الامام المهدي عليه السلام في عقيدة أهل السنة- أهل الشيعة - أهل التصوف والعرفان ويليه كتاب كبوة الواثب

اشارة

الامام المهدي عليه السلام

في عقيدة أهل السنة- أهل الشيعة - أهل التصوف والعرفان ويليه كتاب كبوة الواثب

تأليف : محسن بن جمعه بن محمد اللواتي

دارالحجه البيضاء بيرت. لبنان

خيرانديش ديجيتالي : انجمن مددكاري امام زمان (عج) اصفهان

ص: 1

اشارة

بسم الله الرحمن الرحيم

ص: 2

ص: 3

جميع الحقومه محفوظه

الطبعة الأوله

1430ھ/2009 م

الرويس - مفرق محلات محفوظ ستورز - بناية رمال

ص.ب: 14/5479-هاتف: 03/287179-01/541211

تلفاكس: .1/552847-E-mail: almahajja@terranetlb

www.daralmahaja.com info@daralmahaja.com

للطباعه والنسرة الترزيع

بيرت. لبنان

ص: 4

الامام المهدي عليه السلام

الإهداء

بسم الله الرحمن الرحيم

إلي الحقيقة المتفاعلة في حياة أهل العرفان والصوفية، إلي السبب المحمديالموصل بين السماوات والأرض، إلي بذل الروح الكلية والحجاب الأعظم القائم بين الحق والخلق، إلي الختم المنتظر وخاتم الأولياء، إلي مناغي اللطف والمأمور بتصحيح الفطرة الممزقة والمنحرفة عن جادة الحقيقة والشريعة، إلي الحمام وابن متوجي الهمم العالية، إلي مرشد مرشدي وهادي الروحي في غياهب الغيوب، إلي سيدي ومولاي الإمام الحجة محمد بن الحسن المهدي أهدي هذا العمل المتواضع فأرجو القبول سيدي...

تابعكم

محسن بن جمعة محمد اللواتي

ص: 5

ص: 6

التقديم

و إذا كان إهدائي هذا الكتاب لسيدي ومولاي ومرشدي الأعظم إلي ساحات العرفان الإمام الممكن المهدي الهادي، المتحلي بحلية آبائه وحلية الباب المعظم وحلية مدينة علوم الأكوان كلها سيدنا الرسول الأعظم اللهم صلي وسلم وباركعليهم أجمعين. فإن تقديمي أوجهه إلي:

1۔ محبي آل محمد المقتدين بأخذ الشريعة من مصادر أئمة آل البيت عليهم السلام (الشيعة) وممن حزنوا من طرح أحمد الكاتب وتعليقات أحمد المنصور وأقول لهم: إن يكن اعتقادكم اعتقادا نظرية علي قاعدة الظن الحسن تصديقة للمتواتر من الأحاديث المقدسة لرسول الله وآل بيته الكرام، وإن خلي ذلك من الشهود الفيضي الحق، فإنكم مع هذا علي جادة الصواب والنجاة وفي عين المهدي الكريم عليه أفضل الصلاة والسلام. فلا يهمكم قول الناصب فعيشوا علي هذا الاعتقاد الصادق فالقضية حق مع أكثريتكم وأنتم في حصن شفاعتهم.

2- إلي أخوتي من فرق السنة الكرام من أتباع / الشيوخ الشرفاء مالك والشافعي وأبو حنيفة وأحمد وكل متأثر بالأشعرية، وهم كذلك لأنني استقيت من مصادرهم الكريمة قسم مهم في الكتاب وأقول لهم بوركتم بحب آل محمد.

ص: 7

3- إلي أحبتي السالكين في طريق الله والصوفية المريدين لشيوخ كرام، فالمهدي لهم ملهم ومرشد وإمام، وأقول لهم: لا تستعجلوا المرام فالأمر جلل وهام وإنما طبقوا المنهج العبادي وأطيعوا المرشد، وداوموا علي صلاة الليل، ومجالس الذكر والتسبيحات، مسترشدين بالمرشد وملازمة القرآن، داوموا علي مصاحبة القرآن خاصة في جنح الليل حتي يفتح لكم مسالكه. حاربوا النفس الأمارة بطهارة المحاولات بطلب المدد حتي الحصول علي التزكية والدخول في دوائر الأنوار، زودوا الشوق والدعاء والتوسل والارتباط حتي يمكنكم العزيز الوهاب بلقاء النور الأبهر وسراج الحقيقة المحمدية بشعاع مشكاة نور العلوية.

4. بل أقدمه إلي كل منضجر من الفسق والفجور والظلم من شرفاء البشرية في كل ملل ونحل من أصحاب الفطرة السليمة.

محسن بن جمعة بن محمد اللواتي

مسقط 2008/11/5 م

ص: 8

المدخل والتعريف

إن مدخل وسبب تأليف هذا العمل أتي في الواقع من مشاهدتنا الحلقة من برنامج بلا حدود لبطليه : الضيف عبد الرسول عبد الزهراء عبد الأمير اللاري حيث عرف بأحمد الكاتب المفكر الشيعي، والمناظر مقدم البرنامج الأستاذ أحمد منصور في فضائية الجزيرة الشهيرة بقاعدة واسعة من المشاهدين.

كانت المقابلة ذات ركيزتين : المهدية أو الإمام الثاني عشر المنتظر وولاية الفقيه، مناقشة علي الكتاب الذي ألفه الضيف أحمد الكاتب تحت عنوان تطور الفكر الشيعي السياسي من الشوري إلي ولاية الفقيه كما تبين من المناقشة، إلا إن عنصرة جديدة أضيف إلي الموضوع أثناء المناقشة وهو الآراء الشخصية للأستاذ أحمد منصور وإطلاقه أحكامة في أمور لم يحطها بكفايتها وإسكاته من لم يعجبه تدخلهم. فإن ترك الأمر من غير توضيح حيف علي هذه القضية المهمة عقائدية.

لذا رأينا أن يكون تدخلنا لوضع هذا الكتاب متفاعلا بتلك العناصرالثلاث في صورة عنوانين:

كتاب الإمام المهدي عليه السلام.

وكتاب كبوة الواثب.

في مجلد واحد، مع اعتذارنا لتأخر الكتاب عن تاريخ المناظرة

ص: 9

الظروفي الشخصية ولكن الموضوع لا يتأثر في التقدم والتأخركما سيتضح.

ومن هنا نبدأ، وليكن بدؤنا من المهدية ومفهومها عند:

ا- أهل السنة

2 - أهل التشيع

3. أهل التصوف والعرفان

ولكن قبل الولوج إلي ذلك يجب أن نصحح أمرا مغلوطة استظهر في المقابلة وهو شيعية أحمد الكاتب رغم إنكاره وجود الإمام المهدي أصلا.

ص: 10

الفصل الأول: المصطلح الشيعي وعلاقة ( الضيف في المقابلة) أحمد الكاتب به

لقد قدم الأستاذ أحمد الكاتب علي أنه مفكر شيعي واسمه عبد الرسول عبد الزهراء عبد الأمير اللاري فأعطي فكرة خاطئة للمشاهد عنه لأنه في الواقع نفي عن نفسه بنفسه صفة هذا المصطلح كما يعرف معاصرة وإنما انتحل نحلة الشيعي الجعفري كما حلاله.

إننا لا نملك ومن مبدأ حرية الرأي والاختيار أن نحجر علي الرجل الصفة التي يختارها لنفسه، ولكننا نملك أن نحلل هذه الصفة بصفتها مصطلح يؤدي غرضة معلوماتية يترتب عليه ردود فعل سيكولوجية وافتراضية وتحصيل النتائج وما يترتب علي ذلك سلسلة من المفاهيم المبتدعة إذا تفاعلت محتويات المصطلح علي أرضية المنتحل له وأصول ثقافاته وانتماءاته وصدق التعبير عن فكره، غير أننا نري أن المنتحل لهذا المصطلح الشيعي لم يكن يعبر عنه بصدق وهو يعرف ذلك، لأن المصطلح الشيعي يسري علي المذهب الاثني عشرية وحتي المصطلح الجعفري يؤدي نفس الغرض والمعلومة إذ ليس هناك جعفرية إلا وهو اثنا عشري والاصطلاحان مترادفان، وأما ما ذهب إليه الكاتب أحمد بأنه

ص: 11

ليس شيعية اثني عشرية بل شيعية جعفرية، كما أن الشيعة فرق مثل الإسماعيلية ...... أمر فيه الكثير من المراوغة لأن شخصا مثل الأستاذ أحمد الكاتب وبمكانته العلمية كما وصف من النقاش أثناء المقابلة لم يكن يتكلم عن أطروحة لفرق الشيعة في العصور البائدة، بل كان النقاش عنعقيدة معاشه يعتقدها أناس يعرفون باصطلاح معروف ويؤدي غرضة علميا معلوماتية، يمكن التعامل معهم بموجبها من الجزم علي صحة العقيدة أو إجراء حكم شرعي أو إجراء مقارنات مذهبية بين المذاهب المعاصرة وغيرها سلسلة من الأمور والنتائج والتفاعلات كتبعات المصطلح علي صفة محددة ومؤطرة لجماعة المنتحلين له.

فإذا أخذنا هذا الأمر المنطقي والواقعي عن الشيعة فإن التسمية تذهب بطريقة فطرية إلي الشيعة الاثني عشرية المعتقدون بعد رسالة ونبوة الرسول اللهم صلي عليه وآله بإمامة أمير المؤمنين علي وولايته ثم بولاية الإمام الحسن والإمام الحسين ثم الأئمة علي بن الحسين (زين العابدين) ومحمد بن علي (الباقر) وجعفر بن محمد الصادق) وموسي بن جعفر

الكاظم) و(علي بن موسي الرضا) و(محمد بن علي الجواد) و(علي بن محمد الهادي) وحسن بن علي العسكري ومحمد بن الحسن المهدي المنتظر. أما الإسماعيلية والزيدية والبهرة وغيرهم من المذاهب الموحدة فلا يطلق عليهم الشيعة كتعريف معاصر وإنما بأسماء مذهبهم، فهذا زيدي وذاك علوي وآخر إسماعيلي وهكذا.... وعند الشرح في مجال البحوث التاريخية ولإيضاح موقع هذه المذاهب يشار إليهم أنهم معروفون تاريخيا كفرق الشيعة ؛ ولكن هذا الآن غير متبع ولا مألوف ولا يؤدي إلي المعني المطلوب في تحديد الهوية أو الحصول علي معلوم معين لتحديد مسار التعامل مع صاحب المصطلح، أما ما يخص الأستاذ أحمد الكاتب ومن منطلق حرية الاختيار ومسؤولياته فهو حر أن ينتحل ما يشاء من الطرق أو يبتدع ما يحلو له علي قاعدة الاجتهاد الذي يراه

ص: 12

ولكن عليه أن لا يستعير اصطلاح الآخرين ولنا في التاريخ أمثلة، فرغم أن المعتزلة علي قاعدة سنية إلا أنهم يسمون بمعتزلة وهكذا... وعليه فإنه يمكنه أن يطلق علي نفسه - إن شاء وأكرر إن شاء - بالمتحولي منالمتحولة علي غرار المعتزلة.

بعد هذه التوطئة الضرورية نتوكل علي الله في الدخول إلي دوائر محيط كلامنا ومركزه، مبتدئين بالمهدية وساحاتها الرحبة بعد أن جزنا أطيان الانتحال بالتشيع واقتراح الخروج منها لغير أهلها.

ص: 13

ص: 14

الفصل الثاني: المهدية عند أهل السنة

اشارة

الموقف من المهدية عند أهل السنة يتنوع في ثلاث جماعات بعد وفاة الرسول الكريم - اللهم صلي عليه وآله - في مسيرة التاريخ الإسلامي.

الأولي : فئة سمعت الأحاديث في الإمام المهدي ووعتها ولكن الموقفها الانقلابي«وما محمدإلا رسول قد خلت من قبله الرسل أفإين مات أو قتل انقلبتم علي أعقبكم».

للاستحواذ علي الحكم اتجهت إلي وجهتين:

1- وقف نشر الحديث والاكتفاء بالقرآن الكريم مما ضيع حاويةالحديث المساندة للتواتر... وعندما بدأ جمعه في العصور المتأخرة ظهر ما هو قليل متواتر والكثير أحادي وضعيف وحسن ولكن من غير تواتر أو قليل منه بتواتر ضعيف.

2۔ منع نشر الأحاديث التي تتحدث عن فضائل أهل البيت وإرشاد الرسول بالتمسك بهم، ومنها ما تشير إلي المهدية ذلك في العصر الأموي والعباسي وما صدر فيها من شراء الذمم وبروز علماء الحكام والدولة المعارضين للبيت العلوي، بل النظر إليهم بنظرة

ص: 15

العداوة والترصد والتنكيل بهم ولأشياعهم، ولكون تلك الأحاديث فيها الكثير من صفات الكرامة والشفاعة والوسيلة لفضائل آل محمد المعروفين وهي أمور لا تتسم بالظاهرية علي الإطلاق فإن منعها أعطت الطريق بتكوين المدرسة الظاهرية الصرفة ففسرت الأمور الصالح الأوضاع القائمة المعادية للبيت العلوي، مما زاد في منع تناقل الأحاديث في فضائل أهل البيت والتي تتسم بالطاعة لهم وحبهم والاقتداء بهم وأخذ أمور الشريعة من عندهم وتبجيلهم وتوقيرهم وسؤالهم فإنهم مسؤولون وعدم تقدمهم، ومن هذه الأحاديث ترس لاستمرار القيادة في هذا البيت العلوي الطاهر لأن ذلك لا يناسب الخلفاء وعلماء الحكام في هذين العصرين. بدأت الأمور حركية بعد الأحداث الجسام من بعد وفاة الرسول واختلاف المسلمين حول الخلافة من موقف عبد الله بن عمر بن الخطاب رضي الله عنه وتوج بموقف أبي هريرة عندما انحاز إلي جانب معاوية بن أبي سفيان وساعده بأحاديث موضوعة لإبعاد الجماهير المسلمة عن سيدنا أمير المؤمنين علي عليه السلام ، ومنها حديثه المشهور المفتري علي سيدنا أبي الحسن عند دخوله الكوفة حاسر الرأس ضاربة صلعته مرارة قائلا : يا أهل العراق أتزعمون أني أكذب علي رسول الله وأحرق نفسي بالنار؛ والله لقد سمعت رسول الله يقول الكل نبي حرمة وإن حرمي في المدينة بين العير إلي ثور، فمن أحدث فيها حدث فعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين، وأشهد بأن عليا أحدث فيها ؛ فلما بلغ معاوية ذلك أجازه وأكرمه وولاه المدينة علما بأن أبا هريرة كان يعلم منالحديث أكثر مما حدث نوعة وكما فإنه قال : لو حدثتكم مما أعلمه فيما لا أحدث لقطع هذا البلعوم. ولو حللنا هذا القول استنتجنا ومن غير عناء أنه سمع من الحديث لفضائل آل محمد مما لم يحدث من أمهات

ص: 16

الأحاديث، ومنها أحاديث الإمام المهدي خوفا من قطع بلعومه ذلك من قبل أعداء آل محمد وعلي رأسهم معاوية بن أبي سفيان لأنه هو الوحيد في عصره كان يهمه عدم نشر فضائل آل محمد وهو الوحيد كان في إمكانه قطع بلعوم أبا هريرة.

بعدما بدأت وتوثقت مدرسة منهاج الشتم والسب للبيت الرسالي وعلي رأسهم سيدنا علي أمير المؤمنين عليه السلام من عهد معاوية لغاية عهد عمر بن عبدالعزيز الأموي رضي الله عنه، ولكن عاد السب والشتم بعد مقتله رضي الله عنه حتي وصول الإمام أحمد بن حنبل وإصراره علي عدم الشتم بل أدخل عليا في الراشدية.

إن هؤلاء الحاقدين المتطاولين علي البيت العلوي كانوا يتألفون من :

*الحكام الأمويين والعباسيين.

*مجموعة من علماء الدين (تجاوزة) الذين باعوا أنفسهم لمتاع الدنيا وأعطوا المشروعية للحكام وركزوا الوراثة في الحكم لهم.

الثانية: جموع الجمهور المخدوعين واصطلح عليهم بالسنة والجماعة والتي كانت تقل كثافتها الانقيادية أو تكثر علي درجة عنفوان الحكم وحيويته بالبطش أو العطاء وتفعيل الأحاديث الموضوعة التي أشرنا إليها والمساندة للحكم الأموي والعباسي، وعلي ركيزة هذا التأسيس ظهرت السلفية في الماضي واستمرت في الحاضر بحلل متعددة وأطر متنوعة تتشكل حول الحاكم أو الأمير سواء كان الأمير بارة أو فاجرة، ومن هؤلاء السلفية أصول الإخوان المسلمون وما فرغوا من جماعات سلفية متعصبة وأصحاب التكفير والهجرة والقتل، وطالبان التي حولت أفغانستان إلي ساحات القتل والهتكللشيعة، والطاجيك وغيرهم ونشر الجهل والتعصب والتأخر وظلم النساء وغيرهم دليل علي ذلك،

ص: 17

ولا ننسي الوهابية وتشريكهم أغلبية المسلمين من غير الفكر الوهابي السلفي التعصبي وسلوكهم حول ضريح الرسول واستعمالهم الأقوال النابية والمؤذية، وسبهم للزوار والحجاج في مكة أو عند البقيع المبارك ، وضربهم الناس وهتكهم حرمة قبور أئمة آل محمد في البقيع بالهدم، وتسويتها بالأرض الغبراء دليل علي هذا الفكر المنغلق، إن هذه الجماعات مجتمعة بدرجات متفاوتة علي:

- عدم أخذ أمور الشريعة من البيت العلوي.

2- محاربة المدونات عن فضائل البيت العلوي.

3- تأويل أحاديث الرسول في الغدير وغيرها وتفسير آيات الكتاب العزيز تفسيرة مغايرة لأسباب النزول مثل آية التطهير والولاية وغيرها، وخلق أوجه الخلاف في تفسير أحاديث الرسول خاصة تلك التي تتعلق حول الأخذ من مدرسة آل محمد ومنها تحريف الأحاديث حول المهدية والإمام المهدي والنصب لهم بالإنكار والتأويل.

وقد ظهرت في هذه الجماعات شخصيات يتفاوت جهدها حول هذه النقاط الثلاثة كابن تيميه، وحتي الألباني وابن عبد الوهاب والشيخ ابن الباز. وأسست مؤسسات في العصر الحاضر لهذا الدفع وجامعات ومعاهد والرقابة الصارمةحتي علي الجامعات والبحوث حيث تشطب أقلامهم أي أمر محقق و مستقيم لا تتفق وآرائهم في الشريعة أو التاريخ الإسلامي، ومن ثم إعادة كتابة المؤلفات الإسلامية وشطب ما لا يوافق هواهم... وما كبوة الأستاذ أحمد المنصور في هذه المقابلة إلا بتأثير هذه السلفية لموقفه من المهدية، وقوله فيها خلاف بين السنة والشيعة وهي مدرسة معارضة إن لم نقل معادية لمدرسة آل البيت، وفيما يأتي سوف نوضح وندلل علي ذلك.

ص: 18

الثالثة : أما غالبية المسلمين من أتباع السنة والجماعة وإن اختلفوا مع الشيعة في قضية النص في الاستخلاف إلا أنهم لم يختلفوا معهم في أخذ الأحكام من البيت العلوي بصورة أسياسية، علي أنهم وارثوا العلم عن النبي الكريم اللهم صلي عليه وآله عن طريق سيدنا أمير المؤمنين علي عليه السلام الذي ورث العلم لولديه الإمامين الحسن والحسين، وبالتتابع وبطريقة فضيلة (يهب فضله لمن يشاء سبحانه للأئمة زين العابدين والباقر والصادق والكاظم والرضا والجواد والهادي والعسكري والحجة ابن الحسن عليه السلام وحول كل نجم من هذه النجوم الزاهرة حولق علماء المسلمين، فمن سيدنا أمير المؤمنين علي أخذ الكثيرون ومنهم الشيخ حسن البصري رضي الله عنه علي سبيل المثال كذلك روي عن الإمام الحسن واستشاره واسترشده، أما الإمام الحسين فأثري حياة الأمة بمواقف المبادئ الشريعة والدفاع عن الفضيلة والاستقامة بكافة أبعادها العدلية والسلوكية، والعرفانية، والإمام زين العابدين أخذ بيد العباد الطهر بروائعه التوحيدية والأحدية والواحدية والفردانية عروجة إلي ساحات المعرفة الحقة والكمال، وهو أول من أعان المسلمين المؤمنين وسهل الهم وأوضح لهم مناهج العرفان، والإمامين الباقر والصادق كان لهما ارتكاز دعائم للشريعة وتعليم أعمدة ما يعرف بأقوام السنة والجماعة ومرجعياتهم العلوم الدينية، وهم لا يقلون حبا ووفاء لأئمة أهل البيت ، فالإمام الشافعي رضي الله عنه نقل عنهم وتغني بحبهم بل ذهب إلي وضع حبهمجزء من العقيدة وإبطال صلاة من لا يصلي عليهم في التشهد وطلب الشفاعة منهم، والإمام مالك لازم الإمام الصادق سنين وكان يحج معه وقد وصف أحواله عندما كان الإمام الصادق بين يدي الله، كان يقتدي به في كثير من أموره، ويكفي أبو حنيفة النعمان قوله لولا السنتان لهلك نعمان وهي السنتان اللتان لازم وتعلم علي يدي الإمام الصادق عليه السلام، أما الإمام أحمد بن حنبل فله مواقف معروفة بالحق المرتبط بحب والاقتداء

ص: 19

بأهل البيت، وهو الذي أوقف السب والشتم لعلي وآل محمد صلي الله عليه وآله التي كانت سنة مؤكدة بعد خطبة الجمعه بين أواسط السنة منذ أن أسس ذلك الطليق معاوية لغاية عصر الإمام أحمد إلا لبعض الوقت أثناء حكم الخليفة الأموي عمر بن عبد العزيز، ولكن بعد اغتياله عاد الشتم والسب لآل محمد وعلي رأسهم سيدنا علي عليه السلام، وعندما تجرأ الإمام أحمد وأفتي بتحريم السب ثم أفتي بإدخال سيدنا علي في عداد الخلفاء الراشدين احتج السلفيون عليه بسؤالهم عن مستنده في رفع السب وإدخاله بالراشدية ، فكان جوابه: أن الله هو الذي نزهه مما تنسبون إليه، أليس هو من المطهرين بآية التطهير فكيف لي أن أشائه وأخرجه من الراشدية ولا أرفع السب والضيم من عليه، إن شخصيته هي التي أوحت لي فهل أكذبه؟ كذلك من أقواله الماثورة في سيدنا علي عليه السلام أن علي بن أبي طالب حاز علي تسعة أعشار من أحاديث الفضل من الرسول، وقد شارك غيره من الصحابة في العشر المتبقي. والإمام موسي الكاظم بسلوكه العبادي والتفرغ لها وسجداته الطويلة وما ترك من تراث عرفاني لبحار الحقيقة نبراسا لمن يريد التعرف إلي جوهر الدين لا ظئا حسنا بل برهانا شهوديا - «وَالسجُد وَاقتَرِب(19)»-فالسجده الواصلة بالمعرفة هي قرب والقرب لابد أن يكون مشهودة، وهذا العلم لم يكن لفئة معينة من الناس بل لكل المسلمين في ساحة العرفان والتصوف من مشكاة آل محمد صلي الله عليه وآله .

أما الإمام الرضا عليه السلام فهو الإمام الذي هيأ المبدأ العرفاني الصوفي أن ينتشر في أوساط المسلمين، فبجانب أصحابه الكبار كأبي الصلت الهوري وغيرهم الذين تلقوا العرفان علي يديه، فإنه علم وأشرب مشارب العرفان لخادمه المعروف معروف الكرخي الذي أخذ بيد خال سري القسطي الذي نقل بدوره هذه العلوم إلي سري السقطي ثم إلي جنيد والأوشاس الصوفية الكرام كالحلاج والشبلي وغيرهم وصولا إلي كل العصور.

ص: 20

إن أولئك من قواد وشيوخ وثقات المذاهب السنية الكرام أخذوا وآمنوا بما حدث به أئمة أهل البيت عليه السلام ووقروهم وبجلوهم وصدقوهم وتعلموا علي يديهم ولم ينكروا ما قالوا من نصوص وما قالوا من أحاديث السيد الإمام المهدي عليه السلام.

وإنني أدعوا الأستاذ أحمد المنصور أن يراجع كتاب ينابيع المودة للشيخ سليمان بن الشيخ إبراهيم الحسيني البلخي القندوزي الحنفي السني المذهب أن يقرأ أحاديث المهدية في هذا الكتاب وسيري مدي مطابقتها ما وردت في المصادر الشيعية، علما بأن تلك الأحاديث التي رواها القندوزي جلبها من المصادر السنية بما يدل علي أن غالبية .الشيعة والسنة في عصور أئمة أهل البيت كانوا ملتفون حولهم ويأخذون الأحكام والحديث من مصادرهم.

تلك كانت ثلاث فئات من المحيط السني ومفهومها عن المهدية :

الأولي : مؤسسة الرفض للتقرب من آل البيت والعمل علي إبعادهم.

الثانية : جموع التوابع طمعا أو تقليدا حتي تحولوا جموعة من المتعصبين في عصرنا الحاضر بجماهيرهم ومؤسساتهم. الثالثة : السنية الحنفية علي مذهب الأئمة الأربعة وأكثرية الطاغية من السنة من توابع هؤلاء الكرام رضي الله عنه أجمعين وهو إمام مالك بن أنس ومحمد إدريس الشافعي وأبو حنيفة النعمان وأحمد بن حنبل وهؤلاء لا فرق بينهم وبين الشيعة في اللاعتقاد في المهدية.

ص: 21

ص: 22

الفصل الثالث: كتاب ينابيع المودة للشيخ سليمان القندوزي

ومن هنا ولإظهار الأدلة علي صدق الكلام سوف نغوص في بحار كتاب ينابيع المودة للقندوزي الذي أشرنا إليه فيما يخص الأحاديث من المصادر السنية في الإمام المهدي عليه السلام .

الكتاب : ينابيع المودة للشيخ سليمان البلخي الحنفي السني.

الأحاديث: عن الإمام المهدي.

الصفحة: ستة وثمانين وسبعة وثمانين.

عن كتاب: مشكاة المصابيح.

الرواة: مسلم أربعة أحاديث، إمام أحمد ثلاثة أحاديث،الترمذي ثلاثة أحاديث.

أبو داود أربعة أحاديث، الحمويني حديثة وحدة، ابن جوزي حديثة واحدة.

أبو يعلي حديثة واحدة، البيهقي حديثان، الحاكم حديثة واحدا.

تدور هذه الأحاديث حول ظهور المهدي في آخر الزمان وإقامته للعدل في زمانه ومصاحبة سيدنا عيسي ابن مريم عليه السلام له والصلاة خلفه وظهور الخيرات في زمانه، وإنه من صلب الإمام الحسين.

ص: 23

و من نفس المصدر ...

نقلا من صاحب جواهر العقدين :

*عن مسلم حديثة واحدة.

*عن أبي نعيم أربعة أحاديث.

*عن النسائي حديثة واحدة.

*عن ابن ماجه ستة أحاديث :

*عن البيهقي حديثان.

*عن أبي داود حديثان.

*عن الإمام أحمد حديثا واحدا.

*عن الترمذي ثلاثة أحاديث.

*عن نصير بن حماد حديثا واحدا.

*عن الطبراني حديثين.

*عن الديلمي ثلاثة أحاديث.

*كل من ابن عساكر والحسن البصري والشافعي والنسائي ومالك والثعلبي وابن المغازلي كل واحد منهم بحديث واحد.

*عن الحاكم حديثين.

*عن الحمويني ثلاثة أحاديث.

تدور هذه الأحاديث حول المهدي وأنه من نسل علي وفاطمة من ولد الإمام الحسين عليه السلام ومن ضمنها أخبار أحوال آل البيت ومدي الظلم والتنكيل الذي سينالهم حتي ظهور المهدي، حيث يعم العدل في زمانه ولا تقوم الساعة إلا من بعد ظهوره ويعم الخير واليسر وتملأ الأرض قسطا وعدلا.

ص: 24

و من نفس المصدر ...

صفحة تسعة وتسعين إلي مائة وثلاثة نقلا عن كتاب فرائد السمطين، عن مجاهد وعن كتاب المناقب تنص الأحاديث بأن الأئمة الاثني عشر وكلهم من قريش وانهم من ولد علي وفاطمة مع نص أسمائهم الشريفة أولهم سيدنا أمير المؤمنين علي وآخرهم الإمام المهدي عليه السلام .

و من نفس المصدر ...

صفحة مائة وأربعة إلي مائة وسبعة في موضوع تحقيق حديث بعدي اثنا عشر خليفة...

*عن جمع الفوائد بطريقتين.

*للشيخين والترمذي وأبو داود عن عشرين طريقا.

*البخاري عن ثلاثة طرق.

*وفي مسلم تسعة طرق.

*وفي أبي داود ثلاثة طرق.

*وفي الترمذي طريقا واحدة.

*وفي الحميدي ثلاثة طرق.

وقد تحقق لكل أولئك الرواة الأجلاء عندهم صحة الحديث، الخلفاء أو الأئمة بعدي اثني عشر وكلهم من قريش، آخرهم الإمام المهدي من ولد علي وفاطمة من الإمام الحسين وأنهم سفينة النجاة وأتباعهم ومحبتهم فرض والتخلف عنهم هلاك...

وعلي هذه الصفحات تحقيق وتحليل المؤدي إلي صحة الحديث.

*من نفس المصدر ...

صفحة مائة وثمانية عن كتاب فرائد السمطين للشيخ محمد بن إبراهيم الجويني الخراساني الحموي.

ص: 25

*ومن الإصابة عن ابن أبي نعيم.

*وعن طريق الكنجي والشافعي بثلاثة طرق.

*وعن طريق أبي نعيم الطبراني.

ويدور البحث تحقيقا لأحاديث عن آل محمد وتسميتهم وفيها تسمية الإمام المهدي وتحديد الرسول تسميته في ظهوره فيملأ الأرض قسطا وعدلا.

و من نفس المصدر ...

صفحة مائة وإحدي عشرة إلي مائة وأربعة عشر تحقيقا عن ولادته. علي هذه الصفحات الثلاث تحقيق حدثي وسرد تاريخي عن حادثة ولادته عجل الله تعالي فرجه من:

*كتاب الغيبة للشيخ محمد بن علي بن حسن.

*فصل الخطاب للشيخ السيد خواجه محمد برسا؛ بهاء الدين محمد شاه نقشبند قدس سره.

*كتاب الصواعق المحرقة لابن حجر الهيثمي المكي الشافعي.

إن هذه المصادر الكبيرة المعتبرة تذكر الولادة أي ولادة الإمام المهدي الشريفة حدثة ورعاية من الله تعالي له، وهو بين والده الإمام الحسن العسكري ثم تربيته والانتظار له.

تلك كانت المصادر السنية المعتبرة فيما يتعلق بإيمان غالبية المسلمين العظمي متفقة مع اعتقاد المسلمين الشيعة حول الإمام المهدي ومنها ننتقل إلي ما هو معتقد عند الشيعة.

ص: 26

الفصل الرابع: المهدية عند الشيعة

إن اعتقاد الشيعة بالإمام المهدي وإن كان متفقة مع غالبية أهل السنة إلا أن الإيمان به أتي عن تواتر الأحاديث النبوية عنه، ومن أقوال جميع أئمة أهل البيت عليهم السلام، وعن الطريق المشهود لهم بالتقوي والإيمان، وفضل عند جميع المسلمين من أصحاب الرسول الكريم مثل حذيفة بن اليمان المعروف والثقة بين جميع المسلمين.

أولا : عن حذيفة بن اليمان عن النبي اللهم صلي عليه وآله أنه قال: «المهدي من ولدي، وجهه كالقمر الوردي (إشارة يعرفها العرفاء) الذي يملأ الأرض عدلا كما ملئت جورة، يرضي بخلافته أهل الأرض والسماء»؛ وأحاديث مثل هذا السند المتين الصادق والمتواتر غير مجروح أو مطعون بصدق الراوي، وبمثل هذه الروايات من الثقات عند الشيعة عشرات سواء عن طريق آل البيت النبوي أو عن طريق أصحاب الرسول مثل حذيفة وسلمان وغيرهم.

ثانيا : عن أصبغ بن نباتة قال : أتيت أمير المؤمنين علي عليه السلام فوجدته متفكرة ينكث الأرض، فقلت : مالي أراك متفكرة يا أمير المؤمنين تنكث في الأرض أرغبت فيها، فقال : لا والله ما رغبت فيها

ص: 27

ولا في الدنيا يوما قط، ولكني فكرت في مولود من نسلي يكون الحادي عشر من ولدي وهو المهدي يملأ الأرض عدلا كما ملئت جورة وظلمة تكون له حيرة وغيبة تضل فيها أقوام ويهتدي بها آخرون، فقلت : يا أمير المؤمنين إن هذا الكائن؟ فقال: نعم، كما أنه مخلوق ... أني لكم العلم بهذا يا أصبغ.

ثالثا : بسند ينتهي إلي الإمام الحسن بن علي بن أبي طالب عليه السلام قال لجماعة من شيعته دخلوا عليه ولامه بعضهم علي تسليمه السلطة المعاوية بن أبي سفيان : ما منا أحد إلا ويقع في عنقه بيعة لطاغية زمانه إلا القائم محمد بن الحسن الذي يصلي روح الله عيسي ابن مريم خلفه ، فإن الله يخفي ولادته ويغيب شخصه لئلا يكون في عنقه بيعة وهو التاسع من ولد أخي الحسين يطيل الله في عمره وفي غيبته، ثم يظهره بقدرته في صورة شاب دون الأربعين، والله علي كل شيء قدير.

رابعا : بسند ينتهي إلي الإمام الحسين بن علي عليه السلام في التاسع من ولدي له سنة من يوسف وسنة من موسي وهو قائمنا أهل البيت، وفي رواية أخري هو قائم هذه الأمة وصاحب الطيبة.

خامسا : بسند ينتهي إلي سعيد بن جبير أن علي بن الحسين (زين العابدين) عليه السلام كان يقول : القائم منا تخفي عن الناس ولادته حتي يقولوا الم لم يولد بعد ليخرج؛ حين يخرج ليس لأحد في عنقه بيعة، كذلك قال: للقائم منا غيبتين الثانية منهما يطول أمدها، حتي يرجع عن هذا الأمر أكثر من يقول به ولا يثبت عليه إلا من قوي بيقينه وصحت معرفته ولم يجد في نفسه حرجا مما قضي الله عليه.

سادسا: عن محمد بن مسلم الثقفي رواية جاء فيها أنه قال : دخلت علي أبي جعفر الباقرعليه السلام وأنا أريد أن أسأله عن القائم من آل محمد ... فقال لي مبتدأ : يا محمد بن مسلم إن للقائم من آل البيت

ص: 28

محمد عليه السلام سنة من خمسة من الرسل يونس بن متي، ويوسف بن يعقوب، وموسي وعيسي ومحمد - صلي الله عليه وآله - إلي أن قال وإن من علامات خروجه خروج السفياني والشامي وخروج اليماني وصيحة من السماء في شهر رمضان ومناد ينادي من السماء باسمه واسم أبيه.

سابعا : عن السيد بن محمد الحميري ... قلت للصادق جعفر بن محمد عليه السلام : يابن رسول الله قد روي لنا الرواة عن آبائك عليهم السلام في الغيبة وصحة كونها فأخبرني بمن تقع؟ فقال عليه السلام : إن الغيبة تقع في السادس من ولدي وهو الثاني عشر من الأئمة الهداة بعد رسول الله أولهم أمير المؤمنين وآخرهم القائم بالحق بقية الله في الأرض وصاحب الزمان ... وفي رواية أخري إذا اجتمع ثلاث أسامي متوالية محمد وعلي والحسن فالرابع هو القائم.

ثامنا : روي الصدوق بسند عن علي بن جعفر الصادق أن أخاه الإمام موسي بن جعفر قال: إذا فقد الخامس من ولدي فالله الله في أديانكم لأنه لابد لصاحب هذا الأمر من غيبة حتي يرجع عن هذا الأمر من كان يقول به، إنما هي محنة من الله عز وجل امتحن بها خلقة.

تاسعا : بسند عن حسين بن خالد عن الإمام الرضا عليه السلام قال: لا دين لمن لا ورع له ولا إيمان من لا تقيه له وإن أكرمكم عند الله أعملكم بالتقية، فقيل له : يابن رسول الله إلي متي، فقال : إلي وقت اليوم المعلوم وهو يوم خروج قائمنا ... فقيل : يابن رسول الله ومن القائم منكم أهل البيت؟ قال: الرابع من ولدي ابن سيد الإماء يطهر به الأرض من كل جور ويقدسها من كل ظلم وهو الذي يشك الناس في ولادته وصاحب الغيبة قبل خروجها، فإذا خرج أشرقت الأرض بنوره ووضع ميزان العدل بين الناس فلا يظلم أحد أحدة.

عاشرا : بسند عن السيد عبد العظيم الحسني العرفاني المعروف من

ص: 29

نسل الإمام الحسن المجتبي عليه السلام قال : دخلت علي سيدي محمد بن علي (الجواد) عليه السلام أريد أن أسأله عن القائم ما هو المهدي أو غيره؟ فابتدأني وقال : يا أبا القاسم منا هو المهدي الذي يجب أن ينظر في غيبته ويطاع ظهوره وهو الثالث من ولدي، والذي بعث محمد - صلي الله عليه وآله - بالنبوة وخصنا بالإمامة لو لم يبقي من الدنيا إلا يوم واحد لطول الله ذلك اليوم حتي يخرج فيملأ الأرض قسطا وعدلا كما ملئت جورة وظلمة، وإن الله يصلح له أمره في ليلة كما أصلح أمر كليمه موسي إذ ذهب يقتبس نارة فرجع وهو رسول ونبي، وإن أفضل أعمال شيعتنا انتظار الفرج.

إحدي عشر: بسند عن داود بن القاسم الجعفري أنه قال : سمعت أبا الحسن صاحب العسكرعليه السلام يقول: الخلف من بعدي ابني الحسن فكيف لكم بالخلف من بعد الخلف لأنكم لا ترون شخصه فقلت: فكيف نذكره؟ قال : قولوا الحجة من آل محمد.

اثنا عشر : بسند عن أحمد بن إسحاق الأشعري أنه دخل علي أبي محمد الحسن بن علي (العسكري) عليه السلام واسأله عن الخلف من بعده ، فقال له الإمام: ياأحمد إن الله تبارك وتعالي لم يخل الأرض منذ خلق الله آدم ولا يخليها إلا أن تقوم الساعة من حجة الله علي خلقه، به يدفع البلاء عن أهل الأرض وبه ينزل الغيث وبه يخرج بركات الأرض، فقلت : يا بن رسول الله فمن الإمام والخليفة بعدك؟ فنهض مسرعا ودخل البيت ثم خرج وعلي عاتقه غلام كأن وجهه القمر من أبناء ثلاث سنين وقال : يا أحمد بن إسحاق لولا كرامتك علي الله عزوجل وعلي حججه ما عرضت عليك ابني هذا، إنه سمي رسول الله وكنيته الذي يملأ الأرض قسطا وعدلا كما ملئت ظلما وجورة، يا أحمد بن إسحاق إن مثله في هذه الأمة مثل الخضر ومثله مثل ذي القرنين والله ليغيبن غيبة لا ينجو من الهلكة فيها إلا من ثبته الله عزوجل علي القول بإمامته ووفقه فيها بالدعاء بتعجيل فرجه، وسيرجع عن هذا الأمر أكثر القائلين به ولا يبقي إلا من

ص: 30

أخذ الله عهده لولايتنا وكتب في قلبه الإيمان وأيده بروح منه، يا أحمد هذا أمر من أمر الله وسر من سر الله وغيب من غيب الله فخذ ما أتيتك وكن من الشاكرين.

تلك كانت أسانيد الشيعة المتواترة لديهم وفحواها مكملة للإيمان في مسار الجزم بسبين اثنين:

الأول : إن هذه الأحاديث بأسانيدها المتواترة عن طريق أئمة أهل البيت، أولئك الصادقون الذين وسعت ساحة كافة المسلمين التصديق بهم إلا القليل الشاذ.

الثاني : إن أولئك الأطهار الذين لم يثبت التاريخولا نقطة واحدة سوداء في تاريخهم، ساهموا بفاعلية في إرساء دعائم الدين فهم أنقي المصادر الأمور التشريع وأرفع محلا لنزول الفيوضات لإرشاد الطالبين لقمم التحقيق، عدول أجاويد وأقوياء، لم يردوا صاحب حاجة ولم يدخروا مالا للكنز لأنفسهم، بذلوا النفس والنفيس لرضي الرب وسعادة العبد، لم يعطوا اليد الصاغرة العتاة الحكام ولم يهادنوا ولم يواشوا ولم ينافقوا لهم، بل كانوا الهم نصحاء محذرين ومنذرين من سخط الله ... فكانوا بطبيعة الحال محل تصديق رحب وولاء من المسلمين كافة صلي الله علي أصلهم النبي الكريم وعليهم أجمعين.

ص: 31

ص: 32

الفصل الخامس: المهدية عند أهل التصوف والعرفان

إن الاعتقاد في المهدية عند الواصلين من الصوفية والعرفاء إيمان يستند علي البرهان الورودي إلهامة أو شهودا، والتصديق عند أتباعهم المريدين فيطريق السير والسلوك لتحقيق الكرامة، في الالتذاذ والأنس بين يدي الله الكريم، والتحقق من سبب الخلق، وهو العبادة ، فالإيمان لديهم أي الاتباع يأتي من التصديق للمرشد الواصل لما يتحققون من الإرشاد ما أشرنا إليهم، وحتي إذا وصلوا شاهدوا وما بعد الشهود ضلال أبدا. إن قضية المهدية عند هؤلاء هي من الحقائق الوجودية ، علما بأن البرهان الورودي الذي أشرنا إليه ليس تحصيل علمي معلوماتي موجود في الكتب وتنقل معلوماته بالدراسة والمذاكرة والمنطق الجدلي ومقارعة الحجج المنطقية بالتفاضل الظني، بل حقيقة معايشته بالبرهان الورودي تأتي عن طريق، علي سبيل الإشارة والمثال وليس الشمول والحصر، بعد تمكن الواصل بعون الله وقبوله له، مشهودة في مرآة قلبه وأفئدة صدره وبعد التمكين تتم المعايشة، ذاك فضل يؤتيه الله لمن يشاء في ساحة العزيز وهداية مهدية«مَن يَهْدِ اللَّهُ فَهُوَ الْمُهْتَدِي ۖ وَمَن يُضْلِلْ فَأُولَئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ(178)»لأولئك الذين قطعوا حلقات النفس كل حسب حاله ومقامه، من أمارة ولوامة وملهمة والمطمئنة والراضية والمرضية

ص: 33

والكاملة وهي سبعة نفوس أو سبع مجالات من النفس البشرية فلكل نفس في طريق السير والسلوك أنوارها ومناراتها وإلهاماتها وتطوراتها المؤثرة في قلوب المريدين والسالكين حتي يتم قطع الطرق الموصلة إلي الإسلام الكبير بإيمانه وإحسانه وإيقانه فيصل السالك في خدمة المولي إلي يقين يتغني في رحابه ؛ لو كشف لي الغطاء لما ازددت يقينا لأن براهينه من العزيز الصمد تتلألأ في كل ركن من أركان روحه الطاهرة فتتفيأ كل ناحية من نواحي وجوده بظلاله الوارفة.

تأتي معارف أهل السلوك الصادقين بأنين الندم علي الذنب أو الغفلة أو برجفة التحلي الرحماني بعد التخلي بالمجاهدة وفي أوقات مباركة كصلاة الليل الواصلة الموصلة أو عند الجلوس بين يدي المولي الكريم في خلوة بدجيء الليل ذاكرة، بوميض نور حوله أو في صدره أو برؤيا الحق أو بإلهام رحماني أو بوميض برق بالأبيرق في أفق وجوده:

لاح فيترنم شوقا وفرحة لنعمة المعرفة وأنس الوصال ويقول:

أوميض برق في الابيرق لاح ***أم في ربي نجد أري مصباحا

أم تلك ليلي العامرية أسفرت*** ليلا فسيرت المساء صباحا

أو بجذبة حق وعروج روحه إلي الخارج حاوية وجوده المكاني والجسدي بروحه التي جاهد بها للوصول إلي الأعالي، إن معايشة السيد الهمام الإمام ابن الإمام ابن الأئمة الطهر إمامة ونبوة وولاية تأتي أثناء تلك المجالات الخاصة عند خدمة المعبود في دجي الليل وفي كل الأوقات لأجل خدمة للمعبود في عبده، فهو السيد الخادم والمخدوم روحي له الفداء وروح آبائي وأجدادي ومحبيه؛ وحتي نتوقف عن هذا الكلام الجوهري فإننا ندخل في الموضوع بشيء من التفصيل لمعرفة مقام المهدية عند العرفاء والصوفية.

ص: 34

الفصل السادس: المهدية عند ابن العربي

اشارة

عندما يطلع المطلع الباحث علي مفهوم المهدية عند الشيخ محيي الدين بن محمد العربي الطائي الحاتمي الأندلسي - قدس الله سره - پري إن معايشته بالسيد الهمام معايشة روحية مستمرة ومهدية لابن العربي، مع أن إشاراته كثيرا ما تكون مرموزة برموز ليس من السهل الغوص في بحارها بالتشويش المعلوماتي المنقولة من قيل وقال من المؤيدين الحسني الظن بصدق النوايا أو ناكر أعمي البصيرة عنيد، ولكن النتيجة الإيجابية تأتي بصفاء الروح وحرارة الحب وتوفيق الإيمان وبالاستنجاد بالله وبتأييد روحي منه سبحانه، لأن المقام مقام العزة ولا يدخل إليه إلا بالإذن والتوفيق والوسيلة؛ وحتي لا يطول الكلام فإننا سوف نعرج إلي ثلاثة آثار من آثار ابن العربي بصورة أساسية، وقد نستشهد ببعض إشاراته في أمكنة أخري.

اأولا: كتاب عنقاء المغرب له رضي الله عنه:

يتكلم الشيخ في كتابه هذا الصغير في حجمه والقليل بصفحاته والعظيم بمعانيه وحقائقه، عن معايشته للإمام عليه السلام بنشأتية الناسوتية (الإيهاب البشري) والروحانية؛ فحينا يكون الشهود خاتمة للإمامة

ص: 35

المحمدية وحينة خاتمة للولاية وعلية فإننا نقتبس من علي الصفحة السادسة من الكتاب تلك المعاني الاستهلالية، يقول الشيخ رضي الله عنه:

وكنت نويت أن أجعل فيه (أي في هذا الكتاب) ما أوضحه ما يستشعرها أهل الذوق والمعرفة عن لقائه بالإمام الهمام فيتكلم عن لقائه في ثوب الإمامة وأخري في ثوب ختم الولاية، فأشار للأولي بالتجلي المثالي (عالم المثال) في غيبته روحي له الفداء سيدي ومولاي، والأخري استغراق في بحر الذات الأقدسية في مقام التنزيه، وحتي تتضح الصورة للمتشوقين إلي معرفة هذا الأمر أقتبس من هاتين الصفحتين الموضوع: ومن ذلك هدهد أمين جاء بنبأ يقين وقد تجسد بثلاثة أنوار وأغطيته أسرار، وممن سلم علي من أفقه، وأظهر لي بعض خلقه كوكب الأفول في رد إلفه، وقمرة بازغة في حلة الهدايا المشرقة ، فأعطي كل نور حقيقته وأوضح لنا طريقته ، ثم تلاهما الشمس الأكبر والنور الأزهر الذي يجلو السدف وينير الغرف ويزيل الكلف وهو التجلي المثالي والنور الأسالي، فسلم إلي في مغرب الغمي حتي يصل الأجل المسمي، فإذا دنا الأجل واقترب طلع هادية من حيث غرب وهذا هو شمس التوجية ومقام التنزيه ، بأفوله يزول الإشراك وتنحل عقد الإشراك فيفلت صيدها ويرتفع كيدها، وهذا الأفول كله علي قسمين لذي عينين فإن جعل أفولها في قلبه فهو علي نور من ربه في عالم الغيب، فيبقي له نور قربه، ويكون له نور علي نور وسرور وارد علي سرور وإن أظلم المحل الأضواء عند أفولها، فهو معري من صفات مقيلها وقد غرق في بحر الذات الأقدسية متجردة عن أثواب صفاتها المعنوية، فانظر إلي هذا السر السني ما أعجبه وإلي هذاالذوق الشهي ما أعجبه وأعذبه وبقيت مع هذا النور الشمسي في مقامه الأقدسي أناجيه أعواما وليالي قمرية وأيامة ، وقد أوضح الله لنا العلامة بأنه خاتم الإمامة المحمدية الجزئية لا الإمامة المطلقة الكلية فمن فهم فليعلم ومن جهل فليقرع الباب وليلزم ما دام هذا النور. هذا هو الشهود للإمام في عهده الاثنا عشرية في حالة

ص: 36

الحلية الغيبية في إحدي أطوارها وصورها العالية في البحر الذات الأقدس كما أشار الشيخ وهو طور أعلي من حالة المثال وقد يتم المزج رحمة لحالة الشيخ وقابليته التلقائية التي لا يمكن أن تصل علي مقامات الإمام الهمام بما يناسب مقام الشيخ بالرحمة وقد صاحب هذا الشهود الامتثال «فَتَمَثَّلَ لَهَا بَشَرًا سَوِيًّا (17)».

أما لقاء الشيخ مع الإمام في صورة طور ختم الأولياء حيث يبين:

ومضت منه ثلاثة شهور تلقاني عند فراقي لهذه الشمس المغربية ، وتركي لها في العصابة اليثربية، الختم برحيقه وأوضح لي التسنيم مزاج طريقه فرأيت ختم أولياء الله حق في مقعد الإمامة الإحاطية والصدق فكشف لي عن سر محتده ، وأمرت بتقبيل يده ورأيته متدلية علي الصديق والفاروق، متدانية مع الصادق المصدوق، محاذية له من جهة الأذن قد ألقي السمع لتلقي الأذن، ولو تقدم منشور وخاتماه نور من نور علي نور فكان له في ذلك جمع الطهور، ومن عداه في كلابس ثوبي الزور والشمس اليقينية قد قبلت يده مثلي ولحظتها فقال الختم هي من أهلي، ثم نازعني الحديث وتفتينا بالقديم والحديث والساقي بالمدامة، ويبدأ بساق عرش الإمامة وهو ينعطف علي عطفه نشوان ويغازلني مغازلة الهيمان ويقول: زدني برداء الكتم، فإني أنا الختم الأولي بعد ولا حامل العهدي بفقدي تذهب الأول وتلتحق بالأخريات بالأول فكان ما كان مما لست أذكره وظن خيرة ولا تسأل عن الخبر.

وعلي الصفحة الثامنة عشرة والصفحة التاسعة عشرة يتكلم الشيخ عن الختم ويعني به سواء ختم الإمامة أو ختم الولاية كما تتبين المعني فمقام ذلك فوقالصديقية وأهل الولاية فيقول :

فشمس المغرب دون رتبة الصديق فعليك بالكتم كما إن الصديق

ص: 37

ومن دونه تحت لواء الختم ذلك أنوار الغيوب الساطعة في القلوب التي كنينا عنها قد ينالها من ليس بصديق أكبر ولا له ذلك المقام الأخطر الأزهر بل قد ينالها الممكور به المستدرج المغبون. وسر هذا في قوله : «...سَنَستَدرِجُهُم مِن حَيثُ لَا يَعلَمُونَ(182)»والصديقية لا ينالها إلا أهل الولاية ومن كان له عند الله أزلا سابق وعناية، وهي السبيل في نجاة من اتصف بها وتمذهب بمذهبها فلهذا جعلنا الشمس دونها وإليها ركونها، كما أن الختم فوق رتبة الصديق إذا كان الممهد للطريق الذي مشي عليه عتيق؛ فالختم نبوي المحند علوي المشهد فلهذا جعلناه فوق الصديق كما جعله الحق فالأخذ نوره عن مشكاة النبوة أكبر ممن أخذه من مشكاة الصديقين، فبين التابع والصاحب ما بين الشاهد والغائب ولما صح أن الختم متقدم الجماعة يوم قيام الساعة ثبت أن له حشرين وأنه صاحب الختمين ويشركه ذو الأجنحة في حشرية، وينفرد الختم بخاتمية وذو الأجنحة في الإنسان من غلبت عليه الروحانية والتحق بتطهير نفسه بالرتبة الملكية، ولا دفاع عندنا في هذا المقام ونزاع علي قدر ارتقائه فيها يكون مع صاحب مثني وثلاث ورباع، فإن كان أمين الأرواح فيكون له ستمائة جناح ولا حرج عليه ذلك ولا جناح وإنما سميناه خاتمة وجعلناه علي الأولياء حاكمة، لأنه يأتي يوم القيامة وفي يده اليمني محل الملك الأسني خاتم مثالي جسماني، وفي يده اليسري محل الإمام الأسري بخاتم نزالي روحاني وقد انتشر باليسار واليمين في زمرة أهلاالتعيين.

وقد انتشر باليسار مع أهل التمكين، خصص بعلمين وخوطب باسمين، فتفطن أيها اللبيب لهذه الأسرار واسعي لضياء هذه الأنوار، ومع ذلك رهن إغلاق وأخذ الميثاق ولما سمعت من ذكره.

تلك كانت إشارة إلي صورتيه ونشأتيه في لقائه مع الإمام الهمام عليه السلام.

ص: 38

وعلي صفحة واحد وستين يقول الشيخ مشيرة إلي وقت الظهورالسيد الهمام صاحب الزمان عليه السلام:

والإمام الأكبر المتبع الذي إليه النهاية والمرجع وتنعقد عليه أمور هذه الأمة أجمع وكل إمام لا يخالف في إمامته إذا ظهر بعلامته وكل إمام تحت أمر هذا الإمام الكبير كما أنه تحت قهر القاهر القدير، فهو الأخذ عن الحق المعطي بحق في حق فلا تخربوه وانصروه ووقروه وعزروه، فإنه إلي هذه المنزلة الشريفة والإشارة بقوله سبحانه «...إِنِيِ جَاعِلٌ فِي الأَرضِ خَلِيفَهَ»ما وقع الاعتراض عليه، جعل المعترضين سجدة بين يديه فاختص بخزي الأبد من أبي عن السجود، دقق كلمة ظهر في هذا النص (إذا ظهر بعلامته) فالظهور لا يكون إلا لمن كان مخفية غائبة بداهة وظهر.

وعلي الصفحة الثالثة والستون يكشف ابن العربي العلاقة بين البيت النبوي والبيت العلوي واجتماع ذلك في سيدنا الإمام المهدي روحي له الفداء فيقول:

لما كان الحق تعالي الإمام الأعلي المتبع الأولي قال: إن الذين يبايعونك إنما يبايعون الله يد الله فوق أيديهم. ولا نال هذا المقام إلا بعد جسم النبي المصطفي الأعظم اللهم صلي عليه وآله الكرام إلا ختم الأولياء الأطولالأكرم وإن لم يكن من إنها اشارة عرفانية علوية - بضم العين وتسكين الام - غيبية الحقائق، كذلك فالعبارة تشير إلي الحديث الشريف - ذرية كل نبي من صلبه وإن ذريتي من صلب علي وفاطمة، والتي تسمي بالعلوية.

ثم علي نفس الصفحة ثلاثة وستون والصفحة أربعة وستون يصف الشيخ سيدنا الإمام بأنه عين الله في خلقه ضمن قطعة شعر رصينة.

ص: 39

فمن شرف النبي علي الوجود ***ختام الأولياء من العقود

من البيت الرفيع وساكنيه ***من الجسم المعظم في الوجود

وبينتني الحقائق في ذراها ***وفضل الله فيه من الشهود

ولو أن البيت يبقي دون ختم ***لجاء اللص يفتك بالوليد

فحقق يا أخي نظرة إلي من ***حمي بيت الولاية من بعيد

فلولا تكون في أبينا ***لما أمرت ملائك للسجود

فذاك الأقدسي أمام نفسي ***يسمي وهو حي بالشهيد

وحيد الوقت ليس له نظير ***فريد الذات من بيت فريد

ولقد أبصرته حقا كريم*** بمشهده علي رغم الحسود

أردت تكتما لما تجاري ***إليه النكر من بيض وسود

في البيت :

ولو أن البيت يبقي دون ختم ***جاء اللص يفتك بالوليد

فالبيت هو الدين الذي أتي به النبي صلي الله عليه وآله واللصوص هم المزورون والوضاعون المدفوعين، ولكن هذا الختم بروحه المهيمنة والأمينة صانت الدين عن الانحراف والانعطاف الكلي، ولهذا المعني يشير البيت الذي يلي ذلك كدعوة للتحقيق في الأمر، والبيت أردت تكتمة لما تجاري، إشارة الجدال وإنكار متعمد لأحاديث الرسول الكريم اللهم صلي عليه وآله حول الإمام المهدي سيدي ومولاي.

وعلي الصفحة خمسة وستين وجه كلامه للسالكين في السيروالسلوك.

وسيبدو لك أمره ويتضح لك سره ولا ينبئك مثل خبير فتلحق بالسميع البصير وتحقق بالعجز والتقصير ، فلتذكر الآن نسختك من هذا الخليفة البيتي الإمام ثم نسختك عن ختم الأولياء الكرام والختم يكون التمام وهذا يشير بالوضوح إلي التحقيق الوجودي بالإمام (الخليفة البيتي)

ص: 40

بصفة الخليفه الإمام من بيت النبوة، ثم نسخته بعد الغيبة كختم الأولياء عند ظهوره فهو خاتم الإمامة الراشده وهو خاتم الولاية فوق الصديقية.

وعلي الصفحة السادسة والستون يشرح الشيخ الحقيقة الانتسابية وهي نسبة الإنسان للحق ونسبة الإنسان لوالديه فإحداها الأعلي في العالم الأجلي والثانية الأسني في العالم الأدني، ركيزة إشارته عن السيد الهمام الإمام صاحب الزمان عليه السلام.فحقيقة الانتسابي البيتي إلي النبي صلي الله عليه وآله و في ختم الإمامة المعصومة والحقيقة الظهورية متي شاء الإله الفرد والرب المعبود له في حقيقة ختم الولاية.

وعلي الصفحة التاسعة والستين وفي ذيل هذه الصفحة يشرح الشيخ إلي كيفية الوصول لمشاهدة حقائق هذه المعاني الراقية في صورها المقدسة الحية في الأرواح المنزهة، بالله العزيز الكريم الباذخ للعطاء ، فيقول :

(إذا فتح العارف مدينته الكبري بالمجاهدة والمعانات والمكابدة وارتقي إلي فتح مدينة الرسول ففتحها بالتهليل وذلك ينزل الروح الأمين من ربه علي قلبه بسرائر غيبه والملائكة من بين يديه ومن خلفه رصدة ، فحينئذ يرجع من حيث جاء مسرورة وقد ترك البلاد دبورة، فتحقق وتخلق والله الموفق) -بروعة السلوك العرفاني، يا رب حقق.

وعلي الصفحة الواحد والسبعين يشرح الشيخ غياب الإمام وظهوره سلام الله عليه : (وإن الختم الذي يحمل لواء الولاية ويكون المنتمي للمقام والغاية أنه كان ختمة لا يعرف، وكان له الأمر لا يرد ولا يصرف في روحانية متجسدة وفردانية متعددة وختم أمرة حسيمة فاستتر وختم أمرة مقامية فظهر، فإنه من جملة أعدائه أتباعه وصحابته وأشياعه). لأن الكثيرين من المتصدقين به في لباس الظن الحسن ليسوا من أصحاب البرهان الشهودي والعطاء التحقيقي، والإنسان عدو ما جهل، أما

ص: 41

أصحاب الأرضية الإيقانية بفضل الشهود العطائي فهم يعرفونه بالمعايشة ويسمعون النداء السماوي لسابقيتهم لمعرفة هذا النداء.

وعلي الصفحة الثانية والسبعون يشرح الشيخ رضي الله عنه علي لسان سيدنا عيسي عليه السلام فيقول عن المهدي عليه السلام : إنه الإمام الأعظم والختام لمقام الأولياء الكرام.

ثانيا: وفي ختام التعليق والشرح علي اقتباسات كتاب عنقاء المغرب أريد أن أبدي ملاحظتين مهمتين

الأولي : كما يبدو بعض الأحيان وبقراءة غير متأنية وباستقلالية الفقرات بأن الكلام حول الإمامة وختم الولاية إشارات ثنائية، وفي الواقع فإن الأمر ليس كذلك، لذا فإنني أوضحت المقصد تحلية وأبرزته شرحة حتي يتسهل فهم تعبيرات الشيخ في لغته الإشارية والمخفية سواء تقية منه، أو أن هؤلاء الأشاوس لا يرمون الجواهر كالحصي لمن لا يستحقها، أما الذين يستحقونها يفهمونها، وأن قراءة الكتاب مثل عنقاء المغرب تحتاج إلي عناء ولملمة الموضوع من غير استقلالية الفقرات وفهم واوات العطف، فهما ركيزة، ومن الأجدي عدم المرور السريع في القراءة وقد يحتاج التكرار والرجوع فيالقراءة حتي يكون الاستيعاب سليمة وصحيحة تجاه المقصد الذي قصده الشيخ بفك رمزيته وإخفاءاته ذلك بالدعاء إلي الله إلي فهم المعاني الإشارية.

الثانية : كثيرة من كتابات العرفاء تعبر عن المعايشة الشهودية في حالة الجذب الرباني، وأن تعبيراتهم عند حدوث شهود الحقائق تعبر عن حالات قابلية التلقي الروحي عندهم، فهم في هذه الحالة أصحاب الشطح ومختلفين عن أصحاب حالة التمكين، وهذا الأمر قد يوقع القارئ في الحيرة بجانب صعوبة الفهم. وعند قراءتي هذا الكتاب أي عنقاء المغرب قراءة صبورة ومتأنية وبتوفيق الإله المقتدر وفقت في إبراز

ص: 42

بعض الحقائق التي رمي إليها الشيخ محيي الدين العربي، وقد آن الأوان أن نخرج عن شرح مقاصد ضمن دوائر الكتاب ونتعرض إلي أعماله الأخري منها: شعره الذي سوف نورد بعض أبياته وأنه حدد فيها بما ينجلي كل غموض ويقشع كل مغبوش لمعرفته وتحديده لشخص الإمام. وإننا ندعو التدقيق في ألفاظ البيتين خاصة لفظ (الفاطمي) وكلمة قام أو قاما لموازنة القافية. فالفاطمي معروف في أحاديث الرسول المتواترة وأطروحات الشيعة والصوفية، واعتقاد غالبية أهل السنة أتباع الأئمة مالك والشافعي وأبو حنيفة وأحمد رضوان الله عليهم ما عدا المعترضين المتعصبين من السلفية من غير برهان أو دليل سوي الدافع المتعصب. وأن هذا الفاطمي ليس إلا الإمام المهدي وهو من نسل علي فهو العلوي وزوجته سيدة نساء العالمين فاطمة فهو الفاطمي لذا فلنقرأ البيتين :

إذا دار الزمان علي الحروف*** بسم الله فالمهدي قام

إذا دار الحروف عقيب صوم ***فأقرؤوا الفاطمي مني السلام

وكان الإمام الغزالي بعد تصوفه وعودته عن نكران إمامة أئمة أهل البيت يردد هذين البيتين، وعندما كان الناس يذكرونه عن مواقفه السابقة قبل هجره الجميل واعتزاله واعتكافه ومعارضته إمامة أهل البيت وترديده الآن هذين البيتين المثبتين الأئمة البيت الفاطمي فكان رضي الله عنه يرد:

فكان ما كان مما لست أذكره ***هوظئ خيرة ولا تسأل عن الخبر

ولا يعلن بهذا الخبر إلا علي أهله !!!!!

حقيقة أخري أريد أن أوضحها هنا وهي أن أي مسلم ملتزم بظاهر الشريعة من غير تعصب مذهبي ونوي طريق السير والسلوك بتوبة نصوح وإرشاد ولي مرشد مع الالتزام بالمنهج وتكاليف السير والسلوك، فإنه بعد قطعة دوائر الإيمان أو دخوله مقامات الإيمان والتحقق فيها يؤذن له الدخول في أحوال ومقامات الإحسان والتحقق فيها، إن مجال الإحسان

ص: 43

مجال شهودي تكثر فيه إشراقات الصور الشهودية المعرفية وقد قال رسول الله -صلي الله عليه وآله - عندما سأل عن الإحسان: «إن تعبد الله كأنك تراه فإن لم تكن تراه فإنه يراك والسر»في (إن لم تكن تراه) فهو يراك، وعندما ينعدم إحساس العبد بنفسه ويفني عن خواطر آثار المكتسبات والاعتقاد النقلي التي تحجبه عن (كأنك تراه) إلي حدوث الإحساس بالرؤيا في حالة (يا من قرب من خطرات الظنون وبعد عن لحظات العيون) أو كما هو في (إن لم تكن تراه...) فتدبر !!!

والواردات الشهودية في مقامات الإحسان، هي بعض حالات قطع السير بالسير والسلوك للسالك الصادق القبول وإن كان مبتدأ، لتثبيته وتهيئتة لمجالات الإيقان، (ولو كشف لي الغطاء لما ازددت يقينا) نعم في مقامات الإحسان الشهودي تكثر فيها الواردات المعرفية شهودة، منها صور حية متفاعلة في سريان المشيئة، مؤدية الدور المناط لها، ومنها صور ميتة لا حياة فيها سوي التخزين والشهادة علي صاحبها ، حتي اليوم الموعود والحساب وقد تكون لأشخاص يهتم السالك بها لغلبة المفضول علي الفاضل لدي السالك علي أرضية المعتقدات المكتسبة المنقولة سواء تاريخية معلوماتية أو التصديقات المذهبية وغيرها، حيث تلعب رغبات المفضولة عند السالكعلي الحقائق الفاضلة من الله سبحانه وتعالي. إن الوصول إلي حقائق الصور المعرفية الواردة في مجال الإحسان (وإن كانت أفضال المولي المعرفية علي السالك لا تنحصر علي مقام الإحسان وإنما بشتي مسارات الواردات المعرفية - شهود شعوري - أو بومضة نور يستقر في القلب - أو بخفقان القلب - أو باضطراب الكيان كله أو بالهام رحماني - أو بصوت الحق وهكذا)، نحن بصدد الكلام عنها، لأنها المتغلبة بالرؤيا القلبي لإثبات السالك وتيقنه، نعني المرحلة الإحسانية المملؤة بالبراهين المشرقة، للوصول إلي الحقائق الواضحة حسب موقعها من الورود من منطلق الشهود وهي لا تأتي بغتة ولكن بعد كدح وصبر

ص: 44

وعمل متواصل في خدمة المعبود بعبادات لا يفتر العابد التواصل والمواصلة فيها يكون فيها أمره بيد المولي جل وعلا حتي يورث وضوح الرؤيا في الغيبيات الواردة وفرز الفاضل من المفضول والحي من الميت فضلا من الله هداية وسداد. لذا فشرح الشيخ وإشاراته اليتيمة في كتابة بان السيد المهدي عليه السلام هو من العجم وليس من العرب علي الصفحة الخامسة والسبعين من الكتاب هو من قبيل ما شرحناه أو كان شهوده في هذا المقام شهودة عالية انغمس في شهوديته انغماسة اطلع علي إحدي حقائق سيدنا المهدي في إحدي صوره الروحانية العظمي التي ينتفي فيها العربية والأعجمية. ولكون ابن العربي كان عربية والعرب يطلقون علي كل من غير العرب أعجمي والحقيقة التي رآها لم يقدر أن يحددها عربية أطلق عليها بأعجمية، مع أن التسميات المحدودة في هذا المجال غير واردة. أما الحقيقة فإن تلك الصورة كانت في لباس الحقيقة الكونية آفاقية اقتدارية لا تحد بتحديد اسمي أو صفاتي محدود. والسؤال هنا يطرح، كان الرسول الكريم عليه السلام رسولا وآدم منجلد بين الماء والطين فماذا كان أصله عليه السلام عربي أم أعجمي؟! حيث لم تكون عروبة أو عجومة. فالأمر هنا يحتمل احتمالات تأويلية وهي أن الصورة كانت لحقيقة كبري عظيمة وان ابن العربي في حدود قابلية التلقي لدية وغلبة المفضول المتوارث وأثر المتوارثات المحيطية والمؤثرة بالنقل التاريخي وانحباسه في دائرة العروبة والأعجمية وعدم مقدرته الخروج منها في ذلك الحين فأعطي ذلك التفسير برغم أن بقية الكتاب يتكلم بكاملة وشموليتة عن المهدي في حقيقتين ختم الإمامة وختم الولاية. وقد يكون لأغراض معينة حقيقتها الكتمان وقطع أثر الفتنة في محيطه ووسطه، والله أعلم ولكن الكتاب في جله يناقض ادعاء العجمة والإمام في ناسوتيتة وإيهابه البشري حتي ختم

الإمامة كان عربيا كريما من عرب كرام عليهم السلام .

وللمزيد من التقرب لفهم بعض جوانب حقائق الوجود من ناحية

ص: 45

الشهود الرباني فنقول إن درجة مفهومية المعرفة الحقائق الشهود مرتبطة بحال السالك ومقامه تحت ضلال الفيض الشهودي. فالسالك السائر في مقام التوحيد الذي يري الله في الخلق حاله أو مقامه مختلف عن الذي خلق لمقام الأحدية الذي يري الله ما بعد الخلق (الرؤيا هنا رؤيا قلبية) وهذا مقام التنزيه، يختلف عن ما أصبح غائصة في مقام الوحدة والتفريد بقبول وتوفيق من المولي الكريم، وقد يدخل مجال التمكين كما تعبر عنها فقرة من دعاء السالكين (اللهم أرني الأشياء علي الحقيقة كما هي عندك) وهنا فالعبد عبد والرب رب لا نسبة ولا تناسب سوي نسبة الخالق الباقي والمخلوق الفاني الذي إن صار وجهة نزه عن الفناء - كل من عليها فان ويبقي وجه ربك ذو الجلال والإكرام.

إن فوق هذا الهرم الذي أشرنا إليه وفي مجالاتها المقدسة تأتي سلسلة الإرشادات من السيد المطاع نبينا ومعه آله والأنبياء والرسل ومن التحقوا من العباد لدائرة أهل البيت مثل سلمان الفارسي

(سلمان منا آل البيت) وهي درجة العباد في القمة.

إذن فالواردات المعرفية لكل مقام في طور مختلف وفهم مختلف وفهمه مختلف من مقام لآخر، ولا تخلو الأمور بتأثير المتوارثات والمكتسبات وتفسيراتها أحيانا، ولكن الوضوح الإيقاني والتمكيني لا يأتي إلا بالإخلاص والصدق وجهد وكد واقتحام العقبات وخدمة متواصلة للله المعبود والشوق إلي لقائه، فيتفضل المفضل بفضله وحبه العبد الصادق ويمكنه برؤية علم اليقين وعين اليقين وحق اليقين حقائق الوجود بالعلم الرباني اللدني وعندها تهدأ الروح وتترنم.

حواجبنا تقضي الحوائج بيننا*** نحن صموت والهوي يتكلم

أما الملاحظة المهمة التي أريد أن أوضحها فهي أن السالك المسلم بغض النظر عن مذهبه الظاهري إذا أراد الوصول إلي قمم

ص: 46

المعرفة الروحانية أي العرفانية لابد له الالتزام أولا بشعائر الشرع الشريف وزواجره ونواهيه، ومن غير هذا الباب الولوجي فالأمر علي المسلم يكون مستحيلا. وبعد تطبيق الشرع عليه الدعاء إلي الله بصدق وتضرع أن يقوده إلي مرشد يطمئن إليه مع البدء بالنوافل خاصة صلاة الليل من غير فتور. وعندما يعلم الله صدق طالبه تتم الأمور بكرامات عجيبة خاصة مسألة الولي المرشد. أما المرشد الأعلي والمهيمن علي إرشاد المرشدين هو في هذاالزمان، مولانا صاحب الزمان عليه السلام؛ وكل الأقطاب العرفانيين يقرون بهذا ويتمنون الخروج معه - روحي له الفداء.

ثالثا: الصلاة الأكبرية لابن العربي:

وخير ختام لهذا الباب ، المهدية عند محيي الدين بن العربي هو نقل هذه الصلاة المسماة بالصلاة الأكبرية للشيخ، حصلت عليها بشق الأنفس من شخص حبيب من صوفية مصر، العمدة عبدالفتاح - حرسه الله - حيث كنت ضيفة عليه في بيته بالقلج أو بالألج كما يعبر شعبية من ضواحي القاهرة بمصر المحروسة وكان ضنينة، علي حيث لم يتركني أمس الكتاب الذي قرأ لي منه الصلاة الاكبرية وأنا كتبته بقلمي سماعة منه من كتاب يحطاط عن التداول والانتشار ويحوي أسرارة لا تعطي لأي أحد، ولكوني كنت ذا حظوة عنده وثقة وحفاظا علي عهده قرأها لي من الكتاب وأنا أكتبها في مفكرتي كما أسلفت، وهي صلاة عرفانية رفيعة القدر لبعض مقامات الإمام المهدي عليه السلام وقد تكون هذه الصلاة إحدي أوراد محيي الدين الراقية والخاصة وهي تشكل أمله ومطلبه ومناه من الله، ذلك المعايشة مع السيد الهمام المهدي عليه السلام ، وإليكم الصلاة الأكبرية.

الصلاة الأكبرية:

يدعو ابن العربي بهذه الصلاة الأكبرية لله طالبة المعايشة والتحلي بحلية الإمام صاحب الزمان وهي الصلاة التالية :

ص: 47

«اللهم صلي وسلم علي محمد وآله أكمل مخلوقاتك، وسيد أهل أرضك وسماواتك، النور الأعظم، والكنز المطلسم، والجوهر الفرد، والسر الممثل، الذي ليس له منطوق، ولا شبه مخلوق، وأرض عن خليفته في هذا الزمان من جنس عالم الإنسان، الروح المتجسد والفرد المتعدد، حجة الله في الأقضية، وعمدة الله في خلقة، منفذ أحكامه بينهم بصدقه، الممد للعوالم بروحانيته، المفيض عليهم من نور نور انيته، من خلقه الله علي صورته وأشهده أرواح ملائكته، وخصصه في هذا الزمان ليكون للعالمين إمامة ، فهو قطب قطب دائرة الوجود، ومحل السمع والشهود، فلا تتحرك ذرة في الكون إلا بعلمه ولا تسكن إلا بحكمه، لأنه مظهر الحق ومعدن الصدق، اللهم بلغ سلامي إليهواقفني بين يديه وافض علي من مدده، واحرسني بعدده، وانفخ في من روحه كي أحيا بروحه، وأشهد حقيقتي علي التفصيل، فأعرف بذلك الكثير والقليل، وأري عوالم الغيبية بتجلي بصوري الروحانية، علي اختلاف المظاهر لأجمع بين الأول والآخر والباطن والظاهر ، فأكون مع الله آله، بين صفاته وأفعاله ليس لي من الأمر شيء معلوم، وجزء مقسوم فأعبده به في جميع الأحوال بل بحول وقوة ذي الجلال والإكرام.

اللهم يا جامع ليوم لا ريب فيه اجمعني به وعليه وفيه حتي لا أفارقه في الدارين ولا أنفصل عنه في الحالين، بل أكون كأنني إياه في كل أمر تولاه عن طريق الاتباع والانتفاع، لا عن طريق المماثلة والارتفاع، وأسألك بأسمائك الحسني المستجابة أن تبلغني ذلك منه مستطابة، ولا تردني منك خائبة، ولا ممن لك نائبة، فإنك الواجد الكريم، وأنا العبد العديم وصلي اللهم وسلم علي سيدنا محمد وآله وصحبه المنتجبين والحمد لله رب العالمين».

ص: 48

الفصل السابع: بعض إشرقات المهدي عليه السلام حظينا بعلمها

أولا : حدثني بل يحدثني بصدقه شخص أثق به ثقتي بنفسي عن رحلته من الشك إلي اليقين، إذ إنني أعرف هذا الشخص أنه كان من العلمانيين وفكرة كان سببية بعيدة عن الغيبيات والإيمان بها. كانت قراءاته علمية بحتة بتأثير غربي، قرأ الآداب المختلفة واطلع علي آراء متباينة وكان من الذين يقرؤون كثيرة، قرأ دواوين وسلامه وموسي وأدباء الغرب والسياسيين وغار في الأدب العربي وتاريخ العرب والأديان، أطلع علي الفلسفة اليونانية والفلاسفة القدماء والإسلاميين والمعاصرين عجمة وعربة، وكان يذكر من القدماء الثلاثة العظام سقراط وأرسطو وأفلاطون بجانب أهل السفسطة والإسكندرية، ومن الإسلاميين ابن رشد والفارابي وابن سينا وأبي حامد الغزالي والمعاصرين وليمز جيمز والرورتري وأحمد لطفي السيد (أرسطو العرب) وكان لايتعصب لفكرة معينة ، يخوض غمار كل الأفكار بروح حرة ويناقش مع نفسة ومع بعض الذين مثلة. ولكن أحسست فيه انقلابا غريبة في سلوكه فبجانب سلوكه الإنساني المتحضر الذي اكتسبه من ثقافته الواسعة فإنه أصبح متدينة إلي درجة إذا . سمع غيبة علي أحد اشمأز ونصح التجنب عن ذلك. ولكوني قريب منه قربا انطباقية سرد علي قصة التغير الذي طرأ عليه فيقول:

ص: 49

نعم كنت شكاكا لكثرة ما قرأت آراء متباينة عديدة، ومع هذا كنت باحثة في داخل وجداني وفكري عن أجوبة صعبة لمشاكل الفكر والمعرفة، أقارن الأمور بمنطق العلم والمنطق وبمدلولات الاكتشافات العلمية والفكرية النظرية والمقارنات بين الفلسفات الغابرة والمطروحة. ولدت من أبوين مسلمين من صلب أبو مسلم ورحم أم مسلمة يتمذهبون بمذهب التشيع لآل البيت وغذوني بحبهم وكنت أتغني في صباي ب:

لا عذب الله أمي أنها شربت ***حب الوصي وغذتنيه باللبن

وكان لي والديهوي أبا حسن ***فصرت من ذا وذا أهوي أبا الحسن

ولكن ذلك أهتز وتزلزل عند الاطلاع علي مختلف الثقافات والأديان ومقارنة المتوارثات مع المكتسبات الثقافية بأدوار المنطق العلمي والبحث العقلاني. فمسألة الله الواجد والإلة الخالق والمعبود الحي حلت بعد معاناة ومصارعة الأفكار علي ضوء الفلسفة اليونانية خاصة الميترافيزيقية فيها، وإثبات ذلك بالاعتقاد بالإله بالفلسفة الإسلامية وبحورها، كذلك ساعدتني قرأتي في الفيزياء من غير تعصب علمي لأن بعض المتعلمين أيضأ متعصبون للعلوم المعاصرة مثلهم مثل أي متعصب الأية فكرة، فالميكروسكوب والسلوك الشاذ عن القانون العام لبعض ظواهر الطبيعة والوصول إلي باب مغلق لبعض التفعيلات المتسلسلة المشكلات الفيزياء كل ذلك وجهتني إلي وجهة الإله المبدع الصانع ثم اهتديت وجدانية إلي الشعور؛ بواجب الوجود قبولا كما بينه الفلاسفة الإسلاميون وبذا طلقت دليل الصنعة - (لابد للمصنوع من صانع) وإن كان الدليل شريفة ولكني طلقته إلي أشرف منه وهو دليل واجب الوجود. ما عدا هذا الأمر، فإن بقية المتوارثات أصبحت معي في مهب الرياح حيث كانت مقارنة مفهوم الفضيلة بين مكتسبات أمم الغرب بفلسفات التجديد وآراء حقوق البشر وبين المألوف - الحسنة والصدقة لدينا وغيرها كان له أثر في الاهتزاز والزلزال الذي أشرت لك. ولكن نقاء سيرة آل

ص: 50

محمد في وجداني كان مشرقة لأن روحي الحرة التي لا تتعصب لفكرة مكتسبة بل تنفتح وترتاح إلي كل فكر فاضل يحمل عدلا وإنصافة ونقاء، ذلك كان شعوري تجاه آل محمد الذين لم يثبت التاريخ عليهم ولا نقطة سوداء واحدة، ومع هذا فإن تصارع الأفكار علي قاعدة المنطق والحجة كان له شأن في الاعتقاد والتبني أفكار جديدة. فكرة تزيح فكرة ونظرية تبطل نظرية، وهكذا مما قادني إلي الشك والمعارضة في مفهوم الولاء الآل محمد وتكميله للإيمان أو الإمامة المتوارثة لهم وإن كانت بأحاديث متواترة في المصادر الشيعية وغيرها من الأمور الاعتقادية، ولكن مسألة الإمام المهدي كانت أكثر إشكالية ومع هذاكنت أمارس العبادات الشرعية الظاهرية التظاهرية غير مركزة، كنت أشارك في بعض المناسبات الدينية العبادية مع الناس لا أعرف لأي سبب سوي أنني كنت أشعر براحة في ذلك لأني شاركت المجتمع في شعائرهم، وقد كان ربما رياء أو محافظة علي السمعة الاجتماعية وعدم التهمة بالإلحاد والكفر لست أدري. ولكن ساعة الانعطاف أتت في ليلة لا تنسي في حياتي بل كانت إنقاذية كما أعتقد الآن ذلك.

في إحدي ليالي القدر الثالث والعشرون من رمضان التي اعتادت جماعتي اللواتية إحيائها في مسجدهم الكبير علي ساحل مطرح وقد يكون ذلك سنة 1980 شاركتهم إحيائها وقد يكون الإحياء احتفال عبادي تهجدي وإحيائي بالأدعية المتوارثة في تراث آل البيت عليه السلام ومواليهم، ومن مراسم هذه الليلة دعاء الجوش الكبير الذي يحمل ألف اسم من أسماء الله ودعاء التوسل لله بآل محمد الكرام، ذلك برفع القرآن الكريم علي الرأس من قبل جميع الإحيائيين والتوسل لله بالرسول بكلمات بمحمد بمحمد لعدة مرات وقد تكون سبعة ثم بعلي بعلي ... بفاطمة بفاطمة ... مرورا علي أسماء بقية أئمة آلالبيت حتي الوصول إلي اسم الإمام المهدي وعند الوصول إلي اسم الإمام المهدي يقوم الجميع قياما

ص: 51

والمصاحف علي رؤوسهم. ولكني كما أشرت كنت كثير التشكيك بقضية الإمام المهدي أقول والذي لا إله إلا هو فعندما قام القوم بالتوسل وقوف وهممت القيام معهم مجارات لهم تصلبت رجلاي عن القيام ومنعت من القيام، رغم أنني لم أكن أعاني مرضة بل كنت رياضية قوي البنية، ومكثت مسمرة في الأرض رغم محاولاتي ورغم وضع القرآن علي رأسي بيدي اليمني حتي كاد القوم أن ينتهوا من نداء التوسل الله بالمهدي. وبسرعة غريبة أتاني خاطر ينبهني إلي شكوكي بالإمام المهدي عندها تمكنت من القيام في آخر لحظة حيث سري الدم في عروقي لجسدي السفلي منها قدماي. ولكن أغرب ما عشت في هذه الحادثة أن تجمدي في الأرض لم يشاهده أحد ولم يشعر به أحد وقد غيبت عنهم لأن في مثل هذه الظاهرة دائمة، وكما هي عادة الناس، فهناك من ينبهك للقيام وجرك إليه مساعدة للقيام أو تنبيهة للنسيان، وحتي جاري الذي كنت بجانبه لم يشعر بي، جار عن يميني وجار عن يساري وآخر من خلفي. ناقشت الأمر البيولوجي هذا علي ضوء المعطيات الظاهرية للدورة الدموية وأمعنت الفكر في تنميل الأطراف وتأكدت أن التنميل لا يأخذ كل الرجلين والساقين والركبتين والفخذين مرة واحدة حيث المألوف رجلا واحدة مثلا بجانب سؤال كيف ولا أحد انتبه إلي شذوذي عنهم بعدم القيام ولم أكن من العجزة بل في ريعان الرجولة وكنت بالكاد في عمر أربعين سنة؟

بدأت الأسئلة عندي تطرح بإلحاح غريب للمناقشة والوصول إلي الحل بجواب منطقي. كيف حصل هذا؟! ولماذا عند التوسل بالإمام المهدي غل. ثم لماذا تلاشت هذه الظاهرة وكأنها لم تكن بعد شعوري بأن المشكلة في التشكيك بالمهدي ؟! وأكثر من ذلك كيف لم يلاحظ الناس شذوذي هذا حيث لميقوموني أو يساعدوني علي القيام. تصارعت هذه الأسئلة في ضميري وكما قلت لك فإنني حر التفكير فليس سلوكي

ص: 52

التعصب أو الاستهتار أو المرور الابتعادي لفكرة أو رأي أو حدث أقابله في رحلة التفكير حتي أدرك الجواب في ضميري. لازمتني تلك الأفكار بعنف، قلبت الأمور ظهر بطن، استعملت كل المعلومات العلمية والمنطقية معي كي أصل إلي جواب استقرائي ولكني فشلت وقبول التفسيرات الغيبية رغم روحي الحرة لم يكن من السهولة بمكان. أثناء هذه المعمعة وبعد بضعة أسابيع أتتني بصورة مجهولة لا أعرف كيف رقعة فيها دعاء توسلي شرح أنه لسيدنا نوح عليه السلام يتوسل بمحمد وإليا وفاطمة وشبير وشبر لإنقاذة من محنة الطوفان. أخذت هذه الرقعة وعرضتها علي شخص صوفي ليس شيعيا بل سنيا مصرية لأعرف رأيه فيها. أخذ مني الرقعة ونظر إليها باهتمام وطلب مني تركها له لبعض الوقت. وفي اليوم التالي أعادها لي قائلا : إن هذا الدعاء حق وصدق، فقلت له: ولكن هذا يوافق عقائد الشيعة بالتوسل بالرسول وآل بيته، وضميري يكلمه بصورة غير مسموعة وأنت سني. قال شيعة سنة قضية أنتم تائهون فيها أما نحن الصوفية تجاوزناها إلي شريعة الحب بنور شريعة الرسول و حبه وحب آله من غير تعصب والتشنج والعداوات. رجعت من هذا الرجل وكأن عقدة تريد أن تنحل في، والسؤال المفتاح كان كيف أن رجلا سني المذهب يؤكد عقيدة التوسل الشيعية بهذا الحماس والحرارة؟ فكان ذلك انعطاف في حياتي غير مجراها حيث دخلت طريق السير والسلوك علي يد مرشد يناغي بروحه روح السيد المهدي عليه السلام مناغات العاشق التابع. أما هو أي سيدي المهدي عليه السلام أصبح روحة في حياتي وروحه حافظة لها هداية وأمنا أطلبه متي شئت فيشرف بروحه بساط كليتي متي أشرف وتشرف.

ثانيا : حضرت مجلس مريد وولي. وكان الولي يعمل عاملا بسيطة بمدينة صلالة بمحافظة ظفار العمانية وقد أوقف أوقاته بعد العمل بإرشاد الناس إلي السلوك الصوفي من غير كلل لمريدي طريقته التي يتبعها وهم

ص: 53

باكستانيون حيث نفسه كان باكستانية. كان الحديث عميقة غيبية يتعلق بالولاية والوصول إليها وطريقة خلعها علي المريد العابد الذي يصل إلي سدتها....

ثم حضرت مجلسه مرة أخري حيث أخبرني بأنه أصبح وارثا شيخا لأن شيخه قد رحل إلي جوار ربه وقبل وفاته طلب منه الرجوع إلي باكستان للقيام بالإرشاد لأن عليه تلبية أمر ربه، وأنه بذلك استقال ورجع إلي لاهور. وهنا كانت هذه المحاورة بينه وبين مريد في مجلسه حيث أبدي المريد نيته أن يزور الشيخ، فقال له الشيخ : سوف تلقاني في مكان كيت في باكستان ولكن المريد تفوه أنني عندما أسافر إليك سأعلم سيدنا المهدي عن ذلك وهو يدلني عليك. انفعل الشيخ (شاه جي رشيد) وهذا هو اسمه ثم رد، عندها سوف تراني أنتظرك بمطار لاهور. إن هذا الحوار يدل بأن السيد المهدي علي في حياة الصوفية وأهل العرفان حقيقة متفاعلة حية ومرشده، خاصة مع السالكين الصادقين ومرشديهم الكرام علما بأن الشيخ شاه جي هذا سني شافعي.

ثالثا : الإمام في حياتي فهو كلي في كلي وكفي.

فظن خيرة ولا تسأل عن الخبر.

فالخبر صعب مستصعب فإن أردته فأعنه بورع واجتهاد وعفة وسداد.

عندها الطريق والباب إليه مفتوحا به سلام الله عليه برضا الله بالقبول.

وأما القول العام والشامل حول أئمة آل البيت والمهدي آخرهم عند الصوفية : هم أصل المدد، ومنحصر المدد. وإن مدد الإمام المهدي ظاهر واضح لأنهإمام الزمان وهادي الأقوام في هذا الزمان عليه السلام . فالرسول منذر وهو الهاد «...إِنَّمَا أَنتَ مُنِذرٌ وَلِكُلِّ قَومٍ هَادٍ(7)».

ص: 54

الفصل الثامن: المهدي عند العارف العلامة السيد محمد مهدي بحر العلوم

اشارة

أولا : كشف الإشكال اللغطي عن عرفانية السيد بحر العلوم. لقد ابتليت ساحة التشيع بإنكار العرفان علي أنه من ركائز الدين، وفي النهاية منعه في زمن السيد محمد المجلسي بالاتفاق مع شاه عباس الصفوي (سنلقي علي تلك الماسات الأضواء في كتاب مستقل إذا وفق الله إلي ذلك من هذا الموقف كثر اللغط حول عرفانية السيد بحر العلوم أو تصوفه. ولكن الحالات التي عاشها هذا السيد العارف الموقر لا تشبه حالات علماء الجهد التحصيلي الكتبي كالفقيه الناقل أو المجتهد المرتكز بطبيعة الحال علي المعلوماتالمنقولة من الذي قبله لأن كل تلك الأمور في إطار المعلومات. فكل مكتوب في الكتب وينقل هو في إطار المعلومات تدور حولها البحوث بفكر عقلاني مجرد وبجهد إنساني وصولا إلي الحدس المبدع في حالة الاجتهاد واستنباطاته. ولكن حال السيد محمد مهدي بحر العلوم لم يكن كذلك بل عطاء لدني ووراثي وتكليفي، ولم يكن مجتهدة ناقلا للمعلومات من الكتب بالجهد البشري العقلاني البحت، وإن كان ذلك يبدو لنا في بعض الأحيان عند تصديه

ص: 55

الأمور الشريعة الظاهرة في تنظيم أمور المسلمين. والقصة التالية تلقي الضوء علي ذلك. نقل عن المحقق القمي صاحب كتاب القوانين في أصول الفقة بالفارسية وعرب حيث قال: إنه هو والسيد بحر العلوم كانا يتباحثان في الدروس وكان هو يقرر للسيد بحر العلوم مباحثة ولكنه بعد أن هاجر إلي ايران علم اشتهار السيد بحر العلوم بجميع الأصقاع فاستغرب، وعند زيارته العتبات المقدسة بالعراق والكلام هنا للمحقق القمي) قصد السيد بحر العلوم فوجده بحرة مواجأ وعميق العلوم، فسأله قائلا : عندما كنا معا لم تكن لك تلك المرتبة وكنت تستفيد مني ولكنك الآن مثل البحر، فكيف حدث هذا؟ فرد السيد: يا ميرزا أي المحقق القمي، هذه من الأسرار أقولها لك ولكن لا تحدث أحدة ما دمت حية واكتمها، قال : قبلت، فقال السيد: كيف لا أصير كذلك وقد ألصقني سيدي أي الإمام المهدي بصدره الشريف في ليلة من الليالي في مسجد الكوفة. إن هذه النقلة عرفانية ليست جهدة ناقلا إنسانية وهي تشبه ضم الأمين جبرائيل عليه السلام لرسولنا الكريم اللهم صلي عليه وآله في نقل العلوم والمعارف مع فارق عظيم بين النقلتين بطبيعة الحال، حيث بلغ جبرائيل السيدنا الرسول أن يقرأ، فقال : لست بقارئ فضمه فأصبح قارئة باسم الرب الذي خلق، خلق الإنسان من علق... مما يدل علي عرفانية السيد بحر العلوم وتفقهه كان عطاء لدنيا ومعارفه عطاء من الله وكان مرشده صاحب العصر روحي له الفداء، وهذا هو حال العرفاء والصوفية الواصلين الذين يقطعون السير برضا الله وإرشاد المرشد الولي حيث تتقوي فيهم أجهزة التلقي من الله وحيا أو من وراء الحجب أو إلهامة رحمانية بتأثير الروح القائمة علي التربية السلوكية.

ثانيا : لقد أعطي السيد بحر العلوم أمرا غيبية بالهجرة إلي المكة المكرمة للقيام بتنظيم مناسك الحج التي نراها الآن، بعد أن كانت متشعبة كما يبدو ذلك، عن طريق القيام بتعليم الطلاب أصحاب

ص: 56

المذاهب الأربعة أحكام الدين وحسب طريقة كل مذهب الذي ينتمون إليه حتي حاز ثقتهم بترتيب إرساء قواعد تنظيم الحج والعمرة. وكان المال يأتيه غيبا وهذه القصة روت في حاله.

يروي المولي زين العابدين الذي كان يتشرف بخدمة السيد بحر العلوم في مكة وأنه أخبره بنفاذ المال وكان للسيد عادة الذهاب إلي البيت العتيق للطواف بعد الفجر، وفي إحدي الأيام بعد نفاذ المال وبعد رجوع السيد من الطواف جلس يدخن الغليان ولكنه فجأة اضطرب وأمرني أن أرفع الغليان

(الكدو) وأسرع هو إلي الباب، طارحة كل وقارة ومظاهرة كشخصية دينية مهمة، وفتحه واستقبل شخصا أعرابية فأجلسه في مكانه وقعد هو عند الباب في مذلة ومسكنة. تحدثا ساعة وبعدها قام الشخص فقام السيد علي أثره ثم أسرع إلي الباب ففتحة ثم قبل يدي الشخص وأركبه علي جملة المناخ. رجع السيد متغير اللون ثم ناولني حوالة علي صراف قال إنه قاعد قرب جبل صفا وأمرني أن أذهب إليه لجلب المال. فذهبت إليه فوجدته وأعطيته الحوالة. قبل الصراف الحوالة ثم طلب مني إحضار أربعة من الحمالين لنقل قيمة الحوالة وكانت من الريالات الفضية. بعد هذه الحادثة

(والحديث حتي الآن للمولي زين العابدين) تفقدت الصراف لأسلم عليه فلم أجده ولم أجد دكانه فسألت عنه حواليه فقالوا: لا نعهد هنا صرافة أبدا وإنما يقعد هنا فلان، وهو ليس بصراف، فعرفت أنها كرامة وأمر من أسرار الملك المنان وألطاف وليالرحمن. وهذا يدل أن سيدنا الهمام صاحب الزمان عنايته ورعايته لكافة المؤمنين في ساحات الإسلام .

ثالثا : ملاقاته مع الإمام المهدي عليه السلام والاسترشاد به. ذكرت عدة لقاءات له مع السيد الهمام سيدنا الإمام محمد بن الحسن المهدي نذكر بعضها :

ا. لقائه في الحرم الشريف للإمامين الهادي والعسكري بسامراء.

ص: 57

2- لقائة بالسرداب في دجي الليل.

3- لقائه بمكة المكرمة كما ذكرت.

4-القائة به بمسجد الكوفة.

5-القائة به في حرم أمير المؤمنين بنجف.

6- لقائة به في مسجد السهلة المشهور.

إن هذه اللقاءات مذكورة بالتفصيل في كتاب حياة العلامة السيد محمد المهدي بحر العلوم لمؤلفه السيد ياسين الموسوي - دار البهجة - بيروت فليراجع من أراد المزيد من التحقيق.

وفي ختام هذا الفصل «المهدي عند العارف بحر العلوم»، من الفخر والاعتزاز إيراد بعض تعبيراته الشعرية عن الإمام روحي له الفداء.

قالوا سمعنا بالذي قلتم ***فلم يستبن حتي يراه الناظر

قلناله سرا الإله ونوره ***جمعا به فهو الخفي الظاهر

نعم تلك الحالة لمن ألقي السمع وهو شهيد.... وأين هم !!

السيد المهدي عليهم السلام في حياة العارف المتمكن السيد آية الله العظمي علي حسين القاضي قدس سره العالي

إن معايشة السيد القاضي رضوان الله علية لمولانا الهمام صاحب الزمان عليه السلام لم تكن معايشة مناسبة بل معايشة مداومة، بل تعدي ذلك إلي تمكين بعضمريدية إلي رؤية الإمام الكريم روحي له الفداء وقصة الشيخ الآملي وملاقاته مع صاحب الزمان تدل علي هذا التمكين.

لقد طلب الشيخ الآملي التشفع لرؤية مولانا المهدي فأعطاه بعض الأوراد وطلب منه مداومتها لمدة معدودة ومحدودة. قام الأملي بذلك. ولكن حين حان وقت اللقاء ولهيبه التجلي النوراني العظيم لم يتحمل

ص: 58

الشيخ الآملي المناسبة وترجي إيقاف اللقاء، ولكن نفس هذا الشيخ الجليل تمكن من اللقاء فيما بعد، بعد أن تأهل لمثل هذه النعمة نعمة اللقاء بسيدنا الإمام المهدي عجل الله تعالي فرجه بفضل السيد علي حسين القاضي ومكانته الراقية وتمكينه من الله لمثل هذه المناسبات وهذا العطاء العظيم. إن هذه القصة بتفاصيلها موجودة في كتاب قدوة العارفين سيرة السيد حسن المسقطي تأليف السيد تقي حسين الموسوي العارف المعروف بتأليفاته العرفانية منها السماوات السبع. كذلك في كتاب قدوة العارفين - إعداد عبد الرحمن حاتم - دار الهادي.

ص: 59

ص: 60

الفصل التاسع: المهدي عند عرفاء الفرق الإسلامية الأخري

اشارة

عند العارف بالله الشيخ ناصر بن سالم بن عديم الرواحي العماني (الأباضي) عبر عنها في قصيدته المقصد الأسني وهو إظهار دين الله علي يد قائم مولاه - في ديوانه - ديوان أبي مسلم القسم السادس ص 152.

القصيدة:

في المقصد الأسني وهو إظهار دين الله علي يد قائم مولاه.

متي تخفق الرايات فوق مؤزر

مظفرة تجري بجيش مظفر

إلهي أيد قائم الحق وانصر

***

وعجل بنصر منك للدين مظهر

وعن كيد من عاداك غير مكيد

***

متي يتجلي الله بالعدل مشرقا

ص: 61

يقيم به برا وليا موفقا

يرافقه نصرا من الله أشرقا

يقوم بأرباب الديانات والتقي

ويسطع نور الحق بعد خمود

***

متي السمحة البيضاء ترقي سماءها

متي ع زة الإسلام تحمي فناءها

متي فطرة التوحيد تلقي رجاءها

وتنشر أعلام العلوم لواءها

بأسياف عدل لم تلق بغمود

***

سيوف اقتدار حاكمات بوارق

قواصل حكم بالرقاب لواصق

بأنوار عدل الله زهر شوارق

يدبرها ماضي العزيمة حاذق

بأنفاذ أمر الله غير مؤود

***

همام يعم الكون بالقسط عادلا

اله عصمتا جد وجد تعادلا

بفارق سلطان من الله صائلا

تذل له الآساد حتي النقادلا

تذاد عن المرعي باطلس جيد

***

تجسم من نور التقي حشو درعه

ص: 62

حريص علي أصل الجهاد وفرعه

يراقب نور الله في رحب ذرعه

أمين علي دين الاله وشرعه

خليفته المأمون خير رشيد

***

بذل له وعر الأعادي وسهلها

علي خطة عدل ولله عدلها

يجلي بها عن فترة الدهر جهلها

به قرت الدنياعيونا وأهلها

علي العدل والإحسان منه شهودي

***

الشرح:

أولا العنوان : إظهار دين الله علي يد قائم مولاه والقائم لا يطلق إلا علي الإمام المهدي.

قائم آل محمد.

الحجة القائم.

الإمام القائم.

ثانيا : كلمة إظهار والإظهار يكون للمتخفي.

ثالثا: فإن القصيدة تجسد الإطار المهدية كما حدد في تبيان أحاديث الرسول لها وكما هو معتقد عند جميع فرق المسلمين لمقاصد أحاديث الرسول الكريم اللهم صلي عليه وآله من تبيان لظهوره وجيشه وراياته الخفاقة وإقامة العدل بعد أن عم الجور وإحياء الشريعة والدين . ودخول أصحاب الديانات الأخري تحت راياته. فلنشير إلي التسلسلالخامس من القصيدة :

ص: 63

همام يعم الكون بالقسط عادلا

له عصمتاچ وجد تعادلا

بفارق سلطان من الله صائلا

تذل له الآساد حتي النقادلا

تذاد عن المرعي بأطلس جيد

لاستيفاء معاني هذه الأبيات يراجع أحاديث الرسول عن الإمام المهدي في هذا الكتاب المذكور من كتاب ينابيع المودة للقندوزي الحنفي. فمعاني العدل والقسط والهمة والسلطان وخضوع الأمر له واضحة هناك بجانب الإشارة إليه كمعصوم في جده الكريم رسول الله اللهمصلي عليه وآله وفي عمله الذي صور بكلمة جد وهي صورة بلاغية في قمة معاني كمال الفعل في إطار الجدية، إن العديد من الأوصاف والملكات والمزايا التي منحت للإمام الهمام من الكريم الوهاب وذكرت عنه ووصفته في النقل متجسدة في هذه الإبداعية الشعرية التي لا يمكن أن يؤلفها إلا عارف سالك مشاهد، وهذا ما ينطبق علي الشيخ ناصر بن سالم الرواحي قدس سره.

انبلاجة الصامت

وهو الشيخ الصوفي بشير محمد بشير الصامت السوداني. إن هذا الشيخ في صوم دائم عن الكلام وإن عطاؤه الروحي مرهون بالصوم عن الكلام لذا تراه لا يرد إلا كتابة علي لوح صغير. التقيت به عدة مرات وفي إحداها فاتحته عن قصدي في تأليف كتاب عن الإمام المهدي وطلبت منه المساهمة العرفانية منه لكونه هو وغيرهم من العرفاء تحت حيطته عليه السلام كتب علي اللوح أن هذا الأمر يحتاج إلي أذن منه (روحي له الفداء) انتظرت شهورة مراجعة له حتي في إحدي المرات قال لي: أتي الإذن (بكتابته علي اللوح) ثم بدأ يكتب عليه وأنا أنقل علي قرطاسة بعدها أمضاها بخطه والكتابة هي:

ص: 64

نعم هي إجازة واضحة من القطب الأعلي ودعم من أولي الشأن وأصحاب القدم المعلي، والذين لهم الباع واليد الطولي في كشوفات التجلي الروحاني وأرواحهم متصلة الاتصال الأزلي، وهم المحبوبون في رحاب الله ورحاب حبيب الله المصطفي صلي الله عليه وسلم وآل بيته البررة الكرام نور الأرض وامتداد نور النبوة لهداية الناس حتي يظهر منقذ البرية الإمام الحق المهدي قدس الله سره. نعم وهو المذكور في رسالة القطب الكبير الشيخ الحسيني الحبشي النمر رضي الله عنه ونسأل الله التوفيق للشيخ الأستاذ محسن علي هذا الجهد العظيم والذي به سينال المدد والرضا ورفع المقام بإذن الله مع جميع السادة رضي الله عنه.

ه صفر 14/16- 3-2005م

التوقيع بالاسم:

بشير محمد بشير الصامت

السوداني

ص: 65

ص: 66

مسك مسك الختام

تلك رسالة من الشيخ الجليل السيد العلوي الهاشمي محمد إسماعيل الليثي الملقب بالنمر من شرفت مدينة طنطا المصرية بسكناه فيها، وقد تشرف هو بمن رقد فيها من الواصلين أصحاب الحقائق الربانية من نسل آل محمد لاسيما القطب الرباني الشيخ السيد أحمد البدوي الملقب بأبي العرب.

لقد سألت شيخي المساهمة في الكتاب هذا وقرأت عليه المقدمة التي كتبتها إهداء وتقربا من سيدي وولي وإمامي المهدي فأثني عليها ومن ثم كان من نتيجته تلبيته الطلب الرسالة الآتية :

والحمد لله رب العاملين والصلاة والسلام علي سيدنا محمد وآله الطيبين الطاهرين..

الأستاذ/ محسن جمعة اللواتي طلبت مني المساهمة في كتاب : الإمام المهدي عليه السلام .. ومن وجهة نظر الصوفية والعرفاء)، والذي تنوي تأليفه..

وماذا عساي أن أقول عن هذا الإمام الهمام؛ فحقيقة الإمام تبيانها منظوربتأكيدات أحاديث الرسول الكريم - اللهم صلي عليه وآله الأطهار -.. وحقيقة حقيقته مبينة في القرآن المنزل لأصحاب النقل والعرفاء..

ونتائج المحصلة السالبة في حياة المسلمين داعمة لحاجة وضرورة

ص: 67

ظهوره الميمون؛ لتصحيح النتيجة البائسة المذلة، إلي عز الدين والمسلمين، في إطار إسلامنا هذا الذي أتي به لنا الرسول الكريم - اللهم صلي عليه وآله الأطهار - ، ومدعمة بالقرآن الحكيم والسنة العترة التي ضيعنا الاتباع بها ولها..

أما دور هذا الإمام الطاهر في حياة الصوفية والعرفاء؛ فإليك يا ولدي :

إن دوره - عجل الله فرجه - في حياتنا يتمثل بالسببية المتصلة بين السماء والأرض.. فهو الملهم المقدس لأرواحنا في عروجها لاستكمال المعرفة..

وهو - عليه السلام - المربي البدل الأعظم، والمتحلي بحلية آبائه وأجداده المتحلين بحلية باب مدينة العلم والمعرفة وجده المقدس الكريم - اللهم صلي عليه وعليهم أجمعين -..

ومن أراد أن يتحقق ؛ فإن عليه التزام طريق السلوك العرفاني؛ لأن الكلمات تتوقف ولا تعبر عن جوهر المعاني ؛ لأن اللغة قاصرة عن أن تظهر معاني:

التوحيد، والوحدة، والواحدية، والفردانية..

هذا هو دور السيد الهمام الإمام ابن الإمام، السيد / محمد بن الحسن العسكري - أرواحنا لتراب مقدمه الفداء - وإننا ننتظره بفارغ الصبر من غير شك أو ريبة لأن حقيقته عندنا لحق، وظاهره كظهور الحياة بكل مكوناتها التي نتعامل معها ؛ بل بظهور أبرك وأزهر، وأبهر،وأفعل..

إذا فلا يبقي بعد ذلك شك فيه إلا لمرتد عن الإيمان؛ وإن كان مسلما..

ص: 68

فالمهدي هو هذا الإمام المقدس الطاهر / محمد بن الحسن العسكري ؛ كما قلت استنتاجا.. واستقراء.. وشهودة مؤكدا.

وصل اللهم علي سيدنا محمد

وآله الطيبين الطاهرين

والحمد لله رب العالمين

الشريف الحسيني

السيد / محمد بن إسماعيل الليثي الحسيني (الشهير بالنمر)

الأربعاء بتاريخ 29 رمضان 1423 ه الموافق 4 ديسمبر 2002م

ص: 69

ص: 70

صورة كف العباس عليه السلام

ص: 71

ص: 72

كتاب كبوة الواثب

المؤلف

محسن جمعة محمد اللواتي

ص: 73

ص: 74

المقدمة

في هذا الكتاب سنتكلم علي عدة مواضيع طرقت في المقابلة مع أحمد الكاتب بإدارة أحمد المنصور وقد بوبناها تحت اصطلاح الكبوات المفرد كبوة) في إطار فصول مرتبطة بموضوع الكبوة :.

الأولي والثانية: حول أسلوب مدير الحوار الأستاذ أحمد المنصور.

والثالثة : حول ولاية الفقية.

والرابعة : العصمة.

والخامسة : التشكيك في نهج البلاغ.

وقد يكون هناك تطرق لعلم الغيب أو الغيب.

إن أسلوب أحمد المنصور في هذه المقابلة كان أسلوب رئيس القسم مع موظفيه المساكين بعقلية وثبية بدافع الهيمنة قد يكون مردها بفعل الوسط العربي اللاديمقراطي وقيود الماضي المكبل بأدبيات التقديس الموضوعة وقد انطلت علي العقل العربي بصورة مهيمنة.

ص: 75

ص: 76

الفصل الأول: الكبوة الأولي

كانت هذه الكبوة كما نحسها مع الأخ محمد أحمد من الولايات المتحدة الأمريكية عند تدخله متصلا طارحة وجهة نظره أن يكون في مكان أحمد الكاتب رجلا شيعية لكون القضية ذي أهمية قصوي عند الشيعة، ولأن أحمد الكاتب لم يقدر أن يحدد هويته الشيعية المعروفة ، فأحيانا يقول إنه شيعي ولكن غير إمامي وتارة يدعي أنه شيعي جعفري ولكن ليس باثني عشرية والشيعة فرق كالزيدية والإسماعيلية وهكذا.... ((وهذا ما فندناه في كتابنا السابق الإمام المهدي، ضمن هذا المجلد وقلنا ليس هناك شيعية في عصرنا الحاضر إلا وهو اثني عشرية من خلال الواقع المعاش، فقضية الإمام المهدي محمد بن حسن عليه السلام هي قضية شيعية اثني عشرية بحتة، فالأجدر أن ينالها للاستفادة رجلا ينتمي إلي الاثنا عشرية)) هذه كانت وجهة نظر المتدخل محمد أحمد من الولايات المتحدة الأمريكية ولكن أسلوب الأستاذ أحمد منصور بالرد عليه كان أسلوبة استبدادية حيث سكت المتداخل بقوله لا تتكلم علي ضيفي ونحن تعرف شغلنا؟!! فهل هذا أسلوب حر في المناقشة خاصة أن الضيف قدم، أنه باحث شيعي ولكنه تحفظ في تحديد الهوية الشيعية المعروفة بل أنكرها علي نفسه، أفلا يحق للمتدخل أن يطرح تلك الوجهة من النظر

ص: 77

ويستفاد من طرحه في المناقشة بدلا أن يسكت. فأقول إذا كان المشاهد والسامع في حاجة إلي مشاهدة الفضائية فإن الفضائية أيضا في حاجة إلي من يشاهدها في حالة البحث عن الحقيقة من خلال المناقشة لمختلف الآراء والعقول، وإن اختلفت الأمور الآن فإن الكثير من الفضائيات ترتب مع الاتصالات مسبقة لمن يتبني وجهتها .

ص: 78

الفصل الثاني: الكبوة الثانية

في هذه الكبوة مع الشيخ سعيد النعماني من طهران عندما عبر عن نظريه ولاية الفقيه وجزمها بأنها نظرية إسلامية وليست مذهبية شيعية بدوافع معينة...... فبدلا السماح له لشرح وجهة نظرة والاستفادة منه قطع الأستاذ أحمد المنصورعليه كلامه قائلا أنت تهدم 13 قرنا من الحكم الذي لم يكن أغلب الحكام أو الخلفاء فقهاء بل سياسيون..... فكان رد الشيخ النعماني له أنه لا يهدم13 قرنة ولكن فقهاء جميع المذاهب الأحرار وأصحاب النظرة الفطرية المجردة) يؤكدون ذلك إلي ضرورة ولاية الفقية وهم فقهاء لهم مكانتهم من علماء السنة مثل إمام الحرمين معالي عبد الملك بن عبدالله الجويني الشافعي حيث يقول: - إذا كان صاحب الأمر الحاكم مجتهدة فهو المتبوع الذي يستتبع الكافة باجتهاده ، أما إذا كان سلطان الزمان أي الحاكم لم يبلغ مبلغ الاجتهاد فالمتبعون العلماء والسلطان نجدتهم وشوكتهم وقوتهم، فعالم الزمان في المقصود الذي نحاوله (يحاورة) والفرد الذي (نزاوله) كنبي الزمان كذلك الفقية السنهوري فقد حكم بأن المرشح للولاية العامة يجب أن يصل إلي مرتبة الاجتهاد في الفقة.

إن حكم الأستاذ أحمد علي الشيخ سعيد النعماني حيث أشار بأن

ص: 79

ولاية الفقيه مبدأ إسلامي... إنه يهدم 13 قرنا من الحكام والخلفاء... فأقول بعد أن هبت رياح الحرية ومطالبة المجتمع الإنساني إناطة اللثام عن المفاهيم التي قمعت الحريات والناس وتحركت فضائيات الإعلام النشر آراء عديدة حول قضايا الإنسان منها التاريخية والسماح بتحليل أحداثه لمعرفة دوافعه وكان من المأمول أن تساهم فضائية الجزيرة بركائز إمكانياتها الواسعة بروح حرة بتحليل تلك الأحداث لمعرفة الايجابية منها والسلبية، لأن الحالة الراهنة للأمة تحتم ذلك للحكم علي الحالة الراهنة في ساحة الأمة. فالدين الواحد أصبح أديان (مذاهب) والمرجع أصبح مراجع، والحس الحضاري متدني، والتقدم التقني مفقود، وفاعليات التنمية المحلية معدومة، ناهيك عن استمراريتها كالفقر والمرض والأمية والعوز وظلم المرأة لا سيما المجتمعات في هذه الأمة، وهنا فإنني أطرح تساؤلات للأستاذ أحمد المنصور لتوضيح الأمر للقاريء الكريم فأقول أليست 13 قرن من الحكم نفسها كانت تحمل في طياتها معاول هدم لمصادرة الشوري كما جاء فيالقرآن الكريم، وحق الجماهير كمبدأ.

إن المعروف بعد وفاة الرسول الكريم اللهم صلي عليه وآله وصحبه مباشرة حيث جسده الشريف المقدس مسجي من غير دفن، قام الصراع علي الحكم.... ولكن سوف نمسك الخيط من عهد سيدنا عثمان ابن عفان رضي الله عنه أنه كان لين الجانب بطبعه فاستغل الأمويون أخواله هذا الجانب وورطوه في أمور جسام أدت إلي قتله. سلط الطليق مروان بن حكم الأموي علي رقاب المسلمين ونري أن أمور الخلافة العثمانية أصبحت في يده فتماد في تجاوزاته حتي وصلت الأحوال في وسط المجتمع الإسلامي في مركز الخلافة إلي الثورة علي الخليفة... ثم جري ماجري بعدها ! وفي دائرة هذه التجاوزات أسال الأخ أحمد المنصور عن بعض الأحداث وليست كلها، لذا هل النعماني في تدخله كان يهدم 13 قرنا....؟ أم أن الهدم كان مضمرة استاتيكية بتعقب ديناميكي في

ص: 80

مؤشر بيان الهدم حتي أوصلنا ما أوصلنا إليه من التأخر والحاجة بل حاجات. وعليه فإننا سوف نذكر بعض الأحداث التي بدأت بهدم قيم الحرية والعدل.

1- عندما وصلت الأمور في عهد سيدنا عثمان رضي الله عنه علي ما وصلت إليه من ظلم وفساد بفعل التسلط الأموي ومن معاوني الخليفة وولاته في الأمصار مثل مروان بن الحكم و وليد بن عقبة (والي الكوفة) ومعاوية بن أبي سفيان (والي الشام) وعبيد وغلمان الخليفة وجلاوزة التعذيب والضرب لديه ، استفحل الإنكار علي الخليفة مما أدي ذلك إلي النصح له والتشديد عليه. ومن نصائح الصحابة له أن يترك سدة الخلافة اليختار المسلمون لهم خليفة غيره لأن الأمر وصل إلي حالة لاتطاق من تجاوزات وهتك الحرمات فكان رده رضي الله عنه - لن أكن لأخلع سربالا سربلني الله - كما جاء في الطبري ص112 ج الخامس وهنا أسأل الأخ المنصور، لأنني لا أفهم كيف خلع هذاالسربال من قبل الله علي الخليفة، فمجريات وأحداث التاريخ مدونة فيما يتعلق بتخليفه رضي الله عنه إنني أدعو أحمد المنصور أن ينظر إلي هذا الجانب بعين فاحصة وتحليل منصف وبروح حرة وذهنية محايدة .

ومع هذا فإننا نمسك عن التفاصيل لتلك الحقبة الحساسية الناس تجاهها ونشير إلي دور مروان بن الحكم الأموي في عهد سيدنا عثمان حيث استغل هذا الأموي تراخي الخليفه له، فكانت من جرائها مآساة ابن مسعود وعمار بن ياسر وأبا ذر الغفاري ورسالة الغدر في حق المصريين الذين كانوا يحملون رسالة الخليفة إلي واليه بمصر بالعزل حتي صارت تلك الرسالة سببا في رجوع المصريين من نصف الطريق إلي المدينة وكانت الفتنة وقتل الخليفة، (فإنني أدعو الأخ أحمد منصور أن يطلع علي هذه الأحداث في الفتنة الكبري لطه حسين وغيرها من كتب التاريخ الإسلامي). ثم تمضي الأيام والخلص من أصحاب محمد اللهم

ص: 81

صلي عليه وآله وصحبه يشعرون بمعول الهدم ماذا يفعل بالجسم الفضيل المبادئ الإسلام ومنهم عبر بأهات مريرة... آهه معروفة وممزوجة بالألم... آه لو تعلمون ماذا أحدثنا !!؟ بعد أن أخفق الحق بمنع نشره وسمح اللباطل أن ينتشر ليصبح عقيدة لدي السذج من الناس بما وضعت من أحاديث موضوعها مفبرك من قبل المؤسسة الإعلامية لمعاوية بن أبي سفيان الأموي. ثم يستمر ركب الهدم فتشتعل حرب الجمل بتحريض من الصحابيين طلحة والزبير لأم المؤمنين عائشة رضي الله عنها فتندلع الفتنة فتبتلع نفوس عديدة من الصحابة الحاملين روح أحاديث الرسول بين جنباتهم، وكانت الحرب من القسوة بمكان واللامبدئية، لأنها قامت ضد الخليفة مزكي و منتخب بايعه المسلمون من شتي الأمصار في المدينة، إذ هجم بعض أصحاب الجمل علي مقر الوالي ونهب بيت المال واعتدوا علي عمال المقر، أما الوالي فأخذ وعذب ثم نتف شعر لحيته حتيأصبح أمردة وهو شيخ كبير السن وقد أدمي وجهه واسمه الصحابي عثمان بن حنيف رضي الله عنه ،وقد قضت هذه الحرب علي العديد من وجوه المسلمين وحاملي الأحاديث. ثم تمضي الأيام وتأتي الحرب الضروس (صفين) ويحدث ما يحدث من تقتيل وغدر وبيع الذمم قادها الطليق معاوية بن سفيان وشريكه بالإثم عمر بن العاص داهي الدهات فكانت كالهشيم تحرق وقد قضت علي العديد من الصحابة الكرام أصحاب المبادئ والقيم مثل عمار بن ياسر وأويس القرني وغيرهم.

وتمضي معاول الهدم لقيم الإسلام هدمة وتحريفة فيرحل الطاهر المطهر سيدنا أمير المؤمنين علي إلي الرفيق الأعلي غدرة بالقتل بعد أحداث أليمة فيتولي الطليق معاوية زمام الخلافة فيحولها إلي الإمارة ومنها تنشأ في المجتمع الإسلامي أول منظمة إرهابية ضد خصوم الحاكم حيث قضي علي البعض من البقية الباقية من أصحاب محمد الرسول اللهم صلي عليه وآله وعترته فسمم الإمام الحسن بن علي بن أبي

ص: 82

طالب عليه السلام وأرسلت جنود العسل المسموم إلي العديد من الخصوم ضد معاوية فقضوا به وعندما كانت تأتيه الأخبار بفعل العسل السام فيهم كان يتندر ضاحكة مطلقة قولته المشهورة - إن لله جنود من عسل - وعندما قتلوا الصحابي الجليل العارف محمد بن أبي بكر رضي الله عنه، ووضعوه في بطن حمار مقتول وحرقوه معه. سلط الحجاج بن يوسف الثقفي علي رقاب المسلمين كذلك عمر بن العاص صاحب خدعة رفع المصاحف كذبة في الصفين، ومروان بن الحكم وغيرهم من العتات) والقتلة. وبقتلهم الأزياء من الصحب والآل، فإنهم هدموا العدل والحرية وأسسوا أساس الجور والقمع في المجتمع الإسلامي فبعد الحر وأعدم الغيور. أثيرت غرائز طلاب الدنيا بعطاءات الأمير الخليفة، واشتريت الضمائر الضعيفة من المنتسبين للصحب والأتباع بعطاء الأموي، وبدأت مطبعة الأحاديث الموضوعةتوضع وتؤلف وتكتب لتثبيت الحكم الأموي الأميري المتوارث ثم يخلف علي رقاب المسلمين أمثال يزيد بن معاوية.... فيقوم بأعمال شنيعة تشكل (ثلمة ممجوجة) في التاريخ الإسلامي حيث قتل السبط المطهر الإمام الحسين بن علي من الزهراء البتول حفيد النبي اللهم صلي عليهم أجمعين وسبيت حريم آل البيت ورحلت إلي الشام سبايا، ثم أبيحت مدينة الرسول للجيش الأموي وهتكت الحرمات وحملت النساء سفاحا قهرة وظلمة. هوجمت الكعبة ورميت بالمنجنيق حتي أحرق ردائها، ثم قتل عبدالله بن زبير وعلق علي الصليب. ثلاث جرائم ارتكبها هذا الخليفة أو الأمير في ثلاث سنوات وهي عمر ملكه لا مثيل لها بها. استمرت عملية هدم الإسلام بمعاول ممن بطاقتهم الشخصية مسلمين ثم يمشي الركب وقد تحول الأمر ملك يتوارثه الطغاة من بني أمية الطلقاء عدا المستقيم عمر بن عبد العزيز رضي الله عنه ولكنه قتل من قبلهم وسالت دماء المسلمين، تغيرت الأمور وابتدعت واخترعت الأحاديث الموضوعة لتثبيت الحكم الأموي بشراء ذمم علماء الحكام،

ص: 83

انطلت الكذبة للأحاديث الموضوعة علي القاعدة ودهماء المسلمين رغم أن هذه الأحاديث هادمة لنقاء الإسلام الفطري وممجدة للأمراء:

•تمجيد الأمير الطاغية.

•قبول فساده (بارة أو فاجرة).

•قبول عدم عدله وجوره.

•التوقف عن الطعن فيه وإن كان جائرة أو فاسدة.

حتي إذا ذهب الأمويون وأتي العباسيون وشاعر آل محمد يقول فيهم:

والله مافعلت أمية فيهم *** معشار مافعلت بنوا العباس

وفي كيلا العهدين شيدت القصور الباذخة، اقتنيت الجواري ووسائل البذخ والفجور والتملك اللامحدود لدي الأمراء وأعوانهم، كذلك وسائل الترف والمجون، وخططت المؤامرات ضد الخصوم وقمعت المعارضة واضطهدت، اشتريت ضمائر العلماء المستعدين لبيع دينهم حتيإذا وصلت الخلافة (الملك) إلي العثمانيين لم تتغير الأمور إلي التقوي بل زاد البذخ وتحولت الفتوحات الدينية في النهاية إلي الفتوحات الغازية الملكية، مما أدي بأوروبا الوقوف المعادي ومن ثم انحصار الإسلام وطرد المسلمين منها، والأمصار التي ظلت مسلمة استقلت من جلدة العروبة محتفظة بالإسلام مثل إيران والأمصار ما بعد النهرين والبلدان التي لا تعاني الردة، فكان إسلامها عن طريق روح الإسلام لا عن طريق فتوحات الملوك والأمراء مثل جنوب شرق آسيا وأفريقيا والتي أسلمت عن طريق العلماء المجاهدين بالقول الحسن وغالبيتهم أهل التصوف والعرفان لما يترك المنهج الصوفي في نفس الإنسان من اطمئنان يرتاح له القلب، فهؤلاء سواء علماء الشريعة

ص: 84

أولئك الذين جمعوا الشريعة والحقيقة من عرفاء الصوفية كانوا رجال الإسلام لا ملوك الإسلام.

إنني أدعو الأستاذ أحمد منصور أن يستنطق العصور التي تكلمنا فيها وإن كان بالإيجاز ليسمع (أنات) المظلومين والثكالي والأيتام كأتباع ابن نويرة والأرامل والأيتام التي تركت بعد قتل الرجال من قبل (جيش) خالد ابن الوليد علي أنهم مرتدون رغم صلاة ابن نويرة وقومه مع جيش خالد، وقد أثبت التاريخ، كانت لابن نويرة وجهة نظره في دفع الزكاة ووعد أن يأتي إلي المدينة للبحث فيها مع أولي الأمر، ثم أنات العلوين وذراريهم كذا أتباع آل محمد، وليست واقعة كربلاء المتجددة في سردها سنه بعد سنه بعيدة عن ضمير الأمة في أنات أرامل وثكالي المعارضين للحكم الأموي والعباسي والعثماني والأيوبي والقرمطي وبنو بوية مسجلة في الكتب التي قل أن تقرأ للاعتبار وتصحيح المسار. وكانت المؤشرات البيانية من التعذيب والمعانات بالقتل والسجن والتشريد تتذبذب برضي الخليقة أو سخطه أو حظوة المتقربين إليه أو سخط المبعدين. وقد تسمع أنات الأشاعرة في عهد المعتزلة وقربهم من الخليفة وقد تسمعالعكس من آنين المعتزلة عندما انقلب الدهر عليهم لصالح الأشاعرة وحظوتهم من الخليفة أو الأمير. أما الشيعة وأتباع آل البيت فأناتهم أطفالا ورجالا وشيوخا ونساء لم تنقطع حتي الآن فإرهاب الظلمة الظالمين الطالبان وجيش الصحابة الباكستاني وسجل صدام حسين في قتلهم لم يدخل النسيان بل ولن تنسي لا للانتقام بل للاعتبار وتصحيح المسار، إن الآراء المعتقدة والمعوجة عن الإسلام النقي الطاهر) مسؤولة عن إسالة دماء المسلمين، ثم عليه استنطاق سجل أنين المعارضين وآهات الثكالي وحرقة الأيتام وآلام العهود عديده، فهل هناك هدم أكثر من هذا الهدم للإسلام وقيمه الفطرية التي تورث السعادة الأمن والعدل في الدنيا قبل الآخرة.

ص: 85

لقد تطرقنا لأزمنة الأمويين والعباسين فيما يتعلق باضطهاد المعارضة، وإن كان يسيرة مما ذكر في المجلدات من مؤلفات التاريخ وأسفاره، ونتطرق الآن ولو بالإيجاز لعهد العثمانيين الأتراك. إن عهد هؤلاء ليس أقل بذخة في بناء القصوروالقلاع، وقسوة وعنفة للمعارضة خاصة مع من ليسوا من مذهبهم وجنسهم من العرب والعجم ولنستنطق مدن العراق منها بالأخص مدينة النجف الاشرف بصورة أساسية وبالتركيز في زمن السليم الأول.... مما تقشعر منه الضمائر. إن أنين المضطهدين في مسار حكم الأمراء والخلفاء في تاريخ الخلافة والأمارة الإسلامية كان أمرا ظاهرة ومألوفة... بل العكس هو الصحيح والشاذ وقد يكون هنا، أنين المضطهدين في آواخر الحكم الصفوي للمعارضين كذلك، أنين الفاطمين عند إزاحة الملك صلاح الدين الأيوبي حكم الفاطمين من علي مصر واستئصال مذهب التشيع عنوة، وقتل الناس وقسرهم ليتمذهبوا بالشافعية بل ذهب إلي عزل الرجال من نسل العلويين عن النساء وإيقاف نسلهمحتي تقزمت أعدادهم فكبرالرجال وشاخوا وعقمت العلويات عن الإنجاب، ثم تحالف مع الصليبين حتي كاد أن يتزوج أخيه من أخت الملك الإنجليزي ريتشارد قلب الأسد والتي رفضت هذه المصاهرة ثم مصالحتة مع الصليبين ليتركوا له القدس الشريف ويترك لهم الساحل الفلسطيني بمدنها العريقة حيفا ويافا وغيرها، ثم قسم الملك بين ورثته إمارات ودويلات وأورثها لهم بما فيها القدس والتي سلمت للصليبين فيما بعد من قبل وارثها من الملك صلاح الدين الأيوبي . إن هذه الحقائق وغيرها بحكم الغلبة غمت علي جماهير المسلمين عمدة وأظهر بدلها التبجيل والتقديس والإشادة لهذا التاريخ الذي نحن نتابعة. والأندلس والفتوحات لم تغرب عن البال والذاكرة وما تحدثت عنها الكتب ولكن الذي نسأله أين الأندلس..؟ وأين البقية من

ص: 86

المسلمين فيها؟ قرأنا عن القصور والمجون والموشحات والرقصات والجواري وغيرها... حتي قالت أم الخليفة

الهارب إلي البر الإفريقي لابنها الخليفة

أبك كالنساء ملكا مضاعا ***لم تحافظ عليه مثل الرجال

وحتي ذلك الخليفة الذي لبي نداء العربية المضطهدة (وامعتصماه) كان مخمورة والذين قاموا إلي نجدتها هم حماة الثغور والمرابطين وليس الخليفة الذي عاد إلي خمره ومجونه وقولته المشهورة يتردي صداها المؤذي لضمير المسلم النقي (اليوم أمر وغدة خمر) انظر كتاب الأيوبي بين العباسيين والفاطميين والصليبين - لمؤلفه حسن الأمين الطبعة الثانية - إنتاج من دار بيروت الجديده - وياليت حجم أمرهم كحجم خمرهم وتاريخ المعتصم في القهر والفجور معروف، ونحن نسأل عندما كان الخليفة يملأ معدته بالخمر ماذا كان حال المسلمين العاديين والمحاربين سواء الذين يقاتلون أو يعاقون؟ماذا كان يحل بالأيتام والأرامل والناس المرهقة كواهلهم من الضرائب والعشور في حين المخمورون يعملون ليل نهار وبزبانية معطات (مبني للمجهول) للمحافظة علي الملك والخراج بتكميم الأفواه بالقهر والعطاء ومصادرة الشوري. وقد ينبري أحدهم بالقول إنني أتكلم في أمور تاريخية مضت فأقول فقط إنني أذكر الأخ أحمد المنصور أن تلك الأحقاب الثلاثة عشرة قرن لم تكن تحمل في طياتها الشوري واستمراريته من يسر وحرية وسلوك حضاري ديني نقي، وأن حالتنا الحالية تقول ذلك ولكن من الناحية الأخري إن التذكير بها قد يفيد تقويمها وتقييم الحياة المتناثرة بها سلبا حتي وصل الأمر إلي التفرقة في العدل والإفتاء بالقتل والسفك والتكفير والظلم الجائر فلعل الضمير ينتبه إلي ما هو أفود في بناء الحياة من قبول الآخر وإقامة التنمية بالعدل ونبذ الظلم والتفرقة وتحديد الخطوط.

ص: 87

إن الذي ذكر في هذه السفرة) ليس شيئا جديدة واستنباط ذهنية أو إخراج حديثة للأحداث التي تمت في المسيرة الإنسانية بل مذكورة ومعروفة ومعلومة، ومسلم به بكثرة ما كتب عنها وبحث في فحواها، ولكن غلف ذلك بإضفاء القدسية علي أبطالها وهذا لايقود إلي تحررا لإنسان ومساواته لما تتضمن تلك الحقبات من توجيهات أصبحت كعقائد مصدقة تتفاعل ويؤخذ بها في التطبيقات الاجتماعية والدينية مع الأسف.

فإذا سلمنا أن هذا الوضع هو وضعنا ومورثنا المقدس لا يمكن مسه أو تحليله فلننظر إلي الحالة الاجتماعية التي نحن فيها من جميع الجوانب تأخر حضاري ومشاحنات فئوية قتل، تكفير، محدودية الإبداع إن لم يكن توقفه فعلي من نلحق هذا، فالتلاحقات ليست من فراغ فالفراغ عدم.... فلا بد أن نربط ذلك بذلك المورث وعندها نحكم بكل التفكير الفطري بأن إسلامنا يحمل في طياته الفشل وعوامل عدم استمرارية الحياة أو تجديده، نعم تلك هي ثلاثة عشر قرنا بمجمله. إذا نحن في مشكلة حتي في العقيدة لأننا نحمل كل الفشل علي الإسلام؟ ! ولكن هل الأمر كذلك.

إن الخطأ ليس في العقيدة وملتزماتها الرائعة ولكن الخطأ في الفقه والجانب الذي عطل القرآن كقول فخر الرازي إن السنة تختزل القرآن والسنة أصبحت سنن وعلي هذا الأمر بني الفقه عليه بالاجتهادات المدفوعة، منفعة لأمر أو تعصب لرأي أو طلبا للكرسي أو الشهرة أو تصديقا أعمي للموروث وعصمته.

وحتي لا يطول بنا المقام في التحليل والمؤشرات نرجع إلي أصل الإسلام ونستنبط معانيه الفطرية البسيطة الشاملة، كان ذلك نبراسا للفطرة الفاضلة السليمة وألا يكون (المحاكات) للأوجه التي تريد الدوافع الاستناد عليها. لذا فإننا سوف نحتكم إلي البسيط الذي يحاكي الفطرة

ص: 88

من غير تعقيدات التأويلية للمذاهب الظاهرية وهذا ما أمرنا القرآن الأخذ به.

•«يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَسْأَلُوا عَنْ أَشْيَاءَ إِن تُبْدَ لَكُمْ تَسُؤْكُمْ»

•إن الله يأمركم أن تذبحوه بقرة (عندما بدأت المجادلة) اتتخذنا هزوة... ماهي........ ما لونها...... تشابه علينا وبه ضاع الأمرالبسيط بذبح البقرة إلي تحديدات اللون والحجم والحالة..)

•نفس اسم الله من البساطة إذ لا يؤول ولا يفسر من حيث التركيب اللفظي أو الحرفي وإنما الإيمان به كما هو وهو الاسم الذي يتعلق به تسليمة وإيمانا وعدم التخلق به كبقية الأسماء الحسني المباركة.

فمن هذا المنطلق سندخل إلي معاني القرآن وما نحن نفهمه بفطرتنا، وهذا ليس حرام بل القرآن هو خطاب عام للإنسان والإنسانية وإلا لم نؤمر بقراءته وترتيله وتتدبر آياته وأخذ عموم لفظه لعالمية مخاطبته.

يقول القرآن الكريم «لَّا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِن بَيْنِ يَدَيْهِ وَلَا مِنْ خَلْفِهِ »:

اولا:

«وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا ۚ ».فماذا نري هل نري نحن جميعا معتصمون بالحبل الواحد؟ معتصمين به بفعاليات الخلق الإسلامي بالعلم والعمل له نتائج إيجابية بصورة شمولية ترتقي إلي الهدف الإسلامي ونقائه وعفته؟ في وحدة أرشدنا إليها قرآننا؟.... كلا !... بل نري:

•الفرقة في التمذهب وشيع وطوائف وفرق.

•دولا وأقاليم.

ص: 89

•أقطارة وأسماء جغرافية مصورة.

•تكفير وتشكيك وتشريك.

•فتاوي القتل والتبديع والإبادة والتهجير والتحريم من الحقوق، والتي أباحت في إحدي الدول أخذ الجزية من بعض الفرق الإسلامية علي أنهم مشركون كفرة وكان ذلك إلي عهد قريب.

وقد وصل أثر فتاوي التكفير والإشراك إلي خطط التطهير المذهبي بالإبادة والتهجير، فليمعن الأستاذ أحمد المنصور النظر والفكر في الفتاوي التي أباحت دماء المسلمين الشيعة الخارجين عن دائرة الاعتقادات الفرعية لطالبان ومحاربتهم للهزارا والطاجيك والأزبك وغيرهم، الأمر الشريعة وأمر أمير المؤمنين وإبادتهم. فليمعن الفكر أيضا فيما عملت مثل هذه الفتاوي من قتل وذبح ورش المصلين بالرصاص وقتلهم وإبادتهم في المساجد والحسينيات في باكستان من قبل المنتسبين لجيش الصحابة الظلامين وحكمهم علي تهجير الشيعة وتطهيرهم عرقية ومذهبية إلي خارج باكستان. والبرامج الرمضانية في الفضائية المستقلة تعطينا صورة واضحة عن الحضيض الأموي والمتعشش في السلفية الأموية.

ثانيا:

«...وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَلَكِنَّ الْمُنَافِقِينَ لَا يَعْلَمُونَ »[المنافقون : الآية: 8] وهذا حق وصدق ولكن أين العزة في أواسط المسلمين؟ الإذلال واضح علي وجه كل مسلم ومسلمة؟ ذل مصادرة الحريات (الشوري) ذل السواد من قبل النافذين المؤدي إلي الإملاق، والآن ذل كل مسلم بالهيمنة الإملائيةبعنجهية لا تعرف اللين والأخلاق من قبل الجموح الأمريكي، ذل المحرومين من التوزيع العادل للثروة

ص: 90

العباد، وهذا نحن لا نتكلم عن إقليم أو قطعة أرض إسلامية معينه بل المشكلة عامة، الذل والجهل والفقر والصحة العليلة بدنية أو نفسية، ذل التأخر والحاجة، داخل الخلل الاجتماعي وخارجا استجداء للمعونات وغيرها..... ذل الجهل التقني ووسائل الإنتاج وغيرها من أدوات تيسير الحياة الحرة الكريمة بعيده عن الإملات، أمة لا وزن لها ولا مساهمة لها علي خارطة الاختراعات والإبداع في ساحات الأدب الحر الخلاق علي الساحة الإنسانية. ألايطرح ذلك سؤال أين كوامن هدم العزة والاعتصام كما يشير ويدعو إليه الدين الحنيف حقا؟ أليس ثلاثة عشر قرنا أشرنا إليها كانت تحمل معاولها؟

ثالثا:

قال سبحانه وتعالي «...وَأَمْرُهُمْ شُورَي بَيْنَهُمْ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ »[الشوري الآية : 38] فلنطبع تحت كلمة الشوري عدة خطوط ثم لو فسرنا هذه الآية وما تحمل من كلمة (الشوري) بتفسير لغوي باستشعار فطري الذي ركزه الله في ضمائرنا، وفي حالة توقف الوحي والهداية اللدنية وعلي قاعدة عموم اللفظ لعالمية القرآن وكونيته - المحفوظ. نستشف بل نستنبط أن توكيل أمر تنظيم الأمة موكل علي الأمة وأفرادها في حالة مشورة عامة اعتمادا علي المدلل «وَأَمْرُهُمْ شُورَي بَيْنَهُمْ »وبالبداهة إشراك كافة المجتمعات الإنسانية في هذه الشوري قرية كانت أو مدينة أم القري وصولا للعاصمة. تجتمع القرية بمجتمعها الصغير وتتشاور لانتخاب ممثلها المرسل إلي تجمع المنطقة وهكذا وصولا إلي التمثيل المركزي للشوري العامة والذي يقوم بتنظيم أمر الحياة مع الطبقة الحاكمة حتي تتم الشوري العامة بتنظيم أمر الحياة تشريعا وتنفيذا وعدلا، هذا ما نفهمها من أمر الشوري بينهم، وهذا لا يقول بداهة الأمر بيد أصحاب الحل والعقد المفروضة فرضة كنتيجة الصراعات علي الحكم فيما بينهم ومنهم عسكريون الذين لا

ص: 91

يعرفون شيئا عن الإدارة المدنية المجتمعية التي تطلب معرفة وكياسة لأجل سلامة المجتمع وعدله ورفاه. فهل طبق مبدأ الشوري المحسوس والمستشعر في الضمير الفطري بداهة. وبمعني القرآني الشفاف، البسيط في تعبيره الواسع في قاعدته العريضة وهو الإنسان بكل أعداده وصولا إلي كلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته. إذا خضنا في ساحات القرآن ورياضه وعرصاته وحضراته نري:

- تباشير السعادة علي قواعد التقوي، بألة العدل في إطار الأخلاق والفضيلة والعمل المجدي الصالح، من لدن رب كريم. ولكننا نفتقد في حياتنا هذه السعادات لما ملئ علينا من التغبش والشقاء للعوامل التي تكلمنا عنها والتي تحمل معاول هدم لے 13 قرنة (ياسي أحمد) لأن المقدمات في تطبيقها كانت خاطئة فالنتيجة أتت منحرفة سالبة في معطياتها لأن الإسلام حرف ليلائم خدمة ومصلحة طبقة من المسلمين معينة من الخلفاء الأمويين والعباسيين وما خلفوا من الخلفاء اللاحقيين في كل أصقاع دنيا الإسلام. منهم العثمانيون وغيرهم .......

ومن هذا فإننا في حاجة إلي التذكير بتلك الأحداث علي حقيقتها المتفاعلة في حركة التاريخ، لا أن نقول لأي متدخل لتصحيح المفهوم الخاطئ أنك تهدم 13 قرنا..... لأن اللاعبين في تلك الأزمنة لا يمكننا أن نخلع عليهم خلعة العصمة والتقوي علي الإطلاق، لذا فإن عملهم كان فيها نقاط سالبة كثيرة ومصيرية بالنسبة لمسيرة الأمة. فالحركة والحدث الإيجابي يؤول إلي نتيجة إيجابية وتبني عليها تصورات أحداث مستقبلية، والتي نطلق عليها خطط العملالمستقبلي، وهكذا تنبلج بذلك سلسلة من المستجدات في حركة مستمرة من الإيجابيات تؤثر في نماء الحركة الإنسانية سكانة، أو ثروة أو سلوكا متحضرة مستندة إلي أخلاقيات اجتماعية للمحافظة علي مسيرة الحياة المسالمة ونقائها بروح حره، وأما إذا كانت الأحداث عكس ذلك خاصة فيما يخص بمصادرة

ص: 92

الحريات والعدل إذا لابد أن نتصور نتائج سلبية ذل وظلم. إن البكاء علي الأطلال لا يجدي نفعا إذا كان بكاء لأجل البكاء ولكن إذا كان تذكير للتصحيح فهو المراد. والذي لا يجدي نفعا افتراض التحصين والعصمة القرون أساس بنائها كان تطلعات المناكب ثم رمي أسباب تأخرنا علي المؤامرات الخارجية، وأن لا يخلو الأمر من بعضها، ولكن لم تطلب منا المؤامرة أن نقمع الشوري كما جاءت في القرآن الكريم، ولم تطلب منا المؤامرة فتاوي التكفير والقتل وإلا وطوقراطية..... فإن ذلك حدث منذ أمد بعيد وليس وليد الصراعات المعاصرة التي لعبت المؤامرات فيها دورة، فالذي عبرنا عنه من الأحقاب كان الإسلام فيها قوية وكانت الثغور فيها تحرس من قبل المرابطين، ثم ما العلاقة بين فتاوي التكفير والإبادة بالعامل الخارجي، ومن شاهد الرمضانيات التراويحية خاصة البرامج المشاركة السلفية يري إلي أي حضيض نزلوا الإسلام في بحيرات من الدم حيث كان الجواب حول التكفير المحاور السلفي أو عند السلفين أن علماء الشيعة في بلد معين كفرة مشركون لأنهم سمعوا الهداية (السلفية) ولم يعوها، وأن الأتباع من الشيعة في ذلك البلد تبعوا علمائهم فهم كفرة مشركون، أما سائر الشيعة الخارجين من ذلك البلد إذا سمعوا الهداية السلفية) ورفضوها فهم خارجين عن الملة، لأن علمائهم كذلك فلو أعددنا هؤلاء فهم لا يقلون عن 300 مليون يضاف إليهم السالكين الصوفيين فهم من زوار قبر النبي والأولياء ويطلبون الشفاعة والوسيلة منهم، فهم أيضا مشركون وقد يزيد عددهم، من جميع المذاهب عن 400 مليون مسلم تخمينة، من المغرب بشمول أفريقيا ثم الجزيرة العربية والهلال الخصيب إلي إيران وتركيا وآسيا الصغري ومن آسيا الجنوبية كل تلك الأجواء تشدو بأناشيد العشقالإلهي والتوسل بالنبي وآله وأوليائه ، ثم إذا تدرجنا إلي البقية الباقية من أصحاب المذاهب السنية الأربعة الوسطية المتاثرة بالأشعرية فإنهم يبجلون الأولياء ويحضرون حضارات

ص: 93

الذكر، منهم الشوافع والموالك والأحناف وبعضهم الحنابلة. أما الإمام الشافعي والبصيري والغزالي رضوان الله عليهم فهم في قمة الانحراف عندهم أولائك مشركون بالتوحيد، كفرة أصحاب النار لأنهم إما صوفيين أو متوسلين بآل بيت الرسول كالشافعي رضوان الله عليه. فإذا أضيف هؤلاء حسب اعتقاد السلفية إلي 700 مليون مسلم فمن يبقي مؤمنة موحدة يدخل الجنة - وا..... لسوء حظ الجنان التي ستظل خالية إلا من بعض البشر وهم السلفية.

ص: 94

الفصل الثالث: الكبوة الثالثة

اشارة

في الواقع فإن هذه الكبوة تشمل علي 3 تدحرجات وهي :

ا. في مفهوم المهدية.

2- في العصمة.

3- في فرص الهيمنة علي البرنامج وإسكات المتدخل.

الأولي : - في رد الأخ أحمد المنصور للمتدخل شفيق جرادة من لبنان وهو يشرح مفهوم المهدية الإسلامي، قال المنصور لشفيق لا تخلط بين مفهوم المهدية عند الشيعة والسنة فهو مختلف وعندما أراد الشخص أن يوضح الفكرة أنبري له أحمد بقوله أنا لا أترك لك الكلام علي عواهنه أو اطلاقة وأنا الذي أدير البرنامج... سبحان الله هل هذه العلاقة جيدة بين المشاهد المستمع المشارك لإثراء الموضوع وبين مقدم البرنامج الذي يجب أن يكون محايدة ومنصفة لآراء الناس لا أن يكون طرفا فيها وهذه من تدحرجات في الكبوة الثالثة. فيما يتعلق بالمهدية فقد شرحنا ذلك في كتابنا الإمام المهدي عليه السلام من هذا الكتاب في المجلد المشترك. ونضيف عليه أن نكران الاتفاق بين السنة والشيعة حول مفهوم المهدية غير صحيح وأنما الاتفاق بين السنة والشيعة أمر مؤكد ولكن الاختلاف

ص: 95

مع السلفية، وحتي هؤلاء منهم من أقر وطلب عدم التكابر فيه في بيت الله الحرام بمكة حيث كان شيخ يطرح هذا الأمر علي المستمعين قائلا إن الاتفاق العام حول مفهوم المهدية عام وموحد وطلب من السلفية أصحاب مذهبه عدم التكابر في نكرانه، لأن ذلك لا يجدي. وفيما يتعلق بقوله أي الأخ أحمد المنصور عن العصمة وانحصارها في الرسول الكريم وهي في الواقع محصورة في أمور التبليغ عند السلفية وليست عامة، فسنرد عليها تباعة. فيما يتعلق بإسكات المستمع المشاهد، فنتركه للتاريخ يحكم عليه، لأن الأمر نتاج فكر تسلطي لمحيط أوساطنا غزلته وحاكته الوضعيات الفارضة علي الناس السكوت والطاعة العمياء ورفض الغير.

إذا فلنرجع إلي مسار عنوان الكتاب الذي محتوياته بالتسلسل المواضيع - ولاية الفقيه - العصمة - التشكيك في نهج البلاغة.

ص: 96

الفصل : ولاية الفقيه

ولاية الفقيه في رأي، استنباط لاستحداث منصب من الضروريات الحكم الإسلامي من المعطيات الفقهيه سوف نكتشفها في هذه الكبوة.

لقد طال الجدل في المقابلة بين أحمد الكاتب وأحمد المنصور في ولاية الفقيه وإن كان الاثنان طاغيان فيها إلا أن الكاتب أجهد نفسه في دحضها والتقليل من سندها. فعلينا إلقاء الضوء علي المسألة برمتها وشمولها في أصالة الولاية التي أوجد منها قاعدة ولاية الفقيه، واعتقادها وضروراتها في مجال تنظيم الحياة الاجتماعية والسياسية. لقد ربطت ولاية الفقيه بعصر النراقي أي قبل نيف ومائة سنة، ورغم إقرار أحمد الكاتب بأن الفقهاء هم الذين كانوا يجيزون حكام القاجار والصفويين الحكم بعد معرفة صلاحهم أي أن الولاة هم الفقهاء فالولاية الفعلية كانت بين الفقهاء. علما بأن صفي الدين الأردبيلي كان من حكام الصفويين كان نفسه الولي الفقيه لاجتماع العلوم الحوزوية للشريعة والمعارف الحقيقية فيه، أي اجتمعت علوم الشريعة والحقيقة فيه فهو الولي الفقيه والحاكم الشرعي كذلك السيد إسماعيل ابنه، ولكن عندما بردت حرارة علوم الحقيقة في أسلافه رويدا رويدا لانشغالهم في مسائل الحكم والشؤون السبية الدنيوية وإن كان علي أحكام الشريعة الظاهرية ، تحولوا إلي وضع ضرورة حصولهم علي دعم الفقهاء وإجازتهم وهذا نوع من ولاية الفقيه.

ص: 97

ولاية الفقيه في أصالتها الإسلامية :

الولاية في حقيقة الأمر من مكونات التحقيق للخلافة الإلهية في حال الوصول إليها - «وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلَائِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً »وفي المفهوم الظاهري والعملي في ممارسة الحياة الإسلامية أمر متنوع لا ارتباط الولايةلظاهرية الأمر وليس علي منحة محققه من الله القائمة علي خدمته العبادية التي تورث اليقين فقط، فالمفاهيم الظاهرية في الولاية متنوعة كولاية رب الأسرة علي الأسرة وولاية رب العمل في محيط العمل أو ولاية الأمير الحاكم للأمة... أما الولاية المنحية للأولياء الذين وصلوا إلي اليقين «وَاعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّي يَأْتِيَكَ الْيَقِينُ (99)»أو ولاية اصطفائية كولاية الأنبياء والرسل والأوصياء وبعض العباد فذلك اصطفاء واختيار وانتجاب. إن مستند الولاية لدي كافة المسلمين والشيعة بصفة محددة علي الآية الكريمة «إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ (55)»والتي بإجماع الأمة (شذ عنه بعض السلفية نزلت في سيدنا أمير المؤمنين علي عندما تصدق بخاتمه وهو راكع والذي تشير إليه الآية وهم راكعون أي في الركوع والمناسبة معروفة. وللصوفية في هذا شأن غيبي عظيم بارتباط الولاية بسيدنا علي ال نتوقف هنا الولوج فيه من حيث هو باب مدينة العلم. فالظاهرية من أهل السنة والجماعة والسلفية هم متفقون بمفهوم الولاية فهو مفهوم نقلي تبلور مع السنة علي مر الأيام بمجادلات فقيه من أفواه الرجال بمقارنات وحجج عدة، أما مفهوم السلفية فقد وضع في زمن بدء الدولة الأموية بالطريقة الوضعية المعروفة وهي ولاية الأمير (أولو الأمر) أما عندما الشيعة فالولاية مبنية علي استرشاد غيبي تفسير الآية الولاية فهي من الله ورسوله ثم سيدنا علي ثم للورثة الأصفياء الأئمة أهل البيت انتهاء إلي الإمام المهدي..... وبعد ذاك العصر تحورت الولاية في العلماء الأولياء الذين جمعوا بين علوم

ص: 98

الشريعة والفتح الرباني، فتح العلوم اللدنية كما يعبر عنه بالعلم العرفاني بمنهج السير والسلوك حيث كان العالم مرجعا للشريعة وولية للحقيقة انجذبت إليهم جموع الشيعة، وكان هناك من امتهن فقط وظيفة علم الشريعة لصعوبة علوم العرفان، ولكن العالم الولي كان أكثر انجذابة للناس خاصة الأتقياء والأصفياءبالفطرة منهم لما يمتع به الأولياء من صفاء النية وكرامة الولاية فحديثهم حديث قلبي مع العقل وليس العقل فقط. فكانت هناك مجالس الذكر وحوزات الفقراء كما كانت تسمي في النجف تربي العرفاء وحوزات علم الشريعة كما هي الآن تخرج علماء الشريعة حتي أغلقت وحوربت حوزات الفقراء الاشتراك الصوفية مع العرفاء في حقائق المكاشفات الواردات اللطائف الواردة علي القلب للعلوم اللدنية الإلهية بحجة أن هذا الأمر سني الطابع، وفي إيران كان العرفان العملي المنهجي مألوفة لغاية عصر العباس الصفوي، وكان أسلافه بدءا من السيد الأردبيلي ثم ابنه حيدر، وقد يكون فيمن خلفوه، من الحكام الأولياء جمعوا الشريعة مع الحقيقة (الولاية) ولكن علي مر الأيام انشغل الصفويون بشؤون الحكم وانغمسوا فيه وقد يكون أثر الحروب وغزوها لإيران أدي إلي هذا الانشغال، بردت حرارة التوجه العرفاني لديهم، وفي عصر شاه عباس الصفوي رأي بطلان تلك الطريقة والاكتفاء بعناصر الشريعة الظاهرية، فحصل علي تأكيد العلامة السيد محمد المجلسي رحمه الله ، وفي جلسة ضمته مع السيد الأمير محمد داماد والشيخ البهائي وهذان الوليان اعتراضا علي ذلك وحذرا وأكدا أن جوهر التشيع في بحور العرفان ولكن جهدهم ونصحهم ذهبت أدارج الرياح فحورب العرفان علي أنه تصوف سني وتوقف. تمسك به القليلون بصورة الفردية ممن انجذبوا إلي الله وهم المطلوبون، وسبقت لهم الحسني أو طالبين وهم قلة وكلهم خائفون أن يتكلموا في هذا المجال حتي لايحاربوا أو يتهموا بالتصوف. كذلك حوربت الولاية

ص: 99

الروحية في الأواسط السنية من قبل الأشعرين من السنة والسنة السلفية وكفرت الأخيرة الصوفية واتهمتها بالكفر والزندقة، ولكن الأولياء المحظوظون العاشقون الله في الأواسط السنية لم يستسلموا بل استمروا في منهجهم العبادي للسير والسلوك فعند الوصول إلي الولاية وعندها يفرغ الولي المرشد نفسه للأخذ بيد الحياري من البشر بفضل عون الله ونوره بأنفاس ورشحات سيدنا المصطفي وآله المتحلين بحليته إلي جادة النور والوحدانية الحقة، فولاية الولي ليست كولايةالفقيه فالفقيه يتعلم نقلا من الموجود ثم يجتهد ولكن الولي المحفوف بالكرامات يجهد نفسه حتي يفنيها في خدمة الله، عبادة وتفكرة ليل نهار حتي يأتيه اليقين بقبول الله له. وتخلع عليه الولاية ويمنح تأييد الإرشاد للعباد. عند شعور العلماء والمراجع في الساحة الشيعية بالفراغ الروحي الكبير بعد توقف النشاط العرفاني (الصوفي )العملي، وانحصر في الأفراد الخائفين عن نشر العلوم التوحيدية وصولا إلي التفريد، توجه علماء الشيعة(المرجعية) لملا هذا الفراغ إلي الفلسفة القديمة ومزج منطقها ومقولاتها ونظرياتها وجدلياتها لمواءمة الفكر الإسلامي، وهذا الفكر المبتدع الجديد والبديل للعرفان العملي جعل الأمر لا يخرج عن دائرة الجدليات العقلانية والتي نهايتها عقال، لأن العرفان الحق قائم علي منهج عبادي مسترشد بمرشد ولي أخذ الله بيده بعد اقتحام العقاب فمنح الولاية وما يتبعها من العلوم الربانية والهداية الإلهية اللدنية بالواردات القلبية . فالعلوم المنقولة تعالج أمورها بالعقل أما علوم الولاية فترد علي القلب كما أنزل القرآن علي قلب الرسول فالأمر مفارق مختلف وفي الكل خير ولكن فارق الخير كبير. لذا نقول إن مبدأ الولاية، ولاية العارف أو ولاية الفقيه مبدأ إسلامي. اما ولاية الفقيه في الأوساط الشيعية حاليا فهي بين معارض وموافق ولكل فريق حجتهم، ففي إيران وفق عليه علي أنها حالة ضرورية لمواجهة المعضلات المعاصرة عند حدوثها

ص: 100

كي لا ينهار البناء السياسي الاجتماعي عند عدم حسمها بالحلول المطلوبة ولكن هذه الولاية أيضا لبت بجانب الضرورات أن جعلت النظام الإسلامي قائم علي أسس فقهية علي القرآن والأحاديث وآراء الفقهاء المؤيدة لها، وعلي ما في التجربة الانسانية من سابقة أعانت وتعين المجتمعات الديمقراطية القائمة علي صوت المواطنين وضرورته إلي الشخص الحاسم في الأزمات الخطيرةلوضع حد لانهيار المجتمع أو حدوث ضرر فادح للنسيج الاجتماعي أو هدم قيم المبادئ التي يقوم عليه النظام السياسي والاجتماعي فالهند نموذج علي ذلك، كذلك بريطانيا وحتي الولايات المتحدة، وأن يكن لرئيسها سطوة تمكنه استعمال سلطاته بطريقة غاشمة إلا أن الكونجرس له أن يتدخل للجم جموح الرئيس بوسائل مختلفة.

النظام البريطاني: فالملكة تملك مفاتيح الأمان عند تأزم الحالة بإقالة الحكومة وتشكيل حكومة جديدة.

النظام الهندي: كبير القضاء في المحكمة العليا مع رئيس الجمهورية يمكنهم إقالة الحكومة وإعلان انتخابات جديدة.

أما في إيران فولاية الفقيه محكومة بضوابط وبأهلية ضابطة لشروط البناء الإسلامي وبعملية الانتخاب، ولكون ولاية الفقيه في المقابلة نقدت من قبل أحمد الكاتب بطريقة سلبية وسطحية وللانصاف يجب الرد عليها ردة نقدية إيجابية فالمصدر الذي يمكننا حصول الضوء منه هو دستور الجمهورية الإسلامية، في إيران. ففي المادة 107 من الدستور تنص بعد قيادة الإمام الخميني التي انبثقت من إرادة الأمة الإيرانية

ص: 101

(شاهدها العالم وسجلها التاريخ) فإن تعيين القائد بعد ذلك يتم من قبل الخبراء المنتخبين بموجب المادة الخامسة والمادة 109 من الدستور ففي المادة الخامسة هناك توصيفة للقائد المرجو تعينه أن يكون :

*فقيها.

*عادة تقية.

*بصيرة بأمور العصر.

*شجاعة قادرة علي التدبير والإدارة.

أم في المادة 109 فهناك (3) فقرات بالتوصيف يجب مراعاتها في التعيين.

ا- الكفائة العلمية اللازمة للإفتاء في مختلف الأواب. أي أن يكون الفقيه مرجعة موثوقة به عندما يؤدي دوره حسب الدستور.

2 - العدالة والتقوي في القيادة.

3- الرؤية السياسية الصحيحة والكفاءة الاجتماعية والإدارية.

ولقد قرأنا النقد والجدل والتطاول علي ولاية الفقيه (القائد) في المفهوم الإيراني فيما يتعلق بأمر التعينات لكونها ليست في إطار انتخابي صرف من الجماهير. لكون النظام إسلامي، وللإسلام في بحور معارفة رجالا متخصصون فالتصنيفات المؤهلية من الضرورة إيجادها حتي لا ينحرف النظام بالاجتهادات الفردية أو الدوافع الشخصية الأنانية أو بإسناد خارجي تأمري عن جادة الاختيار الشعبي وهو النظام الإسلامي، ومع هذا فإن وجود رابط انتخابي شاده إلي العملية الانتخابية ظاهر يحقق المطالب النظام الإسلامي المرضي عليه في المجتمع الإيراني.

أولا :- إن الولي الفقيه ينتخب من قبل مجلس الخبراء - فالأمرانتخابي

ص: 102

ثانيا : - مجلس الخبراء نفسه ينتخب من قبل مجلس صياغة الدستور - فالأمر انتخابي أيضا.

ثالثا : - مجلس صياغة الدستور مشكل بالكيفية التالية :

*6أعضاء من الفقهاء العدول العارفين لمقتضيات العصر وقضايا الساعة - يختارهم القائد الذي هو منتخب وهذا من وظائفه كتوظيف رئيس الوزراء مثلا.لذا فالأمر لا يخلوا من الارتباط الانتخابي.

*6من الأعضاء الحقوقين المسلمين من ذوي الاختصاص في مختلف فروع القانون يرشحهم رئيس القضاء ولكن يجب أن يصادق عليهم مجلس الشوري المنتخب شعبية، لذا فإن مجلس صياغة الدستور يشكل عن طريق مصادقة البرلمان بترشيح رئيس القضاء بالإضافة إلي الأعضاء المرشحين من قبل القائد، فالأمر له علامة انتخابية بشكل من الأشكال وهذه التشكيلة المراد بها المحافظة علي الإطار الإسلامي للدولة والمجتمع، الاختيار الذي صوت عليه الشعب الإيراني.

أن ما يمكن الجدال عليه هو بجانب قضايا التي يراد لها الحسم فيما يتعلق بسلامة الجمهورية الإسلامية عند انحرافها عن جادة المبادئ الإسلامية فإن هناك وظائف أخري أنيطت لمسؤولية القائد أو الولي الفقيه خاصة التعينات في الأجهزة التنفيذية وهي في كثير من البلدان من مهام رئيس الجمهورية أو رئيس مجلس الوزراء، ذلك نظرا لحداثة التجربة للحكم الإسلامي في الزمن المعاصر، وإبعاد تلك المراكز عن دور المصارعين السياسيين المختلفة مشاربهم بالفسيفساء المجتمع الإيراني سلامة للنهج الإسلامي والدولة الإسلامية، مع أن الأمر قد يتغير في مسار التطبيق الديمقراطي الشوري بنضج التجربة والتأكد من سلامة

ص: 103

المسيرة الإسلامية وعدم تجاوزها وهي خطوط حمراء بالتعبير المعاصر. ولكن الذي يؤخر هذا التغيير في مهام الولي الفقيه وهي أحدي عشرة | مهمة هو موقف الأمريكي المعادي المتحامل علي هذا النظام، فإذا كانت هناك خطوط حمراء يجب عدم تجاوزها في الإطار الإسلامي في إيران، كذلكلكل نظام خطوط حمراء، فمثلا هناك عدة خطوط حمراء في أمريكا نفسها في النظام الأمريكي والقواعد التي يرتكز عليها البناء الاقتصاد الاجتماعي الأمريكي منها :

*عدم جواز للشيوعية في أمريكا ومنعها بشتي الوسائل منها العنف والمحاربة الاجتماعية.

*اقتصاد السوق بأوسع مفهومه الاستهلاكي.

*الصناعة القائمة علي المبادرة الفردية.

*الملكية الرأسمالية الغير محددة مع ضوابط.

كذلك البلد الشيوعي مثل الصين لهم خطوطهم الحمراء وبريطانيا والفاتيكان وغيرهم فلماذا هذا التحامل علي الجمهورية الإسلامية الإيرانية.

إن الولايات المتحدة الأمريكية تتحمل وزر أي تأخر في التغيير الإيجابي علي قاعدة الشوري بعداوتها المعلنة ومقاطعاتها وعقوباتها التقنية والاقتصادية وحصارها السياسي ومصادرة أموال الإيرانيين، مما يحفز الإيرانيين تحمل الصعاب والدفاع عن بلدهم خاصة أن أمريكا ولمصلحة إسرائيل تحارب إيران محاربة لا هوادة فيها فيما يخص المسألة النووية السلمية والتي هي حق جميع الناس علي الكرة الأرضية. علما فإن في النظام الإسلامي الإيراني، البرلمان أقوي من الكونجرس الأمريكي أمام الرئيس، فالرئيس الإيراني لايملك تلك الصلاحيات التي يمكنه تحدي مجلس الشوري البرلمان، ولكن الرئيس الأمريكي يملك

ص: 104

من الصلاحيات يمكنه أن يحول الدنيا إلي خراب ودمار، والكونجرس لا يمكنه أن يوقفه لأن لديه (الفيتو) عليه والتأثير علي الرئيس قد يأخذ شهورة ومدة طويلة في حين حل الدمار بالناس، في فلسطين ولبنان والعراق وأفغانستان والصومال وغيرها، مآسيها آتية من المواقف والأخطاء الأمريكية في معالجة الأمور، أساس تلك السلطات الهائلة للرئيس الأمريكي، فلو أخذناعهد السيد بوش لرأينا جموحة ودوافع عديدة متنوعة بها ينطلق لمعالجة الأمور منها شخصية تتعلق بعقيدته المحافظة ومنها انطلق إلي محاربة الإسلام كما أعلنها وإن سحبها، ولكن إعلانها ينم عما بداخله كذلك موقفه من النووي الإيراني السلمي، إن رأي في النووي الإيراني أنه آمن علي البشرية في اتخاذ قرارتها من الولايات المتحدة الأمريكية التي أنتجت القنابل النووية استعملتها في هيروشيما ونجازاكي، واليورانيوم المنضب في العراق وربما في أماكن أخري واستعملت إسرائيل ذلك في لبنان كما أشارت الصحف وهو من عطاءات الأمريكية الإسرائيل بجانب العنقوديات والخارقات الذكية، أنتجت القنابل، وهي ترفض الاتفاقيات المتعلقة الحد والقضاء علي الأسلحة النووية بل مستمرة في التخزين والتجارب بل صنع القنابل النووية التكتيكية وتصنيع الأسلحة وتجريبها علي العرب كما حدث في لبنان من قبل الإسرائليين وهي التي أعطتها. ولندلل كيف أن إيران آمن من أمريكا وأعقل منها في أخذ القرارات الإبادية للبشرية .

أولا :- إيران أعلنت أنها لاتنوي امتلاك القنابل النووية لأن دينها يمنع ذلك.

ثانيا : - هناك سابقة حدثت عندما امتلك صدام حسين، الرئيس العراقي الذي أعدم، السلاح الكيميائي الذي ساعدته في امتلاكه أمريكا وبعلم وبتغطية منها تقدم عددا من خبراء الأسلحة إلي الإمام الخميني الراحل بمشروع تجهيز الجيش بهذا السلاح لاستعماله ضد جيوش

ص: 105

صدام. ما دام هو البادي بذلك فإن كلمة السيد الخميني صارمة ومدوية عندما قال : لا نحن لسنا بصدد إبادة البشر اصبروا وتحملوا والله معكم، ولقد استعمل صدام الأسلحة الكميائية ضد الإيرانيين بتغطية أمريكية وحتي الدفاع عنها بعد استعمالها ومحاولة اتهام الإيرانيين بها، وماذا بعد أذية الأمريكيين للإيرانيين وحكمهم القائم في حالة الحسم للقضايا المصيرية للنهج الإسلامي علي ولاية الفقيه هناك اتهامات يقابلها إجراءات الأذي وخلق الفتن لهاومن المآخذ هي حقوق الأقليات.

من يقرأ دستور الجمهورية الإسلامية يعلم أن هناك أقليات من اليهود والمسيحين وزارا دشتين (المجوس) وبهائية، أما اليهود والمسيحيون والزرادشت فلهم الحقوق وحرية العقيدة مثلهم مثل المسلمين، بل هناك بعض الامتيازات الاستثنائية. فبجانب حقهم في الاقتراع العام في انتخاب مجلس الشوري ولاحتمال أن لا يأتي منهم أحد في العملية العامة لقلة عددهم اعطو حقا إضافية أن يختاروا ممثلا لهم بالإضافة لكل فرقة منهم في الاختيار العام أما البهائيون، فهم في المفهوم الإسلامي مرتدون عن الإسلام، حيث كانوا مسلمين ثم تخلوا عنه، والحركة البهائية معروفة وهم يعاملون من هذا المنطلق، ومع هذا لا أحد يقيم عليهم حدا أو يعترضهم ولهم أعدادة في إيران خاصة في منطقة يزد كما أفهم، والذي يعقد مسألتهم هي نفس أمريكا لتبنيهم وزجهم الوقوف ضد وطنهم، ومع هذا فإن مسألتهم حلها لا يأتي من الضغوط والعداوات والتشدد كما تعمل أمريكا ولكن بالحوار والبحث عن مخارج فقهية علي أنهم ظاهرة وجودية واقعة لم تختار لنفسها هذا الدين ولكن ورثتها من سلفهم فأمر الارتداد علي أسلافهم.. لست أدري هل هذا قد يكون مخرجا فقهية وأنا لست بفقيه، ولكن كما نعلم ففي الفقه الإسلامي مخارج اجتهادية للمعضلات الاجتماعية وأهل العلم الديني هم المرجع ولكن يجب أن لا تزجهم أمريكا في عداواتها

ص: 106

وتحرشاتها ضد وطنهم، وقد تحل المعضلة بشكل أو آخر وحسب علمي فإن ليس هناك اضطهاد مباشر علي وجودهم وأتمني أن لا يكون، إن مسألة البهائية عقدية أو فقهية إسلامية ولن تحل إلا بمخرج ديني إسلامي. بما أن ولاية الفقيه مصدرها ولاية الولي بالأصل فمفهوم هذه الولاية أي ولاية الفقيه وتطبيقاتها شرحناها حيث الضرورة وهنا نلخصها كما هي عند أهلها.

الولاية أو ولاية الفقيه في الدولة الإسلامية الإيرانية. أنه مبدأ اجتهادي تطور لضرورات مسيرة حياة المجتمع الإنساني في إيران في إطار إسلامي والمحافظة عليه، ومن الانطلاق منه لبناء الاستقرار الضروري للتنمية، اقتصادية أو إنسانية علمية وفكرية، وهذا الابتداع اجتهد علي قواعد الشوري أو متدرج علي سلم الشوري كما بينا، إلا أن هذا النظام فيما يخص صلاحيات رئيس الجمهورية محكوم بمراقبة البرلمان وخاضع له وبناء عليه أي أنه مبدأ متطور اجتهادي فيمكن أن ينال التطور والتحديث هذا المبدأ عندما يطمئن النظام الإسلامي علي سلامة وأمن النظام الذي رضي الشعب الإيراني به ويمكن إحداث تطور وتحديث وتحوير فيه، شريطة عدم تدخل خارجي مثل تدخل الأمريكي الصارم والقاسي في شؤون هذه الجمهورية الإسلامية الفتية، ولا أقول أساس النظام الإسلامي بل تنظيم المهام فيه حتي مسؤوليات الولي الفقيه بالحوار والتعايش.

إذا فولاية الفقيه مبدأ اجتهادي تطور لضرورات مسيرة حياة المجتمع الإسلامي بغية وضع الضوابط لاستقرار هذا المجتمع للتوجه إلي البناء والنماء الاقتصادي والفكري في إيران، وهذا هو التصور في ابتداعه وقد أرسي علي قواعد الشوري، أو متدرج علي سلم الشوري وهو ما شرحناه عند الكلام عن النظام الإسلامي في إيران كذلك استرشادة علي آراء العلماء المؤيدين لمثل هذا الرأي الولائي للفقيه. أما وضع الولاية عند جميع الفرق فهو في الأطر التالية.

ص: 107

1. عند ظاهرية أهل السنة وهم علي مبدأ الأشاعرة بصورة عامة فإن الولاية للحاكم الأمير بشروطها المعروفة ويشاركهم السلفية، ورغم أن هناك في أواسط السنة آراء واضحة مثل رأي الجويني والسمهوري بأن الولي أو الحاكم يجب أن يكون فقيها. أو أن الحاكم إن لم يكن فقيها فيجب أن يكون مفوضة ومدعومة من قبل الفقيه المجتهد بالولاية في الأصل له يعطيها للحاكم الداعم لهاأي للمجتهد في تسير الحكم الشرعي.

2. عند الشيعة الظاهرية فليس لها وضوح قاطع معترف به إجماعا لذا أخذ مسار الإقرار بها اجتهادية مع وجود معارضين له من العلماء السلف والمعاصرين للدوافع المرجعية التنوع المراجع..........؟ أما في إيران فابتدع باسم ولاية الفقيه للحفاظ علي النسيج والطابع الإسلامي للدولة علي قاعدة الاجتهاد الشرعي وضرورات الحكم ومسيرة الحياة بالمفهوم الفقهي الإسلامي.

3. أما الولاية عند الصوفية السنة وعرفاء الشيعة فحقيقتها شهودية ومنحة إلهية مرتبطة بالكرامة والعطاء الرباني، وعند صوفية أهل السنه أكثر وضوحا لتكامل منهاج السير والسلوك بإرشاد الولي المرشد وحضور مجالس الذكر والدروس في حضرته وطاعته عند الاطمئنان علي صدقه ومحفوفته من الله بالكرامة والتأييد، وفي هذا المضمار نذكر قصيدة عرفانية نوردها هنا لمولانا أمير المؤمنين علي عليه السلام المتعلقة في بعض جوانبها بالولي ووجود صحبته وأوصاف الولي.

1. لم يزل سيدي بالحمد معروفة*** لم يزل سيدي بالجود موصوفا

2. وكان إذ ليس نور يستضاء به ***ولا ظلام علي الآفاق معكوفا

3. فربنا بخلاف الخلق كلهم ***وكل ماكان في الأوهام موصوفا

4. فمن يرده علي التشبيه ممتثلا***يرجع أخا حصر بالعجز مكتوفا

ص: 108

5. وفي المعارج يلقي موج قدرته*** موجة يعارض طرف الروح مكفوفا

6.فاترك أخا جدل في الدين منعمقة ***قد باشر الشك فيه الرأي مأووفا

7. واصحب أخا ثقة حبا لسيده ***وفي الكرامات من مولاه محفوفا

8. أمسي دليل الهدي في الأرض مبتسما*** وفي السماء جميل الحال معروفا

هذه القصيدة ذكرت في كتاب (الروح المجرد) ترجمة الحياة العارف الولي الحاج السيد هاشم الموسوي الحداد لمؤلفه العلامة العارف من مريدي السيد هاشم، آية الله السيد محمد حسين الحسيني الطهراني ص 6-7 نقلا من بحار الأنوار للعلامة السيد محمد المجلسي نور الله مقامة.

هامش آخر. يرجي التدقيق في الأبيات 6 و7 و8 بروح مجردة طلبا للحقيقة من لسان سيدنا ومولانا أمير المؤمنين أمير الأولياء عليه أفضل الصلاة والسلام لأنها إشارة ناصعة إلي الولي (أخا ثقة) حبا لله والذي يحفه بالكرامة حتي يمسي دليل الهدي في الأرض ونجمة معروفة في السماء وهذا حال الأولياء المرشدين

ص: 109

ص: 110

الفصل الرابع: الكبوة الرابعة

العصمة : عندما ذكرت العصمة علي لسان شقيق الجرادة من لبنان كمتدخل أسكت بقول الأستاذ أحمد المنصور بأن لا عصمة بعد الرسول فكيف يكون الإمام معصومة ثم أقفل الكلام في الموضوع فكان هو المحاور والمحاور يتدخل ويرد والبقية علي مسرح الدمي يجب أن تتحرك باصابعه.

ماذا أقول في الطرح المذكور، لقد صغرت عطاءات الكريم في نظر بعض المسلمين خاصة السلفية فحددوها بموازين محدودة ظاهرية رتبت لهم بدهاء غريب وانطلت عليهم فصغرت فيها منح الرحمن لعباده فحرمت العصمة منه سبحانه وتعالي لمن يشاء من خلقة، بل ذهب حكمهم إلي تحديد عصمة الرسول في التبليغ مقولة أموية موضوعة التصغير شأنه الكريم عداوة حملته بنو أمية في قلوبهم وضمائرهم للبيت الهاشمي الفاضل لأحقاد دفينة بانت في المعاملة السيئة والجائرة لآله وعترته وأتباعهم.

ومن هنا نري أن نجعل تدخلنا إلي مفهوم العصمة بدلائل فطرية ووجودية في العديد من الظواهر تعم الوجود كله فلولاها لانهار الوجود فمثلا :

ص: 111

1. كانت نسبة الوفيات بين أطفال البشر عالية جدا ولكن ولما اكتشف المصل المكون للمناعة من الأمراض السارية وحصن الأطفال بها أصبحوا في عصمة من وفيات الأطفال إلا ما ندر، إذا الأطفال فهم في إطار عصمة من هذه الناحية. 2 - التقي الصالح الملتزم بأحكامالشريعة ومنتبه لها رجاء طاعة الله واتقاء من نار جهنم والدخول إلي الجنة كما وعد الله للمتقين، فهو في عصمة من غضب الله وعقابه عكسا لغير ملتزم بالشرع، كذلك فإن التقي في عصمة من العقوبات القصاصية لارتكاب المخالفات الموجبه للقصاص كالسرقة والبهتان ورمي المحصنة و... و.... في حين الجنات المذنبين معرضين للعقوبات فالأول معصوم أما الآخرفلا.

3. ابن سيدنا نوح استعمل كلمة العصمة ولو في غير تقدير صحيح ولكنه استعملها (ساوي إلي جبل يعصمني من الماء) ولكنه لم يكن معصوما لعصيانه الله ولو ركب السفينة مع سيدنا نوح لكان في عصمة من الغرق.

4. الإنسان القانع في كسبه فيتحرك صرفة وادخارة في محدودية ذلك الكسب أو الدخل فهو في عصمة عن النتائج الشنيعة التي يواجهها الغير قنوع المتحايل الذي يخدع ويسرق ثم يواجه المشاكل والسجن والتشتت وغيرها من العقوبات، فالأول معصوم والثاني معرض للمكروه لسرقة سرقها أو دين عجز عن سداده وتحايله علي الناس.

5. إننا نعتصم بملابسنا التقينا الحر أو البرد وتكسبنا الحشمة والاحترام ونعتصم ببيوتنا رجاء الخصوصية الشخصية وحرية التملك والحركة فيها ولوظائف اجتماعية عديدة، وهكذا بقية العصم فإنها قانون عام

ص: 112

كوني فالكون برمته معصوم بقوي جبارة جبروتية عن أن ينهار وحتي أرضنا هذه في عصمة من الأشعة الكونية وفوق البنفسجية ودون الحمراء والجاماوالأكسس بغلاف جوي محكم الذي أحكمها مبدع الخلق البديع الحكيم.

فهل بعد كل ذلك نستكثر علي الله أن يعطي العصمة لعبد عبده وخدمه وأطاعه وقضي الحياة في ملازمة أوامره، وقضي جل حياته مرتبطة به موحدة ومفردة له قائمة بفروضه ونوافله حتي يحبه سبحانه وتعالي ويعطيه كرامة العصمة. وهناك قصة طريفة أحكيها واجهتني أحداثها. كنت راجعة في إحدي الأيام من صنعاء اليمن السعيد (لابد من صنعاء وإن طال السفر) إلي وطني عن مهمة كانت علي قضائها وكان الرجوع عن طريق مدينة جدة بالمملكة العربية السعودية، وقبل توجه الطائرة مطار جدة انعطفت إلي مطار حديدة لتحمل مزيدا من الركاب، ركب الناس منها وفيهم رجل وقور مقتبل علي مرحلة الشيخوخة مودعة الأربعينات من عمره فجلس بجانبي. تخابرنا وحبينا بعضنا البعض ولكن بعد برهة تحول الأمر إلي ذلك الكلام الدعائي البراق الذي يطلقه الوهابيون لا واسطة بيننا وبين الله ، ولا حجاب ولا وسيلة وو...... كم وددت أن لا أسمع هذا الكلام السخيف الذي ينم عن جهل التفسير وتحليل ظواهر الوجود وقوانين الفطرة، لأن مثل هذا الطرح الظني لا يؤدي إلي معرفة ، استغربت من إقحام الشيخ الوقور علي كلا منا نحن العرب من التحية وأخبار البلدان إلي الدعاية للمذهبية السلفية، ولكوني أعلم عن مذاهب أهل يمن السعيد فهم إما زيدية أو الشافعية. سألت الرجل إلي أي مذهب من مذاهب أهل اليمن ينتمي إليه؟ لأن الطرح السابق منه لا يمثل محتوي الزيدية المذهبية أو محتوي الشافعية، قال إنه شافعي المذهب من حديدة، قلت له: ولكن الطرح الذي وعظتني به يغاير فكر الإمام محمد بن إدريس الشافعي رضوان الله عليه فهو يقر

ص: 113

بالوسيلة ويدعو الله لرفع الحجب وهو صوفي الميل وكان يقر بالوسيلة ويتوسلبالرسول، وآل البيت ويرجو شفاعتهم وكان يقول بالواسطة شأنه شأن بقية أئمة المسلمين من أتباع السنة والجماعة عدا السلفية المتعصبة ومنها الوهابية وهم قلة في العدد كثرة في الدعاية والكلام. رد علي بأنه يعرف كلام الشافعي وهذه (خربطة) التي تكلم عنها وهذا كلام هراء. أمام هذا الكلام لم أقدر أن أحاوره لأنه أغلق علي نفسه باب المناقشة ، ولكنه في الواقع أورثني هما وشفقة عليه فلجأت إلي الله الملهم أن يعينني في أمري وأمره. مضي الوقت ثقيلا حتي إذا قربنا 20 دقيقة عن مطار جدة أذيعت علينا نشرة أخبار الطقس في مطار جدة منها أن درجة الحرارة هناك قد تصل 44 درجة مئوية قلت للجالس بجنبي (ايش رأيك) ياشيخ عند النزول في مطار جدة أدعوك إلي خلع ملابسك وجزمتك حتي تغدو عارية ومن غير نعال ثم تمشي مشيا علي القار إلي مبني المطار، غضب الشيخ وكاد أن يصفعني فبادرته لا تزعل قل ماشئت اشتمني قل لي إنني مجنون وأنا أقبله... ولكني أتوقع منك جواب العقال المقنع التفحمني علي ما قلته لك... سكت الرجل وشعر بأن الأمر جدي لا هزل ولا استهزاء منه فقال : إذا خلعت ملابسي وغدوت عارية سوف يحسبوني الناس مجنونة وقد يضربوني الشرطة وقد أساق إلي مستشفي المجانين وأفقد احترامي ووقاري، أما إذا خلعت جزمتي فرجلي سوف تحترق وأضفت وقد تتقرح من حرارة إسفلت أرض المطار، قال : نعم يامجنون وقبل أن أدعه يسترسل بسبي وقد يقوم بضربي قلت له: ياشيخ (هداك الله) إذا كان سبب ووسيلة الوقار لديك هذه الثياب التي قد أتي قماشها من بلدان غير مسلمة وقد تكون كافرة بفهمك واعتصام رجليك من الحرق والأذي يأتي بفعل انتعالك هذه الجزمة التي قد صنعت من جلد عنزة جرباء مريضة فهذا تقبلها ولا مناص لك منها، أما الوسيلة والتشفع بالرسول الكريم للارتقاء واعتصام من المخاطر في غياهب الغيوب التي

ص: 114

لاتعرف طرقها وتجهلها جهة بفعل حجبك ونكرانك فإنك تنكرها وتقومبالدعاية بين المسلمين ضدها جهة. إن الوسيلة والشفاعة والاعتصام بها أكدها الطيبون من علماء الإسلام الواصلين منهم السيد الكريم المطلبي الشيخ محمد بن إدريس الشافعي حول الله مقامه إلي روضة من رياض الجنة حيث له شعر التشفع بآل محمد من حيث الوسيلة، بل إنه أبطل الصلاة الإسلامية إن لم يصلي فيها علي محمد وآل محمد... نظر إلي الرجل وكأنه راجع نفسه وبانفعال ضرب بيديه علي رأسه في حركة نادمة وقال : ماذا نعمل ففي كل يوم من أيام الجمع تسمع هذا الكلام لا عصمة الأشفاعة لاوسيلة ولا حجب وقد تأثرنا بها فكان ماكان من حديثي لك ولكن الحمد لله الآن علي هذا التوضيح الذي أوضحته.

نعود إلي كبوة العصمة التي كبابها أحمد منصور، إذا كان الإنسان بفكره وعمله قادر أن يخلق لنفسه عصمة كثيرة ذكرناها كعصمة وفيات الأطفال، وعصمة اتقاء الحر والبرد والاحتراق، وعصمة من الجروح والقروح بالجزمة وغيرها من العصم فهل نستكثر علي المولي الكريم أن يعصم عباده الذين فنوا في خدمته وعبادته منهم اصطفاهم واختارهم وانتجبهم وطهرهم تطهيرة. وهم محمد وآل محمد ومن دخل دائرتهم. فالعصمة فضل وخلعة وليست صفة من صفات الله بل خلقها سبحانه ليخلعها علي من يشاء من عباده، ولمزيد من الشرح والتوضيح فإننا نلجأ إلي القرآن الكريم لنري كيف أن العصمة هو عطاء يخلع الله علي من يشاء من عباده وبالخصوص الأنبياء والرسل وعلي رأسهم رسولنا الخاتم صلي الله عليه وآله وبالتبعية آله المطهرون بحكم الطهارة التامة بكلمة (تطهيرا). وعلينا أن نستنبط ذلك من الآيات الكريمة بكل فطرتها البيسطة بماذا يشير إليه القرآن الكريم فيما يتعلق بضرورة عصمة الرسول الكريم عصمة مطلقة وليست فقط في التبليغ؟ لقد قلنا فيما مضي إن نفي العصمة عن غير الرسول وتفريغ عصمته وتحديدها في التبليغ عن الوحي حركة أموية لعداوتها للبيت الهاشمي الكريم والتاريخ مملؤ

ص: 115

بالأدلة وبتحليل الأحداث يقود إلي تلك النتيجة وذلك ترسيخا لحكمهم وإرجاع الفضل لأنفسهم بشراء ضمائر الوضاعيين فماذا يقول القرآن الكريم في هذا المضمار.

ا. من طبائع الأمور أن المكلف في تنفيذ مهمة يجب أن يدرب تدريبا يمكنه تنفيذ الأوامر واتقان الصنعة ومنها نقول هل أن رسولنا الكريم أرسل إلينا وهو لم يهيئ لاستقبال أوامر الله عن طريق الوحي (بجبرائيل) وجبرائيل لم يكن إلا رسول يحمل أوامر المالك المملوكة الذي لابد قد تهيأ واتقن في نشأته لاستقبال ذلك الوحي وتنفيذ التعليمات التي كان يعرف مقاصدها ومطالبها وكيفيتها المنفذة وهذا بديهي بالمتدرب أجادته الصنعة.

2.«يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ شَاهِدًا وَمُبَشِّرًا وَنَذِيرًا (45)وَدَاعِيًا إِلَي اللَّهِ بِإِذْنِهِ وَسِرَاجًا مُّنِيراً»

[الأحزاب، الآيتان: 45 و46].«إِنَّا أَرسَلنَاكَ شَهِدًا وَمُبَشِرًا وَنَذِيرًا هُوَ [الفتح، الآية: 45]، هل يكون شاهدة ومبشرة ونذيرا وداعية وسراجا منيرة وهي تكاليف ووظائف آفاقية من غير أن يعصم من الزلل والخطأ فأي نوع من التكاليف هذه ، حاشا لله أن يكلف ولا يعصم. وهو من أسمائه العاصم وكم دعوا المسلمون بأدعية فيها طلب العصمة ونادوه يا عاصم «فَكَيْفَ إِذَا جِئْنَا مِن كُلِّ أُمَّةٍ بِشَهِيدٍ وَجِئْنَا بِكَ عَلَي هَؤُلَاءِ شَهِيدًا (41) يَوْمَئِذٍ يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَعَصَوُا الرَّسُولَ لَوْ تُسَوَّي بِهِمُ الْأَرْضُ وَلَا يَكْتُمُونَ اللَّهَ حَدِيثًا»[النساء، الآيتان: 41 و43]

نري أمام هاتين الآيتين فإنها تحمل الشهادة علي الشهود قبل عهده الناسوتي في إيهاب الإنسانية اللهم صلي عليه وآله وبعد عهده الناسوتي وتشير حقائق حياته قبل ولادته الإنسانية وبعد رحيله البشري وهو دليل علي عظم تكوينه القديم واستمرار حياته الأبدية الخالدة في علم الله وأنه حسب الآيتين الكريمتين :

ص: 116

أولا : إن الرسل السابقين هم شهود علي أممهم وأن رسولنا الكريم هو علي هؤلاء شهيدا عندما يأتي الله جامعة الخلائق قيامة أو حشرة فكيف يكون شهيدة إن لم يكن حيا شاهدا ناظرة للأحداث والأفعال حيث فاقد الشيء لا يعطيه.

ثانيا : إن هذا الاقتدار الشهودي والوظيفة الرئيسية الجامعة قد حصنت بالعصمة وإلا كيف يمكن اعتماد شهادة شاهد احتمال خطئه وارد حاشا الله من الظلم والحيف، وهذه الآية تدل دلالة واضحة مؤكدة استمرار حياته بعد رحيله واتصاله بالخلق اتصالا كونية حيوية متفاعلا،ومن هنا فالمسلمون يتوسلون به ويطلبون منه الشفاعة وقضاء الحاجة وهم علي بصيرة وحق بأن كل ذلك تفضل وإعطاء من الله له ومن كرم الكريم عدم حجر من يتكرم عليه بالبذل والعطاء.

ثالثا : هناك نذير من الله إلي من عصوا الرسول حيث قالوا ليس كل ما قال الرسول ملزم إلا في التبليغ عن الوحي وأن عصمته فقط في التبليغ لذا عصوه خارج ذلك الإطار، دللو علي ذلك خطأه في منع تلقيح النخيل، قصة مفبركة في مصانع الزور الأموي علي رسولنا الكريم ولكن الآية واضحة إذ تقول من عصوا الرسول فقد كفروا ويوم الشهادة الكبري يودون لو تسوي بهم الأرض. فلنراجع الآيتين بإمعان لأن عصيان الرسول عام وليس طاعته محدودة في تبيان الآيتين، إن في القرآن الكريم آيات تدل علي عصمة الرسول بوضوح وفي العديد من الآيات والدلالات وإن إسرائه ومعراجه تدل علي اختلاف خلقه، ذلك للخروج إلي الفضاء الخارجي يحتاج الإنسان أطنانا من الحديد والمواد العازلة من تأثيرات المحيط الكوني خارج الغلاف الجوي وأن أي خلل في ذلك الصندوق الذي يسافرون فيه إلي الفضاء القريب نسبيا لا إلي الآفاق البعيدة يهوي بهم إلي التهلكة في حين هذا الرسول الكريم أسري به وعرج به وهو في وضعه العادي وما ينطبق عليه ينطبق علي نفسه، وهو حسب آية المباهلة سيدنا أمير المؤمنين علي علي ومن يتحلون بحليته من آلهومن دخل دائرة

ص: 117

أهل البيت بإخلاص العبودية والحب. ولإلقاء الضوء علي المزيد من عصمة الرسول نتوقف علي بعض آيات سورة النجم

بسم الله الرحمن الرحيم :«وَالنَّجْمِ إِذَا هَوَي (1)»قسما بالنجم الهاوي، ولأهمية هذا القسم أتت بعده لما أقسم له من الفعاليات القوية منحت لشخص رسولنا الكريم.

«مَا ضَلَّ صَاحِبُكُمْ وَمَا غَوَي (2)»-تحمل العصمة المطلقة فلنتدبير.

«وَمَا يَنطِقُ عَنِ الْهَوَي (3)»-كل نطقة حق وفي إطار العصمة.

«إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَي (4)»-إذا كان نطقه وبصيغة المضارع في إطار العصمة فإنه في اتصال مع الوحي مستمرة، والوحي يكون ملكا رسولا أو إلهام إلهي أو اتصال من وراء حجب.

«عَلَّمَهُ شَدِيدُ الْقُوَي (5)»-كما يصطلح عليه هو سيدنا جبريل ولكن قواه من الله الشديد المحال فهل ينال هذه الشدة الصمدية مس أو تدخل من الشيطان في فعل الرسول المعصوم بالعلم اللدني الحقيقي بقوة شادة إلي الله. إن من تجاوز الصراط المستقيم من العباد يكون معصومة وليس للشيطان عليه من سبيل فكيف الذي شد إلي حبيبه يكون غير معصومة

مطلقا.

«ذُو مِرَّةٍ فَاسْتَوَي (6)»هذا هو وصف لسيدنا جبريل وهو ذو شدة وعظمة قد يزلزل كيان رائيه ولكنه أمام الصورة الناسونية لرسولنا الكريم يتمثل بدحية الكلبي وهذا معني ذو مرة فاستوي. ولانريد أن ندخل في المجال العرفانيالتأويلي لأنه مجال يعقد علي العقول ولكن نعبر ماهو مألوف ومصدوق في إطار النقل مع بعض التأويل المعقول.«وَهُوَ بِالْأُفُقِ الْأَعْلَي (7) ثُمَّ دَنَا فَتَدَلَّي (8)»الله أكبر، فالمكان الأفق الأعلي والعبد في الأفق الأعلي حقيقته ليست مؤطرة بالإطار البشري الناسوتي وإلا انفجر وهلك، ثم دنوه وتدليه فكان قاب قوسين أو أدني فأوحي الله إلي عبده

ص: 118

ما أوحي تعبير ضامر لعظمة هذا الوحي المباشر، وفي هذه المناسبة الكريمة بعظمتها وشدة هذا الكرم، الراكز في قلب الرسول الكريم، اللهم صلي عليه وآله فالأفق الأعلي واقتدارات هذا الأفق ثم دنوه وتدليه علي المحل الأسني للعظمة الإلهية ثم إيمائه إلي كل العلوم واطلاعه علي الأزل والحال والأبد، أفلا يترك هذا العطاء في نفس الرسول الكريم أثرة حتي يشغل بالخطأ وهو قد انغمس فناء في أنوار ذاته القدسية، فلا محل في حياته لشيء سوي رضي ذلك المحبوب، فلا ذنب له في حياته أبدا وإنما هو العصمة وصاحب العصمة روحي له الفداء وتأكيدا علي ما عبرنا تأتي الآية لتقول. «مَا كَذَبَ الْفُؤَادُ مَا رَأَي (11)»-فلندقق كلمة الفواد وما رأي فهل هذا غاب عن بال الرسول وعقله وقلبه حتي يخطيء؟ إذا كان طبيب يقوم بعملية خطيرة للمريض تحضره جميع المعلومات التي درسها وتدبر بأمرها وجربها فيقوم بعملية ناجحة يكمل به واجبه من غير خطأ فكيف بالرسول وهو ما رأي من الآيات الكبري ألا تذكره بعدم الخطأ والذنب وهل هناك عصمة فوق هذه العصمة، والآية «أَفَتُمَارُونَهُ عَلَي مَا يَرَي (12)»وهي تدل سابقا ولاحقا بأن القوم كانوا أصحاب الجدال فعندما روحي له الفداء، كان يخبرهم عن بعض ما يشاهده ولا يوافق معطياتهم الرغبية كانوا يجادلونه وقد انتقل هذا الجدال عن عصمته سلام الله عليه وآله حتي الآن علي ضوء الأحاديث الموضوعة في العهد الأموي لتقزيم قدر بني هاشم والرسول الكريم بطبيعة الحال. ونعود إليساحة القرآن لنقرأ . «وَلَقَدْ رَآهُ نَزْلَةً أُخْرَي (13) عِندَ سِدْرَةِ الْمُنتَهَي (14)عِندَهَا جَنَّةُ الْمَأْوَي (15)إِذْ يَغْشَي السِّدْرَةَ مَا يَغْشَي (16)مَا زَاغَ الْبَصَرُ وَمَا طَغَي (17)لَقَدْ رَأَي مِنْ آيَاتِ رَبِّهِ الْكُبْرَي (18)».

لست أدري كيف تقرأ هذه الآيات عن الرسول وكيف لا يعطي بعض حقه من قبل السلفية فلنشاهد بعيون وجداننا محركين القلب إلي معاني هذه الآيات. نعم لقد رآه نزلة أخري، بعد أن رأه بالأفق الأعلي

ص: 119

عند محل سدرة المنتهي عندها جنة المأوي، مأوي الرسول ومخدع الأسرار ولقاء سيده ومولاه ثم نري ماذا حدث؟ إذ يغشي السدرة ما يغشي لقد أغشيت هذه السدرة المقدسة بالنور الذاتي يعمي أمام غشيتها كل بصر وبصيرة، ولكن بصيرة الرسول بفضل العطاء الذي خصصه المولي القدير الكريم لعبده قوي للشهود، لذا مازاغ البصر وما طغي فكان شاهدة بكليته ما شاهد، فكانت تلك آيات ربه الكبري أي كبري الآيات فهل بعد هذا الشهود نستكثر عليه العصمة، لقد خسر الظالمون خسرانة مبينا. مما يحز بالنفس وصف الرسول مخطأ وقابلا للخطأ والزلل في حين أن السلفيين يحكمون بصورة عملية بعصمة الصحابة، وإنني أرد هنا بعض أحاديث العصمة المفبركة أبان حكم الظلمة الأمويين والعباسيين.

1- إذا ذكر أصحابي فامسكوا - يدل علي أنهم أعطوا العصمة.

2. أصحابي كلهم عدول - العصمة من الظلم وفي طبقات الصحابة وهم كثر ومصنفون في من رأ الرسول وسمع منه ومن رأي من رأي الرسول ومن سمع الرسول ومن سمع من سمع الرسول منهم فأدخل في الصحابة بعشرات الآلاف معاوية وابنه يزيد وأمثالهم من الظلمة تحت هذه المظلة مظلة العصمة.

3. أصحابي كالنجوم فبمن اقتديتم اهتديتم - عصمة منزة وصلت إليالاقتداء بهم كلهم حسب ترتيبات ابن سعد.

4. من أطاع الأمير فقد أطاعني ومن عصي الأمير فقد عصاني (كأنهم لا يخطؤون وهم معصومون. والأمثلة كثيرة في عصمة الصحابة ولكن عن الرسول فهو خطأ إلا في التبليغ عن الوحي والله إنه ظلم بين.

ولا حول ولا قوة إلا بالله هذه الأحاديث ومثلها وضعت لارساء حكم الطغات الأمويين والعباسيين وغيرهم. بعيدة عن هذه العصمة

ص: 120

اللصحابة فإنهم أصحاب مبجلون ومحترمون وعلينا احترامهم والرضي عنهم رضي الله تعالي عنهم، وليس لأحد أن يتطاول عليهم إن أراد للإسلام صلاحة وسلامة غير أننا يجب أن نفرق بينهم وبين البغاة الذين حولوا الخلافة إلي الملك.

بقي أن نقول - يقول الله مخاطبة للشيطان الرجيم «إِنَّ عِبَادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطَانٌ »أي إنهم جازوا الصراط إلي الحماية الجبروتية بالعصمة كما يقول التفسير الصوفي، فإذا كان هذا شأن العباد أي الذين بالسير والسلوك خدموا رب العالمين بالعبادة المتواصلة حتي أتاهم اليقين وجاوزوا الصراط فعصمهم الله عن اتباع الغواية الشيطانية من الشهوات والآثام والذنوب من الكبائر والصغائر فكيف بالرسول وهو رئيس هؤلاء العباد لا تناله الغلفة أبدا !؟

وختاما لهذه الكبوة نريد أن نفرض كبوة احتمالية عن علم الغيب لو ذكر، كما يعتقده غالبية المسلمين كخاصية لرسولنا الكريم، لكان رد الأخ أحمد منصور ربما، لا يعلم الغيب إلا الله وليس الرسول بعالم اللغيب. إن الاطلاع علي الغيب أمر نسبي وعلي درجات متفاوته فشهودي أنا، غيب فلان وشهود فلان غيبي أنا، والمحقق للجريمة تكون جذور الجريمة عنه غيب قبل التحقيق وعند التحقيق والتحقق يصبح هذا الغيب شهودة يقدمه دلية للقاضي للحكم. والمؤمن بفراسته يري الغيب وسيدنا عمر بإشارة من مولانا أمير المؤمنينعلي رأي سارية علي بعد آلاف الكيلومترات فلماذا نستكثر علي الرسول إذا تفضل المولي عليه مفاتيح الغيب وهو مالكه والقادر علي العطاء والتصرف بملكه جلت قدرته وهناك حادثة طريفة مرت بي حول كشف الغيبي.

كنت مدعوة في إحدي الأندية من قبل شخصية مرموقة علي شرف ضيف لبناني وعند تواجدنا داخل النادي أوقفتنا لافتة تعلن عن وجود ساحر هندي يقوم باستعراض في قاعة المسرح فانعطفنا إليها وجلسنا

ص: 121

وبعد وقت قصير بدأ العرض السحري من إخراج حمام وببغباوات من كيس صغير ومناديل ملونة عديدة من حيز صغير وحركات وحيل سحرية عديدة ، وبعد هذا الفصل توجه الساحر إلي المشاهدين وخاطبهم قائلا أريد منكم أن تذكروا شيئا كاسم أو رقم في أنفسكم وأنا سأكشف لكم ما ضمر، ثم فجأة أشار إلي قائلا أقترح عليك ذلك، سخرت منه ثم ضمرت في داخلي رقم هاتف قديم كان في منزلي وقد ألغي وهو 702718 فما كان منه إلا صعد علي خشبة المسرح، وكانت هناك سبورة فكتب عليها هذا الرقم ثم سألني أليس هو الرقم قلت : نعم وهذا صحيح فانفعل الحضور بالتصفيق لأنهم كانوا يعرفون أن لا علاقة لي بالساحر ونحن ضيوف عابرين والساحر زائر عابر هندي لإقامة الاستعراضات. اندهشت في الواقع من هذه الحادثة وغمرتني واقعتها في حيرة وأسئلة كثيرة، مثلا كيف اطلع هذا الساحر علي ما كان في ذاكرتي وضميري وكيف اطلع علي شيء بالنسبة له غيبة؟ مضت الأيام ورزقني الله بهداية طريق السير والسلوك العرفان الصوفي سألت مرشدي في الطريق عن كيفية استحواذ الساحر علي حتي عرف مافي ضميري، تبسم شيخي الكريم ثم قال : قبل دخولك طريق العرفان كان لك قرين ماس في نفسك لأن لكل إنسان قرين والساحر له قرين ولكنه عن طريق العلوم السحرية مسيطر علي قرينه، وفي هذه الحالة فإنه يسخر قرينه للارتباط بقرينك هو فيك ومطلع علي ما يجري فيك وعن طريق اتصال القرينين يحصل الساحر علي ماهو غيب فيك، ثم استطرد سيدي الشيخ قائلا ولكن الآن لا يمكن أن تتم هذه المسألة معك لأن لا قدرة لقرينك عليك بفعلالمنهج السلوكي المرتبط بروح المصطفي والمتحلين بحلته والتسبيح بالأسماء الحسني، لأن طبيعة الجن (القرين) النارية لا تصمد أمام قوي الأنوار الإلهية فلا تتم مثل هذه الأمور علي السالكين في طريق الله. أرجع وأقول إذا كان ساحر هندي بفعل العلوم السحرية

ص: 122

النجسة كان في إمكانه الاطلاع علي أمر غيبي وإظهاره فلماذا نستكثر علي الرسول المنذر والإمام الهادي أفني حياته في خدمة الله منحة كشف الغيب أو علي آله والأولياء الذين يرون الغيب بالبصيرة بنور الله ومنحه الهامة الكريم لعصمة أحبته وعبيده وخدامه تلك هي فراسة المؤمن.

ص: 123

ص: 124

الفصل الخامس: الكبوة الخامسة

اشارة

التشكيك في كتاب نهج البلاغة :

عندما ذكر نهج البلاغة انبري الأستاذ أحمد منصور بقولة إن هناك تشكيك فينهج البلاغة ثم أغلق الموضوع وأسلوبه يقول قف ولا تناقش.

لو أن هذا الصد أتي من سلفي متعصب ومتأثر بأموية طليقة لهان الأمر، لأنه شيء معروف ولكن أن يأتي من رجل في موقع المقابلة وليس المواجهة فإنه يضع علامات السؤال والاستغراب والألم؟!

نظرت في وجه الشاب الأستاذ أحمد منصور وتفرست فيه فرأيت أنه في الأربعينات تخمينة وفكرت في محيط حياته المعايشة المرتبطة بعمله والفكر الذي يقود هذا العمل فاستنتجت أنه صحفي مثقف وقد يحتاج عمله مطالعات كثيرة وقراءة تقارير متنوعة للزمن المعاصر حتي يواجه عمله وهو عمل لا يمكنه أن يكون فيه باحثا متفرغة للبحث، ولا يناسب صحفي مثقف عليه تبعات العمل اليومي، فكيف يتسني له خوض محيط عظيم في عمق الماضي لأشخاص مثل سيدنا أمير المؤمنين علي ورجالاته الذين رباهم مثل دعمبل وتمار وكميل بن زياد وابن حنيف

ص: 125

وحسن البصري من عرفاء الأمة واتقيائها.... والغوص في أفاق كبار المفكرين والفلاسفة مثل ابن أبي الحديد والشريف الرضي وأئمة المذاهب الذين لم يطعنوا في أصالة نهج البلاغة، ومع هذا فهو يود الطعن فيه؟! ولكن والحالة هذه، يطرح سؤال هل هذا من أثر آراء السلفية والفكر السلفي عند الأستاذ حتي وصل إلي النفور من السيد أمير المؤمنين علي، أيها السيد المحترم ألا يكفي قول مولانا الرسول الكريم اللهم صلي علي محمد وآله في سيدنا أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام (أنا مدينة العلم وعلي بابها ومن أراد المدينة فليأتها من بابها) ألا يؤهله بإبداع عمل مثل ما جاء في نهج البلاغة، وقد تكون الشقشقية أزعجت الأستاذ فكان الباعث للتشكيك ولكن تلك هي حقائق التي تكلم عنها سيدنا علي عليه السلام وأقرها التاريخ وأجمع عليه المسلمون، ولكنها أولت وأدخلت مخارج اللغة والتأويل عليها لإبعادها عن توجهاتها الفطرية البسيطة المطلوبة لمسيرة حياة المسلمين المرتكزة علي 3مبادئ عظام التي انحرفت مسيرة المسلمين عنها وهي العدل (الفضيلة والأخلاق والعبادة. ومع هذا يضل الإجماع علي حادثة الغدير راكزة في الأرض والتاريخ ولن يقدر أحد أن يزيغها وإن أولت. وعلي أي حال لا نريد أن نسترسل في هذا المسار وإنما موضوعنا إلقاء الضوء علي أصالة نهج البلاغة وانتسابه لمولانا أمير المؤمنين علي عليه السلام .

في هذا المدخل من الطبيعي أن نتعرض للشارحين للنهج علي مدار التاريخ وآرائهم وتقبلهم الذي سيبان في عملهم الشارح لكلام سيد البلاغة، وولي الأولياء بالمفهوم الصوفي العرفاني. استنادا للآية الكريمة «إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ (55)»الآية التي نزلت في سيدنا أمير المؤمنين في مناسبة اعطاءه الزكاة في صورة خاتم وهو راكعة، الحدث المعروف والمتفق عليه إجماعh.

ص: 126

وفي هذا المدخل لابد من الرجوع إلي حديث أنا مدينة العلم وعلي بابها ومن أراد المدينة فلياتها من بابها ونتسأل أي نوع من العلوم التي تحويها المدينة. هل العلوم التي كانت سائدة وهي محدودة في التنجيم والسحر وبعض المهن المتعلقه بالحياة مثل حدوة الفرس أو التجارة..... إلي آخره. بطبيعة الحال لا ليست تلك ولكن ومن منطق النبوة هي علوم الاستخلاف. «وإذ قال رثك المملكة إلي جاعل في الأرض خليفه»الآيه، ثم خلقنا علي صورته ومن روحه وعلي يديه ، إن تلك المدينة دخولها لتحقيق تلك الخلافة وأوجه صور الله الخيرة الفاضلة وقدرات روحه العظيمة وبفاعليات صنعة يديه سبحانه وتعالي وهي ملكات كونية آفاقية تحقق للسالك ملكات الاستخلاف الإلهي له بالعبودية وإرشاد روح الولي، وهذا المرشد الأعظم إلي مدينة الاستخلاف الرساليوبابها سيدنا الإمام أمير المؤمنين علي، ولكن الحجر علي تفهم هذه المعاني أتت من الآراء السلفية الأموية عندما قزموا قدر الرسول والآيات والأفعال التي منح الله لرسوله، في الإطار البشري المحدود في دائرة الحواس الخمسة، ومنها قزموا معاني أحاديث الرسول بل أحاطوها بأحاديث موضوعة في زمن الأمويين وعلي رأسهم معاوية بن أبي سفيان بالتعاون مع الزبانية التي اشتراها بالعطايا الكثيرة، لذا فإن كل الاعتراضات من الأخ أحمد منصور وحكر الكلام والتعبير لنفسه يعد من الآراء السلفية مع الأسف. وهذه النتيجة للفهم المحدود لذات الرسول ظلما له صلي الله عليه وآله وصحبة ولأنفسنا فكيف نحدده وقد جعله الله رحمة للعالمين بالآية الكريمة وما أسألك إلا خم إلينا وعند فحص المعاني الآفاقية لهذه الآية من حيث تهيئته حتي يكون رحمة للوجود كله بكلمة (العالمين) فهل يرسل الرحمة للعالمين في وجود مثل وجودنا نأتي من رحم الأم ونحتاج كذا سنين للرعاية وكذا سنين للتعليم، أنه سيدي ومولاي سبقت له من ربه الحسني ودرب علي واجبات

ص: 127

وإمكانيات الرحمة وتفاعيلها للمخلوقات وقد يأتي سلفي ويقول كيف يمكن أن يكون كذلك قبل وجوده أو ولادته علي الأرض فنقول اقرؤوا الآية التي تشير إلي نبي الله عيسي وهو في أول لحظات وجودة في المهد ماذا قال«فَأَشَارَتْ إِلَيْهِ ۖ قَالُوا كَيْفَ نُكَلِّمُ مَن كَانَ فِي الْمَهْدِ صَبِيًّا (29) قَالَ إِنِّي عَبْدُ اللَّهِ آتَانِيَ الْكِتَابَ وَجَعَلَنِي نَبِيًّا (30) وَجَعَلَنِي مُبَارَكًا أَيْنَ مَا كُنتُ وَأَوْصَانِي بِالصَّلَاةِ وَالزَّكَاةِ مَا دُمْتُ حَيًّا (31)»سورة مريم. كذلك في سورة آل عمران «إِذْ قَالَتِ الْمَلَائِكَةُ يَا مَرْيَمُ إِنَّ اللَّهَ يُبَشِّرُكِ بِكَلِمَةٍ مِّنْهُ اسْمُهُ الْمَسِيحُ عِيسَي ابْنُ مَرْيَمَ وَجِيهًا فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَمِنَ الْمُقَرَّبِينَ (45)وَيُكَلِّمُ النَّاسَ فِي الْمَهْدِ وَكَهْلًا وَمِنَ الصَّالِحِينَ (46)»إننا نتحقق من هاتين الآيتين الكريمتين الآتي.

1- عيسي عليه السلام في عهد الطفولة في لحظات الولادة وقد تكلم عن ملكاته المعروفة لديه في ماضية حيث كان عابدة لله وأتاه الكتاب وجعله نبيا .....

2- بشرت الملائكة مريمة عن أوصاف عيسي من الوجاهة عند الله في الدنيا والآخرة ومن المقربين ويكلم الناس في المهد.... هل الكلام عن مخلوق متخيل لم يوجد أم عن وجود فعلي قائم ينتظر الأمر إليه في المهمة.

فببشارة الملائكة، ونطقه هو في المهد نستدل علي وجود سابق متفاعل في الرسالة والنبوة والاختيار والاختبار... فإذا كان هذا شأن العبد الكلمة فماذا بالنسبة للعبد الحبيب خاتم الأنبياء وأشرف المرسلين الشاهد الشهيد النور الهادي البشير، وعندما حدث ذلك التقزيم لقدر الرسول سري بذلك وعم علي حديثه واقتداراتها وفعالياتها ومنها هذا الحديث أنا مدينة العلم وعلي بابها ومن أراد المدينة فليأتها من بابها . فلا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم وحسبنا الله ونعم المحاسب ولو فكرنا جيدا ما قلنا علي ضوء الآيات الصفاتية للرسول وقدرات تلك الصفات وثمناها لا منا بأن نهج البلاغة بل أكثر من ذلك هو من أعمال

ص: 128

سيدنا أمير المؤمنين لذا ودعما لذلك علينا تقييم وتثمين الشخصيات التي شرحت وساهمت في الشرح وتعتبر بمثابة مراجع لتقيم أصالة النهج في الشروح للطابع الخاص السامي المميز لكلام سيدنا أمير المؤمنين علي عليه السلام ، فقد حاول الكثير من العلماء والأدباء والفلاسفة علي مختلف نحلهم ومللهم علي مر العصور أن يفردوا لكلام أمير المؤمنين علي كتبا و مباحث وشروحة خاصة بدواوين مستقلة بقي بعضها وذهب الكثير منها علي مر الأيام، منهم شرح نصر المزاحم صاحب صفين، وأبو المنذر هشام بن محمد بن السائب الكلبي وأبومخنف لوط بن يحيي الأزدي ومحمد بن عمر الواقدي وأبو الحسن علي بن محمد المدائني وأبو عثمان عمرو بن بحر الجاحظ وأبو الحسن علي بن الحسين المسعودي وأبو عبدالله محمد بن سلامة القضائي وعبدالواحد بن محمد بن عبدالواحد التميمي ورشيد الدين محمد المعروف بالوطواط وعز الدين عبدالحميد بن أبي الحديد وغيرهم. كما جاء في مقدمة شرح نهج البلاغة الابن أبي الحديد المعتزلي. إن تلك الشروح كانت المرجع والسند للشروحات العظيمة كشرح ابن أبي الحديد وشرح شيخ محمد عبدو. إلا أن أعظم هذه التجميعات رفعة وأعلاها شأنا وأحسنها أبوابة وأبعدها صيتا وشأوا هو مجموعة ما اختاره الشريف الرضي أبو الحسن محمد بن الحسين الموسوي رضي الله عنه جمعها من العديد من المصادر، مثل كتاب البيان والتبيين للجاحظ والمقتضب للمبرد وكتاب المغازي لسعيد بن يحيي الأموي وكتاب الجمل للواقدي والمقامات في مناقب أمير المؤمنين لأبي جعفر الإسكافي وتاريخ ابن جرير الطبري وحكاية أبي جعفر محمد بن علي الباقر ورواية اليماني عن أحمد بن قتيبة، وما وجد بخط هشام بن الكلبي وخبر ضرار بن حمزة الصدائي ورواية حجيفة وحكاية ثعلب عن أبي الإعرابي، وغيرها من المصادر الأصيلة وقريبة لعصر الحافظين والناقلين عن سيدنا أمير المؤمنين.

ص: 129

لقد ذكر ابن أبي الحديد المعتزلي فيما يتعلق بالشكوك التي أثيرت حول كلام مولانا أمير المؤمنين علي عليه السلام هذا نصه:

«وكثير من أرباب الهوي يقولون إن كثيرا من نهج البلاغة».

كلام محدث وضعه قوم من فصحاء الشيعة وربما عزوا بعضه إلي شريف الرضي أو غيره وهؤلاء عمت العصبية أعينهم فضلوا عن المنهج الواضح وكبو بنيات الطريق ضلالا وقلة معرفة بأساليب الكلام.

والآن نعود إلي لب موضوع التشكيك كما جاء علي لسان أحمد منصور وسابقا كما شكك الآخرون كما أشار ابن أبي الحديد عند رده علي هذا التشكيك ردة واضحة حلل فيه نفسية الشاكين المتعصبين.... ومن هنا سوف ننتقل لدعوتنا لمن ألقي السمع وهو شهيد إلي شرح الإمام محمد عبده لدلالة الأصالة المنسوبة لنهج البلاغة إلي سيدنا أمير المؤمنين سواء من تعبيرات للحقائق التي اكتشفها في النهج أو بالإشارة إلي من ساهموا في مقدمات عديدة لكتابة نصوصهم في هذه المقدمات.

أولا :- في استهلالية مقدمة شرح الإمام محمد عبده رحمه الله يقول الأستاذ الكبير والشيخ الجليل وهو بأنه وبصورة غير مقصودة سنحت له قراءة النهج الذي جمعه الشريف الرضي رضي الله عنه...... بقوله (وبعد أوفي لي القدر بالاطلاع كتاب (نهج البلاغة) مصادفة بلا تعمد أصبته علي تعبير حال وتبلبل بال وتزاحم إشغال وعطلة في الأعمال فحسبته تسلية وحيلة من التخلية فتصفحت بعض صفحاته وتأملت جمة من عباراته من مواضع مختلفات وموضوعات متفرقات فكان يخيل إلي في كل مقام أن حروبة شبت وغارات شنت وأن للبلاغة دولة وللفصاحة صولة وأن للأوهام عرامة (معني في غزارة سيل عرم) وللريب دعارة وأن جحافل الخطابة وكتائب الذرابة (فصاحة اللسان) في عقود نظام وصفوف الانتظام وتنافح بالصقيح الأبلج والقويم الأملج (السيوف والرماح) تمتلج

ص: 130

المهج برواضع الحجج فتفل من دعارة الوسواس ونصيب مقاتل الخوانس والباطل منكسر ومرج الشك في خمود....

وأحيانا كنت أشهد أن عقلا نورانية لا يشبه خلقا جسدانية فصل عن الموكب الإلهي واتصل بروح الإنسان فخلعه عن غاشيات الطبيعة وسما به إلي الملكوت الأعلي ونما به إلي مشهد النور الأجلي وسكن به إلي أعمار جانب التقديس بعداستخلاصة من شوائب التلبيس وأنا ، كأني أسمع خطيب الحكمة ينادي بأعلياء الكلمة أولياء أمر الأمة يعرفهم مواقع الصواب ويبصرهم مواضع الارتياب ويحذرهم مزالق الاضطراب ويرشدهم إلي دقائق السياسة ويهديهم طرق الكياسة ويرتفع بهم إلي منصات الرياسة ويصعدهم شرف التدبير ويشرف بهم علي حسن المصير هذا هو الاستهلال والغور فيه انكشاف للغمة وانبعاث إلي النور وقشع السحب الارتياب ووقوف علي منصة البرهان.

ثانيا : - في مقدمة السيد الشريف الرضي كما نقلها في شرحه الشيخ محمد عبده رضي الله عنه فإن من المفيد والانصاف قراءتها والتمعن في لغة العصر الذي شرح وجمع وشرح بها النهج والتحسس خلجات النفس ولغة العقل المتفاعل المرتبط بالحدث والإحداث ذلك للحصول علي استقراء وراحة ضمير في الحكم علي أصالة النهج وميلاده من رحم وجدان الشريف ابن الشرفاء سيدنا أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام.

ثالثا: - تمهيد الأستاذ عبده حسن الزيات لشرح النهج للشيخ محمد عبده لقد قسم الزيات تمهيده لحقول النهج إلي أربعة علاقات.

ا. علاقة الإنسان بربه.

2. علاقة الإنسان بنفسه.

3. علاقة الإنسان بغيره.

ص: 131

4. السياسة والدولة (باب متشعب وموسع).

أن القراءة في هذه المقدمة (التمهيد) تعطي معرفة واسعة عن بعض الآفاق الفكرية لمولانا أمير المؤمنين علي عليه السلام .

رابعا : - أيضا في مجال المقدمات لشرح نهج البلاغة لسيدي الإمام محمد عبده مقدمة العلامة الأديب المرحوم عباس محمود العقاد اصطلح عليها ملتقي النفوس البشرية. آثرنا نقل الصفحة الأولي من هذا الباب كاملة لأهميتها ولشمولية الإحساس لدي العقاد تجاه سيدنا أمير المؤمنين علي عليه السلام.(ص43من النهج مقدمة العقاد).

ملتقي النفوس البشرية :

في كل ناحية من نواحي النفوس البشرية ملتقي بسيرة علي بن أبي طالب - لأن هذه السيرة تخاطب الإنسان حيثما اتجه إليه الخطاب البليغ من سيرة الأبطال والعظماء، وتثير فيه أقوي ما يثيره التاريخ البشري من ضروب العطف ومواقع العبرة والتأمل. في سيرة علي ملتقي بالعاطفة المشبوبة والإحساس المتطلع إلي الرحمة والإكبار. لأنه الشهيد أبو الشهداء يجري تاريخة وتاريخ أبنائه في سلسلة طويلة من مصارع الجهاد والهزيمة ويتراؤون للمتتبع من بعيد واحدة بعد واحد شيوخة جللهم وقار الشيب ثم جللهم السيف الذي لايرحم أو فتيانا عوجلوا وهم في نظرة العمر يحال بينهم وبين متاع الحياة بل يحال بينهم أحيانا وبين الزاد والماء وهم علي حياض المنية جياع ظماء. في سيرة علي بن أبي طالب ملتقي بالخيال حيث تحلق الشاعرية الإنسانية في الأجواء أو تغوص في الأغوار فهو الشجاع الذي نزعت به الشاعرية الإنسانية منزع الحقيقة ومنزع التخيل واشترك في تعظيمه شهود العيان وعشاق الأعاجيب. وتلتقي سيرته بالفكر كما يلتقي بالخيال والعاطفة لأنه صاحب آراء في التصوف والشريعة والأخلاق سبقت جميع الآراء في الثقافة الإسلامية.

ص: 132

وللذوق الأدبي أو الذوق الفني ملتقي بسيرته كملتقي الفكر والخيال والعاطفة لأنه كان أديبة بليغا له نهج من الأدب والبلاغة يقتدي به المقتدون وقسط من الذوق مطبوع يحمده المذوقون، وإن تطاولت بينه وبينهم السنون فهو الحكيم الأديب والخطيب المبين والمنشأ الذي يتصل إنشاؤه بالعربية ما تصلت آيات الناثرين والناظمين.

ثم يتكلم العقاد رحمه الله عن صفات أمير المؤمنين بأبلاجة هاشمية فميلاده في الكعبة حيث لم يسبقه أحد ولن يلحق به أحد، وعن صفاته الفاضلة علي قاعدة من الأخلاق والفضيلة منها المروءة والإباء والترفع عن الصغائر والكبائر من سوء الفعل وردود الفعل. فالنبل والاعتداد بالنفس من غير غرور والترفع والإيثار بالنفس كما فعلها في ليلة مبيت ليلة هجرة الرسول من مكة إلي المدينة، وعدم التكلف وهي صفات أصحاب المبادئ الشريفة فالزهد والعبادة ومعرفة طرقها الراقية المؤدية إلي رؤية الآيات في الآفاق، ثم التواضع من غير تكلف الذي لم يكن له بد منه لتشجيع الغير مخاطبته والتعامل معه، لأن مثله وما أتي من أفعال عظيمة في الذود عن الإسلام ونبي الإسلام ومن الشجاعة والمنطق المفعم والإقدام علي المكارة بعاطفة العقيدة والحفاظ عليها وإن كلفه التنازل عن حقة الشخصي وحق آل بيته كما قال في كتاب له إلي عثمان ابن حنيف الأنصاري في نهج البلاغة - بلي كانت في أيدينا فدك من كل ما أظلته السماء فشحت عليها نفوس قوم وسخت عنها نفوس قوم آخرين، ونعم الحكم الله، وما أصنع بفدك وبغير فدك والنفس مظانها في غير جدث تنقطع في ظلمتها أثارها وتغيب أخبارها وحفرة لو زيد من فسحتها وأوسعت يدا حافرها لا ضغطها الحجر والمدر وصب عليه التراب المتراكم، وإنما هي نفسي أروضها بالتقوي لتأتي آمنة يوم الخوف الأكبر وتثبت علي جوانب المزلق............ وأنا من رسول الله كالصنو من الصنو والذراع من العضدثم علمه الغزير والمعرفة بدقائق الأمور الظاهرة والباطنه كل ذلك ولد لدي الناس تجاهه هيبة وترددة في الإقدام

ص: 133

عليه فكان التواضع مع صفة للدعابة لابد منها لتذليل الردود الفعل الهيابة لدي الناس تجاهه حتي يتقدموا إليه وأن يتعاملوا معه، الصفة التي عابها عليه البعض وأخذوها ذريعة لإقصائه عن حقه وموقعه. لسنا ندري ماذا كانوا ينتظرون منه؟... أيكون فظا غليظ القلب حتي يلبس لباسهم مع هذا فإنه كان شديدة في الحق فعلا ونصحاً.

ثم يطرق العقاد باب دائرة كونية تشع فيها نجوم تشكلت من حياة ربيب رسول الله صلي الله عليه وآله وصحبه حيث أشار أن عليا ولد مسلمة، فالكعبة ميلاده وحجر الرسول كان مهده فهو لم يركع لصنم قط فنال صفة (كرم الله وجه) وقد استوعب كافة أوجه الشريعة طبقها علي نفسه قبل أن يطبقها علي غيره فكان ناصحة من خلالها الخلفاء السابقين عليه والفضل معترف له، فنصح نفسه وأهل بيته وأصحابه بل أعدائه ودلهم علي التقوي.... ثم ينهي الأستاذ عباس محمود عقاد مقدمته - ملتقي النفوس البشرية - بالتعرض للناحية السياسية للإمام عليه السلام بتحليل رائع لكل الأحداث التي مرت في عهده فحلل فيها ما جري في زمانه ، ومن الجدير بالذكر بأن كل تعامل سيدنا علي مع الأحداث كان علي ركيزة من الفروسية والأخلاق والفضيلة والحق والعدل أي علي ركيزة المبادئ كل المباديء الشرعية والإنسانية، وإن كان خصمة علي نقيض ذلك، إن قراءة هذه المقدمات علي صفحات المقدمات لشرح النهج للشيخ الجليل محمد عبده تعطي الإنسان ذو التفكير الفطري الحر الغير متأثر بمذاهب النقل والعصبيات فكرة تكون نبراسا للانصاف تجاه شخصية مولانا أمير المؤمنين علي عليه السلام ولتذوق نبع الصفاء والنقاء والطهر والفضيلة والمعرفة يقتدي بها،ومن ثم الحكم المنصف علي نهج البلاغة ونبذ عفونة الشك والريبة والطعن عليه وعلي انتسابه لسيدي علي عليه السلام لأن المقدمين للنهج ليسوا من رعاء القوم بل في قمة الفطرة السليمة والأنفس الحرة المتحررة من العصبيات ومؤثرات الوضعيات وبحورا من

ص: 134

العلم وروح التقصي والبحث في آفاق العلم والمعرفة لا يرقي إليهم إلا الأفراد في كل زمان ومكان، فهم في الصف الأول من العبقرية والنفوس الحرة. بعد هذا نري محاولة الولوج في المحيط العظيم والمتلاطم من آفاق سيدنا أمير المؤمنين والاستشراف من رشحاته الكريمة بحمد من الله العظيم وفضله. إننا وما يهمنا هنا أن نلمس جانبين من جوانب سيدنا أبي تراب وهو في الواقع من المتفضلين بالله بافضال عظام حتي أصبح روحي له الفداء نفس رسول الله بحكم آية المباهلة وباب مدينة العلم والجانبان هما .

1- جانب التمكين الاقتداري.

2 - الجانب الكمالات العرفاينة.

أما جوانب التمكين في شخص سيدنا أمير المؤمنين فهي كثيرة وتتجاوز ملكات مادية ونفسية، وقد كتب عنها الكثيرون وسيكتبون ولكن الذي نود إلقاء الضوء عليه هو التمكين الاقتدار العرفاني في المصطلح العرفاء والصوفية، ولتقريب الفهم، للتمكين العرفاني، كبعض ملكات سيدنا أمير المؤمنين أسرد هذا الحوار الذي دار بيني وبين مرشدي وشيخي فضيلة السيد محمد إسماعيل الليثي أبو نمر القطب صاحب طنطا بمصر المحروسة وشيخ طريقة الصفاء المحمدي. فقد أهديت لي في إحدي الأيام كراسة بعنوان خطبة البيان المنسوبة لسيدنا أمير المؤمنين علي وفيها الكثير من الأمور الغيبية وانتحال صفات الأسماء الحسني وإضفاء ملكة الاقتدارات العجيبة وغريبة علي لسان سيدنا علي. سألت شيخي المبجل عن الخطبة المنسوبة لسيدنا علي فرد قدسسره أن خطبة البيان حالة صوفية شخصية تحدث للسالكين الصادقين في حالة الجذب بعد الكدح في طريق السير والسلوك ومحاربة النفس بالعبادات وتكاليفها حتي يقبلهم المولي جل علاه فيجذبهم إلي قرب الشهود الآخاذ. وهذا الكلام هو في حالة الجذب

ص: 135

عندما يجعل الله العبد عبدة ربانية فيحف بالكرامات فيمشي علي الرطب واليابس تحت تأثير هيمنة اسم المهيمن عليه وغيرها من مؤثرات الجذب الإلهي والشهود المبين، وخطبة البيان حالة صوفي عرفاني نسبت لمولانا أمير المؤمنين للترويج لمكانة مولانا أمير المؤمنين لدي العرفاء، لأنه هو الموصل إلي مدينة العلم والمعرفة الآفاقية صلي الله عليه وآله وصحبه، وتلك الحالة حالة حق لا باطل فيها. ولا تفسر تفسيرة ظاهرية الذي لاشغل لنا فيه. ولكن سادتنا الهداة وهذا عين كلامه - فهم فوق الشطح وفي مقامات التمكين ومن هو في مقام التمكين مثلهم فلا شطح في كلامهم، يعبرون عن الحقائق بلغة تمكينية بوضوح عرفاني تدل عن مقاماتهم العالية في محل القرب من الله ، والعرفاء يعرفون كلامهم ويستخرجون الاستنباطات كل حسب حاله ومقامه. وسادتنا، محمد وآل محمد في قمة التمكين علي الاطلاق. فكرت في كلام شيخي رضوان الله عليه كثيرة واستلهمت منه ما آفاء الله علي في حق محمد وآل محمد في مجال التوحيد والأحدية والوحدة والتفريد من معرفة أحوالهم التمكينية، لسنا بصدد الكلام عنها هنا ولكن طعن الأستاذ أحمد منصور بإعلانه التشكيك في نهج البلاغة حملني علي البحث عن خصائص التمكين لبعض كلام سيدنا امير المؤمنين علي عليه السلام في نهج البلاغة نفسه، وقد وفقني الله إلي ذلك في وصية أمير المؤمنين لابنه السبط الطاهر الإمام حسن بن علي المجتبي) عليه السلام بلغة واضحة لابن الظاهر فيها مجال العلم والمعلومات وللسالك المتفضل عليه المولي الكريم استلهام المعرفة المحجوبة عن الغالبية«وَإِن تُطِعْ أَكْثَرَ مَن فِي الْأَرْضِ يُضِلُّوكَ عَن سَبِيلِ اللَّهِ ۚ إِن يَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ وَإِنْ هُمْ إِلَّا يَخْرُصُونَ ذُكِرَ»

[سورة الأنعام الآية : 119]. ذلك السالك المتعبد في دجي الليل المرتبط بأنوار روح آل محمد التي تحول ظلامه نورة وضياء من رشحات نور المصطفي عليه وعلي آله السلام

ص: 136

وكما يقول مولانا علي - يا نور المستوحشين في الظلم، فلنعود إذا الإيضاح هذا الكلام من تعبير شطحي، لا لوم عليه، وما قاله سيدنا و مولانا أمير المؤمنين تعبيرة لنفس الحالة بلغة التمكين، فلنأخذ سيدي عمر بن الفارض في بعض شطحاته في شعره المسمي التائية الكبري أونظم السلوك. ثم نجري المقارنة علي الشطح والتمكين :

وشفع وجودي في شهودي ظل في ***اتحادي وترا في تيقظ غفوتي

وإسراء سري عن خصوص حقيقة*** إلي كسيري في عموم الشريعة

ولم أله باللاهوت عن حكم مظهري*** ولم آنس بالناسوت مظهرحكمتي

فعني علي النفس العقود تحكمت ***ومني علي الحس الحدود أقيمت

وجاءني مني رسول عليه ما ***عنت عزيز بي حريص لرأفة ولما

فحكمي من نفسي عليها قضيته ***تولت أمرها ماتولت

ومن عهد عهدي قبل عصر عناصري*** إلي دار بعث قبل إنذار بعثة

إلي رسولا كنت مني مرسلا ***وذاتي بآياتي علي استدلت

وهكذا ... إلي أن قال

وفي شهدت الساجدين لمظهري*** محققت أني كنت آدم سجدتي

وعاينت روحانية الأرضين في*** ملائك عليين أكفاء سجدتي

وآخر محو جاء ختمي بعده ***كأول صحو لارتسام بعدة

وكيف دخولي تحت ملكي كأولياء ***ملكي وأتباعي وحزبي وشيعتي

تلك كانت بعض أبيات من التائية الكبري أو نظم السلوك للعارف المتسهلك في فيوضات رب الجمال وهو ابن الفارض، أن هذه الأبيات هي في حالة الجذب وبهيمنة الاسم المهيمن علي العبد فلا اسم له أو رسم أو شعور بالوجود لنفسه، وإنما حياته في ذلك المقام، كلها لا إله إلا الله حيا قيومة موجودة كما قال سيدنا أبو الشهداء الإمام الحسين عليه السلام مخاطبا الله - ألغيرك من الظهور ماليس لك، متي غبت فتحتاج إلي دليل.... كلام إشاري منه عليه سلام اللهالأحوال ومقامات العارفين

ص: 137

المستهلكين في الله. نعم ذلك كان حال ابن الفارض فنسب إلي نفسه ما نسب شطحة لا لوم عليه وذلك فضلا پوتيه الله لمن يشاء، ولو دققنا في الأبيات الأربعة الأخيرة مما نقلنا واستشففنا المعاني لرأينا انتحاة السجده لآدم ومعاينة الملائكة العليين وهم أكفاء سجدته ثم دخول الأولياء تحت ملكه فهم أتباعه وحزبه وشيعته أي هو جب الكل.

وللمقارنة نري جنس هذا الكلام لمولانا أمير المؤمنين علي عليه السلام وعند التدقيق في معاني تعبيرات أبي الحسن المطهر لمقارنتها لكلام ابن الفارض لرأينا المثلية ولكن بفرق الأحوال، فهناك الشطح وهنا التمكين والفرق بين الحالتين شاسع كالفرق بين تلميذ يحبو ومعلم يرشد برصانة مع أن كل كلام أمير المؤمنين علي كرم الله وجه في تمكين إلا أننا لابد أن نأخذ مثالا عن أحد أعماله العظيمة ذاك من وصيته سلام الله عليه لابنه الإمام الحسن المجتبي عليه السلام كما جاء علي الصفحة 556 من نهج البلاغة شرح الإمام محمد عبده رحمه الله.

ص: 138

الوصية

أي بني إني وإن لم أكن عمرت عمر من كان قبلي فقد نظرت في أعمالهم، وفكرت في أخبارهم وسرت في آثارهم حتي عدت كأحدهم، بل كأني بما انتهي إلي من أمورهم قد عمرت مع أولهم إلي آخرهم فعرفت صفو ذلك من كدرة ونفعه من ضره فاستخلصت لك من كل أمر نخيلة وتوخيت لك جميلة وصرفت عنك مجهولة ورأيت حيث عناني من أمرك ما يعني الوالد الشفيق وأجمعت عليه من أدبك أن يكون ذلك وأنت مقبل العمر مقتبل الدهر ذو نية سليمة ونفس صافية، وإن ابتدئك بتعليم كتاب الله وتأويله وشرائع الإسلام وأحكامه وحلاله وحرامه لا أجاوزك إلي غيره أشفقت أن يلتبس عليك ما اختلف الناس فيه من أهوائهم وآرائهم مثل الذي التبس عليهم، فكان أحكام ذلك علي ما كرهت من تنبيهك له أحب إلي من إسلامك إلي أمر لا آمن عليك به الهلكه ورجوت أن يوفقك الله فيه لرشدك وأن يهديك لقصدك فعهدت إليك وصيتي هذه. ثم تتابع الوصية بالنصائح التي أقل ما يقال عنها تزكية النفس زكية وصولا إلي الكمال المتجانس مع النفس الواحدة وهي حقيقة عرفانية لأبناء الظاهر فيها شأن، وهو الذي خلقكم من نفس واحدة فمستقر ومستودع، ومنهنا تأتي إلي عملية المقارنة بين التعبير الشطحي الابن الفارض والتعبير التمكيني لسيدنا علي كرم الله وجهه.

إنني أرجو أن يلتفت بعناية إلي كلمة (جب أو يجب) معناه

ص: 139

الاحتواء حتي يكون المحتوي والمحتوي في استشعار متحد كما يقول الصوفية إن الرسول يجب آله، عند الصلاة عليه من لا يتعمد الصلاة البتراء أو عدم تبينها.

ففي تعبير ابن الفارض يقوم رضوان الله عليه كما ذكرنا :

وفي شهدت الساجدين لمظهري*** فحققت أني كنت أدم سجدتي

الشرح:

هنا في شهوده في نفسه (سنريهم آياتنا في الآفاق وفي أنفسهم) تفاعلت معه حقائق صور سجود الملائكة لآدم فجب فيها أمرة من الله وفضلا منه فاتحدت حقيقته بحقيقتها فعبر عنها كذلك ونفس المعني تحقق له في البيت :

وعاينت ورحانية الأرضيين في*** ملائك عليين أكفاء سجدتي

وآخر محو جاء ختمي بعده ***كأول صحو لارتسام بعدتي

وكيف دخولي تحت ملكي كأولياء ***ملكي وأتباعي وحزبي وشيعتي

وهذه تحمل معني التأمل الذي قاده إلي المحو فكان أول صحوة متسم فيما عايشه بعده من كمال المعرفة ثم كيف جب الرئاسة حتي رأي نفسه ملكا لرعيته الأولياء في صورة حزبه وأتباعه وشيعته، أي أهم ما يستفاد منه ما جب فيها من أحوال الأولين والملأ الأعلي واستمر معه ذلك في سيرة إلي الله راجعة إليه بتلك الملكات أنه لم يقدر الكتمان الكلي وذلك أيضا مرادة من الله فأطلق الشطح وإن لم يفسح السر جهارة....؟!

كذلك وللمقارنة نرجع إلي كلام سيدنا الشهيد وأبو الشهداء أسد الله الغالب علي بن أبي طالب علي سيده ومعلمه الرسول وعلي آله أفضل الصلاة والرضوان. تكلم ابن الفارض بالانبهار وتكلم مولانا

ص: 140

الإمام بالتمكين وقد جب سلام الله عليه الأوليين والآخرين بكلمات رصينة مقتضبة ولكنها جامعة لصلب الموضوع العرفاني : أي بني إني وإن لم أكن عمرت من كان قبلي فقد نظرت في أعمالهم وفكرت في أخبارهم وسرت في آثارهم حتي عدت كأحدهم بل كأني بما انتهي إلي من أمورهم قد عمرت مع أولهم إلي آخرهم. كذلك فكلمات سرت تشير إلي السير والسلوك العرفاني والآثار هي مرور السائر في طريق الله في مختلف الآفاق وسكانها وعمرت الأولين والآخرين هي إشارة جب أولئك وملكاتهم حتي سبقهم واطلع علي أحوالهم ومقاماتهم وفيهم أرواحة عظيمة للأنبياء والرسل والملائكة والعباد الأولياء وأقطابهم وصديقيهم ومبتدئيهم والواصلين منهم. بعدها ينعطف سيدنا أمير المؤمنين إلي إرشاد ابنه السيد المجتبي طريق السلوك العرفاني يتزكية النفس بالاكتفاء بعلم الشريعة وأحكامه. من حلال وحرام أشار إليه أن لا يتجاوزها والتركيز علي التأويل الذي يعلمه الكتاب الله لأن العلوم الظاهرة وجدلياتها أساسها الهوي والرأي المخترع المؤدي إلي الاختلاف والانشغال المؤدي إلي هوة الغفلة المانعة والانشغال عن الحقيقة والعلوم اللدنية. كذلك استعمل كلمة الصفو والكدر وهي حالات القبض والبسط عند السالكين في طريق السير والسلوك وإحساس الإمام لروح الحسن عليه السلام الصافية ونيته السليمة التي لا بد منها لتزكية النفس المؤدية إلي الرقي العرفاني، لأن أصحاب نفوس الكدورات والرغبات لا يمكنهم الولوج إلي المعارج الرفيعة القريبة للحق والحاصلة علي معرفة الحق كذلك كلمة التأويل التي استعملها سيدنا باطنية الحركة، والمعني مقابل التفسير وهي ظاهرة الحركة والمعني،فالأولي لمعرفة ساحات الباطن والعلوم الغيبية أما الثانية التعلم والاحاطة لأحكام الشريعة الظاهرية ، كذلك استعمل سيدنا علي كرم الله وجهه كلمه (رشدك ومقصدك) فالرشد للإرشاد إذ لابد للواصل من ولي مرشد فكان سلام الله عليه وليا مرشداً

ص: 141

المريده السيد الإمام حسن المجتبي، أما مقصدك، هو مقصد السالك في سيره وسلوكه وكدحه وكده إلي لقاء الله في شهود جميل مقدس سعيد. وللخروج من ساحة الاستشعار الغيبي الذوقي إلي ساحة الشهود السافر ذلك ما تكلم به سيدنا علي عليه السلام أثناء معايشته الجسد المطهر للنبي عند انتقاله إلي الرفيق الأعلي. حسب ما جاء علي ص 450 من نهج البلاغه شرح الشيخ الجليل محمد عبده تحت عنوان:

إن هذا العارف الممكن وهو ولي الأولياء وقطب الأقطاب ومرشدهم ومعلمهم سيدنا أمير المؤمنين قد عايش الوصول إلي الحق وشهود محبوبه الجميل وشهود الحقائق المحمدية السافرة وهو نفسها، عبر عنها في رائعته الإعجازية مع روح الرسول يوم انتقاله إلي الرفيق الأعلي اللهم صلي عليهم أجمعين.

ومن كلام له عليه السلام:

ولقد علم المستحفظون من أصحاب محمد صلي الله عليه وآله إني لم أرد علي الله وعلي رسوله ساعة قط. ولقد واسيته بنفسي في المواطن التي تنتكس فيها الأبطال وتتأخر فيها الأقدام نجدة أكرمني الله بها.

ولقد قبض رسول الله صلي الله عليه وآله وأن رأسه لعلي صدري ولقد سالت نفسه في كفي فأمررتها علي وجهي، ولقد وليت غسله صلي الله عليه وآله والملائكة أعواني فضجت الدار والأفنية مط يهبط وملأ يعرج وما فارقت سمعي هيمنة منهم يصلون عليه حتيواريناه في ضريحة. فمن ذا أحق به مني حيا وميتا فانفذوا علي بصائركم ولتصدق نياتكم في جهاد عدوكم فهو الذي لا إله إلا هو أني لعلي جادة الحق وأنهم علي مزلة الباطل أقول ما تسمعون واستغفر الله لي ولكم.

ص: 142

الشرح والمنافشة:

1. المستحفظون - بفتح الفاء - الذين أودعوا من قبل الرسول أمانة السر، ومن الأسرار التي علموا بها سر باب مدينة المعرفة الكاملة لجميع الآفاق والخلق وأن مفاتيح المدينة أودعت لعلي فهو الباب والعرفاء والسالكون يعرفون ذلك عملا وشهودا.

2. فالإمرار فهي عملية حركية متتابعة أي مر الشخص علي فلان ثم توجه إلي سبيله ثم انعطف إلي بيت صديقه أو مرت الوثيقة علي المدير ثم رفعت للوزير بعده وجهت لصاحب العلاقة. ولو دققنا في كلمة الإمرار لرأينا أنها تتضمن معني الاستمرارية في الحركة إلي الهدف ولقد بين القرآن الكريم هذا المعني في العديد من الآيات كحركة للمرور والاستمرار مثلا :

-«أَوْ كَالَّذِي مَرَّ عَلَي قَرْيَةٍ وَهِيَ خَاوِيَةٌ عَلَي عُرُوشِهَا »[البقرة: 259]بطبيعة الحال مر عليها ولم يستوطنها لأنها خاوية علي عروشهاولما تركها أخبر عن خوائها.

-«فَلَمَّا كَشَفْنَا عَنْهُ ضُرَّهُ مَرَّ كَأَن لَّمْ يَدْعُنَا إِلَي ضُرٍّ مَّسَّهُ »[يوسف، الآية : 12] أي مر من حالة الضر إلي حالة المنفعة وأمان من الخطر.

-«وَيَصْنَعُ الْفُلْكَ وَكُلَّمَا مَرَّ عَلَيْهِ مَلَأٌ مِّن قَوْمِهِ سَخِرُوا مِنْهُ ۚ »[هود،الآية : 12] أي مروا علي نوح ساخرين وهم في حركة استمرارية مارين.

«وَتَرَي الْجِبَالَ تَحْسَبُهَا جَامِدَةً وَهِيَ تَمُرُّ مَرَّ السَّحَابِ ۚ »[النمل: 88] يشيرإلي حركة استمرارية مر السحاب.

وهناك عشرات الآيات تتضمن الحركة والاستمرار والتحول من حال إلي حال.

ص: 143

أما في حالة وضع السائل علي الوجه فيقال له غسل أو مسح أو رش أو الامراغ يتبدد بعدها السائل أو ينشف، أما كلمة ((فامررت) الإمرار التي استعملها أمير المؤمنين تتضمن المرور والتحول إلي حالة أخري أي الارتفاع إلي الرفيق الأعلي بدلالة ما كان يحدث من هيمنة الملائكة نزولا وصعودة والصلاة عليه ومعاونته في الغسل والتكفين، ولكن الرواة الذين لا علم لهم بالعلوم الباطنية والاقتدارات الكشفية أخطؤوا ترجمتهم وتفسيرهم واستنباطهم من جميع النواحي سواء في ربط كلام سيدنا علي عليه السلام بالمناسبة أو ترجمتهم اللغوية لتفسير النفسي، فقالوا والإمرار مسحة لأنهم فاقدون الواردات الوجدانية علي مرآة قلوبهم وأفئدتهم فتخبطوا حياري، وأولوا الأمر بأنه كان استفراغ أي ما يستفرغ من باطن الإنسان عن طريق الفم (الزوع) أي من فم الرسول إلي يد علي عليه السلام، ولكن سيدي أمير المؤمنين يتكلم عن النفس أي الروح وبعد أن قبضت روحه الطاهرة وهذا الكلام يعرفه كل واحد، وإن كان مبتدءا في فهم العربية. إذا وعلي ما تقدم علينا نشرح كلام سيدنا امير المؤمنين علي ما يمنحنا الله بتوفيق منه إلهامة لغور عالم المعاني التي عايشهاسيدنا الأمير الولي.

أولا : - قبض الرسول علي صدره يقفل كل جدل غيره.

ثانيا : - سالت نفسه أي روحه في كفه وقد استعمل القرآن الكريم كلمة النفس مرادفة لكلمة الروح بل تعدي إلي تسمية النفس بكلية الوجود للأرواح الإحاطية مثل نفس أولل العزم من الرسل والنفس الإلهية المنزهة المباركة الله، في محاورة حين خاطب الله نبيه عيسي ابن مريم عليه السلام بكلامة : أأنت قلت للناس اتخذوني وأمي الإلهين من دون الله قال سبحانك ما يكون لي أن أقول ما ليس لي بحق إن كنت قلته فقد علمته تعلم ما في نفسي (أي نفس عيسي) ولا أعلم ما في نفسك (إشارة إلي الجليل) إنك أنت علام الغيوب).

ص: 144

ثالثا: - والذي عبر عنه السيد أبو الحسن علي عليه السلام هو حال روح الرسول المقدسة وهي حالة فريدة، نعم من يري النبي محبة نومة، ويراه السالك في طريق العرفان بصورة معينة، ويراه العارف ملهمة ومرشدة، ويراه الواصل نورة، وبصور متعددة لحقائقه، روحي وروح أهلي وأسرتي وذريتي له الفداء، ولكن أن يري روحه باستحواذ الشمولية في سيلان في كف علي فإن هذه الحالة ليست إلا للخالق الذي أوجد الروح والكل في قبضته ونفس الرسول صاحب الحجاب الأعظم والسر الأعلي الرؤوف الرحيم البشير النذير والشاهد علي الشهود، وعلي سلام الله عليه لانه نفسه صلي الله عليه وآله بحكم آية المباهلة وهذه الحالة العرفانية هي في قمة حالات التمكين الكاملة منحة من الله مالك الملك للنبي ونفسه الكريمة لم تعبر عنها هكذا أبدا كما عبر عنها سيدنا أمير المومنين لا قبة ولا بعدة، يضاف إلي هذا الشهود الأعلي المقدس لروح نبينا الكريم، كان الأمير المؤمنين في هذه المناسبة شهود وسمع آخر وهو عند غسله للرسول رؤية الملائكة وهم يعاونوه تشريفة لهم وضجيج واكتظاظ الدار بالملائكة الهابطة والعارجة وسمعه هيمنتهم وهم يصلون عليه وحتي وري ضريحة المقدس. وما دمنا في دوحة أبي الحسن عليه السلام التي منح من الله سبحانه وتعالي دوحة المعرفة الآفاقية واقتطفنا من ثمار بعض أغصانها الندية ثمارة من المعرفة الحسية الذوقية في وصيته لابنه المجتبي، ثم من المعرفة الشهودية السافرة أثناء تجهيزه للجسد الطاهر للسيدنا ومولانا الرسول أبي البتول اللهم صلي الله عليه وآله .وفرغنا في التحدث عنها علينا عدم الاكتفاء، فثمار الدوحة لا مقطوعة ولا ممنوعة، في التحدث إلي بعض رشحاته الأخري عندما يذكر المستفحظين من أصحاب الرسول الخاص الذين أودع بعض أسراره لديهم فيذكر أصحابه سلام الله عليه بمنطقية مشابهة علي قاعدة العرفان والمعرفة الحقة فيصفهم، هجم بهم العلم علي حقيقة البصيرة وباشروا روح اليقين واستلانوا ما ستعوره

ص: 145

المترفون، وأنسوا بما استوحش منه الجاهلون وصحبوا الدنيا بأبدان أرواحها متعلقة بالمحل الأعلي، أولئك خلفاء الله في أرضه والدعاة إلي دينه آه آه شوقا إلي رؤيتهم وكأنني أحس عميقة أن سيدي الأمير الايتأوه بالشوق إلي الماضين بل الشوق حتي إلي عترة الرسول التي كانت في الأصلاب الطاهرة، لأن مثله في حالة الاستواء الكلي فالماضي والحاضر والمستقبل في استواء وشهود في ذاته المباركة فاشتاق إلي رؤية تلك النفوس الطاهره من أبنائه وعترته الذين ورثوا الولاية من مشكاة الخلافة فكانوا خلفاء وأولياء. وأي نفس لا تحن إلي رؤيتهم سلام الله عليهم. إن هذه انبلاجة عرفانية صرفة لجانب من حقائق أرواح محمد وآل محمد.

ماذا يمكن لمثلي الضعيف الحقير أن يقول في هذا الكلام المشهود الذات عليه السلام الهجم بهم العلم علي حقيقة البصيرة وليس البصر، إن الأمر متعلق بالقلب خارج عن الحواس الخمسة الظاهرة نعم القلب بدوائر الوجدان التي تسبح إلي الآفاق وتعكس العوالم كلها في قلب المؤمن المحسن والموقن ثم ماذا............ باشروا روح اليقين، كانك تقول إن روح القانون أوسع من نطق القانون لأن روح القانون يجب مقاصد التشريع لسلسلة من الاحتمالات أثناء الحكم، كذا أقول وإن كان الفرق شاسع لا يقاسي ولكننا نتعرض لها تجاوزة لتقريب الأمر لعقولنا القاصرة الخاضعة لقوي الضغط الجوي والتحولات الكيمائية الفيزيائية وتيار الكهربائي العصبي وانجذاب الممغنط لجاذبية الأرض ولو اختلت أية هذه القوي لتخلخل العقل وهلك فأقول إن روح اليقين كما عبر عنها سيدي الأكبر أسد الله الغالب كرم الله وجهه يجب، يحوي علم اليقين وعين وحق اليقين لأن للعلم والعين والحق واليقين أرواحة معنوية لليقين وأن الروح الكلية لليقين هو ما عبر عنه السيد عليه السلام وقد يعبر عن روح اليقين بحق اليقين كتدرج للعلم والعين والحق.

ص: 146

اللؤلؤة السوداء :

ذاك جانب من الصور المعنوية لمولانا علي اللولوة السوداء وهي عبارة عن مكمن الأسرار ولكنها تشع ضياء بهيجة وأنوارة درية. قلة من الواصلين لها أناء والنادرين من العباد والأشاوس يقدرون التحمل لثقل وارداتها لثقل الحقيقة عليهم، وذلك هو الفضل يعطيه لمن يشاء ذلك ما أتلمس وأنا الضعيف الفقير القاصر عندما تمعنت فيما يأتي من الأمير سلام الله عليه من رشحات الغيب:

سبحانك أي عين تقوم نصب بها نورك، وترقي إلي نور ضياء قدرتك، وأي فهم يفهم ما دون ذلك إلا إبصارة كشفت عنها الأغطية وهتكت عنها الحجبالعمية، فرقت أرواحها إلي إطراف أجنحة الأرواح، فناجوك في أركانك وولجو بين أنوار بهائك ونظروا من مرتقي التنزية إلي مستوي كبريائك، فسماهم أهل الملكوت زوارة ودعاهم أهل الجبروت عمارة. نعم هذه لؤلؤة الأسرار السوداء، خزينة أسرار المعرفة تشع نورة من المعرفة لمن يتحملها وهم لها أهل. وللعلم أن اللؤلؤة السوداء هي من أندر اللألئ أدونها الزرقاء وأدون منها البيضاء كذا في طريق السير والسلوك فإن النور الأسود يري في أعلي مراقي طريق السير والسلوك عندما يتفضل المولي جلت قدرته إعانة السالك الصادق في التحقيق في حلقة النفس المرضية فإن أنوارها سوداء جميلة جدا.

ص: 147

ص: 148

الختام

وفي ختام كتابنا هذا كبوة الواثب نذكر محاورة عرفانية لعلوم الحقيقة الأبدية والأزلية التي منحت لسيدنا أمير المؤمنين نفس الرسول وهبه المولي خلعة لخادم الرسول والرسالة وسيد الإمامة والولاية.

سأل كميل بن زياد النخعي رضي الله عنه وهو من أصحاب أمير المؤمنين الواصلين إلي بحور الحقيقة عن الحقيقة بحقيقتها السافرة:۔

كميل - ما الحقيقة يا أمير المؤمنين.

الأمير - ما لك والحقيقة يا كميل.

كميل - ألست صاحب سرك سيدي.

الأمير - بلي ولكن يرشح عليك ما يطفح مني.

كميل - أو مثلك يخيب سائلا.

فرد أمير المؤمنين :

الحقيقة كشف سبحات الجلال من غير إشارة.

كميل - زدني بيانا.

الأمير - محو الموهوم وصحو المعلوم.

كميل - زدني بيانا سيدي.

ص: 149

الأمير - هتك الستر لغلبة السر.

كميل - زدني بيانا.

الأمير - نور يشرق من صبح الأزل علي هياكل التوحيد آثاره كميل - زدني بيانا الأمير - اطف السراج فقد طلع الصبح

إنني أحس في هذا الحوار عطف أمير المؤمنين علي عليه السلام علي كميل بن زياد بجانب دفعة روحانية جاذبة له لتمكين فهم الحوار الغيبي حتي المعايشة، كذلك أحس شوقا عارمة وتطلعة حارة للهداية إلي الحقيقة من رشحات علي عليه السلام مندفعا إليه الصحابي الجليل كميل بن زياد النخعي نالها من علي بإخلاصه. اللهم اجعلنا مخلصين لمحمد وآل محمد ومتقربين بهم إليك إنك كريم قديرعليم.

ص: 150

الفهرس

الامام المهدي عليه السلام

الإهداء ...5

التقديم ...7

المدخل والتعريف ...9

الفصل الأول: المصطلح الشيعي وعلاقة (الضيف في المقابلة) أحمد الكاتب به ...11

الفصل الثاني: المهدية عند أهل السنة ...15

للاستحواذ علي الحكم اتجهت إلي وجهتين : ...15

الفصل الثالث: كتاب ينابيع المودة للشيخ سليمان القندوزي ...23

الفصل الرابع : المهدية عند الشيعة ...27

الفصل الخامس: المهدية عند أهل التصوف والعرفان ...33

الفصل السادس: المهدية عند ابن العربي ...35

الصلاة الأكبرية ...47

الفصل السابع: بعض إشرقات المهدي عليه السلام حظينا بعلمها...49

الفصل الثامن: المهدي عند العارف العلامة السيد محمد مهدي بحرالعلوم ...55

السيد المهدي عل في حياة العارف المتمكن السيد آية الله العظمي علي حسين القاضي قدس سره العالي ...58

الفصل التاسع: المهدي عند عرفاء الفرق الإسلامية الأخري ...61

ص: 151

الشرح ...63

انبلاجة الصامت ...64

مسك مسك الختام ...67

كبوة الواثب

كتاب كبوة الواثب ...73

المقدمة ...75

الفصل الأول: الكبوة الأولي ...77

الفصل الثاني: الكبوة الثانية ...79

الفصل الثالث: الكبوة الثالثة ...95

الفصل - ولاية الفقيه ...97

ولاية الفقيه في أصالتها الإسلامية ...98

النظام البريطاني ...101

النظام الهندي ...101

الفصل الرابع : الكبوة الرابعة ...111

الفصل الخامس: الكبوة الخامسة...125

ملتقي النفوس البشرية ...132

الوصية ...139

ومن كلام له عليه السلام ...142

الشرح والمنافشة ...143

اللؤلؤة السوداء ...147

الختام ...149

الفهرس ...151

ص: 152

تعريف مرکز

بسم الله الرحمن الرحیم
هَلْ یَسْتَوِی الَّذِینَ یَعْلَمُونَ وَالَّذِینَ لَا یَعْلَمُونَ
الزمر: 9

عنوان المکتب المرکزي
أصفهان، شارع عبد الرزاق، سوق حاج محمد جعفر آباده ای، زقاق الشهید محمد حسن التوکلی، الرقم 129، الطبقة الأولی.

عنوان الموقع : : www.ghbook.ir
البرید الالکتروني : Info@ghbook.ir
هاتف المکتب المرکزي 03134490125
هاتف المکتب في طهران 88318722 ـ 021
قسم البیع 09132000109شؤون المستخدمین 09132000109.