نظم الدررالسمطين في فضائل المصطفي صلي الله عليه و آله والمرتضي والبتول والسبطين عليهم السلام
تاليف: جمال الدين محمد بن يوسف بن الحسن بن محمد الزرندي الحنفي المدني
تحقيق: حسين الحسني البيرجندي
الموضوع: سيرة ، الحديث
الناشر: المجمع العالمي لاهل البيت عليهم السلام - بيروت - لبنان
الطبعة : الثانية
تاريخ نشر: 1433 ه - 2012 م
ص: 1
ص: 2
نظم الدررالسمطين في فضائل المصطفي صلي الله عليه و آله والمرتضي والبتول والسبطين عليهم السلام
ص: 3
نظم الدررالسمطين في فضائل المصطفي صلي الله عليه و آله والمرتضي والبتول والسبطين عليهم السلام
تاليف: جمال الدين محمد بن يوسف بن الحسن بن محمد الزرندي الحنفي المدني
تحقيق: حسين الحسني البيرجندي
الموضوع: سيرة ، الحديث
الناشر: المجمع العالمي لاهل البيت عليهم السلام - بيروت - لبنان
الطبعة : الثانية
تاريخ نشر: 1433 ه - 2012 م
ص: 4
اهل البيت عليهم السلام في القرآن
إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا
سورة الاحزاب - آية 33
ص: 5
اهل البيت في السنة النبوية
إِنِّي تَارِكٌ فِيكُمُ الثَّقَلَيْنِ كِتَابَ اللَّهِ وَ عِتْرَتِي أَهْلَ بَيْتِي ما إِنْ تَمَسَّكْتُمْ بهما لَنْ تَضلُّوا أبَداً
ص: 6
إنّ تراث أهل البيت عليهم السلام الذي اختزنته مدرستهم وحفظه من الضياع أتباعهم يعبّر عن مدرسة جامعة لشتي فروع المعرفة الإسلامية. وقد استطاعت هذه المدرسة أن تربّي النفوس المستعدة للاغتراف من هذا المعين، وتقدّم للاُمة الإسلامية كبار العلماء المحتذين لخُطي أهل البيت عليهم السلام الرسالية، مستوعبين إثارات وأسئلة شتي المذاهب والاتجاهات الفكرية من داخل الحاضرة الإسلامية وخارجها، مقدّمين لها أمتن الأجوبة والحلول علي مدي القرون المتتالية.
وقد بادر المجمع العالمي لأهل البيت عليهم السلام - منطلقاً من مسؤولياته التي أخذها علي عاتقه - للدفاع عن حريم الرسالة وحقائقها التي ضبّب عليها أرباب الفرق والمذاهب وأصحاب الاتجاهات المناوءة للإسلام، مقتفياً خطي أهل البيت عليهم السلام وأتباع مدرستهم الرشيدة التي حرصت في الرد علي التحديات المستمرة، وحاولت أن تبقي علي الدوام في خطّ المواجهة وبالمستوي المطلوب في كلّ عصر.
إنّ التجارب التي تختزنها كتب علماء مدرسة أهل البيت عليهم السلام في هذا المضمار فريدة في نوعها؛ لأنها ذات رصيد علمي يحتكم إلي العقل والبرهان ويتجنّب الهوي والتعصب المذموم، ويخاطب العلماء والمفكرين من ذوي الاختصاص خطاباً يستسيغه العقل وتتقبله الفطرة السليمة.
ص: 7
وقد حاول المجمع العالمي لأهل البيت عليهم السلام أن يقدم لطلّاب الحقيقة مرحلة جديدة من هذه التجارب الغنيّة من خلال مجموعة من البحوث والمؤلفات التي يقوم بتصنيفها مؤلفون معاصرون من المنتمين لمدرسة أهل البيت عليهم السلام، أو من الذين أنعم اللّه عليهم بالإلتحاق بهذه المدرسة الشريفة، فضلاً عن قيام المجمع بنشر وتحقيق ما يتوخي فيه الفائدة من مؤلفات علماء الشيعة الأعلام من القدامي أيضاً؛ لتكون هذه المؤلفات منهلاً عذباً للنفوس الطالبة للحق، لتنفتح علي الحقائق التي تقدّمها مدرسة أهل البيت عليهم السلام الرسالية للعالم أجمع، في عصر تتكامل فيه العقول وتتواصل النفوس والأرواح بشكل سريع وفريد.
ونتقدم بالشكر الجزيل لسماحة الشيخ حسين الحسني البيرجندي لتحقيقه هذا الكتاب، ولكل الإخوة الذين ساهموا في إخراجه.
وكلّنا أمل ورجاء بأن نكون قد قدّمنا ما استطعنا من جهد أداءً لبعض ما علينا تجاه رسالة ربّنا العظيم الذي أرسل رسوله بالهدي ودين الحقّ ليظهره علي الدين كلّه وكفي باللّه شهيداً.
المجمع العالمي لأهل البيت عليهم السلام
المعاونية الثقافية
ص: 8
بسم اللّه الرحمن الرحيم
الحمد للّه ربّ العالمين والصّلاة والسّلام علي الأنبياء والمرسلين لا سيّما خاتمهم محمّد وعلي آله الطيّبين الطاهرين إلي يوم الدين.
المؤلّف
هو محمّد بن يوسف بن الحسن بن محمّد بن محمود بن الحسن الزرندي محتداً ونجاراً المدني مولداً وداراً الأنصاري نسباً وفخاراً المحدّث بالحرم الشريف النبوي صلي الله عليه و آله. نسخة (أ) كتب بخطّه.
قال بن حجر من ترجمته: قرأت في مشيخة الجنيد البلياني تخريج الحافظ شمس الدين الجزري الدمشقي نزيل شيراز أنّه كان عالماً و أرّخ مولده سنة (693 ه ق) ووفاته بشيراز سنة بضع وخمسين وسبع مائة قال: وخرّج له البرزالي مشيخةً عن مائة شيخ. قلت: مات البرزالي قبله بأكثرمن ثلاثين سنة.
ورأس بعد أبيه بالمدينة و صنّف كتباً عديدة... ودرّس في الفقه والحديث ثم رحل إلي شيراز فولي القضاء بها حتي مات سنة سبع أو ثمان وأربعين وسبع مئة ذكره بن فرحون(1).
وصرح المؤلّف نفسه أنّ سفره كان إلي شيراز اثناء سنة خمس وأربعين
ص: 9
وسبع مائة. كما صرح أنّه فرغ من تأليف الكتاب سنة سبع وأربعين وسبع مائة ببلدة شيراز.
وقال محمّد بن رافع السلامي: محمّدبن يوسف بن الحسن... قدم علينا القاهرة وسمع من أبي الهدي و... ورحل الي دمشق وسمع بها... وسمع بالإسكندرية... وبغداد.... وحدّث وخرّج له الحافظ أبوحجّة القاسم بن حجّة البرزالي جزءاًمن حديثه وطلبه بنفسه وكتبه بخطّه وقرأوعني بالطلب وقدم القاهرة مرة أُخري ونزل بخانقاه سعيدالسعداء. واجتمعت به بمدينة سيدنارسول اللّه صلي الله عليه و آله وأضافني ثم رأيته بدمشق وقصدت أن أسمع عليه الجزء المذكور فلم يتفق(1).
وقال أبو القاسم الجنيد: محمّد بن يوسف المحدّث ذو الأسانيد العالية والروايات السامية والمسموعات الوافرة قدم شيراز في سنة (750) فدرّس وأفاد ونشر الحديث وأسمع الكتب وانتفع به جماعات من العلماء والمشائخ والفضلاء وعمّ بركته سائر البلدة ونواحيها فأجازلهم وأرشدهم ورفق بالملوك والرعايا ونصحهم وله تصانيف مبسوطة... وكان مجمع أخلاق نبوية وأوصاف ملكية توفّي في سنة بضع وخمسين وسبع مائة ودفن في حظيرة الصاحب الكبير جمال الدين غريب شاه(2).
الكتاب
قال: سمّيته كتاب نظم دررالسمطين في فضائل المصطفي والمرتضي5.
ص: 10
والبتول والسبطين. وذكره الذريعة في (دررالسمطين... تبعاً لكشف الظنون ودرر الكامنة وقال: رأيت نسخة هذاالكتاب في كرمانشاه في مكتبة سردار كابلي اسمه المكتوب في نفس الكتاب وعلي ظهرالنسخة نظم دررالسمطين في فضائل المصطفي.... ولعل لفظة «نظم» زائد من غلط النسخة(1). ويبعد بعد أن صرح بهاالمؤلّف بخطه. وقد وقعت في حيازة مكتبة أميرالمؤمنين عليه السلام في النجف ظفرنا علي التصوير منها ببذله من فضيلة الشسيخ مصطفي القائني شكراللّه سعيه والنسخة بخط المؤلّف وتاريخ الفراغ فيها غرّة رمضان المبارك سنة (745) وطبقناها ورمزنا لها (أ)
وقد عثرنا علي نسخة أُخري من الكتاب في متحف إيران في طهران. بخط جيد قليلة الخطأ غير مؤرخة، عليها هوامش تبيّن بعد مراجعتها أنها أصح وأكمل من قبلها. رمزنا لها (ب). ولم نظفر علي النسخة المصورة إلّابعد عناء، لعدم تعاون المسؤول معنا.
والظاهر أنّ المؤلّف بعد تأليفه الكتاب لأبي إسحاق المذكور أعاد النظر علي نسخة منه وزاد فيه وغيّر المقدمة بما يلي:
1 - إنّ الديباجة في نسخة (أ) صفحة كاملة و في نسخة (ب) خمسة أسطر غير مشتركة لفظية.
2 - كتب في (أ) ثلاث صفحات حول رحلته إلي شيراز ومدح أبي إسحاق بن محمود شاه الأنصاري وحذفها من (ب) فكتب مكانها: أنّه سألني من لم يمكّني صدّه ولا وسعني ردّه ممّن له عليّ حق الأنعام والأيادي والمنن الجسام الروائح والغوادي ببلدة شيراز وقت رحلتي إليها أن أجمع له شيئاً في فضائل أهل العباء المخصوص بشرف الطهارة والإصطفاء فاستخرت اللّه تعالي في ذلك وجمعت له فوائد أحاديث هي من بحر فضائلهم مستخرجة.1.
ص: 11
3 - كتب في (أ): في هذاالكتاب سلكت مسلك الشيخ الإمام العالم المحدّث صدر الدين أبي إسحاق إبراهيم بن محمّد المؤيّد الحمّوئي رحمه الله وأوردت فيه بعض ألفاظه في صدرالكتاب ولم أقف من كتابه إلّاعلي كراريس من أوله رأيته أتي بأحاديث غير مشهورة ولا معروفة في كتب الحديث المعتمدة فأضربت عن ذكرها في كتابي هذا وأثبت ماكان مشهوراً مذكوراً في الكتب المعتمدة ممّا لم يذكره و حذفت أسانيدها حذراً من الإطالة وإعتماداً علي نقل الأئمّة وزدت عليه فذكرت نبذة من فضائل سيد المرسلين وخاتم النبيّين صلي الله عليه و آله. وحذفها من (ب) فكتب مكانها: جمعتها من كتب العلماء والأئمّة منبّة علي عظم قدرهم.
والمقدمة فيها أكثرها مأخوذة من مقدمة كتاب الحمّوئي كما سيأتي تخريجها.
4 - كتب في (أ): وقد جمعت هذاالكتاب تحفة للجناب العالي المولوي السلطان الجمالي(1) أعلا اللّه تعالي شأنه وأعزّ سلطانه وتذكرة لي ولأحبابي. وحذفها من (ب) فكتب مكانها: وقد جمعت هذا الكتاب للجناب العالي المولوي المشار إليه وتذكرة لي ولأحبابي. وقد زاد فيها كثيراً كماتري.
5 - ومما زاد فيها التفسير للشمائل المذكورة في أحاديث بن أبي هالة وعليّ عليه السلام وأُمّ معبد فإنّه غيرموجود في (أ) وضعنا فيه رقمين الأوّل في الأحاديث الثلاث والثاني في التفسير من أوّله إلي آخره تسهيلاً للمراجعة. وقد زاد أيضاً في (ب) أحاديث وغيرها راعياً فيه التناسب من تكميل أو تأكيد لما قبله جعلناها بين المعكوفتين وميّزناه برمز (ب) والحمدللّه أولاً وآخراً.
15 /محرم / 1427 ه
حسين الحسني البيرجندين.
ص: 12
بسم اللّه الرحمن الرحيم وبه أستعين
الحمد للّه ذي المنّ والإحسان، والطول والامتنان، والقدرة والسلطان، مدبر الأُمور بحكمته، ومنشئ الخلائق بقدرته، كرّم بني آدم وشرّفهم بِخَلَعِ الإيمان، وفضّلهم بالعقل ومزيد البيان، اصطفي منهم أصفياء وجعل منهم بررة أتقياء فهم خواص عباده وأوتاد بلاده، خصّهم بالخيرات والعطايا، وصرف عنهم الآفات والبلايا، وحبّب إليهم المعروف، وأعانهم علي إغاثة الملهوف، ليكمل عليهم المنّة والفضل، ليزدادوا له شكراًبالعطاء والبذل.
والصلاة علي رسوله محمّد القائم بححجه، والداعي إلي منهجه، أرجح العرب ميزاناً، وأفصحها لساناً وأوضحها بياناً، وأسمعها(1) بناناً وأوثقها إيماناً، وأعلاها مقاماً، وأحلاها كلاماً، وأوفاها ذماماً، فأوضح الحقيقة، ونصح الخليقة، ونصب أداة الدين وأعلا أعلامه، فرفع آيات اليقين وأحكم أحكامه، وشرع بأمر ربّه حتي ظهر دينه علي كل دين، وبلّغ ماتحمّل من رسالته حتي أتاه اليقين، استخرجه من الحسب الصميم، والأصل الكريم في أفضل أوان، وخير زمان بأنوار منار وأشهر شعار، وأكثر فخار من أطهر بيت في مضر بن نزار، صلّي اللّه عليه وعلي آله الطيّبين الطاهرين، وأصحابه من الأنصار والمهاجرين، والتابعين
ص: 13
لهم باحسان إلي يوم الدين، وسلّم تسليماً كثيراً.
[وبعد يقول العبد الفقير إلي رحمة ربّه، الراجي العفو عن جرائمه الفادحة وعظيم ذنبه، المؤمل شفاعة نبيّه محمّد صلي الله عليه و آله وأهل بيته كرام الأنام المرتجين وصحبه.
عليهم صلوات اللّه ماحنّ واله وحيا الحيا وادي العقيق يسكنه
محّمّد بن يوسف بن الحسن بن محمّد بن محمود بن الحسن الزرندي محتداً ونجاراً، المدني مولداً وداراً، الأنصاري نسباً وفخاراً، المحدّث بالحرم الشريف النبويّ عليه السلام أولاه اللّه تعالي سعادة الدارين، ورزقه العمل بما أُوتيه من النورين، ورحم سلفه وسقي صوب الرحمة والغفران ضريحه، وأناله بكرمه محض لطفه وصريحه](1) أنّي لمّا خرجت من الأوطان، وفارقت الأولاد والإخوان، والخلّان، وبعدت عن المدينة الشريفة المعظمة المنيفة التي هي مسقط رأسي وميلادي، ومهبط نظارة العيش والعمر بين أُسرتي وتلادي، لضرورة من بوائق الزمان، وطوارق الحدثان، ساقني القدر المحتوم، والرزق المقسوم، من تلك التربة إلي كربة الغربة، فوصلت إلي شيراز حفّت بالإكرام والإعزاز، في أثناء خمس وأربعين وسبعمئة قاصداً جناب سيّدنا مولانا السلطان الأعظم، الأعدل الأكرم الأعلم الأفخم، مالك رقاب الأُمم ملك ملوك العرب والعجم، مولي الأيادي والنعم، ومُعْلي ألوية الجود والكرم، الجامع بفضائله وهمّته بين رتبتَي العِلم والعَلَم، والقامع لأعدائه بسطوته وباستخدام أرباب السيف والقلم، مربّي العلماء والموالي مسند مثاني المكارم والمعالي، قبلة ذوي الاقبال، وكعبة أولي الآمال، الذي فاقت مناقبه الزاخرة العباب، وتاهت مفاخره الدائمة التسكاب).
ص: 14
عن الحصر والعدّ والحساب، كهف الإسلام والمسلمين، وعون الضعفاء والمساكين، عمدة الملوك والسلاطين، ظلّ اللّه في الأرضين جمال الدنيا والدين، شيخ أبو إسحاق بن الملك السعيد المرحوم المغفور الشهيد شرف الدولة والدين محمود شاه الأنصاري(1) خلّد اللّه ملكه، ورحم أسلافه، وأعلا شأنه ورفع قدره وأعزّ سلطانه، وعظم سموّه وإقتداره، وكثر أعوانه وأنصاره، ولازالت رايات نصرته علي البرايا مرفوعة، وعين الكمال عن ساحة سلطنته مدفوعة، بمحمّد وآله.
وقد أوجز الداعي لجنابه العالي في تخطيطه الجلالة والاطناب، ولزم التعداد في الألقاب، إعتماداً علي شهور تعظيمها واكتفاء بتجواز كرمها وكريمها، وصرف ذلك إلي الدعاء فإنّه أولي مايؤدي به المنعم من الأشياء، وغاية جهد أمثالي دعاء يدوم مع الليالي أو ثناء.
فأطل اللهمّ عمره، وأيّد جماله، وأدِرَّ نعمتك عليه وضاعف جلاله، وأدم علي كافّة الأنام ظِلاله، وحقّق في الدارين آماله، واجعل خيراً من أولاه مآله، فلقد وفّقته للخيرات فقِهِ شرّ الشيطان وإغوائه وإضلاله، وثبّته بالقول الثابت فقد وجّه إلي كرمك بصدق الرغبة آماله، وأعنّي اللهم علي القيام بشكره والدعاء له بسرّ القول وجهره، وسدّد اللهم عند الثناء عليه أقوالي فإنّي معترف بالعجز عن شكره وعجزي عن ذلك أقوي لي ووفّقني اللهم لما يرضيك عنّي في عملي).
ص: 15
وأدم عليّ درع إيمانك التي ألبستنيها فهي أحصن جنّة لي وأوقي لي إنّك علي كل شيء قدير وبالإجابة جدير وقد قلت متمثلاً في مجده المؤثل، وأصله المؤصل بيتين وهما:
فعش ليد تولي وعز بحفظه ونائبة تكفي ونعميء تنيلها
ودم للمعالي فهي خير ذخيرة ومشتبه إلّاعليك سبيلها
وقد كنت لما أن نويت الرحلة من المدينة النبويّة قاصداً حضرته وسُدّته الرفيعة العلوية، ألّفت كتاب الأربعين الصحاح المسمّي بغية المرتاح إلي طلب الأرباح، ووشحته بألقابه الشريفة وطرّزته بدل أياديه المعظمة المنيفة، حين انتشر ذكره في الآفاق واشتهر إحسانه وتقليده المنن للأعناق، وأجري اللّه تعالي هناك ذكر مدائحه بالسلطنة علي لساني وقلمي، حتي أتيت ساعياً منها إليه علي راحلتي وقدمي، فكان الفال علي ماجري وظهر أثر ذلك بين الوري وتشرف السكة والخطبة في الآفاق، بذكر السلطان الفاضل الكامل أبي إسحاق خلّد اللّه تعالي ملكه وجدّد علي ممر الزمان سعوده وبلغه من خير الدنيا والآخرة مراده ومقصوده إن شاء اللّه.
فلمّا وصلت إلي جنابه الكريم وحللت حماه الرحب العميم، الذي هو مجمع الأشراف ومنبع الألطاف، ومنجح الوسائل ومعدن الفضائل، وتشرفت بطلعته الميمونة وقبلت رواحبه وقضيت لمشافهة الدعاء مفترض حقّه وواجبه، وجدته بحراً لا ساحل له وألفيته دُرّاً لا مثال له فلُذْت بعد قضاء اللّه تعالي بجواره وإلتجأت إلي حضرته الحيّة وَوِجاره ورجوت بجاهه حصول المقاصد وإصلاح الأمر الفاسد فكان لي أكرم ملاذ وأشرف معاذ أعاذه اللّه تعالي من الأسواء ومتّعه بطول البقاء.
فلمّا رأيت تضاعف مكارمه وترادف مراحمه أحببت أن أذكر شطراً من
ص: 16
أياديه وأذكر عُشْراً ممّا فيه وأضمّ إلي كتابي الأربعين كتاباً آخر في فضائل سيّد المرسلين وخاتم النبيّين ورسول ربّ العالمين، وفضائل ابن عمّه أميرالمؤمنين وإمام المتّقين عليّ بن أبي طالب عليه السلام، أوّل مَنْ آمن به وصدّقه من المؤمنين، ومناقب الزهراء البتول فاطمة قرّة عين الرسول صلي الله عليه و آله، ومناقب ولديها السيّدين السعيدين الشهيدين الحسن والحسين سيدَيْ شباب أهل الجنّة، المخصوصين بشرف أهل الطهارة والاصطفاء والمحبّة والاجتباء، المظلّلين بالعباء، وأبذل جهدي فيه بالدعاء للسلطان جمال الدنيا والدين ظلّ اللّه في الأرضين، وأطرّزه بألقابه بالإعزاز والتمكين ليبقي ذكره فيه منتشراً في الآفاق، مخلّداً في بطون الأوراق، وأقصر فيه بعض مايجب له من حقّه وأشكره كما ينبغي ويلزم من شكره أجعله وسيلة إلي استعطاف عوارفه المألوفة، وذريعة إلي إتمام إحسانه جرياً علي شيمه المألوفة، فيذكرني بذلك عنده ولا ينساني بعده فاستخرت اللّه تعالي في ذلك وإنشرح له صدري وشرعت في تأليفه لأقابل بعض إحسان المنعم بشكري(1).ا.
ص: 17
بسم اللّه الرحمن الرحيم
الحمد للّه المؤمّل لكشف الشدائد المتفضل بتحف النعم والفوائد الذي أكرمنا بتوحيده، ووفقنا لشكره وتمجيده، وجعلنا من خير عبيده أحمده حمداً قاضياً بحقّه ضامناً لرزقه.
وأشهد أن لا إله إلّااللّه وحده لاشريك له شهادةً لا غلوّ في مقالها ولا انفصال لاتصالها و أشهد أن محمّداً عبده ورسوله القائم بحججه والداعي إلي منهجه.
[و «تَبَارَكَ الَّذِي نَزَّلَ الْفُرْقَانَ عَلَي عَبْدِهِ لِيَكُونَ لِلْعَالَمِينَ نَذِيرًا»(1) وبعثه إليهم مستعلاً بأعباء الرسالة، داعياً إليه بإذنه وسراجاً منيراً أرسله بالحنيفيّة السمحة السهلة، ليظهره علي الدين كله وجعل له من لدنه سلطاناً نصيراً وأمربالصلاة عليه قربةً إليه وزلفي لديه وجعلها للذنوب ممحقةً وللآثام ممحاةً وللسيّئات تكفيراً](2) وختم به النبيّين والمرسلين وجعله من [خلاصة البريات باليقين ونقاوة ما خطّ علي لوح الوجود بقلم التكوين](3). تعظيماً لشأنه وتعزيزاً وتكريماً لمحله وتوفيةً بحقّه وعظيم قدره وتنويهاً بأنّه آتاه فضلاً كبيراً.
ص: 18
[وانتخب له من أهله عليّاً عليه السلام أخاً وعوناً وردءاً وخليلاً ورفيقاً ووزيراً وصيّره علي أمر الدين والرسالة موازراً ومساعداً ومنجداً وظهيراً. وجعله أبا بنيه وجمع كل الفضائل فيه وأنزل عليه في شأنه «إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُواْ الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ»(1) تعظيماً له وتوقيراً وتعريفاً بحقّ ولايته، وتنبيهاً علي كمال رعايته ليحافظوا عليها وينالوا بها سعادةً ونضارةً وتبصيراً نصر به الشريعة والإسلام، وأذلّ ببأسه الكفرة والأصنام وشكر إطعامه الطعام «عَلَي حُبِّهِ مِسْكِينًا وَ يَتِيمًا وَ أَسِيرًا»(2)](3).
ما بارزه مبارز إلّاعاد عنه حسيراً، ولا قارنه قرن إلّانكص عنه كسيراً فكم فرّج عن رسول اللّه صلي الله عليه و آله كربةً وبؤساً حتي شرّفه بقوله: أنت منّي بمنزلة هارون من موسي. وكشف عنه كلّ غمّةً وكرباً حتي نزل فيه «قُل لَّآأَسْألُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَي»(4) فتوقّر بها حظّه من أقسام العلا توقيراً ثم زاده شرفاً وتعظيماً بين الأنام ففاز بالقِدْح المعلّي بما أنزل فيه وفي أولاده «إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَ يُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا»(5)(6)
والصلاة والسلام الأتمان الأكملان علي محمّد عبده ونبيّه المنعوت بالخُلُق العظيم المبعوث إلي الثقلين بالكتاب الكريم، الذي فاز وظفر [بنيل الأمانيه.
ص: 19
ودرك المطالب والمعالي تظفيراً](1). وعلي آله وأهل بيته وأصحابه الطيّبين الطاهرين وأزواجه أُمّهات المؤمنين [صلاة تنوه بذكرهم وتضاعف لهم الدرجان العلا إنعاماً وتبجيلاً وترحيباً وتعزيزاً وتزيدهم رفعةً وتمكيناً وسعادةً ونضرةً وتحبيراً. وسلم عليه وعليهم كلّما ذكره الذاكرون وغفل عن ذكره الغافلون تسليماً سامياً نامياً زاكياً مباركاً فيه طيّباً مباركاً ما تصلصلت علي درجات الحمي الحمام الورق وتسلسلت من نسمات الصبا الحمام الزرق وضح نهار وطمي تيار وجن ليل وسال سيل وحنّ صاحب شوق وصاحت ذات طوق](2).
وبعد يقول العبد الفقير إلي رحمة ربّه الراجي العفو [عن جرائمه الفادحة وعظيم ذنبه المؤمل شفاعة نبيّه محمّد صلي الله عليه و آله وأهل بيته كرام الأنام المرتجين وصحبه.
عليهم سلام اللّه ما حنّ واله وحيا الحيا وادي العقيق يسكنه](3).
[أبوعبداللّه](4). محمّد بن [الشيخ الإمام العالم المحدّث عزّالدين أبوالمظفر](5).
يوسف بن الحسن بن محمّد بن محمود بن الحسن [2] الزرندي(6) محتداًي.
ص: 20
ونجاراً، المدني مولداً ودياراً الأنصاري (نسباً وفخاراً)(1). المحدّث بالحرم الشريف النبوي أولاه اللّه سعادة الدارين ورزقه (العلم)(2). بما أُوتيه من النورين ورحم سلفه وسقي صوب الرحمة والغفران ضريحه، وأناله بكرمه مَحْض لطفه وصريحه.
[فالحمد للّه لمّا أن هديت إلي محبّة السادة الغرّ الميامين.
حب النبيّ وأهل البيت معتمدي إذا الخطوب أساءت رأيها فينا](3)
أرجوالنجاة بهم يوم المعاد وإن جنت يداي من الذنب الأفانينا(4)
وغيره:
[قوم لهم منّي ولاء مخالص في حالة الإعلان والإسرار
أنا عبدهم ووليّهم وولآهم سوري وموضع عصمتي وسواري
فعليهم منّي السلام فإنّهم أقصي مناي ومنتهي إيثاري](5)
وأسئله التوفيق لشكر هذه النعمة التي خصّني بها وساقها إليّ من ألطافه وأياديه، ومَنّ بها عليَّ من منحه العظيمة وهداني إليها بهواديه وأن ثبتني علي ذلك إلي لقياهم لأفوز بصحبتهم وأسعد برؤيتهم إن شاء اللّه.
ثم إنّه سألني من لم يمكّني صدّه ولا وسعني ردّه ممّن له عليّ حقّ الإنعام والأيادي والمنن الجسام الروائح والغوادي ببلدة شيراز، حفّت بالإكرام1.
ص: 21
والإعزاز وقت رحلتي إليها، أن أجمع له شيئاً في فضائل أهل العباء المخصوصين بشرف الطهارة والاصطفاء فاستخرت اللّه تعالي في ذلك وجمعت له [فوائد أحاديث هي من بحر فضائلهم مستخرجة، وفوائد أخبار وآثار في سلك شمائلهم بالإخلاص منظومة مديحة (وأزهار أخبار) يزهي بها رياض المزايا والمفاخر](1). ويقرّ بفضلها ويعترف الأوّل والآخر [مما تتعطر الآفاق من فوائح نشرها، أو تبتهج الأرواح والقلوب بمشاهدة لوائح بشرها، ويرتوي الظمآء عند سماع ذكرها ووصفها، ويتوشح عرائس المفاخر بفرائد دررها وحسن وصفها، ويبهر أبصار الحاسدين شعاعها ويا حبّذا عند المحبّ سماعها](2).
شعر:
دراري صدق ضمنها درر العلي وليس بمولي مثلها يد مسند
نضائر أُنس في حظائر قدّست بذكر هداة الدين من بعد أحمد
فصوص نصوص في ذوي الفضل والتقي شموس علا درّت لأشرف محتد
لهم في سماء المجد أشرف موضع وهم في عراص الدين أكرم مصعد(3)
جمعتها من كتب العلماء والأئمّة منبّها(4) علي عظم قدرهم وموالاتهم الواجبة علي جميع الأُمّة فإنّ اللّه (جعل محبّتهم مثمرة السعادات في الأُولي والعقبي وأنزل في شأنهم «قُل لَّآأَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَي»)(5).
وقد قال الإمام الشافعي في وصفهم ومنبّهاً علي هذا المعني في فضلهم1.
ص: 22
شعر:
يا أهل بيت رسول اللّه حبكم فرض من اللّه في القرآن أنزله
كفاكم من عظيم القدر أنّكم من لم يصل عليكم لا صلاة له(1)
ولغيره:
هم القوم من أصفاهم الودّ مخلصاً تمسك في أخراه بالسبب الأقوي
هم القوم فاقوا العالمين مآثراً محاسنها تجلي وآياتها تروي
موالاتهم فرض وحبّهم هدي وطاعتهم قربي وودّهم تقوي(2)
ولم أتتبع كل ماورد في ذلك من الأحاديث والآثار، بل آثرت الإيجاز والاختصار لأنّ [بعضها ينبئ عما خصّ اللّه تعالي به رسوله صلي الله عليه و آله وأهل بيته من الفضائل المتلألئة الأنوار والمناقب العالية المنار والمآثر الكريمة الآثار والمكارم الغائضة التيار، والمنائح الفائحة الأزهار، والمقامات الطاهرة الأقدار، والكرامات الواسعة الأقطار، والمراتب الرفيعة الأخطار](3).
وقد نظمت جواهرها في هذا الكتاب في سلكين وسلكت دررها في سمطين وقسمت أحاديثها [3] علي شطرين واتخذتها لأثقال الذنوب في لجج بحار رجاء الغفران فَلَكَين جعلتها لي عندهم [سبباً متيناً وبرهاناً مبيناً واعتقاداً صافياً ويقيناً وديدناً ودأباً وديناً](4).1.
ص: 23
وسمّيته كتاب: نظم درر السمطين في فضائل المصطفي والمرتضي والبتول والسبطين.
فالسمط الأوّل يشتمل علي فضائل جناب سيّد المرسلين وخاتم النبيّين ورسول ربّ العالمين (محمّد عليه أفضل صلوات المصلّين)(1). وشمائله وصفاته وما خصّه اللّه تعالي به من آياته ومعجزاته لأنّه [المقصود من خلق الأكوان كلّها المرفوع رأية مجده يوم العرض الأكبر، وآدم عليه السلام ومن دونه تحت ظلّها محمّد الممدود سرادق جلاله علي قمّة الأفلاك المحمود طرائقه في هداية الخلق إلي سواء الصراط، وإنقاذهم من ورطات الهلاك ماحي ظلمة الظلم وكاسر أشراك الإشراك، المنيع جناب عزّته من أن يحوم حول حمي وصفه رائد الإدراك](2). أو يقوم بحصر فضله عدّ الجنّ والإنس والأملاك [ويشتمل أيضاً](3) علي مناقب ابن عمّه وباب مدينة علمه [موازره وأخيه وقرّة عين صنو أبيه المرتضي المجتبي الذي هو في الدنيا والآخرة إمام سيّد، وفي ذات اللّه سبحانه وتعالي وإقامة دينه قوي أيّد ذي القلب العقول والأذن الواعية والهمّة التي هي بالعهود والذمام وافية](4). أميرالمؤمنين [ورأس الأولياء والصدّيقين وإمام البررة المتّقين يعسوب الدين مبيّن مناهج الحقّ واليقين وأخي رسول ربّ العالمين شعر:1.
ص: 24
محمّد العالي سرادق مجده علي قمّة العرش المجيد تعاليا
عليّ علا فوق السماوات قدره ومن فضله نال المعالي الأمانيا
فأسّس بنيان الولاية متقنا وحاز ذوو التحقيق منه المعانيا
الليث الهصور والسيّد الوقور والبطل المنصور والبحر المسجور والعلم المنشور والسيف البتور والعباب الزاخر الخضمّ والطود الشاهق الأشمّ، وساقي المؤمنين من الحوض بالأوفي والأتم، الهيصم الهصار أسد اللّه الكرار أبي الأئمّة الأطهار، المشرّف بمزيّة من كنت مولاه فعليّ مولاه، والمؤيّد بدعوة اللهمّ وال من والاه وعاد من عاداه، كاسر الأنصاب وهازم الأحزاب المتصدّق بخاتمه في المحراب فارس ميدان الطعّان والضرّاب هزبر كلّ عرين وضرغام كل غاب، الذي كلّ لسان كلّ معتاب ومغتاب وبيان كل ذامّ ومرتاب عن قدح في قدح معاليه لنقاء جنابه عن كل ذمّ وعاب المخصوص من الحضرة النبويّة بكرامة الإخوة والانتخاب المنصوص عليه، بأنّه لَدار الحكمة ومدينة العلم باب المكنّي بأبي الريحانتين وأبي الحسن وأبي التراب:
[هو النبأ العظيم وفلك نوح وباب اللّه وانقطع الخطاب
ذو البراهين القاطعة والآيات اللامعة وصاحب الكرامات الظاهرة والحجج البالغة، ينبوع الخير ومعدن البركات ومنجي غرقي بحار المعاصي من المخازي والمحاوي والدركات، مبدع جسيمات المكارم ومفيض عميمات المنن الإمام الذي حبّه وحبّ أولاده من أوفي العُدد وأوقي الجنن.
أخو أحمد المختار صفوة هاشم أبوالسادة الغرّ الميامين مؤتمن
وصهر إمام المرسلين محمّد عليّ أميرالمؤمنين أبوالحسن
هما ظهرا شخصين والنور واحد بنصّ حديث النفس والنور فاعلمن
هو الوزر المأمول في كل خطّة وإن لم ينجي الهالكون به فمن
عليهم الصلاة اللّه ما لاح كوكب وما هبّ ممراض النسيم علي فنن](1)ر.
ص: 25
[4] ولهذا السمط فاتحة، وخاتمة، فالفاتحة في امتنان اللّه تعالي بنبيّه صلي الله عليه و آله علي الأُمّة وكشف الآصار التي كانت علي من قبلها عنّا بسببه وأزاحت الغمّة وذكر نسبه ومولده وأسمائه وما شرّفه اللّه تعالي به من بين أنبيائه.
والخاتمة في فضل الصلاة والسلام عليه فإنّ ذلك أشرف ما يتقرب به إليه صلي الله عليه و آله. والسمط الثاني يحتوي علي مناقب سيدة النساء البتول فاطمة زوج عليّ المرتضي وقرّة عين الرسول صلي الله عليه و آله، وعلي مناقب ولديها السعيدين الشهيدين سيّدي شباب أهل الجنّة السبطين الحسن والحسين وطرف من مآثر أولادهم الأتقياء المخصوصين بكرامة التطهير والاصطفاء، الأُسرة الطاهرة النقيّة، والعصبة العلويّة، المبرّئين من كل رذيلة ودنيّة، والمتحلّين بكل فضيلة جليلة ومنقبة سنيّة شعر:
[(مطهرون نقيّات ثيابهم تجري الصلاة عليهم أينما ذكروا
ومن هم الملأ الأعلي وعندهم علم الكتاب كما جاءت به السور](1).
وصلوات اللّه علي محمّد وآله [وذوي قرابته وعلي جميع الأنبياء والمرسلين و آل كل وصحابته](2). [ما لمع البرق وسجع الورق](3). ورفع الخرق وجمع الحرق [ونظر عين ومطر عين ونبع عين وتبع عين عيناً](4). [ورضوان اللّه تعالي علي المنتمين إليهم والمرفرفين بأجنحة الإخلاص حواليهم والطائفين كعبة موالاتهم بأقدام اليقين والتابعين لهم باحسان إلي يوم الدين ما سنح سحاب وارتكم ضباب ونفح أناب ونفع كتاب وعلا علي غدر الماء حباب، وسلامه1.
ص: 26
وتحيّاته علي أرواحهم الزاكية الطيّبات ما لاح في أُفق السماء سحاب:
ولا تخطّت سواري المزن ساحتهم ولا عدّتها غواد العارض الهطل](1)
ويرحم اللّه عبداً قال آميناً(2).
وقد جمعت هذا الكتاب تحفة للجناب العالي المولوي المشار إليه وتذكرة لي ولأحبابي وإخواني وأنصاري في دين اللّه تعالي وأعواني الذين أرجو بركة دعائهم وإجابتهم في إصلاح حالي ورفع شأني وأن يثبت بالقول الثابت في طلب مرضاته قلبي، وعلي صراطه المستقيم قدمي، ويجري بالصدق والصواب لساني، ويختم لي بالسعادة والحسني فهو أكبر سؤلي وأعظم آمالي شعر:
[(متوسلاً منهم وسائل وصلهم أن يسألوا في العفو عن أوزاري
متوقّعاً لمواهب ورغائب ومطالب مثل السحاب غزار](3).
وأنا أسأل اللّه تعالي أن يجعل سعيي فيما نظمت فيه من الدرر وجمعت فيه من الغرر خالصاً لوجهه الكريم، وينفعني بها ومن جمعت بسببه بمنّه العظيم ولطفه العميم، ويجعلها عدّة وذخيرة لنا عندهم يوم تبلي السرائر وتظهر المخبئات وتنكشف الضمائر، لنفوز بمحبّتهم ونكون في شفاعتهم ونحشر في زمرتهم وندخل بموالاتهم دار السلام، فإنّه غاية المرام وهو سبحانه وليّ الفضل والإنعام والكرم والإكرام وهو حسبنا ونعم الوكيل ولا حول ولا قوّة إلّاباللّه العلي العظيم(4).ت.
ص: 27
وها أنا أشرع في إبتداء الكتاب مستعيناً باللّه العزيز الوهاب سائلاً منه الهداية فيه إلي الصواب غير غال فيه ولا مقصر عما ينبغي لهم من إبرازها فيه فمنه كل خير وهو القادر عليه والاستعانة منه والاستغاثة به والمصير إليه.
[فاتحة فتوح فائحة الأزهار وسانحة وضوح سائجة الأنهار](1) في ذكر إمتنان اللّه تعالي بنبيّه صلي الله عليه و آله علي الأُمّة وكشف الآصار التي كانت علي مَنْ قبلنا عنّا بسببه، وإزاحة [5] الغمّة وذكر نسبه وأسمائه وما شرّفه اللّه تعالي به من بين أنبيائه
قال اللّه عزّوجلّ «لَقَدْ مَنَّ اللَّهُ عَلَي الْمُؤْمِنِينَ إِذْ بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولًا مِّنْ أَنفُسِهِمْ يَتْلُواْ عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِن كَانُواْ مِن قَبْلُ لَفِي ضَلالٍ مُّبِينٍ»(2).
قال اللّه تعالي «هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الْأُمِّيِّينَ رَسُولًا مِّنْهُمْ يَتْلُواعَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَ يُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَ الْحِكْمَةَ وَ إِن كَانُوا مِن قَبْلُ لَفِي ضَلالٍ مُّبِينٍ»(3)(4).
وقال تعالي: «الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الْأُمِّيَّ الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوبًا عِندَهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَالإِْنجِيلِ يَأْمُرُهُم بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَاهُمْ عَنِ الْمُنكَرِ وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَائِثَ وَيَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ وَالأَْغْلالَ الَّتِي كَانَتْ عَلَيْهِمْ فَالَّذِينَ آمَنُوابِهِوَعَزَّرُوهُ وَنَصَرُوهُ وَاتَّبَعُواالنُّورَ الَّذِي أُنزِلَ مَعَهُ أُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ»(5).
1 - قال محمّد بن كعب القرظي(6): ما بعث عزّ وجلّ نبيّاً إلّاأمره أن يعرض
ص: 28
علي أُمّته هذه الآية: «لِّلَّهِ مَا فِي السَّمَوَ تِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَإِن تُبْدُوامَا فِي أَنفُسِكُمْ أَوْ تُخْفُوهُ يُحَاسِبْكُم بِهِ اللَّهُ»(1) فكان إذا عرضها عليهم قالوا: لا نستطيع أن يؤاخذنا اللّه بما توسوس به نفوسنا، فلمّا بعث اللّه محمّداً صلي الله عليه و آله أنزلها عليه فآمن بها وعرضها علي أصحابه فقالوا: كلّفنا من العمل ما نطيق الصلاة والصيام والجهاد والزكاة والحجّ، وقد أنزلت عليك هذه الآية ولا نطيقها، فقال لهم رسول اللّه صلي الله عليه و آله:
أتريدون أن تقولوا كما قال الذين مَنْ قبلكم سمعنا وعصينا بل قولوا: «سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا غُفْرَانَكَ رَبَّنَا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ» فقالوها وآمنوا بها فخففها اللّه تعالي عنهم وأنزل «آمَنَ الرَّسُولُ» أي صدق «بِمَآ أُنزِلَ إِلَيْهِ مِن رَّبِّهِ وَالْمُؤْمِنُونَ كُلٌّ آمَنَ بِاللَّهِ» إلي قوله «وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ» فرفع اللّه عن أُمّته حديث أنفسهم بالمعصية ونسخها عنهم بقوله: «لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا لَهَا مَا كَسَبَتْ وَعَلَيْهَا مَا اكْتَسَبَتْ»(2).
2 - وقال صلي الله عليه و آله: إنّ اللّه تجاوز عن أُمّتي ما حدّثت به أنفسها ما لم يتكلّموا أو يعملوا به(3). ولم يرفع ذلك عن أُمّة غيرها.
وقال اللّه تعالي له: سل تعطه فقال صلي الله عليه و آله خبراً عن نفسه وعن أُمّته: «رَبَّنَا لَا تُؤَاخِذْنَآ إِن نَّسِينَآ أَوْ أَخْطَأْنَا» أي نسينا الطاعة وأخطأنا في ركوب المعصية، قال الربّ تعالي: لا آخذكم بالنسيان ولا اؤاخذكم بالخطأ ولكن بما تتعمدون وأنزل: «وَ لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ فِيمَآ أَخْطَأْتُم بِهِ وَ لَكِن مَّا تَعَمَّدَتْ قُلُوبُكُمْ»(4) ألا تري أنّ من أكل ناسياً لا يبطل صومه، ومن قتل مؤمناً خطئاً لا يقتص منه ولا يأثم.5.
ص: 29
3 - وقال صلي الله عليه و آله: رفع عن أُمّتي الخطا والنسيان وما أستكرهوا عليه(1).
ثم قال اللّه عزّ وجلّ له يا محمّد: سَلْ تعطه فقال صلي الله عليه و آله «رَبَّنَا وَلَا تَحْمِلْ عَلَيْنَآ إِصْرًا كَمَا حَمَلْتَهُ عَلَي الَّذِينَ مِن قَبْلِنَا»(2): يعني الشدّة والجهد فقال اللّه: قد رفعت الإصر والشدّة عن أُمّتك وأنزل «وَ مَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ»(3) وأنزل «يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلَا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ»(4) فخفف اللّه عن هذه الأُمّة بسببه وبركته ما لم يخفف عن من كان قبلنا من الأُمم المتقدمة فقد كان الإصر علي بني إسرائيل في أكثر من عشرة أشياء.
أحدها: أنّ فرض الصلاة عليهم كان خمسين صلاة.
الثاني: أنّ الصلاة كانت واجبة عليهم في الكنائس والبيع ولا يجوز لهم الصلاة في غيرها.
الثالث: أنّه كان لا يطهرهم غير الماء، فإذا أصاب أحدهم حدث من جنابة، أو حيض، أو نفاس ولم يجد الماء بقي رجساً نجساً.
الرابع: أنّهم كانوا في صيامهم إذا صلّوا العشاء أو ناموا حرم عليهم الطعام والشراب والجماع إلي الليلة القابلة.
الخامس: أنّ فرض الزكاة عليهم كان ربع المال.
السادس: أنّ غنائمهم وصدقاتهم كانت محرّمة علي الفقراء منهم، كانوا إذا أغنموا شيئاً من الكفار جمعوه فتجئ نار من السماء فتأكله.5.
ص: 30
السابع: وكان قبول صدقاتهم بالقربان [6] والفضيحة إذا تصدّقوا جعلوه في مكان فإن قبله اللّه جاءت نار من السماء فأكلته وان لم يقبله اللّه تعالي بقي فافتضح صاحبه.
الثامن: كانوا إذا أذنبوا ذنباً حرّم اللّه تعالي عليهم طعاماً طيّباً كما قال: «فَبِظُلْمٍ مِّنَ الَّذِينَ هَادُوا حَرَّمْنَا عَلَيْهِمْ طَيِّبَاتٍ أُحِلَّتْ لَهُمْ»(1).
التاسع: أنّ حسناتهم كانت واحدة بواحدة من غير زيادة.
العاشر: أنّ ذنوبهم كانت مع الفضيحة إذا أذنب أحدهم ذنباً أصبح ذنبه مكتوباً علي باب داره أو جبهته فافتضح.
الحادي عشر: أنّ البول والقذر كان إذا أصاب جلد أحدهم أو ثوبه وجب عليهم قرضه بالمقراض أو قطعه ولم يجز له غسله فنهاهم رجل منهم عن ذلك فعذب في قبره.
الثاني عشر: أنّ القصاص كان حتماً عليهم ولم يكن لهم العفو ولا أخذ الدية وخيرت هذه الأُمّة بين العفو والقصاص والدية.
فكانت هذه الأشياء إصراً علي بني إسرائيل فرفعها اللّه عزّوجلّ عن هذه الأُمّة بدعوة النبيّ صلي الله عليه و آله كما أخبر اللّه تعالي عنه بقوله تعالي: «وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَائِثَ وَيَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ وَالأَْغْلالَ الَّتِي كَانَتْ عَلَيْهِمْ»(2).
ثم قال اللّه عزّ وجلّ لنبيّه صلي الله عليه و آله: يا محمّد لا أُحرّم علي أُمّتك الطيّبات (من الطعام)(3). بذنوبهم كما حرّمتها علي بني إسرائيل وحللتها لهم بفضلي ودعائك يا محمّد لم آمر أُمّتك بخمسين صلاة كما أمرت بني إسرائيل بل خففتهاب)
ص: 31
عنهم وجعلتها خمساً وأُثيبهم ثواب خمسين صلاة بفضلي (ومسألتك)(1). كما قال تعالي: «مَن جَآءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ عَشْرُ أَمْثَالِهَا»(2).
يا محمّد: لم آمر أُمّتك في الزكاة بإخراج ربع المال كما أمرت بني إسرائيل بل جعلت (عليهم)(3) ربع العشر وطهرت بقيّة مالهم بفضلي ودعائك.
يا محمّد: لم أدع أُمّتك في نجاسة الذنوب والجنابة والحيض والنفاس إذا لم يجدوا ماءً كما كان لبني إسرائيل وأبحت لهم التيمّم بالتراب بفضلي ودعائك كما قال اللّه تعالي: «فَلَمْ تَجِدُوامَآءً فَتَيَمَّمُواصَعِيدًا طَيِّبًا فَامْسَحُوابِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُم مِّنْهُ مَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيَجْعَلَ عَلَيْكُم مِّنْ حَرَجٍ وَلَكِن يُرِيدُ لِيُطَهِّرَكُمْ وَلِيُتِمَّ نِعْمَتَهُعَلَيْكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ»(4).
يا محمّد: لا أفسد صلاة أُمّتك إذا صلّوا في غير المسجد وأجعلها مقبولة بفضلي ودعائك كما قال تعالي «فَأَيْنَمَا تُوَلُّوافَثَمَّ وَجْهُ اللَّهِ»(5).
4 - وقال صلي الله عليه و آله: جعلت لي الأرض مسجداً وطهوراً(6). وفي رواية: جعلت لنا الأرض كلّها مسجداً وجعلت تربتها لنا طهوراً(7).
يا محمّد: لا أحرّم علي أُمّتك الطعام والشراب والجماع بعد صلاة العشاء والنوم، كما حرّمت علي بني إسرائيل ورخّصتُ لهم في الأكل والشرب والجماع،لخ
ص: 32
إلي أن يتبيّن الصبح بفضلي ودعائك كما قال تعالي «فَالآنَ بَاشِرُوهُنَّ وَابْتَغُوا مَا كَتَبَ اللَّهُ لَكُمْ وَكُلُواوَاشْرَبُوا حَتَّي يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الْأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ»(1).
ورفعت أيضاً يا محمّد الحساب فيما يأكل أُمّتك من الفطور والسحور بفضلي ودعائك.
يا محمّد لا أجعل صدقات أُمّتك مع الفضيحة كما جعلت صدقات بني إسرائيل، بل آخذ صدقاتهم بفضلي ودعائك كما قال تعالي: «هُوَ يَقْبَلُ التَّوْبَةَ عَنْ عِبَادِهِ وَ يأْخُذُ الصَّدَقَاتِ»(2).
يا محمّد لم أجعل حسنات أُمّتك واحدة بواحدة بل جعلت حسناتهم الواحدة بعشر إلي سبعمئة إلي ألفي ألف بفضلي ودعائك.
يا محمّد لا أفضح أُمّتك بتبيّن الذنوب علي أبوابهم كما فضحت بني إسرائيل، بل سترت ذنوبهم من الخلائق والملائكة بفضلي ودعائك.
ثم قال تعالي: يا محمّد سَلْ تعطه فقال: «رَبَّنَا وَلَا تُحَمِّلْنَا مَا لَاطَاقَةَ لَنَا بِهِ»(3) كما حملت بني إسرائيل [7] من أنواع الشدائد وتعجيل العقوبة كقطعهم أعضائهم وثيابهم إذا أصابها البول أو القذر وعدم قبول توبتهم إن لم يقتلوا أنفسهم كما قال تعالي: «فَتُوبُواإِلَي بَارئِكُمْ فَاقْتُلُواأَنفُسَكُمْ»(4) فمعني «َلَا تُحَمِّلْنَا مَا لَاطَاقَةَ لَنَا» أي لا تجعل توبة أُمّتي القتل فقال اللّه تعالي له: قد جعلت توبة أُمّتك الندامة بفضلي ورفعت عنهم قطع الثياب والأعضاء بسؤالك ولم أعاجلهم بالعقوبة وأمهلتهم4.
ص: 33
برحمتي ودعائك كما قال: «وَ رَبُّكَ الْغَفُورُ ذُو الرَّحْمَةِ لَوْ يُؤَاخِذُهُم بِمَا كَسَبُوالَعَجَّلَ لَهُمُ الْعَذَابَ بَل لَّهُم مَّوْعِدٌ لَّن يَجِدُوامِن دُونِهِ مَوْئِلاً»(1).
ثم قال يا محمّد: سَلْ تعط فقال: «وَاعْفُ عَنَّا وَاغْفِرْ لَنَا وَارْحَمْنَآ»(2) فدعي بثلاث دعوات بالعفو والمغفرة والرحمة، لأنّ اللّه تعالي أهلك قبل أُمّته ثلاثة أُمم بالخسف(3) والمسخ والقذف بالحجارة، كقارون وقوم داود عليه السلام جعل منهم القردة والخنازير، وقوم لوط أمطر عليهم حجارة من سجيل، فخاف النبيّ صلي الله عليه و آله من هذه الخصال علي أُمّته فقال: واعف عنّا من الخسف فقال تعالي: لا أخسف بأبدانهم الأرض بسؤالك ودعوتك وأخسف بذنوبهم بفضلي حتي لا يري الملائكة والآدميّون ذنوبهم فقال النبيّ صلي الله عليه و آله و سلم: واغفر لنا من المسخ فقال اللّه تعالي: لا أمسخ أبدانهم ولا أحوّلهم من حال الإنسانيّة وأمسخ ذنوبهم أي أحوّلها من السيّئآت إلي الحسنات بفضلي (ودعائك)(4) كما قال اللّه: «فَأُولَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيَِّاتِهِمْحَسَنَاتٍ»(5) فقال النبيّ صلي الله عليه و آله: وارحمنا من القذف فقال اللّه تعالي: لا أمطر عليهم الحجارة برحمتي وأمطر عليهم الرحمة بفضلي ودعوتك، فقال النبيّ صلي الله عليه و آله:
«أَنتَ مَوْلانَا فَانصُرْنَا عَلَي الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ»(6).
لأنّا قليل مثل الشامّة البيضاء وهم كثير مثل الثور الأسود قال اللّه عزّ وجلّ:
أنا ناصرك وناصر أُمّتك يا صفييّ وحبيبي فأعطي اللّه عزّوجلّ محمّداً صلي الله عليه و آله وأُمّته6.
ص: 34
ما سأل وما لم يسأل وزاده وأُمّته فضلاً عظيماً.
5 - [قال الحسن البصري]: إنّ اللّه له الحمد لا شريك له رفع عن هذه الأُمّة الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه وما لا يطيقون، وأحل لهم في حال الضرورة كثيراً مما حرّم عليهم، وأعطاهم خمساً الدنيا قرضاً وسألهم إيّاها قرضاً فما أعطوه عن طيب نفس منهم فلهم بهم الأضعاف الكثيرة العشرة إلي سبعمئة ضعف إلي، ما لا يعلم علمه إلّااللّه عزّوجلّ وذلك قوله «مَّن ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللَّهَ قَرْضًا حَسَنًا فَيُضَاعِفَهُ لَهُأَضْعَافًا كَثِيرَةً»(1).
الثانية: وما أخذ منهم كرهاً فصبروا واحتبسوا فلهم به الصلاة والرحمة ويحقق الهدي وذلك قوله: «الَّذِينَ إِذَآ أَصَابَتْهُم مُّصِيبَةٌ قَالُواإِنَّا لِلَّهِ وَ إِنَّآ إِلَيْهِ رَاجِعُونَ أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِّن رَّبِّهِمْ وَ رَحْمَةٌ وَ أُولَئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ»(2).
والثالثة: إن شكروا أن يزيدهم وذلك قوله «لَئِن شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ»(3).
والرابعة: أنّ أحدهم لوعمل من الخطايا والذنوب حتي يبلغ الكفر ثم تاب أن يتوب عليه ويوجب له محبّته وذلك بقوله: «إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ التَّوَّ بِينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ»(4).
والخامسة: لو أعطيها جبرئيل ومكائيل وجميع النبيّين كان قدأجزل لهم العطاء حيث قال: «ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ»(5) انتهي كلامه](6).ر.
ص: 35
وقد خصّ اللّه عزّ وجلّ محمّداً صلي الله عليه و آله وأُمّته بأشياء(1) لم يخصّ بها أحداً من خلقه فأنزل عليه الكتاب كما أنزله علي الأنبياء من قبله.
وخصّه وأُمّته بأن جعلهم يقرؤنه عن ظهر قلوبهم ولم يقرأ أُمّة قط كتابها ظاهراً وجعله ناسخاً لجميع الكتب وجعله محفوظاً من التبديل والتغيير والزيادة والنقصان [8] كما قال تعالي: «إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَ إِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ»(2) وقال تعالي: «لَّا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِن بَيْنِ يَدَيْهِ وَ لَامِنْ خَلْفِهِتَنزِيلٌ مِّنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ»(3) بخلاف غيره من الكتب فإنّها بدّلت وغيّرت وزيد فيها ونقص وأمره اللّه وأُمّته صلي الله عليه و آله بالصلاة كما أمر بها من قبلنا من الأُمم.
وخصّه صلي الله عليه و آله و سلم هو وأُمّته بأن جمع لهم فيها جميع صلوات المصلين من القيام والركوع والسجود والقعود، فإنّ بعضهم كانت صلاته قياماً لا ركوع ولا سجود فيها، وبعضهم ركوعاً لا قيام ولا سجود فيها، وبعضهم سجوداً لا قيام ولا ركوع فيها، فجمع اللّه تعالي له ولأُمّته في صلاتهم عبادة العابدين وثواب جميع المصلّين.
وخصّه صلي الله عليه و آله وأُمّته بصلاة العشاء الأخيرة، وفضّلهم بها ولم يعطها أُمّة من الأُمم قبلهم وفضّله وأُمّته دون غيرهم بالجماعة لقوله تعالي: «وَإِذَا كُنتَ فِيهِمْ فَأَقَمْتَ لَهُمُ الصَّلاةَ فَلْتَقُمْ طَآئِفَةٌ مِّنْهُم مَّعَكَ»(4).
6 - وقال صلي الله عليه و آله: صلاة الجماعة تفضل بصلاة الفذّ بسبع وعشرين درجة(5).0.
ص: 36
وكان مَنْ قبلنا يصلي كل إنسان لنفسه وكانت علامة صلاة من قبلنا الناقوس وعلامة صلاتنا الأذان والإقامة.
وأمر اللّه تعالي من قبلنا بالصيام وأمرنا بذلك ثم فضل اللّه محمّداً صلي الله عليه و آله وأُمّته بليلة القدر وخصّهم بها.
وأمره بالصلاة والتوجه إلي بيت المقدس في أوّل الإسلام ليشاركهم ويساويهم في ذلك ثم فضله وأُمّته بصرفهم إلي الكعبة قبلة إبراهيم عليه السلام.
وأعطي اللّه عزّ وجلّ الأُمم المتقدّمة أعماراً طويلةً وكلّفهم عملاً شاقاً (ثقيلاً) وأعطاهم أجراً قليلاً، وأعطاه وأُمّته صلي الله عليه و آله في الأعمار القصيرة علي الأعمال اليسيرة ضعف ما أعطي أُولئك في أعمارهم الطويلة وأعمالهم الكثيرة الثقيلة كما جاءفي
حديث ابن عمر أنّ اليهود والنصاري غضبوا وقالوا: مالنا أكثر عملاً وأقل عطاءً؟ قال اللّه عزّوجلّ: هل ظلمتكم من حقكم من شيء؟ قالوا: لا. قال: فذلك فضلي أوتيه من أشاء(1).
ووصف اللّه أُمّته بأنّهم خير الأمم فقال تعالي: «كُنتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ»(2) لأنّه خير الأنبياء.
يروي أنّ يحيي بن معاذ الرازي حين قرأ هذه الآية قال: إلهي هذه مدحة منك ولم يكن اللّه عزّوجلّ يمدح قوماً ثم يعذبّهم(3). (وقد عظم الرجاء1.
ص: 37
وقوي)(1). وقال تعالي: «وَكُنتُمْ عَلَي شَفَا حُفْرَةٍ مِّنَ النَّارِ فَأَنقَذَكُم مِّنْهَا»(2) فجعل اللّه رسوله صلي الله عليه و آله سبب نجاة المؤمنين وأكمل عليهم المنّة به فلمّا نجّاهم وأنقذهم منها لا يردهم إليها إن شاء اللّه.
7 - لمّا سمع بعض الأعراب هذه الآية تقرأ عند بن عبّاس قال: واللّه ما أنقذهم منها وهو يريد أن يطرحهم فيها فقال بن عبّاس: خذوها من غير فقيه(3).
وكذاك قال اللّه عزّوجلّ: «الر كِتَابٌ أَنزَلْنَاهُ إِلَيْكَ لِتُخْرِجَ النَّاسَ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَي النُّورِ بِإِذْنِ رَبِّهِمْ»(4).
فلمّا هداهم وأخرجهم من الظلمات وأنقذهم منها لا يردّهم إليها إن شاء اللّه تعالي. ومما خصّ اللّه تعالي به محمّداً صلي الله عليه و آله وأُمّته مع كثرة ذنوبهم وإرتكابهم الجرائم وإقتحامهم المهلكات العظائم.
8 - ما روي أنّ اللّه عزّوجلّ لمّا خلق اللوح والقلم، أجراه بما يكون من سائر الأُمم، ثم جري بما يكون من اللّه عزّ وجلّ إليهم حتي فرغ من الأُمم السالفة، ثم كتب ما يكون من اللّه عزّوجلّ إلي هذه الأُمّة وتضاعف إحسان اللّه إلي هذه الأُمّة وحدها علي إحسانه إلي سائر الخلق، ثم كتب ما يكون من خطاياهم وكانت خطاياهم أضعاف خطايا الأُمم السالفة كلّها، فكان فيما جري به القلم بأمر اللّه أنّها أُمّة تقتل ولد نبيّها فتعجب القلم وتحيّر من كثرة جرمهم وعظم إحسان اللّه تعالي [9] إليهم مع ذلك فنظر الربّ تبارك وتعالي إلي القلم1.
ص: 38
فانشق رأسه فمن هناك صارت الأقلام تنشق رؤوسها، وقال الربّ عزّوجلّ:
أكتب يا قلم أُمّة مذنبة وربّ غفور. فقال القلم: إلهي لو علمت أنّك تأمرني بكتابة هذه الحروف لم أبال بما كتبته من الذنوب عليهم. وفي رواية لما باليت بكتابة الذنوب عليهم.
9 - ومما خصّ اللّه محمّداً صلي الله عليه و آله وأُمّته ما روي أبو هريرة أنّ النبيّ صلي الله عليه و آله قال:
إنّ اللّه فضلني علي الأنبياء وفضل أُمّتي علي الأُمم أرسلني إلي الناس كافّة ونصرت بالرعب مسيرة شهر تسير بين يدي قذفه اللّه في قلوب أعدائي وجعل لي الأرض كلّها مسجداً وطهوراً أينما أدركتني الصلاة تيمّمت وصلّيت. وفي رواية فأيّما عبد أدركته الصلاة فعنده مسجده وطهوره وأحلت لي الغنائم(1).
وممّا فضل اللّه به محمّداً (صلّي اللّه عليه وآله وسلم) ما شرّفه به وأعطاه أن خصّه بمقامين عاليين رفيعين: مقام قاب قوسين أو أدني، ومقام الشفاعة العظمي يوم القيامة في الثقلين، وهو المقام المحمود الذي أعطاه اللّه عزّوجلّ كما قال تعالي:
«عَسَي أَن يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقَامًا مَّحْمُودًا»(2) وقال تعالي: «وَ لَسَوْفَ يُعْطِيكَ رَبُّكَ فَتَرْضَي»(3) وبه سعد الخلق كلّهم حتي.
10 - قال (صلي اللّه عليه وآله وسلم): أنا سيّد ولد آدم ولافخر(4). فيكون كل نبيّ مشغولاً بنفسه وهو صلي الله عليه و آله مهتمّاً بغيره متشفعاً لأُمّته، قال المفسرون في قوله تعالي: «فَكَانَ قَابَ قَوْسَيْنِ أَوْ أَدْنَي»(5) هو من الوَتَر إلي العروة ومن القبضة إلي الوتر جعل اللّه9.
ص: 39
محمّداً (صلّي اللّه عليه وآله وسلّم) أدني من ذلك حيث قال: أو أدني فلا يهتدي أحد قرب الخالق من محمّد (صلّي اللّه عليه وآله وسلّم)، لأنّه سبحانه عرف الخلق قربه ثم قال: أو أدني فلا يعرف مخلوق كم قدر الأدني، والمراد قرب المنزلة والجاه لا قرب المكان فإنّ اللّه تعالي منزّه عن المكان كما يقال: فلان قريب من فلان.
ومما خصّ اللّه به محمّداً (صلّي اللّه عليه وآله وسلم) أن جعله رحمةً للعالمين مؤمنهم وكافرهم فقال عزّ وجلّ: «وَ مَآ أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِّلْعَالَمِينَ»(1).
11 - وقال صلي الله عليه و آله: إنّما أنا رحمة مهداة(2). فهو مبعوث بالرحمة لأنّ اللّه تعالي وضع في شريعته عن أُمّته ما كان في شرائع الأُمم السالفة من الآصار والأغلال ثم بيّن اللّه تعالي رحمته بالمؤمنين والكافرين فقال تعالي في حقّ المؤمين: «الر كِتَابٌ أَنزَلْنَاهُ إِلَيْكَ لِتُخْرِجَ النَّاسَ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَي النُّورِ بِإِذْنِ رَبِّهِمْ»(3) وقال تعالي: «وَكُنتُمْ عَلَي شَفَا حُفْرَةٍ مِّنَ النَّارِ فَأَنقَذَكُم مِّنْهَا»(4) وهذا خبر منه سبحانه وتعالي والخُلْف في خبره محال فقد عظم الرجاء والطمع في رحمته عزّ وجلّ بهم وأمّا رحمته بالكافرين فقد أخبر سبحانه تعالي أنّ جُهال كفار قريش حين سألوا العذاب «وَإِذْ قَالُواْ اللَّهُمَّ إِن كَانَ هَذَا هُوَ الْحَقَّ مِنْ عِندِكَ فَأَمْطِرْ عَلَيْنَا حِجَارَةً مِّنَ السَّمَآءِ أَوِ ائْتِنَا بِعَذَابٍ أَلِيمٍ» فقال اللّه تعالي: «وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنتَ فِيهِمْ» (5)س.
ص: 40
يعني ما دمت بينهم فإنّ اللّه تعالي لا يعذبهم «وَمَا كَانَ اللَّهُ مُعَذِّبَهُمْ وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ»(1) يعني في أصلابهم مؤمن يستغفر للّه تعالي وهذا بيّن في رحمته عزّ وجلّ بالمؤمنين والكافرين بسببه وشرف لا يشاركه فيه أحد من الأنبياء عليهم السلام فقد أكمل اللّه تعالي علي جميع الأُمّة بإرساله إليهم الرحمة وأعظم عليهم المنّة وأتم عليهم النعمة، فله الحمد علي ما أنعم أوّلاً وآخراً وظاهراً وباطناً.
فهو محمّد بن عبد اللّه بن عبدالمطلب بن هاشم بن عبد مناف بن قصي بن كلاب بن مرّة بن كعب بن لوي بن غالب بن فهر بن مالك بن النضر بن كنانة بن خزيمة بن مدركة بن إلياس بن مضر بن نزار بن معد بن عدنان [10] إلي هنا إجماع العلماء وما بعد عدنان ففيه اختلاف كثير في عدد الآباء وضبطهم.
12 - روي أنّ رسول اللّه صلي الله عليه و آله كان إذا انتسب ووصل إلي عدنان أمسك(2).
13 - قال عروة بن الزبير إنا ما وجدنا من يعرف ما وراء عدنان ولا قحطان إلّا تخرصاً(3). وقحطان هو جد معد بن عدنان من جهة أمّه فإنّ أُمّ معد تنمة وقيل تيمية بنت يشجب بن يعرب بن قحطان وقحطان هو أبواليمن كلهم وكان أوّل من تكلم بالعربية وإسم عبد المطلب شيبة وقيل شيبة الحمد وقيل عامر غلب لقبه علي اسمه، واسم هاشم عمرو وقيل عمرو العلي غلب لقبه علي اسمه وإنّما دعي هاشماً لهشمه الثريد لقريش بمكة واسم عبد مناف المغيرة غلب أيضاً لقبه علي اسمه واسم قصي زيد. فسمّته العرب قصياً ومجمّعاً لأنّه جمع القبائل من فهر من
ص: 41
البلد القصي غلب لقبه علي اسمه وقيل إنّما سمي قصياً لأنّه كان قاصياً من قومه في قضاعة ثم قدم مكّة وقريش متفرقة في القبائل فجمعهم بمكة(1). وأنزل بعضهم ظاهرها فهم قريش الظواهر وبعضهم داخلها فهم قريش الأباطح [وهم أشرف من الظواهر](2).
وأُمّه صلي الله عليه و آله آمنة بنت وهب بن عبد مناف بن زهرة بن كلاب بن مرّة قرشيّة زهريّة.
منها ما ورد في القرآن الكريم.
ومنها ما جاءت به السنّة، قال أبو الحسين بن فارس: إنّ لنبيّنا صلي الله عليه و آله ثلاثة وعشرين اسماً: محمّد، وأحمد، والماحي، والحاشر، والعاقب، والمقفي، والخاتم، ونبي الملحمة، ونبي التوبة، ونبي الرحمة، والمتوكل، والضحوك، والنذير، والمبشّر، والشاهد، والفاتح، والقتّال، والأمين، والنبيّ، والرسول، والمصطفي، والأُمّي، والقثم(3).
ومن أسمائه في القرآن: عبد اللّه، والمزمّل، والمدثّر، وطه، ويس، ورحمة للعالمين [ورؤف رحيم](4) ، والعروة الوثقي، والصراط المستقيم، وصدق، ومذكّر، وهاد، وذِكْر، وشافع، ونور، وسراج منير، ومنذر، وبشير، وحقّ مبين، وقدم صدق، وكريم، ونعمة اللّه، والنجم الثاقب.
ص: 42
ومن أسمائه في الكتب: المختار، وجاء مقيم السنّة، والمقدس، وروح الحقّ، وهو معني الفار قليطا(1) في الإنجيل وقيل معناه أنّه يفرّق بين الحقّ والباطل، وفي التوراة أنّه حرز للأُميّين.
ومن أسمائه: أبو القاسم، والمجتبي، والحبيب، ورسول ربّ العالمين، والشفيع المشفع، والتّقي، والمصلح، والظاهر، والمهيمن، والصادق، والمصدوق، والهادي، وسيّد ولد آدم، وسيّد المرسلين، وإمام المتّقين، وقائد الغرّ المحجّلين، وحبيب اللّه، وخليل الرحمن، وصاحب الحوض المورود، والشفاعة، والمقام المحمود، وصاحب الوسيلة، والفضيلة، والدرجة الرفيعة، وصاحب التاج، والمعراج، واللواء، والقضيب، وراكب البراق، والناقة، وصاحب الهراوة، والنعلين.
وما خصّه اللّه به من كرامته وأجراه علي يديه (من عنايته)(2) فهو أكثر من أن يحصره عدّ عادّ أو يحيط بها العباد، ولكنّا إن شاء اللّه تعالي نأتي ببعض ما ورد في ذلك تنويهاً بذكره وقياماً ببعض شكره صلي الله عليه و آله قال اللّه عزّ وجلّ: «وَ رَفَعْنَا لَكَ ذِكْرَكَ»(3) أي لا أذكر إلّاذكرت معي.
وأقسم اللّه جلّ وعلا بحياته فقال جلّ ذكره: «لَعَمْرُكَ إِنَّهُمْ لَفِي سَكْرَتِهِمْ
ص: 43
يَعْمَهُونَ»(1) قال ابن عبّاس: ما خلق اللّه عزّوجلّ نفساً هي أكرم عليه من محمّد صلي الله عليه و آله وما أقسم بحياة أحد غيره(2).
وأقسم علي رسالته فقال عزّوجل وعزّ من قائل: «يس وَ الْقُرْآنِ الْحَكِيمِ إِنَّكَ لَمِنَ الْمُرْسَلِينَ عَلَي صِرَ طٍ مُّسْتَقِيمٍ»(3).
وأقسم علي هدايته فقال: «وَ النَّجْمِ إِذَا هَوَي مَا ضَلَّ صَاحِبُكُمْ وَ مَا غَوَي»(4).
وأقسم علي محبّته فقال: «وَ الضُّحَي وَ الَّيْلِ إِذَا سَجَي [11] مَا وَدَّعَكَ رَبُّكَ وَ مَا قَلَي»(5).
وأقسم علي شرف أخلاقه فقال: «ن وَ الْقَلَمِ وَ مَا يَسْطُرُونَ مَآ أَنتَ بِنِعْمَةِ رَبِّكَ بِمَجْنُونٍ وَ إِنَّ لَكَ لَأَجْرًا غَيْرَ مَمْنُونٍ وَ إِنَّكَ لَعَلَي خُلُقٍ عَظِيمٍ»(6).
قال العلماء: هذه الفضيلة أعظم من قسمه بحياته لأنّ هذا مدح يرجع إلي صفته وذلك إبتداء عطاء.
وأقسم سبحانه أنّه لم يكن يكلّفه ما كان يحتمله من العبادة فقال عزّ من قائل: «طه مَآ أَنزَلْنَا عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لِتَشْقَي»(7).
وأقسم علي نزاهته من كلّ ما نسبوه إليه من النقائص والعلل فقال: «فَلَآ أُقْسِمُ بِمَا تُبْصِرُونَ وَ مَا لَاتُبْصِرُونَ إِنَّهُ لَقَوْلُ رَسُولٍ كَرِيمٍ وَ مَا هُوَ بِقَوْلِ شَاعِرٍ قَلِيلاً مَّا2.
ص: 44
تُؤْمِنُونَ وَلَا بِقَوْلِ كَاهِنٍ قَلِيلاً مَّا تَذَكَّرُونَ تَنزِيلٌ مِّن رَّبِّ الْعَالَمِينَ»(1).
وأقسم علي أنّه رأي جبرئيل في السماء السابعة فقال: «فَلَآ أُقْسِمُ بِالْخُنَّسِ الْجَوَارِ الْكُنَّسِ وَ الَّيْلِ إِذَا عَسْعَسَ وَ الصُّبْحِ إِذَا تَنَفَّسَ إِنَّهُ لَقَوْلُ رَسُولٍ كَرِيمٍ» الي قوله «وَ لَقَدْ رَءَاهُ بِالْأُفُقِ الْمُبِينِ».
وأقسم سبحانه أنّه(2) ينتقم له ممّن يؤذيه فقال اللّه تعالي: «كَلَّا لَئِن لَّمْ يَنتَهِ لَنَسْفَعَا بِالنَّاصِيَةِ نَاصِيَةٍ كَاذِبَةٍ خَاطِئَةٍ»(3).
وأقسم تعالي أنّ عدوّه لفي حزن وكبد فقال عزّ وجلّ: «لَآ أُقْسِمُ بِهَذَا الْبَلَدِ وَ أَنتَ حِلُّ بِهَذَا الْبَلَدِ وَوَالِدٍ وَمَا وَلَدَ لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنسَانَ فِي كَبَدٍ»(4) أي في مشقّة وشدّة في أمر معاشه ومعاده.
وأقسم علي بعد أعدائه وإنّهم محجوبون عن اللّه عزّ وجلّ ومعذبون فقال: «كَلَّآ إِنَّهُمْ عَن رَّبِّهِمْ يَوْمَئِذٍ لَّمَحْجُوبُونَ ثُمَّ إِنَّهُمْ لَصَالُواْ الْجَحِيمِ»(5).
وأقسم سبحانه علي صحة شريعته وأنّ من خالفها فهو في خسران فقال تعالي: «وَ الْعَصْرِ إِنَّ الْإِنسَانَ لَفِي خُسْرٍ إِلَّا الَّذِينَ آمَنُواْ وَ عَمِلُواْ الصَّالِحَاتِ وَ تَوَاصَوْاْ بِالْحَقِّ وَ تَوَاصَوْاْ بِالصَّبْرِ»(6).
14 - وقال صلي الله عليه و آله: فُضِّلت علي الأنبياء بست أُعطيت جوامع الكلم، ونصرت بالرعب، وأُحلَّت لي الغنائم وجعلت لي الأرض مسجداً وطهوراً، وأُرسلت إلي الخلق6.
ص: 45
كافّة، وختم بي النبيّون(1).
15 - وقال صلي الله عليه و آله: أُعطيت خمساً لم يعطهنّ أحد قبلي نصرت بالرعب مسيرة شهر، وجعلت لي الأرض مسجداً وطهوراً، فأيّما رجل من أُمّتي أدركته الصلاة فليصلّ، وأحلّت لي الغنائم ولم يحل لأحد قبلي، وأُعطيت الشفاعة وكان النبيّ يبعث إلي قومه خاصّة وبعثت إلي الناس عامّة(2).
16 - وفي رواية عن ابن عبّاس قال: قال صلي الله عليه و آله: أُعطيت خمساً لم يعطهنّ أحد من الأنبياء جعلت لي الأرض طهوراً ومسجداً ولم يكن نبيّ من الأنبياء يصلّي حتي يبلغ محرابه، ونصرت بالرعب مسيرة شهر، وكان النبيّ يبعث خاصّة إلي قومه وبعثت إلي الجنّ والإنس، وكانت الأنبياء يعزلون الخمس وتجيء النار فتأكله وأُمرت أن أُقسّمه في فقراء أُمّتي، ولم يبق نبيّ إلّاأُعطي سؤله وأخرت أنا شفاعتي لأُمّتي(3).
17 - وروي أبو سعيد الخدري عن رسول اللّه صلي الله عليه و آله أنّه قال: لمّا أُسري بي إلي السماء قلت يا ربّ: اتّخذت إبراهيم خليلاً وكلّمت موسي تكليماً، ورفعت إدريس مكاناً عليّاً وآتيت داود زبوراً وأعطيت سليمان ملكاً لا ينبغي لأحد من بعده فماذا لي ياربّ؟ فقال: يا محمّد اتّخذتك خليلاً كما اتّخذت إبراهيم خليلاً وكلّمتك كما كلّمت موسي تكليماً، وأعطيتك فاتحة الكتاب وخاتمة سورة البقرة ولم أُعطها نبيّاً قبلك، وأرسلتك إلي أسود أهل الأرض وأحمرهم وإنسهم وجنّهم ولم أرسل إلي جماعتهم نبيّاً قبلك، وجعلت لك الأرض ولأُمّتك مساجد وطهوراً، وأعطيت(4) أُمّتك الفيء ولم أحله لاُمّة قبلها، ونصرتك بالرعب حتي أنّ عدوك ليرعب منك، وأنزلت عليك سيد الكتب قرآناً عربياً ورفعت لكت.
ص: 46
ذكرك حتي لا أذكر إلّاذُكرتَ معي(1).
18 - وعن أبي سعيد الخدري [12] أنّ رسول اللّه صلي الله عليه و آله قال: إنّ اللّه أعطي موسي الكلام وأعطاني الرؤية وفضلني بالمقام المحمود والحوض المورود(2).
19 - وعن عبد اللّه بن مسعود قال: لمّا أُسري برسول اللّه صلي الله عليه و آله إنتهي به إلي سدرة المنتهي وهي في السماء السادسة، إليها ينتهي ما يعرج به من الأرض فيقبض منها، وإليها ينتهي ما يهبط به من فوقها فيقبض منها، قال اللّه تعالي: «إِذْ يَغْشَي السِّدْرَةَ مَا يَغْشَي»(3) قال: فراش من ذهب قال: فأعطي النبيّ صلي الله عليه و آله ثلاثاً أعطي الصلوات الخمس، وأعطي خواتيم سورة البقرة، وغفر لمن لا يشرك باللّه شيئاً من (أُمّته)(4) المقحمات(5).
20 - وعن حذيفة قال: قال رسول اللّه صلي الله عليه و آله: فضلنا علي الناس بثلاث جعلت صفوفنا كصفوف الملائكة وجعلت لنا الأرض كلّها مسجداً وجعلت تربتها لنا طهوراً إذا لم نجد الماء(6).
21 - وقال صلي الله عليه و آله: أُعطيت السبع مكان التوراة وأُعطيت المثاني مكان الإنجيل وأُعطيت المئين مكان الزبور وفضلت بالمفصل(7).ع.
ص: 47
22 - وعن أبي هريرة قال: قال رسول اللّه صلي الله عليه و آله: نصرت بالرعب وأُوتيت جوامع الكلم وجعلت لي الأرض مسجداً وطهوراً وبينا أنا نائم أتيت بمفاتيح خزائن الأرض فَتَلَتْ في يدي(1). أي ألقيت في يدي قيل هذا إشارة لما فتح لأمّته الكريمة وجنوده من الخزائن مثل كنوز كسري وقيصر، وقيل المراد منه معادن الأرض الذهب والفضّة وأنواع المعادن، أي تفتح عليكم الأرض التي فيها من المعادن واللّه أعلم.
23 - وروي عن ابن عبّاس أنّه قال: إنّ محمّداً ويوسف تقارعا في صلب آدم، فصار الحسن والجمال ليوسف، وصار البهاء والنور والشرف والعزّة والشجاعة والزهد والتواضع والخضوع والشفاعة والرضي والقناعة والقرآن والسيف والقضيب والعمامة والنعل والناقة والهراوة يعني العصي ولواء الحمد يعني الكرسي والمنبر الرفيع والحوض المورود والكأس الأوفي والاسم الحسن والذكر الجميل والحسب الشريف والنسل الكريم والأزواج الطاهرات المطهرات والأولياء الأزكياء والخلق الحسن واللسان الفصيح والوجه الصبيح والقلب القنوع والبدن الصابر والكرم الظاهر والآيات الفاضلات والكلمات المنزلات والمعجزات الباهرات والحجّ والإحرام والجهاد في سبيل اللّه والرباط وصوم رمضان والأشهر الحرم والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر و الكعبة والشفاعة كل ذلك لرسول اللّه صلي الله عليه و آله.
قال بعض العلماء: وقد خصّ رسول اللّه صلي الله عليه و آله بستّين خصلة فارق فيها جميع النبيّين، كل عشر منها في نوع، فمنها عشر خصال في باب النبوّة وهي تأييد شريعته إلي يوم القيامة، وكونه خاتم الأنبياء، وأنّه أفضل المرسلين، وأفضل4.
ص: 48
الخلق أجمعين وأنّه مبعوث إلي الخلق كافّة وكون كتابه معجزاً لا يمكن الإتيان بمثله، وأنّه مخصوص بليلة القدر ويوم الجمعة، وكونه عيداً لأمّته، وخروج الماء من بين أصابعه وبأنّه ممنوع من قول الشعر، فلا يتأتي له قوله ولا روايته، وأنّه كان يري من خلفه كما يري من أمامه، [قلت ومنها أيضاً تحريم الصدقة عليه وعلي قرابته، وتحريم النداء باسمه ومن وراء الحجرات، وتحريم رفع الصوت عليه، وتحريم المنّ ليستكثر](1).
ومنها عشر خصال في أمر الآخرة بعد الموت وذلك أنّ أوّل من تنشق عنه الأرض وأكثر النبيّين أُمّة يوم القيامة وأنّه يشهد لجميع [13] الأنبياء بالأداء والتبليغ وله الشفاعة العظمي ولواء الحمد وله الحوض المورود ونهر الكوثر وأنّه أوّل من يدخل الجنّة وأنّه يسأل في غيره يوم القيامة وكلّ الناس يسألون في أنفسهم.
ومنها عشر في باب الطهارة وهي الوضوء والتيمّم ووجوب السواك عليه خاصّة وجعلت له الأرض كلّها مسجداً وترابها طهوراً وكان ينام حتي ينفخ ثم يصلي ولا يتوضي ويقول: إنّ عيني تنامان ولا ينام قلبي وجعل الماء له مزيلاً للنجاسة وإن أكثر الماء وأصابته نجاسة ولم يغيّر أحد أوصافه كان طهوراً وجعل له الاستنجاء بالحجارة.
ومنها عشر في باب الصلاة وهي أنّه خصّ بصلاة العشاء الآ خرة وهو وأُمّته ولم يعطها أحد قبله، وبصلاة الجمعة وبصلاة الجماعة، وبصلاة العيدين [وصلاة الضحي] وبصلاة الليل، وبصلاة الكسوفين، وبصلاة الإستسقاء وبالأذان وبالإقامة وبصلاة الوتر.ب)
ص: 49
ومنها عشر في باب الجهاد وهي أنّه صلي الله عليه و آله خصّ بإباحة الغنيمة وأنّه كان أفرس الخلق وأنّه كان لا يرجع إذا خرج إلي الحرب ولا ينهزم إذا لاقي العدو وإن كثر عليه العدو، وإذا لبس لامته لم ينزعها حتي يقاتل وخصّ بالحمي [وصفيّ المغنم وخمس الخمس](1) وأُبيح له الوصال في الصوم ولم تكن له خائنة الأعين.
ومنها عشر في باب النكاح وهو أنّه صلي الله عليه و آله فرض عليه التخيير بين أزواجه، ثم حظر عليه التزوج عليهنّ والاستبدال بهنّ، ثم أنّه أبيح له بعد ذلك من العدد ما شاء وحرّم اللّه تعالي نكاح أزواجه علي الخلق، ووجبت لهنّ النفقة بعد موته.
[وحظر عليه طلاق من رغبت فيه وإمساك من كرهته منهنّ وأبيح له أن يزوج من نفسه ومن شاء بلا إذن](2) وخصّ باسقاط المهر وبالنكاح بلا وليّ ولا شهود [وفي حالة الإحرام](3). وأن يعقد بلفظ الهبة وحرم عليه النكاح الكتابيات والإماء أبداً فهذه ستون خصلة (وأكثر)(4) باين فيها رسول اللّه صلي الله عليه و آله جميع النبيّين عليهم السلام.
24 - روي جابر قال: قال صلي الله عليه و آله: إنّ اللّه بعثني لإتمام مكارم الأخلاق وتمام محاسن الأفعال. وفي رواية: بتمام محاسن الأخلاق وكمال محاسن الأفعال(5).
25 - وروي مالك أنّه بلغه أنّ رسول اللّه صلي الله عليه و آله قال: بعثت لأُتمم حسن الأخلاق(6).
26 - وعن أنس قال: قال صلي الله عليه و آله: أنا أوّلهم خروجاً إذا بعثوا وأنا قائدهم إذا وفدوا8.
ص: 50
وأنا خطيبهم إذا أنصتوا وأنا مستشفعهم إذا حبسوا وأنا مبشرهم إذا يئسوا (الكرامة)(1) والمفاتيح يومئذٍ بيدي ولواء الحمد بيدي وأنا أكرم ولد آدم علي ربّي يطوف عليَّ ألف خادم كأ نّهم بيض مكنون أو لؤلؤ منثور(2).
27 - وروي عن أبي هريرة قال: قال صلي الله عليه و آله: أنا سيّد ولد آدم يوم القيامة وأوّل من ينشقّ عنه القبر وأوّل شافع وأوّل مشفع(3).
28 - عن ابن عبّاس قال: قال رسول اللّه صلي الله عليه و آله: أنا حبيب اللّه ولا فخر وأنا حامل لواء الحمد يوم القيامة تحته آدم فمن دونه ولا فخر وأنا أوّل شافع وأوّل مشفع يوم القيامة ولا فخر وأنا أوّل من يحرك حلق الجنّة فيفتح اللّه لي فيدخلنيها ومعي فقراء المؤمنين ولا فخر وأنا أكرم الأوّلين والآخرين علي اللّه ولا فخر(4).
قوله صلي الله عليه و آله: أنا سيّد ولد آدم. إنّما هو إخبار عما أكرمه اللّه به من الفضل والسؤدد، وتحديث بنعمه تعالي عليه، قال اللّه تعالي: «وَ أَمَّا بِنِعْمَةِ رَبِّكَ فَحَدِّثْ»(5) وإعلام لأمّته علو مكانه عند ربّه، وكان بيان ذلك للأُمّة من اللازم المفروض عليه ليكون إيمانهم به علي حسب ذلك. وقوله صلي الله عليه و آله: ولا فخر. أي إنّما أقوله معتمداً بالنعمة لا فخراً واستكباراً أوأقوله: تبليغاً لما أمرت به لا إفتخاراً واللّه أعلم. وقد جمع شيخنا الإمام العالم العامل علاء الدين عليّ بن داود العطار(6).6.
ص: 51
ما خصّ اللّه تعالي به نبيّنا محمّداً صلي الله عليه و آله من الأشياء التي آثره بها علي غيره من الأنبياء فقال: قد شرّف اللّه محمّداً صلي الله عليه و آله وخصّه بأشياء كرؤيته سبحانه تعالي ليلة المعراج علي قول ابن عبّاس والقرب والدنوّ والمحبّة والاصطفاء والشفاعة والإسراء والوحي والبراق والمعراج والصلاة بالأنبياء عليهم السلام والوسيلة والفضيلة والدرجة الرفيعة والمقام المحمود، والبعث إلي الأحمر والأسود والشهادة بين الأنبياء والأُمم المتقدمة، وسيادة ولد آدم والخصوصية بلواء الحمد والبشارة والنذارة والمكانة عند ذي العرش والطاعة، ثَمّ والأمانة والهداية ورحمة للعالمين وإعطاء الرضي والسؤال والكوثر وسماع القول وتمام النعمة له، والعفو عمّا تقدم وتأخر وشرح الصدر ووضع الوزر ورفع الذكر وعزّة النصر ونزول السكينة والتأييد بالملائكة، وائتاء الكتاب والحكمة والسبع المثاني والقرآن العظيم، وتزكية الأُمّة والدعاء إلي اللّه والحكم بين الناس بما أراه اللّه ووضع الإصر والأغلال عن أُمّته، وقسم اللّه تعالي به وإجابة دعوته وتكلم الجمادات والعجماوات وإحياء الموتي وإسماع الصم ونبع الماء من بين أصابعه وتكثير القليل وإنشقاق القمر وردّ الشمس وقلب الأعيان، والنصر بالرعب والإطلاع علي الغيب وظلّ الغمام وتسليم الشجر والحجر وتسبيح الحصي وإبراء الآلام والعصمة (1)[14] من الناس، ورؤيته من خلفه كرؤيته من أمامه، وإذا مشي في الشمس لم يكن له ظلّ وإذا مشي بين طولين طالهم وعلا عليهم وإذا ماشاه أحد من أصحابه لم يكد يلحقه، وصلاة اللّه تعالي والملائكة عليه صلي الله عليه و آله فسبحان من خصّه بهذه الأشياء ورفع قدره علي كافّة الأنبياء صلوات اللّه وسلامه عليه وعليهم أجمعين.).
ص: 52
إعلم وفّقك اللّه أنّ الصلاة والسلام عليه أفضل الطاعات وأجزلها ثواباً، وأشرف الأعمال وأكملها نصاباً وأسرعها قبولاً وأشدها استحباباً، وأسدها منهجاً وأشرعها إلي الإصابة باباً وملك السعادة الأبديّة لصاحبها المواظب عليها مُسلّم وهي للخلاص من الدركات مكفأة وسبب وإلي درك الدرجات العاليات مرقاة وسُلّم.
29 - روي البخاري ومسلم في الصحيح عن كعب بن عجرة قال: خرج علينا النبيّ صلي الله عليه و آله فقلنا: يارسول اللّه قد علمنا كيف نسلّم عليك فكيف نصلّي عليك؟ قال: فقولوا: اللهمّ صلِّ علي محمّد وعلي آل محمّد كما صلّيت علي إبراهيم إنّك حميد مجيد اللهمّ بارك علي محمّد وعلي آل محمّد كما باركت علي آل إبراهيم إنّك حميد مجيد(1).
30 - وعن أبي حميد الساعدي قال: قالوا: يارسول اللّه كيف نصلّي عليك؟ قال قولوا: اللهمّ صلِّ علي محمّد وعلي أزواجه وذريّته كما صلّيت علي إبراهيم وبارك علي محمّد وأزواجه وذريّته كما باركت علي إبراهيم إنّك حميد مجيد(2). بحذف آل في الموضعين متفق عليه.
31 - وعن أبي مسعود البدري قال: أتانا رسول اللّه صلي الله عليه و آله ونحن في مجلس
ص: 53
سعد بن عبادة فقال له بشير بن سعد [15]: أمرنااللّه أن نصلي عليك يارسول اللّه فكيف نصلّي عليك؟ فسكت رسول اللّه صلي الله عليه و آله حتي تمنّينا أنّه لم يسأله ثم قال صلي الله عليه و آله:
قولوا: اللهمّ صلِّ علي محمّد وعلي آل محمّد كما صلّيت علي إبراهيم وبارك علي محمّد وعلي آل محمّد كما باركت علي آل إبراهيم إنّك حميد مجيد، والسلام كما علمتم بحذف آل في الأوّل في إبراهيم وإثباته في الثاني رواه مسلم وفي رواية له بإثبات آل في الأوّل أيضاً(1).
32 - وعن أبي سعيد الخدري قال: قلنا يارسول اللّه هذا السلام عليك فكيف نصلي عليك وفي رواية في غير الصحيح أمّا السلام عليك فقد عرفناه فكيف نصلي عليك؟ قال: قولوا: اللهمّ صلِّ علي محمّد عبدك ورسولك كما صلّيت علي آل إبراهيم وبارك علي محمّد وآل محمّد كما باركت علي إبراهيم وآل إبراهيم. رواه البخاري والنسائي(2).
وروي مسلم بسنده إلي عبد اللّه بن عمرو بن العاص قال: قال رسول اللّه صلي الله عليه و آله: من صلّي عليّ صلاة صلّي اللّه عليه بها عشراً(3).
33 - وعن أنس قال: قال رسول اللّه صلي الله عليه و آله: من صلّي عليّ صلاة واحدة صلّي اللّه عليه عشر صلوات وحطّ عنه عشر خطيئات ورفع له عشر درجات(4).1.
ص: 54
34 - وروي النسائي بسنده إلي أبي طلحة أنّ رسول اللّه صلي الله عليه و آله جاء ذات يوم والبشر في وجهه فقلنا: إنّا لنري البشر في وجهك؟ قال: فإنّه أتاني الملك فقال: يا محمّد أما يرضيك أنّه لا يصلي عليك أحد إلّاصلّيت عليه عشراً ولا يسلم عليك أحد إلّا سلمت عليه عشراً(1).
35 - وروي عنه صلي الله عليه و آله أنّه قال: من صلّي عليّ من أُمّتي صلاةً مخلصاً بها من نفسه صلي اللّه بها عليه عشر صلوات ورفعه بها عشر درجات ومحا عنه بها عشر سيّئات.
36 - وروي عن أنس أنّ رسول اللّه صلي الله عليه و آله قال: ما من أحد يصلي عليّ صلاة تعظيماً لحقي إلّاخلق اللّه من ذلك القول ملكاً له جناح بالمشرق وجناح المغرب ويقول اللّه له: صلِّ علي عبدي كما صلّي علي نبيّ فهو يصلي عليه إلي يوم القيامة(2).
37 - وروي أبو داود بسنده إلي أبي هريرة قال: قال رسول اللّه صلي الله عليه و آله: من سرّه أن يكتال بالمكيال الأوفي إذا صلّي علينا أهل البيت فليقل اللهمّ صلّ علي محمّد النبيّ الأُمّي وأزواجه أُمّهات المؤمنين وذريّته وأهل بيته كما صلّيت علي إبراهيم إنّك حميد مجيد(3).
38 - وروي الحاكم أبو عبد اللّه محمّد بن عبداللّه بن محمّد بن حمدويه بن نعيم الحديث المسلسل المشهور من رواية أهل البيت عليهم السلام بقوله: وعدّهنّ في يدي بسنده إلي زيد بن عليّ بن الحسين قال: عدّهنّ في يدي قال: عدّهنّ في يديّ عليّ بن الحسين وقال: عدّهنّ في يدي أبي الحسين بن عليّ وقال لي: عدّهنّ في يدي عليّ بن أبي طالب: وقال لي: عدّهنّ في يدي رسول اللّه صلي الله عليه و آله وقال رسول اللّه: عدّهنّ في يدي2.
ص: 55
جبرئيل وقال جبرئيل: هكذا نزلت بهنّ من عند ربّ العزّة اللهمّ صلّ علي محمّد وعلي آل محمّد كما صلّيت علي إبراهيم وعلي آل إبراهيم إنّك حميد مجيد اللهمّ وبارك علي محمّد وعلي آل محمّد كما باركت علي إبراهيم وعلي آل إبراهيم إنّك حميد مجيد اللهمّ وترحّم علي محمّد وعلي آل محمّد كما ترحمت علي إبراهيم وعلي آل إبراهيم إنّك حميد مجيد، اللهمّ وتحنّن علي محمّد وعلي آل محمّد كما تحنّنت علي إبراهيم وعلي آل إبراهيم إنّك حميد مجيد، اللهمّ وسلمّ علي محمّد وعلي آل محمّد كما سلّمت علي إبراهيم وعلي آل إبراهيم إنّك حميد مجيد(1).
39 - وعن ابن مسعود أنّه كان يقول: إذا صليتم علي النبيّ صلي الله عليه و آله فاحسنوا الصلاة عليه فإنّكم لا تدرون لعل ذلك يعرض عليه وقولوا: اللهمّ اجعل صلواتك [16] ورأفتك ورحمتك وتحيّتك علي محمّد عبدك ورسولك إمام الخير ورسول الرحمة، اللهمّ ابعثه مقاماً محموداً يغبطه فيه الأوّلون والآخرون، اللهمّ صل علي محمّد وعلي آل محمّد كما صلّيت علي إبراهيم إنّك حميد مجيد [اللهمّ بارك علي محمّد وعلي آل محمّد كماباركت علي إبراهيم إنّك حميد مجيد](2).
40 - وعن زيد بن الحباب قال: سمعت رسول اللّه صلي الله عليه و آله يقول: من قال: اللهمّ صلّ علي محمّد وأنزله المنزل المقرب عندك يوم القيامة حلّت له شفاعتي(3).ي.
ص: 56
وفي رواية: المقعد المقرّب عندك يوم القيامة حلّت له شفاعتي(1). وفي رواية:
وجبت شفاعتي له.
41 - ويروي أنّ من قال: اللهمّ يا ربّ محمّد وآل محمّد صل علي محمّد وآل محمّد وأجز محمّداً ما هو أهله أتعب سبعين كاتباً ألف صباح ولم يبق لنبيّه صلي الله عليه و آله حقّ إلّاأدّاه وغفر له ولوالديه وحشر مع محمّد وآل محمّد(2).
42 - قال الإمام المزني رأيت الإمام الشافعي في المنام بعد موته فقلت له:
ما فعل اللّه بك يا سيدي؟ قال: غفر لي ونعمني وزففتُ إلي الجنّة كما تزف العروس ونثر عليّ كما ينثر علي العروس بصلاة صليتها علي محمّد صلي الله عليه و آله في كتاب الرسالة وهي اللهمّ صل علي محمّد وعلي آل محمّد كلما ذكره الذاكرون وكلما غفل عن ذكره الغافلون(3). قال العلماء: وهذه الصلاة أفضل الصلوات علي النبيّ صلي الله عليه و آله.
وفي معناها (وأبلغ منها)(4) اللهمّ صل علي محمّد وعلي آل محمّد صلاة دائمة بدوامك.
وأيضاً: اللهمّ صل علي محمّد النبيّ الأُمّي وعلي كلّ نبي وملك ووليّ عدد الشفع والوتر وكلمات اللّه التامّات المباركات.
وأيضاً: اللهمّ صلِّ علي محمّد عبدك ورسولك النبيّ الأُمّي وعلي آلهب)
ص: 57
وأزواجه وذرّيته عدد خلقك وزنة عرشك ورضي نفسك ومداد كلماتك.
وقريب منها صلاة معروف الكرخي وهي: اللهمّ صل علي محمّد ملأ الدنيا وملأ الآخرة، وبارك علي محمّد ملأ الدنيا وملأ الآخرة، وسلّم علي محمّد ملأ الدنيا وملأ الآخرة.
43 - قال الشيخ محيي الدين النووي: في كتابه الأذكار: والأفضل للمصلّي أن يقول: صلِّ علي محمّد عبدك ورسولك النبيّ الأُمّي وعلي آل محمّد وأزواجه وذرّيته كما صلّيت علي إبراهيم وآل إبراهيم وبارك علي محمّد النبيّ الأُمّي وعلي آل محمّد وأزواجه وذرّيته كما باركت علي إبراهيم وآل إبراهيم في العالمين إنّك حميد مجيد(1).
44 - وروي الترمذي عن أُبيّ بن كعب أنّه قال: قلت يارسول اللّه أنّي أكثر الصلاة عليك فكم أجعل لك من صلاتي؟ قال: ما شئت. قلت: الربع؟ قال: ما شئت فإن زدت فهو خير لك، قلت: النصف؟ قال ماشئت فإن زدت فهو خيرلك، قلت:
الثلثين؟ قال: ما شئت فإن زدت فهو خير لك، قلت: أجعل لك صلاتي كلّها؟ قال:
إذاً تكفي همّك ويغفر لك ذنبك(2). فإذا كفي الإنسان بسبب الصلاة علي النبيّ صلي الله عليه و آله من أمر دينه ودنياه وغفر له ذنبه فقد فاز وظفر بخير الدنيا والآخرة وهذا هو المطلوب فيا طوبي وبشري لمن وفّقه اللّه لذلك ولو لم يكن في فضل الصلاة علي النبيّ صلي الله عليه و آله إلّاهذا القدر لكان كافياً فكيف وقد اعتضد بالأحاديث الصحيحة وكيف يليق بالعاقل أن يغفل ويشتغل عنها بغيرها من الطاعات المظنون قبولها وثوابها مع هذا الثواب العظيم الموعود به عليها في الدنيا والآخرة [فينبغي7.
ص: 58
الإكثار منها مهما أمكن لهذا المعني](1). وقد أمرنا اللّه عزّوجلّ بذلك وكلّفنا به ووفقنا لذلك [ولم يجعل لذلك حدّاً محدوداً ولا وقتاً معلوماً وأخبرنا اللّه أنّه وملائكته [17] يصلّون عليه فاللائق الاشتغال بها](2). ولسائر وجوه الخير بمنّه وكرمه آمين ربّ العالمين.
45 - وروي عامر بن ربيعة قال: سمعت رسول اللّه صلي الله عليه و آله يقول: من صلّي عليّ صلاة صلّت عليه الملائكة ما صلّي عليّ فليقلل من ذلك أو ليكثر(3).
46 - وروي عن جعفر بن محمّد عن أبيه عن جدّه عن النبيّ صلي الله عليه و آله أنّه قال لعليّ بن أبي طالب: إذا هالك أمر فقل: [اللهمّ صل علي محمّد وآل محمّد](4). اللهمّ إنّي أسألك بحقّ محمّد وآل محمّد أن تكفيني شرّ ما أخاف وأحذر فإنّك تكفي ذلك الأمر(5).
47 - ونقل الشيخ تاج الدين عمر بن عليّ اللخمي الإسكندري في كتابه - الفجر المنير - عن الشيخ الصالح موسي الضرير أنّه أخبره أنّه ركب في مركب في البحر الملح قال: وقامت علينا ريح تسمي الاقلابئة قل من ينجو منها من الغرق وضجّ الناس خوفاً من الغرق قال: فغلبتني عيناي فنمت فرأيت رسول اللّه صلي الله عليه و آله وهو يقول: قل لأهل المركب يقولون ألف مرة: اللهمّ صل علي سيّدنا محمّد وعلي آل محمّد صلاة تنجينا بها من جميع الأهوال والآفات ويقضي لنا بها جميع الحاجات وتطهرنا بها من جميع السيّئات وترفعنا بها عندك أعلي الدرجات وتبلغنا بها. وفي رواية به أقصي الغايات من جميع الخيرات في2.
ص: 59
الحياة وبعد الممات قال: فاستيقظت وأعلمت أهل المركب بالرؤيا فصلينا نحو ثلاث مئة مرّة ففرج عنا هذا أوقريب منه(1). قلت: وأخبرني بها الشيخ الصالح الفقيه حسن بن عليّ الأسواني وقال: من قالها في كل مهمّ ونازلة وبليّة ألف مرّة فرج عنه وأدرك مأموله واللّه أعلم.
48 - وروي عن رسول اللّه صلي الله عليه و آله أنّه قال - فيما رواه عن أنس -: أنّ أقربكم منّي يوم القيامة مجلساً أكثركم عليَّ صلاة في الدنيا. من صلّي عليّ في يوم الجمعة وليلة الجمعة قضي اللّه له مائة حاجة سبعين من حوائج الآخرة وثلاثين من حوائج الدنيا ثم يوكل بذلك ملكاً يدخله علي قبري كما يدخل عليكم الهدايا ويخبرني بمن صلّي عليّ باسمه ونسبه وإلي عشيرته فأثبته عندي في صحيفة (بيضاء)(2).
49 - وروي الترمذي بسنده إلي بن مسعود أنّ رسول اللّه صلي الله عليه و آله قال: إنّ أولي الناس بي يوم القيامة أكثرهم عليّ صلاة(3).
50 - وروي: أنّ أنجاكم يوم القيامة من أهوالها ومواطنها أكثركم عليّ صلاةً(4).
51 - \وفي بعض الآثار: ليردنّ عليّ أقواماً ما أعرفهم إلّابكثرة صلاتهم عليّ(5).2.
ص: 60
52 - \روي أنس قال: قال رسول صلي الله عليه و آله: من ذُكرتُ عنده فلم يصلّ عليَّ فقد شقي(1).
53 - وفي حديث أبي هريرة عن النبيّ صلي الله عليه و آله قال: إنّ جبرئيل أتاه فقال له: من ذكرتَ عنده فلم يصل عليك فمات فأبعده اللّه قل آمين فقلت: آمين(2).
54 - وروي عن أبي قتادة عن النبيّ صلي الله عليه و آله أنّه قال: من الجفا أن أُذكر عند الرجل فلا يصلّي عليَّ. فهذه الأحاديث تدل علي وجوب الصلاة علي النبيّ صلي الله عليه و آله عند ذكره لا سيّما وقد ذكر بلفظ الإبعاد والوعيد الشديد في أشرف بقعة وأفضل مرتبة وأعظم محفل وزمان ودعاء جبرئيل وتأمين النبيّ صلي الله عليه و آله ومن عرف هذه المعاني وقصر في حيازة فضلها عند الإمكان فهو حريّ أن يلحق به الدعاء المجاب والتهاون بذلك متصدّ للعقاب. عافانا اللّه تعالي من الشرّ بمنّه وكرمه آمين.
ص: 61
ص: 62
من الكتاب وهو ينقسم علي قسمين: القسم الأوّل: يشتمل علي فضائل جناب سيّد المرسلين وخاتم النبيّين [18] ورسول ربّ العالمين، وشمائله وصفاته وما خصّه اللّه تعالي به من آياته ومعجزاته، لأنّه هو المقصود من الخلق(1) كلّها، المرفوع رأية مجدها يوم العرض الأكبر، وآدم عليه السلام ومن دونه تحت ظلّها محمّد الممدود سرادق جلاله علي قمّة الأفلاك المحمود طرائقه في هداية الخلق إلي سواء الصراط وأنقذهم من ورطات الهلاك، ماحي ظلمة الظلم وكاسر أشواك الإشراك المتبع جناب عزّته من أن يحوم حول حمي وصفه رائد الإدراك أو يقوم بحصر فضله عدّ الجنّ والإنس والأملاك صلّي اللّه عليه وسلم قال اللّه: «يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّآ أَرْسَلْنَاكَ شَاهِدًا وَ مُبَشِّرًا وَ نَذِيرًا وَ دَاعِيًا إِلَي اللَّهِ بِإِذْنِهِي وَ سِرَاجًا مُّنِيرًا»(2) وقال تعالي: «وَ مَآ أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِّلْعَالَمِينَ»(3).
1 - روي واثلة بن الأسقع قال: قال رسول اللّه صلي الله عليه و آله: إنّ اللّه إصطفي كنانة من بني إسماعيل واصطفي من بني كنانة قريشاً واصطفي من قريش بني هاشم واصطفاني من بني هاشم. أخرجه مسلم(4).
ص: 63
2 - وروي أبو هريرة أنّ النبيّ صلي الله عليه و آله قال: بعثتُ من خير قرون بني آدم قرن فقرن حتي بعثت من القرن الذي كنت منه أخرجه البخاري(1). والقرن كل طبقتين مقرنتين في وقت وهو أربعون سنة وقيل ثمانون وقيل مئة سنة ويسمي قرناً لأنّه يقرن أُمّة بأمّة وعالماً بعالم جعل اسماً للوقت أو لأهله.
3 - وروي أبو هريرة أيضاً قال: قال رسول اللّه صلي الله عليه و آله: مثلي ومثل الأنبياء من قبلي كمثل رجل ابتني بنياناً فأحسنها وأجملها وأكملها إلّاموضع لبنة من زاوية من زواياها فجعل الناس يطوفون ويعجبهم البنيان فيقولون: ألا وضعت هاهنا لبنة فيتم بناؤه فقال صلي الله عليه و آله: فأنا اللبنة(2).
4 - وروي أبو هريرة أيضاً قال: قال رسول اللّه صلي الله عليه و آله: مثلي ومثل الأنبياء كمثل قصر أحسن بنيانه ترك منه موضع لبنة فطاف به النظار يتعجبون من حسن بنائه إلّاموضع تلك اللبنة لا يعيبون سواها فكنت أنا سددت موضع تلك اللبنة ختم بي البنيان وختم بي الرسل(3).
5 - وفي رواية له أيضاً أنّ رسول اللّه صلي الله عليه و آله قال: مثلي ومثل الأنبياء كمثل رجل بني بيتاً فأحسنه وأجمله إلّاموضع لبنة من زاوية من زواياه قال: فجعل الناس يطوفون ويتعجبون له ويقولون: هلا وضعت هذه اللبنة؟ قال: فأنا اللبنة وأنا خاتم النبيّين(4). متفق عليه.6.
ص: 64
6 - وعن العرباض بن سارية عن رسول اللّه صلي الله عليه و آله قال: إنّي عند اللّه مكتوب خاتم النبيّين وإنّ آدم لمنجدل في طينته وسأخبركم بأوّل أمري دعوة إبراهيم وبشارة عيسي ورؤيا أُمّي التي رأت حين وضعتني وقد خرج لها نور أضائت لها منه قصورٌ بالشام أو قال:
قصور الشام(1).
7 - عن عطاء بن يسار قال: لقيت عبد اللّه بن عمرو بن العاص فقلت أخبرني عن صفة رسول اللّه صلي الله عليه و آله في التوراة قال: أجل واللّه أنّه لموصوف في التوراة ببعض صفته في القرآن: «يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّآ أَرْسَلْنَاكَ شَاهِدًا وَ مُبَشِّرًا وَ نَذِيرًا»(2) وحرزاً للأُمّيّين أنت عبدي ورسولي سمّيتك المتوكل ليس بفظ ولا غليظ ولا صخاب في الأسواق ولا يدفع بالسيّئة السيّئة ولكن يعفو ويغفر ولن يقبضه حتي يقيم به الملّة العوجاء بأن يقولوا: لا إله إلّااللّه ويفتح بها أعين عماء وأذان صمّا وقلوب غلف(3).
8 - وعن أبي صالح ذكوان عن عبد اللّه بن ضمرة عن كعب قال: إنّي أجد [19] في التوراة محمّد رسول اللّه لا فظ ولا غليظ [ولاسخاب في الأسواق ولايجزي السيّئة السيّئة](4) ولكن يعفو ويصفح، أُمّته الحمادون يحمدون اللّه في كل منزلة ويكبرونه علي كل نجد يأتزرون علي أنصافهم ويتوضؤون علي
ص: 65
أطرافهم، صفهم في الصلاة وصفهم في القتال سواء مناديهم ينادي في جو السماء، لهم في جوف الليل دوي كدوي النحل مولده بمكة ومهاجره بطيبة وملكه بالشام(1).
9 - وعن أبي صالح ذكوان أيضاً عن كعب يحكي عن التوراة قال: نجد مكتوباً محمّد رسول اللّه عبدي المختار لا فظ ولا غليظ ولا صخاب بالأسواق ولا يجزي بالسيّئة السيّئة ولكن يعفو (ويغفر)(2) ، مولده بمكة وهجرته بطيبة وملكه بالشام وأُمّته الحمّادون (يحمدون اللّه في السّراءوالضّراء)(3) يحمدون اللّه في كل منزلة ويكبرونه علي كل شرف رعاة الشمس يصلون الصلاة إذا جاء وقتها يأتزرون علي أنصافهم ويتوضون علي أطرافهم مناديهم ينادي في جو السماء صفهم في القتال وصفهم في الصلاة سواء، لهم بالليل دوي كدوي النحل(4).
10 - وروي مالك بن أنس عن ربيعة بن أبي عبد الرحمن عن أنس بن مالك أنّه سمعه يقول: كان رسول اللّه صلي الله عليه و آله ليس بالطويل البائن ولا بالقصير وليس بالأبيض الأمهق وليس بالأدم ولا بالجعد القطط ولا بالسبط بعثه اللّه علي رأس أربعين سنة فاقام بمكة عشر سنين وبالمدينة عشر سنين وتوفاه اللّه علي رأس ستين سنة وليس في رأسه ولحيته عشرون شعرة بيضاء(5).3.
ص: 66
11 - وعن قتادة قال: سألت عن أنس بن مالك عن شَعر رسول اللّه صلي الله عليه و آله فقال: كان شَعره رجلاً ليس بالسبط ولا بالجعد بين أذنيه وعاتقه(1).
12 - وعنه قال: كان النبيّ صلي الله عليه و آله ضخم الرأس والقدمين لم أر بعده ولا قبله مثله وكان سبط الكفين(2).
13 - وعنه قال: كان رسول اللّه صلي الله عليه و آله ربعة ليس بالطويل ولا بالقصير حسن الجسم وكان شعره ليس بجعد ولا بسبط أسمر اللون إذا مشي يتوكأ(3).
14 - وعن عليّ بن أبي طالب عليه السلام قال: كان رسول اللّه صلي الله عليه و آله ليس بالطويل ولا بالقصير ضخم الرأس واللحية شثن الكفين مشرباً حمرة ضخم الكراديس طويل المسربة إذامشي يتكفأ تكفياً كأنّما ينحط من صبب لم أر قبله ولا بعده مثله صلي الله عليه و آله(4).
15 - وعن جابر بن سمرة قال: كان في ساقي رسول اللّه صلي الله عليه و آله حموشة وكان لا يضحك إلّاتبسماً وكنت إذا نظرت إليه قلت: أكحل العينين وليس باكحل(5).
16 - وعن جابر قال: كان رسول اللّه صلي الله عليه و آله ضليع الفم أشكل العين منهوش العقب. قال شعبة قلت لسماك: ما ضليع الفم؟ قال: عظيم الفم. قلت: ما أشكل6.
ص: 67
العين؟ قال: طويل شق العين. قلت: مامنهوش العقب؟ قال: قليل لحم العقب(1).
وقال أبو عبيد: الشكلة، حمرة في بياض العين والشهلة حمرة في سواد العين، ومنهوش العقب روي بالسين والشين وهما بمعني يقال: نهشت عضداه إذا دقّتا والنهس أخذ ما علي العظم من اللحم بأطراف الأسنان والنهش بالأضراس.
17 - وعن ابن عبّاس قال: كان رسول اللّه صلي الله عليه و آله أفلج الثنيتين إذا تكلم رؤي كالنور يخرج من بين ثناياه(2).
18 - \عن البراء قال: ما رأيت من ذي لِمّة أحسن من رسول اللّه صلي الله عليه و آله له شَعر يضرب منكبيه بعيد مابين المنكبين لم يكن بالقصير ولا بالطويل(3). اللمّة دون الجمّة سمّيت لمّة لأنّها ألمت بالمنكبين فإذا زادت فهي الجمّة.
19 - وعن البراء قال: كان النبيّ صلي الله عليه و آله مربوعاً بعيد مابين المنكبين له شَعر بلغ شحمة أذنه رأيته في حلّة حمراء لم أر شيئاً قط أحسن منه(4).
20 - وسئل البراء هل كان وجه رسول اللّه صلي الله عليه و آله مثل السيف؟ قال: لا. بل مثل القمر(5).
21 - عن سعيد الجريري قال: سمعت أبا الطفيل يقول: رأيت النبيّ صلي الله عليه و آله وما بقي [20] علي وجه الأرض أحد رآه غيري قلت: صفه لي قال: كان أبيض مليحاً مقصداً(6). المقصد الذي ليس بجسيم ولا قصير نحو الربعة ومنه قوله0.
ص: 68
تعالي: «فَمِنْهُم مُّقْتَصِدٌ»(1) أي بين الظالم لنفسه والسابق بالخيرات
22 - وقال أبو هريرة: ما رأيت شيئاً أحسن من رسول اللّه صلي الله عليه و آله كأنّ الشمس تجري في وجهه وما رأيت أحداً أسرع في مشية من رسول اللّه صلي الله عليه و آله كأنّما الأرض تطوي له إنّا لنجهد أنفسنا وإنّه لغير مكترث(2).
23 - وكان عليّ إذا وصف النبيّ صلي الله عليه و آله قال: كان أجود الناس كفاً وأجرؤ الناس صدراً وأصدق الناس لهجةً وألينهم عريكةً وأكرمهم عشيرةً من رآه بديهةً هابه ومن خالطه معرفة أحبه. يقول: ناعته لم أرَ قبله وبعده مثله صلي الله عليه و آله(3).
24 - عن عبد اللّه بن سرجس قال: رأيت النبيّ صلي الله عليه و آله ودخلت عليه وأكلت من طعامه وشربت من شرابه ورأيت خاتم النبوّة في نغض كتفه اليسري كأنّه جمع عليه خيلان سود كأنّها ثآليل(4). [نغض الكتف هوالعظم الرقيق علي طرفهاوقيل الناغض فرع الكتف سمّي ناغضاًلتحركه ومنه قوله تعالي «فَسَيُنْغِضُونَ إِلَيْكَ رُؤُوسَهُمْ»(5)](6).
25 - وعن جابر بن سمرة قال: رأيت الخاتم بين كتفي رسول اللّه صلي الله عليه و آله غدة
ص: 69
حمراء مثل بيضة الحمام وفي رواية مثل بيضة الحمامة(1) تشبه جسده.
26 - وقال: السائب بن يزيد قال: ذهبت بي خالتي إلي رسول اللّه صلي الله عليه و آله فقالت: يارسول اللّه إنّ بن أختي وجع فمسح رأسي ودعا لي بالبركة وتوضأ فشربت من وضوءه وقمت خلف ظهره فنظرت إلي الخاتم بين كتفيه فإذا هو مثل زرّ الحجلة(2). أراد بزرّ الحجلة الأزرار التي تكون في حجال العرائس من الكلل والستور. وقال الخطابي: سمعت من يقول: زرّ الحجلة بيضة حجل الطير يقال للأُنثي منها الحجلة وللذكر اليعقوب قال: وهذا شيء لا أحقه.
27 - \عن حريز بن عثمان أنّه سأل عبداللّه بن بسر صاحب رسول اللّه صلي الله عليه و آله قال: أرأيت رسول اللّه صلي الله عليه و آله كان شيخاً؟ قال: كان في عنفقته شعرات بيض(3).
28 - وعن عبداللّه بن عمر قال: كان شيب رسول اللّه صلي الله عليه و آله نحواً من عشرين شعرة(4).
29 - وقيل لجابر (بن سمرة)(5) أكان في رأس رسول اللّه شيب؟ قال: لم يكن في رأس رسول اللّه صلي الله عليه و آله شيب إلّاشعرات في مفرق رأسه إذا أدّهن واراهن الدهن(6).
ص: 70
30 - وعن أنس قال: ما عددت في رأس رسول اللّه صلي الله عليه و آله وفي لحيته إلّاأربع عشرة شعرةً بيضاً(1).
31 - وسأل قتادة أنساً هل خضب رسول اللّه صلي الله عليه و آله؟ قال: لم يبلغ ذلك إنّما كان شيباً في صدغيه(2). ولكن أبو بكر خضب بالحنا والكتم(3).
32 - وقال أنس: ما شممت رائحة قط مسكة ولا عنبرة أطيب من رائحة رسول اللّه صلي الله عليه و آله ولا مسست شيئاً قط خزة ولا حريرة ألين من كف رسول اللّه صلي الله عليه و آله(4).
33 - وعن أنس: أنّ أُمّ سليم كان النبيّ صلي الله عليه و آله يأتيها فيقيل عندها فكانت تجمع عرقه فتجعله [في الطيب وكان كثيرالعرق](5).
34 - وعنه أيضاً قال: دخل علينا النبيّ صلي الله عليه و آله فقال عندنا)(6) فعرق وجائت أُمّي بقارورة فجعلت تسلت العرق فيها فاستيقظ النبيّ فقال: يا أُمّ سليم ماهذا الذي تصنعين؟ قالت: هذا عرقك نجعله في طيبنا وهو من أطيب الطيب(7).
ص: 71
35 - ويروي أنّ أُمّ سليم كانت ماشطة بالمدينة فخلطت [21] بعرق النبيّ صلي الله عليه و آله طيباً وطيبت به عروساً فلم تزل ريح ذلك الطيب عليها وكلّما غسلته لا تذهب رائحته عنها فحبلت وأتت بأولاد فكانت تلك الرائحة توجد منهم فسمّوا بالمدينة المطيّبين.
36 - وعن جابر بن سمرة قال: صلّيت مع رسول اللّه صلي الله عليه و آله صلاة الأُولي ثم خرج إلي أهله وخرجت معه فاستقبله ولدان فجعل يمسح خدي أحدهم واحداً واحداً قال: وأمّا أنا فمسح خدي قال: فوجدت ليده برداً وريحاً كأنّما أخرجها من جونة عطار(1).
37 - وقال أنس: كنا نعرف رسول اللّه صلي الله عليه و آله إذا أقبل بطيب ريحه(2).
38 - وعن ثمامة أنّ أُمّ سليم أُمّ أنس بن مالك كانت تبسط للنبيّ صلي الله عليه و آله نطعاً فيقيل عندها علي ذلك النطع فإذا قام النبيّ صلي الله عليه و آله أخذت من عرقه وشعره فجعلته في قارورة ثم جعلته في السك قال: فلمّا حضر أنس بن مالك الوفاة أوصي أن يجعل في حنوطه من ذلك السك قال: فجعل في حنوطه(3).
39 - عن البراء بن عازب قال: كان رسول اللّه صلي الله عليه و آله أحسن الناس وجهاً وأحسنهم خلقاً ليس بالطويل البائن ولا بالقصير(4).
ص: 72
40 - وقال أنس: خدمت رسول اللّه عشر سنين فما قال لي أفّ قط ولا قال لشيء صنعته لم صنعته ولا لشيء تركته لم تركته وكان رسول اللّه صلي الله عليه و آله من أحسن الناس خلقاً ولا مسست خزاً قط ولا حريراً ولا شيئاً كان ألين من كف رسول اللّه ولا شممت مسكاً ولا عطراً كان أطيب من عرق رسول اللّه صلي الله عليه و آله(1).
41 - وعن عبد اللّه بن عمرو قال: إنّ رسول اللّه صلي الله عليه و آله لم يكن فاحشاً ولا متفحشاً وكان يقول: خياركم أحسنكم أخلاقاً(2).
42 - وعن عائشة قالت: ما ضرب رسول اللّه صلي الله عليه و آله بيده شيئاً قط إلّاأن يجاهد في سبيل اللّه ولا ضرب خادماً ولا امرأةً(3).
43 - وقالت: لم يكن رسول اللّه صلي الله عليه و آله فاحشاً ولا متفحشاً ولا سخاباً في الأسواق ولا يجزي بالسيّئة السيّئة ولكن يعفو ويصفح(4).
44 - وقال أنس: لم يكن رسول اللّه صلي الله عليه و آله سباباً ولا فحاشاً ولا لعاناً وكان يقول: لأحدنا عند المعتبة: ماله ترب جبينه(5).
45 - وعن أنس أيضاً قال: كنت أمشي مع رسول اللّه صلي الله عليه و آله وعليه برد نجراني غليظ الحاشية فأدركه أعرابي فجذبه بردائه جذبة شديدة حتي نظرت إلي صفحة عاتق رسول اللّه صلي الله عليه و آله قد أثر بها حاشية البرد من شدّة جذبه ثم قال:
يا محمّد مُر لِي من مال اللّه الذي عندك، فالتفت إليه رسول اللّه ثم ضحك ثم أمر9.
ص: 73
له بعطاء(1).
46 - وروي أبو هريرة قال: قيل يارسول اللّه أُدع علي المشركين قال: إنّي لم أبعث لعاناً وإنّما بعثت رحمة(2).
47 - وعن ابن مسعود قال: قسم رسول اللّه صلي الله عليه و آله قسماً فقال: رجل ما أُريد بهذا وجه اللّه فأتيت النبيّ فذكرت ذلك له فتغيّر وجه رسول اللّه صلي الله عليه و آله ثم قال:
يرحم اللّه موسي فقد أُوذي بما هو أشدّ من هذا فصبر(3).
48 - روي عن ابن عبّاس أنّه كان يحدّث أنّ اللّه تعالي أرسل إلي نبيّه صلي الله عليه و آله ملكاً من الملائكة معه جبرئيل فقال الملك يارسول اللّه إنّ اللّه عزّ وجلّ يخيرك بين أن تكون عبداً نبياً وبين أن تكون ملكاً نبياً فالتفت رسول اللّه [22] إلي جبرئيل كالمستشير له فأشار جبرئيل بيده أن تواضع فقال رسول اللّه صلي الله عليه و آله: لا بل عبداً نبيّاً، فما أكل بعد تلك الكلمة طعاماً متكئاً حتي لحق باللّه(4).
49 - وعن عائشة قالت: قال رسول اللّه صلي الله عليه و آله: لو شئتُ لسارت معي جبال الذهب جاءني ملك إنّ حجزته لتساوي الكعبة فقال: إنّ ربّك يقرأ عليك السلام ويقول: إن شئت نبياً عبداً وإن شئت نبياً ملكاً فنظرت إلي جبرئيل 7 فأشار إليّ أن ضع نفسك فقلت: نبيّاً عبداً قالت: فكان رسول اللّه صلي الله عليه و آله بعد ذلك لا يأكل متكئاً ويقول: آكل كما يأكل العبد
ص: 74
وأجلس كما يجلس العبد(1).
50 - وعن ابن عبّاس عن عمر قال: قال رسول اللّه صلي الله عليه و آله: لا تطروني كما أطرت النصاري ابن مريم إنّما أنا عبد فقولوا عبد اللّه ورسوله(2). الإطراء مجاوزة الحدّ في المدح والكذب فيه.
51 - وعن أنس أنّ رسول اللّه صلي الله عليه و آله كان إذا صافح الرجل لم ينزع يده من يده حتي يكون هو الذي ينزع يده ولا يصرف وجهه عن وجهه حتي يكون هو الذي يصرف وجهه عن وجهه ولم ير مقدماً ركبتيه بين يدي جليس له قط(3).
52 - وعن خارجة بن زيد بن ثابت قال: دخل نفر علي زيد بن ثابت فقالوا له: حدّثنا حديث رسول اللّه صلي الله عليه و آله قال: ماذا أُحدّثكم؟ كنت جاره فكان إذا نزل عليه الوحي بعث إليّ فكتبت له فكان إذا ذكرنا الدنيا ذكرها معنا وإذا ذكرنا الآخرة ذكرها معنا وإذا ذكرنا الطعام ذكره معنا فكل هذا أحدّثكم عن رسول اللّه صلي الله عليه و آله(4).
53 - عن الأسود قال: سألت عائشة ما كان رسول اللّه صلي الله عليه و آله يصنع في بيته؟ فقالت: يكون في مهنة أهله تعني خدمة أهله فإذا حضرت الصلاة خرج إلي الصلاة(5).4.
ص: 75
54 - عن عمرة قالت: قيل لعائشة: ما كان يعمل رسول اللّه في بيته؟ فقالت:
كان بشراً من البشر يفلّي ثوبه ويحلب شاته ويخدم نفسه(1).
55 - وعن عائشة أنّها سُئلت هل كان رسول اللّه صلي الله عليه و آله يعمل في بيته؟ قالت:
نعم. كان رسول اللّه يخصف نعله ويخيط ثوبه ويعمل في بيته كما يعمل أحدكم في بيته(2).
56 - عن أنس بن مالك قال: كان رسول اللّه صلي الله عليه و آله إذا صلّي الغداة جاء خدم المدينة بآنيتهم فيها الماء فما يؤتي بإناء إلّاغمس يده فيها فربما جاءه في الغداة الباردة فيغمس يده فيها(3).
57 - وعن أنس قال: رأيت رسول اللّه يركب الحمار العاري ويجيب دعوة [23] المملوك وينام علي الأرض و (يأكل علي الأرض)(4) يجلس علي الأرض ويقول: لو دعيت إلي كراع لأجبت ولو أُهدي إليّ ذراع لقبلت(5).
58 - وعنه: أنّ رسول اللّه صلي الله عليه و آله كان يعود المريض ويتبع الجنازة ويجيب دعوة المملوك ويركب الحمار لقد رأيته يوم خيبر علي حمار خطامه ليف(6).
59 - \وعنه: إنّ إمرأة عرضت لرسول اللّه صلي الله عليه و آله في طريق من طرق المدينة فقالت: يارسول اللّه إنّ لي إليك حاجة فقال: يا أُمّ فلان إجلسي في أي سكك المدينة شئت أجلس إليك قال: ففعلت فقعد إليها رسول اللّه صلي الله عليه و آله حتي9.
ص: 76
قضت حاجتها(1).
60 - وعنه أنّه قال: كانت الأَمة من إماء أهل المدينة لتأخذ بيد رسول اللّه صلي الله عليه و آله فتنطلق به حيث شاءت(2).
61 - عن ابن عبّاس: أنّ رسول اللّه صلي الله عليه و آله كان أجود الناس وأجود ما يكون في رمضان حين يلقاه جبرئيل، وكان يلقاه في كلّ ليلة من رمضان فيدارسه القرآن، وكان رسول اللّه صلي الله عليه و آله إذا لقيه جبرئيل أجود (بالخير)(3) من الريح المرسلة(4).
62 - وعن أنس قال: كان رسول اللّه صلي الله عليه و آله من أجمل الناس وأجود الناس وأشجع الناس، ولقد فزع أهل المدينة مرة فركب فرساً لأبي طلحة عري ثم رجع وهو يقول: لن تراعوا لن تراعوا ثم قال: إنّا وجدناه بحراً(5).
63 - وقال جابر بن عبد اللّه: ما سئل رسول اللّه صلي الله عليه و آله شيئاً قط فقال: لا.
64 - وعن محمّد بن جبير بن مطعم عن أبيه قال: لمّا قفل رسول اللّه صلي الله عليه و آله من غزوة حنين تبعه الأعراب يسألونه فألجؤوه إلي شجرة فخطفت رداءه وهو علي راحلته فقال: ردّوا عليّ ردائي أتخشون عليّ البخل فواللّه لو كان لي عدد هذه
ص: 77
الحصاة نعماً لقسمته بينكم ثم لا تجدوني بخيلاً ولا جباناً ولا كذاباً(1).
65 - وقال أنس: كان النبيّ صلي الله عليه و آله لا يدخر شيئاً لغد.
66 - وعنه أنّ رجلاً أتي النبيّ صلي الله عليه و آله فسأله فأعطاه غنماً بين جبلين فأتي الرجل قومه فقال: أسلموا فإنّ محمّداً يعطي عطاء رجل ما يخاف فاقة(2).
67 - وقال صفوان بن أُمية أعطاني رسول اللّه صلي الله عليه و آله وأنّه لأبغض الخلق إليّ فما زال يعطيني حتي أنّه لأحبّ الخلق إليّ.
68 - فيه حديث أنس بن مالك قال: كان رسول اللّه صلي الله عليه و آله: أجمل الناس وأجود الناس وأشجع الناس(3).
69 - وعن البراء قال: كنّا واللّه إذا إحمّر البأس نتقي به يعني النبيّ صلي الله عليه و آله وانّ الشجاع منا للذي يحاذي به(4).
70 - وقال عليّ عليه السلام [24] قال: رأيتني يوم بدر ونحن نلوذ بالنبي صلي الله عليه و آله وهو أقربنا إلي العدو وكان من أشد الناس يومئذ بأساً(5).
71 - وعنه قال: كنا إذا إحمّر البأس ولقي القوم إتقينا برسول اللّه صلي الله عليه و آله فما يكون أحد أقرب إلي العدو منه(6).
ص: 78
72 - عن أبي سعيد الخدري قال: كان رسول اللّه صلي الله عليه و آله أشد حياءً من العذراء في خدرها وكان إذا كره شيئاً رأيناه في وجهه(1).
73 - وعن جابر بن سمرة قال: كان رسول اللّه طويل الصمت.
74 - وعن عائشة قالت: ما كان رسول اللّه يسرد سردكم هذا ولكنّه كان يتكلّم بكلام بيّنه فصل يحفظه من جلس إليه(2).
75 - وعنها قالت: إنّ النبيّ صلي الله عليه و آله كان يحدّث حديثاً لوعدّه العادّ لأحصاه(3).
76 - عن عائشة قالت: ما رأيت رسول اللّه صلي الله عليه و آله مستجمعاً قط ضاحكاً حتي أري منه لهواته إنّما كان يبتسم(4).
77 - وعن عبداللّه بن الحرب بن الحارث بن جزء قال: ما رأيت أحداً أكثر تبسّماً من رسول اللّه(5).
78 - وعن عائشة قالت: ما خيّر رسول اللّه صلي الله عليه و آله في أمرين إلّاأخذ أيسرهما ما لم يكن إثماً فإن كان إثماً كان أبعد الناس عنه وما انتقم رسول اللّه صلي الله عليه و آله لنفسه إلا أن تنتهك حرمة اللّه فينتقم للّه بها(6).
ص: 79
وقد جمع حديث الحسن بن عليّ عليهما السلام الذي رواه عن خاله هند بن أبي هالة وحديث أُمّ معبد الخزاعية جميع صفاته صلي الله عليه و آله وكان هند ربيب رسول اللّه وأبوه أبو هالة هو زوج خديجة قبل النبيّ.
79 - روي عن الحسن بن عليّ عليهما السلام قال: سألت خالي هند بن أبي هالة وكان وصافاً عن حلية النبيّ صلي الله عليه و آله وأنا أشتهي أن يصف لي منها شيئاً أتعلّق به فقال: كان رسول اللّه صلي الله عليه و آله: 1 فخماًمفخماً، يتلألأ وجهه تلألأ القمر ليلة البدر، 2 أطول من المربوع وأقصر 3 من المشذّب، عظيم الهامّة، رجل الشعر، إن إنفرقت 4 عقيقته فرق، وإلا فلايجاوز شعره شحمة أذنه، إذا هو 5 وفرة، 6 أزهراللون، واسع الجبين، أزجّ الحاجبين، سوابغ في غير قرن، 7 بينهما عرق يدرّه الغضب، أقني العرنين، له نور يعلوه يحسبه من لم يتأمّله أشم، كث اللحية، سهل الخدين، [25] 8 ضليع الفم، (أشنب) 9 مفلج الأسنان، دقيق 10 المسربة، كأنّ عنقه جيد 12 دمية، في صفاء الفضّة، معتدل الخلق، 13 بادن متماسك، سواء البطن والصدر، (عريض الصدر)(1) ، بعيد ما بين المنكبين، 14 ضخم الكراديس، 15 أنور المتجرد، موصول ما بين اللبّة والسرّة بشعر يجري كالخط، عاري 11 الثديين والبطن، مما سوي ذلك، أشعر الذراعين، والمنكبين، وأعالي الصدر، طويل الزندين، 16 رحب الراحة، 17 شثن الكفين والقدمين، 18 سائل الأطراف، أو قال: شامل الأطراف، 19 خمصان الأخمصين، 20 مسيح القدمين ينبو عنهما الماء، 21 إذا زال زال قلعاً، يخطو 22 تكفياً ويمشي هوناً، 23 ذريع المشية، إذا مشي كأنّما ينحط من صبب، وإذاإلتفت إلتفت 24 جميعاً، خافض الطرف، نظره إلي الأرض أطول من نظره إلي السماء، 25 جلّر.
ص: 80
نظره الملاحظة، يبدر من لقيه بالسلام.
قال الحسن: وسألت خالي فقلت: صف لي منطق رسول اللّه صلي الله عليه و آله، فقال: كان متواصل الأحزان، دائم الفكرة، ليست له راحة، طويل الصمت، لا يتكلّم في غير حاجة، يفتتح الكلام ويختمه بأشداقه، ويتكلّم بجوامع الكلم، فصل لا فضول ولا تقصير، (دمثاً)(1) ليس 26 بالجافي ولا بالمهين، تعظم عنده النعمة وإن دقت، لا 27 يذمّ منها شيئاً غير أنّه لم يكن يذمّ ذواقاً ولا يمدحه، ولا تغضبه الدنيا وماكان لها، فإذا تُعُدّي الحقّ لم يقم لغضبه شيء حتي ينتصر له، [لا يغضب لنفسه، ولا ينتصر لها](2) ، وإذا أشار أشار بكفّه كلّها، وإذا تعجب قلّبها (وإذا تحدّث إتصل بها وضرب براحته اليمني بطن إبهامه اليسري)(3) ، وإذا غضب أعرض 28 وأشاح، جلّ ضحكه التبسم، (36 يفترعن مثل 37 حبّ الغمام)(4).
قال الحسن: فكتمته الحسين عليه السلام زماناً، ثم حدّثته فوجدته قد سبقني إليه فسأله عما سألته عنه، ووجدته قد سأل أباه عن مدخل النبيّ وعن مخرجه ومجلسه وشكله، فلم يدع منه شيئاً.
قال الحسين عليه السلام: فسألت أبي عن دخول النبيّ صلي الله عليه و آله فقال: كان [دخوله لنفسه مأذوناًله في ذلك](5). إذا آوي إلي منزله 29 جزّأ دخوله ثلاثة أجزاء جزء للّه وجزء لأهله وجزءلنفسه ثم جزّء جزءه بينه وبين الناس 30 فيردّ ذلك بالخاصة علي العامة ولا يدّخر عنهمر.
ص: 81
شيئاً، وكان من سيرته في جزء الأُمّة إيثار أهل الفضل بإذنه، وقسمه علي قدر فضلهم في الدين، فمنهم ذو الحاجة ومنهم ذو الحاجتين ومنهم ذو الحوائج، فيتشاغل بهم ويشغلهم فيما يصلحهم والأُمّة من مسئلته عنهم وإخبارهم بالذي ينبغي لهم [قد كفوا المؤونة في ذلك](1). ويقول: ليبلغ الشاهد منكم الغائب وأبلغوني حاجة من لا يستطيع إبلاغها فإنّه من أبلغ سلطاناً حاجةً من لا يستطيع إبلاغها ثبّت اللّه قدميه يوم القيامة لا يذكر عنده ذلك ولا يقبل من أحد غيره يدخلون عليه روّاداً ولا يفترقون إلّاعن 32 ذواق [26] ويخرجون أدلة(2) يعني علي الخير.
قال: وسألته عن مخرجه كيف كان يصنع فيه؟ فقال: كان رسول اللّه صلي الله عليه و آله يخزن لسانه إلّافيما يعنيه، ويؤلفهم ولا ينفرهم ويكرم كريم كل قوم ويوليه عليهم، ويحذر الناس ويحترس منهم من غير أن يطوي عن أحد منهم بشرّ، ولا خلقه ويتفقد أصحابه، ويسأل الناس عن ما في الناس، ويحسن الحسن ويقويه، ويقبح القبيح ويوهنه، معتدل الأمر غير مختلف، لا يغفل مخافة أن يغفلوا أو يميلوا، لكل حال عنده عماد، لا يقصر عن الحقّ، ولا يجوزه الذين يلونه من الناس، خيارهم أفضلهم عنده وأعمّهم نصيحة للمسلمين، وأعظمهم عنده منزلة، أحسنهم مواساة وموازرة.
قال: وسألته عن مجلسه فقال: كان رسول اللّه صلي الله عليه و آله لا يقوم ولا يجلس عن ذكر [ولا يوطن الأماكن وينهي عن إيطانها](3). وإذا انتهي إلي قوم جلس حيث ينتهي به المجلس ويأمر بذلك، ويعطي كل جلسائه نصيبه، حتي لا يحسب جليسه أنّ أحداً أكرم عليهر.
ص: 82
ممن جالسه، ومن سأله حاجة لم يردّه إلّابها أو بميسور من القول، قد وسع الناس بسطه وخلقه فصار لهم أباً وصاروا عنده في الحقّ سواء، مجلسه مجلس حلم وحياء وصبر وأمانة، لا ترفع فيه الأصوات، ولا 32 تؤبن فيه الحرم [ولاتثني فلتاته](1) يتعاطفون فيه بالتقوي متواضعين يوقرون فيه الكبير ويرحمون فيه الصغير ويؤثرون ذا الحاجة ويحفظون الغريب.
قال الحسين: وسألت أبي عن سيرة النبيّ صلي الله عليه و آله في جلسائه فقال: كان النبيّ صلي الله عليه و آله: دائم البشر، سهل الخلق، لين الجانب، ليس بفظ ولا غليظ ولا سخاب، ولا فحاش، ولا عياب، ولا مداح، يتغافل عما لا يشتهي، ولا يأس منه ولا يخيب فيه مؤمّليه قد ترك نفسه من ثلاث، الرياء والإكثار وما لا يعنيه، وترك الناس من ثلاث كان لا يذمّ أحداً و لا يعيبه ولا يطلب عورته، ولا يتكلم إلّافيما رجا ثوابه وإذا تكلم أطرق جلسائه كأنّما علي رؤوسهم الطير فإذا سكت تكلموا ولا يتنازعون عنده الحديث، وإذا تكلّم أحد عنده وأنصتوا له حتي يفرغ من حديثه، يضحك مما يضحكون ويتعجب مما يتعجبون منه، ويصبر للغريب علي الجفوة في منطقه ومسألته حتي إن كان أصحابه ليستجلبونهم ويقول: إذا رأيتم طالب حاجة يطلبها فأرفدوه 34 ولا يقبل الثناء إلّامن مكافئي ولا يقطع علي أحد حديثه حتي يجوزه فيقطعه بنهي أو قيام وإذا غضب أعرض وأشاح وإذا فرح غضّ طرفه جلّ، ضحكه التبسم، ويفتر عن مثل حبّ الغمام.
قال الحسن: وسألت أبي عن دخول رسول اللّه صلي الله عليه و آله فقال: كان إذا أوي إلي منزله وذكر مثل ما تقدم، وقال: كان لا يجلس ولا يقوم إلّاعن ذكر اللّه، لا يوطن الأماكن وينهي عن [27] إيطانها، وقال: لا يحسب أحد من جلسائه أنّ أحداً أكرم منه مَنْ جالسه أو قاومه لحاجة صابره حتي يكون هوالمنصرف، وقال: ولا تؤبن فيه الحرم 35 ولا تثني فلتاتهر.
ص: 83
معتدلين يتواصون فيه بالتقوي، وقال: قد ترك نفسه من ثلاث المراء والإكثار ومالا يعنيه وزاد في آخره(1).
قال: فسألته كيف كان سكوته؟ قال: كان سكوت رسول اللّه صلي الله عليه و آله علي أربع علي الحلم والحذر والتقدير والتفكر، أمّا التقدير ففي تسوية النظر والاستماع من الناس، وأمّا التفكير ففيما يبقي ويفني وجمع له الحلم والصبر فكان لا يغضبه شيء ولا يستفزه، وجمع له الحذر في أربعة، أخذه بالحسن ليقتدي به، وتركه القبيح لينتهي عنه، واجتهاده الرأي فيماأصلح أُمّته والقيام فيما هو خير لهم فيما يجمع لهم خير الدنيا والآخرة(2).
80 - ووصف عليّ عليه السلام رسول اللّه صلي الله عليه و آله فقال: لم يكن 38 بالطويل الممغط - يروي بالعين والغين - ولا بالقصير 39 المتردد، كان ربعة من القوم، لم يكن 40 بالجعد القطط، ولا بالسبط، كان جعداً رجلاً، ولم يكن 41 بالمطهم، 42 ولا بالمكلثم، وكان في وجهه تدوير، أبيض 42 مشرب 44 أدعج العينين، 45 أهدب الأشفار، 51 جليل المشاش و 46 الكتد، أجود 47 ذو مسربة، 48 شثن الكفين والقدمين، إذا مشي 49 تقلع كأنّما ينحط 50 من صبب، وإذاإلتفت إلتفت معاً بين كتفيه خاتم النبوّة وهو خاتم النبيّين. أجود الناس صدراً وألينهم عريكةً وأكرمهم 52 عشيرةً، من رآه 53 بديهةً هابه، ومن خالطه معرفة أحبّه، يقول ناعته: لم أر قبله ولا بعده مثله صلي الله عليه و آله(3).ي.
ص: 84
81 - وعن حبيش بن خالد وهو أخو عاتكة بنت خالد المعروفة بأمّ معبد أنّ رسول اللّه صلي الله عليه و آله حين أخرج من مكّة خرج مهاجراً إلي المدينة هو وأبو بكر ومولي أبي بكر عامر بن فهيرة ودليلهم عبد اللّه بن أرَيْقُط الليثي فمروا علي خيمة أمّ معبد الخزاعية وكانت إمرأة 54 برزة تحتبي بفناء الخيمة ثم تسقي وتطعم فسألوها لحماً وتمراً ليشتروا منها فلم يصيبوا عندها شيئاً من ذلك وكان القوم 55 مرمّلين 56 مسنتين فنظر رسول اللّه صلي الله عليه و آله إلي شاة في 57 كسر الخيمة فقال: ما هذه الشاة يا أُمّ معبد؟ قالت: شاة 58 خلّفها الجهد عن الغنم قال: فهل بها من لبن؟ قالت: هي أجهد من ذلك قال: أتأذنين لي أن أحلبها؟ قالت بأبي أنت وأُمّي إن رأيت بها حليباً فاحلبها فدعا بها رسول اللّه صلي الله عليه و آله فمسح ضرعها وسم اللّه عزّوجلّ فدعا لها في شاتها 59 فتفاجّت عليه ودرّت واجترت فدعا بإناء 60 يربض 61 الرهط فحلب فيه 62 ثجاً حتي علاه 63 البهاء ثم سقاها حتي روت وسقي أصحابه حتي رووا ثم شرب آخرهم ثم 64 أراضوا ثم حلب فيه ثانياً عوداً علي بدء حتي ملأ الإناء ثم غادره عندها [28] وبايعها وارتحلوا عنها فقلّ ما لبثت حتي جاء زوجها أبو معبد يسوق أعنزاً عجافاً 65 يتساوكن هزلي مخاخهن قليل فلمّا رأي أبو معبد اللبن عجب وقال: من أين لك هذا اللبن يا أُمّ معبد والشاة 66 عازب 67 حيال ولا حلوبة في البيت؟ قالت: لا واللّه إلّاأنّه مر رجل مبارك من حاله كذا قال: صفيه لي يا أُمّ معبد قالت: رأيت رجلاً ظاهر الوضاءة 68 أبلج الوجه لم 69 تعبه ثجلة ويروي نحلة ولم تزريه 70 صلعة، ويروي صقلة 71 وسيم قسيم في عينيه 72 دعج وفي أشفاره 73 عطف وفي صوته 74 صهل ويروي صحل وفي عنقه 75 سطع وفي لحيته كثافة 76 أزجّ 77 أقرن إن صمت فعليه الوقار وإن تكلم 78 سمابه وعلاه البهاء. أجمل الناس وأبها من بعيد وأحلا وأحسنه من قريب، حلو المنطق 79 فصل لا نزر ولا هذر كأنّ منطقه
ص: 85
جزرات نظم يتحدّرن ربعة لا 80 يأس من طول 81 ولا تقتحمه عين من قصر غصن من غصنين فهو أنضر الثلاثة منظراً وأحسنهم قدراً له رفقاء يحفّون به إن قال أنصتوا لقوله وإن أمر تبادروا لأمره 82 محشود محفود لا 83 عابس ولا 84 مفنّد، قال أبو معبد: هو واللّه صاحب قريش الذي ذكر لنا من أمره ما ذكر ولو كنت وافقته لا لتمست أن أصحبه ولأفعلن إن وجدت إلي ذلك سبيلاً وأصبح صوت بمكة عالياً يسمعون الصوت ولا يدرون مَنْ صاحبه وهو يقول هذه الشعر:
جزا اللّه ربّ الناس خير جزائه رفيقين قالا خيمتي أُمّ معبد
هما نزلاها بالهدي واهتدت به فقد فاز من أمسي رفيق محمّد
85 فيا لقصي ما زوي اللّه عنكم به من فعال لا يجاري وسؤدد
ليهن بني كعب مكان فتاتهم ومقعدها للمؤمنين لمرصد
سلوا أختكم عن شاتها وإنائها فإنكم إن تسألوا الشاة تشهد
دعاها بشاة حائل 86 فتحلبت عليه صريحاً ضرّة الشاة مزبد
فغادرها رهناً لديها لحالب يرددها في مصدر ثم مورد
فأجاب الصوت حسان بن ثابت فقال:
لقد خاب قوم زال عنهم نبيّهم وقدس من يسري إليه ويقتدي
ترحل عن قوم فزالت عقولهم وحل علي قوم بنور مجدد
هداهم به بعد الضلالة ربّهم وأرشدهم من يبتغي الحقّ يرشد
وقد نزلت منه علي أهل يثرب ركاب هدي حلت عليهم بأسعد
وهل يستوي ضلال قوم تسفهوا عمّا يتهم هاد به كلّ مهتد
وفي رواية:
فهل يستوي ضلال قوم تسكعوا عمّا وهداه يهتدون بمهتدي
نبيّ يري مالا يري الناس حوله ويتلوا كتاب اللّه في كلّ مشهد
وإن قال في يوم مقالة غائب فتصديقها في اليوم أوفي ضحي الغد
ويروي: فتصديقها في ضحوة اليوم أوغد
ليهن أبا بكر سعادة جدّهبصحبته من يسعد اللّه يسعد
وتهن بني كعب مكان فتاتهمومقعدها للمؤمنين بمرصد(1)
قالت أُمّ معبد: وكنا نحلب الشاة التي حلبها رسول اللّه صلي الله عليه و آله [29] ومسح ضرعها صبوحاً وغبوقاً وما في الأرض قليل ولا كثير وبقيت الشاة عندنا إلي سنة ثمان عشرة من الهجرة فهلكت زمن الرمادة في خلافة عمر(2).
[والرمد والرمادة الهلاك ومنه عام الرمادة لأنّه هلك فيه الناس والأموال.
قوله: كان 1 فخماً مفخماً أي عظيم القدر معظماً في الصدور والعيون ولم يرد به ضخامة الجسم. قال أبوعبيد (اللّه القاسم بن سلام): الفخامة في الوجه نُبْله وإمتلائه مع الجمال والمهابة. قوله: 2 أطول من المربوع. المربوع والمربعة الرجل بين الرجلين. 3 والمشذّب الطويل البائن الطول وأصل التشذّب التفريق يقال شذّبت المال إذا فرقته فالمفرط في الطول كأنّه فرق خلقته ولم يجتمع. 4 والعقيقة اسم شَعر المولود الذي يخرج من بطن أُمّه لأنّه يحلق وأصل العَقّ الشقّ والقطع
ص: 86
ص: 87
ومنه قيل للذبيحة التي ذبح عند الولادة عقيقة لأنّه يشقّ حلقومها ثم قيل للشَعر الذي تنبت بعد ذلك الشَعر عقيقة أيضاً علي طريق الاستعارة ومعناه هاهنا أنّ الفرق شَعر رأسه من ذات نفسه فرقه في مفرقه وإن لم يتفرق تركه وَفْرة واحدة ويروي «إن إنفرقت عقيقته فرق» والعقيقة الشعرالمقوص مثل المضفور 5 والوفرة الشعر إلي شحمة الأذن واللحمة واللمّة الشعر إلي المنكب لأنّها ألمّت بالمنكب.
6 والزهرة في اللون استنار به وهي بياض المنير وهو أحسن الألوان. قوله 7 بينهما عرق يدرّه الغضب أي بين حاجبيه عرق يمتليء دماً إذاغضب ومنه درّ الضرع إذا إمتلأ لبناً. 8 وضلع الفم أي عظيم الفم والعرب تحب ذلك وتذمّ صغرالفم ومنه قوله في صفة كلامه يفتح الكلام ويختمه بأشداقه وقيل ضليع الفم سدّة أسنانه وتراصفها. 9 والفلج في الأسنان عدم تراصفها بل فيها تفريج ما وقيل الفلج فرجة بين الثنايا والرباعيات. 10 والمسربة الشَعر الذي بين اللبّة إلي السرّة كما ذكر بعده موصول مابين اللبّة إلي السرّة شَعر يجري كالخط. وقوله 11 عاري الثديين وروي الثندوين يريد أنّه ليس عليه شعر والثندوة للرجل كالثدي للمرأة فإذا ضممت الهاء همزت وإذا فتحت لم يهمز الواو. قوله كأنّ عنقه جيد 12 دمية الدمية الصورة المصوّرة وجمعه دُماً. وقوله 13 بادن متماسك أي معتدل الخلق يمسك بعض أعضائه بعضاً وليس المراد منه بدانة السمن ولاضخامة البدن بدليل قوله سواء البطن والصدر. 14 ضخم الكراديس أي الأعضاء. 15 أنور المتجرد أي مشرق الجسد والأنور النيّر كقوله تعالي «وَ هُوَ أَهْوَنُ عَلَيْهِ»(1) أي هيّن عليه.
قوله. 16 رحب الراحة أي واسع الكفّ. 17 شثن الكفّين عظيمهما [30] - سائل الأطراف أي ممتد الأصابع وهو بالسين المهملة ورواه بعضهم بالشين ورواه7.
ص: 88
بعضهم سائن بالنون بدل اللام ومعناه واحدمثل جبريل وجبرين.
وقوله 19 خمصان الأخمصين الأخمص من القدم الذي لايلصق بالأرض عند الوطء من باطنها يعني أنّ ذلك الموضع متجاف شديد التجافي عن العرض ولم يكن أزجّ وهو الذي يستوي باطن رجله ويسمّي الأخمص أخمص لصموده ودخوله في الرجل. قوله 20 مسيح القدمين يريد بواطنهما من غير وسخ ولاشقاق ولا تكسر فيهما فإذا أصابهما الماء (نبأ عنهما)(1) وقيل أراد به الملاسة واللين. قوله 21 وإذا زال زال قلعاً هو بفتح القاف وكسر اللام يري دأنّه يرفع رجليه رفعاًثابتاً. يخطو 22 تكفياً وروي يكفّؤ التقلع من الأرض والتكفّؤ والإنحدار من الصبب قريب بعضه من بعض والمراد منه القوّة في المشي برفع الرجلين وامتداد الخطا وهي المشية المحمودة للرجل لا كمن يمشي مختالاً.
قوله 23 ذريع المشي أي سريع المشي واسع الخطو من غير عجلة ومبادرة شديدة بدليل قوله ويمشي هوناً ومنه قوله تعالي «يَمْشُونَ عَلَي الْأَرْضِ هَوْنًا»(2) بالسكينة والوقار ويدل عليه حديث أبي هريرة: إنّا لنجهد أنفسنا وأنّه لغير مكتثر(3). وقوله 24 إلتفت جمعاً وروي جميعاً يعني لا يلوي عنقه يمنة ولا يسرة كما يفعل الطائش الخفيف إذا نظر إلي الشيء ولكن يقبل جميعاً ويدبر جميعاً.
قوله 25 جلّ نظره الملاحظة يعني ينظر بلحاظ عينيه وهو شقّ العين الذي يلي الصدغ شزراً إلي الفي وأمّا الذي يلي الأنف فهوالموق والمآق يقال لحظه ولحظ إليه إذا نظر إليه بمؤخر عينيه. قوله 26 ليس بالجافي ولا بالمهين يعني3.
ص: 89
بالغليظ الخلقة ولا المحتقر كقوله: ليس بالطويل البائن ولاالقصير وكقول عليّ عليه السلام: ليس بالطويل الممغط ولا القصير المتردد. وروي: لا المُهين برفع الميم فيكون معناه ليس بالذي يجفو أصحابه ويهينهم. وقوله: 27 لايذمّ ذواقاً. الذواق يطلق علي المأكول والمشروب أي لم يكن يذمّ شيئاً فيما يذاق فعال بمعني مفعول. وقوله 28 إذاغضب أعرض وأشاح. أي أقبل. وقوله: 29 جزّأ جزءه بينه وبين الناس. 30 فيردّ ذلك بالخاصة علي العامة. يعني أنّ العامة لاتصل إليه في هذاالوقت فإنّمايصل إليه الخاصة وإذا سمعوا منه شيئاً من العلوم والفوائد أوصلوه إلي العامة فأخبروهم به فكأنّه صلي الله عليه و آله أوصل الفوائد إلي العامة بالخاصة وقيل معني بالخاصة أي من الخاصة والباء بمعني من أي يجعل وقت العامة بعد الوقت الذي يختص بالأهل فإذا إنقضي ذلك الزمان ردّ الأمر من الخاصة علي العامة فأفادهم. وقوله 31 يدخلون عليه روّاداً جمع رائد وهو الطالب أي يدخلون عليه طالبين العلم وملتمسين الحكم من جهته. [31] ولا يتفرقون إلّا 32 عن ذواق أصل الذواق من الطعم ولكنّه ضربه مثلاً لما ينالون من الخير والعلم الذي يتعلّمونه فيقوم لهم مقام الطعام والشراب كذا قال الإمام محيي الدين البغوي في شرح السنّة والظاهر أنّهم كانوا يتعلّمون ويطعمون عنده أيضاً ما تيسّر من الطعام. قوله في وصف مجلسه 33 لا تؤبن فيه الحرم. أي لا يذكرن بقبح يعني أنّ مجلسه كان مصوناً عن رفث القول وفحش الكلام ومنه قوله صلي الله عليه و آله في حديث الإفك: أشيروا عليَّ في أُناس أبنوا أهلي(1). أي إتّهموها يقال أبنه يأبنه إذا إتّهمه والأبن التهمة. قوله: 34 ولا يقبل الثناء إلا من مكافئ. قال القتيبي: معناه إذا أنعم علي رجل نعمة فكافأه بالثناء عليه قبل منه وإذا أثني عليه2.
ص: 90
قبل أن ينعم عليه لم يقبله وقال أبوبكر الأنباري: هذا غلط لأنّ أحداً لا ينفكّ من إنعام رسول اللّه لأنّ اللّه بعثه إلي الخلق كافّة ورحم به والقربة فنعمته سابقة إليهم لايخرج منها مكافئ ولا غير مكافئ هذا والثناء عليه فرض لا يتم الإسلام إلّابه فإنّماالمعني أنّه كان لايقبل الثناء عليه إلّامن رجل يعلم حقيقة إسلامه ولايدخل عنده في جملة المنافقين الذين يقولون بألسنتهم ماليس في قلوبهم فإذا كان المُثْني عليه بهذا الصفة قبل ثنائه وكان مكافياً ما سلف من نعمه النبيّ صلي الله عليه و آله عنده.
وقال الأزهري: وفيه قول ثالث إلّامن مكافئ أي مقارب في مدحه غير مجاوز به حدّ مثله ولا مقصر به عمّا رفعه اللّه إليه ألا تري أنّه يقول: لا تطروني كما أطرت النصاري عيسي بن مريم ولكنّ قولوا عبداللّه ورسوله فإذا قيل نبي اللّه ورسوله فقد وصف بما لا يجوز أن يوصف به أحدمن أُمّته فهو مدح كافئ له(1). قوله:
35 لا تُثني فلتاته. لاتذاع ولاتشاع فلتاته أي زلاّته معناه لم يكن في مجلسه فلتات تثني. قوله: يفتر 36 عن مثل حبّ الغمام يريد أنّه يكشر حتي يبدو أسنانه من غير قهقهة من قولك فررت الدابّة أفربها إذا كشفت عن أسنانها لتعرفها 37.
وحب الغمام البرد شبه به بياض أسنانه صلي الله عليه و آله وفي حديث عليّ في صفته صلي الله عليه و آله:
38 الممغط الذاهب طولاً وروي بالغين المعجمة والمهملة يقال أمعط النهار إذا امتد وأمغط الجبل وأمعط. 39 والمتردد الداخل بعضه في بعض قصراً. 40 والقطيط الشعرالشديد الجعودة. والرجل الذي في شعره جعودة أي بين قليل. 41 والمطهم البادن الكثيراللحم. 42 والمكلثم المدوّر الوجه. يقول: ليس كذلك ولكنّه مسنون وقيل المكلثم من الوجوه القصيرالحنك الداني الجبهة المشدقم الوجه ولا يكون إلّا مع كثرة اللحم. 43 والمشرب الذي في بياضه حمرة. 44 والأدعج الشديدً.
ص: 91
سوادالعين. [32] 45 والأهدب الطويل الأشفار. 46 والكتد مجتمع الكتفين وهو الكاهل. 47 والمسربة هي الشعر الدقيق كأنّه مصبب من الصدر إلي السرّة. 48 والشثن الغليظ الأصابع من الكفّين والقدمين. 49 والتقلّع هو أن يمشي بقوّة. 50 والصبب الحدور. 51 جليل المشاش يريد أنّه عظيم رؤوس المناكب والعظام والمشاش رؤوس العظام مثل الركبتين والمرفقين. 52 والعشرة الصحبة والعشير الصاحب. 53 والبديهة المفاجاة فيقال بدهته بالأمر أي فاجأته به.
وفي حديث أُمّ معبد 54 برزة. أي كهلة لاتحتجب احتجاب النسوان. 55 مرمّلين أي نفد زادهم يقال أرمل الرجل إذ اذهب طعامه. 56 مسنتين أي أصابهم القحط يقال أسنت القوم فهم مسنتون وروي مشتين من الشتاء أي داخلين في الشتاء يقال أشتي القوم إذادخلوا في الشتاء فأصافوا إذا دخلوا في الصيف وقيل معناه أصابتهم المجاعة والعرب يجعل الشتاء مجاعة. 57 وكسر الخيمة جانبها وفيه لغتان كسر بكسر الكاف وفتحها مثل مقط ونقط ورد ونرد.
قولها: 58 خلّفها الجهد. أي الهزال يقال جهد الرجل فهو مجهود إذا هزل.
59 تفاجّت أي فتحت مابين رجلها للحلب. فدعا بإناء 60 يربض الرهط. أي يرويهم حتي يثقلوا وربضوا فناموا يقال أربضت الشمس إذا اشتدّ حرّها حتي تربض الوحش في كناسها. 61 والرهط مابين الثلاثة إلي العشرة وكذلك النفر والعصبة مافوق ذلك إلي الأربعين. 62 والثج والثبج السيلان قال اللّه تعالي «وَ أَنزَلْنَا مِنَ الْمُعْصِرَاتِ مَآءً ثَجَّاجًا»(1) ومنه قول المستحاضة للنبيّ صلي الله عليه و آله إنّما أثجّ ثجّاً(2) أي أصبّ صبّاً. قوله: 63 حتّي علاه البهاء. يريد علا البهاء اللبن وهو وبيض رغوته وبريقها يعني أنّه ملأه حتي ارتفعت رغوته. 64 ثم أراضوا أي7.
ص: 92
شربوا عللاً بعد نهل مأخوذ من الروضة وهو الموضع الذي يستنقع فيه الماء أي يريد شربوا حتي رووا فيقعوا بالري يقال أراض واستراض إذا استنقع فيه الماء وقيل حتي أراضوا أي ناموا علي الأرض وهوالبساط. قوله: في رواية 65 تشاركن هزالي، أي عمّهن الهزال فاشتركن فيه والرواية المشهورة يتساوكن هزالاً أي تمايلن من الضعف والهزال وفي رواية لا نقي لهن، والنقي المخ. قوله: والشاي 66 عازب. أي بعيد في المرعي يقال عزب فلان أي بعد. 67 والحيال التي لم يحمل يقال حالت الناقة وحالت الشاة حيالاً إذا لم تحمل. قولها في صفته صلي الله عليه و آله: 68 أبلج الوجه يريدمشرق الوجه مضيئه ولم ترد بلج الحاجب ألا تري أنّها تصفه بالقرن. وقولها: 69 لم يعبه نحله أي دقه من نحول الجسم وروي ثجله بالثاء المثلثة والجيم وهي عظم البطن يقال رجل نجل أي عظيم البطن وكذلك الثجل. وقولها: ولم 70 تزريه صقله بالقاف أي دقه وروي صُعْله بالعين وهي صغر [33] رأسه يقال للظليم صعل الرأس لصغررأسه وقيل أرادت بالصقلة أنّه لم يكن منتفخ الخاصرة جداً ولا ناحلاً جداً ولكن كان رجلاً ضرباً والصقلة بالقاف الخاصرة يقال فرس صقل إذا كان طويل الخاصرة وهو عيب تريد أنّه رجل ضرب ليس بناحل ولامنتفخ. وقولها: 71 وسيم قسيم.
فالوسيم الحسن الوضيء والقسيم مثله والقسامة الحسن يقال رجل وسيم بين الوسامة. 72 والدعج السواد في العين وغيرها قال في الصحاح: الدعج أن يخالط سواد العين زرقه. 73 والوصف الطول في الأهداب وروي عطف بالعين والغين جمعاًومعناه الطول أيضاً. وقولها: في صوته 74 صهل أي حدّة وصلابة ومنه صهيل الجبل وروي صحل بالحاء أي بحّة وهوأن لايكون حادّ الصوت وذلك حسن إذالم يكن شديداً. 75 والسطع الطول يقال رجل أسطع وعنق سطعاء إذاكانت طويلة منتصبة ومنه قيل للصبح أوّل ماتشق مستطيلا سطع يسطع.
ص: 93
قولها: 76 أزجّ أقرن الزج في الحاجبين تقوس فيهمامع طول في أطرافها وسوع فيهما. 77 والقرن إلتقاء الحاجبين وقدتقدم خلافه عن هند بن أبي هالة في صفته صلي الله عليه و آله قال أزجّ الحواجب سوابغ من غير قرن. قولها: إن تكلم 78 سما تريد علارأسه وارتفع عن جلسائه. وقولها في صفة منطقه: 79 فصل أي بيّن لا نزر فيه ولاهذر يريد وسط ليس بقليل ولا كثير وهومعني قوله في صفته في حديث هند:
يتكلم بجوامع الكلم فصل لا فضول ولا تقصير. وقولها: 80 لايأس من طول معناه أنّ قامته لايؤس من طولها لأنّه كان إلي الطول أقرب أي ليس بالطويل الذي يؤس من مطاولته لإفراط طوله كما في حديث أنس ليس بالطويل البائن ولابالقصير. قولها: 81 ولا تقتحمه عين من قصر أي لا تحتقره ولا زيادة(1) فتجاوز منه إلي غيره يقال اقتحمت عيني فلاناً إذا احتقرته واستصغرته.
وقولها: 82 محشود محفود أي أصحابه يجتمعون عليه ويخدمونه ويسرعون في طاعته والمحفودالمخدوم والحفدة الخدم قال اللّه «وَ جَعَلَ لَكُم مِّنْ أَزْوَاجِكُم بَنِينَ وَ حَفَدَةً»(2) أي هم بنون وهم خدم ويقال الحفدة الأعوان وأصله من حفد يحفد إذا أسرع في سيره. قولها: 83 لاعابس أي غير عابس الوجه. 84 ولا مفنّد. المفنّد الذي لافائدة في كلامه بحرف أصابه ومنه قول يعقوب عليه السلام: «لَوْلَآ أَن تُفَنِّدُونِ»(3) أي تحرفون ويقولون قد خرفت. قول الهاتف في الشعر:
85 فيالقصيّ ما زوي اللّه عنكم أي بعّد ونحا
عنكم من الخيروالفضل. وقوله: 86 تحلب عليه صريحاً وروي فتحلبت له تصريح فالصريح اللبن الخالص الذي لم يمذق ومنه قولهم صرح [34] فلان4.
ص: 94
بالأمر إذا كشفه وأوضحه والصرح لحم الضرة أي علت صرّة الشاة بلبن مزبد فغادرها رهناً لديها لحالب تريد أنّه ترك الشاة عندها مرتهنة بأن تحلب وتدّر.
والهاتف قيل هو صوت بعض مسلمي الجن أقبل من أسفل مكّة والناس يتبعونه ويسمعون الصوت وما يرونه صرخ بأعلا مكّة فلما سمعه المسلمون علموا حيث توجه رسول اللّه صلّي اللّه عليه وسلم تسليماً](1).
* [ذكر معجزاته صلي الله عليه و آله(2)]
82 - \قال عبد اللّه بن مسعود: كنا نعدّ الآيات بركة وأنتم تعدونها تخويفاً كنّامع رسول اللّه صلي الله عليه و آله في سفر فقلّ الماء فقال: اطلبوا فضلاً من ماء فجاوا بإناء فيه ماء قليل فأدخل يده في الإناء ثم قال: حيي علي الطهور المبارك ولقد رأيت الماء ينبع من بين أصابع رسول اللّه صلي الله عليه و آله ولقد كنّا نسمع تسبيح الطعام وهو يؤكل(3).
83 - \وعن أنس أنّ أهل مكّة سألوا رسول اللّه صلي الله عليه و آله أن يريهم آية فأراهم القمر شقّتين حتي رأوا حراء بينهما(4).
84 - وعن أنس: أيضاً أنّ النبيّ صلي الله عليه و آله أتي بإناء وهو في الزوراء فوضع يده في الإناء فجعل الماء ينبع من بين أصابعه فتوضأ القوم قال قتادة: قلت لأنس: كم كنتم؟ قال: ثلاثمئة أوزهاء ثلاثمائة(5). وهذه آية ومعجزة وهي أبلغ من إنفجار
ص: 95
الماء من الحجر لموسي عليه السلام لأنّ من طبع الحجارة أن يتفجر منها الماء وليس في طبع أعضاء بني آدم ذلك.
85 - وروي جابر قال: عطش الناس يوم الحديبيّة ورسول اللّه صلي الله عليه و آله بين يديه ركوة يتوضأ منها فأقبل الناس نحوه فقال رسول اللّه: مالكم فقالوا: يارسول اللّه ليس عندنا ما نتوضأ به ولا نشرب إلّاما في ركوتك قال: فوضع النبيّ صلي الله عليه و آله يده في الركوة فجعل الماء يفور من بين أصابعه كامثال العيون قال: فشربنا وتوضأنا، فقلت: لجابر كم كنتم يومئذ؟ قال: لو كنّا مائة ألف لكفانا كنّا خمس عشرة مائة(1).
86 - وعن عمران بن حصين قال: سري رسول اللّه صلي الله عليه و آله في سفر هو وأصحابه فأصابهم عطش شديد فأرسل النبيّ صلي الله عليه و آله رجلين من أصحابه قال:
أحسبه عليّاً والزبير أو غيرهما فقال: إنّكما ستجدان إمرأة بمكان كذا وكذا معها بعير عليه مزادتان فاتياني بها قال: فأتياالمرأة فوجداها قد ركبت بين مزادتين علي البعير فقالا لها: أجيبي رسول اللّه صلي الله عليه و آله فقالت: ومَنْ رسول اللّه هذا الصابئي؟ قالا: هو الّذي تعنين وهو رسول اللّه صلي الله عليه و آله حقاً فجاءا بها فأمر رسول اللّه صلي الله عليه و آله فجعل في إناء من مزادتيها ثم قال فيه ما شاء اللّه أن يقول ثم أعاد الماء في المزادتين [35] ثم أمر بعزلاء المزادتين ففتحت ثم أمر الناس فملؤا آنيتهم وأسقيتهم فلم يدعوا يومئذ إناء ولا سقاء إلّاملؤه قال عمران: حتي كان يخيل إليّ أنّها لم تزدد إلّاامتلأ قال: فأمر النبيّ صلي الله عليه و آله بثوبها فبسط ثم أمر أصحابه فجاؤا من زادهم حتي ملأ لها ثوبها ثم قال لها: اذهبي فإنّا لم نأخذ من مائك شيئاً ولكن اللّه سقانا فجاءت أهلها فأخبرتهم فقالت: حسبكم من عند أسحر الناسة.
ص: 96
أو أنّه لرسول اللّه حقاً؟ قال: فجاء أهل ذلك الحواء [يعني الذين منهم المرأة](1) حتي أسلموا كلهم(2). الحواء بيوت مجتمعة علي الماء والجمع أحوية وفي هذا الحديث دليل علي أنّ أواني المشركين علي الطهارة ما لم يعلم النجاسة فيها، وفيه دليل علي أنّ أخذ ماء الغير يجوز عند ضرورة العطش بالعوض وقد أعطاها النبيّ صلي الله عليه و آله من الزاد ما كان عوضاً عن مائها والمزادة هي التي يسمّيها الناس راوية وإنّما الراوية البعير الذي يسقي عليه والسطيحة نحو المزادة غير أنّها أصغر من المزادة تصنع من جلدٍ واحدٍ والمزادة أكثر من ذلك والعزلاء فم المزادة الأسفل والصابي عند العرب هوالذي خرج من دين إلي دين وكان المشركون يقولون لمن أسلم قد صبا.
87 - وروي أبو قتادة أنّ رسول اللّه صلي الله عليه و آله خرج في جيش فلمّا كان في بعض الطريق تخلّف لبعض حاجته وتخلّفت معه بميضاة وهي الأدواة فقضي حاجته ثم جائني فسكبت عليه من الميضاة فتوضأ فقال لي: احفظها فلعلّه أن يكون لبقيّتها شأن قال: وسار الجيش فقال النبيّ صلي الله عليه و آله: إن يطيعوا أبا بكر وعمر يرفقوا بأنفسهم وإن يعصوهما يشقّوا علي أنفسهم قال: وكان أبو بكر وعمر قد أشارا عليهم أن لاينزلوا حتي يبلغوا الماء وقال: بقيّة الناس بل ننزل حتي يأتي رسول اللّه صلي الله عليه و آله قال: فنزلوا فجئناهم في نحر الظهيرة وقد هلكوا من العطش فدعا النبيّ صلي الله عليه و آله بالميضاة فأتيته بها فاستأبطها ثم جعل يصب لهم فشربوا وتوضوا حتي رووا وملأوا كل إناء كان معهم حتي جعل يقول: هل من عال؟ قال: فخيل إليّ7.
ص: 97
أنّها كما أخذها وكانوا يومئذ اثنين وسبعين رجلاً(1).
88 - وعن يعلي بن مرّة الثقفي قال: ثلاثة أشياء رأيتها من رسول اللّه صلي الله عليه و آله بينا نحن نسير معه إذ مررنا ببعير يُسني عليه قال: فلمّا رآه البعير جرجر فوضع جرانه بالأرض فوقف عليه النبيّ صلي الله عليه و آله وقال: أين صاحب هذا البعير؟ فجاءه فقال النبيّ صلي الله عليه و آله: بعنيه قال: بل نهبه لك يارسول اللّه قال: بل بعنيه قال: بل نهبه لك وإنّه لأهل بيت مالهم معيشة غيره قال: أما إذ ذكرت هذا من أمره فإنّه شكي كثرة العمل وقلة العلف فاحسنوا إليه [36] قال: ثم سرنا حتي نزلنا منزلاً فنام النبيّ صلي الله عليه و آله فجائت شجرة تشقّ الأرض حتي غشيته ثم رجعت إلي مكانها فلمّا استيقظ النبيّ صلي الله عليه و آله ذكرت له ذلك فقال: هي شجرة استأذنت ربّها في أن تسلم علي رسول اللّه صلي الله عليه و آله فأذن لها قال: ثم سرنا فمررنا بماء فأتته إمرأة بابن لها به جنّة فاخذ النبيّ صلي الله عليه و آله بمنخره ثم قال: اخرج إنّي محمّد رسول اللّه قال: ثم سرنا فلمّا رجعنا من مسيرنا مررنا بذلك الماء فأتته المرأة بجزر ولبن فأمرها أن تردّ الجزر وأمر أصحابه أن يشربوا اللبن فسألها عن الصبي فقالت: والذي بعثك بالحقّ ما رأينا منه ريباً بعدك(2) قوله: جرجر أي صوّت والجران باطن عنق البعير.
89 - وعن سلمة بن الأكوع قال: خفت أزواد القوم وأملقوا فأتوا النبيّ صلي الله عليه و آله ليستأذنوه في نحر إبلهم فأذن لهم فلقيهم عمر فاخبروه فقال: ما بقاؤكم بعد إبلكم فدخل علي النبيّ صلي الله عليه و آله فقال يارسول اللّه: ما بقاؤهم بعد إبلهم؟ فقال رسول/6
ص: 98
اللّه صلي الله عليه و آله: ناد في الناس يأتون بفضل أزوادهم فبسط لذلك نطع وجعلوه علي النطع فقام رسول اللّه صلي الله عليه و آله فدعا وبرك عليه ثم دعاهم بأوعيتهم فاحتثي الناس حتي فرغوا ثم قال رسول اللّه صلي الله عليه و آله: أشهد أن لا إله إلّااللّه وإنّي رسول اللّه(1).
90 - وفي رواية عن أبي هريرة أو أبي سعيد في غزوة تبوك وقال: اجتمع علي النطع شيي يسير فدعا النبيّ صلي الله عليه و آله بالبركة ثم قال: خذوا في أوعيتكم فأخذوا حتي ما تركوا في العسكر وعاءً إلّاملأوه قال: وأكلوا حتي شبعوا وفضلت فضلة فقال: رسول اللّه صلي الله عليه و آله: أشهد أن لا إله إلّااللّه وإنّي رسول اللّه، لا يلقي اللّه بهما عبد غير شاك فيحجب عن الجنّة(2).
91 - وروي أنس أنّ أبا طلحة: قال لأمّ سليم لقد سمعت صوت رسول اللّه صلي الله عليه و آله ضعيفاً أعرف فيه الجوع فهل عندك من شيء؟ فقالت: نعم. فأخرجت أقراصاً من شعير ثم أخذت خماراً لها فلفت الخبز ببعضه ثم دسته تحت يدي وردتني ببعضه ثم أرسلتني إلي رسول اللّه صلي الله عليه و آله قال: فذهبت به فوجدت رسول اللّه صلي الله عليه و آله جالساً في المسجد ومعه الناس فقمت عليهم فقال رسول اللّه: أرسلك أبو طلحة؟ قال قلت: نعم. فقال: بطعام؟ قلت: نعم. فقال رسول اللّه صلي الله عليه و آله: لمن معه قوموا قال فانطلق فانطلقت بين أيديهم حتي جئت أبا طلحة فأخبرته قال أبو طلحة: يا أمّ سليم قد جاء رسول اللّه صلي الله عليه و آله بالناس وليس عندنا [37] مانطعمهم قالت: اللّه ورسوله أعلم قال: فانطلق أبو طلحة حتي لقي رسول اللّه صلي الله عليه و آله فأقبل رسول اللّه معه حتي دخلا فقال رسول اللّه: هلمّي ما عندك يا أمّ سليم فأتت بذلك الخبز فأمر به رسول اللّه صلي الله عليه و آله ففت وعصرت أمّ سليم عكة لها فأدمته ثم قال رسول اللّه صلي الله عليه و آله فيه: ما شاء اللّه أن يقول ثم قال: إئذن لعشرة فأذن لهم فاكلوا حتي7.
ص: 99
شبعوا ثم خرجوا ثم قال: إئذن لعشرة فاكلوا حتي شبعوا ثم خرجوا ثم قال:
إئذن لعشرة حتي أكل القوم كلهم وشبعوا والقوم سبعون أو ثمانون رجلاً(1).
92 - \وعن جابر قال: استشهد أبي يوم أحد وترك عليه ديناً وترك ست بنات فلمّا حضر جذاذ النخل أتيت رسول اللّه صلي الله عليه و آله فقلت: قد علمت أنّ والدي استشهد يوم أُحد وترك ديناً كثيراً وإنّي أحب أن يراك الغرماء فقال: إذهب فبيدر كل تمر علي ناحيته ففعلت ثم دعوته فلمّا نظروا إليه فكأنّما أغروا بي تلك الساعة فلمّا رأي ما يصنعون طاف حول أعظمها بيدراً ثلاث مرات ثم جلس عليه ثم قال لي: أدع أصحابك فمازال يكيل لهم حتي أدّي اللّه عن والدي أمانته وأنا أرضي أن يؤدّي اللّه أمانة والدي ولا أرجع إلي أخواتي بتمرة فسلم اللّه البيادر كلها حتي إنّي أنظر إلي البيدر الذي كان عليه النبيّ صلي الله عليه و آله كأنّها لم تنقص منه تمرة واحدة(2).
93 - وروي جابر بن عبد اللّه أيضاً قال: كان النبيّ صلي الله عليه و آله إذا خطب استند إلي جذع نخلة من سواري المسجد فلمّا صنع له المنبر واستوي عليه اضطربت تلك السارية كحنين الناقة حتي سمعها أهل المسجد حتي نزل رسول اللّه صلي الله عليه و آله فاعتنقها فسكنت(3).
94 - وروي أبو هريرة أنّ رسول اللّه صلي الله عليه و آله قال: يهلك كسري ثم لا يكون كسري بعده وقيصر ليهلكن ثم لا يكون قيصر بعده ولتنفق كنوزهما في سبيل0.
ص: 100
اللّه(1).
فأظهر اللّه صدق رسوله صلي الله عليه و آله كما أخبر. ولا يعارضه الحديث الآخر فإنّه لمّا كتب إلي كسري يدعوه إلي الإسلام مزّق كتابه فقال النبيّ صلي الله عليه و آله: تمزق ملكه.
وكتب إلي قيصر فأكرم كتابه ووضعه في مسك فقال النبيّ صلي الله عليه و آله: ثبت ملكه(2).
فوجه الجمع بين الحديثين أنّ كسري تمزق ملكه فلم يبق لهم ملك وأنفقت كنوزه في سبيل اللّه وأورث اللّه المسلمين أرضهم. وقيصر ثبت ملكه بالروم وانقطع من الشام واستفتحت خزائنه التي كانت بالشام وأنفقت في سبيل اللّه فمعني لا قيصر بعده يعني بالشام واللّه [38] أعلم.
95 - وروي أبو هريرة أنّ رسول اللّه صلي الله عليه و آله قال: هل ترون قبلتي هاهنا؟ فواللّه ما يخفي عليَّ خشوعكم ولا ركوعكم إنّي لأراكم من وراء ظهري(3).
96 - وعن عليّ عليه السلام قال: كنّا مع رسول اللّه صلي الله عليه و آله بمكة فخرجنا في نواحيها خارجاً منها فلم نمر بشجرة ولا جبل إلّاقال: السلام عليك يارسول اللّه(4).
97 - وروي جابر بن سمرة قال: قال رسول اللّه صلي الله عليه و آله: إنّي لأعرف حجراً بمكة كان يسلم عليّ قبل أن أبعث وإنّي لأعرفه الآن(5).
قال مؤلّفه العبد الفقير إلي اللّه تعالي محمّد بن يوسف الزرندي [الأنصاري المحدّث بالحرم الشريف النبوي](6) سقي اللّه صوب الرحمة والرضوان ضريحه.ب)
ص: 101
ووأناله بكرمه محض لطفه وصريحه. وهذه قطرة من بحار فضائله الزاخرة العباب ورشحة من سحائب مناقبه الدائمة التكساب، ولمحة من زواهر مفاخره التي فاقت حدّ العدّ والحصر والحساب، ولمعة من شهب مآثره التي عجزت عن عدّ جزء من آلافها المؤلّفة وإحصائها وتحريرها أنامل الحساب والكتاب، ومن ذا الذي يحصي الكواكب والقطر، وهذا القدر كاف فيما أشرنا إليه من فضائله وأحواله ومعجزاته صلي الله عليه و آله ولو ذهبنا نتبع ما ورد في ذلك لطال الكتاب وخرجنا عن المقصود في الايجاز وعدم الاسهاب. وقد ذكرنا جملاً من أحواله وصفاته ومعجزاته وغزواته وفتوحاته صلي الله عليه و آله في كتابنا الموسوم - بالأعلام بسيرة النبيّ عليه الصلاة والسلام - فمن أراد الزيادة علي هذا فليراجعه إن شاء اللّه تعالي.
ص: 102
[39] القسم الثّاني من السّمط الأوّل
في مناقب أمير المؤمنين وإمام المتّقين و (مبيّن)(1) مناهج الحقّ واليقين ورأس الأولياء والصدّيقين، زوج البتول فاطمة قرّة عين الرسول ابن عمّه، وباب مدينة علمه موازره وأخيه، وقرّة عين صنو أبيه المرتضي المجتبي الذي هو في الدنيا والآخرة إمام سيّد، وفي ذات اللّه سبحانه وتعالي وإقامة دينه قويّ أيّد، ذي القلب العقول والأُذن الواعية والهمّة، التي هي بالعهود والذمام وافية، يعسوب الدين وأخي رسول ربّ العالمين:
محمّد العالي سرادق مجده علي قمّة العرش المجيد تعاليا
عليّ علا فوق السماوات قدره ومن فضله نال المعالي الأمانيا
فأسسس بنيان الولاية متقناً وحاز ذووا التحقيق منه الأمانيا
الليث القاهر(2) والعقاب الكاسر، والسيف البتور، والبطل المنصور، والضيغم الهصور، والسيّد الوقور، والبحر المسجور، والعلم المنشور، والعباب الزاخر الخضم، والطود الشاهق الأشم، وساقي المؤمنين من الحوض بالأوفي والأتم، أسد اللّه الكرار أبي الأئمّة الأطهار المشرف بمزية «من كنت مولاه فعليّ مولاه»، والمؤيّد بدعوة «اللهمّ وال من والاه وعاد من عاداه»، كاسر الأنصاب، وهازم الأحزاب المتصدق بخاتمه في المحراب فارس ميدان الطعّان
ص: 103
والضرّاب، هزبر كل عرين، وضرغام كل غاب الذي كلّ لسان كل معتاب ومغتاب، وبيان كل ذامّ ومرتاب عن قدح في قدح معاليه لنقاء حبابه عن كل ذمّ وعاب، المخصوص من الحضرة النبوية بكرامة الأُخوة والانتخاب، المنصوص عليه بأنّه لدار الحكمة ومدينة العلم باب، وبفضله واصطفائه نزل الوحي ونطق الكتاب، المكنّي بأبي الريحانتين وأبي الحسن وأبي التراب.
[هو النبأ العظيم وفلك نوح وباب اللّه وانقطع الخطاب
ذو البراهين القاطعة والآيات الدامغة(1) ، وصاحب الكرامات الظاهرة والحجج البالغة، ينبوع الخير ومعدن البركات، ومنجي غرقي بحار المعاصي من المخازي والمهاوي والدركات، الإمام الذي هو من ظلم الجهالة والضلالة نبراس وفي قحم المبارزة والطعّان هرماس حواس ولمدائن العلوم والحكم اليقينيّة فضائله أساس، وما في قربه من رسول اللّه صلي الله عليه و آله ومفاخره التي لا يحيط بها وَهْم وحدّ ومقياس عند ذي رأي ودين شبهة وريبة وإلتباس:
أخو خاتم الرسل الكرام محمّدرسول إله العالمين مطهّر
عليّ نجي(2) المصطفي ووزيره أبو السادة الغرّ البهاليل حيدر
أبو السبطين الحسن والحسين وارث الرسل ومولي الثقلين مبدع جسيمات المكارم ومفيض عميمات المنن الذي حبّه وحبّ أولاده من أوفي العدد وأوقي الجنن.
أخو أحمد المختار صفوّة هاشم أبو السادة الغرّ الميامين مؤتمن
وصهر إمام المرسلين محمّد عليّ أمير المؤمنين أبو الحسن..
ص: 104
هما ظهرا شخصين والنور واحد بنصّ حديث النفس والنور فاعلمن
هو الوزر المأمول في كل خطّة وإن لا ينجينا ولايته فمن(1)
عليهم صلاة اللّه مالاح كوكب وما هب ممراض النسيم علي فنن(2).
كان أبوه أبو طالب وعبد اللّه أبو رسول اللّه صلي الله عليه و آله أخوان ونسبهما من هاشم بن عبد مناف سيّان.
1 - وكان عليّ عليه السلام [40] يقول: ديني دين النبيّ صلي الله عليه و آله وحسبي حسب النبيّ صلي الله عليه و آله من تناول من حسبي أو ديني شيئاً فإنّما يتناول من رسول اللّه صلي الله عليه و آله(3).
2 - وروي ابن عبّاس قال: سمعت رسول اللّه صلي الله عليه و آله يقول: كنت أنا وعليّ نوراً بين يدي اللّه عزّوجلّ [مطبقاً يسبح اللّه ذلك النور ويقدّسه](4) من قبل أن يخلق آدم بأربعة عشر ألف عام فلمّا خلق اللّه آدم سلك ذلك النور في صلبه ولم يزل اللّه ينقله من صلب إلي صلب حتي أقرّه في صلب عبد المطلب ثم أخرجه من عبدالمطلب فقسمه قسمين قسماً في صلب عبد اللّه وقسماً في صلب أبي طالب فعليّ منّي وأنا منه لحمه لحمي ودمه دمي فمن أحبّه فبحبّي أحبّه ومن أبغضه فببغضي أبغضه(5).
ص: 105
3 - [وفي رواية: فلمّاخلق اللّه تعالي آدم ركب ذلك النور في صلبه فلم يزل في شيء واحد حتي افترقا في صلب عبدالمطلب فجزء أنا وجزء عليّ رواه الطبراني في المعجم](1). وهذا الحديث هو المشار إليه في البيت المتقدّم بقوله:
بنص حديث النفس والنور فاعلمن.
4 - \قال جابر بن عبد اللّه: سمعت رسول اللّه صلي الله عليه و آله يقول لعليّ: الناس من شجر شتي وأنا وأنت من شجرة واحدة ثم قرأ النبيّ: «وَ فِي الْأَرْضِ قِطَعٌ مُّتَجَاوِرَاتٌ» حتي بلغ «يُسْقَي بِمَآءٍ وَ حِدٍ»(2)(3).
5 - وقال صلي الله عليه و آله: عليّ منّي وأنا منه وهو وليّ كل مؤمن بعدي(4).
6 - وقال عبد خير: سمعت عليّاً عليه السلام يقول: أُهدي للنبيّ صلي الله عليه و آله قنو موزة فجعل يقشر الموزة ويجعله في فمي فقال له قائل: يارسول اللّه إنّك تحبّ عليّاً؟ قال: أوما علمت أنّ عليّاً منّي وأنا منه(5).
7 - قال الشعبي: لو رضوا منّا بأن(6) يقولوا: رحم اللّه عليّاً إن كان لقريب..
ص: 106
القرابة، قديم الهجرة، عظيم الحقّ، زوج فاطمة وأبا حسن وحسين، لكان في ذلك فضل كثير فكيف وله من المناقب والفضائل ما ليس لغيره.
8 - وروي أنّ رجلاً قال لابن عبّاس: سبحان اللّه ما أكثر مناقب عليّ وفضائله إنّي لأحسبها ثلاثة [أربعة](1) آلاف قال: أوَ لا تقول إنّها لثلاثين ألف أقرب(2).
9 - وقال الإمام أحمد بن حنبل: ما جاء لأحدٍ من أصحاب رسول اللّه صلي الله عليه و آله من الفضائل ما جاء لعليّ بن أبي طالب عليه السلام(3).
10 - وأُمّه فاطمة بنت أسد بن هاشم بن عبد مناف وهي أوّل هاشمية وَلدت لهاشمي منها ثم ولده مرتين روي أنّه لما ضربها المخاض أدخلها أبو طالب الكعبة بعد العشاء فولدت فيها عليّ بن أبي طالب عليه السلام (4)[ليلة الأحد وقيل ليلة الجمعة وقيل يوم الجمعة الثالث عشرمن رجب قبل المبعث باثنتي عشرة سنة وتسعمئة وعشر لدي الوثنيّين وقيل ولد قبل المبعث بعشر سنين بعد عام الفيل بثلاثين سنة وقيل بثمان وعشرين سنة وقبل الهجرة بثلاث وعشرين سنة وقيل بخمس4.
ص: 107
وعشرين وقيل أقل من ذلك](1).
11 - وقد أسلمت أُمّه وهاجرت وتوفيت بالمدينة وقيل أنّها ماتت بمكة قبل الهجرة والأوّل أصحّ(2).
12 - \وشهدها رسول اللّه صلي الله عليه و آله وألبسها قميصه واضطجع في قبرها وتولي دفنها فقيل له يارسول اللّه صلي الله عليه و آله: رأيناك صنعت شيئاً لم تكن تصنعه بأحد؟ فقال:
إنّي ألبستها قميصي لتلبس من ثياب الجنّة واضطجعت في قبرها لأخفف عنها ضغطة القبر انّها كانت من أحسن خلق اللّه صنيعاً إليّ بعد أبي طالب(3).
15 - وقال بعض أهل العلم: كان عليّ عليه السلام عظيم البطن عظيم(1) اللحية قد ملأت مابين منكبيه وكان أصلع(2).
16 - [يروي أنّه كان](3) حسن الوجه شديد الأدمة من بعيد فإن تبيّنته من قريب قلت أسمر مائلاً إلي الحمرة(4). مربوعاً أبلج أصلع أشعر البدن.
17 - وقال بعضهم: سألت أبا جعفر يعني محمّد بن عليّ الباقر عن صفة عليّ فقال: كان رجلاً أدم شديد الأدمة ثقيل العينين عظيمهما ذا بطن أصلع قلت: كان طويلاً أو قصيراً؟ قال: هو إلي القصر أقرب(5).
21 - وروي أبو ذر وسلمان قالا: أخذ رسول اللّه صلي الله عليه و آله بيد عليّبن أبي طالب فقال: ألا إنّ هذا أوّل من آمن بي وأوّل من يصافحني يوم القيامة(1).
22 - وقال سلمان: أوّل هذه الأُمّة وروداً علي رسول اللّه صلي الله عليه و آله أوّلها إسلاماً وأنّ عليّ بن أبي طالب أوّلها إسلاماً(2).
23 - وعن أبي قدامة العرني قال: رأيت عليّاً ضحك [علي المنبر](3) ثم قال:
اللهمّ إنّي لا أعترف أنّ عبداً لك من هذه الأُمّة عبدك قبلي غير نبيّنا صلي الله عليه و آله ثلاث مرات ثم قال: لقد صلّيت قبل أن يصلي أحد سبعاً(4).
24 - \وروي محمّد بن عبد اللّه بن أبي رافع عن أبيه عن جدّه قال: النبيّ صلي الله عليه و آله أوّل يوم الاثنين وصلت خديجة معه آخر يوم الإثنين وصلي عليّ يوم الثلاثاء من الغد، صلّي مع النبيّ صلي الله عليه و آله مستخفياً من أبي طالب قبل أن يصلي أحد(5).
25 - \ [وعن أبي أيوب قال: قال رسول اللّه صلي الله عليه و آله: لقد صلت الملائكة عليَّ وعلي عليّ لأنّا كنا نصلّي ليس معنا أحد غيرنا](6).
26 - (وعن سلمة بن كهيل عن حبّة العرني قال: رأيت عليّاً يضحك علي4.
ص: 110
المنبر يوماً لم أره ضحك في يوم ضحكاً أكثر منه ثم قال: ذكرت قول أبي طالب ظهر علينا ونحن نصلّي ببطن نخلة أنا ورسول اللّه فقال: ماتصعنان يابن أخي وما هذا الدين الذي أراك تدين به؟ فدعاه رسول اللّه 9 إلي الإسلام وقال له: أي عمّ هذا دين اللّه ودين ملائكته ورسله ودين أبينا إبراهيم أو كما قال: بعثني اللّه تعالي رسولاً إلي العباد وأنت أحقّ مَنْ بذلت له النصيحة و دعوته إلي الهدي فقال: ما بالذي يصنعان بأس ولكن واللّه لا يعلوني أُستي أبداً فضحك عليّمن قول أبيه تعجّباً ثم قال: اللّهمّ إنّي لا أعترف أنّ عبداً لك من هذه الأُمّة عبدك غيري قبلي غير نبيّك صلي الله عليه و آله قالها ثلاث مرات: ولقد صلّيت قبل أن يصلّي الناس(1).
27 - وروي جعفر بن محمّد عن أبيه عليهما السلام قال: أسلم عليّ وهو ابن سبع سنين وقبض رسول اللّه وهو ابن سبع وعشرين وهلك عليّ وهو ابن سبع وخمسين سنة(2).
28 - ويروي عن عليّ(3) أسلم وهو ابن خمس سنين وقيل ابن عشر سنين، وقيل إحدي عشرة وقيل أربعة عشرة، وقيل ثلاث عشرة، وقيل ابن خمس عشر سنة وقيل ست عشرة واللّه أعلم(4). والصحيح أنّه أسلم قبل البلوغ كما ورد في شعره حين فاخر معاوية فقال:
سبقتكم إلي الإسلام طراً غلاماً ما بلغت أوان حلمي5.
ص: 111
في أبيات نذكرها فيما بعد إن شاء اللّه(1).
29 - (وعن براء قال: لما نزلت: «وَ أَنذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ»(2) جمع رسول اللّه صلي الله عليه و آله بني عبد المطلب وهم يومئذ أربعون رجلاً الرجل منهم يأكل المسنّة ويشرب العس فأمر عليّاً عليه السلام برجل شاة فصنع(3).
30 - وفي رواية فصنع لهم مدّاً من طعام ثم قال: لهم أدنوا باسم اللّه فدني القوم فأكلوا حتي صدروا ثم دني بقعب من لبن فجرع منه جرعة ثم قال: أشربوا باسم اللّه فشرب القوم حتي رووا فبدرهم أبو لهب فقال: هذا ما سحركم به الرجل فسكت النبيّ صلي الله عليه و آله يومئذ فلم يتكلم ثم دعاهم من الغد علي مثل ذلك من الطعام والشراب ثم أنذرهم وقال: لهم يا بني عبد المطلب إنّي بعثت إليكم خاصة وإلي الناس عامة وقد رأيتم من هذه الآية ما رأيتم وأنا النذير لكم من عذاب اللّه عزّوجلّ والبشير لِما لم يجيء به أحد، جئتكم بالدنيا والآخرة فاسلموا وأطيعوني تهتدوا(4).
31 - وفي رواية: فأيّكم يبايعني علي أن يكون أخي وصاحبي ووليّ؟ قال: فلم يقم إليه أحد منهم قال عليّ: فقمت إليه وكنت أصغر القوم فقال: اجلس ثم قال:
ذلك ثلاث مرات كل ذلك أقوم إليه فيقول لي: اجلس حتي كان في الثالثة ضرب بيده علي يدي.
وفي رواية لهم: من يؤاخيني ويؤازرني ويكون وليّ وصاحبي ويقضي ديني؟ فسكت القوم وأعاد ذلك ثلاثاً كل ذلك يسكت القوم ويقول عليّ: أنا فضرب يده علي يده وقال: أنت فقام القوم وهم يقولون لأبي طالب: [أطع ابنك فقد أُمِّرء.
ص: 112
عليك](1). واتّفق المؤرخون علي أنّ أوّل من أسلم وآمن علي الإطلاق خديجة فأولي أن يقال ليجمع بين أقوالهم أوّل من أسلم من الرجال أبوبكر ومن الصبيان عليّ ومن النساء خديجة ومن الموالي زيد بن حارثة ومن العبيد بلال.
32 - قال أبوهريرة: أوّل من أسلم من الأحداث [42] عليّبن أبي طالب.
33 - وسئل محمّد بن كعب القرظي عن أوّل من أسلم عليّ أو أبوبكر؟ فقال:
سبحان اللّه عليّ أوّلهما إسلاماً وإنّما اشتبه علي الناس لأنّ عليّاً أخفي إسلامه من أبي طالب وأبوبكر أظهر إسلامه(2).
34 - وقال عفيف الكندي: كان العبّاس لي صديقاً وكنت أنزل عليه فقدمت مكّة ونزلت عليه فبينا أنا أنظر إلي الكعبة نصف النهار إذ جاء رجل شاب فرمي بصره إلي السماء ثم قام مستقبل الكعبة فلم يلبث إلّايسيراً حتي جاء غلام فقام عن يمينه ثم جائت إمرأة فقامت خلفهما فركع الشاب فركع الغلام والمرأة فرفع الشاب فرفع الغلام والمرأة فسجد الشاب فسجد الغلام والمرأة فقلت ياعبّاس أمر عظيم؟ فقال عبّاس أمر عظيم أتدري من هذا الشاب؟ قلت: لا. قال: محمّد بن عبداللّه ابن أخي أتدري من هذه المرأة؟ قال: لا قال: هذه خديجة بنت خويلد زوجته وبن أخي هذا أخبرني أنّ ربّه ربّ السماوات والأرض أمره بهذا الدين الذي هو عليه ولا واللّه ماعلي وجه الأرض كلّها أحد علي هذا الدين غير هؤلاء الثلاثة فكان عفيف يقول بعد أن أسلم ورسخ في الإسلام: ليتني كنت الرابع(3).).
ص: 113
35 - عن البراء بن عازب قال: قال رسول اللّه صلي الله عليه و آله: لعليّ - يا عليّ قل -: اللهمّ اجعل لي عندك عهداً واجعل لي في صدور المؤمنين مودّة فأنزل اللّه: «إِنَّ الَّذِينَ آمَنُواْ وَ عَمِلُواْ الصَّالِحَاتِ سَيَجْعَلُ لَهُمُ الرَّحْمَنُ وُدًّا»(1)(2).
36 - وروي الواحدي في تفسيره عن عطاء عن ابن عبّاس أنّها نزلت في عليّ مامن مسلم إلّاولعليّ في قلبه محبّة.
37 - قال: وروي عن عليّ عليه السلام أنّه قال: أُصول الإسلام ثلاثة لا تنفع واحدة منهنّ دون صاحبتها: الصلاة والزكاة والموالاة قال: وهذا منتزع من قوله تعالي: «إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُو وَالَّذِينَ آمَنُواْ الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ»(3) وذلك أنّ اللّه تعالي أثبت الموالاة بين المؤمنين ثم لم يصفهم إلّابإقامة الصلاة وإيتاء الزكاة فقال: «الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَ كِعُونَ» فمن والي عليّاً فقد والي اللّه ورسول اللّه صلي الله عليه و آله(4).
38 - وروي السدّي عن أبي مالك عن ابن عبّاس في قوله تعالي: «وَ مَن يَقْتَرِفْ حَسَنَةً نَّزِدْ لَهُ فِيهَا حُسْنًا إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ شَكُورٌ»(5) قال: المودّة لآل محمّد صلي الله عليه و آله(6).
ص: 114
39 - وعن ثابت البناني في قوله عزّوجلّ: «وَإِنِّي لَغَفَّارٌ لِّمَن تَابَ وَ آمَنَ وَ عَمِلَ صَالِحًا ثُمَّ اهْتَدَي»(1) قال: إلي ولاية أهل بيته عليهم السلام.
وكذا جاء عن أبي جعفر أنّه قال: «ثُمَّ اهْتَدَي» إلي ولايتنا أهل البيت(2).
40 - وعن عمّار بن ياسر قال: وقف لعليّ بن أبي طالب سائل وهو راكع في صلاة التطوع فنزع خاتمه عليه السلام وأعطاه السائل فأتي رسول اللّه صلي الله عليه و آله فأعلمه ذلك فنزلت علي النبيّ صلي الله عليه و آله هذه الآية: «إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُو وَالَّذِينَ آمَنُواْ الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلَوةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَوةَ وَهُمْ رَ كِعُونَ». فقرأها رسول اللّه صلي الله عليه و آله(3).
41 - وعن الأعمش عن عباية الربعي قال: بَيْنا ابن عبّاس جالس علي شفير زمزم يحدّث عن رسول اللّه صلي الله عليه و آله فجعل لا يقول قال رسول اللّه إلّاقال رجل ملتثم قريب منه قال رسول اللّه فقال بن عبّاس: سألتك باللّه من أنت؟ فكشف العمامة عن وجهه وقال: يا أيّها الناس مَن عرفني فقد عرفني ومَن لم يعرفني فأنا جندب بن جنادة البدري أبو ذر الغفاري سمعت النبيّ صلي الله عليه و آله بهاتين وإلّا فصمّتا ورأيته بهاتين وإلّا فعميتا يقول: [43] عليّ قائد البررة وقاتل الكفرة منصور من نصره مخذول من خذله أما إنّي صلّيت مع رسول اللّه صلي الله عليه و آله يوماً من الأيام صلاة الظهر فسأل سائل في المسجد فلم يعطه أحد شيئاً فرفع السائل يده إلي السماء وقال: اللهمّ اشهد إنّي سألت في مسجدرسول اللّه صلي الله عليه و آله فلم يعطني أحد شيئاً وعليّ كان راكعاً فأومئ بخنصره اليمني وكان يتختّم فيها فأقبل السائل حتي أخذ الخاتم من خنصره وذلك بعين النبيّ فرفع النبيّ صلي الله عليه و آله رأسه عند ذلك إلي السماء1.
ص: 115
وقال: اللهمّ إنّ أخي موسي سأل فقال «رَبِّ اشْرَحْ لِي صَدْرِي وَ يَسِّرْ لِي أَمْرِي وَاحْلُلْ عُقْدَةً مِّن لِّسَانِي يَفْقَهُواْ قَوْلِي وَ اجْعَل لِّي وَزِيرًا مِّنْ أَهْلِي هَارُونَ أَخِي اشْدُدْ بِهِ أَزْرِي وَ أَشْرِكْهُ فِي أَمْرِي»(1) فأنزلت عليه قراناً ناطقاً «قَالَ سَنَشُدُّ عَضُدَكَ بِأَخِيكَ وَ نَجْعَلُ لَكُمَا سُلْطَانًا فَلَا يَصِلُونَ إِلَيْكُمَا بِآيَاتِنَآ»(2) اللهمّ وأنا محمّد نبيّك وصفيّك اللهمّ «رَبِّ اشْرَحْ لِي صَدْرِي وَ يَسِّرْ لِي أَمْرِي وَاحْلُلْ عُقْدَةً مِّن لِّسَانِي يَفْقَهُواْ قَوْلِي وَ اجْعَل لِّي وَزِيرًا مِّنْ أَهْلِي» عليّاً «اشْدُدْ» به ظهري، قال أبو ذر: فواللّه ما استتم رسول اللّه الكلمة حتي نزل عليه جبرئيل عليه السلام من عند اللّه فقال يا محمّد: إقرأ قال: وما أقرأ؟ قال:
إقرأ: «إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُواْ الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ»(3).
42 - وعن ابن عبّاس قال: أقبل عبداللّه بن سلام ومعه نفر من قومه ممن آمن بالنبي صلي الله عليه و آله فقالوا: يارسول اللّه صلي الله عليه و آله إنّ منازلنا بعيدة وليس لنا مجلس ولا متحدّث دون هذا المسجد وإنّ قومنا لمّا رأونا آمنّا باللّه وبرسوله رفضونا وآلوا علي أنفسهم أن لا يجالسونا ولا يناكحونا ولا يكلمونا فشق ذلك علينا فقال لهم النبيّ صلي الله عليه و آله: «إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُواْ الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ» ثم إنّ النبيّ صلي الله عليه و آله خرج إلي المسجد والناس من بين قائم وراكع وجالس فبصر بسائل فقال له النبيّ صلي الله عليه و آله: هل أعطاك أحد شيئاً؟ قال: نعم. خاتم من ذهب فقال: من أعطاكه؟ قال: ذلك القائم وأومأ بيده إلي عليّ فقال النبيّ صلي الله عليه و آله: علي أيَّ حال أعطاك قال: أعطاني وهو راكع فكبّر النبيّ صلي الله عليه و آله ثم قرأ: «وَمَن يَتَوَلَّ اللَّهَ4.
ص: 116
وَرَسُولَهُ وَالَّذِينَ آمَنُواْ فَإِنَّ حِزْبَ اللَّهِ هُمُ الْغَالِبُونَ»(1) فأنشأ حسان بن ثابت يقول:
أبا حسن تفديك نفسي ومهجتي وكل بطي في الهوي ومسارع
أيذهب مدحي والمحبر ضائع وما المدح في جنب الإله بضائع
فأنت الذي أعطيت إذ كنت راكعاً فدتك نفوس القوم ياخير راكع
فأنزل فيك اللّه خير ولاية وبيّنها في محكمات الشرايع(2)
43 - وعن أنس بن مالك قال: قعد العبّاس بن عبد المطلب وشيبة صاحب البيت يفتخران، فقال العبّاس: أنا أشرف منك أنا عمّ رسول اللّه صلي الله عليه و آله ووصي أبيه وسقاية الحجيج لي فقال: له شيبة بل أنا أشرف منك أنا أمين اللّه علي بيته وخازنه أفلا ائتمنك كما إئتمنني وهما في ذلك متشاجران حتي أشرف عليهما عليّ بن أبي طالب عليه السلام فقال له العبّاس: أفترضي بحكمه؟ قال: نعم قد رضيت فلمّا جاءهما قال: له العبّاس إنّ شيبة فاخرني وزعم أنّه أشرف منّي قال: فماذا قلت له يا عماه؟ قال قلت: أنا عمّ رسول اللّه صلي الله عليه و آله ووصيّ أبيه وساقي الحجيج أنا أشرف فقال: لشيبة ما قلت: يا شيبة؟ قال قلت: بل أنا أشرف [44] منك أنا أمين اللّه وخازنه أفلا إئتمنك كما إئتمنني فقال: لهما أجعل لي معكماً فخراً؟ قالا: نعم.
قال: فأنا أشرف منكما أنا أوّل من آمن بالوعد من ذكور هذه الأُمّة وهاجر وجاهد.
فانطلقوا ثلاثتهم إلي رسول اللّه صلي الله عليه و آله فجثوا بين يديه وأخبره كل واحد منهم بفخره فما أجابهم رسول اللّه صلي الله عليه و آله بشيء فنزل الوحي بعد أيام فارسل النبيّ صلي الله عليه و آله إليهم فأتوه فقرأ عليهم النبيّ «أَجَعَلْتُمْ سِقَايَةَ الْحَآجِّ وَعِمَارَةَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ كَمَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَجَاهَدَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ لَايَسْتَوُونَ عِندَ اللَّهِ وَاللَّهُ لَايَهْدِي الْقَوْمَ6.
ص: 117
الظَّالِمِينَ»(1) إلي آخر العشر(2).
44 - وقال مجاهد: ما كان في القرآن «يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ» فإنّ لعليّ عليه السلام سابقة ذلك لأنّه سبقهم إلي الإسلام(3).
45 - [وعن حذيفة: أنّ أُناساً تذاكروا فقالوا: مانزل في القرآن: «يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ» إلّافي أصحاب محمّد صلي الله عليه و آله، فقال حذيفة ما نزلت في القرآن: «يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ» إلّاكان عليّبن أبي طالب لبّها ولبابها وفي رواية إلّاكان عليّ شريفها وسيّدها وفي رواية رأسها وقائدها](4).
46 - وقال ابن عبّاس: ما نزل: «يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ» إلّاعليّ رأسها وأميرها ولقد عاتب اللّه أصحاب محمّد صلي الله عليه و آله في غير آي من القرآن وما ذكر عليّاً إلّا بخير(5).
47 - وعن أبي برزة الأسلمي قال: سمعت رسول اللّه صلي الله عليه و آله يقرأ «إِنَّمَآ أَنتَ مُنذِرٌ» ووضع يده علي صدر نفسه ثم وضعها علي يد عليّ وهو يقرأ عليهم السلام «وَ لِكُلِّ قَوْمٍ هَادٍ»(6)(7).4.
ص: 118
48 - وقال ابن عبّاس: لمّانزلت «إِنَّمَآ أَنتَ مُنذِرٌ» قال النبيّ صلي الله عليه و آله أنا المنذر وعليّ الهادي وبك يا عليّ يهتدي المهتدون من بعدي(1).
49 - وعن ابن عبّاس في قوله تعالي: «أَفَمَن كَانَ عَلَي بَيِّنَةٍ مِّن رَّبِّهِي» رسول اللّه صلي الله عليه و آله «وَ يَتْلُوهُ شَاهِدٌ مِّنْهُ»(2) عليّ بن أبي طالب خاصة(3).
50 - وعنه أيضاً في قوله تعالي: «الَّذِينَ يُنفِقُونَ أَمْوَ لَهُم بِالَّيْلِ وَالنَّهَارِ سِرًّا وَعَلَانِيَةً»(4) أنّهانزلت في عليّ عليه السلام كان معه أربع دراهم فأنفق بالليل درهماً وبالنهار درهماً وفي السرّ درهماً وفي العلانية درهماً(5).
51 - وعنه أيضاً في قوله عزّوجلّ: «يَا أَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُواْ إِذَا نَجَيْتُمُ الرَّسُولَ فَقَدِّمُواْ بَيْنَ يَدَيْ نَجْوَاكُمْ»(6) قال فيما روي الوالبي عنه أنّ المسلمين أكثروا المسائل علي رسول اللّه صلي الله عليه و آله حتي شقّوا عليه فأنزل اللّه هذه الآية فلمّا نزلت كفّ كثير من الناس عن المسائلة قال المفسرون: نهو عن المناجات حتي يتصدّقوا فلم يناجه أحد إلّاعليّ بن أبي طالب عليه السلام تصدق بدينار(7).
52 - ونقل الواحدي بسنده إلي مجاهد عن عليّ عليه السلام قال: آية في كتاب اللّه لم يعمل بها أحد قبلي ولا يعمل بها أحد بعدي آية النجوي كان لي دينار فبعته بعشرة دراهم3.
ص: 119
فكلما أردت أن أناجي رسول اللّه صلي الله عليه و آله قدمت درهماً فنسختها الآية الاخري: «ءَأَشْفَقْتُمْ أَن تُقَدِّمُواْ بَيْنَ يَدَيْ نَجْوَاكُمْ صَدَقَاتٍ»(1) الآية(2).
53 - روي أنّ كلمات التي ناجي بها عليّ عليه السلام هي ما نقله الإمام حسام الدين محمّد بن عمر بن محمّد العلياباذي في تفسيره المسمي بكتاب «مطالع المعاني» قال: إنّ الكلمات التي ناجي عليّ بها رسول اللّه صلي الله عليه و آله وقدم قبلها عشر صدقات هي أنّه سأله أولاً ما الوفاء؟ قال: التوحيد شهادة أن لا إله إلّااللّه ثم قال: وما الفساد؟ قال: الكفر والشرك باللّه عزّوجلّ ثم قال: وما الحقّ؟ قال: الإسلام والقرآن والولاية ثم قال: وما الحيلة؟ قال: ترك الحيلة ثم قال: وما عليّ؟ قال:
طاعة اللّه ورسوله ثم قال: وكيف أدع اللّه؟ قال: بالصدق واليقين ثم قال: وماذا أسأل اللّه تعالي؟ [45] قال: العافية ثم قال: وماذا أصنع لنجاة نفسي؟ قال: كل حلالاً وقل صدقاً ثم قال: وما السرور؟ قال: الجنّة ثم قال: وما الراحة؟ قال:
لقاء اللّه تعالي فلمّا فرغ من نجواه نسخ حكم الصدقة(3).
54 - وعن عليّ عليه السلام قال: لمّا نزلت آية النجوي دعاني رسول اللّه صلي الله عليه و آله فقال:
ما تقول دينار؟ قلت: لا يطيقونه. قال: فكم؟ قلت: حبّة من شعير. فقال: إنّك لزهيد فنزلت «ءَأَشْفَقْتُمْ أَن تُقَدِّمُواْ بَيْنَ يَدَيْ نَجْوَاكُمْ صَدَقَتٍ» قال عليّ عليه السلام: فبي خفف اللّه تعالي عن هذه الأُمّة فلم تنزل في أحد قبلي ولم ينزل في أحدر.
ص: 120
بعدي(1).
55 - وعن مجاهد في قوله تعالي: «أَفَمَن وَعَدْاهُ وَعْدًا حَسَنًا فَهُوَ لاقِيهِ»(2) قال : نزلت في عليّ وحمزة «كَمَن مَّتَّعْنَاهُ مَتَاعَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا»(3) أبو جهل(4).
56 - وعن أسماء بنت عميس قالت: سمعت رسول اللّه صلي الله عليه و آله يقرأ هذه الآية: «وَ إِن تَظَهَرَا عَلَيْهِ فَإِنَّ اللَّهَ هُوَ مَوْلاهُ وَ جِبْرِيلُ وَ صَالِحُ الْمُؤْمِنِينَ»(5) قال: صالح المؤمنين عليّ بن أبي طالب عليه السلام(6).
57 - وعن بن عبّاس في قوله تعالي: «يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللَّهَ وَ كُونُواْ مَعَ الصَّادِقِينَ»(7) مع عليّ بن أبي طالب وأصحابه(8).
58 - وعن محمّد بن سيرين في قوله تعالي: «وَ هُوَ الَّذِي خَلَقَ مِنَ الْمَآءِ بَشَرًا فَجَعَلَهُو نَسَبًا وَ صِهْرًا»(9) أنّها نزلت في النبيّ صلي الله عليه و آله وعليّ بن أبي طالب عليه السلام هو ابن4.
ص: 121
عمّه وزوج ابنته فاطمة عليها السلام فكان نسباً وصهراً(1).
59 - وعن ربيعة بن ماجد قال: سمعت عليّاً عليه السلام يقول: فيّ نزلت هذه الآية: «وَ لَمَّا ضُرِبَ ابْنُ مَرْيَمَ مَثَلاً إِذَا قَوْمُكَ مِنْهُ يَصِدُّونَ»(2)(3).
60 - وروي عكرمة عن بن عبّاس قال: نزلت هذه الآية: «أَفَمَن كَانَ مُؤْمِنًا كَمَن كَانَ فَاسِقًا لَّايَسْتَوُونَ»(4) في عليّ بن أبي طالب والوليد بن عقبة(5).
61 - وقال ابن عبّاس: قال الوليد بن عقبة: لعليّ أنا أحدّ منك سناناً وأبسط منك لساناً وأملأ حسراً للكتيبة منك، فقال له عليّ عليه السلام: إنّما أنت فاسق فنزلت:
«أَفَمَن كَانَ مُؤْمِنًا كَمَن كَانَ فَاسِقًا لَّايَسْتَوُونَ»(6) يعني بالمؤمن عليّ بن أبي طالب وبالفاسق الوليد بن عقبة(7).
62 - وعن مكحول عن عليّ في قوله تعالي: «وَ تَعِيَهَآ أُذُنٌ وَاعِيَةٌ»(8) قال قال لي: رسول اللّه صلي الله عليه و آله: سألت اللّه أن يجعلها أذنك ففعل فكان عليّ عليه السلام يقول: ما سمعت من نبي اللّه صلي الله عليه و آله كلاماً إلّاوعيته وحفظته فلم أنسه(9).
63 - وعن ابن عبّاس قال: لمّا نزلت هذه الآية: «إِنَّ الَّذِينَ آمَنُواْ وَ عَمِلُواْ الصَّالِحَاتِ أُوْلَئِكَ هُمْ خَيْرُ الْبَرِيَّةِ»(10) قال النبيّ لعليّ: هو أنت وشيعتك تأتي يوم القيامة أنت وشيعتك راضين مرضيّين ويأتي عدوّك غضاباً مقمحين فقال: يارسول اللّه7.
ص: 122
ومن عدوّي؟ قال: من تبرأ منك ولعنك، ثم قال رسول اللّه صلي الله عليه و آله: من قال رحم اللّه عليّاً فرحمه اللّه(1).
64 - وقال عليّ عليه السلام: فينا نزلت هذه الآية وفي مبارزتنا يوم بدر: «هَذَانِ خَصْمَانِ اخْتَصَمُواْ فِي رَبِّهِمْ» إلي قوله «الْحَرِيقِ»(2)(3).
65 - ونقل الإمام أبو إسحاق الثعلبي في تفسيره أنّ سفيان بن عيينة سئل عن قول اللّه: «سَأَلَ سَآئِلُم بِعَذَابٍ وَاقِعٍ»(4) فيمن نزلت؟ فقال للسائل: سألتني عن مسألة ما سألني عنها أحد قبلك، حدّثني أبي عن جعفر بن محمّد عن آبائه عليهم السلام أنّ رسول اللّه صلي الله عليه و آله لمّا كان بغدير خم نادي الناس فاجتمعوا فأخذ بيد عليّ وقال:
من كنت مولاه فعليّ مولاه فشاع ذلك وطار في البلاد فبلغ ذلك الحارث بن النعمان الفهري فأتي رسول اللّه صلي الله عليه و آله علي ناقة له فنزل بالأبطح عن ناقته وأناخها [46] فقال: يا محمّد أمرتنا عن اللّه أن نشهد أن لا إله إلّااللّه وأنّك رسول اللّه فقبلناه منك، وأمرتنا أن نصلي خمساً فقبلنا منك وأمرتنا بالزكاة فقبلنا منك، وأمرتنا أن نصوم شهراً فقبلنا منك، وأمرتنا بالحج فقبلنا منك، ثم لم ترض بهذا حتي رفعت بضبعي ابن عمّك تفضله علينا وقلت: من كنت مولاه فعليّ مولاه، فهذا منك أم من اللّه؟ فقال النبيّ صلي الله عليه و آله: والذي لا إله إلّاهو أنّ هذا من اللّه، فولي الحارث بن النعمان وهو يريد راحلته ويقول: اللهمّ إن كان ما يقوله محمّد حقّ فأمطر علينا حجارة من السماء أو إئتنا بعذاب أليم فما وصل إلي راحلته حتي رماه اللّه تعالي بحجر1.
ص: 123
فسقط علي هامّته وخرج من دبره (فقتله)(1) وأنزل اللّه: «سَأَلَ سَآئِلُم بِعَذَابٍ وَاقِعٍ لِّلْكَافِرِينَ لَيْسَ لَهُو دَافِعٌ»(2).
66 - [وعن أنس في قوله «مَرَجَ الْبَحْرَيْنِ يَلْتَقِيَانِ»(3) قال عليّ وفاطمة يخرج منهما اللؤلؤ والمرجان الحسن والحسين](4).
67 - وعن أبي جعفر محمّد بن عليّ عليهما السلام أنّه قال: حين قرأ قوله تعالي: «رَّبَّنَآ إِنِّي أَسْكَنتُ مِن ذُرِّيَّتِي بِوَادٍ غَيْرِ ذِي زَرْعٍ عِندَ بَيْتِكَ الْمُحَرَّمِ»(5) نحن بقيّة تلك العترة(6).
68 - وقال ابن عبّاس: في قوله تعالي: «سلام علي آل ياسين» علي آل محمّد صلي الله عليه و آله(7).
69 - روي ابن عمر: أنّ النبيّ صلي الله عليه و آله آخا بين أصحابه ومضي فضائلهم(8) ولم يؤاخ بين عليّ وبين أحد فجاء عليّ تدمع عيناه فقال: يانبي اللّه مالك لم تؤاخ بيني
ص: 124
وبين أحد؟ فقال: أنت أخي في الدنيا والآخرة(1).
70 - وفي رواية قال له: يارسول اللّه ذهب روحي وانقطع ظهري حين رأيتك فعلت بأصحابك ما فعلت غيري فإن كان من سخطك عليَّ فلك العتبي والكرامة فقال النبيّ صلي الله عليه و آله:
والذي بعثني بالحقّ نبيّاً ما أخرتك إلّالنفسي أنت عندي بمنزلة هارون من موسي غير أنّه لا نبي بعدي وأنت أخي ووارثي فقال: يا رسول اللّه ما أرث منك؟ قال: ما ورث الأنبياء قبلي قال: وما ورث الأنبياء قبلك؟ قال: كتاب ربّهم وسنّة نبيّهم وأنت معي في قصري في الجنّة مع إبنتي فاطمة وأنت أخي ورفيقي ثم تلا رسول اللّه هذه الآية: «إِخْوَانًا عَلَي سُرُرٍ مُّتَقَابِلِينَ»(2) الأخلاء في اللّه ينظر بعضهم إلي بعض(3).
71 - وقال أبو هريرة: آخا رسول اللّه صلي الله عليه و آله بين المسلمين وقال عليّ أخي وأنا أخوه وحسبت أنّه قال: اللهمّ وال من والاه وعاد من عاداه(4).
72 - وعن عمر بن عبداللّه بن يعلي بن مرّة عن أبيه عن جدّه قال: آخا رسول اللّه صلي الله عليه و آله بين المسلمين وجعل يخلف عليّاً حتي بقي في آخرهم وليس معه أخ له فقال له عليّ: آخيت بين المسلمين وتركتني؟ فقال: إنّما تركتك لنفسي أنت أخي وأنا أخوك ثم قال له النبيّ صلي الله عليه و آله: إن ذاكرك أحد فقل: أنا عبد اللّه وأخو رسوله ولا يدعيها بعدي إلّاكاذب مفتر(5). وقد قال بعض الشعراء في هذا المعني أبياتاً في وصف5.
ص: 125
أمير المؤمنين عليّ الذي هو بالامتداح حري واختصاصه بكل فضيلة جلي:
ما بعد قول نبيّاللّه أنت أخي من مطلب دونه مطل ولا علل
أثني عليك لدن شافهت حضرته وبانت الكتب لمّا بانت الرسل
مجدّداً فيك أمراً لا يخص به سواك كل جدير عنده سمل
لقد أحلّك إذا آخاك منزلة لاالمشتري طامع فيها ولا زحل
جلّت صفاتك عن قول يحيط بها حتي استوي ساعي فيها ومنتحل
مناقب في أقاصي الأرض قدشهرت فمااعتري مطنباًفي وصفهاحجل (1)[47]
73 - ويروي أنّ عليّاً عليه السلام قال يوماً: أنا عبد اللّه وأخو رسوله لا يقولها بعدي إلّا مفتر علي اللّه أو كاذب. وفي رواية: لا يقولها بعدي إلّاكذّاب أو مجنون فقالها رجل فجنّ(2).
74 - وقال رجل آخر مثلها فسلّط اللّه عليه الشيطان فخنقه فكان يضرب برأسه الجدار حتي مات قال سعد: فرأيت دماغه في الجدار(3).
75 - ويروي أنّ رجلاً آخر لمّا سمع عليّاً عليه السلام يقول ذلك فقام فقال: أنا أقول كما قال هذا قال زيد بن وهب: فضرب به الأرض فجاء قومه فغشوه ثوباً فقيل لهم: هل كان هذا فيه قبل اليوم؟ قالوا: لا(4).
76 - وعن جابر بن عبد اللّه الأنصاري قال: سمعت عليّ بن أبي طالب عليه السلام2.
ص: 126
ينشد ورسول اللّه صلي الله عليه و آله يسمع:
أنا أخو المصطفي لا شك في نسبي ربّيت معه وسبطاه هما ولدي
جدّي وجدّ رسول اللّه منفرد وفاطم زوجتي لا قول ذي فند
صدقته وجميع الناس في بهم من الضلالة والاشراك والنكد
فالحمد للّه شكراً لا شريك له البرّ بالعبد والباقي بلا أمد
فقال له رسول اللّه صلي الله عليه و آله: صدقت يا عليّ(1).
77 - وعن ابن عبّاس أنّ عليّاً كان يقول في حياة رسول اللّه صلي الله عليه و آله: إنّ اللّه تعالي يقول: «أَفَإِن مَّاتَ أَوْ قُتِلَ انقَلَبْتُمْ عَلَي أَعْقَابِكُم»(2) واللّه لا ننقلب علي أعقابنا بعد إذ هدانا اللّه واللّه لئن مات أو قتل لاقاتلنّ علي ما قاتل عليه حتي أموت واللّه إنّي لأخوه ووليّه وابن عمّه ووارث علمه ومن أحقّ به منّي(3).
78 - ويروي أنّ معاوية كتب إلي عليّ عليه السلام يفتخر عليه: أمّا بعد فإنّ أبي كان سيّداً في الجاهلية وصرت ملكاً في الإسلام وأنا خال المؤمنين وكاتب الوحي وصهر رسول اللّه صلي الله عليه و آله.
فقال عليّ: أيفتخر عليّ بن آكلة الأكباد أكتب إليه يا قنبر: [ألا تربع أيّها الإنسان علي ظلعك وتعرف قدر نفسك وتتأخر حيث أخرك القدر وإنّي غير مخبر لك ولكن بنعمة اللّه أحدّث إنّ قوماً قتلو في سبيل اللّه ولكل فضل حتي إذا فعل بواحدنا قتل سيد الشهداء وكبّر عليه رسول اللّه سبعين تكبيرة ألاتري أنّ قوماً قطعت أيدهم وأرجلهم في سبيل اللّه6.
ص: 127
ولكل فضل حتي إذا فعل بواحدنا قتل ذو الجناحين يطير بهما في الجنّة ولولا ما نهي اللّه عنه من تزكية المرء نفسه لذكر ذاكر فضائل جمّة تعرفها قلوب المؤمنين ولا يمجها آذان السامعين](1) إنّ لي سيوفاً بدريّة وسهاماً هاشميّة قد عرفت مواقع نصالها في أقاربك وعشائرك يوم بدر ماهي من الظالمين ببعيد ثم أنشد:
محمّد النبيّ أخي وصهري وحمزة سيد الشهداء عمّي
وجعفر الذي يضحي ويمسي يطير مع الملائكة ابن أُمّي
وبنت محمّد سكني وعرسي منوط لحمها بدمي ولحمي
وسبطا أحمد ولداي منها فهل منه لكم سهم كسهمي
سبقتكم إلي الإسلام طراً غلاماً ما بلغت أوان حلمي
وأوجب لي ولايته عليكم رسول اللّه يوم غدير خم(2).
79 - وعن عمران بن حصين أنّ رسول اللّه صلي الله عليه و آله قال: عليّ منّي وأنا منه وهو وليّ كل مؤمن بعدي(3).
80 - وعن عليّ عليه السلام قال: أتينا رسول اللّه صلي الله عليه و آله أنا وجعفر وزيد فقلنا: ألا تحدّثنا عنّا فنعلم؟ فقال: لزيد أنت أخونا ومولانا فحجل ثم قال لجعفر: أشبهت خَلقي وخُلُقي فحجل وراء حجل زيد ثم قال لي: أنت منّي وأنا منك فحجلت وراء حجل زيد وجعفر(4).7.
ص: 128
81 - وروي ابن ماجة القزويني في سننه عن ابن جنادة قال قال رسول اللّه صلي الله عليه و آله: لا يقضي ديني إلّاأنا أو عليّ(1).
82 - وعن الأعمش عن المنهال عن عباية عن عليّ قال: قال النبيّ صلي الله عليه و آله:
[48] عليّ يقضي ديني، وينجز موعدي وخير من أخلف بعدي من أهلي(2).
83 - وعن جابر قال: سمعت رسول اللّه صلي الله عليه و آله يقول لعليّ بن أبي طالب قبل موته بثلاثة أيام: سلام عليك أبا الريحانتين أُوصيك بريحانتيّ من الدنيا فعن قليل ينهد ركناك واللّه خليفتي عليك فلمّا قبض رسول اللّه قال عليّ: هذا أحد ركني الذي قال رسول اللّه صلي الله عليه و آله فلمّا ماتت فاطمة عليها السلام قال عليّ: هذا ركني الثاني الذي قال رسول اللّه صلي الله عليه و آله(3).
84 - روي البخاري بسنده إلي سهل بن سعد أنّ رسول اللّه صلي الله عليه و آله قال: يوم خيبر لأعطين الرأية غداً رجلاً يفتح اللّه علي يديه يحبّ اللّه ورسوله ويحبّه اللّه ورسوله قال:
فبات الناس يدوكون ليلتهم أيّهم يعطاها فلمّا أصبح الناس غدوا علي رسول اللّه صلي الله عليه و آله كلّهم يرجو أن يعطاها فقال: أين عليّ بن أبي طالب؟ قالوا: هو يارسول اللّه
ص: 129
يشكو عينيه قال: فارسلوا إليه فأُتي به فبصق رسول اللّه صلي الله عليه و آله في عينيه ودعا له فبرأ حتي كأن لم يكن به وجع فأعطاه الرأية فقال عليّ: يارسول اللّه أُقاتلهم حتي يكونوا مثلنا؟ قال: أنفذ علي رسلك حتي تنزل بساحتهم ثم أدعهم إلي الإسلام وأخبرهم بما يجب عليهم من حقّ اللّه فيه فواللّه لأن يهدي اللّه بك رجلاً واحداً خير لك من أن يكون لك حمر النعم(1). قال الإمام محيي السنّة البغوي هذا حديث صحيح متّفق علي صحته أخرجه مسلم أيضاً عن قتيبة بن سعيد(2). قوله: يدوكون أي يخوضون يقال الناس في دوكة أي في اختلاط وخوض وأصله من الدوك وهو السحق ويسمّي صلابة الطيب مداكاً يسمّيها للأمر فيه بمن دقّ شيئاً ليستخرج لبّه ويعلم باطنه وأراد بحمر النعم حمر الإبل وهي أعزّها وأنفسها يريد لأن يهدي اللّه بك رجلاً واحداً خير لك أجراً وثواباً من حمر النعم فتتصدق بها واللّه أعلم.
85 - وعن ابن عمر قال: أتي رجل من الأنصار إلي النبيّ صلي الله عليه و آله فقال: إنّ اليهود قتلوا أخي فقال: لأدفعن الرأية غداً إلي رجل يحبّ اللّه ورسوله ويحبّه اللّه ورسوله يفتح اللّه علي يديه فيمكنّك من قاتل أخيك فاستشرف لها (أبو بكر وعمر)(3) أصحاب رسول اللّه صلي الله عليه و آله فبعث إلي عليّ عليه السلام فعقد له اللواء فقال يارسول اللّه: إنّي أرمد فتفل في عينيه قال عليّ: فما رمدت بعد يومئذ(4). قال العوام: فحدّثني جبلة بن سحيم أو حبيب بن ثابت عن ابن عمر قال: فمضي عليّ لذلك الوجه فما تتامّ آخرنا حتي فتح علي أولنا قال: فأخذ عليّ قاتل الأنصاري فدفعه إلي أخيه3.
ص: 130
فقتله(1). [وفي ذالك يقول حسان بن ثابت:
وكان عليّ أرمدالعين يبغي دواء فلمّا لم يحسن مداوياً
شفاه رسول اللّه منه بتفلة فبورك مرقياً وبورك راقياً
وقال سأُعطي رأية القوم فارساً كميّاً شجاعاً في الحروب محامياً
يحبّ إلهاً وإلاله يحبّه به يفتح اللّه الحصون الأوابياً
فخصّ بهادون البريّة كلهم عليّاًوسمّاه الولي الموافياً](2).
86 - وعن عبد اللّه بن بريدة عن أبيه قال: قيل له من أحبّ الناس إلي رسول اللّه صلي الله عليه و آله؟ قال: عليّ بن أبي طالب.
87 - وعن سويد بن غفلة قال: لقينا عليّ بن أبي طالب وهو في ثوبين في شدّة الشتاء فقلنا له: لا تغتر بأرضنا فإنّها أرض مقرة وليست مثل أرضك قال:
أما إنّي قد كنت فلمّا بعثني رسول اللّه صلي الله عليه و آله إلي خيبر قلت له: [49] إنّي كما تري لا دفء لي وإنّي لأرمد فتفل في عيني ودعا لي فما وجدت برداً ولا رمدت عيناي(3).
88 - وعن عبد الرحمن بن أبي ليلي عن أبيه قال: كان عليّ يلبس ثياب الشتاء في الصيف وثياب الصيف في الشتاء فقيل لأبي ليلي: لو سألته عن هذا فسأله فقال: إنّ رسول اللّه صلي الله عليه و آله بعث إليّ وكنت أرمد يوم خيبر فقلت يارسول اللّه: إنّي أرمد العين ولا د ف ء لي فتفل في عيني وقال: اللهمّ اذهب عنه الحر والبرد فما وجدتر.
ص: 131
حراً ولا برداً من يومئذ(1).
89 - وعن عليّ عليه السلام: أنّه هو وفاطمة وحسن وحسين قال: كلّ إنسان منهم أنا أحبّ إلي رسول اللّه صلي الله عليه و آله فأتوا نبيّ اللّه علي ذلك فسمع ما يقولون فأخذ فاطمة فاحتضنها إليه وأخذ حسناً وحسيناً فجعل أحدهما عن يمينه والآخر عن شماله وأخذ عليّاً ثم ضمّهم إليه وقال: إنّهم منّي وأنا منهم(2).
90 - وعن أُمّ عطية: أنّ رسول اللّه صلي الله عليه و آله بعث عليّاً في سرية فسمعته يقول:
اللهمّ لا تمتني حتي تريني عليّاً(3).
91 - وعن أنس قال: أُهدي إلي النبيّ طير يسمّي الحجل. وفي رواية ما أراه إلا حباراً فقال: اللهمّ إئتني بأحبّ خلقك إليك يأكل معي فجاء عليّ فحجبته رجاء أن تكون الدعوة لرجل من قومي. وفي رواية قال قلت: إن شئت يا ربّ جعلته رجلاًمن الأنصار فقال رسول اللّه صلي الله عليه و آله: لست بأوّل من أحبّ قومه ثم جاء عليّ الثانية فحجبته وجاء عليّ الثالثة فحجبته، ثم جاء عليّ الرابعة فأذنت له فدخل فلمّا رآه النبيّ صلي الله عليه و آله قال: اللهمّ إنّي أحبّه فأحبّه فأكل معه من ذلك الطير. وفي رواية أنّه قال: ما حبسك رحمك اللّه؟ قال هذه آخر ثلاث مرات كل ذلك يقول أنس:
إنّك مشغول علي حاجة فقال: يا أنس ما حملك علي ذلك؟ قال: سمعت دعوتك فأحببت أن تكون لرجل من قومي، فقال النبيّ صلي الله عليه و آله: لا يُلام الرجل علي حبّ قومه.
92 - وروي أنس أيضاً قال: أُهدي لرسول اللّه صلي الله عليه و آله طير فقال: اللهمّ إئتني8.
ص: 132
بأحبّ خلقك إليك. وفي رواية: برجل يحبّه اللّه ورسوله قال أنس: فجاء عليّ فقرع الباب فقلت: إنّ رسول اللّه صلي الله عليه و آله: مشغول وكنت أُحبّ أن يكون لرجل من الأنصار ثم أتي عليّ فقرع الباب فقلت: إنّ رسول اللّه صلي الله عليه و آله: مشغول ثم أتي الثالثة فقال رسول اللّه صلي الله عليه و آله: أدخله فقد عيّنته فلمّا أقبل قال: اللهمّ وال من والاه.
93 - وعنه أيضاً قال: أُهدي لرسول اللّه صلي الله عليه و آله: طير نضيج فأعجبه فقال النبيّ صلي الله عليه و آله: اللهمّ إئتني بأحبّ الخلق إليك وإليّ يأكل معي من هذا الطير فجاء عليّ فأكل معه(1).
94 - [ومن مسند أحمد عن عمرو بن ميمون قال: إنّي لجالس أنا وجماعة مع ابن عبّاس إذ أتاه تسعة رهط فقالوا: يا ابن العبّاس إمّا أن تقوم معنا وإمّا أن يخلونا هؤلاء؟ فقال ابن عبّاس: بل أقوم معكم فقام معهم وهو يومئذ صحيح لم يعم فتحدّثوا فلا يدري ماقالوا فجاء وهو ينفض ثوبه ويقول أُفّ وتُفّ وقعوا في رجل له عشر خصال وقعوا في رجل قال له النبيّ صلي الله عليه و آله: لأبعثن رجلاً لايخزيه اللّه أبداً7.
ص: 133
يحبّ اللّه ورسوله فاستشرف لهاالناس فقال: أين عليّبن أبي طالب؟ قالوا: هو في الرحي يطحن قال: وماكان أحدكم يطحن؟ فجاء وهو أرمد لايكاد أن يبصر فتفل في عينيه ثم هزّ الرأية ثلاثاً فأعطاه إيّاه فجاء بصفيّة بنت حيي قال: ثم بعث أبابكر ببراءة أو قال: بسورة التوبة فبعث عليّاً خلفه فأخذها منه وقال له: لايذهب بها إلّارجل منّي وأنا منه قال وقال صلي الله عليه و آله لبني عمّه: أيّكم يوالني في الدنيا والآخرة؟ وعليّ جالس معهم فأبوا فقال عليّ: أنا أواليك في الدنيا والآخرة قال: فتركه ثم أقبل علي رجل منهم فقال: أيّكم يوالني في الدنيا والآخرة؟ فأبوا فقال: [50] فقال عليّ:
أنا أُواليك في الدنيا والآخرة فقال: أنت وليّ في الدنيا والآخرة قال: وكان أوّل من أسلم بعد خديجة من الناس قال: وأخذ رسول اللّه صلي الله عليه و آله ثوبه فوضعه علي عليّ وفاطمة وحسن وحسين وقال: «إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَ يُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا»(1) قال وشري عليّ نفسه فلبس ثوب النبيّ ثم مكانه نام، وكان المشركون يرمون رسول اللّه فجاء أبوبكر وعليّ نائم يحسب أنّه نبيّاللّه فقال عليّ: إنّ نبيّاللّه قد انطلق نحو بئر ميمون فأدركه فانطلق أبوبكر فدخل معه الغار قال:
وجعل عليّ يرمي بالحجارة كما كان يرمي نبيّ اللّه وهو يتضوّر قد لفّ رأسه في الثوب لايخرجه حتي أصبح ثم كشف عن رأسه فقالوا: إنّك لئيم كان صاحبك نرميه فلا يتضوّر وأنت تتضوّر قد استنكرنا ذلك قال: وخرج الناس في غزاة تبوك فقال له عليّ: أخرج معك؟ فقال: لا. فبكي عليّ فقال له: أما ترضي أن تكون منّي بمنزلة هارون من موسي إلّاأنّك لست بنبي لاينبغي أن أذهب إلّاأنا وأنت خليفتي قال وقال رسول اللّه: أنت وليّووليّكل مؤمن بعدي قال: وسدّ أبواب المسجد غير باب عليّ وكان يدخل المسجد جنباً وهو طريقه ليس له طريق غيره قال وقال:
من كنت مولاه فعليّمولاه قال: وأخبر اللّه أنّه رضي عن أصحاب الشجرة فعلم ما3.
ص: 134
في قلوبهم فهل حدّثنا أحد أنّه سخط عليهم بعد](1).
95 - وعن ابن عبّاس قال: إنّ النبيّ صلي الله عليه و آله نظر إلي عليّ بن أبي طالب فقال:
أنت سيّد في الدنيا وسيّد في الآخرة من أحبّك فقد أحبّني وحبيبك حبيب اللّه ومن أبغضك فقد أبغضني وبغيضك بغيض اللّه والويل لمن أبغضك(2).
96 - وروي عمّار بن ياسر أنّ النبيّ صلي الله عليه و آله قال لعليّ: يا عليّ طوبي لمن أحبّك وصدق فيك وويل لمن أبغضك وكذب فيك(3).
97 - وروي مسلم في الصحيح أنّ علياّ عليه السلام قال: والذي فلق الحبّة وبرأ النسمة أنّه لعهد النبيّ الأُمّي إليّ أنّه لا يحبّني إلّامؤمن ولا يبغضني إلّامنافق(4).
98 - وعن أبي سعيد الخدري قال: ماكنّا نعرف المنافقين علي عهد رسول اللّه صلي الله عليه و آله إلّاببغضهم عليّاً(5).
99 - وعن الحارث الهمداني قال: جاء عليّ عليه السلام حتي صعد المنبر: فحمد اللّه وأثني عليه ثم قال: قضاء قضاه اللّه علي لسان نبيّكم صلي الله عليه و آله النبيّ الأُمّي لا يحبّني إلّامؤمن ولا يبغضني إلّامنافق «وَ قَدْ خَابَ مَنِ افْتَرَي»(6)(7).
100 - ويروي أنّ إمرأة من الأنصار قالت لعائشة: أيّ أصحاب رسول اللّه عليه السلام9.
ص: 135
أحبّ إلي رسول اللّه؟ قالت: عليّ بن أبي طالب.
101 - وعن جميع بن عمير قال: دخلت علي عائشة فسألتها من كان أحبّ الناس إلي رسول اللّه صلي الله عليه و آله؟ قالت: فاطمة قلت: لست أسألك عن الرجال فقالت:
زوجها(1).
102 - وقال عمّار بن ياسر يوم صفين: سمعت رسول اللّه صلي الله عليه و آله يقول لعليّ: إنّ اللّه قد زيّنك بزينة لم يزيّن العباد بزينة هي أحبّ إليه، منها الزهد في الدنيا وجعلك وحبّك للمساكين فجعلك ترضي بهم أتباعاً ويرضون بك إماماً فطوبي لمن أحبّك وصدق فيك وويل لمن أبغضك وكذّب عليك فأمّا من أحبّك وصدق فيك فهم رفقاؤك في الجنّة ومجاوروك في دارك، وأمّا من أبغضك وكذب عليك فإنّه حقّ علي اللّه أن يوقفه يوم القيامة موقف الكذّابين(2).
103 - ويروي أنّ عليّ بن الحسين عليه السلام جاءه قوم من أصحاب رسول اللّه صلي الله عليه و آله يعودونه في علّته فقالوا: كيف أصبحت يابن رسول اللّه فدتك أنفسنا؟ قال: في عافية واللّه محمود كيف أصبحتم جميعاً؟ قالوا: أصبحنا واللّه لك يابن رسول اللّه صلي الله عليه و آله محبّين وادّين فقال لهم: من أحبّنا للّه أسكنه اللّه [51] في ظلّ ظليل يوم لا ظلّ إلّاظلّه ومن أحبّنا يريد مكافاتنا كافاه اللّه عنّا بالجنّة ومن أحبّنا لعوض دنيانا أتاه اللّه رزقه من حيث لا يحتسب(3).2.
ص: 136
104 - ويروي أنّ النبيّ صلي الله عليه و آله قال لعليّ بن أبي طالب: يا عليّ كذب مَنْ زعم أنّه يحبّني ويبغضك، يا عليّ من أحبّك فقد أحبّني ومن أحبّني أحبّه اللّه ومن أحبّه اللّه أدخله الجنّة، ومن أبغضك فقد أبغضني ومن أبغضني أبغضه اللّه ومن أبغضه اللّه أدخله النار(1).
105 - وروي أنّ النبيّ صلي الله عليه و آله قال له: الويل لمن أبغضك بعدي(2).
106 - وسأل رجل بن عمرفقال له: أخبرني عن عليّ بن أبي طالب فقال له:
إذا أردت أن تسأل عن عليّ بن أبي طالب فانظر إلي منزله من رسول اللّه صلي الله عليه و آله هذا منزله وهذا منزل رسول اللّه صلي الله عليه و آله وإنّما المنزل بصاحبه يعني إنّ منزلته من رسول اللّه كمنزلة بيته من بيته في القرب قال: فإنّي أبغضه قال: أبغضك اللّه(3).
107 - وروي الإمام الحافظ أحمد بن الحسين البيهقي بسنده إلي عليّ عليه السلام أنّ النبيّ صلي الله عليه و آله قال: له فيك مثل من عيسي أبغضته اليهود حتي إتهموا أمّه وأحبّته النصاري حتي أنزلوه بالمنزلة التي ليست له. ثم قال عليّ عليه السلام: يهلك فيّ رجلان محبّ مفرط يقرّظني بما ليس فيّ ومبغض يحمله شنآني علي أن يبهتني(4).
108 - وفي رواية: يهلك فيّ رجلان محبّ مفرط وعدو مبغض. وزاد في رواية: ألا وإنّي لست بنبي يوحي إليّ ولكنّي أعمل بكتاب اللّه عزّ وجلّ وسنّة نبيّه صلي الله عليه و آله فيما استطعت فما أمرتكم من طاعة اللّه فحق عليكم طاعتي فما أحببتم أو كرهتم، وما أمرتكم بمعصية اللّه2.
ص: 137
أنا أو غيري فلا طاعة لأحد في معصية اللّه إنّما الطاعة في المعروف(1).
109 - وعن عثمان بن المغيرة قال: كنت جالساً عند عليّ بن أبي طالب عليه السلام فجاءه قوم فقالوا: أنت هو؟ قال: ومَنْ أنا؟ فقالوا: أنت هو قال: ومن أنا قالوا: أنت ربّنا فاستتابهم فأبوا فضرب أعناقهم ودعا بحطب ونار فأحرقهم وجعل يرتجز:
إنّي إذا رأيت أمراً منكراً أوقدت ناري ودعوت قنبراً(2)
110 - روي أرطأة بن حبيب قال: حدّثني أبو خالد الواسطي وهو آخذ بشعره قال: حدّثني زيد بن عليّ وهو آخذ بشعره قال: حدّثني عليّبن الحسين وهو آخذ بشعره قال حدّثني الحسين بن عليّ وهو آخذ بشعره قال: حدّثني عليّ بن أبي طالب وهو آخذ بشعره قال: حدّثني رسول اللّه صلي الله عليه و آله وهو آخذ بشعره قال: من آذي شعرة منك فقد آذاني ومن آذاني فقد آذي اللّه عزّ وجلّ ومن آذي اللّه عزّ وجلّ فعليه لعنة اللّه (قال اللّه: «إِنَّ الَّذِينَ يُؤْذُونَ اللَّهَ وَ رَسُولَهُو لَعَنَهُمُ اللَّهُ فِي الدُّنْيَا وَ الْأَخِرَةِ وَ أَعَدَّ لَهُمْ عَذَابًا مُّهِينًا»(3)(4).
111 - (وروي الطبراني بسنده إلي كعب بن عجرة قال قال رسول اللّه صلي الله عليه و آله:
ص: 138
لاتسبّواعليّاً فإنّه كان ممسوساً في ذات اللّه(1). يعني إذاأصابه البلاء والأذي من الكفارفي اللّه تعالي كقوله «وَإِن يَمْسَسْكَ اللَّهُ بِضُرٍّ»(2)(3).
112 - وروي عن ابن عبّاس أنّه مرّ علي مجلس من مجالس قريش بعدما كفّ بصره وبعض أولاده يقوده فسمعهم يسبّون عليّاً عليه السلام فقال: لقائده ما سمعتهم يا بني يقولون؟ قال: سبّوا عليّاً قال: ردّني إليهم فردّه فلمّا وقف به عليهم قال:
أيّكم السابّ للّه عزّوجلّ؟ قالوا: سبحان اللّه من سبّ اللّه فقد كفر قال: فأيّكم السابّ رسول اللّه صلي الله عليه و آله؟ قالوا: سبحان اللّه ومن سبّ رسول اللّه صلي الله عليه و آله فقد كفر قال:
فأيّكم السابّ عليّ بن أبي طالب؟ قالوا: أمّا هذا فقد كان قال: فأنا أشهد باللّه إنّي سمعت رسول اللّه صلي الله عليه و آله يقول: من سبّ عليّاً فقد سبّني ومن سبّني فقد سبّ اللّه عزّوجلّ ومن سبّ اللّه أكبّه اللّه علي منخريه في النار. ثم ولّي عنهم فقال لولده [52]: ما سمعتهم يقولون؟ فقال: ما قالوا شيئاً قال: فكيف رأيت وجوههم حين قلت لهم ما قلت قال شعر:
نظروا إليك بأعين محمرة نظر التيوس إلي شفار الجازر
فقال له زدني فداك أبوك فقال:
خزر العيون نواكس أبصارهم نظر الذليل إلي العزيز القاهر
قال زدني للّه أبوك قال: ما عندي مزيد فقال: لكن عندي:
أحياؤهم عار علي أمواتهم والميّتون فضيحة للغابر(4)3.
ص: 139
113 - وروي أبو سعيد الخدري قال: قال رسول اللّه صلي الله عليه و آله: والذي نفسي بيده لا يبغضنا أهل البيت أحد إلّاأدخله اللّه النار(1).
114 - وعن صُدَّي(2) قال: بيناأنا ألعب وأنا غلام بالمدينة عند أحجار الزيت إذ أقبل رجل راكب علي بعير فوقف يسبّ عليّاً عليه السلام فحفّ به الناس ينظرون إليه فبينا هو كذلك إذ طلع سعد بن مالك فقال: ماهذا؟ قالوا: يشتم عليّاً فقال: اللهمّ إن كان كاذباًفخذه وفي رواية: اللهمّ إن كان يسبّ عبداً صالحاً فأرِ المسلمين خزيه فما لبث أن تعثر به بعيره فسقط واندقت عنقه وخبطه بعيره فكسره وقتله(3).
115 - وعن عبد العزيز بن أبي حازم عن أبيه أنّ رجلاً جاء إلي سهل بن سعد فقال: له هذا فلان أمير من أُمراء المدينة يدعوك غداً لتسبّ عليّاً علي المنبر قال: ماذا أقول؟ قال تقول له: أبو تراب قال: فضحك سهل وقال: واللّه ما سمّاه إلا رسول اللّه صلي الله عليه و آله واللّه ما كان له اسم أحبّ إليه منه، قال أبو حازم: فاستطعمت الحديث سهلاً فقلت: يا أبا العبّاس كيف كان ذلك قال: دخل عليّ علي فاطمة عليها السلام ثم خرج فاضطجع في المسجد فخرج رسول اللّه صلي الله عليه و آله فوجد رداءه قد سقط عن ظهره فجعل النبيّ يمسح التراب عن ظهره ويقول: اجلس يا أبا تراب(4).1.
ص: 140
116 - قال عمّار: فكان ذلك من أحبّ كناه إليه(1).
117 - وروي الترمذي بسنده إلي عامر بن سعد بن أبي وقاص عن أبيه سعد أنّ بعض الأُمراء قال له(2): ما منعك أن تسبّ أبا تراب؟ قال: أمّا ما ذكرت ثلاثة قالهنّ رسول اللّه صلي الله عليه و آله فلن أسبّه لأن تكون لي واحدة منهن أحبّ إليّ من حمر النعم سمعت رسول اللّه صلي الله عليه و آله يقول لعليّ وخلّفه في بعض مغازيه فقال: يارسول اللّه تخلفني مع النساء والصبيان فقال له رسول اللّه صلي الله عليه و آله: أما ترضي أن تكون منّي بمنزلة هارون من موسي إلّاأنّه لا نبي بعدي وسمعته يقول يوم خيبر: لأُعطينّ الراية غداً رجلاً يحبّ اللّه ورسوله ويحبّه اللّه ورسوله فتطاولنا لها فقال: ادعوا لي عليّاً فأتاه وهو أرمد فبصق في عينيه ودفع الراية إليه ففتح اللّه علي يديه وأنزلت هذه الآية: «فَقُلْ تَعَالَوْاْ 0 نَدْعُ أَبْنَآءَنَا وَأَبْنَآءَكُمْ وَنِسَآءَنَا وَنِسَآءَكُمْ وَأَنفُسَنَا وَأَنفُسَكُمْ ثُمَّ نَبْتَهِلْ فَنَجْعَل لَّعْنَتَ اللَّهِ عَلَي الْكَذِبِينَ»(3) فدعا رسول اللّه صلي الله عليه و آله عليّاًوفاطمة والحسن والحسين عليهم السلام وقال: اللهمّ هؤلاء أهلي(4).
118 - وروي عليّ بن طلحة مولي بني أُمية قال: حجّ معاوية ومعه معاوية بن حديج وكان من أسبّ الناس لعليّ بن أبي طالب عليه السلام فمرّ بالمدينة والحسن بن عليّ جالس فقيل له هذا معاوية بن حديج السابّ لعليّ فقال: عليَّ بالرجل فأتاه فقال له الحسن: أنت معاوية بن حديج قال: نعم. قال: أنت السابّ لعليّ فكأنّه استحي فقال له الحسن: أما واللّه لئن وردت عليه الحوض وما أراك ترده لتجدنّه مشمرة.
ص: 141
الأزار علي ساق يذود عنه رايات المنافقين ذود غريبة الإبل قول الصادق المصدوق «وَ قَدْ خَابَ مَنِ افْتَرَي»(1)(2).
119 - روي أنس قال، قال رسول اللّه صلي الله عليه و آله: الجنّة تشتاق إلي ثلاثة: عليّ وعمّار وسلمان(3).
120 - وروي البزّار بسنده إلي مصعب بن سعد عن أبيه أنّ النبيّ صلي الله عليه و آله قال:
سدّوا كلّ خوخة في المسجد إلّاخوخة عليّ. قال البزّار: تفرد به معلي عن شعبة(4) وهذه فضيلة ثناؤها علي منابر الألسنة تُتلي [ومنقبة علي مرور الأزمنة لا تبلي](5). [53]
121 - وروي الإمام الحافظ أبو بكر أحمد بن الحسين البيهقي بسنده إلي البراء بن عازب قال: أقبلنا مع النبيّ صلي الله عليه و آله في حجّة الوداع حتي إذا كنّا بغدير خم يوم الخميس ثامن عشر من ذي الحجّة فنودي فينا الصلاة جامعة وكسح للنبيّ صلي الله عليه و آله تحت شجرتين فأخذ النبيّ بيد عليّ ثم قال: ألست أولي بالمؤمنين من أنفسهم؟ قالوا: بلي. قال: ألست أولي بكل مؤمن من نفسه؟ قالوا: بلي. قال: أليس أزواجي أُمّهاتكم؟ قالوا: بلي. فقال رسول اللّه صلي الله عليه و آله: فإنّ هذا مولي من أنامولاه؛ اللهمّ
ص: 142
وال من والاه وعاد من عاداه فلقيه عمر بن الخطاب بعد ذلك فقال له: هنيئاً يابن أبي طالب أصبحت وأمسيت مولي كل مؤمن ومؤمنة. هذه إحدي رواياته(1).
وفي رواية له قال: من كنت مولاه فعليّ مولاه اللهمّ أعنه وأعن به وأرحمه وأرحم به وأنصره وأنصر به اللهمّ وال من والاه وعاد من عاداه(2).
122 - وروي الطبراني بسنده إلي ابن عبّاس عن بريدة قال: غزوت مع عليّ إلي اليمن فتنقصته فرأيت وجه رسول اللّه يتغيّر فقال: يا بريدة ألست أولي بالمؤمنين من أنفسهم؟ قلت: بلي. قال: من كنت مولاه فعليّ مولاه(3).
123 - قال الإمام أبو الحسن الواحدي: هذه الولاية التي أثبتها النبيّ صلي الله عليه و آله لعليّ عليه السلام مسؤول عنها يوم القيامة.
وروي في قوله تعالي: «وَقِفُوهُمْ إِنَّهُم مَّسْئُولُونَ»(4) أي عن ولاية عليّ عليه السلام والمعني أنّهم يسألون هل والوه حقّ الموالاة كما أوصاهم النبيّ صلي الله عليه و آله(5) أم أضاعوها وأهملوها؟
ولم يكن أحد من العلماء المجتهدين والأئمة (المهتدين)(6) إلّاوله في ولاية أهل البيت عليهم السلام الحظ الوافر والفخر الزاهر كما أمر اللّه عزّ وجلّ بذلك فين.
ص: 143
قوله: «قُل لَّآأَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَي»(1) وتجده في التديّن معوّلاً عليهم متمسّكاً بولايتهم منتمياً إليهم فقد كان الإمام الأعظم أبو حنيفة من المتمسّكين بولايتهم والمتنسكين بودادهم وكان يتقرّب بالإنفاق علي المستورين منهم والظاهرين حتي نقل أنّه بعث إلي المستتر منهم في زمانه اثني عشر ألف درهم دفعة واحدة لإكرامه وكان يأمر أصحابه برعاية أحوالهم وتحقيق آمالهم والاقتفاء لآثارهم والاهتداء بأنوارهم(2).
والإمام المعظم القرشي المكرم أبو عبداللّه محمّد بن إدريس الشافعي المطلبي صرّح بأنّه من شيعة أهل البيت حتي قيل فيه كيت وكيت فقال مجيباً عن ذلك:
إذا نحن فضلنا عليّاً فإنّنا روافض بالتفضيل عند ذوي الجهل
وفضل أبي بكر إذا ما ذكرته رميت بنصب عند ذكري للفضل
فلازلت ذا رفض ونصب وكليهما بحبّيهما حتي أوسد في الرمل(3)
وقال أيضاً:
قال لي: ترفضت قلت كلاّ ما الرفض ديني ولا إعتقادي
لكن توليت غير شك خير إمام وخير هادي
إن كان حبّ الوليّ رفضاً فإنّني أرفض العباد(4)
124 - ونقل الربيع بن سليمان أنّ الشافعي قيل له: إنّ ناساً لا يصبرون علي1.
ص: 144
سماع منقبة أو فضيلة لأهل البيت فإذا رأوا واحداً منا يذكرها يقولون: هذا رافضي ويأخذون في كلام آخر فأنشأ الشافعي يقول:
إذا في مجلس ذكروا عليّاً وسبطيه وفاطمة الزكية
فأجري بعضهم ذكر سواهم فأيقن أنّه لسلقلقية(1)
إذا ذكروا عليّاً أو بنيه تشاغل بالروايات العلية
وقال تجاوزوا يا قوم هذا فهذا من حديث الرافضية [54]
برئت إلي المهيمن من أُناس يرون الرفض حبّ الفاطمية
علي آل الرسول صلاة ربّي ولعنته لتلك الجاهلية
وقال أيضاً:
يا راكباً قف بالمحصب من مني وأهتف بساكن خيفها والناهض
سحراً إذا فاض الحجيج إلي مني فيضاً كملتطم الفرات الفائض
إن كان رفضاً حبّ آل محمّد فليشهد الثقلان إنّي رافضي(2)
125 - وعن يزيد بن عمرو بن مورق قال: كنت بالشام وعمر بن عبدالعزيز يعطي الناس العطايا فتقدّمت إليه فقال: ممّن أنت؟ فقلت: من قريش قال: من أيّ قريش؟ قلت: من بني هاشم فقال: من أيّ بني هاشم؟ قلت: مولي عليّ قال:
من عليّ؟ فسكت، فوضع يده علي صدره وقال: أنا واللّه مولي عليّ بن أبي طالب.
ثم قال: حدّثني عدّة أنّهم سمعوا رسول اللّه صلي الله عليه و آله يقول: من كنت مولاه فعليّي.
ص: 145
مولاه ثم قال: يا مزاحم كم تعطي أمثاله؟ قال: مائة ومائتي درهم قال: أعطه خمسين ديناراً لولاية عليّ بن أبي طالب ثم قال لي: إلحق ببلدك فسيأتيك مثل ما يأتي نظراؤك(1).
126 - [وروي الحافظ أبو الفتوح أسعد بن أبي الفضائل بن خلف العجلي في كتابه الموجز في فضائل الخلفاء الأربعة بسنده إلي حذيفة بن أُسيد الغفاري وعامر بن ليلي بن ضمرة قالا: لما صدر رسول اللّه صلي الله عليه و آله من حجّة الوداع ولم يحجّ غيرها أقبل حتي إذا كان بالجحفة نهي عن سمرات بالبطحاء متقاربات لا ينزلون تحتهن حتي إذا نزلوا القوم وأخذوا منازلهم سواهن أرسل إليهن فقمّ [ما تحتهن من الشوك حتي إذا ثوب بالصلاة عمد إليهن فصلي تحتهن](2) ثم انصرف إلي الناس وذلك يوم غدير خم من الجحفة وله بها مسجد معروف فقال: أيّها الناس قد نبأني اللطيف الخبير أنّه لم يعمر نبي نصف عمر الذي يليه من قبله وإنّي لأظنّ أن أُدعي فأُجيب وإنّي مسؤول وأنتم مسؤولون هل بلغت فما أنتم قائلون؟ قالوا: نقول قد بلغت وجهدت ونصحت فجزاك اللّه خيراً قال: ألستم تشهدون أن لا إله إلّااللّه وأنّ محمّداً عبده ورسوله وأنّ جنّته حقّ وأنّ ناره حقّ والبعث بعد الموت حقّ؟ قالوا: بلي نشهد.
قال: اللّهمّ ثم قال: أيّها الناس ألاتسمعون ألا فإنّ اللّه مولاي وأنا أولي بكم من أنفسكم ألا ومن كنت مولاه فهذا مولاه وأخذ بيد عليّ فرفعها حتي عرفه القوم أجمعون ثم قال:
اللهمّ وال من والاه وعاد من عاده ثم قال: أيّها الناس أنا فرطكم وإنّكم واردون علي الحوض أعرض ما بين بصري وصنعاء فيه عدد النجوم قدحان من فضّة ألا وإنّي سائلكمر.
ص: 146
حين تردون عليَّ عن الثقلين فانظروا كيف تخلفوني فيهما حين تلقوني قالوا: وما الثقلان يارسول اللّه؟ قال: الثقل الأكبر كتاب اللّه سبب طرفه بيداللّه عزّ وجلّ وطرف بأيديكم فاستمسكوا به لا تضلّوا ولاتذلوا وعترتي فإنّي قد نبأني اللطيف الخبير أن لايتفرقا حتي يلقياني وسألت ربيّلهم ذلك فأعطاني فلاتسبقوهم فتهلكوا ولا تعلموهم فهم أعلم منكم](1).
127 - وعن عليّ عليه السلام قال: عمّمني رسول اللّه صلي الله عليه و آله يوم غدير خم بعمامة فسدل نمرقها علي منكبي وقال: إنّ اللّه أمدّني يوم بدر وحنين بملائكة معتمّين هذه العمامة(2).
128 - وعن جعفر بن محمّد عن أبيه عن جدّه أنّ رسول اللّه صلي الله عليه و آله عمّم عليّ بن أبي طالب عمامته السحابة فأرخاها من بين يديه ومن خلفه ثم قال: أقبل فأقبل ثم قال: أدبر فأدبر فقال: هكذا جائتني الملائكة.
ثم قال: من كنت مولاه فعليّ مولاه، اللهمّ وال من والاه وعاد من عاداه وأنصر من نصره وأخذل من خذله.
قال حسان بن ثابت: يارسول اللّه إئذن لي أن أقول أبياتاً تسمعها فقال: قل علي بركة اللّه فقام حسان فقال: يا معشر قريش إسمعوا قولي بشهادة [55] من رسول اللّه صلي الله عليه و آله ثم أنشأ يقول:
يناديهم يوم الغدير نبيّهم بخم واسمع بالرسول مناديا1.
ص: 147
فقال: فمن مولاكم ونبيّكم فقالوا: ولم يبدوا هناك التعاميا
إلهك مولانا وأنت ولينا ولن تجدن منّا لك اليوم عاصيا
هناك دعا اللهمّ وال وليّه وكن للذي عادي عليّاً معاديا
فقال له: قم يا عليّ فإنّني رضيتك من بعدي ولياً وهاديا(1)
129 - عن ابن عبّاس أنّ رسول اللّه صلي الله عليه و آله قال: أنا مدينة العلم وعليّ بابها فمن أراد بابها فليأت عليّاً(2).
130 - وعن عليّ عليه السلام قال: علمّني رسول اللّه صلي الله عليه و آله ألف باب كل باب يفتح لي ألف باب(3).
131 - [فضيلة أُخري عن أسماء بنت عميس قالت: كان رسول اللّه صلي الله عليه و آله يوحي إليه ورأسه في حجر عليّ بن أبي طالب فلم يصلِّ العصر حتي غربت الشمس فقال رسول اللّه: صلّيت ياعلي؟ قال: لا. فقال رسول اللّه: اللّهمّ إنّه كان في طاعتك وطاعة رسولك فاردد عليه الشمس قالت أسماء: فرأيتها غربت ثم رأيتها طلعت بعدما غربت أخرج هذاالحديث الحافظ ابن مندة في كتاب معرفة الصحابة
ص: 148
في ترجمة أسماء بنت عميس من رواية النساء](1).
132 - فضيلة أُخري عن حذيفة رضي الله عنه قال، قال رسول اللّه صلي الله عليه و آله: إنّ اللّه اتّخذني خليلاً كما اتّخذ إبراهيم خليلاً فقصري وقصر إبراهيم في الجنّة متقابلين وقصر عليّ بن أبي طالب بين قصري وقصر إبراهيم فياله حبيب بين خليلين(2).
133 - وروي أنّ النبيّ صلي الله عليه و آله قال لعليّ عليه السلام: يا عليّ أُعطيت ثلاثاً لم أُعطهن فقال يارسول اللّه: وما أُعطيت؟ قال: أُعطيت صهراً مثلي، ولم أعط، وأُعطيت مثل زوجتك فاطمة ولم أُعطها، وأُعطيت مثل الحسن والحسين(3).
134 - وفي رواية أنّه قال له: أُوتيت ثلاثاً لم يؤتهن أحد ولا أنا، أُوتيت صهراً مثلي ولم أوت أنا مثلي وأُوتيت صديقة مثل ابنتي ولم أوت مثلها زوجة وأُوتيت الحسن والحسين من صلبك ولم أُوت من صلبي مثلهما ولكنّكم منّي وأنا منكم(4).
135 - وروي الإمام أبو القاسم سليمان بن أحمد الطبراني بسنده إلي عبداللّه ابن حكيم الجهني قال قال رسول اللّه صلي الله عليه و آله: إنّ اللّه تبارك وتعالي أوحي إليّ في عليّ ثلاثة أشياء ليلة أُسري بي أنّه سيّد المؤمنين وإمام المتقين، وقائد الغرّ المحجلين قال الطبراني: لم يروه عن هلال إلّاعيسي بن سوادة تفرد به مجاشع بن عمرو(5).
136 - وروي الحافظ أبو نعيم أحمد بن عبد اللّه الإصفهاني بسنده إلي أنس بن3.
ص: 149
ما لك قال: بعث النبيّ صلي الله عليه و آله إلي أبي برزة الأسلمي قال له وأنا أسمع: يا أبا برزة إنّ ربّ العالمين عهد إليّ عهداً في عليّ بن أبي طالب فقال: إنّه راية الهدي ومنار الإيمان وإمام أوليائي ونور جميع من أطاعني، يا أبا برزة عليّ بن أبي طالب أميني غداً في القيامة علي مفاتيح خزائن رحمة ربّي وصاحب رايتي في القيامة(1).
137 - وعن أبي برزة قال، قال رسول صلي الله عليه و آله: إنّ اللّه عهد إليّ عهداً في عليّ بن أبي طالب فقلت: ربّ بيّنه لي فقال: اسمع فقلت: سمعت قال: إنّ عليّاً رأية الهدي وإمام أوليائي ونور من أطاعني وهو الكلمة التي ألزمتها المتقين، من أحبّه أحبّني ومن أبغضه أبغضني فبشّره بذلك فجاء عليّ وبشّرته، فقال [56] يارسول اللّه: أنا عبد اللّه وفي قبضته فإن يعذبّني فبذنبي وإن يتم الذي بشرتني به فاللّه أولي به قال قلت: اللهمّ أجِلَّ قلبه، واجعل ربيعه الإيمان قال اللّه عزّ وجلّ: قد فعلت به ذلك ثم أنّه رفع إليّ أنّه سيخصّه من البلاء بشيء لم يخصّ به أحد من أصحابي فقلت: يا ربّ أخي وصاحبي قال: إنّ هذا شيء قد سبق أنّه مبتلي ومبتلي به(2).
138 - وروي الحافظ أبو نعيم الإصفهاني بسنده إلي الشعبي قال قال عليّ عليه السلام: قال (رسول اللّه صلي الله عليه و آله لماجئته)(3) مرحباً بسيّد المسلمين وإمام المتقين فقيل لعليّ: فأيّ شيء كان من شكرك؟ قال: حمدت اللّه عزّ وجلّ ما أتاني وسألته الشكر علي ما أولاني وأن يزيدني ممّا أعطاني(4).
139 - \ [وروي الإمام أبوالقاسم سليمان بن أحمد الطبراني بسنده إلي عبيداللّه ابن حكيم الجهني قال قال رسول اللّه صلي الله عليه و آله: إنّ اللّه تبارك وتعالي أوحي إليّ في عليّ1.
ص: 150
ثلاثة أشياء ليلة أُسري بي أنّه سيّدالمؤمنين وإمام المتقين وقائدالغرّ المحجلين](1).
140 - وروي الحاكم أبو عبداللّه محمّد بن عبد اللّه بن البيع النيسابوري بسنده إلي أبي سعيد الخدري قال، سمعت رسول اللّه صلي الله عليه و آله يقول: إنّ منكم مَن يقاتل علي تأويل القرآن كما قاتلت علي تنزيله قال: أبو بكر أنا هو يارسول اللّه صلي الله عليه و آله؟ قال: لا.
قال عمر: أنا هو يارسول اللّه؟ قال: لا. ولكن خاصف النعل قال: وكان رسول اللّه صلي الله عليه و آله: أعطي عليّاً نعله يخصفها قال الحاكم: هذا إسناد صحيح قد احتجّ بمثله البخاري ومسلم في الصحيح(2).
141 - وفي رواية قال أبو سعيد: كنّا نمشي مع رسول اللّه صلي الله عليه و آله فانقطع شسع نعله فتناولها عليّ يصلحها ثم مشي فقال: يا أيّها الناس إنّ منكم من يقاتل علي تأويل القرآن كما قاتلت علي تنزيله قال أبو بكر: أنا هو يا رسول اللّه؟ قال: لا. قال أبوسعيد: فخرجت فبشرته بما قال رسول اللّه صلي الله عليه و آله فلم يكترث به فرحاً كأنّه قد سمعه وقد صدق اللّه تعالي رسوله صلي الله عليه و آله فيما أخبر به(3).
142 - روي عبد اللّه بن أبي أوفي مولي رسول اللّه صلي الله عليه و آله قال: كنت مع عليّ بن أبي طالب حين خرجت عليه الحروريّة وكفروه إذ رضي بالتحكيم بينه وبين أهل الشام وقالوا: لا حكم إلّاللّه فقال عليّ عليه السلام: كلمة حقّ أُريد بها الباطل وقال: إنّ رسول اللّه صلي الله عليه و آله وصف ناساً إنّي لأعرف صفتهم من هؤلاء يقولون الحقّ بألسنتهم لا يتجاوز هذا منهم وأشار إلي حلقه أبغض خلق اللّه إليه منهم أسود إحدي يديه حلمة ثدي فقاتلهم حين أبو أن يرجعوا عن قولهم فلمّا قتلهم قال: أُنظروا فنظروا فلم يجدوا شيئاً،1.
ص: 151
قال: ارجعوا فواللّه ما كذبت ولا كذبت مرّتين أو ثلاثاً ثم وجدوه في خربة فأتوا به حتي وضعوه بين يديه قال عبد اللّه وأنا حاضر ذلك في أمرهم وقول عليّ فيهم.
قال الحاكم أبو عبد اللّه: رواه مسلم في الصحيح بمعناه(1).
143 - وعن زيد بن وهب الجهني أنّه كان في الجيش الذي كان مع عليّ بن أبي طالب حين سار إلي الخوارج فقال عليّ: يا أيّها الناس سمعت رسول اللّه صلي الله عليه و آله يقول يخرج قوم من أُمّتي يقرؤن القرآن ليس قراءتكم إلي قراءتهم بشيء، ولا صلاتكم إلي صلاتهم بشيء ولا صيامكم إلي صيامهم بشيء، يقرؤن القرآن يحسبون أنّه لهم وهو عليهم، لا يتجاوز صلاتهم تراقيهم يمرقون من الدين كما يمرق السهم من الرمية لو يعلم الجيش الذي يصيبونهم ما قضي اللّه لهم علي لسان نبيّهم صلي الله عليه و آله لنكلوا عن العمل، وآية ذلك أنّ فيهم رجلاً له عضد وليس له ذراع علي رأس [57] عضده مثل حلمة الثدي عليه شعرات بيض تذهبون إلي معاوية وأهل الشام وتتركون هؤلاء يخلفونكم في ذراريكم وأموالكم؟ واللّه إنّي لأرجو أن يكونوا هؤلاء القوم فإنّهم قد سفكوا الدم الحرام وأغاروا علي سرح الناس فسيروا علي اسم اللّه.
قال سلمة بن كهيل: فنزلت أنا وزيد بن وهب منزلاً حتي قال: ومرّ الناس علي قنطرة ثم رحنا معهم فلمّا إلتقينا مع الخوارج وكان عليهم يومئذٍ عبداللّه بن وهب الراسبي فقال لنا عليّ: ألقوا الرماح وسلّوا سيوفكم من جفونها فإنّي أخاف عليكم أن يناشدوكم كما ناشدوكم يوم حرورا. فرجعوا فوحشوا برماحهم وسلّوا السيوف وحملوا عليهم فقتل بعضهم علي بعض وشجرهم الناس برماحهم وما6.
ص: 152
أُصيب من الناس يومئذ إلّارجلان. فقال عليّ عليه السلام: إلتمسوا فيهم المخدج فالتمسوه فلم يجدوه فقام عليّ بنفسه يطلبه حتي أتي أُناساً قد قتل بعضهم علي بعض فقال: أخّروهم فأخّروهم فوجدوه ممّا يلي الأرض فكبّر عليّ عليه السلام وقال: صدق اللّه وبلّغ رسوله.
فقام إليه عبيدة السلماني فقال يا أمير المؤمنين: اللّه الذي لا إله إلّاهو لسمعت هذا الحديث من رسول اللّه صلي الله عليه و آله قال: أي واللّه الذي لا إله إلّاهو، حتي استحلفه ثلاثاً وهو يحلف له.
قال الحاكم أبو عبد اللّه: رواه مسلم في الصحيح عن عبد اللّه بن حميد عن عبد الرزاق(1).
قال [الحاكم]: وقد خطب عليّ عليه السلام بخطب ذوات عدد وذكر أمر رسول اللّه صلي الله عليه و آله إيّاه بقتالهم(2).
وقال [الحاكم]: اعتقاد المسلم فيما بينه وبين اللّه تعالي أنّ أمير المؤمنين عليّاً عليه السلام كان محقّاً مصيباً في قتال المنافقين والقاسطين والمارقين بأمر رسول اللّه صلي الله عليه و آله خلاف قول الخوارج.
قال: وهذا ممّا يجب علي المسلم معرفته واعتقاده كما قال: أبو داود السجستاني أحبّ أبا بكر وعمر ولا تكن ناصبيّاً، وأحبّ عليّاً ولا تكن رافضياً(3).1.
ص: 153
144 - وقال عليّ عليه السلام: ماوجدت من قتال القوم بدّاً أو الكفر بما أنزل علي محمّد صلي الله عليه و آله(1).
145 - وروي محمّد بن سوقة عن عبد الواحد القرشي قال: نادي حوشب الحميري عليّاً عليه السلام يوم صفين فقال: انصرف عنّا يا بن أبي طالب فإنا ننشدك اللّه في دمائنا ودمك وتخلّي بيننا وبين شامنا، ونخلي بينك وبين عراقك، ونحقن دماء المسلمين.
فقال عليّ: هيهات يابن أُمّ ظليم واللّه لو علمت أنّ المداهنة تسعني في دين اللّه لفعلت ولكانت أهون عليّ في الهدنة ولكن اللّه عزّ وجلّ لم يرض من أهل القرآن بالإدهان وبالسكوت واللّه يقضي بالحقّ(2).
146 - وروي ابن عتيك قال، قال النبيّ صلي الله عليه و آله لعليّ عليه السلام: أما إنّك ستلقي بعدي جهداً قال: في سلامة من ديني؟ قال: في سلامة من دينك(3). وقد سبق قوله صلي الله عليه و آله: إنّ منكم من يقاتل علي تأويل القرآن كما قاتلت علي تنزيله وأشار إلي عليّ عليه السلام.
147 - وروي أنّ رجلاً جاء إلي الحسن البصري فقال له يا أبا سعيد: بلغنا أنّك تقول: لو كان عليّ يأكل من خشف المدينة لكان خيراً ممّا صنع؟ فقال: يا بن أخي باطل إنّما حقنت بها دماً، واللّه لقد فقدوه وكان سهماً من مرامي اللّه، واللّه لا يلويه شيء عن أمر اللّه أعطي القرآن عزائمه، أحلّ حلاله وحرّم حرامه، حتيس.
ص: 154
أورده ذلك علي حياض غدقة، ورياض مونقة(1).
148 - وفي رواية أنّه قال له: ما تقول في عليّ؟ فقال له: أعن ربّاني هذه الأُمّة تسأل، لا أبا لك واللّه ما كان بالسروقة حقوق اللّه، أعطي القرآن عزائمه فيما عليه حتي أورده علي حياض غدقة ورياض مونقة(2).
149 - وروي الإمام أحمد بن حنبل بسنده إلي سليمان بن محمّد بن كعب بن عجرة عن عمّته زينب بنت كعب وكانت عند أبي سعيد [58] الخدري قال: شكي الناس عليّاً فقام رسول اللّه صلي الله عليه و آله خطيباً فسمعته يقول: يا أيّها الناس لا تشكوا عليّاً فواللّه أنّه لأخشن في ذات اللّه وفي سبيل اللّه(3).
150 - روي الإمام عبد اللّه بن الحارث قال قلت لعليّ عليه السلام: أخبرني بأفضل منزلتك من رسول صلي الله عليه و آله قال: نعم بينا أنا نائم عنده وهو يصلي فلمّا فرغ من صلاته قال:
يا عليّ ما سألت اللّه من الخير إلّاسألت لك مثله، وما استعذت من الشرّ إلّااستعذت لك مثله(4).
151 - وفي رواية قال: وجعت وجعاً فأتيت النبيّ صلي الله عليه و آله فأقامني مقامه وقام يصلي وألقي عليّ طرف ثوبه فلمّا فرغ قال: برئت يابن أبي طالب لا بأس عليك ما سألت اللّه شيئاً
ص: 155
إلّا سألت لك مثله، ولا سألت اللّه شيئاً إلّاأعطانيه إلّاأنّه قيل لي لا نبي بعدك(1).
152 - وعن عليّ عليه السلام قال قال لي رسول اللّه صلي الله عليه و آله: سألت اللّه فيك خمساً فمنعني واحدة وأعطاني فيك أربعة، سألته أن يجمع عليك أُمّتي فأبي عليَّ، وأعطاني إنّي أوّل من تنشق عنه الأرض وأنت معي لواء الحمد تحمله تسبق الأوّلين والآخرين، وأعطاني بأنّك أخي في الدنيا والآخرة، وأعطاني أنّ بيتك مقابل بيتي في الجنّة وأنت وليّ المؤمنين بعدي(2).
153 - ويروي أنّ النبيّ صلي الله عليه و آله قال: لمّا أُسري بي رأيت في ساق العرش مكتوباً: لا إله إلّا اللّه محمّد رسول اللّه صفوّتي من خلقي أيّدته بعليّ ونصرته به(3).
154 - وفي رواية: رأيت علي ساق العرش الأيمن مكتوباً: أنا اللّه وحدي لا إله غيري غرست جنّة عدن بيدي محمّد صفوّتي أيّدته بعليّ(4).
155 - وعن محمّد بن عبداللّه بن أبي رافع عن أبيه عن جدّه قال: لمّا قتل عليّ عليه السلام أصحاب الألوية يوم أُحد أبصر رسول اللّه صلي الله عليه و آله جماعة من مشركي قريش فقال لعليّ: إحمل عليهم فحمل عليهم وفرّق جماعتهم وقتل هشام بن أُميّة المخزومي، ثم أبصر رسول اللّه صلي الله عليه و آله جماعة من مشركي قريش فقال لعليّ: إحمل1.
ص: 156
عليهم فحمل عليهم ففرّق جماعتهم وقتل عمرو بن عبداللّه الجمحي. ثم أبصر رسول اللّه صلي الله عليه و آله جماعة، أو جمعاً من مشركي قريش فقال لعليّ: إحمل عليهم فحمل عليهم وفرّق جماعتهم وقتل يشكر بن مالك أخا عامر بن لؤي فأتي جبرئيل النبيّ صلي الله عليه و آله فقال: إنّ هذه لهي المواسات فقال النبيّ صلي الله عليه و آله: إنّه منّي وأنا منه، فقال جبرئيل: وأنا منكما، فسمعوا صوتاً ينادي: لا سيف إلّاذو الفقار ولا فتي إلّاعليّ(1).
156 - وروي محمّد بن إسحاق بن يسار: أنّ عليّاً عليه السلام لمّا ناول فاطمة عليها السلام سيفه حين فرغ من القتال أنشد:
أفاطم هاك السيف غير ذميم فلست برعديد ولا بذميم
لعمري لقد أعذرت في نصر أحمد ومرضاة ربّ بالعباد رحيم
قال بن إسحاق: وهاجت ريح في ذلك اليوم فسمعوا هاتفاً يقول:
لا سيف إلّاذو الفقار ولا فتي إلّاعليّ
فإذا ندبتم هالكاً فأبكوا الوفا وأخوا الوفا(2).
157 - وأنشد الخطيب ضياء الدين أخطب خوارزم الموفق بن أحمد المكي:
أسد الإله وسيفه وقناته كالظفر يوم صياله والناب
جاء النداء من السماءوسيفه بدم الكماة يلج في التسكاب
لا سيف إلّاذو الفقار ولا فتي إلا عليّ هازم الأحزاب(3)
فكان هذا السيف لمنبه بن حجاج السهمي كان مع ابنه العاص بن منبه يوم بدر فقتله عليّ عليه السلام وأتي به إلي رسول اللّه صلي الله عليه و آله فأعطاه [59] رسول اللّه صلي الله عليه و آله عليّاً9.
ص: 157
بعد ذلك فقاتل به دونه يوم أُحد.
158 - ويروي أنّ بلقيس أهدت لسليمان عليه السلام سبعة أسياف كان ذوالفقار منها.
159 - وقد جاء من رواية عيسي بن عبداللّه بن محمّد بن عمر بن عليّ بن أبي طالب عن أبيه عن جدّه عليّ عليه السلام أنّ جبرئيل أتي النبيّ صلي الله عليه و آله وقال له: إنّ صنماً باليمن معفّر في الحديد فأبعث إليه فادققه وخذ الحديد قال: فدعاني وبعثني إليه فذهبت إليه فدققت الصنم وأخذت الحديد فجئت به إلي رسول اللّه صلي الله عليه و آله فاستضرب منه سيفين فسمّي أحدهما ذا الفقار، والآخر مخذماً، فتقلد رسول اللّه ذا الفقار وأعطاني مخذماً ثم أعطاني بعد ذا الفقار فرآني وأنا أقاتل به دونه يوم أُحد فقال: لا سيف إلّاذو الفقار ولا فتي إلّا عليّ. قال الإمام أحمد البيهقي: كذا ورد في هذه الرواية أنّه أمر بصنعته.
وروينا بإسناد صحيح عن ابن عبّاس أنّ رسول اللّه صلي الله عليه و آله تنفّل سيفه ذا الفقار يوم بدر، وهو الذي رأي فيه الرؤيا يوم أحد واللّه أعلم(1).
160 - نقل الشيخ الإمام العالم صدر الدين إبراهيم بن محمّد المؤيّد الحموئي في كتابه، فضل أهل البيت عليهم السلام، بسنده إلي عبد اللّه بن مسعود قال: قال رسول اللّه صلي الله عليه و آله: لمّا أُسري بي إلي السماء أمر بعرض الجنّة والنار عليّ فرأيتهما جميعاً، رأيت الجنّة وألوان نعيمها ورأيت النار وأنواع عذابها فلمّا رجعت قال لي جبرئيل: قرأت يارسول اللّه ما كان مكتوباً علي أبواب الجنّة وما كان مكتوباً علي أبواب النار؟ فقلت: لا يا جبرئيل.
فقال: إنّ للجنّة ثمانية أبواب علي كل باب منها أربع كلمات كل كلمة خير من الدنيا وما فيها لمن تعلّمها واستعملها، وأنّ للنار سبعة أبواب علي كل باب منها ثلاث كلمات كل كلمة خير من الدنيا وما فيها لمن تعلّمها وعرفها، فقلت: يا جبرئيل إرجع معي لأقرأها، فرجع معي جبرئيل فبدء بأبواب الجنّة فإذا علي الباب الأوّل مكتوب: لا إله إلّااللّه محمّد رسول اللّه1.
ص: 158
عليّ وليّ اللّه، لكل شيء حيلة وحيلة طيب العيش في الدنيا أربع خصال، القناعة، ونبذ الحقد، وترك الحسد، ومجالسة أهل الخير، وعلي الباب الثاني مكتوب: لا إله إلّااللّه محمّد رسول اللّه عليّ وليّ اللّه، لكل شيء حيلة وحيلة السرور في الآخرة أربع خصال، مسح رأس اليتامي، والتعطف علي الأرامل، والسعي في حوائج المسلمين، وتفقّد الفقراء والمساكين، وعلي الباب الثالث مكتوب لا إله إلّااللّه محمّد رسول اللّه عليّوليّ اللّه، لكل شيء حيلة وحيلة الصحة في الدنيا أربع خصال: قلّة الطعام، وقلّة الكلام، وقلّة المنام، وقلّة المشي، وعلي الباب الرابع مكتوب: لا إله إلّااللّه محمّد رسول اللّه عليّ وليّ اللّه من كان يؤمن باللّه واليوم الآخر [60] فليكرم جاره، [ومن كان يؤمن باللّه واليوم الآخر فليكرم ضيفه](1). ومن كان يؤمن باللّه واليوم الآخر فليبرّ والديه، ومن كان يؤمن باللّه واليوم الآخر فليقل خيراً، أو ليسكت وعلي الباب الخامس مكتوب: لا إله إلّااللّه محمّد رسول اللّه عليّ وليّ اللّه، من أراد أن لا يُذلّ فلا يَذِلّ، ومن أراد أن لا يُشتم فلا يشتَم ومن أراد أن لا يُظلم فلا يظلم، ومن أراد أن يستمسك بالعروة الوثقي فليستمسك بقول: لا إله إلّااللّه محمّد رسول اللّه وعلي الباب السادس منها مكتوب: لا إله إلّااللّه محمّد رسول اللّه عليّ وليّ اللّه من أحبّ أن يكون قبره واسعاً فسيحاً فلينق المساجد، من أحبّ أن لا تأكله الديدان تحت الأرض فليكنس المساجد، من أحبّ أن لا يظلم لحده فلينوّر المساجد، ومن أحبّ أن يبقي طريّاً تحت الأرض [فلايبلي جسده] فلينشر بسط المساجد. وعلي الباب السابع مكتوب: لا إله إلّااللّه محمّد رسول اللّه عليّ وليّ اللّه بياض القلب في أربع خصال، في عيادة المريض، واتباع الجنائز، وشراء أكفان الموتي، ودفع القرض، وعلي الباب الثامن مكتوب: لا إله إلّااللّه محمّد رسول اللّه عليّ وليّ اللّه، من أراد الدخول من هذه الثمانية فليستمسك بأربع خصال، بالصدقة والسخاء وحسن الخلق، وكفّ الأذي عن عباد اللّهب)
ص: 159
عزّوجلّ.
ثم جئنا إلي النار فإذا علي الباب الأوّل ثلاث كلمات منها: لعن اللّه الكاذبين، لعن اللّه الباخلين، لعن اللّه الظالمين.
وعلي الباب الثاني منها مكتوب: من رجا اللّه سعد، ومن خاف اللّه أمن، والهالك المغرور من رجا سوي اللّه وخاف غيره.
وعلي الباب الثالث منها مكتوب: من أراد أن لا يكون عرياناً في القيامة فليكس الجلود العارية، من أراد أن لا يكون جائعاً في القيامة فليطعم الجائع في الدنيا، من أراد أن لا يكون عطشاناً في يوم القيامة فليسق العطشان في الدنيا.
وعلي الباب الرابع منها مكتوب: أذلّ اللّه من أهان الإسلام، أذلّ اللّه من أهان أهل البيت بيت نبي اللّه صلي الله عليه و آله، أذلّ اللّه من أعان الظالمين علي ظلم المخلوقين.
وعلي الباب الخامس منها مكتوب لا تتبع الهوي فإنّ الهوي يجانب الإيمان، ولا تكثر منطقك فيما لا يعنيك فتسقط من عين ربّك، ولا تكن عوناً للظالمين فإنّ الجنّة لم تخلق للظالمين.
وعلي الباب السادس منها مكتوب: أنا حرام علي المجتهدين، أنا حرام علي المُتصدّقين، أنا حرام علي الصائمين. وعلي الباب السابع منها مكتوب: حاسبوا أنفسكم قبل أن تحاسبوا، وبّخوا أنفسكم قبل أن توبّخوا، وأدعوا اللّه عزّوجلّ قبل أن تردوا عليه فلا تقدرون علي ذلك(1).
161 - ونقل أيضاً بسنده إلي بشر بن أبي عمرو بن العلاء النحوي قال: حدّثني أبي عمرو بن العلاء المقري عن [61] أبي الزبير عن جابر بن عبد اللّه الأنصاري0.
ص: 160
قال: كنت مع النبيّ صلي الله عليه و آله يوماً في بعض حيطان المدينة ويد عليّ في يده قال:
فمررنا بنخل فصاح النخل هذا محمّد سيّد الأنبياء وهذا عليّ سيّد الأولياء أبو الأئمّة الطاهرين، ثم مررنا بنخل فصاح النخل: هذا محمّد رسول اللّه هذا عليّ سيف اللّه فالتفت النبيّ صلي الله عليه و آله إلي عليّ فقال له: يا عليّ سمه الصيحاني فسمي من ذلك اليوم الصيحاني(1). حديث غريب.
162 - عن عليّ عليه السلام قال: إنطلق بي رسول اللّه صلي الله عليه و آله حتي أتي الكعبة فقال: لي اجلس فجلست إلي جنب الكعبة فصعد رسول اللّه صلي الله عليه و آله علي منكبي ثم قال لي: إنهض فنهضت فلمّا رأي ضعفي تحته قال: اجلس فجلست فنزل عن منكبي وجلس فقال: يا عليّ اصعد منكبي فصعدت علي منكبيه فنهض بي إلي أن وصلت إلي صنم قريش الأكبر الذي علي رأس الكعبة فعلوتها فكان يخيل إليَّ انّي لو شئت أن أنال السماء لنلتها فقال لي رسول اللّه صلي الله عليه و آله: عالجه فجعلت أعالجه لأقلعه وكان صنماً من نحاس موتداً بأوتاد من حديد إلي الأرض، وجعل رسول اللّه صلي الله عليه و آله يقول: إيهٍ إيهٍ «جَآءَ الْحَقُّ وَزَهَقَ الْبَاطِلُ إِنَّ الْبَاطِلَ كَانَ زَهُوقًا»(2) فاستمكنت منه وقلعته فقال لي: رسول اللّه صلي الله عليه و آله اقذفه فقذفته فتكسّر ونزلت من فوق الكعبة فانطلقت أنا والنبيّ صلي الله عليه و آله وخشينا أن يرانا أحد من قريش أو غيرهم قال عليه السلام:
فما صعدته بعد حتي الساعة(3).
ص: 161
163 - وعن أبي الطفيل قال: شهدت عليّاً عليه السلام وهو يخطب ويقول: سلوني سلوني فواللّه لا تسألوني عن شيء يكون إلي يوم القيامة إلّاحدّثتكم به فإنّ تحت الجوانح منيّ لعلماً جمّاً، سلوني عن كتاب اللّه عزّ وجلّ مامنه آية إلّاوأنا أعلم بليل أو نهار أم سهل نزلت أم بجبل(1).
164 - وفي رواية قال: ما نزلت آية إلّاوقد علمت فيما نزلت وأين نزلت وعلي من نزلت إنّ ربّي عزّ وجلّ وهب لي قلباً عقولاً ولساناً ناطقاً(2).
165 - [قال أبوالطفيل] فقام ابن الكوا فقال: يا أمير المؤمنين أخبرنا عن قوله تعالي: «وَ الذَّارِيَاتِ ذَرْوًا»(3) قال: الرياح قال: فما «فَالْحَامِلاتِ وِقْرًا»؟ قال:
ثكلتك أُمّك أو قال: ويلك سل تفقّهاً أو تعلمّاً ولا تسئل تعنّتاً سل ما يعنيك ودع ما لا يعنيك قال: لا واللّه ما سألت إلّاوهو يعنيني قال: هي السحاب قال: فما «فَالْجَارِيَاتِ يُسْرًا»؟ قال: السفن قال: فما «فَالْمُقَسِّمَاتِ أَمْرًا»؟ قال: [62] الملائكة، قال:
فاخبرنا عن قوله تعالي: «وَ السَّمَآءِ ذَاتِ الْحُبُكِ» قال: ويحك ذات الخلق الحسن، قال: فاخبرنا عن قوله تعالي «وَ أَحَلُّواْ قَوْمَهُمْ دَارَ الْبَوَارِ»(4) قال: أُولئك قريش كفيتموهم يوم بدر قال: فأخبرنا عن هذه المجرّة التي في السماء قال: هي أبواب السماء التي صبّ اللّه تعالي منها الماء المنهمر علي قوم نوح، قال: فأخبرنا عن قوس8.
ص: 162
قزح قال: ثكلتك أُمّك لا تقل قوس قزح. قزح هو الشيطان ولكنّها قوس اللّه هي علامة كانت بين نوح النبيّ وبين ربّه عزّ وجلّ وهي أمان لأهل الأرض من الغرق، قال: فاخبرنا عن هذا السواد الذي في القمر قال: سأل أعمي عن عمياء ما سمعت اللّه عزّ وجلّ يقول: «وَ جَعَلْنَا الَّليْلَ وَ النَّهَارَ آيَتَيْنِ فَمَحَوْنَآ آيَةَ الَّيْلِ»(1) فذلك محوه والسواد الذي فيه من المحو، قال: فاخبرنا كم بين المشرق والمغرب؟ قال: مسيرة يوم للشمس فمن قال غير ذلك فقد كذب (قال: فكم بين السماء والأرض قال: دعوة مستجابة فمن قال غيرها فقد كذب)(2) قال: أفرأيت ذا القرنين أنبياً كان أم ملكاً؟ قال: لا واحد منهما ولكنّه كان عبداً صالحاً أحبّ اللّه فأحبّه اللّه وناصح اللّه فناصحه اللّه، دعي قومه إلي الهدي فضربوه علي قرنه، فمكث ما شاء اللّه ثم دعاهم إلي الهدي فضربوه علي قرنه الآخر، ولم يكن له قرن كقرن الثور، قال: فالبيت المعمور ما هو؟ قال: ذلك الضراح فوق سبع سماوات تحت العرش يدخله كل يوم سبعون ألف ملك ثم لا يعودون إليه إلي يوم القيامة، قال: أخبرنا عن قوله تعالي: «قُلْ هَلْ أُنُنَبِّئُكُم بِالْأَخْسَرِينَ أَعْمَالاً»(3) قال: أُولئك القسيسين والرهبان ومدّ عليَّ صوته وقال: ماأهل النهر غداً منهم ببعيد قال: وما خرج أهل النهر بعد وقيل إنّه قال: كان أهل حرورا منهم وقال: واللّه يا أمير المؤمنين لا أسأل أحداً سواك ولا إنّي أجد غيرك قال: إن كان الأمر إليك فأفعل فلما خرج أهل النهر خرج معهم ثم رجع تائباً(4).ت.
ص: 163
166 - \ [وروي أنّ يهودياً سأل أميرالمؤمنين عليّاً عليه السلام فقال له: أخبرني عما ليس للّه وعن ما ليس عند اللّه وعن ما لا يعلمه اللّه، فقال: أمّا ما ليس للّه فليس للّه شريك وأمّا ماليس عند اللّه فليس عند اللّه ظلم للعباد، وأمّا ما لا يعلمه اللّه فذلكم قولكم يامعشر اليهود إنّ عزيراً ابن اللّه واللّه لايعلم له ولداً، فقال اليهودي أشهد أن لا إله الاّ اللّه وأشهد أنّ محمّداً رسول اللّه(1).
167 - وقال ابن عبّاس: عليّ علّمه علماً علمه إياه رسول اللّه صلي الله عليه و آله ورسول اللّه علمّه اللّه فعلم النبيّمن علم اللّه وعلم عليّمن علم النبيّ [63] وعلمي من علم عليّ وما علمي وعلم أصحاب محمّد في علم عليّ إلّاكقطرة في بحر(2).
168 - وروي جعفر بن محمّد عن آبائه عليهم السلام عن ابن عبّاس قال قال لي: يا أبا عبّاس إذا صلّيت عشاء الآخرة فالحقني إلي الجبان قال: فصليت ثم لحقته وكانت ليلة مقمرة فقال لي: ما تفسير الألف من الحمد [(والحمد جميعاً](3) ؟ قال: فما علمت حرفاً منها أُجيبه قال: فتكلم في تفسيرها ساعة تامّة ثم قال: ما تفسير اللام من الحمد؟ فقلت: لا أعلم فتكلم في تفسيرها ساعة تامّة ثم قال: ما تفسير الحا؟ فقال: لا أدري فتكلم فيها ساعة ثم قال: لي ما تفسير الميم من الحمد؟ فقلت: لاأدري فتكلّم فيها ساعة ثم قال لي: فما تفسيرالدال من الحمد؟ قلت: لا أدري فتكلم فيها إلي أن برق عمود الصبح ثم قال لي: قم يابن عبّاس إلي منزلك فتأهب لفرضك فقمت وقد وعيت كلما قال ثم تفكرت فاذا علمي بالقرآن في علمه كالقرارة في المثعنجر القرارة الغدير الصغير والمثعنجز البحر](4)...
ص: 164
169 - وقال: ذكرت الحديث من عليّ عليه السلام قال: بعثني رسول اللّه صلي الله عليه و آله إلي اليمن فقلت: يارسول اللّه صلي الله عليه و آله إنّي شابّ حدث السنّ ولا علم لي بالقضاء فضرب في صدري بيده وقال: اللهمّ اهد قلبه وثبت لسانه قال: فواللّه ما شككت في قضاءبين إثنين حتي الساعة(1).
170 - وفي رواية أنّه قال: إنّك تبعثني إلي قوم أسنّ منّي لأقضي بينهم؟ فقال: اذهب فإنّ اللّه سيهدي قلبك ويثبّت لسانك(2).
171 - وفي رواية: تبعثني إلي قوم لست بأسنّهم وليس لي علم بالقضاء فقال: إذا اختصم إليك خصمان فلا تقضي للأوّل حتي تسمع ما يقول الآخر قال: فما زلت قاضياً أو قال: ما شككت في قضاءبين إثنين(3).
172 - وقال ابن عبّاس: العلم ستّة أسداس ولعليّ من ذلك خمسة أسداس وللناس سدس ولقد شاركنا في سدسنا حتي لهو أعلم به منّا(4).
173 - وقال ابن عبّاس: بينما أنا في الحجر جالس إذ أتي رجل فسأل عن «وَ الْعَادِيَاتِ ضَبْحًا»(5) فقلت: الخيل حين تغير في سبيل اللّه ثم تأوي بالليل فيصنعون طعامهم ويورون نارهم فانتقل عنّي فذهب إلي عليّ بن أبي طالب وهو جالس تحت ساقية زمزم فسأله عنها فقال له: سألت عنها أحداً قبلي؟ قال:1.
ص: 165
نعم. سألت عنها ابن عبّاس فقال: الخيل حين تغير في سبيل اللّه قال: اذهب فادعه لي فلمّا وقفت عليه قال: واللّه إن كانت لأوّل غزوة في الإسلام لبدر وما كان معنا إلّافرسان فرس للزبير وفرس للمقداد فكيف تكون العاديات ضبحاً الخيل، أمّا العاديات ضبحاً من عرفة إلي المزدلفة ومن مزدلفة إلي مني أو روا النيران ثم كان من الغد المغيرات ضبحاً من المزدلفة إلي مني فذلك جمع، وأمّا قوله: فأثرن به نقعاً فهي نقع الأرض حين تطؤه بأخفافها وحوافرها قال بن عبّاس: فرجعت عن قولي إلي قول عليّ عليه السلام(1). [64]
174 - وعن أنس بن مالك قال: قالت فاطمة عليها السلام لرسول اللّه صلي الله عليه و آله: زوجتني عليّاً أحمش الساقين عظيم البطن قليل الشيء فقال رسول اللّه صلي الله عليه و آله: زوجتك يا بنية أعظم الناس حلماً وأقدمهم سلماً وأكثرهم علماً(2).
175 - وقال الشعبي: من كان أحد من هذه الأُمّة أعلم بما بين اللوحين وبما أنزل علي محمّد صلي الله عليه و آله من عليّ(3).
176 - \وقال مسروق: وجدت العلم عند ستّة من أصحاب رسول اللّه صلي الله عليه و آله عمر بن الخطاب، وعليّ بن أبي طالب، وابن مسعود، ومعاذ بن جبل، وزيد بن ثابت، وأُبيّ بن كعب ثم إنتهي علمهم إلي عليّ وابن مسعود.42
ص: 166
177 - فمما يؤثر عن أبي بكر الصدّيق أنّه رأي عليّاً عليه السلام يوماً فقال: من سرّه أن ينظر إلي أفضل الناس منزلة وأقربهم قرابة وأعظمهم غناً عن رسول اللّه صلي الله عليه و آله فلينظر إلي هذا.
178 - ويروي عن عمر بن الخطاب أنّه قال: كانت لأصحاب رسول اللّه صلي الله عليه و آله ثمانية عشر سابقة فخصّ عليّ ثلاثة عشر وشركنا في الخمس(1).
179 - وقال: لقد أُعطي عليّ بن أبي طالب ثلاث خصال لأن يكون لي واحدة منهن أحبّ إليّ من أن أعطي حمر النعم فقيل له: وما هن يا أمير المؤمنين قال: تزوجه فاطمة، وسكناه المسجد مع رسول اللّه صلي الله عليه و آله يحلّ له فيه ما يحله له، والراية يوم خيبر(2).
180 - روي أنّ رجلاً أُتي به إلي عمر كأن قال: في جوابهم لمّا سألوه كيف أصبحت قال: أصبحت أُحبّ الفتنة، وأكره الحقّ، وأُصدّق اليهود والنصاري، وآمن بما لم أره وأقرّ بما لم يخلق، فأرسل عمر إلي عليّ عليه السلام فلمّا جاء أخبره بما قال الرجل فقال: صدق قال اللّه تعالي: «أَنَّمَآ أَمْوَالُكُمْ وَأَوْلادُكُمْ فِتْنَةٌ»(3) ويكره
ص: 167
الحقّ يعني الموت، قال اللّه تعالي: «وَ جَآءَتْ سَكْرَةُ الْمَوْتِ بِالْحَقِّ»(1) وصدّق اليهود والنصاري قال اللّه تعالي: «وَقَالَتِ الْيَهُودُ لَيْسَتِ النَّصَارَي عَلَي شَيْءٍ وَ قَالَتِ النَّصَارَي لَيْسَتِ الْيَهُودُ عَلَي شَيْءٍ»(2) ويؤمن بما لم يره يعني اللّه، ويقرّ بما لم يخلق يعني الساعة فقال عمر: لولا عليّ لهلك عمر(3).
181 - وعن محمّد بن الزبير قال: دخلت مسجد دمشق فإذا أنا بشيخ قد إلتفّت ترقوتاه من الكبر فقلت: له يا شيخ من أدركت؟ قال النبيّ صلي الله عليه و آله قلت: فما غزوت؟ قال: اليرموك، قلت: له حدّثني بشئ سمعته قال: خرجت مع فتية من عكل والأشعريّين حُجاجاً فأصبنا بيض نعام وقد أحرمنا، فلمّا قضينا [65] نسكنا وقع في أنفسنا منه شيء، فذكرنا ذلك لعمر بن الخطاب فأدبر وقال:
اتّبعوني حتي إنتهي إلي حجر رسول اللّه صلي الله عليه و آله فقال: أثمّ أبو حسن؟ فأجابته امرأة فقالت: لا، فمرّ و قال: اتّبعوني حتي انتهي إليه فإذا معه غلامان أسودان وهو يسويّ التراب بيده فقال: مرحباً يا أمير المؤمنين، فقال: له عمر: إنّ هؤلاء فتية من عكل والأشعريّين أصابوا بيض نعام وهم محرمون، قال: ألا أرسلت إليّ؟ قال: أنا أحق بإتيانك قال: يضربون الفحل قلائص أبكاراً بعدد البيض فما نتج منها أهدوه، قال عمر: فإنّ الابل تخدج؟ قال عليّ: والبيض يمرق فلمّا انصرف عمر عنه قال: اللهمّ لا تراني شدّة إلّاوأبو الحسن إلي جنبي(4).
182 - \وعن أبي حرب بن الأسود أنّ عمر أتي بامرأة وضعت لستّة أشهر،4.
ص: 168
فهمّ برجمها فبلغ عليّاً فقال: ليس عليها رجم فبلغ ذلك عمر فأرسل إليه يسأله فقال عليّ: قال اللّه عزّوجلّ: «وَالْوَالِدَاتُ يُرْضِعْنَ أَوْلادَهُنَّ حَوْلَيْنِ كَامِلَيْنِ لِمَنْ أَرَادَ أَن يُتِمَّ الرَّضَاعَةَ»(1) وقال اللّه تعالي: «وَ حَمْلُهُ وَ فِصَالُهُو ثَلاثُونَ شَهْرًا»(2) فستّة أشهر حمله وحولان تمام الرضاعة لا حدّ عليها قال: فخلّي عنها ثم إنّها ولدت بعد ذلك لستّة أشهر أيضاً(3).
183 - وعن مسروق قال: أُتي بامرأة أُنكحت في عدّتها إلي عمر ففرّق بينهما وجعل صداقها في بيت المال وقال: لا أُجيز مهراً أردّ نكاحه وقال: لا يجتمعان أبداً فبلغ ذلك عليّاً فقال: السنّة أنّ لها المهر بما استحل من فرجها ويفرّق بينهما فإذا انقضت عدّتها فهو خاطب من الخطاب فرجع إلي قول عليّ(4).
184 - وعن ابن عبّاس قال: كنّا في جنازة غلام فقال عليّ لزوج أُمّ الغلام:
أمسك عن إمرأتك فقال عمر: ولم يمسك عن إمرأته؟ أخرج ممّا جئت به. فقال:
نعم يا أمير المؤمنين يريد أن يستبرأ رحمها لا يلقي فيه شيئاً فيستوجب به الميراث من أخيه ولا ميراث لها فقال عمر: نعوذ باللّه من معضلة لا عليّ لها(5).
185 - وقال سعيد بن المسيب: وكان عمر يقول: اللهمّ لا تبقني لمعضلة ليس لها أبو الحسن وقال: لولا عليّ لهلك عمر(6).7.
ص: 169
186 - وعن نبيط بن شريط قال: خرجت مع عليّ بن أبي طالب ومعنا عبد اللّه بن عبّاس، فلمّا صرنا إلي بعض حيطان الأنصار وجدنا عمر بن الخطاب جالساً وحده ينكت في الأرض، فقال له عليّ بن أبي طالب: ما أجلسك يا أمير المؤمنين ها هناوحدك؟ قال: لأمر همّني فقال له عليّ: أفتريد أحدنا؟ [66] فقال عمر: إن كان فعبد اللّه قال فتخلّي معه عبد اللّه ومضيت مع عليّ وأبطأ علينا ابن عبّاس ثم لحق بنا، فقال له عليّ: ماوراءك؟ فقال يا أبا الحسن: أُعجوبة من عجائب أمير المؤمنين أخبرك بها وأكتم عليّ َقال: فهلمّ قال: لمّا أن وُلّيت رأيت عمر ينظر إليك وإلي أثرك ويقول: آه آه. فقلت: ممّ تأوّه يا أمير المؤمنين؟ قال: من أجل صاحبك يا ابن عبّاس وقد أُعطي ما لم يعطه أحد من آل رسول اللّه صلي الله عليه و آله ولولا ثلاث هنّ فيه ما كان لهذا الأمر - \يعني الخلافة - \أحد سواه قلت: يا أمير المؤمنين وما هنّ؟ قال: كثرة دعابته، وبغض قريش له، وصغر سنّه فقال له عليّ: فما ردّدت عليه؟ قال: داخلني ما يداخل بن العمّ لابن عمّه فقلت له: يا أمير المؤمنين: أمّا كثرة دعابته فقد كان رسول اللّه صلي الله عليه و آله يداعب ولا يقول إلّاحقاً ويقول للصبي ما يعلمه أنّه يستميل به قلبه أو يسهل علي قلبه، وأمّا بغض قريش له فواللّه ما يبالي ببغضهم بعد أن جاهدهم في اللّه حتي أظهر اللّه دينه فقصم أقرانها وكسر آلهتها وأثكل نسائها في اللّه لامه وأمّا صغر سنّه فلقد علمت أنّ اللّه تعالي حيث أنزل علي رسوله صلي الله عليه و آله: «بَرَآءَةٌ مِّنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ» وجه بها صاحبه ليبلغ عنه فأمره اللّه تعالي أن لا يبلغ عنه إلّارجل من آله فوجهه في أثره وأمره أن يؤذن ببراءة فهل أستصغر اللّه تعالي سنّه؟ فقال عمر: أمسك عليّ وأكتم فإن سمعتها من غيرك لم أنم بين لابتيها(1).8.
ص: 170
187 - عن العوام بن حوشب قال حدّثني ابن عمّ لي من بني الحارث بن تيم
اللّه يقال له: مجمع قال: دخلت مع أُمّي علي عائشة فسألتها أُمّي فقالت لها:
أرأيت خروجك يوم الجمل؟ قالت: إنّه قد كان قدراً من اللّه سبحانه وتعالي فسألتها عن عليّ فقالت: تسأليني عن أحبّ الناس إلي رسول اللّه صلي الله عليه و آله لقد رأيت عليّاً وفاطمة وحسناً وحسيناً وجمع رسول اللّه صلي الله عليه و آله بثوب عليهم ثم قال: اللهمّ هؤلاء أهل بيتي فأذهب عنهم الرجس وطهرهم تطهيراً، قالت: قلت يارسول اللّه أنا من أهلك قال: إنّك إلي خير(1).
188 - وعن حسرة قالت: قالت لي عائشة: من أفتاكم بصوم يوم عاشوراء؟ قلنا عليّ بن أبي طالب فقالت: هو أعلم الناس بالسنّة(2).
189 - وسأل محمّد بن عليّ الباقر عليه السلام جابر بن عبد اللّه الأنصاري لمّا دخل عليه عن عائشة وما جري بينها وبين عليّ عليه السلام فقال له جابر: دخلت عليها يوماً وقلت لها ما تقولين في عليّ بن أبي طالب: فاطرقت رأسها ثم رفعته وقالت:
إذا ماء التبر حك علي المحك [67] تبيّن غشه من غير شك
وفينا الغش والذهب المصفي عليّ بيننا شبه المحك (3)
ص: 171
190 - روي عكرمة عن ابن عبّاس أنّه قال: لعليّ أربع خصال ليست لأحد من العرب ولا غيرهم هو أوّل عربي وعجمي صلّي مع رسول اللّه صلي الله عليه و آله وهو الذي كان لواء رسول اللّه صلي الله عليه و آله معه في كل زحف، وهو الذي صبر معه يوم المهراس وإنهزم الناس غيره، وهو الذي غسله وأدخله قبره(1).
191 - [وعن عوانة بن الحكم عن أبي صالح قال ذكر عليّ بن أبي طالب عندعائشة وابن عبّاس حاضر فقالت عائشة: كان من أكرم رجالنا علي رسول اللّه صلي الله عليه و آله فقال ابن عبّاس وأيّ شيء يمنعه عن ذلك اصطفاه اللّه تعالي لنصرة رسوله وارتضاه لإخوته واختاره لكريمته وجعله أبا ذرّيته فإن ابتغيت شرفاً فهو في أكرم منبت وأكرم عفوة وإن أردت إسلاماً فأوفر بحظه وأجزل بنصيبه وإن أردت شجاعته فبهمة حرب وقاضية حتم يصافح السيوف أنساً لايجد لموقعها حساً ولا ينهنه نعنعة ولايقلّه الجموع واللّه ينجده وجبرئيل يرفده ودعوة الرسول يعضده أحدّ الناس لساناً وأطهرهم بياناً وأصدعهم بالصواب في أسرع جواب عظته أقلّ من عمله وعمله يعجز عنه أهل دهره](2).
192 - عن قيس بن أبي حازم قال: جاء رجل إلي معاوية فسأله عن مسألة
ص: 172
فقال: سل عنها عليّ بن أبي طالب فهو أعلم، فقال الرجل: أُريد جوابك، فقال:
ويحك كرهت رجلاً كان رسول اللّه صلي الله عليه و آله يغرّه بالعلم غرّاً، ولقد قال رسول اللّه صلي الله عليه و آله: أنت منّي بمنزلة هارون من موسي، ولقد كان عمر بن الخطاب يسأله ويأخذ عنه، وتنقصه رجل يوماً عند عمر فقال له عمر: قم لا أقام اللّه رجليك ومحي اسمه من الديوان(1).
193 - ويروي أنّه لما جاء نعي عليّ عليه السلام إلي معاوية إسترجع وكان قائلاً مع امرأته فاختة بنت قرظة نصف النهار في يوم صائف فقعد باكياً وهو يقول: إنّا للّه وإنّا إليه راجعون ماذا فقدوا من العلم فقالت له امراته: تسترجع عليه اليوم وتبكي وأنت تطعن عليه بالأمس، فقال: ويحك لا تدرين ما ذهب من علمه وفضله وسوابقه وما فقد الناس من حلمه وعلمه(2).
194 - وعن أبي صالح قال قال معاوية لضرار بن ضمرة يوماً: صف لي عليّبن أبي طالب قال: أو تعفيني؟ قال: بل تصفه قال: أو تعفيني؟ قال: بل تصفه قال: أو تعفيني؟ قال: لا أعفيك [68] فقال: أمّا إذا لابدّ فإنّه واللّه كان بعيد المدي شديد القوي يقول فصلاً ويحكم عدلاً، يتفجّر العلم من جوانبه وتنطق الحكمة من نواحيه يستوحش من الدنيا وزهرتها ويستأنس بالليل وظلمته، وكان واللّه غزير الدمعة طويل الفكرة يقلب كفّه ويخاطب نفسه يعجبه من اللباس ما خشن(3).مر
ص: 173
195 - وفي رواية: ما قصر ومن الطعام ما جشب وكان واللّه كأحدنا يجيبنا إذا سألناه ويبتدأنا إذا أتيناه، ويأتينا إذا دعوناه ونحن واللّه مع تقرّبه منّا وتودده إلينا لا نكلمه هيبة ولا نبتدئه عظمة فإن تبسم فعن مثل اللؤلؤ المنظوم يعظم أهل الدين ويحبّ المساكين ولا يطمع القوي في باطله ولا ييأس الضعيف من عدله، فأقسم باللّه لرأيته في بعض مواقفه وقد أرخي الليل سجوفه وغارت نجومه وقد مثل في محرابه قابضاً علي لحيته يتململ تململ السليم ويبكي بكاء الحزين فكأنّي أسمعه وهو يقول: يا دنيا يا دنيا إليّ تعرّضت أم إليّ تشوّقت، هيهات هيهات غرّي غيري قد طلقتك ثلاثاً لا رجعت لي فيك، فعمرك قصير وعيشك حقير وخطرك كثير، آه من قلّة الزاد وبعد السفر ووحشة الطريق. قال: فذرفت عينا معاوية علي لحيته فما يملكها وهو ينشفها بكمّه وقد اختنق القوم بالبكاء ثم قال معاوية: صدقت رحم اللّه أبا الحسن كان واللّه كذلك(1).
196 - عن أبي الأسود الدؤلي قال: لمّا أراد عليّ عليه السلام العراق وضع رجله في الغرز أتاه عبداللّه بن سلام قال: له لا تأت العراق فإنّك إذا أتيت العراق أصابك بها ذباب السيف فقال له عليّ: وأيم اللّه لقد قالها لي رسول اللّه صلي الله عليه و آله قبلك فقلت: في نفسي واللّه ما رأيت كاليوم رجل محارب يحدّث الناس بمثل هذا(2).
197 - وعن زيد بن أسلم أنّ أبا سنان الدؤلي حدّثه أنّه عاد عليّاً عليه السلام في شكوي اشتكاها قال: فقلت له: قد تخوّفنا عليك يا أمير المؤمنين في شكواك
ص: 174
هذه فقال: لكنّي واللّه ما تخوّفت علي نفسي لأنّي سمعت رسول اللّه صلي الله عليه و آله الصادق المصدوق يقول: إنّك ستضرب ضربة هاهنا وضربة هاهنا وأشار إليه صدغيه فيسيل دمها حتي يخضب لحيتك ويكون صاحبها أشقاها كما كان عاقر الناقة أشقي ثمود(1).
198 - وفي رواية عن فضالة بن أبي فضالة الأنصاري قال: خرجت مع أبي إلي ينبع عائداً لعليّ بن أبي طالب، وكان بها مريضاً قد ثقل فقال له أبي:
ما يقيمك في هذا المنزل؟ لو هلكت به لم يدفنك إلّاأعراب جهينة، [69] وكان أبو فضالة من أهل بدر فقال: إنّي لست ميّتاً من وجعي هذا إنّ رسول اللّه صلي الله عليه و آله عهد إليّ أن لا أموت حتي أُأمّر وتخضّب هذه من هذه - يعني لحيته من دم هامّته - قضاءً مقضياً وعهداً معهوداً إليّ «وَ قَدْ خَابَ مَنِ افْتَرَي»(2) يا أبا فضالة(3).
199 - وعن عليّ بن أبي طالب عليه السلام أنّه كان يقول: مما يسرّ إليّ رسول اللّه صلي الله عليه و آله لتخضبن هذه من هذا وأشار إلي لحيته ورأسه.
200 - وعن عثمان بن المغيرة قال: لمّا دخل شهر رمضان كان عليّ في تلك الليالي ليلة عند الحسن وليلة عند الحسين عليه السلام وليلة عند ابن عبّاس لا يزيد علي ثلاث لقم فقيل له في ذلك فقال: يأتيني أمر اللّه وأنا أخمص إنّما هي ليلة أو ليلتان فأُصيب عليه السلام في تلك الليالي من الليل(4). وفي سحر ذلك اليوم الذي أُصيب فيه1.
ص: 175
تمثّل عليه السلام بهاذين البيتين:
اشدد حيازيمك للموت فإنّ الموت لاقيكا
ولا تجزع من الموت اذاحل بواديكا(1).
ثم خرج فضربه بن ملجم صبيحة إحدي وعشرين من رمضان يوم الجمعة، ومات يوم الأحد لثلاث وعشرين منه سنة أربعين، ودفن بالكوفة قاله حريث ابن المحسن(2).
201 - وقال الواقدي: قتل ليلة سبعة عشرة من رمضان ليلة الجمعة ومات لإحدي وعشرين، وقيل: مات من يومه ودفن بالكوفة ليلاً وعمّي دفنه، وقيل دفن بقصر الإمارة وقيل: برحبة الكوفة وقيل: دفن في قبلة المسجد ممّا يلي المحراب وقيل إنّ الحسن عليه السلام نقله إلي المدينة ودفنه في البقيع عند أُمّه، وقيل:
إنّه حمله علي بعير يريد المدينة فضلّ البعير منهم في أثناء الطريق فوجدوه قوم من الأعراب فظنّوا أنّه مال ففتحوا الصندوق فلمّا رأوه أخذوه ودفنوه في البرية، وقيل: إنّه مدفون بنجف الحيرة واللّه أعلم.
قال الواقدي: وكان سنّه يوم قتل رضي الله عنه ثلاث وستون سنة، ونقل غيره عن جعفر بن محمّد عليه السلام أنّ عليّاً عليه السلام هلك وهو ابن سبع وخمسين سنة.
وقال إسحاق بن عبد اللّه بن أبي فروة: سألت أبا جعفر محمّد بن عليّ: كم كان سنّ عليّ يوم قتل؟ قال: ثلاث وستون(3). ومثله عن عليّ بن موسي الرضا عليهما السلام(4).م.
ص: 176
وقال سليمان بن وهب: مضي وله خمس وستون سنة.
وقال نصر بن عليّ: نزل الوحي علي رسول اللّه صلي الله عليه و آله وعليّ بن أبي طالب اثني عشر سنة وكان مع النبيّ صلي الله عليه و آله بمكّة قبل الهجرة ثلاثة عشر سنة، وأقام معه بالمدينة عشر سنين وعاش بعده ثلاثين سنة وضربه ابن ملجم لتسع عشرة خلت من رمضان سنة أربعين من الهجرة، وغسله إبناه وعبد اللّه بن جعفر وكفن في ثلاث أثواب ليس فيها قميص، وصلي عليه الحسن وكبر [70] عليه أربع تكبيرات وقيل تسع تكبيرات، وكانت خلافته خمس سنين.
202 - وقال له رجل: يا أمير المؤمنين ألا تستخلف؟ قال: لا، ولكن أترككم كما ترككم رسول اللّه صلي الله عليه و آله(1).
203 - أو قال: أترككم إلي ما ترككم إليه رسول اللّه صلي الله عليه و آله. قالوا: فما تقول للّه تعالي: إذا لقيته؟ قال أقول: اللهمّ تركتني فيهم ما بدا لك ثم توفيتني وأنت فيهم، فإن شئت أصلحتهم وإن شئت أفسدتهم(2).
204 - وقال له جندب بن عبداللّه: يا أمير المؤمنين: نفديك ولا نفقدك أنبايع الحسن؟ قال: إن شئتم فبايعوه وإن شئتم فدعوه.
205 - وفي رواية أنّه قال: ما آمركم ولا أنهاكم أنتم أبصر وردّ قوله من أُخري فردّ بمثلها(3).س.
ص: 177
206 - ثم دعا الحسن والحسين عليهما السلام فقال لهما: أُوصيكما اللّه بتقوي اللّه ولا تبغيا الدنيا وإن بغتكما، ولا تبكيا علي شيء منها زوي عنكما وقولا الحقّ وارحما اليتيم وأعينا الضائع، واصنعا للآخرة وكونا للظالم خصماً وللمظلوم ناصراً، اعملا بما في كتاب اللّه ولا تأخذكما في اللّه لومة لائم. ثم نظر إلي محمّد بن الحنفية فقال: هل حفظت ما أوصيت به أخويك؟ قال: نعم. قال: فإنّي أُوصيك بمثله وأُوصيك بتوقير أخويك العظيم حقّهما عليك توثر أمرهما ولا تقطع أمراً دونهما، ثم قال: أُوصيكما به فإنّه شقيقكما وابن أبيكما وقد علمتما أنّ أباكما كان يحبّه(1).
207 - وقال للحسن: أُوصيك بتقوي اللّه وإقام الصلاة لوقتها، وإيتاء الزكاة عند محلها، فإنّه لا صلاة إلّابطهور ولا تقبل الصلاة ممّن منع الزكاة، وأُوصيك بعفو الذنب، وكظم الغيظ وصلة الرحم، والحلم عن الجاهل والتفقّه في الدين والتثبّت في الأمر، والتعاهد في القرآن، وحسن الجوار والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر واجتناب الفواحش(2).
208 - وفي رواية أنّه دعا الحسن والحسين عليهما السلام فقال لهما: لا تريدا الدنيا وإن أرادتكما، واتقيا اللّه تعالي فيما خوّلكما وأنظرا محمّد بن الحنفية فأحبّاه وأكرماه فإنّ أباكما كان يحبّه، ثم دعا محمّد بن الحنفية فقال له: عظّم أخويك وشرفهما ولا تقطع أمراًي.
ص: 178
دونهما واعرف لهما مكانهما من رسول اللّه صلي الله عليه و آله.
209 - [قال أهل السير: وكان لعليّ عليه السلام من الولد ثمانية وعشرون من فاطمة بنت رسول اللّه صلي الله عليه و آله الحسن والحسين وزينب وأُمّ كلثوم فأُمّ كلثوم تزوّجها عمربن الخطاب فولدت له زيداً ورقية وزينب تزوّجها ابن عمّها عبداللّه بن جعفرفولدت له عليّاًثم تزوّج عبداللّه بن جعفر أُمّ كلثوم بعد قتل عمر فلم تلد له وأمّا أولاد عليّ الآخرون فمن أُمّهات شتي وهم عبيداللّه ومحمّد الأكبر وعبّاس الأكبر وعمر وأبوبكر وعبداللّه وعثمان وجعفر ومحمّد [71] الأصغر وعبّاس الأصغر ويحيي وزينب الصغري وأُمّ كلثوم الصغري ورقية الكبري ورقية الصغري وأُمّ الكرام وخديجة وحمانة وأُمّ هاني وميمونة وأُمّ سلمة وأُمامة ونفيسة ورملة](1).
210 - روي أنّ محمّد بن الحنفية قال: واللّه إنّي لأُصلّي تلك الليلة التي ضرب فيها عليّ عليه السلام في المسجد في رجال كثير يصلّون قريباً من السدّة إذ خرج عليّ لصلاة الغداة وهو ينادي: الصلاة الصلاة إذ نظرت إلي بريق السيوف وسمعت:
الحكم للّه يا عليّ لا لك ولا لأصحابك وسمعت عليّاً يقول: لا يفوتنكم الرجل فشدّ الناس عليه من كل جانب ودفع عليّ في ظهر جعدة بن هبيرة بن أبي وهب المخزومي وصلي الناس الغداة ودخل عليّ عليه السلام إلي منزله فلم أبرح حتي جيء بابن ملجم لعنه اللّه فأُدخل علي عليّ فدخلت فيمن دخل فسمعت عليّاً يقول:
النفس بالنفس فإن هلكت فاقتلوه كما قتلني، وإن بقيت رأيت فيه رأيي(2).د.
ص: 179
211 - و كان سبب قتل ابن ملجم لعليّ عليه السلام: أنّ ابن ملجم المرادي وأصحابه البرك بن عبد اللّه وعمرو بن بكر التميمي اجتمعوا بمكّة وذكروا أهل النهروان وترحموا عليهم وقالوا: واللّه ما نصنع بالحياة بعدهم شيئاً كانوا دُعاة الناس إلي عبادة ربّهم، وكانوا لا يخافون في اللّه لومة لائم فلو شرينا أنفسنا وأتينا أئمّة الضلالة فأرحنا منهم الناس والبلاد وثأرنا بهم إخواننا، فقال ابن ملجم: أنا أكفيكم عليّ بن أبي طالب وكان من أهل مصر وقال البرك: أنا أُكفيكم معاوية بن أبي سفيان، وقال عمرو بن بكر: أنا أكفيكم عمرو بن العاص، فتعاهدوا وتواثقوا باللّه لا ينكص الرجل منهم عن صاحبه الذي وجه إليه حتي يقتله أو يموت دونه، فأخذوا سيوفهم فسموها واتّعدوا لتسع عشرة من رمضان يثب كلّ واحد منهم علي صاحبه الذي وجه إليه، فسار كل واحد منهم إلي المصر الذي فيه صاحبه الذي طلب، فلمّا وصل ابن ملجم إلي الكوفة لقي أصحابه بالكوفة فكاتمهم أمره كراهية أن يظهروا شيئاً من أمره، فرأي ذات يوم أصحاباً له من تيم الرباب وكان عليّ عليه السلام قد قتل منهم يوم النهروان عدداً فذكروا قتلاهم ولقي من يومه ذلك امرأة من تيم الرباب يقال لها قطام قد كان عليّ عليه السلام قتل أباها وأخاها وكانت من أجمل النساء فلمّا رآها إلتبست بعقله فخطبها فقالت: لا أتزوجك حتي تشفيني قال: وما تريدين؟ قالت: قتل عليّ وثلاثة آلاف وعبداً وقينةً فقال: هو مهرك وفي ذلك يقول الشاعر:
فلم أر مهراً ساقه ذو سماحة كمهر قطام بيّنا غير معجم
ثلاثة آلآف وعبد وقينة وقتل عليّ بالحسام المصمّم [72]
فلا مهر أغلي من عليّ وإن غلا ولا فتك إلّادون فتك ابن ملجم
فتزوجه علي ذلك ثم قالت له: أمّا قتل عليّ فلا أراك تدركه قال: بلي.
فقالت: فإلتمس غرّته فإن أصبته انتفعت بنفسك ونفسي ونفعك العيش معي وإن
ص: 180
هلكت فما عند اللّه خير لك وأبقي من الدنيا وزبرج أهلها، فقال واللّه: ما جاء بي إلي هذا المصر إلّاقتل عليّ بن أبي طالب فقالت: فأنا أطلب لك من يشدّ ظهرك ويساعدك علي أمرك فبعثت إلي رجل من قومها يقال له: وردان فكلّمته فأجابها ولقي بن ملجم رجل من أشجع يقال له شبيب بن نجدة فقال له: هل لك في شرف الدنيا والآخرة؟ فقال: وما ذاك؟ قال: قتل عليّ بن أبي طالب قال: ثكلتك أُمّك لقد جئت شيئاً إدّاً، كيف تقدر علي ذلك؟ قال: نكمن له في المسجد فإذا خرج لصلاة الغداة شددنا عليه فقتلناه فإن نجونا شفينا أنفسنا وأدركنا ثأرنا، وإن قتلنا فما عند اللّه خير من الدنيا قال: ويحك لو كان غير عليّ كان أهون عليّ فقد عرفت الذي أبلاه في الإسلام وسابقته مع النبيّ صلي الله عليه و آله وما أجدني أنشرح لقتله قال: أما تعلم أنّه قتل أهل النهروان العبّاد المصلّين؟ قال: بلي. قال: نقتله بمن قتل من إخواننا فأجابه إلي ذلك وجاءوا إلي قطام وهي معتكّفة في المسجد الأعظم فأعلموها بذلك فقالت: إذا أردتم ذلك فأتوني فعادوا إليها ليلة الجمعة التي قتل عليّ عليه السلام عند صبيحتها فقال: هذه الليلة التي وُعدت فيها صاحبي أن يقتل كل منا صاحبه فدعت لهم بالحريرة وعصبتهم وأخذوا أسيافهم وجلسوا مقابل السدّة التي يخرج منها عليّ عليه السلام فلمّا خرج عليّ شدّ عليه الرجلان، فأمّا شبيب فوقع سيفه بعضادة الباب أو بالطاق وضربه بن ملجم علي قرنه فشجّه ووصلت ضربته إلي أُمّ دماغه وهرب وردان حتي دخل منزله فدخل عليه رجل من بني أُمية وهو ينزع الحريرة عن صدره فقال: ما هذا السيف والحرير؟ فأخبره بما كان فانصرف فجاء بسيفه فعلا به وردان حتي قتله، وخرج شبيب نحو أبواب كندة في الغلس وصاح الناس فلقيه رجل من حضرموت يقال له:
عويمر وفي يد شبيب السيف فجثم عليه الحضرمي وأخذ سيفه فلمّا رأي الناس قد أقبلوا في طلبه والسيف في يده خاف علي نفسه فتركه ونجا بنفسه، ونجا
ص: 181
شبيب في غمار الناس، وأخذوا ابن ملجم فأتوا به عليّاً فقال له: أي عدو اللّه ألم أحسن إليك؟ قال: بلي. قال: فما حملك علي هذا؟ قال: شحذته أربعين صباحاً وسألت اللّه أن يقتل به شرّ خلقه، فقال عليّ عليه السلام: فلا أراك إلّامقتولاً به ولا أراك إلا من شر خلق اللّه.
وأمّا البرك وعمرو بن بكر في تلك الليلة التي ضرب [73] فيها عليّ عليه السلام فقعد كل منهما لصاحبه، فقعد عمرو بن بكر لعمرو بن العاص فلم يخرج إتفاقاً تلك الليلة وأرسل عوضه خارجة يصلي بالناس فقتله وهو يظنّ أنّه عمرو بن العاص فقتل في ذلك أراد عمرو وأراد اللّه خارجة وقيل: أنّه لمّا عرف أنّه ليس به كفّ عنه وقال: إنّما أُريد قتل عمرو ولا فائدة لي من قتل هذا فتركه.
وقعد البرك لمعاوية فلما خرج لصلاة الصبح شدّ عليه فأدبر معاوية هارباً فوقع السيف في عجزه وأخذ البرك فقال: إنّ معي خبراً أُسرّك به فهل ذلك نافعي عندك؟ قال: نعم. قال: إنّ أخاك عليّاً قتل في هذه الليلة قال: فلعلّ قاتله لم يقدر علي ذلك؟ قال: بلي إنّ عليّاً يخرج وليس معه أحد يحرسه فأمر به معاوية فقتل، وبعث إلي الساعدي وكان طبيباً فلمّا نظر إليه قال: اختر إحدي خصلتين إمّا أحمي حديدة وأضعها موضع السيف، وإمّا أسقيك شربة تقطع منك الولد وتبرأ منها فإنّ ضربتك مسمومة فقال معاوية: أمّا النار فلا صبر لي عليها، وأمّا إنقطاع الولد فإنّ في يزيد وعبد اللّه وأولادهما ما تقرّ به عيني فسقاه تلك الشربة فبرأ ولم يولد له.
وأمّا عليّ عليه السلام فلم يعالج ضربته وكانت قد بلغت إلي أُمّ رأسه فمات منها عليه السلام ولمّا حضره الموت دعا بدوات وصحيفة وقال للكاتب أُكتب:
بسم اللّه الرحمن الرحيم:
هذا ما أوصي به عليّ بن أبي طالب أوصي أنّه يشهد أن لا إله إلّااللّه وحده لا شريك
ص: 182
له، وأنّ محمّداً عبده ورسوله، «أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَي وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُو عَلَي الدِّينِ كُلِّهِي وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ»(1) ثم «إِنَّ صَلَاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَلَمِينَ لَا شَرِيكَ لَهُو وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ»(2) أُوصيك يا حسن وولدي وجميع أهل بيتي ومن بلغه كتابي هذا (من المؤمنين) بتقوي اللّه «فَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَ أَنتُم مُّسْلِمُونَ» (3)«وَاعْتَصِمُواْ بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُواْ»(4) وإنّي سمعت رسول اللّه صلي الله عليه و آله يقول: صلاح ذات البين خير من عامة الصلاة والصوم وإنّ المبيرة حالقة الدين فساد ذات البين ولا قوّة إلّا باللّه أُنظروا إلي ذوي أرحامكم فصلوهم يهون اللّه عليكم الحساب، واللّه اللّه في الأيتام لا تغبروا [أفواهم](5) ولا يضيعن بحضرتكم، واللّه واللّه في جيرانكم فإنّهم وصية نبيّكم ما زال رسول اللّه صلي الله عليه و آله يوصي في الجار حتي ظننا أنّه سيورثه، واللّه واللّه في القرآن فلا يسبقنكم بالعمل به غيركم، واللّه اللّه في الصلاة فإنّها عماد دينكم، واللّه اللّه في بيت ربّكم فلا يخلون ما بقيتم فإنّه إن ترك لم تناظروا، واللّه اللّه في صيام شهر رمضان فإنّ صيامه جنّة لكم من النار، [74] واللّه اللّه في الجهاد في سبيل اللّه بأموالكم وأنفسكم وألسنتكم، واللّه اللّه في الزكاة فإنّها تكفّ غضب الربّ، واللّه اللّه في الجهاد في سبيل اللّه بأموالكم وأنفسكم وألسنتكم، واللّه اللّه في ذمّة نبيّكم لا تظلمن بين ظهرانيكم، واللّه اللّه في أصحاب نبيّكم فإنّ رسول اللّه صلي الله عليه و آله أوصانا بهم، واللّه اللّه في الفقراء والمساكين فشاركوهم في معاشكم، واللّه اللّه فيما ملكت أيمانكم فإنّ آخر ما أوصانا به رسول اللّه صلي الله عليه و آله أن قال: أُوصيكم بالضعيفين نسائكم وما ملكت أيمانكم.ة.
ص: 183
الصلاة الصلاة لا تخافن في اللّه لومة لائم يقيكم من أرادكم أوبغي عليكم، وقولوا للناس حسناً كما أمركم اللّه، ولاتتركوا الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، فيتولي الأمر شراركم ثم تدعون فلا يستجاب لكم، وعلكيم بالتواصل والتباذل والثبات، وإيّاكم والتدابر والتقاطع والتفرق والحسد، «وَتَعَاوَنُواْ عَلَي الْبِرِّ وَالتَّقْوَي وَلَا تَعَاوَنُواْ عَلَي الْإِثْمِ وَالْعُدْوَ نِ وَاتَّقُواْ اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ»(1) حفظكم اللّه من أهل بيت وحفظ فيكم نبيّكم صلي الله عليه و آله، وأستودعكم اللّه وأقرأ عليكم السلام ورحمة اللّه وبركاته.
ثم لم يتكلم بعد ذلك بشيء إلّابلا إله إلّااللّه محمّد رسول اللّه صلي الله عليه و آله حتي قبض رحمة اللّه ورضوانه عليه(2).
212 - [ويروي عن الحسن بن عليّ عليهما السلام أنّه قال: لما حضرت أبي الوفاة أقبل يوصي فقال: هذا ممّا أوصي عليّبن أبي طالب أخو محمّد صلي الله عليه و آله وابن عمّه وصاحبه أوّل وصيتي أنّي أشهد أن لاإله إلاّ اللّه وأنّ محمّداًرسول اللّه وخيرته اختاره اللّه لعلمه وارتضاه لخلقه وأنّ اللّه باعث من في القبور ومُسَائل الناس عن أعمالهم عالم بما في الصدور ثم إنّي أُوصيك ياحسن وكفي باللّه وصياً بما أوصاني به رسول اللّه صلي الله عليه و آله فإذا كان ذلك يابني فالزم بيتك وابك علي خطيئتك ولا تكن الدنيا أكبر همّك وأُوصيك يابني بالصلاة عند وقتهاوالزكاة في أهلها عند محلها والصمت عندالشبهة والاقتصاد والعدل في الرضاوالغضب وحسن الجواروإكرام الضيف ورحمة المجهود وأصحاب البلاء وصلة الرحم وحبّ المساكين ومجالستهم والتواضع فإنّه من أفضل العبادة وقصرالأمل وذكر الموت والزهد في الدنيا فإنّك رهن موت وعرض بلاء وطريح سقم وأُوصيك بخشية اللّهد.
ص: 184
في سرّ أمرك وعلانيتك وأنهاك عن التسرّع بالقول والفعل وإذا عرض شيء من أمر الآخرة فابدأ به وإذا عرض شيء من أمر الدنيا فتأ نّه حتي تصيب رشدك فيه وإيّاك ومواطن التهمة والمجلس المظنون به السوء فإنّ قرين السوء يغرّ جليسه وكن للّه عاملاً وعن الخنا زجوراً وبالمعروف [75] آمراً وعن المنكر ناهياً وآخ الإخوان في اللّه عزّوجلّ وأحبّ الصالح لصلاحه ودار الفاسق عن دينك وأبغضه بقلبك وزائله بأعمالك لأن لا تكون مثله وإيّاك والجلوس في الطرقات ودع الممارات ومجارات من لا عقل له ولاعلم.
واقتصد يابني في معيشتك واقتصد في عبادتك وعليك فيها بالأمر الدائم الذي تطيقه وألزم الصمت تسلم وقدم لنفسك تغنم وتعلم الخير تعلم وكن ذاكراً للّه تعالي علي كل حال وارحم من أهلك الصغير ووقرمنهم الكبير ولا تأكل طعاماً حتي تصدّق منه قبل أكله وعليك بالصوم فإنّه زكاة البدن وجنّة لأهله وجاهد نفسك وأحذر جليسك وأجتنب عدوك وعليك بمجالس الذكر وأكثر من الدعاء فإنّي لم آلك يابني نصحاً وهذا فراق بيني وبينك.
وأُوصيك بأخيك محمّد خيراً فإنّه شقيقك وابن أبيك وقد تعلم حبّي له وأمّا أخوك الحسين فهو ابن أُمّك ولا أُريد الوصاة بذلك واللّه خليفتي عليكم وإيّاه أسأل أن يصلحكم وأن يكفّ الطغاة البغاة عنكم والصبر الصبر حتي ينزل اللّه الأمر ولا قوة إلاّباللّه العليّالعظيم](1).
213 - وعن أبي الطفيل وجعفر بن حيّان قالا: لمّا قُتل عليّ بن أبي طالب وفرغ منه قام الحسن بن عليّ عليهما السلام خطيباً فحمد اللّه وأثني عليه ثم قال: أيّها الناس واللّه لقد فارقكم رجل ما سبقه أحد كان قبله، ولا يدركه أحد كان بعده، واللّه لقد كان رسول اللّه صلي الله عليه و آله يعطيه الراية ويبعثه في السرية فيقاتل جبرئيل عن يمينه وميكائيل عن يسارهّ.
ص: 185
فما يرجع حتي يفتح اللّه علي يديه، واللّه لقد قتل في الليلة التي قبض فيها روح موسي، وعرج بروحه في الليلة التي عرج فيها بعيسي، وفي الليلة التي أنزل فيها القرآن، وفي الليلة التي فتح اللّه علي رسوله صلي الله عليه و آله التي كان صبيحتها يوم بدر، وفي الليلة التي قتل فيها يوشع بن نون فتي موسي، وليلة كان كذا وكذا. واللّه ما ترك من صفراء ولا بيضاء إلّاثمان مائة درهم أو سبع مائة درهم وخمسون درهماً أو تسع مائة درهم، فضلت من عطائه كان أعدّها لخادم يشتريه لأُمّ كلثوم أو قال لأهله، ثم قال: من عرفني فقد عرفني ومن لم يعرفني فأنا الحسن بن عليّثم تلا هذه الآية قول يوسف عليه السلام: «وَ اتَّبَعْتُ مِلَّةَ آبَآءِي إِبْرَ هِيمَ وَ إِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ»(1) ثم أخذ في كتاب اللّه ثم قال: أنا ابن خاتم النبيّين، وأنا ابن البشير النذير، وأنا بن الداعي إلي اللّه بإذنه، وأنا ابن السراج المنير، وأنا ابن الذي أرسل رحمة للعالمين، وأنا من أهل بيت الذي [76] أذهب اللّه عنهم الرجس وطهرهم تطهيراً، وأنا من أهل بيت الذين كان جبرئيل ينزل فينا ويصعد من عندنا. وأنا من أهل بيت الذين افترض اللّه تعالي مودّتهم علي كلّ مسلم وأنزل اللّه فيهم: «قُل لَّآأَسْألُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَي وَ مَن يَقْتَرِفْ حَسَنَةً نَّزِدْ لَهُ فِيهَا حُسْنًا»(2) واقتراف الحسنة مودّتنا أهل البيت(3).
214 - وروي عن ابن شهاب الزهري قال: دخلت الشام وأنا أُريد الغزو فأتيت عبد الملك بن مروان لأُسلم عليه قال فوجدته في قبّة علي فرش تقرب من القائم أو تفوق القائم والناس تحته سماطان فسلّمت ثم جلست فقال لي:
ياابن شهاب أتعلم ما كان في البيت المقدّس صباح قتل عليّ بن أبي طالب؟ قلت: نعم. قال: هلمّ فقمت من وراء الناس حتي أتيت خلف القبّة فحول إليَّ وجهه وانحني عليّ فقال: ما كان؟ قلت: لم يرفع حجر من بيت المقدس إلّاوجد2.
ص: 186
تحته دم فقال: لم يبق أحد يعلم بهذا غيري وغيرك فلا يسمعنّ هذا منك أحد قال: فما حدّثت به حتي توّفي(1).
215 - وعن الزهري أنّ أسماء الأنصارية قالت: ما رفع حجر بإيليا يعني حين قتل عليّ بن أبي طالب إلّاوجد تحته دم عبيط.
قال الحافظ أبو بكر بن الحسين البيهقي قلت: كذا روي في هاتين الروايتين وقد يروي بإسناد صحيح عن الزهري أنّ ذلك كان حين قتل الحسين بن عليّ عليهما السلام ولعلّه وجد عند قتلهما جميعاً واللّه أعلم(2).
216 - وروي عن لمح خال المتوكل قال: سمعت سليم بن منصور بن عمّار عن أبيه قال: سِحْت علي شطّ البحر فأتيت علي دير وفي الدير صومعة فيها راهب فناديته فأشرف عليّ فقلت: من أين يأتيك طعامك؟ قال: من مسيرة شهر قلت: حدّثني بأعجب ما رأيت من هذا البحر قال: تري تلك الصخرة وأومأ بيده إلي صخرة علي شط البحر فقلت: نعم. فقال: يخرج كلّ يوم من هذا البحر طائر مثل النعامة فيقع عليها فإذا استوي واقفاً تقيّأ رأساً ثم تقيّأ يداً ثم تقيّأ رجلاً ثم تقيّأ يداً ثم تقيّأ رجلاً ثم تلتئم الأعضاء بعضها إلي بعض فيستوي إنساناً قاعداً فيهمّ بالقيام فينقره الطائر نقرة فيأخذ رأسه ثم يأخذ عضواً عضواً كما قاءه فلمّا طال ذلك عليّ ناديته يوماً وقد استوي جالساً ألا من أنت؟ فالتفت إليَّ وقال: هو عبد الرحمن بن ملجم قاتل عليّ بن أبي طالب عليه السلام وكَّل اللّه بي هذا الطائر فهو يعذّبني إلي يوم القيامة(3).ر.
ص: 187
لها من فتيق مسك التحقيق ختام، وعلي مناهلها العِذاب لقلوب الأصفياء خيام، في كلمات وردت عن جناب المخصوص بالعلوم اللّدنّية(1) والموصوف بالأوصاف الرضينة السنيّة السنة الكاشف للمعضلات [77] بتبيانه الحالّ للمشكلات ببيانه الذي قدَره علي كنيته أبو الحسن واسمه عليّ.
نقل الإمام الحافظ أبو بكر أحمد بن الحسين البيهقي في فضائل عليّ عليه السلام من تصنيفه عن عاصم بن ضمرة أنّ عليّاً عليه السلام كان يعلّمهم هذه الكلمات: إلهي عظم حلمك فعفوت فلك الحمد، وبسطت يدك فأعطيت فلك الحمد، ربّنا وجهك أكرم الوجوه، وجاهك خير الجاه، وعطيّتك أبلغ العطيّة، تطاع ربّنا فتشكر، وتعصي ربّنا فتغفر، وتجيب المضطرّ وتكشف الضرّ، وتشفي من السقم وتنجي من الكرب وتقبل التوبة وتغفر الذنب، لا يجزي بآلائك أحد، ولا يحصي نعمك قول قائل(2).
217 - ونقل أيضاً عن محمّد بن جابر عن عليّ عليه السلام قال: بينا أنا أطوف بالبيت إذا رجل متعلّق بأستار الكعبة وهو يقول: يامن لا يشغله سمع عن سمع يامن لا يغلّطه المسائل، يامن لا يتبرم بالحاح الملحّين، أذقني برد عفوك وحلاوة رحمتك. قال فقلت:
أيّها الرجل أعد الكلام قال: أو سمعته؟ قلت: نعم. قال: فقله في دبر كلّ صلاة فوالذي
ص: 188
نفس الخضر بيده لو كان عليك ذنوب بعدد قطر السماء وحصباء الأرض وترابها لغفر لك(1).
218 - وعن سعيد بن زيد قال كان: عليّ عليه السلام يقول: اللهمّ إنّي أُشهدك أنّ السموات والأرض وما بينهما آيات تدل عليك، وشواهد تشهد لك بما إدعيت، كل يؤدي عنك الحجة ويشهد بالربوبيّة موسومة بآثار قدرتك، ومعالم تدبيرك الذي تجليت به لخلقك فأوصلت إلي القلوب من معرفتك ما آنسها من الوحشة منك مع معرفتك شاهدة لك بأنّك لاتحدّك الصفات ولا تدركك الأوهام، وأنّ حظّ المتفكر فيك الإقرار لك بالوحدانيّة وأعوذ بك أن أضلّ أو أزلّ أو أسير بروح أو بدن إلي غيرك(2).
219 - وعن حماد بن إبراهيم أنّ عليّ بن أبي طالب عليه السلام جمع الدنيا والآخرة في خمس كلمات كان يقول: اللهمّ إنّي أسألك من الدنيا وما فيها ما أسدد به لساني، وأحصّن به فرجي، وأؤدي به أمانتي، وأصل به رحمي، وأتجر به لآخرتي(3).
220 - وكان عليه السلام يقول: كونوا في الناس كالنحلة ليس من الطير شيء إلّاوهو يستضعفها، ولو علم الطير ما في أجوافها من البركة لم يفعلوا لها ذلك، خالطوا الناس بألسنتكم وأجسادكم، وباينوهم بقلوبكم وأعمالكم فإنّ لكل إمرء ما اكتسب وهو يوم القيامة مع من أحبّ(4).
221 - وعن داود بن أبي عمرة قال قال عليّ عليه السلام: خمس خذوهنّ عنّي لا يخافنّ4.
ص: 189
أحد منكم إلّاذنبه، ولا يرجونّ إلّاربّه، ولا يستحيي من لا يعلم أن يتعلّم، ولا يستحيي من يعلم إذا سئل عمّا لا يعلم أن يقول: اللّه أعلم، إنّ الصبر والإيمان بمنزلة الرأس من الجسد، فإذا ذهب الصبر ذهب الإيمان وإذا ذهب الرأس ذهب الجسد(1).
222 - وفي رواية: وأنّ الصبر من الأُمور [78] بمنزلة الرأس من الجسد، فإذا فارق الرأس الجسد فسد الجسد، وإذا فارق الصبر الأُمور فسدت الأُمور، ثم قال: ألا أدلّكم علي الفقيه، حقّ الفقيه؟ من لم يقنّط الناس من رحمة اللّه، ولم يرخص لهم في معاصي اللّه، ولم يؤمنّهم مكر اللّه، ولا يدع القرآن رغبة عنه إلي ما سواه(2). وفي رواية: ولا تنزلواالعارفين الموحّدين الجنّة ولا تنزلوا العاصين المذنبين النار حتي يكون الربّ تبارك وتعالي هو الذي يقضي بينهم. ولا يأمننّ خير هذه الأُمّة من عذاب اللّه تعالي فإنّ اللّه يقول: «فَلَا يَأْمَنُ مَكْرَ اللَّهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْخَاسِرُونَ»(3) ولا ييأسن شرّ هذه الأُمّة من روح اللّه، فإنّ اللّه تعالي يقول إنّه: «و لَايَاْيْئَسُ مِن رَّوْحِ اللَّهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْكَافِرُونَ»(4)(5).
223 - ألا لا خير في عبادة ليس فيها تفقه ولا علم ليس فيه تفهم، ولا قراءة ليس فيها تدبر(6).
224 - ونقل الإمام البيهقي بسنده إلي عليّ عليه السلام قال: ما خلق اللّه تعالي شيئاً أعزّ من الحكمة ولا يُسكنها إلّافي قلب متواضع، وأشرف الغني ترك المني، ومن قنع بما رزقه اللّه1.
ص: 190
تعالي استغني، ومن فرّ من الناس سلم، ومن أخرج من قلبه شغل مالا يعنيه، فقد خرج لما يعنيه، ومن منع نفسه من شهوات الدنيا صار حرّاً، ومن أخرج من قلبه الحسد ظهرت له المحبّة، ومن صبر أيّاما قلائل وصل إلي نعيم دائم، وما زهد عبد في الدنيا إلّاوجد حلاوة طاعة اللّه، ولا يشتغل عبد بخدمة اللّه إلّابخصلة واحدة وبها تنطق الكتب الأربعة التوراة والإنجيل والزبور والفرقان وهي سنّة جميع الأنبياء وسنّة كلّ حكيم وصديق فقيل له: وما هذه الخصله؟ قال: سقوط همّ غد من قلبك، والتائب يرعي في مرج الزاهد، والزاهد يرعي في مرج العارف، والعارف يرعي في مرج اللّه، والعارف في الدنيا واحد مع الناس وفي الآخرة واحد في الناس(1).
225 - وقال عليه السلام: كونوا لقبول العمل أشدّ اهتماماً منكم بالعمل فإنّه لن يقلّ عمل مع التقوي وكيف يقلّ عمل يتقبّل(2) ؟
226 - وروي الحافظ أبو نعيم الاصبهاني من رواية أهل البيت عليهم السلام عن جعفر بن محمّد بن عليّ بن الحسين بن عليّ أنّ عليّاً عليه السلام قال: قال رسول اللّه صلي الله عليه و آله: من نقله اللّه من ذلّ المعاصي إلي عزّ التقوي أغناه اللّه بلا مال، وأعزّه بلا عشيرة وآنسه بلا أنس. ومن خاف اللّه أخاف اللّه منه كلّ شيء، ومن لم يخف اللّه أخافه اللّه من كلّ شيء. ومن رضي من اللّه باليسير من الرزق رضي اللّه منه باليسير من العمل، ومن لم يستحي من طلب المعيشة خفت مؤنته ورخي باله ونعم عياله، ومن زهد في الدنيا يثبت اللّه الحكمة في قلبه، وأنطق بها لسانه وأخرجه من الدنيا سالماً إلي دار القرار. قال الحافظ أبو نعيم: هذا حديث غريب لم يروه مرفوعاً إلّاالعترة الطاهرة الطيّبة عليهم السلام [79] خلفها عن سلفها، وما6.
ص: 191
كتبناه إلّاعن هذا الشيخ(1).
227 - وروي الإمام أبو بكر محمّد بن عليّ بن إسماعيل القفال الشاشي في كتاب جوامع الكلم ونوابع الحكم من تأليفه بسنده إلي عليّ عليه السلام قال: قال رسول اللّه صلي الله عليه و آله: الأنبياء قادة، والفقهاء سادة، ومجالستهم زيادة، وأنتم في ممرّ الليل والنهار في آجال معدودة وأعمال محفوظة، والموت يأتي بغتة، فمن يزرع خيراً يحصد غبطة، ومن يزرع شرّاً يحصد ندامة(2). هذا حديث شريف جليل يحوي صفة الأنبياء ونعت الفقهاء ويرّغب في الإقتباس من بحارهم الزاخرة ويشتمل علي الموعظة الحاوية لمصالح الدنيا والآخرة(3).
228 - وعن عليّ عليه السلام أنّ رسول اللّه صلي الله عليه و آله قال له: يا عليّ ألا أُعلّمك كلمات إن قلتهنّ غفر لك علي أنّه مغفور لك: لا إله إلّااللّه العليّ العظيم، لا إله إلّااللّه الحليم الكريم، لا إله إلّا اللّه ربّ العرش العظيم. رواه الترمذي، وفي رواية له: والحمد للّه ربّ العالمين(4).
وفي رواية لغيره: سبحان اللّه ربّ العرش العظيم والحمد للّه ربّ العالمين، بدل قوله: لا إله إلّااللّه ربّ العرش العظيم(5).
229 - وروي جعفر بن محمّد عن أبيه عن جدّه أنّ النبيّ صلي الله عليه و آله قال لعليّ بن أبي طالب: إذا هالك أمر فقل: اللهمّ أسألك بحقّ محمّد وآل محمّد أن تكفيني شرّ ما أخاف وأحذر فإنّك تكفي ذلك الأمر(6). فهذه دعوة خفيفة القول مطردة لكلّ بليّة وهول،2.
ص: 192
ومكسية لكلّ قوة وحول، ومجلبة لكلّ عطيّة ونول، من قالها في كلّ مهمّة أو نازلة أدرك مأموله وكفي محذوره إن شاء اللّه تعالي.
230 - [وروي جعفربن محمّد عن أبيه عن جدّه عليهم السلام قال: دخل رسول اللّه علي عليّبن أبي طالب وهو لا يتقار علي فراشه من شدّة الحمي فقال النبيّ: يا عليّ إنّ أشدّ الناس بلوي في الدنيا النبيّون والذين يلونهم فأبشر فإنّها حظّك من نار جهنم مع مالك فيهامن الثواب. أتحبّ أن يكشف اللّه مابك؟ قال: نعم. قال قل: اللهمّ إرحم عظمي الدقيق وجلدي الرقيق وأعوذ بك من فورة الحريق يا أُمّ ملدم إن كنت آمنت باللّه واليوم الآخر فلاتأكلي اللحم ولا تشربي الدم ولا تقوري عليَّ الفم وانتقلي إلي من زعم أنّ مع اللّه إلهاً آخر فإنّي أشهد أن لا إله إلّااللّه وأنّ محمّداً عبده ورسوله قال عليّ: فقلتها فعوفيت من ساعتي قال جعفر: نحن أهل البيت نعلّم بعضنا بعضاً حتي النساء والصبيان فما يقولها أحد إلّا عوفي إن كان في أجله تأخير [80](1).
231 - \وروي أنّ رسول اللّه صلي الله عليه و آله قال له: ياعليّ ألا أُعلّمك كلمات إذاوقعت في ورطة قلتها؟ قلت: بلي جعلني اللّه فداك كم من خير قد علّمتنيه. قال: إذا وقعت في ورطة فقل بسم اللّه الرحمن الرحيم ولا حول ولا قوة إلاّ باللّه العليّ العظيم فإنّ اللّه ينصرف بهامايشاء من أنواع البلاء](2).
232 - ويروي أنّ النبيّ صلي الله عليه و آله قال له: يا عليّ إذا بكي اليتيم اهتزّ العرش ويقول اللّه عزّوجلّ: ياجبرئيل وسّع في النار لمن أبكاه فإنّي أُبكيه ووسّع في الجنّة لمن أضحكه فإنّي أُضحكه.ة.
ص: 193
233 - وروي أنّ النبيّ صلي الله عليه و آله أوصي عليّاً عليه السلام بخصال منها أنّه قال له: أُوصيك في نفسك بخصال فاحفظها عنّي اللهمّ أعنه.
الأُولي منهن: الصدق لا يخرجن من منك كذبة أبداً.
الثانية: الورع لا تجترء علي خيانة أبداً.
الثالثة: الخوف من اللّه كأنّك تراه.
الرابعة: كثرة البكاء والدعاء يبني لك بكل دمعة بيت في الجنّة،
الخامسة: بذل مالك ودمك دون دينك.
السادسة: الأخذ بسنّتي في صلاتي وصومي.
أمّا الصدقة فجهدك حتي تقول: قد أسرفت ولم تسرف.
وأمّا الصوم فثلاثة أيّام في كل شهر وعليك بصلاة الليل وعليك بصلاة الليل. وعليك بصلاة الزوال، وعليك بصلاة الزوال وعليك بتلاوة القرآن علي كل حال وعليك برفع يديك إلي صلاتك وتقلّيبهما وعليك بالسواك عند كل وضوء. وعليك بمحاسن الأخلاق فاركبها، ومساويء الأخلاق فاجتنبها، فإن لم تفعل فلا تلم إلّانفسك(1).
234 - وروي أنّ النبيّ صلي الله عليه و آله قال له: يا عليّ أربع خصال من الشقاء: جمود العين، وقساوة القلب، وبعد الأمل، وحبّ البقاء(2).
235 - يا عليّ أنهاك عن أربع خصال: عن الحسد والحرص والكبر والغضب(3).
236 - يا عليّ سيّد الأعمال ثلاث خصال: إنصاف الناس من نفسك، ومواسات الأخ،4.
ص: 194
وذكر اللّه تعالي علي كل حال(1).
237 - يا عليّ انّ من أبواب البرّ، سخاء النفس، وطيب الكلام، والصبر علي الأذي(2).
238 - يا عليّ ثلاث خصال فرحات للمؤمن في الدنيا: لقاء الإخوان، وتفطير الصائم، والتهجد من آخر الليل(3).
239 - يا عليّ ثلاث من لم يكن فيه لم يقم له عمل: ورع يحجزه عن معاصي اللّه، وخلق يداري به الناس، وحلم ترد به جهل الجاهل(4).
240 - يا عليّ ثلاث موبقات: نكث الصفقة، وترك السنّة وفراق الجماعة.
241 - يا عليّ: ثلاث منجيات: تكف لسانك، وتبكي علي خطيئتك، وسعيك لبيتك(5).
242 - يا عليّ ثلاث من حقائق الإيمان: الإنفاق من الإقتار، وانصافك الناس من نفسك، وبذل السلام للعالم(6).
243 - يا عليّ إنّ للمؤمن ثلاث علامات: الصلاة، والزكاة، والصيام.
وللمتكلّف ثلاث علامات: يتملّق إذا حضر ويغتاب إذا غاب ويشمت بالمصيبة.
وللظالم ثلاث علامات: يقهر من دونه [81] بالغلبة، ومن فوقه بالمعصية، ويظاهر الظلمة.
وللمرائي ثلاث علامات: ينشط عند الناس، ويكسل إذا كان وحده، ويحبّ أن يحمد في جميع أُموره.4.
ص: 195
وللمنافق ثلاث علامات: [إن حدّث كذب وإن إئتمن خان وإن وعد أخلف وللكسلان ثلاث]: يتواني حتي يفرط، ويفرط حتي يضيع، ويضيع حتي يأثم، وليس ينبغي. للعاقل أن يكون شاخصاً إلّافي ثلاث خصال: مرمّة لمعاش، وتزود لمعاد، ولذّة في غير محرم(1).
244 - وروي الحافظ أبو بكر أحمد بن الحسين البيهقي بسنده إلي عليّ عليه السلام:
أنّه قال: من ابتدأ غذاءه بالملح أذهب اللّه عنه سبعين نوعاً من البلاء، ومن أكل كلّ يوم سبع تمرات عجوة قتلت كلّ دابّة في بطنه، ومن أكل كلّ يوم إحدي وعشرين زبيبة حمراء لم ير في جسده شيئاً يكرهه. واللحم ينبت اللحم. والثريد طعام العرب والشفارجات تعظم البطن وترخي الإليتين. ولحم البقر داء، ولبنها شفاء، وسمنها دواء. ولم يستشف الناس بشيء أفضل من العسل، والسمك يذيب الجسد، وقراءة القرآن والسواك يذهب البلغم.
ولم تستشف النفساء بشيء أفضل من الرطب والمرءُ يسعي بجدّه، والسيف يقطع بحدّه ومن أراد البقاء ولا بقاء فليباكر الغداء وليقلّ غشيان النساء، وليخففّ الرداء قيل: له وما خفّة الرداء في البقاء؟ قال: قلّة الدين(2).
245 - [ونقلت من صحيفة أهل البيت عليهم السلام عن الحسين بن عليّ قال قال أميرالمؤمنين عليّ عليه السلام: إذا أراد أحدكم الحاجة فليبكر في طلبهايوم الخميس وليقرأ إذا خرج من منزله آخرسورة آل عمران وآية الكرسي وإنّا أنزلناه وأُمّ الكتاب فإنّ فيهاقضاء حوائج الدنياوالآخرة(3).
246 - وقال عليه السلام لرجل سأله فقال: (موضعي كثير السباع): [إذا رأيت الأسد6.
ص: 196
فاقرأهذه الآية: «لَقَدْ جَآءَكُمْ رَسُولٌ مِّنْ أَنفُسِكُمْ»(1) إلي آخرالسورة فإنّك تكفي شرّه فكان الرجل بعد ذلك إذا رأي الأسد قرأها فإذا سمعها ولّي عنه وتركه](2).
247 - وقال عليه السلام: طوبي لمن عيشه عيش الكلاب، للكلب عشر خصال:
الأولي: ليس له مقدار عند الخلق.
الثانية: أنّه فقير ليس له مال.
الثالثة: الأرض كلّها له بساط.
الرابعة: أكثر أوقاته يكون جائعاً وأقلّه يكون شبعاناً.
الخامسة: إن ضربه صاحبه مائة جلدة لا يترك بابه.
السادسة: يحفظ صاحبه ويأخذ العدو ويترك الصديق.
السابعة: يحفظ باب صاحبه في الليل والنهار ولا ينام.
الثامنة: أكثر عمله السكوت.
التاسعة: يكون راضياً بما يدفعه صاحبه إليه.
العاشرة: إذا مات لم يترك من الميراث شيئاً.
248 - \وقال عليه السلام: السواك من السنّة [82] وفيه إثني عشر خصلة: مطهرة للفم، ومجلاة للبصر، ويرضي الرحمن، ويبيض الأسنان، ويذهب بالحفر(3). ويشدّ اللثة، ويشهي الطعام، ويذهب بالبلغم، ويزيد في الحفظ، ويضاعف الحسنات، وتفرح به الملائكة، ويزيد في العقل(4).
249 - وقال عليه السلام: ليس الخير أن يكثر مالك وولدك ولكنّ الخير أن يكثر عملك ويعظم حلمك وأن تباهي الناس بعبادة ربّك، فإن أحسنت حمدت اللّه وإن أسأت استغفرت..
ص: 197
اللّه. ولا خير في الدنيا إلّالأحد الرجلين رجل أذنب ذنوباً فهو يتدارك ذلك بتوبة، أو رجل يسارع في الخيرات، ولا يقلّ عمل في التقوي وكيف يقلّ ما يتقبّل(1).
250 - وقال عليه السلام: لا شرف أعلي من الإسلام، ولا كرم أعزّ من التقوي، ولا معقل أحرز من الورع، ولا شفيع أنجح من التوبة، ولا لباس أجمل من العافية، ولا وقاية أمنع من السلامة، ولا كنز أغني من القناعة، ولا مال أذهب للفاقة من الرّضي بالقوت.
ومن اقتصر علي بلغة الكفاية فقد إنتظم الراحة، وتبوّأ خفض الدعة، والرغبة مفتاح التعب ومطيّة النصب، والحرص داع إلي التقحّم في الهلكات واكتساب الذنوب، والشرّ جامع لمساوي العيوب(2).
- ومن كثر دَيْنه لم تقرّ عينه(3).9.
ص: 198
والرفق مفتاح الرزق(1).
والمال لا ينفعك حتي يفارقك(2).
والسخاء أن تكون بمالك متبرّعاً وعن مال غيرك متورّعاً(3).
من كثرت عوارفه كثرت معارفه(4).
وأفضل المعروف إغاثة الملهوف(5).
ومن بخل بماله علي نفسه جاد به علي زوج عرسه(6).
من أجمل في الطلب أتاه رزقه من حيث لايحتسب(7).
من فعل ما شاء لقي مالا يشاء(8).
الدنيا منازل فراحل ونازل.
الدنيا صروف لست منها بمصروف.
الدنيا كلها غموم فماكان فيها من سرور فهو ربح(9).
ما ذبّ عن الأعراض كالصفح والإعراض(10).
في إغضائك راحة في أعضائك.
من علم ما فيه ستر علي أخيه(11).
ليس بإنسان من نسي الإحسان.
الاغترار بالأغمار من شيم الأغمار.
أيّ عيش يطيب وليس للموت طبيب.
الفقر مخذلة والغنا مجذلة والبؤس مرذلة والسؤال مبذلة(12).
من طلب ما لم يخلق تعب ولم يرزق.ب.
ص: 199
القبر خير من الفقر(1).
ما أقبح بالانسان ظاهر جميل وباطن عليل.
عذابان لا يشعر بهما أحد السفر والبناء.
من استصلح الأضداد بلغ المراد(2).
وسبب المعاداة قلّة المبالات(3).
للكلام أوقات وللمتكلم آفات.
من استعان بالرأي ملك(4).
ومن كابر الأُمور هلك.
وأجلّ النوال ما وصل قبل السؤال(5).
ومن لم يشكر علي الإنعام فأعدّوه من الأنعام(6).
رأس العقل التودد إلي الناس(7).
كن للودّ حافظاً وإن لم تجد محافظاً(8).
لقاء الإخوان جلاء الأحزان.
اجهد أن يكون خلقك أحسن من خلقك.
دع الكذب حيث تري أنّه ينفعك فإنّه يضرّك وعليك بالصدق حيث تري أنّه يضرّك فإنّه ينفعك(9).
من علامات الإقبال اصطناع الرجال(10).
المخذول من كان له إلي اللئام حاجة(11).
من لم يفد بالأدب مالاً إكتسب به جمالاً(12).
وربّ طمع خائب وأمل كاذب ورجاء يؤدّي إلي حرمان، وأرباح تؤل إلي خسران.1.
ص: 200
ومن فرّط في الأُمور غير ناظر في العواقب فقد تعرّض لفادحات النوائب.
والحسد آفة الدين والنعي سائق إلي الحين. وبئس القلادة للمؤمن العفيف قلادة الدّين.
وفطنة الفهم موعظة تدعوا النفس [83] إلي الحذر. والعقول تزجر وتنهي.
والتجارب علم مستأنف. والإعتبار يدلك إلي الرّشاد. وكفي بك أدباً لنفسك ما كرهته من غيرك. وعليك لأخيك مثل الذي عليه لك.
وأنفع الكنوز محبّة القلوب.
وقد خاطر من استغني برأيه. والتدبير قبل العمل يؤمنك من الندم. من أمسك عن الفضول عدّ من أصحاب العقول.
وأشرف الغني ترك المني.
ومن عرف الأيّام لم يغفل عن الاستعداد.
والصبر جنّة من الفاقة.
والحرص علامة الفقر.
والتحمل إجتناب المسكنة.
وفي المودّة قرابة مستفادة.
وواصل معدم خير من جاف مكثر.
ومن أطلق طرفه كثر أسفه.
ومن أحبّ من لا يعرف فإنّما مازح نفسه.
ومن حصّن شهوته صان قدره.
ومن غلب لسانه أمرّه قومه.
وربّ كلمة سلبت نعمة.
ومن ضاق خلقه ملّه أهله.
ومن قلّب الأحوال عرف جواهر الرجال.
والأيّام تهتك عن السرائر الكامنة.
والتواضع يكسوك السلامة.
وفي سعة الأخلاق كنوز الأرزاق.
ولكل ذي رمق قوت وأنت قوت الموت.
والموت (لكل) كائن.
وباب التوبة مفتوح فلا تيأس من الغفران.
وربّ عاكف علي ذنب تاب في آخر عمره.
ومن كساه الغني(1) ثوباً خفيت عن العيون عيوبه.ء.
ص: 201
ومن تحرّي (القصد) خفّت عليه المؤونة.
وفي خلاف النفس الرشد.
والصبر والجزع من أعوان نوائب الزمان.
والجود حارس لأعراض الرجال.
والحلم أدب للسفيه.
وفي الاستشارة عين من الهداية.
ومن قاس الأُمور فهم المستور.
والحقّ ّظل ظليل.
والاحتمال أوفر علي الحظّ من الحدّة.
ومن التوفيق حفظ التجربة.
والطمأنينة قبل الخبرة ضدّ الحزم.
ولا تأمننّ ملولاً.
وفقد بعض إخوانك قطع عضو من أعضائك.
اغض علي قذي وإلّا لم ترض أبداً.
وأقبح المكافات مجازاة الإساة.
عجب المرء بنفسه أحد حسّاد عقله.
ومن لم يحسن خلائقه لم يعسل(1) أدبه.
ومن لان عوده كثفت أغصانه.
ومن خشنت عريكته أفقرت ساحته.
وأدنس شعار المرء جهله.
ومن الفراغ تكون الصبوة.
والخلاف يهدم الرأي.
وربّما أدرك الظنّ الصواب.
وبالمواسات تنال ما تهوي.
والشكر عصمة من النقمة. [84]
واللبّ مفتاح العلم.
والعدل مألوف والهوي عسوف(2).
وعدل السلطان أنفع من خصب الزمان(3).
من أشفق علي سلطانه أمسك عن عدوانه.
من حسنت سياسته دامت رياسته.
من طال عدوانه زال سلطانه(4).
من تأنّي أدرك ما تمنّي.
ومن ركب العجلة لم يأمن الكبوة.7.
ص: 202
والأناة تجلو الهمّة.
وعلي الإنصاف ترضخ(1) الأخوّة.
والحسد لكل صديق من سقم المودّة.
وأكثر مصارع العقول عند بروق المطامع.
ولن تدوم مودّة من استطلت عليه في الموقف.
وحصنك من الساعي حسن المعاشرة.
والبشر الحسن يطفي نار المعاندة.
والرفق يقلّ حدّة المخالفة.
وأنت أخو العزّ ما التحفت بالقناعة.
والمخذول من كانت له إلي الناس حاجة.
ومن الحزم الوقوف مع الشبهة.
وربّ صبابة غرست من لحظة وحرب اضطرمت من لفظة.
وأصل الأشياء كلّها من كلمة.
ولابن آدم خلقت الدنيا والآخرة(2).
بقاءك إلي فناء وفناءك إلي بقاء وخذ من فنائك الذي لا يبقي لبقائك الذي لا يفني.
من أطاع هواه باع دينه بدنياه.
من أطاع هواه هلك.
ومن أطاع مولاه ملك.
والسعيد من أخلص الطاعة.
والغنيّ من آثر القناعة(3).
والحكيم لا يعجب بقضاء محتوم حل بمخلوق(4).
وإلي جانب السرور يكون التنغيص.
ومدّة الأبد في يوم وغد أمسك ولعل غداً لغيرك.
وربّ هالك في يومه وقلبه بالعلل رهين.
هيهات منك الغني إذا لم يقنعك ما حويت.
المصائب بالسوية مقسومة بين البرية.
كلّ آت كأنّ قد أتي.
اعتبر في المهلة قبل نفاذ المدّة.
وأبين الغبن كدك لغيرك.
عفّة اللسان صمته وربما غلب الكلام علي صاحبه.
ومن تقدّم بحسن النية بصره التوفيق.
وليس لذي عنف شمل ولا ألفة.3.
ص: 203
والتلّطف في الحيلة إحدي الوسيلة.
والنجاة في التواضع.
إزالة الرواسي أسهل من تأليف القلوب.
الحسد داء الجسد، الحسد يورث الكمد، وما رأيت حاسداً سالم أحد.
وبالسيرة العادلة تقهر المناوي.
وبحلمك علي السفيه يكثر أنصارك عليه.
والصدق والوفاء يكونان للناس حصناً.
ولأهل العار يضرب الزمان الأمثال.
وكلّ يوم يفيدك علماً.
أحقّ الناس بالرضا من عرف نقص الدنيا.
لكل قلب ما يشغله.
حوائج الدنيا تنهك القوي في الأعضاء.
من إتبع الهوي ضلّ لا شك.
***
ص: 204
ويروي أنّه عليه السلام كتب إلي ابنه الحسن يوصيه وهو بصفين وكان الحسن بقاصدين.
بسم اللّه الرحمن الرحيم
من الوالد الفاني المقر للزمان، المدبر العمر المستسلم للدهر، الذامّ للدنيا التارك لها الساكن مساكن الموتي، الظاعن إليهم غداً، إلي الولد المؤمّل مالايدرك، السالك [85] سبيل من هلك عَرَض الأسقام ورهينة الأيّام ورميّة المصائب، وعبد الدنيا وتاجر الغرور وغريم المنايا وأسيرالموت وقريع الهموم وقرين الأحزان، ونصب الآفات وصريع الشهوات، وحليف الموت أو قال: وخليفة الأموات.
أمّا بعد: فإنّه كان فيما تبيّن لي من إدبار الدنيا عنّي وجموح الدهر عليّ، وإقبال الآخرة إليّ، ما يزعني(1) عن ذكر من سواي، والإهتمام بما ورائي، غير أنّه بحيث تفردّ بي دون همّ الناس همّي، فصدّقني رأئي، وتصرف بي هواي، وصرح لي بمحض أمري، فأفضي بي إلي جدّ لايزري به لعب، وصدق لا يشوبه كذب، وجدتك بعضي، بل وجدتك (منّي)(2) كلّي، حتي لوأنّ شيئاً أصابك أصابني، وكأنّ الموت لو أتاك أتاني، فعناني من أمرك ما يعنيني من أمر نفسي، فكتبت إليك يابنيّ كتابي هذا إن أنا بقيت لك أو فنيت.
أُوصيك بتقوي اللّه، ولزوم أمره وعمّارة قلبك بذكراللّه، والاعتصام بحبله، وأيّ سبب أوثق من سبب فيمابينك وبين اللّه إن أنت أخذت به.
فأحيي قلبك بالموعظة، وأمته بالزهد، وقوّه باليقين، وذلّله بكثرة ذكرالموت، وزهّده في الدنيا، وبصّره بفجائع الدنيا، وحذّره صولة الدهر، وأخش تقلّب الأيّام، وأعرض عن الجهل، وأنظرمن كان قبلك، وسر في بلادهم وآثارهم، فأنظر ما فعلوا وأين حلّوا وعمّا انتقلوا، فإنّك تجدهم قدانتقلوا عن دارالأحياء، وانتقلوا عن الأحبّة وحلّوا دار الغربة، وناد في ديارهم: أيّتها الديار الخاوية أين أهلك؟ ثم قف علي قبورهم فقل: أيّتها الأجساد البالية والعظام النخرة والأعضاء المتفرقة كيف وجدتم الدار التي حللتم بها؟.
أي بنيّ فكأنّك عن قليل قد صرت كأحدهم، فأصلح أُخراك، ولا تبع آخرتكب)
ص: 205
بدنياك، ودع من القول ما لا تعرف، ومن الكلام مالا يتكلّف، وأمسك عن طريق إذا خفت ضلاله، فإنّ الكفّ عن حيرة الضلالة خير من ركوب الأهوال، وخض الغمرات إلي ما فيه الحقّ، وتفقه في الدين، ولاتأخذك في اللّه لومة لائم، وعود نفسك الصبر علي المكروه، فلنعم الخلق الصبر، وألجئ نفسك في الأُمور كلّها إلي إلهك، فإنّك تلجئها إلي كهف حريز ومانع عزيز، وأخلص في المسألة إلي ربّك، فإنّ في يده العطاء والحرمان، وأكثر الاستخارة، واعلم أنّ الإعجاب ضدّالصواب وآفة الألباب، فإذا إهتديت لقصدك فكن أخضع ماتكون لربّك. واعلم أنّ الذي بيده خزائن السماوات والأرض أذن بدعائك، وتكفل بإجابتك، وأمرك أن تسأله ليعطيك، وهو رحيم لم يجعل بينك وبينه من يحجبك ولم يمنعك من التوبة إذا أسأت فمتي ماشئت سمع دعاك ونجواك، فأفض إليه [86] بحاجتك ولتكن مسالتك فيما يعنيك لافيمايلزمك جماله ويبقي عليك وباله فإنّك توشك أن تري عاقبة أمرك حسنة كانت أوقبيحة وفي رواية فمتي ماشئت سمع نداك ونجواك فأفضيت إليه بحاجتك وأبثثته ذات نفسك وشكوت إليه همومك، واستعنته علي أُمورك، وناجيته بما تستخفي به من الخلق كلّهم من سرّك. ثم جعل في يدك مفاتيح خزائنه بما أذن لك فيه من مسألته، فمتي شئت استفتحت بالدعاء أبوابه فالحح في المسألة يفتح لك باب الرحمة ولا يقنطك إن أبطأت عنك الإجابة، فإنّ العطية علي قدر المسألة، فربما أخرت عنك الإجابة ليكون أطول للمسألة، وأجزل للعطية، وربما سألت الشيءفلم تؤته وأُوتيت خيراً منه عاجلاً و آجلاً، وصرف عنك لما هو خير لك، فلربّ أمر قد طلبته وفيه هلاك دينك أودنياك لو أوتيته، ولتكن مسألتك أي بنيّ فيما يعنيك ممّا ترجو أن يبقي لك جماله، أوتخاف أن يبقي عنك وباله، لا فيما لا يبقي لك، ولا تبقي له، فإنّه يوشك أن تري عاقبة أمرك حسناً أو سيئاً، أو يعفو الكريم.
واعلم يابنيّ إنّك خلقت للآخرة لا للدنيا، وللفناء لا للبقاء، وللموت لا للحياة، وإنّك في منزل قلعة ودار بلغة وطريق إلي الآخرة، وإنّك طريدة الموت الذي لا ينجو هاربه، ولا بد أنّه مدركك يوماً فكن منه علي حذر إن يدركك علي حال سيّئة، قد كنت تحدّث نفسك فيها بالتوبة، فيحول بينك وبين ذلك فإذاً أنت قد أهلكت نفسك.
واعلم أنّ من كانت مطيته الليل والنهار فإنّه يسار به وإن كان لايسير، أبي اللّه إلّاخراب
ص: 206
الدنيا وعمّارة الآخرة، أي بني أكثر ذكر الموت، وذكر ما يهجم عليك وتفضي بعد الموت إليه، واجعله أمامك حتي يأتيك، وقد أخذت منه حذرك لا يأخذك علي غرّتك، وأذكر الآخرة وما فيها من النعيم المقيم والعذاب الأليم، فإنّ ذلك يزهدك في الدنيا ويصغرها عندك، وقد نبّأك اللّه عنها، ونعت إليك نفسها، وكشف عن مساويها، فإيّاك أن تغتر بما تري من إخلاد أهلها إليها وتكالبهم عليها، تكالب كلاب عاوية، وسباع ضارية، يهرّ بعضها علي بعض، ويأكل عزيزها ذليلها، وكبيرها صغيرها، وكثيرها قليلها فإن تزهد فيما زهدك فيه منها وترغب بنفسك عنها فأهل ذلك هي وإن تكن غير قابل نصيحتي فاعلم يقيناً إنّك لن تبلغ أملك، ولن تعدو أجلك، وإنّك في سبيل من كان قبلك، فاخفض في الطلب، واجمل في المكتسب، فلربّ طلب دعا إلي حرب، وليس كل طالب بناج، ولاكل مجمل بمحتاج، وأكرم نفسك عن كل دنيّة وإن ساقتك إلي الرغبة، فإنّك لن تعتاض بما تبذل من نفسك عوضاً، وإيّاك أن يوجف بك الطمع فيهديك إلي طبع(1). ولا تأمن خدع الشيطان، واحفظ ما في الوعاء بشدّ الوكاء، مع حسن التدبير وحفظ ما في يدك أحبّ إليّ من طلب [87] ما في يد غيرك، والعفاف مع الكفاف خير من سرور مع فجور.
وفي رواية: حسن التدبير مع الكفاف أكفي لك من الكثير مع الاسراف، وحسن اليأس خير من الطلب إلي الناس،. المرء أحفظ لسرّه، ربّ ساع فيما يضرّه، إيّاك والإتكال علي الأماني، فإنّها بضائع النوكي(2) ، وتثبط عن خير الآخرة والدنيا، أي بنيّ من أكثر هجر ومن تفكر أبصر ومن اعتبر اغتبط، ومن خير حظّ المرء قرين صالح، فقارن أهل الخير تكن معهم، وباين أهل الشرّ تبن عنهم، ولا تكن عبداً لغيرك وأنت حر، وما خيرُ خيرٍ لا ينال إلّا بشرّ، ولا يغلبن عليك سوء الظنّ، فإنّه لن يدع بينك وبين خليل لك صلحاً، وقد يقال من الحزم سوء الظنّ، أي بنيّ بئس الطعام الحرام، وظلم الضعيف أفحش الظلم، والفاحشة كاسمها، وكثرة العلل آية البخل، ولبعض إمساكك عن أخيك مع لطف خير من بذل مع عنف، يا بني: لا يكبر عليك الظلم ممن ظلمك، فإنّه إنّما يسعي في مضرّة نفسه ونفعك ، وليس جزاء من سرّك أن تسؤه.ق.
ص: 207
يا بنيّ ذكّ قلبك بالأدب كما تذكي النار بالحطب، ولا تكن كحاطب الليل وغثاء السيل، إيّاك وكفر النعمة، فإنّ كفر النعمة لوم، وصحبة الجاهل شوم، أي بنيّ: ليس كل طالب يصيب، ولا كلّ راكب يؤب، ومن الفساد اضاعة الزاد، ومن جاد ساد، ومن تفهم ازداد، ولقاء أهل الخير عمّارة القلوب، أي بنيّ إن قارفت سيّئة فعجل محوها بالتوبة، ولا تخن من إئتمنك وإن خانك، ولا تذع سرّه وإن أذاع سرّك، خذ بالفصل وأحسن البذل، وقل للناس حسناً، وإنّ كلمة الحكمة جامعة أن تحبّ للناس ما تحبّ لنفسك، وتكره لهم ما تكره لها، ومن الكرم الوفاء بالذمم وصلة الرحم، ومن يثق بك أو يرجو صلتك إذا قطعت رحمك، ولا تتخذ عدو صديقك صديقاً فتعادي صديقك، ولا تعمل بالخديعة فإنّها خلق اللئيم، وأمحض أخاك النصيحة حسنة كانت أو قبيحة، وساعده علي كل حال وزل معه حيث ما زال، ولا تطلبن مجازاة أخيك وإن حثي التراب بفيك، وجد علي عدوك بالفضل فإنّه أحري للظفر، ولن لمن غالظك فإنّه يوشك أن يلين لك، أي بنيّ ما أقبح القطيعة بعد الصلة، والجفاء بعد الإخاء، والعداوة بعد المودّة، والخيانة لمن إئتمنك، والخضوع عند الحاجة، والجفاء عند الغني، أي بنيّ إنّ ما لك من دنياك ما أصلحت به مثواك، فأنفق في حق ولا تكن خازناً لغيرك، وإن كنت جازعاً علي ما يفلت من يديك فاجزع علي كل ما لم يصل إليك، واستدلل بما لم يكن علي ماكان، فإنّما الأُمور أشباه، ونعم الخلق التكرم، وألأم اللوم البغي عند القدرة، وما أقرب النقمة من أهل البغي. [88] وأخلق بمن غدر أن لا يوفي له، والحياء سبب لكل جميل، أحسن إن أحببت أن يحسن إليك، وعجل الخير فإنّك ليس كلمّا أردته قدرت عليه، وأخر الشرّ فإنّك إذا شئت لعجلته، ليس كل من طلب وجد، ولا كلّ من توقي نجا، احمل أخاك علي ما فيه، ولا تكثر العتاب، فإنّه يورث الضغينة ويجر إلي البغيضة، أي بنيّ من كابر الزمان عطب، ومن ينقم عليه غضب، وليس من الاختلاف إئتلاف، ومن حسن جوراً فقد جار، زلّة المتوقي شرّ زلّة، وعلّة الكذب أقبح علّة، والفساد يبير الكثير، والاقتصاد يثمر اليسير، ولا خير في لذّة تعقب ندماً، أي بنيّ: لن يهلك من اقتصد، ولن يفتقر من زهد، أي بنيّ! تمام الإخلاص تجنّب المعاصي، وخير المقال ما صدقه الفعال، والسلامة مع الاستقامة، والدعاء مفتاح الرحمة، أي بنيّ: سل عن الرفيق ثم الطريق، والجار قبل الدار، وعود نفسك السماح، وإيّاك أن تذكر من الكلام قذراً أو تكون
ص: 208
مضحكاً، وإن حكيت ذلك عن غيرك، وأقبل عذر من اعتذر إليك، وخذ العفو من الناس، ولا تبلغ من أحد مكروهه، وأطع أخاك وإن عصاك، وصله وإن جفاك، وأنصف من نفسك قبل أن ينتصف منك، وإيّاك ومشاورة النساء، فإنّ رأيهنّ إلي الأفن وعزمهنّ إلي الوهن، وأكفف عليهنّ من أبصارهنّ يحجبك إيّاهنّ فإنّ شدّة الحجاب خير لك ولهنّ من الإرتياب وليس خروجهن بأشدّ من دخول من لا يوثق به عليهنّ، فإنّ استطعت أن لا تعرفن غيرك فافعل، ولا تملك المرأة من أمرها ما جاوز نفسها، فإنّ ذلك أنعم لحالها وأرخي لبالها وأدوم لجمالها، فإنّما المرأة ريحانة وليست بقهرمانة، ولا تعد بكرامتها نفسها، ولا تطمعها أن تشفع لغيرها فيميل من شفعت له عليك معها، ولا تطل الخلوة مع النساء فيمللّنك أو تمللّهنّ، واستبق من نفسك بقية فإنّ إمساكك عنهنّ وهن يرين إنّك ذو اقتدار خير من أن يعثرن منك علي انكسار، وإيّاك والتغاير في غير موضع غيرة، فإنّ ذلك يدعو الصحيحة منهنّ إلي السقم ولكن احكم أمرهنّ، فإنّ رأيت ذنباً فعاجل النكير علي الكبير والصغير، وإيّاك أن تعاقب، فيعظم الذنب ويهون العتب، أي بنيّ وأحسن للمماليك الأدب، وأقلل الغضب، ولا تكثر العتب في غير ذنب، فإن إستحق أحد منهم ذنباً فأحسن العفومع العدل فإنّ العدل أشدّ من الضرب لمن كان له عقل، و لاتمسك من لا عقل له وخف القصاص، واجعل لكل امريءٍ منهم عملاً تأخذه به، فإنّه أحري أن لا يتواكلوا، أي بنيّ أكرم عشيرتك فإنّهم جناحك الذي به تطير، وأصلك الذي إليه تصير، فإنّك بهم تصول، وبهم تطول، وهم العدّة عند الشدائد، فأكرم كريمهم [89] وعد عن سفيههم وأشركهم في أُمورهم ويسر عن معسرهم، يا بنيّ أعرف الحقّ لمن عرفه لك شريفاً كان أو وضيعاً، وأطرح عنك واردات الهموم بعزائم الصبر، ولا تصرم أخاك علي إرتياب، ولا تقطعه من دون استعتاب، وليس جزاء من سرّك أن تسؤه، الرزق رزقان رزق تأتيه ورزق يأتيك، فإن لم تأتيه أتاك، واستعن باللّه علي أمورك فإنّه أكفي معين، والسلام عليك ورحمة اللّه وبركاته(1).
1 - وروي الليث بن سعد عن نافع عن شريح القاضي قال: اشتريت داراًة.
ص: 209
بثمانين ديناراً وكتبت كتاباً وأشهدت عدولاً فبلغ ذلك عليّ بن أبي طالب عليه السلام فلمّا أتيته قال: يا شريح بلغني أنّك إشتريت داراً بثمانين ديناراً و كتبت كتاباً وأشهدت عدولاً؟ قلت: قد كان ذلك يا أمير المؤمنين قال: إنّه سيأتيك من لا ينظر في كتابك ولا يسألك عن بيّنتك حتي يخرجك منها شاخصاً، ويسلمك إلي قبرك خالصاً، فانظر أن لا تكون إشتريت داراً من غير مالك، ووزنت مالاً من غير حلالك، فإذاً أنت قد خسرت الدارين دار الدنيا ودار الآخرة فلو أنّك عندما إشتريت هذه الدار أتيتني فكتبت لك كتاباً علي هذه النسخة إذا ما إشتريتها بدرهمين.
قلت: وما كنت تكتب يا أمير المؤمنين؟ قال: كنت أكتب هذا ما إشتري عبد ذليل من ميّت قد أزعج بالرحيل إشتري منه داراً بدار الغرور من الجانب الفاني إلي عسكر الهالكين، تجمع هذه الدار حدوداً أربعةً:
الحدّ الأوّل منها: ينتهي إلي دواعي المصيبات.
والحدّ الثاني: ينتهي إلي دواعي العاهات.
والحدّ الثالث: ينتهي إلي دواعي الآفات.
والحدّ الرابع: ينتهي إلي الهوي المردي وإلي الشيطان المغوي، وفيه يشرع باب هذه الدار [(إشتري هذا المفتون بالأمل من هذا المزعج بالأجل جميع ما في هذه الدار](1).
بالخروج من عزّ القنوع، والدخول في ذل الطلب فما أدرك هذا المشتري من درك، فيما إشتراه فعلي مبلي أجسام الملوك، وسالب نفوس الجبابرة، ومزيل ملك الفراعنة، مثل كسري وقيصر وتبع وحمير ومن جمع المال علي المال فأكثر، ومن بني فشيّد وزخرف ونجد وجمع (واعتقد)(2) ونظر بزعمه للولد إشخاصهم جميعاً إلي موقف العرض والحساب وموضع الثواب والعقاب إذا وقع الأمر لفصل القضاء. وفي رواية: إذا وضع الكرسي لفصل القضاء وخسر هنالك المبطلون وسمع المنادي المرهب ينادي في عرصاتها، ما أبين الحقّ لذي عينين شهد علي ذلك العقل إذا خرج من أسر الهوي وسلم منب)
ص: 210
علائق الدنيا. وفي رواية والمعرفة إذا تخلصت عن قيد المني تزوّدوا من صالح الأعمال وكذبوا الآمال بالآجال فقد دني النقلة والزوال(1). [90]
قوله:
وكن معدناً للحكم واصفح عن الأذي فإنّك لاق ما عملت وسامع
وأحبب إذا أحببت حبّاً مقارباً فإنّك لا تدري متي الحبّ نافع
وأبغض إذا أبغضت بغضاًمقارناً فإنّك لاتدري متي الحبّ راجع(2)
وله عليه السلام:
دنيا تخادعني كأنّي لست أعرف حالها
مدّت إليّ يمينها فقطعتها وشمالها
ذمّ الإله حرامها وأنا أجتنب حلالها
ورأيتها محتاجة فتركت جملتها لها(3)
[وله عليه السلام:
أحمدربّي علي خصال خصّ بها سادة الرجال لزوم صبر وخلع كبر
وصون عرض وبذل مال](4)
ص: 211
وله أيضاً مما رواه الأصمعي عن جعفر بن محمّد الصادق عن أبيه عن جدّه عن أبيه الحسين عليهم السلام عنه:
عش موسراً إن شئت أو معسراً لابدّ في الدّنيا من الغمّ
ودنياك بالهم مقرونة فلا تقطع الدهر إلا بهمّ
حلاوة دنياك مسمومة فلا تأكل الشهد إلّابسمّ
محامدك اليوم مذمومة فلا تكسب الحمد إلّابذمّ
إذا تمّ أمر دنا نقصه توقع زوالاً إذا قيل تمّ
إذا كنت في نعمة فارعها فإنّ المعاصي تزيل النّعم
وداوم عليها بشكر الإله فإنّ الإله سريع النقم(1)
2 - وعن جابر بن عبد اللّه الأنصاري قال: دخلت علي عليّ عليه السلام في بعض علله فلمّا نظر إليّ قال:
يا جابر قوام الدنيا بأربع: عالم مستعمل لعلمه، وجاهل لا يستنكف أن يتعلّم وغنيّ جواد بمعروفه، وفقير لا يبيع آخرته بدنياه، فإذا عطل العالم علمه إستنكف الجاهل أن يتعلّم، وإذا بخل الغني بمعروفه باع الفقير آخرته بدنياه، فإذا كان كذلك فالويل كل الويل يا جابر - سبعين مرّة - يا جابر: من كثرت نعم اللّه عليه كثرت حوائج المخلوقين إليه، فإن قام فيها بما أمره اللّه تعالي عرّضها للدوام والبقاء، وإن لم يعمل فيها بما أمره اللّه عرّضها للزوال والفناء ثم أنشأ يقول:
ما أحسن الدنياوإقبالها إذا أطاع من نالها1.
ص: 212
من لم يواس الناس من فضله عرّض للإدبار إقبالها
فاحذر زوال الفضل ياجابر وأعط من الدنيا لمن سالها
فإنّ ذا العرش جزيل العطا يضعف بالحبّة أمثالها
قال جابر: ثم هزّني إليه هزّة خيل إليّ أن عضدي خرجت من كاهلي، وقال: يا جابر حوائج الناس إليكم نِعَمُ من اللّه عليكم، فلا تملّوا النعم فتحلّ بكم النقم، وأعلموا أنّ خير المال ما أكتسب حمداً وأعقب أجراً ثم أنشأ يقول:
لا تخضعنّ لمخلوق علي طمع فإنّ ذلك وهن منك في الدين
واسأل إلهك ممّا في خزائنه فإنّما هي بين الكاف والنون
أنا نري كل من نرجو ونأمله من البريّة مسكين ابن مسكين
ما أحسن الجود في الدنياوفي الدين وأقبح البخل ممن صنع من طين
قال جابر: فهممت [91] أن أقوم فقال: أنا معك يا جابر فلبس نعليه وألقي رداءه علي منكبيه وخرجنا فلمّا بلغنا إلي جبانة الكوفة، سلّم علي أهل القبور فسمعت ضجّة وهدّة فقلت: يا أميرالمؤمنين ما هذه الضجّة وماهذه الهدّة؟ فقال:
هؤلاء بالأمس كانوا معنا، واليوم فارقونا إخوان لا يتزاورون، وأودّاء لا يتعاودون، ثم خلع نعليه وحسر عن ذراعيه ورأسه وقال: يا جابر أعطوا من دنياكم الفانية لآخرتكم الباقية، ومن حياتكم لموتكم، ومن صحّتكم لسقمكم، ومن غناكم لفقركم، اليوم في الدور وغداً في القبور، وإلي اللّه تصير الأُمور ثم أنشأ يقول:
سلام علي أهل القبور الدوارس كأنّهم لم يجلسوا في المجالس
ولم يشربوا من بارد الماء شربة ولم يأكلوا من رطب ويابس
ألا أخبروني أين قبر ذليلكم وقبر العزيز الباذخ المتنافس(1)
فهذه قطرة من بحار فضائله الزاخرة ذكرناها، ورشحة من سحائب مناقبه الفاخرة أثبتناها، ونبذة من كلماته الفائقة جمعناها، ولو ذهبنا نذكر فضائله الزاخرة ومناقبه الفاخرة وكلماته الرائقة وأمثاله الشافية، لطال الكتاب وهذا القدر كاف فيما أشرنا إليه من ذلك واللّه الموفق للصواب:
سقته سحائب الرضوان سحاً كجود يديه ينسجم إنسجاماً
ولا زالت رواء المزن تهدي إلي النجف التحيّة والسلاما (1)ء.
ص: 213
ص: 214
وهو يشتمل علي قسمين: قسم في مناقب سيّدة النساء الزهراء البتول فاطمة زوجة عليّ المرتضي، وقرّة عين الرسول صلي الله عليه و آله، وقسم يشتمل علي مناقب ولديهما السيّدين السندين، السعيدين الشهيدين، الرضيّين المرضيّين، سيّدي شباب أهل الجنّة، السبطين أبي محمّد الحسن، وأبي عبداللّه الحسين، المخصوصين بكرامة الإجتباء والإصطفاء، والداخلين مع أبيهما وأُمّهما وجدّهما تحت العباء، المطهرين من أنجاس الأرجاس، المبرّئين من أدران الميل إلي الدنيا والأدناس، وعلي طرف من مآثر أولادهم الأتقياء، المخصوصين بالانتساب إلي الحضرة النبويّة، وشرف الإنتماء للعترة، الذين خصّهم اللّه تعالي بالكرامة والزلفي، وأوردهم من مناهل لطفه ومشارع فضله وعطفه المشرب الأعذب والمورد الأصفي، الأُسرة الطاهرة النقيّة، والعصبة العلويّة، العُلْوية المطهّرين من كلّ رذيلة ودنيّة، والمتحلّين بكلّ فضيلة جليلة ومنقبة سنيّة، فصلوات اللّه وسلامه وتحياته علي محمّد وآله [92] وذوي قرابته وعلي جميع الأنبياء والمرسلين وآل كلّ وصحابته، صلاةً وسلاماً دائمين بدوام اللّه تعالي عدد مخلوقاته ورضي نفسه وزنة عرشه ومداد كلماته.
وأُمّها خديجة بنت خويلد وقد ولدت خديجة لرسول اللّه صلي الله عليه و آله غير فاطمة
ص: 215
غلامين وثلاث بنات: القاسم وعبداللّه، وأُمّ كلثوم، وزينب، ورقية، وولدت فاطمة عليها السلام سنة بَنَت قريش الكعبة، قبل النبوّة بخمس سنين، وقيل بعد النبوّة بخمس سنين.
1 - لأنّه روي أنّ النبيّ صلي الله عليه و آله لمّا أُسري به أتاه جبرئيل بتفاحة من الجنّة فأكلها فصارت في صلبه منيّاً، فلمّا جامع خديجة حملت خديجة بفاطمة عليها السلام فكانت فاطمة من تلك التفاحة(1). واللّه أعلم.
2 - وروي المسوّر بن مخرمة قال: سمعت رسول اللّه صلي الله عليه و آله وهو علي المنبر يقول: إنّ بني هشام بن المغيرة استأذنوني في أن ينكحوا إبنتهم عليّ بن أبي طالب فلا آذن لهم، ثم لا آذن لهم، ثم لا آذن إلّاأن يُريد ابن أبي طالب أن يطلّق إبنتي وينكح إبنتهم فإنّما هي بضعة منّي يريبني ما أرابها ويؤذيني ما آذاها. أخرجاه في الصحيحين(2).
3 - وفي رواية عن المسور أنّ عليّاً عليه السلام خطب بنت أبي جهل فبلغ ذلك النبيّ صلي الله عليه و آله فقال: فاطمة بضعة منّي فمن أغضبها فقد أغضبني ومن آذاها فقد آذاني(3).
4 - وفي رواية: إنّما فاطمة بضعة منّي ما آذاها آذاني ومارابها رابني، قال الفراء:
راب وأراب بمعني واحد ويقال: رابني أي شكّكني وأوهمني فإذا إستيقنته قلت: رابني(4).6.
ص: 216
5 - روي ثوبان: كان رسول اللّه صلي الله عليه و آله إذا خرج في سفر آخر من يكون عهده به من أهل بيته فاطمة عليها السلام وإذا قدم أوّل من يدخل عليه فاطمة(1).
6 - وعن عمر: أنّ النبيّ صلي الله عليه و آله كان إذا خرج آخر عهده بفاطمة وإذا رجع كان أوّل عهده بفاطمة(2).
7 - وعن ثوبان قال: كان النبيّ صلي الله عليه و آله إذا سافر آخر عهده بإنسان من أهله فاطمة، وإن أوّل من يدخل عليه أو يسلّم إذا قدم فاطمة فقدم النبيّ صلي الله عليه و آله من غزاة له فأتاها وإذا بمسح علي بابها ورأي علي الحسن والحسين قلبين من فضّة فرجع ولم يدخل عليها فلمّا رأت فاطمة ذلك ظنّت أنّه لم يدخل عليها من أجل ما رأي فهتكت الستر ونزعت القلبين من الصبيّين فقطعتهما فبكي الصبيان، وأرسلت بذلك إلي [93] رسول اللّه صلي الله عليه و آله فقال: يا ثوبان اشتر لفاطمة قلادة من عصب وسواراً من عاج فإنّ هؤلاء أهل بيتي ولا أحبّ أن يأكلوا طيّباتهم في حياتهم الدنيا(3).
8 - روي عليّبن عمر بن عليّ عن جعفر بن محمّد عن أبيه عن جدّه عن الحسين بن عليّ عن عليّ بن أبي طالب عليهم السلام أنّ النبيّ صلي الله عليه و آله قال لفاطمة: إنّ اللّه
ص: 217
يغضب لغضبك ويرضي لرضاك(1).
9 - وعن عائشة قالت: كان رسول اللّه صلي الله عليه و آله يكثر من تقبيل فاطمة عليها السلام فقلت: يارسول اللّه أراك تكثر تقبيل فاطمة؟ فقال: إنّي إذا اشتقت إلي رائحة الجنّة قبلتها(2).
10 - وقد روي ابن عبّاس أنّ النبيّ صلي الله عليه و آله قال: ريح الولد من ريح الجنّة(3).
11 - وعن عائشة أنّها سئلت أيّ الناس كان أحبّ إلي رسول اللّه صلي الله عليه و آله؟ قالت: فاطمة، فقيل: من الرجال؟ قالت: زوجها(4).
12 - روي أبو سعيد الخدري قال قال رسول اللّه صلي الله عليه و آله: فاطمة سيّدة نساء أهل الجنّة، إلّاما كان من مريم بنت عمران(5).
13 - روي أبو سعيد أيضاً أنّ رسول اللّه صلي الله عليه و آله قال: سادات نساء أهل الجنّة أربع فاطمة، ومريم، وخديجة، وآسية(6).
ص: 218
14 - وروي ابن عبّاس أنّ النبيّ صلي الله عليه و آله قال: أربع نسوة سادات عالمهن، مريم بنت عمران، وآسية بنت مزاحم (آل فرعون)(1) وخديجة بنت خويلد، وفاطمة بنت محمّد صلي الله عليه و آله وأفضلهن عالياً فاطمة(2).
15 - [وروي أهل البيت عليهم السلام بعضهم عن بعض عن جعفر بن محمّد عن أبيه محمّد بن عليّ عن جابر بن عبداللّه الأنصاري قال، قال رسول اللّه صلي الله عليه و آله: لمّا خلق اللّه تعالي آدم وحوا تبخترا في الجنّة وقالا: ما خلق اللّه خلقاً أحسن منّا، فبينما هما كذلك إذا هما بصورة جارية لم يري الراؤون بأحسن منها لها نور شعشعاني يكاد يطفئ الأبصار علي رأسها تاج وفي أُذنها قرطان فقالا: ياربّ ماهذه الجارية؟ قال: صورة فاطمة بنت محمّد سيّد ولدك فقالا: ما هذاالتاج علي رأسها؟ قال: هذا بعلها عليّبن أبي طالب قالا: فما هذان القرطان؟ قال: ابناها الحسن والحسين، وجد ذلك في غامض علمي قبل أن أُخلقك بألفي عام](3). النور الشعشعاني الذي له بريق لا يستطيع الناظر أن يتأمّله لعظمه وبريقه وإرتفاعه من شعشع أي خلط بعضه ببعض واللّه أعلم])(4).
16 - وروي [94] مسروق عن عائشة قالت: كنّا أزواج النبيّ صلي الله عليه و آله عنده فأقبلت فاطمة ما تخفي مشيتها من مشية رسول اللّه صلي الله عليه و آله فلمّا رآها قال: مرحباً يا بنتي ثم أجلسها ثم سارّها فبكت بكاءاً شديداً، فلمّا رأي جزعها سارّها ثانية فإذا هي تضحك، فلمّا قام رسول اللّه صلي الله عليه و آله سألتها عما سارّك؟ قالت: ماكنت لأفشي علي رسول اللّه صلي الله عليه و آله، فلمّا توفي قلت: عزمت عليك بمالي عليك منب)
ص: 219
الحقّ لما أخبرتني قالت: أمّا الآن فنعم أمّا حين سارّني في الأمر الأوّل فإنّه أخبرني أنّ جبرئل كان يعارضني بالقرآن كلّ سنة مرّة وإنّه عارضني به العام مرّتين ولا أري الأجل إلّاقد إقترب فاتّقي اللّه وأصبري فإنّي نعم السلف أنا لك فبكيت، فلمّا رأي جزعي سارّني الثانية فقال: يا فاطمة ألا ترضين أن تكوني سيّدة نساء أهل الجنّة أو نساء المؤمنين.
وفي رواية: [سارّني فأخبرني أنّه يقبض في وجعه فبكيت ثم](1) سارّني فأخبرني إنّي أوّل أهل بيته أتبعه فضحكت(2). متفق عليه.
17 - وفي رواية عن عائشة قالت: أقبلت فاطمة تمشي كأنّ مشيتها مشية رسول اللّه صلي الله عليه و آله فقال: مرحباً بابنتي وأجلسها عن يمينه أو يساره فأسرّ إليها فبكت، ثم أسرّ إليها فضحكت فقلت: ما رأيت كاليوم حزناً أقرب من فرح، ممّ أَسرّ إليك رسول اللّه صلي الله عليه و آله؟ قالت: ما كنت لأفشي سرّه. فلمّا قبض سألتها فقالت: قال: إنّ جبرئيل كان يأتيني فيعارضني بالقرآن مرّة وإنّه أتاني العام فعارضني به مرّتين ولا أري أجلي إلّاقد حضر ونعم السلف أنا لك وإنّك أوّل أهلي لحوقاً بي فبكيت لذلك، فقال: أما ترضين أن تكوني سيّدة نساء المؤمنين أو سيّدة نساء هذه الأُمّة فضحكت(3).
18 - وروي عمران بن حصين أنّ رسول اللّه صلي الله عليه و آله عاد فاطمة عليها السلام في وجع لها فقال: يا بنيّة كيف تجدينك؟ قالت: إنّي لوجعة وإنّه ليزيدني وجعاً أن ليس لي طعام آكله فقال: أما ترضين أنّك سيّدة نساء العالمين؟ قال: فقالت: يا أبة فأين مريم بنت عمران؟ قال: تلك سيّدة نساء عالمها وأنت سيّدة نساء عالمك، أما لقد زوجتك سيّداً في الدنيا وسيداً في الآخرة فقالت: واللّه ما عليّ إلّاعباءة فقال النبيّ صلي الله عليه و آله لها: إصنعي بها كذا،3.
ص: 220
يعلمّها كيف تستتر قالت: واللّه ما علي رأسي خمار قال: فأخذ خلق ملاءة كانت عليه فقال: إختمري بها(1).
19 - [وروي أنس قال: كنّا مع رسول اللّه صلي الله عليه و آله في المسجد حتي إذا طلعت الشمس خرج رسول اللّه [95] فاتّبعته فقال انطلق بنا حتي ندخل علي فاطمة بنت محمّد فدخلنا عليها فإذا هي نائمة مضطجعة فقال: يا فاطمة ماينيمك هذه الساعة؟ فقالت: مازلت منذ البارحة محمومة قال: فأين الدعاء الذي علمّتك؟ قالت:
نسيته قال: قولي ياحييّ ياقيّوم برحمتك أستغيث أصلح لي شأني كلّه لاتكلني إلي نفسي طرفة عين ولا إلي أحد من الناس](2).
20 - وروي أبو هريرة أنّ رسول اللّه صلي الله عليه و آله قال: اوّل شخص يدخل عليَّ الجنّة فاطمة بنت محمّد ومثلها في هذه الأُمّة مثل مريم في بني إسرائيل(3).
21 - وعن عبد اللّه قال، قال رسول اللّه صلي الله عليه و آله: إنّ فاطمة أحصنت فرجها فحرم اللّه ذرّيّتها علي النار(4).
22 - وعن عائشة قالت: ما كان أحد أشبه حديثاً ولا كلاماً ولا مشية برسول اللّه صلي الله عليه و آله من فاطمة(5).
23 - وقالت عائشة أيضاً: ما رأيت أحداً أشبه كلاماً بكلام رسول اللّه صلي الله عليه و آله منه.
ص: 221
فاطمة وكانت إذا دخلت علي النبيّ صلي الله عليه و آله فسلّمت قام النبيّ إليها فأخذ بيدها ورحّب بها وقبّلها وأجلسها في مجلسه وكان النبيّ صلي الله عليه و آله إذا دخل عليها فعلت به مثل ذلك(1).
24 - وروي أنس قال: سألت أُمّي عن صفة فاطمة بنت رسول اللّه فقالت:
يا بنيّ أشبه الناس برسول اللّه صلي الله عليه و آله بيضاء مشربة حمرة كأنّها القمر ليلة البدر، أو كأنّها الشمس كفرت غماماً، لها شعرة سوداء تعثر فيها(2).
25 - قال عبد اللّه بن المثنّي الأنصاري أحد رواة هذا الحديث كانت فاطمة كما قال الشاعر:
بيضاء تسحب من قيام شعرها وتغيب فيه وهو جثل أسحم(3)
فكأ نّها فيه نهار مشرق وكأ نّه ليل عليها مظلم(4)
26 - وعن عمران بن دينار أنّ فاطمة لم تضحك بعد النبيّ صلي الله عليه و آله حتي قبضت لما لحقها من شدّة الحزن علي أبيها صلي الله عليه و آله(5).
27 - قال بن شهاب: وتوفيت فاطمة بعد رسول اللّه صلي الله عليه و آله بستّة أشهر وقيل مائة يوم.
28 - وروي أنّها عاشت بعد رسول اللّه صلي الله عليه و آله شهرين والصحيح الأوّل(6).ي.
ص: 222
29 - وعن عليّ عليه السلام: أنّ فاطمة بنت رسول اللّه صلي الله عليه و آله جاءت إلي قبر النبيّ صلي الله عليه و آله فوقعت عليه ثم أخذت قبضة من تراب القبر فوضعتها علي عينيها وبكت وأنشأت تقول:
ماذا علي من شمّ تربة أحمد أن لا يشمّ مدي الزمان غواليا
صبّت عليّ مصائب لو أ نّها صبّت علي الأيّام صرن لياليا(1)
30 - قال أبو بكر بن أبي شيبة: بلغني [96] أنّ فاطمة عليها السلام توفيت وهي بنت تسع وعشرين سنة. وقيل: أنّها توفيت ولها ثماني عشرة سنة وخمسة وأربعون يوماً، وكان عمرها بمكة قبل الهجرة ثمان سنين وبعد وفاة النبيّ خمسة وتسعون يوماً. قال الغرياني وقيل: أ نّها عاشت بعد النبيّ صلي الله عليه و آله أربعين يوماً ودفنت ليلاً بالبقيع وصلّي عليها العبّاس، وقيل أبو بكر، وقيل عليّ عليه السلام. وتوفيت ليلة الثلاثاء لثلاث خلون من رمضان سنة إحدي عشرة ونزل في قبرها العبّاس وعليّ عليه السلام.
31 - \ [وروي أنّ عليّاً عليه السلام لما ماتت فاطمة وفرغ من جهازها ودفنها رجع إلي بيته فاستوحش فيه وجزع عليها جزعاً شديداً ثم أنشأ:
لكل اجتماع من خليلين فرقة وكل الذي دون الفراق قليل
وإنّ افتقادي فاطمة بعدأحمد دليل علي أن لايدوم خليل(2).
32 - \وروي جعفر بن محمّد عليهما السلام قال: لمّا ماتت فاطمة كان عليّ عليه السلام يزور قبرها كل يوم فأقبل ذات يوم فانكب علي قبرها وأنشأ يقول:
مالي مررت علي القبور مسلّماً قبر الحبيب فلم يردّ جوابي
أحبيب مالك لا تجيب منادياً أمللت بعدي خلّة الأحباب
فأجابه هاتف وهو يقول:
قال الحبيب وكيف لي بجوابكم وأنارهين جنادل وتراب
أكل التراب محاسني فنسيتكم وحجبت عن أهلي وعن أترابي
فعليكم منّي السلام قطّعت عنّي وعنكم خلّة الأحباب](1)
33 - روي عبيد اللّه بن أبي رافع عن جدّته أُمّ عبداللّه أُمّ ولد أبي رافع قالت:
كانت فاطمة عليها السلام شديدة الوجع في مرضها فأصبحت ذات يوم منتقعة أو قالت:
متقنعة فخرج عليّ لبعض حوائجه فقالت: ضعي لي طهوراً ففعلت فقامت فاغتسلت أشد ما رأيتها تغتسل، ثم قالت: ناوليني ثيابي الجدد فناولتها فلبستها ثم قالت: أفرشي فراشي نحو القبلة ففعلت فجاءت حتي إضطجعت عليه فوضعت يدها اليمني تحت خدها ثم قالت: إنّي أُقبض الآن فلا تحركوني فقبضت فجاء عليّ فأخبرته فقال: لا جرم لا تحرك من مكانها(2).
34 - وقالت عائشة: ما رأيت أصدق لهجة منها يعني فاطمة إلّاأن يكون الذي ولّدها يعني النبيّ صلي الله عليه و آله(3).
35 - روي الشعبي عن أبي جحيفة عن عليّ عليه السلام قال: قال رسول اللّه صلي الله عليه و آله إذا كان
ص: 223
ص: 224
يوم القيامة نادي مناد يا أهل الجمع غضّوا أبصاركم عن فاطمة بنت محمّد حتي تمرّ إلي الجنّة(1).
36 - وروي الأصبغ بن نباتة عن أبي أيوب الأنصاري قال: قال رسول اللّه صلي الله عليه و آله: إذا كان [97] يوم القيامة جمع اللّه الأوّلين والآخرين في صعيد واحد ثم نادي من بطنان العرش إنّ الجليل جلّ جلاله يقول: نكّسوا رؤوسكم وغضّوا أبصاركم فإنّ هذه فاطمة بنت محمّد تريد أن تمرّ علي الصراط(2).
37 - وروي أبو سعيد في حديثه عن النبيّ صلي الله عليه و آله: أنّه مرّ في السماء السابعة قال: فرأيت فيها لمريم ولأُمّ موسي ولآسية إمرأة فرعون ولخديجة بنت خويلد قصوراًمن الياقوت ولفاطمة بنت محمّد سبعين قصراً من مرجان أحمر مكللاً باللؤلؤ أبوابها (وتكياتها، أو قال: وتكاياها)(3) وأسترتها من عود واحد(4).
38 - أنبأنا الشيخ أبو اليمن عبد الصمد بن عساكر الدمشقي أنا المؤيّد بن أحمد بن عليّ كتابة أنا أبو عبد اللّه محمّد بن الفضل بن أحمد الصاعدي إجازة قال أنا الإمام الحافظ أبو بكر أحمد بن الحسين البيهقي بسنده إلي بن أبي نجيح عن أبيه عن رجل سمع عليّاً عليه السلام بالكوفة يقول: أردت أن أخطب إلي رسول اللّه بنته فاطمة فذكرت أنّه لا شيء لي، ثم ذكرت عائدته وصلته فخطبتها فقال: أين درعك
ص: 225
الحطيمة التي أعطيتكها يوم كذا وكذا؟ قلت: هي عندي قال: فأعطها إيّاها ثم قال: لا تحدّثا شيئاً حتي آتيكما فآتانا وعلينا قطيفة أو كساء فلمّا رأيناه دسسناه، فدعي بماء فأتي بإناء فدعا فيه ثم رشّه علينا فقلت: يارسول اللّه صلي الله عليه و آله أيّنا أحبّ إليك قال:
هي أحبّ إليّ منك وأنت أعزّ عليّ منها(1).
قال الحافظ أبو بكر: قلت الصواب فلمّا رأيناه خشخشنا قال: مكانكما - أي تحركنا - هكذا رواه الحميدي وغيره عن سفيان وقد ذكرنا في كتاب دلائل النبوّة ومغازي رسول صلي الله عليه و آله بعد قصّة بدر عن محمّد بن إسحاق بن يسار عن ابن أبي نجيح عن مجاهد عن عليّ أتم من ذلك في الخطبة والتزويج دون ما بعدها من رشّ الماء.
39 - روي أبو داود السجستاني بسنده إلي قتادة عن الحسن عن أنس ابن مالك قال: أتي أبو بكر النبيّ صلي الله عليه و آله فجلس بين يديه فقال: يارسول اللّه قد علمت نصيحتي وقدمي في الإسلام وإنّي وإنّي قال: وماذاك؟ قال تزوجّني فأعرض عنه، فأتي عمر فقال: هلكت وأهلكت قال: وما ذاك؟ قال خطبت فاطمة إلي النبيّ صلي الله عليه و آله فأعرض عنّي، قال: فانتظر حتي آتيه فأسأل مثل ما سألت، فأتي عمر النبيّ صلي الله عليه و آله فجلس إليه فقال: يارسول اللّه قد علمت نصيحتي وقدمي في الإسلام وإنّي وإنّي فقال: وماذاك؟ قال: تزوجّني فأعرض عنه فأتي عمر أبا بكر فقال:
ينتظر أمر اللّه فيها قال عليّ: فأتياني وأنا أغرس فسيلاً فقالا لي: هذه إبنة عمّك تخطب وأنت جالس هاهنا، قال: فهيّأني [98] إلي أمر لم أكن أذكره قال: فقمت أجر ردائي أحدهما علي عاتقي والآخر أجره حتي جلست بين يدي رسول اللّه صلي الله عليه و آله، فقلت2.
ص: 226
يارسول اللّه صلي الله عليه و آله: قد علمت نصيحتي وقدمي في الإسلام وإنّي وإنّي قال: وماذاك؟ قلت:
تزوجّني فاطمة قال: وعندك شيء؟ قلت: فرسي وبدني - \يعني درعه - \قال: أمّا فرسك فلا بدّ لك منه وأمّا بدنك فبعها وائتني بها قال: فانطلقت فبعتها بأربعمائة وثمانين ثم جئت بها فوضعتها في حجره، قال: فقبض منها قبضة وقال: أين بلال ابتعنا بها طيباً، ثم أمرهم أن يجهّزوها فعمل لها سرير شريط في شريط ووسادة من أدم حشوها ليف وملأ البيت كثيباً يعني رملاً قال: وأمر أُمّ أيمن أن تنطلق إلي إبنته، وقال لعليّ: لا تعجل حتي آتيك قال: فانطلق النبيّ صلي الله عليه و آله فأتاهم فقال لأُمّ أيمن: ههنا أخي؟ قالت: أخوك وتزوّجه إبنتك؟ قال: نعم. فدخل علي فاطمة ودعا بماء فأتته بقعب فيه ماء فمج فيه ثم نضح علي رأسها وبين ثدييها وقال: اللهمّ إنّي أُعيذها بك وذرّيّتها من الشيطان الرجيم، ثم قال لعليّ: ائتني بماء فعلمت ما يريد فملئت القعب فأتيته به فنضح منه علي رأسي وبين كتفي وقال: اللهمّ إنّي أعيذه بك وذرّيّته من الشيطان الرجيم، ثم قال: أُدخل بأهلك علي اسم اللّه تعالي وبركته. قال أبو داود: سألت أحمد بن حنبل عن هذا الحديث فقال: هو عن سعيد عن أبي يزيد المديني(1).
وأمّا عبد الوهاب فهو عنده بالشكّ قال: أراه عن عكرمة.
40 - وعن ابن عبّاس قال: كانت اليهود يؤخذون الرجل عن إمرأته إذا دخل بها فدعا رسول اللّه صلي الله عليه و آله بتور من ماء فتفل فيه، وعوّذ فيه ثم دعا عليّاً فرشّ من ذلك الماء علي وجهه وذراعيه، ثم دعا فاطمة فأقبلت تعثر في ثوبها حياء من رسول اللّه صلي الله عليه و آله ففعل بها مثل ذلك ثم قال: إنّي واللّه ما ألوت أن أزوّجك خير أهليك.
ص: 227
ثم قام فخرج(1).
41 - ونقل الشيخ أبو عليّ الحسن بن أحمد بن إبراهيم بن شاذان بسنده إلي أنس قال: كنت عند رسول اللّه صلي الله عليه و آله فغشيه الوحي فلمّا أفاق قال لي: يا أنس أتدري ما جائني به جبرئيل من عند صاحب العرش؟ قلت: بأبي وأُمّي ما جاءك به جبرئيل قال؟ قال: إنّ اللّه يأمرك أن تزوّج فاطمة من عليّ فانطلق فادع لي أبا بكر وعمر وعثمان وطلحة والزبير وبعدّتهم من الأنصار قال: فانطلقت فدعوتهم فلمّا أن أخذوا مقاعدهم قال رسول اللّه صلي الله عليه و آله: الحمد للّه المحمود بنعمته، المعبود بقدرته، المطاع بسلطانه، المرهوب إليه من عذابه، النافذ أمره في أرضه وسمائه، الذي خلق الخلق بقدرته، وميزهم بأحكامه [99] وأعزّهم بدينه، وأكرمهم بنبيّهم محمّد صلي الله عليه و آله ثم إنّ اللّه عزّ وجلّ جعل المصاهرة نسباً لا حقاً وأمراً مفترضاً [وحكماً عادلاً وخيراً جامعاً](2) ، وشج بها الأرحام وألزمها الأنام، وقال عزّ وجلّ: «وَ هُوَ الَّذِي خَلَقَ مِنَ الْمَآءِ بَشَرًا فَجَعَلَهُ نَسَبًا وَ صِهْرًا وَ كَانَ رَبُّكَ قَدِيرًا»(3) ، وأمر اللّه يجري إلي قضائه، ويجري إلي قدره ولكل قضاء قدر ولكل قدر أجل ولكل أجل كتاب، «يَمْحُواْ اللَّهُ مَا يَشَآءُ وَ يُثْبِتُ وَ عِندَهُ أُمُّ الْكِتَابِ»(4) ثم إنّ اللّه تعالي أمرني أن أزوّج فاطمة من عليّ، وأُشهدكم إنّي زوّجت فاطمة من عليّ علي أربع مائة مثقال فضّة إن رضي بذالك عليّ (علي السنّة القائمة والفريضة الواجبة)، فجمع اللّه شملهما وبارك لهما وأطاب نسلهما وجعل نسلهما مفاتيح الرحمة ومعادن الحكمة وأمن الأُمّة أقول قولي هذا وأستغفر اللّه لي ولكم.9.
ص: 228
قال وكان عليّ غائباً قد بعثه رسول اللّه صلي الله عليه و آله في حاجة ثم أمر لنا رسول اللّه صلي الله عليه و آله بطبق فيه تمر فوضعه بين أيدينا وقال: انتهبوا فبينا نحن كذلك إذ أقبل عليّ عليه السلام فتبسّم رسول اللّه صلي الله عليه و آله وقال: يا عليّ إنّ اللّه أمرني أن أزوّجك فاطمة وإنّي قد زوّجتكها علي أربع مائة مثقال فضّة فقال: قد رضيت يارسول اللّه صلي الله عليه و آله، ثم إنّ عليّاً خرّ للّه ساجداً شاكراً فلمّا رفع رأسه قال له رسول اللّه صلي الله عليه و آله: بارك اللّه لكما وبارك فيكما وأسعد جدكما وأخرج منكما الكثير الطيب، قال أنس: واللّه لقد أخرج منهما الكثير الطيب(1).
42 - روي الحاكم أبو عبد اللّه محمّد بن عبد اللّه بسنده إلي أنس بن مالك قال: لمّا زوّج النبيّ صلي الله عليه و آله فاطمة قال: يا أُمّ أنس زفّي إبنتي إلي عليّ، ومريه أن لا يعجل إليها حتي آتيها، فلمّا صلّي العشاء أقبل بركوة فيها ماء فتفل فيها بما شاء اللّه ثم قال: اشرب يا عليّ وتوضأ. واشربي وتوضئي ثم أجاف عليهم الباب فبكت فاطمة فقال: ما يبكيك يا بنيّة قد زوّجتك أقدمهم إسلاماً وأعظمهم حلماً، وأحسنهم خلقاً، وأعلمهم باللّه تعالي. وفي رواية أنّه صلي الله عليه و آله قال لهما: اللهمّ بارك عليهما وبارك لهما في شبليهما(2).
43 - ويروي أنّ النبيّ صلي الله عليه و آله لمّا زوّج فاطمة قام فدخل علي النساء فقال: إنّي زوّجت إبنتي ابن عمّي وقد علمتنّ منزلتها منّي وأنا دافعها الآن إن شاء اللّه، ودونكنّ ابنتكنّ فقام النساء فغلفتها من طيبهن وحليهن ثم أتي النبيّ صلي الله عليه و آله هو وعليّ فدخل فوثبت النساء وتخلفت أسماء بنت عميس فقال لها النبيّ صلي الله عليه و آله: من أنت؟ فقالت:4.
ص: 229
أنا التي أحرس بنتك فإنّ الفتاة ليلة بنائها لابدّ لها من إمرأة تكون [100] قريبة منها فإن عرضت لها حاجة أو أرادت شيئاً أفضت ذلك إليها فقال النبيّ صلي الله عليه و آله: فإنّي أسأل اللّه تعالي أن يحرسك من بين يديك ومن خلفك وعن يمينك وعن شمالك من الشيطان الرجيم. ثم صرخ بفاطمة فأقبلت فلمّا رأت عليّاً جالساً إلي النبيّ صلي الله عليه و آله حصرت وبكت، فأشفق النبيّ صلي الله عليه و آله أن يكون بكاؤها لأنّ عليّاً لا مال له فقال النبيّ صلي الله عليه و آله: ما يبكيك؟ فما ألوتك وقد أصبت لك خير أهلي وأيم الذي نفسي بيده لقد زوّجتك سيّداً في الدنيا وأنّه في الآخرة لمن الصالحين.
وفي رواية: زوّجتك سيّداً في الدنيا والآخرة(1). ثم قال النبيّ صلي الله عليه و آله: يا أسماء إئتيني بالمخضب فأملئيه ماء فأتيته به ملآن فمج النبيّ صلي الله عليه و آله فيه وغسل وجهه وقدميه ثم دعا فاطمة فأخذ كفاً من ماء فضرب به رأسها وكفاً بين ثديها ثم رشّ جلد عليّ وجلدها، ثم التزمها فقال: اللهمّ إنّهما منّي وأنا منهما، اللهمّ كما أذهبت عنّي الرجس وطهّرتني فطهّرهما ثم دعا بمخضب آخر فصنع بعليّ كما صنع بها، ثم قال:
قوما إلي بيتكما جمع اللّه بينكما وبارك لكما في سرّكما وأصلح بالكما، ثم قام فأغلق عليهما بابه بيده، قال ابن عبّاس: فأخبرتني أسماء أنّها رمقت رسول اللّه صلي الله عليه و آله، فلم يزل يدعو لهما خاصة لا يشرك في دعائه لهما أحداً حتي تواري في حجره(2).
44 - وعن معقل بن يسار قال: وضأت النبيّ صلي الله عليه و آله ذات يوم فقال: هل لك في فاطمة نعودها؟ قلت: نعم. فقام فتوكّأ عليَّ فقال: أما إنّه سيحمل ثقلها غيرك ويكون3.
ص: 230
أجرها لك يعني يده قال: فكأ نّه لم يكن عليَّ شيء حتي دخلنا علي فاطمة فقال لها: كيف تجدينك؟ فقالت: واللّه لقد اشتدّ حزني واشتدّت فاقتي وطال سقمي، فقال:
أما ترضين أن زوّجتك أقدم أُمّتي إسلاماً، وأكثرهم علماً، وأعظمهم حلماً(1).
45 - روي عكرمة عن ابن عبّاس قال: لمّا زوّج رسول اللّه صلي الله عليه و آله فاطمة من عليّ كان فيما أهدي معها سرير ومشربة ووسادة من أدم حشوها ليف وقربة وتور من أدم وبطحاء الرمل بسطوه في البيت(2).
46 - وعن جابر قال: حضرنا عرس عليّ وفاطمة عليهما السلام فما رأينا عرساً كان أحسن منه حشونا البيت كثيباً من الرمل وتراباً طيّباً وأتينا بتمر وزبيب فأكلنا وكان فراشهما ليلة عرسهما إهاب كبش(3).
47 - روي عليّ عليه السلام قال: جهّز رسول اللّه صلي الله عليه و آله فاطمة في خميل وقربة ووسادة وأدم حشوها ليف(4). وكان بناء عليّ بفاطمة عليها السلام بعد بدر بأربعة أشهر في صفر ليلتان بقين منه وكان لها ثمان عشرة سنة وقيل: تزوّجها [101] قبل بدر في رجب ودخل بها في ذي الحجّة وكانت وقعة بدر في السابع عشر من رمضان في السنة الثانية من الهجرة.ن.
ص: 231
48 - روي عليّ بن الحسين عن أبيه الحسين بن عليّ عليهم السلام أنّ عليّ بن أبي طالب قال: كانت لي شارفان من الخمس فلمّا أردت أن أبتني بفاطمة بنت رسول اللّه صلي الله عليه و آله واعدت رجلاً صوّاغاً من بني قينقاع أن يرتحل معي نأتي بأذخر أردت أن أبيعه من الصواغين فأستعين به في وليمة عرسي(1).
49 - وفي رواية عن ابن شهاب عن عليّ بن الحسين عن أبيه عن عليّ عليه السلام قال: أصبت شارفاً فأنختها عند باب رجل من الأنصار أُريد أن أحمل عليها أذخرا أبيعه ومعي صائغ من بني قينقاع لعلي أستعين به علي وليمة فاطمة(2).
50 - وروي عطاء بن السائب عن أبيه عن عليّ عليه السلام أنّه قال لفاطمة: إنّي لأشتكي صدري مما أمدّ بالغرب فقالت: واللّه إنّي أشتكي بيدي مما أطحن بالرحي فقال لها عليّ: إئتي النبيّ صلي الله عليه و آله فسليه أن يخدمك خادماً فانطلقت إلي رسول اللّه فسلّمت عليه ثم رجعت فقال رسول اللّه صلي الله عليه و آله: ما جاء بك؟ قالت: جئت لأُسلّم علي رسول اللّه صلي الله عليه و آله فلمّا رجعت إلي عليّ قالت: واللّه مااستطعت أن أُكلّم رسول اللّه صلي الله عليه و آله من هيبته فانطلقا إليه فقال لهما رسول اللّه صلي الله عليه و آله: ما جاء بكما أحسبه قال: ألكما حاجة؟ فقال له عليّ: أجل يارسول اللّه شكوت إلي فاطمة يدي من مدّهما بالغرب فشكت إليّ يدها ممّا تطحن بالرحي فأتيناك لتخدمنا خادماً مما أفاء اللّه قال: لا ولكن اتّقوا أو قال: اتقوا اللّه
ص: 232
وأنفقه علي أصحاب الصفة التي تطوي أكبادهم من الجوع، ولا أجد ما أطعمهم فلمّا رجعا وأخذا مضاجعهما من الليل أتاهما النبيّ صلي الله عليه و آله وهما في خميل - والخميل القطيفة التي كان رسول اللّه صلي الله عليه و آله جهّزهما بها وبوسادة من أدم حشوها أذخر - وقد كان عليّ وفاطمة حين ردّهما شقّ عليهما فلمّا سمعا حسّ رسول اللّه صلي الله عليه و آله ذهبا ليقوما فقال لهما النبيّ صلي الله عليه و آله: مكانكما ثم جاء فجلس علي طرف الخميل ثم قال: إنّكما جئتماني لأخدمكما خادماً وإنّي سأدلكما أو كلمة نحوها علي ما هو خير لكما من الخادم: تحمدان اللّه تعالي في دبر كل صلاة عشراً، و تسبحانه عشراً، و تكبران عشراً، وتسبحانه ثلاثاً وثلاثين، وتحمدانه ثلاثاً وثلاثين، وتكبرانه أربعاً وثلاثين، فذلك مائة إذا أخذتما مضاجعكما من الليل. قال عليّ: فما أعلم إنّي [102] تركتها، قال عبداللّه بن الكوي: ولا ليلة صفين؟ فقال له عليّ: ولا ليلة صفين. هذا حديث صحيح أخرجه البخاري ومسلم بمعناه(1).
51 - روي سويد بن غفلة قال: أصابت عليّاً خصاصةً فقال لفاطمة: لو أتيت النبيّ صلي الله عليه و آله فسألتيه فأتته وكانت عنده أُمّ أيمن فدقّت الباب فقال النبيّ صلي الله عليه و آله لأُمّ أيمن: إنّ هذا الدق فاطمة ولقد أتتنا في ساعة ما عودتنا أن تأتينا في مثلها فقومي فافتحي لها الباب قالت: ففتحت لها الباب فقال: يا فاطمة لقد أتيت في ساعة ما عودتنا أن تأتينا في مثلها؟ فقالت: يارسول اللّه هذه الملائكة طعامها التسبيح والتحميد والتمجيد فما طعامنا؟ قال: والذي بعثني بالحقّ ما أقبس في آل محمّد نار منذ ثلاثين يوماً، ولقد أتتنا أعنز فإن شئت أمرنا لك بخمسة أعنز وإن شئت علمّتك خمس كلمات علمّنيهن جبرئيل؟8.
ص: 233
فقالت: بل علمّني الخمس الكلمات فقال، قولي: يا أوّل الأولين ويا آخر الآخرين، وياذا القوّة المتين وياراحم المساكين، ويا أرحم الراحمين. قالت: فانصرفت حتي دخلت علي عليّ عليه السلام فقال: ما وراؤك؟ قالت: ذهبت من عندك إلي الدنيا وأتيتك بالآخرة فقال: خير أيّامك خير أيّامك(1).
52 - وعن عمران بن حصين قال: كنت مع النبيّ صلي الله عليه و آله جالساً إذ أقبلت فاطمة فوقفت بين يديه فنظر إليها وقد غلبت الصفرة علي وجهها، وذهب الدم من شدّة الجوع فقال: أُدني يا فاطمة فدنت ثم قال: أُدني يا فاطمة فدنت حتي وقفت بين يديه، فوضع يده علي صدرها في موضع القلادة وفرج بين أصابعه ثم قال: اللهمّ مشبع الجاعة ورافع الوضعة لا تجع فاطمة بنت محمّد قال عمران: فنظرت إليها قد غلب الدم علي وجهها وذهبت تلك الصفرة كما كانت الصفرة غلبت علي الدم قال عمران بن حصين: فلقيتها بعد فسألتها عن ذلك فقالت: ما جعت بعد يا عمران(2).
53 - وقال محمّد بن كعب القرظي: سمعت عليّاً عليه السلام يقول: كنت أربط الحجر علي بطني من الجوع وأنّ صدقتي اليوم تبلغ أربعين ألف دينار(3).
54 - وعن مجاهد عن عليّ عليه السلام قال: جعت مرّة بالمدينة جوعاً شديداً فخرجت أطلب العمل في عوالي المدينة فإذا أنا بامرأة قد جمعت مدراً ظننتها تريد بلّه فأتيتها فقاطعتها علي كلّ ذنوب تمرة فمددت ستّة عشر ذنوباً حتي مجلت يداي ثم أتيت الماءي.
ص: 234
فأصبت منه ثم أتيتها فقلت: بكفّي هكذا بين يديها فعدّت لي ستّ عشرة تمرة فأتيت النبيّ صلي الله عليه و آله فأكل معي منها(1).
55 - وعن أُمّ جعفر بنت محمّد بن جعفر عن جدّتها أسماء بنت عميس عن فاطمة بنت رسول اللّه صلي الله عليه و آله قالت: دخل عليّ يوماً فأخذ بيد الحسن والحسين [103] فأخرجهما فجاءنا النبيّ صلي الله عليه و آله فقال: أين إبناي؟ يعني الحسن والحسين فقلت:
أصبحنا وليس في بيتنا شيء نذوقه فدخل عليّ فأخرجهما حتي لا يبكيان عليّ فأخذ النبيّ صلي الله عليه و آله في آثارهم فوجدهم في حائط اليهودي وعليّ ينزح لليهودي كلّ دلو بتمرة والحسن والحسين يلعبان في مشربة لليهودي وبين أيديهما فضل من تمر فقال: يا عليّ ألا تتقلّب بإبني قبل أن يشتدّ عليهما الحر؟ قال: اجلس فإنّي قد أشبعتهما فجلس حتي اجتمع له شيء من تمر فجعله في حجرته، ثم حمل النبيّ صلي الله عليه و آله أحدهما وعليّ الآخر فقلّباهما(2).
56 - وعن عليّ عليه السلام قال: قدم علي النبيّ صلي الله عليه و آله سبي فانطلق عليّ وفاطمة حتي أتيا النبيّ صلي الله عليه و آله فقال: مابالكما؟ فقال له عليّ: يارسول اللّه شقّ علينا العمل فأردنا أن تعطنا خادماً نتّقي به العمل فقال رسول اللّه صلي الله عليه و آله: هل أدلّكما علي خير لكما من حمر النعم؟ قال عليّ عليه السلام: نعم يارسول اللّه. قال: تكبيرات وتسبيحات وتحميدات مائة حين تريدان تنامان فتبيتان علي ألف حسنة قال عليّ عليه السلام: فما فاتتني منذ سمعتها من رسول اللّه صلي الله عليه و آله إلّا ليلة صفين فإنّي نسيتها حتي ذكرتها من آخر الليل فقلتها(3).1.
ص: 235
57 - وقال عليّ عليه السلام لابن معبد من بني سعد: ألا أُحدّثك عنّي وعن فاطمة بنت رسول اللّه صلي الله عليه و آله، لقد كانت أحبّ أهله إليه، كانت تطحن بالرحي حتي أثر بيدها واستقت بالقربة حتي أثرت في نحرها وكنست البيت حتي أغبرت ثيابها وأوقدت تحت القدر حتي تدخنت أودنست ثيابها فأصابها من ذلك ضرّ فأتت النبيّ صلي الله عليه و آله تسأله خادماً فقال لها النبيّ صلي الله عليه و آله: يا فاطمة أتّقي ربّك وأدّي فريضته وأعملي عمل أهلك ألا أدلك علي خير من الخادم إذا أخذت مضجعك سبحي اللّه ثلاثاً وثلاثين وكبري ثلاثاً وثلاثين وأحمدي أربعاً وثلاثين هذا خير لك من خادم(1).3.
ص: 236
1 - روي محمّد بن الحنفية عن أبيه عليه السلام قال: لمّا ولد الحسن سمّيته حمزة أو قال: حرباً فقال النبيّ صلي الله عليه و آله: ما سمّيتم إبني؟ فأخبرته ثم ولد لي آخر فقال النبيّ صلي الله عليه و آله: ما سمّيته أو ما سمّيتموه؟ فذكرت له فقال: سمّ الأوّل حسناً والثاني حسيناً(1).
2 - وروي سلمان الفارسي أنّ النبيّ صلي الله عليه و آله قال: هارون عليه السلام سمّي ابنيه شبر وشبير [104] وإنّي سمّيت حسناً وحسيناً بما سمّي به هارون إبنيه شبر وشبير(2).
وكان مالك بن أنس يكره أن يقال الحسن والحسين ويقول: سمّاهما النبيّ صلي الله عليه و آله حسناً وحسيناً. وقال أبو ذرعة: وهكذا الصواب وذلك أنّه اشتق أسمائهما من شبر وشبير وليس فيها ألف ولام(3).
3 - وفي رواية أنّ جبرئيل: أمر النبيّ صلي الله عليه و آله عن اللّه أن يسمّيهما باسم إبني هارون عليه السلام وقال: إنّ عليّاً منك بمنزلة هارون من موسي فسمّ ابنيك باسم ابني
ص: 237
هارون قال: وما كان اسمهما قال: شبر وشبير فقال النبيّ صلي الله عليه و آله: لساني عربي قال:
فسمّهما حسناً وحسيناً(1).
4 - وكان مولد الحسن عليه السلام علي ما نقله جعفر بن محمّد عن أبيه قال: ولد الحسن بن عليّ عليهما السلام عام أُحد قبل الوقعة وقال غيره: ولد في النصف من رمضان سنة ثلاث من الهجرة(2).
5 - وروي جعفر بن محمّد عن أبيه أنّه لم يكن بين الحسن والحسين عليهما السلام إلّاطهر واحد(3).
وولد الحسين عليه السلام لخمس ليال خلون من شعبان سنة أربع من الهجرة وعقّ رسول اللّه صلي الله عليه و آله عن كلّ واحد منهما يوم سابعه بكبش، وأمر أن يحلق رأسه وأن يتصدّق بزنته فضّة.
6 - كان الحسن يشبه رسول اللّه صلي الله عليه و آله ما بين الصدر إلي الرأس، والحسين يشبهه ماكان أسفل من ذلك(4).
7 - ويروي أنّ وجه الحسن كان يشبه وجه رسول اللّه صلي الله عليه و آله وكان جسد الحسين يشبه جسد رسول اللّه صلي الله عليه و آله(5).
8 - وقال عليّ بن أبي طالب عليه السلام: من سرّه أن ينظر إلي أشبه الناس برسول8.
ص: 238
اللّه صلي الله عليه و آله مابين عنقه إلي وجهه وشعره فلينظر إلي حسن بن عليّ، ومن سرّه أن ينظر إلي أشبه الناس برسول اللّه مابين عنقه إلي كعبه خلقاً ولوناً فلينظر إلي حسين بن عليّ(1).
وكان الحسن عليه السلام من الحلماء الكرماء الأسخياء وكان كثير الزواج يقال أنّه أحصن مائة إمرأة وأكثر وكان مطلاقاً للنساء.
9 - وفي الصحيح عن أبي بكرة قال: رأيت رسول اللّه صلي الله عليه و آله علي المنبر والحسن بن عليّ إلي جنبه وهو يقبل علي الناس مرّة وعليه أُخري ويقول: إنّ إبني هذا سيّد ولعلّ اللّه أن يصلح به بين فئتين من المسلمين(2). فكان كما قال رسول اللّه صلي الله عليه و آله. دعاه ورعه وكرمه وفضله وحلمه إلي أن ترك الملك والدنيا رغبة فيما عند اللّه حين صارت الخلافة إليه خوفاً من الفتنة وكراهة لإراقة دماء المسلمين وأصلح اللّه به بين أهل العراق وأهل الشام [105]، كان قد بايعه أكثر من أربعين ألفاً الذين كانوا قد بايعوا أباه عليّاً عليه السلام علي الموت فبقي خليفة بالعراق نحو سبعة أشهر ثم سار إلي معاوية بمن معه وسار معاوية إليه فلمّا ترأي الجمعان بموضع يقال له: مسكن بناحية الأنبار علم أنّه لن تغلب إحدي الفئتين حتي تذهب أكثر الآخري، فتورع عن القتال وصالح معاوية وترك الأمر له علي أشياء اشترطها عليه، وعلي أن يكون الأمر له من بعد. فرضي معاوية وأعطاه ما سأل وزاده أضعافه فلمّا صالحه علي ذلك قال أصحاب الحسن عليه السلام: يا عار المؤمنين فقال عليه السلام: العار خير من النار(3). ورجع إلي الكوفة.5.
ص: 239
10 - فجائه شيخ كبير يقال له أبو عامر ليسلّم عليه فقال: السلام عليك يامذلّ المؤمنين فقال الحسن عليه السلام: إنّي لم أذلّ المؤمنين ولكنّي كرهت أن أقتلهم في طلب الملك ولم أحبّ أنّ لي أمر أُمّة محمّد صلي الله عليه و آله علي أن يهراق في ذلك محجة دم(1). فبايع الناس حينئذٍ معاوية في جمادي الأُولي سنة إحدي وأربعين، وكان ذلك العام يسمّي عام الجماعة لاجتماعهم علي إمام واحد.
ففي هذا الحديث: دليل علي أنّ واحداً من الفريقين لم يخرج بما كان منه في تلك الفتنة من قول أو فعل عن ملّة الإسلام، لأنّ النبيّ صلي الله عليه و آله جعلهم كلّهم مسلمين مع كون إحدي الطائفتين مصيبة والأُخري مخطئة، وهكذا سبيل كلّ مقاول فيما يتعاطاه من رأي أو مذهب إذا كان له فيما يناوله شبهة وإن كان مخطئاً في ذلك ولأجل هذا اتّفقوا علي قبول شهادة أهل البغي ونفوذ قضا قاضيهم، واختار السلف ترك الكلام في الفتنة الأُولي وقالوا: تلك دماء طهّر اللّه تعالي عنها أيدينا فلا نلوث بها ألسنتنا(2).
وفي الحديث أيضاً: دليل علي أنّه لو وقف شيئاً علي أولاده يدخل فيهم ولد الولد لأنّ النبيّ صلي الله عليه و آله سمّي ابن ابنته ابناً. والسيّد قيل: هو الذي لا يغلبه غضبه وقيل: هو الذي يفوق قومه في الخير، وقيل: السيّد الحليم وهذه الأوصاف اجتمعت في الحسن بن عليّ عليهما السلام وكان كثير الاجتهاد في العبادة والتصدّق.
11 - روي أنّه قال: إنّي لأستحيي من اللّه أن ألقاه ولم أمش إلي بيته فمشي عشرينه.
ص: 240
مرّة من المدينة إلي مكّة علي رجليه(1).
12 - وقال عليّ بن زيد: حجّ الحسن عليه السلام خمس عشرة حجّة ماشياً وأنّ الجنائب لتقاد معه(2).
13 - وقاسم اللّه ماله ثلاث مرات حتي أن كان ليعطي نعلاً ويمسك نعلاً، ويعطي خفّاً ويمسك خفّاً(3).
14 - ومن سخاءه وكرم طباعه عليه السلام، ماروي أنّ رجلاً دفع إليه رقعة في حاجة فقال له [106]: [قبل أن ينظر في رقعته](4) حاجتك مقضيّة فقيل له يابن رسول اللّه: لو نظرت في رقعته ثم ردّدت الجواب علي قدر ذلك فقال: أخشي أن يسألني اللّه عن ذلّ مقامه بين يدَي حتي أقرء رقعته(5).
15 - ويروي أنّ رجلاً آخر سأله حاجة فقال له: يا هذا حقّ سؤالك إيّاي لعظيم لدي، ومعرفتي بما يجب لك يكبر عليّ، ويدي تعجز عن نيلك بما أنت أهله، والكثير في ذات اللّه قليل، وما في يدي وفاء بشكرك، فإن قبلت الميسور ورفعت عنّي مؤونة الإحتيال والاهتمام لما أتكلف من واجبك فعلت، فقال: يا ابن رسول اللّه أقبل وأشكر العطية وأعذر علي المنع، فدعي الحسن عليه السلام وكيله وجعل يحاسبه علي نفقاته حتي3.
ص: 241
استقصاها فقال له: هات الفاضل فأحضر خمسين ألفاً، ثم قال: ما فعلت الخمس مائة دينار قال: هي عندي قال: أحضرها فأحضرها فدفع الحسن الدنانير والدراهم إلي الرجل وقال له: هات من يحملها لك فأتي بحمّالين فدفع الحسن عليه السلام إليهما ردائه لكراء الحمل وقال: هذا أُجرة حملكما ولا تأخذ منه شيئاً فقال له مواليه:
واللّه ما عندنا درهم فقال: لكنّي أرجو أن يكون لي عند اللّه أجر عظيم(1).
16 - وروي أنّه عليه السلام: سمع رجلاً يسأل اللّه في سجوده عشرة آلاف درهم فانصرف الحسن إلي منزله وبعث بها إليه(2).
17 - وروي أنّ رجلاً كتب إليه يسأله بهذه الأبيات:
غربة تتبع قلّة إنّ في الفقر مذلّة
يابن خير الناس أُمّاً يا بن أكرمهم جبلّة
لا يكن جودك لي بل يكن جودك للّه
فأعطاه الحسن عليه السلام.
دخل العراق سنة فقيل له: يابن بنت رسول اللّه صلي الله عليه و آله يعطي دخل العراق سنة علي ثلاث أبيات من الشعر فقال: أما سمعتم ما قال:
لا يكن جودك لي بل يكن جودك للّه
فلو كانت الدنيا كلّها لي وأعطيتها إيّاه كانت في ذات اللّه قليل(3).
18 - وروي أنّ الحسن عليه السلام: ورث من بعض نسائه شيئاً فتصدّق به علين.
ص: 242
الورثة قبل أن يقسّم ولم يأخذ منه شيئاً(1).
19 - وفي الصحيح: أنّ النبيّ صلي الله عليه و آله حمل الحسن بن عليّ علي عنقه فقال:
اللهمّ إنّي أُحبّه فأحبّه(2).
20 - وفي رواية أنّ النبيّ صلي الله عليه و آله نظر إلي الحسن فقال: اللّهمّ إنّي أحبّه فأحبّه وأحبّ من يحبّه(3).
21 - وروي أبو هريرة أنّه قال: ما نظرت إلي الحسن بن عليّ إلّافاضت عيناي دموعاً، وذلك أنّ رسول اللّه صلي الله عليه و آله خرج فقال: اذهب بنا فخرجت معه فأتي سوق بني قينقاع فنظر فيه ثم رجع فأتي المسجد وجلس وقال: ادع لي لكع بن لكع [107] يعني الحسن فأتي الحسن بن عليّ يشتدّ فجعله في حجره وجعل الحسن يأخذ بلحيته وجعل رسول اللّه صلي الله عليه و آله يفتح فمه في فمه ويقول: اللهمّ إنّي أُحبّه فأحبّ من أحبّه ثلاث مرّات(4).
22 - وفي الصحيحين عن أبي هريرة قال: كنت مع رسول اللّه صلي الله عليه و آله في سوق من أسواق المدينة فانصرف فانصرفت معه فجاء إلي فناء فاطمة فنادي الحسن:
أي لكع أي لكع أثَمَّ لكع أثَّم لكع فلم يجبه أحد، ثم انصرف فانصرفت معه إلي فناء عائشة، فجاء الحسن بن عليّ قال أبو هريرة: ظننت أنّ أُمّه حبسته لتجعل في عنقه السخاب قال: فلمّا جاء التزمه رسول اللّه صلي الله عليه و آله والتزم هو رسول اللّه صلي الله عليه و آله).
ص: 243
فقال: اللهمّ إنّي أحبّه فأحبّه وأحبّ من يحبّه ثلاث مرات(1).
قوله: لكع بن لكع: سئل بلال بن جرير عن قوله لكع فقال: هي في لغتنا الصغير، وإلي هذا ذهب الحسن البصري إذا قيل للإنسان يالكع يريد صغيراً في العلم فسمّاه لكعاً لصغره وصباه، وقال أبو عبيد: اللّكع عند العرب العبد وقال:
الليث يقال: لكع الرجل يلكع إذا وصف بالحمق وأمّا معني الحديث يأتي علي الناس زمان يكون أسعد الناس لكع بن لكع(2). فمعناه لئيم بن لئيم، والسخاب خيط ينظم فيه الخرز يجعل علي الصبيان وجمعه سخب.
23 - وروي عن أبي بكر قال: كان رسول اللّه صلي الله عليه و آله يصلي وكان الحسن إذا سجد وثب علي عنقه أو ظهره فيرفعه النبيّ صلي الله عليه و آله رفعاً رفيقاً يفعل ذلك غير مرّة، فلمّا انصرف ضمّه إليه وقبله فقالوا: يارسول اللّه إنّك صنعت اليوم شيئاً ما رأيناك صنعته من قبل؟ قال: إنّه ريحاني من الدنيا وإنّ ابني هذا سيّد وعسي اللّه أن يصلح به بين فئتين من المسلمين(3).
24 - وعن عبد اللّه الباهلي مولي الزبير قال: تذاكرنا من أشبه بالنبي صلي الله عليه و آله من أهله فدخل علينا عبد اللّه بن الزبير فقال عبد اللّه: أنا أُحدّثكم بأشبه أهله به وأحبّهم إليه الحسن بن عليّ رأيته يجيء وهو ساجد فيركب رقبته أو قال: ظهره فما ينزله حتي يكون هو الذي ينزل ولقد رأيته يجيء وهو راكع فيفرج بين رجليه حتي يخرج من الجانب الآخر(4).م.
ص: 244
25 - وفي رواية قال: إن أحببتم أن تنظروا إلي شبه النبيّ صلي الله عليه و آله وأحبّ أهله فانظروا إلي الحسن بن عليّ لقد رأيت النبيّ صلي الله عليه و آله راكعاً فجاء الحسن ففرج النبيّ صلي الله عليه و آله بين رجليه حتي مر بينهما(1).
26 - وروي عكرمة عن ابن عبّاس أنّ النبيّ صلي الله عليه و آله كان حاملاً الحسن بن عليّ علي عاتقه فقال رجل: يا غلام نعم المركب ركبت فقال النبيّ صلي الله عليه و آله [108] نعم الراكب هو(2).
27 - وعن سعيد بن أبي سعيد المقبري قال: كنّا عند أبي هريرة فمرّ الحسن ابن عليّ عليه السلام فسلّم فقال أبو هريرة: وعليك السلام يا سيّدي فقلنا له: تقول يا سيدي؟ فقال: إنّي سمعت رسول اللّه صلي الله عليه و آله يقول إنّه سيد(3).
28 - وعن المقدام بن معدي كرب قال: قال رسول اللّه صلي الله عليه و آله: الحسن منّي والحسين من عليّ(4).
29 - وروي عمير بن إسحاق قال: رأيت أبا هريرة وهو يقول للحسن بن عليّ عليهما السلام: أرني المكان الذي كان رسول اللّه صلي الله عليه و آله يقبله فرفع قميصه فقبّل سرّته(5).
30 - وروي بن عون عن محمّد أنّ أبا هريرة لقي الحسن بن عليّ عليه السلام فقال:5.
ص: 245
أرني الموضع الذي قبله رسول اللّه صلي الله عليه و آله فرفع الحسن ثوبه فقبل أبو هريرة سرّته(1).
31 - وعن الحسين بن عليّ عليهما السلام أنّ أبا الأعور وآخر قالا لمعاوية: لو أمرت الحسن بن عليّ فإنّه رجل عييّ أن يقوم علي المنبر فيزهد فيه الناس بعيّه في المنطق فقال معاوية: مهلاً فإنّي رأيت رسول اللّه صلي الله عليه و آله يمصّ شفتيه، أو لسانه ولن تعيي شفتان ولا لسان مصّه رسول اللّه صلي الله عليه و آله(2).
32 - وفي رواية أنّه قيل له: لو أمرته أن يخطب فإنّه حديث السنّ لم يتعوّد الخطب فيجتمع الناس إليه فيحصر فيكون في ذلك ما يصغره في أعين الناس، فقال كما قال لهم أوّل مرّة فقالوا له: إنّه قد شمخ أنفاً ورفع رأساً واشرأبت إليه قلوب الناس بالثقة والمقة، فمره بذلك حتي تري فأرسل إليه معاوية فأمره أن يخطب: فلمّا صعد المنبر وقد جمع معاوية كهول قريش وشبابها، حمد اللّه تعالي وأثني عليه وصلّي علي النبيّ صلي الله عليه و آله ثم قال: أيّها الناس من عرفني فقد عرفني ومن لم يعرفني فأنا الحسن بن عليّ بن أبي طالب، أنا ابن رسول اللّه صلي الله عليه و آله ما بين جابلقا وجابرصا أحد جدّه نبي غيري، أنا ابن نبي اللّه، أنا ابن رسول اللّه، أنا ابن البشير النذير، أنا ابن السراج المنير، أنا ابن بريد السماء، أنا ابن من بعث رحمة للعالمين، أنا ابن من بعث للجن والإنس، أنا بن من قاتلت معه الملائكة، أنا ابن من جعلت له الأرض مسجداً وطهوراً، أنا ابن من أذهب اللّه عنهم الرجس وطهرهم تطهيراً، فلمّا سمع معاوية ذلك أراد أن يسكته ويخلط عليه مخافة أن يبلغ به المنطق ما يكرهه، فقال له يا حسن: أنعت لنا الرطب فقال: يا سبحان اللّه أين هذا من هذا؟ ثم قال: الحرّ ينضجه، والليل يبردهص.
ص: 246
والريح تلقحه ثم استفتح كلامه الأوّل وقال: أنا ابن من كان مستجاب [109] الدعوة، أنا بن المشفع المطاع، أنا ابن أوّل من تنشق عنه الأرض وينفض رأسه من التراب، أنا ابن أوّل من قرع باب الجنّة، أنا بن من رضاه رضا الرحمان وسخطه سخط الرحمان، أنا بن من لا يسامي كرماً فقال له قومه(1): حسبك يا أبا محمّد ما أعرفنا بفضل رسول اللّه صلي الله عليه و آله، فقال الحسن: يا معاوية إنّما الخليفة من سار بسيرة رسول اللّه صلي الله عليه و آله وعمل بطاعته وليس الخليفة من دان بالجور وعطل السنن، واتّخذ الدنيا أُمّاً وأباً لكن ذاك ملك يتمتّع في ملكه وكان قد انقطع وانقطعت لذّته وبقيت تبعته، ثم قال: وإن أدري لعله فتنة لكم ومتاع إلي حين ثم نزل عن المنبر عليه السلام(2).
33 - وروي عن بن عون عن عمير بن إسحاق قال: ما تكلّم عندي أحد أحبّ إليّ إذا تكلّم أن لا يسكت من الحسن بن عليّ، وما سمعت منه كلمة فحش قط إلّامرّة فإنّه كان بين الحسين بن عليّ وبين عمرو بن عثمان خصومة في أرض فعرض عليه الحسين أمراً لم يرضه عمرو، فقال الحسن: ليس له عندنا ما أرغم أنفه فهذه أشدّ كلمة فحش سمعتها منه قط(3).
34 - وروي ابن مسعود قال: أراد الحسن بن عليّ عليهما السلام أن ينقش فص خاتمه فلم يدر ما ينقش عليه فرأي في منامه عيسي ابن مريم قائماً علي بئر يستقي منها ماء وسط روضة خضراء فقال له: يا روح اللّه وكلمته أردت أن أنقش فصّ خاتمي فما تأمرني أن أنقش عليه قال: أكتب عليه: لا إله إلّااللّه الملك2.
ص: 247
الحقّ المبين - \فإنّه يذهب بالغمّ والحزن وهي خاتمة الإنجيل.
35 - ويروي أنّ عمرو بن العاص لمّا أقبل الحسن بن عليّ عليهما السلام قال: هذا أحبّ أهل الأرض إلي أهل السماء(1).
36 - وفي الصحيح عن عقبة بن عامر قال: صلّي أبو بكر العصر ثم خرج يمشي فرأي الحسن يلعب مع الصبيان فحمله علي عاتقه ثم قال: بأبي شبيه بالنبيّ ليس شبيهاً بعليّ وعليّ يضحك(2). وفي رواية بأبي شبيه بالنبي لا شبيه بعليّ(3).
37 - \روي أنّ زوجته [جعدة وقيل أسماء](4) بنت الأشعث بن قيس سمّته، وكان لها ضرائر فاستطلق به بطنه فدخل عليه الحسين يعوده فقال له الحسن:
يا أخي إنّي سقيت السمّ ثلاث مرات فلم أسق مثل هذه، فقال الحسين: ومن سقاك يا أخي؟ قال: وما سؤالك عن ذلك أتريد أن تقاتلهم؟ قال: نعم. قال: إن يكن الذي أظنّ فاللّه أشد بأساً وأشد تنكيلاً وإن لا يكن فما أحبّ أن يقتل بي برئ أوكلهم إلي اللّه تعالي(5).
38 - ويروي أنّه قال له حين سأله من سقاك السمّ: أنا في آخر قدم [110] من
ص: 248
الدنيا وأوّل قدم من الآخرة تأمرني أن أعمر.
39 - وروي ابن سعد في الطبقات أنّ الحسن بن عليّ رأي في المنام كان مكتوباً بين عينيه: قل هو اللّه أحد فاستبشر أهل بيته بذلك فبلغ سعيد بن المسيب فقال: إن صدقت رؤياه فما بقي من أجله إلّاقليل فمات عليه السلام بعد ذلك بأيّام(1).
40 - وجزع عليه السلام عند الموت فقال له الحسين: يا أخي ما هذا الجزع إنّك ترد علي رسول اللّه صلي الله عليه و آله وعلي عليّ وهما أبواك وعلي خديجة وفاطمة وهما أُمّاك وعلي القاسم والطاهر وهما خالاك وعلي حمزة وجعفر وهما عمّاك فقال له: يا أخي إنّي أدخل في أمر من أمر اللّه لم أدخل في مثله قط وأري خلقاً من خلق اللّه لم أر مثله قط قال فهيج الحسين عليه السلام علي البكاء فجعل يبكي معه(2).
41 - وفي رواية أنّه قال له: يا أخي ألست أقدم علي هول عظيم وخطب جسيم لم أقدم علي مثله (قط)(3) ولست أدري أتصير نفسي إلي النار فأعزيها أم إلي الجنّة فأهنيها(4).
42 - روي فائد مولي عبادل أنّ عبيد اللّه بن عليّ أخبره وغيره ممّن مضي من أهل بيته أنّ الحسن بن عليّ أصابه بطن فلمّا عزيه وعرف بنفسه الموت أرسل إلي عائشة أن تأذن له أن يدفن مع رسول اللّه صلي الله عليه و آله فقال: نعم حباً وكرامةً، وكان قد بقي ثَمّ موضع قبر آخر فقال الحسن لأخيه: إذا أنا متّ فاطلب ذلك إليها فإنّي لا أدري لعل ذلك كان منها حياءً فإن طابت نفسها فادفني في بيتها وما أظنّ القوم يعني بني أُمية إلّاسيمنعونك إذا أردت ذلك، فإن فعلوا فلا تراجعهم وأدفني في بقيع الغرقد إلي جنب أُمّي فاطمة، فإنّ لي فيمن فيه أُسوة، فلمّا مات الحسن راجع الحسين عائشة2.
ص: 249
في ذلك فأذنت، فقالت بنوا أُمية: واللّه لا يدفن فيه أبداً، فهمّ الحسين وبنوا هاشم بقتالهم ثم ذكر الحسين قول أخيه لا تراجعهم فكفّ وأمر فحفر له عند قبر أُمّه فاطمة عليها السلام بالبقيع فعرف الناس حينئذ قبر فاطمة وكان عليّ قد دفنها ليلاً قال فائد: وأخبرني مولاي ومن شئت من أهلي ممّن مضي أن بين قبر فاطمة وبين خوخة بيته الطريق نحو سبعة أذرع(1).
43 - ونقل الشيخ أبو محمّد عبد اللّه بن محمّد بن جعفر بن حيان المعروف بأبي الشيخ، في تأليفه المسمّي بكتاب - \السنّة الكبيرة: أنّ الحسين عليه السلام لمّا أتي بالحسن ليصلي عليه قال لسعيد بن العاص أمير المدينة: تقدّم فلولا أنّها سنّة ما قدّمتَ فصلي عليه سعيد بن العاص ودفن بالبقيع عند جدّته فاطمة بنت أسد بن هاشم(2).
44 - ونقل الشيخ محبّ الدين بن النجار: أنّ الحسن عليه السلام دفن بجنب أُمّه فاطمة عليها السلام ومعه في القبر بن أخيه عليّ بن الحسين، ومحمّد بن عليّ الباقر، وابنه جعفر الصادق(3).
قلت: هذا هو المشهور المعروف وإلي جانبه أيضاً قبر العبّاس بن عبدالمطلب عمّ رسول اللّه صلي الله عليه و آله [111] وقد بنيت عليهما قبّة عالية البناء قديمة، بناها بعض خلفاء بني العبّاس.
45 - قال أبو بكر بن أبي شيبة: ومات الحسن عليه السلام في سنة ثمان وخمسين، وقيل غيره توفي سنة تسع وأربعين وهو ابن ست وأربعين وقيل ابن سبعة.
ص: 250
وأربعين وهذا القول والذي قبله قريب(1).
46 - وقيل: أنّه كان يوم توفي ابن تسع والأربعين سنة، وقال أبو حفص عمرو بن عليّ: توفي الحسن بن عليّ عليهما السلام في ربيع الأوّل سنة سبع وأربعين وكان قد سقي السمّ فوضع كبده(2).
وقال غيره: ولد في النصف من رمضان سنة ثلاث من الهجرة ومات سنة ست وأربعين وقيل: أنّه مات سنة خمسين واللّه أعلم.
47 - \وروي أبو حازم قال: قال أبو هريرة حين منعوا الحسن أن يدفن مع رسول اللّه صلي الله عليه و آله: [حسدوا ابن بنت رسول اللّه تربة يدفنوه فيهاولقد سمعت رسول اللّه](3). يقول: الحسن والحسين سيدا شباب أهل الجنّة من أحبّهما فقد أحبّني ومن أبغضهما فقد أبغضني(4).
48 - وعنه عن أبي هريرة أنّ الحسن بن عليّ قال لأخيه: إذا أنا مت فاحفر لي مع النبيّ صلي الله عليه و آله وإلّا في بيت عليّو فاطمة [وإلّا ففي البقيع ولاترفعن فيّ صوتاً قال: فحفرله في بيت عليّ وفاطمة](5) فلمّا بلغ بني أُمية أقبلوا عليهم السلاح وقالوا: لا واللّه لا يحفر بالمسجد قبر ونادي الحسين في بني هاشم فاقبلوا عليهم السلاح ثم ذكر قول أخيه: لا يرفعن فيّ صوتاً فحفر له بالبقيع(6).
49 - قال أبو هريرة: فإنّي في الحفرة وشابان من قريش يطرحان في القبرء.
ص: 251
التراب فقلت لهما: أرأيتما لو أدركتم أحداً من ولد موسي وعيسي كيف إذا فعلتم؟ فقالا: فعلنا وفعلنا، فقال أبو هريرة: كذبتم أما سمعتم رسول اللّه صلي الله عليه و آله يقول: من أحبّني فليحبّهما(1).
50 - ولمّا دفن عليه السلام وقف أخوه محمّد بن الحنفية علي قبره فقال: رحمك اللّه يا أبا محمّد فواللّه لئن عزّت حياتك لقد هدّت وفاتك، ولنعم الروح روح عمّر في بدنك. وفي رواية ولنعم الجسم جسم لفّ في كفنك ولنعم الكفن كفن تضمّن بدنك وكيف لا يكون كذلك وأنت سليل الهدي، وحليف أهل التقي، وخامس أصحاب الكساء، وابن سيّدة النساء، رُبّيت في حجر الإسلام، ورضعت ثدي الإيمان، ولك السوابق العظمي، والغايات القصوي، وبك أصلح اللّه بين فئتين عظيمتين من المسلمين ولم يك شعث الدين، وإنّك وأخيك سيدا شباب أهل الجنّة ثم إلتفت إلي الحسين فقال: بأبي أنت وأُمّي وعلي أبي محمّد السلام فلقد طبت حيّاً وميّتاً ثم [112] إنتحب طويلاً والحسين معه ثم أنشد:
أأدهن رأسي أم تطيب مجالسي وخدك معفور وأنت سليب
سأبكيك ما ناحت حمامة أيكة وما اخضرّ في دوح الرياض قضيب
غريب وأكناف الحجاز تحوطه ألا كلّ من تحت التراب غريب(2)
51 - ونقل الشيخ أبو محمّد صاحب كتاب السنّة الكبيرة أنّ النجاشي رثي الحسن بن عليّ عليهما السلام لمّا مات فقال:
يا جعد بكّيه ولا تسأمي بكاء حقّ ليس بالباطل
علي ابن بنت الطاهر المصطفي وابن عمّ المصطفي الفاضل3.
ص: 252
وكان إذا شبت له ناره توقدها بالشرف القابل
لكي يراها بائس مرمل أو فرد حي ليس بالآهل
لن تغلقي باباً علي مثله في الناس من حاف ومن ناعل
أعني فتي أسلمه قومه للزمن المستخرج الماحل
نعم فتي الهيجاء يوم الوغي والسيد القابل والفاعل(1)
52 - نقل الإمام أبو محمّد صاحب كتاب السنّة بسنده إلي حذيفة أنّ النبيّ صلي الله عليه و آله قال: ألا إنّ الحسين بن عليّ أُعطي من الفضل مالم يعطه أحد من ولد آدم ما خلا يوسف بن يعقوب بن إسحاق بن إبراهيم خليل الرحمن صلوات اللّه عليهم أجمعين.
وروي أيضاً بسنده إلي ربيعة السعدي قال: أتيت حذيفة فسألته عن أشياء فقال: اسمع منّي وعه وأبلغ الناس، إنّي رأيت رسول اللّه صلي الله عليه و آله كما تراني وسمعته بأُذني هاتين وقد جاء الحسين بن عليّ فجعله علي منكبه وجعل الحسين يغمز بعقبه في سرّة النبيّ صلي الله عليه و آله فرأيت كفّ رسول اللّه صلي الله عليه و آله الطيّبة المباركة الزاكية وقد وضعها علي ظهر قدم الحسين وهو يغمزها في سرّة نفسه لأن لا ينبهر، ولا ينقطع نفسه من الكلام ثم قال: أيّها الناس هذا الحسين بن عليّ خير الناس جدّاً وخير الناس جدّةً جدّه رسول اللّه صلي الله عليه و آله سيّد ولد آدم، وجدّته خديجة بنت خويلد سابقة نساء العالمين إلي الإيمان باللّه وبرسوله، وهذا الحسين بن عليّ خير الناس خالاً وخير الناس خالةً خاله القاسم بن رسول اللّه وخالته زينب بنت رسول اللّه صلي الله عليه و آله، ثم وضعه عن منكبه فدرج بين يديه ثم قال صلي الله عليه و آله: أيّها الناس هذا الحسين بن عليّ جدّه في الجنّة، وأبوه في الجنّة، وأُمّه في
ص: 253
الجنّة، وعمّه في الجنّة، وعمّته في الجنّة، وخاله في الجنّة وخالته في الجنّة، وأخوه في الجنّة ثم قال: أيّها الناس أنّه لم يعط أحد من ذرّية الأنبياء الماضين ما أُعطي الحسين بن عليّ خلا يوسف بن يعقوب بن إسحاق بن إبراهيم، يا أيّها الناس أنّ الفضل [113] والشرف والمنزلة والولاية لرسول اللّه صلي الله عليه و آله وذرّيته فلا تذهبن بكم الأباطيل(1).
53 - وعن أبي الشعثاء عن بشر بن غالب قال: سمعت أبا هريرة ولقي الحسين بن عليّ عليهما السلام وهو يطوف بالكعبة فقال: يا أبا عبد اللّه لقد رأيتك علي ذراعَيْ رسول اللّه صلي الله عليه و آله قد خضبتهما دماً وذلك حين قطع سرّتك(2).
54 - وفي رواية قال له: يا أبا عبد اللّه سيرة(3) حسنة فوالذي نفس أبي هريرة بيده لا يملكون سنة إلّاملكتم سنتين، ولا شهراً إلّاشهرين، ولا يوماً إلّا يومين، ولقد رأيتك علي ذراعي رسول اللّه صلي الله عليه و آله وقد خضبتهما دماً حين قطع سرّتك ولفّك في خرقك، وحنّكك بتمرة وتفل في فيك، وتكلّم بكلام لست أدري ما هو وذلك أنّه كان يقدم إلي فاطمة وقال: إذا ولدت فلا تسبقيني بقطع سرّة ولدك وكانت قد سبقته بالحسن عليهما السلام(4).
55 - وعن عبيداللّه بن أبي رافع عن أبيه قال: رأيت رسول اللّه صلي الله عليه و آله أذّن في أُذن الحسين حين ولدته فاطمة بأذان الصلاة(5).
56 - [عن أبي هريرة قال سمعت أُذناي هاتان وأبصرت عيناي هاتان رسول اللّه صلي الله عليه و آله وهو يرقص الحسن والحسين ويقول:7.
ص: 254
حزّقة حزّقة ارق عين بقة
فترقي الغلام حتي وضع قدميه علي صدرالنبيّ صلي الله عليه و آله قال: ثم الحزقة: الضعيف الذي يقارب خطوه من ضعف بدنه وقيل إرق أي إصعد وعين بقة منصوب علي الندا أي ياعين بقة وهومبالغة في الوصف بالصغرواللّه أعلم](1).
57 - وكان الحسين كثير الصلاة والصوم والحجّ والعبادة، سخياً كريماً(2).
58 - حجّ خمس وعشرين حجة ماشياً ونجائبه تقاد معه(3).
59 - وروي جبان بن عليّ العثري عن أبي إسحاق قال: شهدت يزيد بن معاوية تجاه الكوفة إذ أقبل عقيل بن أبي طالب فجلس فقال له رجل من الأنصار: يا أبا يزيد أخبرنا عن الحسين بن عليّ فقال: ذاك أصبح قريش وجهاً وأفصحهم لساناً، وأشرفهم بيتاً(4).
60 - وقال جابر بن عبد اللّه: من سرّه أن ينظر إلي رجل من أهل الجنّة فلينظر إلي الحسين فإنّي سمعت رسول اللّه صلي الله عليه و آله يقوله(5).
61 - وعن يعلي بن مرّة قال: قال رسول اللّه صلي الله عليه و آله: حسين منّي وأنا من حسين أحبّ اللّه من أحبّ حسيناً حسين سبط من الأسباط(6).1.
ص: 255
62 - وروي عن عليّ بن الحسين عن أبيه حسين بن عليّ عليهما السلام قال: سمعت الحسين يقول: لو شتمني رجل في هذه الأُذن وأومي إلي اليمني واعتذر لي في الأُخري لقبلت ذلك منه، وذلك أنّ أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب عليه السلام حدّثني أنّه سمع جدّي رسول اللّه صلي الله عليه و آله يقول: لا يرد [114] الحوض من لم يقبل العذر من محقّ أو مبطل(1).
63 - وروي عن عبد اللّه بن مسعود قال: كان الحسن والحسين يحبوان حتي يأتيان رسول اللّه صلي الله عليه و آله وهو في المسجد يصلي فيركبان علي ظهره فإذا جلس ضمّهما إلي صدره ثم يقول: بأبي وأُمّي من كان يحبّني فليحبّ هذين(2).
64 - وفي رواية عن عبد اللّه أنّ النبيّ صلي الله عليه و آله قال للحسن والحسين: اللهمّ إنّي أحبّهما فأحبّهما ومن أحبّهما فقد أحبّني(3).
65 - وفي رواية عن عبد اللّه قال: كان الحسن والحسين يثبان علي ظهر النبيّ صلي الله عليه و آله وهو يصلي فإذا جاء أحد يحطهما عنه أومأ إليه دعهما، فإذا قضي صلاته ضمّهما إليه وقال: بأبي أنتما وأُمّي من أحبّني فليحبّ هذين(4).
66 - وروي أبو هريرة قال: سمعت رسول اللّه صلي الله عليه و آله يقول: من أحبّ الحسن والحسين فقد أحبّني ومن أبغضهما فقد أبغضني(5).
ص: 256
67 - وعنه أيضاً قال: خرج علينا رسول اللّه صلي الله عليه و آله ومعه حسن وحسين هذا علي عاتقه وهذا علي عاتقه، حتي انتهي إلينا فقلنا: يارسول اللّه صلي الله عليه و آله كأنّك تحبّهما؟ فقال: من أحبّهما فقد أحبّني ومن أبغضهما فقد أبغضني(1).
68 - وروي سلمان قال، قال: رسول اللّه صلي الله عليه و آله: الحسن والحسين من أحبّهما أحببته ومن أحببته أحبّه اللّه ومن أحبّه اللّه أدخله جنّات النعيم، ومن أبغضهما وبغي عليهما أبغضته ومن أبغضته أبغضه اللّه ومن أبغضه اللّه أدخله النار وله عذاب مقيم(2).
69 - وقد روي من طريق أهل البيت عليهم السلام عن محمّد بن عليّ عن أبيه عن جدّه عليّ أنّ النبيّ صلي الله عليه و آله أخذ بيد الحسن والحسين فقال: من أحبّني وأحبّهما وأباهما وأُمّهما كان معي في درجتي يوم القيامة(3).
70 - وروي (سلمان)(4) بن إسحاق بن سليمان بن عليّ بن عبد اللّه بن العبّاس قال: سمعت أبي يذكر عن الرشيد عن المهدي عن المنصور عن أبيه عن جدّه عن بن عبّاس عن النبيّ صلي الله عليه و آله أنّه قال للحسن والحسين: من أحبّهما ففي الجنّة، ومن أبغضهما ففي النار(5).
71 - وعن أنس قال: سئل رسول اللّه صلي الله عليه و آله أيّ أهل بيتك أحبّ إليك؟ قال:
الحسن والحسين، وكان يقول لفاطمة: أُدعي لي إبني فيشمّهما ويضمّهما إليه(6).2.
ص: 257
72 - وعن أبي بردة قال: كان رسول اللّه صلي الله عليه و آله يخطبنا إذ جاء الحسن والحسين عليهما السلام عليهما قميصان أحمران يمشيان ويعثران فنزل رسول اللّه صلي الله عليه و آله من المنبر فحملهما ووضعهما بين يديه ثم قال [115]: صدق اللّه «أَنَّمَآ أَمْوَالُكُمْ وَأَوْلادُكُمْ فِتْنَةٌ وَأَنَّ اللَّهَ عِندَهُ أَجْرٌ عَظِيمٌ»(1) نظرت إلي هذين الصبيّين يمشيان ويعثران فلم أصبر حتي قطعت حديثي ورفعتهما(2).
73 - وعن يعلي بن أُمية قال: جاء الحسن والحسين يسعيان إلي رسول اللّه صلي الله عليه و آله فجاء أحدهما قبل الآخر فجعل النبيّ صلي الله عليه و آله يده في رقبته ثم ضمّه إلي إبطه ثم جاء الآخر فجعل يده الأُخري في رقبته ثم ضمّه إلي إبطه ثم قبل هذا وقبل هذا وقال: اللهمّ إنّي أحبّهما فأحبّهما ثم قال: يا أيّها الناس إنّ الولد مبخلة مجبنة مجهلة(3).
74 - روي حسن بن أُسامة بن زيد (بن حارثة عن أبيه أُسامة بن زيد بن حارثة)(4) قال: طرقت النبيّ صلي الله عليه و آله ذات ليلة لبعض الحاجة فخرج النبيّ صلي الله عليه و آله وهو مشتمل علي شيء لا أدري ما هو فلمّا فرغت من حاجتي قلت: ماهذا الذي أنت مشتمل عليه؟ فكشفه فإذا حسن وحسين علي وركيه فقال: هذان ابناي وابنا
ص: 258
ابنتي، اللهمّ إنّك تعلم أنّي أحبّهما فاحبّهما وأحبّ من يحبّهما(1).
75 - وروي سعيد بن المسيب عن سعد قال: دخلت علي رسول اللّه صلي الله عليه و آله والحسن والحسين يلعبان علي ظهره فقلت: يارسول اللّه أتحبّهما؟ فقال: ومالي لا أحبّهما وإنّهما ريحانتاي من الدنيا(2).
76 - وروي أبو هريرة أنّ النبيّ صلي الله عليه و آله كان يمص لسان الحسن والحسين كما يمص الرجل التمرة(3).
77 - وعنه أيضاً قال: صلّي رسول اللّه صلي الله عليه و آله العشاء فجعل الحسن والحسين يثبان علي ظهره فلمّا قضي الصلاة قال أبو هريرة: يارسول اللّه صلي الله عليه و آله أذهب بهما إلي أُمّهما؟ قال نعم. قال: فبرقت برقة لم يزالا في ضوئها حتي بلغا إلي أُمّهما(4).
78 - روي سفيان الثوري عن أبي الزبير عن جابر قال: رأيت النبيّ صلي الله عليه و آله يمشي علي أربعة والحسن والحسين علي ظهره وهو يقول: نعم الجمل جملكما ونعم الحملان أنتما(5).
79 - وروي عن زيد بن أسلم عن أبيه عن عمر قال: رأيت الحسن).
ص: 259
والحسين علي عاتقي النبيّ صلي الله عليه و آله فقلت: نعم الفرس تحتكما فقال النبيّ صلي الله عليه و آله: ونعم الفارسان هما(1).
80 وعن عليّ بن أبي طالب عليه السلام قال: خرج النبيّ صلي الله عليه و آله والحسن علي عاتقه الأيمن والحسين علي عاتقه الأيسر فقال له عمر: نعم المطية لهما أنت يارسول اللّه فقال رسول اللّه صلي الله عليه و آله: ونعم الراكبان هما لي(2).
81 - وعن أنس قال: كان رسول اللّه صلي الله عليه و آله يسجد فيجيء الحسن والحسين فيركب ظهره فيطيل السجود فيقال: يا نبي اللّه أطلت السجود فيقول: ارتحلني إبني فكرهت أن أعجله(3).
82 - وعن بن عبّاس: أنّ النبيّ صلي الله عليه و آله كان حامل الحسين بن عليّ علي عاتقه فقال رجل: يا غلام نعم المركب ركبت فقال النبيّ صلي الله عليه و آله: نعم الراكب [116] هو(4).
83 - روت زينب بنت أبي رافع قالت: أتت فاطمة بنت رسول اللّه صلي الله عليه و آله بابنيها إليه في شكواه فقالت له: يا رسول اللّه صلي الله عليه و آله هذان ابناي فورّثهما شيئاً فقال: أمّا
ص: 260
الحسن فإن ّله هيبتي وسؤددي، وأمّا الحسين فإنّ له جرأتي وجودي(1).
84 - وعن فاطمة بنت رسول اللّه صلي الله عليه و آله قالت: قلت يارسول اللّه إنحل ابني الحسن والحسين فقال: أنحل الحسن المهابة والحلم، وأنحل الحسين السماحة والرحمة. وفي رواية نحلت هذا الكبير المهابة والحلم، ونحلت الصغير المحبّة والرضي(2).
85 - وروي ابن عمر، قال صلي الله عليه و آله: إنّ الحسن والحسين هما ريحانتاي من الدنيا(3).
وفي رواية ريحانتاي من الدنيا أي يتروح إليهما ويسرّبهما(4).
86 - وعن بن عبّاس قال: كان رسول اللّه صلي الله عليه و آله يعوّذ الحسن والحسين ويقول: إنّ أباكما - يعني إبراهيم - كان يعوذ بهما إسماعيل وإسحاق أُعيذكما بكلمات اللّه التامّات من كلّ شيطان وهامّة ومن كلّ عين لامّة(5).
87 - وروي ابن عمر أنّه كان للحسن والحسين تعويذان فيهما من زغب جناح جبرئيل(6).
88 - وروي إسحاق بن سليمان بن عليّ بن عبد اللّه بن عبّاس قال: سمعت3.
ص: 261
أبي يوماً يحدّث أنّهم كانو عند هارون الرشيد أمير المؤمنين فقال: حدّثني أمير المؤمنين المهدي عن أمير المؤمنين المنصور أنّه حدّثه عن أبيه عن جدّه عن عبد اللّه بن عبّاس أنّه كان ذات يوم عند رسول اللّه صلي الله عليه و آله فقال: ألا أدلّكم علي خير الناس جدّاً وجدّةً؟ قالوا: بلي يارسول اللّه صلي الله عليه و آله قال: الحسن والحسين جدّهما رسول اللّه سيّد المرسلين، وجدّتهما خديجة بنت خويلد سيّدة نساء أهل الجنّة، أيّها الناس ألا أدلكم علي خير الناس أباً وأمّاًٍ؟ قالوا: بلي يارسول اللّه قال: هذا حسن وحسين أبوهما عليّ بن أبي طالب، وأُمّهما فاطمة بنت رسول اللّه صلي الله عليه و آله سيّدة نساء العالمين، أيّها الناس ألا أدلّكم علي خير الناس عمّاً وعمّةً؟ قالوا: بلي يارسول اللّه قال: حسن وحسين عمّهما جعفر بن أبي طالب، وعمّتهما أم هاني بنت أبي طالب، أيّها الناس ألا أخبركم بخير الناس خالاً وخالةً؟ قالوا: بلي يارسول اللّه قال: حسن وحسين خالهما القاسم بن رسول اللّه صلي الله عليه و آله وخالتهما زينب بنت رسول اللّه صلي الله عليه و آله. ثم قال: اللهمّ إنّك تعلم أنّ الحسن والحسين في الجنّة وجدّهما في الجنّة وجدّتهما في الجنّة وأبوهما وأُمّهما في الجنّة وعمّهما وعمّتهما في الجنّة وخالهما وخالتهما في الجنّة، ومن أحبّهما في الجنّة ومن أبغضهما في النار، قال: أبي وكان هارون الرشيد يحدّثنا وعينيه تدمع وخنقته العبرة. روي هذا الحديث الإمام أبو محمّد عبداللّه بن محمّد بن حيّان المعروف بأبي الشيخ في كتاب السنّة له(1).
89 - وروي أيضاً بسنده إلي جعفر بن محمّد عليه السلام [117] عن عمّه زيد قال:
خلق اللّه عزّ وجلّ منّا سبعة لم يخلق مثلهم قط: أبونا رسول اللّه صلي الله عليه و آله سيّد الأوّلين والآخرين ورسول ربّ العالمين، وأبونا عليّ ابن عمّه وصهره، وأبونا حسن وحسين سيّدا شباب أهلل.
ص: 262
الجنّة،(1) وعمّنا جعفر الطيار في الجنّة لم يطر فيها آدمي قبله ولا بعده وعمّنا حمزة سيّد الشهداء [والقائم المهدي](2).
90 - روي الشعبي قال: بلغ ابن عمر وهو في عين له، أو ماء له، أنّ الحسين بن عليّ عليهما السلام يريد العراق فركب ابن عمر بغلة له حتي أتاه فقال له: يابن بنت رسول اللّه صلي الله عليه و آله أين تريد؟ قال: أُريد العراق قال: إنّ رسول اللّه صلي الله عليه و آله خيّر بين الدنيا والآخرة فأختار الآخرة، وأنّه لن ينالها أحد منكم فارجع فأبي فاعتنقه وقال له: أستودعك اللّه من مقتول والسلام(3).
91 - وروي جعفر بن سليمان قال: حدّثني يزيد الرشك(4). قال: حدّثني من شافه الحسين عليه السلام بهذا الكلام قال: حججت فأخذت ناحية عن الطريق أتعسف الطريق فدفعت إلي أبنية وأخبية فأتيت أدناها فسطاطاً فقلت: لمن هذه الأخبية؟ فقالوا: للحسين بن عليّ فقلت: ابن فاطمة بنت رسول اللّه صلي الله عليه و آله؟ قالوا:
نعم. قلت: في أيّها هو فأشاروا إلي فسطاط فأتيت الفسطاط فإذا هو قاعد عند عمود الفسطاط، وإذا بين يديه كتب كثيرة يقرأها فسلّمت عليه وقلت: بأبي أنت وأُمّي ما أجلسك في هذا الموضع الذي ليس فيه أنيس ولا منفعة؟ قال: إنّ هؤلاء
ص: 263
- يعني السلطان - أخافوني وهذه كتب أهل الكوفة إليّ وهم قاتلي فإذا فعلوا ذلك لم يتركوا للّه حرمة إلّاانتهكوها، فيسلط اللّه عليهم من يذلّهم، حتي يتركهم أذلّ من قرم الأمة، قال جعفر: فسألت الأصمعي عن ذلك فقال: هي خرقة الحيض التي تلقيها النساء(1). وقد فعل اللّه ذلك بأهل الكوفة حين خذلوا الحسين عليه السلام وأسلموه حتي قتل فسلط اللّه عليهم الحجاج فأذلّهم وأهانهم.
92 - وقال عليّ بن الحسين عليهما السلام: ما نزل الحسين منزلاً حين خرج من مكّة إلي الكوفة إلّاوهو يحدّثنا عن مقتل يحيي بن زكريّا عليه السلام وقد كان اللّه أعلم النبيّ صلي الله عليه و آله بما يصيب الحسين بعده.
93 - وروت أُمّ سلمة قالت: دخلت علي النبيّ صلي الله عليه و آله فقال: احفظي الباب لا يدخل عليّ أحد فسمعت نحيبه فدخلت فإذا الحسين بين يديه فقلت: واللّه يارسول اللّه ما رأيته حين دخل فقال: إنّ جبرئيل كان عندي آنفاً فقال: إنّ أُمّتك ستقتله بعدك بأرض يقال لها كربلاء [118] فتريد أن أُريك تربته يا محمّد؟ فتناول جبرئيل من ترابها فأراه النبيّ صلي الله عليه و آله ودفعه إليه قالت أُمّ سلمة: فأخذته فجعلته في قارورة فأصبته يوم قتل الحسين وقد صار دماً(2).
94 - وفي رواية هلال بن خباب أنّ جبرئيل كان عند النبيّ صلي الله عليه و آله فجاء الحسن والحسين فوثبا في ظهره فقال النبيّ صلي الله عليه و آله لأُمّهما: ألا تشغلين عنّي هذين فأخذتهما ثم أفلتا فجاءا فوثبا علي ظهره فأخذهما فوضعهما في حجره فقال له جبرئيل: يا محمّد إنّي أظنّك تحبّهما؟ فقال: كيف لا أحبّهما وهما ريحانتاي من الدنيا فقال جبرئيل: أما إنّ أُمّتك تقتل هذا يعني حسيناً، فخفق بجناحه خفقة فجاء بتربة فقال: أما انّه9.
ص: 264
يقتل علي هذه التربة فقال: ما اسم هذه التربة؟ قال: كربلا، قال هلال بن خباب: فلمّا أصبح الحسين في المكان الذي أُصيب فيه وأُحيط به، أتي بنبطي فقال له الحسين: ما اسم هذه الأرض؟ قال: أرض كربلا قال: صدق رسول اللّه صلي الله عليه و آله أرض كرب وبلا وقال لأصحابه: ضعوا رحالكم مناخ القوم مهراق دمائهم(1).
95 - عن ابن عبّاس عن النبيّ صلي الله عليه و آله قال: قال لي جبرئيل إنّ اللّه عزّ وجلّ قتل بدم يحيي بن زكريّا سبعين ألفاً، وهو قاتل بدم ابن بنتك سبعين ألفاً وسبعين ألفاً(2).
96 - وروي أنّه لمّا أيقن أنّهم قاتلوه قام عليه السلام في أصحابه خطيباً فحمد اللّه وأثني عليه ثم قال: قد نزل بي ما ترون من الأمر وأنّ الدنيا قد تغيّرت حتي لم يبق منها إلّا صبابة كصبابة الإناء إلّاخسيس عيش كمرعي الوبيل ألا ترون الحقّ لا يعمل به، والباطل لا يتناهي عنه، ليرغب المؤمن في لقاء اللّه.
وإنّي لا أري الموت إلّاسعادة والحياة مع الظالمين إلّاندامة(3)
97 - وروي عليّ بن الحسين عليه السلام قال: لمّا صبحت الخيل الحسين بن عليّ رفع يديه فقال: اللهمّ أنت ثقتي في كل كرب، ورجائي في كل شدة، وأنت لي في كل أمر نزل بي ثقة وعدة، فكم من هم يضعف فيه الفؤاد، وتقل فيه الحيلة، ويخذل فيه الصديق، ويشمت فيه العدو، أنزلته بك وشكوته إليك، رغبة فيه إليك عمن سواك، ففرجته وكشفته5.
ص: 265
وكفيته، فأنت وليّ كل نعمة، وصاحب كل حسنة، ومنتهي كل غاية(1). وقتل عليه السلام بكربلا يوم الجمعة يوم عاشورا سنة إحدي وستين بناحية الكوفة من أرض العراق ويعرف ذلك المكان أيضاً بالطف قتله سنان بن أنس النخعي. وهو جد شريك القاضي، وقيل قتله شمر بن ذي الجوشن وكان أبرص وأجهز عليه خولي بن يزيد الأصبحي من حمير [119] وأتي برأسه إلي عبيد اللّه بن زياد وقال له:
أوقر ركابي فضّةً وذهباً أنا قتلت الملك المحجبّاً(2)
قتلت خير الناس أُمّاً وأباً وخيرهم إذينسبون نسباً(3)
98 - ولمّا أخبر الربيع بن خيثم بقتل الحسين عليه السلام أسترجع وقال: «قُلِ اللَّهُمَّ فَاطِرَ السَّمَوَ تِ وَ الْأَرْضِ عَالِمَ الْغَيْبِ وَ الشَّهَادَةِ أَنتَ تَحْكُمُ بَيْنَ عِبَادِكَ فِي مَا كَانُواْ فِيهِ يَخْتَلِفُونَ»(4).
99 - وروت أُمّ سلمة قالت: جاء جبرئيل إلي النبيّ صلي الله عليه و آله فدخل عليه الحسين فقال: إنّ أُمّتك تقتله بعدك ثم قال: ألا أُريك تربة مقتله؟ فجاء بحصيات فجعلهن رسول اللّه صلي الله عليه و آله في قارورة فلمّا كان ليلة قتل الحسين سمعت قائل يقول شعر:
أيّها القاتلون حسيناً ابشروا بالعذاب والتنكيل
وقد لعنتم علي لسان ابن داود وموسي وحامل الإنجيل
قالت: فبكيت وفتحت القارورة فإذا الحصيات قد جرت دماً(5).2.
ص: 266
100 - وروي الترمذي بسنده عن سلمي إمرأة من الأنصار قالت: دخلت علي أُمّ سلمة وهي تبكي فقلت: ما يبكيك؟ قالت: رأيت الآن رسول اللّه صلي الله عليه و آله وعلي رأسه ولحيته التراب وهو يبكي فقلت: ما يبكيك يارسول اللّه قال: شهدت قتل الحسين آنفاً(1).
101 - \وقال ابن عبّاس: رأيت رسول اللّه صلي الله عليه و آله فيما يري النائم نصف النهار وهو قائم أشعث أغبر بيده قارورة فيها دم يلتقطه أو يتتبع فيه شيئاً، فقلت: بأبي أنت وأُمّي يارسول اللّه ماهذا؟ قال: دم الحسين وأصحابه ولم أزل أتتبعه منذ اليوم فنظروا فوجدوه قد قتل في ذلك اليوم رواه الإمام أحمد(2).
102 - وفي رواية أنّ ابن عبّاس كان في قائلة له فانتبه من قائلته وهو يسترجع ففزع أهله فقالوا: ما شأنك؟ مالك؟ قال: رأيت النبيّ صلي الله عليه و آله وهو يتناول من الأرض شيئاً فقلت: بأبي وأُمّي يارسول اللّه صلي الله عليه و آله ماهذا الذي تصنع؟ قال: دم الحسين أرفعه إلي السماء(3).
وكان عمره عليه السلام يوم قتل ستّاً أو سبعاً وخمسون سنة وقيل ثمانياً وخمسون سنة وقيل أربعاً وخمسون والأوّل أصح، وقتل معه من إخوته وبنيه وبني أخيه الحسن ومن أولاد جعفر وعقيل تسعة عشر رجلاً قال الحسن البصري: ما كان علي وجه الأرض يومئذٍ لهم شبيه(4).
103 - [وفي رواية واللّه ما علي ظهرالأرض يومئذٍ أهل بيت لهم يشبهون قال6.
ص: 267
سفيان بن عيينة: ومن يشك في هذا؟](1). قلت: سبعة منهم لعليّ بن أبي طالب عليه السلام وهم الحسين، والعبّاس، وجعفر، وعبد اللّه، وعثمان، ومحمّد الأصغر، وأبوبكر.
ومن ولد الحسين إثنان عليّ الأكبر، وعبد اللّه، ومن أولاد أخيه الحسن ثلاثة، عبد اللّه، والقاسم، وأبو بكر، ومن ولد عبد اللّه بن جعفر [120] إثنان عون، ومحمّد، ومن ولد عقيل خمسة: مسلم، وعقيل، وجعفر، وعبد اللّه بن مسلم بن عقيل، وأخوه محمّد بن مسلم.
104 - وذكر المدائني أنّه قتل مع الحسين عبد الرحمن بن عقيل، وعون بن عقيل، فعلي هذا هم أحد وعشرون، وقيل: كان مسلم بن عقيل قد قتل قبل ذلك لمّا أرسله الحسين عليه السلام إلي الكوفة وفيهم يقول سراقة الباهلي:
يا عين بكي بعبرة وعويل وأندبي إن ندبت آل الرسول
سبعة منهم لصلب عليّ قد أبيدوا وخمسة لعقيلي(2)
ويروي وسبعة لعقيل.
105 - قال: محمّد بن سيرين وجد حجر قبل مبعث الرسول صلي الله عليه و آله بثلاث مائة سنة وقيل بخمس مائة سنة عليه مكتوب بالسريانية، فنقلوه إلي العربية فاذا هو:
أترجوا أُمّة قتلت حسيناً شفاعة جدّه يوم الحساب
106 - وقال سليمان بن يسار وجد حجر مكتوب عليه:
لابد أن ترد القيامة فاطم وقميصها بدم الحسين ملطخ
ويل لمن شفعائه خصمائه والصور في يوم القيامة ينفخ(3)ن.
ص: 268
107 - [وروي الإمام أبوالقاسم الطبراني بسنده إلي محمّد بن خالد الضّبي عن إبراهيم قال: لو كنت في مَن قتل الحسين بن عليّ عليهما السلام ثم غفرلي وأُدخلت الجنّة لاستحييت أن أمرّ علي النبيّ صلي الله عليه و آله فأنظر في وجهه(1).
108 - وروي أيضاً أنّ زينب الصغري بنت عقيل بن أبي طالب لما سمعت بقتل الحسين عليه السلام وأهل بيته خرجت إلي البقيع تندبهم وتبكي وتقول:
ماذاتقولون إن قال النبيّلكم ماذافعلتم وكنتم آخر الأُمم
بأهل بيتي وأنصاري وخالصتي منهم أساري وقتلي ضرجوابدم
ماكان ذاك جزائي إذ نصحت لكم أن تخلفوني بسوء في ذوي رحمي](2)
109 - أخبرني الشيخ شرف الدين الدمياطي إذناً وكتابةً قال: حدّثنا أبو الدرّ ياقوت بن عبد اللّه الغزي المسعودي خادم الضريح النبوي أنا الأمير أبو قصبة قيماز بن عبد اللّه السمسي قرأة عليه أنا أبو سعيد أحمد بن الحسن الخانساري، أنا أبو بكر يعني أحمد بن الفضل المقري، أنا محمّد بن إسحاق بن مندة الحافظ أنا عليّ بن عيسي بن عبدويه، أنا محمّد بن عبد الرحمن الشامي، أنا أبو المنذر محمّد بن المنذر، أنا آدم بن عيينه أخو سفيان بن عيينه، قال: أخبرني التميمي عن عبد الملك بن عمير قال: لقد رأيت في هذا القصر عجباً يعني قصر الإمارة بالكوفة دخلت علي عبيد اللّه بن زياد في بهو علي سرير والناس عنده سماطان وعلي يمينه ترس عليه رأس الحسين بن عليّبن أبي طالب عليهما السلام ثم دخلت علي المختار في ذلك البهو علي ذلك السرير والناس عنده سماطان وعلي يمينه3.
ص: 269
ترس عليه رأس [121] عبيد اللّه بن زياد، ثم دخلت علي مصعب بن الزبير في ذلك البهو علي ذلك السرير والناس عنده سماطان وعلي يمينه ترس عليه رأس المختار، ثم دخلت علي عبد الملك بن مروان في ذلك البهو علي ذلك السرير والناس عنده سماطان وعلي يمينه ترس عليه رأس مصعب بن الزبير(1). وفي رواية أُخري أنّ عبد الملك بن عمير أخبر بهذه القصة عبد الملك بن مروان حين رأي رأس مصعب علي يمينه فقال له عبد الملك: لا أراك اللّه الخامس، وقام من السرير فتحول عنه وأمر بهدم الأيوان(2).
110 - روي أبو الشيخ في كتاب السنّة بسنده: أنّه يوم قتل الحسين أصبحوا من الغدو كل قدر لهم طبخوها صار دماً وكلّ إناء لهم فيه ماء صار دماً(3).
111 - وروي أيضاً بسنده إلي حمامة بنت يعقوب الجعفية قالت: كان في الحيّ رجل ممّن شهد قتل الحسين فجاء بناقة من نوق الحسين عليه السلام فنحرها وقسمها في الحي فالتهبت القدور ناراً فاكفيناها(4).
112 - وروي أيضاً بسنده إلي يزيد بن أبي زياد قال: شهدت مقتل الحسين وأنا ابن خمسة عشر سنة فصار الورس في عسكرهم رماداً(5).
ص: 270
113 [واحمرت السماء لقتله، وانكسفت الشمس لقتله حتي بدت الكواكب نصف النهار، وظنّ الناس أنّ القيامة قد قامت، ولم يرفع حجر في الشام إلّا رؤي تحته دم عبيط](1).
114 - وقال سفيان بن عيينة: حدّثتني جدّتي أُمّ عيينية: أنّ حمّالاً كان يحمل ورساً فهوي قتل الحسين فصار ورسه رماداً(2).
115 - وقال أبو رجاء العطاردي: لا تسبّوا عليّاً ولا أهل هذا البيت، فإنّ جاراً لنا من هذيل قدم المدينة فقال: قتل اللّه الفاسق بن الفاسق الحسين بن عليّ فرماه اللّه بكوكبين فطمس عينيه(3).
116 - ونقل أبو الشيخ في كتابه بسنده إلي يعقوب بن سليمان قال: كنت في ضيعتي فصلّينا العتمة ثم جلسنا جماعة فذكروا الحسين بن عليّ عليهما السلام فقال رجل: مامن أحد أعان علي قتل الحسين إلّاأصابه قبل أن يموت بلاء، ومعنا شيخ كبير فقال: أنا ممن شهده وما أصابني أمر أكرهه إلي ساعتي هذه، قال:
فطفئ السراج فقام ليصلحه فثارت النار فأخذته فجعل ينادي: النار النار، وذهب فألقي نفسه في الفرات يغتمس فيه فأخذته النار حتي مات. وفي رواية فلم يزل به حتي مات(4).
117 - وروي الترمذي بسنده إلي عمّارة بن عمير قال: لمّا جيء برأسا.
ص: 271
عبيد اللّه بن زياد وأصحابه نضدت في المسجد في الرحبة فانتهيت إليهم وهم يقولون: قد جاءت فإذا حيّة قد جاءت تخلل الرؤوس حتي دخلت في منخري عبيد اللّه بن زياد فمكثت هنيئة ثم خرجت فذهبت حتي تغيبت، ثم قالوا: قد جائت قد جائت ففعلت ذلك مرتين أو ثلاثاً(1).
118 - ونقل الإمام أبو الفرج ابن الجوزي في كتاب التبصرة عن بن سيرين [123] قال: لمّا قتل الحسين عليه السلام أظلمت الدنيا ثلاثة أيّام ثم ظهرت هذه الحمرة في السماء(2).
119 - وقال أبو سعيد: ما رفع حجر في الدنيا لمّا قتل الحسين إلّاوتحته دم عبيط، ولقد مطرت السماء دماً بقي أثره في الثياب مدّة حتي تقطّعت(3).
120 - وقال سليم القاضي: لمّا قتل الحسين عليه السلام مطرنا دماً.
121 - وقال السدّي: لمّا قتل الحسين عليه السلام بكت السماء وبكاؤها حمرتها(4).
122 - قال الشيخ أبو الفرج ابن الجوزي: لمّاكان الغضبان يحمر وجهه عند الغضب فيستدل بذلك علي غضبه وأنّه إمارة السخط والحقّ سبحانه وتعالي ليس بجسم فأظهر تأثير غضبه علي من قتل الحسين عليه السلام بحمرة الأُفق وذلك دليل علي عظيم الجناية. وقال أيضاً: لمّا أسر العبّاس يوم بدر سمع النبيّ صلي الله عليه و آله أنينه فما نام تلك اليلة، وكيف لو سمع أنين الحسين.
وقال: لمّا أسلم وحشي قاتل حمزة قال له النبيّ صلي الله عليه و آله: غيب وجهك عنّي فإنّي لا أحبّ من قتل الأحبّة، قال: وهذا والإسلام يجب ما قبله فكيف يقدر6.
ص: 272
الرسول صلي الله عليه و آله أن يري من ذبح الحسين، أو أمر بقتله وحمل أهله علي أقتاب الجمال(1).
123 - روي ابن أبي نعم قال: كنت عند ابن عمر فسأله رجل عن دم البعوض يصيب الثوب. وفي رواية أنّه سأله عن المحرم يصيب البعوض أوالذباب فقال:
وممّن أنت؟ قال: من أهل العراق، فقال ابن عمر: ها أنظروا إلي هذا يسألني عن دم البعوض وقد قتلوا ابن رسول اللّه صلي الله عليه و آله وقد سمعت رسول اللّه صلي الله عليه و آله يقول: هما ريحانتاي من الدنيا(2). وإنّما إستنكف ابن عمر هذا السؤال [لأنّ مثله](3) يدل من صاحبه علي تقشف شديد، وتكلف بعيد، لا سيّما وقد جري بين أهل الكوفة سفك دم الحسين عليه السلام فأعرضوا عنه صفحاً، ولم يستعظموه وتعرضوها بالسؤال لما وقع عنه العفو وكفوه، وقد كان أهل الحجاز ينكرون مسائل أهل العراق، ولذلك قال بن عمر للسائل: ممّن أنت حين إستنكر سؤاله، فلمّا علم أنّه من أهل الكوفة عيّره بما أتوه من دم الحسين، وقديماً كانوا ينسبون أهلها إلي الخديعة والغدر والدهاء والمكر، وإنّما عيّرهم بقتله لأنّهم راسلوه فلمّا أتاهم خذلوه، فبقيت فِعلَتهمُ تلك عاراً عليهم مدي الدهر.
124 - [روي عبداللّه بن الضحّاك عن هشام بن محمّد قال: أجري الماء علي قبر الحسين بعدما دُفن لَيَنْمَحي أثره أربعين يوماً فلمّا نضب الماء لم يكن للقبر أثر فجاء أعرابي من بني أسد فجعل يأخذ قبضة قبضة من التراب ويشمّه [123] حتي وقع علي قبره فشمّه وبكي وقال: بأبي وأُمّي ما كان أطيبك حياً وأطيب).
ص: 273
تربتك ميتاً ثم أنشأيقول:
أرادوا ليخفوا قبره عن عدوه فطيب تراب القبر دلّ علي القبر)(1)
125 - قالت أُم سلمة: سمعت الجن تنوح علي الحسين بن عليّ عليهما السلام(2).
126 - وعن أبي زياد التميمي عن أبي جناب الكلبي قال: حدّثنا الجصاصون قالوا: كنّا إذا خرجنا إلي الجبانة بالليل بعد مقتل الحسين بن عليّ سمعنا نوح الجن عليهم وهم يقولون:
مسح الرسول جبينه فله بريق في الخدود
أبواه من عليا قريش جدّه خير الجدود(3)
قال أبو زياد: فزدت عليه من عندي:
زحفوا إليه ف - هم شرّ الجنود
قتلوا ابن بنت نبيّهم فادخلوا به نار الخلود(4).
127 - ونقل أبو الشيخ في كتابه بسنده إلي محمّد بن عباد بن صهيب عن أبيه قال: قدم رجل المدينة يطلب الحديث والعلم بها، فجلس في حلقة فمر بهم رجل فسلّم عليهم فقال: له ذلك الرجل نحبّ أن تخبرنا بما جئت له تريد نصرة الحسين بن عليّ؟ قال: نعم. خرجت أريد نصرة الحسين فلمّا صرت بالربذة إذا برجل جالس فقال لي: يا أبا عبد اللّه أين تريد؟ قلت: أُريد نصرة الحسين قال:
ص: 274
وأنا أُريد ذلك أيضاً، ولنا رسول هناك يأتينا بالخبر الساعة قال: فتعجبت من قوله: يأتينا بالخبر الساعة فلم يلبث وهو يحدّثني إذ أقبل رجل فقال: له الذي كان معي ما وراء ك فأنشأ يقول.
واللّه ما جئتكم حتي بصرت به وسط العجاجة تحت السيف منحورا
وحوله فتية تدمي نحورهم مثل المصابيح يغشون الدجي نورا
وقد حثثت قلوصي كي أصادفهم من قبل ما أن يلاقو الخرد الحورا
يا لهف نفسي لو إنّي قد لحقت بهم أذ لحليت إذحُلّوا أساويرا
فأجابه الذي كنت معه واستعبر وقال:
في فتية وهبوا للّه أنفسهم قد فارقوا المال والأهلين والدورا
فلا زال قبراً أنت تسكنه حتي القيامة يسقي الغيث ممطورا(1).
ثم التفت فلم أرهما، فعلمت أنّهما من الجن، فرجعت إلي المدينة وإذا بالخبر قد لحقنا أنّ الحسين قد قتل وأنّ رأسه حمله سنان بن أنس النخعي إلي يزيد.
128 - روي جعفر بن محمّد عن أبيه عليه السلام قال: نيح الحسين بن عليّ ثلاث سنين وفي اليوم الذي قتل فيه، فكان واثلة بن الأسقع ومروان بن الحكم ومسور بن مخرمة، وتلك المشيخة من أصحاب رسول اللّه صلي الله عليه و آله يجيئون متقنعين فيستمعون نوح الجن ويبكون(2).
129 - وقال أبو الأسود الدؤلي يرثي الحسين بن عليّ عليهما السلام:
أقول وزادني جزعاً وغيضاً أزال اللّه ملك بني زيادا.
ص: 275
وأبعدهم كما غدروا وخانوا كما بعدت ثمود وقوم عاد
ولا رجعت ركابهم إليهم إذا قفت إلي يوم التناد (1)[124]
130 - ونقل سبط بن الجوزي أنّ ابن الهبارية الشاعر اجتاز كربلا فجلس يبكي علي الحسين وأهله وقال:
أحسين المبعوث جدك بالهدي قسماً يكون الحقّ عنه مسائل
لو كنت شاهد كربلا لبذلت في تنفيس كربك جهد بذل الباذل
وسقيت حد السيف من أعدائكم عللا وحد السمهري الزابل
لكنني أخرت عنك لتشوقي فبلابلي بين الغري وبابل
هبني حرمت النصر من أعدائكم فاقبل من حزن ودمع سائل
ثم نام في مكانه فرأي رسول اللّه صلي الله عليه و آله في المنام فقال له: يا فلان جزاك اللّه عنّي خيراً، إبشر فإنّ اللّه قد كتبك ممن جاهد بين يدي الحسين(2).
131 - وروي الحسن البصري أنّ سليمان بن عبد الملك رأي النبيّ صلي الله عليه و آله في المنام يلاطفه ويبشره فلمّا أصبح سليمان سأل الحسن عن ذلك فقال: له الحسن لعلك صنعت إلي أهل بيت النبيّ صلي الله عليه و آله معروفاً؟ قال: نعم وجدت رأس الحسين بن عليّ رضي الله عنه في خزانة يزيد فكسوته خمسة أثواب وصليت عليه مع جماعة من أصحابي وقبرته فقال له الحسن: إن رضي النبيّ صلي الله عليه و آله عنك بسبب ذلك فأمر سليمان للحسن بجائزة سنيّة(3).
132 - ويروي أنّ سليمان بن قتّة - \بتائين من فوق وهي أمّه - وقف علي5.
ص: 276
مصارع الحسين وأهل بيته عليهم السلام وإتكأ علي قوسه وجعل يبكي ويقول:
وإنّ قتيل الطفّ من آل هاشم أذل رقاباً من قريش فذلت
مررت علي أبيات آل محمّد فلم أرها أمثالها يوم حلت
وفي رواية: فما ألفيتها أمثالها يوم حلت
فلا يبعد اللّه الديار وأهلها وإن أصبحت منهم برغمي تخلت
ألم تر أنّ الأرض أضحت مريضة لفقد حسين والبلاد اقشعرت
وكانوا لنا عيشاً فعادواً رزية لقد عظمت تلك الرزايا وجلت(1).
وكان قتل الحسين عليه السلام في الإسلام خطباً فادحاً، ورزءاً كالحاً، وهو مما ثارت به الفتن بين الناس، فقتل عليه السلام مع طائفة من أهل بيته شهيداً مظلوماً، أكرمه اللّه بالشهادة في الشهر المحرم في يوم عاشورا ليرفع بها درجته، ويعلي بها منزلته، ويلحقه بدرجة آبائه الطاهرين الذين أكرمهم بالشهادة، ورفع بها درجاتهم في عليّين كحمزة، وجعفر، وعليّ عليه السلام وليهين من ظلمه واعتدي عليه، ويوجب له سخطه وغضبه عليه، فكان من نعم اللّه تعالي علي الحسن والحسين عليهما السلام أن إبتلاهما بما يلحقهما به بدرجة أبيهما وأهل بيتهما وجدهما صلي الله عليه و آله لأنّهما سيّدا شباب أهل الجنّة، والمنازل الرفيعة لا تنال إلّابالبلاء [125].
133 - كما قال صلي الله عليه و آله: لمّا سئل أيّ الناس أشد بلاء؟ قال: الأنبياء ثم الصالحون ثم الأمثل فالأمثل يبتلي الرجل علي حسب دينه فإن كان في دينه صلابة زيد في بلائه وإن كان في دينه رقة خفف عنه، ولا تزال البلاء بالمؤمن حتي يمشي علي الأرض، وليس عليهر.
ص: 277
خطيئة(1). فابتلاهما اللّه بما إبتلاهما به إكراماً لهما، وتوقيراً لهما، لا إهانة بهما، فينبغي للمؤمن إذا ذكر هذه المصيبة أو غيرها من المصائب الاسترجاع ليس إلّا، كما أمره اللّه تعالي ليحوز من الأجر ما وعد اللّه به في قوله: «أُوْلَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِّن رَّبِّهِمْ وَ رَحْمَةٌ وَ أُوْلَئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ»(2) وإذا ورد عليه شيء من مصائب الدنيا وشدائدها وبلائها إستصغره واستهونه، ويتسلّي ويتعزّي بما يصيبه من ذلك، ويشكر اللّه علي توفيقه إيّاه إذ جعله مشاركاً لأهل البلاء من خواص عباده الذين اختارهم وإصطفاهم وأحبّهم وإجتباهم، ويشتغل في مثل هذا اليوم بذكر اللّه والطاعات، والاهتمام بالأعمال الصالحات ليفوز بالزلفة لديه والقربي، ويجعله في زمرة من نزل في شأنهم: «قُل لَّآأَسْألُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَي»(3). [ولابأس بالبكاء في ذلك اليوم فإنّه.
134 - قد روي الإمام أحمد بن حنبل في المناقب عن الربيع بن منذرعن أبيه قال: كان الحسين بن عليّ عليهما السلام يقول: مَن دمعت عيناه فينا دمعةً أوقطرت عيناه فينا قطرة آتاه اللّه تعالي الجنّة(4). وإيّاك ثم إيّاك أن توافق العوام في فعلهم] (5)[ولا يتّخذ هذا اليوم للندب والنياحة، والمأتم والحزن كما يفعله بعض الجهلة، فإنّهم يجتمعون لذلكب)
ص: 278
وينشدون أشعاراً ويذكرون أخباراً أكثرها كذب والصدق فيها قليل، وليس فيها إلّاالاثارة والشحناء بين أهل الإسلام، وإدخال الشك والشبهة علي العوام، وهذا من تزيين الشيطان وإغوائه كما زيّن لقوم آخرين معارضة هؤلاء في فعلهم فإنّهم](1) اتخذوا هذا اليوم عيداً وأخذوا في إظهار الفرح والسرور إمّا لكونهم من النواصب المتعصّبين علي الحسين وأهل بيته، وإمّا من الجهّال الذين قابلوا الفاسد بالفاسد، والكذب بالكذب، والشرّ بالشرّ والبدعة بالبدعة، فأظهروا الزينة كالخضاب ولُبْس الجديد، من الثياب، والاغتسال، والاكتحال، وتوسيع النفقات وطبخ الأطعمة والحبوب الخارجة عن العادات، ويفعلون فيه ما يفعل في الأعياد ويزعمون أنّ ذلك من السنّة والمعتاد، والسنّة ترك ذلك كلّه، فإنّه لم يرد في ذلك شيء يعتمد عليه، ولا أثر صحيح يعول ويرجع إليه.
135 - وقد سئل بعض العلماء الأعيان المشار إليه في علم الحديث وعلم الأديان عما يفعله الناس في يوم عاشورا من الاكتحال والاغتسال والحناء وطبخ الحبوب ولبس الثياب الجدد، وإظهار السرور وغير ذلك. فقال: لم يرد في ذلك حديث صحيح عن النبيّ صلي الله عليه و آله ولا عن [126] أصحابه ولا استحب ذلك أحد من أئمّة المسلمين، لا الأئمّة الأربعة ولا غيرهم ولم يرو أهل الكتب المعتمدة من ذلك شيئاً عن النبيّ صلي الله عليه و آله ولا عن الصحابة ولا عن التابعين لا صحيحاً ولا ضعيفاً.
وما روي عن بعض المتأخرين في ذلك أنّ من اكتحل في يوم عاشورا لم يرمد ذلك العام(2).أ)
ص: 279
ومن إغتسل فيه لم يمرض ذلك العام.
ومن وسع علي عياله فيه وسع اللّه عليه سائر سنته. وأمثال ذلك مثل فضل صلاة يوم عاشورا، وأنّ توبة آدم وإستواء السفينة علي الجودي، وإنجاء إبراهيم من النار، وفداء الذبيح بالكبش، وردّ يوسف علي يعقوب كان فيه فكلّه كذب موضوع، لكن حديث التوسعة علي العيال مرفوع من حديث سفيان بن عيينة عن إبراهيم بن محمّد بن المنتشر عن أبيه، ومحمّد بن المنتشر كان من أهل الكوفة وقد تكلّم فيه(1). فصار هؤلاء لجهلهم أو تعصّبهم يتخذون يوم عاشوراء موسماً كموسم الأعياد والأفراح، وأُولئك يتّخذونه مأتماً يقيمون فيه الأحزان والأتراح وكلا الطائفتين مخطئة خارجة عن السنّة، متعرّضة للحرج والجناح، فكم من عبد شقي بمتابعة الهوي وكم من قدم زل بالجهل وهوي، ونعوذ باللّه من الزيغ والعناد وسلوك سبيل أهل الغي والفساد، ونسأله إتباع السنن وموافقة أهل الرشاد، إنّه هو الكريم الحليم الجواد.
136 - وروي أنّ بعض العلماء كحل عينه يوم عاشورا فعوتب علي ذلك فأنشد:
وقائل لم كحلت عيناً يوم استباحوا دم الحسين
فقلت: كفوا أحق شيء يلبس فيه السواد عيني (2)..
ص: 280
137 - روي ابن عبّاس أنّ رسول اللّه صلي الله عليه و آله قال: أحبّوا اللّه لما يغذوكم من نعمه، وأحبّوني لحبّ اللّه، وأحبّوا أهل بيتي لحبّي(1).
138 - \وروي عبد الرحمن بن عوف قال: قال النبيّ صلي الله عليه و آله: أُوصيكم بعترتي خيراً وإن ّموعدكم الحوض(2).
139 - وروي زيد بن أرقم قال: قال رسول اللّه صلي الله عليه و آله: إنّي تارك فيكم ما إن تمسّكتم به لن تضلّوا بعدي، أحدهما أعظم من الآخر كتاب اللّه حبل ممدود من السماء إلي الأرض، وعترتي أهل بيتي ولن يفترقا حتي يردا عليّ الحوض فانظروا كيف تخلفوني فيهما(3).
140 - وورد عن عبد اللّه بن زيد عن أبيه أنّ النبيّ صلي الله عليه و آله قال: من أحبّ أن يسأله في أجله، وأن يمتّع بما خوّله اللّه فليخلفني في أهلي خلافة حسنة، فمن لم يخلفني فيهم بتر عمره، وورد عليّ يوم القيامة مسوداً وجهه(4).
141 - وفي رواية عن زيد بن أرقم أنّ رسول اللّه صلي الله عليه و آله قام خطيباً بماء يدعي
ص: 281
خمّاً بين مكّة والمدينة فحمد اللّه وأثني عليه ووعظ وذكر ثم قال: أمّا بعد أيّها الناس إنّما أنا بشر يوشك أن يأتيني رسول ربّي فأُجيب، وأنا تارك فيكم [127] ثقلين أوّلهما كتاب اللّه فيه الهدي والنور فخذوا بكتاب اللّه واستمسكوا به، وأهل بيتي أذكركم اللّه في أهل بيتي أذكركم اللّه في أهل بيتي أذكركم اللّه في أهل بيتي(1).
142 - وفي رواية: كتاب اللّه وهو حبل اللّه من اتّبعه كان علي الهدي، ومن تركه كان علي الضلالة(2). قوله صلي الله عليه و آله: وأنا تارك فيكم ثقلين، سمّاهما ثقلين لأنّ الأخذ بهما والعمل بهما والمحافظة علي رعايتهما ثقيل وقيل: سمّاهما ثقلين لأنّ كلّ نفيس وخطير ثقل، ومنه الثقلان الإنس والجن لأنّهما فضلا بالتميّز والعقل علي ساير الحيوان، وكلّ شيء له وزن وقدر يتنافس فيه فهو ثقل، وسمّاهما بذلك إعظاماً لقدرهما وفسروا قوله تعالي: «إِنَّا سَنُلْقِي عَلَيْكَ قَوْلًا ثَقِيلاً»(3) أنّ أوامر اللّه وفرائضه ونواهيه لا يؤدي إلّابتكلّف ما يثقل وقيل ثقيلاً أي له وزن.
143 - قال زيد بن أرقم: أهل بيته أهله وعصبته الذين حرموا الصدقة بعده آل عليّ وآل عقيل وآل جعفر وآ