امام المهدي من الشك الي اليقين

اشارة

امام المهدي من الشك إلي اليقين

تأليف : نعمة هادي الساعدي

دار الرافدين بيروت لبنان

ص: 1

اشارة

-الطبعة الأولي

2004 م - 1425 ه

للطباعة والنشر والتوزيع

هاتف : 03/445510 - فاكس : 01/543438

ص ب : 25/309 بيروت لبنان

E-mail:daralrafldain@hotmail.com

© جميع حقوق الطبع والنشر والتأليف محفوظة ومسجلة للناشر، ولا يحق لأي شخص أو مؤسسة أو جهة إعادة طبع أو ترجمة أو نسخ الكتاب أو أي جزء منه إلا بترخيص من الناشر، تحت طائلة الشرع والقانون.

طبع في لبنان

Printed il lebanonTITT

ص: 2

بسم الله الرحمن الرحيم

ص: 3

ص: 4

مقدمه

الحمد لله رب العالمين الذي أكرمنا وتفضل علينا أن هدانا إلي شريعة ختمت بها الشرائع ، وجعلنا من المتمسكين بها الذين ساروا ويسيرون علي صراط الذين أنعم الله عليهم وجعلهم أئمة يدعون إلي الخير ويهدون إلي أمره ويرشدون من ضل ويرشدون إلي صراطه المستقيم.

سيرة المؤلفين ( أو الجماعين ) والباحثين أن يبدأوا كتبهم ورسائلهم بمقدمة ، وفي المقدمة أمور وأمور ، وقصود ومقاصد، وهنا وقف القلم وأنا أريد أن أضع مقدمة لك لا مقدمة لهذا الكتاب ، وأي مقدمة أضعها لك عزيزي القارئ ، ومقدمتي لك أن تسايرني في مسيرتي ، طالت أو قصرت .

والتأليف فئ من الفنون، والتأليف فئ له أهله ، ولسنا من أهله، والتأليف عالم من أفضل العوالم الفكرية ، وله أنصاره الذين أفادوا وأبدعوا فيه ، وقدموا للبشرية أفضل الخدمات ، والمؤلفون أنواع وليس نوعا واحدا :

ص: 5

تأليف تجاري ، وهؤلاء ليس لهم أجر إلا ما اكتسبوه من حطام الدنيا - إنه المتاع القليل - وهؤلاء لا يقام لهم يوم القيامة وزن.

وتأليف علمي ووراءه فكر، ووراءه هدف و مقصد، وفيه شعور وعقيدة.

عزيزي القارئ ، هبني تطفلت علي التأليف ، هبني كبوت وتعثرت ، فأنت أخ ، وأنت ناقد ، وأنت قد تشاركني وقد تحاسبني وأنا قد بدأت حياة التأليف من قبل ، وهذه الحياة طويلة كما يقولون تبدأ ثم تنمو ثم تزدهر ، تبدأ بأول خطوة وأول حركة وبعدها حركة، وتبدأ بالتجربة وبعدها تجربة ، والإنسان قد يضع قدمه في أرض متحركة ، وقد يستقر ، وقد يحقق غرضه، وقد يخطأ ويطرق باب الصواب ، وقد يعثر ويهفو في مشيته ، وقد يتحرك قلمه أو ينكسر أو يجف، وفي ذلك كله دروس لك ولي وللآخرين.

بدأت أكتب عقيدتي في هذه الصفحات عن الإمام المهدي ، لماذا أكتب ؟ ولماذا هذا البحث ؟ وقد تسألني : ماذا نسجله في هذه المقدمة ؟ أسجل ما أعتقده وأؤمن به، فإن الاعتقاد ليس ورقة ، وليس سطورة أو سطور علي ورقة ، أو كلمات من حبر تقرأ ، ليس كل ذلك هي مسألة اعتقاد غرس في النفس ونما و تبرعم وتجسد ، بدأت فكرة الإمام المهدي غرس الوالدين وغرس المحيط ثم نمت وتمركزت بالمطالعة والمراجعات ، وإذا فيها أخذ ورة وتشكيك ومفارقات ومغالطات وطائفيات ضيقة وتقاليد موروثة بلا انفتاح ومراجعة ، لماذا كل ذلك ؟

ص: 6

لماذا كل ذلك أخي القارئ ؟ لا تكون غافلا ، ولا تكن مقلدة، ولا تبق تعيش في إطار ضيق ، أو في ظلمات فكرية ، ولا تكن ملبوسا عليك في أمر دينك. خلقك الله حرا مفكرا لا تغفل عن نفسك ، وتبصر في أمر دينك لتكن من أهل البصيرة والحق والحقيقة.

وهنا نطرح الأسئلة التالية عليك وعلي غيرك :

إن الله لا يخلي الأرض من حجة ، فهل أخلاها في هذا العصر ؟ وهل أخلاها عن حجة منذ أقدم الأزمنة ؟ إن لله بقية ومصلحة وإماما ومرشدا ، فما هو، ومن هو بقية الله في هذا العصر ؟ إن للقرآن عدلا وقائما ومنقذا وعارفا ومدركا ، فمن هو ؟ وأين هو ؟ إنه بقية الإمامة ، إنه الشمس التي لا يحجبها السحاب ، إنه الحاضر الغائب الذي يرعي هذه الأمة في شؤونها وأزماتها ، وقد تسألني أنت عنه : هل يعرف أهل زمانه ، ويعرف جنده ، ويعرف عسكره ؟ هل يعرف مدة إمامته ؟ وهل يصلح الدنيا بهذه المدة ؟ هل يعرف متي يخرج ، ومن أين ؟ وكيف يبدأ ؟

فإذا قلنا بأنه يعلم بذلك كله ويتوقف ذلك علي الله لأنه ولي الله ، وبأمر الله ، ومن أجل الله ، وهو ينتظر أمر الله ، ولا يدري متي يأذن له الله ، فلا داعي للتوسل والندبة ، وعلينا بالصبر وانتظار الفرج ، فالأمر أمر الله ، والإمام بيد الله ، وهو الذي يسدده، وهو الذي يأمره ويعرف المصلحة في خروجه والقيام بمسؤولياته ، ولا نعلم زمانه متي يكون.

ولكل نبي زمان وعصر ، ولكل إمام زمان وعصر ، وإن هذا الإمام الذي يهدي به الدنيا ، وتستقيم به الإنسانية ، وتنعم به الدنيا له زمانه ،

ص: 7

فإذا خرج ومارس أعماله كان أهل زمانه أفضل من غيرهم، فيه يسعدون ، وبه يأمنون ويؤمنون ، وعلي هديه يسيرون ويعملون ، إنهم علي الحق، وإلي الحق ، ومع الحق ، فهم علي استعداد وهم يحملون ثورة الحق.

ونستمر في حوارنا وحديثنا عن هذا الإمام الغائب الحاضر الذي يعيش معنا، ويحمل هموم الدنيا ، يتألم أكثر ما ، الذي يشار إليه هو الموجود ، فقالوا مثله مثل الشمس وراء السحاب ، وفيه يتحقق قوله تعالي : « لِيُظْهِرَهُ عَلَي الدِّينِ كُلِّهِ » (1)، فالدين بدأ بميم ، وينصره الله بميم ، بدأ بمحمد ، وينتصر بمحمد ، ويؤيده الله بمحمد.

ونعود من حيث بدأنا ، ونعود في حوارنا - وإن طال - ونبدأ من جديد : لماذا التردد والاستغراب ؟ ولماذا التشكيك ، وكأن قضية المهدي قضية ليس لها سابق ولا جذور وأصول ، ولماذا لم نشكك في غيره ؟ الجواب : لا أدري ، ولماذا لا تدري الجواب أنني لا أدري !

عزيزي القارئ ، فإذا كنت قد آمنت بالرسول ورسالته واعتقدت به صادقا ، وصدقت به ، وأنه صادق بكل كلمة وكل حديث تحدث به، فلماذا لا تؤمن بقوله صلي الله عليه واله وهو يكرره ويعيده مرارا ومرارا وفي ذلك أحاديث كثيرة ومضمونها ومؤداها أن ولدا من ولدي ، اسمه اسمي ، شمائله شمائلي ، من ذريتي ، من أحفاد الحسين ، سوف يقوم ويدعو

ص: 8


1- التوبة : 33. الفتح: 28. الصف : 9.

للإسلام من جديد بعد أن تحل في الدنيا والإنسانية الكوارث ، وتضطرب الإنسانية في أفكارها ، وتمتلئ الدنيا جورا وظلما ، فإذا خرج ملأها خيرا وعدلا وسعادة ونعيما وأمانا (1).

إذا كنت قد آمنت به صادقا في نظراته للمستقبل وحديثه عن الماضي وهو صادق فيما قاله عن القضايا المستقبلية ، قاله قبل وقوعها ووقعت ، وقد تحقق صدقه ونظرته في كل قضية قالها وأخبر عنها ، وهو صادق فيما قال وقاله وأخبر عنه، ونظراته لمستقبل هذه الأمة وما يصيب الحياة من تغيرات .

أخي القارئ ، بالله عليك فكيف لا تصدقه وأنت كيف تشكك فيما تقول يملأ الدنيا قسطا وعدلا كما ملئت ظلما وجورا، وها هي الدنيا فكيف تراها في مشرقها ومغربها ، والامتلاء معناه الاستغراق والاستيعاب والشمولية ، والامتلاء معناه الطوفان والتيارات الواردة التي تغرق القيم والمثل العليا، وتمحق الأمة والأفكار المستحدثة التي تطبع الأمة بمعالم جديدة ، وهي كلها قد بدأت وبدت علاماتها.

الإمام المهدي عليه السلام من الشك إلي الاعتقاد والانتظار دراسة جديدة بعقلية العصر، وتوضيح لمفهوم إسلامي أصيل بعيد عن الأفكار المتطرفة الدخيلة المختلفة ...

الإمام المهدي عليه السلام مسألة مقتطفة من القرآن ومن جوهر الشريعة

ص: 9


1- هذه مضمون أحاديث نبوية كثيرة .

الإسلامية ، آمنت بها الأجيال الإسلامية علي امتداد العصور، لا تنفصل عن السنة والعقل السليم ، وإن قيل عنها ... فهي مسألة لا غبار عليها ولا ريب فيها ، آمنت بها لأنها ليست وهمية ولا مختلفة ، كما زعم المتطفلون.

النجف الاشرف

نعمة هادي الساعدي

ص: 10

بسم الله الرحمن الرحيم

المدخل

« وَنُريدُ أَن نَمُنَّ عَلَي الَّذينَ استُضعِفوا فِي الأَرضِ وَنَجعَلَهُم أَئِمَّةً وَنَجعَلَهُمُ الوارِثينَ » (1)

فالنبوة جعل إلهي ، والإمامة جعل إلهي ، هذا منطق القرآن لاريب فيه ، ولا مجال للشك بهذه المرتكزة القرآنية والقضية الإلهية.. تعالي الله عما يقولون..

« هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَيٰ وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَي الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ » (2).

العقل الحديث يسأل ، ومن حقه أن يسأل ، متي يكون ذلك لهذه

ص: 11


1- القصص: 5.
2- التوبة : 33 و الصف : 9.

الرسالة الكبري ، هذه الرسالة التي ختم الله بها الرسالات والشرائع السماوية ، ومتي يتحقق هذا القول بأنها تسود العالم وتحكم هذه الدنيا « لِيُظهِرَهُ عَلَي الدّينِ كُلِّهِ » ، هل يكون ذلك في المستقبل والقرآن لا تفاوت ولا اختلاف ولا اضطراب ولا تناقض في صياغته وتركيب آياته لأنه قول الله ... من هنا البداية .

وبعد التأمل في الآيتين ، وبعد أن قرأتها بعقلية لم تتأثر بعدوي التقليد العشوائي والرواسب الموروثة القديمة ، بعقلية غير ملوثة وغير مصابة بأمراض الزمن الفتاكة ...

بدأ الحديث والانطلاقة والحوار، ودار حديثنا حول هذا المقطع من الآية : « وَ نَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً »، وهو الذي جعلهم يرثون الأرض ويحكمون ويتصرفون ، وهو الذي جعلهم أئمة ، والجعل هو فعل الله ، وهو الذي جعلهم أئمة يهدون إليه بعد رحيل النبوة عن هذه الأرض ، فليس للآخرين اختيار أوتقديم أو تأخير؛ لأنهم أئمة هداة . وقد تعددت الرسالات والشرائع السماوية ، وتعاقبت النبوات علي امتداد الزمن القديم ، نبي بعد نبي ، ورسول يتلو رسولا ، رسول عاش وجاء بعده رسول آخر، لماذا ؟ وشريعة قديمة وبعدها شريعة أخري ، ثم ختم الله النبؤات والشرائع برسوله الخاتم (1) ، لماذا ؟

ص: 12


1- الخاتم - بكسر التاء . والخائم - بفتح التاء ، ويصح أن يمدح الرسول الأعظم صلي الله عليه واله بهما ، آخرهم.

إنه فعل الله بعد تكامل العقليات ، وبعد عمر النبوة في الأرض والارتقاء والتطور ختم الله لهذا الدين الذي يستطيع أن يمد ما يكفي هذا الإنسان ويسد حاجاته ، وهو الذي يسود علي الأرض، وتدين به الدنيا في مشارقها ومغاربها، ويعيش الإنسان في ظلاله في أمن وسعادة هنا وهناك.

هذا الإنسان وإن اختلف لونه ولغته فالدين للجم يع، والنبوة للجميع ، والإمامة للجميع.

نبدأ الحديث عن الإمام المرتقب الهادي المصلح للدنيا بعد اضطرابها ، وقد يطول الحديث ، وهو حديث كريم في العطاء ، وكثير الميادين الفكرية والآفاق ، ومتعدد المسائل والقضايا ، إن وجد له أذن واعية تتقبل هذا الحديث ، وقضية الإمام المهدي عليه السلام من القضايا التي أحدثت المجالات المختلفة عند المسلمين - وحتي غير المسلمين - فكتب فيها الكثير منهم قديما وحديثا، وشذ من شذ، وكفر من كفر، وكثر التشكيك في هذه المسألة ، وهي مسألة حقيقية ، وهي الحقيقة ، ومن كفر بها ومن لم يبصرها فالشمس هي الشمس ، وإن أصيبت العيون بداء.

ومن كفر فلن يضر الله ، ومن شك فيها وتردد في قضية المهدي فللشك دواعي وأسباب ، وأما من اعتقد بها عن تقليد عشوائي أو متابعة للآباء أو أخذ بها عن تقليد فهي مهددة بالسقوط والانتزاع

ص: 13

والتجرد والتأثير بالمؤثرات والتيارات . والعقليات في عصرنا مختلفة في هذه القضية ، والناس فيها علي أصناف .. الصابر الذي آمن بها قلبا ولسانا وفكرا وروحا ، وهو ينتظر الفرج وإن طال الزمن .

وفريق آخر آمن بها إيمانا مهددا ، واعتبرها عقيدة تقيدية وعقيدة أساسها التقليد العشوائي ، ليست من الإسلام ، وأنها عقيدة تحركها الرياح الشرقية والغربية ، وهي ضرب من ضروب الخيال ، وهي بناء سقط أو كاد أن يسقط ، وهذا ليس من الإسلام. الإسلام يدعو إلي الحجة المنطقية ، ويخاطب الألباب والأفكار ويساير العقلية مهما تطورت بحكمة ومعادلات ، ولا يري للعقيدة ثمنا بلا دليل « ادْعُ إِلَيٰ سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ ۖ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ » (1) ، وأن عقيدة أساسها البرهان والحجة المنطقية كتب لها الخلود والبقاء والوجود ، وهذا هو الإسلام، وسيبقي باقيا خالدا لا تؤثر فيه الرياح مهما كانت شرقية أو غربية.

إذا ما بناء شاده الدين والتقي *** تهدمت الدنيا ولم يتهدم

وهذا الدين يدعو للجدل والبرهان والاستدلال والتفكير والوعي والتأمل في كل مسألة من المسائل الفكرية ، هذا ما وجدناه في القرآن لئلا يقع هذا الإنسان بالخطأ .

ص: 14


1- النحل : 125.

فالتوحيد بلا جدل وبرهان لا توحيد ولا إيمان مقبول ، وهذا الذي جاء بهالقرآن وأنار العقلية العربية بما قدمه لها من أدلة وبراهين عقلية كونية .

والنبوة بلا معرفة وشاهد واعجاز يدعمها ويثبتها فهي ضرب من الكذب والأوهام ، وكل قضية من القضايا الدينية ليس أساسها المنطق والجدل ليست قضية إسلامية ، وليس لها ثمن في القاموس الإسلامي ، والفكر الإسلامي والفلسفة القرآنية والتشريع الإسلامي ، وقد أتعب علماء الإسلام أنفسهم في تقديم الأدلة المقنعة المقبولة في قضية الإمام المهدي ، ولو كانت من القضايا الوهمية المختلفة المصطنعة المجعولة لماتت أو أصيبت بالركود والاندثار ثم الاحتضار .

ص: 15

ص: 16

رحلة من الشك إلي اليقين

وهذه مرحلة فكرية ، وفي خطوات متتالية ، خطوة .. خطوة . أنا وأنت ، ونبدأ بها معك من نقطة البداية ، ثم نواصل مسيرتنا. ونقطع فيها خطة مستقيمة . ونبدأ هذا السفر من الشك إلي اليقين ، وندخل ميادين .

وقد تواجهنا أمواجا من الرواسب والأفكار الموروثة المضطربة تحركها الرياح القوية ، وفي الطريق شبهات وشكوك ، وقد تحدرت ووصلت إلي الأذهان وتمركزت ، وورثها قوم عن قوم.

وقد نصل إلي الحقيقة المفقودة المحجوبة بحجاب من الضلال والمستورة بأستار الجهل .

وقد نتخلص من داء الشك وندخل في النور بعد أن عشنا في الظلام.

وقد تكون بداية الطريق أشق وأصعب من الوصول إلي النهاية

ص: 17

وبلوغ القصد ؛ لأن الطريق الذي نسلكه طريقا شائكا بعيدا ، وقد يوصلنا إلي باب اليقين وندخل فيه ، والوصول صعب.

تعال معي عزيزي القارئ لندق باب الحقيقة ، ونعبر أنا وأنت حتي يأتينا اليقين ، وأن الله سيفتح لنا باب رحمته إن وجدنا قد توجهنا إليه ، فإنه قريب.

تعال نلتمس وندخل في النور، ولعل الحقيقة اقتربت منا ، الحقيقة الفكرية ، وهذه الرحلة الشاقة ، رحلة مع شاب شاك متثقف بثقافة جديدة ، وأخذ كثيرة من أفكاره من التيارات الثقافية الوافدة من خارج الحدود وامتلأت ذهنيته وانطبع بها الجديد، وتباعد عن الواقع وانقطع عن حضارته ، وعن تراثه ، وعن المفاهيم الإسلامية الأصيلة ، وانحدر هذا النوع من الجيل وسقط وتجرد، أو حاول أن يتجرد ، عن تراثه ويتوجه إلي جهة جديدة .

ص: 18

عوامل الشك والتشكيك والانكار لوجوده عليه السلام

والشك والتشكيك في قضية الإمام المهدي عليه السلام ليست مسألة حديثة ، أو من أفكار أبناء هذا الجيل ، أو ولدت في هذا العصر ، أو هي من سمات هذا العصر، فإن الشاكين بها كثيرون وكثيرون ، ولهذا الشك دوافع وعوامل وأسباب ، وقد أشار إليها الباحثون ، وعالجها علماء الإمامية ، ولخصوها وأشاروا إليها، وتحدثوا عن أصحابها وتعقيباتهم ، وعوامل الشك ودوافعه قديما وحديثا كثيرة :

فقد يكون سببه عدم ظهور هذا الإمام، وممارسة أعماله الروحية والسياسية في الأمة.

وقد يكون سبب هذا الشك طول بقائه ، وامتداد عمره بهذا الشكل منذ وفاة والده عليه السلام حتي هذا العصر، وقد يطول ويمتد إلي عصور قادمة ، وهل يعيش إنسان هذا العمر؟

والجواب بسيط وسهل ، إن ذلك أمر ممكن، وما أكثر المعمرين

ص: 19

قديما وحديثا، ومسألة العمر والأعمار سوف نتناولها في اللقاءات القادمة ، وإذا قلنا طال عمره أو يطول أهو ادعاء وأوهام واختلاق ، أو هي حقائق مقبولة إذا نحن استعملنا العقل المنطقي ؟

والشك به يختلف عن التشكيك فيه ، فهذا شاك وهذا مشكك، ولكل منهما أسبابه ، قد يكون هذا نابع عن جهل، أو رواسب متراكمة ، أو غباء وتخلف ، أو هو نشأ ونما في محيط مغلق وغلغلوا فيه المفاهيم الراكدة الميتة ، وتمركزت فيه واستقرت ولم يفهم قضية الإمام المهدي عليه السلام حق فهمها .

وقد يكون هذا الشك له عوامل خارجية ، أطماع أو حروب نفسية يقولها هذا ليكون ممن يشار إليه ، ومن فرق الأمة أو حاربها كان سندا لأعدائها، وعلي الأمة أن تدرك عدوها وصديقها ، ومن يحاول أن يفرق صفها ويسعي لطمس الحقيقة ووأد الواقع ، وكلها قصود مادية وسياسية.

وتضع الحجاب التستر بينها وبينه ضوء الشمس ، كما قد حصل لهذه الأمة في العصور الوسطي نتيجة الحروب الطائفية ، وقد صدر ذلك من كثيرين وكثيرين ، وشب في صفوفها نيران الحقد والعداوات والتقاطع.

وهناك نوع آخر من العقليات التي أنكرت هذا الإمام وجودا وولادة، وهذا الإنكار ليس وليد هذا العصر، فله أسبابه ومعادلاته ،

ص: 20

وكلها قد بنيت علي أوهام باطلة في الصغريات وما ينتج منها من نتائج غير مقبولة في المنطق السليم ؛ لأن الصغري والكبري غير ثابتة فكيف بالنتيجة .

وما أكثر المنكرين من أبناء هذه الأمة في الأمس واليوم، وسببه ليس راجعة إلي قضية الإمامة ، فالإمامة شيء موجود ، له مقوماته وشروطه وضوابطه ، وإنما هناك خلل في الأذهان لأنها لم ترتو ولن تدرك ما هو الإمام، وكيف يكون ، ومن هو الإمام، وعدم فهم قضية المهدي عليه السلام عند الكثير لأن الأذهان لم تدرسها ، ولن تدركها ، ولأن العقل لم يعها حق وعيها ، ولن يملك تلك البصيرة الشرعية ليدرك ما هو دور الإمام بعد النبوة ، ولذلك فقد العقل ذلك الاشعاع، فلو كان يعيش في النور لرآها كما هي . وعلي واقعها المقدس ، وفرق بين الأعمي و فاقد البصر ، ومن يعيش في النور ومن يعيش في الظلام .

وهذا مثل من الأمثلة القرآنية التي ضربها القرآن لهذين النوعين من الإنسان ،والقرآن لا يضرب الأمثلة بلا واقعية صادقة ، ولا بد لهذه المفاهيم القرآنية من مصاديق خارجية ، وفي الإنسان مصاديق كثيرة . ألا تفرق بين هذين النوعين من بني الإنسان ، ونبدأ رحلتنا ومن الله التوفيق في هذه القضية المباركة «قضية الإمام قائم آل محمد » ، وهذه الرحلة الفكرية بين عقليتين :

عقلية مؤمن آمن بها وأدركها واعتقد بها ، وبين شاك أو مشكك

ص: 21

أو متردد غرست فيه الأوهام واستجاب لها، ووجد لها طعم ولذاذة ، وراح يكثر من التعبير عن هذه الرواسب وهذه الأوهام ، ويسطر القال والقيل ، وهو متردد إن أقبلت عليه كان كما صوره القرآن «يلهث » يشكو العطش ولا يعلم أن الماء حواليه ، متردد وللمتردد لغته وأفكاره ويسأل ويدعي الرقي والتطور، كيف يكون هذا الإمام محجوبا عن هذه الأمة والأمة بحاجة إليه في أمسها وفي غدها ؟!

وكيف عاش هذا العمر الطويل ؟ ومتي يظهر ؟ وإذا ظهر ماذا يحقق وينجز ويغير ويبدل ؟

وهل يأتي بدين جديد ، أو قرآن جديد ؟

وكيف يكون إماما وقد انقطعت صلته عن الأمة وليس له صلة بها ، وبالعكس ؟

وما هي الأدلة المثبتة علي وجوده وبقائه ، أو المثبتة لبقائه وطول عمره وإمامته ؟

وهل يستطيع أن يقوم ويدير الحياة الواسعة المليئة بالمشاكل ؟

وما هي الأدلة علي إمامته ، وماذا عنده إذا خرج ؟

إنها غرائب وأوهام، وكيف نقطع ببقائه وقد مات أبوه وهو ابن خمس ؟ومضي عليه ألف أو أكثر ؟ فكم يكون عمره ؟ وأين هو الآن ؟ وأين يعيش في أي مكان ؟

ص: 22

وإذا خرج فماذا يحقق لهذه الأمة وللبشرية أو للمجتمع الإسلامي ؟

وهل يحول الأمور كما يريد، وبماذا ، وماذا يملك من إمكانات و قوي و قدرات ؟

وهل يحقق ما لم يستطع تحقيقه آباؤه وأجداده عليهم السلام الذين سبقوه وعاشوا وعايشوا الأمة منذ فجرها وضحاها وأمسها وأدوار حياتها ؟

وهل يستخرج الخفايا الخفية ويدلهم علي مفاتيح الرخاء والسعادة ؟

وهل ينزل عليه الوحي من جديد ؟

وهل يثبت ما كان منفيا ؟

وهل يبني ما هدمته الأقدار والأيام والدهور ؟

وهل يقيم ما اعوج وما بلي وما اندثر؟

وهل يقيم أدلة جديدة لإحقاق الحق وهدم الباطل غير ما جاءك به الأنبياء من قبل ؟

وهل هناك دين أوسع من هذا الدين ، أو تشريع جديد سوف يأتي به هذا الإمام المنتظر أمل الدنيا وأمل الإنسان المعذب ؟

وما هو وجه الحاجة إليه ما دام الكتاب والسنة بخير ، والكتاب بين أيدينا ، والسنة المروية لا تزال بخير ، وهذا كتاب الله قد جمع ماتحتاجه الدنيا جامع لكل الأمور، وهذه السنة قد تكفلت

ص: 23

بشؤون الأمة ؟

فما وجه الحاجة إلي هذا الإمام المرتقب وما عند الأمة يكفيها ، فما هي الحاجة للانتظار أو الاصطبار لهذا الإمام من قبل ، وما هي الحاجة إلي هذا الإمام من بعد وهناك كلمة صدرت لهشام بن عبدالملك تشبه هذه الأفكار السقيمة العليلة مع الإمام أبي جعفر رواها صاحب البرهان بالتفسير، وكان جواب الإمام ردا عليه ومؤداها ما عند الإمام لا يوجد عندكم، وما يوجد عند أبناء وأحفاد الأنبياء لا يوجد عند المتطفلين أو أدعياء المعرفة ، وما عند الإمام علي عليه السلام لا يوجد عند غيره ، وما يوجد عند جعفر بن محمد لا يوجد عند غيره ، وما يوجد عند الجواد والهادي والمهدي لا يوجد عند من بني أساسه علي الأوهام والتقليد أو عقائده من الرجال ولم يميز بين الخطأ والصواب . إ ذلك الإمام حقيقة لا ريب فيها ، حقيقة أصيلة هي الدين والدين هي، وما صدر من هذا وذاك من أضاليل وألاعيب وشكوك لا يغير وجه الحقيقة ، وما يدور في أذهان الشباب البسيط لايغير النور، فالنور هو النور، وإن الإمام قريب ، وإن ظهوره أمر لا بد منه .

ص: 24

الشباب المسلم والإمام المهدي عليه السلام

كثير من شبابنا المسلم الفاضل المثقف بالثقافات الوافدة للبلاد الإسلامية ، والذين قرأوا الجديد وانطبع في أذهانهم .. اليوم ما قيل وما حدث وما ذكر من أفكار وفلسفات وتقبلها وأقبل عليها واندفع إليها وصار يتقبل النظريات العلمية والأفكار والآراء الجديدة السياسية وغيرها.

أما الأفكار الدينية والحقائق الصادقة التي تذكر علي واقعها يقف عندها بغرابة وتردد .

والسؤال الصعب : لماذا يتردد الشباب عند الأفكار الدينية الصحيحة ؟ وكيف يفهموها ؟ وهل هناك خلل فيها أو أنها رويت لهم بصورة مشوشة ؟ أو الأسلوب الذي طرحت به كان أسلوبا مرفوضا ؟

وتراهم يترددون في قبول قضية المهدي عليه السلام ، ويقفون عندها بتأمل .

ص: 25

ولعل بعض شبابنا يراها قضية ليست من الإسلام ، أو هي موضوعة عليه ومنسوبة إليه ، وليست هي قضية إسلامية ، أو من الإسلام حقا ، ومن أنكرها أو شك فيها لم يكن بشيء عقلا ووعية وثقافة.

ولعل بعض شبابنا آمن بها تعبدا وهو لم يدركها ولم يعها ، آمن بها بلسانه وكفر بها بقلبه ، وإذا سئل عنها أو دار الحديث عنها لم يدرك تلك القضية علي واقعها .

ولعل بعضهم صرح وتجرأ بأنها من القضايا المختلفة في العصور المتأخرة، وأنها ولدت حديثة، وكأنها قضية ولدت في هذا العصر وخلقها المتأخرون،خلقتها الأوهام والمخاوف والاضطهادات وتقبلتها العقول المريضة المصابة ، والنفوس المغلقة المنطوية ، وظهرت عند هذه الفرقة دون غيرها من الفرق الإسلامية ، كما ادعي ذلك كثير من أدعياء المعرفة من عصرنا، مدعيا أنها فكرة خلقتها الموجات السياسية التي مرت علي هذا الإنسان المعذب (1) ولا رجاء له ولا كهف ولا أمل. إلا أن يفكر من وحي نفسه ونبات أفكاره أن هناك بطلا مرتقبا سيقدم ويأتي بقوة لا تقهر يخلص المظلومين المستضعفين في الأرض من جور الجبابرة ، فاختلق شخصية وهمية وهي التي ستأتي وتدفع الضيم وتنشر الراحة والأمان في الأرض ، ويعيش الإنسان بأمن وأمان وسعادة واطمئنان .

ص: 26


1- كما هو مذهب أحمد أمين في كتابه المهدوية .

أوكأن هذه القضية لها جذور من ديانات قديمة وأساطير كانت عند أمم الأرض.

أو كان هذه القضية فكرة تسربت للفكر المسلم وتأثر بها المسلمون ، وذلك بواسطة الاختلاط الحضاري أو التلاقح الفكري بين الحضارات والتفاعل بين أمم الأرض نتيجة الاختلاط العقائدي وما حصل بين هذه الأمة والأمم الأخري الوافدة للمحيط الإسلامي (1) ، وتباعد شبابنا عنها فكريا، وإذا طرق سمعه حديث المهدي عليه السلام اعتبره حديثا دخيلا ، أو اعتبره حديث خرافة ، أو هو من الأساطير القديمة التي يجب أن لا تبقي أو لا تذكر في البلاد الإسلامية ، ومن اعتقد بها اتهموه باتهامات كثيرة ، أبسطها أنه مصاب في عقله ، ويأخذ بالأمور التي يتحدثون بها بالزوايا والقضايا والظلام وليست هي قوية أصيلة.

ص: 27


1- كما ذهب لذلك أحمد أمين في كتابه فجر الإسلام.

حديث مع الشباب المسلم

وقد طاب وقت الحديث مع أبنائنا الشباب الذين آمنوا بالإسلام دينا. وما اختاروا عليه شريعة ، وبالقرآن كتابا ، وما بدلوه بغيره، ولكنهم يسألون عن هذا الإمام، وأكثروا من السؤال :

كيف يكون الإمام حي يرزق ، والقطع بذلك ، وقد بلغ من العمر ما يربو علي الألف أو يزيد علي ذلك ؟

قلنا ذلك احتمال ، وهو بلا دليل واثق هو جعله واختاره ، أوليس الذي حفظ أصحاب الكهف في طول هذه المدة هو حافظ صاحب الأمر في طول مدته ، والمعمر له في عمره الشريف والمعمر آدم ونوحا عليهما السلام وسائر المعتمرين والملائكة بقادر علي إرجاعهم إلي الدنيا ويبعثهم إلي الآخرة يوم القيامة بعد موتهم وانتقالهم إلي عالم الآخرة .

ثم أن الله تبارك وتعالي قد حفظ يونس عليه السلام في بطن الحوت وأخرجه سالما ، وحفظ الخضر عليه السلام إلي الآن، ورفع عيسي عليه السلام ،

ص: 28

وأعطي جعفر عليه السلام جناحين، وحفظ إبراهيم عليه السلام من النار، ورد موسي عليه السلام إلي أمه كي تقر عينها ولا تحزن، وتعلم أن وعد الله حق وحفظه من كيد فرعون.

وخلق عيسي عليه السلام في بطن مريم عليها السلام من دون أب (1) .

إن هذه الأفكار ألا تزيد الإنسان معرفة علي قدرة الله الواسعة ، وهو القادر وقدرته لاحدود لها . ويقدر أن يخلق من هذا الماء الدافق إنسانا فيه الروح والأعصاب والاحساس والحركة ؟ أليس بقادر أن يخلق إنسانا اسمه إمام بقية مصلح قائم ينتسب لآل محمد. من أحفاد خاتم الرسل ليكون حجة ودليلا وباعثا للحياة من جديد، ويغرس الوئام والطمأنينة في نفوس أبناء الحياة في المستقبل، ويقضي علي كل المشاكل في الدنيا ليأمن المخلوق ويعيش بسعادة وأمان وراحة ضمير.

أهذا غريب ، وأين هي الغرابة ؟

أهذا ضرب من المستحيل ؟

أهذا مخالف لستة الحياة ؟ ولماذا ؟

أهذا أمر عجيب ، وأين العجب ؟

أهذا مخالف لمنطق الدين ؟

ص: 29


1- معتقدات القاصر في أصول الدين / يونس النجفي: 59.

من يفهم ويدرك ويتأمل ؟

ونقول لأبنائنا : الدين وحدة متكاملة لا يمكن أن يتجزأ أو ينفصل هذا الجزء عن هذا الجزء ، والنبوة وحدة متكاملة ، من آمن بالنبي وصدقه ، وصلته بالله ، أخذ بما يقول ويصدر عنه ويروي . ولا يطيعه في أمر ويعصيه في آخر.

وكذلك القرآن وحدة متكاملة لانعترف بإعجازه في هذه السورة ولا نقول بإعجازه وقرآنيته بالسورة الثانية ، وكذلك الإمامة وحدة لاتتجزأ ، فمن اعترف بالإمامة وأنها بعد النبوة ولا بد منها لحاجة الأمة إليها وتسير الحياة روحيا وسياسيا ، وآمن بهذا الإمام بعد النبوة واعترف به فعليه أن يؤمن بالإمام الثاني ، وكذلك الإمام الثالث ، فالإمامة وحدة متكاملة لاتتجرأ ومن آمن بهذا آمن بهذا، وأخذ بقوله ، والدين من حيث هو هو وحدة متكاملة متصلة لا تؤمن ببعض وتؤمن ببعض آخر، هذا متوقف علي هذا، وأن الأرض لا تخلو من حجة ودليل من قبل الله ، نبيا أو إماما ، ومتي خلت الأرض ومنذ أن خلق الله هذا الإنسان خلق آدم، وهذا الحجة عليه توضيح معني أو ذات الله ، وتبيين الحلال عن الحرام ؟

ومتي خلت الأرض من حجة الله ؟ هل خلت في الزمن الأول أو الزمن التالي أو الزمن اللاحق، أو الزمن المستقبل ؟ ومتي خلت الأرض من شريعة ومن كتاب ومن وال ومن حاكم ، ومن نظام ؟ ولولا ذلك لاضطربت الأرض ، واعتدي هذا علي هذا ، وذاك علي

ص: 30

ذلك. وأصبحت الحياة كلها دماء وفسادا واعتداء أشبه بالحياة الحيوانية ، تعالي الله أن يريد للإنسان مثل هذه الحياة ، كيف وقد اختار له خليفة بعد خليفة ، وإمامة بعد إماما ، وشريعة بعد شريعة لتكون الحياة مستقرة.

ونحن نسير في دور الشك ونواصل الحديث والحوار في مسيرتنا . في دروب الشكوك ، وهناك فئة من الناس تدعي المعرفة ، وهي عكس ادعائها ، وهناك عقليات راكدة وتدعي الوعي والبصيرة وأشد أنواع العمي هو عمي القلوب .. وما أكثر هؤلاء يكثرون السؤال ويطلبون الجواب عن ذلك بلا وعي ، وهو يشكك بأوضح الواضحات ، ومنهم من يشكك حتي في وجوده. فكيف بمن أوجده ؟ ومنهم من يشكك في بدايته ونهايته فكيف لا يشكك في عقليته . أهو عاقل وما هو الدليل علي ذلك ؟ ومنهم من يشكك في الإمام المهدي ، وآخر ينكر ذلك ويعتبرها قضية جديدة غريبة منفصلة عن الشريعة ، أو هي ضرب من ضروب الخيال أو اختلاق ، وكيف نقنع هؤلاء وهم الذين غرقوا في بحر الشك، وكيف نقدم لهم العلاج الوافي والدواء من هذا الداء الفتاك ؟ وكيف نزيل الشك وهذه العدوي ؟ وكيف ندخل اليقين في نفوس هؤلاء ؟ وكيف الرقي والانفتاح والاذعان لهؤلاء إلي الحق والحقيقة ليتذوقوا طعم الإيمان ؟ وكيف نقربهم إلي الضياء ونزيل هذا العمي من القلوب وبماذا ؟

والشك داء ابتلي به كثيرون وكثيرون ، فما هو العلاج لهذا الداء

ص: 31

الفتاك الذي غزا البلاد والعباد وراج فانتشر وطغي وتمركز في نفوس أبنائنا نتيجة الغزو الفكري ، وازداد عدد الشاكين والمشككين في قضية المهدي عليه السلام ، وإذا كان الشك داء فتاكا فما هو العلاج ؟ وهل يمكن علاجه لنخلص أكبر عدد من أبنائنا من هؤلاء ؟ وهل نستطيع أن نقدم الوصفة الناجحة ليستطيع أبناؤنا من آثاره وملازماته ؟ العلاج هو الحوار الناجح ، وبذلك نتوصل إلي الحقيقة ولانغلق باب السؤال ونبقي نصغي إلي أبنائنا وإن أكثروا من الأسئلة ، ونبقي نقول لأبنائنا : تعالوا واسألوا، ولكل سؤال جواب ، وإن أكثرتم وإن سألتم أجبنا ، ولكل بداية نهاية ، ولكل يوم غد، ولكل شدة فرج، ولكل حزن فرح ، وما النصر ببعيد، والصبر مفتاح الفرج.

ونواصل مسيرتنا في دروب الشك والإنكار لقضية المهدي عليه السلام ، ومن أسباب هذا الشك في هذا العصر هو الغزو الفكري المادي وأثره في نفوس أبنائنا :

أين هو المهدي ؟

ومن هو المهدي ؟

ولماذا غاب ؟

أويبقي في المغيب ؟

ويقول هؤلاء الكثير من الأقوال ، واشتد الحوار وطال، وكيف السبيل ، وما هو ؟ وكيف نزيل أمراضأ كان لها أثرها في اللسان والفكر والنفس ، واستقرت العدوي وتبرعمت وتمركزت في النفوس ؟

ص: 32

وما هو العلاج ؟ وما هي النصيحة المفيدة لهؤلاء الذين قرأوا الجديد وأقبلوا علي كل جديد لأنه جديد ، وكيف إقناع أبنائنا الأذكياء أن الإمام المهدي عليه السلام باق حي، وأن وجوده وبقاءه حيا إلي هذا اليوم . ولا بد من ظهوره بإمكانية إلهية لا تقهر. ويلقي الله الرعب في قلوب أعداء الله في مشارق الأرض ومغاربها ، سلاحه السيف، وأن السيف هو سيف رسول الله ، وبيده عصا موسي بن عمران ، وليس ذلك علي الله صعبا أو شديدا ، أو لا يكون، وإرادة ربك لا تقهر . وقد نصر رسله من قبل في زمن الجبابرة والطغاة الذين حكموا الأرض بقوة ، ونصر الله رسله علي أولئك الجبابرة رغم قوتهم ، فهو الذي ينصر وليه الإمام المهدي عليه السلام ، وهو الذي ينصره الله ؛ لأنه يريد نصر الله ، وهو القائل عز من قائل : « إِنْ تَنْصُرُوا اللَّهَ يَنْصُرْكُمْ » (1) ، وهو الذي نصر رسوله في مواطن ومواقف عديدة رغم قلة جيشه وقوة عدوه ، وهو الله الذي لا يقهر ، وهو الواحد القهار ، وهو الناصر لأوليائه ، وهذا دليل واضح وشاهد لكل الرسل في مواقفه، وبدأنا حوارنا وبصراحة ، وقطعنا أشواطأ طويلة في الحديث عن القضايا المستقبلية ، وعن هذا الإمام المرتقب الذي يغير الكثير، ويبدل الضعف قوة ، والذلة عة ، والتفرقة وحدة .

بين يديك أخي القارئ هذه خلاصة حديث طويل كان قد وقع

ص: 33


1- محمد صلي الله عليه واله : 7.

بيني وبين بعض الشباب المثقف بثقافتين ؛ إحداهما عربية وأخري جديدة . وقرأوا الكتاب العربي والكتاب المترجم، شباب يعيش الشك ، واستحال هذا الشك إلي عقدة نفسية أثرت في لغتهم وأفكارهم، ووجدت الحديث معهم صعبا مستصعبا ، كناقر الصخر، . وصاعد الجبل.

وكيف السبيل وكأن الشك قد ولد معهم ؟ والشك درجات قوة وضعف ، واستقر هذا الشك ، ولهذا الشك أسباب ، والشك مراحل، وكيف نقطع هذه المراحل حتي ندخل ساحة اليقين ، وكيف نقطع المسيرة الشاقة ؟

ولما بدأنا الحديث عن الإمام المهدي عليه السلام وجدت أنني أتحدث مع القوم عن قضية وهمية لانصيب لها من الواقع، وهم عقلية قد تمركزت فيها الشكوك ، وتغذت بالأفكار الحديثة والفلسفات الواردة .

وبدأنا الحديث عن وجود هذه الأمة وعن القضايا الإسلامية المستحدثة ، ومشكلات المجتمع الإسلامي والأخطار التي تهدد وحدتها وكيف الوقاية ؟ وكيف العلاج ؟ وكيف الالتزام والأخذ بالماضي ؟ وكيف تفهم الأمة أن لا تتباعد عن أفكارها وعن ماضيها ، وتدرك واقعها، وتسعي من أجل مستقبلها .

وطال الحديث عن قضايا الأمة ، ودار الحديث حتي دخلنا في قضية الإمام المهدي عليه السلام ، ونحن في طريق الشك وفي دائرة الحوار واشتد الكلام ، وأوشكنا أن نصطدم ، حيث اعتبر قضية الإمام

ص: 34

المهدي عليه السلام من قضايا الشيعة دونغيرهم ، ثم دخلنا في مرحلة جديدة حول وجوده وبقائه ، وهل هي قضية دينية يجب الإيمان بها ، إنها فكرة من صلب الدين ، ومن أنكرها وشك فيها هل هدم فرعا من فروع هذا الدين ؟ وهل الإنسان هو خلق فكرة المهدي عليه السلام ؟ وهو تصورها وهي قضية من اختلاق الذهن الخلاق فلا مهدي ولا صلة له بآل محمد صلي الله عليه واله ، وأين هو؟ وما هو ؟ خلقتها ظروف سياسية مرت عليها في السنين السالفة ، فهي من الأمور المختلفة ، فهي أسطورة ولدت ونمت وورثها قوم آخرون، وهي أحدوثة لا واقع لها ولا أساس لها من قرآن أو سنة ، وهنا قاطعت هذا الشاك من أين لك هذا الاتهام ؟ قال لي : قرأته في كتاب (المهدي والمهدوية ) لأحمد أمين ، وفي كتاب (نظرية الإمامة عند الشيعة ) فرددت عليه أنه مجرد ادعاء وافتراء ، ومن أين لهؤلاء ذلك ؟ وهل عندهم مصادر يطمأن لها ؟ وأما أتباع آل البيت عليهم السلام فقد أخذوا ذلك عن أئمتهم الذين عرفوا بالصدق ، إنها قضية من القضايا الإسلامية حقا، ويجب الإيمان بها ، ولا بد من الأخذ بها، نمت بعدما ولدت، وتحدرت من العصر الإسلامي الأول ووصلت إلينا. نحن الأبناء لأن النبي صلي الله عليه واله خبر عنه كثيرا وبشر بظهوره ، والروايات مروية في كتب المسلمين المقبولة عند الطرفين ، ثم بدأت الأسئلة الجديدة ، وليست بجديدة ، وقد وردت علي ألسنة القدماء وأجاب عنها العلماء نقلا عن أئمة آل البيت عليهم السلام ، وهم أعرف ، وهم حملة هذه الشريعة أصولا وفروعة، وهم الذين يتصلون بجدهم

ص: 35

المصطفي صلي الله عليه واله وسلم ، وهم ورثة شريعته .

والسؤال القريب الذي يهز السامع هرا أن هذه القضية ذات الحجم الكبير أهي قضية حقيقية أو هي قضية وهمية لا واقع لها ولا دليل عليها بين أبناء هذه الطائفة ، وهذا زعم افتراء واتهام .. أو هي قضية مستوردة من خارج المحيط الإسلامي ، كما استوردت بعض الأنماط الفكرية الأخري والاتجاهات الفلسفية من أمم الأرض وأدخلت إلي المحيط ، وكانت عند غير المسلمين من تلك الدنيا وهي تؤمن بوجود بطل مصلح مرتقب سوف يقدم عن قريب أو بعيد ، ويغير ويبدل هذه الحياة الساخنة (1)، اسمه كذا، وشكله كذا ، وهو من قومية كذا، وفي زمن كذا، وهو البطل المرتقب ، وبقيت الدنيا تسير بهذا الحلم ، وهو الأمل منذ أقدم العصور، وهي بانتظار هذا البطل وقدومه ولاتزال الدنيا بانتظاره ، وليست من الأمور الواقعية الجوهرية أو تمت للواقع الإسلامي بصلة ؛ لأنه لا دليل عليها من قرآن أو سنة أو إجماع أو عقل ، وهي من المخلفات ، وهي من الرواسب القديمة لأنها للشيعة الإمامية دون غيرهم.

هكذا يزعمون ويدعون ، فهي ليست إسلامية في واقعها وجوهرها وبدايتها . إذن يكون الإمام المدعي فيه شخصية وهمية ، وأكثر من

ص: 36


1- والقائلون بقدوم هذا البطل كثيرون وينتظرونه ، راجع مجلة الجامعة التي تصدر في محافظة نينوي.

ذلك ادعوا فيه أنه من ذرية فاطمة عليها السلام ومن أحفاد الرسول صلي الله عليه واله ، صفته كذا، وبشروهم فيه دون غيرهم ، أو هي قضية قديمة كانت ثم أدخلت إلي المحيط الإسلامي وانتشرت ، وأخذ ذلك . هؤلاء الشيعة - من هؤلاء استجابة نفسية ، وهذه هي قضية المهدي الذي تزعمون أنه إنسان علوي له نسب وله اتصال بالنبوة . وعلينا أن نقول وبصراحة : إنها من الأمور الدخيلة المختلقة أو المستوردة أو المأخوذة من غيرنا وليس الاعتقاد بالمهدي عليه السلام أمر ضروري ، وأن الأخذ به ليس من الإسلام لأنه ليس من الإسلام ولا ننشد الحوار بلغة أخري فيها حرارة وقوة وشدة ثم دخلنا في محور واقتربنا إلي العصبية والتمييز والأفكار .

وهنا قلت : المهدي عليه السلام قد بشر به الأنبياء من قبل ، وبشر به الرسول ومن بعده وأخبرت عنه الكهان والعلماء وأهل الفكر قبل الإسلام وكلهم صوتوا للدنيا أن هناك مصلحا سوف يقوم ، يصلح الدنيا ويملأها سعادة وخيرا وأمانا، ويغيرها ، ويزيل الظلم عن الأرض ، ويدافع عن المظلومين، ويعيد الحق المغتصب لهذه الأرض ومن عليها، ويطمئن العباد ، وهو وعد الله ، وهو بقية الله في هذه الحياة ، جاء علي لسان الأنبياء ، ووردت الإشارة إليه والبشارة عنه من قبل ، ولكن الاختلاف في اسمه ، كل قال هو المهدي ، وكل قال ما المهدي، والمهدي المرتقب هو، وهو الأمل المأمول، وهو أمل الإنسانية المهددة المظلومة في هذه الحياة ، وهي حياة القوة والعنف والتسلط . وإن الله يحب العدل والعدالة ، ولا بد أن ينصر عباده

ص: 37

المظلومين في هذه الحياة ولا بد من إثبات عدالة الله في هذه الحياة ، وأصبحت قضية المهدي من المسلمات المتواترة ؛ لأن الحديث عنها قد شاع وانتشر واشتهر ، ومنكرها والشاك فيها كمن شك في الأمور القطعة المتفق عليها وعلي وجودها ، والشاك في وجود النهار أو قدوم الليل ، أو وجود السماء أو الأرض ، أو الحركة ، أو الحياة ، أو الموت ما هو إلا منكر لوجوده إنه موجود ولا بد من إقامة الدليل علي وجوده ، إنه موجود ، فما هو الدليل علي وجوده .

والشاك في قضية المهدي عليه السلام إما مصاب في نفسه أو عقله أو جاهل أو متجاهل أو متعصب أو هو رهين التقليد الأعمي لا يتحرر منه ولو انطلق في الآفاق العلمية ، وما أكثر هؤلاء الذين يعيشون في الرواسب والظلام الفكري وإن ادعي الفضل والفضيلة والوعي ، ولكنه أعمي في هذه الدنيا يحتاج إلي بصيرة في أمره ، وتبصير في أمور الدين ؛ لأنه لم يرتق فكرية في أمور هذه الشريعة ، وهذا هو البلاء الشديد. وقد بلينا بهؤلاء الذين لم يفهموا هذا الدين ولم يأخذوا به أدبأ وخلقة ونهجة واقترفوا الكذب وأباحوا الاتهام للآخرين .

وما أفضل قول الصدق ..

وما أفضل الصراحة ..

وما أجمل الكفاءة والوعي ..

واحتدم الحوار بين عقليتين ؛ مشك، ومعتقد عارف ، ولا بد للحوار من الكفاءة العقلية والمستوي العقلي والثقافة والموضوعية

ص: 38

والتجرد من العصبية والعنف. والعنف والعصبية والشدة أمارات الفشل والاندحار، وعندها نبدأ بحديث جديد، وبدأنا حديثا وبأسلوب بارد مهذب ، ودخلنا قضية المهدي بعقلية موضوعية ناضجة ، وبثقافة واسعة، وإحاطة بأسرار الشريعة ، وتحليل للمفاهيم الإسلامية ، وإذا أخذنا ذلك نصل إلي الحقيقة المفقودة وإدراك حقيقة الإمامة وإلي عظمة الإمام ودوره في الأمة، وتدبير شؤون الأمة في هذه الحياة ، والإمامة بعد النبوة ، وحاجة الأمة للإمامة هي حاجتها للنبوة ، والإمامة خلف عنها ، وتؤدي ما أدت ، وتقوم بأعمال تكفل مسير الأمة ومسيرتها في الحياة ، وما دام القرآن باق فالإمام باق ، وهما متلازمان في الوجود والبقاء تشريعا وتنفيذا .

وكثرت الأسئلة الجديدة عن الإمام لو طالت غيبة هذا الإمام وامتدت إلي ألف سنة أخري وألف ثانية وثالثة ورابعة وخامسة ، فما هو حال هذه الأمة بين الأمم ؟

وما هو دوره عليه السلام ؟

وما هو واجب هذا الإنسان المسلم اليوم ، هل هو السكوت والصبر وتحمل الأذي وتبقي هذه الأمة هكذا ؟

وهل يسقط عنه التكليف وهو يدير نفسه بنفسه ؟

علي الأمة أن تدير نفسها بنفسها وتتحرك وتكتف نفسها وتبني . والسكوت والركود ما هو إلا حالة الموتي ، وهل علي هذا الإنسان

ص: 39

إلا السكوت والصمت والركود، وهل عليه أن يكون ساكتا راكدأ منتظرا ؟

وهل السكوت والصمت وتحمل الأذي حالة ارتضاها الشرع،أو أمر بها ، أو دعا إليها في يوم ؟

وهل ورد نص في ذلك ؟

وهل من سنن الإسلام ؟

وهل جاء نص ولو مقطوع السند في استحباب السكوت والصمت والاعتزال والانفصال والتقاطع والتجزئة والانفراد ؟

وأي نص ورد في ذلك ؟

وأنت عضو في هذا الجسم الكبير ، أنت لا تنفصل عن هذه الأمة ، وعلي الأمة أن تدير نفسها وتعي وتدرك و تغير و تبدل وتسعي للأفضل إن أرادت الحياة والبقاء ، وكيف يبقي هذا الفرد صابرا صامتا ويدعو ربه بالفرج وأن يعجل فرج هذا الإمام المرتقب ويتحمل الظلم ولا يدفع عنه الضيم. كما يقولون ويدعي أن الانتظار ضرب من ضروب العبادة ، ويثاب عليها ، وهل الدعاء والندبة والاستغاثة به هو الأمل وهو العلاج ؟ ومثلنا مثل من يحس بالعطش ولا يفتش عن الماء ، ولعله يعذر عليه ويبقي صابرا ويعيش علي عطش . إنه شيء عجيب . وهل هذا يحقق غرضا للفرد والأمة ، ونحن ومنذ زمن كنا ندعو وكان آباؤنا وأجدادنا من قبل يدعون وهل حققوا شيئا لهذه

ص: 40

الأمة ، فماذا والأمة أغرقتها الهموم وأخذتها أمواج الضلالات وقطعتها الآلام وصارت من الأمم الميتة ، وماذا لو صبرنا ولو انتظرنا (1) ولانعد العدة أهذا هو عامل القوة ؟

ماذا تصنع هذه الأمة الراكدة التي أخذتها الأخطار وتهددها بالسقوط والاحتضار.

إن غيبة الإمام المهدي لو امتدت إلي ألفي سنة قادمة أو أكثر عشرة آلاف سنة فهل تدخل في المستحيل اللامعقول والاستبعاد وهي لا تزال في دورالامكان ثم حدود المعقول لأنها مدة محدودة قد يعيش إنسان ويعمر غيره .

قضية الإمام المهدي وجوده وبقاؤه وغيبته وسبب هذا الخفاء وظهوره ودولته والإيمان بذلك هل هي قضية قام عليها الإجماع عند المسلمين فيؤخذ بها ؟ أو هي قضية تدعمها النصوص والبشارات والروايات الواردة عند الفريقين فقط فيؤخذ بها ولا يمكن التردد فيها ؟ أو هي قضية يدعمها العقل ، وإذا كان هناك دليل عقلي فما هو؟ فلا تعبد ولا تقليد في الدين خاصة في الأصول ، أما إذا قلنا إن قضية الإمام المهدي عليه السلام مسألة تعبدية ، أو هي قضية اعتقادية جزء من الإمامة والنبوة ولا تقليد فيها فتحتاج لاستدلال علي الثبوت والإثبات ، فهذا ليس من الإسلام قطعا ، وهل الإيمان بوجوده وبقائه

ص: 41


1- حتي قيل عنا الأمة الانتظارية أو المنتظرة .

وطول عمره وإمامته ورعايته للأمة ، مسألة تعبدية يؤخذ بها تعبدا ؛ لأن النصوص الكثيرة ساندتها والإيمان بها كالإيمان بالغيبيات والتكوينات ، كالإيمان بالملائكة ، مسألة تعبدية ؟ وهذه وتلك علي خط واحد من شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر ، وهذا لاتقبله عقلية اليوم، وهل قضية الإمام المهدي عليه السلام قضية إلهية ، وهي جعل إلهي وليس للآخرين تغييرا وتبديلا، وليس للأمة دخل في معرفتها وتحليلها أو تحديد زمان خروجه عليه السلام ، أو الإعداد والتحضير لهاوالاستعداد ، أو معرفة المقدمات والعلامات ، أو هي متوقفة علي الإذن بالخروج والحاجة والوقت المناسب لذلك ؟ وإذا قلنا إن الإمام ما هو إلا استمرار للنبوة في الأرض والإمام إمام ليس علي نفسه إنما هو إمام الأمة ، وهو للآخرين ، والمهدي إمام كما تزعمون فعليه القيام بدوره في قيادة الآمنة والسير بها إلي ساحل السعادة ، أليس كذلك ؟

وهو أعلم بشؤونه وأمزجة وشؤون الأمة كثيرة ، وهي مختلفة في كل زمان ، فلماذا هذه الغيبة ؟ وما أحوج هذه الأمة إليه وهي تعيش التخلف والضعف والاختلاف والضيعة بين الأمم، أليس هي كذلك ؟

ماذا يقال في رجل آمن بالإمامة (1) ليس بهذا العدد، معناه آمن بكل الأئمة إلا المهدي عليه السلام ، كما عليه شبابنا المثقف ، فهل هذا تجزئة للإمامة ، أو هذا انحراف عن الخط الإسلامي وقوانينه ..؟

ص: 42


1- آمن بأربعة أو آمن بخمسة أو أمن بسبعة .

وتطور الحديث إلي القول بضرورة الإيمان بالمهدي عليه السلام ، واعترض شاب آخر حديثنا وتناول جانبا ودخل في مسألة لاتقل أهمية عن المسائل السالفة ، وهي : إذا كان كتاب الله بين أيدينا وسنة الرسول لا تزال ، وهذا ما صدر عن هشام مع الإمام أبي جعفر (1) وفي ذلك ما يكفي الأمة ويسد حاجاتها الاجتماعية فبماذا يأتي الإمام المهدي لو خرج ، هل يأتي بشيء فوق ذلك ويغير ما جاء به جده من تشريع وأنظمة ؟ وإذا كان الإسلام تكفل بكل حاجات البشرية ، وهو دين الإنسانية ، فبماذا يأتي الإمام المهدي لو خرج ..؟

هذا ما دار بيني وبين هذا الشاب المثقف حول المهدي عليه السلام .

ص: 43


1- كما في البرهان في تفسير القرآن .

بداية الحديث

وبدأت الحديث ، وكان مبتدأ الكلام وبداية الانطلاق مسألة الإمامة والحاجة للإمام ، حاجة الأمة للإمام كحاجتها للنبوة ، هي الحاجة للنبوة ، وقضية الإمام المهدي هو الخبر، وحول المهدي عليه السلام يدور الحديث ، وقضية الإمام المهدي عليه السلام مسألة ابتداء وانتهاء، وبداية وغاية ، فإذا نحن استطعنا أن نضع المبتدأ في البداية لأنه المتحدث عنه وهو بداية الحوار وهو لولب الحديث عندها استطعنا أن نذكر الخبر لأن المخبر به والمتحدث عنه هنا وهناك وفي كل الصفحات التالية وهو القضية اللازمة والتابعة والمتعلقة بالإمامة ، وهي والنبوة في خط واحد لا فرق بين هذا وذاك إلا بالوحي.

آل النبي هم النبي ، لكنما فرق بينهم بالوحي فتفرقوا، وحاجة الأمة الإمامة كحاجتها للنبوة ولا استغناء عنها سياسيا واجتماعيا رغم التطور الاجتماعي.

ص: 44

ومسألة الإمامة وإثباتها والحاجة للإمام في كل عصر وفي كل دور من أهم المسائل الإسلامية الكبري، وهي ملازمة وباقية في حياة المسلمين بالأمس واليوم وفي غد. وقد أثبت الفكر الإسلامي إن الأمة لاتستغني عن الإمام في كل عصر ، وهي ليست قضية كانت ثم انتهي دورها كما قيل ، أو يقال ، أو اختلف فيها المسلمون ومن أجلها وقع الخلاف والاختلاف ومضي زمانها وانتهي مفعولها ، واليوم المسلمون في غني عن إمام ومسؤول وراعي ، كما حاول البعض أن يتوهم أو وقع في هذا الوهم ، ودفع هذا الوهم هو حاجة المسلمين وعدم استغنائهم عن إمام عدل وهو أمر يعود للمسلمين أنفسهم وهم يدفعون هذا الوهم ؛ لأن الإمامة هي تسير حياتهم العامة وفيها صلاح الحياة السياسية ؛ لأن الإمام مسألة زعامة وقيادة عامة وهذه القيادة هي مسؤولة عن نجاح المسلمين في كل جوانب الحياة وهي التي تأخذ بهم نحو الرقي والتكامل وتدفع بهم للأفضل وتحقق لهم أروع النجاحات في مختلف الميادين ، وتجني لهم أروع الثمار، وهي التي تصون المسلمين من كل خطر يهدد وجودهم وترسم لهم خطوط التطور، وهي تجمع الشمل، وتحقق وحدة المسلمين حول هذه القيادة الواحدة صفا ، وهي لا تزال أمة تحتاج للقائد العادل والقيادة الحكيمة والإمام الشرعي ليرعاهم ويسدد خطاهم في مسيرتهم نحو التكامل في جميع جوانب الحياة .

وإذا نحن قلنا : إن الإمام هو خلف للنبوة والإمام عليه السلام بعد النبي صلي الله عليه واله

ص: 45

هو النبي في كل تصرفاته ، وإذا قلنا : إن الأمة هي بحاجة للأفضل، وهي بحاجة للأعلم قلنا إن الأمة حاجتها لعلي عليه السلام كحاجتها للإمام الحسين عليه السلام ، وكحاجتها للجواد والصادق عليهما السلام ، وكذلك الإمام المهدي عليه السلام وكلهم بمستوي واحد وفي خط واحد، وكلهم علي نهج واحد ووجودهم استمرار للنبوة ، وكلهم خط واحد هو الخط الذي سلكه الرسول صلي الله عليه واله من قبل ، وهو الخط المعبد تسلكه الأمة ، وإذا قلنا إن الاعتراف بإمامة علي عليه السلام وإنها حق، وإن الأمة اعترفت به وأجمعت عليه قلنا إن الاعتراف بإمامة المهدي عليه السلام حق وبينهما تلازم ، والإيمان بهذا يلزمه الإيمان بهذا، والإمامة وحدة متكاملة لا تتجزأ، وإن الأمة لا تستطيع الشك والتردد به إلا إنه إمام لم يمارس دوره القيادي العلني في هذه الأمة ، هذا هو الصحيح ، وهو الذي ندخل فيه في حديثنا وبموضوعية وجرأة وصراحة .

ص: 46

اللقاء الأول - البداية في الحوار

واشتد الحوار جدلا في قضية الإمام المهدي عليه السلام ، فيري هذا الشاك (الشاب المثقف ) ، كما يزعم بأنها قضية ليست من القضايا الإسلامية ، ولكن حاولت الحديث في البداية علي إنها قضية جوهرية إسلامية ؛ لأنها من متعلقات الإمامة ، وهي آخر حلقة من حلقات سلسلة الإمامة ، وهي الحلقة الثانية عشر، ولا انفصال لها ولا تجزئة لهذه الحلقات للتلازم ، وهو خاتم الأئمة ووارث الأئمة السابقين عليه ، وهو الإمام الخاتم والآخر، وقضيته جزء من كل ، وإسقاطها والتوقف والتردد فيها معناه تجزئة الإمامة ، والإمامة سلسلة متكاملة تبدأ بعلي عليه السلام وختامها بالإمام المهدي عليه السلام ، وهذا ما بشرت به أحاديث المسلمين ، والتوقف في الروايات معناه هدم للأحاديث الناطقة بأن الأئمة بهذا العدد، وإن خلفاء محمد من قريش، وهم اثنا عشر ، فما هو الموقف في ذلك ، هل تحول الأئمة الأربع ، أو لست أو لثمان وتتوقف، ولماذا الذهاب لذلك ؟ ولماذا هذا التلاعب والتأويل

ص: 47

والتحريف ولا مبرر له، وبادرني أحد الشباب قائلا : إن قضية الإمامة بهذه السلسلة - اثنا عشر - لا زيادة ولا نقيصة ، وإن المهدي إمام، وإنه سوف يخرج ويمارس أعماله في إمامة الأمة والإيمان بذلك، والاعتقاد بهذه المسألة علي أنها مسألة تثبتها النصوص وقوامها الروايات والأحاديث ، المروية المسطرة في كتب لم يقدر لها أن تدرس دراسة موضوعية ليحذف منها الضعيف الموضوع، وفي هذه الأحاديث ما لا يقبله العقل الحديث ، وإذا كانت قضية المهدي عليه السلام مسألة أساسها الروايات فإنها لا تصلح دليلا ولا تثبت شيئا ، فإذا توقفنا عند الأحاديث لأن فيها ما لا تطمئن له النفوس ولا تصدقه العقول، فإذا ترددنا في هذه الأحاديث وإذا طرحنا هذه الأحاديث كان هدرا وطرحا لهذه القضية من جذورها ؛ لأن الأحاديث ورواتها وأسانيدها ومصادرها بحاجة لدراسة وتمحيص ونقد، فهي بنفسها أحاديث سقيمة وضعيفة وقابلة للتأويل والتحليل، وحتي رواتها تدور حولهم الشبهات ، وقد وجدنا حولهم نقاط تعجب واستفهام وعلامات ترقيم جديدة قد غفل عنها القدماء ، فهي روايات مضطربة احتج بها كل فريق علي إثبات أن المهدي عليه السلام هو ما يراه هو وآمن به وما ورد فيها ما هو إلا مجملات وعبارات مغلقة غير واضحة الدلالة والمدلول ، وهي روايات لا تثبت الإمام المهدي عليه السلام عينا وذاتا ونسبا وزمانا ، وما ورد فيها المهدي عليه السلام وكلمة المهدي تنطبق علي كل رجل هداية داع للهدي ، فهي وإن دلت فلا خصوص فيها علي أن المهدي هو

ص: 48

ابن الحسن من ذرية علي وفاطمة عليهما السلام ، فهي لاتحمل البرهان المنطقي للناس كافة أو يؤخذ بها حجة مقبولة ، ولا تزال قضية المهدي من القضايا المتأرجحة بين طائفة وأخري عند المسلمين ،وكل يدعي الحق وينسب البطلان والكذب والوهم لغيره .

وانتقل الحديث إلي حوار جديد بأن الله حجة في أرضه، ومتي خلت الأرض من النبوة في الزمان السالف ، ومتي خلت الأرض من الإمامة اليوم وفي غد لم يخل زمن من حجة له علي عباده ، وهو حجة الله ، فالإمام المهدي عليه السلام وقضيته حقيقة إسلامية ولا بد من ظهوره بالأمة ، ولا بد له أن يقوم بالمسؤولية ويتولي القيادة، وهو حجة الله في الأرض لصيانة البشرية من الظلال ، وهو خلف جده في الأرض ، وهو القائم ، وهو الإمام الذي حمله الله الرسالة الإلهية ، وهو الذي يقوم بما قامت به الأنبياء من قبل ، وهو مواصلة لنضال الأنبياء عليهم السلام ، ودعوته الشاملة الاصلاحية دعوة لإكمال ما جاء به الأنبياء علم ، وهي إصلاح البشرية جمعاء والدنيا شرقا وغربا .. هذه رسالته، وهذا ما نعتقده ، وهو الذي يسدده ويمده بالقوة ويسانده التوفيق ويظهره علي الدين كله . ويمكن له في الأرض ، ويبصره ويهديه السبيل ، ويمكنه بقوة لانعلم بها تفصيلا، وليس ذلك بمحال ولا مستبعد، فقد نصر الله أنبياءه من قبل عندما دعوا إلي الله رغم قلة العدد وخذلان الناصر ، وقاموا بالمسؤولية وقابلوا جبابرة الأرض وطغاة الدنيا ، وأدوا رسالتهم، وهو خليفتهم الذي يحقق رسالة الأنبياء عليهم السلام وخليفة

ص: 49

جده صلي الله عليه واله واستمرار لوجود الإمامة بعد أبيه وجده والتوقف فيه أو الشك يلزم التردد في النصوص ، والأخذ بطرف من الإمامة وطرح الآخر هدم لمفهوم الإمامة ، ومن باب الملازمة نقول بإمامة المهدي عليه السلام .

فإن القول بإمامة علي عليه السلام يلزمه القول بإمامة ولده الحسن؛ لأنه نص عليه ، والقول بإمامة الحسن عليه السلام يلزمه القول بإمامة أخيه الحسين عليه السلام ؛ لأنه خليفة ، وهكذا أحدهم ينص علي من بعده ؛ لأنه إمام، ورفض إمامة المهدي عليه السلام يلزمه رفض وطرح ، ما ورد عن الحسن العسكري عليه السلام وإذا لم تأخذ بما ورد عن الحسن العسكري عليه السلام معناه قلنا بعدم إمامته ، ولم تلتزم بما قاله وصدر عنه وصرح به، ونستدل علي إمامته بالأبدية العقلية وهي كما صورها العلامة (1).

ص: 50


1- الباب الحادي عشر لأن كل زمان لا بد فيه من إمام معصوم ، فراجع .

اللقاء الثاني - نماذج من الاستدلال

اشارة

وبدأنا نستدل ، والسامع لا يزال في مرحلة الشك والتردد (1) ، والشك جعل سلبه وانتزاعه إذا عاش واستقر وأخذ له حيزا من الذهن صار عقيدة وصار يقينا ، وصار مقبولا ، وتحول الشك إلي رؤية واقعية ، وبدأت أقدم له نماذج من الأدلة منقولة عن المنكرين والباحثين ، فإن قضية المهدي عليه السلام أتعبت المفكرين من المسلمين عامة ، وخاصة علماء هذه الطائفة ، وسروا أقلامهم في تدوين الأدلة ، وقدموا أدلة لا يمكن الاستهانة بها علي وجود الإمام، ووجوده حتي اليوم وإن طال الزمن وامتد العمر، وإن خرج عن حدود المألوف ، أو عن الحد الطبيعي رغم ذلك ، وهذه هي النقطة الصعبة ، وهي فيها وحولها الجدل، وبدأ الشك وثار الغبار، وهنا نقطة الخطر ،

ص: 51


1- فهو شاك وأنا معتقد، وعقلية الشاك مضطربة وعقلية المعتقد مؤمنة مطمئنة.

إنه إمام موجود ويجب الإيمان بوجوده والانتظار لخروجه والتوفيق النصرته لأداء رسالته .

هذا أحد العلماء من علماء النجف الراحلين وهو محمد حسين المظفر باحث وكاتب ومفكر في قضايا العقيدة وأصولها، ومدافع عنها، ورد الشبهات الكافرة ، يقول : « وبهذا الدليل المنطقي وهو يركب شكلا منطقيا مؤلفا من صغري وكبري ونتيجة وقضية مؤلفة من نقاط أربعة مقبولة منطقيا ولكن فيها صعوبة تحتاج لعقل يدرك هذا التسلسل من المقدمات :

المقدمة الأولي :

إن العالم بحاجة لإمام مصلح يغرس الأمان والثقة في النفوس ؛ لأن الله لا يترك العالم مضطربا .

المقدمة الثانية :

الكتاب والسنة غير وافين في العلم والتطبيق .

المقدمة الثالثة :

كان علي الله اللطيف أن ينصب للأمة إماما يدعوهم ويرشدهم.

المقدمة الرابعة :

الإمام الصالح واجب عقلي في هذا اليوم، فالإمام الهادي المرشد موجود في هذا اليوم لا محالة » (1) .

ثم ينتقل هذا المفكر إلي تساؤلات جديدة من هو ذلك الإمام في هذا اليوم؟

ص: 52


1- راجع : مبحث في الأمام والإمامة - طبعة النجف .

اللقاء الثالث - حوار مع المشتكين في الإمام والإمامة

اشارة

وبدأنا حوارا جديدا مع المشككين ، وحتي إذا قلنا بوجوده عليه السلام فكيف نقول بإمامته اليوم، وإنه إمام بعد أبيه ، وإن إمامته لا تزال . وهو إمام مفروض الإمامة علي الأمة ، وتجب طاعته واتباعه ، فما هو الدليل علي إمامته ؟ والقول الفصل إنه لم يرد نص عليه من قبل الرسول ، ولو كان لورد إلينا، وقطعا ليس له صلة بالرسول صلي الله عليه واله إلا النسب فقط ، وبينه وبين الرسول فجوة زمنية طويلة ..

أما الرسول صلي الله عليه واله لم ينص عليه قطعا ، ولكنه أخبر عنه إخبارا مبشرا به ، وعينه ، وبين أوصافه وصفاته ودولته وخروجه بالأمر. وكان الجواب عن ذلك إذا كان النص دليلا في إثبات وثبوت الإمامة فإن أباه الحسن العسكري عليه السلام هو الذي نص عليه بالإمامة ، وهو دليل مقبول يؤخذ به ، وهنا ننطلق في آفاق فكرية واسعة ، وندخل في قضايا منطقية ، فالإيمان باللازم تصديق بالملزوم والاعتقاد بالشيء وإنه حقيقة ثابتة يقتضي الأخذ بكل لوازم ذلك الشيء وبيان ذلك :

ص: 53

نحن إذا آمنا بضرورة الإمامة بعد النبوة ونحن إذا صدقنا الرسول في نبوته، وأخذنا أقواله في حق علي عليه السلام ، وإنه هو المقصود في مدحه وأحاديثه وإشاراته وبياناته وفيه مثاله ، وإنه هو المرشح للإمامة بعده بلا منازع ؛ لأنه لا مماثل ولا مثيل له، فهو أمر متعين وبكفاءته لذلك هو إمام بعد الرسالة.

ونحن إذا صدقنا عليا وأخذنا بهديه وكان إماما وعلما ومنارا للسالكين دروب السعادة في الحياة علينا أن نأخذ بقوله وإرشاده ونواهيه وزواجرهوأوامره وما ورد عنه . فإذا ن علي ولديه الحسنين عليهما السلام أخذنا به دليلا، وإذا نص الحسين عليه السلام علي ولده السجاد عليه السلام بأنه إمام بعد أبيه الشهيد ، وإذا نص السجاد عليه السلام علي ولده الباقر عليه السلام صدقناه كان الباقر عليه السلام هو الإمام بعد أبيه ، وإذا نص الباقر عليه السلام علي ولده الصادق عليه السلام ، وإذا نص الصادق عليه السلام علي ولده الكاظم ، وهكذا .. وإذا نص الحسن العسكري عليه السلام علي ولده المهدي عليه السلام إنه إمام هذه الأمة من بعده ، صدقنا قول الحسن العسكري عليه السلام وأخذناه دليلا، والتزمناه حجة مقبولة ، والنتيجة من ذلك النص إن المهدي عليه السلام هو الإمام والحجة بعد أبيه.

وإذا نحن ترددنا في ذلك هدمنا الإمامة وجرأنا الإمامة نؤمن ببعض ونكفر ببعض مثلنا مثل من يأخذ بعض الكتاب ويكفر بالبعض الآخر ، ولهذا أشارت الآية المباركة « نُؤْمِنُ بِبَعْضٍ وَ نَكْفُرُ بِبَعْضٍ » (1)

ص: 54


1- النساء : 168.

فكيف نؤمن بإمامة هذا الإمام ونرفض إمامة من بعده المنصوص عليه من قبله ، وتجزئة الإمامة مسألة خارجة عن الدين ، ورفضنا بعضا وصدقنا بعضا منهم، واعتقدنا بإمامة البعض دون الكل ، وهذا هو هدم الإمامة وتجزئة الإمامة ، وهو خلاف الحق، فالإمامة مسألة متكاملة الأطراف تبدأ بعلي عليه السلام وتنتهي بالمهدي عليه السلام ، مسألة كلية لا تتجزأ عددا معدودأ اثنا عشر إماما لا يمكن تجزئة ذلك لا عددا ولا فكرة ، ولا نأخذ بطريق دون الآخر، فالإيمان بعلي عليه السلام إمام أولا يلزم الإيمان بالمهدي عليه السلام إمام هذه الأمة ، وهو الثاني عشر ، وهذا هو المطلوب حقا ، أما طول عمره الشريف فهو في حدود المعقول . وقال قائل وقد يقول : إن طول عمر الإمام المهدي عليه السلام لم يقع ولم يحصل لغيره من قبل ومن بعد، رغم ذلك فهو لم يصل لدرجة الامتناع والاستحالة ، والعمر نعمة الله يمد مخلوقاته والموجودات النامية بالقوة علي البقاء والحياة . فقد يعمر إنسان وغيره عمرا طويلا ويعمر أخوان من نسل واحد ومن ظهر واحد وبطن واحدة عمرة مختلفة ، هذا أقل وهذا أكثر، لماذا ؟ الجواب هو من عند الله !

نعم ، لو عمر الإمام إلي عشرة آلاف سنة أو أكثر من ذلك ولم يخرج لإنقاذ أمة جده عندها يتساءل العقل القادم ويكثر السؤال ويبدأ الاستغراب بشكل جديد وعندها يصل لدرجة الامتناع والاستبعاد ، فكيف وهو لم يصل عمره إلا ألف وأما لو تجاوز ذلك لسنين طوال عندها نقول : لا يجوز للعقلية أن تؤمن برجل أو ببشر يعمر عشرة آلاف

ص: 55

سنة مثلا، أما لو عمر الإمام المهدي عليه السلام إلي ألف سنة ، فهو لا يزال من باب الامكان وليس هو من باب المستحيل قطعا ، وقد حصل لغيره من قبل ، وحتي في عصرنا هذا، وليس ذلك من الأمور الغريبة أو المستحيلة ، ولا تتصادم مع العقل والطبيعة ، وقد ألف الكثيرون في المعمرين موضوعا من المواضيع العلمية في حقول مختلفة بحثها المحللون من علماء الاجتماع والمعنيون بالطبيعة وشؤون الحياة ، وأسباب طول العمر وعوامل قصر العمر مسألة يقف عندها العقل ، هل تتحكم به الوراثة ، أو عوامل المحيط ، أو هناك قدرة غيبية لا نفهمها، أو هي مسألة تتوقف علي الغذاء والرعاية الصحية ، أو لا هذا ولا ذاك ، وهي أمور من الله ، وبيد الله ، من شاء أطال عمره وأمده بالحياة.

وقد قرأنا قاموس المعمرين في الأمم السالفة ، وهل قرأت حديث المعمرين ، فهل رأيت هذا وذاك كيف طال وقصر ذاك ، فكيف قد عمر الولد والحفيد أطول من عمر الأب والجد، وكيف طالت أعمار سكان الجبال أو القارات الباردة ، أو من يعيش في السهول ، أو تحت الأشجار، وقصرت أعمار منيعيش في الجزر الحارة ، وكيف طال عمر النخيل والأشجار هنا دون البقعة الأخري ، إنها معادلة يهدمها العلم والوجدان والمسيرة البشرية وتطابق العقلاء. وحتي الدين فلا ندري كم هي أعمار الأنبياء عليهم السلام لو قيست إلي أعمار غيرهم، ولا ندري كم عمر نوح عليه السلام منذ ولادته إلي بداية دعوته ؟ وكم لبث في

ص: 56

قومه يدعوهم (1) ؟ إنها مسائل إجمالية يجب الإيمان بهذه القضية علي إيجازها وبساطتها . إن العمر من الله ، والحياة وامتدادها من الله ، لا دخل للصحة والغذاء والهواء والغني والفقر والوراثة ، فقد بعمر الفقير ولا يعمر الغني ، وقد يطول عمر الولد ويقصر عمر الوالد.

ومسألة طول عمره الشريف أوقعت الكثير في الخطأ والخطيئة ، والشبهة والاشتباه ، والشك والتشكيك ، لماذا طال عمره ولا يدري ولا يفهم ولا قدرة له بأن العمر طوله وقصره من نعم الله علي العبد ، وهذا من دواعي الشك والتشكيك ، ونتساءل مع هؤلاء مع المشككين وخصوم الإمام، ومع الذين تاهوا في دائرة الشك والتشكيك ولم تنطلق أفكارهم في الآفاق اللامحدودة ليدركوا عمره الشريف سر من الأسرار الإلهية ، فهو الذي جعله آخر أئمة الهدي ، وهو البقية الباقية « بَقِيَّةُ اللَّهِ خَيْرٌ لَكُمْ » (2) ، ولا يعلم هؤلاء أن العمر وقوة الجسد ومقاومته واستمرارية الحياة لا تتوقف علي الإنسان نفسه ، فنقول للإنسان الطبيب العبقري الذكي الذي يتحكم بالحياة والصحة والأحياء هل تستطيع أن تتحكم في طول عمرك أنت وتضمن لجسدك الاستمرارية والقوة شبابا حيوية قوة صلابة لاتتأثر بالانفعالات

ص: 57


1- مسألة معروفة ذكرها القرآن : « فَلَبِثَ فِيهِمْ أَلْفَ سَنَةٍ إِلَّا خَمْسِينَ عاماً » العنكبوت: 14.
2- هود: 89.

والمتاهات والممرات النفسية ؟

الجواب : أنا إنسان ، أنا مخلوق لا أدري كيف ومتي وأين حركة الحياة ، ولو سألنا المعنيين بالوراثة السؤال التالي هذا الولد هل يعمر خمسين عاما لأن والده وجده عمرا خمسين عاما لا زيادة ولا نقصان ؟ قالوا : لا نعلم قد يطول وقد يقصر، لماذا ؟ لانعلم ونحن علي يقين أننا الانعلم وغيرنا لا يعلم ، فهل العمر مسألة وراثية مقطوع بها عمر الولد محدود بعمر الوالد أم ليس بينهما ارتباط وتلازم أو قانون طبيعي ، فقد يقصر عمر هذا ويطول عمر ذاك ، وقد يعمر الوالد ولا يطول عمر ولده ، فليس بينهما أي تشابه ، ولعل قائلا يقول : إنها مسألة تتوقف علي الصحة والغذاء والهواء والأجواء الملائمة الخالية من السموم والتلويث ، فهي حياة مادية ، فإذا كان الجو ملائما، وكان الجسد خلوا من المكروبات أو بعيدا عن العدوي ، طال عمر الإنسان إذا كان في بيئة خالية من الوباء والأمراض الفتاكة ، وكانت هناك عناية بالغذاء والهواء والماء والنظافة والوقاية والرعاية ، فقد يعمر الإنسان أطول من غيره الذي يعيش في محيط آخر يختلف عنه ، ويستمر في البقاء ، نبيا كان أو إمامة أو مأمومة، وبالعكس.

هذا القول لا دليل عليه ، وهذا الفرض لا يدعمه علم أو وجدان ، فكم رأينا من بني البشر في بيئة صحية ووقاية ورعاية وعمر قليلا وعاش عمر الورود الذابلة التي تفتحت ثم أصيبت بالذبول ،

ص: 58

فهي قضية بيد الله ، هو الذي يهب الأعمار لمن يشاء من الأحياء، ومن كتب له البقاء والحياة يعيش ، فقيرا كان أو غنيا ، ولو كانت مسألة وراثية فرضا لرأينا تشابها أو تقاربا بين أبناء الوراثة الواحدة، بينما الوراثة الواحدة مختلفة في الطول وفصيلة الدم والذكاء واللون والغباء ، لماذا ؟ وكيف ؟ وما هو السر؟

الجواب : أمور لا يدركها العقل والعلم (من أمور الله وأحكامه وعطائه ونعمه وأفضاله ولطفه وألطافه) ، ولا يقاس هذا علي ذاك ، وإلا لكان عمره الشريف كعمر أبيه وجده وأجداده ، وأعمارهم متفاوتة ، فالحسن العسكري عليه السلام عاش ثمان وعشرين سنة ، والجواد عليه السلام عاش خمسا وعشرين ، فالوراثة هنا لا دخل لها، والمحيط والبيئة والحياة والعناية والرفاه لا أثر لها في طول العمر وقصره ، فالإنسان لو عاش في بيئة متخلفة أو بين قوم مرضي قد أصيبوا فقد يعيشوا ويبقي حيا ، ولا عدوي ، ولا أثر، ولا تأثير ، ورواية نوح عليه السلام والاستدلال بها قد لا تفيدنا ، وإن القياس بنوح عليه السلام قد لا يثبت لنا شيئا ؛ فإن عمره الشريف قد طال وامتد وما يدرينا قد يطول ويمتد ، فهو أطول من عمر نوح عليه السلام ، ولا يتوقف هذا علي هذا ، وما ندري علي التحقيق كم هو عمر نوح عليه السلام الزمني وعمر الدعوة قطعا. وهذا ما استدل به علماء المسلمين عامة وعلماء الإمامية إن عمره طال كما طال عمر نوح عليه السلام .

وهذا لا يثبت شيئا ؛ لأن عمر نوح رواية كم هو ، وعمر إمامنا أطول

ص: 59

وأطول، وإمامته أوسع وأكبر ، وهذا ما يصعب فهمه وتحليله وإدراكه والإيمان والتصديق به، ويصعب الاطمئنان ببقائه علي قيد الحياة ، سيما ووسائل الموت قد كثرت في عصرنا هذا، وما يدرينا قد أصابه ما أصاب من فقدان الحياة وهي كثيرة ، لعل قائلا يقول ذلك، ونحن في هذا الحوار وفي هذا الخط خط التشكيك ولغة الاحتمال ولكن تهدم هذا الاحتمال بأن وجوده دراية وجدانية ، والاتصال به علي استمرار في أزمنة متقاربة ، فقد رآه من رآه ، وأخذ منه من أخذ، أما هذا الاحتمال فهو من أوهام الشاكين وتخيلاتهم ، ولا قوة فيه ، وهو باقي ولا بد من بقائه لأن هذا الدين باق ، ولأن هذا القرآن باق ، وقد قال الرسول إنهما يردان علي الحوض يوم القيامة القرآن والعترة ، فما دام هذا في الوجود فذاك معه لا يفارقه ، وهذا مع هذا أمر من أمور اللطف الإلهي ، وأما هذا الاحتمال وهذا التصور الذي لم يصل إلي مرحلة التصديق به وكل تصديق بدايته التصور، وكل مجاز بدايته الحقيقة ، فالعمر والأعمار والبقاء والحياة واستمرارية البقاء من اللطف الإلهي يعطيها لمن شاء ويحرم منها من يشاء ، لهذا الجسم ولذاك الجسد ، فأيهما أكثر استمرارا في الحياة ، المؤمن أو الكافر، وأيهما أقوي في مواجهة المتاعب والكوارث والظروف اللاطبيعية هل هو النبات أو الإنسان أو الحيوان ، وأيهما أقوي ، سل عقلك ، وحكم إنسانيتك إن كنت إنسانا ، فقد تجد شجرة أو نخلة تعمر مدة طويلة أطول من غيرها وهي أطول النباتات وأقوي وأشد وأكثر قوة ، وكم قرأنا في المجلات

ص: 60

عن الأشجار والنخل ذات الأعمار الطويلة ، وكم رأينا من المترفين يعيش برفاهية العيش وعمره قصير، وكم رأينا فقيرا أقوي وأشد وأصلب ، فلا غذاء ولا عناية ، لماذا اختلف هذا عن ذاك ، أرأيت غصنا عاش علي الماء الجاري، ورأيت شجرة برية أقوي وأصلب وأطول وأشد مقاومة للرياح والتيارات والظروف اللاطبيعية ، لماذا كل ذلك ؟ ما هو الجواب لا تعلم ، وأنا لا أعلم ، وكلنا لايعلم ، فلنترك الأمر إلي الله لأننا بيد الله ، ونعود إلي حديثنا عن الإمام الباقي المعمر المنقذ المؤمل ، وإن طال عمره فهو لم يصل لدرجة الاستحالة العقلية ما دام العمر نعمة من الله يمد مخلوقاته والموجودات النامية القوة والبقاء والقدرة علي مواجهة الحياة ، فقد يعمر إنسان وغيره عمرا طويلا، ويعمر أخوان من نسل واحد، ومن ظهر واحد ، وبطن واحدة عمرا مختلفا ، هذا أقل وهذا أكثر، لماذا ؟ الجواب هو من عند الله .

نعم ، لو عمر الإمام إلي عشرة آلاف سنة أو أكثر من ذلك ولم يخرج لإنقاذ أمة جده عندها يتساءل العقل القادم ويكثر من السؤال هذا ، ومثل عصرنا فقد قرأنا عن المعتمرين وأعمارهم، فقيل : إن سكان القارة الفلانية ، وقيل إن سكان جبال كذا ، وقيل إن الرجل الذي يعيش في المناطق الباردة ، وإن الإنسان الذي يعيش في جوكذا، وأن الفرد الذي قدر له أن لا يسمع فيه ما يؤلمه كل ذلك هي وسائل لبقاء الإنسان عمرا أطول من غيره ، قالوا لنا هو أطول عمرة من أبيه ومن جده ومن آبائه وأجداده ، وحتي جميع أفراد أسرته ولم يسبقه نبي من قبل

ص: 61

ولا وحي نبي إلا بعض الشواذ النادرين من البشر، ويروي ذلك رواية وحتي نوح عليه السلام ففي رواية القرآن وإخباره أنه عمر أكثر من ألف سنة . أما الإمام المهدي عليه السلام فقد عمر أطول منه ، وعمر وطال عمره، وامتد عمره بهذه المدة الطويلة رغم ذلك فهي مسألة قابلة للنفي والاثبات ، ويدور بين الوجود واللاموجود ، وبين الحياة والوفاة وبين البقاء وبين الموت ، فقد يحتمل فيه الموت والحياة فهو إما من الأحياء أو من الأموات ، رجل بشر ولا نستطيع أن نجرده من البشرية ، فهو ولد لأب . وهو إنسان له أم وأب ونسب ومزاج وكل من له صلة به من قبل لم يعمر هذا العمر الطويل.

رغم ذلك وعلينا الاعتقاد ببقائه ووجوده وقد نشك بذلك أنه أدركه الموت أو أصابته المنية والآلام والعوارض، وهذا محتمل في حقه ، كما نحتمل الحياة نحتمل الوفاة ، نقول لهؤلاء : إن طول عمر الإنسان وقصره وحياته ووفاته وبقاءه وامتداد عمره مسألة لا يتحكم بها العلم والعقل، والإنسان نفسه لا يستطيع أن يدرك كم بعمر وكم يكون عمره ، وهل يستطيع العلم الحديث أن يضع تقديرا مضبوطا إن هذا المولود يعمر كذا، وهذا المولود يعمر كذا، وهذا المولود يعمر أطول من أخيه وأبيه لأنه كذا، وهذا يموت غدا وهذا يستمر في الحياة ، وهنا يطلقها القرآن وبصراحة بيده الموت والحياة ؛ ولذلك نجد البشر مختلفين واضحا في العمر، وحتي في المستويات الجسدية ، وحتي في الصور والهياكل، وحتي في الشمائل والألوان والسمات ،

ص: 62

وحتي في العقليات رغم الوراثة الواحدة والمحيط الواحد، فهذا قصير، وذاك أطول الناس في زمانه ومحيطه. وهذا عمر عمرا طويلا أطول من عمر أبيه وجده وأبوه أقل منه، وجده كان أطول عمرا ، ما هي الأسباب والعوامل ؟

الجواب : أمور خفية ، وهنا لا نستطيع الإجابة علي هذه الأسئلة وغيرها ، وحتي العلم وحتي المختبرات ، فإن المختبر لا يستطيع أن يحلل فسلجة هذا الفرد ليقدم له وصفة مضبوطة أن يعمر خمسين سنة وخمسة أشهر وخمسة أيام وخمس ساعات وخمس دقائق ، ثم تقف الأجهزة ؟ وهل ارتقت البشرية لهذا الحد في هذا اليوم لتتحكم بالأعمار والحياة والموت ؟ إنها أمور غيبية ، وهي بيده تعالي ، هو الذي خلق الحياة ، ولانعرف من الحياة إلا القليل (1) ، فالناس مختلفون وهم كذلك، وستبقي المجموعة البشرية مختلفة ومتفاوتة في أعمارها ولكن من هو أطول الناس عمرا ؟ ومن هو أقصر الناس عمرا ؟ ومن هو أطول الناس قامة ؟ ومن هو أقصر الناس قامة ؟ هذه وغيرها من الأسئلة ، فإن العقل لا يستطيع الخوض فيها ولا الوصول النتيجة .

نعم، هناك تنبؤات علمية وهي من باب الظن والاحتمال أن البشرية في السنين القادمة تقصر أعمارها لسبب أو غير سبب ،

ص: 63


1- « تَبَارَكَ الَّذِي بِيَدِهِ الْمُلْكُ وَهُوَ عَلَي كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ » الملك : 1.

أو لعوامل نفسية أو عوامل محيطية ، أما أن الأمم السالفة كانت أطول أعمارة ، فهي روايات و حكايات ، فهناك أقوال وحكايات وقصص أن الأوائل كانوا أطول أعمارا، وهذا ما ورد علي لسان علي عليه السلام وغيره . يقول : « دَارٌ بِالْبَلَاءِ مَحْفُوفَةٌ وَ بِالْغَدْرِ مَعْرُوفَةٌ؛ لَا تَدُومُ أَحْوَالُهَا وَ لَا يَسْلَمُ نُزَّالُهَا » في خطبته الشهيرة ، ولكن كيف كان القدماء في العصور السالفة أطول أعمارا وأكثر ديارا منا، ونحن صرنا بهذا العمر القصير كما ورد أعمار أمني بين الستين والسبعين (1) .

فالخلاصة : الأعمار من حيث الطول والقصر مسألة بيد خالق الإنسان والحيوان ، فقد يهب العمر المديد لهذا، وقد يحدد عمر هذا بمدة محدودة. وهذا ما نجده بين الأنبياء والأئمة عليهم السلام ، فهم مختلفون في الأعمار، ونحن إذا استبعدنا بقاء الإمام المهدي عليه السلام إلي هذا اليوم لأنه طال عمره (2) .

ص: 64


1- حديث نبوي مشهور.
2- وقد ألف العلماء في المعمرين الكتب الكثيرة ، ومسألة العمر ليست محدودة . انظر ۔ مثلا : كتاب المعمرون للسجستاني.

المعمرين القدماء في التاريخ

فإن عمره عليه السلام أقل من عمر من ذكرهم التاريخ من المعمرين ، فقد وردت سلسلة أسماء قد عمروا أكثر منه ، فإن عمره أقل من عمر نوح عليه السلام ، وهي مسألة رواها القرآن ، فإذا اعتبرنا ذلك مستبعدا ويتصادم مع العقل الحديث معناه أنا نعتبر رواية القرآن مسألة تتصادم مع العقل ، فعلينا إسقاطها والشك فيها . وإذا استبعدنا أن يعمر الإمام المهدي عليه اسللام هذا العمر الطويل معناه أنا نرفض ما نقله القرآن ، وأقل ما روي في عمر نوح عليه السلام ألف وثمانمائة سنة (1) ، ولم يمض علي الإمام المهدي عليه السلام هذا العمر لنشك به وبوجوده ونعتبره أمرا يتصادم مع العقل الحديث هذا ولم يمض عليه منذ ولادته إلي اليوم إلا ألف وذلك أقل بكثير من عمر نوح عليه السلام ، فأين التصادم ، وأين القضية اللاعقلية هنا، وأثار المشككون المتأخرون وفي عصرنا كثيرا من

ص: 65


1- هكذا ذكر في كتب التاريخ .

الأسئلة ، واشتد الحوار بين فريقين : بين قائلين بوجوده وإمامته ، وهم الذين يأملون ظهوره وقيامه بالأمر وبين الشاكين في ذلك ، وهم الذين برون قضية المهدي ليست قضية واقعية وليست لها حقيقة إسلامية .

وبدأ أحد المشككين بالسؤال التالي قائلا: أثبتوا لنا وجود الإمام الغائب بأدلة عقلية .

وقال الآخر : كيف يمكن بقاء هذا الإمام علي قيد الحياة رغم هذه الطوارئ ؟

وكيف يبقي علي قيد الحياة هذه المدة الطويلة ؟

وقال ثالث : ما ثمرة هذا الاعتزال والانطواء والتستر والخفاء ؟ وهل يحقق شيئا له وللآخرين ؟ وهل تطول هذه الغيبة ؟

وقال رابع : إن المهدي لقب وعنوان عام لكل من يدعو الآخرين ويهديهم ، فكيف تجعلونه لمحمد بن الحسن العسكري دون غيره ، ونري اسم المهدي يتردد عند غيرنا وهو يحمل الفكرة نفسها ، ويدعي الادعاء نفسه ، ويعتقد أنه إمام يظهر في زمان معين ليحقق العدالة في الأرض وتسعد البشرية بقيامه ؟

إذا فكرة المهدي ليست هي للمسلمين وإنما يقول بها غيرنا ، وهي فكرة قديمة كانت قبل الإسلام وعند غيرنا من الملل ، إذا كيف أصبح المهدي هو ابن الحسن العسكري ومن ذرية فاطمة عليهما السلام ، وآخرون يرون أنه المسيح، وآخرون يرون أنه موسي ، وآخرون ... واشتد الحوار والجدل بين الفريقين ؛ بين المتيقنين وبين الشاكين النافين له

ص: 66

ولوجوده والقائلين باستبعاد بقائه ،وهم الذين يرون فكرة المهدي أسطورة لا واقع لها وليست حقيقة إسلامية ، ثم تطور الجدل إلي اتهامات وشتائم ، وقرأنا فصولا جديدة وصفحات مختلفة وظهرت مؤلفات ونشرات وبيانات ودفاع من هذا الجانب ونفي هذا وذاك .

ولا يزال الحوار واتسع الجدال ، وكلا الطرفين موجودان وعندنا وفي البلاد الإسلامية ومع الأسف أن كلا الفريقين لم يفهم قضية الإمام المهدي عليه السلام فهما مقبولا ، ولم يدركها علي واقعها، ولم يتعمق بها ليدرك جذورها وواقعها الإسلامي. وقضية الإمام المهدي عليه السلام قضية جوهرية من واقع الإسلام ، ومن لم يؤمن بعالم يؤمن بالإسلام بكامله ، ولم يع الإسلام حق وعيه وهي تحتاج لدرجة من الإيمان ثابتة لا تتغير .

كان هذا اللقاء هو اللقاء الثالث بين الفريق الأول والثاني .

ص: 67

اللقاء الرابع

مرحلة جديدة من الحوار:

وبدأنا مرحلة جديدة من الحوار وبلغة أكثر صراحة ووضوحا ، ودخلنا في صلب الموضوع، وقاربنا مرحلة من مراحل اليقين . الإمام إمام علي الأمة وللأمة ، وإنما خلق ونصب ليقود الأمة وينفع الأمة ويسوسها وليس هو إماما علي نفسه ، ومن أجل نفسه وذاته ، هكذا قال هذا الشاك ، قلت : هذا صحيح وهو الصواب ، إذن ما الفائدة به اليوم لهذه الأمة والأمة ما أحوجها إليه ؟

وما هي ثمرة هذا الإمام الغائب وهو لم يقدم نفعا لأي فرد من أفراد الأمة ولم تصدر منه فتوي ولا إرشاد لها ولا قضاء ولا عطاء فكري ؟ إمام مستور مختفي ولم يره أحد اليوم، خصوصا في عصرنا ، ولا ينتفع به أحد من المسلمين ، وحتي البشر جميعا هذا ما قيل ويقال . وما صدر وما سمعناه من الآخرين ؛ فقد قال ابن تيمية في

ص: 68

محكي منهاج السنة : « مهدي الرافضة لا خير فيه ؛ إذ لانفع ديني ولا دنيوي لغيبته ».

وكثرت موجات من الشك ، وهناك لغة معينة للمشككين تختلف عن غيرها بمدلولها ، فقال هؤلاء المشككون فيه : كيف التأكد من حياته اليوم وعدم وفاته ، وما يدرينا أن الموت أدركه فهو بين الحياة والوفاة.

وكيف نعلم بظهوره إذا صح وجوده وبقاء حياته إلي يومنا هذا وإلي غد لتدركه أحفادنا ، فكيف نعلم زمانه ومكان ظهوره ؟ وهل تدرك الأمة سنة ظهوره أو الشهر أو اليوم أو ساعة خروجه ؟ وكل ذلك غير مقطوع به ، ولم نعلم بظهوره ليؤدي مهمته وينشر رسالته المقدسة في الدنيا.

والسؤال الذي يدور في ذهن المشككين وحتي في ذهن المعتقدين به : هل له مكان معلوم ؟ وقطعا ليس له مكان معلوم ، وأما رواية أنه يكون عليه السلام في جزيرة خضراء أو في جبل قاف أو في ... إنما هي حكايات وقصص ، فقد تكون حكاية صادقة أو هي تحتمل الصدق أو الكذب ، ويتردد السؤال الجديد : أين يكون الإمام المهدي عليه السلام في غالب الأوقات ؟

والجواب : لا نستطيع القول ولم نحط بذلك خبرا ، كيف الوصول إلي ساحة اليقين وكيف الإذعان والاعتقاد بوجوده والانتظار لظهوره، كيف الوصول إلي ذلك والطريق طويل ؟ وكيف نقطع المسافة ونحن

ص: 69

الآن عند باب الشك وفي الطريق أشواك وعقبات ورواسب وموروثات تحدرت إلينا وعشناها زمنا طويلا ؟!

ونحن في باب الشك ، وهل يغلق ثم نسير وندخل باب اليقين وبعده الإيمان والاعتقاد بهذه الضرورة الشرعية السياسية التي تضمن للأمة قوتها وبقاءها بين الأمم، وهي الأمة المرحومة أمة شرف أشرف الرسل ولا بد لها من حياة في كل عصر وزمان ؟ هكذا شاء الخالق تعالي وبقيت القيادة إلي عصرنا هذا وهي باقية إلي العصور المقبلة طال الزمن وتوالت الأيام أو غرقنا في الأحلام والكوارث والأزمات ...

وانتقلنا إلي حديث ذي أهمية وهو سبب من أسباب الشك في قضية الإمام المهدي ، وهو العلاقة بين الخضر عليه السلام والإمام المهدي ، فهذا لهو علاقة بهذا في الوجود والبقاء والاستمرار وطول العمر .

قيل : ما هذا الربط بين القضيتين ، بينه وبين الخضر، وهو قضية ولدت في العصور السالفة ، وكيف ولدت، وكيف نمت ، وكيف وصلت إلينا ؟

كل ذلك يحتاج إلي بيان ودراسة بعقلية جديدة ، هذا ما نجده في عشرات من الكتب القديمة والحديثة ، وبه استدل علي بقائه وطول عمره وامتداد حياته ، وقلنا وقالوا ونقول لهؤلاء ماذا يقصدون بالخضر ، من هو ؟ وهل هو شخصية حقيقية ، ومن هو أبوه ، وما هو مستواه الديني ، أهو نبي ، أم وليمن الأولياء ، أو وصي من الأوصياء ، أو عابد من العباد ؟ متي عاش وأين ؟ وهل هو إسرائيلي أم نبطي

ص: 70

أم فارسي أم مصري ؟ وأين هو ؟ وهل ورد ذكره في التوراة أو في الإنجيل أو في القرآن ؟ ولم يرد هذا الاسم نصا في القرآن الكريم ، هذا هو القرآن بين يديك ، دلني علي هذا الاسم (الخضر ) في أي سورة ، وهل هو اسم له أو صفة جسدية ؟ وهل هو أعلم من موسي أو بالعكس ، وهل عاش بعد موسي ، ولماذا القول ببقاء حياته وطول عمره ، أهو وحده أم هناك شخصية أخري أعطيت هذا البقاء أهو نبي ، وما هي شريعته وكتابه ورسالته وحياته ؟ كل ذلك نجهله، وحتي لو قلنا بصحة ذلك وليس علي الله بعظيم فلا يتوقف القول ببقاء الإمام المهدي عليه السلام وطول عمره بهذه القضية ولا تصلح دليلا مقبولا في المنطق والجدل، هو إمام وهو معجزة بقدرة الله وإشاء ته ، وعقيدتنا به عقيدتنا بآبائه وأجداده عليهم السلام (1)

ص: 71


1- ومصادرنا في قضية الإمام المهدي عليه السلام كثيرة وكثيرة ، وهي علي أقسام ثلاثة : القسم الأول : وهو مصادر العامة ، والثاني مصادر الإمامية ، والثالث مصادر من ديانات أخري ، وهناك نوع رابع من المصادر تحدثت عن القضايا الاجتماعية المستقبلية وحتي الكتب الاقتصادية التي تتحدث عن الاقتصاد قبيل الإمام المهدي عليه السلام وأن الاقتصاد العالمي يضطرب وأن الزراعة تقل قرأنا ذلك في كتب متعددة سنقدم لك قوائم بأسمائها في البحوث الآتية .

عقيدتنا بالإمام المهدي عليه السلام جذورها وأسسها

ليست وراثة عن الآباء والأجداد وعن الأمهات والجدات ، أو هي قضية خلقها القصاصون في الليالي المقمرة ، أو هي قضية خلقتها الظروف السالفة كما يذهب لذلك من لاعلم له ولا دراية بعقائد الشعوب والأمم (1) ولا فهم له بعقائد الآخرين ، وحتي بما يعتقده هو العقيدة السطحية التقليدية العشوائية التي ولد في أحضانها ونما وأخذها ولا يدري لماذا هو معتقد بهذا دون هذا، أما نحن فلا تقليد عندنا في العقائد مطلقا، وعقائدنا واضحة كوضوح الشمس ، ولا هي قضية اجتماعية من خلق واختلاق المجتمعات وصناعة الأحداث كما يزعمون ، ولا هي وليدة حوادث سياسية كما ذهب لذلك من ارتكب الخطأ وتجرأ وتطفل ثم اعتذر.

ص: 72


1- راجع المهدي والمهدوية لأحمد أمين . والردود عليه من قبل الشيخ محمد أمين زين الدين .

فقد كتب ولا يدري ماذا كتب ، وأخطأ في ما قال ثم اعتذر، عقيدتنا في الإمام المهدي عليه السلام مذكورة في كتب العقائد القديمة والحديثة وكتب الكلام والجدل والعقائديون المدافعون واعتمادهم علي الأحاديث الواردة عن الأئمة المشهور بصدقهم واستقامتهم وأفكارهم ومعرفتهم وإحاطتهم بالشريعة لامتدادهم واتصالهم بالرسول صلي الله عليه واله ، وعقيدتنا واضحة غير خفية لسنا من الباطنيين ولا من الذين يسترون ويخفون الأمور عن الآخرين ، هذه عقيدتنا مذكورة في كتب العقائد ( الصدوق والعلامة الحلي ) وفي كتب أصول الشريعة وعقائدالإمامية ،راجع (1).

هذا هو المنقول عنه بالإجماع وافتري سامحه الله وقضيتنا في المهدي قديمة منذ عصر الرسالة ولدت في العصر الأول الإسلامي وبقيت متسالم عليها من الأجداد إلي الأحفاد، لاكما يزعم من وقع في الشبهات . لا هذا ولا ذاك ولا هي متوقفة علي النصوص ، أو أخبار الآحاد إنها عقيدة قائمة غرسها الرسول ونشرها ومهد لها وبشر بها إنها غنية عن الأحاديث ، فإذا شككنا في الأحاديث أو ربطنا بينها وبين الروايات فإذا هدمنا الرواية هدمنا العقيدة بكاملها ، ولا هي مسألة أحلام ورؤيا في المنام وحكايات في الزوايا .

إن العقائد الصحيحة لا تبني علي الأحلام وحكايات القدماء،

ص: 73


1- الشيخ الأستاذ محمدرضا المظفر في كتاب العقائد.

كما زعم بعض من كتب في ذلك وقال ما قال لا شاهد ولا مبرر لما ذهب إليه (1) ، ولا هي قضية تقومها الخيالات والأوهام والقصص التي تحكي عن هذا وذاك عمن رأه في الطريق البري بصورة أعرابي أو سمع به أو تمني رؤيته أو احتمل هذا هو أو ذاك الذي مر عليه وظنه هو هذه كلها قضايا جانبية هامشية متأخرة لا ثمن لها ولا تثبت ولا يعتمد عليها في الحوار والجدل والاستدلال (2).

وقضية الإمام المهدي إنما هي قضية الإمامة والإمام جزء من الإمامة ، وهي الإمامة الباقية وهي فرع من النبوة ، فمن آمن بالأصل آمن بالفرع، ومن آمن بالأول آمن بما تفرع عنه ، ومن آمن بالمتبوع فالتابع هو المقصود، ومن آمن بالنبوة ولكل نبي وصي وخلف ، والإمامة لا تنفصل عن النبوة ، وبقاء النبوة بقاء الإمامة في الأرض ، والإمامة وعددها وحدة متكاملة وسلسلة لا تتجزأ ولا يمكن أن نؤمن ببعض ولا نؤمن بالبعض الآخر، فهذا تابع للسابق واللاحق لا ينفصل عمن تقدم عليه ، فكما أن محمدا له صلة بالسابقين عليه ولم ينفصل عمن تقدمه من الأنبياء ، وكذلك القرآن كتاب لم ينفصل عن الكتب الأخري فكرا وأفكارا وهو وحدة متكاملة في سوره وفصوله وآياته ،

ص: 74


1- راجع العقيدة والإسلام لعلي الوردي.
2- وقضية المهدي عليه السلام غير مقصورة علي هذه الحكايات والرؤي وحكاية المتأخرين في الطرق العامة والفلوات .

وكذلك الإسلام وحدة متكاملة في أصوله وفروعه ، وكذلك التوحيد وحدة متكاملة ، والحشر والمعاد وحدة متكاملة لا يمكن أن نؤمن بالنار والعذاب ولا نؤمن بالجنة ، أو نؤمن بالصراط ولا نؤمن بغيره ، كلها حق يجب الإيمان بها والاعتراف بها ، فكيف نؤمن بعلي عليه السلام إماما ولا نؤمن بمن بعده ؟ ! فهي إمامة واحدة ، وقضية واحدة، آمنا بها وأخذنا بها . ربنا إنا آمنا برسولك ، وهو الذي أرشدنا إلي هذا الإمام الحق وإن غاب عن أعيننا ، ولم يغب عنا، وهو معنا في كل آن ، وقضية المهدي عليه السلام قضية دينية منطقية يساندها العقل والنقل والتبشير بها من قبل، وليست هي قضية تخص الشيعة دون غيرهم من فرق المسلمين ، أو جاءت مذكورة في كتب الإمامية دون كتب المسلمين الأخري، هي أكبر من ذلك وأوسع من ذلك، ذكرت في كتب المسلمين ، وهي ليست قضية تتوقف علي هذه الكتب التي ألفت في العصور المتأخرة ، أو هي مبنية علي هذه النصوص الكثيرة المتواترة ، بل هي كمال الإمامة وخاتم الإمامة ، وهي نهاية مرحلة تمر بها الأمة وتجتازها في دنياها ؛ لأن الأمة لا تزال في مرحلة الانتقال منذ فجر الإسلام ومنذ ولادة هذه الأمة وتطورها وظهورها، ولها مستقبل مشرق سوف يتحقق عند ظهوره ، هذا الإماموقيامه بالأمر وهو الذي يدير شؤون هذه الأمة إنه قول حق ولا بد منه .

ص: 75

عود علي بدء

ونبدأ بالحديث بعد هذه الرحلة التي أخذت منا الوقت ولعلنا تصورنا شيئا من مقدمات التصديق ، والتصور خطوة واسعة نحو التصديق وهو بداية إلي المسيرة والوصول إلي التصديق ، ولعل الله يفتح علينا بابا من أبواب الهداية وقضية المهدي عليه السلام ليست قضية نصوص وردت في هذا الكتاب أو ذاك الكتاب صحيحة رواها الثقات ويجب التعبد بها وعندها نأخذ بها ولا مجال للعقل. أوليست قابلة للتعليل ، أوليست هي مسألة تعبديات يجب الانصياع والامتثال لها دون أي سؤال عنها والوقوف عندها، أو هي رواية موثوق بها ولا يمكن طرحها فيأخذ بها ويعمل بها شأنها شأن الأمور الأخري في الأحكام تثبتها الروايات ، أو هي مسألة قديمة أو فكرة ورثناها من أمهاتنا وجداتنا تقليدا وغرست في نفوسنا وكل موروث مقدس وغلغلوا في أذهاننا وقالوا لنا : أيها الأبناء إن لكم إماما اسمه المهدي سوف يظهر في آخر الزمان وآمنا به اعتمادا علي وصية الآباء

ص: 76

والأجداد ، حيث أوصونا وأخذنا بوصيتهم ونقلت إلينا أفكارهم من الأجداد والآباء ، أي الأبناء آمنوا وصدقوا وارتقبوا وانتظروا ولا تسألوا عن ذلك قدآمنا قبلكم واعتقدنا به ، فخذوا عنا واسمعوا أقوالنا ولا تسألوا لماذا ، وإذا سألتم فالجواب لانعلم عن ذلك شيئا ؟!

تعالي الله إن ذلك هو الذي هدمه وأزاله الإسلام في حربه وجهاده وتحريره للأفكار والعبادات القديمة والتقليد العشوائي الموروث ، فإذا أخطأ الآباء أو جمدت أفكارهم وتحجرت أذهانهم أو كانوا متخلفين فالتطور والانفتاح علي الحياة ، والتعليل، وإعمال الفكر، والتفكير، ما جاءت به الشريعة ، وهذا القرآن بين أيدينا فيه عشرات من الآيات تدعو إلي الرجوع إلي العقل والقضايا العقلية . في القرآن هي أكثر القضايا وأهمها ، فالقرآن دعا إلي التعقل والتدبير في كل قضية من قضايا الحياة .

إن قضية المهدي عليه السلام قضية دينية روحية عقلية سياسية ، وهي في صلب العقيدة الدينية ، ولكن تتوقف علي الوعي والإدراك ، من وعاها وعرف أبعادها آمن بها واطمئن لها، وليست قضية المهدي عليه السلام قضية إخبار وهو خاضع للكذب والصدق والتكذيب والتصديق ، واحتمال الصدق والكذب أو الإيمان معتمدا علي السماع والنقل؛ لأن القدماء أو من كان قبلنا من الأجيال قالوا بذلك وآمنوا به ، ونحن صدقناهم بما قالوا وأخذوا به أو الإيمان به لأنه جزء من تراثنا المتحدر عن السلف الذين سبقونا ، فأخذنا وسرنا علي نهجهم حيث أخذ به الآباء

ص: 77

والأجداد، وما يدرينا أنهم علي خطأ أو صواب ، أو قضية تخض حياتهم وشؤونهم العامة ، فهم يختلفون عنا كثيرا ، لا هذا وذاك ، إنها قضية دينية حقيقية ، والعقل المستقيم هو الحاكم، والحكم والعقل يتخذ منها مسارا ومسرحا واسعا، وهي قضية قابلة للتعليل لأن لها أبعادا كثيرة وكثيرة ، ولها بداية وجذور، ولها آفاق لاتدركها الأمة ؛ لأنها تعيش الرواسب ، وقد غرقت في رواسبها ولا بد لمن يريد أن يحكم عقله أن ينزع الثوب العتيق وينطلق في ميدان التعليل والتحكيم والموضوعية ، قل الحق ولو علي نفسك ، قل خيرا بعد أن تدرك الخير ، واهضم ما تعتقد به وتؤمن به ، وتعلم به وقد طبع في عقلك ، فالمعلوم والمعتقد إذا لم يكن من المعقولات وبوحي من العقل الباطن فإن الحياة سوف تذوب كل معتقد موروث لا يساير التطور السريع ولا يخدم هذا الإنسان في مسيرته في دنيا التفاعلات الحضارية ، وقولنا بالإمام وحاجتنا إليه وخروجه وبروزه وظهوره علي مسرح الكفاح ومواجهة الدنيا مسألة ضرورية فيها ألف وألف مصلحة ، له ولنا، ولا بد في خروجه ومواجهة المشكلات التي تحدث في المستقبل ، وقضية المهدي عليه السلام من القضايا المستقبلية (1)، فقد تسأل :

ص: 78


1- وقد قام عليها إجماع المسلمين ، فقد ذكرتها أمهات المصادر ، مثل : صحيح البخاري ، سنن أبي داود، وصحيح مسلم ، وسنن ابن ماجة ، ومسند أحمد بن حنبل ،والمستدرك للحاكم ، و تاريخ بغداد ، والاستيعاب لابن عبدربه ، و تاريخ ابن عساكر ، وتذكرة ابن الجوزي .

من أجل ماذا ؟ هل هو من أجل نفسه ، أو من أجل آبائه الذين ظلموا وحرموا وأخذت حقوقهم فيسترجع ما سلب منهم ، أو من أجل الحق والعدل وتطهير الأرض من الظلم والتسلط من أجل ماذا ؛ أو قل هو يكتف الحياة ويطور الدنيا إلي الأفضل من أجل هذه الأمة التي تعثرت في مسيرتها وفقدت المقومات التي سببت انحسارها وابتعادها ووصلت إلي مرحلة الاحتضار، وحكم عليها فكرية في عصرنا بالتأخر والركود فقالوا وكتبوا عن أسباب تأخر هذه الأمة.

والسؤال الذي يطرح بين هذه السطور إذا : إذا خرج هذا المصلح الكبير والأكبر كيف يجد هذه الأمة بعد آلاف من السنين القادمة ؟ هل يجدها كما هي أو كما يريد من حيث المستوي الاجتماعي والخلقي والعقائدي ، ومن حيث القوة والاستعداد والوحدة والاتحاد ، أو يجدها تعيش الضعف والتمزق والتفكك والتحلل والانهزامية والانحدار والفشل والتسلط عليها فقدت لغتها وفقدت أفكارها وماتت أبسط المحركات والدوافع بجسدها وروحها تعيش الانقسامات ، فقدت النور وتعيش في الظلام مغلوب علي أمرها ، ثم يأتي ويحاول أن يلملم صفوفها ويعيد الحياة لها يجدها جسدا بلا روح، جسدا بلا حركة عطلت أمورها ، ولعل الحديث المشهور الذي يتردد علي الألسن « لا يبقي من الإسلام إلا اسمه ، ومن القرآن إلا رسمه » (1)

ص: 79


1- حديث ذكر في أخبار الإمام المهدي عليه السلام في مرحلة ما قبل الظهور .

و « يعود الإسلام غريبا كما بدأ غريبا » ، وهذه الأمة هي الغريبة الوحيدة في دنيا الأمم الراقية المتطورة ، وإذا جاء وظهر راح يرمم ويبني ويبعثها من جديد ، ودوره دور من وجد أطلالا خاوية بالية ، أو شجرة ميتة يريد أن يبعث فيها الحياة مرة أخري ، إنها عملية صعبة تأخذ الوقت منه .

والسؤال الثاني ينصر الأمة من عدوها ينتصر لها أو ينتصر بها علي عدوها إذا وجدها قد أعدت نفسها إعداد فكريا وسياسيا ، فكيف إذا تكون هذه الأمة في المستقبل ؟ أو كيف يجب أن تكون هذه الأمة ؟

وما هو دور القياديين الملتزمين الواعين في هذه الأمة قبل قدوم الإمام وظهوره ؟ وهل تدرب نفسها لتكن جندا تنتظر قدوم القائد الدال الذي يأخذ بها إلي طريق النجاح والسعادة ؟ فما هو دور العلماء في هذه الفترة ؟ وما هو دور المفكرين من أبناء هذه الأمة ؟ هل السكوت والإهمال والاعتزال ويبقي هذا وذاك يأكل ويشرب في ترف وعافية ، أو هناك تكليف آخر، فما هو ذلك التكليف ؟ هذه مسألة لو سئلنا عنها في هذا العصر لا نجد جوابا شافيا مقبولا ، أو صراحة في الجواب ، لماذا ؟ تعال معي لتقرأ ما كتب في كتابات الفقهاء في هذا العصر، يا ضيعة الأمة بين هذا وذاك ، سببا للمخاوف الوهمية والاشباح المخيفة ، فأين من لا تأخذه في الله لومة لائم ، وأين من يقول الحق ، وأين من ينظر النظرة البعيدة إلي الزمن المستقبل ، وهل السكوت هو الدواء الشافي والعلاج الواقي ؟!

ص: 80

وبقيت الأمة تعيش الانهزامية والانطوائية والسكوت ومن المسؤول عن ضيعتها بين عقليتين عقلية الانفتاح والانطوائية والانغلاق بين الآباء والأبناء بين القديم وبين الحديث الذي يقول ويسأل: لماذا وماذا وكيف ؟ ويسأل الأبناء : هل هناك إمام منتظر يقود الأمة إلي الخير ويحقق آمالها ، من هو ؟ ولماذا لم تبادر هذه الأمة المهددة ؟ ولماذا الانتظار ؟ وهل هو يحقق للأمة بقاءها ، ومتي وكيف ؟ وهذا الرجاء والأمل قد ذاب وقتله الانتظار، ومتي يكون ذلك ، أهو بعيد أم قريب ؟ متي يكون ذلك وبين الآباء والأبناء فجوة واختلاف والقضية بين عقليتين ؟ وهل هي مسألة دينية لها واقعها وأدلتها ووجودها يجب التسليم بها والصبر والسكوت والبقاء هو التكليف ؟ إنها مسألة غريبة والتحدث عن هذه المسألة وعلي واقعها يدعوني أن أتحدث عن حادثة بدأت وبحوار شديد (1).

وبدأ الحديث عن طموح الإنسان المسلم إلي دولة إسلامية عالمية كريمة وعصر إسلامي مشرق تسوده العدالة ، وإنه يتحقق ذلك بعد ظهور رجل الإصلاح والعدالة ، وهو ذلك الإمام المنتظر المهدي رائد الإصلاح في هذا العالم الفاسد، هو الذي ترتقبه الأمة وبشرت به

ص: 81


1- تعال واقرأ المصادر المأخوذ بها التي تحدثت عن الإمام المهدي عليه السلام تذكرة ابن الجوزي ، كفاية الطالب للكنجي ، الفصول المهمة للمالكي ، مطالب السؤول لابن طلحة ، منتخب كنز العمال للمتقي الهندي ، نور الأبصار للشبلنجي ، الكشاف للزمخشري ، ينابيع المودة للقندوزي .

الحضارة الإسلامية من قبل ، وبدأ الكلام وطال و تحداني أحد المثقفين كما يدعي علي سبيل الدعابة المسمومة المعجونة بالسخرية بأن الشيعة تعتقد بظهور إمام في آخر الزمان وهو الإمام الغائب ، وإنه سيظهر وينشر الإسلام فيالأرض ، واستمر قائلا وهل ذلك من الإسلام إنها مسألة ليس لها واقع إسلامي ، فهي من أفكاركم ومن تلحينكم وإخراجكم ، قاله آباؤكم وأخذتموه عنهم ، وليس لها نصيب من الكتاب والسنة ، وحيث لامستند له من كتاب الله والستة فهو مستحدث ومبتدع ولا يؤخذ به ، وعلينا أن نحاربه ، وإذا أخذتم به فما هو دليلكم ، وكيف آمنتم به ؟ وطال الحديث والجدل ولم نصل إلي نتيجة .

واشتد الحوار وطال الحديث وكأن القول بظهور هذا الإمام المصلح المرتقب حفيد الرسول له من آل محمد مهدي هذه الأمة مسألة مستحدثة من المسائل الغريبة ، وكأنها ولدت في أيامنا هذه ولم يعلم بها الآباء والأجداد من قبل ، أو إنها مستوردة من خارج الحضارة العربية الإسلامية وكأنها لم تكن من قبل ولا يدعمها دليل مقبول ، أو ترددت علي ألسنة أبناء هذا الجيل ولم تكن قد ترددت علي ألسنة السلف الصالح من المسلمين المؤمنين في عصر الصحابة والتابعين ، وفي العصور الإسلامية اللاحقة وكأنها مسألة مأخوذة من الزوايا المظلمة والتكايا خلقتها عقلية الدروشة أو كأنها عند العقلية الجديدة المتباعدة عن واقع الإسلام فهما ووعيا وتطبيقا وعملا كما هي، وهي كذلك متباعدة عن واقع الإسلام وعدم الإحاطة به وليس لها

ص: 82

دراية وتحليل وتدقيق بما في الإسلام من أفكار وأبعاد وكلها منطقة صفق هؤلاء الأبناء أنها مسألة بنت اليوم أو مختلفة ، اختلقها جيل من الأجيال نتيجة لإزمات وظروف خاصة عاشها الشيعة كما يدعون ، فهي مخلوقة لهم لم يقل غيرهم بها ، وكأنها ليس من جوهر الإسلام أو فكرة إسلامية أصيلة ، وكأنها مسألة تخص الشيعة أو بعضا منهم، أوليس هي مسألة متمركزة في نفوس المؤمنين من المسلمين منذ أقدم العصور، وبشرت بها الأخبار الواردة ، وهي كذلك ، فنجد مسألة هذا الإمام قد وردت في التاريخ الإسلامي وفي أخبار آل البيت وأحاديثهم كثيرة وفي مجالسهم واحتجاجاتهم ، وكتب عنها علماء المسلمين عامة وعلماء الإمامية خاصة الذين عاشوا في الزمن القريب لعصر الإمامة ، وبينهم وبين الإمام سنوات معدودة حتي أطلق علي أتباع آل البيت عليهم السلام منذ القدم ( المنتظرة )، وهم الذين يعتقدون بإمام منتظر يظهر في الدنيا لإصلاحها ، ولذلك ورد عنهم عليهم السلام الأمر بالانتظار (1)

ص: 83


1- نحن الفرقة المنتظرة ، وهي بانتظار الفرج ، ولا ندري أقريب أم بعيد، وفي ذلك وردت أخبار أمرت بذلك ، وهذه الأخبار يأخذ بها أتباع آل البيت عليهم السلام ، حيث أدركوا واقعها وآمنوا بصحة صدورها عن ورثة الشريعة وحملة الفكر الصحيح الأصيل لهذه الشريعة المقدسة ومؤداها الدعوة إلي الصبر والاصطبار والانتظار، وهو ضرب من ضروب العبادة ، وتحمل الأذي في جنب الله ، ومن أجل الله إن الله مع الصابرين فأخذوا بها لأنها أخبار متواترة صادرة عن آل البيت عليهم السلام وبشرت بالفرج .

وبدأ الحديث مرة أخري وبلغة جديدة ، لغة إسلامية مهذبة واحترام الآراء ، مما دعا إليه الإسلام وأن القول بظهور الإمام مهدي آل محمد صلي الله عليه واله إنها مسألة إسلامية من واقع الإسلام ومن جوهر الفكر الإسلامي ومؤداها وهو موضوع الحديث والحوار أنها قضية تبشر بانتصار الإسلام في الأرض وتملأ هذه الأمة بالعزم والعزيمة والقوة والطموح وبناء المستقبل وتبشر ببقاء الإسلام في الأرض وأن النصر والانتصار والسيادة له في دنيا العقائد والديانات ، وغده أفضل من يومه وأمسه ، ولا يزال الإسلام منذ فجره يعيش معركة فكرية يعيش في صراع دائم مع عقليات متخلفة ، ومع قوي الشر في الأرض وإلي الآن لم يحقق نصرا ولم ينتصر علي خصومه في الأرض، فمتي يكون هذا النصر والانتصار والسيادة والقرآن هو الذي بشر رسوله بذلك في سورة الأنفال وغيرها من السور القرآنية ... وهو القائل لرسوله المصطفي صلي الله عليه وسلم : « وَلَسَوْفَ يُعْطِيكَ رَبُّكَ فَتَرْضَيٰ » (1) ، وهو الذي بشره بانتشار، هذا الدين في الأرض تطييبا لخاطره ، متي يكون هذا النصر وهذه السيادة في هذه الحياة لصوت الإسلام ولا بد أن ينتصر في الأرض ويتحقق ذلك في ظهور هذا القائد حفيد المصطفي الذي يحمل أسرار جده وما عنده لا يوجد عند غيره عند ظهور هذا القائد أو استلام هذا الإمام القيادة سوف يقود الأمة ويتحقق النصر وتستعيد

ص: 84


1- الضحي: 5.

هذه الأمة ما فقدت وما سلبت من كرامة وقيم ، وزمانه زمان الخير ، زمان العدل والعدالة والراحة والعافية ، وهو صاحب العصر والزمان ، وبذلك يلقب ؛ لأن زمانه زمان الراحة النفسية والطمأنينة والأمن والأمان في حياة هذا الإنسان المعذب في دنيا العنف والقوة والظلام والاجحاف ، ولا بد من ذلك ، وهذه اللابدية من أمهات العدل والعدالة التي يدعو لها الإسلام، وأمر المسلمين بالاعتقاد بها تأمين عدالة الله ، وكيف الإيمان بها والظالم يصول ويجول يفعل ما يريد ، لا بد من تحقيق العدل والعدالة الإلهية في الأرض، ولا بد من الانتصار، ولا بد من أن ترتقي عقلية هذا الإنسان ليفهم هذه القضية علي واقعها وفلسفتها وما وراءها وإن كان يعيش الجهل والتخلف في هذا العصر صبرا واحتسابا وقهرا وتقيدا وألما، ولا بد أن يعقب هذا التخلف وهذا الركود تفتح في عقلية هذا الإنسان ولا بد من أمن وأمان بعد الخوف والشدة ، ولابد بعد الشدة من فرج ، وقد قيل بعد كل شدة فرج ( الفرج بعد الشدة)، ولابد بعد الحرب سلم وبعد ذلك يتذوق هذا الإنسان طعم العدالة الإلهية في الأرض بعد المرور والاجتياز ، وبعد الإعداد والاستعداد والقيام بثورة فكرية عارمة بقيادة إمام العصر مهدي آل البيت عليهم السلام ، تطهر الأرض من الشذاذ، وبعد هذا الانتصارللمظلومين وبعد القضاء علي جبابرة الأرض ليدرك المستضعفون أن هناك قوة إلهية هي التي تمد الدعاة إليها بالنصر والانتصار، وهي التي تمهل الظالمين لعلهم يتحسسوا ويتراجعوا ،

ص: 85

وأن هناك عدالة في الحياة ، ويتم ذلك علي يد القائد العلوي محمد ، سمي محمد، شبيه محمد، إنه الإمام الذي سوف يطهر الأرض من الجرائم، وعندها يستقر هذا الإنسان المعذب في دنيا الحكم والاستبداد والسلطة والسلطان ليعيش بأمان . استمع لهذا الحديث الإسلامي :

« يملأ الأرض قسطا وعدلا كما ملئت ظلما وجورا » (1).

« يرضي بخلافته أهل السماء والأرض والطير في الجو ».

وفي كثير من الأخبار الإسلامية تتردد عبارة يملأ الأرض قسطا، ماذا يراد بهذا الامتلاء وهو ذلك الامتلاء المرتقب الذي تشهده الأرض ويمر علي الإنسانية في حياتها ومن خلال هذه الأحاديث تدرك أن هذا الامتلاء تشهده هذه الأرض ، أو هذه المجموعة الإنسانية مرتين ؛ واحدة بعد الأخري :

تمتلئ الأرض جورا .

تمتلئ الأرض عدلا.

فهل تحقق ذلك ومتي ؟

وكأنها مسألة حتمية لا بد من وقوعها وحدوثها بإرادة لاتدرك ، وكان الأولي علة مهيئة للثانية .

إذا التساؤل : كيف يكون ذلك ؟ وما هي أسباب هذا الامتلاء الأول

ص: 86


1- ذكرته كل الكتب الإسلامية من الطرفين .

لتحقق الامتلاء الثاني في هذه الأرض، وكيف تملأ مرتين متتاليتين ، وكأن العدل الذي وعد به هذا الإنسان في الأرض لا يتحقق في الأرض إلا بعد انتشار الظلم في الدنيا وكيف نتصور ذلك : إن الظلم الشمولي يخلق العدل الجماعي في هذه الدنيا ! علي يد ذلك المصلح القادم، والإمام المرتقب في زمان مجهول في غيبة الدهر ومطاوي الوجود !

وفي رواية علي التي يذكرها ابن طاووس في الملاحم والفتن عن الأصبغ بن نباتة ، قال : أتيت أمير المؤمنين فوجدته متفكرا بنكت في الأرض ، فقلت : ما لي أراك متفكرا ، أرغبة في الأرض أم رهبة منها ؟

قال : « لا والله ، ما رغبت فيها قط، ولكن في مولود يكون وهو الحادي عشر من ولدي ، هو المهدي ، يملأها قسطا وعدلا كما ملئت جورا وظلما وحيرة وغيبة يضل فيها قوم ويهتدي فيها آخرون » هذا حديث من ألف حديث يبشر بهذا الإمام.

ويتردد اسم هذا المصلح علي ألسن العقائدين من المسلمين ، ويكثر وروده في الأخبار والأحاديث الإسلامية التي تبشر بقيام ذلك الإمام المنتظر في عصر وزمان يأتي فيه ، وهو الذي يأتي بالدعوة للإسلام وينشر أحكام جده بقيام دولة الإمام المهدي عليه السلام ، وهي الدولة التي تنعم فيها البشرية في الأرض بعد أن ذاقت آلام الظلم هم وآباؤهم من قبل ، وهذا حديث آخر يبشر بهذا الإمام : في حديث النبي صلي الله عليه واله عن أبي سعيد الخدري ، قال :

« تنعم أنتي في زمن المهدي نعمة لم ينعموا مثلها قط ، ترسل السماء

ص: 87

عليهم مدرارا ، ولا تدع الأرض شيئا من النباتات إلا أخرجته ، والمال كدوس يقوم الرجل فيقول يا مهدي : اعطيني ، فيقول : خذ » (1).

أما الرجل المسلم العقائدي في دولة الإمام المهدي عليه السلام ، وهو كما صوره علي في حديثه ، قال عليه السلام :

« يبايعون علي أن لا يسرقوا ، ولا يزنوا ، ولا يقتلوا ، ولا يهتكوا حريما محرما ، ولا يسبوا مسلما ، ولا يهجموا منزلا ، ولا يضربوا أحدا » (2).

وزمان المهدي عليه السلام هو زمن القوة والعدالة والخير في الأرض ، وهذا ما جاءت به الأخبار الإسلامية ، فقد بشر الرسول صلي الله عليه واله في كثير من الأحاديث وصوره في أكثر من مقام .

« يستخرج الكنوز ، ويقسم المال ، ويلقي الإسلام بجرانه ».

وقال : « يستخرج الكنوز ، ويقسم المال ، ويلقي الإسلام بجرانه» (3).

وعن النبي صلي الله عليه واله، قال : « يحثو المال حثوا لا يعده عدا ، يملأ الأرض عدلا كما ملئت جورا وظلما » .

وتكون الأمة في عهده عليه السلام كما كانت في عهد رسول الله صلي الله عليه وسلم من حيث القوة والعزة والكرامة والصولة .

ص: 88


1- الملاحم والفتن لابن طاووس: 57، ط. النجف.
2- المصدر المتقدم: 122.
3- المصدر المتقدم: 26.

وهذا حديث إسلامي آخر:

قال الرسول صلي الله عليه واله : « تأوي إليه أمته كما يأوي النحل إلي يعسوبها ، يملأ الأرض عدلا كما ملئت جورا حتي يكون الناس علي مثل أمرهم الأول لا يوقظ نائما ولا يهرق دما ».

لأن زمانه عليه السلام هو زمن الإسلام ودولة الإسلام ، وفيه ينتشر الأمن بين المستضعفين الخائفين ، وتطهير الأرض من الظلم والظالمين ، وورد في الأخبار : « يبلغ من رد المهدي المظالم حتي لو كان تحت ضرس إنسان شيء انتزعه حتي يرده » (1).

وحتي المرأة تنعم في زمان هذا الإمام، وقد ورد في ذلك : « يأمن الأرض حتي إن المرأة لتحج في خمسين نسوة وما معهن رجل لا تتقي شيئا إن الله يعطي الأرض بركاتها والسماء بركاتها » (2).

إن المهدي هو الذي يطبق القرآن والشريعة بكل ما فيها من مواد وطاقات في جميع أنحاء الأرض فلا دين يبقي ولا شريعة يدين بها أحد من الأفراد في الأرض غير الإسلام.

فلا يهودية ولا نصرانية في عهده عليه السلام ، وهذه رواية نتوقف عندها طويلا ؛ لأن فيها رائحة غير إسلامية ونافذة منها دخل البلاء والسموم من الأقلام المأجورة : « إنما سمي المهدي لأنه يهدي إلي أسفار من أسفار التوراة يستخرجها من جبال يدعو اليهود، يسلم علي تلك

ص: 89


1- الملاحم والفتن لابن طاووس : 54.
2- الملاحم والفتن لابن طاووس : 54.

الكتب جماعة كثيرة (1).

إن عصر المهدي هو العصر الإسلامي تطبيقا شاملا فيه بشم الإنسان المسلم نسيم السعادة في الحياة ، وفي رواية سعيد الخدري ، عن النبي صلي الله عليه واله ، قال : « يرضي عنه ساكن السماء وساكن الأرض ولا تدع السماء من قطرها شيئا إلا صبته ، ولا الأرض من نباتها شيئا إلا أخرجته، حتي يتمني الإحياء والأموات » (2).

وتبدأ البشارات من لسان الرسول صلي الله عليه وسلم وآل البيت عليهم السلام عن هذا الإمام المرتقب وبداية النصر وظهور الفرج العام.

وفي حديث الرسول صلي الله عليه واله : « إذا ملكت الكفار الخمسة الأنهر » (3) يقصد دجلة والفرات والنيل وسيحون وجيجون » ملك الإسلام شرقا وغربا ذلك الوقت ينصر الله أهل بيتي علي أهل الضلال ، ولم يرفع لهم راية أبدا إلي يوم القيامة » (4) ، وذلك لا يتحقق بالسهولة قطعا ! حتي تجتاح البلاد الإسلامية موجات من الجور والظلام الشامل ويبدأ الصراع بين قوي الجور والاستبداد الحاكم وبين العدل علي امتداد السنين وعلي طول الزمن، وهناك ينتصر العدل في الحياة ويأمن الخائف في الدنيا بعد خوف دام .

وفي حديث النبي صلي الله عليه واله قال :« لا يمكث الجور بعدي إلا قليلا حتي

ص: 90


1- الملاحم والفتن لابن طاووس : 55.
2- الملاحم والفتن لابن طاووس : 55.
3- المصدر المتقدم : 164.
4- المصدر المتقدم : 164.

يظهر ، فكلما ظهر من الجور شيء ذهب من العدل مثله ،حتي يلد الرجل في الجور فلا يعرف غيره » (1).

وقد بشر الشعراء من قبل في العصور الإسلامية . قال دعبل بن علي الخزاعي في قصيدته المشهورة :

خروج إمام لا محالة خارج *** يقوم علي اسم الله بالبركات

يميز فينا كل حق وباطل *** ويجزي علي النعماء والنقمات

وقال ابن عرب : « إذا دار الزمان علي حروف بسم الله فالمهدي قاما .

ولا نعرف قصد ابن عرب إلا بتحويل هذه الحروف إلي أرقام .

وفي رواية عنه عليه صلي الله عليه واله : « تنعم أنتي فيه نعماء لم تنعم مثلها قط ، تؤتي الأرض أكلها ولا تدخر عنهم شيئا، والمال يومئذ كدوس » (2) .

وفي حديث آخر: « يرضي عنه ساكن السماء وساكن الأرض » .

ص: 91


1- الملاحم والفتن لابن طاووس: 134.
2- الحديث رواه مستدرك الحاكم.

خلاصة القول بالرجعة

وإذا قالت الشيعة الإمامية بالرجعة فليس معناها خروج الإمام الحجة ، إنما رجعة آل محمد صلي الله عليه واله تعقب خروج الحجة عليه السلام (1) .

ولكن هل يؤمن بها غير الشيعة من الفرق الأخري ، مسألة لا أعرفها قطعا ؟ ومعني الرجعة رجوع العدل في دولة الحق، وهي دولة إسلامية ، إنها دولة آل محمد صلي الله عليه واله ، وهي الدولة المنتظرة ، ولا بد من قيامها ، وهي الدولة الكبري (2) تبسط العدل وتحقق السعادة للإنسان المستضعف في الأرض وفيها يفسر قوله تعالي : « وَ نُرِيدُ أَنْ نَمُنَّ عَلَي

ص: 92


1- العقائد الإمامية المظفر فقد بحث موضوع الرجعة بإيجاز .
2- التي أشار إليها الإمام عليه السلام في الدعاء: « اللَّهُمَّ إِنَّا نَرْغَبُ إِلَيْكَ فِي دَوْلَةٍ كَرِيمَةٍ تُعِزُّ بِهَا الْإِسْلامَ وَ أَهْلَهُ وَ تُذِلُّ بِهَا النِّفَاقَ وَ أَهْلَهُ وَ تَجْعَلُنَا فِيهَا مِنَ الدُّعَاةِ إِلَي طَاعَتِكَ وَ الْقَادَةِ إِلَي سَبِيلِكَ وَ تَرْزُقُنَا بِهَا كَرَامَةَ الدُّنْيَا وَ الْآخِرَةِ » . ( دعاء الافتتاح )

الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الْأَرْضِ وَ نَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَ نَجْعَلَهُمُ الْوارِثِينَ * وَ نُمَكِّنَ لَهُمْ فِي الْأَرْضِ » (1).

وفي رواية ينابيع المودة ص124، الباب الخامس والأربعين ، وفي آخر هذه الرواية قال صلي الله عليه واله : أخبرني جبرئيل أنهم يظلمونك بعدي ، وإن ذلك الظلم لا يزول بالكلية عن عترتنا حتي إذا قام قائمهم ، وعلت كلمتهم، واجتمعت الأمة علي مودتهم والشانئ لهم قليلا ، والكاره لهم ذليلا ، والمادح لهم كثيرا ».

وهنا ترتفع راية الإسلام خفاقة في الأرض ، ويذوق الإنسان طعم الحياة بعد قرون سالفة عاشها بالآلام ومفارقات ، واللابدية العقلية هي الدليل علي رجوع الإنسان إلي الإسلام حيث يدرك الإنسان (2) أن لاقوة له ولا حول ولا أمل يتحقق ولاكرامة ولا سعادة يسعي من أجلها ، كل ذلك لا يتحقق إلا بالرجوع إلي الإسلام، وهي حقيقة ثابتة ، وكان الرسول صلي الله عليه واله من قبل أحد الذين نادوا بهذه الحقيقة ، فيقول صلي الله عليه واله في حديثه وبشر العرب بأن الإسلام الذي ود آباءهم وخلق منهم أمة قوية قابلت أمم الأرض ، هو ذلك الدين الذي سيخلق من أبناء تلك الأمة وأبناء وأحفاد أولئك الميامين أمة جديدة متحدة

ص: 93


1- القصص: 5 و 6.
2- وحتي الإنسان العربي مستقبلا بعد تعب وعناء وبعد أن خاض الحروب ولم يحقق أملا ...

بعد التفرقة وتتراجع بعد شذوذ وابتعاد دام عهودا طوال !

يقول صلي الله عليه واله : ربنا يختم الدين كما بنا فتح ، وبنا يستنقذون من ضلالة الفتنة كما استنقذوا من ضلالة الشرك ، وبنا يؤلف الله بين قلوبهم في الدين بعد عداوة الفتنة كما ألف الله بين قلوبهم ودينهم بعد عداوة الشرك » (1) .

والتساؤل الأول هو: متي تدرك هذه الأمة المتفرقة واقعها، وتحاول التراجع لتحقق الوحدة الفكرية من خلال قاعدة عقائدية قوية وتسير عليها في الحياة ؟ وإذن ومتي ترجع هذه الأمة إلي الشريعة إلي القاعدة إلي دستورها إلي كتاب الله لتنهل من فيضه الصافي ! متي يتحقق ذلك وقد طالت المدة والأمة لا تزال تعيش في رقاد ، وهل يتحقق ذلك مستقبلا.

لترجع الأمة إلي القرآن وتعتصم به، وهو الذي يصوت : « وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا » (2).

إذن متي تتخلص هذه الأمة من شرور التفرقة وتتيقظ بعد هذا الرقاد ، وتنشط بعد هذا الضعف، وتتجرد من الوهن والهزال ؟ (3)

ص: 94


1- الملاحم والفتن لابن طاووس: 68.
2- آل عمران : 103.
3- إن الأمة عاشت إغفاءة طويلة وصلت إلي حالة الموت، وبعد هذا الموت يقظة ، ولعل الحديث : «الناس نيام إذا ماتوا انتبهوا ». أي ناس هؤلاء ؟!

والتساؤل الثاني هو : هل يهرب الناس عن الأنظمة ويؤوبون إلي الدين وإليه يرجعون؟ أم سيبقي الناس يعيشون في ظلال الأنظمة مدي الحياة وعن الدين متباعدون وإلي متي؟ وهل يدرك النوع الإنساني ويتحسس بأن الحياة الهادئة النعيمة السعيدة إنما هي في ظلال هذه الشريعة الغراء فيتراجع ويتكيف ويأخذ بها كما أخذ بها آباؤه وأجداده ؟

وما دام هذا الإنسان في مسيرة سريعة وفي خطوات و نمو وتطور وتجديد وتكييف وهو في تطلع إلي الجديد ونحو الأفضل، وهو في حركة دائمة مستمرة ، وهو في يومه يختلف عن أمسه ، وهو في غده يختلف عما كان عليه من قبل . إن هذا الإنسان في سعي ووضع ودوافع داخلية وخارجية ، وهو في خطوات نحو الأمام ولا يخطو إلي الوراء ، إلا من فقد الوعي والبصيرة . إن هذا الإنسان الطموح بطبيعته وهو مع الزمن ومع المتطلبات يسعي وراء القوة ، ووراء الدفء ليؤوب إليه ، ويكمن فيه ويستظل حوله فهل فتش الإنسان وعثر علي نظام خير، وأفضل من هذا النظام العادل ليأخذ به أو شريعة أقوي من الشريعة التي أخذ بها آباؤه وأجداده من قبل ، ورد عن الإمام موسي بن جعفر يقول لبعض شيعته : « لو علم آباؤكم وأجدادكم دينا أصلح من هذا الدين لاتبعوه » (1) .

ص: 95


1- بشارة الإسلام في رسالة الإمام الكاظم عليه السلام .

ويستمر الإمام حفيد علي عليه السلام في توجيه نصائحه قائلا: « فالله الله في أديانكم » (1)، إن الآباء والأجداد أدركوا أن الإسلام هو الحق، فأخذوا به وسعدوا في الحياة . ولو قلت لك إن الإسلام كان سبب نهضتها ، وهو سبب خلودها وبقائها في الحياة ، ولو قلت إن العرب لا ترتقي ولا تنتصر ولا تتقدم إلا إذا أخذت بالشريعة منهجا في الحياة فهو قول عليه ألف دليل وأكثر من ألف من تاريخ هذه الأمة فقد ارتقي آباؤهم وأجدادهم من قبل وانتصروا بهذا الدين وحده فهو سبب وجودها وخلودها ، وللإجابة عن ذلك أيضا يتحقق في دولة مرتقبة ، وهي دولة القرآن (2). وهي الدولة التي تمثل قوة الإسلام في الأرض وهي دولة الإمام المهدي عليه السلام .

وقد بشر أئمة الهدي بهذه الدولة ، فتارة يطلقون عليها الرجعة وتارة

ص: 96


1- إثبات الوصية للمسعودي : 260.
2- وهل يستطيع القرآن تشييد دولة وبماذا ؟ وهل فيه طاقات تشريعية أن يمدها وإذا كانت الدولة تقوم من الوطن وهو الرقعة والشعب والدستور فهل يستطيع القرآن النهوض بدولة حديثة ؟ والدول لها نظامها الاقتصادي فما هو موقف القرآن من البنوك وإداراتها ؟ وما هو موقفه من المؤسسات الأخري ؟ وبعبارة أخري : إذا كانت الدولة الإسلامية والقرآن هو دستور الدولة والأحكام التي يعمل بها هي أحكام إسلامية لا يخالطها وضعي . فهل هذا ممكن أم بعيد ، أو هو ضرب من المستحيل والقرآن يخبرنا بطرف آية : « وَإِنَّ الدِّينَ لَوَاقِعٌ » ؟

يصفونها بالدولة الكريمة، وقد يطلقون عليها دولة آل محمد ومرة يطلقون عليها دولة المهدي المنتظر، وتارة قائم آل محمد ، وقد صوت بها كل آل البيت الطاهرين من قبل ، واستجاب لذلك الصوت والتي ذلك النداء الإنسان المسلم في كل عصوره الإسلامية ، وهي إن دلت فإنما تدل علي طموح الإنسان المسلم إلي ذلك.

الذي يتحدي عقبات الزمن هو ذلك الإنسان المسلم المنتظر لهذه الدولة ويرقبها وسيبقي وهو قوي صبور يقهر الأزمات القاسية . وبعزم من إيمانه - التي يواجهها في هذه الحياة ، إنه ذلك الإنسان الملتزم المحافظ وقد قيل فيه إنه القابض علي دينه كالقابض علي الجمر .

وهذا صوت ضمير مسلم في حديثه عن دولة الإمام المهدي وتلك ولا بد للإنسانية المعذبة في دنيا الآلام. أن تنتهي لذلك الساحل الحق المعبد ساحل العدالة ، وهو أن يجتمع الخلق إلي ميقات يوم معلوم، وهذا هو صوت الإنسان المسلم . الشاعر الحيدري الكاظمي :

ترفرف فوق الأرض شرقا ومغربا *** عليها جلال الله يستوقف الفكرا

وتجمع شمل العالمين بدولة *** يحقق للشعوب بها فخرا

ويسعد فيها المؤمنون وإنهم *** يرون بها الفتح المؤمل والنصرا

فيومئذ لم يبق في الأرض كافر *** ولم تر إلا الحق والخير والبرا

ولم يبق إجرام ولم يبق منكر *** ولم تر ظلما في الوجود ولا جورا

ص: 97

وتخرج هذي الأرض من بركاتها *** وخيراتها ما يملا البر والبحرا (1)

إذا ظهر عليه السلام يأتي بقرآن جديد وإسلام جديد ، هذا منطوق روايات واردة يتناقلها أئمة الحديث الذين يميزون بين الغث والسمين ، وبين الصدق والكذب الذين لا يعرفون الافتراء ، وهنا نبدأ بالسؤال عن هذا الجديد الذي يأتي به حفيد الرسول صلي الله عليه واله ، وما هو هذا القرآن الجديد وما هو الدين الجديد ، هل هو دين جديد يختلف عن هذا الدين الذي آمنا به وآمن به آباؤنا وأجدادنا من قبل ؟ وهل يختلف عن الدين الذي جاء به الرسول صلي الله عليه واله حقيقة وجوهرا وشكلا ، وما هو ذلك الدين ؟ أليس هو الإسلام ؟

إن الدين لواقع ، ومتي يتحقق الوقوع ؟

هذا صوت واحد من أصوات القرآن ، وهو يهتف منذ أعوام إن هذا الدين سوف يستلم الحكم بشكل جماعي وشمولي ، وهو ينادي بأنه شريعة العالم وهو للعالمين . فهل تحقق ذلك ؟ وهل يقع ذلك ، أهو ممكن الوقوع اليوم ؟

وإذا كان القرآن يعلن أن هذا الإسلام هو دين البشرية في أمسها وغدها ، فهل دانت البشرية والعالم أجمع بهذه الشريعة ، وهل وصل الإسلام إلي القارات ؟ فمتي يقع ذلك ، وما معني الوقوع ؟ هل للأمة

ص: 98


1- ن قصيدة للشاعر الحيدري قرأها في ميلاد الإمام المهدي عليه السلام .

تنتظر يوم بدأ الرسول صلي الله عليه واله يعلن دعوته فبشره القرآن بالنصر وإن الدين يقع ؟ الإسلام دين طموح إلي أن يدعو جميع الإنسانية ، وفلسفة هذا الطموح منذ أيامه الأولي ، وفي الإسلام نصوص كثيرة وآثار واردة وكلها تعلن عن هذا الطموح الإسلامي الواسع. أن يحكم الإسلام البشرية ، أو كل بني الإنسان حكما عادلا شاملا وينشر السعادة في الأرض ، يحكم الإسلام لا لأغراض توسعية كما يسعي لذلك غيره في الأحكام والأهداف . ليس الإسلام يهدف لذلك وليس هو حكما قسريا . وهذا ما أكده القرآن ودعاة الإسلام وأئمة الهدي ، وما ورد عنهم عليهم السلام من أخبار بأن هناك زمان قادم وهناك عصر شريعة منتظر وإمام عادل يحكم في الأرض ويختلف عصره عن باقي العصور وحتي عن عصور الأنبياء حتي قيل تسود العدالة الدنيا شرقها وغربها ، ويطبق حكم الله في الأرض ، من هو ذلك المنتظر الذي تنتظره البشرية والذي بشرت به الأديان جميعا ، من هو ؟

هل هو السيد المسيح عليه السلام الذي يعود للأرض ليحكم من جديد ؟ أهو الإمام المهدي المنتظر عليه السلام ؟ وهل هذا تفكير جديد ولد في عصور متأخرة أو هو نابع من حقيقة الإسلام، ولا بد من الإيمان به، والأخذ به ؟ ومن خالفه أو رفضه أو شك فيه هل خارج عن الإيمان ؟ هذا ما سنمر عليه في رحلتنا الجديدة ، ونقطع فيها مسافات فكرية طويلة ، و موضوع بحثنا هذا هو عودة الإسلام للحياة ، واستلامه الحكم الشامل، ولا أريد أن أتحدث عن الإسلام بأنه هو الدين الأفضل ،

ص: 99

أو دين التكامل الفكري في الأرض ، أو هو نظام عدالة وحكم عدل وإنما أحاول أن أضع بين يديك قوة الإسلام واستمراريته وخلوده في الحياة ومحاولة تطبيق الإسلام علي يد حاكم عادل يأتي ليملأ هذه الدنيا عدالة ، وهو إمام من شجرة متحدر من سلالة الأنبياء عليهم السلام من ذرية خاتم الرسل صلي الله عليه واله وهو محمد المهدي بن .. بن .. بن ..

وهذا ما أجمع عليه المسلمون في كل عصورهم علي أنه من ذرية الرسول صلي الله عليه واله ، وقد آمنت الأجيال المسلمة به ، وإنه أصبح ضرورة اجتماعية ولا بدية الوقوع تفرضها الحياة العامة ومسيرة الإنسانية في مراحل وجودها، الإنسانية التي اكتوت بآلام الحكام واستبداد الجبابرة ، وإنه يأتي لتحقيق العدل الإلهي في الأرض يأتي يملأ هذه الدنيا « يملأها قسطا وعدلا ». وهو ما يقال له عند المفكرين المحدثين عودة الإسلام إلي الحياة أو عودة الشريعة للحكم وبها إحياء الأمة بعد موتها، وبناء هذه الأمة وإعادة وجودها أو قل إتيان وجودها وظهورها بعد الخفاء والانعزال عن الحياة وبعد ذلك ترتفع ارتفاعا متناسبا مع حضارتها وشريعتها. وكانت الأمة ترتقب ذلك منذ الزمان الأول (1).

ص: 100


1- تكاد الأمة الإسلامية أن تجمع علي ظهور امام منها وهو الذي يدفعها دفعا ويعيد مجدها.

لماذا الإمام المهدي عليه السلام ؟

ويتساءل الشاب وبعقلية : لماذا المهدي ؟ وإذا خرج فماذا يحقق للدنيا وللمسلمين . والإسلام شريعة تحمل الطاقات الجبارة لو فجرت النعمت البشرية في ظل الإسلام، وهي ثروة من الأفكار، فلماذا المهدي ، وهل هناك حاجة لذلك، وما هو الداعي لذلك ؟

وما دام الإسلام دينا تكفل بكل حاجات الحياة وهو كامل ووحدة متكاملة لم يهمل شيئا ولم يغفل شيئا ، وما دام القرآن بين المسلمين وفيه تبيان كل شيء وقع أو يقع وحدث أو سوف يحدث ، وما دام القرآن هو القرآن ، وما دام محمد هو الرسول، وما دام حلال محمد حلال وحرامه حرام فهل هناك حاجة لهذا الإمام المهدي ، فماذا يغير وماذا يبدل وماذا يشرع، وظهوره والانتظار لخروجه وماذا يأتي به هذا الإمام المرتقب ؟ وماذا سوف يحقق للإنسانية ، وهل يأتي بدين أوسع من الإسلام، وهل يأتي بدين غير الإسلام يتلاءم مع البشرية القادمة ؟

ص: 101

وهل يأتي بقرآن جديد، ودين جديد ، أقوي وأوسع مما جاء به الرسول محمد صلي الله عليه واله ؟

وهل يأتي بدين غير الإسلام و قرآن غير القرآن ؟ وإذا قلنا بذلك معناه إنه شيء جديد وليس إماما ، وإذا قلنا إنه سوف يخضع البشرية الدولته كما نطقت به الأخبار وإن البشرية يسودها وتطيع أمره وتنتشر لعدالة في كل الدنيا ويملأ الأرض ، والامتلاء معناه يطبق ذلك شرقا وغربا ، وهل هذا تحقق للرسول محمد صلي الله عليه واله ؟ أو للأنبياء عليهم السلام من قبل إن هذا أو ذاك قاله ويقوله الشاب المثقف الشاب المتردد الذي يعيش الشك والقلق والتباعد عن الدين وعدم قبول هذه القضية إلا بأدلة منطقية من وحي الأفكار المستقيمة ، هذا ما وجدناه وأدركناه في حياتنا ، وبدأنا الحوار بين مجموعة من هؤلاء

ص: 102

اللقاء الأول الجديد

ونبدأ هذا اللقاء وهو الأول مع هذا الشاب الشاك في موضوع الإمام المهدي عليه السلام وبموضوعية وبحرية في القول وبجرأة في الكلام. ونحن نحاول رفع الشك وغرس اليقين وبناء عقيدة وجلاء الحقيقة المستقرة .

وقبل البداية في الحوار نقول لهؤلاء الشباب المثقف كما يدعي نبدأ حديثنا معكم ، إذا آمنتم بالدين صدقا وحقا وإن الدين من ضروريات حياة الإنسان ولا يستطيع الإنسان أن يعيش بلا دين، وإذا كنتم أحطتم بالدين وأدركتم الواقع والحقائق الدينية ، أما إذا كنتم قد أخذتم منه بطرف قلدتم السلف في أمور الدين ، فلا نبدأ الحوار ولا نصل إلي نتيجة مقبولة قطعا . وهذا ما عليهشبابنا اليوم، فقد أغفلوا كثيرا من المسائل الجوهرية من هذا الدين الخالد دين الحياة وبدأوا الجدال « وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يُجَادِلُ فِي اللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَلَا هُدًي وَلَا كِتَابٍ

ص: 103

مُنِير » (1) وهو يجادل في إمامة المهدي ولم يدرك أهمية الإمامة في الدولة الإسلامية ، والإمامة هي قوام الدين واستقامة الأمور الاجتماعية بها ؛ لأن الإمام قائم وهو امتداد للسلطة الدينية في الدولة الإسلامية ، وبدأت الإمامة ودورها الاجتماعي بعد رحلة النبوة ، والرسول صلي الله عليه واله هو الذي عين خلفاءه من بعده، وقال صلي الله عليه واله : الخلفاء من قريش ، وعدهم اثنا عشر خليفة ، وآخرهم هو المهدي عليه السلام وقاطعني شاب قائلا : وهل المهدي عليه السلام يملك من القدرات ويحقق المعجزات ويأتي للبشرية ما لم تأت به أنبياء الله عليهم السلام من قبل ؟ وهل هناك معجزة يأتي بها وبها ينتشر هذا الدين في الدنيا ؟ ولماذا يعطي ذلك المهدي من الامكانيات دون جده الرسول صلي الله عليه واله من قبل ؟ ولماذا قيد الرسول الإمامة بعدد معين ولم يقل الأئمة «عشرون إماما» ؟، وما دام هذا الدين استمراري الوجود وما دامت البشرية به لا غني لها عن هذا الدين ولا يمكن الحياة بلا سلطة قائمة ، السلطة التنفيذية علي هذا الدين فالإمامة ضرورة من ضروريات الحياة السياسية . إذا الإمامة ضرورية واستمرارية فلماذا اثنا عشر إماما فقط ؟

وهل تنتهي الإمامة لهذا العدد أو لا حاجة للإمام في ذلك الزمان ، وهل ترتقي الأمة فعندها تسير أمورها بغير سلطان أو حاكم لأنها ترتقي فكريا وعندها ينتهي دور الإمام ، فلا إمامة ولا نبوة في ذلك العصر،

ص: 104


1- الحج : 8.

وهذا هو خارج عن منطق الدين ؛ لأن التكليف لايسقط والأمة تحتاج لقيادة، وإن تطبيق الأنظمة في الأمة من قبل السلطة قطعا وهو الإمام ...

ص: 105

مع المشككين في قضية المهدي عليه السلام

وكثر الشاكون والمشككون والمترددون وتكاثروا في هذا العصر، فالعجب من رجل مسلم قد عرف الإسلام وتثقف بثقافة إسلامية كيف لا يهضم قضية الإمام المهدي عليه السلام ، ولم يعها حق وعيها . أنا أعجب منه كيف يشك بإمامة المهدي ، مهدي هذه الأمة ، وكيف يتردد بخروجه وقيامه بالأمر، كيف وقد أجمع عليه (1) المسلمون في كل العصور الإسلامية وقد سجل الباحثون من علماء الحديث قوائم في إحصائيات من أسماء علماء العامة الذين اعترفوا به وبظهوره وأنه من ذرية الحسين عليه السلام ، ورووا فيه الروايات الكثيرة عن الرسول صلي الله عليه واله إن صح هذا القول ، فلا شك ولا ريب فيها وقد ملئت الكتب الإسلامية بالأحاديث والروايات وبدأت حملة جديدة يقودها رجل أو أكثر من

ص: 106


1- فلا يخلو كتاب من كتب الإمامية إلا وورد فيه حديث وبشارة عن الإمام المهدي عليه السلام .

رجل وهو يعلن الإسلام ويقول : أنا رجل مسلم عرفت الإسلام واعترفت بالخلفاء بعد محمد صلي الله عليه واله ويؤيد العلماء من العامة ولا يتردد برواياتهم لأنهم رجال صدق وهم علماء صادقون ولا يتسرب الشك إليهم، ولم ذلك الشك في قضية المهدي ويطرح الروايات (1). وأعجب من ذلك رجل آمن بالإمامة بعد النبوة واعترف بآل البيت عليهم السلام أئمة وقادة بعد الرسول صلي الله عليه واله واعتقد بالإمامة وضرورة وجود الإمام واعترف بعلي قائدا شرعيا وإماما ، ومن بعده اله الأحد عشر إماما وأدرك أن الحياة لا تستقيم بغير قيادة أبدا، فعلي عليه السلام إمام بعد الرسول ومن بعده الحسنان والسجاد والباقر والصادق والكاظم والرضا والجواد والهادي والحسن عليهم السلام . اعتقد بهؤلاء الأطهار قادة لا يدانيهم أحد في الفضل. ثم إذا هو وصل إلي الإمام الثاني عشر الإمام المهدي عليه السلام تردد وشك فيه ، كيف وقد نص عليه أبوه وأجداده وبشر به الرسول صلي الله عليه وسلم ، وتحدث عنه الأئمة وأخبروا عنه . وقد قرأنا كلمة المهدي عليه السلام علي لسان كل إمام منهم ، البداية من علي عليه السلام حتي الإمام العسكري عليه السلام ، فنحن نؤمن بإمامة علي عليه السلام دون الحسنين أو نعتقد بإمامة الحسنين دون السجاد عليه السلام ، وقد حصل النص عليه من قبل أبيه وجده علي عليهما السلام ، فالنص موجود ومروي ومدون في الموسوعات والصفحات ولا ريب فيه ، ونحن نقول بإمامة الإمام لأنه عالم صادق

ص: 107


1- غزت الأسواق الإسلامية حملات مشبوهة تشكك في الإمام المهدي عليه السلام .

معصوم منصوص عليه بالإمامة ، ولا نأخذ ونلتزم بإمامته كاملة ونتردد في حديثه وبشارته عن المهدي عليه السلام ونطرح الرواية الواردة عن علي عليه السلام أو عن الصادق عليه السلام أو عن الرضا عليه السلام فيها بشارة بخروج إمام يقود الأمة ويثور في وجه الفساد، ونحن إذا طرحنا روايات هؤلاء العلماء المذكورة في الكتب الإسلامية المروية عن آل البيت عليهم السلام عندها ننسب إليهم الوضع ونحذف هذه القوائم من الأحاديث وهي صحيحة السند والمتن ، كيف ورواتها من الثقات ، وهل نقول إن هؤلاء الرواة اتفقوا وتواطئوا علي وضع هذه الروايات ونسبتها للمعصوم، ثم جاء هؤلاء العلماء التقاة فدونوها في رسائلهم ومؤلفاتهم وهم في عصور مختلفة وبين هذا وذاك فجوة زمانية وبعد مكاني كيف تقول ذلك وهم ممن عرفوا بالورع والتقي والإيمان والقداسة (1).

ونتساءل مع هؤلاء المشككين عن بواعث الشك، ولماذا هذا التشكيك في قضية الإمام المهدي عليه السلام دون غيره وهناك قضايا أخري قد تصطدم مع العقل وهي كذلك، ولكن الشباب المثقف نراهم قد آمنوا بها واعتبروها من المسلمات ومن البديهيات ولا تردد فيها وهي لا يدعمها برهان منطقي.

ص: 108


1- وقد ألف في موضوع المهدي من الإمامية الكثير من الثقات رسائل ومؤلفات كالطوسي والمفيد... أما العامة فلا يخلو كتابا من كتبهم إلا وفيه رواية أو أكثر ، إلا وهي تبشر بظهوره وإنه من ذرية الحسين عليه السلام ، وأنه يملأ الأرض قسطا وعدلا.

كيف تكون الحياة بعد ظهوره عليه السلام ؟

كيف يكون الإنسان أخلاقه وعلاقاته الاجتماعية ، وكيف تكون الأمة في وجودها ونموها وظهورها علي مسرح الحياة ومن أبرز ما يقال عنه صاحب العصر والزمان ، فعصره وزمانه يختلف عن العصور الإسلامية السابقة والحياة تختلف عما تقدمه من تموجات واضطرابات ومخاوف ومتابعات وملاحقات.

ومعني ظهوره بروزه في الميدان السياسي ووجوده الذي يراه هذا وذاك وممارساته ومشاركاته لمأساة الأمة وما مر عليها من محن وأحداث ، فيضمد جراحاتها ويزيل فقرها وما عرض عليها من ذبول واندحار، ومعني ظهوره (1) في الميدان العام أن ذلك يمثل وجها جديدا مشرقا لهذه الأمة ووجودا جديدا لها وتطورا في عمرها الفكري

ص: 109


1- وهذه شبهة تغلغلت في الأذهان أنه إمام غائب وليس هو بغائب ، أي خفي مستتر في الزوايا

والسياسي الجديد ، ويمثل مرحلة من أفضل مراحلها التي تطمح بالوصول إليه وتسعي في حركتها للارتقاء في سلم الرقي ولا ترتقي الأمة إلا بقيادتها ومفكريها ، وهو القائد المفكر المؤمل المرتقب ويمثل أفضل دور في أدوار هذه الأمة في قوتها ورقيها ونموها وتقدمها في الميادين الواسعة ولكل أمة عمرها ولكل أمة أدوار حياة بعد الولادة والنشأة ولكل أمة ازدهار واندحار ، ونجاح وإخفاق ، ولكل أمة مراحل ومسيرة في هذه الحياة في عمرها الزمني ، فهذه الأمة يوم ولدت في مكة ويوم نمت في المدينة ويوم ازدهرت سادت وبنت وشادت و حكمت وأوجدت لها كيانها في العصور اللاحقة وأفضل دور من أدوار مسيرتها ورقيها ووجودها هي وصولها إلي مرحلة التكامل والكمال الفكري والسياسي بظهور هذه القيادة الوارثة الشرعية المحكة الواعية الحاوية العادلة المطمئنة المتمكنة ، وقد دعت الأمة في ساعات عبادتها بذلك : « وَ تَجْعَلُنَا فِيهَا مِنَ الدُّعَاةِ إِلَي طَاعَتِكَ وَ الْقَادَةِ إِلَي سَبِيلِكَ وَ تَرْزُقُنَا بِهَا كَرَامَةَ الدُّنْيَا وَ الْآخِرَةِ » إن ذلك من الأمور الحتمية الضرورية التي يريدها الله لعباده المؤمنين ومن أجلهم خلق الأرض وأباح الطيبات ، وجعل لهم هذا الدين آخر الأديان ، وهذه الأمة قد مرت بمراحل وسوف تقطع مراحل جديدة في المستقبل وتظل تسير وتتحرك وتتعثر وتتفاعل وتمر بأزمات ومتاعب حتي تصل إلي درجة ومرحلة من نموها وشأنها شأن الأمم الأخري حتي ترتقي ، وأفضل وأقوي دور من أدوار حياتها بقيادتها الحكيمة

ص: 110

الرحيمة وتقدم الأمة إنما هو بقيادتها واتحادها وحيث نعيش غيبة القيادة وهو عصر ما بعد الغيبة فالأمة في ركود وسكون وهمس وصمت حتي يقترب الفرج وتتقارب الأمور وتنتهي فترة الغيبة ، وإن طالت وامتدت ولكل بداية نهاية وحيث غيبة القيادة عنا فنحن في حال كما تري وسيجعل بعد العسر يسرا ولا تبقي الحال كما هي، وربك هو الذي يكيف ويبدل ويغير الأحوال الاجتماعية وهي كما تراها وهي ما عليه من حيث التمزق والانطوائية و.. و.. والسبب هو غياب القيادة عنها ، فلو كانت القيادة الشرعية المجعولة بالجعل الإلهي فإن الأمة تبصر طريقها في مسيرتها ، فإذا كان الجعل من الله وهو الجاعل وهو المختار، فإن الأمة في نجاحات في خطوات مسيرتها للأمام، للأفضل، للفتوحات « وَنُريدُ أَن نَمُنَّ عَلَي الَّذينَ استُضعِفوا فِي الأَرضِ وَنَجعَلَهُم أَئِمَّةً وَنَجعَلَهُمُ الوارِثينَ » (1) ، فهو الذي يختار، هو الذي ينتقي ، ويجعل نورا في طريق هذه القيادة لتبصر طريقها . « وَإِنَّ الدِّينَ لَوَاقِعٌ » (2) شاءت الأقدار واختلفت الظروف وتشابكت قوي الشر فإن الله هو الذي ينصر أولياءه ويسددهم في الحياة كما حصل وتحقق من قبل ومن بعد « لِلَّهِ الْأَمْرُ مِنْ قَبْلُ وَمِنْ بَعْدُ » (3) إن هذه الأمة خير أمة أخرجت ، هذه لغة القرآن ، وهذا مدح

ص: 111


1- القصص: 5.
2- الذاريات: 6.
3- الروم: 4.

الله لهذه الأمة ، وهي التي عبدت الطريق في مسيرتها واستطاعت أن تطور نفسها وترتقي في أيامها التاريخية المشرقة ، فهي بالأمس كانت العنوان الأمثل بين الأمم شهدت بذلك لها أمم الأرض في شرقها وغربها وهابتها أمم الأرض الفرس ؛ وما تملكه من حضارة طويلة ومدنية قوية ، والروم وكثرة أعدادها ، والأمة وقرآنها ، والأمة وأصواتها الخمسة في الليل والنهار : أشهد أنه محمدا رسول الله ، هذا الصوت الثاني الذي تطلقه الأمة بعد الشهادة الأولي وكلمة الشهادة هي الشاهد والشهيد علي علاقتها بالله وترابطها وتركيبها وبناء هيكلها إنها شرف الأنبياء عليهم السلام ، إنها أمة القرآن .

فقد مرت بتطورات وعهود متباينة مضطربة وأيام مختلفة وأيام إسلامية مقبولة ، فهي بين مد وجزر، وهي في عصر القرآن ونزوله وطوفانه وأنواره المشرقة التي أنارت وأضاءت في نفوسها وعقولها ، وعصر النبوة عصرالقوة والوجود ، ثم عصر الخلفاء ، ثم عصر الجمود والاندحار والانقسام، ثم عصر الظهور، ثم عصر سقوط الدولة الكبري ، ثم عصر التجزئة والحدود الوهمية والحواجز الموضوعة والطائفيات الجارحة، تبقي هذه الأمة تعيش هذه الحياة المتموجة ، أو تنهض وتستعيد مجدها والرسول صلي الله عليه واله قد حرها ونبهها وهو يشبه هذه الأمة بالشجرة في حديثه في حجة الوداع : « اعلموا رحمكم الله إن مثلكم في هذا اليوم كمثل ورق لا شوك فيه إلي أربعين ومائة سنة ، ثم يأتي من ذلك شوك وورق إلي مائتي سنة ، ثم يأتي من بعد ذلك

ص: 112

شوك لا ورق فيه حتي لا يري فيه إلا سلطان جائر وغني بخيل ، أو عالم راغب في المال ، أو فقير كذاب ، أو شيخ فاجر ، أو صبي وقح ، أو امرأة

رعناء.

فسأله سلمان متي يكون ذلك ؟ فقال :

« يا سلمان ، إذا قلت علماؤكم ، وذهب قراؤكم، وقطعتم زكاتكم ، وأظهرتم منكراتكم ، وعلت أصواتكم في مساجدكم، وجعلتم الدنيا فوق رؤوسكم، والعلم تحت أقدامكم، والكذب حديثكم ، والغيبة فاكهتكم، والحرام غنيمتكم، ولا يرحم كبيركم صغيركم ، ولا يوقر صغيركم كبيركم ، فعند ذلك تنزل اللعنة عليكم ويجعل بأسكم بينكم، وبقي الدين بينكم لفظا بألسنتكم » (1).

أليست هذه الأمة ينطبق عليها هذا الحديث ، وهي كما هي عليه اليوم، وهي كذلك ، فإن بقيت علي هذه الحال ولم تستعد لتستعيد المفقود منها المأخوذ من تراثها والمسلوب من حقوقها .

وقد تحدث الرسول صلي الله عليه واله كثيرا عن الأمة وحذرها وأشار لها بعدما عبد الطريق لها في مسيرتها ، فإن هي كما أرادها كانت هي الأمة الباقية النامية في دنيا الأمم والحضارات ، وقد تحدث الرسول صلي الله عليه واله عن المستقبل قبل وقوعه وحدوثه وأخبرعما يقع قبل أن يقع ،

ص: 113


1- جامع الأخبار: 161، ط . ايران ، وللحديث صلة أخذنا موضع الحاجة منه.

وعن الأحداث والحوادث قبل حدوثها وإحداثها ، وعما يأتي من موجات من الضلالات والفتن والمشاكل والأحداث التي تجتاح البلاد وتضطرب الناس عندها ، وقد تحدث عن ذلك كثيرا ، ولكن الرسول صلي الله عليه واله دعاها للاعتصام بحبل الله والالتزام بشريعته لتقطع مسيرتها وتحافظ علي وجودها وكيانها وبعدها ينكشف البلاد وبعد ذلك مرحلة الانتصار والفرج فأي مرحلة تلك التي ترتقبها هذه الأمة . إن هذه الأمة هل تعلم بما حدث عليها ووقع أو سيحدث ويقع أهي نائمة أو تعيش في غفلة وركود، متي وإلي متي وإلي أين وقد حذرهم الرسول صلي الله عليه واله من قبل فلم يأخذوا بما قال وأخبر وحذر وأنذر وبشر وهو الصادق وهو البشير النذير ، قال عبدالله بن مسعود ، قال لنا رسول الله : « أحذركم سبع فتن تكون بعدي : فتنة تقبل من المدينة ، وفتنة بمكة ، وفتنة من اليمن ، وفتنة تقبل من الشام ، وفتنة تقبل من المشرق ، وفتنة من قبل المغرب ، وفتنة من بطن الشام » (1).

ومن أحاديث الرسول صلي الله عليه واله عن أمته ، وعن القضايا المستقبلية وما يحدث عليها في المستقبل البعيد والقريب وكما أخبر وقع وحدث . يقول صلي الله عليه واله : « يكون في أمتي أربع فتن ، فالأولي يصيبهم فيها بلاء حتي يقول المؤمن : هذه مهلكتي ، ثم تنكشف ، والثانية حتي يقول المؤمن : هذه مهلكتي ، والثالثة كما قيل انقضت تمادت الفتن ، والرابعة تصيبهم

ص: 114


1- الملاحم والفتن لابن طاووس : 16.

إذا كانت الأمة مع هذه مرة ومع هذا مرة ، فلا إمام ولا جامع » (1).

ومن أحاديث الرسول صلي الله عليه واله : « تكون فتنة يعرج فيها عقول الرجال حتي لا يكاد يري رجلا عاقلا » .

وفي حديث آخر عنه قال صلي الله عليه واله : « لا يطلع من قرن الجور شيء إلا مات من العدل مثله ، ثم لا يطلع من قرن الجور شيء إلا مات من العدل مثله ، ثم لا يطلع من قرن الجور شيء إلا مات من العدل مثله ، حتي يولد قوم لا يعرفون إلا الجور، ولا يعملون إلا به ، ثم إن الله تبارك وتعالي يعطف علي خلقه فيأمر قرن العدل أن يطلع رأسه ، فلا يطلع من قرن العدل شيء إلا مات من الجور مثله ، ثم لا يطلع من قرن العدل شيء إلا مات من الجور مثله ، حتي يولد قوم لا يعرفون إلا العدل ولا يعملون إلا به » (2).

يفهم من هذا كله أن الرسول صلي الله عليه واله البشير الصادق الذي اطلع علي المستقبل ونظر فيه ، وأخبر بانتصار العدل والعدالة ، ومن بعدها الحياة السعيدة والسعادة في دولة القرآن وانتصار الحق وأهله، فقد أطل الرسول صلي الله عليه واله علي هذه الدنيا من نافذة معينة وعرف وأدرك ورأي وكشف عن بصره ما يحدث من تطورات وموجات في الأزمنة القادمة ، وعرف نهاية الأمر وما يجري وما يحدث من بلايا واختبار

ص: 115


1- الملاحم والمتن لابن طاووس: 17.
2- المصدر المتقدم : 122.

و مشكلات ثم عودة الناس وتراجعهم إلي هذا الشرع وانتصار النظام الإلهي بين الأنظمة التي حكمت ثم اندحرت ، ولا بد من انتصار الحق، ولا بد من اعتراف الإنسان بخطئه وإن قطع مسافة علي غير هدي ، وعندها يتراجع ولا بد من الرجوع والاسترجاع إلي الله وإلي الحق وفي حديث النبيوضوح وتوضيح وحديث النبي هو المرآة وهو المؤشر عن هذه الحياة الآتية القادمة التي ستنتهي إليها هذه الأمة إذا أدركت أخطاءها وعرفت أسباب ضعفها وتأخرها وهزيمتها وعندها يمتلأ الإناء بمعين وشراب عذب فرات ، متي يكون ذلك والدنيا قد أظلمت فلا صدق ولا وفاء ولا أمن ولا أمان .

إن ذلك واقع في دولة الحق إذا حكمت وهذا معني ظهوره ومشاركاته العامة والخاصة ، فقد ورد في الأحاديث الصادقة المبشرة « إن الشاة لتسرح مع الذئب » ، « إن السماء تمطر الذهب والفضة » ، « إن الزكاة يطوف بها الغني ويصوت فلا يجد فقيرا جائعا »، الناس في أمن وأمان وراحة فلا سارق ولا اعتداء حياة ملؤها الخير « يملأها قسطأ وعدلا كما ملئت ظلما وجورا » ، « تمطر السماء مطرأ كعهد آدم وتخرج الأرض بركتها وتعيش أمتي في زمانه عيشأ لم تعشه قبل ذلك في زمان قط » (1).

ص: 116


1- الملاحم والفتن لابن طاووس: 125، حديث نبوي مشهور قابل للتأويل والتوضيح.

وفي حديث النبي صلي الله عليه وسلم لأبي سعيد الخدري : « يملأ الأرض قسطا وعدلا ، وتنبت الأرض نباتها ، وتمطر السماء مطرها، وتنعم أمتي في ولايته نعمة لم تنعم مثلها » (1)، وقد تسألني عن حالة الناس في هذه الدنيا بعد ظهوره وانتصاره و بعد القضاء علي أعداء هذا الدين ، وهذه الأمة بعد ذلك تغير الدنيا والناس فتغير نفسية هذا وذاك ، يقل جشعهم وتعم العدالة والمساواة بين الأفراد، فالجائع يشبع، والمظلوم قد استرجع حقه ، فلا تقية ولا مجاعة ولا ضيم ولا ذلة وهي أيام العزة والكرامة ، فالعزة لله ورسوله وللمؤمنين .

وفي حديث النبي صلي الله عليه وسلم لأبي سعيد الخدري : «أبشركم بالمهدي

يبعث في أمتي علي اختلاف من الناس وزلزال أو زلازل، فيملأ الأرض قسطا وعدلا كما ملئت ظلما وجورا ، يرضي به ساكن السماء ( وسكان السماء ) يقسم المال صماخا ».

قلنا: وما الصماخ ؟

قال صلي الله عليه واله : « بالسوية بين الناس فيملأ الله قلوب أمة محمد غنا ويسعهم عدله ، حتي يأمر مناديا ينادي : من له في مال حاجة ؟ فلا يقوم من الناس إلا رجل فيقول أنا فيقول له : انت السادن يعني الخازن فقل له : إن المهدي يأمرك أن تعطيني مالا ، فيقول له : حث يعني

ص: 117


1- الملاحم والفتن لابن طاووس: 127 ، وفيه صورة من صور الحياة الباسمة الضاحكة لأيام المهدي عليه السلام ، وكيف يعم العدل والسعادة والخير .

خذ حتي إذا جعله في حجره وأحرزه ندم ، فيقول : كنت أجشع أمة محمد نفسا ، قال : فيرده فلا يقبل منه، فيقول له : إنا لا نأخذ شيئا أعطيناه ، ثم قال : لا خير في الحياة بعده » (1).

ص: 118


1- الملاحم والفتن لابن طاووس: 126، وعبارة حث هو فعل أمر وله معناه واستعماله ، فإن الإمام يحت المال حتا، أي لا يعده عدة وهذا من سمات الحياة التي تعيشها الأمة في زمانه .

لقاء مع المؤمنين المعترفين والمعتقدين به عليه السلام؟

اشارة

وهؤلاء هم المؤمنون حقا ، هؤلاء ينتسبون إليه ، ويقال لهم الاثنا عشرية ،والإمامية (1) ، وبدأنا مع هؤلاء بحوار وبلغة تختلف عن لغة المشككين فيه وبوجوده وبخروجه.

فقال هؤلاء المعتقدين به بأنهم اعتقدوا به لأن الروايات الصادقة جعلته ورسمته لنا. فآمنا به نحن وآباؤنا، وسوف يسير أبناؤنا بذلك وهذا منطوق الروايات في تشخيص الأئمة بعد الرسول صلي الله عليه واله .

قال صلي الله عليه واله : «كلهم من قريش».

وقال في رواية : «اثنا عشر أميرا ، كلهم من قريش» .

ص: 119


1- وهم الفرقة الاثنا عشرية ، وليس في الطوائف الإسلامية فرقة غيرهم ، حيث يعتقدون بالأئمة عليهم السلام بعد الرسول صلي الله عليه واله ، عددهم إمامأ بعد إمام، والإمام المهدي عليه السلام هو الإمام الثاني عشر ، وهو إمام منصوص عليه ومعين باسمه وصفته ورسمه ووصفه أمام منتظر يخرج بعد غيبة .

وقال صلي الله عليه واله : « اثنا عشر خليفة ، أو في رواية : «لا يزال هذا الأمر ماضيا حتي يقوم اثنا عشر أميرا...».

فآمنا بهذا العدد ولا ينطبق إلا علي ذرية فاطمة وعلي عليهما السلام ... والإيمان بالمهدي ليس هو مسألة تقليد عشوائي أو متابعة الأبناء للآباء ، أخذ الولد عقيدة أبيه وأمه وراثة ، أو الجد لأنها تقديس الموروث كما هو عند الشعوب المختلفة إنما هي مسألة تعتمد علي برهان وتقوم علي دليل وعلي أساس معقول منطقيا ، وليس الإيمان بالمهدي عليه السلام المنتظر مسألة إيمان تعبدي أو تدخل في الغيبيات أو التعديات . هذا ما وصل إلينا وسري ونقل وسار عليه السلف واعتقده من كان قبلنا ، فعلينا الإيمان بوجود إمام مهدي يقال له ، أو كما يقولون !! وليس الإيمان به لأنه لم ندركه ولم نره وإن وصل إلينا رواية لا يكون ضربا من الإيمان بالغيبة والإيمان بوجوده ولم نره نحن اليوم ولم يراه غيرنا من قبل والانتظار ليس معناه مسألة تعبدية يجب الأخذ بها، ولكن من المسائل القديمة وآمنا بها وهي مسألة من المسائل الغيبية التي لم يعرف عنها شيء وهي من الأمور الموهمة أو الغيبية أو الخيالية ويشملنا قوله تعالي : « الَّذينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ » (1) ، والغيب مفهوم عام كل ما غاب عن العقل وعن الوجود الظاهري ولم تشمله الرؤيا وعنها تكون شبيهة بالإيمان بالأمور الغيبية باللامحسوسات

ص: 120


1- البقرة : 3.

واللامرئيات كالإيمان بالملائكة والجن والأرواح وكل ما لا تقع عليه العين ولم نر ذلك رؤية بصرية ، وهنا يقال قد تثاب علي هذا الإيمان وقد لا تثاب عليه . ثم بدأنا حوارا جديدا مع المعتقدين المؤمنين بقضية الإمام المهدي عليه السلام لنلمس دليلا مقنعا مقبولا لنأخذ به أو نطرحه أو نقف عنده ، فإذا سألنا هذا وذاك : لماذا آمنت بالولاية والإمامة بعد رحيل النبوة ؟ ولما تحب آل محمد صلي الله عليه وسلم ؟ ولماذا أخذت بمسيرتهم ونهجهم ؟ ولماذا اعتقدت بإمامتهم وإنهم اثنا عشر إمامة ؟ ولماذا المهدي هو الثاني عشر ، ومن قال بوجوده وبقائه وقد طال الزمن وامتد وبطول غيبته ؟ ولهذا الحديث مقدمة لا بد منها عن هذا الإمام الثاني عشر.

بعدما ارتحلت النبوة عن الأرض بعد عمرها الطويل بين الأمم بعد ذلك كله ختمت بخاتم الرسل، وارتحلت النبوة وتركت ثقة كبيرا وأفكارا وفلسفات وتركة جديدة لها أثرها وآثارها تكاملت واجتمعت واتصلت وتواصلت ونمت وكبرت وأصبحت ثقلا واحدا هو الإسلام هو الدين القيم ، هو الدين الحق ، هذه التركة الكبيرة قابلة للتقسيم والانقسام، وقابلة للتأويل والتحريف والفهم والوقوف عندها ، فقد يخطأ هذا الفكر وقد يصيب فيها قابلية الاجتهاد والتحليل إنها الشريعة ذات الحجم الكبير . إنها الإسلام الذي ختمت به الشرائع السابقة واللاحقة ، إنها حصيلة أزمان ودهور وتفاعلات وانفعالات وأزمات وعقبات وفترات متلاحقة شريعة بعد شريعة ونبي بعد نبي

ص: 121

وكتاب بعد كتاب ، وجرت واجتمعت في بحر واحد في ذهنية واحدة علي لسان واحد في اطار واحد إنه الإسلام فمن يقوم بهذه التركة ، وهذا العقل الأكبر من هو يا تري الذي ينهض بهذا الثقل الواسع وهذه الرسالة الكبيرة ومن هو أهل لذلك وأي عقل ومن يتمكن أن يكون خلفا بعد النبوة ويقوم مقام هذا الرسول الراحل في التغيير والسيادة وإدارة الشؤون العامة والخاصة من هو ذلك الفرد الكامل المتكامل المستقيم الذي ارتقي وتسلق درجات الاستقامة فكان عقلا وقدرة ووعيا فيه الكفاءة الذاتية ليكون إماما قائدا لقيادة الأمة ، ومعني ذلك أنه إمام والإمام عليه المسؤولية وإدارة الحياة له وعليه يحمل العقلية ، هو عقل الأمة وهو المدير والمدبر للقيام بأداء وظائف النبوة في الأرض ليس ذلك الإنسان الذي تستهويه الأطماع ويستجيب للرغبات والمؤثرات من هو قل لي من هو ؟ دلني عليه ، أتدري من هو ؟ إنه الإمام ، إنه الفرع من النبوة ، إنه ذو النفس الكبيرة ، لا ينفعل لأبسط الأمور، لا يغضب من أجل نفسه ، كما كان النبي يكون ، هو كبير النفس ، لا يغضب إلا من أجل الله ، لا يتعصب إلا من أجل نصرة الله ، هو المستقيم لا تحركه الرياح مهما اشتدت، وهو الذي يقف عند السقوط إذا سقط غيره ، ولا يستجيب لرغبات النفس وطاعتها ، وهذا هو الاعتصام والعصمة ، من أراد أن يكون إماما ويجلس مجلس النبوة وليس ذلك ضربا من ضروب الاستحالة والخيال ، فمن استطاع أن بروض نفسه ويجاهدها ويتغلب عليها إنه هو الإمام ومن تغلب علي

ص: 122

نفسه فهو المنتصر.

وقد تسألني : لماذا كانت سلسلة الإمامة بهذا الرقم عندنا ، وليسعند غيرنا ؟

الجواب : ليس للأمة دخل في الزيادة والنقصان والاضافة والتغيير . والابدال والتبديل أو زيادة هذا العدد أو نقصانه مطلقا كما فعلت بعض الطوائف ولاندري لماذا ، وإذا فعلت فقد أخطأت كما حصل ذلك في العصور السالفة ، ويدل علي ذلك أن هذا العدد (اثنا عشر إماما ) رواية صحيح البخاري ، رواية مسلم في صحيحه ، رواية ابن طولون، رواية القندوزي ، رواية ابن حجر، رواية الشبلنجي في نور الأبصار، انهم اثنا عشر فقط من بعده صلوات الله عليه عدد لا زيادة ولا إضافة عليه ، فمن هم يا تري ؟ ولا ينطبق هذا العدد المقصود إلا علي الأئمة من ذريته ، فإن قيل لماذا اثنا عشر إمامة وعمرهم جميعا قصير والدنيا أطول والحياة أوسع والأمة يزداد عددها وتكثر مشاكلها ، فماذا بعد الإمام الثاني عشر كيف تكون الدنيا فهل تحتاج إماما أو هي ترتقي وتدبر نفسها بنفسها وتدير شؤونها ؟ إنها اجتازت فترة الانتقال بعد ظهور الإمام الثاني عشر، كما صرح أستاذنا في بعض محاظراته (1) . وهم في حد سواء، واحد بعد آخر، هذا يأخذ عن هذا ، وهذا يرث

ص: 123


1- أستاذنا الحكيم، عندما سئل عن فترة الانتقال ، أجاب تنتهي بظهور الإمام الثاني عشر .

هذا، وحديث هذا هو حديث من تقدمه ، وقد ورد عن الإمام الصادق عليه السلام : « حديثي حديث أبي ، وحديث أبي حديث جدي ، وحديث جدي حديث الحسين ، وحديث الحسين حديث الحسن، وحديث الحسن حديث أمير المؤمنين عليه السلام ، وحديث أمير المؤمنين حديث رسول الله صلي الله عليه واله ، وحديث رسول الله ، قول الله عزوجل » (1)، وهم في العلم سواء، وهم امتداد واستمرار لمدرسة النبوة في الأرض، لا فرق بين صغيرهم وكبيرهم (2) ، فهم مدرسة واحدة ، وحديث واحد، ومنطق واحد، وعقلية واحدة ، والصغر والكبر لا يغير ولا يبدل ، فإن كان إماما حقا فهو إمام ، ولو كان ابن يوم واحد أو ابن ساعة ، كذلك النبوة والأنبياء عليهم السلام فهم مختلفون في أعمارهم ، ولا دخل لكبر السن وصغر العمر في النبوة والإمامة ، وعيسي عليه السلام كان نبيأ وتكلم وهو في المهد، وقد ورد عن إمامنا الجواد عليه السلام وصدرت مثل هذه الكرامة فقال أبوه الرضا عليه السلام : « إنه شبيه عيسي » وقد جعل النبي هذ العدد من بعده وقال : هم اثنا عشر إماما ، وجعل النبي صلي الله عليه واله هو جعل الله ، واختياره اختيار الله ، ومحمد صلي الله عليه وسلم قام بتنفيذ هذا الجعل وهو الذي رشح وأيد ونصب وأخبر أن خلفاءه هم اثنا عشر أسماؤهم

ص: 124


1- جامع احاديث الشيعة للسيد البروجردي 1: 180.
2- وقوله : صغيرهم وكبيرهم تسامحا، فالإمام الصادق عليه السلام كبير في السن، أما محمد الجواد والحسن العسكري عليهما السلام الإمام الحادي عشر فقد كان عمره ثمان وعشرون سنة.

وصفاتهم وهم الذين يصلحون لقيادة الأمة وهممن بعده لا عشرة ولا عشرون، هم اثنا عشر إماما .

والسؤال : لماذا هذا العدد ولم يكونوا أقل أو أكثر ، ولو كانوا أكثر فما يكون ولماذا لا يكونوا خمسينا أو خمسمائة أو ألف إمام ما دامت الأمة باقية وفي طريقها إلي النمو في مسيرتها ومراحلها ومتطلباتها وما يدرينا ماذا تحتاجه الأمة بعد آلاف من السنين القادمة ، هذا وغيره محتمل ، ويقال ولكن ما يدرينا كيف تكون الأمة لو ظهر الإمام الثاني عشر وطبق الدستور حرفا حرفا وأخذت الأمة ووعت واستيقظت وأدركت واقعها وتخلصت من الآثار والمتاعب والأزمات وأشرقت الحياة وأثمرت الأشجار وكثرت البركات .

أما أننا نسأل ونقول ونحن نعيش الزمن الحاضر وكل سؤال له جواب ، وكل جواب رهين بالحياة الراهنة ، ونحن اليوم نعيش الغيبة الكبري وقد تذوقنا حرارة آلامها وآثارها الكثيرة في عناوين كثيرة في المحيط السياسي والاطار الفكري وعشنا الضعف والفقر وتحمل الأذي الذي لا يطاق وعشنا الولاية للفقهاء وغاب عنا الكثير وصبرنا علي ما هو أكثر (1).

ص: 125


1- عاش آباؤنا وأجدادنا والمؤمنون السابقون آلام ومتاعب الغيبة الصغري وهي محددة ليس بهذا الحجم والإمام له غيبتان : الغيبة الأولي ، والغيبة الثانية .

وهذا قول من بنان أفكارنا ، فالإمامة معناها إدارة الأمة وتعبيد الطريق في مسيرتها وقد جعل الله هذا الإمام آخر أئمة الهدي لحكمة ولسر قد لاندركه ولا نصل إلي عمقه ولا ندري ماذا يفعل وماذا يحقق من معجزات ويقيم من أمور معطلة وكيف يجد الأمة وماذا يفعل وما دام الإمام والنبي في مسار واحد وهدف واحد وقص واحد وسيحول ضعف هذه الأمة إلي قوة ويبدل الفقر إلي غني ، فإذا آمنت هذه الأمة واطمأنت وأكلت من بركات الأرض فعندها تكون الحياة ربيعا .

والإمامة جعل إلهي ومن جعله الله واختاره لهذا المنصب الإلهي فهو أهل أن يسير الأمة هذا الطريق طريق الله فاسلكوه.

« وتريد أن من علي الذين استضيفوا في الأرض ونجعلهم أية وتجعلهم

الوارثين » (1).

وفي هذه الأمة المؤشرات والمنبهات والأنوار والخطوط البيانية أدعوك أخي أن تقف عندها وتقرأها وتعيد قراءتها من جديد فلعلك بعد ذلك تستلهم الأفكار الإلهية والدروس المقبولة فيها وعنها .

وفي الآية الفعل جعل قد تكرر مرتين وقد تسألني أو أنا أسألك أو تسأل القرآن عن هذا الجعل الأول هل هو الجعل الثاني زمانا ومكانا والمجعول لهم في الأول والثاني وبينهما خطوات وفجوات ، ومن هو المقصود بهذا الجعل الإلهي ، وفاعل الجعل الأول هو فاعل الجعل

ص: 126


1- القصص : 5.

الثاني وهو الله الذي جعلهم أئمة هو قد جعلهم الوارثين للأرض أصحيح ذلك أتؤمن بهذا الجعل قل حقا وابتعد عن المغالطات فإنها ليست من الدين . ومن ملازمات الإمامة التصرف المطلق وملك من لا يملكه غيره بحسب ولايته ، فالنبوة والإمامة لها ذلك. النبي أولي بالمؤمنين من أنفسهم والأرض يرثها المؤمنون الأولياء العباد الصالحون ، فلماذا ذكر هذا الجعل الثاني بعد الجعل الأول أتدري لماذا الجعل الأول كان في عالم أسبق من الجعل الثاني وبعدما جعلهم أئمة واختارهم بعد ذلك جعلهم وهو الفاعل جعلهم يرثون الأرض في زمن مستقبل قادم متي يكون ذلك ولا بد من ذلك إذا برز هذا الإمام وظهر في الميدان العملي ، في الميدان السياسي، وإدارة الأمة ، إن ذلك واقع ، وإنه إذا طبق أحكام القرآن المعطلة وما أكثر المنجزات التي لم يقمها الرسول صلي الله عليه واله لأن الموت عاجله ، ولأن عمر الدعوة محدود وحتي الأئمة من بعده ولكن هذا القائم ليحقق ويفعل ويأتي بما لم يأت به من تقدمه من آبائه وتنتظره أمور كثيرة وكثيرة وهو الثاني عشر ويختلف عن الحادي عشر وعن العاشر ، وحتي عن الإمام علي الذي استلم الخلافة والتقييد والنفوذ والتطبيق وشهر السيف وأقام الحدود وقاوم أهل الباطل في زمانه و ترك ثقلا كبيرا لمن يأتي من بعده تركه لولده الإمام الحسن والحسين عليهما السلام لم يكمل ما كلف به ولم ينجز كل المنجزات وترك الأمر لابنيه ، فشهر الحسين عليه السلام سيفه ، وقاوم وجاهد وبذل وضخي وجاء دور ولده السجاد وجاء دور الإمام

ص: 127

الباقر ومن جاء بعده ، وكلهم مروا بأيام ساخنة فثبتوا وصبروا وتحملوا وبقيت أمور وأمور تنتظر هذا الإمام. وبعد الإيمان بالنبوة بالدليل القطعي والاعجاز والقرآن هو المعجزة . وبعد الإيمان بالنبوة . والتصديق يلزم ذلك التصديق بما قاله الرسول وصدر عنه من إخبارات وأقوال وتصريحات فقد أخبر الرسول كثيرا عن عدد الأئمة من بعده وعن ظهور المهدي وبشر به وأنه الإمام الثاني عشر وأن الخلفاء من بعده هم اثنا عشر إماما فما علينا إلا أن نصدقه وقد ثبت صدقه وهو الصادق وتجب طاعته ، وهو القائل بعد أن تملأ الأرض ظلما وجورا يملأها قسطا وعدلا ، وفي ذلك روايات كثيرة ومستفيضة رواها الفريقان ولا يمكن الشك فيها أو إسقاطها أو طرحها أو نفيها أو تكذيبها لأنها روايات مستفيضة مشهورة مذكورة في كتب المسلمين وليست في كتب الشيعة وحدهم وما أكثر هذه الروايات .

الروايات المذكورة في الكتب الإسلامية المتفق عليها والمصادر والكتب القديمة التي ذكرت المهدي ؛ وجوده وبقاءه وطول عمره واستمرار وجوده حيا إلي يوم ظهوره وخروجه بأمر الله في الوقت المناسب حسب مقتضيات المصلحة وهذا أمر من الله وعند الله ، وهذه المصادر كلها موثوق بها عند عامة المسلمين وهي وما ورد فيها وما ذكر فيها عن حديث النصوص والروايات فقسم منها يذكر أحاديث نبوية صحيحة حسنة موثوق بها والقسم الآخر فيه نصوص وبشارات وتأويلات للآيات القرآنية صدرت من الرجال الأعلام كابن عباس

ص: 128

وسعيد بن جبير وابن مسعود وغيرهم ، وقسم منها بشارات قد وردت في كتب الفريقين السنة والشيعة ، والقسم الثالث ما هي إلا آراء ومعتقدات وتصريحات عن اعتقاد وإذعان و تصديق بظهور المهدي عليه السلام وهي مسألة معترف بها متفق عليها منذ الأيام الأولي عن السلف الصالح ومتسالم عليها عند المسلمين الأجداد والآباء والأبناء والأحفاد وهم في قمة المعرفة والقداسة ولو كان فيها شائبة ظن أو احتمال أو مسألة مستحدثة أو خلقتها ظروف قاتمة أو حياة بائسة لسقطت من الاعتبار كيف وقد وجد هؤلاء لها مصدرا وجذورا سبقتهم وقد غرست في أذهان من سبقتهم وهي تحدرت وجاءت عن رسول الله صلي الله عليه و اله وعن أبنائه المقدسين الصادقين الذين عرفوا بالاستقامة والطهارة حتي عند أعدائهم ، ووردت عن الصحابة الأجلاء الشيوخ منهم الذين عرفوا بالورع والإيمان المستقر، ووردت عن التابعين الذين عاشوا وماتوا وما سجلت عليهم هفوة واحدة ، أو مخالفة أو ميل إلي الدنيا وأهلها وما استجابوا إلي ملذات الحياة وما أغرقتهم الزبارج والزخارف والملامع والقشور المادية الزائلة الزائفة التي سقط من أجلها ألوف من الرجال وهي فكرة كانت تجول في أذهان علماء المسلمين الذين عرفوا بالموضوعية والحياد وهي متواترة من عصر إلي عصر ومن جيل إلي جيل وثابتة ومتسالم عليها ، وهي قضية إسلامية أصيلة رصينة مقبولة ، وهي من المسلمات المألوفة المأخوذ بها لا ريب فيها والكل آمن بها ورددها ورغب بها وتغني واطمأن

ص: 129

وجاءت علي لسان شعراء المسلمين الكميت ودعبل وفي جميع المحافل والمجالس ، فلو كان فيها شك أو غرابة أو قضية دخيلة لوقفت الأجيال ضدها واعتبروها من الأمور الجديدة المختلفة خلقها أفراد أو طائفة ، أو ولدت في جيل أو عصر، أو جاءت بها تيارات عن الشرق أو عن الغرب أو تفاعلات دينية نتيجة اللقاء والالتقاء والامتزاج والتلاقح والتأثر والتأثير كما وقع في هذا الوهم صاحب كتاب (فجر الإسلام ) سامحه الله علي ما وقع فيه.

وهناك نصوص وتصريحات لو ذكرناها لطال بنا المقام وهي مذكورة في كتب الأخبار والأحاديث والروايات وهي نصوص لا يوجد فيها مدخل أو نافذة إلي ساحة الشك والاضطراب والتضارب أو التصادم مع جوهر الشريعة وهذه النصوص والروايات والأحاديث والبشارات والآراء المقبولة والتطبيقات للآيات القرآنية التي حاول كثير من المفسرين جعل المصداق لها هو الإمام المهدي عليه السلام فقد طبقوا وفسروا كثيرا من الآيات عليه ، وقسم منها يبشر بزمانه وظهوره قبل ظهوره و قبل تراكم الأحداث وقبل تفاقم الأزمات وقد حصلت أو في طريقها إلي الحصول والوقوع وفيها دلالة مقبولة ومؤشرات عن ظهوره ولا بد من ظهوره وهذه اللابدية قد حصل عليها الإجماع بعد الإجماع عند جيل وجيل آخر وزمن لاحق عن آخر سابق معمول به ومأخوذ بمصداقها ومعقولها لم يتوقف أحد ولم يقف عندها مطلقا :

- ذكر الترمذي في صحيحه 2: 270 قال : قال : قال رسول الله صلي الله عليه واله :

ص: 130

« لاتذهب الدنيا حتي يملك العرب رجل من أهل بيتي »

وورد أيضا في الجزء المذكور وفي الصفحة نفسها قال النبي صلي الله عليه واله : « لو لم يبق من الدنيا إلا يوم لطول الله ذلك اليوم حتي يلي رجل من أهل بيتي ».

- وفي الصواعق لابن حجر ص 97: «لو لم يبق من الدهر إلا يوم البعث الله فيه رجل من عترتي » .

وورد عنه صلي الله عليه واله : « لو لم يبق من الدنيا إلا يوم واحد لطول الله ذلك اليوم حتي يخرج رجل من أمتي ، يواطئ اسمه اسمي ، وكنيته كنيتي ، يملأ الأرض قسطا وعدلا كما ملئت ظلما وجورا ».

هذه الأخبار الموجودة المروية هل نصدقها أو لا نصدقها ، أما علماء المسلمين الذين عرفوا بالصدق والورع والأمانة ويؤخذوا بروايتهم ويرجع إليهم المسلمون في عصرنا ومن سبقنا ومن يأتي من بعدنا، هل يتهمون بالوضع والكذب في خصوص هذه القضية بالذات ونصدقهم في غيرها أم هم صادقون فيما قالوه وذكروه .

۔ صحيح البخاري لأبي عبدالله محمد بن إسماعيل بن إبراهيم واعطف عليه سنن المصطفي لأبي داود سلمان بن الأشعر السجستاني واعطف عليهما صحيح الترمذي لأبي عيسي محمد بن سورة ، ثم اعطف عليهم الصواعق المحرقة للشيخ شهاب الدين أحمد بن حجر الهيثمي وعقد الدرر في أخبار الإمام المنتظر لأبي بدر جمال الدين يوسف بن عيسي بن علي بن عبدالعزيز بن علي

ص: 131

المقدسي الشافعي والفتوحات الإسلامية للشيخ الإمام المتبع السيد ابن أحمد زيني دحلان والفتوحات المكية للشيخ أبي عبدالله محيي الدين محمد بن علي المعروف بابن العربي الحاتم الطائي وكشف الظنون ومفاتيح الغيب للإمام محمد فخر الدين الرازي ومفردات القرآن لأبي القاسم حسين بن محمد بن الفضل المعروف بالراغب الإصفهاني ونور الأبصار للشبلنجي وينابيع المودة في مودة ذوي القربي للشيخ سليمان القندوزي وغيرهم، وغيرها من المصادر الموثوق بها المعمول بها وقسم من الأحاديث التي تحدثت عن عدد الخلفاء وأئمة المسلمين ، وأن العدد الثابت المحدد الذي رسمه ورقمه وأثبته هو صاحب الرسالة وهي تجعل و تحصر الخلفاء بعد النبوة في اثني عشر إماما وخليفة لهذه الأمة بعد الرسول صلي الله عليه وسلم ، فماذا يصنع بها ؟ وعلي من تنطبق ؟ ومن هم هؤلاء الخلفاء الذين قصدهم الرسول صلي الله عليه واله بهذا العدد لا زيادة ولا نقصان وفي بعضها القائم المهدي عليه السلام بزمنه واسمه وصفاته وشمائله وما يفعله وما يصدر عنه من تصرفات ؟

وهذه الأخبار هي تثبت دعوي وادعاء من اعتقد بالأئمة اثنا عشر إمامة لا غير ولا تنطبق إلا علي الأئمة من أولاد الحسين عليه السلام وهم علي ومحمد وجعفر و موسي وعلي ومحمد وعلي والحسن والمهدي عليهم السلام ، ولا تنطبق علي غيرهم ممن تقلدوا وقادوا وحكموا وسادوا فإن العدد أكثر أو أقل وبينهم وبين الرسول صلي الله عليه واله أبعاد ومسافات وفجوات

ص: 132

فلا قربي ولا تقارب ولا انسجام ولا مشايعة له في مسلكه وسلوكه وسننه وأخلاقه وآدابه وهذه قائمة من هذه الأخبار التي رويت عنه في عدد الأئمة من بعده :

. أخرج مسلم في صحيحه 6: 2 طبع مصر سنة 1224 في كتاب الامارة (باب الناس تبع لقريش والخلافة في قريش ) عن جابر بن سمرة ، بطرق متعددة أنه قال : سمعت رسول الله صلي الله عليه واله يقول :

« لا يزال الدين قائما حتي تقوم الساعة ، ويكون عليهم اثنا عشر خليفة كلهم من قريش».

. وأخرج أحمد بن حنبل في مسنده بطرق عديدة ، عن عامر بن سعد بن أبي وقاص ، قال : كتبت إلي جابر بن سمرة مع غلامي : أخبرني بشيء سمعته من رسول الله صلي الله عليه واله ، قال : فكتب إلي : سمعت رسول الله صلي الله عليه واله يوم جمعة عشية رجم ... يقول :

« لا يزال الدين قائما حتي تقوم الساعة ويكون عليهم اثنا عشر خليفة كلهم من قريش » (1).

ومنها : عن مسروق ، قال : كنا جلوسا عند عبدالله بن مسعود وهو يقرئنا القرآن فقال له رجل: يا أبا عبد الرحمن ، هل سألتم رسول الله صلي الله عليه واله كم تملك هذه الأمة من خليفة ؟ فقال عبدالله بن مسعود : ما سألني عنها أحد منذ قدمت العراق قبلك ، ثم قال : نعم ، ولقد سألنا

ص: 133


1- مسند أحمد بن حنبل 2: 89، طبع مصر سنة 1212ه.

رسول الله صلي الله عليه واله فقال : « اثنا عشر كعدة نقباء بني إسرائيل » (1) .

ومنها : أخرج الشيخ سليمان القندوزي الحنفي في ينابيع المودة ص 445 : عن جابر بن سمرة ،قال : كنت مع أبي عند النبي صلي الله عليه واله فسمعته يقول : « بعدي اثنا عشر خليفة »، ثم أخفي صوته فقلت لأبي : ما الذي أخفي صوته ، قال : «كلهم من بني هاشم» .

هذا ما ورد في كتب اخواننا المسلمين ، ونحن نأخذ به ، أما ما ورد في كتب الشيعة أنفسهم فكثيرة وكثيرة ، وردت عن أئمتهم أئمة الهدي والحق وهم أقرب للرسول صلي الله عليه واله نسبا واتصالا وقربا وسلسلة وأفكارا ومن هم ومن هو ، مثلهم أو يدانيهم ، وقد ألف علماء الإمامية الذين تقترب عصورهم إلي عصر الإمامة المؤلفات الكثيرة في موضوع الغيبة وإثبات الإمام المهدي عليه اسللام والانتظار وما يقع قبل ظهوره من فتن وما يحدث بعد ظهوره ، كالشيخ المفيد والطوسي والنعماني وغيرهم ومن هؤلاء من إشباع هذه المسألة وأزالوا الستار وهدموا كل الشبهات وما دخل وادخل في أذهان المسلمين في عصرهم وهذه كتبهم قد وصلت إلينا لو رجعت إليها وقرأتها :

وقد ذكر المفيد في كتبه الروايات التي صدقها واطمأن لها وهو شيخ جليل مصدق مقبول عند الفريقين في استقامته وعقليته ومشربه ومبانيه ، فقد ذكر الشيخ المفيد في الأمالي عن أبي خالد الكابلي قال :

ص: 134


1- مسند أحمد بن حنبل 1: 298.

قال لي علي بن الحسين : « يا أبا خالد ، لتأتين فتن كقطع الليل المظلم لا ينجو منها إلا من أخذ الله ميثاقه ، أولئك مصابيح الهدي ، وينابيع العلم ، فينجيهم الله من كل فتنة مظلمة . كأني بصاحبكم قد علا فوق نجفكم بظهر كوفان في ثلاثمائة وبضعة عشر رجلا ، جبرئيل عن يمينه ، وميكائيل عن شماله ، وإسرافيل أمامه ، معه راية رسول الله قد نشرها لا يهوي بها إلي قوم إلا أهلكهم الله عز وجل : (1).

وقد ألف علماء الإمامية عشرات ، بل مئات ، من الكتب والردود والمناقشات في موضوع الإمام المهدي عليه السلام ، وقد ملئت الكتب القديمة والحديثة بأفكارهم وآرائهم ومعتقداتهم بهذا الإمام ، فهو من رسول الله صلي الله عليه واله وباسم رسول الله صلي الله عليه وسلم ويخطو خطوات رسول الله صلي الله عليه واله ، ولغته وأفكاره ودعوته ومسيرته فهو عن رسول الله صلي الله عليه واله وإلي رسول الله صلي الله عليه واله وعلي منهاج رسول الله صلي الله عليه واله وقد ورد : « إذا ظهر نشر راية رسول الله لا يهوي بها إلي أحد إلا أهلكه الله » (2).

وقد ورد : « إذا خرج خرج بسيف جده » .

وقد ورد : «إذا خرج الإمام القائم حكم بين الناس بحكم داود وحكم محمد».

وإذا خرج كانت الدنيا كلها تدين بدين الإسلام، وهذا ما بشر به

ص: 135


1- أمالي المفيد : 26، ط. النجف الأشرف.
2- نور الأنوار: 202.

سعيد بن جبير عندما سئل عن هذه الآية : « لِيُظهِرَهُ عَلَي الدّينِ كُلِّهِ » (1) ، قال هو الإمام المهدي عليه السلام ، كما في ....

وورد في الخبر: « إذا خرج الإمام القائم لا يترك بدعة إلا أزالها، ولا سنة إلا أقامها ».

وقد ورد : «إذا خرج المهدي لم يبق أهل دين حتي يظهروا الإسلام »، وبخروجه تطهر الأرض من النفاق والطائفية والضلال والتضليل والتفسخ ودعاة الرذيلة والاستعلاء والكذب والاعتداء وسفك الدماء ومن ينشر الضلالات بين المسلمين :

عن حذيفة بن اليمان ، قال : سمعت رسول الله صلي الله عليه واله يقول : « يميز الله أولياءه وأصفياءه حتي تطهر الأرض من المنافقين والضالين وأبناء الضالين » (2).

وإنما سمي القائم مهديا لأنه يهدي إلي أمر مضلون عنه ، وسمي بالقائم لقيامه بالحق، وإذا قام القائم حكم بالعدل وارتفع في أيامه الجور.

وهذا ما تنشده البشرية في ليلها ونهارها ومعاشها وسباتها ، فالأمن والأمان هو الراحة والاطمئنان وهو الإمام المؤمل لذلك ، وهو أمل الدنيا وأمل المحرومين ولا يخرج وإذا خرج لا يفعل إلا ما يرضي الله ،

ص: 136


1- التوبة : 33 و الفتح: 28 و الصف : 9.
2- أمالي المفيد: 92، ط. النجف الأشرف.

وقد ورد : «لا يتحرك ولا يخرج إلا بعد أن يؤذن له بذلك».

وورد : « إذا أذن له بالخروج صعد المنبر فدعا الناس إلي نفسه وناشدهم بالله ودعاهم إلي حقه وأن يسير فيهم بسنة رسول الله ويعمل فيهم بعمله » .

وكل هذه الأخبار والأحاديث تثبت حقيقة واحدة وهي عدم انفصاله وارتباطه واستقلاليته عن جده المصطفي صلي الله عليه واله ولا نعطيه من الصفات والسمات والامكانيات والقدرات والفاعلية والخطوات أكثر وأكبر وأوسع وأقوي مما كان لجده ولأبيه ، فهم في مسار واحد، وخطوات متعقبة وسبيل واحدة « قُل هٰذِهِ سَبيلي » (1) وخطوات علي والمهدي والحسين عليهم السلام هي خطوات محمد صلي الله عليه واله ، ولكنها خطوات جديدة تتلاءم وعصره وزمانه ، وأهل عصره من حيث العطاء ومن حيث المصلحة ومن حيث القوة والعدل والإنسانية والزمن والعطف بأهل عصره فليس هو إمام انتقامي يأتي بالعنف والتسلط والقهر والقوة والدمار والسفك إنما هو إمام هدي وإصلاح وتوجيه ليسلك الناس طريق الله ، وإذا وردت أخبار فهي رموز ومؤشرات ودلالات وكنايات واستعارات تحتاج إلي توضيح وتأويل لا الرفض والشك والتكذيب فليس من الأدب والعلم والمنطق أن كل شيء لا تهضمه ولا تتمكن من هضمه وتحليله تعمد إلي تكذيبه والتشكيك به ، وهذه صفة الجهلاء،

ص: 137


1- يوسف عليه السلام : 108.

فالطفل في عقله والأمي في ذهنيته ومن لم يعرف القضايا المختبرية والتحليل والمعادلات والمركبات لا يصدق بالحقائق الكامنة في الأشياء وبعد الاطلاع والنمو والانفتاح والتطور يصدق ويؤمن بها ، فإن آباءنا يختلفون عنا كثيرا ، ونحن نختلف عنهم أكثر، والأجيال القادمة تختلف عنا كثيرا أوسع فكرا وتقدما ورقيا وتطورا واتصالا وانفتاحا والحياة في حركة مستمرة والحضارات في مسيرة ورحلة ومواصلات ، فزمانه يختلف عن زماننا ، وما يصدر عنه يتلاءم وطبيعة ذلك العصر وذلك الزمان ، وما يدرينا كيف تكون الحياة القادمة والدنيا وتطورها وهذه نماذج من الروايات التي تقف عندها باستغرابوهي قابلة للتأويل والتحليل .

نصوص وأقوال وروايات وأحاديث :

كثرت الأقوال في الإمام الحجة وجاءت الروايات المختلفة وقرأنا نماذج منها وبعضها يتلاءم وجوهر الإسلام ومنطق العلم والبعض الآخر قد لا يؤخذ به إلا بعد تحليله وفهمه ومعرفة رموزه ودلالته وهذه نماذج منها :

1- « إذا خرج عليه السلام فكل سنة من سنينه بمقدار عشر سنين » ، فتكون السبع عن سبعين وتحليل هذا النص سهل لأنه من الأمور التقريبية .

2 - « إذا خرج يأمر الله الفلك بالسكون وقلة الحركة ، فتطول الأيام والسنون وتشرق الأرض بنورها ، وتذهب الظلمة ويستغني الناس عن

ص: 138

ضوء الشمس»، ومعناه أن الحياة هانئة رغيدة والناس منعمون مطمئنون في أيامه عليه السلام .

3- « إذا خرج عليه السلام يأمر أن يحفر نهر من ظهر مشهد الحسين إلي الغري يجري بينهما حتي ينزل الماء إلي النجف » ، وهذا من الممكنات ولا غرابة فيه ؛ لأن البلدان تتقارب والناس متواصلون فلا بعد ولا تباعد ولا انفصال .

4 - « إذا خرج يحمل معه حجر موسي الذي انبجست منه اثنتا عشرة عينا فلا ينزل منزلا إلا نصبه (نصب الحجر ) فتبجس منه العيون»، وأي غرابة في هذا الحديث ، أليس معناه العزم والفتوة والإرادة والحاجة الواقعة إلي استخراج المياه من العيون من باطن الأرض ؟!

5- « إذا خرج تكون رجة في الشام ويروح فيها مائة ألف رجل»، وقد حدثت الحوادث والأحداث والحروب بالأسلحة الفتاكة في عصرنا هنا وهناك.

1- « إذا خرج عليه السلام يبني بظاهر الكوفة مسجدأ له ألف باب وينصره الله بالرعب ، ويؤيده بالظفر ، وتطوي له الأرض ، وتظهر له الكنوز فلا يبقي في الأرض خراب »، وأي داعي إلي التشكيك في هذه الرواية والمسجدية ليس معناه الجدار والبناء قائمة لها عنوانها وثبوتها ولو علي الأرض بعد إثبات المسجدية وينصره الله كما نصر جده بقلة جيشه وتطوي له الأرض بظهور الوسائط وسرعة الحركة ، فالبعيد

ص: 139

قريب ، وما في باطن الأرض حتي المعادن والمناجم تتطور ويحصل الإعمار والبناء فتتغير الحال في زمنه وهو خير الأزمنة وهناك السعادة ويسعد الناس في زمن القائم عليه السلام .

7- ومن الروايات : « إذا خرج عليه السلام ينعم الله علي الخلائق في زمانه نعمة لم يتنعم قبلها قط »، وما يدرينا كيف تكون الحياة والنتاج والفكر والطعام والأشجار والثمار والأسعار والخير والرفاهية والحاجة .

8- ومن الروايات : « يعمر الرجل في فدكه حتي يولد له ألف ذكر لا يولد فيها أنثي»، ولعله يراد بهم الأولاد والأحفاد وما ينتسب إليه وإن نزلوا، والولد أحب إلي قلب الرجل وما يدرينا أن الذكور تتكاثر وتقل الإناث.

9- ومن الروايات : « تظهر الأرض كنوزها حتي تراها الناس علي وجه الأرض ، فإذا جرت المياه وحرثت الأرض وكثر الزراع واثمرت الأشجار واعشوشبت الأرض ونزل المطر بالخير كانت الأرض وجها أخضر» وهذه هي الكنوز .

10 . ومن الروايات : « أن الرجل يطلب فيأخذ منه زكاة فلا يجد أحدا يقبل منه لاستغنائه عما عند الناس واستغناء الناس بما رزقهم الله تعالي من فضله » وما يدرينا أن الأغنياء في زمنه هم أكثر الناس ، أما الفقراء فقد أغناهم الله وارتفع مستواهم في العيش فإذا شبعوا فلا يمدون أيديهم إلي الصدقات فعندها يفتش صاحب الزكاة فلا يجد

ص: 140

مستحقا لها.

11- ومن الروايات « إذا خرج عليه السلام يؤلف الله بين الشاة والأسد الضاري ويلعب الطفل بالحية فلا تمسه بسوء » وما يدرينا أن التآلف والروح الشريرة تموت وتظهر الطبيعة الخيرة فيعيش الأسد والشاة في بستان واحد والطفل يقترب من الحية وهي نائمة فلا يمسها ولا يقترب إليها كل له شأنه وسيرته وعمله وقصده فالآفات مشغولة بالذهاب والإياب ، فالشاة ترتع والأسد في عرينه ، فهذا قد وجد له ما يكفيه فلا اعتداء ولا عداوة ولا عنف وقد رأينا وشاهدنا الحيوانات المفترسة تحولت إلي حيوانات أليفة تعرف وتميز من قصدها بشر واعتداء فتألف له ولا تمسه بسوء.

12- ومن الروايات : «يخرج عليه السلام وهو شاب بين الثلاثين إلي الأربعين ، وكل بقعة مر بها بري نوره مشرقا ، كيف وقد قطع عمرا زمنيا طويلا منذ ولادته وغيبته الأولي والثانية ، وحتي هذا الزمن الذي نعيشه نحن ويعيشه أبناؤنا وأحفادنا ؟ إن ذلك سهل يسير ، معناه يخرج بعزم وقوة وإرادة وهمة الشاب ، وهم أهل العزة والعزم والعزيمة وإن كان شيخا في صورته ولكنه في حياته وعزمه واندفاعه شاب يملك ما عند الشباب من الهمم والإرادة .

13- ومن الروايات : « يخرج عليه السلام ويخرج معه من ظهر الكوفة سبعة وعشرون رجلا خمسة عشر رجلا من قوم موسي واثنا عشر رجلا من

ص: 141

قوم عيسي عليه السلام ، وظهر الكوفة مجال واسع يدخل فيه المكان اللامحدود وقوم موسي من أحبه وأطاع وآمن به وأخذ به وكذلك عيسي عليه السلام ، وأي غرابة ، فإن الإمام المهدي عليه السلام له اتصال برسول الله صلي الله عليه واله ، ورسول الله صلي الله عليه واله امتداد واستمرار واتصال بمن سبقه من الأنبياء فلا ينفصل هذا عن هذا وهم أسرة واحدة وحملة رسالة واحدة ودعاة إلي الله هذا تابع وهذا ملحق وهذا لا ينفصل عن هذا، والأئمة أو الأوصياء هم سلسلة جاءت بعد النبوة فلا غرابة أن يكون تقاربا في الأفكار واتصالا في القصود والأهداف ، فالمهدي والهادي والهداة والدعاة هم كلهم يهدون بأمر الله ومن الله وإلي الله وعن الله فلا ينفصل من أطاع هذا عن غيره وأطاعه هذا إطاعة للأول وللسابق وقد ورد : « إذا خرج المهدي يظهر الهدي وينتشر الإسلام وتنهدم البيع ودور الضلال ».

أليس هذا هو الذي جاء به محمد وعيسي وموسي وكل الأنبياء عليهم السلام ؟ وقد ورد : « إذا خرج يملأ الأرض قسطا وعدلا كما ملئت ظلما وجورا ، فالقسط والعدل والانسانيات والسعادة والخبر والصلاح والإصلاح والأمن والأمان هو رائد كل الرسالات السماوية في الأرض وبه جاء محمد صلي الله عليه واله والتوحيد صوت الجميع « أَنَّمَا إِلَٰهُكُمْ إِلَٰهٌ وَاحِدٌ » (1) والخوف والخشية والرجوع والاعتماد والتوكل علي الله

ص: 142


1- الكهف: 110. الأنبياء: 108. وفصلت : 6.

عنوان الرسالات السماوية وهو منطق عيسي عليه السلام وتفكير محمد صلي الله عليه واله وخطوات موسي عليه السلام ، فأي فاصل وأي فصل وانفصال بين هذا وذاك فهم دعاة الحق والحقيقة والعدل .

والتساؤل هنا: هل حقق الأنبياء عليهم السلام أهدافهم كلها ونشروا رسالاتهم ؟ وهل بلغوا بكل ما حملوا به وفي طريقهم العقبات والأشواك هل فعلوا كل شيء وأكملوا أدوارهم يملكون القدرات والمعاجز القاهرات أو تركوا أمورا كثيرة لا يكملها ولا يؤديها إلا من جاء بعد هذا وبعد ذاك وحتي خاتم الرسل صلي الله عليه واله فقد ترك الكثير إلي الإمامة تعمله وتؤديه وكم قرأنا من أذكار وتفسيرات ومواقف وأدوار للإمام أداها في المناسبات وعند الاقتضاء ، فآيات شرحت وإجابات صدرت وهي للإمامة ولم تصدر عن النبوة وهي كثيرة مسطورة في الكتب الإسلامية لو قرأتها لصدقت ما قلناه وما عرضناه فالإمامة بعد النبوة أدت دورها وبقيت أمور تنتظر الزمن ونضوج الأفكار وتطور الحضارات والارتقاء عند ظهور الإمام المهدي عليه السلام ، فهي بين النبرة وعن النبوة وإلي الإمامة وبعد انتهاء فترة الانتقال ونضوج وانفتاح العقليات ونمو الأفكار.

ص: 143

المبشرون والبشارات

والمنتظرون لظهوره عليه السلام ؟

وقد تسألني أو تسأل التراث الإسلامي الصحيح المقبول المأخوذ به المتداول : هل ورد اسم المهدي علي لسان رسول الله صلي الله عليه واله أو لسان الصحابة الكرام أو لسان الأئمة من قبل ؟ قبل ولادته وقبل غيبته .

والجواب : جاء علي لسان رسول الله صلي الله عليه واله اسم المهدي وصفته وزمنه وظهوره في كتبنا وكتب المسلمين عامة وحتي كتب غيرنا .

جاء في كتاب اليقين لابن طاووس ص 122: « وسماه رسول الله صلي الله عليه واله بأسماء كثيرة » ، وابن طاووس رجل مشهود له بالصدق والأمانة وموثوق بآرائه عند الجميع وقد أجمع من قرأ له بأنه صادق في كلماته وألفاظه وأفكاره وخطاه وخطواته .

قال رسول الله صلي الله عليه واله : «ألا إن المهدي عليه السلام منا، الظاهر علي الأديان ، المنتقم من الظالمين ، إنه فاتح الحصون وهادمها، وقاتل كل قبيلة من الشرك ، المدرك لكل ثأر لأولياء الله ، ألا إنه ناصر دين الله ، ألا إنه المجتاز

ص: 144

من بحر عميق ، ألا إنه المجازي كل ذي فضل بفضله وكل ذي جهل بجهله ، ألا إنه خيرة الله و مختاره ، ألا إنه وارث كل علم والمحيط به، ألا إنه المخبر عن ربه السديد ، ألا إنه المفوض إليه ، ألا إنه قد بشر به من سلف من القرون بين يديه ، ألا إنه باقي حجج الحجيج - الجميع - ولاحق إلا معه ، وإنه ولي الله في أرضه ، وحكمه في خلقه ، وأمينه في علانيته وسره » (1) .

ومثل هذا كثير وكثير وما أكثر الأخبار والبشارات فقد جاء في المصدر نفسه (2) أن النبي أخبر عن عدد أوصيائه وأنهم اثنا عشر وصيا . فما هو مصداق هذه الرواية وعلي من تنطبق و من هم الاثنا عشر، فما علينا إلا أن نشكك أو نقف عندها ، ومعناه يدعونا ذلك إلي هدم الثقة بعشرات من أئمة المسلمين وثقاتهم المشهود لهم بالوثاقة والأمانة وإلا فلا داعي إلي التكذيب ، وهل يجوز تكذيب المسلم بلا داعي ، وإذا رجعت إلي المصدر نفسه وقرأت خطبة النبي صلي الله عليه واله في حجة الوداع اقرأها من جديد وهي مذكورة في كتاب اليقين لابن طاووس ، ثم عاود قراءتها وقف عندها طويلا سوف تدرك بأن المهدي عليه السلام لا ينفصل عن رسول الله صلي الله عليه واله ولا يبتعد عنه ، وأن الأفكار هي الأفكار (هي هي ) ولكن الناس يسرحون ويمرحون ويتقبلون

ص: 145


1- اليقين لابن طاووس الحلي : 103 و 122. ط. النجف الأشرف.
2- المصدر المتقدم : 60.

فنون الشك والتأويلات ، فمنهم من آمن بها واعتقد وأخذها تعبدا وانصياعا لأنها مسألة لا ينفر منها الفكر والذوق والاستحسان وتقبلها النفوس ولها نصيب من الوثوق والجذور الإسلامية ، وقسم شوهها قصدأ أو جهلا أو عصبية ، وحاول تغيير معالمها جهلا وعنادا وتعصبا أو تخلفا و خانه ضعف الإيمان وسوء الهضم والجهل وعدم الاطلاع علي واقعها من ينابيعها ومصادرها، فابتلي بداء وهو سوء الهضم الفكري والأفكار قد تهضم وقد يصعب عليها الهضم وهذا ما نهي عنه آل البيت أتباعهم وطلابهم أنهم لا يحدثوا الناس مما لا تقبله نفوسهم وعقولهم وقالوا : «إن أمرنا صعب مستصعب ».

أما القسم الثالث وهم الثابتون علي القول علي الحقيقة علي الواقع الذي عرفوا الإسلام دينا، وأن الإمامة بعد النبوة ، قوة وحص ورعاية ، وبقاء للإسلام، وبقائها بقاء للإسلام وهؤلاء الذين عرفوا أن المهدي هو الإمام الثاني عشر ، وأن الإمام باقي وهو كمال وتمام للإمامة و به يبشر الإسلام و به ترتفع وراية الله أكبر علي هذا الوجود لأن ذلك لم يتحقق لجده المصطفي من قبل ولكن إرادة الله اقتضت أن يكون هذا الإمام الثاني عشر هو الذي ينشر الحقويطبقه ، والله ناصره ونصرة الله لها عوامل وأسباب ودوافع قد ينصره الله بالهواء بالبرق بالرعد بالأصوات، والله خير الناصرين ، وإذا أراد الله شيئا لا تعوزه الأوهام والقضايا والتصورات عند بني البشر وهذا هو الوعد الحق.

ص: 146

الانتظار وما هي أخبار الانتظار ؟

هل نبقي علي الانتظار، وهل نثاب إذا كان الانتظار هو التكليف في حقنا ؟

وهنا أسئلة كثيرة وخطوات متعددة نخطوها قد نجتازها وقد نتعثر في الطريق لأن الطريق شائك ومن كان طريقه شائكا فيأخذ الحيطة خشية من الوقوع في الخطر أو الضلال ، لماذا الانتظار ؟ نسأل أنفسنا نحن المنتظرون ، هذا هو السؤال الذي يتردد اليوم، وهو حديث الساعة.

وهل نحن أمة مكلفة واصلة إلي مرحلة من الوعي السياسي والانفتاح الفكري ،وما هو واجبنا الشرعي ؟ هل هو السكوت والصبر وتحمل الأذي ونبقي بالانتظار وإن طال الزمن ، وقد طال الانتظار وانتظر آباؤنا وأجدادنا ونبقي بهذا الانتظار إلي أن يأذن الله لهذا الإمام الهادي ، فإذا أذن الله له وخرج وعندها وبعدها نتوئي القيام بمسؤوليته

ص: 147

وهو أعرف بالمصلحة والبناء والهدم والتغيير أو نبقي علي الانتظار وإن كنا نملك من الامكانيات والعدد والخطط أو نبقي علي الانتظار وإن ذابت هذه الأمة وأحاط بها أعداؤها وإلي متي هذا الانتظار وقد طال ويطول وسيطول وسوف يطول كل ذلك ونبقي علي الانتظار، وماذا بعد، لو طال وامتد وكثرت المشكلات وتأزمت الحال وبقي الإمام علي هذا التستر والابتعاد والخفاء أو نبقي علي التكتم والكتمان .

هل نبقي هكذا كما بقي آباؤنا، ونتحمل كما تحمل أجدادنا، وساروا علي التقية كما يقولون ؟

أتدري كيف نحن ، وماذا وقع ، وماذا حل بنا دون غيرنا فصبرنا وتحملنا وتجرعنا منذ غيبة هذا الإمام ويوم غاب عن أعين النظار واستتر عن هذه الأمة ولم تزل هذه الأمة وهي صابرة وصبرت ، وماذا بعد هذا الصبر، وقد تحملت ألوانا كثيرة وصنوفا وأصنافا من الأذي والشدائد وهي تنتظر الفرج ، وهل هناك لون جديد من ألوان الأذي لم تتجرعه ولم يقع عليها كل ذلك قد تجرعته وهي صابرة .

أهذا هو التكليف الشرعي ، وهذا هو الامتحان ، كما يعلل من كتب في فلسفة غيبة الإمام ؟ وهل يطول عمر الإمام إلي آلاف من السنين القادمة فكيف حال الأنبياء والأحفاد إذا غرقوا في طوفان من الأذي والمحن والأزمات وما هو تكليف الأبناء والأحفاد في المستقبل القريب أو البعيد هل هو الصبر والتحمل ولا يجوز لهم (شرعا)

ص: 148

أن يحركوا ساكنا أو ينطقوا بحرف واحد ؟ وكأن الله قد كتب علينا ذلك وعلينا أن نتحمل هذا البلاء والامتحان الشديد وملاقاة الأهوال القوية والآلام بصدور وقلوب من حديد ومواجهة الطغاة في الأرض والحاكمين في الدنيا هكذا ...

ومتي ، وإلي متي ، وإذا طال الزمن وامتد إلي ألف قادم أو امتد إلي ألفي ثانية أو ثالثة أو رابعة أو أكثر ويطول الزمان وإن قدرنا أو قلنا بهذا التقدير فلماذا لا نتحرك وننطلق وتحسب الأمة وتفكر عن مخرج ومنطلق ويقظة وتسلك وتخرج من هذه الزاوية والانطوائية ، وهذا الصمت ، وتفتش عن مسار وطريق شرعي لتحقق هدفا مقبولا ما دام الحديث الوارد (حديث المسؤولية ) التي هي مسؤولية الجميع « كلكم راع » المسؤولية مسؤولية الجميع ، ولكن هل تتجزأ أو لا تتجزأ أو هي الفئة دون أخري وهل هذه المسؤولية هي مسؤولية البعض أو هذا دون هذا أو هذا الفرد من حيث هو عضو بعينه أنت دون غيرك ، أو هي مسؤولية الأفراد مجتمعين من حيث هم أعضاء متماسكون قادرون يملكون الإحساس والحركة علي الخطوات هؤلاء هم المكلفون دون غيرهم أو التكليف واحد تكليف الجميع العالم والجاهل والفقير والغني ، وما هو هل هو الاصطبار أو الصبر أو الانتظار أو ذلك ما وجدنا عليه آباءنا؟

كيف والحال قد تغيرت أو نبقي علي الانتظار والعدو قد تكاثرت

ص: 149

أفراده لماذا الانتظار وماذا ننتظر وقد تباعد أبناؤنا عن هذا الدين وأخذتهم الأمواج الحمراء والبيضاء وحتي الموجة المتوسطة والموجة الصغيرة ، ماذا بعد هذا الانتظار وهذه الأمواج القادمة إلينا ، وهذه الذبذبات المتواصلة قادمة علينا من هاهنا وهاهنا ، أهكذا نعيش والناس تقاطعوا وتدابروا وتعاملوا بسوء الظن واستهزأوا وسخر بعضهم بالآخر أبعد ذلك نبقي حتي يأذن الله لهذا الإمام بالخروج.

أهذا كلام مقبول ، ومن يأخذ به ، أنتظر حتي تمتلئ الدنيا شرا ، ومتي تمتلئ ؟ وكيف تمتلئ ؟ وبماذا ؟ وقد كثرت الشرور وطغي الفساد وانتشر بعدما ظهر في البر والبحر، أو نبقي نرفع أيدينا بالدعاء ليدفع الله عنا ما نحن فيه ونحن نستطيع أن نرفعه لو تحركنا ، أو نبقي نردد وندعو ونطلب الفرج من الله ونصوت ونستغيث .

ماذا بعد ذلك وكم استغثنا ودعونا وبكينا كل ذلك ونبقي علي الانتظار إنها حكاية قديمة حكاية القدماء ..

إن الأمة الراكدة الساكنة في طريقها إلي الاحتضار وبعد الانتظار هو احتضار الموت الذي صنعناه بأنفسنا، وأن الأمة التي تبقي هكذا علي ذلك إنها تموت وقد ماتت أو تحتضر ويأكلها ذئاب الأرض إذا لم تحرك بدأ فما معني قوله تعالي : « إِن تَنصُرُوا اللَّهَ يَنصُركُم » (1)

ص: 150


1- محمد صلي الله عليه واله : 7.

أين العزم والحزم ؟ وما معني قوله تعالي : « اِن يَنصُركُمُ اللهُ فَلا غالِبَ لَكُم » (1) أو ننتظر السماء أن تسقط علينا حجارة أو ملائكة تدافع عنا ، لماذا كل ذلك ، ولماذا نتظر وقد غرقنا ؟

والسؤال الثاني : لماذا هذه الغيبة الطويلة ، وما هو السبب ومن أجل ماذا ؟ هل هو الخوف والحذر والفرار ؟ وهل الغيبة هي السلامة ؟ وهل الحذر من السلطان من الحاكم ؟ فإن كان ذلك كان من سلطان عباسي فإن الحكم والسلطة العباسية زالت واندثرت والحال قد تغيرت وقد ذهبت أمس وما فيها والحال وما عليه أو ما عليها ؟ وهل يرضي هذا الإمام إن الإمام يرضي أن تصبح هذه الأمة وهي بهذه الحال وأن يكون لعدوهم عليهم سبيل ؟ هل نحن بانتظار الفرج ؟ ومن هؤلاء الذين سوف يفرج الله عنهم بخروج هذا الإمام الغائب ؟ وهل كل مسلم أم هم رجال معلومون معدودون معروفون ما هو الجواب وأي أمة هي إذا خرج إمامها ؟ كيف هي وكيف تكون الناس إذا ارتدوا وتباعدوا عن هذا الدين وتلاشت وتمزقت وتدابرت كيف تكون هذه الأمة وإذا خرج كيف يجدها هل يجدها أمة ميتة شجرة يابسة أجساما موزعة أو يجدها قد وعت وأدركت .. إذا وعي الناس دينهم فيخرج ويجد أرضية صالحة لينشر العدل ويحكم ويوضح ويفهم ويبين للناس الشريعة ويدلهم علي الطريق كيف ؟

ص: 151


1- آل عمران: 160.

ونتساءل ونسأل أنفسنا : هل نصلح أن نكون جيشا عقائديا واعيا ومعسكرا مدركا مدربا ثم يخرج هذا القائد ( المهدي عليه السلام ) الذي ينشر الهدي ويقاتل بنا عدونا لأننا جيش ونؤمن به ونحن بانتظاره فما معني الانتظار . إن أمة تعيش الانتظار وهي علي الانتظار من أجل أهدافها في هذه الحياة وإنها أمة تنتظر قائدها ليقودها ويتقدمها كيف وقد فقدت قوتها ومعالمها وهي باقية علي الانتظار وقد طال هذا الانتظار ويطول ويطول والانتظار مهما كان فيه من ألم فكيف لو طال الانتظار فالألم يزداد ويتكاثر، فكيف تكون هذه الأمة في هذا الانتظار الطويل وكيف الآلام وهي في زمن الغيبة كم هي الحوادث والآلام إنها سلسلة طويلة وأحداث وشبهات وتفكك في الصفوف وإصابات في الأجسام وظنون وأوهام.

إن أمة تعمل بالظنون قد غرقت في أمراضها المختلفة « نْتَظِرُوا إِنَّا مُنْتَظِرُونَ » (1)، نحن منتظرون ونبقي ندعو ونرفع أيدينا ونرفع أصواتنا ونبقي ندعو والصوت هو الصوت والدعاء هو الدعاء : « اللهم عجل فرج محمد وآل محمد. اللهم أرنا الطلعة الرشيدة والغرة الحميدة ... الغوث الغوث العجل العجل » بهذا وبغيره من أدعية التوسل والندبة والاستغاثة نعيش ونصوت كما كان آباؤنا من قبل « اللهم عجل فرج إمامنا » لماذا هذا الدعاء بالتعجيل والتسهيل والتقريب ومن أمرنا

ص: 152


1- الأنعام : 158.

بذلك ؟ كيف وقد طالت المدة وامتد الزمن علينا وغزتنا أمم الأرض بما تملك من إمكانيات وهبت علينا رياح الشرق والغرب ، ونحن جالسون في الزوايا والمحاريب والتكايا والغرف المظلمة جالسون أو نائمون أو راكدون لا نحرك بدأ لا بالحجارة لندفع عن أنفسنا الضيم رضينا بالذل فسكتنا هل أمرنا الإمام أو النبي صلي الله عليه واله ، وهل أمر الرسول أتباعه بهذا وهل انتصر الرسول بهذا من قبل ونبقي نستغيث وتتحقق الأهداف فما معني قوله تعالي : « وَأَعِدّوا لَهُم مَا استَطَعتُم مِن قُوَّةٍ » (1) أو نبقي ولا نتحرك نبقي نعيش التفكك والتحلل والانهزامية لا أذن تسمع ولا عين تبصر ولا تستطيع الحركة ولا نرفع حجرا من مكانه لنرمي به عدوا إذا لم يكن عندنا سلاح غيره ولو قاتلنا عدونا بالحجارة لانتصرنا . إننا كثرة وعدونا أقل منا ، أتبقي هذه الأمة بهذه الحال فلا تنتبه من هذا الرقاد ولا تتراجع ، إلي متي وتبقي كما هي تدعو وتسكب العبرات ، إنه والله الجهل ، والموت والتناقض والسقوط ، إنه التناقض الديني والجهل بالدين، فالدين الذي يدعو إلي النشاط والقوة والحركة والعمل والتدريب والوقاية والوعي والاستعداد كيف ندعو إلي الخمول والسكون ، وهو القائل « وقل اعملوا فسيري الله عملكم ورسوله والمؤيثون » (2) ، ما هو ذلك العمل الذي قمنا به ليرانا المؤمنون ،

ص: 153


1- الأنفال : 60.
2- التوبة : 105.

ومن هم المؤمنون إنه قائد المؤمنين ورأينا قربه ، إنه الإمام القائد ذلك الحفيد الحاضر الناظر القائم ، وذلك المنتظر إنه يريد منا غير هذا غير ما نحن عليه.

إلي متي هذا الرقاد يا أمة محمد صلي الله عليه واله ويا جيش الإمام ، فهو يريد النشاط يريد من الأمة غير هذا ليراها موحدة فإذا اطمئن بها نهض اليسير بها أما إذا بقيت ترتل آيات الدعاء وتذرف الدموع وتكثر من الآهات والحسرات وهي متناحرة متفرقة ماذا تحقق لنفسها وليومها ولغدها ، هل تحت الفرقة الانتظارية أو الأمة المنتظرة النائمة علي الضيم والأذي ، الغارقة في أحلامها ، التاركة حقها .

أنحن تلك الأمة ماذا يقول عنا التاريخ، وماذا يصمنا أبناؤنا وأحفادنا القادمون ، وماذا نجيب هذا الإمام لو حضر في غډلو سألنا إننا انتظاريون وقد أمرنا بالانتظار وانتظرنا ، فهل أمرنا بالصبر علي الآلام ومقابلة الحوادث بصبر وجلد وتحمل وننتظر الفرج المرتقب من قال ذلك إنها مسألة تكونت وصارت الفرقة الانتظارية ونظن إنها علي صواب وعملها مطابق للواقع وأنها تثاب علي ذلك وأن الانتظار عبادة من العبادات المشرعة في حقها في زمن الغيبة ، كيف وهي قادرة علي تحقيق زعامة وإيجاد قوة وإعدادها وإمكانية وكثرة عدد وأيد تبني ما هدمته الدهور لو اتفقت كلماتها ونزعت عن قلوبها الغل الموروث عن الأيام المظلمة الأيام البالية التي كانت عليها هذه الأمة كل ذلك

ص: 154

سهل وما أقدرها لكنها رغبة بالانتظار مدعية أن ذلك مروي بنصوص وروايات وأن أئمتهم أمروهم بالانتظار ومن قرأها وقف عندها طويلا ضاحكا باكيا .

تعال معي واقرأها فقد ذكرت في كتب الغيبة وهي كثيرة وهل يجب علي كل مسلم القادر وغير القادر الصغير والكبير القائد المتمكن العالم أن يأخذ بها ويصبر ليكون انتظاريا في كل شؤونه الخاصة والعامة ولا يرفع ولا يدفع ولا يتحرك ولا يصعد جبة ولا يهبط واديا ولا يتكلم ولا ولا .. ويبقي منتظرا لأن الانتظار هو الحكم الشرعي وفيه ثواب جزيل لأن هناك روايات تحبذ أو ترشد وأوامرها إرشادية وأن انتظار الفرج من صفات المؤمن كما يقولون فعليكم بالانتظار أيها المؤمنون وحتي لو طال الانتظار وقد طال ويطول ويبقي يعيش هذا المؤمن الضعيف القوي الذي يتضاعف ويبقي بهذه الحالة.

1- في الاحتجاج عن السجاد عليه السلام في حديثه عن الإمام الثاني عشر عليه السلام قال : « وان القائلين بإمامته المنتظرون لظهوره أفضل أهل كل زمان » .

لأن الله تعالي ذكره أعطاهم من العقول والأفهام والمعرفة ما صارت به الغيبة عندهم بمنزلة المشاهدة وجعلهم في ذلك الزمان بمنزلة المجاهدين بين يدي رسول الله بالسيف أولئك المخلصون حقا ؟

2- وقد ورد عن الصادق عليه السلام وهو يوصي أحد طلابه عندما سأله

ص: 155

فقال : فماذا يستعمل المؤمن في ذلك الزمان ؟ قال : «حفظ اللسان ولزوم البيت ....» .

أهذه هي وظيفة المؤمن في هذا الزمان أن ينحجر في حجرته ويعتزل الأمور العامة ؟

3- وقد ورد عن علي بن الحسين عليهما السلام ، قال : « انتظار الفرج عبادة »، ماذا يقصد بانتظار الفرج هل هو السكوت أو الاعتكاف في المساجد أو صم الآذان عما يقع ويحدث أو تكتيف الأيدي إلي الوراء أو يردد : ماذا علي إذا وقع البلاء علي غيري ، فلا مواساة ولا اطلاع ولا مشاركة وكأنه ليس من المسلمين ؟

3. وفي العيون عن الرضا عليه السلام، عن آبائه عليهم السلام ، قال : قال رسول الله صلي الله عليه واله : « أفضل أعمال أنتي انتظار فرج الله تعالي » ، وقد ورد : « أفضل الأعمال انتظار الفرج»، ومن أخبار الانتظار قد ورد بصيغ مختلفة : و انتظار الفرج أفضل الأعمال، وقد انتظرنا وانتظر آباؤنا وينتظر أبناؤنا، فهل في ذلك رضا لله ولنا فيه صلاح وقوة ووعي وإعداد واستعداد أو فيه كبت وصمت وتحمل الأذي ؟ وأخبار الانتظار مهما كثرت واختلفت واتصلت وانفصلت أو كانت مقطوعة السند أو ترددت علي الألسن ، أو تواترت أو ذكرها من هو أفضل منا أو وجدناها مسطرة في الكتب القديمة والحديثة .

1- فهل هي تحمل تكليفا شاملا لكل أفراد الأمة الصغير والكبير

ص: 156

والذكر والأنثي والقادر والمتمكن والفقير والغني والقوي والضعيف .

هل هي تدل علي وجوب قطعي ولا يمكن تأويلها واقتصارها علي غير القادر ، أما القادر فله حكم وتكليف آخر والتأمل في أخبار الانتظار وشأنها قد نجد فيها لمسات ومؤشرات بأنها ولدت وحدثت في زمن الغيبة أو بعد الغيبة ، فهل هذا الانتظار بدايته من الغيبة ونهايته عند الظهور أو هي لها أبعاد أخري فهل هي أخبار لها زمن محدود وينتهي العمل بها وتطوي ثم تموت وتندثر بظهوره عليه السلام ؟

وأما الأخبار الأخري التي تبشر بظهوره والإيمان به فهي أصوات قديمة ذات هدف واحد وقصد و مقصود معين فهي أصوات متصلة وأفكار متواصلة منذ أقدم الأزمنة ، وهذه الأصوات والنداءات العالية كلها لأبناء الدنيا بأن هناك إمام مصلح هو الإمام المهدي عليه السلام الذي يصلح الدنيا بخطواته، فهو المنتظر، وهي بشارات وتبشيرات وهتافات للأجيال القادمة ، نحن وحتي من يأتي بعدنا لانخص المسلمين أو خصوص من يحمل الولاء لآل محمد صلي الله عليه واله ، فهي بشارات بولادته وبمقدمه الشريف وبإصلاحاته لينعم أبناء الدنيا بهذا الإمام المرتقب الذي يملأ الدنيا ، كل الدنيا ، المشارق والمغارب ، الفقير والغني ، الأسود والأبيض، وهذه هي السعادة التي من أجلها هتف المبشرون ، وما أكثر هؤلاء المبشرين بظهوره حتي سعيد بن جبير شيخ قراء العراق ، فقد ذهب في تفسير هذه الآية : « لِيُظهِرَهُ عَلَي الدّينِ

ص: 157

كُلِّهِ » (1) وهو الذي ينشر الدين في كل أطراف الدنيا ليعم القارات والأمم والقوميات ، ولا يظهر إلا بعد أن تتحول الحياة إلي أمواج من الفتن والشكوك والاضطرابات .

وقد ورد عن الصدوق عن أبي عبدالله عليه السلام ، قال : « يأتي علي الناس زمان يغيب عنهم إمامهم فيا طوبي للثابتين علي أمرنا في ذلك الزمان » ، فقيل : يابن رسول الله ، فما أفضل ما يستعمله المؤمن في ذلك الزمان ؟ قال : « حفظ اللسان ولزوم البيت »

وتعني هذه الرواية الصبر والتحمل ؛ لأن المؤمن يعيش في سجن واسع ويعيش مع غير فصيلته ، فعليه أن لا ينفصل عن الحياة ؛ لأنه هو ابنها ، وعليه أن يسير ويواكب ويعايش الناس وإن ضلوا، وهذا هو المقصود «الدنيا سجن المؤمن » ، ونحن بين فكرتين وبين فترتين أو حياتين ، زمن ما قبل الخروج ، وزمن ما بعد الخروج، أما ما قبل الخروج فناس تعيش في ظلام وتردد وارتباك.

تقول الأخبار أن الإسلام يندرس ويسقط ويذوب ، ويكون من الأمور المستغربة ، وتترك الأمة الحق ، وتتعطل أحكامه ، وتنساه ، وتميل إلي غيره فتعيش بغربة « لا يبقي إلا اسمه والقرآن إلا رسمه»، أصحيح ذلك أو هو مجرد فرض أو مطلق احتمال وظنون لا يؤخذ بها ،

ص: 158


1- التوبة : 33 و الفتح: 28 و الصف : 9.

أو هي أوهام وتنبؤات وأحلام النائمين ، والإسلام أقوي من كل ما يحدث ويقع ؛ لأنه دين الحياة ومعناه يساير الحياة هذه هي الفكرة الأولي .

أما الفكرة الثانية وتقول أن الإسلام قوي ، وأقوي من الزمن ، وأقوي من كل فكرة ، و من كل مذهب ، إنه الحصن الحصين ، وقوة لا تقهر ، وراية خقاقة ، إنه دين الله ، أحكمه وأنزله ، وهو الذي تكفل بحفظه سيبقي يتحدي وصوته لا يخمد وسيبقي ، وهو الذي يدفع الأمة ويحركها ويعدها ويبقي هو هو، فإذا خرج الولي المصلح ينشره ويبعثه ويطبقه بما يملكه من سلاح وقدرات وصلاحيات وليس ذلك علي الله بمستحيل ، ولا مستبعد، فهو الذي قال :

« إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ » (1)، وهو القائل :

« إِنَّا لَنَنْصُرُ رُسُلَنا » (2)، وما يدرينا كيف تكون الحياة بعد ألف عام، وكيف تكون العقليات بعد ألف عام، هذه مسألة لابد من دراستها وهي من الأمور المستقبلية والقضايا التي يبحثها المعنيون بعقليات الشعوب وأخلاق الأمم، وما يدرينا أن أمتنا سوف ترتقي عقليا وتتيقظ وتصل إلي درجة من الوعي وتنبه إلي أن الإسلام هو الذي يدير شؤونها فترجع إليه وتفر إليه والفرار إليه فرار إلي الله « فَفِرُّوا

ص: 159


1- الحجر: 9.
2- غافر: 51.

إِلَي اللَّهِ » (1) أيها المسلمون ، فهو خالقكم، وهو الذي اختار لكم هذا الدين ، وهو دين آبائكم وأجدادكم.

ونعود إلي أخبار الانتظار ونقف عندها ونتأملها فقد يقع التعارض فيها في الميدان العملي العام أو الوظيفة الشرعية التي يخاطب بها الإنسان المسلم المكلف ، فما هو دوره إذا وقف علي المسرح السياسي ، هل يعمل بها ، وماذا يقوم به ، فإذا قرأناها من جديد فهي تحت هذا الإنسان المسلم علي انتظار الفرج أو انتظار البطل المصلح أو انتظار المهدي الذي يعيد إلي النفوس كرامتها ومعناه الصبر أو الاصطبار أو التصبر بلا اختيار صبر علي ألم، ومعناه التوقف عن الحركة وعدم ممارسة أي عمل من الأعمال في أي حال من الأحوال، وهذه هي الأخبار صريحة واضحة في هذا الجانب فلا دفاع ولا كلام ولا إنكار ولا استنكار ولا رفع ولا وضع ولا تغيير . ومن جهة أخري أن المسلم مكلف بواجبات كثيرة ويجب عليه القيام بها ، ولا يجوز له تركها أو التقصير بها ، وهي أمر أو نهي ، افعل ولا تفعل ، والعقل حاكم في ذلك.

1- يجب عليه دفع الأذي عن نفسه وعمن هو مسؤول عنه « قُوا أَنْفُسَكُمْ وَ أَهْلِيكُمْ » (2)، «كلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته ،

ص: 160


1- الذاريات: 50.
2- التحريم: 6.

فعلي المسلم أن يدفع عن نفسه وعن ولده وعن أهله وعن عشيرته الأذي والضرر، وهذا من أوضح الواضحات ، كما أن حفظ النفس واجب ، فدفع الأذي واجب عنها ، والإلقاء في التهلكة محرم شرعي وعقلي

2 - يجب عليه أن يقول كلمة الحق إذا عرف الحق .

3- ويجب عليه الاهتمام بأمور المسلمين .

4- ويجب عليه الوقوف أمام الأوضاع الفاسدة ، وفي وجه الطغيان والأخطار والتيارات التي تهدد بيضة الإسلام فينهي ويأمر وأن يكون المسلم إنسانا قويا ، والقوي خير من الضعيف ، فماذا يصنع المسلم اليوم، هل يتمسك بأخبار الانتظار فيسكت ويتواكل ويترك الأمر إلي غيره، وغيره يترك الأمر إلي غيره ، وغيرنا يسكت ، والجميع يسكتون ، وأخيرا الموت وهو السكوت وتجرنا إلي مخالفة الدين ؛ لأن من لا يعمل به ولا يستجيب له أمرا أو نهيا وكل قد سكت ونتحول إلي الأمة الصامتة ، الأمة الصماء الراكدة الغارقة التي جري الماء تحتها وعندها يظهر إمام العصر ونحن نيام وهو الذي يوقظنا ويحركنا ، كيف يجدنا إننا لم نعمل كل شيء ، ولم نحرك كل شيء ، ونحن نتردد . لهذا الدين إمام سوف يأتي ويصلح الأوضاع الفاسدة ، وأبقي أنا ساكتا صامتا منزويا معتزلا لا أسمع ولا أحرك يدأ، وارفع يدي بالدعاء والدعاء بلا عمل ولا حركة ليس من الدين ، كل ذلك والإنسان المسلم

ص: 161

يسمي نفسه منتظرا داعيا هاتفا . اللهم عجل فرجه كما رأينا وسمعنا وقرأنا ، والأعجب من ذلك أن بعض فقهائنا الراحلين تغمدهم الله بالرحمة وأسكنهم أوسع الجنان ذهبوا إلي أن أموال الإمام تدفن في الأرض أو تلقي بالبحر ، وإذا خرج هو يخرجها ويتصدق بها علي الفقراء من أبناء هذه الأمة ،ويتصرف بها ، هل هذا من الإسلام، وهذا هو الإسلام ولا نتحرك ولا نتصرف ولا نسعف، هذا معناه الموت البطيء. إن الواجب الشرعي غير هذا إنه التكليف الملقي عليك وعلي وعلي كل مسلم ومسلمة ، ولا يسقط أبدأ ، وما هي الأعذار الشرعية الدالة علي السقوط ، فإن الواجب علي المسلم اليوم وفي غد أن يعمل ويتحرك ويستعد ويخطو من أجل تطبيق جميع أحكام الله ، ويعمل عملا صالحا فيه الله رضا وللمسلمين صلاح ، والصلاح والإصلاح من جوهر الإسلام « وَقُل اعمَلُوا » (1) وما أكثر آيات العمل، نعمل وندعو ونتحرك ويبقي المسلم منتظرة للفرج، وإن السكوت والاهمال والركود في ذلك هو خلاف الشرعية ، فأين العمل وأين الحركة يا أبناء الإمام الثاني عشر.

ص: 162


1- التوبة : 105.

الانتظار والاصطبار ولماذا الانتظار ؟

وهل نحن في حالة الانتظار أو نحن في حالة الاصطبار؟ وبينهما فروق ومسافات لا تقف عند حد، فهذا داخل في اللابدية لا اختيار ولا تخير وذاك داخل بإرادة أنفسنا و برجاء المطلوبية ، فهل نثاب علي الأول لأنه تكليف ووظيفة شرعية وفيه أمر وأخبار كثيرة ، فقد ورد « اللهم اجعلني من المنتظرين لفرج آل محمد صلي الله عليه واله ».

وورد في الدعاء : « اللهم عجل فرجهم» ، فالانتظار وظيفة شرعية ، أما الاصطبار فمسلك اضطراري وحالة مفروضة خلقتها الظروف السياسية ؟ وهل نثاب علي الانتظار مهما طال الزمن ، وقد طال ، وماذا بعد هذا الانتظار، أوليس هو الموت والركود والجمود والضياع والاندحار والاحتضار كما نحن نعيش ذلك فقد وقعت الأمة في مشاكل فرعية واحدة بعد الأخري وانشغلت في أمور لا ثمن لها ، وفيها ضياع لأوقاتها كما هي في حال غيبته وإن بقيت الأمة بين قال وقيل ،

ص: 163

وبين هذا وذاك ، وبين أنا وأنت ، وبين هؤلاء وأنا من هؤلاء ، وأنت من أولئك ، إنها مشكلة المشاكل وأم الأزمات ، فقد غرقت الأمة أو كادت أن يغرقها هذا الطوفان الطائفي والانشطارات والانقسامات ، وأنا أحذر من حدوث مشاكل جديدة مستقبلية وأخطار تحبط بهذه الأمة وتنذرها بالموت وتفتت شملها وبقايا وجودها وبعدها تذوب ، وتأخذها أمواج من الفتن وتيارات من البدع إذا امتدت غيبة هذا الإمام وانقطاعه عن هذه الأمة واستتاره عنها ، وقد غرقت هذه الأمة في عصرنا بأمواج سوداء وحمراء من الفتن، فهي تعيش في ظلمات فقدت هداها وهي تأمل وتحدث وتتحدث وتنتظر ، وقد انتظرت فما هي وظيفتها الشرعية في حال الغيبة ، فقد انتظرت ألف سنة قد مضت وقد طال الانتظار، ثم انتظرت وطال الانتظار، كما قد انتظر الآباء والأجداد من قبل ، وينتظر الأبناء والأحفاد، وماذا سيكون، وماذا يحدث إذا غشينا هذا الركود وهذا الانتظار وقد اشتد الألم وكثرت الأمراض وكلها آثار سلبية وكلها تفتك في جسم هذه الأمة.

يا ضيعة هذه الأمة بعد قائدها وحاميها ونورها ، وهو الدليل إلي الله وهو الذي يعبد الطريق لها في مسيرتها ، إن وجوده قوة ونور ودلالة وإرشاد وهداية إلي الصواب .

إن وجوده أمان ووقاية لها من الوقوع في الخطأ .

إن وجوده معها أو وجوده بينها ، أو وجوده عندها كل ذلك رحمة

ص: 164

وأثر وكل ذلك أفضل من غيبته واستتاره وتباعده وخفائه عن هذه الأمة التي أوشكت أن تسقط في أحضان أعدائها ، وهذا ما وقعت فيه هذه الأمة في هذا العصر فكيف في العصور المقبلة والأيام القادمة أمة تعيش بعد رحيل نبيها وغيبة إمامها وترفع صوتها شاكية باكية صارخة داعيه : « اللهم إنا نشكو إليك فقد تبينا صلواتك علي وآله ، وغيبة ولينا ، وكثرة عدونا ...» فهي بعد إمامها وقائدها ورائدها أمة لا تملك حولا ولا قوة ، قد ضاعت بين أمم الأرض وحكموا عليها بالتأخر والضياع . إنها الأمة الضائعة ، إنها تشبه الأرض الميتة ، فما هي وسائل الحياة و عوامل الرقي ، هل هو الصمت والنوم الطويل في الزوايا المظلمة ومحاريب العبادة وساعات الصلوات ، وماذا تحقق لهذه الأمة من نفع ودفع ، وحركة وتحريك وتنبيه وإيقاظ وهة إلي متي كل ذلك والأمة هي التي أوشكت أن تفقد عنوانها واسمها وتتخبط في مسيرتها لأنها فقدت الدال والدليل والضياء وشرقت و غربت فهي تمشي علي غير هداها .

وكم يعثر في الطريق رجال ورجال ، وكم ضل كثيرون وكثيرون لأن البصر مفقود ولأن الطريق فيه عثرات .

نحن أمة بين أمم الأرض ، الأمة التي تباعدت عن كتابها وعطلته في مسارها ومسيرتها ، نحن أمة ارتحل عنها ومنها دالها وهاديها وغاب عنها إمامها ، فإن كان خائفا من سلاطين الجور فهذا حديث الأمس .

ص: 165

هذه الأمة تعاني الأمراض فما هو الدواء الشافي ، هل هو الصبر والاصطبار ، إنها تعاني صنوفا من الآلام النفسية كل ذلك وقد اعتزلت الحياة ومالت إلي السكون والسكوت والصمت والكبت والانطواء والاعتكاف والأمة إذا فقدت قائدها واعتزلت وانفصلت عن ماضيها، خسرت الكثير من مقوماتها ، والأمة إذا اعتزلت أخلاقها وراحت تفتش عن أخلاق جديدة فقد ضاعت لأنها ماتت أخلاقها ، فمن هو المسؤول عنها إنما الأمم الأخلاق هكذا قال أحمد شوقي .

والصمت والتجرد والاعتزال معناه الموت المعجل والقضاء عليها، فهي تعاني الإفلاس الخلقي والركود الفكري وراحت تستجدي فلسفات جديدة ميتة لأنها فقدت النور وماتت بالظلام وبقيت تعاني هذه الأمراض، فما هو الدواء ؟ فهل تتحرك وإذا تحركت علي غير بصيرة من أمرها وإذا سارت فهي في عمي وفقدان البصر ، وإذا بقيت ولم تتحرك ولم تتفاعل وتستجيب للأحداث فهي في طريقها إلي الانقراض والانتهاء ، وإذا لم تتكتف وتدافع وتخطط وتهندس للمستقبل وترسم الخريطة السياسية وتفتش عن الوقاية والعلاج والدواء والإصلاح وعوامل الرقي لنفسها فإن الداء انتقل من الآباء إلي الأبناء ثم الأحفاد إنها عاشت ردحا من الزمن بأمراض مزمنة كما هي اليوم قد تمركزت فيها العلل فلا طبيب ولا دواء وطبيبها ودواءها وقوتها بوجود هاديها وهو بقية الله في الأرض بعد رحيل النبوة ووجود الإمام كوجود الضوء لأنه الدال ولأنه نور الله ولأنه الهدي

ص: 166

والهداية وأظنني صادقا إذا قلت إن غيبة الإمام المشكلة الكبري والداء الخطير الفتاك وإن غيبته إن طالت وإذا طالت وامتدت في الزمان الطويل فإن هذه الأمة سوف تندثر وتذوب وتأخذها الأمواج المظلمة فلا تدري أين الهدي والهداية والساحل والوقاية والنجاة والتحرر من كل ذلك ، أتبقي في دوامة وفي دائرة لا تعرف النهاية كثيرة الأعداء وكيف تواجه الزمن والأزمات والأحداث ، هل تثاب علي هذا الصبر ، أو صبر اختياري إن شئنا صبرنا وإن شئنا تخلصنا أهو صبر أو اصطبار أو هو سكوت وصمت وتحمل ونستقبل الصفح وطأطأة الرؤوس أهذا هو التكليف الشرعي ، وهل هذا هو واجبنا الشرعي، أيهما أفضل وأيهما أقوي وأشد علي النفس لا أدري .

وليتني كنت أدري ويسأل أحدهم أصطبر أم أنتظر وأيهما يثاب عليه هذا الإنسان المعذب المبتلي دعونا وصمتنا وصرخنا وبكينا وتفرقنا ، كل ذلك لم يحقق أثرا إيجابيا.

لماذا الانتظار وقد طالت ليالي الصبر الليالي المظلمة ، ولماذا لانعمل من أجل هذا الدين ومن أجل هذه الأمة ، ومثلنا مثل من لم يجد الماء فعليه أن نفتش عنه ، ومثلنا كمثل موسي الكليم راح يفتش عن النار لأهله ، وهل نبقي بهذا الانتظار، وماذا يحقق هذا الانتظار فلماذا لا نعمل ونفكر ونخطط من أجل البناء والجهاد أو الدفاع ، فقد انتظر آباءنا ، وماذا حققوا وانتظر أجدادنا من قبل ، صبروا

ص: 167

علي كل شيء وصبرنا علي كل شيء ويصبر آباؤنا ، وهل يرضي الله لهم ذلك .

لماذا كل ذلك ، لماذا الاستسلام ، أليس نحن كثرة وقوة ولماذا هذا الصمت وقد ضاعت الحقوق وإلي متي هذا السكوت ولماذا هذا الانطواء أيها المسلمون ؟

ص: 168

نحن الفرقة المنتظرة ومن هو المنتظر ؟

نحن الفرقة أو الطائفة التي غاب عنها إمامها واعتقدت بولادته وإمامته وغيبته بعد ما كان وله دوره الإيجابي وعنه صدر الكثير ، نحن الأمة التي تنتظر هذا الإمام ولكتها بقيت تعيش علي صبر وهنا الصبر فوق طاقتها وقدرتها ولكنها تباعدت عن ماضيها المبارك المشرق الذي أمدها بالمعرفة واعتقدت بالإمامة بعد النبوة وبقيت تعمل بالتقية في قضاياها وممارساتها وتتحمل الأذي الشديد وحتي الأشد وكأنها ليست من أمم الأرض وهي الطائفة الغريبة في دنيا الأمم فقالوا وتقولوا عليها ونسبوا إليها الكثير، لماذا ؟ لأنها تؤمن بوجود الإمامة في الأرض هي طائفة تعتقد بإمام ثاني عشر ويقال لها الفرقة الإمامية الاثنا عشرية (1) اعتقادا له من يبرره ويدعمه وله أساسه وبناؤه ،

ص: 169


1- كتب الاعتقاد والعقائد والمعتقدات - القديمة والحديثة - ذكرت ذلك تفصيلا، فقد أوجز أستاذنا المظفر محمد رضا في عقائد الإمامية ذلك .

وهو من صلب الشريعة وواقعها .

اعتقاد و اعتقادنا مدعوم بالكتاب والسنة والسيرة والإجماع والعقل والضرورة وكلها حاصلة ثابتة أما إذا كان الاعتقاد بلا وعي ولا معرفة ولا دليل فهو من البدع وضرب من الاختلاق ونحن من ذلك نبرء ، وقد علمنا أئمتنا علي الاستقامة في كل قضايانا الفكرية والفلسفية وقد ورد عنهم أن نعرض ما ورد عنهم علي كتاب الله فإن وافق الكتاب أخذنا به وإلا ضربناه عرض الجدار ولكن موضوع الإمام وغيبته مبني علي فلسفة وحكمة ومقتضيات وهذا ما يجهله الكثير فلو أدركوا بوعي فلسفة الغيبة ودواعيها وأبعادها لما حصل الذي حصل وما صدر الذي صدر و اعتقاد وعقيدة بلا أساس أو دليل إنما هي ضرب من ضروب الأساطير والخرافات أو أحدوثة اختلقتها الأوهام والأوضاع القديمة والحياة الساخنة ثم بقيت وتسربت فهي قضية موروثة متوارثة مأخوذ بها لأنها جاءت عن الآباء والأجداد، وهذا هو الفكر الجاهلي الذي هدمه الإسلام ، ونحن براء من ذلك كله فقد قرأنا وفتشنا ورجعنا إلي الكتاب والسنة فوجدنا قضية الإمام المهدي عليه السلام والإيمان بها ضرورة من ضروريات الشريعة ومن لم يؤمن بها فهو لم يعرف الدين علي واقعه ويصح القول فيه ، وينطبق عليه الحديث : « من مات ولم يعرف امام زمانه مات ميتة جاهلية ».

إن ظهور الإمام إلي الميدان العملي السياسي العام معناه إعادة

ص: 170

بناء الأمة من جديد وبناء الأمة كبناء الدولة وبناء الدولة ليس مسألة سهلة ، إنما هي تحتاج إلي قوة وعزم وتخطيط ، ولو تشابكت الأيدي واتحدت القوي ، فلا ولن تستطيع هذه الأيدي إعادة بناء الأمة بعد سقوطها وتفرقها ، إذا كيف يبني هذا الإمام هذه الأمة بعد سقوطها ؟ إن بناء الأمة هي من منجزاته وهو الذي يعيد لها هيبتها ومجدها وما ضاع منها ، وهي بانتظاره والدولة العالمية وقوامها وإقامتها هي من مختصاته وفكرة الدولة العالمية ليست من الأمور الوهمية أو المستحدثة ، وهي فكرة إسلامية من واقع الشريعة لأنها شريعة عالمية تدعو الأمم والقوميات والعقليات في مشارق الأرض ومغاربها وفكرة الدولة العالمية والمهدي عليه السلام معناها استمرار لصولة المصطفي المبعوث الذي نادي بها تشريعا والإمام المهدي عليه السلام حفيده سينادي بها تطبيقا لأنه يحمل أفكار الأنبياء عليهم السلام ، ولأن الشريعة تسع الدنيا « وَ ما أَرْسَلْناكَ إِلَّا كَافَّةً لِلنَّاسِ » (1) ، والشريعة هي ذات قوة وعطاء أن تسع الحياة بكل اتجاهاتها واحتياجاتها ومتطلباتها ، فليست قضية المهدي عليه السلام قضية تخص هذه الطائفة ، أو من مختلفاتها ، ويحسب البعض - وهو علي خطأ، أو يتعمد هذا الخطأ - بأنها قضية بعيدة عن الشريعة وواقعها وأنها تخص هذه الطائفة أو هذه الفرقة ، كيف ما كان فنحن بانتظار هذا الإمام ، وإن طال الانتظار، لكن علينا أن نبحث ونقرأ

ص: 171


1- سبأ: 28.

لعلنا ندرك فلسفة هذه القضية وهذا الانتظار ثم نعود إلي أنفسنا ونسأل ونتساءل كيف نحن، وماذا هيئنا ، وماذا أعددنا ، وماذا خططنا ، وماذا فكرنا، وماذا نفعل من أجل المستقبل القريب.

هل جمعنا صفوفنا وأعددنا وتقاربنا ؟ وما هو تكليفنا الشرعي ، هل هو السكوت والصبر وتحمل الأذي أو حركة الأيدي والألسن بالدعاء ؟ هذا هو لاغير، وإذا سألنا عن ذلك كان الجواب :

إن ذلك مكتوب علينا ، فعلينا أن نستجيب إلي ما كتبه الله علينا ، هكذا ولا غير ولا مفر ولاجواب ولا حركة ونبقي نتلقي الكلمات القاسية التي تشبه السهام الخارقة والنبال الجارحة وسكوتنا دفع كثيرا من الكتاب أن يحركنا بقلمه المأجور لنستمع وليقرأ اعتقادنا وما انطوت عليه نفوسنا كما شهدنا ذلك عندما هب واندفع الكاتب المصري أحمد أمين فكتب ( المهدي والمهدوية )، ولما سئل قال : لولا ذلك ما قرأنا ما كتبه الكتاب ووصل إلينا من الانتاج الفكري الكثير عنكم.

إن قضية الإمام المهدي عليه السلام أوقعت أبناء هذه الأمة بمشاكل اجتماعية وفرقت صفوفها ، وخلقت الأفكار المضادة ومسببة التخلف والابتعاد والتباعد عن الكتاب ، فلو قرؤوا كتابا مقبولا عن الإمام المهدي عليه السلام لما حصل الذي حصل ونقول نحن نؤمن به وننتظر ويلزمنا الانتظار عقلا و شرعا، والصبر وإن طال الانتظار واشتد الألم

ص: 172

ويتحقق الفرج ولا بد لليل أن ينجلي ونصبر وما صبرنا إلا بالله ، وهذه الفرقة التي كثر أعداؤها في هذه الدنيا دنيا الباطل والأكاذيب وشأنها شأن الفرق الأخري التي تمر بمراحل وخطوات فهي بين المد والجزر وبين القوة والضعف ، وفي كل يوم حال وشأن ، هذه الفرقة مرت وعاشت خطوات وفترات مختلفة منذ ولادتها ومنشؤها ونموها ، فهي بين يوم ويوم وهذا ليس بجديد لم تجد هذه الفرقة راحة أو حرية في يوم من أيامها الماضية وفي مراحل حياتها من حكام العصور وسلاطين الدهور الذين قتلوا أئمتها ورجالها ولاحقوا وتابعوا أفكارها وحركاتها فكان المفروض لا وجود لها في هذه الحياة ولكن ماذا بعد كل ذلك بعد هذا وذاك كانت الأمة ، وكانت هذه الفرقة ، وكان الفكر والوجود وهي لاتزال وإن غاب عنها إمامها وما أحوج هذه الأمة إلي الإمام في هذه الأيام السوداء وما يقوله أبناء هذه الأمة فهو إفصاح عن الجروح والآلام والكبت فقد سمعنا من يقول إذا كان هذا الإمام قد خاف من حكام عصره أو كان في حذر وخوف وريبة منهم فهل ذلك باق في هذا العصر وهذه الأيام، وإذا خاف الإمام من الآباء والأجداد فما ذنب الأبناء؟

هذه مقولة اليوم وقد قالها كثيرون الذين ملوا الحياة وضاقت صدورهم وامتلأت بالنزيف العاطفي من جراحات القلوب وقالوا : لماذا غاب ولماذا طال الانتظار وما أحوجنا إليه ، وكثر العتاب ورسائل العتاب فقد قال شاعر الفيحاء السيد حيدر الحلي معبرا عن ألمه :

ص: 173

من حامل لولي الأمر مالكة *** تطوي علي نفثات كلها ألم

هذا واحد من ألف من كلمات هذا الإنسان المعذب الإنسان الصابر، الذي عبر عما في عقله الباطن وضميره الجريح، هذا هو الإنسان المنتظر الذي ينتظر وطال عليه الانتظار، وكلما طال الانتظار ازداد الألم واشتد المصاب ، فقد قال الكثير إلي متي ، وأين هو والقائلون كثيرون والذين سئموا وملوا الحياة وضاقت صدورهم وامتلأت ألما واختزنوا الآلام ولا ندري لو طال الانتظار ماذا يقول الناس في العصور القادمة ، أما الإنسان المنتظر في عصرنا فإذا اشتد عليه حزنه استغاث به وصوت رافعا يديه : أغثنا أغثنا يا فرج الله الغوث الغوث العجل العجل هذا هو صوت الإنسان المنتظر في عصرنا الذي ينتظر هذا الإمام .

هذا المنقذ هو خاتم الأئمة الذي أطال الله عمره بمشيئته وأجل دوره وظهوره إلي وقت الحاجة « الإمام الثاني عشر هو الحجة المهدي ، وهذا الإمام هو آخر حجج الله علي الأرض وخاتم خلفاء رسول الله وآخر أئمة المسلمين الاثني عشر وهو بعد في دار الدنيا وقد أطال الله تعالي بمشيئته عمره الشريف وهو غائب عن الأنام » (1).

ويبقي الإنسان المنتظر لهذا الإمام الغائب ويسأل ويسمع ويحس

ص: 174


1- من هم الشيعة ؟ لمحمد مهدي الشيرازي الكربلائي : 21، مطبعة الآداب - النجف الأشرف.

ويتألم وينتظر ويوصي أهله والآخرين بالانتظار ... أنا وأنت وكلانا وكلنا من حيث نحن هو ذلك الإنسان المنتظر أو أنت كذلك ؟ كل الدنيا بالانتظار وكل الدنيا في تغير وتطور وكل يوم هو في شأن وكل ما في الدنيا جديد ويتجدد ونحن نرتقب ونأمل وننتظر الأفضل ننتظر الضياء والنور والتغير وانتشار العدل في الدنيا هذا هو اعتقادنا ومن لا يؤمن بالانتظار لا صبر له ولا دين له ولا عقل له ونفي الانتظار معناه هدم الأحاديث الكثيرة المروية في الكتب وما أكثرها وقد وردت عن أئمة آل البيت عليهم السلام .

فقد ورد في فضل الانتظار عن الإمام الصادق صلي الله عليه واله ما يغني وما يبعث الاطمئنان والثقة ، والأمل والراحة في نفس الإنسان المنتظر ، فإذا رجعنا إلي الكافي وجدنا فصولا من أخبار الانتظار . اللهم اشهد علينا أننا بانتظار الإمام لأنه الإمام المنتظر ولأنه الإمام الموجود وإن غاب عن أبصارنا المحدودة وعن العين وإن غاب عني وعنك فهو ليس بغائب هو حاضر وهو شاهد وهو مشاهد وهو معنا في مجالسنا وموقفنا يرانا ويلحظنا ويسددنا ونحن في لطفه وشهوده ورؤياه وقد ورد في أحاديث آل محمد صلي الله عليه واله « إن ميتنا إذا مات لم يمت وإن غايبنا إذا غاب لم يغب ».

وهذا الحديث يجب الوقوف عنده طويلا ويحتاج لعقلية تستضيء بنوره وتدركه وهنا طال الحديث بيني وبين هذا المشكك، وكان المحور الذي دخلنا فيه كيف يحكم عليه بحكمين ويتصف بصفتين

ص: 175

الغيبة والحضور والغيبة ليست نقصأ فيه أو هدما لإمامته ، فالغيبة أسندت إلي كثير من الأنبياء والأولياء ، وغائب آل محمد صلي الله عليه وسلم قد تلبس بالغيبة واتصف بها وهو كذلك.

إذن ما هو المقصود من هذا الحديث بعد صحة روايته وسنده وهو من الأحاديث المسموعة المنقولة في كتب الروايات والأحاديث نقله السماعون وعلقوا عليه كثيرا ، وإذا قلنا إنه ليس بغائب ولم يغب عن المسلمين فمعناه تلبس بالحضور وما هو المقصود من هذا الحضور ، هل هو الحضور الفكري أو حضور عند البعض دون البعض أو الرعاية العامة للآخرين من حيث لا يعلمون ولا يدركون ودار الحديث بيننا وقطعنا وقتا طويلا وأشواطا سريعة وكان السؤال الجديد هل للحديث أبعاد أخري وتأويلات مقبولة لا تصطدم مع القضايا العقلية المنطقية ومع أسس العقيدة المذهبية التي أشادها آل البيت عليهم السلام والمعنيون بالاعتقاد والعقيدة وما هو تأويل الحديث وليس في الحديث أي صعوبة إذا قلنا إن الأئمة شهداء علي الخلق يرون ما لا يراه الناس ويسمعون ما لا يسمعه الناس وهم حاضرون في أذكار الناس وإن أعمال الناس تعرض عليهم فغيبتهم جسديا لا تمنع من حضورهم فكريا وروحيا وأخلاقيا ، فهم السادة ولهم السيادة وإليهم يرجع الناس ، وعنهم ينطلقون ، فغيبة الإمام عليه السلام عنا أو ابتعاده عنا لا يفقده الحضور والمعنية والوجود علي المواقف وما يصدر وما يقع علي هذه الأمة ، فهو معها لم يبتعد عنها ، فهو الذي يدير شؤونها، فهو قريب

ص: 176

إليها ، حاضر معها ، يرعاها ويسدد أخطاءها.

بقي السؤال : ماذا يقصد بالغيبة ، وهل غيبته من الله معناه حرمان الأمة من نوره ومن عطائه أو من نفسه فهو الذي اختار لنفسه الغيبة ؟ وهذا سنبحثه في الأبحاث القادمة في فلسفة الغيبة وآثارها السلبية والإيجابية علي هذه الأمة ، وأبعادها وحدودها وبدايتها وكيف الانتهاء...

إن مسألة الإمام المهدي عليه السلام ونشأتها مسألة إسلامية وليست دخيلة أو مستحدثة أو مرتجلة أو مختلفة ، كما توهم من لا بصيرة له بذلك .

وهنا وجه هذا السائل وهذا السامع أو هذا المشكك السؤال قائلا : كيف ظهرت وانتشرت ، وكيف اعتقد المسلمون بالمهدي عليه السلام وتوارثوا هذه العقيدة ؟

الجواب وباختصار: إن نشأة هذه الفكرة وولادة هذا المعتقد عند المسلمين منذ عصر النبوة والصحابة وعصر التابعين وكل العصور الإسلامية ونحن من حيث المقياس الزمني الجيل العاشر وسبقتنا أجيال آمنت واعتقدت بالمهدي عليه السلام والغرض والبداية هو تصريحات وتأكيدات الرسول صلي الله عليه واله بذلك ، وما أخبر به وما ورد عن الأئمة عليهم السلام من بعده ، وأن عددهم اثنا عشر كعدد نقباء بني إسرائيل ، وهو القائل « الأئمة من بعدي اثنا عشر كلهم من قريش»، والأخبار في ذلك كثيرة فليست هي قضية هذا الجيل وقد قطعت مسافات زمنية وعاشت

ص: 177

عقليات وأصابها ما أصابها من التشويه والانحراف ودخل عليها ونسب إليها ما ليس منها ، فظهرت فرق كثيرة هنا وهناك استغلت وتاجرت وتلاعبت بقضية المهدي عليه السلام وما أكثر الفرق وما أكثر المتعمقين بشخصية المهدي عليه السلام لأن الدنيا مصدقة ومؤمنة بالمهدي من حيث هو هو، فاستغل المغرضون هذا الشعور بقضايا ومصالح سياسية ، فنسمع بالمغرب العربي وغيره أو في المشرق الإسلامي أو هنا وهناك من يقول بالمهدوية والمهدي ولكن هذا بعيد كل البعد عن واقع القضية المقدسة الصحيحة المروية التي بشر بها الرسول والصحابة ، وما أكثر المبشرين بالمهدي عليه السلام منذ أقدم العصور .

وكم قرأنا من الكتب والأفكار الهزيلة المعنونة بعنوان المهدي والمهدوية ، وهي ضرب من الدجل والافتراء وحاول الآخرون أن يتقمص شخصية المهدي لغرض أن يستغل البسطاء من الناس وحاول آخرون تشويه المعتقد وأدخل ووضع واختلق أفكارا له ومنه وعليه، فهي من خلق هذا الإنسان وليست هي من واقع المهدوية الصحيحة.

قرأت في مجلة العربي التي تصدر عن الكويت العدد 253 محرم الحرام 1400ه في كانون الأول سنة 1979م مقالا ينقل فيه عن فلم جزائري قدمه احد السينمائيين الجزايين يقال له مرزاق علواش بعنوان مغامرات بطل « في مغامرات بطل يعالج علواش وسواسأ

ص: 178

يفتش في أعماق اللاشعور الجمعي العربي وبوجه خاض في أكثر المناطق العربية تخلفة ، ففي هذه المناطق يتجسد هذا الوسواس في شكل حقائق مادية تزيد من نقل التخلف والاحباط ، إنه وسواس المهدي المنتظر الذي سيظهر يوما ليخلص الجميع من شياطين الفقر والجهل والمرض قهرية جبارة واحدة لأداء مهمة إلهية ، وهكذا تتمخض العملية عن ولادة إنسان يزيل عقدة نقص القبيلة يوعد الانتقام من الواقع المزري ويزيل في الوقت ذاته لعنة القدر عن مجتمع بكامله ، وهذا يعلن عن قرب النهاية ، حيث ينكشف معه عقم الوسواس ففي الجزائر يولد طفل صغير فيقوم أعبان القرية يضعون وشمة علي ذراع الطفل ويعلنون ظهور المهدي المنتظر، ويحظي الطفل الصبي الشاب بكافة صنوف العون والتقدير، ويرسلون بطلب معلم له يعلمه أصول الحكمة ويركز المعلم الشديد في خلق إنسان متفوق يمكنه أن يحل في المهدي الملهم والمستعد لأداء مهمة الهية .

وهذا القول وهذا التصريح من هذا الكاتب الجزائري إن قصد به هذا الكاتب موضوع المهدي الذي يعتقده المسلمون من أقدم العصور المهدي المنتظر من ذرية الرسول صلي الله عليه واله من ولد فاطمة عليها السلام الذي بشر به الصحابة فهو علي خطأ أو قصد به الموضوع المعين والقضية الخرافية الخاصة المقصودة المألوفة في الريف الجزائري، فهو قول ناقد ومقبول شرعا ودينا وأدبا ، وإن هذا النوع من السلوك المنيع في الريف

ص: 179

الجزائري إنما هو ضرب من الخرافات الدينية وهو من أشد الأخطار علي الدين الصحيح والعقيدة الإسلامية ، وإنه عمل يشوه معالم وجه الدين المشرق كما هو يصرح بذلك في نفس المقال ومثل هذه الخرافات والأساطير لو تغلغلت في نفسية هذا الطفل المولود في الريف الجزائري وانطبعت كان لها الأثر والتأثير وكان لها الفاعلية علي المعلم الديني المقبول إن هذا بعيد كل البعد عما يعتقده المسلمون في المجتمع الإسلامي ، ولا صلة له بالمهدي عليه السلام من آل محمد صلي الله عليه واله ، وإن قضيته قضية تحتاج لعقلية واعية ونفس صابرة وقد ورد في الدعاء : « اللهم ارزقني صبر آل محمد صلي الله عليه واله واجعلني انتظر فرجهم» ، أي أنتظر المهدي عليه السلام الذي يطهر الأرض من الظلم والاعتداء وتعيش البشرية في ظله بأمن وأمان وهو الإمام القائم الذي تنتظره الدنيا والأرض والقوميات والإنسانية علي اختلاف أشكالها ، كما صوره أحد المحدثين في مباحث علم الكلام .

يقول فخر الدين الطريحي في كتابه ( مباحث علم الكلام) ص 208: « وإمام زماننا هو القائم المنتظر محمد بن الحسن الحاضر : بالأمصار الغائب عن الأبصار فيظهر بعد غيبة طويلة فيملأ الأرض قسطا وعدلا كما ملئت ظلما وجورا ، يفتح الله علي يديه مشارق الأرض ومغاربها ، بشرنا بذلك النبي صلي الله عليه واله ، وقال : طوبي للصابرين في غيبته ، طوبي للمقيمين علي محبته ، أولئك من وصفهم الله في كتابه

ص: 180

فقال : « يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ » (1) ، وقال : « أُولَٰئِكَ حِزْبُ اللَّهِ ۚ أَلَا إِنَّ حِزْبَ اللَّهِ هُمُ الْمُفْلِحُونَ » (2)، وكذلك بشرنا آباؤه عليهم السلام ، وأن غيبته طاعة لله وامتثال لأمره ، وإن سببها ليس منه ، وقبيح نقل الفرض عقلا كما تقدم يدل علي أنه ليس من الله ، فتعين أن يكون من الخلق ، فإنهم أخافوه وهموا بقتله ، وسبب بطائه اما كثرة العدو وقلة الناصر أو مصلحة استأثر الله بعلمها » (3).

واستمر فخر المحققين الطريحي الأسدي بقوله : «نحن نتوقع ظهوره ونسأل الله تعالي أن يعجل فرجه ويرينا فلجه ويجعلنا من أنصاره وأعوانه » (4).

ولعلنا عزيزي القارئ قاربنا ولما نصل إلي هذا الشوط وإلا سنبدأ في رحلة جديدة ، رحلة نحو الواقع ، رحلة إلي رحاب التصور، ثم التصديق إلي المقدمة وما بعدها .

ص: 181


1- البقرة : 3.
2- المجادلة : 22.
3- مباحث علم الكلام للطريحي : 282.
4- مباحث علم الكلام للطريحي : 282.

رحلة جديدة إلي رحاب الإمام المهدي عليه السلام

وهذه سفرة جديدة ورحلة نبدأها بعد هذه السفرة الأولي التي قطعناها بمعيتك عزيزي القارئ ونحن لا نزال في حديثنا عن هذا الإمام المهدي عليه السلام ولعلنا بدأنا نتباعد عن ظلام الشك وقاربنا ضوء اليقين ونبدأ حديثنا من جديد عن المهدي عليه السلام الذي ترتقبه القلوب ، قلوب المعذبين في حياة القوة والظلم.

المهدي عليه السلام حفيد النبوة الذي قيل فيه وقالوا عنه ، وهو لا يزال بين

الأقوال في العقول المستقيمة والسطور البيضاء والسوداء في الكتب الإسلامية المختلفة ، إنه الإمام المهدي عليه السلام .

المهدي بين الوهم والحقيقة ...

بين الخيال وبين الصدق والاعتقاد ، بين الوجود واللا وجود .

بين الاختلاق الذهني وبين الدين الصحيح .

وبين الواقعية وبين الأحدوثة المختلفة ...

ص: 182

وبين التصور والتصديق ...

وبين المعقول واللامعقول ...

وبين التكذيب وبين الإيمان به ...

وبين التشكيك والثبات والانتظار له .

بين فريقين ؛ المؤمنين به ، وبين المعتقدين بوجوده تقليدا وبين المتأملين لقضيته وفق الأسس والمعادلات المنطقية والقياسات والأشكال والقضايا الفكرية .

المهدي عليه السلام بين الانتظار الذي طال وأحدث الجراح وبين المتوقعين لظهوره ، إنه المهدي عليه السلام.

المهدي عليه السلام بين الحضور العقلي والنفسي وبين الحضور الخارجي في نسبة ولادته وبقائه إنه المهدي عليه السلام بين التراث القديم والتراث الحديث ، هذا هو الإمام المهدي عليه السلام بين القبول والقبول ، بين العقليتين العقلية القديمة ، عقلية الآباء والأجداد والعصور السالفة ، والعقلية الحديثة عقلية المختبر والتجريب وما يؤمن بما له وجود بالخارج وإيمانه بالعقليات يتوقف علي إيضاح وإفصاح وجلاء واستبصار إنها عقلية اليوم.

الإمام المهدي المشار إليه ، المخبر عنه من قبل ، والمبشر به هو الواحد المعهود المعين المقصود من نسل الحسين عليه السلام ومن أحفاد النبوة.

ص: 183

الإمام المهدي بين المعرفة وبين الاجتهاد الجديد وبين التقليد القديم الموروث.

بين تقليد الآباء والأجداد الذين آمنوا به روايه وأخذوا بالمأثور وصدقوا وآمنوا وانتظروا هذه عقلية الآباء والأجداد والذين ورثوا ذلك المعتقد من الزمن الأول ، وقضية المهدي هل يساندها النقل ويدعمها المأثور والمأثورحجة يثبت الاعتقاد ويكشف عن صحة هذا الاعتقاد ، ويتوقف عليه هذا الاعتقاد، أو هي قضية عقلية يدعمها العقل السليم ، العقل المقبول ...

أو هي قضية لا بد منها ضرورية لنشر العدالة في الأرض ، وهذا ما وعد الله به من قبل ، ووعد الله لا خلف فيه وبذلك صوت المصلحون والمبشرون وأخبروا به في الزمن القديم لتطمئن الإنسانية بهذا المهدي الذي يصلح الدنيا ، أو هي مسألة ضرورية من ضروريات الحياة الإنسانية ومن مقتضيات الحياة الإنسانية ، ولها اتصال بعدالة الله وإثباتها وثبوتها جزء لا ينفصل عن واقع علم التوحيد والتوحيد الصحيح ؛ لأنها قضية انتصار للمظلومين في الأرض ، وهي حرب . وردع وإيقاف لتيار الظالمين في دنيا البشرية ، أو هي نشر رحمة الله بين العباد في هذه الحياة ، حياة الإنسان القوي والضعيف ، وهنا قضيتان فرعيتان :

الأولي : وهي كيف يجب أن تكون هذه الأمة عند ظهوره واستقباله

ص: 184

ومواجهة جند تستقبل القائد وهي لاتملك السلاح ولا التنظيم والاعداد ، أو كيف تكون هذه الأمة هل نعدها إعدادا مقبولا لاستقباله عليه السلام كما ينبغي عسكريا وفكريا ، وكيف وبماذا وإلي متي؟

وهل نحن جند له كما ندعي ونقول ونصوت :

يا إمام العصر يابن العسكري المنتظر *** نحن جند لك فاظهر أيها الثاني عشر (1)

الثانية : هل نحن نبقي كما نحن عليه هيابين نخاف من ظلام الليل ، لا نفعل ولا تحرك ساكنا، ولا نصحح أخطاءنا ، ولانصلح أنفسنا، ولا نطور حياتنا ، أو نكيف أمورنا ونؤطرها بأطر جديدة بما يتناسب ومواجهة هذه الحياة القادمة .

والمسألة الثالثة الفرعية الجديدة التي ظهرت في أثناء هذا الحديث وهذه المرحلة هل هي قضية الشيعة وحدها أو هو إمام للشيعة وحدهم دون غيرهم ، أو هي قضية اختلقها الفكر الشيعي نتيجة العذاب الذي عاشه في الظروف السالفة كما يقولون ... انها مخاض ظروف سياسية حادة قست علي فئة معينة في الأرض فتصورت بقوة خيالها فولدت عندها هذه القضية ، قضية البطل الذي يأتي ليخلص المعذبين في الأرض ، معناه قضية اختلقها هذا الإنسان

ص: 185


1- الشاعر مرتضي الحائري الخطيب من حفاظ القرآن .

لحماية نفسه بنفسه، فخلق صورة رجل من بنان أفكاره ووحي خياله وتصوراته وعن حياته مخلوق له ومنه وإليه صورة أنه كذا ... وأنه كذا ... وأنه كذا... وظهوره في يوم كذا، وبقي هذا الإنسان المعذب قرونا وسنوات ، وطال هذا الانتظار كما حاول الكاتب المصري أحمد أمين ، فقد حاول أن يجعلها قضية لا واقع لها خلقت في ظروف معينة وليست إسلامية وإنما هي قضية خلقها الإنسان وقد أحدث ضجة في هذه الفترات ثم اعتذر بأنه لا يملك تلك المصادر ولم يعها من قبل ، إنه عذر لا ثمن له.

الإمام المهدي عليه السلام اتفقوا عليه واختلفوا فيه ، فقد ورد في الكتب الإسلامية جمعاء وحتي الكتب الأخري فكرة المهدي عليه السلام والانتظار وانه المصلح الذي يصلح الدنيا واختلفوا في اسمه وفي شخصه وفي نسبه ، وهذا الاختلاف لا يضر في أصل الفكرة المنحدرة الأصيلة . نحن نسميه المهدي المنتظر والإمام المؤمل وقائم آل محمد صلي الله عليه واله من ذرية الحسين كما بشر به الرسول صلي الله عليه وسلم ، فقد قال الرسول صلي الله عليه واله وهو يشير إلي الحسين عليه السلام : «هذا إمام، وابن إمام، وأخ لإمام، وأبو أئمة تسع، تاسعهم المهدي ».

أما غيرنا يسميه بأسماء أخري والاشتباه في المصداق الخارجي والكل اتفق علي المبدأ والمنشأ والجذور والبداية والمفهوم وأنه وقع الاختلاف في الخارجي في الذات وما أكثر الاشتباهات في المصاديق

ص: 186

الخارجية وهم يسمونه البطل المحرر والبطل المصلح للعالم والبطل المرتقب كيف ما كان فهذه الفكرة دينية قديمة والدين وحدة متكاملة لا تتجزأ ولا تنفصل بعضها عن البعض الآخر، وإن تعدد المبشرون بهذا الدين إن التفكير بالمهدي عليه السلام مسألة لها جذورها الدينية .

وهذا التفكير موجود في الفكر الديني وفي كل الحضارات والتراث الديني الذي سطره الأنبياء عليهم السلام لا اضطراب فيه ولا تناقض ، فما وجدناه عند محمد من فكر وإصلاح وخلق وأدب و تبشير و اقتدار وجدناه عند من تقدمه من الأنبياء عليهم السلام ، فعيسي والإنجيل ، وموسي والتوراة ومحمد والقرآن ، وقد وجدنا بين هؤلاء وغيرهم نسبة وانتسابا وحركة وابتداء وانتهاء ، وبين هذا وذاك زمان طويل فكيف التقي هذا وأخذ من هذا، الكل انطلقوا من زاوية ( الله هو الخالق ) وهم الواسطة بين الخلق والخالق وكلهم رسل الخير وكلهم يحملون فكرة الاستقامة والعدل والتوحيد ، محمد صلي الله عليه واله لم ينفصل عمن تقدمه ، والكل يشكل مدرسة وهي مدرسة التوحيد والدعوة إلي الله ، وكلهم ينادي بوجود الجنة والنار ، ومحمد صلي الله عليه واله وحده بشر بالإمام المهدي وليس الكتب الإسلامية وحدها هي التي تهتف وتتحدث عن هذا الإمام الكبير ... الكبير الذي سيعيش في آخر الدنيا ويدعو إلي ما دعي إليه الأنبياء عليهم السلام والأوصياء.

وقد ورد في الحديث الصحيح إن الله بعث محمدا صلي الله عليه واله رحمة

ص: 187

وسيبعث ليس القائم من آل محمد صلي الله عليه واله نقمة علي من يريد الشر في الإنسانية والتسلط والسطوة ومص الدماء. وحتي من يتحدث عن قضايا المستقبل والإصلاح الاجتماعي أخبر عن قيام رجل قوي يصلح الدنيا ، فهم يجمعون ويتفقون عليه وإن اختلفوا فيه ، وهم يكثرون الحديث عن هذا البطل المرتقب وهم يتحدثون عن صفاته وقوته وصراحته وعن نفسيته وعن قوة شخصيته وعن أعماله وتصرفاته وعما ينجزه للإنسانية وما يقدمه من إصلاحات ومعاجز فكرية وسياسية ، هدم وبناء ، وما يحققه في شرق الدنيا وغربها ، وهم يأملون قدومه وإن طال الأمد وامتد الزمان وقدوم هذا البطل حقيقة لا ريب فيها، وفي قدومه ووجوده في الساحة الواسعة أحاديث كثيرة مفضلة ، وإن اختلفوا في اسمه ومكان قدومه فإن ذلك لا ضير فيه ، وهو اختلاف في الشكل لا في المضمون، فقد قرأنا كتب الطوائف والملل والنحل والطوائف السماوية القديمة والحديثة وجدنا كلهم بخبرون ويتوقعون ويبشرون بقدوم هذا المصلح لهذه الدنيا المضطربة ، ومن أحاديثهم وأفكارهم الاجتماعية أن الحياة في حركة وتغير وقد يكون سريعة وقد يكون بطيئة ، هذا ما اعترف به علماء الاجتماع وعندهم أن مسيرة الحياة الاجتماعية لا بد أن تمر بمراحل، مرحلة بعد مرحلة ، فهي بين قوة وضعف ، مرحلة النمو والظهور ، ومرحلة اللقاء والانتشار، ومرحلة التلاقح والتفاعل، ومرحلة الأخذ والعطاء ، ومرحلة الاندثار والانهيار، هكذا تمر البشرية بهذه المراحل

ص: 188

وهذا ما يحدث قبل ظهور هذا المصلح المرتقب ، وهذا ما نجده في كل الحضارات الشرقية والغربية ، وهي تتحدث عن آخر الزمان وما يحدث فيه وحتي الحضارة الإسلامية ، وكلها آمنت بأن الدنيا تتغير وأن آخر الزمان يختلف كثيرا بأهله وارتباطاته وأخلاقه واتصالاته وكلها آمنت وبشرت بظهور شخصية قوية تحمل هموم العالم ويقال له المصلح الأكبر الذي يدعو لإصلاح الدنيا و تغيير نظام هذا العالم بغيره سطرة بعد سطر وكلمة بعد كلمة حتي يظن الناس أنه جاءبدين جديد أو بقرآن جديد أو بشريعة جديدة كل ذلك لم يكن وإنما يدعو إلي دعوة الأنبياء علي ، وهذا يحدث ولا بد من حدوثه في هذا العالم الواسع الكبير ، فهو المهدي لشرق الأرض وغربها، للإنسانية علي اختلافها ودعوته لا تخص هذا العالم الإسلامي أو هذه القارة أو في قارة دون أخري ، إنه للدنيا إنه للإنسانية وليس هو للمسلمين دون غيرهم هو الذي تسعد به الإنسانية .

وقد ورد في ذلك أخبار وبشارات ما أشوقنا لعصره ولزمانه ولأبناء عصره ، فقد ورد « أسعد الناس به أهل الكوفة » إنها مسألة شاملة عامة ليس للمسلمين دون غيرهم أو للعرب دون العجم ، فهو لأبناء المشرق والمغرب ، للدنيا شرقها وغربها ، الشمال والجنوب ، إنها قضية إنسانية ، قضية خير ومحاربة للشر، لينعم أبناء الدنيا في ظلال دولته ، فقد ورد في الدعاء : « اللَّهُمَّ إِنَّا نَرْغَبُ إِلَيْكَ فِي دَوْلَةٍ كَرِيمَةٍ تُعِزُّ بِهَا الْإِسْلَامَ وَ أَهْلَهُ وَ تُذِلُّ بِهَا النِّفَاقَ وَ أَهْلَهُ وَ تَجْعَلُنَا فِيهَا مِنَ الدُّعَاةِ إِلَي

ص: 189

طَاعَتِكَ ... » (1)، فإذا نزل كما يروي كان عيسي معه وإن فسرنا نزول عيسي النزول المادي أو الشخصي أو هو أخلاق عيسي وزهد عيسي وهيبة عيسي.

وقضية المهدي عليه السلام قضية كتابية مهما اختلفت ألوانها ولغاتها ، فهو إمام للدنيا يدعو إلي العدل ويحارب الظلم والفساد فهي ليست مقصورة لطائفة معدودة كما يقال مهدي تدعو إليه الشيعة نحن لا نقول بذلك ومن يقول بذلك فهو المتخلف ثقافيا وعقليا ولم يرد ذلك عن طريق آل البيت مطلقا.

إن المهدي عليه السلام ليس للشيعة وحدهم دون غيرهم ، أو من أجل الشيعة وحقوقهم ، أو تحدثت عنه كتب الشيعة ولم يرد ذكره في الكتب الأخري ، بل وردت هذه القضية في كتب المسلمين القديمة والحديثة وتفصيل الأقوال أن الإمام المهدي عليه السلام يشبه جده المصطفي صلي الله عليه واله الذي بعث للجميع، للإنسانية جمعاء ، إله إمام الجميع ، للإنسانية المعذبة المضطهدة ، للأسود والأبيض ، يدعو للعدالة ،إنه المهدي وإن اختلفت الفرق في المصداق والتطبيق ، فكما وقعوا في الخطأ فهو المهدي هو إمام الإنسانية الذي يبعث في الزمن المناسب وهو المولود وكل الفرق تقول بوجوده ، وكلها تبشر بظهوره والحاجة إليه كل من يحمل فكرة ودينا، وحتي العقلية الحديثة

ص: 190


1- دعاء الافتتاح .

تتغني بقدومه وتسميه البطل المرتقب متفقون عليه ومختلفون فيه ، كلهم يقولون بوجود هذا الإمام المهدي ، وحتي العقلية العباسية استغلوا ذلك لعروشهم واستقطاب الناس حولهم، وكثير من سمي ولده بالمهدي لغرض أو أكثر، واستغلت فرق هذا الشعور وإن كانوا علي خطأ من هذا وذاك أن المهدي حقيقة أصيلة لها مقرها ووجودها اطمأنت بها النفوس وآمن بها الكثير، فلماذا هذا الشك والتشكيك ، وما هي دواعي هذا الشك والتشكيك ؟

ص: 191

وقفة جديدة مع المشككين في قضية الإمام المهدي عليه السلام

لماذا التشكيك فيه والإيمان بغيره ؟

أهو شيء جديد ، أهو مختلق ليس له أوليات ؟

ولماذا يكثر القال والقيل في الإمام المهدي عليه السلام دون غيره من القضايا الدينية والاجتماعية ؟ ولماذا هذا التشكيك ، أهو ثقافة جديدة في عقلية تدعي الوعي، فإذا صدقنا الرسول صلي الله عليه واله وآمنا به وقام الإجماع علي صدقه ، وقد ثبت ذلك فعلا ، ما هذا التردد والانشطار في قضية الإمام المهدي عليه السلام ، فإذا شككنا فيه وفي ظهوره وفي ولادته وفي حياته وطول عمره فقد شككنا في غيره لأن الدين وحدة لا تتجزأ لا ينفصل بعضها عن البعض الآخر ، فقد ورد :

« من كذب آية من كتاب الله فقد نبذ كتاب الله وراء ظهره ».

ورد ذلك عن أبي الحسن ، قال :

« من كذب بآية من كتاب الله فقد نبذ الإسلام وراء ظهره ، وهو

ص: 192

المكذب بجميع القرآن والأنبياء والمرسلين » (1).

فإذا شككنا في الإمام الثاني عشر شككنا بإمامة من سبقه ؛ لأن السابق نص علي اللاحق، وأخبر عنه ، وسئل عنه وأجاب ، فإذا شككنا في علي عليه السلام شككنا بما ورد فيه وعنه وما روي فيه عن رسول الله صلي الله عليه واله صريحا ليس فيه لبس ولا خفاء، وإذا شككنا في الحسين عليه السلام وتصرفاته في الحياة فقد شككنا في قول الرسول صلي الله عليه واله فيه ، فإن قول الرسول فيه حجة (2) ، الشك والتردد في القضايا الدينية دليل علي ضعف الإيمان أو علي التخلف والجهل وعدم الانفتاح والقدرة علي الهضم، وقد ورد عن علي عليه السلام بعدما دعا له الرسول صلي الله عليه واله : « اللهم اهدي قلبه » ، فقال علي عليه السلام : « ما شككت بعدها أبدأ ...» وهو القائل : «ما ازددت إلا يقينا »، فمن آمن بالرسول صلي الله عليه واله وصدق كيف يصاب بالشك والتشكيك وهو القائل هناك إمام له عصره ، وله دوره ، وأهل زمانه ، الشك مرض خطير يهدد العقلية ويفتك بالنفس فيسلب راحتها وهو ضرب من ضروب العذاب ؛ عذاب الضمير ، فمن أصيب به أو ابتلي به لا يستطيع العيش مع الآخرين.

ص: 193


1- روضة الكافي : 197 .
2- وقد شكك الكوفيون وأتباع بني أمية في تصرفات الحسين عليه السلام وخاطبهم قائلا : «سلوا جابرا وأبا سعيد وزيد بن أرقم ».

الشك واليقين لا يجتمعان ، فكيف نعيش مع الآخرين ونحن نشك بهم . الشك داء فتاك لا تستطيع به السير والمعاملة مع الآخرين ، وحتي مع الأهل والأصدقاء والجيران والأبناء أجارك الله من هذا الداء وهذه العدوي ، وإذا أصبت بها فتش عن العلاج أو تدري أيها الشاك المضطرب المتردد أنه مرض من الأمراض النفسية ، إنه اضطراب وقلق ، إنه ألم وعذاب وانه خطر علي عقلك وعلي نفسك ولا راحة لهذا الضمير المعذب بغير اطمئنان وثبات ثبتك الله وآمنك الله وأدخل الراحة في نفسك.

قال علي عليه السلام : «الشك يفسد الدين ».

« الشك كفر ».

« الشك ارتياب » .

« الشك يحبط الإيمان ».

« الشك ثمر الجهل».

« الشاك لا يقين له » (1).

وكيف يشك الإنسان ولماذا يشك الإنسان في أمر قام الإجماع عليه وهل يتحول هذا الشك إلي يقين ؟

ولماذا يشك الإنسان المسلم في قضية هذا الإمام الثاني عشر

ص: 194


1- راجع : الدرر والغرر في حكم علي عليه السلام للآمدي .

إذا كانت قضية واقعية عاشت عصورا في نفوس الآباء والأجداد ؟

أما أنا فقد آمنت واعتقدت وصدقت لأنني عرفت محمدا صلي الله عليه واله نبيا صادقا وقام الإجماع علي أمانته وصدقه وما ورد عنه هو الصدق ، فيؤخذ به وهو الذي قال صادقا ودعانا إلي هذا الإمام ولا بد لنا من معرفته خشية من أن نقع في أحضان الجاهلية والتخلف والضلال .

« من مات ولم يعرف إمام زمانه مات ميتة جاهلية » ، واقتضت إرادة الله أن لا تخلو الأرض من حجة ، فهو إمام العصر ولكل عصر إمام. « رَبَّنَا إِنَّنَا سَمِعْنَا مُنَادِيًا يُنَادِي لِلْإِيمَانِ أَنْ آمِنُوا بِرَبِّكُمْ فَآمَنَّا » (1).

وقد آمنا وهي قضية لا ريب فيها ولا شك فيها وللشك جذور و عوامل وأسباب وإذا سألنا هذا المشك كيف صرت مشككا وما هي عوامل التشكيك ؟ لا يجد الجواب ، ولا جوابا منطقيا ، وللشك مراحل كثيرة ونتائج وأسباب فإذا شك في نفسه شك في غيره ، وإذا شك بهذا وذاك وما بعد ذلك وما هي النتائج الإيجابية والسلبية وهل يستطيع العيش مع الآخرين وهل يستطيع الفرد أن يعيش بهذه النفسية المضطربة في كل القضايا والأمور ولا يعتقد ولا يطمئن بهذا وهذا أو يبقي في دائرة مفرغة ودوامة ولا يقف عند حد أو يبقي تسيره الشكوك والظنون والأوهام ولا يقف عند حد متي يعي هذا الإنسان ويدخل إلي دائرة اليقين والثقة بالآخرين ويريح نفسه من هذا الشك

ص: 195


1- آل عمران : 193.

الساخن ويتخلص من هذه الأوهام العالقة في أوهامه ويريح نفسه ويتقرب إلي الآخرين ويحسن الظن بهم ويسأل نفسه كيف أصيب بداء الشك ، وكيف بدأ هذا الداء الخطر الذي أبعده عن غيره يشك في عينه إذا نظرت وحكمت فهي لا تري الأحمر أبيض والأسود بياضا لكن صاحب النظارة السوداء إذا رأي الشمس رآها مظلمة غشاوة علي أعينهم إنه داء خطير يهدد الأفكار ويهدد الخواطر والضمائر والمرتكزات ويهدد حتي البديهيات ، فكيف إذا عاش الشك و تمركز واستقر في النفس ، تحول النهار إلي ليل أليل ، وصارت الدنيا أمام عينيه ظلام دامس، والحقيقة الواضحة الصادقة المشرقة إلي قضايا أسطورية لا واقع لها وإنها من تسطير وخلق وصناعة هذا الإنسان أجارنا الله وأرشدنا إلي الحقيقة ، ولذلك أمرنا وأرشدنا الدين الحنيف بهذا الدعاء لتطيب نفوسنا راحة وثباتا ، اللَّهُمَّ فَاجْعَلْ نَفْسِي مُطْمَئِنَّةً بِقَدَرِكَ (1) . اللهم عرفني دينك ، اللهم عرفني ولك ، اللهم نور قلوبنا بالإيمان وعرفنا الحق وأهل الحق واجعلنا من الدعاة إلي طاعتك والقادة إلي سبيلك ، هذا هو المنطق الديني والروحي، وهذا هو العلاج فمن بصره الله ونور قلبه فهو سعيد، والذي بصره الله ونور قلبه وعرفه الحقيقة ووصل إلي عين اليقين وطرق باب الواقع فهو ولي الله وهو القريب إلي الله وهو الفارق والسالك علي طريق النجاة ، وهذا هو

ص: 196


1- زيارة أمين الله .

الفوز والبصيرة والانكشاف . وهو الكشف والبصيرة بالدين ، وهذا هو الخروج والإخراج من الظلمة إلي النور: « اللَّهُ وَلِيُّ الَّذينَ آمَنوا يُخرِجُهُم مِنَ الظُّلُماتِ إِلَي النّور » (1).

الحمد لله الذي أخرجنا وبصرنا وعرفنا الحقيقة ، وعرفنا وليه ، ووصلنا إلي رحاب الهداية والنور، واقتربنا إلي التمسك بالعروة الوثقي وأخذنا وسلكنا مسلك الصواب ، وإن قال القائل وليقل ما يقول والناس هم الناس منذ أقدم الأزمنة والعصور بين مشكك وبين مذبذب و منافق ومقنع وثابت والحقيقة هي الحقيقة ولا يضرنا قول الناس وإن قالوا وتقولوا ، فلو كانت بأيدينا درة وعرفناها ثمينة عن بصيرة ووعي ودراية واختبار فلا يضرنا من قال إنها فحمة أو كثرت الأصوات بأنها لا ثمن لها في الأسواق وهنا نستمع إلي صوت الإمام الحادي عشر حيث يقول : « إنما خاطب الله العاقل والناس علي طبقات :

1 - المستبصر علي سبيل نجاة متمسك بالحق متعلق بفرع الأصل غير شاك ولا مرتاب.

2- وطبقة لم تأخذ الحق من أهله ، فهم كراكب البحر يموج عند موجه ويسكن عند سكونه.

3- وطبقة استحوذ عليهم الشيطان شأنهم الرد علي أهل الحق ودفع الحق بالباطل حسدأ من عند أنفسهم ، فدع من ذهب يمينا وشمالا ،

ص: 197


1- البقرة : 257.

فان الراعي اذا اراد ان يمع غنمه جمهما باهون سعي » (1).

ومن تأمل كلام هذا الإمام أدرك القوة في منطقه وعرف الحق وأهله ومن هو أهل للهداية والآخذ بيد الإنسان إلي سعادته. فالإمام إمام هادي يأخذ بهذا الإنسان إلي ساحة الهداية ومن أراد الله به خيرا نور قلبه وفتح له نوافذ الحقيقة وحبب له الإيمان فوجد طعما ولذاذة ونورا في قلبه ومن وقع في الجهل والشك والتردد فهو في ظلمات ويبقي ويعيش في ظلمات وجهل.

مذاهب المشككين ومنطقهم وأفكارهم ونفسيتهم، فالمشكك لا يدري أنه مشكك ويري نفسه هو هو وإذا تكلم وجادل قال : أنا، ولا تفارقه الأنا، ولو سألنا هذا الشاك :كيف ولد الشك في نفسك ، هل ولد مع ولادتك ، أو عرض عليك عرضا ؟

قال : أنا مشكك ، لماذا أنت مشكك وغيرك في يقين وهل تدري أو تعلم بنفسك أنك شاك وكيف نما هذا الشك عندك واستقر ؟ وهل هو ملتفت إلي نفسه بأنه مصاب بهذا الداء الخطير ليفتش عن العلاج ؟ ولو سألناه ما هي دواعي هذا الشك ومتي دخل هذا الشك في نفسه أبولادة ووراثة أو بالجهل أو الصحبة أهو من المتخلفين أتسمع أتجادل أتميز بين القوة والضعف بين الخطأ والصواب هل يتحول هذا الشك إلي يقين أتحب أن تكون شاكا وتعيش وتموت هكذا.

ص: 198


1- بحار الأنوار للمجلسي - في أحوال الإمام الحسن العسكري عليه السلام .

أتدري أنك لا تؤمن بالحقيقة . إذن أنا علي يقين وأنا معتقد وأنت من المشككين فما هو الفرق بين هذا وهذا، فلماذا أنت شاك ولماذا أنا علي يقين ، هل تسأل نفسك لماذا لا تأخذ بالحقيقة وهل في الحقيقة شك الشمس طالعة والنهار موجود والسماء فوق رؤوسنا والأرض تدور أفي ذلك شك ؟ هل يجمع الماء من أطرافه ؟ هل جسم نامي ؟ كيف تنمو ؟ هل متحرك ؟ هل أنت معتقد بذلك أو علي شك في ذلك ؟ أو أنت علي يقين ، وهل أنت شاك بأنك علي يقين ، فأين هو الشك وأين هو اليقين ، هذا هو الداء ، وهذه هي الاضطرابات بالداخل التي لا قرار ولا استقرار، هذه هي الاضطرابات الفكرية والنفسية عند الكثير من أبنائنا وبناتنا ، كيف نشأت ونمت هذه العقلية وإلي متي الخلاص منها ، وما هو العلاج فيرون ما لا تراه العين ليس له نصيب من الوجود وهل رأت العين كل شيء وما أكثر الكائنات والمخلوقات الموجودة ولا تدرك العين وهي أقوي من الكائنات ذات الحجم الكبير .

تعال معي أيها الإنسان لتتخذ من الشك أسلوبا ومنهجا ومسارا وحركة في مسيرتنا نحو الوصول إلي اليقين ويكون الشك خطوة ومرحلة أولي نسلكها للوصول إلي رحاب اليقين إلي ساحة الحقيقة وهو الهدف المقصود وهو اليقين وهو الحق اليقين .

ص: 199

مراحل من الشك إلي اليقين

وبعد أن قطعنا هذه الأشواط وهذه المراحل الثلاثة : مرحلة الشك والتردد فيه ، ومرحلة ما قبل الشك، ومرحلة ما بعد الشك ، وأسباب هذا التشكيك ودخلنا في مرحلة اليقين لأنها قضية من القضايا الممكنة وليست من القضايا التي تتصادم مع العقل وليست قضية اقناعية واقتربنا أن ندخل في الإيمان والحاجة إلي ظهور ووجود هذا الإمام وأنها قضية لا بد منها وهي من القضايا الضرورية اللابدية العقلية المنطقية وبعد أن انتهينا إلي الاعتقاد به وأنه هو الإمام الثاني عشر وهو من ذرية الحسين عليه السلام ، ومن نسل فاطمة عليها السلام وهو ابن الإمام الحادي عشر، وهو المكني بأبي القاسم وأنه إمام حي موجود مولود ، وهو الإمام الذي ينشر العدل في مشارق الأرض ومغاربها، وهو إمام العصر والزمان ، ولأن لكل زمان إمام ولا بد فيه من إمام ولا بد من معرفة هذا الإمام ، ثم انتهينا إلي اليقين بعد الشك ثم الاعتقاد والإيمان ولماذا

ص: 200

لانؤمن به وقد قام الإجماع المنقول وغير المنقول علي هذا الإمام المنتظر الذي يملأ الدنيا عدلا وراحة وسعادة والحديث النبوي الصريح المروي المشهور المسموع الذي يتردد علي ألسن الجميع أنه إذا خرج «يملأ الدنيا قسطا وعدلا كما ملئت ظلما وجورا » ، أفي هذا الحديث شك ومن شك فيه فقد نسب التكذيب إلي جمهور المسلمين أو إلي جمهور من الرواد الذين عرفوا بالأمانة والصدق وحسن السيرة وماذا نفهم من هذا الحديث المتواتر الذي قرأته الأجيال السابقة وقرأناه ماذا وراء هذا الحديث وما هو مؤداه ؟ أن للظلم نهاية ولا بد من تلك النهاية ولا بد من القضاء عليه في الأرض لابد من يوم لا يبقي ظالم ولا ظلم في هذه الدنيا ولا أثر للظلم في هذه الحياة علي وجه الأرض، فإذا خرج فهناك انجازات وأعمال كثيرة والدنيا بانتظاره والإنسانية المعذبة تأمل ظهوره ،ماذا يقوم به للإسلام وللمسلمين وللدنيا ، فلا خوف ولا ظلم ولا إجرام ولا استبداد . هناك السعادة والعدل ، هنيئا لأهل ذلك الزمان ليأمن الناس في زمانه وهو إمام ذلك الزمان وهو الوعد الموعود وهو البشارة ولا بد للظلم الذي طغي من نهاية وعذاب ومن شك في ذلك فهو مصاب ومن شك في ذلك فيشك في عدل الله وحبه للعدل والخير ويجب الإيمان بعدالته تعالي في الأرض لتطمئن النفوس ولا بد من أخذ حق المظلوم من الظالم ، وللظالم عذاب وعذاب الضمير وعذاب الدنيا وعذاب التاريخ وعذاب الآخرة أشد، ونقول : لا بد من نهاية لهذا الظلم في

ص: 201

هذه الأرض وإن طال زمان الظلم وهذه اللابدية العقلية بها تثبت عدالة الله بين العباد ، فإن الله أنزل الأديان وبعث الرسل دعاة للخير ونشرأ للعدل وإنه لا يهمل الظالم وإن أهمله فلا عدل ولا علم له به تعالي الله عما يقولون وعما يصفون ، فأين عدالة الله هذا صوت المظلومين وإذا بقي الظالم ولماذا بقاؤه ، ولماذا التأجيل إلي يوم القيامة ، ولماذا الامهال والتأجيل والسكوت عنه ما دام الظلم قبيحا وما دام الدين حربا علي كل ظالم مهما كان وعلي كل ظلم كيف ما كان ولا بد من يوم يأتي وإن طال الزمان فلا ظلم في هذه الأرض ولا يبقي ظالم مستبدأ علي العباد ولا بد من نهاية ونحن بانتظار هذه النهاية والسؤال الجديد : هل هذا مجرد كلمات أو هو وعد وأحلام ونبقي ونصبر أم هو حقيقة لا ريب فيها ولا شك في وجودها حقيقة غرست في أذهان المؤمنين قالها الأنبياء وآخرهم خاتم الرسل صلي الله عليه واله ولا بد من ذلك لا بد من يوم ينتهي فيه الباطل ويندحر وأن الحق هو الذي ترجع إليه البشرية و تأخذ به ، وهذه اللابدية والاعتقاد به حقيقة دينية وقضية قائمة صادقة صوت بها آلاف من الأنبياء عليهم السلام من قبل ومن بعد وبشر بها المبشرون والدعاة في الأرض منذ أقدم الأزمنة بأن الظلم له حد وله نهاية وأن الله عادل وأن للظالم أجل وزوال وإن طال أمده واستبد وفعل وعلا وبطش فلا بد له من عذاب في هذه الدنيا قبل عذاب الآخرة قبل يوم المعاد متي يكونذلك إنه يوم خروج هذا الإمام (قائم آل محمد صلي الله عليه واله ) فاصبروا وانتظروا وإن طال الانتظار فإن فيه الثواب الجزيل وإن الله قد

ص: 202

بشر الصابرين بكتبه وعلي لسان أنبيائه .

والسؤال الثالث : هل يبقي الظالم في الأرض يعمل ما يعمل والله عليم بالظالمين ، والله بصير بالعباد ، والله لا يرضي بالظلم ؛ لأنه قبيح في كل العقليات ؟ والله يحب العدل ، وهل يطول عمر الظالم أكثر واستبداد الظالمين وقد ملئت الأرض وامتلأت ؟ وهل يعلم الله بذلك أو لا يعلم ؟ وإذا كان يعلم فهل يرضي ببقاء هذا الظلم ووجود هذا الظالم وأن يعيش العباد في لهيب وظلام مع الظالمين ويعيث الظالم في الأرض فسادا تعالي الله عما يصفون ، إنها والله قضية هذا الإمام قضية عدل وعدالة لهذه الدنيا . بقي عندنا الحديث عن دواعي الشك وأسبابه وكيف تنشأ وكيف العلاج ، وماذا نقول لهذا الشاك وكيف تولد عندك هذا الشك أتدري أو لا تدري ؟ وهل تعلم بأنك قد أصبت بهذا الداء إنه داء خطير ويصعب علاجه وهو ضرب من الوسواس والخواطر الشيطانية أو هو من ضعف القوي أو هو من سيطرة القوي الشيطانية الشريرة ، ولعل ما ورد عن الإمام حيث قال: «لا تمكنوا الخبيث من أنفسكم» ولقد أجاد الشاعر حيث قال : إن كنت في آل الرسول مشككا *** فاقرأ حديث الوحي في القرآن

فهو الدليل علي علو محلهم *** وعظيم علمهم وعظم الشأن

وهم الودائع للرسول محمد *** بوصية نزلت من الرحمن (1)

ص: 203


1- مقتل الحسين عليه السلام لابن نما الحلي : 5، ط. النجف .

الشك مرحلة من مراحل اليقين والاعتقاد والإيمان

ولماذا يشك الإنسان وكيف يقوي الشك عنده ، هل هو داء يصاب به هذا وذاك ، الناس أنواع كما تري ؛ رجل يشك ولا يدري لماذا يشك ، يشك في نفسه في ذهابه وإيابه ، ويشك وهو في عبادته وكيف يزال عنه هذا الشك.

ورجل يشك ويدري أنه يشك ويتعمد أن يكون في شك ولا يدري أنه علي يقين من شكه فهو من أهل اليقين بنفسه وبتصرفاته ولكن يحسب أن يقال إن هذا يختلف عن غيره ، فما هو العلاج والإصلاح ورجل ثالث يشك في نفسه وفي غيره وفي القريب والبعيد وتارة يذوب عنده الشك ويزول ثم يعود إليه فيشك في سيرة أبيه ودين آبائه وأجداده ويريد أن ينفصل عن الماضي ويتجرد عن كل معتقد بلا حجة ولا سبب أو برهان إنما هو الشك ، فالإنسان بين مرحلتين بين الشك وبين اليقين ، فقد يزول هذا وينقلب إلي يقين ، وقد يكون اليقين يرتقي عند هذا الإنسان فيذوب ويرتد ويبدأ كما ولد وكما كان ،

ص: 204

وهذا هو الارتداد في المبادئ والمعتقدات ، هذا هو الإنسان الذي يعيش في خطوات فكرية ومراحل مختلفة وذبذبات زمنية وأدوار مختلفة ، فقد كان في يوم وفترة من حياته ثم انقلب وارتد كان في جهل واطمأن إلي مبدأ ثم ارتقي ووصل إلي مرحلة من مراحل العلم و خطا خطوات نحو الأفضل هذا هو الإنسان كان يعيش في عقلية ورؤية وبصيرة ثم تبين له جانبا قد خفي عليه وتبدل ذلك الوهم وتهدم ذلك البناء ، فكان في حالة وتحول إلي حالة أخري ، أليس هذا هو الإنسان الذي رأيناه وهو في طرائق وأحوال شتي بين الشك وبين اليقين وبين الوهم وبين الخطأ وبين الظن وحتي الشك قد يرتقي وقد يتمركز ، هذا هو الإنسان مليء بالخواطر والأوهام والأحلام والآمال ، فهو بين الصدق والتصديق وبين الخطأ والصواب ، وبين الوهم والحقيقة وبين اليقظة والنوم وبين الشك اليقين ، يشك ولا يعلم لماذا يشك ، ويسهو ولا يدري لماذا يسهو وما هو العامل النفسي الذي أوقعه في السهو ، ولماذا يتردد في هذا ويطمأن بهذا ويؤمن بهذا وكيف يتولد الشك عند هذا الإنسان وكيف يظن السوء في زيد وخالد في نظرة أو من حركة ولأبسط الأمور يتحرك هذا الإنسان وما هو ذلك المحرك الداخلي والخارجي عنده وكيف اتصف بهذا الفعل وتلبس به أهو من الداخل ؟ من أمور أخري من المسموعات أو المرئيات أو الإحساس أو عامل النقص كل ذلك يخفي علي علماء النفس والمختبرات الإنسان عندهم يتحرك وينفعل ويري ليس بيقينه فهو

ص: 205

يرغب ولا يرغب ويتأثر ويميل وتتقبل أذنه هذه الكلمة وتنفر عن الأخري ويختزن هذا وينسي غيره فهو في مرحلة كان بعيدا عن الدين والتدين ثم تغير و تبدل وهو يخطأ وينكشف له الصواب وتارة هو شاك وعامل الشك وخالق الشك فيه خفية عليه وعلي غيره وبعدها انكشف له أمر آخر وأنهدم وتهدم ومات ذلك الشك الذي ولد وعاش ونما في نفسه ولكن لا يدري كيف تولد عنده الشك وتمركز فيه ، وأثر عليه ، وتذكر لأمور صحيحة حقيقية واقعية مقبولة عند الآخرين ولكن لا يدري لماذا شك فيها ونفر عنها وكفر بها وأعرض عنها وقد تبقي أمورا كثيرا رآها وسمعها وحدثت ولكن لا يعلم ولا يدري لماذا ينسي وكيف نسي هذا وتذكر غيره وما هو عامل النسيان ؟

وكيف يرتكب الخطأ في أمر دون الآخر وقع في الخطأ من حيث لا يعلم وهو ولا يعلم أنه قد أخطأ ثم يؤوب إلي الصواب ؟

فما هي دواعي الشك عندك أيها الإنسان وأنت في عصر الشاشة والتلفاز رجل واحد تكلم فتولد منه ملايين الصور والمتكلم واحد والكلام هو هو فهل في ذلك شك ماذا تقول أيها الإنسان وأنت في عصر المختبرات زجاجة واحدة تصور لك هذا الكائن الدقيق بصورة كبيرة أكبر من شاشة عينك كيف يقترب إليك البعيد وكيف يكبر في عينك هذا الكائن الدقيق أتبقي تعيش في هذا العذاب من الأوهام متي تتحرر من الشك « أَفِي اللَّهِ شَكٌّ فَاطِرِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ » (1) أنت

ص: 206


1- إبراهيم: 10.

مخلوق أنت مركب أنت متحرك أنت متأثر أنت بين اليقظة والمنام ترغب بهذا وتهواه أتبقي وأنت بين حالة وأخري متي تتحرر من هذه الشكوك أو تموت وأنت علي شك في نفسك وهل عرفت نفسك وما هي وما فيها وكيف هي ومن ألهمها ومن أودع فيها هذه الطاقات وهذه القوي سبحان من خلقك « وَنَفْسٍ وَمَا سَوَّاهَا » (1) ، فما هي دواعي هذا الشك في نفسك وكيف تمركز الشك عندك وأصبحت عبدأ مشدودا مقيدا بهذه الأغلال وكلها أوهام تشك في نفسك وفي الناس وتشك في وجودك وتشك في أعمالك وتصرفاتك ثم تشك في اعتقادك تشك في النهار وتشك في الليل وهو نهار وهو ليل.

وقد يشك الإنسان حتي بالأمور البديهية وحتي المتسالم عليها يشك في الموت والموت حق ، والموت يقين ، والموت لا ريب فيه ، ويشك بالموت وهو ينام والنوم أول مراحل الموت ، وإذا بدأ عنده الشك بالموت فالعلاج والوقاية أن يري هذا الإنسان كيف يموت وكيف مات تعال وانظر إلي الموتي في بلادنا لعلك تتحرر من هذا الشك الذي تعيشه .

إن الشك داء يبدأ كنقطة حبر علي قطعة بيضاء ثم تتسع ويتطور هذا الشك حتي في تصرفات هذا الإنسان وهو لا يعلم كيف جاء وبدأ ودخل هذا الشك في نفسه ولكن بعد ذلك كيف العلاج وكيف نرفع هذا الشك المرتسم في الأذهان وما هو الدواء ؟

ص: 207


1- الشمس: 7.

إذا عرفنا عوامل الشك والأسباب استطعنا أن نقدم له العلاج النفسي لإزالة هذا الداء الفتاك وما أكثر المشككين ومنذ أقدم الأزمنة ، ثم عثروا علي الدواء الشافي وزال عنهم هذا المرض الخطير ولو سألنا هذا الإنسان لماذا تعتقد بهذا وتشك بهذا ولماذا تحب هذا وتكره هذا ولماذا أخذت بهذا دون هذا إنه لا يملك الجواب المقبول ولكن كيف الوصول إلي اليقين ، وكيف يتحرر الإنسان من داء الشك، وما الشك إلا صفة من أبرز صفات الجهلاء الذين أصيبوا في نفوسهم وعقولهم، فهم ضحية عامل التأثير الخارجي ، سألت نفسي لماذا أنا شاك ، ما هو الجواب ؟ ولماذا أنا شاك في وجودي وأنا موجود وهل أشك في كوني إنسان وأنا إنسان ولماذا هذا الشك ، أشك في نفسي أنا من الأحياء أنا من الأموات ، وها أنا ذا وأنا موجود وأنا حي وأنا فاعل وأنا مختار وأنا أحس : أقف، أسير ، أنام ، أتأثر بأحلامي ، أنفعل كل ذلك وأنا أشك في نفسي ؟ أنا شاك في غيري وهو أمامي وأنا شاك في هذا وهو حقيقة لاريب فيها ، أشك في السماء وهي فوق رأسي وهي رفعت بلا عمد أشك بالأرض وأنا منها وإليها وعليها أأشك في الخالق الذي خلق السماوات كيف « أَفِي اللَّهِ شَكٌّ فَاطِرِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ » (1) لماذا كل ذلك ، هذا الداء الخطير أأشك في الواسطة بين الخلق والخالق ، أأشك في جريان الماء ، أأشك في هذا الهواء الذي يحمل إلي هذه

ص: 208


1- إبراهيم: 10.

الأصوات ، أأشك في أن هذا الكتاب ( القرآن ) له نصيب من الوجود، وهو هذا القرآن المتسالم عليه الذي قرأته الأجيال ، إن كنت في شك من ذلك فهل تشك أنك ابن لأب والأم وهل تشك أنك لم تكن ثم كنت ، وهل تشك بأنك تنام وتري في المنام ، بأنك تسمع وتري وتهاجر وتلتقي ثم تستيقظ وتنسي ولماذا تنسي وما هي عوامل النسيان ولماذا هذا الشك في كل ذلك.

ماذا يقال في كثير الشك يقوم ويقعد وينام ويستيقظ وهو في شك من ذلك ، هل هذا هو الكمال والتكامل ، وماذا يقال في من شك بالموت والحياة ، وماذا يقال من شك في وجود النهار وظلمة الليل وعلئ السماء وحركة الأرض ، وحرارة الشمس ، وبرودة الشتاء ، وجريان الماء ، كل ذلك وقع فيه الإنسان ، فكيف لا يشك مثل هذا الإنسان في إمام ولد وعاش وهو في هذه الحياة ورآه من رآه وتشرف برؤياه وروي حديثه وسمع عنه الكثير وأخبر عنه من أجمعت الدنيا علي صدقه كل ذلك ونجد من يشك فيه وما أكثر المشككين قاتلهم الله وأراح الدنيا من أوهامهم وسمومهم مثل هؤلاء أدركنا نماذج كثيرة من المشككين فقد يشك حتي في وجوده ، فهل هو موجود ويري نفسه أنه من أهل المعرفة والدراية يشك في وجود النهار وهو في النهار ويشك في الشمس وحركتها ويراها ويبصرها ، ويشك في كون القرآن من السماء وهو كتاب الله لا يأتيه الباطل ولا تستطيع العقليات أن تنظم أو ترسم أو تأتي بقرآن آخر يماثله أو يقاربه أو يحكيه أو يشبهه في

ص: 209

اللفظ والشكل والمحتوي والصياغة ، إنه والله كتاب الله ، وهذا يشك بأن أباه فلان وأنه كان في بطن أمه في وعاء مظلم ثم خرج إلي العالم الواسع إنه الشك إنه الداء بين القوة والضعف ، بين الشدة ، وإذا اشتد واستقر كان هذا الإنسان ضحية من ضحايا الشكوك ، وكان من الصعب إزالته والقضاء عليه ، وهناك نموذج آخر يشك في السموات وهي مبنية وموجودة ومرفوعة ويشك في تركيبه وهو مركب ، ويشك في الأرض وكرويتها وقشرتها وهو يمشي عليها وهذا يشك في أصل وجوده وحالة وجوده وبداية وجوده ومصدر وجوده كان نطفة ثم نما وتطور وصار إنسانا « فَلْيَنْظُرِ الْإِنْسانُ مِمَّ خُلِقَ » (1) ومما يضحك أنه يشك في عدد ركعات الصلاة ، فما هو العلاج ؟

وآخر يري الكواكب مبصرة متحركة تسير تتلألأ ويشك فيها وآخر يشك في خالقه ورازقه ومدبره وهو لا يلتفت إلي أنه في رعايته وتدبيره ( وهو المدبر أمره ) وهذا يشك في حركة يديه ورجليه وجميع أعضائه وهو يحس بهذه الحركات والمتحركات وهذا يشك بادم وموسي وعيسي وغيرهم عليهم السلام فكيف لا يشك في نبوتهم وقدراتهم ومواهبهم ومواقعهم وما تركوه للدنيا وما خلفوه من أفكار وفلسفات ماذا نقول لهؤلاء وكيف نزيل الشك عن هؤلاء، وكيف بإنسان لا يعرف إلا لغة الشك والتشكيك فكيف يتبادل معه الحديث وهو إذن صماء

ص: 210


1- الطارق: 5.

وعين لا تبصر وكيف تتبادل أطراف الحديث إنها والله من أصعب القضايا.

وقد عالج القرآن نماذج من هؤلاء ، وعالج الفقهاء والفلاسفة مسألة الشك واليقين وأعطوا المنزلة العليا إلي اليقين وإلي الإنسان الذي يعيش باليقين وأعطوا المنزلة السفلي الدنية للإنسان الذي يعيش الشك والتشكيك ولكن ما هي الخطوات وكيف الطريق الذي نسلكه لنبدأ بالشك وننتهي باليقين ومن شك في الإمام المهدي عليه السلام فقد شك في صدق النبوة ؛ لأن النبوة هي التي أرشدتنا إليه ، وأخبرتنا عنه ، ومن شك في بعض من القرآن يشك في البعض الآخر ومن شك في وجوده شك في عقله وتصرفاته وإنسانيته ونحن نعيش في عصر الشكوك وما أكثر الشكوك والمشككين ونسمع الكثير عن هؤلاء وليس بجديد وجود هؤلاء فقد قرأنا عن هؤلاء القراءات الكثيرة شاك في الموت ، وهذا يشك بالحشر والمعاد ، وهذا يشك في وجود الجنة والنار، وهذا يشك في الخلق ، وهذا يشك في وجود العقل والروح، وهذا يشك في الرزق والتدبير والنظام الكوني ومن أجل ذلك كان الدين علاج ووقاية ، وكان الدين راحة للنفوس ، وكان الدين هداية ونور واشراقة ، وكان الدين صفحة خير وتطهير للظاهر والباطن ، وكان الدين هداية ورعاية وسعادة وتنويرا وخلاصا من العذاب وتحريرا للإنسان من الشكوك ، وقلت لهذا الإنسان الضعيف البسيط المتأرجح الذي تحركه الأوهام والخيالات في لحظة واحدة وتيار يأخذ به ويغيره

ص: 211

ولا يدري ولا يعلم وقلت لهذا الإنسان : تعال إلي اليقين إلي الدين لماذا هذا الشك، ولماذا تشك في إمام أجمعت الدنيا والأجيال والأفكار والعقائديون وآمنوا به ورأوه ونقلوا عنه والشك في المهدي عليه السلام يدعوك إلي الشك في حديث آبائه وأجداده ومن ثم الشك في أحاديث الرسول صلي الله عليه واله ويتسلسل عندك هذا الشك وتتولد منه شكوك ويتعدد ويتحول الشك البسيط إلي شك مركب وحتي المركب يتمركز ويتولد منه عناد وأمراض نفسية من حيث تدري أو لا تدري ، وأخيرا من حيث تعلم أو لا تعلم ، وأنت لا تملك شيئا من أمور الدين والشك هو الهدم وهو التردد وهو الداء الذي يصعب علاجه وهو ضرب من ضروب الانشطار والتجرد والابتعاد عن الحق قصدأ أو بلا قصد.

ودواعي الشك كثيرة وراثية وغيرها وكثير الشك وهو مرض من أمراض النفس والإصابة بداء ( الوسواس ) ولذا قال الفقهاء في وصاياهم: «كثير الشك لا يلتفت إلي شكه»، وهذا علاج وراحة وتسامح في الدين فلماذا يشك هذا وذاك وقد يكون الشك بلا منشأ وبلا داعي وقد يكون بقاء الشك وولادته علي شبهة كاذبة أو سماع أو قال وقيل أو أثر نفسي وما أكثر الشكوك في عصرنا وما أكثر الشكاكين في عصر آبائنا وأجدادنا ، وما هو العلاج النفسي لهذا النوع من المرض الفتاك و مذاهب المشككين كثيرة مذهب اللاأدرية وإليه أشار شاعر التشكيك إيليا أبو ماضي ، ومذهب المترددين في الحياة من الشباب

ص: 212

والمفكرين و مذهب الشاكين في وجودهم ووجود غيرهم وحتي في أنفسهم أهو موجود و غيره موجود لا يدري ولعله يشك في هذا وهذا وهذا الداء هو الذي تمركز في عقلية سكان الجزيرة العربية وإليه أشار القرآن في كثير من الآيات ، فقد عالجنا ذلك في كتابنا ( القرآن والعقلية العربية ) وكانوا لا يسمعون لهذا القرآن انهم شكوا وترددوا وكذبوا وسخروا فيه شكوا في هذا الكتاب بعقلية الصحراء البدوية البدائية المتعلقة عمدا وعداوة وتخلفا وهو الحق وهو النور وهو القوة القادرة .

أما الشك في هذا العصر فقد تسرب إلي شبابنا وحتي المثقفين منهم ،والمتحضرين الذين قرأوا في كتب الغرب رغم ذلك وهم من الشاكين حتي في وجودهم وفي أنفسهم وفي قدراتهم وامكانياتهم فكيف لا يشكك في غيره وفي القضايا العقائدية ، وكيف لا يشك في أصل الوجود وواهب الوجود، وهناك مذهب وليس بجديد وهم الشاكون في وجود عالم الآخرة غير هذا العالم ومذهب المنكرين والمشككين والمستغربين بوجود عالم غير هذا العالم ، وأرض أكبر من هذا الكوكب ، وسماء أوسع من هذه السماء ، وأرفع وأبعد فكيف لا يشك بوجود مخلوقات أخري غير هذا الإنسان وعوالم بعيدة أفضل من هذا العالم أسكنها الله من أراد له الوجود والنمو والبقاء والحياة والتكاثر والبقاء ، وكيف لا يشك بوجود خالق حكيم مدير للكون ومن إفلاسه الفكري آمن بالدهر وقال به وهم الدهرية كل ذلك سببه هذا الداء .

ص: 213

وهذه كلمات علي عليه السلام رجل الحق والمعرفة واليقين ، قال :

« ما شككت في الحق منذ رأيته ».

وقال : «لو كشف لي الغطاء ما ازددت يقينا».

وقد كشف له الغطاء وازداد من العلم وكثرت تجاربه في الحياة ، فهو مع الحق لأنه عرفه وأخذ به ، أي لما عرفت الحق وآمنت به وانكشف لي انه حق وأخذت به وعرفت الحق حق فسرت عليه فلا يمكن أن يتأثر بالشك. وهنا كلمة آل البيت عليهم السلام التي تتلألأ في دنيا الأفكار والمعرفة وهم يقولون لأتباعهم : «لا تنقضوا اليقين بالشك»، وما دمنا آمنا بالإمامة التي يتفرع بعد كل إمام إمام ولا تخلو الأرض من قائم وهادي وداعي وحجة فلا نشك بعد هذا اليقين والإمام الثاني عشر الذي جاء بعد آبائه ، هو الإمام الذي ختم الله الإمامة به ولا إمام بعده ، وهو منتهي من ثبتت له الإمامة ولا يأتي بعده إمام.

وقد تسأل : لماذا كان آخر الأئمة ، ولماذا كان الأئمة اثني عشر إمام، ولم يكونوا أكثر من هذا العدد ، ولماذا تختم الإمامة بالمهدي عليه السلام ؟

الجواب : إن مصالح الأمة وتطور عقليتها قد يرتقي في عصر الإمام المهدي عليه السلام وتنضج لتدير نفسها بنفسها وتعي وتدرك شؤونها وتأخذ بالإسلام منهجا .

ص: 214

مع المشككين والمترددين والمنكرين

في هذا العصر كما يقولون عصر الكمبيوتر والانترنيت ، وعصر الأفلام والأقمار وغيرها وغيرها، عصر اقترب فيه البعيد وصوروا البعيد وقربوه ، عصر يصور الجنين ويسجل حركات هذا الكائن ولكن إذا قيل إن مصلحا قد وعدنا به يعد العدة بصبر وحكمة وتفكير سوف يخرج ويحقق الأهداف ويعالج مشكلات عصره مشكلات الإنسان في المستقبل ويكون له دور في القضايا المستقبلية ، فإذا قيل لهذا الإنسان في هذا العصر قال : أنا شاك ، بل أنا مشكك في ذلك ، ثم قال : أنا متردد ، إنها مسألة من ضروب المستحيل ما اسم هذا المصلح.

قلنا له : هو الذي بشر به الصادق الأمين ، هو المهدي عليه السلام ، الذي بهدايته ونوره تطمئن الحياة وتستقر الإنسانية و ينام الخائف آمنا في مضجعه لماذا أنت مشكك في هذه القضية دون غيرها من القضايا الصعبة ، قال : أنا مشكك !

ص: 215

لماذا ارتديت ثياب المشككين ؟

يقول : لا أدري وأبقي أقول وأقول .

نحن في زمن الشبهات المسموعة والمستوردة ، وفي عصر الخواطر المسمومة القادمة من وراء الحدود وطغت وسيطرت وتمركزت واستقرت في النفوس فقد غرقنا بالتيارات الساخنة والكلمات الرنانة البراقة والأفكار المؤلمة الوافدة القادمة إلينا التي خلقتها العقول المضادة والمصابة بأنواع الكفر والتخلف ووصلت إلينا، وألمت المحيط واضطربت النفوس فما هو الدواء « أَلا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ » (1) إنا نشكو آلاما متمركزة قد أصيبت بها نفوسنا وعقولنا وغزت شبابنا ، فكيف العلاج ؟ حقا إننا نعيش في عالم متجدد كما يقولون ؟ عالم غريب وفي كل يوم أصوات بلا تفكير وأفكار بلا أصوات وكلمات بلا معاني أسموها التحضر والتجديد والرقي وغيرذلك.

قد غرقنا بأمواج من الشبهات سوداء وكلها أخطار فكيف النجاة وأي ساحل ينجينا وبماذا ولماذا كل ذلك ، نحن في عصر تفاعلت فيه الحضارات وتصارعت المعتقدات والأفكار القديمة والحديثة ، وبدأ اللقاء والمواجهة والمنازلة بين الكفر والإيمان ، بين المادة التي تؤمن

ص: 216


1- الرعد: 28.

بما أخذته وما أدركته الحواس ، وبين الروحانيين بين القديم والحديث ، أخذنا وأعطينا والمعركة كما يقولون في كر وفر ونسينا وتناسينا وكأن الماضي لا صلة له بالحاضر، والحاضر فرع وامتداد للماضي ، وكأن قضية المهدي عليه السلام قضية من بنان الفكر الحديث ، أو من مختلفات الفكر الشيعي ، أو هي قضية تنسب إلي أئمة الشيعة دون غيرهم من المسلمين وهي من القضايا الإسلامية الأصيلة التي لها بدايات وأوليات وجذور وهناك أحاديث كثيرة وكثيرة واردة ومشهورة ومتواترة ومنقولة ومسموعة رواها السلف وهي من الأمور المسلمة سمعها الآباء ورواها الأجداد . ففي الملاحم والفتن لابن طاووس ط . النجف :

ظهور المهدي عليه السلام بعد اليأس .

خروج المهدي عليه السلام براية رسول الله صلي الله عليه واله .

استخراج الكنوز وتقسيم المال من قبل المهدي عليه السلام .

زمان المهدي عليه السلام يتمني الصغير أن يكون كبيرا به .

وعن النبي صلي الله عليه واله أمته تنعم في زمان المهدي عليه السلام .

أن المهدي عليه السلام لا يوقظ نائما ولا يهرق دما .

أن المهدي عليه السلام يصلحه الله في ليلة واحدة .

أن المهدي عليه السلام من ولد فاطمة .

ورد أن العدل في زمان المهدي عليه السلام .

ص: 217

ورد أن اسمه اسمي وكنيته كنيتي وشمائله شمائلي ، وقد بشر به الصحابة وتحدثوا عنه وهم المبشرون بالمهدي عليه السلام ، فهذا ابن عباس حبر الأمة في مجلس معاوية يقول : إن المهدي يملك الأرض ، وأنه يخرج وقد سمع ذلك من رسول الله.

أما حديث الثقلين الذي رواه الصحابة الكرام الكبير والصغير إذا رجعنا إليه وقرأناه أدركنا وجود المهدي عليه السلام وأدركنا وجود القرآن هذا موجود وهذا موجود وما دام هذا موجودة فهذا موجود ووجود هذا ملازم لوجود هذا لن يفترقا ، وكلمة لن فيها نفي قوي شديد استمراري لن تفترقا لا تشريعا ولا وجودا ولا زمانأ ولا مكانا، فهذا موجود وهذا موجود بالضرورة ، أو هذا موجود بالضرورة وهذا موجود بالملازمة بمقتضي الحديث لن يفترقا.

أو هنا معية هذا مع هذا يسدده ويقويه هذا الثقل مع هذا الثقل وبه يستدل علي وجود الإمامة مع وجود القرآن في كل عصر من العصور ، فهذا القرآن بين أيدينا وهذا حفيد النبوة بيننا يرعانا لن يبتعد عنا ومن رآه من أهل الإيمان كثيرون وكثيرون والذين تشرفوا بحضرته كثيرون سددهم وحضر عندهم عند الشدائد وعند الحاجة والضرورة الملحة وعند التوقف وعن الساعات السوداء والأيام المظلمة عند ساعة العسرة عند الحرج ، ومن رآه وتشرف بحضرته قد لا يجهر ولا يصرح ، ومأخوذ عليه التكتم والإخفاء إلا أنه يقوله في مناسبات ودواعي

ص: 218

وليس فكرة المهدي عليه السلام فكرة مستحدثة أو خلقها المتأخرون أو نشأت بظروف ومخاوف واضطهاد أو كبت وحرمان أو تفاعلات زمنية كما يزعمون ويقولون ويسيطرون راجع المهدوية لأحمد أمين .

فيري هذا وغيره أن المجتمع الإسلامي مر بظروف معينة حرم هذا وسجن هذا فاختلقوا شخصية وصوروها وهم يأملون قدوم هذا البطل كما وقع فيه بعض الكتاب الذين يظنون ويعتقدون في أنفسهم أنهم يحسنون القول والتفكير إنه بحق يخبط بالظلام وهو عدو نفسه وهو عدو لتراثه ويحاول أن يعتدي علي مجد آبائه وأفكارهم المقدسة إنه يجادل بغير علم ولاكتاب ولا قول مبني علي أسس مقبولة إن قضية المهدي عليه السلام تشبه النافذة والأفق نحو المستقبل مستقبل الأمة ومستقبل الإسلام والحضارة تحدث عنه الكثير من المسلمين الصادقين من ذوي الطموح فإذا أذن الله له خرج وقام بما هو مناسب مقبول فيه رضا الله ورضا الأمة وإن طال الزمن.

ص: 219

حديث الجزيرة الخضراء

يكثر في هذا الزمان علي ألسن أبنائنا وبناتنا : أين هو الإمام المهدي عليه السلام في هذه الساعة ، وفي هذا اليوم ، هل هو هنا وهناك ، هل هو في مكة أو المدينة ، هل يلبس احراما ويطوف ، هل هو في كربلاء أو في النجف ، أو عند قبر رسول الله صلي الله عليه واله ، أو هو في كل مكان اقتضت الحاجة لذلك ؟ وقالوا : هناك جزيرة يقال لها الجزيرة الخضراء أو المثلث الذي لا تمر به الطيور ولا الأصوات ولا الطائرات (مثلث برمودا ) ويتردد علي الألسن في عصرنا أن الإمام المهدي استوطن هذه الجزيرة واعتمدوا في هذا الحديث علي رواية نقلت في البحار وفي هذه الرواية تأملات كثيرة وكثيرة.

لم يرد فيها اسم مثلث برمودا مطلقا ولم يعين أين تقع هذه الجزيرة وما أكثر الجزر والبساتين والأراضي ، فلماذا يستقر هذا الإمام في هذه الجزيرة دون غيرها ومن يقل إنه استوطن هذه الجزيرة دون غيرها من

ص: 220

الجزر والجزر كثيرة ولماذا يسكن هذه الجزيرة وليس فيها أحد يسكن معه ويعيش معه ويألف إليه ويسأله ويأخذ منه والأمة بحاجة إليه يشاركها ويطلع علي أحوالها وفي أرض الله الواسعة مشاهد ومعابد و مساجد وأماكن مباركة ، فإذا قلنا إنه فيها معناها اعتزل هذه الأمة وانفصل عنها وانطوي علي نفسه وهو إمامها وهو الذي يرعاها ويشهدها في مناسباتها وأعيادها و مشكلاتها وآلامها وحامل همومها وهو الأعرف بدواتها ، ولماذا استوطن الجزيرة ، هل وجد هناك راحة نفسية واطمئن وتباعد عن هذه الأمة وهو المسؤول عن علمائها بالخطأ والصواب وعن اتفاق كلمتها وعن عثراتها فإذا قلنا إنه فيها منطوية علي نفسه تباعد عما يحدث وعما يجري علي هذه الأمة اليوم ما هذا وكيف نقول ذلك إنها أحاديث جديدة وحديث الجزيرة الخضراء من القضايا التي خلقها الفكر الحديث إنها شبه واهية أوهي من بيت العناكب نسمعها بالأمس واليوم من عوام الناس . إن الإمام الحجة في مكان لطيف فيه راحة لا يسمع أصوات ولا ثرثرة ولا قال وقيل أين هو هذا المكان الذي نصوره فلم يرد أنه هذه الجزيرة ، وفروا ذلك وظهرت هذه المقولة في الستينات والسبعينات وتداولها الناس .

هذا من تصوراتنا وأوهامنا فكيف تقول إنه مع العلماء وكيف تقول بمن رآه في موقف من مواقف الحجيج أو كيف يحضر أعيادنا وكيف وكيف إن قضية الجزيرة الخضراء قضية جديدة أشغلت مجالس الناس

ص: 221

والناس فيه علي ثلاثة أصناف صنف قلد فيه تقليدا وبقي صابرا وآخر تأمل فيه وقرأ وطالع وسأل وأكثر القول عنه فهو المتعلم علي سبيل نجاة وبقي يسأل وينقب ويقرأ ليزداد يقينا علي يقينه ونوع ثالث شكك وتأمل ولا يزال يرفض وهو لا يملك استعدادا فكريا للحوار وبسبب الثقافة الجديدة التي نشرها وصدرها خصوم هذه الأمة . ومسألة الإمام المهدي هي مسألة عقليةيدعمها النص ويسندها حكم العدل وهي مسألة من صلب الشريعة لا تنفصل عن النبوة وعن الإمامة.

فنقول للمقلد فيها الذي قلد الأبوين لاعن دليل ولا عن برهان نقول : اقرأ واسأل وتحدث وجادل .

ونقول للمنكر : تعال إلي الحوار الذي يوصلنا إلي نتيجة ولعلنا نطرق باب الحقيقة ، وقد تسألني : لماذا هو الثاني عشر ولماذا كان الأئمة بهذا العدد لماذا كان خلفاء رسول الله صلي الله عليه واله اثني عشر امامة ؟

مسألة واضحة إن مصالح الأمة وتكامل الأمة متوقفة علي هذا العدد من القياديين مستقرة في إرشادها وتكاملها وظهورها في الحياة إلي هذا العدد وبعدها تكون الحياة بوجه آخر وصفة أخري وقد علل أحد مفكري الإمامية ذلك بقوله : « إن مصالح الأمة مفتقرة إلي الأئمة وإرشادها ، فجعل عددهم اثني عشر (1).

وعلل أستاذنا محمد تقي الحكيم في إحدي محاظراته أن الأمة

ص: 222


1- ص4، محمد بن الحسن الحسني العاملي ، ط. قم - ايران .

تعيش بعد النبوة في مرحلة الانتقال لا تستطيع أن تنتخب أو تكون مجلس الشوري النزيه المجرد عن المطامع والأغراض والمصالح وهي لا تزال في مرحلة الانتقال وبعد تجاوز هذه المرحلة وبعد رقيها واستقرارها وتكاملها تستطيع عند ذلك أن تدير أمورها وتختار ما تختار وهو الحجة ولا تخلو الأرض من حجة الله وقد مرت هذه الأمة بمراحل مختلفة فإذا تكاملت وارتقت شأنها شأن الأمم الأخري فعندها تدير نفسها بنفسها ويكون الإنسان في عصر يختلف عن عصرنا، وتكون الحياة القادمة تختلف عن حياتنا المعاصرة وعندها يظهر الإمام ومعني ظهوره وبروزه ووجوده هو في الميدان العملي وعندها يقوم بالمنجزات التي مااستطاع الرسول صلي الله عليه واله أن يحققها ولا الأئمة من بعده تمكنوا من ذلك لظروف وفترات وهو به فسر قوله « لِيُظهِرَهُ عَلَي الدّينِ كُلِّهِ ».

وقد تسأل : أيكون ذلك أو لا يكون ، أو هو مجرد قول أو كلام تقرأه ولا يتحقق ؟

تعالي الله عما يقولون ، كيف والرسول صلي الله عليه واله هو الصادق ومن صدقه شك في نبوته وهو البشير وما رأينا بشارة له لم تتحقق.

قال رسول الله صلي الله عليه واله وهو يخاطب الحسين عليه السلام : « واختار من صلبك يا حسين تسعة تاسعهم قائمهم ».

وقال ابن مسعود ، قال رسول الله صلي الله عليه واله : « رجل من ولدي يوافق اسمه اسمي ».

ص: 223

وقال رسول الله صلي الله عليه واله لفاطمة عليها السلام : « المهدي من ولدك ».

فإذا خرج وأمده الله ومكنه فهو الذي يسدد عباده وينصرهم ويمكنهم .

ومن المعلوم عدم تمكن علي والحسن والحسين عليهم السلام وبقية الأئمة من ولد الحسين عليه السلام بتسلط المخالفين عليهم فلم يبق إلا المهدي عليه السلام ، فإنه هو الذي يمكنه الله في الأرض (1).

وهذا ما أشارت إليه الآية : « وَ نُمَكِّنَ لَهُمْ فِي الْأَرْضِ » وهو الذي مكن يوسف عليه السلام وحول حياته إلي حال جديدة والتمكين الإلهي والامكانيات العامة والخاصة مسألة لا ريب فيها « وَكَذَٰلِكَ مَكَّنَّا لِيُوسُفَ فِي الْأَرْضِ يَتَبَوَّأُ مِنْهَا حَيْثُ يَشَاءُ » (2).

وقد تسأل كيف يستطيع أن يحقق هذا الإمام كل منجزاته ويقوم بما لا يستطيع وما استطاع وما تمكن عليه من كان قبله .

والجواب سهل وبإيجاز إنها أمور إلهية من الله ما دام يدعو إلي الله وإنه لينصر عباده وليس ببعيد ولا مستحيل ولاصعب علي الله أن يمكن له في الأرض أكثر وأكبر وأوسع من يوسف الصديق الذي قال الله عنه « وَ كَذلِكَ مَكَّنَّا لِيُوسُفَ » (3) ولابد لظهوره من صدق

ص: 224


1- الآمال ***: 76.
2- يوسف: 56.
3- يوسف : الآية 21.

وحقيقة فيظهر بالسيف وبعصا موسي التي تغلب بها علي العدو المركب عدو موسي وعدو الله يظهر بالشدة بالقوة بالصراحة حتي تجتمع كلمة أهل الأرض قاطبة علي شريعة واحدة وكلمة واحدة (كلمة التوحيد) وتقام المعطلة من الحدود وقد تسأل متي أبعيد ذلك أم قريب ؟

والجواب بإيجاز إذا امتلأت الأرض جورا وفجورا وكذبا وغشا وتقاطع الأرحام وتبرأ الوالد من ولده، وأذن الله له هكذا اعتقادنا به وإيماننا به وهي مسألة حتمية ولا بد أن تكون ذلك يكون وما دام القرآن هو الحجة ، وما دام الإسلام دين الحياة ، وهو الذي قال : « لِيُظهِرَهُ عَلَي الدّينِ كُلِّهِ ».

والمهدي عليه السلام وإن قلنا هو غائب مستتر فالغيبة نقصد بها عدم المشاركة في الميدان العملي ولانقصد بالغيبة الخفاء والتستر الجسدي ، استغفر الله من قولي هذا ؟ وهناك أعمال كثيرة سوف ينجزها وهي تنتظره ، وإذا تحققت المقدمات والدواعي والإذن من الله خرج وحقق للأمة الانتصار بعد الانتصار ، وإن كثر أعداؤه كيف وإن الله يقول : « وَ أَنَّ اللَّهَ مُوهِنُ كَيْدِ الْكافِرِينَ » (1) ، وهو القائل وأن الله ينصر من نصره وقد نصر نبيه بأقل عدد (313 ) هذا عدد قليل وتحقق النصر

ص: 225


1- الأنفال : 18.

في يوم النصر والانتصار والنصر من الله وأسباب النصر من الله يقول تعالي : « وَمَا النَّصْرُ إِلَّا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ » (1)، ويقول تعالي : « سَأُلْقِي فِي قُلُوبِ الَّذِينَ كَفَرُوا الرُّعْبَ » (2) وقال صلي الله عليه واله : « إن الله نصرني بالرعب»، ولتعلم هذه الأمة وتعلم الإنسانية أين ما كانت أن النصر وتحقيق الانتصار والثبات والاستقرار في الساحة وقوة القلوب والمواجهة كلها بيد الله وهو الذي ينصر أولياءه في الدنيا والآخرة « وَلَيَنصُرَنَّ اللهُ مَن يَنصُرُه » (3) هذه هي السيرة وعليها نموت وعليها نحيا ونلقي الله ، ومن ظن في ذلك فقد أصيب في عقله وفي دينه ومن ظن أن لن ينصره الله فليمدد بسبب ...

وقد نبأ الله نبيه محمد صلي الله عليه واله بأية وبعدها آية ليدرك نعمة الله عليه وكيف حقق الله له النصر وإن الذي نصر نبيه هو الذي ينصر وليه وإن النصر من عند الله . وكل الأمور بيد الله والذي نصر دينه أولا هو الذي ينصر دينه في الزمن القادم ، قال عليه السلام : « بنا بدأ هذا الدين وبنا يختم »، وورد : « أولنا محمد وآخرنا محمد » وورد : «نحن دعاة الدين ونحن أنصاره » والذي نصر محمدا بقلة وأدخل الرعب بقلوب أعدائه هو الذي يدخل الرعب في القلوب المعادية لهذا الدين وينصر

ص: 226


1- الأنفال : 10.
2- الأنفال : 12.
3- الحج: 40.

المهدي عليه السلام بالرعب أو بسلاح هو يتخذه له في الزمن القادم وإن الله الذي أعطي محمدأ صلي الله عليه واله سلاحا ونصره علي العرب هو الذي يعطي حفيد محمد صلي الله عليه واله سلاحا وينصره ، النصر وأسبابه كثيرة .

وكيف يحقق الإمام عليه السلام النصر علي أعدائه ؟

هذا هو السؤال الذي يدور في أذهان الملايين من أبناء هذا العصر، إن الله ينصرنا لأننا ندعو إليه بالقهر والغلبة بالحجة والرعب ، فإن المولي ينصر مواليه علي أعدائه وقد أشار القرآن وأخبر بآيات كثيرة إن الله نصر أنبياءه ورسله.

وقد تسأل : ما هي تلك النصرة التي قصدها القرآن وأكدها بأدوات التأكيد « نَّا لَنَنْصُرُ رُسُلَنَا وَالَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ يَقُومُ الْأَشْهَادُ » (1)، قال تعالي : « وَكَانَ حَقًّا عَلَيْنَا نَصْرُ الْمُؤْمِنِينَ » (2) ، وقال تعالي : « وَيَوْمَئِذٍ يَفْرَحُ الْمُؤْمِنُونَ * بِنَصْرِ اللَّهِ » (3) ، وهو الناصر، وهو المسدد.

إذن متي يكون ذلك ؟ وكيف تحقق النصرة ؟ وما هي تلك النصرة ؟ وهل يستطيع هذا الإمام أن يحققها ؟ وماهي تلك الوسائل والأدوات ؟

ص: 227


1- غافر: 51.
2- الروم: 47.
3- الروم: 4 و 5.

هل هي نشر الدين في أطراف المعمورة ؟ أو هي القوة والوجود ؟ أو هي في الأمة وسيادتها ؟ وما ذلك النصر الذي نسب إلي الله ومصدره هو الله ، أو النصر الإلهي الذي لا بد من حصوله وتحقيقه . والحقيقة أن النصر والانتصار إعجاز ومعجزة بأبسط وسيلة إن أراد الله ، ولا يتحقق المراد عن إرادته كما أخبر القرآن عن تلك الانتصارات في الزمن الأول ، وهو هو الناصر لعباده .

وتقول : متي يكون هذا النصر ؟ وكيف يتحقق ؟ أبعيد هو أم قريب ؟ أمقدور هو أو فوق القدرة ، وإذا كان بعيدا هل نستطيع أن تجعله قريبا بأفكارنا ، بسواعدنا ، بوحدة الكلمة ، وما تقوم به من وعي وتحريك وحركة وتخطيط ، أو هذه أمور ليس من مقدورنا ؟

هل يتوقف ذلك علي تكامل الأمة وكمالها أو تتكامل به وبظهوره والوصول إلي الكمال والتكامل مرحلة من مراحل كل أمة ، وهذه الأمة هي من الأمم التي تعيش في الدنيا ، والأمة في يوم ترتقي وفي يوم آخر هبوط وركود واحتضار وموت.

وفي الحديث : « إنكم لا تكملون إيمانكم حتي يظهر المهدي ، فعندها يكمل إيمانكم »، وقد ورد عن الصادق عليه السلام في حديث زيد الزراد الكوفي .. ولعل الحديث عن الصادق عليه السلام : إنكم لن تكملوا... ولا تكملون إيمانكم حتي يظهر الحجة فعند ذلك تكونون مؤمنين كاملين .

ص: 228

وفي الحديث معاني ودروس لو وقفنا عندها لطال بنا الحديث (1). والسعادة المنشودة والقوة والتكامل إنما تكون في زمانه عليه السلام ، وقد تقول متي تكون الأمة منأمم الأرض القوية ذات السيادة ومتي تسود السعادة في الأرض فقد قيل حتي الحيوان يمشي ويعيش في أمن وأمان، فلا سارق ، ولا اعتداء، ولا فقر ولا فقير ولا رقابة ، ولا حاكم ، ولا محكوم ، كلها في زمانه .

وعصره عصر خير حتي قبل كأنه يأتي بقرآن جديد، وإسلام جديد، وهو ليس كذلك ، القرآن هو القرآن ، والدين هو الدين ، لكن هذا الإمام ينشر السعادة في الأرض ، ويطبق حكم القرآن فيزدهر العالم ، ويعم الخير ، وهذه هي الراحة ، وهذا ما يأمله الإنسان ويسعي من أجله ويتبل الخير بالشر، ويطول اليوم، ويطول الشهر، وتطول السنة ، وتطول الأعمار.

وفي زمانه ازدهار العالم بأسره وراحة الدنيا ومن فيها ، وقد ورد في أخبارنا أخبار القائم عليه السلام إذا خرج يقتل ذراري قتلة آبائه وأجداده ، لماذا ؟ وهل يؤخذ الولد بجرم أبيه وبذنبه وخطيئته ؟

الجواب بسيط لأنهم سمعوا فرضوا لفعل آبائهم وأجدادهم وهو

ص: 229


1- بحار الأنوار : 17، زيد الزراد تلميذ الإمام الصادق عليه السلام ، عنده صحيفة استفادها من الصادق عليه السلام وهي تشبه الطومار وروي عن أبي عبدالله ، قال ابن الغضائري : إني رأيت كتابه تحدث فيه عن شدة ابتلاء المؤمن.

إمام، وهو أعرف بنفسيات الأفراد ولا نقاش في إمامته ومعرفته وهو الإمام المنتظر، وهو الإمام الذي بشر به جده وانتظره كثيرون ، ونحن مقر بإمامته ونعترف به ، ونعتقد بها .

عن جابر الأنصاري ، عن النبي صلي الله عليه واله : « يا جابر ، الأئمة أولهم علي بن أبي طالب وآخرهم القائم » (1).

والحياة اليوم مليئة بالأصوات ، ففيها المبشرون بقدومه ، والمؤمنون به ، والمنتظرون لظهوره ، والداعون التائبون ، والصابرون ، والمعللون والمحللون لأسباب غيبته ، والمدافعون والمثبتون لوجوده ، جعلنا الله من المؤمنين به، الثابتين علي الولاء له، ويقينا هذه الأمراض الفتاكة ، ويحرسنا ويحمينا من الشبهات ، نحن نتوقع ظهوره ، ونسأل الله أن يعجل فرجه ويرينا فلجه ، ويجعلنا من أنصاره وأعوانه (2).

وهذا الزمان صعب علي المؤمنين لكثرة التيارات وطوفان الشكوك، وهو الذي أشار إليه علي عليه السلام في حديث من أحاديثه ، ورد عنه : « يَأْتِي عَلَي النَّاسِ زَمَانٌ عَضُوضٌ، يَعَضُّ الْمُوسِرُ فِيهِ عَلَي مَا فِي يَدَيْهِ وَ لَمْ يُؤْمَرْ بِذَلِكَ، قَالَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ "وَ لا تَنْسَوُا الْفَضْلَ بَيْنَكُمْ"؛ تَنْهَدُ فِيهِ الْأَشْرَارُ » (3).

كل هذا نعيشه في هذا الزمان ، ومثلنا كمثل سفينة فقدت ربانها .

ص: 230


1- الملاحم والفتن لابن طاووس: 60 ط. النجف الأشرف.
2- مباحث علم الكلام للطريحي : 282
3- نهج البلاغة لمحمد عبده: 654.

الإمام المهدي عليه السلام بين السائل والمجيب

قرأت كثيرة عن الإمام المهدي عليه السلام وسمعت أكثر من ذلك ، ويبقي العقل يفتش ويبحث ويسأل ، يبحث عن الحقيقة ، وهو في أول الطريق ، وأصبح موضوع الإمام عليه السلام من المواضيع الشائكة ، ومن المواضيع المتعبة التي وقف عندها القلم والتي تصعب عند السؤال عنها ، فقيل وقيل ومتي ؟ ولماذا ؟ وهل ولد (1) ؟ وكم عمره ؟ وهل تزوج ؟ وأين هو الآن ؟ وبماذا يحل مشكلات زمانه ؟ وهل هو علوي ؟ وهل هو عباسي؟ وهل هو من المغرب كما تدعي فرقة المهدوية ؟ وأين هو الآن ؟ وأين يسكن ؟ وأي يوم يكون خروجه ، أفي يوم جمعة، وفي أي شهر، وفي أي سنة ، وهل ولد أنصاره ؟ وهل يحقق أصعب الأمور، ولماذا غاب ؟ وما هي غيبته ، وهل المقصود بها الاستتار عن أعين النظار، وإذا ندبنا ودعونا فهل يقرب خروجه ؟

ص: 231


1- ذهب صاحب سبائك الذهب أن المهدي عليه السلام لم يولد وسيولد ؟

وما هي الحياة بعد خروجه ؟ وكيف تكون الحياة ؟ ولماذا لم يخرج الآن ؟ أوليس هذا الزمان زمان انتشر فيه الظلم ، واستفحل فيه الكفر ، وقوي فيه الباطل علي الحق في كل مكان ، وفي كل زمان ، وتكاد الأمة في هذا العصر أن تذوب بين الأمم ويكاد صوت الحق أن يختفي.

إن هذه الأسئلة وغيرها سنمر عليها في هذا البحث ، و هي كثيرة :

السؤال الأول : من هو الإمام المهدي عليه السلام ؟ ولماذا سمي المهدي ؟ ولماذا سمي القائم ؟ ولماذا يكني بأبي القاسم ؟ ولماذا هو الإمام الثاني عشر ؟ (1)

هو الإمام الولي المنتظر، وهو المهدي عليه السلام ، وهو المصلح ، ولعل منشأ هذه الكنية (أبو القاسم ) لأن اسمه اسم جده محمد ، ولما كان الرسول صلي الله عليه واله يكني بذلك كتي الإمام المهدي عليه السلام بهذه الكنية.

والسؤال الثاني الذي يتردد علي الألسن : هل تزوج الإمام في هذه المدة ؟ وهل له ولد ؟

والجواب باختصار ليس ذلك ببعيد ، وذلك ممكن ، وما هو المانع الشرعي ؟ وما هو المانع لو تزوج وله ولد، وله ذرية ، والقضية ليس فيها مانع عرفي ولا شرعي ، فهو رجل ولا نجرده عن البشرية ، فكما تزوج آباءه وأجداده بأكثر من زوجة طلبأ للنسل والذرية .

ص: 232


1- أجبنا عن بعض هذه الأسئلة في الأبحاث السابقة ، فراجع.

والسؤال الآخر الذي يتردد علي ألسن أهل الإيمان : أين الإمام المهدي عليه السلام الآن ، أهو في كربلاء، أو هو في النجف ، أهو عند قبر جده ، أهو في الجزيرة الخضراء ، أهو يجوب الفيافي والقفار هو ورفيقه وصديقه الخضر عليه السلام ؟

أين هو ، أهو في موسم الحجاج ، أهو في مسجد الكوفة ، أو في مسجد سهيل، سؤال ليس وراءه ثمرة عملية ، وليس تتوقف عليه قضية عقائدية هنا وهناك. والمهم هو الإيمان به ووجوده ، والتخلص من عقدة الشك التي سيطرت علي أكبر عدد من هذا الجيل ، وكيف بناء الاعتقاد والاذعان والدخول في الجزم والانصياع والتخلص من عقدة الشك والتشكيك التي سيطرت وفعلت وأثرت في النفوس، في نفس ولدي وأخي وصديقي ، وكيف نبني هذا الاعتقاد ليكون راسخا ، وكيف القضاء وإزالة هذا الداء الذي سمم الأفكار وعطل المشاعر،وهنا معادلة إذا هضمناها قضينا علي عقدة الاضطراب والتردد والقلق التي طغت علي نفوسنا في هذا العصر، الإمام المهدي عليه السلام الذي آمنا به واعتقدنا ونحن ننتظره هو الذي أخبرنا عنه جده الصادق الأمين، فقد أخبرنا محمد النبي صلي الله عليه واله بإخبارات كثيرة وكثيرة ، وهي صادقة ، وكل ما أخبر به محمد صلي الله عليه واله فهو صدق ، وإخبار الصادق يؤخذ به، وقد ثبت صدقه بالإجماع واتفاق الأجيال ، ولم نعثر علي هفوة أو مخالفة من كلمات المصطفي صلي الله عليه واله والأخبار الواردة عنه في الكتب الإسلامية ، وقد ملئت الكتب بهذه الإخبارات

ص: 233

وهذه التيارات ، وهي مروية ومنقولة عن الصحابة الكرام والتابعين الثقات ، فكيف نكب هذا ونشكك في هذا.

أيها المشكك المبتلي المصاب ، لماذا أنت في هذه الحالة ؟ هل قرأت هذه الكتب الإسلامية من هذا الطرف ومن ذلك الطرف وأصحابها أعلم منك ومني ، وأصدق منك ومني ، هل نشك في هذه الكتب الصادقة أم نشك في التابعي الصديق الناقل عن الصحابي الكريم، والراوي عن أصدق من خلقه الله ، الصادق الأمين ، الذي مدحه الحق ومدحته الدنيا بصدقه، وظهرت الدعوة للمهدي عليه السلام أيام النبوة ، ثم في عصر الصحابة ، وفي عصر التابعين ، وفي عصر المحدثين من المسلمين ، وفي عصر أحفاده الأئمة الهداة الكرام البررة ، ومنذ ذلك الوقت بدأ السؤال يكثر عن هذا الإمام ، والاشتياق إليه ، والانتظار له ، والحديث في صفاته وزمانه والتبشير والرواية عن ظهوره وعن زمانه ، ولو أردنا وضع إحصائية لعدد الروايات لكانت كتاب و مجلدات، وقد قرأنا حديث الرجل الكوفي من أهل السواد الذي دخل علي الإمام الصادق - في كتاب ( إرشاد القلوب ) للديلمي - وهو يضطرب شوقا وهو ينتظر زمان هذا الإمام المنتظر الذي يملا قلوب المؤمنين فرحا، وظهرت دعوات في البلاد الإسلامية وفرق تؤمن به ، وتبشر به ، وترغب أن تكون من أنصاره ، وتتشرف أن تنسب إلي هدايته ، وتسمي نفسها تبركا به ، وكثرت التيارات به وعنه وتعددت في كل عصر ، السابق واللاحق، يتحدث ويخبر ويروي

ص: 234

ولم تسمع في العصور السابقة من طرق باب الشك والتشكيك في هذه . الروايات وهذه التيارات من قبل ، أو من أنكر هذه الدعوة في عصر الصحابة وعصر التابعين ، وحيث اقتربنا إلي هذا العصر بدأت حركة التشكيك تظهر وظهر التشكيك والإنكار والاستغراب ، ولعلها مقصودة، ولماذا الاستغراب ، أهي قضية ممكنة ، وما هو المانع المنطقي من ذلك بأن رجلا مصلحا علويا شريفا من أحفاد النبؤة يقوم بمسؤوليته المقدسة ليصلح الدنيا ويترك هذا الإنسان يسلك سبيلا واحدا ولا تلعب به التيارات والأهواء، ويأخذ هذا السبيل وهذا السبيل ويسقط ويتردد ويسير بلا هدي ، وكيف لا تؤمن به وقد أخبرنا به جده المصطفي صلي الله عليه واله ، وقد صدقناه وآمنا بصدقه وتصديقه ، وهو رسول السماء إلي الأرض.

إن الله بعث محمدا صلي الله عليه وسلم وهو يحمل أفكارا كثيرة وكثيرة، ويحمل أحكاما بلغها لأهل زمانه ولنا ولغيرنا وصدقناه بما بلغ ، وآمنا بما بلغ من أحكام وأخبرنا عن المهدي عليه السلام فكيف لا نصدقه بما أخبر به وإخباراته هي قليلة ونسبتها قليلة للإخبارات الأخري أفلا نصدقه بما أخبر به وهي صادقة لا تصطدم مع العقل ، أفلا نصدقه بما جاء به بهذه النسبة القليلة من الأخبار أو لا نصدقه بما أخبر به وبلغه عن ربه من أحكام وأمور أخري بعبدة وراء هذا العالم ، فكيف قد صدقناه بالمغيبات وصدقناه بالحوادث قبل حدوثها ووقوعها فقد أخبرنا عن سدرة المنتهي ، وعن رحلته ليلة الإسراء والمعراج ، وأخبرنا عما لاقاه

ص: 235

في ليلة الإسراء وصدقناه بما أخبرنا عما وراء هذا العالم وصدقناه بما سمعه ورآه في تلك العوالم البعيدة ، صدقناه عن الجنة ، وعن النار ، وآمنا بأقواله وحصل اليقين بما قاله وأخبر به فلا شك بما قال وأخبر ، وقد تسأل عن الإيمان بالنبوة ، فالإيمان بالنبوة يلزمه الإيمان بالإمامة ، والإيمان بالنبوة يتبعه التصديق بكل حرف وكل كلمة وكل إشارة وكل حركة تصدر عن هذا الرسول الصادق الأمين ، وهذا هو اليقين الثابت ، وقد تسأل عن هذا اليقين المغروس في النفوس إنما هو نتيجة علم وانفتاح وتنمية قضايا منطقية وتأملات ومعادلات صحيحة لاقضايا وهمية أو ظنية أو أخبار آحاد أو تقليد الآباء، فإن أخبار الآحاد لا تبني عليه قضية ولا تغرس إيمان وإنما هي أخبار متواترة رواها جيل بعد جيل وتسالم عليها الخلف عن السلف والأبناء والأحفاد عن الآباء والأجداد ، فليست هي قضايا ظنية تغرس ثم تذوب وتمحي وتزول ، فخبر الواحد أو قول الأب وحده لا يغرس عقيد؛ وإنما يغرس ظنا أو يصنع قضية ظنية ، فلو أخبرنا مخبر عن ناطحات سحاب في الولايات المتحدة مثلا إن مثل هذا الإخبار كونه قضية ظنية لانبني عقيدة موروثة باقية لم تتغير وتبقي وتبقي ، فلو جاءنا جماعة عرفوا بالصدق ولا يحتمل عندهم التواطؤ والكذب أو المصلحة وأخبرونا عن ناطحات السحاب وأن لها وجودا وهيكلا معينا فهذا هو الفرق بين خبر الواحد وخبر الجماعة ، فهناك ظن وهنا يقين فقد حصل اليقين بوجودها ، فهذا اليقين علم، أو هو عند رحاب العلم أو هو علم اليقين

ص: 236

ومنشأه قضية صادقة أو قضايا منطقية لاقضايا وهمية أو قضية ظئية ، وهذا الاعتقاد اليقيني بني علي أسس قطعية ، وهذا اليقين هو العلم القطعي وهو المعبر عنه في منطق القرآن عين اليقين وحق اليقين ، أما من أخبرك بما لا يحتمل الظن في كذبه أو أخبرك بما لا يقبل العقل أو يتصادم معه فلا يؤسس اعتقاد يقيني أو يبني عليه عقيدة ، وقضية الإمام المهدي عليه السلام أين التصادم العقلي فيها ، وهي قضية ظنية قابلة للنسخ والتذويب أو التشكيك ، فلو كانت من هذا القبيل لماتت منذ ألف سنة ولكنها باقية وتتحدي كل الرياح وكل المحاولات . عقيدة أحكمها هذا الشرع ،وغرسها سيد المرسلين ، وتبقي وتبقي ونحن في زمن الحوار حوار الحضارات والمبادئ والأفكار وبناء العقيدة والاعتقاد أو غرس المعتقد الصحيح والإيمان به يتوقف علي أوليات وعلي مباني والتصديق به والاذعان بواقعه يتوقف أولا علي معايير منطقية ونقلات فكرية كما يقول علماء المنطق : التصديق يتوقف علي التصور، والتصور مرحلة ما قبل التصديق ، فقد يكون التصور يتوقف علي مراحل أولية تسبق التصديق والتصور، أي التصديق يتوقف علي القصور، والتطور يتوقف علي التأملات ، وكما يقول علماء المنطق التصور قبل التصديق، والتصور خطوة نحو التصديق ، والتصديق مرحلة بعد التصور، وكلاهما يقع فيه الخطأ والاضطراب ، ويتوقف التصور علي مقدمات سابقة علي إحساس وعلي منبهات وعلي شعور النفس وعلي تعليلات ، وكل أمر من هذه الأمور يرتقي إلي التصور

ص: 237

ويرتقي ويقوي هذا التصور وينمو هذا التصور، ثم يصل إلي التصديق ، ثم إلي الإذعان واليقين ، والاذعان والتصديق يتمركز في النفس ثم يتحول إلي مرتكز لا يفارق الشعور ولا ينفصل عن النفس ، ثم ينمو الاعتقاد وتبني العقيدة وتحتل مكانها في النفوس، وتحتاج إلي توفيق وعناية وتثبت « اللهم ثبتنا علي الإيمان بك، والتصديق برسولك، والإيمان بوليك »، فإن ذلك هو الحق الذي آمنا به ، اللهم اجعلنا من النفوس المطمئنة ...

وقد تسأل : كيف آمنت بوجود هذا الإمام حيا باقيا وإلي الآن ، وكيف آمنت بأنه سيظهر ويبرز علي الساحة السياسية الواسعة ليمارس المسؤولية الشاقة ويصلح الدنيا شرقها وغربها والدنيا في كل يوم صورة جديدة وشعور جديد وجيل جديد ، وما كان بالأمس قد لا يصلح إلي هذا اليوم ، فكيف يصلح إلي ما بعد هذا اليوم، وقد تسأل : كيف اعتقدت به إماما ؟ قلت لك : لأن آباءه وأجداده أخبروا به وحتي جده الأعلي بشر به كثيرا ...

والجواب عن هذا كله : أنا آمنت واعتقدت وأحاور وأجادل لأني عرفت الحق حقا ، وأنا وسلفي أنصار الحق وأتباع الحق والمدافعين عن الحق.

يا أخي، هل سألت نفسك لماذا أنت مشكك ولماذا هذا التشكيك..؟

ص: 238

ونهاية المطاف في هذا الحوار وباختصار: أنا مؤمن أنا معتقد وأنا مليء بالقناعة والإيمان بوجود إمام من ذرية علي والحسين عليهما السلام ، ولا يزال موجود، وأنا مؤمن به ، وأنا أحاور وأجادل وأثبت وجوده وبقاءه وامتداد حياته وهو امتداد للنبوة وممارساته في الإمامة والقيام بوظائفه الشرعية من أجل الأمة وبقائها ، ونحن نحاور ونحن في زمن الشكوك وزمن الحوار وزمن الجدل والتلاقح الفكري وإن عقيدة بنيت علي أوهام وخيالات في طريقها إلي الاندثار والموت ، وأين الهزال والهزل ، وأين الأوهام وأين الأفكار المبينة في قضية الإمام المهدي عليه السلام ، وكلها قضايا منطقية واقعية لها نصيب من الفلسفة الإسلامية والطموح الفكري والنظرة المستقبلية وازدهار الأمة وسيادتها عند ظهوره وعند القيام بأحكام الدولة الكبري وانتشار كلمة لا إله إلا الله هنا وهناك ، وهذا هو طموح الإسلام أن يكون دين الدنيا ودين البشرية وحكم الله في الأرض لتنعم البشرية في ظلاله وعدله ورعايته وهذا ما أشارت إليه الآية « لِيُظهِرَهُ عَلَي الدّينِ كُلِّهِ » (1)

ص: 239


1- التوبة : 33. الفتح: 28. الصف : 9.

أخبار الإمام المهدي عليه السلام

وهي كثيرة ومختلفة ومروية في كتب المسلمين جمعاء ، وليست مقصورة في كتب الشيعة لأن المهدي عليه السلام ليس للشيعة فحسب .

المهدي عليه السلام رجل المستقبل ، وبطل الإصلاح للإنسانية المضطربة المبتلاة ، وأخبار المهدي عليه السلام آمن بها من آمن ، وشكك فيها آخرون ، ولا داعي إلي هذه الشكوك ، وهذه الشكوك ما هي إلا أمراض وأوهام، ومن أدركها والتفت إليها تخلي عنها ، وأخبار المهدي عليه السلام موجودة في الكتب الحيادية لعلماء أفذاذ ورجالات من المسلمين مجردين عن داء الشك والتشكيك.

وهذه الأخبار بعد قراءتها وتدبرها وبعد فهمها وصحة سندها هي علي أضرب شتي ، وفي مساحات حوارية مختلفة ، قسم منها مقبول واضح لا لبس فيه ولا اضطراب ، والقسم الآخر قد لا يدركه هذا العقل في هذا الزمن وجميعها تتحدث عن هذا الإمام ودوره وما يحققه

ص: 240

وما يفعله وما يصدر عنه ، وقسم آخر يتحدث عن مشكلات هذا الإنسان في المستقبل ، وكيف يكون ويصور الحياة الاجتماعية المقبلة ، وكيف تتكيف، وكيف يستخدم المنجزات الحضارية المستحدثة في مسيرته وقضاء حاجاته ويسير شؤونه ، وكيف تتكيف الحياة المقبلة والروابط مع الآخرين، وكيف يكون ذلك الإنسان في ليله ونهاره وحله وترحاله وتفعيله وتفاعله والعلاقات مع بني الإنسان المضطربة كل ذلك نجده في أخبار الإمام المهدي عليه السلام في العلم والفكر والسياسة والمعاش وما يصدر عنه وما يقع عليه ، وما يقع في الدنيا في مشرقها ومغربها كل ذلك حاضر بين يديه تتقارب أطراف الأرض ، وأطراف الأرض حديث من أحاديث القرآن .

فقد تقرأ في أخبار المهدي عليه السلام عن أمور وتطورات وهي بعيدة عنك ولكنها واقعة في دائرة الامكان ، العلم يتقدم والمنجزات العلمية كثيرة وتزدهر الحياة الاجتماعية ونسميه زمن السرعة وزمن التقارب وزمن اللقاءات حتي ورد أن زمانه يختلف عن زمانكم، وأهل زمانه يختلفون عن أهل زمانكم ، وفي ذلك روايات كثيرة فتش عنها تجدها .

ولكن السؤال ما هو الاختلاف ؟ هل الليل يطول أم النهار يقصر ، وأهل زمانه بماذا يختلفون عنا وفي أي شيء، لا يكذبون ، لا يقترفون الخطيئة ، لا يسرقون ، لا اعتداء من هذا علي هذا ، ولا مخالفة ، كلهم في طاعة الله وطاعة إمام العصر عليه السلام ، إن قال فعلوا، وإن دعاهم

ص: 241

استجابوا ، هممهم تزيل الجبال ، يخاف منهم أهل الأرض لأنهم سخروا أنفسهم لولي الأمر وحفيد الأنبياء تتقارب الدنيا ولا بعد ولا تباعد ولاانقطاع ولا تقاطع، الأرض تزدهر بخيراتها ، وفي ذلك أخبار كثيرة ذكرت ، فتش عنها تجدها في كتبنا وكتب غيرنا.

قد تقرأ في أخبار المهدي فتستغرب بما فيها ، وتقف عند مضمونها ومحتواها ، فقد لا تدركها فكريا ولا تهضمها حضاريا ، ولا يدرك أهل هذا العصر تفسيرها لأن أسرارها محجوبة بحجاب المستقبل بحجاب الزمن والقضايا مرهونة بساعاتها وبأوقاتها ، فقد تقف عندها ونحن في عقلية اليوم وقد تضيق بنا الآفاق في تفسيرها تفسير مقبولا وتحليلها علمية.

هذه نماذج من أخباره وصور من زمانه إذا ظهر ، يعيش المؤمن ولا يدخل في روعه وفي نفسه أنه يعتدي عليه أو يظلم أو يؤخذ حقه .

وورد أن الطفل يلاعب الحية وهو في أمن وأمان .

أن الشاة تسرح مع الذئب ، فلا تخاف منه ولا يعتدي عليها ، فإذا كان الحيوان في أمن وأمان فكيف بالإنسان في ذلك الزمان ؟!

وإذا ظهر تطوي له الأرض.

وإذا ظهر يدعو الشمس والقمر .

وإذا ظهر ودعا إلي حكم القرآن ظن الناس بأن القرآن قد نزل عليه

ص: 242

وهو ليس نبيا ، وليس هناك قرآن آخر ينزل إلي الأرض، هو هو القرآن ويبقي هو.

وورد أن المؤمن في زمن القائم وهو بالمشرق يري أخاه الذي بالمغرب وكذا الذي بالمغرب يري أخاه الذي بالمشرق.

وورد أنه يقوم بالسيف ، فقد تسمعني ويدخل في نفسك شك أو اضطراب ، أو لعلك تقول ماذا يعمل السيف وماذا يصنع السيف مقابل هذه الأسلحة الفتاكة الأسلحة الفيزيائية والجرثومية وزمن السيف قد انتهي وأصبح زمن المركبات والعناصر والحديد والنار والانفجار والانشطار، لا تتسرع في الحكم، وما يدريك أن ذلك السيف يختلف عن باقي السيوف في قطعه وحده وفعله وصده وإيجاده وفاعليته ، والسيف اسم وله مصاديق .

وورد أنه إذا ظهر يضع سيفه علي عاتقه ثمانية أشهر أو ستة أشهر ولا يغمده حتي يقتل كل جبار عنيد وكل شيطان مريد، وكل باغ وحاسد وكل مارق وجاحد ، ويقتل ويفتك ، ويقتل حتي تجري الدماء كالأنهار.

وورد أن المهدي عليه السلام رجل من ولد الحسين عليه السلام ، لونه لون عربي ، وجسمه إسرائيلي ، لماذا ؟ وكيف يكون كذلك هذه روايات قابلة للتأويل والتوضيح، وقد وضحها العلماء وما تركوا شيئا ، ومن أراد أن يصف بطلا مقداما قويا في صولته قال عنه ليصوره إلي الآخرين شك؟

ص: 243

وجسدا وقامة فهو كأجداده طويل القامة ، قوي الهمة ، فإن في ذلك صورة تقترب إلي الفكر بأنه رجل حدي، رجل عن الله وفي سبيل الله ، لا تأخذه لومة لائم ، ويقول المشككون أو من ينشد المعرفة ويفتش عن الحقيقة في عصرنا، وكم سمعنا من شبهات وشكوك وهي لاشيء ، قالوا : من هو المهدي ، ولماذا سمي بذلك ؟ وكلهم في خط الهدي والهداية وكلهم هداة وأئمة الهدي ، فالإمام العاشر هو الهادي ، والإمام الجواد هو الذي اهتدي به من اهتدي ، وخطهم هو الخط المستقيم الذي لا عوج فيه ولا اضطراب ، من سلكه وصل إلي الله ، وقد تقول وتسأل لماذا سمي القائم وكلهم قائمون، وكلهم يحمل هموم الأمة ، وقائم في شؤونها ويريد لها النجاح ؟ ولكن أحدهم قد يصاب بتعطيل أو معوق أو يقتضي أن يكون جليس داره فيقعد هذا ويقوم هذا « الحسن والحسين إمامان قاما أو قعدا » ، فالقيام والقعود أمران طارئان قد يحدثان في وقت ما .

وقد تقول : لماذا هو آخرهم، ولماذا هو الإمام الثاني عشر ، وهل في ذلك منجزات وأهداف وقضايا وإيجابيات تختلف عن خط آبائه وأجداده ، ولماذا اختفي اليوم وما أجدر به أن يكون بيننا ، وما أحوجنا لهذا الإمام لعصرنا، عصر المشكلات والمشاكل والفقر والفقراء والضعف والضعفاء ؟

ولماذا هذا الخفاء عن الحياة وعن الساحة السياسية ، وهل سيبقي

ص: 244

ويمتد هذا الخفاء والانفصال عن الأمة والأمة بحاجة إليه ، وما أحوج الأمة لقيادة دينية وسياسية تدير شؤونها وتحل مشاكلها ؟

فإذا قلنا : هو موجود وعلي قيد الحياة وحتي في زماننا فما أشد الحاجة إليه لأنه الإمام، ووجود الإمام ضروري ، هكذا قال المحللون ، فكيف يكون هذا الإمام بعيدا عن رعيته ، وهل تستطيع هذه الرعية أن تدبر شؤونها وأمورها السياسية وغير السياسية ، كل ذلك متوقف علي وجود القيادة الحكيمة .

إن ذلك متوقف عليه ، فماذا تقول لو سئلنا عن أسباب غيبته والسؤال الكبير وهو أكبر سؤال عن أسباب غيبته ، فإن قلنا هو الخوف من السلاطين والحكام والجبابرة قيل لنا : هذا كان بالأمس هو الداعي والموجب. وقد انتهي وذهب أمس بما فيه وحديث أمس لا يكون حديث اليوم، وهل يقتضي هذا السبب للغيبة في عصرنا ، ومن يقطع بذلك والعالم والدنيا والإنسانية بحاجة إليه ، والأمة بانتظاره وهي تتأمله وتترقب ظهوره، فلماذا هو غائب ، وماذا يقصدون بالغيبة ، وهل هي الغيبة البصرية ، ونبقي نقول عن إمامنا إذا قيل لنا : أين هو ، وما هو، وكثر الحديث عنه ، وقد كثر الحديث عنه في عصرنا وكثر التأليف والجدل في غيبته وقد تسألني وأنا معتقد بذلك ، أعتقد به وهو غائب ، أعتقد به ولم تره ، أعتقد به وليس بينك وبينه صلة واتصال لاكلمة ولا قول ولا فعل ، كيف أعتقد بهذا المهدي إماما ؟

ص: 245

قالوا لنا وقالوا ويقولون ونقول لهم : إن آباءه وأجداده هم الصادقون ، ونحن مع الصادقين ، وقد اجتمعت الدنيا علي صدقهم ، ولا راهنا علي صدقهم ، وقرأنا كل كلماتهم وكل أفكارهم ورأيناهم الصادقين « وَ كُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ » (1) هم قد أخبرونا وبشرونا وكرروا وأعادوا عن هذا الإمام المهدي عليه السلام الذي تهتدي به الإنسانية وتستضيء بنوره وبعطائه وبفيض هدايته . إنه الإمام الحق ، إنه الإمام الذي يشاركنا في كل صغيرة وكبيرة ، وإن طال الانتظار ، وإن كثر الحديث عنه (2)، ونحن في انتظاره ، ونبقي بانتظاره .

وإن قلت : لماذا هذه الغيبة وقد طالت أو تطول ، كم مرت عليها ، ألف سنة ، وهل تبقي الآلاف متوالية متتالية وقد بشر به المبشرون في مجالسهم ومدارسهم منذ زمن قبل ولادته ، ومن المبشرين بقدومه عبدالله بن عباس ، ومن المبشرين بقدوم الإمام القائم سعيد بن جبير الرجل التابعي ، الرجل الصادق عند جميع المسلمين .

عن سعيد بن جبير ، عن ابن عباس ، قال : قال رسول الله صلي الله عليه واله :

« إن علي بن أبي طالب وصيي وإمام أمتي وخليفتي عليها بعدي ، ومن ولده القائم المنتظر الذي يملأ الله به الأرض قسطا وعدلا كما ملئت

ص: 246


1- التوبة : 119.
2- راجع القاموس في باب المهدي عليه السلام .

جورا وظلما » (1).

ومن أخبار الإمام عليه السلام المقبولة في المنطق المقبول والعقل المستقيم ورد:

« لا ينزل منزلا إلا انفجرت منه عيون ، فمن كان جائعا يشبع ، ومن كان ظمانا روي » (2).

وهذه رواية وبشارة عن الإمام الباقر عليه السلام ، وهو الذي بشر به وكأنه يقول يعم الرخاء والأمن والأمان ، وتنتشر السعادة لبني الإنسان ، وهذه إجابة عن السؤال الذي سمعناه كثيرا ، فإذا خرج الإمام فماذا بعد ذلك، وهي مرحلة ما بعد الخروج ، أي كيف تكون الحياة بعد خروجه ؟

وفي رواية صعصعة ، قال : سمعت عليا يقول : « يطهر الأرض ويضع ميزان العدل ، فلا يظلم أحد أحدا » (3).

وهو الذي يطهر الأرض من الظلم والفجور ومن الخطايا والرذائل ، فلا ظلم ولا خوف ولا .. ولا ..، وينتصر الحق ويندحر الباطل ، ويكون الناس مسلمين ، ويحكم الإسلام في شرق الأرض وغربها ، وتأكيدا للرسول صلي الله عليه واله كما وعده الله بالفتح والنصر والانتصار وسيادة

ص: 247


1- الملاحم والفتن لابن طاووس : 192.
2- نور الأنوار: 202.
3- نور الأنوار: 202.

هذا الدين في الأرض ، وهذا يتم بالإمام الذي يظهره الله علي الدين كله ، فيملأ الأرض قسطا وعدلا كما ملئت ظلما وجورا ، وكفي بالله شهيدا . أي إنما وعد الله به نبيه واقع « وإن الدين واقع » (1).

وعن سعيد بن جبير في تفسير قوله : « ليظهره علي الدين كله ولو كرة » (2) قال : « المهدي من ولد فاطمة عليها السلام » . وهو من ألف رجل بشروا بهذا الإمام .

أما الأحاديث الواردة عن النبي فلا تقف عند حد، فقال مرارا ومرارا : «لو لم يبق من الدنيا إلا يوم واحد لطول الله ذلك اليوم حتي يخرج رجل من أمتي ، يواطئ اسمه اسمي ، وكنيته كنيتي ، يملأ الأرض قسطا وعدلا كما ملئت ظلما وجورا ». حديث مروي مشهور لا شك فيه ولا تردد ، ذكرته جميع كتب المسلمين.

وذكر الترمذي (2: 270) عن أبي هريرة ، قال النبي : «لو لم يبق من الدنيا يوم لطول الله ذلك اليوم حتي يلي رجل من آل بيتي».

والكتب التي ذكرت أخبار الإمام المهدي الصحيحة التي حصل الإجماع عليها وأصبحت من المسلمات وطرقت أذن كل مسلم قديما وحديثا : صحيح البخاري ، سنن المصطفي لأبي داود ، صحيح

ص: 248


1- الذاريات: 6.
2- التوبة : 33. الصف: 9.

الترمذي ، الصواعق المحرقة ، الفتوحات المكية لابن العربي ، نور . الأبصار للشبلنجي ، ينابيع المودة للشيخ سليمان القندوزي ،مفاتيح الغيب للفخر الرازي .

أما هناك نوع من الكتب ألفها علماء من المسلمين بأخبار صاحب الزمان بعنوان أخبار الإمام المهدي ، وقد أفتي كثيرا من العلماء بكفر من أنكر المهدي عليه السلام ، أما عندنا فإن من أنكره أو شك فيه فإنه قد هدم الإمامة ، وهدم الإمامة معناه فصل الإمامة عن النبوة ، أو تكذيب للرسول الذي بشر به وأخبر، أو تشكيك في حديث آل محمد صلي الله عليه واله لأنهم بشروا به وأصبحت اليوم قضية الإمام المهدي عليه السلام عند العقلية الحديثة كأنها مسألة غريبة أو جديدة أو مختلفة ، أو هي من صنع الأوهام، والعقول المصابة ، والحاجة إلي النبوة هي الحاجة للإمامة بعدها ، والإيمان بالنبوة يلزمه إيمان بالإمامة بعدها ، وإذا بطلت النبوة بطلت الإمامة بعدها ، وبالعكس ، ولو بطلت النبوة فصلنا النبوة عن التوحيد ولوجود هذا التلازم بين التوحيد والنبوة والإمامة كانت النتيجة الإيمان بإمامة المهدي المنتظر عليه السلام وهي تشكل سلسلة مرتبطة بعضها بالآخر، ويتوقف هذا علي هذا ، وحاجة الإنسان إلي النبوة هي حاجته إلي الرئاسة والزعامة السياسية ، فالإمامة ضرورية ولا استغناء عنها ، فهي والنبوة في خط واحد (1).

ص: 249


1- راجع الإفصاح للشيخ المفيد، ط. النجف فقد أجاد في تحقيق المسألة .

هذه الرحلة نحو الإمام المهدي عليه السلام رحلة من الشك إلي اليقين ، والإمام المهدي عليه السلام بين السائل والمجيب ، والإمام المهدي عليه السلام في العقلية المعاصرة ، وقد ورد عن النبي صلي الله عليه وسلم كثيرا وكثيرا ، وهو كأنه يشير إليه باسمه وصفته ، ورد عن النبي :

« إنه يملأ الأرض أو تملأ الأرض جورا وظلما فيخرج رجل من ولدي »، أو قال : «من ذريتي » ، يملك سبعا ، أو تسعا ، فيملأ الأرض قسطا وعدلا »، والتعقيب في هذا الحديث : ماذا يقصد الرسول صلي الله عليه واله با سبعا أو تسعا ، وماذا يقصد بالامتلاء هل هو طوفان البلاد والابتلاء وما بعد ذلك ؟ بعد ذلك هو الفرج والبشري والخير والابتلاء ، هو نهاية الشدة ونهاية الأزمات ، فلا يبقي في الأرض مكان إلا ويدخله الجور والفساد، وعند ذلك يقول الناس أين هو، ولو كان لبان ، ولو كان الظهر ، فإذا وصلت الحياة إلي هذا المستوي ، فعندها يفرح المؤمنون بنصر الله ، وأما قول : « الرسول سبعا ، أو تسعا »، فهي أمور في لغة رمزية وما يدرينا إن هذا القائم المنتظر والعدل يكون حكمه سبعا والسبع والتسع مسألة رمزية أخذ بها كثيرون من الصحابة والتابعين في تقديس السبع والتسع ومن بينهم عبدالله بن عباس ، وفيه فسرت كثير من الآيات وإنه لعلم الساعة.

يقول مقاتل بن سليمان ومن اتبعه من المفسرين إن هذه الآية نزلت في الإمام المهدي عليه السلام الذي نتحدث عنه ويكون مصداقا للآية

ص: 250

« لِيُظهِرَهُ عَلَي الدّينِ كُلِّهِ وَلَو كَرِهَ المُشرِكونَ » (1)، فإذا خرج واستقام وسمعه أهل الأرض فما عليه إلا أن يسعي إلي نشر الإسلام تطبيقا ، فهو خلف لجده المصطفي في الأرض لا يبدل ولا يغير ولا يشرع ولا يخالف القرآن .

وفي الحديث النبوي : «المهدي يقفو أثري لا يخطئ » .

ويقول البياتي : « ومن هذا الحديث النبوي نفهم أن المهدي متبع لا مبتدئ » (2) .

إنه حجة الله في الأرض، وصاحب الكرة البيضاء، وشعاره الذي يرفعه وصوته الذي يعلو جاء الحق وزهق الباطل ، وهو بقية الله في الأرض ، وهو الوارث لأسرار النبوة والإمامة .

وعلينا أن نستمر معك في أحاديث الإمام المهدي عليه السلام ، ولعلنا نطرق باب الحقيقة ويمين الله علينا أن ندخل إلي مدرسة اليقين ، ونقرأ ما جاء في الفتوحات المكية ( الجزء الثاني ) لابن العربي في كتابه الدر المكنون وغيره وغيره لنصل إلي نزول السيد المسيح إلي الأرض، وكيف ينزل ؟ وكيف يصلي خلف المهدي عليه السلام ؟ وأين ينزل في دمشق بشرقها ؟

ص: 251


1- التوبة : 33. الصف: 9.
2- النظرة النفسية والأشعة القدسية لمنصور البياتي : 129.

ونعود إلي الأخبار الواردة في ذلك ونقرأ ما جاء في فرائد السمطين ، ونقرأ ما ورد في بشارة الإسلام وغيرها من الكتب في قضية الإمام المهدي عليه السلام الذي يملأ الأرض عدلا وسعادة .

إن قضية المهدي عليه السلام قضية لا ريب فيها ، آمن بها كما آمن بها أصحاب اليقين وأصحاب الفكر.

اللهم عجل فرجه ، واجعلنا من أنصاره وجنوده والمستشهدين بين يديه ، وإلي اللقاء .

ص: 252

المحتويات

المقدمه ... 5

المدخل ... 11

رحلة من الشك إلي اليقين ... 17

عوامل الشك والتشكيك والانكار لوجوده عليه السلام ... 19

الشباب المسلم والإمام المهدي عليه السلام ... 25

حديث مع الشباب المسلم ... 28

بداية الحديث ... 44

اللقاء الأول : البداية في الحوار ... 47

اللقاء الثاني : نماذج من الاستدلال ... 51

المقدمة الأولي ... 52

المقدمة الثانية ... 52

المقدمة الثالثة ... 52

المقدمة الرابعة ... 52

ص: 253

اللقاء الثالث : حوار مع المشككين في الإمام والإمامة ... 53

المعمرون القدماء في التاريخ ... 65

اللقاء الرابع ... 68

عقيدتنا بالإمام المهدي عليه السلام... جذورها وأسسها ... 72

عود علي بدء ... 76

خلاصة القول بالرجعة ... 92

لماذا المهدي عليه السلام ... 101

اللقاء الأول الجديد ... 103

مع المشككين في قضية المهدي عليه السلام ... 106

كيف تكون الحياة بعد ظهوره عليه السلام ؟ ... 109

لقاء مع المؤمنين المعترفين والمعتقدين بولادته ووجوده

واستمرار بقائه وطول عمره الشريف ... 119

نصوص وأقوال وروايات وأحاديث ... 138

المبشرون والبشارات ... 144

والمنتظرون لظهوره عليه السلام وقيامه بالأمر ... 144

الانتظار ، وما هي أخبار الانتظار ؟ ... 147

الانتظار والاصطبار ، ولماذا الانتظار ؟ ... 163

نحن الفرقة المنتظرة ومن هو المنتظر؟ ... 169

رحلة جديدة إلي رحاب الإمام المهدي عليه السلام ... 182

المصلح الذي يصلح هذا العالم ... 182

ص: 254

وقفة جديدة مع المشككين في قضية الإمام المهدي عليه السلام ... 192

مراحل في الشك إلي اليقين ... 200

الشك مرحلة من مراحل اليقين والاعتقاد والإيمان ... 204

مع المشككين والمترددين والمنكرين ... 215

حديث الجزيرة الخضراء ... 220

الإمام المهدي عليه السلام بين السائل والمجيب ... 231

أخبار الإمام المهدي عليه السلام ... 240

ص: 255

تعريف مرکز

بسم الله الرحمن الرحیم
هَلْ یَسْتَوِی الَّذِینَ یَعْلَمُونَ وَالَّذِینَ لَا یَعْلَمُونَ
الزمر: 9

عنوان المکتب المرکزي
أصفهان، شارع عبد الرزاق، سوق حاج محمد جعفر آباده ای، زقاق الشهید محمد حسن التوکلی، الرقم 129، الطبقة الأولی.

عنوان الموقع : : www.ghbook.ir
البرید الالکتروني : Info@ghbook.ir
هاتف المکتب المرکزي 03134490125
هاتف المکتب في طهران 88318722 ـ 021
قسم البیع 09132000109شؤون المستخدمین 09132000109.