هل للغدير حضور في السقيفة؟

اشارة

العتبة الرضوية المقدّسة

معاونية الإعلام والعلاقات الإسلامية

هل للغدير حضور في السقيفة؟

جاسم محمد (المشهدي)

دائرة العلاقات الإسلامية و شؤون الزوّار غير الإيرانيين

خيرانديش ديجيتالي : جناب آقاي سيد علي بحريني به نيابت از مرحومه حاجيه خانم كسايي _گروه هم پيمانان موعود غدير.

ص: 1

اشارة

ص: 1

اسم الكتاب: ........هل للغدير حضور في السقيفة؟

إعداد:......جاسم محمد (المشهدي)

عدد النسخ المطبوعة:............3000 نسخة

الطبعة الأولي: ..........2010م/ 1431ﻫ

المطبعة:...........مؤسسة­­ القدس الثقافية

العتبة الرضوية المقدّسة - معاونية الإعلام والعلاقات الإسلامية

دائرة العلاقات الإسلامية و شؤون الزوّار غير الإيرانيين

ص: 2

المقدمة

للشوري

نظرية النص

نصوص الوصية

1 - نص البيعة

القيمة التشريعية للشوري

القيمة التوجيهية الدار

2- نص الغدير

3- ماذا حدث يوم الثامن عشر من ذي الحجّة عام 10 ه- ؟

هل للغدير حضور في السقيفة

كيفية تحرك الامام علي (عليه السلام)

العوامل التي اكسبت الحديث سمته التاريخية

خطبة المباركة

1- الحمد والثناء

2- امرالهي في موضوع هام

3 - الاعلان الرسمي بامامة الائمة الاثني عشر (عليهم السلام) و ولايتهم

4 - رفع علي (عليه السلام) بيدي رسول الله)

5- التاكيد علي توجه الامة نحو مسالة الامامة

6- الاشارة إلي مقاصد المنافقين

7- اولياء اهل البيت و اعدائهم

8 - الامام المهدي عجل الله تعالي فرجه

9- التمهيد لامرالبيعة

10 - الحلال والحرام، الواجبات والمحرمات

11- البيعة بصورة رسمية

المقدّمة

الحمد لله وحده لا شريك له والصلاة والسلام علي خير خلقه محمّد و آله الطيبين الطاهرين..

و بعد..

حين يجرّد الإنسان قلمه للكتابة حول الإمامة الشرعية بعد غياب رسول الله محمد بن عبد الله (صلي الله عليه و آله) عن دنيا الناس - و من أقوي مستنداتها القانونيّة نصّ الغدير المبارك - فإنّما يتبادر إلي الذهن في بداية المسير مجموعة من الحيثيات و التساؤلات نذكرها كما يلي :

ص: 3

- هل تحتاج الرسالة الربانيّة الطاهرة بعد رحيل النبي (صلي الله عليه و آله) - و هي الرسالة الخاتمة - إلي رعاية من أناس لهم خصائص غير عادية تقترب بهم من النبي (صلي الله عليه و آله) في كثير من مواصفاتهم أم لا ؟

أم يترك الربّ الجليل رسالته الخاتمة التي اختصّ بها الإنسانية منذ عصر النبي (صلي الله عليه و آله) حتي قيام الساعة إلي رجال عاديين يتعرضون إلي حالات الضعف الإنساني، حتي يبلغ مستوي بعض المشرفين علي هذه الامانة مستوي يزيد بن معاوية والوليد والمهدي العباسي و امثالهم؟..

لقد شاهدت البشرية عبر تأريخها و تشاهد أنّ القوانين و الشرائع الوضعية التي تعتمدها في مختلف التجارب تختار رجالاً مختصّين بتفسير الشرائع و شرح مبادئ القوانين بما يناسب ذوق تلك الشرائع والقوانين و روحها، و مصالح التجربة، فهل تحتاج الرسالة الإلهية المطهّرة إلي نماذج مختصّة من هذا القبيل و في مستوي طهارة الرسالة و ذوقها أم لا ؟

لقد رحل رسول الله (صلي الله عليه و آله) و كثير من صحابته في مسيس الحاجة إلي صياغة روحيّة و فكريّة و اخلاقيّة تتناسب مع طموح الدعوة الإلهية فهل تحتاج المسيرة إلي نماذج من البشر متميّزة في اندكاكها بالرسالة تواصل عملية إعداد اولئك الصحابة و تحرس مسيرة الأمّة من الخلل والانحراف لعدد من الأجيال أم لا ؟

ثم هل بوسع أحد من المسلمين أن يعتقد أنّ رسول الله (صلي الله عليه و آله) ينطق بغير الحق أو يقول جزافاً و هو يقرن بعض الرجال بالحقّ أو بالقرآن أو بنفسه أو يجعلهم مقياساً للايمان؟

فيقول (صلي الله عليه و آله) : «عليٌّ مع الحقّ والحقّ مع عليّ»

أو يقول (صلي الله عليه و آله) : «علي مع القرآن والقرآن مع علي»

أو يقول (صلي الله عليه و آله) : «أنت منِّي بمنزلة هارون من موسي الاّ أنّه لا نبيَّ بعدي».

أو يقول (صلي الله عليه و آله) : «لا يحبُّك إلاّ مؤمن و لا يبغضك إلاّ منافق(1)»

و غير ذلك كثير.

ثم هل بوسع أحد أن يعتقد أنَّ رسول الله (صلي الله عليه و آله) قد ترك أمّته

ص: 4


1- . مصادر هذه الاحاديث موجودة في ثنايا الكتاب انشاء الله تعالي.

دون أن يشخّص لها قيادة مركزية ترتبط بها بعد رحيله و هو الذي لم يغادر المدينة المنورة أبداً بدون أن يعيّن لها والياً يدير شؤون المسلمين فيها؟

إنّ هذه الدراسة التي بين يديك أيها القارئ العزيز تعالج هذه الحيثيات و تنطلق فيها إلي حقيقة المراد بالامامة الشرعية بعد النبيّ (صلي الله عليه و آله) :

إنّ اصحاب الحقّ و اصحاب الباطل قد غادروا هذه الدنيا و هم يَمثلون أمام محكمة العدل الالهي و سيعلم الغافلون عن الحق حينذاك من المسؤول عمّا جري بعد رحيل النبي (صلي الله عليه و آله) عن الحياة الدنيا و ما الأهداف الكامنة وراء تغيير قراراته و أوامره..

إلاَّ أنّ الذي يعنينا بدرجة أكبر من وراء هذه الدراسة أنّ كافة النصوص الربانيّة كآية الولاية مثلاً و حديث الغدير والثقلين والسفينة و حديث الدار و أحاديث الوصيّة، و ما إليها لا تقف مدلولاتها عند حدود ربط الخلافة الزمنيّة، وحق السلطان والحكم بعد النبي (صلي الله عليه و آله) وقصرها علي عليّ بن أبي طالب و أولاده عليهم الصلاة والسلام دون غيرهم فحسب، و إنّما تهتمّ بدرجة أكبر بقضية حضارية كبري و هي وجوب استمداد الأمة بامتدادها التاريخي لقيم الدين الالهي الخاتم وأحكامه و مفاهيمه بعد النبي (صلي الله عليه و آله) من عليّ و أولاده (عليهم السلام) .

و إذا كانت مسائل الحكم و السلطان و ما جري حولها بعد النبي (صلي الله عليه و آله) قد أصبحت في مطاوي التاريخ «كأحداث» فإنّ الحاجة إلي الاستمداد الفكري والثقافي ستبقي مرافقة لهذه الأمة ما دام في الارض إنسان يشهد بالنبوّة لمحمّدٍ بن عبدالله (صلي الله عليه و آله) .

و حديث الغدير و أمثاله من نصوص لا تعكس قضيّة الحكم و السلطان فحسب، و إنّما تعكس قضية ضرورة استمداد الأمة عبر أجيالها من عليّ و أولاده؛ إذ لم يكن رسول الله (صلي الله عليه و آله) مولي للمسلمين في القيادة و الحكم فحسب و إنّما كان مولي لهم في ذلك و في التشريع وأخذ الأحكام وصوغ حياة الأمة في ضوء مبادئ القرآن الكريم «من كنت مولاه فعليٌّ مولاه»..

وهكذا تتّجه أغلب نصوص هذه المسألة المركزيّة (الولاية) لعليّ بعد الرسول بهذا الاتجاه فإذا كانت قضية حديث الغدير و

ص: 5

أمثالها من النصوص الشريفة تتحمّل في الزمن الغابر جوابين «و هما قضية الحكم و السلطان و قضيّة الجهة التي نصّبها النبي (صلي الله عليه و آله) للاستمداد والاستلهام» فإنّ مراحل المسلمين الحاضرة والمستقبلية تتطلّب أحد الجوابين دونهما معاً، مع أهمية قضية الحكم من الناحية التأريخية كحقٍّ غُصِبَ جهاراً، و كتُراثٍ نُهِب علانيةً و كمظلوميّةٍ يضيق صدر الزمان عن حملها..

فإنَّ المسلمين اليوم بحاجة ماسّة إلي أن يتلمّسوا الطريق بشكل واضح و دقيق لاسيّما و إنّ عهود حكم الأحزاب السياسيّة المنحرفة كالحزب الأمويّ و العباسيّ و العثمانيّ قد شوّهت كثيراً من الحقائق والصور... و زرعت بذور الغشّ و التزييف في مسيرة المسلمين، فهل سيصاحب الصحوة الإسلاميّة المعاصرة بحث عن الحقيقة و بحث عن المنابع التي تستقي منها قيم الإسلام و مفاهيمه و ثقافته أم يبقي المسلمون مقلّدين لما أسّسته ظروف سياسيّة و فكريّة مشبوهة دامت قروناً ؟

و هل آن للمسلمين أن يكون آل محمد صلي الله عليهم أجمعين لديهم كما هم ؛ أزِمَّة الحقّ، و أعلام الدين، و ألسنة الصدق، و شجرة النبوّة، و محطّ الرسالة، و معادن العلم، و ينابيع الحكم، و قادة الخير، ومفاتيح البركة، و مستقي المعارف الإلهيّة ؟

إنَّ هذه الدراسة تهدف إلي المساهمة في مشروع العودة لآل محمّد صلي الله عليهم أجمعين سبلاً مشرعة للهدي، و طريقاً إلي الله مَهيَعاً، فهل من مُدَّكِر ؟

و ما يسعني الاّ أن نشكر الذين بذلوا جهوداً حثيثة في تهيئة هذه الدراسة و خروجها إلي الحياة بهذا اللباس الاسلامي المحمدي الاصيل، داعين الله للجميع بالعزّة و حسن العاقبة و تعجيل الفرج لصاحب الامر (عجل الله تعالي فرجه الشريف).

جاسم محمد (المشهدي)

دائرة العلاقات الاسلامية و شؤون الزوار غير الايرانيين

العتبة الرضوية المقدّسة

شوال المبارك 1429 ه- 2008 م

ص: 6

الشوري

اشارة

و يتمسك بعض الفقهاء

القيمة التشريعيّة للشوري :

و للمناقشة في دلالة هاتين الآيتين علي إعطاء الشوري صفة القرار مجال واسع. فليس في ايّ من هاتين الآيتين دلالة علي أنّ الشوري مصدر للقرار، و ملزمة لعموم الناس.

و لا تزيد هذه الآية و تلك عن إقرار أصل الشوري و الأمر بها، وليس في أيّ منهما دلالة أو إشارة علي الإلزام بما يراه أهل الشوري من الرأي، سواء كانت الشوري فيما بين الناس في شؤونهم السياسية والاجتماعية و الاقتصادية أو فيما بين الحاكم و أهل الشوري من الرعية.

و بين إقرار الشوري والأمر بها، كمبدأ سياسيّ و اجتماعيّ و بين الإلزام بها بون بعيد، و ليس معني الإقرار و الأمر بالشوري هو الإلزام والالتزام بنتيجة الشوري.

فإنّ الأمر بالنصيحة والتناصح فيما بين المسلمين شيء و لزوم الأخذ بالنصيحة أمر آخر لا علاقة له بالأمر الأول، و يحتاج إلي دليل آخر غير الدليل علي الأمر الأول.

والقرآن الكريم نفسه يصرح بهذا التفكيك بين الأمرين في الآية الثانية، فيأمر رسول الله (صلي الله عليه و آله) بالشوري :

(وَ شَاوِرْهُم فِي الأمْرِ) ثمّ يأمره أن يتوكل علي الله فيما يعزم عليه هو.

يقول القرطبيّ(1) في تفسير هذه الآيه : الشوري مبنيّة علي اختلاف الآراء، والمستشير ينظر في ذلك الخلاف، و ينظر أقربها قولاً إلي الكتاب والسنة إن أمكنه، فإذا أرشده الله تعالي إلي ما شاء منه عزم عليه و أنفذه متوكلاً عليه.

و يقول البلاغي في (آلاء الرحمن(2))، (وَ شَاوِرْهُم فِي الأمْرِ) الذي يعرض، أي واستصلحهم واستمل قلوبهم بالمشاورة، لا

ص: 7


1- . تفسير القرطبي : 4 / 162.
2- . آلاء الرحمن : 1 / 362.

لأنهم يفيدونه سداداً و علماً بالصالح.

كيف و أنّ الله مسدّده (وَ مَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَي * إن هُوَ اِلاَّ وَحيٌ يُوحَي) النجم : 3- 4

(فَإِذَا عَزَمتَ) علي ما أراك الله بنور النبوة، و سدّدك فيه (فَتَوَكَّل عَلَي اللهِ) آل عمران :159

و يقول السيد عبدالله شبّر(1) في تفسير هذه الآية : فإذا عزمت علي شيء بعد الشوري، فتوكل علي الله في إمضائه.

يقول الفيض الكاشاني(2) في تفسير هذه الآية (فإذا عزمت): فإذا وطّنت نفسك علي شيء بعد الشوري فتوكل علي الله في إمضاء أمرك علي ما هو أصلح لك فإنّه لا يعلمه سواه. فالقرآن إذن يصرّح بهذا التفكيك بين الأمر بالشوري و إقرارها، و بين الإلزام و الالتزام بها، و ليس معني الأمر بالشوري و إقرارها الإلزام والإلتزام. و روي الشريف الرضي في(نهج البلاغه) عن أميرالمؤمنين علي بن أبي طالب (عليه السلام) أنّه قال لعبد الله بن عباس، و قد أشار عليه في شيء لم يوافق رأيه: «عليك أن تشير عليّ فإذا خالفتك فأطعني(3)».

القيمة التوجيهيّة للشوري :

و يبقي أن نتساءل : فما فائدة الشوري إذاً لو كانت غير ملزمة.

والجواب : إنّ في الشوري قيمة توجيهية كبيرة في تنضيج الرأي و تسديده، و في استمالة قلوب الناس و إشراكهم في صناعة القرار. و لا تقتصر فائدة الشوري علي الإلزام و الالتزام لتفقد الشوري فائدتها إذا سلبنا عنها صفة الإلزام والالتزام.

و إذا اتضحت هذه النقطة في التفكيك بين الأمرين نقول : إنّ الآيتين الكريمتين لا تدلاّن علي أكثر من إقرار الشوري والأمربها، و لا تدلاّن بوجه علي إعطاء الشوري قيمة القرار والإلزام .

ص: 8


1- . تفسير شبر : ص 102.
2- . تفسير الصافي 1/395.
3- . الوسائل : 8/428 ح 4 كتاب الحج باب 24 من أبواب احكام العشرة، و في نهج البلاغة :ص 531 رقم 321 من قصار الحكم (لك أن تشير عليّ و أري، فإن عصيتك فأطعني».

و بناءً علي ذلك فلا تكون الشوري من مصادر القرار - في الفقه -، ولا يكون لأهل الشوري قرار ملزم علي عامة الناس، و لا علي أولياء الأمور.

و من أوضح البديهيا ت أنّ مسألة اختيار ولي الأمر، و نصب الحاكم لا يتم من دون قرار ملزم لعامة الناس، و من دون وجود قرار بالنصب لا يكون النصب ملزماً للناس، و لا شرعيا ً، و لا يكون بوسع الحاكم من الناحية الشرعية أن يلزم الناس بقرار إذا كان نصبه للأمر قد تم من دون قرار ملزم لعامة الناس .

نظرية النص

1- توحيد الخلق :

يقول تعالي: (يَا اَيُّهَا النَّاسُ اذْكُرُوا نِعْمَةَ اللهِ عَلَيْكُمْ هَلْ مِنْ خَالِقٍ غَيرُاللهِ يَرْزُقُكُمْ مِن السَّمَاءِ وَالاَرْضِ لاَ اِلَهَ الاَّ هُوَ فَاَنَّي تُؤْفَكُوَن) فاطر : 3.

(ذَلِكُمُ الله رَبُّكُمْ لاَ اِلهَ إلاَّ هُوَ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ فَاعْبُدُوهُ وَ هُو عَلي كُلِّ شَيْءٍ وَكِيلٌ) الأنعام : 102.

وَ لِكم تَكُن مسألة توحيد الخلق محط الصراع بين حركتي الشرك والتوحيد، في تاريخ الصراع العقائدي؛ فقد كان أهل الكتاب والمشركون عموماً يؤمنون بوحدة الخالق و توحيد الخلق، و لم يشذ من هذا الإيمان إلاّ الملحدون الذين كانوا يرفضون الإيمان بالغيب علي الإطلاق.

2- توحيد الألوهيّة :

أ - الإله كما نفهم من القرآن هو الحاكم المهيمن علي الكون.

(وَ هُوَ الَّذِي فِي السَّمَاءِ إِلَهٌ وَ فِي الاَرْضِ إِلَهٌ وَ هُوَ الْحَكِيمُ العَلِيمُ) الزخرف : 84.

(أَمَّن خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالاَرْضَ وَ أَنْزَلَ لَكُم مِّّنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَنْبَتْنَا بِهِ حَدَائِقَ ذَاتَ بَهجَةٍ مَا كَانَ لَكُمْ أَن تُنبِتُوا شَجَرَهَا أَإِلَهٌ مَعَ اللهِ بَلْ هُمْ قَوْمٌ يَعْدِلُونَ * أَمَّن جَعَلَ الاَرضَ قَراراً وَ جَعَلَ خِلالَهَا أَنهَاراً وَ جَعَلَ لَهَا رَوَاسِيَ وَ جَعَلَ بَيْنَ البَحرَينِ حَاجِزاً أَإِلهٌ مَعَ اللهِ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لاَ يَعْلَمُونَ) النمل : 60 - 61

(خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالاَرْضَ بِالْحَقِّ يُكَوِّرُ الليلَ عَلَي النَّهَارِ وَ يُكَوِّر النَّهَارَ عَلَي الليلِ وَ سَخَّرَ الشَّمسَ وَالقَمَرَ كُلٌ يَجرِي لِأَجَلٍ مُّسَمّي ألاهوالعزيز الغَفّرُ) الزمر : 5.

ب - وَهوالمهيمن الحاكم علي وجود الإنسان.

(قُل أَرَأَيتُم إِن أَخَذَ الله ُسَمعَكُم وَ أَبصارَكُم وَ خَتَمَ عَلَي قُلُوبِكُم مَن إِلَهٌ غَيرُاللهِ يَأتِيكُم بِهِ) الأنعام :46

ج - ويعزّ، و يذلّ، و يعطي الملك لمن يشاء، و ين-زع الملك ممن يشاء.

(قُلِ اللّهُمَّ مَالِكَ المُلكِ تُؤتِي المُلكَ مَن تَشَاءُ وَ تَن-زعُ المُلكَ مِمَّن تَشَاءُ وَ تُعِزُّ مَنْ تَشَاءُ وَ تُذِلُّ مَن تَشَاءُ) آل عمران :26

ص: 9

(وَاتَّخَذُوا مِن دُونِ اللهِ آلِهةً لِيَكُونُوا لَهُم عِزّاً) مريم : 81

ج - و ينصر..

(وَاتَّخَذُوا مِن دُونِ اللهِ آلِهَةً لَعَلَّهُم يُنْصَرُونَ) يس :74.

خ - و يغني..

(فَمَا اَغْنَت عَنْهُم آلهَتُهُمُ التي يَدعُونَ مِن دُونِ اللهِ مِن شَيْءٍ لَّمَّا جَاءَ اَمرُ رَبِّكَ وَ مَازَادُوهُم غَيرَ تَتبِيبٍ) هود : 101

د - و يضر، و ينفع..

(وَ يَعبُدُونَ مِن دُونِ اللهِ مَا لاَ يَضُرُّهُمْ وَ لاَ يَنْفَعُهُم يَقُولُونَ هَؤُلاءِ شُفَعَاؤُنَا عَندَ اللهِ) يونس : 18

(وَاتَّخَذُوا مِن دُونِهِ آلِهَةً لاَيَخْلُقُونَ شَيْئاً وَ هُم يُخلَقُونَ وَ لاَ يَملِكُونَ لاَنفُسِهِم ضَرّاً وَ لاَ نَفعاً وَ لاَ يَملِكُونَ مَوتاً وَلاَ حَيَاةً وَ لاَ نُشُوراً) الفرقان : 3.

ذ - و يتولي رزق عباده..

(يَا اَيُّها النَّاسُ اذْكُرُوا نِعْمَةَ اللهِ عَلَيْكُم هَل مِن خَالقٍ غَيرُاللهِ يَرزُقُكُم مِنَ السَّمَاءِ وَالاَرْضِ لاَ اِلَهَ اِلاَّ هُوَ فَاَنَّي تُؤفَكُونَ) فاطر:3

ر - و هو بذلك يستحق من الإنسان العبادة :

(وَ مَالِيَ لاَ أَعبُدُ الَّذِي فَطَرَنِي وَ إليهِ تُرجَعُونَ * أَأَتَّخِذُ مِن دُونِهِ آلِهَةً إِنْ يُرِدْنِ الرَّحْمَنُ بِضُرٍّ لاَتُغْنِ عَنِّي شَفَاعَتُهُم شَيْئًا وَ لاَ يُنقِذُونَ) يس : 22-23.

(ذَلِكُمُ الله رَبُّكُم لاَ اِلَهَ اِلاَّ هُوَ خَالِقُ كِلِّ شَيْءٍ فَاعبُدُوهُ وَ هُوَ عَلَي كُلِّ شَيْءٍ وَكِيلٌ) . الأنعام : 102.

ز - و يستحق الدعاء..

(وَ لاَ تَدعُ مَعَ الله اِلَهًا آخَرَ لاَ اِلَهَ اِلاَّ هُوَ) القصص : 88.

س - و يحق له التشريع..

(أم لَهُم شُرَكَاءٌ شَرَعُوا لَهُم مِنَ الدِّينِ مَا لَم يَأذَن بِهِ اللهِ) الشوري : 21.

ش - و يستحق التبعية والطاعة..

(أَرَأَيتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَهَهُ هَوَاهُ أَفَأَنتَ تَكُونُ عَلَيهِ وَكِيلاً) الفرقان : 43. و انما اتخذوا أهواءهم آلهة بالتبعية والطاعة والانقياد لاهوائهم و شهواتهم.

و إذا عرفنا أنّ (الإله) هو القوة المهيمن، و الحاكم علي الكون والإنسان، و أنّه بسبب هذه الهيمنة المطلقة يعزّ، و يذلّ، و ينصر، و يغني، و يعطي، و يمنع، و يضر، و ينفع، و هو لذلك يستحق من الإنسان الدعاء والعبادة والطاعة والتسليم..

و يحق له وحده أن يتولي التشريع، والحكم، والسيادة في حياة الإنسان..

إذا عرفنا هذه الحقائق فإنّ القرآن يقرّر أنّ الألوهية وحدة لا تتجزأ، و لاتتعدد، فإنّ المصدر الشرعي لهذه الولاية المطلقة في

ص: 10

حياة الانسان هوالهيمنة والحاكمية المطلقة للإله في الكون و في حياة الإنسان و لما كانت هذه الهيمنة والولاية لا تتعدد و لا تتجزأ (وَ هُوَ الَّذِي فِي السَّمَاءِ إِلَهٌ وَ فِي الاَرضِ إِلَه) الزخرف : 84 ، فَإنّ الله تعالي هو وحده الحاكم، و المشرّع في حياة الإنسان، و هو وحده مصدر كل ولاية، و سيادة، و حاكمية في حياة الإنسان، و ليس لغيره من دون إذنه ولاية و حاكمية و سيادة علي حياة الإنسان، و هذا هو معني توحيد الألوهية.

يقول تعالي : (وَ قَالَ اللهُ لاَ تَتَّخِذُوا إِلَهَيْنِ اثنَينِ إِنَّمَا هُوَ اِلَهٌ وَاحِدٌ فَاِيَّايَ فَارهَبُونِ) النحل : 51

(وَالَّذِينَ يَدعُونَ مِن دُونِ اللهِ لاَ يَخلُقُونَ شَيئاً وَ هُم يُخلَقُونَ * أمواتٌ غير أَحيَاءٍ وَ مَا يَشعُرُونَ أَيَّانَ يُبعَثُونَ* إِلَهُكُم اِلَهٌ وَاحِدٌ) النحل : 20-22

(وَ لاَ تَدعُ مَعَ اللهِ إِلَهَا آخَرَ لاَ اِلَهَ اِلاَّ هُوَ) القصص : 88.

و إلي ذلك من الادلة القرانية الدالة علي معني الربوبية والتوحيد و...

النصوص الخاصة بالولاية في القرآن الكريم

اشارة

والله تعالي هو وحده الذي ينصب أولياءً من جانبه علي الناس، و يأذن بولايتهم، و يأمر بطاعتهم، فتكون ولايتهم امتداداً لولاية الله تعالي، يقول تعالي :

(النبي أولي بالمومنين من أنفسهم) الاحزاب : 6.

(قال إني جاعلك للناس اماماً و..) البقرة : 124.

- النص علي إمامة ابراهيم (صلي الله عليه و آله) وذريته :

يقول تعالي : (وَ اِذِ ابتَلي إِبراهيمَ رَبُّهُ بِكَلِمَاتٍ فَاَتَمَّهُنَّ قَالَ إِنِّي جَاعِلُكَ لِلنّاسِ اِمَاماً قَالَ وَ مِن ذُرِّيّتِي قَالَ لاَ يَنَالُ عَهدِي الظَّالِمِينَ) . البقرة :124

و هذه الآيه صريحة في أن الله تعالي جعل إمامة الناس لابراهيم (عليه السلام) ولمن لم يقترف ظلماً ممن يصطفيه الله تعالي للامامة من ذرية إبراهيم (عليه السلام) .

والإمامة هنا ليست هي النبوة والرسالة، فقد كان إبراهيم (عليه السلام) نبيّاً يوحي إليه من الله قبل هذا الوقت و أرسله الله تعالي إلي قومه، ليدعوهم إليه و ينقذهم من الشرك.

ص: 11

و حباه الله تعالي بالإمامة في كبره، بعد ولادة اسماعيل واسحاق (عليه السلام) ، و بعد أن ابتلاه الله تعالي بالكواكب والقمر و الشمس، و بالأصنام، و بالنار، وبالهجرة، و بذبح ابنه إسماعيل (عليه السلام) و هي امتحانات صعبة و عسيرة ابتلاه الله بها، فلما أتمهنّ إبراهيم (عليه السلام) جعل الله تعالي له الإمامة.

و ليس من شك أنّ هذه الإمامة غير النبوّة، فقد كان إبراهيم نبيّاً من قبل، و كان مطاعاً بحكم الله تعالي، يقول تعالي :

(وَ مَا أَرسَلنا مِن رَسولٍ إِلاَّ لِيُطاعَ بِإِذنِ الله). النساء : 64، فقد كان إذن من قبل أن تعهد إليه الإمامة من جانب الله نبياً و مطاعاً، فلا بدّ أن تكون الإمامة أمراً آخر غيرالنبوّة والرسالة، والطاعة فيها غيرالطاعة التي تتطلبها النبوّة.

يقول العلاّمة الطباطبايي (قدس سره) في تفسيره القيم (الميزان(1)) والقصة إنّما وقعت في أواخر عهد إبراهيم (عليه السلام) بعد كبره، و تولّد إسماعيل و إسحاق له، و إسكانه إسماعيل و أمّه بمكة كما تنبّه به بعضهم أيضاً.

والدليل علي ذلك قوله (عليه السلام) – علي ما حكاه الله سبحانه بعد قوله تعالي له :

(إنّي جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إمَاماً): (وَ مِن ذُرِّيَّتِي) ،

فإنه (عليه السلام) قَبل مجيء الملائكة ببشارة إسماعيل و إسحاق ما كان يعلم و لا يظن أن سيكون له ذرية من بعده، حتي إنه بعد ما بشّرته الملائكة بالأولاد خاطبهم بما ظاهره اليأس والقنوط، كما قال تعالي :

(وَ نُبِّئْهُم عَن ضَيفِ إِبراهيمَ * إذ دَخَلوا عَلَيهِ فَقالُوا سَلاماً قَالَ إنَّا مِنكُم وَجِلُونَ * قَالوا لاَ توجَل إِنّا نُبَشِّرُكَ بِغُلامٍ عَليمٍ* قَالَ أبَشَّرتُمونِي عَلَي أن مَسَّنِي الكِبَرُ فبِمَ تُبَشِّرون َ * قالوا بَشَّرناكَ بِالحَقِّ فَلا تَكُن مِنَ القانِطِين) الحجر : 51–55.

و كذلك زوجته علي ما حكاه الله تعالي في قصة بشارته أيضاً، إذ قال تعالي :

(وَامرَأتُهُ قائِمةٌ فَضَحِكَت فَبَشّرناها بإسحاقَ وَ مِن وَراءِ إسحاقَ يَعقوبَ * قَالَت يَا وَيلَتا أألدُ وَ أنا عَجُوزٌ وَ هَذَا بَعِلي شَيخاً إنّ هَذَا لَشَيْءٌ عَجيبٌ * قَالوا أتَعجَبِينَ مِن أمرِ اللهِ رَحمةُ اللهِ وَ بَركاتُهُ عَلَيكُم أهلَ البَيتِ إنّهُ حَمِيدٌ مَجِيدٌ) هود : 71-73.

ص: 12


1- . تفسير الميزان 1/267 - 268.

و كلامهما كما تري يَلُوحُ منه آثار اليأس و القنوط و لذلك قابلته الملائكة بنوع كلام فيه تسليتهما و تطييب أنفسهما، فما كان هو و لا أهله يعلم أن سيُرزق ذرية.

و قوله (عليه السلام) : (وَ مِن ذُرِّيَّتي) بعد قوله تعالي: (اِنِّي جاعِلُكَ لِلنّاسِ اِمَاماً) قول من يعتقد لنفسه ذرّية، و كيف يسع من له أدني دُربة بأدب الكلام، و خاصة مثل إبراهيم الخليل في خطاب يخاطب به ربه الجليل أن يتفوه بما لا علم له به؟

و لو كان ذلك لكان من الجواب أن يقول و من ذريتي إن رزقتني ذرية أو ما يؤدّي هذا المعني، فالقصة واقعة كما ذكرنا في أواخر عهد إبراهيم (عليه السلام) .

– لا يعهد الله تعالي الإمامة إلي من اقترف ظلماً في حياته :

و بالتأمل في آية (إمامة إبراهيم) نلتقي حقيقة أخري غير جعل إمامة الناس لإبراهيم (عليه السلام) و هي حقيقة ذات أهمية كبيرة في مسألة الإمامة، و تلك الحقيقة هي أنّ الله تعالي لا يعهد أمرالإمامة العامة (الكبري) للناس إلي من اقترف ظلماً في حياته.

فإنّ الآية الكريمة ذات فصلين ، في الفصل الأول تنبي عن أنّ الله تعالي جعل إبراهيم (عليه السلام) بعد أن أتمَّ كلماته، إماماً للناس، و في الفصل الثاني تذكر الآية الكريمة أنّ إبراهيم (عليه السلام) طلب الإمامة من الله تعالي لذريّته (قَالَ وَ مِن ذُرِّيَّتي) فأخبره تعالي أنّ عهد الله لا ينالُ الظالمين، فلا يحقّ ابراهيم (عليه السلام) أن يطلب الإمامة للظالمين من ذريّته، و لا ينال الظالمون الإمامة.

و كل تجاوز لحدود الله تعالي ظلم، و هذا حكم الله تعالي في حدوده و حرماته، يقول تعالي : (وَ مَن يَتَعَدَّ حُدودَ اللهِ فَقَد ظَلَمَ نَفسَهُ) الطلاق : 1.

و يقول تعالي : (وَ مَن يَتَعَدَّ حُدودَالله فَأُولَئِكَ هُمُ الظّالِمُون) البقره : 229.

إذن : القرآن الكريم يقرر حقيقتين هامتين.

الأولي : أنّ الإمامة، و هي عهدالله لا تنال الظالمين.

والثانية : أنّ كل تجاوز لحدودالله ظلم.

و من ضمِّ هاتين النقطتين نصل إلي نقطة ثالثة و هي اشتراط العصمة في الإمامة.

ص: 13

و بهذه الآية الكريمة يستدل الشيعة الإمامية علي اشتراط العصمة في الإمام، فإنّ الآية الكريمة تنفي الإمامة عن كلّ من قارف ظلماً. و هذه هي (العصمة) بعينها، و لادليل لنا لصرف عنوان الظلم عن ظاهره الذي يصرّح به القرآن (وَ مَن يَتَعَدَّ حُدودَ اللهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الظّالِمونَ) البقرة : 229.

و يستدلون بهذه الآية علي أن من قارف ظلماً من (شرك) أو (ذنب) فلا يناله عهدالله تعالي بالإمامة، و إن كان قد صدر منه هذا الظلم في فترة سابقة من حياته ثم تاب و حسُنت توبته وصلح.

يقول العلامة الطباطبايي (رحمه الله) في تفسير هذه الآية : و قد سُئِل بعض اساتدتنا (رحمه الله) عن تقريب دلالة الآية علي عصمة الإمام، فأجاب : إنّ الناس بحسب القسمة العقلية أربعة أقسام :

1/ من كان ظالماً في جميع عمره.

2/ و من لم يكن ظالماً في جميع عمره.

3/ و من هو ظالم في اول عمره دون آخره.

4/ و من هو بالعكس من هذا.

و إبراهيم (عليه السلام) أجل شأناً من أن يسأل الإمامة للقسم الأول و الرابع - إذا كان الظلم هو الشرك بالله أو ما يشبه الشرك - فبقي قسمان، و قد نفي الله أحدهما، و هو الذي يكون ظالماً في أول عمره دون آخره، فبقي الآخر و هوالذي يكون غير ظالم في جميع عمره(1).

كما يستدلون بهذه الآية علي إناطة أمرالإمامة بالنص من جانب الله و رسوله و عدم الاكتفاء باختيار الناس، فإن العصمة إذا كانت شرطاً في إسناد الإمامة، فلا يمن إناطة الإمامة إلي أحد إلاّ بالنص، لتعذر معرفة هذا الشرط علي الناس.

ص: 14


1- . الميزان 1/277 ..

الإمامة و النبوة :

و لايبقي إلاّ أن يقول أحد : أنّ الإمامة التي حبا الله تعالي بها عبده و خليله إبراهيم (عليه السلام) هي النبوة، و ليس غيرها، و عندئذٍ تنتفي دلالة الآية الكريمة علي لزوم العصمة للإمام إذا كان المقصود بالإمامة في الآية الكريمة النبوة، و ليس أمراً آخر ما وراء النبوة.

و قد أصرَّ قوم علي ذلك من غير أن يفصحوا عن سبب هذا الإصرار، و لكن هذا الإصرار لا يصنع شيئاً بالتأكيد،

فإن الآية الكريمة واضحة في أنّ الإمامة غير النبوّة و قد كان إبراهيم (عليه السلام) نبيّاً عندما خاطبه الله تعالي بالإمامة و جعله إماماً، و قد شرحنا ذلك في الفقرة السابقة من هذا البحث.

و نزيد الآن أن هذه الإمامة التي حبا الله تعالي بها عبده و خليله إبراهيم (عليه السلام) إنما جعلها الله تعالي به بعد أن أتم إبراهيم (عليه السلام) الكلمات. و قد اتم إبراهيم (عليه السلام) الكلمات في كبر سنه و تقدّم عمره، و عليه فلا يمكن أن تكون الإمامة في هذه الآية المباركة هي النبوّة؛ لأنّ إبراهيم (عليه السلام) كان نبيّاً مطاعاً عندما خاطبه تعالي بهذا الخطاب.

- الكلمات التي اتمّها ابراهيم (عليه السلام) :

والكلمات التي ابتلي الله تعالي بها عبده و خليله إبراهيم (عليه السلام) هي الابتلاءات الصعبة التي ابتلاه بها فأتمّهن إبراهيم (عليه السلام) ، أو أتمّهن الله تعالي له بفضله و رحمته فاجتازها إبراهيم (عليه السلام) ، و التي يذكر منها القرآن قصّة الكواكب والقمر والشمس، و تحدّي قومه في عبادة الله تعالي، و استنكار عبادة الكواكب والشمس و القمر، و قصة كسرالأصنام في المعبد، و قصة إلقائه في النار، و تسيير أهله أمّ إسماعيل، و إسماعيل إلي وادٍ غير ذي زرع، ثم بعد ذلك محاولة ذبح ولده إسماعيل و هي أشقّهن و أصعبهن.

و قد قال تعالي عنها : (قَالَ يَابُنَيَّ اِنِّي أرَي فِي المَنَامِ أَنّي أذبَحُكَ) (إِنّ هَذَا لَهُوَ البَلاءُ المُبِينُ) الصافات : 102، 106.

تلك هي الابتلاءات التي ابتلي بها الله تعالي عبده و خليله إبراهيم، و بهذه الابتلاءات استحق إبراهيم (عليه السلام) أن يجعله الله تعالي

ص: 15

إماماً... والآية الكريمة صريحة في ذلك و واضحة (و إذا ابتلَي إبراهيمَ رَبُّهُ بِكَلِمَاتٍ فَأَتَمَّهُنَّ قَالَ اِنِّي جَاعِلُكَ للناسِ اِماماً...)

نصوص الوصية

اشارة

و قد تكررت الوصية من رسول الله (صلي الله عليه و آله) لعليّ بن أبي طالب (عليه السلام) بالخلافة والإمامة من بعده.

منذ السنين الأولي من البعثة و الأيام الأولي لإعلان الدعوة إلي الأيام الأخيرة من حياته (صلي الله عليه و آله) .

والذي يتتبع هذه النصوص و يتابع ظروف صدورها يتأكد من أن رسول الله (صلي الله عليه و آله) كان مكلفاً بنصب علي (عليه السلام) خليفة و إماماً من بعده، و كان يخطط لإعلان هذا العهد علي المسلمين بالتدريج، و بصور و صيغ مختلفة، حتي لا يختلف المسلمون بعده في أمر إمامته وولايته من بعده.

و أول نص نجده في أمر الوصاية والولاية من بعده (صلي الله عليه و آله) نص يوم الدار.

و آخر محاولة لرسول الله (صلي الله عليه و آله) في هذا الشأن كان علي فراش الموت في الأيام الأخيرة من حياته المباركة.

1- نص يوم الدار

و إليك نص يوم الدار في السنين الأولي من البعثه و الأيام الأولي من إعلان الدعوة في مكة :

أخرج الطبري حديث الدار في تاريخه(1)، و في تفسيره(2)، و في تهذيب الآثار(3) قال :

حدّثنا ابن حميد، قال : حدّثنا سلمة، قال : حدّثني محمد بن

ص: 16


1- . تاريخ الأمم والملوك : 2/319.
2- . جامع البيان : مج 11/ج19/121.
3- . تهذيب الآثار – مسند علي : ص 62/ح127.

إسحاق، عن عبدالغفار بن القاسم، عن المنهال بن عمرو، عن عبدالله بن الحارث بن نوفل بن الحارث بن عبدالمطلب، عن عبدالله بن عباس، عن عليّ بن أبي طالب، قال : «لما نزلتْ هذه الآية علي رسول الله (صلي الله عليه و آله) (وَ أَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الأقْرَبينَ)، دعاني رسول الله فقال لي : يا عليّ،إنّ الله أمرني أن أنذر عشيرتي الأقربين، فضقتُ بذلك ذرعاً، و عرفت أنّي متي أباديهم بهذا الأمر أري منهم ما أكره، فصمتّ عليه حتي جاءني جبرئيل فقال : يا محمد، إنك إلاّ تفعل ما تؤمر به يُعذّبك ربّك، فاصنع لنا صاعاً من طعام، واجعل عليه رجلَ شاةٍ، واملأ لنا عُسّاً من لبن؛ ثم اجمع لي بني عبدالمطلب حتي أكلّمهم، و أبلغهم ما أمرت به،ففعلت ما أمرني به. ثم دعوتهم له؛ و هم يومئذٍ أربعون رجلاً، يزيدون رجلاً أو ينقصونه؛ فيهم أعمامه : أبو طالب و حمزة والعباس و أبولهب؛ فلما اجتمعوا إليه دعاني بالطعام الذي صنعت لهم، فجئت به، فلما وضعته تناول رسول الله حِذيةً من اللحم، فشقّها بأسنانه، ثم ألقاها في نواحي الصّحفة و، ثم قال : خذُوا بسم الله، فأكل القوم حتي ما لهم بشيء حاجة و ما أري إلاّ موضع أيديهم، وايم الله الذي نفس عليّ بيده، و إن كان الرجل الواحد منهم ليأكل ما قدمت لجميعهم.

ثم قال : اسق القوم، فجئتهم بذلك العسّ، فشربوا منه حتي روُوا منه جميعاً، وايم الله إن كان الرجل الواحد منهم ليشرب مثله، فلما أراد رسول الله (صلي الله عليه و آله) أن يكلمهم بدرَهُ أبولهب إلي الكلام،فقال: لَهدَّ ما سحركم صاحبُكم ! فتفرّق القوم ولم يكلّمهم رسولُ الله، فقال : الغد يا عليّ؛ إنّ هذا الرجل سبقني إلي ما قد سمعت من القول، فتفرق القوم قبل أن أكلمهم، فعُدْ لنا من الطعام بمثل ما صنعت، ثمّ اجمعهم إليّ.

قال : ففعلتُ، ثم جمعتهم ثمّ دعاني بالطعام فقربته لهم، ففعل كما فعل بالأمس، فأكلوا حتي ما لهم بشيء حاجة و ثم قال: اسقهم، فجئتهم بذلك العُسّ، فشربوا حتي روُوا منه جميعاً، ثم تكلّم رسول الله، فقال : يا بني عبدالمطلب؛ إنّي والله ما أعلمُ شابّاً في العرب جاء قومَه بأفضل مما قد جئتكم به؛ إنّي قد جئتكم بخير الدنيا و الآخرة، و قد أمرني الله تعالي أن أدعوكم إليه، فأيّكم يؤازرني علي هذا الأمر علي أن يكون أخي و وصيّي

ص: 17

و خليفتي فيكم ؟ قال : فأحجم القومُ عنها جميعاً، و قلت؛ و إنّي لأحدثُهم سنّاً، و أرمصهم عيناً، و أعظمهم بطناً، و أحمشهم ساقاً : أنا يا نبيّ الله، أكون وزيرَك عليه. فأخذ برقبتي، ثم قال : إنّ هذا أخي و وصيّي و خليفتي فيكم، فاسمعوا له و أطيعوا. قال :فقام القوم يضحكون، و يقولون لأبي طالب : قد أمرك أن تسمع لا بنك و تطيع.

و رواه عن الطبري البغوي في تفسيره(1)، و أخرجه ابن عساكر في تاريخه(2)، قال :

أخبرنا أبوالبركات عمربن إبراهيم الزيدي العلوي بالكوفة، أنبأنا أبو الفرج محمد بن أحمد بن علاّن الشاهد، أنبأنا محدبن جعفربن محمد بن الحسين، أنبأنا أبو عبدالله محمد بن القاسم بن زكريا المحاربي أنبأنا عبّاد بن يعقوب، أنبأنا عبدالله بن عبدالقدّوس، عن الأعمش، عن المنهال بن عمرو، عن عبّاد بن عبدالله، عن علي بن أبي طالب قال :

لمّا نزلت (وَ اَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الأقْرَبينَ)

قال رسول الله : يا علي اصنع لي رجل شاة بصاع من طعام، وأعدّ قعباً من لبن - و كان القعب قدر ريّ رجل - قال : ففعلت فقال لي رسول الله (صلي الله عليه و آله) : يا علي اجمع بني هاشم و هم يومئذٍ أربعون رجلاً - أو أربعون غير رجل - فدعا رسول الله بالطعام فوضعه بينهم فأكلوا حتي شبعوا و إنّ منهم لمن يأكل الجذعة بإدامها، ثم تناولوا القدح فشربوا حتي رووا و بقي فيه عامّته، فقال بعضهم : ما رأينا كاليوم في السحر !! - يرون أنه أبولهب -.

ثم قال : يا عليّ اصنع رجل شاة بصاع من طعام و أعدّ بقعب من لبن. قال : ففعلت، فجمعهم فأكلوا مثل ما أكلوا بالمرّة الأولي و شربوا مثل المرّة الأولي و فضل منه ما فضل في المرّة الأولي فقال بعضهم : ما رأينا كاليوم في السحر !!!

فقال في المرّة الثالثة : اصنع رجل شاة بصاع من طعام و أعدّ بقعب من لبن.

ففعلت فقال : اجمع بني هاشم فجمعتهم فأكلوا و شربوا فبدرهم

ص: 18


1- . المعروف بمعالم التنزيل المطبوع بهامش تفسير الخازن : مج 3/ج5/127.
2- . ترجمة الامام علي 7 من تاريخ مدينة دمشق : 1/99ح137 .

رسول الله (صلي الله عليه و آله) بالكلام فقال: أيكم يقضي ديني و يكون خليفتي و وصيّي من بعدي ؟ قال: فسكت العباس مخافة أن يحيط ذلك بماله، فأعاد رسول الله الكلام فسكت القوم و سكت العباس مخافة أن يحيط ذلك بماله، فأعاد رسول الله الكلام الثالثة. قال : و إنّي يومئذٍ لأسوأهم هيئة، إنّي يومئذ أحمش الساقين أعمش العينين ضخم البطن، فقلت: أنا يا رسول الله.

قال : أنت يا علي أنت يا علي.

2- نص الغدير

حج رسول الله (صلي الله عليه و آله) في السنة العاشرة من الهجرة حجة الوداع، و خرج معه خلق كثير من المدينة و ممن توافد علي المدينة ليخرجوا مع رسول الله للحج في تلك السنة و يتراوح تقدير أصحاب السير لمن خرج مع رسول الله (صلي الله عليه و آله) يومئذٍ للحج بين تسعين ألفاً و مائة و أربعة و عشرين ألفاً. عدا من حج مع رسول الله في تلك السنة من مكة المكرمة و ممن التحق برسول الله في مكة من اليمن و من العشائر الذين توافدوا إلي مكة للحج.

و في عودته (صلي الله عليه و آله) من الحج في طريقه إلي المدينة نزل رسول الله (صلي الله عليه و آله) - (غدير خم) في يوم صائف شديد الحر في الثامن عشر من ذي الحجة. فأذّن مؤذن رسول الله برّد من تقدم من الناس و حبس من تأخر عنهم في ذلك المكان. فصلّي بالناس الظهر، و كان يوماً قارضاً، يضع الرجل بعض ردائه علي رأسه، و بعضه تحت قدميه من شدة الرمضاء. و ظلّل لرسول الله (صلي الله عليه و آله) بثوب علي شجرة سمرة من الشمس، فلما انصرف رسول الله من صلاته قام خطيباً، فحمدالله و أثني عليه. ثم أخذ بيد علي (عليه السلام) فرفعها حتي رؤي بياض آباطهما و عرفه القوم جميعاً، فقال :«أيّها الناس ألست أولي بكم من أنفسكم ؟» قالوا : بلي.

فقال : «من كنت مولاه فهذا عليّ مولاه» يقولها أربع مرات كما يروي أحمد ابن حنبل -، ثم قال : «اللّهمّ والِ من والاه، و عادِ من عاداه، وانصر من نصره، واخذل من خذله، و أدِر الحق معه حيث دار. ألا فليبلّغ الشاهد الغائب».

فلما نزل رسول الله (صلي الله عليه و آله) من الأقتاب التي صفت له، أخذ الناس يهنئون علياً (عليه السلام) يومئذٍ بالولاية. و ممّن هنأه يومئذٍ بالولاية الشيخان أبوبكر و عمر. قالا له :

ص: 19

بخ بخ لك يابن أبي طالب أصبحت و أمسيت مولاي و مولي كل مؤمن و مؤمنة.

و رغم الظروف السياسية القاسية التي جرت علي المسلمين في الصدر الأول من الإسلام في عصر بني امية، و اهتمام الحكام يومئذ بالتعتيم و التكتم علي فضائل الإمام أميرالمؤمنين عليّ (عليه السلام) ، فقد شاءالله تعالي أن ينشر حديث الغدير، و يتولّي الصحابة والتابعون لهم بإحسان و طبقات المحدّثين و العلماء بعدهم رواية هذا الحديث حتي استفاض نقله و شاع مما لا يدع مجالاً لإشكال أو تشكيك.

و قد جمع بعض العلماء طرق حديث الغدير. منهم أبو جعفر محمد بن حرير الطبري صاحب التفسير و التاريخ، يقول ابن كثير في البداية والنهاية(1): و قد اعتني بأمر هذا الحديث أبو جعفر محمد بن جرير الطبري صاحب التفسير و التاريخ فجمع فيه مجلدين أورد فيهما طرقه و ألفاظه.

ص: 20


1- . البداية والنهاية : 5/227 حوادث سنة 10ﻫ .

ماذا حدث يوم الثامن عشر

من ذي الحجّة عام 10 ﻫ ؟

يقطع المؤرخون و أهل السير أنّ رسول الله (صلي الله عليه و آله) بعد أدائه مناسك آخر حجة لبيت الله الحرام حجَّها عام 10ﻫ(1) جمع المسلمين بأمر من الله تعالي عند غدير خم، و أعلمهم أنّ عليّ بن أبي طالب (عليه السلام) إمامهم و سيدهم بعد رحيله رسول الله (صلي الله عليه و آله) إلي الرفيق الأعلي. و نورد هنا الرواية الكاملة لهذا الحدث العظيم كما عرضها المؤرخون القدامي: «عزم رسول الله (صلي الله عليه و آله) علي الخروج إلي الحجّ في السنة العاشرة من الهجرة، و دعا المسلمين عموماً لذلك، فاستجاب لدعوته خلق كثير من المدينة المنورة و خارجها استعداداً لأداء آخر حجة له و هي المسماة بحجة الوداع أو حجة الإسلام أو حجة البلاغ أو حجة التمام أو حجة الكمال(2) و قد خرج (صلي الله عليه و آله) من المدينة المنورة يوم السبت لخمس ليالٍ أو ستٍّ بقين من ذي القعدة و قد خرج معه نساؤه جميعاً في هوادج و سار معه أهل بيته، و أغلب المهاجرين و الأنصار و ما شاءالله من قبائل العرب و عشائرهم(3).

و أثناء خروجه (صلي الله عليه و آله) من المدينة المنورة اصيب الناس في المدينة المنورة بوباء الجدري أو الحصبة، مما تسبب في منع الكثيرين من أهلها من مصاحبة الرسول (صلي الله عليه و آله) في حجه المبارك إلاّ أنّ الجموع التي خرجت معه (صلي الله عليه و آله) كانت كبيرة حتي قدرت ما بين تسعين ألفاً و أكثر من مائه و اربعة و عشرين الفاً، و كان جلّهم من غير أهل المدينة المنورة. أما الذين حجّوا معه (صلي الله عليه و آله) فكانوا أكبر من هذا العدد

ص: 21


1- . و هي المسماة بحجة الوداع و حجة البلاغ و حجه التمام، راجع تاريخ الطبري : ج 2 ص 429، ط الأعلمي - بيروت و يرجح الشيخ الأميني (رض) أن يكون المقصود بحجة البلاغ نسبة لقوله : تعالي : (بلغ ما انزل اليك..) المائدة : 67 و حجة التمام والكمال نسبة الي قوله تعالي (اليوم اكملت لكم دينكم و أتممت عليكم نعمتي..) المائدة راجع الغدير 1 هامش ص 9 للشيخ عبدالحسين الاميني (رض).
2- .نفس المصدر السابق.
3- . الطبقات لابن سعد : ج 3 ص 225 و امتاع المقريزي 510 و ارشاد الساري : ج 6 ص 429.

بكثير، حيث انظّم لمن خرج معه أهل مكة و أهل اليمن الذين قَدِموا مع علي بن أبي طالب (عليه السلام) و أبي موسي الاشعري(1)، فلما حج النبيّ (صلي الله عليه و آله) و قضي مناسكه بمن معه، انصرف راجعاً إلي المدينة و معه الجموع التي خرجت من المدينة و ما حولها، فلما و صل غدير خم من الجحفة و هي بقعة تتشعّب فيها الطرق إلي مصر والعراق و المدينة و ذلك قبل ظهر يوم الخميس الثامن عشر من ذي الحجة المبارك، نزل إليه الروح الأمين، عن الله عزّ و جلّ بقوله تعالي : (يَا أيُّهَا الرَّسول بلّغ مَا أُنزِلَ إليكَ مِن ربّك و إن لم تَفعل فما بَلَّغت رِسالَته والله يعصمُك من الناس) (2)؛ و أمره أن يقيم عليّ بن أبي طالب (عليه السلام) إماماً للناس بعده (صلي الله عليه و آله) حيث فرض الله تعالي إمامته و طاعته و خلافته لرسول الله (صلي الله عليه و آله) .

و كان أوائل الناس قرب الجحفة، فأمر رسول الله (صلي الله عليه و آله) أن يردّ من تقدّم منهم، فجمعهم عند دوحات عظام و كان يوماً قائضاً حتي أنّ الرجل كان يضع بعض ردائه تحت قدميه من شدة الرمضاء.. و قد زالت الشمس فأقام النبيّ (صلي الله عليه و آله) صلاة الظهر تحت تلك الدوحات، و بعد أن أتمّ الرسول (صلي الله عليه و آله) صلاته قام خطيباً وسط الناس(3) علي أقتاب الإبل و أسمع الجميع فقال (صلي الله عليه و آله) (4): «الحمد لله و

ص: 22


1- . السيرة الحلبية : ج 3 ص 283، سيرة احمد زيني دحلان : ج 3 ص 3 تاريخ الخلفاء لابن الجوزي في الجزء الرابع،تذكرة خواص الامة : 18، دائرة المعارف لفريد و جدي : ج 3 ص 542.
2- . سورة المائدة : 67.
3- . ثمار القلوب : 511 و مصادر اخري ذكرها الغدير : ج 1 ص 8 و ما بعدها 3. ورد بعدة ألفاظ متقاربة أثبتنا منها هنا النص الذي ذكره الغدير: ج 1 ص 10 -11، أما المصادر الأخري فهي : المعجم الكبير للطبراني، والصواعق المحرقة لابن حجر الهيثمي المكي الشافعي : 25 ط. الميمنة بمصر : 41-42 ط. المحمدية بمصر،و صحح الحديث مجمع الزوائد للهيثمي الشافعي : ج 9 ص 164 ترجمة الإمام علي بن أبي طالب من تاريخ دمشق لابن عساكر الشافعي : ج 2 ص 45 ح 545، كنز العمال للمتقي الهندي : ج 1 ص 168 ح 959 ط 2، الغدير للأميني : ج 1 ص 26 -37، عبقات الأنوار مجلد حديث الثقلين 1 مجلد 12 ص 312 ط اصفهان و ج 1 ص 156 ط قم ، ينابيع المودة للقندوزي الحنفي : 37 ط اسلامبول و41 ط الحيدرية، و بلفظ آخر توجد في الفصول المهمة لابن الصباغ المالكي : 24، مناقب علي بن ابي طالب لابن المغازلي الشافعي 16 ح 23، كنزالعمال: ج 1 ص 168 ح 985 ط 2، برواية زيدبن أرقم، ويوجد في خصائص أميرالمومنين للنسائي: 93 ط 2 الحيدرية و 21 ط التقدم بمصر و 35 ط بيروت، المناقب للخوارزمي الحنفي 93 ط الحديرية، ينابيع المودة للقندوزي الحنفي 32 ط اسلامبول و36 ط الحيدرية، الغدير للاميني : ج 1 ص 20، كنز العمال للمتقي الهندي : ج 15 ص 91 ح 255 ط 2، عبقات الانوار قسم حديث الثقلين : ج 1 ص 117 و121 و 144 و 152 و 161 و أخرجه ابن عساكر في ترجمة الإمام علي بن أبي طالب من تاريخ دمشق : ج 2 ص 42 ح 543، صحيح مسلم : ج 2 ص 362 ط عيسي الحلبي بمصر وج 7 ص 122 ط محمد علي صبيح بمصر و ج 7 ص 123 ط المكتبة التجارية في بيروت، انساب الاشراف للبلاذري : ج 2 ص 315 المناقب للخوارزمي : 93 و غيرها...
4- .؟..

نستعينه و نؤمن به، و نتوكّل عليه، و نعوذ بالله من شرور أنفسنا و من سيئات أعمالنا، الذي لا هادي لمن أضلّ، و لا مضلّ لمن هدي، و اشهد أن لا إله إلا الله و أنّ محمداً عبده و رسوله.

- اما بعد -

ايُّها الناس قد نبَّأني اللطيف الخبير أنّه لم يعمّر نبيٌّ إلاّ مثل نصف عمر الذي قبله و إنّي أوشك أن أدعي فأجيب، و إنّي مسؤول و أنتم مسؤولون، فماذا أنتم قائلون؟ قالوا : نشهد أنّك قد بلّغت و نصحت و جهدت فجزاك الله خيراً قال : الستم تشهدون أن لا إله إلاّ الله، و أن محمّداً عبده و رسوله، و أنّ جنّته حقّ، و ناره حقّ، و أنّ الموت حقّ، و أنّ الساعة آتية لا ريب فيها،و أنّ الله يبعث من في القبور ؟ قالوا : بلي نشهد بذلك، قال : اللهم اشهد، ثم قال: أيّها الناس ألا تسمعون؟ قالوا: بلي، قال : فإنّي فرط علي الحوض، و أنتم واردون عليّ الحوض، و إنّ عرضه ما بين صنعاء و بصري، فيه أقداح عدد النجوم من فضّة فانظروا كيف تخلّفوني في الثقلين ؟ فنادي منادٍ و ما الثقلان يا رسول الله؟ قال (صلي الله عليه و آله) :

الثقل الأكبر كتاب الله، طرف بيدالله عزّ و جلّ، و طرف بأيديكم، فتمسّكوا به لا تضلّوا، والآخر الأصغر عترتي، و إنّ اللطيف الخبير نبّأني أنّهما لن يفترقا حتي يردا عليّ فسألت ذلك لهما ربّي، فلا تقدموهما فتهلكوا، و لا تقصروا عنهما فتهلكوا، ثم

ص: 23

أخذ بيد عليّ فرفعها حتي رؤي بياض آباطهما و عرفه القوم أجمعون، فقال (صلي الله عليه و آله) : أيُّها الناس.. من أولي الناس بالمؤمنين من أنفسهم ؟ قالوا : الله و رسوله أعلم، قال (صلي الله عليه و آله) : إنّ الله مولاي و أنا مولي المؤمنين، و أنا أولي بهم من أنفسهم فمن كنت مولاه فعليٌّ مولاه» يقولها ثلاث مرّات، و في لفظ أحمد إمام الحنابلة أربع مرّات، ثمّ قال (صلي الله عليه و آله) : «اللّهم والِ من والاه، و عادِ مَن عاداه، واخذل من خذله،

وأدِر الحقّ معه حيث دار، ألا فليبلّغ الشاهدُ الغائبَ» ثمّ لم يتفرّقوا حتي نزل أمين وحي الله بقوله:

(اليوم أكملتُ لكم دينكُم و أتممتُ عليكُم نعمتي..) الآية، فقال رسول الله (صلي الله عليه و آله) «الله اكبر علي إكمال الدين و إتمام النعمة و رضي الربّ برسالتي و الولاية لعليٍّ من بعدي، ثمّ طفق القوم يهنّئون أميرالمؤمنين صلوات الله عليه، و ممّن هنّأه الشيخان أبوبكر و عمر، و كان عمر يقول : بخٍ بخٍ لك يا ابن أبي طالب، أصبحت و أمسيت مولاي و مولي كلّ مؤمن و مؤمنةٍ، حتي قال ابن عبّاس : وجبت والله في أعناق القوم.

هل للغدير حضور في السقيفة؟

يتساءل البعض إمّا عن حسن نيّة أو عن خبث ولؤم لماذا لم يحتج أحد من الحاضرين في اجتماع (سقيفة بني ساعدة) بحديث الغدير أو غيره ليذكر المجتمعين باختيار رسول الله (صلي الله عليه و آله) لعليّ بن أبي طالب (صلي الله عليه و آله) إماماً وقائداً للأمّة بعد رحيله لكي يحرج المجتمعين علي الأقلّ أو يجردّهم من الشرعية ؟

و من الملاحظ - حقّاً - أنّ كتب المؤرّخين المتداولة تكاد تخلو من أيّ احتجاج - عند السقيفة - بحديث الغدير أو غيره، و ما يوجبه من حقّ عليّ (عليه السلام) علي الأمّة بعد رحيل النبيّ (صلي الله عليه و آله) .

بيد انّ هذا السؤال بغض النظر عن خلفيّاته ينبغي أن تصحبه أسئلة أخري عن حقائق غابت عن الاجتماع المذكور :

- فلماذا لم تذكر أخبار السقيفة أيّة إشارة من أحد الحاضرين إلي عدم شرعيّة الاجتماع طالما لم يحضر فيه آل النبيّ (صلي الله عليه و آله) و عشيرته الأقربون الذين كانوا سبب الخير و أساس البركة التي نالتها الأمّة

ص: 24

و محور حركة النهوض في حياة أولئك الناس ؟

- و لماذا لم تذكر أخبار السقيفة أيّ احتجاج من أحد الحاضرين أنّ من الخزي و العار علي الحضور أن يجتمعوا في تلك السقيفة و رسول الله (صلي الله عليه و آله) لا يزال مسجّي دون دفن بين أهله، و هم في غاية الأسي والحسرة لفقده و خسارته التي لا تعوّض ؟

- و لماذالم تذكر روايات المؤرّخين احتجاجاً لأحد بقوله :

كان من الوفاء لنبيّنا و هادينا (صلي الله عليه و آله) أن يتمّ تجهيزه و مواراته في قبره، ثمّ نجتمع للتداول في أمر من يخلفه في قيادة التجربة من بعده ؟

- لماذا حاول الأنصار استبعاد المهاجرين عن اجتماع السقيفة في بداية الأمر، فلمّا اكتشف المهاجرون أمرهم هبّوا لأخذ زمام المبادرة منهم ؟

- هل تسرّب إلي الأنصار أنّ قريشاً مصرّة علي نقض قرار رسول الله (صلي الله عليه و آله) بتعيين عليّ بن أبي طالب (عليه السلام) إماماً للأمّة فقلقوا علي مستقبلهم، فبادروا إلي عقد اجتماعهم في السقيفة لتقرير مصيرهم، و لذا طرحوا فكرة زعامة سعد بن عبادة، ثمّ طرحوا فكرة تقسيم القيادة بين المهاجرين والأنصار :

(منّا أمير و منكم أمير(1))

- لماذا منع عمر رسول الله (صلي الله عليه و آله) من كتابة كتابه الذي قال عنه (صلي الله عليه و آله) إن كتابته ستؤدّي إلي حفظ الأمّة من الضلال : «هلمّ أكتب لكم كتاباً لن تضلّوا بعده» قال عمر: إنّ النبيّ غلبه الوجع، و عندكم كتاب الله فحسبنا كتاب الله، و اختلف أهل البيت فمنهم من يقول ما قال عمر، فلمّا أكثروا اللغط والاختلاف قال (صلي الله عليه و آله) : «قوموا عنّي»(2) و لقد قال عمر عن هذه الحادثة : (... و لقد أراد في مرضه أن يصرّح باسمه - باسم عليّ - فمنعته من ذلك...) (3)

ص: 25


1- . الطبري 2./ 456 (حوادث سنة 11ﻫ).
2- . . صحيح البخاري باب كتاب العلم 1 : 22 -23
3- . . أخرجه الامام ابو الفضل احمد بن أبي طاهر في تاريخ بغداد بسنده المعتبر عن ابن عباس و ذكره ابن ابي الحديد في شرح نهج البلاغه 3 : 97 (احوال عمر)

- ما هو دور قبيلة (أسلم) في حسم الموقف لصالح أصحاب السقيفة، و هل كان دخولها إلي المدينة المنورة بأسلحتها عفويّاً أم كانت علي تنسيق مع الخليفة عمر بن الخطاب، يقول الطبريّ : إنّ (أسلم) أقبلت بجماعتها حتي تضايق بهم السكك فبايعوا أبابكر،فكان عمر يقول : ما هو إلاّ أن رأيت أسلم فأيقنت بالنصر(1).

فالذي يحتجّ بغياب حديث الغدير و أمثاله عن مناقشات السقيفة كان عليه أن يذكر الكثير من أمثال هذه الأمور التي غابت أخبارها في ذلك الاجتماع الشاذ و ملابساته مخالفة للشرع أو الواقع أو الأدب.

إنّ عموم المؤرّخين الذين تناولوا حادثة اجتماع (سقيفة بني ساعدة) يعكسون صورة عن تحرّك منفعل، سريع، شابه العنف أحياناً، و التحالفات المضادة احياناً اخرﻯ، وكلّ المعلومات التأريخية المتوفّرة لدينا تشير إلي أنّ فرص العنف و استعمال السلاح كانت أوفر من غيرها، ممّا ان ينذر بعاقبة خطيرة، وردّة شاملة عن الإسلام و دعوة الرسول الخاتم (صلي الله عليه و آله) .

و هذه نماذج من صور العنف والانفعال : - قال الحبّاب بن المنذر - أثناء اجتماع السقيفة - (يا معشرالأنصار املكوا علي أيديكم و لا تسمعوا مقالة هذا - يعني عمر - و أصحابه، فيذهبوا بنصيبكم من الأمر، فإن أبوا عليكم ما سألتموهم فأجلوهم عن هذه البلاد، و تولّوا عليهم هذه الأمور، فأنتم والله أحقّ بهذا الأمر منهم، فإنّه بأسيافكم دان لهذا الدين من لم يكن يدين به...).

- قال عمر : إذاً يقتلك الله.

- قال الحبّاب : بل إيّاك يقتل. (2)

- قال عمر : فكثر اللغط و ارتفعت الأصوات، حتي تخوّفت

ص: 26


1- . الطبري 2 : 458 و غيره
2- . . الطبري (حوادث عام 11 ه- 2 : 456

الاختلاف، فقلت : ابسط يدك لأبايعك. (1)

فقالت بعض الأنصار : لا نبايع إلاّ عليّاً. (2)

فأقبل الناس من كلّ جانب يبايعون ابابكر، و كادوا يطأون سعد بن عبادة.. فقال أناس من أصحاب سعد : اتّقوا سعداً لا تطأوه، فقال عمر:

اقتلوه قتله الله، ثم قام عمر علي رأسه، فقال لقد هممت أن أطأك حتي تندر عضوك، فأخذ قيس بن سعد بلحية عمر، فقال والله لو حصصت منه شعرةً ما رجعتَ و في فيك واضحة.

و هناك أحداث و أحداث كثيرة مشابهة لذلك الأمر الذي يؤكّد أنّ حالة الشدّة و التحرُّك السريع هي التي كانت تكتنف عموم الموقف في السقيفة حيث حسم الموقف كلّه لصالح الحزب القرشيّ في بضع ساعات، و رسول الله (صلي الله عليه و آله) لم يغسّل بعد حتي أنّ عليّاً والعبّاس بن عبد المطلب قد سمعا ضجيج القوم و هم يبايعون أبابكر في المسجد، و كان أهل البيت لم يفرغوا من غسل رسول الله (صلي الله عليه و آله) بعد. (3)

إنّ طبيعة الأحداث التي جرت في السقيفة و ما صحبها من عنف و شدّة و استعجال عطّلت الكثير من الحجج والمفاهيم الصحيحة والقيم و الحقايق و التعقّل، فهل تسمح تلك الحالة المتشنّجة المذكورة بذكر حديث الغدير أو غيره أو موقع بني هاشم، و ضرورة حضورهم في ذلك الاجتماع الذي كان هو و نتائجه (فلتة) (4) علي حدّ تعبيرالخليفة عمر بن الخطاب !؟

ثمّ من يذكر حديث الغدير، و وصايا النبيّ (صلي الله عليه و آله) إذا كان أصحاب هذه النصوص قد أُبعدوا أساساً من الاجتماع فَوْرَ وفاة النبيّ (صلي الله عليه و آله) بل أنّ الانقلاب قد حدث والرسول (صلي الله عليه و آله) علي قيد الحياة حين منعه عمر

ص: 27


1- . . سيره ابن هشام 4: 336
2- . . الطبري 3 : 208 و ابن الأثير 2 : 123، قالته الأنصار بعد بيعة أبي بكر.
3- . . العقد الفريد : ابن عبدربّه الاندلسي 4 : 258
4- . . البخاري 4 : 119 باب رجم الحبلي من الزنا والطبري حوادث سنة 11 ه- و غيرهما.

من كتابة وصيّته - كما أشرنا - و قد كانت الاستعدادات تامّة لإنجاز تلك المهمّة، فالصحابيّ عمر منع كتابة الوصيّة الأخيرة للنبيّ (صلي الله عليه و آله) لكي لا يصرّ النبي (صلي الله عليه و آله) علي قيادة عليّ (عليه السلام) للمسيرة أمام الحاضرين ثمّ أشغل الناس بعد وفاة النّبي بحكاية أنّ النبيّ (صلي الله عليه و آله) لم يمت.

لقد توفّي رسول الله (صلي الله عليه و آله) نصف النهار يوم الاثنين، و أبوبكر غائب بالسُنَح و عمر حاضر فاستأذن عمر، و دخل علي رسول الله (صلي الله عليه و آله) مع المغيرة بن شعبة و كشف الثوب عن وجهه؛ قال عمر : واغشياه ما أشدّ غشي رسول الله.

فقال المغيرة : مات والله رسول الله.

فقال عمر : كذبت، ما مات رسول الله و لكنّك رجل تحوسك فتنة، و لن يموت رسول الله حتي يُفْني المنافقون!! (1)

و بقي عمر يكرّر هذه الكلمات و أمثالها حتي جاء أبوبكر من اُلسنح، وقرأ هذه الآية : (و ما مُحمّد اِلاّ رسولٌ قد خلت من قبله الرسل،أفإن مات أو قتل انقلبتم علي أعقابكم... ؟)(2)

فقال عمر : هذا في كتاب الله ؟ قال ابوبكر : نعم فسكت عمر(3) و كان عمر هوالإنسان الوحيد الذي أصرّ علي عدم موت النبيّ (صلي الله عليه و آله) حتي أنّ عبدالله بن أمّ مكتوم قرأ عليه نفس الآية السابقة. (4)

فلم يتجاوب معه حتي جاء أبوبكر، فتغيّر موقف الرجل رأساً علي عقب !!

حتي إذا عقد الأنصار اجتماعهم في سقيفة بني ساعدة، أسرع أبوبكر و عمر و أبو عبيدة بن الجرّاح إليهم، ووجّهوا أحداث الاجتماع إلي ما أرادوا، ثمّ أنجزت آخر حلقات الخطّة بتسلُّّم قبيلة «أسلم» لمهمتها المرسومة في المدينة حيث ملأت سككها في

ص: 28


1- . . مسند احمد بن حنبل6 : 219.
2- . . آل عمران : 144
3- . . طبقات ابن سعد 2 / ق2/ 54 و غيره من المصادر
4- . . نفس المصدر 2 /ق2/ 57 و مصادر أخرﻯ

استعراض عسكريّ، أجهض أيّ تحرّك محتمل، بعد أن بايعت أبابكر بالخلافة. أنّ هذه الأحداث كلّها جرت في سويعات عصر يوم الإثنين من عام 11 ه- و حُسم كلّ شيءٍٍ والرسول (صلي الله عليه و آله) لم تتمّ حتي عمليّة تغسيله - كما أشرنا -.

فهل بمقدور أحد أن يطالب بحقّ أو يُذكّر بوصيّة أو ينصح باتّباع معروف ؟، ثمّ ماذا ينفع التذكير إذا كانت غالبيّة قريش تعتقد أن ليس كلّ ما يقوله الرسول (صلي الله عليه و آله) و يوصي به ممّا بنبغي التزامه، والتمسُّك به، خصوصاً إذا

كان أمراً دنيوياً يتعلّق بشؤون الحياة كالحرب والسلم و إدارة أمور الناس و سياسة العباد و ما إلي ذلك.

مواقف قريش التخاذلية امام رسول الله (صلي الله عليه و آله)

مواقف قريش التخاذلية امام رسول الله (صلي الله عليه و آله) . (1)

- الموقف من صلح الحديبية : حيث اعترض عمر بن الخطاب بشدّة علي النبيّ (صلي الله عليه و آله) حين قرّر الصلح و في ذلك تفصيلات يجدها المتتبّع في كتب السيرة. (2)

- والموقف من غنائم خيبر، حين ظنّ الانصار - سوءاً برسول الله (صلي الله عليه و آله) (3)

- والموقف من أسري بدر. (4)

- و موقف الرماة في معركة أحد من أوامر رسول الله (صلي الله عليه و آله) و ما سبّبه عصيانهم من هزيمة كبيرة للمسلمين. (5)

- والموقف من سريّة أسامة بن زيد.

ص: 29


1- . . الفصول المهمة في تاليف الامة : السيد عبدالحسين شرف الدين ط 5 دارالنعمان / النجف الاشرف 81-82
2- . . راجع فقه السيرة : محمد سعيد البوطي ط 4 1972 م ص 345 و غيره
3- . . نفس المصدر ص 427-428 عن البخاري
4- . . نفس المصدر ص228
5- . . فقه السيرة مصدر سابق ص252

- والموقف من وصيّة النبيّ (صلي الله عليه و آله) حين عزم علي كتابة كتاب لن يضلّوا بعده أبداً - كما أشرنا - و غير ذلك كثير. (1)

وهناك خطّ عام لدﻯ قريش يتمحور حول معصية الرسول (صلي الله عليه و آله) فيما يخالف رغباتها، يقول عبدالله بن عمروبن العاص : كنت أكتب كلّ شيء أسمعه من رسول الله (صلي الله عليه و آله) فنهتني قريش، و قالوا : تكتب كلّ شيء سمعته من رسول الله و رسول الله بشر يتكلّم في الغضب والرضا؟

فأمسكت عن الكتابة، فذكرت ذلك لرسول الله (صلي الله عليه و آله) فأومأ بإصبعه إلي فيه، و قال : «اكتب فوالذي نفسي بيده ما خرج منه إلاّ حقّ»(2) و هذا الحديث يبلور حقيقة الموقف القرشيّ من رسول الله (صلي الله عليه و آله) و تعاليمه.

بقي السؤال المطروح في هذه المناسبة لماذا لم يحتجّ أميرالمومنين عليّ بن أبي طالب (عليه السلام) بحديث الغدير أو الوصيّة أو غيرهما؟

والحقيقة التي لا غبار عليها - و كما مرّ بعض ذلك - أن عليّاً (عليه السلام) و سائر بني هاشم لم يدعوا إلي اجتماع السقيفة أبداً، و قد استغلّت قريش انشغالهم بمصيبة فقد النبيّ (صلي الله عليه و آله) ، و قد عقدت الصفقة لأبي بكر، و بويع في السقيفة دون علم من بني هاشم قاطبة، حيث فوجيء الإمام (عليه السلام) والعباس بن عبدالمطلب (رض) بنبأ بيعة أبي بكر، و رسول الله (صلي الله عليه و آله) لم يُغسل بعد.

و خلال ساعات قلائل تمّ كلّ شيء، و جاءت (أسلم) و ملأت سكك المدينة المنورة بالرجال والسلاح.

إنّ أيّ احتجاج قبال ما جرﻯ لايغيّر شيئاً من طبيعة الموقف،و مع ذلك فإن أميرالمومنين (عليه السلام) والصدّيقة الزهراء (عليها السلام) و بعض الموإلين تحرّكوا بالحدود الممكنة، التي تلقي من خلالها الحجّة

ص: 30


1- . .. راجع السيد عبدالحسين شرف الدين : المراجعات مراجعة 58 – مراجعة 100
2- . . سنن الدارمي 1 : 125 و سنن أبي داوود 2 : 126 – و مسند أحمد 2 : 162 و ص 192 و جامع بيان العلم و فضله لابن عبدالبر 1 : 85 ط 2 القاهرة 1388 ه- و غيرها

فحسب دون أن يؤدّي ذلك إلي إراقة دماء و إرباك الحالة العامّة للأمّة لكي لا تنهزم الأمّة أمام المرتدّين كمُسيلمة الكذّاب و سجاح و غيرهما، أو تتعرّض إلي غزو واسع من شمال الجزيرة حيث الدولة الرومانية و قدراتها الهائلة...

كيفية تحرك الامام علي (عليه السلام)

أجل تحرّك عليّ (عليه السلام) بحدود إلقاءالحجّة فحسب فجرت اجتماعات في داره أيّاماً لتدارس الموقف والعمل ما من شأنه لإيقاف التداعي والانهيار فهجمت (شرطة) الحكومة علي الدار غير مرّة و أرهبت المجتمعين و آل البيت (عليهم السلام) و جرت محاولة لحرق الدار من قبل الخليفة عمر بن الخطّاب و من معه.

(و دخلوا الدار) (1)، (و خرجت فاطمة تبكي و تصيح) (2)، و بقي عمر و معه قوم فأخرجوا عليّاً، فمضوا به إلي أبي بكر، فقالو له : بايع، فقال : (إن أنا لم أفعل فمه ؟ قالوا :إذن والله الذي لا إله إلاّ هو نضرب عنقك، فقال : إذاً تقتلون عبدالله و أخا رسوله.. فلحث عليّ بقبر رسول الله (صلي الله عليه و آله) يصيح و ينادي : يا ابن أُمّ إنّ القوم استضعفوني و كادوا يقتلونني) (3).

و ممّا قام به أميرالمؤمنين (عليه السلام) هو التحرُّك علي الأنصار بعيداً عن أعين السلطة : (ثمّ إنّ عليّاً حمل فاطمة علي حمار، وسار بها ليلاً إلي بيوت الأنصار يسألهم النصرة، و تسألهم فاطمة الانتصار له..) (4)

إنّ هذه الأجواء المحيطة بعليّ (عليه السلام) أتُري أنّها مناسبة لعمل أكثر من هذا ؟ ثمّ هل تسع مثل هذه الظروف أميرالمؤمنين (عليه السلام) أن

ص: 31


1- . . تاريخ اليعقوبي 2: 126
2- . . السقيفة لابي بكر الجوهري برواية ابن أبي الحديد 1: 134
3- . . الإمامة والسياسة : ابن قتيبة الينوري ص 20
4- . . انظرالإمامة والسياسة ص 19 ط. الحلبي تحقيق د.المزيني و مثله ابن أبي الحديد 5/6 : 28 ط.مصر، وهذاللفظ للمصدر الثاني

يتحرّك في ساحة أوسع من ذلك، و هو الذي تحاصره المصلحة العامّة، و مصلحة الإسلام العليا، و ضغط السلطة، وقلّة الناصر ؟ و لذا رأي أنّ المناسب لتلك الحالة أن يكتفي بهذا الحدّ من المعارضة، و أن يذكّر بحقّه عند كلّ فرصة مناسبة طوال ربع قرن من الزمان. اما مناشدة يوم الشوري : بقي امير المؤمنين (عليه السلام) يهتمّ بإرساء قواعد مصلحة الإسلام والمسلمين مع احتفاظه بحقّه الشرعي كمظلوم و مغصوب حقّه في خلافة الأُمّة و قيادتها..

و حفظه لمصلحة الإسلام والمسلمين تبلور في عموم مسيرته و تعامله مع الخلفاء الثلاثة الذين سبقوه تأريخيّاً (أبي بكر، و عمر، و عثمان). فقد طرد أباسفيان حين جاءه يبايعه بعدالسقيفة و يدعوه للوقوف في وجه أبي بكر قائلاً له : والله إنّك ما أردت بهذا إلاّّ الفتنة و إنّك والله ظالما بغيت للإسلام شرّاً.و قد ذكر المؤرّخون تفصيلات أخري حول تحرّكات أبي سفيان و إصرار أميرالمؤمنين (عليه السلام) علي طرده و زجره) (1).

و لقد انصرف الإمام علي (عليه السلام) لجمع القرآن الكريم حسب نزوله و أتمّ هذا المشروع العظيم في فترة و جيزة، كما اهتمّ بشبهات الوفود الكافرة التي تأتي مستفسرة عن حقيقة الاسلام الحنيف، و مبادئه، كما أوقف نفسه الشريفة لتصحيح الأخطاء، و تسديد المسيرة ما استطاع إلي ذلك سبيلاً.(2)

و لكنه مع كلّ ذلك كان يبدي مظلوميّته كلّما سنحت له فرصة، فهو القائل : فوالله مازلت مدفوعاً عن حقّي، مستأثراً عليّ منذ قبض الله نبيّه (صلي الله عليه و آله) حتي يوم الناس هذا)(3) و مع شدّة حرصه علي وحدة المسلمين و شوكتهم، و مع شديد اهتمامه بسلامة المسيرة، فإنّه كان يطرح حقّه، و يوضّح موقعه الحقيقي من المسيرة كلّما وجد فرصة مناسبة لذلك.

و ممّا يذكره المؤرّخون، و أصحاب السنن أنّ أميرالمؤمنين (عليه السلام)

ص: 32


1- . . الكامل في التاريخ : ابن الأثير (حديث السقيفة)
2- . . يراجع في ذلك علي و الخلفاء : المرحوم الشيخ نجم الدين العسكريّ.
3- . . نهج البلاغه ص 53

وجد في اجتماع الستّة الشوري - و كان ضمنهم - بعد وفاة عمر بن الخطّاب، فرصة للإدلاء برصيده الواقعيّ الذي غفله البعض أو تغافلوا عنه، فقد ناشد الحاضرين بقوله : أنشدكم بالله - أيّها النفر جميعاً - وراح يعدّد جملة من فضائله العظام، و ممّا جاء في مناشدته : (فأنشدكم بالله هل فيكم أحد قال له رسول الله (صلي الله عليه و آله) :

«من كنت مولاه فعليّ مولاه، اللهم والِ من والاه، و عادِ من عاداه؛ يبلّغ الشاهد منكم الغائب»، غيري ؟

قالوا : اللهم لا..)(1)، و هكذا ذكّر الحاضرين بالنصّ عليه من قبل رسول الله (صلي الله عليه و آله) في يوم الغدير، حينما وجد الفرصة مناسبة لذلك.

مناشدة الرحبة : و في أيّام خلافته جمع أميرالمؤمنين (عليه السلام) المسلمين في رحبة مسجد الكوفة و طالب كلّ من سمع حديث الغدير من رسول الله (صلي الله عليه و آله) مباشرة، أن يدلي بشهادته أمام الحضور.

وقد جرت هذه المناشدة المظلومة بعد خمسة و عشرين عاماً علي السقيفة، و كان قد مات الكثير من شهود ذلك الحدث أوقتل حيث كان في هذه الفترة الزمنيّة - الممتدّة بين حجّة الوداع التي ألقي رسول الله (صلي الله عليه و آله) فيها حديث الغدير و مناشدة الرحبة - قد جرت أحداث مريرة، كما جرت تطوّرات كبري كحروب الردّة و فتوح الشام، و العراق، وبلاد فارس، علاوة علي الموت الطبيعي لكثير من شيوخ الصحابة و كهولهم.

لقد ناشد الإمام عليّ (عليه السلام) جماهير المسلمين أن يشهدوا بقوله : (أنشد الله علي امريءٍ مسلم سمع رسول الله (صلي الله عليه و آله) يقول يوم غدير خمّ ما قال إلاّ قام فشهد بما سمع و لا يقم إلاّ من رآه بعينه و سمعه بأذنه، فقام ثلاثون صحابيّاً فيهم إثنا عشر بدرياً فشهدوا أنّه أخذه بيده، فقال للناس : أتعلمون أنّي أولي بالمؤمنين من أنفسهم ؟

قالوا : نعم، قال رسول الله (صلي الله عليه و آله) «من كنت مولاه فهذا علي مولاه، اللهم وال من والاه، و عادِ ما عاداه..»(2)، و هكذا وجد

ص: 33


1- . . أخرج المناشدة المذكورة الحافظ الذهبي في ميزان الاعتدال 1:205.
2- . . مسند احمد بن حنبل 4: 270.

الإمام (عليه السلام) فرصة مناسبة لتثبيت هذا الحق المهضوم الموحي به من الله عزّ وجلّ بتبليغ صريح من رسول الله (صلي الله عليه و آله) .

و هكذا فأن المصلحة الإسلاميّة العليا و إن فرضت علي أميرالمؤمنين عليه الصلاة والسلام أن يلوذ بالصمت و الصبر و التحمُّل إلاّ أنّه كلّما وجد فرصة مناسبة لتثبيت حقّه و مظلوميّته بل حقّ الرسالة والرسول (صلي الله عليه و آله) إلاّ و صدع بذلك الحقّ، و تلك الحقيقة التي تضافرت جهود قريش و من ناصرهم علي إخفائها.

و لا يخفي أن أهل البيت (عليهم السلام) وحوارييهم قد بذلوا و سعهم - رغم المحنة والتعتيم - من أجل تبليغ الأمّة بحديث الغدير و رسالته كالصدّيقه الزهراء عليها الصلاة والسلام التي ألقت خطبة في مسجد رسول الله (صلي الله عليه و آله) تحمل هذاالمضمون(1)، و كالإمام السبط الحسين بن عليّ (عليه السلام) الذي ألقي خطاباً حول هذا الموضوع في عهد معاوية مستثمراً وجود الحجيج في عرفات(2)، و هكذا يمكننا أن نقول : إنّه صار بمقدورنا أن ندرك الظروف الواقعية التي ألمت بحديث الغدير في حوادث «السقيفة» والأوقات التي تلت ذلك الحادث، لأكثر من عقد من الزمان، و صدق أمير المؤمنين علي (عليه السلام) حيث يقول :«لا يعاب المرء بتأخير حقه، إنّما يعاب من أخذ ماليس له»(3).

ص: 34


1- . . راجع خطبة الزهراء 3 في بلاغات النساء، الإمام أبوالفضل أحمد بن أبي طاهر ت- 280.
2- . . راجع الغدير : للاميني 1:198 بأسانيده
3- . . نهج البلاغة : الإمام علي بن ابي طالب (باب المختار من حكم امير المومنين رقم 166)

العوامل التي اكسبت الحديث سمته التاريخية

لم يكتسب حديث الغدير أهميّته بسبب تواتره و صحته و اهتمام أهل العلم به مضموناً و سنداً منذ صدع الرسول الخاتم (صلي الله عليه و آله) به حتي اليوم حسب و إنّما احتل هذا النصّ الإلهي المبارك موقعه المتميّز بين النصوص المثيلة للرسالة الإلهية الخاتمة، و إلاّ فإن النصوص المصرحة بمضمون حديث الغدير كثيرة جدّاً إضافة إلي قيمتها العلميّة من ناحية طرق إسنادها و وثاقة رواتها، و سنستعرض بعضاً من تلك النصوص بعد قليل.

و يمكننا هنا أن نسجّل العوامل التي اكسبت حديث الغدير قيمته المتميّزة :

أ - إن حديث الغدير المبارك قد اقترن بنزول آية التبليغ من سورة المائدة التي ألزمت النبيّ الخاتم (صلي الله عليه و آله) بنصب عليّ بن أبي طالب (عليه السلام) قائداً للأمّة بعد رحيله إلي الرفيق الأعلي : (يا ايّها الرسول بلغ ما أنزل إليك من ربّك و إن لم تفعل فما بلغت رسالته والله يعصمك من النّاس إن الله لا يهدي القوم الكافرين) (1).

فقد حدّث الحافظ أبو جعفر محمّد بن جرير الطبري المتوفي عام 310ه- بأسناده عن زيد بن أرقم (كما في كتاب الولاية في طرق حديث الغدير) قال: (2)

ص: 35


1- . . سورة المائدة : 67
2- . . الغدير ج1 ص 214 - 218.

لمّا نزل النبيّ (صلي الله عليه و آله) بغدير خمّ في رجوعه من حجّة الوداع و كان في وقت الضحي و حرّ شديد أمر بالدوحات فقُمّت، خطب خطبة بالغة قال : «أن الله تعالي أنزل إليّ : (بلّغ ما أنزل إليك من ربك و إن لم تفعل فما بلغت رسالته والله يعصمك من النّاس) و قد أمرني جبرئيل عن ربّي أن أقوم في المشهد و أعلم كل أبيض و أسود أن عليّ بن أبي طالب أخي و وصيّي و خليفتي و الإمام بعدي فسألت جبرئيل أن يستعفي لي ربي لعلمي بقلة المتّقين و كثرة المؤذين لي و اللائمين، لكثرة ملازمتي لعليّ وشدّة إقبإلي عليه حتي سمّوني أذُناً، فقال تعالي: (و منهم الذين يؤذون النبيّ و يقولون هو أذن قل أذن خير لكم) و لو شئت أن أسمّيهم و أدُل عليهم لفعلت و لكني بسترهم قد تكرمت، فلم يرض الله إلاّ بتبليغي فيه فاعلموا معاشرالناس ذلك فإن الله قد نصبه لكم وليّاً و إماماً،و فرض طاعته علي كلّ أحد، ماضٍ حكمه، جايز قوله ملعون من خالفه، مرحوم من صدقه، اسمعوا و أطيعوا، فان الله مولاكم و عليّ إمامكم، ثم الإمامة في ولدي من صلبه إلي يوم القيامة لا حلال إلاّ ما أحلّه الله و رسوله، و لا حرام إلاّ ما حرّم الله و رسوله و هم، فما من علم إلاّ أحصاه الله فيّ و نقلته إليه فلاتضلّوا عنه و لا تستنكفوا فهوالذي يهدي إلي الحقّ و يعمل به، لن يتوب الله علي أحد أنكره و لن يغفرله، حتماً علي الله أن يفعل ذلك أن يعذّبه عذاباً نكراً أبد الآبدين، فهو أفضل الناس بعدي ما نزل الرزق وبقي الخلق، ملعون من خالفه، و قولي عن جبرئيل، عن الله فلتنظر نفس ما قدّمت لغد، افهموا محكم القرآن و لا تتبعوا متشابهه، و لن يفسّر ذلك لكم إلاّ من أنا آخذ بيده و شائل بعضده و معلّمكم، أنَّ من كنت مولاه فهذا مولاه و موالاته من الله عزّ و جلّ أنزلها عليّ ألا و قد أدّيت، ألا و قد بلغت، ألا و قد أسمعت، ألا و قد أوضحت، لا تحلُّ إمرة المؤمنين بعد لأحد غيره ثم رفعه إلي السماء حتي صارت رجله مع ركبة النبيّ (صلي الله عليه و آله) و قال : (معاشرالناس، هذا أخي و وصيّي و واعي علمي و خليفتي علي من آمن بي و علي تفسير كتاب ربي) و في رواية : «اللهم وال من والاه و عاد من عاداه، و العن من أنكره و اغضب علي من جحد حقّه، اللهم إنّك أنزلت عند تبيين ذلك في عليّ (إليوم أكملت لكم

ص: 36

دينكم) بإمامته فمن لم يأتمّ به و بمن كان من ولدي من صلبه إلي القيامة فأولئك حبطت أعمالهم و في النار هم خالدون، إن إبليس أخرج آدم (عليه السلام) من الجنّة مع كونه صفوة الله بالحسد فلا تحسدوا فتحبط أعمالكم و تزلّ أقدامكم في عليّ نزلت سورة (والعصر إن الإنسان لفي خسر إلاّ الذين آمنوا و عملوا الصالحات)(1) معاشرالناس، آمنوا بالله و رسوله والنور الذي أنزل معه من قبل أن نطمس وجوهاً فنردّها علي أدبارها، و نلعنهم كما لعنّا أصحاب السبت، النور من الله فيَّ ثم في عليّ ثمّ في النسل منه إلي القائم المهديّ، معاشر الناس، سيكون من بعدي أئمة يدعون إلي النار و يوم القيامة لا ينصرون، و إن الله و أنا بريئان منهم، إنّهم و أنصارهم و أتباعهم في الدرك الأسفل من النار، و سيجعلونها ملكاً اغتصاباً فعندها يفرغ لكم أيّها الثقلان و يرسل عليكما شواظ من نار و نحاس فلا تنتصران).

و حدّث الحافظ ابن أبي حاتم أبومحمّد الحنظليّ الرازيّ المتوفّي 327 ه- قال باسناده عن أبي سعيد الخدريّ : إنّ الآية - آية التبليغ - نزلت علي رسول الله (صلي الله عليه و آله) يوم غدير خمّ في عليّ بن أبي طالب.

و أخرج ابن مردويه المولود 323 ه- والمتوفّي عام 416 ه- باسناده عن أبي عيد الخدريّ أنّها نزلت يوم غدير خمّ في عليّ بن أبي طالب(2)، و باسناد آخر عن ابن مسعود أنّه قال : كنّا نقرأ علي عهد رسول الله (صلي الله عليه و آله) : (يا أيّها الرسول بلّغ ما أنزل إليك من ربّك) - إنّ عليّاً مولي المؤمنين(3) (و إن لم تفعل فما بلّغت رسالته والله يعصمك من الناس.و روي باسناده عن ابن عبّاس«ياربّ إنّ قومي حديثو عهد بجاهليّة، ثم مضي بحجّة، فلمّا أقبل راجعاً و نزل بغدير خمّ أنزل الله عليه :(يا أيّها الرسول بلّغ ما أنزل إليك من ربّك).. الآية فأخذ بعضد عليّ ثمّ خرج إلي الناس فقال :

«أيّها الناس، ألست أولي بكم من أنفسكم ؟ قالوا : بلي يا رسول الله،

ص: 37


1- . . في الدر المنثور 6ص 392 من طريق ابن مردويه عن ابن عباس
2- . . لدار المنثور 2ص 298 و فتح القدير 2 ص 57
3- . . روايات المدرستين للعلامة العسكري ج 1 ص 276 - 277

قال: اللهم من كنت مولاه فعليّ مولاه، اللهم وال من والاه،و عادِ من عاداه، وأعن من أعانه، و اخذل من خذله، وانصر من نصره، و أحب من أحبّه، و ابغض من ابغضه»، قال ابن عبّاس : فوجبت والله في رقاب القوم، و قال حسّان بن ثابت :

يناديهمُ يومَ الغدير نبيُّهُم

بخُمٍّ و أسمع بالرسول مناديا

يقول : فمن مولاكم و وليُّكم

فقالوا ولم يبدوا هناك التعاميا

إلهُك مولانا و أنت وليُّنا

و لم ترَ منَّا في الولاية عاصيا

فقال له : قُم يا عليٌّ فإنّني

رضيتُك من بعدي إماماً و هاديا

و من نافل القول أن نذكر هنا أن آية التبليغ رغم حملها للأمر الإلهي بالتبليغ لإمامة علي (عليه السلام) للأمّة بعد النبيّ (صلي الله عليه و آله) فإنها حملت ضماناًمن الله تعالي لحفظ النبيّ (صلي الله عليه و آله) من الإثارات المحبطة لعمليّة التبليغ.

أنّ مثل هذه الضوابط من وجوب التبليغ و تبني صيانة النبيّ (صلي الله عليه و آله) أثناء ذلك التبليغ أمور لم ترافق أيّة قرارات أو أحكام و مفاهيم بلّغها النبيّ (صلي الله عليه و آله) لقومه قبل هذا الأمر و لابعده أبداً.

- إنّ عملية التبليغ التي نفّذها النبيّ (صلي الله عليه و آله) قد جرت أمام عشرات الآلاف من المسلمين الذين حجّ بهم النبيّ في آخر حجّة له (صلي الله عليه و آله) حيث أنهت بعض الروايات عددهم إلي أكثر من مائة الف.- إنّ حديث الغدير الذي صدع به النبيّ الأمين (صلي الله عليه و آله) قد توفّرت له من الأجواء العاطفيّة مالم تتوفّر لغيره علي الإطلاق، فقد ربط النبيّ الخاتم (صلي الله عليه و آله) بين هذا البلاغ المخلّد، و خدماته الجليلة للمسلمين، إضافة إلي إشعار الحاضرين باقتراب أجله، و أنه قريباً مفارق لامّته :«أيُّهاالناس إنه قد نبّأني اللطيف الخبير أنّه لم يعمِّر نبيٌ إلاّ نصف عمر الذي يليه من قبله، و إنّي لأظنُّ أن أُدعي فأُجيب، و إني مسؤول و أنتم مسؤولون هل بلّغت ؟ فما أنتم قائلون ؟ قالوا: نقول قد بلّغت وجهدت، و نصحت، فجزاك الله خيراً..»إنّ هذه الأجواء العاطفيّة المؤثّرة قد كانت أخصب ظرف لتبليغ النبيّ (صلي الله عليه و آله) كما دعاه الله عزّ وجلّ للتبليغ في إمامة عليّ بن أبي طالب (عليه السلام) لان الأجواء التي أثارها النبي (صلي الله عليه و آله) كانت جديرة أن تترسّخ فيها الأفكار و تُلَتَزم وتتأصل، و هي كذلك لولا الفتنة التي ألمّت بالمسلمين بعد رحيل المصطفي (صلي الله عليه و آله) . - أنّ من مزايا حديث الغدير

ص: 38

نزول آية الإكمال بعد تبليغه (إليوم أكملت لكم دينكم و أتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام ديناً)(1). فقد ربط القرآن الكريم بين التبليغ بولاية عليّ بن أبي طالب (عليه السلام) من خلال حديث الغدير و عمليّة إكمال الدين و إتمام النعمة علي العباد رغم أنّ الآية المذكورة لم تكن آخر آيات القرآن نزولاً،فكان إكمال الدين و إتمام النعمة بتعيين القيّم علي القرآن و أميرالمؤمنين بعد رسول الله (صلي الله عليه و آله) الذي يشكّل تعيينه الامتداد الطبيعي للرسالة و حافظ الشرع الخاتم وصونه بالوصي الهادي بعد الرسول صلي الله عليهما و علي آلهما.

خطبه الغدير المباركه

اشارة

بسم الله الرحمن الرحيم

1. الحمد والثناء

اَلْحَمْدُ للهِ الَّذيِ عَلا فِي تَوَحُّدِهِ وَدَنَا فِي تَفَرُّدِهِ وَ جَلَّ فِي سُلْطانِهِ وَ عَظُمَ فِي اَرْكَانِهِ، وَ اَحَاطَ بِكُلِّ شَيْءٍ عِلْماً وَ هُوَ فِي مَكانِهِ وَ قَهَرَ جَميعَ الْخَلْقِ بِقُدْرَتِهِ وَ بُرْهَانِهِ، حَميِداً لَمْ يَزَلْ،

ص: 39


1- . . المائدة 3

مَحْمُوداً لا يَزَالُ وَ مَجِيداً لا يَزُولُ، وَ مُبْدِئاً وَ مُعيداً وَ كُلُّ اَمْرٍ اِلَيْهِ يَعُودُ.

بارِئُ الْمَسْمُوكاتِ وَداحِي الْمَدْحُوَّاتِ وَ جَبَّارُالاَرَضِينَ وَ السَّمَاوَاتِ، قُدُّوسٌ سُبُّوحٌ، رَبُّ الْمَلائِكَةِ وَالرُّوحِ، مُتَفَضِّلٌ عَلَي جَميِعِ مَنْ بَرَأَهُ، مُتَطَوِّلٌ عَلَي جَميِعِ مَنْ اَنْشَاَهُ يَلْحَظُ كُلَّ عَيْنٍ وَالْعُيُونُ لا تَراهُ.

كَريِمٌ حَليِمٌ ذُُو اَنَاةٍ، قَدْ وَسِعَ كُلَّ شَيْيء ٍ بِرَحْمَتِهِ وَ مَنَّ عَلَيْهِمْ بِنِعْمَتِهِ. لا يَعْجَلُ بِانْتِقَامِهِ، وَ لا يُبَادِرُ اِلَيْهِمْ بِمَااسْتَحَقُّوا مِنْ عَذَابِهِ.

قَدْ فَهِمَ السَّرائِرَ وَ عَلِمَ الضَّمَائِرَ، وَ لَمْ تَخْف عَلَيْهِ الْمَكْنُونَاتِ وَ لاَ اشْتَبَهَتْ عَلَيْهِ الْخَفِيَّاتُ. لَهُ الْاِحَاطَةُ بِكُلِّ شَيْيءٍ وَالْغَلَبَةُ عَلَي كُلِّ شَيْيءٍ وَالْقُوَّةُ فِي كُلِّ شَيْيءٍ وَالْقُدْرَةُ عَلَي كُلِّ شَيْيءٍ‘ وَ لَيْسَ مِثْلُهُ شَيْيءٌ. وَ هُوَ مُنْشِيءُ الشَّيْءِ حيِنَ لا شَيْيءَ، دَائِمٌ وَ قَائِمٌ بِالْقِسْطِ، لا اِلَهَ اِلاَّ هُوَالْعَزيِزُ الْحَكيِمُ.

جَلَّ عَنْ اَنْ تُدْرِكَهُ الْاَبْصَارُ وَ هُوَ يُدْرِكُ الْاَبْصَارُ وَ هُوَ اللَّطِيفُ الْخَبيِرُ. لاَ يَلْحَقُ اَحَدٌ وَصْفَهُ مِنْ مُعَايَنَةٍ، وَ لاَ يَجِدُ اَحَدٌ كَيْفَ هُوَ مِنْ سِرٍّ وَ عَلَانِيَةٍ اِلاَّ بِمَا دَلَّ عَزَّ وَجَلَّ عَلَي نَفْسِهِ.

وَ اَشْهَدُ اَنَّهُ اللهُ الَّذِي مَلَاَ الدَّهْرَ قُدْسُهُ، وَالَّذِي يَغْشَي الْاَبَدُ نُورُهُ، وَالَّذِي يُنْفِذُ اَمْرَهُ بِلاَ مُشَاوَرَةِ مُشيِرٍ وَ لاَ مَعَهُ شَرِيكٌ فِي تَقْدِيرِهِ وَ لاَ يُعَاوَنُ فِي تَدبِيرِهِ.

صَوَّرَ مَا ابْتَدَعَ عَلَي غَيْرِ مِثَالٍ، وَ خَلَقَ بِلاَ مَعُونَةٍ مِنْ اَحَدٍ وَ لاَ تَكَلُّفٍ وَ لاَ احْتِيَالٍ. اَنْشَاَهَا فَكَانَتْ وَ بَرَاَهَا فَبَانَتْ. فَهُوَاللهُ الَّذِي لاَ اِلهَ اِلاَّ هُوَ الْمُتَّقِنُ الصَّنْعَةُ، الْحَسَنُ الصَّنيِعَةُ، الْعَدْلُ الَّذِي لاَ يَجُورُ، وَ الْاَكْرَمُ الَّذِي تَرْجِعُ اِلَيْهِ الْاُمُورُ.

وَ اَشْهَدُ اَنَّهُ اللهُ الَّذِي تَوَاضَعَ كُلُّ شَيْيءٍ لِعَظَمَتِهِ، وَ ذَلَّ كُلُّ شَيْيءٍ لِعِزَّتِهِ، وَاسْتَسْلَمَ كُلُّ شَيْيءٍ لِقُدْرَتِهِ، وَ خَضَعَ كُلُّ شَيْيءٍ لِهَيْبَتِهِ. مَلِكُ الْاَمْلاكِ وَ مُفَلِّكُ الْاَفْلاكِ وَ مُسَخِّرُ الشَّمْسِ وَالْقَمَرِ، كُلُّ يَجْرِي لِاَجَلٍ مُسَمَّي. يُكَوِّرُ اللَّيْلَ عَلَي النَّهَارِ وَ يُكَوِّرُالنَّهَارَ عَلَي اللَّيْلِ يَطْلُبُهُ حَثِيثاً. قَاصِمُ كُلِّ جَبَّارٍ عَنِيدٍ وَ مُهْلِكُ كُلِّ شَيْطانٍ مَرِيدٍ. لَمْ يَكُنْ لَهُ ضِدٌّ وَ لاَ مَعَهُ نِدٌّ اَحَدٌ صَمَدٌ لَمْ يَلِدْ وَ لَمْ يُولَدْ وَ لَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُوًا اَحَدٌ. اِلَهٌ وَاحِدٌ وَ رَبٌّ مَاجِدٌ يَشَاءُ فَيَمْضِي، وَ

ص: 40

يُرِيدُ فَيَقْضِي وَ يَعْلَمُ، فَيُحْصِي، وَ يُمِيتُ وَ يُحْيِي، وَ يُفْقِرُ وَ يُغْنِي، وَ يُضْحِكُ وَ يُبْكِي، وَ يُدْنِي وَ يُقْصِي وَ يَمْنَعُ وَ يُعْطِي، لَهُ الْمُلْكُ وَ لَهُ الْحَمْدُ، بِيَدِهِ الْخَيْرُ وَ هُوَ عَلَي كُلِّ شَيْيءٍ قَدِيرٍ.

يُولِجُ اللَّيْلَ فِي النَّهَارِ وَ يُولِجُ النَّهَارَ فِي اللَّيْلِ، لاَ اِلَهَ اِلاَّ هُوَ الْعَزِيزُ الْغَفَّارُ. مُسْتَجِيبُ الدُّعَاءِ وَ مُجْزِلُ الْعَطَاءِ، مُحْصِي الْاَنْفَاسِ وَ رَبُّ الْجَنَّةِ وَ النَّاس، الَّذِي لاَ يُشْكِلُ عَلَيْهِ شَيْيءٌ، وَ لاَ يَضْجُرُهُ صُراخُ الْمُسْتَصْرِخيِنَ وَ لاَ يُبْرِمُهُ اِلْحَاحُ الْمُلِحّيِنَ. الْعَاصِمُ لِلصَّالِحِينَ، وَالْمُوَفِّقُ لِلْمُفْلِحِينَ، وَ مَوْلَي الْمُومِنِينَ وَ رَبُّ الْعَالَمِينَ. الَّذِي اسْتَحَقَّ مِنْ كُلِّ مَنْ خَلَقَ اَنْ يَشْكُرَهُ وَ يَحْمَدَهُ عَلَي كُلِّ حَالٍ.

اَُحْمَدُهُ كَثيِراً وَ اَشْكُرُهُ دَائِماً عَلَي السَّراءِ وَ الضَّرَاءِ وَالشِّدَّةِ وَالرَّخَاءِ، وَ اُومِنُ بِهِ وَ بِمَلاَئِكَتِهِ وَ كُتُبِهِ وَ رُسُلِهِ. اَسْمَعُ لِاَمْرِهِ وَ اُطِيعُ وَ اُبَادِرُ إلي كُلِّ مَا يَرْضَاهُ وَ اَسْتَسْلِمُ لِمَا قَضَاهُ رَغْبَةً فِي طَاعَتِهِ وَ خَوْفاً مِنْ عُقُوبَتِهِ، لِاَنَّهُ اللهُ الَّذِي لاَ يُؤمَنُ مَكْرُهُ وَ لاَ يَخَافُ جَوْرُهُ.

2. امرٌ الهي في موضوعٍ هامٍ

وَ اَقِرُّ لَهُ عَلَي نَفْسِي بِالْعُبُودِيَّةِ وَ اَشْهَدُ لَهُ بِالرُّبُوبِيَّةِ، وَ اُؤَدِّي مَا اَوْحَي بِهِ اِلَي حَذَراً مِنْ اَنْ لاَ اَفْعَلَ فَتَحِلُّ بِي مِنْهُ قَارِعَةٌ لاَ يَدْفَعُهَا عَنِّي اَحَدٌ وَ اِنْ عَظُمَتْ حِيلَتُهُ وَ صَفَتْ خُلَّتُهُ - لاَ اِلَهَ اِلاَّ هُوَ - لِاَنَّهُ قَدْ اَعْلَمَنِي اِنِّي اِنْ لَمْ اُبَلِّغْ مَا اَنْزَلَ اِلَيَّ فِي حَقِّ عَلِيّ فَمَا بَلَّغْتُ رِسَالَتَهُ، وَ قَدْ ضَمِنَ لِي تَبَارَكَ وَ تَعَالَي الْعِصْمَةَ مِنَ النَّاسِ وَ هُوَ اللهُ الْكافِي الْكَريِمُ.

فَاَوْحَي اِلَي : (بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَانِ الرَّحِيمِ، يَا اَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا اُنْزِلَ اِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ - فِي عَلِّيّ - يَعْنِي فِي الْخِلَافَة لِعَلِي بْنِ اَبِي طالِبٍ - وَ اِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ وَاللهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ) مَعَاشِرَالنَّاسِ، مَا قَصَّرْتُ فِي تَبْلِيغِ مَا اَنْزَلَ اللهُ تَعَالَي اِلَي، وَ اَنَا اُبَيِّنُ لَكُم سَبَبَ هَذِهِ الآيَةِِ: اِنَّ جَبْرَئِيلَ هَبَطَ اِلَيَّ مِرِاراً ثَلاَثاً يَاْمُرُنِي عَنِ السَّلاَمِ رَبِّي - وَ هُوَ السَّلامُ - اَنْ اَقُومَ فِي هَذَا الْمَشْهَدِ

ص: 41

فَاُعْلِمَ كُلَّ اَبْيَضٍ وَ اَسْوَدٍ : اَنَّ عَلِيَّ بْنَ اَبِي طَالِبِ اَخِي وَ وَصِيّي وَ خَليِفَتِي عَلَي اُمَّتِي وَالْاِمَامُ مِنْ بَعْدِي، الَّذِي مَحَلَّهُ مِنِّي مَحَلّ هَارُونَ مِنْ مُوسَي اِلاَّ اَنَّهُ لاَ نَبِيَّ بَعْدِي وَ هُوَ وَلِيُّكُمْ بَعْدَاللهِ وَ رَسُولِهِ، وَ قَدْ اَنْزَلَ اللهُ تَبَارَكَ وَ تَعَالَي عَلَيَّ بِذَلِكَ آيَةً مِنْ كِتَابِهِ: اِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ اَمَنُواالَّذِينَ يُقيِمُونَ الصَّلاَةَ وَ يُؤتُونَ الزَّكَاةَ وَ هُمْ رَاكِعُونَ) وَ عَلِيُّ بْنِ اَبِي طَالِبٍ الَّذِي اَقَامَ الصَّلاَةَ وَ آتَي الزَّكَاةَ وَ هُوَ رَاكِعٌ يُرِيدُ اللهَ عَزَّوَجَلَّ فِي كُلِّ حَالٍ. وَ سَاَلْتُ جِبْرَئِيلَ اَنْ يَسْتَعْفِيَ لِيَ السَّلاَمَ عَنْ تَبْلِيغِ ذَلِكَ اِلَيْكُمْ - اَيُّهَا النَّاسُ - لِعِلْمِي بِقِلَّةِ المُتَّقِينَ وَ كَثْرَةِ المُنَافِقِينَ وَ اِدْغَالِ اللَّائِمِينَ وَ حِيَلِ المُسْتَهْزِئِينَ بِالْاِسْلَامِ، الَّذِينَ وَصَفَهُمُ اللهُ فِي كِتَابِهِ بِاَنَّهُمْ يَقُولُونَ بَاَلْسِنَتِهِمْ مَا لَيْسَ فِي قُلُوبِهِمْ، وَ يَحْسَبُونَهُ هَيّناً وَ هُوَ عِنْدَاللهِ عَظِيمٌ، وَ كَثْرَةِ اَذَاهُمْ لِي غَيْرَ مَرَّةٍ حَتَّي سَمُّونِي اُذُنًا وَ زَعَمُوا اَنِّي كَذَلِكَ لِكَثْرَةِ مُلاَزِمَتِهِ اِيَّاي وَ اِقْبَالِي عَلَيْهِ وَ هَوَاهُ وَ قَبُولِهِ مِنِّي حَتَّي اَنْزَلَ اللهُ عَزَّ وَ جَلَّ فِي ذَلِكَ (وَ مِنْهُمُ الَّذِينَ يُؤذُونَ النَّبِيَّ وَ يَقُولُونَ هُوَ اُذُنٌ، قُلْ اُذُنٌ - عَلَي الَّذِينَ يَزْعُمُونَ اَنَّهُ اُذُنٌ - خَيْرٌ لَكُمْ، يُؤْمِنُ بِاللهِ وَ يُؤْمِنُ لِلْمُومِنِينَ) الآيَةُ. وَ لَوْ شِئْتُ اَنْ اُسَمِّيَ القَائِلِينَ بِذَلِكَ بِاَسْمَائِهِم لَسَمَّيْتُ وَ اَنْ اَوْمَئ اِلَيْهِمْ بِاَعْيَانِهِمْ لَاَوْمَأْتُ وَ اَنْ اَدُلَّ عَلَيْهِمْ لَدَلَلْتُ، وَ لَكِنِّي وَاللهِ فِي اُمُورِهِمْ قَدْ تَكَرَّمْتُ.

وَ كُلُّ ذَلِكَ لاَ يَرْضَي اللهُ مِنِّي اِلاَّ اَنْ اُبَلِّغْ مَا اَنْزَلَ اللهُ اِلَيَّ فِي حَقِّ عَلِّي ثم تلا : (يَا اَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا اُنْزِلَ اِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ - فِي

ص: 42

حَقِّ عَلِيٌّ - وَ اِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ وَاللهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ)

3. الاعلان الرسمي بامامة الائمة الاثني عشر (عليهم السلام) و ولايتهم

فَاعْلَمُوا مَعَاشِرَالنَّاسِ ذَلِكَ فِيهِ وَافْهَمُوهُ وَاعْلَمُوا اَنَّ اللهَ قَدْ نَصَبَهُ لَكُمْ وَلِيّاً وَ اِمَامَاً فَرَضَ طَاعَتَهُ عَلَي المُهَاجِرِينَ وَالْاَنْصَارِ وَ عَلَي التَّابِعِينَ لَهُمْ بِاِحْسَانٍ، وَ عَلَي الْبَادِي وَالْحَاضِرِ، وَ عَلَي الْاَعْجَمِيِّ وَالْعَرَبِيِّ، وَالْحُرِّ وَالْمَمْلُوكِ وَالصَّغِيرِ وَ الْكَبِيرِ، وَ عَلَي الاَبْيَضِ وَالْاَسْوَدِ وَ عَلَي كُلِّ مُوَحِّدِ مَاضٍ حُكْمُهُ، جَائزٌ قَوْلُهُ، نَافِذٌ اَمْرُهُ، مَلْعُونٌ مَنْ خَالَفَهُ، مَرْحُومٌ مَنْ تَبِعَهُ وَ صَدَّقَهُ، فَقَدْ غَفَرَاللهُ لَهُ وَ لِمَنْ سَمِعَ مِنْهُ و اَطَاعَ لَهُ.

مَعَاشِرَالنَّاسِ، اِنَّهُ آخِرُ مَقَامٍ اَقُومُهُ فِي هَذَا الْمَشْهَدِ، فَاسْمَعُوا وَ اَطِيعُوا وَانْقَادُوا لِاَمْرِاللهِ رَبِّكُمْ، فَاِنَّ اللهَ عَزَّوَجَلَّ هُوَ مَوْلاكُمْ وَ اِلَهُكُمْ، ثُمَّ مِنْ دُونِهِ رَسُولِهِ وَ نَبِيه الْمُخَاطِبُ لَكُمْ، ثُمَّ مِنْ بَعْدِي عَلِيٌّ وَلِيُّكُمْ وَ اِمَامِكُمْ بِاَمْرِاللهِ رَبِّكُمْ، ثُمَّ الْاِمَامَةُ فِي ذَرِّيَِّتِي مِنْ وُلْدِهِ إلي يَوْم تَلْقَوْنَ اللهَ وَ رَسُولَهُ.

لاَ حَلاَلَ اِلاَّ مَا اَحَلَّهُ اللهُ وَ رَسُولُهُ وَ هُمْ، وَ لاحَرَامَ اِلاَّ مَا حَرَّمَهُ اللهُ عَلَيْكُمْ وَ رَسُولُهُ وَ هُمْ، وَاللهُ عَزَّوَجَلَّ عَرَّفَنِي الْحَلالَ وَالْحَرامَ وَ اَنَا اَفْضَيْتُ بِمَا عَلَّمَنِي رَبِّي مِنْ كِتَابِهِ وَ حَلاَلِهِ وَ حَرَامِهِ اِلَيْهِ.

مَعَاشِرَالنَّاسِ، فَضِّلُوهُ. مَا مِنْ عِلْمٍ اِلاَّ وَقَدْ اَحْصَاهُ اللهُ فِيَّ‘ وَ كُلُّ عِلْمٍ عُلِّمْتُ فَقَدْ اَحْصَيْتُهُ فِي اِمَامِ الْمُتَّقِينَ، وَ مَا مِنْ عِلْمٍ اِلاَّ وَقَدْ عَلَّمْتُهُ عَلِيّاً وَ هُوَالْاِمَامُ الْمُبِينُ الَّذِي ذَكَرَهُ اللهُ فِي سُورَةِ يس : (وَ كُلَّ شَيْءٍ اَحْصَيْنَاهُ فِي اِمَامِ مُبِينٍ).

مَعَاشِرَالنَّاسِ، لاَ تَضِلُّوا عَنْهُ وَ لَا تَنْفِرُوا مِنْهُ، وَ لاَ تَسْتَنْكِفُوا مِنْ وِلاَيَتِهِ، فَهُوَ الَّذِي يَهْدِي إلي الْحَقِّ وَ يَعْمَلُ بِهِ، وَ يُزْهِقُ الْبَاطِلَ وَ يَنْهَي عَنْهُ، وَ لاَ تَأْخُذُهُ فِي اللهِ لَوْمَةَ لاَئِمٍ. اَوَّلَ مَنْ آمَنَ بِاللهِ وَ رَسُولِهِ لَمْ يَسبِقْهُ إلي الْاِيمَانِ بِي اَحَدٌ، وَالَّذِي فَدي رَسُولَ اللهِ بِنَفْسِهِ، وَالَّذِي كَانَ مَعَ رَسُولِ اللهِ وَ لاَ اَحَدَ يَعْبُدُ اللهَ مَعَ

ص: 43

رَسُولِهِ مِنَ الرِّجَالِ غَيِرُهُ.اَوَّلُ النَّاسِ صَلاَةً وَ اَوَّلُ مَنْ عَبَدَاللهَ مَعِي. اَمَرْتُهُ عَنِ اللهِ اَنْ يَنَامَ فِي مَضْجَعِي، فَفَعَلَ فَادِياً لِي بِنَفْسِهِ.

مَعَاشِرَالنَّاسِ، فَضِّلُوهُ فَقَدْ فَضَّلَهُ اللهُ، وَاَقْبَلُوهُ فَقَدْ نَصَبَهُ اللهُ.

مَعَاشِرَالنَّاسِ، اِنَّهُ اِمَامٌ مِنَ اللهِ، وَ لَنْ يَتُوبَ اللهُ عَلَي اَحَدٍ اَنْكَرَ وِلاَيَتَهُ وَ لَنْ يَغْفِرَ لَهُ، حَتْماً عَلَي اللهِ اَنْ يَفْعَلَ ذَلِكَ بِمَنْ خَالَفَ اَمْرَهُ وَ اَنْ يُعَذِّبَهُ عَذَاباً نُكْراً اَبَدَ الآبَادِ وَ دَهْرَ الدُّهُورِ. فَاحْذَرُوا اَنْ تُخَالِفُوهُ، فَتَصْلُوا نَاراً وَقُودُهَاالنَّاسُ وَالْحِجَارَةُ اُعِدَّتْ لِلْكَافِرِينَ.

مَعَاشِرَالنَّاسِ، بِي - وَاللهِ - بَشَّرَالْاَوَّلُونَ مِنَ النَّبِيِّينَ وَالْمُرْسَلِينَ، وَ اَنَا - وَاللهِ - خَاتَمُ الْاَنْبِيَاءِ وَالْمُرْسَلِينَ وَالْحُجَّةُ عَلَي جَمِيعِ الْمَخْلُوقِينَ مِنْ اَهْلِ السَّمَاوَاتِ وَالْاَرَضِينَ. فَمَنْ شَكَّ فِي ذَلِكَ فَقَدْ كَفَرَ كُفْرَالْجَاهِلِيَّةِ الْاُولَي وَ مَنْ شَكَّ فِي شَيْيءٍ مِنْ قَوْلِي هَذَا فَقَدْ شَكَّ فِي كُلِّ مَا اُنْزِلَ اِلَيَّ، وَ مَنْ شَكَّ فِي وَاحِدٍ مِنَ الْاَئِمَّةِ فَقَدْ شَكِّ فِي الْكُلِّ مِنْهُمْ، وَالشَّاكُ فِينَا فِي النَّارِ.

مَعَاشِرَالنَّاسِ، حَبَانِيَ اللهُ عَزَّوَجَلَّ بِهَذِهِ الفَضِيلَةِ مَنّاً مِنْهُ عَلَيَّ وَاِحْسَانًا مِنْهُ اِلَيَّ وَ لاَ اِلَهَ اِلاَّ هُوَ، اَلاَ لَهُ الْحَمْدُ مِنِّي اَبَدَالْاَبِدِينَ وَ دَهْرَ الدَّاهِرِينَ وَ عَلَي كُلِّ حَالٍ.

مَعَاشِرَالنَّاسِ، فَضِّلُوا عَلِيّاً فَاِنَّهُ اَفْضَلُ النَّاسِ بَعْدِي مِنْ ذَكَرٍ وَ اُنْثَي مَا اَنْزَلَ اللهُ الرِّزْقَ وَ بَقِيَ الْخَلْقُ. مَلْعُونٌ مَلْعُونٌ، مَغْضُوبٌ مَغْضُوبٌ مَنْ رَدَّ عَلَيَّ قَوْلِي هَذَا وَ لَمْ يُوَافِقْهُ. اِلاَّ اِنَّ جَبْرَئِيلَ خَبَّرَنِي عَنِ اللهِ تَعَالَي بِذَلِكَ وَ يَقُولُ :

«مَنْ عَادي عَلِيّاً وَ لَمْ يَتَوَلَّهُ فَعَلَيْهِ لَعْنَتِي وَ غَضَبِي»،

(وَلْتَنْظُرْ نَفْسٌ مَا قَدَّمَتْ لِغَدٍ وَاتَّقُوا اللهَ - اَنْ تُخَالِفُوهُ فَتَزِلَّ قَدَمٌ بَعْدَ ثُبُوتِهَا - اَنَّ اللهَ خَبِيرٌ بِمَا يَعْمَلُونَ).

مَعَاشِرَالنَّاسِ، اَنَّهُ جَنْبُ اللهِ الَّذِي ذَكَرَ فُي كِتَابِهِ الْعَزِيزِ، فَقَالَ تَعالَي مُخْبِراً عَمَّنْ يُخَالِفُهُ : (اَنْ تَقُولَ نَفْسٌ يَا حَسْرَتَا عَلَي مَا فَرَّطْتُ فِي جَنْبِ اللهِ).

مَعَاشِرَالنَّاسِ، تَدَبَّرُوا الْقُرْآنَ وَافْهَمُوا آيَاتِهِ وَانْظُرُوا إلي مُحْكَمَاتِهِ وَ لاَ تَتَّبِعُوا مُتَشَابِهَهُ، فَوَاللهِ لَنْ يُبَيِّنَ لَكُمْ زَوَاجِرَهُ وَ لَنْ يُوضِحَ لَكُمْ تَفْسيرَهُ اِلاَّ الَّذِي اَنَا آخِذٌ بِيَدِهِ وَ مُصْعِدُهُ اِلَي وَ شَائِلٌ بِعَضُدِهِ وَ رَافِعُهُ بِيَدَيَّ وَ مُعْلِمُكُمْ : اَنَّ مَنْ كُنْتُ مَوْلاَهُ فَهَذَا عَلِيٌ

ص: 44

مَوْلاَهُ وَ هُوَ عَلِيّ بنُ اَبِي طَالِبٍ اَخِي وَ وَصِيّيِ، وَ مُوَالاَتُهُ مِنَ اللهِ عَزَّ وَ جَلَّ اَنْزَلَهَا علَيَّ.

مَعَاشِرَالنَّاسِ، اِنَّ عَلِيًّا وَالطَّيِّبِينَ مِنْ وُلْدِي مِنْ صُلْبِهِ هُمُ الثِّقْلُ الْاَصْغَرُ، وَ الْقُرْآنُ الثِّقْلُ الْاَكْبَرُ، فَكُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مُنْبِيٌ عَنْ صَاحِبِهِ وَ مُوَافِقٌ لَهُ، لَنْ يَفْتَرِقَا حَتَّي يَرِدا عَلَي الْحَوْضَ. اَلاَ اِنَّهُمْ اُمَنَاءُاللهِ فِي خَلْقِهِ وَ حُكَّامِهِ فِي اَرْضِهِ.

اَلاَ وَقَدْ اَدَّيْتُ، اَلاَ وَقَدْ بَلَّغْتُ، اَلاَ وَقَدْ اَسْمَعْتُ، اَلاَ وَقَدْ اَوْضَحْتُ، اَلاَ وَ اِنَّ اللهَ عَزَّوَجَلَّ قَالَ وَ اَنَا قُلْتُ عَنِ اللهِ عَزَّوَجَلَّ، اَلاَ اَنَّهُ لاَ «اَمِيرَالْمُؤْمِنِينَ» غَيْرَ اَخِي هَذَا، اَلاَ لا تَحِلُّ اِمْرَةُ الْمُؤْمِنِينَ بَعْدِي لِاَحَدٍ غَيْرُهُ.

4. رفع علي (عليه السلام) بيدي رسول الله (صلي الله عليه و آله)

ثم ضرب بيده إلي عضد علي (عليه السلام) فرفعه، وكان اميرالمؤمنين (عليه السلام) منذ اول ما صعد رسول الله (صلي الله عليه و آله) منبره علي درجة دون مقامه متيامناً عن وجه رسول الله (صلي الله عليه و آله) كانهما في مقام واحد. فرفعه رسول الله (صلي الله عليه و آله) بيده و بسطهما إلي السماء و شال علياً (عليه السلام) حتي صارت رجله مع ركبة رسول الله (صلي الله عليه و آله) ثم قال :

مَعَاشِرَالنَّاسِ، هَذا عَلِيٌّ اَخِي وَ وَصِيّيِ وَوَاعِي عِلْمِي، وَ خَلِيفَتِي فِي اُمَّتِي عَلَي مَنْ آمَنَ بِي وَ عَلَي تَفْسِيرِ كِتَابَ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ وَالدَّاعِي اِلَيْهِ وَالْعَامِلُ بِمَا يَرْضَاهُ وَالْمُحَارِبُ لِاَعْدَائِهِ وَالْمُوَالِي عَلَي طَاعَتِهِ وَالنَّاهِي عَنْ مَعْصِيَتِهِ. اِنَّهُ خَلِيفَةُ رَسُولِ اللهِ وَ اَمِيرَالْمُؤْمِنِينَ وَالْاِمَامُ الْهَادِي مِنَ اللهِ، وَ قَاتِلُ النَّاكِثِينَ وَالْقَاسِطِينَ وَالْمَارِقِينَ بِاَمْرِاللهِ.

يَقُولُ اللهِ: (مَا يُبَدِّلُ الْقَوْلُ لَدَيَّ) بِاَمْرِكَ يَا رَبَّ اَقُولُ : اَلَّلهُمَّ وَالِ مَنْ وَالاهُ وَ عَادِ مَنْ عَادَاهُ وَانْصُرْ مَنْ نَصَرَهُ وَاخْذُلْ مَنْ خَذَلَهُ وَالْعَنْ مَنْ اَنْكَرَهُ وَاغْضِبْ عَلَي مَنْ جَحَدَ حَقَّهُ.

اَلَّلهُمَّ اِنَّكَ اَنْزَلْتَ الآيَةَ فِي عَلِيٍّ وَلِيِّكَ عِنْدَ تَبْيِينِ ذَلِكَ وَ نَصْبِكَ اِيَّاهُ لِهَذَا الْيَوْمِ : (اَلْيَوْمَ اَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَ اَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَ رَضِيتُ لَكُمُ الاِسُلامَ دِيناً)، (وَ مَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الاِسْلامِ دِيناً فَلَنْ يُقْبَلَ مَنْهُ وَ هُوَ فِي الآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ).

اَلَّلهُمَّ اِنِّي اُشْهِدُكَ اَنِّي قَدْ بَلَّغْتُ.

ص: 45

5.التاكيد توجه الامة

نحو مسالة الامامة

مَعَاشِرَ النَّاسِ، اِنَّمَا اَكْمَلَ اللهُ عَزَّوَجَلَّ دِينَكُمْ بِاِمَامَتِهِ. فَمَنْ لَمْ يَأْتَمَّ بِهِ وَ بِمَنْ يَقُومُ مَقَامَهُ مِنْ وُلْدِي مِنْ صُلْبِهِ إلي يَوْمِ الْقِيَامَةِ وَالْعَرْضِ عَلَي اللهِ عَزَّوَجَلَّ فَاُولئِكَ الَّذِينَ حَبِطَتْ اَعْمَالُهُمْ فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ وَ فِي النَّارِ هُمْ خَالِدوُنَ (لاَ يُخَفَّفُ عَنْهُمُ الْعَذَابُ وَ لاَ هُمْ يُنْظَرُونَ)مَعَاشِرَالنَّاسِ، هَذَا عَلِيٌّ اَنْصَرُكُمْ لِي وَ اَحَقُّكُمْ بِي وَ اَقْرَبُكُمْ اِلَيَّ وَ اَعَزُّكُمْ عَلَيَّ، وَاللهُ عَزَّوَجَلَّ وَ اَنَا عَنْهُ راضِيَانِ. وَ مَا نَزَلَتْ آيَةُ رِضَا فِي الْقُرْآنِ اِلاَّ فِيهِ، وَ لاَ خَاطَبَ اللهُ الَّذِينَ آمَنُوا اِلاَّ بَدَأَ بِهِ، وَ لاَ نَزَلَتْ آيَةُ مَدْحٍ فِي الْقُرْآنِ اِلاَّ فِيهِ، وَ لاَ شَهِدَاللهُ بِالْجَنَّةِ فِي (هَلْ اَتَي عَلَي الاِنْسَانِ) اِلاَّ لَهُ، وَ لاَ اَنْزَلَهَا فِي سِوَاهُ وَ لاَ مَدَحَ بِهَا غَيْرَهُ.

مَعَاشِرَالنَّاسِ، هُوَ نَاصِرُ دِينِ اللهِ وَالْمُجَادِلُ عَنْ رَسُولِ اللهِ، وَ هُوَ التَّقِيُّ النَّقِيُّ الْهَادِي الْمَهْدِيُّ. نَبِيُّكُمْ خَيْرُ نَبِيٍّ وَ وَصِيُّكُمْ خَيْرُ وَصِيٌّ وَ بَنُوهُ خَيْرُالاَوْصِيَاءِ.

مَعَاشِرَالنَّاسِ، ذُرِّيَّةُ كُلُّ نَبِيٍّ مِنْ صُلْبِهِ، وَ ذُرِّيَّتِي مِنْ صُلْبِ أَمِيرِالْمُؤْمِنِينَ عَلِيٍّ.

مَعَاشِرَالنَّاسِ، اِنَّ اِبْلِيسَ اَخْرَجَ آدَمَ مِنَ الْجَنَّةِ بِالْحَسَدِ، فَلاَ تَحْسُدُوهُ فَتَحْبِطَ اَعْمَالُكُمْ وَ تَزِلَّ اَقْدامُكُمْ، فَاِنَّ آدَمَ اُهْبِطَ إلي الْاَرْضِ بِخَطِيئَةٍ وَاحِدَةٍ وَ هُوَ صَفْوَةُ اللهِ عَزَّ وَ جَلَّ، وَ كَيْفَ بِكُمْ وَ اَنْتُمْ اَنْتُمْ وَ مِنْكُمْ اَعْدَاءُاللهِ.

أَلاَ وَ اِنَّهُ لاَ يُبْغِضُ عَلِيّاً اِلاَّ شَقِيٌّ، وَ لاَ يُوَالِي عَلِيّاً إِلاَّ تَقِيٌّ، وَ لاَ يُؤْمِنُ بِهِ اِلاَّ مُؤْمِنٌ مُخْلِصٌ وَ فِي عَلِيٌّ - وَاللهِ نَزَلَتْ سُورَةُ الْعَصْر_.

(بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَانِ الرَّحِيمِ وَالْعَصْرِ، اِنَّ الْاِنْسَانَ لَفِي خُسْرٍ...).

مَعَاشِرَالنَّاسِ، قَدْ اسْتَشْهَدْتُ الله وَ بَلَّغْتُكُمْ رِسَالَتِي وَ مَا عَلَي الرَّسُولِ اِلاَّ الْبَلاَغُ الْمُبِينُ.

مَعَاشِرَالنَّاسِ، (اِتَّقُوا اللهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَ لاَ تَمُوتُنَّ اِلاَّ وَ اَنْتُمْ مُسْلِمُونَ).

ص: 46

6. الاشارة إلي مقاصد المنافقين

مَعَاشِرَالنَّاسِ (آمِنُوا بِاللهِ وَ رَسُولِهِ وَالنُّورِ الَّذِي اُنْزِلَ مَعَهُ مِنْ قَبْلِ اَنْ نَطْمِسَ وُجُوهاً فَنَرُدَّهَا عَلَي أَدْبَارِهَا اَوْ نَلْعَنُهُمْ كَمَا لَعَنَّا اَصْحَابَ السَّبْتِ). بِاللهِ مَا عَني بِهَذِهِ الْآيَهَ اِلاَّ قَوْماً مِنْ اَصْحَابِي اَعْرِفُهُمْ بِأَسْمَائِهِمْ وَ اَنْسَابِهِمْ، وَ قَدْ اُمِرْتُ بِالصَّفْحِ عَنْهُمْ. فَلْيَعْمَلْ كُلُّ امْرِيءٍ عَلَي مَا يَجِدُ لِعَلِيٍّ فِي قَلْبِهِ مِنَ الْحُبِّ وَالْبُغْضِ.

مَعَاشِرَالنَّاسِ، النُّورُ مِنَ اللهِ عَزَّوَجَلَّ مَسْلُوكٌ فِيَّ ثُمَّ فِي عَلِيِّ بّنِ اَبِي طَالِبٍ، ثُمَّ فِي النَّسْلِ مِنْهُ إلي الْقَائِمِ الْمَهْدِيِّ الَّذِي يَأْخُذُ بِحَقِّ اللهِ وَ بِكُلِّ حَقٍّ هُوَ لَنَا، لِاَنَّ اللهَ عَزَّوَجَلَّ قَدْ جَعَلَنَا حُجَّةً عَلَي الْمُقَصِّرِينَ وَ اْلمُعَانِدِينَ وَالْمُخَالِفِينَ وَالْخَائِنِينَ وَالْآثِمِينَ وَالظَّالِمِينَ وَالْغَاصِبِينَ مِنْ جَميع الْعَالَمِينَ.

مَعَاشِرَالنَّاسِ، اُنْذِرُكُمْ اَنِّي رَسُولِ اللهِ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِيَ الرُّسُلُ، أَفَإِنْ مِتُّ اَوْ قُتِلْتُ انْقَلَبْتُمْ عَلَي أَعْقَاِبكُمْ ؟ وَ مَنْ يَنْقَلِبْ عَلَي عَقِبَيْهِ فَلَنْ يَضُرَّالله شَيْئاً وَسَيَجْزِي اللهُ الشَّاكِرِينَ. أَلاَ وَ اِنَّ عَلِياً هُوَ الْمَوْصُوفُ بِالصَّبْرِ وَالشُّكْرِ، ثُمَّ مِنْ بَعْدِهِ وُلْدي مِنْ صُلْبِهِ مَعَاشِرَالنَّاسِ : لاَ تَمُنُّوا عَلَيَّ بِإِسْلامِكُمْ، بَلْ لاَ تَمُنُّوا عَلَي اللهِ فَيُحْبِطَ عَمَلَكُمْ وَ يَسْخَطَ عَلَيْكُمْ وَ يَبْتَلِيَكُمْ بِشُوَاظٍ مِنْ نَارٍ وَ نُحَاسٍ، اِنَّ رَبَّكُمْ لَبِالْمِرْصَادِ.

مَعَاشِرَالنَّاسِ، اِنَّهُ سَيَكُون مِنْ بَعْدِي اَئِمَّةٌ يَدْعُونَ إلي النَّارَ وَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ لاَ يُنْصَرُونَ.

مَعَاشِرَالنَّاسِ، اِنَّ اللهَ وَ اَنَا بَرِيئَانِ مَنْهُمْ.

مَعَاشِرَالنَّاسِ، اِنَّهُمْ وَ اَنْصَارَهُمْ وَ اَتْبَاعَهُمْ وَ اَشْيَاعَهُمْ فِي الدَّرْكِ الْاَسْفَلِ مِنَ النَّارِ وَ لَبِئْسَ مَثْوَي الْمُتَكَبِّرِينَ. اَلاَ اِنَّهُمْ اَصْحَابُ الصَّحيِفَةِ، فَلْيَنْظُرْ اَحَدُكُمْ فِي صَحِيفَتِهِ !!

قال : فذهب علي الناس - الا شرذمة منهم - امر الصحيفة.

مَعَاشِرَالنَّاسِ، اِنِّي اَدَعُهَا اِمَامَةً وَ وِرَاثَةً فِي عَقِبِي إلي يَوْمِ الْقِيَامَةِ، وَ قَدْ بَلَّغْتُ مَا اُمِرْتُ بِتَبْلِيغِهِ حُجَّةً عَلَي كُلِّ حَاضِرٍ وَ غَائِبٍ وَ عَلَي كُلِّ اَحَدٍ مِمَّنْ شَهِدَ أَوْ لَمْ يَشْهَدْ، وُلِدَ أََوْ لَمْ يُولَدْ، فَلْيُبْلِّغِ الْحَاضِرُ الْغَائِبَ وَالْوَالِدُ الْوَلَدَ إلي يَوْمِ الْقِيَامَة.ِ وَ سَيَجْعَلُونَ

ص: 47

الاِمَامَةَ بَعْدِي مُلْكاً وَاغْتِصَاباً؛ أَلاَ لَعَنَ اللهُ الْغَاصِبِينَ المُغْتَصِبِينَ، وَ عِنْدَهَا سَيَفْرُغُ لَكُمْ اَيُّهَا الثَّقَلاَنِ مَنْ يَفْرُغُ وَ يُرْسِلُ عَلَيْكُمَا شُوَاظٌ مِنْ نَارٍ وَ نُحَاسٌ فَلاَ تَنْتَصِرانِ.مَعَاشِرَالنَّاسِ، اِنَّ اللهَ عَزَّ وَجَلَّ لَمْ يَكُنْ لَيَذَرَكُمْ عَلَي مَا اَنْتُمْ عَلَيْهِ حَتَّي يَمِيزَالْخَبِيثَ مِنَ الطَّيِّبِ، وَ مَا كَانَ اللهُ لِيُطْلِعَكُمْ عَلَي الْغَيْبِ.

مَعَاشِرَالنَّاسِ، اِنَّهُ مَا مِنْ قَرْيَةٍ اِلاَّ وَاللهُ مُهْلِكُهَا بِتَكْذيِبِهَا قَبْلَ يَوْمِ الْقِيَامَةِ وَ مُمَلِّكُهَا الْاِمَامَ الْمَهْدِيَّ وَاللهُ مُصَدِّقٌ وَعْدَهُ.

مَعَاشِرَالنَّاسِ، قَدْ ضَلَّ قَبْلَكُمْ اَكْثَرُالْأَوَّلِينَ، وَاللهُ لَقَدْ اَهْلَكَ الْاَوَّلِينَ وَ هُوَ مُهْلِكُ الْآخِرِينَ قَالَ اللهُ تَعَالَي :

(اَلَمْ نُهْلِكِ الْاَوَّلِينَ، ثُمَّ نُتْبِعُهُمُ الْآخِرِينَ، كَذَلِكَ نَفْعَلُ بِالْمُجْرِمِينَ، وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ)

مَعَاشِرَالنَّاسِ، اِنَّ اللهَ قَدْ اَمَرَنِي وَ نَهَانِي، وَ قَدْ اَمَرْتُ عَلِيّاً وَ نَهَيْتُهُ بِاَمْرِهِ. فَعِلْمُ الْاَمْرِ وَالنَّهْيِ لَدَيْهِ، فَاسْمَعُوا لِاَمْرِهِ تَسْلِمُوا وَ اَطِيعُوهُ تَهْتَدُوا وَانْتَهُوا لِنَهْيِهِ تُرْشِدُوا، وَ صِيرُوا إلي مُرَادِهِ وَ لاَ تَتَفَرَّقُ بِكُمُ السُّبُلُ عَنْ سَبِيلِهِ.

7. اولياء اهل البيت و اعدائهم

مَعَاشِرَالنَّاسِ، اَنَا صِرَاطُ اللهِ الْمُسْتَقِيم الَّذِي اَمَرَكُمْ بِاتِّبَاعِهِ، ثُمَّ عَلِيٌّ مِنْ بَعْدِي، ثُمَّ وُلْدِي مِنْ صُلْبِهِ اَئِمَّةُ الْهُدَي، يَهْدُونَ إلي الْحَقِّ وَ بِهِ يَعْدِلُونَ.

ثُمَّ قرأ : «بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَانِ الرَّحِيمِ. الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ...» و قال: فِيَّ نَزَلَتْ وَ فِيهِمْ وَاللهِ نَزَلَتْ، وَ لَهُمْ عَمَّتْ وَ اِيَّاهُمْ خَصَّتْ، اُولَئِكَ اَوْلِيَاءُاللهِ الَّذِينَ لاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَ لاَهُمْ يَحْزَنُونَ، اَلاَ اِنَّ حِزْبَ اللهِ هُمُ الْغَالِبُونَ.

اَلاَ اِنَّ أعْدَائَهُمْ هُمُ السُّفَهَاءُ الغَاوُونَ ِاخْوَانُ الشَّيَاطِينِ يُوحِي بَعْضُهُمْ إلي بَعْضٍ زُخْرُفَ الْقَوْلِ غُرُوراً.

اَلاَ اِنَّ اَوْلِيَائَهُمُ الَّذِينَ ذَكَرَهُمُ اللهُ فِي كِتَابِهِ، فَقَالَ عَزَّوَجَلَّ :

(لاَ تَجِدُ قَوْماً يُؤْمِنُونَ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَاللهَ وَ رَسُولَهُ وَ لَوْ كَانُوا آبَائَهُمْ اَوْ اَبْنَائَهُمْ اَوْ اِخْوَانَهُمْ اَوْ عَشِيرَتَهُمْ،

ص: 48

اُولَئِكَ كَتَبَ فِي قُلُوبِهِمُ الْاِيمَانَ) (اِلي آخر الآيه).أَلاَ اِنَّ اَوْلِيَائَهُمُ الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ وَصْفَهُمُ اللهُ عَزَّوَجَلَّ فَقَالَ :(الَّذِينَ آمَنُوا وَ لَمْ يَلْبَسُوا اِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ اُولَئِكَ لَهُمُ الْأَمْنُ وَ هُمْ مُهْتَدُونَ)اَلاَ اِنَّ اَوْلِيَائَهُمُ الَّذِينَ آمَنُوا وَ لَمْ يَرْتَابُوا.

اَلاَ اِنَّ اَوْلِيَائَهُمُ الَّذِينَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ بِسَلاَمٍ آمِنِينَ، تَتَلَقَّاهُمُ الْمَلاَئِكَةُ بِالتَّسْلِيمِ يَقُولُونَ : سَلاَمٌ عَلَيْكُمْ ط-ِبْتُمْ فَادْخُلُوهَا خَالِدِينَ.اَلاَ اِنَّ اَوْلِيَائَهُمْ، لَهُمُ الْجَنَّةُ يُرْزَقُونَ فِيهَا بِغَيْرِ حِسَابٍ.اَلاَ اِنَّ اَعْدَائَهُمُ الَّذِينَ يَصْلَوْنَ سَعِيراً.

اَلاَ اِنَّ اَعْدَائَهُمُ الَّذِينَ يَسْمَعُونَ لِجَهَنَّمَ شَهِيقاً وَ هِيَ تَفُورُ وَ يَرَوْنَ لَهَا زَفِيراً.اَلاَ اِنَّ اَعْدَائَهُمُ الَّذِينَ قَالَ اللهُ فِيهِمْ (كُلَّمَا دَخَلَتْ اُمَّةٌ لَعَنَتْ اُخْتُهَا) الآيه.

اَلاَ اِنَّ اَعْدَائَهُمُ الَّذِينَ قَالَ اللهُ عَزَّوَجَلَّ : (كُلَّمَا اُلْقِيَ فِيهَا فَوْجٌ سَأَلَهُمْ خَزَنَتُهَا اَلَمْ يَاْتِكُمْ نَذِيرٌ، قَالُوا بَلَي قَدْ جَاءَنَا نَذِيرٌ فَكَذَّبْنَا وَ قُلْنَا مَا نَزَّلَ اللهُ مِنْ شَيْءٍ اِنْ اَنْتُمْ اِلاَّ فِي ضَلاَلٍ كَبِيرٍ) إلي قوله : (اَلاَ فَسُحْقاً لِأَصْحَابِ السَّعِيرِ).اَلاَ اِنَّ اَوْلِيَائَهُمُ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ بِالْغَيْبِ، لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَ اَجْرٌ كَبِيرٌ.

مَعَاشِرَالنَّاسِ، شَتَّانَ مَا بَيْنَ السَّعِيرِ وَالْأجْرِ الْكَبِيرِ.

مَعَاشِرَالنَّاسِ، عَدُوُّنَا مَنْ ذَمَّهُ اللهُ وَ لَعَنَهُ، وَوَلِيُّنَا كُلُّ مَنْ مَدَحَهُ اللهُ وَ اَحَبَّهُ.

مَعَاشِرَالنَّاسِ، اَلاَ وَ اِنِّي النَّذِيرُ وَ عَلِيٌّ الْبَشِيرُ.

مَعَاشِرَالنَّاسِ، اَلاَ وَ اِنِّي مُنْذِرٌ وَ عَلِيٌّ هَادٍ.

مَعَاشِرَالنَّاسِ، اِنِّي نَبِيٌّ وَ عَلِيٌّ وًصِي.

مَعَاشِرَالنَّاسِ، اَلاَ وَ اِنِّي رَسُولٌ وَ عَلِيٌّ الإمَامُ وَالْوَصِيُّ مِنْ بَعْدِي، وَالأَئِمَّةُ مِنْ بَعْدِهِ وُلْدُهُ. اَلاَ وَ اِنِّي وَالِدُهُمْ وَ هُمْ يَخْرُجُونَ مِنْ صُلْبِهِ

8. الامام المهدي عجل الله تعالي فرجه

اَلاَ اِنَّ خَاتَمَ الأئِمَّةِ مِنَّا الْقَائِمَ الْمَهْدِيَّ. اَلاَ اِنَّهُ الظَّاهِرُ عَلَي الدّيِنِ. أَلاَ اِنَّهُ الْمُنْتَقِمُ مِنَ الظَّالِمِينَ. اَلاَ ِانَّهُ فَاتِحُ الْحُصُونَ وَ هَادِمُهَا. اَلاَ اِنَّهُ غَالِبُ كُلّ قَبِيلَةٍ مِنْ اَهْلِ الشِّرْكِ وَ هَادِيهَا.

اَلاَ اِنَّهُ الْمُدْرِكُ بِكُلِّ ثَارٍ لِأَوْلِيَاءِ اللهِ. اَلاَ اِنَّهُ النَّاصِرُ لِدِينِ اللهِ.

ص: 49

اَلاَ اِنَّهُ الغَرَّافُ مِنْ بَحْرٍ عَمِيقٍ. اَلاَ اِنَّهُ يُسَمِّ كُلَّ ذِي فَضْلٍ بِفَضْلِهِ وَ كُلَّ ذِي جَهْلٍ بِجَهْلِهِ. اَلاَ اِنَّهُ خِيَرَةُ اللهِ وَ مُخْتَارُهُ. اَلاَ اِنَّهُ وَارِثُ كُلِّ عِلْمٍ وَالْمُحِيطُ بِكُلِّ فَهْمٍ.

اَلاَ اِنَّهُ الْمُخْبِرُ عَنْ رَبِّهِ عَزَّوَجَلَّ وَالْمُشَيِّدُ لِأَمْرِ آيَاتِهِ. اَلاَ اِنَّهُ الرَّشِيدُ السَّدِيدُ. اَلاَ اِنَّهُ الْمُفَوَّضُ اِلَيْهِ.اَلاَ اِنَّهُ قَدْ بَشَّرَ بِهِ مَنْ سَلَفَ مِنَ الْقُرُونِ بَيْنَ يَدَيْهَ. اَلاَ اِنَّهُ الْبَاقِي حُجَّةً وَ لاَ حُجَّةً بَعْدَهُ وَ لاَ حَقَّ اِلاَّ مَعَهُ وَ لاَ نُورَ اِلاَّ عِنْدَهُ.اِلاَّ اِنَّهُ لاَ غَالِبَ لَهُ وَ لاَ مَنْصُورَ عَلَيْهِ. اَلاَ وَ اِنَّهُ وَلِيُّ اللهِ فِي اَرْضِهِ، وَ حَكَمُهُ فِي خَلْقِهِ، وَ اَمِينُهُ فِي سِرِّهِ وَ عَلاَنِيَتِهِ.

9. التمهيد لامرالبيعة

مَعَاشِرَالنَّاسِ، اِنِّي قَدْ بَيَّنْتُ لَكُمْ وَ اَفْهَمْتُكُمْ، وَ هَذَا عَلِيٌّ يُفْهِمُكُمْ بَعْدِي.

اَلاَ وَ اِنِّي عِنْدَ انْقِضَاءِ خُطْبَتِي اَدْعُوكُمْ إلي مُصَافَحَتِي عَلَي بَيْعَتِهِ وَ الْإقْرارِ بِهِ، ثُمَّ مُصَافَحَتِهِ بَعْدِي.

اَلاَ وَ اِنِّي قَدْ بَايَعْتُ اللهَ وَ عَلِيٌّ قَدْ بَايَعَنِي، وَ اَنَا آخِذُكُمْ بِالْبَيْعَةِ لَهُ عَنِ اللهِ عَزَّوَجَلَّ.(اِنَّ الَّذِينَ يُبَايِعُونَكَ اِنَّمَا يُبَايِعُونَ اللهَ، يَدُاللهِ فَوْقً اَيْدِيهِمْ. فَمَنْ نَكَثَ فَاِنَّمَا يَنْكُثُ عَلَي نَفْسِهِ، وَ مَنْ اَوْفَي بِمَا عَاهَدَالله عَلَيْه فَسَيُؤْتيِهِ اَجْراً عَظِيماً).

10. الحلال والحرام،الواجبات

والمحرمات

مَعَاشِرَالنَّاسِ، اِنَّ الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ مِنْ شَعَائِرِاللهِ، (فَمَنْ حَجَّ الْبَيْتَ اَوِاعْتَمَرَ فَلاَ جُنَاحَ عَلَيْهِ اَنْ يَطَّوَّفَ بِهِمَا) الآية.

مَعَاشِرَالنَّاسِ، حِجُّوالْبَيْتَ، فَمَا وَرَدَهُ اَهْلُ بَيْتٍ اِلاَّ اسْتَغْنَوْا وَ

ص: 50

اُبْشِرُوا، وَ لاَ تَخَلَّفُوا عَنْهُ اِلاَّ بَتَرُوا وَافْتَقَرُوا.

مَعَاشِرَالنَّاسِ، مَا وَقَفَ بِالْمَوْقِفِ مُؤْمِنٌ اِلاَّ غَفَرَ اللهُ لَهُ مَا سَلَفَ مِنْ ذَنْبِهِ إلي وَقْتِهِ ذَلِكَ، فَاِذَا انْقَضَتْ حَجَّتُهُ اسْتَأْنَفَ عَمَلَهُ.مَعَاشِرَالنَّاسِ، الْحُجَّاجُ مُعَانُونَ وَ نَفَقَاتُهُمْ مُخَلَّفَةٌ عَلَيْهِمْ وَاللهُ لاَ يُضِيعُ اَجْرَالمُحْسِنِينَ.مَعَاشِرَالنَّاسِ، حِجُّوا الْبَيْتَ بِكَمَالِ الدّيِنِ وَالتَّفَقُّهِ، وَ لاَ تَنْصَرِفُوا عَنِ المَشَاهِدِ اِلاَّ بِتَوْبَةٍ وَ اِقْلاَعٍ.مَعَاشِرَالنَّاسِ، اَقِيمُوالصَّلاَةَ وَ آتُوالزَّكاةَ كَمَا اَمَرَكُمُ اللهُ عَزَّوَجَلَّ، فَاِنْ طالَ عَلَيْكُمُ الْأَمَدُ فَقَصَّرْتُمْ اَوْ نَسِيتُمْ فَعَلِيٌّ وَلِيُّكُمْ وَ مُبَيِّنٌ لَكُمْ، الَّذِي نَصَبَهُ اللهُ عَزَّوَجَلَّ لَكُمْ بَعْدِي اَمِينَ خَلْقِهِ. اِنَّهُ مِنِّي وَاَنَا مِنْهُ، وَ هُوَ وَ مَنْ يَخْلُفُ مِنْ ذُرِّيَّتِي يُخْبِرُونَكُمْ بِمَا تَسأَلُونَ عَنْهُ وَ يُبَيِّنُونَ لَكُمْ مَا لاَ تَعْلَمُونَ.اَلاَ اِنَّ الْحَلاَلَ وَالْحَرامَ اَكْثَرُ مَنْ اَنْ اُحْصِيَهُمَا وَ اُعَرِّفَهُمَا فَآمُرَ بِالْحَلاَلِ وَ اَنْهِيَ عَنِ الْحَرامِ فِي مَقَامٍ وَاحِدٍ، فَاُمِرْتُ اَنْ آخُذَ الْبَيْعَةَ مِنْكُمْ وَالصَّفْقَةَ لَكُمْ بِقَبُولِ مَا جِئْتُ بِهِ عَنِ اللهِ عَزَّوَجَلَّ فِي عَلِيٍّ اَمِيرِالْمُؤْمِنِينَ وَالأَوْصِيَاءِ مِنْ بَعْدِهِ الَّذِينَ هُمْ مِنِّي وَ مِنْهُ اِمَامَةً فِيهِمْ قَائِمَةً، خَاتِمُهَا الْمَهْدِيُّ إلي يَوْمٍ يَلْقَي اللهَ الَّذِي يُقَدِّرُ وَ يَقْضِي.مَعَاشِرَالنَّاسِ، وَ كُلُّ حَلاَلٍ دَلَلْتُكُمْ عَلَيْهِ وَ كُلُّ حَرَامٍ نَهَيْتُكُمْ عَنْهُ فَاِنِّي لَمْ اَرْجِعْ عَنْ ذَلِكَ وَ لَمْ اُبَدِّلْ. اَلاَ فَاذْكُرُوا ذَلِكَ وَاحْفَظُوهُ وَ تَوَاصَوْا بِهِ، وَ لاَ تُبَدِّلُوهُ وَ لاَ تُغَيِّرُوهُ.

اَلاَ وَ اِنِّي اُجَدِّدُ الْقَوْلَ. اَلاَ فَاَقِيمُوا الصَّلاَةَ وَ آتُوا الزَّكاةَ وَ أْمُرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَانْهَوْا عَنِ الْمُنْكَرِ.اَلاَ وَ اِنّ رَأْسَ الْأَمْرِ بِالْمَعْرُوفِ اَنْ تَتَّبِعُوا إلي قَوْلِي وَ تُبَلِّغُوهُ مَنْ لَمْ يَحْضُرْ وَ تَأْمُرُوهُ بِقَبُولِهِ عَنِّي وَ تَنْهَوْهُ عَنْ مُخَالِفَتِهِ، فَاِنَّي آمر مِنَ اللهِ عَزَّوَجَلَّ وَ مِنِّي. وَ لاَ اَمْرَ بِمَعْرُوفٍ وَ لاَ نَهْيَ عَنْ مُنْكَرٍ اِلاَّ مَعَ اِمَامٍ مَعْصُومٍ.مَعَاشِرَالنَّاسُ، الْقُرْآنُ يُعَرِّفُكُمْ اَنَّ الْاَئِمَّةَ مِنْ بَعْدِهِ وُلْدُهُ، وَ عَرَّفْتُكُمْ اَنَّهُمْ مِنِّي وَ مِنْهُ، حَيْثُ يَقُولُ اللهُ فِي كِتَابِهِ : (وَ جَعَلَهَا كَلِمَةً بَاقِيَةً فِي عَقِبِهِ) وَ قُلْتُ : «لَنْ تَضِلُّوا مَا اِنْ تَمَسَّكْتُمْ بِهِمَا).مَعَاشِرَالنَّاسِ، التَّقوَي، التَّقْوَي، وَاحْذَرُوا السَّاعَةَ كَمَا قَالَ اللهُ عَزَّوَجَلَّ : (اِنَّ زَلْزَلَةَ السَّاعَةِ شَيْءٌ عَظِيمٌ).اُذْكُرُوا الْمَمَاتَ وَالْمَعَادَ وَالْحِسَابَ وَالْمَوَازِينَ وَالْمُحَاسَبَةَ بَيْنَ يَدَيْ رَبِّ الْعَالَمِينَ وَ الثَّوَابَ وَ الْعِقَابَ. فَمَنْ جَاءَ بِالْحَسَنَةِ اُثِيبَ عَلَيْهَا وَ مَنْ جَاءَ بِالسَّيِّئَةِ فَلَيْسَ لَهُ فِي الْجِنَانِ نَصِيبٌ.

ص: 51

11. البيعة بصورة رسمية

مَعَاشِرَالنَّاسِ، اِنَّكُمْ اَكْثَرُ مِنْ اَنْ تُصَافِقُونِي بِكَفٍّ وَاحِدٍ فِي وَقْتٍ وَاحِدٍ، وَ قَدْ اَمَرَنِيَ اللهُ عَزَّوَجَلَّ اَنْ آخُذَ مِنْ اَلْسِنَتِكُمُ الْإقْرارَ بِمَا عَقَّدْتُ لِعَلِيٍّ اَمِيرِالْمُؤْمِنِينَ، وَ لِمَنْ جَاءَ بَعْدَهُ مِنَ الْاَئِمَّةِ مِنِّي وَ مِنْهُ عَلَي مَا اَعْلَمْتُكُمْ اَنَّ ذُرِّيَّتِي مِنْ صُلْبِهِ.

فَقُولُوا بِاَجْمَعِكُمْ : «إِنَّا سَامِعُونَ مُطِيعُونَ رَاضُونَ مُنْقَادُونَ لِمَا بَلَّغْتَ عَنْ رَبِّنَا وَ رَبِّكَ فِي اَمْرِ اِمَامِنَا عَلِيٍّ اَمِيرِالمُؤْمِنِينَ وَ مَنْ وُلِدَ مِنْ صُلْبِهِ مِنَ الْاَئِمَّةِ. نُبَايِعُكَ عَلَي ذَلِكَ بِقُلُوبِنَا وَ اَنْفُسِنَا وَ اَلْسِنَتِنَا وَ اَيْدِينَا. عَلَي ذَلِكَ نَحْيي وَ عَلَيْهِ نَمُوتُ وَ عَلَيْهِ نُبْعَثُ. وَ لاَ نُغَيِّرُ وَ لاَ نُبَدِّلُ، وَ لاَ نَشُكُّ وَ لاَ نَجْحَدُ وَ لاَ نَرْتَابُ، وَ لاَ نَرْجِعُ عَنِ الْعَهْدِ وَ لاَ نَنْقُضُ الْمِيثَاقَ.

وَعَظْتِنا بِوَعْظِ الله في عَلِيٍّ اميرِالمؤمنينَ وَالأئمةِ الّذين ذَكَرْتَ من ذريتكَ من وُلْدِهِ بَعْدَه، الحسن و الحسين و من نَصَبَهُ اللهُ بعدهما فالعهدُ والميثاقُ لهمْ مأخوذٌ مِنّا، من قلوبنا و اَنْفُسِنا و السنتنا و ضمائِرِنا و ايدينا مَن ادركهما بيده و اِلاّ فقد اَقَرّ بلسانِهِ و لا نبتغي بذلك بدلا و لا يرَي الله مِن أنفُسِنا حولاً. نحن نؤدّي عنك الداني و القاصي من اولادنا و اهالينا و نَشهَدُ الله بذلك و كفي بالله شهيداً و انت علينا به شهيدٌ.

معاشرالناس : ما تقولونَ فإن الله يعلمُ كلَ صوتٍ و خافيةَ كلَّ نفسٍ «فمَن اهتدي فلنفسه و مَن ضلّ فانما يضلُّ عليها» و من بايع فانما يبايعُ الله «يدُاللهِ فوقَ ايديهم» معاشرالناس : فاتقوا الله و بايعوا علياً اميرالمؤمنين و الحسنَ و الحسينَ والائمةُ منهم في الدنيا والاخرة كلمةً طيبةً باقيةً يهلك الله من غَدَرَ و يرحُم اللهُ من وفَي «و من نكث فانما ينكثُ علي نَفْسِهِ».معاشرالناس : قولوا الذي قلتُ و سلِّموا علي علي بإمرة المؤمنين و قولوا سمِعنا و اَطعنا غُفرانك ربنا و اليك المصيرُ، و قولوا:

«الحمد لله الذِي هدانا لِهذا و ما كُنا لنهتدي لولا اَنْ هدانا الله». معاشرالناس : اِن فضائلَ عليِّ بن ابي طالب (عليه السلام) عند اللهِ عزَ و

ص: 52

جلَّ و قد انزلها في القرآن اكثر مِن اَن أُحصيها في مقامٍ واحدٍ، فمن انباءكم بها و عرّفها فصدقوه.معاشِرَالناس : من يُطعِ اللهَ و رسولَهُ و علياً والائمة الذين ذكرتهم فقد فازَ فوزاً عظيماً.

معاشرالناس : السابقون السابقون إلي مبايعته و مُوالاته و التسليم عليه بأمرة المؤمنين اولائك هم الفائزون في جنات النعيم.معاشرالناس : قولوا ما يُرضي الله به عنكم من القول : «فإن تكفروا انتم و من في الارضِ جميعاً» فلن يضُرَ اللهَ شيئاً اللهم اغفر للمؤمنين بما اديت و امرتُ و اغضِب علي الكافرين والحمد لله ربِّ العالمين. (فناداه القوم سمعنا و اطعنا علي اَمرِاللهِ و امرِ رسولِهِ بقلوبِنا و السنتِنا و ايدِينا و تداكّوا علي رسول الله و علي علي (عليه السلام) فصافَقَوا بايديهم).

تمّ الكتاب بعونه تعالي.

ص: 53

تعريف مرکز

بسم الله الرحمن الرحیم
هَلْ یَسْتَوِی الَّذِینَ یَعْلَمُونَ وَالَّذِینَ لَا یَعْلَمُونَ
الزمر: 9

عنوان المکتب المرکزي
أصفهان، شارع عبد الرزاق، سوق حاج محمد جعفر آباده ای، زقاق الشهید محمد حسن التوکلی، الرقم 129، الطبقة الأولی.

عنوان الموقع : : www.ghbook.ir
البرید الالکتروني : Info@ghbook.ir
هاتف المکتب المرکزي 03134490125
هاتف المکتب في طهران 88318722 ـ 021
قسم البیع 09132000109شؤون المستخدمین 09132000109.