قتل علي بن عيسي بن ماهان ، وانفل عسكره ، وجه الأمين عبد الرحمن بن جبلة الأبناوي ، في عشرين ألف رجل إلي همذان ، واستعمله عليها ، فسار إليها ونزلها، وتحضن فيها، وحاصره طاهر ، فخرج إليه ، فظفر طاهر به ، وشدد عليه الحصار ، فطلب الأمان ، فأمنه طاهر ، فخرج عن همدان وأقام يتظاهر بالمسالمة ، ثم أغتهم وهم آمنون ، فركب في أصحابه ، وهجم علي طاهر وجيشه، فثبت له طاهر وجنده ، وأقتتلوا أشد قتال ، فقتل عبد الرحمن ، وقتل من أصحابه مقتلة عظيمة ( الطبري 416/8 و 417 وابن الأثير 246/6 - 248 ).

وفي السنة 196 قتل محمد بن يزيد المهلبي ، أمير الأهواز للأمين ، في معركة نشبت بينه وبين طاهر بن الحسين أمير جيش المأمون ( الطبري 434 - 432/8)

معارك العيارين في حصار بغداد الاول

العيار : الشخص الذي لا يهتم بأمور عيشه ، وإنما يعيش كيفما اتفق ، لا يتقيد بالدين ، ولا بالمتعارف بين الناس ، وهو أشبه بمن يسمونهم اليوم بالهيبيين راجع نشوار المحاضرة للقاضي التنوخي ، حاشية 4/1.

وأول ما ظهرت هذه التسمية في السنة 197 عندما حاصر طاهر بن الحسين قائد جيش المأمون بغداد ، وفيها الأمين ، فظهر قوم من العامة البغداديين ، يحاربون عراة ، سماهم الناس ، وسموا أنفسهم بالعيارين، ذكرهم صاحب مروج الذهب 318/2 فقال : ظهر العيارون في الحرب بين

ص: 153

جيش المأمون بقيادة طاهر ، وجيش الأمين ، لما حاصر طاهر بغداد ، وكان العيارون يقاتلون عراة ، وفي أوساطهم التبابين والمازر ، وقد اتخذوا لرؤوسهم دواخل من الخوص ، وسموها الخوذ ، ودرقة من الخوص والبواري قد قيرت وحشيت بالحصي والرمل ، علي كل عشرة منهم عريف ، وعلي كل عشرة عرفاء نقيب ، وعلي كل عشرة نقباء قائد ، وعلي كل عشرة قواد أمير ، ولكل ذي مرتبة من المركوب علي مقدار ما تحت يده ، فالعريف له أناس يركبهم ، غير ما ذكرناه من المقاتلة ، وكذلك النقيب ، والقائد ، والأمير ، وناس عراة قد جعل في أعناقهم الجلاجل، والصوف الاحمر والأصفر ، ومقاود قد اتخذت لهم ، ولجم ، وأذناب من مكانس ومذاب ، فيأتي العريف وقد ركب واحدا ، وقدامه عشرة من المقاتلة ، وعلي رؤوسهم خوذ الخوص ، ودرق البواري ، وتقف النظارة ، ينظرون إلي حربهم مع أصحاب الخيول ، والجواشن ، والدروع ، والتجافيف ، والسواعد، والرماح ، والدرق التبية ، هؤلاء عراة ، وهؤلاء علي ما ذكرنا من العدة .

وذكر صاحب العيون والحدائق 333/3 : إن طاهرأ لما حصر الأمين ببغداد ، وضيق علي أهلها، وأحرق دور من لم ينحز إليه منهم ، ذل البغداديون ، وانكسروا ، وعجزت الأجناد عن القتال ، إلا أهل السوق ، والعراة ، وأهل السجون ، والأوباش ، وأباح الأمين لهم النهب ، وأمرهم باتخاذ التراس من البواري ، والرمي بالمقاليع ، فكانوا يقاتلون ، ويؤثرون في أصحاب طاهر ، وذكر الطبري 457/8 إن أحد أصحاب طاهر من أهل البأس والنجدة ، خرج يوما للحرب ، فنظر إلي قوم عراة لا سلاح معهم ، فاستهان بهم ، واستحقرهم ، وقال لأصحابه : ما يقاتلنا إلا من أري ؟ إستهانة بأمرهم ، وأحتقارا لهم ، فقيل له : نعم ، هؤلاء الذين تري ، هم الأفة ، فقال : أف لكم حين تنكصون عن هؤلاء ، وتخيمون عنهم ، وأنتم في السلاح الظاهر، والعدة والقوة ، ولكم ما لكم من الشجاعة والنجدة ، وما

ص: 154

عسي أن يبلغ كيد من أري من هؤلاء ، ولا سلاح معهم ، ولا عدة لهم ، ولا جنة تقيهم ، فأوتر قوسه وتقدم ، وأبصره بعضهم ، فقصد نحوه ، وفي يده بارية مقيرة، وتحت إبطه مخلاة فيها حجارة ، فجعل الخراساني كلما رمي بسهم ، استتر منه العيار فوقع في باريته ، أو قريبا منه ، فيأخذه ، فيجعله في موضع من باريته ، قد هيأه لذلك ، وجعله شبيهة بالجعبة ، وجعل كلما وقع سهم أخذه وصاح : دانق ، أي إنه أحرز ثمن النشابه دانق ، ولم تزل تلك حالة الخراساني ، وحال العيار ، حتي أنفد الخراساني سهامه ، ثم حمل علي العيار ليضربه بسيفه ، فأخرج العيار من مخلاته حجرا ، فجعله في المقلاع ، ورماه ، فما أخطأ به عين الخراساني ، ثم ثناه بآخر ، فكاد أن يصرعه عن فرسه لولا تحامله ، فكر الخراساني راجعة وهو يقول : ليس هؤلاء بإنس .

وإلي قصة هذا القائد ، وأمثالها ، أشار الشاعر البغدادي ، فقال : ( الطبري 459/8 ) .

لقد ضيقوا من أرضنا كل واسع ****وصار لهم أهل بها وتعصوا

وقد أفسدوا شرق البلاد وغربها ****علينا فما ندري إلي أين نشخص

تري البطل المشهور في كل بلدة**** إذا ما رأي العريان يوما يبصبص

إذا ما رآه شمري مقرلا**** علي عقيبة للمخافة ينكص

وقد وصف عمرو بن عبد الملك العتري ، أحد الشعراء البغداديين ، هذا الجيش من العراة ، وصفة صادقة ، فقال : ( الطبري 458/8 ) .

خرجت هذه الحروب رجالا****لالقحطانها ولا لنزار

معشرة في جواشن الصوف يعدو****ن إلي الحرب الاسود الضواري

وعليهم مغافر الخوص تجزي****ه م عن البيض والتراس البواري

ليس يدرون ما الفرار إذ آلابا ****طال عانوا من القنا بالفرار

ص: 155

واحد منهم يشد علي أل**** فين عريان ماله من إزار

ويقول الفتي إذا طعن الطعن****ة خذها من الفتي العيار

وقد ملح عمرو الوراق ، في وصف الواحد من هؤلاء العراة ، فذكر إنه يرتدي بالشمس ، قال : ( الطبري 469/8 ) .

حبشي يقتل النا****س علي قطعة خيش

مرتب بالشمس**** را ض بالمني من كل عيش

وذكر في قصيدة أخري من قصائده ، الطوائف التي ينتهي إليها هؤلاء العراة فقال : ( الطبري 474/8 ) .

رجعت إلي أعمالها ****الأولي عراة محمد

من بين نطاف وس**** لواط وبين مقرد

ومجرد يأوي إلي ****عبارة ومجرد

ومقيد نقب السجو****ن فعاد غر مقيد

ومسود بالنهب سا****، وكان غير مسود

وقال أيضا : ( الطبري 456/8 ) .

عريان ليس بذي قميص**** بعدو علي طلب القميص

يعدو علي ذي جوشن**** يعمي العيون من البصيص

في كفه طرادة ****حمراء تلمع كالفصوص

ماللكمي إذا لمق****ا تله تعرض من محيص

وقد نظم الخريمي الشاعر البغدادي ، قصيدة اشتملت علي مائة وخمسة وثلاثين بيتا ، تحشر فيها علي بغداد ، ووصفها أيام عمرانها وبهجتها ، وتفجع لما أصابها من جراء هذه الحرب ، ووصف بعض ما شاهده من حروب هؤلاء العراة ، قال : ( الطبري 448/8 ) .

ص: 156

با بؤس بغداد دار مملكة**** دارت علي أهلها دوائرها

محفوفة بالردي منطقة ****بالصغر محصورة جبابرها

يحرقهاذا ، وذاك يهدمها**** ويشتفي بالنهاب شاطرها

والكرخ أسواقها معطلة**** يستن عيارها وعائرها

أخرجت الحرب من سواقطها**** آساد غيل غلبأ تساورها

من البواري تراسها ومن ال****خوص إذا استلامت مغافرها

تعدو إلي الحرب في جوانها الي**** صوف إذا ماغدت أساورها

كتائب الهرش تحت رايته**** ساعد طرارها مقامرها

بمثل هام الرجال من فلق الصخ**** پر برود المقلاع بائرها

والقوم من تحتها لهم زجل**** وهي ترامي بهاخواطرها

وذكر الشاعر بغداد ، أيام كانت دار السلام والاطمئنان :

إذ هي مثل العروس باطنها**** مشوق للفتي وظاهرها

جنة خلد ودار مغبطه**** قل من النائبات واترها

درت خلوف الدنيا لساكنها**** وقل معسورها وعاسرها

فالقوم منها في روضة أنف**** أشرق غب القطار زاهرها

فهل رأيت الجنان زاهرة ****يروق عين البصير زاهرها

وهل رأيت القصور شارعة**** تكن مثل الدمي مقاصرها

محفوفة بالكروم والنخل وال**** ريحان ما يستقل طائرها

فلما أصيبت في هذه الحرب ، أصبحت :

نفر خلاء تعوي الكلاب بها ****ينكر منها الرسوم زائرها

وأصبح البؤس ما يفارقها ****إلفأ لها والسرور هاجرها

أمست كجوف الحمار خالية**** يسعرها بالجحيم ساعرها

أما رأيت الخيول جائلة ****بالقوم منكوبة دوابرها

ص: 157

تعثر بالأوجه الحسان من الي**** مقتلي وعلت دمأ أشاعرها

يطأن أكباد فتية نجد**** تفلق هاماتهم حوافرها

وهل رأيت الفتيان في عرصة المع**** برك معفورة مناخرها

كل فني مانع حقيقته ****تشقي به في الوغي مساعرها

باتت عليه الكلاب تنهشه ****مخضوبة من دم أظافرها

أما رأيت النساء تحت المجاني**** حق تعادي شعثا ظفائرها

عقائل القوم ، والعجائر ، والعن**** س لم تختبر معاصرها

تسأل عن أهلها وقد سلبت ****وابتزعن رأسها غفائرها

وهل رأيت الثكلي مولولة**** في الطرق تسعي والجهد باهرها

في إثر نعش عليه واحدها ****في صدره طعنة يساورها

تنظر في وجهه وتهتف بالٹك**** كل وجاري الدموع حادرها

غرغر بالنفس ثم أسلمها ****مطلولة لا يخاف ثائرها

ثم يتفجع علي أيامها الزاهية ، فيقول :

فأين محروسها وحارسها****وأين مجبورها وجابرها

وأين خصيانها وحشوتها**** وأين سكانها وعامرها

أين الجرادية الصقالب والأحد**** سبش تعدو هد؟ مشافرها

ينصدع الجند عن مواكبها**** تعدو بها شربأ ضوامرها

أين الظباء الأبكار في روضة المد ك**** نهادي به غرائرها

أين غضاراتها ولذتها ****وأين محبورها وحابرها

بالمسك والعنبر اليمان وبال**** بيلنجوج مشبوبة مجامرها

يرفلن في الخير والمجاسد والمو**** شي مخطومة مزامرها

وأين رقاصها وزامرها**** يجبن حيث انتهت حناجرها

تكاد أسماعهم تسك إذا ****عارض عيدانها مزامرها

ص: 158

بدأ حصار بغداد في السنة 197 فنزل القائد زهير بن المسيب بقصر رقة كلوادي ، ونزل هرثمة نهربين ، ونزل عبيد الله بن الوضاح بالشماسية ، ونزل طاهر بالبستان بباب الانبار ، وألح قواد الأمين وقواد طاهر في إحراق الدور والدروب ، وهدمها بالمجانيق والعرادات ، كل فيما يليه ، وفي قتال جري في قصر صالح بين قواد طاهر وقواد الأمين ، قتل من أصحاب طاهر القائد أبو العباس يوسف بن يعقوب البادغيسي، ومن كان معه من القواد والرؤساء المعدودين ، ثم اشتبكوا في معركة بالكناسة ، باشرها طاهر بنفسه، وقتل فيها بشر كثير ، ثم اشتبكوا في معركة بدرب الحجارة ، وكانت لأصحاب محمد ، وقتل فيها خلق كثير ، ثم اشتبكوا في معركة باب الشماسية ، وكانت للعراة أصحاب محمد علي أصحاب هرثمة ، ثم اشتبكوا في معركة بجزيرة العباس ، صدم فيها طاهر ، أصحاب محمد صدمة صعبة ، وغرق منهم بشر كثير في الصراة ، وفي السنة 198 استولي طاهر علي بغداد ونادي بالأمان لمن لزم منزله ، وتحضن محمد الأمين بالمدينة ( مدينة المنصور ) يقاتل ومن معه ، ثم أشار عليه قواده بمبارحة بغداد ، إلي حيث يقاتل في جبهة جديدة ، ثم أشاروا عليه بالإستسلام ، فأختار أن يخرج بالأمان إلي هرثمة ، فغضب طاهر وأضمر أمرأ ، فلما خرج الي هرثمة ، وركب في حراقته ، أغرقها أصحاب طاهر ، وأخذوا الأمين فقتلوه ( الطبري 8/ 445- 447، 454، 455 ،461 ،464 ،469 ،472 ،478)

وفي السنة 200 خرج خارجي من البربر ، بناحية مورور ، بالأندلس ، ومعه جماعة ، فوصل كتاب العامل إلي الحكم بن هشام بن عبد الرحمن الداخل ، صاحب الأندلس بخبره ، فاستدعي الحكم احد قواده ، وأخبره بذلك سرأ ، وقال له : سر من ساعتك هذه الي الخارجي فأتني برأسه ، وإلا فرأسك عوضه ، وأنا قاعد هنا إلي أن تعود ، فسار القائد إلي الخارجي ، وقتله ، وعاد إلي الحكم بعد أربعة أيام ، فوجده بمكانه لم يتحول عنه ( ابن الأثير 318/8 و 319).

ص: 159

وفي السنة 202 قتل علي بن الحسين الهمداني ، وأخوه أحمد، وجماعة من أهل بيته ، وكان متغلبا علي الموصل، فحاربه الأزد بقيادة السيد بن أنس ، فاستنصر علي بخارجي اسمه مهدي بن علوان ، وكانت الدائرة علي علي بن الحسين ، فطردوه من الموصل إلي الحديثة، وتبعه الأزد فقتلوه ، وقتلوا أخاه وجماعة من أهله ( ابن الأثير 349/6 ).

أقول: لما دخل المأمون بغداد ، تظلم إليه محمد بن الحسين الهمداني ، من السيد بن أنس ، وذكر إنه قتل أخوته وأهل بيته، فأحضر المأمون السيد بن أنس ، وقال له : أنت السيد ؟ فقال : السيد أمير المؤمنين ، وأنا ابن انس ، فاستحسن ذلك منه ، وسأله : أنت قتلت أخوة هذا ؟ قال : نعم ، ولو كان معهم لقتلته ، لأنهم أدخلوا الخارجي بلدك ، وأعلوه علي منبرك ، وأبطلوا دعوتك ، فعفا عنه ، واستعمله علي الموصل ( ابن الأثير 359/6 ).

وفي السنة 205 قتل القائد عبد العزيز الجذامي ، وكان يلي الشرطة بمصر في عهد المطلب الخزاعي أمير مصر ، ثم خرج عليه ، واستولي علي الاسكندرية بخمسين ألف جندي ، ودعي له ، واستفحل أمره ، ثم خرج من الإسكندرية في إحدي حروبه ، فانتقضت عليه ، فعاد وحاربها، ونصب عليها المجانيق ، فأصابه فلقة حجر من منجنيقه ، فقتلته ( الاعلام 154/4)

وفي السنة 211 نشبت معركة بين السيد بن أنس ، عامل الموصل للمأمون ، وزريق بن علي بن صدقة الأزدي الموصلي ، المتغلب علي الجبال ، ما بين الموصل واذربيجان ، فخرج إليه السيد في أربعة آلاف ، وكان زريق في أربعين ألفا ، فحين رآهم السيد حمل عليهم وحده ، وكانت هذه عادته أن يحمل وحده بنفسه ، وحمل عليه رجل من أصحاب زريق ، فقتل كل منهما صاحبه . ( ابن الأثير 403/6 و404) .

ص: 160

وفي السنة 213 كانت مصر في ولاية المعتصم ، وخلع بها عبد السلام وابن حليس ، فأمر المأمون، أخاه أبا اسحاق ، فسار إليها ، لأنهما وثبا بعامله البادغيسي فقتلاه ، فلما وصلها قاتلهما، وقتلهما ، ثم عاد ( ابن الأثير 409)

وفي السنة 213 قتل في المعركة ، أبو عبدالله اسد بن الفرات ، قاضي القيروان ، وأحد القادة الفاتحين ، فتح صقلية علي رأس جيش وأسطول إفريقي ، وقتل علي أبواب سرقوسة حيث كان محاصرة لها من البر والبحر (الاعلام 291/1 ).

وفي السنة 214 قتل عمير بن الوليد التميمي ، عامل مصر ، خرج لقتال اهل الحوف ، فقتل في المعركة . ( الاعلام 266/5 ).

وفي السنة 214 خرج بلال الغاني الشاري ، فوجه إليه المأمون ابنه العباس ، في جماعة من القواد ، فقتل بلال ( ابن الأثير 415/6 ).

وفي السنة 214 قتل القائد محمد بن حميد الطوسي ، في المعركة بين الجيش العباسي ، والثائر الفارسي بابك الخرمي ، وقتل جمع من أصحابه ، وقد خلده أبو تمام الطائي بقصيدة كل أبياتها غرر ، مطلعها: ( الطبري 622/8 وابن الأثير 412/6 و 413).

كذا فليجل الخطب وليفدح الأمر**** فليس لعين لم يفض ماؤها عذر

قال فيها :

توفيت الآمال بعد محمد**** وأصبح في شغل عن السفر السفر

وما كان إلأ مال من قل ماله**** وذخرا لمن أمسي وليس له ذخر

وما كان يدري مجتدي جود كفه**** إذا ما استهلت أنه خلق العسر

ألا في سبيل الله من عطلت له**** فجاج سبيل الله وأنثغر الثغر

فتي دهره شطران فيما ينوبه ****ففي بأسه شطر وفي جوده شطر

فتي مات بين الطعن والضرب ميتة**** تقوم مقام النصر إن فاته النصر

ص: 161

وقد كان فوت الموت سه فرده**** إليه الحفاظ المر والخلق الوعر

ونفس تخاف العار حتي كأنما**** هو الكفر يوم الروع أودونه الكفر

فأثبت في مستنقع الموت رجله**** وقال لها من دون أخمصك الحشر

غدا غدوة والحمد نسج ردائه**** فلم ينصرف إلا وأكفانه الأجر

تردي ثياب الموت حمرا فما أتي**** لها الليل إلا وهي من سندس خضر

كأن بني نبهان يوم وفاته ****نجوم سماء خير من بينها البدر

يعون عن ثاو تعزي به العلي**** ويبكي عليه الجود والمجد والشعر

فتي سلبته الخيل وهو حمئ لها**** وبزته نار الحرب وهولها جمر

أقول أبيات القصيدة كلها جديرة بأن تثبت ، ولما توفي أبو تمام بالموصل ، وكان يلي البريد بها ، بني أبو نهشل بن حميد الطوسي علي قبره قبة ( وفيات الأعيان 17/2 ) وهكذا تقارضا الثناء ، اثني أحدهما قولا ، وأثني الأخر فعلا .

وفي السنة 216 قتل هاشم الضراب ، بالأندلس ، وكان قد خرج بطليطلة ، فاجتمع اليه جمع كثير ، واشتدت شوكته ، فسير إليه عبد الرحمن في السنة 214 جيشا فلم يظفر به ، ثم سير إليه في السنة 216 جيشأ آخر ، فقتل هاشم ، وقتل كثير ممن معه ( ابن الأثير 416/6 ).

وفي السنة 218 وجه زيادة الله بن الأغلب ، صاحب إفريقية، جيش المحاربة فضل بن أبي العنبر بالجزيرة ، فاستنجد فضل بعبد السلام بن المفرج الربعي ، وكان عبد السلام مخالف من عهد فتنة منصور ، فأنجده ، والتقوا مع عسكر زيادة الله ، فقتل عبد السلام ، وحمل رأسه إلي زيادة الله ( ابن الأثير 440/6 ).

وفي السنة 219 وجه المعتصم عجيف بن عنبسة لحرب الزط ، الذين كانوا قد غلبوا علي طريق البصرة ، وأخافوا السبيل ، فسار عجيف حتي نزل

ص: 162

تحت واسط ، وسد الأنهار التي كانوا يمرون بها ، وأخذ عليهم الطرق ، وحاربهم ، فأسر منهم في معركة واحدة خمسمائة رجل ، وقتل في المعركة ثلثمائة ، فضرب أعناق الأسري وبعث بالرؤوس إلي باب المعتصم ( ابن الأثير 433/6 ) ثم طلب الزط الأمان ، فأمنهم ، ونقلهم إلي بغداد، وكانت عدة المقاتلة منهم اثني عشر ألفا وكانت عدتهم جميعا مع النساء والصبيان سبعة وعشرين ألفا وأدخلهم بغداد في السفن معبأين علي هيأتهم في الحرب ... فنظر إليهم المعتصم ، ثم نقلوا إلي الجانب الشرقي ، ورحلوا عن طريق خانقين إلي عين زربة ، فأغارت عليهم الروم ، فاجتاحوهم ، ولم يفلت منهم أحد ( ابن الأثير 446/6 ).

وفي السنة 219 سير عبد الرحمن بن الحكم، صاحب الأندلس جيشأ إلي طليطلة ، بقيادة ميسرة ، المعروف بفتي أبي أيوب، فحارب أهل طليطلة ، ونصب لهم كمينا ، فلما خرجوا إليه ، تراجع عنهم ، وأبعدوا ، فلما بلغوا الكمين، خرج عليهم ، فقتل منهم مقتلة عظيمة ، وعاد من سلم منهزمة إلي طليطلة ، وجمعت رؤوس القتلي ، وحملت إلي ميسرة ، فلما رأي كثرتها، ارتاع، واغتم غم شديدا ، فمات بعد أيام ( ابن الأثير 444/6 ).

وفي السنة 222 قتل مالك بن علي الخزاعي ، وكان يلي طريق خراسان ، اشتبك في معركة مع الشراة ، فضرب علي رأسه، فمات ( الأعلام 139/6)

وفي السنة 223 خرج ملك الروم ، في مائة ألف أو أكثر ، إلي بلاد الإسلام ، وأوقع بأهل زبطرة ، وكان بابك قد كتب إليه يحرضه علي حرب المسلمين ، حاسبا أن انشغالهم به يخفف عنه ، ولما فتح ملك الروم زبطرة ، قتل من بها من الرجال ، وسبي النساء والذرية ، وكذلك صنع بملطية وغيرها من حصون المسلمين ( ابن الأثير 479/6 ) .

ص: 163

وفي السنة 223 بلغ المعتصم ما صنع ملك الروم بالمسلمين في زبطرة وغيرها، وبلغه أن امرأة مسلمة صاحت وهي أسيرة في أيدي الروم : وامعتصماه ، وكان جالسا علي سريره ، فنهض وصاح : يا لبيكاه ، وأمر بالنفير ، وركب دابته ، وأمر العسكر باتباعه ، وعسكر بغربي دجلة ، ثم سأل : أي بلاد الروم أمنع ؟ فقيل : عمورية ، فقصدها ، وفتحها عنوة ، وأمر بها فهدمت وأحرقت ( ابن الأثير 480/6 - 488).

وفي السنة 224 عصي ، بأعمال الموصل رجل اسمه جعفر ، من مقدمي الأكراد ، وتبعه خلق كثير ، فسار إليه عبدالله بن السيد بن أنس الأزدي ، عامل الموصل للمعتصم ، فظفر جعفر ، وانفق عسكر الموصل ، وكان فيمن أسره جعفر رجلان ، أحدهما اسمه اسحاق ، وهو صهر جعفر ، والثاني اسمه اسماعيل وهو عم عبد الله بن السيد ، فظن اسماعيل أن جعفر يقتله ، ولا يقتل إسحاق للصهر الذي بينهما ، فأخذ يوصي إسحاق بأولاده ، فقال له إسحاق : أتظن أنك تقتل وأبقي بعدك ؟ ثم التفت إلي جعفر وقال له : أسألك أن تقتلني قبله لتطيب نفسه ، فبدأ به فقتله ، وقتل اسماعيل من بعده ، فلما بلغ المعتصم ذلك ، أمر إيتاخ بالمسير إلي جعفر ، فتجهز وسار إلي الموصل في السنة 225 واشتبك مع جعفر في معركة ضارية ، فقتل جعفر ، وتفرق أصحابه ( ابن الأثير 506/6 - 507).

وفي السنة 225 قتل محمود بن عبد الجبار الماردي ، رأس الثائرين في ماردة ، بالأندلس ، وكان قد خرج بماردة في السنة 213 مع جماعة من أهلها، وقتلوا عاملها ، فسير إليها عبد الرحمن الأموي جيشا هدم سور المدينة ، فأبوا إلي الطاعة ، فلما عاد الجيش عنهم عاودوا العصيان ، وفي السنة 214 حصرها جيش عبد الرحمن فلم يبلغ منها شيئا ، وكذلك في السنة 217 ، وفي السنة 218 عاود حصارها ، ففتحها ، وطرد عنها محمود بن عبد الجبار الماردي ، وقتل كثيرا من رجاله ، فمضي محمود والباقون من

ص: 164

أصحابه إلي مونت سالوط ، فسير إليه عبد الرحمن في السنة 220 جيشأ ، فانحاز محمود وأصحابه إلي حلقب ، ثم عبروا إلي حدود المشركين ، واستولي محمود علي قلعة لهم فأقام فيها وأصحابه خمس سنين ، ثم قصدهم الفونس ملك الفرنج في السنة 225 فملك الحصن ، وقتل محمودة ومن معه ( ابن الأثير 410/6 و 411).

وفي السنة 230 قتل عذيرة بن قطاب السلمي ، مقدم بني سليم ، وكانوا قد عاثوا في المدينة ، فسير إليهم الواثق جيشا ، فدوخهم ، وحبس منهم في القيود بالمدينة ألف رجل ، فنقبوا الحبس وخرجوا منه ، فأحاط بهم أهل المدينة ، وقتلوهم ، وكان رأسهم عذيرة يقاتل وهو يرتجز :

لا بد من زحم وإن ضاق الباب**** الموت خير للفتي من العاب

فقتل وصلب ( الأعلام 13/5 ).

وفي السنة 236 قتل عمرو بن سليم التجيبي ، الثائر التونسي ، في معركة نشبت بينه وبين جيش سيره إليه محمد بن الأغلب أمير إفريقية ، وكان قد سير له قبل ذلك جيشين كسرهما التجيبي ( الأعلام 246/5 ).

وفي السنة 249 قتل في المعارك مع الروم ، بطلان من أبطال الإسلام عمر بن عبيد الله الأقطع ، وعلي بن يحيي الأرمني ، وقتل معهما جمع من أصحابهما ، فهاج الناس ببغداد ، وسامراء ، ونادي عامة بغداد بالنفير ، وفتحوا السجون، وأخرجوا من فيها، وأحرقوا أحد الجسرين ، وقطعوا الأخر، وانتبهوا دار بشر وإبراهيم ابني هارون، كاتبي محمد بن عبد الله بن طاهر ، أمير بغداد ، وفي سامراء ، وثب نفر من العامة ، ففتحوا السجن وأخرجوا من فيه ، وحاربوا الأتراك ، وهزموهم ، ثم سكنت الفتنة . ( الطبري 261/9-263 وابن الأثير 121/7 - 122).

وفي السنة 250 ظهر يحيي بن عمر العلوي ، بالكوفة ، وكان سبب

ص: 165

خروجه سوء المعاملة التي لاقاها من عمر بن فرج الرخجي ، الذي ولاه المتوكل أمر الطالبيين ، فتحرك بالكوفة ، وطرد عاملها ، وحاربه عبدالله السرخسي ، العامل علي معاون السواد ، فضربه يحيي ، فأثخنه ، ففر هاربا ، فوجه إليه محمد بن عبد الله بن طاهر جيشا ، ونشبت معركة ، أسفرت عن يحيي بن عمر قتيلا ، فحمل الرأس إلي محمد بن عبدالله بن طاهر ، فبعث به إلي المستعين بسامراء ، فنصبه بسامراء لحضة ، ثم أخفاه ، خوفا من الناس ، وجلس محمد بن عبدالله بن طاهر ببغداد ، يتقبل التهاني بقتل يحيي بن عمر ، فدخل عليه أبو هاشم داود بن الهيثم الجعفري فقال له : أيها الأمير ، إنك لتهنأ بقتل رجل لو كان رسول الله صلي الله عليه وسلم حيأ، لعزي به ، فلم يرد عليه ( الطبري 266/9 - 270 وابن الأثير 126/7 - 129).

أقول : وفي مقتل يحيي بن عمر ، قال ابن الرومي قصيدته الشهيرة التي مطلعها :

أمامك فانظر أي نهجيك تنهج**** طريقان شتي مستقيم وأعوج

يقول فيها :

أيحيي العلي لهفي لذكراك لهفة**** يعاود مكواها الفؤاد فينضج

أحين تراءتك العيون جلاءها**** واقذاءها أضحت مراثيك تنسج

سلام وريحان وروح ورحمة ****عليك وممدود من الظل سجسج

ولا برح القاع الذي أنت جاره**** برف عليه الأقحوان المفلج

ويا أسفي أن لا ترد تحية ****سوي أرج من طيب رمسك يارج

ألا إنماناح الحمائم بعدما***** ثوي وكانت قبل ذلك تهزج

معارك العيارين في حصار بغداد الثاني

كانت أول معارك للعيارين العراة البغداديين ، في حصار بغداد أول مرة ، في السنة 197 لما حصر طاهر بن الحسين ، قائد جيش المأمون ، بغداد وفيها الأمين ، وقد ذكرنا ذلك في موضعه .

ص: 166

وفي السنة 251 انحدر المستعين ومعه وصيف وبغا إلي بغداد ، منزعجة من تصرفات الجنود والقواد الأتراك ، فلحقوا به في بغداد ، وتوسلوا إليه أن يعود ، فتلكأ ، فعادوا إلي سامراء ، وأخرجوا المعتر من محبسه بالجوسق ، وبايعوه بالخلافة ، وخلعوا المستعين ، فجهز المعتز جيشأ قصد بغداد وحاصرها ، فظهر العراة من العيارين من جديد، واتخذوا لهم خيلا منهم ، يركب القائد علي واحد من العيارين ، ويسير إلي الحرب في خمسين ألف عراة ( مروج الذهب 319/2 ). فأمر المستعين ، أمير بغداد محمد بن عبدالله بن طاهر أن يحضن بغداد ، فتقدم في ذلك ، وأدير عليها السور من دجلة ، من باب الشماسية ، إلي سوق الثلاثاء ، حتي أورده دجلة ، ومن باب قطيعة أم جعفر ، حتي أوردها قصر حميد ، ورتب علي كل باب قائدة وجماعة من أصحابه ، وغير أصحابه ، وأمر بحفر الخنادق حول السورين ، كما يدوران في الجانبين جميعا ، ومظلات يأوي إليها الفرسان في الحر والمطر ، فبلغت النفقة علي السورين والخنادق والمظلات ثلثمائة ألف دينار وثلاثين ألف دينار ، وجعل علي باب الشماسية خمس شاخات ، بعرض الطريق ، فيها العوارض والألواح والمسامير الطوال الظاهرة ، وجعل من خارج الثاني بابا معلقة بمقدار الباب ، ثخينة، قد ألبس صفائح الحديد، وشد بالحبال ، كي إن وافي أحد من ذلك الباب ، أرسل عليه الباب المعلق ، فقتل من تحته ، وجعل علي الباب الأخر عرادة ، وعلي الباب الخارج خمسة مجانيق كبارة ، فيها واحد كبير سموه الغضبان ، وست عرادات يرمي بها إلي ناحية رقة الشماسية ، وصير علي باب البردان ثماني عرادات في كل ناحية أربع ، وأربع شاخات ، وكذلك كل باب من أبواب بغداد، في الجانب الشرقي والغربي ، وجعل لكل باب من أبوابها دهليزا عليه السقائف ، ووكل بكل باب قوادة برجالهم تسعمائة فارس ومائة راجل ، ولكل منجنيق وعرادة رجالأ مرتبين ، يمدون حباله ، ورامية يرمي إن كان قتال .

وفي المعارك التي حصلت حول سور بغداد ، في السنة 251 بين جيش

ص: 167

المعتز ، وجيش المستعين المحصور ببغداد ، أمر محمد بن عبدالله بن طاهر ، أمير بغداد ، ففرض للعيارين ، وجعل عليهم عريفة ، وعمل لهم تراسا من البواري المقيرة ، ومخالي تملأ حجارة ، وكان الرجل منهم يقوم خلف البارية فلا يري منها ، وكان العريف علي أصحاب البواري المقيرة من العيارين ، رجلا يقال له بنتويه ( الطبري 288/9 ) ثم أمر أمير بغداد أن يتخذ العياري أهل بغداد كافر كوبات ( دونكات ) وأن يصير فيها مسامير الحديد ، لأنهم كانوا يحضرون القتال بغير سلاح ، وكانوا يرمون بالأجر ، فقسم الكافر كوبات فيهم، وأثبت أسماءهم، ورأس العيارون عليهم رجلا اسمه بنتويه ، وكنيته أبو جعفر ، ورأسوا عليهم أربعة آخرين ، وهم دونل، ودمحال ، وأبا نملة ، وأبا عصارة ، فلم يثبت منهم إلا بنتويه ، فإنه لم يزل رئيسا علي عياري الجانب الغربي ، حتي انقضي أمر هذه الفتنة ، ولما أعطي العيارون الكافر كوبات ، تفرقوا علي أبواب بغداد ، فقتلوا من الأتراك ومن أتباعهم نحو من خمسين نفرأ، في ذلك اليوم ، وقتل منهم عشرة ، وجرح منهم خمسمائة بالنشاب ، وأخذوا من الأتراك علمين وسلمين ( الطبري 309/9 ) وفي أحد الأيام خرج بنتويه وأصحابه من العيارين من باب قطربل ، فمضوا يشتمون الأتراك حتي جازوا قطربل ، فعبر إليهم جماعة من الأتراك الناشبة ( الضاربون بالنشاب ) في الزواريق ، فقتلوا منهم رجلا ، وجرحوا عشرة ، وكاثرهم العيارون ، بالحجارة حتي اثخنوهم ، فرجعوا إلي معسكرهم ، فأحضر بنتويه في دار ابن طاهر ، وأمر ألا يخرج إلا في يوم قتال وسور ، وأمر له بخمسمائة درهم ( الطبري 310/9 ).

وكان أحد قواد جيش المعتر ، الذي يحاصر بغداد ، واسمه الدرغمان ، شجاعا بطلا ، فذكر القائد المغربي يحيي بن العكي ، إنه كان إلي جنب الدرغمان ، إذ وافاه ناوكي ( سهم ) فأصاب عينه ، ثم أصابه بعد ذلك حجر منجنيق فأطار رأسه ، وحمل ميتا ( الطبري 305/9 )، وكان من جملة هؤلاء

ص: 168

العيارين العراة، الذين يحاربون بالحجارة والمقلاع غلام لم يبلغ الحلم ، معه مخلاة فيها حجارة، ومقلاع في بده ، يرمي عنه فلا يخطيء وجوه الأتراك ، ووجوه دوابهم ، فاجتمع عليه أربعة من فرسان الأتراك يرمونه ويرميهم فلا يخطيء، وتقطر به دوابهم ، فجاءوا معهم بأربعة من رجالة المغاربة ، بأيديهم الرماح والتراس ، فجعلوا يحملون عليه ، ثم داخله اثنان منهم ، فرمي بنفسه في الماء ، ودخلا خلفه ، فلم يلحقانه ، وعبر إلي الجانب الشرقي ( الطبري 313/9)

وفي السنة 251 وجه محمد بن عبدالله بن طاهر ، أمير بغداد ، جيشأ بقيادة الحسين بن اسماعيل ، ليقصد الأنبار ، ويمنع قدوم جيش الأتراك التابع للمعتر منها ليحاصر بغداد ، ووعده أمير بغداد أن يوصل عدد جيشه إلي عشرة آلاف ، وأزاح علته ، وحمل اليه مال ، وأطواق ، وأسورة ، وجوائز ، لمن يبلي في الحرب ، فلاقاهم الأتراك ، وكمنوا لهم كمينا ، وصافوهم ، وقتل من أصحاب الحسين مقتلة عظيمة ، وخرج عليهم الكمين ، فرموا بأنفسهم إلي الفرات ، فغرق منهم خلق كثير ، وحوي الأتراك جميع ما في معسكر الحسين من مضارب وأثاث ، حتي تجارات أهل السوق ، وأنفل جيش الحسين ، فوافي هو والفل الياسرية ، فلقي الحسين رجل من التجار الذين ذهبت أموالهم في عسكره ، فقال له : الحمد لله الذي بيض وجهك ، أصعدت في اثني عشر يوما ، وانصرفت في يوم واحد، فتغافل عنه ( الطبري 323 -319/9)

وفي السنة 253 حكم بالبرازيج مساور بن عبد الحميد، فوجه أمير بغداد إليه جيشين ، أحدهما بقيادة بندار الطبري ، والثاني بقيادة مظفر بن سيسل ، فأراد بندار أن يكون النصر علي مساور خاصا به ، فتعجل مقاتلته ، وقتل من الطرفين كثير ، وفر بندار ، فلحقوه، وقتلوه، ونصبوا رأسه ( الطبري 376 -375/9)

ص: 169

وفي السنة 255 قتل أمير صقلية خفاجة بن سفيان، بعد أن حكم صقلية ثماني سنوات ، وخلفه ولده محمد بن خفاجة ، فقتل في السنة 257 ، وخلفه ولده جعفر بن محمد بن خفاجة ، فقتل في السنة 264 ( معجم انساب الأسرات الحاكمة 106)

المعارك مع صاحب الزنج

وفي السنة 255 كانت حركة صاحب الزنج علي بن محمد الورزنيني ، ودامت حركته خمس عشرة سنة حتي قتل ، وللزنج ، بالبصرة ثلاث ثورات ، الأولي في السنة 71 في آخر أيام مصعب بن الزبير ، وكانوا قلة ، فأخذ بعضهم وقتلوا ، وتفق الباقون ، والثانية في السنة 75 في زمن الحجاج ، وكانوا كثرة ، فتزعمهم رجل اسمه رباح ، ولقبوه شيرزنجي ، يعني أسد الزنج ، وحاربهم صاحب الشرطة بالبصرة ، فهزموه أولا ، ثم هزمهم وفرقهم ، والثالثة كانت في السنة 255 وهي أعظمها ، قام بها علي بن محمد ، وادعي أنه علوي النسب ، وجمع اليه الزنج الذين كانوا يكسحون السباخ بالبصرة ، وهم عشرات ألوف ، فادعي أن الله بعثه لإنقاذهم مما هم عليه من سوء الحال ، ولرفع أقدارهم ، وتمليكهم الأموال والمنازل ، وكان كل من فر إليه من الزنج حرره ، وأكرمه ، وضمه إلي جنده ، وفي أول معركة خاضها، لم يكن معه إلا ثلاثة أسياف ، وكان عدد مهاجميه أربعة آلاف ، وحدث أن أحد أصحابه وهو فتح الحجام، كان يحمل طبقأ فيه بقية طعامه ، فحذف أول من قابله من مهاجميه بالطبق ، ففر المهاجم ، ورمي سلاحه ، وفر الباقون ، وقتل منهم من قتل ، وأسر منهم قوم ، وجيء بهم إلي صاحب الزنج فضرب أعناقهم ، وصار في أيدي الزنج سيوف وبالات وزقايات وتراس ( الطبري 410/9 ۔ 417). واقتتل صاحب الزنج مع اصحاب السلطان ، يقودهم رجل من الأتراك يدعي أبا هلال في سوق الريان ، فانتصر صاحب الزنج ، وهزم أصحاب السلطان ، وقتل منهم ألف وخمسمائة ( الطبري 424/9 ) ثم اشتبك مع

ص: 170

الخول وأصحاب الزينبي ، وكانوا يزيدون علي أربعة آلاف ، فقتل من أصحابه فتح الحجام ، ومن أصحاب السلطان أبو الكباش وبشير القيسي ، ادعي قتلهما علي بن أبان، من أصحاب صاحب الزنج وكانا يقودان القوم ، فانهزم أصحابهما لما قتلا ( الطبري 427/9 ). وسلك علي بن أبان ، في نهر بيان ، فإذا كمين في ألف من المغاربة ، معهم حسين الصيداني ، من أصحاب صاحب الزنج أسيرا ، فلما رأوا الزنج ، شدوا علي الحسين فقطعوه قطعأ ، ثم اقتتلوا مع الزنج ، فأكب عليهم السودان ، فقتلوهم جميعا ( الطبري 428/9 )، وجيء إلي صاحب الزنج بزهير الخول ، قائد أصحاب الخول ، ولم يعرفه، فعرفه به أصحابه ، فأمر به فضربت عنقه ، ثم جيء إليه برأس ابي الليث القواريري ، من رؤساء أصحاب السلطان ، ورأس عبدان الكسبي ، ثم وقعت الدبرة علي الزنج ، فغرق منهم جماعة من قوادهم ، منهم أبو الجون ، ومبارك البحراني ، وعطاء البربري ، وسلام الشامي ، ثم بعث صاحب الزنج ، محمد بن سلم من أصحابه إلي أهل البصرة ، يعظهم ، فقتلوه ، فخطب صاحب الزنج في أصحابه ، وقال لهم : سوف تقتلون به غدا عشرة آلاف من أهل البصرة ، ثم هاجمه رجال السلطان في سميرات وشذا ( جمع شذاءة وشذاوة - نوع من السفن ) فصدهم الزنج صدا عنيفا ، فغرقت منهم طائفة ، وقتلت طائفة ، وهربت طائفة ، فجمع صاحب الزنج القتلي ، وأطلق الجثث في الماء ، فوافت البصرة ، وقوي صاحب الزنج بعد هذا ، وتمكن الرعب في قلوب أهل البصرة منه ، وأمسكوا عن حربه ( الطبري 428/9 ۔ 437). ثم وافي جعلان الي البصرة لحرب صاحب الزنج في السنة 206، فناوشه صاحب الزنج ، فانصرف جعلان الي البصرة ، ودخل الزنج الأبلة ، فقتلوا بها خلقا كثيرة ، وأحرقوها، ومن جملة من قتل ، أبو الأحوص ، وابنه ، وعبدالله بن حميد الطوسي ، وابن له كان في شذاة بنهر معقل ، ثم استولي صاحب الزنج علي عبادان ، ثم قصد جبي ، فقتل ، ونهب ، وأحرق ، وخرب ، ثم وافي الأهواز ، وأميرها سعيد بن يكسين ، وعاملها علي

ص: 171

الخراج إبراهيم بن المدبر، فقر الأمير سعيد، وثبت العامل إبراهيم ، فأسر وفي وجهه ضربة ، وفي السنة 257 جاء سعيد الحاجب ، القائد العباسي ، القتال صاحب الزنج ، فأوقع بالزنج وقعة في نهر المرغاب ، فهزمهم ، واستنقذ ما في أيديهم من النساء والنهب ، ثم انتهز صاحب الزنج غفلة من سعيد الحاجب ، فهاجمه، وطحنه وعسكره ، وقتل منهم مقتلة عظيمة ، فصرف سعيد ، وقدم منصور الخياط القائد الحرب الزنج، فاقتتلوا وكان النصر حليف صاحب الزنج ، ثم وجه صاحب الزنج جيشا إلي الأهواز، بقيادة علي بن أبان ، فقتل شاهين بن بسطام عامل الأهواز ، وابن عم له يقال له حيان وقتل معهما من أصحاب شاهين بشرأ كثيرة ، ثم واقع جيشأ بقيادة إبراهيم بن سيما ففله ، وفر إبراهيم ، ثم هاجم مدينة البصرة ، من ثلاث جهات ، وقتلوا من أصابوا ، واجتمع قوم في دار إبراهيم بن يحيي ، فأمر بهم فقتلوا بأجمعهم، وكان قوادهم يقولون للزنج : كيلوا ، وهي علامة يعرفونها فيمن يأمرون بقتله ، ثم قام قواد صاحب الزنج ، بإحراق المسجد الجامع ، فاحترقت البصرة ، وقتلوا جميع من وجدوه فيها ، فمن كان ذا مال يقرر علي ماله حتي يستخرجه ويقتله ، ومن كان مملقا قتل عاج ( الطبري 470/9 - 488)، وفي السنة 258 قتل صاحب الزنج القائد منصور الخياط ، في معركة ضارية ، وقتل معه أخوه خلف بن جعفر ، ثم قتل القائد مفلح ، أصابه سهم في صدغه فقتله ، وحملت جثته إلي سامراء ، فدفن بها ، وفر أصحابه إثر قتله ، وجاء الزنج إلي صاحبهم برؤوس القتلي يحملونها في أسنانهم ، وجعل الزنج يقتسمون لحوم القتلي ، ويتهادونها بينهم ، ثم أسر يحيي بن محمد البحراني ، من كبار قواد الزنج ، رشق بالسهام، فأصابه منها ثلاثة ، في عضديه وساقه اليسري ، وتسلمه أصحاب السلطان ، فحمل إلي أبي أحمد ( الموفق ) فحمله أبو أحمد إلي سامراء ، فأدخل علي جمل وبنيت له دكة في الحير ، ثم رفع للناس حتي أبصروه ، فضرب بالسياط ، ضرب مائتي سوط بثمارها، ثم قطعت يداه ورجلاه من خلاف ، ثم خبط بالسيوف ، ثم ذبح ، ثم احرق ، وعظم قتل

ص: 172

يحيي علي صاحب الزنج ، وفي السنة 259 دخل المهلبي ، ويحيي بن خلف النهر بطي ، من قواد الزنج ، الأهواز ، فقتلوا بها صاحب المعونة ، وخلقا كثيرة ، وممن قتل القائد نيزك وأصغجون صاحب المعونة ، وفي السنة 261 كانت بين عبد الرحمن ، صهر أبي الساج ، وبين المهلبي ، قائد الزنج ، معركة قتل فيها عبد الرحمن ، ودخل الزنج الأهواز ، فقتلوا أهلها ، وسبوا ، وانتهبوا ، وأحرقوا ، وفي السنة 262 قصد الزنج البطيحة ، ودست ميسان، واشتبكوا في معارك قتل فيها القائد خشيش ، من رجال السلطان ، وقتل أبو تميم أخو أبي عون ، وحصلت وقعة في الأهواز بين الزنج ، وأحمد بن ليثويه ، فقتل كثير من الزنج ، وأصيب قائدهم علي بن أبان بسهم في ساقه ، وقتل فتح غلام أبي الحديد ، من أنجاد الزنج ، كما قتل من أنجاد الزنج وأبطالهم جماعة كثيرة ( الطبري 492/9 - 529) ثم واقع أحمد بن ليثويه ، الخليل بن أبان ، أخا علي بن أبان ، من أنجاد أبطال الزنج ، فكسره أولا ، وقتل كثيرة منهم ، ثم كمنوا له كمين ، فقتلوا من أصحابه جماعة ، وحملت رؤوسهم إلي علي بن أبان ، فوجهها إلي صاحب الزنج ، وفي السنة 264 ولي محمد المولد، واسطأ ، فحاربه سليمان بن جامع ، عامل واسط الصاحب الزنج ، فطرد محمدأ عن واسط ، ودخل الزنج واسط ، فقتلوا بها خلق كثيرة ، وانتهبوها ، وأحرقوها ، وقتل بها كنجور البخاري ، أحد القواد ، وفي السنة 265 واقع أحمد بن ليثويه ، سليمان بن جامع ، قائد الزنج ، فقتل من الزنج سبعة وأربعين قائدة ، وخلقا لا يحصي عددهم ، ودخل الزنج النعمانية ، فأحرقوا سوقها ، وأكثر منازل أهلها ، وسبوا ، وصاروا إلي جرجرايا ، ودخل أهل السواد بغداد، وشخص تكين البخاري الي الأهواز ، واليا عليها ، فصدمه علي بن أبان قائد الزنج ، علي أبواب تستر ، فانكسر الزنج ، وقتلوا ، وهزموا ، وتفرقوا، وانصرف علي مفلو" ، وتسمي هذه الوقعة ، وقعة باب كودك المشهورة ، ثم دهمهم تكين ، وهم علي قنطرة فارس متشاغلين بالطعام والنبيذ ، فأوقع بهم ليلا. وقتل من قوادهم انكلويه ،

ص: 173

والحسين المعروف بالحمامي ، ومفرج المكني أبا صالح ، وأندرون ، وانهزم الباقون ، ثم سار تكين فصدم علي بن أبان في جمعه، فانهزم عنه ، وأسر غلاما لعلي اسمه جعفرويه ، فحصلت من جراء أسر جعفرويه مكاتبة ، بين علي بن ابان ، وتكين البخاري ، فاتهم تكين بممايلته للزنج ، وجاء مسرور البلخي إلي الأهوز، وأمن تكين ، حتي حضر أمامه ، فأمر بأخذ سيفه واعتقاله ، فانقسم جيش تكين ، شطر التجأ إلي الزنج ، وشطر إلي محمد بن عبيد الله الكردي ، عامل يعقوب بن الليث ، فبسط مسرور الأمان لمن بقي ، فلحقوا به ، ومات تكين في الحبس ( الطبري 531/9- 537) وفي السنة 266 ولي أغرتمش ، ما كان تكين البخاري يليه من الأهواز ، فاجتمع اغرتمش، وأبا ، ومطر بن جامع ، علي قتال علي بن أبان ، فانتهوا إلي تستر ، فاستخرجوا من كان في الحبس، ومعهم جعفرويه غلام علي بن أبان ، فقتلوا جميعا ، تولي قتلهم مطر بن جامع ، ثم تصافوا مع الزنج واقتتلوا ، فكانت الغلبة للزنج، واسر مطر بن جامع ، فأخذه بهبود ، وجاء به إلي علي ، فأراد منه مطر أن يستبقيه ، فقال له علي : لو أبقيت علي جعفرويه لأبقيت عليك ، وأمر به ، فأدني منه ، فضرب عنقه بيده ، ثم أرتاب علي بن أبان بمحمد بن عبيد الله عامل رامهرمز للصفار ، فهاجمه ، ودخل رامهرمز ، وفر عنه محمد ، ثم كتب إلي صاحب الزنج ، وحمل إليه مالا ، فأمسك علي عنه ، ثم هاجم علي بن أبان أكراد داربان ، فصدمهم الأكراد صدمة قوية ، فعادوا مفلولين ، وفي السنة 267 غلب الأمير أبو العباس أحمد ( المعتضد فيما بعد ) علي عامة ما كان لسليمان بن جامع ، قائد الزنج ، ثم عسكر أبو أحمد الموفق ، بالفرك ، وقصد المدينة التي سماها صاحب الزنج : المنيعة ، من سوق الخميس ، فهاجمها، وصعد أصحاب أبي العباس علي السور ، ودخلوا المدينة ، وقتلوا ، وأسروا ، وحووا، وهرب الشعراني ، أحد قواد صاحب الزنج ، وعاد أبو أحمد وقد استنقذ من المسلمات زهاء خمسة آلاف إمرأة ، فحملن الي واسط ، ليدفعن إلي أوليائهن ، وفي اليوم الثاني ، هدم

ص: 174

سورها ، وطم خندقها ، وأحرق ما بقي من السفن فيها ، ثم دخل أبو أحمد وأصحابه إلي طهيثا ، ورمي أبو العباس ، أحد قواد الزنج ، أحمد بن مهدي الجبائي بسهم في أحد منخريه، فخرق كل شيء ، ووصل إلي دماغه ، فخر صريعا ( الطبري 549/9 - 572) ، وفي السنة 267 قصد الأمير أبو أحمد ، مدينة سليمان بن جامع التي سماها: المنصورة ، وكان لها خمسة أسوار ، أمام كل سور خندق ، فاقتحمها جند أبي أحمد ، واستحر في الزنج القتل والأسر ، واستنقذ أبو أحمد من نساء أهل واسط وصبيانهم ، وما اتصل بذلك ، زهاء عشرة آلاف ، فحملوا إلي واسط ، ودفعوا إلي أهاليهم ، وهدم أبو أحمد أسوار المدينة ، وطم خنادقها ، ثم توجه إلي الأهواز لطرد الزنج عنها ، فانجلي المهلبي قائد الزنج عنها هاربا ، وكتب صاحب الزنج إلي بهبوذ ، وإليه يومئذ عمل الفندم والباسيان ، يأمره بالقدوم عليه ، فترك بهبود والبحراني جميع الغلات والحبوب والتمر والمواشي ، فحازه أبو أحمد ، وتسلل عدد كبير من الزنج إلي أبي احمد بالأمان ، وفي السنة 297 أسر صندل الزنجي ، من قواد صاحب الزنج ، وكان يكشف وجوه الحرائر المسلمات ورؤوسهن، ويقلبهن تقليب الإماء ، فإن أمتنعت منهن امرأة ، ضرب وجهها ، ودفعها إلي بعض علوج الزنج ، يبيعها بأوكس الثمن ، فلما أتي به أبو أحمد ، أمر به فشت بين يديه ثم رمي بالسهام حتي قتل ( الطبري 588 - 537/9)

وفي السنة 260 قتل عامل الكوفة ، علي بن زيد العلوي ، ، قتله قائد صاحب الزنج ( الطبري 508/9 ).

وفي السنة 260 قتل منجور ، والي حمص ، فاستعمل عليها بكتمر ( الطبري 510/9 )

وفي السنة 260 أصيب العلاء بن أحمد الأزدي ، عامل أذربيجان بالفالج ، فولي السلطان عليها أبا الرديني عمر بن علي بن مر ، فصار إليها

ص: 175

ليتسلمها، فخرج العلاء في قبة لحرب أبي الرديني ، واشتبك معه في معركة ، فقتل العلاء ( الطبري 510/9 و 511).

وفي السنة 261 قتل مساور الشاري ، يحيي بن حفص الذي كان يلي خراسان ، قتله بكرخ جدان ( الطبري 512/9 ).

وفي السنة 262 قصد يعقوب بن الليث الصقار رامهرمز فاستولي عليها ، وتقدم يريد الوصول الي الحضرة ( بغداد )، فجلس أبو أحمد ولي العهد ببغداد ، وأعلن أن أمير المؤمنين وتي يعقوبخراسان وطبرستان وجرجان والري وفارس والشرطة بمدينة السلام ، وكان هذا الإعلان بمحضر من درهم صاحب يعقوب، ولكن يعقوب أصر علي الوصول إلي الحضرة ، ووصل إلي واسط ، فاستعد له المعتمد ، وانحدر من سامراء حتي جاوز بغداد ، وفي اصطربند، اقتتل جيش الخليفة وجيش يعقوب ، فقتل من الطرفين جماعة، فأصابت يعقوب ثلاثة سهام في حلقه ويديه ، وانكسر يعقوب ، وانهزم أصحابه ، وتخلص محمد بن طاهر بن عبدالله بن طاهر ، وكان مثقلا بالحديد في قبضة يعقوب ( الطبري 516/9 - 519).

وفي السنة 265 حصر أحمد بن طولون أنطاكية ، وفيها سيما الطويل ، وكان حسن الأثر ، عظيم النكاية في الروم ، ففتح أحمد أنطاكية ، وقتل سيما ( الطبري 543/9 ).

وفي السنة 268 قتل بهبود بن عبد الوهاب ، أكثر أصحاب صاحب الزنج غارات ، وأشدهم تعرضا لقطع السبيل ، وأخذ الأموال ، أصيب بطعنة من يد غلام أسود ، فهوي إلي الماء ، فابتدره أصحابه ، فحملوه فلم يصلوا به إلي صاحب الزنج حتي مات ( الطبري 609/9 -611).

وفي السنة 268 أسر العلوي المعروف بالحرون في مكة ، وأدخل إلي عسكر أبي أحمد، في أول السنة ، علي جمل ، وعليه قباء ديباج وقلنسوة طويلة (الطبري 613و612/9) .

ص: 176

وفي السنة 270 قتل صاحب الزنج ، علي بن محمد الورزيني ، وقد ظهر في السنة 255 والتف حوله سودان البصرة ، فاستولي علي البصرة ، والأبلة ونزل البطائح ، واستولي علي الأهواز ، وأغار علي واسط ، وبلغ عدد جيشه ثلثمائة ألف مقاتل ، وأستمر مسيطرأ علي جنوب العراق إلي وسطه خمس عشرة سنة ، وقتل في هذه السنة في معركة ضارية ، وحمل رأسه إلي بغداد ( الطبري 654/9 - 660 ).

وفي السنة 270 نزل الروم بناحية باب قلمية ، قرب طرسوس ، وهم مائة الف ، فخرج إليهم يازمان الخادم ، فبيتهم ، فقتل بطريق البطارقة أندرياس ، وبطريق القباذق ، وبطريق الناطلق، وأفلت بطريق قرة وبه جراحات ، وأخذ لهم سبعة صلبان ، من فضة وذهب ، فيها صليبهم الأعظم من ذهب مكلل بالجوهر ، وقيل إنه قتل من الروم سبعون ألفا ( الطبري 666/9)

وفي السنة 277 قتل في كورة البيرة بالأندلس ، سوار بن حمدون بن يحي القيسي المحاربي ، وكان قد ثار بالأندلس ، والتفت حوله بيوتات العرب ( الأعلام 213/3 ) .

وكان موسي بن موسي السامي ، القاضي ، من فقهاء الأباظية بعمان ثار علي الإمام راشد بن النضر اليحمدي ، وشارك في خلعه ، وبايع بالإمامة العزان بن تميم ، فأقره عزان علي القضاء ، ثم عزله ، فثار علي عزان ، ونشبت بينهما معركة ، فقتل موسي في السنة 278 ( الاعلام 283/8 ).

وفي السنة 278 غزا يازمان الروم ، وكان عظيم الغناء ، ماضية في الجهاد ، فأصابته في المعركة شظية من حجر منجنيق أصابت أضلاعه ، وهو محاصر لحصن سلندو ، فإرتحل عسكره ، وكانوا قد أشرفوا علي فتحه ، ومات يا زمان فحمل إلي طرسوس علي أكتاف الرجال ، فدفن هناك (الطبري 27/10)

ص: 177

وفي السنة 280 قتل عزان بن تميم الأزدي ، أحد أئمة الأباطية بعمان قتله في بلاد عمان ، محمد بن بور عامل المعتضد العباسي علي البحرين ، وبعث برأسه إلي المعتضد . ( الاعلام 21/5 ) .

وفي السنة 283 قتل رافع بن هرثمة ، في معركة بينه وبين عمرو بن الليث الصفار ، وأنفذ رأسه إلي بغداد ، وكان رافع أميرة علي خراسان من قبل محمد بن طاهر ، واستولي علي طبرستان في أيام أبي أحمد الموقق ، فلما عزله المعتضد عن خراسان ، عصي ، وخطب لمحمد بن زيد الطالبي ، فقاتله عمرو بن الليث وقتله ( الاسلام 3/ 36).

وفي السنة 285 حاصر محمد بن لب بن موسي بن فرتون ، مدينة سرقسطة ، فقتل علي سورها ، وحمل رأسه إلي الأمير عبد الله بن محمد الأموي بقرطبة ، فأمر بأن ينصب علي باب قصر الخلافة ثمانية أيام ، ثم رفع ( الأعلام 237/7 ) .

وفي السنة 287 قتل محمد بن زيد العلوي ، صاحب طبرستان ، فإنه لما أسر عمرو بن الليث الصفار ، أصبحت خراسان خالية من عامل ، فطمع فيها محمد بن زيد ، واجتاز بجرجان في طريقه إلي خراسان ، فكتب إليه اسماعيل الساماني يسأله أن يعود إلي طبرستان ، وأن يترك جرجان له ، فأبي ، فبعث إليه جيشأ عليه محمد بن هارون ، فاقتتل الجيشان ، وأصابت محمد بن زيد ضربات مات منها ( الطبري 81/10 و 82).

وفي السنة 288 تصدي أحمد بن معاوية من بيت الخلافة الأموية بالأندلس ، ويعرف بابن القط ، للغزو ، فغزا جليقية في جمع من البربر ، وانفل عنه أنصاره ، فثبت وقتل في المعركة ( الاعلام 243/1 ) .

وفي السنة 294 اجتاح القرامطة بقيادة زكرويه القرمطي ، قافلة الحاج الخراسانية، وقتلهم عن آخرهم ، وسبوا من النساء ما أرادوا ، وقتلوا

ص: 178

الباقيات ، ثم انتظر القافلة التي تليها ، فلاقاها ، وحاربهم ثلاثة أيام ، وهم علي غير ماء ، وقتلهم عن آخرهم ، وأرسل خلف المنهزمين يبذل لهم الأمان ، فلما عادوا ، قتلهم أجمعين ، وكان نساء القرامطة يطفن بالقتلي يعرضن الماء فمن كلمهن ، قتلنه ، وبلغ عدد القتلي عشرين ألفا ، وفر من القافلة من لم يفطن له ، ولكن من فر مات في الطريق ، فلما بلغ الخبر المكتفي ، جهز الجيوش ، وسيرهم لقتال القرامطة ، فلقيهم زكرويه ، ونشبت معركة ضارية قتل فيها من القرامطة مقتلة عظيمة ، وأسر زكرويه وهو جريح ، وعاش خمسة أيام ثم مات ، فسيرت جيفته والاسري إلي بغداد . ( ابن الأثير 551 - 548/7)

وفي السنة 294 قتل يعقوب بن الأفلح ، صاحب تاهرت ، من الخوارج الأباضية ، وفر ولده أبو سليمان إلي ورجلان ، ثم أن أبا عبد الله الداعي ، خرب في السنة 296 مدينة تاهرت ( معجم انساب الأسر الحاكمة 101)

وفي السنة 309 حارب الجند العباسي ، ليلي بن النعمان الديلمي ، صاحب جرجان ، فقتل ليلي في المعركة ( ابن الأثير124/8 ).

أقول : كان القائد ليلي بن النعمان الديلمي ، صاحب جرجان ، كريم ، بذالأ للأموال ، شجاعا ، فكثر جنده ، وضاقت الأموال عليه ، فاستولي علي نيسابور ، فأنفذ إليه الساماني قائده حمويه ، فاقتتلوا ، وكانت المعركة لليلي ، ثم انعكست فتفرق جنده ، وقتل ليلي ، وقطع رأسه ، ونصب علي رمح ، ثم حمل إلي بغداد .

وفي السنة 311 دخل أبو طاهر الجنابي ، رأس القرامطة ، البصرة ، في ألف وسبعمائة من القرامطة ، وكان علي البصرة سبك المفلحي القائد ، فركب إليهم ، فحاربوه ، وقتلوه ، ووضعوا السيف في أهل البصرة ، وطرح

ص: 179

بعضهم أنفسهم في الماء فغرقوا ، وأقام أبو طاهر بالبصرة سبعة عشر يوما ، يحمل منها ما يقدر علي حمله من الأموال والأمتعة والنساء والصبيان ، ثم عاد إلي بلده ( ابن الأثير 144/8 ).

وفي السنة 311 سار يوسف بن أبي الساج من أذربيجان إلي الري ، فحارب أخا صعلوك ، أحمد بن علي ، فانهزم أصحاب أحمد، وقتل أحمد في المعركة ، وكان أحمد قد قصد المقتدر ، فأقطعه الري ، ثم بدا له فخالف وأعلن المخالفة ، فأدي ذلك إلي قتله ( ابن الأثير 144/8 ).

وفي السنة 315 قصد أبو طاهر الجنابي القرمطي ، الكوفة ، فهرب منه نواب السلطان ، فدخل الكوفة ، فقصده القائد يوسف بن أبي الساج مع جيش عظيم ، فرأي يوسف قلة القرامطة ، فاستهان بهم ، وتقدم بأن يكتب كتاب الفتح ، فاقتتلوا من ضحوة النهار إلي غروب الشمس ، وصبر أصحاب يوسف فباشر الحرب أبو طاهر بنفسه ومعه جماعة يثق بهم ، فطحن أصحاب يوسف ، فانهزموا ، وأسر يوسف جريحا ، فقتله أبو طاهر ، وقتل جميع الأسري ، ولما بلغ المقتدر خبر الواقعة ، قال : لعن الله نيف وثمانين ألف يعجزون عن ألفين وسبعمائة ( ابن الأثير 170/8 - 173).

وفي السنة 316 قتل الحسن بن القاسم العلوي ، الملقب بالداعي ، آخر رجال الدولة العلوية بطبرستان ، وكان الحسن قد استولي علي الري وقزوين و زنجان وأبهر وقم ، ثم سار يريد الاستيلاء علي طبرستان ، فالتقي بأسفار بن شيرويه الديلمي ، والتحم الجيشان في معركة ضارية ، فانهزم الحسن ، وقائده ما كان بن كالي الديلمي ، ولحق الحسن فقتل، وكان سبب قتله إن معظم أصحابه هربوا من المعركة علي عمد ، لأن الحسن كان يأمرهم بالإستقامة ، ويمنعهم عن ظلم الرعية ، وعن شرب الخمر ، فكانوا يبغضونه لذلك ( ابن الأثير 189/8 ).

ص: 180

وفي السنة 317 قتل فتي عربي كريم ، في موقف من مواقف البطولة والتضحية ، وهو أبو الهيجاء عبد الله بن حمدان ، والد الأمير سيف الدولة ، وكان مع الخليفة القاهر ، لما هاجمه الجند في دار الخلافة ، وأرادوا قتله ، وإعادة المقتدر ، فاستجار القاهر بأبي الهيجاء ، وقال له : يا أبا الهيجاء أتسلمني ؛ فأخذته الحمية العربية ، وقال له : لا والله ، لا أسلمك ، وجرد سيفه ، ونافح دونه ، وهو ينادي : يال تغلب ، أأقتل بين الحيطان ، أين الكميت ، أين الدهماء ، فرشقوه بالسهام ، وقتلوه ( التكملة 60 و61).

وفي السنة 317 وقعت ببغداد فتنة عظيمة بين أصحاب أبي بكر المروزي الحنبلي ، وبين غيرهم من العامة ، ودخل في الفتنة كثير من الجند ، وسبب ذلك إن أصحاب المروزي ، قالوا في تفسير قوله تعالي : عسي أن يبعثك ربك مقام محمود ، هو أن الله سبحانه وتعالي يقعد النبي صلي الله عليه وسلم معه علي العرش ، وقالت الطائفة الأخري : إنما هو الشفاعة ، فوقعت الفتنة ، فقتل بينهم قتلي كثيرة ( ابن الأثير 213/8 ) .

وفي السنة 317 هاجم أبو طاهر القرمطي ، الحجاج بمكة ، يوم التروية ، فنهب وأصحابه أموال الحجاج ، وقتلوهم حتي في المسجد الحرام ، وفي البيت نفسه، وقلع الحجر الأسود وأنفذه إلي هجر، وجاء إليه أمير مكة في جماعة من الأشراف ، فسألوه في أموالهم ، فلم يشفعهم ، فقاتلوه ، فقتلهم أجمعين ، وطرح القتلي في بئر زمزم ( ابن الأثير 207/8 و 208).

أقول : حدث أحد الحجاج ، ممن كان بمكة ، قال : كنت أطوف بالبيت فإذا بقرمطي سكران ، دخل المسجد بفرسه ، فصفر له حتي بال في الطواف ، وجرد سيفه ليضرب به من لحق ، وكنت قريبا منه ، فعدوت ، فلحق رجلا كان إلي جانبي فقتله ، ثم وقف وصاح : يا حمير ، أليس قلتم في هذا البيت من دخله كان آمنا ، فكيف يكون آمنا وقد قتلته الساعة ، قال :

ص: 181

فخشيت من الرد عليه أن يقتلني ، ثم طلبت الشهادة ، فجئت حتي لصقت به ، وقبضت علي لجامه ، وجعلت ظهري مع ركبتيه لئلا يتمكن من ضربي بالسيف ، ثم قلت : إسمع ، قال : قل ، قلت : إن الله عز وجل لم يرد أن من دخله كان آمنا ، وإنما أراد من دخله فأمنوه ، فلوي فرسه وخرج من المسجد ، ما كلمني بشيء ( المنتظم 223/6 ) .

وفي السنة 319 غزا ثمل والي طرسوس بلاد الروم ، فحاربوا جمعأ كبيرة من الروم ، ونصروا عليهم ، فقتل من الروم ستمائة ، وأسروا نحوا من ثلاثة آلاف ، ثم إن ابن الديراني الأرمني ، وكان بأطراف أرمينية ، كاتب الروم وحثهم علي قصد بلاد المسلمين ، ووعدهم النصرة ، فسارت الروم في حشد عظيم ، فخربوا بلاد خلاط ، وقتل من المسلمين كثير ، فبلغ خبرهم مفلحأ غلام يوسف ابن أبي الساج ، وهو واني أذربيجان ، فسار في عسكر كبير ، ومعه كثير من المتطوعة إلي أرمينية ، وقصد بلد ابن الديراني ، وقتل أهله ، ونهب أموالهم ، وتحصن منه ابن الديراني في قلعة له ، وقيل إن مفلح قتل من الأرمن مائة ألف ، وقصدت عساكر الروم سميساط ، فاستصرخ أهلها سعيد بن حمدان ، وكان المقتدر ولاه الموصل وديار ربيعة ، واشترط عليه غزو الروم ، وأن يستنقذ ملطية منهم ، وكان أهل سميساط قد ضعفوا ، فصالحوا الروم ، وسلموا مفاتيح البلد إليهم ، فسار سعيد إلي سميساط ، فوصل إليها وقد كاد الروم أن يفتحوها ، فلما قاربهم هربوا منه ، وسار إلي ملطية وبها جمع من الروم ، ومعهم بني بن نفيس ، وكان بني هذا قد شارك في الإنقلاب ضد المقتدر ، فلما فشل الانقلاب ، فر إلي الروم وتنصر ، فلما أحس الروم باقبال سعيد ، فروا من ملطية ( ابن الأثير 233/8 - 235 ).

وفي السنة 319 خالف لشكري الديلمي ، وقصد أصبهان ، وكان الشكري من أصحاب أسفار بن شيرويه ، ثم استأمن إلي الخليفة ، وكان مع هارون ابن غريب الخال ( خال المقتدر ) في قرميسين ( كرمنشاه ) ، فسيره

ص: 182

هارون إلي نهاوند لحمل مال بها إليه ، فلما صار لشكري بنهاوند ، ورأي غني أهلها ، طمع فيهم ، وصادرهم فأخذ منهم ثلاثة آلاف ألف درهم ، واستخرجها في مدة أسبوع، وجند بها جندة ، وقصد إصبهان ، هاربا من هارون ، وكان الوالي علي إصبهان أحمد بن كيغلغ ، فانهزم أحمد هزيمة قبيحة ، واستولي جيش لشكري علي إصبهان ، وركب لشكري يطوف بسور إصبهان ، فأبصر ثلاثين فارسا يطوفون ، فسأل عنهم ، فقيل إنهم من اصحاب أحمد بن كيغلغ ، فقصدهم ، فإذا فيهم أحمد بن كيغلغ ، فاقتتلا ، فضربه أحمد بن كيغلغ ضربة بالسيف علي رأسه ، قذت المغفر ، والخوذة ، ونزل السيف حتي خالط دماغه ، فسقط ميتا ، وكان أحمد - إذ ذاك . قد جاوز السبعين ، فلما قتل لشكري فر أصحابه من إصبهان علي وجوههم ، وتركوا أثقالهم ، وعاد أحمد إلي إصبهان ( ابن الأثير 229/8 ) .

أقول : ولما كان الشيء بالشيء يذكر ، فقد أورد صاحب الاعلام في كتابه 300/6 إنه روي عن الشريف أبي هاشم محمد بن جعفر بن محمد الحسني ، أمير مكة ( توفي سنة 487 ) ، إنه كان علي غاية من القوة ، ضرب فارسا بالسيف فقطع درعه ، وجسده ، وفرسه .

وقد شاهدت أنا ، في متحف برج لندن ، درع للصدر ( جوشنأ) من الحديد المصمت ، سمكها قدر الإصبع ، وقد خرقتها ضربة من فاس أو طبر ، فأحدثت فيها خرقا واسعا ، يبعث من يبصره علي التعجب من قوة الضربة .

وفي السنة 319 انحدر القائد مؤنس المظفر من الموصل، بعد أن حاربه بنو حمدان بأمر من الوزير الحسين بن القاسم ، وامتنع داود بن حمدان من محاربته ، وقال : يا قوم ، بأي وجه ألقي مؤنسا مع إحسانه العظيم إلي ، والله ، ما آمن أن يجيئني سهم عائر فيقع في هذا الموضع ، ويشير إلي حلقه ، فألح عليه بنو حمدان ، فأشترك في حرب مؤنس ، فجاءه السهم

ص: 183

العائر في الموضع الذي وضع فيه إصبعه ، فذبحه ( تجارب الأمم 233/1 ) .

أقول : كان داود من اشجع الناس ، وكان يلقب بالمجفجف، وفيه يقول بعض الشعراء وقد هجا أميرة : ( ابن الأثير 237/8 - 240 ).

لو كنت في ألف ألف كلهم بطل****مثل المجفجف داود بن حمدان

وتحتك الريح تجري حيث تأمرها**** وفي يمينك سيف غير خوان

لكنت أول فرار إلي عدن**** إذا تحرك سيف من خراسان

وفي السنة 320 قتل الخليفة المقتدر ، وكان ذلك لما قصد مؤنس الخادم الملقب بالمظفر ، بغداد بجيشه ، وخيم بباب الشماسية ( الصليخ ) وأراد المقتدر أن ينحدر إلي واسط ، فرده القائد محمد بن ياقوت ، فبقي في بغداد وهو كاره ، ثم أشار عليه بحضور المعركة ، فخرج وهو كاره ، وبين يديه الفقهاء والقراء معهم المصاحف مشهورة ، وعليه البردة ، فوقف علي تل بعيدا عن المعركة فأرسل إليه قواده مرارا يسألونه أن يتقدم ، فلما ألحوا عليه تقدم ، فإنهزم أصحابه قبل وصوله إليهم ، فلقيه بعض جنود مؤنس ، فضربه أحدهم بالسيف علي عاتقه ، فسقط علي الأرض ، وذبحه بعضهم ، وكان المقتدر ثقيل البدن عظيم الجثة ، فلما قتلوه قطعوا رأسه ، ورفعوه علي خشبة ، وأخذوا ثيابه حتي سراويله ، وتركوه مكشوف العورة ( ابن الأثير 241/8 و242 ).

أقول : لما قتل المقتدر في السنة 320 أراد مؤنس أن يستخلف ولده أبا العباس محمد ، فاعترض عليه إسحاق بن اسماعيل النوبختي ، وقال : بعد الكد والتعب ، استرحنا من خليفة له أم وخالة وخدم يدبرونه فنعود إلي تلك الحال ؟ والله لا نرضي إلا برجل كامل يدبر نفسه ويدبرنا ، وما زال حتي رد مؤنسأ عن رأيه وذكر له أبا منصور محمد بن المعتضد ( القاهر ) فأجابه مؤنس إلي ذلك ، وكان النوبختي في ذلك كالباحث عن حتفه بظلفه ، فإن القاهر

ص: 184

قتله وقتل مؤنسأ ( ابن الأثير 2448).

وفي السنة 322 ظهر بالصغانيان ، رجل ادعي النبوة ، وأتبعه خلق كثير ، فأنفذ إليه أبو علي محمد بن المظفر جيشا فحاربوه ، وضيقوا عليه ، وقبضوا عليه ، وقتلوه ، وحملوا رأسه إلي أبي علي ، وقتلوا خلقأ كثيرة ممن آمن به ( ابن الأثير 8/ 289).

وفي السنة 324 اقتتل القائد ياقوت علي رأس جيش ، مع أبي عبد الله البريدي ، فأنكسر ياقوت ، وقتل في المعركة ، وأسرقواده ، وفيهم غلامه مؤنس فقتلوا ( ابن الأثير 321/8 ).

وفي السنة 325 ورد بجكم القائد التركي ، وكان تحت إمرة الأمير ابن رائق ، أمير الأمراء ، إلي السوس لمحاربة أبي عبد الله البريدي ، وكان مع بجكم مائتان وسبعون رجلا ، فأخرج إليه البريدي ثلاثة آلاف رجل مع غلامه القائد أبي جعفر محمد المعروف بالجمال ، فاقتتلوا بظاهر السوس ، فانهزم أصحاب البريدي ، وعادوا إليه ، فضرب البريدي غلامه محمد الجمال بالنعل ، وقال له انهزمت بثلاثة آلاف من ثلثمائة ؟ وقام إليه وجعل يلكمه بيده ( ابن الأثير 235/8 ).

وفي السنة 326 استولي القائد الديلمي لشكري بن مردي ، علي أذربيجان ، ثم حاربه ديسم بن ابراهيم الكردي ، فانفل جمع لشكري ، وقتل كثير من أصحابه ، وانحاز إلي موقان ، ثم جمع جيشا قصد به بلاد الأرمن ، فكمن له بعضهم في مضيق ، فقتل ، وقتل كثير من عسكره ( ابن الأثير 349/8 و 350) .

وفي السنة 327 قتل بجكم ، أمير الأمراء ، بجنوبي واسط ، وكان قد خرج يتصيد ، فأبصر أكرادة ، فحمل عليهم ، فهربوا من بين يديه ، ورمي هو

ص: 185

أحدهم فلم يصبه ، ورمي آخر فأخطأه ، فأتاه غلام من الأكراد ، وكان لا يعرفه ، فطعنه في خاصرته ، فقتله ( ابن الأثير 371/8 ).

وفي السنة 327 وقعت فتنة بالأندلس ، خلاصتها أن عبد الرحمن الناصر كان له وزير اسمه أحمد بن اسحاق ، فقتله ، وكان أخوه أمية بن اسحاق علي شنترين ، فلما بلغه قتل أخيه عصي فيها ، والتجأ إلي ردمير ملك الجلالقة ، فاستوزره ، وغزا عبد الرحمن الجلالقة ، فانهزموا ، وقتل منهم خلق كثير ، ثم كر الجلالقة عليه ، فقتلوا من أصحاب عبد الرحمن مقتلة عظيمة ، ثم عاود عبد الرحمن تجهيز الجيوش وغزا الجلالقة ، فانتصر عليهم وقتل منهم أضعاف ما قتلوا من أصحابه ، ثم إن أمية استأمن إلي عبد الرحمن فأكرمه ( ابن الأثير 357/8 و 358).

وفي السنة 328 استولي ابن رائق علي الشام ، وقصد مصر ، فوجه إليه الإخشيد أخاه أبا نصر بن طغج في جيش كثيف ، فالتقي بابن رائق ، وانهزم عسكر أبي نصر ، وقتل هو، فأخذه ابن رائق ، وكفنه ، وحمله إلي أخيه الإخشيد، وهو بمصر ، وأنفذ معه ولده مزاحم بن محمد بن رائق ، وكتب إلي الإخشيد كتابة يعزيه به عن أخيه ، ويعتذر عما جري ، ويحلف إنه ما أراد قتله ، وإنه قد أنفذ أبنه ليقيده به إن أحب ذلك ، فتلقي الإخشيد مزاحم بالجميل ، وخلع عليه ، ورده إلي أبيه ، واصطلحا علي أن تكون الرملة وما وراءها إلي مصر للإخشيد ، وباقي الشام لابن رائق ( ابن الأثير 363/8 و 364)

وفي السنة 329 قتل ما كان بن كالي ، صاحب طبرستان ، وكان قد قصد الري ، ليعين وشمكير علي عماد الدولة الذي هاجمه، ولما اشتبكت الحرب ، ترجل ما كان، وابلي بلاء حسنا ، وظهرت منه شجاعة لم ير الناس مثلها ، فأتاه سهم غرب ، فوقع في جبينه ، فنقذ في الخوذة والرأس، حتي طلع من قفاه ، وسقط ميتا ، وفر وشمكير ، وانفل جيشه ، وأنفذ رأس ما كان

ص: 186

إلي بخاري ، والسهم فيه ، ثم حمل إلي بغداد بعد أن قتل بجكم ( ابن الأثير 369/8 و 370).

وفي السنة 332 هاجمت طائفة من الروس مدينة برذعة ، فخرج إليهم عامل البلدة ، ومعه متطوعة من الجند يزيد عددهم علي خمسة آلاف ، فاقتتلوا ساعة، ثم أنهزم المسلمون ، وقتل الديلم عن آخرهم ، واستولي الروس علي البلد ، ونادوا فيه بالأمان ، وبلغ المسلمين المجاورين الخبر ، فقصدوا برذعة ، وحاربوا الروس ، وكان أهل البلد لا يضبطون أنفسهم ، فيرجمون الروس بالحجارة ، ويصيحون بهم ، فلما طال ذلك عليهم ، نادي مناديهم بأن يخرج أهل البلد منه ، وأن لا يقيموا به بعد ثلاثة أيام ، فخرج من كان له ظهر يحمله ، وبقي أكثرهم بعد الأجل ، فوضع الروس فيهم السلاح ، فقتلوا منهم مقتلة عظيمة ، وأسروا بعد القتل بضعة عشر الف إنسان ، وجمعوهم في الجامع ، وقالوا : اشتروا أنفسكم ، وإلا قتلناكم ، وقرروا علي كل رجل عشرين درهما ، فدفع منهم القليل ، وامتنع الباقون ، فقتلهم الروس عن آخرهم ، وغنموا أموال أهل المدينة ، واستعبدوا السبي ، واختاروا من النساء من آستحسنوها ، ولما فعل الروس بأهل برذعة ذلك ، تنادي المسلمون بالنفير ، وحصروهم في برذعة ، وأكمنوا لهم كمينا ، وزاد في الأمر أن تفشي الوباء فيهم ، فاضطر الروس الباقون إلي مبارحة المدينة ، وعلي ظهورهم أحمالهم، وركبوا في سفنهم، ومضوا . ( ابن الأثير 413/8 و 414).

وفي السنة 333 كان سيف الدولة الحمداني بحلب ، فقصده الإخشيد بعسكر ، والتقوا بقنسرين ، واشتبك الجيشان في معركة لم يقتل فيها إلا رجل واحد، هو معاذ بن سعيد ، والي معرة النعمان ، فإنه قصد سيف الدولة في المعركة ، وأراد أن يأسره ، فضربه سيف الدولة بمستوفي كان في يده ، فقتله ( إعلام النبلاء 253/1 ).

ص: 187

أقول : المستوفي عمود من الحديد طوله ذراعان ، مربع الشكل، له مقبض مدور في وسطه .

وفي السنة 334 وقعت الحرب بمدينة بغداد ، بين معز الدولة البويهي ، وجنوده الديلم ، وبين ناصر الدولة الحمداني وجنوده الأعراب والأتراك ، واستعان بالعيارين والعامة ببغداد ، وكان مع الدولة ، بالجانب الغربي ، وناصر الدولة بالجانب الشرقي ، فعبر بعض العسكر من الديلم إلي الجانب الشرقي ، وحاربوا جيش ناصر الدولة، فكسروه ، وملك معز الدولة الجانب الشرقي ، وأعيد الخليفة المطبع إلي داره ، ونهب الديلم أمون الناس ببغداد ، وبلغ مقدار ما نهبوه من أموال المعروفين دون غيرهم ما يزيد علي عشرة آلاف ألف دينار ، وأمر مع الدولة جنوده بالكف عن القتل والنهب ، فلم ينتهوا ، فأمرو أبا جعفر الصميري فركب ، وقتل ، وصلب جماعة ، وطاف بنفسه ، فامتنعوا ( ابن الأثير 453/8 - 455).

وفي السنة 335 علي أثر الحرب بين ناصر الدولة ومعز الدولة ببغداد ، واستيلاء معز الدولة علي بغداد ، تصالح ناصر الدولة ومعز الدولة ،، فغضب الأتراك أصحاب ناصر الدولة ، وأرادوا قتله ، فأصعد إلي الموصل ، فاتفق الأتراك ، ورأوا عليهم تكين الشيرزادي ، وقصدوا ناصر الدولة ، فامتد إلي نصيبين ، ودخل الأتراك الموصل، ثم ساروا في طلبه ، فمضي إلي سنجار ، ثم إلي الحديثة ، والأتراك في طلبه ، واستعان ناصر الدولة بمعز الدولة فبعث إليه جيشا اجتمع به في السن، والتقوا بالأتراك في معركة حادة ، فانهزم تكين والأتراك ، وتبعهم العرب اصحاب ناصر الدولة ، وأكثروا القتل فيهم ، وأسروا تكين الشيرزادي ، وحملوه إلي ناصر الدولة ، فسمله ، فأعماه ، وحمله إلي قلعة من قلاعه فسجنه بها ( ابن الأثير 467/8 ).

وفي السنة 336 قتل أبو يزيد مخلد بن كيداد الزناتي البربري ، الثائر بإفريقية ، وكان قد استولي علي رقادة ، والقيروان ، وسوسة ، وحصر باغاية ،

ص: 188

ثم تراجع وحصر في قلعة كتامة ، وجرح في المعركة ، وحمل إلي المنصور جريحا ، فمات من جراحه ، فأمر المنصور به فسلخ ، وحشي جلده تبنا ، ووضع في قفص ، وجعل معه قردان يلعبان عليه ( ابن الأثير 441-422/8)

أقول : أبو يزيد مخلد بن كيداد بن سعد الله بن مغيث الزناتي النكاري ، ثائر من زعماء الأباظية وأئمتهم ، من قبيلة زناتة ، من مدينة توزر من قسطيلة بإفريقية ، أمه جارية هوارية من السودان ، وقد نشأ بتوزر ، وتعلم القرآن ، ثم سافر إلي تاهرت ، وأقام بها يعلم الصبيان ، ثم انتقل إلي تقيوس ، واشتري بها ضيعة ، وأقام يعلم فيها، ثم بدأ يحتسب علي الناس ، أي يأمر بالمعروف، وينهي عن المنكر ، فصار له أتباع ، وذلك في أيام المهدي ، في السنة 316، ثم كثر أتباعه في أيام القائم بن المهدي ، فصار يغير ، ويحرق ، ويفسد ، وحصر باغاية ، وفي السنة 333 حصر قسطيلة، وفتح تبسة ومجانة ، وأنفذ طائفة من عسكره إلي سبيبة ففتحها، وصلب عاملها ، وسار إلي الأربس ففتحها ونهبها وأحرقها ، واجتمع الناس في الجامع ، فقتلهم فيه ، ثم التقي بجيش سيره القائم مع غلامه بشري ، فهزمه ، وقتل كثيرا من عسكره ، ودخل باجة فأحرقها، وقتل الأطفال ، وسبي النساء ، فخافه كثير من الناس وأطاعوه ، ثم عاد القائم فسير إليه جيش بقيادة غلامه بشري ، فانكسر جيش أبي يزيد ، وقتل منهم أربعة آلاف ، وأسر خمسمائة ، فسيرهم بشري إلي المهدية في السلاسل ، فقتلتهم العامة ، ثم قصد أبو يزيد القيروان في مائة ألف مقاتل ، فدخل البلد ، وقتل كثيرا من أهلها، واستنزل عاملها بالأمان ، ثم قتله ، وخرج شيوخ القيروان الي أبي يزيد ، فسلموا عليه ، وطلبوا منه الأمان ، فماطلهم ، وأصحابه يقتلون وينهبون، فقالوا له : خربت المدينة ، فقال لهم : وما يكون، خربت مكة وبيت المقدس ، وقصده جيش القائم ، بقيادة ميسور ، فكسره أبو يزيد ، وقتل ميسورة ، فطيف برأسه في

ص: 189

القيروان ، ثم فتح سوسة ، وقتل الرجال وسبي النساء ، وأحرقها، وشق فروج النساء، وبقر بطونهن ، ثم حصر المهدية ، ونشبت علي بابها معارك ضارية ، فلم يتمكن من دخولها ، فانسحب إلي ثرنوطة ، واجتمع إليه خلق عظيم من إفريقية والبربر ، ونفوسة ، والزاب ، وأقاصي المغرب ، فعاود حصار المهدية ، ثم زحف إليها ، وجرت معركة ضارية قتل فيها جماعة من قواد القائم ، واقتحم أبو يزيد بنفسه حتي صار قريبة من باب البلد ، فعرفه بعض العبيد ، وصاح : هذا أبو يزيد ، وقبض علي لجام دابته ، فجاء رجل من أصحابه ، وضرب يد الرجل فقطعها ، ونجا أبو يزيد، ولما رأي أبو يزيد شدة قتال أصحاب القائم أمر عامله علي القيروان أن يبعث اليه بما عنده من المقاتلة ، ففعل ، فزحف بهم ، وجري قتال شديد ، فانهزم أبو يزيد هزيمة منكرة ، وقتل جماعة من أصحابه ، ثم عاود الزحف علي المهدية ، وجري قتال عظيم ، فلم يتمكن أحد الطرفين من الظفر وخرج من المهدية ، أكثر التجار ، فكان البربر يأخذون من خرج ، ويقتلونه ، ويشقون بطنه طلب للذهب ، وقصد أبو يزيد قبيلة كتامة ، فحاربهم، وهزمهم ، ثم قل عدد اتباعه ، لأنهم كانوا يتبعونه لينهبوا ، فلما لم يبق شيء ينهب ، تركوه ، وأخرج القائم عسكره لمحاربة أبي يزيد ، فجري بينهم قتال شديد ، فقتل من أصحاب أبي يزيد جماعة ، ثم انعكس الحال ، وانكسر عسكر القائم ، وقتل منهم جماعة ، وعاد أبو يزيد لحصار المهدية ، وهرب كثير من أهلها إلي صقلية ، وطرابلس ، ومصر ، وبلد الروم ، ثم جمع أبو يزيد جموعة عظيمة ، وعاود حصار المهدية ، فتخير الكتاميون مائتي فارس منهم ، وحملوا حملة رجل واحد ، فقتلوا كثيرا من أصحاب أبي يزيد ، وأسروا مثلهم ، وحامي أصحاب أبي يزيد عنه ، فلم يصلوا إليه ، ودخلت السنة 334 وهو مقيم علي المهدية ، وظهر إذ ذاك ، رجل ادعي إنه عباسي ، ودعا إلي نفسه ، وتبعه خلق كثير ، فحاربه أبو يزيد، وظفر به وقتله ، ثم تفرق عنه الكثير من عسكره ، فعاد إلي القيروان ، وعاود جمع الجند ، فلما اجتمع له منهم عدد

ص: 190

صالح ، قصد تونس ، فدخلوها بالسيف، ونهبوا ، وسبوا ، وقتلوا ، وهدموا المساجد، وألقي كثير من الناس أنفسهم إلي البحر ، فغرقوا ، فوجه اليهم القائم جندأ حاربوهم ، فانكسر جيش القائم كسرة قبيحة ، ثم كروا علي أبي يزيد ، فانكسر ، وطردوه من تونس ، وكان لأبي يزيد ولد اسمه أيوب ، فلما بلغه خبر انكسار أبيه بتونس ، أخرج معه عسكرة ، وقصد تونس ، فقتل من بها من أصحاب القائم ، ومن عاد إليها من الناس ، وأحرقها، ثم قصد باجة ، فقتل من بها وأحرقها ، واتفق جماعة علي قتل أبي يزيد، وراسلوا القائم ، فربهم ، ووعدهم ، فاتصل الخبر بأبي يزيد فقتلهم ، وأخذ أولاد أبي يزيد يعتدون علي الناس ، ويغصبون من الرعية نساءهم وبناتهم ثم يقتلونهم ، فضج الناس منه ، واشتبك عسكر القائم ، وعسكر ابي يزيد في عدة معارك ضارية ، قتل فيها من الطرفين خلق كثير ، ثم جمع أبو يزيد عسكرأ عظيمة ، وسار يريد سوسة ، وبها جيش عظيم للقائم ، فحصرها حصرا شديدا ، وكان يقاتل من فيها كل يوم ، فقتل من أهل سوسة خلق كثير ، وتوفي القائم بالمهدية ، وخلفه ولده المنصور ، وكتم موت أبيه ، حتي لا يبلغ أبا يزيد الخبر ، وبعث المنصور جيشا ، ومراكب لأهل سوسة ، وكان أبو يزيد قد أعد الحطب لإحراق السور ، وعمل دبابة عظيمة ، فوصل أسطول المنصور إلي سوسة ، وخرج الجيش كله لقتال أبي يزيد ، فركب بنفسه ، واقتتلوا ، فانهزم أبو يزيد وأصحابه إلي القيروان ، وقتل من جيشه عدد عظيم ، فلما أراد أبو يزيد الدخول إلي القيروان ، منعه أهلها ، وأرادوا قتل عامله ، ففر منهم ، فرحل أبو يزيد إلي ناحية سبيبة ، فدخل المنصور إلي القيروان ، وأمن الناس جميعا ، ثم عاود أبو يزيد جمع الجند ، فكثر جمعه ، واشتبك مع المنصور في عدة معارك ضارية ، قتل فيها من الطرفين خلق عظيم ، وبانت شجاعة المنصور ، ورحل أبو يزيد عن القيروان ، ثم عاد إليها ، فنادي المنصور : من جاء برأس أبي يزيد فله عشرة آلاف دينار ، ثم جرت معارك عدة ، كان النصر فيها مرة لهذا ، ومرة لذاك ، ثم إن أبا يزيد

ص: 191

كتب إلي المنصور أن يوجه إليه عياله الذين خلفهم بالقيروان وحلف له بأغلظ الإيمان ، إنه إن فعل ذلك ، فإنه سيدخل في طاعته ، فأجابه المنصور إلي طلبه ، وبعث اليه عياله مكرمين ، وقد وصلهم وكساهم ، فلما وصلوا إليه ، نكث ما عقده ، وقال : إنما أرسلهم خوفا مني ، ودخلت السنة 335 والقتال علي حاله ، وحصل بين الفريقين قتال لم يسمع بمثله ، وفي آخر المعارك ، انهزم أبو يزيد ، وأخذت السيوف أصحابه ، فقتل منهم أكثر من عشرة آلاف وسار أبو يزيد إلي تاه مريت ، ثم قصد باغاية فأحرقها فقصده المنصور بجيشه، ففر أبو يزيد منه ، حتي وصل المنصور طنبه ، فاستأمن اليه جماعة من كبار أصحاب أبي يزيد ، فأمنهم المنصور ، واستمر الهرب بأبي يزيد حتي وصل إلي جبل البربر ، فاجتمع عليه خلق كثير ، فعاد لمحاربة المنصور ، واشتبك الطرفان في معركة ضارية ، فانهزم أبو يزيد إلي جبل سالات ، والمنصور في أثره ، حتي هرب يريد بلاد السودان ، ثم صعد إلي جبال كتامة ، فتحصن بها ، وأعانه أهلها ، فسير اليه المنصور جيشا ، فانهزم أبو يزيد ، وأسر أولاده ، وأصحابه ، ولحقه فارسان فعقرا فرسه ، فسقط عنه ، فأركبه أصحابه ، ولحقه زيري بن مناد ، فطعنه ، فألقاه ، وكثر القتال عليه ، فخلصه أصحابه ، وكانت حصيلة هذه المعركة قتل عشرة آلاف من أصحاب أبي يزيد ، واشتبك الفريقان في معركة أخري عظيمة ، فانهزم أبو يزيد، واحترقت أثقاله ، فطلع أصحابه علي رؤوس الجبال ، يرمون بالصخر وكثر القتل ، حتي ظن أنه الفناء ، ثم افترقوا علي السواء ، والتجأ أبو يزيد إلي قلعة كتامة ، وهي منيعة ، فاحتمي بها ، فحصره المنصور بها ، وفرق جنده حولها ، وملك أصحابه بعض القلعة ، وألقوا فيها النيران ، وانهزم أصحاب أبي يزيد ، وقتلوا قتلا ذريعة ، ودخل أبو يزيد وأولاده ، وأعيان أصحابه ، إلي قصر في القلعة ، فأحرقت أبوابه ، فخرج أصحابه وهم يحملونه علي أيديهم ، وحملوا حملة منكرة ، فأفرجوا له ، فنجوا به ، فأمر المنصور بطلبه ، فبينما هم كذلك إذ جيء بأبي يزيد ، وذلك

ص: 192

إن ثلاثة من أصحابه حملوه من المعركة ، لقبح عرجه ، ثم تركوه ، ونجوا بأنفسهم ، فذهب لينزل من الوعر ، فسقط في مكان صعب، فأدرك ، وحمل إلي المنصور ، فسجد شكر الله تعالي ، وبقي عنده إلي سلخ المحرم من السنة 336، فمات من الجراح التي به ، فأمر به فسلخ جلده ، وحشي تبنا ، وأدخل في قفص ، وجعل معه قردان يلعبان عليه ( ابن الأثير 441-422/8)

وفي السنة 338. وقعت معركة بين الأمير سيف الدولة الحمداني ، والدوقس الرومي ، واشترك في المعركة أمير دمشق صصمصامة ، معونة لسيف الدولة ، فقتل الدوقس ، وقتل من عسكره أربعة عشر ألفة ، وأسر منهم خلق كثير ( خطط الشام 218/1 و 219).

وفي السنة 341 قتل مؤسس الإمارة المكناسية بمراكش ، موسي بن أبي العافية ، وكان عبيد الله بن المهدي قد قدمه ، وزاد في ملكه مدينة فاس ، وصار في حوزته من أحواز تيهرت إلي السوس الأقصي ، فانتقض علي المهدي ، وخطب لعبد الرحمن الناصر الأموي ، فسير اليه المهدي جيشأ حاربه ، وقتله ( الاعلام 274/8 ).

وفي السنة 351 فتح الدمستق حلب ، وأسر بضعة عشر ألفأ ، وكان معه ابن اخت الملك ، فأصر علي اقتحام القلعة ، وترجل ، وصعد إلي باب القلعة ، فلما قرب من الباب ، فتحوا الباب وأرسلوا عليه حجرا فأصابه ، ثم رموه بخشت فنشب في صدره وقتله ، فعمد الدمستق إلي جميع الأسري فقتلهم ، وعاد إلي بلاد الروم ( تجارب الأمم 193/2 و 194).

وفي السنة 354 قتل أبو الطيب المتنبي ، أحمد بن الحسين الجعفي الكندي ، وابنه محد، وغلامه مفلح ، بالقرب من دير العاقول في سواد العراق ، وكان عائدا من عضد الدولة في فارس ، فقطع عليه الطريق ، وقتل وأصحابه في المعركة ( الاعلام 111/1 ).

ص: 193

أقول : أورد صاحب نشوار المحاضرة ، وأخبار المذاكرة ، في المجلد الرابع في الصفحة 248 - 251 خبر مقتله ، وسبب قتله ، وأورد أسبابة ثلاثة أولها : إنه كان معه مال كثير ، وقطع عليه الطريق من أجل ما معه من المال ، وثانيها : إن عضد الدولة دس عليه من قتله ، والثالث : إنه هجا ضبة الأسدي فأقام له من قتله ، وكنت قد علقت علي ما أورده التنوخي ، ونقلت ما أثبته صاحب اليتيمة 240/1 بأن المتنبي ارتحل من شيراز بحسن حال ، ووفور مال ، ولم يقبل ما أشير به عليه من الإحتياط باستصحاب الخفراء والمبذرقين ، فخرج عليه أعراب قتلوه ، وفازوا بأمواله ، وهذا هو القول الراجح في مقتل المتنبي ، فإن قاطع الطريق لا يهمه من يسلب ، وإنما يهمه ما يسلب، ولعل الذين فتكوا بالمتنبي ، قتلوه وهم لا يعرفونه ، أما القول بأن عضد الدولة دس إليه من قتله ، فقول لا يعلق بقبول ، وأما القول بأنه هجا ضبة ، وأن ضبة قتله ، أو دس إليه من قتله ، فالمشهور أن الذي قتله لص من بني أسد، اسمه فاتك ( وفيات الأعيان 105/1 ) ولا علاقة بين فاتك وبين ضبة الذي لم يكن من بني أسد، وإنما هو ضبة بن يزيد العيني ( شرح ديوان المتنبي 723)، وقد كان المتنبي لا يفصح عن نسبه ، محتجا بأنه يخبط القبائل ، ويطوي البوادي ، فهو لا يأمن - إذا انتسب - أن يأخذه بعض العرب بطائلة بينه وبين من انتسب إليه ( نشوار المحاضرة 4 ص 245). والذي يكون علي هذه الدرجة من التحقظ ، لا يمكن أن يقذع في هجاء قاطع طريق ، ثم يمر بدياره .

وفي السنة 355 خرج أهل أنطاكية عن طاعة الأمير سيف الدولة الحمداني ، فحاربهم ، وأخضعهم ، وقتل منهم خمسة آلاف ( خطط الشام 221/1)

وفي السنة 355 نصب أهل عمان أميرا عليهم يعرف بابن طغان ، وكان من صغار القواد ، وأدناهم مرتبة ، فلما استقر في الأمرة ، استأصل من كان

ص: 194

فوقه من القواد ، فقتل بعضهم ، وغرق بعضهم ، وقدم البلد ابنا أخت لرجل ممن قد غرقهم ، فدخلا عليه في يوم أيام السلام فلما تقوض المجلس قتلاه ، فاختار الناس عبد الوهاب بن احمد بن مروان ، فولي الإمارة بعد امتناع منه ، واستكتب كاتبأ اسمه علي بن أحمد ، كان مع القرامطة ، فأنشأ علي ، فتنة بين الجنود البيض والسودان ، كانت عاقبتها أن نفي الأمير عبد الوهاب من البلد ، وتأمر فيها علي بن أحمد ، حتي بعث إليها معز الدولة جيشأ فاحتل. عمان ، وقتل من أهلها مقتلة عظيمة ، وأحرق مراكبهم وهي تسعة وثمانون مركبا ( ابن الأثير 567/8 و 568).

في السنة 356 قبض أبو تغلب الحمداني ، علي أبيه ناصر الدولة ، ورفعه إلي إحدي القلاع ، ( أي حبسه بها)، فاختلف مع بعض أخوته من جاء ذلك ، وكان أخوه حمدان ممن خالفه فقبض أبو تغلب أمواله ، وسير أخاه أبا البركات لمحاربة حمدان الذي كان في الرحبة ، فلما قرب أبو البركات من الرحبة ، فر حمدان منه ، والتجأ إلي بختيار البويهي ببغداد ، فأصلح بختيار بين حمدان وأبي تغلب ، وعاد حمدان الي الرحبة ، ثم عاد الإختلاف ، فعاود أبو البركات احتلال الرحبة ، فكر عليه حمدان ، واقتتلا ، فقتل حمدان أخاه أبا البركات ، وبعث بجثته الي الموصل ( ابن الأثير 634 -631/8)

وفي السنة 357 جرت نفرة بين أبي المعالي بن سيف الدولة بن حمدان ، وبين خاله أبي فراس الحارث بن سعيد الحمداني ، فبعث إليه مولاه قرغويه مع أعراب ، واقتتلوا، فقتل أبو فراس في المعركة ( ابن الأثير 588/8)

وفي السنة 358 سيرة المعز لدين الله الفاطمي ، غلامه جوهرة الصقلي ، في جيش كثيف إلي الديار المصرية فاستولي عليها ، وسير جعفر

ص: 195

بن فلاح الكتامي إلي الشام ، فاشتبك في معارك عديدة ، وفتح الرملة وطبرية ودمشق ( ابن الأثير 591/8 و 592).

وفي السنة 360 قتل في معركة بالشام ، أبو علي جعفر بن فلاح الكتامي ، أحد قواد المعز الفاطمي ، قتله الحسن بن أحمد القرمطي ( الأعلام 121/2 ).

وفي السنة 360 قتل زيري بن مناد الصنهاجي الحميري ، أول ملوك الصنهاجيين بالمغرب الأوسط، قتل في المعركة التي نشبت بينه وبين جعفر بن علي الأندلسي ، وزيري هو جد معد بن باديس ( الأعلام 103/3 و 104)

وفي السنة 365 جمع خزرون بن قلقول الزناتي ، جمعأ كبيرة ، وفتح سجسلماسة ، وقتل صاحبها ( ابن الأثير 666/8 ).

وفي السنة 365 قتل ملك زناتة ، واسمه عبس بن أم الأنصار ، وكان مشعبذأ ، وادعي النبوة ، وشرع لهم شريعة ، فغزاه بلكين ، واشتبك معه في حروب عظيمة ، فظفر بلكين، وقتل ملكهم عبس ، وهزم عساكره ، وقتلهم قتلا ذريعا (ابن الأثير 666/8 ).

وفي السنة 365 قصد افتكين القائد التركي ، صاحب دمشق ، مدينة صيدا ، فحصرها، وبها أبن الشيخ ومعه رؤوس المغاربة ، فانتصر افتكين ، وقتل منهم أربعة آلاف ( خطط الشام 231/1 ).

وفي السنة 366 قتل بختيار البويهي ، ابن مع الدولة ، في معركة بينه وبين ابن عمه عضد الدولة بن ركن الدولة ، وتفصيل ذلك إن ركن الدولة توفي في السنة 366 وخلفه ولده عضد الدولة ، فقصد العراق ، لبطرد عنه ابن عمه بختيار ، والتقي الجيشان في الأهواز ، فانكسر عسكر بختيار ، وملك عضد الدولة البصرة ، فأصعد بختيار إلي بغداد ، وتركها يريد الشام ، فدخل

ص: 196

عضد الدولة بغداد ، ثم قرر بختيار المقاومة، واتفق مع أبي تغلب الحمداني ، واشتبكا مع عضد الدولة في معركة بقصر الجص بنواحي تكريت، فقتل بختيار ، وفر أبو تغلب ( ابن الأثير 661/8 ).

وفي السنة 369 قتل أبو تغلب الحمداني ، الغضنفر بن ناصر الدولة ، قتله دغفل بن المفرج الطائي ، وبعث برأسه إلي مصر، وكان بعد أنكساره في موقعة قصر الجص قد لجأ إلي نصيبين ، ثم أصعد إلي ما فارقين ، ثم إلي بدليس ، ثم جاء إلي قلعة كواشي ( أرد مشت ) ثم أصعد إلي خرتبرت ، فاشتبك في معركة مع صاحبها دغفل بن المفرج الطائي ، وضرب علي رأسه فسقط ، وقتل ( ابن الأثير 699/8 و 700).

وفي السنة 371 قتل الأمير أبو القاسم علي بن الحسن بن علي ، أمير صقلية ، في معركة بينه وبين بردويل ملك الفرنج ، وقتل معه جماعة من أعيان الناس وشجعانهم ، أصابته ضربة علي أم رأسه فقتل ، فعاود أصحابه المعركة مصممين علي الظفر ، فظفروا ، وقتل من الفرنج نحو أربعة الأف قتيل، وأسر من بطارقتهم كثير ، وغنموا من أموالهم كثيرة ، ( ابن الأثير 13/9 و14).

أقول : ذكر صاحب الأعلام 80/5 إن الوقعة حصلت في السنة 372 وإن المعركة كانت مع الامبراطور أوطون الألماني .

وفي السنة 373 غزا الحاجب المنصور ابن أبي عامر بالأندلس ، مدينة ليون ، ففتحها بعد معارك ضارية ، وقتل فيها من الإفرنج ما لا يحصي ، وكان السبي ثلاثين ألفا ( ابن الأثير 33/9 ).

وفي السنة 375 قبض صمصام الدولة ببغداد ، علي أبي بكر بن شاهويه ، نائب القرامطة ببغداد ، وكان يتحكم تحكم الوزراء ، فقصد اسحاق وجعفر البحريان ، وهما من الستة القرامطة الذين يلقبون بالسادة الكوفة ،

ص: 197

فملكاها ، وذكرا إن القبض علي نائبهم هو السبب في قصدهم العراق ، ثم وصل أبو قيس الحسن بن المنذر ، وهو من أكابر القرامطة إلي الجامعين ، فسير إليه صمصام الدولة جيشا ، فقاتلوه ، وهزموه ، وأسر أبو قيس وجماعة من قواده فقتلوا ، فسير القرامطة جيشأ آخر في عدد كثير وعدة ، فلاقاهم عسكر صمصام الدولة في الجامعين أيضا ، فأجلت الواقعة عن هزيمة القرامطة ، وقتل مقدمهم ، فزال ناموسهم من ذلك الحين ( ابن الأثير 42/9 و43 ).

وفي السنة 380 هاجم باد الكردي ، الموصل ، ونشبت معركة بينه وبين الحمدانيين حكام الوصل ، فقتل عبد الله حاجب باد ، وكان يلقب عروس الخيل ، ففجع به ، ثم سقط باد عن فرسه ، فانكسرت ترقوته ، وقتل ، وقطعت يده ورجله وحملت إلي بغداد ، وصلب بدنه علي باب دار الإمارة بالموصل ، فثار العامة ، وقالوا : هذا رجل غاز ، فلا تحل المثلة به ، فحط ، وكقن ، وصلي عليه ، ودفن ، وظهر من محبة العامة له بعد هلاكه ، شيء طريف ( ابن الأثير 70/9 و 71ذيل تجارب الأمم 176 - 178 ).

وفي السنة 380 استولي أبو الذواد محمد بن المسيب ، أمير بني عقيل علي الموصل ، وقتل أبا طاهر بن ناصر الدولة الحمداني ، وقتل أولاده ، وعدة من قواده بعد قتال جري بينهما ( المختصر لابي الفداء 127/2 ).

أقول : الذي في تاريخ ابن الأثير 72/9 : إن أبا الذواد قصد أبا طاهر لما وصل إلي نصيبين ، فأسره وعلي ابنه والمزعفر أمير بني نمير ، وقتلهم صبرا .

وفي السنة 381 نشبت معركة عنيفة بين الجند الفاطمي ، والروم ، علي نهر العاصي ، فانتصر الروم ، فأقدم أحد الأكراد وأسمه أحمد بن الضجاك علي الدوقس زعيم الروم ، وتقدم منه، وهو يحسبه مستأمنأ أو

ص: 198

مستجيرة ، فلما دنا منه ، حمل عليه ، وضربه بخشت في بده ، فأصاب منه مقت ، فأعاد الجند الفاطمي الكرة ، وانتصروا ( ذيل تجارب الأمم 228) .

أقول : أورد ابن الأثير 121/9 ذكر هذه المعركة في اخبار السنة 386، وأورد صاحب خطط الشام 237/1 خبر معركة قال إنها حصلت في السنة 382 بين الجند الفاطمي وجيش الروم، لا أدري أهي المعركة عينها ، أم غيرها قال : وفي السنة 382 سير العزيز الفاطمي، من مصر ، جيشأ يقوده منجوتكين ، لطرد الحمدانية من الشام ، فكتب أبو الفضائل الحمداني ، إلي ملك الروم ، يستعين به علي دفع الفاطميين ، فأنجده ، فسار منجوتكين وواجه الروم منفردين ، وأوقع بهم ، وجمع من رؤوس قتلاهم عشرة الاف رأس .

وفي السنة 382 قتل بأستراباذ السلطان طغاتيمور ، صاحب مازندران واستراباذ ، في معركة حصلت بينه وبين السربداريين ( معجم انساب الأسر الحاكمة 382) .

وفي السنة 388 حصر الدوقس قائد الروم مدينة أنطاكية ، فاستعان صاحبها بجيش بن الصمصامة ، أمير دمشق ، فأنجده ، ونشبت معركة استظهر فيها الدوقس أولا ، ثم عادت الهزيمة علي جيشه ، فقتل منهم زهاء ستة آلاف ، وفي رواية عشرة آلاف ، وقتل الدوقس ، وأسر أبناؤه ، وجماعة من قواده ، وحملوا إلي مصر ، فأقاموا بها عشر سنين ، حتي أطلقوا في الفداء ( خطط الشام 240/1 و241).

وفي السنة 389 حصر زيري بن عطية ، الملقب بالقرطاس ، تاهرت بالمغرب ، فسير إليه باديس ، صاحب إفريقية ، جيشأ ، فانكسر جيش باديس ، وتحرك عليه فلفل بن سعيد بن خزرون الزناتي ، عامل طنبة ، وجمع جمعة كبيرة من البربر وزناته ، فالتقوا بوادي أغلان ، وكان بينهم حروب

ص: 199

عظيمة لم يسمع بمثلها ، ثم انتصر باديس ، وأنهزم البربر وزناته هزيمة قبيحة ، وإنهزم فلفل، وقتل من زويلة تسعة آلاف قتيل سوي من قتل من البربر ( ابن الأثير 152/9 و153).

وفي السنة 390 سار يمين الدولة محمود بن سبكتكين إلي سجستان ، وحصر صاحبها خلف بن أحمد، وسبب ذلك إن يمين الدولة اشتغل بالحروب ، فسير خلف بن أحمد ولده طاهرة إلي قهستان فملكها ، وملك بوشنج ، وكانت هي وهراة لبغراجق عم يمين الدولة ، فاستأذنه عمه في طرد طاهر من ولايته ، فأذن له، فسار إليه في جيش ، فانهزم طاهر ، وألح بغراجق في طلبه ، فعطف عليه طاهر ، وقتله ، ونزل إليه فأخذ رأسه ، فلما سمع يمين الدولة بقتل عمه ، عظم لديه ، وكبر عليه ، وجمع عساكره ، وقصد خلف بن أحمد ، فتحصن منه بحصن أصبهبذ ، وهو حصن يناطح النجوم ، فحصره وضيق عليه ، فذل وخضع ، وبذل أموالا جليلة، لينفس عن خناقه ، فأجابه يمين الدولة ، ثم تقاعس خلف عن تنفيذ ما تعهد به ، فقصده يمين الدولة في السنة 393 وهو في حصن الطاق ، وهو حصن له سبعة أسوار محكمة ، يحيط بها خندق عميق عريض ، لا يعبر عليه إلا من طريق علي جسر يرفع عند الخوف ، فنازله ، وضايقه ، وطم الخندق في يوم واحد ، وعبر إلي السور الأول ، فتقدم أعظم الفيول إلي باب السور فاقتلعه بنابيه وألقاه علي الأرض ، ولم تزل الفيلة تدفعه عن سور سور ، فأرسل خلف يطلب الأمان ، ونزل مستسلمة ، فخيره في الموضع الذي يريد أن يقيم فيه ، فاختار الجوزجان ، فسيره إليها ، وأقام بها نحو أربع سنين ، ثم ظهر إنه يراسل ايلك الخان ، ويغريه بقصد يمين الدولة ومحاربته ، فنقله إلي جردين ، واحتاط عليه ( أي انه اعتقله ) إلي أن أدركه أجله في السنة 399 ( ابن الأثير 173 - 159/9)

أقول : للاطلاع علي حقيقة خلف بن احمد هذا ، راجع ما أثبتناه

ص: 200

عنه ، في هذا الكتاب ، في الباب الحادي عشر « القتل ، الفصل الأول و القتل بالسيف » القسم الثالث و القتل غدرة ، إذ إنه غدر في السنة 381 بولده عمرو ، فأمر به فقتل بين يديه ، ثم غدر في السنة 391 بولده طاهر ، فخدعه ، وأوهمه بأنه يريد أن يوصي إليه ، حتي حضر إليه ، فاعتقله ، وذبحه بيده ، الأمر الذي لا يعقل حصوله من حيوان الغاب ، ورحم الله الرصافي حيث قال :

دع الأناسي وأنسبني لغيرهم****إن شئت للشاء أو إن شئت للبقر

فإن في البشر الزاهي بخلقته **** من قد أنفت به أني من البشر

وفي السنة 390 بعث الحاكم الفاطمي جيشأ بقيادة يأنس الصقلي ، فاحتل طرابلس ، فسير إليه ياديس ، صاحب إفريقية ، جيشا ، فلقيهم يأنس خارج طرابلس ، فقتل يأنس في المعركة ( ابن الأثير 154/9 ).

وفي السنة 390 خرج اسماعيل بن نوح الساماني من محبسه الذي حبسه فيه ايلك الخان لما ملك بخاري مع جماعة من أهله ، وكيفية خروجه إنه كانت تأتيه جارية تخدمه ، فلبس ما كان عليها وخرج ، وحسبه الموكلون الجارية ، فلما خرج استخفي ، ثم سار من بخاري إلي خوارزم ، وتلقب بالمنتصر ، وجمع بقايا القواد والجنود السامانيين ، فكثف جمعه ، وسير قائدا من أصحابه في عسكر إلي بخاري ، فبيت من بها من أصحاب الملك الخان ، فهزمهم وقتل منهم ، وتبع المنهزمين إلي حدود سمرقند، فعاون المنهزمين جيش في سمرقند ، فهزم المنتصر الجيشين معا ، وعاد المنتصر إلي بخاري ، فاستبشر أهلها بعودة السامانية، ثم إن ايلك قصد بخاري ، فتركها المنتصر ، واستولي علي أبيورد ونيسابور ، ثم سار عنها ألي أسفرايين ، ثم لجأ إلي قابوس بن وشمگير ، فأكرمه ، وأعانه بجيش ، فقصد الري ، ثم تركها وقصد الدامغان ، ثم عاد إلي نيسابور ، فسير إليه يمين الدولة محمود الغزنوي

ص: 201

جيشا ، فانهزم المنتصر ، وسار نحو أبيورد ، وقصد جرجان ، فصده قابوس ، فاستولي علي سرخس ، وقصده منصور بن سبكتكين ، فحاربه ، فانهزم المنتصر ، واستعان بالأتراك الغزية ، وسار بهم في السنة 393 ألي سمرقند ، فهزموا ايلك الخان وأسروا جماعة من قواده ، ثم قصد بخاري وحصرها، ولم يوفق ثم عاود الكرة ، فانتصر علي حامية بخاري ، فقصده ايلك الخان ، واشتبك معه في ضواحي سمرقند ، في معركة ضارية ، فانهزم ايلك الخان ، وذلك في السنة 394 ، وعاد إلي بلده فجمع وحشد، وكر علي المنتصر ، وحاربه ، فانهزم المنتصر ، وقصد الجوزجان ، فأخذ أموالها ، وقصد مرو ، فصده يمين الدولة ، فقصد بسطام ، فصده قابوس ، وضجر أكثر أصحابه ، ففارقوه ، وعلم ايلك الخان بمكانه ، فأرسل الخيل في طلبه ، فنزل بحلة ، فأمهلوه حتي أظلم الليل ونام ، فوثبوا عليه وقتلوه ، وكان ذلك خاتمة أمره ( ابن الأثير 156/9 - 159 ) .

وفي السنة 391 تحرك ماكسن بن زيري ، عم أبي باديس صاحب إفريقية ، إلي أشير ، وحارب بها ابن أخيه حماد بن بلكين ، وكانت بينهما حرب شديدة ، قتل فيها ماكسن ، وأولاده محسن وباديس وحباسة ( ابن الأثير 154/9 و155).

وفي السنة 399 ملك صالح بن مرداس الرحبة ، وكان بالرحبة رجل من أهلها يعرف بابن محكان ، فملك البلد ، واحتاج إلي من يعينه ، فكاتب صالح بن مرداس ، وأحضره ، وزوجه ابنته ، وقصد ابن محكان وصالح عانة ، فوضع صالح علي ابن محكان من قتله غفلة ، وملك صالح الرحبة ، وكان هذا بدء أمره ، ثم إنه اشترك في غزو حلب ، فأسره صاحبها ابن لؤلؤ وحبسه ثم تخلص من الحبس وفر إلي أهله ، ثم جمع ألفي فارس وقصد حلب ، وأسر ابن لؤلؤ ، وقيده بالقيد الذي سبق أن قيده به لما حبسه ، ثم صالح ابن لؤلؤ، ورحل صالح عن حلب ، ثم اختلف ابن لؤلؤ وغلامه فتح

ص: 202

الذي كان يحفظ القلعة ، فامتنع فتح في القلعة ، وجاهر ابن لؤلؤ بالعداء ، وأبعده إلي أنطاكية ، فقصد صالح حلب ، وحصرها ، واستولي عليها وعلي القلعة، وذلك في السنة 414، وملك صالح من بعلبك إلي عانة، وأقام بحلب ست سنين ، وفي السنة 420 جهز الظاهر صاحب مصر جيشأ لقتال صالح ، فاقتتلوا بالأردن ، فقتل صالح وولده الأصغر ، وأنفذ رأساهما إلي مصر ، ونجا نصر بن صالح ، فعاد إلي حلب ، وملكها ، وتلقب شبل الدولة ، وقصدت الروم حلب ، فحاربهم الحلبيون ، وانتصروا عليهم ، وظل شبل الدولة مالكة حلب إلي السنة 429 فقصده جيش من مصر، ووقعت معركة قتل فيها نصر ، وملك الدزبري ، القائد المصري ، حلب ، ومات الدزريري بعد شهر واحد ، . فقصد ثمال بن صالح بن مرداس حلب ، وملكها تسليما من أهلها، وبقي فيها إلي السنة 440 فسير إليه المصريون جيشا ، ففله الحلبيون ، ثم بعثوا في السنة 441 جيشأ آخر كان مصيره مصير سابقه ، ثم أصلح ثمال أمره مع المصريين ، ونزل لهم عن حلب ، وسار إلي مصر ، فاستولي محمود بن شبل الدولة نصر علي حلب ، فأرسل إليه المصريون جيشأ عليه ثمال بن صالح في السنة 452 فرحل محمود عن حلب ، وعاد ثمال إلي حكمها، في السنة 453 ، وتوفي بها في السنة 454 وأوصي بحلب لأخيه عطية بن صالح ، فملكها ، فقصده محمود بن شبل الدولة ، فأخرجه منها ، وتملكها ، وأستمر يحكمها إلي أن توفي بها في السنة 468 ، فخلفه ولده نصر ، وكان مدمن الخمر ، فرماه أحد جنوده بسهم فقتله ، فخلفه أخوه سابق ، فحكم إلي السنة 472 حيث سلبت منه حلب ( ابن الأثير 210/9 و227 - 234 ).

وفي السنة 402 قتل حباسة بن ماكسن الصنهاجي، وكان شهما ، بهمة من البهم ، في موقعة خارج قرطبة ، بين البربر والموالي العامريين ، ولما قتل اخذوا رأسه ، وعجلوا به إلي قصر السلطان ، وأسلموا جسده للعامة ، فجروه

ص: 203

في الطرقات والاسواق ، وقطعوا بعض أعضائه ، ثم أوقدوا له نارة وأحرقوه ( الاحاطة 494 و 495) .

أقول : ذكر ابن الأثير 154/9 و155 آن حباسة بن ماكسن قتل في السنة 391 مع أخويه وأبيه ، وقد اثبتنا ذلك في أخبار السنة 391.

وفي السنة 405 قصد علي بن مزيد الأسدي كلا من مضر ونبهان وحشان وطراد أولاد دبيس ، لأن نبهان كان قد قتل أبا الغنائم أخا علي بن مزيد ، فلما اقترب منهم خرجت زوجته ، وهي ابنة دبيس ، وقصدت أخاها مضر بن دبيس ليلا ، وقالت له : قد أتاكم ابن مزيد بما لا قبل لكم به ، وهو يقنع منكم بإبعاد نبهان قاتل أخيه ، فأبعدوه وينتهي الأمر ، فأجاب أخوها مضر إلي ذلك ، وأمتنع أخوه حان ، فلما سمع ابن مزيد بما فعلت زوجته ، أنكره ، وأراد طلاقها ، فقالت له : خفت أن أكون في هذه الحرب بين فقد أخ حميم أو زوج كريم ، ففعلت ما فعلت رجاء الصلاح ، فزال غيظه ، واشتد القتال بين الفريقين ، فظفر ابن مزيد بهم ، وقتل حان ونبهان ابني دبيس ( ابن الأثير 249/9 و250).

وفي السنة 406 فارق إبراهيم وحماد ، ابن أخيهما باديس ، صاحب إفريقية ، وجمعا ثلاثين ألف مقاتل ، وعاثا ، فسفك الدماء ، وقتلا الأطفال ، وسبيا النساء ، وأحرقا الزروع والمساكن ، ودخل حماد باجة بعد أن أمنهم ، ثم غدر بهم ، فقتل ونهب وأحرق، واستولي علي الأموال ، وهرب إلي باديس جماعة من جند إبراهيم ، فأخذ ابراهيم أبناءهم ، فذبحهم علي صدور أمهاتهم ، قيل إنه ذبح منهم ستين طفلا ، فلما فرغ من قتل الأطفال قتل الأمهات ، والتقي جيش باديس بجيش حماد ، واقتتلوا أشد قتال ، فانهزم حماد وعسكره ، ووصل حماد إلي مدينة دكمة ، فتجني علي أهلها ، ووضع فيهم السيف ، فخرج إليه فقيه منها ، فقال له : يا حماد ، إذا لقيت الجيوش انهزمت ، وإذا قاومتك الجموع فررت ، وإنما قدرتك وسلطانك علي أسير لا

ص: 204

قدرة له عليك ، فقتله حماد وحدث أن توفي باديس ، فاضطرب حال أصحابه ، فانتصر عليهم حماد ، ثم تولي المعز بن باديس ، وقاتل حمادة ، فانهزم حماد وأصحابه ، وجرح حماد ، ثم إن المعز عفا عن إبراهيم وحماد عمي أبيه ، وأكرمهما ، وأصطلحوا ( ابن الأثير 256/9 - 259 ).

وفي السنة 410 غزا يمين الدولة محمود بن سبكتكين الهند ، وعبر نهر الكنج ، وانتصر علي ملك اسمه تروجنبال ، ثم انتصر علي ملك اسمه بيدا ، كان عدة عسكره ستة وخمسين ألف فارس ، ومائة ألف وأربعة وثمانين ألف راجل ، وسبعمائة وستة وأربعين في ( ابن الأثير 308/9 -310 ).

وفي السنة 415 خرج بإفريقية جمع كثير من زناتة ، فقطعوا الطريق وأفسدوا ، وكثر جمعهم ، فسير إليهم المعز بن باديس جيشأ جريدة ، وأمرهم أن يسبقوا أخبارهم ، فأدركوهم وهم آمنون من الطلب ، فوضعوا فيهم السيف ، فقتل منهم خلق كثير ، وعلق خمسمائة رأس في أعناق الخيول ، وسيرت إلي المعز ( ابن الأثير 340/9 ).

وفي السنة 416 فتح يمين الدولة محمود بن سبكتكين ، المدينة التي فيها الصنم ، المسمي سومنات، أعظم أصنام الهند، واشتبك مع الهنود في معارك ضارية ، كانت فيها عدة قتلي الهنود تزيد علي خمسين ألف قتيل ( ابن الأثير 342/9 -346) .

وفي السنة 417 قتل أمير صقلية أحمد بن يوسف الكلبي ، المعروف بالأكحل ، ولقبه أسد الدولة ، وكان ولده جعفر قد اضطهد بعض رعاياه ، فلجأوا إلي ابن باديس صاحب القيروان ، فوجه إلي صقلية جيشا استولي علي قصر الإمارة ، وقتل الأكحل ( الأعلام 258/1 ).

وفي السنة 419 سار أنوشتكين الدزبري ، علي عساكر مصر إلي الشام ، وحارب صالح بن مرداس وابن الجراح الطائي ، فهزمهما، وقتل

ص: 205

صالح بن مرداس وابنه الأصغر ، وملك جميع الشام ( ابن الأثير 369/9 والاعلام 282/3 ).

وفي السنة 421 غزا مسعود بن محمود الغزنوي ، مدينة نرسي بالهند، ومعه مائة ألف مقاتل بين فارس وراجل ، وعاد ظافرة ( ابن الأثير 315/9-396)

وفي السنة 421 غزا فضلون الكردي ، الخزر ، فقتل منهم وسبي ، وغنم شيئا كثيرأ ، فلما عاد إلي بلده في أذربيجان ، أبطأ في سيره ، وأقل الاستظهار في أمره ، فاتبعوه مجدين ، وكبسوه ، وقتلوا من أصحابه والمطوعة الذي معه أكثر من عشرة آلاف قتيل، وآستردوا الغنائم التي أخذت منهم ، وغنموا أموال العساكر الإسلامية ، وعادوا ( ابن الأثير 409/9 ).

وفي السنة 422 كان صاحب التيز قد مات، فاختلف ولداه أبو العساكر وعيسي، واستبد عيسي بالولاية ، فسار أبو العساكر إلي مسعود بن محمود الغرنوي ، واستنجد به ، فأنجده بجيش ، فلما وصلوا إلي عيسي دعوه إلي طاعة مسعود ، والموافقة مع أخيه أبي العساكر فأبي ، وجمع جيشا من ثمانية عشر ألفا ، حاربهم ، فانهزم عيسي ، ثم عاد وحمل في نفر من أصحابه ، وتوسط المعركة ، فقتل ( ابن الأثير 412/9 ) .

وفي السنة 427 حصر يحي بن علي بن حمود ، مدينة إشبيلية ، فخرج عليه كمين من جند إشبيلية ، فقتل ( ابن الأثير 279/9 ).

وفي السنة 427 نشبت معركة ، خارج أسوار قرمونة ، بالأندلس ، بين صاحبها المعتلي يحي بن علي بن حمود الحسني ، وبين جيش القاضي ابن عباد ، صاحب إشبيلية ، فصرع يحي ، وقتل ، وحر رأسه ، وأرسل إلي ابن عباد في إشبيلية ، وكان آل عباد يحفظون رؤوس العظماء من قتلي أعدائهم ، فلما ذهبت دولتهم ، أخرجت تلك الرؤوس ، فوجد بينها رأس يحي بن حمود لم يتغير ، فأخذه بعض أحفاده ودفنه ( الاعلام 196/9 ) .

ص: 206

وفي السنة 429 قتل علي أبواب غرناطة ، زهير العامري ، صاحب المرية ، قتله أباديس بن حبوس ، صاحب غرناطة ، في المعركة ( الاعلام 199/9)

وفي السنة 429 فتح طغرلبك السلجوقي ، مدينة نيسابور ، وبلغ ذلك السلطان مسعود ، فسير إليهم حاجبه سباشي ، في ثلاثين ألف مقاتل، فالتحموا في معركة بظاهر سرخس ، فانهزم سباشي ، وقتل من جنده مقتلة عظيمة ، وملك طغرل نيسابور وسرخس ، وسائر بلاد خراسان ما عدا بلخ ابن الأثير 457/9 - 459).

وفي السنة 429 حصر الجند الفاطمي بقيادة الدزبري ، مدينة حلب، وقتلوا صاحبها شبل الدولة نصر بن صالح بن مرداس ، وملكوا حلب ( ابن الأثير 460/9)

وفي السنة 431 سير القاضي أبو القاسم بن عباد ، صاحب إشبيلية ، ولده اسماعيل في عسكر ، ليتغلب علي بعض البلاد ، فأخذ قرمونة ، ثم اشبونة ، وأستجه ، فلاقاه جند من صنهاجة ، ومن جند بني حمود ، فانهزم أصحاب اسماعيل ، وأسلموه ، فقتل، وحمل رأسه إلي إدريس بن علي ( ابن الأثير 280/9 ).

وفي السنة 434 سير طغرلبك طائفة من أصحابه إلي كرمان لاحتلالها ، فبلغ الخبر صاحبها أبا كاليجار ، فسير ولده مهذب الدولة في عساكر الحمايتها ، فاشتبك الجيشان في قتال ضار ، إلي حد أن بعض الغير رمي فرس أحد أصحاب أبي كالبيجار بسهم ، فوقع في الفرس ، وطعنه صاحب الفرس ، برمح فأصاب فرس الغي ، وحمل الغري علي صاحب الفرس فضربه ضربة قطعت يده ، وحمل عليه صاحب الفرس وهو علي هذه

ص: 207

الحال ، فضربه بسيفه فقطعه نصفين ، وسقطا إلي الأرض قتيلين ، والفرسان قتيلين ( ابن الأثير 510/9 و511 ).

وفي السنة 445 قتل المعتضد بن عباد اللخمي ، صاحب إشبيلية ، عيسي بن محمد، من بني مزين ، صاحب شلب ، في معركة نشبت بينهما ( الاعلام 292/5 ) .

وفي السنة 447 قتل أبو زكريا يحيي بن عمر اللمتوني ، مؤسس دولة المرابطين ، سقط في معركة بينه وبين جيش جدالة ، وخلفه أخوه أبو بكر ( الاعلام 201/9 ).

وفي السنة 451 قتل القائد التركي أرسلان البساسيري ، وكان من أكبر قواد الدولة العباسية في عهد القائم ، فأفسد بينه وبين الخليفة ، المدعو رئيس الرؤساء ابن المسلمة ، فبارح بغداد ، ثم دخلها فاتحأ باسم المستنصر الفاطمي صاحب مصر ، واعتقل الخليفة القائم ، ثم نفاه عن بغداد ، وأحسن إلي الناس ، وأجري الجرايات علي المتفقهة ، ولم يتعصب لمذهبه ، علي خلاف رئيس الرؤساء الذي كان شديد التعصب علي الشيعة ، حتي إنه قتل بعضهم من أجل التشيع ، وأفرد البساسيري لوالدة الخليفة القايم دارا ، وأعطاها جاريتين تخدمانها ، وأجري لها جراية ، وكانت قد قاربت التسعين ، ولما عاد السلطان طغرل بك إلي بغداد ، جرد جيوشا لمقاتلة البساسيري فقاتلوه ، وضرب فرسه بنشابة ، فسقط عن الفرس ، ووقع في وجهه ضربة ، فصرع ، وقتل ، وحمل رأسه إلي السلطان ، فأمر بحمله إلي دار الخلافة ، فنظف ، وغسل ، وجعل علي قناة ، وطيف به ، وعلق قبالة باب النوبي ( ابن الأثير 640/9 -649).

وفي السنة 455 قتل المعتضد بن عباداللخمي ، صاحب إشبيلية ، عيسي بن محمد بن عيسي بن محمد ، من بني مزين ، حفيد الذي قتله في

ص: 208

السنة 445 في معركة نشبت بينهما ، وفتح مدينة شلب ، واستولي عليها ، وانقرضت دولة بني مزين ( الاعلام 293/5 ) .

وفي السنة 455 خالف حمو بن مليك ، صاحب مدينة صفاقس بإفريقية ، علي الأمير تميم بن المعز بن باديس ، وجمع جمعا ، وسار إلي المهدية ، فالتقي الفريقان بسلقطة ، وكانت بينهما حرب شديدة ، فانهزم حمو ومن معه ، وأخذتهم السيوف فقتل أكثر أصحابه ( ابن الأثير 29/10 ).

وفي السنة 457 كانت حرب طاحنة بين الناصر بن علناس بن حماد ومن معه من صنهاجة وزنانة ومن العرب ، وبين تميم بن المعز ، صاحب إفريقية ، أراد الناصر أن يستولي علي ملك تميم ، فالتقي العسكران بمدينة سبتة ، فظفر بهم تميم ، وكان القتلي من صنهاجة وزناتة أربعة وعشرين ألفا ، وحملت الألوية والطبول والخيم التي كانت في معسكر الناصر إلي تميم ، فردها ، وقال : يقبح بي أن آخذ سلب آبن عمي ( ابن الأثير 46/10 ) .

وفي السنة 478 بدأ دخول الإفرنج إلي بلاد الإسلام ، فملكوا طليطلة في الأندلس ، وصقلية في البحر المتوسط ، وتطرقوا إلي أطراف إفريقية ، وفي السنة 490 قصدوا بلاد الشام عن طريق القسطنطينية ، ففتحوا أنطاكية ، بخيانة أحد حفظة الأبراج ، فهرب صاحبها باغي سيان هائما علي وجهه ، فلما طلع عليه النهار ، عاد إليه عقله ، وكان كالولهان ، فقال : أين أنا؟ فقالوا له : علي أربعة فراسخ من انطاكية ، فندم كيف خلص سالم ولم يقاتل ، وجعل يتلهف ويسترجع علي ترك أهله وأولاده والمسلمين ، ولشدة ما الحقه سقط عن فرسه مغشيا عليه ، وأراد أصحابه أن يركبوه ، فلم تكن فيه مسكة ، فتركوه وساروا ، فلما استولي الفرنج علي أنطاكية ، جمع لهم قوام الدولة كرابوقا ، عساكر عظيمة ، وسار إلي أنطاكية ، وكان مع الفرنج راهب مطاع فيهم ، وكان قد دفن سرا حربة في مكان بالنسيان ، وعفي أثرها، ثم قال لهم : إن المسيح عليه السلام ، كانت له حربة مدفونة بالقسيان ، فإن

ص: 209

وجدتموها ، فالظفر من نصيبكم وأمرهم بالصيام ثلاثة أيام ، وفي اليوم الرابع نهض معهم ، وبعد البحث عن الحربة ، أخرجها ، فأيقن الفرنج بالظفر ، واشتبكوا مع المسلمين في موقعة فظفروا ، وانهزم المسلمون ، وأحتل الفرنج معرة النعمان ، ثم ملكوا بيت المقدس ( ابن الأثير 272/10 - 278 و 286 ).

وفي السنة 478 قتل شرف الدولة مسلم بن قريش ، صاحب الموصل وحلب ، وسبب ذلك إن سليمان بن قتلمش ، لما فتح أنطاكية ، وأخذها من الروم ، كتب إليه مسلم يطلب منه الجزية التي كان الروم يؤدونها إليه سنوية ، فأجابه : إن الفردوس صاحب أنطاكية ، كان كافرا ويؤدي إليك الجزية ، أما أنا فمسلم ، والمسلم لا يدفع جزية ، فقصده شرف الدولة ، وحاربه ، فانتصر سليمان ، وقتل شرف الدولة في المعركة ( ابن الأثير 10/ 139 و140).

وفي السنة 479 وقعت معركة الزلاقة بالأندلس ، وكان الأذفونش في خمسين ألفا ، وكان ملوك الطوائف قد استعانوا بأمير المسلمين المرابطي ، واشتبك الجيشان في معركة ضارية ، فنجا الأذفونش في نفريسير ، واصطلم جمع عسكره ( ابن الأثير 154/10 ).

وفي السنة 484 في وقعة إشبيلية ، التي أسر المرابطون فيها المعتمد بن عباد ، قتل ولده يزيد وهو يحارب بين يديه ( الوافي بالوفيات 183/3 ).

وفي السنة 487 اشتبك السلطان بركياروق ، مع عمه تاج الدولة تتش في حرب طاحنة ، فأنكسر بركياروق ، وقصد إصبهان ، وكان فيها أخوه السلطان محمود ، فأدخله البلد ، وأحتاط عليه ( أي اعتقله ) ، وأراد أمراء محمود أن يسملوا عيني بركياروق ، فصادف أن محمود حم وجدر ، فمنعهم الطبيب أمين الدولة ابن التلميذ من سمل بركياروق ، وقال لهم : لا أحسب

ص: 210

أن محمود يسلم من مرضه ، فلا تعجلوا علي بركياروق ، فتركوه ، ومات محمود ، فسلطنوا بركياروق بدلا منه ( ابن الأثير 234/10 ).

وفي السنة 488 قتل الأمير تتش عم السلطان بركياروق ، في معركة طاحنة ، وقعت بالري بينه وبين بركياروق ، فانهزم عسكرتتش ، أما هو فثبت وقتل ( ابن الأثير 245/10 ) .

وفي السنة 493 قتل الأمير سعد الدولة كوهرائين ، في المعركة التي نشبت بين السلطان بركياروق ، وأخيه السلطان محمد ، كبا بسعد الدولة فرسه فجاء خراساني فقتله ، وأخذ رأسه ، وكان أول أمر سعد الدولة ، أنه كان خادمة لامرأة من أهل خوزستان ، ثم خدم أبا كاليجار بن سلطان الدولة ، ثم انتقل إلي خدمة السلطان ألب أرسلان ، ووقاه بنفسه لما جرحه يوسف الخوارزمي ، فأقطعه السلطان واسط ، وجعله شحنة بغداد ، ورأي في عهد ملكشاه ما لم پره خادم قبله . ( ابن الأثير 295/10 و 296 ).

وفي السنة 493 لاقي كمشتكين بن الدانشمند، صاحب ملطية وسيواس ، بيمند الفرنجي ، وهو من مقدمي الفرنج ، وكان في خمسة آلاف ، فانهزم بجنده ، ووقع أسيرا ، فقدم لخلاصه جيش من الفرنج في ثلثمائة ألف ، فواقعهم اسماعيل ، أخو كمشتكين ، فأبادهم ، ولم يفلت منهم إلا ثلاثة آلاف مجروحين ، ثم سار اسماعيل إلي أنطاكية ، فلقيه عسكر من الإفرنج ، فكسرهم ( ابن الأثير 300/10 ) .

وفي السنة 495 قصد القائد سنقرجه الموصل، وقصدها موسي التركماني ، فالتقيا ، وسارا سوية ، ثم جري بينهما كلام ، فجذب سنقرجه سيفه ، وضرب به موسي صفحأ علي رأسه ، فجرحه ، فألقي موسي نفسه علي الأرض ثم جذب سنقرجه، فألقاه إلي الأرض ، وجرد سكينأ وذبحه ، ودخل إلي الموصل ، فقصده شمس الدولة جكرمش ، صاحب جزيرة ابن

ص: 211

عمر ، فاستعان موسي بالأمير سقمان ، صاحب ديار بكر ، ومنحه لقاء المساعدة ، حصن كيفا وعشرة آلاف دينار ، فقدم سقمان ، ورحل جكرمش ، فلما خرج موسي لاستقبال سقمان ، وثب عليه عدة غلمان من اصحاب سنقرجه ، فقتلوه ، رماه أحدهم بنشابة قتلته ، فاستولي الأمير سقمان علي الموصل ، وأخذ الغلمان الذين قتلوا موسي ، فقتلهم ( ابن الأثير 341/10 -343)

وفي السنة 501 قتل ملك العرب ، سيف الدولة ، صدقة بن منصور بن دييس بن مزيد الأسدي ، باني الحلة السيفية ، وكان عظيم الشأن ، عالي القدر ، مرتفع الجاه ، وكان يجير كل من استجار به ، صغيرا كان أو كبيرة ، وكان ممن استجار به أبو دلف سرخاب بن كيخسرو، صاحب ساوة وأبة ، فبعث السلطان محمد السلجوقي يطالبه بتسليمه ، فأبي ، وقال : إنه استجار بي ، والحمية العربية تلزمني بحمايته ، فتوجه إليه السلطان بجيشه ، واشتبكا في معركة ضارية فقتل صدقة ، وقتل من أصحابه ما يزيد علي ثلاثة آلاف فارس منهم جماعة من أهل بيته ، وكان صدقة أديبأ ، يملك من الكتب المنسوبة شيئا كثيرة ، وكان جوادة ، حليم ، صدوق ، كثير البر والاحسان ، ما برح ملجأ لكل ملهوف ، يلقي من يقصده بالبر والاحسان ، ويبسط قاصديه ، ويزورهم ، وكان عادلا ، والرعايا معه في أمن ودعة ، وكان عفيف لم يتزوج علي امرأته ، ولا تسري عليها، ولم يصادر أحدا من نوابه ، ولا أخذهم بإساءة قديمة ، ولم يسمع برعية أحبت أميرها ، حب رعيته له ، وكان متواضعا ، محتملا ، يحفظ الشعر ، ويبادر إلي النادرة ، رحمه الله فقد كان من محاسن الدنيا ( ابن الأثير 440/10 - 449 ).

وفي السنة 503 قبل المستعين أحمد بن هود ، صاحب سرقسطة ، في معركة نشبت بننه وبين الإفرنج بظاهر سرقسطة ( الاعلام 259/1 ).

وفي السنة 505 توفي الأمير سلمان القطبي ، صاحب تبريز وبعض

ص: 212

فارس ، في بالس ، فحمله أصحابه في تابوت ، وساروا عائدين به إلي بلادهم ، فقصدهم ايلغازي صاحب ماردين ليأخذهم ، فجعلوا تابوت أميرهم في القلب ، وقاتلوا بين يديه ، فهزموا ايلغازي ، وغنموا ما معه ، وساروا إلي بلادهم (ابن الأثير 486/10 ) .

أقول : حصل ما يشبه هذا ، في معركة حصلت بين أصحاب قسيم الدولة أقسنقر ، وبين سقمان بن أرتق ، وكان آقسنقر قد قتل ، ومعهم ولده عماد الدين زنكي ، وكان ما يزال صبيا ، ولما حمي الوطيس ، وأوشك أصحاب سقمان علي الظفر ، طرح أصحاب أقسنقر ، عماد الدين ، ابن صاحبهم ، بين أرجل الخيل ، وصاحوا : قاتلوا عن ابن صاحبكم ، فقاتلوا قتالا شديدا ، وتم لهم الظفر ، وانهزم سقمان ، وأسر ابن أخيه ( ابن الأثير 390/10 و391 ).

وحصل ما يشبه هذا ، في السنة 66 لما بعث المختار الثقفي ، جيشا من العراق ، لقتال جيش الأمويين بالشام ، فلما وصل الجيش العراقي إلي منطقة الموصل ، بقيادة يزيد بن أنس ، في ثلاثة آلاف ، لاقاه جيش الأمويين في ستة آلاف ، وكان يزيد ، القائد العراقي ، مريضأ ، قد أشفي علي التلف ، فخرج علي حمار ، يمشي معه الرجال يمسكونه عن يمينه وعن شماله ، بفخذيه ، وعضديه ، وجنبيه ، فشجع أصحابه ، واستثار هممهم ، ثم أمر فوضع له سرير في ساحة المعركة ، بين جنده ، وانطرح عليه ، وقال لأصحابه : إن شئتم فقاتلوا عن أميركم ، وإن شئتم ففروا عنه ، فاستقتل العراقيون ، وظفروا ، وشتتوا جند الشام ( الطبري 38/6 - 42) .

وفي السنة 513 وقعت معركة عنيفة بين الفرنج وبين إيلغازي صاحب حلب ، فانتصر ايلغازي ، ولم يفلت من الفرنج غير نفر يسير ، وقتل الجميع وأسروا ، وكان من جملة الأسري نيف وسبعون فارسا من مقدميهم ، حملوا إلي حلب ، فبذلوا في إطلاقهم ثلثمائة ألف دينار ، فلم يقبل منهم، وقتل سيرجال صاحب أنطاكية ، وحمل رأسه ( ابن الأثير 555/10).

ص: 213

وفي السنة 513 وقعت معركة بين السلطان سنجر ، وبين ابن أخيه السلطان محمود بن محمد ، فانكسر محمود ، وأسر أتابكه غير أوغلي ، وكان يكاتب سنجر ، ويعده بأن يحمل إليه ابن أخيه ، فعاتبه علي ذلك ، فاعتذر ، فلم يقبل عذره ، وقتله ، وكان غز أوغلي ظالمة ، بالغ في ظلم أهل همذان ، فعجل الله عقوبته ( ابن الأثير 552/10 ).

وفي السنة 518 حصر الأمير بلك بن بهرام ، صاحب حلب ، مدينة منبج ، فبينما هو يقاتل ، أصابه سهم ، فقتله ( ابن الأثير 619/10 ).

وفي السنة 536 حصلت معركة ضارية بين السلطان سنجر ، والخطا ، وهم الترك الكفار ، وكان سبب ذلك إن خوارزم شاه أنس بن محمد ، كان يحقد علي السلطان سنجر ، فبعث إلي الخطا وهم بما وراء النهر ، يطعمهم في البلاد ، ويروج عليهم أمرها ، وتزوج إليهم ، وحثهم علي قصد مملكة السلطان سنجر ، فساروا في ثلثمائة ألف فارس ، وسار إليهم سنجر في عسكره ، فانجلت المعركة عن هزيمة عساكر سنجر ، وقتل منهم مائة ألف قتيل ، منهم أحد عشر ألف صاحب عمامة ، وأربعة آلاف إمرأة ، وأسرت زوجه السلطان سنجر ( ابن الأثير 81/11 ).

وفي السنة 540 نشبت معركة بين جيش عبد المؤمن بن علي ، أمير الموحدين بالمغرب ، وبين المخضب بن عسكر المريني ، بفحص مسون ، فقتل المخضب ، وحمل رأسه إلي عبد المؤمن ( الاعلام 73/8 ).

وفي السنة 542 قتل محمد بن هود السلاوي ، المعروف بالماسي . وكان من أنصار عبد المؤمن ، رأس الموحدين ، وشهد معه فتح مراكش ، ثم خالف عليه ، وتلقب بالهادي ، وانتشرت دعوته في المغرب ، فجهز له عبد المؤمن جيشا بقيادة أبي حفص الهنتاتي ، فنشبت حرب ضارية إنتهت بمقتل الماسي في وادي ماسة . ( الاعلام 357/7 ) .

ص: 214

وفي السنة 543 حصر ملك الألمان وبقية الفرنج ، مدينة دمشق ، فخرج الناس لقتالهم ، وكان فيمن خرج للقتال الفقيه حجة الدين يوسف بن ديناس الفندلاوي المغربي ، وكان شيخا كبيرا ، فقيهأ ، عالم ، فلما رآه معين الدين أنر ، القائد ، قصده ، وسلم عليه وقال له : يا شيخ ، أنت معذور لكبر سنك ، ونحن نقوم بالذب عن المسلمين ، وسأله أن يعود فلم يفعل ، وقال له : قد بعت ، واشتري مني ، فوالله ، لا أقلته ولا استقلته ، يعني بذلك الآية : إن الله أشتري من المؤمنين أنفسهم وأموالهم بأن لهم الجنة ، وتقدم ، فقاتل حتي قتل عند النيرب ، علي نحو نصف فرسخ من دمشق ( ابن الأثير 129/11 و130).

وفي السنة 548 حصر الفرنج مدينة عسقلان ، فصبر أهلها، وقاتلوا قتالا شديدا ، داخل السور وخارجه، وردوا الفرنج إلي خيامهم مقهورين ، فأيس الفرنج منها وعزموا علي الرحيل ، ثم إن أهل البلد اختلفوا فيما بينهم ، لما عادوا من القتال، إذ آدعت كل طائفة إنها كانت أعظم أثرأ في قتال الإفرنج ، وعظم الخصام بينهم واحتربوا ، وقتل بينهم قتلي ، فزحف الفرنج ، واستولوا علي البلد ( ابن الأثير 189/11 ).

وفي السنة 551 حصر السلطان محمد بن محمود السلجوقي بغداد ، وقاتل عسكر الخليفة ، وأمر الخليفة فنودي : كل من جرح فله خمسة دنانير ، فجرح أحد العامة جرحا خفيفا ، وحضر يطلب الدنانير ، فقال له الوزير : هذا الجرح ليس بشيء، فعاود القتال ، وضرب ، فانشق بطنه ، وخرج شيء من شحمه ، فحمل إلي الوزير ، وقال : يا مولانا الوزير ، أيرضيك هذا الجرح ؟ فضحك الوزير ، وأعطاه عشرة دنانير ، ورتب له من يعالج جراحته إلي أن بريء ( ابن الأثير 213/11 و 214) .

وفي السنة 553 قتل فاتك بن محمد بن فاتك بن جاش ، صاحب زبيد ، قتله الإمام أحمد بن سليمان بزبيد ( الاعلام 322/5 ) .

ص: 215

وفي السنة 556 حصر المؤيد أي أبه ، مدينة شارستان ، وكان معه جلال الدين الموفقي ، الفقيه الشافعي ، فبينما هو راكب أصابه حجر ، من منجنيق ، فقتله ، وتعدي الحجر منه إلي شيخ من شيوخ بيهق ، فقتله أيضا . ( ابن الأثير 277/11 و 278 ).

وفي السنة 557 قتل أمير مكة القاسم بن هاشم بن فليته ، في معركة نشبت بينه وبين عمه عيسي بن فليته . ( الاعلام 22/6 ) .

وفي السنة 558 قتل السلطان سيف الدين محمد بن الحسين الغوري ، في معركة نشبت بينه وبين الغز . ( ابن الأثير 293/11 و 294 ) .

وفي السنة 559 طمع الأمير ايتكين ، صاحب هراة ، في بلاد الغور ، لما قتل ملكهم سيف الدين ، فتوغل في بلادهم ، ونشبت بينه وبينهم معركة ، فقتل في إحدي تلك المعارك . ( ابن الأثير 312/11 ) .

وفي السنة 560 حبس الخليفة المستنجد ، الأمير توبة العقيلي ، وكان آخر العهد به ، ( يعني إنه قتله ) ، وكان الأمير توبة قد قرب من المستنجد قربا عظيما ، وأحبه محبة كثيرة ، ثم د الوزير إلي الخليفة ما غيره ، فصنع به ما صنع ( ابن الأثير 320/11 ) .

وفي السنة 561 خرج ابن سنكا، علي الخليفة ، وعاث في واسط ، فحاربه خطل برس ، مقطع واسط ، فانكسر خطابرس وقتل في المعركة . ( ابن الاثير 322/11 و 323) .

أقول : كان ابن سنكا ، قد صاهر منكوبرس مقطع البصرة ، ولما قتل : المستنجد منكوبرس في السنة 559 قصد ابن سنكا البصرة ونهب قراها ، فكلف الخليفة كمشتكين صاحب البصرة بأن يحارب ابن سنكا ، فقال : أنا

ص: 216

عامل، ولست صاحب جيش ، يعني إنه ضامن ولا يقدر علي إقامة عسكر ، فطمع ابن سنكا ، وأصعد إلي واسط ، ونهب سوادها ، فحاربه خطلبرس ، فانهزم عسكره ، فقتله ابن سنكا، ثم أمر بعلم خطلبرس فنصب ، فظن أصحابه إنه مازال موجودة ، فأقبلوا يعودون إلي حيث العلم ، وكل من عاد قتله ابن سنكا ، أو أسره ( ابن الأثير 323/11 ) .

وفي السنة 569 حصلت معركة بين جيش الخليفة ، وبين ابن سنكا ، ابن أخي الأمير شملة صاحب خوزستان ، فظفر جيش الخليفة ، وأسر ابن سنكا، وقتل ، وحمل رأسه إلي بغداد ، فعلق بباب النوبي ( ابن الأثير 409/11)

وفي السنة 570 قتل عبد النبي بن علي بن مهدي الحميري ، صاحب زبيد ، وليها بعد موت أخيه مهدي سنة 559 ، وملك الجبال والتهائم ، وكان يقتل المنهزم من عسكره ، ولم يكن لأحد من جنده فرس ولا سلاح ، بل الخيل في إصطبلاته ، والسلاح في خزائنه ، فإذا عن له أمر أخرج من الخيل والسلاح ما يحتاج عسكره إليه ، قتله صاحب اليمن ( الاعلام 320/4 ) .

وفي السنة 573 غزا السلطان صلاح الدين الأيوبي ساحل الشام الذي بيد الإفرنج ، فغنم العسكر شيئا كثيرة ، وتفرق أفراده في الأعمال مغيرين في طلب الغنائم ، فانتهز الإفرنج الفرصة ، وواقعوا صلاح الدين ، وهو في قلة من عسكره ، فصبر في المعركة ، وصبر أصحابه القلائل ، فقتل أحمد بن تقي الدين ، وهو ابن أخي صلاح الدين ، وأسر الفقيه عيسي الهكاري ، وأخوه ظهير الدين ، وظل عيسي في الأسر إلي أن افتداه السلطان صلاح الدين بستين ألف دينار ( ابن الأثير 443/11 ) .

وفي السنة 574 قصد الإفرنج دمشق ، فسير إليهم صلاح الدين جيشا اشتبك معهم في معركة ضارية ، فقتل من مقدمي الإفرنج جماعة ، منهم

ص: 217

هنفري وكان يضرب به المثل في الشجاعة والرأي في الحرب ، وقتل غيره من أضرابه ابن الأثير ( 453/11 ) .

وفي السنة 575 اشتبك السلطان صلاح الدين الأيوبي ، والإفرنج ، في معركة قرب بانياس ، فظفر بهم ، وقتل منهم مقتلة كبيرة ، ونجاملكهم فريدة ، وأسر منهم كثير ، منهم ابن بيرزان ، صاحب الرملة ونابلس ، وهو أعظم الإفرنج محلا بعد الملك ، وأسر صاحب جبيل ، وصاحب طبرية ، ومقدم الداوية ، ومقدم الاسبتارية ، وصاحب جنين ، وغيرهم من مشاهير فرسانهم ، وفدي اين بيرزان نفسه بمائة وخمسين ألف دينار صورية ، وإطلاق ألف أسير من المسلمين ( ابن الأثير 455/11 و456) .

وفي السنة 578 عمل البرنس أرناط صاحب الكرك ، أسطولا جمع قطعه وحملها إلي بحر أيلة ، وشحنها بالمقاتلة وسيرها في البحر ، فرقة إلي حصن أيلة ، والفرقة الثانية يريد بها الوصول إلي الحجاز واحتلال مكة والمدينة ، والنزول منها إلي اليمن ، فعمر العادل بمصر أسطولا مقدمه حسام الدين لؤلؤ، وكان شجاعة مظفر ، فبدأ بالفرقة الأولي فأبادها، ثم أتبع الثانية ، فأدركها بساحل الجوزاء ، فأوقع بهم ، فلجأوا إلي البر فحصرهم ، وظفر بهم ، وقتل أكثرهم ، وأخذ الباقين أسري ، وحمل بعضهم إلي مني لينحروا بها ، عقوبة لهم علي محاولة إخافة حرم الله ورسوله ، وأخذ الباقين إلي مصر ، فقتلوا بها ( ابن الأثير 490/11 ، 491).

وفي السنة 479 قتل علي أبواب حلب ، أبو سعيد بوري بن أيوب ؛ أخو السلطان صلاح الدين الأيوبي ، أصابته في ركبته نشابة ، وكان فارسا شجاعة ، كريمة حليمة ، جامعة لخصال الخير ، ومحاسن الأخلاق ، ولما أصيب قال له أخوه : هذه حلب قد أخذناها ، وهي لك ، فقال : ذلك لو كان وأنا حي، ووالله لقد أخذتها غالية حيث تفقد مثلي ، فبكي صلاح الدين ، وأبكي الحاضرين ( ابن الأثير 496/11 - 498) .

ص: 218

وفي السنة 579 قتل في معركة مع الروم ، أبو ابراهيم إسحاق بن محمد المسوفي المعروف بابن غانية ( وهي جدته لأبيه ) ، وكان صاحب ميورقة ( الاعلام 288/1 ).

وفي السنة 579 نشبت معركة بين موسي بن أبي المعالي ، من أئمة الأباظية بعمان ، وبين ملك عمان محمد بن مالك اليحمدي، فقتل الإمام موسي في المعركة ( الاعلام 382/8 ).

وفي السنة 583 وقعت معركة حطين ، وهي من المعارك الفاصلة في التاريخ ، انتصر فيها السلطان صلاح الدين الأيوبي ، علي جيوش الإفرنج مجتمعة ، وقتل من جيوش الإفرنج عددا عظيما ، وأسر جميع قواد الإفرنج ، إبتداء من ملكهم وأخيه ، والبرنس ارناط صاحب الكرك ، وصاحب جبيل ، وابن هنفري ، ومقدم الداوية ، وجماعة من الاسبتارية ، فكان من يري القتلي لا يظن أنهم أسروا أحدا ، ومن يري الأسري لا يظن أنهم قتلوا أحدا ، وما أصيب الإفرنج ، منذ قدموا ساحل الشام في السنة 491 بمثل هذه الكارثة ( ابن الأثير 534/11- 537).

وفي السنة 583 فتح السلطان صلاح الدين الأيوبي ، بيت المقدس ، بعد معارك ضارية ، قتل فيها كثير ، وممن قتل من المسلمين الأمير عز الدين عيسي بن مالك ، من أكابر الأمراء ، وكان يقاتل بنفسه في كل يوم ، ثم طلب المحصورون الأمان من السلطان ، فأمنهم علي أن يؤدي كل رجل عشرة دنانير وكل امرأة خمسة دنانير ، والطفل دينارين ، ومن لم يؤد يصبح مملوكا ، فأدي الأكثر ، وخرج البطرك الأكبر ومعه من أموال البيع ، الصخرة ، والأقصي ، والقمامة ، وغيرها ، ما لا يعلمه إلا الله تعالي ، وكان له من المال مثل ذلك ، فلم يعرض له صلاح الدين ، فقيل له ليأخذ ما معه يقوي به المسلمين ، فقال : لا أغدر ، ولم يأخذ منه غير عشرة دنانير ، المبلغ المتفق

ص: 219

عليه ، وسير مع الإفرنج من يحميهم إلي مدينة صور ( ابن الأثير 553-546/11)

وفي السنة 585 اشتبك جيش السلطان صلاح الدين الأيوبي ، مع الإفرنج ، في معركة ضارية حول عكا ، قتل في احداها من رجال صلاح الدين الأمير مجلي بن مروان ، وظهير الدين ، أخو الفقيه عيسي الهكاري ، وكان والي بيت المقدس ، وقد جمع بين الشجاعة والعلم والدين ، والحاجب خليل الهكاري ، وقصد الإفرنج بعد قتل هؤلاء خيمة صلاح الدين ، فقتلوا من مروا به ، كما قتلوا عند خيمة صلاح الدين جماعة منهم الشيخ جمال الدين أبو علي الحسين بن عبدالله بن رواحة الحموي ، من أحفاد عبدالله بن رواحة صاحب رسول الله صلوات الله عليه ، الذي قتل يوم مؤته ، ثم كر السلطان صلاح الدين ومعه جماعة من جنده علي الإفرنج ، فقتل منهم مقتلة عظيمة، وأخذ الباقين أسري ، وكان عدد القتلي عشرة الآف من الإفرنج ، وكان من جملة الأسري ثلاث نسوة إفرنجيات كن يقاتلن علي الخيل ، فلما أسرن ، وألقي عنهن السلاح ، عرف أنهن نساء ( ابن الأثير 36/12- 39).

وفي السنة 586 حصر الإفرنج عكا حصرأ شديدا ، وصنعوا ثلاثة أبراج من الخشب عالية جدا ، طول كل برج في السماء ستون ذراعا، وعملوا كل برج فيها خمس طبقات ، كل طبقة مملوءة من المقاتلة ، وقد جمعوا أخشابها من الجزائر ، فإن مثل هذه الأبراج العظيمة ، لا يصلح لها من الخشب الآ القليل النادر ، وغشوها بالجلود ، والخل والطين ، والأدوية التي تمنع النار من إحراقها ، وأصلحوا لها الطرق ، وقدموها نحو مدينة عكا من ثلاث جهات ، فأشرفوا بها علي السور ، وقاتلوا من علي السور فكشفوهم ، وشرعوا في طم الخندق ، وأشرفت عكا علي أن يملكها الإفرنج عنوة وقهر ، وأرسل أهلها إلي صلاح الدين انسانا سبح في البحر ، وأعلمه بما هم فيه من الضيق ، فركب هو وعساكره ، وقاتل الإفرنج المحيطين بعكا ، قتالا عظيما ، ليشغلهم

ص: 220

عن مكاثرة أهل البلد ، فافترق الإفرنج فرقتين ، فرقة تقاتل صلاح الدين ، وفرقة تقاتل أهل عكا ، وأيس المحصورون في عكا من الظفر ، وأيقنوا بأن الإفرنج سوف يستولون علي البلد ، وعمدوا إلي رمي الأبراج ، بقوارير النفط فلم يؤثر ذلك فيها ، فتقدم رجل دمشقي إلي الأمير قراقوش ، حاكم عكا ، وطلب منه أن يأمر المنجنيقي بأن يرمي الأبراج بالمواد التي سوف يصنعها ويقدمها له . فقال له قرقوش : قد بالغ أهل الصناعة في الرمي بالنفط وغيره فلم يفلحوا، فقال له أصحابه : لعل الله قد أذن بالفرج علي يد هذا الدمشقي، فأجابه قرقوش إلي طلبه، وأمر المنجنيقي بأمتثال أمره ، فرمي عدة قدور نفطأ وأدوية ليس فيها نار، فكان الإفرنج إذا رأوا القدر لا يحرق شيئا ، صاحوا ، ورقصوا ، فلما علم الدمشقي أن الأدوية التي ألقاها قد الصقت بالبرج ، ألقي قدرة مملوءة وفيها نار ، فاشتعل البرج ، واضطرمت فيه النار ، وأعجلت من في طبقاته الخمس عن النزول والهرب ، فاحترقوا بأجمعهم ، وكذلك صنع بالبرج الثاني والبرج الثالث ، وحمل الرجل الي السلطان صلاح الدين ، فبذل له الأموال الجزيلة ، والإقطاع الكثير ، فلم يقبل منه الحبة الفرد ، وقال : إنما عملت هذا الله تعالي ، ولا أريد الجزاء إلا منه ( ابن الأثير 45/12 - 47).

وفي السنة 590 اشتبك السلطان شهاب الدين الغوري ، ملك الغور ، وملك بنارس الهندي ، في حرب عظيمة ، وكان مع الهندي سبعمائة فيل ، ومن العسكر ما يقارب ألف ألف ، علي ما قيل ، وفي جملة عسكره ، أمراء من مسلمي الهنود ، فظفر شهاب الدين وجيشه ، وكثر القتل في الهنود ، حتي امتلأت الأرض وجافت ، وأخذ منهم تسعين في"، وباقي الفيلة ، قتل بعضها ، وانهزم بعضها، وقتل ملك الهند في جملة القتلي ، ودخل شهاب الدين بنارس ، وحمل من خزائنها علي ألف وأربعمائة جمل ( ابن الأثير 105/12 و 106).

ص: 221

وفي السنة 590 اشتبك خوارزم شاه علاء الدين تكش ، والسلطان طغرل بن ألب أرسلان بن طغرل بن محمد بن ملك شاه السلجوقي في معركة عنيفة ، وكان طغرل شجاعأ ، فحمل بنفسه في وسط عسكر خوارزم شاه ، فأحاطوا به ، وألقوه عن فرسه ، وقتلوه ، وحمل رأسه إلي خوارزم شاه ، فسيره الي بغداد ، حيث نصب بباب النوبي عدة أيام ( ابن الأثير 107/12 و 108)

وفي السنة 591 كتب الفونس ملك الفرنج بطليطلة ، إلي أبي يوسف يعقوب بن يوسف بن عبد المؤمن الموحدي ، يستفزه ، ويدعوه للمنازلة ، فتحرك، وحشد جيشأ لجبا، واشتبك معه عند قلعة رباح في معركة ضارية ، فظفر أبو يوسف ، وقتل من الإفرنج مائة ألف وستة وأربعين ألفا ، وأسر ثلاثة عشر ألفأ، وقتل من المسلمين نحو عشرين ألفا (ابن الأثير 115-113/12)

وفي السنة 594 عبر الخطا إلي ناحية خراسان ، أغراهم بذلك خوارزم شاه تكش ، وسبب ذلك : إن خوارزم شاه تعرض لأملاك الخليفة، فكتب الخليفة إلي غياث الدين الغوري ، يشكو من خوارزم شاه ، فكتب غياث الدين إلي خوارزم شاه يهدده ، فكتب خوارزم شاه إلي ملك الخطا يغريه بغياث الدين ، ويقول لهم : إن لم تنفذوا إليه العساكر فإنه سوف يأخذ بلادي ، وعندئذ لا يصده عن بلادكم شيء ، فعبر الخطا نهر جيحون إلي ناحية خراسان ، وعاثوا في البلاد وأفسدوا ، فانتدب لهم غياث الدين الغوري ثلاثة أمراء ساروا بعساكرهم إلي الخطا ، فبيتوهم ، وكسروهم ، وأكثروا فيهم القتل ، فمن صبر قتل ، ومن ألقي نفسه في الماء غرق ، ووصل الخبر إلي ملك الخطا ، فعظم عليه ، وأرسل الي خوارزم شاه يقول : أنت قتلت من رجالي اثني عشر ألفا، وأريد عن كل قتيل عشرة آلاف دينار ، فرد عليه خوارزم شاه ردا جافية ، فجهز ملك الخطا جيشا وسيره إلي خوارزم شاه ،

ص: 222

فاشتبك مع الخطا في معركة ، وظفر بهم ، وحصر بخاري ، وفتحها عنوة ( ابن الأثير 135/12 - 138).

وفي السنة 5999 قتل عبدالله بن غانية ، صاحب جزائر الباليار ، في جزيرة ميورقة ، اشتبك مع أسطول الموحدين في معركة انتهت بانكساره وقتله ( الاعلام 198/4 ).

وفي السنة 600 قتل كوكجة ، المتغلب علي الري وهمدان وبلاد الجبل ، قتله أحد صنائعه واسمه ايدمش ، وكان كوكجة قد قدمه ، ووثق به ، وأحسن اليه ، فخرج عليه وحاربه ، فقتل كوكجة في المعركة ( ابن الأثير195/12)

وفي السنة 600 قصد السلطان شهاب الدين الغوري ، خوارزم شاه ، فأرسل خوارزم شاه إلي الخطا يستنجد بهم ، وهم أصحاب ما وراء النهر ، فاستعذ الخطا ، وقصدوا بلاد الغور ، واشتبكوا في معركة عظيمة مع شهاب الدين الغوري ، فانهزم جيشه هزيمة قبيحة ( ابن الأثير 186/12 ۔ 189)

وفي السنة 606 قتل الأمير دمشق خجا بن سالم التركماني ، دام القتال بينه وبين نعير بن حيار بن مهنا أمير العرب ، فقتله نعير في المعركة (الضوء اللامع 219/3 ).

وفي السنة 112 قتل الأمير تاج الدين ألدز ، وكان قد حصر لهاوور بالهند ، وقاتل صاحبها فقتله ، واستولي عليها ، ثم قصد دهله ( دهلي ) وكان ملكها شمس الدين الترمش ، واحتربوا ، فانهزم ألدز ، وانفق عسكره ، وقتل ( ابن الأثير 311/12 و 312).

وفي السنة 614 قتل الأمير عبد الحق بن محيو المريني ، مؤسس الدولة

ص: 223

المرينية بالمغرب ، بعد أن كسر الموحدين ، واستأصلهم ، فخرج عليه بعض رجاله ، واستعانوا ببني رياح ، ونشبت معركة كان الظفر فيها لعبد الحق ، ولكنه قتل في المعركة ( الأعلام 54/4 ).

وفي السنة 614 قتل الأمير بدر الدين أبو عبد الله محمد بن أبي القاسم الهكاري ، بالطور ، في معركة مع الصليبيين ( الأعلام 227/7 ).

وفي السنة 616 هاجم التار بلاد الإسلام ، وسبب ذلك إن جنكيز خان ملك التتار ، بعث إلي خوارزم شاه علاء الدين ، يطلب منه المسالمة والهدنة ، فأجابه إلي ذلك ، فسر جنكيز خان بالجواب وبعث تجارة من بلاده إلي بلاد خوارزم شاه ومعهم شيء كثير من الفضة والقندز وغيرهما ، فلما وصلوا إلي مدينة اسمها : أوترار ، وهي آخر ولاية خوارزم شاه ، وكان عليها خال خوارزم شاه ، شره إلي أموالهم ، فأخذها ، وكتب إلي خوارزم شاه بأنهم جواسيس في زي تجار ، فأمره بقتلهم ، وإنفاذ ما معهم من الأموال ، ففعل ، ولما وصل إليه المال فرقه علي تجار بخاري وسمرقند ، وأخذ ثمنه منهم ، فلما بلغ جنكيز خان ذلك ، كتب إلي خوارزم شاه يقول : إن كان ما فعله خالك من تلقاء نفسه ، فسلمه الينا ، وإن كان بأمرك فإن الغدر قبيح ، فقتل خوارزم شاه الرسول ، وأمر بحلق لحي الجماعة الذين كانوا معه ، وأعادهم إلي جنكيز خان، ثم تجهز مبادرة ، وقصد التتار، ووصل الي بيوتهم ، فوجد فيها النساء والصبيان والأثقال فأوقع بهم ، وغنم الجميع ، وسبي النساء والذرية ، ولما بلغ التتار ما فعل خوارزم شاه بأبياتهم ، جدوا السير فأدركوه ، وتصافوا للحرب ، فاستمرت المعركة ثلاثة أيام بلياليها ، فقتل من عسكر خوارزم شاه عشرون ألفا، ومن التتار ما لا يحصي عدده ، وكان عسكر التتار ، عسكر آبن جنكيز خان ، وفي الليلة الرابعة انسحب العسكران ، وعاد التتار إلي ملكهم يخبرونه بما حصل، وعاد خوارزم شاه إلي بخاري ، فحضنها، ووضع فيها عشرين ألف فارس ، والي سمرقند، فوضع فيها خمسين ألف فارس ، وعاد فنزل قريبة من بلخ ، وبعد خمسة أشهر أحاط

ص: 224

التتار ببخاري ، وبعد معركة عنيفة دامت ثلاثة أيام انسحب الجيش الخوارزمي ، وطلب أهل بخاري الأمان ، فأمنهم جنكيز خان، واستسلمت له البلد ، فحصر القلعة ، وقتل من فيها عن آخرهم ، ثم أمر أهل بخاري بالخروج عن البلد ، فخرجوا ، واجتمعوا في مكان ، فاحتاط بهم التار، وتقاسموهم ، فمنهم من حارب وقتل ، ومنهم من استسلم وأسر ، ثم عذبوا الناس جميعا في طلب المال ، فمات منهم كثير ، وأخذوا الباقي معهم يقصدون سمرقند ، وهم مشاة علي اقبح صورة ، ومن أعيا أو عجز قتلوه ، وحصروا سمرقند ، فخرج اليهم السمرقنديون ، فنصبوا لهم كمينا ، قتلوا فيه سبعين ألفا منهم ، وطلب الجند الخوارزميون الأمان ، فأمنهم، فخرجوا إلي التتار بأموالهم وأهليهم ، فأخذوا منهم أسلحتهم ، ثم عطفوا عليهم فقتلوهم جميعا ، وأخذوا الأموال والنساء ، ثم فعلوا مع أهل سمرقند مثلما فعلوا مع أهل بخاري ، من التعذيب والقتل والإسترقاق ، وأحرقوا الجامع ، ثم سير جنكيز خان عشرين ألف فارس ، وأمرهم أن يطلبوا خوارزم شاه ، ولو تعلق بالسماء ، فقصدوه ، فرحل هاربا منهم في نفر من خاضته ، وقصد نيسابور ، فلم يستقر حتي وصل التتار إليها ، فرحل إلي مازندران ، فتبعوه ، وكلما رحل عن منزلة نزلوها من بعده ، فوصل الي مرسي من بحر طبرستان ، ونزل في البحر ، فلما نزل هو وأصحابه في السفن ، وصل التتار ورأوه في السفن فأيسوا من اللحاق به ، فلحق بجزيرة في البحر ، ومرض بالإسهال ، وطلب الدواء فأعوزه ، ومات ، وعاد التتار فملكوا مازندران ، وقتلوا أهلها وسبوهم ، ثم أحرقوها ، وصنعوا مثل ذلك بالري ، وزنجان ، وقزوين ، وكان القتلي من أهل قزوين أربعين ألفا، ثم اجتاحوا بلاد الكرج ، ومراغة ، وهمذان ، وأردويل ، وبيلقان ، وبلاد الكرج ، ودربند شروان ، والقفجاق ، والروس ، وبلاد فرغانة ، وترمذ، وخراسان مرو ، ونيسابور ، ثم هراة ، وخوارزم ، وغزنة ، وبلاد الغور ( ابن الأثير 358/12 - 397 وشذرات الذهب 61/5)

ص: 225

أقول : ذكر صاحب شذرات الذهب 73/5 إ عسكر خوارزم شاه ، كانوا أوباشا ، ليس لهم ديوان ، ولا إقطاع ، بل يعيشون من النهب والغارات ، وهم بين تركي كافر، أو مسلم جاهل ، لم يعرفوا تعبئة العساكر في المصف ، ولم يدمنوا إلا علي المهاجمة وليس لهم زرديات، ولا عدد جيدة ، وكان خوارزم شاه يقتل بعض القبيلة ويستخدم باقيها جندة له ، ولم يكن فيه شيء من المداراة ، ولا التوعدة، لا لجنده ولا لعدوه ، وتحرش بالتتار ، وهم يغضبون علي من يرضيهم فكيف بمن يغضبهم ويؤذيهم .

وفي السنة 614 قتل في المعركة ، الأمير بدر الدين أبو عبدالله محمد بن أبي القاسم الهكاري ، من أكابر امراء الملك المعظم ، كانت له المواقف المشهورة في قتال الفرنج ، وكان يتمني الشهادة دائما ، ويقول : ما أحسن وقع سيوف الكفار علي أنفي ووجهي ، قتل في معركة القدس ( الوافي بالوفيات 351/4).

وفي السنة 617 توقي الأمير اقباش بن عبدالله ، مملوك الخليفة الناصر العباسي ، وكان قد حج بالركب العراقي ، ومعه تقليد لحسن بن قتادة ، بعد وفاة أبيه ، فجاءه راجح ، أخو حسن ، وقال له : أنا أكبر ولد قتادة فولني ، فلم يجبه ، وجرت بينهما حروب ، فقتل أقباش ، ونصب رأسه علي رمح بالمسعي ، ولم يخرج الموكب لتلقي الركب العراقي ، حزنا علي أقباش ( الوافي بالوفيات 303/9 ) .

وفي السنة 622 خلع شروان شاه، صاحب مدينة شروان، من الملك ، ثار عليه ولده ،، وطرده من البلاد ، وملك بعده ، وسبب ذلك : إن شروان شاه كان سيء السيرة ، كثير الفساد والظلم ، يتعرض للنساء والولدان والأموال والأملاك ، فاتفق الرعية مع الإبن ، وأخرجوا أباه من البلاد ، وملك الإبن ، وأحسن السيرة ، فأحبه العساكر والرعية ، وأرسل الولد إلي أبيه ،

ص: 226

يقول له : إني أردت أن أتركك في بعض القلاع ، وأجري لك الجرايات الكثيرة ، ولكل من تحب أن يكون عندك ، وقد حملني علي ذلك سوء سيرتك ، وظلمك لأهل البلاد ، وكراهيتهم لك ولدولتك ، فلما رأي الأب ذلك ، استنصر بالكرج ، وقرر معهم أن يرسلوا معه عسكر يعيدونه إلي ملكه ، علي أن يعطيهم نصف البلاد ، فسيروا معه عسكرة، فجمع الولد العسكر ، وأخبرهم بالحال ، وسار إلي الكرج جريدة في ألف ، فلاقاهم وهم في ثلاثة آلاف ، وصبر أهل شروان ، فانهزم الكرج ، وقتل كثير منهم ، وأسر كثير ، ومن سلم منهم عاد بأسوأ حال ، وكان شروان شاه المخلوع معهم ، فطردوه من بلادهم ، واستقر الابن في الملك ، وأحسن إلي الجند والرعية ( ابن الأثير 430/12 ).

وفي السنة 622 حارب خوارزم شاه جلال الدين ، الكرج ، فقتل منهم في المعركة ما يزيد علي عشرين ألف ، وأسر كثيرة من أعيانهم ( ابن الأثير 435/12)

وفي السنة 623 عاد خوارزم شاه جلال الدين الي محاربة الكرج ، وقتل منهم جمعة عظيمة ، وافتتح مدينة تفليس ( ابن الأثير 450/12 و 451).

وفي السنة 627 ظهر الأمير شمس الدين سونج ، وهو تركماني من قبيلة قشيالو ، وكان قد جمع جمعا ، وقطع الطريق بين إربل وهمذان ، ثم كثر جمعه ، وقصد قلعة منيعة من أعمال إربل ، اسمها سارو ، فقتل بها أميرة كبيرة من أمراء مظفر الدين صاحب إربل ، وتحضن فيها ، وحاول مظفر الدين استعادتها فعجز ، وكان عسكر جلال الدين خوارزم شاه يحصرون قلعة رويندز ، وهي من أحصن القلاع وأمنعها، وطال الحصار علي من فيها فأذعنوا بتسليمها إلي خوارزم شاه ، فأرسل خوارزم شاه بعض ثقاته لتسلمها ، وأرسل معه الخلع والمال للذين بها ، فلما وصل القاصد إلي القلعة ، اعطي البعض ولم يعط البعض الآخر ، فغضب من لم يعط وأرسلوا إلي شمس الدين

ص: 227

سونج ، وأسلموا القلعة إليه ، وهذا من عجائب القدر ، فإن هذه القلعة تضرب الأمثال بحصانتها ، وتقاصرت عنها قدرة اكابر الملوك ، سهل الله لهذا الرجل أمر تسلمها بأهون سبيل ، فلما ملكها سونج طمع في غيرها ، وقصد مراغة فحصرها ، فجاءه سهم غرب فقتله ، وخلفه أخوه، ونزل هذا الأخ من القلعة ، وقصد أعمال تبريز ، ونهب وسلب ، وعاد إلي القلعة ، مع ما نهب ، فصادفته طائفة من التر فحاربته ، فقتل في المعركة ، واستولي التتر علي ما نهب ، ورب ساع لقاعد ، فاستولي علي القلعة ابن أخ له ، وقد تم كل ذلك خلال سنتين اثنتين ( ابن الأثير 493/12 و494) .

وفي السنة 628 خرج التتار من بلاد ما وراء النهر ، قاصدين أذربيجان ، بتحريض مقدم الإسماعيلية ، فحصروا مراغة ، فاستسلمت بالأمان ، ودخلها التتر ، فقتلوا من فيها، ثم تبعوا خوارزم شاه جلال الدين فكبسوه بظاهر مدينة أمد ، وتفرق من معه من العسكر ، ودخل التتار بلاد ديار بكر والجزيرة ، ففتحوا آمد، وقتلوا فيها ما لا يقل عن خمسة عشر ألف قتيل ، وقصدوا مدينة سعرد ، وبذلوا لأهلها الأمان ، فلما استسلموا ، وضعوا فيهم السيف وقتلوهم ، ثم فتحوا طنزة ، وقتلوا أهلها، ومرت طائفة منهم بالمؤنسة ، قرية علي مرحلة من نصيبين ، بينها وبين الموصل ، فاحتمي أهلها بخان ، فقتلوا كل من فيه ، ومضت طائفة إلي نصيبين الروم من أعمال آمد ، فنهبوها ، وقتلوا من فيها ، وأحرقوا بدليس ، ثم حصروا مدينة باكري من أعمال خلاط ، وملكوها ، وقتلوا كل من بها ، وكذلك صنعوا بأرجيش ، مدينة كبيرة من أعمال خلاط ، وأجتاحوا بلاد إربل ودقوقا ، وذكر إن التتار الذين عملوا هذه الأعمال ، هم طليعة التتار الذين بعث بهم ملكهم ليعلموه هل في البلاد من يردهم أم لا؟ فلما عادوا ، أخبروا ملكهم بخلو البلاد من مانع أو مدافع ، فعزموا علي قصد البلاد جميعها ( ابن الأثير 499/12 - 506)

ص: 228

وفي السنة 633 قتل أبو عزة زيدان بن زيان العبد الوادي ، رابع أمراء تلمسان من بني عبد الواد ، وليها سنة 631، وثار عليه بنو مظهر فحاربهم ، وقتل خارج تلمسان . ( الاعلام 103/3 ).

وفي السنة 646 قتل المعتضد أبو الحسن علي بن إدريس الموحدي ، من خلفاء الموحدين بمراكش ، علي مقربة من تلمسان ، في معركة نشبت بينه وبين يغمراسن بن زيان ، من بني عبد الواد . ( الاعلام 68/5 ).

وفي السنة 353 نشبت معركة بين الأمير مجير الدين الكردي ، صاحب نابلس ، وبين التاتار ، فقتل مجير الدين في المعركة (الوافي بالوفيات 339/5)

وفي السنة 656 قتل الإمام أحمد بن الحسين القاسمي العلوي ، إمام اليمن ، وكان شجاعا داهية حازما ، لقب بالمهدي لدين الله ، واستولي علي معظم البلاد العليا في اليمن ، وقتله جيش الملك المظفر في موضع يسمي ( شواية ) ( الاعلام 1/ 114).

وفي السنة 656 حصر هولاكو التاري بغداد ، وأحاط بها جيشه ، وعبر قسم من جيشه إلي الجانب الغربي من بغداد فحصره ، فحاربهم عسكر الخليفة المستعصم ، بقيادة مجاهد الدين أيبك الدوادار ، وكانت الموقعة شمالي المزرفة ، وكانت الكرة أولا لعسكر الخليفة ، ثم كر عليهم التتار ، فانهزم جيش الخليفة ، وكان التتار قد اغرقوا الطريق ، فامتنع علي المنهزمين العودة إلي بغداد ، وقتل قادة جيش الخليفة ، وقتل من أفراده اثني عشر ألفا سوي من غرق ، ومن قضي نحبه في الوحل ( موسوعة العتبات المقدسة، قسم الكاظمين ج 2 ص 360).

وفي السنة 658 حصلت معركة عظيمة في عين جالوت، بين جيش الملك المظفر قطز ، سلطان مصر والشام ، وبين جيش التتار ، فانكسر جيش التتار، وقتل في المعركة مقدمهم كتبغا نوين ، وكان عظيما عند التتار ،

ص: 229

يعتمدون علي رأيه وشجاعته ، وكان بطلا، مقداما ، خبيرة ؛ بالحروب ، وهو الذي فتح معظم بلاد العجم والعراق. ( النجوم الزاهرة 79/7 و 91).

أقول : أورد صاحب ، اعلام النبلاء قصة هذه المعركة ، بتفصيل أوفي ، قال : :

في السنة 658 بعث كتبغا ، نائب هولاكو، إلي الملك المظفر قطز ، صاحب مصر والشام ، يطالبه بإعلان خضوعه للسلطان هولاكو ، فضرب قطز أعناق الرسل ، وتأهب للسير إلي الشام لحرب التتار ، واشتبك العسكران في عين جالوت ، فانكسر التار، واشتبكا ثانية في بيسان ، فانكسر التتار كسرة شنيعة، وقتل مقدمهم كتبغا ، وأسر ابنه ، وأسر كذلك الملك السعيد ابن العزيز، ابن العادل الأيوبي ، وكان مع التتار ، فأحضر بين يدي الملك قطز ، فأمر به فضربت عنقه ( اعلام النبلاء 291/2 - 292) وبعد انتهاء المعركة ، أحضر ابن كتبغا أسيرا بين يدي الملك قطز ، فقال له : أبوك فر ، فقال له : إن أبي لا يفر ، إبحثوا عنه بين القتلي ، فبحثوا عنه ، فوجدوه بينهم ، فلما رأي الولد رأس أبيه بكي ، وقال للسلطان قطز : نم طيبة ، ما بقي عدو تخاف منه ، هذا هو كان سعادة التتار ( اعلام النبلاء 294/2 ).

وفي السنة 666 حصر الظاهر بيبرس مدينة أنطاكية ، وملكها بالسيف ، فقتل أهلها ، وأحرق كنائسها ، وأحصي من قتل بأنطاكية فكانوا نيفا وأربعين ألفا ، وكان ممن قتل من حماتها ما بين ستة عشر ألف إلي سبعة عشر ألف صليبي ، وأخذ مائة ألف أسير ( خطط الشام 2/ 120).

وفي السنة 666 قتل في إحدي المعارك ، علي مقربة من صعدة باليمن ، علم الدين حمزة بن الحسن بن حمزة ، من أشراف اليمن وأمرائها. ( الاعلام 309/2 ) .

وفي السنة 678 قتل السلطان سالم بن إدريس الحبوضي ، صاحب

ص: 230

ظفار، في معركة نشبت بينه وبين المظفر الرسولي ، وكان قتله في محلة عوقد بظفار ( الاعلام 113/3 و114).

وفي السنة 680 جهز السلطان أبا قابن هولاكو، جيشا عظيما لاحتلال الشام ، وقدم عليه أخاه منكوتمر بن هولاكو ، فالتقي بجيش مصر والشام علي حمص ، وكان جيش التتار يعد مائة ألف ، وجيش المنصور قلاوون ، سلطان مصر والشام ، يعد النصف أو أكثر بقليل، واشتبك الجيشان في معركة ضارية ، استقتل الطرفان فيها ، واستظهر التتار أول النهار ، فلما رأي الأمراء تذامروا فيما بينهم ، ورأوا ثبات السلطان فحملوا حملات صادقة ، وتقدم الأمير الكبير الحاج عز الدين أزدمر الجمدار ، فقصد الأمير منكوتمر ، قائد جيش التتار ، وتقدم اليه وقد قلب رمحه ، ليوهمه إنه يريد أن يستسلم ، حتي إذا وصل إليه ، طعنه فجرحه ، فقتلوه ، ومات منكوتمر بعد ذلك ، وانكسر التتار، وقتل منهم مقتلة عظيمة جدا ، ودخل السلطان دمشق ، وبين يديه أساري التتار ، بأيديهم الرماح ، عليها شعفة رؤوس القتلي منهم ( أعلام النبلاء 332/2 - 335).

أقول : الشعفة : الخصلة من شعر الرأس .

وفي السنة 681 اتفق أحد الأمراء الحفصيين ، واسمه الفضل بن أبي زكريا يحيي الواثق الحفصي ، مع الأمير مرغم بن صابر ، أمير طرابلس الغرب ، فجمعا العربان ، وقصدا تونس ، وكان قد استولي عليها أبو اسحاق ، فانحاز إلي بجاية عند ولده أبي فارس ، فواقعاه في معركة علي باب بجابة ، فقتل أبو فارس ، وأخوه ، ووالده أبو اسحاق ، وعلقت رؤوسهم علي باب المنارة ، أحد أبواب تونس ( سيرة الملك المنصور 45).

أقول : أورد صاحب معجم انساب الأسر الحاكمة 115 الخبر مبتورة ، إذ اكتفي بأن ذكر أن الواثق أبا زكريا يحيي تسلم حكم تونس في السنة 675

ص: 231

وأن أبا اسحاق إبراهيم خلعه في السنة 678 واستقر في موضعه، وأن أبا اسحاق « أعدم » في السنة 681، فاقتضي الإشارة إلي ذلك .

وفي السنة 683 ظهر في سواد الحلة رجل يعرف بأبي صالح، أدعي أنه نائب صاحب الزمان ، وتبعه خلق ، فقصد بلاد واسط، ثم قصد الحلة ، فخرج اليه جند من بغداد ، وبعد معركة بين الجند البغدادي وجماعة أبي صالح ، قتل أكثر جماعة أبي صالح ، وقتل هو معهم ، وحمل رأسه إلي بغداد ( الحوادث الجامعة 439- 441).

وفي السنة 700 عاد التتار الي الشام ، فحاربهم السلطان الملك الناصر ، في السنة 702 واشتبك معهم في معركة ضارية بمرج راهط ، وكان عدد كل جيش ما يقارب المائتي ألف مقاتل، فقتل من الطرفين جماعات عظيمة ، وأسر من عسكر غازان نحو الثلث ، وجيء بالأسري الي القاهرة ، وسار منهم مقدار ألف وستمائة وقد علق في عنق كل واحد منهم ، رأس أحد القتلي من التار، كما حمل أمامهم ألف رأس علي ألف رمح ، وكانت طبولهم أمامهم ، مخرقة ( النجوم الزاهرة 167/8 واعلام النبلاء 354/2 ).

أقول : أورد صاحب خطط الشام 142/2 و 143 خبر معركة وقعت بين الجيش التتاري والجيش المملوكي ، ولا أدري أهي هذه المعركة أم غيرها ، قال : في السنة 702 قصد خطلو شاه ، نائب غازان ، في خمسين ألفا من التتار بلاد الشام ، وتوغلت طائفة منهم ، يبلغ عددها عشرة الآف فارس ، فحاربهم اسندمر الكرجي ، نائب السلطنة ، ما بين تدمر والرصافة، وكان اسندمر في ألف وخمسمائة فارس ، فانكسر التتار وقتلوا عن آخرهم .

وفي السنة 707 قتل خطلوشاء المغلي ، وكان مقدم عسكر السلطان غازان ، وقد فعل في دمشق الأفاعيل . وكان مقدمهم في وقعة شقحب لما

ص: 232

انكسر الجيش المغلي ، ثم جهزه غازان إلي كيلان ، ففتكوا به وقتلوه ( الدرر الكامنة 174/2).

وفي السنة 709 وقعت في حوران فتنة بين اليمنية والقيسية ، واقتتلوا ، فقتل ألف نفس ( خطط الشام 146/2 ).

وفي السنة 717 ظهر بجبلة ، جبلي ادعي أنه المهدي ، وجمع جمعأ ، ثم تنوعت إدعاءاته ، ادعي مرة أنه النبي المصطفي صلوات الله عليه ، وادعي مرة أنه الإمام علي ، وادعي مرة أنه الإمام المنتظر محمد بن الحسن ، وعاث أصحابه بالساحل، وكانوا يرفعون أصواتهم قائلين : لا إله إلا علي ، ولا حجاب الا محمد ، ولا باب إلا سلمان ، فسار عليهم عسكر من طرابلس ، فقتل رئيسهم ، وجماعته معه ، وتفرقوا ( شذرات الذهب 43/6 ) .

وفي السنة 719 حصر الدون بيدره ( بطره ) الوصي علي الملك الصبي الفونسو الحادي عشر ملك قشتالة ، غرناطة ، فانكسر جيش بطره ، وقتل مع جماعة من رجاله وفرسانه، وأخذت جثة الملك القتيل ، فجعلت في تابوت خشب ، ونصب في جوار سور الحمراء ، وفي السنة 769 ( بعد خمسين سنة ) تفقد الوزير ابن الخطيب المكان ، فوجد علي التابوت أكوام من الحجارة . لأن الصبيان كانوا ، يرجمونه، فأزاح الحجارة ، وكشف عن الرمة ، فألفي بعظم القطن ( العصعص ) العريض منها ، سنانأ مرهبا ثبت في العظم ( الاحاطة 396- 398).

وفي السنة 724 توفي الأمير محمد بن عيسي ، أمير آل فضل ، وكان أثيرا عند السلطان الناصر محمد بن قلاوون، لأنه وقف موقفا شديدا مع العسكر التاري الذي جهزه خربندا سلطان التتار مع الشريف حميضة ، ليستولي علي مكة ويطرد الجيش المصري عنها ، فهاجم الأمير محمد الجيش التاري ، وقتل منهم كثيرة ، وأرسل إلي الناصر منهم أربعمائة أسير ، فأعجب الناصر ذلك ، وبالغ في الإحسان اليه ( الدرر الكامنة 249/4 ) .

ص: 233

وفي السنة 730 كان الأمير الدمر ، أحد أمراء القاهرة ، هو وولده خليل من ضمن الحاج ، فثارت بمني فتنة في يوم عيد النحر ، فقتل الدمر وولده خليل ( الدرر الكامنة 434/1 و435) .

وفي السنة 737 اشتبك موسي خان بن بايدوخان التتاري ، مع أوربا كارون خان في معركة قرب مراغة ، انجلت عن قتل أوربا كاون خان وتسلطن موسي خان ، فغضب قسم من الأمراء ، وراجعوا الأمير الشيخ حسن بزرك ( الكبير) الجلائري وهو ابن الأمير حسين بن آق بوغا، فجيش الشيخ حسن جيشأ ، وحارب موسي خان ، فانكسر عسكر الشيخ حسن ، وبات موسي خان آمنا مطمئنأ وترك الإحتياط ، فكر عليه قسم من جماعة الشيخ حسن . وكان موسي خان وأصحابه علي غير تأهب ، فقتل موسي خان ، وأسر علي باشا رئيس الأويرات ، وأحضر أمام الشيخ حسن ، فأراد أن يستبقيه، فلم يوافقه الأمراء ، وأصروا علي قتله ، فقتله ( الغياثي 69- 73).

وفي السنة 737 قتل في معركة ضارية ، علي باب قصره بتلمسان ، السلطان أبو تاشفين عبد الرحمن بن موسي ، آخر ملك من ملوك بني عبد الواد ، كان الظفر فيها لصاحب مراكش السلطان أبي الحسن المريني ، وثبت أبو تاشفين ، بخاصة رجاله ، بعد أن تفرق عنهم الجند والأنصار ، فقتلوا جميعا علي باب القصر . ( شذرات الذهب 115/6 والاعلام 115/4 ).

وفي السنة 741 كانت وقعة طريف ببلاد الأندلس ، وكان سلطان فاس أبو الحسن المريني جاز البحر في ستين ألفأ، وجاء إليه أهل الأندلس وسلطانهم ابن الأحمر بامداد ، فانكسر المسلمون ، وقتل منهم عدد عظيم ، وأسر ابن السلطان وحريمه ، واستولي الافرنج علي مدينة طريف ( شذرات الذهب 6/ 127 و 128).

ص: 234

وفي السنة 741 قتل أبو عبدالله محمد بن يحيي المالكي الأندلسي ، وكان يلي الخطابة والقضاء بغرناطة ، قتل في معركة بظاهر طريف مع الأسبان ( الاعلام 9/8).

وفي السنة 741 قتل في موقعة طريف أبو عبدالله محمد بن علي الأنصاري الغرناطي وله بضع وسبعون سنة ، وكان عريض النعمة ، حسن الخلق ولما نشبت المعركة ، استاك ، وتكحل، وخرج بنفسه علي العدو، فقتل ( الدرر الكامنة 206/4 ).

وفي السنة 765 هاجم الإفرنج مدينة طرابلس الشام، وكانوا ثلاثة ملوك ، صاحب قبرس ، وصاحب رودوس ، وصاحب الاسبتار ، جاؤوا في مائتي مركب حربي ، فانكسر عسكر طرابلس ، ودخل الإفرنج المدينة ، ونهبوا أسواقها ، وقتلوا بها نحوا من ألفي إنسان ، ثم اجتمع عليهم أهل البلاد ، وحاربوهم ، وقتلوا منهم جماعة كثيرة ، فرحلوا ( خطط الشام 155/2)

وفي السنة 770 قتل في المعركة بتل السلطان خارج حلب ، الأمير قشتمر المنصوري ، وكانت اليه نيابة حلب ، فإنه خرج من حلب مع عسكر ليستأصل شافة أعراب بلغه أنهم يقومون بقطع الطريق ، فوجد اعراب نزولا في مضاربهم ، فهاجمهم العسكر ، واستاقوا كثيرا من مواشيهم ، ونهبوا أبياتهم ، فحاربهم العرب ، وهاجموا أفراد العسكر وهم مشغولون بالنهب ، فكسروهم فاستعادوا المنهوبات، وقتل الأمير تشتمر في المعركة ( الدرر الكامنة 33/3 ۔ 334)

وفي السنة 776 قتل في المعركة ، ملك الحبشة المسلم ، محمد حق الدين بن أحمد حرب أرعد، وكان جده عمر ، تأمر علي بلدة وفات ، وأكثر أهلها مسلمون ، ولاه عليها الحطي ملك الحبشة النصراني ، وخلف عمر ولده صبر

ص: 235

الدين علي في السنة 700 فقويت شوكته ، وخرج علي الحطي ، ثم عاد فأطاعه ، فأقام الحطي بدلا منه ولده أحمد، ومات أحمد فخلفه أخوه أبو بكر ، وخلف أحمد أولادا منهم محمد حق الدين الذي اشتغل بالعلم ، وتقدم فيه ، ثم حنق علي عمه أبي بكر ، فخرج عليه ، وحاربه ، فقتل العم في المعركة ، وتسلطن حق الدين ،، واستمر علي محاربة الحطي ، حتي أنه حاربه في تسع سنين في عشرين موقعة . كان الظفر له فيها جميعها ، فلما كانت الموقعة الأخيرة ، قتل في المعركة ( الدرر الكامنة 432/3- 433).

وفي السنة 792 قتل الأمير سيف الدين طرنطاي، نائب السلطنة بدمشق ، في المعركة التي اشتبك فيها جيش السلطان برقوق بجيش الأمير منطاش ، وكان سيف الدين بجانب برقوق ( اعلام النبلاء 108/5 ).

وفي السنة 793 قتل احمد بن زيد الشاوري ، الفقيه الشافعي ، باليمن ، وكان شديدة علي الزيدية ، فهاجمه الناصر صاحب صنعاء في عسكر كثيف ، فقتله ، وقتل واحد من أولاده ، وجماعة من أهله وأصحابه ( الاعلام 123/1)

وفي السنة 794 قصد تيمورلنك شيراز ، فاستعد صاحبها منصور شاه المحاربته ، واشتبك معه في معركة كانت عاقبتها ظفر تيمور وقتل منصور شاه في المعركة ( شذرات الذهب 332/6 ).

وفي السنة 800 قتل القاضي برهان الدين أحمد بن الأثير ، صاحب سيواس ، كان شجاعة حارب عساكر مصر في السنة 789 وفي السنة 799 حارب التتار وهزمهم، ثم نشبت معركة بينه وبين قرايلك بن طورغلي ، فقتل برهان الدين في المعركة ( الدرر الكامنة 366/1 ).

وفي السنة 802 وصل تيمورلنك إلي قريب من حلب ، وكتب إلي نائب حلب ، يطلب منه أن يخابر سلطان مصر ، لكي يطلق اطلمش ، أحد أقارب

ص: 236

تيمورلنك ، وهو محبوس في مصر ، فما كان من نائب حلب إلا أن قتل رسل تيمورلنك ، فلما بلغ تيمورلنك ما صنعه نائب حلب برسله ، أحاط بمدينة حلب ، وخرج عسكر حلب لصده ، فكسر ، واقتحم عليهم المدينة ، وأسرفوا في قتل الرجال والنساء ، حتي صارت الأرجل لا تطأ إلا علي جيف القتلي ، وقيل إنه بني من رؤوس القتلي عشر مآذن ، دور كل مئذنة نحوا من عشرين ذراعا ، وارتفاعها مثل ذلك ، وجعل الوجوه فيها بارزة ، وبلغ عدد القتلي نحو من عشرين ألف إنسان ، عدا من هلك تحت أرجل الخيول ، ومن هلك بالجوع والعطش ( خطط الشام 173/2 - 175 ).

وفي السنة 803 قتل الأمير دريب بن احمد ، أمير حلي ، مدينة بين مكة واليمن ، علي ساحل البحر ، في معركة بينه وبين العرب بني كنانة ، واستقر في موضعه أخوه موسي ( الضوء اللامع 217/3 ).

وفي السنة 804 كان الأمير جنتمر بن عبدالله التركماني ، يتوئي كشف الصعيد ، فقتله عرب ابن عمر ، وقتلوا من حاشيته مقدار مائتي نفس ، ونهبوا جميع ما كان معهم ( الضوء اللامع 79/3 ).

وفي السنة 808 قتل أمير التركمان فارس بن صاحب الباز ، صاحب انطاكية ، وما والاها ، قتله جكم الظاهري ، أما جكم فقد قتله قرايلوك في السنة 809 ( الضوء اللامع 163/5 و 76/3 ).

وفي السنة 805 قتل سعد الدين أبو البركات محمد بن أحمد بن علي بن صبر الدين ، وكان قد استقر ملكة علي الحبشة ، بعد أخيه حق الدين ، فسار سيرته في جهاد الكفر ، وكانت عنده سياسة ، وكثرت عساكره ، وتعددت غاراته ، واتسعت مملكته ، وفي هذه السنة ، جمع الحطي صاحب الحبشة ، جمعة عظيمة ، وجهز عليه أميرة يقال له : باروا ، فالتقي الجمعان ، فاستشهد من المسلمين جمع كثير منهم أربعمائة شيخ من الصلحاء ، أصحاب

ص: 237

العكاكيز ، وتحت يد كل واحد منهم عدة فقراء ، واستحر القتل في المسلمين ، حتي هلك أكثرهم ، وانهزم من بقي ، ولجأ سعد الدين إلي جزيرة زيلع ، في وسط البحر ، فحصروه فيها ، إلي أن وصلوا إليه ، فأصيب في جبهته بعد وقوعه في الماء ثلاثة أيام ، فطعنوه ، فمات ، وكانت مدة ملكه ثلاثين سنة ، وفر أولاد سعد الدين ، وهم صبر الدين علي ، وتسعة من أخوته إلي البر الأخر ، فدخلوا مدينة زبيد ، فأكرمهم الناصر أحمد بن الأشرف وأنزلهم ، وأعطاهم خيوط ، وما ، فتوجهوا إلي حيث لحقت بهم عساكرهم ، واستمر صبر الدين علي سيرة أبيه ( شذرات الذهب 47/7 و48) .

أقول: جاء في الضوء اللامع 16/7 آن وفاة سعد الدين كانت في السنة 815 وقد اثبتنا ذلك في موضعه .

وفي السنة 807 توفي تيمورلنك ، المعروف في التواريخ باسم تيمور كوركان ، وكان أول أمره ، إنه كان من أتباع طقتمش خان آخر الملوك من ذرية جنكيزخان ، فلما مات طقتمش ، قرر في السلطنة ولده محمود ، وكان صغيرة ، فتزوج تيمور بأم محمود ، واستقر أتابك له ، ثم جرد عسكرة إلي بخاري فاستولي عليها ، ثم نازل خوارزم ففتحها ، ثم حاز ما وراء النهر ، وفتح سمرقند ، ثم خراسان ، ثم هراة ، ثم طبرستان ، وجرجان بعد حروب طويلة في السنة 784 فلجأ صاحبها إلي أحمد بن أويس صاحب العراق ، ثم ملك تبريز وأذربيجان ، ثم ملك إصبهان ، ثم استولي علي فارس ، ثم قصد بغداد ، ففتحها وفر ملكها أحمد بن أويس إلي الشام ، واتصلت مملكة تيمورلنك بالجزيرة وديار بكر ، ثم قصد سراي في السنة 797 ثم عاد فقصد بغداد إذ علم بعودة صاحبها أحمد بن أويس اليها ، فملكها ثانيا ففر منها أحمد بن أويس ، ثم قصد سيواس فملكها ، ثم قصد حلب ففتحها وفعل فيها الأفاعيل ، ثم تحول إلي دمشق وحصر المدينة ، ثم فتحها بالأمان ، وغدر

ص: 238

بهم ، فقام جنده بنهب البلد، وبالسلب والقتل والإحراق ، ثم قصد الرها وماردين ، ثم كر علي بغداد ، وحصرها، وفتحها عنوة ، ووضع السيف في أهلها ، وألزم من معه ، أن يأتي كل واحد منهم برأسين من رؤوس أهلها ، وبني من الرؤوس مائة وعشرين مأذنة ، وفي السنة 804 قصد بلاد الروم ، واستولي عليها ، وأسر صاحبها بايزيد ومات معه في الاعتقال ، ودخل الهند ، وغلب علي مملكة المسلمين بها ، ومات في السنة 807 وقد خرج من سمرقند يريد بلاد الصين والخطا فمات وهو نازل بضواحي أترار ، فأعيد جسده إلي سمرقند ، حيث دفن هناك ( شذرات الذهب 62/7 - 67).

وفي السنة 808 قتل الأمير علان الظاهري ، نائب السلطنة بطرابلس ، وكان شجاعا ، قتل في المعركة ( الضوء اللامع 150/5 ).

وفي السنة 808 قتل الأمير محمد بن حيار ، المعروف بنعير أمير آل فضل بالشام ، نشبت معركة بينه وبين الأمير جكم، فقتل في المعركة ( الاعلام 344/6 ).

وفي السنة 810 قتل الأمير إينال باي بن نجماس، بغزة ( الضوء اللامع 326/2)

وفي السنة 810 قتل الأمير جركس سيف الدين القاسمي ، بناحي بعلبك ، وكان شهما شجاعا ( الضوء اللامع 67/3 ).

وفي السنة 815 قتل ملك المسلمين الحبشة ، سعد الدين أبو البركات محمد بن أحمد، في معركة من معاركه مع الحطي ، ملك الحبشة النصاري ، وكان سعد الدين محبوسا في عهد أخيه سلفه حق الدين محمد ، فلما توفي، ملك سعد الدين بعده في السنة 776 وسلك مسلكه في محاربة الحطي ، وامتد سلطانه اربعين سنة ، حتي قتل في السنة 815 وترك أولاد عشرة لجأوا إلي الناصر أحمد بن الأشرف ، ملك اليمن ، فأعانهم، وعادوا

ص: 239

إلي بلادهم، وتسلطن منهم السلطان صبر الدين ، وانتظم به شمل المملكة ( الضوء اللامع 16/7 ) أقول : ذكر صاحب شذرات الذهب 47/7 - 48 إن وفاة سعد الدين كانت في السنة 805.

وفي السنة 815 قتل الأمير الطنبغاسقل، قتل في وقعة اللجون ، هو ومقبل الرومي ( الضوء اللامع 2/ 320).

وفي السنة 816 قتل الأمير العجل بن نعير بن حيار ، أمير آل فضل بالشام والعراق . وسنه نحو ثلاثين سنة ، قتل في معاركه مع المماليك ، وحمل رأسه فعلق علي باب قلعة حلب ( الضوء اللامع 146/5 ).

وفي السنة 821 قتل الأمير سودون الأسندمري ، نائب السلطنة بطرابلس ، في وقعة التركمان علي صافيتا ( الضوء اللامع 276/3 ).

وفي السنة 824 قتل الأمير ألطنبغا عبد الواحد ، المعروف بالصغير ، وكان قتله في معركة مع التركمان ( الضوء اللامع 320/2 ).

وفي السنة 830 قتل في المعركة ، الأمير تشتمر المؤيدي ، نائب السلطنة بحلب ، في وقعة كانت بين التركمان وعسكر حلب ( الضوء اللامع 222/6)

وفي السنة 835 قتل ملك الحبشة المسلمين ، جمال الدين محمد بن سعد الدين أبي البركات الجبرتي ، وكان قد خلف أخاه منصورة في السلطنة ، في السنة 828 وحارب الحطي ملك الحبشة النصاري ، وأطاعه خلق من أعوانه ، ودامت مملكته سبع سنين ، وقتل في احدي المعارك في السنة 835 وملك بعده أخوه بدلاي بن سعد الدين ، فاقتفي أثره في غزواته وشدته ، وقبض بدلاي ( واسمه احمد) علي قاتل أخيه محمد، فاقتص منه وقتله ( الضوء اللامع 153/7 ).

ص: 240

وفي السنة 839 استولي الأمير أسبان علي بغداد ، وطرد منها أخاه شاه محمد بن قرا يوسف ، ففر شاه محمد إلي الجانب الغربي من بغداد ، والتجا إلي مشهد الامام موسي الكاظم ، ومعه ولده شاه بوداق ورجل حمال ، فأعطوهم حمارة ركبه شاه محمد ، وقصدوا الدجيل ، ومات الحمار في الطريق ، فحمله الحمال علي ظهره ، ولما وصلوا إلي حديثة الموصل، جهزه حاكمها واسمه حارث بما يحتاج إليه فاستولي علي الموصل ، وإربل ، وأعطي الموصل الحارث ، وإربل مرزا علي ، وكركوك وطاووق لعلي أتابك ، وجعل الحمال محمود أميرأ ، وأعطاه كمر شمشير مذهبأ ، ثم عاد بجند إلي بغداد ، فلاقاه جند في الطريق ، فصادمهم ، فقتل شاه محمد، في السنة 827 وكان له من الأولاد شاه علي ، وشاه رخ ، وشاه بوداق ، وشاه ولي ، وشاه ملك ، وقرامان ، وقمر الدين ( تاريخ الغيائي 252 و 253).

وفي السنة 837 قتل الأمير أقبغا الجمالي ، في معركة مع العربان بدمنهور، وكان كريها مبغضا أهوج ، وذهب دمه هدرة ( الضوء اللامع 317/2)

وفي السنة 837 قتل الشريف رميثة بن محمد بن عجلان ، أمير مكة ، خرج في طائفة من عسكره ليوقع ببني إبراهيم ، فقتل في المعركة ( الضوء اللامع 230/3 ).

وفي السنة 838 قتل زهير بن سليمان بن زيان بن منصور الحسيني ، وكان فاتكا ، يسير في بلاد نجد والعراق والحجاز في ثلثمائة فارس ، فيأخذ القفول ، قتل في معركة حصلت بينه وبين أمير المدينة ( حوليات دمشقية 133- 134 والضوء اللامع 3/ 239).

وفي السنة 845 قتل الأمير أركاس النوروزي ، بالصعيد الأعلي ، في معركة مع الزنج ( الضوء اللامع 269/2 ).

ص: 241

وفي السنة 847 قتل شهاب الدين احمد بن سعد الدين المعروف باسم بدلاي ، ملك المسلمين بالحبشة ، وكان هو وأخوه صبر الدين عظيمي النكاية في كقار الحبشة، قتل شهاب الدين في المعركة ( الضوء اللامع 4/3).

وفي السنة 848 قتل في المعركة ، الأمير طوخ المؤيدي ، وكانت له نيابة السلطنة بغزة ، وسقط قتيلا في وقعة كانت بينه وبين أبي طبر من عرب جرم الخارج عن الطاعة ( الضوء اللامع 10/4 ).

وفي السنة 857 قتل الأمير سونج بغا، في معركة جرت مع تغري بردي القلاوي ، وقد أناف علي الستين ( الضوء اللامع 287/3 ).

وفي السنة 807 قتل في المعركة ، الأمير قشنمر الناصري ، نائب السلطنة بالبحيرة بمصر ، في وقعة كانت بين العسكر المصري وعرب لبيد ( الضوء اللامع 222/6 ).

وفي السنة 867 قتل الأمير جانبك الظاهري ، شاد جدة، قتله الأجلاب ، أي المماليك الأجلاب وكان مدير المملكة بمصر ، وصاحب حلها وعقدها ( الضوء اللامع 58/3 ).

وفي السنة 868 كان الأمير برد بك الأشرفي ، عائدا من مكة ، مع أفراد عائلته ، وخرج عليه جماعة من العربان ، فقتلوه وهم لا يعرفونه ، وسلبوا السقائين ( الضوء اللامع 5/3).

وفي السنة 870 قتل في المعركة علي باب صنعاء باليمن ، عامر بن طاهر اليماني وكان قد ملكها وغيرها من حصون اليمن ، علي اثر وفاة إمام صنعاء الناصر بن محمد ، وأراد عامر أن يخرج ابن الإمام الناصر من صنعاء ، وأن يسكنه في تعز ، فكتب الابن إلي شارب بن عيسي يستنجد به ، فبادر شارب الي صنعاء ، وكسر بابها القبلي ، وأخذ الولد، وأراد أن يعود الي مكانه ، وبلغ ذلك عامرة فجاء يستنقذ صنعاء ، واشتبك وشارب في معركة

ص: 242

أدت الي قتل عامر ، وملك شارب صنعاء ( الضوء اللامع 292/3 - 16/4 ).

وفي السنة 872 قتل الأمير قطلباي الأشرفي ، في الوقعة « السوارية » أي المعارك التي دارت بين الجيش المصري ، وجماعة الأمير سوار من آل الغادر ( الضوء اللامع 223/6 ).

أقول : أعاد صاحب الضوء اللامع هذا الخبر في الصفحة 227 من المجلد السادس ولكنه سماه « كرتباي » بدلا من « قلطباي ».

وفي السنة 875 قتل في المعركة أبو الحسن علي بن سفيان الحسني ، باليمن ، فدفن بلا غسل لأنه قتل شهيد ( الضوء اللامع 225/5 ).

وفي السنة 880 لجأ إلي حلب ، الأمير محمد أغرلو بن حسن الطويل صاحب العراق ، وكان قد شق عصا الطاعة علي أبيه ، واستعان بسلطان مصر لمحاربة أبيه ، فجهز نائب حلب ، بأمر السلطان عسكر مع أغرلو ، واشتبك مع جيش حسن الطويل ، فانكسر عسكر حلب ، وقتل عدد من أمرائه وجنده ، وجرح الأمير محمد أغرلو جرحا بليغا . ثم قدمت القاهرة زوجة السلطان حسن الطويل ، وهي أم الأمير محمد اغرلو ، تطلب من السلطان أن يتوسط للصلح بين السلطان حسن الطويل وابنها ولده محمد أغرلو ( إعلام النبلاء 78/3 - 79).

وفي السنة 882 قتل الأمير برد بك المحمدي ، في المعركة مع الأمير سوار ( الضوء اللامع 7/3).

أقول: في هذا القول نظر ، فإن الأمير سوار انتهي أمره في السنة 877 باستسلامه وإعدامه في القاهرة ، أما برد بك ، فقد ذكر صاحب اعلام النبلاء 84/3 أنه كان نائب طرابلس وقريب السلطان، وأنه قتل في السنة 880 في المعركة التي دارت بين الجيش المصري وبين سيف امير آل فضل .

ص: 243

وفي السنة 885 خرج الأمير سيف ، أمير . فضل، عن طاعة السلطان، فحاربه نائب السلطان بحماة ، الأمير أزدمر بن ازبك ، فانكسر جيش السلطان ، وقتل الأمير از دمر ، وقتل معه جمع من أمراء حماة ، فجهز السلطان جيشا ، وجعل قيادته للأمير يشبك الدوادار ، فلما وصل الأمير يشبك الي حلب ، كان جيشه في عشرة آلاف . ومعه من الأمراء نواب السلطنة بحلب والشام وطرابلس وحماة، والعسكر الحلبي والشامي والمصري ، وبلغه أن الأمير سيف انحاز عن طريقه إلي الرها ، فقصد الرها، وحصرها وفيها الأمير بابندار نائب السلطان يعقوب بن الشيخ حسن الطويل ، صاحب العراق واشتبك الطرفان في معركة ضارية، فانكسر جيش سلطان مصر ، واسر قائده الأمير يشبك ، كما أسر معه نائب الشام ، ونائب حلب ، ونائب حماة ، وحاجب الحجاب ، وقتل من أمراء الشام وحلب ومن العساكر ما لا يحصي ، وكانت حوافر الخيل لا تطأ الا علي جثث القتلي ، وبقي الأمير يشبك ثلاثة أيام في الأسر ، وفي اليوم الرابع بعث اليه الأمير بابندار عبدأ أسود ، قطع رأسه ليلا ، قيل إنه حر رأسه بالسيف عدة مرات ، فلم ينقطع عنقه ، فقطعه بسكين صغير ، وعذبه غاية العذاب ، فلما أصبح الصباح ، وجدوا جثه بغير رأس ، وهي مرمية علي قارعة الطريق، مكشوفة العورة ، فستره بعض الغلمان بحشيش ، وأرسل الأمير بابندار برأس يشبك إلي السلطان يعقوب بن حسن الطويل ، فطيف به بمدينة ماردين وفي بلاد العجم ، والرأس علي رمح ، وقد ألبسوا الرأس تحفيفة الأمير يشبك ، وطافوا بالنواب الذين أسروهم وهم في قيود وزناجير ، أما الأمراء الباقون فساقوهم مشاة ، أما الأمير سيف أمير آل فضل ، سبب كل ما حدث ، فقد قتل في السنة 887، قتله ابن عمه غسان من آل فضل ( اعلام النبلاء 82/3-87).

وفي السنة 889 قتل الأمير الماس الأشرفي قايتباي ، نائب صفد، وكان قد خرج لدفع دولات ، فقتل في المعركة ( الضوء اللامع 321/2 ).

ص: 244

وفي السنة 891 اشتبك جيش ابن عثمان ، مع جيش سلطان مصر ، في أرض حلب ، فانكسر جيش ابن عثمان ، وقتل من عسكره نحوا من أربعين ألفا ( خطط الشام 206/2 ).

وفي السنة 916 قتل في المعركة مع عساكر الشاه واسماعيل الصفوي ، السلطان أبو الفتح محمد الشيباني بن شاه بوداق صاحب ما وراء النهر ( معجم انساب الاسر الحاكمة 403).

وفي السنة 917 قتل الصدر خادم علي ، وزير السلطان بايزيد الثاني بن محمد العثماني ، وكان قتله في المعركة، وهو يحارب شاه قلي ( معجم انساب الأسر الحاكمة 241).

وفي السنة 920 حصر السلطان سليم مدينة مرعش ، وقتل صاحبها علاء الدولة بن سليمان من آل دلغادر ( ذي القدر ) وقتل معه غالب أولاده ، وقطع رؤوسهم وبعث بها إلي السلطان قانصوه الغوري ، ملك مصر والشام ، وسبب ذلك : إن السلطان سليم لما توجه ليحارب الشاه اسماعيل الصفوي ، شاه العجم ، مر بمدينة مرعش فأمر علاء الدولة صاحبها ، رعاياه أن لا يبايعوا عسكر السلطان سليم شيئا من المأكل والعلف ، فمات كثير من الناس والدواب ، فاغتم السلطان سليم ، وكتب الي السلطان الغوري يشكو من تابعه علاء الدولة ، وما صنعه معه ، فأجابه الغوري بأنه لا سلطة له علي علاء الدولة لأنه قد عصي عليه ، وكتب إلي علاء الدولة سريشكره علي ما فعل ، ولما انتهي السلطان سليم من حربه مع شاه العجم ، عاد إلي علاء الدولة، فحصر بلده ، وقتله، وقتل معه أولاده ، ونصب في موضعه علي بك بن شاه سوار ، وهو ابن أخي علاء الدولة ( اعلام النبلاء 116/6 -117).

أقول : ذكر صاحب معجم أنساب الأسر الحاكمة ( ص 236) : أن علاء الدولة اسمه بوز قورد ، وأن مقتله كان في السنة 921.

ص: 245

وفي السنة 922 التقي السلطان سليم العثماني ( ملك الروم ) ، بالسلطان الغوري سلطان مصر والشام ، في معركة فاصلة ، بمرج دابق ، شمالي حلب ، فانتصر السلطان سليم انتصارا ساحقا ، وفقد الغوري تحت سنابك الخيل ( شذرات الذهب 8 / 114).

وفي السنة 923 قتل في المعركة مع الجراكسة ، سلطان اليمن السلطان الملك الظافر صلاح الدين عامر ، وأخوه الأمير عبد الملك ، وهما ولدا الملك المنصور تاج الدين عبد الوهاب بن داود ، من ملوك بني طاهر سلاطين اليمن ( معجم انساب الأسر الحاكمة 185).

وفي السنة 927 قتل جان بردي الغزالي الجركسي ، نائب السلطنة بدمشق ، وكان كافل دمشق في عهد السلطان الغوري ، ثم اتصل سرا بالسلطان سليم ، فلما اشتبك الغوري وسليم في معركة مرج دابق ، خامر جان بردي ، وترك المعركة ، وانسل الي مصر ، فلما دخل السلطان سليم مصر ، وقتل طومان باي ، آخر سلاطين المماليك ، نصب جان بردي نائبا بدمشق ، ولما مات السلطان سليم ، ادعي جان بردي السلطنة لنفسه بالشام ، وتلقب بالملك الأشرف ، وقبض علي كافل حمص وقتله ، واستولي علي حماة ، فبعث إليه السلطان سليمان جيشأ ، فاقتتلوا بين دوما والقصير، فقتل جان بردي، وانفق عسكره ( شذرات الذهب 151/8 و 152).

وفي السنة 930 قتل عز الدين بن احمد بن دريب القطبي ، الأمير اليماني ، كان تابعة لأخيه المهدي بن أحمد ، ثم اعتقله ، واستولي علي زبيد ، وجازان ، ونشبت بينه وبين إسكندر القرماني ، معركة بقرب زبيد ، فقتل عز الدين (الاعلام 21/5 - 22).

وفي السنة 954 قتل سلطان اليمن الملك الظافر صلاح الدين عامر بن داود بن طاهر من سلاطين بني طاهر باليمن قتل في معركة مع العثمانيين ( معجم أنساب الأسر الحاكمة 185).

ص: 246

وفي السنة 998 قتل أحمد باشا ، أمير الأمراء بتونس ، في معركة مع الخارجي يحيي الذي كان يدعي أنه مهدي الزمان ( خلاصة الأثر 3/ 140).

وفي السنة 1012 قتل عيسي بن مفيد بن عبد الكريم الخواجي ، صاحب مدينة ضمد في اليمن ، وقتل معه ابن أخيه حسين بن دريب ، في فتنة انتجت معركة بينهما وبين صاحب صبيا ( الاعلام 295/5 -296).

وفي السنة 1022 قتل أبو العباس أحمد بن عبدالله السجلماسي المعروف بابن محلي ، ثائر متصوف ادعي أنه المهدي ، وثار علي السلطان زيدان السعدي صاحب مراكش ، واستولي علي سجلماسة ، ثم استولي علي مراكش ، وأعلن ملكيته فهاجمه متصوف آخر اسمه يحيي بن عبدالله ، ونشبت بينهما معركة بظاهر مراكش ، فأصيب بن محلي برصاصة قتلته، وعلق رأسه علي سور مراكش ، اثنتي عشرة سنة ( الاعلام 155/1 ).

وفي السنة 1041 قتل الشريف محمد بن عبدالله بن الحسن بن أبي نمي شريف مكة ، في معركة نشبت بينه وبين الشريف نامي بن عبد المطلب ( الاعلام 118/7 ).

وفي السنة 1043 خرج الوزير احمد باشا، المعروف بأحمد باشا الأرنؤدي ، لمحاربة الأمير فخر الدين بن معن ، وكان قد خرج علي الدولة العثمانية ، فالتقي بجمع من أتباع فخر الدين يقودهم ولده الأمير علي ، فقتل علي في المعركة ، وقتل معه جماعة من أتباعه ، فأرسل أحمد باشا رؤوسهم إلي دمشق علي رؤوس الرماح ( خلاصة الأثر 355/1- 387) .

وفي السنة 1046 جهز السلطان مراد ، الوزير أحمد باشا الأرنؤدي ، لمحاربة العجم في قلعة روان ، فاشتبك في معركة كان الظفر فيها لخصمه ، فقتل في المعركة وقتل غالب من كان معه من عسكره، وأرسل رأسه إلي دمشق، فدفن في تكيته ( خلاصة الأثر 388/1 ) .

ص: 247

وفي السنة 1075 قتل محمد بن محمد بن علي الحسني ، مؤسس دولة الأشراف العلويين القائمة إلي اليوم في المغرب الأقصي، في معركة نشبت قرب وجده ، بينه وبين أخويه اسماعيل والرشيد ، فأصابت محمد رصاصة في نحره فقتلته . ( الاعلام 293/7 ).

وفي السنة 1081 قتل الأمير موسي بن محمد المعروف بابن تركمان حسن ، في معركة مع الأمير ابن رشيد ، وكانت جماعة من أتباع ابن رشيد قد نهبت الحاج ، فغضب الأمير موسي وكان أمير الحاج ، وحقدها علي ابن رشيد، وكان صديقه وصفيه ، وتجهز في السنة التالية بجيش ، وقصده ، وحاربه ، فقتل الأمير موسي في المعركة ، فعظم قتله علي الأمير ابن رشيد ، وحزن عليه ( خلاصة الأثر 4/ 434).

وفي السنة 1109 قتل بمعركة زنته ، الصدر الأعظم الماس محمد باشا، الوزير الأول للسلطان مصطفي الثاني ، وكان قد ولي الوزارة منذ السنة 1106 ( معجم انساب الأسر الحاكمة 244).

ولما مات السلطان أورنك زيب عالمگير ، سلطان الهند ، في السنة 119؛ (1707م)، تنازع علي السلطنة اثنان من أولاده، الولد الأكبر شاه عالم ، الأوسط أعظم شاه ، ونشبت بين الطرفين معركة قتل فيها أعظم شاه ، وتسلطن شاه عالم باسم ( شاه عالم بهادرشاه قطب الدين ). ( الإسلام والدول الإسلامية في الهند 171).

وفي السنة 1120 (1708 م) خرج الأمير كام بخش ، أمير بيجابور ، علي أخيه السلطان شاه عالم بهادرشاه ، سلطان الهند ، ونشبت بينهما معركة ، سقط فيها كام بخش ، وولده جريحين ، وانفق عسكرهما ، فعني بهما شاه عالم ، وبعث اليها أطباء أوربيين لتضميد جراحهما ، ولكن كام بخش ، رفض أن يعالج ، وامتنع عن تناول الطعام ، فتوجه أخوه السلطان

ص: 248

الزيارته ، وواساه وخلع عليه عباءة كان يلبسها ، وأخذ يسقيه المرق بيده ، وأظهر نحوه ونحو ولده كل عطف ، واعتذر إليه مما حصل ، وقال : إني لم أكن أود أن يقع لكما ما حصل من مكروه . فرد عليه كام بخش : وأنا كذلك ، لم أرد أن يستسلم فرد من عائلة تيمور دون قتال لئلا يتهم بالجبن ، ومات كام بخش وولده بعد ساعات . ( الإسلام والدول الإسلامية في الهند .172-171

وفي السنة 1125 قتل في المعركة الصدر الأعظم الداماد علي باشا ، الوزير الأول للسلطان أحمد الثالث العثماني ، فلقب بالشهيد داماد علي ، وكان مقتله في معركة بيترواردين بضواحي فينا بالنمسا ، وقبره هناك ( معجم انساب الأسر الحاكمة 245).

وفي السنة 1140 قتل الإمام محمد بن ناصر الغافري، من أئمة عمان في صحار ، في معركة نشبت بينه وبين أحد العصاة ، فأصابته رصاصة ، فقضت عليه ( الاعلام 344/7 ).

وفي السنة 1150 قتل لطفي الصيداوي ، كتخدا عثمان باشا والي البصرة ، في معركة حصلت بين جند الحكومة التركية وجيش العجم ( سلك الدرر 15/4 ).

وفي السنة 1155 قتل سلطان بن مرشد بن عدي اليعربي ، عاشر الأئمة اليعربية الأباظية في عمان ، بويع له بعد خلع سيف في السنة 1104 ، فاستعان عليه سيف بجنود من إيران، فنشبت بينهما حروب أصيب بها سلطان بجراحات ، وقتل ( الاعلام 166/3 - 220).

وفي السنة 1189 حصل اختلاف بين الأمير علي بيك ، حاكم مصر ، وبين الأمير أبي الذهب ، أحد اتباعه ، فانحاز أبو الذهب إلي جهة الصعيد، فجهز له عسكرة ، ووقعت معركة كانت نتيجتها أن قتل علي بيك ، واستقل ابو الذهب برياسة مصر ( سلك الدرر 57/1 ).

ص: 249

وفي السنة 1189 توجه حاكم حمص الأمير عبد الرحيم بن العظم ، ومعه السيد عبد الرزاق المعراوي الأديب حاكم قلعة تلبيسة ، لمحاربة عرب الحياري المعروفين ، بالموالي ، فانتصر الأعراب « وشلحوهم بأجمعهم » وظل السيد عبد الرزاق وحاكم حمص عاريين، فجاء أحد الأعراب وطعن السيد عبد الرزاق في عنقه برمح فقتله ( سلك الدرر 15/3).

وفي السنة 1195 زحف أحمد باشا الجزار علي جبل عامل بلبنان ، فتلقاه الأمير ناصيف النصار بأتباعه ، ولم ينتظر ناصيف اجتماع الناس ، بل قابله بمن حضر ، فقتل الأمير ناصيف ، وتفرق قومه ، وعاث الجزار في جبل عامل ، قتلا ، ونهبا ، وإحراقا ، ومن أفجع ما صنعه إنه أحرق مكتبات جبل عامل ، وكانت حصيلة قرون .

وفي السنة 1206 قتل المولي يزيد بن محمد بن عبدالله سلطان مراكش ، خرج عليه اخوه هشام بن محمد ، وتحصن بمراكش ، فكر يزيد وحصر مراكش ، ودخلها عنوة ، واستباحها وقتل وسمل ، ثم استجاش هشام جيشأ آخر ، وقصد أخاه يزيد بمراكش ، فاشتبكا في معركة كانت عاقبتها إنهزام هشام ، ولكن يزيد قتل في المعركة ( أعيان القرن الثالث عشر 195).

وفي السنة 1212 قتل مطلق الجربا ، اشهر فرسان شمر في عصره ، في معركة نشبت مع آل سعود ، في الأبيض بقرب السماوة ( الاعلام 158/8)

وفي السنة 1216 قتل في معركة بالبحرين ، الفقيه الامامي الباحث حسين بن محمد البحراني ( الاعلام 282/2 ).

وفي السنة 1219 قتل سلطان بن أحمد البوسعيدي ، صاحب مسقط وعمان ، في مناوشة جرت بينه وبين رجال من القواسم من أهل رأس الخيمة ، وهو في سفينة صغيرة كان قد أبحر بها من مسقط يريد بندر عباس ( الاعلام 164/3)

ص: 250

وفي السنة 1219 وصلت طائفة من العرب ، إلي الجيزة من القاهرة ، فوصل الخبر إلي الكاشف الذي بها ، وهو رملي عثمان كاشف ، فخرج اليهم يردهم ، فانهزموا أمامه ، فطمع فيهم وتبعهم ، فخرج عليه كمين ، واحتاطوا به وقتلوه ، وقطعوا رأسه ، ورؤس ستة أنفار معه ، وذهبوا برؤوسهم علي مزاريق ( الجبرتي 3/ 45- 46).

وفي السنة 1220 وقعت بالأزبكية - بالقاهرة - معركة بين العسكر قتل فيها واحد من أعيانهم ، واثنان آخران ، ورجل سائس ، وبغل وفرس وحمار ( الجبرتي 91/3 ).

وفي السنة 1222 قدم الإسكندرية جيش من الإنكليز ، لمعاونة الألفي رأس المماليك ، وكان الألفي قد توفي قبل وصولهم ، فاستولوا علي الإسكندرية ، وتقدمت فئة منهم إلي رشيد ، فلما توسطوا البلدة ، ضرب عليهم الأهالي والعسكر من كل ناحية، فألقوا أسلحتهم ، وطلبوا الأمان، فلم يلتفتوا إلي ذلك ، وقبضوا عليهم ، وذبحوا منهم جملة كثيرة ، وأسروا الباقين ، ولما رأي الكاشف الأسري ، قتل بعضهم ، وأخذ الباقين أسري ، وحملوا الأسري والرؤوس الي القاهرة ، ودخلوا بهم من باب النصر ، وشقوا بهم في وسط المدينة ، وفيهم فسيال ( ضابط ) كبير وآخر كبير في السن ، وهما راكبان علي حمارين ، والبقية مشاة ، ومعهم رؤوس القتلي علي نبابيت ( الجبرتي 182/3 و 183).

وفي السنة 1222 قتل من المماليك بالديار المصرية الأمير سليمان بك المرادي ، وكان ظالما غشوما ، قتل في وقعة اسيوط، أخذت جلة المدفع دماغه ، وقطعت ذراعه ، وعرف قتله بخاتمه الذي كان في اصبعه في الذراع المقطوع ، وكان يلقب « ريحه ، بالياء المشددة، كان إذا أراد قتل إنسان ، يقول لأحد أعوانه : خذه وريحه، من الراحة، ويأخذه ويقتله ( الجبرتي 235/3)

ص: 251

وفي السنة 1225 برز الأمر من السلطان العثماني بإعادة بناء كنيسة القيامة ببيت المقدس ، وكانت قد أحترقت في السنة 1224، وعين السلطان لذلك أغا قابجي ، فقام جماعة من الينكجرية بمنع البناء ، وشنعوا علي الأغا القائم بالبناء ، فكتب الأغا إلي الوالي يوسف باشا، فأرسل الوالي طائفة من عسكره دهموا الجماعة المعارضين علي حين غفلة ، وحاصروهم في دير ، وقتلوهم عن آخرهم ، وهم نيف وثلاثون رجلا ( الجبرتي 291/3 ).

وفي السنة 1233 قتل الأمير منصور بن ناصر الحسني ، أمير صبيا ، باليمن، وكان قد استعان بالأتراك ، لقتال عمه الشريف حمود ، ولما نشبت المعركة ، فر الأتراك ، وقتل منصور ( الاعلام 246/8 ).

وفي السنة 1241 تحرك الانكشارية علي السلطان محمود العثماني ، لما شعروا بأنه ينوي الحد من سلطانهم ، وتجمهروا في ساحة «ات ميدان » واستعدوا للحرب فأعلن السلطان الجهاد ضدهم ، واستعان بالرعية وبالعسكر الجديد ، وجرت معركة ضارية ، كانت عاقبتها إبادة اكثر الانكشارية ، ومن لم يقتل أخذ أسيرة، وصدر الأمر إلي جميع الأقطار التابعة للدولة بإبادة الإنكشارية ، فأبيدوا ( اعيان القرن الثالث عشر 107).

وفي السنة 1242 (1826 م) تحرك السيد محمد التيجني ، في ضواحي وهران ، وجمع حوله العرب ، وأراد أن ينزع الملك من يد الترك ، ويعيده إلي أيدي العرب ، فجرد إليه باي وهران جيشأ ، واشتبك مع التيجني واتباعه ، في معركة عارمة ، وكان أتباع التيجني قد عقلوا أنفسهم، كما تعقل الإبل ، كي لا تحدثهم أنفسهم بالفرار ، وانجلت المعركة عن قتل التيجني ، وجميع أتباعه ، لم يسلم منهم أحد ، وفرقت رؤوسهم علي البلدان ، وبعثوا برأس التيجني وسيفه إلي الجزائر ، فأمر الأمير حسين باشا ، بأن يركز الرأس علي عمود ، ويركز العمود قبالة الباب الجديد ( مذكرات الزهار 159۔ 160)

ص: 252

وفي السنة 1247 قتل عقيل بن محمد بن ثامر السعدون ، أمير المنتفق ، ولاه الإمارة الوزير داود باشا ، والي بغداد ، بعد عزل حمود الثامر المنتفقي وعمد عقيل إلي الحيلة حتي اعتقل حمود ، فثار أولاده ، وهاجموا عقيد وهزموا جموعه، وقتلوه ( الأعلام 41/5).

وفي السنة 1255 جند السلطان العثماني ، جيشا يزيد علي سبعين ألف مقاتل ، بقيادة حافظ باشا ، لمحاربة إبراهيم باشا بن محمد علي الكبير ، وطرده من بلاد الشام ، واشتبك الجيشان في معركة دامت ثماني ساعات، فانكسر الجيش العثماني ، وقتل منه ستة آلاف ، وأسر اثني عشر ألفا ، وقتل من العسكر المصري اربعة آلاف ( خطط الشام 63/3 ).

وفي السنة 1260 عينت الدولة العثمانية . رج اسمه علي بك لجباية الأموال الأميرية من جبل النصيرية ، فلما بلغ ناحية البهلولية ، طلب بعض مقدمي الكلبية ، فحضر اثنان منهم ، هما اسماعيل عثمان وحبيب مخلوف ، فقبض عليهما ، وأرسلهما إلي اللاذقية مقيدين ، وأخذ في تعذبيهما، ولما انتهي الخبر إلي الجبل ، عمد نحو خمسمائة رجل إلي اللاذقية وهاجموا دار الحكومة ، وأخرجوا السجينين بعد أن كسروا السجن ، فصدر الأمر بتجهيز العساكر لتأديب النصيرية ، فلما تقدم اليهم العسكر ، أرسل النصيرية بعض نسائهم إلي القائد علي بك ، يحملن أعلامة بيضاء ويطلبن العفو، فأبي علي بك إلا إنزال العقوبة ، وكان عدد جيشه نحوا من عشرين ألفا ، فلما أيس النصيرية ، هاجموا الجيش ، فانكسر ، وقتل علي بك ، وقتل معه من عسكره ما يقرب من الفي رجل ،وغنم النصيرية جميع الذخائر ( خطط الشام 77/3 ۔ 78)

وفي السنة 1261 قتل الإمام محمد بن يحيي ، إمام صنعاء اليمن ، وكان قد استولي علي الحكم في السنة 1257 ، وخضع للعثمانيين ، ثم

ص: 253

عزل ، وقتل ، واستولي العثمانيون علي صنعاء ( معجم انساب الأسر الحاكمة 189)

وفي السنة 1265 كانت حصيلة الحروب الأهلية والفتن التي حدثت في دير القمر وزحلة وغيرها ، أن انتهت بقتل ثلاثة آلاف من النصاري ، وقتل أربعمائة من الدروز ( خطط الشام 79/3 ).

وفي السنة 1285 ، غاب الأمير محمد بن خليفة ، أمير البحرين ، عن البحرين ، فاستولي أخوه علي علي الإمارة ، ولما عاد محمد ، نشبت بينهما معركة انتهت بمقتل علي في السنة 1286 . ( الاعلام 96/5 ).

وفي السنة 1287 قتل عزان بن قيس البوسعيدي ، من أئمة عمان ، بويع ، بالإمامة في مسقط سنة 1285 ، ثم خرج عليه تركي بن سعيد بن سلطان ، وفي معركة بينهما أصابت عزان رصاصة ، فقتلته . ( الاعلام 21/5)

وفي السنة 1312 بدأت المذابح بين الأرمن والمسلمين في لواء مرعش، وقام الأرمن في بلدة زيتون بذبح عائلات الموظفين والضباط ، ومثلوا بهن ، فهاج المسلمون ، فذبحوا في عينتاب نحو سبعمائة أرمني ، وعمت المذابح بيره ك ، وأورفه ، حيث قدر عدد القتلي من الأرمن بألفي نسمة ، واستمرت المذابح حتي تدخلت دول فرنسا وانكلترا وايطاليا فخمدت الفتنة في أواخر السنة 1313 ( اعلام النبلاء 484/3- 486).

وفي السنة 1319 قتل الفقيه الأباضي صالح بن علي الحارثي ، بعمان ، في إحدي الوقائع بينه وبين سلطان عمان . ( الاعلام 278/3 ) .

وفي السنة 1317 قتل عبدالله بن محمد التقي التعايشي، خليفة الإمام المهدي محمد أحمد السوداني ، وكان من كبار أنصاره ، وأوصي له بخلافته ، فبايعه الدراويش سنة 1302، وعم نفوذه السودان كله ، ثم

ص: 254

وجهت إنكلترا عليه جيشا بقيادة كجنر، ونشبت معارك ضارية بين كجنر وبين الدراويش ، إنتهت بقتل التعايشي في أطراف أم درمان ( الاعلام 276/4 و 277)

وفي السنة 1324 (1906) قتل الأمير عبد العزيز متعب ، أمير آل الرشيد اصحاب حائل ، قتل في روضة المهنا ، من ملحقات القصيم ، في غارة فاجاه بها خصمه الأمير عبد العزيز ابن سعود ( الاعلام 150/4 ).

وفي السنة 1332 قتل الشهيد محمد بن عبدالله البوسيفي ، من زعماء المغرب ، سقط شهيدا في معركة المحروقة من أعمال فزان ، خاض غمارها ضد الجيش الإيطالي الذي احتل طرابلس الغرب ( الاعلام 123/7 ).

وفي السنة 1338 (1920) قتل رمضان السويحلي ، من زعماء الجهاد في طرابلس الغرب ، سقط في معركة أرفلة التي نشبت مع الغزاة الطليان ( الاعلام 60/3 ).

وفي السنة 1342 (1924). قتل بطرابلس الغرب المجاهد محمد سعدون السويحلي ، في معركة من معاركه مع الإيطاليين المحتلين ( الاعلام 8/7)

وفي السنة 1344 ( 1925 م) استشهد القائد فؤاد سليم ، في مجدل شمس ، بسورية ، في معركة نشبت بين الثوار بقيادته، وبين الجند الفرنساوي ، أصابته قذيفة مدفع ، فقتلته. ( الاعلام 368/5 ).

وفي السنة 1344 قتل ابو الحسين أحمد بن مريود ، من رجال النهضة القومية في سورية ، قتل في معركة مع الإفرنسيين في سورية ( الاعلام 249/1)

وفي السنة 1351 (1932)، قتل حامد بن سالم بن رفادة احد الثائرين علي السلطان عبد العزيز السعود ، في معركة نشبت بسفوح جبل شار ،

ص: 255

وانتهت في يوم واحد بقتله وقتل 370 محاربة ممن كان معه ، وقتل معه ابنان له ، وخمسة من اخوته . ( الإسلام 165/2).

وفي السنة 1354 (1935 م) قتل في المعركة، المجاهد الشيخ محمد عز الدين القسام ، من أهالي جبلة ، من أعمال اللاذقية في سورية ، اشترك في ثورة سورية ضد الإفرنسيين ، ثم لجأ إلي فلسطين وشارك في محاربة الانكليز ، وظهرت بطولته في معارك خاضها هناك ، ومات شهيدا في إحدي المعارك ( الاعلام 149/7 ).

وفي السنة 1367 (1948 م) قتل المجاهد عبد القادر بن موسي كاظم الحسيني ، علي أبواب القسطل ، في معركة بين العرب واليهود في فلسطين، ودفن في المسجد الأقصي ( الاعلام 172/4 ).

ص: 256

القسم الثالث: القتل غدرة

الغدر : الخيانة ونقض العهد . والقتل غدرا : قتل الانسان بعد اعطائه الأمان .

وإعطاء الأمان : إما أن يكون ، قو" باللفظ : كأن يقول له : أنت آمن ، أو ما في معناها، وإما أن يكون عملا ، بالتصرف تصرفأ يدل علي الأمان ، كأن يخلع علي المؤمن من ثيابه ، أو أن يطعمه من طعامه ، أو أن يسقيه من شرابه ، أو أن يضمه إلي جواره ، فإن جميع هذه التصرفات ، وما يشبهها ، تقوم في الأمان مقام اللفظ .

والغدر ، من أقبح الأعمال التي تبرأ منها العرب ، في الجاهلية والإسلام ، واحتقروا فاعلها وعيروه، وأهله، وعشيرته بها .

قال الشاعر الجاهلي ، يعير رجلا اتهم بغدرة :

وقد يترك الغدر الفتي وطعامه****إذا هو أمسي حلبة من دم الفصد

يقول : إن العربي ، يأنف من الغدر ، حتي لو كان في أشد حالات فاقته وإملاقه ، بحيث لا يجد ما يأكل ، فيضطر إلي سد رمقه بأن يفصد ناقة ، فيتبلغ بجرعة من دمها .

وقال النبي صلوات الله عليه : من أمن رجلا علي نفسه ، فقتله ، أعطي لواء غدر يوم القيامة .

ص: 257

وقال صلوات الله عليه : من أئتمنه رجل علي دمه فقتله ، فأنا منه بريء ولو كان المقتول كافرأ ( أنساب الاشراف 233/5 ).

وكانت وصية النبي صلوات الله عليه ، لكل سرية يبعث بها إلي الحرب : لا تغلوا ، ولا تغدروا ( العقد الفريد 128/1 ).

وكذلك كان الخلفاء الراشدون من بعده ، فإن أول وصاياهم لقوادهم : أن لا يغلوا ، ولا يخونوا . ( الطبري 227/3 ) .

وقال الإمام علي : كل غادر فاجر ، وكل فاجر كافر ( شرح نهج البلاغة 211/10)

وكان المغيرة بن شعبة الثقفي ، صحب قوما في الجاهلية ، فقتلهم ، وأخذ أموالهم ، ثم جاء فأسلم ، فقال له النبي صلوات الله عليه : أما الإسلام فقد قبلنا ، وأما المال ، فإنه مال غدر ، لا حاجة لنا فيه ( الطبري 627/2 ).

ولما قتل مالك بن نويرة ، في حرب الردة، جاء أخوه متمم، فأنشد أمام أبي بكر الصديق، أبياتا ، منها هذا البيت :

أدعوته بالله، ثم غدرته؟****لو هودعاك بذمة لم يغدر

فاستفظع أبو بكر ، أن توجه إليه تهمة الغدر ، ولم يكتف بإنكارها ، بل أقسم بالله علي ذلك ، فقال : والله ، ما دعوته ، ولا غدرته ( وفيات الأعيان 15/6)

ومن أطرف ما يروي ، من قصص الوفاء بالعهد، أن الحارث بن عباد ، أسر عدي بن ربيعة ، وهو لا يعرفه ، فقال له : دلني علي عدي .

فقال له : أتؤمنني إن دللتك عليه ؟

قال : نعم .

قال : أنا عدي . فخلاه ( المحاسن والمساويء 82/1 ).

ص: 258

وفي السنة 13 نشبت معركة بين الجيش الإسلامي الفاتح ، قائده أبو عبيد الثقفي ، وبين الفرس ، وانتصر المسلمون ، وأسر قائد الفرس جابان ، أسره مطر بن فضة ، أحد أفراد الجند ، ومطر لا يعرفه ، فاتفق معه ، أن يؤمنه لقاء جعل ، فوافق ، وأدخله إلي أبي عبيد ، فأقر الاتفاق ، ولما اجتمع الناس ، عرفوه ، وقالوا : هذا ملكهم جابان ، وهو الذي لقينا بهذا الجمع ، فقال لهم أبو عبيد : قد أمنه صاحبكم ، ولم يعرض له ( الطبري 449/3 و 450)

وحاصر جيش المسلمين ، مدينة شهرياج ، في فارس ، شهرة جرارة حتي أوشكوا علي اقتحامها ، فراطن أهلها عبد من عبيد المسلمين ، فكتب لهم أمانا ، ورماه إليهم في سهم ، وراح الجيش الإسلامي ، من الغد، للقتال ، فقالوا لهم : هذا أمانكم ، فكتب المسلمون بذلك الي الخليفة ، فكتب اليهم : إن العبد المسلم ، من المسلمين ، ذمته كذمتهم ، فلينفذ أمانه ، فأنفذوه . ( فتوح البلدان 382) .

وفي السنة 93 حصر قتيبة بن مسلم الباهلي ، أمير خراسان ، مدينة سمرقند ، ثم صالح أهلها، علي أن يدخل سمرقند، فيصلي ، ويخطب ، ويتغذي ، ويخرج ، فلما دخل ، أبي أن يخرج ( الطبري 475/6 ) فاعتبر الناس عمل قتيبة هذا ، من أعمال الغدر ( ابن الأثير 475/6 - 575)، فلما ولي الخلافة الخليفة الصالح عمر بن عبد العزيز ، قال أهل سمرقند العاملهم : إن قتيبة غدر بنا ، وظلمنا ، وأخذ بلادنا ، فائذن لنا ، ليفد منا وفد علي أمير المؤمنين ، يشكون ظلامتنا ، فإن كان لنا حق اعطيناه ، فأذن لهم ، فوجهوا وفدا إلي عمر ، فاستمع إلي ظلامتهم ، وكتب إلي عامله علي خراسان ، يذكر له أن أهل سمرقند قد شكوا إلي ظلما أصابهم ، وتحاملا من قتيبة عليهم حين أخرجهم من أرضهم، فإذا أتاك كتابي هذا ، أجلس لهم القاضي ، فلينظر في أمرهم ، ولما وصل الكتاب إلي العامل أجلس لهم

ص: 259

القاضي ، ونظر في شكواهم ، فأصدر قراره بأن يخرج عرب سمرقند من المدينة ، وأن يكونوا في الموقع الذي كانوا فيه قبل أن يقوم قتيبة بعملية الغدر هذه ، ولهم من بعد ذلك أن ينابذوهم علي سواء ، فإما صلح وإما حرب ، وعندئذ ، ولما ظهر حق السمرقنديين ، وحكم به القاضي لهم ، وافقوا علي دخول العرب إلي مدينتهم برضا منهم ( الطبري 567/6 - 568).

وجيء إلي معن بن زائدة الشيباني ، بثلثمائة أسير ، فأمر بضرب أعناقهم، وأحضر السياف والنطع ، فتقدم غلام منهم ، وقال : يا معن ، أتقتل أسراك وهم عطاش ؟ فقال : اسقوهم ماء ، فشربوا، فقال الغلام : أيها الأمير ، أتقتل أضيافك ؟، فقال : خلوا عنهم ، فأطلقوا بأجمعهم (الفرج بعد الشدة، للقاضي التنوخي ، رقم القصة 394).

وفي السنة 368 فارق الأمير افتكين مدينة دمشق ، ليقاتل الفاطميين ، فانكسر ، وأسر ، وحمل إلي مصر، وقدم أهل دمشق ، فتي اسمه قام الحارثي ، وكان قام هذا في أول أمره ، يعتاش بنقل التراب علي الحمير ، وتنقلت به الأحوال ، فصار له ثروة وأتباع ، ولم يبق لنواب الفاطميين مع قسام حكم ، فسار الأفضل، الوزير الفاطمي ، علي رأس جيش إلي دمشق ، وحصرها، فخرج قسام متنكرا يريد الأفضل ، فأخذه الحرس ، فقال : أنا رسول ، فأدخلوه إلي الأفضل، فقال له : أنا رسول قسام ، وقد بعثني إليك ، التحلف له ، ولتعوضه عن دمشق بلدة يعيش منه ، وقد بعثني إليك سرا ، فحلف له الأفضل ، فلما توثق منه ، قام ، وقبل يد الأفضل، وقال له : أنا قسام ، فأعجب الأفضل بما فعله ، وزاد في إكرامه ، ورده إلي البلد ، وقام بكل ما ضمنه له ، وبلغ العزيز الفاطمي خبره ، فأحسن صلته ( خطط الشام 233/1)

وقد سجل التاريخ ، لملك العرب ، سيف الدولة صدقة بن منصور بن دبس بن مزيد الأسدي ، باني الحلة السيفية ، موقفا من مواقف الكرامة

ص: 260

والشهامة ، ضحي من أجله بحياته ودولته ، وكان ذلك في السنة 501، إذ استجار به أبو دلف سرخاب بن كخيسرو ، صاحب ساوه وابه ، فبعث السلطان محمد السلجوقي، يطالبه بتسليمه، فأبي، وقال: أنه استجار بي، والحمية العربية تلزمني بحمايته، فتوجه إليه السلطان بجيشه واشتبكا في معركة ضارية ، كانت عاقبتها قتل صدقة ، الذي قال فيه ابن الجوزي في المنتظم 159/9 إنه كان كريمأ ذا ذمام ، وإنه كان تاريخ العرب والأماجد كرمة ووفاء ، وكانت داره ببغداد ملجأ للخائفين ، وقال عنه إنه كان عفيف عن الفواحش ، لم يتزوج علي زوجته ، ولا تسري، ولم يشرب مسكرة ، ولا سمع غناء ولا قصد التسوق في طعام ، ولا صادر أحدا من أصحابه ، وقال عنه ابن الأثير في الكامل 440/10 - 449 إنه كان عظيم الشأن، عالي القدر ، مرتفع الجاه ، وكان يجير كل من استجار به ، صغيرة كان أو كبيرة ، وإنه كان من محاسن الدنيا ، أديبا عادلا ، عفيفا ، جوادأ ، حليمة ، صدوق ، متواضعة ، محتملا ، كثير البر والإحسان ، ما برح ملجأ لكل ملهوف ، يلقي من يقصده بالبر والإحسان .

وفي أيام السلطان صلاح الدين الأيوبي ، بطل الحروب الصليبية ، كان البرنس أرناط ( أرنولد ) ، صاحب الكرك ، من أشد الناس علي الإسلام والمسلمين ، وكان من شيمته الغدر ، فنذر السلطان صلاح الدين ، أنه إن ظفر به أن يقتله ، وظفر به في موقعة حطين ، في السنة 583، فلما انتهت المعركة ، ونزل صلاح الدين في خيمته ، وأحضر ملك الإفرنج ، وكان من جملة الأسري ، ومعه البرنس أرناط ، وقد اهلكهما العطش ، أمر صلاح الدين لملك الإفرنج ، بماء مثلوج ، فشرب ، وأعطي الكأس للبرنس أرناط ، فقال صلاح الدين ، للملك : إن هذا . وأشار إلي البرنس - لم يشرب مني ، وذلك لأن تقاليد العرب والمسلمين ، أنه إذا سقاه ما ، أو أطعمه طعاما ، فهو أما له من القتل ، ومن كل أذي ، ( ابن الأثير 528/11 - 537).

ص: 261

ولم تكن مواقف الشهامة والكرامة ، موقوفة علي العرب والمسلمين ، وإن كان ممارسوها منهم أكثر عددا ، فقد ذكر لنا ابن بطوطة ، والخير يذكر ، قصة تدل علي مدي تمسك أحد الملوك الهندوسيين ، بمعايير الشرف والمروءة والإلتزام بالعهد وحماية من التجأ إليه ، فذكر أن أميرة مسلمة من أقارب السلطان محمد بن تغلق ، سلطان الهند ( 725- 752) فر منه ، والتجا إلي ملك هندوسي ، واستجار به فأجاره ، فطلبه السلطان منه ، فأبي أن يسلمه ، فحاربه ، وانكسر الهندوسي ، وحرص بعد انكساره أن يوصل الأمير الذي التجأ اليه إلي مأمنه ، ثم أجج نارأ لنسائه ونساء الحاشية ، ألقين بأنفسهن فيها ، ثم خرج ورجاله ، فخاضوا مع جيش السلطان معركة استقتلوا فيها . فقتلوا جميعا ( مهذب رحلة ابن بطوطة 2/ 96-97).

ويروي أن الجراد نزل بزرع قوم ، فخرجوا لطرده ، ولقيهم أعرابي كانت خيمته في جوار الزرع ، فسألهم عما يريدون ، فقالوا : جئنا نريد جارك ، نطرده لئلا يضر بزرعنا .

فقال : ما دمتم قد سميتموه جاري ، فلا سبيل لكم إليه .

ونهض الي قوسة فأوترها ، وأقسم أن يرميهم إذا تعرضوا له ، أو طردوه .

إن تمسك العربي بالوعد، ووفاءه بالعهد، أدي به إلي استقباح كل موقف من مواقف الغدر ، فكان يسجلها ، ويحصيها ، ويعير بها من ارتكبها ، ويخزي بها أهله وعشيرته ، ولا يجوز بوجه من الوجوه، أن يحتج من يتعصب اللغادر ، بأنه من وراء غدره ، يسعي في إقامة عمود دولة ، أو تثبيت أسس مملكة ، فإن دولة تقوم علي الغدر ، دولة لا ثبات لها .

ويقضي الحق علينا ، أن نذكر في هذا البحث ، موقفا من مواقف الغدر الشهيرة ، وقفه عمر بن سعد ، أمير الجيش الذي قتل الإمام الحسين عليه السلام ، فقد كان في مجلس عبيد الله بن زياد ، أمير الكوفة ، لما قبض علي

ص: 262

مسلم بن عقيل ، وأحضر الي عبيد الله بن زياد ، ولما أيقن مسلم أن مصيره القتل ، طلب من عبيد الله أن يمكنه من أن يوصي لأحد من الحاضرين ، فقال له : أوص بما شئت فنظر مسلم إلي عمر بن سعد، وهو من قريش ، فقال له : ليس في القوم من هو أقرب إلي منك ، فادخل معي إلي طرف هذا البيت الأوصي إليك ، فتردد وامتنع ، فقال له ابن زياد : لا تمتنع من حاجة ابن عمك ، فنهض معه ، وجلسا بحيث يراهما ابن زياد ، فقال له مسلم إنه يطلب منه أمور ثلاثة ، الأمر الأول : أن يقضي ما عليه من دين ، والأمر الثاني : أن يستوهب جثته من ابن زياد لئلا يمثل بها، والأمر الثالث : أن يبعث إلي الحسين من يرده عن العراق ، فإنه قد كتب إليه أن الناس معه ، فنهض عمر بن سعد ، وجاء إلي ابن زياد ، وأفضي إليه بجميع ما أسره إليه مسلم فتقزز ابن زياد من هذا الموقف الدنيء الذي وقفه عمر بن سعد وقال له : قد أسأت في إفشائك ما أسره اليك ، إنه لا يخونك الأمين ، وقد يؤتمن الخائن ( الأخبار الطوال 241 والطبري 375/6 وابن الأثير 4/ 34) ثم بعث ابن زياد ، عمر بن سعد علي رأس جيش قوامه أربعة آلاف رجل، لقتال الحسين ، فكانت معركة غير متكافئة ، حارب فيها أربعة آلاف من الجبناء جماعة لم يزد عددهم عن ثمانين ، وكان ذلك في السنة 60، وعاش عمر الي السنة 66 حيث قتله المختار الثقفي ، وقتل معه ولده ، في جملة من قتل من قتلة الحسين ( الاعلام 206-205/5).

وكان عبد الملك بن مروان ، قد صالح عمرو بن سعيد بن العاص ، وكتب له أمانة ، وأشهد عليه شهودا ، ثم غدر به فقتله ، فقال لرجل كان يستشيره ، ويصدر عن رأيه : ما رأيك في الذي كان مني ؟

قال : أمر فات دركه .

قال : لتقولن .

قال : حزم ، لو فعلته وحييت .

ص: 263

قال : أو لست بحي ؟

قال : من أوقف نفسه موقفا لا يوثق له بعهد ولا بعقد، فليس بحي ، فقال عبد الملك : كلام لو سبق سماعه فعلي لأمسكت ( العقد الفريد79/1)

وبلغ ما نال عبد الملك من قبح الأحدوثة ، من جراء غدره بعمرو بن سعيد، أن عبد الملك لما أمن زفر بن الحارث ، ومن معه ، علي أنفسهم وأموالهم ، وأجاب زفر إلي ذلك ، أبي أن ينزل إلي عبد الملك ، خشية أن يغدر به كما غدر بعمرو بن سعيد ، فاضطر عبد الملك أن يبعث إليه بقضيب النبي صلوات الله عليه ، أمانا له ( ابن الأثير 340/4 ) .

وذكر صاحب مصارع العشاق 308/1 موقفا من مواقف الغدر للحجاج بن يوسف الثقفي ، قال : إن الحجاج طالب خصيأ لأحد أقربائه ، أن يصدقه ، ووعده أن صدقه أن لا يضرب عنقه ، فصدقه ، فقال له : قد وعدتك إن صدقتني أن لا أضرب عنقك ، وأمر به فضرب وسطه ، أي إنه قتل توسيطأ .

وفي السنة 145 لما بلغ أبا جعفر المنصور ، ظهور محمد بن عبدالله بن الحسن ، الملقب بالنفس الزكية ، بالمدينة ، كتب إليه كتابة جاء فيه : لك علي عهد الله وميثاقه ، وذمته ، وذمة رسوله ، إن رجعت ، قبل أن أقدر عليك، أن أؤمنك ، وجميع ولدك ، وإخوتك ، وأهل بيتك ، علي دمائكم وأموالكم ، فإن أردت أن تتوق لنفسك ، فوجه إلي من احببت ، يأخذ لك من الأمان ، والعهد، والميثاق، ما تثق به .

فكتب اليه محمد ، ردا ، كان من جملته : أي الأمانات تعطيني ، أمان ابن هبيرة ، أم أمان عمك عبدالله بن علي ، أم أمان أبي مسلم ؟ ( الطبري

ص: 264

566/7 - 567) وصدق محمد ، فإن هؤلاء الثلاثة الذين أثبت أسماءهم في رده ، كان المنصور قد أمنهم ، ثم غدر بهم ، وقتلهم .

وأول من قتل من المسلمين غدرة ، ستة نفر ، بعث بهم النبي صلوات الله عليه ، مع رهط من عضل والقارة ، قدموا عليه ، وطلبوا منه نفرا يفقهونهم في الدين ، فبعث معهم ستة نفر ، وأمر عليهم عاصم بن ثابت، فلما كانوا بالهدأة ، غدروا بهم ، وحصروهم ، فاستنزلوهم ، وأعطوهم العهد ، فنزلوا ، فغدروا بهم ، وقتلوا منهم أربعة ، وأسروا الآخرين ، وهما خبيب وابن الدثنة ، فباعوهما بمكة ، وأخذ خبيبا بنو الحارث بن عامر بن نوفل ، ليقتلوه بالحارث ، وكان قد قتله يوم أحد ، وأدرك خبيب مصيره ، فطلب من بنات الحارث ، موسي يحلق به شعر بدنه استعدادا للموت، فدب صبي من أولادهم ، وجلس علي فخذ خبيب ، والموسي في يده ، فصاحت المرأة فقال لها خبيب : اتخشين أن أقتله ؟ إن الغدر ليس من شيمتنا، وأعاد الصبي إلي أمه ، وأخرج خبيب إلي الحرم ، فقتل ، في السنة 4 ( ابن الأثير 167/2 ۔168)

وفي السنة 36 غدر عمرو بن العاص ، بمحمد بن أبي حذيفة ، وكان محمد من أصحاب علي ، فلما قتل عثمان ، أخرج محمد عامل عثمان ، عبدالله بن أبي سرح من مصر ، وضبطها لعلي ، فقصده عمرو بن العاص في جند معاوية ، وخدع محمد ، بأن أوهمه بأن في نيته مبايعة علي ، واتعد معه علي الإجتماع بالعريش من أرض مصر ، فقدم عليه ، وكان عمرو قد جعل له كمينأ ، فأخذه وثلاثين من أصحابه فقتلهم ( ابن الأثير 267/3 والطبري 546/4)

وفي السنة 51 طلب زياد بن أبيه ، عامل العراق لمعاوية ، عمير بن قيس الكندي ، فتعهد له حجر بن يزيد أن يحضره ، بشرط الأمان علي ماله ودمه ، فقال : هو آمن ، فجاء به وهو جريح ، فأمر به فأوقر حديدة ، ثم أمر

ص: 265

الرجال ، فأخذوا يرفعونه ، حتي إذا بلغ السرر ( جمع سرة ) ألقوه ، فوقع علي الأرض ، واستمروا يرفعونه ثم يلقونه ، فعلوا ذلك مرارة ، فقام إليه حجر ، وقال له : الم تؤمنه علي دمه وماله ؟، قال : بلي ، ولست أهريق له دما ، ولا آخذ منه مالا ( الطبري 263/5 -264).

وفي السنة 61 قتل ابو بلال مرداس بن حدير التميمي وأصحابه باسك ، غدرة قتله عباد بن علقمة بن عباد التميمي ، المعروف بابن الأخضر ( الطبري 471/5 ).

أقول : كان أبوبلال مرداس عابدأ مجتهدأ ، عظيم القدر في الخوارج، شهد مع علي صفين ، وخرج عليه لما رضي بالتحكم، وشهد النهروان مع الخوارج ، وكان عبيد الله بن زياد قد حبسه ، فلما رأي السجان عبادته واجتهاده ، أخذ يطلقه ليلا ، فينصرف إلي بيته ، فإذا طلع الفجر عاد فدخل السجن ، وكان صديق لمرداس يسامر ابن زياد ، فذكر ابن زياد الخوارج ليلة ، فعزم علي قتلهم إذا أصبح ، فانطلق صديق مرداس ، إلي منزل مرداس ، فأخبرهم الخبر ، وقال لهم : أرسلوا إلي أبي بلال مرداس في السجن ، فليعهد ، فإنه مقتول ، فسمع ذلك مرداس ، وبلغ الخبر صاحب السجن ، فبات بليلة سوء ، إشفاقا من أن يعلم مرداس الخبر ، فلا يرجع ، فلما كان الوقت الذي يرجع فيه ، إذا به قد طلع ، فقال له السجان : هل بلغك ما عزم عليه الأمير ؟ قال : نعم ، قال : ثم غدوت ؟ قال : نعم ، ولم يكن جزاؤك مع إحسانك ، أن تعاقب بسببي ، وأصبح عبيدالله ، فبدأ بقتل الخوارج ، ودعا بمرداس ، فلما حضر ، وثب السكان ، وكان ظئرة لعبدالله ، وقال له : هبه لي ، وقص عليه قصته ، فوهبه له وأطلقه ( الطبري 313/5 وابن الأثير 518/3 و 520 و 94/4 و 95).

ثم أن مرداس خاف ابن زياد ، فخرج في السنة 58 في أربعين رجلا ، وأقام بالأهواز ، فكان إذا اجتاز به مال لبيت المال أخذ منه عطاءه وعطاء

ص: 266

أصحابه ، ورد الباقي ، فلما سمع ابن زياد خبرهم ، بعث اليهم جيشأ بقيادة أسلم بن زرعة الكلابي في السنة 60، تعداده الف رجل ، فلما وصلوا إلي أبي بلال ، ناشدهم الله ألا يقاتلوه ، فلم يفعلوا ، ورموا أحد أصحابه فقتلوه ، فشت أبو بلال وأصحابه ، علي أسلم وجيشه ، شدة رجل واحد ، فهزموهم ، حتي قدموا البصرة ، فلامه ابن زياد ، وقال : هزمك أربعون ، وأنت في الفين ؟ لا خير فيك ، فقال : لأن يلومني الأمير وأنا حي ، خير من أن يثني علي وأنا ميت ، وقال رجل من الخوارج :

أألفا مؤمن فيما زعتم****ويهزمهم باسك أربعونا

كذبتم ليس ذاك كما ذكرتم**** ولكن الخوارج مؤمنونا

وفي السنة 61 بعث عبيد الله بن زياد ، إلي أبي بلال، جيشا من ثلاثة آلاف ، عليهم عباد بن علقمة بن عباد التميمي ، المعروف بابن الأخضر ، فاشتبك مع أبي بلال في معركة حامية حتي دخل وقت العصر ، فقال أبو بلال : هذا يوم جمعة ، وهو يوم عظيم ، وهذا وقت العصر ، فدعونا حتي نصلي ، فأجابهم عباد ، وتحاجزوا، فغدر بهم عباد ، وقطع الصلاة ، وشد هو وأصحابه ، علي أبي بلال وأصحابه ، فاصطلموهم وهم ما بين قائم وراكع وساجد ، لم يتغير أحد منهم عن حاله ، فقتلوهم عن آخرهم .

فأقبل عبيدة بن هلال ( من رؤساء الخوارج ) ومعه ثلاثة نفر، فرصدوا عباد بن الأخضر ، ولما أقبل يريد قصر الإمارة ، وهو مردف ابنا له غلاما صغيرة، تصدي له عبيدة وأصحابه ، وقالوا : يا عبدالله ، قف حتي نستفتيك ، فوقف، فقالوا : نحن أخوة أربعة وقد قتل أخونا ، فما تري ؟ فقال لهم : استعدوا الأمير ، قالوا : قد استعديناه فلم يعدنا ، قال : فاقتلوه ، قتله الله ، فوثبوا عليه ، وحكموا، وضربوه بالسيف ، فقتلوه ، ولاقي جزاء غدره ( الطبري 471/5 ).

وفي السنة 63 لما استباح مسلم بن عقبة المري ، مدينة الرسول

ص: 267

صلوات الله عليه ، بأمر يزيد بن معاوية ، أخذوا منه الأمان ليزيد بن عبد الله بن زمعة بن الأسود ، ولمحمد بن أبي الجهم بن حذيفة ، ولمعقل بن سنان الأشجعي ، فحضروا بالأمان ، بعد الواقعة بيوم ، فقال لهم : بايعوا ليزيد ، فقال القرشيان : نبايع علي كتاب الله وسنة رسوله ، فضرب أعناقهما ، فقال له مروان بن الحكم : سبحان الله ، اتقتل رجلين من قريش أتيا بأمان ؟ فطعن بخاصرته بالقضيب ، وقال : وأنت - والله - لو قلت بمقالتهما لقتلتك ، ثم التفت الي معقل بن سنان فطلب معقل شرابا يشربه ، ليتحرم به من مسلم ، فقال له مسلم : أي الشراب أحب إليك ؟ قال : العسل ، قال : أسقوه ، فشرب حتي ارتوي ، فقال له مسلم : أرويت ؟ قال : نعم ، قال : والله لا تشرب بعدها شربة إلا في نار جهنم ، ثم أمر به فقتل ( ابن الأثير 118/4 ۔ 119)

وفي السنة 66 بعث المختار بن أبي عبيد الثقفي ، من الكوفة ، جندا إلي المدينة ، بقيادة شرحبيل بن ورس ، معونة لابن الزبير في محاربته عبد الملك بن مروان ، وبعث ابن الزبير قائده عباس بن سهل في جند إلي المدينة الحفظها ، فخدع ابن سهل الجند العراقي ، وبعث اليهم بضيافة ، ثم غدر بهم ، فهجم عليهم وهم غارون ، فقتل قائدهم ابن ورس في سبعين من أهل الحفاظ ، ورفع ابن سهل راية أمان لأصحاب بن ورس ، فدخل كثير منهم تحتها ، فغدر بهم ابن سهل ثانية ، وقتلهم ، إلا نحوا من مائتي رجل ، كره أناس ممن دفعوا إليهم قتلهم ، فخلوهم ، فمات أكثرهم في الطريق ( الطبري74 -71/6)

وفي السنة 67 حصر مصعب بن الزبير ، المختار بن أبي عبيد الثقفي ، في القصر بالكوفة ، مع الباقين من أصحابه وعددهم سبعة آلاف ، فحارب المختار حتي قتل ، أما أصحابه فإن المصعب اعطاهم الأمان ، وكتب لهم كتابة بأغلظ العهود ، وأشد المواثيق ، فخرجوا علي أمانه ، فقدمهم رجلا

ص: 268

رج ، فضرب أعناقهم ، فكانت إحدي الغدرات المشهورة في الإسلام ( اليعقوبي 264/2 ).

فقال عقبة الأسدي ، يخاطب مصعبأ : ( الطبري 116/6 ).

قتلتم سبعة الآلاف صبرة ****مع العهد الوثيق مكتفينا

جعلتم ذمة الحبطي جسرة**** ذلولا ظهره للواطئينا

وما كانوا غداة دعوا فغروا**** بعهدهم بأول حائنينا

وذكر الطبري 113/6 : إن مصعبأ لقي عبد الله بن عمر ، فسلم عليه ، وقال له : أنا ابن أخيك مصعب، فقال له ابن عمر : أنت القاتل سبعة آلاف من أهل القبلة ، في غداة واحدة ؟ عش ما استطعت ، فقال مصعب : إنهم كانوا كفرة سحرة ، فقال ابن عمر : والله ، لو قتلت عدتهم غنمأ من تراث أبيك ، لكان ذلك سرفا .

ولما فصل عبد الملك بن مروان عن دمشق ، متوجها إلي الرحبة لمحاربة زفر ووصل إلي قنسر بن ، بلغه أن عمرو بن سعيد بن العاص ، وثب بدمشق ، وتسمي بالخلافة ، وأخرج عبد الرحمن بن عثمان الثقفي ، خليفة عبد الملك بدمشق ، وحوي الخزائن والأموال ، فانكفأ عبد الملك إلي دمشق ، فتحصن عمرو بن سعيد، ونصب له الحرب ، وجرت بينهما السفراء، حتي اصطلحا، وتعاقدا، وكتبا بينهما كتابة بالعهود والمواثيق ، والإيمان ، علي أن لعمرو بن سعيد الخلافة بعد عبد الملك ، فأفسح عمرو العبد الملك ، في دخول دمشق ، فدخلها، ثم دبر علي عمرو ، فقتله غدرة ( اليعقوبي 270/2 ).

وقد روي لنا صاحب كتاب الاخبار الطوال ، كيفية قتله ، فذكر أنه أمر به ، فأخذ وأضجع ، وذبح ذبحا، ولفت في بساط فتنادي أصحابه به بالباب ، فأمر فصرت خمسمائة صرة ، كل صرة فيها ألفا درهم ، فألقيت إلي

ص: 269

أصحاب عمرو ، وألقي معها برأس عمرو ، فترك أصحابه الرأس ملقي ، وأخذوا المال وتفرقوا ، فلما أصبح عبد الملك ، أخذ من أصحاب عمرو ، ومواليه خمسين رجلا ، فضرب أعناقهم ، وفر الباقون فلحقوا بعبد الله بن الزبير ( الأخبار الطوال 286).

أقول : لما قتل عبد الملك بن مروان ، عمرة الأشدق ، بعث إلي امرأة عمرو الكلبية وطلب منها أن تبعث إليه بكتاب الأمان الذي كان كتبه لعمرو ، فقالت لرسوله : ارجع إليه فأعلمه بأني قد لففت ذلك الكتاب معه في أكفانه ، ليخاصمك به عند ربه ( الطبري 146/6 - 147).

وأمر عبد الملك ، بعامر بن الأسود الكلبي ، أحد قواد عمرو بن سعيد ، فأحضر أمامه ، فضرب رأسه بعصا خيزران كانت في يده ، وقال له : أتقاتلني مع عمرو ، وتكون معه علي ؟ فقال : نعم ، لأن عمر أكرمني وأهنتني ، وأدناني وأقصيتني ، وقربني وابعدتني ، وأحسن الي وأسأت إلي ، فكنت معه عليك ، فأمر عبد الملك به أن يقتل ، فقام إليه أخوه عبد العزيز وقال : يا أمير المؤمنين ، خالي ، فوهبه له ( الطبري 146/6 ).

وفي معركة الزاوية في السنة 82 بين الحجاج ، وعبد الرحمن بن الأشعث ، لجأ الحجاج بعد انتصاره إلي الغدر والخديعة ، فإنه أمر مناديه ، أن ينادي : لا أمان لفلان بن فلان ، وسمي رجالا ، فقال العامة : قد آمن من الناس ، ما عدا هؤلاء ، فحضروا عنده ، فأمر بهم ، فقتلوا . ( الطبري 381/6 وابن الأثير 469/4 ).

وفي السنة 83 كان عمر بن أبي الصلت ، قد غلب علي الري ، وانحاز إليه خلق كثير من أصحاب ابن الأشعث ، وأشاروا عليه فخلع الحجاج وقتيبة بن مسلم ، فحاربه قتيبة ، فانفل جيش عمر ، ولحق بطبرستان، فآواه الأصبهبذ، وأكرمه ، فكتب الحجاج إلي الأصبهبذ، أن يبعث إليه برأس

ص: 270

عمر وأصحابه ، وتهدده ، فدعا الاصبهبذ عمرة وأصحابه ، وقتل عمر وأباه ، وبعث برأسهما إلي الحجاج ( ابن الأثير 494/4 - 495).

وفي السنة 85 غدر يزيد بن هذيل بثابت بن قطبة ، فضربه بالسيف علي رأسه ، وكان ثابت قد فر من أمية بن عبدالله عامل خراسان ، إلي موسي بن عبد الله بن خازم ، ثم أوجس منه ، ففارقه واستجاش طرخون وأهل كس ونسف وبخاري ، فحصره موسي بن عبدالله بن خازم ، وبعث اليه يزيد بن هذيل ليغتاله ، فلما لجأ يزيد إلي ثابت ارتاب به ، وطالبه برهينة أن لا يغدر به ، فأعطاه ولديه ظهير وقدامة ، وتربص يزيد بثابت حتي وجد فرصة فضربه بالسيف، فعض السيف برأسه ، ورمي يزيد بنفسه إلي النهر فنجا ، فأخذ ثابت ولدي يزيد فقتلهما ، وعاش ثابت سبعة أيام ومات ( الطبري 407/6 ۔ 408 وابن الأثير 510/4 ).

وفي السنة 104 غزا سعيد الحرشي الصغد ، فحصرهم في خجندة ، وجرت علي بابها معركة ضارية ، فانكسر الصعد، وطلبوا الصلح ، فصالحهم علي أن لا يحدثوا حدثا ، فإن أحدثوا حلت دماؤهم ، ثم بلغ الحرشي أن امرأة مسلمة قتلت ، فأحضر قاتلها فقتله ، فعمد الصغد إلي مائة وخمسين رجلا من المسلمين كانوا عندهم أسري فقتلوهم ، فانتقض الصلح ، وعاد الحرب ، فقتل من الصعد ثلاثة آلاف ، ثم توجه الحرشي إلي حصن تحصن به ديوشتي ، دهقان سمرقند ، فنزل ديوشتي علي حكم الحرشي ، فأكرمه ، ثم وافي كتاب ابن هبيرة ، أمير العراقين وخراسان ، بإطلاقه ، فقتله الحرشي وصلبه ، ثم نزل علي كش ، فصالحه ملكها سبكري ، ونزل بالأمان، فغدر به وقتله وصلبه ( ابن الأثير 107/5 -109).

وفي السنة 107 استعمل خالد القسري ، أمير العراقين وخراسان ، الجنيد بن عبد الرحمن علي السند ، وكان ملك السند جيشبة بن داهر ، فتجني الجنيد عليه ، فجمع سفنه واستعد للحرب ، وكانت عاقبة المعركة ،

ص: 271

أن جنحت سفينة جيشبة به ، فأسره الجنيد ، وقتله ، وهرب أخوه صضه ، يريد العراق ، ليشكو غدر الجنيد ، فخدعه الجنيد حتي جاء إليه فقتله ( ابن الأثير 135/5 ).

وفي السنة 119 غزا اسد القسري ، أمير خراسان ، بلاد الختل ، ونزل بدر طرخان الي أسد في الأمان ، ولم يحصل بينهما اتفاق ، فأمر أسد بإعادة طرخان الي الموضع الذي نزل منه ، لنزوله في الأمان ، وبعد أن خرج طرخان من عنده ، ندم علي تركه ، فأرسل خلفه من يمنعه من الوصول إلي قلعته ، وأعيد إلي أسد، فلما دخل عليه شتمه أسد، فأدرك طرخان أن أسد قد نقض عهده ، فرفع حصاة من الأرض ، فرمي بها إلي السماء ، وقال : هذا عهد الله ، وأخذ أخري فرمي بها إلي السماء ، وقال : هذا عهد محمد ، وأخذ يصنع كذلك بعهد أمير المؤمنين ، وعهد المسلمين ، فأمر أسد احد الأولياء بأن يقطع عنقه ، فقطعها ( الطبري 135/7 - 137).

أقول : أورد ابن الأثير 213/5 -214 القصة بشكل آخر ، قال : في السنة 119 غزا أسد القسري الختل ، فوجه مصعب بن عمير الخزاعي، فنزل بقرب بدر طرخان ، فطلب الأمان ليخرج الي أسد ، فأمنه مصعب وسيره إلي أسد ، فسأله أسد أن يخرج من الختل كما دخل ، أي أن لا يخرج معه شيئا من أمواله ، فقال له بدر طرخان : أنت دخلت الي خراسان علي عشرة من الدواب ، ولو خرجت منها الآن، لم تكفك خمسمائة بعير لحمل أثقالك ، وغير ذلك ، إني دخلت الختل شابا ، فأردد علي شبابي ، وخذ ما كسبت منها ، فأبي عليه أسد ورده إلي مصعب ليمكنه من العود إلي حصنه ، ثم بدا الأسد، فأرسل رسولا إلي مصعب يطلب إعادة بدر طرخان إليه ، فلما عاد ، أمر به فقطعت يده ، ثم أمر أحد أولياء أبي فديك الأزدي ، وكان بدر طرخان قد قتله ، بأن يضرب عنق بدر طرخان فضرب عنقه ، وهرب أهل بدر طرخان إلي الصين .

ص: 272

وفي السنة 128 قتل حوثرة بن سهيل ، أمير مصر لمروان الحمار ، حفص بن الوليد الحضرمي ، قتله غدرة ، جاءه حفص مسلمأ، فغدر به وقتله . ( الاعلام 292/2 ).

وفي السنة 132 قتل حوثرة بن سهيل الباهلي ، أحد كبار القواد الأمويين ، وكان قد دخل في أمان يزيد بن عمر بن هبيرة ، لما استسلم وفتح واسط للعباسين ، ولما غدر المنصور بيزيد بن عمر بن هبيرة ، وقتله ، قتل حوثرة معه (الاعلام 326/2 ).

وفي السنة 130 قتل أبو مسلم الخراساني ، علية وعثمان ، ولدي جديع الكرماني ، وكان أبوهما جديع قد تزعم اليمانية ، وحارب نصر بن سيار عامل خراسان ، الذي كان قد تعصب للمضرية ، ثم إن نصرة قتل جديعأ ، فانحاز ولداه علي وعثمان، إلي أبي مسلم الخراساني ، وحاربوا نصرة ، فلما فر نصر من مرو ، واستولي عليها أبو مسلم ، أراد أن يفرق بين الأخوين ، فولي عثمان مدينة بلخ ، واتفق أبو مسلم ، مع أبي داود احد قواده ، علي قتل الأخوين في يوم واحد ، فذهب أبو داود مع عثمان إلي مدينة بلخ ، وبقي علي مع أبي مسلم، وكان أبو مسلم قد طلب من علي أسماء خاضته ليوليهم الولايات ، فسماهم له ، وفي اليوم المتفق عليه ، قبض أبو مسلم علي علي بن جديع الكرماني ، وعلي جميع من سماه من خاضته ، وقتلهم جميعا ، أما عثمان ، فإن أبا داود بعثه عام علي الختل ، فلما ترك بلخ مع خاصته ، تبعهم أبو داود ، ووثب عليهم، وحبسهم جميعا ، ثم ضرب أعناقهم صبرا ( الطبري 388 -386/7)

وفي السنة 132 قام احد السفهاء ، وهو يحيي بن محمد العباسي اخو السفاح ، وكان قد ولاه الموصل ، بمذبحة في الموصل، قتل فيها ألوفة من الناس ، فإنه لما ولي الموصل ، سار إليها في اثني عشر ألف رجل ، ودعا من أهل الموصل في أحد الأيام ، إثني عشر رجلا، فقتلهم ، فنفر أهل

ص: 273

الموصل ، وحملوا السلاح ، فأعطاهم الأمان ، وأمر فنودي : من دخل الجامع فهو آمن ، فامتلأ الجامع ، فأقام يحيي جنوده علي أبواب الجامع ، وأمرهم ، فقتلوا الناس قتلا ذريعا أسرفوا فيه ، فلما كان الليل ، سمع يحيي صراخ النساء اللاتي قتل رجالهن ، فأمر جنوده بقتل النساء والأطفال ، فقتلوا جماعة ، وكان في جيشه أربعة آلاف زنجي ، تعرضوا للنساء ، وركب يحيي ، فاعترضته امرأة ، فقالت له ، ألست من بني هاشم ، أما تأنف للعربيات المسلمات أن ينكحهن الزنج ؟ فأثر كلامها فيه ، ولما كان الغد، جمع الزنج للعطاء ، فلما اجتمعوا ، أمر بهم فقتلوا عن آخرهم ، وكان يحيي فدما، ناقص العقل ، متخلفا في جميع أموره ، وأضاف إلي هذه المذبحة ، أنه دخلت به بغلته إلي الجامع ، يوم الجمعة، وعليه سواده وشاشيته، وفي عنقه طبل ، وكانت عاقبته أن صرفه السفاح ، ولم يستعن به في مستقبل أيامه ( ابن الأثير 443/5 -444 والهفوات النادرة 100-101).

وفي السنة 132 قام أبو جعفر المنصور ، بمذبحة غدر صلعاء قتل فيها يزيد بن عمر بن هبيرة وأصحابه ، وكان المنصور قد حصر بواسط ، يزيد بن عمر بن هبيرة أمير العراقين للأمويين ، ثم جرت السفراء بينهما ، فجعل له أبو جعفر أمانا كتب به كتابا ، ومكث ابن هبيرة يشاور فيه العلماء أربعين يوما حتي رضيه، وأنفذه إلي أبي جعفر ، فأنفذه أبو جعفر إلي أخيه أبي العباس السفاح ، فأمره بإمضائه ، فأمضاه ، وخرج اليه ابن هبيرة بالأمان ، ثم غدر به أبو جعفر ، فإنه بعث اليه ثلاثة من قواده، وأمرهم بقتله ، فدخلوا عليه في داره ، وكان يزيد جالس وبني له صغير في حجره، ومعه ابنه داود ، وكاتبه عمرو بن أيوب ، وحاجبه ، وعدة من مواليه ، فلما قصدوه ، رأي نظرات الغدر منهم ، وقام حاجبه في وجوههم ، وقال لهم : وراءكم ، فضربه أحد القواد علي حبل عاتقه ، فصرعه ، وقاتل داود بن يزيد ، حتي قتل ، وقتل موالي يزيد ، فنحي يزيد الصبي من حجره ، وقال : دونكم هذا الصبي ،

ص: 274

وخر ساجدا ، فقتل وهو ساجد ، وفي الوقت عينه بعث أبو جعفر فأحضر قواد يزيد ، وأمر بهم فكتفوا ، ونزعت سبوفهم ، فقالوا : لقد أعطيتمونا عهدالله ، ثم خستم به ، إنا لنرجو أن يدرككم الله ، وجعل أحدهم ابن نباتة يضرط في الحية نفسه ( يعفط )، فقال له حوثرة : إن هذا لا يغني عنك شيئا ، فقال : كأني كنت أنظر إلي هذا ، فقتلوا ، وأخذت خواتيمهم ، وأمن أبو جعفر ( المنصور ) خالد بن سلمة ، من قواد ابن هبيرة ، فقتله ابو العباس ( السفاح ) ولم يجز أمان أبي جعفر ، وهرب أبو علاقة ، وهشام بن هشيم ، فلحقهما حجر بن سعيد الطائي ، فقتلهما علي الزاب ، وقال أبو عطاء السندي ، يرثي يزيد بن عمر بن هبيرة : ( الطبري 450/7 - 457).

ألا إن عينأ لم تجد يوم واسط****عليك بجاري دمعها لجمود

عشية قام النائحات وشققت**** جيوب بأيدي مأتم وخدود

فإن تمس مهجور الفناء فربما**** أقام به بعد الوفود وفود

وإنك لم تبعد علي متعهد**** بلي ! كل من تحت التراب بعيد

وفي السنة 133 قتل القائد العباسي سليمان بن الأسود ، عبد الرحمن بن يزيد بن المهلب غدرة ، وكان عبد الرحمن قد التحق بعبدالله بن معاوية بن عبدالله بن جعفر لما أسس مملكته بفارس ، ولما انفق جيش ابن معاوية ، ودالت دولته ، فر عبد الرحمن إلي عمان ، فكتب له القائد العباسي سليمان بن الأسود أمانا ، فنزل علي أمانه، فغدر به ، وقتله ( الطبري 372/7 و 373و 460)

وفي السنة 135 قتل زياد بن صالح الحارثي ، من أمراء الدولة المروانية ، كان علي الكوفة عند قيام العباسيين في العراق وخراسان ، ولما اشتد أمرهم ، خرج برجاله إلي الشام ، فقصده أبو مسلم ، فتفرق عن زياد أنصاره ، فلجأ إلي دهقان، فغدر به الدهقان ، وقتله وجاء برأسه إلي أبي مسلم . ( الاعلام 91/3 -92).

ص: 275

وكان عبدالله بن علي ، عم المنصور ، غدار ، معرقة في الغدر ، فإنه لما خرج علي المنصور ، في السنة 137 حاصر حران ، وبها مقاتل بن حكيم العكي، خليفة المنصور علي إمارة الجزيرة وأرمينية ، وأذربيجان ، ثم آمنه ، فنزل العكي علي أمانه ، وأقام معه يسيرة ، ثم بعث به إلي عثمان بن عبد الأعلي الأزدي ، عامله علي الرقة ، ومعه ابناه ، وكتب معه كتابة ، فلما قدموا علي عثمان ، قتل العكي وحبس ابنيه ، ولما بلغه هزيمة عبدالله بن علي ، أخرج الإبنين فضرب عنقيهما.

وتصرف عبدالله ، التصرف عينه ، مع حميد بن قحطية ، فإنه بعث به إلي زفر بن عاصم ، عامله علي حلب ، وكتب معه كتابأ ، فلما كان حميد ببعض الطريق، تفكر في أمره ، وقال في نفسه : إن ذهابي بكتاب لا أدري ما فيه غرر ، وفك الطومار ، وقرأ الكتاب ، فإذا فيه : إذا ورد عليك حميد بن قحطبة ، فاضرب عنقه ، فأخذ حميد ، طريق العراق .

وكما غدر عبدالله بابن أخيه فخرج عليه ، وبالعكي ، فقتله ، وقتل ولديه ، وبحميد بن قحطبة ، فأمر عامله بقتله ، فقد غدر كذلك بسبعة عشر ألفا ، من جنده ، من الخراسانيين ، فإنه ارتاب في أمرهم ، وخشي أن لا يناصحوه ، فأمر صاحب شرطته ، بقتلهم فقتلهم بأجمعهم ( الطبري 470/7-476)

وكان عبد الله بن علي العباسي، قد خرج علي ابن أخيه المنصور ، فبعث اليه أبا مسلم ، وحاربه ، فانكسر عبدالله ، والتجأ إلي أخيه سليمان ، أمير البصرة ، ولما عزل المنصور سليمان عن البصرة في السنة 139 استتر عبدالله ، ومن معه من أصحابه ، خوفا من المنصور ، فكتب المنصور إلي سليمان وعيسي ، عميه ، بالبصرة يسألهما إشخاص أخيهما عبدالله بن علي ، إليه ، وأعطاهما من الأمان لعبد الله ما رضياه ، ووثقا به ، وكانت نسخة الأمان ، قد وضعها ابن المقفع ، وقد تضمنت أغلظ العهود والمواثيق ، ألا

ص: 276

يناله بمكروه ، وأن لا يحتال عليه في ذلك بحيلة ، وكان في الأمان : فإن أن فعلت ، أو دسست، فالمسلمون براء من بيعتي ، وفي حال من الإيمان والعهود التي اخذتها عليهم فلما وقف أبو جعفر علي هذا ، قال : من كتبه؟ فقيل : ابن المقفع ، فكان هذا العهد سببا لميتة ابن المقفع ، وقدم سليمان من البصرة ، فأخذ الأمان ، وعاد إلي البصرة ، فشخص منها مع أخيه عيسي ، ومعهما عبد الله بن علي ، أخوهما ، وعامة قواده ، ومواليه وخواص اصحابه ، فلما قدموا علي أبي جعفر ، دخلا عليه ، فشوغلا حتي صرف عبدالله إلي مجلس أعده له ، فلما سألاه أن يأذن له في الدخول عليه ، طلب منهما أن يحضراه إليه ، فلما خرجا لم يرياه ، ولما عادا إلي المنصور منعا وأخذت سيوف من حضر من أصحابه وحبسوا وقد كان القائد خفاف بن منصور ، حذرهم من ذلك ، فلما أخذت سيوفهم ، وحبسوا ، أخذ خفاف يضرط في لحية نفسه ( يعفط )، ويتفل في وجوه اصحابه ، ثم إن المنصور امر بقتل بعضهم في حضرته ، وبعث الباقين إلي عامله بخراسان ، فقتلهم بها . (اليعقوبي 368/2 - 369 والطبري 501/7-502 وابن الأثير396/5- 497) .

وحاول المنصور ، أن يغدر بعيسي بن موسي ، الذي كان ولي عهده فدحرجه إلي ولاية العهد بعد المهدي ، فيتخلص منه ، ومن عمه عبدالله بن علي ، بحيلة واحدة ، فدعاه ، ودفع اليه عبدالله سرا ، وقال له : يا عيسي ، إن هذا اراد ان يزيل النعمة عني وعنك ، وأنت ولي عهدي ، بعد المهدي ، والخلافة صائرة إليك ، فخذه فأضرب عنقه ، فأخذه عيسي ، ومضي المنصور الوجهه ، وكتب اليه من طريقه ثلاث مرات ، يسأله : ما فعل في الأمر الذي اوعز إليه فيه ؟ فكتب إليه : قد انفذت ما أمرت به، فلم يشك أبو جعفر ، في انه قد قتل عمه عبدالله ، وكان عيسي حين سأله قتله ، ودفعه اليه ، ستره ، ودعا كاتبه يونس بن فروة ، فقال له : إن هذا الرجل ، دفع إلي عمه ، وأمرني بقتله ، فقال له : أراد أن يقتله ويقتلك ، أمرك بقتله سرأ، ثم يدعيه

ص: 277

عليك علانية ، فيقيدك به ، قال : فما الرأي ؟ قال : الرأي أن تستره في منزلك ، فلا تطلع علي أمره أحدة ، فإذا طلبه منك علانية ، دفعته إليه علانية ، وقدم المنصور ، ودس إلي عمومته من يحركهم علي مسألته هبة عبدالله لهم ، وأطمعهم أنه سيفعل ، فجاءوا إليه ، وكلموه ، ورققوه، فقال : نعم ، علي بعيسي بن موسي ، وقال له : يا عيسي ، إني أسلمت إليك عمي وعمك عبدالله ، وأمرتك أن يكون في منزلك، قال : نعم ، قال : فقد كلمني عمومتك فيه ، فرأيت الصفح عنه ، فأحضره إلينا ، فقال له : يا أمير المؤمنين ، ألم تأمرني بقتله فقتلته، فقال له المنصور : كذبت ، ما أمرتك بقتله ، ثم قال لعمومته : أن هذا قد أقر بقتله أخاكم ، فشأنكم به، فأخرجوه إلي الرحبة ، واجتمع الناس ، وقام أحدهم فشهر سيفه ، وتقدم إلي عيسي ليضربه ، فقال له عيسي : أفاعل أنت ؟ قال : إي والله ، قال : لا تعجلوا وردوني إلي أمير المؤمنين ، فردوه إليه ، فقال له : إنما أردت بسؤالي قتل عمك ، أن تقتلني به ، هذا عمك حي سوي وأحضره إليه ، فسلم عيسي ، ثم إن المنصور قتل عمه ، ( الطبري 7/8-9).

وفي السنة 137 قتل المنصور أبا مسلم الخراساني ، وقد كانت له اليد الطولي في بناء الدولة العباسيين ، وكان قد نفر من المنصور ، ومضي يريد خراسان ، فبعث إليه المنصور أبا حميد المرور وذي ، رسولا ، أمنه ، وأكد له إنه إن قدم عليه فسوف يرفعه ويصنع به ما لم يصنعه أحد، إن هو صلح وراجع ما يحب ، فعاد أبو مسلم مطمئنا إلي الوعد ( الطبري 484/7 ).

فلما قدم علي المنصور ، كان عيسي بن موسي يسايره ، فانشد عيسي :

سيأتيك ما أفني القرون التي خلت****وما حل في أكناف عاډ وجرهم

فالتفت إليه أبو مسلم ، وقال له : هذا مع الأمان الذي أعطيت ؟

فحلف له عيسي ، إنه تمثل بهذا الشعر من دون تفكير ( الهفوات النادرة 9 و10).

ص: 278

وأعد أبو جعفر رجالا من حرسه ، وأمرهم بالهجوم علي أبي مسلم ، وقتله ، إذا سمعوا تصفيقه ، فلما دخل أبو مسلم ، وجلس ، قال له المنصور : أخبرني عن نصلين أصبتهما في متاع عبدالله بن علي ، فقال : هذا احدهما علي ، فقال : أرني إياه ، فأخذه منه أبو جعفر ، ووضعه تحت فراشه ، ثم بدأ فعاتبه ، حتي قال أبو مسلم : لا يقال هذا لي بعد بلائي وما كان مني ، فقال له أبو جعفر : يا ابن الخبيثة ، والله ، لو كانت مكانك أمة الاجزت ناحيتها ، إنما عملت ما عملت بدولتنا ، ثم قال له : قتلني الله إن لم اقتلك ، وصفق بيديه ، فخرج الرجال الذين كان أعدهم لقتله . فضربوه ، بالسيوف ، والمنصور يصيح بهم : إضربوا قطع الله أيديكم ، فصاح أبو مسلم ، لما ضربوه : يا أمير المؤمنين استبقني لعدوك ، فقال له : وأي عدواعدي الي منك . ( الطبري 492/7 ).

وفي السنة 138 خلع جمهور بن مرار العجلي ، بالري ، وملك اصبهان ، فتوجه إليه محمد بن الأشعث ، في جيش عظيم ، ونشبت المعركة في الري ، وانهزم جمهور ، ولحق باذريبجان ، وهناك غدر به أصحابه ، فقتلوه ، وحملوا رأسه إلي المنصور . ( ابن الأثير 45- 48) .

وفي السنة 145 لما انتهت المعركة بين جيش المنصور ، ومحمد بن عبدالله بن الحسن بالمدينة ، قدم عبدالله بن الربيع ، علي المدينة ، عاملا عليها للمنصور ، فأخذ جنوده يعتدون علي الناس في السوق ، وانتهبوا قسما من المتاع ، وعدوا علي رجل من الصيارفة يدعي عثمان بن زيد ، فغالبوه علي كيسه ، فاستغاث حتي خلصه منهم ، فاجتمع رؤساء المدينة ، وشكوا ذلك إلي الربيع، فنهرهم الربيع وشتمهم ، ولم يغير شيئا ، فطمع الجند فيهم ، وجاء رجل من الجند ، فاشتري من جرار لحمأ ، وأراد أن يأخذه بلا ثمن ، وشهر عليه السيف ، فخرج عليه الجرار من تحت الوضم بشفرة فطعن

ص: 279

بها خاصرته ، فخر عن دابته، واعتوره الجزارون فقتلوه ، فجمع ابن الربيع جنده ، حتي أتي السوق ، ومر بمساكين خمسة يسألون في طريق المسجد ، فحمل عليهم بمن معه ، فقتلوهم ، ثم مر بأصيبية علي طنف دار ، فاستنزلهم ، وأختدعهم وأمنهم ، فلما نزلوا ضرب أعناقهم ، فتنادي السودان في المدينة ، وهجموا علي الجنود ، فقتلوا كثيرة منهم بالعمد، فأجلي ابن الربيع ومعه من بقي من عسكره هاربا ، ونزل ببطن نخلة من المدينة ( الطبري 612-609/7)

وفي السنة 160 فتك بشقنا، الخارج بالأندلس علي عبد الرحمن الداخل . اثنان من أصحابه ، غدرا به فقتلاه ، وحملا رأسه إلي عبد الرحمن ( ابن الأثير 50/6 ).

وفي السنة 175 بعث هشام بن عبد الرحمن، صاحب الأندلس ، جيشا بقيادة أبي عثمان عبيد الله بن عثمان ، لمقاتلة مطروح بن سليمان بن يقظان صاحب سرقسطة ، وحدث أن خرج مطروح يتصيد ، مع اثنين من أصحابه ، وأرسل البازي علي طائر ، فصاده ، فنزل مطروح ليذبحه ، فغدر به صاحباه ، واحتزا رأسه ، وقدما به علي أبي عثمان ، فأرسل رأس مطروح إلي هشام ، وبادر هو إلي سرقسطة فدخلها ( ابن الأثير 123/6 ).

وفي السنة 191 غدر عمروس ، حاكم طليطلة للحكم المرواني صاحب الأندلس ، بجماعة من أهل طليطلة ، إذ دعاهم إلي وليمة ، ثم قتل منهم ما يزيد علي خمسة آلاف ، وسبب ذلك إن أهل طليطلة كانوا قد أكثروا من الخروج علي الأمراء ، والثورة عليهم ، فلما أعيا الحكم امرهم ، استعمل عليهم عمروس بن يوسف ، المعروف بالمولد ، وكتب إليهم : إني قد اخترت لكم فلانة ، وهو منكم، لتطمئن قلوبكم ، فدخل عمروس طليطلة ، فأنس به أهلها، وأحسن عشرتهم ، حتي وثقوا به ، ثم أعد لهم وليمة

ص: 280

عظيمة ، بمناسبة وصول عبد الرحمن بن الأمير الحكم ، إلي طليطلة ، فأتاه الناس أفواجأ ، وكان كلما دخل فوج أخذوا إلي جماعة من الجند وقفوا علي حفرة كبيرة في ذلك القصر ، فضربت رقابهم عليها ، فلما تعالي النهار ، أتي بعضهم فلم ير أحدا ، فقال : أين الناس ؟ فقيل : إنهم يدخلون من هذا الباب ، ويخرجون من الباب الأخر، فعلم الحال ، وصاح ، وأعلم الناس بهلاك اصحابهم ( ابن الأثير 199/6 -201).

وفي السنة 196 خلف عبدالله من إبراهيم بن الأغلب ، والده ، في إمارة إفريقية فاستأمن اليه عمران بن مخلد ، وكان قد ثار بأبيه ابراهيم ، فأمنه ، فجاء وأقام عنده ، وقيل لعبدالله : إن هذا ثار بأبيك ، ولا نأمنه عليك ، فقتله ( ابن الأثير 157/6 ).

وفي السنة 198 قبل محمد الأمين بن هارون الرشيد غدرا ، بعد أن خرج بالأمان ، وكان طاهر بن الحسين ، قائد جيش المأمون قد بذل الأمان للأمين إذا استسلم ، فأجاب الأمين الي الإستسلام علي أن يخرج الي هرثمة ، فاشتد ذلك علي طاهر، وكمن له جماعة من أصحابه ، حتي إذا خرج إلي هرثمة وركب الحراقة برز له هؤلاء ، وشدوا علي حراقة هرثمة فنقبوها ، وتفرق من كان فيها وشق الأمين عن ثيابه ، ورمي بنفسه إلي الماء ، فسحبوه من شعره ، وأخرجوه ، وحبس في حجرة من بيت بباب الشام ، عارية إلا من السراويل ، وهو يتساءل : هل يفون له بأمانهم ، أم يغدرون به ؟ ثم دخل عليه قوم من جند طاهر ، وقد سلوا سيوفهم ، فعلم الأمين مرادهم ، ونهض يدفع عن نفسه بوسادة وجدها في الحجرة ، فبدره أحدهم ، فضربه بالسيف علي مقدم رأسه ، فضربه الأمين بالوسادة علي وجهه، واتكأ ليأخذ منه السيف ، فصاح الرجل بالفارسية : قتلني، فهاجمه الباقون ونخسه أحدهم بالسيف في خاصرته ، وركبوه ، وذبحوه من قفاه ، وأخذوا رأسه ومضوا ، ثم جاءوا في السحر فأخذوا الجثة ، ونصب رأس الأمين علي البرج الذي كان

ص: 281

في البستان الذي يلي باب الأنبار ، وخرج من أهل بغداد للنظر إليه، ما لا يحصي ، وبعث طاهر برأس الأمين إلي خراسان ، فوضعه الفضل بن سهل ، في ترس ، ودخل به إلي المأمون ( العيون والحدائق 337/3 -342) .

وفي السنة 211 أمن عامر بن نافع ، منصور بن نصير الطنبدي ، بإفريقية ، فلما نزل علي أمانه ، سجنه وأخاه ، ثم قتلهما معا ( ابن الأثير 405 -404/6).

أقول : تحرك منصور هذا ، بإفريقية، علي زيادة الله بن الأغلب ، في السنة 208 فسير إليه قائدا من قواده اسمه محمد بن حمزة في 300 فارس، وأمره أن يأخذ منصور ، وأن يحمله اليه ، فلما وصل القائد إلي تونس ، كان منصور في قصره خارج المدينة ، فبعث إليه قاضي تونس وأربعين شيخا من شيوخها ، يقبحون له الخلاف ، فتظاهر منصور بالأذعان ، ثم تسلل الي داخل البلد ، وقتل الجند الذين جاءوا مع محمد ، كما قتل عامل تونس اسماعيل بن سفيان بن سالم بن عقال ، فسير اليه زيادة الله ، جيشأ بقيادة وزيره غلبون ، وهو الأغلب بن عبدالله بن الأغلب ، فظفر به منصور ، ثم حصر زيادة الله في القيروان ، ثم ارتد منكسرا ، وتفرق عنه قواده ، واستولي كل منهم علي بلدة ، فحكم فيها ، ومنهم عامر بن نافع وعبد السلام بن المفرج ، ثم إن عامر اختلف مع منصور فحصره في قصره ، فراسله منصور وطلب منه الأمان علي أن يركب سفينة تتجه إلي المشرق ، فأمنه ، غير أن منصورا تسلل إلي الأربس ، فأدركه عامر وحاربه ، وحصره ، فأرسل منصور إلي عبد السلام بن المفرج ، أحد قواده الذين انفصلوا عنه ، يطلب منه أن يأخذ له أمانا من عامر ، فأخذ له الأمان ، ولكن عامر، سير منصور مع خيل أمر قائدها سرا أن يأخذه إلي جربة ، ويسجنه بها، ففعل ذلك ، وسجن معه أخاه حمدونا ، ثم كتب عامر الي أخيه في جربة أن يقتلهما ، فقتلهما ( ابن الأثير 330/6-330 و 404 و 405).

ص: 282

وفي السنة 224 لما أراد سرخستان من أتباع المازيار بن قارن ، الثورة في أمل، دعا جماعة من ابناء القواد ، وغيرهم من أهل آمل ، لهم جلد وشجاعة ، فجمع في داره منهم مائتين وستين فتي ، وقال لهم إنه يريد جمعهم للمناظرة ، فلما حضروا ، غدر بهم وكتفهم ودفعهم إلي الأكرة لي؟ ، فصاروا بهم إلي قناة هناك ، فقتلوهم ، ورموا بهم في آبار تلك القناة ( الطبري 86/9 -87).

وفي السنة 252 تم الإتفاق مع المعتز، أن يخلع المستعين نفسه ، علي أن له الأمان ، ولأهله وولده ، وما حوته أيديهم من أملاكهم ، علي أن ينزل مكة هو ومن شاء من أهله، وأن يقيم بواسط العراق الي وقت مسيره إلي مكة ، فوافق المعتز علي هذه الشروط ، وكتب بخطه : إنه متي نقض شيئا منها ، فالله ورسوله منه براء ، والناس في حل من بيعته ، وأضاف إليها عهود يطول ذكرها ، فخلع المستعين نفسه ، وبايع المعتز ، وانحدر إلي واسط ، ولكن المعتز لم يلبث أن غدر بالمستعين ، فأمر بأن يحمل من واسط الي سامراء ، حتي إذا كان في طريقه وقد قرب من سامراء لاقاه القائد سعيد بن صالح الحاجب ، فقتله ، واحتر رأسه ، وحمله إلي المعتز بالله ، وترك جثه ملقاة علي الطريق ، حيث تولي دفنها جماعة ( مروج الذهب 2/ 446 و 447)

أقول : اختلف المؤرخون في كيفية مقتل المستعين ، وقد أشرنا إلي ذلك في موضع آخر من هذا الكتاب .

قال شاهك الخادم : كنت عدية للمستعين ، لما اشخصه المعتز من واسط إلي سامراء ، ونحن في عمارية ، فلما وصلنا إلي القاطول ، تلقانا جيش كبير ، فقال : يا شاهك انظر من رئيس القوم ؟ فإن كان سعيد الحاجب فقد هلكت ، فلما عاينته قلت : هو والله سعيد ، فقال : إنا لله وإنا إليه راجعون ، ذهبت والله نفسي ، وجعل يبكي فلما قرب منه سعيد جعل يقنعه

ص: 283

بالسوط ، ثم أضجعه وقعد علي صدره ، واحتز رأسه ، وحمله ( مروج الذهب 448/2 )

وفي السنة 256 بلغ أبا نصر محمد بن بغا، أن المهتدي تكلم فيه ، فتخوفه ، وهرب ، فكتب إليه المهتدي أربعة كتب ، أعطاه فيها الأمان علي نفسه ومن معه ، فوثق بكلامه ، وعاد ، فأخذه المهتدي وحبسه ، وبعد أن قتل المهتدي ، طلبوا أبا نصر ، وهم يحسبون أنه ما زال محبوس في دار المهتدي ، فدلوا علي موضعه ، فوجد مذبوحة ، إذ أن المهتدي قتله ، ورمي به في بئر من آبار القناة ، فأخرج وقد أراح ، فاشتري له ثلثمائة مثقال مسك ، وستمائة مثقال كافور ، وصير عليه فلم تنقطع الرائحة ( الطبري 460/9 ) .

أقول : لما دفن محمد بن بغا ، كسرت الأتراك علي قبره الف سيف ، وكذلك يفعلون بالسيد منهم إذا مات .

وفي السنة 259 قتل أبو عبد الرحمن العمري ، وكان قد ظهر في جنوبي مصر ، غضبا الله والمسلمين ، لأنه رأي البجاة نهبوا وقتلوا المسلمين ، فتصدي لهم وحاربهم ودخل بلادهم فنهبها ، حتي أتوا له الجزية ، واشتدت شوكته ، وكثر أتباعه ، وبلغ خبره ابن طولون ، فبعث إليه جيشا ، فقال العمري لمقدم الجيش : إني لم أخرج للفساد ، ولم يتأثر بي مسلم ولا ذمي ، وإنما خرجت طلبأ للجهاد ، فاكتب إلي الأمير أحمد، وعرفه حالي ، فلم يجبه ، وحاربه ، فانهزم جيش ابن طولون ، ولما عادوا إليه ، أخبروه بحال العمري ، فقال : إنه نصر عليكم ببغيكم ، وتركه فلما كان بعد مدة ، وثب علي العمري ، غلامان له فقتلاه ، وحملا رأسه إلي ابن طولون ، فسألهما عن سبب قتلهما له ، فقالا : أردنا أن نتقرب إليك بذلك ، فقتلهما ، وأمر برأس العمري ، فغسل ، وكفن، ودفن ، ( ابن الأثير 264/7 -265).

ومن حوادث الغدر الفظيعة ، ما صنعه علي بن أبان المهلبي ، أحد قواد

ص: 284

صاحب الزنج ، لما قصد البصرة ، وكان بها بغراج التركي ، فأقام يقاتل أهلها يومين ، ودخلها في اليوم الثالث ، وكان يوم جمعة ، وقت الصلاة ، فأقبل يقتل الناس ، ويحرق المنازل والأسواق ، فجاء إليه ابن عمه إبراهيم بن محمد المهلبي ، فاستأمنه لأهل البصرة ، فأمنهم ، ونادي مناديه : من أراد الأمان فليحضر دار إبراهيم بن محمد المهلبي فحضر اهل البصرة قاطبة ، حتي ملأوا الدار والأزقة ، فلما رأي اجتماعهم ، أمر بأخذ السكك والطرق عليهم ، وغدر بهم ، وأمر الزنوج فوضعوا فيهم السيف ، فقتلهم جميعا ( شرح نهج البلاغة 146/8 ).

وفي السنة 276 تملك محمد بن عبد الرحمن التجيبي ، مدينة سرقسطة ، غدرة ، إذ كان مع أبيه في قلعة أيوب ، واتفق مع أبيه علي الغدر بصاحب سرقسطة ، والاستيلاء عليها ، فأظهر محمد إنه علي خلاف مع والده ، والتجأ إلي صاحب سرقسطة ، ثم انتهز فرصة ، فقتله غدرا، واستولي علي سرقسطة ، فلما استولي عليها ، جاءه أبوه ، يريد الدخول الي البلدة ، فأغلق الباب في وجهه ، واستقل بها حتي هلك في السنة 312 ( الاعلام 62/7)

وفي السنة 280 افتتح محمد بن أبي الساج مراغة ، بعد حصار شديد ، وحرب غليظة ، ثم أخذ صاحبها عبد الله بن الحسين ، بعد أن آمنه وأصحابه ، فقيده ، وحبسه ، وقرره بجميع أمواله ، ثم قتله بعد ذلك ( الطبري 33/10 - وابن الأثير 464/7 ).

وفي السنة 283 حارب رافع بن هرثمة ، عمرو بن الليث الصفار، ظفر عمرو ، وانفل جيش رافع ، فوجه اليه أمير خوارزم نائبا يقوم بخدمته وما يحتاج إليه ، إلي أن يصل إلي خوارزم ، فوجده النائب في خفت من أصحابه ، فغدر به ، وقتله ، وحمل رأسه إلي عمرو بن الليث ، فأنفذه عمرو

ص: 285

الي بغداد ، فنصب في الجانب الشرقي إلي الظهر ، وفي الجانب الغربي بقية النهار ، ثم ردوه إلي دار السلطان ( وفيات الأعيان 424/6 - 425).

وفي السنة 289 غدر القاسم بن عبيد الله ، وزير المكتفي ، بالقائد بدر المعتضدي ، فأحضر القاضي أبا خازم ، ودفع إليه كتاب أمان لبدر من المكتفي ، وأمره أن يمضي إلي بدر ، وأن يعطيه الأمان من أمير المؤمنين المكتفي ، علي نفسه ، وماله ، وولده ، فقال له أبو حازم : أحتاج إلي سماع ذلك من أمير المؤمنين ، حتي أؤديه إليه .

فقال له الوزير : أنا لسان أمير المؤمنين ، وما أظنك تتهمني في الحكاية عنه .

فقال القاضي : أفأقول لبدر ، إن الوزير قال لي ؟

قال : لا.

قال : فأكذب ؟

فقال له : انصرف، حتي أستأذن لك .

ثم دعا القاضي أبا عمر محمد بن يوسف ، وأمره بمثل ما أمر به أبا خازم ، فسارع إلي إجابته، واستقر الأمر علي أن يدخل بدر بغداد ، سامع ، مطيعا ، فلما قرب ، بعث القاسم بعض الخدم ، فأخذه من السفينة ، ومضي به الي جزيرة ، ودعا بسيف فقتله ، وعاد أبو عمر القاضي إلي داره كئيب، حزينة . ( المنتظم 43/6- 35).

وفي السنة 290 سار الحسين بن زكرويه ، رأس القرامطة ، إلي حماة ، ومعرة النعمان ، فقتل أهلها، وقتل النساء والأطفال ، ثم سار إلي بعلبك ، فقتل عامة أهلها، حتي لم يبق منهم أحد إلا اليسير ، ثم سار إلي سلمية ، فحاربه أهلها ، ومنعوه الدخول ، ثم وادعهم وأعطاهم الأمان ، ففتحوا له بابها ، فلما دخلها غدر بهم ، وبدأ بمن فيها من بني هاشم

ص: 286

فقتلهم ، ثم ثني بأهل سلمية ، فقتلهم جميعا ، ثم قتل البهائم، ثم قتل صبيان الكتاتيب ، وخرج منها وليس بها عين تطرف ( الطبري 100/10 ).

وفي السنة 293 قصد القرامطة بقيادة صاحب الشامة ، وهو أخ للحسين بن زكرويه ، طبرية ، وحصرها ، ثم دخلها عنوة ، فقتل عامة من بها من الرجال والنساء ونهبها ، ثم قدم قائد آخر للقرامطة سموه نصر ( واسمه الأول ابو غانم عبدالله بن سعيد ) فسار الي مدينتي بصري وأذرعات ، من كورتي حوران والبثنية ، فحارب أهلها ، ثم آمنهم ، فلما استسلموا ، غدر بهم ، فقتل مقاتلتهم ، وسبي ذراريهم ، واستصفي أموالهم ، ثم قصدوا دمشق ، فتصدي لهم صالح بن الفضل شحنة دمشق ، فاغتروه ببذل الأمان له ، ثم قتلوه ، وفضوا عسكره ، ولكنهم لم يتمكنوا من دخول الشام ، فقصدوا طبرية ، ثم الأردن ، فحاربهم يوسف بن ابراهيم عامل الأردن ، فبذلوا له الأمان ، ثم غدروا به ، فقتلوه ، ونهبوا مدينة الأردن ، وسبوا النساء ، وقتلوا طائفة من أهلها ، ثم أسروا إلي هيت ، فصبحوها، ونهبوا ربضها ، وقتلوا من قدروا عليه من أهلها، وأحرقوا منازلها ، ثم أن أحد بني كلب ، وثب علي نصر فقتله ، وحمل رأسه إلي مدينة السلام منصوبا علي قناة ( الطبري 124-129 -123/10)

وفي السنة 294 اعترض زكرويه القرمطي ، قافلة الحاج الخراسانية ، بالعقبة من طريق مكة ، فأوقع بها ، وقتلوا النساء والرجال ، وسبوا من النساء من أرادوا، واحتووا علي من كان وما كان في القافلة، ثم واجهوا القافلة الثانية فقتلوا من فيها عن آخرهم ، إلا من استعبدوه ، ثم لحقوا من أفلت من السيف ، فأعطوهم الأمان ، فعادوا ، فقتلوهم جميعا ، وسبوا من النساء من أرادوا ، وكان في القافلة الثانية أبو العشائر الحمداني ، فوضعوا القتلي بعضهم علي بعض ، حتي صاروا كالتل العظيم ، ثم قطعوا يدي أبي العشائر

ص: 287

ورجليه ، ثم ضربوا عنقه ، وكان نساء القرامطة يطفن مع صبيانهم في القتلي ، يعرضون عليهم الماء ، فمن كلمهم اجهزوا عليه ( الطبري 132 -131/10)

وفي السنة 316 رغب اسفار بن شيرويه الديلمي في الإستيلاء علي قلعة الموت ، وهي قلعة علي جبل شاهق في حدود الديلم ، وكانت لسياه جشم بن مالك الديلمي ، ومعناه الأسود العين ، لأنه كانت علي إحدي عينيه شامة ، فراسله أسفار ، ومناه ، فقدم عليه ، فسأله أن يجعل عياله ( عيال أسفار ) في قلعة الموت ، ووتي سياه جشم مدينة قزوين ، فأجابه الي ذلك ، فنقل عياله وأصحابه اليها ، ثم كان يرسل اليهم من يثق به من أصحابه ، فلما حصل فيها مائة رجل، استدعاه من قزوين ، فلما حضر عنده قبض عليه ، وقتله بعد أيام ( ابن الأثير 190/8 - 191).

وكان أسفار لما اجتاز بسمنان ، امتنع محمد بن جعفر السمناني، من النزول اليه ، وتحصن بحصنه في قرية رأس الكلب ، فحقدها عليه أسفار ، فلما استولي علي الري ، بعث إليه جندة ، وعليهم إنسان يقال له : عبد الملك الديلمي ، فحضروه ، فلم يمكنهم الوصول اليه ، فتوصل عبد الملك ، بإرشاد من أسفار ، أن يلوح لمحمد بن جعفر بالصلح ، ثم أغراه بأن يدعوه إلي حصنه ، فدعاه، فحضر في جماعة من أصحابه تركهم تحت الحصن ، ودخل عبد الملك وحده ، فتحادثا ساعة ثم طلب عبد الملك منه الخلوة لحديث خاص فلما اختلي به ، وثب عليه فقتله ، وكان محمد منقرس زمنة، ثم اخرج عبد الملك حب من حرير ، فتدلي به ، ونزل ، وتخلص ، وأحس أصحاب محمد بما حصل ، فقتلوا كل من كان عندهم من الديلم ( ابن الأثير 191/8 - 192).

أقول : كان أسفار بن شيرويه هذا ، يستمريء الغدر ، ولما استولي علي بلاد طبرستان ، والري وجرجان ، وقزوين، وزنجان، وأبهر، وقم ، والكرج،

ص: 288

أخذ يحتال للقبض علي العلويين، فأوعز إلي أحد اخصائه واسمه هارون بن بهرام ، أن يتزوج ابنة أحد أعيان آمل ، وان يدعو إلي العرس أبا جعفر العلوي وغيره من رؤساء العلويين ، ففعل ذلك ، وسار أسفار مجدأ من سارية ، حتي وافي أمل في وقت الإحتفال ، وهجم علي الحفل الموجود في دار هارون ، فقبض علي أبي جعفر ، وعلي جميع العلويين الذين معه ، وحملهم إلي بخاري ، فاعتقلوا بها ( ابن الأثير 190/8 ).

وفي السنة 320 لما قتل المقتدر ، وبويع أخوه القاهر محمد بن المعتضد ، استحلفه القائد مونس المظفر ، لنفسه ، ولحاجبه يلبق ، ولولده القائد علي بن يلبق ، وأخذوا خطه بذلك ، ثم غدر بهم فاعتقل الثلاثة ، وأمر بهم فذبحوا بحضرته ( ابن الأثير 245/8 - 260، 261).

وفي السنة 325 خالف أهل جرجنت في صقلية علي أميرهم سالم بن راشد، عامل القائم العلوي ، صاحب إفريقية ، وكان سيء السيرة في الناس ، فأخرجوا عامله عليهم ، فسار إليهم سالم ، وحاربهم فهزموه ، وعاد علي رأس جيش آخر ، فهزموه أيضأ ، ثم ثار أهل المدينة في صقلية ، علي عامل سالم ، فأخرجوه أيضأ ، وحاربهم سالم ، فهزمهم ، وحصرهم بالمدينة ، فراسلوا القائم بالمهدية، فاستعمل عليهم خليل بن اسحاق ، فارتابوا في تصرفات خليل ، وحاربوه ، وفي السنة 327 خالف علي خليل جميع القلاع وأهل مازر ، وفي السنة 328 عاود خليل حصر جرجنت ، ودامت محاصرته لها إلي السنة 329 فانتقل كثير من أهلها إلي ديار الروم ، وطلب الباقون الأمان ، فأمنهم ، ثم غدر بهم ، فحملهم إلي المدينة ، ثم جعلهم في مركب ، وأمر بنقبه وهو في لجة البحر ، فغرقوا ( ابن الأثير 339 -337/8)

ومن الغدر القبيح ، ما صنعه ناصر الدولة ، الحسن بن عبدالله بن حمدان ، بابن رائق أمير الأمراء ، وكان ناصر الدولة ، في السنة 330 ناز

ص: 289

بالبر الشرقي ، بأزاء الموصل ، فعبر إليه الأمير أبو منصور ، ابن الخليفة المتقي ، ومعه أبو بكر بن رائق ، فلقيهم أجمل لقاء ، ونثر علي الأمير أبي منصور ، الدنانير ، والدراهم ، فلما أرادوا الإنصراف من عنده ، ركب الأمير أبو منصور ، ثم قدم فرس ابن رائق ، ليركب من داخل المضرب ، فأمسك ناصر الدولة كمه ، وقال له : تقيم عندي اليوم لنتحدث .

فقال له ابن رائق : أريد أن أرجع مع الأمير ، وليكن في يوم آخر .

فألح عليه ابن حمدان ، فجذب ابن رائق كمه من يده ، فتخرق ، وكان رجله في الركاب ، فشب به الفرس ، فوقع ، وقام يركب ، فصاح ناصر الدولة بغلمانه : ويلكم ، لا يفوتكم .

فوضعوا عليه السيوف ، فقتلوه ( ابن الأثير 382/8 وتجارب الأمم 28-27/2)

أقول : إن اجتماع ناصر الدولة ، والأمير أبو بكر بن رائق ، كان بعد تردد الرسل بينهما ، إلي أن توثق كل من الأخر بالأيمان والعهود والمواثيق ( تجارب الأمم 27/2 ) وإضافة إلي المواثيق والعهود والأمان ، فإن ابن رائق كان ضيف ناصر الدولة ، وفي خبائه ، فكان تصرف ناصر الدولة في قتله ، صفقة غادرة، يأنف منها العربي .. .

ومما يبعث علي الأسف ، إن كثيرا من الرؤساء ، في ذلك الحين ، كانوا يفكرون في الغدر ، أكثر مما يفكرون في الوفاء ، ومن الأمثلة علي ذلك ، إن ناصر الدولة الحمداني ، كان قد قارعه جيش من الأتراك ، في السنة 335 فأصعد إلي الموصل، ثم إلي نصيبين ، والجيش في طلبه ، فاستنجد بمعز الدولة ، فانجده بجماعة من قواده ، وانفذ من بعدهم وزيره الصيمري ، فاجتمعوا مع ناصر الدولة ، وواقعوا الأتراك ، وكسروهم ، وجاء ناصر الدولة ، فزار الصيمري في خيمته ، ولم يلبث إلا قليلا ، ثم خرج ولم

ص: 290

يعد إليه ، وحكي عن ناصر الدولة ، إنه قال : لما حصلت مع أبي جعفر الصيمري في خيمته ، ندمت ، وعلمت أني قد اخطأت وغررت ، فبادرت إلي الإنصراف ، وحكي عن الصيمري إنه قال : لما خرج من عندي ناصر الدولة ، ندمت علي تركي القبض عليه ، وعلمت أني قد ضيعت الحزم ، وأخطأت، وفاتني الصواب ( تجارب الأمم 109/2 - 110).

وفي السنة 333 حصر ابو يزيد الخارجي ، الثائر بافريقية ، مدينة القيروان ، واستنزل عاملها بالأمان ، ثم غدر به فقتله ، وقتل كثيرا من أهلها ( ابن الأثير 425/8).

أقول : كان أبو يزيد هذا غدارة ، وكان قبيح الصورة ، قصيرة، أعرج ،

وأعمال غدره عديدة، فإنه دخل الأربس ، فأحرقها، واجتمع الناس في الجامع ، فقتلهم فيه ، ودخل باجة فأحرقها، وقتل الأطفال، وسبي النساء ، وبلغ من حقد الناس عليه وعلي أصحابه ، إنه انكسر في إحدي المواقع ، وقتل من جيشه أربعة آلاف ، وأسر خمسمائة ، حملوا إلي المهدية في السلاسل ، فهجم الناس عليهم وقتلوهم وكانت عاقبة أبي يزيد هذا ، أن قتل في السنة 336 بعد أن عاث في إفريقية عيثا شديدا .

ومن اسوأ الأمثال علي الغدر والقتل ، ما صنعه مخلوق اسمه وهسودان بن محمد بن مسافر ، فإن أخاه السلار المزربان ، صاحب أذربيجان ، توفي في السنة 346 وأوصي أخاه وهسوذان بأولاده ، فطمع وهسودان في التغلب علي أذربيجان ، وأن يطرد أبناء أخيه ، فلم يتمكن ، فترك أردبيل الي الطرم ، وشرع في الإفساد بين أولاد أخيه ، وتفريق كلمتهم ، وإطماع أعدائهم فيهم ، فراسل ابراهيم بن المرزبان ، واستزاره ، فزاره ، فأكرمه عمه، وأغراه بأخيه جستان ، ثم كاتب ناصر بن المرزبان ، واستغواه ، ففارق أخاه جستان ، ثم أفسد علي جستان جنده ، فانحاز الكثير منهم إلي أخيه ناصر بن المرزبان ، فقوي بهم علي أخيه جستان، واستولي علي أردبيل ، ثم إن ناصر طالبه جنده

ص: 291

بالأموال ، فاستعان بعمه وهسودان ، فقعد عن نصرته ، فأحس ناصر بأن عمه وهسودان يلقي الفتنة بينهم ، فراسل أخاه جستان ، وتصالحا، واجتمعا ، وأرادا إصلاح عمهما ، فكاتباه ، وأخذا عليه العهود ، وسارا اليه مع أمهما ، فلما حصلوا عنده ، غدر بهم ، وقبض عليهم ، وحبسهم ، فسار إبراهيم بن المرزبان إليه يريد استخلاص أخويه من حبس عمهما، فلما بلغ وهسوذان ذلك ، بادر فقتل ابني أخيه جستان وناصر ، وقتل معهما أمهما أيضا ( ابن الأثير 519/8- 530 -531).

وفي السنة 351 نزل الروم بقيادة الدمستق ، علي عين زربة ، فطلب أهلها الأمان ، فأمنهم ، ثم غدر بهم ، فأمر بأن يجتمع أهل البلد بالمسجد الجامع ، ومن تأخر قتل ، فخرج من أمكنه الخروج ، فقتل كل من بقي في منزله ، خلق كثيرا من الرجال والنساء والصبيان ، ثم جمع السلاح من البلد ، ثم أمر جميع أهل البلد ، أن يبارحوه إلي حيث شاءوا ، ومن أمسي قتل، فخرجوا ، فماتوا في الطرقات ، وقتل الروم من وجدوه بالمدينة آخر النهار ، ثم استولي الدمستق علي 54 حصنا للمسلمين ، وفي أحد هذه الحصون ، وكان فتح بالأمان ، لما خرج اهله ، تعرض احد الأرمن ببعض حرم المسلمين ، فلحق المسلمين غيرة عظيمة، وجدوا سيوفهم ، فأمر الدمستق بقتل جميع المسلمين ، وكانوا أربعمائة رجل، فقتلوا ، وقتل معهم جميع النساء والصبيان ( ابن الأثير 538/1 و 539).

وفي السنة 351 فصد الدمستق مدينة حلب ، في جيش تعداده مائتا ألف من الروم ، فحاربه سيف الدولة ، فلم يطقه ، وهدم الروم من سور حلب ثلثه ، فقاتلهم اهل حلب عليها ، فقتل من الروم كثير ، ولما جنهم الليل عمروها ، ثم إن رجال الشرطة بحلب ، قصدوا منازل الناس ، وخانات التجار لينهبوها ، فلحق الناس أموالهم ليمنعوها ، فخلا السور منهم ، فاقتحم الروم البلد ، وقتلوا من وجدوا ، ولم يرفعوا السيف إلا بعد أن ملوا

ص: 292

وضجروا ، وكان في حلب ألف وأربعمائة أسير من الروم ، فتخلصوا، وأخذوا السيوف ، وقتلوا المسلمين ، وسبي الروم من البلد بضعة عشر ألف صبي وصبية ، ثم تقدم ابن أخت الملك ، وهو أحد قواد الجيش يريد الإستيلاء علي القلعة ، فلما تقدم الي باب القلعة ، أصابه حجر فسقط ، ورمي بخشت فقتل ، فلما رآه الدمستق قتيلا ، أمر بمن معه من أسري المسلمين، وكانوا ألفا ومائتي رجل فقتلوا بأجمعهم ( ابن الأثير 540/1 - 542).

وفي السنة 354 غدر نقيب ديلمي ، من أتباع معز الدولة البويهي ، اسمه كردك ، وقتل مستأمنا عمانيا، بأن غرقه واستولي علي ما عنده ، وتفصيل ذلك إن عمانية يقال له النوكاني ، اتفق عليه أهل عمان ، فأمروه عليهم ، فكتب اليه معز الدولة يتهدده ، ويطالبه بتسليم البلد ، فأجاب ، وطلب اليه أن يبعث من يتسلم البلد، فثار به العمانيون ، وعزلوه ، وخيروه موضعا ينفي إليه ، فاختار البصرة ، وجمع متاعه ، وأمواله ، وصكاك ضياعه وعقاره ، وكل ما يملك من قليل وكثير ، وحمله في مركب متجها إلي البصرة ، فلاقاه في طريقه نقيب ديلمي، اسمه كردك ، كان معز الدولة قد بعثه ليتسلم عمان ، فلما تلاقيا ، طرح اليه ، وصعد ليتعرف خبره ، فوجده في نفر يسير، فطمع فيه ، وبات معه في مركبه ، ودب اليه ليلا، فقيده ، وطرحه في البحر ، واستولي علي المركب وما فيه ، لزيادة التفصيل راجع كتاب نشوار المحاضرة للقاضي التنوخي ، تحقيق المؤلف ج 1 ص 348 رقم القصة 158..

وفي السنة 369 سير عضد الدولة البويهي جيشا إلي الأكراد الهكارية ، في أعمال الموصل، فحصر قلاعهم ، وكانوا ينتظرون نزول الثلج ليرحل الجيش عنهم ، فتأخر نزول الثلج ، فاضطروا إلي طلب الأمان ، فأجيبوا إلي ذلك ، وسلموا قلاعهم ، ونزلوا مع العسكر إلي الموصل، فلم يفارقوا قلاعهم غير يوم واحد، ونزل الثلج ، ثم إن مقدم الجيش ، غدر بهم ،

ص: 293

وصلبهم علي جانبي الطريق من معلثايا الي الموصل ، نحو خمسة فراسخ ( ابن الأثير 709/8 ).

وفي السنة 379 لما أشفي السلطان شرف الدولة علي الهلاك ، سأله أعيان اصحابه أن يملك عليهم أحدا ، فقال : أنا في شغل عما تدعوني إليه ، فطلبوا منه أن ينيب عنه أخاه بهاء الدولة أبا نصر ، إلي أن يتعافي ، ليحفظ الناس ، ولئلا تثور فتنة ، ففعل وتوقف بهاء الدولة عن القبول ، ثم أجاب ، فلما توفي شرف الدولة ، جلس بهاء الدولة للعزاء، وركب اليه الطائع ، فتلقاه بهاء الدولة ، وقبل الأرض بين يديه ، وانحدر الطائع إلي داره ، وخلع علي بهاء الدولة خلع السلطنة ، وكان شرف الدولة لما اشتد مرضه ، جهز ولده الأمير أبا علي ، وسيره الي فارس مع والدته وجواريه ، وسير معه من الأموال والجواهر والسلاح اكثره ، واستقر أبو علي بأرجان ، فكتب إليه عمه بهاء الدولة بأن يسير إليه ، فسار إليه ، فلقيه بواسط في السنة 380 فأنزله ، وأكرمه، ثم قبض عليه ، وقتله ( ابن الأثير 62/9 -63).

وفي السنة 381 أنفذ خلف بن أحمد، صاحب سجستان، إلي كرمان من دفع تمرتاش عنها ، فانصرف تمرتاش إلي فارس ، واستنجد بصمصام الدولة ، فأنجده بجيش علي رأسه أبو جعفر النقيب ، واتفق معه علي أن يعتقل تمرتاش إذا خرج لاستقباله ، فاعتقله أبو جعفر ، وحمله إلي شيراز ، فحبسه العلاء ، وزير صمصام الدولة ، ثم قتله . ( ذيل تجارب الأمم 191 -188)

. وفي السنة 381 أنفذ خلف بن احمد صاحب سجستان ، وكان رجلا شريرة ، ولده عمرو إلي كرمان ، لاحتلالها ، فاحتلها ، ودفع عاملها تمرتاش عنها ، واستنجد تمرتاش بصمصام الدولة ، فسير جيشا لحرب خلف ، فانهزم عمرو بن خلف، وعاد عمرو إلي سجستان مفلولا ، ولما دخل إلي أبيه، أزري به ، وعجزه ، وقيده ، وحبسه أياما ، ثم قتله بين يديه ، وتوتي غسله والصلاة

ص: 294

عليه ، ودفنه في القلعة ، في السنة 382 ( ذيل تجارب الأمم 188- 192 وابن الأثير 82/9 - 83).

وفي السنة 381 قتل بكجور القائد التركي ، وتدور حوله قصة غدر مثلث ، أولها غدر بكجور بأبي المعالي الحمداني ، وغدر من التجأ إليه بكجور به ، إذ أسلمه إلي أبي المعالي ، وغدر الحمداني بورثة بكجور بعد أن أمنهم علي أنفسهم وأموالهم ، وتفصيل ذلك : إن بكجور كان في السنة 372 يلي حمص لأبي المعالي سعد الدولة بن سيف الدولة الحمداني ، ثم اختلف معه ، فولي دمشق للعزيز الفاطمي ، واستقر فيها إلي السنة 378 فعزله العزيز ، وبعث جيشأ لطرده من دمشق ، فاقتتل مع الجيش المصري ، فانهزم بكجور ، وأرسل يطلب الأمان ليسلم البلد اليهم ، فأجابوه الي ذلك، فأخرج أمواله وتوجه إلي الرقة فاستولي عليها وعلي الرحبة وما يجاورها ، ثم راسل الملك بهاء الدولة البويهي بالإنضمام اليه ، وفي الوقت عينه راسل باد الكردي صاحبه ديار بكر والموصل بالمسير إليه ، وراسل سعد الدولة الحمداني بأن يعود إلي طاعته ويقطعه مدينة حمص ، وراسل العزيز الفاطمي صاحب مصر بأن يبعث إليه جندة يستولي بهم علي ملك سعد الدولة ، ثم قصد مدينة بالس ، فبلغ سعد الدولة ذلك ، فكتب إليه يبذل له أن يقطعه من الرقة إلي حمص ، علي أن يعود للموادعة ، فلم يقبل ذلك ، فاستنجد سعد الدولة بالرومي صاحب انطاكية ، فانجده ، وكاتب العرب الذين مع بكجور ، فوعدوه أن ينهزموا عنه إذا نشبت المعركة ، ولما التقي الجيشان، عطفوا علي سواد بكجور فنهبوه ، واستأمنوا إلي سعد الدولة ، فلما رأي بكجور ذلك ، اختار من أصحابه أربعمائة رجل ، وقصد بهم موقف سعد الدولة ليلقي نفسه عليه ، فإما له وإما عليه ، وعرف لؤلؤ الكبير ، قائد سعد الدولة ذلك ، فوقف مكان سعد الدولة ، فحمل بكجور عليه يحسبه سيف الدولة ، وضربه علي رأسه ، فسقط الي الأرض ، فظهر سعد الدولة وعاد إلي موقفه ، فمضي

ص: 295

بكجور منهزمة ، ومعه سبعة أنفس ، وكثر القتل والأسر في الباقين ، ولما طال الشوط علي بكجور ، ألقي سلاحه وسار راج ، وقصد أحد الأعراب ، وضمن له حمل بعير ذهبا ليوصله إلي الرقة ، فلم يصدقه لاشتهاره بالبخل ، وتركه في بيته ، وتوجه الي سعد الدولة فعرفه أن بكجور عنده ، وطلب منه مائتي فدان ملكأ، ومائة الف درهم ، ومائة جمل تحمل حنطة ، وخمسين قطعة ثيابا ، فأعطاه ذلك وزيادة ، وسير معه من تسلم بكجور منه ، وأحضروه إلي سعد الدولة ، فأمر بقتله ، فقتل ، وسار سعد الدولة إلي الرقة ، وبها أولاد بكجور وأموالهم ، فسلموا إليه البلد بأمان وعهود أكدوها عليه علي الأنفس والأموال ، فلما خرج أولاد بكجور ، ورأي سعد الدولة ما معهم ، استعظمه واستكثره ، فحنث بعهده واستولي علي الأموال ، وقبض علي الأولاد ، فلم يلبث سعد الدولة أن فلج وبطل نصفه ، فلما جاء الطبيب قال له : اعطني يدك ، فأعطاه اليد اليسري ، فقال له : أعطني اليمني ، وكانت قد شلت، فقال له : ما تركت لي اليمين يمينا، يعني حنثه بالعهد الذي أعطاه الأولاد بكجور ( ابن الأثير 17/9 ، 18، 37، 58 ، 85- 88 ).

وفي السنة 384 انفذ بهاء الدولة إلي الأهواز عسكرة عدتهم سبعمائة رجل، عليهم طغان التركي ، لاستعادتها من صمصام الدولة ، فلما بلغوا السوس ، رحل عنها أصحاب صمصمام الدولة وكان أكثر عسكر طغان من الترك ، فتوجه صمصام الدولة إلي الأهواز ، وأراد أن يكبس الأتراك ، فكمنوا له كمينة ، فانهزم صمصام الدولة ومن معه من الديلم ، وكانوا ألوفة كثيرة ، واستأمن لطغان أكثر من ألفي رجل من الديلم ، وضرب طغان للمستأمنة خيامة يقيمون فيها ، فلما نزلوا في الخيام ، تشاور الأتراك ، وقالوا : هؤلاء أكثر من عدتنا ، ونخاف أن يثوروا بنا واستقر رأيهم علي قتلهم ، فلم يشعر الديلم إلا وقد القيت عليهم الخيام ، ووقع الأتراك فيهم بالعمد ، حتي أتوا عليهم ، فقتلوهم كلهم ( ابن الأثير 103/9 -104).

ص: 296

وفي السنة 385 أمر صمصام الدولة ، بقتل من بفارس من الجنود الأتراك ، فقتل منهم جماعة ، وهرب الباقون ، فانصرفوا الي كرمان ، ومنها إلي بلاد السند ، واستأذنوا من ملكها في دخول بلاده ، فأذن لهم ، وخرج الي تلقيهم، وواقف أصحابه علي الإيقاع بهم ، فلما رآهم ، جعل أصحابه صفين ، فلما حصل الأتراك في وسطهم ، أطبقوا عليهم وقتلوهم ، فلم يفلت منهم إلا نفر جرحي ، وقعوا بين القتلي ، وفروا تحت الليل ( ابن الأثير 111/9)

وفي السنة 386 عاد جيش ابن الصمصامة الكتاني ، قائد الجيش الفاطمي ، إلي دمشق ، وكان رؤساء الأحداث قد تحكموا فيها ، فلم ينزل بدمشق ، ونزل ببيت لهيا ، واستخض رؤساء الأحداث ، واستحجب جماعة منهم ، وجعل يبسط لهم الطعام في كل يوم ولمن يجيء معهم من أصحابهم، فكان كل واحد منهم يحضر في جمع من أصحابه وأشياعه ، وأمرهم إذا فرغوا من الطعام أن يدخلوا إلي حجرة يغسلون ايديهم فيها ، فغبر علي ذلك برهة ، ثم أمر أصحابه . إذا دخل رؤساء الأحداث الحجرة ، أن يغلقوا بابها عليهم ، ويضعوا السيف في أصحابهم ، فلما كان الغد، حضروا الطعام ، وقام الرؤساء إلي الحجزة ، فأغلقت الأبواب عليهم ، وقتل من أصحابهم نحوا من ثلاثة آلاف رجل ، ثم احضر أشراف دمشق ، وقتل الرؤساء بين أيديهم ، ثم سير الأشراف الي مصر ( ابن الأثير 121/9 - 122).

وفي السنة 390 غدر جوامرد أبو ذر عاني ، بأبي نصرشاه فيروز بن بختيار الديلمي ، فقتله غدرة ، وكان جوامرد من أخصاء أبي نصر شاه فيروز ، فبعث به يتخبر له أخبار خصمه ابن عمه بهاء الدولة فيروز بن عضد الدولة ، فقبض عليه الموفق أبو علي بن اسماعيل ، وزير بهاء الدولة ، واتفق معه علي ان يطلقه ، فيظهر أنه فر، ويعود إلي أبي نصر فيجتهد في قتله ، وأطمعه بمواعيد ، فعاد جوامرد إلي أبي نصر ، ثم سير الموفق إلي أبي نصر ثلثمائة

ص: 297

رجل في سلاح خفيف ، فكسبوا أبا نصر ، ففر منهم يصحبه جوامرد ، فلما انفردا عطف جوامرد علي أبي نصر ، وضربه بلت في يده ، فسقط عن فرسه ، وقتل ( تاريخ الصابي 354/8 - 358).

وفي السنة 391 سار طاهر بن خلف إلي كرمان ، واستولي عليها ، وكان أبوه خلف صاحب سجستان ، سيء السيرة ، أما طاهر فكان حسن السيرة ، فخافه أبوه وحاول إفساد جنده فلم يطق ، فعمد إلي الحيلة علي ولده ، وطلب منه أن يصالحه لكي يوصي إليه فلما تلاقيا ، احتضن خلف ولده وبكي ، وصاح في بكائه ، وكان قد وضع له كمينا ، وأمرهم إن بكي وصاح أن يخرجوا فيقبضوا علي ولده ، فتم له ذلك ، وأسروا طاهرة ، فقتله أبوه بيده ، ذبحه ، ثم غسله بيده ، ودفنه ، ولم يكن له ولد غيره ( تاريخ الصابي 376/7 - 386 وابن الأثير 167/9 ).

أقول : سبق أن أدرجت في أخبار السنة 381 أن خلف هذا قتل ولد له اسمه عمرو، أمر به فقتل بين يديه ، وغسله ، وصلي عليه ، ودفنه ، وهذا هو الثاني ذبحه بيده ، فحق عليه قول المتنبي : أشخصا لحت لي أم مخازيا ، وقد أثبت أصحاب التواريخ أخباره وهو أبو أحمد خلف بن أبي جعفر أحمد المعروف بابن بانويه ، وهو ابن بنت عمرو بن الليث الصقار ، ورد العراق في السنة 354 في أيام معز الدولة ، وخلع عليه بالحضرة ( في أيام المطيع 334۔ 363) الخلع السلطانية لولاية سجستان ( تجارب الأمم 209/2 )، وكان رديء الدخيلة في الباطن ، جيد الناموس في الظاهر ، شديد الطمع في الأموال ، متوصلا إلي أخذها باللطف والإحتيال ، وكان يقول : ليس يجب أن يكون للرجال من الرعية أكثر من عشرة آلاف درهم ، لأنها ذخيرة لذي الحاجة ، وبضاعة لذي التجارة .

وكان يتتبع أمور أهل البلاد في مكاسبهم ، ومتاجرهم ، وبضائعهم ، وذخائرهم، فإذا عرف استظهار قوم منهم ، عمل ثبتأ بأسمائهم ، وخرج علي

ص: 298

وجه التنزه والتصيد ، ونصب رجلا من أصحابه في النيابة عنه ، ووافقه علي أخذهم ، ومطالبتهم بالفضل الذي يقدر أنه في أيديهم ، فإذا علم أن المال معظمه قد صح من جهتهم ، رجع ، فيشكون إليه ما عوملوا به ، فيظهر لهم التوجع ، ويتقدم بالإفراج عن بقي منهم في الإعتقال ، ومسامحتهم بما تأخر عليهم من المال ، ويحضر صاحبه الذي استنابه ، فيجلله بالإنكار، وربما ضربه بمشهدهم ليزول ما خامر قلوبهم من الإستشعار .

وكان يمشي إلي الجامع ، في كل جمعة ، بالطيلسان ، وربما خطب ، وصلي بالناس ، وأملي الحديث ، وله إسناد عال ، ورواية عن شيوخ العراقين ، ومحدثي الحرمين .

وكان عضد الدولة ، عند حصوله بكرمان في السنة 357 قرر معه هدنة علي أن لا يتعرض كل واحد منهما ببلاد صاحبه ، وكتبا بينها كتابة بذلك شاع ذكره عند أمراء سامان ، وكبراء أهل خراسان ، وجري الأمر علي المسالمة مذة أيام عضد الدولة ( تجارب الأمم 253/2 )، فلما توفي عضد الدولة ، تحدثت نفس خلف بالغدر ، وجهز جيشا مع عمرو ابنه ، فملك عمرو جميع أعمال كرمان سوي بردشير ، وجبي الأموال ، فسار أبو جعفر نقيب نقباء الديلم إلي كرمان ، وعرف عمرو بن خلف حصوله بالشيرجان ، فعاد إلي بني ونرماشير ، وانجلت المعركة بينهما عن فرار أبي جعفر ، فنهض العباس بن أحمد الحاجب القتال عمرو ، ووقعت الحرب بينهما علي باب الشيرجان ، فانكسر عمرو ، وعاد إلي سجستان مفلولا ، مع نفر من أصحابه ، فلما دخل عمرو إلي أبيه، قيده، وأزري به، وعجزه في هزيمته ، وحبسه أياما، ثم قتله بين يديه ، وتولي غسله ، والصلاة عليه ، ودفنه في القلعة ( تجارب الأمم 192 -188/3)

وفي السنة 381 قرر صمصام الدولة، أن ينفذ قائده أستاذ هرمز ، إلي كرمان مع جيش ، فوجم أحمد بن خلف لما انتهي الخبر إليه ، فعمد إلي

ص: 299

إعمال الحيلة ، وكتب إلي استاذ هرمز كتابا أقام فيه العذر لنفسه في نقض الهدنة العضدية ، بأن من شروطها أنها كانت ماضية مدة حياتهما ومنتقلة إلي أولادهما ، ما لم يختلفوا ، وكان اختلاف أولاد عضد الدولة ، سببا لنقض الهدنة ، وأنه متي استؤنف الصلح معه ، أجاب إليه ، وأنفذ الكتاب مع أحد الصوفية ، فاستقرت الهدنة بين الطرفين ، وكتب بها كتاب ، ووثقت بالأيمان والعهود ، وأخذ فيها خطوط الشهود ، واتصلت المهاداة والملاطفة بين الجهتين ، وخلف في أثناء ذلك يجمع المال، ويثبت الرجال ، حتي إذا قويت شوكته، نقض عهده ، وأظهر كتابا من المعتضد بالله ، ببلاد كرمان ، إقطاع الجده عمرو بن الليث الصفار .

وكان بسجستان قاض يعرف بأبي يوسف البزاز ، مقبول القول بين الرعية، يعظمونه غاية الإعظام ، ويجرونه مجري الإمام ، فاستدعاه خلف وأخرجه رسولا إلي استاذ هرمز ، وضم إليه رجلا من الصوفية، يعرف بالحلبي، كالمؤانس له ، وسلم إلي المتصوف سما، ووافقه علي أن يقتل أبا يوسف، في طعام يحمل إليه من دار استان هرمز ، وعقب حضوره علي طبقه ، لينسب الناس قتله إليه ، ورتب للصوفي جمازات بين سجستان وبم ، وقال له : إذا قضيت الأرب ، فأهرب.

فتوجه أبو يوسف ، غافلا عما يراد به ، ووصل إلي استاذ هرمز ، وهو بيم، فأكرمه ، وسمع منه ما أورده عليه ، ووعده بالجواب عنه ، ودخل الصوفي بينهما في السفارة ، وحصلت له بها قدم عند استان هرمز ، فأنس به ، فأشار عليه باستدعاء أبي يوسف إلي طعامه، ليشاهد فضل مروءته ، فيتحدث به في بلده ، فقبل منه ، واستدعي أبا يوسف لذلك ، فاستعفاه ، وامتنع ، فصار الصوفي إلي أبي يوسف ، وقال له : إن في امتناعك عليه إيحاشا له ، ولم يزل به حتي لبي دعوته ، وحضر عنده في بعض ليالي شهر رمضان، واتخذ الصوفي شيئا كثيرا من القطائف ، فمنه ما عمله بالفانيذ

ص: 300

السجزي ، علي عادة تلك البلاد ، ومنه ما عمله بالسكر الطبرزد واللوز ، علي رسم أهل بغداد ، وجعل السم في البغدادي ، فلما انصرف أبو يوسف من دار استان هرمز بعد إفطاره ، سأله الصوفي عن حاله ، وما شاهده من مروءته ، فما زال أبو يوسف يذكر شيئا ، شيئا ، حتي أفضي الحديث إلي ذكر القطائف ، فوصف أبو يوسف جودة ما أحضر منها علي الطبق ، فقال الصوفي : ما أظن القاضي أكل مما يصلح عندنا في العراق ، وقد عملت منه شيئا ليأكله ، ويعلم أن لبغداد الزيادة علي كل بلد ، وقام ، وأحضر ما أودعه السم ، فاستدعي أبو يوسف جماعة من أصحابه ليأكلوا معه ، فقال له الصوفي : هذا شيء نحب أن يتوفر عليك ، وقد عملت لأصحابنا ما يصلح لهم ، وأحضر ما كان عمله علي رسم تلك البلاد ، ودعا القوم إليه ، وأكل أبو يوسف من المسموم وأمعن فيه ، وخرج الصوفي من الدار ، وقصد باب البلد ، وركب جمازة معدة ، ودخل المفازة متوجها إلي سجستان ، ونام أبو يوسف ، فما مضت ساعة، حتي عمل السم فيه ، وطلب الصوفي فلم يلحق ، ولا عرف له خبر ، فأحس بالحيلة .

قال أبو بكر عمر بن يعقوب كاتب أستاذ هرمز : فجاءني رسوله في جنح الليل ، يستدعيني ، فجئته وهو لما به ، يتقلب علي فراشه ، ويحتسب الله علي خلف ، فوصاني بحفظ ما يخلفه ، ومعاونة أصحابه علي حمله إلي بلده ، وتسليمه إلي ورثته ، وبقي ساعة، وقضي نحبه .

وعرف استاذ هرمز بالخبر ، فقلق لأجله ، ثم رأي كتمان الأمر وأحسن إلي أصحاب أبي يوسف ، وأعادهم موفورين ( تجارب الأمم 193/3 ۔ 195)

ووصل الصوفي إلي خلف ، وحدثه الحديث ، فقرر معه أن يقول في المحفل الذي يجتمع الناس فيه إثر استان هرمز غدر بأبي يوسف ، وسمه ،

ص: 301

وأراد أن يفعل بي مثل ذلك ، فخرجت علي وجهي هاربا منه ، وإنه نقض العهد ، وعزم علي المسير إلي هذه البلاد .

ثم عقد مجلسا فيه القضاة ، والشهود ، ووجوه الخاصة والعامة ، وأحضر الصوفي ، حتي أورد ما توافقا عليه ، فما استتم الصوفي كلامه ، حتي أجهش خلف بالبكاء والنحيب ، وقال : وا أسفاه علي القاضي الشهيد ، ونادي : النفير لغزو كرمان ، وكتب محاضر بذلك ، أنفذها إلي أصحاب الأطراف ، وشنع علي استاذ هرمز ، بالغدر والنكث ، وندب ولده طاهر المعروف بشير بابك ، مع أربعة آلاف غلام ، وخمسة آلاف رجل من السجزية ، إلي كرمان ، فاستولي علي نرماسير ، فاستعادها البويهيون منه بجيش يقوده أستاذ هرمز ( تجارب الأمم 193- 198)، وكان ذلك في السنة 381.

وفي السنة 390 ورد إلي كرمان ، طاهر بن خلف المعروف بشير بابك منافرة لخلف أبيه فاستولي علي معظم كرمان ، فتوجه إليه أبو جعفر أستاذ هرمز ، فكر راجعا منسحبا إلي سجستان ، فحارب أباه خلفا ، وتغلب عليه ، واحتل البلد ، وصعد أبوه إلي قلعة علي خمسة فراسخ من البلد تعرف بقلعة الجبل وتحصن بها .

وحاول خلف أن يفسد الرعية علي ولده طاهر ، ولكن الرعية كانت رغبتها في ابنه ، لسوء معاملة الشيخ لهم ، وقبح سيرته فيهم ، فلما يئس منهم ، عمد إلي استعمال الحيلة ، وراسل ولده ، وقال له : إني قد أخذت من المقاطعة بأكثر حظ ، وانتهيت فيها إلي أبعد حد، وتأملت امري فلم أجد لي ولدة باقية غيرك ، ولا خلقا مأمولا سواك ، ووجدتني قد كبرت ، وانقضي عمري ، إلا القليل ، وقد رأيت أن أسلم الأمر والبلد والقلعة ، وما لي فيها ، إليك ، وأزيل الوحشة العارضة بيني وبينك ، وأتوفر علي أمر الله تعالي ، في المدة الباقية لي معك ، واقتصر علي البالغة من العيش في كنفك ، ومن

ص: 302

بدك ، فأني لست آمن ، أن يقضي الله تعالي علي قضاءه ، فيستولي علي هذه القلعة، من فيها ، ويخرج مالي ، ونعمتي ، وما جمعه طول تدبيري، إلي غير ولدي ، ومن بقاؤه بقاء ذكري ، ولم يزل يراسله ، ويطمعه ، حتي استغره وخدعه، وتقرر بينهما أن يركب ابنه إلي أسفل القلعة ، وينزل خلف ، ويجتمعا علي قنطرة كانت كخندق من دونها، ويشاهد كل واحد منها صاحبه ، ويوصي خلف اليه ، ويعرفه ماله ومواضعه، وركب طاهر وحده ، وجاء إلي تحت القلعة ، ونزل خلف علي مثل هذه الصورة ، والتقيا علي القنطرة ، وقبل طاهر يد أبيه ، وعانقه أبوه ، وضم رأسه إلي صدره ، وكان تحت القنطرة في حافات الخندق دغل كثير ، من بردي ، وحشيش ، يستتر المستتر به ، وقد أكمن له خلف مائة رجل في أيديهم سيوف ، فلما ضمه خلف إلي صدره، بكي بكاء أجهش فيه حتي علا صوته ، وكانت هذه علامته الأفراد الكمين، فخرج القوم، فأمسكوا طاهرة ، وأصعدوا به إلي القلعة ، فقتله خلف ، وغسله بيده ، ودفنه ، وتأتي الخبر إلي أصحاب طاهر ، فاستسلموا لخلف، وسلموا البلد إليه ، وعاد إلي موضعه منه .

وكان أعداء خلف يراقبونه لأجل طاهر ابنه ، وما ظهر من نجابته ، ورجلته ، وشجاعته ، ونجدته ، فلما هلك طمعوا فيه ، وجرد إليه يمين الدولة ، محمود بن سبكتكين عسكرة ، في السنة 393 واستولي علي بلده وقلعته ، وأخذه إلي خراسان ، فجعله بالجوزجان ، فخلي فيها كمعتقل، ومطلقا كمحبوس ، وأجري عليه ما يحتاج لإقامته ، ونفقاته ، ثم بلغ السلطان عنه بعد أربع سنين ( السنة 397) إنه يكاتب إيلك خان صاحب بخاري ، فضيق عليه ، وأخذه معه في حملته علي الهند فمات في حبسه ببلاد الهند في السنة 399، ( تاريخ هلال الصابي 8/ 375- 386) .

وفي السنة 399 مات لؤلؤ غلام ابن حمدان ، وكان قد استولي علي حلب ، عند وفاة مولاه أبي الفضائل بن سعد الدولة الحمداني ، فلما مات

ص: 303

لؤلؤ ، خلفه ولده منصور ، فحصره في حلب أبو الهيجاء بن سعد الدولة ، واستنجد منصور بالمغاربة جيش الفاطميين ، وبجماعة من بني كلاب ، فأنجدوه ، فارتحل أبو الهيجاء عن حلب ، وجاء الكلابيون إلي منصور يطالبون بما شرطه لهم ، وكانوا في سبعمائة ، فيهم جميع أمراء بني كلاب ، وذوي الرئاسة والشجاعة ، فغدر منصور بهم ، وأمر بوضع السيف فيهم ، وحبس منهم جماعة ( خطط الشام 248/1 ).

وفي السنة 426 كتب خوارزم شاه هارون بن ألتون تاش إلي السلاجقة يستدعيهم للإتفاق معهم ، وتكون أيديهم واحدة ، فسار إليه طغرل بك وأخواه داود وبيغو، وختموا بظاهر خوارزم ، ووثقوا به ، واطمأنوا إليه ، فغدر بهم ، ووضع عليهم الأمير شاه ملك ، فكبسهم ومعه عسكر خوارزم شاه ، فأكثر فيهم القتل ، والنهب ، والسبي ، وارتكب من الغدر خطة شنيعة ( ابن الأثير 477/9)

وفي السنة 466 وثب الحسن بن أبي البركات بن ثمال الخفاجي ، علي عمه علي بن ثمال ، أمير خفاجة ، فقتله ، وحل محله في الإمارة ( ابن الأثير 444/9 )

وفي السنة 437 قتل صاحب إربل عيسي بن موسي الهذياني ، غدر به ابنا أخيه ، وسارا إلي قلعة إربل فملكاها. وكان سلار بن موسي ، أخو المقتول ، عند قرواش صاحب الموصل ، فسار قرواش إلي اربل وملكها ، وسلمها إلي سلار ( ابن الأثير 531/9 ).

وفي السنة 447 دخل السلطان طغرل بك السلجوقي بغداد ، ودخل عسكره للأمتيار، فاختلف بعضهم مع أحد العامة ، فهاج العامة ورجموهم، وخرج قسم منهم إلي العسكر السلطاني فحاربوهم ، فاتهم السلطان طغرل بك ، الملك الرحيم البويهي بأنه هو الذي أرث هذه الفتنة ، وطلب

ص: 304

حضوره ، وقال : إن حضر برئت ساحته وإن تأخر عن الحضور ، أيقنت أن ما جري كان بوضع منه ، وأرسل للملك الرحيم وأصحابه أمانأ ، فأمره الخليفة بقصده ، فلما دخل الملك الرحيم إلي خيمة السلطان ، أمر بالقبض عليه ، وعلي من معه ، فقبض عليهم ، وحبسوا ، ثم حمل الملك الرحيم إلي قلعة السيروان ، ثم نقل الي قلعة الري ، فمات بها في السنة 450 ( ابن الأثير 609/9-613 و650).

وفي السنة 447 قتل الأمير أبو حرب سليمان بن نصر الدولة بن مروان صاحب الجزيرة، وسبب ذلك إنه تنافر مع الأمير موسك بن المجلي ، زعيم الأكراد البختية ، وأراد الغدر به ، فراسله واستماله، وسعي في تزويجه بابنة أبي طاهر البشنوي ، فتزوجها، واطمأن موسك من سليمان ، فسار إليه ، فغدر به ، وقتله، فشق ذلك علي أبي طاهر ، وأرسل الي سليمان يقول : حيث أردت قتله ، فلماذا جعلت ابنتي طريقة لذلك ، وقلدتني العار ؟ فخافه أبو حرب ، ووضع عليه من سقاه سما ، فمات، وخلف أبا طاهر ، ولده عبيد الله ، فتظاهر أبو حرب بالمودة له ، واتفق علي الإجتماع ، فلما نزل أبو حرب إليه ، قتله عبيدالله ( ابن الأثير 606/9 و 607).

وفي السنة 450 قتل المعتضد صاحب إشبيلية . عبدون بن خزرون الزناتي ، صاحب أركش وشذونة ، كان موالية للمعتضد ، ثم انحرف عنه إلي باديس بن حبوس صاحب غرناطة ، فدعاه المعتضد لزيارته ، فلما جاءه ، قبض عليه وسجنه ، ثم قتله ( الاعلام 329/4 ).

وفي السنة 458 قتل عماد الدولة ، أبو عبدالله محمد بن خزرون بن عبدون الزناتي ، صاحب شذونة ، وأركش ، في الأندلس ، وهو من ملوك الطوائف ، كان هو ، وأخوه عبدون ، يحكمان سوية ، وتلقي هو وأخوه دعوة من المعتضد بن عباد، صاحب اشبيلية ، لزيارته ، فذهب أخوه ، في السنة 445 ، فغدر به ابن عباد، وسجنه ، وقتله في السجن ، فقام محمد بأعباء

ص: 305

الإمارة ، وأراد في السنة 458 أن ينتقل بأهله ، وبعض عشيرته ، إلي بلد آخر ، ففاجأه المعتضد ، فاستمات محمد ، وأمر أحد غلمانه بقتل زوجته ، وأمر آخر بقتل أخته ، فقتلتا ، ثم استقتل ، فتقدم ، وقاتل حتي قتل ( الاعلام 346/6)

وفي السنة 484 بدا لأمير المسلمين علي بن يوسف بن تاشفين المرابطي ، صاحب مراكش ، أن يستولي علي الأندلس ، ويزيل حكم ملوك الطوائف عنها ، فسير إلي إشبيلية جيشا حصر به المعتمد بن عباد اللخمي ، وأسره ، وكان له ولدان المعتد بالله والراضي بالله ، قد اعتصما بحصنين من أمنع حصون الأندلس ، فكتب إليهما أبوهما ، يخبرهما بأن دمه مرتهن باستسلامهما، فاستسلما بعد أن أخذا العهود والمواثيق علي سلامة البدن والمال ، ونزل الراضي من حصن رنده ، والمعتد من حصن مارتلة ، فغدر بهما المرابطون وقتلوهما ( المعجب للمراكشي 204-205).

وفي السنة 489 غدر الأمير قوام الدولة أبو سعيد كرابوقا ، بالأمير محمد بن شرف الدولة مسلم بن قريش، فقتله، وتفصيل ذلك إن كر ابوقا كانت إليه الرها وحران ، ولما استولي عليها السلطان ملكشاه ، أسره وحبسه بحلب ، فلما تسلطن بركياروق أمر بإطلاقه وإطلاق أخيه التون تاش ، فلما أطلقا ، جمعا عسكرة ، وتسلما حران ، وكاتبهما محمد بن شرف الدولة وهو بنصيبين ، يستعين بهما علي أخيه صاحب الموصل، فسار كرابوقا إلي نصيبين ، فخرج إليه محمد ، فاستحلفه ، فحلف له ، ثم غدر به فقبض عليه وأراد دخول نصيبين ، فمنعه أهلها ، فقتل محمد بأن غرقه ، ثم قصد الموصل فحصرها ثم فتحها ، واستولي عليها ، واستطال التون تاش هناك علي كرابوقا ، فقتله في اليوم الثالث . (ابن الأثير 258/10 - 259).

وفي السنة 495 مات الأمير منظور بن عمارة الحسيني ، امير المدينة ، وكان قد غدر بالمعمار الذي انفذه مجد الملك البلاساني ، لعمارة القبة التي

ص: 306

علي قبر الإمام الحسن ، والعباس ، فلما قتل البلاساني هرب المعمار الي مكة ، فأرسل اليه الأمير منظور أمانا ليقدم ، فلما قدم غدر به وقتله ( ابن الأثير 352/10)

وفي السنة 498 قتل الأمير إياز ، قتله السلطان محمد السلجوقي غدرة ، وكان إياز من اتباع السلطان بركياروق ، أخي السلطان محمد ، وتوفي بركياروق ، فأصر إياز علي مقاتلة محمد ، وتحالف مع بقية الأمراء ببغداد، وخيم بالزاهر، ولما وصل السلطان محمد بجيشه إلي بغداد ، تصالح مع السلطان محمد، وحلف له محمد الإيمان التي التمسها لسلامته ، وجري التحليف بمحضر من الكيا الهراسي مدرس النظامية ، وبمحضر من الأمراء والقواد والفقهاء ، فلما كان من الغد ، حضر الأمير إياز عند السلطان محمد ، فأكرمه السلطان ، ثم إن الأمير إياز عمل دعوة عظيمة للسلطان محمد، وقدم له هدايا عظيمة ، ولكن السلطان ظل علي استشعاره منه ، وبعد أسبوع واحد من تلك الدعوة ، استدعي السلطان الأمير إياز ، وأعد له من خواصه من يقتله ، فلما دخل إلي دار السلطان ، ضربه أحدهم فأبان رأسه ، ولفت في مسح ، وألقي علي الطريق ، فدفنه بعض المتطوعة ، وكان قد جاوز الأربعين ، ولما قتل إياز ، استتر وزيره الصفي أبو المحاسن ، ثم أخذ وحمل إلي دار الوزير سعد الملك ، وزير السلطان محمد ، فقتل وعمره 36 سنة ( ابن الأثير 384 -384/10)

وحدثنا صاحب إعلام النبلاء 395/1 - 398 عن غدرات متلاحقة ، قال : كان خلف بن ملاعب الكلابي متغلبا علي حمص وكان الضرر به عظيمة ، إذ كان رجاله يقطعون الطريق ، ويلجأ اليه اللصوص ، فحاربه تتش بن ألب أرسلان ، وطرده عن حمص ، فنزح خلف إلي مصر، وأغري الفاطميين بالإستيلاء علي أفامية ، علي أن يكون فيها من قبلهم ، وقال لهم : أني أرغب في قتال الإفرنج ، وأؤثر الجهاد، فاستولوا علي الحصن ،

ص: 307

وأسلموه اليه ، وأخذوا ولده رهينة ، فلما ملك الحصن ، خلع طاعتهم ، فأرسلوا اليه يتهددونه بقتل ولده ، فأعاد الجواب : أني لا أنزل عن مكاني ، وأبعثوا الي ببعض أعضاء ولدي حتي آكلها، فأيسوا منه ، وأقام ابن ملاعب بأفامية ، يخيف السبل، ويقطع الطريق ، واجتمع عنده كثير من المفسدين ، فدخل علي ابن ملاعب فقيه من الباطنية ، وداخله حتي وثق به ، وكاتب أصحابه بالشام ومصر، من أجل الإستيلاء علي أفامية ، وبلغ ابن ملاعب

طرف من الخبر ، فأحضر الفقيه ، وسأله ، فقال له الفقيه : أيها الأمير ، قد علم كل أحد، أني جئتك جائعا خائفة ، فأمنتي، وأغنيتني ، فصرت ذا مال وجاه ، فإن كان بعض من حسدني علي منزلتي منك ، وما غمرتني به من نعمتك ، سعي بي اليك ، فأسألك أن تأخذ جميع ما معي ، وأخرج كما جئت ، وحلف له علي الولاء والنصح ، فقبل عذره وأمنه ، وعاود القاضي مكاتبة أبي طاهر بن الصائغ واتفق معه علي أن يبعث اليه ثلثمائة رجل من أصحابه ، يحتالون للدخول إلي أفامية ، فدخلوا، وانتظروا إحدي الليالي حتي نام الحرس بالقلعة ، فاصعدوا بالحبال ، وقصدوا أولاد خلف بن ملاعب ، وبني عمه، فقتلوهم بأجمعهم ، وقصد القاضي وجماعة من أصحابه الأمير خلف ، وكان مع امرأته ، فأحس بهم ، وقال : من أنت ؟ فقال له القاضي : أنا ملك الموت ، جئت لقبض روحك ، ثم قتله، وقتل أصحابه وأولاده ، وهرب واحد من أولاده واسمه مصبح ، فقصد طنكريد الإفرنجي ، صاحب انطاكية ، وأطمعه بالإستيلاء علي أفامية ، فقصدوها، وحصرها، وتسلمها بالأمان ، ثم غدر بابي الفتح فقتله بالعقوبة ( أي بالعذاب ) وغدر بأبي طاهر بن الصائغ ، إذا اعتقله ، ثم قتله وكان ذلك في السنة 498، راجع ابن الأثير 408/10-410)

وفي السنة 500 أقطع السلطان محمد السلجوقي ، الأمير جاولي سقاوو، الموصل ، وكان من قبل مسيطرة علي خوزستان وفارس ، وقد أساء

ص: 308

السيرة في أهلها ، وقطع أيديهم ، وجدع أنوفهم ، وسمل أعينهم ، فلما سار إلي الموصل، تصدي له جكرمش صاحبها، واقتلا، وفر أصحاب جكرمش ، وبقي هو لا يقدر علي الفرار ، لأنه كان مصابا بالفالج ، يحمل في محقة ، فأسره جاولي ، وسجنه في جب ، ووكل به حراسأ يحرسونه ، لئلا يسرق، وتوفي في حبسه ، وكان مع جكر مش رجل من أعيان أهل الموصل، يقال له أبو طالب بن كسيرات ، ففر لما أسر جكرمش إلي إربل ، فكتب جاولي إلي صاحب أربل ، أن يبعث إليه بأبي طالب ، لقاء إطلاقه أولاد صاحب إربل من الأسر ، فغدر صاحب اربل بأبي طالب ، وبعث به إلي جاولي ، وكان قاضي الموصل أبو القاسم ابن ودعات ، عدوا لأبي طالب ، فكتب إلي جاولي : إن قتلت أبا طالب سلمت إليك الموصل ، فقتله ، وبعث برأسه إليه فأظهر القاضي الشماتة به ، وأخذ كثيرة من أمواله وودائعه ، فثار به الجند الأتراك ، غضب لأبي طالب ، وقتلوه ، وكان بينهما شهر واحد ( ابن الأثير 424/10- 425).

وفي السنة 502 كان حصن عرقة ، من أعمال طرابلس ، بيد غلام للقاضي ابن عمار ، صاحب طرابلس ، وهو من الحصون المنيعة ، فعصي علي مولاه ، ثم ضاق به الحال ، فأرسل إلي أتابك طغتكين ، أن يرسل إليه من يتسلم منه القلعة لئلا يستولي عليها الإفرنج ، فأرسل إليه طغتكين أحد أصحابه ، واسمه اسرائيل، في ثلثمائة رجل ، وتسلم الحصن ، فلما نزل غلام ابن عمار من الحصن ، رماه إسرائيل بسهم ، فقتله غدرة ، لكي لا يطلع طغتكين علي ما خلفه بالقلعة من الأموال ( ابن الأثير 486/10 ).

وفي السنة 518 تنكر نور الدولة بلك ، صاحب حلب ، لحسان بن كمشتكين ، صاحب منبج ، فأنفذ قطعة من عسكره ، وطلب منهم أن يمروا علي منبج ، وأن يستعينوا بحسان لكي يخرج معهم للإغارة علي تل باشر ، فإن خرج ، قبضوا عليه ، ففعلوا ذلك ، وقبضوا علي حسان ، ودخلوا منبج ،

ص: 309

وعصي عليهم الحصن ، وكان فيه أخو حسان ، فطالبوه بالإستسلام ، فأبي ، فعذبوا حان أمامه ، وعروه وسحبوه علي الشوك ، فأصر علي الاباء فحبسوا حان في حصن بالوا ( أعلام النبلاء 452/1 - 453).

وفي السنة 524 كتب الأتابك عماد الدين زنكي ، صاحب حلب والموصل ، إلي تاج الملوك بوري بن طغتكين بالمساعدة علي الجهاد ضد الكفار ، فأرسل اليه ولده بهاء الدين سونج صاحب حماة ، مع خمسمائة فارس وجماعة من الأمراء ، فأكرمهم عماد الدين ، ثم غدر بسونج فاعتقله وأصحابه ، وحملهم الي حلب ، فحبسهم ، ثم أخذهم معه إلي الموصل ، وكان الذي حسن له الغدر خيرخان بن قراجا صاحب حمص إذ رغبه في حبس سونج والإستيلاء علي حماة ، وتسليمها اليه لقاء مال، فحصر عماد الدين حماة ، وتسلمها ، وسلمها إلي خيرخان ، ثم قبض علي خير خان وقت العشي من ذلك اليوم ، وعذبه أنواع العذاب ، وكان يربطه علي غرائر التبن ويعاقبه ( يعذبه ) (أعلام النبلاء 477/1 ).

وفي السنة 532 حصر ملك القسطنطينية مدينة بزاعة ، وهي مدينة لطيفة علي ستة فراسخ من حلب ، وضيق علي من بها ، فملكها بالأمان ، ثم غدر بأهلها فقتل منهم وأسر وسبي ، وكان عدة من جرح فيها من أهلها خمسة آلاف وثمانمائة نفس ، وتنصر قاضيها وجماعة من أعيانها نحو أربعمائة نفس ( ابن الأثير 56/11 ).

وفي السنة 533 حصر عماد الدين زنكي ، بعلبك ، وفتحها ، وبقيت القلعة ، فنزل حماتها علي أمان عماد الدين ، فلما ملكها غدر بهم ، وأمر بصلبهم فصلبوا ولم ينج منهم إلا القليل ، فاستقبح الناس ذلك من فعله واستعظموه ( ابن الأثير 69/11 ).

وفي السنة 539 قتل الملك ألب ارسلان، المعروف بالخفاجي ، ولد

ص: 310

السلطان محمود ، الأمير نصير الدين جقر ، نائب أتابك زنكي بالموصل وشرقي الفرات، وكان زنكي أتابك للملك ألب أرسلان ، ونصب نائبه الأمير نصير الدين ليدبر أمور الملك ألب ارسلان بالموصل وشرقي الفرات ، فحسن بعض المفسدين للملك ألب أرسلان أن يقتل الأمير نصير الدين ، ويستقل بإدارة المملكة ، فقتله غدرة ، فأخذوه إلي القلعة ، وحبسوه فيها ، مع من أعان علي قتل نصير الدين ( ابن الأثير 101/11 ).

وفي السنة 547 سير السلطان ملكشاه السلجوقي ، القائد سلار كرد في عسكر الي الحلة ، فسار إليه مسعود بلال ، شحنة بغداد ، وتظاهر بتأييده ، ثم قبض علي سلاركرد وغرقه ( ابن الأثير 162/11).

وفي السنة 547 قبض القائد خاص بك بن بلنكري، علي الملك ملكشاه بن محمد السلجوقي ، الذي خطلب له بالسلطنة من بعد مسعود ، وأرسل الي أخيه الملك محمد بن محمود في السنة 548 وهو بخوزستان ، يستدعيه ، وكان قصده أن يحضر عنده فيقبضه ويخطب لنفسه بالسلطنة ، فسار إليه الملك محمد، فأجلسه علي تخت السلطنة ، وخطب له ، وبالغ في خدمته ، وفي ثاني يوم دخوله علي الملك ، قتله محمد ، وقتل معه زنكي الجاندار ، وألقي برأسيهما إلي أصحابهما ، فتفرقوا ( ابن الأثير 162/11 ).

وفي السنة 560 قبض المستنجد بالله علي الأمير توبة العقيلي ، وكان قد قرب منه قربأ عظيمة بحيث كان يخلو به ، وأحبه المستنجد محبة عظيمة ، فحسده الوزير ابن هبيرة ، ووضع كتبا من العجم مع قوم يظهر منها إنه واطأ عساكر همدان علي الخروج والعصيان ، وأمرهم أن يتعرضوا ليؤخذوا ، ففعلوا ذلك ، وأخذوا ، وأحضروا عند الخليفة ، فأظهروا الكتب بعد الإمتناع الشديد ، فلما وقف الخليفة علي الكتب ، خرج الي نهر الملك يتصيد ، وكانت حلل توبة علي الفرات ، فحضر عنده ، فأمر بالقبض عليه ، وأدخل

ص: 311

بغداد ليلا ، ثم قتله ، ولم يمتع الوزير بعده بالحياة أكثر من ثلاثة أشهر ( ابن الأثير 11/ 320 والمنتظم 210/10 ).

ومن الغدرات المشهورة ، غدرة صاحب بيروت الإفرنجي ، بالأمراء التنوخيين أولاد كرامة بن بجير ، وقد كان كرامة ثقيلا علي صاحب بيروت ، وحاول أخذه مرارا فلم يتمكن ، فأخذ في الحيلة عليه ، وهادن أولاده ، وصاحبهم ، حتي أخذوا ينزلون إلي الساحل ، وألفوا الصيد معه بالطير وغيره ، وكان يكرمهم ، ويحبوهم ، وما زال يستدرجهم مرة بعد مرة ، ثم أخرج ابنه معه ، وهو شاب ، وقال : قد عزمت علي زواجه ، ثم دعا ملوك الساحل ، وأولاد كرامة الثلاثة ، فأتوه ، وتأخر اصغر أولاد كرامة مع أمه بالحصن في عدة قليلة ، وامتلا الساحل بالشواني ، والمدينة بالإفرنج ، وتلقوهم بالشمع والأغاني ، فلما صاروا في القلعة ، وجلسوا مع الملوك ، غدر بهم ، وأمسكهم ، وأمسك غلمانهم ، وغرقهم ، وهاجم حصنهم في نفس الليلة ، فخرج ابن كرامة الصبي ، وعمره سبع سنوات ومعه امه من الحصن ، وأدرك السلطان صلاح الدين الأيوبي ، وتوجه إليه بعد أن فتح بيروت في السنة 83ه ، وباس رجله في ركابه ، فمد صلاح الدين يده ولمس بها رأس الصبي ، وقال له : أخذنا بثارك، طيب قلبك ، أنت مكان أبيك، وأمر بأن تكتب له أملاك أبيه ( خطط المقريزي 171/2 ).

وذكر صاحب الدرر الكامنة 140/2- 141: إن ناصر الدين التنوخي، أمير الغرب ، وهي منطقة قرب بيروت ، توفي في السنة 751 وكان جده بجير صاحب حصن الغرب قذي في عين صاحب بيروت أيام الفرنج، فلما توفي ، ونشأ أولاده أحبوا الصيد، فراسلهم الإفرنجي أمير بيروت ، وأكرمهم ، واستدرجهم ، ثم دعاهم ليحضروا عرس ولده ، فحضر الثلاثة وغرقهم بأجمعهم في البحر ، وركب في عسكره إلي الحصن ففتحوه ، وخرجت الأم مع ولدها الصغير وعمره سبع سنين ، واسمه حجي ، فلما فتح السلطان

ص: 312

صلاح الدين بلاد صيدا وبيروت ، أعاد إلي حجي أملاكه، وجحي هو والد جد ناصر الدين المتوفي سنة 751.

وفي السنة 568 لما مات خوارزم شاه أرسلان ، خلفه ولده الأصغر سلطان شاه محمود ، ودبرت والدته الملك ، فأنف الولد الأكبر علاء الدين تكش ، واستعان بملك الخطا ، فأمده بجيش من الخطا ، واقتتل الأخوان ، وظفر تكش ، واستولي علي المملكة ، فلما ثبت قدمه بخوارزم ، غدر بالخطا ، وأمر رجال دولته بقتل من كان عندهم منهم ، فقتلوهم بأجمعهم ، ولم يسلم منهم أحد ( ابن الأثير 378/11 ).

وفي السنة 570 لما دخل الملك الصالح اسماعيل بن نور الدين محمود حلب ، قتل ابن الخشاب رأس الشيعة بحلب ، وكان قتله غدرة ، حيث أن القطب العجمي ، وابن أمين الدولة ، ضمنا للأمير عز الدين جرديك ما علي أن يقتل ابن الخشاب ، فدخل جرديك علي الملك الصالح ، وأخذ خاتمه أمانأ لابن الخشاب ونودي عليه، فحضر ، وركب الي القلعة في جمع عظيم ، فصعد اليها والشيعة تحت القلعة وقوف. فقتل ابن الخشاب ، وعلق رأسه علي أحد أبراج القلعة ، ورمي برأسه بعد ذلك إلي البلد ( أعلام النبلاء 91/2)

وفي السنة 576 قصد السلطان صلاح الدين الأيوبي ، بلد ابن ليون الأرمني، حيث بلغه إنه استمال قوما من التركمان ، وبذل لهم الأمان ، علي أن يرعوا مواشيهم في بلاده ، ثم غدر بهم وسبي حريمهم ، وأخذ أموالهم ، وأسر رجالهم ، وقتل منهم ، فنزل صلاح الدين علي بلاده ، فأرسل اليه ابن اليون يبذل إعادة ما أخذ من أموال ، وأطلاق من أسر وسبي ، فأجابه صلاح الدين الي ذلك ، واستقر الحال ( ابن الأثير 467/11 ).

وفي السنة 579 بعث السلطان شمس الدين غياث الدين بن سام

ص: 313

الغوري ، أخاه شهاب الدين علي رأس جيش ، فحصر خسروشاه بن بهرام شاه الغرنوي ، في لهاوور ، وبذل لخسرو شاه الأمان علي نفسه وأهله وماله ، وله من الإقطاع ما أراد ، وأن يزوج ابنته بابن خسروشاه ، وحلف له علي ذلك ، فخرج إليه علي الأمان ، ثم غدروا به، فحمل خسروشاه وولده إلي السلطان ، فلما بلغا بلاد الغور ، لم يجتمع السلطان بهما، وأمر بهما فرفعا إلي بعض القلاع ، فكان آخر العهد بهما ( أي أنهما قتلا ) ( ابن الأثير 170-164/11)

وفي السنة 581 حشد علي بن اسحاق الملثم ، وقصد بلاد افريقية ، فملكها إلا تونس والمهدية ، وانضاف إلي الملثم كثير من المفسدين ، وقصد جزيرة باشرا ، وهي بقرب تونس ، فطلب منه أهلها الأمان ، فأمنهم ، ثم غدر بهم لما دخل العسكر ، فإنهم نهبوا جميع ما فيها من الأموال والدواب والغلات ، وسلبوا الناس حتي أخذوا ثيابهم ، وامتدت الأيدي إلي النساء والصبيان ، وتركوهم هلكي ، فقصدهم الموحدي ، أبو يوسف صاحب المغرب ، ولقيهم قرب قابس ، فاصطلمهم حتي كاد أن يفنيهم ( ابن الأثير 520/11 ۔ 521).

وفي السنة 582 غدر البرنس أرناط صاحب الكرك ، بقافلة من قوافل المسلمين ، غزيرة الأموال ، كثيرة الرجال ، فأخذها عن آخرها، وغنم ما فيها من أموال ، ودواب ، وسلاح، وأسر رجالها ، وأودعهم السجون ، فعل ذلك رغم وجود الهدنة ، والمحالفة بينه وبين السلطان صلاح الدين الأيوبي ، فأضاف بعمله هذا غيظا في قلب السلطان ، إضافة إلي ما كان قد صنعه من قبل ، إذ انشأ اسطولا ، وأنزله في بحر أيله ، يريد أن يغزو الحجاز ، ويخرب مكة والمدينة ، فنذر السلطان صلاح الدين أن يقتله إذا ظفر به ، وفي السنة 582 اشتبك السلطان صلاح الدين مع الإفرنج في معركة حطين المشهورة ، فلما انتصر جيشه، يكي من فرحه ، وسجد شكرا لله ، ثم جلس في خيمته ،

ص: 314

وأدخل عليه الأسري وفيهم ملك الإفرنج والبرنس أرناط ، وكان العطش قد أهلكهم ، فأمر صلاح الدين للملك الإفرنجي بالماء ، فجيء له بماء مثلوج ، فشرب، ثم ناول فضله للبرنس أرناط ، فشرب ، فقال السلطان صلاح الدين : إن هذا الرجل لم يشرب الماء بإذني ، ولن ينال أماني ، ثم كلم البرنس ، وقرعه بذنوبه ، وعد عليه غدراته ، وقال : إني نذرت دفعتين أن أقتله ، الأولي لما أراد المسير إلي مكة ، والمدينة لكي يخربهما ، والثانية : لما أخذ القفل غدرا ، ثم قتله ( ابن الأثير 527/11 - 528 و 490 و 491 و 528 و 536 و 537)

وفي السنة 599 حصر جيش خوارزم شاه علاء الدين تكش ، مدينة مرو، وفيها القائد الأمير محمد بن جربك ، فأرسل في طلب الأمان ، فأمنوه ، وحلفوا له إنه إن خرج إليهم علي حكمهم ، فإنهم لا يقتلونه ، فخرج اليهم ، فغدروا به وقتلوه ( ابن الأثير 181/12 ).

وفي السنة 604 أمر خوارزم شاه ، خاله أمير ملك ، أن يقصد غياث الدين محمود بن غياث الدين محمد، السلطان الغوري ، وأن يقبض علي غياث الدين ، وعلي أخيه ( أخي خوارزم شاه ) علي شاه بن خوارزم شاه ، فسار أمير ملك الي غياث الدين محمود ، فأرسل غياث الدين يبذل الطاعة ، ويطلب الأمان ، فأعطاه الأمان ، فنزل إليه غياث الدين ، فقبض عليه أمير ملك ، وعلي علي شاه ، وأرسل الي خوارزم شاه يعرفه الخبر ، فأمره بقتلهما ، فقتلا في يوم واحد ( ابن الأثير366/12 ).

وفي السنة 604 قتل الحسين بن خرميل صاحب هراة ، علي بابها ، وذلك إن عسكرة من عساكر خوارزم شاه كانوا مع الحسين بن خرميل في هراة ، فلما رأي اعتداءهم علي الرعية ، قبض عليهم وحبسهم ، وبعث إلي خوارزم شاه رسولا يعرفه ما صنعوا ، ويعتذر عن حبسهم ، فحقد عليه خوارزم شاه ، وبعث إليه عز الدين جلدك في الفي فارس ، وأمره أن يعتقل الحسين

ص: 315

بن خرميل ، فلما قدم عز الدين جلدك ، أراد الحسين أن يخرج لاستقباله ، فمنعه وزيره ، وقال له : لا تخرج الي لقائه ، ودعه يدخل اليك منفردا ، فإنني أخاف أن يغدر بك ، فقال له الحسين : ما أظنه يتجاسر علي ، وخرج التلقيه ، فلما تقابلا ، وأبصر كل واحد منهما الآخر ، ترجلا ، فقبض أصحاب جلدك علي الحسين بن خرميل ، فأغلقت المدينة أبوابها، وامتنع الجيش الذي فيها من تسليم المدينة ، فقدموا أبن خرميل إلي السور ، وهددوا بقتله إن لم يسلموا المدينة ، فأصروا علي الإمتناع ، فقتل ابن خرميل ( ابن الأثير 260/12-262)

وفي السنة 605 غزا خوارزم شاه الخطا ، فظفر بهم ، وعاد إلي خوارزم ومعه سلطان سمرقند، وكان من أحسن الناس صورة ، فزوجه خوارزم شاه بابنته ، ورده إلي سمرقند ، وبعث معه شحنة من عسكره ، فأقام في سمرقند سنة ، فرأي من سوء سيرة الخوارزميين، وقبح معاملتهم، ما ندم معه علي مفارقة الخطا ، وأرسل الي ملك الخطا يطلب منه أن يحضر الي سمرقند ، ليسلمها إليه ، وأمر بقتل من في سمرقند من الخوارزمية ، ممن سكنها قديما وحديثا ، وقتل أصحاب خوارزم شاه جميعهم ، فكان الرجل منهم يقطع الي قطعتين ، ويعلق في الأسواق كما يعلق القضاب اللحم ، ومضي ليقتل زوجته إبنة خوارزم شاه ، فأغلقت الأبواب ، ووقفت بجواريها تمنعه، وأرسلت إليه تقول : أنا امرأة ، وقتل مثلي قبيح ، ولم يكن مني ما يستوجب هذا منك ، فاتق الله في، فتركها ، ووصل الخبر إلي خوارزم شاه ، فقامت قيامته ، وأمر بقتل كل من بخوارزم من الغرباء ، فمنعته أمه ، وقالت له : إن هذا البلد قد جاء إليه الناس من أقطار الأرض ، ولم يرض أحد منهم بما كان من هذا الرجل، فأمر بقتل أهل سمرقند ، فنهته أمه ، فانتهي ، وقصد سمرقند في عسكر عظيم ، ولما نزل علي سمرقند ، بعث إلي صاحبها يقول : إنك قد فعلت ما لم يفعله مسلم ، فأخرج من البلد ، وأمض حيث شئت ، فأجابه

ص: 316

قائلا : لا أخرج، وافعل ما بدا لك ، فأمر عساكره فزحفت علي البلد ، وفتحها عنوة ، وقتل فيها مائتي ألف إنسان ، فأرسل إليه سلطان سمرقند، يطلب الأمان ، فقال : لا أمان له عندي ، وأسر، وأحضر أمام خوارزم شاه ، فقبل الأرض ، وطلب العفو ، فأمر بقتله ، فقتل صبرة، وقتل معه جماعة من أقاربه ( ابن الأثير 267/12 - 269).

وكان جبل التركماني قد استولي علي حصن زياد من ترجمان ملك الروم ، وكان بالقرب من حصن زياد حصن آخر صاحبه رومي فرنجي كان يقطع الطريق ويكثر قتل المسلمين ، فهاداه جبق وصاحبه حتي وثق به ، فبعث إليه جبق ان يرسل اصحابه ليستعين بهم في عمل ، فلما أرسلهم اليه أوثقهم وحملهم إلي الحصن ، وقال لأهل الحصن : والله لئن لم تسلموا إلي فرنجي الأضرب اعناق هؤلاء جميعا ، ففتحوا له الحصن وأسلموا اليه فرنجي فسلخه ( ابن الأثير 427/10 و 428).

وفي السنة 612 قتل منكلي ، صاحب همذان وأصبهان والري ، وكان منگلي هذا مملوكا ، فخرج علي سيده إيدغمش صاحب همذان وأصبهان والري ، واستولي علي مملكته وطرده عنها ، فقصد إيدغمش بغداد، والتجا إلي الخليفة الناصر، الذي وعده المعونة ، فخاف منكلي من الخليفة ، وبعث ولده محمد إلي بغداد مع جماعة من العسكر ، فأنزل ، وأكرم ، وخلع عليهم وأعيدوا إلي منكلي ، ثم إن الخليفة خلع علي ايدغمش ، وسيره إلي همذان ، ووعده بأن يعينه بجيش يعيده إلي مملكته، وبلغ منكلي الخبر ، فأرسل الي إيدغمش من قتله قبل أن يصل إليه جيش الخليفة ، فعظم خبر قتله علي الخليفة ، وأرسل الي منكلي ينكر عليه ما فعل ، فأجاب جوابا شديدا ، إذ كان قد تمكن من البلاد ، وقوي أمره ، فكاتب الخليفة كلا من الأمير أوزبك صاحب أذربيجان ، وجلال الدين الإسماعيلي ، وبعث الخليفة جندا من بغداد وجندا من إربل ، فاجتمعوا علي محاربة منكلي ، واشتبكوا مع جيشه في معركة ضارية، فانفل جيش منكلي ، وفر منهزمة إلي مدينة ساوة ، وبها

ص: 317

شحنة هو صديق له ، فأرسل اليه يسأذنه في دخول البلد ، فأذن له ، وخرج إليه فلقيه ، وقبل الأرض بين يديه ، وأدخله البلد ، وأنزله في داره ، ثم غدر به ، فأخذ سلاحه، وأراد أن يقيده ، ويرسله إلي اعدائه ، فسأله أن يقتله هو، ولا يرسله ، فقتله وبعث برأسه إلي بغداد، وكان يوم دخول الرأس مشهودة ( ابن الأثير 290/12 و 300 و 301 و 309 و 307).

وفي السنة 614 غدر الأمير أتابك سعد، صاحب فارس، بالأمير الخوارزمي الذي كان في بلده ، فقتله ، وخلاصة القصة إنه لما قتل منكلي ، صاحب همذان وأصبهان والري في السنة 912، سلم الأمير أوزبك ، بلاد الجبل ، إلي اغلمش ، مملوك أخيه ، ثم إن الباطنية قتلوا اغلمش ، فأصبحت بلاد الجبل خالية من حاكم ، فطمع فيها المجاورون ، وكان أولهم أتابك سعد ، صاحب فارس ، فإنه قصد اصبهان ، واستولي عليها ، وقصد الري ، فاصطدم بجيش خوارزم شاه ، ووقع أتابك سعد أسيرة ، فأطلقه خوارزم شاه علي أن يسلم إليه قسما من بلاده ، وبعث معه عسكرأ بقيادة أمير خوارزمي ، فلما وصل أتابك سعد إلي فارس ، وجد ولده الأكبر قد تغلب عليها، ومنع أباه من دخولها ، وجمع العساكر، وخرج لمحاربته ، ولما تلاقي العسكران ، حمل الابن علي أبيه ، فلما رآه أبوه يقصده ، ظن إنه لم يعرفه ، فقال له : أنا أبوك ، فقال له : أياك أردت ، فاضطر الأب أن يدفع عن نفسه ، وخسر الإبن المعركة ، ووقع أسيرة في يد أبيه فحبسه ، ولما عاد خوارزم شاه إلي خراسان ، غدر أتابك سعد بالأمير الخوارزمي الذي كان عنده ، فقتله ، ورجع عن طاعة خوارزم شاه ( ابن الأثير 306/12 - 307 و 307- 319- 320).

وفي السنة 616 هاجم التتار بلاد الإسلام ، وذكر إن سبب ذلك ، أن جنكيزخان راسل خوارزم شاه علاء الدين تكش بن إيل أرسلان، وبعث إليه هدايا ، وكتب إليه : أنت عندي مثل أعز أولادي ، وأريد أن تنعقد المودة بيننا ، وأن تتسع التجارة ، فأجابه خوارزم شاه بالإيجاب ، وبعث جنكيزخان

ص: 318

جماعة من التجار معهم شيء كثير من الفضة ، إلي بلاد ما وراء النهر سمرقند وبخاري ، ليشتروا له ثيابا للكسوة ، فوصلوا إلي مدينة اسمها : أوترار، وهي آخر ولاية خوارزم شاه ، فلما أبصر نائب خوارزم شاه هناك ، وهو خاله ، ما معهم من الأموال ، شرهت نفسه إليها، فقبض عليهم ، وأخذ أموالهم ، واتهمهم بأنهم جواسيس ، وكتب إلي خوارزم شاه ، فكتب إليه يأمره بقتلهم ، وإنفاذ ما معهم من الأموال ، ففعل، ولما وصل إليه المال، فرقه علي تجار بخاري وسمرقند ، وأخذ ثمنه منهم ، فلما بلغ جنكيزخان الخبر ، كتب إلي خوارزم شاه يقول : إنك أعطيت أمانك للتجار ، فغدرت ، والغدر قبيح ، وهو من سلطان أقبح ، فإن زعمت أن الذي فعل ذلك خالك ، وإنه تم بغير أمرك ، فسلمه إلينا ، فقتل خوارزم شاه الرسول ، وأمر بحلق لحي الجماعة الذين كانوا معه، وأعادهم الي جنكيز خان ، « فيا لها من حركة أهدرت من دماء المسلمين ، وأجرت بكل نقطة سيلا من الدم ( تاريخ الخلفاء 469 وابن الأثير 361/12 - 362). ولما أعاد خوارزم شاه رسل جنكيزخان ، تجهز مبادرة ، وقصد التار، ووصل إلي بيوتهم ، فوجد فيها النساء والصبيان والأثقال ، فأوقع بهم ، وغنم الجميع ، وسبي النساء والذرية، ولما بلغ التتار ما فعل خوارزم شاه بأبياتهم ، جذوا السير فأدركوه ، وتصافوا للحرب ، واستمرت المعركة ثلاثة أيام بلياليها ، فقتل من المسلمين عشرون ألفا ، ومن التتار ما لا يحصي عدده ، وكان عسكر التتار عسكر ابن جنكيزخان ، وفي الليلة الرابعة انسحب العسكران ، وعاد التتار إلي ملكهم يخبرونه بما حصل ، وعاد خوارزم شاه إلي بخاري فحضنها ووضع فيها عشرين ألف فارس ، وإلي سمرقند ووضع فيها خمسين ألف فارس ، وعاد فنزل قريبة من بلخ ، وبعد خمسة أشهر أحاط التتار بخاري ، وبعد معركة عنيفة طلب أهل بخاري الأمان ، فأمنهم جنكيز خان ، فلما خرجوا بالأمان ، غدر بهم ، وأمرهم بالخروج عن البلد، فخرجوا ، واجتمعوا في مكان ، فأحاط بهم التتار ، وتقاسموهم ، فمنهم من قتل ، ومنهم من أسر وعذب في طلب المال ،

ص: 319

فمات كثير منهم ، وساقوا الباقي إلي سمرقند ، وهم مشاة علي أقبح صورة ، ومن أعيا أو عجز عن المشي قتلوه ، وكذلك صنعوا في سمرقند، إذ طلب الجنود الخوارزميون ، الأمان ، فأمنوهم، فخرجوا إلي النار بأموالهم وأهليهم ، فأخذوا منهم أسلحتهم ، ثم غدروا بهم ، وعطفوا عليهم ، فقتلوهم جميعا ، وأخذوا الأموال والنساء ، وفعلوا مع أهل سمرقند مثلما فعلوا مع أهل بخاري من القتل والتعذيب والإسترقاق ، وأحرقوا الجامع ، ثم سير جنكيز خان عشرين ألف فارس ، وأمرهم أن يطلبوا خوارزم شاه ، ولو تعلق بالسماء ، فقصدوه ، فرحل هاربا منهم في نفر من خاضته ، وكلما رحل عن منزلة نزلوها ، حتي نزل في بحر طبرستان ، واستقر بجزيرة في البحر، فمات فيها (ابن الأثير 358/12 - 370) أما بشأن ما صنع التتار وما خربوا، فقد أجملنا ذلك في هذا الكتاب ، في الباب الحادي عشر : القتل، الفصل الأول : القتل بالسيف ، القسم الثاني : القتل في المعركة .

وفي السنة 616 سير جنكيزخان جيشأ من التتار، مع أحد أولاده إلي مدينة مرو ، وبها مائتا ألف من المسلمين ، فكانت بينهم وبين التتار حرب عظيمة شديدة ، صبر فيها المسلمون ، ثم انهزموا ، ودخلوا البلد، وأغلقوا أبوابه ، فحصر التتار البلد حصار طويلا ، ثم أمنوا مقدم البلد ، فخرج إليهم بالأمان ، فخلع عليه ابن جنكيز خان ، وأكرمه ، وعاهده الا يتعرض لاحد من أهل مرو ، ففتح الناس الأبواب ، فلما تمكنوا منهم ، استعرضوهم بالسيف ، وقتلوهم غدرة عن آخرهم فلم يبقوا منهم باقية ، ثم ساروا إلي نيسابور ففعلوا بها من الغدر والقتل ما فعلوا بمرو ، ثم قصدوا طوس فنهبوها، وقتلوا أهلها ( شرح نهج البلاغة 235/8 - 236).

وفي السنة 619 هلك في جت بحران، الأمير عماد الدين احمد بن علي المشطوب ، وكان غدارة ، ففي السنة 615 وكان الإفرنج يحاصرون دمياط ، تصرف تصرفا أدي إلي تسليمها إلي الإفرنج ، إذ أنه لما بلغه وفاة

ص: 320

العادل ، تآمر علي أن يحول بين الكامل بن العادل ، وبين السلطنة ، وفارق موضعه في الموقعة لإتمام المؤامرة ، فاختل وضع العسكر ، وبلغ الكامل ما أراده ابن المشطوب ، ففارق موضعه وسار إلي قرية من قري مصر اسمها اشموم طناح ، فزاد وضع العسكر اختلالا ، فاحتل الإفرنج دمياط ، أما ابن المشطوب هذا فقصد الملك الأشرف موسي بن العادل ، وصار في جملته فولاه رأس عين ، ثم غدر به وانحاز عنه إلي الأمير زنكي أحد خصوم الأشرف ، ولما خسر زنكي الموقعة ، انفصل عنه ابن المشطوب، ومر بنصيبين هاربا يريد إربل ، فحاربه شحنة نصيبين ، فانهزم من الشحنة ، وتفرق جمعه ، ومضي منهزمة ، فاجتاز بطرف بلد سنجار ، فأرسل صاحب سنجار ، فروخ شاه إليه عسكرأ ، فهزموه ، وأخذوه أسيرة ، وحملوه إلي سنجار ، وكان صاحب سنجار محالفا للاشرف ، فأغراه ابن المشطوب ، وحسن له مخالفة الأشرف ، فأجابه ، وأخذه معه ، وقصد اعمال الموصل، فطردهم عنها بدر الدين لؤلؤ ، ثم اتبعهم بجيشه، فأسر ابن المشطوب، وسجنه بالموصل، ثم اخذه منه الأشرف ، فحبسه بجب في حران ، إلي أن هلك في السنة 619 ولقي عاقبة بغيه ( ابن الأثير 325/12 ، 342، 343، وأبو الفداء 121/3 ، 125).

أقول : راجع في هذا الكتاب ، في الباب الرابع ، الفصل الأول : الحبس ، القسم الأول ، السجون الإعتيادية ، البحث السابع : الحبس في القلاع والحصون ، ما لاقاه هذا الغادر ، في حبس الملك الأشرف بقلعة حران ، من التضييق الشديد، والحديد الثقيل في رجليه ، والخشب في يديه ، وامتلاء رأسه ولحيته وبدنه بالقمل . :

وفي السنة 627 لجأ الأمير غياث الدين شير شاه بن خوارزم شاه علاء الدين محمد بن تكش ، إلي كرمان ، فغدر به صاحبها براق حاجب ، وأمر بقتله، فقتل ( معجم انساب الأسر الحاكمة 318) .

ص: 321

وفي السنة 628 قصد التتار أذربيجان ، فحصروا مراغة ، فاستسلم أهلها بالأمان ، ودخلها التتار ، فغدروا بأهلها، وقتلوا فيها ( ابن الأثير 497/12)

وفي السنة عينها قصد التتار مدينة اسعرد ، وبذلوا الأمان لأهلها ، فلما استسلموا غدروا بهم ، ووضعوا فيهم السيف فقتلوهم ( ابن الأثير 499/12)

وفي السنة 658 حصر هولاكو قلعة حارم ، وطلب استسلام من فيها ، علي أن لهم الأمان ، فلم يطمئن أهلها الي أمانه ، وطلبوا رجلا مسلما يحلف لهم بالطلاق والمصحف علي أن لا يحصل لأحد منهم سوء ، واختاروا فخر الدين الوالي بقلعة حلب ، فأحضره وحلف لهم علي ما أرادوا ، ففتحوا الأبواب واستسلموا ، وعندئذ غدر بهم هولاكو، فأمر بقتل فخر الدين الوالي ، ثم قتل جميع من في القلعة من الرجال والنساء حتي الأطفال الذين في المهد ( إعلام النبلاء287/2 ).

ومن الغدرات المشهورة ، غدر التتار بالملك الصالح اسماعيل صاحب الموصل ، فإن أباه بدر الدين لؤلؤ كان علي علاقة حسنة بالتتار ، فلما توفي لؤلؤ في السنة 657 خلفه ولده الملك الصالح اسماعيل ، فأعلن خصومته للتتار ، فحصره الأمير سنداغو التتاري في الموصل، حتي فنيت ميرة أهلها ، وتعذرت عليهم الأقوات ، حتي أكلوا الميتة ولحوم الكلاب ، فطلب الملك الصالح ، من الأمير سنداغو ، الأمان له ولأهل البلد ، وترددت الرسل بينهما ، فأجاب الأمير سنداغو إلي الأمان ، فلما خرج إليه ، قبض عليه ، وعلي ولده وأتباعه ، ودخل التتار البلد ، فقتلوا ، وسبوا ، ونهبوا ، وأسروا ، ثم أمر بقتل علاء الملك ابن الملك الصالح ، وعلق رأسه علي باب الجسر ، وسير الملك الصالح وأخاه الملك الكامل الي السلطان، فأمر بالملك الصالح

ص: 322

فسلخ وجهه وهو حي، ثم قتل ، وقتل أخوه وكان ما يزال طفلا، وقتل أصحابهم وأتباعهم ( الحوادث الجامعة 347).

وروي القصة صاحب الوافي بالوفيات 193/9 - 195 ،قال : في السنة 660 قتل الملك الصالح ركن الدين اسماعيل بن الملك الرحيم بدر الدين لؤلؤ ، صاحب الموصل ، قتله التاتار غدرة بعد أن أمنوه، وكان أبوه بدر الدين لؤلؤ ، قد هادنهم وهاداهم ، أما الملك الصالح فإنه حاربهم ، واستنجد بسلطان مصر ، فأنجده بنجدة ما لبثت أن انكسرت في سنجار ، ثم إن الملك الصالح أخرج الي التاتار ولده علاء الملك للمفاوضة في الصلح ، فأجابوه ، وخرج اليهم ، بالأمان ، فحملوه إلي الجوسق ، ودخل التاتار البلد ، ونادوا بالأمان ، فظهر الناس ، واطمأنوا ، وباعوا ، واشتروا ، ثم غدر بهم التاتار ، وأجالوا السيف فيهم تسعة أيام ، ثم أخذوا علاء الملك ابن الملك الصالح ووسطوه ، وعلقوه باب الجسر ، ثم قتلوا الملك الصالح وهم متوجهون إلي بيوت هولاكو .

وفي السنة 681 طلب الملك أرغون التاري، الخواجا شمس الدين محمد الجويني الوزير ، فاستتر ، ثم أخذ له ملك اللور أمانا ، واحضره اليه ، فغدر به وقتله ( وفات الوفيات 453/2 ).

وفي السنة 709 قتل الأمير آقوش الرومي جمال الدين المنصوري ، وكان قد انحاز إلي الأمير بيبرس الجاشنكير لما تسلطن ، فلما تحرك الناصر محمد بن قلاوون ليعود إلي ملكه ، نيط بالأمير آقوش حفظ طريق السويس ، فغدر به سبعة من مماليكه ، فقتلوه غيلة وأخذوا ماله ، وتوجهوا إلي الناصر ( الدرر الكامنة 426/1 ).

وفي السنة 715 مات الكاتب أبو العباس احمد بن علي الملياني المراكشي ، صاحب الغدرة المشهورة وكان صاحب العلامة عند سلطان

ص: 323

المغرب ، وكانت فتكته الشنيعة، أنه كان يحقد علي جماعة من أعيان مراكش ، ويتهمهم بأنهم أغروا السلطان بعمه حتي قتل ، فزور كتابأ سلطانية يتضمن امرأ من سلطان مراكش بقتل هؤلاء الذين كان يحقد عليهم ، فلما اطمأن من وصول الكتاب ، وقتل هؤلاء ، فر إلي الأندلس ( الاحاطة 292۔ 294)

وفي السنة 725 قتل عمر بن بلبال العلهي ، من اليمن ، كان علي لحج وأبين للمؤيد الرسولي ، ثم لابنه مجاهد ، وانتقض عليه سنة 723 وخطب للظاهر بن المنصور ، واحتل عدن للظاهر ، وقصد تعز، ثم عاد إلي عدن ، ودخلها صلحا في جماعة معه ، فغدر به واليها ابن الصلحي ، وقتله ومن معه ( الاعلام 200/5 ).

وعصي الأمير قيصر الرومي ، علي سلطان الهند محمد بن تغلق (725-750) وتحصن بمدينة سيوستان ، فنهد إليه عماد الملك سرتيز مملوك السلطان، وحصر قيصر ، فطلب وأصحابه الأمان ، فأمنهم ، ولما نزلوا علي أمانه ، غدر بهم ، وبسط عليهم أصناف العذاب ، وقتلهم ( مهذب رحلة ابن بطوطة 6/2 و 7).

وفي السنة 727 غضب السلطان أبو سعيد علي الأمير دمشق خواجه ابن الأمير جوبان ، فطلبه، فهرب ، فظفروا به ، وقتله السلطان أبو سعيد، وبلغ الأمير جوبان خبر قتل ولده ، فانحاز إلي خراسان، ولجأ إلي صاحب هراة ، الملك غياث الدين، فاستقبله بحفاوة واحترام ، ورحب به ، ثم غدر به بعد ثلاثة أيام ، فاعتقله ، وقتله، وقتل معه ولده الصغير جلو خان الذي كان معه لما لجأ إلي هراة ( تاريخ الغياثي 58۔ 61).

وروي الصفدي ، في الوافي بالوفيات 174/3 قصة من قصص الغدر القبيح ، قال : كنت يوما عند الأمير عز الدين ايدمر الخطيري ، وحضر إنسان

ص: 324

هندي، قال : إن السلطان محمد بن تغلق (725- 752) فتح تسعة آلاف مدينة وقرية ، وأخذ منها ذهبا كثيرة ، وإنه انتقل من دهلي إلي وسط البلاد التي فتحها، ليكون قريبا من الأطراف ، وإنه جري في مجلسه ذكر مكة والمدينة ، فقال : أريد أن يتوجه من عندنا ركب حاج ، فقيل له : إن ذلك في ملك الناصر محمدبن قلاوون، فقال : نجهز اليه هدية ، ونطلب منه ذلك ، وجهز مركبة قد مليء بتفاصيل هندية رفاع ، من خيار ما يكون ، وعشرة بزاة بيض ، وخدم ، وجواري ، وأربعة عشر حقأ ، قد ملئت ماسا ، وأنا - الهندي - كنت مع المسفرين ، وإننا لما وصلنا إلي اليمن ، أحضر صاحب اليمن المماليك الذين في خدمة الرسول ، وقال لهم : أيش يعطيكم صاحب مصر ؟ اقتلوا أستاذكم ، وأنا أجعلكم أمراء عندي ، فلما قتلوه ، شنق الجميع ، وأخذ المركب بما فيها ، وحضر الهندي عند السلطان ، وحدثه بالقصة ، فكتب كتابا إلي صاحب اليمن ، كان من جملته : وبعد أن كان في عداد الملوك ، أصبح وهو من قطاع الطريق .

أقول : صاحب هذه ( المكرمة )، هو صاحب اليمن السلطان الملك المجاهد سيف الدين علي بن داود من بني رسول ، خلف أباه في حكم اليمن في السنة 721 ومات في السنة 764 فخلفه ولده الملك الأفضل ضرغام الدين العباس بن علي .

وفي الدرر الكامنة 147/5 - 148 إن السلطان بو سعيد، سلطان العراق لما توفي في السنة 736 توئب خاله علي باشا علي المملكة، وأحضر رجلا من أولاد هولاكو، اسمه موسي بن علي ، كان يتكسب بالنساخة في سواد العراق ، وسلطنه ، وفي معركة مع الشيخ حسين، قتل علي باشا، وبقي موسي في جبال الأكراد أربعة أشهر ثم قصد بغداد ، وتبارز مع طوغان ، فقتله موسي ، ثم قصد اذربيجان وحارب الشيخ حسين ، فانفل جيش موسي ، وفر موسي فلجأ إلي كردي ، كان قد أحسن أليه ، فأجاره ، ثم غدر

ص: 325

به ، وحمله إلي الشيخ حسن فقتله في السنة 737، ثم قتل الكردي الذي غدر به ( الدرر الكامنة 147/5 -148).

وفي السنة 749 انتقض الوزير ابو بكر بن غازي ، علي السلطان أبي العباس أحمد بن أبي سالم المريني ، صاحب فاس ، وبايع احد الأمراء من بني مرين ، ثم جري سعي في المصالحة مع السلطان، فاستسلم الوزير ابو بكر علي الأمان ، ولكن السلطان أبا العباس ، غدر به ، فاعتقله ، وأمر بقتله ، فقتل قعصة بالرماح ( ابن خلدون 344/7 ).

وفي السنة 754 قتل بالقاهرة توسيط الأمير قراجا بن دلغادر (ذي القدر) بن خليل التركماني، نائب الأبلستين ، وكان قد لجأ اليه ثلاثة من الأمراء المصريين ، فغدر بهم ، وأسلمهم الي سلطان مصر ، ثم قصده الجيش المصري ، ففر الي ارتنا صاحب الروم ، فغدر به ، وأسلمه الي الجيش المصري ، فحمل إلي القاهرة ، فقتل توسيط ( الدرر الكامنة 3/ 329) .

وذكر صاحب الدرر الكامنة 10/4 و 11 إن محمد بن اسماعيل النصري ، قتل في السنة 763 قتله صاحب قشتالة ، وكان محمد هذا دميم الخلق ، لئيم الخلق ، وكان السلطان أبو الحجاج النصري قد زوجه ابنته، فلما مات أبو الحجاج وخلفه ولده ، منع محمد هذا من دخول القلعة في غرناطة لسوء سيرته ، فراسل أم زوجته ، وضمن لها أن يسلطن ولدها أخا زوجته ، فاعانته بالمال ، فقام بمؤامرة في السنة 761 وقتل نائب السلطنة رضوان، وجماعة من شيوخ الدولة ، ونصب أخا زوجته سلطانا ، ثم ثار به في نفس السنة ، وقتله ، وتسلطن بدلا منه ، ثم توجه السلطان إلي جهته ، فانهزم ، ولجأ إلي صاحب قشتالة الفرنجي ، فغدر هذا به ، وقتله وقتل من معه ، وعددهم ثلثمائة رجل ، واستولي علي ما معهم .

وفي السنة 768 استقل ابو الفضل بن علي بن عثمان المريني ، بحكم

ص: 326

فاس ، وكان وزيره عامر بن محمد ، قد حجر عليه، واستبد به ، وأراد أبو الفضل مرارة ، أن يقتل الأمير عبد المؤمن بن أبي علي المريني ، المحبوس في مراكش، لأنه كان المرشح للسلطنة مزاحمة له ، فكان وزيره يحول بينه وبين ذلك ، وحدث أن صعد الوزير إلي معتصمه بالجبل ، فانفذ أبو الفضل ، من قتل الأمير عبد المؤمن ، وجاءه برأسه ، وبلغ الوزير خبر ذلك ، فانتقض علي أبي الفضل ، وبايع سلطان مراكش عبد العزيز بن أبي الحسن المريني ، واغراه بأبي الفضل فجرد عليه عسكرأ ، ففر أبو الفضل ، والتجأ الي قبائل صناكة، فبذل لهم السلطان مالا جزيلا ، فأسلموه، فاعتقله السلطان في فسطاط بجواره ، ثم بعث إليه من خنقه لي ( ابن خلدون 324/7 ).

وفي السنة 785 وقعت بين قبلاي ، نائب الكرك ، وخاطر أمير العرب ، معركة عظيمة ، فانكسر قبلاي ، ثم احتال علي خاطر، إلي أن حضر عنده ، فذبحه وذبح معه ولديه ، غدرة ( خطط الشام 157/2 و 158).

وفي السنة 789 استولي ابو فارس موسي بن أبي عنان فارس بن علي المريني ، علي السلطنة بالمغرب ، واستلب الحكم من أبي العباس أحمد بن المستنصر ، واعتقل الوزير محمد بن عثمان ، وزير أبي العباس ، وكان الوزير قد لجأ إلي أحمد بن عبو ، شيخ أحياء المنبات من عرب المعقل ، واستجار به ، فخادعه أحمد، وبعث بخبره إلي السلطان ، فبعث السلطان من أحضره ، وأشهر واستصفي ، ثم قتل ذبحا بمحبسه ( ابن خلدون 352/7 ).

وفي السنة 789 وفد علي بن زكريا شيخ هسكورة ، علي السلطان أبي العباس المريني ، وكان علي قد أعان أبا العباس علي استعادة ملكه ، واشترك معه في حصار البلد الجديد ، واستدعاه السلطان فحضر ، ومعه قومه ، وعسكر المصامدة ، ولكن السلطان عزله عن الرئاسة ، وولي مكانه أحد أصهار الوزير ، فغضب علي ، وأحضر احد أمراء بني مرين ، وبايعه ، وأعلن الحرب علي السلطان أبي العباس المريني ، فبعث إليه ابو العباس

ص: 327

جندأ ، وبعد معارك ، التجأ علي بن زكريا، إلي ابراهيم بن عمران الصناعي ، فأستذم به ، فقام الوزير بترغيب ابراهيم بأموال قدمها اليه ، فأمكنه منه ، فأحضره معه ، إلي حيث اعتقل ، وقتل في محبسه ( ابن خلدون 361/7)

وكان أبو تاشفين بن السلطان أبي حمو ، قد ثار علي أبيه ، واعتقله ، ثم في السلطان من معتقله ، واشتبك مع ولده تاشفين في معارك عدة ، كان آخرها أن استغاث الإبن بسلطان المغرب أبي العباس المريني ، فأغاثه بجيش أعانه في المعركة الفاصلة مع أبيه ، حيث قتل أبوه في المعركة ، وجيء إليه بأخيه أبي عمر ، فاعتقله ثم قتله ، وتولي أبو تاشفين الحكم بتلمسان تحت حماية السلطان المريني ، وكان أبو زيان أخو أبي تاشفين ، يلي الجزائر الأبيه ، فلما سمع بمقتله حمي ، وهاجم أبا تاشفين في تلمسان ، ولكنه انكسر والتجأ إلي صاحب المغرب ، ثم مات أبو تاشفين ، فنصب أبو العباس المريني ، أبا زيان أخاه في موضعه ، فتحرك يوسف بن الزابية ، أخو أبي زيان ، وحشد لحرب أخيه ، واستعان بأحياء بني عامر ، فبعث أبو زيان إلي بني عامر ، وأجزل لهم العطاء ، فأسلموا يوسف إلي رسل أخيه أبي زبان ، فحملوه ، وقتلوه في الطريق ( ابن خلدون 364/7 ).

وفي السنة 795 كان مقتل الأمير منطاش ، وكان في آخر أمره قد لجأ إلي الأمير نعير ، فحماه في مضاربه ، فأغار عليه نائب حلب ، وهلك بين الفريقين خلق كثير ، ثم وفد عامر بن طاهر ، من آل مهنا ، علي السلطان ، فأكرمه ، وأحسن اليه ، وطلب منه أن يمكنوه من منطاش ، فعاد الي ابن عمه نعير ، وجمع آل مهنا ، وذكر وا ما هم فيه من الضنك وسوء العيش ، وعرضوا علي نعير أن يجيبهم الي واحدة من اثنتين ، إما إمساك منطاش وتسليمه الي السلطان ، وإما أن يتركهم ويترك العشيرة، ويفارقهم إلي حيث شاء من البلاد فلم يسعه خلافهم ، وأذن لهم في القبض علي منطاش ، وندب للقبض

ص: 328

عليه أربعة من عبيده ، فقصدوه وهو راكب علي هجين ، فنزل عنه وركب فرسا ، فأمسك أحدهم بلجام الفرس ، وقال له : كلم الأمير ، فأحست بالشر ، وتكاثروا عليه فأنزلوه عن فرسه ، وأمسكوا به ، وأخذوا سيفه ، فقال لهم منطاش : دعوني أبول . فقصد الي جنب الحائط ، وكان في تكته خنجر ، فأخرجه وطعن به بطن نفسه فشقها، وغشي عليه ، فحمله العبيد إلي الأمير نعير ، فقيده ، وأرسله إلي نائب حلب ، فتسلمه نائب حلب ، وحبسه بالقلعة ، وأخبر السلطان بذلك ، فأمر السلطان بإرسال الأمير طولو ليحضر منطاش، فلما وصل إلي حلب تسلم منطاشأ ، وأخذ يعذبه ، ويعصره، حتي دخل في النزع ، فقطع رأسه ، ووضعها في علبة ، وخرج من حلب عائدة إلي مصر ، وطاف برأس منطاش في كل مدينة دخلها ، حتي وصل إلي القاهرة ، فشقوا برأس منطاش في القاهرة ، ثم طلعوا بالرأس إلي القلعة ، فرسم السلطان بأن يعلق الرأس علي باب زويلة ثلاثة أيام ، فعلق ( أعلام النبلاء 476-473/2)

وذكر صاحب الدرر الكامنة 134/5 - 136 إن الأمير منطاش قتل ، وإنه كان نائب السلطنة بملطية ، في السنة 788 ، فجمع جندة ، وعصي ، واستولي علي المملكة ، واحضر السلطان حاجي . فأعاده سلطان ، وسجن الظاهر برقوق في الكرك ، ثم خامر عليه قسم من الأمراء بالقاهرة ، فحاربهم ، وهزمهم ، ثم بلغه أن الظاهر أفلت من سجن الكرك ، وجمع له ، فخرج لمحاربته في جيش ، وانهزم منطاش، وعاد الظاهر الي السلطنة ، وأرسل من حصر منطاشأ بدمشق ، فانهزم ولجا إلي نعير أمير العرب ، وكان قد عصي علي برقوق ، فحشدا وحاربا عسكر برقوق ، وظفرا به ، وتوجها إلي حلب فحصراها ، ولم يظفرا بها ، فانصرفا إلي اعزاز وعينتاب ، فنهباها ، ثم لحقت بهم عساكر برقوق ، ففر منطاش إلي مرعش ، ثم نازل دمشق ، فلم يظفر بشيء ، فقصد الأمير نعيرة ، وأقام عنده ، فراسل الظاهر الأمير نعير ، واسترضاه، ورد عليه إمرته ، فغدر نعير بمنطاش، وقبض عليه، وسيره الي

ص: 329

حلب ، فاعتقل بقلعتها ، إلي أن جاء الأمر أفقتل ، وحمل رأسه إلي مصر في السنة 795 وطيف برأسه في القاهرة ، ثم علق علي باب زويلة .

وفي السنة 796 حصر تيمور لنك تكريت ، وخرج اليه صاحبها بالأمان ، فغدر به، وهدم عليه دارا، فمات تحت الردم، وأثخن في قتل النساء والرجال والأطفال، وصنع من رؤوس القتلي مأذنتين وثلاث قباب ( شذرات الذهب 344/6 ).

وذكر صاحب الدرر الكامنة 286/2 : إن من أوائل من قصده تيمورلنك من ملوك عراق العجم ، شاه ولي صاحب مملكة مازندران ، ووقع بينهما مصاف ثبت فيه شاه ولي ثباتا عظيمة ، ثم غدر بشاه ولي ، أحد اكابر امرائه ، وهو محمد جوكان ، فقتله غدرة ، وتقرب برأسه إلي اللنك .

وفي السنة 808 قتل الأمير فارس بن صاحب الباز التركماني ، علي أثر عملية غدر ، وكان فارس قد استولي علي انطاكية وما حولها، وعلي القصير ودير كوش ، وعلي بلاد أخري غيرها ، وعظم أمره ، وانتصر في عدة حروب علي صاحب حلب ، إلا أنه انكسر في آخر معركة ، وفر الي قلعة القصير ، وتحضن فيها ، فحصره فيها نائب حلب الأمير جكم ، وطال الحصار ، فنزل الأمير فارس علي أمان الأمير جكم ، فلما حصل في يده ، غدر به ، وأسلمه الي الأمير غازي بن أوزر ، وكان عدوا له ، فقتله ، وقتل معه ولده وأخاه وجماعة من أصحابه ( اعلام النبلاء 509/2 و 510 و 154/5 ).

وفي السنة 809 خرج الأمير جكم علي الظاهر برقوق ، وأعلن نفسه سلطانة ، فأطاعه نائب دمشق ، ثم توجه جكم نحو البيرة ، فامتنع نائبها الأمير كزل عن طاعته ، ثم نزل إليه بالأمان ، فغدر به حكم ، وقتله ( اعلام النبلاء 155/5)

وفي السنة 809 طلب ابن التركية ، من الأمير يشبك الأمان ، فأمنه،

ص: 330

وحلف له، فلما قدم عليه ، غدر به ، وقبض عليه ، وسلمه للسلطان ، فوسطه ، وعلي رأسه علي باب زويلة بالقاهرة ( بدائع الزهور 2/1/ 771) .

وفي السنة 824 قتل الأمير كردي ، أمير التركمان غدرة ، وكان قد قدم الي حلب للسلام علي الأمير ططر، الذي تسلطن بعدها باسم الملك الظاهر ، فلما صار الأمير كردي بالقلعة ، اعتقله الأمير ططر وأمر بشنقه ، غيظأ منه لأنه سبق أن كسر جيش ططر في معركة جرت بينهما في السنة 810، فشنق تحت قلعة حلب ( اعلام النبلاء 18/3 و 19).

وفي السنة 825 عصي الأمير تغري بردي نائب حلب ، فحصره جيش السلطان في قلعة بهنسا ، ثم نزل علي الأمان ، فحمل الي حلب ، وحبس بقلعتها ، وظل محبوسا إلي أن قتل في السنة 830 في حبسه ( اعلام النبلاء 20/3 و 21).

وفي السنة 835 استنزل أصبهان شاه بن قرا يوسف ، شاه حسين بن علاء الدولة بن أحمد بن أويس ، آخر ملوك العراق ، حاصره بالحلة ، وأعطاه الأمان ، فلما نزل إليه غدر به وقتله خنقأ ، وكان تيمورلنك قد أسر شاه حسين وأخاه حسنأ ، وحملهما إلي سمرقند ، وحبسا حينا ثم أطلقا ، فأتصل حسن بالناصر فرج ومات عنده ، وأما حسين فوصل إلي البصرة ، وكان صاحبها شاه محمد بن شاه ولد بن احمد بن أويس قد حضره الموت ، فعهد إلي شاه حسين بالمملكة ، فاستولي علي البصرة وعلي واسط وغيرها ، ثم ملك الموصل وإربل وتكريت ، فحاربه أصبهان شاه بن قرا يوسف ، وأخذ البلاد منه ، إلي أن حصر حسين شاه بالحلة ، واستنزله بالأمان ، ثم غدر به فقتله خنقأ ( شذرات الذهب 213/7 ).

أقول : ذكر الغياثي في تاريخه 142- 144 قصة مقتل السلطان حسين

ص: 331

بن علاء الدولة ، فذكر إن الأمراء ببغداد ، انكروا سيرة السلطان حسين الجلايري ، فكاتبوا الأمير أسبان ( سماه صاحب الشذرات اصبهان )، فقصد الأمير أسبان بغداد وحصرها، ودخلها فاتح ، واستسلم له السلطان حسين بأمان ، وأراد أسبان أن يقتله بحيلة ، فد إليه من أغراه بالهرب من السجن ، فباشر ذلك ، فاتخذها أسبان حجة عليه ، وقتله خنقأ ، وأعاد الغياثي قصة مقتل السلطان حسين في ص 263 ، من كتابه فقال :

في السنة 833 حاصر الأمير اسبان بجيشه ، السلطان حسين بالحلة ، وعجز السلطان حسين عن المقاومة ، فصالح أسبان علي أن يسلم إليه الحلة ، وتم الصلح في السنة 835 وخرج السلطان حسين إلي أسبان ، فلما دخل اسبان الحلة ، غدر بالسلطان حسين ، وأراد قتله بحجة ، فأوصي القائمين علي حراسته ، أن يغروه بالهرب ، ليتخذ من هربه حجة لقتله ، وتم ذلك حسب ما أراد ، فقتله، بأن أمر به فكتف وطرح تحت حائط ، وألقوا عليه الحائط ( تاريخ الغياثي 263 ).

وفي السنة 833 حصر جيش سلطان مصر الأشرف برسباي ، مدينة الرها، وكانت في يد عثمان قرا يلوك ، وفيها ولده هابيل ، فطلب المحصورون الأمان ، فأمنهم نائب الشام ونائب حلب ، فلما نزل الأمير هابيل ومعه تسعة من أعيان دولته ، وفتحوا أبواب القلعة، غدر بهم الأمراء ، واعتقلوهم ، ونهبوا المدينة والقلعة ، وأحرقوهما ، وقتلوا الرجال ، وسبوا النساء ، وفجروا بهن ، ثم احرقوهن ، وأخذوا الأمير هابيل إلي القاهرة حيث مات في السجن ( حوليات دمشقية 145- 147).

وفي السنة 858 احتال الاستادار ، بالقاهرة ، علي فصل البدوي ، وكان يقطع الطريق ، فأعطاه الأمان ، فحضر فصل وابن عم له إلي القاهرة ، بالأمان ، فلما حضرا، طلع بهما إلي السلطان ، قأمر السلطان بضربهما

ص: 332

بالمقارع ، وتسميرهما، وسلخهما ، وحش جلدهما تبنا ، ففعل بهما ذلك كله ( الضوء اللامع 171/6 ).

وفي السنة 869 بعث جهانشاه ، الي ولده بيربوداق صاحب بغداد ، رسلا، بكلام أغضبه ، فخاشنهم ، ودس إليهم في طعامهم سمأ، وأعادهم ، فما وصلوا بعقوبة حتي ماتوا جميعا ، فعلم جهانشاه بأنه قد قتلهم ، فتوجه بجيشه وحصر بغداد سنة وخمسة أشهر ، حتي فتح بغداد ، وأمن ولده بيربوداق ، فلما حصل في قبضته بعث اليه من قتله ، وكان قتله في السنة 870 بعد أن حكم بغداد ثمانية عشر عاما ( تاريخ الغياثي 320- 325) .

وتوجه شاه يحيي بن شاه ولي ، صاحب يزد ، إلي جبال يزد ، فأستقبله بهلوان مهذب صاحب أبرقوه ، وبعد تأكيد العهود والمواثيق معه ، دعاه الي أبرقوه ، وأدخله المدينة ، وأنزله في القلعة ، في قصر كان أعده لنفسه ، فغدر شاه يحيي ببهلوان مهذب ، واستولي علي القلعة والمدينة ، وقبض علي بهلوان مهذب، وأرسله الي قلعة ملوس، ثم أمر بقتله، فقتل ( التاريخ الغياثي 157).

وفي السنة 877 قتل غدرة، برغم الأمان ، الأمير سوار بن سليمان بن ناصر الدين التركماني ، من آل دلغادر ( ذي القدر ) صاحب البستان ، وقد أدخل القاهرة مشهرة علي فرس ، وعليه خلعة تماسيح علي أسود ، وعلي رأسه عمامة كبيرة ، وهو في زنجير كبير طويل، وراكب الي جانبه شخص من الأمراء ، وهو مشكوك مع سوار في الزنجير ، وقدام سوار إخوته ، وأقاربه ، وأعيان من قبض عليه من أمرائه، نحوا من عشرين إنسانا ، ثم صلبوا علي أبواب زويلة ، وكان الأمير سوار قد خرج علي السلطان في السنة 872 فرسم السلطان لنائب حلب أن يخرج لحربه ، واجتمع العسكران الشامي والحلبي ، علي حرب سوار ، وكانت عاقبة المعركة أن ظفر سوار ، وقتل كثيرا من الأمراء الحلبيين والشاميين ، ثم أمر السلطان، فوجه في السنة 873 عسكر ضخم لحرب سوار ، فكان الظفر لسوار ثانية ، وانكسر عسكر

ص: 333

السلطان كسرة شنيعة ، وقتل منه كثير ، والذين عادوا إلي حلب ، عادوا بأسوأ حال من العري ، فعظم أمر سوار ، واستولي علي عينتاب ، فأمر السلطان بتجهيز عسكر آخر لقتال سوار ، وهي التجهيزة الثالثة ، وكانت بقيادة الأمير يشبك الدوادار ، فحاربت شاه سوار ، حتي أذعن ، وطلب الأمان ، فأمنه الأمير تمرز ، وقال له : ضمانك علي ، فما يصيبك شيء ، فنزل معه ، بالأمان ، ودخل علي الأمير يشبك ، قائد الحملة ، فأكرمه ، وخلع عليه ، ولما أراد الإنصراف ، قال له : امض الي نائب الشام الأمير برقوق وسلم عليه ، فلما دخل علي الأمير برقوق ، استقبله بفظاظة ، وسأله : من أنت ؟ فقال : أنا سوار ، فقال له : أنت الذي قتلت الأمراء والعسكر ، ثم أمر برقوق ، بأن يحضروا له خلعة ، فأحضروها له، وعندما ألبسوه إياها ، وضعوا في عنقه زنجيرة ( سلسلة )، فلما رأي أصحابه ذلك ثاروا ، وكان الأمير برقوق قد استعد لهم ، بأن أعد كمينا من أصحابه ، فبرزوا، وأفنوا أصحاب سوار قتلا ، فلما رأي الأمير تمرز ذلك ، غضب ، وقال: إن الرجل نزل بأمان ، وقد حلفت له إنكم لا تشوشون عليه ، فكيف يأمنكم الناس بعد الآن ؟ فأخرق برقوق بالأمير تمرز إخراقا فاحشا ، ولكمه ، فخرج من عند برقوق غضبانا ، وحمل سوار الي القاهرة، حيث لاقي مصيره .

وفي السنة 928 اختلف حسن وحسين ولدا الأمير عساف في بيروت ، مع أخيهما قائد بيه علي الحكم ، ثم تصالحا مع أخيهما ونزلا عليه ، فغدر بهما ، وقتلهما . ( خطط الشام 237/2 ).

ولما ولي السلطان سليمان العثماني ، السلطنة في السنة 927 قدم مملوكه إبراهيم باشا ، ونصبه صدرا أعظم فغضب أحمد باشا ، مملوك السلطان سليم أبيه ، لأنه كان مقدما علي إبراهيم باشا في المرتبة ، فولاه السلطان مصر ، منعا للنزاع، وكتب إلي الأمراء بمصر ، أن يقتلوا أحمد باشا ، وأن يقطعوا رأسه ويرسلوه إلي الباب العالي ، فلما وصلت المراسيم

ص: 334

إلي الإسكندرية ، وكان واليها مملوكة لأحمد باشا ، سقي الجاويش حامل المراسيم خمرة حتي اسكره ، واطلع علي المراسيم ، وأنذر أحمد باشا ، بما جاء فيها ، فعصي علي السلطان ، وخطب لنفسه ، وضرب السكة باسمه ، فاتفق عليه الأمراء ، وهو في الحمام ، وحصروه ، وكان قد حلق نصف رأسه ، ففر من الحمام ، والتجأ إلي شيخ العرب ، عبد الدايم بن بقر ، مستجير به ، فأحاط الأمراء بابن بقر ، وتهددوه ، فخفر ذمته ، وجاءهم بأحمد باشا ، فأخذوه ، وقطعوا رأسه ، وذلك في السنة 937 ( البرق اليماني 38 -37)

وفي السنة 945 غدر سليمان باشا الخادم ،، موفد السلطان العثماني الدفع البرتغال عن الهند وبلاد المسلمين ، بعامر بن داود صاحب عدن ، وهو آخر ملوك بني طاهر ملوك اليمن ، فإنه لما وصل إلي ثغر عدن ، فتح له السلطان عامر بن داود باب عدن ، وأمر بالزينة ، وإعداد الزاد والعلوفة السليمان باشا وجيشه ، وتوجه هو ووزيره للسلام عليه ، فلما دخلا عليه ، ألبسهما خلعا ، ثم أمر بصلبهما علي صاري الغراب ( السفينة ) الذي هو فيه ، وأمر العسكر، فنهبوا دار صاحب عدن ، فشاع خبر غدره بصاحب عدن في أطراف البلاد ، وسبقه خبر هذا الغدر إلي ربنادر الهند ، فنفر منه الناس ، وامتنعوا عن مساعدته في دحر البرتغال ( البرق اليماني 80 و 81).

ولما عاد سليمان باشا الخادم، خائبا من رحلته إلي الهند ، قام بغدرة اخري ، فإنه أرسي بالمخا من أرض اليمن ، وبعث إلي حاكمها الناضورة احمد ، بمرسوم أمان ومعه خلعة فنزل الناضورة أحمد لابس الخلعة ومعه ولده ، وقدم اليه هدايا عظيمة ، فأمر سليمان باشا بقتله ، فقتل في الحال، وكان معه ألف من العبيد فخادعهم سليمان باشا ، وأمر فنودي فيهم بأن من أراد العلوفة السلطانية ( الدخول في سلك الجند السلطاني ) فليحضر، فاجتمعوا بأسرهم ، ودخل معهم من لم يكن منهم طمعا في العلوفة ، فأدخلوا

ص: 335

حوشا كبيرا له باب واحد ، وصار يخرجونهم اثنين اثنين ، فيقطع عنقاهما ، ولم يشعر بذلك أحد ممن كان في الحوش ، إلي أن قتل الجميع ( البرق اليماني 86).

وفي السنة 949 قتل امير بعلبك ، الأمير علي بن موسي الحرفوشي ، غدرا ، وكان قد قدم إلي دمشق صحبة يانظ ابراهيم وجماعة من الينكجرية ، واجتمع بنائب السلطنة بدمشق محمد باشا بن سنان باشا ، فأكرمه، وهرع الناس للسلام عليه ، ونزل في بيت يانظ ابراهيم ، ثم أن نائب السلطنة قبض علي الأمير علي بعد عشرة أيام ، وكتب بذلك إلي الصدر الأعظم الذي انهي للسلطان إنه من العصاة ، فأمر بقتله ، فضربت عنقه داخل قلعة دمشق ، وأرسل رأسه إلي التخت السلطاني ( الكواكب السائرة 194/3 ).

وفي السنة 968 حاصر محمود باشا ، والي اليمن، حصن حب ، فتقدم اليه الأمير اسكندر أحد أمرائه ، وقال له : إن النظاري صاحب حصن حب ، لم يظهر عليه عصيان ، فالأولي إبقاءه في حصنه ، إذ أنه حصن حصين يصعب الإستيلاء عليه ، فأمر محمود باشا، بالأمير اسكندر ، فقتل بين يديه ، ثم أحضر أميرا آخر من امرائه اسمه ميرزابك ، وافق الأمير اسكندر في رأيه ، فأمر بقتله ، فقتل ، ثم أحضر صهرة للنظاري صاحب الحصن ، واسمه الخواجا علي الرياحي ، كانت بنته تحت النضاري ، فصلبه هو وولده بلا ذنب ، ثم أنه لما عجز عن افتتاح حصن حب ، أرسل الي النظاري صاحب الحصن ، فعرض عليه الأمان، علي أن يعطي سنجقأ ، ويستم حصن حب ، فوافق النظاري ، وحلف له محمود باشا ، علي المصحف الشريف ، وأرسل اليه سنجق سلطانية ، فنزل النظاري ومعه ولده عبد الرحمن، وكاتبه الفقيه إدريس ، وخازنداره ابن رصاص ومعه جميع خزائنه، وحوله نحو المائتين من عسكره ، فلما وصل إلي مخيم الباشا ، قام إليه ، وأكرمه ،

ص: 336

ووضع له كرسي ملبسة بالمخمل ، وألبسه خلعة عظيمة من السراسر ، وسقاه السكر ، فلما نهض ليقوم أشار محمود باشا، إلي أوزون علي جاوش ، بأن يقتل النظاري ، فطعنه بخنجره فقتله ، وقتل ولده وجميع من معه ، وكانت هذه الفعلة ، خيانة قبيحة وغدرة فاحشة، صارت العربان من ورائها لا تأمن الأتراك ، ولا تصدق إيمانها ، وعهودها، وصاروا يسمون الغدر « محموديا » ( البرق اليماني 130 - 132).

وفي السنة 974 حاصر اليمنيون ، العسكر العثماني ، وقطعوا عنهم الماء ، فطلبوا الصلح ، علي أن يخرجوا بثيابهم التي علي أبدانهم ، ولأربعة منهم أن يأخذ كل واحد منهم بغلة ، ولما خرج العسكر حسب الإتفاق ، وعددهم مائتان واثنان وسبعون رجلا، هجم عليهم اليمنيون، وهم يصيحون : مواثيق محمودية ، يشيرون إلي ما صنعه محمود باشا من غدرات ، وقتلوا الجنود علي بكرة أبيهم ، واستولوا علي أموالهم ( البرق اليماني 178- 179).

وفي السنة 987 غدر قوم من أهل حصن شماط باليمن ، بالأمير كلابي بك العثماني ، محافظ قلعة شماط ، وكان هؤلاء قد طردوا من الحصن لما هدم ، فلما أعيد بناؤه لم يعادوا اليه ، فدعوا الأمير كلابي بك وأتباعه من الجند إلي وليمة أعدوها له في براح خارج الحصن ، ومدوا له سماط عظيمة ، ولما جلس ومعه أتباعه الي السماط ، كان قد رصدهم قوم منهم ، فأطلقوا عليهم الرصاص من بنادق قد أعدوها لذلك ، وقتلوهم غدرأ ، الأ قليلا هربوا علي وجوههم ( البرق اليماني 414).

وبالنظر لتكرر حوادث الغدر ، من رجال الحكم ، في تلك الأيام ، أصبح الناس لا يثقون بأقوال رجال الدولة ، ولا يأمنون لهم ، حتي إن فتيانا من الأمراء بلبنان ، كان أحمد باشا الجرار قد قتل أباهم ، فاستتروا منه ، وأراد سليمان باشا ، خلف الجزار ، أن يتألفهم ، وأن يعيدهم إلي الطاعة ،

ص: 337

وعلم أنهم لا يركنون إليه ، ولا يثقون به ، فأوعز إلي أحد ضباطه بكر اغا أن يتصل بهم ، وأن يؤمنهم، ولما كاتبهم بكر اغا ، لم يركنوا إليه ، ولم يثقوا به ، وكاتبوا الأمير بشير الشهابي ، وعرفوه بالقصة ، وأخبروه بأن بكر أغا كاتبهم ، ووعدهم بالعفو عنهم ، ولكن « بما أنه ضابط عسكر ، فلم يركنوا المواعيده وأقواله ، إذ ربما كان تحريره لهم ، هو حيلة عليهم لكي يصطادهم » ( مجلة العرفان العدد هم 97 شهر أيار 1979).

وفي السنة 993 جري في جون عكار نهب الخزينة السلطانية ، المحملة من مصر إلي اصطنبول ، فوجهت الدولة ابراهيم باشا لمعاقبة المعتدين ، ولما وصل إلي عين صوفر بلبنان ، حضر إليه عقال بلاد الدروز المواجهته ، فغدر بهم، وقتل منهم نحوا من ستمائة رجل ، وكان ابن معن من رؤساء الدروز ، قد أبي أن يجيب دعوة ابراهيم باشا، لأن والي دمشق مصطفي باشا ، كان قد استدعي أباه ، وغدر به فقتله ، فأقسم أن لا يجيب دعوة احد من رجال الدولة العثمانية ( خطط الشام 240/2). :

وفي السنة 1002 غدر مراد باشا، نائب السلطنة بالشام، بالأمير منصور بن الفريخ ( مصغر فرخ ) أمير البقاع ، إذ طلب منه أن يولم له وليمة ، ثم اعتذر عن حضورها واحتج بحجة ، ثم طلب منه أن تكون الوليمة بدمشق ، فأعد له الوليمة ، وحضر ومعه جمع من عسكره ، فأمرهم بالقبض علي الأمير منصور ، فاعتقلوه ، وحبسه بقلعة دمشق ، وعرض أمره علي السلطان مراد ، فجاء الأمر بقتله ، فقتل ( خلاصة الأثر 427/4 ).

وفي السنة 1010 مات عبد الحليم اليازجي أحد الخوارج علي الدولة العثمانية ، وقد ذكر عنه أنه غدر بحسين باشا الذي كان أمير الأمراء بولاية الحبشة ، ذلك أن حسين باشا كان قد خرج علي الدولة كذلك ، فاتفقا علي المناصرة ، ولما واجههما محمد باشا بن سنان باشا بجيش لجب ، استأمن عبد الحليم إلي محمد باشا علي أن له الأمان ، إن أسلم اليه حسين باشا ،

ص: 338

وخدع عبد الحليم صاحبه حسين باشا ، فأسلمه الي محمد باشا الذي بعث به إلي باب السلطان، فطلب حسين باشا أن تجري محاكمته أمام القاضي ، فحوكم ، وحكم عليه بالقتل ، فقتل شنقا ( خلاصة الأثر 323/2 ).

وفي السنة 1014 عصي علي بك جانبولاد بحلب ، فسرت اليه الدولة جيشا ، وانكسر علي بك في المعركة ، ودخل الجيش العثماني حلب ، وحصر قلعة حلب ، وفيها جماعة من أتباع علي بك جانبولاد ، فنزلوا علي الأمان ، وعندما نزلوا ، قتلوا بأجمعهم ، بالرغم من الأمان ( اعلام النبلاء 232/2)

وأورد الخبر صاحب خطط الشام 253/2 و 254، بصورة فيها بعض الأختلاف في التاريخ ، قال : في السنة 1016 اشتبك الجيش العثماني ، بقيادة مراد باشا ، مع جيش الأمير علي جانبولاد ، والي حلب ، العاصي علي الدولة ، فانكسر الأمير علي ، وقتل من أصحابه ما يزيد علي العشرين ألفأ، ورحل عن حلب ، ودخل الجيش العثماني حلب ، وامتنعت عليه القلعة ، وكان الأمير علي جانبولاد قد نصب فيها اطلي طوماش باشا ، وأمره بحفظ القلعة ، حتي يعود بالنجدة من شاه العجم ، فاحتال مراد باشا ، علي اطلي طوماش باشا ، وخدعه بأن وعده بأن ينصبه واليا علي حلب ، فنزل علي أمانه، فقبض عليه مراد باشا ، وقتله .

وأورد المحبي في خلاصة الأثر 222/2 سلسلة من حوادث الغدر تشمئز منها النفوس ، قال : في السنة 1018 قتل الأمير شديد بن أحمد ، أمير العرب ، وكان ظالما ، جبارة ، عنيدأ، وكان في خيمته يلعب الشطرنج ، ولم يكن معه من إخوته احد ، فانتهز مدلج بن ظاهر ، أحد أقاربه ، الفرصة ، وناداه وهو يلعب : يا شديد ، يا شديد ، فقال : نعم ، فما أتم قوله إلا ومدلج قد طعنه بخنجر في بطنه فخرج من ظهره ، فقتله ، وكان الأمير أحمد ( والد شديد ) قد قتل الأمير ظاهر ( والد مدلج ) مع أن ظاهرة كان

ص: 339

ضيفه في بيته ، وكان ظاهر ذا قوة وبطش ، وبلغ من قوته إنه دخل عليه ولده قرموش وهو مريض ليقتله ، فضربه ظاهر بالسيف فقتله .

وذكر المحبي أنه كان من تقاليد هؤلاء الأمراء، أن من استولي منهم علي خيمة المال والسلاح ، أصبح حاكم علي العرب وأميرة لهم ، وهي خيمة من الشعر كبيرة جدا ، ولها نواطير وحرس بالنوبة في اليوم والليلة ، وكلها صناديق بالأقفال الحديد المحكمة ، والصناديق مملوءة بالذهب والفضة والجوهر والسلاح وغير ذلك من نفائس الأشياء .

وفي السنة 1026 قتل غدرة الأمير حسين بن يوسف بن سيفا ، ولم يبلغ الثلاثين ، وكان قد ولي كفالة طرابلس الشام ، ثم كفالة الرها ، ثم تركها من غير عزل ، وقدم حلب ، وكافلها محمد باشا قره قاش ، فدخل عليه مسلما ، فأكرمه واحترمه ، ثم دعاه إلي وليمة ، فجاء مع جماعة قليلة من اتباعه ، فغدر به واعتقله ، وحبسه في القلعة ، وكتب إلي السلطان يخبره بأن الأمير حسين قد وقع في قبضته ، فرد السلطان يأمره بقتله ، ولما حضر الجلاد لقتله ، قال بقلب جريء، وجنان قوي : أنا من الباشاوات، ولا يليق أن يقتلني الجلاد ، ثم أشار إلي رجل معظم من أتباع قره قاش، وطلب منه أن يقتله ، ثم كتب كتابا إلي والده أوصاه فيه بما أراد ، وعزاه عن نفسه ، ثم صلي ركعتين ، واستغفر الله ، وأخرج محرمته فوضعها في عنقه ، وأمر ذلك الرجل بخنقه فخنقه ، وبكي عليه جميع الناس لشبابه وحسنه وشجاعته ( خلاصة الأثر 120/2 و 121).

وفي السنة 1032 قتل مراد باشا ، كافل حلب ، وسبب قتله ، أن بكر الصوباشي كان قد خرج علي السلطان ، وأعلن نفسه حاكمأ ببغداد ، فوجهت اليه الدولة أحمد باشا الحافظ ، واليا لبغداد وسردارة ، فحاصر بغداد ، وكان من جملة قواده مراد باشا ، وكان أحمد باشا يري الأناة ويكره العجلة ، بعكس مراد باشا ، فكان يقبح أناة أحمد باشا ويسبه ، وجاء إلي أحمد باشا وطلب

ص: 340

منه أن يأذن له ليتوجه لمحاربة عسكر شاه العجم ، وكانت قريبة من بغداد ، فقال له أحمد باشا : لا تفرق عساكرنا وتضعضعهم ، فأبي مراد باشا ، وصمم علي قتال عساكر الشاه، وأخذ نحو أربعة آلاف جندي وكبس عساكر الشاه ، ثم عاد منكسرا ، فقال له أحمد باشا : الآن عرفت ان قول الشيوخ أصوب من رأي الشبان ، ألم أقل لك لا تركب ، حتي خالفتني وكسرت العساكر ، ثم قتله ، وكان مراد باشا غدارة ، غدر بالأمير حسين بن فياض الحياري أمير العرب ، وكان أبوه فياض أميرة ، فلما توفي ، تصدي للامارة ابن عمه الأمير مدلج بن ظاهر، فأخذ الأمير حسين يطالب بالإمارة لنفسه خلفا لوالده الأمير فياض ، وكلم مراد باشا ، كافل حلب ، في أن يكاتب السلطنة لنصبه أميرة خلفا لوالده ، بدلا من الأمير مدلج ، وجاء الي حلب ، وقدم هدايا لمراد باشا ، فوعده خيرا ، وكتب إلي مدلج يطلب منه خمسة وعشرين ألفأ ، ليقتل له الحسين ، فوعده الأمير مدلج بأن يرسل إليه المبلغ ، فغدر مراد باشا بالأمير الحسين ، واعتقله ، وحبسه في قلعة حلب ، حتي وصل اليه المبلغ من الأمير مدلج ، فعمد إلي الحسين فخنقه في سجنه ، فسلط الله علي مراد باشا أحمد باشا الحافظ ، فقتله ( خلاصة الأثر 384/1 و 385 و 101/2 و 102).

وفي السنة 1054 قام ابراهيم باشا والي حلب ، بعملية غدر ، أراد بها أن يقبض علي الأمير عساف ، رئيس عربان الديار الحلبية ، وذلك بأن أرسل اليه رجلا من خواصه يدعوه إلي وليمة يقيمها له الوالي في حلب ، فاعتذر الأمير عساف عن الحضور الي حلب وأرسل إلي الوالي هدية تشتمل علي خيول كريمة ، فأحضر الوالي رجلا من أصحابه اسمه دالي قورد ، واستشاره ، فقال دالي : أن العربان لا تألف الحاضرة ، فإن أردت الأجتماع بالأمير عساف فهيء له دعوة خارج حلب ، فكلفه بأن يكون الوسيط في الإجتماع ، فذهب دالي قورد الي الأمير عساف ودعاه باسم الباشا الوالي ، إلي موضع يبعد خمس ساعات عن حلب ، ورتب الباشا لوازم الضيافة ، ودعا كثيرا من أهالي

ص: 341

حلب ، وفي صباح يوم الوليمة جاء دالي قورد الي الباشا ، وقال له : إن كان فكرك أن تقتل أمير الصحراء ، فإثر ذلك محال ، أو لأني أعطيته عهودة ومواثيق علي سلامته ، فإن غدرت به لم يبق من جميع العربان من يحترم قو من أقوالنا ، ثانيا إن الأمير عساف سوف لا يأتي وحده ، وإنما مع الكثير من أتباعه ، فإن جري عليه شيء هجم أصحابه ، ويكون النصر بجانبهم ، يضاف إلي ذلك إن عساكرنا غير مدربة، وعساكره مدربة ، فوعده الباشا خيرا ، وطمأنه، ولما حضر الأمير عساف لموضع الوليمة ، حضر معه ستة آلاف فارس من أصحابه بالعدة التامة من الرماح والسيوف والدروع ، ولما وصل إلي حضرة الباشا ترجل عن فرسه وسعي خطوات نحو الباشا، وترجل الباشا كذلك ، فلما دخل الأمير عساف بين العساكر، أطلق عليه اثنان من العساكر النار مقابلين له ، وأطلق اثنان آخران النار من خلفه ، وكان الأمير عساف قد تحصن من الرصاص بثلاثة دروع ، فنجا ، وأحضر له أصحابه فرسا فركبها ، وهاجم أصحابه الباشا ومن معه ، فقتل من الباشوات والأغوات عشرون رجلا، وهجم أصحابه علي العسكر التركي ، وأعملوا السيوف وأفلت منهم من ركن الي الفرار ، وعادوا إلي حلب علي اقبح صورة ، وعلي أثر ذلك عزل ابراهيم باشا عن حلب ( اعلام النبلاء 258-254/3).

وفي السنة 1069 قتل حسن باشا أبازه ، وثلاثون من كبار اصحابه ، غدرة ، بمدينة حلب ، وخلاصة القصة إن حسن باشا خرج علي الدولة في عهد السلطان محمد بن إبراهيم ، وكثر أنصاره ، وانتصر في عدة حروب ، حتي أن السلطان أراد أن يخرج لقتاله بنفسه ، فمنعه وزراؤه ، فوجه اليه السردار مرتضي باشا، الذي جعل مقر إدارته حلب ، وضيق علي حسن باشا حتي طلب الأمان، فأمنه مرتضي باشا ، فتوجه إليه في حلب ، ومعه ثلاثون من كبار أعوانه ، فاستقبلهم مرتضي باشا استقبالا حسنة ، وأكرمهم ، وعمل لهم ضيافة شائقة ، وأنزل في دار الحكومة كلا من حسن باشا ، وأحمد باشا

ص: 342

الطيار ، وكنعان باشا، أما الباقون فوزعوا علي أعيان مدينة حلب ، وكان مرتضي باشا قد اتفق مع هؤلاء الأعيان علي أنهم إذا سمعوا صوت المدفع من القلعة ، أن يقتل كل منهم من عنده من الأضياف ، وبعد العشاء صار مرتضي باشا يباسط من بات عنده في دار الحكومة ، وأطعمهم الحلوي ، ثم أن موعد صلاة العشاء ، فقاموا للوضوء ، وشمروا عن سواعدهم ، فهجم عليهم ثلاثون رجلا ، وكان مرتضي باشا قد اعدهم لقتلهم ، وقتلوا الباشوات الثلاثة طعنا بالخناجر، وبعد أن فرغ من أمرهم ، أرسل إلي القلعة من ضرب المدفع ، فقام كل واحد من أصحاب مرتضي باشا إلي ضيفه فقتله ، فلم يفلت منهم أحد، وقطعت رؤوسهم ، وملئت تبنأ ، وأرسلت الي مقر السلطنة ، وألقيت جثثهم في ساحة باب الفرج ( اعلام النبلاء 268/3 - 271).

ولما تسلطن أورنك زيب عالمگير محي الدين أعظم شاه ( 1068۔ 1119) في الهند، سير إلي لاهور جيشأ لمقاتلة أخيه دارا ، ونشبت بين الجيشين معركة ، تفرق فيها جيش دارا ، وقصد دارا مالك جيوان ، الذي خان قانون الضيافة ، وغدر بدارا ، واعتقله وحفيدا له ، وكبلهما بالاغلال، وأركبهما علي فيل ، وتوجه بهما إلي مدينة دهلي ، حيث أشهرا في شوارع المدينة ، فأثار ذلك سخط الجماهير ، وظهر عليهم الحزن ، ولما مر في الموكب مالك جيوان ، الذي غدر بهما ، تألبت عليه الجموع، ورجمته بالأحجار والقاذورات ، حتي كاد أن يقتل ، لولا أن تداركه حاكم المدينة العسكري ، ورفع الدروع فوق رأسه حماية له مما كان يقذف به . ( الاسلام والدول الإسلامية في الهند 113).

وخرج الأمير اكبر علي والده أورنك زيب ، سلطان الهند (1068-1119) وبعث إلي أبيه برسول ، ولما وصل الرسول الي خيمة الملك ، أمسك به أحد الحاشية ، فغضب الرسول، وصفع الذي أمسكه ، ثم تراجع ،

ص: 343

فعثر في احد اطناب الخيمة ، وانطرح أرضأ، فصاح السلطان ، يأمرهم بقتله، فقتلوه ( الإسلام والدول الإسلامية في الهند 150).

وفي السنة 1182 خدع محمد بك أبو الذهب ، تابع الأمير علي بك ، إثنين من الأمراء وهما الأمير حسين بك والأمير خليل بك السكران ، فقدما عليه بالأمان ، فلما دخلا عليه في مجلسه ، لم يجداه، وعندما استقر بهما الجلوس، دخل عليها جماعة من أتباع محمد بك وقتلوهما ، وحضر في أثرهما حسن بك شبكة ، ولم يعلم ما جري لسيده ، فلما قرب من المكان وأحس قلبه بالشر، أراد الرجوع ، فعاقه رجل سائنس اسمه مرزوق ، وضربه نبوت فوقع علي الأرض ، فلحقه بعض الجند واحتر رأسه ( الجبرتي 357/1)

وفي السنة 1182 أرسل الأمير علي بك بالقاهرة ، عبد الرحمن أغا مستحفظان الي رجل من الأجناد يسمي اسماعيل اغا ، من القاسمية ، وأمره بقتله ، فلما وصل الأغا حذاء بيته وطلبه ، ونظر إلي الأغا واقفا بأتباعه ، علم إنه حضر ليقتله كما قتل غيره ، لأنه سبق وقتل أناس كثيرين علي هذا النسق بأمر علي بك ، فامتنع من النزول ، وأغلق بابه ، ولم يكن عنده أحد سوي زوجته ، وهي جارية تركية ، وعمر بندقيته وقرابينته ، وضرب عليهم ، فلم يتمكنوا من الوصول إليه من الباب ، وصار زوجته تعمر له ، وهو يضرب ، حتي قتل منهم جماعة، واستمر علي ذلك يومين وهو يحارب وحده ، ولما فرغ منه البارود ، ونادوه بالأمان ، صدق أمانهم ، ونزل من الدرج ، فامسكوا به ، وقتلوه ( الجبرتي 363/1 ).

وفي السنة 1188 مات مسعود بن ناصر ، أمير منبة أحد الغدرة ، وكان من رجال علي بن عثمان، أمير منبسة ، وهو من أتباع عمه، فنصبه علي حاكما علي بمبا، ثم هاجم علي زنجبار ، ومسعود معه ، فاستوليا علي الشطر الأكبر منها ، واتفق مسعود مع خلف بن قضيب، علي قتل علي ، فقتله

ص: 344

خلف ، وقتل به ، فعاد مسعود ، واستولي علي منبسة ، وتولي إمارتها إلي أن مات . ( الاعلام 117/8 ).

وفي السنة 1216 حضر حضر السيد احمد الزرو الخليلي ، التاجر بوكالة الصابون ، بالقاهرة ، في ديوان الباشا، وادعي علي جماعة من التجار ، وثبت له عليهم عشرة آلاف ريال ، فأمر الباشا بسجنهم ، ولما انفض المجلس وشي بعضهم لدي الباشا بأن أحمد الزرو كان يحب الفرنسيس وعند خروجهم من مصر ، هرب الي الطور ، ثم عاد بأمان من الوزير ، فلما عاد السيد احمد إلي ديوان الباشا الوالي ، أمر بقتله ، فقبض العسكر عليه ، وقطعوا رأسه عند المشنقة التي كان الباشا قد نصبها حيث قنطرة المغربي علي قارعة الطريق ( الجبرتي 515/2 ).

وفي السنة 1216 لما دخل الجيش العثماني مصر، وأخرج الإفرنسيين ، عمل الوزير العثماني بالقاهرة ديوانأ ، ولما حضر الأمراء المماليك ، قبض عليهم واعتقلهم ، وكذلك حصل في الإسكندرية ، فإن حسين باشا القبطان ، لاطفهم وجاملهم ، ثم دعاهم إلي حضور إحتفال في الغليون الكبير ، فلما حضروا ، احتج حسين باشا بحجة ، وتركهم في الغليون ، فحضر إليهم أحد الأمراء العثمانيين ، وأخبرهم بأنه ورد «خط شريف » يعني أمرأ من السلطان باستدعائهم إلي حضرته ، وأمرهم بتسليم أسلحتهم ، فأبوا ، ونهض محمد بك المنفوخ ، وسل سيفه ، وضرب الأمير العثماني فقتله ، فنهض المماليك الأمراء وسلوا سيوفهم ، واشتبكوا مع العثمانيين في معركة ، فقتل عدد منهم ، وقبض علي الباقين ، وفر قسم منهم إلي الإنكليز ، فأعلن الانكليز حمايتهم للأمراء المماليك ، وحملوا السلاح ضد العثمانيين ، وأعلنوا الحرب علي حسين باشا القبطان ، ثم اجتمع القائد الإنكليزي بالقبطان حسين باشا، وأصر علي تسلم المماليك المعتقلين، فتسلمهم ، وحمل إليه القتلي أيضا ، فدفنهم الإنكليز في موكب رسمي

ص: 345

وكذلك صنع الإنكليز الذين كانوا بالجيزة ، فإنهم طالبوا الوزير بأن يسلم اليهم الأمراء المماليك الذين اعتقلهم بالقاهرة ، فقام بتسليمهم اليهم ( الجبرتي 502/2 - 506).

وكان أحمد باشا الجزار ، الذي هلك في السنة 1219 مغرقا في ظلم الرعية ، وكان يأخذ الرجال قسرة إلي ورشة عكا ، بالسخرة ، ويعاملهم بقسوة عظيمة ، فكان المئات منهم يقتلون قبل الوصول إلي عكا ، إذ كان الموكلون بهم يضربونهم بالسياط ، ويطلبون منهم الجري طول الطريق ، وكانوا من شدة الضرب يستعجلون الجري في الطرق الضيقة ، فكانوا يسقطون في البحر بالخمسين والستين ، ولا يرحمهم أحد ، فإذا وصلوا إلي ورشة عكا ، عوملوا بقسوة عظيمة ، وكان أكثرهم يموتون من سوء المعاملة ، وحدث في أحد الأيام ، وكان قسم من هؤلاء ، يعملون في حفر الأساس ، وعددهم نحوا من مائتين وثلاثين نفرة ، وعمقوا في الحفر ، فانقلعت الأرض ، ومال قسم منها عليهم ليدفنهم أحياء ، فصاح عليهم رفاقهم ، والحراس المشرفون عليهم ، من أجل أن يبارحوا موضعهم ، وسمع الجزار الصيحة ، ولما عرف السبب ، انتهر الجمع ، وصرخ فيهم أن يسكتوا ، وقال لهم : إذا كان الله قد قتلهم ، مالكم ولهم ، ومنعهم أن يخرجوا أحدا منهم ، وسقط حائط الأساس عليهم ، وانطبق عليهم ، ودفنهم أحياء ، ولم ينج منهم أحد (العرفان العدد 5 المجلد 67 شهر أيار 1979). :

وفي السنة 1225 عزلت الدولة العثمانية ، الوزير سليمان باشا الصغير والي بغداد ، فعصي ، فسيرت عليه جيشا ، فالتجأ سليمان باشا، إلي قبيلة الدفافعة ، وكان شيخها علي الشعيب ، فقام علي الشعيب بفعلة أورثته وعشيرة الدفافعة خزيا مؤبدة ، إذ أنه قتل سليمان باشا ، وقطع رأسه ، وأحضره إلي عبد الرحمن باشا الكردي ( تاريخ العراق للعزاوي 200/6 ).

وفي السنة 1226 قام محمد علي باشا ، بالديار المصرية ، بعملية غدر

ص: 346

صلعاء ، إذ دعي إلي احتفال أقامه ، جماعة من الأمراء المماليك ، وكان قد بيت مع جماعة من قواده ، أن يقتلوا المماليك ، وأعد جماعة من العسكر لذلك ، وجري الأمر وفقا لما رتبه ، فإنه لما سار الموكب ، بارح محمد علي باشا موضع الإحتفال ، ودخل إلي الحريم ، وقام العسكر بمحاصرة هؤلاء الأمراء ، وإطلاق النار عليهم ، فسقط أكثرهم ، وأسر الباقون ، فقطعوا رؤوس القتلي ، وأحضروا المشاعلي ( الجلاد ) لرمي أعناق الباقين ، فباشر بقطع أعناقهم في الديوان واحد بعد واحد، من ضحوة النهار ، إلي أن مضت حصة من الليل في المشاعل ، حتي امتلا الحوش من القتلي، وانبث العسكر خارج القلعة ، وهاجموا بيوت الأمراء المماليك ونهبوها نهبأ ذريعأ ، وسلبوا النساء ، ونهبوا البيوت المجاورة لبيوت المماليك أيضا ( الجبرتي 323 -320/3 )

وفي السنة 1227 قام العسكر العثمانيون في الديار المصرية ، بملاحقة الأمراء المماليك الذين كانوا في الصعيد، فحضر جماعة من المماليك وأجنادهم إلي ناحية أسوان بأمان من الأتراك ، فغدروا بهم وقبضوا عليهم ، وقتلوهم عن آخرهم، وفعلوا ذلك بغيرهم كذلك ( الجبرتي 346/3 ).

وفي السنة 1230 حضر الي القاهرة شيخ طرهونة بالصعيد واسمه كريم بالياء المشددة ، وكان عاصيا علي محمد علي باشا ، ويأبي مقابلته ، فلم يزل به إبراهيم باشا يصالحه ويمنيه، واعطاه الأمان ، حتي جاء اليه وقابله ، ولما حضر محمد علي باشا من الحجاز جاء علي أمان ولده إبراهيم ، وقدم معه هدية، وأربعين من الإبل ، فقبل هديته ثم أمر برمي عنقه بالرميلة ( الجبرتي 480/3)

وفي السنة 1232 حاصر داود باشا، بغداد ، بعد أن عينته الدولة العثمانية ، لولاية العراق ، وكان صهره - أخو زوجته - سعيد باشا ابن سليمان باشا ، في القلعة ، فأمر داود باشا، فانتزع سعيد باشا ، من أحضان أمه،

ص: 347

وقتل ، وكانت سته إذ ذاك خمسة وعشرين سنة، ثم قطع رأسه، وبعث به إلي اصطنبول ، فلام جميع الناس داود باشا ، علي هذه الفعلة ، لأن داود باشا ، عتيق سليمان باشا ، والد سعيد ، اعتقه ، وزوجه ابنته ، ورفعه في المناصب ( تاريخ العراق للعزاوي 242/6).

وفي السنة 1274 قتل منصور بن عمر الكثيري ، من أمراء حضرموت ، دعاه الأمير عوض بن محمد بن عمر القعيطي إلي وليمة ، فلما دخل، فاجأه نفر من العبيد فقتلوه ( الأعلام 241/8 ).

وفي السنة 1288 قتل محمد بن عانض أمير بلاد عسير ، وكان الجيش العثماني زحف علي بلاده ، فخرج اليهم بأمان وشروط ، فنقضوا عهد الأمان ، واعتقلوه مع رجاله ، وقتلوهم بأجمعهم غدرة ( الاعلام 48/7 ).

وفي السنة 1327 اعتقل السلطان عبد الحفيظ ، صاحب المغرب الفقيه أبا عبدالله محمد بن عبد الكبير الكتاني ، وجلده ، فمات في حبسه ، وكان سبب ذلك ، أنه لما أراد أهل فاس بيعة السلطان عبد الحفيظ ، تولي الكتاني إملاء شروط البيعة ، ومن الشروط تقييد السلطان بالشوري ، فحقدها السلطان عليه ، فساءت حاله ، وضاقت معيشته، فخرج من فاس مع جميع أسرته من رجال ونساء وأطفال قاصدأ بلاد البربر ، فأرسل السلطان في طلبه ، وأعاده بالأمان ، ثم غدر به فاعتقله ، وسجنه مصفدأ بالحديد، هو ومن كان معه ، حتي النساء والصبيان ، ثم جلد ، وسحب إلي فاس الجديدة ، فمات فيها ( الاعلام 83/7 ).

ص: 348

القسم الرابع: القتل غيلة

الغول : المنية والداهية ، وفي الأمثال العربية : الغضب غول الحلم . والاغتيال ، أو القتل غيلة : القتل علي غرة ، بمهاجمة الإنسان تسلط، أو خفية، وقتله .

والقتل غيلة ، قديم ، وأول جريمة اغتيال ارتكبت ، كانت في عهد آدم أبي البشر ، إذ قتل قابيل أخاه هابيل ، شدخ رأسه بصخرة ، وهو نائم، فقتله ( الطبري 138/1 ).

وقد اثبتنا ، في هذا المؤلف ، أهم حوادث الإغتيال ، إذ لا يتسع لها هذا المؤلف ، لو أردنا أن نلم بجميعها .

وفي السنة 44 ق م، قتل يوليوس قيصر، غيلة في مجلس الندوة الروماني بمدينة روما ، وكان بين المغتالين أحد أخص أصدقائه وهو بروتس، فلما طعن بالخناجر ، التفت فرأي بين القتلة بروتس، فقال كلمته التي ذهبت مثلا : حتي أنت يا بروتس ، ولفت وجهه بردائه ، وسقط مرتثأ ، وله كلمة مشهورة ، كتب بها إلي روما بعد أن انتصر انتصارا مؤزرة ، وكانت رسالته تشتمل علي ثلاث كلمات : جئت ، ورأيت ، وانتصرت ( المنجد ).

واغتال الحارث بن ظالم المري ، خالد بن جعفر بن كلاب ، دخل عليه في خيمته بالحيرة ، وضربه بالسيف فقتله ( ابن الأثير 1/ 559 و 560).

واغتيل حجر آكل المرار الكندي ، أبو امريء القيس ، اغتاله علباء بن الحارث الكاهلي ( ابن الأثير 514/1 ).

ص: 349

وقتل كليب بن وائل ، أخو مهلهل ، وخال امريء القيس الكندي الشاعر ، قتله غيلة جساس بن مرة ، فنشبت من أجل مقتله حرب البسوس ، ودامت أربعين سنة .

ولما قتل كليب ، رحلت زوجته جليلة ، وهي أخت جساس ، إلي بيت أبيها ، وارتجلت أبيات من الشعر ، لا مثيل لها في جودتها، منها: ( ابن الأثير 525/1 و 529).

فعل جساس علي ضتي به****قاصم ظهري ومدن أجلي

ياقتي قوض الدهر به ****سقف بيتي جميعأ من عل

هدم البيت الذي استحدثته**** وسعي في هدم بيتي الأول

خصني فقد كليب بلظي**** من ورائي ولظي مستقبلي

ليس من يبكي ليومين كمن**** أنما يبكي ليوم ينجلي

يشتفي المدرك للثأر وفي**** دركي ثأري ثكل المثكل

إنني قاتلة مقتولة**** فلعل الله أن يرتاح لي

وقتل عمرو بن كلثوم ، عمرو بن هند اللخمي ، صاحب الحيرة ، في قصة مشهورة ، أريد بها أن تهان أمه ، فغضب لها لما صاحت ، ونهض إلي سيف معلق في السرادق، وضرب به عمرا فقتله ( ابن الأثير 548/1 ).

وأول ما عرف الإغتيال في الإسلام، لما اغتيل الخليفة الفاروق عمر ، اغتاله أبو لؤلؤة الفارسي ، غلام المغيرة بن شعبة ، واغتيل من بعده الزبير بن العوام ، لما فارق المتحاربين في حرب الجمل ، ثم اغتيل الإمام علي بن أبي طالب ، اغتاله احد الخوارج ، ولم أورد بين هذه الاغتيالات ، مقتل الخليفة عثمان ، لأن قتلته هاجموه علنا ، وفتكوا به ، فأثبت مقتله في باب الفتك . .

وفي القرنين السادس والسابع الهجري ، استعرت حوادث القتل غيلة ،

ص: 350

اسعرتها الفرقة الباطنية المسماة بالحشاشين ، وقد أسس هذه الفرقة الحسن بن الصباح الإسماعيلي ( 428- 518) صاحب قلعة الموت ، وهو يماني من حمير ، ولد في فارس ، ودخل في دعوة الإسماعيلية النزارية، وكان قد تتلمذ الابن عطاش ، صاحب قلعة شاه دز، وكان ابن عطاش هذا أحد أعيان الباطنية في عهد السلطان ملكشاه السلجوقي ، وعمد الحشاشون ، اصحاب الحسن بن الصباح الي استعمال سلاح الاغتيال ضد خصومهم وأول ما بدأوا باغتيال الوزير نظام الملك ، وزير السلطان ألب أرسلان، وولده ملكشاه من بعده ، ثم أصبحت الإغتيالات لهم ديدنأ ، فقتلوا خليفتين المسترشد والراشد، وقتلوا العشرات من الأمراء والوزراء والرؤساء والزعماء حتي اضطر جميع الكبراء أن يلبسوا الزرديات تحت ثيابهم ، وبالإطلاع علي ثبت حوادث الإغتيال ، المثبت في هذا البحث ، يتضح أنها في جميع القرون التي سبقت ظهور الحشاشين ، كانت قليلة العدد ، بالنسبة لعددها في القرنين السادس والسابع ، لما ظهرت فرقة الحشاشين ، وباشرت بعملها في قتل الرؤساء ، وقد بلغ من شهرة الحشاشين السيئة ، بارتكاب جرائم القتل ، أن أصبح اسم الحشاشين في بعض اللغات الأوروبية (Assassin) يعني القتل والإغتيال وسفك الدم ، ولما تفاقم شرهم أمر السلطان بركياروق باستئصال شأفتهم ، فبدأت الحملات ضدهم ، وتجرد لهم في أصبهان الفقيه الشافعي أبو القاسم مسعود بن محمد الخجندي ، حيث حشد لهم جماعات مسلحة ، وأمر بحفر أخاديد أوقد فيها النيران ، وجعل العامة يأتون بالباطنية أفواجأ وفرادي ، فيلقون في النار ، ونصبوا إنسانة علي أخاديد النيران، سموه مالكا باسم مالك خازن جهنم ، فقتلوا منهم خلقا كثيرين ، كما تجرد لهم في الأهواز الأمير جاولي سقاوو فقتل أعيانهم وصناديدهم ، وأحس جند كرمان ، بأن أميرهم تيران شاه باطني ، فقتلوه ، وفي السنة 500 حاصر السلطان محمد السلجوقي قلعة شاه دز ، ففتحها ، وأخذ صاحبها احمد بن عبد الملك بن عطاش ، وهو من كبار الباطنية ، وقتله ، وقتل معه ولده أيضا ، وقتل اكثر من كان معه، وكان مقتل

ص: 351

ابن عطاش فاجعة ، فإنه أخذ أسيرة ، فترك أسبوعا ، ثم أمر به فشهر في جميع البلد ، ثم سلخ جلده وهو حي فتجلد حتي مات ، وحشي جلده تبنا ، وقتل ولده ، وحمل رأساهما إلي بغداد ، وألقت زوجته نفسها من رأس القلعة فهلكت ، وكانت مدة حكم ابن عطاش في هذه القلعة، اثنتي عشرة سنة .

وفي السنة 654 تهتم آخر حصن للحشاشين ، باستسلام شيخهم الجيوش هولاكو ، وقد قتل بعد استسلامه .

الزيادة التفصيل ، راجع دائرة المعارف الإسلامية 396/7 و 398، وابن الأثير 314/10 و 315 و 319 و 320 و 321 و 434).

وفي السنة 23 طعن أبو لؤلؤة ، غلام المغيرة بن شعبة ، الخليفة أبا حفص عمر الفاروق ، رضي الله عنه ، بخنجر له رأسان ، وطعن معه اثني عشر رجلا ، مات منهم ستة ، وألقي عليه رجل من أهل العراق ثوبا ، فلما اغتم فيه ، قتل نفسه ( تاريخ الخلفاء 134).

أقول : كان أبو لؤلؤة ، وأسمه فيروز ، نهاوندية ، أسرته الروم أيام فارس ، وأسرة المسلمون بعد، فنسب إلي حيث سبي ، ولما قدم بسبي نهاوند إلي المدينة ، كان أبو لؤة هذا ، لا يلقي منهم صغيرة ، إلا مسح رأسه ويكي ، وقال : أكل عمر كبدي ( الطبري 136/4)، وقد فاض هذا الحقد في قلب أبي لؤلؤة ، حتي اعد لقتل الخليفة عمر ، خنجرا له رأسان ، نصابه في وسطه ، وتربص به حتي إذا بدأ بصلاة الصبح ، طعنه بخنجره ست طعنات ، إحداهن تحت سرته ، وهي التي قتلته ( الطبري 191/4 ) ففجع به الإسلام والمسلمون ، وقيل في رثائه : ( تاريخ الخلفاء 144).

عليك سلام من إمام وباركت****يد الله في ذاك الأديم الممزق

فمن يسع أو يركب جناحي نعامة****ليدرك ما قدمت بالأمس يسبق

قضيت أمورا ثم غادرت بعدها**** بوائق في أكمامها لم تفتق

ص: 352

وقد درج بعض المؤرخين علي ذكر سبب ارتكاب فيروز أبي لؤلؤة جريمته هذه بأنه طلب من الخليفة أن يخفف عنه ضريبته التي كان عليها أن يؤديها لمولاه المغيرة بن شعبة ، مع أن الموضوع اهم بكثير من موضوع تخفيف الضريبة ، ولعل هذا المجرم إنما راجع الخليفة في موضوع تخفيف الضريبة ، لكي يتخذ من مراجعته هذا سبأ للإقتراب منه من أجل تنفيذ جريمته .

وفي السنة 31 قتل ملك الفرس يزدجرد بن شهريار ، وكان قد فر والتجأ إلي بيت نقار رحي ، فطمع النقار فيما معه ، وفي ثيابه ، فقتله غيلة وهو نائم . ( ابن الأثير 119/3 - 123).

وفي السنة 36 في وقعة الجمل، انصرف الزبير من المعركة ، قبل انتهائها ، ومر بعسكر الأحنف بن قيس ، وكان معتز بأصحابه ، فقال الأحنف : جمع بين المسلمين ، حتي ضرب بعضهم بعضا ، ثم لحق ببيته ، فلحق به عمرو بن جرموز ، واغتاله بوادي السباع ، وأخذ فرسة وسلاحه وخاتمه ، وعاد فاستأذن علي الإمام علي ، قائلا : استأذنوا لقاتل الزبير ، فقال الإمام علي : بشروا قاتل الزبير بالنار ، ثم أخذ سيف الزبير ، ينظر إليه ، وهو يقول : سيف طالما جلي الكرب عن وجه رسول الله . ( ابن الأثير 244/3 ).

وفي السنة 38 قتل غيلة أعين بن ضبيعة المجاشعي بالبصرة ، وهو من أصحاب الإمام علي ، بعث به إلي البصرة ليثبط بني تميم عن عبدالله بن الحضرمي الذي بعث به معاوية ليثير أهلها علي علي ، فلما قدم أعين البصرة، وكلم بني تميم، تصدع عن ابن الحضرمي كثير ممن اجتمع عليه ، فلما عاد أعين إلي رحله ، قتل غيلة ( شرح نهج البلاغة 48/4).

وفي السنة 40 خرج الإمام علي بن أبي طالب ، من داره بالكوفة أول الفجر ينادي : الصلاة ، فتصدي له عبد الرحمن بن ملجم ، وضربه بالسيف

ص: 353

علي رأسه ، وصاح : الحكم لله ، لا لك يا علي ، وقبض علي ابن ملجم ، وأحضر أمام الإمام علي ، فقال له : يا عدو الله ألم أحسن إليك ؟، قال : بلي، قال : فما حملك علي هذا ؟ قال : شحذت سيفي أربعين صباحأ ، وسأل الله أن يقتل به شر خلقه ، فقال الإمام : لا أراك إلأ مقتولا به ، ولا أراك إلآ شر خلقه ، ثم قال : النفس بالنفس ، إن هلكت فاقتلوه كما قتلني ، وإن بقيت رأيت فيه رأيي ، ألا لا يقتلن إلأ قاتلي ، أنظر يا حسن ، إذا أنا مت من ضربتي هذه ، فاضربه ضربة بضربة ، ولا تمثلن بالرجل ، فإني سمعت رسول الله صلوات الله عليه ، يقول : إياكم والمثلة ، ولو بالكلب العقور ( الفخري 100).

أقول : لم ينس أبو الحسن ، وهو في حالته تلك ، أن يوصيهم بالعناية بقاتله ، لأنه أسير عندهم ، فقال : أطيبوا طعامه ، وألينوا فراشه ( كتاب اسماء المغتالين 162 والأمامة والسياسة 138/1 ).

وفي السنة 40 قتل وردان بن مجالد ، وكان قد شارك ابن ملجم ، في ضرب الإمام علي ، ومعهما ثالث اسمه شبيب بن بجرة ، أما شبيب فقد نجا، وأما عبد الرحمن فقد قبض عليه ، وأما وردان ، فقد فر عائدا إلي منزله ، فلاقاه عبدالله بن نجبة فضربه بالسيف حتي قتله ( الاعلام 129/9 و 130)

وفي السنة 40 قتل عمرو بن بكر التميمي الخارجي ، خارجة ابن أبي حبيبة العامري ، صاحب شرطة عمرو بن العاص ، قتله وهو يحسب أنه عمرو بن العاص ، فأعتقله الناس ، وساقوه إلي عمرو بن العاص ، ولما عرف أنه عمرو ، قال : فمن قتلت ؟ قالوا : خارجة ، صاحب شرطته، فقال العمرو : أما والله يا فاسق ما أردت غيرك ، فقال له عمرو : أردتني ، وأراد الله خارجة ، ثم قتله . ( الأعلام 240/5 ).

ص: 354

وفي السنة 60 قتل المئلم بن مسروح الباهلي ، أحد شرطة عبيد الله بن زياد ، وكان عبيد الله بن زياد ، أو عز بقتل ناسك اسمه خالد بن عباد السدوسي ، فقتله المثلم ،فائتمر به أصحاب خالد ، ورأوه يبحث عن لقحة فاستدرجه أحدهم إلي منزله ، فقتله ، وعقي خبره ، فقال أبو الأسود الدؤلي أبيات منها : ( الاعلام 158/6 ).

واليت لا أغدو وإلي رب لقحة****أساومه حتي يعود المثلم

وفي السنة 97 قتل عبد العزيز بن موسي بن نصير ، أمير الأندلس ، قتله بعض جنده غيلة ، وهو يصلي الصبح ، واتهم بقتله سليمان بن عبد الملك ، إذ قيل أنه هو الذي دس إلي الجند أن يقتلوه ( ابن الأثير 22/5 ).

أقول : سبق أن ذكرت في موضع آخر من هذا الكتاب . أن الوليد بن عبد الملك كان قد عزم علي اقصاء أخيه سليمان عن ولاية العهد، واستخلاف ولده عبد العزيز ، وكان رهط من كبار عماله قد وافقوه علي ذلك ، منهم الحجاج بن يوسف الثقفي ، وقتيبة بن مسلم ، وموسي بن نصير ، ولكن أجل الوليد عاجله قبل إتمام ما عزم عليه ، فمات قبل أن يبلغ الخمسين ، وخلفه سليمان ، وكان ممتلئا غيظا من هؤلاء العمال ، وكان الحجاج قد هلك في أيام الوليد ، وأحس قتيبة بما يضمره له سليمان ، فعزم علي ان يتغذي بسليمان ، قبل أن يتعشي سليمان به، فأعلن خلعه ، فخالفه جنده ، وقاتلوه ، وقتلوه ، وقتلوا معه رهطا من إخوته وأهله ، أما موسي بن نصير ، فإنه حاول أن يرضي الخليفة الجديد بأن أقبل إلي الشام ، يحمل أثقالا من الذخائر والأموال التي غنمها بالأندلس ، وحمل معها من السبي ، والأسري، ونفيس الأمتعة ما لا يحصي ، ولكن سليمان لم ينس سابقة موسي في موافقته علي اقصائه عن ولاية العهد ، فعزله عن الإمارة ، وحبسه ، وأغرمه حتي احتاج أن يسأل العرب في معونته ( ابن الأثير 566/4 ) وكان موسي بن نصير الما قصد الشام ، استخلف علي الأندلس ابنه عبد العزيز ، وعلي سبتة وطنجة

ص: 355

ابنه عبد الملك ، وعلي إفريقية ابنه عبد الله ، والظاهر أن سليمان لما عزل موسي أوجس قلقا من أولاده ، وكان قلقه من عبد العزيز أو فر وأقوي ، لأنه كان ضابطأ، حازما ، وخشي أن عزله ، أن يخرج عليه، فدس إلي اتباعه، فارتكبوا جريمة قتله ، وقتلوه وهو يصلي الصبح في المحراب ، ومما يؤيد اسناد التهمة الي سليمان ، أن مرتكبي الجريمة بعثوا برأس الأمير القتيل عبد العزيز الي الخليفة ، وأن الخليفة سليمان لم يستح أن يعرض الرأس علي الأب المفجوع الذي تجلد للمصيبة وقال : هنيئأ له الشهادة، فقد قتلتموه - والله - صوامة ، قوامة ، وقد ذكر بعض المؤرخين اسباب اخري لقتله ، منها إنه كان قد تزوج بامرأة لذريق ( رودريك ) ملك اسبانيا ، وكانت قد ألفت مع زوجها الأول الوانة من الأبهة افتقدته في العيش مع زوجها الثاني ، فحاولت أن تستعيد تلك الأبهة ، وقد غفلت عن الاختلاف بين الحالين ، فأغرته بأن يأمر من يدخل عليه بالركوع له، ثم أغرته بأن يتخذ له تاجأ ، فثقل ذلك علي أتباعه من العرب ، والذي يظهر لي أن كل هذه لا يمكن أن تعتبر اسبابأ لقتل الأمير في المحراب ، وأعزو القتل الي رغبة من الخليفة ، يؤيد ذلك حمل الرأس الي الشام ، وعرض سليمان رأس الابن علي الاب الشيخ المفجوع ، وهذه من سليمان سقطة قبيحة، راجع ابن الأثير 22/5 .

وفي السنة 102 قتل أهل افريقية ، عاملهم يزيد بن أبي مسلم ، وكان يزيد هذا كاتبا للحجاج بن يوسف الثقفي في العراق ، وهو أخو الحجاج من الرضاعة ، فلما هلك الحجاج، نصبه خلفا له علي العراق ، ولما ولي سليمان بن عبد الملك ، حبسه ، وبقي محبوسا طيلة عهد سليمان ، وعهد عمر بن عبد العزيز ، فلما ولي يزيد بن عبد الملك ، عمد إلي جميع إصلاحات عمر ، فأبطلها بأجمعها ، وإلي جميع من ولاهم عمر ، فعزلهم ، وعمد الي من ولاهم الحجاج ، فأعادهم إلي الأعمال في الولايات ، ومنهم يزيد بن أبي مسلم ، فإنه أخرجه من السجن، وولاه إفريقية ، فعزم علي أن يسير فيهم

ص: 356

بسيرة الحجاج ، فتآمر عليه أهل إفريقية وقتلوه ، وولوا علي أنفسهم الأمير الذي كان عليهم قبل يزيد ، وكان يزيد قد حبسه ، فاستخرجوه من الحبس ، وأمروه ، وكتبوا إلي يزيد بن عبد الملك : إننا لم نخلع يدأ من طاعة ، ولكن يزيد بن أبي مسلم سامنا ما لا يرضي به الله والمسلمون ، فقتلناه وأعدنا عاملك ، فكتب اليهم يزيد : إني لم أرض ما صنع يزيد بن أبي مسلم، وذهب دمه هدرة ( الطبري 617/6 وابن الأثير 101/5 ).

أقول : كان يزيد بن أبي مسلم ، يكثر الذكر والتسبيح ، وكان يأمر بالقوم، فيكونون بين يديه يعذبون ، وهو يقول : سبحان الله ، والحمد لله ، شد يا غلام موضع كذا وكذا ، لبعض مواضع العذاب ، وهو يقول : لا إله إلا الله ، والله أكبر ، شد يا غلام موضع كذا وكذا ، فكانت حالته تلك شر الحالات . ( سيرة عمر بن عبد العزيز 34).

وفي السنة 121 قدم بخاري خداه ، واسمه طوق شياده ، علي نصر بن سيار، بسمرقند، فقدم دهقانان كانا قد أسلما علي يد نصر، يريدان الفتك ببخاري خداه ، وبواصل بن عمرو القيسي ، عامل نصر علي بخاري ، وكان حاضرة المجلس ، فشد أحدهما علي واصل ، فطعنه بسكين في بطنه ، وضربه واصل بالسيف علي رأسه ، فأطار قحف رأسه ، فقتله ، أما الثاني فهاجم بخاري خداه ، وطعنه، فشد عليه الجوزجان، وضربه بجرز كان معه فقتله ، ودعا نصر بن سيار بوسادة لبخاري خداه ، وأحضر له طبيبا يعالجه ، فمات من ساعته ، ومات واصل كذلك ، فدفن واصل ، وأما بخاري خداه ، فكشفوا عنه لحمه وحملوا عظامه الي بخاري ( الطبري 176/7 ).

وفي السنة 130 قتل غيلة أبو السري عبدالله بن عبيد الله ، المعروف بابن الدمينة ، والدمينة أمه ، اغتاله مصعب بن عمر السلولي ، وهو عائد من الحج في تباله ( الاعلام 4/ 236).

ص: 357

وفي السنة 132 تغير السفاح علي وزيره أبي سلمة الخلال ، واتهمه بالميل لأولاد علي ، فقتل غيلة عند خروجه من مجلس السفاح ليلا، وأشيع أن الخوارج قتلوه ، فقال سليمان بن المهاجر البجلي : ( ابن الأثير 436/5)

إن الوزير وزير آل محمد **** أودي فمن يشناك كان وزيرأ

واتهم صاحب الفخري (ص 155- 156) السقاح ، بأنه هو الذي قتل وزيره أبا سلمة الخلال ، وقال عنه أنه كان سمحة، كريما، فصيحة، مطعاما ، عالما بالأخبار ، والأشعار ، والسير ، والجدل ، والتفسير ، وكان ذا مروءة ظاهرة ، اتهمه السفاح بأنه حاول نقل السلطان من العباسيين الي العلويين ، وكان أبو مسلم قد استوزره له ، فكتب السفاح إلي أبي مسلم ، يخبره بأنه قد اتهمه ، فأرسل أبو مسلم قوما من خراسان ، فقتلوه غيلة .

وفي السنة 137 كان أمير إفريقية عبد الرحمن بن حبيب الفهري ، وهو عبد الرحمن بن حبيب بن أبي عبيدة بن عقبة بن نافع ، ودخل إليه أخواه الياس وعبد الوارث لتوديعه فقتلاه ، وكانت إمارته علي إفريقية عشر سنين وسبعة أشهر ، فانتصب لحرب ألياس ، كل من ابن أخيه حبيب بن عبد الرحمن ، وعمران بن حبيب ، أخي الياس ، ثم تصالحوا علي أن تكون تونس لعمران ، وقفصة وما جاورها لحبيب ، وسائر إفريقية لألياس ، ثم غدر الياس بأخيه عمران فقتله ، فسار حبيب الي تونس فملكها، وحارب عمه الياس ، وقتله في السنة 138 ، ففر منه أخوة الياس واستجاشوا أنصار ، وحاربوا حبيب وقتلوه في السنة 140 ( ابن الأثير 311/5 - 316).

وفي السنة 138 خلع القائد جمهور بن مرار العجلي ، طاعة المنصور ، واعتصم بأذربيجان ، فاغتاله بعض اصحابه ، وحمل رأسه إلي المنصور (الأعلام 132/2)

ص: 358

وفي السنة 144 قتل ابو الخطاب عبد الأعلي بن السمح بن عبيد بن حرملة ، إمام نفوسة ، بعد أن حكم جبل نفوسة منذ السنة 140 ( معجم انساب الأسر الحاكمة 101).

وفي السنة 151 قتل غيلة ، معن بن زائدة الشيباني ، وكان علي سجستان ، أنكر بعض الخوارج سيرته ، فاندوا مع فعلة كانوا يبنون في منزله ، ثم دخلوا عليه وهو يحتجم ، ففتكوا به ، وشق بعضهم بطنه بخنجر ، فقتلهم يزيد بن مزيد ، ابن أخ معن ، ولم ينج منهم أحد. ( ابن الأثير 606/5)

وفي السنة 161 قتل غيلة بالأهواز ، أبو عمرو حماد عجرد ، الشاعر الراوية ، من مخضرمي الدولتين الأموية والعباسية ( الأعلام 302/2 - 303).

أقول : إنفرد صاحب الأعلام بخبر قتل حماد غيلة ، فإن ابن خلكان ذكر إنه مات ، كما ذكر إن محمد بن سليمان ، عامل البصرة ، قتله علي الزندقة ( 213/2 ) أما الخطيب البغدادي ، فلم يذكر شيئأ عن وفاته (148/8و 149)، وهو أبو عمرو حماد بن عمر بن يونس الكوفي ، أحد الشعراء الرواة ، كان واحدا من ثلاثة ، اشتهروا بالمجون والخلاعة ، وهم : حماد عجرد ، ومطيع بن إياس ، ويحيي بن زياد ، وكانوا لا يطاقون خبثة ومجانة ، وكانت تدور بينهم مهاترات ومهاجاة ومحاورات، من أجمل ما سمع ، ومما قيل في حماد، وهو من عيون الشعر ، أبيات في وصفه ، تكاد تشكل صورة كاملة له ، قال :

نعم الفتي لو كان يعرف ربه **** ويقيم وقت صلاته حماد

هدلت مشافره الدنان فأنفه **** مثل القدوم بسته الحداد

وأبيض من شرب المدامة وجهه **** فبياضه يوم الحساب سواد

وفي السنة 162 قتل غيلة القائد عبد الرحمن بن حبيب بن عبد الرحمن

ص: 359

الفهري ، المعروف بالصقلبي، لقب بذلك لطوله ورزقته وشقرته ، وكان قد عبر من إفريقية إلي الأندلس داعيا إلي طاعة الدولة العباسية ، فبذل عبد الرحمن الداخل ألف دينار لمن أتاه برأسه ، فاغتاله رجل من البربر ، وحمل رأسه إلي عبد الرحمن ، فأعطاه ألف دينار ( ابن الأثير 6/ 54).

وفي السنة 167 اغتيل عقبة بن سلم بن نافع الهنائي ، بعيساباذ ، في دار عمر بن بزيع ، اغتاله رجل بطعنة خنجر ، فهلك ( الطبري 165/8 ).

أقول : كان عقبة بن سلم هذا ، من أرذال الناس ، وكان جاسوسا عند المنصور ، بعثه يتجسس أخبار العلويين في المدينة بالحجاز ، فقام بعمله علي وجه أرضي المنصور ، فرفعه ذلك عنده ، ثم رافق المنصور إلي الحجاز في سفره الذي قبض فيه علي أولاد الحسن، فكان أحد أدلائه في القبض عليهم ، ثم استخدمه المنصور في إيذاء عيسي بن موسي ، ليضطره بذلك إلي خلع نفسه من ولاية العهد، والتنازل عنها للمهدي ، فكان يحول بين عيسي وبين دخول الناس إليه ، وإذا ركب عيسي مشي خلفه ، وقال : أنت البقرة التي قال الله : فذبحوها وما كادوا يفعلون ، ونال جزاء تجسسه وأعماله الرذيلة ، في خدمة أبي جعفر المنصور أن نصبه عاملا علي البصرة في السنة 151 ثم بعثه إلي البحرين فقتل عاملها، واستحوذ علي ماله ومال غيره من الناس ، فاصطفاها لنفسه ، وبلغ المنصور ذلك ، فبعث اليه اسد بن المرزبان للتحقيق فيما اختلس ، فأعطي عقبة أسدأ جزءا مما اختلس ، فوري عنه في تقريره ، وبلغ أبا جعفر أن أسدا أخذ مالا من عقبة ، فبعث إلي البحرين القائد أبا سويد الخراساني ، وكان صديق أسد، فلما رآه أسد مقبلا علي البريد فرح، وكان ناحية من عسكر عقبة، فتطاول له وقال : صديقي ، فوثب ليقوم لأبي سويد ، فقال له أبو سويد : بنشين بنشين ، ومعناها بالفارسية : إجلس ، فجلس، فقال له : أنت سامع مطيع ؟ قال : نعم ، قال : مد يدك ، فمد يده ، فضربها بسيفه فقطعها ، ثم مد رجله ، ثم مد يده ، ثم رجله ، حتي

ص: 360

قطع أربعته، ثم قال له : مد عنقك ، فمده فضرب عنقه ، وحمل رأسه إلي المنصور ، وعزل عقبة ، حتي هلك غيلة في عهد المهدي في السنة 197 ( الطبري 519/7 ، 520، 523 ، 19/8 ، 25، 26، 32، 39، 40، 135 ،165)

وفي السنة 169 قتل غيلة حمزة بن مالك الخزاعي ، ثار بالجزيرة ، في أيام الهادي العباسي ، فسير اليه عامل الجزيرة جيشا ، فهزمه حمزة ، وقوي أمره ، فصحبه ، رجلان ، وثق بهما ، فقتلاه غيلة . ( الاعلام

313/2 ) .

وفي السنة 181 خالف بطليطلة عبيدة بن حميد، علي الحكم الأموي ، صاحب الأندلس ، فكتب الحكم الي عامل طلبيرة عمروس بن يوسف المعروف بالمولد ، فاستمال عمروس فوما من أهل طليطلة يعرفون ببني مخشي فوثبوا علي عبيدة ، فقتلوه ، وحملوا رأسه إلي عمروس ، فسيره إلي الحكم ، وأنزل بني مخشي عنده ، وكان بينهم وبين البربر الذين بطلبيرة ذحول ، فتسور البربر عليهم ، فقتلوهم ، فسير عمروس رؤوسهم مع رأس عبيدة الي الحكم ( ابن الأثير 158/6 ).

وفي السنة 185 قتل أهل طبرستان، مهرويه الرازي ، وهو واليها ، فولي الرشيد مكانه عبدالله بن سعيد الحرشي ( ابن الأثير 168/6 ).

وفي السنة 188 قتل غيلة راشد ، مولي إدريس العلوي ، جد الأدارسة بالمغرب ، وكان راشد قد رافق مولاه إدريس لما فر من الحجاز بعد وقعة فخ سنة 169 ، فمرا بمصر وإفريقية ، إلي المغرب الأقصي ، حيث استقر إدريس ، وعظم أمره ، ودس السم لإدريس ، فمات ، فتولي راشد إدارة الأمور باسم الجنين من أولاد إدريس ، ولما ولد ، قام راشد بأمره وأمر دولته ، حتي نشأ، وتسلم عرش أبيه ، فدس إبراهيم بن الأغلب ، صاحب القيروان ، من قتل راشد غيلة . ( 33/3 ).

وفي السنة 200 قتل بالإسكندرية ، عمر بن عبد الملك ، من أولاد

ص: 361

معاوية بن حديج ، قتله أنصاره الأندلسيون بالإسكندرية ، وكان يلي الإسكندرية ، فعزله المطلب بن عبدالله ، أمير مصر ، فعصي واتفق مع الجروي العاصي ، ووقعت حروب ، فانكسر عمر ، ثم عاد ، وعادت الفتنة ، إلي أن قتل بالإسكندرية ( الأعلام 213/5 ).

وفي السنة 202 كان الفضل بن سهل وزير المأمون ، في الحمام ، بسرخس ، فدخل عليه قوم ، وقتلوه غيلة ، فاعتقلهم المأمون ، فقالوا له : أنت أمرتنا بقتله ، فأمر بهم فقطعت أعناقهم . ( ابن الأثير 346/6 - 347) .

وفي السنة 226 قتل أمير السند عمران بن موسي بن يحيي البرمكي ، حيث وقعت فتنة بين النزارية واليمانية ، فمال إلي اليمانية ، فسار إليه أحد النزارية ، وقتله غيلة . ( الاعلام 234/5 ).

وفي السنة 247 تامر المنتصر ، وبعض الأتراك علي قتل المتوكل ، ودخلوا عليه ليلا ، فابتدره احدهم فضربه علي كتفه وأذنه ، فقده ، فاستقبله بيده ، فضربها ، فأبانها ، وشاركه باغر، فتصدي لهم الفتح بن خاقان فبعجوه بسيوفهم فصاح ، فقتلوهما معا. ( ابن الأثير 98/7 - 99).

وفي السنة 255 قتل غيلة ، خفاجة بن سفيان ، أمير صقلية ، اغتاله رجل من عسكره ليلا ، وهو عائد من سرقوسة إلي بلرم ، وخلفه ولده محمد ، ( الأعلام 355/2 ).

وفي السنة 257 قتل غيلة محمد بن خفاجة ، أمير صقلية ، وكان قد استولي علي مالطة ، فأضافها إلي ملكه ، وانتصر علي أساطيل الروم ، فاغتاله ثلاثة من خدمه ، قتلوه في عاصمة حكمه مدينة بلرم بصقلية ( الاعلام 347/6)

وكان أحمد بن عبدالله الخجستاني ، من أصحاب محمد بن طاهر ، ثم التحق بيعقوب الصقار ، ثم استولي علي نيسابور ، وخلع طاعة يعقوب ، ثم

ص: 362

استولي علي جرجان ، وعاد إلي نيسابور ، فأقام بها ، وحار به عمرو بن الليث الصفار، فانكسر عمرو، ثم سار احمد الي طخارستان، فتواطأ عليه غلامان من غلمانه وهما قتلغ ورامجور، فقتلاه في السنة 262 ( ابن الأثير 296/7 -303)

وقتل الأمير خمارويه ، صاحب مصر والشام ، بدمشق في السنة 282 ، وكان يحرسه بمصر ، إذا نام ، سبع أزرق العينين ، اسمه زريق ، أنس بخمارويه ، وكان يتركه مطلقا في الدار ، لا يؤذي أحدأ ، وإذا نصبت مائدة خمارويه ، أقبل زريق معها ، ورربض بين يديه ، فكان يرمي إليه بيده ، بالدجاجة بعد الدجاجة ، وبالفضلة الصالحة من الجدي ، فإذا نام خمارويه ، جاء زريق ، وربض بين يدي سريره ، يراعيه ، ما دام نائما، وإذا نام خمارويه علي الأرض استقر زريق قريبة منه ، لا يغفل عنه لحظة واحدة ، وكان قد ألف ذلك ، ودرب عليه ، فلا يقدر أحد أن يدنو من خمارويه ، ما دام نائمة ، لمكان زريق ، ولما قتل خمارويه بدمشق ، كان زريق في القاهرة . ( خطط المقريزي 317/1 ).

وفي السنة 289 اغتيل الأمير ابو العباس أحمد بن إبراهيم بتونس ، اغتاله خدم صقالبة ، وخلفه ولده زيادة الله أبو نصر ( العيون والحدائق ج 4 ق اص 195).

وفي السنة 290 قتل من الأغالبة السلطان أبو العباس عبدالله ( الثاني ) بن محمد ، بعد حكم طال 29 سنة ( معجم انساب الأسر الحاكمة 106). :

وفي السنة 292 قتل غيلة ، يحيي بن القاسم بن إدريس ، الملقب بالعام، من ملوك الأدارسة، بالمغرب ، قتله رجل يدعي الربيع بن سليمان، بفاس . ( الاعلام 204/9 ).

وفي السنة 293 قتل أبو غانم عبد الله بن سعيد القرمطي ، وكان قد احتل مدينة بصري ، وقتل رجالها ، وفتح طبرية ، وقتل أهلها وسبي نساءها ،

ص: 363

وبطش بأهل هيت ، فبعث السلطان جيشأ لمحاربته ، فوثب عليه بعض من كان معه ، وقتلوه ( الأعلام 222/4 ).

وفي السنة 296 أراد رجال الدولة خلع المقتدر ، وقبل مباشرة خلعه ، بدا للوزير العباس بن الحسن ، والقائد فاتك المعتضدي ، فخالفهم ، فقام الحسين بن حمدان ، وبدر الأعجمي، ووصيف ، فقتلوا العباس بن الحسن ، وفاتك المعتضدي ، في الطريق ( ابن الأثير 14/8 ).

وفي السنة 301 قتل الأمير أحمد بن اسماعيل الساماني ، صاحب خراسان وما وراء النهر ، اغتاله جماعة من غلمانه ، فذبحوه علي سريره وهربوا ، وكان له أسد يربطه كل ليلة ، علي باب مبيته، فلا يقربه أحد ، فاغفلوا إحضار الأسد تلك الليلة ( ابن الأثير 77/8 ).

وفي السنة 302 قتل أبو سعيد الحسن بن بهرام الجنابي ، زعيم القرامطة ، اغتاله خادم له صقلبي في الحمام ، وقتل معه أربعة نفر من رؤسائهم، كان يدعو واحد واحد ، يقول له : السيد يستدعيك ، فإن دخل قتله ، ثم فطنوا له ، فقتلوا الخادم . ( ابن الأثير 83/8 - 84).

وفي السنة 303 قتل بطعنة حربة ، الفتح بن موس بن ذي النون ، صاحب حصن أقليش بالأندلس غدر به رجل من أصحابه يعرف بالأقرع ، أصاب منه غرة ، فقتله . ( الأعلام 332/5 ).

وفي السنة 311 قتل أبو زكريا يحيي الأرجاني ، حاكم جبل نفوسة ( معجم انساب الأسر الحاكمة 101).

وفي السنة 322، لما بويع الراضي بالخلافة ، كان هارون بن غريب الخال، خال المقتدر ، علي معاون ماه الكوفة وما سبذان ، فترك عمله ، وتوجه إلي بغداد ، إذ رأي نفسه أحق بالدولة ، لقرابته ، فعظم ذلك علي القواد بالحضرة ، وراسله الراضي في البقاء في موضعه ، فلم يقنع ، واستمر

ص: 364

في طريقه ، فخرج إليه الجند العباسي ، ونشبت المعركة في النهروان ، فتقطر بهارون فرسه ، وسقط في ساقية ، فلحقه يمن غلامه ، فضربه بالطبرزين ، حتي أثخنه ، ثم سل سيفه ليذبحه ، فقال له هارون : يا عبد السوء ، أنت تفعل هذا ، وتتولي بيدك قتلي ، أي شيء أذنبت به إليك ؟ فقال له : نعم ، أنا أفعل بك هذا ، وحر رأسه. ( تجارب الأمم 306/1 - 309) .

وفي السنة 332 قتل أبو عبدالله البريدي ، أخاه أبا يوسف البريدي ، اتهمه بأنه أراد القبض عليه ، والاستبداد بالأمر دونه ، فأقام غلمانه يرصدونه في طريق مسقف بين داره والشط ، فلما أقبل إليه أبو يوسف ، وثب عليه الغلمان، فقتلوه ، وهو يصيح : يا أخي ، يا أخي، قتلوني ، وأخوه يسمعه، ويقول : إلي لعنة الله ( ابن الأثير 409/8 - 410).

ولما قتل مرداويج أسفار بن شيرويه ، وملك قزوين ، والري ، وهمدان ، وكنكور ، والدينور ، وبروجرد ، وقم ، وقاشان ، وأصبهان ، وجرباذقان ، أساء السيرة ، وطغي، وعمل له سريرة من ذهب يجلس عليه ، والتفت الديلم حوله ، وعظمت جيوشه ، واستولي علي الأهواز ، وعمل تاجا مرضعا علي صفة تاج كسري ، وعزم علي قصد العراق ، وإعادة بناء المدائن وإيوان كسري ، وفي السنة 323 هاجمه غلمان له من الأتراك ، وهو في الحمام ، باتفاق مع بعض قواده وقتلوه ( ابن الأثير 197/8 ، 227، 285 ، 303-298)

أقول : كان مرداويج يفكر في إعادة إمبراطورية الفرس ، وكان قد كتب إلي عامله علي الأهواز أن يعد له إيوان كسري منزلا إذا تقدمه إلي الحضرة ، وأن يعمره ويعيده كهيأته قبل الإسلام ، وكان قد صاغ لنفسه ناجا عظيما ، ورضعه بالجوهر ، وصنع سريرا من الذهب ، جعل عليه منصة عظيمة من أجل جلوسه ، وجعل دونه سرير فضة وعليه فرش ، ودونه كراسي مذهبة ، وكان أتباعه يقفون بالبعد منه قياما، ما ينطقون إلأ همسأ، وكان يريد أن

ص: 365

يلقب بشاهنشاه ، وكان يقول : أنا أرد دولة العجم ، وأبطل دولة العرب ( تجارب الأمم 317/1 - 318 وابن الأثير 302/8 ).

وفي السنة 371 قام ابو الحسين العتبي ، وزير الأمير نوح بن منصور الساماني ، صاحب خراسان وما وراء النهر ، بعزل أبي الحسن محمد بن إبراهيم بن سيمجور عن قيادة الجيوش السامانية ، فوضع ابن سيمجور جماعة من المماليك علي قتل العتبي ، فقتلوه ( ابن الأثير 11/9 - 13).

وفي السنة 372 اغتال أبو الفرج بن عمران بن شاهين ، أخاه أبا محمد صاحب البطيحة ، فانتصب في موضعه ، وقد انتهز أبو الفرج أنه صحب أخاه أبا محمد لزيارة أخت لهما اعتلت ، فلما دخلا الي الحرم ، توقف حرس ابي محمد عن الدخول ، فانتهز أبو الفرج الفرصة ، فضرب أبا محمد بالسيف فقتله ( ذيل تجارب الأمم 82- 83)، وفي السنة 373 تحرك القواد علي أبي الفرج فقتلوه ونصبوا مكانه أبا المعالي ابن أبي محمد بن عمران ( ذيل تجارب الأمم 88). :

وفي السنة 375 قتل الحسن بن القاسم الإدريسي ، آخر أمراء الدولة الإدريسية في الريف المغربي ، ولي الحكم بعد أخيه أحمد سنة 348 وحارب المروانيين بالأندلس ، فانكسر جيشه ، وحمل إلي قرطبة ، ثم أطلق ، فقصد الفاطميين بمصر ، واستعان بهم لاستعادة ملكه، فأعانوه ، وحارب المروانيين مجددا في السنة 373 فانكسر ، وأسر ، وسيق ثانية إلي قرطبة ، فقتل غيلة وهو في الطريق ( الاعلام 227/2 - 228).

وفي السنة 391 قتل حسام الدولة أبو حسان المقلد بن المسيب العقيلي صاحب الموصل ، غيلة ، ذبحه أحد غلمانه ، وسبب ذلك : أن غلمانه الأتراك سبق أن هربوا منه وأخذوا دوابه . فتبعهم ، وظفر بهم ، وقتل ، وقطع أحد عشر غلامأ منهم ، وأعادهم إلي خدمته ، فراعي أحدهم الفرصة ، وذبحه وفر ( تاريخ الصابي 389/8 ).

ص: 366

وفي السنة 405 قتل بدر بن حسنويه ، غيلة ، قتله بعض أتباعه ، وكان أمير الجبل ، كثير الصدقة، كبير النفس ، عظيم الهمة ( ابن الأثير 248/9 ).

أقول : أبو النجم بدر بن حسنويه بن الحسين الكردي ، ولاه عضد الدولة البويهي علي الجبل ، خلفا لوالده حسنويه ، وكانت له الولاية علي الجبل ، وهمذان ، والدينور ، وبروجرد ، ونهاوند ، وأستراباذ، وما يجاورها ، وقامت هيبته بالشجاعة والسياسة والعدل وبذل الأموال في عمل الخير ، وكناه القادر أبا النجم ، ولقبه ناصر الدولة ، وعقدله لواء وأنفذه اليه ، وكانت أعماله آمنة، فإذا وقع حمل في البرية ، تركه صاحبه ومضي فجاء بما يحمله عليه ، فلا يتعرض له أحد، ولماعان قومه في البلاد عمل لهم دعوة ، وقدم لهم أنواع الطبائخ ، ولم يقدم خبزة ، فجلسوا ينتظرون الخبز ، فقال لهم : ما بالكم لا تأكلون ؟ فقالوا : أين الخبز ؟ فقال لهم : إذا كنتم تعلمون أنه لا بد لكم من الخبز، فلماذا أفسدتم الحرث ؟ لئن اعترض أحدكم بصاحب زرع ، فسأقابله بسفك دمه ، واجتاز يومأ برجل يحمل حملا من الحطب علي ظهره وهو يبكي ، فنزل اليه ، وسأله عن سبب بكائه ، فقال : إني ما أكلت منذ البارحة شيئا ، وكان معي رغيفان أعددتهما لاتغدي بهما ، وأبيع الحطب وأحمل ثمنه لقوت عيالي ، فاجتاز بي أحد الفرسان وأخذ الرغيفين مني ، فأخذه معه وأوقفه علي مضيق ووقف معه ، حتي اجتاز العسكر ، فمر صاحبه ، فأشار إليه ، وقال : هذا ، فأمره بدر أن ينزل عن فرسه ، وألزمه أن يحمل الحطب علي ظهره إلي البلد ، وأن يبيعه ويسلم ثمنه إلي صاحب الحطب ، جزاء لما فعل، فرام الرجل أن يفتدي نفسه بمال، حتي عرض أن يعوض صاحب الحطب وزن حطبه دراهم ، فلم يقبل منه ، وفرض عليه أن يحمل الحطب علي ظهره ، وأن يبيعه في البلد ، ففعل الرجل ذلك ، فقامت الهيبة في النفوس، ولم يجرأ أحد من أصحابه صغيرة أو كبيرة علي شيء ، وكانت جرايانه متصلة علي

ص: 367

الفقهاء والأشراف والقضاة والشهود والأيتام والضعفاء ، وكان إذا قطع بره عن أحد أصحابه لذنب اقترفه ، فإذا مات أعاد البر علي أولاده ، وكان قد حصر حصن كوس حد، حصن الحسن بن مسعود الكردي ، فجاء بدرة رجل كردي وقال له : قد عزموا علي قتلك ، وكان بدر عظيم الإعتداد بنفسه ، فقال له : من هؤلاء الكلاب حتي يقدموا علي ذلك، فعاوده ، وحذره ، فغضب ، وقال له : لا أريد نصحك ، فاغتاله بعض أتباعه ، ونهبوا معسكره ، وتركوه وساروا ، وخلفوه ملقي علي الأرض ، فنزل الحسن بن مسعود من حصنه ، وأمر بتجهيزه وتكفينه ، وحمله إلي مشهد علي عليه السلام فدفن هناك ، وكانت مدة إمارته اثنتين وثلاثين سنة ( المنتظم 271/7 - 272).

وفي السنة 406 أطلق شمس الدولة ، طاهر بن هلال بن بدر بن حسنويه ، وكان معتقلا عنده ، وأقام طاهر بالنهروان، وصاهر أبا الشوك ، فلما أمنه طاهر ، وثب عليه أبو الشوك ، فاغتاله ، لأنه كان يطلبه بثأر أخيه سعدي . ( ابن الأثير 261/9 ).

أقول : لما قتل بدر بن حسنويه ، كان ولده هلال محبوسا عند الملك سلطان الدولة ، فلما استولي شمس الدولة بن فخر الدولة علي بعض بلاد بدر ، أطلق سلطان الدولة هلالا ، وجهزه بجيش ليستعيد من شمس الدولة ما استولي عليه ، والتقي هلال بشمس الدولة ، فانهزم أصحاب هلال ، وأسروه ، وفي السنة 406 أطلقه شمس الدولة ، فاجتمع له طوائف حارب بهم أبا الشوك الكردي فهزمه وقتل أخاه سعدي ، وأقام طاهر بالنهروان ، ثم صالحه أبو الشوك وزوجه بأخته ، حتي إذا اطمأن له طاهر ، وثب عليه أبو الشوك فقتله ( ابن الأثير 249/9-460).

وفي السنة 407 تآمر قواد خوارزم شاه أبي العباس مأمون بن مأمون ، وقتلوه غيلة ، وكان قد صاهر محمود بن سبكتكين ، فلما بلغه الخبر ، قصد

ص: 368

خوارزم وحارب القواد ، وكسرهم ، وأسر قسما منهم فصلبهم عند قبر خوارزم شاه . ( ابن الأثير 264/9 - 265).

وفي السنة 408 قتل الناصر لدين الله علي بن حمود الإدريسي الحسني ، أول ملوك الدولة الحمودية بقرطبة ، قتله بقرطبة بعض الصقالبة دخلوا عليه الحمام وقتلوه ( الاعلام 94/5 ).

وفي السنة 408 قتل غيلة المرتضي ، عبد الرحمن بن محمد الأموي ، وكان قد تصدي لطلب الخلافة ، وتبعه جماعة ، ثم دشوا عليه من قتله ( الأعلام 102/4 ).

وفي السنة 409 قتل غيلة بالقاهرة ، أبو الحسن علي بن جعفر بن فلاح الكتامي ، من أكابر وزراء الفاطميين بمصر، قتله فارسان متنكران بالقاهرة . ( الأعلام 76/5 ).

وفي السنة 411 قتل الحاكم بأمر الله أبو علي المنصور بن العزيز بن المعز العلوي ، غيلة ، ولم يعرف قاتله ، وبصروا بالحمار الذي كان يركبه ، وقد ضربت يداه بسيف فأثر فيهما ، ورأوا ثياب الحاكم ، وهي سبع قطع صوف ، مزورة بحالها لم تحل ، وفيها أثر السكاكين ، فأيقنوا بأنه قد قتل ( ابن الأثير 315-314/9).

وفي السنة 412 قطعت خطبة سلطان الدولة البويهي من العراق، وخطب لمشرف الدولة ، وطلب الديلم من مشرف الدولة أن ينحدروا إلي بيوتهم بخوزستان ، فأذن لهم، وأمر وزيره أبا غالب بالإنحدار معهم ، فلما وصلوا إلي الأهواز، قتلوه ( ابن الأثير 323/9 ).

وفي السنة 413 قتل أمير الأمراء ، عزيز الدولة ، وتاج الملة ( هذه ألقابه ) فاتك بن عبد الله الرومي ، أمير حلب للحاكم الفاطمي ، دخل عليه غلام له هندي ، وهو نائم في فراشه ، فقتله ( الاعلام 322/5 ).

ص: 369

وفي السنة 422 قتل غيلة ، الوزير أبو علي الحسن بن علي بن جعفر ، المعروف بابن ماكولا ، من نسل أبي دلف العجلي ، كان وزير جلال الدولة البويهي ، وحارب علي رأس جيش ، فانكسر ، وحمل إلي أبي كاليجار ، فاطلقه ، فلم يلبث أن أغتاله غلام له اسمه عدنان ، بالأهواز ( ابن الأثير 401/9 والاعلام 218/2 ).

وفي السنة 425 قتل أمية بن عبد الرحمن الأموي ، بقرب قرطبة ، وكان أمية هذا قد أحدث فتنة بقرطبة في السنة 422 فأخرجه أهل قرطبة ، وجميع بني أمية ، خشية الفتنة ، وفي السنة 425 بلغهم أنه قادم إلي قرطبة ، فخافوا فتنة ، فاخرجوا إليه من قتله بقرية راشد قرب قرطبة ( الأعلام 363/1 ).

وفي السنة 426 قتل علي بن ثمال الخفاجي ، أمير بني خفاجة ، وكانت له حماية الكوفة ، قتله غيلة ، إبن أخيه الحسن بن أبي البركات بن ثمال ( الأعمال 75/5 ).

وفي السنة 430 قتل أبو الحكم منذر بن يحيي التجيبي ، الملقب بالحاجب المنصور ذي الرياستين ، صاحب سرقسطة بالأندلس ، قتله أحد قواده ، دخل عليه وهو غافل قد أكب علي كتاب يقرأه ، فطعنه بسكين ، فقتله ( الأعلام 231/8 - 232).

وفي السنة 440 قتل الأمير آق سنقر ، بهمذان، قتله الباطنية غيلة ، لأنه كان شديدا عليهم ( ابن الأثير 552/9 ).

ولما قتل طغرل الحاجب ، السلطان عبد الرشيد، صاحب غزنة ، وتسلطن مكانه ، في السنة 444 ، أنكر ذلك أحد الأمراء واسمه خرخيز، وكتب إلي وجوه القواد يعيرهم بسكوتهم عن ذلك ، فتآمر القواد علي طغرل ، ودخلوا عليه ، فضربه أحدهم بسيفه ، وتبعه الباقون ، فقتلوه . ( ابن الأثير 584/9)

ص: 370

وفي السنة 457 قتل بقرطبة ، أبو مروان عبد الملك بن زيادة الطنبي ، قتلته جواريه ، لتقتيره عليهن ( الأعلام 303/4 ).

وفي السنة 457 قتل منصور بن عبد الملك ، صاحب باب الأبواب ، وكان قد حكم منذ السنة 434 ( معجم انساب الأسر الحاكمة 283).

وفي السنة 468 قتل صاحب حلب أبو المظفر نصر بن محمود من بني مرداس ( معجم أنساب الأسر الحاكمة 204).

ومن الفواجع التي تذكر في التاريخ ، ما أصاب المعتمد بن عباد اللخمي ، صاحب إشبيلية وقرطبة وما حولهما (431- 488)، وقد كان من أفراد الدهر شجاعة وجودة وحزمة ، فقد قتل ولده أبو عمر الظافر ، في قرطبة وهو أميرها ، وفي السنة 483 قتل المرابطون بقرطبة ولده الآخر المأمون أبا النصر عباد ، وكان أميرة بها كذلك ، وفي السنة 484 استولي المرابطون علي إشبيلية ، وأسروا المعتمد ، وأثقلوه بالحديد ، ونفوه إلي أغمات بمراكش ، حيث سجن هناك إلي أن مات في السنة 488، وكان ولداه الراضي بالله أبو خالد يزيد بحصن رنده ، والمعتد بالله بحصن مارتلة ، والحصنان منيعان ، فكتب المعتمد اليهما بتسليم الحصنين للمرابطين ، فلما نزل الراضي عن الحصن ، قتل غيلة ، أما المعتد فإنه لما نزل، اعتقل وصودر ، ومن بعد اعتقال المعتمد ، ثار أحد أولاده ، واسمه عبد الجبار ، واعتصم بحصن أركش ، وهو معقل مجاور لإشبيلية ، فقتل في إحدي المعارك . ( المعجب للمراكشي 200.190 . 205- ابن الأثير 285/9 - 288 والاعلام 50/7 ).

وفي السنة 485 قتل الوزير نظام الملك الشهير ، أبو علي الحسن بن علي بن اسحق ، وزير السلطان ملكشاه ، ووزير أبيه ألب أرسلان من قبله ، صاحب المدارس النظامية ، في بغداد ، وفي غيرها من المدن في أنحاء ممالك الإسلام ، وكان ذلك بالقرب من نهاوند ، كان صائما فأفطر ، وخرج في محنته، فتصدي له صبي ديلمي في صورة مستميح ، فلما اقترب منه

ص: 371

ضربه بسكين كانت معه ، فقضي عليه ، وأراد أن يهرب ، فأدركوه فقتلوه ، فقال فيه شبل الدولة مقاتل بن عطية : ( ابن الأثير 204/10 -206).

كان الوزير نظام الملك لؤلؤة**** يتيمة صاغها الرحمن من شرف

عت ولم تعرف الأيام قيمتها**** فردها غيرة منه إلي الصدف

وفي السنة 486 قتل السلطان بركياروق بن ملك شاه ، الأمير بلبرد ، أحد كبار أمرائه ، وأمراء أبيه ، وكان بركياروق ، قد زاد في إقطاعه ، إقطاع كوهرائين ، وشحنكية بغداد ، وكان قد وصل إلي دقوقا ، فأعيد منها ، لأنه تعلم علي والدة السلطان بركياروق ، بكلام شنيع ، فلما وصل إليه ، أصبح مقتولا ( ابن الأثير 226/10 ) .

وفي السنة 487 قتل جمال الدولة بن محمد بن عمار قاضي الإسكندرية، من بني عمار حكام طرابلس الشام ( معجم أنساب الأسر الحاكمة 160).

وفي السنة 490 قتل عبد الرحمن السميرمي ، وزير أم السلطان بركياروق ، قتله باطني ، غيلة ، وقتل الباطني بعده . ( ابن الأثير 270/10 ).

وفي السنة 490 قتل ارغمش النظامي ، مملوك نظام الدولة ، بالري ، وكان قد بلغ مبلغا عظيما ، بحيث إنه تزوج إبنة ياقوتي عم السلطان بركياروق ، قتله باطني ، وقتل قاتله . ( ابن الأثير 271/10 ).

وفي السنة 490 قتل برسق ، وهو من أكابر الأمراء ، وكان أول شحنة ببغداد ، قتله باطني . ( ابن الأثير 10/ 271).

وفي السنة 490 قتل صاحب خراسان أرسلان أرغون ، بن ألب أرسلان ، وهو أخو السلطان ملكشاه ، قتله أحد غلمانه ، لسوء معاملته لهم ، طعنه بسكين، فقتله . ( ابن الأثير 262/10 ) .

ص: 372

وفي السنة 492 خالف الأمير أنر ، علي السلطان بركياروق ، وكان في احد الأيام صائما ، فلما أفطر ، هجم عليه ثلاثة نفر من الأتراك ، فصدم أحدهم المشعل ، فألقاه ، وصدم الآخر الشمعة فأطفأها ، وطعنه الثالث بالسكين، فقتله ، وقتل معه جانداره . ( ابن الأثير 282/10 ).

وفي السنة 495 اغتال شاب أشقر ، الأعز أبا المحاسن عبد الجليل بن محمد الدهستاني ، وزير السلطان بركياروق ، قيل أنه من غلمان أبي سعيد الحداد ، وكان الدهستاني قد قتله في العام الماضي ( ابن الأثير 335/10 ).

وفي السنة 495 هاجم أحد الباطنية ، جناح الدولة ، وهو بالمسجد الجامع ، بحمص ، فقتله ، قيل إن ربيبه الملك رضوان، وضع عليه من قتله غيلة ( ابن الأثير 345/10 ).

وفي السنة 496 قتل أبو المظفر بن الخجندي ، بالري ، وكان يعظ الناس ، فلما نزل من كرسيه ، قتله رجل علوي ، فقتل العلوي . ( ابن الأثير 366/10)

وفي السنة 498 ارتاب السلطان محمد ، بالأمر إياز ، فوضع جماعة من القواد علي قتله ، فلما اجتمعوا ، ضرب أحدهم رأسه فأبانه ، ولفت إياز في مسح ، وألقي علي الطريق عند دار المملكة ، واختفي وزيره الصفي ، ثم أخذ، وحمل إلي دار الوزير سعد الملك ، وقتل كذلك ( ابن الأثير 389 -387/10)

وفي السنة 498 فتك باطني بأبي جعفر بن المشاط ، من شيوخ الشافعية بالري ، لما نزل من كرسي الوعظ ، تصدي له الباطني فقتله ( ابن الأثير 333/10 ).

وفي السنة 499 قتل أحد الباطنية ، القاضي أبا العلاء صاعد بن محمد النيسابوري الحنفي ، بجامع أصبهان ( ابن الأثير 415/10 ).

ص: 373

وفي السنة 500 قتل أحد الباطنية ، فخر الملك علي بن نظام الملك الحسن ، وكان مقيما عند السلطان سنجر ، وكان صائمأ ، فلما كان وقت العصر ، خرج يريد الحرم ، فسمع صياح متظلم شديد الحرقة ، يصيح : ذهب المسلمون ، لم يبق من يكشف مظلمة، فأحضره ، وقال له : ما حالك ؟ فدفع إليه رقعة ، وبينما كان يتأملها ، ضربه بسكين ، فقتله ، وقتل الباطني . ( ابن الأثير 418/10 - 419).

وفي السنة 502 قتل قاضي أصبهان ، عبيدالله بن علي الخطيبي بهمذان ، وكان قد تجرد في أمر الباطنية تجردا عظيما ، وصار يلبس درعا حذرة منهم ، ويحتاط ، ويحترز ، قصده إنسان عجمي يوم جمعة ، ودخل بين أصحابه ، فقتله ( ابن الأثير 471/10 - 472).

وفي السنة 503 هاجم أحد الباطنية ، الوزير نظام الملك ، احمد بن نظام الملك الحسن ، وكان متوجها إلي الجامع فوثب به الباطني ، وطعنه بسكين ، فجرحه في رقبته ، وأخذ الباطني ، وسقي الخمر ، حتي سكر ، وسئل عن أصحابه ، فأقر علي جماعة بمسجد المأمونية ، فأخذوا ، وقتلوا ( ابن الأثير 478/1 ، 478).

وفي السنة 507 كانت وقعة عظيمة بين المسلمين والإفرنج ، في اراضي طبرية ، كان فيها ملك دمشق الأتابك طغتكين ، وفي خدمته صاحب سنجار ، وصاحب ماردين ، وصاحب الموصل ، فهزموا الإفرنج هزيمة فاضحة، ولما رجعوا إلي دمشق ، خرج الأتابك طغتكين مع صاحب الموصل مودود بن ألتونتكين ، وصليا معا ، وخرجا إلي صحن الجامع بعد الصلاة ، ويد مودود في يد طغتكين ، فوثب باطني علي مودود وجرحه أربع جراحات ، وكان مودود صائما ، فحمل إلي دار طغتكين واجتهدوا به ليفطر ، فأبي ،

ص: 374

وقال : لا لقيت الله إلا صائما، فمات من يومه رحمه الله ( ابن الأثير 495/10-990 وعيون التواريخ 21).

وفي السنة 510 حضر الأمير أحمديل بن إبراهيم بن وهسودان الكردي ، صاحب مراغة ، وغيرها من أذربيجان ، دار السلطان محمد ، ببغداد ، فجاءه رجل متظلم ، وبيده رقعة ، وهو يبكي ، ويسأله أن يوصلها إلي السلطان ، فأخذها من يده ، فضربه الرجل بسكين ، فجذبه أحمديل وطرحه تحته ، فوثب رفيق للباطني وضرب أحمديل سكينة أخري ، فأخذتهما السيوف ، فوثب رفيق ثالث للباطني ، وضرب أحمديل سكينة أخري ، فقتل أحمديل . ( ابن الأثير 516/10 ).

وفي السنة 511 كان ابن بديع رئيس حلب ، بقلعة دوسر ، فلما وافي ايلغازي ، نزل إليه ابن بديع ، فلما صار عند الزورق ، ليقطع الماء إلي العسكر ، وثب عليه اثنان من الباطنية ، فضرباه عدة سكاكين ، ووقع ولداه عليهما فقتلاهما ، وقتل ابن بديع واحد ولديه ، وجرح الآخر، وحمل الي القلعة ، فوثب باطني آخر عليه وقتله ، وحمل الباطني ليقتل ، فرمي بنفسه في الماء وانتحر غرقا ( اعلام النبلاء 427/1 ).

وفي السنة 515 اغتيل امير الجيوش ، الأفضل ابن بدر الجمالي ، الوزير بمصر ، هاجمه رجلان في سوق الصياقية ، فضرباه بالسكاكين ، وجاء ثالث من ورائه ، فضربه بسكين في خاصرته ، وقتل الثلاثة ، ومات الأفضل ( ابن الأثير 589/10 ).

وفي السنة 516 قتل أبوطالب السميرمي ، وزير السلطان محمود السلجوقي ، وكان مجاهرأ بالظلم والفسق ، وكان يقول : لقد سننت علي أهل بغداد السنن الجائرة ، وقد فرش حصيرة في جهنم ، تصدي له وهو في موكبه شخص فضربه بسكين ، فوقعت في البغلة ، وفر ، فلحقه أصحاب

ص: 375

الوزير ، فبرز آخرون وطعنه أحدهم بسكين في خاصرته، وجذبه عن البغلة إلي الأرض ، وأخذ يطعن في مقاتله والوزير يستعطفه ، ويقول له : أنا شيخ ، فلم يقلع عنه ، وبرك علي صدره ، وجعل يطعنه وهو يكبر بأعلي صوته ، وجعل أصحاب الوزير يضربونه بسيوفهم ، ويرشقونه بسهامهم ، وهو ماض في ذبح الوزير ، ولم يسقط إلا بعد أن أتم ذبح الوزير كما تذبح الغنم . ( المنتظم 240/9 ).

وفي السنة 519 قتل القاضي أبو سعد محمد بن نصر بن منصور الهروي بهمذان ، قتله الباطنية، وكان ذا مروءة وتقدم في الدولة السلجوقية ( ابن الأثير 630/10 ).

وفي السنة 520 قتل الأمير أقسنقر البرسقي ، صاحب الموصل وحلب ، وكان من خيار الناس ، قتل في جامع الموصل، دخل ليصلي الجمعة، وقصد المنبر ، فلما قرب منه ، وثب عليه ثمانية نفر في زي الزهاد ، فاخترطوا خناجر وقصدوه ، وسبقوا الحفظة الذين حوله ، فضربوه حتي أثخنوه ، وجرحوا قوما من حفظته ، وقتل الحفظة منهم قوما ، وقبضوا قوما ، وحمل البرسقي باخر رمق إلي بيته ، فمات من يومه ، وقتل أصحابه من بقي في أيديهم من الباطنية ، ولم يفلت من قتلته سوي شاب واحد ( اعلام النبلاء 470/1 ).

وفي السنة 521 قتل معين الملك ابو نصر أحمد بن الفضل، وزير السلطان سنجر ، قتلته الباطنية ( ابن الأثير 647/10 ).

وفي السنة 523 وثب الإسماعيلية ( الباطنية ) علي عبد اللطيف بن الخجندي ، رئيس الشافعية بأصبهان ، فقتلوه، وكان ذا رئاسة عظيمة ، وتحكم كثير ( ابن الأثير 660/10 ).

وفي السنة 524 قتل الخليفة الأمر الفاطمي ، المنصور بن احمد

ص: 376

(490- 524) غيلة ، اغتاله قوم من النزارية، وهو قاصد الهودج ، حيث تقيم زوجته الأعرابية ، وكيفية زواجه بها ، إنه بلغه أن بالصعيد من أرض مصر ، فتاة عربية ، جميلة الصورة ، كاملة الأوصاف ، ظريفة شاعرة، فتريا بزي بداة الأعراب ، وانتهي إلي حيها ، متنكرة ، وبات عند أهلها ضيفة ، واحتال حتي أبصرها ، وعاد إلي القاهرة ، فبعث وخطبها، وتزوجها ، فلما صارت الي القاهرة ، صعب عليها مفارقة ما اعتادت عليه ، فضاقت بها قصور الفاطميين ، وأحبت أن تسرح طرفها في الفضاء ، ولا تقبض نفسها تحت حيطان المدينة ، فبني لها في جزيرة الفسطاط ، بناء غريب الشكل ، سماه الهودج ، وأسكنها فيه ، فكان يزورها ، وقتل غيلة في إحدي زياراته لها . ( خطط المقريزي 2/ 182).

وفي السنة 525 مرض السلطان محمود السلجوقي ، وأشرف علي الموت ، فخاف وزيره أبو القاسم الأنساباذي ، من جماعة من أعيان الدولة ، منهم الأمير أنوشتكين ، المعروف بشير كير وولده عمر ، وهو أمير حاجب السلطان ، فقتلهما، ووزر الأنساباذي بعد ذلك للسلطان طغرل، وكان يصحب السلطان في مسيره من أصبهان إلي فارس ، فوثب بالوزير الإنساباذي ، غلمان الأمير شيركير ، في الطريق ، فقتلوه ( ابن الأثير 687 -670/10)

وفي السنة 526 قتل أبو الحسين محمد بن محمد الفراء ، وكان له مال ، ويعيش في البيت وحده ، فدخل إليه بعض من كان يخدمه ، وقتله وأخذوا ماله ، ثم وقعوا كلهم وقتلوا في التنظيم 29/10 ).

وفي السنة 526 قتل الأمير آق سنقر الأحمديلي ، صاحب مراغة، قتله الباطنية . ( ابن الأثير 686/10 ).

وفي السنة 526 قتل الأفضل أبو علي بن الأفضل بدر الجمالي ، وزير

ص: 377

الحافظ العلوي بمصر ، قتل في ميدان لعب الكرة ، راجع في ابن الأثير 672/10 و 673 الألقاب التي تلقب بها ، وكان يدعي له بها علي المنابر ، قال ابن الأثير بعد أن أثبتها ، وإنما ذكرت ألقاب أبي علي تعجبا منها ، ومن حماقة هذا الرجل .

وفي السنة 528 مات ذبحأ في الفندق ، بمدينة مراكش، أبو نصر الفتح بن محمد بن خاقان ، المؤرخ، الإشبيلي ، صاحب قلائد العقبان ، أوعز بقتله أمير المسلمين علي بن يوسف بن تاشفين . ( الاعلام 332/5 ) .

وفي السنة 529 وقعت معركة بين الخليفة المسترشد، والسلطان مسعود، بباب مراغة ، فانكسر الخليفة ، وأنزله السلطان في خيمة ، فقصده أربعة وعشرون رجلا من الباطنية ، وقتلوه ، ومثلوا به ، فجدعوا أنفه ، وصلموا أذنيه ، وتركوه عريانا ، وقتل معه نفر من أصحابه ، وقتل قاتلوه ، ( ابن الأثير 27/11 ).

وفي السنة 529 كان الأمير دبيس بن صدقة في عسكر السلطان مسعود ، فأمر مسعود غلاما أرمنية ، فوقف علي رأس دبيس ، وهو ينكت الأرض بإصبعه ، فضرب عنقه ، ( ابن الأثير 30/11 ).

وفي السنة 529 ساءت سياسة شمس الملوك صاحب دمشق ، مع الناس ، ومع أهله ، ومع والدته ، فأمرت والدته غلمانها بقتله ، فقتلوه ، ونصب مكانه أخوه شهاب الدين محمود بن تاج الملوك بوري ( ابن الأثير 21-10/11)

وفي السنة 532 وثب نفر من الخراسانية ، بإصبهان ، علي الراشد العباسي ، فقتلوه ، وقتل قتلته . (ابن الأثير 62/11 ).

وفي السنة 532 عظم أمر ابن بكران العيار ببغداد ، وكثر أتباعه ، وصار يركب ظاهرة في جمع من المفسدين ، حتي أل به الأمر أنه أراد أن

ص: 378

يضرب سكة باسمه في الأنبار ، فأمر الوالي ببغداد أبو الكرم ، ابن أخيه أبا القاسم ، حامي باب الأزج ، أن يحتال له فيقتله ، وكان ابن بكران قد اعتاد أن يجيء في بعض الليالي عند أبي القاسم ، ويشرب عنده ، فلما جاء علي عادته ، أخذ سلاحه ، ووثب به ، فقتله ، ثم أخذ بعد يسير ، رفيق له اسمه ابن البزاز، فصلب، وقتل معه جماعة من الحرامية، فاستراح الناس. (ابن الأثير 64 - 63/11)

وفي السنة 533 قتل شهاب الدين محمود بن تاج الملوك بوري بن طغدكين ، صاحب دمشق ، علي فراشه غيلة ، قتله ثلاثة من غلمانه ، هم خواصه ، وأقرب الناس إليه في خلوته وجلوته ، وكانوا ينامون عنده لي ، فقتلوه ، وفروا ، فنجا أحدهم ، وأخذ الآخران فصلبا . ( ابن الأثير 11/ 68)

وفي السنة 534 قتل المقرب جوهر ، وهو من خدم السلطان سنجر ، حكم في دولته جميعها ، ومن جملة إقطاعه الري ، ومن جملة مماليكه عباس صاحب الري ، وكان سائر عسكر السلطان يخدمونه ، ويقفون ببابه ، قتله الباطنية ، وقف له جماعة منهم بزي النساء ، واستغثن به ، فوقف يسمع كلامهم ، فقتلوه . ( ابن الأثير 76/11 - 77).

وفي السنة 538 قتل السلطان داود بن السلطان محمود السلجوقي ، غيلة ، قتله قوم وهو في دهليز سرادقه . وكان يوما مطيرة ، شديد البرد ، فيه ثلج وريح ، وقد اشتغل كل أحد بنفسه ، فدخلوا بين غلمانه وجنداره مينه ، بزيهم ، وقتلوه ، ولم يعلم سبب ذلك ، ولا جهته ، لأنهم قتلوا علي الفور ، عيون التواريخ 377).

وفي السنة 541 قتل أمير حاجب عبد الرحمن طغايرك ، صاحب خلخال وبعض أذربيجان ، والحاكم في دولة السلطان مسعود ، تآمر عليه

ص: 379

جماعة من الأمراء ، برغبة من السلطان ، فقتل بظاهر جنزة ، ضربه الجاندار بمقرعة حديد كانت في يده علي رأسه ، فسقط، فأجهز عليه خاص بك ( ابن الأثير 116/11 ).

وفي السنة 541 قتل غيلة ، الشهيد أتابك عماد الدين زنكي بن آقسنقر ، صاحب الموصل والشام ، قتله جماعة من مماليكه ، وهو محاصر قلعة جعبر ، وهربوا الي قلعة جعبر ، وأدركه أصحابه ، وبه رمق ، ومات ( ابن الأثير 110/11 ).

وفي السنة 551 قتل صاحب البطيحة ، مظفر بن حماد بن أبي الخير ، قتله يعيش بن أبي الخير ، غيلة وهو في الحمام ، وخلفه ولده ( المنتظم 168/10 و ابن الأثير 217/11 ).

وفي السنة 553 كان بخراسان غلاء شديد ؛ وكان بنيسابور طباخ ، ذبح أنسانة علوية ، وطبخه، وباعه في الطبيخ ، ثم ظهر عليه إنه فعل ذلك ، فقتل ( ابن الأثير 228/11 ).

وفي السنة 556 قتل غيلة الملك الصالح أبو الغارات طلائع بن رژيك وزير العاضد العلوي صاحب مصر ، وكان قد استبد بالدولة ، فتآمر عليه بعض الأمراء واغتالوه وهو في دهليز قصر الخلافة ، فجرحوه جراحات مهلكة ، فبعث إلي العاضد يعاتبه علي ذلك ، فأقسم العاضد إنه لا يعلم ذلك ، ولم يرض به ، فطالبه أن يبعث إليه عمته ( عمه العاضد ) وقد اتهمها بأنها التي حرضت علي قتله ، فأرسل إليها من أخذها قسرا ، وبعث بها إليه ، فقتلها ، ومات من بعد ذلك ، وكان هذا الوزير أرمني الأصل ، وكان كريمة ، فيه أدب ، وله شعر جيد، ولاهل العلم عنده منزلة ، ويرسل إليهم العطاء الكثير ( ابن الأثير 274/11 - 275).

وفي السنة 556 قتل السلطان سليمان شاه بن السلطان محمد

ص: 380

السلجوقي ، من سلاجقة العراق ، وكان قد ولي السلطنة في السنة 555 ( معجم انساب الأسر الحاكمة 334).

وفي السنة 571 هاجم الحشيشية السلطان صلاح الدين الأيوبي ، وهو محاصر قلعة اعزاز ، يريدون اغتياله ، فجرحوه ، وقتلوا أحد قواده منكلان ، وكان السلطان صلاح الدين متحرزة من الحشيشية ، لأنهم وثبوا عليه قبل ذلك ، وهو محاصر حلب ، وكان الذي حرضهم علي اغتيال السلطان جماعة من أهل حلب ، كلموا سنانا صاحب الحشيشية ، فأرسل جماعة من أصحابه تزيوا بزي الأجناد، واختلطوا بأجناد السلطان صلاح الدين ، واشتركوا معهم في حصر اعزاز، حتي وجدوا فرصة لاغتيال السلطان ، إذ كان في خيمة الأمير جاولي ، يراقب أعمال المنجنيق وآلات الرمي ، فوثب عليه أحد الحشيشية ، وطعنه بسكين في رأسه ، وكان السلطان لاحترازه من الحشيشية ، لا ينزع الزردية عن بدنه ، ولا صفائح الحديد عن رأسه ، فأصابت سكين الحشيشي صفيحة الحديد ، فطعنه الحشيشي ثانية في خده، فجرحه، وسال دمه ، ثم هاجمه وتله إلي الأرض ، وركبه لينحره ، فجرد الأمير سيف الدين سيفه ، وقتل الحشيشي ، فجاء آخر يريد السلطان ، فاعترضه الأمير منكلان الكردي ، وضربه بالسيف ، وضربه الحشيشي ، فجرحه في جبهته ، فقتل الحشيشي ، ومات منكلان من الضربة ، وجاء آخر من الباطنية ، فلاقاه ، الأمير علي بن أبي الفوارس ، فهجم علي الباطني ، ولصق به الباطني ليضربه ، فأخذه علي تحت إبطه ، وبقيت يد الباطني من ورائه لا يقدر علي ضربه ، فصاح علي : اقتلوه واقتلوني معه، فجاء ناصر الدين محمد بن شيركوه ، وبعج بطن الباطني بسيفه ، وما زال يخضخضه فيه ، حتي سقط ميتا ، وخرج آخر من الحشيشية منهزمة، فلقيه الأمير شهاب الدين محمود خال السلطان ، فنكل الباطني عن طريقه ، فاتبعه أصحاب الأمير شهاب الدين وقتلوه ( اعلام النبلاء 108/2 ۔ 109)

ص: 381

وفي السنة 573 قتل الباطنية ، بحلب ، أبا صالح بن العجمي ، وكان مقدمة عند نور الدين الشهيد ، وعند ولده الملك الصالح ، فوثب عليه الباطنية ، بالجامع فقتلوه . ( ابن الأثير 445/11 ).

وفي السنة 573 قتل غيلة ، عضد الدين أبو الفرج محمد بن عبدالله ، وزير الخليفة ، وكان قد عزم علي الحج ، فعبر دجلة ، وتقدم الي اصحابه آن لا يمنعوا أحدا عنه ، فلما وصل باب قطفتا ، لقيه كهل ، وصاح : أنا مظلوم ، وتقدم ليكلم الوزير ، فضربه بسكين في خاصرته ، فصاح الوزير : قتلني ، وسقط عن دابته ، فعاد الباطني إلي الوزير ، وكرر ضربه ، وأعانه رفيق له ، وأقبل حاجب الباب ابن المعوج لينصر الوزير ، فضربه الباطني ، بالسكين ، وكان لهما رفيق ثالث ، صاح وبيده سكين ، ولكنه لم يطعن أحد ، فقتل الباطنيون الثلاثة ، ومات الوزير، وحاجب الباب. ( ابن الأثير 447 -446/11)

وفي السنة 584 قتل الشيخ محمد بن قائد الزاهد من أهل أوانا ، وثب عليه باطنيان ، فقتلاه، وقتلا خادمه عبد الحميد، وهربا ، فلقيهما فلاح في يده مر ، فقتلهما ( الوافي بالوفيات 352/4 ).

وفي السنة 587 قتل قزل أرسلان ، صاحب أران ، وأذربيجان ، وهمذان ، وأصفهان ، والري ، بأصفهان غيلة ، ولم يعرف من قتله ، ( ابن الأثير 76/12 ).

وفي السنة 588 قتل المركيز الفرنجي ، صاحب صور، قتله باطنيان ، بعثهما إليه سنان ، زعيم الإسماعيلية بالشام ، فجاءا إليه في زي الرهبان ، وأقاما معه ستة أشهر، يظهران العبادة ، حتي وثق بهما ، ثم وثبا عليه ، فقتلاه ، وقتلا بعده ( ابن الأثير 78/12- 79).

وفي السنة 589 بلغ سيف الدين بكتمر ، صاحب خلاط ، خبر موت

ص: 382

السلطان صلاح الدين ، فأسرف في إظهار الشماتة بموته ، وعمل لنفسه تخت ( عرشأ ) جلس عليه، ولقب نفسه بالسلطان الأعظم ، وكان لقبه سيف الدين ، فغيره إلي صلاح الدين ، وأبدل اسمه كذلك ، فسمي نفسه ، عبد العزيز ، وتجهز لاحتلال ميافارقين ، فوثب عليه زوج ابنته ، واسمه هزارديناري ، فقتله غيلة واستولي علي مملكته ( ابن الأثير 102/12 -103).

وفي السنة 595 حصر خوارزم شاه تكش ، قلعة الموت ، فقتل عليها صدر الدين محمد بن الوزان ، رئيس الشافعية بالري ، ثم وثب الملاحدة علي نظام الملك مسعود بن علي ، وزير خوارز مشاه، فقتلوه ( ابن الأثير 153/12)

وفي السنة 602 قتل السلطان شهاب الدين أبو المظفر محمد بن سام الغوري ، ملك غزنة وخراسان والهند ، بمنزل يقال له دميل ، وكان قد عاد ظافرة من معركته الفاصلة في الهند مع بني كوكر ، اغتاله نفر من الهنود الكفار ، ووجدت فيه اثنتان وعشرون طعنة بالسكين ، وأخذ القتلة ، فقتلوا ، فاجتمع الوزير والأمراء والتزموا بكتمان الخبر ، ولزوم السكينة ، وأجلسوا شهاب الدين ، وخاطوا جروحه ، وساروا به في محقة ، محفوفة بالحشم والخدم والشمسة والقواد والعسكر ، علي حاله في حياته ، وسيرت معه الخزانة ، في ألفي حمل ومائتي حمل ( ابن الأثير 12/ 212-214).

أقول : كان السلطان محمد بن سام الغوري ، شجاعا ، عاد" ، حسن السيرة ، وروي إنه كان يوما في مجلس وعظ فيه الإمام فخر الدين الرازي ، في دار السلطان ، وبعد أن وعظ الرازي ، التفت إلي السلطان ، وقال له: يا سلطان ، لا سلطانك يبقي ولا تلبيس الرازي ، وإن مردنا إلي الله ، فبكي السلطان حتي رحمه الناس ( ابن الأثير 216/12 ).

وفي السنة 606 قتل غيلة شمس الملوك رستم بن أردشير ، سلطان مازندران ( معجم انساب الأسر الحاكمة 286).

ص: 383

وفق السنة 609 قتل السلطان غياث الدين محمود بن محمد بن سام الغوري ، صاحب فيروزكوه وغزنة ، وكان قد حكم من السنة 602 ( معجم انساب الأسر الحاكمة 419).

وفي السنة 611 تأمر جماعة من العسكر التابعين للأمير ألدز ، علي الوزير مؤيد الملك الشحري ، الذي كان وزيرة لشهاب الدين محمد بن سام ، السلطان الغوري ، ولتاج الدين الدز من بعده ، جاء إليه من المتآمرين أربعون نفرأ ، وقالوا له : السلطان يقول لك تحضر جريدة في عشرة نفر لمهم تجدد ، فسار معهم في عشرة مماليك، فلما وصلوا إلي ماء السند ، قتلوه ، وهربوا ، فظفر بهم خوارزم شاه ، فقتلهم ( ابن الأثير 304/12 ).

وفي السنة 613 قتل الأمير أغلمش ، أمير الري ، قتله الحشاشون غيلة ( معجم انساب الأسر الحاكمة 73).

وقتل غيلة القائد يحيي بن محمد بن عبد الملك بن سعيد ، من رجال الأندلس ، قتله غلام له كان يخدمه ، واستولي علي ما كان له من المال ، وأفلت به ، والقائد يحيي هو أخو الأديب الشاعر الأندلسي أبو القاسم عبد الرحمن بن عبد الملك بن سعيد، وكان عبد الرحمن قد حصلت بينه وبين بعض أقربائه منافرة ، فغادر الأندلس إلي المشرق ، وزاد البلاد المصرية ، والشامية، والعراقية، حتي وصل إلي بلاد ما وراء النهر ، واستوطن بخاري ، فلما دخلها التتار في السنة 17ة قتل فيمن قتل ، ولما بلغ خبر مقتله اهل بيته بالأندلس ، قال أخوه القائد يحيي : لا إله إلا الله، كان أخي أبو القاسم يسفه رأيي في الجندية ، ويقول لي : لو اتبعت طريق النجاة ، كما صنعت أنا ، لكان خيرا لك ، فهاهو رب قلم، وقد قتل شر قتلة ، وأنا ما زلت أغازي عباد الصليب وأخلص ، ثم قتل من بعد ذلك غيلة ( نفح الطيب 373/2 ).

وفي السنة 629 قتل غيلة خوارزم شاه جلال الدين ، فإنه انهزم من

ص: 384

التاتار ، ومزق جيشه ، فاستضاف فلاحة في عين دارا ، فرأي الفلاح في لجام فرس خوارزم شاه جواهر ، فلما طعم ونام . ضربه بفأس فقتله ، وأخذ ما معه ودفنه ، فبلغ ذلك شهاب الدين غازي صاحب ميافارقين ، فأحضر الفلاح ، وقرره ، فأقر ، وأحضر الفرس والسلاح ( شذرات الذهب 130/5 ۔ 131).

وفي السنة 620 اتهم الطبيب صاعد بن توما ، بأنه أفشي ما أصاب الناصر العباسي ، من أمراض ، وكان عليه أن يكتمها ، فقرر رشيق خادم الناصر مع رجلين من الجند ، يعرفان بولدي قمر الدولة ، من الأجناد الواسطية ، أن يغتالاه ، فرصداه حتي خرج من دار الوزير في بعض الليالي ، پريد دار الخلافة ، فوثبا عليه بسكينيهما ، فقتلاه ، وكان بين يديه مشعل وغلام ، وقبض علي القاتلين، وفي بكرة تلك الليلة ، أخرجا إلي محل الجريمة ، وشق بطناهما ، وصلبا ( تاريخ الحكماء 214-219).

وفي السنة 638 قتل عثمان بن عبد الحق المريني ، قتله غيلة ، علج له كان رباه صغيرة ، طعنه بحربة في منحره، في وادي ردات بالمغرب . ( الاعلام 368/4 ).

وفي السنة 639 قتل غيلة السلطان معز الدين بهرام شاه ، سلطان دهلي ، وكان قد حكم منذ السنة 937 ( معجم انساب الأسر الحاكمة 422).

وفي السنة 740 قتل غيلة السلطان شمس الدين محمد بن محمود شاه ، صاحب بلاد فارس ( معجم أنساب الأسر الحاكمة 380).

وفي السنة 743 قتل غيلة جلال الدين مسعود شاه بن محمود شاه ، صاحب فارس ، اغتاله ياغي باستي ، ابن عم بيرحسن ( معجم انساب الأسر الحاكمة 380).

وفي السنة 647 قتل السلطان المنصور نور الدين محمد بن علي بن

ص: 385

رسول ، ملك اليمن ، اغتاله جماعة من مماليكه ، فقتلوه ، وكان قد استكثر من المماليك حتي بلغ عددهم ألف فارس . ( العقود اللؤلؤية 82/1 ).

وفي السنة 649 قتل السلطان أسن ( أوزون ) دووا بن مونوكس بن جغتاي بن جنكيز خان ، سلطان ما وراء النهر ( معجم انساب الأسر الحاكمة 373)

وفي السنة 652 علا شأن الفارس اقطاي ، وعسف وتجبر ، فقالت شجرة الدر ، لزوجها المعز ، هذا نحس ، واتفقا علي قتله ، فأوعز المعز إلي عشرة من مماليكه ، فاغتالوه في القلعة ( الوافي بالوفيات 317/9 و 318).

وذكر المقريزي ، في خططه ( 301/2 ) كيفية اغتيال المظفر قطز ، سلطان مصر ، سنة 658 ، فذكر أن المتآمرين عليه من الأمراء كانوا بزعامة بيبرس الذي تسلطن بعده وتلقب بالظاهر ، إذ كان يسايره، فطلب منه امرأة من سبي التتار ، فأنعم عليه بها ، فتقدم ليقبل يده ، وكانت إشارة بينه وبين أصحابه ، فلما رأوا بيبرس قد قبض علي يده ، بادر الأمير بكتوت وضربه علي عاتقه بالسيف ، واختطفه الأمير أنص من ظهر فرسه ، وألقاه علي الأرض ، ورماه بها در المغربي بسهم ، فقتلوه . ( خطط المقريزي 301/2 ).

وفي السنة 658 قتل غيلة أبو حفص عمر بن أبي بكر بن عبد الحق المريني ، من أمراء الدولة المرينية بالمغرب الأقصي ، وكان قد بويع بفاس ، علي أثر وفاة أبيه في السنة 656 وتغلب عليه عمه يعقوب ، فنزل له عمر عن الإمارة ، فأقطعه عمه مدينة مكناسة ، فرحل إليها ، فاغتاله فيها بعض أقربائه . ( الاعلام 200/5 ).

وفي السنة 663 قتل غيلة بمكة جمال الدين أبو بكر محمد بن يوسف الأندلسي ، أصله من غرناطة ، وساح في طلب الحديث ، واستقر مجاورة بمكة ، فقتل هناك ( الاعلام 24/8 ).

ص: 386

وفي السنة 693 قتل السلطان خليل بن قلاوون الصالحي ، الملقب بالملك الأشرف ، ملك مصر ، خلف أخاه في السلطنة سنة 689، قتله غيلة بعض المماليك بمصر ( الأعلام 2/ 369).

وفي السنة 698 تآمر الأمراء علي قتل السلطان لاجين ، ونائبه منكوتمر ، بالقاهرة ، وتقدم الأمير كرجي ، بحجة أنه يريد أن يصلح الشمعة ، فضرب السلطان بسيف كان قد أخفاه معه ، أطار به زنده ، وانقض عليه بقية المتآمرين ، بالسيوف ، والخناجر ، فقطعوه بالسيوف قطعة ، وهو يقول : الله ، الله ، ثم احضروا الأمير منكوتمر ، من دار النيابة بالقلعة ، وقتلوه بعد مضي نصف ساعة من قتل السلطان . ( خطط المقريزي 269/2 ).

وفي السنة 706 قتل غيلة السلطان يوسف بن يعقوب المريني ، وهو محاصر مدينة تلمسان ، وقد بني مقابلها مدينة سماها تلمسان الجديدة ، قتله عبد حبشي خصي ، وقتل العبد علي أثره، واتهم أبو بكر أحد أقارب السلطان يوسف، بأنه المحرض علي قتله ، فقتل مع العبد، وكانت مدة حكم السلطان يوسف 21 سنة، وتسلطن علي أثره حفيده عامر بن عبدالله الذي توفي مسموما بطنجة بعد سنة ونصف سنة ( الدرر الكامنة 256/5 ).

وفي السنة 708 قتل بغرناطة ، أبو عبدالله محمد بن عبد الرحمن الرندي ، المعروف بابن الحكيم ، والملقب بذي الوزارتين . ( الاعلام 190/7)

وفي السنة 708 قتل بغرناطة محمد بن عمر التلمساني الشاعر ( الاعلام 204/7)

وفي السنة 720 قتل الشريف حميضة بن أبي نمي الحسني ، أمير مكة ، قتله مماليك ثلاثة ، فروا من الناصر محمد بن قلاوون صاحب مصر ، فحجزهم حميضة عنده ، فخشوا أن يعيدهم إلي الناصر ، فقتلوه غيلة ( الدرر الكامنة 167/2 -169).

ص: 387

وفي السنة 725 قتل أبو الوليد إسماعيل بن فرج من آل الأحمر ، الملقب الغالب بالله ، صاحب غرناطة ومالقة وسبته ، قتله غيلة ابن عم له إسمه محمد بن إسماعيل ، طعنه بخنجر ، فقتله ( الأعلام 319/1 ).

وفي السنة 732 قتل غيلة بحلب ، نقيب الأشراف بدر الدين حسن بن محمد بن علي بن زهرة الحسني الحلبي ( الدرر الكامنة 123/2 ).

وفي السنة 733 قتل غيلة السلطان محمد بن اسماعيل بن فرج ، من بني نصر ابن الأحمر ، ملك غرناطة ، وهو سادس بني الأحمر ، خلف أباه في الحكم سنة 725 وهو ابن عشر سنين ، ففتح مدينة قبره ، واستعان بالسلطان أبي الحسن المريني ، سلطان مراكش ، فأمده بجيش أضافه إلي جيشه وفتح جبل الفتح ( جبل طارق ) وطرد الإفرنج منه ، فلما انتهي منه ، كمن له بعض جنده ، فقتلوه غيلة ، وهو ابن 17 سنة . رحمه الله ( الأعلام 261/6)

وفي السنة 744 قتل الشيخ حسن كوجك ( الصغير ) بن تيمور طاش ، اغتالته زوجته ، وكان قد خلف أباه في حكم أذربيجان منذ السنة 728 ( معجم انساب الأسر الحاكمة 380).

وفي السنة 700 قتل السلطان أبو الحجاج يوسف بن إسماعيل الأنصاري النصري ، سابع ملوك بني الأحمر بغرناطة ، قتل غيلة في المسجد الأعظم بالحمراء ، ساجدة في الركعة الأخيرة من صلاة عيد الفطر ، هجم عليه شخص ، وظعنه بخنجر وقبض عليه ، فقتل ، وأحرق . ( نفح الطيب 81-80/5 و الاعلام 288/9 - 289).

وفي السنة 758 هجم مملوك تركي يقال له : أي قجا ، علي الأمير شيخو الناصري ، وجرحه بالسيف في وجهه ويده ، وقبض علي المملوك ، وسئل عن السبب ، فقال : قدمت له قصة ، فما قضي حاجتي ، فطيف

ص: 388

بالمملوك ( أشهر ) وقتل ، وقطبت جراحات شيخو ، فأقام ثلاثة أيام ، والناس تعوده ، من السلطان فما دونه ، ثم مات ( شذرات الذهب 184/6 ).

وفي السنة 758 قتل غيلة السلطان جمال الدين أبو اسحاق بن محمود شاه صاحب بلاد فارس ( معجم انساب الأسر الحاكمة 380).

وفي السنة 760 قتل غيلة في بيته الحاجب رضوان النصري، القائد بغرناطة، وهو في الخامسة والثمانين، وكان من كبار رجال الدولة بغرناطة، اعتقله الأمير محمد بن أمير المسلمين أبي الوليد نصر ، ثم عاد إلي غرناطة لما قتل الأمير محمد ، وفي السنة 734 نصب وزيرة، ثم اعتقل في السنة 760 وأطلق في السنة 761 وعرض عليه أن يعود للوزارة فأبي ، واكتفي بقيادة الجيش ، وقتل في بيته غيلة ، خلال مؤامرة دبرت لخلع السلطان ( الإحاطة 514-521).

وفي السنة 761 قتل غيلة ، إسماعيل بن يوسف من آل الأحمر ملوك غرناطة ، خرج علي أخيه الغني بالله ، في السنة 760 واستولي علي عرشه ، ومكث في الحكم سنة واحدة ، وقتل ( الأعلام 328/1 ) .

وفي السنة 775 قتل الأمير فخر الدين زياد بن أحمد الكاملي ، غيلة ، في حد القحرية باليمن ، وكان شجاعا، عادلا ، محبوب ( الأعلام 90/3 ).

وفي السنة 776 قتل غيلة الأمير حسن بن أويس بن الشيخ حسن ( معجم انساب الأسر الحاكمة 378).

وفي السنة 779 قتل الأمير وجيه الدين اسماعيل بن زكريا ، والي الموصل ، وليها في السنة 775 ( معجم أنساب الأسر الحاكمة 61).

وكان السلطان أبو حمو موسي بن عثمان (760-791) قد قسم مملكته بين أولاده ، فولي المنتصر علي مليانة وأعمالها ، وأنفذه إليها ، وأنفذ معه

ص: 389

شقيقه الأصغر عمر ، ليكون في كفالته ، وولي الأوسط أبا زيان علي المرية وما إليها من بلاد حصين ، ووتي ابنه يوسف ابن الزابية علي تدلس وما إليها ، ثم نقل ولده أبا زيان من المرية إلي ولاية وهران وأعمالها وكان الولد الأكبر أبو تاشفين عبد الرحمن يطلب وهران وأعمالها لنفسه، فألح علي والده ، فوعده بها ، وتأخر عن تلبية طلبه ، فاتهم كاتب السلطان ، واسمه يحيي بن خلدون، بأنه وراء هذا التأخير ، فجمع له في إحدي ليالي رمضان من السنة 780 رهطأ من الأوغاد ، وطعنوه بالخناجر ، حتي سقط عن دابته ميتا ( ابن خلدون 140/7 ).

وفي السنة 789 قتل الأمير سودون المظفري بناء علي خصومة كانت بينه وبين الأمير يلبغا الناصري نائب السلطنة بحلب ، فأرسل السلطان من مصر رسولا لإصلاح ما بينهما ، فحضر الي حلب ، وضرب لاجتماعهما موعدا ، وحضر سودون متأخرة ، وقد أعد له يلبغا كمينا لقتله ، فلما دخل سودون ، تقدم اليه مملوك من مماليك يلبغا، وجست كتف سودون، فرآه لابسة الزردية تحت ثيابه ، فقال له : يا أمير سودون الذي يريد الصلح يدخل وهو لابس آلة الحرب ، فلكمه سودون ، فصاح علي رفاقه في الكمين ، فخرجوا ، وقتلوا الأمير سودون ، وقتلوا معه أربعة من مماليكه (اعلام النبلاء 464/2-465)

وفي السنة 793 قتل السلطان مراد بن أورخان ، ثالث ملوك بني عثمان ، اغتاله أحد ملوك الكفار ، تقدم منه ليقبل يده ، وطعنه بخنجر فقتله . ( شذرات الذهب 332/6 ).

وفي السنة 797 قتل غيلة ببطن مر، من نواحي مكة ، الأمير نور الدين أبو الحسن علي بن عجلان بن رميثة الحسني، ولي مكة سنة 789 واغتاله جماعة من أقاربه من بني حسن. ( الاعلام 128/5 ).

ص: 390

وفي السنة 800 قتل غيلة الأمير سولي بن قراجا الدلغادري أمير التركمان ، وكان قتله علي فراشه تسلل إليه شخص اسمه علي خان ، وطعنه بسكين في خاصرته ، وهو نائم مع امرأته في بيت خركاه ، في أول الليل ، بالقرب من مرعش ، وذلك بممالأة من الملك الظاهر برقوق ، ولما قتل، هرب مغتاله علي خان الي الملك الظاهر ، فأحسن اليه ، وأنعم عليه ، وأعطاه إمرة عشرة ، بأنطاكية ، وكان سولي ظالمة جائرة ، يقطع الطريق ، وينهب الأموال ( أعلام النبلاء 119/5).

وفي السنة 801 قتل غيلة ، الأمير عنقاء بن شطي ملك العرب وأمير آل مرا ، بتحريض من الملك الظاهر سلطان مصر ، بعث إليه فداوية قتلوه ( النجوم الزاهرة 133/12 ).

وفي السنة 855 قتل غيلة بحلب القاضي شهاب الدين أحمد بن يحيي المصري ، هجم عليه بعد صلاة الصبح من قتله غيلة ( الضوء اللامع 244/2)

وفي السنة 812 قتل محمد بن ميرزا عمر شيخ بن تيمورلنك ، ملك شيراز ، فخلفه أخوه اسكندر شاه ، فأحضر قاتل أخيه ، وسأله عن سبب قتله ، فقال له : إني ما عملت في حقك إلأ خيرأ ، فلو لم أقتله ، ما وصلت انت للمملكة ، فعجل إسكندر بقتله ، لئلا يتهم بأنه شارك في قتل أخيه ( الضوء اللامع 2/ 280).

وفي السنة 817 قتل السلطان لبك، من أولاد جنكيزخان ، وكان قد حكم قراقروم منذ السنة 814 ( معجم الأسر الحاكمة 360).

وفي السنة 830 قتل قاضي دمشق غيلة ، وهو نجم الدين أبو الفتوح عمر بن حجي السعدي ، قتل ببستانه بالنيرب خارج دمشق ، ولم تشعر زوجته إلا وهويتشحط في دمه ، ولم يعرف قاتله ( شذرات الذهب 193/7 ).

ص: 391

وفي السنة 836 قتل غيلة الملك الأشرف شرف الدين احمد بن الملك العادل فخر الدين سليمان بن غازي الأيوبي ، صاحب حصن كيفا ، وكان قد خرج للسلام علي الملك الأشرف برسباي صاحب مصر والشام عندما كان محاصرة لمدينة أمد، فلما قارب العسكر خرج عليه جماعة من أصحاب قرايلك من آمد ، وقتلوه وقتلوا معه قاصد السلطان ، وأقيم عرضه في السلطنة ولده خليل ولقب بالملك الكامل ( حوليات دمشقية 39).

أقول : في معجم أنساب الأسر الحاكمة ص 154 ان خلي لقب بالملك الصالح صلاح الدين خليل .

وفي السنة 836 كان أصبهان ( أسبان ) بن قرايوسف يوسف يحصر بغداد ، وفيها أخوه شاه محمد بن قرايوسف ، فعمد أصبهان فاختار أربعين رجلا من أصحابه قد حلقوا لحاهم كأنهم قلندرية ، دخلوا بغداد متفرقين ، ثم اجتمعوا ليلا، واغتالوا الجند الموكلين بباب السور ، وفتحوه ، فدخل أصبهان البلد ، وفر شاه محمد في الماء ، فلحق بالموصل، ولما استولي أصبهان علي بغداد سلب جميع ما فيها، بحيث لم يبق في الأسواق سوي حانوتين فقط ( حوليات دمشقية 63- 64).

وفي السنة 837 قتل أقبغا الجمالي الاستادار ، قتله أهل البحيرة بالديار المصرية ، وكان ظالمة ، قد أحرق بيوتهم ، وأخذ أولادهم ، وكان يلي كشف الجسور وكشف الوجه القبلي ، ثم ولي الأستادارية علي أن يحمل مائة ألف دينار ، بعد تكفية الذيون ، فلم ينهض بها ، فعزل، وعوقب ( أي عذب ) ثم أعيد إلي كشف الوجه القبلي ، ثم إلي الاستادارية علي أن يؤدي مالأ ، ثم عزل وصودر وعوقب ، ثم أعيد إلي كشف الوجه القبلي ، وأضيف اليه كشف الجسور ، فكانت عاقبة ظلمه أن قتل في البحيرة ، وذهب دمه هدرة ( حوليات دمشقية 92).

ص: 392

وفي السنة 839 حصر شاه رخ وجهان شاه ولدا قرايوسف ، أخاهما اسكندر بن قرايوسف ، بقلعة النجق ، وطال الحصار ، فاتفقت احدي نساء اسكندر مع ولده شاه قباد ، وقتلا اسكندر وهو سكران ، وفتحا القلعة لشاه رخ وجهان شاه ، وكان أول ما فعله جهان شاه أن قتل المرأة والولد ( تاريخ الغياثي 258- 259).

وفي السنة 842 قتل الشيخ شمس الدين محمد بن عبدالله القيسي الشافعي ، شيخ دار الحديث الاشرفية ، قتل في إحدي قري دمشق ( الأعلام 115/7)

وفي السنة 844 قتل غيلة السلطان ميران عادل خان ، صاحب خاندش ، حاضرتها برهان بور ، بعد أن حكم ثلاث سنين ( معجم انساب الأسر الحاكمة 434).

وفي السنة 846 قتل قاضي الجماعة أبو القاسم محمد بن أحمد الوشثاثي، قتل غيلة وهو بمحراب جامع الزيتونة يصلي الصبح ( الضوء اللامع 140/11)

وفي السنة 853 قتل أبو زكريا يحيي بن زيان الوطاسي المريني ، الوزير ، قتله عرب الحجاز طعنا بالرماح ( الاعلام 179/9 ).

وفي السنة 854 قتل غيلة عبد اللطيف بن علاء الدولة أولوغ بك ، صاحب ما وراء النهر ، قتل أباه في السنة 803 من أجل الإستيلاء علي الحكم ، فلم يمهله الله سنة واحدة ( معجم انساب الأسر الحاكمة 401).

وفي السنة 865 قتل غيلة السلطان علاء الدين همايون شاه ظالم ، وكان قد حكم منذ السنة 862 وخلفه ولده نظام شاه ( معجم أنساب الأسر الحاكمة 437) .

ص: 393

وفي السنة 870 قتل الأمير أصلان بن سليمان من آل دلغادر ، ملك اصلان ، قتل بيد فداوي وهو في صلاة الجمعة ، وقتل الفداوي ، وأخذ سيفه إلي القاهرة ، فقرر عرضه أخوه شاه بضع ( بوداق ) ( الضوء اللامع 313/2)

أقول : ورد في معجم أنساب الأسر الحاكمة ( (ص 236) كما يلي : في السنة 870 اغتيل السلطان ملك أرسلان بن سليمان، صاحب بلاد مرعش وما يجاورها ، بأمر من أخيه الأمير بوداق الذي خلفه في السلطنة .

وفي السنة 884 مات مقتولا بكنباية ، في بلدة أحمد أباد، أبو البركات محمد بن محمد بن أحمد بن محمد بن محمد ، وكان مولده بمكة في السنة 844 ( الضوء اللامع 4/11).

وفي السنة 885 قتل الأمير سيباي العلائي الاشرفي ، بمخيمه علي شاطيء النيل ، ولم يعرف قاتله ، وقد مثل به ، إذ وجد مشقوق البطن ، مقطوع اليد ، به جراحات أربعة ( الضوء اللامع 288/3 ).

وفي السنة 886 قتل غيلة الصدر العثماني محمد قرمانلي وزير السلطان محمد بن مراد العثماني ، قتله الإنكشارية ( معجم انساب الاسر الحاكمة 241)

وفي السنة 887 قتل غيلة الصدر كدك أحمد أرناؤود ، وزير السلطان محمد بن مراد العثماني ( معجم انساب الأسر الحاكمة 241).

وفي السنة 891 قتل أبو بكر علي الحلبي المعروف بابن الطيوري ، قتله أحد فتيانه ، شر قتلة ( الضوء اللامع 57/11 ).

وفي السنة 891 قتل الأمير أقبردي الأشرفي إينال ، خازندار السلطان ، قتل عندما كان متوجه لاستخلاص الأموال للسلطان ( الضوء اللامع 314/2)

ص: 394

وفي السنة 904 قتل الملك محمد الناصر بن قايتباي، من ملوك الجراكسة ، بمصر والشام ، قتله بعض المماليك غيلة في ضواحي القاهرة . ( الاعلام 231/7 ).

وفي السنة 900 قتل الملك العادل سيف الدين طومان باي ، بعد أن استقر في عرش السلطنة أربعة أشهر ونصف شهر ، هجم عليه العسكر وقتلوه ( شذرات الذهب 27/8 ).

وفي السنة 909 قتل بمكة الشريف أحمد بن محمد بن بركات الجازاني ، ولي أمارة مكة في السنة 907، وقتل غيلة عند باب الكعبة ، وهو يطوف ( الأعلام 221/1 )

وفي السنة 918 قتل غيلة ، بالقرب من الجامع الأموي بدمشق ، القاضي علاء الدين علي الرملي ، خرج عليه جماعة بين المغرب والعشاء ، فقتلوه، وذكر أن القتل جري بتحريض من القاضي شهاب الدين الرملي ، إمام الجامع الأموي ( شذرات الذهب 89/8 -90).

وفي السنة 929 قتل غيلة السلطان غازي كراي بن محمد، خان القرم ، بعد أن حكم ستة شهور ( معجم انساب الأسر الحاكمة 367).

وفي السنة 940 قتل سلطان قلي قطب الملك ، من بني قطب شاه ، سلطان كلكنده ، وتلنكانة ، وكان قد ولي الحكم منذ السنة 918 ( معجم الأسر الحاكمة 439).

وفي السنة 992 قتل خليل الله بن إبراهيم بن فرخ سيار ملك شروان ، وكان قد تزوج بري خانم بنت الشاه اسماعيل الصفوي ، قتله الشاه طهماسب غيلة ( معجم انساب الأسر الحاكمة 280).

وفي السنة 943 قتل السلطان بهادر بن السلطان مظفر، صاحب كجرات ، من بلاد الهند ، قتل في بندر الديو ( شذرات الذهب 252/8 ).

ص: 395

وفي السنة 944 قتل غيلة الأمير عامر بن يوسف القطبي ، من أشراف جازان ، تأمر علي جازان ، وصفت له البلاد ، وقاتله الشريف ابو نمي ، ثم اغتاله أحد رجال أبي نمي، وهو في داره بأبي عريش ( الاعلام 26/4 ).

وفي السنة 944 قتل غيلة السلطان إسلام كراي بن محمد، خان القرم ، بعد أن حكم من السنة 932 ( معجم انساب الأسر الحاكمة 367).

وفي السنة 954 نزل أويس باشا ، والي اليمن للعثمانيين ، بوادي خبان ، وكان في مجلس شرابه لما هجم عليه حسن البهلوان ، من العسكر اللاوند ، وقتله غيلة ، ونصب نفسه في موضعه ، فحاربه أزدمر أحد أمراء الجيش العثماني ، وانتصر عليه وقتله ( البرق اليماني 99).

وفي السنة 958 قتل غيلة السلطان صاحب كراي بن منكلي ، خان القرم ، بعد أن حكم من السنة 939 ( معجم أنساب الأسر الحاكمة 367) .

وفي السنة 961 قتل غيلة السلطان فيروز بن إسلام شاه الأفغاني ، سلطان دهلي ، بعد أن حكم ثلاثة أيام ( معجم انساب الأسر الحاكمة 423)

وفي السنة 964 قتل السلطان محمد بن محمد بن محمد، المعروف بالشيخ ، والملقب بالمهدي ، ثالث سلاطين الدولة السعدية بمراكش ، غيلة ، قتله جنده الأتراك، بإغراء من السلطان سليمان العثماني ( الأعلام 287/7)

وكان محمود باشا ، والي مصر للسلطان سليمان القانوني ، من أسوأ الناس الناس سيرة ، فقد كان مشهورة بالغدر ، حتي إن أهالي اليمن ، كانوا يسمون الغدر : محموديا ، وكان مرتشية ، فكان يقدم الهدايا العظيمة للسلطان وكبار رجال الدولة لتمشية أموره ، وكان ظالما قاسيا عسوفة ، أراق دماء كثيرة جدة، بحيث أنه إذا وصل إليه الصوباشي في الديوان ، وعرض عليه من معه

ص: 396

من « المتهومين » يشير إليه بمروحة في يده ، أما إلي الصلب ، أو التوسيط ، أو رمي الرقبة ، أو الخازوق ، بإشارات خاصة من غير أن يتكلم بلسانه ، وفي السنة 974 وكان يلي مصر ، نزل من القلعة ، فقيض له الله من رماه ببندقية محشوة، فقتله ( البرق اليماني 154- 155).

وفي السنة 988 قتل غيلة السلطان علي بن إبراهيم ، صاحب بيجابور ، وكان قد ولي السلطنة منذ السنة 965 ( معجم انساب الأسر الحاكمة 499).

وفي السنة 992 قتل السلطان محمد كراي بن دولت، خان القرم ، قتله ألب كراي بعد أن حكم في السنة 985 ( معجم انساب الأسر الحاكمة 367)

وفي السنة 1005 قتل السلطان فتح كراي بن دولت ، خان القرم ، بعد بضعة أشهر من سلطنته ( معجم أنساب الأسر الحاكمة 367).

وفي السنة 1012 قتل الوزير حسن باشا بن محمد باشا ، من كبار رجال الدولة العثمانية ، ولي كفالة حلب ، ثم كفالة دمشق ، ثم عين حاكما ببلاد الروم ، ثم عين لولاية بغداد ، ثم عين أصفهسلارا علي العساكر المتوجهة لقتال عبد الحليم اليازجي ، الناجم في نواحي سيواس ، فانكسر الجيش العثماني ، وارتد حسن باشا فالتجأ إلي قلعة توقات، فحصره أتباع اليازجي ، وفيما كان حسن باشا جالسا في إحدي قاعات القلعة ، أصابته رصاصة تحت إبطه فقتل ( خلاصة الأثر 2/ 45).

وفي السنة 1012 قتل الحاج ابراهيم باشا ، أمير مصر للسلطان محمد الثالث العثماني ( معجم أنساب الأسر الحاكمة 251).

وفي السنة 1015 قتل إبراهيم بن محمد تكرفان العالم ، سلطان جزيرة

ص: 397

المهل الذي طرد البرتغاليين ، وكان قد حكم منذ السنة 992 ( معجم أنساب الأسر الحاكمة 451).

وفي السنة 1018 قتل غيلة ، شديد بن أحمد أمير بادية كلب ( البادية ما بين الشام والعراق )، وكان جبارا سيء السيرة ، اغتاله ابن عم له ، وهو يلعب الشطرنج في خيمة ببرية حلب ( الاعلام 233/3 ).

وفي السنة 1040 قتل بمراكش أبو مروان عبد الملك بن زيدان السعدي ، من ملوك دولة الأشراف السعديين بمراكش ، بويع بعد وفاة أبيه سنة 1037 ووثب عليه أخوان له، هما الوليد ومحمد، فهزمهما ، ثم قتل بمراكش ، بصنع من أخيه الوليد ، قيل : قتل وهو سكران ( الأعلام 304/4 ).

وفي السنة 1040 قتل الأمير مانع بن سنان العميري ، صاحب سمائل في عمان ، قتله المؤيد اليعربي صاحب عمان ، سير إليه من قتله في حصن لؤي ، ( الاعلام 147/6 ).

ولما مات سيفاجي ، مؤسس دولة الماهراتا، في الهند ، نصب مكانه ولده سمبهاجي ، وكان صغيرا ، فعين سنتاجي مستشارة له ، وكان سنتاجي قوي الشخصية ، شديد التمسك بالنظام، وكان يأمر بمن ارتكب اقل هفوة فيلقي تحت أرجل الفيلة ، وفي السنة 1110 (1698م) ترصده هندوسي اسمه ناجوجي ، كان سنتاجي قد قتل أخاه تحت أرجل الفيلة ، فقتله غيلة ( الإسلام والدول الإسلامية في الهند 162).

وفي السنة 1057 طلع الأمير مصطفي حاكم جده ، إلي الطائف للزيارة ، وطلع معه بشير الحبشي غلام السلطان مراد ، وكانت إليه مشيخة الحرم النبوي ، وعند نزول الأمير مصطفي من الطائف ، وهو في إحرامه ، تصدي له اعرابي يدعي الجعفري فطعنه بجنبية أنفذها في أحشائه فقتله ( خلاصة الأثر 2/ 179).

ص: 398

وفي السنة 1059 كان القاضي زفر ، قاضي المدينة المنورة ، مع ثلاثة من الخدام ، قد خرج لصلاة الفجر ، فوثب عليه شخص فضربه بالحد في ظهره ، فأنفذها من صدره ، فأكب علي قربوس السرج ، حتي دخلت به الفرس محراب عثمان بن عفان ، وإمام الشافعية يصلي الفجر ، فأنزله الناس وهو بأخر رمق ، وهو يقول : يا رسول الله ، يا رسول الله ، ثم مات ، واتهم الشريف زيد أمير مكة ، بأنه كان وراء قتل القاضي ( خلاصة الأثر 108/2 ).

وفي السنة 1158 قتل محمد بن عثمان ، سلطان منبتة ، لأنه أبي الإنقياد لسلطان البوسعيديين ، فأرسل إليه السلطان البوسعيدي رجالا أحتالوا عليه فقتلوه ( الاعلام 144/7 ).

وفي السنة 1158 قتل أبو الفتح نصر الله بن الحسين الموسوي الحائري في إسطنبول ، وكان قد أرسل إليها بسفارة من حكومة إيران . ( الاعلام 352/8 - 353).

وفي السنة 1160 قتل غيلة نادرشاه طهاسب قلي ، شاه العجم ، بعد أن حكم إيران منذ السنة 1138 ( معجم انساب الأسر الحاكمة 389) . :

وفي السنة 1163 قتل عثمان بن حمد النجدي رئيس العينية من بلاد نجد، قتله غيلة بعض رجاله ، بعد انتهائه من صلاة الجمعة ( الاعلام 364/4)

وفي السنة 1166 قتل ناصر جنك ، مير أحمد بن نظام الملك ، نظام حيد آباد بالهند ، وكان قد حكم منذ السنة 1161 ( معجم أنساب الأسر الحاكمة 446).

وفي السنة 1164 قتل مظفر جنك هدايت محيي الدين نظام حيدر آباد بالهند ، وكان قد حكم في السنة عينها ( معجم انساب الأسر الحاكمة 446).

وفي السنة 1166 قتل غيلة علي بن عثمان ، أمير منباسة ، بإفريقية ،

ص: 399

في عهد استقلالها عن مسقط وعمان ، وهو ثاني أمير في عهد استقلالها ، والأول هو أخوه محمد، فإنه حين استقل بحكم منبسة ، بعث إليه أمير مسقط ، من قتله ، وسجن أخاه علية ، ولكن أهل منبسة ، أخرجوه من السجن ووتوه الإمارة ، غير أن ابن عمه مسعود بن ناصر ، حرض علي قتله ، فقتل غيلة . ( الاعلام 127/5 - 128).

وفي السنة 1173 قتل غيلة السلطان عالمكبر عزيز الدين ، سلطان الهند ، من المغول ، قتله شهاب الدين عماد الملك بن غازي الدين ، من أسرة نظام حيدر آباد ، وكان عزيز الدين قد ولي الحكم منذ السنة 1167 ( معجم أنساب الأسر الحاكمة 442).

وفي السنة 1195 قتل غيلة بشيراز، صادق خان الزند ، سلطان شيراز ، وكان قد حكم منذ السنة 1193 ( معجم أنساب الأسر الحاكمة 389) .

وفي السنة 1196 قتل غيلة الأمير ظاهر العمر ، صاحب عكا وصفد والناصرة وطبرية وصيدا وحيفا ويافا والرملة وجبل نابلس وشرق الأردن وجبل عامل، قتله غدرة أحد المغاربة من رجاله ( الأعلام 342/3 ) .

وفي السنة 1203 قتل غيلة جعفر خان الزند، سلطان إصبهان، وكان قد حكم منذ السنة 1199 ( معجم أنساب الأسر الحاكمة 389) .

وفي السنة 1209 قتل الزعيم سليمان بن عبدالله بن شاوي الحميري ، قتله أحد أفراد عشيرته غيلة ، وكانت الحكومة العثمانية قد شردته ، لأن أحد الأشخاص الذين طلبتهم الحكومة ، التجأ إليه ، وأبي أن يسلمه ، فحاربته الحكومة ، واضطر أن يترك أمواله وأثقاله ، ويرحل صحبة ضيفه الذي أبي أن يسلمه ، وأقام في الخابور ، واشتدت عساكر الوالي في مطاردته ، فأوغل في البادية ، فقتله احد اتباعه ( الاعلام 191/3 ).

وفي السنة 1210 (1795 م) قام علي أغا الخزينة دار باغتيال احمد

ص: 400

الكهية بغداد ، وفي السنة 1807 وكان علي أغا قد أصبح علي باشا والي بغداد ، أغتاله أباظي اسمه مدد بك ( حكم المماليك في العراق 50 و 70).

وفي السنة 1211 ( 1796 م) تحرك الشيخ ثويني زعيم عشائر المنتفك مع جمع من عشائره نحو الاحساء لمحاربة الأمير عبد العزيز السعود ، ولما بلغ ثويني عين الشباك في ديرة بني خالد ، هجم عليه في خيمته عبد اسمه طعيس ، وبيده حربة ، وهتف : الله أكبر ، ثم أغمد حربته في صدر ثويني ، فقتله ، وقتل العبد من ساعته . ( حكم المماليك في العراق 52).

وفي السنة 1211 قتل أقا محمد القاجاري ، لطف علي خان الزند ، بعد أن حكم إيران منذ السنة 1203 ( معجم أنساب الأسر الحاكمة 389) .

وفي السنة 1215 اغتال سليمان الحلبي ، بالقاهرة ، الجنرال كليبر قائد الجيش الفرنسي بمصر ، فشكلت له محكمة، أجرت محاكمته ، وحكمت عليه بأن تحرق يده اليمني ، وأن يوضع علي الخازوق حتي يموت ( الجبرتي 389/2)

وفي السنة 1218 (1803) قتل الأمير عبد العزيز السعود غيلة ، قتله أفغاني اسمه ملا عثمان ، كان يقيم ببغداد ، وقال أنه قتله دفاعا عن الإسلام والمسلمين ، وقيل أنه قتله انتقاما لأن الوهابيين من أتباع عبد العزيز قتلوا أولاده في مذبحة كربلا التي حصلت في السنة 1801 ( حكم المماليك في العراق 66).

وفي السنة 1220 قتل سلطان مسقط بدر بن أحمد البوسعيدي ، وثب عليه أبناء أخيه سلطان ، فقتلوه غيلة . ( الاعلام 12/2 ).

وفي السنة 1225 ( 1810 م) قتل سليمان باشا الصغير والي بغداد غيلة ، علي يد رجال من عشيرة الدفافعة ، فقطع رأسه ، وأرسل إلي الأستانة . ( حكم المماليك في العراق 80).

ص: 401

وفي السنة 1228 قتل مطلق بن محمد المطيري ، من عمال الإمام سعود بن عبد العزيز في نجد ، فاجأه في أطراف عمان ، رجال الحجريين ، علي حين غفلة ، وقتلوه ( الأعلام 158/8 ).

وفي السنة 1230 قتل أمير تونس عثمان بن علي ، اتفق عليه أبناء عمه ، ودخلوا عليه فقتلوه . ( الاعلام 374/4 ).

وفي السنة 1242 قتل غيلة إسماعيل افندي شريف ، متسلم مدينة حلب ، وسبب ذلك إن والي حلب طالب إسماعيل شريف بمائتي ليرة أجر تعيينه للمتسلمية ، فامتنع ، وأخذ يكتب للدولة عن سوء سيرة الوالي ، سعيا وراء عزله ، وبلغ الوالي ذلك ، فكلفه بمهمة سافر من أجلها إلي عينتاب مع جماعة من الجند ، وأوعز للجند فقتلوه غيلة في الطريق ( اعلام النبلاء 240/7)

وفي السنة 1248 قتل الهادي لدين الله ، أحمد بن علي ، سراج الدين الطالبي ، دعا باليمن إلي الرضا من آل محمد ، وحاصر صنعاء ، ثم تفرق جمعه، واندس له من قتله غيلة ، في العيضة من بلاد اليمن . ( الاعلام 176/1)

وفي السنة 1249 قتل أمير نجد تركي بن عبدالله بن محمد بن سعود ، قتله ابن عمه مشاري بن عبد الرحمن بن سعود ، غيلة ( الاعلام 66/2 ).

وفي السنة 1256 قتل الإمام الناصر عبدالله بن الحسن ، من أئمة الزيدية باليمن ، قتله غيلة أفراد من عشيرة حمدان في وادي ضهر من أعمال صنعاء . ( الأعلام 208/4 ).

وفي السنة 1258 قتل غيلة الأمير كامران ، أمير هراة بأفغانستان ، وكان شاه العجم قد حاصره من السنة 1235 حتي السنة 1255 ( معجم انساب الأسر الحاكمة 447).

ص: 402

وفي السنة 1264 قتل محمد بن علي العمراني الصنعاني ، المؤرخ ، بمدينة زبيد ، هاجمه باطنية ، فقتلوه في داره ( الأعلام 191/7 ).

وفي السنة 1270 قتل غيلة بقصره في بنها بمصر ، عباس الأول ، بن طوسون بن محمد علي الكبير ، قتله مملوكان أرسلتهما إليه من الاستانة عمته نازلي بنت محمد علي، وفرا . ( الاعلام 34/4).

وفي السنة 1282 ( 1865 م) قتل غيلة ابراهيم لينكولن ، رئيس الولايات المتحدة ، وكان من عظماء العالم ، قتله أحد المتعصبين للرق ( المنجد ).

وفي السنة 1285 قتل الأمير متعب بن عبدالله بن علي الرشيد ، أمير حائل ، وثب عليه ولدا أخيه طلال ، وهما بندرو بدر ، وقتلاه أمام قصره برزان، بمدينة حائل . ( الاعلام 154/6 ).

وفي السنة 1292 قتل غيلة ، أمير بريدة ، مهنا بن صالح العنزي ، في القصيم بنجد، قتله بعض آل أبي عليان من تميم ، وهو خارج من صلاة الجمعة ( الاعلام 262/8 ).

وفي السنة 1297 قتل غيلة الشريف حسين بن عبدالله، شريف مكة ، دخل جدة في موكب حافل ، فتقدم اليه رجل أفغاني، وقصده وهو راكب ، كأنه يريد تقبيل يده ، وطعنه بسكين في أسفل خاصرته ، ومات الشريف ، وعذب قاتله بأنواع العذاب ، فلم يقر بشيء ، وقتل بعد ذلك ( أعيان القرن الثالث عشر (141).

وفي السنة (1313) قتل غيلة ، شاه العجم ، ناصر الدين شاه ، عندما كان في زيارة شاه عبد العظيم خارج طهران ، قتله احد أتباع عبد البهاء . أقول : دفن ناصر الدين شاه في موضع بجامع الشاه عبد العظيم ، حيث قتل ، وقد زرت قبره في السنة 1954 م وفي السنة 1968 م.

ص: 403

وفي السنة 1328 (1910) قتل غيلة بطرس غالي ، رئيس الوزراء بمصر قتله شاب قبطي اسمه إبراهيم ناصف الورداني وقتل به ( الاعلام 32/2)

وفي السنة 1331 (1913) قتل غيلة ، أمام نظارة الحربية في إصطنبول، القائد محمود شوكت باشا، رئيس وزراء تركيا العثمانية ، قتله خصومه السياسيون ، وكان قد قاد في السنة 1908 م الجيش ، فخلع السلطان عبد الحميد ، ونصب السلطان محمد رشاد بدلا منه . ( الاعلام 50/8 ).

وفي السنة 1333 قتل أدي شير الكلداني الآشوري ، الباحث العراقي ، من رجال الكهنوت ، صاحب كتاب الألفاظ الفارسية المعربة ، قتل في إحدي قري سعرد غيلة ( الاعلام 274/1 ).

وفي السنة 1337 قتل غيلة عند جلال آباد ، السلطان حبيب الله خان سلطان الأفغان ، وخلفه ولده أمان الله خان ( معجم انساب الأسر الحاكمة 447) .

وفي السنة 1339 قتل غيلة الأمير سعيد حليم ، الذي كان صدرا أعظم في الدولة العثمانية من السنة 1331-1335 وهو ابن حليم بن سعيد بن محمد علي الكبير صاحب مصر ( معجم أنساب الأسر الحاكمة 167). :

وفي السنة 1340 قتل غيلة بمدينة برلين الصدر الأعظم طلعت باشا الإتحادي الذي كان وزيرا للسلطان محمد رشاد الخامس العثماني ( معجم انساب الأسر الحاكمة 250).

وفي السنة (1343) قتل غيلة توفيق الخالدي، وزير الداخلية، بالعراق ، أطلق عليه مغتاله الرصاص ليلا ، وهو بباب داره يريد الدخول ، واتهم بقتله علي السنة الناس ، نوري السعيد ، وزعموا أنه اغتاله ، لأن الخالدي كان يرجح الجمهورية للعراق ، ويعاونه في ذلك عبدالله فيلبي الذي كان مستشارة للداخلية .

ص: 404

وفي السنة (1356) قتل غيلة ضياء يونس الموصلي ، أحد السياسيين العراقيين ، أطلق عليه الرصاص ليلا وهو بباب بيته ، واتهم بقتله أنصار القائد بكر صدقي العسكري، الذي قاد انقلاب السنة 1936 ضد ياسين الهاشمي وصحبه .

وفي السنة 1356 (1937)، قتل بالموصل، بكر صدقي العسكري ، صاحب أول انقلاب عسكري في العراق ، قتله في مطار الموصل جندي من أكراد الموصل . ( الاعلام 2/ 39).

وفي السنة 1358 (1940 م) قتل غيلة ، رستم حيدر ، من ألمع رجال السياسة العربية في فجر عهدها الحديث ، كان يشغل وزارة المالية في العراق ، فدخل عليه ضابط بوليس معزول إسمه حسين فوزي ، وأطلق عليه الرصاص فقتله، (الاعلام 360/6 ).

وفي السنة 1364 قتل احمد ماهر باشا، في مجلس النواب ، اغتاله شاب مصري ، لأسباب سياسية . ( الاعلام 191/1 ).

وفي السنة 1367 قتل غيلة الإمام يحيي حميد الدين ، إمام اليمن ، وقتل معه وزيره عبدالله العمري ( الأعلام 210/4 ).

وفي السنة 1368 (1948 م) قتل غيلة ، أمام مصعد وزارة الداخلية بالقاهرة ، رئيس وزراء مصر محمود فهمي النقراشي ، قتله طالب في كلية الطب البيطري من جماعة الإخوان المسلمين إنتقام منه ، لأنه أمر بحل الجماعة ( الأعلام 58/8 - 59).

وفي السنة 1368 (1948 م) قتل غيلة، المهاتما غاندي ، الزعيم الهندي العظيم ، محرر الهند ، وأعظم رجال القرن العشرين ، قتله احد الشبان المتعصبين ، قال فيه الشاعر المفلق احمد شوقي ، وصدق ، بمناسبة

ص: 405

مرور غاندي علي الباخرة راجبوتانا ، تقله من الهند إلي لندن ، حيث انعقد مؤتمر الطاولة المستديرة :

بني مصر أرفعوا الرأس****وحبوا بطل الهند

علي إفريز راجبوتان**** تمثال من المجد

وفي السنة 1368 (1949 م) قتل غيلة الشيخ حسن البنا ، مؤسس جمعية الإخوان المسلمين بمصر ، واتهمت السلطة المصرية بقتله ، انتقامة لمقتل النقراشي ، الذي قتله أحد أتباع جماعة الإخوان المسلمين ( الأعلام 198 -197/2)

وفي السنة 1370 ( 1951 ) اغتيل رياض الصلح ، أحد زعماء لبنان ، في عمان بشرق الأردن ، أطلق عليه الرصاص جماعة ، وهو في طريقه إلي مطار عمان بالسيارة ليعود إلي بيروت ، وقتل قاتلوه ( الأعلام 67/3 ).

وفي السنة 1370 قتل الملك عبدالله بن الحسين ، ملك الأردن ، غيلة ، في المسجد الأقصي بالقدس ، تصدي له شبان من العرب الفلسطينيين فأطلقوا عليه الرصاص وقتلوه ( الاعلام ( 212/4 ).

وفي السنة 1370 (1950) قتل غيلة ببيروت ، القائد سامي الحناوي ، الضابط السوري الذي اسقط حسني الزعيم ، فإن حسني الزعيم ، قام بانقلاب ضد رئيس الجمهورية السورية ، شكري القوتلي في السنة 1948 ، واستولي علي الحكم بدمشق ، ثم قام سامي الحناوي وأنصاره ، بانقلاب ضد حسني الزعيم ، في السنة 1949 وقتلوه هو ورئيس وزارته محسن البرازي ، واستولوا علي الحكم ، ثم إن أديب الشيشكلي انقلب علي سامي الحناوي ، واعتقله ، ثم اطلقه فبرح دمشق إلي بيروت ، حيث اغتاله محمد بن احمد البرازي ، إنتقام لمقتل محسن البرازي ( الاعلام 5/7).

ص: 406

أقول : ذكر لي الأستاذ جعفر الخليلي إنه سأل قاتل الحناوي أن يقص عليه كيف قتله فقال له : لم أكن أنا الذي قتلته ، وإنما قتله الله .

وفي السنة 1380 ( 1960 م ) اغتيل هزاع المجالي رئيس وزراء دولة الأردن في مكتبه بمدينة عمان بقنبلة .

وفي السنة 1391 (1971م) قتل غيلة وصفي التل ، رئيس وزراء دولة الأردن ، تصدي له فتيان من منظمة التحرير الفلسطينية ، فقتلوه في مدخل فندق شيراتون بالقاهرة .

ص: 407

ص: 408

القسم الخامس: القتل من أجل الاستئثار بالسلطان

الاستشار : الإنفراد بالشيء ، واستأثر بالشيء : استبد به وخص به نفسه . السلطان : القدرة ، والمراد به في هذا البحث و الحكم » .

والإستئثار بالسلطان ، ، سيئة من السيئات التي ضري عليها بعض الأفراد ، فاستسهلوا من أجله الحزن ، واستهانوا في سبيله بالصعاب ، ووصفوا طيبات الدنيا بأنها « الجلوس علي السرير ، والسلام عليك أيها الأمير». وأوردوا في أمثالهم : أن الملك عقيم ، ومعناه : أن الملك لا يعرف ابنة ولا أخا ، فإن نازعك أخ أو ابن أو قريب ، فعليك أن تتخلص منه بقتله .

وأول من قتل في سبيل الإستئثار بالسلطان ، في الإسلام ، معاوية بن أبي سفيان ، وكان يغتفر كل ذنب ، إلا ذنب من تعرض لسلطانه ، وكان يقول : إنا لا نحول بين الناس وألسنتهم ، ما لم يحولوا بيننا وبين سلطاننا، وجاء من بعده يزيد ، ففعل الأفاعيل ، وقتل ، وأحرق ، وسبي ، وهدم ، كل ذلك في سبيل الإستئثار بالسلطان، ثم خلف من بعده عبد الملك بن مروان ، فكان نارا محرقة ، ولعل أوضح دليل علي تهالكه علي الإستئثار بالسلطان، غدره بعمرو بن سعيد بعد أن أعطاه الأمان، وخطبته بالمدينة، من بعد ذلك، وقوله في خطبته تلك: لست بالخليفة المستضعف - يعني عثمان - ولا الخليفة المداهن - يعني معاوية - ولا الخليفة المأفون - يعني يزيد - ألا وإن من كان قبلي من

ص: 409

الخلفاء ، كانوا يأكلون ويطعمون من هذه الأموال ، ألا وإني لا أداوي أدواء هذه الأمة إلا بالسيف ، ألا وإن الجامعة التي جعلتها في عنق عمرو بن سعيد عندي ، والله ، لا يفعل احد فعله ، إلا جعلتها في عنقه (تاريخ الخلفاء 219) ، ولما احتضر عبد الملك ، فإنه بدلا من أن يوصي ولده الوليد ، بالعدل في الرعية ، فإنه أوصاه بقوله : البس للناس جلد النمر ، ومن قال لك برأسه هكذا ، فقل له بسيفك هكذا ، وحسبك بسيرة عبد الملك بن مروان سوء ، أن الحجاج الثقفي ، إنما هو سيئة من سيئاته .

ودرج من بعد بني أمية ، بنو العباس ، فسلكوا سبيلهم ، وساروا بسيرتهم ، وبعد أن كانوا مع العلويين يدا واحدة ، في محاربة بني أمية ، دفعهم خوفهم من انتقاض العلويين عليهم، إلي التخلص منهم بالقتل، والحبس ، والنفي ، والتشريد ، وما صنعه المنصور بال الحسن ، وما صنعه الرشيد بال الحسين ، وما صنعه المتوكل بال علي عامة ، يدل علي مقدار القسوة الكامنة في نفوس بعض طلاب الإستئثار بالسلطان .

وفي النصف الثاني من عهد بني العباس ، أصبح متعارف عندهم ، أن من آيين الحكم ، أن يقوم الخليفة باعتقال إخوانه ، وأعمامه ، ومن يصلح للخلافة من أفراد العائلة ، وأن يحجزهم في مواضع تحت المراقبة ، بحيث لا يدخل إليهم إلا بإذن .

ولما فتح هولاكو بغداد ، وجد الأمراء العباسيين ، من إخوة الخليفة ، وأعمامه، وأقاربه، يقيمون في مواضع في دار الخلافة ، هي بحكم المعتقلات ، ليكونوا دائما تحت مراقبة من تناط به مراقبتهم، فأخرجهم إلي ظاهر سور بغداد حيث تمت عملية إبادتهم جملة .

وكان من التقاليد المتبعة في سلطنة آل عثمان ، أن من تسلطن ، سارع إلي قتل إخوته ، وجميع من يحتمل أن يحل محله من أفراد العائلة المالكة ، وإذا سكت السلطان عن بعضهم ، ولم يقتلهم ، فهم يستقرون في

ص: 410

الحبوس ، ينقطعون فيها عن الناس ، ويمنع أن يتصل بهم أحد من الناس ، إلا سجانيهم .

وقد روي عن السلطان سليم العثماني ، إنه قتل أباه، وإخوته بأجمعهم ، في سبيل السلطان ، وإن ولده السلطان سليمان ، قتل ولده مصطفي ، وولده بايزيد، وأولاد بايزيد الخمسة ، وأن السلطان محمد بن مراد الثالث العثماني ، قتل يوم جلوسه تسعة عشر أخأ له ، ووجد عشر من الجواري ، حوامل من أبيه ، فقتله ، ثم قتل أبنين من أبنائه .

إن البحث المتعلق بالقتل في سبيل الإستئثار بالسلطان ، يشتبك مع الأبحاث الأخري من أبحاث القتل ، فإن الأخبار التي اتهم المؤرخون فيها معاوية ، بأنه قتل أشخاصا بالسم من أجل الإستئثار بالسلطان ، أو من أجل إزاحتهم من طريق ولاية العهد لولده يزيد ، قد اشتمل عليها بحث القتل بالسم وإن كانت في سبيل الإستئثار بالسلطان ، والخبر المتعلق بقتل عبد الملك بن مروان ، عمر بن سعيد الأشدق غدرة ، قد اشتمل عليه بحث القتل غدرة ، وقتل المنصور العباسي بني الحسن ، قد اشتمل عليه بحث الفتك والحبس ، وكذلك القتل غيلة ، فإن اكثر حوادث القتل غيلة ، إنما حصلت في سبيل الإستئثار بالسلطان ، ولكننا اثبتناها في بحث الإغتيال ، واقتصرنا في هذا البحث ، علي أسوأ أنواع القتل من أجل الاستشار بالسلطان ، وهو القتل الذي يقع بين أفراد العائلة الواحدة ، من الأب علي ولده ، والولد علي أبيه ، والأخ علي أخيه، والتابع علي سيده .

وأكتفي بما أوردت ، لأن الإطالة في هذا البحث ترمضني، وتؤذيني ، لأنه بحث يكشف عما في بعض النفوس من قسوة وغسولة .

وأول ما بلغنا من أخبار هذا الصراع المؤدي للقتل ، بين أفراد العائلة الواحدة ، في سبيل الاستئثار بالسلطان، ما صنعه إلياس بن حبيب الفهري ،

ص: 411

في السنة 136 ، بأخيه عبد الرحمن ، صاحب إفريقية ، فإن عبد الرحمن مرض ، فدخل عليه أخوه إلياس يعوده ، فعدا عليه ، وهو مريض ، فقتله ، واستولي علي إمارة إفريقية ، فوثب حبيب بن عبد الرحمن ، علي عمه إلياس ، فقتله بعد معارك ، وانتظمت له شؤون إفريقية، وامتنع عليه عبد الملك بن أبي الجعد الأباظي ، ونشبت بينهما معركة علي أبواب القيروان ، فانكسر حبيب ، وقتل في المعركة ( الأعلام 348/1 و 171/2 ).

أقول : أورد ابن الأثير قصة هذا الصراع بتفصيل أوفي ، قال : لما قتل كلثوم بن عياض ، وأبو عبيدة بن عقبة بن نافع ، في المعارك بإفريقية ، سار عبد الرحمن بن أبي عبيدة ، الي الأندلس ، وأراد أن يتغلب عليها فلم يتمكن ، وعاد إلي إفريقية ، وخرج بتونس في السنة 126 فدعا الناس إلي نفسه ، فأجابوه ، فسار بهم إلي القيروان ، وأراد من بها قتاله ، فمنعهم أميرها حنظلة ، وأرسل إليه جماعة من أهل القيروان ، من أعيانهم ، يدعونه إلي مراجعة الطاعة ، فقبضهم عبد الرحمن ، وأخذهم معه ، وحصر مدينة القيروان ، وقال : إن رمي أحد من أهل القيروان بحجر ، قتلت من عندي أجمعين ، فلم يقاتله احد، واستولي علي القيروان في السنة 127 ، فخرج عروة بن الوليد الصدفي واستولي علي تونس ، وقام أبو عطاف الأزدي فنزل بطيفاس ، وثارت البربر بالجبال ، وخرج ثابت الصنهاجي فاستولي علي باجة ، فأحضر عبد الرحمن أخاه إلياس ، ورتب معه ستمائة فارس ، فسار إلي أبي عطاف ، فقتله وفل جمعه في السنة 130 ثم قصد عروة بن الوليد بتونس فقتله ، وأقام إلياس بتونس ، فخرج عليه رجلان أباظيان ، هما عبد الجبار والحارث ، فقتلهما في السنة 131 ، واستمر عبد الرحمن يحكم إفريقية، ولم تنكسر له راية ، ولما مضت دولة الأمويين، خطب للعباسيين ، وقدم عليه جماعة من بني أمية ، فتزوج هو وإخوته منهم ، وكان ممن قدم عليه العاص وعبد المؤمن ابنا الوليد بن يزيد ، وكانت ابنة عمهما تحت الياس

ص: 412

أخي عبد الرحمن ، وبلغ عبد الرحمن عن العاصي وعبد المؤمن ، إنهما يسعيان في الفساد عليه ، فقتلهما ، فقالت بنت عمهما، لزوجها إلياس : إن أخاك قد قتل أختانك ، وهذا تهاون بك ، وأنت سيفه الذي يضرب به ، وكلما فتحت فتحأ ، كتب إلي الخلفاء : إن ابني حبيبأ فتحه ، ولم تزل تغريه ، حتي تحرك ، وأعمل الحيلة علي أخيه وحدث أن أمر عبد الرحمن أخاه بقصد تونس علي رأس جيش ، فتجهز ، ودخل علي أخيه يودعه ، ومعه أخوه عبد الوارث ، فلما دخلا علي عبد الرحمن قتلاه ، وكان ذلك في السنة 137 ، وكانت إمارة عبد الرحمن علي إفريقية عشر سنين وسبعة أشهر ، وضبط ألياس أبواب دار أخيه عبد الرحمن ، بعد أن قتله ، ليأخذ ابنه حبيبأ ، فلم يظفر به ، وأفلت منه حبيب إلي تونس ، واجتمع بعمه عمران بن حبيب ، فسار إلياس إليهما، فاقتتلوا ، ثم تصالحوا ، وقسموا إفريقية بينهم ، هم الثلاثة ، علي أن تكون لحبيب قفصة وقسطيلة ونفراوة ، ويكون لعمران تونس وصطفورة والجزيرة ، وسائر إفريقية لإلياس ، وكان هذا الصلح في السنة 138 ، فلما اصطلحوا ، سار حبيب إلي عمله ، ومضي إلياس مع أخيه عمران ليسلم إليه تونس ، فغدر إلياس بأخيه عمران وقتله ، وحاز تونس لنفسه ، وقتل بها جماعة ، وعاد إلي القيروان، وبعث بطاعته للمنصور العباسي ، وسار حبيب إلي تونس فملكها ، فحاربه عمه إلياس ، فلما جتهم الليل ترك حبيب خيامه ، وسار جريدة إلي القيروان ، فدخلها ، وأخرج من بها من المحبوسين ، وكثر جمعه ، وانفل عن إلياس أكثر أصحابه ، وتبعوا حبيبة ، ثم تبارز حبيب ، وعمه إلياس ، فكانت نتيجة المبارزة ، أن قتل حبيب عمه إلياس ، واستولي علي القيروان وذلك في السنة 138 وهرب أخوة إلياس إلي بطن من البربر يقال لهم : ورفجومة ، فاعتصموا بهم ، فسار إليهم حبيب ، وقاتلهم ، فهزموه ، وقصدوا القيروان فاحتلوها، وساروا يطلبون حبيبأ ، فأدركوه بقابس ، واقتتلوا، ففر منهم إلي جبل أوراس ، فلحقوا به ، فحاربهم حبيب ، وانتصر عليهم ، وقصد القيروان ليستعيد دولته ، فانكسر في

ص: 413

معركة علي باب القيروان ، وقتل هناك ، وكانت إمرة عبد الرحمن أبي حبيب عشر سنين وأشهر، كما أسلفنا ، وإمرة أخيه الياس سنة وستة أشهر ، وإمارة حبيب بن عبد الرحمن ثلاث سنين ، ولما استولي البربر علي إفريقية، أخذوا يظلمون الناس ، فخرج عليهم أبو الخطاب ، وحشد الناس بطرابلس ( الغرب ) وضم إليه الأباظية والخوارج ، واشتبكوا في معركة بباب القيروان ، فانتصر أبو الخطاب ، وقتل من البربر مقتلة عظيمة ، وكان ذلك في السنة 141 . واستولي أبو الخطاب علي سائر إفريقية ، وفي النسة 143 ولي المنصور محمد بن الأشعث الخزاعي علي إفريقية ، فوصل إليها في خمسين الفا . واشتبك مع أبي الخطاب في معركة ضارية ، فقتل أبو الخطاب ، وعامة أصحابه ، وكان ذلك في السنة 144 ، ثم إن أبا هريرة الزناني هاجم ابن الأشعث في ستة عشر ألفا، فلقيهم ابن الأشعث ، وقتلهم جميعأ ، وضبط إفريقية ، ثم خرج عليه أحد قواده ، واسمه هاشم، فبعث المنصور رسولا إلي هاشم يلومه علي العصيان ، فانكر أنه خالف ، فقال له الرسول : إن كنت علي الطاعة فمد عنقك ، فمد عنقه ، فضربه بالسيف ، فقطع عنقه ، وكان ذلك في السنة 147 ، وبذل الأمان لأصحاب هاشم ( ابن الأثير 318-310/5)

وفي السنة 163 بلغ عبد الرحمن الداخل ( الأموي )، أن عبد السلام بن يزيد بن هشام المعروف باليزيدي ، وعبيد الله بن أبان بن معاوية بن هشام، وهو ابن أخي الداخل ، يسعيان في التدبير عليه ، فقتلهما ( نفح الطيب 46/3 ) .

وفي السنة 167 بلغ عبد الرحمن الداخل أن ابن أخيه المغيرة بن الوليد بن معاوية يسعي في طلب الأمر لنفسه ، فقتله، وقتل معه الصميل بن حاتم ( حفيد شمر بن ذي الجوشن ) ونفي أخاه الوليد بن معاوية ، والد المغيرة ، إلي العدوة ، بماله وأهله وولده . ( نفح الطيب 46/3).

ولما زحف أهل غرب الأندلس ، لحرب عبد الرحمن الداخل، وجه

ص: 414

عبد الرحمن اليهم عبد الملك بن عمر بن مروان ، علي رأس جيش ، فقدم عبد الملك ولده أمية ، فانحاز أمنية منهزمة إلي أبيه ، فقال له أبوه : إن كنت فررت من الموت ، فقد جئت إليه ، وأمر بضرب عنقه ، وجمع أهل بيته وخاضته ، وقال لهم : طردنا من المشرق إلي اقصي هذا الصقع، ونحسد علي لقمة تبقي الرمق ، اكسروا جفون السيوف ، ، فأما موت أو ظفر ، ففعلوا، وانتصروا ( نفح الطيب 59/3 ).

وكان يعفر بن عبد الرحمي الحوالي، باليمن، يحكم صنعاء منذ السنة 230 استقلالأ ، فغلب ولده محمد بن يعفر ، علي صنعاء ، وبايع المعتمد العباسي ، ثم أناب عنه ولده إبراهيم بن محمد في حكم صنعاء ، فقام يعفر الجد، وحرض الحفيد إبراهيم ، علي قتل والده محمد، فقتله في السنة 299 في صومعة مسجد شبام ، وقتل عمه كذلك ( الاعلام 16/8 و 251/9)

وفي السنة 252 حبس المعتز العباسي ، أخويه ابراهيم المؤيد، وأبا أحمد طلحة الموفق ، في الجوسق بسامراء ، وقيد المؤيد ، وجعله في حجرة ضيقة ، وحبس كنجور ، حاجب المؤيد ، وضربه خمسين مقرعة ، وضرب خليفته أبا الهول خمسمائة سوط ، وطيف به علي جمل ، ثم ضرب أخاه المؤيد أربعين مقرعة ، وأخذت منه رقعة بخلع نفسه من ولاية العهد، ثم بلغ المعتز أن الأتراك يريدون إخراج المؤيد من الحبس، فدعا القضاة والفقهاء والشهود والوجوه، وأخرج لهم المؤيد ميتا ، لا أثر به ولا جرح ، وحمل إلي أمه إسحاق الأندلسية ، وهي أم أبي أحمد، علي حمار ، وحمل معه كفن وحنوط ، وحول أبو أحمد إلي الحجرة التي كان المؤيد شقيقه محبوسا فيها، وذكر عن كيفية موت المؤيد إنه أدرج في لحاف سمور ، ثم أمسك طرفاه حتي مات ، وقيل إنه أقعد في حجر من ثلج ، ونضدت عليه حجارة الثلج فمات بردة ( الطبري 361/9 - 362).

ص: 415

وفي السنة 270 بويع أبو الجيش خمارويه بن أحمد بن طولون ، خلفا لوالده ، فأحضر أخاه العباس ليبايعه ، فامتنع ، فأدخل منزلا في الميدان ، وكان آخر العهد به . ( الولاة للكندي 233).

وفي السنة 273 قدمت رسل يا زمان ، فذكروا أن ملك الروم وثب عليه ثلاثة من أولاده ، فقتلوه، وملكوا أحدهم ( الطبري 12/10 ).

وفي السنة 277 قتل محمد بن عبدالله، من أمراء بني أمية بالأندلس ، وهو والد عبد الرحمن الناصر ، قتله أخوه المطرف . ( الأعلام 95/6 ).

وفي السنة 280 اغتيل خمارويه بن أحمد بن طولون صاحب مصر والشام ، اغتاله جماعة من مماليكه ، فأخذوا وقتلوا، وخلفه ولده جيش ، فوثب عليه الجند وقالوا له : لا نرضي بك أميرة ، فتنع عنا لنولي عمك نصرة ، فأحضر جيش عمه نصر، وعما آخر له ، وضرب أعناقهما ، ورمي برأسيهما إلي الجند ، فهجم الجند علي جيش ، وقتلوه ، وأقعدوا هارون بن خمارويه مكان أخيه . ( العيون والحدائق ج 4 ق 1 ص 133).

وروي صاحب كتاب المكافأة ( ص 182- 183) قصة مقتل الثلاثة من آل طولون، قال : لما توفي خمارويه ، بن أحمد بن طولون بدمشق ، خلفه ولده جيش ، فقبض بدمشق علي أعمامه ربيعة ومضر وشيبان أولاد أحمد بن طولون ، وحملهم معه إلي مصر، وحبسهم في حجرة من الميدان معه ، وأفردوا مضرة في حجرة أغلقت عليه أبوابها ، وأمر جيش أن لا يلقي إلي مضر طعام ، فأقام خمسة أيام لا يطعم ولا يستغيث ، ثم وافي ثلاثة من أصحاب جيش ، وفتحوا الباب علي مضر ، فوجدوه ما زال حيا ، فرموه بثلاثة أسهم في مقاتله ، فمات ، وبعد ثلاثة أيام فتح باب الحجرة ، وأدخل جيش محبوسة ، فإن هارون بن خمارويه ، استولي علي السلطان ، وحبس جيشا ، ثم بعث إليه خدمة من أصحابه فقتلوه ، وحكم هارون مصر ، حتي قدم

ص: 416

محمد بن سليمان يقود جيشأ عباسية ، فاحتل مصر ، وانفل جيش هارون . فدخل عليه عماه شيبان وعدي فقتلاه في السنة 292.

وفي السنة 283 بلغ المعتضد سوء سيرة إبراهيم بن أحمد، أمير إفريقية ، فكتب إليه يعنفه علي جوره وسوء عمله ، ويقول له : إن انتهيت عن أخلاقك هذه وإلا فسلم العمل الذي بيدك لابن عمك محمد بن زيادة الله ، فما كان من إبراهيم إلا أن بعث إلي محمد ، من قتله . ( الأعلام 366/6 ).

وفي السنة 289 قتل عبد الواحد بن أبي أحمد الموفق ، وكانت والدته ، قد وجهت معه ، لما أخذ إلي دار مؤنس ، داية له ، ففرق بينه وبين الداية ، فمكثت يومين أو ثلاثة ، ثم صرفت إلي منزل مولاتها ، فكانت والدة عبد الواحد ، إذا سألت عن خبره ، قيل لها : إنه في دار المكتفي ، وهو في عافية ، وكانت طامعة في حياته ، فلما مات المكتفي ، أيست منه ، وأقامت عليه مأتما ( الطبري 94/10 ).

وفي السنة 290 فتك زيادة الله بن أبي العباس عبدالله ، المعروف بابن الأغلب ، بأبيه، وكان أبوه قد ولاه إمارة صقلية، فأهمل إدارتها، فعزله، وسجنه، فدس لأبيه ثلاثة من خصيان الصقالية ، فقتلوه ، ونودي بزيادة الله ، أميرة علي إفريقية ، فكان أول ما بدأ به أن قتل الخصيان الثلاثة ، وفتك بمن قدر عليه من إخوته وأعمامه ، إذ أخرج من إخوته وأعمامه سبعة وعشرين رجلا ، إلي جزيرة في البحر اسمها جزيرة الكراث ، فقتلوا بها في رمضان ، وعاد إلي إهمال شؤون الملك ، وعظم أمر أبي عبدالله الشيعي ، فجمع زيادة الله ماله ، وأهله ، وفر من إفريقية في السنة 296، فنزل بمصر ، ثم قصد بغداد ، فمنعه المقتدر من الوصول إليها ، فعاد إلي مصر، ثم قصد بيت المقدس ، فمات بالرملة ( العيون والحدائق ج 4 ق 1 ص 195 والاعلام 94/3)

ص: 417

وفي السنة 294 قتل يوسف بن محمد بن أفلح ، سادس الأئمة الأباضيين بالجزائر ، قتله أبناء أخيه غيلة ( الأعلام 325/9 ).

وفي السنة 296 أراد قسم من القواد والقضاة ورجال الدولة ، أن يخلعوا المقتدر ، وأن يبايعوا ابن المعتز، وخافوا معارضة الوزير العباس بن الحسن ، فوثب به الحسين بن حمدان ، وآخرون معه ، فقتلوه ، وخلعوا المقتدر ، وبايعوا ابن المعتز ، ثم هاجم غلمان المقتدر، جماعة ابن المعتز، فانفلوا ، وتفرقوا، وعاد المقتدر إلي الخلافة ، وأخذ ابن المعتز فقتله ( الطبري 140/10 - 141).

وفي السنة 304 وثب احمد بن مسافر ، صاحب الطرم، علي ابن أخيه علي بن وهسودان ، بقزوين ، وكانت إلي علي أعمال الري ودنباوند وقزوين وأبهر وزنجان، فقتله أحمد علي فراشه ( ابن الأثير 103/8 ).

وفي السنة 327 حمل عبد الصمد بن المكتفي إلي دار الخلافة ، فذكر أنه كحل في ليلته، أي سملت عيناه ، وحمل إلي داره ميتا ( العيون والحدائق ج 4 ق 2 ص 79).

وفي السنة 339 في عيد الأضحي، أمر عبد الرحمن الناصر الأموي ، الخليفة بالأندلس ، فأحضر أمامه أحد أولاده ، واسمه عبد الله ، وكان قد تآمر علي أبيه ليحل محله ، ومعه اتباع له ، فأمر ولده أن يضطجع ، فاضطجع ، فذبحه بيده ، والتفت إلي خواصه ، وقال : هذا ضحيتي في العيد ، فليذبح كل منهم أضحيته ، فاقتسموا أصحاب عبدالله ، وذبحوهم . ( نفح الطيب 583/3 الأعلام 100/4 ).

وفي السنة 352 وثب أبو محمد بن الشاكر لله محمد بن الفتح ، علي أخيه المنتصر بالله ، صاحب سجلماسة ، وقتله. وتلقب بالمعتز بالله ( الأعلام 78/8)

ص: 418

وفي السنة 366 توفي الحكم المستنصر ، الخليفة المرواني بالأندلس ، وكان المرشح للخلافة من بعده أخوه المغيرة ، فتأمر عليه الحاجب المنصور بن أبي عامر ، والحاجب المصحفي ، وغالب مولي الحكم ، وفائق وجوذر من الفتيان المجابيب من رؤساء القواد ، واقتادوا المغيرة وقتلوه ، ونصبوا هشام بن الحكم خليفة ، ولقبوه بالمؤيد، وهو ابن تسع سنين ( نفح الطيب 396/1)

وفي السنة 372 وثب أبو الفرج محمد بن عمران بن شاهين ، علي أخيه الحسن بن عمران ، أمير البطيحة ، فقتله ، واستقر مكانه ، وكيفية تمكنه منه ، إن أختأ لهما مرضت، فقال أبو الفرج لأخيه الحسن : إن اختنا مشفية ، فلو عدتها، ففعل، وسارا اليها ، ورتب أبو الفرج في الدار نفر اليساعدوه علي قتله ، فلما دخل الحسن الدار ، تخلف عنه أصحابه ، ودخل أبو الفرج معه ، فلما خلا به ، جرد سيفه ، وقتله ، ثم صعد إلي السطح ، وأعلم العسكر بقتله ، ووعدهم الإحسان، فسكتوا ، وبذل لهم المال، فأقروه ، وكان متهورة جاهلا ( ابن الأثير 24-23/9).

وفي السنة 373 قتل أبو الفرج محمد بن عمران بن شاهين ، الذي أصبح أميرة للبطيحة بعد أن قتل أخاه الحسن في السنة 372 ، فإنه لما استقر في إمرة البطيحة ، قدم الجماعة الذين أعانوه علي قتل أخيه ، ووضع من حال مقدمي القواد ، فجمعهم المظفر بن علي الحاجب ، وهو أكبر القواد ، واتفق معهم علي قتله ، فقتله المظفر ، وأقعد مكانه أبا المعالي بن الحسن بن عمران ، وقتل كل من يخافه من القواد ، وكان أبو المعالي صغيرة ، فكان الحكم للمظفر الحاجب ، ثم طمع في الإستقلال بالبطيحة ، فأخرج أبا المعالي ووالدته إلي واسط ، وأجري عليهما جراية ، واستبد بالأمر ، وعهد إلي ابن أخته علي بن نصر الملقب بمهذب الدولة ، وانقرض حكم آل عمران بن شاهين ( ابن الأثير 30/9 -31).

ص: 419

وفي السنة 380 طمع باد الكردي ، صاحب ديار بكر ، في ملك الموصل ، فقصدها وكانت في يد أبي طاهر إبراهيم وأبي عبدالله الحسين ولدي ناصر الدولة الحمداني ، فاستعانا بأبي الذواد محمد بن المسيب أمير بني عقيل ، وبذلا له جزيرة ابن عمر ، وبلد ، ونصيبين ، فأعانهما، وحاربوا بادة وقتلوه، فطمع أبو الذواد في الموصل وحارب أبا طاهر الحمداني ، وأسره ، فقتله ، وقتل ولده علية ، والمزعفر أمير بني نمير، وملك الموصل وأعمالها ، وقد أورد ابن الأثير 66/9 - 74 هذه الحوادث متسلسلة قال : في السنة 379 كان أبو طاهر إبراهيم وأبو عبد الله الحسين ، ابنا ناصر الدولة الحمداني ، في خدمة شرف الدولة ببغداد ، فلما مات شرف الدولة ، وملك بهاء الدولة ، استأذناه في الإصعاد إلي الموصل ، فأذن لهما ، فأصعدا ، ثم ندم علي إذنه لهما ، فكتب إلي خواشاذه ، وكان يتولي الموصل ، أن يدفعهما عنها ، وكتب اليهما بأن يعودا ، فجدا في السير حتي نزلا بظاهر الموصل ، وثار أهل الموصل بالديلم والأتراك ، وخرجوا إلي بني حمدان ، وطردوا الديلم والأتراك من الموصل ، وتملك ولدا ناصر الدولة البلد ، وطمع باد الكردي ، صاحب ديار بكر في تملك الموصل، فقصدها، وحصرها ، فاستعان الحمدانيان، بأبي الذواد محمد بن المسيب أمير بني عقيل ، وبذلاله جزيرة ابن عمر ، ونصيبين ، وبلد ، فأعانهما، وحاربوا بادا وقتلوه في السنة 380، ولما قتل باد ، سار ابن أخته أبو علي بن مروان في طائفة من الجيش إلي حصن كيفا، وكانت به امرأة باد وأهله ، فأعلم زوجة باد بهلاكه ، وأطمعها في التزوج بها ، فوافقته ، واستولي علي مملكة باد بأجمعها ، وسار إلي ميا فارقين ، فقصده فيها أبو طاهر وأبو عبدالله الحمدانيان ، طمعا في ميافارقين ، واقتتلوا ، وظفر أبو علي ، وأسر أبا عبد الله بن حمدان ، فأكرمه ، وأحسن اليه، وأطلقه فسار إلي أخيه أبي طاهر، وهو بأمد يحصرها ، فأشار عليه بمصالحة ابن مروان ، فلم يفعل ، واضطر أبو عبد الله إلي موافقة أخيه ، وعادا لمحاربة أبي علي ، فواقعاه، فهزمهما ، وأسر أبا عبد الله ثانية ،

ص: 420

فأساء إليه ، وضيق عليه ، إلي أن كاتبه صاحب مصر ، وشفع فيه ، فأطلقه ، فمضي الي مصر ، وتقلد ولاية حلب ، وأقام بها إلي أن توقي ، وأما أبو طاهر ، فإنه لما وصل إلي نصيبين ، وكان في قلة، قصده أبو الذواد ، طمعأ في ملك الموصل ، فأسره وعلي ابنه ، والمزعفر أمير بني نمير ، وقتلهم صبرا ، وسار إلي الموصل فملكها وأعمالها، وأقام أبو علي بن مروان بديار بكر ، وأحسن إلي أهلها ، وألان جانبه لهم ، فطمع فيه أهل ميافارقين ، واستطالوا علي أصحابه، فأمسك عنهم إلي يوم العيد ، فخرجوا إلي المصلي في الصحراء ، فلما تكاملوا خارج البلد ، أخذ أبا الصقر شيخ البلد ، وألقاه من أعلي السور ، وقبض علي من كان معه ، وأغلق أبواب البلد ، وأمر أهله أن ينصرفوا حيث شاءوا ، فذهبوا كل مذهب ، وكان أبو علي قد تزوج ست الناس بنت سعد الدولة بن سيف الدولة الحمداني ، فجاءت إليه من حلب فعزم علي زفافها بأمد ، وخشي شيخ البلد ، واسمه عبد البر أن يصنع بهم ما صنع بأهل ميافارقين ، فاتفق مع جماعة من أهل البلد علي أن يقفوا له في الدركاه ، وينثروا عليه الدراهم في وجهه ، فإذا غطي وجهه بكمه ، ضربوه بالسكاكين ، ففعلوا ذلك به ، وتولي قتله إنسان منهم يقال له ابن دمنة ، كان فيه إقدام وجرأة، فاختبط أصحاب أبي علي ، فرمي برأسه اليهم ، فأسرعوا السير إلي ميافارقين ، وحدثتهم أنفسهم بتملك البلد ، فاستراب بهم مستحفظ البلد لإسراعهم ، وقال لهم : إن كان الأمير حيا فأدخلوا معه ، وإن كان قد قتل فأخوه يستحق أن يكون موضعه ، فما كان بأسرع من وصول ممهد الدولة أبو منصور بن مروان ، أخي أبي علي ، الي ميافارقين ، فدخل البلد وملكه ، وأما عبد البر ، شيخ بلد آمد ، فقد استولي علي آمد، وزوج ابن دمنة قاتل أبي علي، بإبنته ، وعمر البلد ، وأصلح أمره مع ممهد الدولة ، وهادي ملك الروم ، وصاحب مصر ، وغيرهما من الملوك ، أما ممهد الدولة ، أبو منصور بن مروان ، فقد كان معه إنسان من أصحابه اسمه شروة ، وكان حاكما في ملك ابن مروان ، وكان لشروة غلام قد ولاه الشرطة ، وكان ممهد الدولة

ص: 421

يبغضه ، ويريد قتله ، ففطن الغلام لذلك . فأفسد ما بينهما ، فعمل شروة طعامة بقلعة الهتاخ، وهي إقطاعه، ودعا إليها ممهد الدولة، فلما حضر عنده ، قتله في السنة 402 ، وخرج من الدار ، فقبض علي بني عم ممهد الدولة ، وقيدهم ، وأظهر أن ذلك بأمر من ممهد الدولة ، ومضي إلي ميافارقين ، وبين يديه المشاعل ، ففتحوا له الأبواب ظانين إنه ممهد الدولة ، فملك ميافارقين وكتب إلي أصحاب القلاع يستدعيهم، وأنفذ إلي أرزن ليحضر متوليها، واسمه خواجه أبو القاسم ، فسار خواجه إلي ميافارقين ، ولم يسلم القلعة إلي الرسول ، فلما توسط الطريق ، سمع بقتل ممهد الدولة ، فعاد إلي أرزن ، وأرسل إلي سعرد ، فأحضر أبا نصر بن مروان أخا ممهد الدولة ، وكان أخوه قد ابعده عنه ، فأخذه خواجه إلي أرزن ، وكان شروة قد بعث لإحضار أبي نصر هذا ، فلما وجده قد سار إلي أرزن ، علم أن أمره قد انتقض ، وكان مروان ، والد ممهد الدولة ، قد اضر، وهو بأرزن عند قبر ولده أبي علي ، هو وزوجته، فأحضر خواجه أبا نصر بن مروان عندهما، وحلفه علي القبول منه ، والعدل ، وملكه أرزن ، ثم ملك سائر ديار بكر ، فدامت أيامه وأحسن السيرة ، وكان مقصدأ للعلماء من سائر الآفاق، واستمر كذلك إلي السنة 453 حيث توفي عن نيف وثمانين سنة، وكانت الثغور معه آمنة ، وسيرته في رعيته أحسن سيرة ( ابن الأثير 66/9 - 74).

وفي السنة 387 مرض فخر الدولة ، صاحب الري ، واشفي علي الهلاك ، وكان ابن اخيه ، أبو الحسين أحمد بن عضد الدولة معتقلا في حبسه، فبعث إليه من قتله في الحبس ( الاعلام 187/1 ).

أقول : لما توقي عضد الدولة في السنة 372 وخلفه ولده صمصام الدولة ، قبض علي أخيه أبي الحسين احمد، ووكل به « أي سجنه »، وكانت أم أبي الحسين بنت ملك الديلم ، فخشيها صمصام الدولة ، وأطلق أخاه ، وخلع عليه ، وولاه شيراز وأعمالها ، فلما وصل إلي الأهواز ملكها ، وتلقب

ص: 422

بتاج الدولة ، وأعلن سلطنته ، فجرد إليه صمصام الدولة جيشا ، فدحره أحمد، وقصد البصرة فملكها ، ورتب بها أخاه أبا طاهر ، ولقبه ضياء الدولة ، واستمر ثلاث سنين ، ثم قصد إصبهان، فاعتقله شرف الدولة أبو الفوارس أخوه ، وحمله إلي قلعة في بعض نواحي شيراز ( ذيل تجارب الأمم 80 -78)

وفي السنة 388 خرج أبو نصر بن بختيار البويهي ، علي صمصام الدولة بن عضد الدولة ، وقتله ، ولما أحضر رأسه أمام أبي نصر، وقد وضع في طست ، قال أبو نصر يخاطب صمصام الدولة : هذه سنة ستها أبوك ( المنتظم 204/7 ).

أقول : كان معز الدولة صاحب العراق ، ولما مات خلفه ولده بختيار فطمع عضد الدولة في ملكه ، وقصده، وحاربه ، وقتله في السنة 367.

وفي السنة 400 قتل أبو المطرف محمد بن هشام بن عبد الجبار بن عبد الرحمن الناصر الأموي ، الملقب بالمهدي ، وكان قد استعان بجيش من البربر ، وأعلن خلافته بقرطبة وخلع هشام المؤيد، وحارب الحاجب عبد الرحمن بن المنصور بن أبي عامر ، ونهب الزهراء ، وخربها ، ونهب دور بني عامر ، وبعث حاجبه ، فقتل الحاجب عبد الرحمن بن أبي عامر ، الملقب : شنشول ( معرب Sanchuelo ، أي سانكو الصغير، اسم اسباني ، كانت تناديه به للتحبب ، أمه الأميرة القوطية ) ، ولما قتله ، قطع رأسه ، ونودي عليه : هذا شنشول المأبون ، ثم أن المهدي احضر شخصأ، فقصده ، حتي نزف ومات ، وأدعي أنه هشام المؤيد ودفنه ، ثم أراد أن يستأصل البربر، وهم جنده ، فانتقضوا عليه ، وقتلوا وزيريه محمد بن دري ، وخلف بن طريف ، وبايعوا هشام بن سليمان بن الناصر لدين الله ، ونشبت بين هشام هذا وبين المهدي معركة ، كان النصر فيها للمهدي فاخذ هشاما واخاه وقتلهم صبرا وقتل اثني عشر

ص: 423

ألفا من البربر ، فانحاز البربر إلي قلعة رباح ، وبايعوا سليمان بن الحكم ، ولقبوه المستعين بالله ، فاحتل طليطلة ، وقتل واليها، ثم هاجم قرطبة ، واستولي عليها ، ففر المهدي إلي طليطلة ، واستعان بالإفرنج ، وعاد المهاجمة قرطبة ، فانكسر، وأسر، فقطعت أربعته، ثم ضربت عنقه ( الوافي بالوفيات163/5 - 165)، وتولي المستعين الحكم في قرطبة، حتي السنة 407 حيث قتل ، واستولي العلويون بنو حمود علي قرطبة ( نفح الطيب 430/1 )، وفي السنة 409 قام بشرق الأندلس المرتضي عبد الرحمن بن محمد ، من أحفاد الناصر ، وهاجم غرناطة ، فانكسر ، وقتل ( نفح الطيب 485/1 ) وفي السنة 412 علي أثر معركة بين القاسم بن حمود ، صاحب قرطبة ، وبين ابن أخيه يحيي بن علي بن حمود ، صاحب سبتة ، أنكسر القاسم ، وأسره ابن أخيه يحيي ، وأبقاه عنده محبوسا حتي قتله خنقأ في السنة 27، وهو في محبسه ( نفح الطيب 486/1 - 488) ، وفي السنة 414 بويع بقرطبة عبد الرحمن بن هشام بن عبد الجبار الأموي، ولقب بالمستظهر ( نفح الطيب 436/1 )، وبعد شهرين ثار محمد بن عبد الرحمن ، حفيد الناصر الأموي ، فقتل المستظهر ، وتلقب بالمستكفي ، وهو والد ولادة الشهيرة، وخلع بعد ستة عشر شهرا ، في السنة 416 ( نفح الطيب 437/1 ) وعادت قرطبة إلي حكم العلويين بني حمود ( نفح الطيب 432/1 ) وفي السنة 418 بايع أهل قرطبة هشام بن محمد أخا المرتضي ، ولقبوه بالمعتد بالله ، ولكنه خلع في السنة 422، وانتقل الحكم إلي ملوك الطوائف ( نفح الطيب 438/1)

وفي السنة 407 دخل علي بن حمود الإدريسي، أول ملوك الدولة الحمودية قرطبة ، وقبض علي سليمان بن الحكم ، وعلي أبيه الحكم بن سليمان بن الناصر ، فقتلهما في يوم واحد، وأعلن خلافته ، ولقب بالناصر الدين الله ( الاعلام 94/5 ).

ص: 424

وفي السنة 408 مرض مهذب الدولة صاحب البطيحة ، فأراد ابن أخته ، أبو محمد عبدالله بن بني أن يحل محله إذا مات، فأغري الجند وأطمعهم في أن يعتقلوا ابن مهذب الدولة ، أبا الحسين أحمد ، لئلا يبقي له منافس ، فاعتقلوه ، ولما مات مهذب الدولة تأمر أبو محمد ، فأحضر أبا الحسين احمد ، وأمر بضربه ، فضرب ضربا شديدا مات منه بعد ثلاثة أيام من موت أبيه ، ولم يتمل أبو محمد بالحكم ، إذ مات بالذبحة بعد شهرين ( ابن الأثير 303-302/9)

وفي السنة 412 مرض صدقة ، صاحب البطيحة ، فقصدها أبو الهيجاء محمد بن عمران بن شاهين ليملكها ، فسمع به صدقة ، وهو مريض ، فسير إليه جيشا ، فقاتلوه ، فانهزم أبو الهيجاء ، وأسر ، فقتله سابور بن المرزبان بن مروان بيده ، ولما مات صدقة ، خلفه سابور ( ابن الأثير 324/9 ) .

وفي السنة 421 توفي يمين الدولة محمود بن سبكتكين ، وأوصي بالملك لولده محمد ، وكان أصغر من مسعود ، فبويع محمد ، وكان أخوه مسعود بإصبهان ، فكاتب أصحاب محمد ، فسعي علي خويشاوند ، حاجب محمود ، في خذلان محمد ، وأعانه علي ذلك يوسف بن سبكتكين ، عم محمد ، فقبضا علي محمد، وناديا بشعار أخيه مسعود ، وحبسا محمد في قلعة تكنباذ ، فلما تسلطن مسعود ، كان أول ما صنعه أن قتل الحاجب عليا ، ثم قبض علي عمه يوسف أيضأ ، وسمل عين أخيه محمد فأعماه ، وفي السنة 432 خرج عليه بعض القواد ، وأعادوا أخاه محمدا إلي السلطنة ، وحصروا مسعود في قلعة، فاستسلم ، فقال له أخوه محمد : والله ، لا أقابلك علي فعلك بي ، ولا أعاملك إلا بالجميل ، فانظر أين تريد أن تقيم، حتي أحملك إليه ، ومعك أولادك وحرمك ، فاختار قلعة كيكي ، فأنفذه إليها محفوظا، وأمر بإكرامه ، وصيانته ، ثم ألح احمد بن السلطان محمد، علي قتل عمه مسعود ، فقتل ، وألقي في بئر ، وسد رأسها ، وقيل إنه ألقي فيها

ص: 425

حيا، وسد رأسها فمات ، وثأر مودود بن مسعود لموت أبيه ، فقام علي رأس جيش إلي غزنة ، وتصاف هو وعمه محمد ، فظفر مودود ، وانهزم محمد، ووقع أسيرة في يد مودود ، هو وولده أحمد ، فقتل مودود عمه محمد ، وابن عمه أحمد، وكثيرا من قواده وحاشيته ( ابن الأثير 398/9-400-484-488)

وفي السنة 432 توفي قدرخان ، صاحب بخاري ، وخلف ثلاثة بنين ، أرسلان خان ، وبغراخان، وآخر ، فقدم أرسلان خان ، وحارب أخاه بغراخان ليأخذ مملكته ، فوقع أرسلان خان أسيرة في يد بغراخان ، فأودعه الحبس، ثم إن بغراخان عهد بالملك إلي ولده الأكبر حسين جغري تكين ، وجعله ولي عهده ، وكان لبغراخان امرأة لها منه ولد صغير ، فغاظها ذلك ، فعمدت إلي سم فسمت به حسين جغري وعدة من أهله ، فماتوا ، وخنقت أرسلان خان وهو في السجن ، وذلك في السنة 439 وقتلت وجوه أصحاب حسين جغري ، وملكت ولدها، واسمه إبراهيم ، وسيرته في جيش إلي مدينة تسمي بر سخان ، صاحبها يعرف بينالتكين ، فظفر به پنالتكين ، وقتله ، وانهزم عسكره ( ابن الأثير 298/9 -299).

وفي السنة 426 وثب الحسن بن أبي البركات بن ثمال الخفاجي ، بعمه علي بن ثمال ، أمير بني خفاجة، فقتله ، وحل، محله في إمارة بني خفاجة ( ابن الأثير 444/9 ).

وفي السنة 431 قتل القاسم بن حمود العلوي ، في الحبس ، قتله ابن أخيه إدريس بن علي بن حمود ، وكان القاسم بن حمود قد ملك قرطبة بمعونة البربر ، فحاربه أهل قرطبة ، وهزموا البربر هزيمة منكرة ، فسار القاسم عنها إلي إشبيلية ، فمنعه اهلها من دخولها ، فنزل بشريش ، فزحف إليه يحيي ابن أخيه علي بن حمود ، فأخذه أسيرا ، وحبسه ، وبقي في حبسه حتي توفي يحيي ، وملك أخوه إدريس فقتل عمه القاسم في الحبس بعد أن ظل محبوسا ست عشرة سنة ، وكان قتله في السنة 431 ( ابن الأثير 273/9 -276).

ص: 426

ولما توفي ابو القاسم بن مكرم ، صاحب عمان ، خلف بنين أربعة ، فخلفه أكبرهم أبو الجيش ، ثم أحس أبو الجيش أن أخاه المهذب يتآمر عليه ، فاعتقله ، ووضع عليه من خنقه ، وألقي جثته في منخفض من الأرض ، وأظهر إنه سقط فمات ، ثم مات أبو الجيش بعد ذلك بيسير ( ابن الأثير 469/9 ).

وفي السنة 432 كان يحيي بن إدريس ، قد خلف أباه بمالقة ، يسنده ابن بقية ، وهو أبو جعفر أحمد بن أبي موسي، فسار إليه من سبتة الحسن بن يحيي بن علي بن حمود ، ومعه نجا الصقلبي ، فهرب ابن بقية ، فاحتالا عليه حتي حضر، فقتلاه، وقتلا يحيي بن إدريس، واستمر الحسن بن يحيي في الحكم نحوا من سنتين ، وتلقب بالمستنصر ، ومات في السنة 434 فقيل إن زوجته ابنة عمه إدريس ، سمته اسفا علي أخيها يحيي ، ولما مات الحسن المستنصر، أراد نجا الصقلبي ، أن يزيل حكم بني حمود ، فقتله البربر ، وأخرجوا إدريس بن يحيي، وبايعوه بالخلافة ، ولقبعه العالي ( ابن الأثير 280/9 -281).

وفي السنة 437 قتل عيسي بن موسي الهدباني ، صاحب إربل ، وكان خرج إلي الصيد ، فقتله ابنا أخ له ، وسارا إلي قلعة إربل فملكاها ، وكان سلار بن موسي ، أخو المقتول ، عند قرواش بن المقلد ، فسار قرواش مع السلار إلي إربل ، فملكها ، وسلمها إلي السلار، وعاد إلي الموصل ( ابن الأثير 531/9 ).

وفي السنة 446 توقي القائد بن حماد، وأوصي ولده محسن ، بالإحسان إلي عمومته فخالف أمره ، وقتل أربعة من عمومته ، وكتب محسن إلي ابن عمه بلكين بن محمد يستدعيه ، فلما قرب منه ، أمر رجالا من العرب

ص: 427

أن يقتلوه ، فلما خرجوا قال لهم أميرهم خليفة بن مكن : إن بلكين لم يزل محسنا إلينا فكيف نقتله ، وأعلموه بما أمرهم به محسن ، وقالوا له : إن كنت تريد قتل محسن فنحن نقتله لك ، فاستعذ بلكين للقاء محسن، وسار اليه ، فلجأ محسن الي قلعته، فأدركه بلكين، وملك القلعة، وقتل محسنا ، وكان ذلك في السنة 447 ( ابن الأثير 600/9 و 601).

وفي السنة 447 قتل أبو حرب سليمان بن نصر الدولة بن مروان ، صاحب الجزيرة ونواحيها ، وكان شجاعة مقداما ، فجري بينه وبين الأمير موسك ابن المجلي نفرة ، ثم راسله أبو حرب ، واستماله ، وزوجه ابنة الأمير أبي طاهر البشنوي ، صاحب قلعة فتك ، وأبو طاهر هذا ابن أخت نصر الدولة بن مروان ، فاطمأن موسك من أبي حرب ، وسار إليه ، فغدر به أبو حرب وقتله ، وأظهر انه قد توفي ، فغضب أبو طاهر البشنوي ، وأرسل الي خاله نصر الدولة ، وإلي ولده أبي حرب يقول : حيث أردتما قتله ، فلماذا جعلتما ابنتي سبيلا إلي ذلك ، وقلدتماني ثوب العار ؟ وتنكر لهما، فخافه أبو حرب ، فوضع عليه من سقاه سما فقتله ، وولي بعده ابنه عبيدالله ، فأظهر أبو حرب له المودة استصلاحأ له ، وتبرؤ مما قيل عنه ، واستقر الأمر بينهما علي الإجتماع وتجديد الإيمان ، وخرج إليه أبو حرب في نفر قليل، فقتله عبيد الله ( ابن الأثير 606/9 - 607).

وفي السنة 449 قتل المعتضد بن عباد صاحب اشبيلية، ولده الأكبر إسماعيل ، الملقب بالمؤيد ، إذ دبر اسماعيل مؤامرة أراد بها قتل أبيه ، ليحل محله في الحكم ، وتسور سور القصر مع جماعة من أتباعه، فقاومهم الحرس ، وهرب أصحاب اسماعيل ، وقبض علي بعضهم ، فأقروا، واعتقل المعتضد ولده اسماعيل ثم ضرب عنقه ( المعجب في إخبار المغرب 153).

ولما توفي دوناس بن حمامة المغراوي ، أمير فاس ، في السنة 452 اقتسم المملكة ولداه : الفتوح ، له عدوة الأندلس من مدينة فاس ،

ص: 428

وعجيسة ، له عدوة القرويين ، ثم نشبت بينهما المعارك ، وظفر الفتوح بأخيه ، فقتله . ( الاعلام 335/5 ).

وفي السنة 475 هلك أحمد بن سليمان بن محمد بن هود ، الملقب بالمقتدر بالله ، من ملوك الطوائف بالأندلس ، وكان أبوه قد قسم مملكته علي أولاده الخمسة ، وكانت حصته سرقسطه ، فلما توفي الأب احتال أحمد علي ثلاثة من أخوته ، فأخرجهم من ممالكهم ، واعتقلهم وسمل بعضهم ( الاعلام 129 -128/1)

وفي السنة 488 تملك الأمير رضوان السلجوقي ، دمشق ، بعد مقتل أبيه الأمير تتش ، فقتل أخويه أبا طالب ، وبهرام ، وقتل خواص أبيه ، وتوفي سنة 507 وكان قبيح السيرة ( النجوم الزاهرة 205/5 ).

وفي السنة 489 زحف أمير المسلمين ، يوسف بن تاشفين ، من المغرب ، إلي الأندلس ، فحصر بطليوس ، واستولي عليها ، وأسر ملكها المتوكل عمر ، وولديه الأفضل والعباس ، وقتلهم يوم عيد الأضحي ، وفي رثائهم نظم ابن عبدون ، قصيدته المشهورة التي مطلعها : ( الأعلام 221/5 ۔ 222)

الدهر يفجع بعد العين بالأثر**** فما البكاء علي الأشباح والصور

وفي السنة 489 قتل يوسف بن أبق ، أحد الأمراء بحلب ، قتله أحد أهالي حلب ، واسمه المجن، رئيس الأحداث بها ، فلما قتله أراد أن يسيطر علي حلب ، فلم يوفق ، وأخذه الملك رضوان ، وعذبه، ثم قتله هو وأولاده ، ( ابن الأثير 255/10 - 256).

وفي السنة 500 توقي عبد العزيز بن عبد الحق ، من بني خراسان ، صاحب تونس ، فخلفه ولده أحمد، فقتل عمه اسماعيل ، وكان مرشحا للإمارة قبله، ونفي جماعة من أهل تونس وأشياخها ( الأعلام 146/1 ).

ص: 429

وفي السنة507 توفي صاحب حلب ، الملك رضوان بن تاج الدولة تتش بن ألب أرسلان ، وقام بعده ولده تاج الدولة ألب ارسلان الأخرس ، ولم يكن أخرس ، وإنما كانت في لسانه حبسة وتمتمة ، ومما يذكر إن الملك رضوان المتوفي، كان قد قتل اخويه أبا طالب وبهرام ، فلما ملك ولده الأخرس ، قتل كذلك أخوين له ، أحدهما شقيقه واسمه ملكشاه ، والثاني أخوه من أبيه ، واسمه مبارك شاه ، وكان ألب أرسلان الأخرس قد ملك وهو ابن 16 سنة ، وكان يدبر ملكه البابا لؤلؤ ، فلما رأي سوء سيرته ، قتله البابا ، وولي أخا له طفلا ، وذلك في السنة 508 ( ابن الأثير 499/10 - 508) والوافي بالوفيات350/9 ).

وفي السنة 508 توفي الملك علاء الدولة أبو سعد مسعود بن إبراهيم بن مسعود بن محمود بن سبكتكين ، وخلفه ولده ارسلان شاه ، فقبض علي أخوته ، وقتل بعضهم ، وسمل أعين بعضهم ، من غير خروج منهم عن الطاعة ، وفر احد أخوته واسمه بهرام ، والتجأ إلي السلطان سنجر السلجوقي ، فأرسل إلي أرسلان شاه في معناه ، فلم يلتفت إليه ، فتجهز في جيش وقصده ، فلاقاه أرسلان شاه في ثلاثين ألف فارس ، وخلق كثير من الرجالة ، ومعه مائة وعشرون فيلا ، فانكسر جيش الغرنوي ، ودخل سنجر غزنة ، وسلطن بهرام شاه ، وعاد عنه ، فكر أرسلان شاه علي أخيه بهرام ، وحاربه ، فظفر بهرام بأخيه أرسلان شاه ، فخنقه ، ودفنه بغزنة ، وكان سن أرسلان شاه إذ ذاك 27 سنة ( ابن الأثير 404/10 -507).

وفي السنة 524 فتح السلطان سنجر السلجوقي مدينة سمرقند ، وسبب ذلك إنه كان قد نصب في سمرقند أرسلان خان محمد أميرة من قبله ، فأصيب بفالج، فاستناب بها ولده نصرة ، فاتفق علوي في سمرقند مع رئيس البلد ، وقتلا نصرة ، فقصد أرسلان خان سمرقند، وقتل العلوي ، وكاتب السلطان سنجر يطلب عونه ، فقصد السلطان سنجر سمرقند ، فوجد في

ص: 430

طريقه اثني عشرة رجلا في السلاح التام ، فقبض عليهم ، وحقق معهم ، فاعترفوا بأن أرسلان خان محمد بعث بهم لقتل السلطان سنجر ، فقتلهم ، وسار إلي سمرقند فملكها ، ونزل إليه أرسلان محمد بالأمان ، فأمنه ، وبعث به إلي ابنته زوجة السلطان سنجر ، فبقي عندها إلي أن مات ، وتملك سمرقند محمد بن أرسلان محمد ( ابن الأثير 661/10 - 662).

وفي السنة 526 توقي الأمير تاج الملوك بوري ، صاحب دمشق ، وخلفه ولده شمس الملوك اسماعيل ، فسار أول الأمر سيرة حسنة ، ثم ساعت سيرته ، وفي السنة 527 اتهم أخاه سونج، بأنه يتآمر عليه ، فقتله ، وقتل معه جماعة ، وفي السنة 529 أراد أن يقتل والدته ، فبلغها ذلك ، وشكا وجوه الدولة إلي والدته ، وهي الخاتون صفوة الملك ، فأوصت غلمانها بقتله ، فقتلوه، وأجلست مكانه أخاه ( ابن الأثير 9/11-209- 21 ووفيات الأعيان 299/1 وخطط الشام 8/2 و9).

وفي السنة 540 قتل الفقيه محمد بن عبد الله الخشي ، صاحب مرسية ، أجمع عليه أهلها فأمروه عليهم ، وتلقب بالناصر لدين الله ، في السنة 539 ، وخرج غازية إلي غرناطة ، يقاتل الملثمين ، فنشبت بينهم معركة ، فقتل فيها قريبا من غرناطة ( الاعلام 106/7 ).

وفي السنة 544 غدر عبد الله بن عبد العزيز بن اسماعيل ، بعمه أبي بكر بن اسماعيل ، أمير بنزرت بتونس ، وقتله ، وزعم أنه توفي غرقا . ( الاعلام 36/2 ).

وفي السنة 544 استعاد بهرام شاه غزنة ، من ملك الغور سوري بن الحسين ، وأسر سوري وصلبه ، وسبب ذلك . إن محمد بن الحسين ملك الغور ، كان قد صاهر بهرام شاه الغرنوي ، وقصد غزنة ليزور صهره ، فآتهمه بهرام ، وأخذه ، وسجنه ، ثم قتله ، فملك بعده أخوه سام ، ومات

ص: 431

بالجدري ، فملك بعده أخوه سوري ، وقصد غزنة ، ليثأر لأخيه ، واستولي عليها في السنة 543 ، وفر بهرام إلي الهند ، فجمع جمعة ، وعاد إلي غزنة ، وحارب سوري ، فاستولي علي غزنة ، وأسر سوري ، وصلبه ( ابن الأثير 135/11 و136 ) .

وفي السنة 548 قتل الملك العادل بن السلار، وزير الظافر الفاطمي ، غيلة ، قتله ابن امرأته ، وتولي الوزارة مكانه . (الاعتبار 18).

وفي السنة 551 دخل المظفر بن حماد بن أبي الجبر ، صاحب البطيحة الحمام ، فهجم عليه أحد أقربائه وأسمه يعيش بن فضل بن أبي الجبر ، وقتله ، طمعا في موضعه ، فلم ينل مراده ، وحل ولد المظفر في مكانه . ( ابن الأثير 217/11 المنتظم 168/10 ).

أقول : المظفر بن حماد بن أبي الجبر ، كان قد استولي علي البطيحة ، بعد أن فتك بقريبه الأمير نصر بن مهذب الدولة ، وكما تدين تدان . راجع ترجمة المظفر في خريدة القصر ج 44 م 2 ص 529 - 531.

وفي السنة 551 مات خوارزم شاه آتسز ، وخلفه ولده أرسلان ، فبدأ ملكه ، بأن قتل نفرا من أعمامه ، وسمل أخأ من إخوانه . ( الكامل لابن الأثير 209/11 ).

وفي السنة 580 مات قطب الدين ايلغازي ، صاحب ماردين ، وخلفه ولده حسام الدين بولق ، وهو طفل ، وقام بتدبير المملكة نظام الدين ألبقش ، مملوك قطب الدين ، يعاونه في التدبير مملوك له اسمه لؤلؤ ، ومات حسام الدين صغيرة ، فنصب نظام الدين مكانه ، أخا له طفلا لقبه قطب الدين ، فاستمر الحكم النظام الدين إلي السنة 601 فمرض نظام الدين ، فزاره قطب الدين عائدة ، فلما خرج من عنده ، خرج معه لؤلؤ مشيعة له ، فضربه قطب الدين بسكين ، فقتله ، ثم دخل إلي نظام الدين ، فقتله أيضا ، وألقي الرأسين إلي الأجناد ( ابن الأثير 508/11 و 509 ).

ص: 432

وفي السنة 583 بلغ السلطان أبا يوسف الموحدي . أن أخاه عمر الملقب بالرشيد ، الأمير بمرسية ، وعمه أبو الربيع سليمان ، الأمير بتادلا من بلاد صنهاجة ، يطمعان في الحلول محله ، فقبض عليهما ، وقتلهما ( المعجب للمراكشي 352 - 354) .

وفي السنة 584 تأمر إخوة قطب الدين عيسي ، صاحب تكريت ، وغدروا به ، فقتلوه خنقا ، وملكوا تكريت ، ثم اختلفوا ، فباعها المقدم منهم للناصر العباسي . ( وفيات الأعيان 498/3 - 500 ).

وفي السنة 586 مرض السلطان أبو يوسف الموحدي ، فطمع أخوه أبو يحيي زكريا ، في الحلول محله ، وكلم أشياخ الجزيرة في ذلك ، أي جزيرة الأندلس ، فلما أفاق أبو يوسف ، قبض علي أخيه أبي يحيي ، وأجري له محاكمة علنية ، ثم أمر أخاه لأبيه عبد الرحمن بن يوسف ، فقطع عنقه بالسيف . ( المعجب للمراكشي 357 و 358).

وفي السنة 588 توفي الملك قلج ارسلان السلجوقي ، بمدينة قونيه ، وكان قد قسم مملكته بين أولاده في حياته ، فستم دوقاط لابنه ركن الدين سليمان ، وسلم قونيه لولده كيخسرو غياث الدين ، وسلم أنقرة لولده محيي الدين ، وسلم ملطية ألي ولده معز الدين قيصر شاه ، وسلم ابلستين إلي ولده مغيث الدين ، وسلم قيسارية إلي ولده نور الدين محمود ، وستم سيواس وأقصرا إلي ولده قطب الدين ، وسلم نكسار إلي ولد آخر له ، وسلم أماسيا إلي ولد أخيه ، ثم إنه ندم علي ذلك ، وأراد أن يجمع الجميع لولده قطب الدين ، وهو الأكبر ، وخطب له ابنة السلطان صلاح الدين ، ليقوي بذلك ، فأمتنع باقي أولاده عليه ، وتوفي قلج ارسلان ، وهو محاصر ولده محمود بقيسارية ، وكان قطب الدين صاحب أقصرا وسيواس ، أراد أن يسير من إحدي

ص: 433

مدينتيه إلي الأخري ، وجعل طريقه علي قيسارية وبها أخوه نور الدين محمود ، وليست علي طريقه ، إنما كان يقصدها ليظهر لأخيه المودة والمحبة ، وفي نفسه الغدر ، فكان أخوه محمود يقصده ويجتمع به ، ففي إحدي المرات نزل بظاهر البلد علي عادته ، وحضر عنده أخوه نور الدين محمود ، غير محتاط ، فقتله أخوه قطب الدين ، وقتل معه الأمير حسن ، وكان من خيار الأمراء ، وألقاه علي الطريق ، فأكلت الكلاب من لحمه ، ثم مرض قطب الدين ، وهلك ، فسار أخوه ركن الدين سليمان ، إلي بلاد أخيه قطب الدين وملكها ، وملك ما يعود لإخوته الباقين ، ما عدا أنقرة ، فإنه حصرها ثلاث سنين متوالية ، وتسلمها في السنة 601 ووضع علي صاحبها أخيه محي الدين من يقتله إذا فارقها، فلما نزل منها قتل، وهلك ركن الدين في تلك الأيام ، قبل أن يصل إليه خبر قتل أخيه محيي الدين ( ابن الأثير 90-87/12)

وفي السنة 589 قتل سيف الدين بكتمر ، صاحب خلاط ، قتله صهره علي ابنته هزار ديناري ، طمعا في أن يحل محله ، فملك من بعده ، وكان بكتمر قد أظهر الشماتة بموت السلطان صلاح الدين الأيوبي ، وفرح بموته ، وعمل لنفسه عرشأ جلس عليه ، وأبدل اسمه من بكتمر ، فسمي نفسه عبد العزيز ، وغير لقبه من سيف الدين ، فأصبح صلاح الدين ، وكان بين موت صلاح الدين ، وقتل بكتمر شهرين اثنين ( ابن الأثير 102/12 و103).

وفي السنة 602 قتل سنجر بن مقلد بن سليمان بن مهارش ، أمير عبادة بالعراق ، قتله إخوته ، وسبب ذلك ، إنه سعي بأبيه مقلد إلي الخليفة الناصر ، فأمر بالتوكيل به ، وبقي الأب مدة موك به ، ثم أطلقه ، فقتل سنجر أحد إخوته ، فأوغر بهذه الأعمال صدور أهله وإخوته ، وركب سنجر في أحد الأيام ، مع إخوته وأصحابه ، فلما إنفرد عن أتباعه ، ضربه أخوه

ص: 434

علي بن مقلد بالسيف ، فسقط إلي الأرض ، فنزل إخوته إليه وقتلوه . ( ابن الأثير 241/12 ).

وفي السنة 605 قبل سنجر شاه بن غازي بن مودود ، صاحب جزيرة ابن عمر ، قتله ولده غازي ، بأن تسلق إلي دار أبيه ، واختفي عند بعض سواريه ، وتسلل إلي موضع مبيته لي، وضربه بالسكين أربع عشرة ضربة ، ثم ذبحه ، وتركه ملقي ، فخلفه ولده محمود ، وقبض علي أخيه غازي وقتله ، ( ابن الأثير 12/ 280 و281 ) .

وفي السنة 612 قتل السلطان جلال الدين علي بن سام الغوري ، صاحب باميان وطخارستان ، قتله خوازرم شاه ( معجم انساب الأسر الحاكمة 419)

أقول : ورد في معجم أنساب الأسر الحاكمة ص 421 إن خوارزم شاه قتل جلال الدين علي في السنة 608 وكان قد أسره في السنة 602 وهذان الخبران غير صحيحين ، فإن الذي أسر جلال الدين في السنة 602 إنما هو الأمير يلدز ( ألدز ) أحد مماليك الغوريين ، أسره بعد معركة حامية ، فأكرمه ، وأحترمه ، وأطلقه ، وقوده ، وزوجه ابنته ، أما خبر مقتله فلم يرد في ابن الأثير ولا في تاريخ أبي الفدا ، ولعل التاريخ المعين لمقتله في السنة 612 أقرب للحقيقة لأن خوارزم شاه في هذه السنة اجتاح المنطقة التي يحكمها الأمير يلدز ، واستولي علي غزنة وأعمالها من يلدز الذي فر منه إلي الهند حيث قتل في إحدي المعارك هناك ، راجع تاريخ أبي الفدا ( 107/3 و116 و 118) .

وفي السنة 616 توفي قطب الدين محمد بن زنكي ، صاحب سنجار ، فخلفه ابنه عماد الدين شاهنشاه ، وبعد شهور ، سار إلي تل أعفر ، فدخل عليه أخوه عمر بن محمد ، ومعه جماعة ، فقتلوه ، وملك أخوه عمر(ابن الأثير355/12 )

ص: 435

وفي تاريخ أبي الفداء أن الأخ القاتل اسمه محمود ( المختصر في تاريخ البشر 122/3 ).

وفي السنة 618 بعث أمير مكة ، قتادة بن إدريس العلوي ، ولده الحسن ، علي رأس جيش للاستيلاء علي المدينة ، فوثب الحسن بن قتادة ، وهو في الطريق ، علي عمه ، وكان معه في العسكر ، فقتله ، وعاد إلي أبيه بمكة ، فخنقه ، وكان الأب في التسعين من عمره ، ثم عمد الحسن إلي أخيه ، وكان نائبا عن أبيه بقلعة ينبع ، فأحضره إلي مكة ، وقتله أيضأ ، واستقر في ملك مكة ، بعد أن قتل أباه، وعمه وأخاه ( المختصر في تاريخ البشر 131/3 ) ولم يطل أمده في الإمارة ، فإن صاحب اليمن قصده في السنة 620 وطرده من مكة ( ابن الأثير 401/12 و402 و403).

وفي السنة 624 بويع للمعتصم يحيي بن محمد بن يعقوب الموحدي ، بعد أن خنق عمه العادل عبد الله بن يعقوب ، وفي السنة 626 هاجمه عمه الآخر المأمون إدريس بن يعقوب ، فانتصر ، وفر يحيي إلي الجبل ، ولكنه عاد في السنة 629 إلي مراكش ففتحها ، وكان عمه المأمون قد قتل في وادي العبيد ، وبويع لابنه عبد الواحد الملقب بالرشيد ، وهاجم الرشيد ابن عمه يحيي في مراكش ، في السنة 630 فانهزم يحيي ، ثم عاد بجيش من البربر ، فانتصر علي الرشيد ، وعلي من معه من الإفرنج ، واحتل مراكش في السنة 630، وفر الرشيد إلي سجلماسة ، ثم أعاد الكرة فهاجمه في السنة 633 ففر يحيي ، ولحق بعرب المعقل ، وقتل غيلة بفج عبد الله ، ما بين فاس وتازا في السنة 633. ( الاعلام 208/9 و209).

وفي السنة 634 قتل غيلة السلطان ركن الدين فيروز شاه ، سلطان دهلي ، بعد أن حكم سنة واحدة ، اغتالته رضية بكم ، وخلفته في الحكم ، بلقب جلالة الدين ( معجم أنساب الاسرات الحاكمة 422) .

ص: 436

وفي السنة 637 قتل الملك ناصر الدين أرتق ، صاحب ماردين ، خنقه ولده ، وهو سكران . ( النجوم الزاهرة 316/6 ).

وفي السنة 647 بويع للمستنصر أبي عبد الله محمد بن يحيي الهنتاتي ، من ملوك الدولة الحفصية بتونس ، فقتل عمين له ، وجماعة من الخوارج ، فتوطد ملكه وتوفي سنة 675 ( الاعلام 8/8 ).

وفي السنة 651 قتل الشريف أبو سعد، أمير مكة ، دخل عليه أولاد عمه إلي داره فقتلوه ، وكان الذي قتله حماد بن حسن ( العقود اللؤلؤية106/1)

وكان سلطان المغول مانكو بن تولوي (649 - 659) بدأ حكمه بتصفية أقاربه ، فأمر بوضعهم في أكياس مغلقة ، ورميهم تحت حوافر الخيل ، فهشمت عظامهم ، وقتل غيرهم برميهم بالحجارة ، ومع ذلك فقد كان بالقياس إلي من سبقه من سلاطين المغول أقلهم تعطشا للدماء ( علاقات بين الشرق والغرب 196 - 197).

وفي السنة 665 قتل شمس الملوك محمد بن أردشير ، سلطان مازندران ، قتله ابنه ( معجم انساب الأسر الحاكمة 287).

وفي السنة 665 قتل أبو حفص عمر بن اسحاق بن يوسف بن عبد المؤمن ، الملقب بالمرتضي ، من ملوك مراكش ، كان واليا برباط الفتح ، وبويع بمراكش في السنة 646 ، وفي أيامه استولي الأسبانيون علي إشبيلية بالأندلس ، واستفحل أمر بني مرين ، وخرج عليه ابن عمه أبو دبوس إدريس بن أبي عبد الله ، الملقب بالواثق بالله ، واستولي علي مراكش ، فاستر المرتضي ، فبعث إليه الواثق من قتله ( شذرات الذهب 320/5 والاعلام 198/5 ) .

وفي السنة 667 قتل في معركة بظاهر مراكش ، أبو العلاء إدريس بن

ص: 437

محمد، بن عمر بن عبد المؤمن ، الملقب بأبي دبوس ، آخر ملوك دولة الموحدين ، قتله زعيم بني مرين يعقوب بن عبد الحق ( شذرات الذهب 327/5 والاعلام 268/1 ).

وفي السنة 670 وثب أبو نمي محمد بن الحسن الحسني ، من أشراف مكة ، علي عم أبيه إدريس بن قتادة ، أمير مكة ، فقتله ، واستقر موضعه ( الاعلام 318/6 ).

وفي السنة 674 قتل إسحاق بن ابراهيم الموحدي ، آخر ملوك الموحدين بمراكش ، بايعه بقايا الموحدين ، وأقام بتنيملل ، إلي أن قبض عليه فيها مع جماعة من أصحابه ، وأحضروا أمام السلطان يعقوب بن عبد الحق المريني ، بمدينة فاس ، فأمر بهم ، فقتلوا بأجمعهم ( الاعلام 285/1)

وفي السنة 675 توفي صاحب تونس أبو عبد الله محمد بن يحيي بن عبد الواحد الهنتاتي ، وكان قد ملك تونس في السنة 647 خلفا لأبيه ، وقتل عميه وجماعة من الخوارج ، وكانت تزف إليه في كل ليلة جارية ( شذرات الذهب 349/5 ).

وفي السنة 678 وثب إبراهيم بن يحيي الحفصي ، بتونس ، بابن أخيه يحيي بن محمد بن يحيي ، الملقب بالواثق بالله ، فخلعه ، واعتقله ، وذبحه مع بنيه . ( الاعلام 210/9 ) .

وفي السنة 682 قتل أبو إسحاق إبراهيم بن يحيي بن عبد الواحد الحفصي ، الهنتاتي ، كان مقيما بالأندلس ، وبلغه موت أخيه المستنصر محمد بن يحيي أمير تونس وإفريقية ، ومبايعة ولده الواثق يحيي بن محمد ، فقدم وامتلك بجاية ، فتنازل له ابن أخيه عن الحكم ، فبويع أبو إسحاق في السنة 678 فاعتقل ابن أخيه الواثق، وقتله وقتل معه ثلاثة من بنيه ، ثم ثار

ص: 438

عليه أحمد بن مرزوق ابن أبي عماره، فتنازل أبو إسحاق عن الحكم لولده أبي فارس ، ونشبت معركة بين أحمد بن مرزوق ، وأبي فارس ، فقتل أبو فارس ، ففر أبو إسحاق ، ولكن أتباع أحمد ، أدركوه ، واعتقلوه ، فأمرهم بقتله ، فقتلوه . ( الاعلام 75/1 ).

وفي السنة 686 قتل الأمير كيخسرو بن الأمير محمد صاحب الملتان بن السلطان بلبان سلطان دهلي ، قتله ابن عمه الأمير كيقباد الذي تسلطن في السنة 686 باسم السلطان معز الدين ( معجم انساب الاسر الحاكمة 432 و 424) .

وفي السنة 694 اتفق جماعة من الأمراء والخواتين علي السلطان ايرنجين ( كيخاتو) وقتلوه ، وسلطنوا بدلا منه بايدو ، ودامت سلطنته ثمانية أشهر ، إذ حاربه غازان بن أرغون ، فمال الأمراء والعساكر إلي غازان ، وقتل بايدو ، وتسلطن غازان ، ودامت سلطنته ثماني سنوات ، وتوفي في السنة 703 ( تاريخ الغياثي 50 - 53 ).

وقص علينا ابن بطوطة ، في كتاب رحلته ، قصة فترة فظيعة ، من تاريخ الهند، (689 - 725 ) ، كان فيها التناحر في سبيل الإستئثار بالسلطان ، بالغ أقصي حدود الجنون ، فذكر أن السلطان جلال الدين الخلجي ( فيروز شاه ) ، كان نائبا للسلطان معز الدين ( كيقباد) الذي ولي الحكم سنة 686 ، فاغتال معز الدين ، واستولي علي الحكم ( في السنة 689) واستقام له الحكم سنين ( حتي السنة 694 ) ، فخرج عليه ابن أخيه ، واسمه علاء الدين ، وكان واليا علي مدينة كرا وما نكبور ونواحيها، فخرج جلال الدين لملاقاته وإصلاحه ، واجتمعا في وسط النهر بمدينة كرا ، فغدر علاء الدين بعمه ، وقتله ، وتسلطن باسم علاء الدين محمد شاه الخلجي ( في السنة 695 ) ودام ملكه عشرين سنة ( حتي السنة 715 ) ، وكان له أولاد خمسة ، هم خضرخان ، وشادي خان ، وأبو بكر خان ، وشهاب الدين

ص: 439

عمر خان ، وقطب الدين مبارك خان ، فاتفقت أم خضر خان ، مع أخيها الأمير سنجر ، أحد كبار الأمراء ، علي توليه ابنها خضر خان ، عند وفاة والده الذي كان مريضا ، وبلغ السلطان علاء الدين ذلك ، فقتل صهره سنجر ، واعتقل ولده خضر ، وسجنه في حصن كاليور ، ولما مات علاء الدين ، في السنة 715 خلفه وتده شهاب الدين عمر ، فأمر بسمل أعين أخويه أبي بكرخان وشادي خان وسجنهم في حصن كاليور ، وأمر بسمل عيني أخيه خضر خان أيضا ، فسمل ، واكتفي بسجن أخيه قطب الدين ولم يسمله ، فتآمر عليه قطب الدين مع بعض الأمراء ، واستولي علي الحكم في السنة 716 ) ، وخلع أخاه شهاب الدين عمر ، وقطع إصبعه ، وحبسه مع إخوته في سجن كاليور ، ثم بلغه أن بعض القواد يتآمرون علي خلعه ، ونصب ابن أخيه خضر خان ، وهو غلام في العاشرة ، فأخذ بيد الغلام ، وأمسك برجليه ، وظل يضرب برأسه الحجارة ، حتي نثر دماغه ، وأرسل أحد أمرائه إلي حصن كاليور ، وأمره بقتل إخوته جميعا . فقتلوا ، وكان مقتل خضر خان فاجعة ، حيث إنه سحب من احضان أمه إلي حيث لاقي مصرعه ، وحسب قطب الدين أنه استراح من الطامعين في الملك ، عندما قتل إخوته ، فسلط الله عليه أكبر امرائه ، وأسمه ناصر الدين خسروخان ، فاتفق مع آخرين أدخلهم علي السلطان ( في السنة 720 ) وقتلوه ، وتسلطن من بعده ، وأطاعه الأمراء كافة ، إلا تغلق ، أمير بوبال بور من بلاد السند ، فإنه لما جاءته خلعة السلطان ناصر الدين ، طرحها علي الأرض ، وجلس فوقها ، ثم نشبت بينهما معارك ، كانت عاقبتها ظفر تغلق ، ومقتل ناصر الدين خسروخان ، في نفس السنة ، أي 720 ، وتسلطن تغلق أربع سنين ( حتي السنة 725 ) . وفي خلال هذه المدة ، خرج عليه ولده محمد ، بإغراء بعض القواد ، ثم عاد الولد إلي أبيه نادما ، فقتل الأب أولئك القواد ، ومنهم الملك كافور المهردار، ضرب له عمودا في الأرض ، محدد الطرف ، وركز فيه عنقه ، حتي خرج طرفه من جنبه ، وكانت خاتمة تغلق أن استقر في كشك خارج دهلي ، بناه له

ص: 440

ولده محمد ، وأستعرض فيه جيشه ، فأنهدم الكشك عليه في السنة 725 وقتله ، واتهم الناس ولده بأنه دبر بناء الكشك ، بشكل هيأه ليلقي أبوه فيه حتفه ، وتسلطن محمد من بعده ( 725 - 752 ) ، وهو السلطان غياث الدين ابو المجاهد محمد شاه بن تغلق الذي زار ابن بطوطة الهند في أيامه ( مهذب رحلة ابن بطوطة 38/2 - 52) .

وفي السنة 701 توفي بمكة ، الأمير محمد بن الحسن الحسني ، أمير مكة ، وكان قد وثب علي عم أبيه إدريس بن قتادة في السنة 670 فقتله ، وأستقل بالإمرة ( الدرر الكامنة 41/4 ) .

وفي السنة 703 توقي السلطان غازان التاري ، وكان ولده بسطام عند محمد خربنده بخراسان ، فكتب الأمراء إلي بسطام كتابة ، وأرسلوه إليه خفية ، لكي يقدم عليهم ويتسلطن خلفا لوالده ، ولكن الرسول لما وصل إلي خراسان ، سلم الكتاب إلي محمد خربنده ، فلما أطلع عليه « أنفذ في الحال من قضي شغل بسطام ، ورفعه من الوسط ، أي إنه قتله ، وتسلطن خربنده ، ودامت سلطته 13 سنة وتوفي سنة 716( تاريخ الغيائي 54 و55 ).

وفي السنة 706 قتل السلطان الناصر لدين الله أبو يعقوب يوسف بن يعقوب المريني ( 638- 685- 706) فبايع قسم من رجال الدولة ولده أبا سالم ، بسعي من الوزير أبي زيد يخلف بن عمران الفودوي ، آخر وزراء السلطان أبي يعقوب ، وبايع الأخرون أبا ثابت عامر بن أبي عامر عبد الله بن يوسف ، حفيد السلطان أبي يعقوب ، وازر أبا ثابت الأمير أبو يحيي بن يعقوب ، عم والد السلطان أبي ثابت ، وضعف أمر أبي سالم ، فقر إلي جهة الغرب ، فحصره جيش أبي ثابت بندورمة ، وأسر أبو سالم ، فأمر به أبو ثابت فقتل ، وبايع الناس أبا ثابت ، وكان أول من بايعة الأمير أبو يحيي بن يعقوب ، عم أبيه ، وفي ثالث يوم البيعة، دخل السلطان أبو ثابت إلي الحرم ، ومعه عم أبيه ، وخرج وحده ، وأومأ إلي حاشيته بأن يقبضوا علي عم

ص: 441

أبيه ، فلما اعتقلوه ، وأوثقوه ، أمرهم بالإجهاز عليه ، فقتلوه ، فقر منه جميع أفراد العائلة، وقتل أبو ثابت ستمائة من أهل مراكش ممن كان يوالي إلي أقاربه ، وصلبهم علي أسوار مراكش ( ابن خلدون 233/7 و 234 والاعلام 21/4 و22).

وفي السنة 707 ملك أبو حمو موسي بن عثمان ، أول ملوك زناتة بتلمسان ، فتآمر عليه ولده أبو تاشفين عبد الرحمن ، وهجم عليه في السنة 718 فقتله ، وقتل أخاه أبا سرحان بن عثمان ، واستأصل جميع بطانة أبيه ووزرائه ، واعتقل جميع أفراد عائلة يغمراسن ، ونفاهم إلي العدوة (الأندلس) ( ابن خلدون 105/7 ).

وفي السنة 709 قتل الملك الناصر محمد بن قلاوون ، بيبرس الجاشنكير ، أحد أمرائه ، وكان قد خرج عليه وتسلطن ، فلما عاد للسلطنة ، أحضره ، وخنقه بوتر كان في يده . ( الأعلام 59/2 ).

وفي السنة 708 هاجم نصر بن محمد الفقيه النصري ، من بني الأحمر ، بغرناطة ، أخاه السلطان محمد ، وخلعه، وقتل وزيره ، واستولي علي المملكة ، واعتقل أخاه في مدينة المنكب ، ثم حدث أن أصيب السلطان نصر بسكتة في السنة 710، وتوقعوا موته ، فأحضروا أخاه محمدأ من السجن ، ليحل محله إن مات ، ولكن نصرا عوفي ، فأمر بأخيه محمد فأعيد إلي السجن ، واغرق في بركة ماء ، فمات ( الاحاطة 552 -562 الأعلام 262/7 ).

وفي السنة 715 قتل السلطان ركن الدين إبراهيم شاه ، سلطان دهلي ، قتله الأمير علاء الدين محمد ، بعد أن سمل عينيه ، وتسلطن من بعده باسم السلطان علاء الدين محمد شاه ، واستمر حكم علاء الدين محمد ، أكثر من عشرين سنة ( معجم انساب الأسر الحاكمة 422).

ص: 442

وفي السنة 715 دخل الشريف حميضة إلي مكة ، وقتل أخاه أبا الغيث المنصوب علي مكة بأمر الملك الناصر سلطان مصر ، واستولي حميضة علي مكة ، فغضب السلطان الملك الناصر، وجهز جيشا كثيفا صحبة الشريف عطيفة ، فلما علم حميضة بوصولهم هرب من مكة ، واستولي عليها عطيفة ( العقود اللؤلؤية 415/1 ).

واتهم قطب الدين مبارك شاه ( حكم 716- 720) ابن عم له اسمه أسد الدين ، بأنه قد تآمر عليه ، فأخذه وتسعة وعشرين من إخوته وأولاد إخوته ، فذبحهم ذبح النعاج (الإسلام والدول الإسلامية في الهند 15).

وفي الدرر الكامنة 401/1 - 402 إن اسماعيل بن الفرج ، من بني الأحمر ثار علي خاله أبي الجيوش في السنة 713 وطرده من غرناطة ، واستولي عليها وتلقب بالغالب بالله ، ثم أمر خاله أبا الجيوش علي وادي آش ، ولما أنكر الفرج علي ولده اسماعيل ما صنع ، قبض علي أبيه ، وحبسه « مكرمة ، وفي السنة 719 حشد الإفرنج ، وهاجموا المسلمين في ثمانين ألفة ، فاستغاث المسلمون بالمريني سلطان المغرب ، فلم ينجدهم ، فاستقتلوا وكانوا في ألف وخمسمائة فارس وأربعة آلاف راجل ، فكان النصر للمسلمين ، وقتل ملك الإفرنج بطره بن سانجه في المعركة ، وعاد الغالب بالله من المعركة منتصرا ، فوثب عليه ابن عمه فقتله ، ثم قتل قاتله ومن أعانه علي ذلك ، وتسلطن محمد بن الغالب بالله اسماعيل، في مكان أبيه ، وكان قتل الغالب اسماعيل غيلة ، وموت أبيه الفرج في الحبس ، في سنة واحدة ، أي في السنة 720 ( الدرر الكامنة 401/1 - 402).

و أقول : اثبت صاحب الإحاطة ، خبر اغتيال السلطان اسماعيل ، وذكر أنه حصل في السنة 725 ، وأيده في ذلك زامباور ، في معجمه عن أنساب الأسر الحاكمة ( ص 93) قال صاحب الاحاطة :

ص: 443

وفي السنة 725 تجهز السلطان أبو الوليد أسماعيل بن فرج النصري ، صاحب غرناطة للغزو ، فقصد مدينة مرتش، ففتحها ، وعاد إلي غرناطة منصورة، فغدر به ابن عمه محمد ابن اسماعيل ، صاحب الجزيرة ، ووثب به بباب قصره ، بين عبيده وأرباب دولته ، فاعتنقه ، وانتضي خنجرة وطعنه ثلاث طعنات إحداها في عنقه بأعلي ترقوته ، وصاح وزيره بكر ، فقتل ، ورفع السلطان وهو جريح إلي بعض دور قصره فمات ، وفر الفاتك وأصحابه ، فقتلوا بأجمعهم (الاحاطة 385- 400).

وفي السنة 725 قتل الشريف منصور بن جماز الحسيني ، صاحب المدينة ، قتله ابن أخيه حديثة بن قاسم بن جماز ، وقتل قاتله حديثة في الحال ، واستقر في الحكم بعده ولده كبيش ( الدرر الكامنة 128/5 ).

وفي السنة 727 قتل السلطان أيوب بن الكامل أبي بكر بن الموحد تقي الدين بن المعظم توران شاه ، وكان قد حج في السنة 726 ومر بمصر ، فأكرمه الملك الناصر محمد بن قلاوون ، ولما عاد من الحج عارضه أخوه محمد بن الكامل أبي بكر ، واشتبك معه في السنة 727 في معركة ، فقتل أيوب وولده ، واستولي محمد بن أبي بكر علي الملك وتلقب مجير الدين ( الدرر الكامنة 463/1 ومعجم الأنساب والاسرات الحاكمة 151.154 ).

وفي السنة 733 أراد الأمير عبد الرحمن بن السلطان أبي الحسن المريني ، صاحب المغرب ، أن يثب علي أبيه ، ويسلبه السلطنة، ولما انكشفت مؤامرته فر إلي حلة أولاد علي أمراء زغبة ، فقبض عليه أميرهم موسي بن أبي الفضل ، ورده إلي أبيه ، فاعتقله بوجدة ، وبعث إليه في السنة 792 من قتله في سجنه ( ابن خلدون 259/7 ).

وفي السنة 734 قتل عمر بن عثمان بن يعقوب المريني ، من سلاطين الدولة المرينية ، بعد حياة حافلة بالغدر في سبيل السلطان ، فقد كان ولي عهد أبيه ، وفي السنة 714 ، وسنه إذ ذاك 18 سنة ، قاتل أباه ، وجرحه ،

ص: 444

وخلعه ، ونصب نفسه سلطان بفاس ، ثم اتفق مع أبيه ، فعاد الأب إلي عرشه ، وتولي الإبن سلماسة وما والاها مستقلا ، ثم عاود الإنتقاض علي أبيه ، فلم يفلح ، وعفا عنه أبوه ، ثانية ، كما عفا عنه أو، ولما مات الأب خلفه ولده علي ، أخو عمر هذا ، فخامر عمر علي أخيه ، ووثب علي درعة فاحتلها ، وقتل عاملها ، ووجه العساكر الي مراكش ، فقصده علي ، وحصره بسجلماسة ، وأسره ، وأحضره معه إلي فاس ، فاعتقله ببعض حجر القصر أشهر ، ثم قتله فصدة وخنقأ . ( الاعلام214/5).

وأورد صاحب الدرر الكامنة ، أخبار هذا السلطان بتفصيل أوفي ، قال : وفي السنة 734 مات السلطان أبو علي عمر بن السلطان أبي سعيد عثمان بن عبد الحق المريني ، وكان أحب اولاد أبيه إليه ، ورشحه للملك بعده وهو شاب ، وصرفه في الأمور ، ثم وجهه في السنة 714 الي فاس ، فخلع أباه، ودعا لنفسه ، وجمع عسكرأ ، فالتقي به أبوه ، فانهزم الأب وجرح ، ثم تراجع عسكره ، وأعانه ولده أبو الحسن علي ، علي أخيه أبي علي عمر ، ثم تصالحوا علي أن ينزل السلطان أبو سعيد عثمان عن الأمر الولده أبي علي عمر ، وأن يقتصر الأب علي تازي ، فملك أبو علي عمر فاس ، واتفق أنه مرض ، فتسئل الناس عنه إلي أبيه ، فعاد لمحاصرة ولده ، ثم تصالحا علي أن يقتصر أبو علي علي سجلماسة ، ويعود الأب للسلطنة ، ولما استقر أبو علي بسجلماسة رتب لنفسه مملكة ، واستخدم جندة ، وفتح حصونا ، ثم خلع أباه في السنة 720 ، وفي السنة 722 ملك مراكش، واستمرت الحرب بينه وبين أبيه ، حتي مات الأب ، وخلفه ولده ابو الحسن علي ، فخرج عليه أخوه أبو علي عمر ، وحاربه ، وفي معارك دارت بين الأخوين ظفر أبو الحسن في السنة 733 بأخيه أبي علي عمر ، وقتله ، وترك أبو علي أولاد صغارا ، أخرجهم أبو عنان الذي خلف أباه أبا الحسن ، إلي الأندلس ، فنزلوا في جوار ابن الأحمر صاحب غرناطة ، وهم عبد الحكيم ،

ص: 445

وعلي ، وعبد المؤمن ، وناصر ، ومنصور ، وأبو زيان ، ثم ملك عبد الحكيم سجلماسة ، في السنة 763 فنازعه أخوه عبد المؤمن ، ففر عبد الحكيم إلي بلاد التكرور ، وقدم مصر ، ثم حج ، ومات بتروجة في السنة 767 ( الدررالكامنة 251/3 -252).

وفي السنة 735 قتل السلطان ترمه شيرين بن دوا ، صاحب سمرقند وبلخ ، قتله الذي خلفه في الحكم ، لأنه أسلم ، وترك العمل بالياسا ، أي تعاليم جنكيز خان ، ولم تطل مدة القائم بعده ( الدرر الكامنة 51/2 ).

أقول : ذكر ابن بطوطة في رحلته ( 306/1 - 313) أنه زار السلطان وسماه ( طرمشيرين ) في السنة 734 ووصفه بكرم الأخلاق ، وحب العدل ، وملازمة صلاة الجماعة ، ثم قال : وبعد سنتين من وصولي إلي الهند بلغني أن الملأ من قومه خلعوه ، لأنه كسر أحكام الياسا، التي سنها جدهم جنكيزخان ، وسلطنوا ابن عم له اسمه بوزون أوغلي ، وأراد طرمشيرين أن يلجأ إلي غزنة ، فاعتقله ابن أخيه الأمير ينقي بن السلطان كبك ، وكان طرمشيرين قد قتل أخاه السلطان كبك فحمل الأمير ينقي عمه طرمشيرين ، وأسلمه إلي خلفه بوزون أوغلي ، فأمر بقتله ، فقتل ، وأن بوزون أساء السيرة لما ملك ، فاتفق عليه الأمراء ، واعتقلوه، وقتلوه خنقأ بأوتار القسي ، وتلك عادتهم، أنهم لا يقتلون من كان من أبناء الملوك إلا خنقأ ، أما ما جاء في معجم الأنساب والأسر الحاكمة ( 370- 372) فإن ترماشيرين أسلم ، واتخذ لنفسه لقب علاء الدين ، وإنه حكم من السنة 726 حتي السنة 734 فخلفه جنكشي بن أبو قان ، وترماشيرين عمه ، وكان جنكشي وثنية ، ولم تطل مدة حكمه إذ خلفه بوزون بن دواتيمور ، وترماشيرين عمه أيضا في السنة 735.

وفي السنة 735 حشد السلطان أبو الحسن المريني ، صاحب المغرب القتال السلطان أبي تاشفين، من بني عبد الواد ، فحاصره أمدا طويلا، ثم اقتحم عليه مدينة تلمسان في السنة 737، ودافع أبو تاشفين عن المدينة ،

ص: 446

وعن قصره دفاع مجيدة ، وسقط في المعركة قتيلا هو وابناه عثمان ومسعود ، ووزيره موسي بن علي ، ووليه عبد الحق بن عثمان مع ابنه وابن أخيه ( ابن خلدون 256/7 - 257).

أقول : أورد صاحب شذرات الذهب 115/6 قصة مقتل أبي تاشفين في السنة 737 فقال : في السنة 737 قتل صاحب تلمسان أبو تاشفين عبد الرحمن بن موسي بن عثمان ، وكان قد قتل أباه ، وتسلطن بعده ، وكان الأب سيء السيرة ، وحكم أبو تاشفين نيف وعشرين سنة ، ثم حصره سلطان المغرب أبو الحسن المريني ، فبرز عبد الرحمن ليكبس المريني ، فقتل علي جواده كهلا ، راجع الدرر الكامنة 457/2 .

وفي السنة 736 قتل ملك الهند السلطان مبارك بن محمود بن مسعود الغزنوي ، وقام بالملك بعده مملوكه خسرو التركي ( الدرر الكامنة 362/3 ) .

وفي السنة 736 توقي السلطان أبو سعيد ، سلطان العراق واذربيجان ، فقام وزيرة الخواجة غياث الدين محمد بن الخواجا رشيد الدولة الهمذاني ، بنصب أرباخان سلطانأ ، ولكن علي باشا الأويرات خال أبي سعيد ، خرج عليه ، وقتل أرباخان ووزيرة الخواجا غياث الدين في السنة عينها أي 736 ( الدرر الكامنة 252/4 - 253).

وفي السنة 742 حج الملك المجاهد صاحب اليمن ، فلما رجع وجد ولده قد غلب علي المملكة ، وملك ، ولقب المؤيد، فحاربه ، وقبض عليه ، وقتله ( الدرر الكامنة 119/3 ).

أقول : ذكر صاحب العقود اللؤلؤية خبر مخالفة المؤيد لوالده الملك المجاهد ، في أخبار السنة 744، قال :

وفي السنة 744 خالف الملك المؤيد، علي والده الملك المجاهد ، صاحب اليمن ، واستولي علي مدينة المهجم ، ولكنه في السنة 745 عاد إلي

ص: 447

طاعة أبيه ، وقدم عليه مع القاضي شمس الدين بن الصاحب ، وسيف الدين الخراساني ، فلما وصل إلي أبيه ، عاتبه ، ثم ضربه ، وحبسه ، ومات في حبسه بعد أيام قلائل . ( العقد الؤلؤية 76/2 - 77) وأما زامباور ، فإنه في معجم انساب الأسر الحاكمة ( ص 184) لم يعتبر المؤيد هذا سلطانة ، وإنما ذكر ان الملك المجاهد سيف الدين علي بن داود الرسولي خلف أباه المؤيد هزبر الدين داود في السنة 721 وأنه استقر في ملكه حتي السنة 764 حيث خلفه ولده ضرغام الدين العباس . :

وفي السنة 742 خلع السلطان الملك الأشرف كجك بن الناصر محمد بن قلاوون ، عن سلطنة مصر ، ولما ولي أخوه الملك الصالح اسماعيل، اضطهد أخاه كجك ووالدته ، وصيرهما في ذل وهوان ، وكانت أم الملك الصالح ، في كل قليل إذا توعك ولدها - وكان ضعيف البنية - اتهمت أم كجك بأنها تتعمد له بالسحر، وتأخذ جواريها وحواشيها ، فتعاقبهم ، وفي السنة 746 بعث الملك الصالح إلي أخيه كجك ، أربعة خدم طواشية ، فقتلوه علي فراشه وهو ابن اثنتي عشرة سنة ( النجوم الزاهرة 49/10 ).

وفي السنة 742 ولي السلطان الملك الناصر أحمد بن محمد بن قلاوون، ثم خلع ، وأرسل إلي الكرك ، ولما تسلطن اخوه الملك الصالح اسماعيل طلب من أخيه أحمد شعائر الملك ، وما أخذه من الخزائن ، فأبي أن يجيبه، فبعث إليه في السنة 745 من قتله ، وحتي رأسه ، وأحضره إلي القاهرة ، فلما رأي الملك الصالح ، الرأس ، فزع ، واضطرب، ومرض ، ومات ( النجوم الزاهرة 71/10 - 93- 98).

وكان للسلطان محمد بن تغلق ، سلطان الهند ( 725- 752)، أخ اسمه مسعود خان ، أخوه لأبيه ، وكان من أجمل الناس صورة ، اتهمه بأنه يتآمر عليه ، فأقر بذلك خوفا من العذاب ، لأن الذي ينكر التهمة ، يعذب ، فكان من يتهم ، يري أن القتل أهون عليه من العذاب ، فأمر به ، فضربت

ص: 448

عنقه في وسط السوق ، وظل مطروحا ، هناك ثلاثة أيام ( مهذب رحلة ابن بطوطة 85/2-86).

وفي السنة 744 قتل الشيخ حسن كوجك بن تيمورتاش صاحب أذربيجان اغتالته زوجته ( معجم انساب الأسر الحاكمة 380).

وفي السنة 748 قتل السلطان أبو حفص عمر بن أبي بكر بن يحيي الحفصي ، ملك الموحدين بتونس ، خلف أباه في السنة 797 وثار عليه إخوانه أبو العباس ، وخالد وعزوز ، فقتلهم جميعا ، ولم تطل مدته ، إذ قتله الجند بقرب قابس (الأعلام 200/5 )

وكان السلطان أبو الحسن المريني ، ولي ولده أبا عنان فارس ، مدينة تلمسان ، وولي ولده منصور مدينة فاس ، وخرج بجيشه لقتال الفرنجة بالأندلس ، فانكسر أبو الحسن، وتمزق جيشه ، فلما سمع ولده أبو عنان بذلك ، خرج بجيشه فحاصر مدينة فاس ، وافتتحها وقتل أخاه منصورة ، فبلغ ذلك أباه أبا الحسن ، فانتهي إلي سجلماسة ، فزحف عليه ابنه أبو عنان ، وحاربه ، فانكسر أبو الحسن ، ونجا ، وطلبه ابنه ، فاعتل الأب ومات في السنة 752 ( الاعلام 126/5 ).

ولما توفي السلطان أبو الحسن علي المريني ، سلطان المغرب ، مريضا ، مهيضأ ، منكسرا ، في جبال هنتاتة ، بعد أن حاربه ولده أبو عنان ، وانتصر عليه وسمع أبو عنان بوفاته ، أمر باحضار جنازة أبيه إليه ، واستقبل التابوت حافية ، حاسرة ، وقبل أعواده ، ويكي ، واسترجع ، وواري أباه بمراكش ( ابن خلدون 278/7 )، فصح فيه قول القائل :

لا ألقينك بعد الموت تندبني **** وفي حياتي ما زودتني زادا

ولما ولي أبو عنان فارس بن علي المريني ، السلطنة في المغرب، اعتقل الأمير علي بن أبي علي عمر بن عثمان بن يعقوب المريني ، وكان

ص: 449

متزوج بأخت أبي عنان ، وقتله في سجنه في السنة 701 ونفي أولاده إلي الأندلس ، ثم بدا له فطلبهم من صاحب غرناطة ، فامتنع من إعادتهم إليه ( ابن خلدون 315/9 ).

أقول : طلبه إياهم من صاحب غرناطة يعني أنه أراد قتلهم .

وفي السنة 752 مات في السجن الأمير أدي بن هبة الله الحسيني ، من بيت أمراء المدينة ، جمع في السنة 727 جمعأ واحتل المدينة ، وطرد أميرها طفيل ، فاستعان طفيل بجيش مصري طرد أدي ، وحضر أدي إلي القاهرة ، فاعتقله السلطان الناصر محمد بن قلاوون ، ثم أفرج عنه في السنة 731 ثم أضيف إلي الأمير طفيل ، ثم عزل، فعاود جمع الجموع ، واستولي علي المدينة ، وصادر أموال الخدام ، ثم تركها ، فقبض عليه ، وسجن ومات في السجن ( الدرر الكامنة 369/1 ) .

وفي السنة 753 حشد بنو عبد الواد ، برئاسة أبي ثابت ، وحاربوا السلطان أبا عنان بن السلطان أبي الحسن المريني ، فوقع أبو سعيد ، أخو أبي ثابت في الأسر ، وأحضر أمام أبي عنان ، فأمر بقتله ، فقتل ، ثم أسر أبو ثابت ووزيره يحيي بن داود ، فأشهرا بتلسمان علي جملين ، ثم قتلا في ظاهر البلد ، قعصا بالرماح ( ابن خلدون 121/7 ).

وفي السنة 755 تملك محمد بن مظفر بن منصور فارس والعراق ويزد وكرمان وأصبهان ، وصير لحكمه وجها قانونية بأن أحضر شخصا عباسية وقلده الخلافة ، ولقبه المعتضد بالله ، وجعل نفسه نائبا عنه في حكم المملكة ، ثم نصب ولده شاه شجاع وليا للعهد، وفي السنة 760 قبض شاه شجاع علي والده ، وسمل عينيه ، واعتقله بقلعة سرمق من أعمال شيراز ( التاريخ الغياثي 150 -147)

وفي السنة 760 قتل السلطان أفراسياب ، صاحب مازندران ، قتله

ص: 450

صهره فخر الدولة حسن آخر الباوندئين ( معجم انساب الأسر الحاكمة 287) .

وفي السنة 762 هلك بردي بيك الذي خلف والده الملك الأشرف ، وكان الأشرف قد خلف أخاه الأمير حسن الجوباني الصغير ، وكان بردي بيك ظالم غشوما فاسق قاسي القلب ، قتل جميع إخوانه وأقاربه لكي لا ينازعه أحد في الملك ( تاريخ العراق للعزاوي 97/2).

وفي السنة 763 قتل السلطان أبو عبد الله محمد بن اسماعيل بن فرج النصري ، صاحب غرناطة ، وكان قتله بظاهر إشبيلية ، قتله صاحب قشتالة ، وقطع رأسه ورؤوس أتباعه ، وحملت إلي غرناطة ، قال عنه ابن الخطيب : إنه كان شيطانة ، دميم الخلق ، تزوج ابنة السلطان يوسف بن اسماعيل ، فارتفع شأنه ، ولما توفي السلطان يوسف ، خلفه ولده محمد في السنة 755 فداخل أبو عبد الله هذا ، أبا الوليد اسماعيل بن يوسف ، أخا السلطان الجديد ، وتآمر معه علي أخيه السلطان محمد ، وثار بجماعة ألفهم ، وقتل الحاجب رضوان ، وآخرين من رجال الدولة ، ونصبوا الأمير أبا الوليد اسماعيل سلطان في السنة 761 وفر السلطان محمد إلي وادي آش ، ثم إن أبا عبد اله ، عاد فتآمر علي صاحبه السلطان أبي الوليد اسماعيل ، وقتله ، وقتل ولده قيس وهو صبي صغير ، وتسلطن في محله ، ثم إن السلطان محمد بن يوسف هاجم غرناطة بجنډ ، ففر أبو عبد الله ولجأ إلي ملك قشتالة ، فاعتقله وثلثمائة من أتباعه ، وقتلهم بظاهر إشبيلية ، وبعث برؤوسهم إلي غرناطة ، حيث نصبت الرؤوس في المكان الذي تسوروا منه إلي القلعة ، وكان ذلك في السنة 763 ( الاحاطة 406 - 412 و531 - 540 ) .

وجاء في الدرر الكامنة 170/5 إن نوروز خان المغلي ، صاحب مملكة الدشت ، ولي عوضا عن قله خان ، فأقام في المملكة نحو نصف سنة ، وثار عليه خضر خان فقتل وولي خضر مكانه ، ثم وثب تمرخان بن

ص: 451

خضر ، علي أبيه ، فقتله ، واستقر بعده ، ثم قتل وولي بعده كلدي باك في السنة 763.

أقول : الذي في معجم أنساب الأسر الحاكمة ، أن نوروز بك محمد ، من بني باتو حكم القبجاق الغربي في السنة 790 خلفا لقولنا ( اوقولبا ) ، وإن الذي خلفه خضر خان محمود من آل شيبان ، حكم من السنة 760 - 762 ، وخلفه تيمور خواجه في السنة 762 ، ولم يذكر أنه ابن خضر خان ، بل ذكر أنه من آل أوردا ، وإن الذي خلفه كلدي باك من آل تغاتيمور ، ودام ملكه إلي السنة 763 ( معجم الأنساب الأسر الحاكمة 363 و 365 ).

وفي السنة 770 ثار عامر بن محمد ، بالمغرب ، علي السلطان عبد العزيز المريني ، وبايع أميرة من بني عبد الحق ، من أولاد أبي ثابت بن يعقوب اسمه تاشفين ، فجرد السلطان عبد العزيز جيشا لمحاربته ، واستمر الحصار سنة ، ثم أسر عامر ، وسلطانه تاشفين ، فأمر السلطان بهما ، فأشهرا علي جملين ، وأفرغ عليهما الروث وعبثت بهما أيدي الإهانة ، ثم أمر السلطان ، فضرب عامر حتي أنتن لحمه ، وورمت أعضاؤه ، وهلك بين يدي الوزعة ، أما تاشفين ، فقتل قعصة بالرماح ( ابن خلدون 326/7 ) .

وفي السنة 770 توفي محمد بن مظفر اليزدي ، صاحب يزد و شيراز ، وكان شجاعة أيدأ، وكان بين يزد و شيراز قاطع طريق شديد البأس ، ومعه جماعة ، فتربص به محمد بن مظفر ، وبارزه وقتله ، وحمل رأسه إلي ملك يزد وهو شيخ بن محمود ، فقدمه ، وقربه ، وقرره صاحب درك يزد ، فأشتهر أمره ، وانضم إليه جمع ، وصاهر قومأ من أكابر يزد ، فلما مات شيخ بن محمود صاحب يزد وثب محمد علي يزد فملكها، وسار سيرة جميلة ، ثم ملك شيراز ، ثم وثب ولده شاه شجاع فقبض علي أبيه وسجنه في بعض القلاع ، حتي مات في السنة 770 ( الدرر الكامنة 30/5 ) .

ص: 452

وفي السنة 779 قتل السلطان مجاهد شاه ، سلطان الدكن ، من ملوك البهمنيين ، قتله عمه داود وخلفه في الحكم ( معجم أنساب الأسر الحاكمة 437 و438) ...

وفي السنة 780 لاقي السلطان داود شاه مصرعه، فقتل (معجم أنساب الأسر الحاكمة 437 ).

وفي السنة 780 غزا شاه شجاع أذربيجان، فانتزعها من أويس ، وكان فيها السلطان حسين أخو أويس ، فطرده واستولي عليها ، ثم إن أخا شاه شجاع قتله في السنة 786 بعد أن طال ملكه 26 سنة ، وخلفه في الحكم ولده زين العابدين ، ونصب عمه بايزيد بن محمد أتابكأ له ( تاريخ الغيائي 153)

ولما توفي السلطان أويس بن الشيخ حسن ، كان الوزير زكريا كافظ الأحد أولاده وهو جلال الدين حسين بن أويس ، فسلطنه بتبريز ، وقتل الولد الأكبر الشيخ حسن ، ولكن السلطان حسين عكف عن الذات ، وأهمل أمور الدولة ، فقصده أخوه غياث الدين أحمد بن أويس في تبريز، وقتله في السنة 783 ( ابن خلدون 552/5 و553 ).

أقول: كان السلطان حسين بن السلطان أويس (قتل سنة 783) عظيم أولع بالنساء ، حتي أنه كان يتقنع ويتبرقع ويحضر الأعراس والولائم من دون أن يعلم به أحد، فشكا الأمراء ذلك للوزير الأمير زكريا ، فقال لهم الوزير : أشكروا الله الذي ابتلاكم بمن يجعل القناع علي رأسه ، ولم يبتلكم بمن يضع القناع علي رؤوسكم ( تاريخ العراق للعزاوي 168/2 ).

وفي السنة 784 وقعت معركة بين السلطان أبي العباس أحمد بن أبي سالم ابراهيم المريني، صاحب فاس ، وبين الأمير عبد الرحمن بن أبي يفلوسن المريني ، صاحب مراكش ، فحصر صاحب فاس ، مدينة مراكش ،

ص: 453

واقتحمها ، وحصر القلعة ، وفيها الأمير عبد الرحمن ، ومعه ولداه أبو عامر وسليم في اتباع لهم، وحاربوا جميعا، حتي قتلوا بأجمعهم ( ابن خلدون 347/7)

وكان السلطان أبو حموله أولاد خمسة ، أكبرهم أبو تاشفين عبد الرحمن ، والأربعة الباقون من أم واحدة ، وكان أبو تاشفين يتهم أباه بمراعاة إخوته الباقين وتفضيلهم عليه ، وقسم الأب مملكته بين أولاده ، لرفع الخصومة بينهم ، فزادت واشتدت ، وهاجم أبو تاشفين والده ، واعتقله ، وبعث به إلي قصبة وهران ، فاعتقله بها، واعتقل من وجده بتلمسان من إخوته ، ثم قتلهم ، وبعث أحد أتباعه إلي وهران ، لقتل أبيه ، وأحس الأب بالخطر ، ففر إلي تلمسان ، فهاجمه ابنه ، وألجأه ألي مأذنة الجامع ، فاستنزله ولده ، واعتقله بإحدي حجر القصر ، ثم نفاه إلي المشرق في سفينة ، ولكن أبو حمو نزل من السفينة ببجاية ، وجمع جندة ، وأصطدم بجيش ولده أبي تاشفين ، وكان يقودهم حفيده أبو زيان بن أبي تاشفين ، فانكسر الحفيد أبو زيان ، وقتل ، وقتل معه وزير أبيه محمد بن عبد الله بن مسلم ، وعاد السلطان أبو حمو إلي تلمسان قاعدة ملكه ( ابن خلدون 145 - 139/7).

وفي السنة 791 استنجد أبو تاشفين ، من بني عبد الواد ، بأبي العباس المريني ، صاحب فاس ، فبعث معه جندة لقتال السلطان أبي حمو ، صاحب تلمسان ، والد أبي تاشفين ، فنهض أبو حمو لقتالهم ، وانجلت المعركة عن مقتل السلطان أبي حمو ، وجيء بعمر بن أبي حمو أسيرة إلي أخيه تاشفين ، فأراد أن يقتله ، فمنعه المرينيون ، فأصر علي قتله ، وقتله ( ابن خلدون 45/7 و146 ).

ولما قتل الأمراء ، السلطان حسين بن أويس ، ونصبوا بدلا منه أخاه

ص: 454

أحمد بن أويس سلطانة ، تشوش السلطان أحمد من الأمراء الذين قتلوا أخاه ، فقتل قسم منهم ، فأنحاز الباقون إلي أخيه شهزاده الشيخ علي ببغداد ، وبايعوه بالسلطنة ، وحملوه علي محاربة أخيه ، فنهد بجيش ألي تبريز ، وجرت بين الأخوين معركة انتهت بظفر أحمد ، ومقتل أخيه الشهزاده علي في السنة 789 ( تاريخ الغياثي 102 ,103 ).

وفي السنة 788 قتل أمير مكة الشريف محمد بن أحمد بن عجلان ، قتله أبناء عمه علي أبواب مكة ، بمساعدة الجيش المصري ، وكان محمد هذا قد تولي إمارة مكة في السنة 788 باشراف عمه كبيس بن عجلان ، فكحل كبيش أعين جماعة من بني الحسن ، فكحل أحمد وحسنا ولدي أخيه ثقبة ، ومحمد بن عجلان ، وصبية عمره اثنتا عشرة سنة ، وهو ابن أحمد بن ثقبة ( نزهة النفوس 139 والاعلام 226/6 ).

وفي السنة 797 قتل الشريف علي بن عجلان ، صاحب مكة ، قتله بنو عمه ، وقتل قاتله . ( العقود اللؤلؤية 277/2 ).

وفي السنة 801 قتل القاضي برهان الدين أحمد بن عبد الله ، كان قاضيا بسيواس ، وصاهر صاحبها ، ثم عمل عليه حتي قتله ، وحل محله في حكمها ، قتل في المعركة التي نشبت بينه وبين التتار ( شذرات الذهب 4/7).

وفي السنة 802 قتل السلطان محمد بن موسي أبي حمو الزياني من سلاطين تلمسان ، حاربه أخوه أبو محمد عبد الله ، وتغلب عليه ، وقتله ، وأخذ رأسه إلي فاس ، فطيف به علي رمح . ( الاعلام 340/7 ) .

وفي السنة 812 قتل صاحب فارس محمد بن أميرزا ، ابن عم تيمورلنك ، قام عليه أخوه اسكندر شاه فقتله واستولي علي مملكته ( شذرات الذهب 96/7 ).

ص: 455

وفي السنة 808 خلع السلطان الناصر فرج بن الظاهر، ونصب بدلا منه أخوه عبد العزيز ولقب بالمنصور ، وبعد شهرين ، أعيد الناصر فرج ، فحبس أخاه عبد العزيز ثم قتله ( الضوء اللامع 168/6 ).

وفي السنة 813 وقعت معركة ، قرب تبريز ، بين السلطان أحمد بن أويس ملك العراق ، وبين قره يوسف ، ملك أذربيجان ، فانكسر السلطان أحمد ، ووقع أسيرة في يد قره يوسف ، فقتله خنقأ ، وقتل معه ولده علاء الدولة . ( التاريخ الغياثي 134 - 136).

ولماقتل السلطان أحمد بن أويس في السنة 813 قصد بغداد شاه محمد بن قرايوسف لاحتلالها ، وكان السلطان أحمد قد نصب فيها أحد أتباعه واسمه بخشايش فمنعه من دخولها ، وكان في بغداد الخاتون تاندو سلطان بنت السلطان حسين بن أويس ، أخي السلطان أحمد ، وكان عمها أحمد قد زوجها من سلطان مصر ، لما رحل إليها وكانت تاندو معه ، ثم إن سلطان مصر طلقها ، فتزوجها ابن عمها شاه ولد بن الشهزاده شيخ علي بن أويس ، ولما وصل شاه محمد بن قرايوسف إلي بغداد ، منعوه من دخولها ، بإشارة من السلطانة تاندو، التي كانت تقول لأهل بغداد إن السلطان أحمد ما زال حيا . وحصر شاه محمد بغداد ثمانية شهور بلا فائدة ، وخطب بخشايش ، ابنة السلطانة تاندو ، فلم تقدر علي مخالفته ، ولكنها نصبت له فخأ، إذ أجابته إلي الزواج منها ، وفي ليلة العرس حضر بخشايش في « الجاثليق ، وعمل عرسا عظيما ، ثم شرب إلي نصف الليل ، وقام يريد « القلندر خانة » ليدخل علي العروس ، فحين « حط رجله في الركاب » جاء إليه من قطع عنقه ، ووضع رأسه علي رمح ، ووضعوا جسده علي الفرس وخلفه من يمسك الجسد أن يميل ، والرأس علي الرمح قدام الفرس ، والدفوف تضرب قدامه إلي الصبح ، كما قتل ابن البليقي ، ونصب الحكم بغداد عبد الرحيم بن الملاح ، وكل ذلك بإشارة من السلطانة تاندو ، وبعد مدة قتل عبد الرحيم أيضأ ، ووقع

ص: 456

القتل ببغداد ، فلما طالت المدة ، وعجزت الخاتون عن ضبط البلد ، أمرت بتزيين البلد ، بزعم أن السلطان أحمد كان مختفية ، ويريد أن يظهر ، فزينوا البلد ثلاثة أيام ، وانسلت السلطانة لي؟ مع أولادها الستة ، ومعها أموالها وجماعتها، وانحدرت في السفن إلي واسط، ومنها إلي شوشتر، فلما أصبح الصباح ، ورأي الناس أن تندو سلطان قد تركت البلد ، خرجوا إلي شاه محمد ، وكان قد أيس من بغداد وكر راجع إلي بعقوبة ، فلحقوا به ببعقوبة ، وأخبروه بأن الخاتون رحلت ، فعاد ودخل إلي بغداد ، في السنة 84 ونهب البلد يوما واحدا ، ثم استقر حاكم ببغداد ( تاريخ الغيائي 244 - 247) .

أقول: الذي في معجم زمبادر (ص377) إن الذي خلف أحمد بن أويس في حكم بغداد، هو شاه ولد بن الشهزادة شيخ علي بن أويس ، زوج تاندو سلطان، وكان معه ببغداد زوجته وأولاده، ثم إن تاندو سلطان دبرت قتل زوجها في السنة 814 ونصبت ولدها محمود بن شاه ولد في موضع أبيه ، ولكن محمودا تنازل عن بغداد لشاه محمد بن قرايوسف ، وبارحت تاندو سلطان وأولادها الستة بغداد إلي شوشتر ، وأولادهاهم محمود وأويس ومحمد ، وثلاث بنات ، ونصبت تاندو سلطان ولدها محمود سلطانا في شوشتر تحت وصايتها ، ثم دبرت عليه في السنة 819 فقتل ، واستقلت تاندو سلطان من بعده بحكم المملكة ، وضربت السكة بإسمها حتي ماتت في السنة 822.

أقول : ذكر صاحب الضوء اللامع 16/12 إن شاه محمود بن شاه ولد ، الذي سلطنته تندو ، ثم قتلته ، لم يكن ابنها ، وإنما هو إبن زوجها .

وفي السنة 824 قتل أبو سعيد عثمان بن أحمد المريني ، قتله مدبر مملكته عبد العزيز الكتاني ، وقتل إخوته ، وأولاده ، وأكابر البلد ، وأبطالها ، وشيوخها ، فانقطعت دولة بني مرين من فاس ، وأقام الكتاني ، محمد بن

ص: 457

أبي سعيد في السلطنة ، واستبد هو بتدبير الأمور ( شذرات الذهب 167/7)

وفي السنة 830 اشتبك أويس بن شاه ولد صاحب بغداد ، مع محمد شاه بن قره يوسف ، في معركة ، فقتل أويس ، واستولي محمد شاه علي بغداد ( شذرات الذهب 192/7 ).

أقول : الذي ذكره الغياثي ص 240 إن جهان شاه ، خرج من عند أخيه الشاه محمد صاحب بغداد ، يريد تبريز ، فالتقي بعسكر السلطان أويس بن شاه ولد ، فأرسل إليه جهان شاه ، يطلب الجواز ، فأبي ، وامتنع من ذلك ، فأرسل يستشفع إليه في الإجازة فلم يفعل فصدمه جهان شاه صدمة واحدة بعسكره، فكسر عسكر أويس ، وأصيب أويس في المعركة بسهم ، فمات وإن ذلك كان في السنة 824.

وقد علق الغياثي علي هذا الخبر بقوله : كان أبو جهان شاه ، وهو قرايوسف ، قتل أبا السلطان أويس ، أي شاه ولد ، كما كان قرامحمد، والد قرايوسف ، السبب في مقتل الشهزادة شيخ علي ، جد أويس .

ثم قال : الجد للجد ، والأب للأب ، والابن للابن .

والغياثي ، أورد في تاريخه ( ص 244 ) إن شاه ولد توفي قبل مبارحة السلطان أحمد بن أويس لمحاربة قرايوسف ، حيث قتل في السنة 813 وبذلك أصبح مصير شاه ولد ، تارة توفي حتف أنفه ، كما ذكر الغياثي في الصحيفة 244 وتارة إن قرايوسف قتله ، وتارة إن زوجه تاندو سلطان اغتالته ( زامباور ص 377 ).

وفي السنة 835 قتل السلطان حسين بن علاء الدولة ، سلطان العراق ، قتله في 3 صفر الأمير إسكندر من قراقوينلو ( معجم أنساب الأسر الحاكمة 377)

ص: 458

أقول : هكذا ورد الخبر في معجم زامباور ، والذي ورد في التواريخ الأخري، إن السلطان حسين بن علاء الدولة ، قتله الأمير أسبان (أصبهان) ابن قرايوسف ، وكان مقتله في 3 ربيع الأول ، وقد فضلنا ذلك في موضع آخر من هذا الكتاب .

وفي السنة 836 قتل الملك الاشرف الأيوبي ، صاحب حصن كيفا ، وهو أبو المحامد أحمد بن سليمان الأيوبي ، وثب عليه ولده خليل ، فقتله وتسلطن من بعده وتسمي بالملك الصالح أبي المكارم خليل بن أحمد ، واستمر في سلطنته حتي وثب عليه ولده أحمد ، في السنة 856 فقتله صبرأ . وتسلطن من بعده ، ولقب بالعادل ، ثم تغلب عليه ابن عمه خلف بن محمد بن سليمان ، وفر أحمد إلي بغداد ثم لجأ إلي مصر ومات بها في أيام الظاهر خشقدم، وتسلطن خلف بن محمد في حصن كيفا، وتلقب بالعادل، وفي السنة 366 وثب عليه أولاد عمه زين العابدين وأيوب وعبد الرحمن أبناء علي بن محمود بن سليمان ، فقتلوه في الحمام ، وتسلطن زين العابدين ، وتلقب بالملك الصالح ، فلم تنقض السنة حتي انتزع السلطان منهم الأمير حسن بك بن علي بك قرايلوك عثماني صاحب آمد وقتلهم صبرة بين يديه ( الضوء اللامع 2941 و185/3 و192).

أقول : الذي ورد في التواريخ، إن الملك الأشرف أحمد بن سليمان، صاحب حصن كيفا ، قتل في السنة 839 غيلة ، عندما كان قادما للسلام علي الملك الاشرف برسباي صاحب مصر والشام ، عندما كان محاصرة مدينة آمد، إذ قدم عليه الأشرف أحمد يزوره ، فاغتاله نفر من أصحاب عثمان قرايلك ، وخلفه ولده خليل ، وقد أثبتنا ذلك في موضعه في هذا الكتاب .

ثم عاد صاحب الضوء اللامع ، فذكر في أخبار السنة 856 إن الملك الصالح أبي المكارم صلاح الدين خليل ، قتله ولده ناصر ، واستقر في

ص: 459

موضعه ، وبعد سبعة اشهر وثب عليه ابن عمه حسن بن عثمان وقتله حمية العمه القتيل ، واستدعي أحمد أخا ناصر ناصر فسلطنه ، وملكه الحصن ( أي حصن كيفا ) ( الضوء اللامع 196/10 ).

وفي معجم زامباور ( ص 154 ) إن الملك الأشرف أحمد بن سليمان الأيوبي ، صاحب حصن كيفا وآمد خلفه ولده خليل في السنة 836 وتسمي بالملك الصالح صلاح الدين خليل ، وخلفه ولده أحمد وتسمي بالملك الكامل ، وإن الذي خلفه هو خلف بن محمد بن أحمد، وتسمي بالملك العادل .

وفي السنة 836 قتل الأمير اسكندر بن قرايوسف ، أخاه الأمير أبا سعيد بن قرايوسف ( تاريخ الغياثي 257 ).

وفي السنة 837 قتل الأمير اسكندر بن فرايوسف ، قتله ولده شاه قباد ، وسببه أن شاه قباد عشق إحدي محظيات والده، فاتفق مع المحظية، وقتلا الأب ، ولما ظفر شاه جهان بن قرايوسف ، بالولد والمحظية ، قتلهما معا، في السنة 841 ( تاريخ العراق للعزاوي 87/3 و103).

وفي السنة 839 قتل أمير المدينة مانع بن علي بن عطية الحسيني ، خرج يتصيد فرتب عليه حيدر بن دوغان ، من ابناء عمه ، فقتله بدم أخيه خشرم بن دوغان الذي كان أمينا للمدينة قبل مانع ، وبعد قتل مانع ، رحل كبيش بن جماز الحسيني مع حيدر بن دوغان إلي القاهرة ليلي أمارة المدينة ، فصدفه علي بعد يوم واحد من القاهرة جماعة من بني حسين ، لهم عليه دم ، فقتلوه ( حوليات دمشقية 162).

وفي السنة 839 قتل السلطان الملك المظفر شهاب الدين أحمد شاه بن السلطان جلال الدين أحمد شاه بن أبي المظفر قندوكاس، ملك بنغالة من

ص: 460

بلاد الهند، ثار عليه مملوك أبيه مصباح خان ، ثم وزير خان ، وقتله ، واستولي علي بنغالة ( حوليات دمشقية 156).

أقول : ذكره صاحب معجم أنساب الأسر الحاكمة (ص 427) وسماه شمس الدين احمد ، وسمي أباه جلال الدين محمد شاه وقال عن جلال الدين إنه اعتنق الإسلام، وكان اسمه قبل اسلامه جيتمال بوربي بن راجة كانس، وذكر إن أحمد شاه تسلطن في السنة 830 ولم يذكر شيئا عن مقتله .

وفي السنة 839 مات السلطان الحفصي المنتصر أبو عبد الله محمد بن أبي عبد الله محمد بن السلطان أبي فارس ملك تونس وبلاد إفريقية ، وكان قد خلف جده أبا فارس بتلمسان في السنة 837، وقدم تونس

في السنة 838 فحصره عرب إفريقية ، وكان مريضا ، وفر من عنده الأمير زكريا بن محمد بن أبي العباس ، وأمه ابنة السلطان أبي فارس ، وأتفق مع العرب في مهاجمة تونس ، فاستعان المنتصر بأخيه عثمان ، والقائد محمد الهلالي ، وجعلهما مرجع الأمور في الدولة، فاتفقا وأخذا المنتصر إلي قصر خارج مدينة تونس، ووضعاه فيه ، وأغلقا عليه الأبواب ، يوهمان إنه نائم ، وعادا إلي المدينة ، فاستولي عثمان علي الحكم، وقام الهلالي بأمره ، فلما ثبتت دولته ، اعتقل الهلالي ، وسجنه ، وغيبه ( أي قتله ) ثم عمد إلي أقاربه فقتل منهم عدة ، فتفرقت عنه قلوب الناس ( حوليات دمشقية 148 و149).

أقول : ورد في معجم أنساب الأسر الحاكمة (ص 116 ) إن السلطان المنتصر أبا عبد الله محمد، خلف جده السلطان أبا فارس عبد العزيز المتوكل بن أحمد الحفصي في السنة 837، وإن أبا عمر عثمان بن محمد خلفه في الحكم في السنة 839 ولكنه اعتبر عثمان ابنا للمنتصر، والصحيح أنه أخوه ، فليصحح .

وفي السنة 839 قتل فيروز شاه قطب الدين بن تهمتم ، صاحب هرمز

ص: 461

والبحرين والحسا والقطيف ، قتله ولده مهار واستبد من بعده بالملك وعظم قدره ، وفخم أمره ، وصارت هرمز في أيامه بندر الدنيا ، تأتيها مراكب الهند والزيرك من بلاد الصين ، ويقصدها تجار خراسان وسمرقند وغيرها ( الضوء اللامع 173/10 ).

وفي السنة 839 قتل الأمير حسين بن أمير المسلمين أبي فارس الحفصي ، وكان أخوه السلطان حسن توفي في العام الماضي وخلفه ولده ، فتحرك الأمير حسين يريد الاستيلاء علي الملك ، فظفر به ابن أخيه، وقتله ، وقتل أخو بن له ( شذرات الذهب 230/7 ).

وفي السنة 841 قتل الأمير اصبهان ( اسبان ) والده قره يوسف ، اغتاله بقلعة النجق ( معجم الأنساب والأسرات الحاكمة لزمباور ص 384) .

أقول : ذكر صاحب التاريخ الغياثي ( ص 243 ) إن قرايوسف ، مات في السنة 823 وإن جثته ظلت مطروحة عارية معقرة، مصلومة الأذان ، بسبب الجواهر التي كانت تحلي أذنيه ، فاقتلعت لما مات ، وأحسب أن هذا الخبر أصح من الخبر الذي أورده زمباور بأنه مات قتيلا في قلعة النجق في السنة 841 وإن الذي اغتاله ولده أسبان ، لأن الخبر الذي أورده زمباور ، انفرد به وحده ، أما ما ورد في تاريخ الغياثي ، فقد استند في ايراده إلي عدة تواريخ ، وهي أنباء الغمر ، والنجوم الزاهرة ، ونزهة النفوس والابدان ، وحبيب السير ، والشرفنامة ، ولب التواريخ ، وصحائف الأخبار ، وعلي كل حال فإن الأمير أسبان هذا يعتبر من عجائب المخلوقات ، فإن ما ارتكبه من جرائم يدل علي أنه مجرد من الصفات الإنسانية كافة ، ويكفي للاستدلال علي ذلك ما صنعه مع ابن عمه ميرزا علي إذ قتله وقتل أولاده حتي الأطفال الذين في المهد، ولما بكت عليهم أختهم بلقيس بنت ميزرا علي وهي زوجة أصبهان ، أمر بها فخنقت .

ص: 462

وفي السنة 845 هلك الأشرف اسماعيل بن الأفضل يحيي ملك اليمن ، وكان ظالمة جائرة سمل عين شقيقه أحمد خوفا منه علي الملك ، وقتل أخاه حسن ، وقتل من أقربائه أحد عشر نفسا ، بل إنه قتل عمته شقيقة أبيه ، وقتل بيده امرأة أخري لاتهامه إياها بمصاحبتها ، وقطع يد امرأة أخري تضرب بالرمل ، كل ذلك لتخوفه انهم يسعون في نصب غيره للملك ، وكان لا يخلو يوما من قتل وعقوبة ومصادرة ( الضوء اللامع 308/2 ).

وفي السنة 853 قتل السلطان علاء الدولة ألوغ بك بن شاه رخ بن تيمورلنك قتله ولده عبد اللطيف ، وكان الوغ بك نشأ في كنف جده تيمورلنك ، وتزوج في أيامه ، وعمل له جده العرس المشهور ، ولما مات جده ، وآل الأمر إلي أبيه شاه رخ ولاه سمرقند وأعمالها ، فحكم فيها نيفا وثلاثين سنة ، وكان علي جانب عظيم من العلم والفضل والرغبة في جمع العلماء والفضلاء ، ثم خرج عليه ولده عبد اللطيف وحاربه فانكسر ألوغ بك وملك ولده سمرقند ، ثم أراد الوغ بك أن يعود إلي سمرقند ، ويكون الملك الولده ، ويعود هو كآحاد الناس ، فأذن له ، ثم إن عبد اللطيف قبض، علي أخيه عبد العزيز ، وقتله صبر في حضرة الوالد ألوغ بك ، فعظم ذلك علي ألوغ بك ، واستأذن من ولده أن يأذن له بمبارحة سمرقند للحج ، فأذن له ، ولما أصبح علي مسيرة يومين من سمرقند، أرسل اليه أحد أمرائه ليقتله ، فدخل عليه مخيمه وسلم عليه ، ثم خرج ، واستحي أن يقول له إنه قدم لقتله ، ثم دخل ثانية وخرج، ثم دخل ثالثا ، ففطن الوغ بك ، وقال له : لقد علمت بما جئت له ، فافعل ما أمرك به ، ثم توضأ وصلي ، وقال : لقد علمت أن هلاكي علي يد ولدي عبد اللطيف هذا من يوم ولد، ولكن أنساني القدر ذلك ، والله ، لا يعيش بعدي إلا خمسة أشهر ، ثم يقتل شر قتلة ، ثم أسلم نفسه ، فقتل ، وصح ما تنبأ به ، فإن ولده عبد اللطيف قتل بعد خمسة أشهر من مقتل أبيه ( شذرات الذهب 275/7 - 277) .

ص: 463

أقول : في معجم زامباور ( ص 401) إن علاء الدولة أولوغ بك بن شاه رخ ، خلف أباه في السنة 807 وإن ولده عبد اللطيف خلعه في السنة 850 واستولي علي السلطة باسم ركن الدين عبد اللطيف ، وإنه قتل أباه أولوغ بك في السنة 853 ولم يطل أمد حكمه من بعد ذلك ، إذ اغتيل في السنة 854.

وكان بابر بن بايسنقر بن شاه رخ، في يده هراة ، فحسده أخوه السلطان محمد بن بايسنقر علي هراة ، لأنها كانت التخت ، فسار عليه مرة ولم يظفر ، ثم سار عليه مرة ثانية ، فانكسر ، وقبض عليه بابر وقتله في السنة 854 ( تاريخ الغياثي 227- 228).

وفي السنة 860 ترك ألوند بن اسكندر بن قرا يوسف ، قلعة طبق ، وتوجه إلي الجبل ، فسار إليه ابن عمه بيربوداق بن جهان شاه ، وحاربه ، وفل عسكره ، فانهزم ألوند وحيدا ، فتصدي له احد أصحاب بيربوداق وقتله ، وحمل رأسه إلي عمه جهان شاه ( تاريخ الغياثي 312).

وفي السنة 866 انتزع حسن بك الطويل ( أوزون حسن بن علي ، زامباور ص 384)، صاحب ديار بكر ، ملك بني أيوب وقتل الإخوة الثلاثة الصالح زين العابدين ، وأخويه ، وهم اولاد علي بن محمود بن العادل سليمان ، وتوفي حسن بك الطويل في السنة 882 فخلفه ولده خليل ، فحاربه أخوه يعقوب بن حسن بك ، فانتصر علي أخيه خليل ، وقتله ، وتسلطن يعقوب ( الضوء اللامع 112/3 -113).

وفي السنة 869 سار شاه جهان ، إلي بغداد ، وبها ولده بيربوداق ميرزا ، فكبسه فيها ، وقتله في السنة 870، وقتل معه من عسكره نحو أربعة الاف صبرة ، ( تاريخ العراق للعزاوي 3/ 172- 174- 178).

وفي السنة 870 قتل السلطان ملك أرسلان بن سليمان من آل دلغادر

ص: 464

( ذي القدر ) بأمر من أخيه بوداق بك بن سليمان بك ( معجم انساب الأسر الحاكمة 236).

وفي السنة 872 قتل السلطان جهان شاه بن قرايوسف ، صاحب العراقين ، وملك الشرق ، قتله أتباع حسن بك بن قرائلك ، بالقرب من ديار بكر ، وأرسل رأسه إلي القاهرة ، فعلقت، وكان لا يتقيد بدين ، مثل أقاربه وإخوته ، بحيث أنه قتل ولده بيربوداق ، صاحب بغداد، ونشأ في كنف أبيه ، ثم في كنف أخيه اسكندر ، ولما ترعرع فر من اسكندر إلي جهة شاه رخ بن تيمورلنك ، فجهزه بجيش حارب به أخاه اسكندر ، ثم وثب علي اسكندر ولده شاه قباد وقتله في السنة 841 فرسخت قدم جهان شاه في مملكة تبريز ، ثم ملك بغداد بعد هلاك أخيه أصبهان ( أسبان ) ثم استولي علي ديار بكر وأذربيجان والرها ، وشيراز ، حتي قتل في المعركة بالقرب من ديار بكر ( الضوء اللامع 80/3).

وفي السنة 873 لما قتل السلطان حسن بيك ، جهان شاه ، سار إلي بلاده ليستولي عليها ، فعارضه السلطان أبو سعيد بن السلطان محمد بن أمير زاده ميران شاه ، وادعاها لنفسه ، فراسله السلطان حسن بيك وترضاه علي أن يقتسماها ، فأبي ، واشتبكا في معركة ، فانكسر أبو سعيد ، وسقط أسيرة في يد السلطان حسن ، فقتله ، وأرسل رأسه إلي القاهرة ( تاريخ الغياثي 230 -233)

وفي السنة 880 مرض السلطان حسن الطويل ، وسمع ولده أوغر لو محمد بمرضه ، فقدم ليعوده ، وكان عاصية عليه ، فلما بلغه قدومه ، أرسل إليه أميرا فقتله ( تاريخ العراق للعزاوي 249/3 ، تاريخ الغياثي 389).

ولما توفي السلطان حسن الطويل ، في السنة 882 ، نصب ولده خليل سلطانة خلفا له، فقتل أخاه مقصود بك ، وكثيرا من الأمراء ، وكثيرا من أقاربه . ( تاريخ العراق للعزاوي 257/3 ).

ص: 465

أقول : ورد هذا الخبر في التاريخ الغياثي ، كما يلي .

كان السلطان حسن بيك ، ملك العراق (ت 882) قد أبعد قبل وفاته ، ولده يعقوب الي ديار بكر ، وقتل ولده مقصودا ، ولما توقي حسن بيك . خلفه ولده خليل بك ، فتصادم يعقوب وخليل ، وقتل خليل في المعركة في السنة 883 ( تاريخ الغياثي 393).

وفي السنة 887 قتل الأمير سيف بن علي ، أمير العشير ، قتله ابن عمه عامر بن عجيل ، أخذا بثار سليمان بن عساف ، ووالده عساف، وكان الأمير سيف قد قتلهما وسلب الإمرة من ابن عمه عساف الذي كان أميرا للعشيرة ، وكان سيف في مجلسه فدخل عليه فداوي ، فلم يشعر به سيف إلا وهو علي رأسه ، فطعنه بسكين معه ، وبادر سيف ليقتله ، فعادت ضربته علي نفسه ، وأدركه أصحابه ، فقتلوا الفداوي ، واحتملوا سيفأ وهو حي ، إلا أن ابن عمه ، واسمه عامر بن عجيل قتله انتقاما لمن قتله من إخوانه ( الضوء اللامع 289 -288/3)

وفي السنة 896 مات يعقوب بك بن حسن بك بن علي بك بن قرايلوك عثمان ، صاحب الشرق وسلطان العراقين ، وكان قد قتل أخاه أبا الفتح خلي الذي استقر في الحكم بعد أبيهما حسن بك ، وحل في موضعه ( الضوء اللامع 283/10 ).

وفي السنة 916 توفي السلطان أحمد بن محمد ، صاحب كجرات ، من بلاد الهند ، وكان جده مظفر، قد أسلم علي يد محمد شاه صاحب دهلي ، فلما وقعت الفتن في مملكة دهلي ، وتقمت البلاد ، استولي مظفر علي كجرات ، ثم وثب عليه ولده محمد ، وسجنه ، واستولي علي السلطنة ، ثم انتصر الأب ، وقتل ولده ، وبعد سنين تحرك احمد، ابن المقتول محمد ، علي جده مظفر ، وقتله ، واستولي علي السلطنة ، وخلفه ولده غياث

ص: 466

الدين محمود ، ثم ابنه قطب الدين ، ثم أخوه داود الذي خلع بعد أيام ، واستقر أخوهم أحمد شاه المترجم في السنة 863 وهو ابن 15 سنة ( شذرات الذهب 8/ 79).

ويروي أن السلطان سليم العثماني ، قتل أباه ، ليستولي علي الحكم ، فلما تسلطن، في السنة 918، قتل أخوته جميعهم ، ولما استولي علي مصر ، وأراد الرحيل عنها ، قتل وزيره حسن باشا ، وفي طريقه إلي الشام ، غضب علي الصدر الأعظم يونس باشا ، فقطع عنقه ( خطط الشام 29/2 -230).

وكان القتل عند السلطان سليم الأول العثماني من أسهل الأمور وألطفها ، وأهونها، فقد قتل سبعة من وزرائه لأسباب تافهة . ولما تسلطن ، خنق إخوته وغيرهم من أهل بيته ، وعددهم سبعة عشر نفرة ، حتي كان الأتراك يقولون : من أراد الموت فليكن وزيرا عند السلطان سليم . ( خطط الشام 230/2 ).

أقول : أدركت الشيوخ البغداديين ، وهم يتناقلون علي سبيل الفكاهة ، قصة فيها عبرة، خلاصتها أنه كان من تقاليد نصب الصدر الأعظم ( الوزير الأول ) في سلطنة آل عثمان ، أن يتقدم موكبه ، عند نصبه للصدارة ، فارس يحمل في يده رمح قد ركز علي سنانه الرأس المقطوع لسلفه الصدر المعزول، وبعد انتهاء مراسيم نصب الصدر ، وفراغه من قبول التهاني بهذه المناسبة ، تقدم إليه آخر الناس رجل ، فقبل يده ، وسلم إليه كيس فيه عشرة آلاف دينار من الذهب ، فسأله الصدر الأعظم ، عن السبب الذي من أجله سلم إليه هذا المبلغ ، فتلكأ في الرد ، فألح عليه الصدر ، فطلب منه الأمان ، علي أن يحدثه بالقصة علي وجهها الصحيح فأمنه، فقال له : يا سيدي ، إ هذا المبلغ مودع عندي ، منذ زمن ، وقد أوصاني صاحبه ، أن أعطيه لأشد الناس حمقا ، فلما رأيت موكبك ، وفي مقدمته رأس سلفك المقطوع ، وأنت

ص: 467

تعلم بأنك في يوم من الأيام ، سوف تلاقي هذا المصير ، وأنت مع ذلك تتقبل التهاني ، أيقنت أنه لا يزاحمك أحد في استحقاق هذا المبلغ .

وقتل السلطان سليمان القانوني، ولده الأكبر مصطفي ، وقتل حفيده ، وقتل ولده بايزيد ، وأولاد بايزيد الخمسة ، وفي السنة 942 قتل وزيره إبراهيم باشا ، وكان وزيره سبع عشرة سنة ، وكان علي جانب من الأخلاق الحسنة والذكاء ( خطط الشام 237/2 ).

أقول : أوضح صاحب تراجم الأعيان في كتابه 234/1 - 237 قصة قتل السلطان سليمان اثنين من أولاده ، وأربعة من أحفاده ، وبقي ولده الثالث سليم ليخلفه في الحكم سنة 974 ، قال : وكان السلطان سليمان بن سلطان سليم ، قسم مملكته بين أولاده الثلاثة مصطفي ، وبايزيد ، وسليم ، ووقعت حرب بين مصطفي وبايزيد ، فانكسر بايزيد والتجأ إلي ملك العجم ، الشاه طهماسب ، فأكرمه ، وجرت مراسلات بين طهماسب ، وبين السلطان سليمان ، أدت الي أن بعث السلطان سليمان بعثة برئاسة خسرو باشا لقتل بايزيد ، ولما واجه خسرو باشا ، بايزيد، عرف المراد ، فاستمهل ليصلي ركعتين ، فخنقه خسروباشا ، وهو يصلي ، ثم أحضروا أولاد بايزيد وهم أربعة ، فخنقوهم معه ، وأرسلوا جثتهم إلي السلطان سليمان . (تراجم الأعيان 234/1 - 237).

وفي السنة 923 ولي عرش مراكش ، أبو العباس أحمد بن محمد السعدي الملقب بالأعرج ، فأطاعته بلاد السوس كلها ، ثم وثب عليه أخوه محمد ، فاستولي علي العرش ، وحبس أبا العباس وأولاده في السجن بمراكش ، وحدث أن قتل محمد ، فقتل من بعده أخوه أحمد ، وأولاده معه ، مخافة أن يطالب احدهم بالعرش ( الأعلام 223/1 ).

وفي السنة 924 قتل خنقا في السجن ، المهدي بن أحمد القطبي ،

ص: 468

رئيس جازان ، كان قد سير أخاه عز الدين علي رأس جيش لأحتلال زبيد، فاحتلها ، ثم كر عائدا علي أخيه المهدي فقبض عليه ، وخنقه في السجن ، كما قتل قسما من خواصه وحبس الباقين. ( الاعلام 256/8 ).

وفي خلال حكم السلطان إبراهيم لودي ، سلطان الهند (915- 932) أخذ إبراهيم يفتك بولاته وحاشيته وأقاربه ، فاضطر أخوه جلال خان ، حاكم جادينور لمحاربته ، واستولي علي مدينة أغرا ( عليكرة ) ، ثم وقع جلال خان أسيرة في يد السلطان إبراهيم ، فقتله في الحال ( الإسلام والدول الإسلامية في الهند 34). :

وفي السنة 932 وثب أبو العباس أحمد بن محمد الوطاسي ، علي عمه علي بن محمد ، فخلعه وتولي عرش فاس مكانه ، وفي السنة 956 هاجمه السعيديون ، واحتلوا فاس ، وأسروه ، وأرسل إلي درعة، فقتل ( الاعلام 212/1).

ولما مات السلطان سليم شاه ( إسلام شاه ) ملك الهند، في السنة 960، خلفه ولده ، ولكن خال الولد، واسمه مبارزخان طمع في العرش ، فقتل ابن اخته ، وتولي الحكم باسم محمد عادل شاه مبارز ولكن حكمه لم يدم طويلا ، فقد ثار عليه إسكندر خان وإبراهيم خان ابنا عم شيرشاه فريد، وقتله إبراهيم ، فتسلطن مكانه . ( الإسلام والدول الإسلامية في الهند 60).

وفي السنة 961 قتل آخر ملوك بني وطاس ، أبو الحسن علي بن محمد الوطاسي ، بويع في السنة 932 ، ثم وثب عليه ابن أخيه ، واعتقله، وفر منه ، وعاد بجيش من الأتراك ، أعانوه علي العودة إلي السلطان في السنة 961، وحشد السعدي محمد جيشا هاجم به فاس ، فانكسر أبو الحسن وفر ، فأدركه السعدي ، وقتله ( الأعلام 165/5 ).

وفي السنة 982 توفي السلطان سليم العثماني، فخلفه ، ولده السلطان

ص: 469

مراد ، فكان أول ما صنعه أن أمر بقتل إخوته «علي ما هو قاعدة سلطنتهم » وكانوا خمسة فخنقوا في الوقت ، وأمر بتجهيزهم مع والده ، فجهزوا ، وصلي عليهم جميعهم داخل السراي ، ودفنوا ( خلاصة الأثر 341/4 ).

ولما توفي الشاه طهاسب ، سلطان إيران في السنة 984، خلفه ولده الشاه إسماعيل الثاني ، فقتل جميع أخوته وأولاد عمه ، ولم يترك منهم أحدا ( تراجم الأعيان 58/2).

وفي السنة 996 قتل السلطان مرتضي نظام شاه ، سلطان الدكن بالهند ، وفي السنة 997 قتل ولده السلطان ميران حسين بن مرتضي شاه ( معجم أنساب الأسر الحاكمة 438- 439).

وفي السنة 1003 توفي السلطان مراد بن السلطان سليم العثماني ، وخلفه ولده السلطان محمد ، فكان أول ما صنعه أن عمد إلي إخوته ، وهم تسعة عشر ولدا ذكرا ، فخنقهم بأجمعهم ، ومما يبعث علي التقرز ، أن المحبي الذي روي هذا الخبر ، قال في وصف السلطان محمد أنه كان صالح ، عابد ، ساعيا في إقامة الشعائر الدينية ، مراعيا لأحكام الشريعة الشريفة ، مطيعة لأوامر الله ، مداوم للجماعة في الأوقات الخمس (خلاصة الأثر 216/4 - 354).

أقول : ذكر الأستاذ جب ، في المجتمع الإسلامي والغرب 54/1 ، 55 إن السلطان العثماني محمد الفاتح ، فاتح القسطنطينية ( 835- 856- 886) كان قد شرع آيينا أوصي بموجبه كل من يتسلطن من آل عثمان ، أن يقتل إخوته ، وهذا ما أوصي به : علي أي واحد من أولادي تؤول اليه السلطنة، أن يقتل إخوته ، فهذا يناسب نظام العالم ، وإن معظم العلماء يسمحون بذلك ، ولهذا فعليهم أن يتصرفوا بمقتضاه .

ونفذت هذه الوصية ، وظلت متبعة حتي نهاية القرن السادس عشر

ص: 470

( الميلادي ) ، حتي وضع نظام آخر ، أصبح لازم بموجبه أن يحبس أفراد العائلة المالكة والأمراء كافة ، عدا ابناء السلطان ، في مقاصير خاصة ، في القصر ، ويحرم عليهم كل إتصال بالعالم الخارجي ، وكانوا يقضون حياتهم في صحبة عدد قليل من الخصيان والجواري والحشم ، أما ما يولد لهم من الأطفال، فلا يسمح لهم بالبقاء علي قيد الحياة .

ولما توفي السلطان محمد العثماني ، وتسلطن ولده السلطان أحمد في السنة 1012 كان للسلطان محمد ولد، أصغر من السلطان أحمد، فقالوا للسلطان أحمد : لا تقتل أخاك حتي يصير لك ولد يصلح أن يكون سلطانة .

وقال صاحب تراجم الأعيان 225/1 وقد بلغنا في يوم تاريخه ، وهو 9 ذي القعدة سنة 1019 أن أخا السلطان أحمد المذكور حي باق ، وأنه محفوظ في أماكن مستورة، لا يجتمع معه فيها إلا الموكلون بحفظه .

وكان قتل الوزراء، ورجال الدولة ، في العهد العثماني ، من السهولة بحيث أن صاحب تراجم الأعيان 282/2 - 283 روي في ثلاثة أسطر ، أن السلطان أحمد (1026-1012)، قتل وزيره قاسم باشا ، وهو الذي كان قد أجلسه علي سرير السلطنة ، عند موت أبيه ، واستوزر صارقجي مصطفي باشا ، ثم قتله ، واستوزر درويش باشا ، ثم قتله قتلة شنيعة .

ويكفي للإستدلال علي طراز الحياة الحافلة بالقلق ، التي كان يحياها الأمراء العثمانيون ، أن نثبت ما أورده المحبي في خلاصة الأثر 363/4-365 قال : في السنة 1026 نصب السلطان مصطفي العثماني ، خلفا لأخيه المتوفي السلطان أحمد ، ثم ظهر أنه لا يصلح للملك ، وكان ابن أخيه عثمان محبوسا ، فذهب مصطفي أغا ضابط الحرم ، إلي محبس عثمان ، وفتح عليه الأبواب ، فذعر ، وحصل له رعب ، وتخوف أن يكون عمه قد أرسل اليه من

ص: 471

يقتله ، فقال له ضابط الحرم : لا تخف ، أنت صرت سلطانأ ، فلم يصدق، فأخذ يحلف له ، وأخذه إلي موضع العرش ، وألبسه ثياب الملك ، وأجلسه علي التخت ، وقبل يده ، كل هذا حصل، والسلطان مصطفي نائم عند والدته، ولما علم بالخبر ، وافق علي خلع نفسه ، فحبس في الموضع الذي كان فيه السلطان عثمان محبوسا ، ولما قتل السلطان عثمان في السنة 1031 أعيد مصطفي للسلطنة . ثم عزل في السنة 1032 ولم يعش بعد ذلك إلا قليلا .

وفي السنة 1027 خلع السلطان مصطفي العثماني ، وبويع ابن أخيه السلطان عثمان بن السلطان احمد، وهو ابن 14 سنة ، وكان أول ما صنعه أن أمر باحضار أخيه محمد ، فأحضروه أمامه ، وكان السلطان جالسا علي صفة ، وبيده كتاب يقرأ فيه ، فاستعطف الأمير أخاه السلطان ، واستحلفه بالله أن لا يدخل في دمه ، وأن لا يجعله خصمه يوم القيامة ، وقال له : أنا أقنع منك برغيف في اليوم، فما كان جوابه إلا أن أمر بخنق أخيه، فخنق بالوتر بين يديه ، وكان آخر ما قاله الأمير لأخيه السلطان : سلط الله عليك من لا يرحمك ، وفي السنة 1031 هاج العساكر ، واتفقوا علي قتل الوزير الأعظم دلاور باشا ، وضابط الحرم السلطاني ، والدفتردار ، ومعلم السلطان المولي عمر ، بحجة أنهم الذين حرضوا السلطان علي السفر للحج، فامتنع السلطان عن تسليمهم ، فهجموا علي دار الخلافة ، وأخرجوا السلطان مصطفي من سجنه ، وسلطنوه مجددا ، وقتلوا الصدر الأعظم دلاور باشا ، وضابط الحرم ، وحسين باشا الصدر الأعظم السابق ، وقبضوا علي السلطان عثمان ، وأحضروه أمام عمه السلطان مصطفي ، فأمر بحبسه في يدي قله ، ونصب السلطان مصطفي زوج أخته داود باشا ، وزيرة أعظم ، فذهب في عصر اليوم إلي يدي قلة ، وقام بخنق السلطان عثمان ، وغسله ، وكفنه ، وصلي عليه ، ودفنه ، وكانت سنه عند قتله سبع عشرة سنة ( خلاصة الأثر 107/3 -108).

ص: 472

وفي السنة 1039 وثب الشريف مسعود بن إدريس ، بمكة، علي أميرها أحمد بن عبد المطلب ، وقتله ، واستقر في الإمرة في موضعه ، وتوقي في السنة 1040 ( الأعلام 110/8).

وفي السنة 1040 وثب الوليد بن زيدان السعدي ، من الأشراف السعديين بمراكش ، علي أخيه عبد الملك ، سلطان مراكش ، فقتله ، وحل محله ، وقتل كثيرة من أبناء عمه الأشراف ، فقتله بعض الأتراك من جنده غيلة ، في قصره بمراكش . ( الأعلام 140/9 ).

وفي السنة 1043 جاء إلي حلب ، السردار الأعظم محمد باشا ، يحمل مرسومة سلطانية ، بقتل نوغاي باشا، فقتل ، وأرسل رأسه بلحيته البيضاء ، إلي جانب السلطنة ، وهذا الوزير ممن سبقت لهم خدم جلي للدين والدولة ، وهو من أقدر الوزراء . ( خطط الشام 261/2 ).

وروي أن السلطان مراد الرابع (ت49) قتل مائة ألف إنسان ، منهم خمسة وعشرون ألفأ بنفسه أو أمام عينيه . ( خطط الشام 267/2 ).

وروي أن السلطان إبراهيم العثماني ( قتل 1058) بعث وراء الصدر الأعظم وأمره بتدارك حطب للقصر ، فقال له : إن هذا الأمر ليس من الأمور المهمة التي يقتضي عليه أن يفكر فيها ، وأن يبعث وراءه من أجلها ، فأمر به فقتل . ( خطط الشام 269/2 ).

ولما بويع السلطان محمد الرابع بالسلطنة سنة 1058 أراد أن يقتل شقيقيه، سليمان وأحمد، فمنعته والدته ، وحال المفتي الأعظم بينه وبين قتلهما، وبذلك انقضي دور قتل أبناء ملوك آل عثمان ( خطط الشام 273/2).

وفي السنة 1064 قتل محمد بن زيدان السعدي ، من ملوك الأشراف السعديين بمراكش ، وكان قد ثار مع أخيه الوليد ، علي أخيهما عبد الملك،

ص: 473

فقاتلهما ، وهزمهما ، ولما مات عبد الملك ، تسلطن الوليد ، فسجن أخاه محمدأ ، ولما قتل الوليد ، أخرج محمد من السجن ، وبويع بالسلطنة، ثم قامت عليه الثورات ، وتقلصت رقعة حكمه ، فلم يبق له غير مراكش وبعض أعمالها ، ثم قتل بمراكش . ( الأعلام 368/6 ).

وكان سلطان الهند ، أورنك زبب عالمكبر محيي الدين أعظم شاه (1068- 1119) سيء الظن بالناس جميعا ، ولم يسلم من سوء ظنه حتي أولاده ، وقد سجن ولده الأكبر ، حتي مات في سجنه ، كما سجن ولده الثاني معظم شاه ست سنوات ، وكان قد سيره علي رأس جيش لحرب أمراء الدكن ، فعرض صاحب الدين الأمير أبو الحسن الاستسلام ، وكتب معظم شاه إلي أبيه ، يشير عليه بأن لا يفرض عليه شر وط ثقيلة ، فارتاب الأب به ، وطلبه للحضور، فحضر، فحبسه ست سنوات ( الإسلام والدول الاسلامية في الهند 124- 145-155).

ولما تسلطن أورنك زيب ، عالمگير محيي الدين اعظم شاه (1068۔ 1119) في الهند ، سير جيشا إلي لاهور ، لمحاربة أخيه دارا ، وجيء به إليه أسيرا فاجتمع « الفقهاء » في سراي الملك ، وأفتوا بكفر دارا ، لخروجه علي أخيه ، وحكم باعدامه ، وقطعت رأسه ، وحملت إلي أخيه ( الإسلام والدول الإسلامية في الهند 119).

ولما حارب أورنك زيب ، عالمكبر محيي الدين أعظم شاه ( 1068،1119) سلطان الهند، أخاه دارا ، واعتقله ، وقتله ، قبض علي ابن دارا ، واعتقله في سجن كواليور ، وكان يرغم علي تعاطي كميات كبيرة من الأفيون ، في صباح كل يوم ، قبل الطعام ، مما عجل بموته ( الإسلام والدول الإسلامية في الهند 114).

وفي السنة 1069 ( 1659 م) سير السلطان أورنك زيب ، عالمكير

ص: 474

محيي الدين أعظم شاه سلطان الهند (1068-1119) جيشأ لطرد أخيه شوجاه من الله أباد وبنارس ، ونشبت بين الجيشين معركة عنيفة ، فانكسر شوجاه ، وتراجع نحو البنغال ، فسير وراءه ابنه محمد سلطان لطرده من البنغال ، فانضم محمد سلطان إلي عمه شوجاه ، وتزوج ابنته ، ولكنه عاد الي أبيه نادمة مستغفرة ، فلم يصفح عنه أبوه ، واعتقله ، وسيره الي سجن كواليور ، حيث الاقي حتفه ( الإسلام والدول الإسلامية في الهند 115).

وفي السنة 1069 قتل أبو العباس أحمد بن محمد الشيخ ، آخر سلاطين السعيديين بالمغرب ، وكان قد خلف أباه في السنة 1064 في حكم مراكش، فوثب عليه أخواله المعروفون بالشبانات ، وحاصروه في مراكش فأشارت عليه أمه أن يذهب إليهم بنفسه لمصالحتهم، فلما وصل إليهم قتلوه . ( الأعلام 227/1 ).

وفي السنة 1131 بويع بعمان للإمام مهنا بن سلطان بن ماجد، فخرج عليه يعرب بن بلعرب ، وقبض عليه ، وقتله ( الإسلام 262/8 ).

وفي السنة 1141 توقي السلطان أبو العباس أحمد بن إسماعيل الحسني السجلماسي، وهو من سلاطين دولة الأشراف العلويين في إفريقية ، وكان قد أمر بأخيه المسجون عنده ، بأن يخنق ، فخنق ، ومات أبو العباس بعده بثلاثة أيام . ( الاعلام 95/1).

وفي السنة 1152 ( 1744 م) قام يونس بن علي باشا ، بقطع عنق أمير تونس الحسين بن علي ، عتم والده علي باشا ، وتفصيل ذلك : إن الأمير حسين بن علي ، كان يحكم تونس منذ السنة 1117 (1705 م) ، ولم يكن له ولد يرث عرشه ، فأعلن علي باي ، ابن أخيه ، وارثة لعرشه ، ثم ولد له بعد ذلك ولد ، سماه محمدأ، ورتبه ولي عهده ، وطلب لعلي باي.، لقب باشا ، وأن يمثل الباب العالي ( السلطان التركي ) في تونس ، فثار علي باي

ص: 475

في السنة 1148 (1735 م) علي عمه ، وحاربه، ولكن العم انتصر، وفر علي باي ، إلي ابراهيم باشا ، أمير الجزائر ، فحبسه الباشا عنده ، مقابل هدية يؤديها حاكم تونس ، إلي الباشا حاكم الجزائر ، مقدارها عشرة آلاف سكة ذهب في كل سنة ، وبعد سنوات قطع أمر تونس إرسال الهدية السنوية ، فقام باشا الجزائر ، باطلاق علي باي، وأعانه بالمال والسلاح ، فدخل مع عمه في معركة كانت عاقبتها أن انكسر العم حسين بن علي في السنة 1152 (1744 م) وقتل ، وقام يونس بن علي باي ، بقطع عنقه ، ونصب علي باي حاكمة لتونس ، باسم علي باشا ، ولكنه لم ينعم بالحكم ، فإن ولده يونس ثار عليه ، وحاربه ، فتدخل الجيش الجزائري وأسر يونس ، وأعدم علي باشا ، ونصب لإمارة تونس الأمير محمد بن الحسين بن علي ، صاحب تونس قب؟ ، واعترف محمد تابعيته لباشا الجزائر ( مذكرات الزهار ص 17 و 20 و21).

وذكر صاحب الاعلام 169/5 خبر مقتل علي باشا كما يلي: في السنة 1169 قتل بأي تونس ، أبو الحسن علي بن محمد بن علي تركي ، وكان قد ثار علي عمه الباي حسين بن علي ، واستعان بصاحب الجزائر ، فقتل عمه في السنة 1153، واستولي علي الحكم ، ولكن أولاد عمه الباي المقتول ، استعانوا بجيش حاصروا به تونس ، وأسروا عليها ، وقتلوه في الأسر .

وروي لنا الرحالة الدانمركي نيبور ، قصة المير مهنا ، حاكم بندريق ، وريق هذه بليدة تقع شمالي مدينة بوشهر ، إلي الجانب الشرقي من خليج البصرة ، كان يحكمها المير ناصر ، من بني صعب ، من أصل عماني ، فتأمر علي المير ناصر ، ولده مهنا ، في السنة 1168 ( 1754 م) واعتقله ، وأمر به فقتل بمحضر منه ، وكان ذنب الأب ، أنه كان يميل إلي ولده الأكبر المير حسن ، ثم قتل مهنا أمه ، لأنها عنفته علي ما ارتكب من جرائم، ثم أمر بذبح أخيه المير حسن ، وذبح معه ستة عشر رجلا من أقاربه ، كيلا يبقي له معارض في السلطان ، وأغرق أختيه ، لأن أميرأ من جيرانه خطب إحداهما ،

ص: 476

كما أنه كان يئد كافة البنات اللاتي يولدن له ، وكان عظيم القسوة في تعذيب رعاياه بجدع أنوفهم ، وصلم آذانهم ، وقد قامت ضده ثورة في السنة 1183 (1769 م) ففر إلي البصرة، حيث لاقي فيها مصرعه ( رحلة نيبور 145/2۔ 149 وبحوث المؤتمر الدولي 659- 678).

وفي السنة 1201 هلك باليمن ، إبراهيم بن محمد ، وكان قد حاول أن يغتال أمير صنعاء ، أخاه أحمد بن محمد ، ففشل ، وحبسه أخوه خمسة عشر عاما ، ولما توفي أخوه احمد ، قام بالإمارة أخوه عبد القادر ، فأرسل إليه إبراهيم من قتله ، في السنة 1192، واستولي علي الإمارة. ( الاعلام 65/1)

وفي السنة 1206 ثار المولي هشام بن محمد الحسني ، من أمراء الدولة السجلماسية العلوية بالمغرب الأقصي، علي أخيه المولي يزيد، وقتله في إحدي المعارك ( الأعلام 88/9 ).

وكان صالح باي ، صاحب قسنطينة ، قد شكا في حينه من تصرفات الخزناجي ، فغضب الأمير محمد باشا ، صاحب الجزائر، علي الخزناجي ، وقتله ، وكان للخزناجي ابنتان ، واحدة تحت حسن وكيل الخرج ، والثانية تحت الخزندار ، فحقدتا علي صالح باي ، ولما تولي حسن وكيل الخرج ، إمارة الجزائر . باسم حسن باشا ، التت زوجته عليه في قتل صالح باي ، فأمر حسن باشا بحبسه ، فحبس في السنة 1206 (1791 م) ونصب بدلا منه قائد سباو ، باية لقسنطينة ، فلما وصل الباي الجديد لقسنطينة ، ثار جماعة صالح باي ، وكسروا باب الحبس وأطلقوه ، وقتلوا الباي الجديد وجميع أتباعه ، ولما بلغ حسن باشا الخبر ، بعث جندة إلي قسنطينة ، فقتلوا صالح باي ، وحل محله الوزناجي باي تيطري ( مذكرات الزهار 65).

وفي السنة 1214 ( 1799 م ) ثار رجل من الأتراك ، اسمه والي خوجة ، علي مصطفي باشا، أمير الجزائر ، واحتل دار الإمارة ، واستولي

ص: 477

أتباعه علي السلاح الموجود فيها ، وأخذ أصحابه يرمون الناس ، وأتباع الباشا بالبنادق ، فنقب عليهم أصحاب الوالي مصطفي باشا أحد حيطان دار الإمارة ، ووصلوا إلي الثوار ، فقتلوهم جميعا ( مذكرات الزهار 80 و81).

وفي السنة 1215 (1800 م ) حدثت علي خواجة نفسه بأن يصبح أميرة علي الجزائر ، وكان علي خواجة رجلا صوفيا ، يلازم في جميع أوقاته التلفظ بكلمة : الحق ، يريد به الله سبحانه وتعالي ، وفي أحد الأيام ، جاء علي خواجة هذا ، وبيده قصبة خضراء ، وهو يقول : الحق ، فدخل إلي دار الملك ، ولم يرده أحد من الحراس ، فقصد إلي سرير الوالي ، وصادف الخزناجي ، فضربه بالقصبة ، فجرحه في وجهه ويده ، وإذا في القصبة نصل حاد قاطع ، فلحق به وكيل الخرج وغيره ، وقتلوه ، ولم يكن معه أحد، وبعد قتله سحبوه إلي خارج دار الملك وألقوه عند الباب ( مذكرات الزهار 81 و82).

وفي السنة 1217 (1802 م ) ثار ابن الأحرش ، علي حكام الجزائر الأتراك ، ودعا إلي نفسه ، وأعلن أن الحكم يجب أن يكون للعرب ، فتبعه جمع من العرب والبربر ، وكان علي قسنطينية الباي الانكليز، فقارعه ، فانهزم الباي ، فنصب مصطفي باشا، أمير الجزائر ، عثمان باي بن صالح باي ، علي قسنطينة، واشتبك مع ابن الأحرش في معركة، فقتل عثمان باي، وتمزق جيشه، فنصب الباشا مكانه عبدالله قائد الخشنة، بايا علي قسنطينة، وعبدالله هذا زوج الدايخة بنت شيخ العرب بقسنطينة ، فالتف العرب حول عبد الله باي ، وتمزق عسكر ابن الأحرش ، فقر ، وأمسك به الثائر الشريف الدرقاوي ، وقتله ( مذكرات الزهار 86 و87).

وفي السنة 1222 (1807 م ) وقعت معركة بين جند الجزائر بقيادة حسن أغا، وولد صالح باي قسنطينية ، وبين جند تونس ، فانكسر جند الجزائر ، واتهم حسن أغا ، ولد صالح باي ، بأنه السبب في الهزيمة ، وكان

ص: 478

في قسنطينة تركي اسمه أحمد شاوش ، فثار علي السلطة ، وقتل ولد صالح باي ، وحسن أغا ، وصهرة للأمير ، ونصب أحد أتباعه ، وأسمه طوبال أحمد، باية علي قسنطينة ، ثم قصد الجزائر لخلع أميرها أحمد باشا، فكاتب أحمد باشا ، طوبال أحمد، وأغراه بقتل سيده أحمد شاوش ، لقاء بقائه بايأ علي قسنطينة ، فدخل طوبال أحمد، علي سيده أحمد شاوش ، اليحييه تحية الصباح ، وقتله ( مذكرات الزهار 97 و 98 ).

وفي السنة 1222 (1807 م ) ثار العسكر في الجزائر ، علي مصطفي باشا ، أمير الجزائر (1212 - 1222) (1797 - 1807 م ) ففر منهم هو والخزناجي ، وقصدا ضريح الولي سيدي ولي داده العجمي ، ليحتميا به ، فلما وصلا إليه ، وجدا بابه مغلقأ ، فكرا عائدين ، فقتلا في الطريق ( مذكرات الزهار 89).

وفي السنة 1223 (1808 م ) اتفق العسكر في الجزائر ، وثاروا علي أميرها أحمد باشا ، ففر منهم ، ولحقوا به قرب مخزن العشور ، فقطعوا رأسه ، وسحبوه إلي السراجين ، وولوا مكانه علي باشا ( مذكرات الزهار 98 و 99 ) .

وفي السنة 1223 احس الانكشارية ، بأن السلطان سليم الثالث ينوي الحد من سلطانهم ، فخلعوه ، وبايعوا مصطفي خان بن عبد الحميد الأول فلما تسلطن ألغي كل ما أحدثه السلطان سليم الثالث من الإصلاحات ، فقدم مصطفي باشا معونة للسلطان سليم ، وأحاط بعساكره قصر السلطان ، وطالب بإطلاق السلطان سليم ، وعندئذ عمد مصطفي خان إلي قتل السلطان سليم ، وحاول أن يقتل أخاه محمودأ ، فلم يتمكن ، لأن غلمان محمود حاربوا دفاع عنه ، ودخل مصطفي باشا القصر عنوة ، فوجد السلطان سليم قتيلا ، فخلع السلطان مصطفي ، ونصب السلطان محمود بن عبد الحميد الأول، فأمر السلطان محمود بقتل أخيه السلطان مصطفي ، فقتل ( اعيان القرن الثالث عشر 101 و2 10).

ص: 479

وفي السنة 1229 قتل باي تونس الأمير عثمان بن علي التركي ، قتله ابن عمه محمود بن محمد ، واستقر في موضعه ( معجم انساب الاسر الحاكمة 131).

وفي السنة 1230 (1814م) أسرف الحاج علي باشا ، أمير الجزائر ، في قتل الناس ، فقتل جمعة من كبراء اليهود ، لأنهم ليسوا ألبسة خضراء ، وأحرق بعضهم ، متهما إياهم بأنهم أكلوا أموال الناس ، وألزم أقاربهم بسداد الأموال ، وقتل وليد جحظوم ، وابن صيام ، وابن اللمداني ، اتهمهم بأنهم كانوا من أصحاب محمد باي وهران ، وقتل رجلا غريبة من القدس ، وقتل الباي باري ، صهر أحمد باشا ، وقتل ترجمانه أيضأ ، فاتفق عمر أغا ، مع وكيل الخرج عبد الله ، علي قتل الحاج علي باشا ، وانتظر وكيل الخرج حتي دخل الباشا الحمام ، فأغلق عليه الباب ، وأمر موقد نيران الحمام ، بأن يبالغ في الوقود ، فاشتد الأمر علي الأمير ، وأخذ ينادي ويطرق الباب داخل الحمام ، ولا يجيبه أحد، حتي أغمي عليه ، فدخل عليه وكيل الخيرج وذبحه ( مذكرات الزهار 111 ، 112).

وفي السنة 1230 قتل أمير الجزائر عثمان باشا بن علي بن حسين (1176 - 1230) وقتل معه ولداه صالح باي وعلي باي ، قتله أولاد عمه ، وخلفه أحدهم محمود باشا بن محمد بن حسين ( أعيان القرن الثالث عشر 262)

وفي السنة 1244 (1828 م ) تأمر قسم من خوجات الترك ، علي قتل حسين باشا ، أمير الجزائر ، ونصب مصطفي خوجه بدلا منه ، وتعاهدوا علي ذلك في ضريح سيدي بنور ، بجبل بوزريعة ، علي أن يتم ذلك يوم عيد

ص: 480

الأضحي ، إذا دخلوا علي الأمير ليهنوه بالعيد ، وكان الموكل بالضريح تركيا أعمي ، فأخبر الباشا بما تعاقدوا عليه ، فأرسل الباشا في ليلة العيد، واعتقل مصطفي خوجه ، وقتله ، وفي الغد قتل لقمان خوجه ، وابراهيم الدخاخني ، وقبض علي الأعمي الذي أخبره بالمؤامرة ، ونفاه إلي قرية من القري ( مذكرات الزهار 169).

وفي السنة 1249 قتل مشاري بن عبد الرحمن ، من آل سعود ، وكان الإمام تركي بن عبد الله خاله ، وقد أستقام أمره علي نجد كلها ، فنصب مشاري ابن أخته أميرا علي منفوحة ، وفي السنة 1245 تعاقد مع أناس علي قتل خاله ، فبلغ خاله ذلك ، فأعاده إلي الرياض ، وأبقاه عنده مكرمة ، ثم طاف مشاري بزعماء مطير والقصيم وعنزة ، يطلب عونهم للقيام علي خاله ، فأبوا ، وقصد شريف مكة لعين الغرض فأبي ، فعاد واستغفر خاله فغفر له ، ثم عين علي خاله شخصأ رصده حتي خرج من صلاة الجمعة في الرياض ، فأطلق عليه النار ، فقتله ، واستولي مشاري علي الحكم ، ولم يمتع به إلا أربعين يوما ، فإن كلمة أهل نجد اجتمعت علي فيصل بن تركي ، وكان في الاحساء ، فاقبل ألي الرياض ، وقاتل مشاريأ ، فاستسلم، وقتل مشاري مع الأشخاص الذين أعانوه علي اغتيال خاله ، وهم خمسة . ( الاعلام 126/8 و127 ).

وفي السنة 1282 (1866م)، قتل ثويني بن سعيد بن سلطان البوسعيدي - ملك عمان ومسقط ، وليها خلفا لأبيه في السنة 1273 ، قتله ولده سالم برصاصة ، طمعا في الملك ( الأعلام 89/2 ).

وكان بندر وبدر ولدا طلال بن عبد الله ، من آل الرشيد ، قتلا في السنة 1285 عمهما أمير حائل متعب بن عبد الله الرشيد، فلما استولي أخوه محمد بن عبد الله في السنة 1288 علي الحكم ، قتل خمسة من أولاد أخيه

ص: 481

طلال ، من بينهم بندر وبدر ، قاتلي عمهما متعب ، وترك أخا سادسا لهم إسمه نايف ، لصغر سنه . ( الاعلام 122/7 ).

وفي السنة 1313 قام مبارك الصباح العنزي ، بقتل أخويه محمد وجراح ولدي صباح ، وتأمر في موضعهما . ( الاعلام 149/6 و150).

وفي السنة 1315 قتل الشيخ مزعل بن جابر الكعبي ، أمير المحمرة ، في منطقة الأهواز . علي باب قصره ، قتله أخوه الشيخ خزعل ، وتوئي الإمارة من بعده ( الاعلام 350/2) .

أقول : مات الشيخ خزعل في السنة 1355 ، في طهران ، معتقلا ، بعد أن اختطف من المحمرة ، واعترف أحد الأطباء، بأنه قتله بأن دس في أحدي أذنيه دبوسا طويلا خرق دماغه . فقتله .

وفي السنة 1315 مات أمير حائل ، محمد بن عبد الله الرشيد ، فخلفه ابن أخيه عبد العزيز بن متعب ، وقتل عبد العزيز ستة 1324 فخلفه ولده متعب ، فأقام سنة ، وقتله سلطان بن حمود بن عبيد بن علي الرشيد، سنة 1324 ، وطرد سلطان من الإمارة بعد شهور ، فخلفه أخوه سعود بن حمود ، فثار عليه حمود بن سبهان ، وأجلس علي كرسي الإمارة ، سعود بن عبد العزيز بن متعب سنة 1329 ، وقام علي هذا أحد أخواله : سعود السبهان ، وقتله في السنة 1332 ، وكان آخر أمراء آل رشيد محمد بن طلال ، وعلي يده انقرضت الامارة في السنة 1341 ( الاعلام 122/7 ).

وذكر صاحب مجلة لغة العرب البغدادية ، أنه في السنة 1345 (1926 م ) بينما كان الأمير سلطان بن نايف ، أمير دبي ، يتعشي ومعه أصغر أولاده ، فهجم عليه أخوه صقر بن نايف ، وأطلق عليه الرصاص فأراده قتيلا ، وأراد الولد الصغير أن يفر، فعاجله عمه صقر بضربة خنجر ، صرعته قتيلا ، واستولي صقر علي الإمارة من بعده ، وكان القتيل سلطان سبق له أن

ص: 482

قتل أخاه حمدان في السنة 1341 (1922 م ) واستقر بدلا منه في إمارة دبي ( مجلة لغة العرب البغدادية ج 5 سنة 4).

وفي السنة 1367 (1948 م ) اغتيل إمام اليمن المتوكل علي الله يحبي حميد الدين ، ومعه رئيس وزرائه القاضي العمري ، تأمر عليه ولده إبراهيم ، ومستشاره عبد الله بن أحمد المعروف بابن الوزير . مع آخرين، وبعثوا له من تصدي لسيارته خارج صنعاء بسيارة تحمل مدفعين رشاشين ، وخمس عشرة بندقية ، فقتلوا من كان في السيارة ، وكان الإمام يحيي في الثمانين من عمره . ( الاعلام 215/9 و216) .

وفي السنة 1377 ( 1958 م ) قامت فئة من الضباط في العراق ، بعملية إبادة للعائلة المالكة ، إذ حصروا قصرهم في وقت الفجر وأنزلوا الملك الشاب فيصل الثاني ، وخاله الأمير عبد الإله ، والملكة العجوز نفيسة ، أم عبد الإله، وجدة الملك فيصل ، وابنتها الأميرة عابدية وكانوا جميعا في ثياب النوم ، وضموا أليهم جميع خدم القصر وخادماته حتي الطباخ التركي . ثم وجهوا إلي الجميع نيران الرشاشات، فقتلوهم، وأفلت من الجميع طفل يتيم اسمه جعفر ، كانت الأميرة عابدية تقوم بتربيته ، وأراد أن يلتجيء إلي زاوية من زوايا القصر ، فعاجلوه برصاص رشاشاتهم فقتلوه . ( اسرار مقتل العائلة الحاكمة في العراق 127 - 132).

ص: 483

المبحث السادس: التوسيط

وفي القرن الثاني للهجرة ، ظهرت عقوبة القتل بالتوسيط ، أي ضرب الإنسان من وسطه بالسيف ، وقطعه إلي قطعتين ، ثم طوره السلطان محمد بن تغلق ، سلطان الهند ( 725- 752) فكان يقتل الرجل ، بقطعة إلي ثلاث قطع ، الرأس ، والصدر ، والبطن مع الساقين ( مهذب رحلة ابن بطوطة 85/2).

وفي السنة 109 قدم مرو، أبو محمد زياد مولي همدان ، الداعية العباسي ، وجعل يطعم الطعام ، ويدعو إلي بني العباس ، فأحضره اسد القسري عامل خراسان ، وأحضر معه آخرين من أصحابه ، وعرض عليهم البراءة ( يريد البراءة من علي ) فتبرا اثنان فتركا ، وأبي البراءة ثمانية منهم فقتلوا ، ونجا اثنان كانا غلامين ، ولما قدم زياد للقتل، أمر أسد أن يقط وسطه، فمد بين اثنين ، وضرب ، فنبا السيف ، فكبر أهل السوق ، فقال أسد : ما هذا ؟ فقيل له : لم يحك السيف فيه ، فأعطاهم سيفا من عنده ، وأخرج زياد في سراويل ، واجتمع عليه الناس ، فضرب، فنبا السيف ، ثم ضرب ثالثا ، فقطعه إلي نصفين ، ولما كان من الغد ، جاء أحد الغلامين ، وسأل اسدأ أن يلحقه بأصحابه ، فدعا أسد بسيف بخار خداه ، فضرب عنقه بيده ، وذلك قبل الأضحي بأربعة أيام ( الطبري 50/7 وابن الأثير 144/5 ).

ص: 484

وفي السنة 167 أحضر المهدي العباسي ، صالح بن عبد القدوس، متهما بالزندقة ، وضربه بالسيف ، فقده نصفين ، وعلقه ببغداد ( الأعلام 277/3).

أقول : صالح بن عبد القدوس البصري ، مولي الأزد ، شاعر ، أديب ، محدث ، واعظ، قاص، كان يعظ بالبصرة ويقص ، أحضره المهدي في السنة 167 وكان شيخا كبيرة ، فوجه إليه تهمة الزندقة ، هذه التهمة التي ذكرنا في موضع آخر انها التهمة التي كان المسلطون يلجأون إليها ليتخذوا منها سببا لقتل من أرادوا قتله من أنصار حرية الرأي ، فقال صالح للمهدي : يا أمير المؤمنين ، ما أشركت بالله طرفة عين فاتق الله ، ولا تسفك دمي علي الشبهة ، وقد قال النبي صلي الله عليه وسلم : ادرأو الحدود بالشبهات ، وجعل يتلو عليه القرآن ، حتي رق له ، وأمر بتخليته ، فلما ولي ، قال له : ألست القائل :

والشيخ لا يترك اخلاقه **** حتي يواري في ثري رمسه

إذا ارعوي عاد إلي غيه**** كذي الضني صار إلي نكسه

قال : بلي يا أمير المؤمنين ، قال : فأنت لا تترك أخلاقك، ونحن تحكم فيك بحكمك علي نفسك ، وضربه بالسيف فقده نصفين ، وصلبه ببغداد ، فانظر رحمك الله إلي هذه الحجة التافهة التي احتج بها المهدي ، علي هذا الشيخ حتي قتله ظلمة ، للتفصيل راجع وفيات الأعيان 303/2 وفوات الوفيات 116/2 و ميزان الاعتدال 297/2 وتاريخ بغداد للخطيب 303/9 ، وصالح بن عبد القدوس هو صاحب البيت الذي أصبح مث؟ سائرة ، وهو قوله :

لا يبلغ الأعداء من جاهل **** ما يبلغ الجاهل من نفسه

ولما حصل الصلح بين جيش بغداد وجيش سامراء ، في السنة 251 وخلع المستعين نفسه ، وبايع المعتز ، إنفصل شريح الحبشي في عدة من الحبشة ، فقطع الطريق ما بين واسط وناحية الأهواز والجبل ، وحدث أن نزل

ص: 485

في قرية ومعه خمسة عشر رجلا من اتباعه ، وشربوا الخمر وسكروا ، فوثب عليهم أهل القرية، فكتفوهم ، وحملوهم إلي واسط ، ثم إلي بغداد ، ثم إلي سامراء ، فلما وصلوا إلي سامراء ، قام بايكباك إلي شريح ، فوطه بالسيف ، وصلبه علي خشبة بابك ، وضرب أصحابه بالسياط ما بين الخمسمائة إلي الألف سوط ( الطبري 354/9 ).

وفي السنة 332 قبض أبو العباس اشكورج الديلمي ، صاحب الشرطة ببغداد ، علي ابن حمدي اللص البغدادي الشهير ، وقتله توسيطأ ، وأشهره موطأ علي الجسر ( الأوراق للصولي 259 والتكملة 138 وتجارب الأمم 55/1 و تاريخ الخلفاء 396).

أقول : كان أول ظهور ابن حمدي في السنة 332 وكان حمالا بناحية سوق الحديد ، باب درب الشوك ، بحضرة المزملة ، ثم أحترف اللصوصية بغداد ، وأخذ يقطع طريق واسط ، في موضع قريب من بغداد ، فاضطر أبو جعفر بن شيرزاد ، إلي أن يوليه طريق واسط ، وخلع عليه ( الأوراق 250) وكانت في ابن حمدي ، فتوة وظرف ، إذ لم يكن يعرض لأصحاب البضائع اليسيرة التي تكون دون ألف درهم ، وإذا أخذ من ضعيف الحال شيئا قاسمه عليه ، وترك له شطر المال ، واشتهر عنه إنه لا يفتش امرأة ، ولا يسلبها ، وروي لنا القاضي التنوخي في كتابه الفرج بعد الشدة ، في القصة رقم 450 قصة تاجر بغدادي خرج بمتاع له إلي واسط ، فقطع ابن حمدي عليه ، وعلي الكار الذي كان فيه ، والكار : القافلة من السفن تسير مجتمعة ، وسلب متاعه ، فطرح التاجر نفسه علي ابن حمدي ، وخاطبه ، ورققه ، فقاسمه ما أخذ منه ، ثم بذرقه، وأوصله إلي مأمنه ، ثم إن أبا جعفر بن شيرزاد خلع علي ابن حمدي وأثبته برسم الجند ، ووافقه علي أن يؤدي للسلطان في كل شهر خمسة عشر ألف دينار ، مما يسرقه هو وأصحابه ، وأخذ خطه بذلك ، وكان يستوفيها منه ، ويأخذ البراءات ، وروزات الجهبذ ، أي الوصولات الرسمية

ص: 486

( تجارب الأمم 52/1 ) وكان ابن شيرزاد يستعين به في سلب أموال الناس ، إذ بلغه خبر خزانة لأبي الحسين علي بن محمد بن مقلة ، بناحية سوق العطش ، فوجه اليها ابن حمدي ، فأخذ جميع ما فيها ، ثم عمد ابن حمدي الي دار ابن مقلة بمربعة أبي عبيد الله ، فأخذ جميع ما فيها ( الأوراق 256) وكان أبو العباس اشكورج الديلمي ، صاحب الشرطة ببغداد ، قد اصطنع ابن حمدي ، وأمل أن يرتدع ، ويقصر ، وأن يعرف به جميع المتلصصة ، فكان ابن حمدي يرسل أصحابه علي الناس ، فكانت لهم في كل يوم حادثة عظيمة ، وكبس ، وغارة علي الأموال ، ووقف اشكورج علي أن ابن حمدي أصل ذلك كله ، وكلم الأمير توزون ، أمير الأمراء ، بشأنه ، فأحضره في داره ، وأمر به ، فضرب وسطه ، أي قتل توسيطأ ، في دار الأمير توزون ، وحمل الي الجسر علي جمل، ونودي عليه : هذا ابن حمدي اللص ، فاعرفوه ( الأوراق 259) فخفت مكروه اللصوص عن الناس ، وانقطع شرهم ، بعد أن كانوا يتحارسون بالبوقات ، وقد امتنع عنهم النوم خوفا من كبساته ( تجارب الأمم 55/2).

وروي إثر غلامأ للأمير سنكلو التركي ، قائد الأتراك في جيش عضد الدولة البويهي ، أخذ من أحد الفلاحين بطيخة علي قارعة الطريق ، ولم يؤد اليه ثمنه ، وانتهي الخبر إلي عضد الدولة ، فطلب الغلام ، فأخفاه سيده القائد ، رجاء أن يسكن غضب السلطان ، فاستدعي عضد الدولة الأمير سنكلو ، وأقسم لئن لم يحضر الغلام ، فسيعاقبه بدلا منه ، فملكه الرعب ، وأحضر الغلام ، فأمر به عضد الدولة ، فوسط بالسيف ، وأجري الفرس بين شلويه ، علي سنة لهم في القتل ( ذيل تجارب الأمم 51).

وفي السنة 390 قتل الحاكم الفاطمي ، الوزير حسن بن عمار ، بأن أمر به فقطع الي ثلاث قطع ( النجوم الزاهرة 56).

وفي السنة 492 أخذ بسمرقند ، سيد بغداد ، الأطهر بن محمد بن زيد

ص: 487

الحسني ، وقد نصفين ، وعلق في السوق ، وأخذت أمواله ، وحريمه وخدمه ( الوافي بالوفيات 289/9 ).

أقول : أحسب أن هذا الشريف العلوي ، هو الذي ذكر ابن الأثير في تاريخه خبر مقتله، وسماه الأشرف بن محمد بن أبي شجاع العلوي السمرقندي ، قال : أن سمرقند كانت في يد أرسلان محمد بن سليمان بن داود ، وخرج عليه قدرخان ، فانتزعها منه ، ثم طمع قدرخان في خراسان ، فقصدها بجيشه ، فتصدي له السلطان سنجر ، وحاربه ، وقتله ، وأعاد ارسلان محمد إلي سلطنة سمرقند ، فظلم وجار ، فقصده السلطان سنجر ، الطرده من سمرقند، فاستعطفه أرسلان محمد ، وتعهد بأن يحسن معاملة رعاياه فعاد عنه ، ثم أصيب أرسلان محمد بفالج ، فأناب عنه ولده نصرة ، فحسن السيد العلوي الأشرف بن محمد بن أبي شجاع السمرقندي، للأمير نصر ، أن يتولي حكم البلد بدلا من أبيه ، وبلغ الأب الخبر، فقتل ولده نصرة وقتل العلوي معه ، واستمر علي سيرته السيئة في سمرقند ، فقصده السلطان سنجر ، وحصره ، وأعتقنه، ثم بعث به إلي ابنته وهي زوجة السلطان سنجر ، فأبقاه عندها حتي مات، راجع ابن الأثير 347/10 ، 348، 350، 661، 662، و 82/11 - 83 ومعجم أنساب الأسر الحاكمة 313) .

وفي السنة 479 فتح السلطان ملك شاه السلجوقي ، قلعة جعبر ، وقبض علي صاحبها واسمه سابق ، وأرادوا قتله بالسيف ، فوقعت عليه زوجته ، وقالت : لا أفارقه أو تقتلوني معه ، فألقوه من أعلي السور ، فتكر ، ثم ضرب بالسيف فقد إلي نصفين ، فألقت زوجته نفسها وراءه ، فسلمت ، وقال لها السلطان : ما حملك علي هذا ؟ فقالت : إنا قوم لم يتحدث عنا بالخنا ، فخفت أن يخلو بي الترك في القلعة، فيقول الناس ما شاءوا، فاستحسن ذلك منها ( التنظيم 28/9 ).

أقول : اقتصر ابن الأثير 149/10 وأبو الفداء 197/2 علي ذكر فتح

ص: 488

السلطان ملك شاه قلعة جعبر ، واسمها الدوسرية ، ثم عرفت بقلعة جعبر الطول مدة ملك جعبر لها ، وكان صاحبها سابق الدين جعبر القشيري وهو شيخ اعم ، وله ولدان يقطعان الطريق ويخيفان السبيل ، وكانت الأذية بهم عظيمة .

وفي السنة 493 كان السلطان بركياروق السلجوقي بواسط ، وظلم عسكره الناس ، ونهبوا البلاد ، ووثب علي السلطان قوم ليقتلوه ، فأخذوا ، وأحضروا بين يديه ، فاعترفوا بأن الأمير سرمز ، شحنة إصبهان ، وضعهم علي قتله ، فأمر السلطان برئيسهم، فبطح ، وضربه ، بالسيف فقسمه نصفين ( المنتظم 111/9 وابن الأثير 293/10 ).

وفي السنة 543 عصي الأمير بزبه صاحب إصبهان، علي السلطان مسعود ، وحاربه ، وأسر بزبه ، وجيء به أمام السلطان ، فأمر به فقطع الي نصفين ، وعلق رأسه بأزاء دار الخلافة ( المنتظم 124/10 ).

وروي لنا أسامة في كتاب الاعتبار قصة أمير ظالم ، هو صلاح الدين الغسياني من أمراء الأتابك عماد الدين زنكي ، وكان الأتابك يقول : لي ثلاثة غلمان ، أحدهم يخاف الله تعالي ، ولا يخافني، يعني زين الدين علي كوجك ، والآخر يخافني ولا يخاف الله تعالي ، يعني نصير الدين سنقر ، والآخر : لا يخاف الله، ولا يخافني يعني صلاح الدين الغسياني ، ويقول أسامة أنه شاهد من صلاح الدين هذا ما حقق قول أتابك فيه ، أنه لا يخافه ولا يخاف الله تعالي ، وذكر أن أحد رجالة الأمير صلاح الدين ، فر من عسكره خلال الحرب ، فأمر باحضار الذي كان الي جانبه ، وأمر بتوسيطه ، فحاول أتباعه صرف نيته عن قتل هذا الجندي ، فأبي إلا أن يقتل ، فقتل توسيطأ ، مع إنه لا علاقة له بالجندي الهارب ، وذكر إنه حضر معه حصار حصن ماسر ، فوقع أحد رجال الحصن أسيرة في يده ، فأمر بتوسيطه ، فحاول أسامة أن يخلصه من يده ، فلم يستطع، وقتل أمامه توسيطأ ، وكان هذا

ص: 489

الذي قتل توسيطأ ابن امرأة عجوز ، جاءت بعد فتح الحصن تسأل عن ولديها ، فإذا أحدهما قتل في المعركة والثاني وسطه الأمير ، فصاحت وكشفت رأسها وشعرها كالقطنة المندوفة ، فقال لها الناطور : اسكتي لأجل الأمير ، قالت : وأي شيء بقي الأمير يعمل بي ، كان لي ولدان فقتلهما . ( الاعتبار 159- 156).

وفي السنة 597 اتفق مملوكان من مماليك البدرية الشريفة ( باب بدر ) بدار الخلافة فقتلا كاتب البدرية ، السديد محمد بن الأستاذ ، وسبب ذلك إنه كان للسديد حرمة تامة وسطوة وهيبة ، وكان يعاقب المماليك بالبدرية علي ذنوبهم ، فهدد هذين المملوكين ، وتوعدهما بالضرب ، فاتفقا علي قتله ، ووقفا له وقد جاء بكرة ليدخل حمام البدرية، فضرباه بالسيوف ، فقتلاه ، فتقدم الخليفة الناصر ، بصلب أحدهما وتوسيط الآخر ، وتم إعدامهما وفقا الما أمر الخليفة بحضور جميع المماليك ( الجامع المختصر 77).

وفي السنة 601 قتل ببغداد شاب يعرف بابن الوتار ، ثلاثة نفر ، وهرب إلي الموصل ، فلم يطب له المقام هناك ، وعاد إلي بغداد ، وأخفي نفسه ، فعلم به غلمان الشحنة ، وأنهي حاله ، فتقدم بإقامة الحد عليه ، واستيفاء القصاص ، فأخذ وقتل بالسيف توسيطا في شارع الظفرية ( قرب الباب الوسطاني لسور بغداد ) ( الجامع المختصر 143).

وفي السنة 604 ثار جماعة من العوام علي المسالحة بباب النوبي الشريف ، واتباع الباعة ، فجرحوا خلقا منهم ، وقتل جماعة، فخيف من ذلك العيث والفساد ، فأحضر براها وعليك ، اللذان قتلا ابن حسان الي البدرية الشريفة ، وقتلا توسيطأ ، بعد أن أخذت سراويل الفتوة منهما ، وأخرجا ، فألقيا علي باب البدرية الشريفة ، فارتدع بهما أمثالهما، وانكف العوام عن تطاولهم ( الجامع المختصر 228) .

ص: 490

أقول : كان براها وعليك ، من رجال البدرية ، وكانا من دعاة الفتن ، وحدث أن واجها في المأمونية ، أحد النقباء بباب الشحنة ، ويعرف بابن حسان ، فجرت بينه وبينهما منابذة ، فجذباه وألقياه عن فرسه ، وأخرج عليك سكينة طعنه بها عدة طعنات فهرب من أيديهما ، ودخل دار ، وأغلق بابها ، وصعد إلي سطحها ، فتسور عليه جماعة من العوام، وألقوه من السطح علي رأسه ، وشدوا في رجله حب، وسحبوه وهو حي ، وحملوه إلي دجلة ، وألقوه فيها ، ثم أخرجوه فأحرقوه ، فركب الشحنة في عسكر ، وأوقع بأهل محلة المأمونية ، وقتل جماعة من العامة ، وحصلت فتنة ، وهاج البلد ، وأغلق الناس دكاكينهم ، وعلي أثر ذلك جري إعدام براها وعليك .

وفي السنة 606 فتح خوارزم شاه مدينة سمرقند ، وعاد إلي خوارزم ومعه سلطان سمرقند ، فزوجه ابنته ، ورده إلي سمرقند، وبعث معه شحنة من جند خوارزم ، وبعد سنة من هذا التاريخ ، عصي سلطان سمرقند ، وأمر بقتل الجند الخوارزمي ، فكان يأخذ الرجل منهم ويقطعه الي قطعتين ويعلقهم في الأسواق كما يعلق القصاب اللحم ، ومضي إلي القلعة ليقتل زوجته ابنة خوارزم شاه ، فأغلقت دونها الأبواب ، وبعثت إليه تقول : أنا امرأة ، وقتل مثلي قبيح ، ولم يقع مني إليك ما استوجب به هذا منك ، فتركها ، ووكل بها قوم من عنده وبلغ الخبر خوارزم شاه ، فهاجم سمرقند ، وفتحها ، وقتل السلطان وقتل معه مائتي ألف إنسان . ( ابن الأثير 267/12- 269).

وفي السنة 637 قتل بباب النوبي ثلاثة أنفس ، ضرب أحدهم عدة ضربات ، فلم يؤثر فيه السيف ، وكان في وسطه خيط ، فقطع الخيط ، فوجد فيه حرز ، ثم ضرب ضربة واحدة ، فانفصل ( الحوادث الجامعة 123).

وفي السنة 649 قتل توسيطأ علي بن أبي الفتح بن أبي الفرج بن رئيس الرؤساء المعروف بابن المسلمة ، وكان مشهورة بالفساد، مقدم علي فعل المنكرات ، تبع صيرفية يهودية معه مال ، فلما دخل داره ، هجم عليه وقتله ،

ص: 491

وأخذ المال ، فاستغاثت زوجته فقتلها أيضا ، وخرج، فتبعه الجيران ، وقبضوا عليه ، وحملوه إلي باب النوبي ، فقتل توسيط ، وقد قتل أبوه وجده ، أما أبوه أبو الفتح فكان وزيرة، وركب في موكبه عازمة علي الحج ، فلما وصل الي باب قطفتا، عرض له ثلاثة نفر من الباطنية ، في زي الصوفية ، وناولوه رقعة ، فلما مد يده ليأخذها، قتلوه ، وقتلوا في الحال ، وأما جده وهو أبو الفرج رئيس الرؤساء المعروف بابن المسلمة ، وزير القائم بأمر الله ، خاصم البساسيري القائد ، واضطهد الشيعة، وقتل منهم ، فاضطر البساسيري إلي الاستعانة بالفاطميين ، ودخل بغداد فاتحا باسم الفاطميين ، وقبض علي ابن المسلمة ، فشهره، وصلبه ، وهكذا قتل الجد والأب والإبن ، وفي تصاريف الزمان عبر ، راجع الحوادث الجامعة 255 - 256 .

وفي السنة 658 بعث السلطان هولاكو، إلي السلطان قطز رسلا ، فأمر بهم قطز ، فوطوا ( بدائع الزهور 97/1 ).

وفي السنة 660 احتل التاتار الموصل ، وقبضوا علي ملكها الملك الصالح ركن الدين اسماعيل بن بدر الدين لؤلؤ، فقتلوه، ووسطوا ولده علاء الملك ، وعلقوه علي باب الجسر ، وأجالوا السيف في أهل البلد تسعة أيام ( الوافي بالوفيات 195/9 ).

وتوفي في السنة 673 الأمير شهاب الدين أحمد بن يغمور ، وكان قد ولي الأعمال الغربية بالديار المصرية ، فقطع ، وشنق ، ووسط ، وأفرط في ذلك وراح البريء بجريرة المفسد ( الوافي بالوفيات 202/8 -203).

وفي السنة 691 تأمر قسم من الأمراء علي الملك الأشرف خليل ملك مصر ، وقتلوه ، فوطوا ، بعد أن قطعت أطرافهم ، وطيف بهم علي الجمال مستمرين ( بدائع الزهور 130/1 ).

وروي لنا صاحب الحوادث الجامعة، رواية ذات فصلين ، الفصل

ص: 492

الأول: في السنة 694 تقدم جمال الدين الدستجراني، فأخذ فخر الدين مظفر بن الطراح ، صدر واسط والبصرة ، وقتله ، فأخذ، ودوشخ ، وأسمع كل قبيح ، ثم حمل إلي بغداد ، ووكل به أياما ، وضرب ، وعوقب ( أي عذب )، وقتل ، وحمل رأسه إلي واسط ، وعلق علي الجسر ، بعد أن طيف به في شوارعها ، وكان جوادا، سخية ، كريمة ، ذا ناموس عظيم وسياسة ( الحوادث الجامعة 484) والفصل الثاني : في السنة 696 سار السلطان غازان يريد العراق ، وأمر بقتل جمال الدين الدستجراني ، فقتل توسيطأ ( الحوادث الجامعة 492).

وفي السنة 702 اشترك الشيخ احمد القباري الإسكندراني ، والشيخ محمد اليعفوري ، في إحداث الفتن بدمشق ، وقبض عليهما ، فأعترفا، فأفتي الفقهاء بجواز قتلهما ، فطيف بهما، ثم وشطا في سوق الخيل. ( الوافي بالوفيات 303/8 ).

وفي السنة 715 قتل الأمير جولجين توسيطة بالقاهرة ، بأمر من السلطان الناصر محمد بن قلاوون ، وسبب ذلك إن جولجين كان من خواص الناصر وقدم معه من الكرك إلي القاهرة ، فداخله شخص يقال له النجم الخطيبي ، وعمل له ملحمة ، أي أنه أخرج له دفترأ تظهر عليه آثار القدم ، وفيه كتابات ورموز وإشارة إلي آثار في الجسد تشير إلي أن من كان بهذه الصفة ، فإنه سوف يكون سلطانأ ، فاغتر جولجين بذلك وأسر ذلك إلي بعض الجماعة ، فوصل الخبر إلي الناصر ، فأمر بتوسيطه ( الدرر الكامنة 2/ 80).

وفي السنة 724 ولي السلطان الناصر محمد بن قلاوون ، الأمير قديدار ، ولاية القاهرة ، فضرب الخبازين والسوقة بالمقارع، وسمر بعضهم ، وعرض السجن ، ووسط جماعة من المفسدين ، وتتبع من عصر الخمور ، فأراق الكثير منها ، وكبس باب اللوق ، فأحرق الحشيش، وأقام قدر شهر لا يخلو باب زويلة في يوم منه من كسر جرار خمر ، وتحريق حشيش ،

ص: 493

واستمر والية للقاهرة ست سنوات ، وتوفي في السنة 730 ( الدرر الكامنة 328/3 و 329) .

وفي السنة 725 قتل الأمير بهادر الصقري باليمن توسيطأ ، وكان قد استولي علي زبيد ، وتسلطن ولقب نفسه بالملك الكامل ، وسبب ذلك أن ملك اليمن وهو الملك المؤيد هزبر الدين داود بن المظفر شمس الدين يوسف ، توفي في السنة 721 وخلفه ولده المجاهد سيف الدين علي ، وكان صغيرة ، فكثرت الفتن ، وأعلن الأمير بهادر سلطنته واستولي علي زبيد، وخطب باسمه ، وضربت له السكة ، وصادر كثيرا من الناس ، فبلغ ذلك السلطان الناصر محمد بن قلاوون ، فسير إلي اليمن جيشأ بقيادة الأمير بيبرس ، فاشتبكوا مع بهادر في معركة فلت جيشه ، وفر ناجي بنفسه ، ثم أن بيبرس أمن بهادر ، فحضر ، واتهمه بيبرس إنه غدر ، فقبض عليه ، ووسطه بالسيف نصفين ، وصفت البلاد للملك المجاهد ( الدرر الكامنة 2/ 32 و33).

وفي السنة 741 قتل الأمير طغاي ، أمير آخورتنكز نائب السلطنة بالشام ، وكان قتله توسيط في سوق الخيل بدمشق علي يدي بشتاك الناصري ( الدرر الكامنة 321/2 ).

وفي السنة 741 قتل توسيطأ بسوق الخيل بدمشق ، الأمير جنغاي ، مملوك تنكز نائب الشام ، وكان مقربة جدأ عند الامير تنكز ، ثم تنكر له ، وقبض عليه ، وضربه بالمقارع ، ثم جري قتله توسيط ( الدرر الكامنة 76/2)

وفي السنة 742 فتح الأمير صربغا ، خزائن السلاح ، وجهز جمعا من المماليك لقتال الأمير قوصون، فأمسك به قوصون ، ووسطه ، وعلقه علي باب زويلة ( النجوم الزاهرة 28/10 ) .

ص: 494

وفي السنة 746 قتل الأمير بكا الخضري ، أحد الأمراء بدمشق ، قتل بسبب الناصر أحمد، في ولاية الصالح إسماعيل، ووط بسوق الخيل بدمشق ( الدرر الكامنة 13/2 و14 ) .

وفي السنة 748 نقل أرغون شاه من نيابة حلب إلي نيابة دمشق ، فوط في طريقه مسلمين ، وكان مقدامأ علي سفك الدم بلا تثبت ، قتل بحلب خلقا ، ووسط ، وسمر، وقطع بدويا سبع قطع بمجرد الظن ، وغضب علي فرس له قيمة كبيرة ، مرح بالعلاقة ، فضربه حتي سقط ، ثم قام ، فضربه حتي سقط ، وهكذا مرات ، حتي عجز عن القيام ، فبكي الحاضرون علي الفرس ( المختصر لأبي الفداء 148/4 ).

وفي السنة 750 جري قتل الأمير ألجيبغا المظفري الخاصكي ، تحت قلعة دمشق ، ووسط معه الأمير فخر الدين إياس ، وعلقا علي الخشب ، وكان من الأمير ألجيبغا دون العشرين سنة «ماطر شاربه ، وكأنه البدر حسنا ، والغصن اعتدالأ ، وسبب ذلك ، إنه عهد إليه بنيابة طرابلس ، في السنة 749 ، وفي السنة 750 كتب إلي الأمير أرغون شاه نائب دمشق ، بأنه يستأذن منه لكي يتصيد في منطقته ، فأذن له ، فجاء ليلا ، فطرق أرغون شاه ، وقبض عليه وقيده ، وزور كتابة عن السلطان ، فيه أمر باعتقال أرغون شاه ، وجمع الأمراء ، وأطلعهم عليه ، فأذعنوا ، واستولي علي أموال أرغون شاه ، وقتله ، فأنكر الأمراء ذلك ، وحاربوه ، فقتل منهم جماعة ، وخرج من دمشق ، وسار إلي طرابلس ، وورد الخبر من السلطان بمصر ، ينكر كل ما وقع ، ويأمر بإمساك الجيبغا، فخرجت إليه عساكر الشام ، ففر من طرابلس ، فأدرك عند بيروت ، وأعتقل ، وحمل مقيدة إلي دمشق ، حيث جري قتله توسيط . ( خطط المقريزي 421/2 و 422). والوافي بالوفيات 357/9 و461 والنجوم الزاهرة 213/10 و216).

وفي السنة 754 طلب الأمير أرغون الكاملي ، نائب السلطنة بحلب

ص: 495

الأمير قراجا بن ذي الغادر ( ذي القدر ) أمير التركمان ، لأنه وافق أحد الخارجين علي السلطان فقر الأمير قراجا منه ، فتبعه ، وقبض عليه ، وأرسله إلي السلطان ، فلما حضر إلي القاهرة ، ومثل أمام السلطان ، أمر بتسميره ، فسروه علي جمل، وطافوا به مصر والقاهرة ، ثم و طوه في الرميلة بسوق الخيل ( الاعلام النبلاء 434/2 و435 ).

وذكر ابن بطوطة في رحلته أن سلطان ما وراء النهر وأسمه كبك ، شكت إليه امرأة فقيرة أن أميرة من أمرائه غصبها لبنة وشربه ، فأحضر الأمير ووسطه ، فخرج اللبن من معدته ( مهذب رحلة ابن بطوطة 107/1 ).

ووفد علي السلطان محمد بن تغلق سلطان الهند، طوغان الفرغاني ، وأخوه ، فأحسن إليهما، وأكرمهما ، ثم أرادا الرجوع إلي بلدهما ، فوشي بهما أحد أصحابهما ، فأمر السلطان بتوسيطهما ، فوسطا ، وأعطي الذي وشي بها جميع ما لهما ، وكذلك عادتهم إذا وشي أحد بأحد ، وثبت ما وشي به ، فقتل ، أعطي جميع ماله . (مهذب رحلة ابن بطوطة 94/2 ).

وأمر السلطان محمد بن تغلق ، سلطان الهند ، باعتقال الشريف إبراهيم المعروف بالخريطة دار ، وأتهمه بأنه أراد المخالفة ، فخاف إن أنكر أن يعذب ، فأقر للخلاص من العذاب ، فأمر به السلطان فوط . (مهذب رحلة ابن بطوطة 105/2).

وممن مارس العذاب بالتوسيط ، القائد الهندي عماد الملك سرتيز ، مملوك السلطان محمد بن تغلق ، سلطان الهند ( 725 - 750 ) وكان الأمير قيصر الرومي ، قد عصي علي السلطان ، وتحضن بسيوستان ، فحصره عماد الملك ، فطلب وأصحابه الأمان ، فأمنهم ، ولما نزلوا علي أمانه غدر بهم ، وأخذ قسما منهم فقتلهم توسيطأ ، وقتل الباقين بألوان من العذاب والقتل ( مهذب رحلة ابن بطوطة 6/2 و7) .

وذكر ابن بطوطة ، في كتاب رحلته ، إن سلطان كولم بالهند، من جزائر

ص: 496

المليبار ، كان في طريقه بين البساتين ، ومعه صهره ، زوج ابنته ، وهو من ابناء الملوك ، فأخذ حبة واحدة من العنب ، سقطت من بعض البساتين ، وكان السلطان ينظر إليه ، فأمر به عند ذلك ، فوسط ، أي قسم نصفين ، وصلب نصفه عن يمين الطريق ، ونصفه الآخر عن يساره ، وقسمت العنبة نصفتين ، فوضع علي كل نصف منه ، نصف منها. (مهذب رحلة ابن بطوطة 2/ 192).

وفي السنة 753 خرج بعض الأمراء علي الملك الصالح ملك مصر ، فقبض عليهم ، وأمر بستة منهم ، فوطوا ( بدائع الزهور 197/1 ) ( النجوم الزاهرة 276/10 و277 ).

وفي السنة 754 أحضر سلطان مصر ، إلي القاهرة ، سبعمائة أسير من العرب ، فأمر بهم ، فوطوا جميعا ( بدائع الزهور 200/1 ).

وفي السنة 758 وثب أحد المماليك السلطانية بالقاهرة ، واسمه قطلوبغا ، علي الأمير شيخو، وضربه بالسيف ثلاث ضربات ، فقبض علي قطلوبغا ، ورسم السلطان بتسميره ، فسمر ، ثم وسط في اليوم المذكور . ( النجوم الزاهرة 305/10 ) .

وفي السنة 769 جلس الملك الاشرف شعبان ، صاحب مصر والشام ، في الديوان ، بالقاهرة ، ورسم بتسمير جماعة من مماليك يلبغا نحو المائة ، وتوسيطهم . ( النجوم الزاهرة 48/11 ) .

وفي السنة 767 تسلم الأمير حسام الدين المعروف بالدم الأسود ، أولاد الكنز وكانوا في سجن القاهرة ، فأخذهم إلي قوص علي جمال ، وقد سمروا في أيديهم بمسامير حديد، علي لعب من خشب ، وشق بهم من قوص إلي أسوان ، ثم وسطهم بها . ( بدائع الزهور 40/2/1 ) .

وفي السنة 769 قبض السلطان الأشرف علي مائة مملوك من المماليك

ص: 497

اليلبغاوية ، وسمرهم ، ووسطهم في بركة الكلاب ، وأغرق جماعة آخرين في البحر . ( بدائع الزهور 71/2/1 ).

وفي السنة 771 اتهم شخص من النصاري ، بأنه سحر خوند إبنة الأمير طاز ، زوجة السلطان ، فماتت بسحره ، فرسم السلطان بتسميره ، ثم وسط ، وأحرق بالنار . ( بدائع الزهور 96/2/1 ) .

وفي السنة 772 قبض ابن السنبلي ، بأمر السلطان الأفضل ، صاحب اليمن ، علي مشايخ القرشيين ، وأمر السلطان بتلفهم ، فوط منهم خمسة نفر ، وسمر ثلاثة ، وشنق الباقين . ( العقود اللؤلؤية 198/2 ).

وفي السنة 779 أخرج والي القاهرة الأمير حسين بن الكوراني ، جماعة من العامة ، من الحبس وسمرهم ، وطاف بهم في القاهرة ، ثم وسطهم في الرملة ، ثم أخذ ثلاثة مماليك صغار اتهموا بأنهم نهبوا من خيول نائب السلطان ، فطيف بهم ، ثم وسطوا تحت القلعة (بدائع الزهور مه 203/2/1)

وفي السنة 780 سمر الأتابكي برقوق ، بالقاهرة ، اثني عشر أمير ، وطيف بهم في القاهرة ، ووشط منهم ستة . ( بدائع الزهور 226/2/1 ).

وفي السنة 782 هجم طائفة من العربان علي دمنهور، فنهبوا وقتلوا ، فخرج إليهم جيش ، فقتل كثيرا من العربان ، وأحضر معه إلي القاهرة ، أسري ، فأمر السلطان فوط منهم جماعة ، وسجن الباقين . ( بدائع الزهور 269 - 266/2/1)

وفي السنة 783 قبض علي طائفة من عربان البحيرة ، نحو 23 رجلا ، فوطهم أجمعين . ( بدائع الأزهار 2/1/ 281 ).

وفي السنة 785 اتهم السلطان برقوق ، سلطان مصر ، الخليفة المتوكل علي الله ، بأنه اتفق مع جماعة منهم الأمير قرط بن عمر التركماني ، والأمير

ص: 498

إبراهيم بن الأمير قطلوتمر العلائي أمير جندار علي قتله ، فأمر بسجن الخليفة وتقييده ، وبتسمير قرط وإبراهيم وإشهارهما، وتوسيطهما من بعد ذلك . فسمرا وأشهرا ، ووسط الأمير قرط ، ثم شفع في الأمير إبراهيم ، فنجا من التوسيط في آخر لحظة . ( نزهة النفوس والابدان 69 - 71).

وفي السنة 785 نازل يلبغا الناصري بعساكر حلب والشام ، أحمد بن رمضان التركماني عند الجسر علي الفرات ، فانكسر التركمان ، وأسر يلبغا ابراهيم بن رمضان وابنه ، وأباه ، فوسط الثلاثة الجد والابن والحفيد ( خطط الشام 158/2 ).

وفي السنة 788 رسم السلطان بالقبض علي جماعة من المماليك ، بعد أن ضربوا ضربا مبرحا بحضوره بالمقارع ، وسبب ذلك أنه بلغ السلطان عنهم أنهم قصدوا الفتك به ، وقبض أيضا علي الأمير تمر بغا الحاجب ، ومعه من المماليك عدة عشرة ، وسمروا ، فأركب كل مملوكين علي جمل ، وظهر أحدهما لظهر الأخر ، وتمر بغا بمفرده علي جمل وحده ، وأشهروا بالقاهرة ، وحريمهم نائحات ، صائحات ، حاسرات عن وجوههن ، يلطمن خدودهن ، ثم برز « المرسوم الشريف » بتوسيطهم ، فوسطوا . ( نزهة النفوس 128) بدائع الزهور 36/2/1 ).

وفي السنة 788 تجمع منسر نحو ستين رجلا ، ودخلوا القاهرة ، وكمنوا فيها ، فحاربهم والي القاهرة ، فحصل منهم ثمانية عشر نفرأ ، فسمروا علي الجمال في أيديهم بالخشب ، وألبسوا في أرجلهم قباقيب الخشب ، ووسطوا ، إلا واحدة منهم أخروه ليدل علي باقيهم ( بدائع الزهور 370/2/1 ) ( نزهة النفوس 130).

وفي السنة 790 قبض علي ابن نجم ، أمير عربان الفيوم ، بسبب قتل أولاد شادي الحاج محمد والحاج عمر ، وأحضر إلي الأبواب الشريفة

ص: 499

بالقاهرة ، ومعه عشرون نفرأ ، فرسم السلطان برقرق بتسميره ، وتوسيطه ، ومن معه ، فأنفذ ذلك فيهم ( تاريخ ابن الفرات 24/9 ) .

وفي السنة 790 رسم السلطان ، الملك الظاهر برقوق ، بالقبض علي جماعة من دمشق ، فقبض عليهم ، وسمروا ، ووسطوا ( تاريخ ابن الفرات 37/9).

وفي السنة 791 ورد القاهرة مملوك وبدوي ، كان السلطان برقوق قد أنفذهما إلي ابن باكيش صاحب غزة ، فقبض ابن باكيش عليهما ، وبعث بهما إلي القاهرة ، فأخذهما الوالي ومعهما ثالث ، وسمرهم ، ثم وسطهم ( تاريخ ابن الفرات 142/9 ).

وفي السنة 791 أمر الأمير الكبير منطاش ، الأمير حسين الكوراني ، والي القاهرة ، أن يستمر أربعة أنفس من أمراء الأتراك ، فسمرهم الوالي ومضي بهم إلي الرميلة ، فنزل مرسوم إلي الوالي بأن يخلص سودون ، أحدهم ، من الخشب ، ويصعد به إلي باب السلسلة ، فخلصه ، وطلع به إلي باب السلسلة ، فأمر بتوسيطه هناك ، فوط (تاريخ ابن الفرات 144/9)

وفي السنة 791 بلغ الأمير منطاش أن بعض الأمراء راغبين في التوجه للسلطان الظاهر ، فشهروا بالقاهرة ، وأودعوا خزانة شمائل ووسطوا بها ( نزهة النفوس 254 ).

وفي السنة 791 قبض الأمير كمشبغانائب حلب ، علي الخازندار ابراهيم بن قطلو تمر ووسطه بعد أن قاسي منه أهوالا وعقوبة زائدة ، ووسط كذلك قاضي القضاة الشافعي بحلب شهاب الدين بن أبي الرضا . ( نزهة النفوس 274 و275 ) .

وفي السنة 792 استولي الأمير منطاش علي بعلبك ، ووسط أربعة أنفار من أكابرها ، ووسط أيضا ابن الحنش . ( نزهة النفوس 302) .

ص: 500

وفي السنة 792 قبض السلطان علي جماعة من الأمراء ، وأشهرهم في القاهرة ، ثم وسط اثنين منهم ، وسجن الباقين . ( بدائع الزهور 439/2/1)

وفي السنة 792 لما تحرك أنصار الظاهر برقوق في القاهرة ، اعتقلوا والي القاهرة ، الأمير حسام الدين حسين الكوراني ، لأنه كان قد شتم الملك الظاهر ، وأهان أفراد عائلته إهانة بالغة ، فنهبت داره ، وقيد بقيد زنته ثمانون رطلا ، وفي ثاني يوم تسلمه الوالي الجديد، وقيده في باشة وزنجبيل وأنزله إلي بيته ، فضربه مقترحا ، وعصره، ثم عصر ركبته، ثم أحضره بعد ذلك وعصره عصرأ شديدة ، ثم تسلمه مشد الدواوين وعصره عصر شديدأ ، وفي السنة 793 أمر الظاهر بتوسيطه ، فقام والي القاهرة ، بتوسيطه ( تاريخ ابن الفرات 197/9 ، 198، 203، 257).

وفي السنة 792 نزل السلطان ، واعتر المساجين بخزانة شمائل ، فأفرد منهم سبعة وثلاثين ، أمر بثلاثة منهم فغرقوا في النيل ، وسمر منهم سبعة ، ثم وسطهم ، وقتل الباقين في السجن ( النجوم الزاهرة 28/12 ).

وفي السنة 792 انتفض أهالي بانقوسا ، علي كمشبغا صاحب حلب ، ونصبوا عليهم رجلا يعرف بالحرامي ، فحاربهم ثلاثة أيام ، فانكسر الحرامي ، وقبض كمشبعا عليه وعلي أخيه ، وعلي كثير من الأتراك والأمراء والباقوسية نحو الثمانمائة فوطهم أجمع، وخربت بانقوسا ، وأحرقت ، وصارت أرضها دكا قاعا صفصفا . ( نزهة النفوس 307).

وفي السنة 792 أغار الأمير يلبغا الناصري علي آل علي ، في منطقة دمشق ، وقبض علي جماعة منهم ، يبلغ عددها مائتي نفس ، فوطهم جميعا ( النجوم الزاهرة 16/12 ).

أقول : ورد الخبر في نزهة النفوس ( ص 310) أن الذي اغار علي آل علي ، ووسط المائتين هو الأمير منطاش .

ص: 501

وفي السنة 793 قبض السلطان بالقاهرة علي جماعة من الأمراء والمماليك ، فوط منهم جماعة ببركة الكلاب ( بدائع الزهور 443/2/1-444)

وفي السنة 793 أحضر للقاهرة نحو السبعين نفرا من العربان الزهور ، كانوا قد أفسدوا، وقطعوا الطريق ، فرسم السلطان بتسميرهم ، وتوسيطهم، فسمروا ووشطوا ( تاريخ ابن الفرات 248/9 ).

وفي السنة 793 قبض الملك الظاهر علي عدد من أمرائه ، وعصر منهم أسندمر وسقط ، ثم أمر السلطان بتسميرهم ، فسمرهم والي القاهرة ، في دار الوالي ، وأخرجهم، وشق بهم القاهرة ، وأطلعهم الي تحت قلعة الجبل ، ثم مضي بهم إلي المحاير ، ووسطهم، مثل الحرامية (تاريخ ابن الفرات 252/9)

وذكر صاحب نزهة النفوس ، هذا الخبر ضمن أخبار السنة 793 فقال : وفي السنة 793 سمر أسندمر الشرفي رأس نوبة ، وأقبغا الظريف البجاسي ، واسماعيل التركماني ، أمير البطالين في أيام منطاش ، وكزل القرمي ، وصربغا ، وأشهروا بالقاهرة، وتوجهوا بهم إلي الكوم فوطوا، وقال المقريزي : لم يعهد مثل هذا الأ لقطاع الطرق ( نزهة النفوس 326).

وفي السنة 793 أمر السلطان برقوق ، بتوسيط احمد بن علي بن الطشلاق ، والي قطيا ، لجريرة صدرت منه ، فوط ( تاريخ ابن الفرات 263/9)

وفي السنة 793 قبض علي خمسة من الأمراء بالقاهرة ، ومعهم قطلوبك الذي كان نائب السلطنة بصفد ، ووسطوا ، ودفنوا بالكوم ( تاريخ ابن الفرات 258/9 ).

ص: 502

وفي السنة 793 قبض السلطان برقوق ، علي أمراء آخرين بالقاهرة ، وأمر والي القاهرة بقتلهم ، فقتلهم ، قيل إنه وسطهم ، وقيل إنه خنقهم ( تاريخ ابن الفرات 259/9 ).

وفي السنة 794 عمد بعض المماليك الي قلعة دمشق ، وأخرجوا من كان في سجنها من المماليك المحبوسين ، وكانت عدتهم نحو مائة مملوك ، ثم اجتمعوا جميعا ، وقتلوا نائب القلعة ، وملكوها ، فحاصر العسكر القلعة ، وأحرقوا بابها ، وأسروا هؤلاء المماليك، ووسطوهم تحت القلعة ( بدائع الزهور 2/1/ 451).

وفي السنة 796 اعتدي قوم من عربان أولاد عيسي علي سبق سقائي السلطان فأمر السلطان برقوق ، بتوسيط أولاد عيسي الموجودين في خزانة شمائل ، فأخرجوا وعددهم واحد وعشرون ، وجري توسيطهم ( تاريخ ابن الفرات 380/9 ).

وفي السنة 799 ورد إلي مصر رسل تيمورلنك ، وهم أربعة، ومعهم رسالة من تيمورلنك ، فلما قريء الكتاب علي السلطان بمصر ، اغتاظ، وأمر بقتل الرسل ، فقتلوا توسيطأ، وعلقوا ( اعلام النبلاء 489/2 - 490).

وفي السنة 800 رسم سلطان مصر ، بتوسيط شاهين دوادار الأتابكي كمشبغا ، فسمر، وأشهر علي جمل ، وطيف به ، ثم وسط في بركة الكلاب ( بدائع الزهور 493/2/1 ).

وفي السنة 800 قبض السلطان علي سبعة أنفس من حاشية علي باي ، ورسم بتسميرهم، فسمروا علي جمال وطافوا بهم في القاهرة ، ثم وطوا جميعا عند بركة الكلاب ( بدائع الزهور 508/2/1 ).

وفي السنة 801 ثم توسيط الأمير أقبغا الفيل، من مماليك الظاهر برقوق ، وأحد إخوة علي باي المقتول ، جري توسطه مع سبعة من المماليك ( الضوء اللامع 318/2 ).

ص: 503

وفي السنة 802 قتل توسيطأ شعبان ابن شيخ الخانقاه البكتمرية بالقاهرة ، لأنه خدع امرأة ، فخنقها في تربة ، وأخذ سلبها ، وظهر امره بعد أن أخذ أبوه وحبس بالخزانة ، فلما قبض علي الولد شعبان، ضرب فاعترف ، فقتل، بعد أن سمر، ثم وسط، ( الضوء اللامع 305/3 ).

وفي السنة 803 حارب متيريك ، أمير حارثة ، دقماق المحمدي نائب صفد ، فانكسر دقماق ، واستنجد بالأمير شيخ نائب طرابلس ، فأنجده، وكسرا متيريك ، وأسرا له ولدين، وطاهما . ( بدائع الزهور 631/2/1).

وفي السنة 803 بعث تيمورلنك إلي الأمير سودون نائب الشام رسولا ، فأمر بالرسول فوط ( النجوم الزاهرة 220/12 ).

وفي السنة 807 قبض بمصر علي رجل من أهل الجرائم، بمدينة بلبيس ، فوط ، وعلق خارج المدينة ، فجاء رجل أخذ قلبه وكبده ليأكلها ، حمله الجوع علي ذلك . ( بدائع الزهور 706/2/1 ).

وفي السنة 809 وقع في قبضة الأمير شيخ ، عدة من المماليك السلطانية ، فوط منهم تسعة . ( بدائع الزهور 2/1/ 773) .

وفي السنة 809 طلب ابن التركية، من الأمير يشبك الأمان ، فأمنه ، وحلف له ، فلما قدم عليه ، قبض عليه ، وسلمه للسلطان ، فوطه ، وعلق رأسه علي باب زويلة . ( بدائع الزهور 2/1/ 771).

وفي السنة 812 غضب السلطان علي دوادار الأمير شيخ ، وعلي إمام قبة الصخرة ، فأمر بتوسيط الدوادار ، فوط، وضرب الإمام علقة قوية ( بدائع الزهور 2/1/ 800).

ففي السنة 814 خرج الأمير حزمان الظاهري عن طاعة السلطان ، وفر پريد دمشق ، فاعتقل بغزة ، وحمل الي مصر ، فحبسه الناصر أيام ، ثم قتله توسيط ( الضوء اللامع 90/3 )

ص: 504

وفي السنة 824 قبض السلطان الناصر علي الأمير سودون الظاهري ، وحبسه ، ثم أمر فوط تحت قلعة الجبل ( الضوء اللامع 282/3 ).

وفي السنة 830 قتل الأمير كمشبغا الظاهري ، قتله بعض مماليكه الأجلاب وهو نائم علي فراشه لي ، وقبض علي المملوك القاتل ، فضرب، وأشهر، وقتل توسيطا ( الضوء اللامع 230/6 ).

وفي السنة 836 كان سلطان مصر ، الملك الأشرف سيف الدين ابو النصر برسباي ، يحاصر آمد، فقدم عليه الملك الأشرف شرف الدين احمد بن الملك العادل سليمان الأيوبي ، صاحب حصن كيفا ، للسلام عليه ، فلما قارب العسكر ، خرج عليه عدة من أصحاب قرايلك المستولي علي آمد ، فقتلوه غيلة وقتلوا معه قاصد السلطان المتوجه معه ، فاشتد ذلك علي السلطان وأحضر أسري من جماعة قرايلك عشرين رجلا ، ثم أحضر ثلاثين آخرين ، ووسط الجميع تجاه قلعة آمد ، ثم احضر واحدا وعشرين آخرين بينهم قرا محمد، أحد أمراء قرائلك ، وبينهم صاحب ماردين ، فوسط قرا محمد وعشرين آخرين معه ، واتفق أن أحد الأسري انحل وثاقه ، فمر يعدو ، والعسكر ينظره فما رماه أحد بسهم ، ولا قام في طلبه ، حتي نجا، وطلع القلعة ( جوليات دمشقية 67).

ولما قوي المرض في السنة 841 علي الملك الأشرف برسباي ، وسط طبيبه العفيف الأسلمي رئيس الأطباء ، وطبيبة آخر اسمه زين الدين خضر ، فلما قدم العفيف للتوسيط استسلم وثبت حتي صار قطعتين ، وقدم خضر ، فريع ، وجزع جزعا شديدا ، ودافع عن نفسه ، وصاح ، وبكي ، فتكاثروا عليه ، ووسطوه توسيط معبأ ، لتلويه واضطرابه ( شذرات الذهب 239/7 ) .

وفي السنة 841 توفي الأمير سليمان بن أرخن ( أو رخان ) بك بن محمد كرشجي ، وعمره خمس عشرة سنة ، وكان جده ملك بلاد الروم ،

ص: 505

فلما مات قبض ابنه مراد الذي خلفه ، علي أخيه والد صاحب الترجمة الأمير سليمان ، وسمل عينيه وحبسه ، ومنعه من مراجعة النساء، كي لا يولد له ، فدت اليه جارية ، فأولدها سليمان وابنة سميت شاهزاده ، ومات الأب أرخن في حبسه ، ففر بالطفلين مملوك لهما ، وقدم بهما علي الأشرف برسباي ، فأكرمهما، وضم سليمان إلي ولده العزيز يوسف ، وأخته إلي الحرم السلطانية ، ثم رام المملوك الفرار بهما إلي الروم ، فأخذهما وركب بهما النيل ، وعلم السلطان بذلك ، فأرسل من يستدعيهما ، فلحقوا بهم قبل خروجهم إلي البحر ، وقتل المملوك توسيطا ، وقطع أيدي جماعة ممن كان معه، وأعيد الأمير سليمان فحبس بالبرج ، ثم أطلق ومات في السنة 841 بالطاعون، أما شاهزاده فتزوجها العزيز ثم خلف عليها الظاهر ( الضوء اللامع 262/3)

وفي السنة 843 عاد الأمير شهاب الدين أحمد، أحد خواص الظاهر من الحجاز وكان قد توجه لقتال بلي من عرب الحجاز ، فعاد ومعه جماعة أسري ، فسمروا ثم وسطوا الضوء اللامع 237/1 ) .

وفي السنة 850 أمر الأمير يلخجا الناصري ، نائب السلطان بغزة ، وهو علي وشك الموت، بتوسيط جماعة كانوا في سجنه ، فوشطوا ( الضوء اللامع 291/10 ).

وفي السنة 857 رسم السلطان الملك الأشرف بتوسيط ثلاثة من أهل القاهرة ثبت انهم كانوا يحضرون عندهم بنات الخطا، فإذا بتن عندهم ، قتلوهن ، وأخذوا ما عليه من القماش ، وفعلوا ذلك غير مرة ، حتي غمز عليهم ، فأشهر وهم في القاهرة، وقدامهم أقفاص حمالين فيها « عظام الأموات التي كانوا يقتلونها من النساء ، وكان لهم يوم مشهود ( بدائع الزهور 41/2)

ص: 506

وفي السنة 868 قتل توسيطأ الأمير برسباي الأشرفي الظاهري ، وكان قد تأمر علي قتل الدوادار جانبك، ثم أتفق مع بعض المماليك علي قتل السلطان ، فبلغ السلطان ذلك ، فأمر به فأحضر ، وضرب أكثر من ألف عصا ، ثم وطه في الحوش ( الضوء اللامع 7/3).

وفي السنة 878 قتل توسيط الأمير اقباي الظاهري ، لأنه قتل مملوك للزيني الاستادار، ولم يقبل السلطان منه ولا من رفقته دفع ألف دينار لمستحقي الدية ، لكثرة شره وضرر المسلمين من جهته ( الضوء اللامع 314/2 ).

وفي السنة 922 ولي الأمير خاير ، نيابة السلطنة بمصر ، ولاه السلطان سليم العثماني لما فتح مصر ، وكان من جملة ما عمله أن أحضر إبراهيم معلم دار الضرب ، وأمر بتوسيطه ، فوسط ( اعلام النبلاء 433/5 ).

وكان التوسيط ، في القرن العاشر بمصر ، جزاء من يروج العملة الزائفة ( بدائع الزهور ، صفحات لم تنشر ص 40 و52 ) .

وفي السنة 922 أمر السلطان الغوري ، بالأمير يونس ، نائب عينتاب فوط ( الاعلام النبلاء 148/3 ).

وفي السنة 922 رسم السلطان بتوسيط خمسة أنفار من المنسر الذي شاع أمره في القاهرة ، فوطوا، وكان رئيسهم يسمي أبا عزراييل ( بدائع الزهور 8/5).

وفي السنة 927 بلغ ملك الأمراء بمصر ، أن فقيها اسمه محمد بن شمس الدين الفرنوي ، تمني الخلاص من الأتراك ، فأحضره وأمر بتوسيطه ، فوط في الرملة . ( بدائع الزهور 378/5 ).

وفي السنة 927 قبض ملك الأمراء علي غلام اتهمه بأنه رسول الغزالي إلي الأمراء بالقاهرة ، فرسم بتوسيطه ، فوسط عند باب السلسلة ، قريب المغرب ( بدائع الزهور 376/5 ).

ص: 507

وفي السنة 927 رسم ملك الأمراء بتوسيط تركي اسمه إياس ، تحدث عن ملك الأمراء، بما أحنقه فوسط بسوق الخيل . ( بدائع الزهور 377/5 ).

وفي السنة 945 كان أمير الحاج المصري ، الذي وصل إلي مكة ، الأمير صغصغان مصطفي ، ويسميه العرب : مصطفي النشار ، وسبب هذه التسمية ، لأنه نشر بعض قطاع الطرق ، نصفين بالمنشار ( البرق اليماني 88)

ص: 508

الفصل الثاني : القتل بالة من آلات القتل الأخري

اشارة

آلات القتل كثيرة ، ولكن السيف كان أشهرها، وأكثرها استعمالا ، هذا إلي أن حلت الرصاصة محله ، والآلات الأخري التي كان يتم بها القتل ، منها العمود الذي يشدخ به ، وقد أفردنا له بحثا، والسهام يرشق بها، وقد أفردنا لها بحثا ، وأفردنا بحثا آخر للقتل بالطبرزين ، وبحثا رابعأ للقتل قعصة بالرماح ، وبحثا خاصا للقتل بالبارود والرصاص ، أما القتل بأدوات غير معدة للقتل ، فقد أفردنا لها فصلا خاصا ، هو الفصل الثالث ..

وعلي ذلك ، فإن الفصل الثاني ، يشتمل علي خمسة أقسام :

القسم الأول : القتل بالشدخ بالعمود .

القسم الثاني : القتل بالرشق بالسهام .

القسم الثالث : القتل بالضرب بالطبرزين .

القسم الرابع : القتل قعصة بالرماح وما يشبه الرماح .

القسم الخامس : القتل بالبارود والرصاص .

ص: 509

القسم الأول : القتل بالشدخ بالعمود

الشدخ : الكسر . والعمود : القضيب من الحديد ، وكذلك الجرز ، هو العمود من الحديد ، والبغداديون يسمونه : كراز ، وإذا كان العمود من الخشب ، سمي خشبة، والبغداديون يسمونه : دونكي.

وأول من عذب بهذا اللون من العذاب ، علي ما بلغنا، أميران غلامان أمونيان، هما الحكم وعثمان ، ولدا الوليد بن يزيد ، وكان قد بايع لهما من بعده ، فلما قتل الوليد ، اعتقل ولداه ، فلما توفي يزيد بن الوليد ، المعروف بالناقص ، وانتقض أمر أخيه إبراهيم من بعده ، سار مروان بن محمد ، المعروف بالجعدي ، من أرمينية إلي الشام ، يطلب الخلافة ، فتصدي له جند الشام بقيادة سليمان بن هشام ، في مائة وعشرين ألفا ، وكان مروان في ثمانين ألفا ، فانكسر جند الشام ، وقتل منهم نحوا من سبعة عشر ألفا ، ولما وصل سليمان مع فل العسكر إلي دمشق ، قال بعضهم لبعض : إن بقي الغلامان ابنا الوليد، حتي يقدم مروان ، ويخرجهما من الحبس ، ويصير الأمر إليهما ، لم يستبقيا أحدا من قتلة أبيهما، والرأي أن نقتلهما، وولوا ذلك يزيد بن خالد القسري ، فأرسل يزيد مولي لأبيه يقال له خالد الأسعد، في عدة من أصحابه ، فدخل السجن ، وقتل الغلامين شدخأ بالأعمدة ، وأخرج يوسف بن عمر ، فضرب عنقه ( الطبري 300/7 - 302) .

وفي السنة 135 بلغ أبا داود ، القائد العباسي ، أن أحد قواده عيسي بن

ص: 510

ماهان ، قد عابه في رسائل عدة كتبها إلي قوم ، فأحضره ، وحبسه ، ثم دعا به ، وذكره صنائعه إليه ، وإنه كان يؤثره علي أولاده ، فأقر بذلك ، فقال له أبو داود : فكان جزاء ما صنعته معك ، أن سعيت بي ، وأردت قتلي ، فأنكر ذلك ، فأخرج رسائله بخطه ، فضربه أبو داود حدين ، ثم قال له : أما إني تركت ذنبك لك ، ولكن الجند أعلم ، فأخرج في القيود ، فلما أخرج من السرادق ، وثب عليه حرب بن زياد ، وجعفر بن دينار ، فضرباه بعمود وبطبر زين فوقع إلي الأرض ، وعدا عليه الآخرون فأدخلوه في جوالق ، وضربوه بالأعمدة حتي مات ( الطبري 467/7 ) .

ولما صار عبد الله بن علي ، إلي نهر أبي فطرس ، في فلسطين ، نادي بالأمان لبني أمية ، فاجتمع إليه جماعة منهم يزيد عددهم علي الثمانين ، فلما أخذوا مجالسهم ، قام سديف الشاعر ، فأنشده :

لا يغرنك ماتري من رجال **** إن بين الضلوع داء دويأ

فضع السيف وأرفع العفو حتي **** لا تري فوق ظهرها أموا

فأمر عبد الله بن علي ، الجند ، فشد خوهم بالأعمدة ، حتي أتوا علي جميعهم ، ثم أمر بالبسط ، فبسطت علي القتلي ، وأمر بالطعام فمد بين أيدي الناس . ( العيون والحدائق 207/3 و 208).

وذكر أن السفاح دخل عليه مشايخ بني أمية ، ففاخره أحدهم ، ودخل الشاعر سديف فأنشده قصيدة ذكره فيها بظلم بني أمية وقتلهم بني هاشم ، فاحمرت عينا السفاح ، وأمر جند خراسان ، فشد خوهم بالخشب ، حتي قتلوهم راجع التفصيل في كتاب الهفوات النادرة ص 105 - 107.

أقول : كنت قد أوردت بتفصيل خبر قتل هؤلاء الأمويين ، في القسم الأول : الفتك ، من الفصل الأول : القتل بالسيف ، من هذا الباب ؛ أي

ص: 511

الباب الحادي عشر ، لاقتضاء السياق بأيراد أخبار مقاتل بني أمية في موضع واحد.

ولما حج أبو جعفر المنصور في السنة 144 أغراه رياح ، عامله علي المدينة ، بمحمد بن عبد الله بن عمرو بن عثمان ، وقال له : يا أمير المؤمنين ، أما أهل خراسان فشيعتك وأنصارك ، وأما أهل العراق فشيعة آل أبي طالب ، وأما أهل الشام فإن أخاهم محمد بن عبد الله بن عمرو بن عثمان ، فلو دعاهم ما تخلف منهم أحد، فوقع الحديث في نفس أبي جعفر ، ودعا محمد بن عبد الله ، فأغلظ له ، وقال له : يا ابن اللحناء ، وأمر به فكبل وغل ، وضربه علي وجهه بالجرز ، ثم ضرب بالردة وحمل مع بني الحسن إلي العراق ، وروي أن عبد الله بن الحسن جزع جزعا شديدا عندما آنبعث بعير محمد بن عبد الله وهو غافل لم يتأهب ، وفي رجليه سلسلة وفي عنقه زمارة ، فهوي ، وعلقت الزمارة بالمحمل ، فأصبح منوطأ بعنقه يضطرب ، وعندئذ بكي عبد الله بن حسن بكاء شديدا ، وقال : إنا لله وإنا إليه راجعون ، والله ، إن كنا لنأمن به في سلطانهم ، ثم أصيب بنا في سلطاننا ، ( الطبري 543/7 و 547).

ولما جيء إلي المنصور في السنة 145 برأس براهيم بن عبد الله بن الحسن ، قتيل باخمري ، بصق في وجه إبراهيم رجل من الحرس ، فأمر به المنصور ، فضرب بالعمد ، فهشمت أنفه ووجهه ، وضرب حتي خمد ، ثم جروا برجله فألقوه خارج الباب . ( ابن الأثير 571/5 ).

ودخل العباس بن محمد العلوي ، علي الرشيد ، فشتمه الرشيد ، وقال له : يا ابن الفاعلة ، فقال له : تلك أمك التي تواردها النخاسون ، فأمر به ، فأدني منه ، ثم ضربه بالجرز ، حتي قتله . ( مقاتل الطالبيين 498) .

وكان عبد الرحمن بن عبد الملك بن صالح العباسي، سعي بأبيه عبد الملك إلي الرشيد ، واتهمه بأنه يسعي لنفسه في طلب الخلافة ، فحبس

ص: 512

الرشيد عبد الملك عند الفضل بن الربيع ، ولما مات الرشيد أطلق الأمين عبد الملك ، وأسلم إليه ولده عبد الرحمن فهشم عبد الملك وجه ولده بالعمود حتي قتله ( اعلام النبلاء 171/1 - 177).

وفي السنة 255 لما أراد الاتراك خلع المعتز ، دخلوا عليه ، وضربوه بالدبابيس حتي خرقوا قميصه ( الطبري 389/9 ) .

واغتال جماعة من أصحاب أبي عبد الرحمن العمري ، صاحبهم ، وحملوا رأسه إلي أحمد بن طولون ، يتقربون بذلك إليه ، فأمر بهم فضربوا حتي سقطوا ، ثم أمر بهم فشدخت رؤوسهم ، حتي ماتوا ( المكافأة 117 و118).

أقول : كان سبب ظهور أبي عبد الرحمن العمري ، واسمه عبد الحميد بن عبد العزيز بن عبد الله بن عمر بن الخطاب، إن البجاة ، بجنوبي مصر ، أقبلت في يوم عيد ، فنهبوا ، وقتلوا ، وعادوا غانمين ، وفعلوا ذلك مرات ، فخرج هذا العمري غضبة لله وللمسلمين ، وكمن لهم في طريقهم ، فلما عادوا خرج عليهم ، وقتل مقدمهم ، ودخل بلادهم فنهبها ، وقتل فيهم فأكثر ، وتابع عليهم الغارات حتي أدوا إليه الجزية ، فلما اشتدت شوكة العمري ، وكثر أتباعه ، سير إليه أحمد بن طولون جيش كثيفة ، فلما التقوا ، تقدم العمري ، وقال لمقدم الجيش : لا شك أن ابن طولون لم يعرف خبري علي حقيقته ، فإني لم أخرج للفساد ، ولم يتأثر بي مسلم ولاذمي ، وإنما خرجت طلبا للجهاد ، فاكتب إلي الأمير أحمد بحالي ، فإن أمرك بالإنصراف فإنصرف ، وإن أمرك بغير ذلك كنت معذورأ ، فلم يجبه إلي ذلك ، وقاتله ، مظفر العمري وانهزم جيش ابن طولون ، فلما عادوا إليه أخبروه بحال العمري ، فقال أحمد، كنتم أنهيتم حاله إلي ، فإنه نصر عليكم ببغيكم ، وتركه ( ابن الأثير 264/7 ) ثم صار إلي أحمد جماعة تقارب العشرة ومعهم رأس ، فقالوا : نحن غلمان العمري ، وهذا رأسه ، فجمع أحمد الخاص

ص: 513

والعام ، وأدخلهم ، وأستحضر قومأ آستامنوا إليه ، وسألهم عن الرأس ، فأيدوا أنه رأس العمري ، وإن الغلمان من خاصته ، فقال لهم أحمد : هل كان مسيئا إليكم ؟ قالوا : لا والله ، ولقد كان محسنا إلينا ، ومفضلا علينا ، قال : فما حملكم علي قتله ؟ قالوا : طلبنا الحظوة عندك ، والمكانة منك ، فقال : قتلتم مولاكم المحسن إليكم بالتطرب إلي المزيد ، ثم أمر بهم ، فشق عن جماعتهم ( عراهم ) ، وأخذتهم السياط حتي سقطوا ، وضربوا علي رؤوسهم بالشادوخ حتي ماتوا جميعا ، وأمر بدفن رأس أبي عبد الرحمن .

وذكر التنوخي في كتاب نشوار المحاضرة ، قصة أحد قواد المعتضد ، لما غصب امرأة راها في الطريق علي نفسها ، فقد أحضره أمامه ، وأمر بأن يحضروا الجوالق ، ومداق الجص ، وقيود ، وغلا، فقيده ، وغله ، وأدخله الجوالق ، وأمر الفراشين فدقوه بمداق الجص ، وهو يصيح ، حتي انقطع صوته ، ومات ، ثم أمر به فغرق في دجلة ، راجع القصة في نشوار المحاضرة ج 1 ص 317 رقم القصة 172 .

وظهر لدي المعتضد، أن أحد وزرائه ، أغري بعض الشهود ، فشهدوا علي زواجه بفتاة تعشقها ، فأمر بصلب الشهود ، وأن يوضع الوزير في جلد ثور طري السلخ ، ويضرب بالمزارب حتي يختلط عظمه ولحمه بدمه ، ثم أمر به أن يرمي للسباع ( تحفة المجالس للسيوطي 311 - 314) .

وفي السنة 312 قبض علي المحسن في منتصف الليل ، فحمل الي دار الوزارة ، فأوقع به مكروه غليظ ، وقيد ، وغل، وألبس جبة صوف ، وضرب علي رأسه بالدبابيس ، وعذب أنواع العذاب ، حتي تدود بدنه . ( تجارب الأمم 133/1 و136).

وفي السنة 329 نكب أبو عبد الله الكوفي كاتب بجكم ، هارون اليهودي جهبذ ابن شيرزاد ، وبقي عليه من مصادرته ستون ألف دينار ، فأخذت داره ، وكانت قديما لإبراهيم بن أحمد المادرائي ، راكبة دجلة

ص: 514

والصراة ، وفيها بستان أبي الفضل الشيرازي ، ودار المرتضي ، وحمل هذا اليهودي ألي بجكم بواسط فضرب بين يديه بالدبابيس حتي مات ( تجارب الأمم 9/2).

وكان أبو الحسن أحمد بن محمد، المعروف بابن أبي عمر ، يتقلد ديار مضر لابن رائق ، فأغار عيها عمار القرمطي ، وطالب ابن أبي عمر بالمال لأصحابه ، فقال : ما معي شيء ، ولو قتلتني وصلبتني ، فقال : علي أن أفعل بك ذلك ، وقتله ، وصلبه ، فلم يزل ابن رائق يحتال علي عمار ، حتي حضر مجلسه ، ثم قبض عليه ، وأمر من بحضرته من الأتراك بدقه بالأعمدة ، فلما كاد أن يموت ، قال : أذيقوه حد السيف ، فأخذ رأسه ، وصلبه في المكان الذي صلب فيه عامله ابن أبي عمر ، راجع التفصيل في كتاب نشوار المحاضرة في القصة 59/8 .

وفي السنة 384 وصل صمصام الدولة إلي الأهواز ، ليهاجم جند بهاء الدولة الأتراك ، فانتصر الأتراك ، واستسلم من ديلم صمصام الدولة أكثر من ألفي رجل ، فجمعهم طغان قائد بهاء الدولة في خيم ضربها لهم ، ثم قال لأصحابه : هؤلاء قوم موتورون ، وعدتهم أكثر من عدتنا، وأن استبقيناهم خفنا ثورتهم ، وأن خلينا عنهم لم نأمن عودتهم ، واستقر رأيهم علي قتلهم ، فطرحوا الخيم عليهم ، ودقوهم بالأعمدة ، حتي أتوا عليهم ( ذيل تجارب الأمم 257).

وفي السنة 465 هاجم يوسف الخوارمي ، السلطان ألب أرسلان السلجوقي ، وطعنه بخنجر ، فتصدي ليوسف أحد الفراشين ، وضربه علي رأسه بمرزبة ( عصا من الحديد ) فقتله ، وقطعه الأتراك ، وكان السلطان ألب أرسلان، واسمه محمد، قصد ما وراء النهر ، في عسكر يزيد علي مائتي ألف فارس ، فأتي بمستحفظ قلعة اسمه يوسف الخوارزمي ، وحمل إلي قرب سريره مع غلامين قد أمسكا به ، فأمر أن تضرب له أوتاد أربعة ، وأن تشد

ص: 515

أطرافه إليها ، فقال له يوسف : يا مخنث ، مثلي يقتل هذه القتلة ؟ فغضب السلطان ، وأخذ القوس والنشاب ، وقال للغلامين : خلياه ، فخلياه ، ورماه السلطان فأخطأه ، وكانت لا تخطيء رميته ، فوثب يوسف پريده ، والسلطان علي سدة ، فقام عن سدته ، فعثر ، ووقع علي وجهه ، فبرك يوسف عليه ، وطعنه بسكين كانت معه في خاصرته ، فضرب بعض القراشين يوسف بمرزبة علي رأسه ، فقتله ، وقطعه الأتراك ( ابن الأثير 73/10 ).

وفي السنة 541 قتيل أمير حاجب عبد الرحمن طغايرك ، بأن ضربه زنكي الجاندار ، بقضيب من الحديد وهو في موكبه ، علي رأسه ، فسقط إلي الأرض ، وأجهز عليه ، وكان طغايرك هذا ، صاحب خلخال ، وبعض أذربيجان ، والحاكم في دولة السلطان مسعود السلجوقي ، وليس للسلطان معه حكم ، وأصبح السلطان في يده مثل الأسير ، حتي أن غلام كان للسلطان اسمه بك أرسلان ، ويعرف بخاص بك ، رباه السلطان ، وقربه ، فأبعده عبد الرحمن عنه ، فاستدعي خاص بك ، جماعة من القواد ، وتحدث معهم في قتل عبد الرحمن ، فخافوا الإقدام علي ذلك ، إلا رجلا اسمه زنكي وكان جاندارا ، فإنه بذل من نفسه أن يبدأه بالقتل ، فبينما عبد الرحمن في موكبه ، ضربه الجاندار بمقرعة حديد كانت في يده علي رأسه ، فسقط إلي الأرض ، فأجهز عليه خاص بك ، وأعانه علي حماية زنكي والقائمين معه ، من كان واطأه علي ذلك من الأمراء ، وكان قتله بظاهر جنزة ( ابن الأثير 116/11).

ص: 516

القسم الثاني: القتل رشقة بالسهام

ومن ألوان العذاب التي مارسها المعذب ( بكسر الذال ) بقصد الانتقام من المعذب ( بفتح الذال ) أن ينصب المعذب غرضة ، ويرمي بالسهام .

وأول من عذب بهذا اللون من العذاب علي ما بلغنا، ثقيف ، فإنهم رموا عروة بن مسعود بالنبل ، فقتلوه ، وسبب ذلك ، إن عروة بن مسعود الثقفي ، وفد علي النبي صلوات الله عليه ، وأسلم ، واستأذنه في العودة إلي قومه ، ليدعوهم إلي الإسلام ، فقال النبي ، إنهم قاتلوك ، فقال : يا رسول الله ، أنا أحب إليهم من أبكارهم ، وعاد إلي قومه ، ودعاهم إلي الإسلام ، فرموه بالنبال ، فقتلوه ( نور اليقين 215) .

وفي السنة 66 بعث المختار الثقفي ، قائده عبد الله بن كامل، إلي حكيم بن طفيل الطائي ، وكان في موقعة الطف بكربلاء ، قد أصاب سلب العباس أخي الإمام الشهيد الحسين ، ورمي الحسين الشهيد بسهم ، وكان يقول : تعلق سهمي بسر باله ، وما ضره ، فأتاه عبد الله بن كامل ، فأخذه ، ثم أقبل به ، وذهب أهله فاستغاثوا بعدي بن حاتم الطائي ، فلحقهم في الطريق ، وكلم عبد الله بن كامل فيه ، فقال له : مالي من أمره شيء ، إنما أمره إلي الأمير المختار ، فذهب عدي يريد المختار ، وخشي عبد الله ، أن يشفع المختار عدية في أمره ، فنصبه في الطريق غرضة للسهام ، وقال له : سلبت ابن علي بن أبي طالب ثيابه ، والله ، لنسلبنك ثيابك وأنت حي تنظر ،

ص: 517

فنزعوا عنه ثيابه ، ثم قالوا له : رميت حسين وآتخذته غرضا لنبلك ، والله النرمينك كما رميته ، ورموه رشقا واحدا ، فخر ميتا وكأنه قنفذ لما عليه من النبل ، وعاد ابن كامل إلي المختار ، فوجد عديأ عنده ، فسأله عن حكيم ، فقال : غلبتنا عليه الشيعة ، فقتلوه ( الطبري 63/6 وابن الأثير 242/4 وانساب الاشراف 238/5 ) .

ونصبت قيس ، عبد الله بن الحارث غرضة للسهام ، وقتل رشقا بالنبال ، وتفصيل ذلك : إن عبد الله بن الحارث هجا قيس عيلان فقال :

ألم تر قيس قيس عيلان ، برقعت **** لحاها، وباعت نبلها بالمغازل

ثم إن عبد الله فارق مصعب بن الزبير ، ولحق بعبد الملك بن مروان ، وقال يعتب علي مصعب ، ويلومه علي تقديم سويد بن منجوف عليه :

بأي بلاء أم بأية علة **** يقدم قبلي مسلم والمهلب

ويدعي ابن منجوف أمامي كأنه **** خصي دنا للماء من عبر يشرب

ثم إن قيسأ أخذت عبد الله بن الحارث ، ونصبته غرضأ ، وجعلوا يرمونه بالنبل ، ويقولون له : أذات مغازل تري ؟ ولما أتي مصعب بن الزبير برأسه ، قال لسويد بن منجوف : يا أبا المنهال كيف تري ؟ قال : أيها الأمير ، هو - والله - الذي أتي الماء من عبر يشرب ( الحيوان 134/1 ).

ولما حاصر قتيبة بن مسلم ، سمرقند ، تقدم أحد المحصورين فشتم قتيبة ، فأمر قتيبة أن يختاروا له من عسكره ، أحسن راميين ، فجيء بهما ، فسألهما : أيكما يرمي هذا الذي يشتمني فإن أصابه فله عشرة آلاف درهم ، وإن أخطأه قطعت يده ، فنكص أحدهما ، وتقدم الآخر ، فرماه ، فلم يخطيء عينه وقتله ، فأمر له بعشرة آلاف درهم . ( الطبري 6/ 474 ) .

ص: 518

وفي السنة 138 قتل ملبد بن حرملة الشيباني ، من كبار الثوار في صدر أيام العباسيين ، خرج علي المنصور ، فحاربه خازم بن خزيمة ، فثبت لهم ملبد ثبات عجيبة ، فرشقوه بالنشاب حتي قتلوه . ( الاعلام 216/8) .

وفي السنة 197 احتل جيش المأمون بقيادة طاهر بن الحسين المحلات المحيطة بمدينة المنصور ، وحصر محمد الأمين ، فأمر محمد برمي الحربية بالنفط والنيران ، بالمجانيق والعرادات ، وكان الذي يرمي رجل يعرف بالسمرقندي ، ( الطبري 446/8 و447 ) كان رامية لا يخطيء حجره ، فلما قتل محمد ، وقطع الجسر ، وأحرقت المجانيق ، طلب الناس السمرقندي ، وأخذوه ، فأخرجوه إلي شاطيء دجلة من الجانب الشرقي ، فصلب حيا ، وأقبل عليه الناس رميا بالحجارة والنشاب وطعن بالرماح حتي قتلوه ، ثم أحرقوه ( الطبري 498/8 ) .

وكان قطرب النحوي ، يؤدب أولاد أبي دلف العجلي ، فلما توفي في السنة206 قام ولده الحسن بتأديب الأولاد ، وحضر الحسن ، يوما، مع أبي دلف ، إحدي المعارك ، فأصاب رأسه سهم ، فسقط ، فحامي عنه أبو دلف ، وحارب أشد حرب ، حتي استنقذه ، وحمله إلي مأمنه ، وهو مغمي عليه ، وجمع له الأطباء ، وأمرهم باستخراج السهم ، فقالوا : إن خرج السهم ولم يخالط الدماغ ، عاش ، وإن خالطه لم يعش ، ففتح الحسن عينيه ، ورفع رأسه ، وقال للأطباء : انزعوه ، فلو كان عندي دماغ ، ما حضرت المعركة . ( الوافي بالوفيات 20/5 ).

وذكر علي بن حسن الرامي ، قال : كنا قد جمعنا علي السور ، علي باب الشماسية ببغداد ، في السنة 251 ، في الحرب بين جيش المستعين ببغداد ، وجيش الأتراك المحاصر لها بأمر المعتز وكنا جماعة من الرماة ، وكان مغربي يجيء حتي يقرب من الباب ، ثم يكشف آسته ويضرط ويصيح ، قال : فأنتحيت له سهما فأنفذته في دبره ، فسقط ميت ( الطبري 305/9 ) .

ص: 519

وفي السنة 267 أسر صندل الزنجي ، أحد قواد صاحب الزنج ، وكان يكشف وجوه الحرائر المسلمات ، ورؤوسهن ، ويقلبهن تقليب الإماء ، ومن امتنعت منهن ضرب وجهها ودفعها إلي بعض علوج الزنج يبيعها ، فأمر به أبو أحمد ( الأمير الموفق ) فشت بين يديه ، ورمي بالسهام ، ثم قتل . ( الطبري588/9 ).

وذكر ابن خلدون ، في تاريخه 322/3 أن المعتضد ، ظفر في حربه مع صاحب الزنج ، ببعض قواده ، فقتلهم رشقة بالسهام .

وكان المعتضد ربما أقام الرجل في أعلي القصر، مجردة ، موثقة ، أو يرمي بالنشاب حتي يموت ( مربع الذهب 496/2 ) .

ولما ولي جيش بن خماروية حكم مصر ، اعتقل أعمامه ربيعة ، ونصر ، وشيبان ، أولاد أحمد بن طولون ، وبعث خادمة فأخذ نصرة ، وأفرده في بيت ، فأقام خمسة أيام ، لا يطعم ولا يشرب ، والباب عليه مغلق ، ودخل عليه أصحاب جيش ، فرموه بأسهم ، فقتلوه . (النجوم الزاهرة 94/3)

وفي السنة 330 دخل أبو العباس بن شقيق ، بغداد ، ومعه رأس ماكان بن كالي الديلمي ، مع هدايا صاحب خراسان إلي المتقي ، وشهر رأس ما كان في شذاءة ، وكان علي الرأس خوذة ، وفيه سهم نفذ في الخوذة والرأس ، ومر من الجانب الآخر من الخوذة (تجارب الأمم 23/2 ) .

وفي السنة 412 حج الناس من العراق ، وكانوا قد إنقطعوا عن الحج في السنتين 410 و411، فلما كانت السنة 412 قصد جماعة من أعيان خراسان ، السلطان محمود بن سبكتكين ، وقالوا له : أنت أعظم ملوك الإسلام ، وأثرك في الجهاد مشكور ، والحج قد انقطع كما تري ، والتشاغل به واجب ، وقد كان بدر بن حسنويه ، وفي أصحابك كثير أعظم منه ، يسير

ص: 520

الحاج بتدبيره وماله عشرين سنة ، فأجعل لهذا الأمر حظا من اهتمامك ، فتقدم إلي قاضي قضاته ، بأن يسير بالحاج ، وأعطاه ثلاثين ألف دينار يعطيها للعرب ، سوي النفقة في الصدقات ، ونادي في خراسان بالتأهب للحج ، فأجتمع خلق عظيم ، وساروا ، وحج بهم أبو الحسن الأقساسي ، فلما بلغوا فيدا ، حصرهم العرب ، فبذل لهم قاضي القضاة خمسة آلاف دينار فلم يقنعوا ، وصمموا علي أخذ الحاج ، وكان مقدمهم رجل يقال له حماد بن عدي ، من بني نبهان ، فركب فرسه ، وعليه درعه وسلاحه ، وجال جولة يرهب بها ، وكان من سمرقند شاب يوصف بجودة الرمي ، فرماه بسهم فقتله ، وتفرق أصحابه ، وسلم الحاج ، فحجوا ، وعادوا سالمين ( ابن الأثير 325/9)

وفي السنة 434 خرج بمصر ، إنسان اسمه سكين يشبه الحاكم الفاطمي صاحب مصر ، وادعي أنه الحاكم قد رجع بعد موته ، فاتبعه جمع ، وقصدوا دار الخلافة ، ودخلوا إليها ، فحاربه حرس دار الخلافة ، وقتلوا قسمة من أصحابه ، وأسروا الباقين ، وصلبوا أحياء ، ورماهم الجند بالنشاب حتي ماتوا . ( ابن الأثير 513/9 ).

وفي السنة 468 قتل نصر بن محمود بن مرداس ، صاحب حلب ، في يوم عيد الفطر ، فإنه عيد ، وكان الوقت ربيعا ، وأحتفل الناس بالعيد ، وتجملوا بأفخر ملابسهم ، ودخل الشعراء علي نصر فأمتدحوه ، ثم خرج وقت العصر ، إلي مضارب الأتراك ، وأراد أن ينهبهم ، فرماه تركي بسهم في حلقه ، فقتله ( اعلام النبلاء 343/1 و344 ).

وفي السنة 511 اغتيل لؤلؤ الخادم ، اغتاله جماعة من أصحابه الأتراك ، اتهموه بأنه يريد قتل سيده سلطان شاه بن رضوان صاحب حلب ، فقتلوه رميا بالنشاب . ( ابن الأثير 531/10 ) .

ص: 521

وفي السنة 518 كان نور الدولة بلك ، صاحب حلب ، يحصر قلعة منبج ، فجاءه سهم عائر ، فوقع في ترقوته اليسري ، فانتزعه ، وبصق عليه ، وقال : هذا قتل المسلمين كلهم ، ومات لوقته ، وكان نور الدولة قد لبس الدرع ، ولم يزرها علي صدره ، فوقع السهم في الرقعة التي لم يزر عليها فقتله ( اعلام النبلاء 453/1 و510 ).

ولما عزم السلطان محمود السلجوقي ، علي قتل مؤيد الدين الطغرائي (453/1 -515 ) وزير السلطان مسعود أمر أن يشد إلي شجرة ، وأن يقف تجاهه جماعة بالسهام ، وأن يقف إنسان خلف الشجرة ، يكتب ما يقول ، وقال لأصحاب السهام : لا ترموه حتي أشير لكم ، فوقفوا ، والسهام مفوقة الرميه ، فأنشد الطغرائي في تلك الحالة :

ولقد أقول لمن يسدد سهمه **** نحوي وأطراف المنية شرع

والموت في لحظات أحور طرفه **** دوني وقلبي دونه يتقطع

بالله فتش في فؤادي هل تري **** فيه لغير هوي الأحبة موضع

أهون به لو لم يكن في طبه **** عهد الحبيب وسژه المستودع

فرق السلطان له ، وأمر بإطلاقه ، لكن وزيره أغراه بقتله ، فقتله ( معجم الأدباء 52/4 ).

وفي السنة 517 ظهر بالقاهرة ، رجل اسمه حميد القصار ، وكان قصيرة دميم الخلقة ، فادعي الربوبية ، واستغري جماعة ، فأخذهم الوزير المأمون البطائحي ، وصلبهم ومعهم القضار ، علي الخشب ، ورموا بالنشاب حتي ماتوا ( خطط المقريزي 460/1 ) .

ولما استولي الأمير حسن بن الحافظ الفاطمي ، علي السلطان في عهد أبيه الحافظ ، دامت أيامه ثلاث سنين (526 - 529 ) فظلم الناس ، وقتل ، وصادر ، وأذي ، فأمر الخليفة الأستاذ ابن إسعاف أن يقصد بلاد الصعيد،

ص: 522

وأن يجمع جيشا يطردبه الأمير حسن ، ليعيد سلطان الخليفة ، فمضي وعاد بجيش عظيم ، واصطدم بجيش حسن في معركة فاصلة ، فانتصر حسن ، ووقع الأستاذ ابن إسعاف أسيرة في يد حسن ، فحمل إلي القاهرة علي جمل وعلي رأسه طرطور لبد أحمر ، فلما وصل إلي ما بين القصرين ، رشق بالنشاب حتي هلك ، ورمي من القصر بأستاذ آخر فقتل ( خطط المقريزي 18/2).

وفي السنة 702 مات الأمير أقوش العلائي غرقأ عند جزيرة أرواد ، وسبب ذلك إنه غضب علي جندي من أتباعه ، لأنه طالبه بنفقة ، فرماه بسهم ، فقتله ، فألزمه الأمير سلار بأن يؤدي ديته ، وأن يخرج بدلا منه ، فخرج في سفينة أفردت له ، فانقلبت سفينته وغرق ، وسلم جميع من معه ( الدرر الكامنة 427/1 ) .

ولما خالف عين الملك علي السلطان محمد بن تغلق (ت 752 ) ، وانكسر عين الملك ، وقبض عليه وعلي أتباعه كان من جملة من قبض عليه ابن ملك التجار ، وكان شابا صغيرة لا نبات بعارضيه ، وصهره ابن قطب الملك ، فأمر السلطان بهما، فعلقا من أيديهما في خشب ، وأمر أبناء الملوك ، فرموهما بالنشاب ، حتي ماتا . (مهذب رحلة ابن بطوطة 94/2 ).

وفي السنة 796 توجه عمر شيخ بن الأمير تيمور من شيراز ، ليلحق بأبيه « بالأوردو المبارك ، فرماه ناشب من قلعة خرماتو بسهم فأصاب وريده ، فقتله ( تاريخ الغياثي 190).

وهاجم الأمير القرماني محمد بك بن علي بك ، أمير قصريه ونكدة ، مدينة طرسوس ، واستولي عليها ، فجهز له السلطان المؤيد شيخ في السنة 822 عسكرة طرده من طرسوس وسلمها للأمير ناصر الدين محمد بن دلغادر

ص: 523

الذي أعان الجيش المصري في الحرب ، ثم إن القرماني هاجم الأمير الدلغادري ، فلم يوفق ، وسقط أسيرأ ، وقتل ولده مصطفي في المعركة ، أما الأب فحمل إلي مصر واعتقل هناك حتي السنة 824، فلما توفي المؤيد شيخ ، وخلفه ططر أطلقه ، وولاه علي بلاده ، فتوجه إليها ، وأقام بها ، ثم قصد في السنة 826 قلعة من قلاع السلطان مراد العثماني ، وحصرها، فأصابه حجر مدفع من القلعة ، فصرعه ومات ( الضوء اللامع 202/8 و203). :

وفي السنة 953 قتل غادر القنواتي بدمشق ، وكان في حلب و مسلطة من الله علي الرافضة ، قدحا فيهم ، ولعنأ لهم ، وسخرية بهم ، إجمالا تارة ، وتفصيلا أخري ، بصوت عنيف مزعج جهوري ، لا يتوقف فيه ولا يتلعثم ، ويبرزه ابرازة ، لا يتكتم ، تارة بالجامع وتارة بالأسواق ، ويصفق صفقات مهولة، وينادي بعبارات مريرة ، وصار بحيث لا يمنعه قاض ولا وال » ثم انتقل إلي دمشق ، فأخذ يجعل له في دمشق محافل مثل محافله في حلب ، فضربه واحد منهم بنشاب وهو بظاهر دمشق ، فقتله ، وأخذ قاتله فقتل به ( اعلام النبلاء 547/5 و548 ) .

ص: 524

القسم الثالث: القتل بالطبرزين

الطبرزين : أصلها فارسية : تبرزين ، تبر بمعني فأس ، وزين بمعني سرج . وإنما سمي بذلك ، لأنهم كانوا يعلقون هذه الأداة في السرج ، والفرق بين الطبرزين والفأس ، أن حد الفأس يكون متعامد مع المقبض ، أما الطبرزين ، فإن حده يكون موازية للمقبض أي في امتداده طولا ، والبغداديون يسمونه : بلطه ، ويسمونه كذلك طبر ، وهو معروف لديهم منذ القديم ، وأخر من رأيناه يحمله ، الدراويش الايرانيون ، فإن الدرويش لا بد له من كشكول وطبر ، يعلق الكشكول في ساعده ، ويحمل الطبر علي كتفه .

ولم يكن العرب يعرفون الطبرزين سلاح، وإنما عرفوه بعد دخول الفرس والأتراك في جيوشهم ، أما القتل بالفأس ، فأول ما بلغنا عنه ، ما رواه الطبري 270/8 إن سعيد بن سلم ، عامل أرمينية للرشيد، قتل في السنة 183 المنجم السلمي ، بأن ضرب عنقه بفأس .

وأول ذكر للقتل بالطبرزين ، ما بلغنا عن كيفية قتل باغر ، القائد التركي ففي السنة 251 كان باغر أحد قتلة المتوكل قد تفرعن ، وزيد في أرزاقه ، وأقطع قطائع ، وخشيه المستعين ، فأمر بأن تصير أعمال إيتاخ جميعها إلي باغر ، فتعاقد وصيف وبغا، علي تنحية باغر من دار الخليفة ، وأحس باغر بالشر ، فجمع الجماعة الذين عاقدوه علي قتل المتوكل ، وتعاقد معهم علي قتل المستعين ووصيف وبغا، وقال لهم : نقتل هؤلاء ، ونجيء بعلي بن

ص: 525

المعتصم ، أو بابن الواثق ، فنقعده خليفة ، حتي يكون الأمر لنا ، كما هو لهذين اللذين قد استوليا علي أمور الدنيا ، وبقينا نحن في غير شيء ، وبلغ المستعين ووصيف وبغا ، ما تعاقد عليه .باغر مع أصحابه ، فطلبوه ، فحضر في عدة ، وأدخل إلي بغا ، ثم عطف به إلي حمام بغا، ودعي له بالقيود ، فامتنع عليهم ، فحبسوه في الحمام ، ثم دخل عليه الأتراك ، فشدخوه بالطبرزينات حتي أسكتوه ( الطبري 278/9 - 281 ).

وفي السنة 253 شغب الأتراك والفراغنة والأشروسنية وطالبوا بأرزاقهم ، فخرج إليهم وصيف ، وقال لهم : ما تريدون ؟ قالوا : أرزاقنا ، قال : خذوا ترابا ، ما عندنا مال ، فوثبوا عليه ، وضربوه بالسيف ضربتين ، ووجأوه بسكين ، فحمله نوشري ، أحد قواده ، إلي منزله ، فقصدوه ، وأخرجوه من المنزل ، وضربوه بالطبرزينات حتي كسروا عضديه ، ثم ضربوا عنقه ، ونصبوا رأسه علي محراك تنور ( الطبري 374/9 ) .

وقبض علي المحسن بن الفرات ، وهو في زي امرأة ، وقد قص الحيته ، وخضب يديه ورجليه ، ولبس قميصا معصفرة ، فأوقع به ابن بعد شر مكروها عظيما ، وضرب علي رأسه ، وسائر جسده ، بالطبرزينات ، وقيد ، وغل ، وألبس جبة صوف ، وجبة شعر ، وعذب بكل شيء، حتي تدود بدنه ولم يبق فيه فضل لضرب ، وبقي أيام لا يطعم ، وهو في أكثر أوقاته مغشي عليه . ( الوزراء للصابي 65 ، 69 ).

وفي السنة 322 لما حاصر الغلمان الحجرية والساجية ، القاهر بالله ، هرب إلي سطح حمام في دور الحرم ، فإستتر فيه ، فقبضوا عل خادم له صغير ، وضربوه بالطبرزينات حتي دلهم علي موضعه . ( تجارب الأمم 289/1)

وفي السنة 322 خلع القاهر، واستخلف الراضي ، فأقبل هارون بن

ص: 526

غريب ، وهو ابن خال المقتدر ، يريد بغداد ، فراسلوه أن لا يقدم ، فأبي ، فحاربه الجيش العباسي ، وفي أثناء المعركة تقنطر به فرسه ، فأقدم عليه غلام له اسمه يمن ، فضربه بالطبرزين ، حتي أثخنه وكسر عظامه ، ثم نزل إليه فذبحه ( ابن الأثير 8/ 289 ).

وفي السنة 477 قتل المعتمد اللخمي ، صاحب قرطبة وإشبيلية ، ابن عمار الأندلسي ، وكان من آثر الناس عنده ، وبعثه علي رأس جيش لاحتلال مرسية ، فاستولي عليها ، وحازها لنفسه ، وعادي المعتمد ، وهجاه ، وهجا أولاده وأمهم اعتماد ، ثم ثار عليه أهل مرسية ، وأخرجوه ، فالتجأ إلي حصن شقورة ، فاعتقله صاحب الحصن ، وسلمه للمعتمد لقاء مال ، فأدخل قرطبة وإشبيلية ، مشهرة علي بغل ، بين عدلي تبن ، وقيوده ظاهرة للناس ، وحبس في غرفة علي باب قصر المعتمد بإشبيلية ، ثم دخل المعتمد عليه في محبسه لي ، وضربه بطبرزين في يده ، حتي برد ( المعجب للمراكشي 180 - 189) ووفيات الأعيان 428/4 ).

وفي السنة 713 قتل الفقيه عمر بن محمد ، باليمن ، وبحث شيخ البلد ، عن قاتله حتي اعتقله ، وجاء به إلي قبر الفقيه ، «يوم ثالث القراءة » واستدعي ولد الفقيه ، وكان صبية صغيرة ، فأعطاه شيخ البلد فأسا ، وقال له : تعال أضربه ، فهو قاتل أبيك ، وضربه بالفأس حتي قتله بعد ساعة ، الصغره ( العقود اللؤلؤية 408/1 و409).

وفي السنة 1256 قتل أمين أغا الشاهبندر بدمشق ، قطع رأسه بالبلطة ، لكونه تكلم في حق الحكم ، وكذلك قتل ابن أغات النور ، لأنهم أرادوا أن يضعوا عسكرأ في بيته ، فشتم الحكم ، فقطعوا رأسه بالبلطة ، وقتل يومها خمسة ضباط من عساكر ابراهيم باشا ، بينباشية ( برتبة مقدم ) كان مسك عليهم خيانة ( مذكرات تاريخية 222) .

ص: 527

القسم الرابع: القتل قعصة بالرماح

ومن الألوان الأخري من العذاب ، الطعن بالرماح ، وما يشبه الرماح كالحراب والزوبنيات .

والرمح : كل عود طويل في رأسه أداة جارحة ، ويتألف من ثلاثة أقسام :

القناة : وهي عود الرمح .

والسنان : وهو نصل الرمح ذو الحد القاطع الذي يحصل به الطعن .

والزج : وهو الحديدة التي في أسفل الرمح .

والحربة : والجمع حراب : آلة للحرب من الحديد، أقصر من الرمح ، وأخفت محملا منه .

والزوبين : حربة قصيرة ذات رأسين ، والكلمة فارسية .

وأول من مارس هذا اللون من العذاب معاوية بن أبي سفيان ، ففي السنة 51 قبض عامل معاوية بالموصل ، علي عمرو بن الحمق الخزاعي ، من أصحاب الإمام علي بن أبي طالب ، وكان مريضا قد اسقي بطنه ، فأمر به معاوية ، فطعن في بطنه ، فمات في الطعنة الثانية ( الطبري 265/5 ).

وفي السنة 66 كان علي الكوفة إبراهيم بن مطيع ، يليها لعبد الله بن

ص: 528

الزبير ، وعلي شرطته إياس بن مضارب ، وكان المختار بن أبي عبيد الثقفي ، يدبر للاستيلاء علي الكوفة ، وقد بايعه إبراهيم بن الأشتر ، ومر إبراهيم بعد المغرب ، بإياس بن مضارب ومعه شرطه ، فأراد إياس أن يعتقل إبراهيم ، فقال له إبراهيم : لا أبالك ، خل سبيلنا ، فأغلظ له إياس ، وكان مع إياس رجل يحمل رمحا ، فأخذ إبراهيم منه الرمح ، وطعن إياسا في ثغرة نحره ، فصرعه ، وقال الرجل من أصحابه : إنزل إليه ، فاحت رأسه ، فنزل إليه ، فإحتز رأسه ، وتفرق أصحابه ( الطبري 19/6 و 20 ).

وفي السنة 66 أمر المختار ، بعمرو بن صبيح ، أحد من قاتل الحسين ، فطعن بالرماح حتي مات ، وكان عمرو بن صبيح ، وهو من صداء ، شارك في معركة الطف ، وكان يقول : لقد طعنت بعضهم ، وجرحت فيهم ، وما قتلت منهم أحد ، فبعث إليه المختار ، فأتي ليلا، وهو علي سطحه ، لا يشعر ، بعدما هدأت العيون ، وسيفه تحت رأسه ، فأخذوه أخذ ، وأخذوا سيفه ، فقال : قبحك الله سيفا ، ما أقربك ، وأبعدك ، وجيء به إلي المختار ، فحبسه معه في القصر ، فلما أن أصبح ، أذن لاصحابه ، ودخل الناس ، فجيء به مقيدة ، فقال : أما والله يا معشر الكفرة الفجرة ، لو أن سيفي بيدي ، لعلمتم أني بنصل السيف غير رعش ولا رعديد ، ما يسرني أن كانت منيتي قتلا ، أنه قتلني من الخلق أحد غيركم ، لقد علمت أنكم شرار خلق الله ، غير أني وددت أن بيدي سيف أضرب به فيكم ساعة ، ثم رفع يده فلطم عين ابن كامل ، وهو إلي جنبه ، فضحك ابن كامل ، ثم أخذ بيده وأمسكها، وقال : أنه يزعم أنه جرح في آل محمد ، وطعن فقال المختار : علي بالرماح ، فأحضرت ، فقال : اطعنوه حتي يموت ، فطعن بالرماح حتي مات ( الطبري 64/6 و65).

ولما هزمت مضر ، يوم الجبانة بالكوفة ، خرج شمر بن ذي الجوشن ، أحد قتلة الحسين عليه السلام ، يركض فرسه خارجا من الكوفة ،

ص: 529

واتبعه غلام للمختار يدعي زربي ، فعطف عليه شمر فقتله، ولحق ببعض القري ، فنزلها ، وكتب إلي المصعب بالبصرة كتابة ، ووجه به فيجا ، فأخذت الفيج مسلحة للمختار ، فسألوه عن صاحب الكتاب فدل علي القرية التي هو فيها ، فأنهي الخبر إلي المختار ، فوجه إلي شمر خيلا ، فلم يشعر إلا وقد أحاطوا بالقرية ، فخرج إليهم يقاتلهم وهو يرتجز :

نهتم ليث عرين باسلا**** لم ير يوما عن عدو ناكلا

إلا كذا مقات؟ أو قاتلا

فقتله عبد الرحمن بن عبد الله الهمداني ، طعنه في ثغرة نحره ، ونادي : يا لثارات الحسين ، ثم أوطأه الخيل وبه رمق حتي مات ، فأحتر رأسه ، وأتي به المختار، ونبذت جيفته للكلاب ( انساب الاشراف 238/5).

وقتل الحجاج بن يوسف الثقفي ، ابن القرية ، أحد بلغاء العرب ، بيده ، إذ أمر أربعة رجال ، فأمسكوا به حتي لا يستطيع حراك ، ثم وضع الحجاج الحربة في ثندوءة ابن القرية ودفعها حتي خالطت جوفه ، ثم خضخضها ، وأخرجها ، فأتبعها دم أسود فقال الحجاج : هكذا تشخب أوداج الإبل ، وفحص ابن القرية برجليه ، وشخص ببصره ، وجعل الحجاج ينظر إليه ، حتي قضي ( الأخبار الطوال 322 و 323) .

وفي السنة 328 ، قتل بكم ، أمير الأمراء ببغداد ، كاتبأ من كتابه ، طعنا بالزوبينات ، والزوبين رمح قصير ذو رأسين ، ثم رماه في النهر ، وسبب ذلك إنه انحدر من بغداد في حديدي ، يريد واسطأ ، لمحاربة البريدي ، فوقع علي صدر الحديدي طائر ، فاصطاده غلمان بجكم ، فوجدوه يحمل ينقل أخبار بجكم الي البريدي ، وكان بخط كاتب بجكم ، فأحضره ،

ص: 530

وأراه الكتاب ، ثم أمر به فرمي بالزوبنيات إلي أن قتله ، ورمي به في النهر ، ( تجارب الأمم 414/1 ) .

وروي صاحب كتاب الهفوات النادرة ( ص 223 ) إن أمير ديلمي ، اكتشف بعد حين ، أن كاتبه لا يقرأ ولا يكتب ، فرماه بالزوبين ، فجرحه ، وكان هذا الكاتب يستر أميته عن صاحبه ، بأن يستعين في قراءة ما يرد من الرسائل ، بمعلم كتاب في جواره ، وصادف أن ورد إلي القائد كتاب من وكيله في إقطاعه ، فرمي به إلي كاتبه ، وطلب منه أن يقرأه ، فقال له : أنا لوكنت أحسن أقرأ وأكتب، كنت أكون كاتب الأمير علي بن بويه ، فغضب القائد ورماه بالزوبين ، فجرحه .

أقول : لما استولي بنو بويه علي السلطان في العراق ، كان العراقيون في الرتبة العالية من الفهم والظرف والتأنق ، وكانت سوق العلم والفضل في العراق رائجة وإليه تتجه أنظار طلاب الثقافة من جميع أنحاء العالم ، وكان البويهيون وقوادهم من الديلم علي بداوتهم وجهلهم وأميتهم ، وكان كتابهم الذين أحضروهم معهم ، مماثلين لهم في الجهل والأمية ، فلما مارسوا صناعتهم ببغداد ، ظهر البون الشاسع بينهم وبين الكتاب البغداديين ، فأصبحوا موضع سخريتهم ، فانتشرت القصص للتندر عليهم ، وقد حفل كتاب الهفوات النادرة ، بالعديد من القصص عنهم وعن سادتهم من الأمراء والقواد ، وقد رووا أن أحد قواد الديلم ، أثني علي كاتبه ، وذكر إنه أحذق الناس بأمر الدواب والضياع وشراء الأمتعة والحوائج ، وماله عيب إلا أنه لا يقرأ ولا يكتب ، وروي عن ابن أميرويه ، أحد كتاب الديلم ، إنه كتب رقعة مع جارية له إلي البقلي : يدفع البقلي - أعزه الله - في الجارية عشرين قثاءة كبارا ، فقال لها البقلي : دعيني أدفع فيك قثاءة واحدة ، بكل ما في الصين من القثاء ، وذكر أن أحد كتاب الديلم ، كتب تذكرة بأضاحي يريد تفرقتها في دار صاحبه القائد ، وقد قرب عيد الأضحي ، فكتب : القائد ثور ، امرأته

ص: 531

بقرة ، وابنه كبش ، وبنته نعجة ، والكاتب تيس ، وإذا كانت هذه القصص أو بعضها مصنعة ، حيكت للفكاهة ، فإن ما أثاره كاتب بنجاسب ، أحد قواد الديلم الأكبر من الفتنة التي كادت أن تؤدي إلي أوخم العواقب ، أمر حقيقي ، وكان بنجاسب هذا من أكبر قواد الديلم ، وهو ابن عم الأمير ، وكان له إقطاع مثبت في ديوان الاهواز ، وكان أبو عبيد الله الشيرازي ، صاحب ديوان الأهواز لمعز الدولة البويهي ، فاستدعي أبو عبيد الله ، كاتب بنجاسب ، وكان ديلميا أيضا ، وطالبه بفاضل إقطاع بنجاسب ، وقال له : علي صاحبك من فضل الإقطاع ، ما قد كشف في طلب كسره القناع ، قالها أبو عبيد الله ، علي طريقة له غالية ، في التكلم بالسجع ، فإغتاظ الديلمي كاتب بنجاسب وقال له : لا تقل هذا علي صاحبي ، فهو أمير معروف ، وهو ابن عم الأمير ، وهو لا يلبس مقنعة ، ولا هو مخنث ، فقال له أبو عبيد الله : يا جاهل ، من قال إنه يلبس المقنعة ؟ فقال له الكاتب : سوف تعلم من هو الجاهل ، وقام مبادرة إلي صاحبه ، وقال له : يا قائد. اقتلني بين يديك ، ولا أسمع فيك الكلام الرديء القبيح ، أنت بنجاسب بن با يعقوب بن با صالح ، قرابة الأمير ، يقول أبو عبيد الله فيك ، في الديوان والناس حضور يسمعون ، أنك مخنث ، وتلبس المقنعة ، وقد كشفها عن رأسك فاضل إقطاع لا يجب علينا ، فثار بنجاسب كالمجنون ، وكان قد شرب أقداحأ ، وأخذ في يده خشتا ، وركب دابة النوبة ، وأسرع يطلب أبا عبيد الله ، ليفتك به ، ورآه قوم من القواد ، وعرفوا خبره فأمسكوه ، وهو يجاذبهم ، وعدلوا به إلي دار الأمير معز الدولة ، وصارت فتنة عظيمة ، وترجم كلام أبي عبيد الله، إلي الفارسية ، ليفهمه بنجاسب ، فلم يقنع ، وقال : أنا لا أصغي إلا إلي قول كاتبي ، وحضر أبو بكر السيرجاني ، كاتب الإنشاء ، وكان موقرأ عندهم ، وحدث بالحديث ، فقال : أنا أحل هذه العقدة ، ودخل علي بنجاسب ، وسأله عن حاله ، فأعاد عليه ما قال له كاتبه ، وقال : جعلني مخنثين ألبس المقنعة ، ولئن لم ينصفني الأمير ، لأقتلت أبا عبيد لله وأعود إلي

ص: 532

ديلمان ، فقال له أبو بكر : أما كاتبك فأحسن الله جزاءه ، لأنه حمي لصاحبه وامتعض له ، إلا إنه كاتب حاسب ، ولا يعرف كلام العرب ، فإن القناع في لغتهم السيف ، ولم يزل يداريه ، حتي هدأ.

وفي السنة 429 قتل الوزير أبو جعفر أحمد بن عباس ، وزير زهير العامري ، وكان ابن عباس قد أرث فتنة بين صاحبه زهير ( صاحب المرية ) وبين باديس ( صاحب غرناطة ) حتي اشتبكا في حرب ، وظفر باديس بزهير فقتله ، وأسر أحمد بن عباس ، فاعتقله في غرناطة ، فبذل لباديس ثلاثين ألف دينار ليطلقه ، ومال باديس إلي ذلك ، وعارضه أخوه بلكين ، ثم ركب باديس وأخوه بلكين ، واستخرجا ابن عباس من سجنه ، فأقبل پرسف في قيوده ، فأقبل باديس يسبه ويبكته ، وأحمد بن عباس يتضرع ويعتذر ، فهز باديس المزراق في يده ، وطعن به ابن عباس ، فقتله ( الاحاطة 267 - 270 ) .

أقول : الذي ورد في الإحاطة ، إنه قتل سنة « سبع وعشرين » وهو خطأ من الناسخ ، لم يلتفت إليه المحقق ، والصحيح إنه قتل سنة « تسع وعشرين ، ذلك لأن المعركة بين باديس وزهير العامري كانت في السنة 429 ، وفيها وقع ابن عباس في الأسر ، هذا وقد جاء في الإعلام للزركلي 139/1 إن ابن عباس قتله باديس في السنة 530 وهو خطأ ينقضه قول صاحب الإعلام في ترجمة باديس 4/2 إن معركته مع زهير كانت في السنة 429، وأيده ابن الأثير 286/9 في ذلك ، وهي المعركة التي اعتقل فيها ابن عباس ، فاقتضي الإشارة إلي ذلك أيضا ، وقد ورد في معجم الأنساب الزامباور ( ص 87 ) إن باديس خلف أباه حبوس في الحكم في السنة 430 والصحيح إنه خلفه في السنة 429 لأن باديس لما حارب زهيرة العامري في السنة 429 كان أبوه حبوس قد مات .

وقتل صارم الدين مرجي بن ثباة البطائحي الشاعر ، بطعنة حربة في ظهره ، وسبب ذلك أنه كان هجاء ، هجا كثيرا من الناس ، ونال من

ص: 533

أعراضهم ، سواء الأقارب والأباعد وهجا المظفر صاحب البطائح ، فقال :

إن أبن حماد قد طغي وبغي **** بغي عظيم وأرهق الناسا

وكان من شؤم بخته ذنبا **** فصار من شؤم بختنا راسا

فبعث إليه المظفر أحد فتيانه ، فطعنه بحربة في ظهره ، فقتله ، راجع ترجمته في خريدة القصر ج 4 م 2 ص 532 - 546.

وفي السنة 658 غضب المستنصر أبو عبد الله محمد بن يحيي ، صاحب تونس ( 625 - 647 - 675 ) علي الفقيه أبي عبد الله محمد بن عبد الله القضاعي البلنسي ، المؤرخ ، الأديب ، الشاعر ، الكاتب ، المعروف بابن الأبار (595 - 658) فأمر به فقتل في مجلسه قعصأ بالرماح ( إعتاب الكتاب 18 والاعلام 110/7 ).

أقول : وابن الأبار هو صاحب القصيدة الشهيرة ، التي استنهض بها سلطان تونس ، لاغاثة الأندلس ، ومطلعها :

أدرك بخيلك خيل الله أندلسا **** إن السبيل إلي منجاتها درسا

وهب لها من عزيز النصر ما آلتمست **** فلم يزل منك عز النصر ملتمسا

والقصيدة في سبعة وأربعين بيتا ، أثبتها القاضي ابن خلدون بنصها في تاريخه 283/6 - 285 ووردت كذلك في نفح الطيب 457/4 - 460.

وفي السنة 706 توفي السلطان أبو يعقوب يوسف بن يعقوب المريني ( 638 - 685 - 706) فبايع قسم من رجال الدولة ولده أبا سالم بمسعي الوزير أبي زيد يخلف بن عمران الفودوي ، آخر وزراء السلطان المتوفي أبي يعقوب ، وبايع الأخرون أبا ثابت عامر ، حفيد السلطان أبي يعقوب ، وضعف أمر أبي سالم ، فانسحب وفر ، فخرج الوزير أبو زيد معلنا الطاعة للسلطان أبي ثابت ، فلما لاقاه ، أمر به فأنزل عن فرسه ، وقتل قعصة بالرماح ( ابن خلدون 234/7 ).

ص: 534

وفي السنة 753 حاصر السلطان أبو عنان المريني ، صاحب المغرب ، مدينة تلمسان ، وفتحها ، وأسر السلطان أبا سعيد عثمان الثاني بن عبد الرحمن واعتقله ، ثم ذبحه في محبسه ، وأسر الأمير أبا ثابت بن عبد الرحمن ، ومعه الوزير يحيي بن داود ، فأشهرهما علي جملين ، ثم قتلهما تعصأ بالرماح ( ابن خلدون 121/7 و28 ).

وفي السنة 756 خرج عيسي بن الحسين ، صاحب جبل الفتح والثغور الأندلسية التي تحت حكم صاحب المغرب ، علي السلطان أبي عنان ، صاحب المغرب ، فخالفه كثير من أصحابه ، واعتقلوه ، وولده ، وبعثوا به إلي السلطان أبي عنان ، فقتل عيسي قعصة بالرماح ، أما ولده أبو يحيي ، فقطعت أطرافه من خلاف ، وترك ينزف حتي مات ( ابن خلدون 295/7 و 296 ) .

وفي السنة 758 اتهم السلطان أبو عثمان المريني ، صاحب المغرب ، وزيره فارس بن ميمون ، بالسعي في مبايعة غيره ، فاعتقله ، وأمر به فقتل قعصة بالرماح ( ابن خلدون 298/7 ).

ولما مات السلطان أبو عنان المريني ، سلطان المغرب ، تحرك أخوه أبو سالم ، وكان منفيا بالاندلس ، لكي يحل محله ، فامتنع صاحب غرناطة من إعانته علي ما يريد، فالتجأ إلي ملك قشتالة، فاشترط عليه أن نجح شروطأ وافق عليها ، فأمده باسطول أنزله في طنجة ، وتحرك إلي حاضرة المملكة ، وخلع السعيد ( الطفل الذي ولي السلطنة ) ، وتمت البيعة لأبي سالم ، فقبض علي بعض خصومه ، وقتلهم قعصة بالرماح ، ثم جمع إخوته وأقاربه من المرشحين للسلطنة ، فأركبهم السفن علي أن تنقلهم إلي المشرق ( مصر ) ، ولكنه أعطي أمرأ سرية بإغراقهم ، فأغرقوا جميعا ( ابن خلدون 305/7 و306) .

ص: 535

وفي السنة 761 خرج الوزير الحسن بن عمر ، وزير السلطان أبي سالم المريني ، علي سلطانه ، ولحق بتادلا ، وأعتصم بالجبل، واستجار بالحسين بن علي الورديغي ، فبعث السلطان وزيره الحسن بن يوسف ، وبذل البعض أهل الجبل مالأ ، فانفضوا عن الحسن ، وقبضوا عليه ، وأسلموه إلي الوزير ، فحمله إلي السلطان الذي احتفل باستقباله ، ثم أشهره علي جمل، ثم أمر به فسحب علي وجهه ، ونتفت لحيته ، وضرب بالعصي ، وتل إلي محبسه ، وقتل قعصة بالرماح في ساحة البلدة ثم نصب شلوه علي سور البلد ( ابن خلدون 310/7 ) .

وفي السنة 769 شك السلطان عبد العزيز المريني ، صاحب المغرب ، في نية وزيره يحيي بن محمود بن مصمود ، لاختلاف الناس إليه ، وعكوف قواد الجند النصراني علي بابه ، فبعث إليه من اعتقله ، ثم قتله قعصة بالرماح ، وقتل كل من كان يواصله من أفراد العائلة المالكة ، وقواد الجند ( ابن خلدون 325/9 ) .

وفي السنة 770 ثار عامر بن محمد بالمغرب علي السلطان عبد العزيز المريني وبايع أمير من بني عبد الحق، من أولاد أبي ثابت ، اسمه تاشفين فجرد السلطان عبد العزيز جيشا لمحاربته ، وأسر تاشفين ، فأمر به السلطان فقتل قعصة بالرماح ( ابن خلدون 326/7 ) .

وفي السنة 857 في موسم الحج ، وكان الحاج قد حط رحاله بالمشهد الغروي (النجف ) خرج عليهم السلطان علي المشعشعي بعساكره ، فأحاط بهم ، وقتلهم إلي آخرهم ، ونهب أموالهم ، ودوابهم ، وجمالهم ، وأخذ المحمل ، والآية المذهبة ، وقماشه ، ونجا أناس قلائل ، كانوا قد سبقوا ودخلوا المشهد ، وحاصر السادة في حطيم المشهد، وطالبهم بأن يخرجوا إليه القناديل والسيوف ، وكانت خزائن السيوف من سبعمائة سنة يجمع فيها سيوف الصحابة والسلاطين ، وكلما مات سلطان أو خليفة بالعراق ، حمل

ص: 536

سيفه أليها ، فأرسلوا أليه مائة وخمسين سيفا ، واثني عشر قندي ، ستة منها من الذهب ، وستة من الفضة ، فسار إليه من بغداد جيش لقتاله ، فظفر المشعشعي بهم ، وقتلهم جميعا ، إلا قائدهم دوه بيك الذي نجا بحشاشة نفسه ، ثم قصد المشعشعي الحلة ، فهرب جميع أهلها إلي بغداد ، ومات قسم عظيم منهم في الطريق من الجوع والتعب ، ومن تخلف في الحلة قتله المشعشعي ، ونقل المشعشعي أموال الحلة والمشهدين ( الحائر والغري ) إلي البصرة ، ثم عاود قصد كربلا والنجف ، فأخذما بقي في المرقدين من القناديل والسيوف والأعتاب الفضة والستور والزلالي ، ودخل بالفرس إلي داخل الضريح ، وأمر بكسر الصندوق الذي علي القبر وإحراقه ، وقتل من أهل المشهدين من السادات وغيرهم ، ثم توجه المشعشعي إلي مهرود وطريق خراسان من ولاية بغداد ، ونهب وقتل ، وأسر الذراري والنساء ، وأحرق الغلات ، وقتل مشايخ سلمان الفارسي ، وأسر باقيهم ، ثم توجه نحو بهبهان ، وحصر قلعتها ، وبينما كان ذات يوم يسبح في النهر تحت القلعة ، ومعه ثلاثة من أصحابه ، نزل إليه من القلعة فتي اسمه محمود بن بهرام ، وادعي إنه لاجيء هرب من القلعة ، ووقف علي الساحل حتي خرجوا من الماء ، ورأي محمود أن الثلاثة يخدمون واحدة ، فعرف أنه المشعشعي ، فرماه بياسج ( رمح في يده ، فأنفذه من حالبه إلي وركه ، وعاد راكض نحو القلعة ، وحمل المشعشعي لا حراك به ألي خيمته ، ولما بلغ يبر بوداق إصابة السلطان علي المشعشعي قصده بجيشه ، وحاربه ، فآنفل جيش المشعشعي ، وقطع رأسه ، وسلخ جلده وحشي تبنا ، وأشهر ببغداد ، وحمل الرأس إلي جهان شاه ( تاريخ الغياثي 308 - 314) .

ص: 537

القسم الخامس: القتل بالبارود والرصاص

حنق السلطان إبراهيم لودي ، سلطان الهند ( 932-915) علي وزيره ميان ، فدبر له مؤامرة ، بأن أعد بناء ، فوق سرداب ملأه بأكياس من البارود ، ثم دعا الوزير ، وأمره أن يصطحب معه فريقا من الاشراف ممن كان السلطان يضمر له الكراهية ، فلما استقروا في ذلك البناء ، أشعل البارود ، فتطايرت أشلاؤهم . ( الاسلام والدول الاسلامية في الهند 34 و35).

وارتاب السلطان سليم ( اسلام شاه ) بن شيرشاه فريد ( حكم من 952 ألي 960) في إخلاص عشيرة من أكبر العشائر في الهند، وهي عشيرة نيازي ، فجمع رؤساءها ، ونسفهم بالبارود ( الاسلام والدول الاسلامية في الهند 60).

وفي السنة 1106 قتل غيلة بالقاهرة كجك محمد أوده باشا، أطلق عليه النار رجل « سجماني ، فأصابه ( الجبرتي 146/1 - 148).

وفي السنة 1149 حصلت مذبحة في بيت محمد بك الدفتردار بمصر ، باطلاع الوالي باكير باشا سببها إن صالح كاشف زوج هانم بنت إيواظ بك طلب لنفسه صنجقية ، فعارض محمد بك قيطاس في ذلك ، وأصر علي المعارضة ، وأيده في المعارضة علي بك تابع قطامش ، وخليل افندي ، فاتفق صالح كاشف مع عثمان كتخدا القازدغلي ، علي اغتيال هؤلاء الثلاثة ،

ص: 538

وانضم إلي المؤامرة رضوان بك أمير الحاج سابقا وسليمان الفراش ، فكتب محمد بك الدفتردار فرمان بالجمعية في بيت الدفتردار ( أي دعوة عامة للأمراء ) فركب الأمراء عصرا إلي بيت الدفتردار وتذاكروا في أمر الحلوان والخزينة ( أي المال الذي يرسل لإصطنبول ) ، ثم لما حل الغروب وقف الدفتردار ، وصاح : هاتوا شربت ، وكانت هذه كلمة السر ، إشارة للمتأمرين بحلول ساعة التنفيذ، ففتح المتآمرون باب خزانة ، وخرج منها جماعة بطرابيش وقد أشهروا أسلحتهم ، فوقف محمد بك قيطاس ، وصاح : هي خونة ، فأطلقوا عليه النار فأصيب في صدره وسقط ، ووقع الضرب وهاج المجلس ، وكان الظلام قد خيم علي المكان ، فأوقدوا الشموع . وتفقدوا القتلي ، فكانوا عشرة ، فعروهم من ثيابهم ، وقطعوا رؤوسهم ، ووضعوها علي البسطة في جامع السلطان حسن ، ووضعوا عند كل رأس شيئا من التبن ( الجبرتي 222/1 - 224) .

وفي السنة 1213 ثار أهالي القاهرة ، علي الجيش الإفرنسي المسيطر علي مصر ، فحاربهم الإفرنسيون ، وقتلوا منهم ، واحتلوا الجامع الأزهر ، ثم آتهموا أشخاصا بأنهم هم الذين دعوا للثورة ، واعتقلوهم وهم الشيخ سلمان الجوسقي ، شيخ طائفة العميان ، والشيخ أحمد الشرقاوي ، والشيخ عبد الوهاب الشيراوي ، والشيخ يوسف المصيلحي ، والشيخ إسماعيل البراوي ، وحبسوهم ببيت البكري ، ثم أخذوهم في نصف الليل، وحملوهم إلي القلعة ، وفي الصباح أخرجوهم وقتلوهم بالرصاص ، وألقوهم من السور خلف القلعة ( الجبرتي 222/2 و225) .

وفي السنة 1213 قتل بالقاهرة السيد محمد كريم ، وكان قد حاز بالإسكندرية شهرة واسعة ، فلما نزل الإفرنسيون بالإسكندرية اعتقلوه ، ثم أطلقوه ، ولما وصلوا إلي القاهرة اطلعوا علي رسائل صادرة منه يوصي فيها بمحاربتهم ويهون من أمرهم ، فعاودوا اعتقاله ، ثم في ظهر أحد الأيام

ص: 539

أركبوه حمارة ، وأحاط به عدة من العسكر شاكي السلاح ، وأمامه طبل يضربون به ، وذهبوا به إلي الرميلة ، وكتفوه ، وربطوه مشبوحة ، وضربوا عليه بالبنادق ، فقتلوه ( الجبرتي 2/ 280 ).

وفي السنة 1213 اعتقل الإفرنسيون بالقاهرة ، ثلاثة من الجنود الإفرنسيين ، ثبت إنهم تسلقوا دورا ونهبوا ما فيها ، ثم أحضروهم في الميدان « وبندقوا عليهم الرصاص » ( الجبرتي 242/2 ).

وفي السنة 1219 عند الاحتفال في القاهرة بكسر الخليج ، حضر الباشا ( الوالي ) والقاضي ومحمد علي ( باشا) وجميع العسكر ، وضرب الجميع بنادقهم ، ومات في ذلك اليوم عدة أشخاص نساء ورجالأ ، أصيبوا من البنادق ، ومما وقع إنه أصيب شخص من أولاد البلد برصاصة منهم ومات ، وحضر أهله يصرخون، وأرادوا أخذه ليواروه ، فمنعهم الوالي ، وطلب منهم ثلاثة آلاف درهم فضة، ولم يمكنهم من شيله حتي صالحوه علي ألف وخمسمائة ( الجبرتي 27/3 ).

وفي السنة 1266 أعدم رميا بالرصاص، علي محمد ابن المرزا رضا الشيرازي ، مؤسس البابية ، وكان قد جاهر بعقيدته ، ودعا إليها في السنة 1260 ، وقد حوكم في تبريز ، وحكم عليه فيها بالإعدام ، فأعدم . ( الاعلام 171/5 ).

وفي السنة 1333 ه- ( 1914 م)، قتل ببغداد رميا بالرصاص يامين بن يعقوب ، من محلة قنبر علي ، لأنه فر من الجندية ، وكان قتله علنا . ( تاريخ العراق للعزاوي 277/8 ).

وفي السنة 1336 ه- (1916 م)، أعدم ناحوم شلومو ومنشي حسقيل وسلمان عبد الله كجرو ، وداود ساسون ، وعبد الله قطان ، لفرارهم من الجندية . ( تاريخ العراق للعزاوي 294/8 و295 ).

ص: 540

أقول : إنما أوردت هذين الخبرين، لكي أذكر أن المسيحيين واليهود ، لم يكونوا قبل إعلان الدستور العثماني في السنة 1908 خاضعين للخدمة العسكرية ، فلما أعلن الدستور ، فوجئوا بطلبهم للخدمة العسكرية ، فكان القسم الأكبر من اليهود يفرون من الخدمة العسكرية ، وعلي هذا الأساس ، صدرت الأحكام التي أوردنا قسما منها في هذا البحث .

وفي السنة 1344 ( 1925 م) قتل بحماة ، الطبيب صالح بن محمود قنباز ، سمع أنة جريح بقرب منزله ، يوم ثارت حماة ، فنهض لإسعافه ، فرماه جندي فرنسي ، فصرعه . ( الاعلام 282/3 ).

وفي السنة 1344 (1936م) ، قتل جعفر العسكري ، القائد العراقي ، لما وقع انقلاب بكر صدقي ، فإنه قصد بكرة لإطفاء الفتنة بالإقناع ، فخشي بكر من وصوله ، لأن جعفر يعتبر أبا للجيش العراقي ، وهو الذي أسسه ، وربما كان حضوره سبأ لانتقاض الفتنة ، فبعث إليه خمسة من الضباط ، قتلوه فور مواجهته . ( الاعلام 125/2 ).

أقول : قرأت أوراق التحقيق التي قامت بها السلطة القضائية في مقتل المرحوم جعفر العسكري ، وكانت إفادات الضباط الخمسة الذين قتلوا جعفر ، متفقة علي أن خبر تحرك جعفر إليهم ، وصل إلي بكر ، فقال : من منكم يخرج ويقتل جعفرأ ؟ فلم يجب أحد ، فنادي بكر الضباط الخمسة بأسمائهم، وقد حرص علي أن يكونوا شبانة ، ومن أخص الضباط به ، ومن اديان مختلفة ، وأمرهم بالتصدي لجعفر ، وقتله عندما تقع أعينهم عليه ، وذكروا أنهم لما واجهوه ، نزل من السيارة ، فأشهروا عليه مسدساتهم ، فأشار إليهم بيده ، وهو يقول لهم : يواش ، يواش ( تركية مستعملة في العراق يعني مهلا ، مهلا ) فكان جوابهم أنهم أطلقوا عليه النار وقتلوه .

ولما قتل جعفر ، قالت مجلة بريطانيا العظمي والشرق : إن الرجل

ص: 541

الذي عجز الانكليز والاتراك عن قتله في الحرب العظمي ، مات قتيلا بأيد عربية.

وفي السنة 1359 (1940) قتل الدكتور عبد الرحمن شهبندر ، من أحرار العرب ، دخل عيادته ثلاثة أشخاص فقتلوه ، واعتقلوا ، وأعدموا ( الاعلام 80/4 ).

وفي السنة 1368 (1949 م ) قتل رميا بالرصاص ، حسني الزعيم الضابط السوري ، الذي قاد إنقلاب السنة 1949 في سورية ، وقتل معه رئيس وزرائه محسن البرازي . ( الاعلام 245/2 ) .

ص: 542

الفصل الثالث: القتل بالات غير معدة للقتل

أدرجنا في هذا القسم ، ما بلغنا من أخبار القتل بالآلات التي لم تكن معدة للقتل ، كاليد ، والمنشار ، والرحي ، والسيخ الحديد، والدبوس الدقيق ( المسمي عندنا بالمخيط بميم مكسورة وياء مفتوحة ) ، والخنجر ، والبارود .

وأول ما بلغنا عن هذا اللون من القتل ، ما حصل في السنة و في غزوة بني قريظة ، إذ قتل خلاد بن سويد من الخزرج ، طرحت عليه رحي ، فشلخته شدخأ شديدة ، ألقتها عليه امرأة يهودية من بني قريظة ( الطبري 593/2)

ولما خطب الحسن ، أصحابه ، ولاح لهم من قوله أنه يريد أن يصالح معاوية، ثاروا به ، وقطعوا كلامه ، وانتهبوا متاعه ، واختلفوا ، طائفة معه ، والأكثر عليه ، ولاقاه سنان بن الجراح الاسدي ، في مظلم ساباط ، فدنا منه، وطعنه في فخذه بالمغول، فغشي عليه ، وسبق عبيد الله الطائي ، فصرع سنانا ، وأخذ ظبيان بن عمارة المغول من يده ، فضربه به فقطع أنفه ، ثم ضربه بصخرة علي رأسه ، فقتله ( شرح نهج البلاغة 26/16 و27 ) .

وفي السنة 145 عدا علي أبي القلمس ، عبده فقتله ، فأخذ العبد وقتل ، وخلاصة القضية : إن محمد بن عبد الله بن الحسن العلوي ، الملقب

ص: 543

بالنفس الزكية ، لما خرج علي المنصور بالمدينة ، كان علي شرطته أبو القلمس عثمان بن عبيد الله بن عبد الله بن عمر بن الخطاب ، وكان شجاعة أيدة ، وكان إذا بارز في ساحة المعركة أحدة ، وضربه ، صاح : خذها وانا ابن الفاروق ، وأصابته في ساحة المعركة نشابة في ركبته ، فبقي نصلها ، فعالجه ، فأعياه ، فإنسحب من المعركة ، وذكر أحد أصحابه إنه كان معه لما انسحب من ساحة المعركة ، وإذا بأبي القلمس يستغرب ضحك ، فقلت : ليس هذا الموضع بموضع ضحك ، وخفضت بصري ، فإذا برجل من المنهزمة ، قد تقطع قميصه ، ولم يبق منه إلا جربانه ( الياخة ) وما يستر صدره إلي ثدييه ، وإذا عورته بادية وهو لا يشعر ، قال : فجعلت أضحك الضحك أبي القلمس ، وطلب أبو القلمس بعد الهزيمة ، فلحق بالحرة ، وطلبوه ، فجثا ، ونكت كنانته ، وأخذ يرميهم ، فتصدعوا عنه ، فنجا ، واختفي كانت لأبي القلمس ، فقال لها : إني قتلت سيدك ، فهلمي أتزوجك ، قالت : رويدا أتصنع لك ، فأمهلها ، فأتت السلطان فأخبرته ، فأخذ العبد ، فشدخ رأسه ، فقتله ( الطبري 559/7 ، 589 ، 598 ) .

وكان لعمرو بن الليث الصفار، المتوفي سنة 289 ، بيت ينام فيه ، ويحرسه غلمان له لي ، فانتبه في ليلة ، فوجد أحد الغلمان قد استند إلي الحائط ونام قائما ، فجعل مرفقه علي صماخ الغلام ، وغمز عليه ، حتي قتله ( نشوار المحاضرة للتنوخي ، تحقيق المؤلف ج 3 ص 99 رقم القصة 66/3)

وأورد الاستاذ عباس العزاوي ، في كتابه تاريخ بغداد بين احتلالين ج 1 ص 417 إن ايرنجن التتري ، خال أبي سعيد سلطان العراق ، حاول قتل جوبان ، فلاذ جوبان بأبي سعيد، فاعتقل أيرنجن ، فادعي أن السلطان أبا

ص: 544

سعيد هو الذي أمره بقتل جوبان ، فغضب أبو سعيد ، وضربه بسيخ في فيه ، فقتله .

وكان الأمير صغصغان مصطفي ، أمير الحاج المصري في السنة 945 قد ابتكر طريقه للقتل مستغربة ، وهي أنه كان ينشر من يقبض عليه من قطاع الطرق بالمنشار ، ويقطع بدنه إلي نصفين ، ولذلك سماه العرب : مصطفي النشار ( البرق اليماني 88 ).

وفي السنة 1883 قتل عبد الله بك الشاوي ، واتهم الوزير عمر باشا ، والي بغداد ، بأن له بدأ في قتله ، فتحرك أولاده الحاج سليمان ، وسلطان ، وجمعا عشيرة العبيد ، ولكن الوزير عاجلهم ، ففر سليمان ، وقبض علي سلطان ، وأحضر أمام الوزير فهجم الوزير عليه ، وطعنه بخنجر في يده ، حتي قتله ( تاريخ العراق للعزاوي 42/6 ) .

وفي السنة 1355 مات الشيخ خزعل بن جابر الكعبي ، أمير المحمرة ، معتقلا في طهران ، واعترف أحد الأطباء، بأنه دس في إحدي أذنيه دبوس طويلا ( مخيط ) فقتله .

أقول : في السنة 1315 قتل الشيخ خزعل ، أخاه الشيخ مزعل بن جابر الكعبي أمير المحمرة ، علي باب قصره ، وتولي الأمارة من بعده ( الاعلام 350/2)

ص: 545

المجلد 6

اشارة

موسوعه العذاب

تاليف: عبود الشالجي

مشخصات: 7ج

الدارالعربيه للموسوعات

بيروت - لبنان

ص: 1

اشارة

ص: 2

موسوعة العذاب

ص: 3

GLEBEWEALD LTD

اخراج و تنفيذ

الدار العربية للموسوعات

بيروت لبنان

ص: 4

الباب الثاني عشر: القتل بكتم النفس

اشارة

ويشتمل هذا الباب ، علي ثمانية فصول :

الفصل الأول : القتل خنقا .

الفصل الثاني : القتل شنقا .

الفصل الثالث : القتل غما .

الفصل الرابع : القتل بالتغريق .

الفصل الخامس : القتل بالتدخين .

الفصل السادس : الدفن حيا .

الفصل السابع : البناء علي المعذب .

الفصل الثامن : هدم البناء علي المعذب .

ص: 5

ص: 6

الفصل الأول: الخنق

اشارة

الخنق : الشد علي الحلق ، بقصد قطع النفس . وقد جرت ممارسة هذا اللون من العذاب منذ القديم .

وكان في ماضي الأيام ، قوم اتخذوا من الخنق صناعة ، فإذا أحسوا بأن أحدا يحمل في ثيابه ما ، خنقوه وأخذوا ما معه ، وبحث الجاحظ في كتاب الحيوان عن الختاقين وأصنافهم ، ومظاهرة بعضهم لبعض ، وسكناهم متجاورين ، وأنهم افتضحوا مرة ، بأن طمع أحدهم في ثويب علي حمال ، ودريهمات معه ، فألقي الوهق في عنقه ، ثم تحركت عليه بطنه ، فترك الحمال ، بعد أن حسبه ميتة ، وكانت فيه روح ، ففر منه ، ودل عليهم ، فأخذوا ، ومن الختاقين من يجمع بني الخنق والتشميم ، أي التخدير بما يشم ، ومن يحمل في سفره حجرين مستديرين مدملكين ، وململمين ، فإذا خلا برجل من أهل الرفقة ، استدبره ، ورمي بأحدهما قمحدوته ( أعلي القذال ) ، وكذلك إن كان ساجدأ ، فأن دمغة الحجر الأول ، سلبه ، وإن رفع رأسه ، طبق بالآخر وجهه ، وحدثنا الجاحظ عن ختاقين ، راقبوا رجلا خرج من الري وفي حقوه هميان، فكان لا يفارق معظم الناس ، فلما رأوا احتراسه ، لم يشعر صاحب الهميان ، والناس حوله ، إلا والوهق في عنقه ، ووثب الأخر إليه ، وجلس علي صدره ، ومد الثالث رجليه ، وألقي عليه ثوبا ، وأخذ يؤذن في أذنه ، يوهم الناس أنه مصروع، ولما قام عليهم بعض الرفقة في القافلة ، ردوهم ، وقالوا لهم : إنه إذا رآك خجل واستحيا ،

ص: 7

فأمسكوا عنهم ، ونالوا بغيتهم ( الحيوان 264/2 - 271 ) راجع كتاب نشوار المحاضرة وأخبار المذاكرة ج 2 ص 80 - 82 رقم القصة 35/2 .

وخطب بسر بن أرطاة علي منبر البصرة ، فشتم عليا ، ثم قال : نشدت الله رجلا علم أني صادق إلا صدقني ، أو كاذب إلا كذبني ، فقال أبو بكرة : اللهم إن لا نعلمك إلا كاذبا ، فأمر به بسر فخنق ، فنهض أبو لؤلؤة الضبي ، فرمي بنفسه عليه حتي خلصه ، وقيل لأبي بكرة : ما أردت بما صنعت ؟ ، قال : أينا شدنا بالله ثم لا نصدقه ؟ ( الطبري 168/5 ).

وخنق الجان ، في سجن يوسف بن عمر الثقفي ، بلال بن أبي بردة ، في قصة بالغة الطرافة ، فقد كان بلال سجينا في سجن يوسف بن عمر الثقفي ، وكان كل من مات في السجن ، رفع الجان خبره إلي يوسف ، فيأمر بإخراجه ، وتسليمه إلي أهله ، فقال بلال للسجان : خذ مني عشرة آلاف درهم ، وأخرج اسمي في الموتي ، فإذا أمرك بتسليمي إلي أهلي ، هربت في الأرض ، فلم يعرف أحد خبري ، فأخذ السجان المال ، ورفع اسمه في الموتي ، فقال يوسف : مثل هذا لا يجوز أن يخرج إلي أهله حتي أراه ، هاته ، فعاد إلي بلال ، فقال : اعهد ، قال : وما الخبر ؟، قال : إن الأمير قال كيت وكيت ، فإن لم أحضرك اليه ميتا قتلني ، ولا بد من قتلك خنقأ ، فبكي بلال ، وسأله أن لا يفعل، فلم يكن إلي ذلك طريق ، فأوصي ، وصلي ، فأخذه السجان وخنقه ، وأخرج إلي الأمير ميتا، فلما رآه ، أمر بأن تسلم جثته إلي أهله ، فأخذوه ، وهكذا فقد اشتري لنفسه القتل بعشرة آلاف درهم ( نشوار المحاضرة رقم القصة 50/7 ج 7 ص 81 ).

وحبس مروان الحمار ، ابراهيم الامام ، وقتله في السنة 130 واختلف في كيفية قتله ، والصحيح أنه خنق ( العيون والحدائق 190/3 ).

وخنق عبد الرحمن الداخل ، بقرطبة ، في السنة 141 الصميل بن

ص: 8

حاتم بن شمر بن ذي الجوشن ، وكان الصميل قد فر مع جده من المختار الثقفي بالكوفة ، فلاقاه حتفه بالأندلس ( نفح الطيب 26/3 و 36 ).

وقتل المنصور ، عمه عبد الله بن علي ، بأن بعث إليه أبا الأزهر ، فدخل عليه ومعه جارية له ، فبدأ بعبد الله ، فخنقه حتي مات ، ثم مده علي الفراش ثم أخذ الجارية ليخنقها ، فقالت : يا عبد الله ، قتلة غير هذه القتلة ، فكان أبو الأزهر يقول : ما رحمت أحدا قتلته غيرها ، فصرفت وجهي عنها، وأمرت بها فخنقت ، ووضعتها معه علي الفراش ، وأدخلت يدها تحت جنبه ، ويده تحت جنبها ، كالمعتنقين ، ثم أمرت بالبيت فهدم عليهما ، ثم أحضرنا القاضي ابن علاثة ، وغيره ، فنظروا إلي عبد الله والجارية معتنقين علي تلك الحال ، ثم أمر به فدفن . ( مروج الذهب 241/2 ) .

وخنق المنصور ، عبد الله المحض ( تاريخ الكوفة 325) .

وفي السنة 224 أراد المازيار بن قارن ، صاحب طبرستان ، الخروج علي المعتصم ، فألح في استيفاء كامل الخراج ، وكتب بذلك كتبأ مؤكدة ، وكان أحد المطالبين بالخراج ، واسمه علي بن يزداد ، قد كسر الخراج ، واستتر ، وترك أبنه الحسن رهينة في يد أصحاب مازيار ، فأمر أبو صالح ، وكيل مازيار في سارية ، باحضار الغلام الحسن بن علي ، فجيء به ، فأمر بصلبه ، فسأل الغلام أن يأذن له أن يصلي ركعتين ، فأذن له ، فطول في صلاته وهو يرعد، وقد مد له جذع ، فجذبوا الغلام من صلاته ، ومدوه علي الجذع ، وشدوا حلقه ، حتي إختنق ومات ( الطبري 83/9 ) .

وفي السنة 227 خرج المبرقع أبو حرب اليماني بفلسطين ، وكان سبب خروجه ، إنه كان غائبا ، وأراد جندي أن ينزل في داره ، فمانعته زوجة أبي حرب ، فضربها الجندي بسوط ، فأثر في ذراعها ، فلما عاد المبرقع ، أخبرته زوجته، فذهب إلي الجندي ، وقتله ، وخرج ، وتبعه مائة ألف ، فخرج

ص: 9

الحربه ، رجاء الحضاري ، فأسره ، وقتل خنقا في السجن . ( النجوم الزاهرة 248/2 و 249 ).

وفي السنة 256 قتل أنصار المهتدي ، محمد بن بغا ، بأن بعجوا بطنه ، وعصروا حلقه ، وألقوه في بئر من القناة ( الطبري 469/9 ) .

وقبض صاحب المعونة ، في إحدي بلاد مصر ، في أيام أحمد بن طولون ، علي خناق ، وعثر في خرجه علي أوتار للخنق ، وأحجار للشدخ ، فأمر بأن يشدخ رأسه بالأحجار التي وجدت في خرجه ، وأن يخنق بأوتاره ، ففعل به ذلك ، راجع التفصيل في كتاب المكافأة 158 - 160 .

وفي السنة 311 لما وزر ابن الفرات للمقتدر ، وزارته الثالثة ، قبض علي أبي القاسم بن الحواري ، وصادره علي سبعمائة ألف دينار ، مصادرة خاصة من دون كتابه وأسبابه ، ثم تسلمه المحسن بن الفرات ، فصفعه صفعة عظيمة في دفعات ، وضربه بالمقارع ، ثم أحدره إلي الأهواز في طيار خدمة ، وأنفذ معه الحبشي المستخرج ، فلما وصلوا البصرة وتوجهوا منها إلي الأهواز ، طرح الحبشي ابن الحواري في الماء منكسا، وشد رجليه في شات الطيار ( خشبانه البارزة ) وهو سائر ، وبلغ موضعأ أسفل الأبلة ، فأخرجه وقد بقي فيه أدني رمق ، فخنقه غلمان سودان كانوا معه ، ودفنوه ( الوزراء للصابي 47).

وفي السنة 321 ولي القاهر بشري الخادم ، دمشق وحلب ، فسار الي حلب ، ثم إلي حمص ، فتصدي له محمد بن طغج ، وحاربه ، وأسره ، فخنقه ( اعلام النبلاء 238/1 ) .

وغضب معز الدولة ، علي ابن كردم الأهوازي ، لأنه ضرب دنانير رديئة في دار الضرب التي ضمنها بسوق الأهواز ، فأحضره ، وخاطبه ، ثم أمر بأن يخنق علي قنطرة الهندوان بالأهواز ، فخنق راجع تفصيل القصة في كتاب نشوار المحاضرة للتنوخي 142/1 رقم القصة 71.

ص: 10

وفي السنة 362 عثر علي الشاعر ابن هانيء الأندلسي ، في شانية ( سفينة ) من شواني برقة ، مخنوقة بتكة سراويله . (وفيات الأعيان 422/4 ومعجم الأدباء 127/7 ومعجم البلدان 422/4 ) .

ولما توفي الحكم ، الخليفة الأموي بالأندلس ، في السنة 366 ، وأراد الحاشية استخلاف ولده هشام المؤيد ، بعث الوزير المصحفي ، القائد محمد بن أبي عامر ، إلي المغيرة ، أخي الحكم ، فقتله خنقأ ( نفح الطيب 86/3)

وفي السنة 382 قتل أبو الحسن بن المعلم ، خنقا بحبل الستارة ، وكان مسيطرة في أيام بهاء الدولة البويهي ، وفي السنة 382 شغب الجند الديلم والأتراك ، وخرجوا بالخيم إلي باب الشماسية ( الصليخ ) وراسلوا بهاء الدولة بالشكوي من أبي الحسن بن المعلم ، وتعديد ما يعاملهم به ، وطلبوا تسليمه إليهم ، فوعدهم السلطان بإزالة ما شكوه ، وأن يقتصر بأبي الحسن بن المعلم علي خدمته في خاضه ، فأعادوا الرسالة ، بأنهم لا يرضون إلا بتسليمه ، فأعاد الجواب بأنه يبعده عن المملكة إلي حيث يكون مبقيا علي مهجته ، راعية لحقوق خدمته، فكانت الرسالة الثالثة ، التوعد بالإنحدار ، والمسير إلي شيراز ، وقال بكران لبهاء الدولة ، وكان هو المتوسط بينه وبين العسكر ، أيها الملك إن الأمر علي خلاف ما تقدره ، فأختر بين بقاء أبي الحسن . أو بقاء دولتك ، فقبض عليه حينئذ ، وعلي أصحابه ، وأخذ ما كان في داره من مال وثياب وجوار وغلمان ، وأقام الجند علي أنهم لا يرجعون من مخيمهم إلا بتسليمه ، فركب إليهم بهاء الدولة ليسألهم الدخول والإقتصار علي ما فعله به من القبض والاعتقال ، فلم يقم أحد من الجند إليه ، ولا خدمه ، وعاد وقد أقاموا علي المطالبة به، وترك الرجوع إلا بعد تسليمه ، فسلم إلي أبي حرب شيرزيل ، وسقي ابن المعلم السم دفعتين ، فلم يعمل فيه ، فخنق بحبل الستارة ، ودفن بالمخرم ( العلوانية ) ( المنتظم 168/7 ) .

ص: 11

وفي السنة 394 قتل الوزير أبو مروان عبد الملك بن إدريس الجزيري ، خنقا في سجنه ببرج من أبراج طرطوشة ، بأمر من المظفر العامري ( نفح الطيب 529/1 ورسالة التوابع والزوابع 26 ).

أقول : أبو مروان عبد الملك بن إدريس الجزيري ، أحد كتاب الدولة العامرية ، وكان علي شرطة المنصور بن أبي عامر ، وكتب له ، ثم كتب بعده للمظفر ، فلما قتل المظفر صهره عيسي بن القطاع ، صاحب دولته ، وكان أبو مروان قوي الصلة به ، اتهم معه ، وكاد أن يقتله ، ثم سجنه في برج من ابراج طرطوشة ، ثم خنق في سجنه ( نفح الطيب 529/1,587 ).

وذكروا أن شخصا في بغداد ، استضافه رجل ، وأحس أن عنده مالا ، فتركه حتي نام ، ثم عمد إليه فخنقه ، ثم ظهر أنه خنق ولده ، لأن الولد جاء ونام في الموضع الذي كان الضيف ينام فيه ، وسلم الضيف ، راجع القصة في كتاب نشوار المحاضرة للتنوخي 175/4 و 176 رقم القصة 87.

ورفع الهروي ، سعاية في الصاحب بن عباد ، إلي مؤيد الدولة ، فبعث بالرقعة الي الصاحب ، فأخذ الهروي ، وخنقه ( معجم الأدباء 2/ 280 ).

وفي السنة 379 تولي أبو الحسن الكوكبي ، خنق الأمر أبي علي بن شرف الدولة بيده ، بأمر من بهاء الدولة البويهي ( ذيل تجارب الأمم 162).

ولما توفي علي بن حمود ، صاحب قرطبة ، وهو علوي حسني ، خلفه أخوه القاسم بن حمود في السنة 408، وقام عليه في السنة 412 ابن أخيه ، يحيي بن علي بن حمود ، واعتقله ، وظل معتقلا عنده ست عشرة سنة ، مدة حكم ابني أخيه يحي وإدريس فلما مات إدريس ، قتل القاسم في سجنه خنقأ ، وسنه ثمانون سنة . ( المعجب للمراكشي 99 - 101 ونفح الطيب وي 488 - 486/1)

ص: 12

وفي السنة 415 خنقت بالقاهرة ، امرأة ضعيفة مستورة ، طاهرة ، صائمة الدهر ، ولها غلام يعمل في فرن إلي جانب منزلها، فطلع عليها جماعة من طاق الفرن ، فخنقوها حتي ماتت ، واخذوا ما وجدوا من رحلها، فقبض عليهم وعلي الغلام الذي كان لها ( اخبار مصر للمسجي 101).

وفي السنة 430 قتل ب هيت خنقأ ، أبو القاسم هبة الله بن علي بن جعفر ، وزير جلال الدولة أبي طاهر ( المنتظم 103/8 ) .

ولما توفي أبو القاسم الحسين بن علي بن مكرم ، صاحب عمان ، خلفه ابنه ابو الجيش فتآمر عليه أخوه أبو محمد ، وأحس أبو الجيش بذلك ، فاعتقله، ووضع عليه من خنقه في السنة 431. ( ابن الأثير 468/9 و469) .

وفي السنة 450 عصي إبراهيم ينال بن يوسف ، أخو السلطان طغرلبك الأمه ، عليه ، وحاربه ، فانكسر إبراهيم ، وأسر هو ومحمد وأحمد ولدا أخيه داود ، فأمر السلطان بابراهيم أخيه ، فخنق بوتر قوسه ، وقتل ولدي أخيه معه . ( ابن الأثير 645/9 ) .

ولما قتل السلطان ألب أرسلان السلجوقي ، تسلطن بعده ولده ملكشاه ، فحاربه عمه قاورد بك في السنة 465 ، فانكسر ، وجيء به إلي السلطان ملكشاه ، فقال له : يا عم ، أما استحيت من هذا الفعل ، يموت أخوك ، فما قعدت في عزائه ، ولم تبعث إلي قبره ثوبا ، والغرباء قد حزنوا عليه ، ثم بعث به إلي همذان ، حيث قتل خنقا، خنقه رجل أعور أرمني من أصاغر الحاشية ، بوتر قوسه . ( ابن الأثير 645/9 ونهكت الهيمان 118) .

أقول : اختلف المؤرخون في إثبات اسم هذا الرجل ، فذكر صاحب نكت الهيمان أن اسمه : فاروت ( بفاء وألف ثم راء بعدها واو وتاء)، أما ابن الجوزي في المنتظم ، وأبو الفداء في المختصر ، وابن خلكان في وفيات الاعيان ، فقد أثبتوا الاسم : قاروت ( بقاف والف ثم راء بعدها واو وتاء ) ،

ص: 13

وأثبته ابن الأثير في تاريخه الكامل : قاورت ( بقاف وألف ثم واو بعدها راء وتاء ) ، أما صاحب كتاب تاريخ الدولة السلجوقية ، فقد أثبت الاسم بلفظة قاورد ، ( بقاف وألف ثم واو بعدها راء ودال ) ووجدت في المعجم الذهبي أن لفظة قاورد تعني الحلوي بالفارسية ، فرجحت هذا الاسم ، إلي أن يتيسر الي الاطلاع علي ما يخالفه .

ولما كان بدر الجمالي ، أميرة بدمشق ، سنة 455 نفي الشريف أبا طاهر حيدرة بن الحسن الحسيني ، إلي مصر ، فاتفق الشريف وابن حمدان الملقب ناصر الدولة ، وتآمروا علي المستنصر ، وأخرج ابن حمدان حازم وحميد ابنا جراح من أمراء عرب الشام ، من سجن المستنصر ، وكانا قد مكثا فيه نيف وعشرين سنة ، فقبض بدر الجمالي ، لما استولي علي مصر ، علي الشريف ، وقتله خنقا . ( النجوم الزاهرة13/5 و15).

وفي السنة 488 قتل أحمد خان صاحب سمرقند ، خنقأ ، وسبب قتله أنه أظهر انحلالا من الدين ، فقبض عليه جنده ، وأحضروا القضاة والفقهاء ، وادعوا عليه الزندقة ، فجحد ، فأقيمت عليه البينة ، فأفتي الفقهاء بقتله ، فخنقوه . ( ابن الأثير 244/10 ) .

وفي السنة 489 قتل الأمير أرسلان أرغون ، أخو السلطان ملكشاه ، أخاه الامير بوربرس ، بأن خنقه في حبسه بترمذ، وتفصيل القصة : إن الأمير أرسلان أرغون ، كان مع أخيه السلطان ملكشاه لما توفي ببغداد ، وكان له إقطاع بسبعة آلاف دينار ، فلما توفي أخوه ، سار إلي همذان في سبعة غلمان ، وتسلم مدينة مرو، ثم استولي علي بلخ ، وترمذ، ونيسابور، وعامة خراسان ، فسير السلطان بركياروق بن ملكشاه ، إليه ، جيش بقيادة عمه بوربرس ، أخي أرسلان أرغون ، واشتبك الجيشان في معركة ، فانهزم أرسلان أرغون أولا ، ثم انتصر ، وأسر أخاه بوبرس ، فحبسه بترمذ ، ثم أمر به فخنق في حبسه ( ابن الأثير 263/10 و 264 ) .

ص: 14

أقول : راجع في بحث الفتك ، مقتل الأمير أرسلان أرغون في السنة 490.

وفي السنة 512 خنق بهرام شاه بن مسعود الغزنوي ، أخاه أرسلان شاه ، في حبسه ، وسبب ذلك : إن أرسلان شاه استولي علي السلطنة في السنة 508 فقبض علي إخوته ، وقتل بعضهم ، وسجن البعض الآخر ، وفر منه أحد إخوته وهو بهرام شاه ، فالتجأ إلي السلطان سنجر السلجوقي ، فأعانه ، وجرت معركة شديدة بين الأخوين ، انتهت بانتصار بهرام شاه ، وأسر أرسلان شاه ، فأمر بهرام شاه ، فخنق أرسلان شاه في حبسه ( ابن الأثير 508 - 504/10)

وفي السنة 556 قتل السلطان سليمان شاه بن السلطان محمد بن ملكشاه السلجوقي ، وكان قد أهمل أمر ملكه ، وحاول أن يغتال مدبر أمر مملكته شرف الدين كردبازو الخادم ، فقبض عليه كردبازو ، واعتقله في إحدي القلاع ، وبعث إليه من خنقه . ( ابن الأثير 367/11 ).

وتفصيل القصة : إن سليمان بن محمد بن ملكشاه السلجوقي ، كان مقيما عند عمه السلطان سنجر ، وقد جعله ولي عهده ، وخطب له علي منابر خراسان ، فلما حارب سنجر الغز، وأسروه ، مضي سليمان شاه إلي خوارزم شاه ، فزوجه ابنة أخيه ، ثم بلغه عنه ما كرهه ، فأبعده ، فقصد إصبهان ، فمنع من دخولها ، ومضي نحو قاشان ، فمنع عنها ، فنزل البنديجين ( مندلي الأن ) وراسل الخليفة المقتفي ، فأذن له في دخول بغداد ، فدخلها ، وخطب له ببغداد ، وسير معه الخليفة عسكرة، فحارب السلطان محمد بن محمود بن ملكشاه ، صاحب همذان ، وانهزم سليمان ، وسار علي شهرزور بريد بغداد ، فخرج إليه زين الدين صاحب الموصل، وأخذه أسيرة ، وحمله إلي قلعة الموصل، وحبسه بها مكرمأ ، وفي السنة 555 مات السلطان محمد بن محمود صاحب همدان ، فبعث الأمراء إلي الموصل يطلبون سليمان

ص: 15

شاه ليسلطنوه ، فأحضروه ، ونصبوه علي تخت السلطنة . فظهر تهوره ، وخرقه ، حتي إنه شرب الخمر في رمضان نهارا ، وكان يألف المساخر ، ولا يهتم بالأمراء، ورد جميع الأمور إلي الخادم ( الخصي ) شرف الدين كردبازو ، وهو من مشايخ الخدم السلجوقية ، وكان له دين وحسن تدبير ، فكان الأمراء يشكون إليه ، وهو يسكنهم ، واتفق يوما أن سليمان شاه شرب بظاهر همدان ، في الكشك ، فحضر عنده كردبازو ، وأخذ يلومه علي تصرفاته ، فأمر سليمان شاه ، من كان عنده من المساخرة ، فعبثوا بكردبازو ، حتي أن بعضهم كشف له عن سوأته ، فخرج مغضبا ، وأحضر الأمراء ، واستحلفهم علي طاعته ، فحلفوا له ، فأول ما عمله أن قتل المساخرة ، وقال للسلطان : إني أفعل هذا صيانة لملكك ، ثم عمل كردبازو ضيافة عظيمة ، حضرها السلطان والأمراء ، فلما جاء السلطان إلي داره ، قبض عليه وعلي وزيره أبي القاسم محمد بن عبد العزيز الحامدي ، فقتل وزيره وخواصه ، وحبس سليمان شاه في قلعة ، ثم أرسل إليه من خنقه ( ابن الأثير 205 - 207، 254 ، 266 و267).

وفي السنة 560 توفي الوزير أبو المظفر يحيي بن هبيرة ، فقبض علي ولديه شرف الدين وعز الدين ، وأخذ حاجبه اين تركان فحبس في دار أستاذ الدار ، وفي السنة 561 هرب عز الدين من حبسه ، ثم أخذ فضرب ضربا وجيعة ، وأعيد إلي السجن ، ثم رمي به في مطمورة ، ثم أدلوا إليه حبلا ، فتعلق به وصعد فمدوه ، وجلس واحد علي رجليه ، وآخر علي رأسه ، وخنق بحبل ، وفي السنة 562 أخرج أخوه الأكبر شرف الدين ميتا من محبسه ( المنتظم 211/10 ، 218 ، 220) .

وفي السنة 584 تأمر إخوة قطب الدين عيسي ، صاحب تكريت ، عليه ، وغدروا به ، فقتلوه خنقأ ، وملكوا تكريت ، ثم اختلفوا ، فباعها المقدم منهم للناصر العباسي . ( وفيات الأعيان 498/3 - 500).

ص: 16

وفي السنة 618 بعث أمير مكة ، قتادة بن ادريس العلوي ، ولده الحسن علي رأس جيش للاستيلاء علي المدينة ، فوثب الحسن بن قتادة ، وهو في الطريق علي عمه ، فقتله ، وكان معه في العسكر ، وعاد إلي أبيه بمكة ، فخنقه ، وكان الأب في التسعين من عمره ، ثم عمد الحسن إلي أخيه ، وكان نائبا عن أبيه بقلعة ينبع ، فأحضره إلي مكة ، وقتله أيضا ( المختصر في أخبار البشر 131/3 ) ولم يطل أمده في الولاية ، إذ قصده

صاحب اليمن في السنة 620 وطرده من مكة ( ابن الأثير 401/12 -40 و413) .

وفي السنة 621 قتل خنقأ في قصره ، أبو مالك عبد الواحد بن يوسف بن عبد المؤمن الكومي الموحدي ، بويع له سنة 621 وهو شيخ ، وانتقضت عليه الإمارات ، وخلع ، وخنق في قصره . ( الاعلام 328/4 ) .

وفي السنة 621 استولي بدر الدين لؤلؤ علي الموصل ، وخنق صاحبها الملك محمود بن القاهر ، وأعلن أنه توفي . ( النجوم الزاهرة 257/6 ) .

وفي السنة 624 قتل السلطان العادل في أحكام الله ، أبو محمد عبد الله بن يعقوب بن يوسف الموحدي ، خنقأ ، اتفق الموحدون علي خلعه، ودخلوا عليه في قصره ، وسألوه أن يخلع نفسه ، فامتنع، فوثبوا عليه ، ودشوا رأسه في خصة ماء كانت هناك ، وقالوا له : لا نفارقك أو تشهد علي نفسك بالخلع ، فقال : اصنعوا ما بدا لكم ، والله ، لا أموت إلا وأنا أمير المؤمنين ، فوضعوا في عنقه عمامته ، وخنقوه بها ( الاعلام 290/4 ).

وفي السنة 631 غضب المظفر صاحب حماة ، علي زكي الدين القوصي الكاتب فحبسه وخنقه في الحبس ، وسبب ذلك ، إنه وصله بألف دينار ، فأقام معه مدة ، ولزمته أسفار فأنفق المال ، ولم يحصل بيده زيادة ، فتمال :

ذاك الذي أعطوه لي جملة****قد آستردوه قليلا قليل

ص: 17

فليت لم يعطوا ولم يأخذوا****وحسبي الله ونعم الوكيل

فحبسه المظفر فقال له : ما ذنبي ؟ فقال له : حسبي الله ونعم الوكيل ، ثم خنقه ( فوات الوفيات304/2 و305) .

وفي السنة 637 قتل الملك ناصر الدين أرتق، صاحب ماردين ، خنقه ولده وهو سكران . ( النجوم الزاهرة 316/6 ) .

وفي السنة 641 مات الملك مظفر الدين يونس بن مودود بن محمد بن أيوب ، خنقا ، خنقه الملك الصالح اسماعيل ، وكان قد ملك دمشق ، ثم قابض عليها بسنجار وعانه ، ثم ضج منه أهلها ، فباعها للخليفة المستنصر ، ثم لجأ إلي الناصر داود في القدس ، فلم يرتح منه ، واعتقله ، ففر إلي الافرنج في عكا فاشتراه منهم الصالح إسماعيل صاحب دمشق ، وأخذه ، فاعتقله ، ثم خنقه . ( الاعلام 348/9 ) .

وفي السنة 641 قبض علي ابن الرواس ، أحد الظالمين ، بدمشق ، وخنق . ( الذيل علي الروضتين 173).

وفي السنة 644 قتل خنقأ الشيخ تاج العارفين شمس الدين الحسن بن عدي بن أبي البركات صخر بن مسافر ، حفيد أبي البركات الشيخ عدي ، قتله بدر الدين لؤلؤ ، احتال عليه حتي حضر إليه ، فحبسه ، وخنقه بوتر ، وكان تاج العارفين معظما عند العدوية ، وبلغ من تعظيمهم له إن واعظأ قدم علي الشيخ حسن فوعظه ، فرق قلبه ويكي ، وغشي عليه ، فوثب الأكراد علي الواعظ فقتلوه ، فلما أفاق الشيخ رآه يتشحط في دمه ، فقال : ما هذا ؟ فقالوا : أيش هو هذا الكلب حتي يبكي سيدنا الشيخ ، فسكت حفظا لحرمة نفسه ( شذرات الذهب 229/5 ) .

وفي السنة 646 جهز الملك الصالح أخاه العادل ، وكان معتقلا عنده بمصر ، لينفيه إلي الشوبك ، فدخل عليه محسن الخادم ليكلمه في السفر ،

ص: 18

فغضب منه ورماه بدواة كانت عنده ، فخرج وأخبر الصالح ، فقال له الصالح : دبر أمره ، فأخذ معه ثلاثة أشخاص ودخلوا عليه ، وخنقوه بشاش ، وعلقوه به ، وأظهروا إنه شنق نفسه . ( النجوم الزاهرة 312/6 ) .

وفي السنة 655 قتل شرف الدين هبة الله بن صاعد الفائزي ، مخنوقة في سجنه ، وهو من وزراء دولة المماليك البحرية بمصر ، خدم الملك الفائز ، ومن بعده الكامل ، ثم ولده الصالح ، واستوزره المعين ، ثم ولده المنصور ، ثم قبض عليه قطز ، مدبر دولة المنصور ، وقتله في السجن خنقأ . (الاعلام 60/9 ) .

وذكروا أن شجرة الدر ، أم خليل ، خنقت وزيرها الأسعد شرف الدين الفائزي ( الذيل علي الروضتين 196 ) ، وقتلت زوجها السلطان عز الدين أيبك ، بمصر، أمرت مماليكها فخنقوه في الحمام ، في السنة 655 ( الاعلام 3/ 231 ، والوافي بالوفيات 472/9 ) ،وكانت عاقبة شجرة الدر ملكة المسلمين ، وأم خليل أمير المؤمنين » أن قتلت ضرب بالقباقيب في السنة 655 ( الاعلام 3/ 231 ) .

وفي السنة 661 أقر زوجان ، بأنهما كانا يحتالان علي النساء ويخنقانهن ، من أجل حليهن ، فخنقت المرأة ، وجعلت في جولة ، وسمر زوجها في خشبة ، وفي اليوم الثاني خنق بحبل ( الذيل علي الروضتين 222)

وفي السنة 662 قتل الملك المغيث فتح الدين عمر بن العادل أبي بكر ، تسلطن بالكرك ، ثم سلم الكرك للملك الظاهر برقوق صاحب مصر ، ونزل إليه ، فخنقه صاحب مصر ، وكان عمه قد خنق أباه ، وعاش كل منهما ثلاثين سنة ( شذرات الذهب 310/5 ) .

ص: 19

أقول : ذكر أبو الفدا في تاريخه المختصر 216/3 و217 إن قتل الملك المغيث حصل في السنة 661 وإنه قتل ضرب بالقباقيب ، راجع الخبر في كتابنا هذا ، في الباب الثالث : الضرب ، في الفصل الثاني : الصفع .

وفي السنة 663 اتفق معين الدين سليمان البرواناه ، مع التتر المقيمين معه ببلاد الروم ، علي قتل ركن الدين قليج أرسلان ، سلطان الروم ، فخنق التتر ركن الدين المذكور بوتر ، وأقام البرواناه مقامه ولده غياث الدين سلطانا ، وعمره أربع سنوات ( المختصر في تاريخ البشر 5/4 ).

وفي السنة 676 قبض الملك السعيد ، علي الأمير شمس الدين أقسنقر الفارقاني وخنقه ( الوافي بالوفيات 310/9 و311) .

وفي السنة 689 اعتقل الأشرف خليل ، الأمير طرنطاي ، وأمر به فخنق ( بدائع الزهور 122/1 ).

وفي السنة 691 لما عاد الملك الأشرف خليل بن المنصور قلاوون ، إلي الديار المصرية ، قبض علي الأمير شمس الدين سنقر الأشقر ، والأمير سيف الدين جرمك الناصري ، وغيرهما ، وأمر بحبسهم فحبسوا، ثم أمر بأخراجهم مع من في الحبس من الأمراء ، وأن يخنقوا قدامه ، فأخرجوا وخنقوا قدامه ، وهم الأمير سيف الدين الهاروني ، والأمير بدر الدين بكتوت ، والأمير سيف الدين جرمك ، والأمير شمس الدين سنقر الأشقر ، والأمير ركن الدين بيبرس طقصوا الناصري ، وجماعة سواهم ، وجاءوا بالأمير حسام الدين الاجين الصغير، الذي كان نائب دمشق ، آخر الجماعة ( سيرة الملك المنصور 269)

أقول : ذكر صاحب النجوم الزاهرة 13/8 و14 و37 إن خنقهم حصل في

ص: 20

السنة 690 بينما أورد ابن الفرات في تاريخه 146/8 أن خنقهم حصل في السنة 692 كما ذكر إن الأمير حسام الدين لاجين نائب دمشق ، لما وضع الوتر في رقبته وأرادوا خنقه ، انقطع الوتر ، فرق له الأمراء ، وشفعوا فيه ، فعفا عنه السلطان ، وهو الذي تولي السلطنة في السنة 695.

وفي السنة 708 اشتد تحكم بعض الأمراء المماليك بالملك الناصر ، فالتجأ إلي قلعة الكرك ، وعاد إلي الملك في السنة 709 فقاتل الملك بيبرس الذي خلفه في السلطنة، وأسره ، وأحضره أمامه، وأمر بخنقه بين يديه ، فخنق بوتر ( النجوم الزاهرة 275/8 والاعلام 233/7 وبدائع الزهور 154/1)

وفي السنة 718 قام الأمير أبو الحسن علي المريني ، باعتقال منديل بن محمد بن محمد الكتاني الكاتب ، واستصفي أمواله ، ثم قتله في الحبس خنقأ ، وقيل جوعا ( ابن خلدون 246/7 ).

وفي السنة 734 قبض الملك المجاهد سيف الدين علي بن رسول علي الملك الظاهر أسد الدين عبد الله بن رسول ، وسجنه شهرين ، ثم خنقه بقلعة تعز . ( النجوم الزاهرة 302/9 ).

وفي السنة 732 قبض السلطان الملك الناصر محمد بن قلاوون ، علي الأمير ألماس الحاجب الناصري ، اتهمه بأنه يسعي في إزالة دولته ، وخنق بعد ثلاثة أيام من اعتقاله ( الدرر الكامنة 438/1 ) أقول : ذكر المقريزي في خططه 307/2 إن ذلك حصل في السنة 734.

وفي السنة 734 قتل السلطان أبو الحسن علي بن عثمان بن يعقوب المريني ، أخاه أبا علي عمر ، فصدأ وخنقأ ، وسبب ذلك : ان عمر هذا كان

ص: 21

ولي عهد أبيه السلطان عثمان ، وفي السنة 714 خرج علي أبيه ، وقاتله ، وجرحه ، وخلعه ، وتسلطن في موضعه ، ثم اتفق مع أبيه ، فعاد الأب إلي عرشه ، وتولي عمر مدينة سجلماسة وما والاها مستقلا، ثم عاود الانتفاض علي أبيه فلم يفلح ، وعفا عنه أبوه ثانية ، كما عفا عنه أولا ، ولما مات الأب خلفه ولده أبو الحسن علي ، فخامر عمر علي أخيه ، وحاربه ، فانتصر علي ، وأسر أخاه عمر ، واعتقله ببعض حجر قصره ، ثم قتله فصدا وخنقا ( الاعلام 214/5 ونفح الطيب 156/5 ).

ولما قبض علي الأمير تنكز، نائب دمشق ، رسم السلطان بخنقه ، فخنق في السنة 740 ( بدائع الزهور 172/1 ).

وفي السنة 741 قتل خنقأ ، الوزير أمين الدين عبد الله ، وكان قد ولي الوزارة ثلاث مرات ، وكان قد اعتقل هو وولده تاج الدين ناظر الدولة ، وكريم الدين مستوفي الصحبة وبسط عليهم العذاب ، وخنق أمين الدين من بينهم ( الدرر الكامنة 358/2 ) .

وفي السنة 742 وقعت حروب واختلافات بين الأمراء في الدولة المصرية ، فقبض علي الأمير قوصون وعلي الأمير الطنبغا الحاجب الناصري ، وحملا إلي الاسكندرية ، فخنقا هناك مع آخرين ( الدرر الكامنة 437/1)

وفي السنة 743 حشد خليل بن السلطان أليسور ( سماه زامباور علي خليل الله ص 370) عسكرأ ، وحارب بوزون خان التار سلطان ما وراء النهر ، فوقع بوزون أسيرة ، فأمر به خليل فقتل خنقأ بأوتار القسي ، وكانت تلك عادتهم أنهم لا يقتلون من كان من ابناء الملوك إلا خنقا ( مهذب رحلة ابن بطوطة 313/1 ) .

ص: 22

وفي السنة 744 قتل خنقا أمير سيواس الحسن بن تمرتاش بن جوبان ، خلف أباه في إمرة سيواس لما قتل في السنة 728 وكان ماكرة بعيد الغور ، قيل إنه تهدد زوجته ، فأمرت خمسة أنفس ، تسللوا إليه وخنقوه ( الدرر الكامنة 96/2 و 97 ).

وفي السنة 745 قبض علي القاضي جمال الدين ابراهيم ، المعروف بجمال الكفاة ، بالقاهرة ، وضرب بالمقارع ، وخنق ، وكان ناظر الخاص في مصر . ( خطط المقريزي 76/2 ) .

وفي السنة 747 وثب الأمراء المماليك ، بمصر ، بالكامل شعبان بن الناصر محمد بن قلاوون ، وكان قد سجن أخويه ، وأراد قتلهما ، فاعتقلوه ، وسلطنوا أحد أخويه وبعثوا إليه في السجن من قتله خنقأ ( شذرات الذهب 151/6 والاعلام 241/3 وبدائع الزهور 186/1 ).

وفي السنة 747 كان الأمير سيف الدين آل ملك علي صفد، وطلب الحضور للقاهرة ، فرسم له السلطان بذلك ، ولما وصل إلي غزة ، أمسكه نائبها، ووجهه إلي الإسكندرية حيث قتل خنقا . ( خطط المقريزي 310/2)

وفي السنة 747 أمر الملك المظفر ، بقتل الأمير شجاع الدين غرلو ، فخنق . ( بدائع الزهور 187/1 ).

وفي السنة 747 أمر السلطان الملك المظفر حاجي ، بقتل أميرين من أمرائه فخنقا ، ثم أمر بخنق أمير ثالث ، فخنق ( بدائع الزهور 187/1 و188 ).

وفي السنة 747 خلع الملك المظفر حاجي ، وخنق لي( بدائع الزهور 189/1 ).

ص: 23

وفي السنة 748 خنق بقابون ، الأمير يلبغا بن طابطة الساقي الناصري ، وكان أثيرة جدا عند السلطان الملك الناصر ، ثم ولي لولده الصالح اسماعيل نيابة السلطنة في حماة ، ثم نيابة حلب ، ثم نيابة دمشق ، وفي أيام المظفر حاجي ، أراد اعتقاله ، ففر منه ، فلجأ إلي حماة ، فأكرمه نائبها قطليجا ، ولما دخل الحمام أمسكه وأمسك أباه وإخوته وولده والأمير أسندمر ، وجهزهم إلي القاهرة ، وكان آخر أمره أن خنق بقابون ( الدرر الكامنة 212/5 و213) .

وفي السنة 749 تحرك الأمر أبو عنان فارس بن علي المريني ، ضد أبيه السلطان أبي الحسن ، وأراد أخذ السلطنة منه ، وبايعه قسم من الناس ، واتهم وزيره الحسن بن سليمان ، بأنه يكاتب أباه السلطان أبا الحسن سرا ، فقتله خنقأ ، ثم حصر فاس، واستولي عليها، وقتل واليها منصور بن أبي مالك ( ابن حلدون 278/7 - 280 ) .

وكان السلطان أبو عنان فارس المريني ، قد خرج علي أبيه السلطان أبي الحسن علي المريني ، وأستمر محاربأ له ، حتي مات الأب ، وأستقر أبو عنان في السلطنة بلا منازع ، ونفي أخويه أبا الفضل وأبا سالم إلي الاندلس ، فاستقرا عند صاحب غرناطة ، ثم بدا لأبي عنان ، فطالب صاحب غرناطة بإعادتهما إليه ، فامتنع ، والتحق أبو الفضل بالطاغية ( صاحب قشتالة ) الذي جهز له اسطو" أنزله بالمغرب في السنة 754 وجمع جمعأ حارب به أخاه أبا عنان ، ولكن جمعه آنفل، وفر أبو الفضل إلي جبال المصامدة ، واستجار بابن حميدي ، فأجاره ، فبعث إليه أبو عنان يتهدده ، ويغريه ، ويبذل له ، فأسلمه في السنة 755 ألي أتباع أبي عنان ، فاعتقله ، وخنقه في الحبس ( ابن خلدون 124/7 و 296 ).

وفي السنة 759 مرض السلطان أبو عنان فارس بن علي المريني ، صاحب المغرب ، فتأمر بعض أصحابه ، علي قتل ابنه أبي زيان المرشح الولاية العهد ، ونصب أخيه السعيد ، وكان طفلا خماسية ( في الخامسة ) ،

ص: 24

فباكروا دار السلطان ، وقبضوا علي وزيريه موسي بن عيسي ، وعمر بن ميمون ، فقتلوهما ، وأجلسوا السعيد للبيعة ، واحتالوا علي الأمير أبي زيان ، فأحضروه ، وبعد أن بايع أخاه الطفل ، أخذوه إلي حجرة من حجر القصر ، فقتلوه ، ثم أدخل الوزير علي السلطان أبي عنان ، من غطه ( خنقه ) في فراشه حتي قتله ( ابن خلدون 299/7 و 300) .

وفي السنة 760 قبض السلطان علي الأمير طرغتمش ، وخنق في السجن . ( بدائع الزهور 208/1 ).

وفي السنة 768 أراد السلطان أبو زيان محمد المريني ، صاحب المغرب ، أن يتخلص من وزيره عمر بن عبد الله بن علي ، وأحس الوزير بذلك ، فدخل علي السلطان ، وهو في مجلس لهوه ، فطرد ندماءه ، ثم تناوله غطا ( خنقأ ) حتي مات ، وألقاه في بئر ، واستدعي الخاصة ، وأخبرهم بأن السلطان كان ثمة ، وسقط عن دابته في البئر ( ابن خلدون 323/7 ) .

وكان إدريس بن عثمان ، فر من السلطان أبي عنان ، سلطان المغرب ، ولجأ إلي غرناطة ، واشترك هناك في مؤامرة علي السلطان اسماعيل بن الحجاج ، ولما عاد السلطان أبو عبد الله المخلوع إلي عرشه في غرناطة ، فر إدريس وجماعته إلي صاحب قشتالة ، فقتل صاحب قشتالة من اشترك منهم فعلا في المؤامرة ، وحبس الباقين ، ومنهم إدريس ، في إشبيلية ، وفر إدريس من معتقله ، بمداخلة مسلم من الاسري ، أعد له فرسا إزاء معتقله ، ففك قيده ، ونقب البيت ، وامتطي الفرس ، ولحق بأرض المسلمين في السنة 766، وقصد صاحب غرناطة ، فأكرمه ، ولكن إدريس استأذنه في اللحاق بالمغرب ، فأذن له ، فلما أجاز إلي سبته ، اعتقله صاحبها بأمر من الوزير عمر بن عبد الله ، ثم نقل إلي سجن الغدر ، بفاس ، حيث قتل خنقأ في السنة 770 ( ابن خلدون 376/9 .

وفي السنة 776 قتل الوزير لسان الدين بن الخطيب خنقا في محبسه ،

ص: 25

وكان ابن الخطيب قد لجأ في السنة 773 إلي حمي السلطان عبد العزيز بن علي المريني ، فحماه ، وبعث سفيرة ألي غرناطة فأحضر أفراد أسرة ابن الخطيب إلي المغرب معززين مكرمين ، فتظافر خصوم ابن الخطيب في غرناطة ، ومنهم جماعة كان ابن الخطيب قد أحسن إليهم ، ورفع من شأنهم ، فكفروا بإحسانه ، وأحرقوا كتبه ومؤلفاته في ساحة غرناطة ، وأصدر القاضي أبو الحسن ، قاضي غرناطة ، وهو من صنائع ابن الخطيب ، حكم شرعية صرح فيه بإلحاد ابن الخطيب وزندقته ، وصادق عليه سلطان غرناطة ، وبعث به إلي سطان المغرب ، مع رسل منه ، يطلب منه إنفاذ حكم الشرع في ابن الخطيب ، بإعدامه ، فرد سلطان المغرب الرسل ردة قبيحأ ، وزاد في العناية بابن الخطيب ، وتوفي السلطان في السنة 774 وخلفه ولده أبو زيان محمد الملقب بالسعيد ، وكان صبيا ، فأغري ابن الأحمر سلطان غرناطة ، أمير من بني مرين وهو أبو العباس أحمد بن ابراهيم بطلب عرش المغرب ، وأمده بالمال والسلاح ، فتمكن ، وأستولي ، وتسلطن في السنة 776 وكان أول ما طلبه سلطان غرناطة من صنيعته السلطان الجديد أحمد ، أن يعتقل ابن الخطيب ، فاعتقله ، وتآمر الجميع علي هلاكه ، فنصبوا له مجلسا صورية، أجري له محاكمة صورية مخزية مضحكة ، وكان الحكم فيها بالإعدام منتظرأ ، فعزروه ، وأهانوه ، وعذبوه ، ثم أخذوه إلي حبسه ، حيث دشوا إليه من الرعاع ، من قتله خنقأ ، في السنة 776 ، ثم أخذت جثته من الغد، فأضرمت فيها النار ، فأحترق شعره وبشرته ، وهكذا ذهب هذا الكاتب الشاعر المفكر ضحية الجهالة والتعصب ، والأحقاد السياسية الوضيعة ، وكان آخر ما قاله ابن الخطيب ، وهو في سجنه قبل قتله : ( الاحاطة في اخبار غرناطة 58 - 49)

فقل للعدا ذهب ابن الخطيب****وفات ومن ذا الذي لا يفوت

ومن كان يفرح منكم به ****فقل : يفرح اليوم من لا يموت

ص: 26

وفي السنة 778 خرج السلطان الأشرف شعبان بن حسين بن الناصر محمد بن قلاوون ، للحج ، وصحبه الخليفة والأمراء ، فلما وصلوا إلي العقبة ، ركب عليه من معه من الأمراء والجند ، فانكسر السلطان ، ورجع هاربا إلي مصر، واستتر في بيت مغنية ، وعرض طشتمر علي الخليفة أن يتسلطن ، فأبي ، وقال : اختاروا من شئتم وأنا أوليه ، وعاد هو والقضاة إلي مصر ، ثم ظفروا بالاشرف ، فقتلوه خنقا . ( الدرر الكامنة 288/2 ).

أقول : روي صاحب النجوم الزاهرة القصة بتفصيل أوفي ، قال :

وفي السنة 778 قبض الأمراء بالقاهرة ، علي السلطان الملك الاشرف ، صاحب مصر والشام ، وكان قد فر منهم ، واختبأ في بادنج ( بادكير ) البيت ، وعليه قماش النساء ، فأمسكوا به ، وألبسوه عدة الحرب ، وحملوه إلي قلعة الجبل ثم خنقوه ، ووضعوا جثته في قفه ، وخاطرها ، ورموها في بئر ، فظهرت رائحته بعد أيام ، فأخرجه خدمه ، ودفنوه ( النجوم الزاهرة 75/11 و 76).

وفي السنة 779 اعتقل بمدينة غزة ، الأمير قرطاي ، ونفي إلي طرابلس ثم حمل إلي المرقب حيث قتل خنقا . ( النجوم الزاهرة 154/11 ).

وفي السنة 792 قبض الظاهر برقوق علي الأمير حسام الدين حسن بن باكيش نائب غزة ، وكان قد انحاز إلي خصومه ، فأحضر إليه وهو في الرملة ، فأمر بضربه ، فضرب أربعة وعشرين شيبة ، والنساء تزغرد ، ولما وصل الظاهر إلي غزة ، ضرب ابن باكيش فيها مائة وعشرين شيبة ، ولما وصل إلي القاهرة ، أحضره بالإصطبل ، وعزاه ، وضربه بالمقارع، ثم رسم لوالي القاهرة بأن يحضره ويضربه ، فأحضره وعصره ، وفي السنة 793 أمر الظاهر بقتله ، فقتل خنقا في محبسه بخزانة شمائل ( تاريخ ابن الفرات 188/9 ، 248، 249 ، ،281)

ص: 27

وفي السنة 793 خنق والي القاهرة حسام الدين حسين بن الكوارين ، بأمر من السلطان برقوق ، بعد أن عذب عذابا شديدا ، وضرب ضربا مبرحا ، وقد بقيد ثقيل ، وسحب في الحديد، وعصر ، ونهبت داره ( بدائع الزهور 445/2/1 ونزهة النفوس 339 ).

أقول : كان الأمير حسام الدين الكوراني ، يلي ولاية القاهرة ، ولما حصل الاختلاف في السنة 791 بين السلطان الملك الظاهر برقوق والأمير منطاش بالقاهرة ، واستولي منطاش علي الحكم أخذ والي القاهرة يتقرب إلي منطاش ، وتوجه إلي حيث عائلة السلطان برقوق ، وأخرجهن من دورهن إخراجا عنيفا ، وستهن وسب الملك الظاهر ، وأخرجهن حواسر وجواريهن مسبيات ، وهن في بكاء وعويل ( النجوم الزاهرة 366/11 ) وروي إنه من أجل أن يثير برقوق من استاره قبض علي زوجته وعاقبها ( أي عذبها ) لتدله علي مكان استتار زوجها ( نزهة النفوس 223 ) فلما استعاد الملك الظاهر السلطنة ، قبض علي الأمير حسام الدين الكوراني ، وقيده بقيد ثقيل جدأ ، وضرب ، وعصر ، وعوقب أشد عقوبة ، ونهبت داره ( النجوم الزاهرة 378/11 ) ثم شتد العذاب عليه ( النجوم الزاهرة 379/11 ) وجرع ألوان العذاب ، وضرب في سجنه ضربا مبرحا ( النجوم الزاهرة 7/12 و123) وفي عاشر شعبان من السنة 793 خنق في سجنه ( نزهة النفوس 339 والنجوم الزاهرة 123/12 ).

وفي السنة 793 قتل خنقا في سجن الجرائم بالقاهرة ، القاضي شهاب الدين أحمد بن عمر القرشي ابن الواعظ، قاضي الشام ، وكان قد أعان علي خلع السلطان برقوق ، ولما حاصر برقوق دمشق ، قام القرشي في وجهه ، وحرض عليه العوام ، ولما انتصر برقوق ، قبض عليه ، وحمل الي مصر ، وحبس بسجن الجرائم في القاهرة ، وقتل فيه خنقأ (الدرر الكامنة 246/1)

ص: 28

أقول : زاد ابن الفرات 256/9 بأنه خنق بعد أن ضرب مرارة بالمقارع والعصي ، أما صاحب الضوء إلي اللامع ، فقال :

لما انتصر السلطان الظاهر علي الأمير منطاش ، قبض علي القاضي شهاب الدين بن أبي الرضا ، واستصحبه معه كالأسير ، لأنه كان أشد من ألب عليه في تلك الفتنة ، إلي أن هلك معه من دون سبب ظاهر للهلاك ، فاتهم الظاهر بأنه دست عليه من خنقه ( الضوء اللامع 230/6 )

وفي السنة 794 رسم السلطان بمصر ، بخنق بعض الأمراء ، فخنقوا ( بدائع الزهور 451/2/1 ) .

أقول : روي صاحب نزهة النفوس ( ص 350 ) القصة باختصار ، فقال : في ثامن عشره « انفذ أمر الله وقضاؤه ، في عدة من الأمراء ، فقتلوا ، ومنهم الأمير قرا دمرداش والأمير تغاي تمر نائب سيس .

ومن مساويء الاشرف خليل ، أنه خنق سبعة من الأمراء المقدمين في ليلة واحدة ( بدائع الزهور 128/1 ).

وفي السنة 794 مات الشيخ علاء الدين علي بن عبد الله بن يوسف البيري الحلبي و الفاضل الكامل الاديب ، الكاتب المنشيء الناشر » مخنوقة ( نزهة النفوس 353 ).

أقول : ذكر صاحب النجوم الزاهرة 132/12 إن مقتل الشيخ علاء الدين كان في السنة 801 وهو وهم ، وجاء في إعلام النبلاء 12/5 إن الشيخ علاء الدين اتصل بالأمير يلبغا الناصري الذي شارك في خلع الظاهر برقوق ، فلما عاد برقوق إلي السلطة ، وقتل الأمير يلبغا الناصري ، قبض علي الشيخ علاء الدين وحمله إلي القاهرة .

وفي السنة 798 قبض علي الأمير محمد بن جمال الدين ، وسجن بالبرج ، وسلم إلي علاء الدين الطبلاوي ، والي القاهرة ، فعاقبه أشد

ص: 29

العقوبة ، وعصره بالمعاصير ، حتي أشرف علي الهلاك ، ثم خنق في السنة 799 ( بدائع الزهور 479/2/1 و489 ).

أقول : الذي في نزهة النفوس ( ص 342 و404 و424 و447 ) أن الأمير ناصر الدين محمد بن الأمير جمال الدين محمود الأستادار استقر في السنة 794 نائبا للسلطان في الاسكندرية ، وفي السنة 797 قدم من الإسكندرية وقدم للسلطان تقدمة عظيمة من الذهب والحرير والخيول ، « فقبلت وشكرت » ، وفي السنة 798 ستم ناصر الدين إلي والي القاهرة ابن الطبلاوي ، فأهانه ، وأخرق به ، وجده من ثيابه ليضربه بحضور الخاص والعام ، فقال له : يا أمير ، قد رأيت عزنا وما كنا فيه ، وقد زال ، وعزك أيضا ما يدوم ، وفي السنة 799 ضرب فوق أربعمائة عصاة وسقط ، ولكن الذي مات في هذه السنة هو أبوه الأمير محمود ، وقد أثبتنا خبر وفاته في هذا الكتاب في الباب العاشر : ألوان من العذاب ، الفصل الأول : تعذيب العمال المصروفين .

وفي السنة 799 قبض علي الوزير المعروف بابن البقري ( سعد الدين نصر الله ، وكان والي القاهرة ) وصودر ، وعوقب ، وضرب ضربا شديدا ، وأخرج نهارا وهو عاري البدن ، مكشوف الرأس ، مربوط بجيل يجر به ، وثيابه مضمومة بيده ، ثم خنق ( خطط المقريزي 96/2 ).

وفي السنة 800 اتهم السلطان بمصر ، الأمير علي باي ، بالتامر عليه ، فاعتقله ، وأحضره ، وأحضر المشاعلي ، وأحضر المعاصير، وعصر بحضرته ، وفي اليوم الثاني عذب بين يدي السلطان عذابا شديدا ، حتي كسرت رجلاه وركبتاه ، ثم إن السلطان ضربه بعكاز كان في يده من الفولاذ ، فخسف صدره ، فأخذ الي الخارج ، وخنق ( بدائع الزهور 56/2/1 و 507 ) .

أقول : روي صاحب نزهة النفوس 466 - 471 قصة مؤامرة الأمير علي باي علي السلطان بتفصيل ، فراجعها هناك .

ص: 30

وفي السنة 802 أمر السلطان بدمشق ، بخنق الأمير تنم نائب الشام ، والأمير يونس الرماح ، فخنقا ( بدائع الزهور 583/2/1 ).

ولما فتح تيمورلنك دمشق في السنة 803 كان من جملة ما عذب به الدمشقيون ، أن يربط رأس المعذب بحبل ، ثم يلوي حتي يغوص في لحمه ، وكلما قارب الموت ، خلي عنه ، ثم يعاد تعذيبه ، ويكرر عليه العذاب حتي يموت ، ثم يعذب وهو ميت ، لظنهم إنه يتماوت ( النجوم الزاهرة 12/ 244 و245 ).

وفي السنة 806 عاد السلطان أحمد بن أويس إلي العراق ، وقصد الحلة حيث كانت تحت حكم ولده طاهر ، فتشوش منه ولده طاهر وبقية الأمراء ، وحاربوه ، فاستنجد السلطان أحمد ، بقرا يوسف صاحب أذربيجان ، فأنجده بجيش جاء علي رأسه ، وانتصر السلطان أحمد في المعركة ، ومات ولده طاهر ، ثم تشوش السلطان أحمد من قرايوسف ، وطلب منه أن يرسل معه أتابكه يوسف ، معتمدة ، ليسلم اله مالا وقماشة وأجناس ، فلما قدم السلطان أحمد بغداد ، قتل يوسفأ أتابك قرايوسف ، فبلغ قرايوسف الخبر ، فقصد بغداد ، فهرب السلطان أحمد إلي الشام ، ودخل قرايوسف بغداد ونهبها ، وبعد قليل وصلت طلائع جيش أبي بكر بن ميرزاده ميران شاه إلي بغداد ، وتصدي له أمراء آخرون ، فانتصروا علي قرايوسف وقتل في المعركة يار علي أخو يوسف ، وأسرت امرأة قرايوسف أم اسكندر وأسبان ، وفر قرايوسف إلي الشام ، فاتفق أن سلطان مصر قبض عليهما وحبسهما في موضع واحد، فتصالحا، ولما مات تيمور أطلقا ، فلما وصلا إلي الرها، تعاهدا ، وتحالفا علي أن تبريز وأعمالها ليوسف ، وبغداد وأعمالها للسلطان أحمد، وكان ذلك في السنة 808 ثم إن علاء الدولة بن السلطان أحمد ، قصد أذربيجان علي رأس جيش ، لطرد قرايوسف عنها ، فحاربه يوسف ، وأسره ، فكتب

ص: 31

إليه السلطان أحمد ، يطلب إطلاق ولده ، فأني ، لاعتقاده بأن مجيء علاء الدولة علي رأس الجيش ، إنما كان يأمر من أبيه السلطان أحمد الذي غدر به وحنث باليمين التي حلفها له لما عادا من الشام ، وعند ذلك جيش السلطان أحمد جيشأ ، وقصد قرايوسف ، فاشتبكا في معركة كانت عاقبتها أن انفل جيش السلطان أحمد ، ووقع أسيرة في يد يوسف في السنة 813 فأراد يوسف استبقاءه ، فأصر أمراؤه علي قتله، فقال لهم : أنا لا أقتله ، وشأنكم وما تريدون ، فقتلوا السلطان أحمد خنقأ ، كما قتل ولده علاء الدولة (تاريخ الغياثي 206 - 210 و 239 - 241).

وفي السنة 812 قتل خنقأ ، في السجن بدمشق ، محمد بن موسي الدمشقي ، بأمر جمال الدين الاستادار ، حقد عليه تصرف تصرفه معه أيام كان خام بحلب ، وكان محمد موقع الدست في حلب ( الضوء اللامع 63/10)

وفي السنة 811 قبض علي الأمير يلبغا السالمي ، وأسلم إلي خصمه الأمير جمال الدين يوسف ، فعاقبه ، وبعث به إلي الاسكندرية ، فاعتقل بها ، وسعي جمال الدين في قتله بمال بذله للناصر ، فأذن له في قتله ، فخنق في عصر يوم الجمعة ، وهو صائم ( خطط المقريزي 292/2 وشذرات الذهب 95/7 و 96) .

وجاء في الضوء اللامع ما يلي : وفي السنة 803 قبض علي الأمير يلبغا الظاهري ، الاستادار بالقاهرة ، وأهين ، وعوقب ( أي عذب ) وعصر ، ونفي إلي دمياط ، ثم أعيد في السنة 805 وتقرر في الوزارة ، ثم قبض عليه ، وعوقب ، وحبس ، ثم أطلق في السنة 807، وأسلم إلي جمال الدين الاستادار ، وكان قد نبت بينهما عداء ، فعذبه ونفاه إلي الإسكندرية ، ثم بذل فيه جمال الدين مالأ جزيلا ، فأذن له في قتله ، فقتل في محبسه خنقأ ، وهو صائم في رمضان ، يوم الجمعة ، بعد صلاة العصر ، في السنة

ص: 32

811، ولم يعش جمال الدين بعده إلا عشرة أشهر ( الضوء اللامع 290/10)

وفي السنة 812 جاء دور الأمير جمال الدين يوسف ، إذ قبض عليه السلطان وهو بدمشق ، وضربه «علقة مرعدة » ثم قتله في السجن خنقا ( بدائع الزهور 795/1 و 799 ).

وقد أثبت صاحب الضوء اللامع ، الخبر ، بتفصيل أوفي ، قال : وفي السنة 812 قبض السلطان الناصر علي الأمير جمال الدين أبي المحاسن يوسف بن أحمد الأستادار ، وكان قد بلغ مبلغا عظيما في المملكة ، فلم يزل أعداؤه بالناصر يغيرونه حتي أمر بالقبض عليه ، وعلي ولده ، وحاشيته ، وأوقع الحوطة علي موجوداته ، وأسلمه ألي أعدائه ، فقتلوه في حبسه خنقأ ، قتله حسام الدين والي القاهرة ، وقطع رأسه وأحضرها أمام السلطان ، فردها وأمر بدفنه ( الضوء اللامع 297/10 ).

وفي السنة 814 قتل خنقا أحمد بن أخت جمال الدين الاستادار ، وأخو حمزة ، وكان ممن صودر في محنته مع أقربائه وآله ( الضوء اللامع 297/10)

وفي السنة 814 خامر الأمير تمراز الناصري ، علي السلطان الناصر ، فال أمره أن قتل خنقا ( الضوء اللامع 38/3 ) .

وفي السنة 816 قتل خنقأ في الحبس والعذاب ، فتح الدين ، فتح الله بن مستعصم التبريزي ، كاتب السربالديار المصرية ، غضب عليه السلطان المؤيد لشيء بلغه عنه ، فأمر بحبسه وتعذيبه ، فحبس وعذب وخنق ( الضوء اللامع 166/6 وخطط المقريزي 63/2 ) .

وفي السنة 824 توفي الملك المؤيد شيخ ، فأعلن الأتابك الطنبغا العصيان ، وتحصن بدمشق ، فخرج الأمير ططر أتابك العسكر ، ومعه الملك

ص: 33

المظفر أحمد بن شيخ ، وهو طفل ، ولما دخل ططر دمشق ، استسلم إليه الأتابك الطنبغا ، والأمير جقمق ، فأمر بهما فحبسا، ثم قتلهما خنقأ ، ثم عزل الملك المظفر ، وأعلن سلطنته ، ولكن سلطنته لم تدم إلا ثلاثة أشهر ومات ( خطط الشام 197/2 ).

وفي السنة 835 قبض الأمير أصبهان بن قرايوسف ، علي السلطان حسين بن علاء الدولة بن أحمد بن أويس ، سلطان بغداد ، وكان قد أمنه ، فأوعز إلي أصحابه ، أن يغروه بالهرب ، ليتخذ من هربه حجة علي سقوط أمانه ، ففعلوا ، ولما فر ، قبض عليه وخنقه (تاريخ العراق للعزاوي 81/3 وشذرات الذهب 213/7 ) .

وذكر صاحب الضوء اللامع 160/3 قصة مقتل السلطان حسين بن علاء الدولة في السنة 835، فذكر : إن تيمورلنك كان قد أسر حسينا وأخاه حسنا ، وحملهما إلي سمرقند ، ثم أطلقهما ، فاتصل حسن بالناصر فرج ، ومات عنده بمصر ، وأما حسين فتنقل في البلاد، إلي أن دخل العراق ، فوجد شاه محمد بن شاه ولد بن أحمد بن أويس ، وكان أبوه شاه ولد صاحب البصرة ، فلما مات خلفه شاه محمد، فصادف السلطان حسين ، الشاه محمد وقد حضره الموت ، فأوصي له بأملاكه ، فاستوي علي البصرة وواسط وبقية أملاكه ، فطمع أصبهان ( أسبان ) شاه بن قرايوسف في حيازة تلك الأملاك ، وقصد السلطان حسين وحاربه ، فأنتمي السلطان حسين إلي الشاه رخ ابن تيمور ، فقوي وملك الموصل وإربل وتكريت ، ثم انقلب الحال ، وتغلب أصبهان شاه ، وأخذ يدخل كل بلد ويحرقه حتي حصر حسين في الحلة ، وأعطاه الأمان ، فنزل ، فقتله خنقا .

وفي السنة 841 قتل خنقأ الأمير تمراز المؤيدي ، نائب صفد، ثم نائب غزة ، جري خنقه بسجن الإسكندرية ( الضوء اللامع 38/3 ).

ص: 34

وفي السنة 858 قام قاضي حلب ، سالم بن سلامة بن سلمان الحموي ، بقتل ابن قاضي عينتاب خنقأ ، بغير مسوغ ، فحبس القاضي سالم من أجل ذلك بقلعة حلب ، ثم خنق علي باب محبسه ( الضوء اللامع 242/3)

وفي السة 905 تحرك الأمير جان بلاط ( بولاد ) علي الملك الظاهر بالقاهرة ، وأعلن نفسه سلطانا باسم الملك الأشرف ، فخالفه قصروه نائب الشام ، فسير إليه الأشرف جيشأ ، ولكن الجيش المسير اتفق مع النائب قصروه ، وعادوا إلي القاهرة ، فحصروا الأشرف جان بلاط في السنة 906 ، وخامر عسكر جان بلاط عليه ، فلم يبق معه أحد ، فصعد طومان باي إلي القلعة ، فاعتقل جان بلاط ، وحمله إلي الاسكندرية ، حيث قتل هناك خنقا ( الكواكب السائرة 171/1 ).

وكان القتل عند السلطان سليم العثماني ( سلطنته 918 - 926 ) من أسهل الأمور وأهونها ، وقد قتل سبعة من وزرائه لأسباب تافهة ، ولما تسلطن خنق إخوته ، وغيرهم من أهل بيته وعددهم سبعة عشر نفرة ، حتي كان الأتراك يقولون : من أراد الموت ، فليكن وزيرة عند السلطان سليم ( خطط الشام 230/2 ).

وفي السنة 924 قتل خنقا في السجن، المهدي بن أحمد القطبي ، رئيس جازان ، وكان قد سير أخاه عز الدين علي رأس جيش الاحتلال زبيد فاحتلها ، ثم كر راجعا علي أخيه المهدي ، فقبض عليه ، وخنقه في السجن (الاعلام 256/8 ).

وفي السنة 928 أمر السلطان سليمان العثمان بن السلطان سليم ، بقتل علي بيك شاه سوار وأولاده ، فقتلوا خنقأ ، وتفصيل القصة : إن السلطان سليم العثماني ، قصد في السنة 920 الشاه اسماعيل الصفوي ، سلطان العجم ، فمر بعساكره من طريق البيرة ، وكان بها نائب للغوري هوعلاء

ص: 35

الدولة ، أخو شاه سوار ، فاعتدي أصحابه علي أحمال ذخائر السلطان سليم ، وأخذوا منها شيئا كثيرا ، فحقدها السلطان سليم علي علاء الدولة ، ولما عاد من محاربة الشاه إسماعيل ، سير جيشأ إلي علاء الدولة ، صحبة سنان باشا الطواشي ، واشتبك مع عسكر علاء الدولة في معركة كانت عاقبتها أن آنفل جيش علاء الدولة ، وقتل هو وكان قد أناف علي التسعين وقتل معه أكثر أولاده ، فقطعت رؤوسهم ، وبعث بها إلي السلطان الغوري ، ونصب السلطان سليم في موضع علاء الدولة ، ابن اخي علاء الدولة وهو علي بيك بن شاه سوار ، وفي السنة 928 أرسل السلطان سليمان القانوني وزيره فرهاد باشا ، فلما وصل إلي مدينة توقات ، أرسل إلي علي بك يدعوه للمذاكرة معه ، فحضر مع ولده صارو أرسلان وعدة من أولاده الآخرين ، فقبض عليهم فرهاد باشا ، وأمر بخنقهم ، فخنقوا بأجمعهم ولم يبق منهم أحد ( اعلام النبلاء 116/3 - 118 و176).

وبناء علي أمر من السلطان سليمان القانوني (ت 97) قتل خنقا ، ولده بايزيد ، مع أربعة صبيان هم أولاد بايزيد ، تم إعدامهم في موضع واحد، وفي وقت واحد ، وسبب ذلك : إن السلطان سليمان كان قد قسم مملكته بين أولاده الثلاثة ، مصطفي ، وبايزيد ، وسليم ، ووقعت حرب بين مصطفي و بايزيد ، فانكسر بايزيد ، ولجأ إلي ملك العجم الشاه طهماسب ، فأكرمه ، وجرت مراسلات بين السلطان سليمان والشاه طهماسب ، أدت إلي أن بعث السلطان سليمان بعثة برئاسة خسرو باشا ، لقتل بايزيد ، ولما واجه خسرو باشا بايزيد ، عرف مصيره ، فاستمهل ليصلي ركعتين ، فخنقه خسرو باشا وهو يصلي ، ثم أحضروا أولاد بايزيد ، وهم أربعة ، فخنقوهم معه ، وأخذوا جثهم إلي السلطان سليمان ( تراجم الأعيان 234/1 - 237) .

وخنق الأمير جانم الحمزاوي ، بمصر ، فتي من أقرباء القاضي شرف الدين الصغير ، وسلمه إلي أمه مخنوقا ، وتفصيل ذلك : إن الأمير جانم

ص: 36

الحمزاوي ، كان يحقد علي القاضي شرف الدين ، فذهب إلي الباب العالي ( اصطنبول ) وسعي في قتل شرف الدين ، وحصل علي مرسوم سلطاني بقتله ، فخاف شرف الدين ، وسافر بعده إلي اصطنبول ، فواجهة الأمير جانم في اسكدار ، وخدعه ، وجامله ، وعاد معه ، فلما وصلا إلي مصر ، أبرز المرسوم ، وسلم شرف الدين إلي الصوباشي ، فعذبه بالاسكنجة ( الاسكنه ، فارسية : مثقب النجار ، بريمه ) ، واستصفي أموله وقتله ، ثم اعتقل فتي من اقرباء شرف الدين شابة ما نم عذاره ، وكانت له أم حنون هو وحيدها، وكانت مولعة به مجنونة بحبه ، فدارت علي جميع العلماء والصلحاء ، وتولت بالمشايخ والأولياء ، وحملت الجميع علي الأمير جانم ، ليعيد إليها ولدها، فأظهر لهم إجابة سؤلهم ، ووعد بتسليمه في ليلة معينة ، ودت له السم ، فلم يعمل فيه ، فأمر بخنقه ، وسلمه إلي أمه مخنوقأ ، فلما قام الوالي سليمان باشا ، والي مصر، بقتل الأمير جانم الحمزاوي وولده ، وعلق رأسيهما بباب زويلة ، تخلقت ( تحنت ) أم القاضي شرف الدين بالزعفران ، شماتة بهما وجاءت حتي وقفت تحت رأسيهما ، وأظهرت فرحها وحبورها ( البرق اليماني 75 - 73)

راجع في بحث الفتك ، القسم الأول من الفصل الأول : القتل بالسيف ، من الباب الحادي عشر القتل ، من هذا الكتاب ، كيفية قتل الأمير جانم الحمزاوي وولده في السنة 944.

وكان ابراهيم بن خضر باني القرمانية ، المتوفي سنة 946 من كبار التجار بحلب ، وله عدة مماليك ، اختلس واحد منهم شيئا من ماله فسعي في قتله ، وصلبه مخنوقة تجاه خان خير بك بحلب ، لكون الإختلاس جري من مخزنه بهذا الخان ( اعلام النبلاء 26/6 ).

وفي السنة 954 عاد الشيخ داود المرعشي إلي دمشق ، وكان من أكابر العلماء ، وهو شيخ الطائفة الأويسية ، فقتل خنقا بأمر من السلطان ورد علي

ص: 37

نائب دمشق ، بسبب ما بلغ السلطان عنه من كثرة أتباعه ، ودعواه أن المهدي الذي يبعث آخر الزمان ، يكون من الأويسية ( الكواكب السائرة 143/2 ).

وفي السنة 976 ولي مصر، للسلطان سليم الثاني العثماني ، الوالي سنان باشا ، فأمر بقتل مصطفي بك أحد أمراء السناجق بمصر ، والنجمي محمد بك ، أمر اللواء بمصر ، فلما وصل إلي مصر ، طلب الأميرين المذكورين ، وسلمهما إلي القابجية ، فنقذوا فيهما الأمر السلطاني ، وخنقا بالوتر، وضبطت مخلفاتهما للديوان ( البرق اليماني 210 ).

وفي السنة 982 توفي السلطان سليم بن السلطان سليمان ، وفي يوم دفنه خنق أولاده الخمسة ، خنقهم أخوهم مراد الذي خلف أباه في السلطنة . ( خطط الشام 239/2 ).

وفي السنة 1002 جري خنق منصور بن فريح في قلعة دمشق ، لظلمه وجوره وتخريبه البلاد ، وكان قد التزم من الدولة العثمانية لواء صفد ، وكان في أول أمره بدوية من خدام ابن الحنش ، ثم ترقي به الحال ، وألتزم أموالا عظيمة علي لواء صفد ، ولواء نابلس، وإمارة الحاج ، وخرب بلاد كثيرة ، وقتل خلق كثيرة ( خطط الشام 241/2 و 24 ).

وفي السنة 1003 قتل خنقا في حبسه ابراهيم باشا، المعروف بدالي ابراهيم ، أحد وزراء دولة السلطان العثماني مراد الثالث ، وكان من الظالمين ، قتل كثيرة من الناس في ديار بكرلما نصبه السلطان أميرا للأمراء فيها ، وأخذ من التاجر رجب خمسة آلاف ليرة ذهبية ثم أمر به فقطع ألي أربع قطع ، واعتقل أحمد باشا وعماد الدين بك ، وأهلكهما تحت العذاب ، فأعتقله السلطان مراد ، ولما توفي السلطان مراد وخلفه ولده السلطان محمد أمر بقتل إبراهيم باشا ، فدخل عليه كبير خواص خدم الديوان ومعه جماعة من الجلادين، مغيرين صورهم ، حتي لا يرتاب منهم ، وجلس ذلك الكبير يكلمه ويشاغله ، وجاء الجلادون من خلفه ، ووضعوا في عنقه حبلا ، وقالوا :

ص: 38

أمر بذلك السلطان، فرفع مسبحته مشيرة بالشهادة ، ولما مات ألقوه في البحر ( خلاصة الأثر 58/1 ).

وفي السنة 1006 قتل بأمر السلطان ، حسن باشا الطواشي ، الوزير الأعظم ، أحد وزراء دولة السلطان محمد بن مراد ، وكان في أول أمره خزينة دار السلطان ، ثم ولاه مصرأ ، فاختلس من أموال الدولة ، فحوسب وحبس ، ثم أعطي حكومة شروان ، ثم صار وزيرة رابعة ، وكان ظالما جبارة مرتشيا ، ثم صدر أمر السلطان بحبسه ، ثم أصدر أمره بقتله فقتل خنقا ( خلاصة الأثر 71/2)

وفي السنة 1012 قتل خنقأ بأمر السلطان ، الوزير حسن باشا اليمشجي ، وكان قد خرج علي رأس جيش لقتال بعض أعداء الدولة ، فعاد منكسرة ، فعزل ، وصدر أمر السلطان بقتله ، فقتل خنقا (خلاصة الاثر 73/2)

وفي السنة 1013 قتل نصوح باشا ، كافل حلب ، السيد حسين نقيب الأشراف بحلب ، قتله خنقا وقتل معه آثنين من أصحابه ، ورمي بجثثهم في الخندق ، وكان المحرض له علي ذلك السيد لطفي ، شقيق السيد حسين ، فإنه كان يحرض رجال الدولة علي قتل أخيه ، ويزعم لهم إنه يشرب الخمر ، وإنه يلبس لبوس النصاري ، ولما عاد نصوح باشا ، من إحدي حروبه مكسورة ، دس السيد لطفي إلي نصوح باشا من أخبره بأن أخاه السيد حسين قد فرح بانكساره وإنه قد احتفل بذلك وأقام مولدة للفرح ، فذهب الباشا بنفسه إلي دار السيد حسين ، فسمع ضرب الدفوف وأصوات المغاني ، وإمارات السرور ، وكان سببه أن بنت السيد حسين ولدت ولد ذكرا ، فاجتمع النساء للفرح ، ولكن نصوح باشا حسب أن الأمر كما ذكره له السيد لطفي ، فطلب إحضار السيد حسين ، فحضر ومعه اثنان من أصحابه ، فأمر بهم

ص: 39

نصوح باشا ، فخنقوا ، ورمي بجثثهم في الخندق ( خلاصته الأثر 108/2 و109).

وفي السنة 1014 أمر حسين باشا جانبولاد ، كافل حلب ، باعتقال درويش بك بن الأمير أحمد بن مطاف ، وكان يحقد عليه أمورة ، فحبسه في قلعة حلب ، وخنقه لي ، ثم علقه علي باب الحبس ، وادعي أنه هو الذي قتل نفسه ( خلاصة الأثر 364/1 ).

وفي السنة 1018 بدمشق ، قتل شخص من أولاد الجند ، اسمه ابن خضر ، أحد أتباع الوالي حافظ أحمد باشا والي الشام ، وبمعونة شخص اسمه رمضان ، رماه في الخندق ، فأمر الوالي بابن خضر فخنق في القلعة ، وبرمضان ، فصلب تحت القلعة . ( تراجم الأعيان 241/2 و242 ).

وفي السنة 1022 قتل خنقأ الشيخ خضر بن حسين المارديني ، وكان قد أتصل أول أمره بنصوح باشا ، لما كان والية لحلب ، فلما تقلد نصوح باشا الصدارة العظمي ، اختار الشيخ خضر رسولا عن السلطان أحمد العثماني إلي الشاه عباس شاه العجم ، لعقد الصلح بينهما، فسافر إلي بلاد العجم ، ونجحت سفارته ، وانعقد الصلح بين الطرفين ، فارتفع شأن الشيخ خضر ، ثم بلغ نصوح باشا أن الشيخ خضر قال لبعض رجال السلطنة : أنني أنا بتدبيري عقدت الصلح ، ولو سمعت كلام الوزير ما صار الصلح ، فأسرها نصوح باشا في نفسه ، وولي الشيخ خضر دفتردارية وان ، وأخرجه في الحال عن القسطنطينية ، وأرسل إليه في الطريق من خنقه ( خلاصة الأثر 130/2)

وفي السنة 1037 (1626 م) أمر الشريف أحمد بن عبد المطلب ، شريف مكة ، بالقبض علي أبي الوجاهة الشيخ عبد الرحمن بن عيسي المرشدي الحنفي ، قاضي مكة ، ومفتي الحرم المكي ، فحبسه ، ثم خنقه في الحبس ( الاعلام 95/4 والمنجد).

ص: 40

وفي السنة 1039 قتل خنقأ الشريف أحمد بن عبد المطلب بن الحسن بن أبي نمي ، وكان وثب علي ابن عمه الشريف محسن ، فانتزع منه الامارة في السنة 1037 وقتله قانصوه باشا خنقا . ( الاعلام 156/1 ).

وورد خبر مقتل الشريف أحمد في خلاصة الأثر كما يلي : في السنة 1039 أقبل الأمير قانصوه باشا، أمير الحاج المصري ، علي الشريف أحمد بن عبد المطلب أمير مكة ، فقتله ، وكان الشريف أحمد قد اعتقل الشيخ عبد الرحمن المرشدي ، فشفع فيه الأمير قانصوه ، فلم يشفعه ، وأمر به فخنق في محبسه ، فحنق عليه الأمير قانصوه ، وتربص به حتي قبض عليه وقتله ( خلاصة الأثر 240/1 ).

وفي السنة 1043 جهزت الدولة العثمانية جيشأ بقيادة أحمد باشا الأرناؤدي ، لقتال الأمير فخر الدين المعني ، فاشتب، الجيش العثماني ، وجيش فخر الدين ، في معركة قتل فيها الأمير علي بن فخر الدين ، وتوفي أخوه متأثرا بجراحه ، فأستسلم الأمير فخر الدين للقائد احمد باشا الذي دخل به دمشق في موكب حافل ، علي فرس وهو مقيد ، ثم حمل إلي الاستانة ( اصطنبول ) ، فأبقاه السلطان محتاطأ عليه ، ولما قام الأمير ملحم ، حفيد فخر الدين بالعصيان ، وكسر جيش والي دمشق ، أمر السلطان فقطعت رأس الأمير فخر الدين ، وخنق ولده الأكبر ( خطط الشام 262/2 ).

وفي السنة 1043 قتل المولي حسين بن محمد، المعروف بأخي زاده ، مفتي دار السلطنة ، اتهمه السلطان مراد بأنه يعمل في خلعه ، فأحضره ، وأمر بخنقه ، فخنق في الحال ، وأمر بأن يدفن في مكان ويعمي موضع قبره ، وبعث بابنه إلي قبرس ، فاختل عقله ومات هناك .( خلاصة الأثر 111/2 ) .

وفي السنة 1045 قتل خنقا بقلعة دمشق ، قاضي القضاة بها، المولي أحمد بن الملا زين الدين المنطقي ، وكان قد أطلق لسانه بحق بعض ولاة

ص: 41

الأمور ، فشكوه إلي السلطان ، فصدر الأمر بعزله ، ثم ورد « أمر شريف » بقتله فأخذ إلي قلعة دمشق ، وخنق بها ( خلاصة الأثر 200/1 و201).

وبعد أن فتح السلطان مراد العثماني بغداد في السنة 1948 وعاد إلي عاصمة ملكه ، تحرك العسكر من جديد ، وكان الوزير الأعظم رجب باشا ، مستظة بظلهم ، وتكلم المفتي في خلع السلطان ، فأمر السلطان بالوزير الأعظم رجب باشا، فقتل ، وأمر بالمفتي فخنق ، وقتل جماعة من رؤساء العسكر ، فسكنت الفتنة ( خلاصة الأثر 4/ 339 ).

وفي السنة 1099 قام حسن باشا السلحدار ، نائب السلطان العثماني بمصر ، بخنق كتخداه ، لذنب نقمه عليه ( تاريخ الجبرتي 43/1 ) .

وفي السنة 1103 قبض علي باشا ، نائب السلطان العثماني بمصر ، عليي سليم افندي ، وخنقه بالقلعة ، وأنزل إلي بيته محمولأ في تابوت ( تاريخ الجبرتي 45/1 ) .

وفي السنة 1138 نقم والي مصر نيشابخي محمد باشا ، علي المعلم داود ، صاحب عيار ( يسك السكة ) لأنه تلاعب في سكها ، فقبض عليه ، وخنقه ( الجبرتي 204/1 ).

وفي السنة 1411 قتل خنقا الأمير أحمد أفندي ، كاتب الروزنامة ، بأمر الوالي محمد باشا النيشانجي ، فإنه لما خرج الأمير جركس مغضوب عليه من القاهرة ، خرج الأمير احمد افندي معه ، وكان جسيمة ، فانقطع ، وأخذت العرب ثيابه ، وأعيد إلي القاهرة علي ظهر حمار سوقي ، وأحضر أمام الباشا ، فأرسله إلي كتخداه ، ثم أرسله إلي كتخدا مستحفظان ، فحبسه بالقلعة ، وخنقه ليلا (الجبرتي 204/1 ).

وفي السنة 1141 قتل في السجن خنقأ ، أبو مروان عبد الملك بن اسماعيل الحسني ، من ملوك الدولة السجلماسية العلوية بالمغرب ، وكان قد

ص: 42

بويع بمكناسة بعد خلع أخيه أحمد في السنة 1140 ثم انقلب عليه الحال ، فأعيد أحمد، وسجن عبد الملك بمكناسة ، ثم قتل في سجنه . ( الاعلام 95/1 و 301/4 ).

وفي السنة 1159 قتل خنقة السيد فتحي بن السيد محمد الدفتري ، توئي دفترية دمشق ، وكان ظالمة ، وله أتباع يظلمون الناس ، فلما ولي الوزير أسعد باشا العظم دمشق ، كتب پشكوه إلي الدولة ، وضمن تركته بألف كيس ، وصادف أن كان الصدر الأعظم حسن باشا ، وكان يكره السيد فتحي ، فورد الأمر السلطاني بقتله ، ولما وصل الأمر جيء بالسيد فتحي إلي سراي دمشق ، وخنق في دهليز الخزنة التي عند حرم السرايا ، وقطع رأسه وأرسل للدولة ، وطيف بجثته في دمشق ثلاثة أيام في شوارعها وأزقتها ، مكشوف البدن عريانة ، وصودرت أمواله ، وقتل بعض أتباعه وخدامه ( سلك الدرر 287 - 279/3)

وفي السنة 1171 بعث السلطان ، من قتل أسعد باشا العظم في حمام داره بدمشق خنقأ . ( خطط الشام 291/2 و293 ) .

وفي السنة 1182 قبض الأمير علي بك بالقاهرة ، علي الأمير خليل بك القازدغلي ، وأرسله ثغر اسكندرية ، حيث قتل خنقا ( الجبرتي 371/1 ) .

وفي السنة 1183 أمر علي بك رأس المماليك بالقاهرة ، بنفي الأمير علي بك كتخدا مستحفظان إلي رشيد، ثم أرسل إليه من خنقه هناك ( الجبرتي 397/1 ).

وفي السنة 1185 قدم الأمير أبو الذهب ، من مصر ، علي رأس جيش مصري ، فإستولي علي مدينة دمشق عنوة ، ثم انسحب منها عائدة إلي مصر ، فعاد إليها واليها ( كافلها ) عثمان باشا، وولده محمد باشا ، وقدم رئيس «اليرلية » يوسف أغا بن جري من جبل الدروز ومعه خمسة آلاف

ص: 43

درزي ، وبعد مدة رفع عثمان باشا ، يوسف اغا المزبور إلي القلعة ، وحبسه بها ، ثم أمر بخنقه ، فخنق ، اتهمه بأنه كان المحرض لحكام مصر علي إرسال الجيش لفتح الشام ( سلك الدرر 56/1 ).

وفي السنة 1187 شرع الامير علي بك بالقاهرة ، في قتل خصومه ، فكان يبعث إليهم من يخنقهم ، فخنق علي كتخدا الخربوطلي برشيد ، وحمزة بك بزفتا ( تاريخ الجبرتي 378/1 ).

واطلع الأمير محمد باشا المجاهد، صاحب الجزائر (1179۔ 1205) (1765 - 1790 م) علي خيانة الخزناجي ، فأمر بقتله ، فقتل خنقأ ، وتفصيل ذلك : إن محمد باشا ، صاحب الجزائر ، عاتب صالح باي ، صاحب قسنطينة ، علي تصرفه خلافا لأوامره ، فأخرج له رسائل من الخزناجي ، تأمره بذلك التصرف ، فغضب الأمير من ذلك ، وأمر حسن وكيل الخرج ، وكان زوج ابنة الخزناجي ، أن يقتل والد زوجته ، فقال له حسن : أنا اكفيك أمره ، وفي اليوم التالي ، أشار حسن الي الباش شاوش ، إشارة فهمها ، وتقدم من الخزناجي ليقبل يده ، فلما أمسك يده ، سحبه ، ونزع عنه اليطغان ، وأمر أصحابه فكتفوه ، وذهبوا به إلي دار سركاجي ، حيث قتلوه خنقأ ، وكافأ الباشا حسن وكيل الخرج ، فنصبه خزناجيا ، مكان صهره القتيل ( مذكرات الزهار 49 و 50 ).

وفي السنة 1187 ورد أمر الدولة ( مرسوم من إصطنبول ) بطلب رأس عبد الله كتخدا ، ونعمان افندي ، ومرتضي اغا ، ومصطفي افندي الأشقر ، كاتب ديوان علي بك ، وتبين أن عبد الله كتخدا ، قد قتله محمد بك ابو الذهب في السنة 1189 ، ونعمان افندي ذهب إلي الحجاز ، ومرتضي أغا اختفي ، فأحضر الباشا ، مصطفي افندي الاشقر ، وأمر بخنقه ، فخنقره ، وسلخوا رأسه ، ودفنوه بالقرافة ، وأخذ الباشا موجوداته إلي الميري ( الجبرتي 439/1)

ص: 44

وفي السنة 1191 اتفق الأمير اسماعيل بك ، مع أتباعه ، علي قتل اسماعيل بك الصغير ، أحد الأمراء ، وكان قد حدثته نفسه بالإنفراد بالأمر ، وركب في آخر الليل مع صناجقه وعساكره وأحاطوا بيت اسماعيل بك الصغير ، وحصروه ، فخرج وحاربهم ، وصار يتخلص من عطفة إلي عطفة ، وأصيب بسيف علي عاتقه ، وسقطت عمامته ، وأحتاطوا به ، وأنزلوه فأجلسوه علي دكان ( دكة ) وعصبوا رأسه بعمامة رجل جمال ، فأمر اسماعيل بك بأن يرسلوه إلي بيت الوالي ، حيث خنق هناك ، ووضعوه في تابوت ، وأرسلوه إلي بيته ( الجبرتي507/1 ) .

وفي السنة 1195 قبض الأمير مراد بيك علي الأمير ابراهيم بك أوده باشا واتهمه بأنه يكاتب عدوهم إسماعيل بك ، وخنقه ( الجبرتي 552/1 ) .

وفي السنة 1205 اسندت ولاية دمشق ، إلي أحمد باشا الجزار للمرة الثانية ، ودام حكمه فيها خمس سنين ، فعامل الناس بقسوة عظيمة ، حتي نزح كثير من السكان ، وتركوا أوطانهم ، وكان في كل سنة ، يقتل في قلعة دمشق بدون تحقيق أناسا ، وقد قتل في السنة 1206 مائة وستين رجلا خنقأ ، وفي السنة 1207 قتل نحو ستين ( خطط الشام 8/3 ) .

وفي السنة 1214 لما استقرت الحرب بين الجيش الافرنسي ، وبين المماليك وأهل القاهرة ، اتهم الناس مصطفي أغا مستحفظان ، بأنه يخفي في بيته جماعة من الفرنسيين ، فهجموا علي داره ، ووجدوا فيها أنفارة من الفرنسيس ، فقبضوا علي الأغا، وأحضروه أمام عثمان كتخدا ، ثم تسلمه الانكشارية ، وخنقوه ليلا ، ورموا جيفته علي مزبلة خارج البلد ( الجبرتي 331/2)

وفي السنة 1217 خنق الأمير محمد بن عبد الله الشاوي الحميري ، من امراء العراق ، وخنق معه أخوه عبد العزيز، ودفنا بقرب الموصل، أمر بخنقهما والي بغداد علي باشا ، خلف سليمان باشا ، وكان سليمان باشا قد

ص: 45

أرسل الأمير محمد في سفارة إلي الدرعية ، إلي أمير نجد ، وبعد عودته اتهمه الأتراك بأنه مال للوهابيين أمراء نجد ، وقتل وأخوه خنقأ ( الأعلام 120/7)

أقول ذكر العزاوي في تاريخه 155/6 ان القتل حصل في السنة 1218)

وفي السنة 1218 متر والي القاهرة بناحية الجمالية ، فوجد إنسانا من أكابر غزة ، اسمه علي أغا شعبان ، كان مهندسا في عمارة الباشا ، وكان علي أغا جالسا علي دكان يتنزه ، وفرسه وخدمه وقوف أمامه ، فأمره بالركوب معه ، فركب ، وذهب صحبته ، فخنقه وأخذ ثيابه وفرسه وكان في جيبه ألف دينار ذهبا خلاف الورق ( الجبرتي 592/2 ).

وفي السنة 1218 حضر والي القاهرة ، إلي قصر الشوك ، ونزل عند رجل من تجار خان الخليلي اسمه عثمان كجك ، فتعشي عنده ، ثم قبض عليه ، وختم علي بيته ، وأخذه صحبته ، ثم خنقه في تلك الليلة ورماه في بئر ، فاستمر بها أياما حتي انتفخ ، فأخرجوه ، وأخذته زوجته فدفنته ( الجبرتي 611/2)

وفي السنة 1218 أمر طاهر باشا ، قائمقام الوالي بمصر ، فخنق الأمير أحمد كتخدا علي باش اختيار الإنكشارية ، ومصطفي كتخدا الرزاز كتخدا العرب ، وكانا محبوسين بالقلعة ، وضربوا وقت خنقهما مدفعين ، ورموهما إلي الخارج ( الجبرتي 574/2 ).

وفي السنة 1223 وردت الاخبار من إصطنبول ، بأن الينكجرية ، تأمروا في ليلة السابع والعشرين من رمضان ، وهاجموا السراي السلطاني، فقتلوا من وجدوا ، أما مصطفي باشا البير قدار فإختفي منهم في سرداب ، ولكنه مات تحت الردم ، فسحبوه من رجله وعلقوه علي شجرة ، ومثلوا به ، وقتلوا قاضي

ص: 46

باشا ، وعبيد الله رامز قبودان باشا، وكان السلطان محمود لما شعر بمؤامرة الينكجرية عمد إلي أخيه السلطان المعزول مصطفي فخنقه ( الجبرتي 245/3 ) .

وكان جلال الدين والي حلب في السنة 1227 قد عين اثنين من طرفه ، يتجسسان علي الناس ، ويقدمان قوائم بأسماء من ينبغي مصادرته ، ومقدار ما يقتضي أن يصادر عليه ، فيقولان : هذا يستحق جرمين ، والجرم أربعون كيسا ، والكيس خمسمائة قرش ، فيحضر ويطالب ، ويزج به في السجن في القلعة ، ويوضع في رقبته زنجير له شوك ، ويكلف بإحضار ما تقرر عليه ، من جرم أو جرمين أو أكثر، فإن أذي ، أطلق ، ومن لم يؤد خلال ثلاثة أيام ، خنق ليلا، وألقيت جثته تجاه باب القلعة ، وكلما خنقوا واحدة ، أطلقوا مدفعأ ، فكان عدد المخنوقين يعرف بعدد المدافع ، وكان الناس في اليوم الثاني ، يتحدثون بأن فلان ضربوا طوبه ، أي إنه خنق ، وكانوا لا يمكنون أهالي المخنوق من رفع جثته ، بل يضعون عسكرة يحافظون علي الجثث الملقاة في الخندق ، وربما جاء بعض أهالي المخنوقين ليلا ، فيتسللون إلي حيث جثة قريبهم فيحملونه ، أو يحملون بعض أعضائه ، إذا كانت أوصاله مقطعة ، إلي حيث يدفن ( إعلام النبلاء 375/3 - 377).

ولما استولي الحاج علي باشا ، في السنة 1224 (1809 م ) علي الحكم في الجزائر ، عزل باي وهران ، ونصب مكانه الباي محمد ، من أولاد الباي محمد الذي فتح وهران ، ووتي نعمان باية بقسنطينة ، وبعد سنة ، أمر بخنقه ، ونصب مكانه جعفر باي ( مذكرات الزهار 105 ).

وفي السنة 1228 التجأ سعيد بك بن سليمان باشا، إلي حمود الثامر شيخ المنتفق ، فخرج الوزير عبد الله باشا، والي بغداد ، مع جيش ، لمحاربة حمود الثامر ، واصطدم الجيشان في معركة ، فانكسر الجند العثماني ، وأخذ الوزير عبد الله باشا ، والكتخدا طاهر ، وسليمان اغا كهية البوابين أسري ، وبعد يومين مات برغش بن حمود الثامر ، متأثرة من جراح

ص: 47

أصيب بها في المعركة ، فعمد أخوه راشد بن ثامر ، إلي الوزير والكتخدا وكهية البوابين ، فخنقهم ، ودفنهم ، ثم أخرجهم وقطع رؤوسهم وبعث بها إلي سعيد بك ( تاريخ العراق للعزاوي 214/6 - 217) .

وفي السنة 1230 (1814 م ) نصب محمد باشا ، أميرة علي الجزائر ، بترشيح من عمر اغا، وبعد سبعة عشر يوما اتفق عمر اغا مع العسكر ، وعزلوا محمد باشا ، واعتقلوه ، وأخذوه إلي موضع قتل العسكر ، وخنقوه ، ونصب عمر آغا مكانه ، فأصبح عمر باشا ( مذكرات الزهار ص 115).

وفي السنة 1232 (1816 م ) هاج العسكر بالجزائر ، علي عمر باشا ، والي الجزائر ، وأرسلوا إليه يقولون : لا حاجة لنا بك، وقد نصبنا أميرة غيرك ، ولما فاوض عمر باشا وزراءه ، راهم ساكتين مطرقين برؤوسهم ، فعلم بأنهم قد أسلموه ، وعندئذ خلع ما كان يتقلد من السلاح ، وذهب الموضع يقال له : الجنينة ، وأستقبل القبلة ، وأمرهم أن يخنقوه ، فتقدم إليه الحراس ، وخنقوه ، وبعثوا بخنجره إلي علي خوجه التركي ، الذي نصبه الجند واليأ ، باسم علي باشا ( مذكرات الزهار 131 و132 ).

وفي السنة 1232 (1816) تولي علي باشا ، إمارة الجزائر ، فأتي بمائتين من العسكر وأبقاهم معه ، وفي الغد عزل جميع الوزراء ، فمنهم من أبقاه علي قيد الحياة ، ومنهم من قتله ، أما الأغا، فأمر الخليفة بخنقه ( مذكرات الزهار 132).

وفي السنة 1237 قتل خنقأ الشيخ عبد الرحمن بن حسن الجبرتي ، المؤرخ المشهور ، وكان قد قتل له ولد ، فبكاه حتي ذهب بصره ، وفي رمضان 1237 قتل خنقا بشارع شبرا ، وربط بحبل في إحدي رجلي حماره ، وكان آتية من قصر محمد علي بشبرا ، واتهم بقتله محمد بك الدفتردار الذي كان حاقدا عليه . ( الاعلام 75/4 ).

ص: 48

وفي السنة 1246 (1830 م ) بعثت الدولة العثمانية من إصطنبول ، إلي بغداد ، مبعوث اسمه صادق افندي ، ومعه تعليمات بعزل داود باشا ، والي بغداد ، ومحاسبته ، وأحسن داود باشا بذلك ، فبعث إليه كل من محمد افندي المصرف وسليمان أغا الميراخور ، ورمضان أغا الجوخدار ، وخالد أغا حاجب الباشا ، فذعر صادق أفندي لما رآهم ، أذ عرف أنهم جاءوا لقتله ، فأستعطفهم من دون فائدة ، وقام خالد اغا بخنقه ( حكم المماليك في العراق 253 و254).

وفي السنة 1260 خرج كامران شاه ، ملك الأفغان ، من مدينة هراة ، إلي قرية من ضواحيها ، فخنقه وزيره يار محمد خان البامي زائي ، وانقرضت بموته الأسرة السدوزائية في حكم الأفغان ( اعيان القرن الثالث عشر 287).

وفي السنة 1301 (1884 م ) ، قتل أحمد مدحت باشا، أبو الأحرار، خنقأ ، في سراي الطائف ، حيث كان معتق ، وقطع رأسه وأرسل إلي السلطان عبد الحميد . ( مشاهير الشرق لجرجي زيدان 480/1 ) .

ص: 49

الخنق بالشاروفة

الشاروفة : عصا غليظة في طرفيها حبل ، فإذا أريد خنق أحد ، أدخل رأسه في انشوطة الحبل ، وأديرت العصا ، فتضيق الأنشوطة علي العنق ، فهي كالفلق ، إلا أنها أصغر حجما .

والملاحون في العراق ، يطلقون كلمة الشاروفة ، علي حبل يربط طرفه في أعلي الصاري ، وفي طرفه الآخر أحزمة عدة ، يضعها المادون في أوساطهم أذا قاموا بمد سفينة عكس تيار الماء .

وبلغ عضد الدولة (ت 372 ) ، أن أعرابي من بني عقيل ، اعترض سفينة من سفن المعاون ، وهي مصعدة من بغداد ، وأخذ قهرا من السفينة ، شاروفة ، فأمر به فاعتقل ، وخنق بالشاروفة ، في الموضع الذي أخذها فيه ، ثم صلب . ( ذيل تجارب الأمم 55/3 و56 ) .

وفي السنة 457 صدر أمر السلطان ألب أرسلان ، بقتل عميد الملك الكندري ، فبعث إليه إلي مرو الروذ غلمانا لقتله ، فدخلوا عليه ، فقال أحدهم : قم ، فصل ركعتين ، وتب إلي الله تعالي ، فقال : أدخل ، وأودع أهلي ، فقالوا : أفعل ، فدخل إلي زوجته ، وارتفع الصياح ، وتعلق الجواري به ، ونشرن شعورهن ، وحثون التراب علي رؤوسهن ، فدخل إليه الغلام ، وقال له : قم ، فقال : خذ بيدي ، فقد منعني هؤلاء الجواري من الخروج ،

ص: 50

فأخذوه الي مسجد هناك ، فصلي فيه ركعتين ، ثم مشي حافية إلي وراء المسجد ، فجلس ، وخلع فرجية سمور كانت عليه ، فأعطاهم إياها ، وخرق قميصه وسراويله ، حتي لا يؤخذا وجاءوه بشاروفة ، فقال : لست بعيار ولا الص فأخنق ، والسيف أروح لي ، فشدوا عينيه بخرقة خرقها هو من طرف كمه ، وضربوه بالسيف ، وأخذوا رأسه ، وتركوا جثته ، وكان عمره نيفا وأربعين سنة . ( المنتظم 8/ 239 ).

ص: 51

ص: 52

الفصل الثاني: الشنق

الشنق : ربط عنق المعذب بحبل ، وتعليقه حتي يموت . والبغداديون يسمون الشنق : صلب .

وما يزال إلي الآن في وسط بغداد ، جامع اسمه جامع المصلوب لأن الوالي الذي بناه صلب ، ويقولون ، إن الوالي بعد أن تم بناء الجامع ، كانت في حائط سوره خشبة بارزة ، فأرادوا قطعها ، فقال دعوها ، عسي أن يصلب عليها أحد ، فكان هو المصلوب الذي علق عليها .

وهذا اللون من العذاب يمارس منذ ابتداء العهد الأموي .

وللناس ، حول الصلب ، أقاصيص ونوادر ، منها ، ما أورده التوحيدي في البصائر والذخائر (م 2 ق 1 ص 98 ) ، قال : وقف مديني علي قاص وهو يذكر ضغطة القبر ، ثم قال : يا قوم كم في الصلب من الفرج العظيم ، ونحن لا ندري ، إذ يتخلص المصلوب من ضغطة القبر .

وسار جحا ، علي هذا الرأي ، لما مات جاره ، فأرسل جحا للحفار ، يحفر له قبرا ، فجري بينهما لجاج في أجرة الحفر ، فمضي جحا إلي السوق ، واشتري خشبة بدرهمين ، وجاء بها ، فسئل عنها ، فقال : إن الحفار لا يحفر القبر بأقل من خمسة دراهم ، وقد اشترينا هذه الخشبة بدرهمين ، لنصلبه عليها ، ونربح ثلاثة دراهم ، ويستريح من ضغطة القبر ، وسؤال منكر ونكير ( اخبار الحمقي 46).

ص: 53

وقال المدائني : تذاكر قوم من ظراف البصرة الحسد ، فقال رجل منهم : إن الناس ربما حسدوا علي الصلب ، فأنكروا ذلك ، ثم جاءهم بعد أيام ، فقال : إن الخليفة قد أمر أن يصلب الأحنف ، ومالك بن مسمع ، وقيس بن الهيثم ، وحجام يعرف بحمدان ، فقالوا : هذا الخبيث ، يصلب مع هؤلاء ؟ فقال : ألم أقل لكم أن الناس يحسدون علي الصلب ؟ ( البصائر والذخائر م 2 ق 1 ص 11).

ومر الماهاني ، بمنجم قد صلب ، فقال له : هل رأيت هذا في نجمك ؟ فقال : قد كنت أري لنفسي رفعة ، ولكني لم أعلم أنها فوق خشبة ( البصائر والذخائر 54/1 ).

وتنبأ رجل في عهد الرشيد ، وأدعي أنه نوح ، فأمر به الرشيد، فضرب ، وصلب ، فمر به مخنث ، فقال : يا أبانا ، ما حصل في يدك من السفينة ، إلا الصاري ( المحاسن والمساويء 24/1 ) .

وقال ابن مناذر في وصف المشنقة : ( الاغاني 182/18 ).

يا أبا جعفر كأنك قد صر****ت علي أجري طويل الجران

من مطايا ضوامر ليس يصهل**** من إذا ما ركبن يوم رهان

لم يذقلن بالسروج ولا أق ****رح أشداقهن جذب العنان

قائمات مسومات لدي الج ****س ر لأمثالكم من الفتيان

ولأبي تمام في وصف مصلوبين : ( الأغاني 387/16 ) .

سود اللباس كأنما نسجت لهم**** أيدي السموم مدارعا من قار

بكروا وأسروا في متون ضوامر**** قيدت لهم من مربط النجار

لا يبرحون ومن رآهم خالهم ****أبدأ علي سفر من الاسفار

ولأبي تمام في مصلوب : ( ديوان أبي تمام 164 ).

ص: 54

الاقي الحمام بسر من راء التي**** شهدت لمصرعه بصدق الفال

أهدي لمتن الجذع متنيه كذا ****من عاف متن الأسمر العال

الا كعب أسفل موضعأ من كعبه**** مع أنه عن كل كعب عال

متفرغ أبدا وليس بفارغ ****من لا سبيل له إلي الأشغال

وأول من مارس هذا اللون من العذاب في الإسلام ، زياد بن أبيه ، جيء إليه برشيد الهجري ، من أصحاب الإمام علي ، فأمر به فقطعت يداه ، ورجلاه ، ولسانه ، ثم صلبوه خنقا في عنقه ( شرح نهج البلاغة 294/2 ).

وسار علي نهج زياد ، ولده السيء الصيت عبيد الله بن زياد ، فإنه خطب في المسجد فرد عليه عبد الله بن عفيف الأزدي ، وكان شيخأ ضريرة ، فأمر به فصلب في المسجد ( ابن الأثير 83/4 ) .

وفي السنة 54 قبض عبيد الله بن زياد ، علي سهم بن غالب الهجيمي، فصلبه بالبصرة ، وكان سهم قد خرج علي معاوية في السنة 41 بالبصرة ، وطلبه زياد فتواري ، حتي قبض عليه عبيد الله ، فصلبه ( الاعلام 211/3 ) .

وفي السنة 69 قتل الحارث بن سعيد ، من أهل الشام ، وكان قد تنبأ ، وتبعه خلق كثير ، فبعث عبد الملك بن مروان في طلبه ، فاختفي في بيت المقدس ، فأرسل من احتال عليه ، وأحضره ، فصلبه، وقتله . (الاعلام 156/2)

وأمر الحجاج بماهان ، أن يصلب علي بابه ، فرفعت خشبته ، وهو واقف يراها ، ويسبح ويهلل ويكبر ، ويعقد بيده ، حتي بلغ تسعة وتسعين ، وطعنه رجل وهو علي تلك الحال فقتله . ( العقد الفريد 50/5 ).

أقول : قوله يعقد بيده ، حتي بلغ تسعة وتسعين ، يريد به حساب الأصابع ، راجع بحثنا عن هذا الحساب ، في كتاب نشوار المحاضرة وأخبار المذاكرة للقاضي التنوخي ج 1 ص 104 - 107 رقم القصة 53 .

ص: 55

وفي السنة 118 نزل أسد القسري ، أمير خراسان ، علي بلخ ، وبعث الكرماني إلي قلعة التبوشكان ، فحاصرهم حتي عطشوا وجاعوا ، ونزلوا علي حكم أسد، فحكم أسد بأن يحمل إليه خمسون رجلا من رؤسائهم سماهم ، فحملوا إليه ، فقتلهم ، وكان حكمه في الباقين أن يقسموا أثلاثأ ، فثلث يصلبون ، وثلث تقطع أيديهم ، وثلث تقطع أيديهم وأرجلهم ، وكان المصلوبون أربعمائة ( الطبري 109/7 -111).

وفي السنة 147 قتل عبد الرحمن الداخل ، بقرطبة ، عثمان بن حمزة بن عبيد الله بن عمر بن الخطاب ، وكان عثمان قد امتنع عن مبايعة عبد الرحمن ، وخالف عليه ، فحاربه ، وأسره ، وصلبه بقرطبة . ( الاعلام 365/4)

واتهم المنصور ، في السنة 150 ، محمد بن سعيد القرشي، بالزندقة ، فصلبه ( الوافي بالوفيات 95/4 ).

وفي السنة 188 هاج أهالي قرطبة علي أميرهم الحكم ، صاحب الأندلس ، لتظاهره بشرب الخمر ، والإنهماك في الملذات ، فأنكروا فعله ، ورجموه بالحجارة ، واجتمعوا علي محمد بن القاسم المرواني ، وبايعوه ، وعلم الحكم بالحال ، فاعتقل الذين قاموا بذلك ، وصلبهم عند قصره ، وكانوا اثنين وسبعين رجلا من خيار الناس ( ابن الأثير 189/6 ).

وفي السنة 192 أسر حماد البربري، عامل اليمن للرشيد، الهيصم بن عبد المجيد الهمداني ، وابنه ، وابن أخيه ، وكانوا قد ثاروا عليه باليمن ، فصلبهم جميعا بالرقة . ( الاعلام 116/9 ).

وغضب هارون الرشيد علي منجم يهودي ، فأمر به فصلب ، وسبب ذلك إن منجمة يهودية زعم للرشيد إنه بموت في سنته التي هو فيها ، فغمه ذلك غما شديدا ، فقال جعفر البرمكي وزير الرشيد للمنجم : وهل تعرف

ص: 56

مدي عمرك ؟ قال : نعم ، وذكر أمد طويلا ، فقال جعفر للرشيد : اقتله الآن التعلم أنه كاذب في تعيين عمرك كما كذب في تعيين عمره ، فأمر به الرشيد فصلب ( اعلام النبلاء 159/1 ).

وفي السنة 251 لما شغب الأتراك علي المستعين ، انحدر إلي بغداد ومعه وصيف وبغا ، فمنع أتراك سامراء من الإنحدار ألي بغداد ، ووجدوا ملاحأ قد أكري سفينته إلي بغداد ، فضربوه ، وصلبوه علي دقل سفينته . ( الطبري 282/9 ).

وفي السنة 237 قام رجل بالأندلس ، ادعي النبوة ، وكان من شرائعه أنه كان ينهي عن قص الشعر وتقليم الأظافر ، فأمره العامل بالتوبة ، فامتنع ، فصلبه ( ابن الأثير 66/7 ).

وفي السنة 252 أحدث شخص اسمه عبدان بن الموفق ، فتنة في بغداد وكان قد أحدث من قبل فتنة في سامراء ، فضربه سعيد الحاجب خمسمائة سوط ، وحبسه ، ثم أطلقه ، فقدم بغداد ، وحث خلقأ من الجند طلاب المشغبة علي طلب أرزاقهم وفائتهم ، فاجتمعوا عليه ، وأنفق عليهم ثلاثة أيام الطعامهم ، ومنعوا الإمام في المسجد من الدعاء للمعتز ، فوجه إليهم أمير بغداد محمد بن عبد الله بن طاهر ، عدة من قواده ، واستمرت الحرب بينهم ، حتي سقط عبدان أسيرة في يد أحد قواد ابن طاهر ، فقد بقيدين فيهما ثلاثون رطلا ، وحبس ، ثم سحب بقيوده ، وحمل علي بغل إلي الجسر ( فيه مجلس الشرطة والحبس ) ، وجرد وضرب مائة سوط بثمارها ، ثم صلبه حيا علي الجسر وربط بالحبال ، وترك مصلوبة إلي العصر ، ثم أنزل ، ومات بعد يومين ، فأعيد صلبه علي خشبة في الجانب الشرقي . ( الطبري 361 - 357/9)

وكان ابراهيم الفزاري ، من أهل المناظرة والجدل ، ورمي بالتعطيل ،

ص: 57

وأشهد عيه أنه يستهزء بالله وكتابه وأنبيائه ونبيه محمد ، وحكم عليه القاضي أبو العباس عبد الله بن طالب ( تولي القضاء بالقيروان مرتين 257 - 259 و267 - 275 ) بصلبه ، فطعن بسكين في حنجرته ، وصلب منگسأ، ثم أنزل بعد ذلك، وأحرق بالنار . ( طبقات الأطباء والحكماء لابن جلجل 86 و87).

وبلغ أما جور التركي ، أمير دمشق للمعتمد ، أن أعرابي أهان جنديا من جنوده ، بأن نتف شعرتين من شاربه ، فأمر بالأعرابي ، فنتف شعر بدنه كله ، من أجفانه ، ورأسه ، ولحيته ، وما ترك علي جسمه شعرة ، ثم ضربه ألف سوط ، وقطع يديه ورجليه ، وصلبه ( الوافي بالوفيات 376/9 ).

وفي السنة 283 أسر هارون الخارجي ، وأدخل إلي بغداد ، مشهرة علي الفيل ، وأردوا أن يلبسوه ديباجة مشهرة ، فامتنع ، وقال : هذا لا يحل ، فألبسوه كارها ، ولما صلب ، نادي بأعلي صوته : لا حكم إلا الله ، ولو كره المشركون . ( ابن الأثير 477/7 ) .

وفي السنة 301 أحضر الحلاج ببغداد ، واختلف فيه الناس ، فقسم منهم يقول إنه صاحب حقيقة ، وقسم قالوا : إنه ممخرق مشعبد، وقسم قالوا : إنه ادعي الربوبية ، فصلب هو وصاحبه ثلاثة أيام ، كل يوم من بكرة ، الي انتصاف النهار ، ثم يؤمر بهما إلي الحبس . ( ابن الأثير 76/7)

وفي السنة 304 خاف الناس ببغداد من حيوان كانوا يسمونه : الزبزب ، ويقولون إنهم يرونه في الليل علي سطوحهم ، وإنه ياكل أطفالهم ، وربما عض يد الرجل وثدي المرأة فقطعهما وهرب بهما ، فكان الناس يتحارسون ، ويتزاعقون ، ويضربون بالطسوت والصواني وغيرها ليفرعوه ، فارتجت بغداد لذلك ، ثم إن أصحاب السلطان صادوا ليلة حيوانأ أبلق

ص: 58

بسواد ، قصير اليدين والرجلين ، فقالوا : هذا هو الزبزب ، وصلبوه علي الجسر ، فسكن الناس ، وأصاب اللصوص حاجتهم لاشتغال الناس عنهم . ( ابن الأثير 105/8 ).

وفي السنة 322 قتل أبو جعفر محمد بن علي الشلمغاني ، المعروف بابن أبي العزاقر ، لأنه أحدث مذهبا جديدا ، واتبعه أناس من الكتاب ورجال الدولة ، فأخذ وأخذ معه ابن أبي عون ، وابن عبدوس ، وأحضرا أمام الخليفة ، فأمرهما بصفعه فمد ابن عبدوس يده وصفعه ، أما ابن أبي عون ، فمد يده إليه ، فارتعدت يده ، وقبل لحية الشلمغاني ورأسه ، فأفتي الفقهاء بإباحة دمه ، فصلب الشلمغاني ، وابن أبي عون ، وأحرقا بالنار ( ابن الأثير 290/8 - 292 . راجع تفاصيل محاكمتهما في معجم الأدباء 296/1 - 307.

وكان الصلب عقاب اللصوص ببغداد ، في ايام مع الدولة البويهي ، راجع كتاب نشوار المحاضرة للتنوخي في القصة المرقمة 141/3 .

وفي السنة 369 سير عضد الدولة جيشا إلي الأكراد الهكارية من أعمال الموصل ، فنزلوا علي أمان قائد الجيش ، فغدر بهم ، وصلبهم علي جانبي الطريق من معلثايا إلي الموصل خمسة فراسخ . ( ابن الأثير 709/8 ).

وجحد أحد العطارين ببغداد ، وديعة أودعت لديه ، فاحتال عليه عضد الدولة حتي أقر بها ، وأعادها ، فصلبه علي باب دكانه وعلق الوديعة في عنقه ، راجع التفصيل في كتاب نشوار المحاضرة للتنوخي ، رقم القصة 151/7 ج 7 ص 263.

وفي السنة 382 تجددت الفتنة في الكرخ فركب أبو الفتح الحاجب وقتل ، وصلب ، فسكن البلد . ( المنتظم 169/7 ).

وأمر أبو طاهر بن صمصام الدولة البويهي ، بفراش اسمه بندار ،

ص: 59

فصلب ، وسبب ذلك إن شرف الدولة كان قد اعتقل أخاه صمصام الدولة ، والد الأمير أبي طاهر ، في أحدي القلاع بفارس ، ولما أشرف شرف الدولة علي الموت ، بعث رسولا أمره بسمل عيني أخيه صمصام الدولة ، فسمله ، وكان الفراش بندار ، من جملة الموكلين بخدمة صمصام الدولة ، فأنس به التطاول المدة ، وأسر أليه ، إنه قد بقيت من نظره بقية ، يستطيع أن يبصر بها إبصارة ضعيفة ، فنقل بندار قوله هذا إلي الموكل بالقلعة وإجتمعا فحصا عينيه بمبضع ، فحرماه البصر بمرة ، فلما عاد صمصام الدولة إلي الملك بفارس ، أراد بندار أن يخدمه علي رسمه بالقلعة التي كان حبيسة فيها ، فأمر صمصام الدولة أن يكون مع الستريين، أي بعيدا عنه ، فقال بندار : أهذا ما أستحقه من الملك ، بعد خدمتي له وصحبتي معه ؟ فقال صمصام الدولة : أما يرضي بالإبقاء عليه حتي يذل بهذه الدالة ؟ وأتصل الحديث بأبي طاهر بن صمصام الدولة ، فأخذ بندار وصلبه ( ذيل تجارب الأمم 150 ) .

وفي السنة 392 صلب أبو حرب ، كاتب بكران ، علي باب حمام بسوق يحيي ، وجد فيه مع مزنة ، جارية بكران ، علي حال ريبة ( تاريخ الصابي 419/8 ) .

أقول : بكران هذا توفي سنة 391 وهو أبو الفوارس بكران بن أبي شجاع بلفوارس ، وكان عظيما في دولة بني بويه .

وفي السنة 407 تآمر القواد في خوارزم علي خوارزمشاه أبي العباس مأمون بن مأمون وقتلوه ، فحمي لذلك محمود بن سبكتكين ، وكان خوارزم شاه قد عاهده وصاهره ، فسار إلي خوارزم يطالب القواد المتآمرين بدم خوارزم شاه ، وانتصر عليهم وأسرهم ، فأخذهم وصلبهم علي قبر خوارزم شاه ، وأخذ الجنود أسري ، فأطلقهم وعين لهم أرزاق ، وسيرهم إلي أطراف بلاده من أرض الهند يحمونها من الأعداء . ( ابن الأثير 265/9 ) .

ص: 60

وفي السنة 434 سير السلطان مسعود بن سبكتكين ، جيشا ، لقتال شهريوش بن ولكين ، صاحب ساوة ، لأنه هاجم الري ، وحاول اقتطاعها من ملك مسعود ، كما أنه اعترض الحجاج الواردين من خراسان ، وأساء إليهم ، وآذاهم ، فحاربوه ، وأسروه ، فأمر بأن يصلب علي سور ساوه ، فصلب . ( ابن الأثير 429/9 )

وفي السنة 434 ظهر بمصر إنسان اسمه سكين ، ادعي أنه الحاكم الفاطمي ، واتبعه جماعة ممن يعتقد رجعة الحاكم ، وقصدوا دار الخلافة الاحتلالها ، فقتل من أصحاب سكين جماعة ، وأسر الباقون ، وصلبوا أحياء ،

ورماهم الجند بالنشاب حتي ماتوا . ( ابن الأثير 513/9 ).

وفي السنة 448 تقدم رئيس الرؤساء ابن المسلمة ، وكان شديدأ علي الشيعة ، إلي صاحب المعونة ابن النسوي ، بقتل أبي عبد الله بن الجلاب ، شيخ البرازين بباب الطاق « لما كان يتظاهر به من الغلو في الرفض ، فقتل ، وصلب علي باب دكانه ( المنتظم 8/ 172 و 173 ).

وكان السلطان ألب أرسلان السلجوقي (ت 455 ) شديد العناية بكف الجند عن أذي الرعية ، بلغه أن بعض خواص مماليكه ، سلب من بعض الرستاقية ، إزارة ، فأخذ ذلك المملوك وصلبه ( ابن الأثير 75/10 ).

وفي السنة 460 قتل شنقأ ، أبو الحسن ثابت بن أسلم بن عبد الوهاب الحلبي ، أحد علماء الشيعة بحلب ، وكان من أكابر النحاة والقراء ، وكان يلي خزانة كتب الأمير سيف الدولة الحمداني ، وألف كتابا عن الإسماعيلية ، فأغضبهم ، فحمل إلي صاحب مصر ، فأمر بصلبه ، فصلب ( اعلام النبلاء 1/ 280 و198/4 ).

وفي السنة 476 عصي اهل حران علي شرف الدولة مسلم بن قريش ، بتحريض من قاضيهم ابن حلبة ، فقصدها شرف الدولة ، وحصرها ، ورماها

ص: 61

بالمنجنيق ، فخرب من سورها بدنه ، وفتح البلد ، وأخذ القاضي ، وأخذ معه ابنين له ، فصلبهم علي السور ( ابن الأثير 129/10 و 130 ).

وفي السنة 480 أخذ أحد الأتراك ببغداد صبيا فأدخل في دبره دبوسا فمات الصبي ، فأخذ التركي وصلب ( المنتظم 37/10 ) .

وفي السنة 486 خطب تاج الدولة تتش لنفسه بالسلطنة ، وحارب السلطان بركياروق ، فانكسرتتش ، وأسر بركياروق قائدين من قواده ، وهما بوزان وأقسنقر ، فصل بهما . ( التنظم 76/9 و 77 ).

وعصي الشاعر أبو نصر الحسن بن أسد، بميافارقين ، علي ابن مروان الكردي ، ففتح ابن مروان المدينة ، وأسر أبا نصر ، ثم عفا عنه بتوسط الغساني ، ثم عاد في عفوه فصلبه في السنة 487 . (معجم الأدباء 47/3 - 49)

وفي السنة 487 قتل الأمير قسيم الدولة أقسنقر ، أسره تاج الدولة تتش بن ألب أرسلان ، فقال له : لو ظفرت بي ما كنت صنعت ؟ قال : كنت أقتلك ، فقال له تتش : فأنا أحكم عليك بمثل ما كنت تحكم به علي ، وقتله صبرأ ، وحزن عليه أفراد رعيته بحلب ، لأنهم أحبوه حبا جما ، لعدله ، ولإحيائه أحكام الدين ، ولتأمينه السبل ، وقتله قطاع الطريق ، فأنه طلب اللصوص ، وقطاع الطريق ، من كل فج، وشنق منهم خلقا ، وكان كلما سمع بقاطع طريق في موضع ، قصده ، وأخذه ، وصلبه علي أبواب المدينة ( اعلام النبلاء 370/1 - 372) .

وفي السنة 488 كاتب أهل حران جناح الدولة الحسين بن إبتكين ، زوج أم السلطان رضوان بن تتش ، ليسلموا إليه مدينة حران ، فبلغ ذلك الأمير قراجه صاحب حران ، فاتهم ابن المفتي ، أحد وجهاء حران ، فأخذه ، وأخذ معه ابني أخيه ، وصلبهم ( اعلام النبلاء 374/1 ).

ص: 62

وفي السنة 500 قبض السلطان محمد السلجوقي ، علي وزيره سعد الملك أبي المحاسن أحمد بن نظام الملك ، وأخذ أمواله وصلبه علي باب أصبهان ، وصلب معه أربعة من أصحابه ، أتهم وزيره بالخيانة ، واتهم أصحابه بأنهم باطنية ( ابن الأثير 37/10 ).

وفي السنة 506 قبض السلطان محمد السلجوقي بأصبهان ، علي زين الملك أبي سعد القمي ، وكان يجاهر بالطعن علي الخليفة والسلطان ، فلما قبض عيه أسلمه إلي الأمير كاميار ، وكان عدوا له ، فحمله إلي الري ، وأركبه علي دابة بمركب ذهب ، وأعلن أن السلطان خلع علي القمي لقاء مال يؤديه ، فحصل بذلك علي أموال كثيرة من أهل القمي ، ثم صلبه ( ابن الأثير 492/10)

وفي السنة 517 صلب البرسقي أحد قواد الخليفة المسترشد ، تسعة أنفس ، اتهمهم بأن الأمير دبيس المزيدي أرسلهم لقتله . ( المنتظم 237/9)

وفي السنة 518 قبض في بغداد علي قوم وصلوا في قافلة من الشام ، واتهموا بأنهم باطنية ، قدموا الاغتيال أعيان الدولة ، فصلب اثنان منهم عند عقد المأمونية ، واثنان بسوق الثلاثاء ، وواحد بعقد الحديد ، وغرق جماعة (المنتظم 450/9 ) .

وفي السنة 519 قبض الأمر بأحكام الله العلوي ، علي وزيره أبي عبد الله البطائحي ، الملقب بالمأمون ، وصلبه وإخوته ، والسبب أن الأمر أتهمه بالتآمر عليه ، والسعي في نصب جعفر أخي الأمر ، بدلا منه . ( ابن الأثير 63/10 ).

وفي السنة 527 حصر المسترشد الموصل ، وكان صاحبها عماد الدين زنكي خارجها ، فتآمر قوم من الجصاصين علي تسليمها للخليفة ، فسعي بهم ، فأخذوا وصلبوا . ( ابن الأثير 6/11).

ص: 63

وفي السنة 530 حكم بخلع الراشد ، فبارح الموصل ، إلي أذربيجان ، ثم مضي إلي همذان ، فأفسد جماعته بها ، وقتلوا جماعة ، وصلبوا آخرين ، وحلقوا لحي جماعة من العلماء . (تاريخ الخلفاء 436 ).

وفي السنة 530، زاد فساد العيارين ببغداد ، وقبض علي عيارين اثنين، جبيا درب الدواب ، فصلبا في باب الدرب المذكور . ( المنتظم 58/1 ).

وفي السنة 532 زاد تعدي العيارين، فجيء بأحد عشر عيارة ، فصلبوا في الأسواق ، وصلب رجل صوفي في رباط البسطامي ، لكم صبيا فمات ( المنتظم 72/10 ).

وفي السنة 532 قتل الشحنة بغداد ، صبيا مستورة من أهل المختارة ، فأمر السلطان بصلب الشحنة ، فصلب ، وحطه العوام ، فقطعوه ( المنتظم 72/10)

وفي السنة 532 عظم أمر ابن بكران العيار بالعراق ، وكثر أتباعه ، وصار يركب ظاهرأ في جمع من أتباعه المفسدين ، وخافه الوالي ، فأمر ابن أخيه حامي باب الأزج أن يستند إليه ليأمن من شره ، ثم فكر ابن بكران ، ورفيق له يعرف بابن البزاز ، أن يضربا لهما سكة بأسمهما بالأنبار ، فأرسل الوزير إلي الوالي : إما أن تقتل ابن بكران ، وأما أن نقتلك ، فبعث الوالي إلي ابن أخيه ، وقل له : إما أن تختارني أو تختار ابن بكران ، وكان ابن بكران يزور ابن أخ الوالي ويشرب عنده في بعض الليالي ، فانتظره حتي إذا حضر أخذ سلاحه ووثب به فقتله ، ثم أخذ بعده بيسير رفيقه ابن البزاز ، وصلب ، وقتل معه جماعة من الحرامية ، فسكن الناس واطمأنوا . ( ابن الاثير 63/11 و64 ).

وفي السنة 533 تأمر بعض أمراء دمشق ، مع خادمي الأمير محمود صاحب دمشق ، وهما يوسف ، والبقش الأرمني ، فوثبا علي الأمير محمود

ص: 64

فقتلاه ، وأعانهما عنبر الخادم ، فقبض علي يوسف وعنبر فصلبا . ( النجوم الزاهرة 265/5 ) .

وفي السنة 538 زاد أمر العيارين ببغداد ، وكثروا ، لأمنهم من الطلب ، لأن ابن الوزير ، وأخا زوجة السلطان ، كانا مع العيارين ، وكان النائب في شحنكية بغداد ، مملوك اسمه إيلدكز ، وكان صارمة ، مقداما ، فلامه السلطان ، وقال له : إن السياسة قاصرة ، والناس قد هلكوا ، فقال له : يا سلطان العالم ، إذا كان عقيد العيارين ابن وزيرك ، وأخا امرأتك ، فأي قدرة الي علي المفسدين ؟ وشرح له الحال ، فقال له : الساعة تخرج ، وتكبس عليهما أين كانا، وتصلبهما، فأخذ خاتم السلطان ، وخرج ، فكبس علي ابن الوزير فلم يجده ، فأخذ من كان عنده ، وكبس علي ابن قاورت ، فأخذه ، وصلبه ، وهرب ابن الوزير، وأصبح الناس ، فشاهدوا ابن قاورت مصلوبة ، فهرب العيارون ، وكفي الناس شرهم . ( ابن الأثير 95/11 ) .

وفي السنة 543 قصد علاء الدين الغوري مدينة غزنة ، وفتحها ، واستعمل عليها أخاه سيف الدين سوري ، وطرد عنها ملكها بهرام شاه الغرنوي ، ثم كر عليها بهرام شاه ، وأسر سيف الدولة ، فأشهره راكبا علي بقرة ، وقد سود وجهه ، ثم صلبه ( ابن الأثير 135/11 و165).

أقول : لما فتح علاء الدين الغوري غرنة ، واستعمل عليها أخاه سيف الدين ، خلع سيف الدين علي أعيانها، وأحسن إليهم، غير أنهم راسلوا سلطانهم السابق بهرام شاه ، فلما قصد غزنة ، ثار أهلها علي سيف الدين ، وأسروه ، وسؤدوا وجهه ، وأركبوه بقرة ، وطافوا به البلد ، ثم صلبوه ، ونظموا أشعار غنائية في ذمه ، فتجهز علاء الدين الغوري في السنة 550 وقصد غزنة ، وفتحها، وأخذ الذين أسروا أخاه ، فألقاهم من رؤوس الجبال ، وخرب المحلة التي صلب فيها أخوه ، وأخذ النساء اللواتي تغنين

ص: 65

بذم أخيه ، فأدخلهن حمامة ، وأغلقه علهن حتي هلكن ، وأخذ من أهل غزنة خلق كثيرة ، حملهم معه إلي فيروزكوه يحملون مخالي ملئت ترابا ، فبني قلعة هناك ( ابن الأثير 135/11 و165 و166).

وكان من جملة ما عذب به نصر بن عباس، الذي قتل الظافر الفاطمي ، أن صلب علي باب زويلة حيا ، حتي مات . ( النجوم الزاهرة 310/5 ).

وفي السنة 551 خالف عمر بن أبي الحسن ، عامل صفاقس بالمغرب ، علي رجار الصقلي ، وكان رجار أراد نصب أبي الحسن عام؟ علي صفاقس ، فاعتذر بالعجز ، ورشح ولده ، فنصب رجار عمر ، وأخذ أباه أبا الحسن رهينة عنده ، فلما أراد أبو الحسن الذهاب إلي صقلية ، قال الولده : إنني ، كبير السن ، وقد قارب أجلي ، فمتي أمكنتك الفرصة في الخلاف علي العدو فأفعل ، ولا تنظر في انني أقتل ، وأحسب أنني قدمت ، فلما وجد عمر الفرصة للخلاف ، خالف ، وقتل جميع عسكر الإفرنج الموجودين في صفاقس في ليلة واحدة ، فاتصل الخبر بغليام بن رجار ، وكان قد خلف والده في حكم صقلية ، فكتب إلي عمر يأمره بالعودة إلي طاعته ، ويهدده بقتل والده ، فلما وصل الرسول إلي صفاقس ، أبصر أهل البلد بأجمعهم قد تبعوا جنازة ، فدفنوها وعادوا ، وأحضر عمر الرسول ، وقال له : هذه جنازة أبي ، وقد دفنته ، فاصنعوا ما أنتم صانعون ، فعاد الرسول ألي غليام وأخبره بما حصل، فأخذ أباه أبا الحسن ، وصلبه . ( ابن الأثير 204/11)

وصلب عبد المؤمن الكومي الموحدي ، وزيره أبا جعفر بن عطية ، ومن غريب ما يروي أن الشاعر أبا بكر الأوسي ، مدح أبا جعفر بقصيدة ، قال فيها :

أبا جعفر نلت الذي نال جعفر****ولا زلت بالعلياتس وتحبر

ص: 66

فلما سمع الوزير هذا البيت ، تغير وجهه ، لأن جعفر البرمكي ، نال قطع العنق ، والصلب ، وكان من العجب ، أن أبا جعفر كان مصيره مصير جعفر البرمكي ، حيث صلب . ( نفح الطيب 508/3 ).

وكان أبو الحسين أحمد بن علي الغاني ، الملقب بالرشيد (ت 562 ) ، يتعصب لصلاح الدين ، فقبض عليه شاور ، الوزير المصري ، فأدخل إلي قوص ، مكتبط بالحديد ، ثم أدخل القاهرة مشهرة علي جمل ، وعلي رأسه طرطور ، ووراءه جلو از يضربه ، ثم صلب . ( معجم الأدباء 417/1 و 420) .

في السنة 564 هاجم إيلدكز ، بلاد الري ، واستخلصها من صاحبها إينانج ، بأن راسل سرا جماعة من مماليك إينانج ، ووعدهم ومناهم ، فغدروا بإينانج وقتلوه ، وسلموا الري لايلدز ، فلما استقر في البلد اطرح هؤلاء الجماعة الذين خانوا إينانج ، ولم يف لهم بما وعدهم به ، ففارقوه ، وذهب أحدهم إلي خوارزم شاه ، فصلبه خوارزم شاه ، نكالا بما فعل بصاحبه . ( ابن الأثير 348/11)

وفي السنة 564 صلب تسعة أنفس ، وقطعت يد العاشر منهم ( المنتظم 226/10)

وفي السنة 568 حاصر ابن سنكا ، نهاوند ، فتحصن أهلها، وقاتلوه ، وأفحشوا في سبه ، فارتحل عنها، ثم جاءها بحيلة ، ودخل إليها، فقبض علي القاضي ورؤساء البلد ، فصلبهم ، أما الوالي فقطع أنفه وأطلقه . ( ابن الأثير 390/11 و391 ).

وفي السنة 569 صلب صلاح الدين الأيوبي ، بالقاهرة ، جماعة ، تامروا عليه ، وبلغه أنهم قد كاتبوا الإفرنج مستعينين بهم عليه ، فأمر بهم فأخذوا ، وقررهم ، فأقروا ، فأمر بصلبهم ، وكان منهم عمارة اليمني الشاعر

ص: 67

المؤرخ ، وعبد الصمد ، والعويرس ، وكان بين عمارة اليمني والقاضي الفاضل عداوة منذ أيام العاضد الفاطمي ، فلما أمر صلاح الدين بصلب الجماعة ، قام إليه القاضي الفاضل ، وخاطبه مسارة في أمر إطلاقه، وظن عمارة إنه يحرض عليه ، فقال لصلاح الدين : يا مولانا لا تسمع منه في حقي ، فغضب القاضي الفاضل ، وخرج ، فقال له صلاح الدين : إنه كان يشفع فيك ، ثم أخرج عمارة ليصلب ، فطلب أن يمر به علي مجلس القاضي الفاضل ، ليسأله أن يشفع له ، فاجتازوا به عليه ، فقام القاضي الفاضل ، وأغلق بابه ، فقال عمارة :

عبد الرحيم قد أحتجب****إن الخلاص هو العجب

ثم صلب هو والجماعة ( ابن الأثير 398/11 - 401) .

وفي السنة 572 باع تاجر متاعا له بألف دينار فقتله مملوكه ليفر بالمال فقبض عليه وصلب بالرحبة ، ببغداد . ( المنتظم 265/10 ).

وفي السنة 573 ضرب تركي ، تركيا آخر بنشابة ، وأتبعها بضربة سيف ، فأخذ ، وصلب . ( المتظم 270/10 ) .

وفي السنة 586 غضب الخليفة علي عبد الرشيد الصوفي الفقيه ، فأمر بصلبه ، فصلب ( الذيل علي الروضتين 20 ).

وفي السنة 596 ظهر بدمشق ، شخص ادعي أنه عيسي بن مريم ، فأفتي الفقهاء بقتله ، فصلب ( الذيل علي الروضتين 16 ) .

وفي السنة 596 صلب الأمير جمال الدين قشتمر الناصري بالحلة ، ابن أمير خفاجة ، وقتل والده زياد بن عبيد ، وسبب قتلهما أن زيادة خلع عليه في ديوان الخلافة ، وسلمت أليه حماية البلاد الفراتية ، فمضي مخلوع عليه ، ودخل علي الأمير جمال الدين بالحلة ، شامخأ عليه ، فقتله وصلب

ص: 68

ولده ، فأنكرت الحال عليه ، وألزم باداء ألفي دينار سلمت إلي ورثة المقتول . ( الجامع المختصر 43).

وفي السنة 597 قتل السديد محمد بن الاستاذ ، كاتب البدرية الشريفة ، بدار الخلافة ، وكان له حرمة تامة ، وهيبة ، وسطوة علي المماليك بالبدرية ، يعاقبهم ، ويؤاخذهم علي الذنوب فهدد مملوكين منهم ، وتوعدهما بالضرب ، فاتفقا علي قتله ، ووقفا له ، وقد جاء من داره بكرة ، ليدخل حمام البدرية ، فضرباه بالسيوف ، فحمل إلي داره مقتولا ، فتقدم الإمام الناصر لدين الله بصلب أحدهما وتوسيط الأخر ، فأحضر عز الدين نجاح الشرابي جميع المماليك ، وفعل بهما ما رسم بحضورهم، وهم يشاهدون ذلك ( الجامع المختصر 77 ).

وفي السنة 597 صلب ابراهيم بن محمد بن ابراهيم ، الناظر بأعمال السواد ، بالجانب الغربي من بغداد ، والسبب لأنه تكلم وهو في الحبس بقدح في الدولة ( الجامع المختصر 44 ).

وفي السنة 598 سرق ثلاثة رجال ، نورة من بعض المحارز المختصة بديوان الأبنية بدار الخلافة ، فأمر بهم فصلبوا ( الجامع المختصر 79 ).

وفي السنة 601 اتفق ضريران ، عي خنق ضرير ثالث ، كان في مسجد بقراح ابن رزين ببغداد ، من أجل الاستحواذ علي ذهب كان معه ، ولما خنقاه لم بجدا معه شيئا ، فندما ، وأدركهما الصباح ، والرجل مخنوق عندهما في المسجد ، فخرجا هاربين ، وقصدا الجانب الغربي ، وظهر أمر الضرير المخنوق ، ولم يعرف قاتله ، وصادف أن بعض رجال الشرطة رأيا الأعميين في الطريق ، فقال أحد الرجال ، علي سبيل الولع والفكاهة، هذان هما اللذان خنقا الأعمي بالمقتدية ، فقال أحدهما ، مشيرا إلي صاحبه : هذا خنقه ، وقال الآخر : بل هذا ، وأخذا ، وقررا ، فأقرا فأخذا إلي المسجد

ص: 69

الذي حصل فيه الخنق ، وصلب أحدهما، وقتل الآخر . ( ابن الأثير 207/12 والجامع المختصر 149 ، 150 ) .

وفي السنة 602 كان علاء الدين بن محمد، ابن أخت السلطان شهاب الدين ، قد استولي علي غرنة ، وطرد عنها الأمير ألدز ، الذي أراد أن يتسلطن فيها ، فكبس عسكر ألدز مدينة كرمان ( في بلاد الأفغان ، بين غزنة ولها وور ) وقتلوا كثيرا من الأمراء والقواد في جيش علاء الدين ، فلما وصل الخبر إلي علاء الدين في غزنة ، أمر بمن جاءه بالخبر ، فصلب ( ابن الأثير 235/12)

وفي السنة 605 سرقت غلة في التاجية من غلات الديوان ، فخرج قوام الدين ، وكيل الخليفة ، وصدر المخزن ، إلي قرية بريدة في معاملة نهر الملك ، وصلب ثلاثة أشخاص وهم : أبو القاسم بن حماد ، الذي كان ناظرة بنهر الملك ، والثاني : حامي التاجية ، والثالث : شخص يعرف بابن زريق . ( الجامع المختصر 261 ).

وفي السنة 605 شنق فضيل الخياط بدمشق ، لأنه قتل تاجرأ قزوينيا ( ذيل الروضتين 64).

وفي السنة 605 دخل أحد المماليك ، وهو سكران ، إلي جامع دمشق ، عند أذان الصبح ، فسل سيفه وضرب به جماعة ، مات بعضهم ، فقبض عليه ، وترك بالبيمارستان ، وشنق آخر النهار . ( ذيل الروضتين 64)

وفي السنة 605 قتل الشرف الفلكي ، قتله مملوكه ، فقبض علي المملوك ، وصلب بدمشق علي قبر القتيل ( الذيل علي الروضتين 64 ) .

وفي السنة 622 اتهم الملك المعظم ، اثنين من الدماشقة ، بالتآمر

ص: 70

عليه ، فصلبهما منگسين علي رأسيهما، حتي ماتا ( الذيل علي الروضتين 144)

وفي السنة 628 دخل بعض الأتراك ، إلي دار الوزارة ، في دار الخلافة ببغداد ، وبيده سيف مشهور ، ولم يكن الوزير مؤيد الدين القمي في الدار ، فقبض علي التركي ، وضرب ضربا مبرحا ، وقرر ، فذكر إن له مدة لم يصله شيء من معيشته ، وهو ملازم الخدمة ، وقد أضر به ذلك ، فحمله فقره ، وحاجته ، وغيظه ، علي فعل ما فعل ، فصلب ، وحط بعد يومين ( الحوادث الجامعة 23 ).

وفي السنة 647 هاجم الإفرنج مدينة دمياط ، وكان رأسهم ريدفرانس فأخلاها الجيش المصري المدافع عنها، وتركها من دون حرب ، فحنق السلطان الملك الصالح علي القواد المذكورين ، وأمر بهم فشنقوا جميعا . ( النجوم الزاهرة 230/6 ).

وفي السنة 647 قتل الملك الصالح ، شنقا ، ابن يغمور ، وأمين الدولة ، شنقهما علي قلعة القاهرة ( النجوم الزاهرة 349/6 ) .

أقول : هكذا ورد الخبر في النجوم الزاهرة ، وقد أورد صاحب اعلام النبلاء الخبر مع ختلاف في التاريخ والاسم ، قال :

في السنة 648 أخرج عز الدين أيبك ، المستولي علي الحكم بمصر ، من الحبس أمين الدولة وزير الصالح أيوب ، وابن يغمور استاذ داره ( دار الصالح ) وكانا معتقلين من حين استيلاء الصالح أيوب علي بعلبك فشنقهما علي باب قلعة الجبل ( اعلام النبلاء 2/ 273 ).

أما صاحب الاعلام ، فقد أورد الخبر في ترجمة أمين الدولة ، كما يلي :

في السنة 648 أعدم شنقا أمين الدولة أبو الحسن بن غزال . الوزير

ص: 71

العالم، الطبيب ، كان وزيرة للأمجد بهرام شاه ، بدمشق، ولما توفي استوزره الملك الصالح اسماعيل ، فلما انتقل الصالح إلي بعلبك ، أراد أمين الدولة أن يلحق به ، فاعتقله نائب دمشق ، وحمله إلي مصر، حيث اعتقل في قلعة القاهرة خمس سنوات ، ثم أعدم شنقا ( الاعلام 358/1 ).

وفي السنة 658 لما ظفر الملك قطز بالتتار ، دخل إلي دمشق ، وأمر بشنق جماعة من المنتسبين إلي التتار ، وكان من جملتهم حسين الكردي ، طبردار الناصر يوسف ، وهو الذي أوقع الملك الناصر في أيدي التتار ( اعلام النبلاء 295/2)

وفي السنة 660 قتل شخص تاجرة بدمشق ، وسرق ماله ، فشنق ( الذيل علي الروضتين 216).

وفي السنة 660 اتهم خضر الكردي ، قاضي المقيس ، بأنه يسعي في إقامة دولة كردية ، فشنق بمصر ( الذيل علي الروضتين 217) .

وكان الملك الظاهر بيبرس ، متشددأ في منع شرب الخمر ، حتي إنه بلغه في السنة 674 عن الطواشي شجاع الدين عنبر ، المعروف بصدر الباز ، وكان قد تمكن منه تمكنا كثيرة إنه يشرب الخمر ، فشنقه تحت قلعة الجبل ( خطط المقريزي 106/1 ).

وصلب الملك الظاهر ، سلطان مصر ، ابن الكازروني ، عقابا له علي شرب الخمر ، وعلق في حلقه جرة خمر ، فقال ابن دانيال (ت 710) : ( الوافي بالوفيات 54/3 ).

لقد كان حد الخمر من قبل صلبه**** خفيف الأذي إذ كان في شرعنا جلدا

فلما بدا المصلوب قلت لصاحبي****ألاب فإن الحد قد جاوز الحذا

وفي السنة 680 مر بعض السقائين في القاهرة ، بشخص ، فزحمه

ص: 72

براويته ، فوخه ، فتقاولا ، وتماسكا، وضرب ذلك الشخص السقاء بسكين فقتله ، فأمر به السلطان فشنق ( سيرة الملك المنصور 89 ) .

وفي السنة 680 مر بعض الأجناد بخياط ، فطالبه بإنجاز شيء كان أوصاه عليه، وتقاولا ، فضربه الجندي ، فقتله ، فأمر به السلطان فشنق ( سيرة الملك المنصور 89) .

وفي السنة 688وجد في الخزانة المحمولة من بغداد إلي الأوردو المعظم كيس فلوس ، أي نقود نحاسية ، فتقدم بالفحص عن ذلك ، فظهر إن بعض حراس الديوان فعل ذلك ، فأمر بصلبه ، فصلب ( في التراث العربي 481 ).

وفي السنة 689 صلب جمال الدين بن الحلاوي ، ضامن تمغات بغداد ، بباب النوبي ، وعليه ثيابه ، وسلم إلي أهله في آخر النهار ( تاريخ العراق للعزاوي 247/1 ).

وفي السنة 695 قبض بدمشق علي فقير موله ، اعترف بارتكابه عدة جرائم قتل ، فسمر، وبقي يومين ، ثم شنق في اليوم الثالث (تاريخ ابن الفرات 205/8 ).

وفي السنة 706 قتل السلطان أبو ثابت المريني، سلطان المغرب، من أقاربه المنازعين سلطانه ، وممن والاهم ، ستمائة من أهل مراكش ، وصلبهم علي سورها . ( الاعلام 21/4 و 22 ).

وفي السنة 723 خرج بعض المماليك ، علي المجاهد الرسولي ، صاحب اليمن ، وجاهروه بالقبيح ، فقبض علي جماعة منهم ، وشنق خمسة ، ثم شنق اثنين آخرين ، بعد يومين ، ثم شنق منهم بعد ذلك اثنين آخرين . (العقود اللؤلؤية 2/ 12 ).

وفي السنة 724 قتل كريم الدين الكبير ، واسمه أكرم بن هبة الله

ص: 73

القبطي ، تسمي لما أسلم عبد الكريم ، وكتي بأبي الفضائل ، ولقب كريم الدين ، ولما لقب ابن أخته كريم الدين أيضأ ، أضيف إلي لقبه الكبير ، تمييز له عن ابن اخته الذي لقب كريم الدين الصغير ، وكان قتل كريم الدين الكبير شنقا بأسوان ، وكان قد بلغ في الدولة المصرية مبلغا عظيمة حتي ولاه السلطان الملك الناصر وكالته ، ثم قرره في نظر الخاص ، ثم أوكل جميع أمور الدولة وأموره الخاصة إليه ، وبلغ من رفيع المنزلة في الدولة ، ما لم يبلغه أحد قبله ، حتي إنه وصل ما بين السلطان الملك الناصر، والسلطان أبو سعيد، وخطب للناصر علي منبر تبريز ، ولكن كثرة عطاياه وانعاماته علي الأمراء ، بعثت الناصر علي الإرتياب منه ، فاعتقله ، وصادر أمواله ، وكانت عظيمة جدأ ، وأمره أن يقيم هو وولده بالقرافة ، ولا يجتمعان بأحد ، ثم نفي هو وولده إلي الشوبك ، ثم أعيد إلي القدس ، ثم حمل هووولده ألي مصر، فحبس ببرج القلعة ، ثم نفي إلي أسوان ، حيث شنق ( الدرر الكامنة 430/1 و 431) .

وفي السنة 725 شنق الطواشي حصير ، بأمر من السلطان المجاهد، محمد بن طرنطاي ، أحد كبار الولاة في اليمن ، وظل مشنوقا مدة ، ثم أنزل وقبر ، بعد أن أكلت منه الكلاب . ( العقود اللؤلؤيه 35/2 ).

وفي السنة 726 تحرك العوارين بزبيد ، باليمن ، فتولي أمرهم الأمير الظاهر ، أمير زبيد ، وشنق طائفة منهم ، وكحل طائفة أخري . ( العقود اللؤلؤية 42/2 ) .

وفي السنة 728 زحف المجاهد، صاحب اليمن ، علي عدن ، فدخلها ، وأمر بقتل جماعة من المماليك والشفاليت ، وأخذ الوالي والناظر والرهائن في سلسلة من حديد ، فشنق الوالي والناظر ، وغرق الباقين ( العقود اللؤلؤية 48/2 ) .

ص: 74

وفي السنة 730 وجد السلطان المجاهد، صاحب اليمن ، أن أهل تعز ، أصبحوا علي أخبث ماكانوا عليه من الخلاف ، وخرق العرض ، والشتم الشنيع ، فحاربهم ، وشنق طائفة منهم في كل طريق ، وحرؤوسهم حتي ذلوا ذلا شديدا . ( العقود اللؤلؤية 55/2 ).

وفي السنة 742 خلع الملك المنصور أبو بكر بن محمد بن قلاوون ، ونفي من القاهرة إلي قوص ، حيث قام متولي قوص عبد المؤمن بقطع عنقه ، وحمل رأسه إلي الأمير قوصون سرا ولما قبض علي قوصون ، اعترف عبد المؤمن بما صنع ، فأمر الملك الناصر أحمد ( أخو المنصور ) بتسمير عبد المؤمن ، فسمر بباب المارستان المنصوري بمسامير جافية شنيعة ، وطيف به ، مدة ستة أيام ، وهو يحادث الناس في الليل بأخباره ، ثم شنق علي قنطرة السد ، وأكلته الكلاب ( النجوم الزاهرة 17/10 و62 ).

وفي السنة 746 شنق الواعظ المحتسب شرف الدين أبو بكر المعروف بابن المؤيدي نائب الوكالة باللاذقية ، خافوا بطرابلس من طول لسانه ، واتصاله بأعيان المصريين ، وقامت عليه بينة بألفاظ تقضي بانحلال العقيدة ، فحملوا قاضي القدموس المالكي ، علي الحكم بقتله ، وشارك في واقعته قاضي اللاذقية المالكي أيضا ( تاريخ أبي الفدا 131/4 ).

وفي السنة 747 بلغ سلطان اليمن ، أن جماعة من المماليك الغرباء ، علي وشك المناداة بابن أخيه ، الملك الفائز أبي بكر بن حسن ، سلطان بدله ، فاعتقل ابن أخيه في تعز ، حيث مات في سجنه بعد قليل ، ثم اعتقل جماعة من المماليك الغرباء ، وأتلفهم قتلا، وشنقا ، وتغريقا . ( العقود اللؤلؤية 2/ 79 و 80 ) .

وفي السنة 752 تحرك الطواشي جمال الدين بارع ، ضد السلطان المجاهد ، صاحب اليمن ، فكتب إليه الطواشي أمين الدين أهيف ، عن

ص: 75

سبب حركته ، فادعي انها بأمر الوزير فقبض عليهما، وشنقهما . ( العقود اللؤلؤية 2/ 87 ) .

وفي السنة 752 قتل غيلة أبو جعفر الغرناطي أحمد بن سليمان بن يوسف ، المعروف بابن الحداد ، اغتاله بعض الشطار لكونه وجه الحكم عليه في استخلاص مال يتيم ، فقبض علي قاتله ، وصلب بالمكان الذي فتك به فيه ( الدرر الكامنة 149/1 ).

وفي السنة 758 وصل التجار إلي اليمن ، بعدة من الخيل ، فلما دخلوا فشال ، أخذ الأشاعر الخيل بموافقة الوالي وهو الأمير بدر الدين حسن بن باساك ، فأمر السلطان بالوالي ، فشنق . ( العقود اللؤلؤية 104/2 ).

وفي السنة 772 قبض ابن السنبلي ، بأمر من السلطان الأفضل، صاحب اليمن ، علي مشايخ القرشيين ، وأمر السلطان بتلفهم (يريد بقتلهم ) ، فوط منهم خمسة نفر، وسمر ثلاثة ، وشنق الباقين . ( العقود اللؤلؤية 148/2 ).

وفي السنة 780 كان الأمير إسماعيل بن الأمير زكريا ، حاكم العراق ، ببغداد ذاهبا يوم الجمعة إلي الجامع الذي أنشأه ، فاغتاله مبارك شاه ، فقتله ، وقتل عمه ، وقطع رأس الأمير اسماعيل وصلبه في جدار الجامع الذي بناه (تاريخ العراق للعزاوي 158/2 ).

أقول : وهذا الجامع إلي اليوم يسمي : جامع المصلوب .

وفي السنة 799 قبض في زبيد باليمن، علي خمسة من مقاصرة الشام ، فأمر السلطان بشنقهم فشنقوا ( العقود اللؤلؤية 2/ 290 ).

وكان تيمورلنك قد نصب ولده ميران شاه علي تبريز ، ثم بلغه أنه يصرف أكثر أوقاته في اللهو والطرب والعشرة غافلا عن أمور المملكة ، فدخل تيمور

ص: 76

تبريز في السنة 802 وشنق جماعة من أهل الطرب من عشراء وجلساء ميران شاه ومنهم قطب الموصلي ، وكان أعجوبة الزمان ، وكان ميران شاه قد أغرم به . ( التاريخ الغياثي 194 ، 195 ) .

ولما دخل تيمورلنك دمشق في السنة 803 بالأمان ، نادي في المدينة بالأمان والإطمئنان ، فاتفق أن أحد عسكره نهب شيئا من السوق ، فشنقه وصلبه برأس سوق البزوريين ( شذرات الذهب 7/ 64 ) .

وفي السنة 809 قتل الأمير حكيم ، وكان شديد القسوة ، شنق رجلا في حلب ، لأنه رعي فرسه في زرع ، وشنق آخر بسلمية ، وشنق جندي بدمشق ( بدائع الزهور 752/2/1 ).

وفي السنة 816 اتهم الشريف حسن بن عجلان صاحب مكة ، جابر بن عبد الله الحراشي ، أنه يوالي خصمه رميثة ، فاعتقله وشنق علي باب الشبيكة ( الضوء اللامع 51/3 ).

وفي السنة 816 قبض بمني في موسم الحج ، علي جابر بن عبد الله أمير جدة ، وعلي ولده محمد، وشنقا بعد المغرب ، شنق الأب بباب المعلاة ، والإبن بباب شبيكة ( الضوء اللامع 208/7 ).

وفي السنة 832 شنق السلطان حسين بن علاء الدولة ، وزيره شهاب الدين ، في باب التمغا ببغداد ( تاريخ العراق للعزاوي 82/3 ).

وفي السنة 844 مات توران شاه بن تهتن شاه بن توران شاه ، صاحب هرمز ، وكان قد دس له السم أكثر من مرة ، واستقر بعده ابنه مقصود ، فدام قليلا ثم كحل ، أي سملت عيناه ، وخلفه الملا شهاب الدين أخ مقصود ، فشنق ، وخلفه أخوه مزعل ( الضوء اللامع 45/3 ) .

ولما تسلطن حسن علي ، علي أذربيجان ، خلفا لوالده جهان شاه ، كان يحقد علي زوجة أبيه بيكم خاتون ، فلما دخل تبريز ، عمد إلي أخويها

ص: 77

قاسم وحمزة وإلي قومها وأهلها، وإلي عدد من أقاربه أيضا ، فعاقبهم ، وعذبهم ، وصلبهم بأجمعهم ( تاريخ الغياثي 328 ).

وفي السنة 877 أسر شاه سوار الذي كان خرج علي سلطان مصر ، وحمل إلي القاهرة ، فأشهر ، ثم شنق بباب زويلة ، هو وعشرون أنسان من إخوته وأقربائه ورجال دولته ( اعلام النبلاء 71/3 - 74).

وفي السنة 877 شنق بمدينة حلب ، عثمان بن أغلبك ، ومعه نحو الأربعين نفرة ، اتهموا بأنهم قد تواطؤوا مع السلطان حسن الطويل ، سلطان العراق، فصدر أمر السلطان بشنقهم ، فشنقوا ( اعلام النبلاء 76/3 ) .

وفي السنة 885 قتل شنقا عبد الله بن نصر ، بأمر من السلطان الأشرف قايتباي ، وكان قد صادره ، وطالبه بمال ، فعجز عن أدائه ، فشنق ( الضوء اللامع 72/5 ).

وفي السنة 885 قتل قاسم بن بيبرس بن بقر ، أحد شيوخ العرب بالشرقية ، وكان الأشرف قايتباي قد سجنه مدة بالبرج ، ثم شنقه ، ولم يبلغ الأربعين ( الضوء اللامع 6/ 180).

وفي السنة 892 وردت الأخبار إلي مصر، بأن شاه بوداغ بن دلغادر ، وكان مسجونا بقلعة دمشق ، قد فر من سجنه ، فغضب السلطان ، وأمر بشنق نائب قلعة دمشق ، فشنق ( اعلام النبلاء 96/3 ).

وفي السنة 919 وقعت حادثة بمصر ، وهي إن رجلا اتهم بأنه زنا بأمرأة فرفع أمرهما ألي حاجب الحجاب بالديار المصرية الأمير أنسبائي ، فضربهما ، فاعترفا بالزنا ، ثم بعد ذلك رفع أمرهما إلي السلطان الغوري ، فأحضرا بين يديه ، وذكرا أنهما رجعا عما أقرا به من الزنا قبل ذلك ، فقعد السلطان لهما مجلسا جمع فيه العلماء والقضاة الأربعة ، فأقر شيخ الإسلام برهان الدين المقدسي بصحة الرجوع ، فغضب السلطان لذلك ، وكان

ص: 78

المستفتي شمس الدين الزنكلوني الحنفي وولده ، فأمر السلطان بهما ، فضربا في المجلس ، حتي ماتا تحت الضرب ، وأمر بشنق المتهمين بالزنا علي باب صاحب الفتوي ، فشنقا، وعزل الشيخ برهان الدين والقضاة الأربعة من مناصبهم ( الكواكب السائرة 103/1 ).

وفي السنة 923 قتل السلطان طومان باي ، أبو النصر ، وكان الغوري قد أنابه عنه بمصر ، لما خرج لمحاربة السلطان سليم العثماني ، فلما قتل الغوري ، نصبه المماليك سلطانا بمصر ، فحارب السلطان سليم لما قصد مصر ، فانكسر جيشه ، واختفي ، ثم اعتقل، وشنق بباب زويلة بالقاهرة ، ( الاعلام 337/3 ).

وفي السنة 930 شنق الشيخ ابراهيم الصوفي الدمشقي «لأنه اتهم بالكيمياء » ( الكواكب السائرة 113/1 ).

وفي السنة 930 أشار الأمير ابراهيم المرقباني ، علي أحمد باشا والي مصر ، أن يطلق شيخ العرب عبد الدائم بن بقر ، وكان مسجونا منذ عهد السلطان الغوري ، ولما تردد أحمد باشا في إطلاقه ، قال له الأمير ابراهيم : أطلقه بضماني وإن حصل منه خلل فآشنقني ، فأطلقه ، وضمنه البلاد الشرقية ، فأظهر عبد الدائم العصيان ، فأمر أحمد باشا بالأمير ابراهيم المرقباني فشنق ( الكواكب السائرة 158/1 ).

وفي السنة 930 قتل شنقأ ، القاضي شهاب الدين أحمد بن الجيعان ، اتهم بأنه أغري أحمد باشا علي طلب السلطنة بمصر ، فلما قتل أحمد باشا ، اعتقل القاضي ابن الجيعان ، ولما أخرج لشنقه ، طلب من الجلاد أن يمهله ليصلي ركعتين ، فصلي ، ثم شنق ( الكواكب السائرة 156/1 ).

وفي السنة 941 صلب السلطان سليمان القانوني ، ببغداد ، اسكندر جلبي الدفتري ( تاريخ العراق للعزاوي 38/4 ) .

ص: 79

واتهم إبراهيم بن خضر اللاري ت 946، نزيل حلب ، أحد مماليكه ، بأنه اختلس شيئا من أمواله فشنقه علي باب سوق الدهشة ، حيث الموضع الذي تم فيه الاختلاس . ( اعلام النبلاء 26/6 ) .

وفي السنة 944 أمر سليمان باشا ، بكلربكي مصر ، بصلب الأمير داود بن عمر أمير الصعيد ، فصلب بباب زويلة . ( البرق اليماني 76).

وفي السنة 945 جاء سليمان باشا الخادم ، الذي نصبه السلطان سليمان لطرد البرتغال من سواحل الجزيرة العربية، فلما وصل إلي عدن، فتح له أمير عدن أبوابها ، واستقبله ، فلما دخل سليمان باشا الي عدن ، ألبس أميرها عامر بن داود ومن معه خلعا ، ثم أمر بهم فصلبوا جميعا ، ثم خرج من عدن ، متوجها إلي الهند لحرب البرتغال . ( البرق اليماني 80 و81).

وفي السنة 947 قتل شنقا بالقاهرة ، قاسم بن عبد الكريم الفاسي ، ناظر الأوقاف بالديار المصرية ، قبض عليه بالقاهرة ، وحبس ، ثم أخرج من حبسه ليشنق ، فرجمه الناس بالحجارة ، وهو في طريقه إلي باب زويلة ، حيث شنق هناك ( الكواكب السائرة 242/2 ).

وفي السنة 966 شنق بدار السعادة حسين جلبي متولي تكية السلطان سليم بالصالحية ، وشنق معه سنان القرماني وكان يلي نظارة المارستان بدمشق ثم ولي نظارة الجامع الأموي ، وانتقد علي سنان إنه باع بسط الجامع وحصره ، وإنه خرب مدرسة المالكية التي بقرب البيمارستان النوري وتعرف بالصمصامية، ، وحصل به الضرر بمدرسة النورية ، فشنق سنسان وحسين جلبي ، صلبا معأ بدار السعادة وعمامتاهما علي رأسيهما ، وهما ذوا شيبتين نيرتين ( شذرات الذهب 347/8 ) .

ولما دخل محمود باشا ، والي اليمن ، إلي اليمن في السنة 968 ، أمر

ص: 80

بصلب أمين دار الضرب ، فصلبه ، واستولي علي ذخائره ، وكان غنية . ( البرق اليماني 128 ).

ولما سافر محمود باشا ، بعد عزله من اليمن ، إلي مصر ، توقف في جده ، وكان لا يصبر عن القتل، فضاق ذرعا ، لأنه خلال مكثه في الحجاز لم يقتل أحدأ ، وكان عنده مملوك ، اشتراه قريبا بمائتي ذهب ، فقد خنجره ، فجعل ذلك ذنبأ له ، وأمر بصلبه ، فوضع في عنقه حبل ، وسحب من بين يديه ليصلب ، فتوشط له السيد حسين القاضي وغيره ، فلم يقبل فيه شفاعة ، ومضوا به وصلبوه ، وعذبوه في صلبه ، لأنهم كانوا مماليك صغارة لا يعرفون كيف يصلبون . ( البرق اليماني 149).

ولما ولي محمود باشا ، مصر في السنة 968 ، قدمها بحرة ، فلما وصل إلي القاهرة ، قدم عليه الأمير محمد بن عمر، صاحب الصعيد، وقدم له سفينة كبيرة مشحونة بأنواع الهدايا والتحف ، ومعها خمسين ألف دينار من الذهب ، فبمجرد وصوله ، أمر محمود باشا بصلبه ، وأخذ جميع ما معه ، ثم صلب القاضي محمد العبادي ، كاتب الروزنامة ، وكاتب الجوالي ، ثم صلب شخص مغربية، يدعي المعرفة بعلم النجوم ، كان قد تنبأ له بأنه لا يتولي مصر ، فلما وصلها متولي أمر بصلبه . ( البرق اليماني 151 ) .

وفي السنة 975 أمر حسن باشا ، بكلربكي اليمن ، بالفقيه عبد الوهاب المحرقي ، فشنق علي باب داره ( البرق اليماني 188 ).

وفي السنة 988 مات بدمشق شخص اسمه محمود بن يونس بن شاهين الأعور ، فتزوج أحد الأجناد الدمشقيين ، واسمه يوسف السقا بزوجة الأعور المتوفي ، وسافر إلي إصطنبول ، وتقدم إلي السلطان بشكوي خلاصتها إن الأعور مات عن تركة مقدارها ثلاثة وثلاثين ألف دينار ، وليس له وارث ، فهي من حق بيت المال ، ولكن بعض القضاة وسماهم ، اتفقوا مع الترجمان ،

ص: 81

واقتسموا التركة فيما بينهم ، بعد أن نصبوا له بطريق التزوير وارثأ ، فوجه السلطان أحد موظفي بلاطه ، واسمه محمود البواب للتحقيق في الموضوع ، فلما وافي الشام ألقي القبض علي القضاة ، وفر أحدهم إلي طرابلس ، فأحضره البواب وأدخله إلي دمشق وعلي رأسه قلنسوة نصراني ، وفي رجليه القيود وفي عنقه الغل ، أما القضاة الباقون ، فإن البواب وضع « الزناجير في رقابهم ، واستولي علي جميع ما يملكونه ، وعاقبهم معاقبة بالغة ، ثم صادر جميع أعيان دمشق ووجوهها ، وأخذ منهم أموالا عظيمة ، فشكوه إلي السلطان فخرج الأمر السلطاني بقتله ، فأحضره الوزير حسن باشا، والي الشام ، وعقد له مجلسحضره القضاة ورجال الدولة ، وأحضروا من كان في حبس البواب علي صورتهم ، والقيود والأغلال في أعناقهم ، ولما أحضر البواب إلي المجلس ، نزعت عنه كسوة السلطان ، وألبس قلنسوة نصراني ، وأقيمت عليه البينة « بتحقير العلماء » وحكم عليه القاضي بالقتل ، فأنزلوه ، ولما تحقق البواب أنه مقتول ، طلب إمهاله ليغتسل، فأمهل حتي اغتسل ، وصلي ركعتين ، وصلب في خشب الأرجوحة المنصوبة علي باب دار الإمارة ( خلاصة الأثر 41/2 - 43 ).

وكان سليمان باشا بن قباد ، محافظ دمشق ، المتوفي سنة 997 شديد السطوة ، ينوع أنواع العذاب للسراق والقطاع والزناة والمعرصين والمزورين وقتل محمد بن جلال الدين العامل في التزوير ، وقتل حمدان قبل أن يدخل دمشق وهو بالمرجة ، وسل لسانه من تحت حنكه ، ثم شنقه في شجرة خارج باب جامع يلبغا الغربي ، وشنق ابن المعلم البعلي نقيب الشيخ أحمد بن سليمان في الدلبة بالمرجة ، وشنق كتخدايه ابن الأصفر بالقرب من سوق القاضي داخل دمشق ، وكان من الجبارين إلا أنه قطع المناحيس ( الكواكب السائرة 158/3 ).

وفي السنة 1010 مات عبد الحليم اليازجي ، أحد الخوارج علي

ص: 82

الدولة العثمانية ، وكان في أول أمره من أتباع الأمير درويش الرومي حاكم صفد، ولما عزل الأمير عن صفد، حسن له عبد الحليم الخروج علي الدولة ، فأعلن خروجه ، وسيرت عليه عدة جيوش ، فكان الظفر له ، ثم بدا له أن يترك المخالفة ، وأن يتوجه إلي الأبواب السلطانية ، فلما وصل إلي إصطنبول ، عرض الوزير التقارير التي وصلت بشأنه إلي الدولة ، فأمر السلطان بأن يصلب ، فصلب بثيابه ( خلاصة الأثر 322/2 ) .

وفي السنة 1041 وافي القنقدة قسم من عساكر اليمن الذين طردهم حاكمها قانصوه ، فأرسلوا إلي الشريف محمد، أمير مكة ، أن يأذن لهم بدخول مكة ليمتاروا وهم في طريقهم إلي مصر ، فأبي عليهم دخول مكة ، فدخلوها عنوة، وحاربوا الشريف محمد ، وقتلوه في المعركة ، ولما استولوا علي مكة نصبوا الشريف نامي بن عبد المطلب أميرة ، وأشركوا معه الشريف عبد العزيز بن إدريس ، وراسلوا أمير جدة أن يسلمها إليهم ، فأبي ، وقتل رسلهم ، فحضروا جدة ، ودخلوها عنوة ، ونهبوها ، وفر الشريف زيد إلي المدينة ، وكاتب السلطان بمصر ، فوجه إليه جيشا ، ونصبه أميرا علي مكة ، وتقدم الجيش المصري يريد الخوارج اليمانيين ، فتحصنوا في حصن تربه ، وكان لهم رئيسان الأمير علي ، والأمير محمود ، فخامر الأمير علي علي أصحابه ، وافق مع المصريين علي أن يحقنوا دمه ، ويسلم إليهم الأمير محمود ، فأمنوه ، فأحتال حتي أسلم إليهم الأمير محمود ، فأشهر وه ، وطافوا به علي جمل معذب بالنار ، ثم صلب حيا بالمعلاة حتي مات ، وأخذته العامة فأحرقته ، ولما انتهي أمر الخوارج ، قبض علي الشريف نامي وأخيه السيد ، وحبسا ، ثم صدرت فتوي العلماء بقتلهما ، فقتلا ، وصلبا ( خلاصة الأثر 177/2)

أقول : أورد صاحب الاعلام 319/8 الخبر خلافا لما سلف ، قال : في السنة 1042 قتل شنقا الشريف نامي بن عبد المطلب بمكة ، وكان

ص: 83

قانصوه باشا قد قتل أخاه الشريف أحمد ، فانصرف نامي إلي اليمن ، وجيش جيشأ فتح به مكة ، وقتل أميرها الشريف محمد بن عبد الله ، وملكها مائة يوم ، ثم حاربه الشريف زيد بن محسن ، وقبض عليه فشنقه.

وفي السنة 1046 قتل شنقأ بإصطنبول ، السلطان عنايت كراي بن غازي ، سلطان القرم ، وكان قدولي الحكم منذ السنة 1044 ( معجم انساب الأسر الحاكمة 368) .

وفي السنة 1052 دخل الوزير محمد باشا، المعروف بجوان قبوجي باشي ، مدينة دمشق ، واليأ ، فاتفق إنه وجد ثلاثة أنفار مقتولين قرب المدرسة الظاهرية ، فبذل جهده في البحث عن القاتلين ، حتي عثر عليهم ، وثبت عليهم القتل ، فصلبهم علي باب المدرسة المذكورة ( خلاصة الأثر 303/4)

وفي السنة 1059 قتل السلطان ابراهيم الأول العثماني، وزيره الأول ، الصدر الأعظم صوفي محمد باشا ، فأعدم شنقا ( معجم انساب الاسر الحاكمة 243) .

وفي السنة 1088 في أيام الحكم العثماني في العراق ، كان يجري صلب مرتكبي جرائم السرقة ، في رحبة الجسر ( تاريخ العراق للعزاوي 111/5)

وفي السنة 1097 أعدم شنقا بأمر السلطان محمد الرابع العثماني ، وزيره الأول الصدر الأعظم قره ابراهيم باشا ( معجم انساب الأسر الحاكمة 244)

وفي السنة 1139 قتل السلطان أحمد بن إسماعيل بن الشريف ، أبا عبد الله محمد بن العياشي ، الكاتب ، صلبة . ( الاعلام 212/7 ) .

ص: 84

وفي السنة 1156 جهز سليمان باشا العظم ، والي دمشق ، عسكرة علي الظاهر عمر الزيداني ، بعد أن قبض علي أخيه مصطفي وشنقه بدمشق ، ولما وصل سليمان باشا ، وحصر عكا ، مات ( خطط الشام 293/2 ).

وفي السنة 1157 بعث الوزير احمد باشا ، والي بغداد، الكتخدا سليمان باشا إلي الحلة ، حيث قبض علي غصيبه شيخ زبيد، ومن معه من أكابر عشيرته ، وصلبهم عند رأس الجسر . (تاريخ العراق للعزاوي 270/5 ).

وفي السنة 1158 ملك الدالاتية قلعة دمشق ، فقاتلهم الإنكشارية ، وأمر أسعد باشا العظم ، والي دمشق ، بنهب سوق ساروجة ، وقتل العسكر أناسا ، ونهبوا البيوت ، وأحرقوا بعضها ، وصلب أشخاص كثيرين ، وبقيت المشنقة أيام لا تخلو من مصلوب ، وتركت جثث المقتولين أمام السراي تأكلها الكلاب ، وسلخت رؤوسهم وجعلت أكواما ( خطط الشام 294/2 ) .

وفي السنة 1200 حصل قحط ببغداد ، فهاج لفيف من الناس ، وحملوا علم الشيخ عبد القادر الكيلاني ، وخرجوا في مظاهرة ، يصيحون : إن عباد الله ماتوا جوعا ، فأمر الوزير والي بغداد بتفريقهم ، فهاجمهم الجنود ، وقتلوا بعضهم ، وأسروا آخرين فصلبهم في الحال ، وقبض علي آخرين فجلدهم بالعصي ثم نفاهم إلي البصرة ( تاريخ العراق للعزاوي 98/6 ) .

وكان الأمير يوسف الشهابي ، حاكم لبنان ، قد أكرم احمد باشا الجزار (ت 1219) لما كان الجزار صعلوكا ، وأعانه حتي أصبح واليأ ، فكان جزاؤه منه، أن أمر به فشنق، وأبقاه ثلاثة أيام معلقا في حبل المشنقة ( خطط الشام 21/3 ).

وفي السنة 1216 شنق الفرنساوية ، شخصأ منهم علي شجرة ببركة الأزبكية بالقاهرة ، قيل أنه سرق ( الجبرتي 471/2 ) .

وفي السنة 1217 شنق الباشا والي مصر ، رجلا طبجية (مدفعية)بالمشنقة التي عند قنطرة المغربي ( الجبرتي 541/2 ).

ص: 85

وفي السنة 1217 شنقوا ثلاثة من عساكر الأروام ( العثمانيين ) أحدهم بباب زويلة، والثاني بباب الخرق ، والثالث بالأزبكية ، بالقرب من جامع عثمان كتخدا ، وقتلوا أيضا شخصا بالنحاسين ( الجبرتي 538/2 ).

وفي السنة 1217 مر بالقاهرة أربعة أنفار من العسكر ، وأخذوا غلام الرجل حلاق ، فعارضهم الحلاق ، فقتلوه ، فحصرهم أغات التبديل في دارهم ، وتضاربوا بالرصاص ، ونقبوا عليهم الدار من خلفهم ، وشنقوهم ، ثم أخرجوا من داخل الدار أكثر من ستين امرأة مقتولة ، وفيهن من وجدوها وطفلها مذبوح معها في حضنها . (تاريخ الجبرتي 555/2 ) .

وفي السنة 1219 شنقوا بالقاهرة ، بباب الشعرية ، علي السبيل ، شخصا ، لأنه كان يتعاطي القيادة ، ويجمع بين الرجال والنساء . ( تاريخ الجبرتي 656/2 ).

ومن عجائب جلال الدين ، والي حلب ، في السنة 1227 ، أنه بلغه ذات يوم إشاعة سرت في حلب ، بأنه قد عزل من منصبه ، فأمر أعوانه بالقبض علي من أشاعها ، فقبض أعوانه علي واحد ، واتهموه بأنه هو الذي آخترع هذه الإشاعة ، فأنكر ، وحلف لهم ، فلم يصدقوه ، فادعي إنه سمعها من شخص آخر ، فتركوه وقبضوا علي ذلك الشخص ، فأنكر ، وحلف لهم ، فلم يصدقوه ، فعزا ذلك إلي شخص آخر ، فتركوه ، وقبضوا علي ذلك الشخص ، وهكذا ، إلي أن قبضوا علي شخص اسمه الحاج بدور الخيمي ، فأنكر ، ولم يعز ذلك إلي أحد، فجيء به إلي السوق ، ونصبوا له خشبات الصلب ، واستنطقوه ، وهو يحلف لهم بالأيمان المغلظة ، إنه لم يقل ذلك ، ولا علم له بما قيل وبمن قال ، فلم يجده ذلك نفعأ ، وصلبوه بمحضر من الناس . ( اعلام النبلاء 378/3 ).

ص: 86

وفي السنة 1228 قبض ابراهيم بك بن محمد علي باشا ، بالصعيد من مصر ، علي أحمد أفندي الذي بيده دفاتر الرزق الأحباسية وشنقه ( الجبرتي 392/3)

وفي السنة 1229 شنق عند باب زويلة بالقاهرة ، شخص اسمه صالح ، واستمر معلقة يومين ، وسبب ذلك إنه كان يدعي الجذب والولاية ، وتزوج بامرأة ، وأخذ متاعها ومالها ، وحصل لها خلل في عقلها ، فأنهوا أمره إلي كتخدا بك فأمر بحبسه ، وكثر كلام الناس في حقه ، فأمر الكتخدا بشنقه ( الجبرتي 451/3 ) .

وفي السنة 1232 شنق بباب زويلة شخص ، بسبب «الزيادة في المعاملة ، وعلقوا بأنفه ريال فرانسة ، وخزم المحتسب آناف وأشخاص من الجزارين ، وعلق في آنافهم قطعة من اللحم ، بسبب الزيادة في ثمن اللحم ( الجبرتي 561/3 ).

وفي السنة 1232 طلب المحتسب بالقاهرة ، حجاجأ الخضري الشهير بنواحي الرميلة ، فأخذه إلي الجمالية ، وشنقه علي السبيل المجاور الحارة المبيضة ، وكان شنقه وقت السحور ، وتركوه معلقا إلي مثلها من الليلة القادمة ، وكان حجاج مشهورة بالإقدام والشجاعة ومكارم الأخلاق ( الجبرتي 564/3)

وفي السنة 1232 شنق بالقاهرة عدة أشخاص في أماكن متفرقة ، قيل إنهم سراق وزغلية ( الجبرتي 567/3 )ثم شنقوا خمسة آخرين قيل إنهم حرامية ( الجبرتي 569/3 ).

وفي السنة 1237 ( 1821م) قتل عسكري جزائري في جبل مزاية ، فطالب الحاج علي باشا، أمير الجزائر ، سكان تلك المنطقة ، بإحضار الذين اتهموا بالقتل ، فأمتنعوا ، فبعث من قبض علي جماعة منهم ، وصلبهم جميعا في يوم واحد (مذكرات الزهار 111) .

ص: 87

وفي السنة 1257 توجه ابراهيم باشا ، بن محمد علي باشا ، إلي حران ، فخرج شيخ البلد لاستقباله ، فقال له ابراهيم باشا : لازم ذخاير ، فقال له : أفندم ، مقدمين سابق قمح هلقدر ، والآن ما بقي عندنا شيء ، فلما سمع كلامه أمر عليه بالشنق ، فشنقوه حالا ( مذكرات تاريخية 228) .

وفي السنة 1286 حصلت فتن من العشائر ، فألقت السلطة القبض علي الشيخ دنان رئيس عفك ، والشيخ بدوي رئيس الدغارة ، وصلبتهما علي جسر الديوانية ، كل واحد علي أحد رأسي الجسر ( تاريخ العراق للعزاوي 212/7 و220) .

وفي السنة 1286 حصلت وقعة الوالي في جبال العلويين ، وسببها إن طائفة الكلبية ظهرت فيها « شقاوة ، فجيش الدولة عليها جيشا من عشرة آلاف ، فرابط في قرية الجديدة ، وأرسل يطلب مقدمي الكلية ووجده العلويين ، وقبض عليهم جميعا ، ثم أحرق دورهم ، وقراهم ، وعذب جميع الطوائف العلوية ، ثم أحالهم علي مجلس إداري في جبلة ، فشنق ثلاثة من أعاظم الكلبيين ، وشنق آخر من بني علي ، وسجن الباقين ( خطط الشام 100/3)

وفي السنة 1288 أسر عبد الكريم ، رئيس عشيرة شمر ، وحوكم علنا في بغداد ، فحكم عليه بالإعدام ، وأرسل إلي إصطنبول ، وفي الموصل ورد الأمر بإعدامه ، فصلب هناك ( تاريخ العراق للعزاوي 263/7 ).

وفي السنة 1333 ه- ( 1914 م)، شنق في رأس القرية كل من شكوري التاجر ، وعزيز شماس جرجيس ، وسليم شماس جرجيس ، وكامل عبد المسيح ، لاتهامهم بالتجسس . ( تاريخ العراق للعزاوي 277/8 ).

وفي السنة 1334 (1916 ) أعدم جمال باشا السفاح ، نخبة من أحرار

ص: 88

العرب ، شنقا، ببيروت ودمشق ، منهم انطون بن نسطاس زريق وتوفيق أخوه ، وتوفيق أحمد البساط ، ورفيق رزق سلوم ، وسعيد فاضل بشارة عقل ، والقائد سليم الجزائري ، وشفيق المؤيد ، وشكري العسلي ، وعارف الشهابي ، وعبد الحميد الزهرواي ، وعبد الغني العريسي ، وعمر حمد ، وعبد الكريم الخليل ، وعلي محمد الأرمنازي ، وفليب وفريد الخازن ، وعبد الوهاب الإنكليزي ، ( الاعلام 368/1 و75/2 و57/3 و 152 و 180 و 246 و 250 و 9/4 و10 و 57 و 160و 178 و332 و172/5 و376) .

وفي السنة 1335 (1917 م ) هاجم الضابط التركي عاكف ، مدينة الحلة ، وقبض علي مائة وستة وعشرين رجلا من رؤسائها ، فقتلهم شنقا ، وهدم مساكنهم ، وأمر بنسائهم وأطفالهم ، فتفاهم إلي بلاد الأناضول ( الشبيبي الكبير 38) .

وفي السنة 1344 ( 1925 م ) أعدم شنقا بالقاهرة ، المحامي شفيق منصور ، وكان قد أسس جمعية أغتالت مصريين ، وختمت أعمالها باغتيال السردار لي ستاك الانكليزي ، سردار الجيش المصري ( الاعلام 247/3 و 248).

وفي السنة 1350 ( 1930م ) أسر الإيطاليون ، بالجبل الأخضر ، في طرابلس الغرب ، المجاهد عمر المختار ، وهو ابن خمس وسبعين سنة ، وقتلوه شنقا . ( الاعلام 227/5 ).

أقول : إن إعدام شيخ مجاهد، شنقا وهو ابن خمس وسبعين سنة ، سجل التاريخ إيطاليا في عهد موسوليني ، خزية لا يمحي ، وقد بلغنا في حينه إن أتباع موسوليني لم يكتفوا بذلك ، بل أخذوا جثة هذا الشيخ بعد شنقه وحملوها في طبارة ثم ألقوها من الجو ، فأضافوا إلي لؤم القدرة ، جريمة المثلة .

ص: 89

أقول : الخبر المتواتر عندنا أن الإيطاليين بعد أن شنقوا الشهيد عمر المختار ، وقد تجاوز السبعين من سنيه ، حملوا جثمانه في طائرة علت ثم رموا بالجثمان منها إلي الأرض ، ولكن السيد محمد المنصف ، من ليبيا، كتب في مجلة العربي الكويتية العدد 279 الصادرة في شباط 1982 ذكر أنه حضر محاكمة الشهيد عمر المختار طيب الله ثراه ، وحضر الإحتفال الذي أقامه الإيطاليون باعدامه شنقا ، وإنه لما وضع الحبل في عنقه ، انقطع ، وسقط الشهيد علي الأرض ، فقال مستهزئا : يلعن بو دولة ، حتي حبالها بايدة ، فجيء بحبل آخر تم اعدامه به ، وذكر إنه سأل الذي تولي دفن الشهيد عما أبصر في بدنه من آثار العنف ، فأخبره بأن البدن كان سليما من آثار العنف ما عدا أثر طلقة نارية في كتفه .

وفي السنة 1366 (1946)، أعدم شنقا سلمان المرشد ، بدمشق ، آنهم بعصيان الحكومة الوطنية . ( الاعلام 170/3 ) .

ص: 90

الفصل الثالث: الغم

وهو اللون الثالث ، من ألوان القتل بكتم النفس .

والغم في الأصل : التغطية ، ثم صرفت إلي كتم النفس بشيء يوضع علي الفم ، فيمنع وصول الهواء إلي الصدر .

وأول من مارس هذا اللون من العذاب ، علي ما بلغنا ، النعمان بن المنذر ، إذ حبس عدي بن زيد ، ثم بعث إليه من غمه ، حتي مات ( الاغاني 121/2)

وكتب معاوية إلي عامله بالعراق ، أن يعذب عبد الرحمن بن أبي بكرة ، فألقي علي وجهه حريرة ، ونضحها بالماء ، فكانت تلتزق بوجهه ، فيغشي عليه . ( الطبري 176/5 و177).

وكان مروان ، قد أخذ البيعة لنفسه ، ثم لخالد بن يزيد ، ثم لعمرو بن سعيد بن العاص ، فلما استقر في موضعه ، بدا له ، فجعلها لابنه عبد الملك ، ثم لابنه عبد العزيز ، فدخل عليه خالد بن يزيد، فكلمه ، وأغلظ له ، فغضب مروان ، وقال له : أتكلمني با ابن الرطبة ، يعيره بأمه وكان قد تزوجها ليضع منه ، فدخل خالد إلي أمه ، فحدثها بما قال مروان ، فقالت : لا يعيبك بعدها ، ثم إنه لما دخل عندها وضعت علي متنفسه وسادة ، وقعدت هي وجواريها فوقها. حتي مات . ( اسماء المغتالين 174 والاغاني 346/17 والعقد الفريد 398/4 و مروج الذهب 69/2 ).

ص: 91

وفي السنة 72 خرج عبد العزيز بن عبد الله بن أسيد، علي رأس جيش القتال الخوارج ، فظفر به الخوارج ، وقتلوا من جيشه مقتلة عظيمة ، وسبوا النساء ، ومنهن امرأته أم حفص بنت المنذر بن الجارود ، وأخذوا أساري لا يحصي عددهم ، فقذفوهم في غار ، بعد أن شدوهم وثاقا ، ثم سدوا عليهم بابه ، حتي ماتوا فيه ( شرح نهج البلاغة 174/4 ).

وحبس مروان الجعدي ، أخر الحكام الأمويين ، ابراهيم الإمام العباسي ، بحران ، ثم أمر به فغم في جراب طرحت فيه نورة ، وجعل رأسه في الجراب ، وسد عليه إلي أن مات ( مروج الذهب 193/2 وكتاب المغتالين 187 ووفيات الأعيان 147/3 ).

ولما اشتد أمر أبي مسلم الخراساني ، بعث مروان الجعدي ، جماعة من مواليه ، إلي حبسه بحران ، فأخذوا عبد الله بن عمر بن عبد العزيز، والعباس بن الوليد بن عبد الملك ، وجعلوا علي وجهيهما مخاڈا ، وقعدوا فوقها ، فاضطربا ، ثم بردا ( مروج الذهب 192/2 و 193).

وفي السنة 129 قبض أبو مسلم الخراساني ، علي عبد الله بن معاوية بن عبد الله بن جعفر ، فحبسه ، ثم خاف غائلته ، فأمر ، فوضع علي وجهه فراش ، حتي مات ( ابن الأثير 373/5 ).

وقتل يزيد بن المهلب ، يوم العقر ، وجد قتيلا بلا طعنة ولا ضربة ، أنسدت أذناه ومنخراه وامتلا فمه بغبار العسكر ، فمات ، فلا يعرف مثله قتيل غبار . ( معجم الأدباء 260/1 ).

واتهم المهدي العباسي ، يعقوب بن الفضل، من بني هاشم ، بالزندقة ، فحبسه ، فلما صار الأمر إلي موسي الهادي ، أرسل إلي يعقوب في حبسه ، من ألقي عليه فراشة ، وأقعد عليه الرجال حتي مات ، ثم لم يأمر فيه

ص: 92

بشيء ، وكان ذلك في يوم شديد الحر ، حتي انتفخ وأروح ، فقال الهادي : إبعثوا إلي أخيه إسحاق ، فخبروه إنه مات في السجن ، وجعل في زورق ، وحمل إلي اسحاق ، فنظر ، فإذا ليس فيه موضع للغسل ، فدفنه في بستان له ، وأصبح فأرسل إلي الهاشميين يخبرهم بموت يعقوب ، ويدعوهم إلي الجنازة ، وأمر بخشبة فعملت في قد الإنسان ، وغشيت قطنة ، وألبست أكفانا ، فلم يشك أحد ممن حضر إنه شيء مصنوع ( الطبري 191/8 ).

وذكر أن الهادي العباسي ، مات مختنقا بغم وجهه ، وكان مريضأ، فأمرت الخيزران جواريها بالجلوس علي وجهه حتي مات ( الطبري 206/8 والعيون والحدائق 288/3 ).

أقول : أوردت في موضع آخر من هذا الكتاب ، أني لا أميل إلي تصديق الرواية القائلة بأن الخيزران قتلت ولدها ، لأن الهادي كان مريضا ومات ، ومحبة الأم ولدها تحول دون تصديق هذه التهمة ، ولم أكن في حاجة إلي تكذيب هذه الرواية ، لولا أن أكثر من مؤرخ تورط في إثباتها في تاريخه .

وفي السنة 176 مات بكار بن عبد الله الزبيري ، بأن غم وجهه ، قام بذلك زوجته وغلامان زنجيان من غلمانه ، وسبب ذلك أن بكار كانت له زوجة ، فأتخذ عليها جارية ، فأغارها ، فأغرت غلامين زنجيين له بأن يعاوناها علي قتله ، فدخلت عليه وهو نائم ، وهما معها ، فقعدا علي وجهه حتي مات ( الطبري 246/8 ).

وقتل الامام موسي الكاظم ، بأن الله السندي بن شاهك في بساط ، وقعد الفراشون علي وجهه ، فمات . ( مقاتل الطالبيين 504).

وروي في موت المهتدي ، إنه كبس عليه بالبسط والوسائد، حتي مات . ( مروج الذهب 464/2 ) .

وبلغ المعتز في السنة 252 عن أخيه المؤيد ، أنه يدبر عليه ، فحبسه ،

ص: 93

وحبس شقيقه أبا أحمد الملقب بالموفق ، والمؤيد والموفق شقيقان ، لأب وأم ، وطالب المعتز أخاه المؤيد ، بأن يخلع نفسه من ولاية العهد ، وضربه أربعين عصا ، فأجاب ، وأشهد علي نفسه بالخلع ، ثم بلغ المعتر ، أن قوما من الأتراك يتعصبون للمؤيد ، فأمر به فأدرج في لحاف ، وشد طرفاه حتي مات فيه . ( ابن الأثير 172/7 والطبري 362/9 و مروج الذهب 2/ 455) .

وروي صاحب العيون والحدائق ج 4 ق 1 ص 133 خبر طريفة عن موت المعتمد ، فذكر أن المعتضد دس إلي جواري عمه المعتمد بقتله ، فوضعن سمك صغارا في خابية كبيرة ، وقلن للمعتمد. وكان سليم القلب - انظر إلي هذا السمك ، فأشرف عليه ، وأدخل رأسه في الخابية ، فرفعن رجله ورمينه في الخابية ، فمات ( العيون والحدائق 45 ق 1 ص 133 ).

ومن جملة ألوان العذاب التي كان يمارسها المعتضد، أن يأمر بمن يعذبه فتحفر له حفرة بحضرته ، ثم يدلي رأسه فيها ، ويطرح عليه التراب ، ونصفه الاسفل ظاهر ، فوق التراب ، ويداس التراب ، فلا يزال كذلك حتي تخرج روحه من دبره ( مروج الذهب 496/2 ).

وذكر التنوخي في كتابه نشوار المحاضرة ج 1 ص 152 في القصة 77/1 ووردت القصة في مروج الذهب كذلك 507/2 ، أن المعتضد أمر برجل فسد بالقطن أنفه ، سدأ محكمة ، وكذلك فمه ، وعيناه ، وأذناه ، وذكره ، ومنخراه ، وسوءته ، ثم كتف وترك ، فلم يزل ينتفخ ويزيد إلي أن طار قحف رأسه ، ومات . وذكر التنوخي في كتابه نشوار المحاضرة ج 1 ص 151 في القصة رقم 76/1 أن المعتضد عذب وزيره اسماعيل بن بليل بأن اتخذ له تغارة كبيرة ، ومليء إسفيداجأ حيا ، وبله ، ثم جعل بالعجل رأس إسماعيل فيه ، إلي آخر عنقه ، وشيء من صدره ، وأمسك حتي جمد الاسفيداج ، فلم تزل روحه تخرج بالضراط حتي مات .

ص: 94

وزاد المسعودي في مروج الذهب 493/2 علي ما تقدم : بأن المعتضد عذب وزيره إسماعيل بن بليل بأنواع العذاب ، وجعل في عنقه غلا فيه رمانة حديد ، والغل والرمانة مائة وعشرون رط ، وألبس جبة صوف قد صرت في ودك الأكادع ، وعلق معه رأس ميت ، فلم يزل علي ذلك حتي مات .

وفي سنة 309 صرف تين عن مصر ، فبارحها ، فقال ابن مهران :

وليت ولايه وعزلت عنها**** كماقد كنت تعزل من تولي

رحمتك يا أبا منصور لما**** خرجت كذا بلا علم وطبل

فلما وليها تكين بعد ذلك ، أمر فراشأ ، فضم ابن مهران ضمة كانت فيها نفسه ( الولاة للكندي 278 ).

وفي السنة 422 قتل أبو علي الحسن بن ماكولا بالأهواز ، قتله غلام له يعرف بعدنان ، كان يجتمع بامرأة من داره ، ففطن لهما ، فخافاه ، وساعدهما فراش كان في داره ، فاجتمعوا عليه وغموه بشيء ، وعصروا خصاه حتي مات ، وأظهروا أنه مات فجأة ، ثم أخذوا ، فأقروا ، فصلب الرجلان وحبست المرأة . ( النجوم الزاهرة 274/4)

وفي السنة 548 لما استولي الغز علي نيسابور ، ودحروا السلطان سنجر السلجوقي ، أخذوا محي الدين أبا سعد النيسابوري ، ودشوا في فمه التراب حتي مات . ( وفيات الأعيان 224/4 ) .

وفي السنة 548 قتل الغز ، لما دخلوا مرو ، الطبيب المروزي أبا علي الحسن بن علي القطان ، قبضوا عليه ، فأخذ يشتمهم ، فألقوا في فمه التراب ، وحشوه به فمات . ( الاعلام 219/2 ).

وفي السنة 656 فتح هولاكو التتاري ، بغداد ، وقتل الخليفة المستعصم وولده ، قيل خنقأ ، وقيل بالغم في بساط ، وقيل جعل ، هو وولده ، في عدلين ، ورفسا ، حتي ماتا . ( النجوم الزاهرة 51و50/7)

ص: 95

وكان من جملة ألوان العذاب التي عذب بها زبانية تيمورلنك الناس في دمشق، أنهم كانوا يشدون يدي الرجل إلي ظهره ، ثم يربطون في عنقه حب ، ويلونه ليا عنيفا ، ثم يلقي علي ظهره ، ويعم بخرقة فيها رماد سخن ( بدائع الزهور 334/1 ) أو بخرقة فيها تراب ناعم ، فكلما تنفست المعذب ، تخلل التراب خياشيمه ، حتي إذا كادت نفسه أن تزهق ، خلي عنه حتي يستريح ، ثم يعاد تعذيبه ( النجوم الزاهرة 244/12 و 254 ).

وفي السنة 1043 قتل إبراهيم باشا بن عبد المنان الدفتر دار بدمشق ، وأحد كبرائها ، وسبب ذلك إن الوزير أحمد باشا المعروف بالكوجك لما قدم حاكمة بدمشق ، حصل بينه وبين إبراهيم باشا منافسة ، فعرض أمره إلي الأبواب السلطانية ، فجاء الأمر بمحاسبته ، فعين أحد خصومه لمحاسبته ، فأطلع » في ذمته أموالا كثيرة ، وحبس ، وقبض جميع ما يملكه ، ثم أمر بقتله سرا ، فغم بالماء ، وقيل عصرت مذاكيره ، وقيل وضعت علي وجهه الوسادة حتي مات ، وأشيع إنه مات فجأة ( خلاصة الأثر 30/1 ).

ص: 96

الفصل الرابع: التغريق

وهو اللون الرابع من ألوان العذاب بكتم النفس، ويتم بتغطيس المعذب في الماء حتي يختنق .

وأول من مارس هذا العذاب، فيما بلغنا بسر بن أبي أرطأة العامري ، أحد أتباع معاوية ، بعث به معاوية بن أبي سفيان إلي الحجاز واليمن ، لقتل أنصار الإمام علي بن أبي طالب ، فقتل بها مقدار عظيمة من المسلمين ، ووجد قوما من بني كعب وغلمانهم علي بئر لهم ، فألقاهم في البئر ( الطبري 176/5)

ومارس هذا اللون من العذاب ، من بعد ذلك ، أحد العمال الظالمين ، وهو أسامة بن زيد التنوخي ، كان عاملا علي مصر للأمويين ، قبل ولاية عمر بن عبد العزيز ، وكان غاشمة، يقطع الأيدي ، ويشق اجواف الدواب ، ويدخل فيها القطاع ويطرحهم للتماسيح ، فلما ولي عمر بن عبد العزيز ، الخليفة الصالح ، كتب بعزله ، وأن يحبس ويقيد ، وأن يحل عنه القيد عند كل صلاة ، ثم يرد في القيد ، فحبس مدة ولاية عمر ، فلما خلفه يزيد بن عبد الملك ، رد أسامة علي مصر . ( سيرة عمر بن عبد العزيز 34).

ثم مارس هذا اللون من العذاب المهدي العباسي ، فإنه في السنة 166 طلب من سماهم : الزنادقة ، فقتل ، وسبي ، وغرق خلقأ منهم . ( العيون والحدائق 3/ 279) .

ص: 97

وروي أن المستعين العباسي ، غرق ، بأن ژبط في رجله حجر ، وألقي في دجلة ( تاريخ ابن خلدون 291/3 ).

وكان أبو العبر الهاشمي ، المتكسب بالسفاهة والرقاعة ، شديد البغض للإمام علي بن أبي طالب ، وله في العلويين هجاء قبيح ، وكان سبب هلاكه إنه خرج إلي الكوفة ليرمي بالبندق مع الرماة من أهلها في آجامهم ، فسمعه بعض الكوفيين ، يقول في الإمام قولا قبيحة ، استحل به دمه ، فغرقه في بعض الآجام . ( الأغاني ط بولاق 93/20 ).

وبلغ الحسن بن زيد العلوي ، أن الحسين بن أحمد الكوكبي ، وعبيد الله بن الحسن ، العلويين ، يريدان الخلاف عليه ، فدعا بهما ، وأغلظ عليهما ، فردا عليه ، فأمر بهما ، فديست بطناهما ثم ألقاهما في بركة ، فغرقهما، فماتا جميعا ، ثم أخرجا ، فألقيا في سرداب ، فلم يزالا فيه ، حتي دخل الصفار البلد ، فأخرجهما ودفنهما . ( مقاتل الطالبيين 712- 713).

وفي السنة 203 كان السري ، عامل مصر للمأمون ، يخاف قومأ من وجوه الجند ، فأجمع علي التخلص منهم ، فجمعهم وأخبرهم أن رسولا قد قدم من طاهر بن الحسين ، وأشار عليهم أن يتلقوه ، فخرجوا في النيل، وخرج معهم في مركب غير مركبهم ، وحمل معهم أخاه اسماعيل بن الحكم ، وجعل في باطن المركب غلامأ له ، وأمره أن يخرق المركب ، ففعل الغلام ذلك ، فغرقوا ، ومعهم أخوه ، وأخرجوا أمواتا . ( الولاة للكندي 171)

وحقق المعتضد ، مع ملاح اتهم باغراق امرأة ، فاعترف بإغراقها، فأمر بتغريقه ، راجع تفصيل القصة في كتاب نشوار الحاضرة للتنوخي ج 4 ص 126 القصة رقم 59/4 ).

وأوقع القاسم بن عبيد الله بن سليمان بن وهب ، وزير المكتفي ، بثلاثة

ص: 98

من الكتاب ، هم محمد بن غالب الأصبهاني ، صاحب ديوان الرسائل ، ومحمد بن بشار ، وابن منارة النصراني ، الشيء بلغه عنهم ، فأوثقهم بالحديد ، وأحدرهم إلي البصرة ، وكان آخر العهد بهم ، وذكر أنهم غرقوا في الطريق ، وفي ذلك ، يقول علي بن بسام :

عذرناك في قتلك المسلمين ****وقلنا عداوة أهل الملل

فهذا المناري ما ذنبه؟ ****ودينكما واحد لم يزل

وقوله : دينكما واحد، لأن آل وهب كانوا نصاري وأسلموا ( مروج الذهب 528/2 ).

وفي السنة 329 استولي القائد التركي أبو شجاع كورنكيج ، علي الأمور ببغداد ، ولقي الخليفة المتقي ، فقلده إمارة الأمراء ، وعقد له لواء ، وخلع عليه ، وقبض علي تكينك، وغرقه لي ( تجارب الأمم 18/2 وابن الأثير لا375/8)

وفي السنة 338 مات أبو جعفر النحاس النحوي ، غرقا في النيل ، جلس علي درج المقياس بالنيل يقطع شعرة بالعروض ، فسمعه جاهل ، فقال : هذا سحرالنيل حتي لا يزيد ، فدفعه برجله في النيل ، فمات غرقا . ( الوافي بالوفيات 364/7 ).

وكان أحد رجال معز الدولة ، تعهد له أن يقتل خصمه ناصر الدولة الحمداني ، غيلة ، وقصده ، ودخل إلي خيمته ليلا، فتأمل موضع رأسه ، وأطفأ شمعة كانت مشعلة ، ثم طعن بخنجره رأس ناصر الدولة بأقصي قوته ، وخرج ، وصادف أن ناصر الدولة كان قد حول رأسه وهو نائم ، فغاصت الطعنة في الوسادة ، ونجا ناصر الدولة ، ولما عاد الرجل إلي معز الدولة ، يريد الجائزة، أسلمه إلي وزيره الصيمري ، وقال له : من يقدم علي الملوك هذا الإقدام ، لا يجوز استبقاؤه ، فأخذه الصيمري ، وغرقه ( وفيات الأعيان 115/2)

ص: 99

وذكر أن البريدي ، غرق أبا نصر الخبز أرزي ، الشاعر البصري المشهور ، لأنه هجاه ، وقيل : بل هرب من البصرة ولحق بالأحساء وهجر ، بأبي طاهر بن سليمان بن الحسن ، صاحب البحرين ( مروج الذهب 583/2)

وفي السنة 345 عصي القائد الديلمي روزبهان ، علي معز الدولة البويهي ، فحاربه ، وأسره ، وأخرجه ليلا، وغرقه بنهر دجلة ببغداد ، أسفل دار الخليفة ، وكان روزبهان من قواد معز الدولة ، فاتفق مع أخويه بلكا وأسفار ، وخرجوا سوية ، خرج أسفار بالأهواز ، ولحق به روزبهان ، وخرج أخوهما بلكا بشيراز ، وكان المهلبي وزير معز الدولة بالأهواز ، فأراد محاربة اسفار ، فانحاز الديلم الذين معه إلي أسفار ، وبلغ الخبر مع الدولة ، فلم يصدقه ، لكثرة إحسانه إلي روز بهان ، ولما تحقق بأن الديلم بأجمعهم قد انحازوا إلي روزبهان ، ترك معز الدولة بغداد ، قاصدأ الأهواز ، ثم تبعه الخليفة المطيع ، لأن ناصر الدولة الحمداني ، لما بلغه أن معز الدولة ترك بغداد ، انحدر يريد الإستيلاء عليها ، فأعاد معز الدولة قائده سبكتكين الحاجب لحفظ بغداد ، واستمر مع الدولة ، وجل اعتماده علي جنده الأتراك ، ولما صاف روزبهان وديلمه ، عبأ اصحابه كراديس، وتناوبت الحملات الي غروب الشمس ، وأحس معز الدولة بأن الأمور لا تجري وفق رغبته ، فبكي بين يدي أصحابه ، وذمرهم، وطلب منهم أن يجتمعوا كراديس، وأن يحملوا حملة رجل واحد، وهو في أولهم ، فطالبوه بالنشاب ، وقالوا له : قد بقي لدي صغار الغلمان بعض النشاب ، فأمرهم بأخذه ، وأشار إلي الغلمان الصغار لكي يعطوهم النشاب ، فظن الغلمان أن مع الدولة يأمرهم بالحملة، فحملوا وهم مستريحون، جامون، فصدموا صفوف روزبهان فخرقوها ، وألقوا بعضهم علي بعض ، وحمل مع الدولة فيمن معه ، فكانت الهزيمة علي روزبهان وأصحابه ، وأسر روزبهان، وجماعة من

ص: 100

قواده ، وقتل منهم كثير ، وعاد معز الدولة إلي بغداد ظافر ، ومعه روزبهان أسيرة ، فغرقه ليلا ( ابن الأثير 514/8- 516).

وفي السنة 392 زاد أمر العيارين ببغداد ، وقتلوا النفوس ، وواصلوا الحملات ، وأشرف الناس منهم علي خطة صعبة ، فعول بهاء الدولة البويهي، علي عميد الجيوش أبي علي الحسن بن استان هرمز ، فقدم بغداد ، وطلب العيارين من العلويين والعباسيين ، فإذا قبض عليهم ، قرن العلوي بالعباسي ، وغرقهما نهارة بمشهد من الناس ، وقبض علي جماعة من الحواشي الأتراك، والمتعلقين بهم ، من المشتهرين بالتلصص فغرقهم أيضا ، وتتبع العيارين في البلاد ، فكفي الله شرهم ، وأزال عن الناس ضررهم . ( المنتظم 220/7 و تاريخ الصباي 8/ 439).

وفي السنة 425 قبض معتمد الدولة قراوش بن المقلد العقيلي ، صاحب الموصل والأنبار ، علي البرجمي مقدم العيارين ، وغرقه ( ابن الأثير 438/9 والمنتظم 79/8 ) أقول : البرجمي ، عيار بغدادي ، عظم شأنه ببغداد ، لاختلال الأمن فيها ، وضعف السلطة الرادعة ، فرأس جماعة من العيارين ، وواصل الحملات والكبسات علي الدور والمخازن ، وأهلك الناس ، وبلغ به الحال، أن جماعة من الأصفهسلارية المسؤولين عن الأمن ، خرجوا إليه، وواكلوه، وشاربوه، وأصبح اسمه عند البغداديين : القائد أبو علي ، وفي إحدي الجمع ، ثار العوام في جامع الرصافة ، ومنعوا الخطيب من الخطبة ، ورجموه ، وقالوا : إن خطبت للبرجمي، وإلا فلا تخطب لخليفة ولا لملك، وبلغ من سلطان البرجمي ، إنه فرض علي عامل المأصر ، بقطيعة الدقيق ، أن يؤدي إليه في كل شهر عشرة دنانير من الإرتفاع ، وأن يطلق له سميريتين كبيرتين بدون اعتراض ، وكان مع هذا ، فيه فتوة، وله مروءة، لم يعرض لامرأة ، ولا إلي من يستسلم له ، وحدث في السنة 425 أن قبض معتمد الدولة قرواش بن المقلد العقيلي ، صاحب الموصل والأنبار ، علي

ص: 101

ابن القلعي ، عامل عكبرا ، وكان صديقة للبرجمي ، فقصد البرجمي قرواش يخاطبه في أمره ، فقبض عليه قرواش وغرقه بفم الدجيل ( المنتظم 72/8 ، 75 ،77 ،79 )

وفي السنة 433 شغب الجند الأتراك ببغداد ، وخطفوا ما يرد إلي البلد ، وأخذوا ثياب الناس ، وغرقوا امرأتين من نساء أصحاب المسالح . ( المنتظم 108/8 ).

وفي السنة 465 كان شرف الدولة مسلم بن قريش ، في طريقه إلي السلطان ألب إرسلان، فلما بلغ الزاب ، وقف علي ملطفات ( رسائل سرية ) كتبها وزيره ابو جابر بن صقلاب ، فأخذه شرف الدولة، فغرقه ( ابن الأثير 79/10)

وفي السنة 472 أغري خمارتكين ، وكوهرائين ، السلطان ملكشاه ، بقتل ابن علان اليهودي ضامن البصرة ، وكان ملتجئ إلي نظام الملك ، وكان بينهما وبين نظام الملك عداوة ومشاحنة فأمر السلطان بتغريقه ، فغرق فانقطع نظام الملك عن الركوب ثلاثة أيام ، وأغلق بابه ، ثم أشير عليه بالركوب ، فركب ، وعمل للسلطان دعوة عظيمة ، وعاتبه علي فعله ، فاعتذر إليه ( ابن الأثير 116/10 ).

وفي السنة 487 قتل السلطان بركيا روق عمه تكش ، بأن غرقه ، وقتل معه ولده ، وكان تكش قد خرج علي أخيه ملكشاه والد بركياروق ، فاعتقله ، وكحله ، وحبسه بقلعة تكريت ، فلما ولي بركياروق ، أحضره إلي بغداد ، ثم ظفر بملطفات ، أي رسائل سرية ، تدل علي محاولته الخروج ، فغرقه بسر من رأي وحمل إلي بغداد ، حيث دفن في مقبرة أبي حنيفة ( ابن الأثير 239/10)

وفي السنة 395 حدثت فتنة بين البغداديين وعسكر شحنة بغداد ، الأمير

ص: 102

ايلغازي ، وسبب ذلك إن جماعة من أتباع ايلغازي جاءوا إلي دجلة ، ونادوا محا ليعبر بهم ، فتأخر ، فرماه أحدهم بنشابة ، وقعت في مشعره، فمات ، فأخذ العامة القاتل إلي باب النوبي ( من أبواب دار الخلافة )، فلقيهم ابن ايلغازي ، مع جماعة من أصحابه ، فأخذوا صاحبهم من يد العامة ، فرجمته العامة بسوق الثلاثاء ، فذهب إلي أبيه مستغيثا ، فعبر ايلغازي الي محلة الملاحين ( مربعة القطانين ) فنهب أصحابه ما وجدوا ، فعطف عليهم العيارون ، فقتلوا أكثرهم ، ونزل من سلم منهم إلي المشرعة ، ليعبروا دجلة ، فلما توسطوا النهر ، ألقي الملاحون أنفسهم في الماء ، وتركوهم ، فغرقوا ، وكان من غرق أكثر ممن قتل ( ابن الأثير 337/10 - 338) .

وفي السنة 530 توترت الحال بين الخليفة الراشد والسلطان مسعود فكتب مسعود ملطفات إلي أمراء الخليفة ، فأحضروها جميعا ، إلأ شحنة بغداد فإنه جحدها، وكتب جوابها، فأخذه زنكي وغرقه ( المنتظم 57/10)

وفي السنة 547 أقبل سلاركرد إلي الحلة ، فهرب صامنها مهلهل إلي مشهد الإمام علي عليه السلام ، فكتب سلاركرد إلي مسعود الشحنة ، وكان بتكريت، فلحق به ، فلما اجتمعا ، قبض مسعود علي سلاركرد ، وغرقه . ( المنتظم 148/10 ابن الأثير 162/11 ).

وفي السنة 553 قبض ببغداد علي رجل غرق بنت له صغيرة ، فأخذ، وحبس . ( المنظم 182/10 ).

وفي السنة 555 مرض المقتفي ، وأيس منه ، فأرادت حظيته أم ولده أبي علي ، أن ينفرد ولدها بالخلافة ، وتآمرت مع أبي المعالي الكيا الهراسي علي قتل يوسف ولي العهد (المستنجد فيما بعد ) ، وأحضرت عدة من الجواري واعطتهن السكاكين ، وأمرتهن بقتل ولي العهد ، وكان لولي العهد

ص: 103

خصي صغير يرسله بين حين وآخر يتعرف أخبار والده ، فرأي الجواري بأيديهن السكاكين ، ورأي بيد أبي علي سيفا، وبيد أمه سيفا، فعاد إلي المستنجد، وأخبره ، وأرسلت أم علي إلي المستنجد ، تقول أن والده قد حضره الموت ، وطلبت منه أن يحضر فلبس درعا وأخذ بيده سيفأ ، ودخل إلي القصر ومعه جماعة من الفراشين ومعه أستاد الدار ، فلما دخل ثار به الجواري ، فضرب واحدة منهن فجرحها ، وكذلك أخري ، وصاح ، فدخل استاذ الدار والفراشون ، فهرب الجواري ، فأخذ أخاه أبا علي ، وأمه فسجنهما ، وأخذ الجواري ، فقتل منهن وغرق منهن . ( ابن الأثير 257/11 ).

وفي السنة 680 تأمر بعض امراء المماليك ، علي السلطان المنصور قلاوون ، وكان رأسهم في ذلك الأمير سيف الدين كوندك ، وبلغ السلطان الخبر ، فاعتقله ، واعتقل رفاقه ، ووبخهم ، فاعترفوا بما نووه ، فأمر السلطان بقتلهم ، فأخذ الأمير طرنطاي ، نائب السلطنة ، الأمير كوندك ، وذهب به إلي بحيرة طبرية ، وغرقه هناك ( تاريخ ابن الفرات 207/7 ).

وفي السنة 701 حقد بواب الظاهرية بدمشق علي الفقيه ولي الدين الحنفي السمرقندي فرماه في الفسقية ، فأغرقه وقرر فاعترف ، فشنق علي باب المدرسة ( الدرر الكامنة 3/ 47).

وفي السنة 710 مرض نصر بن محمد الفقيه النصري ، ملك غرناطة ، وأغمي عليه ، فأحضر الجند أخاه محمد ، الذي كان قد خلعه وأودعه السجن في السنة 708 لنصبه ملكا إذا مات نصر ، فلما أفاق نصر ، أمر بتغريق أخيه ، فأغرق في بركة بغرناطة . ( الأعلام 262/7 ).

وفي السنة 726 قتل تغريقا أكرم بن خطيرة القبطي ، الملقب كريم الدين الصغير ولما أسلم تسمي : عبد الكريم ، وهو ابن أخت كريم الدين الكبير ، وكان اليه نظر الدولة في أيام خاله ، ثم تمكن في المملكة جدا ،

ص: 104

وكان كبار الأمراء بمصر يكرهونه لتشدده وتصلبه ، وهو أول من ضرب « الضرب المقترح ) وكان آخر أمره ، أن نفي إلي أسوان وأغرق في البحر الدرر الكامنة 428/1 ، 429) .

وفي السنة 728 زحف المجاهد، صاحب اليمن ، علي عدن ، فدخلها ، وأمر بقتل جماعة من المماليك والشفاليت ، وأخذ الوالي والناظر والرهائن ، في سلسلة من حديد ، فشنق الوالي والناظر ، وغرق الباقين . ( العقود اللؤلؤية 48/2 ).

وفي السنة 741 أفسد المعازبة، بالتهائم في اليمن ، فهاجمهم السلطان المجاهد صاحب اليمن ، وقتل منهم عدة مستكثرة ، ورمي بعضهم للفيلة ، وغرق الباقين في البحر ، ثم آل أمرهم إلي أن شيخ عليهم امرأة يقال لها : بنت العاطف ، وكساها ، فكانت تركب دابة من الحمر ، أو ناقة ، وتقود المعازبة بأسرهم ( العقود اللؤلؤية 69/2 ).

وفي السنة 742 تحرك الأمير قوصون علي السلطان المنصور أبي بكر بن الناصر محمد فاعتقله، واعتقل معه الأمير طاجار ، اتهمه بأنه هو الذي حرض السلطان علي أن يقبض عليه ( علي قوصون )، وأمر قوصون بالأمير طاجار ، فقتل تغريقا ( الدرر الكامنة 494/1 ).

وفي السنة 747 بلغ سلطان اليمن ، ان جماعة من المماليك الغرباء ، علي وشك المناداة بابن أخيه ، الملك الفائز أبي بكر بن حسن ، سلطان بدله ، فاعتقل ابن أخيه في تعز ، حيث مات في سجنه بعد قليل ، ثم اعتقل جماعة من المماليك الغرباء ، وأتلفهم قتلا ، وشنقأ ، وتغريقا ( العقود اللؤلؤية 2/ 80/79).

وفي السنة 749 بويع لعثمان بن عبد الرحمن ، من بني الواد، بالسلطنة بتونس ، فانتقض عليه عثمان بن جرار ، واستولي علي تلمسان ، وأعلن

ص: 105

سلطنته، ثم سقط أسيرة في يد السلطان عثمان، فاعتقله في المطبق، ثم سرب اليه الماء ، فقتله غرقا (ابن خلدون 281/7 ).

ولما مات أبو عنان المريني ، سلطان المغرب في السنة 709 تحرك أخوه أبو سالم ، وكان منفية بالأندلس ، لكي يحل محله ، فامتنع صاحب غرناطة من إعانته علي ما يريد ، فالتجأ إلي ملك قشتالة ، فاشترط عليه أن نجح ، شروطأ ، وافق عليها ، فأمده بأسطول في طنجة ،. وتحرك إلي حاضرة المملكة ، وخلع السعيد الطفل الذي ولي السلطنة ، وتمت البيعة لأبي سالم ، فقبض علي بعض خصومه وقتلهم قعصأ بالرماح ، ثم جمع إخوته وأقاربه من المرشحين للسلطنة ، فأركبهم السفن علي أن تنقلهم إلي المشرق ( مصر ) ولكنه أعطي أمر سرية بإغراقهم ، فأغرقوا جميعا ( ابن خلدون 306-305/7)

وفي السنة 783 رسم الأتابكي برقوق ، بتغريق الوزير كريم الدين بن مكانس، فتوجهوا به إلي الجزيرة الوسطي ووضعوه في البحر ، وهو مكتف من يديه ورجليه بحبل ، فأقام في الماء نهارا كاملا ، حتي شفع فيه بعض الأمراء من التغريق . ( بدائع الزهور 291/2/1 ).

وفي السنة 784 اتهم الأتابكي برقوق ، بالقاهرة ، جماعة من المماليك السلطانية بالتآمر عليه ، فاعتقلهم وغرق منهم جماعة في البحر، وحبس آخرين ( بدائع الزهور 309/2/1 ).

وفي السنة 792 كبس والي القاهرة، حسين بن الكوراني، المدرسة البرقوقية ، وصار يتطلب المماليك البرقوقية ، ومن ظفر به منهم غرقه في البحر ( بدائع الزهور 432/2/1).

وفي السنة 791 أحضر من الصعيد جماعة ممن خرج عن الطاعة ، فرسم بتغريق جماعة منهم في البحر ، وخنق ستة في الجب. (نزهة النفوس 269)

ص: 106

وفي السنة 793 رسم السلطان بتغريق بعض الأمراء المسجونين وبتسمير آخرين ، وتوسيطهم ، ففعل بهم ذلك . ( نزهة النفوس 332) .

وفي السنة 802 اتهم الأمير نوروز ، جماعة من مماليكه ، بالاتفاق علي قتله ، فقبض عليهم وغرق منهم جماعة . ( بدائع الزهور 591/2/1 ).

وفي السنة 803 ذكر أن تيمورلنك، كان قد أخذ قاضي القضاة صدر الدين المناوي الشافعي ، أسيرا معه ، ووضعه في زكيبة ، وأغرقه، في نهر الزاب ( بدائع الزهور 2/1/ 645).

وفي السنة 836 كان السلطان الملك الأشرف برسباي ، سلطان مصر والشام ، يحاصر مدينة أمد ، وكان قد استولي عليها عثمان قرا يلك ، فأسر السلطان حماعة من أصحاب ابن قرائلك ، كانوا يعبرون في الفرات ، بريدون حلب ، فأمر بهم فغرق منهم جماعة، وضرب أعناق الأخرين ( حوليات دمشقية 66).

وفي السنة 920 لما ظهر البرتقال في بنادر الهند، وسواحل الجزيرة العربية ، جهز السلطان الغوري خمسين غرابة (نوع من السفن ) مع الأمير حسين الكردي ، وأرسل معه عسكرة عظيمة ، من الترك والمغاربة واللاوند، وجعل له جدة أقطاعة ، فوصل الأمير حسين إلي جدة ، وعسف الناس عسفا عظيمة ، ثم توجه إلي الهند في السنة 921 ، فاجتمع بسلطان كجرات خليل شاه ، فأكرمه، وعظمه، وهرب الفرنج عن البنادر لما سمعوا بوصوله، ثم عاد الأمير حسين الكردي إلي اليمن ، فقتل ملوكها وسلاطينها ، وترك بها نائبا اسمه برسباي الجركسي ، ثم عاد حسين الي جدة ، فبلغه زوال دولة الغوري ، فذهب إلي مكة ، فورد علي شريف مكة ، أمر السلطان سليم بقتل الأمير حسين الكردي ، فأخذه شريف مكة بغتة ، وقيده ، وأرسله إلي بحر جدة ، فغرقه فيه ( شذرات الذهب 115/8 ) .

ص: 107

أقول : روي صاحب البرق اليماني ، قصة إعدام الأمير حسين الكردي ، كما يلي : ولي السلطان قانصوه الغوري ، الأمير حسين الكردي نيابة جدة ، وكان هذا الأمير ظالم ، فاتكأ ، فكان لا يخلو في كل يوم من شنق ، أو توسيط ، أو شنكلة ، وكلما نزل مكانأ يوضع له فيه المشنقة ، ومحل الشنكلة والاتها ، فلما استولي السلطان سليم العثماني علي مصر ، بعث بمرسوم إلي شريف مكة أبي نمي باعدامه تغريقأ ، فبعث الشريف إلي الأمير حسين من أحضره ، وقال له : ورد حكم السلطان أن نجهزك إلي مصر ، ثم أمر فأنزلوه إلي البحر من جدة ، وأركبوه في جلبة ، فلما وصلوا به إلي بين العلمين ، غرقوه في البحر . ( البرق اليماني 19 ، 26، 24 ).

وفي السنة 968 عين محمود باشا ، عتيق محمد باشا، نائب الشام ، والية ( بكلربكي ) علي اليمن، وكان سقاك ، نهابأ ، فلما وصل إلي جدة ، أمر بقتل كتخداه ، وكلا رجيه ، وجاشنكيره ، غرقا في البحر ، فأغرق الثلاثة ، ولكن الجاشنكير ، استطاع أن يغوص في البحر ، ويفلت بأعجوبة ، لأن الثلاثة رموا في البحر ، وهم مكتفون ، وفي عنق كل واحد مهم حجر ، فصادف أن أنحل كتاف الجاشنكير لما رمي إلي الماء ، فسبح ، وكان عوامأ ، وتعلق ليلة كاملة بسكان المركب ، حتي تخلص . ( البرق اليماني 127 ).

وروي لنا الرحالة نيبور ، أن الميرمهنا ، حاكم بندريق ، علي الساحل الشرقي لخليج البصرة (ت 1183)، أمر باغراق أختيه ، فأغرقتا ، لأن أمير من جيرانه خطب إحداهن لتكون زوجة له ( رحلة نيبور 147/2 ).

ولما اشتعلت نيران الثورة الفرنسية ، في السنة 1204 ( 1789 م ) وأقيمت المقصلات ، ونشطت حركة الإعدام ، كان المدعو ( كاريه ) يحمل ضحاياه علي حفر قبورهم بأيديهم ، ليدفنهم فيها أحياء ، أما النساء والأطفال ، فكان يأمر بإغراقهم . (قصة الاضطهاد الديني 26 و27).

ص: 108

وفي السنة 1205 قبض الامير اسماعيل بك ، شيخ البلد ، بالديار المصرية ، علي المعلم يوسف كساب معلم الدواوين ، وأمر بتغريقه في بحر النيل ، فأغرق ( الجبرتي 91/2 ).

وفي السنة 1219 لما احتضر أحمد باشا الجزار ، أمر أتباعه بأن يغرقوا جميع من في سجنه ، فنفذوا أوامره ، وأغرقوهم جميعا ( خطط الشام 22/3)

وفي السنة 1228 بلغ الكتخدا أن تركيا في القاهرة اسمه حسن لبلبي ، وهو رجل درويش ، يدخل إلي بيوت الأعيان والأكابر من الأتراك وغيرهم ، وفي جيوبه الحمص المجوهر ويسمونه بالتركية لبلبي ، فيفرق علي أهل المجلس منه ، ويلاطفهم ، ويضاحكهم ، فمن أعطاه شيئا أخذه ، ومن لم يعطه لم يطلب منه شيئا ، وربما قال له بعضهم : انظر لي ضميري ، أو فألي ، فيعد علي سبحته أزواجأ وأفراد ، ثم يقول : ضميرك كذا وكذا ، فيضحكون منه ، فوشي بحسن أفندي هذا إلي الكتخدا بأنه كان يقول للطيف باشا إنه سيلي سيادة مصر ، فلما أرسل الكتخدا العساكر لاعتقال لطيف باشا ، أحضر حسن لبلبي ، وقال له : أين لطيف باشا ؟ فقال : لا أدري ، فقال له : انظر في حسابك ، هل نجده أم لا، فأمسك سبحته ، وعدها كعادته فقال : إنكم تجدونه وتقتلونه ، فأشار الكتخدا إلي أعوانه ، فأخذوه ، ونزلوا به ، وأركبوه علي حماره ، وذهبوا به إلي بولاق ، فأنزلوه في مركب ، وانحدروا به إلي شلقان ، وشلحوه من ثيابه ، وأغرقوه في البحر ( الجبرتي 413/3 و 414).

ص: 109

ص: 110

الفصل الخامس: التدخين

وهو اللون الخامس، من ألوان العذاب بكتم النفس ، ويتم بامساك المعذب في حجرة ، أو موضع ، وإرسال الدخان عليه .

وأول ما بلغنا من ألوان هذا العذاب ، ما حصل علي الأفيشر الشاعر ، فإنه هجا قيس بن محمد بن الأشعث الكندي ، فأمسك به موالي قيس ، ودخلواعليه حتي مات ( اسماء المغتالين 249 ).

وفي السنة 173 في أيام الرشيد ، ثار الجند الذين يقال لهم : القديدية بصاحب خراج مصر عمر بن غيلان في أعطياتهم ، فصلبوه ، ودخنوا عليه ، حتي دفع إليهم أعطياتهم . ( الولاة للكندي 133).

وقتل القاسم بن عبيد الله ، وزير المكتفي ، محمد بن غالب الأصبهاني ، المعداني الكاتب ، لأنه ترشح للوزارة ، فأخرجه إلي أصبهان ، وكتب إلي المسمعي بإهلاكه فأحضره مائدته ، وأطعمه كوامخ وسمك مالح ، ثم أدخله بيتا ، وأغلقه ، فمات عطشة ، وقال أحمد بن أبي طاهر ، في كتاب بغداد : هلك بأصبهان بالجوع والتدخين ثلاثة أيام ، في خلافة المكتفي . ( الوافي بالوفيات 308/4 ).

أقول : ذكر صاحب مروج الذهب 528/2 أن القاسم وزير المكتفي أمر بمحمد بن غالب الأصبهاني ، فاحدر إلي البصرة وغرق في الطريق ، وقد

ص: 111

أشرنا إلي ذلك في الفصل الرابع و التغريق ، من الباب الثاني عشر « القتل بكتم النفس »

وفي السنة 267 قتل عامل نيسابور علي بن الحسن الهلالي من علماء نيسابور ، بأن أدخله بيتا ، وأوقد فيه النار في التبن ، فمات من الدخان ( المنتظم 60/5 ).

وفي السنة 532 قصد ملك الروم مدينة بزاعة ، علي ستة فراسخ من حلب ، وفتحها بالأمان ، ثم غدر بأهلها فقتل منهم وأسر وسبي ، وبلغه أن جمع مهم قد نزلوا إلي مغارات ، فأمر فدخنوا عليهم في المغاور ، فهلكوا . ( ابن الأثير 56/11 ) .

وفي السنة 573 قتل الملك الصالح إسماعيل بن نور الدين زنكي ، كمشتكين الخادم ، بأن علقه منكسا ، ودخن تحت أنفه حتي مات . ( النجوم الزاهرة 81/6 ).

وذكر الجبرتي في تاريخه 393/2 إن العذاب بالتدخين مارسه في مصر في السنة 1215 قبطي اسمه شكر الله ، كان بولاق يحبس الرجال مع النساء ويدخن عليهم بالقطن والمشاق ، وينوع عليهم العذاب .

وحدثني والدي رحمه الله قال : أن بعض الموظفين الأتراك ببغداد ، في القرن التاسع عشر كانوا يقبضون علي الناس من التجار وأرباب المهن ، ويفرضون عليهم أداء مال لهم ، ومن لم يؤد مهم ، حبس في حجرة ، ودخن عليه بدخان التبن ، فيضطر للأداء .

وقال ابن المعتز ، في أرجوزته ، يصف التعذيب بالدخان : ( ديوان ابن المعتز 132).

وتاجر ذي جوهر ومال**** كان من الله بحسن حال

ص: 112

قيل له : عندك للسلطان ****ودائع غالية الأثمان

فقال : لا والله ما عندي له**** صغيرة من ذا ولا جليله

وإنما أربحت في التجارة ****ولم أكن في المال ذا خسارة

فدخنوه بدخان التبن ****وأوقروه بثقال اللبن

حتي إذا مل الحياة وضجر**** وقال : ليت المال جمعة في سقر

أعطاهم ماطلبوا فأطلقا ****يستعجل المشي ويمشي العنقا

ص: 113

ص: 114

الفصل السادس: دفن الإنسان حيا

وهو اللون السادس من ألوان العذاب بكتم النفس ، وتدل ممارسته علي قسوة في قلب من يمارسه .

وأول من مارس هذا الون من العذاب ، زياد بن أبيه ، بناء علي أمر من معاوية بن أبي سفيان ، حيث أمره في السنة 51 بقتل فتي أبي أن يبرأ من الامام علي ، إذ طلب معاوية من عبد الرحمن بن حسان ، أن يبرأ من علي ، فأبي ، فبعث به إلي زياد ، وطلب من أن يقتله شر قتلة ، فدفنه زياد حيا. ( الطبري 25/5 - 277 والاغاني152/7 و 153 ابن الأثير 472/3 ) .

وفي السنة 64 لما هلك يزيد بن معاوية ، وتولي بعده معاويه ، خطب الناس ، وأخبرهم بأنه قد ضعف عن أمرهم ، وإنه أبتغي لهم رجلا مثل عمر بن الخطاب فلم يجد ، وابتغي لهم ستة في الشوري مثل ستة عمر، فلم يجد ، وقال لهم : أنتم أولي بأمركم ، فأختاروا له من أحببتم ، فوثب بنو أمية علي عمر المقصوص ، وكان معاوية يستشيره ، وقالوا له : أنت أفسدته ، ودفنوه حيا ( خطط الشام 146/1 ).

وقال الشعبي : ما رأيت في العمال مثل عبد الله التميمي ، كان لا يعاقب إلا في دين الله ، وكان إذا أتي برجل نباش ، حفر له قبرأ ، ودفنه فيه حيا ، وإذا أتي برجل نقب علي قوم ، جعل منقبته في صدره حتي تخرج من

ص: 115

ظهره ، وإذا أتي برجل شهر سلاحا ، قطع يده ، فربما أقام أربعين يوما لا يؤتي إليه بجان خوفا من سطواته ( الغرر للوطواط 401) .

وبلغ الوليد بن عبد الملك ، تشبيب وضاح بزوجته أم البنين ، فهم بقتله ، فسأله عبد العزيز ابنه من أم البنين ، أن لا يقتله ، وقال له : إن قتلته حققت قوله ، وتوهم الناس أن بينه وبين أمي ريبة ، فأمسك عنه علي غيظ وحنق ، حتي بلغ الوليد أنه قد تعدي أم البنين إلي أخته فاطمة زوجة عمر بن عبد العزيز ، فشبب بها . فاشتد غيظه ، وقال : أما لهذا الكلب مزدجر عن ذكر نسائنا وأخواتنا ، ولا له عتا مذهب . ثم دعا به فأحضر ، وأمر ببئر فحفرت ، ودفنه فيها حيا . (الاغاني 227/6 ) .

وكان الشاعر سديف من أشد المحرضين للسفاح علي قتل بني أمية ، دخل عليه وعنده سليمان بن هشام بن عبد الملك ، فأنشده :

لا يغرنك ماتري من رجال**** إن تحت الضلوع داء دويا

فضع السيف وأرفع السوط حتي**** لا تري فوق ظهرها أموا

فأمر السقاح بسليمان ، فأخذ وقتل ، ودخل سديف علي عبد الله بن علي وعنده نحو تسعين رجلا من بني أمية علي الطعام ، فأنشده :

أصبح الملك ثابت الأساس**** بالبهاليل من بني العباس

طلبوا وتر هاشم فشفوها ****بعد ميل من الزمان وباس

لا تقبلن عبد شمس عثارة**** وأقطعن كل رقلة وغراس

وأذكروا مصرع الحسين وزيد:**** وقتي بجانب المهراس

والقتيل الذي بحران أضحي**** ثاويا بين غربة وتناسي

فأمر بهم عبد الله ، فضربوا بالعمد حتي قتلوا ، وبسط عليهم الأنطاع ، فأكل الطعام عليها ، وهو يسمع أنين بعضهم ، حتي ماتوا جميعا ( ابن الأثير 429/5 - 431 ) ، ثم أخذ سديف يحض العلويين من آل

ص: 116

الحسن ، علي العباسيين ، فلما خرج محمد بن عبد الله بن الحسن بالمدينة ، وخرج أخوه ابراهيم بالبصرة ، قال سديف :

إنا لنأمل أن ترتد إلفتنا****بعد التباعد والشحناء والإحن

وتنقضي دولة أحكام قادتها**** فينا كأحكام قوم عابدي وثن

فأنهض ببيعتكم ننهض بطاعتنا ****إن الخلافة فيكم يا بني حسن

فبلغت الأبيات ، أبا جعفر المنصور ، فكتب إلي عبد الصمد بن علي ، عامله بالحجاز ، أن يأخذ سديفا ، فيدفنه حيا ، ففعل . ( العقد الفريد 87/5 و 88 ) .

أقول : في الغرر للوطواط 107 و108 إن عبد الصمد أخذ سديفة ، وقطع يديه ورجليه ، وجدع أنفه ، فلم يمت ، فدفنه حيا.

وذكر صاحب مقاتل الطالبيين 228 إن المنصور قتل يعقوب وإسحاق ومحمدأ وابراهيم بني الحسن ، في الحبس، بضروب من القتل ، وإن ابراهيم بن الحسن دفن حيا .

وفي السنة 223 تأمر بعض القواد علي المعتصم ، وبايعوا العباس بن المأمون ، وكان منهم عمرو الفرغاني ، فلما نزل المعتصم بنصيبين ، في بستان ، دعا صاحب البستان ، وأمره فحفر بئرا بقدر قامة ، ثم عا بعمرو ، وقال جردوه ، فجرد، وضربوه بالسياط ، والبئر تحفر ، حتي إذا فرغ من حفرها ، أمر المعتصم فضرب وجه عمرو وجسده بالخشب ، فلم يزل يضرب حتي سقط ، ثم قال : جزوه إلي البئر فاطرحوه فيها ، فطرح في البئر ، وطمت عليه . ( ابن خلدون 265/3 وتجارب الأمم 501/6 والطبري 77/9)

ولما ولي سيما الطويل أنطاكية في السنة 258 قبض علي الفضل بن صالح العباسي وعلي ولده ، ودفنهما حيين في صندوقين ، وبصر رجل

ص: 117

بالصندوق الذين دفن فيه الفضل، فظن أن فيه مالأ ، فلما خلا الموضع ، عمد إلي الصندوق فاستخرجه، وبالفضل رمق ، فعاش الفضل بعد ذلك عشرين سنة ، وصار إلي مصر، واتصل بأحمد بن طولون ، وحركه علي احتلال أنطاكية ، فقصدها في السنة 265 واستولي عليها ، وقتل سيما في المعركة ( اعلام النبلاء 213/1 ) .

وكان المعتضد قليل الرحمة ، إذا غضب علي قائد ، أمر بأن يلقي في حفرة ويطم عليه . ( تاريخ الخلفاء 368 ).

وكان المعتضد إذا غضب علي القائد النبيل أو من يختصه من غلمانه ، أمر أن تحفر له حفرة ، بحضرته ، ثم يدلي رأسه فيها ، ويطرح التراب عليه ، ونصفه الاسفل ظاهر علي التراب ، ويداس التراب ، فلا يزال كذلك ، حتي تخرج روحه من دبره ( مروج الذهب 496/2 ) .

وفي السنة 322 قتل القاهر إسحاق بن إسماعيل النوبختي ، وكان سبب قتله إنه كان أراد شراء الجارية المعروفة برتبة ، قبل الخلافة ، وكانت موصوفة بالجمال والغناء ، فزايده إسحاق فيها واشتراها ، فلما استخلف القاهر اعتقل إسحاق ، وأحضره وهو مقيد ، فأمر بطرحه في بئر في الدار ، فرمي فيها بقيده ، وهو حي ، ثم أمر بطم البئر عليه ( ابن الأثير 295/8 و296 وتجارب الأمم 284/1 وتاريخ الخلفاء 387) .

وكذلك قتل القاهر في السنة 322 أبا السرايا الحمداني ، لأنه كان قبل الخلافة أراد شراء جارية ، فاشتراها أبو السرايا ، فاعتقله لما استخلف ، وأحضره وهو مقيد ، وأمر برميه في بئر هناك ، فما زال أبو السرايا يتضرع إليه ، ويسأله العفو، وهو لا يلتفت إليه ، وتعلق بسعف نخلة كانت بقرب البئر ، فأمر القاهر ، بضرب يده ، فضربت، فخلي عن السعفة ، ودفع في البئر ، ثم أمر بطم البئر ، فطمت ( تجارب الأمم 284/1 - 285).

ص: 118

وأمر اسد الدولة صالح بن مرداس ، في السنة 415 بقاضي حلب احمد بن عبيد الله ، فدفن حيا . ( اعلام النبلاء 512/3).

وفي السنة 432 خلع السلطان مسعود بن محمود الغزنوي ، وتسلطن اخوه محمد ، وأغراه ولده أحمد بقتل مسعود ، فأمر بذلك ، فألقي في بئر حيا وست رأسها ، فمات . ( ابن الأثير 489/9 )

وفي السنة 447 قبض الملك الرحيم البويهي ، علي الوزير أبي عبد الله عبد الرحمن بن الحسين بن عبد الرحيم ، وأمر به فطرح في بئر في دار المملكة ، وطم عليه ، وكان وزير متحكما في دولته ( المنتظم 166/8وابن الأثير 615/9)

وفي السنة 478 تآمر ابن بدر الجمالي مع آخرين ، علي والده بدر ، ففطن بدر لهم ، فقتل الجماعة ، وعقي أثر ولده ، فقيل إنه دفنه حيا ، وقيل غرقه ، وقيل جوعه حتي مات ، ( النجوم الزاهرة 120/5 ).

وذكر أن تيمورلنك حلف لأهالي سيواس ، أن لا يضع فيهم السيف ، إذا استسلموا ، فلما استسلموا أمر بدفنهم أحياء ، وكانوا ثلاثة آلاف ( أعلام النبلاء 492/2 - 493) ( بدائع الزهور 593/2/1 النجوم الزاهرة 265/12)

وكان من جملة مظالم الأمير يشبك الدوادار في السنة 874 في صعيد مصر ، أن دفن جماعة من العربان في التراب وهم أحياء . ( بدائع الزهور 116/2)

وفي السنة 738 أمر السلطان الملك الناصر محمد بن قلاوون بعمل مواضع لتربية البقر والضأن بقلعة الجبل ، ورسم لوالي القاهرة بتسخير العامة ، وكان المشرف علي العمل الأمير أقبغا وكان ظالما غشوما فعسف

ص: 119

بالرجال ، وكلفهم السرعة في اعمالهم من غير رخصة ، ولم يمكنهم من الاستراحة ، وكان الوقت صيف حارة ، فهلك جماعة كثيرة منهم في العمل العجز قدرتهم عما كلفوه ، وكان أحدهم إذا عجز القي بنفسه إلي الأرض، فيرمي أصحابه عليه التراب ، فيموت لوقته ( بدائع الزهور 120/9 )، وكذلك حصل الأمر لما أراد السلطان حفر الخليج ، فإنه رسم لوالي القاهرة بتسخير العامة للعمل ، فقبض علي عدة كثيرة منهم ، وأخذ الناس من المساجد والجوامع والأسواق ، حتي تستر الناس في بيوتهم خوفا من السخرة ، حتي أن الرجل منهم كان يخر إلي الأرض ، وهو يعمل ، لعجزه عن الحركة ، فيردم رفاقه عليه الرمل فيموت من ساعته ، واتفق ذلك لخلائق كثيرة ( النجوم الزاهرة 127/9)

وفي السنة 1184 بعث علي بك ، أمير مصر ، جيشا علي رأسه محمد بك أبو الذهب ، للإستيلاء علي الشام ، فلما حاصر دمشق ، أرسل إلي أهلها كتابة يذكر فيه ما فعله عثمان باشا ، والي دمشق ، في السنة الماضية بعلماء غزة ، حيث أنه دفنهم وهم أحياء . ( خطط الشام 304/2 ) .

ولما اشتعلت نيران الثورة الفرنسية ، في السنة 1204 ( 1789 م) وأقيمت المقصلات ، ونشطت حركة الإعدام ، كان الجلاد يلقي بجثث الضحايا ، في أوضاع يثير بها ضحك المشاهدين ، وكان ( كاريه ) يحمل ضحاياه علي أن يحفروا قبورهم بأيديهم ، ليدفنهم فيها أحياء ، أما النساء والأطفال ، فكان يأمر باغراقهم ، وقال : أنه كان يضحك من منظر وجوه رجال الدين ، وهي تتقلص وتنقبض عندما تحين ساعتهم . ( قصة الاضطهاد الديني 27-26)

وروي لنا الرحالة نيبور ، أن المير مهنا ، حاكم بندر ريق ، علي الساحل الشرقي لخليج البصرة (ت 1183) كان بند بناته ( يدفنهن وهن علي قيد الحياة ) ( رحلة نيبور 147/2 ).

ص: 120

الفصل السابع: البناء علي المعذب

اشارة

وهو اللون السابع ، من ألوان العذاب بكتم النفس ، ويتم بتقييد المعذب أو تسميره ، وبناء حائط أو اسطوانة عليه .

وأول من مارس هذا اللون من العذاب ، عبيد الله بن زياد ، فإنه لما بني داره بالبصرة ، مر بها رجل، فتلا آية من القرآن : و وتتخذون مصانع لعلكم تخلدون 4 (129 لك الشعراء 26). فأحضره عبيد الله ، وأمر فبني عليه ركن من أركان القصر ( الهفوات النادرة 117-118، والمحاسن والمساويء 165/2)

وفي السنة 127 لحق رفاعة بن ثابت بن نعيم الجذامي ، بمنصور بن جمهور ، بالسند ، فأكرمه ، وولاه، وخلفه مع أخ له اسمه منظور بن جمهور بالمنصورة ، فوثب رفاعة علي منظور فقتله ، فبلغ ذلك منصورة، فعاد وأخذ رفاعة ، وبني له اسطوانة من أجر مجوفة ، وأدخله فيها ، ثم سمره إليها، وبني عليه ( الطبري 7/ 314).

أقول : لرفاعة هذا ، ولأخوته نعيم و بكر وعمران ، ولأبيهم ثابت بن نعيم الجذامي ، تاريخ عريق في الفساد وإثارة الفتن ، وكان رفاعة هذا أخبثهم ، راجع ما صنعوه من أصناف الفساد، وكيف كان مصيرهم ، في هذا الكتاب ، في الباب التاسع ( التعذيب بالعرض للجوارح ) ، القسم الأول من الفصل الثاني ( قطع الأطراف ).

ص: 121

ولما اعتقل المنصور بني الحسن في السنة 144 نظر إلي محمد بن إبراهيم بن الحسن وكان من أجمل الناس صورة ، فقال له: أنت الديباج الأصفر ؟ قال : نعم قال : أما والله لأقتلنك قتلة ما قتلتها أحد من أهل بيتك ، ثم أمر بأسطوانة مبنية ، ففرقت ، ثم أدخل فيها ، فبني عليه وهو حي ( الفخري 164 وابن الأثير 526/5 والطبري 546/7 ).

ويروي أن الرشيد، أمر بيحيي بن عبدالله بن الحسن ، فشد الي جدار ، وسمر علي يديه ورجليه ، وسد عليه المنافذ بأن بني عليه ركن بالجص والحجر وهو حي . ( مروج الذهب 271/2 وشذرات الذهب مهمه 339/1)

وفي السنة 202 أخذ علي بن الحسين الهمداني ، المتغلب علي الموصل ، رجلا من الأزد ، فبني عليه حائطأ ، فهاج الأزد ، وركب السيد بن أنس في الأزد ، وحاربوا علي بن الحسين فطردوه من الموصل، إلي الحديثة ، وحاربوه هناك ، فقتلوه ، وقتلوا أخاه أحمد، وجماعة من أهل بيته ، وغلب السيد بن أنس علي الموصل ، وخطب للمأمون ، ( ابن الأثير 349/6)

ولما قتل المقتدر في السنة 320 أحضر مؤنس ، محمد بن المعتضد ( القاهر ) وأبا أحمد محمد بن المكتفي ، وابتدأ بخطاب محمد بن المكتفي ، فامتنع من قبول الخلافة ، وقال : عمي أحق بالأمر ، فاستخلف محمد بن المعتضد، وصرف محمدبن المكتفي الي داره ( تجارب الأمم 242/1 ) وكان الترجيح محمد بن المكتفي عليه ، أثر عظيم في نفسه ، ولذلك فقد أمر في السنة 321 باعتقاله ، فلما أحضر أمامه أمر بأن يقام في فتح باب، ويسد عليه بالجص والأجر ، وهو حي ( تجارب الأمم 266/1 وابن الأثير 260/8 والمنتظم 250/6 ).

ص: 122

وفي السنة 407 انقرضت باليمن دولة بني زياد ، علي يد عبد يقال له قيس ، مولي مرجان ، ذلك إن قيسا اتهم عمة ابن زياد ، وزيادة، فبني عليهما حائطين وهما قائمين بالحياة يناشدانه الله أن لا يفعل، حتي ماتا ، فظفر نجاح بقيس وقتله ، وأخذ مولاه مرجان ، فقال له : أين مواليك وموالينا ؟ قال : هم في ذلك الحائط ، فأخرجهما ، وصلي عليهما ودفنهما، وجعل مرجان في موضعهما، وبني عليه الحائط حتي هلك ( المستبصر 72-71 ووفيات الأعيان 52/2 ).

وفي السنة 429 ظفر بنونمير بأصفر الغازي ، وكان قد أوغل في بلاد الروم ، فسلم إلي ابن مروان ، فسد عليه برجأ من أبراج آمد . ( المنتظم 132/8)

ولما توفي المستنصر الفاطمي ، سنة 487 ، خلفه ولده أحمد ، ولقب بالمستعلي ، بسعي الوزير الأفضل ، وكان نزار أكبر منه سنا ، فامتنع من مبايعته، وتوجه نزار إلي الإسكندرية ، واتفق مع أميرها افتكين ، فبايعه ، وأعلن نزار خلافته هناك ، فنهد الأفضل إلي الإسكندرية ، وحاصرها، فاستسلم نزار وافتكين ، فاعتقلهما ، وبعث بهما إلي القاهرة ، فأما نزار فإنه قتل في القصر بأن أقيم بين حائطين بنيا عليه ، وأما أفتكين فإن الأفضل قتله بعد قدومه . ( خطط المقريزي 423/1 وابن الأثير 10/ 238 ووفيات الأعيان 407/1 وشذرات الذهب 402/3 والنجوم الزاهرة 81).

وفي السنة 706 حصل الأمير أقوش الأفرم ، نائب دمشق ، علي فتوي من بعض الفقهاء ، بإباحة دماء وأموال اهالي كسروان من لبنان ، وجند لهم خمسين ألفا ، وواقعهم عند صوفر ، فهرب أمراؤهم بحرمهم وأولادهم ، ونحو ثلثمائة نفس من رجالهم ، واجتمعوا في غار تيبة ، فوق انطلياس ، فلم يتمكن منهم أحد وهم في داخل الغار ، وبذل لهم الأمان فلم يخرجوا ، فأمر نائب دمشق ، فبني علي باب الغار سد من الحجر والكلس ، وهالوا عليه تلا

ص: 123

من التراب ، وجعلوا الأمير قطلو بك حارسا عليهم مدة أربعين يوما ، حتي هلكوا داخل الغار ( خطط الشام 143/2 - 144).

ولما تسلطن السلطان قانصوه الغوري ، في السنة 905 ارتاب من الأمير قصروه نائب السلطنة بدمشق ، فنقله إلي مصر أميرة كبيرة ، وخشي أن يزاحمه علي السلطنة فقبض عليه بعد أن حلف أنه لا يقتله ، ثم وضعه في حائط مجوف ، وسد عليه ، فقتله (إعلام النبلاء ، 467/5 ).

ص: 124

الفصل الثامن: هدم البناء علي المعذب

اشارة

وهو اللون الثامن ، من ألوان العذاب بكتم النفس ، ويتم بإسكان المعذب في بناء متداع ، أو مبني علي أساس من الرمل أو الملح ، وتسليط الماء عليه علي حين غفلة ، لينهد علي ساكنه ، فيقتله .

وأول من مارس هذا اللون من العذاب ، علي ما بلغنا ، المنصور العباسي ، إذ قبض في السنة 139 علي عمه عبدالله بن علي ، وكان قد أمنه ، فوضعه في بيت أساسه من الملح ، وأجري عليه الماء ، فسقط عليه وقتله ( الطبري 7/8- 9 والعيون والحدائق 227/3 ).

ولما اعتقل المنصور في السنة 144 بني الحسن ، قتلهم بضروب من القتل ، وقتل عبدالله بن الحسن بن الحسن ، بأن طرح عليه بيت ، فقتله ( مقاتل الطالبيين 228).

وفي السنة 387 قتل حسن بن عمار ، أمين دولة الحاكم بمصر ، عيسي بن نسطورس ، بأن رمي عليه حائط ، وعذب اصحابه وقتلهم ( النجوم الزاهرة 55)

وفي السنة 792 ورد من الفيوم محضر مفتعل ، مضمونه : إن الأمراء المسجونين بالفيوم سقط عليهم حائط فقتلهم ، وعددهم ثمانية ( نزهة النفوس 287)

أقول: في السنة 802 قبض علي أمير حاج بن بيدمر ، وسجن، لأنه

ص: 125

كان يلي الفيوم ، وحبس عنده بعض الأمراء ، فقتلهم وأحضر قاضي الفيوم ، وعمل محضرة بأن حائط السجن وقع عليهم، وماتوا تحت الردم ( بدائع الزهور 552/2/1).

وفي السنة 796 حاصر تيمورلنك تكريت ، وكان متوليها حسن بن بولتمور ، فاستسلم بعد أن عاهده تيمورلنك أن لا يريق دمه ، فلما استسلم بعث به إلي دار ، ودس له من هدمها عليه ( تاريخ العراق للعزاوي 210/2-211)

وفي السنة 834 حاصر الأمير أسبان بن قره يوسف ، مدينة الحلة ، وفيها السلطان حسين بن علاء الدولة بن أحمد بن أويس ، وكان أمراؤه قد ضجروا منه لفساده ، وتعرضه لنسائهم وأولادهم ، فكاتبوا الأمير أسبان ، فلما وصل وحصر الحلة ، أشار عليه الأمراء أن يخرج ويصالحه، علي أن يستحلفه أن لا يقتله ، ففعل ذلك ، وسلم المدينة إلي أسبان فتلقاه بالإبتهاج ، وسار راج في ركابه ، ثم وكل به اثنين من أصحابه ، وعلمهما أن يحترناله الهروب ، وأن يهربوا معه ، فلما فعلوا ، أدركوهم ، وقبضوا السلطان حسين ، وقيدوه وطرحوه تحت حائط ، ثم طرحوا الحائط عليه ، فقتلوه، وكان ذلك في السنة 835 ( تاريخ الغياثي 262-264).

أقول : ورد في تاريخ العراق للعزاوي 3/ 81 وفي شذرات الذهب ، أن الأمير أسبان قتل السلطان حسين خنقأ ، وقد اثبتنا ذلك في الفصل الأول من هذا الباب .

وبعد أسر الأمير فخر الدين بن معن ، في السنة 1043 وشدت الدولة حكم لبنان إلي الأمير علي بن علم الدين اليمني ، فضبط جميع ارزاق بيت معن ، وقتل بعض تابعيهم ثم باغت الأمراء بني تنوخ ، وكانوا في الحمام في السراي التي تحت القرية ، فقتلهم ، وردم البرج علي أولادهم الصغار ، ولم يترك من بني تنوخ ذكرأ يخلفهم . ( خطط الشام 263/2 ).

ص: 126

الباب الثالث عشر

القتل بالسم

طعاما ، وشرابة ، ودواء ، أو بتسميم آلة الفتك ومن ألوان التعذيب ، القتل بالسم ، ويستعمل في الأحوال التي لا يريد القاتل فيها أن يعرف ، أو إذا لم يكن في إمكان القاتل، الوصول إلي من يريد قتله ، إلا بهذه الطريقة .

ولما كانت حوادث التسميم ، الغالب عليها التكتم ، والتصرف الخفي ، لذلك فإن كثيرا من حوادث الوفاة الإعتيادية ، زعم الناس أن المتوفي فيها قد دس له السم ، وتنوعوا في وصف الطريقة التي دس له السم بها ، ومثل هذه الأخبار تجد أذن صاغية ، إذا كان المتوفي شخصأ مرموقة ، وخاصة إذا كان شابا ، وكان له خصوم يتمنون له الموت .

ذكر بعض المؤرخين ، أن أبا بكر الصديق ، مات مسموما ، وأن يهودية سمته ( وفيات الأعيان 68/3 ) وأن معاوية بن يزيد بن معاوية ، مات مسموم (ابن الأثير 4/ 130 والطبري 530/5 و531)، وأن مروان بن الحكم مات مسمومأ ، وأن امرأته أم خالد ، سقته شربة لبن مسموم فقتله ، وأن سبب ذلك ، إن مروان أهان ولدها خالدة ، وتعرض بأمه في الشتيمة ، فقال له : يا ابن الرطبة ، فأخبر خالد أمه بذلك ( انساب الاشراف 145/5 ) وفي السنة 91 طلب قتيبة بن مسلم ، أمير خراسان ، ملك الجوزجان ، وكان قد هرب

ص: 127

منه ، فأرسل يطلب الأمان ، فأمته قتيبة علي أن يطأ بساطه ، فطلب رهنا يكون في يده، ويعطي مقابله رهائن ، فأعطاه قتيبة حبيب بن عبد الله الباهلي ، وأعطي ملك الجوزجان رهائن من أهل بيته ، وخلف ملك الجوزجان حبيبا في بعض حصونه ، وقدم علي قتيبة ، وصالحه ، ثم عاد ، فمات بالطاعون ، فقال أهل الجوزجان : سموه ، وقتلوا حبيب الباهلي ، فقتل قتيبة الرهن الذين كانوا عنده ( الطبري 6/ 460 ) ولما توفي الخليفة الصالح عمر بن عبد العزيز ، قال بعض المؤرخين إنه مات مسمومأ ( تاريخ الخلفاء 245 ) ولما مات المهدي العباسي ، علي أثر إصابته في حادثة من حوادث الصيد بماسبذان ، ذكر بعض المؤرخين إنه مات مسموما ، وعينوا طريقة سمه ، بأنه أكل كمثراة مسمومة ، ( الطبري169/8 ) ولما مات الهادي العباسي في السنة 170 وهو شاب ابن 26 عاما، اتهمت أمه الخيزران بأنها دشت له السم ( الطبري 205/8 و 206 ) وذكروا لذلك سببا ، وهو إنه حال بين أمه وبين التدخل في أمور الدولة ، وهذه أقوال تخالفها الطبيعة الإنسانية في محبة الأم ولدها ، فضلا عن كون هذا الأتهام لا يخرج عن دائرة التكهن ، في حين أن الثابت إصابة الهادي بالحمي ، ومن مرض كان احتمال موته أقوي من إحتمال قتله ، ولما توفي الشاعر دعبل الخزاعي ، في السنة 246 ، وهو ابن ثمان وتسعين سنة ، عموا أنه قتل مسمومأ ، ورتبوا له قات؟ ، فقالوا إنه مالك بن طوق التغلبي ، وذكروا لقتله سببا ، فقالوا لأنه هجاه ، وحاكوا لمقتله قصة ، وهي أن مالك أعد لقتله رجلا حصيفة مقداما ، وأعطاه سما ، وأمره أن يغتاله ، وأعطاه علي ذلك عشرة آلاف درهم ، فلم يزل يطلبه حتي وجده في قرية من نواحي السوس ، فاغتاله بعد صلاة العتمة ، بأن ضرب ظهر قدمه بعكاز لهازج مسموم ، فمات من غد ( الاغاني 184/2 و186 )، مع أن الثمانية والتسعين عاما التي بلغها دعبل لا يحتاج معها إلي زج مسموم ، ولما توفي المنتصر ، وهو شاب اتهم الطبيب بأنه سمه ، بأن فصده بمبضع مسموم ، وزعم آخرون بأنه سم في كمثراة

ص: 128

( الطبري 251/9 و253 )، مع أن المعروف أن المنتصر أصيب بالذبحة ، ومات متأثرة بهذا المرض ( الطبري 251/9 ) ، أما صاحب مروج الذهب ، فقد ذكر سبب لمرض المنتصر ، غير الذبحة ، ونسب وفاته إلي أنه خرج من حمام حار ، ونام في مجري هواء بادهنج بارد ، فحم ، ومات ( مروج الذهب 425/2 )، ولما توفي أبو القاسم أنوجور ، بن أبي بكر الإخشيد صاحب مصر ، في السنة 349 ، وكان قد تباعد ما بينه وبين كافور مولاه ، اتهم كافور بأنه سمه ( خطط المقريزي 27/2 وابن الأثير 8/ 533 ) .

وفي السنة 352 توفي الوزير المهلبي ، أبو محمد الحسن بن محمد، وزير معز الدولة ، وكان قد خرج في الصيف مع جيش الفتح عمان ، فلما وصل إلي هلنا ، من أعمال البصرة ، مما يلي البحر ، اعتل، وثقل ، فرد إلي الأبلة زائل العقل ، مسبوتا ، وعملت له محقة يحملها أربعون ، يتناوبون عليها ، فلما بلغ زاوطا، ما بين واسط وخوزستان والبصرة ، مات ، فاتهم الناس أستاذ داره فرج الخادم بأنه سمه ، لأنه خرج من راحة وخيش وتنعم ، إلي قيظ شديد، وشقاء كثير ، مع أن خروج المهلبي في الصيف ، إلي جنوبي العراق ، وكان مفرط السمن ، ومصابة بحصر البول ، وقد عبر الستين ، ترجح موته من آنفجار دماغي ، راجع تجارب الأمم 196/2 و197 .

وفي السنة 373 أولم علي بن كامه ، من زعماء الديلم ، وليمة للأمير فخر الدولة بن بويه، وقواده، وحاشيته، وجنده، وأجهد نفسه في إتقانها، قبان عليه في خلال الحفل أثر الجهد ، فأوي إلي موضع طرح نفسه فيه ، وألقي عليه كساءه ، وحسبه أصحابه نائمأ ، فأبقوه علي حاله ، وأشتغلوا بإقامة الوليمة ، ولما أرادوا إيقاظه في صباح اليوم التالي ، وجدوه ميتا ، فاتهموا الأمير فخر الدولة بأنه د له السم ، بلا دليل ولا حجة ، راجع القصة في ذيل تجارب الأمم 95 وراجع نشوار المحاضرة للتنوخي ، القصة المرقمة 23/4 ج 4 ص 49 - 51 .

ص: 129

وفي السنة 378 توفي الرئيس أبو عبد الله محمد بن العباس الهروي الضبي ، وكان قد دخل الحمام ، ومات لما خرج منه ، فقال الناس عنه : إنه لما خرج من الحمام ألبس قميص ملطخا ر پريد ملطخا بالسم ) فانتفخ ، ومات شهيدة ( الوافي بالوفيات 191/3 ).

وبلغ من تعارف الناس علي دس السم في الطعام ، أن شرف الدولة مسلم بن قريش العقيلي ، صاحب الموصل (ت 487) مات أحد الناس علي مائدته وهو يتناول الطعام ، فخاف شرف الدولة أن يظن من حضر إنه تناول طعاما مسموما ، قصد به غيره ، فقال : يا معشر العرب ، لا يبرح منكم أحد ، وجلس مكان الطاعم المتوفي ، وأخذ يأكل من ذلك الطعام الذي كان بين يديه ، فاستحسن الجماعة فعله ( ابن الأثير 27/10 ) .

ولما توفي عبيد بن صالح بن عبد الملك ، ورثه أخوه الفضل، وتزوج بجاريته ، فأتهمه الناس بأنه كان يهوي جارية أخيه ، وإنه سقي أخاه السم ، فقتله ، وتزوج بجاريته ، وقال فيه أحمد بن الوليد الأنطاكي ، وكان الفضل قد ظلمه في أرض : ( الوافي بالوفيات 230/8 ).

لئن كان فضل بزني الأرض ظالما**** فقبلي ما أودي عبيد بن صالح

سقاه نوعا من السم ناقعأ ****ولم يتب من مخزيات الفضائح

حوي عرسه من بعده وتراثه**** وغادره رهن الثري والصفائح

وفي السنة 414 توفي الناجحون الأعمي ، وكان يؤدب الصبيان ، أطعم طعاما فمات منه مبطونة ، وكان هجاء ، فقال الناس إنه سم ، وأتهم بقتله جماعة ممن هجاهم ( الوافي بالوفيات 342/3 ).

وفي السنة 455 توفي صاحب آمد سعيد بن مروان ولما احتضر أتهم أبا الفرج الخازن ، بأنه دس له السم باتفاق مع نصر بن سعيد صاحب ميا فارقين ، فأمر بأبي الفرج فقطع قطعة ( المنتظم 8/ 232 ) .

ص: 130

ولما توفي جمال الملك ، ابن الوزير نظام الملك ، في السنة 475 ، اتهموا السلطان ملكشاه بأنه دس له السم ، وعينوا الطريقة التي د بها له السم ، بأنه س له في كوز فقاع ( ابن الأثير 124/10 ).

ولما توفي شمس الملك أبو نصر دقاق بن تتش السلجوقي ، في السنة 497 ذكروا أن أمه سمته في عنقود عنب ( وفيات الأعيان 296/1 ) ، ويرد في الأعتراض علي هذا الخبر ، ما ورد في الاعتراض علي الخبر القائل بأن الخيزران دست الستم لولدها الهادي العباسي .

ولما توفي أمير الجيوش يأنس الحافظي ، وزير الحافظ الفاطمي بمصر ، قالوا إن الحافظ سمه ، ثم وصفوا طريقه عجيبة في دس السم له ، فقالوا : إن الحافظ سمه في ماء الإستنجاء ( النجوم الزاهرة 240/5 ) .

ولما مات السلطان ملكشاه في السنة 485 ببغداد ، زعموا إنه مات مسمومة ، وأن السم دس له في خلال تخلل به .

ولما مات اسد الدين شيركوه ، بمصر ، علي أثر توليه وزارة العاضد الفاطمي ، في السنة.564 ذكروا أنه سم ، وإن السم دس له في حنك الوزارة ، لما خلع عليه ( وفيات الأعيان 151/7 ).

وفي السنة 577 توفي الملك الصالح اسماعيل بن نور الدين محمود ، صاحب حلب ، ولم يبلغ العشرين، وكانت علته القولنج ، فأتي موته شابة إلي اتهام الأمير علم الدين سليمان بن جندر ، بأنه سمه ، وإنه د له السم في عنقود عنب ، وهو في الصيد، وقال آخرون : إن السم د له في خشكنانجة ، وهو في الصيد ( اعلام النبلاء 116/2 ).

ولما توفي الصاحب كمال الدين محمد بن علي بن مهاجر ، في السنة 634 قال الناس أن الملك الأشرف بعث إليه جرزة بنفسج ، وقال : هذه بركة السنة ، فأخذها وشمها ، فأصبح ميتة ، يعني إنه وضع له السم في جرزة البنفسج فلما شمها قتلته ( الوافي بالوفيات 172/4 ).

ص: 131

ولما توفي الملك السعيد بركة بن السلطان الملك الظاهر بيبرس ، بالكرك ، وهو في العشرين من عمره ، في السنة 678 قال الناس إنه سم ، مع إنه تقطر به فرسه وهو يلعب الكرة ، فمات ( الوافي بالوفيات 274/2 ) .

وفي السنة 703 مات القان غازان بن أرغون ، ملك التتار ، وكان ما يزال شابة فاشتهر بين الناس ، إنه قد تم في منديل تمسح به بعد الجماع ، وكان ابن بضع وعشرين سنة لما تسلطن في السنة 693 وأسلم في السنة 694 وكان يحكم علي العراقين ، وفارس ، والروم ، وأذربيجان ، والجزيرة ، وخراسان بأسرها ، وخرج عليه أخوه نوروز ، فأسره ، وقتله ، ثم قصد بلاد الشام في السنة 699 ففتح دمشق ، ونهب وسبي وعذب ، فهلك خلائق من العذاب والجوع ، وعاد في السنة 700 فأوقع ببلاد حلب ، وجهز قطلو شاه بالعساكر ليغز وحلب ، فامتد يريد مصر ، فكانت الكسرة عليه في وقعة شقحب في السنة 702 ومات غازان في السنة 703 ( الدرر الكامنة 294 - 292/3)

وفي السنة 712 مات المنصور غازي الأرتقي ، صاحب ماردين ، علي حين فجأة بعد أن مر به الأفرم وقراسنقر ، فقال الناس إنهما سقياه السم ، وخلفه ولده الملك العادل علي ، فاستقر في السلطنة سبعة عشر يوما ومات ، فقالوا إنه سم أيضأ كما سم أبوه ( الدرر الكامنة 26/3).

وفي السنة 716 توقي الأمير كستاي ، نائب السلطنة بطرابلس ، وكان شديد البأس قوي البدن ، بحيث إنه كان يأخذ العظم الكبير من الشاة ، فيكسره بيده قطعتين ، فلما مات قالوا إن السلطان الناصر محمد بن قلاوون سمه في رمانة ( الدرر الكامنة 354/3 ) .

وفي السنة 727 مات كمال الدين محمد بن علي الزملكاني ، بمدينة

ص: 132

بلبيس ، فجأة ، وكان قد تأهب لموافاة الشام ، لتولي القضاء بها ، فقالوا إنه مات مسمومة، لأنه لم يكن قد تجاوز الخمسين من عمره ( الدرر الكامنة 194/4)

وفي السنة 736 توفي السلطان أبو سعيد بهادر ، سلطان العراق ، لمدة عشرين سنة (716 - 736 ) ، وكان شابا لم يتجاوز السابعة والثلاثين ، فذكروا أنه سم في منديل تمسح به بعد الجماع ، وكانت هذه التهمة سبأ القتل زوجته بغداد خاتون بنت الأمير جوبان .

وفي السنة 738 مات الأمير العباسي محمد بن سليمان ، بمدينة قوص منفية ، وكان ولي عهد والده المستكفي ، فلما أمر السلطان الناصر محمد بن قلاوون بنفيهم إلي قوص ، مات الأمير محمد بن سليمان بها وكان أبوه لقبه القائم بأمر الله ، وكانت سته لما مات 24 سنة ، قيل إنهم دشوا علي القائم من سمه فمات ( الدرر الكامنة 67/4 ).

وفي السنة 743 مات الأمير ايدغمش الناصري ، نائب السلطنة بدمشق ، فإنه بعد أن حضر الموكب ، وعلم علي القصص ، وتحادث مع بعض خواصه ، ثم سمع بعض الجواري يتخاصمن ، فدخل وضرب واحدة منهن ضربتين ، ورفع يده ليضربها الثالثة فسقط ميتا ، فقال الناس إنه مات مسموم ، ولما كان قد لبس خلعة من السلطان قبل موته بيوم ، قالوا أن الخلعة كانت مسمومة ، وأنه لما لبسها سري السم إلي بدنه ، فمات من ذلك ( الدرر الكامنة 456/1 ) .

ولما توفي الأمير محمد بن الأمير الكبير الطنبغا ، وكان محمد شاب جميل الصورة ، قال الناس إنه توفي مسموم ، مع إنه مات مسلو ( الضوء اللامع 147/1 ).

وذكر صاحب الضوء اللامع 53/1 أن الأمير صارم الدين ابراهيم بن

ص: 133

الملك المؤيد شيخ سلطان مصر ، توفي في السنة 823 ، وهو في العشرين من عمره ، وكان قد فتح فتوحة وظفر في معارك ، فآتهم الناس أباه بأنه هو الذي دس له السم ، مع أنهم يذكرون أن الأب شدد علي الأطباء في معالجة ابنه ، وإنه حزن عليه لما مات أشد حزن وجزع جزعة عظيمة ، ولم يعش الأب بعد ابنه سوي ستة أشهر .

وفي السنة 831 مات مريضأ بالقولنج الأمير جانبك الاشرفي ، وكان في الخامسة والعشرين من عمره ، فشاع بين الناس إنه سقي سما ، ولحقت به زوجته بعد ستة أيام ( الضوء اللامع 55/3).

ولما توفي ابراهيم بن عبد الكريم القبطي المصري ، في السنة 841 وكان من رجال الدولة بمصر ، وكان شاب لم يبلغ الثلاثين ، إتهم الناس طبيبه بأنه دس له سما ( الضوء اللامع 69/1 ).

وفي السنة 871 مات الأمير قانم الجركسي بالقاهرة ، حين دخوله الخلاء ، وتحدث الناس في كونه مات مسموما، مع إنه قارب السبعين ( الضوء اللامع 201/6 ).

وفي السنة 901 مات الأمير العثماني جم ، ابن السلطان محمد الفاتح ، وكان قد نازع أخاه السلطان بايزيد الملك ، وحاربه مرتين ، فلم يوقق، وفر إلي إيطاليا ، ومات في مدينة نابولي شاب ، فزعموا أن أخاه بايزيد أرسل إليه من سمه ، بأن حلق رأسه بموسي مسموم ، فمات ( شذرات الذهب 86/8 وهدية العارفين 257/1 ).

وكان الأمير خاير بك ، كافل حلب ، المتوفي سنة 928، إذا استقر بمقصورته في الجامع الأعظم ، حيث يجلس بعد صلاة الجمعة ، يتقدم إليه الشربدار ، ومعه طبق نفيس ، مغطي بغطاء نفيس ، يشتمل علي أشربة سكرية متنوعة ، فإذا رفع إليه شيء منها ، أخذ الشربدار قليلا منه في وعاء

ص: 134

صغير ، وهو يراه ، فيشر به ، ويسمي هذا الوعاء : الششني ، والمقصود بشربه الأمان من دس السم إلي ذلك المخدوم ، ومع كل هذا التحفظ ، فقد روي أن السلطان الغوري ، دس لخاير بك السم مرة ، علي يد طبيب يهودي ، فمرض ثم عوفي ( اعلام النبلاء 5/ 430 و431 ).

وكان عيسي باشا ، بكلربكي المملكة الدمشقية ، في زمن آل عثمان ، مولعا بدس السم للناس ، وذكر إنه جاء مرة إلي حلب للتفتيش ، وحاسب حسن بن عمر النصيبي ، وأراد أن يسقيه شرابا ، فامتنع من تناوله ، لاشتهار عيسي باشا بدس السم ، وقيل « وعاد بدر الدين من عنده سليمأ بإذن الله تعالي ، ( اعلام النبلاء 565/5 ).

ولما توفي الأمير محمد بن علي بن سيفا ، حاكم طرابلس ، بمدينة قونية ، وكان شابا ، قالوا إنه مات مسمومة ( خلاصة الأثر 48/4 ).

وبلغ من لهج الناس بالسم ، إن داود الانطاكي ، الطبيب المشهور صاحب التذكرة توقي بمكة في السنة 1008 وهو شيخ ضرير علي أثر تناوله عنبأ أصيب من بعده بالاسهال ، فزعم بعض الناس أنه مات من السم خلاصة الأثر 149/2 ).

وفي السنة 1013 لما عينت الدولة العثمانية ، حسين باشا جانبولاد ، الإمارة حلب ، غضب نصوح باشا ، أمير حلب ، لأن حسين باشا كان خصما شخصيا له ، وأمتنع عن تسليم ولاية حلب إليه ، وقال : أسلمها إلي عبد أسود ، ولا أسلمها إلي حسين جانبولاد ، ثم أن قاضي حلب سعي في الصلح بينهما ، فخرج نصوح باشا، وزار حسين باشا في مضاربه ، فقدم لنصوح باشا شربة سكر ، فامتنع من تناوله ، خشية أن يكون مسمومأ ، فتناول حسين باشا القدح وشرب منه قليلا ، ثم قدمه لنصوح باشا ، فشربه ( اعلام النبلاء229/3)

ص: 135

ولما مات الأمير محمد أبو الذهب ، في السنة 1189 ثاني يوم انتصاره في المعركة علي عمر الظاهر صاحب عكا ، قال الناس أنه مات مسموما ، وإن الذي سمه عمر الظاهر ، وإنه أعطي لمن دس له السم خمسة آلاف دينار ( سلك الدرر 57/1 ).

وفي السنة 1206 (1791 م ) قدم الباي محمد ، باي وهران ، علي الأمير حسن باشا صاحب الجزائر ، فأضافه ثمانية أيام ، وبارح الجزائر قاصدأ وهران علي أحسن حال ، ولكنه مات في الطريق ، فاتهم الأمير حسن باشا بأنه قد دس له من سمه في الطريق لأن الباي كان شابا ولم يشك من مرض ( مذكرات الزهار رقم 63 ).

وفي السنة 1248 استولي ابراهيم باشا بن محمد علي باشا، علي مدينة قونيه ، واشتبك عندها في معركة عنيفة مع الجيش العثماني ، فكسره وأسر قائده الصدر الأعظم محمد رشيد باشا ، فأكرمه غاية الإكرام ، وأعطاه صدر المجلس ليجلس فيه ، وجلس هوبقربه، ثم أمر إبراهيم باشا بالقهوة أن تحضر، فأبي الصدر أن يشربها ، وخشي أن تكون مسمومة ، وطلب شربة من ماء ، فأحضرت ، ولما ملا الساقي الكأس ، تردد في أخذها ، فمد ابراهيم باشا يده بسرعة ، وأخذ الكاس ، وشرب قسما منها ، ثم قال لمحمد رشيد باشا : خذ وأشرب ولا تسيء الظن بنا(اعلام النبلاء 422/3 و423) .

وفي السنة 1267 أمر والي حلب بنفي عبد الله البابنسي ، وابن أخيه ، وآخرين ، إلي الأستانة ، فتوفي عبد الله في جناق قلعة ، فاتهم الناس ابن أخيه محمد اغا ، بأنه د له السم ( اعلام النبلاء 440/3 ) .

أقول : عبد الله بك البابنسي رجل أمي ، كان شوباصيا عند آل الجابري ، ولما دخل ابراهيم باشا حلب ، حظي عنده ، وتقدم لديه ، إلي أن جعله متسلمة لمدينة حلب ، ووشوا به مرة عند ابراهيم باشا ، فأحضره ، وسأله عن ذلك ، فقال له : أني دخلت خدمتك ، وليس عندي سوي أم

ص: 136

حمدان ( زوجته ) وأم عرقوب ( فرسه ) فهذان لي ، وخذ الباقي ، فضحك منه إبراهيم باشا ، ولم يأخذ منه شيئا ، وظل معولا عليه ، إلي أن ترك حلب . وكذلك كان الحال، في وفاة جمال الدين الأفغاني في اصطنبول في السنة 1315 (1897 م) فقد زعم قوم إنه سم ، واتهموا السلطان عبد الحميد، بأنه سمه ، وعللوا سبب ذلك بأنه أتهمه بأنه كان وراء مقتل ناصر الدين شاه ، سلطان العجم ، وخشي إن بقي أن يسلبه عرشه ، وزعم آخرون إنه أوعز إلي الطبيب ، بأن يشخص مرض السيد في بلعومه بأنه سرطان ، وأمر طبيبه الخاص ، بأن يجري له جراحة لم تكن لها ضرورة فقتله، وادعي آخرون بأن السلطان أوعز إلي طبيب الأسنان الذي كان يرعي أسنان السيد بأن يزرع في فمه السرطان ، هذا ، مع أن المؤرخين أجمعوا علي أن السيد رحمه الله كان مسرفة في التدخين ، مكثر من تناول الشاي ، وكان قد عبر الستين من سنيه ، ومن كان في هذه السن ، وفي مثل حاله من الإكثار من الشاي والدخان ، لم يكن في إصابته بالسرطان في البلعوم ، ما يوجب العجب ، كما أن فشل الجراحة لم يكن بالأمر الغريب ، بل إنه يكون غريبا حقأ لو نجحت، وعوفي من مرضه .

ولما توفي عبد الرحمن الكواكبي بالقاهرة، في السنة 1320 عن خمس وخمسين سنة ، اتهم الناس السلطان عبد الحميد بأنه دين له السم، بواسطة صحفي مصري معمم ، ناوله إياه في أحد مقاهي القاهرة ، وعللوا ذلك بأن السلطان كان قد نقم علي الكواكبي تأليفه كتاب طبائع الإستبداد .

ويحصل القتل بالسم ، إما بدس السم في الطعام أو الشراب ، وإما بتسميم آلة القتل ، وأكثر ما يحصل ذلك في المشرط الذي يستعمله الطبيب للفصد ، وقد يسمم السيف أو الحربة ، ليكون مفعولهما أقوي ، وعاقبة إصابتهما أوكد .

وكان الآيين أن يقوم صاحب المطبخ بين يدي ذي السلطان ، قائمة ،

ص: 137

متشحة بمناديل الغمر ، وأن يقدم الغضائر بيده ، وأن يذوق الألوان عند تقديمه إياها ( تجارب الأمم 313/2 )، ولا شك أن التزام صاحب المطبخ بأن يذوق الألوان بنفسه ، إنما يحصل تحزأ من دس السم إلي ذي السلطان في الطعام .

وأول من مارس دس السم في الإسلام، علي ما ذكر المؤرخون ، معاوية بن أبي سفيان ، فإنه لما بلغه ، أن الإمام علي ، وتي مالك الأشتر علي مصر ، كتب إلي دهقان القلزم ، أن الأشتر قد ولي مصر ، فإن أنت كفيتني إياه ، لم آخذ منك خراجأ ما بقيت ، فلما وصل الأشتر ، استقبله الدهقان ، وأنزله ، وسقاه شربة عسل جعل فيها سمأ ، فلما شعر به مات ، فلما بلغ معاوية وعمرو بن العاص موت الأشتر ، قال عمرو بن العاص : إن لله جنودا من عسل ( دائرة المعارف الإسلامية 2/ 211 ومروج الذهب 605/1 والنجوم الزاهرة أ103/1 - 104، وأسماء المغتالين 159-160 والطبري 95/5 و96).

وكان معاوية دس إلي خالد بن المعمر السدوسي ، بالعراق، أن يدعو ربيعة إلي الوثوب بعلي بن أبي طالب ، ووعده - إن فعل - أن يوليه خراسان ، ففعل خالد ذلك ، فلما قتل علي ، طالب خالد معاوية بخراسان ، فاضطر أن يكتب له بعهده علي خراسان ، ودس إليه رجلا ، فسقاه شربة بظهر الكوفة ، بقصر بني مقاتل ، فقتلته ( كتاب المغتالين 164).

ولما أراد معاوية الناس علي البيعة ليزيد، ورأي أن اشخاص لا يمكن أن يشايعوه علي ما يريد ، قرر إزاحتهم من الطريق ، وعلي ذلك ، قيل ، أنه دس السم للإمام الحسن ، ولسعد بن أبي وقاص ، فماتا في أيام متقاربة ( مقاتل الطالبين 50 ومروج الذهب 619/1 والإمامة والسياسة 1/ 140).

وكان الصلح بين الحسن ومعاوية ، قد تم أن لمعاوية الخلافة ، ما كان

حيا ، فإذا مات ، فالأمر للحسن ( الإمامة والسياسة 140/1 و تاريخ الخلفاء

ص: 138

191، 192)، فلما أراد أن يبايع بالعهد ليزيد من بعده ، عرف أن ذلك لا يتم له ما دام الحسن حيأ ، فأرسل إلي جعدة بنت الأشعث بن قيس الكندي ، امرأة الحسن : إنك إن احتلت في قتل الحسن ، زوجتك من يزيد ، فبعثها ذلك علي سمه ( مروج الذهب 619/1 ).

وذكر ابن أبي الحديد ، في شرح نهج البلاغة 11/16 و 49 إن الحسن توفي في السنة 49 عن سبع وأربعين سنة ، دس إليه معاوية بن أبي سفيان سما علي يد جعدة بنت الأشعث زوجة الحسن ، وقال لها : إن قتلته بالسم ، فلك مائة ألف ، وأزوجك بيزيد ، فلما مات وفي لها بالمال ، ولم يزوجها من يزيد ، فخلف عليها رجل من آل طلحة ، فأولدها، فكان إذا وقع بينهم وبين بطون قريش كلام ، عيروهم ، وقالوا : يا بني مسمة الأزواج .

ولما حسب معاوية، أنه قد أمن جانب المعارضة ، خطب في أهل الشام ، وقال لهم : إن أمير المؤمنين قد كبرت سته ، ورق جلده ، ودق عظمه ، واقترب أجله ، ويريد أن يستخلف عليكم ، فمن ترون ؟ فقالوا : عبد الرحمن بن خالد بن الوليد ، فسكت ، ثم د ابن أثال الطبيب ، إلي عبد الرحمن ، فسقاه سما ، فمات (كتاب المغتالين 168- 169، الأغاني 197/16 والطبري 227/5 - 228).

وفي السنة 73 توفي عبدالله بن عمر ، وكان سبب موته أن الحجاج أمر بعض أصحابه ، فضرب ظهر قدمه بزج مسموم ، فمات منها ( الكامل لابن الأثير 363/4 ) .

وممن قتل بالسم ، عبيدالله بن زياد بن ظبيان ، أحد فتاك العرب ، سمه سليمان بن سعيد ، صاحب عمان ، في نصف بطيخة ، وسبب ذلك ، أن مصعب بن الزبير كان قتل فاتي بن زياد ، أخا عبيد الله ، لقطعه الطريق ، فحقدها عبيدالله علي مصعب ، حتي إذا كان يوم مسكن ، في السنة 71، قتل عبيد الله مصعبا ، وأحضر رأسه إلي عبد الملك بن مروان ، فأمر له بألف

ص: 139

دينار ، فأبي أن يأخذها. وقال : إني لم أقتله لأجلك ، وإنما قتلته بأخي ، ثم ضاقت به البصرة ، فهرب إلي عمان ، واستجار بسليمان ، فلما أخبر بفتكه ، خشيه ، وتذمم أن يقتله علانية ، فبعث إليه بنصف بطيخة قد سمها ، وأكلها ، فمات ، راجع معجم البلدان 531/4 .

واتهم سليمان بن عبدالملك ، بأنه دس السم لأبي هاشم عبدالله بن محمد بن الحنفية . ( الإمامة والسياسة 109/2 ).

وتوفي الخليفة عمر بن عبد العزيز، في السنة 101، وقيل أن بعض المتلاعبين من أهل بيته ، حنقوا عليه ، فسقوه السم . ( خطط الشام 156/1 الأعلام 209/5 ).

واتهم يزيد بن عبد الملك ، نفرة بالخلع والخروج ، فأخذهم عمه محمد بن مروان ، وسجنهم ، ودت لهم السم ، فماتوا جميعا ( الإمامة والسياسة 103/2 -104).

وكان عمر بن هبيرة أمير العراق وخراسان ليزيد بن عبد الملك ، وجه إلي خراسان سعيد الحرشي عاملا عليها ، ثم بعث إليه جميل بن عمران مفتشأ ومراقبأ لحسابات الديوان ، فساء ذلك سعيدة ، وسم بطيخ ، وبعث بها إلي جميل ، فأكلها ، فمرض وتساقط شعره ، وعاد إلي ابن هبيرة ، فعولج حتي صح . ( الطبري 15/7-16).

وفي السنة 119 قدم أبو الربيع سليمان بن موسي ،، علي هشام بين عبد الملك ، فسقاه طبيب لهشام شربة، فقتله ، فأمر هشام أن يسقي الطبيب من الدواء نفسه ، فقتله ( الاعلام 199/3 ).

واعتقل أبو مسلم الخراساني ، عبدالله بن معاوية بن عبدالله بن جعفر ، وحبسه ، وقيل إنه دس إليه سمأ ، فمات منه . ( مقاتل الطالبين 169)

ص: 140

وفي السنة 140 كان الصميل بن حاتم ، رأس مضر ، محبوسا بقرطبة ، في سجن عبد الرحمن الداخل ، فسم ومات ، وأدخل عليه مشيخة مضر ، فوجدوه ميتا ، وعنده كأس نقل ، لإيهام الناس بأنه مات وهو سكران ، فقالوا : يا أبا جوشن ، إنا لنعلم أنك ما شربت ، ولكن سقيت ( ابن الأثير 499/5 ).

وفي السنة 142 نكث أصبهبذ طبرستان ، العهد الذي بينه وبين المسلمين ، وقتل من كان ببلاده منهم ، فلما انتهي الخبر إلي المنصور سير إليه قوادة حصروه في حصنه ، فلما أحتل المسلمون الحصن ، عمد الأصبهبذ ، إلي سم شربه فمات ( ابن الأثير 510/5 ).

لما حاول المنصور إقناع عيسي بن موسي ، بأن يتنازل عن ولاية العهد الولده المهدي ، ولم يقنع ، دس إلي عيسي بعض ما يتلفه ( أي السم) فنهض من مجلس المنصور فقال له المنصور : إلي أين يا أبا موسي ؟ قال : أجد غمزة يا أمير المؤمنين ، قال : ففي الدار إذن ، فقال : الذي أجده أشد مما أقيم معه في الدار ، قال : فإلي أين ؟ قال : إلي المنزل ، ونهض المنصور في أثره متفزعأ له ، وبلغت العلة من عيسي كل مبلغ حتي تمقط شعره ، ثم أفاق من علته هذه ، فقال فيه يحيي بن زياد :

أفلت من شربة الطبيب كما****أفلت ظبي الصريم من قتره

راجع التفصيل في الطبري 11/8 -14 والعيون والحدائق 259/3 ۔ 260)

وذكر أن المنصور، لما حبس آل الحسن ، كان يسقيهم مقادير من السم ، وهم في محبسه ، ليعجل بموتهم ( الطبري 7/ 549).

وذكر أن المنصور قتل أبا حنيفة بالسم ، د ه إليه وهو في حبسه ، إذ كان أبو حنيفة ، قد نصر إبراهيم بن عبدالله بن الحسن قتيل باخمري، وظفر المنصور بكتاب بعث به أبو حنيفة إلي إبراهيم لما ظهر ، فحبسه وسقاه السم ، فمات ( مقاتل الطالبيين 367- 368 وتاريخ الخلفاء 259).

ص: 141

وسقي المنصور أبا جهم بن عطية ، شربة من سويق اللوز ، دس له فيها السم ، فقتله بها ، فقال الشاعر :

تجنب سويق اللوز لا تشربه**** فشرب سويق اللوز أردي أباجهم

أقول: أبو الجهم بن عطية ، من أوائل الدعاة العباسيين ، وكان مستشار أبي العباس السفاح ، ووزيره، راجع أخباره في الطبري 356/7 -492) .

قال صاحب الفخري ( ص 156): كان في نفس المنصور أمور من أبي الجهم بن عطية ، لما كان وزيرا لأخيه السفاح ، فلما استخلف المنصور ، سم أبا الجهم في سويق اللوز ، فلما أحس بالسم ، قام ليذهب ، فقال له المنصور ، إلي أين ؟ قال : إلي حيث بعثت بي يا أمير المؤمنين .

وولي المنصور محمد بن أبي العباس السفاح ، البصرة ، ووجه معه بالمجان ، لكي يبغضه للناس ، ثم أمر طبيبه الخصيب ، بأن يدس له السم ، فهيأ له سما ، ثم انتظر أن يشكو من علة ، فشكا من حرارة ، فسقاه السم الذي هيأه له ، فكتبت أم سلمة وهي أم محمد بن العباس ، إلي المنصور ، تعلمه أن الخصيب قتل ابنها، فأمر المنصور بحمله اليه ، وضربه ثلاثين سوطأ، وحبسه أياما ثم خلاه ، أما زوجة محمد ، وهي البغوم بنت علي بن الربيع ، فإن زوجها لما قضي ، صاحت : واقتيلاه ، تهم المنصور بقتله ، فضربها رجل من الحرس علي عجيزتها ، فوثب عليه غلمان محمد فقتلوه ( الطبري 25/8 و 86).

وذكر أن المهدي العباسي، دس السم لعلي بن العباس بن الحسين . ( مقاتل الطالبيين 403) .

وروي الطبري في تاريخه 169/8 من أسباب موت المهدي ، أن جارية من جواريه، بعثت إلي ضرة لها بلبأ فيه سم ، فدعا به المهدي ، فأكل منه وهو لا يدري ، فمات، وروي غير هذا ، وهو أن المهدي كان جالسا في

ص: 142

علية ، وكانت جاريته حسنة ، قد عمدت الي كمثراتين كبيرتين، فسمت واحدة منهما، في أسفلها، وردت القمع فيها ، وبعثت بها إلي جارية للمهدي كان يتحظاها، تريد قتلها، ورأي المهدي الكمثري ، فتناول واحدة ، وأكلها ، وكانت المسمومة ( الطبري 169/8 ).

وذكر أن الهادي ، دس السم للربيع بن يونس الحاجب ، وسبب ذلك أن الربيع كان قد أهدي للمهدي جارية اسمها أمة العزيز، فائقة الجمال، فلما رأي المهدي جمالها ، قال : هذه لموسي أصلح ، ووهبها له ، فكانت أحب الخلق إليه ، وولدت له بنيه الأكابر ، فبلغه أن الربيع يقول : ما خلوت بامرأة قط ، أطيب خلوة من أمة العزيز ، فدعاه ، فتغدي عنده ، ثم سقاه في الشراب سما، فانصرف، ومات من ليلته ، وأمة العزيز هذه، تزوجها الرشيد من بعد الهادي ، وهي أم علي بن الرشيد ( كتاب المغتالين 196-197 والطبري 228/8 ).

وذكرت خالصة ، قهرمانة الخيزران ، للعباس بن الفضل بن الربيع ، أن الهادي بعث إلي أمه الخيزران بأرزة، وقال : اشتهيتها ، فأكلتها ، فكلي منها ، فقالت لها خالصة : أمسكي حتي ننظر فإني أخاف أن يكون فيها شيء، فأرسل إليها بعد ذلك : كيف رأيت الأرزة ؟ قالت : وجدتها طيبة، فقال : لم لم تأكلي منها ، والله ، لو أكلت كنت أسرحت من ، فما أفلح خليفة له أم . ( المحاسن والمساويء 194/2 ).

وقيل في موت الهادي ، إن أمه الخيزران ، دشت له السم ( تاريخ الخلفاء 280). وقد أسلفنا رأينا في تهافت هذه التهمة .

وبعث هارون الرشيد، إلي إدريس العلوي ، أبي الأدارسة ، مولي المهدي الشماخ اليمامي ، فادعي أنه متطبب ، وأنه من أولياء العلويين ، فأنس به إدريس ، واطمأن إليه ، وأقبل الشماخ يريه الإعظام له، والميل اليه ،

ص: 143

فنزل عنده بكل منزلة ، ثم إن إدريس شكا علة في أسنانه ، فأعطاه سفوفة مسمومأ قات" ، وأمره أن يستن به عند طلوع الفجر لليلته ، فلما استن به إدريس قتله، وطلب الشماخ ، فلم يظفروا به، وعاد الشماخ إلي الرشيد فولاه بريد مصر ، وأجازه ( الطبري 199/8 وابن الأثير 93/6 ، وكتاب المغتالين 197 وتاريخ الفرقة الزيدية 177 والوافي بالوفيات 318/8 ) .

وأدخل يحيي بن عبدالله العلوي علي الرشيد ، مكبلا في الحديد ، فقال الرشيد متضاحكا : وهذا يزعم أيضا أنا سممناه ، فقال يحيي : ما معني يزعم ؟ ها هوذا لساني ، وأخرج لسانه مثل السلق ، فترتد هارون ، فقال له يحيي : يا أمير المؤمنين ، إ لنا قرابة ورحمة ، ونحن وأنتم أهل بيت واحد ، علام تحبسني وتعذبني ؟ ( مقاتل الطالبيين 483 والطبري 244/8 - 245).

وفي السنة 183 توقي الإمام موسي الكاظم بن جعفر الصادق ، في حبس السندي بن شاهك ، بأمر الرشيد ، وقيل أنه توفي مسموما . ( وفيات الأعيان310/5 ).

وروي صاحب كتاب الفخري ( ص 196) كيفية وفاة الإمام موسي الكاظم ، في السنة 183 بالسم ، في حبس الرشيد ، قال : كان قد بلغ الرشيد أن الناس يحملون إلي الإمام موسي خمس أموالهم ، يعني اعترافا منهم بصحة إمامته ، وفي ذلك نقض لما يدعيه الرشيد من الإمامة، فلما كان الرشيد بالحجاز قبض علي الإمام موسي ، وأخذه إلي بغداد، فحبسه بدار السندي بن شاهك ، ثم أمر به، فقتل قتلا خفية ، يعني بالسم ، ولما مات ، وكان الرشيد بالرقة ، ادخلوا عليه جماعة من العدول بالكرخ ، ليشاهدوه ، إظهارة إنه قد مات حتف أنفه .

أقول : يكاد المريب أن يقول خذوني .

ص: 144

وفي السنة 199 خرج بالكوفة محمد بن إبراهيم بن طباطبا العلوي ، وكان القيم بأمره في الحرب أبو السرايا ، ومات محمد بن إبراهيم فجأة ، فاتهم أبو السرايا بأنه سمه ، لأنه رأي أن لا امر له معه ، وأقام مكانه غلام حدثا ( الطبري 529/8 ).

واتهم المأمون ، بأنه دس السم لولي عهده الإمام الرضا ( مقاتل الطالبيين 567) والمأمون أكرم خلقأ، وأعلي نفسأ، وأتقي الله ، من أن يرتكب هذا الوزر .

دخل المأمون إلي الإمام الرضا ، يعوده ، فوجده يجود بنفسه، فبكي، وقال : أعزز علي يا أخي ، بأن أعيش ليومك ، وقد كان في بقائك أمل، واغلظ ما علي من ذلك ، أن الناس يقولون أني سقيتك سما ، وأنا والله من ذلك بريء ، فقال له الرضا : صدقت يا أمير المؤمنين، أنت - والله - بريء ( مقاتل الطالبيين 571- 572).

ولما انتصر جيش المأمون علي أبي السرايا ، أخذ محمد بن العلوي ، وحمل إلي المأمون بخراسان ، فأقيم بين يديه ، ثم صاح الفضل بن سهل : اكشفوا رأسه ، وأسكن في دار علي سبيل الإعتقال والتوكيل، ثم دشت إليه شربة، فمات ( مقاتل الطالبيين 549).

وذكر صاحب كتاب الفخري ، أن الأمير طاهر بن الحسين ، أمير خراسان للمأمون ، مات بالسم، وأن الذي دس له السم، وزير المأمون احمد بن أبي خالد الأحول ، وذكر لذلك سببا ، وهو إن المأمون أنكر علي طاهر أمرأ ، فكتب إليه يتهدده، فأجاب طاهر بجواب غليظ ، وقطع الدعاء للمأمون ثلاث جمع، فقال المأمون لوزيره أحمد بن أبي خالد : أنت الذي ضمنت طاهرأ ، فعليك أن تتدارك أمره ، فقال له أحمد : يا أمير المؤمنين طب نفسا ، فبعد أيام يأتيك البريد بهلاكه ، وكذلك حصل ( الفخري 224).

ص: 145

وفر محمد بن القاسم الصوفي ، العلوي ، من سجن المعتصم ، واستتر أيام المعتصم والواثق ، ثم أخذ في أيام المتوكل ، فحمل إليه ، فحبس ، ويقال إنه دس إليه سما ، فمات في حبسه ( مقاتل الطالبين 588).

وقتل سعيد الحاجب ، بالسم موسي بن عبدالله بن موسي بن الحسن بن علي ، بناحية زبالة ، وهو في طريقه الي العراق ( مروج الذهب 459/2)

وقتل أحمد طولون ، صاحب مصر ، الحسن بن مخلد ، بأن دس له السم في شربة وهو في حبسه ، فقتله بها. وسبب ذلك إن الحسن بن مخلد ، كان معطلا ببغداد ، فكتب صاحب الخبر بمدينة السلام ، إلي الوزير اسماعيل بن بلبل، وزير المعتمد، إن مغنية غنت عند الحسن بن مخلد ، بشعر ذكرت فيه تقلب الأيام ، فكتب الوزير إلي الخليفة ، بأن الحسن يتربص به الدوائر ، فأمر المعتمد بنفيه إلي مصر ، فلما قدم علي ابن طولون مصر ، تناهي في بره وإكرامه ، ونادمه ، وشاوره في خلع طاعة المعتمد ، فنهاه ، وشاوره في قطع ما يحمل من مصر، فنهاه ، فقام في نفس ابن طولون إنه دسيس لبلاط الخليفة عليه ، فأمر بالقبض عليه، وحبسه، ثم دس إليه السم في شربة ، في محبسه ، فقتله بها ، للتفصيل راجع كتاب نشوار المحاضرة وأخبار المذاكرة للقاضي التنوخي ، تحقيق المؤلف ج 8 ص 30- 34 رقم القصة 9/8 و10.

ولما مات المعتمد في السنة 279 ذكروا إنه مات مسموما، واكتفي صاحب تاريخ الخلفاء ( ص 367) بالقول إنه سم، أما صاحب مروج الذهب 493/2 فإنه أفاض في الحديث ، فقال : كان المعتمد قد أمر بأن تصلح له رؤوس حملان برقابها ، فقدمت ، وكان معه علي المائدة رجل من ندمائه وسماره ، يعرف بقف الملقم ، وآخر يعرف بخلف المضحك ، وكان الملقم

ص: 146

أول من ضرب بيده إلي الرؤوس ، فكان ينتزع الأذن ويلفها في الرقاق ، ويغمسها في الأصباغ ، ثم يهوي بها إلي فيه ، ممعنا في الأكل ، وأما المضحك فإنه كان يقتلع اللازم والأعين ، فأكلوا وأكل المعتمد ، وأتموا يومهم ، فأما الملقم صاحب اللقمة الأولي فإنه تهرا في الليل، وأما المضحك فإنه مات قبل الصباح ، وأما المعتمد ، فإنه أصبح ميتا ، ولحق بالقوم ، وروي عن سبب وفاة المعتمد رواية أخري ، وهي إنه سم في شرابه بأن وضعوا فيه نوعا من السم يقال له : البيش ، يحمل من بلاد الهند وجبال الترك والتبت .

وتناول اثنان من جلساء المعتضد ، لقما من كرنبية مسمومة ، فقتلتهما ، وتفصيل ذلك ، أن المعتضد أمر في علته التي مات فيها ، وقبل موته بأيام يسيرة ، بأن يصنع له سم يقتل به جماعة ممن كان في الحبس ، لم يرد قتلهم قتلة ظاهرة ، السياسة رآها ، وفعل ذلك ، وجيء بالسم إلي حضرته ، فأراد تجربته قبل أن يقتل به من أراد قتله ، فطرح في كرنبية ، وأحضرت في طيفورية ، وهو مفكر فيمن يطعمه منها ، وعلي من يجرب السم الذي فيها ، إذ دخل محمد بن أحمد نقاطه وابن أبي عصمة ، فقيل لهما : إن الخليفة يريد أن يأكل من ذلك اللون ، وهو محجم عنه للحمية ، فقالا : ما أحسن هذه الكرنبية ، فلو أكل مولانا منها لقمة ، رجونا أنها لا تضره ، وتجاوزا ذلك إلي أن أكلا منها لقمة ، كأنهما قصدا استنهاض شهوته ، وتحريكها بأكلها ، فلم يمكنه أن ينهاهما لئلا يخرج السر، وأمسك عنهما ، ومضيا إلي منازلهما ، فماتا من يومهما ، وبلغ الخليفة خبرهما من الغد ، وقد اشتدت علته ، فعلم صحة السم ، وأمسك لسانه أن يأمر في معني من أراد أن يأمر في معناه ، بإطعامه من ذلك السم الذي عمل له ، ومات المعتضد بعد ذلك بثلاثة أيام ، ومضي أولئك بالعرض ، وسيء الاتفاق ، وسوء المقدار ، وكأنه عمل لهما . لا لغيرهما ، وسلم من عمل له وقصد به ، ونجا ( الهفوات النادرة 218) .

ص: 147

ودست الوزير القاسم بن عبيد الله، وزير المتنفي ، السم لابي العباس أحمد بن محمد بن الفرات ، في تفاحة أشمه إياها ، فأتلفته ، وسبب ذلك إن القاسم بن عبيد الله ، وزير المكتفي ، بلغه أن الحسين بن عمرو النصراني ، الذي كان كاتبا للمكتفي لما كان وليا للعهد ، أخذ يسعي في صرف القاسم عن الوزارة ، وحيث إنه ذمي لا يستوزر ، فهو يطلب استيراز ابراهيم بن حمدان الشيرازي ، كاتب الحسين ، علي أن تكون الدواوين بأجمعها في يد الحسين ، وعلي أن لا يخرج الوزير ابراهيم عن رأيه وإشارته ، فآضطرب القاسم ، واستشار ابن الفرات ، فقال له : عندي ما يكفيك ذلك ، وهو كتاب بخط الحسين ، كتبه لما خرج مع المكتفي إلي بعض الوجوه ، يذكر فيه العظائم عن المكتفي ، عن بخله ، وسقوط نفسه ، وعيوبه، وأعطاه الكتاب ، فأوصله القاسم إلي المكتفي ، فأذن له في القبض علي الحسين بن عمرو وعلي كاتبه إبراهيم بن حمدان ، فقبض عليهما، وأرسلهما إلي الأهواز ، حيث قتلا هناك ، وشكر القاسم أبا العباس أعظم شكر ، وسأله عن كيفية حصوله علي الكتاب ، فأخبره بأنه وجد ظهورا في دكان نطاف ، يلفت بها ما يبيعه من الناطف ، والظهور : الأوراق اتي سودت بطونها بالكتابة ، وبقيت ظهورها ، وإنه بعث غلامه إلي النطاف ، فاشتري الناطف ، ولقه في هذا الظهر ، فلما قرأه احتفظ به ، فلما انصرف ابن الفرات ، قال الكاتب ابن فراس ، وهو من المعرقين في الدس ، قد بان لك مقدار شير آبن الفرات ، وهو عدو مندس بين ثيابك ، ولعلة قد تحفظ عليك بما هو أكثر من هذا ، فأقبل قولي ، وعاجله بسم تدسه إليه ، فوقع ذلك في نفس القاسم ، حتي دس له السم في تفاحة ، لزيادة التفصيل راجع القصة في كتاب نشوار المحاضرة وأخبار المذاكرة للتنوخي تحقيق المؤلف ج 3 ص 268 - 272 رقم القصة 171/3 .

ود الوزير القاسم بن عبيد الله ، السم ، للشاعر ابن الرومي ، في

ص: 148

خشكنانجة ، أو لوزينجة ، وقيل في سبب ذلك ، إن ابن الرومي كان منقطعة إلي الوزير القاسم بن عبيد الله بن سليمان بن وهب ، وكان القاسم مغرمة بشعره ، مستطرفا له ، محسنا إليه ، فقال له أبوه : أريد أن أري ابن روميك هذا، فأحضره في مجلس أبيه ، فلما انفض المجلس ، قال لأبيه : كيف رأيته ؟ قال : رأيت ما ساءني ، رأيت رجلا ، سقيم العقل ، صحيح الشعر ، ومثل هذا لا تؤمن بوادره ، وأقل غضبة يغضبها ، تبقي في أعراضنا ما لا يغسله الدهر ، والرأي إبعاده ، قال : وكيف ذلك بعد اتصاله ؟ أخاف أن يظهر ما أضمره ، قال : يا بني ، اتبع فيه قول أبي حية :

يقلن لها في السر: هديك لايرح**** صحيحة وإن لم تقتليه فألممي

فأخبر القاسم : الكاتب ابن فراس بقول أبيه ، وكان ابن فراس من أشد الناس عداوة لابن الرومي ، فقال : إنما أشار عليك باغتياله ، وأنا أكفيك أمره ، فسم له لوزينجة وقدم له الجام ، وهي في أعلاه ، فلما تناولها أحس بالموت ، ونهض قائمة ، فقال له : إلي أين يا أبا الحسن ؟ فقال : إلي حيث ارسلتني ، فقال : أصرفوه ، فقد غلب عليه السكر ، راجع كتاب نشوار المحاضرة للتنوخي ج 3 رقم القصة 171 ، وراجع وفيات الأعيان 361/3 وكتاب الملح والنوادر للحصري 241.

وفي السنة 290 أظهر علي بن الفضل بن أحمد القرمطي ، باليمن ، الدعوة للمهدي المنتظر ، فتبعه كثير من القبائل، واستولي علي اليمن ، جبالا وتهائم ، ثم ادعي النبوة ، فكان المؤذن عنده يؤذن : وأشهد أن علي بن الفضل رسول الله ، ثم امتد به عتوه ، فأصبح يكتب إلي عماله : من باسط الأرض وداحيها، ومزلزل الجبال ومرسيها ، علي بن الفضل، إلي عبده فلان ، ومات مسمومة ، سمه في السنة 303 طبيب بغدادي اسمه شريف ، بعد أن حكم 13 سنة ( الاعلام 135/5).

وفي السنة 295 مات القائد إسحاق بن أحمد الساماني ، بالموصل،

ص: 149

مسموما ، سمه غلامه ، وتزوج امرأته ، واستولي علي ماله . ( ابن الأثير 7/8 و8 ) .

وفي السنة 296 ولي إفريقية أبو مضر زيادة الله بن الأغلب ، بعد قتل أبيه ، فقتل عمه إسحاق ، وقتل من قدر عليه من أعمامه وإخوته ، فانتقضت حاله ، وخرج عن إفريقية بأمواله وأتباعه إلي مصر، ثم إلي فلسطين ، ثم عاد إلي مصر ، فسمه بعض غلمانه ، فسقط شعر لحيته ، ومات . ( ابن الأثير 23/8 ) .

وفي السنة 311 عزل المقتدر وزيره حامد بن العباس ، وأعاد أبا الحسن بن الفرات للوزارة ، وأسلم حامد، للمحسن بن الفرات ، ابن الوزير ، فعذبه المحن عذابا شديدا ، ثم أحدره إلي واسط ، وأمر من سمه في بيض مشوي ، فمات ( ابن الأثير141/8 و142).

وقبض الوزير أبو الحسن بن الفرات ، علي إبراهيم بن عيسي ، أخي الوزير علي بن عيسي ، وصادره ، فأدي بدل المصادرة ، فصادره مصادرة ثانية ، ثم اسلمه إلي المحن ، فأوقع به مكروهة شديدة ، وبعث به إلي البصرة ، فسمه عاملها . ( الوزراء للصابي 50).

وفي السنة 323 قبض الراضي العباسي ، بإغراء من وزيره ابن مقلة ، علي ولدي ياقوت ، محمد والمظفر ، واعتقلهما ، ومات محمد في السجن بنفث الدم ، فاتهم أخوه المظفر ، ابن مقلة ، بأنه قتل أخاه بالسم ، ولما أطلق من سجنه، سعي في مكروه ابن مقلة، وحرك عليه الجند، فشغبوا علي الوزير ، وهاجموا داره ، ونقبوا عليها من ظهرها ، ودخلوها، وفي السنة 324 حضر ابن مقلة دار الخليفة ، فقبض عليه المظفر بن ياقوت واعتقله ( ابن الأثير 305/8- 314) .

وفي السنة 341 مرض المنصور العبيدي ، صاحب إفريقية بالسهر

ص: 150

والأرق ، فأحضر له طبيب شاب اسمه ابراهيم ، فركب له عقاقير ، أدمن شمها ، فنام ، ومات وهو في نومه ، فأراد أصحابه قتل إبراهيم الطبيب ، فقيل لهم : ماله ذنب ، وإنما داواه بما ذكره الأطباء . ( وفيات الأعيان 236/1)

وفي السنة 359 مات أبو عبد الله محمد بن الحسن الحسني الملقب بالمهدي ، والمعروف بابن الداعي ، قيل إنه توقي مسمومة في هوسم ببلاد الديلم ( الاعلام 311/6 و 316).

وفي السنة 362 قبض بختيار البويهي علي وزيره أبي الفضل الشيرازي ، واسلمه إلي أبي الحسن محمد بن عمر بن يحيي العلوي ، وسم بأن سقي ذراريح في سكنجين ، فتقرحت مثانته ، ومات . ( تجارب الأمم 313/2 والمنتظم 60/7 ).

وكان ألفتكين التركي ، مولي معز الدولة ، قد فارق مولاه بختيار ، وسار في طائفة من الجند إلي دمشق ، فاستولي عليها ، وحاربه جيش الفاطميين فأسر ، فأكرمه العزيز الفاطمي ، وأنزله في قصره ، فوضع عليه الوزير من سمه في شراب ، فمات ، فحزن عليه العزيز ، وآتهم الوزير بسمه ، وحبسه نيفا وأربعين يوما ، وكان ذلك في السنة 365 ( التكملة 228 وابن الأثير 661/8 ).

أقول : كان الفتكين ، القائد التركي ، مولي معز الدولة ، قد أرمضته معاملة بختيار بن معز الدولة ، فترك العراق ، ومعه طائفة صالحة من الأتراك ، ووصل إلي حمص ، ثم إلي دمشق ، فنزل بظاهرها، وكانت دمشق في فتنة ، فخرج أشراف دمشق وشيوخها إلي الفتكين ، وطلبوا منه أن يقيم عندهم ويحكم دمشق ، فأجابهم لذلك ، واستحلفهم علي الطاعة ، ودخل البلد ، ونفي عنه أهل العبث والفساد ، فأصلح حال البلد، ولما توفي المعز ، قصد الفتكين صيدا فاستولي عليها وعلي عكا وطبرية، فسير إليه

ص: 151

العزيز الفاطمي جيشأ بقيادة جوهر فاتح مصر وباني القاهرة ، فحصر جوهر دمشق ، فكاتب الفتكين ، الحسن بن أحمد القرمطي ، فحضر لمعاونته ، فانسحب جوهر من حصار دمشق ، فاتفق الفتكين والحسن القرمطي ، وحصرا جوهر ، فاجتمع جوهر بالفتكين ، وقال له : قد عرفت ما يجمعنا من عصمة الإسلام ، وحرمة الدين ، وقد طالت هذه الفتنة ، وإريقت فيها الدماء ، ونحن المؤاخذون بها عند الله ، فراقب الله تعالي ، وراجع نفسك ، فإني أدعوك إلي الصلح ، فقال له ألفتكين : أنا واثق بك ، لكني غير متمكن من المصالحة بسبب صاحبي القرمطي الذي الجأتني أنت إلي مداراته والقبول منه ، فقال له جوهر : إذن ، أريد منك أن تمن علي ، وعلي من معي من المسلمين ، وتذم لنا ، وأعود إلي صاحبي شاكرة لك ، فأجابه إلي ذلك ، وترك جوهرة وجيشه يسيرون عائدين إلي مصر ، ولم يتعرض لهم أحد، ثم أن العزيز بالله الفاطمي قصد الشام بجيش لجب ، فاقتتل مع الفتكين والقرامطة ، وفي خلال المعركة ، بذل العزيز لألفتكين الرغائب إن أنحاز إليه ، ووعده بقيادة الجيش الفاطمي ، فترجل بين الصفين ، وقبل الأرض للعزيز ، وقال للرسول : قل لأمير المؤمنين ، لو تقدم هذا القول لسارعت ، أما الآن فلا يمكن إلا ما تري ، وعاد إلي الاشتراك في المعركة ، ولما ربح العزيز الحرب ، وآنفل جيش ألفتكين والقرامطة بذل العزيز لمن يأتيه بألفتكين مائة ألف دينار ، وكان ألفتكين قد لجأ إلي المفرج بن دغفل الطائي ، فأخبر العزيز بأنه عنده ، فأعطاه مائة ألف دينار ، وتسلمه منه ، فأكرمه، وأحسن إليه ، وأخذه إلي مصر، وأنزله معه في قصره ، ثم مات ، فاتهم العزيز وزيره ابن كلس بأنه سمه بأن سقاه شيئا ( ابن الأثير 656/8 - 661 ).

وقتل المنصور بن أبي عامر ، في قرطبة ، هشام ، ابن أخي المصحفي الحاجب ، في السنة 366 بأن سمه في ماء شربه ( نفح الطيب 90/3 ).

وأنفذ عضد الدولة ، إلي مكة ، أحمالا ، فسلبها الأعراب ، ولما قيل

ص: 152

لهم إنها للملك عضد الدولة ، سبوه ، فتقدم عضد الدولة بعمل شيء كثير من الحلاوات المسمومة ، وبعث بها صحبة أمتعة ، ومروا بها أمام اولئك الأعراب ، فعاودوا سلبها، وأكلوا منها، فهلكوا ( ذيل تجارب الأمم 57/3 ).

وفي السنة 370 دس وزير رومي لابن الشمشقيق السم فقتله . ( ذيل تجارب الأمم 13/3 ).

وفي السنة 373 التجا حسام الدولة أبو العباس تاش ، حاجب نوح ين منصور الساماني ، من خراسان إلي فخر الدولة بالري ، فقلده جرجان ، ومات بها في السنة 377 فقال الناس : إنه مات مسمومة . ( ذيل تجارب الأمم 25 و96 وابن الأثير 10/9 -12 و24- 29 ) .

وفي السنة 379 قتل أبو الحسن الكواكبي ، أبا نصر بن كعب ، بالسم ، سقاه دفعتين ، فلم يؤثر فيه ، وسقاه الثالثة ، فنفخ وجهه ، ثم قتله بالسيف . ( ذيل تجارب الأمم 157/3 ).

وفي السنة 381 عمد أحد الأشرار ، وهو خلف بن أحمد ، المتغلب علي سجستان ، إلي حيلة ذات طرفين ، إذ كان يرغب في إعلان الحرب علي جاره صاحب كرمان ، وأن يتخلص من القاضي أبي يوسف الباز من رعيته ، لأنه كان مسموع الكلمة في سجستان ، فأوفد القاضي إلي صاحب كرمان ، وبعث معه رجلا ، وأوصاه أن يتم القاضي وهو في ضيافة صاحب كرمان ، فسمه في قطائف ، واتهم خلف ، صاحب كرمان بقتله ، وأعلن عليه الحرب ، للتفصيل راجع ذيل تجارب الأمم 189 - 198 ، وراجع ترجمة خلف اهنا في هذا الكتاب ، في الباب الحادي عشر ( القتل ) الفصل الأول ( القتل بالسيف ) القسم الثالث ( القتل غدرأ ) .

وفي السنة 382 قتل أبو الحسن المعلم ، وزير شرف الدولة ، وكان من شرار الخلق سقي السم دفعتين فلم يعمل فيه ، فخنق بحبل الستارة ( ذيل تجارب الأمم 244).

ص: 153

وفي السنة 392 توفي الحاجب المنصور محمد بن أبي عامر بالاندلس ، فخلفه ولده عبد الملك الملقب بالمظفر ، وحكم سبع سنين ، وكان مرضي السيرة ، وذكر أن سبب موته ، أن أخاه عبد الرحمن ، سمه في تفاحة ، قطعها بسكين كان قد سم أحد جانبيها ، وناول أخاه ما يلي الجانب المسموم ، وأخذ هو ما يلي الجانب الصحيح ، فأكله بحضرته ، فأطمأن المظفر ، وأكل النصف الآخر ، فمات وكان ذلك في السنة 399 ( ابن الأثير 677/8 و 678 ).

واتهمت السيدة أم مجد الدولة ، ابا العباس الضبي ، وزير مجد الدولة ، إنه قتل ابن أخيها بالسم ، فهرب منها إلي بدر بن حسنويه ، فد أبو بكر بن رافع وواطأ أحد غلمان الضبي ، فسقاه سما كان فيه حتفه في السنة 397 . ( معجم الأدباء 73/1 و 74 ).

وكان أبو عبد الله بن الحيري من شرار الخلق ، وكان يكتب للحسن بن المسيب ، بالموصل ، فأراد أن يقتل الحسن بسم يطعمه إياه ويهرب ألي الشام ، فدعاه إلي وليمة ، وقدم إليه بطيخة مسمومة ، فقال له الحسن : تقدم يا أبا عبد الله وكل ، فاحتج بأنه صائم ، وخشي أن يشتبه به الحسن ، فقال لأبي الفتح ابنه : إجلس وكل مع الأمير ، فجلس ابنه ، وأكل ، ومات ، وتأخر الحسن قلي؟ ومات . (تاريخ الصابي 446/8 ) .

وفي السنة 414 مات الشاعر محمد بن عبدالله القفصي الضرير ، الملقب بالناجحون ، وكان هجاء ، دس له السم في الطعام بعض من هجاه ، فقتله ، وكان يعلم الصبيان ، ولا يصبر عن النبيذ ، قال أحد من رآه ذات يوم وهو سكران ، يقول للصبيان : ( الوافي بالوفيات 342/3 ).

يافراخ المزابل***ونتاج الأراذل

اقرأوا لاقرأتم ***غير سحر وباطل

روح الله منكم ***عاجلا غير آجل

ص: 154

وفي السنة 416 ثار أهل قرطبة علي خليفتهم محمد بن عبد الرحمن بن عبيد الله بن الناصر ، الملقب بالمستكفي ، وهو والد ولادة الشاعرة ، صاحبة ابن زيدون ، وكان المستكفي قد استقر في الخلافة ستة عشر شهرا ، وكان غاية في التخلف ، وقبيح الذكر ، فطرده القرطبيون ، وضجر منه أصحابه ، فشوي له أحدهم دجاجة ، ووضع فيها شيئا من البيش ( حشيش سام - مفردات ابن البيطار 132/1 - 133). فأكلها ومات ( المعجب للمراكشي 108-107 وابن الأثير 277/9 - 278).

وفي السنة 419 توقي قوام الدولة أبو الفوارس بن بهاء الدولة البويهي ، صاحب كرمان ، وكان ظالما سيء السيرة ، تكرهه الرعية ، وكان إذا شرب ضرب أصحابه ، وضرب يومأ وزيره مائتي مقرعة ، وحلفه بالطلاق أن لا يتأوه ، قيل إنهم سموه فمات ( ابن الأثير 368/9 ) .

وفي السنة 423توفي شرف الدولة قدرخان ، صاحب بخاري وكاشغر ، وختن ، وبلاساغون ، وخلف أولادة ، أكبرهم بغراخان ، والثاني أرسلان خان ، وكان قدرخان قد جعل ولاية العهد لولده بغراخان ، فلما ولي الحكم ، نازعه أخوه أرسلان خان ، ولكن بغراخان تغلب عليه واعتقله ، وعهد بغراخان بولاية العهد لولده الأكبر حسين جغري تكين ، وكان لبغراخان امرأة لها منه ولد صغير اسمه إبراهيم ، فغاظها حرمان ولدها من ولاية العهد ، فعمدت إلي زوجها، ودت له السم ، فمات وعدة من أهله ، ثم خنقت أخاه أرسلان خان ، وكان ذلك في السنة 439 ، وقتلت وجوه أصحابه ، وملكت ولدها إبراهيم ، وسيرته في جيش إلي مدينة برسخان، فانكسر ، وقتل في المعركة ( ابن الأثير 299/9 ).

ولما استولي الحسن بن يحيي من آل حمود ، علي مالقة بالأندلس ،

ص: 155

وبويع بالخلافة في السنة 431 ، وتسمي بالمستعلي ، قتل ابن عمه يحيي بن ادريس ، وكانت ابنة عمه شقيقة يحيي ، تحته ، فقيل إنها سمته انتقام الأخيها . ( المعجب للمراكشي 116).

ولما توفي المستنصر الحمودي ، في السنة 434 ، وكانت إليه سبنة ومالقة ، وغرناطة ، وجملة من بلاد الأندلس ، قيل أنه مات مسمومأ . ( الأعلام 241/2 ).

وفي السنة 447 قتل ابو حرب سليمان بن نصر الدولة بن مروان، صاحب الجزيرة ، وكان أبو حرب قد اختلف مع الأمير موسك بن المجلي زعيم الأكراد البختية، فراسله أبو حرب واستماله وسعي في تزويجه بابنة الأمير أبي طاهر البشنوي ، وهو ابن اخت نصر الدولة بن مروان ، فتزوجها واطمأن من أبي حرب، فلما زاره ، غدر أبو حرب به وقبض عليه وحبسه ، فغضب أبو طاهر البشنوي ، وأرسل إلي نصر الدولة يشفع في موسك ، فأظهر أنه قد مات ، فشق ذلك علي أبي طاهر ، وقال لنصر الدولة وولده أبي حرب : إذا كنتما تريدان قتله ، فلماذا جعلتما إبنتي طريقا إلي ذلك ، وقلدتماني العار ، وتنكر لهما ، فوضع عليه أبو حرب من سقاه سمأ فمات ، فولي ابنه عبيد الله بن أبي طاهر ، فراسله أبو حرب وأظهر له المودة ، واستقر الامر بينهما علي الإجتماع، فلما اجتمعا قتل عبيدالله أبا حرب. ( ابن الأثير607-606/9)

وفي السنة 452 قتل نجاح، رأس دولة آل نجاح في زبيد ، وكان عبد علا أمره حتي استولي علي زبيد، واتسع ملكه ، وضربت السكة باسمه ، قتله علي بن محمد الصليحي بسم دشه له علي يد جارية في الكدراء ( الأعلام 324/8 ).

وبلغ المعتضد اللخمي ، صاحب اشبيلية (ت 464) ، أن أعمي بمكة

ص: 156

كان يدعو عليه ، وكان هذا الرجل من بادية إشبيلية ، فأفقره المعتضد ، فقصد مكة ، وأخذ يدعو عليه ، فبعث إليه رسولا ، ومعه حق فيه دنانير مطلية بالسم ، وأمره أن يسلمه إلي الأعمي ، فوصل الرجل مكة ، وسلم الدنانير إلي الأعمي ، ففتح الحق ، وأخذ دينارة ، فوضعه في فمه ، فمات . ( المعجب للمراكشي 153).

وفي السنة 469 أمر الخليفة باعتقال الشريف أبي جعفر في دار الخلافة، فاعتقل مكرمة . ثم مرض مرضا أثر في رجليه فانتفختا، فيقال أن بعض المتفقهة من الأعداء نزل له في مداسه سما ( المنتظم 307/8 ) .

وروي صاحب اعلام النبلاء 201/4 قصة تتعلق بدس السم ، أنا في ريب من صحتها ، ولكني أوردها إتماما للفائدة ، قال : كان الأمير عبدالله بن محمد الخفاجي المتوفي سنة 466 قد عصي بقلعة إعزاز من أعمال حلب ، علي أمير حلب محمود الملقب رشيد الدولة ، فطلب محمود من وزيره أبي نصر بن النحاس ، أن يحتال علي الخفاجي ليقدم حلب ، وكان ابن النحاس صديقة للخفاجي ، فكتب إليه كتابا يرغبه فيه في الحضور إلي حلب ، وكانت آخر جملة في الكتاب : إن شاء الله ، فوضع الوزير علي كلمة ( إن ) شدة ، وكان الخفاجي شاعرة أديبأ ذكيا ، فانتبه إلي أن الشدة علي ( إن ) تعني الآية : إن الملا يأتمرون بك ليقتلوك ، فكتب الجواب ، وكانت آخر جملة فيه : أنا الخادم المعترف بإنعام الأمير ، ووضع شدة علي نون ( أنا ) فلما وصل الجواب إلي الوزير ، علم أن المقصود بهذه الشدة، الآية : إنا لا ندخلها أبدا ما داموا فيها ، فاستدعي الأمير رشيد الدولة محمود وزيره ابن النحاس ، وقال له : أنت أشرت علي بتولية الخفاجي وما أعرفه إلا منك ، ومتي لم يفرغ بالي منه قتلتك ، وألحقت بك جميع من بينك وبينه صلة وحرمة ، فقال له : مرني بأمرك أمتثله ، فقال له : تمضي إلي الخفاجي في ثلاثين فارسأ ، فإذا نزلت به ، وحل موعد الطعام ، فأخرج هاتين

ص: 157

الخشكنانتين ، وكل هذه ، وأطعمه هذه ، فإذا استوفي أكلها ، فعجل في العودة ، فإن منيته فيها ، ففعل ما أمره ، ولما أكلها الخفاجي ، عاد أبو نصر إلي حلب ، فأصابت الخفاجي أوجاع في البطن ورعدة ، فقال : قتلني - والله - أخي أبو نصر ثم مات .

وفي السنة 475 أمر السلطان ملكشاه ، بقتل منصور ، ابن وزيره نظام الملك ، فسقي سم في كوز فقاع ( ابن الأثير 124/10 ).

وفي السنة 482 أراد أمير المسلمين يوسف بن تاشفين ، التخلص من سيد قبيلة كزولة ، واسمه محمد بن إبراهيم ، فدعا حجامة ، وأعطاه مائة دينار ، وضمن له مثلها ، إن هو احتال علي قتل محمد بن إبراهيم ، فأخذ الحجام مشاريط مسمومة ، وصعد الجبل ، وأخذ ينادي لصناعته ، فارتاب به محمد ابراهيم ، وقال : أراه يكثر الصياح ، وأحضره ، واستدعي حجامأ آخر ، وأمره أن يحجم الحجام بمشاريطه التي معه ، فامتنع، فأمسك وحجم بمشاريطه ، فمات ، ولما فشلت حيلته ، استمال قسما من أصحاب محمد ، وبعث إليهم بجرار عسل مسموم ، فأهدوا الجرار الي محمد ، فأحضرهم ، وأمرهم، أن يأكلوا من العسل، فامتنعوا، فأطعمهم قسرأ، فماتوا ( ابن الأثير 179-178/10)

وفي السنة 492 مات الميراخور ، من أكابر القواد السلاجقة ، فاتهم ربيبه الأمير أياز ، وزير الميراخور بأنه قتله بالسم ، فقتله ، وامتدت التهمة إلي مؤيد الملك ، وزير السلطان محمد، بأنه شارك في دس السم للميراخور ، فقتله السلطان بركياروق ( ابن الأثير 303/10 -304).

وفي السنة 493 قتل السلطان بركياروق السلجوقي ، الفقيه أبا القاسم الجويني ، بأن دس له السم في محبسه . ( الكامل لابن الأثير 296/10 ).

وروي أن الشاعر الأبيوردي ، المتوفي سنة 507 ، كان قد توتي

ص: 158

الإشراف في مملكة السلطان محمد بن ملكشاه ، فسقوه السم ، وهو واقف عند سرير السلطان ، فخانته رجلاه ، وجمل إلي منزله ، فمات . (معجم الأدباء 343/6 ).

واشتري منصور بن فاتك بن جاش ، سلطان اليمن ، في السنة 517 جارية مغنية ، اسمها علم ، فولدت له ولده فاتكأ ، وحظيت عنده ، فجعل لها تدبير المملكة ، فنهضت بها ، وقتل زوجها بالسم ، فولي ولدها فاتك ، واستبد بالأمر قاتل زوجها ، فقتل بالسم أيضا في السنة 524 فأدارت هي أمور الدولة ، ثم احتيل علي ولدها فاتك، فقتل بالسم أيضا في السنة 531 أما هي ، فقد توفيت سنة 545 ( الاعلام 50-49/5).

وكان الحافظ الفاطمي ( 524-544) كثير الفتك بوزرائه وخاصته استوزر أحمد بن الفضل الجمالي، وقتله ، واستوزر يأنس الحافظي ، فد له السم ، وفوض الأمر لابن له اسمه سليمان ، فمات لشهرين من ولايته ، وأقام ابنأ آخر له اسمه حسن، ثم قتله بالسم ، واستوزر وزيرة آخر اسمه تاج الدولة بهرام، ثم قتله . ( الأعلام 293/4 ).

أقول : في السنة 526 استوزر الحافظ الفاطمي ، بمصر، ولده حسنا ، وخطب له بولاية العهد ، فسفك كثيرة من الدماء ، حتي انه قتل في ليلة واحدة ، أربعين أميرة ، فاجتمع الأمراء الباقون ، وراسلوا الحافظ ، وقالوا له : إما أن تسلم إلينا ولدك لنقتله ، أو نقتلكما جميعا ، فاستدعي الحافظ ولده ، وحبسه ، فراسلوه بأننا لا نرضي إلا بقتله ، فسقاه سما، فمات ، وأصر القواد علي التوثق من موته ، فحضر بعضهم، وجرحوا أسافل رجليه، فلم يجر منها دم ، فعلموا موته ، وكان موته في السنة 529 ( ابن الأثير 22/11 و 23)

وذكر صاحب النجوم الزاهرة 243/5 كيفية قتل الحافظ ولده حسن ، في السنة 528 بأن أوعز إلي الطبيب فصنع له شربة سم ، وألزم ولده بأن

ص: 159

يشربها ، فشربها ، وذلك لأن الجيش هدد بأنه إن لم يقتل حسنأ ، فإن الجيش سوف يقتلهما معا. ۔

وفي السنة 533 توفي أبو بكر بن باجه الأندلسي ، في مدينة فاس ، مسمومة في باذنجان ( معجم البلدان 4 / 431). :

وفي السنة 941 مات بالسم السلطان قطب الدين محمد الغوري ، ملك الجبال ، دس السم له حموه ، والد زوجته السلطان بهرام الغزنوي ( معجم أنساب الأسر الحاكمة 421).

وفي السنة 555 توفي السلطان السلجوقي ملكشاه بن محمود بن محمد بن ملكشاه بن ألب أرسلان ، مسموم في لحم مشوي ، وكان سبب ذلك أنه طالب الخليفة ببغداد أن يقطع خطبة عمه سليمان ، وأن يخطب له ، فعمد ابن هبيرة وزير الخليفة إلي خصي يثق به ، وبعث به إلي بلاد العجم ، فاشتري جارية من قاضي همدان بألف دينار ، وباعها للسلطان ملكشاه ، وواضعها علي سمه ، ووعدها أمورا عظيمة ، فسمته في لحم مشوي ، فأصبح ميتا ، وضربت الجارية فأقرت ( ابن الأثير 263/11 ).

ود الوزير ابن هبيرة ، وزير المقتفي والمستنجد، السم ، لأحد خطباء الجامع في بلاد العجم ، ذكر ذلك ابن طباطبا في كتابه الفخري ( ص 314) قال : كان بعض بلاد العجم رجل كلما أقيمت الخطبة يوم الجمعة في الجامع ، يقوم ويذم الخليفة ، ويدعو للسلطان ، فاتصل ذلك بالوزير عون الدين أبي المظفر يحيي بن هبيرة (ت 560) فأحضر شخصا من أهل بغداد ، وأمره أن يسافر إلي تلك البلدة ، وأعطاه عشرة دنانير ذهبا ، وقال له : إذا دخلت ذلك البلد ، وحضرت في الجامع يوم الجمعة ، ورأيت الرجل الذي پست الخليفة ، فانهض اليه ، وأنت علي زي التجار ، وأمن علي كلامه ، وأظهر البكاء عند سبه الخليفة ، وقل : إي والله ، فعل الله به وصنع ، وهل

ص: 160

غبني عن عيالي ووطني ، وأفقرني غيره ؟ ثم افعل في الجمعة الثانية كذلك ، وقل له : قد حلفت أن املا فمك دنانير ، وضع هذه الدنانير حشو فمه، وأخرج ، وغير زيك ، وبارح البلد ، ففعل الرجل ذلك ، وكانت الدنانير مسمومة ، فلما راح ذلك الرجل الي بيته ، ما زال يتقلقل ، حتي مات من يومه.

وفي السنة 560 توفي الوزير عون الدين بن هبيرة ، وزير المقتفي والمستنجد ، فقيل إن طبيبه ابن رشادة سقاه سما فمات (المنتظم216/10 ).

وفي السنة 567 توفي أبو عبدالله محمد بن سعد المعروف بابن مردنيش ، صاحب شرق الأندلس ، واتهمت أمه بأنها دشت له السم لأنه أساء عشرة أهله وخواصه ، فنصحته ، فتهددها ، فخافت من بطشه ، وعملت عليه ، فقتلته بالسم . ( وفيات الأعيان 131/7 ).

وفي السنة 567 توقي الإمام محمد بن محمد البروي الشافعي الواعظ ، وكان ببغداد شديدة علي الحنابلة ، يبالغ في ذمهم ، وكان شابا مليح الصورة ، حسن العبارة ، فذكر أن الحنابلة ، دشوا عليه سما، فجاءته امرأة في الليل ، ومعها صحن حلوي ، فطرقت بابه ، وقالت : أنا امرأة آكل من مغزلي ، وقد غزلت قطنة ، وبعته، واشتريت من ثمنه هذه الحلوي ، واشتهيت أن يأكل الشيخ منها ، فإنها من حلال ، فتناوله منها ، ومضت ، وجلس يأكل وزوجته وولد له صغير ، فأصبحوا موتي جميعا ، ( المنتظم 239/10 وابن الأثير 376/11 والوافي بالوفيات 280/1 ).

وفي السنة 580 سار شهاب الدين الغوري إلي الهند ، فحاصر بها مدينة أجره ( أغرا ) وبها ملك من ملوك الهند ، فلم يظفر منه بطائل ، وكان للهندي زوجة غالبة علي أمره ، فراسلها شهاب الدين أنه يتزوجها ، فأعادت الجواب إنها لا تصلح له ، وإن لها ابنة جميلة تزوجه إياها ، فأرسل إليها

ص: 161

يجيبها إلي التزوج بابنتها ، فسقت زوجها سمة ، وسلمت البلد إليه ، فلما تسلمه ، أخذ الصبية ، فأسلمت ، وتزوجها ، وحملها إلي غزنة ، وأجري عليها الجرايات الوافرة ، ووكل بها من يعلمها القرآن ، وتشاغل عنها، فتوفيت والدتها ، ثم توفيت هي بعد عشر سنين ، ولم يرها، ولم يقربها ، فبني لها مشهد ، ودفنها فيه، وأهل غزنة يزورون قبرها ( ابن الأثير 171/11 ۔ 172)

وفي السنة 603 توفي إيتامش ، مملوك الخليفة الناصر لدين الله العباسي ، وكان قد أقطعه الخليفة الدجيل ودقوقا، فآتهم نصراني من الدجيل ، يقال له ابن ساوة بأنه سمه ، فأمر الخليفة بتسليم النصراني إلي مماليك ايتامش ، فكتب الوزير إلي الخليفة يقول : إن النصاري بذلوا في ابن ساوة مائة ألف دينار كي لا يقتل ، فلم يستمع الخليفة إلي قوله ، وسلم ابن ساوة إلي المماليك فقتلوه وأحرقوه ( شذرات الذهب 9/5).

أقول : ذكر صاحب الجامع المختصر القصة في الصحيفة 219 و220 وذكر أن اسم الأمير تتامش ( بتائين ) الناصري ويلقب علاء الدين ، وإن ابن ساوة الذي اتهم بسمه ، كان ناظرة في اعمال الدجيل ومعاملة دقوقا ، وإن الأمير علاء الدين تتامش كان مقطع دقوقا .

وجاء في كتاب الذيل علي الروضتين ( ص 61) إن الذي قتل الأمير علاء الدين ايتامش بالسم ، هو الوزير ابن مهدي ، وزير الناصر العباسي ، وإن الوزير دس السم لآق سنقر الدوادار ولعلاء الدين ايتامش .

ولما توفي الامام فخر الدين الرازي في السنة 606 وكان مخاصمة للكرامية ، قال بعض الناس : إن الكرامية دشوا له السم ( شذرات الذهب 21/5)

ص: 162

وفي السنة 634 مات بالسم السلطان علاء الدين كيقباد بن كيخسرو ، سلطان الروم ، وهو من السلاجقة ( معجم أنساب الأسر الحاكمة 215) .

وفي السنة 662 توفي الملك الأشرف موسي بن ابراهيم الايوبي ، ملك حمص والرحبة عن 35 سنة ، وقيل إنه مات مسمومة ( شذرات الذهب 311/5والاعلام 267/8 ).

وفي السنة 676 توقي بدمشق ، الملك القاهر بهاء الدين عبد الملك الأيوبي واتهم الظاهر بيبرس بأنه د له السم في الشراب ( تاريخ ابن الفرات 86/7)

وفي السنة 676 توفي الأمير بيلبك الخازندار الظاهري ، نائب السلطنة بمصر ، أصابه قولنج عظيم ، فاتهم شمس الدين الفارقاني ، بأنه دس له السم ، وفي السنة 977 نصب الملك السعيد بركة، شمس الدين الفارقاني ، نائبا له ، فوثب عليه خاصة الملك السعيد ، واعتقلوه ، ثم خنقوه ( شذرات الذهب 351/5 و 357) .

أقول : ذكر ابن الفرات في تاريخه 94/7 أن الذي اتهم بدس السم للأمير بدر الدين بيلبك الخازندار هو الملك السعيد بركة ، خوفا منه ، لمحبة الجندله .

وفي السنة 682 توفي الوزير نجم الدين حمزة بن محمد الأصفوني ، وزير المنصور قلاوون ، وآتهم عبد له اسمه فرج، بأنه د له السم ، فأخذ الشجاعي فرجأ هذا ، وضربه بالمقارع إلي أن مات (تاريخ ابن الفرات 284/7)

وفي السنة 686 توفي قاضي القضاة برهان الدين أبو محمد الخضر بن الحسن السنجاري ، وكان قد ولي قضاء مصر ، ثم ولي الوزارة مرتين ، ثم ولي قضاء القضاة في الأقاليم ، ومات بعد عشرين يوما من توليه منصبه الأخير ، فقال الناس إنه سم ( شذرات الذهب 395/5 ).

ص: 163

وفي السنة 687 توفي الملك الصالح علاء الدين علي ابن المنصور قلاوون ، بالقاهرة وكان أبوه صاحب مصر والشام ، قد ولاه العهد، فاتهم أخوه الملك الاشرف صلاح الدين خليل، بأنه سمه (تاريخ ابن الفرات 70/8)

وفي السنة 689 توفي الملك المنصور ، سيف الدين قلاوون ، ملك مصر والشام ، وقيل إن ولده الملك الاشرف الدين خليل سقاه السم (تاريخ ابن الفرات 97/8 ) .

وفي السنة 690 مات السلطان أرغون ، وقيل إنه سم ، واتهموا سعد الدولة الماشعيري، اليهودي ، بأنه سمه ، فكانت حجة لطلاب المال والجاه ، إذ مالوا علي اليهود قتلا ونهبا ، وسلبأ ، وقتل سعد الدولة فيمن قتل ( شذرات الذهب 411/5 وتاريخ العراق للعزاوي 352/1 ) .

وفي السنة 694 توفي بتعز من بلاد اليمن ، الملك المعز يوسف بن عمر بن علي بن رسول سلطان اليمن ، وقد تجاوز الثمانين ، مات مسموما ، سمته أحدي جواريه ( النجوم الزاهرة 73/8 ).

وفي السنة 703 توفي القان محمود بنغازان ، وكان بعد شابة ، فذكر الناس أنه سم، ووصفوا كيفية سمه ، بإنه سم في منديل تمسح به بعد الجماع ( شذرات الذهب 9/6 )،وقد بحثنا عن كيفية موته وأوردنا ترجمته اختصار في موضع آخر من هذا الكتاب .

وفي السنة 712 توفي صاحب ماردين نجم الدين غازي بن المظفر قرا أرسلان عن بضع وستين سنة ، وتملك بعده ولده العادل ، فمات بعد أيام ، فقيل أن الأب والابن سمهما قراسنقر ، ثم تملك بعدهما الابن الآخر الملك الصالح (شذرات الذهب 31/6 ) .

ص: 164

وفي السنة 732 بلغ السلطان الملك الناصر محمد بن قلاوون ، أن الأمير بكتمر الساقي قد تآمر مع أمراء آخرين علي الفتك به ، فاحترز منه غاية الإحتراز ، وكان السلطان في طريق الحج ، ومعه بكتمر وولده أحمد، وبعد انتهاء الحج ، توفي في طريق العودة أحمد بن بكتمر وتبعه بكتمر بعد يومين ، فأتهم الناصر بأنه دس لهما السم ، وأخذت زوجة بكتمر تصيح بالسلطان بصوت عال : يا ظالم ، أين تروح من الله ، ولدي وزوجي ، زوجي كان مملوكك ، ولدي أيش كان بينك وبينه ؟ ، وكررت ذلك مرارة ، فلم يجبها السلطان . ( النجوم الزاهرة 104/9 - 106).

وفي السنة 743 قصد الملك الأشرف بن تمرتاش بن جوبان ، صاحب أذربيجان وأزان ، بير حسن بن محمود بن جوبان ، فوقعت الحرب بينهما بظاهر أصبهان ، فانتصر الأشرف ، واستولي علي شيراز ، والتجا بير حسن إلي حسن بن تمرتاش بالسلطانية ، فسقاه سما ، فمات ( تاريخ الغيالي 85 و 86)

وفي السنة 770 بلغ السلطان بمصر ، أن الأمير طنبغا الطويل ، ينوي الإنتقاض ، فدس إليه سما ، فقتله ( اعلام النبلاء 449/2 ) .

وفي السنة 776 مات الأمير قطب الدين اويس بن شاه شجاع بن مبارز الدين محمد ، دس له السم ( معجم أنساب الاسرار الحاكمة 379 ) .

وفي السنة 386 ضجر السلطان المتوكل علي الله أبو فارس موسي بن أبي عنان ، من تحكم وزيره مسعود بن ماسي عليه ، وداخل بطانته في الفتك به ، وشعر الوزير بذلك ، فبعث ولده يحيي ، وعبد الواحد المزوار إلي السلطان ابن الأحمر ، صاحب غرناطة ، في أن يبعث إليه السلطان المخلوع أبا العباس ، ليعيده إلي السلطنة بدلا من أبي فارس ، ثم خرج الوزير علي رأس حملة لقتال أحد الخوارج ، واستخلف في مكانه أخاه يعيش بن ر و

ص: 165

ماسي ، فلما انتهي الوزير إلي القصر الكبير ، لحقه الخبر بأن السلطان موسي قد مات ، والناس يرمون يعيش أخا الوزير بأنه سم السلطان ( ابن خلدون 352/7)

وفي السنة 786 توفي أوحد الدين عبد الواحد بن اسماعيل الإفريقي ، كاتب السلطان الاشرف برقوق ، وكانت علته أنه ذهبت منه شهوة الطعام ، وأبتلي بالقيء، فصار لا يستقر في جوفه شيء ، وتوفي قبل الأربعين ، فشاع بين الناس إنه د له السم ( شذرات الذهب 291/6 و296 ).

وفي السنة 787 توفي نجم الدين أبو العباس أحمد بن عثمان المعروف بابن الجابي ، عن خمسين سنة ، وكان قوي العلاقة بأوحد الدين كاتب سر السلطان برقوق ، وبين موتهما أشهر ، فقال الناس أنهما سما معا ، وإن تأخر موت أحدهما عن صاحبه ( شذرات الذهب 296/6 ).

وفي السنة 791 توفي شهاب الدين أحمد بن ركن الدين السرائي ، الشهير بمولانا زاده ، وهو في الأربعين ، ذكروا إن بعض حاده د إليه سما فقتله ( شذرات الذهب 317/6 ) .

وفي السنة 793 توفي شرف الدين أبو حاتم عبد القادر النابلسي ، قاضي القضاة ، وكان قاضي دمشق في حياة أبيه ، مات بدمشق علي أثر اكلة أكلها ، ومات جميع من أكل معه ، فقالوا أنه د له السم ، ولما بلغ والده خبر موته ، اختلط عقله من حزنه عليه ، وظل مختلط حتي مات ( شذرات الذهب 329/6 ) .

وفي السنة 794 توفي الأمير حسام الدين لاجين الصقري ، وزير السلطان برقوق بالديار المصرية ، واتهم الأمير جمال الدين محمود ، استادار العالية ، بأنه « سقاه » أي إنه دس له السم في الشراب (تاريخ ابن الفرات 328/9)

ص: 166

وفي السنة 794 توقي الأمير بطا بن عبد الله الطولوتمري ، وقيل إنه مات مسمومين علي يد السلطان الظاهر ( نزهة النفوس 351).

وفي السنة 794 استدعي فخر الدين بن مكانس ، من الشام إلي مصر ، فدت له السم في الطريق ، فدخل القاهرة ميتا ( شذرات الذهب 6/ 334 ) .

وفي السنة 801 مات خير الدين خليل بن عيسي الحنفي ، قاضي القدس ، مات مسمومأ ( الضوء اللامع 201/3 ).

وفي السنة 809 توفي مسمومة ، السلطان خليل بن أميران شاه بن تيمور كوركان ، وكان قد تسلطن في السنة 807 عند وفاة جده تيمورلنك ، لكونه كان معه عند وفاته ، فملك قلوب الرعية بالإحسان ، وأستفحل أمره ، ومات بالري مسمومة ، فانتحرت زوجته شادملك عند وفاته ، بأن نحرت نفسها بخنجر من قفاها، فهلكت من ساعتها، ودفنا في قبر واحد ، ثم قتل والده ميران شاه بعده بقليل ، وولي مكانه بير عمر ( الضوء اللامع 193/3 و 194).

وفي السنة 809 حمل السلطان الملك الناصر ، سلطان مصر ، أخويه الملك المنصور عبد العزيز ، وابراهيم ، إلي الاسكندرية ، ليقيما بها ، وأخرج مع أخويه أمهاتهما ، وخدمهما ، وأجري لهما في كل يوم خمسة آلاف درهم ، ولكل من الأمراء ألف درهم في اليوم ، وبعد أقل من شهرين مات عبد العزيز وابراهيم ، في يوم واحد ، ولهج الناس بأنهما ماتا مسملومين ، ونقلت رمتاهما إلي القاهرة ، مع أميهما وجواريهن ، وكانت عاقبة أخيهما السلطان أنه لما كان بدمشق ، خلع ، وسجن بالبرج بقلعة دمشق ، وأرسلوا له أربعة أشخاص قتلوه طعنا بالخناجر ثم أخرجوه ، وألقوه علي مزبلة خارج المدينة ، وهو عريان مكشوف الرأس ، ليس عليه غير اللباس في وسطه ، فترك ثلاثة أيام لم يدفن ، ثم دفن . ( بدائع الزهور 761/2/1 - 820).

ص: 167

وفي السنة 812 قصد قرايوسف ماردين ، وحصرها، وفيها الملك الصالح شهاب الدين الأرتقي ، وتم الصلح بينهما علي أن يتسلم قرايوسف ماردين مهرة لابنته التي زوجها للملك الصالح ، علي أن يعطي يوسف للصالح مدينة الموصل، وتسلم يوسف ماردين، وأعطاه البنت، ورحل الملك الصالح إلي الموصل ، فمكث فيها أياما ثم مات بالسم ، وآتهم قرايوسف بأنه هو الذي أمر بدس السم للملك الصالح ، وعادت الموصل إلي حكم قرايوسف ( تاريخ الغياثي 241 و 242).

أما في الضوء اللامع ، فقد ورد الخبر 231/1 كما يلي : كان الملك الصالح شهاب الدين أحمد بن اسكندر الأرتقي ، قد نشأ في دولة ابن عمه الظاهر مجد الدين عيسي ، وأختص به ، وزوجه ابنته ، واستخلفه علي ماردين ، ولكنه باع ماردين لقرايوسف بن قرامحمد بعشرة آلاف دينار ، وألف فرس ، وعشرة آلاف رأس غنم ، وزوجه قرايوسف ابنته، وأعطاه الموصل ، فتوجه إليها ، فلم يقم سوي ثلاثة أيام ، ومات هو والزوجة المشار إليها في السنة 811 ويقال أن قرايوسف سمة ، وخلف أربعة أولاد أخرجهم قرايوسف من الموصل .

وفي السنة 823 توفي الامير صارم الدين ابراهيم بن السلطان الملك المؤيد شيخ وقيل أن أباه المؤيد دس إليه من سمه ( شذرات الذهب 159/7)

أقول : الثابت أن الأب كان شديد المحبة لولده ، وأنه كان يلح علي الأطباء في المبالغة في علاجه ، وأنه اشتد جزعه عليه لما مات ، بحيث أن الأب لم يعش بعد ولده إلا ستة أشهر .

وفي السنة 824 مات السلطان الملك الظاهر ططر ، من ملوك الجراكسة بمصر والشام ، وكان قد خلع سلفه الملك المظفر ، وتزوج أمه ،

ص: 168

ثم طلقها ، فروي أنه مات مسموما ، سمته أم المظفر ، لما خلع ولدها ( الاعلام 327/3 ) .

وفي السنة 833 قتل الظاهر صاحب اليمن ، اسماعيل بن عبد الله العلوي الزبيدي بالسم ، وتفصيل ذلك : إن الملك الظاهر يحيي بن اسماعيل رأي زوجة اسماعيل العلوي فأعجبه جمالها ، فأمر زوجها اسماعيل بطلاقها ، وضيق عليه حتي أضطر إلي طلاقها ، فتزوجها الظاهر ، وفر اسماعيل إلي مكة ، فلما بلغ الظاهر فراره ، قتل أخا اسماعيل وهو شهاب الدين أحمد بن عبد الله العلوي الزبيدي ، ونهب بيوتهم ، وأزال نعمتهم ، ثم إنه د إلي اسماعيل من قتله بالم بمكة ( الضوء اللامع 360/1 و301/2 ).

أقول : السلطان الملك الظاهر يحيي بن اسماعيل ، سلطان اليمن ، من بني رسول ، خلف أباه في حكم اليمن في السنة 821 وهلك في السنة 842 وانقرض حكم بني رسول بعد ثماني سنوات من هلاكه ، وليس العجب من انقراض حكم هذه السلالة مع هذا الظلم ، ولكن العجب من بقاء هذا الظالم في السلطنة عشرين سنة .

وفي السنة 835 توقي القاضي زين الدين عبد الرحمن بن علي التفهني ، قيل أنه مات بالسم ، وإن أم ولده هي التي دشت له السم من غيظها منه لأنه لما توفيت زوجته ظنت أم ولده أنها تنفرد به ، فتزوج امرأة ، وأطرح أم ولده ، فحصلت لها غيرة فسمته ( شذرات الذهب 214/7 ) .

وكان الأمير أسبان يكثر من استعمال السم سلاحا في قتل من يريد قتله فإنه في السنة 839 حاصر مدينة إربل وهي تحت حكم مزراعلي بن شاه محمد وبعد ستة شهور من الحصار ، أرسل إلي القلعة مشاعلية وسباهيين زعموا أنهم فروا من عند أسبان ، وكانوا قد صحبوا سمأ ألقوه في الآبار التي يشرب أهالي إربل منها الماء ، فلما شرب منه الإربليون وقع الموت فيهم

ص: 169

واز رفت جلودهم ونتنت أفواههم ، وطالت مدة الحصار إلي سنة واحدة وشهور فاضطر مزراعلي إلي طلب الأمان من أسبان ، فأمنه وحلف له أن لا يقتله فنزل إليه هو وأولاده ، فأختار أسبان بلقيس ابنة شاه علي زوجة له ، ونصب حاكما في إربل نائبا عنه ، ورحل أسبان إلي الموصل ، فاحتال علي حاكمها توشمال زينل ، ود إليه الم ، فقضي نحبه ، فاستولي علي البلد ثم نزل إلي بغداد ، وصحب مرزاعلي معه ( التاريخ الغياثي 269 ).

أقول : لم يكن الأمير أسبان هذا مقتصر في جرائمه علي استعمال السم للفتك بالناس ، وقد أسلفنا في موضع آخر من هذا الكتاب ، إنه قتل أباه غيلة ، ثم قتل ابن عمه ميزراعلي وأولاده جميعأ ، حتي الأطفال في المهد، وكانت بلقيس بنت مرزاعلي ، جالسة عند زوجها أسبان ، لما قتل أباها وأخوتها ، فبكت وصاحت ، فأمر بخنقها ، فخنقت .

وفي السنة 840 مات بالسم السلطان محمد غزنين خان بن هوشنك ، ملك مالوه ، دس له السم ، الأمير محمود الخلجي ، الذي تسلم الملك من بعده باسم محمود شاه ( معجم انساب الأسر الحاكمة 431 ).

وفي السنة 855 قتل بالسم السلطان محمد كريم شاه ، سلطان گجرات ، دشت له السم زوجته ( معجم انساب الأسر الحاكمة 435) .

وفي السنة 868 مرض بدر الدين الحسن بن علي الحصني ، ومات بالقاهرة ، فقيل إنه مات مسموما ( الضوء اللامع 114/3 ).

وكان بابر بن بايسنقر علي مملكة هراة ، وكانت معه جدته أم أبيه ، واسمها كوهرشاد ، قيل إنها سقته سما في الشراب ، في السنة 861 فمات ( التاريخ الغياثي 228) .

أقول : أحسب أن اتهام العجوز بم حفيدها ، تهمة لا أصل لها ، هذا إذا صح أن الحفيد توفي مسمومأ .

ص: 170

وفي السنة 870 توقي الفقيه محمد بن سليمان الجزولي ، فقيل إنه مات مسمومة ( الاعلام 21/7 ) .

وفي السنة 897 مات بالسم الشيخ نجم الدين مسعود ، وزير السلطان يعقوب ، سمه أحد الأمراء في شيروان ( تاريخ العراق للعزاوي 288/3 ) .

أقول : السلطان أبو المظفر يعقوب بهادر بن السلطان أوزون حسن بك ، ولي السلطنة في السنة 883 علي قول صاحب تاريخ الغياثي (ص 393 ) وفي السنة 884 علي قول زامباور في معجمه ( ص 384)، وتوفي في السنة 896 علي ما جاء في تاريخ الغياثي ومعجم زامباور ، لذلك يكون التاريخ الذي أورده العزاوي في حاجة إلي تصحيح ، إلا إذا كانت وفاة الوزير بعد وفاة السلطان .

وحصل للسلطان ابراهيم لودي ، سلطان الهند ( 915 - 932 ) ، بعض الريب في مستشاره ووزيره أعظم همايون ، فأمر باعتقاله ، وسقي كاسأ من السم في السجن ، فقتله . ( الاسلام والدول الاسلامية في الهند 35).

وكان عيسي باشا ، بكلربكي ( أمير الامراء ) المملكة الدمشقية ، في عهد آل عثمان ، مولعا بدس السم للناس ، ولما توفي فجأة حسين بن محمد شاه الحلبي المعروف بابن الميداني ، في السنة 934 وكان ذا صولة وعلو همة ، إتهم الناس عيسي باشا ، بأنه د له السم مع واحد من اصحابه اعلام النبلاء 465/5 ). ولما توفي في السنة 937 قاضي القضاة ولي الدين أبو زرعة محمد بن فرفور الدمشقي ، قالوا إنه مات بشم ده إليه عيسي باشا ( اعلام النبلاء 489/5 ) ، وجاء عيسي باشا مرة إلي حلب للتفتيش ، وأراد محاسبة بدر الدين حسن بن عمر النصيبي ، فقر منه ، ثم أستسلم إليه ، وحضر مجلسه ، فأراد أن يسقيه شرابا ، فامتنع من تناوله ، لاشتهار عيسي باشا بدس السم « وعاد بدر الدين من عنده سليم بإذن الله تعالي ، ولكنه بعد

ص: 171

أن سلم من عيسي باشا ، لم يسلم من خلفه إسكندر بك الذي ولي الدفتر دارية ، إن أهل الديوان الدفترداري دشوا له السم ، فمرض ومات في السنة 956 ( اعلام النبلاء 565/5 ).

وفي السنة 961 قتل السلطان محمود شاه بن لطيف شاه ، صاحب كجرات ، قتله بعض خدمه بمواطأة من بعض وزرائه وحرسه ، بأن دس له سما في شرابه وحلواه ، ( شذرات الذهب 328/8 ).

وفي السنة 974 ولي اليمن ، مراد باشا، المعروف بكورمراد ، أي مراد الأعور ، لخلل كان بإحدي عينيه ، وقد اتهم بأنه دس السم لأميرين من أمراء اليمن ، معروفين بكثرة المال ، وهما الأمير محمد بن يحيي سنجق عدن ، والثاني محمد بك سنجق جبلة ، فوضع يده علي جميع مخلفاتهما ، وقوم له ذلك بأبخس ثمن ، حتي إنه قوم له رأس الخيل بخمسة دنانير . ( البرق اليماني 163 و164 ).

وفي السنة 978 مات بالشم ، الأمير علي بن شرف الدين ، صاحب حصن حب باليمن ، وهو أحد أمراء الزيدية ، غدر به شفلوتان من خواصه ( الشفلوت وجمعه شفاليت : طائفة من العرب يخدمون في العسكر ويربون شعورهم ) فدا إليه الم في سفرجلة ، فلما أكلها مات ، وكان قد حرضهما علي الغدر به ، سنان باشا التركي قائد الجيش العثماني المحاصر لحصن حب ار البرق اليماني 442) .

وفي السنة 984 مات بالسم الشاه طهماسب الأول ، بعد أن حكم إيران من السنة 930 ( معجم أنساب الأسر الحاكمة 388) .

وفي السنة 985 مات مسمومأ، الشاه إسماعيل الثاني ، ابن طهماسب ، قيل إن أخته الأميرة بيري جان خانم سمته في حقة البرش ( مخدر ) فلما تناول منه مات ( تراجم الأعيان 57/2 - 59 ) ، وفي الكواكب السائرة

ص: 172

136/3 إن الشاه إسماعيل مات هو ومحبوبه ، بسبب أكل البرش المسموم ، وفي معجم أنساب الأسر الحاكمة 388 قيل إنه سم لأنه كان يميل إلي أهل السنه.

وفي السنة 986 هلك المتوكل بن الغالب ، من ملوك السعديين في المغرب ، غرقأ ، وهلك عمه المعتصم أبو مروان عبد الملك السعدي ، بالسم ، وخلاصة القصة ، أن محمد الشيخ بن القاسم ، الملك السعدي ، مات ، فولي الحكم ولده الغالب ، فطمع أخوه المعتصم عبد الملك في الإستيلاء علي الحكم ، ثم مات الغالب ، فخلفه ولده المتوكل ، فزاد طمع المعتصم ، واستعان بالترك العثمانيين علي ابن أخيه ، واستعان ابن أخيه بالبرتغاليين ، ونشبت بينهما معارك طاحنة ، كان آخرها أن هلك المتوكل غرقا ، ومات المعتصم بالسم الذي ده إليه قائد جيش الترك . ( الاعلام 311/4 و 312) .

وفي السنة 1022 قتل السلطان زيدان بن المنصور ، سلطان المغرب ، أبا العباس الأندلسي أحمد بن قاسم بن معيوب ، قتله بالشم . ( الاعلام 189/1)

وفي السنة 1032 توفي الأمير محمد بن علي السيفي الطرابلسي ، من امراء بني سيفا ، حكام طرابلس الشام ، مات مسمومأ في رحلة قام بها إلي تركيا . ( الاعلام 186/7 و 187).

وفي السنة 1034 خلع الشريف محسن بن الحسين ، عمه الشريف إدريس من أمارة مكة ، وحل محله منفردا ، فحاربه مسعود وعبد الكريم ولدا عمه إدريس ، فانتصر عليهم ، وفي السنة 1037 مر بجدة الوزير أحمد باشا متوليا علي اليمن ، فلما استقر بجدة ، أمر بالقائد راجح بن ملحم حاكم جدة ، فحبس ، ثم شنقه ، ونصب الشريف أحمد بن عبد المطلب ، أميرة

ص: 173

علي مكة ، فاشتبك الشريف محسن والشريف أحمد، فانتصر الشريف أحمد، وانحاز الشريف محسن إلي اليمن ، حيث نزل ضيفا علي الإمام محمد بن القاسم ، وتوفي هناك في السنة 1038 فقيل إنه مات مسمومأ ( خلاصة الأثر 309/3 - 311) .

وفي السنة 1068 (1658م)، اعتقل أورنك زيب عالمكير محي الدين أعظم شاه ( 1068 - 1119 ) أخاه الأمير مراد ، ونقل إلي دلهي ، حيث تم إعدامه بطريقة طريفة ، وهي إنه عرض لحية لدغته ، فقتلته . ( الإسلام والدول الاسلامية في الهند 111).

وفي السنة 1097 قتل المؤيد بالله محمد بن إسماعيل، صاحب اليمن ، بالسم ، وهو من أئمة الزيدية ، بسط عماله أيديهم بالظلم ، فهم بإصلاحهم ، فقتلوه بالسم . ( الاعلام 262/6 ).

وتوفي في السنة 1125 في اليمن ، الإمام المنصور بالله ، الحسين بن علي الحسني ، إمام الزيدية باليمن ، ولي الحكم في السنة 1121 وتنازل عنه في السنة 1124 للمنصور الحسين بن القاسم ، ولما توفي قيل انه مات مسمومة . ( الاعلام 269/2 ).

وفي السنة 1156 جهز سليمان باشا العظم ، والي دمشق ، عسكرة علي الظاهر عمر الزيداني ، بعد أن قبض علي أخيه مصطفي ، وشنقه بدمشق ، ولما وصل سليمان باشا إلي عكا ، وحصر الشيخ الظاهر عمر ، رشا الظاهر بعض أتباع سليمان باشا ، فدس له السم في طعامه فمات ( خطط الشام 293/2 ).

ولما توفي السيد جمال الدين الأفغاني، في اسطنبول، في السنة 1315 اتهم الناس السلطان عبد الحميد بأنه دس له السم . ( الاعلام 37/7 و38) .

ص: 174

ومن الطريف أن نورد هنا خبرا ذكره الدكتور علي الوردي في كتابه لمحات اجتماعية من تاريخ العراق الحديث 143/3 وهو : أن محكمة تركية حكمت في السنة 1909 ميلادية ، علي ثلاثين رجلا من رجال الدين ، بأن يأكلوا خبزة مسمومة .

ص: 175

سم أداة القتل

وأما اللون الثاني من القتل بالسم ، وهو سم أدات القتل ، فقد ذكروا أن ابن ملجم ، قاتل الإمام علي بن أبي طالب ، سم سيفه الذي ارتكب به الجريمة ( الطبري 146/5 )، وذكروا أن الحجاج بن يوسف الثقفي د علي عبد الله بن عمر ، من طعن ظاهر قدمه بحرية مسمومة ، فمات ( تاريخ الخلفاء 215) .

وأما فيما يتعلق باتهام الطبيب بشم المشرط المعد للفصد ، فقد قيل أن الطبيب ابن طيفور سم المنتصر في مشراط فصده به ( مروج الذهب 426/2 وتاريخ الخلفاء 357 وفوات الوفيات 318/3 ).

وذكروا أن أمير المسلمين بالمغرب ، يوسف بن تاشفين ، حاول في السنة 48 قتل محمد بن ابراهيم سيد قبيلة كزولة ، إذ لم يظفر منه بطاعة ، فبعث إليه حجامة ، وأمره أن يحجمه بمشارط مسمومة ، وأحس الكزولي بذلك ، فأمر بأن يحجم الحجام بمشارطه المسمومة ، وحجم بها ، فمات ( ابن الأثير 178/10 و 179).

وكان سبب وفاة أبي الفرج غيث بن علي الصوري (ت 509 ) أنه آفتصد ، وكان الطبيب قد أعد مبضعة مسمومة ، ليفصد به غيره ، فغلط ، ففصده به ، فقتله ( معجم الأدباء 250/1 ).

ص: 176

وكان الأطباء ، قبل اكتشاف المكروب ، لا يعرفون عن التعقيم شيئا ، فأذا كان المشرط ملوثا ، كانت العاقبة موت المفصود ، ولما كان الفصد يجري في كل سنة مرة واحدة علي الأقل ، حسب تقاليد الطب القديم . فقد كان من يفتصد يتعرض جرحه للتلوث ، فيتهم الطبيب بأنه فصده بمشرط مسموم ، ويتهم مع الطبيب ، واحد أو أكثر من خصوم المفصود ، من أفراد العائلة الحاكمة ، أو من مزاحميه علي السلطان ، فيقتلون معا ، وقد قتل ، في مثل هذه الظروف ، عدد من الأطباء الذين هيأ لهم سوء حظهم ، أن كان المشرط الذي أجروا به عملية الفصد ، مشرطة ملوثأ ، وعندما أراد الأطباء أن يخلصوا من تهمة سم المشرط ، أصبح متعارف بينهم أن يمض الطبيب المشرط أمام المفصود ، ثم يمسحه بلحيته ، قبل إجراء عملية الفصد ، فأدي ذلك إلي زيادة حوادث التلوث ، فكان الطبيب يتهم بأنه ذر الشم علي لحيته ، فلوث به نصل المشرط ، فكان الذي رآه الأطباء سببا للنجاة ، سببا من أسباب الإمعان في التورط .

وكان حرص الحاكمين علي حياتهم ، والتخوف من دسائس خصومهم يدفعهم إلي امتحان الأطباء إمتحانات صعبة ، لاختبار أمانتهم ( عيون الأنباء 187/1 و188) فإن نجحوا في اختبار الأمانة ، وفي اختبار الفهم والمعرفة ، أفاضوا عليهم من النعم ، ورتبوا لهم من الأرزاق والصلات ، والمكافات ، ما يصل إلي مقادير تثير العجب ، ونورد علي سبيل المثال، أن رزق الطبيب

جبريل بن بختيشوع من الرشيد ، وحاشيته ، والبرامكة ، بلغ مجموعه ثلاثة آلاف ألف ومائة وثمانين ألف درهم في العام (عيون الأنباء 136/1 و137)، هذا عدا الصلات الوافرة التي كان يوصل بها ، وأسعف الرشيد مرة ، لما أغمي عليه ، فلما أفاق ، أمر فأشتريت له ضياع تغل ألف ألف درهم في السنة (عيون الأنباء 132/1 ).

ومرضت إحدي حظايا الرشيد ، فعالجها ، ولما برءت ، وصله الرشيد

ص: 177

بخسمائة ألف درهم ( تاريخ الحكماء 135 ) ، وبلغ مجموع ما أفاده من البرامكة ، في دولتهم سبعين ألف ألف درهم ( نشوار المحاضرة للتنوخي رقم القصة 108/8 )، وعالج المأمون مرة ، فوصله بألف ألف درهم ( عيون الأنباء 128/1 و129)، وأحتال أبو قريش الطبيب ، في تخفيف وزن عيسي بن جعفر ، أخي السيدة زبيدة ، فوصله الرشيد وجعفر بعشرين ألف دينار ( تاريخ الحكماء 432 و433 ) ، ووصل الواثق طبيبه يوحنا بن ماسويه في مجلس واحد بثلثمائة ألف درهم ( عيون الأنباء 175/1 ) ووصل المتوكل طبيبه إسرائيل الطيفوري بثلثمائة ألف درهم ( عيون الأنباء 158/10 ) كما وصل الطبيب حنين بن اسحاق بمائتي ألف درهم ( عيون الانباء 196/1 ).

وإذا عوفي السلطان من مرضه ، وصل الطبيب بألوف دنانير ( عيون الأنباء 302/1 و 109/2 و 241/2 و 242)، وأخرجه في « زفة ، ومعه البند الموسيقي ( الطبلخانة ) الخاص بالسلطان ، يدور به علي الأمراء الكبراء ، ليعطوه « علي قدر محبتهم للسلطان » ( معجم الأطباء 69 و70) ومن يا تري الذي لا يحب السلطان؟

ولما كان الغرم بالغنم ، فإن الطبيب يتعرض لخاتمة تعيسة ، إذا لم ينجع دواؤه ، فقد ابتلي سعيد بن توفيل ، طبيب أحمد بن طولون ، بالضرب والتجريس ، فأدي ذلك إلي موته ( عيون الانباء 85/2 ) ، وقتل السلطان الأشرف برسباي طبيبيه العفيف وخضر ، إذ أمر بقتلهما توسيطا . ( معجم الأطباء 183 و 291 ) وكما قتل فضل الله رشيد الدين ، وزير غازان ( الاعلام 359/5 ودائرة المعارف الاسلامية 116/10 - 119)، وثمة أطباء هيا لهم حسن حظهم أن افلتوا من العقوبة ، بعد أن أحاطت بهم حبائلها ، ومن هؤلاء أطباء الهادي العباسي ، فإنه لما تطاول مرضه ، غضب علي أطبائه وأمر بقتلهم ، ولكن موت الهادي خلصهم من مصيرهم المرعب تاريخ الحكماء 431 و 432 ) ، وكذلك كان حال جبريل بن بختيشوع

ص: 178

طبيب الرشيد ، فإن الرشيد ، لما أشفي ، وهو بطوس ، في السنة 193 علي الموت ، أتهم طبيبه جبريل ، فهم بقتله ، وأن يفصله ، كما فصل أخا رافع ، ودعا بجبريل ليفعل به ذلك ، ثم أنظره إلي غير، فمات قبل الغد ( الطبري 344/8 ).

ص: 179

ص: 180

الباب الرابع عشر: الاحراق والتعذيب بالنار والماء المغلي

اشارة

تعريض المعذب للنار ، لون من ألوان العذاب قديم ، وهو من أشد ألوان العذاب قسوة .

ولم أتوصل إلي معرفة تاريخ البدء بهذا اللون من العذاب ، ولعله عرف منذ أن عرف الإنسان النار .

وقد روي لنا التاريخ ، أن ملكين من ملوك العرب ، سمي كل واحد منهما محرقة ، أولهما جفنة الأصغر الغساني ، أحرق الحيرة ( الأعلام 128/2 ). وثانيهما عمرو بن هند اللخمي ، أحرق مائة من بني حنظلة ، كان آخرهم البرجمي الذي أبصر النار ، وشم القتار ، فجاء يطلب الطعام ، فأضحي طعاما للنار ، وقيل فيه : إن الشقي وافد البراجم (سرح العيون 240۔ 242)

والهنود ، منذ القديم ، يحرقون أنفسهم ، ولكنهم لا يعتبرون ذلك عذابأ ، وإنما يعتبرونه تخليصا للروح من شوائب الجسد، للوصول إلي النيرفانا ، حيث يندمجون في الذات العلية .

وكان مشركو قريش ، يعذبون الضعفاء ممن أسلم ، بإلصاق ظهورهم ، وصدورهم ، بالرمضاء ، ويكوونهم بالرضف ، وهي الحجارة المحماة بالنار ،

ص: 181

والمعروف أن الرمضاء في الحجاز ، في حمارة القيظ، ليست بأقل أذي من النار .

وأذكر، علي سبيل الاستطراد ، أن الشيخ علي الشرقي ، عليه رحمات الله ، حدثني مرة عن شدة الحر في الحجاز ، فقال إنه أحرم في جدة ، وكان يسير منتعلا ، في شارع من شوارعها ، وإذا بلذعة، في باطن احد قدميه ، كلذعة الجمر ، فكاد أن يغيب عن وعيه ، وإذا الذي كواه حصاة أصلتها نار الشمس ، فحميت حتي أصبحت مثل النار ، بل أصبحت نارة ، وتكونت في قدمه ، مكان اللذعة ، غدة ، لم ينفع فيها علاج ، ولم ينجع دواء ، ورافقته طول حياته.

وسمعني - رحمه الله - يوما، أترنم بأبيات لأبي الخطاب عمر بن أبي ربيعة :

قل لفنديشبع الأظعانا****طالماس عيشنا وكفانا

صادرات عشية من قديد**** واردات مع الضحي عسفانا

فالتفت إلي ضاحكة ، وقال : هل أبصرت عسفان، هذه التي تذكرها ؟ قلت : لا

قال : أنا أبصرتها ، وأنخت فيها ركابي ، وكان ذلك عندما حججت صحبة الحاج خيون العبيد ( وهو رئيس عشيرة العبودة، في قضاء الشطرة، جنوبي العراق ) ، وكان الحر شديدا ، بحيث أن كل شيء يلمس ، يكوي اليد، ووصلنا قبل الظهر إلي عسفان ، فانخنا جمالنا ، وأنزلنا أحمالنا ، واسترحنا في خيامنا ، وكان الذي يعني بنا شاب من جماعة الحاج خيون ، قوي البنية ، ضخم الجثة ، وافر النشاط، وإذا به قد دخل علينا، وشكا إلينا وجعة في رأسه ، وبعد دقائق ، انتابه رعاف شديد ، ثم انطرح، ولم يلبث أن مات ، وكانت الشمس حادة إلي درجة لا يمكن معها للإنسان أن يبارح

ص: 182

خيمته ، فأمر الشيخ أن يوضع تابعة الميت في إحدي العماريات ( الكجاوات ) ، إلي أن تنكسر الشمس ، ولما مالت الشمس ، وأمكننا أن نبارح خيمنا ، وجدنا هذا المسكين ، قد انتفخ من شدة الحر ، إلي درجة لم يتمكن أحد من إخراجه من العمارية ، فدفنوه وهو فيها ( طرائف 15-16).

وكان الإحراق بالنار ، لونة واحدة لا يتبدل ، أما التعذيب بالنار ، فكان علي أشكال وألوان ، من تقريب إلي كوانين الفحم في شدة الحر ، إلي صب الزيت علي الرؤوس وإقامة المعذب في الشمس ، إلي الكي بالسيخ المحمي ، إلي ملء الطست جمرة وإقعاد المعذب عليه ، أو وضعه علي رأسه أو بطنه ، إلي الباس الرأس خوذة من الحديد المحمي بالنار ، وقد عاقب أحد محتسبي القاهرة ، بائع كنافة ، خالف التسعيرة ، فوضع صينية الكنافة، علي النار ، وأقعده عليها ، أما السلطان محمد بن تغلق ، سلطان الهند ، فكان من جملة ما يعذب به الناس ، أن تحمي صفيحة الحديد ، ثم تلصق علي صدر المعذب ، فإذا قلعت ، ذهبت بجلد الصدر ، وبعض اللحم ، فيذر علي الجرح ، البول والرماد ، ليكون ألم المعذب أشد .

أما التعذيب بحبس الإنسان في حمام حار ، فقد كان متعارفأ في جميع الأوقات .

وثمة لون آخر من العذاب بالنار ، وهو العذاب بالماء المغلي ، ويكون بسلق المعذب في ماء مغلي ، وهذا اللون من العذاب ، فضلا عن كونه قليل الحدوث ، فهو لون ليس بالقديم ، وأول ما بلغنا عنه ، ما صنعه الخوارج الذين خرجوا علي الإمام علي ، علي أثر التحكيم ، فإنهم صبحوا حيا من أحياء العرب ، فقتلوا الرجال والنساء والأطفال وأخذوا قسما من الصبيان ، فألقوهم في قدور الأقط ، وهي تفور ( مروج الذهب 149/2 ).

ثم غاب عنا هذا اللون من العذاب ، حتي أعاده جنكيز خان ، فكان

ص: 183

يسلق الناس أحياء ( تاريخ العراق بين احتلالين للعزاوي 75/1 ) ، وحاكاه في ذلك عز الدين كيكاوس ملك الروم ( الذيل علي الروضتين 113) ثم تبعه السلطان أبانا ، سلطان المغول ، إذ أمر بمعين الدين البرواناه ، فقطعت أطرافه الأربعة ، ثم سلق في مرجل ، وأكل المغول لحمه ( فوات الوفيات 71/2)

وثمة لون آخر من العذاب بالماء المغلي ، لم يبلغنا عنه إلا خبر واحد، وهو الحقن بالماء المغلي ، فقد ذكر صاحب مروج الذهب 462/2 ، أن الأتراك حقنوا المعتز بماء مغلي ، فورم جوفه ، ومات . وعلي هذا ، فإن هذا الباب ، يشتمل علي فصلين اثنين :

الفصل الأول : التعذيب بالنار ، ويقسم إلي قسمين :

القسم الأول : الإحراق بالنار .

القسم الثاني : الكي بالنار .

الفصل الثاني : التعذيب بالماء المغلي، ويقسم إلي قسمين :

القسم الأول : السلق بالماء المغلي .

القسم الثاني : الحقن بالماء المغلي .

ص: 184

الفصل الأول: التعذيب بالنار

اشارة

ص: 185

ص: 186

القسم الأول: الإحراق بالنار

حرق ، ورق ، وأحرق بالنار : جعل النار تؤثر فيه أثرها المعهود .

أول من بلغنا خبر إحراقه ، عبد بني الحسحاس ، فإنه شبب بفتياتهم ، فحفروا له أخدود، وألقوه فيه ، وألقوا عليه الحطب ، فأحرقوه ( الأغاني 309/22)

أقول : اسم هذا العبد سحيم ، وكان عبدا أسود نوبيا أعجمية ، مطبوعة علي الشعر ، وهو القائل :

كفي الشيب والإسلام للمرء ناهية

وهو القائل :

أشوقا ولما تمض لي غير ليلة**** فكيف إذا جد المطي بنا شهرا

والأبيات التي دفعت بني الحسحاس الي قتله هي :

تجمعن من شتي ثلاث وأربع ****وخامسة حتي بلغن ثمانيا

وأقبلن من أقصي الخيام يعدنني**** ألا إنما بعض العوائد دائيا

فما بيضة بات الظليم يحقها****ويرفع عنها جؤجؤ، متجافي

بأحسن منها يوم قالت أظاعن****مع الركب أم باق لدينا لياليا

وهبت شمال آخر الليل قرة**** ولا درع إلأ بردها وردائيا

توشدني كفأ وتثني بمعصم**** علي وتحوي رجلها من ورائيا

فما زال بردي طيبأ من ردائها**** مدي الحول حتي أنهج البرد باليا

ص: 187

وفي السنة 38 بعث معاوية بن أبي سفيان ، إلي البصرة ، عبدالله بن الحضرمي ، يدعو أهلها إلي الانتفاض علي علي ، فبعث علي من الكوفة أعين بن ضبيعة المجاشعي ، لإخراج ابن الحضرمي من البصرة ، واقتل أصحاب أعين وأصحاب ابن الحضرمي ، فقتل أعين ، فبعث علي ، قائده جارية بن قدامة السعدي ، وهو من كبار قواده ، في خمسين رجلا من بني تميم ، فلما وصل البصرة ، تفرق عن عبدالله بن الحضرمي أكثر أنصاره، وتحضن عبدالله في دار مع سبعين رجلا من أصحابه ، فأحرق عليهم جارية الدار ، وأحرقهم فيها جميعا ( الطبري 5/ 110- 112).

وفي السنة 66 أحرق بالنار ، أحد قتلة الحسين ، عليه السلام ، وهو زيد بن رقاد الجنبي ، وكان يقول: رميت فتي من آل الحسين بسهم ، وإنه لواضع كفه علي جبهته يتقي النبل ، فأثبت كفه في جبهته ، فما استطاع أن يزيل كفه ، ثم رميته بسهم آخر ، فقتلته ، ثم جئت إليه ميتا ، فنزعت سهمي الذي قتلته به من جوفه ، أما السهم الذي في جبهته ، فلم أزل انضنضه حتي نزعته ، وبقي النصل مثبتا في جبهته ، ما قدرت علي نزعه ، وهذا الفتي القتيل عبدالله بن مسلم بن عقيل، فلما استولي المختار الثقفي علي الكوفة ، بعث قائده عبدالله بن كامل الشاكري ، فأحاط بدار زيد، وأمر رجاله فاقتحموها عليه ، فخرج عليهم مصلتا سيفه ، فقال ابن كامل : لا تضربوه بسيف ، ولا تطعنوه برمح ، ولكن ارموه بالنبل ، وارجموه بالحجارة ، ففعلوا به ذلك ، فسقط، وأخرجوه وبه رمق ، فدعا بنار ، فأحرقه بها وهو حي لم تخرج روحه ( الطبري 6/ 64- 65 وابن الأثير 243/4 وانساب الأشراف 239/5)

وفي السنة 119 خرج وزير السختياني علي خالد القسري ، في نفر ، وكان مخرجه بالحيرة ، فوجه إليه خالد قائدة من أصحابه ، فقاتلوه ، فقتل عامة أصحابه ، وأثخن بالجراح ، فأخذ مرتثا ، وأحضر أمام خالد ، فأعجب

ص: 188

خالدة ما سمع منه ، ونفس به علي الموت ، وحبسه ، فكتب إليه هشام ، يطلب منه أن يقتله ، فأمر به وبمن أسر من أصحابه ، فأخذوا إلي جامع الكوفة ، وأدخلت أطنان القصب فشدوا فيها ، ثم صب عليهم النفط ، ثم اخرجوا فنصبوا في الرحبة ، ورموا بالنيران ، فاضطربوا وجزعوا ، إلأ وزير فإنه لم يتحرك ، ولم يزل يتلو القرآن حتي مات. ( الطبري 134/7 ).

وفي السنة 119 قبض خالد بن عبدالله القسري أمير العراق ، علي المغيرة بن سعيد وبيان ، في نفر من أصحابهما، خرجوا بظهر الكوفة ، فاحضرهم في جامع الكوفة ، وأمر بأطنان قصب ( الطن هو الحزمة ) ونفط ، ثم أمر المغيرة أن يتناول طنا ، فكع عنه ، فصبت السياط علي رأسه ، فتناول طنا فاحتضنه ، فشد عليه ، ثم صب عليه وعلي الطن النفط ، ثم ألهبت فيهما النار فاحترقا ، ثم أمر الرهط ففعلوا ذلك فأحرقهم كلهم . ( الطبري 128/7 -129 وابن الأثير 208/5 ).

أقول : كان خروج المغيرة بن سعيد، في ستة نفر ، وكانوا يسمون الوصفاء ، وكان بيان قد أدعي النبوة ، وزعم إنه المراد بقوله تعالي في القرآن : هذا بيان للناس ، وبلغ خالدأ خروج هؤلاء النفر بظهر الكوفة ، وهو يخطب علي المنبر ، فتحيرو وحصر ، وقال : أطعموني ماء ، ثم بعث فأخذهم، وأمر بسريره فوضع في المسجد الجامع ، وأمر بالقصب والنفط فأحضرا ، وأحرقهم ، فقال الشاعر يعيره بالجبن : ( ابن الأثير 207/5 ۔ 208)

الأعلاج ثمانية وشيخ****كبير السن ليس بذي نصير

تقول من المخافة : أطعموني****شرابة ثم بلت علي السرير

وفي السنة 130 بعث مروان الجعدي ، عبد الملك بن محمد بن

ص: 189

عطية ، علي رأس جيش إلي المدينة ، فقاتل أبا حمزة الخارجي ، وقتله ، ثم امتد إلي اليمن ، واستخلف علي المدينة ابن أخيه واسمه الوليد بن عروة ، فكتب مروان الي عبد الملك أن يحج بالناس ، فخرج من اليمن في نفر من أصحابه ، قيل عددهم اثنا عشر رجلا، حتي نزل الجرف ، فأحاط به وبأصحابه ابنا جمانة المراديان ، وقالا لهم : أنتم لصوص ، فأراهما عهده علي الحج ، فقالا : هذا باطل ، وأنتم لصوص وقتلا عبد الملك ومن معه ، فلما أبطأ عبد الملك ، افتعل الوليد بن عروة ، ابن أخيه ، كتابا من عمه يأمره بالحج بالناس ، وحج بهم ، ولما بلغه قتل عمه ، مضي إلي الذين قتلوه ، فقتل منهم مقتلة عظيمة ، وبقر بطون نسائهم ، وقتل الصبيان ، وحرق بالنار من قدر عليه منهم ( الطبري 398/7 -411 وابن الأثير 391/5 - 392-402)

وفي السنة 161 لما أحس المقنع الثائر بالهلاك ، جمع أهله ونساءه ، وسقاهم السم ، فأتي عليهم ، ثم أمر أن يحرق هو وكل ما في قلعته من دابة وثوب ، ثم قال : من أحب أن يرتفع معي إلي السماء ، فليلق نفسه معي في هذه النار ، وألقي بنفسه مع أصحابه وخواصه في النار ، فأحترقوا ، ودخل العسكر القلعة ، فوجدوها خالية خاوية ( ابن الأثير 51/6 و52) .

وفي السنة 200 اسر جيش المأمون بالبصرة ، زيد بن موسي بن جعفر العلوي ، وكان يقال له : زيد النار ، لكثرة ما أحرق من دور بني العباس بالبصرة ، وكان إذا جيء اليه برجل من المسودة ( أتباع العباسيين ) كانت عقوبته عنده ، أن يحرقه بالنار ( الطبري 535/8 وتجارب الأمم 424/6).

وفي السنة 220 أحرق غنام المرتد بالنار ( الطبري 103/9 ).

أقول : جاء في تجارب الأمم 516/6 غنام المرثد ، بالثاء ، وأحسب أن الصحيح ما ورد في الطبري ، ولم أعثر علي أخبار له في بقية التواريخ ، وأحسبه أحرق لأنه أرتد عن الإسلام .

ص: 190

وفي السنة 276 أمر أحمد بن طولون ، صاحب مصر والشام ، بحبس كاتبه احمد بن حنون الفديدي ، كاتبه ، علي ذنب كان منه ، فكتب إليه من الحبس رسالة يسأله العفو، وكتب في فصل منها: وانقياد مثلي - أعز الله الأمير - إنقياد من دحضت حجته ، وأوبقه جرمه ، فالحظني بعين عفوك ، واعطف علي بنشر نعمتك ، فإنك للفضل والطول أهل .

هبني أسأت فأين العفو والكرم**** إن قادني نحوك الإذعان والندم

بالغت في السخط فاغفر غفر مقتدر**** إن الملوك إذا ما استرحموا رحموا

فلما قرأ رسالته ، قال : يكتب إلي « هبني أسأت ، وقد أساء ، والله ، لو كتب و إني أسأت ، لعفوت عنه ، وأطلقت سبيله ، ثم أمر به فجعل في تابوت ، وأحرقه بالنار وهو حي ( العيون والحدائق 120/4 -121).

وفي السنة 280 قبض المعتضد علي محمد بن الحسن بن سهل ، الملقب : شيلمة ، وكان قد اتهم بأنه يسعي لبيعة خليفة من أولاد الواثق ، فصدقه عن المؤامرة ، ولكنه لم يبح باسم من أرادوا بيعته ، فاجتهد به ، وألح ، فقال له : والله ، لو جعلتني كردناكا ( شاورما ) لم أخبرك باسمه ، فقال المعتضد للفراشين : هاتم أعمدة الخيم الكبار الثقال ، وأمر أن يشد عليها شدأ وثيقة ، وأحضر فحم كثيرة فرش علي الطوابيق بحضرته ، وأججوا نارا ، وجعل الفراشون يقلبون شيلمة علي النار ، وهو مشدود علي الأعمدة ، حتي انشوي ومات ، راجع تفصيل القصة في كتاب نشوار المحاضرة للقاضي التنوخي حاص 146 رقم القصة 73/1 وراجع الطبري 32/10 وابن الأثير 461/7 ومروج الذهب 504/2 ).

وفي السنة 312 ظهر في سطح دار للسيدة ( أم المقتدر ) كان المقتدر يقيم بها في بعض الأوقات ، إنسان أعجمي ، وعليه ثياب فاخرة ، وتحتها مما

ص: 191

يلي بدنه قميص صوف ، وكان قد دخل مع الصناع ، فبقي هناك ، ثم عطش ، فخرج ليشرب ، فأخذ ، فأحضر عند الوزير ابن الفرات ، فسأله عن حاله ، فقال : لا أخبر إلأ صاحب الدار ، فرفق به الوزير ، فلم يخبره بشيء ، فضربوه ضربا عنيفا ، فأخذ يكرر بالفارسية ، كلمة واحدة : ندانم ، معناه : لا أدري ، فأمر به الوزير ، فصلب ، ولفت عليه حبل من قنب ومشاقة، ولطخ بالنفط ، وضرب بالنار ، فاحترق ( ابن الأثير 149/8 وتجارب الأمم 118/1 والمنتظم 187/6 - 188).

وفي السنة 317 كان الأمير نصر بن احمد الساماني ، قد حبس اخوته يحيي ومنصور وإبراهيم ، في القهندز ببخاري ، فاحتال أبو بكر الخباز ، وكان خبازا ببخاري ، فأخرج من القهندز الأمراء المسجونين ، وأخرج معهم جميع من كان مسجونا فيه من العلويين ، والديلم ، والعيارين ، فاجتمعوا ونهبوا خزائن الأمير نصر بن أحمد ، ودوره ، وقصوره ، واخت يحيي أبا بكر الخباز ، وقدمه ، وقوده ، فقصدهم الأمير نصر من نيسابور بريد بخاري، وأسر في طريقه أبا بكر الخباز ، فأخذه إلي بخاري ، وبالغ في تعذيبه ، ثم ألقاه في التنور الذي كان يخبز فيه ، فاحترق ( ابن الأثير 210-208/8 ).

وفي السنة 318 أحرق صاحب الشرطة ببغداد ، منازل الجند السودان ، فأحترق فيها جماعة كثيرة منهم ، ومن أولادهم ونسائهم ، وسبب ذلك إن الرجالة المصافية ببغداد ، لما عاد المقتدر إلي الخلافة عودته الثانية ، كثر إدلالهم عليه ، لأنهم كانوا السبب في عودته للخلافة، وزاد شغبهم ، ومطالباتهم ، وأصطدموا بالفرسان ، فقتلوا من الفرسان جماعة ، فأمر المقتدر صاحب الشرطة فطرد الرجالة عن دار المقتدر ، ونودي فيهم بأن يخرجوا عن بغداد ، وظفر بجماعة منهم بعد النداء ، فأمر بهم فضربوا ، وحلقت لحاهم وشهر بهم ، فهاج السودان تعصبا للرجالة ، فركب صاحب الشرطة ، وأوقع بهم ، وأحرق منازلهم ، فأحترق فيها جماعة كثيرة منهم ، ومن أولادهم ،

ص: 192

ونسائهم ، فخرجوا إلي واسط واستولوا عليها ، وطردوا عامل السلطان ، فسار إليهم مؤنس ، فأوقع بهم ، ولم تقم لهم بعدها راية ( ابن الأثير 318/8 و319) .

وفي السنة 322 ظهر أبو جعفر محمد بن علي الشلمغاني ، المعروف بابن أبي العزاقر ، وذكروا إنه أنشأ دينا جديدة ، وصار له أتباع ، فأفتي الفقهاء بإباحة دمه ، فصلب ، وصلب معه ابن أبي عون ، صاحب كتاب التشبيهات ، ثم أحرقا بالنار، راجع التفصيل في ابن الأثير 290/8 - 294 وفي وفيات الأعيان 156/2 وفي هذا الكتاب : الباب الثالث ، الفصل الثاني : الصفع.

وفي السنة 334 حصل قحط وغلاء شديد في بغداد ونواحيها ، وعثروا علي امرأة قد شوت ولدها وجلست تأكله ، وقال التنوخي : أخبرني عدة من أهل بغداد إن هذا جري عندهم ، وإنهم شاهدوه ، واختلفت أقوالهم ، فمنهم من قال : إن امرأة شوت إبنة لجارة لها ، ومنهم من قال : إنها شوت إبنأ لها ، ومنهم من قال : إبنة جارتها، راجع كتاب نشوار المحاضرة للتنوخي ، تحقيق المؤلف ج1 ص 351 رقم القصة 188 .

وفي السنة 404 أمر الحاكم الفاطمي بإحراق امرأة ، فلفت في بارية ، وأحرقت ( أخبار القضاة 606 و607).

وفي السنة 407 جري قتل الشيعة بجميع بلاد إفريقية، وأحرق قسم منهم بالنار ، راجع السبب في الباب الحادي عشر من هذا الكتاب : القتل ، الفصل الأول : القتل بالسيف ، القسم الأول : القتل فتكأ .

وفي السنة 413 عمد أحد الحجاج المصريين إلي الحجر الأسود ، فضربه بدبوس ، وصاح : إلي متي يعبد هذا الحجر ؟ فتبادر إليه الناس فقتلوه ، وقطعوه ، وأحرقوه بالنار ، وقتلوا جماعة ممن أتهم بمصاحبته ، وأحرقوهم بالنار ( المنتظم 9/8).

ص: 193

وفي السنة 488 تغلب السيد القنبيطور ( رودريق الطاغية) علي بلنسية ، فأحرق قاضيها أبا أحمد بن حجاف ( نفح الطيب 4/ 455 ) كما أحرق أبا جعفر أحمد بن عبد الولي البلنسي ( نفح الطيب 21/4 و456 ).

وفي السنة 490 فتح الصليبيون القدس ، فجمعوا اليهود في الكنيس ، وأحرقوهم ( خطط الشام 282/1 ) .

أقول : ذكر ابن الأثير 282/10 إن فتح بيت المقدس حصل في السنة 492 وإنهم قتلوا بالمسجد الأقصي ما يزيد علي سبعين ألفا ، منهم جماعة كثيرة من أئمة المسلمين ، وعلمائهم ، وعبادهم ، وزهادهم ، ممن فارق وطنه وجاور بذلك الموضع الشريف .

وذكر صاحب كتاب علاقات بين الشرق والغرب 71: إن الصليبيين آستولوا في السنة 1099 م علي بيت المقدس ، وقاموا بمذبحة « خاض فيها رجالهم بالدماء إلي الركبه واندفعوا يذبحون كل من رأوه ، حتي الذين استسلموا وأسروا ، وجمعوا اليهود في معبدهم ، ثم أحرقوا المعبد ، وأحرقوهم في داخله .

وفي السنة 494 ثار الناس بأصبهان ، ضد المتهمين بالباطنية ، وأخذ قوم اتهموا بهذه النحلة ، وتجرد أبو القاسم مسعود بن محمد الخجندي ، الفقيه الشافعي ، لعقوبتهم ، وأمر بحفر أخاديد ، وأوقد فيها النيران ، وجعل العامة يأتون بالمتهمين بهذه النحلة ، أفواجأ ومنفردين ، فيلقون في النار ، وجعلوا علي أخاديد النار ، إنسانا، وسموه مالكا اسم خازن جهنم ، فقتلوا منهم خلقا كثيرة . ( ابن الأثير 315/10 ).

وفي السنة 514 هاجم الكرج والقفجاق ، مدينة تفليس ، فخرج إليهم 104)

ص: 194

وفي السنة 548 اتهم روجر الصقلي ، أحد قواده واسمه فليب المهدوي ، بأنه قد أسلم ، وأنه يتظاهر بالنصرانية ، فجمع له مجلس من الاساقفة والقسوس والفرسان ، فحكموا عليه بأن يحرق ، فأحرق . ( ابن الأثير 187/11 ).

وذكر ابن الأبار ، في تحفة القادم ، أن ابراهيم بن أحمد بن همشك (ت 572 ) كان قد ملك في الفتنة جيان ، وشقورة ، وكثيرا من أعمال غرب الأندلس ، كان يعذب الناس بإحراقهم ، وبرميهم بالمجانيق ، ودهنهتهم كالحجارة من أعالي النيق ( الوافي بالوفيات 214/1 ) .

وفي الاعلام 5/10 : إن إبراهيم هذا كانت إحدي أذنيه مقطوعة ، فكان الأسبان إذا رأوه في المعركة عرفوه من أذنه المقطوعة ، وقالوا بالأسبانية : همشك ، أي المقطوع الأذن ، راجع بقية التفاصيل في هذا الكتاب في الباب السادس عشر : القتل بصنوف العذاب ، الفصل الثامن : القتل بالطرح من شاهق .

وفي السنة 579 فر أبو الحسن المالقي المغربي ، من السلطان أبي يعقوب الموحدي ، إلي ملك الروم ، فأكرمه الملك وأحسن نزله ، ثم عثر علي كتاب منه إلي المسلمين بالمغرب ، يدلهم فيه علي عورات الروم ، فأحضره ، فأقر بأنه كتب الكتاب ، وقال له : ليس يمنعني برك بي وإكرامك لي من النصح لأهل ديني ، فشاور الملك قسيسيه ، فأشاروا عليه بإحراقه ، فأحرقه . ( المعجب للمراكشي : 334/333 ).

وفي السنة 571 وقعت حرب بمكة بين أمير الحاج العراقي، والأمير مكثر أمير مكة ، ومن أعجب ما جري فيها إن إنسانا زراقأ ، ضرب دارة بقارورة نفط ، فأحرقها ، وكانت الأيتام ، ثم أخذ قارورة أخري ليضرب بها مكان آخر ، فأتاه حجر ، فأصاب القارورة فكسرها ، فأحترق هو بها ، وبقي ثلاثة أيام ، يعاني عذاب الحريق ثم مات ( ابن الأثير 432/11 ) .

ص: 195

وفي السنة 597 حصل قحط عظيم بمصر ، صف فيه عبد اللطيف البغدادي كتابة ، وذكر فيه : أن الحال وصل بالناس إنهم كانوا يأكلون الصغار ، فكان السلطان يأمر باحراق الفاعل ، وذكر أنه رأي صبيا مشوية في ققة ، وقد أحضر ألي دار السلطان ومعه رجل وامرأة ، وزعم الناس انهما أبواه ، فأمر بإحراقهما ، وذكر كذلك أنه رأي امرأة في السوق ومعها صغير مشوي وهي تأكل منه وأهل السوق ذاهلون عنها ، مقبلون علي أشغالهم ، ولم ير فيهم من يعجب من فعلها ، ورأي قبل ذلك صبيا مراهقأ مشويا ، وقد أخذ به شابان أقرا بقتله ، وشيه ، وأكل بعضه ، وفي بعض الليالي بعد صلاة المغرب ، كان مع جارية ، فطيم تلاعبه لبعض المياسير ، فبينما هو إلي جانبها طلبت غفلتها صعلوكة ، فبقرت بطنه ، وجعلت تأكل منه نيئا ، وأحرق في مصر من النساء خاصة بسبب قتل الصغار وأكلهم في أيام يسيرة آلاف النساء ، ورأي امرأة أحضرت إلي الوالي وفي عنقها طفل ، فضربت أكثر من مائتي سوط علي أن تقر ، فلم تحر جوابأ ، ثم سحبت فماتت علي المكان ، وكان إذا أحرق آكل ، أصبح مأكو" ، وحكي له رجل إنه دخل دار صديق له ، فوجد عنده خزانة مشحونة برمم الآدميين ، واحتيل علي بعض الأطباء ، كانوا يأخذونهم بحجة تمريض مريض ، فيقتلون . ( الجامع المختصر 48 - 50)

وفي السنة 604 قتل رجلان، من رجال البدرية الشريفة في دار الخلافة ببغداد إسم أحدهما براها، والأخر عليك ، أحد النقباء بباب الشحنة ، ويعرف بابن حسان ، إذ لقياه في محلة المأمونية ، وهو علي فرس ، فنكسه أحدهما ، وطعنه الثاني بسكين ، ففر من يديهما، ودخل دارا ، وأغلق بابها ، وصعد إلي سطحها، فتسور عليه جماعة من العوام ، وألقوه من السطح علي رأسه ، وشدوا في رجله حب، وسحبوه وهو حي ، وحملوه إلي دجلة ، وألقوه فيها ، ثم أخرجوه فأحرقوه ( الجامع المختصر 227)

ص: 196

وفي السنة 605 لما قتل سنجر شاه ، وخلفه ولده محمود ، اتهم بعض سراري أبيه ، بأنهن تأمرن مع القاتل ، فأحرقهن بالنار ، كان يأخذ الجارية ، فيجعل وجهها في النار ، فإذا احترق ، ألقاها في دجلة . ( ابن الأثير 281/12)

وفي السنة 615 خرج كيكاوس بن كيخسرو ، ملك الروم ، بجيشه يريد الاستيلاء علي حلب ، وحصرتل باشر ، واستولي عليها ، ووضع فيها جندة ، ثم تقدم بريد منبج ، فتصدي له الأشرف بن العادل ، وحاربه ، فانهزم كيكاوس ، وحصر الاشرف تل باشر ، وأنزل أصحاب كيكاوس من القلعة بالأمان ، وأطلقهم ، فلما وصلوا إلي كيكاوس ، اتهمهم بالتقصير ، وسلق جماعة منهم في القدور ، وجعل آخرين في دار وأحرقها وهم فيها ( ابن الأثير 349/12 والنجوم الزاهرة 224/6 ).

ومن ألوان العذاب العجيبة ، ما صنعه جنكيز خان ، بإينال خان ، ابن خال خوارزم شاه علاء الدين ، وذلك بأن أذاب الفضة ، وصبها في عيني إينال خان وأذنيه ، وسبب ذلك : إن جنكيز خان ، بعث في السنة 616 إلي خوارزم شاه بهدية من نقرة المعدنين ( أي الذهب والفضة ) ونوافج المسك ، وحجر اليشم ، والثياب الخطائية المنسوجة من وبر الإبل البيض ، وطلب منه الموادعة ، والإذن للتجار بالتردد بمتاجرهم من الجانبين ، وكان في خطابه إطراء للسلطان خوارزم شاه ، بأنه مثل أعز أولاده ، فامتعض خوارزم شاه من هذا الوصف ، ولكنه صرف الرسل بما طلبوا من الموادعة والأذن للتجار ، وعلي أثر ذلك ، وصل بعض التجار من بلادهم إلي مدينة اطرار، وهي آخر ولاية بحكم خوارزم شاه ، وبها نائب عنه ، اسمه إينال خان ، ابن خال السلطان ، فطمع إينال خال في الأموال التي كانت مع التجار، فاعتقلهم ، وكتب إلي السلطان خوارزم شاه ، بأنهم عيون ( جواسيس ) وليسوا بتجار ، ثم أخذ أموالهم وقتلهم ، وبلغ ذلك جنكيز خان ، فكتب إلي خوارزم شاه ، بنكر

ص: 197

عليه قتلهم ، وسلب أموالهم ، وقال في كتابه، إن كان هذا صنع إينال خان ، فأبعث به إلي ، فغضب خوارزم شاه ، وقتل الرسل، فهاج هائج جنكيز خان ، وسار في عساكره ، فاحتل أطرار أولا ، وأمسك إينال خان ، وأذاب الفضة ، وصبها في عينيه وأذنيه ، ثم اجتاح بلاد المسلمين ، وفعل فيها الأفاعيل ( ابن خلدون 518/5 و 519 ).

وفي السنة 687 في رمضان ، وجد عند بدر بن النفيس النصراني الكاتب ، امرأة مسلمة ، وجماعة ، وهم يشربون الخمر ، فأمر الأمير حسام الدين لاجين نائب السلطنة ، بأن يحرق النصراني ، فأضرمت له نار بسوق الخيل ، وألقي فيها ، وأما المرأة فقطع بعض أنفها ، ثم أطلقت (تاريخ ابن الفرات 71/8 ).

وفي السنة 721 كثرت الحرائق بالقاهرة ، واتهم جماعة ، بإحداثها ، فأخذ منهم أربعة ، وأحرقوا بشارع صليبة جامع ابن طولون ، في يوم الجمعة ، وأجتمع لمشاهدتهم عالم عظيم ، ثم أحرق اثنان آخران . ( خطط المقريزي 515/2 ).

وفي السنة 735 غزا عسكر حلب ، الأرمن في مدينة سيس وأذنه وطرسوس ، وغنموا ، وأسروا ، فلما علم أر من مدينة إياس بذلك ، أحاطوا بمن عندهم من المسلمين ، وكانوا نحوا من ألفين ، من تجار وغيرهم ، وحبسوهم في خان ، ثم أحرقوه عليهم ( خطط الشام 148/2 ).

وذكر ابن بطوطة ، إنه لما كان بالهند ، حصلت فيها مجاعة عظيمة ، فأخذ خمسمائة نفس ، عمر لهم سقائف في داره ، وأسكنهم فيها ، وكان يعطيهم نفقة كل خمسة أيام مرة ، فجاءوه بامرأة قالوا إنها «كفتار ، أي ساحرة ، وإنها أكلت قلب صبي كان إلي جانبها ، وأتوا بالصبي ميتأ، فأرسلها إلي نائب السلطان ، فأمر باختبارها ، وذلك بأن ملأوا أربع جرات

ص: 198

ماء ، وربطوها بيديها ورجليها ، وطرحوها في نهر الجون ، فلم تغرق ، فعلم إنها كفتار ، ولو لم تطف علي الماء ، لم تكن بكفتار، فأمر بإحراقها بالنار ، وجاء أهل البلد ، رجالا ونساء ، فأخذوا من رمادها ، ويزعمون أن من تبخر به أمن في تلك السنة من سحر الكفتار (مهذب رحلة ابن بطوطة 165/2 - 166)

أقول : وهكذا ذهبت هذه المسكينة ضحية الجهل والقسوة .

وفي السنة 768 رسم السلطان بالقاهرة بتعذيب الصاحب فخر الدين بن قروينة لاستخراج ما عليه من الأموال المقررة ، فضرب غير ما مرة بالمقارع، ولفت أصابعه اليمني بالمشاق ، وغمست في الزيت ، ثم أشعلت بالنار ، حتي أحترقت يده كلها، واستمر يعاقب حتي مات تحت العقوبة . ( بدائع الزهور 55/2/1 و64 ) .

وفي السنة 795 اجتمع بالقدس أربعة رهبان ، دعوا الفقهاء المناظرتهم ، فلما اجتمعوا جهروا بالسوء من القول ، وصرحوا بذم الإسلام ، فثار الناس عليهم ، فأحرقوهم ( شذرات الذهب 337/6 ).

ولما استولي تيمورلنك علي بغداد في السنة 795 فرض علي الناس في بغداد ، مال الأمان ، وعذبهم علي أدائه ، وكان يشوي الناس علي النار كما يشوي طائر الأوز أو طائر الدجاج ( تاريخ الغياثي ص 113 حاشية ونزهة النفوس ص 366) .

وذكروا أن تيمورلنك ، لما فتح دمشق في السنة 803 تنوق زبانيته في تعذيب أهليها ، فكان أحدهم يشد رأس الرجل بحبل قنب ، ثم يلويه ليا عنيفة حتي يغوص الحبل في رأسه ، ثم يؤخذ من تحت أبطيه ، وتربط إبهام يديه من وراء ظهره ، ثم يلقي علي ظهره ، ويغم بخرقة فيها رماد سخن ، ويعلق من إبهام رجليه في سقف الدار ، ثم توقد تحته النار حتي يموت ، أو يسقط من الحبل في النار ( بدائع الزهور 334/1 ).

ص: 199

وفي السنة 813 أمر شاه محمد بن قرايوسف ، في بغداد بأحراق شاب سعي بأبيه ، وتفصيل ذلك ، إن شاه محمد بن قرايوسف ، لما دخل ببغداد ، قصده ابن الشيخ أحمد السهروردي ، وسعي بأبيه ، وقال عنه أنه يزعم بأن السلطان أحمد - خصم قرايوسف - ما زال حيا ، فأمر شاه محمد، بأحضار الشيخ أحمد ، فأحضر ، وسأله ، فأنكر ، فبهته إبنه ، وأصر علي السعي بأبيه ، فقال له شاه محمد : إن كنت صادقة ، فخذ هذا السيف وأقتل به أباك ، فأخذ السيف ، وقطع عنق أبيه ، فأمر شاه محمد بالولد ، فأحرق ( التاريخ الغياثي 247) .

وكان من جملة ما ارتكبه الأمير يشبك الدوادار في السنة 874 في صعيد مصر من المظالم أن شوي بالنار شيخ بني عدي . ( بدائع الزهور 116/2 ).

وفي السنة 896 وقعت فتنة عظيمة في حلب ، بين الأمير نائب السلطان فيها وبين أهلها ، وقتل في الفتنة من مماليك النائب سبعة عشر مملوكا ، وقتل من أهل حلب نحو الخمسين ، وأحرق أهل حلب جماعة من حاشية النائب بالنار (اعلام النبلاء 3/ 104).

وكان من جملة ما عذب به السلطان الغوري ، القاضي بدر الدين بن مزهر ، كاتب أسرار القاهرة ، في السنة 916 أن أمر به فلفت القصب والمشاق علي يديه ، فاحترقتا ، ومات تحت العذاب . ( شذرات الذهب 74/8 ) .

وفي السنة 942 أحرق القاضي شمس الدين محمد بن يوسف الدمشقي الحنفي ، وأحرق معه رفيق له يقال له حسين البقسماطي ، وكان سبب إحراقهما ، ما ثبت عند قاضي دمشق « إنهما رافضيان ، فربطت رقابهما ، وأيديهما، وأرجلهما، في أوتاد ، وألقي عليهما القنب ، والبواري ، والحطب ، ثم أطلقت النار عليهما ، حتي صارا رمادا ، ثم ألقي رمادهما في

ص: 200

بردي ، وسئل الشيخ قطب الدين بن سلطان ، مفتي الحنفية عن قتلهما، فقال : لا يجوز في الشرع ، بل يستتابان ( شذرات الذهب 249/8 و 250 ).

ومما اتفق للشيخ أحمد بن محمد، المشهور بابن حماره ، المتوقي سنة 953، إنه كان يعظ بالجامع الأموي بحلب ، إذ طلع إليه شخص شيعي ، متحريا قتله ، فتمكن أهل السنة منه ، وحملوه الي كافل حلب خسرو باشا ، فأمر بقتله ، فأخذه الناس ، وألقوه في النار حية ، « وكان يوما مشهود سر به أهل السنة » ( اعلام النبلاء 551/5 ) .

وفي السنة 1019 توفي الأمير حسن بن محمد، المعروف بابن الأعوج، أمير حماة ، ومن غريب ما اتفق له ، إنه كان من أقربائه شاب اسمه الأمير يحيي ، بارع الجمال ، وكان الأمير حسن يحبه بمنزلة ولده ، وعين له معلمة من طلبة العلم ، يقرئه العلم ، والأدب ، فواظب علي تعليمه زمنأ ، وحدث أن بني الأمير حسن دارأ عظيمة ، ودعا أعيان البلدة إليها بعد أن فرشها ، وكان الأمير يحيي من جملة المدعوين ، وسهر المدعوون قريبة من الثلث الأخير لليل ، وعاد الأمير يحيي فنام مستغرقا ، وفي الصباح جاء الفقيه إلي يحيي ، وطلب من الجارية أن توقظ الأمير يحيي للدرس ، فقالت له : إن الأمير سهر ليلا ، وهو الآن نائم ، واليوم الجمعة لم تجر العادة فيه بالدرس ، فقال لها الفقيه إن لي حاجة مهمة ، أريد أن توقظيه ، فأيقظته ، فخرج مسرعا اللقاء الفقيه ، فما كان من الفقيه إلا أن جرد سكينا ، وطرح الأمير علي الأرض ، وذبحه ، وخرج من الدار هاربا ، ففطنت الجارية لما حصل، وصاحت، واستغاثت ، فلحق الناس بالفقيه ، وأرادوا إمساكه ، فقاتل قتا شديدا ، وقتل ثلاثة رجال ، ثم ضربه رجل بحجر كبير في ظهره ، فسقط ، فأمسكوا به ، وأحضروه بين يدي الأمير حسن ، فسأله عن سبب قتله الأمير ، فلم ينطق بحرف ، فأمر بإحراقه ، فجمعوا له حطبأ ، وأوقدوه ، ثم ألقوه في

ص: 201

النار ، فاحترق ، والذي يظهر إن قتله له كان عن ولوع وهيام به، ورأي أنه إذا قتله تخلص مما هو فيه من المشقة لأنه يقتل به فيستريح ( خلاصة الاثر 48/2 و49) .

وفي السنة 1028 حدثت ببغداد فتنة بين بكر اغا رئيس الشرطة ببغداد ، وبين رئيس العزب ، والتجأ الأخير إلي الوالي فحماه ، وتحصن في القلعة ، وحاصره بكر اغا ، وأستسلم رئيس العزب بعد أن أمنه بكر اغا ، ثم غدر به ، فأمر به وبولديه ، فربطوا بالسلاسل، ووضعوا في زورق ، وصب عليهم النفط ، وأضرمت فيهم النار ، والزورق منحدر في دجلة ، حتي ماتوا جميعا محترفين ( مختصر تاريخ بغداد لعلي ظريف الأعظمي 179 - 181 ).

وروي صاحب الاثر 382/1 - 384 و455 قصة مقتل بكر الصوباشي فقال : في السنة 1032 قتل بكر البغدادي هو وأخوه عمر ، وكان بكر رومي الأصل سكن بغداد ، وصار من أكابر عساكرها ، وتغلب علي الأمور فيها ، حتي صار حكم الوزير الذي نصبه السلطان لا ينفذ إلا إذا وافق بكر علي إنفاذه ، وأراد الوزير يوسف باشا ، والي بغداد اعتقاله ، فتحصن بالقلعة ، وأنحاز معه أكثر عساكر بغداد ، واشتبك الطرفان في معركة ومراماة ، فانطلقت مكحلة من جانب عسكر بكر ، أصابت الوزير فقتلته، وأعلن بكر نفسه حاكما لبغداد ، وبعث إلي دار السلطنة ، يطلب نصبه واليأ علي بغداد ، فلم يجب إلي ذلك ، ونصب السلطان أحمد باشا الحافظ ، واليأ لبغداد وسردارا ، فلما بلغ بكرا الخبر ، كاتب الشاه عباس ، شاه العجم ، وطلب منه موافاة بغداد ليسلمها إليه علي أن ينصبه نائبا عنه ، فلما وافي أحمد باشا بغداد وحصرها ، حضر الشاه عباس بعسكره يريد بغداد ، فاضطر أحمد باشا الي نصب بكر واليأ علي بغداد ، وسلم إليه الإرادة السلطانية بذلك ، وانسحب بجيشه بريد دياربكر ، فلما وصل الشاه إلي بغداد ، امتنع بكر من تسليمها إليه ، فحصره ، وشدد في حصاره ، وكانت قلعة بغداد في عهدة

ص: 202

محمد علي بن بكر ، فلما رأي شدة الحصار آستسلم للشاه عباس ، وأدخل عساكر الشاه إلي القلعة ليلا ، فأستولي الشاه علي البلد نهارة ، وإعتقل بكرة وقتله شر قتله ، وقبض علي عمر أخي بكر ، ووضعه في سفينة ، وألقي فيها النفط والقار والنار ، فأحرقه ، ثم قتل الملا علي ، وقاضي بغداد ، والسيد محمد نائب المحكمة ( خلاصة الأثر 382/1 - 384) .

أقول : وصف تاريخ العراق للعزاوي 165/4 - 181 كبقية قتل بكر الصوباشي وأخيه عمر ، فإنهما وضعا في قفص من الحديد، وسوهرا لمدة سبعة أيام ، وكويا بالنار ، ثم وضعا في سفينة ، وأحيطا بالنفط والقار ، ثم أشعلت النار في السفينة حتي أحترقا .

وفي السنة 1215 قتل سليمان الحلبي ، الجنرال كليبر ، قائد الجيش الفرنسي بمصر ، فحكمت عليه المحكمة بإحراق يده اليمني ، ثم قتل بإقعاده علي الخازوق ( تاريخ الجبرتي 389/2 ) .

وأحس الإنكشارية من السلطان محمود العثماني (حكم 1223 - 1255) ووزيره مصطفي البير قدار ، رغبة وسعية في نزع سلطانهم ، وإنشاء جيش حديث ، فهجم في السنة 1223 أغا الإنكشارية علي دار الوزير مصطفي البيرقدار وأحرقوه بما فيه من رجال ونساء وأطفال ، وكان الوزير من جملة من احترق ( اعيان القرن الثالث عشر 104).

وروي الحاج الزهار الجزائري في مذكراته ( ص 111 و112 ) إن الحاج علي باشا، أمير الجزائر (1224 - 1230) اتهم جماعة من يهود الجزائر بأنهم أكلوا أموال الناس ، فأمر بهم فأحرقوا ، وألزم أقرباءهم بسداد تلك الأموال .

وفي السنة 1247 فرض الوزير محمد سليم باشا والي دمشق ، علي الأهالي ، ضريبة الصليان ، فثار عليه الشاميون ، وحصروه في القلعة ،

ص: 203

فأستسلم ، وفتح لهم أبواب القلعة ، وخرج ومعه مائة وسبعة نفر من حاشيته ، فأخذوه إلي دار محمد باشا العظم ، ثم نقلوه الي بيت الكيلاني بالعصرونية ، ثم أحضروا كخيته ، وخاله من بيت المفتي ، وفي الليل قتلوا الكخية ، والخال ، والقابجي ، والسلحدار ، والخزندار ، والمهردار ، وهاجموا الوالي ، فأغلق عليه باب حجرته ، وقاومهم ، وكان معه مملوك وطواشي ، كانا ( يدكان ) له البنادق ، وهو يقوس ( يرمي ) بها، فنقبوا عليه سقف الحجرة ، وأحرقوا بابها ، فلحق الحريق به ، وأحرقت النار لحيته وشاربه ، و ( تشلوط ) كل بدنه ، ومات ، ثم قتلوا المملوك والطواشي ( مذكرات تاريخية 29 و 30).

وذكر الجبرتي في تاريخه 417/3 إن ابراهيم بن محمد علي (ت 1264)، عذب أناسا بالصعيد بأن شدهم علي أعمدة وشواهم بالنار . ( الجبرتي 417/3 ) .

ص: 204

القسم الثاني: الكي بالنار

كان التعذيب بالكي بالنار شائع الحدوث، وقد مارسه مشركو قريش التعذيب الذين سبقوا بالإسلام .

وكان مشركو قريش يأخذون ياسرة ، والدعمار، وسمية أم عمار ، وابنيهما، وبلا ، وصهيب، وخبابا، فيلبسونهم أدراع الحديد، ويصهرونهم في الشمس ، حتي بلغ الجهد منهم كل مبلغ ( شرح نهج البلاغة37/20)

وكان خباب بن الأرت ، يعري ، ويلصق ظهره بالرمضاء ، ثم بالرضف ، وهي الحجارة المحماة بالنار ، ويلوي رأسه ( ابن الأثير 68/2 ) وكان خباب يقول : أوقدوا لي نارة ، وسحبت عليها ، فما أطفأها إلا ودك ظهري ( شرح نهج البلاغة 172/18 ).

وكان أمية بن خلف الجمحي ، يلقي بلاط الحبشي في الرمضاء علي وجهه وظهره ، ثم يأمر بالصخرة العظيمة فتلقي علي صدره ( ابن الأثير 66/2والأغاني 120/3 ).

وفي السنة 35 قدم ملك الروم قسطنطين بن هرقل، في جمع من جنده ، بطريق البحر ، يريد أرض المسلمين، فأصابهم نوء في البحر

ص: 205

فأغرقهم ، ونجا قسطنطين، فأتي صقلية ، فأحموا له حماما ، وأدخلوه فيه فقتلوه ( الطبري 441/4 ).

وأخذ محمد بن هشام المخزومي ، أمير مكة لهشام بن عبد الملك ، العرجي والحصين الحميري، فجلدهما، وصب علي رأسيهما الزيت ، وأقامهما في الشمس علي البلس في الحناطين بمكة ( الأغاني 411/1 ).

أقول : العرجي ، لقب لقب به عبدالله بن عمر بن عمرو بن عثمان بن عفان ، لأنه كان يسكن العرج ، عرج الطائف ، وكان من شعراء قريش ، صاحب غزل وفتوة ، مشغولا بالصيد واللهو، وكان فارسا معدودة ، وله مواقف مشهورة مع مسلمة بن عبد الملك في غزو الروم ، باع أموالا عظاما له وأنفق ثمنها في إطعام الطعام في تلك الغزوة ، وكان قد اتخذ غلامين ، فإذا كان الليل نصب قدره، وقام الغلامان يوقدان فإذا نام أحدهما قام الأخر، فلا يزالان كذلك حتي الصباح ، يقول : لعل طارقا يطرق ، وأصابت الناس مع مسلمة في غزو الروم مجاعة ، فقال العرجي للتجار : أعطوا الناس ، وعلي ما تعطون ، فلم يزل يطعمهم حتي أخصبوا ، فبلغ ثمن ذلك عشرين ألف دينار ، التزم بها العرجي، وبلغ الخبر عمر بن عبدالعزيز، فقال : بيت المال أحق بهذا ، وقضي التجار من بيت المال ، وكان العرجي قد شبب بأم محمد بن هشام المخزومي، عامل مكة ، فقال فيها :

عوجي علينا ربة الهودج****إنك إن لا تفعلي تحرجي

نلبث حولا كاملا كله ****لانلتقي إلا علي منهج

في الحج إن حجت وماذا مني**** وأهله إن هي لم تحجج

وقال فيها :

أماطت كساء الخزعن حر وجهها ****وأرخت علي المتنين برد مهلهلا

من اللاء لم يحججن يبغين سبة**** ولكن ليقتلن البريء المغقلا

ص: 206

وشبب بزوجة محمد ، جبرة المخزومية ، فقال :

عوجي علي فسلمي جبر**** فيم الصدود وأنتم سفر

مانلتقي إلا ثلاث مني**** حتي يفرق بيننا الدهر

وكان محمد بن هشام تياها جبارة ، فلم يزل يتطلب عليه العلل ، حتي أخذه ، فحبسه ، وقيده ، وأقامه علي البلس للناس ، وأبقاه في حبسه نحو من تسع سنين حتي مات في الحبس، ومن جملة ما قاله في حبسه ، وهو من عيون الشعر :

أضاعوني وأي فتي أضاعوا ****ليوم كريهة وسداد ثغر

وصبر عند معترك المنايا ****وقد شرعت أسنتها بنحري

أجور في الجوامع كل يوم**** فيالله مظلمتي وصبري

كأني لم أكن فيهم وسيطأ ****ولم تك نسبتي في آل عمرو

فلما مات هشام بن عبد الملك ، وخلفه الوليد بن يزيد ، وكان مضطغنا علي هشام وعلي عماله ، قبض علي محمد بن هشام، وعلي أخيه إبراهيم بن هشام ، فحملا إليه إلي الشام ، فضربهما ضربا مبرحا ، وبعث بهما إلي يوسف بن عمر الثقفي عامله علي العراق مثقلين بالحديد، وكتب إليه : احبسهما مع ابن النصرانية ، يعني خالد القسري ، عامل هشام علي العراق ، ونفسك نفسك إن عاش أحد منهم ، راجع تفصيل ما حل بهما من العذاب ، في موضعه من هذا الكتاب .

ولما قتل مروان بن محمد ، آخر الحكام الأمويين ، طلب كاتبه عبد الحميد بن يحيي ، فلجأ إلي ابن المقفع ، وكان صديقا له ، ففاجأهما الطلب ، وهما في بيت ، فقال الذين دخلوا عليهما : أيكما عبد الحميد ؟ فقال كل واحد منهما : أنا هو، خوفا من أن ينال صاحبه مكروه ، وخشي عبد الحميد أن يسرعوا إلي ابن المقفع بمكروه ، فقال لهم : تثبتوا، فإن في عبد الحميد علامات يعرف بها ، فأرسلوا إلي مرسلكم من يستوصفها منه ، فأينا

ص: 207

وجدتموها فيه فخذوه ، ففعلوا ، فوصف لهم عبد الحميد بعلامات ، فأخذ ، وحمل إلي السفاح ، فولي عقوبته عبد الجبار بن عبد الرحمن صاحب شرطته ، فكان يحمي طستا بالنار ، ويضعه علي رأسه ، حتي مات ( الغرر للوطواط 27 ووفيات الأعيان 3/ 230).

وكان الرشيد ، حبس عبد الملك بن صالح العباسي ، لما سعي عليه ابنه عبد الرحمن بن عبد الملك ، وكاتبه قمامة، فلما ولي الأمين ، أخرجه من السجن ، وولاه الجزيرة والعواصم ، والثغور ، ودفع إليه ابنه عبد الرحمن ، وكاتبه قمامة ، فحبس قمامة في حمام قد أحكم ، وأوقد أشد وقود ، وطرح معه سنانير ، فلم يزل فيه حتي مات ( اليعقوبي 2/ 434).

وفي السنة 255 لما خلع الأتراك المعتر ، سحبوه فأخرجوه ، وأقاموه في الشمس في يوم صائف شديد الحر، فكان يرفع قدمه ساعة بعد ساعة من حرارة الموضع الذي أقيم فيه . ( الطبري 389/9 ).

وفي السنة 255 استصفي صالح بن وصيف ، أموال أحمد بن اسرائيل وأبي نوح والحسن بن مخلد ، وعذبهم بالقيد، والضرب ، والتقريب إلي كوانين الفحم في شدة الحر . ( الطبري 397/9 - 398) .

وفي السنة 291 لما ظفر المكتفي بزعماء القرامطة الذين كانوا قد عاثوا وقتلوا وأفسدوا ، أدخلهم إلي بغداد مشهرين ، وبني لهم دكة عظية مربعة، طول ضلعها عشرون ذراعا ، وارتفاعها عشرة أذرع ، جري فوقها تعذيب أسري القرامطة ، وعددهم ستمائة وستون ، وكان مما عذب به زعيمهم المدثر ، أنه بعد أن قطعت يداه ورجلاه ، أخذت خشبة فأضرمت فيها النار ، ووضعت في خواصره وبطنه ، فجعل يفتح عينيه ثم يغمضهما حتي إذا قارب الموت قطعت عنقه ( الطبري 112/10 - 114).

وفي السنة 326 كان بجكم علي الأهواز لابن رائق ، فقبض علي

ص: 208

جماعة من الوجوه بالأهواز ، وعذبهم ، وجعل علي بطن سهل بن نظير الجهبذ ، طستا فيه جمر . ( تجارب الأمم 379/1 ).

وفي السنة 354 أرسل أهل طرسوس والمصيصة الي نقفور ملك الروم ، يبذلون له إتاوة ، ويطلبون منه أن ينفذ إليهم بعض أصحابه يقيم عندهم ، فأتاه الخبر بأنهم قد ضعفوا ، وعجزوا عن القوت ، وأكلوا الكلاب والميتة ، وكثر فيهم الوباء ، وإنه يموت منهم في اليوم نحو ثلثمائة نفس ، فأحضر الرسول ، وأحرق الكتاب علي رأسه ، فاحترقت لحيته ، وأعاد الرسول خائبا ، ثم هاجم المصيصة ففتحها عنوة ، وقتل من أهلها مقتلة عظيمة ، ونقل كل من بها إلي بلد الروم ، وكانوا نحوا من مائتي الف إنسان ، ثم سار إلي طرسوس ففتحها ، وجعل الجامع إصطبلا لدوابه ، وأحرق المنبر ( ابن الأثير 8/ 560 - 561).

وكان أبو بكر الخوارزمي ، هجا بعض الملوك ، فظفر به ، فوسمه في جبهته بسطرين فيهما شطران بأقبح هجاء ، فكان يشد العمامة علي حاجبيه سترا عليهما ( الملح والنوادر ) .

وفي السنة 372 اعتقل أبو منصور بن هارون ، وسلم إلي الشابشتي الحاجب ، فعسفه ، وملا طستأ بالجمر ، ووضعه علي صدره ، فمات ( ذيل تجارب الأمم 81).

وادعي رجل الشرف ( النسبة للعلويين )، فأمر به الحاكم ، فكوي في وجهه ونودي عليه ( أشهر ). ( النجوم الزاهرة 63).

وفي السنة 489 عذب رئيس حلب، بركات بن فارس الفوعي ، بأن أحمي الطست حتي صار كالنار ، ثم وضع علي رأسه ( اعلام النبلاء 375/1 ).

وفي السنة 493 قتل المستظهر العباسي ، وزيره عسيد الدولة بن جهير بأن ادخله حمامأ ، وسمر عليه الباب إلي أن مات فيه . ( الوافي بالوفيات 273/1 ) .

ص: 209

وفي السنة 550 فتح علاء الدين الغوري ، غزنة ، وكانوا قد صلبوا أخاه سيف الدين ، وتغنوا بأشعار في ذمة ، فأخذ النساء اللواتي تغنين بذمه ، وأدخلهن في حمام ، وأغلق عليهن بابه حتي هلكن ( ابن الأثير 165/11 ).

وفي السنة 566 لما اشتد مرض المستنجد العباسي ، تآمر عليه أستاذ الدار عضد الدين أبو الفرج بن رئيس الرؤساء ، وقطب الدين قايماز المقتفوي ، وتابعهما طبيبه ابن صفية ، وحملوه إلي الحمام وقد احمي ، واغلقوا عليه الباب حتي مات . ( ابن الأثير 361/11 ).

ولما توفي السلطان أبو سعيد ، ملك العراق ، في السنة 736 استولي أحمد بن رميثة المكي العلوي ، علي الحلة ، واستمر يحكمها ثماني سنوات ، فحاربه الشيخ حسن الكبير سلطان العراق ، وأسره ، وعذبه بأن كان يوضع علي صدره طست مملوء بالجمر ، حتي مات ( جاوان ص11).

وفي السنة بضع وثلاثين وسبعمائة غضب السلطان الملك الناصر ، علي الأمير الأكز الناصري ، فعزله ، وضربه ، ونفاه إلي دمشق فمات بها ، وكان اليه شد الدواوين ، فبالغ في تنويع عذاب من يصادره ، حتي إنه كان يحمي الطاسة ويلبسها له ، ويحمي الدست ويجلسه عليه ، ويضرب الأوتاد في الأذان ، ويدق ليط القصب تحت الأظافر ( الدرر الكامنة 431/1 - 432).

أقول : روي صاحب الوافي بالوفيات 348/9 الخبر بتفصيل اكثر ، قال : في السنة 738 غضب السلطان بمصر علي الأمير سيف الدين الأكوز الناصري ، ورماه قدامه ، وضربه بالعصي ، ورسم عليه أياما ، ثم أخرجه الي دمشق ، حيث مات ، وكان الأكوز ظالما ، تنوع في عذاب المصادرين من الكتاب وغيرهم ، وقتل بالمقارع، وأحمي الطاسات وألبسها الناس ، وأحمي

ص: 210

الدسوت وأجلسهم عليها ، وضرب الأوتاد في الأذان ، ودق القصب تحت الأضافير ، وبالغ وشدد .

وفي السنة 768 قتل بالعذاب الوزير فخر الدين ماجد القبطي بالقاهرة ، كان يلي الوزارة بالشام ، ثم نقل إلي مصر، وأضيف اليه الخاص، ثم اعتقل وسلم إلي شاد الدواوين فأذاقه أنواع العذاب حتي لفت مشاق الكتان علي أصابعه ، وغمرت بالزيت ، وأوقدت فيها النار إلي أن مات ( الدرر الكامنة 361/3 ) وذكر صاحب بدائع الزهور 55/2/1 أنه كانت تحمي له خوذة فولاذية ، وتوضع علي رأسه .

وفي السنة 800 غضب سلطان مصر ، علي علاء الدين والي القاهرة، فألبسه خوذة حديد محماة بالنار . ( بدائع الزهور 309/1 ).

وكان الشيخ زاده النهاوندي ، صاحب عذاب السلطان محمد بن تغلق ، سلطان الهند ، عجيبا في قسوته ، بعث إليه السلطان بفقيهين ليقتلهما ، فقال الزبانيته : ذوقوهما بعض شيء ، يعني من العذاب ، فبطحا علي قفائيهما، وجعل علي صدر كل واحد منهما صفيحة حديد محماة ، ثم قلعت بعد هنيهة ، فذهبت بلحم صدريهما ، ثم أخذ البول والرماد، فجعل علي تلك الجراحات ( رحلة ابن بطوطة ص 470 طبعة صادر).

وفي السنة 910 جري تعذيب القاضي بدر الدين ، كاتب الأسرار بالقاهرة ، وكان من جملة ما عذب به أن أحمي له الحديد ووضع علي بدنه ، ولفت القصب والمشاق علي يديه ، وأحرقت (الكواكب السائرة 176/1 ).

وفي السنة 1001 غضب محمد باشا ، نائب السلطنة بالشام ، علي الخواجا محمد بن العنبري ، فأمر به فدمغ بالنار في جبهته ، وأنفه ، ووجهه ، وأركب حمارة مقلوبة ، وكشف رأسه ، وعري حتي صار بالقميص ، وطيف به في أسواق دمشق وشوارعها ، ونودي عليه : هذا جزاء من يزور علي أوقاف

ص: 211

نور الدين الشهيد، وبعد التطواف به ، أعيد إلي محبسه بالقلعة ( خلاصة الأثر 301/3 ).

وفي السنة 1024 توقي السيد عمر بن أحمد السقاف ، وكان معظم بتريم ، ووشي به إلي السلطان مرة ، فاعتقله بالحصن ، وعذب بأن عمل له قميص من ليف النخل وأحرق وهو عليه ، وصودر ، وسلب جميع ما يملك ( خلاصة الأثر 209/3 ).

وفي السنة 1201 اعتدي الأعراب علي الحاج المصري ، ونهبوا الحجاج ، وسبوا النساء ، وقتلوا كثيرا من الرجال ، وسبب ذلك رعونة أمير الحاج المصري وجبنه ، فإنه لما أراد أن يتوجه بالحاج إلي المدينة ، أحضر اكابر الأعراب ودفع لهم عوائد سنتين ، وأخذ عنده منهم أربعة أشخاص رهائن ، فبدا له أن كواهم بالنار في وجوههم ، وبلغ ذلك اصحابهم ، ففعلوا ما فعلوا ( الجبرتي 12/2 ).

وفي السنة 1202 حضر إلي الإسكندرية بالديار المصرية ، رجل هندي ، قيل إنه وزير سلطان الهند حيدر بك ، ومهمته أن يجيش جيشأ المحاربة أعدائه الإنكليز، وكان كل من دخل فيهم برسم الخدمة وسموه بعلامة في جبهته لا تزول ، فنفر الناس من ذلك ( الجبرتي 54/2 ).

أقول : الوسم في الجبين بعلامة لا تزول ، يعني كيه بالنار .

وروي الجبرتي في تاريخه 417/3 إنه بلغه : أن إبراهيم باشا بن محمد علي باشا ، لما كان أميرة للصعيد يعذب الرجل بأن يربطه ممدودة ، علي خشبة طويلة يمسك بطرفيها الرجال ، ويقلبونه علي النار المضرمة مثل الكباب .

وكان للجزار صاحب عكا ، أعوان من الأكراد ، يقومون بتعذيب الناس بالنار ، وبالكعاب يضعونها في «مصادغ » من يريدون تعذيبه ، وهي محمية ،

ص: 212

ومربوطة بالسلاسل ( أعيان دمشق في القرن الثالث عشر ونصف القرن الرابع عشر لمحمد جميل الشطي ).

وفي السنة 1227 أمر والي حلب ، جلال الدين باشا ، باعتقال إبراهيم أغا الحربلي ، من رؤساء الإنكشارية، وحبسه ، وأمر بتعذيبه ليلا ونهارا ، وكان أعوانه يحمون الأنية من النحاس ، ويجردون إبراهيم اغا من ثيابه ، ويضعونه فوق الآنية ، حتي يسيل الدهن من أليته ، فكان يستغيث ولا يغاث ، ويستجير فلا يجار ، وهم يقولون له : قلنا عن الذهب الذي عندك ، وأقر لهم عما عنده من الذهب، فذهبوا وأحضروه ، وفي آخر الأمر أقر لهم أن في داره التي في محلة قارلق في الصهريج كذا وكذا من الذهب ، وكان مبلغا عظيمة ، فذهبوا وأخذوه ، ولما تيقنوا أنه لم يبق عنده شيء، قطعو رأسه وكان عمره لما قتل ، خمسة وسبعين سنة ( اعلام النبلاء 378/3 ).

وفي السنة 1232 نصب محمد علي باشا ، بمصر ، مصطفي كاشف كرد، محتسبأ ، فكان إذا وجد بائع كنافة قد خالف التسعيرة ، أقعده علي صينيته وهي علي النار ( تاريخ الجبرتي 564/3 ).

وفي السنة 1247 عذب الملا علي الخصي ومحمد الليلاني ببغداد ، زوجة رضوان أغا ، بكيها بالسيخ المحمي ( تاريخ بغداد للعزاوي 13/7).

ص: 213

ص: 214

الفصل الثاني: التعذيب بالماء المغلي

اشارة

ص: 215

ص: 216

القسم الأول: السلق بالماء المغلي

السلق : غلي الشيء بالنار وطبخه بالماء .

والتعذيب بالسلق ، قليل الحدوث ، وقد حفظ لنا التاريخ بعض الأخبار عن هذا اللون من العذاب ، فذكر أن الخوارج الذين خرجوا علي الإمام علي ، علي أثر التحكيم ، صبحوا حيا من أحياء العرب .. فقتلوا الرجال والنساء والأطفال ، حتي جعلوا يلقون الصبيان في قدور الأقط وهي تفور ( مروج الذهب 149/2 ).

ووصف ابن المعتز ، في أرجوزته ، ألوان العذاب ، التي كان يمارسها صاحب الزنج ، علي أسراه ، ومن جملة ما ذكره من ألوان العذاب ، سلق الأسري، قال : ( ديوان ابن المعتز 129).

ولم يزل بالعلوي الخائن**** المهلك ، المخرب المدائن

والبائع الأحرار في الأسواق**** وصاحب الفجار والمراق

وقاتل الشيوخ والأطفال ****وناهب الأرواح والأموال

مخرب القصور والمساجد****ورأس كل بدعة وقائد

قد خرب الأهواز والأبلة**** وواسط قد حل فيهاحله

وترك البصرة من رماد**** سوداء لا توقن بالمعاد

وأطعم الزنوج أطفال الناس**** مكيدة منه فأعظم من باس

فواحد يشدخ بالعمود**** وواحد يدخل في السفود

وبعضهم مسمط مربوط**** وبعضهم في مرجل مسموط

ص: 217

وجعل الأسري مكتفينا ****أغراض نبل ، ومعلقينا

وبعضهم يحرق بالنيران**** وبعضهم يلقي من الحيطان

وبعضهم يصلب قبل الموت**** وبعضهم يئن تحت البيت

وفي السنة 590 حارب جنكيز خان، أعداء له من التاتار، من قبيلة تايجوت ، وأسر منهم جماعة، فأغلي لهم الماء في مراجل ، وسلقهم فيها أحياء ( تاريخ العراق للعزاوي 75/1 ).

ولما توفي كويوك ، سلطان المغول ، خلفه مانكو بن تولوي (649-659). واستهل حكمه بتصفية أقربائه ، فأمر بوضعهم في أكياس مغلقة ، ورميهم تحت حوافر الخيل المغيرة ، فهشمت عظامهم ، وقتل غيرهم برجمهم بالحجارة، ومع ذلك فقد ذكر عنه إنه أقل حكام المغول تعطشا للدماء، فإن جده جنكيز خان، أمر في أحد انتصاراته ، بسبعين زعيمأ ظفر بهم ، فغطس كل واحد منهم في قدر ماء يغلي ، فقتلهم ( علاقات بين الشرق والغرب 196- 197)

وكان عز الدين كيكاوس ، ملك الروم (ت 615) ظالمأ، سفاكا للدماء ، سلق بعض رعيته في القدور، وجعل آخرين في بيت فأحرقهم ( الذيل علي الروضتين 113)

وفي السنة 676 أمر السلطان أباقا خان ، سلطان المغول ، فأخذ معين الدين البرواناه ، وقطعت أطرافه الأربعة ، وهو حي، ثم ألقي في مرجل وسلق ، وأكل المغول لحمه ( فوات الوفيات 71/2).

وكانت إمرة العرب ، لعلي بن حذيفة بن مانع بن حذيفة ، الذي توفي في ابتداء دولة الظاهر بيبرس ، وكان ابن حذيفة هذا ظالمأ، قاسية ، وكانت له قدر كبيرة ، منصوبة ، لا تزال علي النار مملوءة ماء ، والنار توقد تحتها، فمتي وقع له مفسد من العرب ، ألقاه فيها حيا ، فسقط لحمه لوقته (تاريخ ابن الفرات 12/8 ).

ص: 218

وفي السنة 707 قتل الشيخ براق القرمي الدوقاني ، في جبال كيلان ، بأن سلقوه حيا في قدر ممتليء بالماء .

وكان الشيخ براق قد تجرد ، وصحب الفقراء ، وتلمذ له جماعة ، فدخل بهم الروم ، ثم قدم دمشق في السنة 706 محلوق الذقن ، وشواربه وافرة ، ومعه جمع من أتباعه علي هيأته ، وكان لازم العبادة ، ومعه محتسب يؤدب أصحابه ، وإذا ترك أحد منهم صلاة واحدة، عاقبه أربعين سوط ، وكان أول ظهوره في بلاد التار، فبلغ خبره غازان فأحضره وسلط عليه سبعا ضارية ، فوثب الشيخ براق علي ظهره ، وركبه، فأعظم غازان ذلك ، ونثر عليه عشرة آلاف ، فلم يتعرض لها ، وقيل : إنه سلط عليه نمرة ، فصاح به ، فانهزم النمر ، وأعطاه غازان مرة ثلاثين ألفا ، ففرقها في يوم واحد ، وكان لا يدخر شيئا ، ولما دخل إلي دمشق ، كان في إصطبل الأفرم نعامة ، فسلطوها عليه ، فوثب عليها وركبها ، فطارت به في الميدان خمسين ذراعا حتي قرب من الأفرم ، فقال له : أطير بها إلي فوق ؟ قال : لا ، وأحسن الأفرم تلقيه ، ثم زار القدس الشريف ، وأراد الدخول الي مصر ، فلم يؤذن له في ذلك ، وعاد إلي بلاد التتار ، فأرسله غازان صحبة حبيش لحرب أهل جبال كيلان ، فأسروا الشيخ ، وقالوا له : أنت شيخ فقراء ، كيف تجيء صحبة أعداء الدين القتال المسلمين ، وسلقوه في دست ( الدرر الكامنة 5/2- 6).

وحدث أن تحرك بعض المماليك علي أحمد باشا الجزار (ت 1218) يريدون قتله ، وتحصنوا في أحد أبراج عكا ، ثم طلبوا الأمان فأنهم ، ولما نزلوا غدر بهم ، وأمر بهم فخنقوا بالماء الحار ( أي أنهم غطسوا في الماء الحار حتي هلكوا ) ( خطط الشام 21/3 ).

ص: 219

ص: 220

القسم الثاني: الحقن بالماء المغلي

وقتل الأتراك المعتز ، بأن حقنوه بماء مغلي ، فورم جوفه ، ومات ،

( مروج الذهب 462/2 ).

ص: 221

المجلد 7

اشارة

موسوعه العذاب

تاليف: عبود الشالجي

مشخصات: 7ج

الدارالعربيه للموسوعات

بيروت - لبنان

ص: 1

اشارة

ص: 2

ص: 3

ص: 4

الباب الخامس عشر : القتل بالجوع والعطش

اشارة

الجوع : اسم للمخمصة ، ونقيضه الشبع ، الذي هو الاكتفاء من الطعام . والعطش : الحاجة إلي الماء ، ونقيضه الري .

وربما ذكر الجوع والعطش، كناية عن الشوق ، قال الشاعر :

وإني إلي اسماء عطشان جائع

وكان من أعظم ما يعير به العربي ، أن يشبع ، وصاحبه جائع ، قال الشاعر :

وشبع الفتي لؤم إذا جاع صاحبه

وقال :

تبيتون في المشتي ملاء بطونكم****وجاراتكم غرثي يبتن خمائما

وكان، وما يزال ، إطعام الطعام ، من التقاليد العربية المتمكنة ، وفيما يتعلق بالتقاليد العربية في احكام الطعام ، راجع كتابنا « المائدة في الإسلام » وقد اثبتنا نتفا منه في بحث و المائدة ، في كتاب نشوار المحاضرة وأخبار المذاكرة للقاضي التنوخي ، تحقيق المؤلف ، في القصة رقم 125/3 ، وفي كتاب الفرج بعد الشدة ، للقاضي التنوخي ، تحقيق المؤلف ، رقم القصة 464)

والتعذيب بالجوع والعطش ، لون قديم من ألوان العذاب ، ويكاد يكون به علي الأكثر - مقصورا علي قتل من يراد قتله مع تجنيبه الإهانة .

ص: 5

وقد قتل بهذا اللون من العذاب ، خلفاء ، وسلاطين ، وأمراء، ووزراء ، وقواد وعلماء .

فمن قتل من الخلفاء : المعتر بن المتوكل .

ومن السلاطين : السلطان غياث الدين بن السلطان حسين .

ومن الأمراء : العباس بن المأمون .

ومن الوزراء : أبو علي بن مقلة ، ومن قبله محمد بن عبد الملك الزيات .

ومن القواد : الإفشين ، وعجيف ، وإيتاخ ، ومحمد بن إبراهيم المصعبي ، وزهمان بن هندي ، وعماد الدين بن المشطوب ، والأمير سلار ، وكان من الغني علي درجة عظيمة ، وقد حبسه السلطان الناصر محمد بن قلاوون ، ومنع عنه الطعام ، حتي أكل خفه من شدة جوعه .

ومن العلماء : عبد الصمد عبد الأعلي ، وأخوه عبد الرحمن ، وشهاب الدين السهروردي ، صاحب القصيدة المشهورة :

أبدأ تحن اليكم الأرواح ****ووصالكم ريحانها والراح

ويشتمل هذا الباب علي ثلاثة فصول :

الفصل الأول : القتل بالعطش ، ويكون بإطعام المعذب طعامة مالحة ، ومنع الماء عنه .

الفصل الثاني : القتل بالجوع ، يمنع الطعام وحده عن الأسير .

الفصل الثالث : القتل بالجوع والعطش معا ، وهو اللون الأكثر شيوعا .

ص: 6

الفصل الأول: التعذيب بالعطش

أول من مارس هذا اللون من العذاب ، في الإسلام ، معاوية بن أبي سفيان في حرب صفين ، فإنه نزل بجيشه منزلا احتوي فيه علي الشريعة ، وصفت عليها قواده ، وجنده ، ومنعوا أصحاب الإمام علي من الماء ، ونضحوهم بالنبل ، وطاعنوهم بالرماح ، وحالوا بينهم وبين الشريعة ، فدعا الإمام علي ، صعصعة بن صوحان ، وقال له : ائت معاوية ، وقل له انا سرنا مسيرنا هذا إليكم ، ونحن نكره قتالكم قبل الإعذار اليكم ، وإنك قدمت إلينا خيلك ، ورجالك ، فقاتلتنا قبل أن نقاتلك ، وبدأتنا بالقتال ، ونحن من رأينا الكف حتي ندعوك ، ونحتج عليك ، وإنكم حلتم بين الناس وبين الماء ، فابعث إلي أصحابك ، فليخلوا بين الناس وبين الماء ، ويكفوا حتي ننظر فيما قدمنا وقدمتم له ، فقال معاوية للرسول : سيأتيك رأيي ، وبعد عودة الرسول ، أمر معاوية بمنع أصحاب علي من الوصول الي الماء ، فحاربه أصحاب علي ، وطردوا أصحاب معاوية عن الشريعة ، واستولوا عليها ، ومنعوا أصحاب معاوية من الماء ، فأمر الإمام علي أصحابه بأن يأخذوا من الماء حاجتهم ، وأن يخلوا بين الشريعة وبين من يريد أن يستقي منها ( الطبري 571/4- 572 وابن الأثير 283/3 -284).

ومارس هذا اللون من العذاب ، من بعد معاوية ، عبيد الله بن زياد أمير العراق ليزيد بن معاوية ، ففي السنة 61 لما أقبل الإمام الحسين عليه السلام

ص: 7

الي كربلا ، كتب عبيد الله بن زياد ، إلي قائد جيشه عمر بن سعد، أن يحول بين الحسين وأصحابه ، وبين الماء ، لا يذوقوا قطرة ، فبعث عمر بن سعد خمسمائة فارس نزلوا علي الشريعة ، وحالوا بين الحسين وأصحابه وبين الماء ، وصاح عبدالله بن أبي حصين الأزدي ، بالإمام الحسين : يا حسين ، ألا تنظر إلي الماء كأنه كبد السماء ، والله لا تذوق منه قطرة حتي تموت عطشا ( الطبري 412/5 ، وابن الأثير 53/4).

وقتل هشام بن عبدالملك ، عبد الصمد بن عبد الأعلي ، مؤدب الوليد بن يزيد ، وأخاه عبد الرحمن بالعطش ، إذ أن عبد الصمد نظم شعرا يستعجل فيه ملك الوليد ، فغضب، وكتب الي الوليد يقول له : انك قد اتخذت عبد الصمد خدنا وأليفة ومحدثا ونديما ، وقد صح عندي أنه علي غير الإسلام ، فحقق ذلك ما يقال فيك ، فاحمل عبد الصمد مع رسولي مذمومة مدحورة ، فأشخصه الوليد الي هشام ، فأمر هشام بإنفاذه إلي يوسف بن عمر ، أمير العراق ، ومعه أخ له اسمه عبد الرحمن ، فبني لهما يوسف بيتا ، وجعلهما فيه ، وطين بابه ، وصير فيه كوة ، يرمي إليهما الطعام منها ، ثم اعطشهما حتي هلكا ( العيون والحدائق 116/3 -117).

وفي السنة 223 تأمر بعض القواد علي المعتصم ، وبايعوا العباس بن المأمون ، ولما حقق المعتصم في الأمر، اعترف له العباس بذلك ، فلما نزل المعتصم منبج ، وكان العباس جائعة ، وهو معتقل في يد الإنشين ، قدم إليه طعام كثير ، فأكل ، ثم منع عنه الماء ، وأدرج في مسح ، فمات ( الطبري 76/9 وتجارب الأمم 501/6 وابن خلدون 265/3 ).

وكان عجيف بن عنبسة ، أحد القواد المتآمرين مع العباس بن المأمون علي عمه المعتصم، حبسه المعتصم عند محمد بن إبراهيم بن مصعب، فسأله المعتصم يوما : يا محمد ، لم يمت عجيف ؟ فقال : يا سيدي ، اليوم يموت ، ثم جاء إلي مضربه ، فقال لعجيف : يا أبا صالح ،

ص: 8

أي شيء تشتهي ؟ قال : اسفيدباج وحلوي فالوذج ، فأمر بأن يعمل له من كل طعام ، فأكل ، وطلب الماء ، فمنع ، فلم يزل يطلب وهو يسوق ، حتي مات ( الطبري 77/9 ).

وفي السنة 235 قتل المتوكل القائد إيتاخ الخزري ، بأن أمر أمر بغداد اسحاق بن إبراهيم المصعبي بقتله ، وعندما مر إيتاخ بغداد ، عائدة من الحج ، في ثلثمائة من أصحابه وغلمانه ، استقبله اسحاق ، وعبر الجسر ، فوقف بإيتاخ علي باب قصر خزيمة بن خازم ، في الجانب الشرقي من بغداد علي دجلة ، وهو المنزل المعد لإيتاخ ، فنزل إيتاخ ودخل المنزل ، وقد فرشت له الدار ، ومنع غلمانه من دخولها معه ، إلا أربعة منهم ، وأخذت عليه الأبواب ، وأمر بحراسته من ناحية الشط ، وكسرت كل درجة من درجات قصر خزيمة ، ولو لم يؤخذ ببغداد ما قدروا علي أخذه ، ثم حمله اسحاق في حراقة، بعد أن أخذ سيفه ، فأدخل إلي دار اسحاق ، وقيد بقيد ثقيل ، في عنقه ورجليه، ثمانين رط ، وأخذ ابناه منصور ومظفر ، وكاتباه سليمان بن وهب وقدامة بن زياد النصراني ، فحسبوا ببغداد ، وكانت وظيفة إيتاخ في الحبس رغيفا واحدا من الخبز وكوز ماء ، أما ابناه فكانت وظيفتهما خوانأ فيه سبعة أرغفة وخمس غراف من الوان الطعام ، ومات إيتاخ في الحبس ، بأن اطعم ، فاستسقي ، فمنع الماء حتي ماء عطشة ، وبقي ابناه في السجن حتي مات المتوكل، فأخرجهما المنتصر لما آل إليه الأمر في السنة 247 فمات المظفر بعد إطلاقه بثلاثة أشهر ، أما منصور فعاش بعده ( الطبري 168/9 ۔ 170)

وفي السنة 236 كان محمد بن إبراهيم بن مصعب ، پلي فارس ، وكان متنكرة لابن أخيه محمد بن اسحاق بن إبراهيم ، فولي محمد بن اسحاق فارس ، فبعث خليفة له عليها ، الحسين بن اسماعيل ، وأمره بأن يحتال لقتل

ص: 9

عمه ، فلما صار إلي فارس ، أهدي إلي محمد بن إبراهيم هدايا في النيروز ، من جملتها حلواء ، فأكل محمد منها، ثم دخل عليه الحسين ، وقدم له حلوي ، فأكل منها أيضأ ، فعطش ، فاستسقي، فمنع الماء ، ورام أن يخرج ، فحيل بينه وبين الخروج، فعاش يومين وليلتين، فمات ( الطبري ( الطبري 183/9 - 184)

وبعث القاسم بن عبيد الله، وزير المكتفي ، بالكاتب محمد بن غالب الأصبهاني، إلي المسمعي بإصبهان ، وكتب إليه بإهلاكه، فأطعمه المسمعي ، ومنع عنه الماء ، فمات عطشا .

أقول : أبو عبدالله محمد بن غالب الأصبهاني الكاتب ، كان علي ديوان الرسائل بالحضرة، ثلاثين سنة ، واتصل بعبيد الله بن سليمان بن وهب ، وزير المعتضد، وبولده القاسم بن عبيد الله ، وزير المعتضد والمكتفي ، ثم بلغ القاسم أن الإصبهاني يرشح نفسه للوزارة ، فأوقع به وبأثنين معه من الكتاب ، هما محمد بن بشار وابن منارة الكاتب وأوثقهم بالحديد، وأحدرهم الي البصرة ، علي ما جاء في مروج الذهب 528/2 وسير الإصبهاني إلي إصبهان، علي ما جاء في الوافي بالوفيات 308/4 وكتب الي المسعي بإهلاكه ، فأحضره مائدته ، وأطعمه كوامخ وسمكا ، ثم أدخله بيتا وأغلقه ، فمات عطشا ، وذكر أحمد بن أبي طاهر ، في تاريخ بغداد ، أنه قتله بالجوع والتدخين .

وفي السنة 295 طالب الجند بمكة ، بجائزة بيعة المقتدر ، وهاجوا بمني ، فقاتلهم أمير مكة عج بن حاج ، وقتل منهم جماعة ، وهرب الناس إلي بستان ابن عامر ، وانتهب الجند مضرب أبي عدنان ربيعة بن محمد أحد أمراء القوافل، وأصاب الحاج المنصرفين من مكة ، في طريقهم، من القطع ، والعطش ، أمر غليظ ، حتي مات منهم من العطش جماعة ، وذكر

ص: 10

أن بعضهم كان يبول في كفه ويشربه ( الطبري 10/ 139 وابن الأثير 11/8 -12)

ولما توفي الصاحب بن عباد، وزير فخر الدولة البويهي ، سنة 385 وژر بعده أبو العباس الضبي ، وأبو علي بن حمولة ، فأخذا في مصادرة الناس ، وانفذا أبا بكر بن رافع إلي استراباذ ونواحيها، فجمع الوجوه ، وأرباب الأموال ، وأخر الإذن لهم حتي تعالي النهار ، واشتد الحر ، ثم اطعمهم طعاما أكثر ملحه ، ومنعهم الماء عليه وبعده ، وقدم إليهم الدواة والكاغد ، وطالبهم ، بكتب خطوطهم بما يصححونه ، ولم يزل يستام عليهم ، وهم يتلهفون عطشأ ، إلي أن التزموا له عشرة آلاف ألف درهم . ( معجم الأدباء 71/1 -72).

وفي السنة 403 ورد الخبر بأن أبا فلتيه ابن القوي ، سبق الحاج الي واقصة ، في ستمائة رجل ، فنزح الماء من مصانع البرمكي ، والريان ، وغورها، وطرح في الآبار الحنظل ، وأقام يرصد ورود الحاج ، فلما وردوا العقبة ، اعتقلهم ، ومنعهم الإجتياز ، وطالبهم بخمسين ألف دينار ، فامتنعوا، وبلغ منهم العطش كل مبلغ ، فهجم عليهم ، واحتوي علي الجمال والأموال والأعمال ، وهلك من الحاج خمسة عشر ألف إنسان ، فخرج علي بن مزيد ، أمير الكوفة في طلب المعتدين ، فلحق بهم وقد قاربوا البصرة ، فأوقع بهم ، وقتل كثيرة منهم ، وأسر أبا فليته بن القوي ، والأشتر ، وأربعة عشر رجلا من وجوه بني خفاجة ، واستعاد من الأموال ما أمكن استعادته ، وعاد إلي الكوفة ، وبعث بالأسري إلي بغداد ، فشهروا ، وأودعوا الحبس ، ثم أجيعوا ، وأطعموا المالح ، وتركوا علي دجلة ، يشاهدون الماء ، وماتوا عطشأ هناك . ( المنتظم 260/7 -261).

ص: 11

ص: 12

الفصل الثاني: التعذيب بالجوع

لما قتل محمد بن عبدالله بن الحسن العلوي بالمدينة في السنة 145 عاث فيها جند المنصور ، فوثب سودان أهل المدينة فقتلوا بعض الجند ، وطردوا باقيهم ، واجتمع سودان المدينة ، وقلدوا امرهم واحدا منهم اسمه ( أويتوا ) ومنحوه لقب أمير المؤمنين ، ثم تفرق عنه أصحابه، فحبس ، وأثقل بالحديد ، ومنع عنه الطعام ، فمات جوعا ( العيون والحدائق 250/3 ).

وكانت سياسة صاحب الزنج في البلاد التي يفتحها القتل والإستئصال ، فكان يقتل حتي النساء والأطفال والشيوخ ( مروج الذهب 2/ 470) وكان ما صنعه المهلبي ، أحد قواده بالبصرة ، مضرب المثل ، حيث اشتهر من بعد استباحة صاحب الزنج البصرة ، المثل المشهور : بعد خراب البصرة ، فإن المهلبي ، بعد أن فتح البصرة وقتل من قتل، وأحرق ما أحرق ، ونهب ما نهب ، جمع الباقين في الجامع ، ووضع فيهم السيف ، فمن ناج ، ومن قتيل، ومن غريق ، واختفي كثير من الناجين في الدور والآبار ، فكانوا يظهرون بالليل ، فيأخذون الكلاب والسنانير والفيران . فيأكلونها، فأفنوها، حتي لم يقدروا منها علي شيء ، فكانوا إذا مات الواحد منهم ، أكلوه ، ويراعي بعضهم موت بعض ، ومن قدر منهم علي صاحبه ، قتله وأكله ، وذكر أن امرأة منهم ، كانت تنازع ، وحضرتها اختها، وقد احتوشوها ينتظرون موتها ليأكلوها ، فلما ماتت عجلوا عليها فقطعوها ، وأكلوها ، ورأوا اختها تبكي

ص: 13

فسألوها عن سبب بكائها ، فقالت : إنهم تقاسموا لحم أختها ، فلم يعطوها منها شيئا ، إلا رأسها ( مروج الذهب 478/2 - 479).

وفي السنة 322 قتل الراضي ، وزيره ابن مقلة بالجوع ، بأن قطع عنه الخبز ، فمات في حبسه بدار الخلافة ، ودفن حيث مات، وكان قبل قطع الخبز عنه ، قد قطع يده ولسانه ( تجارب الأمم 389/1 - 390).

وفي السنة 364 مرض الوزير ابن بقية ، وزير بختيار البويهي ، فبادر أبو نصر بن السراج ، أحد المتصرفين، فضمن لبختيار من جهة ابن بقية أموالا ، ثم عوفي ابن بقية ، وبلغه ما حصل ، فأمر ابن الراعي ، وهو احد اتباعه ، أن يضمن ابن السراج ، فضمنه بمائة ألف دينار، وتسلمه ، وبسط عليه المكاره ، وأصناف العذاب ، وحبسه في صندوق، ومنع عنه الطعام ، فمات أقبح ميتة ( تجارب الأمم 358/3- 359).

وفي السنة 478 عشقت فتاة ببغداد ، جارة لأهلها ، وأحس بها أبوها ، فأراد قتلها ، فهربت ، ثم اخذها وحبسها في داره ، في بيت ، وسد عليها الباب ، حتي ماتت جوعا ( التنظيم 16/9 -17).

وفي السنة 480 قبض الخضر بن إبراهيم ، ملك ما وراء النهر ، علي أبي المعالي محمد بن محمد الحسيني ، الملقب بالمرتضي ، طمعا في أمواله ، ومنع عنه الطعام ، حتي مات جوعا ، ثم قتل ابنه من بعده ( المنتظم 41/9 والوافي بالوفيات 143/1 ).

أقول : جاء في المنتظم 41/9 ان ابا المعالي هذا، كان يرجع إلي عقل كامل، وفضل وافر ، ورأي صائب، حدث ، وصنف ، وكانت له دنيا وافرة ، وكان ينفذ زكاته إلي جميع البلدان ، ويصرف أمواله في البر ، بعث اليه ملك ما وراء النهر : إني أريد أن أحضر بستانك ، فقال للرسول : لا سبيل إلي ذلك ، لأني عمرته من المال الحلال ، ليجتمع فيه عندي أهل

ص: 14

الدين ، فلا أمكنه من الشرب فيه ، فغضب الأمير ، وعاود الطلب ، فأعاد الجواب ، فقبض عليه ، واستولي علي أمواله وأملاكه ، ثم منع عن الطعام حتي مات .

وفي السنة 528 خرج شمس الملوك صاحب دمشق للصيد، فحاول إيليا غلام طغتكين جد شمس الملوك ، أن يغتاله، وضربه بالسيف ضربتين، فلم تعمل فيه ، وقبض عليه شمس الملوك وقتله ، وقتل معه آخرين ، ثم اتهم أخاه سونج بأنه وراء المؤامرة، فتركه في بيت ، وسد عليه الباب فمات جوعا ( عيون التواريخ 283- 284).

وفي السنة 617 اعتقل الملك الأشرف ، الأمير عماد الدين المشطوب ، وألقاه في جب ، فمات بالقمل والجوع ( الذيل علي الروضتين ص 121).

وفي السنة 710 حبس الملك الناصر ، الأمير سلار ، ومنع عنه الطعام ، فمات جوعا ، بعد أن أكل أخفافه ( بدائع الزهور 155/1 وفوات الوفيات 87/2 )

ص: 15

ص: 16

الفصل الثالث: التعذيب بالجوع والعطش

و لما عزم الوليد علي أن يخلع أخاه سليمان من العهد، وأن يعهد إلي ولده ، أطاعه كثير من الأشراف ، طوعا وكرها ، وامتنع عمر بن عبد العزيز ، وقال له : في أعناقنا بيعة لسليمان ، وصمم ، فطين عليه الوليد ، أي أنه أدخله حجرة ، وشد جميع منافذها بالطين ، ثم شفع فيه بعد ثلاث ، فأدركوه وقد مالت عنقه . (تاريخ الخلفاء 230 ).

وذكر إدريس بن محمد بن يحيي ، أن الرشيد، قتل جده يحيي بن عبد الله ، في الحبس ، بالجوع والعطش . ( مقاتل الطالبيين 483) .

ولما اعتقل المعتصم ، الإفشين ، في السنة 225 بني له سجنا خاصا ، مقدار مجلس الرجل ، وأمر المعتصم بمنع الطعام عنه ، فكان يعطي في كل يوم رغيفة ، حتي مات ، فأخذ إلي دار إيتاخ ، وصلبوه ، ثم طرح بباب العامة ، مع خشبته ، ثم أحرق ، وطرح الرماد في دجلة ( الطبري 114/9)

وبعث المعتصم إيتاخ ، إلي الافشين ، وقال : قل له ، يا عدو الله ، فعلت ، وصنعت ، فكيف رأيت صنع الله بك ؟.

فقال الإفشين لإيتاخ : يا أبا منصور ، قد ذهبت بمثل هذه الرسالة ، إلي عجيف بن عنبسة ، فقال : يا أبا الحسن ، قد ذهبت بمثل هذه الرسالة

ص: 17

إلي علي بن هشام ، فقال لي : أنظر من يأتيك بها ، وأنا أقول لك الآن : أنظر من يأتيك بها .

فما مرت إلا أيام قلائل، حتي حبس إيتاخ ، وقتل ( لطائف المعارف 143)

أقول : الأفشين ، بفتح أوله ، وبكسره ، لقب ملوك أشروسنة ، أحد أقاليم ما وراء النهر ، كما أن كسري لقب ملوك فارس ، وقيصر لقب ملوك الروم ، وخاقان لقب ملوك الترك ، وقد لقب به الإفشين لأن آباءه كانوا ملوك أشر وسنة ، وهو أبو الحسن خيذر بن كاوس بن خانا خره بن خرابغره ، أسر هو وأبوه في أيام المأمون ، في حملة عسكرية قادها أحمد بن أبي خالد وزير المأمون ، بأمر منه علي بلاد ما وراء النهر ، وحمل خيذر وأبوه إلي المأمون ، فأسلم خيذر ، واتصل بالمعتصم لما كان أميرة في عهد أخيه المأمون ، فأختصه ، وقوده ، ولما اضطربت أحوال مصر ، وكان المعتصم يليها للمأمون ، ويبعث إليها نائبا ، سير إليها الأفشين في السنة 215 فحارب الثائرين بها ، وقهرهم ، ولما استخلف المعتصم ، عقد له في السنة 220 علي الجبال ، وولاه حرب الثائر الفارسي بابك الخرمي الذي كان قد بدأ بثورته منذ السنة 201 وكانت ثورته تقوي وتتسع سنة بعد سنة ، حتي أصبحت تهدد الدولة بأعظم الأخطار ، فجد الإفشين في محاربته ، وظفر به ، وحمله إلي سامراء أسيرة ، حيث جري أعدامه باحتفال عظيم ، ولما بلغ المعتصم ظفر الأفشين ببابك ، أخذ يبعث إليه ، من يوم فصل من برزند ، إلي أن وافي سامراء ، في كل يوم فرسا وخلعة ، ولما وافي سامراء ، ألبسه المعتصم التاج ، وقلده وشاحين من الجوهر ، ووصله بعشرين ألف ألف درهم ، وعقد له علي السند ، وأدخل إليه الشعراء فامتدحوه ، وفي ديوان أبي تمام قصيدة من ستة وثلاثين بيتا ، امتدح بها الأفشين ، وذكر أسلافه ، ووصفه بفحل المشرق ، قال :

ص: 18

بد الجلاد البفهو دفين****ما إن به إلا الوحوش قطين

قد كان عذرة مغرب فأفتضها****بالسيف فحل المشرق الأفشين

فأعادها تعوي الثعالب وسطها**** ولقد تري بالأمس وهي عرين

الاقاهم ملك حباه بالعلي**** خرا وخانا خرة الميمون

وذكره أبو تمام في قصيدة أخري ، امتدح بها أبا دلف ، فقال :

وقد علم الأفشين وهو الذي به**** يصان رداء الملك من كف جاذب

وذكره في قصيدة أخري ، تحدث فيها عن ثورة بابك ، فقال :

فرماه بالإفشين بالنجم الذي**** صدع الدجي صدع الرداء البالي

وأثني في قصيدة أخري علي شجاعته ورأيه في الحرب ، فقال :

وقد لبس الأفشين قسطلة الوغي**** محشا بفصل السيف غير مواكل

وجود من آرائه حين أضرمت**** له الحرب حد مثل حد المفاصل

وسارت به بين القنابل والقنا ****عزائم كانت كالقنا والقنابل

ورافق الأفشين المعتصم في فتح عمورية ، ولما انكشفت مؤامرة بعض القواد علي المعتصم ، من أجل خلعه واستخلاف ابن أخيه العباس بن المأمون بدلا منه ، لم يأتمن علي العباس غير الأفشين ، فإنه أسلمه إليه ، فحبسه أياما ، ثم قتله ، وبلغت منزلة الأفشين لدي المعتصم ، لما تزوج ابنه الحسن بن الأفشين ، باترنجة بنت آشناس، أن أعرس بها في قصر المعتصم ، وحضر عرسه عامة أهل سامراء ، وكان الخليفة المعتصم بنفسه يباشر تفقد من حضرها ، وهذا شيء لم يصنعه الخليفة مع أحد من الناس ، وكان الأفشين خشن المواجهة ، وإذا سكر عربد، وكانت مواقفه في نصرة الدولة العباسية ، والعناية الفائقة التي نالها من المعتصم ، والعطايا الجزيلة التي أفاضها عليه ، زادت في خشونته وكبريائه ، فأثار حفيظة جماعة من رجال الدولة ، وحاشية الخليفة ، علي رأسهم الأمير عبد الله بن طاهر ، وقاضي القضاة

ص: 19

أحمد بن أبي دؤاد ، وهما من العقل والدراية ، عناية المعتصم بهما ، بالموضع الذي لا يرقي إليه أحد، وانضاف إليهما الوزير محمد بن عبد الملك المعروف بابن الزيات ، وجماعة من القواد ، فأوهموا المعتصم إنه يريد الخروج علي الدولة ، فأمر باعتقاله ، وحبس في الجوسق ، محبس الأمراء وكبار رجال الدولة ، ثم بني له حبسا خاصا مرتفعة، أشبه شيء بالمنارة ، وجعل له في وسطها مقدار مجلسه ، وكان الرجال يدورون حولها ، يتناوبون علي حراسته ، وحوكم الأفشين محاكمة علنية ، كان قضاته فيها خصومه ، وكان المحقق الذي استجوبه هو قاضي القضاة أحمد بن أبي دؤاد ، ورئيس المحكمة الوزير ابن الزيات ، والمستمعون جماعة من كبار القواد والكتاب ، وقد حفظ لنا التاريخ ما جريات تلك المحاكمة ، ولم يقم ضده من الأدلة ما يستوجب الحكم الذي صدر عليه بالإعدام ، ولكن لما كان خصومه هم قضاته ، فقد كان القرار معروف ، وليس عجيب أن يرد الأفشين هذا المورد ، فإن ارتفاعه إلي الدرجة التي ارتفع إليها، كانت تؤذن بهذا الإنحدار ، شأنه شأن البرامكة من قبله وغيرهم من الوزراء وكبار رجال الدولة ، وقد أثبت المؤرخون نصوص الأسئلة التي وجهت للأفشين كما حفظ لنا أجوبته عليها، وكان أول ما سئل عنه ، أنه كان قد ضرب إمام جامع في أشروسنة ومؤذن ألف سوط ، فاعترف بأنه أمر بضربهما، واحتج لنفسه بأنه كان بينه وبين ملوك السغد عهد وشرط أن يترك كل قوم علي دينهم ، وقد وثب هذان الرجلان علي بيت كان فيه أصنام أهل اشروسنة ، فأخرجاها ، واتخذا من المكان مسجد ، فضربهما لتعديهما، واتهم بأنه وجد في بيته كتاب محلي بالذهب والجوهر والديباج ، فيه ما يخالف اعتقاد المسلمين من الكفر بالله ، وكان جوابه ، إن هذا الكتاب ورثه عن آبائه ، فيه أدب من آداب العجم ، فكان يستمتع منه بالأدب ، ويترك ما سوي ذلك ، وقد وصل إليه من أسلافه ، وهو محلي ، فلم تضطره الحاجة إلي تجريده من حليه ، وهو أشبه بكتاب كليلة ودمنة ، والاحتفاظ به لا يخرج من احتفظ به من الإسلام ، وشهد

ص: 20

عليه الموبذ، بأنه يأكل المخنوقة ، وكان جوابه إن هذا الموبذ مجوسي ، فهل هو عدل مقبول الشهادة عند المسلمين ؟ فقالوا : لا، قال : فما معني قبولكم شهادة من لا تعذلونه ولا تثقون به ، وذكر عنه أن أتباعه في أشروسنة ، يكتبون ليه ما ترجمته : إلي إله الآلهة من عبده فلان ، فاعترف بذلك ، وقال : إن هؤلاء القوم جرت عادتهم أن يكتبوا بذلك إلي أبي وجدي ، وألي قبل أن أدخل في الإسلام ، فكرهت أن أضع نفسي دونهم ، فتفسد علي طاعتهم ، وادعي المازيار ، أن أخا الأفشين ، كتب ألي أخيه ( أخي المازيار ) يدعوه للمخالفة والخلع ، لكي يتوجه إليه الأفشين ، فيتفقان علي قلع الإسلام وإعادة المجوسية ، وكان جواب الأفشين : إن هذه دعوي علي أخي وعلي أخي المازيار ، فهي دعوي لا تجب علي ، وكانت آخر التهم الموجهة اليه ، للإستدلال علي كفره ، أنه لم يختن ، وكان جوابه : إنه لو فرضنا أن ذلك كان صحيحة ، فإن إغفال الختان ، لا يعني الخروج من الإسلام ، وإني خفت أن أقطع ذلك من جسدي فأموت ، فقيل له : أنت تطعن بالرمح ، وتضرب بالسيف ، وتخوض المعارك ، وتجزع من قطع قلفة ؟ فأجاب : تلك ضرورة تعنيني فأصبر عليها ، وهذا شيء أستجلبه ، فلا آمن معه خروج نفسي ، هذا وقد ظهر من بعد ذلك أنه كان مختونة ، ولكن كبرياءه ، واعتداده بنفسه ، منعه من دفع التهمة ، خشية أن يكلفه قضاته بأن يكشف عن عورته ، فيكون ذلك سبة عليه، وكان الأفشين طيلة المرافعة ، رابط الجأش ، حاضر الذهن ، رغم علمه بما ينتظره ، وأجوبته التي أجاب بها في المرافعة ، تنطق برباطة جأشه ، وحضور ذهنه ، ولما خاشنه اسحاق بن ابراهيم المصعبي ، صاحب الشرطة ، التفت إليه ، وقال له : يا أبا الحسن ، هذه تنورة قرأها عجيف علي علي بن هشام ، وانت تقرؤها علي ، فأنظر غدأ من يقرأها عليك ، أراد بأن رجال الدولة لما أرادوا قتل علي بن هشام ، بعثوا إليه بعجيف ، ثم قتلوا عجيفة ، وهم الآن يريدون قتله ( الأفشين ) فبعثوا بك إلي ، وسوف يقتلونك من بعد ذلك ، ولما زجره القاضي أحمد بن ابي دؤاد ، قال له الأفشين : أنت

ص: 21

يا أبا عبد اله ، ترفع طيلسانك بيدك ، فلا تضعه علي عاتقك ، حتي تقتل به جماعة ، وعندما أنهي القاضي استجواب الأفشين ، وأصدر حكمه بأن قال للقائد بغا : عليك به ، وضرب بغابيده علي منطقة الأفشين ، قال الأفشين : قد كنت أتوقع هذا منكم قبل اليوم ، ولما أعيد إلي محبسه ، بعث إلي المعتصم برسالة ، قال فيها: يا أمير المؤمنين ، إنك أحسنت إلي ، وشرفتني، وأوطات الرجال عقبي ، ثم قبلت في كلاما لم يتحقق عندك ، ولم تتدبره بعقلك كيف يكون ، وإنما مثلي ومثلك ، مثل رجل ربي عجله ،

حتي أسمنه وكبر ، وحسنت حاله ، وكان له أصحاب اشتهوا أن يأكلوا من لحمه ، فعرضوا له بذبح العجل ، فلم يجبهم إلي ذلك ، فاتفقوا جميعا علي أن قالوا له ذات يوم : لم تربي هذا الأسد ، هذا سبع ، وقد كبر ، والسبع إذا كبر يرجع إلي جنسه ، فقال لهم : ويحكم هذا عجل بقر ، ما هو سبع ، فقالوا : هذا سبع ، سل عنه من شئت ، وتقدموا إلي جميع من يعرفونه ، أن يقولوا : هذا سبع ، فكلما سأل الرجل إنسانة عنه ، قال له : هذا أسد، هذا سبع ، فأمر بالعجل ، فذبح ، وأنا ذلك العجل ، كيف أقدر أن أكون أسد ، الله ، الله في أمري ، وأسأل الله أن يعطف قلبك علي ، ولم تنجع الرسالة في المعتصم فإن خصوم الأفشين ، كانوا قد أفسدوا رأي المعتصم فيه ، فأمر بمنع الطعام عنه ، فمات جوعا ، وحمل ميتأ إلي بيت إيتاخ ، ثم أخرج فصلب عارية ، ثم أحرق وذري رماده في دجلة ، وكان ذلك في السنة 226 ، وكما كان للشعراء ، مواقف في مدح الأفشين ، لما كان الخليفة راضية عنه ، كانت لهم معه مواقف أخري غيرها لما غضب عليه ، وحبسه ، واستأصله ، وبعد أن كان « فحل المشرق » و « تضيء المكرمات إذا بدا » وكان « نجما يصدع الدجي ، وكان « به يصان رداء الملك من كفت جاذب ، قال فيه أبو تمام :

جالت بخيذر جولة المقدار**** فأحله الطغيان داربوار

ص: 22

كم نعمة الله كانت عنده ****فكأنها في غربة وإسار

مازال سر الكفر بين ضلوعه**** حتي أصطلي حر الزناد الواري

صلي لها حيا وكان وقودها**** ميتا ويدخلها مع الفجار

قد كان بوأه الخليفة جانبا ****من قلبه حرم علي الأقدار

فإذا ابن كافرة ير بكفره ****وجدأ كوجد فرزدق بنوار

ومن جملة ما عذب به ابن الزيات لما اعتقل في السنة 233 أنه سوهر ، ومنع من النوم ، وكان ينخس بمسلة ، ثم أدخل في تنور من خشب فيه مسامير حديد قيام ، فمكث أياما ، ثم بطح وضرب بطنه خمسين مقرعة ، ثم قلب فضرب علي استه مثلها ، ومات وهو يضرب ، وهم لا يعلمون ، ولم يأكل طول مدة حبسه سوي رغيف . ( الطبري 160/9 ).

في السنة 255 طالب الجند المعت بأرزاقهم ، فلم يجد ما يعطيهم ، فدخل عليه بعض خلفاء القواد ، وجروا برجليه إلي باب الحجرة ، وتناولوه بالضرب بالدبابيس ، فخرج وقميصه مخرق من مواضع ، وأثار الدم علي منكبيه ، وأقاموه في الشمس في وقت شديد الحر فظل يرفع قدما ويضع أخري من حرارة الموضع ، وأخذ بعضهم يلطمه وهو يتقي بيده ، ثم أدخلوه سردابا ومنع الطعام والشراب ، حتي مات وهو ابن 24 سنة ( الطبري 390/9)

وفي السنة 289 واقع أبو سعيد القرمطي ، بني ضبة ، وظفر بهم ، وأخذ منهم خلقا ، وبني لهم حبسا عظيما جمعهم فيه ، وسده عليهم ، ومنعهم الطعام والشراب ، فمكثوا شهرة ، ثم فتح عليهم ، فوجد أكثرهم موتي ، ويسيرا بحال الموتي ، قد تغذوا بلحوم الموتي ، فخصاهم ، وخلاهم ، فمات أكثرهم ( أتعاظ الحنفا 164 ).

وذكر صاحب العيون والحدائق ج 4 ق 1 ص 205 أن عمرو بن الليث

ص: 23

الصفار مات في حبسه في السنة 289 بالجوع والعطش ، فإن الناس اشتغلوا بيوم بيعة المكتفي وأهملوا أمر تقديم الغذاء لعمرو ، فمات جوعا .

وأحس القاسم بن عبيد الله بن سليمان، وزير المكتفي ، أن الحسين بن عمرو ، كاتب المكتفي قبل الخلافة ، اتفق مع فارس ، داية المكتفي ، علي استيزار إبراهيم بن حمدان الشيرازي ، وعلي أن تكون الدواوين جميعها إلي الحسين بن عمرو ، وأن يعزل القاسم من الوزارة ، فتوصل القاسم إلي المكتفي ، فأرضاه ، وتسلم الحسين بن عمرو ، وإبراهيم الشيرازي ، واستصفي أموالهما ، ثم أنفذهما إلي الأهواز ، فجعلا هناك في بيت ، وسد، ومنع من دخول الماء والطعام إليهما، حتي ماتا، راجع تفصيل القصة في كتاب نشوار المحاضرة للتنوخي ، في القصة رقم 171/3.

وبلغ الوزير علي بن عبيسي ، وزير المقتدر في السنة 315، أن في بغداد رجلا شيرازيا، علي مذهب القرامطة ، وأنه يكاتب أبا طاهر بالأخبار ، فأحضره ، وسأله ، فأعترف ، وقال : صحبت أبا طاهر بعد أن صح عندي أنه علي الحق ، وأنت وصاحبك كفار ، تأخذون ما ليس لكم ، فقال له : قد خالطت عسكرنا وعرفتهم ، فمن فيهم علي مذهبك ؟ فقال له : أنت بهذا العقل تدبر الوزارة ؟ كيف تطمع مني أن أسلم قوم مؤمنين إلي قوم كافرين يقتلونهم ، لا أفعل ذلك ، فأمر به ، فضرب ضربة شديدة ، ومنع الطعام والشراب ، فمات بعد ثلاثة أيام ( ابن الأثير 174/8).

أقول : ذكر ابن الجوزي في المنتظم 210/6 أن الشيرازي هذا ، صفع ، وضرب بالمقارع ، وقيد ، وغل ، وجعل في فمه سلسلة ، وحبس ، فلم يأكل ولم يشرب ثلاثا ، فمات .

وأمر الحاكم الفاطمي ، صاحب مصر ، فسدت حجرة من حجر

ص: 24

قصره ، علي جماعة من الجواري فيه اثنتان من محظياته ( النجوم الزاهرة 63)

وفي السنة 389 قتل زهمان بن هندي ، الذي كان صاحب خانقين ، بالجوع والعطش ، وسبب ذلك : أن أبا الفتح محمد بن عناز ، احتال علي زهمان فاعتقله هو وأولاده الثلاثة دلف ، ومقداد ، وهندي ، وسجنهم في قلعة البردان ، وبعد مدة ، ثار أولاد زهمان في القلعة ، وكسروا قيودهم ، وحاولوا الفتك بالموكلين ، فتجمع عليهم حماة القلعة ، وقتلوا الأولاد الثلاثة بحضرة أبيهم ، وأخذوا الأب زهمان إلي بيت ، وسدوا عليه بابه ، وأبقوا كوة كانوا يلقون إليه منها قرصا من الشعير ، وقليل ماء ، فبقي أيامأ ومات ( تاريخ الصابي 8/ 339 ).

وروي التنوخي في كتابه نشوار المحاضرة ج 5 ص 250 - 253 رقم القصة 131/5 قصة عن أعرابي شيخ حاول أن يقتل رفيقا له في الطريق ويستولي علي ماله ، ولكن رفيقه أحس به، وحبسه في ناووس ، وتركه ، حتي مات جوع وعطشا .

ولما استولي محمد بن سعد، المعروف بابن مردنيش ، علي مرسية وأعمالها ، بالأندلس ، تنكر له أكثر رعيته ، فقتل من قواده جماعة بأنواع القتل ، ومنهم من بني عليه في حائط وتركه حتي مات جوعا وعطشة ، إلي غير ذلك من ضروب القتل ، واستدعي النصاري الإفرنج ، وأستعان بهم في حكم رعيته المسلمين، ومات ابن مردنيش هذا ، وهو محاصر في مرسية ، حاصره الموحدون في السنة 567 . ( المعجب للمراكشي 322) .

وفي السنة 587 تضافر قوم من أهالي حلب علي الشيخ شهاب الدين السهروردي واتهموه بفساد العقيدة ، وكتبوا إلي السلطان صلاح الدين ، بأنهم يخشون أن يفسد عقيدة الملك الظاهر ولده صاحب حلب، فكتب الناصر إلي

ص: 25

ولده الظاهر ، يأمره بقتله، وشدد عليه في ذلك ، فخيره في الميتة التي يرتضيها ، فاختار أن يحبس في مكان ، ويمنع من الأكل والشرب ، إلي أن يموت ، ففعل به ذلك . ( شذرات الذهب 292/4 وعيون الأنباء 167/2 ومعجم الأدباء 270/7 ).

وكان السلطان محمد بن محمد بن محمد النصري ، سلطان غرناطة ، المخلوع سنة 708 والمقتول سنة 710 عظيم القسوة ، اعتقل طائفة من مماليك أبيه ، فسجنهم في مطبق الأري بحمراء غرناطة ، وأقفل عليهم الأبواب ، ومنعهم القوت ، فمكثوا أياما يصرخون من الجوع ، حتي خفتت أصواتهم بعد أن اقتات آخرهم موتا من لحم من سبقه، وحملت الشفقة حارس كان برأس المطبق علي أن طرح لهم خبز يسيرأ ، تنغص عليه أكله مع مباشرة بلواهم، ونمي إلي السلطان ذلك ، فأمر به ، فذبح علي حافة الجب ، فسالت عليهم دماؤه ( الاحاطة 555 و 556 ).

ولما اعتقل الملك الناصر محمد بن قلاوون ، في السنة 710 الأمير سلار ، أمر أن يبني عليه أربعة حيطان في مجلسه ، وألا يطعم ولا يسقي ، فبقي سبعة أيام لا يطعم ولا يسقي ، وهو يستغيث من الجوع ، ثم أرسل إليه السلطان ثلاثة أطباق مغطاة بسفر الطعام ، ففرح ، ولما كشفوها كان في أحد الأطباق ذهب ، وفي الثاني فضة ، وفي الثالث لؤلؤ وجواهر ، وبقي علي حالته هذه اثني عشر يوما ومات ، فجاءوا إليه فوجدوه قد أكل ساق خفه ، وقد أخذ السرموجة ( الحذاء ) وحطها في فيه ، وعض عليها بأسنانه ، وهو ميت . ( النجوم الزاهرة 18/9 ).

وفي السنة 710 مات الأمير بكتوت بدر الدين الفتاح ، من كبار الأمراء بمصر ، في سجن الإسكندرية ، وكان موته بالجوع والعطش ، وكان قد اختص بالمظفر بيبرس لما تسلطن ، وسار معه إلي الصعيد ، ولما عاد الناصر محمد بن قلاوون إلي السلطنة ، وقتل بيبرس ، قدم بكتوت علي الناصر

ص: 26

طائعة ، فأكرمه ، ثم قبض عليه وسجنه بالإسكندرية ، وترك أحد عشر يوما بلا مأكول ولا مشروب ، فمات ( الدرر الكامنة 23/2 ) .

وفي السنة 710 اعتقل السلطان الملك محمد بن قلاوون ، الأمير برلغي الاشرفي ، وضيق عليه ، ومنع من دخول الطعام والشراب إليه ، حتي يبست أعضاؤه وخرس لسانه من شدة الجوع ، ثم مات ( النجوم الزاهرة 17/9 و216).

ولما استولي تيمورلنك علي هراة، حبس سلطانها السلطان غياث الدين بن السلطان حسين ، ومنع عنه الطعام والشراب حتي مات جوعا وعطشأ ( اعلام النبلاء 489/2 ) .

ص: 27

ص: 28

الباب السادس عشر: القتل بصنوف العذاب

اشارة

يحتوي هذا الباب ، علي أخبار القتل الذي تم بألوان من العذاب ، غير ما سبق أن فضلناه من القتل بالسيف، وبأنواع السلاح الأخري، وبالنار ، وبكتم النفس.

ويشتمل هذا الباب ، علي أربعة عشر فص؟ :

الفصل الأول : القتل بالتفزيع .

الفصل الثاني : القتل بالبرد .

الفصل الثالث : القتل بالفصد .

الفصل الرابع : القتل بقصف الظهر .

الفصل الخامس : القتل بيقر البطن .

الفصل السادس : القتل بدق المسامير في الأذان .

الفصل السابع : القتل بطرح الإنسان للسباع .

الفصل الثامن : القتل بالطرح من شاهق .

الفصل التاسع : القتل بتحطيم الرأس .

الفصل العاشر : القتل بتمزيق البدن .

الفصل الحادي عشر : القتل بتقطيع الأوصال .

الفصل الثاني عشر : القتل والتعذيب بالسلخ .

الفصل الثالث عشر : القتل بالنشر بالمنشار .

الفصل الرابع عشر : القتل بألوان أخري من العذاب .

ص: 29

ص: 30

الفصل الأول: القتل بالتفزيع

ويحصل بتخويف المعذب ، والتهويل عليه ، وإحضاره في الوقت الذي يعذب فيه غيره من الناس .

ومورست هذه العقوبة ، علي فاطمة ابنة يعقوب بن الفضل الهاشمي ، وعلي خديجة زوجة يعقوب ، فإن المهدي العباسي اتهمهما بالزندقة ، وقعتا بأن ضرب علي رأسيهما بشيء يقال له : الرعبوب ، فماتتا فزعأ . ( الطبري 191/8)

ولما سيطر أحمد بن طولون علي مصر ، كان علي البريد بها شقير الخادم، فاتفق شقير مع أحمد بن المدبر، عامل الخراج بها، وسعية باحمد بن طولون إلي الخليفة ، وبلغ احمد ذلك ، فاعتقل شقيرة ، وأحضره، وأمر بأن يجلد ، فأخذه الذعر ، فمات ( المكافأة 114).

وقد مارس المحسن بن الفرات في السنة 312 ذلك علي محمد بن نصر ، وكيل أبي الحسن علي بن عيسي بن الجراح ، فإنه أدخل إلي ديوانه ، فرأي ما يلحق الناس من المكاره بحضرة المحسن، فمات من الفزع . ( تجارب الأمم 132/1 ).

ص: 31

ص: 32

الفصل الثاني: القتل بالبرد

ومن ألوان العذاب ، أن يعزي المعذب ، ويصب عليه الماء البارد ، في الشتاء ، أو أن يحرم من الدثار ، ويترك في الجو البارد حتي يموت .

وأول من مارس هذا النوع من العذاب ، علي ما بلغنا ، الوليد بن عبد الملك الأموي ، فإنه في السنة 88 أمر بهدم حجر أزواج الرسول صلوات الله عليه ، وإضافتها إلي المسجد، فلما شرع في ذلك ، غضب خبيب بن عبدالله بن الزبير ، وصاح: اليوم محيت آية من كتاب الله تعالي ، يريد بذلك الآية الكريمة : إن الذين ينادونك من وراء الحجرات أكثرهم لا يعقلون (4 م الحجرات 49)، فكتب بذلك صاحب البريد إلي الوليد ، فأمر الوليد بأن يجلد خبيب مائة سوط ، وأن يصب علي رأسه قربة ماء بارد ، فضرب في يوم بارد ، وصب علي رأسه الماء ، فمات ( العيون والحدائق 4/3).

وفي السنة 236 توقي أبو سعيد محمد بن يوسف المروزي فجأة ، وكان في عسكره بالكرخ ، قد عقد له علي اذربيجان وأرمينية ، يريد السفر إليها ، فمات فجأة لبس أحد خفيه ، ومد الأخر ليلبسه، فسقط ميتا ، فوتي المتوكل ابنه يوسف بن محمد ما كان وليه أبوه من الحرب وأضاف إليه الخراج ، فشخص إلي عمله، ووجه عماله، وفي السنة 237 قبض علي أحد بطارقة أرمينية ، وقيده وبعث به إلي سامراء ، فاجتمع عليه بطارقة أرمينية ، وحصروه ، وقتلوه ومن قاتل من جنده ، أما من لم يقاتل، فقالوا لهم: ضعوا

ص: 33

ثيابكم ، وانجوا عرايا ، فطرحوا ثيابهم ، ونجوا عراة حفاة ، فمات أكثرهم من البرد ، ونجا بعضهم وقد سقطت أصابعهم . ( الطبري 187/9 ).

وفي السنة 252 خلع المعتز أخاه المؤيد من ولاية العهد، وقيده ، وضربه أربعين مقرعة ، وحبسه ، وقتله بالبرد ، بأن وضعه في ثلاجة ، حيث أجلسه في حجرة ، ونضدت عليه حجارة الثلج ، فجمد برد ، ومات ( الطبري 362/9وابن الأثير 172/7 ).

أقول : وقد عذب المعتز عند خلعه وقتله ، بعكس ما عذب به أخاه ، فإنه حقن بماء مغلي، فورم جوفه، ومات ( مروج الذهب 462/2 ). أما الشريشي شارح مقامات الحريري ، فذكر أن المعتز لما خلع أدخل حمامأ وأغلق عليه فمات من حره ( شرح المقامات الحريرية 226/1 )، أما صاحب تاريخ الخلفاء ، فذكر أن الأتراك هجموا علي المعتز ، وجروا برجله ، وضربوه بالدبابيس ، وأقاموه في الشمس في يوم صائف ، وهم يلطمون وجهه ، ويقولون له إخلع نفسك، فخلع نفسه ، وبعد خمس ليال من خلعه ، أخذه الأتراك فأدخلوه الحمام ، ومنعوه الماء ، ثم سقوه ماء بثلج ، فسقط ميتا ( تاريخ الخلفاء 360).

وذكر الشريشي في كتابه : شرح المقامات الحريرية 226/1 أن ابن المعتز ، لما قبض عليه المقتدر ، أمر به فرمي في صهريج فيه ماء، فمات من شدة البرد ، وقال : إن من العجائب أن أباه المعتز، لما خلع عن الملك ، أدخل حمامة ، وأغلق عليه ، فمات من حره .

وفي السنة 403 قتل شمس المعالي قابوس بن وشمگير بالبرد ، تآمر عليه قواده ، وذلك إنه كان عنيفأ معهم ، يقتل علي الذنب اليسير ، فتأمروا عليه واعتقلوه ونصبوا ولده مكانه ، وحملوه إلي قلعة جناشك ، وتركوه حتي إذا دخل إلي المرحاض أخذوا ثيابه ، وتركوه ، وكان الزمان شتاء ، والبرد

ص: 34

شديدا ، فجعل يستغيث ، ويصيح : أعطوني ولوجل دابة ، فلم يفعلوا ، فمات من شدة البرد . ( ابن الأثير 239/9 وفيات الأعيان 81/4 ).

وفي السنة 514 خرج جوسلين الإفرنجي صاحب الرها، فأغار علي النقرة والأحص ، وقتل ، وسبي ، وأحرق، ثم قصد تل باشر ، وصنع بها كما صنع بالنقرة والأحص ، وأخذ المشايخ والعجائز والضعفاء ، فنزع عنهم ثيابهم، وتركهم في البرد عراة ، فهلكوا بأجمعهم ( أعلام النبلاء 437/1 ).

وفي السنة 534 قبض الوزير البر وجردي ، علي ثابت بن حميد المستوفي فحبسه في سرداب بهمذان في الشتاء بطاق قميص ، فمات من البرد ، وأخذ من ماله ثلثمائة ألف دينار. ( المنتظم 87/10 ).

ص: 35

ص: 36

الفصل الثالث: القتل بالفصد

والعذاب بالفصد ، من أخف ألوان العذاب ، وأقلها أذي ، ولا يتأتي إلا بمزيد من العناية .

وممن اختار القتل بالفصد ونزف الدم ، عبد يغوث بن صلاءة بن ربيعة ، من قحطان ، قائد قومه من بني الحارث ، فإنه أسر في بعض الوقائع، وخير كيف يرغب أن يموت ، فاختار أن يشرب الخمر صرفأ، ويقطع عرقه الأكحل ، فمات نزف . ( الأعلام 337/4 ).

ولما أراد الخليفة المعتضد، أن يقتل أستاذه ونديمه ، الفيلسوف أبا العباس احمد بن الطيب السرخسي ، في السنة 286 ، بعث إليه يقول : لك سالف خدمة ، فاختر أي قتلة تحب أن أقتلك ؟ فاختار أن يفصد ، ويترك فصاده من دون شد، فقتل بتلك القتلة ( الوافي بالوفيات 6/7).

وغضب زيادة الله بن الأغلب ، صاحب إفريقية (ت 304) ، علي طبيبه إسحاق بن عمران ، الملقب بسم ساعة ، فأمر به ففصد في ذراعيه جميعا ، وسال دمه حتي مات ، ثم صلبه علي جذع ، فطال مقامه مصلوبا حتي عشش في جوفه صقر لطول مقامه ( طبقات الأطباء والحكماء لأبن جلجل 85-86).

وفي السنة 669 قتل عبد الحق بن إبراهيم الإشبيلي ، من الفلاسفة

ص: 37

القائلين بوحدة الوجود ، ونسبت إليه أقوال مخالفة للشريعة ، فصد بمكة ، وترك دمه يجري، حتي مات نزفا . ( الأعلام 51/4).

ولما اعتقل السلطان علي بن عثمان المريني ، سلطان المغرب ، أخاه عمر ، وأحضره إلي فاس في السنة 734 قتله فصدأ وخنقأ . ( الاعلام 214/5 ونفح الطيب 155/5-156).

ص: 38

الفصل الرابع: القتل بقصف الظهر

في السنة 126 تسلم يوسف بن عمر الثقفي ، أمير العراق لهشام وللوليد بن يزيد، خالد بن عبدالله القسري ، سلفه في حكم العراق ، وعذبه ، وقتله بأن وضع قدميه بين خشبتين ، وعصرهما حتي انقصفتا، ثم رفع الخشبتين إلي ساقيه ، وعصرهما حتي انقصفا، ثم إلي وركيه ، ثم إلي صلبه ، فلما انقصف صلبه مات ، وهو في كل ذلك لا يتأوه ، ولا ينطق ( وفيات الأعيان 229/2 ).

وفي السنة 283 قتل السلطان أحمد بن هولاكو، بقصف ظهره ( الحوادث الجامعة 436).

أقول : تسلطن أحمد عند وفاة أخيه أباقا بن هولاكو، في السنة 980 ، وكان اسمه تكودار ، فلما تسلطن أعلن إسلامه ، وتسمي بأحمد . فتغير عليه بعض قواده لما أسلم ، وخرج عليه أرغون بن أبانا أخيه ، وكان أرغون علي خراسان ، فانتصر أحمد ، وأسر أرغون ، ولكنه أهمل التوثق منه ، فأطلقه بعض القواد ، وقصدوا أحمد، ففر منهم ، وقبضوا عليه ، وقتلوه ، فكانت سنه لما قتل بضعة وعشرين سنة . (تاريخ أبي الفداء 16/4 -17 وشذرات .الذهب 381/5 ) .

ص: 39

ص: 40

الفصل الخامس: القتل ببقر البطن

البقر : الفتح ، والشق ، والتوسيع، ويصرف إلي شق البطن ، والبقير من النوق : التي شق بطنها عن ولدها .

وأول ما بلغنا عن هذا اللون من العذاب ، مارسه عبيدالله بن زياد ، بميثم التمار ، أحد رجال الشيعة ، إذ أمر به فعلق علي خشبة ، ثم أمر به أن يلجم ، ليحول بينه وبين الكلام ، وفي اليوم الثالث ، أمر به فبقرت بطنه بحرية ، فسال أنفه وفمه دما ، ومات . ( تاريخ الكوفة 284- 287).

وأغار الجحاف وأصحابه علي بني تغلب ، فقتل الرجال ، وبقر بطون الحوامل ، وقتل من لم تكن حاملا، راجع تفصيل ذلك في هذا الكتاب في الباب التاسع عشر « المرأة ، الفصل الخامس و الوان أخري من القتل .

ومارس هذا اللون من العذاب ، من بعده ، أسد القسري ، أمير خراسان ، فإنه بعث إلي أهالي التبوشكان جندة ، بقيادة الكرماني ، فنزلوا علي حكمه ، فحكم ببقر بطون خمسين منهم ، وألقاهم في نهر بلخ ( الطبري 337/7 ).

وفي السنة 130 تصدي ابنا جمانة المراديان باليمن ، لعبد الملك بن محمد بن عطية ، أحد قواد مروان الجعدي ، وقتلاه ، فقصدهم الوليد بن عروة ، ابن أخي عبد الملك ، وقتل منهم مقتلة عظيمة ، وبقر بطون النساء ،

ص: 41

وقتل الصبيان ، وحرق بالنار من قدر عليه منهم ( ابن الأثير 391/5 - 392۔ 402)

وفي السنة 315 هجم قوم من جند مرداويج ، عليه ، وكان في الحمام ، فقاتلهم بكرنيب فضة كان في يده ، فشق بعض الأتراك المهاجمين بطنه ، ولما خرجت حشوته ، ظن أنه قتله ، فلما خرج إلي أصحابه ، قالوا له : اين رأسه ؟ وعادوا لح رأسه ، فوجدوه قد قام بين سريرين في الحمام ، ورد حشوة بطنه وأمسكها بيده ، وكسر جامة الحمام ، وأعانه قيم الحمام ، وهم بالخروج من ذلك الموضع إلي سطح الحمام ، فحوا رأسه ( تجارب الأمم 163/1 ).

وقتل الحاكم الفاطمي ، بمصر ، ركابية له ، بحربة في يده ، وتولي شق بطنه بيده ( النجوم الزاهرة 58).

وفي السنة 620 قتل جنديان أخوان، ببغداد طبيب الخليفة الناصر ، واسمه صاعد بن هبة الله ، فأخذا إلي موضع الجريمة وشق بطناهما ، وصلبا ( تاريخ الحكماء 213- 214).

ص: 42

الفصل السادس: القتل بدق المسامير في الآذان

ومن ألوان العذاب التي تدل علي القسوة ، دق المسامير أو الأوتاد في الأذان .

وأول من مارس هذا اللون من العذاب ، علي ما بلغنا عمرو بن الليث الصقار ، فإنه انتبه ذات ليلة ، فوجد أحد غلمانه ، من الحراس ، واقفا وقد أغفي ، فجعل مرفقه علي صماخ أذنه ، وغمز عليه حتي قتله، راجع تفصيل القصة في كتاب نشوار المحاضرة وأخبار المذاكرة للتنوخي في القصة رقم 66/3).

وعذب ابن السلار ، الموقق ، بأن دق في أذنه مسمارة ، فقتله ، وتفصيل القصة أن أبا الحسن علي بن السلار ، الملقب بالملك العادل ، وزير الظافر الفاطمي ، كان قبل الوزارة ، من آحاد الأجناد ، فدخل يوما إلي الموقق ، أبي الكرم التنيسي ، وكان يتولي الديوان ، فشكا إليه من غرامة ألزم بها ، فقال له الموفق : إن كلامك هذا ما يدخل في اذني ، فحقدها عليه ، وطلبه لما استوزر ، حتي ظفر به ، فأمر بإحضار لوح خشب ومسمار طويل ، وأمر به فألقي علي جنبه ، وطرح اللوح تحت أذنه ، ثم ضرب المسمار في الأذن الأخري ، وصار كلما صرخ يقول له : دخل كلامي في أذنك أم لا ؟ حتي مات . ( وفيات الأعيان 417/3).

وكان الأمير سيف الدين الناصري (ت 738) مشد الدواوين بمصر ، يعذب الناس بضرب الأوتاد في آذانهم . ( الوافي بالوفيات 348/9 ) .

ص: 43

ص: 44

الفصل السابع: القتل بطرح الإنسان للسباع

كان هذا اللون من العذاب ، يمارس منذ أقدم الأزمنة ، بطرح الأسير للسباع ، تفترسه ، أو للكلاب. تنهشه ، أو للفيلة ، تعذبه أو تقتله .

وأقدم ما بلغنا عن هذا اللون من العذاب ، ما كان يجري في حفلات الرومان التي يجمعون فيها بين الحيوانات المفترسة ، وبين الأسري .

أما في العهد الإسلامي ، فإن أول من مارس هذا اللون من العذاب ، الحجاج بن يوسف الثقفي ، السيء الصيت ، فإنه حبس الزاهد ، ابراهيم بن يزيد التيمي ، ومنع عنه الطعام، ثم أرسل عليه الكلاب في السجن تنهشه ، حتي مات ( اللباب 190/1 ).

ويروي أن الرشيد، قتل يحيي بن عبدالله العلوي ، بأن أجاع السباع ثم طرحه إليها ، فأكلته ( مقاتل الطالبيين 482).

وجيء للمعتصم ، برجل قد رمي ببدعة ، فأمر به فألقي للسباع ، ( مروج الذهب 445/2 ).

وأمر بحكم ، أمير الأمراء ، بأن يطرح أربعة أشخاص ، للسباع ، فطرحوا إليها في البركة التي بناها بالنجمي، ببغداد في الجانب الغربي . ( الأوراق للصولي ، اخبار الراضي والمتقي 144).

ص: 45

وغضب المعتضد علي أحد وزرائه ، لما ظهر عليه أنه تعشق فتاة ، فأغري بعض الشهود ، فشهدوا بأنه قد تزوجها، فأمر المعتضد بصلب الشهود ، وأن يوضع الوزير في جلد ثور طري السلخ ، وأن يضرب بالمزارب حتي يختلط عظمه بلحمه ، ثم مر أن يرمي للسباع ، فألقي إلي النمور ، فأكلت لحمه ، ولعقت دمه ( تحفة المجالس للسيوطي 311 - 314) .

وفي السنة 367 حمل ابن بقية ، وزير عز الدولة بختيار ، إلي عضد الدولة ، وكان ناز بالزعفرانية ، فشهر في العسكر علي جمل، ثم طرح بباب حرب إلي الفيلة ، وأضربت عليه ، فقتلته ، وصلب علي شاطيء دجلة في رأس الجسر بالجانب الشرقي ثم نقل إلي الجانب الغربي بحضرة البيمارستان العضدي ( تجارب الأمم 380/2 ووفيات الأعيان 119/5 ).

وفي السنة 369 أخذ عضد الدولة ، عبد العزيز بن محمد المعروف بالكراعي ، أسيرة ، وكان قد قصد البصرة ليستولي عليها ، فثار به أصحاب عضد الدولة ، وأسروه وشهر بالبصرة ، وعوقب ، ثم أنفذ إلي بغداد ، فشهر منصوبا علي نقنق في سفينة ، وعلي رأسه برنس ، ثم طرح الي الفيلة ، فخبطته ، وصلب إلي جانب ابن بقية . ( تجارب الأمم 414/2 ) .

وذكر التنوخي ، في نشوار المحاضرة ، في القصة المرقمة92/8 أن الفيل في الهند ، يقوم مقام الجلاد ، فإذا أرادر الملك قتل إنسان ، سلمه إلي الفيل ، فيكلمه الفيال في أن يقتله ، فيقتله بألوان من القتل ، منها : أنه ربما لف خرطومه علي رجل الرجل، ويضع إحدي يديه علي ساق الرجل الأخري ، ثم يعتمد عليه ، فإذا هو قد خرق الرجل بنصفين ، من أوله إلي آخره ، وربما ترك الرجل ، وأستعرضه بالعرض ، ثم وضع يده علي بطنه ، فيسحقه .

ووصف ابن بطوطة ، كيفية حصول ذلك ، فذكر أن ثمة فيلة تدرب علي ذلك ، وتكسي أنيابها حدائد مسنونة ، تشبه سكك الحرث ، ولها أطراف

ص: 46

كالسكاكين ، ويركب الفيال علي الفيل ، فإذا رمي بالرجل بين يديه ، لفت خرطومه عليه ، ورمي به في الهواء ، ثم يتلقفه بنابيه ، ويطرحه بعد ذلك بين يديه ، ويجعل يده علي صدره ، ويفعل به ما يأمره به الفيال ، علي حسب ما أمره به السلطان ، فإن أمره بتقطيعه ، قطعه الفيل قطعأ بتلك الحدائد ، وإن أمر بتركه ، تركه مطروحا ، فسلخ ( مهذب رحلة ابن بطوطة 101/2 ).

وفي السنة 449 توجه السلطان طغرلبك السلجوقي ، إلي نصيبين ، وبعث هزارسب في ألف من جنده ، فحارب الأعراب ، وقتل منهم ، وأسر ، وحمل الأسري إلي السلطان ، فلما أحضروا بين يديه ، قال لهم : هل وطئت لكم أرض ، أو أخذت لكم بلدأ ؟ قالوا : لا ، قال : لم أتيتم لحربي ؟ ، وأحضر لهم الفيل فقتلهم جميعا ، إلا صبيا أمرد امتنع الفيل عن قتله ، فعفا عنه السلطان . ( ابن الأثير628/9 ).

وفي السنة 488 جرح السلطان بركياروق ، جرحه سجزي كان ستريا علي بابه ، فأخذ الجارح ، وأقر علي رجلين آخرين ، فأحضرا ، وقررا ، فأعترفا ، ولم يقرا علي من أمرهما بذلك ، فترك أحدهما تحت يد الفيل ، ثم قتلوا . (التنظيم 86/9 و87 والكامل لابن الأثير 251/10 و252 ).

ولما خالف الأمير عين الملك ، علي السلطان محمد بن تغلق ، سلطان الهند ، وأنكسر جيشه ، ووقع أسيرة في يد السلطان ، أحضره السلطان بعد المغرب ، وجيء باثنين وستين رجلا من كبار أصحاب عين الملك ، وجيء بالفيلة ، فطرحوا بين أيديها ، فجعلت تقطعهم بالحدائد الموضوعة علي أنيابها، وترمي بعضهم إلي الهواء، ثم تتلقفه ، والأبواق ، والأنقار ( النقارات ) والطبول ، تضرب عند ذلك ، وعين الملك ، واقف يعاين مقتلهم ، ويطرح من أشلائهم عليه ، ثم أعيد إلي محبسه . (مهذب رحلة ابن بطوطة 2/ 110).

ص: 47

وحدث أن تأمر ابن أخت الوزير خواجه جهان ، مع أمراء آخرين ، علي قتل خاله ، والفرار إلي الشريف الثائر ببلاد المعبر، وانكشف أمرهم ، فبعث بهم الوزير إلي السلطان محمد بن تغلق ، سلطان الهند ، فأفرد السلطان ابن اخت الوزير عن رفاقه وبعث به إلي خاله ، أما الباقون فطرحوا للفيلة «المعلمة قتل الناس فقتلتهم، أما ابن أخت الوزير ، فإن خاله أمر به فطرح للفيلة ، ثم سلخ جلده ، وحشاه تبنا ( مهذب رحلة ابن بطوطة 101/2 و169).

وفي السنة 741 أفسد المعازبة ، بالتهائم ، في اليمن ، فهاجمهم السلطان المجاهد، صاحب اليمن ، وقتل منهم عدة مستكثرة ، ورمي بعضهم للفيلة ، وغرق الباقين ، في البحر ، ثم آل أمرهم ألي أن شيخ عليهم امرأة يقال لها : بنت العاطف ، وكساها ، فكانت تركب دابة من الحمر ، أو ناقة ، وتقود المعازبة بأسرهم ( الضوء اللؤلؤية 69/2 ).

وفي السنة 745 مات زين الدين البدوي ، وهو أموي النسب ، ولد سنة 685 وذكر عنه أنه كان بالمستنصرية ببغداد ، واتهمه ملك التتار بمكاتبة المصريين ، فألقاه وآخر من أصحابه إلي الكلاب ، فأكلت الكلاب رفيقه ، ولم تؤذه ، فأطلقوه ، ثم قدم دمشق ، واتفقت له كائنة ، فسجن بقلعة دمشق ، وكان الشيخ ابن تيمية قد سجن فيها، وأقام مسجونا بعده خمس سنين ثم أطلق ( الدرر الكامنة 257/3 و 258 ).

وفي السنة 803 حصر تيمورلنك دمشق ، وانتشرت عساكره في ظاهرها، تتخطف الناس ، وكان تيمور يلقي من ظفر به تحت أرجل الفيلة ( شذرات الذهب 7/ 64 ) .

وفي السنة 803 قتل تيمورلنك الأمير سودون ، قريب الظاهر برقوق ، وكان نائب السلطنة بالشام ، فلما استولي تيمورلنك علي دمشق ، أحضره ، ووبخه لأنه قتل رسول تيمورلنك إليه ، ثم أمر بتعذيبه ، وأمر بإلقائه تحت الفيلة فقتل ولم يتعد الثلاثين من عمره ( الضوء اللامع 284/3 ) .

ص: 48

ولما ثار الأمير علي قلي خان زمان ، علي السلطان أكبر ، سلطان الهند، وحاربه أكبر ، وانتصر عليه ، أمر بالاسري من جيش قلي خان ، فطرحوا للفيلة ، فمزقنهم ، وكانت هذه عادة متبعة في الهند. ( الاسلام والدول الاسلامية في الهند 69 ).

وذكر أن السلطان جهانكير سلطان الهند، كان يتلهي ، بأن يحضر بعض الرجال ، ثم يطلق عليهم السبع ، ولا يبرح المكان حتي يظفر برؤية الرجل مقطعة إربا . (الاسلام والدول الاسلامية في الهند 89).

وروي القبطان هوكز الانكليزي ، أن السلطان جهانكير ، سلطان الهند 1014- 1037 ( 1605 - 1627 م) كان شديد القسوة ، وكان مما يسر له أن يري الأفيال ، وهي تقطع المحكوم عليهم إربأ . ( الاسلام والدول الاسلامية في الهند 89).

وكان سنتاجي ، مستشار دولة الماهراتا في الهند ، قوي الشخصية شديد التمسك بالنظام ، وكان يأمر بمن ارتكب أقل هفوة ، فيلقي تحت أرجل الفيلة . ( الاسلام والدول الاسلامية في الهند 162).

ص: 49

ص: 50

الفصل الثامن: القتل بالطرح من شاهق

التعذيب بالطرح من شاهق ، لون من ألوان العذاب التي مارسها المتسلطون من القديم ، وأول ما بلغنا عن هذا اللون من العذاب ما صنعه النعمان ، أحد ملوك العرب ، بسنمار ، فقد بني له قصرة لا مثيل له ، وخشي النعمان أن يبني مثله لغيره ، فأمر به فألقي من أعلي القصر، فقال الناس ، في مقابلة الحسنة بالسيئة : جازاه جزاء سنمار ، وذهبت مثلا .

وقد مارس هذا اللون من العذاب ، عبيد الله بن زياد ، فإنه رمي قيس بن مسهر ، من أعلي القصر ، فتقطع ( تاريخ الكوفة 273 ) .

أقول : لما قصد الحسين العراق في السنة 60 بعث في مقدمته قيس بن مسهر الصيداوي رسولا ، فأخذ وحمل إلي ابن زياد ، فقال له عبيد الله بن زياد : إصعد إلي القصر ، وسب الكذاب بن الكذاب ، فصعد ، وقال : أيها الناس ، إن الحسين بن علي ، خير خلق الله ، ابن فاطمة بنت رسول الله ، وأنا رسوله إليكم ، فأجيبوه ، ولعن عبيد الله بن زياد وأباه ، فأمر به عبيد الله فألقي من أعلي القصر ، فتقطع ومات ، وعلم الحسين بخبره من مجمع بن عبد الله العائذي . من أهل الكوفة ، لما أخبره بحقيقة حال أهل الكوفة ، فقال : أما أشراف الناس فقد أعظمت رشوتهم ، وملئت غرائرهم ، يستمال ودهم ، وتستخلص نصيحتهم ، فهم إلب واحد عليك ، وأما سائر الناس بعد ، فإن افئدتهم تهوي إليك ، وسيوفهم غدا مشهورة عليك ، أما رسولك

ص: 51

قيس بن مسهر ، فقد أخذه الحصين بن تميم ، فبعب به إلي ابن زياد ، فأمره ابن زياد أن يلعنك ويلعن أباك ، فصلي عليك وعلي أبيك ، ولعن ابن زياد وأباه ، ودعا إلي نصرتك ، وأخبرهم بقدومك ، فأمر به ابن زياد، فألقي من طمار القصر ( الطبري 405/5 ).

وظفر عبيد الله بن زياد ، في السنة 60 برسول آخر بعث به الحسين إلي الكوفة ، لما قصد العراق ، وهو أخوه من الرضاعة ، عبد الله بن بقطر ، فأخذه الحصين بن تميم بالقادسية ، وبعث به إلي ابن زياد ، فقال له عبيد الله : اصعد فوق القصر ، والعن الكذاب بن الكذاب ، ثم انزل حتي أري فيك رأيي ، فصعد ، فلما أشرف علي الناس ، قال : أيها الناس ، إي رسول الحسين بن فاطمة بنت رسول الله صلي الله عليه وسلم ، لتنصروه ، وتؤازروه ، علي ابن سمية الدعي ، فأمر به عبيد الله ، فألقي من فوق القصر إلي الأرض ، فكسرت عظامه ، وبقي به رمق ، فأتاه عبد الملك بن عمير اللخمي ، فذبحه ، فلما عيب ذلك عليه ، قال : إنما أردت أن أريحه ( الطبري 398/5)

ولما أسر عبيد الله بن زياد مسلم بن عقيل ، أحضره أمامه ، وقال له : قتلني الله أن لم أقتلك قتلة لم يقتلها أحد من الناس في الإسلام ، ثم أمر به فأصعدوه إلي أعلي القصر ، حيث رمي به من شاهق ، فقال فيه الشاعر : ( مقاتل الطالبيين 107 و108 وابن الأثير 35/4 و 36 ).

إذا كنت لا تدرين ما الموت فانظري**** إلي هانيء في السوق وابن عقيل

إلي بطل قد هشم السيف وجهه**** وآخر يهوي من طمار قتيل

وكان عبيد الله بن زياد ، إذا غضب علي رجل ، ألقاه من فوق قصر الكوفة . ( أنساب الاشراف 84/2/1 ).

وقدم ابن عائشة ( المغني ) من عند الوليد بن يزيد بالشام ، فدعا به

ص: 52

إبراهيم بن هشام المخزومي ، أمير المدينة ، وسأله المقام عنده ، فأجاب ، فلما أخذوا في شربهم ، أخرج المخزومي جواريه، فنظر إلي ابن عائشة وهو يغمز جارية منهن ، فقال لخادمه ، إذا خرج ابن عائشة يريد حاجته ، فآرم به ، فلما قام ليبول ، رمي به الخادم من فوق السطح ، فمات . ( الاغاني 236/2 ) . والوافي بالوفيات 182/3 ).

وكان عبد الله بن معاوية بن عبد الله بن جعفر ، من أقسي الناس قلبا ، غضب علي غلام له ، وهو جالس في غرفة بإصبهان ، فأمر بأن يرمي به منها إلي أسفل ، ففعل به ذلك ، فسقط ، وتعلق بداربزين كان علي الغرفة ، فأمر بقطع يده التي أمسك بها ، فقطعت ، وخر الغلام يهوي ، حتي بلغ الأرض ، فمات . ( الاغاني 232/12 ومقاتل الطالبيين 163).

وفي السنة 250 رمي أبو العبر محمد بن أحمد العباسي من فوق سطح ، فقتل ، وكان شديد الميل علي العلويين والهجاء لهم ، قتل بقصر ابن هبيرة ، وقد خرج لأخذ أرزاقه من هناك ، فسمعه قوم من الشيعة يتنقص علي عليه السلام ، فرموا به من فوق سطح فمات ( معجم الأدباء 271/6 ) .

وطولب محمد بن جعفر بن الحجاج ، ونصب علي دقل ، وجعل في رأس الدقل بكرة ، فيها حبل ، وشدت يدا ابن الحجاج في الحبل، ورفع إلي أعلي الدقل ، ثم أرسل مرة واحدة فسقط علي الشخص القائم بتعذيبه ، فقتله ( الوزراء للصابي 138).

وفي السنة 316 استولي أسفار الديلمي علي طبرستان ، ثم استولي علي قزوين وآذي أهلها ، فدعوا عليه في الصحراء ، فسمع مؤذن الجامع يؤذن ، فأمر به فألقي من المنارة إلي الأرض . ( ابن الأثير 193/8 ).

وفي السنة 342 اتهم صاحب قلعة سميرم ، طباخة خاصة بالمرزبان

ص: 53

صاحب أذربيجان ، وكان معتق عنده ، فأمر بالطباخ ، فرمي من قلة القلعة ، فهلك ( تجارب الأمم 151/2 ).

وفي السنة 382 أوجس أبو علي بن مروان ، من أهالي ميافارقين شرا ، وكانوا قد استطالوا علي أصحابه ، فأمسك عنهم إلي يوم العيد ، فخرجوا إلي الصحراء ، فلما تكاملوا خارج البلد ، أخذ أبا الصقر شيخ البلد وألقاه من أعلي السور ، وقبض علي من كان معه ، وأغلق أبواب البلد ، وأمر أهل ميا فارقين ، أن ينصرفوا حيث شاءوا ، ولم يمكنهم من العودة إلي البلدة ، فذهبوا كل مذهب ( ابن الأثير 72/9 ).

ولما حاصر أبو الفضل بن العميد، قلعة خست ، بنواحي نيسابور ، جد المحصورون في محاربته ، فأسر منهم خمسين رجلا ، وأراد أن يقتلهم قتلة يرهب بها من في القلعة ، فأمر بالأساري ، فرمي بهم من رأس الجبل الذي عليه القلعة ، فكان الواحد منهم يصل إلي القرار قطعأ ، راجع التفصيل في القصة 397 من كتاب الفرج بعد الشدة للقاضي التنوخي ، وكيف نجا من هؤلاء غلام ما بقل وجهه ، رماه من الجبل مرتين فلم يلحق به مكروه .

وفي السنة 490 فتح الصليبيون القدس ، فجمعوا اليهود في الكنيس وأحرقوهم ، أما المسلمون فقد قتلوا منهم سبعين ألفأ ، رموا قسما منهم من أعالي البروج والبيوت ، وذبحوا الباقين . ( خطط الشام 282/1 ).

وفي السنة 507 تسلطن بحلب ، ألب أرسلان بن رضوان بن تتش السلجوقي ، فاستأصل الباطنية ، واستصفي أموالهم ، ورمي قسمأ منهم من أعلي القلعة ( اعلام النبلاء 415/1 ) .

وفي السنة 529 اتهم الأمير حسن بن الحافظ الفاطمي أحد الأستاذين من خدم أبيه الحافظ ، بالتآمر عليه ، فأمر به فأصعد إلي أعلي القصر الغربي ورمي به فقتل ( خطط المقريزي 18/2 ).

ص: 54

وفي السنة 538 أخذ ببغداد رجل يقال أنه فسق بصبي ، فحبس في جب ، ثم رقي إلي رأس منارة سعادة، ثم رمي به إلي الأرض ، فهلك ( المنتظم 108/10 ).

وفي السنة 550 ثار أهالي غزنة علي سيف الدين الغوري ، رغم إحسانه إليهم ، وأسروه ، وصلبوه ، بعد أن سودوا وجهه ، وأشهر وه راكبا علي بقرة ، فتجهز علاء الدين الحسين ، ملك الغور ، أخو سيف الدين ، وقصد غزنة ، وفتحها عنوة ، وأخذ الذين أعانوا علي أخيه ، فعاقبهم بألوان من العقوبات ، وألقي بعضهم من رؤوس الجبال ( ابن الأثير 11/ 164 - 170)

وذكر ابن الأبار ، في تحفة القادم ، أن إبراهيم بن أحمد بن همشك (ت 572 ) ، كان قد ملك في الفتنة جيان ، وشقورة ، وكثيرا من أعمال غرب الأندلس ، وكان يعذب الناس بالتعليق ، والتحريق ، ولا يتناهي عن منكر فعله من رميهم بالمجانيق ، ودهنهتهم كالحجارة من أعالي النيق ، فقال فيه الشاعر : ( الوافي بالوفيات 214/1 ) .

همش ضم من حر**** فين من هم وشك

فعين الدين والدنيا ****لإمرته أسئ تبكي

وإبراهيم هذا ، هو إبراهيم بن أحمد بن مفرج ، وكان مفرج نصرانية من قشتالة ، أسلم علي يد أحد بني هود ، وكانت إحدي أذنيه مقطوعة ، فكان الأسبان ، إذا رأوه في المعركة ، عرفوه من أذنه المقطوعة ، وقالوا بالاسبانية : همشك ، أي المقطوع الأذن ، وآتصل إبراهيم بيحيي بن غانية ، وأستقل بحصن شقوش ، وتغلب علي شقورة ، وصاهر محمد بن مردنيش ، تزوج آبنته ، ثم خدم الموحدين ، وقدم مراكش في السنة 571 وأقام بمكناس حتي مات ، وكان جبارة قاسية ، عظيم العبث بالخلق ، يحرقهم بالنار ، ويطرحهم

ص: 55

من الشواهق ، لزيادة التفصيل راجع ما كتبناه عنه في الفصل العاشر من هذا الكتاب . ( الاعلام 5/10) .

ولما استولي الصليبيون علي بيت المقدس ، ارتكبوا جرائم لم يسبق لها نظير ، دفعهم إليها التعصب الأعمي ، إذ كانوا يكرهون المسلمين علي إلقاء أنفسهم من أعالي البيوت والبروج ، ويجعلونهم طعاما للنار ، ويخرجونهم من الأقبية وأعماق الأرض ، ويجرونهم في الساحات ، ثم يقتلونهم ( خطط الشام 282/1)

في السنة 642 قبض بدمشق علي قاضي القضاة أبي حامد عبد العزيز بن عبد الواحد بن اسماعيل ، الملقب برفيع الدين ، وحمل إلي بعلبك علي بغل بغير أكاف ، ثم بعث به إلي مغارة في جبل لبنان ، من ناحية الساحل ، وأرسل إليه شاهدا عدل ببيع أملاكه ، وأوقف علي رأس القلعة ، فقال : دعوني حتي أصلي ركعتين ، فأطال ، فرفسه داود سياف النقمة ، فوقع ، فما وصل إلي الماء ، إلا وقد تقطع ( شذرات الذهب 215/5 ) .

وعزم السلطان محمد بن تغلق سلطان الهند ، علي الإنتقال من دهلي ، فاشتري من أهليها جميعا دورهم ، ومنازلهم ، وأمرهم بالإنتقال عنها ، وعين لهم موعدا ثلاثة أيام ، وبعد انتهاء المهلة ، أمر بالبحث عن بقي من أهليها، فوجد عبيده في أزقتها رجلين ، أحدهما مقعد ، والأخر أعمي ، فأتوه بهما فأمر بالمقعد فرمي به في المنجنيق ، وأمر أن يجر الأعمي من دهلي إلي دولة آباد ، مسيرة أربعين يوما ، فتمزق في الطريق ، ووصل منه رجله ( رحلة ابن بطوطة طبعة صادر 479) .

وفي السنة 978 حبس الزيديون في السجن بحصن حب باليمن ، قاضي رومية ( عثمانيا ) وشفلوت حبجيا ، وكان موضع حبسهما قريبة من مخزن البارود ، فحاولا إتلاف البارود ، وعمدا إلي هرة ، فربطا في ذنبها فتيلة في

ص: 56

آخرها ( شقاقة ) وأشعلوا الشقاقة ، وألقوا بالهرة في مخزن البارود ، فأحترق ، وهد جانبا من القلعة ، وأدرك صاحب القلعة إن ذلك كان من صنعهما، فأمر بهما ، فكتفا ، ثم ألقي بهما من أعلي الحصن ، فتكسرت عظامهما، وتمزقت أشلاؤهما ( البرق اليماني 439) .

وفي عهد السلطان أكبر شاه ، سلطان الهند ( حكمه 963 - 114)، ارتكب أدهم خان ، ابن مربيته ، جريمة قتل شمس الدين ، رئيس وزراء أكبر ، أمام السلطان ، فأمر بأن يحمل وأن يرمي به من أعلي البناء ، فقتله ( الاسلام والدول الاسلامية في الهند 66).

ص: 57

ص: 58

الفصل التاسع: القتل بتحطيم الرأس

ويحصل بكسر عظام الرأس ، حتي ينتشر الدماغ ، إما بضرب الرأس بالأرض ، أو بتحطيمه بالحجارة ، وهذا اللون من العذاب ، يدل علي قسوة بالغة ، وهو لون قليل الممارسة .

وأول ما بلغنا عنه ، إن قوما من كرمان ، يقال لهم القفص والبلوص كانوا يمارسون تحطيم رؤوس أسراهم ، بعد الاستيلاء علي موجوداتهم ، ذكر ذلك المقدسي (ت 380 ) في أحسن التقاسيم ( ص 488 و489) فقال : إن في بلاد كرمان ، قومأ يقال لهم القفص ، لا خلاق لهم ، وجوههم وحشة ، وقلوبهم قاسية ، لا يبقون علي أحد ، ولا يقنعون بالمال حتي يقتلوا من ظفروا به بالأحجار ، كما تقتل الحيات ، تراهم يمسكون رأس الرجل علي بلاطة ، ويضربونه بالحجارة حتي ينصدع ، وقد سألتهم عن ذلك ، فقالوا : لا تفسد سيوفنا ، ولا يفلت منهم أحد، إلا ماندر ، وكان البلوص أشد منهم ، حتي أبادهم عضد الدولة ، وأنكي في هؤلاء أيضا ، وهم إذا أسروا الرجل ، أمروه بالعدو ( الركض ) معهم نحو عشرين فرسخا ، حافي القدم ، جائع الكبد ، وسمعت من جماعة من التجار : إن هؤلاء عندهم أن ما يظفرون به من أموال التجار ، حق لهم ، لأنهم لا يزكون أموالهم .

ووصف الوزير أبو شجاع الروذراوري (ت 488 ) في كتابه ذيل تجارب الأمم ( ص 58 ) كيفية تخلص عضد الدولة من القفص والبلوص ، فقال :

ص: 59

إن عضد الدولة حين أوغل في بلاد كرمان ، في السنة 364 لتنظيفها من القفص والبلوص ، انتهي إليه إن قوما منهم بيوتهم من وراء جبل ، بحيث لا يمكن الوصول إليهم ، إلا بعد سلوك مضيق إذا وقف فيه عدد قليل منهم ، منع عسكرأ كثيرة ، فلما أيس من الوصول إليها بالقوة ، أعمل الفكر في الحيلة ، وراسلهم ، بأني لا أنصرف عنكم إلا بإتاوة ، فقالوا : ما لنا مال نؤديه إليك ، فقال : أنتم أصحاب صيد، وأريد من كل بيت كلبأ ، فهان عليهم ذلك ، فأنفذ من عد بيوتهم ، فأخذ منهم كلابأ بعددها ، ومن شأن الكلب أن يلوذ بصاحبه ، ويبصبص له ، وحوله ، ويحتك به ، ويألف بيته ، حتي أنه إذا أفلت من فراسخ كثيرة ، عاد إلي مربضه ، فأمر أن يشد في أعناقها حلق النفط الأبيض ، وتجتمع عند مضيق الجبل ، ثم تضرب النار في النفط ، ويخلي سبيلها ، ويتبعها العسكر ، ففعلوا ذلك ، وأسرعت الكلاب عدوا ، وأحس القوم بركوب العسكر ، فلقوهم في المضيق ، وطلب كل كلب صاحبه ، لائذا من حرق النار ، فكلما احتك برجل سرت النار إليه ، وأفرجوا عن الطريق ، والكلاب تتبعهم ، وتعدت النار إليهم ، فاحترق عدد كثير منهم ، وهجمت الكلاب علي البيوت ، فخلا أهلها ، وأسرع العسكر وراءهم ، ووضعوا السيف فيهم ، وأستأصلوا شأفتهم.

وفي السنة 602 قتل ابن الدباغ ، ببغداد ، أمه ، وسبب ذلك أنها كتبت له دارا ، فطلب منها الكتاب ، فلم تسلمه إليه ، فظل يضرب رأسها بالأرض حتي ماتت ، فأخذ، وتسلمه الشحنة ، وحمل إلي باب الأميرية ببغداد ، وضرب رأسه بالأرض ، وهو يستغيث ، حتي مات ( الجامع المختصر 167).

وبلغ السلطان قطب الدين ، سلطان الهند (ت 607) أن بعض الأمراء ، علي الخلاف عليه ، وتولية ابن أخيه خضر ، وهو صبي له عشرة أعوام ، فأمسك قطب الدين بالصبي ، وضرب برأسه الحجارة ، حتي نثر دماغه . (مهذب رحلة ابن بطوطة 43/2 ) .

ص: 60

الفصل العاشر: القتل بتمزيق البدن

ويتم هذا اللون من العذاب ، بأن يربط البدن ، من طرفيه ، ثم يجذب كل طرف إلي جهة ، جذب عنيفة ، فتتمزق أوصال البدن تبعا لقوة الجذب .

وأول من مارس هذا اللون من العذاب ، طاهر بن الحسين ، القائد المعروف ، فإن حمزة الخارجي ، دخل في السنة 180 إلي بوشنج ، وهي بلدة طاهر بن الحسين ، فانتهي إلي مكتب فيه ثلاثون غلاما ، فقتلهم ، مع معلمهم ، فغضب طاهر ، وكان يلي بوشنج ، فأتي بلدة فيها قعدة الخوارج ، فقتلهم ، وكان يشد الرجل منهم في شجرتين يجمعهما، ثم يرسلهما ، فتذهب كل شجرة بجزء منه ( ابن الأثير 151/6 ).

وكان من جملة ألوان العذاب التي يعذب بها إبراهيم بن محمد بن همشك ، صاحب شقورة ، رعاياه ، أن يربط الواحد مهم إلي أغصان شجرتين مضموتين ، ثم يطلقهما، فتذهب أغصان كل شجرة بقسم من الاعضاء .

أقول : ذكر الوزير لسان الدين بن الخطيب ، إبراهيم هذا ، في كتابه الإحاطة في أخبار غرناطة (305-311 ) وقال عنه : إنه كان رئيسا ، جريئا ، شجاعا ، مقداما ، شديد الحزم ، سديد الرأي ، عارفأ بتدبير الحروب ، حمي الأنف ، عظيم السطوة ، مرتكب للعظائم ، وكان جبارة

ص: 61

قاسية ، فظا ، غليظ ، شديد النكال ، عظيم الجرأة ، والعبث بالخلق ، كان يعذب ، ويحرق بالنار ، ويقذف الناس من الشواهق والأبراج ، ويخرج الأعصاب والرباطات عن الظهور ، وكان يضم أغصان الشجر العادي، بعضها إلي بعض ، ويربط الإنسان بينها ، ثم يطلقها، فيذهب كل غصن بقسم من الأعضاء ، وفي السنة 556 حصر غرناطة ، وفتحها عنوة ، وأسر من جندها جماعة ، فأفحش فيهم المثلة ، بمرأي من إخوانهم المحصورين ، ثم نهد إليه جيش من مراكش، فطرده عن غرناطة، ثم حاربه صهره الأمير محمد بن مردنيش، بعد أن طلق ابنته ، فآنكسر ابراهيم ، ولاذ بالموحدين في السنة 565 وأقام بمكناسة إلي أن مات .

وأمر هولاكو المغولي ، بالملك الناصر يوسف الأيوبي ، صاحب حلب فجمعت له نخلتان ، وربط بينهما ، ثم أطلقتا ، فراحت كل نخلة بشطر منه ( الغيث المسجم في شرح لامية العجم للصفدي 136/2 ).

وكان والي القاهرة علاء الدين البرواني ، المتوفي سنة 740 ظالما عسوفأ ، وكان يعلق الرجل بيديه، ويعلق الأثقال في رجليه ، فتنخلع أعضاؤه ويموت ( النجوم الزاهرة 323/9 ).

وقد مارس هذا اللون من العذاب ، بعض الأشقياء الفجار في كركوك بالعراق ، في السنة 1379 ( 1959 م) فربطوا قوما من أهالي البلدة ، كل اسير ألي سيارتين سارتا في اتجاهين مختلفين ، فذهبت كل سيارة بشطر من البدن .

ص: 62

الفصل الحادي عشر: القتل بتقطيع الأوصال

العذاب بتقطيع الأوصال بالسكين ، من أشد أنواع العذاب ، وأقواها دلالة علي القسوة .

وقد مارس هذا اللون من العذاب ، سفيان بن معاوية بن يزيد بن المهلب ، عامل البصرة للمنصور العباسي ، لما قتل عبد الله بن المقفع ، فإنه أمر بتنور فسجر ، ثم أمر بابن المقفع فقطعت أوصاله عضو عضوأ ، وألقاها في التنور وهو ينظر ، حتي أتي علي جميع جسده ( وفيات الأعيان 153 - 151/2)

أقول : قتل سفيان بن معاوية ، عامل البصرة للمنصور ، عبد الله بن المقفع ، أمره بذلك المنصور العباسي ، والسبب في ذلك إنه كتب كتاب الأمان لعبد الله بن علي ، عم المنصور ، لما لجأ عبد الله إلي أخويه عيسي وسليمان بالبصرة ، وكان ابن المقفع يكتب لهما ، فكان من جملة ما أثبته في الأمان : ومتي غدر أمير المؤمنين بعمه عبد الله ، أو أبطن غير ما أظهر ، أو تأول في شيء من شروط هذا الأمان ، فنساؤه طوالق ، ودوابه حبس، وعبيده وإماؤه أحرار ، والمسلمون في حل من بيعته ، فاشتد ذلك علي المنصور لما وقف عليه ، وسأل : من الذي كتب الأمان ؟ فقيل له : عبد الله بن المقفع كاتب عميك عيسي وسليمان ، فكتب المنصور الي عامله بالبصرة سفيان بن عيينة ، يأمره بقتله ، وكان سفيان واجدة علي ابن المقفع ، لأنه كان يعبث

ص: 63

به ، ويضحك منه دائما ، معتمدا علي صلته بعمي الخليفة ، وكان ابن المقفع قد عبث به مرة ، فغضب منه وافتري عليه ، فرد عليه ابن المقفع ردا فاحشأ ، وقال له : يا ابن المغتلمة ، فلم يتمكن منه سفيان ، لأنه كان ممتنعة ومعتصمة بعيسي وسليمان ولدي علي العباسيين ، عمي المنصور ، فلما كاتبه المنصور في أمره ، عزم علي قتله ، واستأذن عليه جماعة من أهل البصرة ، فأذن لابن المقفع قبلهم ، وعدل به إلي حجرة في دهليزه ، وجلس غلامه بدابته ينتظره علي باب سفيان ، فأدخل ابن المقفع الحجرة ، وسفيان ينتظره فيها ، وعنده غلمانه ، ونورنار يسجر ، فقال له سفيان : أمي مغتلمة ، إن لم أقتلك قتلة لم يقتلها أحد، ثم قطع أعضاءه عضوا عضوا ، وألقاها في النار ، وهو ينظر إليها ، حتي أتي علي جميع جسده ، وأطبق التنور عليه ، وخرج إلي الناس ، فلما فرغ مجلس سفيان ، ولم يخرج ابن المقفع ، مضي غلامه وأخبر عيسي وأخاه سليمان بحال سيده ، فخاصما سفيان ، فحجد دخوله إليه ، وشكياه إلي المنصور ، فتراخي في مساءلته ، وضاع دمه ( شرج نهج البلاغة 2698 و 270).

وكان رافع بن الليث بن نصر بن سيار ، خرج علي الرشيد ، ولبس البياض ، وتغلب علي بلاد ما وراء النهر ، وذلك في السنة 190 وحاربه عامل خراسان ، علي بن عيسي بن ماهان ، فكان الظفر لرافع ، فخرج إليه الرشيد في السنة 193، فلما بلغ طوس ، اشتد به المرض ، وأدخل عليه أخو رافع أسيرة ، ومعه آخر من قرابته ، فدعا الرشيد بقصاب ، وقال له : لا تشحذ مديتك، وفضله عضوا عضوة ، وعجل لئلا يحضرني أجلي ، وعضو من أعضائه في جسده ، ففضله ثم جعله أشلاء، فقال له : عد ما فصلت منه ، فأذا هو أربعة عشر عضو ، راجع التفصيل في كتاب الفرج بعد الشدة للتنوخي ، تحقيق المؤلف ، رقم القصة 308.

وفي السنة 282 قتل أبو الجيش خمارويه بن أحمد بن طولون ، صاحب

ص: 64

مصر والشام ، بدمشق ، تأمر عليه بعض خدمه ، وذبحوه وهو نائم ، وقبض علي جميع من ساهم في فعل القتل ، فمنهم من قتل وصلب ، ومنهم من شرحوا لحم أفخاذه وعجيزته ، وأكله السودان من مماليك أبي الجيش خمارويه ( مروج الذهب 506/2 ).

وبعث الحاكم الفاطمي في السنة 397 جيشة بقيادة قائده ينال الطويل ، القتال الثائر أبي ركوة ، فانتصر أبو ركوة ، وأسر ينال الطويل ، فأحضره ، وقال له : آلعن الحاكم، فبصق ينال في وجه أبي ركوة ، فأمر به أبو ركوة فقطع إربا إربا . ( النجوم الزاهرة 216/4 ).

وفي السنة 500 تقدم أحد الباطنية ، للوزير فخر الملك بن نظام الملك ، وناوله قصة ، ثم ضربه بسكين ، فقتله ، فأخذ الباطني ، وفصل علي قبر فخر الملك ، عضوا ، عضوة . ( النجوم الزاهرة 194/5 ).

وفي السنة 566 لما توفي المستنجد، وبويع ولده المستضيء ، استدعي وزير المستنجد أبو جعفر بن البلدي ، للمبايعة ، فلما دخل إلي دار الخلافة ، صرف إلي موضع ، وقطع قطعة ، وألقي في دجلة . ( ابن الأثير362/11)

وفي السنة 652 جرت محاربة بين أصحاب الشيخ عدي بن مسافر ( اليزيدية ) وبين أصحاب بدر الدين لؤلؤ صاحب الموصل ، وانتصر أصحاب بدر الدين لؤلؤ ، وقتل من أصحاب الشيخ عدي جماعة ، وأسر جماعة ، فصلب بدر الدين منهم مائة ، وذبح مائة ، وأمر بتقطيع أعضاء أميرهم ، وتعليقها علي أبواب الموصل ( الحوادث الجامعة 272 ).

وفي السنة 748 جيء إلي أرنون شاه الناصري ، بدمشق، بنصراني رمي مسلما بسهم فقتله ، فأمر بتفصيل القاتل ، فقطعت يداه من كتفيه ، ورجلاه من فخذيه ، وحر رأسه ، وحملت أعضاؤه علي أعواد ، وطيف بها ، فأرتعب

ص: 65

الناس من ذلك ، وقال الصفدي : ( الوافي بالوفيات 353/8 ) .

الله أرغون شاه**** كم للمهابة حصل

وكم بسيف سطاه**** من ذي ضلال تنضل

ومجمل الرعب خلي**** بعض النصاري مفضل

وفي السنة 782 قبض علي الأمير خليل بن عرام ، نائب الإسكندرية ، وأحضر إلي القاهرة ، فسجن ، وحضر والي القاهرة ، وعاقبه طول الليل ، وعصره في كعابه ، ثم أحضر أمام الأتابكي برقوق ، فحمل علي حمار إلي القلعة ، وجرد من ثيابه ، وضرب بالمقارع، ستة وثمانين شيبة ، ثم أن الأتابكي برقوق رسم بتسميره ، عقوبة له لقتله الأمير بركة ، وهو يقول : ما قتلته إلا بأمر برقوق ، ولكن المرسوم سرق مني ، ودقت المسامير الحديد في كفوفه ، وأركبوا علي جمل ، ونزلوا به من القلعة ، وطيف به ، فلما وصل إلي باب السلسلة ، أحاط به مماليك الأمير بركة ، وأنزلوه عن الجمل ، وقطعوه بالسيوف ، فقطع بعضهم رأسه ، ومنهم من شق بطنه وأخرج قلبه ، وجعل يمضغه بأسنانه ، وبعضهم قطع أذنيه وأكلهما . ( بدائع الزهور 275/2/1)

وفي السنة 850 حاصر جهان شاه بغداد ، وفتحها ، فاستسلم له حاكم بغداد شيخوبك وأمراءه ، وكان جهان شاه يحقد عليهم لأنهم قتلوا الأمير بايزيد بسطام جاكيري وآخرين معه من أصحابه ، فأمر جهان شاه بقتلهم جميعا ، وأمر بتسليم شيخوبك ، وجلاده المعروف بابن العربية ، إلي نساء الأمير بايزيد ، فعذبنهما بأن سحبنهما علي الشوك ، وقطعن لحومهما بالسكاكين حتي ماتا ، كما تم قتل باقي الأمراء شر قتلة ( التاريخ الغياثي 286)

ص: 66

الفصل الثاني عشر: القتل والتعذيب بالسلخ

السلخ : ( بفتح السين ) كشط الجلد .

والسلخ : ( بكسر السين ) جلد المسلوخ .

والتعذيب بسلخ الجلد ، من أشد ألوان العذاب ، وقد مارسه أناس عظيم القسوة .

وأول ما بلغنا من أخبار هذا اللون من العذاب ، ما ذكره صاحب أنساب الاشراف 239/5 عما عذب به اين كامل، أحد قواد المختار الثقفي ، زياد بن رقاد الجنبي ، أحد من شارك في مقاتلة الحسين وأصابه في معركة الطفت في السنة 60، وكان زياد هذا قد رمي فتي من آل الحسين، كانت يده علي جبهته ، فأثبت يده في جبهته، ثم رماه بسهم آخر ، ففلق قلبه ، ثم عاد فنزع أسهمه منه ، وهو ميت ، فبعث إليه المختار ، قائده ابن كامل في جماعة ، فأحاطوا بداره ، فخرج إليهم مشهرة سيفه ، فقال ابن كامل : لا تضربوه ، ولا تطعنوه ، ولكن أرموه بالنبل والحجارة ، ففعلوا ذلك حتي سقط ، ودعا له ابن كامل بنار فأحرقه بها ، ويقال أنه سلخ جلده وهو حي ، حتي مات ( أنساب الاشراف 239/5 ).

وممن سلخ جلده ، أبو نخيلة الراجز ، دس إليه المنصور العباسي ، أن ينظم شعرا في تقديم المهدي لولاية عهده ، وتنحية عيسي بن موسي ، فنظم رجزا ، ودخل علي المنصور وعيسي بن موسي حاضر ، وأنشده :

ص: 67

دونك عبد الله أهل ذاكا****خلافة الله التي أعطاكا

إنا ننظرنا لها أباكا ****ثم انتظرنا بعده إياكا

أسند إلي محمد عصاكا****فابنك ما استرعيته كفاكا

ثم أنشده رجزأ آخر منه :

ليس ولي عهدها بالأسعد****عيسي فزحلقها إلي محمد

فقد رضينا بالهمام الأمرد**** فرده منك رداء يرتدي

وبادر البيعة ورد الحشد****حتي تؤدي من يد إلي يد

فلما أنشدها المنصور ، سر وفرح ، وكتب لأبي نخيلة بمائة ألف درهم علي الري ، فخرج إلي الري لأخذها ، فوجه إليه عيسي بن موسي مولي له اسمه قطري ، فظفر به بساوة ، دخل عليه وهو في بيت خمار ، وقد ثمل، وقال له ، وقد أضجعه ليذبحه : يا ابن المومسة ، هذا أوان صر الجندب ، ثم ذبحه ، وسلخ وجهه ، وهرب غلمانه بماله ودوا به ( الهفوات النادرة 85 - 89 والأوراق للصولي 314).

أقول : إن كان الذبح قبل السلخ ، فالقصة يشملها بحث المثلة ، وإن كان السلخ قبل الذبح فهي داخلة في هذا الباب .

وقد وصف لنا التنوخي في كتابه نشوار المحاضرة ، وأخبار المذاكرة ،

كيفية سلخ الجلد ، وفقا لما مارسه المعتضد في قرطاس ، أحد رماة صاحب الزنج وهو رام بالسهم ، مشتهر بإصابته ، ومن اسمه اشتقت القرطسة ، أي الإصابة الدقيقة ، يقال : رماه فقرطسه ، وقد رمي قرطاس ، الموفق، والد المعتضد بسهم فأصاب ثندوءته ، وقال له : خذها مني وأنا قرطاس ، فذهبت مثلا ، وحمل الموفق صريعا في حد التلف ، ونزع السهم مقطنة، فبقي الزج في مكانه ، وجمع ، وانتفخ ، وأمد ( جمع مدة ) وأجمع الأطباء علي بط الجرح ، والموفق لا يمكنهم ، ثم احتالوا عليه فبطوه ، ونجا الموفق ، فلم

ص: 68

يزل المعتضد، ابن الموفق يجهد نفسه ، حتي وقع قرطاس في يده ، فأخذه ، فقد من أصابعه الخمس أوتارة ، بأن قلع أظفاره ، وسلخ جلد أصابع كفه من رؤوسها ، إلي أكتافه ، وعبر بها صلبه وكتفيه ، إلي آخر أصابعه الأخري ، وجلد بني آدم غليظ ، فخرج له ذلك ، فأمر بأن تفتل أوتارا ، وصلب بها قرطاس راجع القصة مفصلة في كتاب نشوار المحاضرة ج 1 ص 153 - 155 رقم القصة 78/1 .

وفي السنة 341 أسر معبد بن حرز الزناتي بالمغرب ، وجيء به إلي المنصورية ، وطيف به وبأبنه ، وقد أشهرا ، وقطعت يدا ولده ورجلاه وهو يري ذلك في باب أبي الربيع ، ثم صلب ، أما معبد فقد سلخ جلده وهو حي ، فلم يتحرك ، وحشي جلده تبنا ( العيون والحدائق ج 4 و 28 ص 195 ) . ( ت

ا وأحضر المعز لدين الله الفاطمي (ت365)، أبا بكر النابلسي، وقال له : بلغنا أنك قلت إذا كان مع المسلم عشرة أسهم ، وجب أن يرمي في الروم سهما واحدا ، وفينا تسعة ، فقال : لم أقل ذلك ، فظن أنه رجع عن قوله ، وقال له : كيف قلت؟ قال : قلت إذا كان معه عشرة أسهم ، وجب عليه أن يرميكم بتسعة ، ويرميكم بالعاشر أيضأ ، فأمر به ، فشهر في اليوم الأول ، وضرب بالسياط في اليوم الثاني ، وأخرج في اليوم الثالث ، فسلخ جلده ، فمات ( المنتظم 82/7 ).

وفي السنة 386 عصي أهل صور علي الحاكم الفاطمي ، وأقروا عليهم رجلا ملاحأ اسمه علاقة ، فقصده جيش من مصر ، بقيادة أبي عبدالله الحسين الحمداني ، فاستنجد علاقة بملك الروم ، فسير إليه عدة مراكب مشحونة بالرجال ، فالتقوا بمراكب المسلمين علي صور ، فانهزم الروم ، وملك المسلمون البلد ، بعد أن قتل منهم كثير ، وملك الفاطميون البلد ،

ص: 69

وأخذ علاقة أسيرة ، فحمل الي مصر ، حيث سلخ ، وصلب بها ( ابن الأثير 121-120/9)

أقول : الذي في ذيل تجارب الأمم ص 226 إن ما تقدم حدث في السنة 381.

وكان جبق التركماني ، قد استولي علي حصن زياد ، من ترجمان ملك الروم ، وكان بالقرب من حصن زياد حصن آخر صاحبه رومي اسمه فرنجي كان يقطع الطريق ، ويكثر قتل المسلمين ، فهاداه جبق وصاحبه ، حتي وثق به ، فبعث إليه جبق أن يرسل اليه اصحابه ليستعين بهم في عمل ، فلما أرسلهم إليه أوثقهم ، وحملهم إلي الحصن ، وقال لأهل الحصن : والله ، لئن لم تسلموا إلي فرنجي ، لأضربن اعناق هؤلاء جميعا ، ففتحوا له الحصن ، واسلموا إليه فرنجي ، فسلخه ( ابن الأثير 427/1 - 428).

وفي السنة 494 قتل ابو المحاسن الدهستاني ، وزير السلطان بركياروق السلجوقي ، وكان الوزير قد قتل أبا سعيد الحداد ، فوثب عليه شاب أشقر قيل إنه من غلمان أبي سعيد الحداد، فجرحه عدة جراحات ، وتركه بآخر رمق ، فأمر السلطان بركياروق ، بالغلام ، فسلخ وعلق ( النجوم الزاهرة 167/5 وابن الأثير 335/10 ).

وفي السنة 500 حصر السلطان محمد السلجوقي ، قلعة شاه دز بأصبهان ، وقتل صاحبها أحمد بن عبد الملك بن عطاش ، وولده وكان من فيها من الباطنية ، يقطعون الطريق ، ويأخذون الأموال ، ويقتلون من قدروا عليه ، وفرضوا علي جميع الناس ضرائب يؤدونها ، ومشي أمرهم للخلف الحاصل بين السلاطين ، ودام ذلك اثنتي عشرة سنة ، ثم حصرها السلطان محمد حصرة شديدة ، واقتحم أصحابه القلعة ، بعد أن ظهر من الباطنية صبر عظيم ، وشجاعة زائدة ، وأخذ ابن عطاش أسيرأ ، فترك أسبوعا ، ثم أمر به

ص: 70

فشهر في جميع البلد ، وسلخ جلده ، فتجلد حتي مات ، وحشي جلده تبنا وحمل رأساهما إلي بغداد ، وألقت زوجته نفسها من القلعة ( ابن الأثير 433/10 - 434 والمنتظم 151/9 و تاريخ الخلفاء 429).

ولما توفي بدر الدين لؤلؤ ، صاحب الموصل في السنة 656 خلفه ولده الملك الصالح اسماعيل ، وتحالف مع الملك الظاهر ضد هولاكو، فبعث اليه هولاكو في السنة 160 جيشا حاصر الموصل ، وفتحها ، وأخذ الملك الصالح إلي هولاكو ، فأمر به، فسلخ وجهه وهو حي ( الحوادث الجامعة 337-346-347)

وثار ( هار بلاديفا) في ولاية ( ديفاجيري ) علي قطب الدين مبارك شاه ( حكمه 716- 720) فحاربه قطب الدين ، وأسره ، فسلخه حيا ، ثم قتله ( الإسلام والدول الإسلامية في الهند 15).

وممن مارس العذاب بسلخ الجلد ، القائد عماد الملك سرتيز الهندي ، مملوك السلطان محمد بن تغلق ، سلطان الهند ( 725- 750) وكان الأمير قيصر الرومي ، قد عصي علي السلطان ، وتحضن بسيوستان ، فحصره عماد الملك ، فطلب وأصحابه الأمان ، فأمنهم، ولما نزلوا علي أمانه غدر بهم ، وأخذ قسما منهم ، فسلخ جلودهم، ثم حشاها تبنا ، وعلقها علي سور المدينة ( رحلة ابن بطوطة 6/2 و 7).

ولما ثار الأمير كشلوخان ، أمير السند ، علي السلطان محمد بن تغلق ، سلطان الهند ، خرج لمحاربته ، فانكسر كشلوخان ، وقتل في المعركة ، ودخل السلطان مدينة قلتان ، وقبض علي قاضيها كريم الدين ، وأمر بسلخه ، فسلخ ( مهذب رحلة ابن بطوطة 98/2 ).

ولما ثار الأمير هلاجون، بمدينة لاهور ، علي السلطان محمد بن تغلق ، سلطان الهند ، خرج إليه الوزير خواجه جهان ، فحاربه ، وكسره ،

ص: 71

ودخل مدينة لاهور ، فسلخ بعض اهلها ، وقتل آخرين بغير ذلك من أنواع القتل ( مهذب رحلة ابن بطوطة 102/2 ).

وخالف اهالي مدينة كمال بور ، علي سلطان الهند محمد بن تغلق ، فحاربهم وزيره خواجه جهان ، ولما دخل الي المدينة ، أحضر بين يديه القاضي بها والخطيب ، وأمر بسلخ جلديهما، فتوسلا إليه أن يقتلهما بغير هذه القتلة ، فقال لهما : بم استوجبتما القتل ؟ قالا : بمخالفتنا أمر السلطان ، فقال لهما : فكيف أخالف أنا أمره، وقد أمرني أن أقتلكما بهذه القتلة ؟ وقال للمتولين لسلخهما : أحفروا لهما حفرة تحت وجهيهما، يتنفسان فيها ، فإنه إذا سلخا ۔ والعياذ بالله - يطرحان علي وجهيهما. ( رحلة ابن بطوطة. طبع صادر بيروت ، ص 483).

وفي السنة 824 قتل الشيخ عماد الدين علي النسيمي الصوفي ، بأن سلخ جلده ، وكانت التهمة الموجهة اليه الزندقة ، هذه التهمة التي يحتج بها كل حاكم متسلط ، لقتل خصومه السياسيين ، أو من يخاف منه لسبب من الأسباب ، وكان النسيمي علي علاقة بعلي باك ذي الغادر ( ذي القدر ) وأخيه ناصر الدين ، وعثمان قرايلوك ، وكان هؤلاء خصوم الملك الظاهر ، سلطان مصر والشام ، والظاهر أن السلطان أراد أن ينتقم منهم بقتل عماد الدين ، فأوعز بأن يحاكم أمام القضاة بحلب ، وتصدي لأتهامه ابن الشنقشي الحنفي ، فادعي عليه بالزندقة ، فقال الأمير يشبك نائب السلطنة : إن أنت لم تثبت ما تقول ، فإني اقتلك ، فأحجم ونكص عند سماعه ذلك ، هذا والنسيمي يكرر التلفظ بالشهادتين ، وينفي التهمة الموجهة إليه ، فحضر شهاب الدين بن هلال وأفتي في المجلس بأن النسيمي زنديق ، وأنه يجب قتله ، وكتب بذلك فتوي ، فلم يوافقه القضاة علي ذلك ، وامتنع الأمير يشبك من تأييد الفتوي ، وكتب إلي السلطان بقصته، فكتب إليه السلطان يأمره بأن يشهره بحلب سبعة أيام ، وينادي عليه ، ثم يسلخ جلده ، وتقطع اعضاؤه ويرسل قسم منها

ص: 72

العلي بك ذي الغادر وأخيه ناصر الدين، وقسم لعثمان قرايلوك ، ففعل ذلك ( أعلام النبلاء 15/3 -16).

وفي السنة 858 أمر السلطان بفصل البدوي ، وابن عم له ، فضربا بالمقارع وسمرا ، وسلخت جلودهما ، وحشيت ( تبنا)، وكان فصل يقطع الطرق ، وكان شجاعا شديد البأس ، وأعيا الحكام أمره ، ثم قدم بنفسه تائبا ، فأمنه السلطان ، وأقام بالقاهرة مدة ، كان الناس خلالها يتجمعون للتفرج عليه ، فكان يضحك منهم ، ثم عاد إلي بلده ، فاحتال عليه الأستادار ، واستقدمه بالأمان ، وطلع به الي السلطان ومعه ابن عم له، فأمر نضربهما بالمقارع ، وتسميرهما ، وسلخهما ، وحشو جلديهما ، ففعل بهما ذلك كله، وطيف بهما الشرقية ( الضوء اللامع 171/6 ).

ومن جملة مظالم الأمير يشبك الدوادار ، في السنة 874 في صعيد مصر ، أن سلخ جلود جماعة من العربان ( بدائع الزهور 116/2 ).

وفي السنة 894 سلخت في القاهرة، جلود اثنين من أهل حلب ، أب وابنه ، وهما محمد بن الديوان ، وولده أحمد، وسبب ذلك أن أحمد الإبن كان من أعيان الناس الرؤساء بحلب ، وكان من أخصاء سلطان مصر والشام ، فقيل عنه إنه كاتب السلطان العثماني في شيء من أخبار المملكة ، وكانت الخصومة إذ ذاك علي أشدها بين السلطان العثماني وسلطان مصر والشام ، فأمر السلطان بهما فأحضرا الي القاهرة، وسلخت جلودهما ( اعلام النبلاء 100-99/3)

وفي السنة 903 قبض في القاهرة علي إنسان ينبش القبور ، ويسرق أكفان الموتي ، فأمر السلطان به ، فسلخ وجهه وهو حي ، إلي رقبته ، وأرخي علي صدره ، فصار عظم رأسه ظاهرة ، وطيف به في القاهرة ، وعلق بباب النصر حتي مات ( بدائع الزهور 341/2 ) .

ص: 73

وكان الناصر ، محمد بن قايتباي ( قتل سنة 904) ، مجنونا ، أهديت له جارية ، فسلخها بيده ، وحشي جلدها تبنأ ، لكي يظهر استاذيته في السلخ ( شذرات الذهب 23/8 ).

وفي السنة 1008 قتل إمام اليمن عامر بن علي ، بأن سلخ جلده ، إذ أسرة الأتراك ، وأشهروه في كوكبان وشبام ، وأرسله علي بن شمس الدين ، أمير كوكبان مع جماعة من الترك إلي الكتخدا سنان في حمومة ، فأمر به الكتخدا ، فسلخ جلده ، وصبر ، فلم يسمع له أنين ولا شكوي، الا قراءة قل هو الله أحد، ثم أن سنانا ملا جلده تبنأ ، وحمله علي جمل إلي الوزير حسن باشا في صنعاء ، فشهر جلده علي الدهابر ، ودفن سائر جسمه بحمومة، ثم نقل إلي خمر ( خلاصة الأثر 264/2 ).

ص: 74

الفصل الثالث عشر: القتل بالنشر بالمنشار

النشر : التفريق وهو خلاف الطي والمنشار : وجمعه مناشير ، آلة ذات اسنان ينشر بها الخشب ونحوه. والنشارة : ما يسقط من الخشب عند النشر .

ونشر الإنسان بالمنشار ، لون من ألوان العذاب ، يدل علي قسوة بالغة .

وأقدم ما بلغنا من أخبار هذا اللون من العذاب ، ما رواه المؤرخون عن مقتل النبي زكريا، فإنه عندما قتل ولده يحيي ، فر الي بستان، ولجأ إلي شجرة فيها فنشر خصومه الشجرة ، وهو فيها ، فقتل ( الطبري 601/1 وابن الأثير 306/1 ).

وفي السنة 723 بلغ السلطان غازان ، أن الشيخ محمود ديوان ، صاحب زاوية تبريز ، وكان عظيما عند المغل مسموع الكلمة ، عمل سماعة ، ورقص ، فجذب اليه شابا من أولاد الملوك ، وألبسه طاقية كانت علي رأسه، وقال له : أعطيتك السلطنة ، فأمر السلطان بذلك الشاب ، فضربت عنقه بين يديه ، وأحضر الشيخ محمود ، فلما رآه ، قال له : أهلا بالشيخ الذي يوئي المملكة بطاقية ، وأمر به فشد بين دفتين ، ونشر بالمنشار الي نصفين ( الدرر الكامنة 113/5 ).

وفي السنة 928 توفي بالقاهرة خايربك الجركسي ، كافل حلب للسلطان

ص: 75

الغوري ، ثم نصبه السلطان سليم العثماني ، كافلا بمصر لما فتحها ، ولما كان بحلب ، أحضر أمامه شخص من المفسدين ، فأمر به فنشر بدنه بالمنشار، فلقيه الحلبيون بالنشار ( اعلام النبلاء 429/5 ).

ص: 76

الفصل الرابع عشر: القتل بألوان اخري من العذاب

وقد سجل لنا التاريخ ، حوادث ، ذكر فيها قتل اشخاص بالعذاب ، ولكنه لم يذكر ألوانها وأصنافها ، وهي من الكثرة بحيث لا يتسع مؤلف الاستيعابها، ولكني أذكر في هذا البحث ، أمثلة منها .

أمر الحجاج بن يوسف الثقفي ، بأحد عماله، وهو آزاد مرد بن الفرند ، فحمل إلي معد ، صاحب عذابه ، فدق يده ، ودهقه ، ودق ساقه ، وحمل علي بغل معترضأ ، يدار به في الدروب ، راجع تفصيل القصة في كتاب نشوار المحاضرة للقاضي التنوخي ج 1 ص 136- 147 رقم القصة 69/1 ).

وفي السنة 97 قتل في العذاب ، جميع الرجال من آل الحجاج الثقفي ، آل أبي عقيل، منهم محمد بن القاسم الثقفي ، أمير السند، والحكم بن أيوب الثقفي ، وهو إبن عم الحجاج ، كان الحجاج قد زوجه أخته زينب ، وولاه البصرة ، فلما ولي سليمان بن عبد الملك الخلافة ، أمر صالح بن عبد الرحمن ، عامل واسط ، وكان الحجاج قد قتل أخاه آدم ، أن يجمع آل الحجاج جميعهم ، وأن يعرضهم علي العذاب، فجمعهم ، وبسط عليهم العذاب ، حتي قتلهم جميعا ، نالهم شؤم الحجاج ، وكان الحكم ومحمد بن القاسم ، من جملة من مات تحت العذاب . ( ابن الأثير 588/4 و 589 والاعلام 294/2- 225/7 ).

ص: 77

وأمر يزيد بن عبد الملك ، بعزل عامل المدينة عبد الرحمن بن الضحاك الفهري ، وبسط العذاب عليه ، وسبب ذلك إنه خطب فاطمة بنت الحسين الشهيد ، فردته، وقالت : لا أريد النكاح ، فألح عليها ، وحلف لئن لم تفعل سيجلدن أكبر بنيها، وهو عبدالله بن الحسن ، في الخمر ، فكتبت الي يزيد بن عبد الملك تشكو أمرها ، ولما أخذ يزيد الكتاب ، وقرأه ، جعل يضرب بخيزرانة في يده ، وهو يقول : لقد اجترأ ابن الضحاك ، هل من رجل يسمعني صوته في العذاب، وأنا علي فراشي ، ثم كتب إلي عبد الواحد بن عبدالله النضري ، وهو بالطائف ، بأنه قد ولاه المدينة ، وأمره بأن يغرم ابن الضحاك أربعين ألف دينار ، وأن يعذبه حتي يسمع صوته وهو علي فراشه ، فلما ورد بريد دمشق ، ولم يدخل علي ابن الضحاك ، أوجس خيفة ، ودفع إلي حامل البريد ألف دينار ، فأخبره بكتاب الخليفة، فخرج ابن الضحاك إلي الشام ، واستجار بمسلمة بن عبد الملك ، فأجاره ، وكلم أخاه يزيد ، فأبي أن يعفيه ، ورده إلي المدينة ، حيث ألبسه النضري جبة صوف ، وعذبه وغرمه ( الطبري 12/7 - 14).

وفي السنة 126 اعتقل يوسف بن عمر ، عامل العراق، سلفه خالدا القسري، وبسط عليه العذاب ، وكان هشام قد عزل خالدأ بيوسف بن عمر ، وأمره بأن يعذبه علي أن لا يصل به إلي حد القتل ، فحبسه في الحيرة ثمانية عشر شهرا ومعه أخوه اسماعيل ، وابنه يزيد ، وابن أخيه المنذر بن أسد الذي كان عاملا علي خراسان ، ولما قتل خالد القسري قال الشاعر ( الطبري 256 -254/7)

ألا إ بحر الجود أصبح ساجي**** أسير ثقيف موثقا في السلاسل

فإن تسجنوا القيسي لم تسجنوا اسمه**** ولم تسجنوا معروفه في القبائل

وكان هشام بن عبد الملك قد استعمل الوليد بن القعقاع علي قنسرين ، وعبد الملك أخاه علي حمص ، فضرب الوليد يزيد بن عمر بن هبيرة مائة

ص: 78

سوط ، فلما قام الوليد بن يزيد ، هرب بنو القعقاع منه ، فعادوا بقبر يزيد بن عبدالملك ، فبعث اليهم ، فدفعهم إلي يزيد بن عمر بن هبيرة ، وكان قد ولاه قنسرين، فعذبهم ، فمات الوليد وعبد الملك ورجلان معهما من آل القعقاع في العذاب ( الطبري 237/7 ).

قال يوسف بن عمر الثقفي ، لهمام بن يحيي : يا فاسق ، أخربت مهرجان قذق ، فقال : أنا لم أكن عليها ، وإنما كنت علي ماه دينار فلم يزل يوسف يعذبه، ويقول له : أخربت مهرجان قذق ، حتي قتله . ( المحاسن والمساويء 143/1 ).

وكان سهيل بن سالم من أشراف اهل البصرة ، وكان من عمال المنصور ، ثم قتله بعد ذلك بالعذاب . ( الأغاني 330/14 ).

كان المتوكل يحقد علي محمد بن عبد الملك الزيات أمورة، فلما ولي الخلافة ، قبض عليه وعذبه في تور كان ابن الزيات قد اتخذه لتعذيب من يريد تعذيبه ، وهو من خشب ، فيه مسامير من حديد ، أطرافها إلي داخل التنور ، وتمنع من في داخله من الحركة ، وكان ضيقة بحيث أن الإنسان كان يمد يديه إلي فوق رأسه ليقدر علي دخوله لضيقه ، ولا يقدر من يكون فيه أن يجلس فيه ، فبقي فيه أياما ومات ، وكان ذلك في السنة 233 ( الكامل لابن الأثير 6/ 454-525 - 29/7 - 43). راجع في نشوار المحاضرة للتنوخي ، في القصة 2/1 المحاورة التي جرت بين ابن الزيات وهو في التنور ، وأحد أتباعه ، وراجع الطبري 145/9-160 ووفيات الأعيان 100/5 ومروج الذهب 393/2 ).

وقال الموكل بعذاب ابن الزيات : كنت اخرج وأقفل عليه الباب، فيمد يديه جميعا إلي السماء حتي يدق موضع كتفيه ، ثم يدخل التنور ويجلس ، وفي التنور مسامير حديد ، وفي وسطه خشبة معترضة يجلس المعذب عليها،

ص: 79

إذا أراد أن يستريح، قال المعذب ، فخاتلته يوما، وأريته أني قد اقفلت عليه ، ثم مكثت قليلا، ودفعت الباب ، فإذا هو قاعد ، فقلت له : أراك تفعل هذا ، فكنت إذا خرجت شددت خناقه ، فما مكث بعد ذلك إلا أيامأ حتي مات (المحاسن والمساويء 177/2 .

أقول : لئيم يفخر بلؤمه .

وكان أبو عثمان الجاحظ ملازمة لابن الزيات ، منحرفا عن ابن أبي دؤاد ، للعداوة بين الإثنين ، ولما قبض علي ابن الزيات ، وعذب في التنور، هرب الجاحظ ، فقيل له : لم هربت ؟ قال : خفت أن أكون ثاني اثنين إذ هما في التنور . (معجم الأدباء 57/6).

ولما قتل المتوكل ، وزيره محمد بن عبد الملك الزيات ، بالعذاب في التنور ، قال عبادة المخنث ، نديم المتوكل : أردت أن تخبز في هذا التنور ، فخبزت فيه ، فضحك المتوكل ( الملح والنوادر للحصري 14).

وفي السنة 236 ولي خوط واسمه عبد الواحد بن يحيي ، مصر للمنتصر، وكانت مصر للمنتصر في حياة المتوكل ، فأخذ في السنة 237 عبد الحكم من آل عبد الحكم فعذبه حتي مات في عذابه . ( الولاة للكندي 200).

واختلف المؤرخون في مقتل المعتز في السنة 255 فمنهم من ذكر أنه منع في حبسه من الطعام والشراب، فمات جوعا ، ومنهم من روي أنه حقن بالماء الحار المغلي ، والأشهر أنه أدخل حماما، كره ، وكان الحمام محمية، وترك في الحمام حتي مات ، ومنهم من ذكر أنه أخرج من الحمام بعد أن كادت نفسه تتلف ، ثم سقي شربة ماء مثلوج ، فخمد من فوره . ( مروج الذهب 461/2 - 462).

وذكر صاحب مروج الذهب، أن إسماعيل بن بلبل، وزير المعتضد عذبه المعتضد بأنواع العذاب ، وجعل في عنقه غل فيه رمانة حديد، والغل

ص: 80

والرمانة مائة وعشرون رط ، وألبس جبة صوف قد صبرت في ودرك الأكارع ، وعلق معه رأس ميت فلم يزل علي ذلك حتي مات ( مروج الذهب 496/2 ونشوار المحاضرة 76/1 ).

وقبض المعتضد علي شخص اتهمه بسرقة عشر بدر ، كانت معدة في منزل صاحب الجيش ، لتصرف في الجند ، فرفق به ، فأنكر ، فتهدده ، فأنكر، فضربه بالسوط ، والقلوس ، والمقارع، والدة ، علي ظهره وبطنه ، وقفاه ، ورأسه ، وأسفل رجليه ، وكعابه ، وعضله ، حتي لم يكن للضرب فيه موضع فلم يقر ، فأمر بترفيهه ، وأطعمه ، فلما نام ، أيقظه سريعأ ، وقرره ، فأقر ودله علي موضع المال المسروق ، فأمر به فقبض علي يديه ورجليه ، وأوثق ، ثم أمر بمنفاخ فنفخ في دبره ، وأتي بقطن فحشي في أذنيه ، وفمه ، وخيشومه ، وأقبل ينفخ ، وخلي عن يديه ورجليه من الوثاق ، وأمسك بالأيدي ، وقد صار كأعظم ما يكون من الزقاق المنفوخة ، وقد عظم جسمه ، وورمت سائر أعضائه ، وامتلأت عيناه وبرزتا ، حتي كاد أن ينشق، ثم أمر ففصد في عرقين فوق الحاجبين ، فأقبلت الريح تخرج مع الدم ولها صوت وصفير ، إلي أن خمد وتلف ( مروج الذهب 507/2 - 509).

وكان المعتضد ، يأمر بالرجل فيكتف ، ويقيد ، ويؤخذ القطن فيحشي في أذنه وخيشومه وفمه ، وتوضع المنافخ في دبره حتي ينتفخ ، ويعظم جسمه ، ثم يسد الدبر بشيء من القطن ، ثم يفصد، وقد صار كالجمل العظيم ، من العرقين الذين فوق الحاجبين ، فتخرج النفس من ذلك الموضع . ( مروج الذهب 496/2 ).

وفي السنة 282 ذبح أبو الجيش خمارويه بن احمد بن طولون ، صاحب مصر والشام . بدمشق ، قتله خدمه ، وفروا ، فقبض عليهم ، وجيء بهم ، فقتلوا ، وصلبوا، ومنهم من رمي بالنشاب ، ومنهم من شرح لحمه من

ص: 81

أفخاذه وعجيزته ، وأكله السودان من مماليك أبي الجيش . ( مروج الذهب 506/2)

وصادر المحسن بن الفرات ، أبا الحسن علي بن مأمون الإسكافي ، كاتب ابن الحواري ، علي مائة ألف دينار، وأدي بعضها، وتلف تحت العذاب ( الوزراء للصابي 50).

ولما اعتقل المحسن بن الفرات ، ضرب حتي كاد يتلف ، وأوقع به نازوك المكروه حتي تدود بدنه ، ولم يبق فيه فضل لضرب . ( وزراء 69).

وكان قتل المقتدر، سببة لسلامة أبي بكر بن قرابة من هلاك محتوم إذا أنه في السنة 319 قبض المقتدر علي أبي بكر محمد بن أحمد بن قرابة ، وعذب عذابا شديدا وجري عليه من المكروه ما أشفي به علي التلف ، فلما قتل المقتدر ، هرب من كان موكلا به وبقي معه غلامان عنيا به ، فأحضرا حداد كسر قيوده ، وأطلقاه ( تجارب الأمم 231/1 ).

وكان أول ما فعله القاهر لما استخلف في السنة 320، أن صادر آل أخيه المقتدر ، وعذبهم ، وضرب أم المقتدر ، حتي ماتت من جراء العذاب ( تاريخ الخلفاء 386).

وفي السنة 333 ورد أبو الحسين البريدي ، الحضرة ، وسعي في ضمان البصرة ، فبلغ ذلك ابن أخيه أبا القاسم ، فانفذ إلي توزون مالا ، فأقره علي عمله ، فسعي أبو الحسين في خطبة كتابة توزون ، وبلغ ذلك ابن شيرزاد، فاعتقله ، وضرب بدار صافي مولي توزون ، ضربا مبرحا ، وقرض لحم فخذيه بالمقاريض ، وانتزعت أظافره ، وعقد المستكفي مجلس، حضره الفقهاء والقضاة ، وأحضر البريدي ، وبسط النطع ، وجرد السيف ، وتليت فتوي سابقة بإباحة دمه ، وأبو الحسين يسمع، ورأسه مشدود ، ثم ضربت عنقه من غير أن يحتج لنفسه بحجة ( التكملة 145).

ص: 82

ولما ملك أبو القاسم البريدي البصرة ، صادر أبا جعفر الكرخي ، الملقب بالجرو ، وسمر يديه في حائط ، وهو قائم علي كرسي ، فلما سمرت يداه بالمسامير في الحائط ، نحي الكرسي من تحته ، وستت اظافيره ، وضرب لحمه بالقصب الفارسي ( معجم البلدان 253/4 ).

وفي السنة 363 بعث ابن بقية، وزير بختيار ، محمد بن احمد الجرجرائي ، لكي يقبض علي عامل البصرة ، ومحاسبته ، فلما وصل الجرجرائي إلي البصرة ، عقد لعاملها ضمانا جديدا ، فغضب ابن بقية ، وكتب إلي نائبه بالبصرة ، فقبض علي الجرجرائي ، وعذبه حتي مات ( تجارب 323/2 ).

وظهر في أيام بختيار الديلمي ، رجل من أهل دير قني ، ذكي ، اسمه الحسين بن محمد القنائي ويكني بأبي قرة ، تدرج في التصرف حتي استغني ، وصارت له نعمة ضخمة ، حتي احتاج إليه وزير بختيار في شراء قضيم الكراع وضمان واسط ، وتكاثر حاده ، وخاصم كثيرا من الناس ، فاشتراه سهل بن بشر ضامن الأهواز من بختيار وادي مبلغ من المال، فسلم أبو قرة إلي رسوله الذي أخذه إلي الأهواز ، فأفرغ عليه سهل بن بشر العذاب ، وأنواع المكاره ، حتي قتله في السنة 360 ( تجارب الأمم 260/2- 289).

وفي السنة 364 قبض ابن بقية الوزير ، علي سهل بن بشر ضامن الأهواز ، وجد في مطالبته بالأموال ، وبسط عليه المكاره ، واستخرج منه كل ما أمكنه ، ثم قتله بالعذاب ( تجارب الأمم 308/2 ).

وفي السنة 366 قبض مؤيد الدولة، علي وزيره أبي الفتح بن العميد ، وسمل عينه الواحدة وقطع انفه ، وجز لحيته ، وقطع يديه ، وما زال يعرضه علي أنواع العذاب ، حتي تلف . ( وفيات الأعيان 196/4 ومعجم الأدباء 350-349/5)

ص: 83

وفي السنة 366 أهلك ابن الراعي ، بأمر ابن بقية الوزير ، خلقا ممن كان يتهمهم ، منهم المعروف بابن عروة ، وهو ابن أخت أبي قرة ، وكان من وجوه العمال ، ومنهم علي بن محمد الزطي، وكان إليه شرطة بغداد ، ومنهم المعروف بابن العروقي ، وكان إليه الشرطة بواسط ، وجماعة يجرون مجراهم. ( تجارب الأمم 266/2 ).

وفي السنة 542 فتح الحسن صاحب إفريقية ، مدينة قابس ، وكانت الأمير اسمه رشيد ، توفي واستولي علي الأمر مولي من مواليه اسمه يوسف ، فظلم أهلها ، فشكوه الي الحسن صاحب افريقية ، فكاتبه ، فأرسل يوسف إلي رجار الإفرنجي صاحب صقلية ، وصار من أتباعه ، فقصد الحسن قابس ، وحصرها، فثار أهل قابس بيوسف ، وسلموا البلاد إلي الحسن ، وأخذ يوسف أسيرة ، فقطعوا ذكره ، وجعلوه في فمه ، وبسطوا عليه الوان العذاب ، حتي مات ( ابن الأثير 120/11 ).

وفي السنة 573 وثب الباطنية بحلب ، بأبي صالح بن العجمي ، فقتلوه في الجامع ، وكان مقدمأ بحلب عند نور الدين محمود ، وعند أولاده ، وله أتباع وأنصار وعصبية ، فنسب أصحابه أمر قتله إلي سعد الدين كمشتكين ، وكان المتولي الأمر دولة الملك الصالح صاحب حلب ، فمازال أصحاب ابن العجمي بالصالح ، يغرونه بكمشتكين، حتي قبض عليه واعتقله ، وطالبه بتسليم قلعة حارم ، وكانت في يده ، فامتنع من كانوا بها من تسليمها ، فأمر الملك الصالح فسيروا كمشتكين اليها معتقلا ، وعذب أمامهم ، وأصحابه يرونه ولا يرحمونه ، حتي مات في العذاب ( اعلام النبلاء 113/2)

وفي السنة 575 قبض الخليفة الناصر ببغداد ، علي صاحب المخزن ونائب الوزارة ظهير الدين منصور بن الحسين ، وعلي أصحابه وحواشيه وصادره ، وعذبه إلي أن مات . ( النجوم الزاهرة 6/ 85).

ص: 84

وفي السنة 666 اعتقل الملك الظاهر ، بولص الراهب ، الملقب بالحبيس ، وعذبه حتي مات ، وكان هذا الراهب منقطعأ في جبل حلوان ، وله مال يواسي به الفقراء من كل ملة ، وكان يدخل إلي الحبوس ، وكل من عليه دين ، أذاه عنه وأطلقه ، وكان بعض الناس يتحيل عليه ، فإذا رآه قد دخل المدينة ، أخذ معه اثنين، صورة أنهما من رسل القاضي أو المتولي ، وأخذا يضربانه ويجذبانه ، فيستغيث به : (يا أبونا، يا أبونا )، فيسأل : ما باله ؟ فيقولان : عليه دين ، أو اشتكت عليه زوجته، فيقول : علي كم ؟ فيقولان : علي ألفين ، أو أقل ، أو أكثر ، فيكتب له علي شقفة ( قصاصة ورق ) ، إلي أحد الصيارف ، فيقبض المال ، وصرف في هذا السبيل أكثر من ستمائة ألف دينار ، وكان لا يأكل من هذا المال ، ولا يشرب ، بل أن النصاري يتصدقون عليه بمؤونته ، فأفتي فقهاء الاسكندرية بقتله ، وعللوا ذلك بخوف الفتنة من ضعفاء النفوس من المسلمين ، فقتل بالعذاب ( فوات الوفيات 233/1-235 ).

وفي السنة 673 هلك الأمير شهاب الدين أحمد بن جلدك ، وكان صارمة ، قطع من الأيدي والأرجل مالا يحصي كثرة ، وشنق ، ووسط، فخافه البريء والسقيم ( النجوم الزاهرة 245/7 ).

وفي السنة 689 بعث سلطان مصر والشام ، جيشا طرد ملك النوبة ، ونصب ملكا لهم من قبله ، فلما عاد الجيش المصري ، عاد الملك المطرود ، واستولي علي الحكم ، وقبض علي الذي نصبه المصريون ، فعزاه من ثيابه ، وذبح ثورة ، وقد جلده سيورة، ولقها عليه طرية ، وأقامه مع خشبة ، فيبست عليه تلك السيور ، فمات ( تاريخ ابن الفرات 92/8).

وفي السنة 693 قتل ابن السلعوس ، الوزير الكامل ، مدبر الممالك شمس الدين محمد بن عثمان ، ولي الوزارة ، وتكبر علي الناس ، وآذاهم ، فعذبه الشجاعي، وعاقبه إلي أن مات ، ومسكوا أقاربه وذويه ، فأصابتهم

ص: 85

النقمة جميعا ، وكان قد انتن جسده من شدة الضرب ، وقلع منه اللحم الميت ( شذرات الذهب 422/5 - 424).

وفي السنة 699 لما احتل السلطان غازان المغولي ، مدينة دمشق ، ونهبها ، أصاب القاضي تقي الدين المقدسي ، أذي كبير ، إذ أخرجه الجند المغول وعلي رأسه طاقية ، وعليه فروة ما تساوي خمسة دراهم ، وفي رقبته حبل ، فغاب إلي العشاء ، ثم عاد ، فسئل كيف عاد ، فقال : لقد أوقدوا لي نارا ليعدموني فإذا بصوت وصياح ، فذهبوا، فنظرت فإذا أنا وحدي ، فرجعت إليكم ، ( الدرر الكامنة 242/2 ).

وفي السنة 704 بلغ الأمير سلار ، وكان قد حجر علي السلطان الناصر محمد بن قلاوون أن الوزير ذبيان الماوردي الشيخي ، أهدي للناصر ألفي دينار ، وكان محتاجأ إليها ، فاعتقل الوزير ذبيان ، وسجنه ، وصادره ، وعاقبه ، فمات في العذاب ( الدرر الكامنة196/2 ).

وفي السنة 740 قبض السلطان الناصر محمد بن قلاوون ، علي ناظر الخاص النشو وهو عبد الوهاب بن فضل الله الملقب شرف الدين ، وعلي أخيه وأفراد عائلته ، وعرضهم علي العذاب ، فماتت أمه ، وأخوه المخلص ، في العذاب ، ثم مات النشو أيضأ ، أما أخوه الآخر فانتحر ( الدرر الكامنة 33/3 و 34 ).

وفي السنة 742 مات بالعذاب ابراهيم بن أبي بكر بن شداد ، مقدم الدولة ، وكان متمكنا في دولة الناصر محمد بن قلاوون ، بحيث إنه كان يتحدث مع السلطان من دون واسطة ، وقبض عليه بعد وفاة الناصر ، وعذب فمات تحت العقوبة ( الدر الكامنة 22/1 ) .

وفي السنة 745 قتل بالعذاب في السجن ، بالقاهرة ، مقدم الدولة ،

ص: 86

خالد بن الزراد ، قبض عليه أغرلو وعاقبه حتي هلك ، وأخرج علي لوح ( الدرر الكامنة 171/2 ).

وفي السنة 749 قتل السلطان الملك المظفر حاجي بن محمد بن قلاوون ، وقبض علي نديمه الشيخ علي الكسيح ، وضرب بالمقارع والكسارات ضربأ عظيمة ، وقلعت أسنانه وأضراسه ، ونوع له العذاب انواعا حتي هلك ( النجوم الزاهرة

191/10 ).

وفي السنة 754 قبض السلطان المجاهد، علي المشايخ بني زياد ، وكانوا ثلاثة نفر ، أحدهم مقطع لحج وأبين ، والثاني ناظر الجهات الدملئية ، والثالث ناظر الجباية والتغزية ، وكان لهم فضل ومكارم أخلاق ، وكان الناس يسمونهم برامكة الوقت ، فصادرهم السلطان مصادرة قبيحة ، حتي هلكوا في المصادرة ( يعني هلكوا في العذاب ) . ( العقود اللؤلؤية 94/2 ).

وفي السنة 782 قبض الأتابكي برقوق بالقاهرة ، علي الوزير تاج الدين الملكي وصادره ، وضربه ، ثم عاد فقبض عليه ثانيا ، وصادره، واستمر يعاقبه إلي أن مات تحت العقوبة ( بدائع الزهور 266/2/1).

وفي السنة 783 قام شخص اسمه ابن القماح ومعه ولده ، وأقفالي ، بسرقة أموال القيسارية ، فأخذوا ، وأستعيدت المسروقات منهم ، وعذبوا بأنواع العذاب الأليم ( بدائع الزهور 300/2/1 ).

وفي السنة 783 قبض علي الوزير كريم الدين بن مكانس ، وأخوته ،وأقاربه ، وحاشيته، وعذبوا بأنواع العذاب . ( بدائع الزهور 298/2/1 ).

وفي السنة 785 صادر الطواشي أمين الدين أهيف ، كاتبه عبد اللطيف بن محمد بن مؤمن ، مصادرة عنيفة ، فتوفي في المصادرة ، ( يريد أنه تلف في العذاب) . ( العقود اللؤلؤية 176/2 ).

وفي السنة 887 قتل بالعذاب أبو البركات مفتاح الحبشي الكمالي ،

ص: 87

اتهم باختلاس أموال كان مؤتمن عليها ، فتولي بدر الحبشي وزير جدة تعذيبه حتي مات ( الضوء اللامع 166/10 ).

وفي السنة 795 احتل تيمورلنك بغداد ، « ورمي علي أهلها مال الأمان »، وطالب الناس بأموال أكثر من طاقتهم ، وكان المتولي لذلك شرف الدين البلقيني ، ومات خلق بالتعذيب والعقوبة ، وذكر أنهم عذبوا رجلا ، فأشار لهم إلي موضع ، وقال لهم : احفروا ها هنا ، أراد أن يشغلهم بالحفر عن تعذيبه ، فحفروا ، فلم يجدوا شيئا فعادوا ليعذبوه ، فأشار إلي موضع آخر ، فحضروا فوجدوا ما عظيما ، فأخبروا تيمورلنك بذلك، فأحضروه ، وسأله عن أصل المال، فقال : لا أعلم له أصلا ، وإنما أردت أن أشغلهم عن تعذيبي ، فأمر تيمورلنك بالكف عن تعذيب الناس ( تاريخ الغياثي 113 و 114) .

أقول : جاء في أنباء الغمر ، وفي السلوك : إن الذين ماتوا تحت التعذيب من أهل بغداد في هذه السنة كانوا أكثر من ثلاثة آلاف ، أما ابن الفرات فذكر أنهم كانوا فوق السبعمائة .

وفي السنة 796 قبض علي رجل من أعوان تيمورلنك ، في حلب وأحضر إلي القاهرة ، فرسم لوالي القاهرة بعقوبته ، فعاقبه بأنواع العذاب ( نزهة النفوس 378 ).

وفي السنة 801 طلع إلي السلطان رجل أعجمي، وهو جالس للحكم، فجلس بجانب السلطان ، ومد يده إلي لحيته ، وسبه سبأ قبيحا ، فبادر النواب إليه و أقاموه ، وهو مستمر في السب ، فسلم لوالي القاهرة ، فعاقبه ، حتي مات تحت العقوبة . ( النجوم الزاهرة 97/12 ).

ولما فتح تيمورلنك دمشق ، في السنة 803 ، قسم البلد بين أمرائه ، فنزل كل أمير في قسمه ، وأجري علي من فيه أنواع العذاب ، في الضرب والعصر ، والإحراق بالنار ، والتعليق منكوسا ، وغم الأنف بخرقة فيها تراب

ص: 88

ناعم ، كلما تنفس دخل في أنفه ، حتي تكاد نفسه تزهق ، فكان الرجل إذا أشرف علي الهلاك يخلي عنه حتي يستريح ، ثم تعاد عليه العقوبة أنواعا حتي كان المعاقب يحسد رفيقه الذي هلك تحت العقوبة ، علي الموت . ورأي أهل دمشق ألوان من العذاب لم يسمع بمثلها ، منها إنهم كانوا يأخذون الرجل فيشد رأسه بحبل ، ويلوي الحبل حتي يغوص في رأسه ، ومنهم من كان يضع الحبل بكتفي الرجل ، ويلويه بعصاه ، حتي تنخلع الكتفان ، ومنهم من كان يربط ابهام يدي المعذب من وراء ظهره ، ثم يلقيه علي ظهره ويذر في منخرية الرماد مسحوقا ، ولا يزل يكرر عليه العذاب حتي يموت ، ويعذب وهو ميت مخافة أن يتماوت ، ومنهم من كان يعلق بابهام يديه في سقف الدار ، وتشعل النار تحته ، ويطول تعليقه ، فربما سقط فيها ، فيسحب منها ، ويترك علي الأرض حتي يفيق ، ثم يعلق ثانيا . ( النجوم الزاهرة 244/12 و 245 ).

وفي السنة 803 أخذ شمس الدين محمد بن حسن الفارقي ، وعوقب ( عذب ) حتي مات ، وسبب ذلك ، إنه لما فتح تيمورلنك دمشق ، صارت له وجاهة عنده ، فلما رحل عن دمشق أخذ وعذب ومات ( الضوء اللامع 221/7)

وفي السنة 811 قتل تحت العذاب ، فخر الدين ماجد بن عبد الرزاق القبطي الاسكندري ، الوزير ، وكان أخوه سعد الدين ابراهيم ، ناظر الخاص ، ثم عزلا وسلم فخر الدين إلي الاستادار ، فعاقبه أشد عقوبة حتي قتله ( الضوء اللامع

234/6 ).

أقول : ذكر صاحب بدائع الزهور 793/2/1 خبر مقتل هذا الرجل ، فقال : في السنة 811 « اشتري ، الأستادار جمال الدين ، من السلطان ، الصاحب فخر الدين بن غراب ، فاستصفي أمواله ، ثم قتله بالعذاب .

ص: 89

وفي السنة 833 عذب أصبهان بن قرايوسف ، لما احتل الموصل، قاضيها محمد بن طاهر الموصلي ، حتي هلك في العقوبة ( أي العذاب ) ( تاريخ العراق للعزاوي 79/3 ).

وكان محمود باشا، والي مصر ، من 968 - 975 للسلطان سليمان العثماني ، ظالما، عسوفا، أراق دماء كثيرة جدا، بحيث إذا وصل إليه الصو باشي في الديوان ، وعرض عليه من معه من «المتهومين» يشير إليه بمروحة في يده ، أما إلي الصلب، أو التوسيط، أو رمي الرقبة ، أو الخازوق ، باشارات خاصة، من غير أن يتكلم بلسانه ( البرق اليماني 152 ).

كانت وسائل التعذيب ، في عهد المماليك حكام العراق ( 1164 - 1247) (1750 - 1831 م ) وسائل متنوعة ، أيسرها الضرب بالسياط حتي تتفجر الدماء ، ورش الزيت المغلي علي وجه الأسير ، وعلي عينيه حتي يموت ، أو كي صدغيه ، وبعض المواضع الحساسة من جسده ، وقد يوضع علي وتد يدخل في أسفله ويمزق أحشاءه ، أما الخنق فهو أيسر ما يكون ، وأما الإغراق فلم يكن سرا من أسرار دجلة ( الشعر السياسي العراقي في القرن التاسع عشر ص 44 ).

وفي السنة 1194 أصدر الوزير عبدي باشا ، سر عسكر اناطولي ، ووالي حلب، أمره ، بعزل أبي بكر اغا متسلم حلب ، وطلب حضوره ، فتثاقل ، ثم توجه نحوه ، فلما وصل إليه اعتقله ، وطالبه بأموال قال إنها في ذمته للدولة ، فباع أبو بكر أمواله وأثقاله كافة ، وهو مسجون ، فلم يتخلص ، فصار أقاربه وأصدقاؤه ، ومن بلوذ به ، يعينوه ، حتي أذي ما فرضه الباشا عليه ، واستمر محبوسا نيفا وسبعين يوما ، ثم نفاه الباشا إلي قلعة أرواد من اعمال طرابلس الشام ، وعين معه بيارق دالاتيه ، فقاموا به من الأوردي ، وتوجهوا لناحية اللاذقية ، وفي ذهابهم ، كانوا كلما مروا به علي

ص: 90

قرية من قري حلب ، وضعوا له الأغلال ، وعذبوه ، وهددوه بالقتل ، وأهالي القري « تترجي فيه ، وتبذل لأشقياء الدالاتية الدراهم ليكفوا عنه ، واستمروا علي ذلك إلي أن وصلوا إلي قلعة أرواد ، بعد أن رأي الموت عيانا ، مرات عديدة ، وهو يستغيث ولا يغاث ( اعلام النبلاء 355/3 و356) .

ص: 91

ص: 92

الباب السابع عشر: الانتحار

اشارة

النحر : أعلي الصدر ، وفي الأمثال العربية : وضعته بين خري وتخري. د والسخر : الرئة . والنحر : إصابة النحر بالذبح . والإنتحار : قتل الإنسان نفسه .

والإنتحار محرم في جميع الأديان والشرائع، قال الله تعالي : و ولا تقتلوا أنفسكم ) (29 م النساء 4)، وقال النبي صلوات الله عليه : « من قتل نفسه بحديدة ، فحديدته في يده يتوج بها في بطنه ، في نار جهنم (لسان العرب : مادة وجا).

وقد انتحر رجل في أيام النبي صلوات الله عليه ، فلم يصل عليه .

وفي قوانين العقوبات ، مواد مثبتة ، يعاقب بموجبها من أقدم علي الإنتحار ، إذا سلم .

وكان العرب في الجاهلية ، يعتبرون الإنتحار خورا وجبنا ، ويعبرون قوم من انتحر ، بإقدامه علي الإنتحار .

روي أن الحكم بن الطفيل ، أخا عامر بن الطفيل، ضعف في يوم ساحوق في الجاهلية ، وخشي أن يؤسر ، فانتحر . بأن جعل في عنقه حبلا ، وصعد إلي شجرة، وشده ، ودلي نفسه ، فاختنق ، فقال عروة بن الورد ، يعير قومه بذلك : (ابن الأثير 644/1 ).

ونحن صبحنا عامرة في ديارها****علالة أرماح وضربأ مذكرا

ص: 93

بكل رقيق الشفرتين مهند**** ولدين من الخطي قد ط أسمرا

عجبت لهم إذ يخنقون نفوسهم****ومقتلهم تحت الوغي كان أجدرا

وفي السنة 3 في معركة أحد ، كان من بين من حارب في صفوف المسلمين رجل يدعي قزمان ، فقتل وحده ثمانية من المشركين أو تسعة ، وكان شهما شجاعا ذا بأس ، وجرح في المعركة ، فاحتمل إلي دار بني ظفر ، فقال له رجل من المسلمين ، لقد أبليت اليوم يا قزمان ، فأبشر ، فقال : بم أبشر ؟ فوالله إن قاتلت إلأ علي أحساب قومي ، ولولا ذلك ما قاتلت ، ولما اشتدت عليه جراحته ، أخذ سهما من كنانته ، فقطع رواهشه ، فنزفه الدم ، فمات ( الطبري 531/2 والمعارف 161).

وفي السنة 11 انتحر سلمة بن عمير الحنفي ، بأن ح حلقومه بسيف نفسه ، فقطع أوداجه ، وسبب ذلك إن بني حنيفة ، ارتدوا عن الإسلام ، بعد وفاة النبي صلوات الله عليه ، فبعث إليهم أبو بكر جيشا بقيادة خالد بن الوليد ، فانتصر عليهم ، وقتل مسيلمة ، وجماعة ممن معه ، وصالح الباقون خالدأ ، وكان سلمة بن عمير ، يعارض في مفاوضات الصلح ، ويقول : لا تقبلوا الصلح ، فإن حصونكم حصينة ، والطعام كثير ، والشتاء قد حضر ، فخالفوه وعقدوا الصلح ، فغضب واشتمل علي سيف ، وأراد أن يدخل علي خالد ، ليفتك به ، وأحس به أصحابه ، وفتشوه ، فوجدوا السيف في ثيابه ، فلعنوه، وشتموه ، وأوثقوه، وقالوا له : إنك لو قتلت خالدة لقتل أصحابه رجالنا ، وسبوا نساءنا ، إذ يحسبون أن عملك كان بممالأة منا، وطردوه عنهم ، فانسل وعمد إلي عسكر خالد ، فصاح به الحرس ، واتبعوه ، فأدركوه في بعض الحوائط ( البساتين ) فشد عليهم بالسيف ، فاكتنفوه بالحجارة ، فأجال السيف علي حلقه ، فقطع أوداجه ، وسقط في بئر، فمات ( الطبري 300-299/3)

وفي السنة 23 انتحر فيروز أبو لؤلؤة ، الفارسي النصراني ، بعد أن

ص: 94

طعن الخليفة عمر بن الخطاب ، وكان فيروز غلام المغيرة بن شعبة ، أعد الجريمته خنجر له رأسان نصابه في وسطه ، وكان عمر في صلاة الصبح ، يؤم المسلمين ، فطعنه ثلاث طعنات ، إحداها تحت سرته ، خرقت الصفاق ، وهي التي قتلته ، وطعن معه في المسجد ثلاثة عشر رجلا ، مات منهم سبعة ، وأقبل علي القاتل رجل من بني تميم ، يقال له حكان ، فألقي عليه ردائه ، ثم احتضنه ، فلما علم العلج أنه مأخوذ ، طعن نفسه بخنجره ، فانتحر ( العقد الفريد 272/4 ).

وانتحر في المدينة خمسون غلاما من أبناء الصعد، كان سعيد بن عثمان قد أخذهم من أهليهم رهنا علي صلح عقدوه معه لما كان أميرا لمعاوية علي خراسان ، فلما عزل عن خراسان ، لم يعد الغلمان الرهائن الي أهليهم ، بل أخذهم معه عبيدأ أرقاء إلي المدينة ، وخلع عنهم كسوتهم ومناطقهم ، وألبسهم جباب صوف ، وألزمهم السواني والعمل الصعب ، فدخلوا عليه وفتكوا به ، ثم قتلوا أنفسهم ( انساب الاشراف 117/5 -119).

وفي السنة 68 أغرق عبيد الله بن الحر الجعفي نفسه في الفرات، بعد أن تفرق جمعه عنه ، في معركة ضارية .

أقول : عبيد الله بن الحر الجعفي ، كان من خيار قومه صلاحا وفضلا ، واجتهادة ، فلما قتل عثمان انحاز إلي معاوية لمطالبته بدم عثمان ، ثم حضر أمام الإمام علي في مرافعة ، فلامه علي علي الإنحياز إلي خصمه ، فقال له : ايمنعني ذلك من عدلك ؟ قال : لا ، وحكم له ، فعاد إلي معاوية ، ثم اعتزل الجانبين ، ولما حكم المختار العراق طلبه ، وحبس امرأته ، فدخل بجماعة معه إلي الكوفة ، فكسر باب السجن ، وأخرج امرأته ، وجميع المحبوسات فيه ، وكان إذا وجد ما للسلطان ، أخذ منه عطاءه وعطاء أصحابه ، وكتب بما تسلم وثيقة أعطاها لحاملي المال ، وتركهم وما بقي ليوصلوه إلي السلطان، وتمكن منه مصعب بن الزبير لما حكم العراق

ص: 95

فحبسه ، وشفع فيه الأحنف وقوم من عشيرته ، فأطلقه ، فلحق بعبد الملك بن مروان ، فأكرمه ، وأعطاه ، وعاد إلي العراق لمحاربة المصعب ، فبعث إليه المصعب جيشا كثيفا أطبق عليه ، ورموه بالسهام حتي اثخنوه ، فركب سفينة توسطت به الفرات ، فوثب إليه رجل عظيم الخلق قبض علي يديه وهو جريح ، فتماسك معه ، وألقي نفسه معه في الماء فغرقا ( ابن الأثير 294/9)

ومن لطيف ما يذكر ، إن عبيدالله ، لما اطلقه المصعب ، بشفاعة الأحنف ، جاء إلي الأحنف ، وقال له : يا أبا بحر ، ما أدري كيف أكافئك ، إلا أن أقتلك ، فتدخل أنت الجنة شهيدة ، وأدخل أنا النار ، فضحك الأحنف ، وقال له : لا حاجة لي في مكافأتك يا ابن اخي ( انساب الأشراف 288/5)

وفي السنة 77 انتحر خالد بن عتاب بن ورقاء الرياحي ، بأن ألقي نفسه وفرسه في دجلة ، وكان قد حارب شبيب الخارجي ، في معركة ضارية ، وقتل مصاد، أخا شبيب ، وغزالة زوجة شبيب ، ثم انهزم أصحابه فتراجع حتي أشرف علي دجلة ، فألقي نفسه فيها ، فانتحر غرقا . ( الاعلام 339/2)

وفي السنة 85 انتحر عبد الرحمن بن محمد الأشعث ، الثائر علي الحجاج ، بأن القي نفسه من فوق قصر، فمات ، وكان عبد الرحمن قد خرج علي الحجاج في السنة 81، وأيده الناس لظلم الحجاج ، وخلعوا عبد الملك بن مروان ، فانفذ عبد الملك جيوشا من الشام ، وبعد معارك دامية ، قتل فيها عشرات الألوف ، اندحر جيش العراق ، والتجأ عبد الرحمن وقسم من أصحابه إلي رتبيل ، ملك الترك ، فكتب الحجاج إليه ، بطلب منه تسليم ابن الأشعث ، ويهدده بأن يقصده في ألف ألف رجل ، إن لم يسلمه ، وبعث إليه عهودة مختومة بختمه ، بجميع ما يطلب ، ورغبة في أن لا يغزو بلاده

ص: 96

عشر سنين ، يعفي فيها من الخراج ، فغدر رتبيل بابن الأشعث ، واعتقله ، وثلاثين من أصحابه وأهل بيته ، وألقي في اعناقهم الجوامع والقيود ، وبعث بهم إلي عمارة بن تميم ، قائد الحجاج ، فلما قرب ابن الأشعث من عمارة ، ألقي نفسه من فوق قصر ، فمات ، وكان معه في السلسلة رجل يقال له أبو العبر ، فماتا جميعا ، فاحتز عمارة رأسه ، وضرب اعناق أصحابه ، وبعث بالرؤوس إلي الحجاج ، فبعث الحجاج برأس ابن الأشعث إلي عبد الملك ، فبعث به عبد الملك إلي عبد العزيز بمصر ، فقال الشاعر :

هيهات موضع جثة من رأسها****رأس بمصر وجثة بالرخج

الزيادة التفصيل ، راجع الطبري 390/6و391 واليعقوبي 279/2 والأخبار الطوال 320.

وفي السنة 91 قصد عبد الرحمن بن مسلم ، أخو قتيبة، الصغد ، فصالحه ملكها طرخون ، ودفع اليه مالا ورهنا ، فقال الصغد لملكهم طرخون ، إنك رضيت بالذل ، واستطبت الجزية، فلا حاجة لنا بك ، وخلعوه ، ونصبوا ملكا آخر غيره ، وحبسوا طرخون ، فقال طرخون : ليس بعد سلب الملك إلا القتل ، فيكون ذلك بيدي ، أحب إلي من أن يليه مني غيري ، واتكأ علي سيفه ، حتي خرج من ظهره ( الطبري 463/6 وابن الأثير 554/4)

وفي السنة 126 انتحر عمرو بن محمد بن القاسم الثقفي ، بأن أخذ سيفا فاتكأ عليه حتي خالط جوفه ، وكان عمرو هذا عاملا علي السند للوليد بن يزيد ، فأخذ محمد بن عزان الكلبي فضربه ، وبعث به إلي يوسف بن عمر ، أمير العراق ، فضربه وألزمه مالأ عظيمة ، يؤدي منه في كل جمعة نجمة ، وإن لم يفعل ضرب خمسة وعشرين سوطأ ، فضرب حتي جفت بده وبعض أصابعه ، فلما ولي منصور بن جمهور العراق ، ليزيد بن الوليد ، ولي محمد بن عزان سجستان والسند ، فأتي سجستان ، وسار إلي السند ، فأخذ

ص: 97

عمرو بن محمد ، وأوثقه ، وجعل عليه حرسأ يحرسونه ، وقام إلي الصلاة ، فتناول عمرو ، من أحد الحراس سيفأ ، فاتكأ عليه مسلولا ، حبي خالط جوفه ، وتصايح الناس، فخرج ابن عزان ، فقال له : ما دعاك إلي ما صنعت ؟ قال : خفت العذاب ، قال : ما كنت أبلغ بك ما بلغته من نفسك ، فلبث ثلاثا ثم مات ( الطبري 272/7 ).

وكان أحد خلفاء بني أمية ، قد اشتري جارية ، كان يتعشقها شاب ، فاحتجبت عنه ، فكتب إلي الخليفة ، يتوسل أن يمكنه من رؤية الجارية ، وسماع غنائها ، ثم ليصنع به ما هو صانع ، فمنه من ذلك ، حتي إذا غنته ثلاثة أصوات ، طرح الشاب نفسه من المستشرف الذي كان فيه ، فلم يصل إلي الأرض إلا أوصا، راجع تفصيل القصة في مصارع العشاق 101/2 - 102-215-216)

وذكر ابن الكلبي أن فتي من بني حنيفة ، تعشق فتاة ، وجن بها، واحبته الفتاة كذلك ، ونذر به الحي ، فحذروه ، وانذروه بأنه إن عاد فسوف يقتلونه ، وجلس ذات ليلة ، بمعزل من الحي ، ومعه قوسه ، فخرجت إليه حبيبته لتراه ، فظنها أحد الفتيان جاء إليه ليقتله فرماها بسهم ، فقتلها ، فصاحت رفيقتها ، فركض الفتي إليها ، ورأي ما جنت يده ، فوجا نفسه بمشاقصه حتي مات ، راجع تفصيل القصة في مصارع العشاق 143/2 - 144، والعقد الفريد 470/6- 471.

ولما قتل أبو جعفر المنصور في السنة 137 أبا مسلم الخراساني ، قطع رأسه ، ورمي به إلي من بالباب من فؤاد أبي مسلم ، فهموا أن يبسطوا سيوفهم علي الناس ، ثم ردهم عن ذلك انقطاعهم وتغربهم ، فانتحر قسم منهم بسيوفهم ، اوسكت الباقون . ( الامامة والسياسة 136/2).

وفي السنة 142 انتحر اصبهبذ طبرستان ، بأن مص خاتمأ له فيه سم ، فقتل نفسه ، وكان سبب ذلك أنه نقض العهد الذي كان بينه وبين المسلمين ،

ص: 98

فحاصروه ، فقال أبو الخصيب لأصحابه : اضربوني ، واحلقوا رأسي ولحيتي ، ففعلوا ، ولجا إلي الأصبهبذ، وزعم أنه عائذ به ، حتي أمنه ، ففتح باب الحصن للمسلمين ، فانتحر الأصبهبذ ( ابن الأثير 510/5 والطبري 513/7)

وفي السنة 159 ظهر المقنع بخراسان ، واسمه حكيم ، وكان يتخذ وجها من الذهب يجعله علي وجهه ، واجتمع إليه خلق كثير ، وكانوا يسجدون له في أي ناحية كانوا ، وكان يزعم أن روح الله حلت فيه ، وحاربه الجيش العباسي ، فلما أيقن بالهزيمة ، جمع نساءه وأهله وأجج نارأ عظيمة ، وقال : من أحب أن يرتفع معي إلي السماء ، فليلق نفسه معي في هذه النار ، وألقي بنفسه مع أهله وخواصه ونسائه ، فاحترقوا ، ودخل العسكر القلعة، فوجدوها خالية خاوية . ( ابن الأثير 38/6 ۔ 39-51- 52).

أقول : الذي أورده الطبري 135/8 - 144-145 إن حكيم المقنع ، خرج بخراسان في السنة 161 وإنه استغوي بشر كثيرة ، وقوي ، وصار إلي ما وراء النهر ، وإن المهدي سير اليه جيوشأ، آخرها جيش بقيادة سعيد الحرشي ، فشدد عليه الحصار ، فلما أيس من الظفر ، انتحر بأن شرب سما ، وسقاه نساءه وأهله، فمات وماتوا ، وإن انتحاره حصل في السنة 163.

وفي السنة 223 لما تآمر العباس بن المأمون ، وبعض القواد علي قتل المعتصم ، واستخلاف العباس ، كان من جملة المتآمرين قائد تركي أثير عند اشناس ، لا يحجب عنه في ليل ولا نهار ، كان قد تعهد للمتآمرين بقتل اشناس، فلما افتضحت المؤامرة، اعتقل اشناس هذا التركي ، وحبسه في بيت ، وطين عليه الباب ، فكان يلقي إليه في كل يوم رغيفا وكوزماء ، فأتاه ولده في بعض أيامه ، فكلمه من وراء الحائط ، وقال له : يا بني لو كنت تقدر لي علي سكين كنت أقدر أن اتخلص من موضعي هذا ، فلم يزل ابنه يتلطف في ذلك حتي أوصل إليه سكينة ، فقتل به نفسه . ( الطبري 78/9).

ص: 99

وروي الجاحظ : إنه رافق محمد بن ابراهيم المصعبي ، من سامراء إلي بغداد ، في حراقته ، ونصب في الطريق ستارة ، وغنته عوادة ، ثم غنته طنبورية ، وبعد أن أنهت الصوت هتكت الستارة وألقت نفسها في الماء ، وكان علي رأس محمد غلام جميل بيده مذبة ، فألقي بنفسه في أثرها، واعتنقا، ثم غاصا فلم يريا ، راجع التفصيل في وفيات الأعيان 471/3 - 472 ومصارع العشاق 113/1 - 114 وتحفة المجالس 309 310).

وكان حنين بن اسحاق العبادي الطبيب ، طبيب المتوكل ، وإسرائيل بن زكريا الطيفوري ، طبيب الفتح بن خاقان ، فاختلفا أمام المتوكل ، في موضوع الخمار وهل يضر المصاب بالخمار أن يجلس في الشمس أم لا ، فأثني المتوكل علي حنين ، فاغتاظ الطيفوري ، ودس لحنين ، واغري الجاثليق والأساقفة ، فلعنوا حنين ، وقطعوا زناره ، وأمر المتوكل أن لا يصل إليه دواء من عند حنين ، حتي يشرف عليه الطيفوري ، ويحضر عمله ، فانصرف حنين إلي منزله ، وانتحر بأن سقي نفسه سما ( تاريخ الحكماء 172)

وفي السنة 285 أوقع صالح بن مدرك الطائي بالحاج ، بقاع الأجفر ، فقتل خلائق عظيمة من الحاج ، ومات منهم كثير بالعطش ، وسلب من الناس نحوا من ألفي ألف دينار ( مروج الذهب 516/2 )، فخرج إليه أبو الأغر خليفة بن المبارك السلمي ، وظفر بصالح في فيد ، فأسره ، فجمع الأعراب ليستنقذوه ، فواقعهم أبو الأغر وقتل منهم مقتلة عظيمة ، فأيس صالح من الخلاص ، وكان يدري ما ينتظره إذا وصل إلي بغداد ، فاستلب من أحد الغلمان سكين وقتل نفسه ، فاحضر أبو الأغر رأسه إلي مدينة السلام ، وأحضر معه رؤوس أخري ، وأربعة أساري هم بنو عم صالح بن مدرك فأدخلوا المطبق ( مروج الذهب 519/2 ).

ص: 100

ولما اعتقل صاحب الشامة ، رأس القرامطة ، في السنة 291، وحمل إلي بغداد ، كان يعرف ما ينتظره ، فحاول الإنتحار ، بأن عمد إلي سكرجة فكسرها ، وقطع بشظية منها بعض عروقه ، فخرج منه دم كثير ، فلما أطلع علي ذلك ، شد جرحه ، وترك حتي صلح وعادت إليه قوته ، ثم احتفل بقتله ، وقتل أصحابه . ( الطبري 113/10 ).

أقول : راجع كيفية قتل صاحب الشامة ورفاقه ، في هذا الكتاب ، في الباب التاسع و التعذيب بالتعرض للجوارح ، الفصل الثاني و القسم الأول قطع الأطراف ».

وفي السنة 311 لماعزل حامد بن العباس من وزارة المقتدر ، وصودر ، باع ضياعه ، وداره ، وخدمه ، وباع اخص خدمه به من نازوك ، بثلاثة آلاف دينار ، فالتفت الخادم إلي نازوك ، وقال له : إنك لا تنتفع بي ، فلا تبتعني، فلم يقبل منه ، وأبتاعه ، فلما كان في تلك الليلة ، شرب الخادم زرنيخ، فمات من ساعته ( المنتظم 183/6 - 184 وتكملة تاريخ الطبري 36)

وفي السنة 315 قبض الوزير علي بن عيسي ، وزير المقتدر ، علي رجل شيرازي ، ظهر أنه يكاتب القرامطة ، فناظره الوزير بحضرة القاضي أبي عمر والقواد ، وقال الشيرازي : أنا صاحب أبي طاهر القرمطي ، وما صحبته إلا لأنه علي حق ، وأنت وصاحبك ومن يتبعكم، كفار مبطلون ، ولا بد لله في أرضه من حجة ، وإمام عدل ، فقال له علي بن عيسي : أصدقني عمن يكاتب القرمطي من أهل بغداد والكوفة ، فقال : ولم أصدقك عن قوم مؤمنين، حتي أسلمهم إلي قوم كافرين فيقتلونهم ، لا أفعل ذلك أبدأ ، فأمر بصفعه بحضرته ، وضربه بالمقارع ، وقيده ، وغله بغل ثقيل ، وجعل في فمه سلسلة ، وأسلمه الي نازوك ( صاحب الشرطة) وحبسه في المطبق ، فمات

ص: 101

بعد ثمانية أيام ، لأنه امتنع من الطعام والشراب حتي مات ( تجارب الأمم 712/1)

وفي السنة 334 قصد أبو يزيد الخارجي مدينة تونس ، فدخلها بالسيف ، وقتل الرجال ، وسبي النساء ، ونهب الأموال ، وهدم المساجد، فانتحر الكثير من أهلها ، بأن رموا أنفسهم في البحر ( ابن الأثير 431/8 ).

وروي التنوخي ، في كتابه نشوار المحاضرة ، في القصة المرقمة 58/5 ج 5 ص 129- 134 قصة فتي تعشق أخته ، وفر بها إلي موضع لا يعرف فيه ، وماتت الأخت علي أثر الولادة، فلما وضعها في قبرها ، أخرج سيفا ، وأدخله في فؤاده فانتحر ، فمات ، ودفن معها في قبر واحد .

وفي السنة 351 استولي علي طرسوس ، ابن الزيات ، وقطع خطبة سيف الدولة ، وخرج في أربعة آلاف رجل من الطرسوسيين لحرب الروم ، فأوقع به الدمستق ، وقتل جميع من معه، وقتل أخاه أيضأ ، فلما وقف ابن الزيات علي ذلك ، لبس سلاحه ، واعتم، وخرج إلي روشن داره ، وكانت داره علي شاطيء نهر ، ثم رمي بنفسه من داره الي النهر ، فغرق . ( تجارب الأمم 191/2 ).

وفي السنة 360 قتل يوسف بن بلكين بافريقية أصحاب محمد بن الحسين الزناتي ، وجماعة من أهله وبني عمه ، وكان محمد قد عصي علي المعز الدين الله بإفريقية ، وكثر جمعه ، فأمر المعز يوسف ، بالتخلص منه ، فبادر إليه يوسف ، ولم يشعر به محمد ، إلا وهو داخل عليه ، فلما رآه محمد جرد سيفه وانتحر به ، وقتل يوسف الباقين . ( ابن الأثير 616/8 ).

وانتحر الطبيب أبو الحسن محمد بن غسان بن عبد الجبار الداري الصيدلاني البصري ، بأن أغرق نفسه في كرداب كلوادي ، ببغداد ، لاسباب اجتمعت عليه ، من صفر اليد ، وسوء الحال ، وجرب أكل بدنه ، وعشق

ص: 102

حرق قلبه ، وحيرة غرب معها عقله ، وخذل رأيه ، حتي جر إلي نفسه حينها بما أقدم عليه ، وكان ابن غسان فتي ، مليحا ، ظريف ، حسن الأدب ، محذقا فيما بين الأطباء ، وكان يعلم الطب ، ويشارك في علوم الأوائل ، وخدم بصناعته ملوك بني بويه ، علي الخصوص عضد الدولة فناخسرو راجع الرسالة البغدادية للتوحيدي 256 - 258 وتاريخ الحكماء 402).

وكان القائد تبر ، أحد أمراء الدولة في عهد كافور الإخشيدي ، فلما قدم القائد جوهر من المغرب بالعساكر ، حاربه القائد تبر ، ولكنه انهزم ، فكتب إليه جوهر ، يترضاه ، فلم يجب ، وأقام علي الخلاف ، فسير إليه عسكر، حاربه ، فانكسر تبر ، وقبض عليه ، وأدخل إلي القاهرة ، مشهرا علي فيل ، وسجن ، وفي السنة 360 ضرب بالسياط ، وحبس عدة من أصحابه بالمطبق في القيود ، فجرح نفسه ، ومات منتحرة . ( خطط المقريزي 413/2)

وانتحر بتناول السم ، أبو أحمد بن أبي بكر بن حامد، الكاتب ، الشاعر ، كان أبوه كاتب الأمير الساماني اسماعيل بن أحمد، وزير الأمير أحمد بن اسماعيل ( قتل سنة 301) ، فنشأ أبو أحمد ربيب نعمة ، وتأدب ، وتظرف ، ونظم فأجاد ، وولي ولايات ، وكان يتخرق في تبذير ماله ، فتخرق جاله ، وضاقت معيشته ، حتي قال : ( التيمية 64/4 - 69 ).

قد قلت أذ مدحوا الحياة فأسرفوا****في الموت ألف فضيلة لا تعرف

منها أمان لقائه بلقائه ****وفراق كل معاشر لا ينصف

ا ثم قتل نفسه بتناول السم ، فمات منتحرا .

وفي السنة 369 انتحر المطهر بن عبد الله ، وزير عضد الدولة ، إذ أنفذه الملك عضد الدولة إلي البطيحة لاستئصال الحسن بن عمران ، بعد أن استخلف علي الوزارة أبا الريان حمد بن محمد الأصبهاني ، فلم يتمكن من

ص: 103

صاحب البطيحة ، وباءت خططه بالفشل ، فأعتكف في خيمته ، وأخذ سكين دواته فقطع بها شرايين ذراعيه جميعا وأدخل ذراعيه إلي باطن ثيابه فنزف دمه ، وأدركه خدمه والناس وفيه رمق ثم مات . ( تجارب الأمم 409/2 - 411)

وفي السنة 369 انتحرت الأميرة جميلة بنت ناصر الدولة الحمداني ، تخلص من حياة الذل والأسر التي ابتليت بها، بأن ألقت نفسها في دجلة ، فغرقت ، راجع تفصيل ذلك في هذا الكتاب ، الباب التاسع عشر المرأة » الفصل الخامس عشر « انتحار المرأة .

وفي السنة 392 حارب يمين الدولة محمود بن سبكتكين ، جيبال ملك الهند ، فكسره ، وأسره، وأطلقه بمال قرره عليه ، فأذاه ، وكان من عادة الهنود ، أنهم أذا حصل أحد منهم في أيدي المسلمين أسيرة، لم تنعقد له بعدها رئاسة ، فلما رأي جيبال حاله بعد خلاصه ، حلق رأسه ، ثم ألقي نفسه في النار ، فأنتحر ( ابن الأثير 169/9، 170).

وفي السنة 392 توفي أبو الطيب الفرخان بن شيراز ، فأنفذ بهاء ، الدولة ، وزيره أبا غالب لحيازة ما خلفه ، وكان للفرخان ثقة مجوسي ، عالم بما خلف الفرخان ، فقبض عليه أبو غالب ، وعذبه ، فانتحر بأن ذبح نفسه في الحمام ( ذيل تجارب الأمم 414 - 417) .

وفي السنة 395 حارب يمين الدولة محمود بن سبكتكين ، ملك إسمه بحيرا ، وأسم مملكته بهاطية ، وتقع وراء المولتان ، فانكسر بحيرا ، فلما أيقن بالعطب ، أخرج خنجر معه ، فقتل به نفسه ( ابن الأثير 185/9 ).

وروي عبد الله بن عبد العزيز السامري ، إنه مر وصديق له بدير هرقل ، وهو موئل للمصابين بعقولهم ، فوجدا فيه شابا حسن الوجه ، مشدودة بسلسلة إلي جدار ، فاستنطقاه ، فتلا عليهما أبيات ، تشير إلي أنه صريع غرام ، ثم تلا عليهم أبيات أخري ، كان البيت الأخير فيها :

ص: 104

إني علي العهد لم أنقض مودتهم****فليت شعري بطول العهد ما فعلوا

فقالا له : ماتوا ، فقال : وأنا ميت في أثرهم ، ثم خنق نفسه بالسلسة ، فاندلع لسانه ، وندرت عناه ، ومات ، راجع تفصيل القصة في مصارع العشاق 19/1 و 20.

أقول : دير هتل ( حزقيل ) ما بين البصرة وعسكر مكرم ( معجم البلدان 706/2 ) كان موئلا للمصابين بعقولهم ، وقد ذكره دعبل في أبيات هجا بها أبا عباد ، وزير المأمون ، وكانت في أبي عباد حدة ، قال :

أولي الأمور بضيعة وفساد**** أمر يدبره أبو عباد

يسطو علي كتابه بدواته ****فمضمخ بدم ونضح مداد

وكأنه من دير هزقل مفلت**** رد يجر سلاسل الأقباد

وفي السنة 401 حارب محمود بن سبكتكين ، ملك الغور ، وانتصر عليه ، فشرب الملك سما كان معه فمات ( ابن الأثير 222/9 ) .

وفي السنة 407 غزا محمود بن سبكتكين الهند ، فحاصر كشمير ، فأسلم صاحبها علي يده ، ثم حاصر حصن هو دب ، فأسلم صاحبه علي يده ، ثم حاصر قلعة كلجند وفتحها فعمد كلجند إلي زوجته فقتلها ، ثم قتل نفسه بعدها ( ابن الأثير 266/9 ).

وفي السنة 411 قتل الحاكم الفاطمي ، فنصبت أخته ست الملك ولده أبا الحسن علي ، مكان أبيه ، واعتقلت ولي العهد أبا القاسم ، في القصر ، وحمل إليه يوما بطيخ ومعه سكين ، فغرز السكين في سرته ، ومات منتحرة ( النجوم الزاهرة 194/4 ).

وفي السنة 412 قبض قرواش بن المقلد صاحب الموصل، علي أبي القاسم المغربي الوزير ، وأطلقه ، وعلي أبي القاسم سليمان بن فهد ، فقتل سليمان نفسه . ( المنتظم 2/8).

ص: 105

وروي المقريزي في خططه 289/2 إنه في السنة 415 قبض علي رجل من بني حسين ثار بالصعيد الأعلي ، فأقر بأنه قتل الحاكم بأمر الله ، من جملة أربعة أنفس ، تفرقوا في البلاد ، وأظهر قطعة من جلدة رأس الحاكم ، وقطعة من الفوطة التي كانت عليه ، فقيل له : لم قتلته ؟ فقال : غيرة لله وللإسلام ، فقيل له : كيف قتلته ؟ فأخرج سكينا ، ضرب بها فؤاده ، فقتل نفسه ، وقال : هكذا قتلته ، فقطع رأسه وأنفذ به إلي الحضرة .

أقول : أورد المسبحي ، في أخبار مصر . في السنة 415 هذا الخبر بتفصيل أوفي ، فذكر في الصفحة 27 و 28 أنه : ورد الخبر إلي مصر بأن الثائر الذي حصل بالصعيد الأعلي ، حصل في يد القائد الفاطمي حيدرة بن عقبايان ، وكان الثائر رجلا شريفحسنية ، فأقر بأنه قتل الحاكم بأمر الله ، في جملة أربعة أنفس تفرقوا في البلاد ، فمنهم من مضي إلي برقة ، ومنهم من مضي إلي العراق ، وإنه أظهر له قطعة من جلد رأسه ، وقطعة من الفوطة التي كانت عليه ، فقال له حيدرة : ولم قتلته ؟ فقال : غرت لله وللإسلام ، فقال : وكيف قتلته ؟ فأخرج سكينا ، فضرب بها فؤاد نفسه ، فقتل نفسه ، وقال : هكذا قتلته ، فقطع حيدرة رأسه ، وأنفذ الرأس إلي الحضرة ، مع ما وجده معه .

وفي السنة 426 عصي أحمد پنالتكين ، نائب السلطان مسعود الغرنوي بالهند ، علي السلطان ، فسير أليه جيشأ، فانهزم ، وتحضن في جزيرة ، فهاجمه الهنود ، وأوقعوا به ، وأخذوا ولد له أسيرة ، فلما رأي أحمد ذلك ، قتل نفسه ، ومات منتحر ( ابن الأثير 441/9 و 442 ).

وفي السنة 457 انتحر أبو نصر فتوح بن هلال اليفرني ، صاحب تاكرنا ، بالأندلس، وكان قد خلف أباه المتوفي سنة 449 وملك كذلك ريا ومالقة ، وثار عليه رجل من رعيته ، يدعي ابن يعقوب ، بإغراء من المعتضد بن عباد ، فاقتحم قصر أبي نصر ، وصباح مع جماعته بخلعه ،

ص: 106

والدعوة للمعتضد ، فألقي أبو نصر نفسه من علية كان جالسا بها ، فوقع علي صخرة ، فتكسر ، ومات . ( الاعلام 335/5 ).

وفي السنة 468 كان غلام يعرف بابن الرواس ، من أهل الكرخ ببغداد ، يحب امرأة ، فماتت ، فحزن عليها ، فبقي لا يطعم الطعام ، وانتهي به الأمر الي أن خنق نفسه ( المنتظم 297/8 ).

وكان مسلم بن قريش ، صاحب الموصل وحلب ، يستوفي من صاحب أنطاكية الإفرنجي ، إتاوة سنوية ، فلما ملك سليمان بن قتلمش أنطاكية ، طالبه مسلم بالإتاوة ، فأجابه : إن سلفي كان نصرانيا يعطي الجزية ، وأنا مسلم لا جزية علي ، فحاربه مسلم بن قريش ، فانتصر سليمان ، وقتل مسلم في المعركة في السنة 478، وحصر سليمان حلب ليستولي عليها ، فأمتنعت حلب عليه ، وكتب حافظها إلي الأمير تتش السلجوقي أن يحضر لتسلمها ، فبلغ ذلك سليمان ، فقصدتتش، واشتبكا في معركة ، فلما رأي سليمان أن أصحابه قد فروا أنف من الهزيمة ، وأخرج سكينة كان معه ، فقتل به نفسه ، ومات منتحرة ( اعلام النبلاء 358/1 ) .

وفي السنة 500 انتحر الأمير قلج ارسلان ، صاحب الموصل وما حولها ، إذا أشتبك في معركة ضارية مع الأمير جاولي سقاوو ، فانهزم عسكر قلب ، وثبت هو ، وعلم إنه إن أسر فعل به فعل من لم يترك لصلح موضعا ، فأقحم فرسه الخابور ، فغرق ( ابن الأثير 429/10 و 430 ) .

وفي السنة 500 افتتح السلطان ملكشاه السلجوقي ، قلعة شاهدز ،

بالقرب من أصبهان ، وقتل صاحبها وولده ، فألقت زوجته نفسها من رأس القلعة ، فماتت منتحرة ، راجع التفصيل في كتابنا هذا ، في الباب التاسع عشر و المرأة ، الفصل الخامس عشر « انتحار المرأة .

وفي السنة 511 نزل ابن بديع ، رئيس حلب ، لمقابلة الأمير الغازي

ص: 107

بقلعة دوسر ، فهاجمه اثنان من الباطنية ، فقتلاه ، وقتلا أحد ولديه ، وقتلا من بعده ، وجرح ولده الآخر ، فحمل إلي القلعة ، فهاجمه باطني وقتله ، وقبض علي الباطني ، وحمل ليقتل ، فرمي بنفسه إلي الماء ، وانتحر غرقأ (اعلام النبلاء 427/1 ) .

وفي السنة 52 أمر الوزير المختص أبو نصر أحمد بن الفضل ، وزير السلطان سنجر ، باستئصال الباطنية ، وكانت للباطنية قرية من أعمال بيهق ، إسمها طرز ، ومقدمهم بها الحسن بن سمين ، فقصدها العسكر ، وقتلوا كل من بها ، وهرب مقدمهم الحسن ، وصعد منارة المسجد ، ثم ألقي بنفسه إلي الأرض ( ابن الأثير 631/10 و632).

وفي السنة 521 إنتحر أبو القاسم محمود بن عزيز العارضي الخوارزمي ، بمرو ، ذبح نفسه بيده ، وترك رقعة بخط يده فيها : هذا ما عملته أيدينا ، فلا يؤاخذ به غيرنا، وكان أبوالقاسم هذا يلقب شمس المشرق ، وكان الزمخشري يسميه : الجاحظ الثاني . ( معجم الأدباء ۔ 146/7)

وفي السنة 523 خنق رجل يقال له أبن ناصر نفسه ، بحبل شده في السقف . ( التنظيم 13/10 ).

وفي السنة 523 انتحر الأمير البقش السلاحي ، بأن غرق نفسه في دجلة ، وكان نائبا عن السلطان في عدة ممالك ، ثم غضب عليه السلطان ، فقبض عليه ، وحبسه بقلعة تكريت ، ثم أمر بقتله ، فانتحر . ( ابن الأثير 65/11 و النجوم الزاهرة 262/5).

وفي السنة 539 حصل عبد المؤمن ، أمير الموحدين ، بمدينة وهران ، بالمغرب ، ونزل تاشفين ، أمير المسلمين بظاهرها علي البحر ، وفي ليلة 27 رمضان ، صعد تاشفين إلي الربوة المطلة علي البحر ، بأعلاها ثنية يعمرها

ص: 108

المتعبدون ، يريد التبرك بذلك الموضع ، وبمن فيه من الصلحاء ، فحصره الموحدون في ذلك الموضع ، وأحاطوا به ، وأحرقوا عليه باب الرباط ، فلما أيس تاشفين من النجاة من أيديهم ، ركب فرسه ، وأخترق النار ، ثم أقحمه الوادي، فتردي هو وفرسه من جرف عال علي الحجارة ، فمات منتحرا ( ابن الأثير 580/10 وفيات الأعيان 126/7 والمعجب للمراكشي 271 ) .

وفي السنة 551 توفي خوارزم شاه أتسز بن محمد بن أنوشتكين ، وخلفه ولده أرسلان ، فقتل نفرا من أعمامه ، وسمل أخا له ، فقتل الأخ المسمول نفسه منتحرة . ( ابن الأثير 209/11 ).

وفي السنة 574 انتحر أحد المكارية في الحبس ببغداد ، وسبب ذلك إنه أخذ ألف دينار ، تعود لرجل اكتراه ورفاقه من الموصل إلي بغداد ، فأخذ واعترف بالمال ، وأحضر منه تسعمائة وخمسين دينارة ، وقال إن الخمسين الباقية أخذها قريب له ، فقال صاحب المخزن : خذوا هذا فأحبسوه لنصلبه غدأ ، فنهض المكاري في الليل ، وصلب نفسه . ( المنتظم 287/10 ).

وفي السنة 587 انتحر يعقوب الحلبي ربان بطسه (نوع من السفن ) ، وسبب ذلك ، إن ملك الانكتار ( پريد ريكاردوس قلب الأسد ملك إنكلترا ) وصل مع رجاله إلي عكا، وكان رجل زمانه شجاعة ، ومكرة ، وجلدأ ، وصبرة ، فعظمت به قوة الإفرنج المحاصرين لعكا ، فأمر صلاح الدين الأيوبي ، فجهزت من بيروت ، بطسة كبيرة مملوءة من الرجال والعدة والقوت ، وفيها سبعمائة مقاتل ، وسيرت الي عكا ، فلقيها ملك انكتار ، فقاتلها ، وصبر من فيها ، فلما أيسوا من الخلاص ، عمد المقدم بها ، واسمه يعقوب الحلبي ، مقدم الجندارية ، ويعرف بغلام ابن شقتين ، فنزل إلي قعرها ، وخرقها خرقا واسعأ ، وأغرقها بمن فيها وما فيها ، وانتحر هو وأصحابه غرقة لئلا يظفر الإفرنج بهم وبما معهم من الذخائر (ابن الأثير 65/12)

ص: 109

وفي السنة 598 سعي رجل يعرف بابن عطية ، بابن ثناء البراز ، بأن لديه وديعة أودعها عنده أبو بكر بن العطار ، الوزير - كان - للناصر وعزل وصودر ، فانكر ابن ثناء ، وحقق في الأمر ، فظهر كذب الساعي ، ، فأطلق ابن ثناء ، واعتقل ابن عطية ، وحبس بباب النوبي ، فألقي نفسه في بئر ، فمات ، فصلب علي باب داره . ( الجامع المختصر 82 و 83 ) .

وفي السنة 602 تجهز السلطان شهاب الدين الغوري ، لقتال بني كوكر بالهند ، وكانوا قد عصوا عليه ، وقطعوا الطريق ، وأخافوا السبيل، ووافقهم قسم من الهنود علي الخروج عن الطاعة ، فداهمهم شهاب الدين ، وكسرهم ، فقصدوا أجمة هناك ، واجتمعوا ، وأضرموا نارة ، وكان أحدهم يقول لصاحبه : لا تدع المسلمين يقتلونك ، ثم يلقي بنفسه في النار ، فيلقي صاحبه نفسه بعده ، فعمهم الفناء قتلا وحرقا . (ابن الأثير 208/12 ۔ 211)

وفي السنة 602 انتحر الفقيه تقي الدين عيسي بن يوسف العراقي الغرافي ، الضرير ، بأن شنق نفسه ، في حجرته بالمدرسة الأمينية ، وسبب ذلك ، إنه سرق له مال ، فأتهم شخصا كان يقرأ عليه ، ويقوده ، فأنكر ذلك الشخص التهمة ، وتعصب عليه أقوام ، وقالوا هو ضرير فقير من اين له المال الذي ادعي بأنه سرق منه ، فزاد عليه الهم وشنق نفسه . (نكت الهميان 223 و 224).

وفي السنة 604 صلب الرضي بن هرثمة ، نفسه ، بالمخزن المعمور ، وكان موك" به علي بقية مال قرره علي نفسه ، فأخرج لي ، فسلم إلي أهله ( الجامع المختصر 237 ).

وفي السنة 624 انتحر السلطان ناصر الدين قباجه ، مملوك علاء الدين الغوري ، صاحب السند والملتان وأوج ، قتل نفسه علي أثر انكساره في

ص: 110

معركة حصلت بينه وبين التتميش ، وكان قد حكم منذ السنة 602 ( معجم انساب الأسر الحاكمة 602).

وفي السنة 64 حصر الجنود المصريون ، الإفرنج بدمياط ، وحاول الإفرنج التخلص من الحصار بعدة حملات ، وكانت جميعها فاشلة ، فقتل جميع فرسانهم ، إلا فارسين ، فاقتحما النيل بخيلهما فغرقا . وأسر من المحاربين نيف وعشرين ألف آدمي . وقتل سبعة آلاف . ( النجوم الزاهرة 397/9)

وفي السنة 682 تضارب بالقاهرة مؤمن بن عجم العطار ، مع والدته ، وبعد العشاء الآخرة « شنق روحه » ( تاريخ ابن الفرات 261/7 ).

وفي السنة 685 توفي الفقيه أبو الحسن علي بن محمد الأزدي ، وخلف ولدين هما محمد وعبد الله ، وكان محمد مفرطة في السخاء ، لا يليق شيئا ، ولا يخيب قاصدأ ، فتضعضع حاله ، وركبه دين كثير بعد وفاة أبيه ، فراجعه أحد الدائنين ، وأغلظ له في القول ، وكان قاعدأ علي باب داره ، فدخل إلي الدار من فوره ، وعمد إلي حبل فشنق به نفسه ( العقود اللؤلؤية 244/11)

وفي السنة 686 طولب ببغداد نجم الدين كاتب الجريد بالحساب ، ودوشخ، علي بقايا وجبت عليه ، فلما عرف من نفسه العجز عما يطلب منه ، وخشي من العقاب ، قتل نفسه . ( تاريخ العراق للعزاوي 341/1 ) .

وفي السنة 689 انتحر القاضي ناصر الدين محمد بن عبد الرحمن المقدسي المعروف بابن نوح ، شنق نفسه بعمامته ، وكان وكيل بيت المال ، وناظر الأوقاف بدمشق ، فسرق وخان ، فأمر السلطان بالكشف عما أكل ، وإعادته لبيت المال ، فضرب بالمقارع، وحبس ، ثم طلب إلي مصر

ص: 111

فانتحر شنقا . (تاريخ ابن الفرات 92/8 ) و ( الوافي بالوفيات 237/3 - 238 وشذرات الذهب 410/5 و411) .

وفي السنة 703 اشتد حصار السلطان يوسف بن يعقوب المريني لمدينة تلمسان ، وكانت بحكم عثان بن يغمراسن ، من بني عبد الواد ، وضاق عثمان بالحصار ذرعا ، فأنتحر ، بأن وضع سما في قدح من اللبن ، وشربه ، فمات ، تفاديا من معرة غلبة الأعداء ( ابن خلدون 95/7 ) .

وكان قراسنقر ، من الأمراء بمصر ، وحضر قتل الاشرف وشارك فيه ، فلما تسلطن الناصر أخو الاشرف ، خشي قراسنقر علي نفسه، وفر إلي السلطان محمد خدا بنده والد ابي سعيد، سلطان العراق، فأعطاه مدينة مراغة ، وتسمي دمشق الصغيرة ، فلما مات محمد وولي ابنه أبو سعيد، فر منه الأمير الدمر طاش إلي سلطان مصر ، فوقع الإتفاق علي أن يعيد سلطان مصر الدمر طاش ، ويعيد أبو سعيد قراسنقر ، وبعث الملك الناصر برأس الدمر طاش ، فأمر أبو سعيد بحمل قراسنقر لسلطان مصر ، فمص قراسنقر خاتمأ له فيه سم ، فمات ( تاريخ العراق للعزاوي 429/1 ). وكان ذلك في السنة 728.

وفي السنة 721 قبض السلطان الملك الناصر محمد بن قلاوون (ت 741) علي كريم الدين عبد الكريم ، ناظر الخاص ، ووكيل السلطان ، وعظيم دولته ، وصادره ، وأبقاه في الاعتقال أربعين يوما ، ثم أطلقه ، وألزمه بأن يقيم في تربته بالقرافة ، ثم نفاه إلي الشوبك ، ثم نقله إلي القدس ، ثم أحضره إلي القاهرة ، ثم نفاه إلي أسوان ، ووجد هناك مشنوقا بعمامته . ( النجوم الزاهرة 75/9 ).

وفي السنة 731 انتحر بمدينة دمشق شنقا تقي الدين الاشقر محمد بن اسماعيل بن موسي الحسيني الشريف ، وسبب انتحاره أنه ركبته الديون ،

ص: 112

فشنق نفسه ، وعلق في عنقه ورقة بخطه ذكر فيها إلي الحامل له علي ذلك خشيته من ضرب المقارع بسبب أصحاب الديون لأنهم كانوا هددوه بذلك ( الدرر الكامنة 12/4 ).

ولما ولي السلطان محمد بن تغلق ، سلطنة الهند ، بعد موت أبيه ، امتنع الأمير بهاء الدين كشت اسب ، ابن اخت السلطان تغلق ، من بيعته ، فحاربه ، وانكسر الأمير ، والتجأ إلي ملك من ملوك الكفار ، يعرف باسم ( الراي كنبيلة )، والراي بالهندية تعني السلطان ، وهو من أكبر سلاطين الكفار ، فطلبه منه السلطان ، فأبي أن يسلمه لأنه التجأ إليه فحاربه السلطان محمد بن تغلق ، وحاصره، فلما قارب أن يؤخذ ، قال للأمير بهاء الدين : إن الحال قد بلغت ما تراه ، وأنا عازم علي إهلاك نفسي وعيالي ومن يتبعني ، فاذهب أنت إلي السلطان فلان ، وسمي له سلطانة من الكفار ، فأقم عنده ، فإنه سيمنعك ، وبعث معه من أوصله إليه ، وأمر الراي كنبيلة ، بنار فأججت ، وأحرق فيها امتعته ، وقال لنسائه وبناته : إني أريد أن أقتل نفسي ، فمن ارادت موافقتي فلتفعل ، فكانت المرأة منهن، تغتسل، وتدهن بالصندل، وتقبل الأرض بين يديه ، وترمي بنفسها في النار ، حتي هلكن جميعا ، وفعل مثل ذلك نساء امرائه ، ووزرائه، وأرباب دولته، ومن أراد من سائر النساء ، ثم اغتسل الراي ، وادهن بالصندل، ولبس السلاح ما عدا الدرع ، وفعل كفعله من أراد الموت معه من ناسه ، وخرجوا إلي عسكر السلطان، فقاتلوا ، حتي قتلوا جميعا. (مهذب رحلة ابن بطوطة 96/2-97).

ووصف لنا الرحالة ابن بطوطة ، في رحلته ، مراسيم الأحتفال بإحراق النساء الهندوسيات أنفسهن ، إذ ينتحرن لحاقا بأزواجهن ، وبين إن إحراق المرأة نفسها بعد زوجها ، أمر مندوب إليه ، غير واجب ، ولكن من أحرقت نفسها بعد زوجها ، أحرز أهل بيتها شرفا بذلك ، ونسبوا إلي الوفاء ، ومن لم تحرق نفسها ، لبست خشن الثياب ، وأقامت عند أهلها بائسة ممتهنة ، لعدم

ص: 113

وفائها ، ولكن لا تكره علي إحراق نفسها، راجع تفصيل عملية الانتحار بالاحتراق بالنار في هذا الكتاب ، في الباب التاسع عشر و المرأة ، الفصل الخامس عشر د انتحار المرأة .

وذكر ابن بطوطة في رحلته ، 22/2 ، إن الهندوس في الهند، ينتحرون غرقا ، بالقاء أنفسهم في نهر الكنك ، وهو الذي إليه يحجون ، وفيه پرمي برماد من يحرق بدنه منهم ، وهم يقولون إن هذا النهر من الجنة.، وإذا جاء أحدهم ليغرق نفسه ، يقول لمن حضره : لا تظنوا أني أغرق نفسي لأجل شيء من أمور الدنيا ، أو لقلة مال ، وإنما قصدي التقرب إلي كساي ، وكساي ، اسم الله عز وجل بلسانهم ، ثم يغرق نفسه ، فإذا مات ، أخرجوه ، وأحرقوه، ورموا بر ماده في النهر المذكور .

وفي السنة 739 أمر السلطان الملك الناصر محمد بن قلاوون باعتقال النشو ناظر الخاص ، وأفراد عائلته ، وكان أخوه مجد الدين رزق الله بن فضل الله ممن اعتقل، وسجن ببعض الخزائن ، وفي فجر اليوم التالي ، لما قام عنه حارسه ليصلي الصبح ، أخرج من حياصته سكينا ، ووضعها في نحره فقطع أوردته ، ومات ( النجوم الزاهرة 135/9 ) وقد أورد الخبر صاحب الدرر الكامنة 201/2 بتفصيل أوفي إلا إنه ذكر أن انتحار مجد الدين رزق الله بن فضل الله حصل في السنة 740 فذكر أن مجد الدين اعتقل لما اعتقل أخوه ، وأخذه قوصون نائب السلطان ، فأنزله عنده في القلعة ، فاغتنم غفلة من الموكل به ، وأخذ سكينا فنحر بها نفسه، فمات، وكان ذلك في السنة 740 وكان كثيرا ما يقول لأخيه النشو، إن جرت علينا نائبة ، لا يرحمنا أحد المبالغتنا في نصح الملك ، ويشمت بنا الناس ، وأنا - والله - إن وقع ذلك لا امكن أحد من عقوبتي، فكان كذلك .

وذكر ابن بطوطة ، إنه شاهد أحد أتباع سلطان مل جاوة ينتحر أمامه ، إذ رآه وبيده سكين ، قد وضعه علي رقبة نفسه ، وتكلم بكلام كثير لم يفهمه ،

ص: 114

ثم أمسك السكين بيديه معا ، وقطع عنق نفسه ، فوقع رأسه لحدة السكين ، وشدة إمساكه ، بالأرض ، قال فعجبت من شأنه ، وقال لي السلطان : أيفعل هذا أحد عندكم ؟ فقلت له : ما رأيت هذا قط ، فضحك، وقال : هؤلاء عبيدنا، يقتلون أنفسهم في محبتنا، وأمر به فرفع وأحرق . (مهذب رحلة ابن بطوطة 243/2 ).

وفي السنة 752 حاصر صاحب تلمسان، أبو ثابت ، من بني عبد الواد ، علي بن راشد ، من مغراوة ، بمدينة تنس ، ثم اقتحم جيشه المدينة ، فانتحر علي بن راشد ، بأن ذبح نفسه ( ابن خلدون 120/7 ).

وخرج القاضي جلال الدين الأفغاني ، وأتباعه من الأفغانيين ، علي السلطان محمد بن تغلق ، سلطان الهند ( 725- 752)، واستولي علي مدينة كنباية ، وعظم شأنه ، فأراد ثلاثة من كبراء أهل كنباية ، الإمتناع منه ، ومحاربته ، وهم ملك الحكماء ، وشمس الدين ، والناخداه الياس ، ولكن جلال الدين، تغلب عليهم ، ودخل المدينة ، فاختفي الثلاثة في دار ، وخافوا أن يقبض عليهم ، وأن يعذبوا ، فاتفقوا علي أن يقتلوا أنفسهم، وضرب كل واحد منهم صاحبه ، بقتارة ، فمات اثنان ، ولم يمت ملك الحكماء . ( مهذب رحلة ابن بطوطة 2/ 172).

أقول : القتارة : سلاح وصفه الرحالة ابن بطوطة ، في رحلته 163/2 فذكر أنها تشبه سكة الحرث ، يدخل الرجل يده فيها فتكسو ذراعه، ويفضل منها مقدار ذراعين ، وضربتها لا تبقي .

وفي السنة 768 قتل نائب السلطنة يلبغا ، وكان قتله بأيدي مماليكه ، واتهم السلطان الأشرف شعبان، بأن قتله كان بأمره ، وأقيم أسندمر أتابك ، فاتفق معه مماليك يلبغا ، وركبوا علي الأشرف، فحاربهم الأشرف وهزمهم ، وأقيم الأمير الجاي اليوسفي أتابكأ ، وهو زوج أم الأشرف، فاتفق موت أم

ص: 115

الأشرف ، فركب ألجاي اليوسفي علي الأشرف ، فانكسر ألجاي ، فساق حتي رمي نفسه في البحر فغرق ، ومات منتحرا ( الدرر الكامنة 288/2 ).

أقول : أورد صاحب بدائع الزهور 2/1/ 119 إن الأتابكي الجاي ، تحرك في السنة 775 علي الملك الأشرف بالقاهرة، فحاربه السلطان، فانكسر الجاي ، وجاء إلي شاطيء نهر النيل، واقتحمه بفرسه ، فغرقا معأ . وأيد صاحب النجوم الزاهرة129/11 ان الحركة حصلت في السنة 775 وسمي الأتابكي الجاي : الأمير سيف الدين اليوسفي .

وفي السنة 769 انتحر الأمير سيف الدين قنق ، أحد أمراء المماليك بمصر ، إذ كان يحارب مع اليلبغاوية ، فلما انكسروا ساق قنق فرسه الي بركة الحبش ، ونزل بشاطيء البركة ، وبقي يشرب الماء ، ويستفت الرمل، حتي مات . ( النجوم الزاهرة 103/11 ).

وفي السنة 795 كان الأمير منطاش ملتجئ إلي نعير بن حيار، فكبس نائب حلب علي نعير ، وأسر أولاده ونساءه فطلب نعير من السلطان إطلاقهم ، علي أن يسلم إليه منطاشة ، فوافق السلطان ، فبعث اربعة من العبيد لاحضار منطاش ، فذهبوا إليه وأخذوا سيفه ، فاحس بالموضوع وقال : دعوني حتي أبول ، فلما وقف إلي الحائط ، أخرج من وسطه خنجرة ، وشق به بطنه . ( بدائع الزهور 459/2/1 ).

وفي السنة 801 انتحر الفقيه عبد القادر الحنبلي ، بدمشق ، وكان شيخ زاوية الحمصي ، فنسب إليه إنه خرب كثيرة من أوقافها، فطلب منه الحكام كتاب الوقف ، فطلع خلوته في الشيخونية ، ليجيء بكتاب الوقف ، فشنق نفسه في الخلوة ( الضوء اللامع 300/4 ).

وفي السنة 802، حارب محمد بن عمر بن عبد العزيز الهواري ،

ص: 116

بمصر ، الأمير يلبغا الأحمدي ، فلما انكسر يلبغا، نزل الي البحر، فغرق بفرسه . ( بدائع الزهور 589/2/1 ).

وفي السنة 805 خرج ظاهر بن السلطان أحمد بن أوس علي أبيه، وحاربه ، وكسره ، فاستعان الأب بقرا يوسف ، فاعانه ، فانكسر ظاهر ، فاقتحم بفرسه دجلة، وغرق . ( بدائع الزهور 673/2/1).

ولما قبض تيمورلنك ، علي السلطان بايزيد العثماني ، في السنة 800، صنع له قفصة من الحديد، ووضعه فيه ، وصار يدخل به المدن ، ويعجب عليه ، فما أطاق ذلك ، فابتلع فضا من حجر الماس، فمات وهو بالقفص الحديد ( بدائع الزهور 660/2/1).

وفي السنة 873 حاصر السلطان حسن بك المعروف بأوزون حسن ، السلطان حسن علي ، صاحب أذربيجان ، فلما عرف حسن علي أنه مأخوذ ، عمد إلي سكين فذبح بها نفسه ، فمات منتحرة ، وتفصيل ذلك : إن جهان شاه ، لما قتل ، وسمعت امرأته بموته ، تحصنت في قلعة النجق ، وكان فيها جملة خزائن ، فأرسلت جملة منها إلي حسن بك ، أوزون حسن واستعجلته علي القدوم إلي قلعة النجق ، فوقعت الخزائن في يد حسن علي فقتل الرسل ، واستولي عليها ، وحاصر قلعة النجق ، وأغري حراس القلعة بأن يخامروا علي المرأة ، ففتحوا له أبواب القلعة ، وقبض علي امرأة أبيه ، فأخذها حسن علي معه إلي تبريز ، حيث صلبها بثدييها ، فاستمرت في العذاب ثلاثة أيام حتي ماتت ، ولما سمع حسن بك ، بما صنعه حسن علي ، وكان محاصرة بغداد ، ترك حصار بغداد ، وتوجه إلي تبريز ، فحاصرها ، وفي اثناء الحصار فر قائدان من قواد حسن علي الي حسن بك ، والقائدان شاه علي ، وإبراهيم شاه ، فقبض حسن علي علي أولادهما ونسائهما، فقتلهم جميعا ، كما قتل كل من كانت له علاقة بالقائدين ، ثم فر حسن علي من

ص: 117

تبريز إلي همدان ، فاتبعه حسن بك، ففر منه إلي جبل الوند ، فأرسل اليه من حصره هناك ، فلما عرف حسن علي أنه مأخوذ ، أخرج سكينا وذبح نفسه ، فمات ، وكانت مدة حكمه سنة واحدة في التاريخ الغياثي 326- 331) وذكر صاحب التاريخ الغياثي ، أن حسن علي هذا ، خلف أباه جهان شاه في حكم اذربيجان ، ففتح الخزائن ، وبذر الأموال ، وكان من الحماقة بمكان ، ومن جملة حماقاته أنه أمر أن لا تلبس النساء السراويل ، وإن من كان مقرون الحاجبين ، عليه أن يحلق ما بينهما من الشعر ليظهرا مفروقين ، وكان يجمع النساء عاريات، ويجلس بينهن ، ويعمل ما تطيب له نفسه ، ويهتك ما يجب ستره ( أي إنه يمارس الجنس بمحضر منهن )، وكان يأمر البنات بالرقص عاريات ثم يختار واحدة منهن ، وكان يختار من بنات امرائه ، ويتزوج منهن عنوة ، بدون قيود ، ثم يتركهن إلي غيره .

وفي السنة 881 انتحر قانم قشير نائب السلطنة بالإسكندرية ، بأن شنق نفسه ، وذلك لما كثر التشكي منه ، وطلب دراداره للتحقيق ، فانتحر ( الضوء اللامع 200/6 ).

وفي السنة 905 إنتحر زين الدين خطاب بن محمد الكوكبي ، بأن شنق نفسه بخلوته بالضيائية ، وسبب ذلك إنه أحس بضعف، فحسب أنه سيموت ، فأوصي بمبلغ من الذهب له كمية جيدة ، فلما برأ من مرضه ندم علي تصرفه ، وانتحر بأن شنق نفسه ( شذرات الذهب 26/8 -27).

وفي السنة 922 انتحر أبو الفتح محمد بن عبد الرحيم الواعظ المصري ، وكان انتحاره بالسم ، وسبب ذلك إنه تزوج امرأة زويلية ، فافتتن بها ، حتي باع كتبه ، وصرف ثمنها عليها ، ثم خالعها، وندم ، وأراد مراجعتها، فأبت عليه إلا بخمسين دينارا ، فلم يقدر إلا علي ثلاثين ، فبعث بالثلاثين اليها ، وبعث معها سما قات ، وقال : إن لم تقبلي الثلاثين ، وإلا

ص: 118

شربت هذا السم ، فلم تقبل ، فشرب السم، ومات ( شذرات الذهب 118/8)

وفي السنة 1010 انتحر عبد الرحمن بن عتيق الحضرمي ، وزير الشريف حسن أمير مكة ، بأن طعن نفسه بجنبية (خنجر) وهو في سجنه ، وكان عبد الرحمن قد تسلط علي المملكة في عهد الشريف حسن ، وظلم ، وجار ، وصادر ، واعتدي ، فلما توفي الشريف حسن ، وخلفه ولده أبو طالب، أمر باعتقال عبد الرحمن ، فاعتقل، ومكث في حبسه يومين، ثم طعن نفسه بالجنبية ، وشق بطنه فمات ، فألقي في درب جدة في حفرة صغيرة ، بلا غسل، ولا تكفين ، ولا صلاة ، ورمت عليه العامة الحجارة فوارته ( خلاصة الأثر 361/2 - 362).

وفي السنة 1048 حاصر السلطان مراد الرابع العثماني، بغداد، وكان حاكمها الإيراني بكتاش خان ، فاستسلم ، وكتب الي اتباعه بالإستسلام وإخلاء بغداد ، ولكن المعركة استمرت ولم يبق له من جنده البالغ عددهم ثلاثين ألفا إلا ثلثمائة، فانتحر ( تاريخ العراق للعزاوي 210/4 - 232).

وفي السنة 1056 انتحر أبو السعود بن أحمد الدمشقي المعروف بابن الكاتب ، بأن أكل سبعة دراهم من الأفيون ، فمات ولم يفد فيه علاج ، وكان سبب انتحاره أنه فشل في حبه فآثر الموت علي الحياة ( خلاصة الاثر 118/1)

وفي السنة 1079 انتحر الشيخ مصطفي بن سعد الدين الجباوي الدمشقي ، بأن دخل إلي خلوته بالجامع الأموي ، وأقفل بابها ، وخلع ثيابه ، ووضع في عنقه حبلا ، وشنق نفسه ( خلاصة الأثر 375/4 ).

وفي السنة 1110( 1698 م ) هاجم الجيش الهندوسي ( الماهراتا ) في الهند ، بعض ولايات السلطان أورنك زيب عالمگير محي الدين أعظم شاه ،

ص: 119

سلطان الهند ، فحاربهم القائد قاسم خان ، فانكسر جيشه ، وانتحر قاسم خان من أجل هزيمته . ( الاسلام والدول الاسلامية في الهند 161 و162).

وفي السنة 1191 هجم عرب مصر علي الأمير ذي الفقاربك ، وعوه ، فهرب ، فلحقوا به وأردوا قتله ، فألقي بنفسه إلي البحر ( النيل ) بفرسه ، فغرق ، ومات منتحر ( الجبرتي 504/1 ).

وفي السنة 1191 حصلت في حلوان بالقطر المصري ، معركة بين المماليك ، وانكسر أصحاب الأمير مراد بك، ونهب وطاقهم ، فما كان من الأمير محمد بك طبل ، إلا أن أقحم فرسه النهر ( النيل) فغرق ، ومات منتحرة ( الجبرتي 1/ 505 ) .

وفي السنة 1205 (1790 م ) توفي الأمير محمد باشا المجاهد ، صاحب الجزائر ، فخلفه الخزناجي حسن ، فأصبح حسن باشا ، وبعد أن تمت بيعته ، أصدر أمره باعتقال علي أغا، الذي كان يزاحمه في طلب الولاية ، فاعتقل ، وحبس في مطهرة ( حمام أو كنيف ) ثم نقل إلي القلعة ، حيث وجد مذبوحة ، قيل إنه قتل نفسه ، وقيل إن حسن باشا أمر بقتله ( مذكرات الزهار 51 و 52 ).

وفي السنة 1293 اتفق كبار رجال الدولة العثمانية ، وخلعوا السلطان عبد العزيز وبايعوا بدلأ ولي عهده مراد ، فأستخلف باسم السلطان مراد الخامس ، وبعد خلع عبد العزيز بستة أيام ، وجد في غرفته وقد فارقته الحياة ، وإلي جانبه مقراض قرض به شرايين ذراعه ، فمات منتحرة ( اعيان القرن الثالث عشر 115 ). :

وفي السنة 1334 ه- ( 1929 م ) انتحر عبد المحسن السعدون ، رئيس الوزراء في العراق ، إثر جلسة عاصفة في مجلس النواب ، ضايقه فيها بعض النواب ، واتهموه بالإهمال في العمل لما فيه مصلحة العراق ، والتساهل

ص: 120

في حقوق العراق تجاه الحكومة البريطانية التي كانت ذات تأثير قوي في أدارة الأمور بالعراق ، فانزعج ، وارتجل خطبة ، قال فيها : إن الإستقلال يؤخذ ولا يعطي ، وهو لا يؤخذ بالكلام ، وإنما يؤخذ بالحسام ، فأعتبر السفير البريطاني هذا القول ، تحريض علي الثورة ، وأعتبر صدوره في البرلمان ، من رئيس وزراء مسؤول ، خرقا للإتفاقيات المنعقدة بين العراق وبريطانيا ، وعنفه تعنيفة قاسية ، وكان عبد المحسن مرهف الحس ، عظيم الاعتداد بكرامته ، فأنتحر، بأن أطلق الرصاص علي قلبه ، وكنت إذ ذاك كاتبا في المجلس النيابي ، وتلميذا في كلية الحقوق ، وكنت حاضر خطبته الأخيرة في المجلس ، كما كنت من جملة من حضر تشييع جنازته من داره الشاطئية إلي حيث دفن في مقبرة الكيلاني ، وحضرت من بعد ذلك ، حفلة التأبين التي أقيمت له في جامع الكيلاني ، وحضرها عشرات ألوف من الناس .

وفي السنة 1378 (1958 م) انتحر رئيس وزراء العراق ، نوري السعيد، وكان قد آستر لما حصل انقلاب الضباط بزعامة عبد الكريم قاسم ، فلما سمع بمقتل ولده الوحيد ، أراد أن يبارح بغداد ، وبارح مأواه في عباءة وحجاب ، وفي أحد الشوارع ، ظهر من تحت العباءة من ثيابه ، ما دل علي أنه رجل ، فلما حوصر، وأيس من الإفلات ، أطلق علي نفسه الرصاص ، فمات منتحرة . ( اسرار مقتل العائلة المالكة في العراق 141 ).

وآخر من بلغنا خبر انتحاره ، ممن ساهم في حركة 14 تموز 1958 في العراق ، النقيب عبد الستار سبع العبوسي ، الذي قام بمذبحة قصر رحاب ببغداد ، حيث كان أول من وجه رشاشه إلي ساكني القصر أفراد العائلة المالكة ، وكانوا قد جمعوا في زاوية من زوايا حديقة القصر وضم إليهم خدمهم ، فقتلهم بأجمعهم ، وكان فيهم نساء وعجائز وأطفال ، وكان قد نقل إلي البصرة ، وذكر عن كيفية انتحاره إنه دخل إلي داره ، وأوصي أن يعدوا له

ص: 121

الغداء . ثم صعد إلي حجرة في الطابق الثاني ، وأطلق علي نفسه الرصاص، فمات منتحرة . ( أسرار مقتل العائلة المالكة في العراق 126 - 132 و143).

ص: 122

انتحار الحيوان

الإنتحار غير مقصور علي الإنسان وحده ، وإنما شركه فيه الحيوان أيضا ، إذا طغي به الحزن علي فراق إلفه ، وما أكثر ما بلغنا من القصص عن انتحار الخيل حزنا علي فراق أصحابها .

وكان آخر هذه القصص ، ما قرأناه في صحيفة الأهرام ، في السبعينات ، عن حصان انتحر ، حزنا علي وفاة صاحبه البدوي ، وكانت أم الحصان قد ماتت بعد نتاجه بقليل ، فعني به صاحبه عناية عظيمة ، وقضي الحصان مع البدوي أربع سنوات ، ثم سقط البدوي مريضأ ، فكان الحصان يقف خارج خيمة صاحبه ، فلما مات البدوي ودفن ، تسلق الحصان ت ، وأبقي بنفسه إلي وهدة ، فمات .

وذكر محمد بن هارون ، أن أباه اشتري زوج بط ، ثم أخذ الذكر فذبحه ، فجعلت الأنثي تضطرب تحت المكتبة ، حتي كادت أن تقتل نفسها ، فرفع عنها المكبة ، فجاءت إلي حيث ذبح ذكرها ، فلم تزل تضطرب في دمائه حتي ماتت ( مصارع العشاق 291/2 ) .

وحدثني السيد عبد الكريم بن الحاج عبد الحسين الأزري ، وهو سياسي عراقي مثقف ، أنه عندما كان تلميذا يطلب العلم في إحدي جامعات لندن ، كان قد اقتني كلبة ، فألفته ، ولما أراد العودة إلي بغداد ، بعد انتهاء

ص: 123

دراسته ، بعث بالكلية إلي المستشفي لقتلها ، فتعجبت من قوله وسألته عن السبب الذي دفعه إلي إسلامها للقتل ، فقال : إن هذا الجنس من الكلاب ، بألف صاحبه إلفة شديدة ، بحيث أنه أذا فارقه انقطع عن الطعام ، حتي يموت جوعا وحزنا ، فيكون تعجيل الأطباء بقتله رحمة له .

وذكر بعض أصحاب المعرفة بطبائع احيوان ، إن أجناس من الطيور ، تموت من الحزن ، إذا فقدت إلفها .

وكان للربيع بن بدر كلب قد رباه ، فلما مات الربيع ، ودفن ، جعل الكلب يتضرب علي قبره حتي مات .

وكان لعامر بن عنترة كلاب صيد وماشية ، وكان يحسن صحبتها ، فلما مات عامر ، لزمت الكلاب قبره حتي ماتت عنده ، وتفرق عنه الأهل والأقارب ( فضل الكلاب علي من لبس الثياب 10).

وروي الراوون قصة كلب انتحر من أجل سلامة صاحبه ، فقد ذكروا أن ملك من ملوك أرمينية ، كان له كلب رباه ، وكان لا يفارقه حيث كان ، وإذا كان وقت طعامه ، أطعم الكلب مما يأكل ، وخرج يوما إلي بعض متنزهاته ، وأوصي أن يكون ضمن ما يطعمه في ذلك اليوم ثريدة لبن ، وصنع الطباخ الثريدة ، واشتغل عنها ، فجاء أفعي ، وكرع من اللبن ، ومج في الثريدة من سمه ، والكلب رابض لا يقدر علي رده ، إذ لا حيلة للكلب في الأفعي ولا في الحية ، فلما قدم الملك ، كانت الثريدة أول ما قدم إليه ، ولمامد الملك يده إليها ، نبح الكلب ، فلم يفهم الملك عنه شيئا ، ورمي إليه من الثريدة شيئا ، فلم يقربه ، وألح الكلب في نباحه ، فضجر منه الملك ، وأمر بتنحيته ، فوثب الكلب إلي وسط المائدة ، وكرع من اللبن ، فسقط ميتأ، وعندئذ أدرك الملك أن كلبه قتل نفسه ، في سبيل سلامته ( فضل الكلاب علي من لبس الثياب 16 - 18 ).

ص: 124

وسواء كانت القصة حقيقية أو مصنوعة ، فإن الكلب معروف بالوفاء والإخلاص ، ولذلك قال الشاعر البدوي ، في مدح أحد خلفاء بني العباس :

أنت كالكلب في حفاظك للود****وكالتيس في قراع الخطوب

وذكر صاحب المنتظم 280/8 أنه كانت للفقيه الإمام أبي القاسم عبد الكريم بن هوازن القشيري النيسابوري (376-465) فرس ، ركبها عشرين سنة ، ولم يركب غيرها ، فلما توفي ، عافت العلف بعد وفاته ، وتلفت بعد أسبوع .

ص: 125

ص: 126

الباب الثامن عشر: المثلة

اشارة

المثلة : بفتح الميم وضمها وسكون الثاء ، في اللغة : التنكيل وفي الاصطلاح: التشويه، بقطع الأطراف، أو سمل العين، أو جدع الأنف، أو صلم الأذن ، أو جب الذكر ، وما أشبه ذلك ، وإنما سميت مثلة ، لأنها تنزل بالإنسان فتجعله مثالا يرتدع به غيره .

والمثلة محرمة في جميع الشرائع والقوانين ، وقد نهي النبي صلوات الله عليه ، عنها في مواطن عدة ، وكان إذا بعث سرية لقتال ، أوصاهم ، فقال : لا تمثلوا ، ولا تغدروا ، ولا تقتلوا وليدة ( العقد الفريد 128/1 ).

وكان أبو بكر الصديق ، يكرر الوصية علي أمراء جيوشه : أن لا يمثلوا ، ولا يخونوا ، ولا يغلوا ، ولا يغدروا ، ولا يقتلوا طفلا صغيرة ، ولا شيخا كبيرة ، ولا امرأة ، ولا راهب ( الطبري 227/3 ).

وجيء اليه مرة ، برأس بنان ، بطريق الشام ، فأنكر ذلك ، وقال : أيستنون بفارس والروم ، لا يحمل إلي رأس ، وإنما يكتفي بالكتاب والخبر ( تاريخ الخلفاء 99).

وبلغ أبا بكر أن عامله علي اليمامة ، عاقب مغنية غنت بهجو المسلمين ، بقطع يدها، وقلع ثنيتها ، فكتب إليه : إن كانت ممن يدعي الاسلام ، كان عليك أن تؤدبها بأدب وتعزير دون المثلة، وإن كانت ذمية ،

ص: 127

فلعمري أن ما صفحت عنه من الشرك ، أعظم ، وإياك والمثلة في الناس ، فإنها مأثم ومنفرة ، إلا في قصاص ( تاريخ الخلفاء 97 ).

ومن وصية الفاروق عمر لسلمة بن قيس الأشجعي ، لما أمره علي جيش : لا تغلوا ، ولا تغدروا ، ولا تمثلوا ، ولا تقتلوا وليدا ( الطبري 187/4)

وكان أمير المؤمنين علي ، يأمر قواده في كل موطن يلقون فيه عدوا ، فيقول : لا تقاتلوا القوم حتي يبدءوكم ، فإذا هزمتموهم فلا تقتلوا مدبرة ، ولا تجهزوا علي جريح ، ولا تكشفوا عورة ، ولا تمثلوا بقتيل ، فإذا وصلتم إلي رحال القوم ، فلا تهتكوا سترة ، ولا تدخلوا دارة إلا بإذن ، ولا تأخذوا شيئا من أموالهم إلا ما وجدتم في عسكرهم ، ولا تهيجوا امرأة بأذي ، وإن شتمن أعراضكم، وسببن أمراءكم وصلحاءكم ( الطبري 10/5 و11 ).

ولما جرح الإمام علي ، أوصي ولده الحسن ، وقال في آخر وصيته : واما عبد الرحمن - أي الذي قتله - فإن عشت فسأري فيه رأيي ، وإن مت ، فضربة بضربة ، ولا يمثلن به أحد، فإني سمعت رسول الله ينهي عن المثلة ، ولو بالكلب العقور .

وكان النبي صلوات الله عليه ، ينهي عن التحريش بين البهائم ( البصائر والذخائر 257/1 ) وينهي عن اتخاذ شيء فيه الروح غرضا .

وكان من جملة الوصايا التي أوصي بها الخليفة الصالح عمر بن عبد العزيز ، عبد الرحمن بن نعيم ، عامله علي خراسان : لا تجر الشاة إلي مذبحها ، ولا تحد الشفرة علي رأس الذبيحة ( الطبري 572/6).

وأورد الجاحظ في كتابه « البخلاء » بحث عمن يحتال للمثلة ببدنه ، ويتخذ من المثلة ببدنه ، أو ببدن ولده الطفل، وسيلة للحصول علي المال ، قال :

ص: 128

ومنهم من يحتال للصبي حين يولد، بأن يعميه ، أو يجعله أعشم ، أو أعضد ، ليسأل الناس به أهله ، وربما جاءت به أمه وأبوه ، ليتولي ذلك منه بالغرم الثقيل ، لأنه يصير حينئذ عقدة وغلة ، فأما أن يكتسبا به ، وإما أن يكرياه بكراء معلوم ، وربما أكريا أولادهم ممن يمضي إلي إفريقية ، فيسأل بهم الطريق أجمع ، بالمال العظيم ، فإن كان ثقة مليئة ، وإلا أقام بالأولاد والأجرة كفي؟ ( البخلاء 49 و50).

وقد قرأت ، وسمعت ، أحاديث كثيرة ، عن أشخاص يحتالون ، فيزمنون أنفسهم ، بقطع أصابعهم ، أو إتلاف إحدي العينين ، بقصد التخلص من الخدمة العسكرية ، وكان ذلك يحصل في عهد حكم العثمانيين للبلدان العربية ، لأن الذي كان يجند في ذلك الحين ، مصيره - في الغالب - الموت بعد معاناة أشد ألوان العذاب من الجوع والمرض وتقلبات الطقس من حر وبرد ، وكان البعض منهم يحتال علي الهيأة الفاحصة بأدعاء الصمم ، وفطن أعضاء الهيأة لهذه الحيلة ، فإذا قدم عليهم المتصامم ، وجهوا إليه أسئلة ، فيتظاهر بأنه لا يسمع ، فيشيرون إليه بأن يخرج متظاهرين أمامه بأنهم صدقوا ادعاءه ، فإذا التفت ليخرج ، رموا علي حين فجأة ريالا مجيديا علي الأرض ، فيلتفت المتصامم بحركة عكسية ، وينكشف كذبه في ادعائه .

ويشتمل هذا الباب من المثلة ، علي ثلاثة فصول :

الفصل الأول : ألوان من المثلة .

الفصل الثاني : المثلة بسحب الجثة .

الفصل الثالث : المثلة بصلب الجثة .

ص: 129

ص: 130

الفصل الأول: ألوان من المثلة

وأول مثلة ، حصلت في الإسلام ، جرت في موقعة أحد، فإن هند، أم معاوية ، والنسوة اللواتي معها ، مثلن بالقتلي من المسلمين ، فجدعن أنوفهم ، وصلمن آذانهم ، واتخذت هند منها خدمة وقلائد ، وبقرت هند بطن حمزة ، عم النبي صلوات الله عليه ، وأخرجت كبده ، فلاكتها ، ثم لفظتها ( الاغاني 197/15 ).

وفي شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد 271/4 و 12/15 : لما قتل حمزة عم النبي صلوات الله عليه ، جاءت إليه هند بنت عتبة ، أم معاوية بن أبي سفيان ، فمثلت به ، قطعت مذاكيره ، وجدعت أنفه ، وقطعت أذنيه ، ثم جعلت ذلك مسكتين ( سوارين ) ومعضدين ( دملجين ) وخدمتين ( خلخالين ) حتي قدمت بذلك مكة ، وأمرت نساء قريش ممن كن معها بالمثلة وبجدع أنوف وآذان من قتل من المسلمين في موقعة أحد ، فلم تبق آمرأة ، إلا وعليها معضدان ومسكتان وخدمتان .

أقول : وبذلك سميت هند ، آكلة الأكباد ، وكانت تعير بذلك ، ويعير به ابنها معاوية ، يقال له : ابن آكلة الأكباد ، راجع في هذا الكتاب ، الباب الأول والشتيمة ، الفصل الثالث و المعايرة » القسم الخامس «المعايرة بالأبوين» الفقرة ب « المعايرة بالام ،.

ص: 131

أقول : ولما كان الشيء بالشيء يذكر ، فقد روي ثمامة بن أشرس أنه رأي قاصا يحدث الناس بمقتل حمزة ، فقال : ولما بقرت هند عن كبد حمزة ، استخرجتها ، ولاكتها، ولم تزدردها، فقال النبي صلوات الله عليه : لو از دردتها ما مستها النار ، ثم رفع القاض يديه إلي السماء ، وقال : اللهم أطعمنا من كبد حمزة . ( العقد الفريد 156/6 ).

والظاهر إن معاوية بن أبي سفيان ، ورث عن والدته هذه الخصلة ، وهي الرغبة في المثلة ، بحيث اضطر عبد الله بن عامر بن كريز ، إلي أن يلقي عمامته علي جثة صديق له ، من أصحاب علي ، قتل في إحدي معارك صفين ، حماية له من أن يمثل به ، وذلك الصديق ، هو عبد الله بن بديل ، وكان قد هجم يضرب الناس بسيفه ، يريد معاوية ، وصمد نحوه ، فلما اقترب منه ، نادي معاوية أصحابه ، ويلكم ، الصخر والحجارة ، إذ عجزتم عن السلاح ، فرضخه الناس بالصخر والحجارة ، حتي اثخنوه ، فسقط ، فقتلوه ، فجاء معاوية وعبد الله بن عامر ، فوقفا عليه ، فألقي عبد الله بن عامر عمامته علي وجه عبد الله ، وترحم عليه ، وكان له أخأ صديقأ من قبل ، فقال معاوية : اكشفوا عن وجهه ، فقال عبد الله : لا والله ، لا يمثل به وفي روح ، فقال معاوية : اكشف عن وجهه ، فإنا لا نمثل به ، قد وهبناه لك ( شرح نهج البلاغة 196/5 و197).

ومن المثلة قطع الرأس وحمله من موضع إلي موضع ، وأول رأس حمل في الاسلام ، رأس بنان الرومي ، بطريق الشام ، كان قائد الجيش الرومي الذي حارب المسلمين ، وقتل بنان في المعركة ، فقطع رأسه ، وحمل إلي أبي بكر الصديق ، فغضب ، وقال : أيستنون بفارس والروم ؟ لا يحمل إلي رأس ، وإنما يكتفي بالكتاب والخبر .

أما أول رأس حمل في الإسلام لرجل مسلم ، فهو رأس محمد بن أبي بكر الصديق ، أمير مصر ، قتله معاوية بن حديج بالاتفاق مع عمرو بن

ص: 132

العاص ، وحمل رأسه إلي معاوية بن أبي سفيان بدمشق .

وقد وصف المؤرخون كيفية قتله قالوا : في السنة 38 قتل محمد بن أبي بكر الصديق ، عامل الإمام علي علي مصر ، قتله معاوية بن حديج ، من أصحاب معاوية بن أبي سفيان ، أسره وقد كاد يموت عطشا ، فطلب محمد أن يسقي ماء ، فأبي عليه معاوية ، وقال له : لا سقاني الله إن سقيتك قطرة أبدأ، حتي تسقي من الحميم والغساق ، أتدري ما أصنع بك ؟ أدخلك جوف حمار ثم أحرقك بالنار ، ثم قتله ، ووضعه في جيفة حمار ، ثم أحرقه ، وذكر بعض المؤرخين أن محمدا كان ما يزال حيا عندما أحرق في جوف الحمار ، وبعث معاوية بن حديج سليم مولاه ، بشيرأ بقتل محمد بن أبي بكر الي المدينة ، ومعه قميص محمد ، فدخل به دار عثمان ، فاجتمع آل عثمان من الرجال والنساء ، وأظهروا السرور بقتله ، وأمرت « أم المؤمنين » أم حبيبة بنت أبي سفيان ، بكبش فشوي ، وبعثت به إلي أم المؤمنين عائشة ، تقول لها : هكذا شوي أخوك ، فجزعت عائشة علي أخيها محمد جزعا شديدا ، وقنتت في دبر الصلاة ، تدعو علي معاوية وعمرو بن العاص ، وأخذت عيال محمد إليها ، ولم تأكل منذ ذلك الوقت شواء حتي توفيت ، ولما بلغ السيدة أسماء ، أم محمد، خبر قتل أبنها، وإنه أحرق بالنار ، قامت الي مسجدها تصلي ، وكظمت غيظها ، حتي شخب ثديها دما ، ولما بلغ معاوية خبر قتل محمد ، أظهر الفرح والسرور ، وبلغ عليا قتل محمد وسرور معاوية ، فقال : جزعنا عليه علي قدر سرورهم ، وما جزعت علي هالك منذ دخلت هذه الحروب ، جزعي عليه ، كان لي ربيبة ، وكنت أعده ولدأ ، وكان بي برأ ، وكان ابن أخي ، فعلي مثله نحزن ، وعند الله نحتسبه ، ولما وافي معاوية بن حديج المدينة ، قامت إليه نأئلة امرأة عثمان ، وقبلت رجلة ، وقالت له : بك أدركت ثاري من أبن الخثعمية ، تعني محمد بن أبي بكر ( مروج الذهب 406/1 والولاة للكندي 30 و 31 وابن الأثير 357/3)

ص: 133

ولما قتل عبيد الله بن زياد ، عامل الكوفة ليزيد بن معاوية ، مسلم بن عقيل ، في السنة 61 أمر بجثته فصلبت ، وأمر برأسه فقطع ، وبعث به إلي دمشق ، فكان أول قتيل صلبت جثته من بني هاشم ، وأول رأس حمل من رؤوسهم إلي دمشق ( مروج الذهب 46/2 ) .

ومن أشد ألوان المثلة إيلاما ، ما قام به قتله الحسين عليه السلام ، في وقعة الطف ، إذ أوطؤا الخيل صدره وظهره ، ثم قطعوا رأسه ورؤوس أصحابه ، ونصبوها علي رؤوس الرماح ، إلي الكوفة ، ثم إلي دمشق ، وحمل معها نساء الحسين وبناته وأطفاله ، وتفصيل ذلك : إن الحسين لما ورد الطف ، في أثنين وسبعين رجلا ، سير إليه عبيد الله بن زياد عمر بن سعد في أربعة آلاف ، وكتب إليه : إذا قتلت حسينا فأوطيء الخيل صدره وظهره ، فلما قتل الحسين وأصحابه ، انتدب عمر بن سعد منهم عشرة ، فداسوا بالخيل بدن الحسين ، حتي رضوا صدره وظهره ، وقطعت رؤوس القتلي ، وسلبوا ما كان عليهم من الثياب ، وتركت جثهم عارية ، ومالوا علي ثقل الحسين ، ومتاعه ، فنهبوه ، ومالوا علي النساء ، وكانت المرأة منهم تنازع ثوبها عن ظهرها ، حتي تغلب عليه ، فيذهب به منها ، وبعث عمر بن سعد برأس الحسين إلي ابن زياد من ساعته ، وأقام بعد المذبحة يومين ، ثم ارتحل إلي الكوفة ومعه رؤوس القتلي علي أطراف الرماح ، وحمل معه بنات الحسين وأخواته ، ومن كان معه من الصبيان ، فاجتازوا بهن علي الحسين وأصحابه صرعي ، فصاح النساء ، ولطمن خدودهن ، ثم أدخلوا الرؤوس ومعها النساء والأطفال علي ابن زياد ، فأبدي ابن زياد للنساء والأطفال من التشفي والشماتة ، ما لم يكن عجيبأ من أصله الدنس ، وطينته الخبيثة ، فإنه خاطب النساء والأطفال بقوله : الحمد لله الذي فضحكم ، وقتلكم ، وأكذب أحدوثتكم ، ثم وجه كلامه إلي حدي الفتيات ، فقال لها : كيف رأيت صنع الله بأهل بيتك ؟ قد شفي الله نفسي من طاغيتك ، والعصاة المردة من أهل بيتك ، فبكت الفتاة ،

ص: 134

وقالت له : لعمري لقد قتلت كهلي ، وأبرت أهلي ، وقطعت فرعي ، واجتثت أصلي ، فإن يشفك هذا فقد اشتفيت ، ونصب عبيد الله بن زياد ، رأس الحسين بالكوفة ، وداروا به فيها ، ثم سرح رأس الحسين ، ورؤوس أصحابه ، مع نساء الحسين وبناته وأطفاله ألي يزيد بن معاوية بدمشق ، للتفصيل راجع الطبري 400/5-470 وابن الأثير 46/4 - 94 واليعقوبي 243/2 - 246 الاخبار الطوال 231 - 261 ومروج الذهب 41/2 - 47.

ولما قتل الحسين عليه السلام ، صعد عبيد الله بن زياد المنبر ، وقال : الحمد لله الذي أظهر الحق وأهله ، ونصر أمير المؤمنين يزيد وحزبه ، وقتل الكذاب بن الكذاب ، الحسين بن علي وشيعته ، فلم يفرغ من مقاله ، حتي وثب إليه عبد الله بن عفيف الأزدي ، فقال له : يا ابن مرجانة ، إن الكذاب بن الكذاب هو أنت وأبوك ، والذي ولاك وأبوه ، فقال عبد الله بن زياد علي به ، فوثب فتية من الأزد ، فانتزعوه من الشرط ، وأخذوه إلي أهله ، فأرسل عبيد الله إليه من أتاه به ، فقتله ، وصلبه في السبخة ( الطبري 458/5 و459).

ولما هلك يزيد بن معاوية ، خاف عبيدالله بن زياد علي نفسه بالبصرة ، فاستجار بمسعود بن عمرو الأزدي ، فأجاره ، وأشخص معه من أوصله إلي مأمنه في الشام ، فلما خرج عبيدالله من البصرة ، استخلف عليها ، مسعود بن عمرو الأزدي ، فخرج إلي القصر فدخله ، فأبت عليه تميم ، فقال مسعود : استخلفني عبيد الله ولا أدع ذلك أبدأ ، وصعد المنبر ، فدخلت المسجد عصابة فقتلت مسعود حسبته عبيدالله ، ومثلت به ، فاتهمت الأزد بني تميم ، واتهمت تميم الخوارج ، وأبت الأزد إلا أن يودي مسعود عشر ديات ، فتحملت تميم منها واحدة ، وتحمل الوسطاء التسع الباقيات ، وكان إصرار الأزد علي عشر ديات ، لأنهم وجدوا في مسعود مثلة . ( أنساب الأشراب 2/4/ 98).

ص: 135

ولما قتل عبيد الله بن زياد ، إنصرف عمير بن الحباب السلمي ، وأخذ يغير علي كلب ، فأمرت كلب حميد بن حريث بن بحدل ، فلحق قوما من قيس ، كانوا مع عمير فقتلهم ، وقطع آذانهم ، ونظمها في خيط ، ومضي بها إلي الشام . ( أنساب الاشراف 308/5 و 309).

وفي السنة 66 وقعت بالبصرة معركة بين أنصار المختار الثقفي ، وأنصار ابن الزبير ، فأصيب في المعركة سويد بن رئاب ، وعقبة بن عشيرة الشي ، قتله رجل من تميم ، وقتل التميمي ، فولغ أخو عقبة في دم التميمي وقال : ثأري ( الطبري 68/6 ).

وكان خولي بن يزيد الاصبحي ، القادم برأس الحسين بعد قتله ، فبعث إليه المختار قائدين من قواده لإحضاره ، فاختبأ في مخرجه ( الكنيف )، فطلبوه ، فخرجت إليهم امرأته ، فقالوا لها : أين زوجك ؟ فقالت : لا أدري ، وأشارت بيدها إلي المخرج ، فدخلوا عليه ، فوجدوا علي رأسه قوصرة ، فأخرجوه ، وأقبل المختار حين بلغه أخذه ، فقتله إلي جانب منزله ، ثم أمر به فأحرق ، فلم يبرح حتي صار رمادا ( انساب الاشراف 238/5)

وفي السنة 67 لما انتصر مصعب بن الزبير ، بالكوفة ، وقتل المختارين أبي عبيد الثقفي ، أمر بكف المختار فقطعت ، ثم سمرت بمسمار من حديد الي جنب المسجد ، فما زالت هناك ، حتي جاء الحجاج بن يوسف الثقفي أميرة علي العراق ، ونظر إليها ، فقال : ما هذه ؟ قالوا : كفت المختار ، فأمر بنزعها ( الطبري 93/6 - 110).

وأمر مصعب ، فأحتر رأس المختار ، ووجه به إلي عبد الله بن الزبير ، فوافي حامله مكة بعد العشاء الآخرة ، فأتي المسجد ، وعبد الله يصلي ، فجلس الرسول ينتظره ، فلم يزل يصلي إلي وقت السحر، ثم انفتل من

ص: 136

صلاته ، فدنا منه ، وناوله كتاب الفتح ، فقرأه ثم نادي غلامه ، وقال له : أمسكه معك ، فقال له الرسول: يا أمير المؤمنين ، هذا الرأس معي ، قال : فما تريد ؟ قال : جائزتي ، قال : خذ الرأس الذي جئت به جائزتك ، فانصرف الرسول خائبة ( الاخبار الطوال 308) .

وفي السنة 67 في المعركة بين البصريين بقيادة المصعب ، والكوفيين بقيادة قواد المختار ، قال معاوية بن قرة ، قاضي البصرة: انتهيت إلي رجل من جند المختار ، فأدخلت سنان الرمح في عينيه ، فأخذت أخضخض عينه بسنان الرمح ، فإن هؤلاء كانوا عندنا ، أحل دماء من الترك والديلم ( الطبري 97/6)

وفي السنة 72 كتب عبد الملك بن مروان ، لعبد الله بن خازم ، أمير خراسان لابن الزبير ، وعرض عليه إمارة خراسان سبع سنين ، إن بايعه وترك ابن الزبير ، فأبي ، فكتب عبد الملك إلي بكيرين وشاح أمير مرو، يعرض عليه إمارة خراسان ، ويحرضه علي الخروج علي ابن خازم ، فخلع بكير ابن الزبير ، ودعا إلي عبد الملك ، فأقبل إليه ابن خازم ، إلي مرو، وجرت بينها معركة ، فقتل ابن خازم ، وحمل علي بغل ، وقد شدوا في مذاكيره حبلا وحجرة ، وعدلوه به علي البغل ( الطبري 176/6 و 177).

ولما قتل المصعب بن الزبير ، بعث عبد الملك برأسه إلي الكوفة ، ثم بعث به إلي عبد العزيز بن مروان بمصر ، فترحم عليه ، ورده إلي الشام ، فنصب بدمشق ، وأرادوا أن يطوفوا به في نواحي الشام ، فأخذته عاتكة بنت يزيد بن معاوية ، زوجة عبد الملك ، أم ولده يزيد، وغسلته ، وطيبته ، ودفنته ، وقالت : أما رضيتم بأن صنعتم ما صنعتم ، حتي تطوفوا به ، وتنصبوه في المدن ، هذا بغي . ( انساب الاشراف 30/5 و351) .

ولما قتل عبد الله بن الزبير ، في المعركة ، في السنة 73 ، تصرف

ص: 137

الحجاج بن يوسف الثقفي ، تصرف بادي الخزاية ، فقد جاء إلي مسجد الكعبة ، وبرك علي جثة عبد الله ، وقطع عنقه بيده ، فقد جبن عن مواجهته حيا ، فبادر باحتزاز رأسه ميتا . ( العقد الفريد 418/4 ) .

ولما قتل عبد الله بن الزبير في المعركة، وقتل معه جمع من انصاره منهم عبد الله بن صفوان ، بعث الحجاج برؤوسهم إلي المدينة ، فنصبوها للناس ، فجعلوا يقربون رأس ابن صفوان، إلي رأس ابن الزبير ، كأنه يساره ، ويلعبون بذلك . (العقد الفريد 416/4 ) .

ولما قاتل المهلب بن أبي صفرة ، الخوارج ، في يوم ستي وستبري ، وقتل رأس الخوارج عبيد الله بن بشير بن الماحوز ، أمر المهلب برأس ابن الماحوز فقطع ، ووجه بالرأس أحد الأزد إلي الحارث بن عبد الله ، عامل البصرة لابن الزبير ، فلما وصل الأزدي حامل الرأس ، إلي كربج ( موضع قرب سوق الأهواز ) لقيه أخوة عبيد الله ، وهم حبيب وعبد الملك وعلي ، بنو بشير بن الماحوز ، فقالوا له ما الخبر ؟ فقال لهم - وهو لا يعرفهم - قتل الله ابن الماحوز المارق ، وهذا رأسه معي ، فوثبوا عليه ، فقتلوه ، وأخذوا رأس أخيهم فدفنوه ( شرح نهج البلاغة 158/4 و 159 ) .

وفي السنة 96 أراد قتيبة بن مسلم ، أمير حرسان وما وراء النهر ، أن يخلع سليمان بن عبدالملك ، فلم يجبه جنده إلي ذلك ، وحاربوه ، فقتلوه ، وقتلوا معه أحد عشر رجلا من بني مسلم ، منهم سبعة لصلب مسلم ، وأربعة من بني أبنائهم ، فأخذهم وكيع بن أبي سود وصلبهم ، وقطع رؤوسهم ، وحملها إلي دمشق ، فعرضت الرؤوس علي سليمان بن عبد الملك فأمر بدفنها ( الطبري 518/6 و 519 ).

ولما حارب نصر بن سيار ، أمير خراسان ، جديع بن علي الكرماني الأزدي ، وقتل جديع في المعركة ، أخذه نصر وصلبه، وصلبه إلي جانبه سمكة ( الطبري 370/7 ) .

ص: 138

وفي السنة 121 قتل نصر بن سيار ، كور صول سلطان الترك ، جاء أتباعه بأبنيته فأحرقوها ، وقطعوا آذانهم ، وخددوا وجوههم ، وطفقوا يبكون عليه ، فلما أمسي نصر ، وأراد الرحلة ، بعث إلي جثة كوصول بقارورة نفط ، وأشعل فيها النار ، لئلا يحملوا عظامه ، وكان ذلك أشد عليهم من قتله ( الطبري 175/5 ) .

وفي السنة 121 سار نصر بن سيار ، عامل خراسان ، إلي الشاش ، فأغار عليه الأخرم ، وهو فارس الترك ، فقتله المسلمون ، وأسروا سبعة من أصحابه ، فأمر نصر بن سيار ، فرمي رأس الأخرم بالمنجنيق ، إلي معسكر الترك ، فلما رأوه ضجوا ضجة عظيمة ، ثم ارتحلوا منهزمين ( الطبري 175/7)

وفي السنة 121 قتل عبد الملك بن قطن الفهري ، زياد بن عمرو اللخمي ، ومثل به بأن صلبه وصلب معه خنزيرة ، وفي السنة 123 قتل عبد الملك بن قطن ، وصلب وصلبوا معه علي يمينه خنزير وعلي يساره كلبأ ( نفح الطيب 19/1 - 20).

أقول : ولي عبد الملك بن قطن الفهري الأندلس في السنة 114 وكان ظالمة جائرة ، وعزل في السنة 119 بعقبة بن الحجاج، ثم وثب عبد الملك بعقبة في السنة 121 فخلعه واستقر موضعه ، ولما هاج البربر بإفريقية ، وانتصروا علي الجند الأموي ، التجأ عامل إفريقية كلثوم بن عمرو القشيري ومعه جنده ، إلي مدينة سبتة ، فحصره البربر فيها حصرا شديدا ، حتي أكلوا الكلاب والجلود ، فاستغاثوا بإخوانهم من عرب الأندلس ، فتناقل عنهم عامل الأندلس عبد الملك ، لخوفه علي سلطانه منهم ، فأشفق عليهم زياد بن عمرو اللخمي وأرسل اليهم مركبين مشحونين ميرة، فأمسكت الميرة أرماقهم ، فلما بلغ عبد الملك ما صنعه زياد ، أحضره ، وضربه سبعمائة سوط ، وسمل عينيه، ثم قتله ، وصلبه ، وصلب معه كلبأ ، واتفق أن بربر الأندلس، لما

ص: 139

بلغهم انتصار بربر إفريقية ، انتفضوا علي العرب بالأندلس ، ونصبوا لهم إمامة ، وحاربوا ابن قطن ، فلما أحس ابن قطن بقوة البربر ، وخاف أن يلقي منهم ما لقي جند افريقية ، راسل الجند العرب المحصورين بسبتة ، واستعان بهم علي البربر في الأندلس ، وكان كلثوم عامل إفريقية ، قد مات ، فسارع بلج بن بشر القشيري، قائد الجند ، وسار بجنده لمعونة عبد الملك ، فلما وافوه أحسن إليهم ، وشرط عليهم أن يحاربوا البربر ، فإذا فرغوا من حربهم ، بارحوا الأندلس ، فأجابوه ، وعاهدوه علي ذلك ، وكان البربر في جموع عظيمة ، فقارعوهم ، وظفروا بالبربر ، واستأصلوهم ، وعادوا بغنائم عظيمة ، ولما طالبهم ابن قطن بالخروج من الأندلس ، تعللوا عليه ، وذكروه بما صنع بهم ، لما كانوا محصورين بسبتة ، وبما صنعه بالرجل الذي اغائهم ، وانحاز إليهم جيش عبد الملك بن قطن ، فأخرجوا عبد الملك وهو شيخ كبير في التسعين ، كأن فرخ نعامة ، فقتلوه وصلبوه في السنة 123 علي رأس القنطرة ، بقرطبة ، وصلبوا عن يمينه خنزير، وعن يساره كلبأ ( نفح الطيب 22 -19/1)

وفي السنة 122 مثل يوسف بن عمر الثقفي ، عامل العراق للأمويين، بجثة الإمام الشهيد زيد بن علي بن الحسين ، فقطع رأسه ، وصلب بدنه بالكناسة ، بالكوفة ، وكان هشام بن عبد الملك ، بعث زيدة إلي الكوفة ، فاجتمع الشيعة اليه ، وبايعه منهم أربعون ألفا ، وقالوا له : نحن نضرب عنك بأسيافنا ، وحلفوا له الأيمان المغلظة ، وجاء إليه مسلمة بن كهيل ، فقال الزيد : أنشدك الله ، كم بايعك ؟ قال : أربعون ألفأ، قال : فكم بايع جدك ؟ قال : ثمانون ألفا ، قال : فكم بقي معه ؟ قال : ثلثمائة ، قال : نشدتك الله أنت خير أم جدك ؟ قال : جدي ، قال : فهذا القرن خير أم ذلك القرن ؟ قال : ذلك القرن، قال : أفتطمع أن يفي لك هؤلاء ، وقد غدر أولئك بجدك ؟ وكتب اليه عبدالله بن الحسن بن الحسن ، يصده عن الخروج ، فلم يصغ إليه ، وأمر أصحابه بالإستعداد ، وألح يوسف بن عمر ، عامل العراق ،

ص: 140

في البحث عنه ، فخاف أن يؤخد ، وتعجل في خروجه ، فلما خرج كان مجموع من وافاه مائتين وثمانية عشر رجلا ، واشتبك مع جند الشام في عدة معارك ، في داخل الكوفة ، كان الظفر فيها له ، وحمل نابل بن فروة العبسي ، من أهل الشام ، علي نصر بن خزيمة ، من اصحاب زيد ، فضربه بالسيف فقطع فخذه ، وضربه نصر فقتله ، ولم يلبث نصر أن مات ، وحمي الوطيس فقاتل معاوية بن إسحاق الأنصاري ، بين يدي زيد قتالا شديدا حتي قتل ، ثم رمي زيد بسهم فأصاب جانب جبهته اليسري ، فثبت في دماغه ، فأحضروا له طبيبة ، فانتزع النصل ، فلما نزع منه النصل مات، فدفنه أصحابه في نهر يعقوب ، سكر أصحابه الماء ، ودفنوه، ثم أجروا الماء ، فدل يوسف علي قبره ، فاستخرجه ، وقطع رأسه ، وصلب بدنه بالكناسة ، هو ونصر بن خزيمة ومعاوية بن إسحاق وزياد النهدي، وبعث الرأس الي هشام ، فعلق علي باب دمشق ، ثم أرسل إلي المدينة ، وبقي البدن مصلوبة ، إلي أن مات هشام ، وولي الوليد بن يزيد ، فأمر به فانزل وأحرق ( ابن الأثير 229/5 ۔ 247)

ولما قتل الوليد بن يزيد في السنة 126 ، أقبل أبو الأسد، مولي خالد القسري ، فسلخ من جلد الوليد قدر الكف ، وأخذها إلي يزيد بن خالد القسري ، وكان يزيد محبوسا في عسكر الوليد ( الطبري 250/7 ).

ولما قتل الوليد ، احضر رأسه إلي خلفه ابن عمه ، يزيد بن الوليد ، فأمر بأن ينصب الرأس علي رمح ، وطافوا به في مدينة دمشق ، وأدخلوه في دار أبيه ، فصاح النساء وأهل البلد ، ثم ردوه إلي يزيد ( الطبري 251/7 والعيون والحدائق 144/3 ).

ونبش عبدالله بن علي العباسي ، عم السفاح والمنصور ، قبور الموتي من بني أمية ، وقد وردت أخبار نبش هذه القبور في عدة كتب ، فجمعتها، ووحدتها ، وقد نبش قبر معاوية بن أبي سفيان ، فلم يجد فيه إلا خيطة مثل

ص: 141

الهباء ، ونبش قبر يزيد بن معاوية ، فوجد فيه عظمة واحدة ، ووجد في لحده خط أسود كأنما خط بالرماد بالطول في لحده ، ونبش قبر عبد الملك بن مروان ، فلم يجد فيه إلا شؤون رأسه ، ونبش قبر الوليد بن عبد الملك ، فما وجد في قبره قليلا ولا كثيرا ، ونبش قبر سليمان بن عبد الملك ، فلم يجد فيه إلا صلبه وأضلاعه ورأسه ، فاحرقها ، وانتهي إلي قبر هشام بن عبد الملك ، فاستخرجه صحيحا ، ما فقد منه إلا خرمة أنفه ، فضرب الجثة ثمانين سوط ، ثم أحرقها ، ثم تتبع قبور بني أمية في جميع البلدان ، فأحرق ما وجد فيها ( ابن الأثير 5 / 430 والعيون والحدائق 206/3 - 207 ووفيات الأعيان 109/6 - 110 ومروج الذهب 163/2 ).

ولما فتح عبدالله بن علي العباسي ، الشام ، نبشت قبور بني أمية ، في دمشق وغيرها ، وأحرقت بالنار ، ولم يبقوا علي غير قبر عمر بن عبد العزيز ، في دير سمعان ، اعتراف بفضله وتقواه ( خطط الشام 173/1 ).

وكان التتر الذين اجتاحوا البلاد الإسلامية في القرن السابع ، لا يكتفون بقتل من قاتلهم ، وإنما كانوا ينبشون قبور من دفن من الملوك ، ويحرقون رممهم ، صنعوا ذلك برمة خوارزم شاه علاء الدين محمد بن تكش ، نبشوها من قبره بقلعة ازدهن وأحرقوها، وكذلك صنعوا برمة السلطان محمود بن سبكتكين الغزنوي ، فإنهم نبشوا قبره ، وأخرجوا عظامه وأحرقوها ( تاريخ ابي الفدا 150/3).

ولما أراد المنصور أن يعقد لابنه المهدي احب ان تقول الشعراء في ذلك فانشده أبو نخيلة أرجوزة ، فوصله ، وهرب ابو نخيلة ، من عيسي بن موسي وخرج يريد خراسان ، فجرد عيسي خلفه ، مولي له يقال له : قطري ، ومعه عدة من مواليه ، فلحقه في طريق خراسان ، وكتفه، وأضجعه، فلما وضع السكين علي أوداجه ، قال له : يا ابن اللحناء ، ألست القائل :

علقت معالقها وصر الجندب

ص: 142

ثم ذبحه وسلخ وجهه، وألقي جسمه الي النسور . ( الأغاني 390/20 و422) .

واتهم المهدي ، صالح بن عبد القدوس ، الشاعر الحكيم ، بالزندقة، وضربه بالسيف ، بيده ، فشطره شطرين، وعلق بضعة أيام للناس ، ثم دفن ( معجم الأدباء 268/4 ).

وفي السنة 169 بلغ الخليفة العباسي ، أن واضح بن عبدالله

المنصوري الخصي ، أمير مصر، أعان إدريس العلوي علي النفوذ الي المغرب ، فأحضر واضحأ إلي بغداد، وقتل وصلب. ( النجوم الزاهرة 41/2)

ولما انتهت المعركة بين جيش الأمين بقيادة علي بن عيسي بن ماهان ، وجيش المأمون، بقيادة طاهر بن الحسين، وقتل علي بن عيسي بن ماهان ، وجيء برأسه إلي طاهر ، جاءوا من بعد ذلك بجثته ، محمولة علي خشبة علي حمار ، وقد شدت يداه إلي رجليه ، فأمر به طاهر، فلفت في لبد ، وألقي في بئر . ( الطبري 394/8 ).

وفي السنة 214 دخل أبو اسحاق بن الرشيد ( المعتصم ) مصر ، وكان يليها لأخيه المأمون ، وبعث في طلب اثنين اشعلا فيها الفتنة ، فأحضرهما ، وهما عبدالله بن حليس ، وعبد السلام بن أبي الماضي ، فقيدهما، وسجنهما، وأقامهما للناس ، ثم قتلهما، وصلبهما فقال معلي الطائي ، يصف حالهما علي المشنقة : ( الولاة للكندي 188- 189).

إن الحليسي غدا سابقا****في حلبة الجسرين قد قضبا

علي طمر ماله أرجل**** من صنعة النجار قد شبا

وليس يدري عند إلجامه**** من أثغر الطرف ومن لببا

مسمر الخلق أمون الشوي**** يأنف أن يأكل أو يشربا

ص: 143

ولو سري ليلته كلها****ما جاوز الجسر ولا قربا

لو كان من بعض نخيل القري**** كان أبو القاسم قد أرطبا

كسا أبو اسحاق أوداجه ****أبيض لا يعتب من أغضبا

وقد سقي عبد السلام الردي**** فكيف بالله إذا جربا

ولما قتل المأمون علي بن هشام في السنة 217، طيف برأس علي في العراق ، وخراسان ، والشام ، ومصر ، ثم ألقي في البحر ( ابن الأثير 421/6)

أقول : راجع في الباب الحادي عشر من هذا الكتاب ( القتل ) ، الفصل الأول ( القتل بالسيف ) ، القسم الأول ( القتل فتكأ )، قصة قتل علي بن هشام ، وقد أدرجنا ما ورد في الرقعة التي علقت عليه لما قتل ، توضح سبب قتله .

وكان العباس بن الفضل ، المعروف بابن بربر ، المقيم بصقلية ، كثير الغزو في البر والبحر ، وظفر أسطوله في إحدي المعارك البحرية مع الروم ، فاستولي علي مائة سفينة تحمل نجدات لمدينة سرقسطة ، وكان شديد الوطأة علي الروم ، وتوفي في السنة 247 في موضع قريب من مدينة سرقسطة ، فدفن حيث مات ، فنبش الروم قبره ، وأخرجوا جثته ، وأحرقوها ( الاعلام 38/4)

وفي السنة 259 دخل يعقوب بن الليث الصفار ، نيسابور ، وحبس جميع آل طاهر ، وأرسل وفدا إلي الخليفة ببغداد يطلب ضم خراسان إلي عمله ، وبعث معهم رأسا علي قناة ، علقت عليه رقعة فيها : هذا رأس عدو الله عبد الرحمن الخارجي بهراة ، ينتحل الخلافة منذ ثلاثين سنة ، قتله يعقوب بن الليث ( الطبري 507/9 ).

وكان الزنج الثائرون ، اتباع الورزنيني، بالبطائح ، في العراق ، إذا

ص: 144

انتهت المعركة تقاسموا لحوم القتلي من خصومهم ، وتهادوها بينهم ( الطبري494/9)

وفي يوم من أيام المعارك بين الجيش العباسي ، وأتباع صاحب الزنج ، أسر من الزنج بطهيئا، أحمد بن موسي بن البصري ، المعروف بالقلوص ، وكان من أجلاء قواد الزنج ، وكان مثخنأ بالجراح ، فمات ، فأمر أبو أحمد باحتزاز رأسه ، ونصبه علي جسر واسط ( شرح نهج البلاغة 176/8 - 177).

وفي إحدي المعارك بين الموقق أبي أحمد وبين صاحب الزنج ، قتل من الزنج خلق كثير ، وأسر منهم جماعة ، فأمر أبو العباس ( المعتضد فيما بعد ) فعلقت رؤوس المقتولين في الشذا ( السفن الصغيرة ) وصلب الأسري أحياء فيها ، واعترض بهم مدينتهم إرهابا لأصحابهم، واتصل بأبي أحمد أن صاحب الزنج موه علي أصحابه ، وقال لهم : إن هذه الرؤوس المعلقة في الشذا، هي مثل ( تماثيل ) وليست رؤوس قتلي ، فأمر أبو أحمد بالرؤوس فجمعت ، ورماها بالمنجنيق إلي صاحب الزنج ، فلما سقطت عندهم ، ورأي أصحابه رؤوس قتلاهم، علا بكاؤهم وصراخهم ( شرح نهج البلاغة 189/8)

وفي إحدي المعارك مع صاحب الزنج ، جاء البشير إلي أبي أحمد ، بأن صاحب الزنج قد قتل ، ووافاه بشير آخر ، ومعه كف زعم أنها كفت صاحب الزنج ، ثم جاءه غلام من غلمان لؤلؤ ، يركض ومعه رأس صاحب الزنج ، فألقاه بين يديه ، فعرضه الموفق علي من كان حاضرا عنده من قواد الزنج المستأمنين ، فعرفوه ، وشهدوا أنه رأس صاحب الزنج ، فأمر برفع الرأس علي قناة ، ونصبه بين يديه ، ثم انصرف إلي الموفقية ورأس صاحب الزنج منصوب بين يديه علي قناة في شذاة ، وسليمان بن جامع ، والهمذاني ، من كبار قواد صاحب الزنج ، مصلوبين أحياء في شذاتين عن جانبيه ، حتي وافي قصره بالموفقية ، ثم بعث بالرأس مع ولده أبي العباس

ص: 145

( المعتضد ) إلي بغداد ، فدخل المدينة ، ومعه رأس صاحب الزنج بين يديه علي قناة ( شرح نهج البلاغة 210/8 - 212).

وفي السنة 272 كانت للزنج حركة بواسط ، وصاحوا : انكلاي يا منصور، وأنكلاي هو ابن صاحب الزنج ، وكان انكلاي وآخرون من كبار قواد صاحب الزنج وهم المهلبي وسليمان بن جامع والشعراني والهمداني وآخرون معهم من قواد الزنج محتبسين في دار محمد بن عبدالله بن طاهر بمدينة السلام ، فكتب الموفق فيهم ، إلي فتح أن يوجه إليه برؤوس هؤلاء الستة ، فدخل إليهم فتح ، فجعل يخرج الأول ، فالأول منهم ، فذبحهم غلام له ، وقلع رأس بالوعة في الدار ، وطرحت أجسادهم فيها، وسد رأسها، ووجه برؤوسهم إلي الموفق ، ثم ورد كتاب من الموفق بصلب جثثهم ، فأخرجوها من البالوعة ، وقد انتفخت ، وتغيرت روائحها، وتقشر بعض جلودها، فحملوا في المحامل ، وصلب ثلاثة منهم في الجانب الشرقي، وثلاثة بالجانب الغربي ، وكان صلبهم بحضرة الأمير محمد بن طاهر وهو راكب . ( الطبري 11/10).

وأنكر المعتضد، أمرأ ، من أسود كان يعمل مع الصناع ، فأحضره ، وساءله ، فاعترف له بأنه كان يعمل في أتاتين الأجر (كور الطابوق )، واجتاز به رجل ، فوجده يحمل دنانير ، فأمسكه وكم فاه ورماه في نقرة الأتون ، وأخذ دنانيره ، فأمر به المعتضد، فضربت عنقه ، ورميت جثته في الأتون ( الأذكياء 42).

وفي السنة 287 خرج العباس بن عمرو الغنوي علي رأس جيش من البصرة لقتال القرامطة ، فلقيهم أبو سعيد القرمطي ، فاستأسر العباس ، وأسر من أصحابه سبعمائة رجل ، فلما كان من الغد أحضر الجنابي الأسري، فقتلهم جميعا ، ثم أمر بحطب فطرح عليهم وأحرقهم ، ثم من علي العباس الغنوي ، وأطلقه وحده وبعثه برسالة إلي المعتضد. ( الطبري 77/10 - 79).

ص: 146

أقول : للاطلاع علي القصة مفضلة ، وعلي الرسالة ، راجع كتاب نشوار المحاضرة وأخبار المذاكرة للقاضي التنوخي ، تحقيق المؤلف ج 4 ص 130۔ 132 رقم القصة 62/4 .

وفي السنة 303 خرج الحسين بن حمدان علي المقتدر ، وقطع الحمل ، فحاربه مؤنس المظفر ، وأسره، وأدخله إلي بغداد مشهرة ، حيث أودع الحبس في دار الخلافة ، فتحرك أحد أولاد الحسين ، وجمع جمعأ ، وحاصر آمد، فأوقع به مستحفظها ، وقتله، وأنفذ رأسه إلي الحضرة ( أي بغداد ) ( ابن الأثير 92/8 - 94).

وفي السنة 304 خرج علي السلطان ، خالد بن محمد المادرائي ، وكان يتولي الخراج بكرمان ، وسار منها إلي شيراز پريد التغلب علي فارس ، فخرج إليه بدر الحمامي ، فحاربه ، وقتله ، وحمل رأسه الي بغداد، وطيف به ( ابن الأثير 106/8 ).

وفي السنة 309 لما قتل الحلاج ، ضرب ألف سوط ، ثم قطعت أطرافه ، ثم قطعت عنقه ، ثم أحرقت جثته ، وألقي رماده في دجلة ( المنتظم 163/6)

وهويت جارية للوزير علي بن عيسي ، غلاما للشاعر أبي بكر بن العلاف الضرير ، ففطن بهما، فقتلا جميعا، وسلخا ، وحشيت جلودهما تبنأ ، فرثي ابن العلاف غلامه بقصيدته المشهورة ، وكني عنه بالهر، ومطلعها : ( النجوم الزاهرة 230/3 ).

يا هر فارقتنا ولم تغير****وكنت متابمنزل الولد

وفي السنة 331 استقدم الأمير نوح الساماني ، محمد بن أحمد النسفي البردهي ، وكان قد طعن عليه عنده ، فقتله ، وصلبه ، فسرق من الجذع ، ولم يعلم من سرقه ( ابن الأثير 404/8 ).

ص: 147

وفي السنة 336 قتل أبو يزيد مخلد بن كيداد نزناتي البربري ، الثائر بإفريقية ، وكان قد عظم أمره ، واستولي علي رقادة والقيروان وسوسة ، وحصر باغاية ، ثم تراجع، وحصر في قلعة كتامة ، ثم حمل الي المنصور جريحا ، فمات من جراحه ، فأمر المنصور فصنع له قفص ، وسلخ جلده ، وحشي تبنا ، وجعلوا معه قردين يلعبان عليه ( ابن الأثير 422/8 - 441).

وفي السنة 341 دخل الأعراب إلي الجامع بالمحول ، وأخذوا ثياب الناس، ثم قصدوا الحارثية ، وقتلوا ونهبوا ، فأخذ شحنة العراق أكثرهم ، وقطع رؤوسهم، وبني بها قبة عند الجسر وجعل وجوههم ظاهرة ، ليعتبر بهم كل مفسد ( تاريخ العراق للعزاوي 1/ 341).

وفي السنة 377 سار المنصور بن يوسف صاحب إفريقية ، إلي كتامة ، لأن داعية فاطمية جاء إليهم ، ودعاهم إلي محاربة المنصور ، فقابلهم في مدينة سطيف ، فاقتتلوا اقتتالا عظيما ، فانهزمت كتامة ، وهرب أبو الفهم ، الداعية الفاطمي إلي جبل وعر ، فيه قوم يقال لهم بنو إبراهيم ، فأرسل اليهم المنصور يتهددهم إن لم يسلموه ، فقالوا : هو ضيفنا، ولا نسلمه ، ولكن أرسل أنت فخذه ، ونحن لا نمنعه ، فأرسل فأخذه ، وضربه ضرب شديدا ، ثم قتله ، وسلخه ، وأكلت صنهاجة وعبيد المنصور لحمه ، وقتل معه جماعة من الدعاة ووجوه كتامة ( ابن الأثير 53/9 - 54).

وفي السنة 380 هاجم باد الكردي ، الموصل، ونشبت معركة بينه وبين الحمدانيين ، أصحاب الموصل ، فسقط باد عن فرسه ، وانكسرت ترقوته ، وقتل، فصلب الحمدانيون بدنه علي باب دار الإمارة بالموصل، فثار العامة بالموصل ، وقالوا : هذا رجل غاز فلا تحل المثلة به ، فحط، وكفن، وصلي عليه ، ودفن ، وظهر من محبة العامة له بعد هلاكه شيء طريف ( ابن الأثير 70/9 -71 وذيل تجارب الأمم 176- 178).

ص: 148

وفي السنة 395 أمر الحاكم الفاطمي ، بالقاضي الحسين بن علي بن النعمان بن حيون وبأبي الطاهر المغازلي ، وبمؤذن القصر، فضربت أعناقهم ، وأحرقت جثهم عند باب الفتوح ، وكان سبب قتله القاضي أنه ملأ عينه ويده ، وشرط عليه أن يعفت عن أموال الناس، ثم وجد عليه خيانة ، فقتله ، ( أخبار القضاة 599-596).

وفي السنة 402 قتل حباسة بن ماكسن الصنهاجي ، وكان شجاع)، بهمة من البهم ، في موقعة خارج قرطبة، بين البربر وبين الموالي العامريين ، ولما قتل احتوا رأسه ، وعجلوا به إلي قصر السلطان ، وأسلموا جسده للعامة ، فجروه في الطرقات والأسواق ، وقطعوا بعض أعضائه ، ثم أوقدوا له نارا ، وأحرقوه ( الاحاطة 494- 495).

وفي السنة 414 في يوم النفر الأول بمكة ، وقد فرغ الإمام من الصلاة ، فنهض رجل من مصر، بأحدي يديه سيف مسلول ، وبالأخري دبوس، وقصد الحجر الأسود ، فضرب الحجر ثلاث مرات ، وهو يقول : إلي متي يعبد الحجر الأسود ؟ فثار به رجل فقتله بخنجر ، وقطعه الناس وأحرقوه ، وقتلوا ممن اتهم بمصاحبة جماعة، وأحرقوهم . ( ابن الأثير 332/9 - 333) .

وفي السنة 451 قتل القائد التركي أرسلان البساسيري ، وقطع رأسه ، وحمل إلي دار السلطان ، فأمر بحمله إلي دار الخلافة ، فنظف ، وغسل ، وجعل علي قناة ، وطيف به ، وصلب قبالة باب النوبي ، وكان البساسيري من أعظم قواد الدولة العباسية في عهد القائم ، فأفسد بينه وبين الخليفة ، المدعو رئيس الرؤساء ابن المسلمة ، فبارح البساسيري بغداد ، ثم دخلها فاتحة باسم المستنصر الخليفة الفاطمي ، ولما استولي البساسيري علي بغداد أحسن الي الناس ، وأجري الجرايات علي المتفقهة ، ولم يتعصب لمذهب ، علي خلاف رئيس الرؤساء ابن المسلمة الذي كان شديد التعصب علي الشيعة ، حتي إنه قتل بعضهم من أجل التشيع ، وأفرد البساسيري لوالدة القائم دار ،

ص: 149

وكانت قد قاربت التسعين . واعطاها جاريتين تخدمانها ، وأجري لها جراية ، فلما عاد السلطان طغرل بك الي بغداد سير جيوش لقتال البساسيري ، فقاتل حتي قتل ، وحمل رأسه إلي دار السلطان، فأمر بحمله إلي دار الخلافة ، فنظف، وغسل ، وجعل علي قناة ، وطيف به ، وصلب قبالة باب النوبي ( ابن الأثير 640/9 -649).

ولما قتل الوزير نظام الملك في السنة 485 اتهم أصحابه تاج الملك ، مستوفي السلطان ، بأنه هو المحرض علي قتله ، وبينما كان تاج الملك يستعد ليكون وزيرة للسلطان ملكشاه خلفا لنظام الملك ، هجم عليه جماعة من أتباع نظام الملك ، فقتلوه ، وفضلوه أجزاء ، وحملت إلي بغداد إحدي أصابعه ، وكان عمره حين قتل سبعة وأربعين سنة ( ابن الأثير 216/10 ).

وفي السنة 492 قتل أبو القاسم بن إمام الحرمين بنيسابور ، فاتهم العامة أبا البركات الثعلبي بأنه سعي في قتله ، فوثبوا به فقتلوه ، وأكلوا لحمه ( ابن الأثير 291/10 ).

وفي السنة 500 فتح السلطان محمد السلجوقي قلعة شاه دز ، وعذب صاحبها أحمد بن عبد الملك بن عطاش ، بسلخ جلده وهو حي ، وقتل معه ولده ، وأمر بحمل رأسي الأب والإبن إلي بغداد ( ابن الأثير 433/10 -434)

وفي السنة 529 وقعت بدايمرج ، معركة بين الخليفة المسترشد، والسلطان مسعود السلجوقي ، فأنكسر جيش المسترشد وأسر ، وأنزل في خيمة ، وغفل عنه حراسه ، فدخل عليه أربعة وعشرون رجلا ، قيل أنهم باطنية ، وقتلوه ، ووجد في جسده ما يزيد علي عشرين جرحا كما أنهم مثلوا به فجدعوا أنفه وقطعوا أذنيه ، وتركوه عريانا ، وقتلوا معه نفر من أصحابه . ( ابن الأثير 27/11 ) .

ص: 150

وفي السنة 536 توفي إبراهيم السهاوي ، مقدم الإسماعيلية ، فأحرقه ولد عباس صاحب الري ، في تابوته ( ابن الأثير 89/11 ).

وفي السنة 569 حصلت معركة بين جيش الخليفة ، وبين ابن سنكا، ابن أخي الأمير شملة ، صاحب خوزستان ، فظفر جيش الخليفة ، وأسر ابن سنكا، ثم قتل ، وحمل رأسه إلي بغداد ، فعلق بباب النوبي ( ابن الأثير 409/11)

وفي السنة 574 كبس بالكرخ علي رجل يقال له أبو السعادات ابن قرايا ، كان ينشد علي الدكاكين ، وكان من الرفض ( أي الشيعة ) فأخذ، فقطع لسانه ، بكرة يوم الجمعة ، وقطعت يده ، ثم حط إلي الشط ليحمل إلي المارستان ، فضربه العوام بالأجر في الطريق ، فهرب إلي الشط ، فجعل يسبح وهم يضربونه حتي مات ، ثم أخرجوه وأحرقوه ، ورمي باقية إلي الماء ( المنتظم 286/10 ).

وفي السنة 590 اشتبك خوارزم شاه علاء الدين تكش ، والسلطان طغرل بن أرسلان بن طغرل بن ملكشاه السلجوقي ، في معركة عنيفة ، وكان طغرل شجاعة ، فحمل بنفسه في وسط عسكر خوارزم شاه، فأحاطوا به وألقوه عن فرسه ، وقتلوه ، وحمل رأسه إلي خوارزم شاه ، فسيره الي بغداد ، حيث نصب بباب النوبي ، عدة أيام ( ابن الأثير 107/12 و108).

وفي السنة 591 كان نائب الوزارة ببغداد مؤيد الدين ابن القصاب ، قد استولي علي خوزستان ، ثم سار منها إلي ميسان ، ثم استولي علي كرمان شاهان ، ثم همدان ، فخرقان ، فمزدغان ، فساوه ، فأوه ، واستقر في الري ، ثم توفي في همدان ، واشتبك جيشه مع جيش خوارزم شاه ، فأنكسر جيش الخليفة ، وعاد خوارزم شاه فملك همذان ، ونبش الوزير من قبره ، وقطع رأسه ، وسيره إلي خوارزم ، وأدعي أنه قتله في المعركة ( ابن الأثير 112 - 108/12)

ص: 151

وفي السنة 603 اختلف شابان ببغداد ، وجري بينهما كلام بسبب امرأة مغنية ، فجرح احدهما الآخر ، وبقي المجروح ليلة ومات ، فقبض علي الجارح ، وأخذه أخو المجروح وجماعة من إنسبائه إلي قراح ابن رزين ، وقتلوه هناك ضربة بالسيوف ، ثم وطنوه بالخيل ، وبقي أربعة أيام ملقي ، لا يؤذن لأهله في دفنه ( الجامع المختصر 199 ، 200).

وفي السنة 658 استولي التتار علي ميافارقين ، وقتلوا ملكها السلطان الملك الكامل محمد بن المظفر غازي بن العادل ، وقطعوا رأسه ، وحملوه علي رمح ، وطيف به البلاد ، ومروا به علي حلب وحماة ، ووصلوا به إلي دمشق ، فطافوا به بالمغاني والطبول ، وعلق الرأس في شبكة بسور باب الفراديس ، إلي أن عادت دمشق إلي المسلمين ، فدفن بمشهد الحسين ( تاريخ ابي الفدا 203/3 ).

ورفع أحمد بن بقا الشربدار الواسطي ، علي الصاحب علاء الدين ، فحبسه ، ثم أشهره ، وفي آخر النهار قطع رأسه ، ووضع مكانه رأس معز بلحيته ، وطيف به، وأحرق العوام جنته ، ورفع رأسه علي خشبة ، وطيف به ( الحوادث الجامعة 401).

وفي السنة 662 قبض ببغداد علي نجم الدين أحمد بن عمران الباجسري ، وأخرج مكتوفة راجلا إلي ظاهر بغداد ، حيث حوكم في خيمة هناك ، وقتل ، وأخذ ابن الدواتدار مرارته ، وطيف برأسه علي خشبة ، ونهبت داره ( تاريخ العراق للعزاوي 247/1 ).

وكان مجد الملك ، قد رفع علي الصاحب علاء الدين صاحب الديوان ، ثم تغير الحال بموت السلطان ، فأعتقل مجد الملك ، وسلم إلي الصاحب علاء الدين ، فتولي ابن أخيه شرف الدين هارون قتله ، وحملت أطرافه إلي البلاد ، وسلخ رأسه وحمل إلي بغداد ، وشوي الخربندية لحمه ، وأكلوا منه ، وشربوا الخمر في قحف رأسه ( الحوادث الجامعة 419) .

ص: 152

وفي السنة 686 دخلت العرب في يوم جمعة إلي الجامع بالمحول ، فأخذوا ثياب كل من كان فيه ، ثم قصدوا ناحية الحارثية وكبسوها ليلا ، وأخذوا ما قدروا عليه ، وقتلوا جماعة من أهلها ، فلم يزل شحنة بغداد يفحص عنهم ، حتي ظفر بأكثرهم ، وضرب أعناقهم ، وبني رؤوسهم في قبة الجسر ، وجعل وجوههم ظاهرة ، ليعتبر بها كل مفسد ( الحوادث الجامعة 452)

وفي السنة 693 ، في عهد الملك الناصر محمد بن قلاوون ، حصلت بالقاهرة ، فتنة بين الأمراء ، وانتهت بقتل الأمير علم الدين سنجر الشجاعي ، وطيف برأسه في القاهرة ومصر ، وكان الرأس علي رمح ، وطاف به المشاعلية ، وجبوا عليه القاهرة ، ومصر ، والشوارع ، والأزقة ، والطرقات ، ويقال أن بعض أهل مصر ، دفع إلي المشاعلية جملة فضة ، حتي أخذ منهم الرأس ، ودخل به إلي بيته ، وضربه بالمداس ، وبعض الناس صفعوا الرأس في الطرقات ، وفعل الناس به ما أرادوا من ضرب وصفع وسب ، وكان مع المشاعلية برنية لتحصيل ما يجبي من الناس علي رأس الشجاعي ، وأن البرنية ملئت ثلاث مرات ، وكان سبب كره الناس للشجاعي ، لسوء أفعاله ، وظلمه ، ومصادراته ، وعسفه ( تاريخ ابن الفرات 182/8 و 183 ).

وفي السنة 693 توجه شمس الدين محمد السكورجي ، إلي السلطان كي خاتو ، وأخبره بمظالم الأمير بايدو ، فغضب علي بايدو وأمر بحبسه ، ثم كلم فيه فأطلقه ، وفي السنة 694 قتل كيخاتو ، وتسلطن بايدو فكان أول ما فعله أن بعث أميرة إلي بغداد فقبض عي محمد السكورجي ، وأبيه ، وأخيه ، وعمه ، وجميع أهل بيته وأصحابه ، ونهب أموالهم وجميع ما في دورهم ، وحمل محمد إلي بايدو ، حيث قتل، وقطعت أعضاؤه ، وحمل رأسه ألي بغداد ، مع يديه ، وعلقت علي الجسر ( تاريخ العراق للعزاوي 357/1 ،362 ، 364 ، 365)

ص: 153

وفي السنة 694 قتل فخر الدين مظفر بن الطراح ، من رجال العصر المغولي في العراق ، كان صدر واسط والبصرة ، ثم صدر الحلة والكوفة والسيب ، ثم قبض عليه ، وحبس في بغداد ، وقتل، وطيف برأسه في شوارع واسط ، وعلق علي جسرها . ( الاعلام 163/8 ).

وفي السنة 702 كانت معركة بين جيش التاتار، وجيش السلطان محمد بن قلاوون ، صاحب مصر والشام ، وانكسر التاتار ، وقتل منهم كثير ، وجيء بالأسري إلي القاهرة ، وعددهم ألف وستمائة أسير، وقد علق في عنق كل واحد منهم ، رأس أحد القتلي من التتار ، كما حمل أمامهم ألف رأس علي ألف رمح ، وكانت طبولهم أمامهم مخرقة ( النجوم الزاهرة 167/8 ).

وفي السنة 716 اتهم الوزير رشيد الدولة فضل الله ، وزير السلطان خربندا بأنه أساء تطبيب السلطان ، فأدي ذلك إلي موته ، فقتل الوزير ، وفصلت أعضاؤه ، وبعثوا إلي كل بلد بعضو ، وأحرقوا بقية جسده ، وحمل رأسه إلي تبريز ، ونودي عليه : هذا رأس اليهودي الملحد ( الدرر الكامنة 315/3)

وولي السلطان محمد بن تغلق ، سلطان الهند ، غياث الدين بهادور ، علي بورة ، وشرط عليه أن يصرف إليه ولده رهينة عنده ، فلم يبعث ولده ، فبعث إليه جيشا ، فقتلوه وسلخوا جلده ، وحشوه بالتبن ، وطافوا به في البلاد . (مهذب رحلة ابن بطوطة 96/2 ).

ولما قبض السلطان محمد بن تغلق ، سلطان الهند ، علي الأمير بهاء الدين كشت اسب ، وهو إبن أخت السلطان تغلق ، والد محمد ، قتله ، وأمر فحشي جلده بالتبن ، وطيف به في البلاد . (مهذب رحلة ابن بطوطة 97/2 و98).

وفي السنة 748 توفي الأمير شجاع آغرلو ، من أمراء المماليك بمصر ،

ص: 154

وكان ظالمة، حتي إنه قتل في مدة أربعين يوما ، واحدة وثلاثين أميرة ، فاعتقل ، وقتل ، وقام الحرافيش في القاهرة ومصر ، بنبش قبره ، وأخرجوا جثته ، ومثلوا بها ، ونوعوا به المثلة والنكال ، فغضب السلطان ، وأمر الأوشاقية ، فقتلوا منهم ، وقطعوا ، فكان الأمير اغرلو مشؤومة في حياته وبعد مماته ( الوافي بالوفيات 295/9 و296 ) .

وفي السنة 763 قتل السلطان أبو عبد الله محمد بن اسماعيل بن فرج النصري ، صاحب غرناطة ، وكان قد لجأ إلي صاحب قشتالة ، فقتله ، وقتل أصحابه الثلثمائة، وقطع رؤوسهم ، وبعث بها إلي غرناطة ، حيث نصبت علي سور قلعة الحمراء ( الاحاطة 406 - 412 و 531 - 540 ) .

وفي السنة 776 مثل بجثة الوزير الأديب الأريب الشاعر لسان الدين بن الخطيب ، إذ تآمر عليه خصومه في غرناطة ، ووافقهم صاحب المغرب ، فحبس ، وخنق في حبسه ، ثم أخذت جثته من الغد ، فأضرمت فيها النار ، فأحترق شعره وبشرته ، راجع التفصيل في هذا الكتاب في الباب الثاني عشر : القتل بكتم النفس ، الفصل الأول : القتل خنقا .

وفي السنة 861 دخل شخص إلي خيمة المولي علي المشعشع ، وحز رأسه ، وأخذت جثته، فسلخت ، وحشيت تبنا ، وأرسلت إلي بغداد ، وحمل الرأس إلي جهان شاه ( تاريخ العراق للعزاوي 150/3 ) .

وفي السنة 803 أرسل تيمورلنك إلي أمير حلب ، رسولا ، وكان الأمير ودون نائب السلطنة بدمشق ، موجودة هناك ، فعمد إلي الرسول فقتله قبل أن يدلي برسالته ، وضرب رأسه علي رؤوس الأشهاد ، فلما بلغ تيمور أن رسوله قد قتل ، هاجم حلب ، واستولي عليها، وأسرف جيشه في قتل الرجال والنساء ، ولجأ كثير إلي المساجد، فقتلوا فيها، حتي صارت المساجد كالمجازر من كثرة القتلي ، وصارت الأرض لا توطأ إلا علي جثة

ص: 155

إنسان ، وبني من رؤوس القتلي عشرة مآذن ، دور كل مأذنة عشرون ذراعا ، وصعودها في الهواء مثل ذلك ، وجعلوا الوجوه فيها بارزة ، وتركوا أشلاء القتلي تنهشها الكلاب ، وكان عدة من قتل من أهل حلب ، نحوا من عشرين ألف إنسان ، هذا فضلا عمن هلك تحت الأرجل عند آقتحام أبواب المدينة ، أو من هلك من الجوع والعطش ( اعلام النبلاء 494/2 - 498) .

وفي السنة 839 قتل الأمير عثمان بن قطلوبك التركماني ، صاحب دياربكر وآمد وماردين ، ويعرف بقرايلوك ، وكان قتله أثناء اشتباكه في معركة مع الأمير اسكندر بن قرايوسف ، وكانت المعركة خارج أرز الروم ( أرضروم ) فألقي قرايلوك بنفسه إلي الخندق ، فوقع علي حجر شدخ دماغه فمات ، فعمد إسكندر إلي رأس قرايلوك ورأسي ولديه ، ورؤوس ثلاثة من امرائه ، فقطعها ، وبعث بها إلي السلطان الأشرف ، فطيف بها في القاهرة ، وعلقت علي باب زويلة ثلاثة أيام في الضوء اللامع 136/5 ).

وفي السنة 866 عقد لحمزة بن غيث مجلس في بيت الدوادار ، حضره القضاة ونظروافي التهم الموجهة إليه وهي أخذ الأموال ، وارتكاب المحرمات وضرب الفضة الزغل ، فحكم القاضي المالكي بقتله ، وأنفذ بقية القضاة الحكم ، وأودع المقشرة ، وسلخ جلده ، وحشي تبنأ ، وطيف به من الغد علي جمل بشوارع القاهرة ، وحمل إلي بلاد الريف ، وطيف به في القري والبلاد ( الضوء اللامع 166/3 ).

وفي السنة 872 قتل جهان شاه بن قرايوسف ، وخلفه ولده حسن علي ، فظلم الناس ، وأساء التصرف ، وقبض علي زوجة أبيه فعلقها من ثدييها حتي ماتت ، فقصده حسن بيك ، واشتبك معه في معركة ، فأنفل جيش حسن علي ، وفر إلي باكو ، ثم عثر عليه في جبال الوند بهمذان ، واعتقله أصحاب حسن بيك ، وأحس بما ينتظره فأنتحر بأن ذبح نفسه بموسي ، وعندئذ« قطعوا رأسه ، وقطعوا ذكره ، وحطوه في فمه ، وجاءوا

ص: 156

برأسه إلي حسن بيك ، وقطعوا جسده أربع قطع ، وعلقوها علي ابواب همدان ، علي كل باب قطعة ( تاريخ الغياثي 380 و381) .

وفي السنة 926 عصر الأمير جان بردي الغزالي ، والي دمشق للعثمانيين ، علي السلطان ، فجهز السلطان سليمان إليه جيشأ حاربه بباب دمشق ، وانكسر جان بردي وقتل ، فجهز القائد التركي فرهاد باشا ، رأس الغزالي ، ومعه الف اذن من آذان القتلي إلي السلطان ( خطط الشام 334/2)

وفي الشدة 986 كان العثمانيون قد استولوا علي تونس ، وتوغلوا في المغرب ، فأستنجد المتوكل أبو عبد الله محمد السعدي ، صاحب المغرب ، بالبرتغال ، ونشبت معركة بين العثمانيين من جهة ، وسلطان المغرب والبرتغال من جهة ، فانتصر العثمانيون إنتصارا مؤزرا ، وغرق المتوكل صاحب المغرب ، وسباستيان عظيم البرتغال ، في نهر وادي المخازن ، فأخرج المتوكل من الماء ، وسلخ جلده وحشي تبنا ، وطيف به في بلاد المغرب ، ولهذا لقبته العامة : المسلوخ (الاعلام 117/7 ).

وفي السنة 997 قتل بخاري ، شهاب الدين عبد الله بن محمود الخراساني الفقيه الامامي وجري قتله علي التشيع ، وأحرق جسده في ميدانها ( الاعلام 4/ 279 ). .

وفي السنة 1151 وقعت معركة بين الجند العثماني بقيادة أحمد باشا، والي بغداد ، وبين عشيرة المنتفق بقيادة سعدون أمير المنتفق ، فقبض علي سعدون ، وقتل ، وقطع رأسه ، وحشي تبنا، ووضع في صندوق ، وأرسل إلي اسطنبول ( تاريخ العراق للعزاوي 258/5 ).

وفي السنة 1206 هجم أهل حلب ، علي بطال أغانوري ، ومحمد اغا، وعلي عسكره ، فانهزم إلي خارج حلب ، وحصر عينتاب خمسة

ص: 157

أشهر ، وآل أمره إلي أن قتل ، وحمل رأسه ورؤوس أربعة وعشرين من العصاة إلي اصطنبول ( خطط السام 9/3).

وفي السنة 1219 علقوا بالقاهرة ثلاثة رؤوس ، بباب زويلة ، لا يدري أحد من هم ( الجبرتي 41/3 ) .

وفي السنة 1222 لما قتل جماعة من الجيش الإنكليزي ، بمدينة رشيد في الديار المصرية ، قطعوا آذان القتلي ، ودبغوها ، وملحوها ، ووضعوها في صندوق ، وسيروها إلي اصطنبول علي طريق الشام ( الجبرتي 197/3 و198).

وفي السنة 1247 ثار أهل دمشق ، علي واليها محمد سليم باشا ، وحصروه في القلعة ، وقتلوه ، وقتلوا معه حاشيته ومنهم خاله ، وكخيته ، والسلحدار ، والقابجي ، والخزندار ، والمهردار ، وعروا جثتهم ، وحملوها إلي باب القلعة ، وألقوها علي الأرض ، ليراها الناس ، ثم قطعوا رأس الوالي ورأس خاله ، وداروا بهما ، ليعرضوهما علي الناس ويربحوا الدراهم ، فحطوا رأس الوزير علي درجة باب الكنيسة ، ولم يرفعوه حتي حضر شيخ حارة النصاري ، وأعطاهم دراهم ، فحملوه ، ووضعوه علي باب الدير الكبير ، وأخذوا منهم دراهم ، وهكذا لموا دراهم من حارات كثيرة ( مذكرات تاريخية 31 و 32).

وفي السنة 1250 انتقضت طرابلس ( الشام ) علي حكم ابراهيم باشا ، ثم أخضعها ، وأمر فقتل من أعيانها ثلاثة عشر شخصا، وتركت جثثهم في الشوارع ثلاثة أيام ( مذكرات تاريخية 14).

وفي السنة 1301 (1884 م ) قتل أبو الاحرار مدحت باشا ، من العظماء المصلحين في العالم ، قتل خنقا في سجنه بالطائف ، وقطع رأسه ، ووضع في صندوق وحمل إلي السلطان عبد الحميد الثاني ، سلطان تركيا ( مشاهير الشرق 1/ 480) .

ص: 158

الفصل الثاني: المثلة بسحب الجثث

ومن ألوان المثلة ، سحب جثث القتلي والموتي ، والبغداديون ، يسمونه : السحل .

وأول ما ظهرت هذه المثلة القبيحة بدمشق ، ثم انتقلت منها إلي بغداد .

ومما يبعث علي الأسي ، إن هذا اللون من المثلة ، مازال قسم من عامة بغداد يمارسونها .

وأول ما بلغنا عن هذا اللون من المثلة ، ما صنع بيوسف بن عمر ، الذي كان أمير العراقين للوليد بن يزيد، فلما قتل الوليد ، هرب يوسف من العراق ، وورد البلقاء فاستخفي بها ، ولبس زي النساء ، وجلس بين نسائه ، وبلغ يزيد بن الوليد خبره ، فبعث اليه من وجده بهذا الزي بين نسائه ، فأخذ، وحبس ، بدمشق ، ولما ظهر أمر مروان بن الأموي ، الملقب بمروان الحمار ، عمد يزيد بن خالد القسري إلي السجن ، فأخرج يوسف بن عمر ، وقتله إنتقاما لأبيه خالد الذي قتله يوسف ، ولما قطعت عنق يوسف ، شدوا في رجله حب طويلا ، وجعل الصبيان يجرونه في شارع دمشق، فتمر به المرأة ، فتري جسدأ صغيرة ، وكان قصير القامة جدا ، فتقول : في أي شيء قتل هذا الصبي المسكين .

وقال بعضهم : رأيت يوسف بن عمر ، وفي مذاكيره حبل ، وهو يجر

ص: 159

في دمشق ، ثم رأيت بعد ذلك ، يزيد بن خالد القسري ، قاتله ، وفي مذاكيره حبل ، وهو يجر في ذلك الموضع ( وفيات الأعيان 111/7 و112).

ولما قتل الأمين ببغداد ، في السنة 198 ، قطع رأسه ، وعلق علي حائط بستان ، وسحبت جثته ببغداد ، وهي مربوطة بحبل (تاريخ الخلفاء 300) ، فقال في ذلك ابراهيم بن المهدي : ( الطبري 498/8 ).

لم يكفه أن حر أوداجه**** ذبح الهدايا بمدي الجازر

حتي أتي بسحب أوصاله**** في شطن يفني مدي السائر

وفي السنة 201 قتل محمد بن أبي خالد، في معركة بينه وبين جيش المأمون ، وكان زهير بن المسيب ، أحد قواد المأمون ، محبوسا عند جعفر بن محمد بن أبي خالد ، فأخرج زهير من الحبس ، وذبح ، وطيف برأسه ، ثم أخذ جسده ، وربط في رجليه بحبل ، وطيف به في بغداد ، ومروا به علي دوره ودور أهل بيته عند باب الكوفة ، وطيف به في الكرخ ، ثم طرحوه ليلا في دجلة . ( الطبري 548/8 ).

ولما بويع المستضيء ، في السنة 566 ، استدعي ابن البلدي ، الذي كان وزيرا للمستنجد ، ليبايع ، فلما حضر ، عدل به إلي مكان ضربت فيه عنقه ، وأخرج ، فرمي علي مزبلة بباب المراتب ، ثم شحب وألقي في دجلة ( الفخري 318 وابن الأثير 362/11 ).

وفي السنة 576 قبض علي ظهير الدين بن العطار ، وزير الخليفة ، ووكل به في داره ، ثم نقل إلي التاج ، ووكل به ، وطولب ، ثم أخرج ميتا علي رأس حمال ، فغمز به بعض الناس ، فشار به العامة ، فألقوه عن رأس الحمال ، وكشفوا سوءته ، وشدوا فيها حب، وسحبوه في البلد ، وكانوا يضعون في يده مغرفة ، يعني أنها قلم ، وقد غمسوها في العذرة ، ويقولون :

ص: 160

وقع لنا يا مولانا ، إلي غير هذا من الأفعال الشنيعة ( ابن الأثير 459/11 و460) .

وأضاف ابن الأثير إلي ما تقدم قوله : هذا فعلهم به مع حسن سيرته فيهم ، وكفه عن أموالهم وأعراضهم.

وفي السنة 597 وثب أهل باب البصرة علي حامي محلتهم المعروف بابن الضراب ، فقتلوه ، وقتلوا معه أربعة نفر ، وسحبوهم ، ثم ألقوهم في دجلة ، فقبض حاجب باب النوبي الشريف أبو جعفر بن الناعم ، علي جماعة من أهل المحلة ، وعاقبهم، وألزمهم بمال قرره عليهم . ( الجامع المختصر46).

وفي السنة 600 هلك ببغداد ، نائب الشرطة ، بباب النوبي ، بدار الخلافة ، واسمه ابو منصور بن الطحان ، وكان ظالما ، فلما صلي عليه بالمدرسة النظامية ، اجتمع خلق كثير ، واعلنوا بلعنه ، وهموا بسحبه . ( الجامع المختصر 132).

وفي السنة 604 قتل ابو الغنائم ، نصر بن ساوا النصراني ، الناظر في أعمال دجيل ، وقطعت أطرافه ، وصلب ، ثم أنزل وسحبت جثته في محلات بغداد ، ثم أحرق . ( الجامع المختصر 219- 220).

وفي السنة 681 أحضر ببغداد ، عبد يشوع ، ويعقوب ، وكانا قد رفعا علي الصاحب علاء الدين ، صاحب الديوان ، فطيف بهما في بغداد ، عريانين، والعوام يصفعونهم ، ويضربونهم بالأجر ، ثم قتلا بقية اليوم ، وجر العوام جثتيهما ، وأحرقوهما بباب قلاية النصاري ( الحوادث الجامعة 422).

وفي السنة 690 قبض ببغداد ، علي مهذب الدولة ، أخي سعد الدولة الماشعيري ، وطولب بالأموال ، وضرب ، ثم طعن بالسكاكين والسيوف ، وكان في الديوان نجار ، فضربه بفأس ، عدة ضربات، ثم قطع إربا إربا ،

ص: 161

وتناهبه العوام ، وتعمم نقاط بمصرانه ، وطافوا به في شوارع بغداد ودروبها ، ثم أحرق بباب جامع الخليفة ( جامع سوق الغزل ، وبابه من جهة المنارة التي ما زالت قائمة الي الآن )، وسلخ رأسه ، وحشي تبنأ ، وطيف به في جانبي بغداد ، وحمل إلي واسط ، وعلق علي جسرها . (تاريخ العراق للعزاوي 35/1)

وفي السنة 690 قتل من اليهود ، شاب يعرف بابن فلالة ، وقطعت أعضاؤه ، وشد العوام في سوءته حبلا ، وطافوا به سحبا في دروب بغداد . ( الحوادث الجامعة 465).

وكان الأمير بهادر ، أحد مماليك الملك المنصور قلاوون ، واشترك في قتل ولده الملك الأشرف خليل سنة 693، فقتله مماليك الأشرف، هو والأمير جمال الدين آقوش ، ثم ربط في رجل كل واحد منهما حبل ، وجرا من دار النيابة بالقلعة الي المجارير بالكيمان . ( خطط القريزي 67/2 ).

ولما عاد السلطان أبو العباس المريني ، في السنة 789 إلي سرير ملكه ، قبض علي ابن أبي عامر ، وكان يحقد عليه تصرفات أجراها معه ، بعد خلعه ، وكلمات صدرت عنه في حقه ، فاعتقله ، وامتحنه بالضرب بالسياط ، إلي أن مات تحت الضرب ، ولما حمل إلي داره ميتأ، وأخذ أهله في تجهيزه ليدفن ، أمر السلطان بأن يسحب في نواحي البلد ، فحمل من نعشه ، وربط في رجله حبل ، وسحب في سائر المدينة، ثم ألقي علي بعض المزابل ( ابن خلدون 360/5 ).

وشكا الدمشقيون ، إلي الباب العالي في السلطان العثماني ) ، من مظالم الدفتر دار فتحي افندي ، فأمر السلطان، فأحضر إلي اصطنبول ، فأخذ يمنح المنائح ، حتي أدخلوا علي السلطان شخصا آخر بدلا منه ، فأمر السلطان بقتله ، فقتل ، أما فتحي افندي فأعادوه إلي دمشق ، فعاد إلي ظلمه ، فعاودوا

ص: 162

الشكوي ، فورد الأمر بقطع رأسه ، فقطع رأسه ، وجرت جثته في شوارع المدينة ، وترك للكلاب تنهشه ، ومثل ببعض أعوانه ، وصودرت أمواله ( خطط الشام 298/2 ).

وفي السنة 1250 هرب من سجن القلعة بدمشق ، شخص اسمه عبد المحسن ، وأخذ يقطع الطريق . فنصبوا عليه الأرصاد ، وحصروه في داره ، فراماهم، حتي أصيب، فأخرجوه جريحا من الدار ، وذبحوه، ثم ربطوا في رجله حبلا ، وسحبوه، حتي رموه أمام باب السراي ، وظل مطروحة يومين ( مذكرات تاريخية 143).

ولما قتل الأمير عبد الاله ، في بغداد ، في حادث السنة 1958م قامت فئة من العامة بتسلم جثته ، وربطوها، بالحبل، وسحبوها ، ثم علقت أمام وزارة الدفاع ، ثم احرقت . ( أسرار مقتل العائلة الحاكمة في العراق 134- 136).

وآخر ما بلغنا عن هذا اللون من المثلة ، ما صنعه بعض أفراد من العامة ، ببغداد ، بجثة نوري السعيد، رئيس الوزراء بالعراق ، فإنه لما حصل أنقلاب السنة 1958 علي يد عبد الكريم قاسم ، أحد الضباط ، استتر نوري ، وبلغه خبر مقتل ولده الوحيد وهو مستتر ، ولما أوشك أن يعتقل ، انتحر، فتصدي قوم من العامة ، وربطوا في جثته حبلا ، وسحبوها في شوارع بغداد .

ص: 163

ص: 164

الفصل الثالث: المثلة بصلب الجثة

ومن ألوان المثلة ، صلب جثة القتيل بعد قتله ، وهذا اللون من المثلة ، يكاد يكون عاما في جميع الأوقات ، وفي جميع البلدان، وكان المقصود بصلب الجثة ، أن يطلع الناس علي أن المصلوب قد مات وانتهي ، لئلا تكثر بشأنه الأقاويل ، وتختلف في مصيره الآراء ، ذلك لأن العامة ، ما دام لهم رأي في المقتول ، فهم يتصورون له مصيرا وفق أمانيهم ، كما حصل في موضوع الحلاج ، فإنه قتل ، وصلب ، وأحرق ، وذري رماده ، وحصل ذلك أمام عشرات الألوف من الناس، ولكن كثير منهم ، استقر في أذهانهم أنه لم يقتل ، وانما قتل شخص آخر غيره يشبهه ، وأعجب من ذلك ، إن عبد الكريم قاسم ، الضابط الذي قام بانقلاب السنة 1958 في العراق ، قتل في السنة 1963 رميا بالرصاص ، وعرضت جثته علي شاشة التلفزيون ، وبالرغم من ذلك ، فإن بعض العامة من الناس في بغداد ، كانوا إلي أمد قريب، علي قناعة تامة ، بأنه ما زال حيا ، وأنه شوهد في الوقت الفلاني ، في الموضع الفلاني.

وعلي أن المثلة بصلب الجثث ، أمر يدل علي لؤم قدرة ، وينبيء عن نقص في المروءة . فإن بعض المتسلطين القساة ، زادوا في الطنبور نغمة ، وبالغوا في إظهار لؤم قدرتهم ، كما صنع الحجاج ، بجثة عبدالله بن الزبير ، فإنه صلب مع جثته جيفة كلب ، وكما صنع مسلمة بن عبد الملك بيزيد بن

ص: 165

المهلب ، فإنه صلب مع جثته جيفة خنزير ، وفاق هؤلاء جميعا في التصرف المخزي ، زياد بن أبيه ، فإنه كان يقتل النساء ويصلبهن ولم يكتف بذلك ، فزاد بأن أخذ يصلبهن عاريات .

وكانت النساء تشترك في حروب الخوارج ، إلي أن قام زياد بصلب المرأة عارية بعد قتلها ، فلم تخرج النساء إلا بعد زياد ، وكن إذا طولبن بالخروج قلن : لولا التعرية لسارعنا ( العقد الفريد 1/ 221- 222).

وأسرت هذيل ، يوم الرجيع ، الأنصاريين خبيب بن عدي، وابن الدثنة ، فصلبوهما بالتنعيم .

وصلب عبيد الله بن زياد ، بسوق الكوفة ، مسلم بن عقيل ، وهاني بن عروة المرادي .

ولما استباح مسلم بن عقبة ، قائد الجيش الأموي ، المدينة ، وقتل رجالها ، خرج منها يريد مكة ، فمات في الطريق ، ودفن ، فخرجت إليه زوجة أحد قتلاه ، فنبشت قبره ، واحرقت جثته ، ومزقت أكفانه ، وعلقتها علي شجرة هناك ، فكان كل من يمر بالأكفان ، يرجمها بالحجارة . (الامامة والسياسة 9/2).

ولما قتل عبدالله بن الزبير ، بعث الحجاج برأسه إلي عبد الملك ، وصلب جثته منكوسة ، وصل معه كلبأ ميتا ( أنساب الأشراف 368/5 - 369- 374 - 370)

وصلب يوسف بن عمر ، عامل هشام بن عبد الملك علي العراق ، زيد بن علي بن الحسين ، وبقي معلقا أربعة أعوام ، ثم أنزل وأحرق .

ويحيي بن زيد بن علي ، صلب بالجوزجان ، في أيام الوليد بن يزيد ، وأنزله أبو مسلم الخراساني ، وصلي عليه ، وواراه ، وأخذ كل من خرج إلي قتاله ، فقتله .

ص: 166

وصلب مسلمة بن عبد الملك، يزيد بن المهلب بن أبي صفرة ، بجسر بابل ، وعلق معه خنزير وسمكة وزق خمر ( الغيث المسجم 182/2 ).

ولما أخرج أبو محمد بن عبدالله بن يزيد بن معاوية ، من السجن ، أمر بجثة عبد العزيز بن الحجاج بن عبد الملك بن مروان ، فصلبت منكوسة علي باب الجابية بدمشق . ( العقد الفريد 467/4 ).

وفي السنة 123 عبر بلج بجيش أموي ، إلي الأندلس ، فقبض علي عبد الملك بن قطن الفهري ، أمير الأندلس ، وصلبه بقرطبة ، وصلب معه كلبأ وخنزيرأ ، ذلك لأنه أراد الاستقلال بالأندلس ، وصلب زياد بن عمرو اللخمي بعد أن سمله ، وصلب عن يساره كلبأ ( نفح الطيب 19/3 - 21).

ولما بويع مروان الحمار ، وقدم دمشق ، نبش قبر يزيد بن الوليد وأخرجه من قبره وصلبه ( العقد الفريد 466/4 ).

وفي السنة 129 حارب نصر بن سيار أمير خراسان ، جديع بن علي الكرماني ، فقتل جديع في المعركة ، فأخذه نصر وصلبه وصلب الي جانبه سمكة ، يعني أن جديع أزدي ، والأزد يعيرون بأنهم ملاحون . ( الطبري 370/7)

وصلب مروان الحمار الأموي ، يزيد بن خالد بن عبدالله القسري ، علي باب الفراديس ، بدمشق ( الغيث المسجم 182/2 ).

وحمل صالح بن عبد القدوس إلي المهدي ، متهما بالزندقة ، وساءله فتبرأ مما اتهم به ، فاستنشده ، فأنشده قصيدته التي يقول فيها :

والشيخ لا يترك اخلاقه**** حتي يواري في ثري رمسه

إذا ارعوي عاد إلي غيه**** كذي الضني صار إلي نكسه

فقال : نحكم فيك بحكمك علي نفسك ، فأنت لا تترك أخلاقك ، ثم

ص: 167

أمر به فقتل وصلب علي الجسر . ( وفيات الأعيان 492/2 ) .

ولما قتل الرشيد جعفر بن يحيي البرمكي ، أمر برأسه فنصب علي الجسر الأوسط ، وقطعت جثته إلي قطعتين ، صلب قطعة علي الجسر الأعلي ، وقطعة علي الجسر الأسفل . ( الطبري 296/8 ).

أقول : كان في بغداد في ذلك العهد، ثلاثة جسور ، الجسر الأعلي ، وهو جسر الشماسية ، يربط بين الشماسية ( الصليخ ) في الجانب الشرقي ، والقطيعة الزبيدية في الجانب الغربي ، والجسر الأوسط ، ويربط بين باب الطاق ( الصرافية في الجانب الشرقي وبين محلة البيمارستان العضدي ( المنطقة ) في الجانب الغربي ، وقد حل محله جسر الصرافية الحديد ، والجسر الأسفل ، وهو الجسر الذي يربط بين سوق الثلاثاء بالجانب الشرقي ( منطقة المدرسة المستنصرية ) وبين الجانب الغربي وقد حل محله الآن جسر المأمون .

وفي السنة 198 حصلت وقعة الربض بقرطبة، حيث كره القرطبيون الحكم الأموي ،، وثاروا عليه ، وحصروه في قصره ، فحاربهم ، فانهزموا ، وقتل منهم خلقا كثيرة ، وأسر منهم جماعة ، فاختار من الأسري ثلثمائة من وجوههم، فقتلهم، وصلبهم منگسين ( ابن الأثير 299/6 -300).

وفي السنة 221 أحضر امام المعتصم ، الثائر الفارسي بابك الخرمي ، فأمر به فقطعت أطرافه ، ثم قطع رأسه ، وصلبت جثته علي خشبة ، ثم أحرقت ، وسمي الموضع الذي صلبت جثته فيه « خشبة بابك » ، وأخذ عبد الله ، أخو بابك الي بغداد حيث قتل مثل قتلة أخيه ، وصلب بدنه علي الجسر ببغداد ، فقالت سكن ، جارية محمود الوراق : ( المستطرف من أخبار الجواري 33).

كبابك وأخيه إذ سمالهما ****بباتر للشوي في الجيد خلاس

فذاك بالجسر نصب للعيون وذا**** بسر مرا علي سامي الذري راسي

ص: 168

للتفصيل في مقتل بابك ، راجع نشوار المحاضرة وأخبار المذاكرة اللقاضي التنوخي ج 1 ص 147- 148 رقم القصة 74).

وفي السنة 224 أحضر أمام المعتصم الثائر الفارسي المازيار بن قارن ، صاحب طبرستان ، فضرب أربعمائة سوط ، فمات ، وصلب إلي جانب خشبة بابك ( الطبري 100/9 و 104 وتجارب الأمم 516/6 ).

وفي السنة 252 خرج بالإسكندرية من أرض مصر ، جابر بن الوليد المدلجي ، وجمع جمعأ ، ولحق به أبو حرملة فرج النوبي، وكان رجلا فاتكأ ، ثم أسر أبو حرملة ، وأدخل الفسطاط مع جماعة من الأسري ، وحبس ، ومات في الحبس ، وأخرج فصلب بالمصلي ( الولاة للكندي 206- 209)

وفي السنة 317 لما خلع المقتدر ، ونصب أخوه القاهر ، انتقض امر القاهر بهجوم الرجالة علي الصحن التسعيني بدار الخلافة ، فصلبوا نازوك وعجيبا خادمه علي خشب الستارة . ( التكملة 60).

وفي السنة 367 بعث عضد الدولة ، إلي بختيار ، يطالبه بتسليم ابن بقية ، فسمله بختيار ، ثم بعث به إلي عضد الدولة ، وسمل معه صاحبه المعروف بابن الراعي ( تجارب الأمم 377/2 ) وحمل ابن بقية مسمو" إلي عضد الدولة عند نزوله بالزعفرانية ، فأشهر في العسكر علي جمل ، ثم طرح إلي الفيلة ، وأضربت عليه ، فقتلته شر قتلة، وصلب علي شاطيء دجلة ، علي رأس الجسر بالجانب الشرقي ثم نقل إلي الجانب الغربي . ( ابن الأثير 689/8 وتجارب الأمم 380/2 ).

وفي السنة 368 حصر جيش عضد الدولة مدينة مبافارقين ، وفتحها بالأمان ، واستثني من الأمان قاضي البلدة وغلاما يعرف بابن الطبري ، كانا أثناء الحصار يسرفان في شتم عضد الدولة ، فلما أخذا ، ضربت رقبتاهما وصلبا علي البرج الذي كانا يظهران عليه ويشتمان ( تجارب الأمم 390/2 ).

ص: 169

وفي السنة 381 حدثت ببغداد فتنة بين أهل الكرخ ، وباب البصرة ، واستظهر أهل باب البصرة ، وخرقوا أعلام السلطان ، فقتل يومئذ جماعة اتهموا بفعل ذلك ، وصلبوا علي القنطرة . ( المنتظم 163/7 -164).

وفي السنة 420 ورد رئيس العيارين أبو يعلي بن الموصلي، وكانت داره بدرب رياح ، ومعه جماعة من العيارين ، الي الكرخ، وأظهروا أنهم جاءوا الخدمة السلطان ، فثار بهم أهل الكرخ ، فقتلوا، وصلبوا ( المنتظم 45/8).

وفي السنة 443 ظهر عيار يعرف بالطقطقي من أهل درزيجان، حضر ديوان الخلافة ، واستتيب وجري منه في معاملة أهل الكرخ ، وتتبعهم في المحال وقتلهم علي الأتصال، ما عظمت به البلوي ، فقطع رجلين وصلبهما علي حائط باب القلائين ، وقتل قبلهما ثلاثة وقطع رؤوسهم، ورمي بها إلي أهل الكرخ ، وقال : تغدوا برؤوس ( باجة) ، ومضي إلي درب الزعفراني وطالب أهله بمائة ألف دينار ( المنتظم 150/8 ). وفي السنة 444 كبس الطقطقي طاق الحراني ، وهو من محلات الكرخ ، وقتل رجلين، وقطع رأسيهما، وحملهما إلي القلائين، فنصبهما علي حائط المسجد المستجدا ( المنتظم 154/8 ).

وفي السنة 448 تقدم رئيس الرؤساء ابن المسلمة ، وكان شديدأ علي الشيعة ، إلي صاحب المعونة ببغداد ابن النسوي ، بقتل أبي عبدالله بن الجلاب ، شيخ البازين بباب الطاق ، بتهمة التظاهر بالرفض ( أي التشيع ) فقتله ، وصلبه علي باب دكانه ( المنتظم 8/ 172 - 173).

وفي السنة 521 قبض الأمر الفاطمي ، بمصر ، علي وزيره الملقب بالمأمون وقتله وصلبه بظاهر القاهرة مع خمسة من أخوته . ( وفيات الأعيان 299/5)

وفي السنة 530 قبض الراشد العباسي علي ابن الهاروني ، وتقدم إلي

ص: 170

أبي الكرم الوالي بقتله ، فقتل في الرحبة ، وصلب علي خشبة قصيرة، ومثل به العوام . ( المنتظم 56/10 ).

ولما قتل أبو الغنائم نصر بن ساوا النصراني، الناظر في اعمال دجيل ، في السنة 604 بعد أن قطعت أطرافه ، صلب أولا ، وطيف به في محال بغداد مسحوبأ، ثم أحرق . وكان سبب قتله أتهامه بأنه توصل في قتل الأمير تتامش بالسم. (الجامع المختصر 219-220).

وفي السنة 750 زور الأميران سيف الدين الجينبغا نائب السلطان في طرابلس الشام ، والأمير فخر الدين أياز ، أمرأ من سلطان مصر ، باعتقال نائب الشام أرغون شاه ، واعتقلاه بمعاونة الأمراء وقتلاه ، ثم ورد كتاب من سلطان مصر بانكار ذلك ، ومعه أمر بالقبض علي الأميرين الجينبغا وإياز وقتلهما توسيطأ ، فتجردت العساكر اليهما ، واعتقلا ، وأنزلا من القلعة ، إلي سوق الخيل ، ووشطوهما ، وعلقت أشلاؤهما علي الخشب بالحبال في البكر ، علي وادي بردا بسوق الخيل ( الوافي بالوفيات 356/9 - 357).

وفي السنة 1227 (1812م) ثار محمد باي ، بوهران ، علي الحاج علي باشا ، أمير الجزائر ، فبعث إليه الأمير جيشا بقيادة عمر اغا، فقبض علي محمد باي وعذبه وقتله ، وسلخ جلدة رأسه ، وحشاها قطن ، وبعث بالرأس إلي الأمير في الجزائر ، فأمر بأن ينصب الرأس علي عمود بركز فوق باب البلد ، وظل هناك عدة سنين ( مذكرات الزهار 107).

ولما تولي علي باشا ، إمارة الجزائر ، في السنة 1232، تحرك عليه العسكر فأخمد ثورتهم ، وقتل منهم جماعة ، ثم جعل له من بينهم جواسيس ، يتلقطون له الأخبار ، وقتل منهم خلقا كثيرا بيده ، ونفي بعضهم ، وأخرج منهم في يوم من الأيام بعثة، وجعل فيه كل من راه شيطانة ، ثم بعث في أثرهم من قام بتصفيتهم ، فمنهم من قتلوه ، ومنهم من نفوه ، ثم تحرك العسكر عليه مرة ثانية، ونادوا بخلعه ، وولوا شاوش الحملة ( القائد ) مكانه ،

ص: 171

ولكن القائد امتنع ، فأجبروه ، ونصبوا له وزراء ، فحاربهم علي باشا ، وانتصر عليهم ، فتفرقوا، وهربوا ، فمنهم من لحقه أتباع علي باشا، وقتلوه ، ومنهم من قبضوا عليه حيا ، وجاءوا به إلي علي باشا، فقتله بيده ، وكان لا يخلع سلاحه أبدأ ، ويحمل في وسطه سيف معلقا ومسدسين ، فإذا جيء له بتركي ، قتله بالمسدس ، وفي بعض الأحيان يجهز عليه بالسيف ، ثم يجره الزبانية لموضع البناء ، فيبنون عليه بالجدار ( مذكرات الزهار 136 - 137).

وفي السنة 1242 ( 1826م) ثار السيد محمد التيجني ، في ضواحي وهران ، وجمع حوله العرب ، وأراد أن ينزع الملك من الترك ، فجرد اليه والي وهران جيشا ، وقتل التيجني وأتباعه في المعركة ، وبعثوا برأسه وسيفه إلي أمير الجزائر حسين باشا ، فأمر بأن يجعل الرأس علي عمود بركز قبالة الباب الجديد ( مذكرات الزهار 159، 160).

وفي السنة 1365 (1945م) قتل في إيطاليا بنيتو موسوليني الملقب بالدوجي ، حكم ايطاليا اربعة وعشرين سنة، من 1922 إلي 1945 وعلق قتلته جئته منكسة من الرجلين ..

ص: 172

الباب التاسع عشر: المرأة

اشارة

جاء الإسلام بالعدل والرحمة ، والسلام والمودة ، وبرعاية خاصة للمرأة ، إذ منع من التعرض لها بأي لون من ألوان الأذي ، وكني النبي صلوات الله عليه ، عن النساء ، فقال : رفقا بالقوارير ، ومن أقواله : خيركم خيركم للنساء ، استوصوا بالنساء خيرة ، ما أكرم النساء إلا كريم ، وما أهانهن إلا لئيم .

وكان صلوات الله عليه ، إذا دخلت عليه ابنته فاطمة ، أخذ بيدها ورحب بها ، وأجلسها في مجلسه ، وإذا دخل عليها، قامت إليه ، ورحبت به ، وأخذت يده فقبلتها ( العقد الفريد 231/3 ) .

وكانت وصيته صلوات الله عليه ، لكل سرية يبعث بها إلي الحرب : لا تغلوا ، ولا تغدروا ، ولا تمثلوا ، ولا تقتلوا أمرأة ولا وليدا ( العقد الفريد 128/1)

ولما جيء إلي النبي صلوات الله عليه ، بسفانة بنت حاتم الطائي ، قالت له : يا محمد ، هلك الوالد ، وغاب الرافد، فإن رأيت أن تخلي عني ، ولا تشمت بي أحياء العرب ، فإن أبي سيد قومه ، كان يفك العاني ، ويحمي الذمار ، ويفرج عن المكروب ، ويطعم الطعام ، ويفشي السلام ، ولم يطلب إليه طالب قط حاجه فرده ، أنا ابنة حاتم طيء ، فقال النبي

ص: 173

صلوات الله عليه : يا جارية ، هذه صفة المؤمن ، لو كان أبوك إسلامية الترحمنا عليه ، خلوا عنها ، فإن أباها كان يحب مكارم الأخلاق (خزانة الأدب 494/1 ) .

وخلفه أبو بكر الصديق ، فكان يوصي أمراء جيوشه : لا تخونوا ، ولا تغلوا ، ولا تغدروا ، ولا تمثلوا ، ولا تقتلوا طفلا صغيرا ، ولا شيخا كبيرا ، ولا امرأة ( الطبري 227/3 ) .

وخلفه عمر الفاروق، فكان إذا عقد لأحد من قواده ، لواء ، أوصاه قائلا : لا تعتدوا ، ولا تمثلوا ، ولا تقتلوا هرمة ، ولا امرأة ، ولا وليدا . ( العقد الفريد 128/1 ).

وكان الإمام علي بن طالب يوصي قواده في كل موطن يلقون فيه عدو ، فيقول : لا تقاتلوا القوم حتي يبدأوكم ، فإذا هزمتموهم فلا تقتلوا مدبرة ، ولا تجهزوا علي جريح ، ولا تكشفوا عورة ، ولا تمثلوا بقتيل ، فإذا وصلتم ألي رحال القوم ، فلا تهتكوا سترة ، ولا تدخلوا دارة إلا بإذن ، ولا تأخذوا شيئا من أموالهم إلا ما وجدتموه في معسكرهم ، ولا تهيجوا امرأة بأذي ، وإن شتمن أعراضكم ، وسببن امراءكم وصلحاءكم ( اسماء المغتالين 162 والامامة والسياسة 138/1 ).

ولما انتهت وقعة الجمل ، في السنة 36 ، أنزل الإمام علي ، عائشة ، في دار عبد الله بن خلف الخزاعي ، أعظم دار بالبصرة ، ثم دخل عليها يزورها ، فرأته صفية ابنة الحارث زوجة عبد الله بن خلف ، وكان زوجها قد قتل في الوقعة مع عائشة ، وقتل أخوه عثمان مع علي ، فواجهته صفية مختمرة تبكي ، وقالت له : يا علي ، يا قاتل الأحبة ، يا مفرق الجمع ، أيتم الله بنيك منك ، فلم يرد عليها شيئا سوي أنه قال لعائشة ، لما جلس عندها : جبهتنا صفية ، أما أني لم أرها منذ كانت جارية حتي اليوم .

ص: 174

وسمع الإمام علي ، أحد أصحابه وهو يتوعد صفية ، فغضب ، وقال : صه ، لا تهتك سترة ، ولا تدخلين دارة ، ولا تهيج امرأة بأذي ، وإن شتمن أعراضكم ، وسقهن أمراءكم ، وصلحاءكم ، فإنهن ضعاف ، ولقد كنا نؤمر بالكف عنهن، وإنهن لمشركات ، فكيف إذن وهن مسلمات ، وإن الرجل اليكافيء المرأة ، ويتناولها بالضرب ، فيعير بذلك عقبه من بعده ، فلا يبلغني عن أحمد أنه عرض لامرأة ، فأنكل به ( الطبري 534/4 ، 539 ، 540 ، وابن الأثير 254/3 و 257/3 ).

وتعرض اثنان من الأزد للسيدة عائشة ، بعد انتهاء حرب الجمل ، فقال لها أحدهما : جزيت عنا أمنا عقوقأ ، وقال الثاني : يا أمنا توبي لقد أخطأت ، فبلغ ذلك الإمام علي ، فضرب كل واحد منهما مائة سوط ( الطبري 540/4 ، وابن الأثير 257/3 ).

لما قتل ابراهيم بن الاشتر، عبيدالله بن زياد، واحتوي علي ما في عسكره ، بعثت إليه هند بنت أسماء بن خارجة الفزاري ، امرأة عبيد الله بن زياد ، وشكت أليه انتهاب ما كان معها من مالها ، فقال لها : كم ذهب لك ؟ قالت : خمسون ألف درهم ، فأمر لها بمائة ألف درهم ، ووجه معها مائة فارس من عشيرتها يبذرقونها ، حتي أوصلوها إلي أبيها بالبصرة . ( الأخبار الطوال 296 ) .

ودخلت بنت أسامة بن زيد ، علي الخليفة عمر بن عبد العزيز ، فقام لها ، ومشي إليها ، ثم أجلسها في مجلسه ، وجلس بين يديها ، وما ترك لها حاجة إلا قضاها . (تاريخ الخلفاء 239 ).

ولما أسر الإفشين بابك الخرمي ، أطلق من أسره كثير من الصبيان المسلمين ، والنساء المسلمات ، ولما نزل بابك أسير ، راه هؤلاء الأسري ، فلطموا علي وجوههم ، وصاحوا ، وبكوا ، حتي ارتفعت أصواتهم ، فقال

ص: 175

الهم الإفشين : أنتم بالأمس تقولون أسرنا ، واليوم تبكون عليه ، عليكم لعنة الله ، فقالوا : إنه كان يحسن إلينا ( الطبري 50/9 ).

ولما فتح البساسيري بغداد في السنة 450 وأسر الخليفة القائم ، كتبت والدة الخليفة، إلي البساسيري من مكان كانت مستتر فيه ، رقعة تشرح فيها ما لحقها من الأذي ، والضرر ، والفقر ، حتي أن القوت يتعذر عليها، وهي جارية أرمنية ، قد ناهزت التسعين ، واحدودبت ، فأحضرها ، وأفرد لها دار في الحريم الطاهري ، وأعطاها جاريتين تخدمانها ، وأجري عليها في كل يوم أثني عشر رطلا خبزة ، وأربعة أرطال لحمة . ( المنتظم 201/8 ).

هذه صفحة رائعة ، من مكارم الأخلاق ، تقابلها صفحة مروعة مخزية من تصرفات أوذيت فيها المرأة ، قتلا ، أو تعذيبأ ، أو إهانة ، أورد منها علي سبيل المثال ، ثلاث صور ، الأولي : ما صنعه عبيد الله بن زياد ، فإنه أخذ عروة بن أدية ، أحد العباد الزهاد ، فأمر به فقطعت يداه ورجلاه ، ثم صلبه ، ثم قطع رأسه وبعث به إلي ابنته ، فجاءت الفتاة وجثة أبيها مطروحة بين يدي ابن زياد ، لتأخذها فتدفنها ، فقال لها ابن زياد : أنت علي دينه ؟ فقالت له : كيف لا أكون علي دينه ، وما رأيت قط خيرا منه ، فأمر بها ابن زياد فقتلت مع أبيها ( انساب الاشراف 88/2/4 و 89 ) ، والثانية ما صنعه شمر بن الجوشن في موقعة الطفت التي قتل فيها الإمام أبو عبد الله الحسين وأنصاره ، وكان من أنصاره رجل من كلب ، خاض المعركة دفاعا عن الحسين ، فسقط قتيلا ، فخرجت امرأته تمشي ، حتي جلست عند رأسه ، تمسح عن وجهه التراب ، وتقول : هنيئا لك الجنة ، فقال شمر بن ذي الجوشن لغلام يسمي رستم : اضرب رأسها بالعمود ، فضربها به فماتت مكانها ( الطبري 438/5 ) والثالثة : ما صنعه المصعب بن الزبير ، لما انتصر علي المختار الثقفي وقتله ، فإنه أحضر زوجة المختار، وهي عمرة بنت النعمان بن بشير الأنصاري ، وطالبها بأن تبرأ من زوجها ، فأبت ، وقالت متعجبة : كيف تبرأ

ص: 176

الحرة من زوجها ؟ فأمر بها فقتلت ( الاغاني 228/9 )، وأنا لا أعلق علي ما صنعه عبيد الله بن زياد وشمر بن ذي الجوشن ، فإنهما كلبان من الكلاب ، وما صنعاه غير مستغرب لما جبلت عليه طينتهما الخبيثة وأصلهما الخسيس ، ولكني أعجب لما صنعه المصعب ، وقد كان من جبلة غير جبلة ذينك اللئيمين .

ولعبيد الله بن زياد ، مع المرأة ، موقف آخر يبعث علي التقرز والغثيان ، فإنه بعد أن قتل الحسين وأولاده ، وأهل بيته ، ومن كان معه، وجيء إليه برؤوسهم ، وبنساء الحسين وبناته وأطفاله سبايا ، وأدخلن عليه ، تحركت فيه جبلته الدنسة ، وطبيعته اللئيمة ، وخاطب النساء والأطفال قائلا لهم : الحمد لله الذي فضحكم ، وقتلكم ، وأكذب أحدوثتكم ، ثم وجه كلامه إلي إحدي الفتيات الأسيرات ، فقال لها : كيف رأيت صنع الله بأهل بيتك ؟ قد شفي الله نفسي من طاغيتك والعصاة المردة من أهل بيتك ، فبكت ، وقالت له : لعمري ، لقد قتلت كهلي ، وأبرت أهلي ، وقطعت فرعي ، واجتشت أصلي ، فإن يشفك هذا فقد اشتفيت ( الطبري 457/5 ) .

أقول : رحم الله الرصافي حيث قال :

دع الاناسي وانسبني لغيرهم**** إن شئت للشاء أو إن شئت للبقر

فإن في البشر الزاهي بخلقته**** من قد أنفت به أني من البشر

وقد أورد لنا المؤرخون تفصيل ما صنعه مصعب بن الزبير ، بعمرة بنت النعمان بن بشير الأنصاري ، زوجة المختار ، فإنه بعد أن قتل زوجها ، أحضرها ، وقال لها : ما تقولين في المختار ؟.

فقالت : ما علمته إلا مسلما .

فحبسها ، وكتب إلي أخيه عبد الله ، فأمره بقتلها ، فأخرجها إلي ما بين الحيرة والكوفة ، وأمر رجلا من الشرط ، اسمه مطر ، فضربها بالسيف ،

ص: 177

ثلاث ضربات ، وهي تصيح : يا أبتاه ، يا أهلاه ، يا عشيرتاه .

فرفع رجل يده ولطم مطر ، وقال له : با اين الزانية ، عذبتها ، فقطعت نفسها. وتشحطت عمرة ، وماتت . ( أنساب الاشراف 263/5 و 264 ، والطبري 112/6 والاخبار الطوال 309 والاغاني 228/9 وتاريخ الكوفة 307 و 308 وتاريخ اليعقوبي 264/2 ).

ولما قتل مصعب بن الزبير ، عمرة بنت النعمان بن بشير الانصاري ، زوجة المختار بن أبي عبيد، أنكر الناس ذلك عليه ، وأعظموه ، لأنه أتي بماني رسول الله صلوات الله عليه عنه في نساء المشركين ، فكيف بالمسلمة ، فقال عمر بن أبي ربيعة : ( العقد الفريد 118/6 ).

إن من أعظم الكبائر عندي**** قتل حسناء غادة عطبول

قتلت باطلا علي غير ذنب**** إن لله درها من قتيل

كتب القتل والقتال علينا**** وعلي الغانيات جر الذيول

وقال سعيد بن عبد الرحمن بن حسان بن ثابت : ( الطبري 113/6 ) .

أتي راكب بالأمر ذي النبأ العجب****بقتل ابنة النعمان ذي الدين والحسب

بقتل فتاة ذات دل ستيرة****مهذبة الأخلاق والخيم والنسب

فلا هنأت آل الزبير معيشة****وذاقوا لباس الذل والخوف والحرب

كأنهم إذ أبرزوها وقطعت ****بأسيافهم فازوا بمملكة العرب

وقد أفردت الأخبار المتعلقة بتعذيب المرأة في هذا الباب ، وقسمته إلي خمسة عشر فصلا :

الفصل الأول : أول من عذب النساء في الإسلام .

الفصل الثاني : قتل المرأة بالسيف .

ص: 178

الفصل الثالث : قتل المرأة خنقأ .

الفصل الرابع : قتل المرأة شنقا .

الفصل الخامس : ألوان أخري من القتل .

الفصل السادس : الخوارج والمرأة .

الفصل السابع : تعذيب المرأة بالنار .

الفصل الثامن : تعذيب المرأة بقطع الأطراف والتعرض للجوارح .

الفصل التاسع : ألوان أخري من العذاب .

الفصل العاشر : تعذيب المرأة بالتعرض للعورة .

الفصل الحادي عشر : تعذيب المرأة بالاسترقاق .

الفصل الثاني عشر : تعذيب المرأة بالضرب .

الفصل الثالث عشر : تعذيب المرأة بالحبس .

الفصل الرابع عشر : إشهار النساء .

الفصل الخامس عشر : انتحار المرأة .

ص: 179

ص: 180

الفصل الأول: أول من عذب النساء في الاسلام

وأول من عذب النساء في الإسلام معاوية بن أبي سفيان ، فإنه لما صالح الحسن ، اشترط علي نفسه أن لا يؤاخذ أحد من أصحاب علي ، بما كان منه قبل المصالحة ، فلما تمكن ، واستتب له الأمر ، تتبع من كان من أنصار علي ، ففر منه عمرو بن الحمق الخزاعي ، فأذكي عليه العيون والأرصاد ، واعتقل امرأته ، وحبسها في سجن بدمشق ، ثم أمسك بعمرو ، فقتله ، وقطع رأسه ، وأمر أحد أعوانه ، بأن يدخل علي المرأة في سجنها ، وأن يضع رأس زوجها في حجرها ( بلاغات النساء 64 والديارات 179 و180 ).

وكان النعمان بن بشير الأنصاري ، علي حمص ، وكان قد بايع لابن الزبير ، فلما بلغه خبر واقعة مرج راهط ، خرج من حمص مع أهله يريد المدينة ، وأصبح أهل حمص ، فطلبه أحد الكلاعيين يقال له عمرو بن الخلي ، ومعه غوغاء ، فلحقوه ، فقتلوه سنة 65 وألقوا برأسه في حجر ابنته أم أبان بنت النعمان ، فقالت نائلة زوجة النعمان : ألقوا الرأس إلي ، فأنا أحق به ، فألقي في حجرها ( انساب الاشراف 147/5 ).

وسار هشام بن عبد الملك ، علي ستة معاوية بن أبي سفيان ، في وضع الرأس المقطوعة ، في حجر المرأة المفجوعة ، أذ أمر برأس الإمام زيد بن

ص: 181

علي بن الحسين ، فوضع في حجر والدته ربطه بنت عبد الله بن محمد بن الحنفية .

فقابل عامر بن اسماعيل ، قائد الجيش العباسي ، ذلك ، بأن أمر أن يوضع رأس مروان الحمار ، آخر الحكام الأمويين ، في حجر ابنته ( بلاغات النساء 145) .

ولما قتل المستعين العباسي ، أمر المعتر فوضع رأسه ، بين يدي جاريته التي كان يتحظاهار الديارات 170).

وفي السنة 459 قتل القائد الحبشي سعيد بن نجاح الأحول ، علي بن محمد الصليحي صاحب اليمن ، وأسر زوجته السيدة أسماء بنت شهاب الصليحية ، وعذبها بأن أركبها في هودج ، وجعل أمام الهودج رأس زوجها ، ورأس أخ لزوجها قتل معه ، وبقيت الملكة أسماء في أسر الأحول سنة كاملة في زبيد ، ورأس زوجها ، ورأس أخيه ، معلقان أمام طاقة دارها ، ثم أنقذها ولدها من الأسر . ( أعلام النساء 421/1 و 422) .

وفي النساء 543 قتل الحافظ الفاطمي ، وزيره رضوان ، وبعث برأسه إلي زوجة رضوان ، فوضع في حجرها ، فقالت : هكذا يكون الرجال ( ابن الاثير 49/11 ) .

ص: 182

الفصل الثاني: قتل المرأة بالسيف

كان القتل بالسيف ، مقصورة علي الرجال ، ولذلك ، فإن مصعب بن الزبير ، لما قتل عمرة بنت النعمان بن بشير الأنصاري ، بالسيف ، أنكر الناس ذلك وأعظموه وأعتبره عمر بن أبي ربيعة المخزومي و من أكبر الكبائر » ، ولما قتلت جارية ببغداد ، في السنة 549 سيدتها، ذكر ابن الجوزي في المنتظم 159/10 أنها أخرجت إلي الرحبة ، وقتلت « كما يقتل الرجال ،، أي أن عنقها قطع بالسيف ، مما يدل علي أن قتل المرأة بالسيف كان منكرة عند الناس.

إلا أن التاريخ سجل لنا أسماء أشخاص ، فاضت فيهم القسوة ، فمارسوا أعمال قتل النساء ، منهم زياد بن أبيه ، وابنه عبيد الله ، فحازا بذلك لعنة التاريخ علي كر الزمان .

ويروي لنا التاريخ ، أن زياد بن أبيه ، قتل عددا من النساء كالشجاء ، وحمادة الصفرية ( الحيوان للجاحظ 589/5 و590 ) أخذ الشجاء ، فقطع يديها ورجليها، ثم قتلها ( الحيوان 589/5 ) ، ولم يكتف بقطع الأطراف والقتل ، فدفعته القسوة إلي صلبهن عاريات ( العقد الفريد 221/1 و222 ) . وكان يشتمهن ، عندما يباشر قتلهن ، فكن يجنبه إجابات جارحة .

قال زياد لامرأة من الخوارج، وقد أمر بقتلها: أما والله، لأحصدنكم حصدأ ، ولأفنينكم عذأ ، فقالت له : كلا ، والله ، إن القتل ليزرعنا ، فلما

ص: 183

هم بقتلها، تسترت بثوبها ، فقال لها : أتتسترين وقد هتك الله سترك ، وأهلك قومك ؟ فقالت : إي والله ، أتستر ، ولكن الله أبدي عورة أمك علي السانك ، أذ أقررت بأن أبا سفيان زني بها ، ثم قتلت ( بلاغات النساء 143)

وولي بعد زياد ، ولده عبيد الله ، فكان مثلا لوالده ، في القسوة والفسولة والبغي ، فقد أخذ عبيد الله بن زياد ، عروة بن أدية ، فأمر به فقطعت يداه ورجلاه ، ثم أمر أن يصلب علي باب داره ، فصلب ، ثم قطع رأسه ، وبعث به إلي ابنته ، فجاءت الإبنة وجثة أبيها مطر وحة بين يدي ابن زياد ، لتأخذها فتدفنها ، فقال لها ابن زياد : أنت علي دينه ؟ فقالت : كيف لا أكون علي دينه ، وما رأيت قط خيرأ منه ، فأمر بها فقتلت مع أبيها . ( انساب الاشراف 88/2/4 و89).

وكان عبيد الله بن زياد ، يتلذذ بتعذيب النساء ، وقطع أطرافهن بمحضر منه ، وقد جيء إليه بأمرأة ، فقطع رجلها ، وقال لها : كيف ترين ؟ فقالت : إن في الفكر في هول المطلع ، لشغلا عن حديدتكم هذه ، ثم أمر فقطعت رجلها الأخري ، وجذبت ، فوضعت يدها علي فرجها ، فقال : لتسترينه ، فقالت له : لكن سمية أمك ، لم تكن تستره ( بلاغات النساء 134 ).

وقتل عبيد الله بن زياد ، الدلجاء من بني حرام بن يربوع . وكانت من مجتهدات الخوارج ، فلما طلبها ليقتلها ، قيل لها : إن الله قد وسع علي المؤمنين في التقية ، فاستتري ، فأبت ، فوجه إليها عبيد الله ، فأحضرها، وقطع يديها ، ورجليها، وطرحها في وسط السوق . ( اعلام النساء 119/1).

وفي السنة 72 بعث خالد بن عبد الله بن أسيد، أمير البصرة لعبد الملك بن مروان ، أخاه عبد العزيز لقتال الخوارج ، فالتحم جنده بجند

ص: 184

الخوارج يقودهم صالح بن مخراف ، وانفل جيش البصرة ، وقتل مقاتل بن مسمع ، وسببت امرأة عبد العزيز إبنة المنذر بن الجارود ، وأقيمت عند الخوارج فيمن يزيد، وكانت جميلة ، فبلغت مائة ألف درهم ، فغار رجل من قومها ، كان من رؤوس الخوارج ، يقال له أبو الحديد الشني ، فصاح بهم : تنحوا هكذا ، ما أري هذه المشركة ، إلا قد فتنتكم ، وضربها بسيفه ، فقطع عنقها ، فقال ابن قيس الرقيات : ( الطبري 168/6 - 173).

عبد العزيز فضحت جيشك كلهم****وتركتهم صرعي بكل سبيل

من بين ذي عطش يجود بنفسه ****وملحب بين الرجال قتيل

هلا صبرت مع الشهيد مقاتل ****إذ رحت منتهك القوي بأصيل

وتركت جيشك لا أمير عليهم**** فارجع بعار في الحياة طويل

ونسيت عرسك أذ تقادسية**** تبكي العيون برنة وعويل

وفي السنة 74 سار حسان بن النعمان ، عامل إفريقية لعبد الملك بن مروان ، فقصد ملكة البربر بجبال أوراس، وتسمي الكاهنة ، فالتقي الجيشان في معركة ضارية ، وكثر القتل حتي ظن الناس إنه الفناء ، ثم انتصر المسلمون ، وأنهزم البربر ، وقتلوا قتلا ذريعا ، وانهزمت الكاهنة ، ثم أدركت فقتلت ( ابن الأثير 4/ 372).

وفي السنة 105 نشبت معركة بين مسعود بن أبي زينب العبدي ، وكان قد استولي علي البحرين واليمامة ، وبين سفيان بن عمر العقيلي أمير اليمامة ، فقتل مسعود ، وقتلت أخته زينب في المعركة . ( ابن الأثير 119/5 ).

ولما قتل الإمام زيد بن علي بن الحسين ، بالكوفة ، قتل يوسف بن عمر امرأة زيد بالحيرة . ( مروج الذهب 195/2 ) .

وفي السنة 119 وقعت معركة بين خاقان ملك الترك ، وأسد بن عبد الله القسري عامل خراسان ، في منطقة الجوزجان ، فانكسر خاقان ،

ص: 185

وفر، وأراد الخصي أن يحمل امرأة خاقان ، فأعجلوه عن ذلك ، فطعنها بخنجر ، فوجدها جند المسلمين وهي تتحرك . ( الطبري 124/7 ).

وكان عبد الله بن معاوية بن عبد الله بن جعفر ، شديد القسوة ، غضب علي أحد أقاربه ، وهو عبد الله بن المسور بن عون بن جعفر بن أبي طالب ، فقتله ، ثم دعا بامرأة ابن المسور ، وكلمها بشيء ، فراجعته ، فأمر بقتلها ، فقتلت ( مقاتل الطالبيين 160).

وكانت عبدة بنت عبدالله بن يزيد بن معاوية، تحت هشام بن عبد الملك ، وأسرها عبدالله بن علي العباسي ، وكان معها من الجوهر ، ما لا يدري ما هو ، ومعها درع من اليواقيت والجوهر منسوج بالذهب ، وهو بدنة عبدة المشهورة التي وصلت إلي زبيدة ، فألبستها بوران في عرس المأمون ، وكان عبدالله بن علي قد أطلقها بعدما أخذ ما معها من الجوهر ، فقال له أصحابه : ما صنعت ؟ أدني ما يكون ، أن يبعث إليها أبو جعفر ( أي المنصور )، فتخبره بما أخذت منها ، فيأخذه منك ، اقتلها، فبعث في أثرها ، فلحقها الرسول ، فقالت له : مه ؟ فقال : أمرنا بقتلك ، قالت : هذا أهون علي ، ونزلت فشدت درعها ، من تحت قدميها ، وكميها ، وذبحت ( مصارع العشاق 151/2 - 152).

أقول : عبدة ، هذه ، زوجة هشام بن عبد الملك ، قتلها العباسيون ، لما اجتاحوا الشام ، وهي صاحبة بدنة عبدة المشهورة التي أهداها الرشيد لزوجته ابنة عمه زبيدة لما بني بها ، وأهدتها أم جعفر زبيدة ، لبوران ، لما بني بها المأمون ، والبدنة ثوب كالمعطف ، مغطي باللؤلؤ والجواهر ، علي اختلاف اشكالها ، وقد أبصرت عدة منها في طهران في معرض الجواهر ، مطرزة باللؤلؤ ، في قبو البنك المركزي الإيراني ، راجع الديارات 156 وتاريخ بغداد لابن طيفور 114.

ص: 186

وسألت أمينة بنت خضير : ما فعل محمد ؟ ( تريد محمد بن عبدالله النفس الزكية ) فقيل لها : قتل .

قالت : فما فعل ابن خضير ؟ ( تريد أخاها إبراهيم ).

فقيل لها ؛ قتل ، فخرت ساجدة .

فقال لها زوجها : أتسجدين، وقد قتل أخوك ؟

قالت : نعم ، أليس لم يفر ، ولم يؤسر ( الطبري 605/7 ).

أقول : إبراهيم بن خضير ، هو إبراهيم بن مصعب بن مصعب بن الزبير ، كان من أقوي انصار محمد بن عبدالله النفس الزكية ، لما خرج علي المنصور ، وكان ابراهيم صاحب شرطة محمد، وكان شجاعا ذا نكاية ، وقتل في المعركة ( العيون والحدائق 244/3 ).

وروي علي بن يقطين ، أن موسي الهادي، كان جالس ذات ليلة ، فجاء خادم فساره بشيء ، فنهض ، ثم جاء وهو يتنفس ، ومعه خادم يحمل طبقأ مغطي بمنديل ، فقال للخادم أرفع المنديل ، وإذا علي الطبق رأسا جاريتين لم ير أحسن منهما وجها وشعرأ فأعظم الحاضرون ذلك ، فقال : بلغني أنهما تحابا ، فوكلت بهما هذا الخادم ليرفع إلي أخبارهما ، فجاءني ، فأخبرني بأنهما قد اجتمعتا فوجدتهما كذلك ، نائمتين في لحاف واحد ، فقتلتهما ، ثم قال : يا غلام ارفع ، ورجع إلي حديثه كأن لم يصنع شيئا . ( الطبري : 221/8 - 222 تحفة المجالس 93- 94).

وقتل الشاعر ديك الجن ، عبد السلام بن رغبان (161- 235). حبيبته وردة ، لما اتهمها ، فضربها بالسيف ، فقتلها ، ثم علم من بعد ذلك أنه اتهمها ظلمة ، فقض باقي حياته يرثيها ، ومن جملة أقواله لما ندم :

يا طلعة طلع الحمام عليها****وجني لها ثمر الردي بيديها

رويت من دمها الثري ولطالما**** روي الهوي شفتي من شفتيها

قد بات سيفي في مجال وشاحها**** ومدامعي تجري علي خديها

ص: 187

فو حق نعليها ، وما وطيء الحصي**** شيء أعز علي من نعليها

ما كان قتليها لأني لم أكن**** أبكي إذا سقط الذباب عليها

لكن ضنت علي العيون بحسنها ****وأنفت من نظر الحسود اليها

راجع القصة مفصلة في الأغاني 55/14 - 56.

وفي السنة 252 أمر المعتز ، بقتل المستعين ، فقتله سعيد بن صالح ، قيل أنه شد في رجله حجرة ، وألقاه في الماء ، وقيل انهم قتلوه ، وقتلوا دايته معه ، لأنها كانت في رفقته ، فلما علوه بالسيف ، صاحت ، فقتلوها معه ( الطبري 363/9 - 364).

ودعا عبد العزيز بن أبي دلف بجارية كان يري الدنيا بعينها ، فضرب عنقها ، فقيل له : لم فعلت ذلك ؟ فقال : مخافة أن أموت في حبها فتبقي هي بعدي تحت غيري ( البصائر والذخائر 109/1 ).

وفي السنة 269 رمي أحد غلمان إبراهيم الخليجي امرأة بسهم ، فقتلها، فهاج العامة ببغداد ، ووثبوا عليه ونهبوا منزله ودوابه ، وأخذوا غلمانه ، أما هو ففر ( الطبري 613/9 ).

وفي السنة 280 استبد أمية بن عبد الغافر ، بمدينة إشبيلية ، وكان يليها للأمير عبدالله المرواني ، فثار عليه الإشبيليون ، وحاربوه، فاستمات ، وقتل حرمه ، وعقر دوابه ، وأحرق موجوده ، وقاتل حتي قتل ( ابن خلدون 381/9)

وفي السنة 283 وثب الجند البربر والمغاربة علي أمير مصر جيش بن خمارويه بن أحمد بن طولون ، وطلبوا منه أن يتنازل عن الإمارة ، لكي يتولي عمه مكانه ، فعمد جيش إلي عمه الذي أرادوا تأميره، فقتله وقتل عما له آخر معه، ورمي برأسيهما اليهم ، فهجم الجند علي جيش وقتلوه وقتلوا أمه ،

ص: 188

وانتهبوا داره ومدينة مصر وأحرقوها، وأمروا عليهم هارون بن خمارويه . ( الطبري 45/10 -46).

وقتل إبراهيم بن أحمد بن الأغلب (ت 289)، كثيرة من أصحابه ، وكتابه ، وحجابه ، واثنين من أبنائه، وثمانية من أخوته، وقتل سائر نسائه، وجميع بناته فعزله المعتضد عن إفريقية، فرحل إلي صقلية، ومات بها. ( الإعلام 22/1 ).

وفي السنة 334 قبض علي امرأة قبضت علي صبي ، وشوته في التنور ، وهو حي ، وأكلت بعضه ، وأقرت بذلك ، وذكرت أن شدة الجوع حملها علي ذلك ، فحبست، ثم أخرجت ، وضربت عنقها، ووجدت امرأة اخري قد اخذت صبية فشقتها نصفين وطبخت نصفها سكباجأ ، والنصف الآخر بماء وملح ، فدخل الديلم وذبحوها، ثم وجدت ثالثة قد شوت صبيا وأكلت بعضه ، فقتلت. ( المنتظم 344/6 ).

وكان محمد بن مسافر ، صاحب قلعة سميران ، قبيح السيرة ، شرير ، ظالما ، أوحش حتي أولاده ، ففر منه ولده وهسودان ، إلي أخيه المرزبان بقلعة الطرم ، وأراد الأب محمد أن يفرق بين الأخوين ، فلم يتمكن ، ولما استولي المرزبان علي أذربيجان استدعي في السنة 339 أباه محمد بن مسافر ، وأخاه وهسودان ، وصدرا أباهما، ووقفا بين يديه ، ثم قصد المرزبان الري ، وحارب ركن الدولة البويهي ، فانكسر جيش المرزبان وأسر ، وعاد فل عسكره إلي محمد بن مسافر ، فعقدوا له الرياسة ، فعاد إلي قبيح سيرته ، فوثب عليه الجند ، فالتجأ إلي ولده وهسودان ، فأخذ وهسوذان أباه ، واعتقله في قلعة شيسجان ، وضيق عليه حتي مات ، ثم تخلص المرزبان من الحبس ، وعاد إلي حكم اذربيجان، ومات في السنة 346 فحكم بعده ولده جستان ، فأخذ وهسودان في التضريب بين أولاد أخيه ، وتفريق كلمتهم ، وفي السنة 349 التجا جستان وناصر ، ومعهما أم جستان،

ص: 189

إلي عمهما وهسودان ، بعد أن توثقوا منه بالأيمان الغليظة والعهود ، فلما حصلوا في قبضته نكث ، وحبسهم، ثم قتلهما ، وقتل أم جستان أيضأ ، كما قتل جميع حاشيتهما ، ومن يقرب منهما ، ففر أخوهما إبراهيم بن المرزبان ، والتجأ الي ركن الدولة الذي بعث معه جيشأ أعاده إلي حكم أذربيجان ( تجارب الأمم 31/2 -32- 135- 167- 219- 220 وابن الأثير 531/8 ).

وقبض الوزير أبو الفضل الشيرازي ، وزير بختيار البويهي ، علي ابي طاهر الحسين بن الحسن ، عامل البصرة ، وسلمه إلي مستخرج كان أبو طاهر قد وتره فنالته منه مكاره عظيمة حتي قتله ، وقتل أخاه، وأقاربه، وزوجته ( تجارب الأمم 295/2).

وفي السنة 388 قتل أبو نصر بن بختيار ، صمصام الدولة بن عضد الدولة وقال : هذه سنة سنها أبوك ، يشير إلي أن أباه عضد الدولة قتل أبن عمه بختيار والد أبي نصر .

وسلمت والدة صمصام الدولة إلي قائد ديلمي اسمه لشكرستان كور فقتلها، وبني عليها دكة في داره ، فلما ملك بهاء الدولة فارس ، أخرجها ودفنها في تربة بني بويه . ( ابن الأثير 143/9 ذيل تجارب الأمم 315/3).

وفي السنة 406 تحرك علي الأمير باديس بن المنصور بن بلكين، عمه حماد بن بلكين ، فبعث اليه أخا حماد ، واسمه إبراهيم بن بلكين ، لكي يصلح امره ، فاتفق حماد وإبراهيم ، وجاهرا باديس بالخلاف ، وسفكا الدماء ، وقتلا الأطفال، وأحرقا الزروع والمساكن ، وسبيا النساء ، وحدث أن فر إلي باديس جماعة من جند قلعة حماد ، وكان فيها أخوه إبراهيم ، فأخذ إبراهيم أبناءهم ، وذبحهم علي صدور أمهاتهم ، فقيل إنه ذبح منهم بيده ستين طفلا ، فلما فرغ من الأطفال ، ذبح الأمهات ( ابن الأثير 254/9 ).

وفي السنة 407 غزا يمين الدولة محمود بن سبكتكين ، الهند ، وحصر

ص: 190

قلعة كلجند ، وكلجند من أعيان الهنود وشياطينهم ، فاقتلا ، فانفل جيش كلجند ، وقتل منهم قريبة من خمسين ألفأ ، فعمد كلجند إلي زوجته فقتلها ، ثم قتل نفسه بعدها ( ابن الأثير 266/9 ).

وفي السنة 467 قتل السلطان ملكشاه السلجوقي ، عمته كوهرخاتون ، اتهمها بالتحريض عليه. ( اعلام النساء 267/4 ).

وفي السنة 475 وجدت امرأة مقتولة ملقاة في درب الدواب ، وظهر أن قاتلها رجل أعرج ، أقر بأنه في تلك الليلة جمع بين هذه المرأة وبين رجل، وأنها أخذت من الرجل قراريط ، وأن الأعرج طالبها بأجره ، فقالت : خذ ما تريد ، فوقع عليها ، ثم قتلها ، وأخذ ما معها من الحلي والدنانير ، فحبس ثم قتل . ( المنتظم 3/9).

ولما مات السلطان ملكشاه، استفحل أمر الباطنية بأصبهان ، وفتش الناس مواضع بحثا عن أشخاص مفقودين فوجدوا امرأة في دار لا تبرح فوق حصير ، فأزالوها، فوجدوا تحت الحصير أربعين قتيلا، فقتلوا المرأة ، وأخربوا الدار والمحلة . ( المنتظم 120/9 -121).

وفي السنة 495 قتل غلام امرأة سيده لفرط هواه لها وغيرته عليها ، وأمكنه أن يهرب ، فلم يفعل ، وأخذ يصيح : يا معشر الناس ، أما فيكم من يقتلني ، فحمل إلي باب النوبي، ثم أحضر زوج المرأة معه إلي رحبة الجامع ، وأعطي سيفأ ، فضرب به رأس القاتل، وأبانه أذرعا في ضربة واحدة ( المنتظم 132/9 ).

وفي السنة 500 قتلت أميرة زوجة عيسي بن تغلب ، قتلها ابن أبي هشام ، وسبب ذلك إن قلعة تكريت كانت بيد رافع بن الحسين بن مقن العقيلي ، ولما توفي خلفه ابن أخيه خميس بن مقن، ولما توفي خميس خلفه ولده أبو غشام ، وفي السنة 444 وثب عيسي بن خميس بن مقن ، علي ابن أخيه

ص: 191

أبي غشام ، فحبسه ، وملك القلعة ، وتوفي عيسي ، فخافت زوجته أميرة أن يعود أبو غشام فيملك القلعة ، فقتلته ، واستنابت في القلعة رجلا سلمها إلي رجال السلطان ، وخرجت أميرة الي الموصل ، فقتلها ابن أبي غشام بأبيه ( ابن الأثير 419/10 - 420).

وفي السنة 504 في أيام الأمر الفاطمي ، قصد بردويل الإفرنجي ، صاحب القدس ، مصر ، فدخل الفرما وأحرقها، وأحرق جامعها ومساجدها ، وقتل بها رجلا مقعدا ، وذبح ابنته علي صدره ، ثم رحل وهو مريض ، فهلك في طريقه قبل وصوله إلي العريش ، فشق أصحابه بطنه ، ورموا حشوته هناك فهي ترجم الي اليوم ( وفيات الأعيان 3،1/5 ).

وفي السنة 509 قصد جند السلطان محمد السلجوقي مدينة كفر طاب ، وكانت في يد الفرنج ، فلما اشتد الحصار علي الفرنج ، ورأوا الهلاك ، قتلوا أولادهم ونساءهم ، وأحرقوا أموالهم ، ودخل جند السلطان البلد عنوة ، وأسروا صاحبها وقتلوه ( ابن الأثير 510/10).

وفي السنة 536 هاجم الخطا من سكان ما وراء النهر السلطان سنجر ، وسبب ذلك إن السلطان سنجر ، كان قد هاجم خوارزم ، وفتحها ، وقتل أحد أولاد خوارزم شاه اتسز بن محمد ، فأراد خوارزم شاه أن ينتقم منه ، فراسل الخطا ، وتزوج منهم ، وأغراهم بقصد مملكة السلطان سنجر ، فقصدوا السلطان ، وحصلت معركة ، فانهزم السلطان سنجر ، وقتل من جيشه مائة ألف قتيل ، منهم أحد عشر ألفا كلهم صاحب عمامة ، وأربعة الآف امرأة . ( ابن الأثير 81/11).

وفي السنة 549 قتلت جارية امرأة ، سيدتها ، فأخرجت الجارية إلي الرحبة ، وقتلها زوج المرأة بحضرة الناس ، كما يقتل الرجال ( المنتظم 159/10)

ص: 192

وفي السنة 556 أقيمت البينة علي خواجكي صاحب مدينة شارستان ، أنه قتل زوجته ظلما وعدوانأ وأخذ مالها ، فقتل بها . ( ابن الأثير 278/11 ).

وفي السنة 556 قتل الملك الصالح طلائع بن رژيك ، وزير العاضد الفاطمي ، تصدي له قوم بالسكاكين في دهليز القصر ، واتهم الصالح ، عمة العاضد ، بأنها المحرضة علي قتله ، فطلبها من العاضد ، فبعث بها إليه ، فقتلها ( ابن الأثير 274/11 ).

وفي السنة 568 توفي خوارزم شاه أرسلان ، فخلفه ولده سلطان شاه محمود ، فحاربه أخوه الأكبر علاء الدين تكش ، وانتصر عليه ، فهرب سلطان شاه ، وأخذت أمه ، فقتلها علاء الدين تكش . ( ابن الأثير 377/11 -378)

وفي السنة 656 لما فتح هولاكو بغداد ، وقبض علي الخليفة المستعصم وأولاده ، وجميع أفراد السلالة العباسية ، قرر هولاكو أن يقرض النسل العباسي ، فأمر الخليفة أن يفرز من نساء دار الخلافة ، جميع النساء اللواتي باشرهن هو وبنوه ، وأن يعزلهن عن غيرهن ، ففعل، فكن سبعمائة امرأة ، فأخرجهن ومعه ثلثمائة خادم ( خصي )، وقال الدكتور مصطفي جواد رحمه الله تعليقا علي هذا الخبر : المفهوم أن هولاكو أمر بقتل جميع الجواري اللواتي باشرهن رجال بني العباس من الأسرة المالكة ، لئلا يكن - كلا أو بعضأ - حوامل بأبناء يصلحون للخلافة ، وهو يريد قرضها بالكلية ( موسوعة العتبات المقدسة ، قسم الكاظمين ج 2 ص 342) أقول : أنا في شك من صحة عدد النسوة اللواتي قتلن ، وإن كنت علي يقين من وقوع القتل ، وكذلك جري الحال فيما يتعلق بالأمراء العباسيين ، من أعدام الخليفة وانسبائه ، وكانوا في دارين من دار الخلافة ، دار الصخر ، ودار الشجرة ، فكان اتباع هولاكو يخرجونهم واحدة واحدة ، فيخرج بأولاده وجواريه ، فيحمل إلي مقبرة الخلال ( الشيخ الخلاني ) وقتلوا جميعا عن آخرهم ( موسوعة

ص: 193

العتبات المقدسة ، قسم الكاظمين ج 2 ص 336).

وفي السنة 666 قتلت ببغداد امرأة تسمي عروس خاتون ، كانت زوجة بعض أصحاب توكال بخشي ، شحنة بغداد ، اسمه حسين آغا ، وسبب ذلك أنها هويت غلاما أمرد مليحا ، فلما عرف بذلك ، أراد قتله ، فأبي الشحنة ذلك ، وقال : يقتلان جميعا ، أو يستبقيان بعد أخذ الحد منهما ، فأخرج الغلام الي ظاهر السور ، وضرب له وتد في الأرض فأقعد عليه فمات ، ثم قدم المرأة ، وقتلها بيده ، وهو يبكي أسفا عليها ( الحوادث الجامعة 361).

ووصف ابن بطوطة في رحلته 223/2 - 224 قسوة السلطان غياث الدين الدامغاني ، سلطان بلاد المعبر ، ووحشيته ، فإنه كان يأمر بالأسري ، فيركزون علي أعواد قائمة ، فتخترق أجسادهم ، ثم يأمر بذبح نسائهم ، وتعلق رؤوسهن علي الأعواد التي تحمل أزواجهن ، ثم يأمر بذبح أولادهن في حجورهن.

وفي السنة 736 توفي السلطان أبو سعيد ، سلطان العراق، عن بضع وثلاثين سنة ، واتهمت زوجته بغداد خاتون بنت الأمير جويان ، بأنها سمته في منديل الجماع ، أي أنها اتهمت بأنها وضعت له سما في المنديل الذي تمسح به بعد الجماع ، فقتلت .

وفي السنة 781 رسم السلطان بضرب اعناق جماعة من النصاري ، رجال ونساء ، لأنهم اسلموا ثم ارتدوا ، فضربت اعناقهم تحت شباك المدرسة الصالحية بالقاهرة ، فانكر الناس ما فعلوه من ضرب اعناق النساء بين الرجال . ( بدائع الزهور 250/2/1).

وفي السنة 802 لما فتح تيمورلنك حلب ، لجأ النساء والأطفال إلي الجوامع والمساجد ، فلم يجدهم ذلك ، كما قتل كثير من الأطفال تحت حوافر الخيل ، وفي الطرقات ، ولما استولي علي دمشق، صنع بها أعظم مما صنع بحلب ( الضوء اللامع 46/3 -48) .

ص: 194

وفي السنة 803 لما فتح تيمورلنك بغداد ، فرض علي كل واحد من عسكره أن يحضر له رأسين ، فكان الواحد منهم إذا عجز عن احضار رأسين ، يقطع رأس امرأة ، ويزيل شعرها ، ويقدم الرأس (تاريخ الغياثي 125۔ 127).

وفي السنة 814 اتهم السلطان الملك الناصر بن برقوق ، زوجته خوند بنت صرق ، بأن لها علاقة بأحمد بن الطبلاوي ، فقطع عنقها ووضعه تحت طبق مغطي وأحضر ابن الطبلاوي ، وأجلسه ثم كشف له عن الرأس ، وقال له : هل تعرف هذه ؟ ثم قام إليه ، وضرب عنقه بيده ، وأمر أن يدفنا في فبر واحد . ( بدائع الزهور 815/2/1).

وفي السنة 861 قتل داروغة يزد ، واسمه قنبر الخزرجي ، من اتباع جهان شاه ، زوجته وابنته وابنه ، بأن قطع رؤوسهم ، وأخذها في مخلاة ، ووضعها أمام جهان شاه ، وقال له : هذا جزاء من يواظب في خدمتك ، وسبب ذلك أن بيربوداق بن جهان شاه ، لما دخل مدينة يزد ، عين فيها محصلا اسمه ساتلمش الشيرجي ، فعسف أهلها ، وكان قنبر داروغة يزد في خدمة جهان شاه والدبيربوداق ، ففسق الشيرجي بزوجة قنبر وبابنه وابنته ، فلما حضر قنبر الي يزد بلغه الخبر ، فعمد إلي امرأته وابنه وابنته ، فقطع رؤوسهم ، ووضعها في مخلاة ، وأخذها إلي جهان شاه ووضع الرؤوس أمامه ، وحدثه بالقصة، فغضب جهان شاه ، وطلب من ولده بيربوداق أن يبعث إليه بساتلمش، فأبي، فكان ذلك من الأسباب التي أدت بجهان شاه إلي أن حصر ولده بير بوداق ببغداد ، ثم قتله ( التاريخ الغياثي 290- 291 و 315)

وفي السنة 873 قتل حسن علي بن جهان شاه ، زوجة أبيه، في تبريز ، بأن علقها من ثدييها ، فظلت ثلاثة أيام ، ثم ماتت ، وبلغ ذلك أوزون حسن بك ، وكان يحاصر بغداد ، فترك حصارها ، وقصد حسن علي في تبريز،

ص: 195

وحصره فيها ، وفي اثناء الحصار ، فر قائدان من قواده ، إلي أوزون حسن بك ، فقبض حسن علي علي أولادهما ونسائهما وقتلهم جميعا ، كما قتل كل من له علاقة بالقائدين المذكورين ( التاريخ الغياثي 329-326).

وقتل السلطان أبو سعيد بن محمد بن ميران شاه بن تيمورلنك ، الأميرة كوهرشاد بيكم أغا، زوجة شاه رخ وجدة يادكارميرزا ( اعلام النساء 268/4)

أقول : وفي السنة 873 أسر حسن الطويل ( أوزون حسن )، السلطان أبا سعيد بن محمد بن ميران شاه بن تيمورلنك ، فأسلمه إلي يادگار ميرزا ، فقتله قصاصأ عن جدته كوهر شاد ( تاريخ العراق للعزاوي 2333).

وفي السنة 985 مات الشاه اسماعيل الثاني بن طهماسب ، فاتهمت أخته الأميرة بري جان خانم بأنها دشت له السم ، فقتلت ( تراجم الأعيان 59/2)

وفي السنة 1000 (1591 م)، طلب اكبر شاه ، سلطان الهند، من حكومات الدكن ، أن تعترف له بالسيادة ، فرفضوا طلبه ، فسير اليهم جيشا بقيادة ولده مراد وقائده خان الخانات ابن بيرام ، فحاصرا مدينة أحمد ناجور ، وقامت بأمر الدفاع عن المدينة ، الأميرة المسلمة ، شاندي بيبي ، إحدي أميرات بيجابور ، وأبدت شجاعة ومهارة عظيمة، وانتهت الحملة بالمصالحة ، وتنازلت الأميرة عن الحكم ، لأخيها الصغير ، الأمير بهادر نظام شاه ، ثم انتقض الصلح ، ونشبت في السنة 1006 (1597 م) معركة جديدة ، أسر فيها الأمير بهادر ، فعادت الأميرة المسلمة شاندي بيبي للدفاع عن أحمد ناجور ، ولكنها اتهمت بالخيانة ، فاعدمت ، وعندئذ لم تثبت المدينة علي الدفاع ، فسقط في أيدي المغول . ( الإسلام والدول اللإسلامية في الهند 84-83).

ص: 196

وذكر مندليس ، أحد السياح الأوروبيين ، عن والي أحمد آباد ، إنه كان من القسوة بحيث إنه دعا راقصتين ، لترقصان في حفلة أقامها، فتأخرتا ، فأحضرهما قسرا ، وقطع رأسيهما أمام أضيافه ، وكان هذا الوالي القاسي ، يلي ولاية احمد آباد بالهند ، للشاه جهان ، مدة حكمه 1038- 1069 ( 1628- 1658 م). ( الإسلام والدول الإسلامية في الهند 103- 104).

وفي السنة 1168 ( 1754م) قتل المير مهنا ، أباه الميرناصر ، حاكم بندرريق ، وهي بليدة تقع شمالي مدينة أبو شهر ، لكي يحل محله ، ولما عنفته أمه علي قتل أبيه ، أمر بقتلها ، فقتلت ( رحلة نيبور 147/2 ).

وفي السنة 1201 وقعت بالقاهرة حادثة لشخص من الأجناد اسمه اسماعيل كاشف أبو الشراميط ، وكان هذا الرجل يسيء معاملة مماليكه ، فتآمروا عليه ، وقام اثنان من مماليكه بقتله ، فصرخت زوجته، ونزلت اليهم ، فقتلاها ، وقتلا جاريتها معها ، واجتمع الناس وحضر الوالي ، فأطلقا عليه الرصاص ، ثم فرا ، فتعقبهما الوالي ، وقبض عليهما ، وقتلهما علي رأس العطفة التي تقع فيها الدار التي حصلت فيها الجريمة ( الجبرتي 11/2 ).

وفي السنة 1214 لما استعرت الحرب بين الجيش الأفرنسي ، والمماليك وأهل القاهرة ، كان رجل مغربي يلقب بالجيلاني ، له اتباع مغاربة ، فعل أفعالا قبيحة، إذ كان يكبس البيوت مع جماعة من العوام فيقتلون من يجدون فيها ، وينهبون الدار ، ويسبون النساء ويسلبونهن ما عليهن من الحلي والثياب ، ومنهم من يقطع رأس البنية الصغيرة طمعا فيما علي رأسها وشعرها من الذهب ( الجبرتي 327/2 ) .

ص: 197

ص: 198

الفصل الثالث: قتل المرأة خنقا

اتهم ابن الدمينة (ت 130 ) امرأته ، فطرح علي وجهها قطيفة ، وجلس عليها حتي قتلها ( الاغاني 96/17 ).

وذكر أبو الأزهر المهلب بن عيسي ، إنه خنق جارية عبد الله بن علي العباسي، عم المنصور ، وكان المنصور قد حبس عمه عند أبي الأزهر هذا ، ثم أمره بقتله ، فدخل عليه ومعه جارية له ، فبدأ بعبد الله فخنقه حتي مات ، ثم مده علي الفراش ، وأخذ الجارية ليخنقها ، فقالت : يا عبد الله ، قتلة غير هذه ، فكان أبو الأزهر يقول : ما رحمت أحدأ قتلته غيرها ، فصرفت وجهي عنها ، وأمرت بها فخنقت ، ووضعتها معه علي الفراش ، وأدخلت بدها تحت جنبه ، ويده تحت جنبها ، كالمتعانقين ، ثم أمرت بالبيت فهدم عليهما . ( مروج الذهب 241/2 ) .

وفي السنة 493 نشبت معركة ضارية بين السلطان بركياروق ، وأخيه السلطان محمد ، فانكسر وزيره مؤيد الملك عبيد الله بن نظام الملك وأحضر عند السلطان بركياروق ، وكان مؤيد الملك ، لما ورد صحبة السلطان محمد إلي الري، وجد فيها زبيدة خاتون ، والدة السلطان بركياروق ، قد تخلفت بعد آبنها فأخذها ، وسجنها ، ورفعها إلي القلعة ، وأمر بها فخنقت ، فلما أسرة السلطان بركياروق ، قتله بيده ، وظل ملقي علي الأرض عدة أيام ،

ص: 199

حتي أذن في دفنه ، فحمل إلي تربة أبيه بأصبهان ، فدفن معه . ( ابن الأثير 288/10 و 30) .

وفي السنة 661 أقر زوجان ، بأنهما كانا يحتالان علي النساء ويخنقانهن ، من أجل حليهن، فخنقت المرأة ، وجعلت في جوالق، وسمر زوجها في خشبة ، وفي اليوم الثاني خنق بحبل ( الذيل علي الروضتين 222)

وفي السنة 801 قصد تيمورلنك بغداد ، فتشوش السلطان أحمد بن أويس ملك العراق ، فأخذ في قتل أمرائه وقواده ورجاله ، حتي قتل أكثر الخدم ، والحرم الذين كانوا عنده ، قتلهم بيده وألقاهم في دجلة ، وكانت خالته وفا خاتون ، وهي بمثابة أمه ، لأنها هي التي ربته ، فتشوش منها أيضأ وقتلها بأن وضعها وبعض الحريم في قارب ، بحجة إرسالهم إلي واسط ، وأغرق القارب في وسط دجلة ، فغرقوا بأجمعهم ( التاريخ الغياثي 121).

وفي السنة 841 بلغ الأمير أصبهان ، سلطان العراق ، أن ميرزا علي ، ابن أخي قرايوسف ، وزاهد ، وقطلوبك ، قد تآمروا عليه ، فقبض عليهم ، وأمر بقتلهم ، وقتل ميرزا علي ، وأولاده جميعا ، حتي الأطفال الذين في المهد، وكانت بلقيس باشا ، بنت ميرزا علي ، تحت أصبهان ، فلما قتلوا بكت ، وصاحت ، فأمر بخنقها ، فخنقت ( تاريخ العراق للعزاوي 99/3 ).

وفي السنة 869 بعث جهان شاه ، إلي ولده بير بوداق صاحب بغداد ، أن يعني بزوجته ، فاستاء من هذه الوصية ، ولما تقدم جهان شاه لحصار بغدد ، أمر بير بوداق بخنق زوجته ، وكانت طول نهارها وليلها مشغولة بتلاوة القرآن والصلاة ، فخنقت ، ولما قتل بير بوداق زوجته ، قام كل امرائه والمقربين منه ، فقتل كل منهم نساءه تأسيا بسيدهم . ( التاريخ الغياثي 319، -320)

ص: 200

وفي السنة 1216 لما رحل الإفرنسيون عن مصر ، وعادت السلطة للعثمانيين، طلبت ابنة الشيخ البكري وكانت ممن تبرج مع الفرنسيس، بمعينين من طرف الوزير ، فحضروا إلي دار أمها بالجودرية بعد المغرب ، وأحضروها ووالدها ، فسألوها عما كانت تفعله ، فقالت : إني تبت من ذلك ، فقالوا الوالدها: ما تقول أنت ؟ فقال : أقول إني بريء منها ، فكسروا رقبتها، وكذلك المرأة التي تسمي «هوي » التي كانت تزوجت نقولا القبطان ، ثم أقامت بالقلعة ، وهربت بمتاعها ، وطلبها الفرنساوية ، وفتش عليها عبد العال، فلما دخل المسلمون (العثمانية) وحضر زوجها مع من حضر، وهو اسماعيل كاشف ، المعروف بالشامي ، أمنها ، وطمنها ، وأقامت معه أياما ، فأستأذن الوزير في قتلها ، فأذن له ، فخنقها في ذلك اليوم أيضا ، ومعها جاريته البيضاء أم ولده ، وقتلوا أيضا أمرأتين من أشباههن ( الجبرتي 486/2)

وفي السنة 1235 مات ابن ابراهيم باشا نجل محمد علي باشا ، صاحب الديار المصرية ، وكان الابن في سن السادسة ، ذكروا إنه كان في حجر دادته وهي جارية سوداء ، فشاجرتها جارية بيضاء ، ورفصتها برجلها ، فأصابت الغلام ، فمات ، فقبض ابراهيم باشا علي الجواري بما فيهن الدادة ، وكن ستا ، فخنقهن ، ورمي بهن في البحر ( الجبرتي 608/3 ) .

وفي السنة 1264 قتلت الداعية البهائية الشهيرة ، الملقبة بقرة العين ، وكانت قد ربط شعر رأسها بذنب بغل ، وجيء بها مسحوبة ، ثم خنقت ، وأحرقت . ( اعلام النساء 201/4 ).

ص: 201

ص: 202

الفصل الرابع: قتل المرأة شنقا

وفي السنة 694 لما قبض علي صدر واسط ابن الطراح وأصحابه ، قبض علي امرأة قيل إن أحد أصحاب ابن الطراح أودع عندها وديعة ، فصلبت بادية العورة ( الحوادث الجامعة 484 - 487) .

وفي السنة 775 رسم سلطان مصر ، بالقاهرة ، بشنق امرأة يقال لها : الخناقة ، فشنقت هي وزوجها، وكانت تسكن في تربة في الصحراء ، وتأخذ ، هي وزوجها ، أولاد الناس الصغار ، وتخنقهم ، وتأخذ ما عليهم من الثياب ، فلما أخذت ، وجد عندها أثواب الصغار الذين خنقتهم ، وشنقت هي وزوجها بباب النصر ، وكان يوما مشهودة في اجتماع الناس عليهما للفرجة ، لما شنقا ( بدائع الزهور 128/2/1 ).

وفي السنة 1178 صلبت « المرأة الفاحشة » فاطمة ، الشهيرة بعة قاش ، لأمور يطول شرحها ( إعلام النبلاء 3/ 345 ) .

أقول : ليته ذكر السبب بأختصار إذا لم يرد أن يطيل في الشرح .

وفي السنة 1213 أحضر الأغا رج؟ « رمي عنقه » عند باب زويلة ، وأحضر امرأة شنقها علي شباك السبيل تجاه الباب ، وكان الرجل خادمأ عند الضابط الفرنسي حاكم خط الخليفة ، والمرأة راقصة خليلة الرجل ، فكانا يغريان الضابط بمصادرة الناس ، وعلم كبير الفرنسيس الذي يقال له شيخ

ص: 203

البلد بذلك أحضر الضابط وحبسه ، أما خادمه وخليلته فتسلمها الأغا وقتلهما ( الجبرتي 258/2 ).

وفي السنة 1216 قبض بالقاهرة علي امرأة سرقت أمتعة من حمام ، فأعدمت شنقا عند باب زويلة ( الجبرتي 518/2 ).

ص: 204

الفصل الخامس: ألوان أخري من القتل

وفي السنة 11 قتلت في المعركة ، أم زمل سلمي بنت مالك بن حذيفة بن بدر الفزارية ، وكانت قد سبيت في صدر الإسلام ، فأعتقتها عائشة ، فعادت الي قومها ، ودعت إلي الردة عن الإسلام ، وجعمت حولها جموعة ، وعظمت شوكتها ، فقاتلها خالد بن الوليد مع جيش إسلامي ، ونشبت معركة عظيمة ، وهي علي جمل واقفة ، وقتل حول جملها نحو مائة رجل ، واجتمع علي الجمل ، جماعة ، فعقروه ، وقتلوها . ( الاعلام 174/3)

وفي معركة الطف ، في السنة 61 كان من انصار الحسين عليه السلام ، رجل من كلب ، فحمل عليه اثنان من رجال الجند الأموي ، فقتلاه ، فخرجت امرأته تمشي إلي زوجها، حتي جلست عند رأسه تمسح عنه التراب ، وتقول : هنيئا لك الجنة ، فقال شمر بن ذي الجوشن ، لغلام يسمي رستم : اضرب رأسها بالعمود ، فضربها به ، فماتت ( الطبري 438/5)

ولما استعرت الخصومة بين قيس وتغلب في السنة 70 كان المستعلي منهم لا يكتفي بقتل الرجال ، وإنما يبقر بطون النساء، ففي يوم الثرثار الأول ، وكان التغلب علي قيس ، بقرت تغلب بطون ثلاثين آمرأة ، وقابلهم القيسيون في يوم البليخ ، فبقروا بطون نساء من تغلب ، وفي معركة

ص: 205

الكحيل ، وكانت لقيس علي تغلب ، عاود القيسيون بقربطون النساء ، وهدأت الخصومة حين ، ثم عاود الجحاف بن حكيم السلمي هذا اللون من العذاب بأن أغار مع أصحاب له علي تغلب فقتلهم ، وبقر بطون الحوامل ، وقتل من لم تكن حاملا، وكان سبب ذلك أنه لما قتلت بنو تغلب ، قرب تكريت ، عمير بن الحباب واصحابه ، ثم هدأت الفتن ، وتكافت قيس وتغلب ، وتقاربوا للصلح ، أثار أحد السفهاء وهو الاخطل الشاعر نار الفتنة من جديد إذ أنشد في مجلس عبد الملك بن مروان مخاطبة الجحاف معيرأ له ، بقوله :

ألا سائل الجحاف هل هو ثائر**** بقتلي أصيبت من تميم وعامر

فوثب الجحاف يجر مطرفه وما يعقل من الغضب ، ثم افتعل عهدأ من عبد الملك علي صدقات تغلب ، وصحبه من قومه ألف فارس ، وأغاروا علي بني تغلب ليلا فقتلوهم ، وبقروا بطون الحبالي ، ومن كانت غير حامل قتلوها ، ثم لحق بالروم ، ولما سكن غضب عبد الملك كلم فيه فأمنه ، فعاد ، وأحس بمقدار جريمته، فحج فيمن شهد المذبحة معه ، وقد لبسوا الصوف وأحرموا ، وأبروا انوفهم ، أي خزموها وجعلوا فيها البري ، ومشوا إلي مكة ، وتعلق الجحاف بأستار الكعبة وهو يقول : اللهم اغفر لي وما أراك تفعل ، فقال له محمد بن الحنفية : يا عبد الله قنوطك من عفو الله أعظم من ذنبك ( الاغاني 201/12 - 204).

أقول : لما أوقع الجحاف ببني تغلب ، عاد مؤرث الفتنة الاخطل

الشاعر ، فأنشد عبد الملك قصيدة يستعديه فيه علي الجحاف ، منها :

لقد أوقع الجحاف بالبشر وقعة**** إلي الله منها المشتكي والمعول

فأن لم تداركها قريش بحزمها**** يكن عن قريش مستراد ومزحل

فغضب عبد الملك لقوله : يكن عن قريش مستراد ومزحل ، وقال له :

ص: 206

إلي أين يا ابن النصرانية ؟ فقال : إلي النار .

لما أوقع الجحاف بن حكيم السلمي ، بالبشر ، وقعته بتغلب ، وقتل الرجال والنساء والأطفال ، قالت أحداهن له : قوض الله عمادك ، وأطال سهادك ، وأقل رقادك، إن قتلت إلا نساء أسافله دمي، وأعاليهن ثدي، فقال الجحاف لمن حوله : لولا أني أخشي أن تلد مثلها لخليت سبيلها، ثم قتلها، وبلغ ذلك الحسن البصري ، فقال : أما الجحاف فجذوة من نار جهنم . ( الحيوان 24/1 والمحاسن والاضداد 29 ) .

وفي السنة 130 كتب مروان بن محمد ، إلي عبد الملك بن محمد بن عطية ، قائد جيشه في اليمن ، أن يبارحها ليحج بالناس ، فسار قاصدأ الحجاز في اثني عشر رجلا ، ونزل الجرف ، فأتاه آبنا جهانة المراديان في جمع كثير ، وقالوا له وأصحابه : أنتم لصوص ، فأراهم عهده ، علي الحج ، فقالوا : هذا باطل ، فقاتلوه ، وقتلوه ، وخلفه ابن اخيه الوليد بن عروة بن محمد بن عطية ، فهاجم الذين قتلوه ، وقتل منهم مقتلة عظيمة ، وبقربطون نسائهم ، وقتل الصبيان ، وحرق بالنار من قدر عليهم منهم ( ابن الأثير 391/5 ، 392، 402) .

وذكر السيوطي ، في كتابه نزهة المجالس ( ص 122 و 123 ) إن الأمين أمر بجارية من جواريه ، فطرحت للسباع ، ففضلت عضوا عضوا ، وخلاصة القصة أن ابراهيم بن المهدي اشتري جارية بارعة الحسن ، كاملة الصفات ، بعشرة آلاف دينار ، وحملها إلي زبيدة ، فعوضته عنها ثلاثين ألف دينار ، وبلغ الأمين خبرها ، فأمر بإحضارها ، واختبرها ، فأعجب بها ، وبسطها ، فانبسطت ، وكايدت بحري الخادم ، وكان أثيرأ عند الأمين ، وعبثت به ، حتي بكي ، فغضب الأمين عليها ، وأمر بأن تطرح للسباع ، فطرحت للسبع ، ففضلها عضوا عضوأ .

ص: 207

أقول : أنا في شك من صحة هذه القصة ، وأحسبها من القصص التي سبكت بعد قتل الأمين ، وإلا فإن الأمين لم يكن مضيعة بالدرجة التي وصفه بها بعض المؤرخين ، ولكن الناس من يلق خير قالوا له ما يشتهي ولأم المخطيء الهبل .

وفي السنة 269 رمي أحد غلمان ابراهيم الخليجي امرأة بسهم فقتلها ، واستعدي عليه السلطان ، فامتنع من تسليم الغلام ، ورمي غلمانه الناس ، فقتلوا جماعة ، منهم اثنين من أعوان السلطان ، فهاج العامة ، ونهبوا منزله ، ودوابه ، وأخذوا غلمانه ، أما هو ففر ( الطبري 613/9)

وأغرق أحد الملاحين ببغداد ، امرأة نزلت في سفينته ، لينقلها من

مشرعة إلي أخري ، فطمع فيما عليها من حلي وثياب ، فأغرقها ، وأعترف بما صنع ، فأمر به المعتضد ، فأغرق ، راجع القصة مفضلة في كتاب نشوار المحاضرة للقاضي التنوخي ، تحقيق المؤلف ح 4 ص 125 رقم القصة 59 .

وفي السنة 333 فتح أبو يزيد الخارجي بافريقية مدينة سوسة فأحرقها أصحابه ، وقتلوا الرجال ، وسبوا النساء ، وشقوا فروج النساء ، وبقروا البطون ( ابن الأثير 426/8 ) .

وقبض الابزاعي ، صاحب الشرطة ببغداد ، في عهد معز الدولة البويهي ، ملاحة أقر بأنه راود أمرأة نزلت في سميريته ، لينقلها من مشرعة إلي أخري ، عن نفسها ، فلما امتنعت عليه ، أغرق آبتين لها ، كانتا معها ، ثم استسلمت له ، فلما قضي حاجته منها ، أغرقها، راجع القصة مفصلة في كتاب نشوار المحاضرة للقاضي التنوخي، تحقيق المؤلف ، ج 3 ص 214 - 220 رقم القصة 142 وقد بسط التنوخي في القصة إقرار المجرم بجريمته ، والعقاب الذي عاقبه به صاحب الشرطة ، وكيفية التحقيق الذي كان يجريه صاحب الشرطة في استجواب المتهمين .

ص: 208

وفي السنة 458 نشبت معركة بين محمد بن خزرون ، من ملوك الطوائف بالأندلس ، والمعتضد بن عباد ، صاحب إشبيلية ، فاستمات بن خزرون وأمر أحد غلمانه بقتل زوجته ، وأمر آخر بقتل أخته ، فقتلتا ، ثم استقتل ، وتقدم فقاتل حتي قتل . ( الاعلام 346/6 ) .

وفي السنة 536 انهزم السلطان سنجر ، من الترك الكفار ، وسبب ذلك أن سنجر كان قد حارب خوارزم شاه ، وأسر أحد أولاده ، فقتله ، فراسل خوارزم شاه الخطا ، وهم بما وراء النهر ، وحثهم علي قصد مملكة السلطان سنجر ، فالتقوا بما وراء النهر ، واقتتلوا أشد قتال ، وانهزم سنجر ، وقتل من أتباعه مائة ألف قتيل ، منهم أحد عشر ألف كلهم صاحب عمامة ، وأربعة آلاف امرأة ، وأسرت زوجة السلطان سنجر . ( ابن الأثير 81/11 ).

وفي السنة 555 لما توفي المقتفي ، وخلف ولده المستنجد، اتهم المستنجد أخاه أبا علي وأمه ، بالسعي في قتله ، وإنهما استعانا بالجواري ، فأمر بالجواري ، فقتل بعضهن، وغرق البعض الآخر . ( ابن الأثير 257/11)

وكان قتل النساء وسبيه ، من الأمور المتعارفة الإعتيادية في القرن السادس ، بحيث إن الأمر إذا جري علي ما يخالف ذلك ، كان يسجل ، فإن الأمير المؤيد أي أبه ، لما فتح مدينة شارستان في السنة 556 ، ذكر ابن الأثير (ج 11 ص 278 ) أن عسكره نهب المدينة ، إلا أنهم لم يقتلوا أمرأة ولا سبوها » ، ونزل أمراء المدينة بالأمان ، ولكن أحدهم واسمه خواجكي ، حوكم بتهمة قتله زوجته ظلمة ، وأخذ مالها ، فثبتت عليه التهمة ، وقتل .

وفي السنة 568 توقي خوارزم شاه ارسلان بن أنسز، وخلفه ولده سلطان شاه محمود ، فأنف أخوه الأكبر علاء الدين تكش ، من سلطنة أخيه الأصغر ، واستعان بملك الخطا ، ونشبت بين الأخوين معركة ، كان النصر فيها

ص: 209

التكش ، وفر سلطان شاه ، وظفر تكش بأم سلطان شاه فقتلها . ( ابن الأثير 377/11 و 378 ).

وفي السنة 633 اختلف أهل إصبهان ، الشافعية والحنفية ، وجرت بينهم حروب متصلة ، فخرج قوم من الشافعية ، إلي التتار ، وطلبوا منهم أن يقصدوا إصبهان لتسلمها منهم ، علي أن يعينوهم في قتل الحنفية ، فقصدوا البلد، وفتح الشافعية لهم أبوابها ، فلما دخلوها بدأوا بالشافعية فقتلوهم قتلا ذريعة ، ثم ثنوا بالحنفية ، وثلوا بسائر الناس ، وسبوا النساء ، وشقوا بطون الحبالي ، ونهبوا الأموال ، ثم أضرموا النار في إصبهان ، فأصبحت تلالا من الرماد ( شرح نهج البلاغة 237/8 و 238 ).

وفي السنة 654 هلك أتدخان ، أحد ملوك التتار ، فاتهمت امرأته بأنها سحرته ، وقتلت ( مجلة لغة العرب البغدادية ج 10 سنة 7).

وفي السنة 655 قتلت ملكة مصر، عصمة الدين ، ملكة المسلمين ، والدة الملك المنصور خليل أمير المؤمنين ، شجرة الدر ، بالقاهرة ، ضربا بالقباقيب ، لأنها اتهمت بأنها قتلت زوجها عز الدين ايبك خنقا في الحمام . ( الاعلام 3/ 231).

أقول : شجرة الدر أم خليل ، جارية الملك الصالح ، جارية تركية ، ذات شهامة ، وإقدام ، وجرأة ، وذكاء ، وعقل ، ودهاء ، بارعة الحسن ، وكان الملك الصالح مغرما بها ، فلما مات في أشد الأوقات حراجة ، وجيشه مقابل جيش الإفرنج في مصر ، أخفت شجرة الدر خبر موته ، وأخذت تعلم بخطها مثل علامته ، ونالت من السعادة أعلي الرتب ، بحيث أنها خطب لها علي المنابر ، وملكوها عليهم أياما ، ثم بلغها اعتراض الخلافة ببغداد علي تمليك امرأة ، فاختارت عز الدين أيبك ، وسلطنته ، وتزوج بها ، وكان الأمر إليها ، ثم بلغها إنه خطب ابنة صاحب الموصل ، فعظم ذلك عليها ، وعزمت

ص: 210

علي الفتك به ، وجاء أيبك تعبان من ملعب الكرة ، ودخل الحمام، فأمرت خدمها ، فاقتحموا عليه الحمام وقتلوه خنقأ وهو عريان، وتسلطن ولده علي من بعده وهو ابن 15 سنة ، وكان أول ما صنعه أن أمر خدمه بقتل شجرة الدر ، فقتلت ، وألقيت مسلوبة تحت قلعة مصر ، دفنت في تربتها ( شذرات الذهب 267/5 -268).

وفي السنة 658 حصر هولاكو قلعة حارم ، وطلب تسليمها إليه ، ولهم الأمان ، فلم يطمئن أهلها إلي أمانه ، وطلبوا رجلا مسلم" يحلف لهم بالطلاق والمصحف علي أن لا يدنو لأحد منهم بسوء ، واختاروا فخر الدين الوالي بقلعة حلب ، فأحضره ، وحلف لهم علي ما أرادوا ، ففتحوا الأبواب واستسلموا ، وعندئ أمر هولاكو بقتل الوالي فخر الدين ، ثم قتل جميع من في القلعة من الرجال والنساء حتي الأطفال الذين في المهد ( اعلام النبلاء 287/2)

وفي السنة 661 استولي علي حكم فارس سلجوق شاه بن سلفرشاه بن سعد بن زنكي ، فقتل تركان خاتون أم عمه السلطان محمد بن سعد وزوجة جده السلطان سعد بن زنكي ( معجم انساب الأسر الحاكمة 350) .

أقول : لم يمتد حكم سلجوق هذا ، إذ قتله المغول في السنة 663 .

وفي السنة 730 وقعت فتنة بين أمير مكة الشريف عطيفة وبين آيدمور أمير جدار الناصري ، أمير الحاج المصري ، وسبب ذلك إ تجارة من اليمن سرقت منهم أموال ، فشكوا ذلك إلي الأمير آيدمور ، فقال آيدمور لمبارك بن الأمير عطيفة : أحضر لي هؤلاء السراق ، فقال له : لا أعرفهم ، فكيف أتي بهم ، ثم إن أهل اليمن تحت حكمنا، ولا حكم لك عليهم ، فإن سرق لأهل الشام ومصر شيء فاطلبني به ، فشتمه آيدمور ، وضربه علي صدره ، فسقطت عمامته عن رأسه ، وغضب له عبيده، فقتلوا آيدمور وقتلوا معه ولده ، واشتبك

ص: 211

رجال أمير مكة ، مع الجند المصريين ، وقتلت ام أة بالنشاب، قالوا إنها كانت تحرض أهل مكة علي القتال ( مهذب رحلة ابن بطوطة 185/1).

ولما توقي السلطان أبو سعيد في السنة 737 اتهمت زوجته بغداد خاتون، بأنها دشت له السم في منديل ، فهجم عليها الخواجة لؤلؤ الرومي ، وهي في الحمام ، فضربها بدبوسه وقتلها، وطرحت مستورة العورة بقطعة تليس ( تاريخ العراق للعزاوي 493/1 ).

وفي السنة 845 هلك الأشرف اسماعيل بن الأفضل يحيي ملك اليمن ، وكان ظالما قتل إخوته وأقاربه ، وقتل عمته أخت أبيه ، وقتل بيده امرأة أخري لاتهامه إياها بمصاحبتها ، وقطع يد امرأة أخري تضرب بالرمل ، كل ذلك لتخوفه أنهم يسعون في تمليك غيره ( الضوء اللامع 308/2 ).

وفي السنة 873 كان حسن بيك يحاصر بغداد ، فكتبت إليه امرأة جهان شاه بيكم خاتون ، من قلعة النجق ، تحثه علي المجيء إلي تبريز لتسلمه القلعة والخزائن ، فرحل عن بغداد ، قاصد، تبريز ، وقبل وصوله ، قصد حسن علي بن جهان شاه قلعة النجق ، وحصر زوجة أبيه ، وقال للموكلين بالقلعة : أنا حسن علي بن جهان شاه ، جلست علي التخت ، وملكت الدنيا وما فيها ، وأنتم تعصون علي لأجل امرأة ، فخافوا منه ، وفتحوا له أبواب القلعة ، فاستولي عليها ، وأخذ زوجة أبيه ( أم بيربوداق ) إلي تبريز ، وصلبها من ثدييها حتي ماتت ، وقصد حسن بيك ، حسن علي بن جهان شاه ، واشتبك معه في معركة حامية ، فانفل عسكر حسن علي ، وفر هو إلي باكو ، ثم إلي جبال الوند بهمذان، حيث اعتقله هناك ثلاثة من أتباع حسن بيك ، وكان حسن علي يدرك ما له عند حسن بيك، فأزمع أن ينتحر ، وطلب منهم موسي ليحلق عانته ، فذبح بالموسي نفسه ، وعنئين قطعوا رأسه ، وقطعوا ذكره وحطوه في فمه ، وجاءوا برأسه إلي حسن بيك ، وقطعوا جسده أربع قطع ،

ص: 212

وعلقوها علي أبواب همذان علي كل باب قطعة (تاريخ الغياثي 380۔ 381)

وفي السنة 895 مات بالسم السلطان يعقوب بن السلطان حسن الطويل ، وأخوه أبو يوسف ، وأمهما سلجوق بيكم ( تاريخ العراق للعزاوي 275/3)

وفي السنة 902 قتل القاضي شمس الدين بن المزلق ، قتلته سريتاه بتحريض من الدوادار وأمير آخور ، واستادار الحاجب تمر بغأ ، فأمسكوا الجميع وخوزقوا، خلا الجارية الصغري ، فإنها غرقت ، لأنها كانت حبلي ( قضاة دمشق 182).

وفي السنة 925 اتهمت صبية مصرية ، بأنها كانت مع نصراني ، فأمر بها ملك الأمراء بمصر ، نائب السلطان العثماني ، فعريت من أثوابها، وكتفت ، وربطت من رجليها إلي ذنب إكديش ، وسحبت علي وجهها ، فماتت في الطريق . (بدائع الزهور 290/5 ).

وفي السنة 1098 كان والي حماة ، إذا غضب علي رجل أمر به فأعدم بإقعاده علي الخازوق ، وإذا غضب علي امرأة، وضعها في كيس مع شيء من الكلس ، وألقاها في نهر العاصي ( خطط الشام 277/2 ).

ومما يؤثر عن جان بولاد، أمير لواء أكراد حلب ، إنه غضب علي زوجته، أم ولده حسين باشا فقتلها ( اعلام النبلاء 88/6 ).

وفي السنة 1216 أي بعد خروج الإفرنسيين من مصر ، أحضرت إبنة الشيخ البكري ، وكانت قد خالطت الإفرنسيين ، فكسرت رقبتها. ( الجبرتي 486/2)

وممن حاز قصب السبق في هذا المورد الذميم ، مخلوق اسمه المير مهنا ، حاكم بندر ريق ، وهي بليدة تقع شمالي مدينة بوشهر ، علي الساحل

ص: 213

الشرقي لخليج البصرة ، فإن هذا المير مهنا ، بدأ جرائمه في السنة 1168 (1754 م) باعتقال أبيه المير ناصر ، حاكم البليدة، وأمر به فقتل بمحضر منه ، ثم قتل من بعد ذلك أخاه وستة عشر شخصا من أفراد عائلته ، ولما عنفته أمه علي جرائمه ، أمر بها ، فقتلت ، وأغرق أختين له ، لأن أمير من جيرانه خطب إحداهن للزواج بها، وكان يئد ( يدفن بالحياة ) كافة البنات اللاتي يولدن له ، أما ما كان يمارسه في رعيته من أساليب العذاب بجدع الأنوف وصلم الآذان ، فلا يحصي لكثرته ( رحلة نيبور 146/2 -149).

وفي السنة 1201 نودي بالقاهرة علي النساء بمنع خروجهن إلي الأسواق ، وسبب ذلك وقائعهن مع العسكر ، منها إنهم وجدوا في بيت يوسف بك سكن حمامجي اوغلي نحو سبعين امرأة مقتولة ومدفونة بالإصطبلات ( الجبرتي 20/2).

ولما اشتعلت نيران الثورة الفرنسية في السنة 4 120 ( 1789 م) وأقيمت المقصلات ، ونشطت حركة الإعدام كان الجلاد يلقي بجثث الضحايا في أوضاع يثير بها ضحك المتفرجين ، وكان ( كاريه ) يحمل ضحاياه علي أن يحفروا قبورهم بأيديهم ، ليدفنهم فيها أحياء ، أما النساء والأطفال ، فكان يأمر بإغراقهم ( قصة الأضطهاد الديني 26- 27).

وفي السنة 1213 قبض الإفرنسيون علي خمسة أنفار من اليهود وامرأتين، فألقوا الجميع في بحر النيل ( الجبرتي246/2 ).

وفي السنة 1217 مر أربعة أنفار من العسكر ، وأخذوا غلاما لرجل حلاق بخط بين السورين عند القنطرة الجديدة بالقاهرة ، فعارضهم الأسطي الحلاق في أخذ الغلام ، فضربوا الحلاق وقتلوه ، ثم ذهبوا بالغلام إلي دارهم بالخطة ، فقامت في الناس كرشة وضجة ، وحضر أغات التبديل ، فطلبهم ، فكرنكوا بالدار ، وضربوا عليه بالبنادق من الطيقان ، وقتلوا من أتباعه ثمانية

ص: 214

أنفار ، ولم يزالوا علي ذلك إلي ثاني يوم ، فركب الباشا في التبديل ، ومر من هناك ، وأمر بالقبض عليهم ، فنقضوا عليهم من خلف الدار ، وقبضوا عليهم بعدما قتلوا وجرحوا آخرين ، فشنقوهم ، ووجدوا بالدار مكانة خربا أخرجوا منه زيادة عن ستين امرأة مقتولة وفيهن من وجدوها وطفلها مذبوح معها في حضنها ( الجبرتي 2/ 555).

وفي السنة 1219 عند الاحتفال في القاهرة بكسر الخليج ، حضر الباشا ( الوالي ) والقاضي ، ومحمد علي باشا وجميع العسكر ، وضرب الجميع بنادقهم ، ومات في ذلك اليوم عدة اشخاص نساء ورجالأ ، أصيبوا من البنادق، ومما وقع إن احدهم نظر إلي أعلي بيوت الخليج ، فرأي امرأة جالسة في الطاقة ، فضربها برصاصة أصابتها في دماغها ، وماتت من ساعتها ( الجبرتي 27/3 ).

وفي السنة 1223 أحس الإنكشارية بأن السلطان محمود العثماني ، يرغب في الحد من سلطانهم يعاونه في ذلك وزيره مصطفي باشا البيرقدار ، فحصروا مصطفي باشا في قصره ، وأحرقوه هو وزوجته، وجميع من في القصر ( أعيان القرن الثالث عشر 102).

وفي السنة 1225 قتل شخص من الأجناد الألفية، قطعوا رأسه بباب الخرق ، بسبب أنه قتل زوجته من غير جرم يوجب قتلها ( الجبرتي 3/ 314).

ص: 215

ص: 216

الفصل السادس: الخوارج والمرأة

للخوارج الذين خرجوا بالعراق، تاريخ مظلم في الإعتداء علي النساء والأطفال ، فبقروا بطون النساء ، وقتلوهن بالسيوف ، وألقوا الأطفال في القدور وهي تفور .

وكان أول ما ظهر منهم ، أنهم لاقوا عبدالله بن خباب ، صاحب رسول الله صلوات الله عليه ، ومعه امرأته وهي حبلي قد أركبها علي حمار ، وهو يسوقه ، فلما عرفوه ، سألوه عن الخلفاء الراشدين فأثني عليهم جميعا ، فأضجعوه وذبحوه ، ثم أخذوا أمرأته فبقروا بطنها، وقتلوا ثلاث نسوة من طيء ، وقتلوا أم سنان الصيداوية، فلما بلغ الإمام علي ذلك ، سار إليهم ، وبعث إليهم برسول يطلب منهم تسليم القتلة لكي يعاقبهم علي جرائمهم فقالوا : كلنا قتلتهم ، وكلنا نستحل دماءكم ودماءهم ، ( الطبري 72/5 -92)

وفي أيام عبيدالله بن زياد ، خرج رجل وامرأة اسمها جزعة ، ومعهما سيفان فحكما في مسجد البصرة ، وأخذ الرجل نحوا رحبة بني تميم ، وأخذت المرأة نحو بني سليم ، فلما رآها قد بعدت عنه ، ناداها : يا جزعة أقربي مني ، فقالت : إن أولياء الله لا خوف عليهم ولا هم يحزنون، فقتلا. ( أنساب الأشراف 93/2/4 ).

ص: 217

وقاتل مع عبدالله بن الزبير ، لما عاذ بالكعبة ، أربعون امرأة ، فقتلت منهن امرأة يقال لها الشعثاء ، فقال رجل من أهل الشام : ( أنساب الاشراف 189/5)

كانت لشعثا في القتال بصيرة**** بل كان بغية أهلها بالأردن

ومن جملة النساء الخوارج ، امرأة اسمها سلمي ، كانت تقاتل مع ابن الزبير ، قال فيها أحد الشاميين : ( أنساب الأشراف 50/2/4).

إني لم أنس إلا ريث أذكره**** أيام تطردنا سلمي وتنضينا

ولما استولي أبو حمزة الخارجي ، المختار بن عوف ، علي مكة والمدينة ، حشد له الأمويون، وقاتلوه ، فقتل في معركة بأسفل مكة ، وقتلت معه امرأته، وهي تقول :

أنا ابنة الشيخ الكريم الأعلم ****من سال عن إسمي فإسمي مريم

بعت سواري بسيف مخذم

وفي السنة 68 بارح الأزارقة ، وعليهم الزبير بن الماحوز ، فارس، إلي العراق ، ودخلوا المدائن، فقتلوا أم ولد لربيعة بن ماجد ، وقتلوا بنانة ابنة أبي يزيد بن عاصم الأزدي ، وكانت من أجمل الناس ، قرأت القرآن ، فلما غشوها بالسيوف ، قالت : ويحكم ، هل سمعتم أن الرجال كانوا يقتلون النساء ؟ ويحكم تقتلون من لا يبسط إليكم يدأ، ولا يريد بكم ضرا ، أتقتلون من ينشأ في الحلية وهو في الخصام غير مبين ؟ فقتلوها، فصاحت ريطة بنت يزيد : سبحان الله ، تقتلون النساء والصبيان ومن لم يذنب إليكم ذنب؟ ثم انصرفت وهي تحمل طفلة في يدها ، فهجموا عليها وضربوها والطفلة بالسيف . ( الطبري 121/6 ).

وفي السنة 68 لما دخل الأزارقة المدائن ، أخذوا رجلا اسمه سماك بن يزيد واخذوا معه ابنته ، وقدموها ليقتلوها، فصاحت بهم : أهل الإسلام ، إن

ص: 218

أبي مصاب فلا تقتلوه ، وإنما أنا جارية ، والله ما أتيت فاحشة قط ولا اذيت جارة لي ، ولا تشرفت، ولا تطلعت، فلما قدمت لتقتل، أخذت تصيح : ما ذنبي ، ما ذنبي ، فقطعوها بأسيافهم . ( الطبري 6/ 124).

وسبق لنا أن أوردنا في الفصل الثاني من هذا الباب ، تحت عنوان ، قتل المرأة بالسيف » ما صنعه أحد الخوارج من عبد القيس ، وهو أبو الحديد الشني العبدي ، لما ظفر الأزارقة ، بجيش البصرة ، في معركة بدار بجرد وسبوا أم حفص بنت المنذر بن الجارود العبدي ، زوجة عبد العزيز بن عبدالله ، قائد جيش البصرة ، فإن الأزارقة أقاموا أم حفص ، في السوق ، حاسرة ، بادية المحاسن ، وكانت من اكمل الناس حسنا وكما ، فتزايد فيها الناس حتي بلغت تسعين ألفا ( علي قول صاحب العقد الفريد ، ومائة ألف علي قول الطبري وابن الأثير) فأقبل ابو الحديد أحد رؤساء الخوارج من خلفها بالسيف ، وضرب عنقها ، فرفعوه إلي رأسهم قطري بن الفجاءة ، وقالوا : يا أمير المؤمنين ، إن هذا استهلك تسعين الفا من بيت المال ، وقتل أمة من إماء المؤمنين ، فقال له : ما تقول ؟ فقال : يا أمير المؤمنين ، رأيتهم تنازعوا عليها، حتي ارتفعت الأصوات ، واحمرت الحدق ، ولم يبق إلا الخبط بالسيوف ، فرأيت أن تسعين ألفا هينة في جنب ما خشيت من الفتنة بين المسلمين ، فقال قطري : خلوا عنه ، عين من عيون الله أصابتها ، قالوا : فاقد منها ، قال : لا أقيد من وزعة الله ، ثم قدم هذا العبدي بعد ذلك البصرة ، واتي آل المنذر ، فقالوا له : والله ، ماندري انحمدك أم نذمك ، فقال : ما فعلته إلا غيرة وحمية ، وذكر صاحب العقد الفريد إنهم وصلوه ( الطبري 169/6 ) والعقد الفريد 3/ 414 -415).

وخرج شبيب الخارجي ، بالموصل ، فبعث إليه الحجاج خمسة قواد ، فقتلهم واحدا بعد واحد، ثم خرج من الموصل بريد الكوفة ، وتحصن الحجاج منه في دار الإمارة بالكوفة ، ودخل إليها شبيب ، ومعه أمه جهيزة ،

ص: 219

وزوجته غزالة ، وكانت غزالة من الشجاعة والفروسية ، بالموضع العظيم ، وكانت تقاتل في الحروب بنفسها، وكان الحجاج، هرب في بعض الوقائع من غزالة ، فقال فيه الشاعر :

أسد علي وفي الحروب نعامة**** فتخاء تفزع من صفير الصافر

هلا برزت إلي غزالة في الوغي**** بل كان قلبك في جناحي طائر

وكانت جهيزة أم شبيب شجاعة ، أيضا تشهد الحروب ، واستعان الحجاج بجنود الشام ، وفي إحدي المعارك قتلت غزالة ، وقتلت جهيزة ، ونجا شبيب في فوارس من أصحابه إلي الأهواز ، فغرق هناك سنة 77 ( وفيات الأعيان 455/2 ).

وذكر الطبري في أخبار السنة 77، أن غزالة زوجة شبيب ، قتلت في المعركة ، قتلها فروة بن الدفان الكلبي ، ومر برأسها إلي الحجاج ، فرآه شبيب ، فأمر علوان ، فشد علي فروة فقتله ، وجاء بالرأس، فأمر به شبيب ، فغسل، ودفن ( الطبري 271/6 ).

أقول : كانت غزالة امرأة شبيب ، قد نذرت أن تصلي في مسجد الكوفة ركعتين تقرأ فيهما سورتي البقرة وآل عمران ، فأخذها زوجها شبيب إلي الكوفة ، وكان الحجاج فيها ، فلما سمع الحجاج بقدومه ، تحصن في القصر ، وأغلق عليه الباب ، فجاء شبيب فوقف علي باب القصر ، وضرب الباب بعمود في يده ، وصاح بالحجاج : أخرج الينا يا ابن أبي رغال ، وذهبت غزالة إلي المسجد حيث وفت بنذرها .

وقول شبيب للحجاج : يا ابن أبي رغال . كلمة شتيمة ، لأن أبا رغال الثقفي جد الحجاج ، كان دليل الحبشة لما غزو الكعبة ، وهلك فيمن هلك منهم ، فدفن بين مكة والطائف ، ومر النبي صلوات الله عليه بقبره ، فأمر

ص: 220

برجمه ، فرجم ، وأصبح رجمه سنة ( الأغاني 303/4 - 116/18 واليعقوبي 4 / 274 والطبري 271/6 - 275).

وفي السنة 77 توجه قطري الخارجي ، يريد طبرستان ، فوجه له الحجاج جيشأ بقيادة سفيان بن الأبرد ، فلحقوا بقطري في طبرستان، وقتلوه ، وذكر معاوية بن محصن الكندي إنه وجد في عسكر قطري خمس عشرة امرأة عربية ، علي جانب عظيم من الجمال وحسن الهيئة ، ومعهن عجوز ، فلما دنا منهن انتحت له العجوز بسيف مسلول، فضربته به علي عنقه ، فقطعت المغفر ، وقطعت جلدة من حلقه ، فسل سيفه وضربها به فأطار قحف رأسها ، وأخذ الفتيات إلي سفيان بن الأبرد ، فقال له سفيان : ما أردت إلي قتل العجوز أخزاها الله ، فاعتذر إليه بأنها أرادت أن تقتله، فاضطر لقتلها ( الطبري 309/6 ).

وفي إحدي المعارك بين المهلب والخوارج ، قرب اصطخر ، حمل يزيد بن المهلب علي الخوارج ، وتصدي له منهم فارسان ، فقال يزيد لقيس الخشني ، وهو من كماة اصحابه : من لهذين ؟ قال : أنا ، وحمل عليهم ، فطعن أولهما فصرعه ، وحمل عليه الآخر ، فتعانقا، وسقطا جميعا إلي الأرض ، فصاح قيس الخشني : اقتلونا جميعا، فحملت خيل هؤلاء ، وخيل هؤلاء، فحجزوا بينهما ، فإذا معانق قيس امرأة ، فقام قيس مستحيي ، فقال له يزيد : يا أبا بشر ، إنك بارزتها علي أنها رجل ، فقال : أرأيت لو قتلت ، أما كان يقال : قتلته امرأة ( شرح نهج البلاغة 200/4 ).

ومن النساء المحاربات ، من نساء الخوارج ، أم حكيم ، كانت من أشجع الناس ، وأجملهم وجها ، وكانت تحارب مع قطري بن الفجاءة (ت 78)، وكانت تدخل المعارك وهي ترتجز :

أحمل رأس قد سئمت حمله****وقد مللت دهنه وغسله

ألا فتي يحمل عني ثقله

ص: 221

وخطبها جماعة من أشراف الخوارج ، فردتهم، وقالت : ( الأغاني 150/6 وشرح مقامات الحريري 91/1-92).

ألا أن وجهأحسن الله خلقه****لأجدر أن يلفي به الحسن جامعة

وأكرم هذا الجرم عن أن يناله**** تورك فحل همه أن يجامعا

أقول : لم تكن الفروسية مقصورة علي نساء الخوارج ، وإنما هي فيهن أظهر ، وقد كان في نساء الصليبيين محاربات ، وذكر ابن الأثير في تاريخه الكامل 39/12 أنه في السنة 585 وقعت معركة عظيمة بين صلاح الدين الأيوبي والصليبيين علي عكار، فانتصر صلاح الدين ، وقتل من الصليبيين نحو عشرة آلاف ، أكثرهم من فرسان الإفرنج ، وكان من جملة الأسري ثلاث نسوة إفرنجيات ، كن يقاتلن فارسات علي الخيل ، فلما أسرن ، وألقي عنهن السلاح ، تبين أنهن نساء ، وذكر أيضا أن السلطان صلاح الدين حصر قلعة برزية ، ونصب حولها المجانيق ، ونصب أهل القلعة منجنيقة أبطل مجانيق المسلمين ، وذكر ابن الأثير ( 15/12 ) إنه كان حاضرا الحصار ، وإنه أبصر بعينه امرأة من الإفرنج ترمي بمنجنيق القلعة، وهي التي أبطلت مجانيق المسلمين .

وأحضرت أمام الحجاج ، أمرأة من الخوارج ، فجعل يكلمها وهي لا تنظر إليه ، فقيل لها : الأمير يكلمك ، وأنت لا تنظرين إليه ، قالت : أني الأستحي أن أنظر إلي من لا ينظر الله إليه ، فأمر بها ، فقتلت . ( العقد الفريد 26/4)

وأتي عتاب بن ورقاء (ت 77 ) بخوارج فيهم امرأة ، فقال لها : أي عدوة الله ، ما دعاك إلي الخروج ؟ أما سمعت قول الله عز وجل :

كتب القتل والقتال علينا****وعلي الغانيات جر الذيول

ص: 222

فقالت : يا عدو الله ، إنما أخرجني حسن معرفتك بكتاب الله تعالي ( البصائر والذخائر 144/1 ).

وخرج في أيام هشام ، خوارج بناحية البصرة ، فقتلوا ، وأسرت معهم امرأة ، فأحضرت أمام عامل البصرة ، فقالت له : يا حسن الوجه أني خدعت ، فبعث بها العامل إلي يوسف بن عمر الثقفي، فقتلها . ( العيون والحدائق 109/3 ).

وفي امرة الوليد بن رفاعة ، علي مصر ، لهشام بن عبد الملك ، خرج بمصر في السنة 117 وهيب اليحصبي شارية ، فأخذ، وقتل ، فكانت امرأته تطوف بالليل علي منازل القراء تحرضهم علي الطلب بدم زوجها، وكانت امرأة جزلة محلوقة الرأس . ( الولاة للكندي 77 و 78 ) .

وكان نساء الخوارج يحاربن مع الرجال في المعارك ، ولما دخل الضحاك بن قيس الكوفة في السنة 127 ، وحاربه أميرها في أهل الشام ، أصابوا من جند الضحاك أربعة عشر فارسأ وثلاث عشرة امرأة . ( الطبري 318/7)

وفي السنة 127 وقعت معركة بين منصور بن جمهور ، أحد قواد الشام ، بالكوفة ، وبين جماعة الضحاك بن قيس الخارج بالكوفة ، فأقبلت امرأة من الخوارج ، شادة ، حتي أخذت بلجام منصور بن جمهور ، فقالت : يا فاسق ، أجب أمير المؤمنين - تريد به الضحاك - فضرب عنان دابته بالسيف فقطعه في يدها، ونجا ، ثم إن منصور الحق بالضحاك وبايعه ، وقال : من الفارس الذي أخذ بعناني يوم الزاب ؟ فنادوا : يا أم العنبر ، فخرجت إليهم ، فإذا هي أجمل الناس ، فقالت له : أنت منصور ؟ قال : نعم ، قالت : قبح الله سيفك ، أين ما تذكر منه ، فوالله ، ما صنع شيئا ولا ترك ، تعني أنه لم يقتلها يوم أخذت بعنانه فدخلت الجنة ، فقال

ص: 223

منصور للضحاك : يا أمير المؤمنين ، زوجنيها ، فقال : إن لها زوجأ ، وكانت تحت عبيدة بن سوار العنبري . ( الطبري 322/7 و 323) .

ولما خرج الوليد بن طريف الشيباني ، بالموصل، بعث إليه الرشيد جيشأ أميره يزيد بن مزيد الشيباني ، فقاتله ، فقتله يزيد ، فلبست الفارعة ، أخت الوليد ، عدة الحرب ، وحملت علي جيش يزيد ، فقال يزيد : لا يعرض لها أحد، ثم خرج إليها ، فضرب بالرمح فرسها ، وصاح بها ، أغربي ، غرب الله عينك ، فقد فضحت العشيرة ، فاستحيت وآنصرفت ، راجع تفصيل القصة في ترجمة الوليد بن طريف في وفيات الأعيان 31/6 - 34 وراجع فيها رثاء الفارعة لأخيها ، مقطوعة من عيون الشعر ، مطلعها :

بتل نهاكي رسم قبر كأنه ****علي جبل فوق الجبال منيف

تضمن مجدأ عدمليأ وسؤددة**** وهمة مقدام ورأي حصيف

فيا شجر الخابور مالك مورقأ**** كأنك لم تجزع علي ابن طريف

ص: 224

الفصل السابع: تعذيب المرأة بالنار

في السنة 405 منع الحاكم الفاطمي النساء من الخروج من دورهن ، فاتفق أن القاضي بمصر ، مر علي دار امرأة ، فبكت أمامه وذكرت له أن لها أخا في السياق ، وأنها تريد أن تراه قبل موته ، فأمر بعض رجالته أن يمضي معها إلي دار أخيها، ثم تبين أن تلك المرأة إنما ذهبت إلي دار عشيقها ، وجاء الزوج إلي القاضي ، فقال له :ما أعرف زوجتي إلا منك ، فركب القاضي إلي الحاكم ، وقص عليه القصة ، وبكي أمامه ، فأمر الحاكم بإحضار المرأة والرجل ، فمضي الأعوان إليهما بغتة ، فوجدوهما نائمين متعانقين لا يعقلان من السكر ، فحملوهما إلي الحاكم فأمر بالمرأة فلفت في بارية ، وأحرقت ، وضرب الرجل بالسياط ضربا مبرحا . ( أخبار القضاة 606 و 607).

وفي السنة 530 قبض علي ابن كسبرة اليهودي ، وكبس بيته ، ووكل به ، وأخرج ليلا وقت ضرب الطبل ( وقت الصلاة ) ونصب له خشبة في الرحبة ( رحبة جامع القصر)، وأخذت معه امرأة مسلمة كان يتهم بها، وكانت مستحسنة ، فجيء بحلة من قصب ، وجعلت المرأة فيها وضربها التفاط بالنار ، فاحترقت الحلة ، وخرجت المرأة هاربة عريانة فعفي عنها، وقد نالها بعض الحريق، وقدم هو ليقتل، فأسلم، فأمنوه . (المنتظم 58/10 ) .

ص: 225

وفي السنة 543 قصد سوري بن الحسين ، مك الغور ، مدينة غزنة ، فملكها ، وطرد ملكها بهرام شاه عنها ، ثم كر عليها بهرام شاه ، فاستعادها، وأسر سوري ، فأشهره راكبا علي بقرة ، وقد سود وجهه ، ثم صلبه .

وبلغ علاء الدين الغوري ، ما تم علي أخيه ، فهاجم غزنة في السنة 550 وملكها، ونهبها ، وأخذ من أعان علي أخيه ، فألقاهم من رؤوس الجبال ، وأخذ نساء كن تغنين بشعر فيه هجو لأخيه ، فأدخلهن حمامة ، وسده عليهن ، حتي متن فيه . ( ابن الأثير 135/11 - 165).

وفي السنة 605 هلك سنجر شاه ، صاحب جزيرة بن عمر ، علي يد ولده غازي ، وكان سنجر شاه هذا ، مخلوقة شريرة ، يؤذي الجميع حتي أولاده ، وكان قد حبس ولده غازي في دار ووكل به فيها ، فاحتال حتي تستل منها إلي دار أبيه ، وأختفي عند بعض سراريه ، ثم قتله ، فخلفه ولده محمود ، فقتل أخاه غازي ، ثم أخذ جواري أبيه ، فأحرق وجوههن ، ثم غرقهن ، قال ابن الأثير 12/ 280 حدثني صديق لنا إنه رأي بدجلة في مقدار غلوة سهم ، سبع جوار مغرقات ، منهن ثلاث قد أحرقت وجوههن بالنار ، فلم أعلم سبب ذلك ، حتي حدثتني جارية اشتريتها بالموصل من جواريه ، إن محمود كان يأخذ الجارية فيجعل وجهها في النار ، فإذا أحترقت ألقاها في دجلة .

وفي السنة 641 أنهي للخليفة ببغداد ، أن أحد زعماء إربل ، كوي امرأة في فرجها، فتقدم باعتماد الشرع في ذلك ، فسطرت فتيا، وأفتي الفقهاء بأن تقدر علي أنها أمة في حالة الصحة ، وتقوم بعد حصول العيب ، فقدر العيب بقدر الثلث ، فأخذ من الزعيم ، وأمر الخليفة بحبسه ( الحوادث الجامعة 185 ).

وفي السنة 683 انتصر السلطان أرغون التاري ، علي عمه السلطان

ص: 226

أحمد تكدار ، وقتله ، وأرسل إلي والدة السلطان أحمد ، وأسمها قتوخاتون ، فأحرق قصرها وهي فيه ( سيرة الملك المنصور 63) .

وفي السنة 832 جهز الملك الاشرف برسباي ، سلطان مصر والشام ، عسكرأ من القاهرة لاستعادة مدينة الرها من عثمان قرايلك ، فلما وصل عسكر القاهرة إلي حلب انضم إليهم نواب السلطان في الشام ، ومضوا بأجمعهم إلي الرها فحصروها ، وكان عثمان قرايلك قد غادرها بعد أن حصنها وترك فيها ولده هابيل ، فحارب هابيل حربا ضارية ، وقتل جماعة من جنود السلطان ، وعلق رؤوسهم علي قلعة الرها، ثم إن عسكر السلطان استولي علي الرها ، وافتتحها عنوة ، فما ترك العسكر قبيحة إلا أتوه ، ولا أمر مستبشعة إلا فعلوه ، وحاصروا القلعة ، فطلب من فيها الأمان ، فأنهم نائب الشام ونائب حلب ، فركنوا إلي أمانهم ، ونزل إليهم الأمير هابيل بن عثمان قرايلوك ومعه تسعة من أعيان دولته ، فغدر الأمراء بهم واعتقلوهم ، وهجم مماليك السلطان علي من في القلعة ، ونهبوا جميع ما كان فيها، وقتلوا الرجال ، وأسروا النساء والصبيان ، وألقوا فيها النار ، فأحرقوها بأجمعها ، ثم عادوا إلي المدينة ، وألقوا فيها النار ، وقتلوا من وجدوه فيها ، حتي جاوزوا الحد ، ثم أخذ المماليك النساء ، وفجروا به ، فكانت الواحدة منهن ، إذا قامت من تحت الواحد منهم ، مضت هي وطفلها إلي موضع كان فيه تبن ، فتختبيء فيه ، فأجتمع بذلك الموضع نحو الثمانين امرأة مع أطفالهن ، وقد زنوا بهن جميعا ، فأضرم المماليك النار عليهن ، فاشتعل التبن ، وأحترقن جميعا ، وأخذوا النساء الباقيات إلي حلب ، فمات في الطريق جماعات منهن عطشأ ، وبيعت منهن بجلب وغيرها عدة ، وكانت هذه الكائنة من مصيبات الدهر ( حوليات دمشقية 145 - 147 ).

وحج أحمد باشا الجزار ، أمير عكا ، في إحدي السنين ، فلما عاد بلغه أن بعض مماليكه قد اتهموا بنساء من حرمه ، فأمر بنار فأججت ، وأمر

ص: 227

الخصيان ، فأحضروا نساءه ، فكان يقبض علي الواحدة منهن ، ويطرحها في النار علي وجهها ، ويدوس علي ظهرها، ويضغط علي رأسها ، حتي يتم شيها في النار وتهلك ، فيحضر غيرها ، وهكذا قتل سبعة وثلاثين امرأة ، ولم تنج غير فتاة في الثامنة من عمرها ( خطط الشام 21/3 ).

وفي السنة 1247 عذب الملا علي الخصي ، ومحمد الليلاني ببغداد ، زوجة رضوان اغا ، بكيها بالسيخ المحمي (تاريخ العراق للعزاوي 13/7)

ص: 228

الفصل الثامن: تعذيب المرأة بقطع الأطراف والتعرض للجوارح

ويشتمل هذا الفصل علي ما يتعلق بتعذيب المرأة ، بقطع أطرافها ، وسمل عينيها وقطع لسانها وجدع أنفها .

في السنة 12 في معركة اليمامة ، التي قتل فيها مسيلمة ، في حرب الردة ، قاتلت أم عمارة نسيبة بنت كعب بن عوف الأنصارية ، قتال الأبطال ، فقطعت يدها ، وجرحت ، وكانت يوم أحد قد خاضت المعمعة ، وأبلت بلاء حسنا ، وجرحت اثني عشر جرحا ، بين طعنة رمح ، وضربة سيف ، وثبتت مع رسول الله صلوات الله عليه حين تراجع الناس، وقاتلت أشد قتال ، وكان رسول الله صلوات الله عليه إذا تحدث عن يوم أحد ، يقول : ما التفت يمينا ولا شمالا ، إلا رأيت أم عمارة تقاتل دوني . ( الاعلام 334/8 ).

ولما خلع توزون المتقي وسمله ، بايع المستكفي ، في السنة 333 ، وكان المتوسط في ذلك امرأة آسمها : حسن الشيرازية ، فلما استخلف المستكفي ، غيرت حسن إسمها ، وسمت نفسها : علم ، وأصبحت قهرمانة المستكفي ، واستولت علي أمره كله ، وأنبسطت يدها فصارت تكبس منازل الناس وتستولي علي أموالهم ، فلما خلع المستكفي من السنة 334 ، أخذت علم القهرمانة ، وسملت عيناها ، ثم قطع لسانها . ( تجارب الأمم 73/2 - 75 و 86 و100).

وفي السنة 391 كبس العيارون دار أبي الحسن علي بن طاهر الكاتب ،

ص: 229

بدرب المقير من سويقة غالب ، وعلوه بالسيوف ليقتلوه ، فقامت جارية من دونه ، للمدافعة عنه ، وضربوا يدها ضربة أبانتها ، ثم ضربوه عدة ضربات ، فاضت منها نفسه ، وأخذوا ماله ورحله . (تاريخ الصابي 398/8 ).

وفي السنة 598 صلب مملوك تركي من مماليك الخليفة علي رأس درب الباهقي ، وسبب ذلك إنه اجتمع مع مملوك آخر ، في دار يشربان خمرة ، فسكر أحدهما وعندهما مغنية ، فراودها عن نفسها ، فغار منه الآخر ، فضربه بسكين فقتله ، فتقدم بصلب القاتل، وجدع أنف المغنية . ( الجامع المختصر 82).

وفي السنة 683 وجد في رمضان ، عند كاتب نصراني بالقاهرة ، امرأة مسلمة ، وجماعة وهم يشربون الخمر ، فأمر نائب السلطنة بالنصراني فأحرق ، أما المرأة فجدع بعض أنفها ( تاريخ ابن الفرات 7/8 ).

وفي السنة 747 حدث في حلب أن بنت بكرأ من آل التيزيني ، كرهت أن تزف إلي زوج عقد قرانه عليها ، يقال له : ابن المقصوص ، فلقنت كلمة الكفر ، لينفسخ نكاحها قبل الدخول ، فقالتها وهي لا تعلم معناها ، فأحضرها نائب حلب بيدمر البدري ، بدار العدل بحلب ، وأمر بها فقطعت أذناها وشعرها وعلي ذلك في عنقها، وشق أنفها، وطيف بها علي دابة بحلب وتيزين ، وهي من أجمل البنات ، فشق ذلك علي الناس ، وعمل النساء عليها عزاء في كل ناحية بحلب، حتي نساء اليهود ، وأنكرت القلوب قبح ذلك ، وما أفلح البدري بعدها فإن السلطان عزله بعد شهرين من أجل ما صنعه « في حق البنت ، وسافر الي مصر معزولا ( تاريخ ابي الفدا 146/4 و147) ولما وصل الي غزة ، قتل هناك ( اعلام النبلاء 419/2 - 422) .

وفي السنة 1226 لما قام محمد علي باشا ، بقتل المماليك بالديار المصرية ، هجم العسكر علي بيوت الأمراء المماليك ، ونهبوا ما فيها ، وسلبوا النساء والأطفال ، حتي إن بعضهم قبض علي يد امرأة ليأخذ منها السوار ، ولم يتمكن من نزعه بسرعة ، فقطع يد المرأة ( الجبرتي 322/2 ) .

ص: 230

الفصل التاسع: ألوان أخري من العذاب

لما ولي سليمان بن عبد الملك الخلافة ، طلب آل أبي عقيل رهط الحجاج ، فأخذهم رجالا ونساء ، وأسلمهم إلي يزيد بن المهلب ، فعذبهم ، وبعث ابن المهلب إلي البلقاء ، وبها خزائن الحجاج وعياله ، فنقلهم وما معهم إليه ، وكان فيمن أتي به ، أخت لزوجة يزيد بن عبد الملك ، وهي أم الحجاج بنت محمد بن يوسف الثقفي ، فعذبها معهم ، فجاء إليه يزيد بن عبد الملك ، فشفع فيها ، فلم يشفعه ، فقال له : الذي قررتم عليها من المال أنا أحمله ، فلم يقبل منه ، فقال لابن المهلب : أما والله ، لئن وليت من الأمر شيئا ، لأقطعن منك طابقا ، فقال له يزيد : لئن كان ذلك ، لأرمينك - والله - بمائة ألف سيف ، وحمل يزيد ما ألزمت تلك المرأة بأدائه ، ومقداره مائة ألف دينار ، وقيل أكثر من ذلك ( ابن الأثير 57/4 و58 ).

وروي صاحب عذاب أبي جعفر المنصور ، إنه أحضر جارية صفراء ، ودعا لها بأنواع العذاب ، وكان يستنطقها عن أحوال النفس الزكية محمد بن عبد الله بن الحسن ، فأنكرت معرفتها بمكانه ، فدعا بالدهن ، وأمر به فوضع عليها ، فلما كادت نفسها أن تتلف ، أمر فأمسكوا عنها ، وتولي بنفسه صب الماء البارد علي وجهها حتي أفاقت ( المحاسن والمساويء 114/1 ).

وفي السنة 310 زوجت أم موسي الهاشمية، قهرمانة المقتدر ، إبنتها من أحد أحفاد المتوكل ، وأسرفت في الإحتفال بهذا الزواج ، فسعي عليها

ص: 231

أعداؤها بأنها قد صاهرت هذا الأمير لكي ترشحه للخلافة ، فقبض المقتدر عليها وعلي أختها وأخيها ، وأسلموا ألي ثمل القهرمانة ، وكان قاسية القلب ، مسرفة في إنزال العذاب بمن يقع في يدها، فاستخرجت ثمل من أم موسي وأختها وأخيها أموالا عظيمة بلغت نحو ألف ألف دينار ، حتي اضطر الوزير علي بن عيسي إلي إنشاء ديوان خاص سماه : ديوان المقبوضات عن أم موسي وأسبابها . ( تجارب الأمم 83/1 و84).

ولما استخلف القاهر ، عذب امرأة أبيه ، السيدة أم المقتدر ، وضربها بيده مائة مقرعة ، وعلقها بثدييها ، ثم علقها وهي منكسة ، فكان بولها يجري علي وجهها ، راجع التفصيل في كتاب نشوار المحاضرة للقاضي التنوخي في القصة المرقمة 33/2 ) .

وفي السنة 360 ملك أبو طاهر الحسين بن الحسن ، عامل البصرة البختبار البويهي ، حيث عذب هو وزوجته وأخوه وأقاربه ونالتهم مكاره عظيمة ، كانت عاقبتها أن تلفوا بالعذاب ، بما فيهم الزوجة ( تجارب الأمم 295 - 293/2)

وفي السنة 679 غرقت أمرأة ببغداد ، نسب إليها إنها قتلت زوجها ، وكان محبا لها ، محسنا إليها ، وقد أوصي إليها في ماله وأولاده ، فأحضرت من قتله ، فلما قررت أعترفت بذلك ، فغرقت ، وأخذ القاتل وسمر ( الحوادث الجامعة 413) .

وفي السنة 740 قبض السلطان الناصر محمد بن قلاوون ، علي ناظر الخاص النشو ، وهو شرف الدين عبد الوهاب بن فضل الله ، وعلي أمه وأفراد عائلته ، وعرضوا علي العذاب ، فماتت أمه في العذاب ، وكذلك مات أخوه المخلص ، ومات النشو كذلك ( الدرر الكامنة 33/3 و 34 ).

وفي السنة 753 قبض الأمير صرغتمس بالقاهرة علي الوزير علم الدين ابن

ص: 232

زنبور ، وصادره ، ونهب أمواله ، وأخذ ابنه الصغير ، وضربه بمرأي من أمه ، فأسمعته الأم كلاما جافية ، فأمر بها فعريت وعصرت ( النجوم الزاهرة 284/10 وخطط المقريزي 61/2 و62).

ولما اعتقل الوزير الصاحب شمس الدين موسي (ت 771 ) ، وعذب عذبت معه زوجته وكانت ضعيفة حاملا ، فولدت وهي تعصر بالمعصرة ، وعاش ولدها حتي كبر . ( النجوم الزاهرة 110/11 - 112).

وفي السنة 781 قبض علي سر النديم ، دادة السلطان بالقاهرة ، وعذبت حتي أظهرت أشياء كثيرة من التحف ، منها قبع السلطان الذي كان قد صنعه له والده السلطان شعبان المقتول ، عند ختانه . ( بدائع الزهور 249/2/1)

وفي السنة 789 أرسل الملك الظاهر برقوق ، صاحب مصر والشام ، الأمير جمال الدين محمود ، شاد الدواوين ، إلي الشام ، حيث أوقع الحوطة علي الأمير بيدمر ملك الأمراء بدمشق ، وعلي أهله وأصحابه وحاشيته ، فقام بذلك ، واحتاط علي موجود الأمير بيدمر ، وعصر ، وعصر جواريه ، وأصحابه وحاشيته ( تاريخ ابن الفرات 3/9).

ولما عاد الأمير جمال الدين محمود ، إلي القاهرة ، استقبل استقبال الأبطال ، ثم لاقي في السنة 799 أسوأ مصير ، إذ قبض عليه الملك الظاهر ، وصادره ، واستأصله ، وأسرف في عذابه حتي مات في السجن ( نزهة النفوس 454)

وفي السنة 792 توجه والي القاهرة حسين بن الكوراني ، إلي قاعة البيسرية بالقاهرة ، وكان إخوة الملك الظاهر برقوق مقيمين بها ، فقبض علي بيبرس ابن أخت الملك الظاهر ، وصار ابن الكوراني يفحش من الذم علي الظاهر ، « ويوشي » علي حاشيته حتي أن النساء صرن يتخضعن له فلم يلتفت

ص: 233

الفعله ، وأخرجهن حاسرات ، وهن مسحوبات في قوارع الطرقات (نزهة النفوس 282).

أقول : كانت عاقبة هذا الفعل من الكوراني ، أنه لما عاد الظاهر إلي السلطنة ، اعتقله ، وقيده ، وضربه وسحبه، وعصره، ثم خنقه ( نزهة النفوس 293، 330، 339).

وفي السنة 800 عزل الأمير علاء الدين بن الطبلاوي الحاجب ، وأخوه ناصر الدين محمد متولي القاهرة ، ونقلا إلي بيت الأمير يلبغا ظهر النهار ، راكبين علي الحمير ، في الباشات والجنازير ، وسلمالمتولي القاهرة الجديد ، ثم توجهوا بابن الطبلاوي إلي بيته ، وعاقبوا أم إبنه وجواريه والخطيب ابن عمه ، وأخذوا من الذهب تسعة عشر ألف دينار ( نزهة النفوس 465)

وفي السنة 812 لما قبض السلطان الناصر علي الأمير جمال الدين أبي المحاسن يوسف بن احمد الاستادار ، قبض علي امرأته سارة، وهي ابنة الأمير بجاس ، وعذبت وكانت حاملا ، فوضعت علي دست نار ، فاسقطت، ورأت من الذل ما لا يوصف ، وماتت بعد ذلك قهرا ( الضوء اللامع 297/10)

وفي السنة 824 أمر السلطان المؤيد، سلطان مصر ، فقبض علي الأمير الأستادار الحسن بن عبدالله ، البدر الطرابلسي ، فعصر، وعذب ، وعوقب أتباعه ، حتي إن زوجته الشريفة ، عذبت معه أيضأ ر (الضوء اللامع 102/3)

ولما قتل جهان شاه ، في السنة 872، حكم بعده ولده حسن علي ميرزا ، فحاصر زوجة أبيه ، في قلعة النجا، وقبض عليها ، وصلبها معلقة بثدييها ، فظلت معلقة ثلاثة أيام ، حتي ماتت ، ولما دخل تبريز أمر بالقبض

ص: 234

علي أخويها قاسم وحمزة ، وسائر اقاربها ، فقتلهم جميعا ، بعد أن عذبهم ، وصلبهم . ( تاريخ العراق للعزاوي 185/3- 187- 189).

وفي السنة 1222 (1807 م) بعد مقتل مصطفي باشا ، أمير الجزائر ، اتفق خلفه أحمد باشا ، وبقية الوزراء ، علي القائد عبدالله، باي قسنطينة ، طمعا في أمواله ، وقتلوه ، واعتقلوا امرأته الدايخة بنت كانة ، بنت شيخ العرب بقسنطينة ، وكانت من أحسن نساء زمانها، ولها شجاعة عظيمة ، فطالبوها بأن تظهر لهم أموال زوجها ، وعذبوها ، حتي ماتت تحت العذاب ( مذكرات الزهار 87).

وفي السنة 1335 (1917 م) هاجم الضابط التركي عاكف ، مدينة الحلة ، وقبض علي مائة وستة وعشرين رجلا من رؤسائها، فقتلهم شنقا ، وهدم مساكنهم ، وأمر بنسائهم وأطفالهم ، فنفاهم إلي بلاد الأناضول ( الشبيبي الكبير 38) .

ص: 235

ص: 236

الفصل العاشر: تعذيب المرأة بالتعرض للعورة

أول ما بلغنا من الأخبار عن هذا العذاب ، ما صنعه أبو جهل بسمية بنت خباط ، والدة عمار بن ياسر ، أول شهيدة في الإسلام ، إذ كان مشركو قريش ، يخرجون عمارة ، وأباه ياسر ، وأمه سمية ، إلي الأبطح ، إذا احميت الرمضاء ، يعذبونهم بحر الرمضاء ، فمات ياسر في العذاب ، أما سمية أم عمار فإن أبا جهل طعنها في قبلها بحربة ، فماتت. ( ابن الأثير 67/2 ).

وكان أبو يزيد مخلد بن كيداد البربري ، الثائر ، بإفريقية ، والمقتول في السنة 336 ، إذا فتح مدينة بإفريقية ، يقتل الرجال ، ويشق فروج النساء ، ويبقر بطونهن ، ويحرق البلد ( ابن الأثير 422- 441)

وفي السنة 641 كوي أحد زعماء إربل امرأة في فرجها ( الحوادث الجامعة 185)

وفي السنة 802 لما اقترب تيمورلنك من حلب ، أرسل قصاد إلي نائب حلب ، فأمر نائب حلب بضرب اعناق رسل تيمورلنك ، فلما بلغ تيمورلنك الخبر بقتل قصاده ، احاط بمدينة حلب ، واقتحمها بجنده ، وأسرف في القتل والسبي ، واحتمي النساء والأطفال بالمساجد، فاقتخمها التتار عليهم ، وأخذوا يفتضون الأبكار في المساجد، وصاروا يأخذون المرأة وهي تحمل ولدها الصغير ، فيلقونه من يدها ، ويفترشونها، والتجأ كثير من النساء إلي الجوامع، ولطخن وجوههن بالطين ، حتي لا تري بشرتهن ، فكان

ص: 237

التتار يأخذون المرأة فيغسلون وجهها ، ويفترشونها في الجامع ( خطط الشام 173/2-174)

وفي السنة 832 حصرت جيوش سلطان مصر ونواب الشام ، مدينة الرها ، فنزل من في القلعة علي أمانهم، فغدروا بهم ، واعتقلوهم ، وقتلوا الرجال ، ونهبوا الأموال ، واحرقوا المدينة والقلعة، وفجروا بالنساء ، فكانت الواحدة منهن ، تقوم من تحت الواحد منهم ، وتأخذ طفلها فتختبيء في تبن هناك ، فلما أتموا فجورهم ، أشعلوا النار في التبن فاحترق النسوة وأطفالهن ، راجع القصة مفصلة في الفصل السابع من هذا الباب .

وفي السنة 838 حصر اسكندر بن قرايوسف ، مدينة شماخي ، حاضرة بلاد شروان ، وقاتل صاحبها خليل بن إبراهيم شيخ الدربندي ، فلما كان في أحد الأيام، توجه اسكندر من معسكره يتصيد ، فهجم خليل في غيبته علي معسكر اسكندر ، وقتل ، وأسر ابنة اسكندر وزوجته ، فوضعهما في إحدي الخرابات ، وأمر عسكره فارتكبوا معها الفاحشة ، فلما رجع اسكندر من الصيد ، وبلغه ما حصل ، الح في القتال حتي استولي علي شماخي ، ودكها دكة ، ونهب أموال أهلها، وأفحش في قتلهم وسبيهم ، وظفر في شماخي بابنة خليل وامرأته ، فأمر بأن يزني بهما في كل يوم خمسون رجلا « نكاية في خليل » ( حوليات دمشقية 127).

وكان الملك الناصر ، محمد بن قايتباي ( قتل سنة 904) مجنونة ، وكان يعذب النساء ، بأن يقطع حاشية « أعضائهن »، وينظمها في خيط أعده لذلك ، وسلخ مرة جلد جارية من جواريه ليظهر أستاذيته في السلخ ( شذرات الذهب (23/8 ).

وفي السنة 902 قتل القاضي شمس الدين بن المزلق ، قتلته سرتاه ، بتحريض من آخرين ، فأمسك الجميع ، ومنهم السريتين، فخوزقوا ، خلا الجارية الصغري ، فإنها غرقت ، لأنها كانت حبلي ( قضاة دمشق 182).

ص: 238

وكان أحمد باشا الجزار ( 1133- 1219) (1804-1809 م)، والي ايالتي صيدا والشام وعكا، عظيم القسوة ، وكان يعذب النساء ، بوضع السنانير في سراويلاتهن . ( مجلة العرفان م 26 ج 10 ص 1997 ك1/ 194)

وفي السنة 1230 ( 1819 م) ثار الإغريق ( اليونان ) علي السلطان محمود العثماني ، في الجزر وبلاد المورة ، وقتلوا المسلمين ، ومثلوا بهم ، وسبوا النساء والذراري ، فلم يبق من المسلمين إلا القليل ، وقيل إنهم كانوا يدخلون الخنجر ، في فرج المرأة ، ويقطعونها حتي صدرها ، وهي حية تنظر ( مذكرات الزهار 147).

وجاءت امرأة ، إلي أبي العطوف القاضي ، برجل ، وقالت : هذا افتض ابنتي ، فقال للرجل : أفعلت ؟ قال : نعم ، قال : لم ؟ قال : لاعبتني آمرة مطاعة ، فقمرتني ، فأدخلت في استي مدقة الهاون ، ولاعبتها، فقمرتها ، فافتضتها، فقال أبو العطوف : يا هذه ، إن الذي ادخلت ابنتك في است هذا ، أشد مما أدخل هذا في حر ابنتك ( البصائر والذخائر 233/4 ).

ص: 239

ص: 240

الفصل الحادي عشر: تعذيب المرأة بالاسترقاق

في السنة 65 قتل عبيدالله بن بشير بن الماحوز ، أحد رؤساء الخوارج ، فوجه المهلب برأسه إلي البصرة ، فلما صار الرسول بكربج ، لقيه أخوة عبيد الله ، وهم حبيب وعبد الملك وعلي بنو بشير ، فقالوا له : ما الخبر ؟ فقال : قتل الله ابن الماحوز المارق وهذا رأسه معي ، وأراهم الرأس ، فوثبوا عليه فقتلوه ، ودفنوا رأس أخيهم ، فلما ولي الحجاج بن يوسف الثقفي ، دخل عليه علي بن بشير ، وكان وسيما جسيمة ، فقال : من هذا ؟ فأخبروه ، فقتله، ووهب ابنه الأزهر وابنته لأهل الرسول الأزدي المقتول ، وكانت زينب بنت بشير لهم مواصلة ، فوهبوهما لها ( شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد 158/4 - 159).

وفي السنة 102 لما خرج يزيد بن المهلب ، ومعه آل المهلب، علي يزيد بن عبد الملك ، وقتل في معركة العقر ، جمع نساء آل المهلب وصبيانهم بالحيرة ، فأعلن مسلمة بن عبد الملك إنه يريد أن يبيعهم، فقال له الجراح بن عبدالله : أنا أشتريهم منك لأبر يمينك ، واشتراهم منه بمائة ألف درهم ، فقال له مسلمة : هاتها ، فقال له : إذا شئت فخذها، فلم يأخذ منه شيئا ، وخلي سبيلهم إلا تسعة فتية أحداث من آل المهلب، بعث بهم إلي يزيد بن عبد الملك ، فضرب رقابهم ( الطبري 602/6 ).

وفي السنة 251 خرج بالكوفة علوي اسمه الحسين بن محمد الطالبي ،

ص: 241

وبعث إليه المستعين جندة قائدهم مزاحم بن خاقان أرطوج ، فانكسر جيش العلوي، وأسر ، ودخل مزاحم الكوفة ، فأحرق الف دار ، وحبس جميع من بالكوفة من العلويين ، وحبس ابناء هاشم كافة ، وأخذ جوار للعلوي ، وفيهم امرأة حرة مضمومة ، فأقامها علي باب المسجد ونادي عليها ( الطبري 329/9)

وفي السنة 297 فارق محمد بن الحارث العلمي ، أحد قواد صاحب الزنج ، صاحبه والتجأ إلي الموفق ، فاعتقل صاحب الزنج زوجة محمد، وهي ابنة عمه ، ثم أخرجها ، وباعها في السوق . ( الطبري 592/9-593)

وكان صندل الزنجي ، أحد قواد صاحب الزنج ، يكشف وجوه الحرائر المسلمات الأسيرات ورؤوسهن ، ويقلبهن تقليب الإماء ، فإن امتنعت منهن امرأة، لطم وجهها ، ودفعها إلي بعض علوج الزنج يواقعها ، ثم أخرجها إلي سوق الرقيق ، فباعها بأوكس الأثمان ، وفي إحدي الوقائع، وقع صندل الزنجي أسيرا في يدي أبي أحمد الموفق ، فأمر فشد كتافا ، ورمي بالسهام حتي هلك ( شرح نهج البلاغة 187/8 ).

وفي السنة 302 خرج أعراب علي المنصرفين من مكة ، فأخذوا ما معهم ، واسترقوا مائتين وثمانين امرأة من الحرائر ، سوي من أخذوا من المماليك والأماء ( الطبري 151/10 ).

وفي السنة 832 حصرت جيوش سلطان مصر ونواب الشام مدينة الرها ، فنزل من في القلعة علي أمانهم ، فغدروا بهم ، واعتقلوهم ، وقتلوا الرجال ، ونهبوا الأموال ، وأحرقوا المدينة والقلعة ، وفجروا بالنساء ، ثم أحرقوا قسما منهن بأن أشعلوا التبن الذي كن قد لجأن اليه ، وأخذوا النساء الباقيات الي حلب ماشيات ، فمات جماعات منهن في الطريق عطشة ،

ص: 242

وبيعت منهن بحلب وغيرها عدة ، راجع التفصيل في الفصل السابع من هذا الباب .

وفي السنة 1016 اشتبك الجيش العثماني بقيادة مراد باشا ، مع جيش الأمير علي جانبولاد ، وكان واليأ علي حلب ، وعصي علي الدولة ، فانكسر الأمير علي ، واستولي مراد باشا علي حلب ، وسحب عيال الأمير علي ، وباع نساءه بيد الدلال ، وبيعت والدة الأمير علي بثلاثين قرشا (خطط الشام ما 254/2)

وفي السنة 1201 اعتدي الأعراب علي قافلة الحاج المصري ، وقتلوا الرجال ونهبوا الأحمال وسبوا النساء واسترقوهن ، فاستغاث الحجاج بأحمد باشا الجزار أمير الحاج الشامي ، فتكلم مع العرب في أمر النساء ، فأحضروهن عرايا ليس عليهن الا القمصان ، وأجلسوهن عرايا في مكان ، وخرج الناس أفواجا ، فكل من وجد امرأته أو أخته أو أمه أو ابنته ، اشتراها ممن هي في أسره ، وكذلك حصل في السنة 1202 حيث اعتدي الأعراب علي قافلة الحاج ونهبوها ، وسلبوا الحجاج حتي ملابسهم التي علي أبدانهم ، وسبوا النساء ، وأخذوا ما عليهن، ثم باعوهن لأصحابهن عرايا ( الجبرتي 12/2 55).

ص: 243

ص: 244

الفصل الثاني عشر: تعذيب المرأة بالضرب

ضرب الزبير بن العوام، زوجته أسماء بنت أبي بكر ، ضربا مبرحا ، حتي خلصها ابنه عبدالله بن الزبير ، من يده ( المحاسن والأضواء 118).

وفي السنة 25 ضرب يزيد بن نعيم الشيباني ، جاريته جهيزة ، علي أن تسلم ، فأبت ، ثم أسلمت من بعد ذلك ، وتفصيل القصة إن يزيد بن نعيم ، وهو والد شبيب زعيم الخوارج ، حضر مبيعا لسبي الروم ، فعرضت جارية حمراء طويلة جميلة ، تأخذها العين ، فاشتراها ، وسماها جهيزة ، ولما أدخلها الكوفة ، طالبها بأن تسلم ، فأبت ، فضربها، فازدادت عصيانأ ، فأبقاها علي دينها ، وحملت منه بشبيب ، وأحبت مولاها حبا شديدا ، وقالت له : إن شئت أجبتك إلي ما سألتني من الإسلام ، فقال لها : قد شئت، فأسلمت ، وولدت شبيبة وهي مسلمة ، ولما خرج شبيب علي ظلم الأمويين ، كانت أمه جهيزة، وامرأته غزالة ، معه في معسكره ، وكانتا معروفتين بالشجاعة، وفي إحدي معارك شبيب ، مع جنود الشام الذين أحضرهم الحجاج ، قتلت جهيزة ، وقتلت غزالة ، وانحاز شبيب إلي الأهواز ، حيث مات غرقا في السنة 77 ( الطبري 282/6 ووفيات الأعيان 455/2 ).

أقول : أبو الضحاك شبيب بن يزيد بن نعيم الشيباني ، أحد دهاة العالم ، كان بطلا من الأبطال ، عاش ومات ثائرة علي بني أمية ، وكان كما قال الجاحظ يصبح في جنبات الجيش إذا واجهه ، فلا يلوي أحد علي

ص: 245

أحد، ووجه إليه الحجاج خمسة قواد ، علي خمسة جيوش ، فقتلهم واحد بعد واحد ، ومرق جمعهم ، وبايعه الخوارج بالخلافة ، وخاطبوه بإمرة المؤمنين ، ومات غرقا بالأهواز ، كان يعبر الجسر ، فنفر به فرسه ، وعليه الحديد الثقيل من درع ومغفر ، فسقط في الماء ، فغاص، ثم ظهر وكان أخر ما قاله : ذلك تقدير العزيز العليم ، ثم غاص فغرق ( الاعلام 3/ 229).

وفي السنة 557 دخل ابن فضلان الفقيه ، علي أخت له كان لها زوج فمات ، فتزوجت قبل انقضاء عدتها ، فدخل إليها ابن فضلان فضربها ، فتقدمت امرأة في الدار لتخلصها منه ، فرفسها برجله ، ولكمها بيده ، فماتت المرأة ، وشكاه أهل المرأة ، فأنكر، وحلف . ( التنظيم 203/10 ).

وفي السنة 599 توفي السلطان غياث الدين أبو الفتح محمد بن سام الغوري ، صاحب غزنة وخراسان والهند، فخلفه أخوه شهاب الدين أبو المظفر محمد بن سام الغوري ، فلم يحسن الخلافة علي أفراد عائلة أخيه ، وكانت لغياث الدين زوجة كانت مغنية ، فهويها وتزوجها ، فلما مات غياث الدين ، قبض شهاب الدين عليها وضربها ضربا مبرحا ، وضرب ولدها بن غياث الدين ، وزوج أختها ، وأخذ أموالهم وأملاكهم ، وسيرهم إلي بلاد الهند ، فكانوا في أقبح صورة ، وكانت قد بنت مدرسة ودفنت فيها أباها وأمها وأخاها ، فهدم المدرسة ، ونبش قبور الموتي ، ورمي بعظامهم منها . ( ابن الأثير 181/12 ).

وفي السنة 607 اتهم شخص اسمه علي بن السلار ، ويعرف بابن الدخينة ، بحادث سرقة أموال ، فاعتقل ، وزوجته وابنه ، وبناته ، وعذبوا، فماتت زوجته تحت الضرب. ( الذيل علي الروضتين 76).

وضرب الأمير جمال الدين أقوش الأشرفي (ت 736) جارية السلطان ، امرأة بكتمر الحاجب ، ستمائة عصا ، وسبب ذلك لأنها اختلفت مع ضرتها وهي ابنة أقوش ، من أجل الميراث ( الوافي بالوفيات 339/9 ).

ص: 246

وكان أبو جعفر محمد بن أبي العباس السفاح ، يلي البصرة ، ثم استعفي منها ، وقدم بغداد فمات بها ، فصرخت امرأته البغوم بنت علي بن الربيع : واقتيلاه، فضربها رجل من الحرس بجلويز علي عجيزتها ، فتعاوره خدم لمحمد ، فقتلوه ، فطل دمه . ( الطبري 25/8 ).

وكانت لبابة بنت جعفر بن أبي جعفر ، تحت الهادي ، فكلمته يوما

بإدلال ، فوثب عليها وضربها ضربة موجعة . ( المحاسن والأضداد 118)

وفي السنة 196 لما وثب الحسين بن علي بن عيسي بن ماهان بالأمين وحبسه في قصر أبي جعفر بالمدينة ( مدينة المنصور ) وثب العباس بن موسي بن عيسي بأم جعفر ( زبيدة أم الأمين )، وأمرها بالخروج من قصرها إلي مدينة أبي جعفر فأبت ، فدعا لها بكرسي ، وأمرها بالجلوس فيه ، وقنعها بالسوط ، فجلست فيه ، وأمر بها فأدخلت المدينة ، وضمت إلي ولدها الأمين . ( الطبري 429/8 ).

ودخل أحدهم علي عنان ، وقد تناولها سيدها بضرب شديد ، وهي تبكي ، فقال : ( المحاسن والأضداد 97).

إن عنان أرسلت دمعها****كالدر إذ ينسل من سمطه

فقالت عنان :

فليت من يضربها ظالما****تجف يمناه علي سوطه

وهربت عريب المأمونية ، من صاحبها عبدالله بن إسماعيل المراكبي ، فبت عليها العيون ، حتي إذا أمسك بها ، ضربها مائة مقرعة . (الاغاني 63/21)

وكانت شارية جارية إبراهيم بن المهدي ، إذا أضطربت في صوت ، عاقبها بأن أقامها علي رجليها عندما تغنيه ، فإن لم تبلغ الذي يريد ، ضربت جاريته الثانية ريق . ( الأغاني 10/16 ).

ص: 247

وثمة قصة بالغة الطرافة ، جلدت فيها اميرة عباسية ، الحد، وهي أم أبيها بنت هارون الرشيد ، جلدها أخوها أبو إسحاق ( المعتصم ) بأمر من أخيها ( المأمون ) لأنها قذفت أخاها أبا علي بن الرشيد ، وقالت : إنه لم يلده الرشيد ، وإنما هو ابن فلان الفراش ، وتفصيل القصة أن الرشيد اشتري في يوم واحد جاريتين هما : شكل، وشذر ، فولدت شذر أم أبيها ، وولدت شكل، أبا علي ، وتحاسدت شكل وشذر ، وبلغت بهما العداوة أمرا عظيمة ، وماتتا ، واستمرت العداوة بين أم أبيها ، وأبي علي ، وأراد المأمون أن يصلح بينهما ، فجلس يوما وعمه إبراهيم وابنه العباس وأخوه أبو إسحاق ( المعتصم ) ، ووجه فاحضر أم أبيها ، وعاتبها علي عداوتها لأبي علي ، وهي مطرقة لا ترد جواب ، ولما دخل أبو علي إلي المجلس ، تنقبت أم أبيها ، فقال لها المأمون : كنت مسفرة، فلما حضر أخوك تنقبت ؟ ، فقالت : والله يا أمير المؤمنين ما هو لي بأخ ، ولا للرشيد بابن ، وما هو إلا ابن فلان الفراش ، فأمر المأمون، أخاه أبا إسحاق، فجلدها حدأ، فقالت : سوءة يا أمير المؤمنين ، أن تحد أختك لابن الفراش ، وسننت علي بنات الخلفاء الحد ، ونهضت فقال المأمون : قاتلها الله ، لو كانت رجلا ، لكانت أقعد بالخلافة من كثير من الخلفاء . ( الديارات 35- 37).

وكانت فريدة حظية الواثق العباسي ، فلما استخلف المتوكل ، وكان عدوا لأخيه ، أحضر فريدة ، وأمرها أن تغتي ، فأبت ، وفاء للواثق ، فأقام علي رأسها خادمأ، وأمره أن يضرب رأسها أبدأ ، أو تغني ( الأغاني 115/4)

وفي السنة 227 خرج ابو حرب المبرقع بفلسطين ، وكان سبب خروجه أنه كان غائبا ، وأراد أحد الجند أن ينزل في داره ، فمانعته إحدي محارمه في ذلك، فضربها بسوط كان معه ، فاتقته بذراعها ، فأثر فيه ، فلما رجع أبو حرب ، وعلم بما حصل ، أخذ سيفه ، وذهب الي الجندي ، فقتله ، وخرج

ص: 248

علي السلطان ، وجمع مائة الف محارب . ( الطبري 116/9 -118).

وكان لابنة من بنات محمد بن راشد الخناق ، لحية وافرة ، فدخلت مع نساء متنقبات إلي بعض الأعراس ، لتري العرس، وجلوة العروس ، ففطنت لها امرأة ، فصاحت : رجل ، والله ، فأقبل الخدم والنساء عليها بالضرب ، فلم تكن لها حيلة ، إلا الكشف عن فرجها ، فنزعن عنها ، وقداكادت تموت . ( الحيوان للجاحظ 115/1 ).

أقول : كان محمد بن راشد الخناق صديقأ لإسحاق بن إبراهيم المصعبي ، أمير بغداد ، خصيصا به ، أثيرا عنده ، راجع بشأنه كتاب الديارات للشابشتي 41-42.

وذكر الجاحظ، أن إسماعيل بن غزوان البصري ، شد جارية له ، علي سلم ، وضربها مائة سوط ، فقال له أبو إسحاق إبراهيم النظام : أشهد بالله ، إنك لضبع، راجع تفصيل القصة في كتاب الحيوان للجاحظ 117/5 -118).

ولما عزل الوزير الفرات عن الوزارة ، وقبض علي ولده المحسن ، قبض علي دنانير ورهبان جاريتي زوجة المحسن ، وضربهما ابن بعد شر ضربا مبرحا ، فأقرتا علي فرش وثياب صحاح ومقطوعة، كانت مودعة عند بعض التجار بسوق العطش ( الوزراء للصابي 69).

وكان أبو العباس الخصيبي في السنة 312 لما قبض علي الوزير ابن الفرات علي ديوان ضياع السيدة أم المقتدر ( تجارب الأمم 143/1 )، وكان قد وقف علي مكان زوجة المحسن ، وهي بنت جعفر بن الفرات ، وأمها حنزابة ، فسأل أن يولي النظر في أمرها واستخراج مالها ، فاستخرج منها سبعمائة ألف دينار ، فتمهدت له بذلك حال جليلة عند المقتدر ، ورشح للوزارة ( تجارب الأمم 141/1 )، فلما وقف أمر الخاقاني الوزير، أشارت السيدة والخالة ( خالة المقتدر) باستيزار أبي العباس الخصيبي فوژر ( تجارب

ص: 249

الأمم 143/1 )، ثم وقف أمره ، فقبض عليه في السنة 314 وتقلد الوزارة علي بن عبسي ( تجارب الأمم 149/1 ) ، وظهر أن الخصيبي ضرب النساء والحرم بالمقارع ، وأسلم زوجة المحسن إلي أفلح ، وهو شاب جميل الوجه فتزوج بها وهي في الحبس ، وأنه ضرب دولة أم ولد الوزير أبي الحسن بن الفرات بحضرته، كما ضرب ولدها الحسن بن أبي الحسن بن الفرات ، وقد عاب عليه علي بن عيسي هذه التصرفات وقال له : كيف أستجزت في الدين والمروءة ضرب حرم المصادرين؟، فلم يحر جوابا ( تجارب الأمم 155/1 وابن الأثير 165/8 ).

وفي السنة 317 خلع المقتدر من الخلافة ، وبويع أخوه القاهر، وبعد يومين أعيد المقتدر إلي الخلافة ، وأحضر القاهر أمامه يبكي ويتوسل إليه أن يحفظ حياته ، فقال له المقتدر : لا يصل أحد إلي مكروهك وأنا حي ، ثم أسلمه إلي والدته ، فأحسنت إليه ، وأكرمته ووسعت عليه في النفقة ، واشترت له السراري والجواري ، وبالغت في إكرامة والإحسان إليه ( ابن الأثير 207/8 ) ،فلما قتل المقتدر في السنة 320 واستخلف القاهر ، أحضر والدة المقتدر ، وكانت مريضة ، قد أنهكها الحزن لفقد ولدها وسألها عن مالها ، فأعترفت له بما عندها من المصوغ والثياب ، فضربها أشد ما يكون من الضرب ، وعلقها برجلها وضرب المواضع الغامضة من بدنها ( ابن الأثير 245/8 ) ثم أخذها علي بن يلبق ، وهي شديدة القلة لحزنها وللضرب الذي نالها من يد القاهر ، فأكرمها علي ، وبقيت عند والدته مكرمة مرفهة ، أياما وماتت ( ابن الأثير 251/8 ).

وفي السنة 378 ضرب شكر الخادم ، جاريته الحبشية ، فغضبت وأخبرت السلطات بمكانه ، وتفصيل ذلك إن شكر الخادم ، كان أخص الناس بعضد الدولة البويهي ، وأقربهم إليه ، وكان يرجع إليه في قوله ، ويعول عليه ، وكان شكر منحرفا عن شرف الدولة في حياة أبيه ، فلما توفي عضد

ص: 250

الدولة ، قام شكر بأمر صمصام الدولة ، فازداد شرف الدولة حقد عليه ، ولما انحل أمر صمصام الدولة ، اختفي شكر عند رجل بزاز في رحبة خاقان ببغداد ، فلما مضت مدة أحضر شكر جارية له حبشية ، كان يثق بها ، وطلب منها أن تتولي خدمته ، وكانت هذه الجارية ، قد علق قلبها بهوي ، فكانت تغيب عن شكر في اكثر الأوقات الي حيث هواها ، وضجر شكر منها ، ومنعها من الخروج فلم تمتنع ، فضربها ، فأصاب وجهها، فخرجت من الدار غضبي ، ومضت إلي باب شرف الدولة ، وصاحت : نصيحة ، وأخبرتهم بموضع شكر الخادم ، فهجموا عليه وأخذوه ، وحمل الي شرف الدولة ، فاستوهبه نحرير الخادم ، وأخذه إلي داره ، وأحسن اليه ، وخرج إلي الحجاز للحج ، ثم عدل إلي مصر ، واستقر عند صاحبها ، لزيادة التفصيل راجع ذيل تجارب الأمم 145- 147 وابن الأثير 57/9 وكتاب نشوار المحاضرة وأخبار المذاكرة للتنوخي ج 4 ص 97 رقم القصة 4/ 45.

وفي السنة 382 قبض صمصام الدولة البويهي علي وزيره أبي القاسم العلاء بن الحسن ، وعلي كتابه ، وحواشيه ، وعلي ابنته زوجة العلوي الرازي ، وطولبوا أشد مطالبة ، وعوقبوا أشد معاقبة ، حتي تلفت أبنته ، وجماعة من أصحابه تحت الضرب ( ذيل تجارب الأمم 247).

أقول : ابو القاسم العلاء بن الحسن ، من كبار الموظفين في دولة بني بويه ، واستوزره شرف الدولة في السنة 374 ، فلم يعن العناية المطلوبة بارضاء الحاشية ، فأفسدوا رأي شرف الدولة فيه ، فاعتقله وأخاه ، ثم أطلقهما بعد أشهر . وفي السنة 375 وافي مع شرف الدولة الأهواز ، ثم امتد إلي البصرة حيث وطد أمورها لشرف الدولة ، ثم عاد إلي شيراز ، ولما اعتقل شرف الدولة أخاه صمصام الدولة ، حبسه في إحدي القلاع تحت إمرة العلاء ، ولما مرض شرف الدولة ، أنفذ من يسمل عين صمصام الدولة ، فلما بلغ الرسول القلعة ، كان شرف الدولة قد مات ، فتوقف الموكل بالقلعة عن

ص: 251

تمكين الرسول من تنفيذ الأمر ، إلي أن أمره العلاء بن الحسن بإنفاذ الأمر ، فكان صمصام الدولة يقول : ما سملني إلا العلاء ، لأنه أنفذ في أمر ملك قد مات ، ولما مات شرف الدولة تحير العلاء ، فكاتب صمصام الدولة ، وكاتب أبا علي بن شرف الدولة ، علي أن يبذل الطاعة لمن يصل أولا ، ووصل أبو علي ، ووقعت فتنة بين جنده الأتراك والديلم ، فانصرف عن شيراز ، ووافي صمصام الدولة ، ولكن القائد فولاذ غلب علي أمره ، فانحاز العلاء إلي الري ، وأخذ كل من العلاء وفولاذ يدس لصاحبه ، حتي تغلب العلاء ، وقر فولاذ ، فتبسط العلاء في الأمور ، وغلب علي أمر صمصام الدولة ووالدته ، فبالغ في إرضاء الحاشية ، ولكن فساد أمور الدولة أدي إلي نقص الأموال ، فلم يتمكن من إرضاء جميع أفراد الحاشية ، فأئتمروا به ، وأغروا به صمصام الدولة ، فقبض عليه ، وعلي كتابه ، وحواشيه ، وعلي أهله ، وابنته زوجة العلوي الرازي ، وطالبوا أشد مطالبة ، وعوقبوا أشد معاقبة ، حتي تلفت ابنته وجماعة من أصحابه تحت الضرب ، وبقي العلاء معتقلا في بعض المطامير لا يعرف له خبر ، إلي قبض صمصام الدولة علي من حل محله ، فعاد إليه ، وأمر به فأخرج من سجنه ، وقد ضعف بصره ، وصار إلي دار السيدة أم صمصام الدولة ، فعولج ، ثم خلع عليه ، ورد إلي الوزارة ، ولكن نيته لم تخلص لصمصام الدولة ، بعد ما لحق به وبابنته وأهله ، فإنه أهلك الدولة بإقطاعات وزيادات وتمزيق للأموال وتسليم للأعمال ، ومات العلاء في السنة 387 بالأهواز ، للتفصيل راجع ذيل تجارب الأمم 101، 123، 150 ، 160 ، 163 ، 173 ، 190 ، 200، 246 و 247، 249 .

وفي السنة 386 أمر الوزير عيسي بن نسطورس (ت 387) بضرب امرأة ثكلي ، فضربت حتي سقطت علي الأرض ، وسبب ذلك ، إن بعض سفن الأسطول بمصر ، احترقت ، فاتهم العامة الروم النصاري باحراقها ، وثاروا بهم ، فقتلوا منهم مائة وسبعة رجال ، ونهبوا أموالهم ، فأعلن الوزير

ص: 252

عيسي بن نسطورس أنه يجب رد ما نهب ، وتوعد من تقاعس عن ذلك بالعقوبة الشديدة ، ثم جمع من إتهم بالإشتراك في النهب ، ونثر عليهم رفاعة ، في بعضها الضرب ، وفي بعضها القتل ، وأمضي في كل واحد منهم ، العقوبة المدونة في الرقعة ، ولما أخذ الوزير في السنة 387 ليقتل حسب ما أمر به الحاكم الفاطمي ، قال : إن الله لا يظلم أحدا ، والله إني الأذكر ، وقد ألقيت في السنة 386 أوراقأ علي بعض المتهمين بالنهب ، وكان في بعضها القتل ، وفي بعضها الضرب ، فأخذ شاب ممن كان فيهم رقعة كان فيها القتل ، فأمرت بقتله ، فصاحت أمه ولطمت وجهها ، وحلفت إنها وابنها ما كانا ليلة النهب في شيء من أعمال مصر ، وإنما وردا إلي مصر بعد النهب بثلاثة أيام ، وناشدتني الله تعالي أن أجعله ممن يضرب بالسوط ، وأن يعفي من القتل ، فلم ألتفت إليها ، وأمرت بضرب عنقه ، فقالت أمه : إن كنت لا بد قاتله ، فأجعله آخر من يقتل ، لأتمتع به ساعة ، فأمرت به ، فجعل أول من ضرب عنقه ، فلطخت بدمه وجهها ، وسبقتني إلي القصر ، وهي منبوشة الشعر ، ذاهلة العقل ، فلما وافيت ، قالت لي : قتلته ، كذلك يقتلك الله ، فأمرت بها فضربت حتي سقطت إلي الأرض، ثم ترون الآن ماترون، راجع خبر مقتله في هذا الكتاب في الباب الحادي عشر (القتل) في الفصل الأول ( القتل بالسيف ) ، في القسم الأول ( القتل فتكأ ) . ( خطط المقريزي 196/2 ).

وفي السنة 415 قبض علي الشيخ العميد محسن بن بدوس ، وهو في ديوانه بالقاهرة فاعتقل، وأخرج بالعشي إلي مجاز القصر الكبير ، فضربت عنقه ، وهو يصيح ويستغيث ويقول : والله ، ما خنت ، ولا سرقت ، ولا غششت ( اخبار مصر للمسجي 59 ) ثم اشتدت المعاقبة علي جواريه ، وطولبن بأمواله ، وضربن ضربا شديدا ( اخبار مصر للمسجي 70 ).

وفي السنة 781 ظهرت في القاهرة أعجوبة ، خلاصتها أن حائطأ تكلم

ص: 253

في دار أحد الشهود واسمه أحمد الفيشي ، فقال له : اتق الله وعاشر زوجتك بالمعروف ، واشتهرت القصة عند أهالي القاهرة ، فقصدوا الدار ، وكان الحائط يكلمهم ، فأفتتن به الناس ، وكادوا أن يعبدوه، فأحضر المحتسب المرأة وزوجها ، وهذه المرأة بالضرب ، فأعترفت له أن الكلام من صنعها ، وأنها اضطرت لذلك ، لأن زوجها كان يسيء معاملتها ، وكان معها شخص من الفقراء اسمه عمر بن الركن ، فرسم الاتابكي برقوق ، بضرب الرجلين بالمقارع، وضرب المرأة بالعصي نحو ستمائة ضربة ، وأمر بهم فسمروا الثلاثة علي جمال ، وشهروا بالقاهرة فبكي الناس علي المرأة ، لأنها أركبت علي جمل ، ويداها مستمرة علي الخشب ، وهي بازارها ونقابها ، ولم يعهد قط أن امرأة سمرت علي جمل . ( بدائع الزهور 247/28 ).

وكان الملك المنصور حاجي (ت 800) من الظالمين القساة ، وكان إذا ضرب إحدي جواريه ، يتجاوز ضربه لها الخمسمائة عصا، وكان السلطان برقوق إذا سمع صياح الجارية ، بعث يتشفع لها ، فيضطر المنصور أن يتركها، ولجأ أخيرة إلي حيلة ، وهي أنه إذا باشر بضرب إحدي الجواري ، أمر فرقة الموسيقي عنده ، فعزفت ، فلا يسمع صباح الجارية ، وعلم الملك الظاهر بذلك ، فصار كلما سمع عزف الموسيقي ، أرسل يتشفع في الجارية المضروبة . ( النجوم الزاهرة 11/ 380 و 381) .

وفي السنة 836 توقي الأمير منكلي بغا الصالحي، وكان قد ولي حسبة القاهرة ، في أيام المؤيد ، فشدد علي النساء ، والظاهر إنه كان يعذب النساء بالضرب حتي قيل : ( الضوء اللامع 173/10 ).

لا تمسك طرفي****منكلي خلفي

علقتو مائتين**** قبل ما يعفي

وفي السنة 1013 لما حصل الإختلاف بين نصوح باشا ، والي حلب ، وبين حسين باشا جانبولاد الذي عين خلفا له ، أخذ نصوح باشا بنت الحسين

ص: 254

باشا ، وضربها، فلما حصل الصلح بينهما ، ألزموا نصوح باشا ، بأن يبدأ بزيارة حسين باشا ، باعتباره المعتدي لأنه ضرب إبنة حسين باشا ، فذهب إليه وصالحه ( اعلام النبلاء 228/3 و 229) .

وممن عوقب بالضرب والحبس ، من النساء ، الأميرة الهندية جهان بيكم ، إبنة الأميرة سكندر بيكم أميرة بهوبال في الهند، فإن الأميرة جهان بيكم قابلت في بيت أحد أقاربها أميرة من أمراء البيت المالك في دهلي ، أراد الإقتران بها ، وبلغ ذلك أنها الأميرة سكندر بيكم ، فأمرت بابنتها ، فضربت ضربا مبرحا وحبستها في غرفتها أشهرا ( أعلام النساء 201/2 ).

أقول : إن الأميرة جهان بيكم ، خلفت والدتها سكندر بيكم في حكم إمارة بهوبال ، علي أثر وفاة الوالدة في السنة 1285 ه- 1868 م ، وكانت أمها سكندر بيكم قد حجت ، ودونت ما جري لها في حجها ، في كتاب الفته بالانكليزية سمته : الحج إلي مكة Piligrimage to Macca ، ولم يطبع الكتاب في حياتها ، وإنما طبعته ابنتها بعد وفاتها ، وقدمت للكتاب مقدمة أهدت الكتاب بموجبها إلي الملكة فكتوريا ، ملكة بريطانيه ، وعندي ، في مكتبتي ببغداد نسخة من هذا الكتاب ، وهو كتاب ممتع جدا .

وفي السنة 1235 سافر إبراهيم باشا بن محمد علي باشا ، إلي القليوبية والمنوفية والغربية ، يطالب ببقايا الخراج ، فإذا في المطالبون ، قبض إبراهيم باشا علي من وجده من النسوة ، وضربهن ، وحبسهن ( الجبرتي 611/3 ).

وفي السنة 1247 لما عزل داود باشا، وأسر ، وحل محله ببغداد ، الوزير علي رضا باشا اللاز ، واليا علي العراق ، انتصب لظلم الناس إثنان ، الملا علي الخصي ، ومحمد الليلاني ، وكانا من أشد الناس قسوة ، وقد عذبا حتي النساء ، ومن جملة من عذباه ، زوجة رضوان اغا ، ممن قتل من أنصار داود باشا ، إذ ضربوها بالفلقة ، وكووا بدنها بالسيخ المحمي ( تاريخ العراق للعزاوي 13/7 ) .

ص: 255

ص: 256

الفصل الثالث عشر: تعذيب المرأة بالحبس

كان معاوية بن أبي سفيان ، أول من مارس في الاسلام ، تعذيب النساء البريئات بالحبس ، إنتقاما من أزواجهن ، وقد أسلفنا إنه لما صالح الحسن ، اشترط علي نفسه أن لا يؤاخذ أحدا من أصحاب علي ، بما كان منه قبل المصالحة ، فلما تمكن ، تتبع من كان من أنصار علي ، فقر منه عمرو بن الحمق الخزاعي ، فاعتقل امرأته ، وحبسها في سجنه بدمشق ( بلاغات انساء 64 والديارات 179 و 180 ).

ولما حبس عبد الله بن الزبير ، محمد بن الحنفية ، في سجن عارم ، بعث المختار الثقفي جندة من العراق ، فكسروا باب السجن ، وأطلقوه ، فلما آستولي ابن الزبير علي العراق ، أمر أخاه المصعب ، أن يعتقل نسوة أولئك الجنود ، وأن ينفيهن عن بلده ( الاغاني 150/15 ).

ولما بلغ المختار ، أمير الكوفة ، أن عبيد الله بن الحر الجعفي ، قد أغار علي الأنبار ، بعث إلي داره فهدمها ، وإلي امرأته أم سلمة بنت عبدة بن الحليق الجعفية ، فحبسها في السجن ، فجاء ابن الحر في مائة وثلاثين من أتباعه ، فدخل الكوفة ، وأخرج امرأته من السجن ، وأطلق كل من كان فيه ( انساب الأشراف 293/5 و 294 ).

وفي السنة 126 في عهد هشام بن عبد الملك ، حصلت حرائق بالشام ، فاتهم أميرها ، آل خالد القسري ، فأمره هشام أن يعتقل آل خالد ،

ص: 257

ومواليهم ، حتي النساء ، فقدم بأولاد خالد بالجوامع ( جمع جامعة ، وهو القيد الذي يجمع اليدين إلي العنق ) ، ومن كان معهم من مواليهم ، وحبس أم جرير بنت خالد ، والرائقة ، وجميع النساء والصبيان ، ثم ظهر إن الحرائق من صنع آخرين ، فأخلي سبيل آل خالد . ( الطبري 255/7 و 256 ).

ولما خالف الحارث بن سيرج ، أمراء خراسان ، اعتقلوا أهل بيته وحبسوهم ، فلما عاد إلي مرو في السنة 127 ، أطلق له نصر من كان معتقلا من أهله ، ومنهم ولده محمد ، وبنتيه الألوف ، وأم بكر ( الطبري 309/7)

وفي السنة 187 قتل الرشيد جعفر البرمكي ، وحول الفضل أخوه ليلا فحبس في ناحية من منازل الرشيد، أما أبوهما يحيي فحبس في منزله ، ثم حبس الفضل ويحي ومحمد في دير القائم ، وجعل عليهم حفظة من قبل مسرور الخادم وهرثمة بن أعين ، وصير معهم زبيدة بنت منير أم الفضل ، ودنانير جارية يحيي ( الطبري 296/8 و297 ) .

وفي السنة 203 علم ابراهيم بن المهدي ، وكان قد بويع ببغداد ، بأن قائده عيسي بن محمد بن أبي خالد يفاوض قائد جيش المأمون في الإنحياز إليه ، فقبض عليه وضربه وحبسه ، وبعث إلي منزله فأخذ أم ولده وصبيانا له صغارا فحبسهم ( الطبري 569/8 و571 ).

وكانت عريب المأمونية ، تتعشق محمد بن حامد ، وكانت تلقاه في الوقت بعد الوقت ، فلما وقف المأمون علي خبرها مع محمد بن حامد ، أمر بالباسها جبة صوف ، وختم زيقها ، وحبسها في كنيف مظلم شهرة لا تري الضوء ، يدخل إليها خبز وملح وماء من تحت الباب في كل يوم ، ثم ذكرها ، فرق لها ، وأمر باخراجها ، وظلت علي محبة محمد بن حامد ، فزوجه المأمون بها ( الاغاني 68/21 - 69 ).

ص: 258

وفي السنة 235 أطلقت من حبس سامراء ، خالة لإبن البعيث ، فلما أطلقت ، وخرجت من السجن ، ماتت فرحا من يومها ( الطبري 171/9 ).

أقول : كان البعيث بن حلبس ، صعلوكا من صعاليك الوجناء بن الرواد ، صاحب قلعة شاهين ، من كورة أذربيجان ، ولما نشأ ولده محمد تغلب علي قلعة شاهي ، وهي حصينة في وسط بحيرة أورمية ، وعلي قلعة يكدر ، وهي خارج البحيرة، والقلعتان من نواحي أذربيجان ، وكان محمد بن البعيث مسالمة لبابك في أول حركته ، ثم أنحاز إلي جانب الجيش العباسي ، فلما ظفر الجيش العباسي ببابك وتمزقت جموعه ، حمل ابن البعيث إلي سامراء ، فحبس بها ، في حبس اسحاق بن ابراهيم المصعبي ، ثم أطلق بعد أن قدم ثلاثين كفيلا، وأقام بسامراء ، ثم هرب إلي مرند ، وجمع أتباعا يزيدون عن الألف ، وحضن مرند ، فبعث إليه المتوكل جيوشأ، فقلها جميعها ، فشير إليه بغا التركي علي رأس أربعة الاف ، وطال الحصار علي ابن البعيث ، فأستسلم جل أصحابه ، ونزلوا بالأمان ، واقتحم الجيش مدينته ، وأسره، وحصل في يد السلطان من حرمه ثلاث عشرة امرأة ، وقدم بغا بابن البعيث وبقية الاسري الي سامراء ، وأمر المتوكل بقتل ابن البعيث ، ثم استبقاه وحبسه ، وصير في عنقه مائة رطل ، فلم يزل مكبوبا علي وجهه ، حتي مات بعد شهر ، فتكلم بغا في ختن ابن البعيث ، واسمه أبو الأغر ، فأطلق ، وأطلقت خالة لابن البعيث ، فلما خرجت من السجن ، ماتت فرحة من يومها ( الطبري 164/9 ، 165 ، 170 ، 171).

وفي السنة 252 أوقع مفلح بعبد العزيز بن أبي دلف ، خارج همدان ، ودخل مفلح الكرج ، فأخذ جماعة من آل أبي دلف أسراء ، وأخذ نساء من نسائهم يقال أنه كان فيهم أم عبد العزيز ، فأوثقهم . ( الطبري 373/9 ) .

وفي السنة 255 لما ظهر صاحب الزنج علي بن محمد الورزنيني بالبصرة ، في أول أمره ، ودعا لنفسه ، طلبه الجند ، ففر منهم ، فأخذ جماعة

ص: 259

من أصحابه فحبسوا ، وكان ممن حبس ، ابن صاحب الزنج ، وزوجته أم ولده ، ومعها ابنة له ، وجارية له حامل ، وظلوا محبوسين ، حتي ظهرت فتنة البلالية والسعدية ، ففتحوا السجون وأطلقوا من فيها ، فتخلص أفراد عائلة صاحب الزنج وأصحابه فيمن تخلصوا ، فعاد إلي البصرة ( الطبري 412/9)

في السنة 255 لما ظهر صاحب الزنج ، وجد سميرية ، فأخذ الملاحين ، فأخبروه بأن عقيل الأبلي ، حملهم علي أتباعه قسرة ، بأن حبس نساءهم حتي اضطروا لأتباعه ، وأنه فعل ذلك بجميع من تبعه من الملاحين ( الطبري 423/9 )

وفي إحدي المعارك بين الجيش العباسي وصاحب الزنج ، دخل الجيش العباسي قصر صاحب الزنج ، وأخذوا حرمه وأولاده الذكور والاناث ، وأحرقوا داره ، وحمل أولاده ونساؤه ألي الموفقية في التوكيل ( أي الاعتقال ) ( شرح نهج البلاغة 206/8 ).

وفي السنة 300 قبض علي دستنبويه أم ولد المعتضد ، ولم يكن في دار الخليفة أجل منها ولا أكرم نفسا ولا انصف في معاملة ، تعطي التجار الأرباح الواسعة ، وكان لها عند المقتدر محل عظيم ، وكانت تنكد علي أم المقتدر ، وتدل بمحلها ومنزلتها التي كانت عند المعتضد، ففسد أمرها عند أم المقتدر ، وتم القبض عليها . ( العيون والحدائق ج 4 ص 1 ص 249).

وفي السنة 306 لما قبض المقتدر علي الوزير ابن الفرات وعلي أولاده وكتابه ، قبض علي دولة أم ولد ابن الفرات وعلي الحسن ابنها منه واعتقلوا . ( الوزراء للصابي 39).

ومما عيب علي أبي العباس الخصيبي أنه حبس بنت جعفر بن الفرات ، أرملة المحسن ، وعين علي الحبس شاب اسمه افلح ، فتزوج بها في حبسه . ( تجارب الأمم 155/1 ).

ص: 260

وفي السنة 319 نفر مؤنس من الوزير الحسين بن القاسم بن عبيد الله وزير المقتدر ، وخرج وجنده إلي باب الشماسية ( الصليخ )، وبعث بخادمه بشري برسالة إلي المقتدر ، فلما حصل في دار السلطان، قال له الوزير : هات الرقعة التي معك ، فقال له : ليس معي رقعة ، وإنما معي رسالة ، قال : فاذكرها ، قال : قد أمرت ألا أذكرها إلا للخليفة ، فوجه المقتدر إلي بشري ، يأمره أن يؤدي الرسالة الي الوزير ، فقال بشري : حتي أمضي إلي صاحبي وأستأذنه في ذلك وأعود ، فشتمه الوزير ، وشتم صاحبه ، وأمر به ، فضرب بالمقارع ، وحبسه ، ووجه إلي داره ، وقبض علي امرأته ، وصادرها ، وحمل ما في الدار . ( تجارب الأمم 222/1 ) .

ولما قبض القاهر علي مؤنس وبقية القواد ، وقتلهم ، سأل عمن يصلح للوزارة فدل علي أبي جعفر محمد بن القاسم بن عبيدالله، فاستوزره مدة قصيرة ثم قبض عليه وعلي أولاده وعلي حرمه وعلي أخيه ، فمات في حبسه . ( ابن الأثير 262/8 ).

وفي السنة 321 قبض القاهر علي مؤنس ، ويلبق ، وولده علي ، وابن مقلة وآخرين ، ووكل بحرمهم ، وأمر بنهب دورهم . ( ابن الأثير 256/8 ).

وكان المتقي الله قد أصعد إلي بني حمدان في الموصل ، ثم عاد إلي بغداد ، في السنة 333 فتلقاه توزون ، وأنزله في خيمته ، وقبض علي أمه ، وحاشيته ، ثم سملت عينه بحضرة « علم » قهرمانة خلفه المستكفي . ( تجارب الأمم 2/ 72 ).

وفي السنة 336 كان محمد بن عبد الرزاق عاملا علي طوس وأعمالها ، فخالف علي الأمير نوح الساماني ، صاحب خراسان وما وراء النهر ، فأمر نوح قائده منصور بن قراتكين ، بأن يسير إلي محمد بن عبد الرزاق ، وأن يطرده عما بيده من الأعمال ، فسار إلي نيسابور ، ثم إلي اسقوا ، وطرد

ص: 261

محمدا منها ، ثم قصد طوس وكان بها رافع بن عبد الزراق ، ففر رافع منها ، واحتمي بقلعة درك ، فحصره منصور ، فهرب منها ، ولما احتل منصور قلعة درك ، وجد بها عيال محمد بن عبد الرزاق ووالدته ، فانفذهم الي بخاري ، فاعتقلوا بها ( ابن الأثير 470/8 - و471).

وفي السنة 352 لما توفي الوزير المهلبي ، وزير معز الدولة البويهي ، قام أبو الفضل العباس بن الحسين الشيرازي ، وأبو الفرج محمد بن العباس بن فسانجس، باعتقال السيدة تجني ، زوجة الوزير المهلبي ، وطالباها بيان ما خلفه زوجها من أموال ومدخرات ، من أجل مصادرته ، فتلت في إخبارهما ، فأمرا بضرب ولدها أبي الغنائم ابن الوزير المهلبي ، بين يديها ، فبكي من عرفها مما يتم عليها ، وقالت : إن مولاي المهلبي فعل بي هذا، حتي استدعي الات العقوبة لزوجة أبي علي الطبري ، لما قبض عليها بعد وفاته ، ثم أذعنت ، واستدعت أبا العلاء بن أبرونا ، الطبيب النصراني ، وكان كاتب سر المهلبي ، وكان قد ضرب وعذب ، وطالبوه بأن يدلهم علي مخلفات المهلبي ، فلم يقر بشيء، فأحضر أبو العلاء ، محمو" في سبنية ( شبلية ) بين أربع فراشين ، لا يستطيع الحركة ، لما ناله من شدة الضرب ، فجعلت السيدة تسأله ، وهو يجيبها ، ويخبرها بمكان المخبات ، فقال له من حضر : ويحك ، ألست من الآدميين، تقتل هذا القتل ، ويفضي حالك الي التلف ، وأنت لا تقر ؟ فقال : يا سبحان الله ، أكون ابن أبرونا الطبيب الفصاد علي الطريق بدانق ونصف ، يأخذني الوزير أبو محمد ، ويصطنعني ، ويجعلني كاتب سه ، ثم أطلع الناس علي ذخيرة ذخرها لولده ؟ ما كنت الأفعل هذا ولو هلكت ، راجع القصة في نشوار المحاضرة للتنوخي ، تحقيق المؤلف ج 4 ص 123- 124 رقم القصة 58.

أقول : أبو الفضل العباس بن الحسين الشيرازي ، الذي اعتقل السيدة

ص: 262

تجني ، هو صنيعة الوزير المهلبي ، وزوج ابنته زينة وأمها السيدة تجني ، فأفت وتف .

وفي السنة 360 عزل عز الدولة بختيار البويهي ، وزيره أبا الفرج محمد بن العباس بن فسانجس ، وقبض علي حرمه وأسبابه ، راجع التفصيل في كتاب نشوار المحاضرة للقاضي التنوخي ، تحقيق المؤلف ج 2 ص 219 رقم القصة 113.

وفي السنة 431 أتهم باديس صاحب غرناطة ، أبا الفتوح ثابت بن محمد الجرجاني بالتآمر ضده ، ففر منه ، فقبض باديس علي زوجة أبي الفتوح ، وعلي ولديه الطفلين ، وحبسهم عند صاحب عذابه ، فاضطر أبو الفتوح إلي العودة مستسلمين إلي باديس ، ثم قتله ( الأحاطة) .

وفي السنة 440 توقي الملك أبو كاليجار ، وخلفه ولده الملك الرحيم ، واستولي أخوه أبو منصور علي شيراز ، فسير اليه الملك الرحيم جيشا ، فاستولي علي شيراز، واعتقل الأمير أبو منصور ووالدته . ( ابن الأثير 547/9 ۔ 548)

وفي السنة 451 انحدر البساسيري إلي واسط ، ومعه في أسره والذة الخليفة ووالدة الأمير أبي القاسم عدة الدين ، ووصال قهرمانة الخليفة، فلما قتل البساسيري، أنفذ السلطان من أحضرهن من واسط . ( المنتظم 211/8)

وفي السنة 459 حجت الحرة الصيلحية ، أسماء بنت شهاب اليمانية ، مع زوجها علي بن محمد الصليحي ، ملك اليمن ، فقتل زوجها في أم الدهيم ، وأسرها سعيد الأحول ، قاتل زوجها ، فأركبها في هودجها ، وجعل أمام الهودج رأس زوجها، ورأس أخ لزوجها قتل معه ، وأقامت في الأسر

ص: 263

ثمانية أشهر ، ورأس زوجها ، ورأس أخيه ، معلقان أمام طاقة دارها ، ثم علم ابنها بخبرها ، فأقبل في جيش ، وظفر بقتلة أبيه ، وأنقذ أمه من الأعتقال ( الاعلام 299/1 ) .

وفي السنة 493 وقعت معركة بين كمشتكين بن الدانشمند، صاحب ملطية وسيواس ، وبين بيمند الأفرنجي ، من مقدمي الإفرنج، وهو صاحب أنطاكية ، فانهزم بيمند، وأسر ، وفي السنة 495 أطلق الدانشمند سراح بيمند ، وأخذ منه مائة ألف دينار ، وشرط عليه إطلاق سراح ابنة باغي سيان الذي كان صاحب انطاكية ، وكانت في أسره ( ابن الأثير 435/10 ).

وفي السنة 493 وقعت حرب بين الإخوة بركياروق من جهة ، وسنجر ومحمد من جهة اخري ، وهم أولاد السلطان ملكشاه السلجوقي ، فأسر أصحاب بركياروق أم أخويه سنجر ومحمد ، فأكرمها ، وقال لها : إنما ارتبطتك ليطلق أخي من عنده من الأساري ، فانفذ سنجر من كان عنده من الأساري ، فأطلقها . ( المنتظم 113/9 ).

وفي السنة 496 توفيت بنت الخليفة القائم (توفي القائم سنة 467) وهي التي كان قد تزوجها السلطان طغرلبك ، وكان الخليفة المستظهر (470 - 487 - 512 ) قد ألزمها بيتها، لأنه أبلغ عنها أنها تسعي في إزالة دولته . ( ابن الأثير 366/12 ).

وفي السنة 555 توفي المقتفي ، وخلفه ولده المستنجد، فأمر بأخيه أبي علي ، فحبس ، وحبست معه أمه ، أتهمهما بأنهما حاولا اغتياله ، لما أشرف أبوه علي الوفاة . ( ابن الأثير 257/11 ).

وفي السنة 557 قبض علي ابن الشمحل، وحبس عند أستاذ الدار ، ونقل ما في داره ، وقبض علي زوجته بنت صاحب المخزن ابن طلحة. ( المنتظم 203/10 ).

ص: 264

ولما ثار الأمير هلاجون ، بمدينة لاهور ، علي السلطان محمد بن تغلق ، سلطان الهند ، وحاربه الوزير خواجه جهان، ودخل مدينة لاهور ، أخذ من نساء المخالفين نحو ثلثمائة امرأة ، وسجنه في حصن كاليور. ( مهذب رحلة ابن بطوطة 102/2 ).

وفي السنة 795 هاجم تيمورلنك بغداد ، ففر منها السلطان أحمد بن أويس وحريمه وحاشيته ، فأرسل تيمور وراءهم من يتبعهم ، ففاتهم السلطان أحمد، ووقع أسيرة في يد تيمور الأمير علاء الدولة ابن السلطان أحمد ، ونساء السلطان أحمد ، فاعتقلهم تيمور ، ونقلهم إلي سمرقند ( التاريخ الغياثي 187- 188).

وفي السنة 893 جهز السلطان يعقوب بن السلطان حسن الطويل جيشا لمحاربة الشيخ حيدر الصفوي ، فقتله ، وحبس أولاده علي وإبراهيم وإسماعيل ، وأمهم حليمة بيكم في شيراز . (تاريخ العراق للعزاوي 271 -270/3)

وكان الشيخ حيدر ابن عمة السلطان يعقوب ، لأن أم حيدر هي شقيقة السلطان حسن الطويل ( تاريخ العراق للعزاوي 272/3 ).

وغضبت الأميرة سكندربيكم ، أميرة بهوبال، بالهند (ت 1285ه- 1868 م) علي ابنتها الأميرة جهان بيكم ، لأنها قابلت في بيت أحد أقاربها ، أميرة من أمراء البيت المالك في دهلي ، جاء ليخطبها ، فحبستها في غرفتها عدة أشهر ، بعد أن ضربتها ضربا مبرحا . ( أعلام النساء 201/2 ).

وفي السنة 1327 اعتقل السلطان عبد الحفيظ، صاحب المغرب ، الفقيه أبا عبد الله محمد بن عبد الكبير الكتاني ، وحبسه وحبس معه جميع أفراد عائلته حتي النساء ، وكان سبب ذلك أن الفقيه لما بايعه اشترط عليه أن يتقيد بالشوري ، فحقدها السلطان عليه ، فعزم الفقيه علي مبارحة المغرب ،

ص: 265

ورحل بأهله جميعهم ، فأعاده السلطان بالأمان ، ثم غدر به فحبسه ، وحبس معه جميع أفراد عائلته حتي النساء ، ثم جلده، وحمل الي فاس الجديدة فمات فيها ( الأعلام 83/7 ).

وأدركت البغداديين ، وهم إذا تحدثوا عن امرأة أودعت السجن ، قالوا عنها : أخذوها لبيت كراوي ، وكان كراوي هذا مقيمة في الجانب الغربي من بغداد ، أي الكرخ ، وكانت الحكومة العثمانية في ذلك الحين ، تودع النساء المعتقلات في بيته ، وتؤدي له عن كل رأس ، عددا من القروش ، من أجل حفظ السجينة واطعامها . ( طرائف 946).

ص: 266

الفصل الرابع عشر: اشهار النساء

كان الإشهار أحد الوان العذاب التي تفرض علي النساء الماجنات ، ويكاد يكون مقصورة عليهن .

ولعل أول امرأة أشهرت في الإسلام ، علي ما ذكروا ، كانت أم أشعب الطماع ، إذ شهد عليها بالزنا ، فحلقت ، وأشهرت علي جمل، وأمرت أن تنادي علي نفسها ، فكانت تنادي : من رآني فلا يزنين ، فصاحت بها امرأة : يا فاعلة، نهانا الله عز وجل عن هذا ، فعصيناه ، فهل نطيعك أنت ، وأنت مجلودة ، محلوقة ، يطاف بك علي جمل ؟ ( الأغاني 135/19 - 137).

في السنة 467 تقدم ببغداد ، فخر الدولة، إلي المحتسب بالحريم ( حريم دار الخلافة )، بنفي المفسدات ، وبيع دورهن، فشهر جماعة منهن علي الحمير ، مناديات علي أنفسهن، وأبعدهن إلي الجانب الغربي ( المنتظم 294/8)

وفي السنة531 أشهر في أسواق بغداد أربع نسوة ، علي بقر السفائين ، مسودات الوجوه ، لأنهن شربن المسكر في الشط مع رجال ( المنتظم 69/10 ).

وفي السنة 559 شهرت امرأة ، تزوجت بزوجين ، ومعها أحدهما . ( المنتظم 208/10 ).

ص: 267

وفي السنة 781 رسم الأتابكي برقوق بالقاهرة ، فاشهرت امرأة ، أوهمت الناس بوجود أعجوبة في بيتها ، خلاصتها أن كلامأ يصدر من وراء أحد حيطانه ، فأركبت علي جمل ، ويداها مستمرة علي الخشب ، وهي بازارها ونقابها ، ولم يعهد قط أن امرأة سمرت علي جمل . ( بدائع الزهور 247/2/1)

وفي السنة 782 ظهر علي امرأة بالقاهرة ، أنها تروجت برجلين في وقت واحد، فشهرت علي جمل، وطيف بها في القاهرة ، وعلي رأسها طرطور احمر ، ونودي عليها : هذا جزاء من تتزوج رجلين في الإسلام . ( بدائع الزهور 254/2/1 ).

وأخذت امرأة أخري، في زنا ، وطيف بها مشهرة علي جمل ، ورآها بعض المجان ، فقال لها : كيف خلفت الحاج ؟ قالت : بخير ، وقد كانت أمك معنا ، فخرجت في النفر الأول. ( الملح والنوادر للحصري 93).

وفي السنة 923 بعد مبارحة السلطان سليم القاهرة ، أشهروا أربع نسوة علي حمير ، ووجوههن ملطخة بالسواد، قيل أنهن كن يجمعن عندهن جماعة من التراكمة في رمضان ، ويعرصن ، عليهم مع النساء الأجانب . ( بدائع الزهور 211/5 ).

ص: 268

الفصل الخامس عشر: انتحار المرأة

الانتحار عند العرب ، من الأمور النادرة ، وهو ما بين النساء أندر .

وأول ما ورد إلينا من أخبار انتحار المرأة ، ما تناقله الرواة عن انتحار الباء ، ملكة تدمر والجزيرة ، وقد وليت تدمر بعد مقتل أبيها ، فهزمت الرومان ، وقتلت جذيمة الأبرش ، فأحتال ابن أخته عمرو بن عدي ، حتي اقتحم عليها قصرها ، وهم بقتلها ، فامتصت سما ، فماتت ، وقالت الكلمة التي ذهبت مثلا : بيدي ، لا بيد عمرو ( الاعلام 71/3 ).

وفي السنة 89 فتح محمد بن القاسم الثقفي السند، وقتل ملكها داهر ، وكان في إحدي مدن السند امرأة لداهر ، فلما حصرها محمد ، خافت أن تؤخذ، فأحرقت نفسها، وجواريها، وجميع مالها ( ابن الأثير 538/4)

ونثبت في هذا البحث ، بإعجاب واحترام ، مصير فتاتين عربيتين عاشتا عيشة كريمة ، وماتتا ميتة نبيلة ، هما جميلة إبنة ناصر الدولة الحمداني ، وزينة ابنة الوزير أبي محمد المهلبي .

في السنة 371 انتحرت جميلة بنت ناصر الدولة الحمداني ، بأن ألقت نفسها من جسر بغداد إلي دجلة ، فغرقت نفسها ، وكانت مثلا من أمثلة الكرم والترفع وإسباغ المعروف ، وكانت شريكة أخيها أبي تغلب في الأمر والنهي ،

ص: 269

وحجت في السنة 266 فصارت حجتها تاريخأ، لأنها أقامت فيها من المروءة ، وفرقت من الأموال ، وأظهرت من المحاسن ، ونشرت من المكارم ، ما لا يوصف ، وذكر أنها وصلت إلي الحجاز ، ومعها أربعمائة عمارية لا يدري في أيتها كانت ، وأعدت معها خمسمائة راحلة للمنقطعين من رجالة الحاج ، وأستصحبت البقول مزروعة في مراكن الخزف ، فضلا عما سواها ، وسقت جميع أهل الموسم السويق بالسكر الطبرزد والثلج ، ونثرت علي الكعبة لما شاهدتها عشرة آلاف دينار، وأعتقت ثلثمائة عبد ، ومائتي جارية ، وخلعت علي الناس خمسين ألف ثوب ، وأغنت المجاورين بالصلات الجزيلة ، وكان عضد الدولة ، قد خطبها ، فترفعت عليه ، وأبت أن تتزوجه ، وضرب الدهر ضرباته ، واستولي عضد الدولة علي بلادها في الموصل ، فأفضت بها الحال إلي كل قلة وذلة ، وتكشفت عن فقر مدقع ، فلما وقعت في يد عضد الدولة ، تشفي منها ، وبالغ في إيذائها ، وطالبها بأموال ، وألزمها بأن تختلف إلي دار القحاب لتتكسب فيها ما تؤديه في مال مصادرتها ، فلما أبلغت بذلك ، انتهزت غفلة الموكلين بها ، وهم يعبرون بها الجسر ، وألقت نفسها في دجلة ، رحمها الله . ( لطائف المعارف 83).

وكانت زينة المهلبية ، قد انتقلت من عز إلي عز، من عز أبيها أبي محمد المهلبي ، وزير صاحب العراق ، إلي عز زوجها أبي الفضل العباس بن الحسين ، الذي وزر لصاحب العراق بعد أبيها المهلبي ، وكانت قد بلغ بها الحال ، أن اتخذت الجواري الأتراك حجابا لها في زي الرجال ، علي ما جري به رسم السلطان ، وكان لها كتاب من النساء ، مثل سلمي النوبختية ، وعائشة بنت نصر القشوري الذي كان حاجب المقتدر، وغيرهما من القهارمة ، ومن يتصرف في الأعمال تصرف الرجال ، وكان لها كرم وجود بالأموال ، فلما قبض علي زوجها أبي الفضل ، في وزارته الثانية لبختيار البويهي بن معير الدولة ، ووزر ابن بقية ، اختفت زينة ، وسائر أسبابها،

ص: 270

فجعلت عليها العيون في كل مكان ، وحمل زوجها الوزير إلي الكوفة ، فأقام يسيرا ومات ، ولم يزل بختيار يطلب زينة وأسبابها ، وكان سبب اختفائها منه إنه راسلها لما قبض علي زوجها ، يطلب منها أن تترك زوجها ، وأن تتزوج به ، فردت عليه أقبح رد ، وأنكرت ذلك ، فكان ذلك سببا لاختفائها ، وكان لها من الذخائر والودائع في أيدي جماعة ، مما كان يغني كثيرا من الناس ، فلما بلغ بها الأمر هذا المبلغ ، طمع كل واحد بما في يده ، وغدروا بها ، وبعد اليأس من العثور عليها ، طهر بظاهر الخلد ، بقرب محلة تعرف بالتسترين ، فرد محمل مغطي ، فيه امرأة في أخلاق ، وعند رأسها رقعة مكتوب عليها : زينة بنت الحسن بن محمد المهلبي الوزير ، فوافي القاضي أبو تمام الحسن بن محمد الهاشمي المعروف بالزينبي ، وكانت أختاها تحت ولديه أبي الحسن وأبي القاسم ، فحملها إلي داره ، وتوتي من أمرها ما يجب المثلها ، ودفنها في مقابر قريش ( الكاظمية ) (الملح والنوادر 279 ).

وفي السنة 479 حصر السلطان ملكشاه السلجوقي ، قلعة جعبر، وكان قد تحصن بها سابق بن جعبر ، ففتحها، وقتل عامة أهلها، وقبض علي سابق وأراد قتله ، فوقعت عليه زوجته ، وقالت : لا أفارقه ، أو تقتلوني معه ، فألقوه من أعلي السور ، فتكسر ، وقطع بالسيف إلي نصفين ، فألقت زوجته نفسها وراءه ، فسلمت ، فقال لها السلطان : ما حملك علي هذا ؟ فقالت : إنا قوم لم يتحدث عنا بالخنا ، فخفت أن يخلو بي الترك في القلعة ، فيقول الناس ما شاءوا ، فاستحسن ذلك منها . ( المنتظم 28/9 ).

وفي السنة 486 كان ابراهيم بن قريش بن بدران ، يملك الموصل، فحاربه تاج الدولة تتش بن ألب أرسلان ، فظفر تتش، وأسر ابراهيم وجماعة من أمراء العرب ، فقتلوا صبر ، وقتل كثير من نساء العرب أنفسهن ، خوفا من الفضيحة ( ابن الأثير 221/10 ) .

ص: 271

وفي السنة 500 حصر السلطان محمد بن ملكشاه السلجوقي ، قلعة شاه دز ، بالقرب من أصبهان ، وكان صاحبها أحمد بن عبد الملك بن عطاش ، رأس الباطنية ، ثم فتحها ، وأخذ ابن عطاش أسيرأ ، فشهره ، وسلخ جلده ، وحشاه تبنأ ، وقتل ولده ، أما زوجته فإنها ألقت نفسها من رأس القلعة ، فماتت منتحرة ( ابن الأثير 430/10 - 434 ).

ولما توفي السلطان خليل، الذي خلف جده تيمورلنك ، بالري ، عمدت زوجته شاد ملك ، إلي خنجر فنحرت به قفاها ، فماتت ، ودفنا في قبر و احد . ( تاريخ العراق للعزاوي 283/2 )

وروي لنا الفارس أسامة بن مرشد الكناني ( 488 - 584 ) ، قصة انتحار فتاة كردية اسمها رفول ، قال : كان في جند الجسر ، رجل كردي ، يقال له أبو الجيش ، له بنت اسمها رفول ، سباها الإفرنج ، وهو قد توسوس عليها، يقول لكل من لقيه : سبيت رفول ، فخرجنا من الغد ، نسير علي النهر ، فرأينا في جانب الماء سواد ، فقلنا لبعض الغلمان : اسبح ، أبصر ما هذا السواد ، فمضي إليه ، فإذا ذلك السواد رفول ، عليها ثوب أزرق ، وقد رمت نفسها من علي فرس الافرنجي الذي أخذها فغرقت ، وعلق ثوبها في شجرة صفصاف ، فسكنت لوعة أبيها أبي الجيش . ( الاعتبار 149 و150).

وفي السنة 618 لما تصادم جيش التتار ، مع جيش خوارزم شاه ، علي نهر السند ، انكسر خوارزم شاه جلال الدين ، وولي منهزمة ، وأسر له ولد طفل ، ابن سبع أو ثمان سنين ، فقتل بين يدي جنكيز خان صبرة ، وأبصر جلال الدين ، أمه ، وأم ولده ، وجماعة من حرمه ، علي شاطيء نهر السند ، فصرخن فيه : بالله عليك ، أقتلنا، أو خلصنا من الأسر ، فأمر بهن فغرقن في النهر ، وهو ينظر ، وهذه من عجائب البلايا ، ونوادر المصائب والرزايا ( المختصر في تاريخ البشر 150/3 ) .

ص: 272

وفي السنة 684 انتحرت امرأة في بغداد غرقأ ، بأن ألقت نفسها من الجسر إلي دجلة ، وسبب ذلك إن الأسعار غلت في بغداد فبلغ الكرمن الحنطة 180 دينارة وكر الشعير 100 دينار وبيع الخبز 3 أرطال بدرهم ، وباع القوم الضعفاء أولادهم ، وألقت امرأة نفسها إلي دجلة وكانت علي الجسر تطلب ، فلم يعطها أحد ، فآثرت إتلاف نفسها ( الحوادث الجامعة 446 ) .

ومما يدخل في بحثنا هذا ، ما كانت تصنعه النساء الهنديات ، من الانتحار باحراق أنفسهن بالنار ، إما مع أزواجهن ، وإما إذا ترملن ، وقد قض علينا ابن بطوطة في رحلته 9/2 و97 قصة هنديات انتحرن مع أزواجهن ، وفي رحلته 20/2 - 22 قصة هنديات ترملن فانتحرن باحراق أنفسهن بالنار .

فالقصة الأولي : إن أميرة مسلمة ، من اقرباء السلطان محمد بن تغلق سلطان الهند ، فر منه ، والتجأ إلي ملك هندوسي ، فطلبه السلطان منه فأبي أن يسلمه ، فحاربه ، فانكسر الهندوسي ، فحرص قبل كل شيء أن يوصل الأمير الذي التجأ إليه إلي مأمنه ، ثم انتحر هو ورجال حاشيته ، ونساؤهم ، بأن أجج نارة ، وكانت المرأة منهن تغتسل ، وتدهن بالصندل ، وتقبل الأرض بين يدي الملك ، ثم ترمي بنفسها في النار ، حتي هلكن جميعا. وأما الملك ورجاله ، فإنهم اغتسلوا ، ولبسوا سلاحهم واشتبكوا مع جيش السلطان في معركة ضارية استقتلوا فيها ، فقتلوا جميعا .

والقصة الثانية ، تتعلق بالأرملة ، تحرق نفسها بعد وفاة زوجها ، وهم إذا كانوا ببلد سلطان الهند المسلم ، استأذنوه في إحراقها ، فيأذن لهم ، فيحرقونها ، ويقول ابن بطوطة ، إن المرأة ، لا تكره علي إحراق نفسها ، بعد موت زوجها ، ولكنها إذا قامت بذلك أحرز أهلها شرفا بذلك ، ونسبوا إلي الوفاء ، ومن لم تحرق نفسها لبست خشن الثياب ، وأقامت عند أهلها بائسة ، ممتهنة ، لأنها تتهم بعدم الوفاء .

ص: 273

وروي قصة ثلاث نسوة ، تعاهدن علي أن يحرقن أنفسهن ، لما توفي أزواجهن ، فأقمن قبل ذلك ثلاثة أيام ، في غناء ، وطرب ، وأكل وشرب ، كأنهن يودعن الدنيا ، وتأتي النساء إليهن من كل جهة ، وفي صبيحة اليوم الرابع ، أركبوا كل واحدة منهن فرسأ ، وهي متزينة ، متعطرة ، وفي يمناها جوزة نار جيل تلعب بها، وفي يسراها مرأة تنظر فيها إلي وجهها، والبراهمة ، يجفون بها ، وأقاربها معها، وبين يديها الأطبال ، والأبواق ، والأنقار ، وكل إنسان من الكفار يقول لها : أبلغي السلام أبي ، أو أخي، أو أمي ، أو صاحبي ، وهي تقول : نعم ، وتضحك لهم .

قال : وركبت مع أصحابي ، لأري كيفية صنعهن في الإحتراق ، فسرنا معهن نحو ثلاثة أميال ، وانتهينا إلي موضع مظلم كثير المياه والأشجار ، متكاثف الظلال ، وبين أشجاره أربع قباب ، في كل قبة صنم من الحجارة ، وبين القباب صهريج ماء قد تكاثفت عليه الظلال ، وتزاحمت الأشجار ، فلا تتخللها الشمس ، ولما وصلن إلي القباب ، نزلن الي الصهريج ، وانغمسن فيه ، وجردن مما عليهن من ثياب وحلي ، فتصدقن به ، وجيء لكل منهن بثوب قطن خشن ، غير مخيط ، فربط بعضه علي وسطها ، وبعضه علي رأسها وكتفيها ، والنيران قد أضرمت علي قرب من ذلك الصهريج ، في موضع منخفض ، وصب عليها زيت الجلجلان ، فزادها أشتعالا ، وهناك نحو خمسة عشر رجلا بأيديهم حزم من الحطب الرقيق ، ومعهم نحو عشرة بأيديهم خشب كبار ، وأهل الأطبال ، والأبواق ، وقوف ينتظرون مجيء المرأة ، وقد حجبت النار بملحفة يمسكها الرجال بأيديهم ، لئلا يدهشها النظر إليها ، فرأيت إحداهن ، لما وصلت إلي تلك الملحفة نزعتها من أيدي الرجال بعنف ، وقالت لهم ، وهي تضحك : أبالنار تخوفونني ؟ أنا أعلم أنها نار محرفة ، ثم جمعت يديها علي رأسها خدمة للنار ، وألقت بنفسها فيها ، وعند ذلك ضربت الأطبال والأنقار والأبواق ، ورمي الرجال ما بأيديهم من

ص: 274

الحطب عليها، وجعل الآخرون ، تلك الخشبات من فوقها لئلا تتحرك ، وارتفعت الأصوات ، وكثر الضجيج .

وكان جزونت سنك ، من اكبر الشخصيات الحاكمة ، في عهد السلطان أورنك زيب ، سلطان الهند (1119-1098)، وكان يقيم بكابل، ومات بقرب حصن أتوك ، فصممت زوجته أن تحرق نفسها يوم وفاته عملا بعوائد الهندوس ، فمنعت من ذلك ، لأنها كانت حاملا بسبعة أشهر ، وتقدمت زوجته الأخري ، وسبع من جواريه ، وأحرقن أنفسهن ، ولما ولدت زوجته الأولي غلاما ، لم ترد أن تبقي بعد زوجها، رغما عن وجود رضيع لديها ، فأحرقت نفسها . ( الاسلام والدول الاسلامية في الهند 148).

ولهذه السيدة التي أصرت علي إحراق نفسها ، موقف عجيب من مواقف البطولة ، فإن زوجها جزونت سنك ، كان قائد جيش دارا ، أخي السلطان أورنك زيب، ونشبت بين الجيشين معركة، فانكسر جيش دارا، وآنفل جمعه ولما عاد القائد جزونت سنك إلي داره ، رفضت زوجته قبوله ، ورفضت أن تصدق أنه بذل كل ما في وسعه ، وقالت له : أن الراجبوتي ، وخصوصا من كان من عائلة مثل عائلتك ، يجب أن ينتصر ، أو يموت ، ورتبت جنازة ، ودارت بها في شوارع المدينة، معتبرة أن زوجها قد مات ، وبعد مرور مدة طويلة ، رضيت أن تغفر له زلته . ( الاسلام والدول الاسلامية في الهند 108)

ولما تسلطن ، في الهند، السلطان جلال الدين أبو الفتح محمد أكبر شاه ، ( حكمه 963-1014 ) كان من جملة إصلاحاته أن منع إحراق الأرملة إذا توفي زوجها الهندوسي ( الاسلام والدول الاسلامية في الهند 65).

وفي السنة 1390 (1970 م) نشرت الجرائد خبر انتحار أم ، انتحرت

ص: 275

بإلقاء نفسها من الطابق الأعلي ، في أحد مستشفيات روما ، بايطاليا ، وسبب ذلك أنها كانت قد أحضرت ولدها الشاب الذي فقد بصره ، إلي المستشفي ، لإجراء عملية ترقيع القرنية ، لإعادة بصره إليه ، فأخبرها الأطباء ، أن إجراء العملية غير متيسر ، إذ لا توجد في المستشفي قرنية جاهزة ، فطلبت منهم أن يقتطعوا قرئية إحدي عينيها لترقيع عين ولدها، فامتنعوا ، واعتذروا لها بأنه لا يجوز لهم إتلاف بصر إنسان ، لا صلاح بصر آخر غيره ، وأن علي ولدها الشاب أن ينتظر ، حتي تتيسر للمستشفي قرنية من شخص متوفي ، فما كان من الأم ، إلا أن صعدت إلي الطابق الأعلي في المستشفي ، وألقت بنفسها إلي الأرض ، فماتت منتحرة ، لكي يتيسر لولدها الحصول علي قرية عينها ، فضربت بعملها هذا مثلا من أرقي الأمثلة في التضحية والفداء .

وتذكرني هذه الواقعة ، والشيء بالشيء يذكر، بواقعة معاكسة لها، وقعت ببغداد في الأربعينات ، خلاصتها أن شخصا معدودة من بين المثقفين ، أقدم أحد أولاده ، علي الإنتحار بفصد عروق يديه ، ونقل الي المستشفي ، وهو لما به ، واحتاج الشاب إلي نقل دم ، فطلب الطبيب مدير المستشفي من أبيه أن يتبرع له بشيء من دمه ، فامتنع ، وأصر علي الامتناع ، فاشتد غيظ الطبيب منه ، وأسعفه ، بأن نقل إليه كمية من دمه ، أي دم الطبيب ، ونجا الشاب .

ص: 276

تعريف مرکز

بسم الله الرحمن الرحیم
هَلْ یَسْتَوِی الَّذِینَ یَعْلَمُونَ وَالَّذِینَ لَا یَعْلَمُونَ
الزمر: 9

عنوان المکتب المرکزي
أصفهان، شارع عبد الرزاق، سوق حاج محمد جعفر آباده ای، زقاق الشهید محمد حسن التوکلی، الرقم 129، الطبقة الأولی.

عنوان الموقع : : www.ghbook.ir
البرید الالکتروني : Info@ghbook.ir
هاتف المکتب المرکزي 03134490125
هاتف المکتب في طهران 88318722 ـ 021
قسم البیع 09132000109شؤون المستخدمین 09132000109.