العنوان: الكتابة التاريخية لكتب المقتل الحسيني حتي أواخر القرن السابع الهجري/الثالث عشر الميلادي: دراسة نقدية تحليلية/
بيان المسؤولية: تأليف: د. عباس محيسن حريجة اللامي.
بيانات الطبع: الطبعة الأُولي.
بيانات النشر: النجف، العراق: العتبة الحسينية المقدسة، مؤسسة وارث الأنبياء للدراسات التخصصية في النهضة الحسينية، 2018 م/1439ﻫ.
الوصف المادي: 562 صفحة ؛ 24 سم.
سلسلة النشر : (العتبة الحسينية المقدسة ؛ 476).
سلسلة النشر : (مؤسسة وارث الأنبياء للدراسات التخصصية في النهضة الحسينية).
تبصرة عامة: جاء في المقدمة عنوان الكتاب (منهج الكتابة التاريخية لكتب المقتل الحسيني حتي أواخر القرن السابع الهجري/الثالث عشر الميلادي).
تبصرة عامة: أصل الكتاب اُطروحة جامعية مقدمة لنيل درجة دكتوراه فلسفة في التاريخ الإسلامي.
تبصرة ببليوجرافية: يتضمن هوامش، لائحة المصادر (الصفحات 509 - 547).
مصطلح موضوعي: واقعة كربلاء، 61 للهجرة - تاريخ - دراسة.
مصطلح موضوعي: واقعة كربلاء، 61 للهجرة - المصادر - دراسة.
مصطلح موضوعي: التاريخ عند المسلمين.
اسم هيئة اضافي: العتبة الحسينية المقدسة (النجف، العراق). مؤسسة وارث الأنبياء للدراسات التخصصية في النهضة الحسينية - جهة مصدرة.
_____________________
تمت الفهرسة قبل النشر في مكتبة العتبة الحسينية المقدسة
رقم الإيداع في دار الكتب والوثائق ببغداد (3400) لسنة (2018م)
ص:1
ص: 2
الكتابة التاريخية لكتب المقتل الحسيني حتي أواخر القرن السابع الهجري / الثالث عشر الميلادي دراسة نقدية تحليلية
تأليف: د. عباس محيسن حريجة اللّامي
الإشرافُ العِلمِيُّ مؤسسة وارث الأنبياء للدراسات التخصصية في النهضة الحسينية
ص: 3
جميع الحقوق المحفوظة
للعتبة الحسينية المقدسة
العطبعة الاولي
1440ﻫ - 2019 م
إصدار مؤسسة وارث الأنبياء للدراسات التخصصية في النهضة الحسينية
ص: 4
بسم الله الرحمن الرحيم
ص: 5
تنويه: هذا الكتاب هو جزء من متطلبات نيل درجة
دكتوراه فلسفة في التاريخ الإسلامي
وهي بعنوان: الكتابة التاريخية لكتب المقتل الحسيني
حتي أواخر القرن السابع الهجري/الثالث عشر الميلادي (دراسة نقدية تحليلية)
تقدم بها الطالب عباس محيسن حريجة اللام-ي
قدمت إلي مجلس كلية التربية - جامعة واسط
بإشراف الأستاذ الدكتور عطا سلمان جاسم
1437ه- - 2016م
مراجعة وتدقيق
اللجنة العلمية في قسم الرسائل الجامعية في مؤسسة وارث الأنبياء
د. الشيخ عبد الرحمن الربيعي، د. السيد محمد المدني، الشيخ فضيل الجزائري
هوية الكتاب
عنوان الكتاب الكتابة التاريخية لكتب المقتل الحسيني
حتي أواخر القرن السابع الهجري/الثالث عشر الميلادي (دراسة نقدية وتحليلية)
المؤلفد.عباس محيسن حريجة اللامي
الإشراف العلمي اللجنة العلمية في مؤسسة وارث الأنبياء
الإخراج الفنيحسين المالكي
الطبعةالأُولي
سنة الطبع1440ه- / 2019م
عدد النسخ1000
ص: 6
«مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُمْ مَنْ قَضَي نَحْبَهُ وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْتَظِرُ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلًا»
صدق الله العلي العظيم
(الأحزاب: آية 23).
ص: 7
ص: 8
إلي من أنار لي طريق العلم..
وحبّب إليَّ الارتشاف من منهله العذب..
وحثني علي مواصلة التحصيل ومهَّد لي الطريق..
إلي روح أبي وإلي والدتي وإخواني وأخواتي..
وجميع أصدقائي أهدي هذه الأُطروحة.
الباحث
ص: 9
ص: 10
بعد حمد الله وشكره علي نعمه التي لا تحصي ومنها إتمام الأطروحة يسرني أن أتقدم بعظيم شكري وبالغ احترامي وتقديري لأستاذي المشرف الأستاذ الدكتور عطا سلمان جاسم الذي واكب الأطروحة، وكان خير عون لي باستكمال متطلباتها، وقد أمدَّني بالتوجيهات السديدة والآراء الصائبة المفيدة، وكان من عوامل الوصول إلي إكمال الأطروحة وإخراجها في هذه الصورة.
كما أتقدَّم بالشكر لجميع أساتذتي في المرحلة التحضيرية من الدراسة وهم: السيد رئيس القسم سابقاً الدكتور رحيم كاظم الهاشمي، ورئيس القسم الحالي الدكتور حسين سيد نور الأعرجي، والأستاذ الدكتور فاضل جابر ضاحي، والدكتور طالب محيبس الوائلي، والدكتور مهدي علوان، والأستاذة الدكتورة ناهضة مطير حسن، والدكتورة سادسة حلاوي.
وأحسُّ بأنَّ من واجب العرفان بالفضل والجميل أن أقدِّم وافر شكري وعظيم امتناني إلي الدكتور هادي عبد النبي التميمي، في كلية الآداب، جامعة الكوفة، إذ كان له الفضل لما أبداه من مساعدة كبيرة للباحث في ملاحظاته القيمة وآرائه السديدة.
ومن واجب الوفاء أن أشكر الأستاذ الدكتور جواد كاظم النصر الله في كلية الآداب/جامعة البصرة لجهوده الكبيرة في إبداء ملاحظاته وآرائه السديدة، وتوجيهاته العلمية التي أغنت الأطروحة، وكذلك الشكر موصول إلي الدكتور
ص: 11
علي موسي الكعبي، في كلية التربية، جامعة ميسان، لما قدَّمه لي من مساعدة كبيرة خاصة في ترجمة بعض النصوص الفارسية.
كما أشكر الأخوة العاملين في مكتبات العتبات المقدسة؛ لما أبدوه لي من تسهيل كبير في الحصول علي المصادر والدراسات حول الأطروحة، ولا يفوتني أن أشكر العاملين في المكتبة المركزية في محافظة ميسان ومكتبة كلية التربية في جامعة ميسان، ومؤسسة الهدي للدراسات الاستراتيجية وأخصُّ بالذكر رئيسها الشيخ حسين جلوب الساعدي؛ لمساعدتهم لي خدمة للعلم.
وأخيراً أشكر جميع من مدَّ لي يد المساعدة والعون ولم يبخل بنصيحة، فجزاهم الله تعالي عني خير الجزاء ووفقهم لما فيه الخير والمحبة.
وأسأل الله أن يوفِّق الجميع لكلِّ خير، والحمد لله أوّلاً وأخيراً، وبه العون ومنه التوفيق، وصلي الله علي رسوله وآله وصحبه وسلم تسليماً.
الباحث
ص: 12
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله والصلاة والسلام علي أشرف الأنبياء والمرسلين محمّد وعلي آله الطيبين الطاهرين.
إنّ العلم والمعرفة مصدر الإشعاع الذي يهدي الإنسان إلي الطريق القويم، ومن خلالهما يمكنه أن يصل إلي غايته الحقيقية وسعادته الأبدية المنشودة، فبهما يتميّز الحقّ من الباطل، وبهما تُحدد اختيارات الإنسان الصحيحة، وعلي ضوئهما يسير في سبل الهداية وطريق الرشاد الذي خُلق من أجله، بل علي أساس العلم والمعرفة فضّله الله عز وجل علي سائر المخلوقات، واحتج عليهم بقوله: «وَعَلَّمَ آدَمَ الْأَسْمَاءَ كُلَّهَا ثُمَّ عَرَضَهُمْ عَلَي الْمَلَائِكَةِ فَقَالَ أَنْبِئُونِي بِأَسْمَاءِ هَؤُلَاءِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ»((1))، فبالعلم يرتقي المرء وبالجهل يتسافل، وقد جاء في الأثر «العلمُ نورٌ»((2))، كما بالعلم والمعرفة تتفاوت مقامات البشر ويتفوّق بعضهم علي بعض عند الله عز وجل، إذ «يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ»((3))، وبهما تسعد المجتمعات، وبهما الإعمار والازدهار، وبهما الخير كلّ الخير.
ص: 13
ومن أجل العلم والمعرفة كانت التضحيات الكبيرة التي قدّمها الأنبياء والأئمةوالأولياء(عليهم السلام)، تضحيات جسام كان هدفها منع الجهل والظلام والانحراف، تضحيات كانت غايتها إيصال المجتمع الإنساني إلي مبتغاه وهدفه، إلي كماله، إلي حيث يجب أن يصل ويكون، فكان العلم والمعرفة هدف الأنبياء المنشود لمجتمعاتهم، وتوسّلوا إلي الله عز وجل بغية إرسال الرسل التي تعلّم المجتمعات فقالوا: «وَابْعَثْ فِيهِمْ رَسُولًا مِنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِكَ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَيُزَكِّيهِمْ إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ»((1))، و«لَقَدْ مَنَّ اللَّهُ عَلَي الْمُؤْمِنِينَ إِذْ بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولًا مِنْ أَنْفُسِهِمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلَالٍ مُبِينٍ»((2))، ما يعني أنّ دون العلم والمعرفة هو الضلال المبين والخسران العظيم.
بل هو دعاؤهم(عليهم السلام) ومبتغاهم من الله عز وجل لأنفسهم أيضاً، إذ طلبوا منه تعالي بقولهم: «وَاملأ قُلُوبَنا بِالْعِلْمِ وَالمَعْرفَةِ»((3)).
وبالعلم والمعرفة لا بدّ أن تُثمّن تلك التضحيات، وتُقدّس تلك الشخصيات التي ضحّت بكلّ شيء من أجل الحقّ والحقيقة، من أجل أن نكون علي علم وبصيرة، من أجل أن يصل إلينا النور الإلهي، من أجل أن لا يسود الجهل والظلام.
فهذه هي سيرة الأنبياء والأئمة(عليهم السلام) سيرة الجهاد والنضال والتضحية والإيثار لأجل نشر العلم والمعرفة في مجتمعاتهم، تلك السيرة الحافلة بالعلم والمعرفة في كلّ جانب من جوانبها، والتي ينهل منها علماؤنا في التصدّي لحلّ مشاكل مجتمعاتهم علي مرّ العصور والأزمنة والأمكنة، وفي كافّة المجالات وشؤون البشر.
ص: 14
وهذه القاعدة التي أسسنا لها لا يُستثني منها أيّ نبي أو وصي، فلكلّ منهم(عليهم السلام) سيرته العطرة التي ينهل منها البشر للهداية والصلاح، إلّا أنّه يتفاوت الأمربين أفرادهم من حيث الشدّة والضعف، وهو أمر عائد إلي المهام التي أنيطت بهم(عليهم السلام)، كما أخبر عز وجل بذلك في قوله: «تِلْكَ الرُّسُلُ فَضَّلْنَا بَعْضَهُمْ عَلَي بَعْضٍ مِنْهُمْ مَنْ كَلَّمَ اللَّهُ وَرَفَعَ بَعْضَهُمْ دَرَجَاتٍ»((1))، فسيرة النبي الأكرم(صلي الله عليه و آله) ليست كبقية سير الأنبياء، كما أنّ سيرة الأئمة(عليهم السلام) ليست كبقية سير الأوصياء السابقين، كما أنّ التفاوت في سير الأئمة(عليهم السلام) فيما بينهم مما لا شك فيه، كما في تفضيل أصحاب الكساء علي بقية الأئمة(عليهم السلام).
والإمام الحسين(عليه السلام) تلك الشخصية القمّة في العلم والمعرفة والجهاد والتضحية والإيثار، أحد أصحاب الكساء الخمسة التي دلّت النصوص علي فضلهم ومنزلتهم علي سائر المخلوقات، الإمام الحسين(عليه السلام) الذي قدّم كلّ شيء من أجل بقاء النور الرباني، الذي يأبي الله أن ينطفئ، الإمام الحسين(عليه السلام) الذي بتضحيته تعلّمنا وعرفنا، فبقينا.
فمن سيرة هذه الشخصية العظيمة التي ملأت أركان الوجود تعلَّم الإنسان القيم المثلي التي بها حياته الكريمة، كالإباء والتحمّل والصبر في سبيل الوقوف بوجه الظلم، وغيرها من القيم المعرفية والعملية، التي كرَّس علماؤنا الأعلام جهودهم وأفنوا أعمارهم من أجل إيصالها إلي مجتمعات كانت ولا زالت بأمس الحاجة إلي هذه القيم، وتلك الجهود التي بُذلت من قبل الأعلام جديرة بالثناء والتقدير؛ إذ بذلوا ما بوسعهم وأفنوا أغلي أوقاتهم وزهرة أعمارهم لأجل هذا الهدف النبيل.
ص: 15
إلّا أنّ هذا لا يعني سدّ أبواب البحث والتنقيب في الكنوز المعرفية التي تركها(عليه السلام) للأجيال اللاحقة - فضلاً عن الجوانب المعرفية في حياة سائر المعصومين(عليهم السلام) - إذ بقي منها من الجوانب ما لم يُسلّط الضوء عليهبالمقدار المطلوب، وهي ليست بالقليل، بل لا نجانب الحقيقة فيما لو قلنا: بل هي أكثر مما تناولته أقلام علمائنا بكثير، فلا بدّ لها أن تُعرَف ليُعرَّف، بل لا بدّ من العمل علي البحث فيها ودراستها من زوايا متعددة، لتكون منهجاً للحياة، وهذا ما يزيد من مسؤولية المهتمين بالشأن الديني، ويحتّم عليهم تحمّل أعباء التصدّي لهذه المهمّة الجسيمة؛ استكمالاً للجهود المباركة التي قدّمها علماء الدين ومراجع الطائفة الحقّة.
ومن هذا المنطلق؛ بادرت الأمانة العامة للعتبة الحسينية المقدّسة لتخصيص سهم وافر من جهودها ومشاريعها الفكرية والعلمية حول شخصية الإمام الحسين(عليه السلام) ونهضته المباركة؛ إذ إنّها المعنيّة بالدرجة الأولي والأساس بمسك هذا الملف التخصصي، فعمدت إلي زرع بذرة ضمن أروقتها القدسية، فكانت نتيجة هذه البذرة المباركة إنشاء مؤسّسة وارث الأنبياء للدراسات التخصّصية في النهضة الحسينية، التابعة للعتبة الحسينية المقدّسة، حيث أخذت علي عاتقها مهمّة تسليط الضوء - بالبحث والتحقيق العلميين - علي شخصية الإمام الحسين(عليه السلام) ونهضته المباركة وسيرته العطرة، وكلماته الهادية، وفق خطة مبرمجة وآلية متقنة، تمّت دراستها وعرضها علي المختصين في هذا الشأن؛ ليتمّ اعتمادها والعمل عليها ضمن مجموعة من المشاريع العلمية التخصصية، فكان كلّ مشروع من تلك المشاريع متكفّلاً بجانب من الجوانب المهمّة في النهضة الحسينية المقدّسة.
كما ليس لنا أن ندّعي - ولم يدّعِ غيرنا من قبل - الإلمام والإحاطة بتمام جوانب شخصية الإمام العظيم ونهضته المباركة، إلّا أنّنا قد أخذنا علي أنفسنا بذل قصاري جهدنا، وتقديم ما بوسعنا من إمكانات في سبيل خدمة سيّد الشهداء(عليه السلام)، وإيصال أهدافه السامية إلي الأجيال اللاحقة.
ص: 16
بعد الدراسة المتواصلة التي قامت بها مؤسَّسة وارث الأنبياء حول المشاريع العلمية في المجال الحسيني، تمّ الوقوف علي مجموعة كبيرة من المشاريع التي لميُسلَّط الضوء عليها كما يُراد لها، وهي مشاريع كثيرة وكبيرة في نفس الوقت، ولكلٍّ منها أهميته القصوي، ووفقاً لجدول الأولويات المعتمد في المؤسَّسة تمّ اختيار المشاريع العلميّة الأكثر أهميّة، والتي يُعتبر العمل عليها إسهاماً في تحقيق نقلة نوعية للتراث والفكر الحسيني، وهذه المشاريع هي:
إنّ العمل في هذا القسم علي مستويين:
ويُعنَي هذا القسم بالكتابة في العناوين الحسينية التي لم يتمّ تناولها بالبحث والتنقيب، أو التي لم تُعطَ حقّها من ذلك. كما يتمُّ استقبال النتاجات القيِّمة التي أُلِّفت من قبل العلماء والباحثين في هذا القسم؛ ليتمَّ إخضاعها للتحكيم العلمي، وبعد إبداء الملاحظات العلمية وإجراء التعديلات اللازمة بالتوافق مع مؤلِّفيها يتمّ طباعتها ونشرها.
والعمل فيه قائم علي جمع وتحقيق وتنظيم التراث المكتوب عن مقتل الإمام الحسين(عليه السلام)، ويشمل جميع الكتب في هذا المجال، سواء التي كانت بكتابٍ مستقلٍّ أو ضمن كتاب، تحت عنوان: (موسوعة المقاتل الحسينيّة). وكذا العمل جارٍ في هذا القسم علي رصد المخطوطات الحسينية التي لم تُطبع إلي الآن؛ ليتمَّ جمعها وتحقيقها، ثمّ طباعتها ونشرها. كما ويتمُّ استقبال الكتب التي تمّ تحقيقها خارج المؤسَّسة، لغرض طباعتها ونشرها، وذلك بعد إخضاعها للتقييم العلمي من قبل اللجنة
ص: 17
العلمية في المؤسَّسة، وبعد إدخال التعديلات اللازمة عليها وتأييد صلاحيتها للنشر تقوم المؤسَّسة بطباعتها.
وهي مجلّة فصلية متخصّصة في النهضة الحسينية، تهتمّ بنشر معالم وآفاق الفكر الحسيني، وتسلِّط الضوء علي تاريخ النهضة الحسينية وتراثها، وكذلك إبراز الجوانب الإنسانية، والاجتماعية والفقهية والأدبية في تلك النهضة المباركة، وقد قطعت شوطاً كبيراً في مجالها، واحتلّت الصدارة بين المجلات العلمية الرصينة في مجالها، وأسهمت في إثراء واقعنا الفكري بالبحوث العلمية الرصينة.
إنّ العمل في هذا القسم قائم علي جمع الشُّبُهات المثارة حول الإمام الحسين(عليه السلام) ونهضته المباركة، وذلك من خلال تتبع مظانّ تلك الشُّبُهات من كتب قديمة أو حديثة، ومقالات وبحوث وندوات وبرامج تلفزيونية وما إلي ذلك، ثُمَّ يتمُّ فرزها وتبويبها وعنونتها ضمن جدول موضوعي، ثمّ يتمُّ الردُّ عليها بأُسلوب علميّ تحقيقي في عدَّة مستويات.
وهي موسوعة علمية تخصصية مستخرَجة من كلمات الإمام الحسين(عليه السلام) في مختلف العلوم وفروع المعرفة، ويكون ذلك من خلال جمع كلمات الإمام الحسين(عليه السلام) من المصادر المعتبرة، ثمّ تبويبها حسب التخصّصات العلمية مع بيان لتلك الكلمات، ثمّ وضعها بين يدي ذوي الاختصاص؛ ليستخرجوا نظريات علميّة ممازجة بين كلمات الإمام(عليه السلام) والواقع العلمي.
وهي موسوعة تشتمل علي كلّ ما يرتبط بالإمام الحسين(عليه السلام) ونهضته المباركة من
ص: 18
أحداث، ووقائع، ومفاهيم، ورؤي، وأعلام وبلدان وأماكن، وكتب، وغير ذلك، مرتّبة حسب حروف الألف باء، كما هو معمول به في دوائر المعارفوالموسوعات، وعلي شكل مقالات علميّة رصينة، تُراعَي فيها كلّ شروط المقالة العلميّة، مكتوبة بلغةٍ عصرية وأُسلوبٍ حديث.
إنّ العمل في هذا القسم يتمحور حول أمرين: الأوّل: إحصاء الرسائل والأطاريح الجامعية التي كُتبتْ حول النهضة الحسينية، ومتابعتها من قبل لجنة علمية متخصّصة؛ لرفع النواقص العلمية، وتهيئتها للطباعة والنشر، الثاني: إعداد موضوعات حسينيّة من قبل اللجنة العلمية في هذا القسم، تصلح لكتابة رسائل وأطاريح جامعية، تكون بمتناول طلّاب الدراسات العليا.
يقوم هذا القسم بمتابعة التراث المكتوب حول الإمام الحسين(عليه السلام) ونهضته المباركة باللغات غير العربية لنقله إلي العربية، ويكون ذلك من خلال تأييد صلاحيته للترجمة، ثمَّ ترجمته أو الإشراف علي ترجمته إذا كانت الترجمة خارج القسم.
يتمُّ في هذا القسم رصد جميع القضايا الحسينيّة المطروحة في جميع الوسائل المتّبعة في نشر العلم والثقافة، كالفضائيات، والمواقع الإلكترونية، والكتب، والمجلات والنشريات، وغيرها؛ ممّا يعطي رؤية واضحة حول أهمّ الأُمور المرتبطة بالقضية الحسينية بمختلف أبعادها، وهذا بدوره يكون مؤثّراً جدّاً في رسم السياسات العامّة للمؤسّسة، ورفد بقيّة الأقسام فيها، وكذا بقية المؤسّسات والمراكز العلمية في شتّي المجالات.
ص: 19
ويتمّ العمل في هذا القسم علي إقامة مؤتمرات وملتقيات وندوات علميّة فكريةمتخصّصة في النهضة الحسينية، لغرض الإفادة من الأقلام الرائدة والإمكانات الواعدة، ليتمّ طرحها في جوٍّ علميّ بمحضر الأساتذة والباحثين والمحقّقين من ذوي الاختصاص، كما تتمّ دعوة العلماء والمفكِّرين؛ لطرح أفكارهم ورؤاهم القيِّمة علي الكوادر العلمية في المؤسَّسة، وكذا سائر الباحثين والمحققين وكلّ من لديه اهتمام بالشأن الحسيني، للاستفادة من طرق قراءتهم للنصوص الحسينية وفق الأدوات الاستنباطية المعتمَدة لديهم.
وهي مكتبة حسينية تخصّصية تجمع التراث الحسيني المخطوط والمطبوع، أنشأتها مؤسَّسة وارث الأنبياء، وهي تجمع آلاف الكتب المهمّة في مجال تخصُّصها.
وهو موقع إلكتروني متخصِّص بنشر نتاجات وفعاليات مؤسَّسة وارث الأنبياء، يقوم بنشر وعرض كتبها ومجلاتها التي تصدرها، وكذا الندوات والمؤتمرات التي تقيمها، وكذا يسلِّط الضوء علي أخبار المؤسَّسة، ومجمل فعالياتها العلمية والإعلامية.
يعمل هذا القسم من خلال كادر علمي متخصص وبأقلام علمية نسوية في الجانب الديني والأكاديمي علي تفعيل دور المرأة المسلمة في الفكر الحسيني، كما يقوم بتأهيل الباحثات والكاتبات ضمن ورشات عمل تدريبية، وفق الأساليب المعاصرة في التأليف والكتابة.
ص: 20
إنّ العمل في هذا القسم قائم علي طباعة وإخراج النتاجات الحسينية التي تصدر عن المؤسَّسة، من خلال برامج إلكترونية متطوِّرة يُشرف عليها كادر فنيّ متخصِّص، يعمل علي تصميم الأغلفة وواجهات الصفحات الإلكترونية، وبرمجة الإعلانات المرئية والمسموعة وغيرهما، وسائر الأمور الفنيّة الأخري التي تحتاجها كافّة الأقسام.
وهناك مشاريع أُخري سيتمّ العمل عليها إن شاء الله تعالي.
يتكفّل قسم الرسائل الجامعية بمهمّة نشر الفكر الحسيني المبارك، من خلال تفعيل الدراسات والأبحاث العلمية الحسينية في الأوساط الجامعية والأكاديمية بمستوياتها الثلاثة: البكالوريوس، والماجستير، والدكتوراه، مضافاً إلي الرُقي بالمستوي العلمي والتحقيقي للكفاءات الواعدة المهتمّة بالنهضة الحسينية في جميع مجالاتها. وقد تصدّي لهذه المسؤولية نخبة من الأساتذة المحقِّقين في المجال الحوزوي والأكاديمي.
الغاية من وراء إنشاء هذا القسم جملة من الأهداف المهمّة، منها:
1- إخضاع الدراسات والأبحاث الحسينية لمناهج البحث المعتمَدَة لدي المعاهد والجامعات.
2- إبراز الجوانب المهمّة وفتح آفاق جديدة أمام الدراسات والأبحاث المتعلّقة بالنهضة الحسينية، من خلال اختيار عناوين ومواضيع حيوية مواكبة للواقع المعاصر.
ص: 21
3- الارتقاء بالمستوي العلمي للكوادر الجامعية، والعمل علي تربية جيل يُعنَيبالبحث والتحقيق في مجال النهضة الحسينية الخالدة.
4- إضفاء صبغة علمية منهجية متميزة علي صعيد الدراسات الأكاديمية، المرتبطة بالإمام الحسين(عليه السلام) ونهضته المباركة.
5- تشجيع الطاقات الواعدة في المعاهد والجامعات؛ للولوج في الأبحاث والدراسات العلمية في مختلف مجالات البحث المرتبطة بالنهضة الحسينية، ومن ثَمّ الاستعانة بأكفّائها في نشر ثقافة النهضة، وإقامة دعائم المشاريع المستقبلية للقسم.
6- معرفة مدي انتشار الفكر الحسيني في الوسط الجامعي؛ لغرض تشخيص آلية التعاطي معه علمياً.
7 - نشر الفكر الحسيني في الأوساط الجامعية والأكاديمية.
8 - تشخيص الأبعاد التي لم تتناولها الدراسات الأكاديمية فيما يتعلّق بالنهضة الحسينية، ومحاولة العمل علي إبرازها في الدراسات الجديدة المقترحة.
9- التعريف بالرسائل الجامعية المرتبطة بالإمام الحسين(عليه السلام) ونهضته المباركة؛ والتي تمّت كتابتها ومناقشتها في الجامعات.
إنّ طبيعة العمل في قسم الرسائل الجامعية تكون علي مستويات ثلاثة:
المستوي الأوّل: العناوين والمواضيع الحسينية
يسير العمل فيه طبقاً للخطوات التالية:
1- إعداد العناوين والموضوعات التخصّصية، التي تُعنَي بالفكر الحسيني طبقاً للمعايير والضوابط العلمية، مع الأخذ بنظر الاعتبار جانب الإبداع والأهمية لتلك العناوين.
2- وضع الخطّة الإجمالية لتلك العناوين والتي تشتمل علي البحوث التمهيدية
ص: 22
والفصول ومباحثها الفرعية، مع مقدّمة موجَزَة عن طبيعة البحث وأهميته والغاية منه.
3- تزويد الجامعات المتعاقد معها بتلك العناوين المقترَحَة مع فصولها ومباحثها.
المستوي الثاني: الرسائل قيد التدوين
يسير العمل فيه علي النحو التالي:
1- مساعدة الباحث في كتابة رسالته من خلال إبداء الرأي والنصيحة.
2- استعداد القسم للإشراف علي الرسائل والأطروحات فيما لو رغب الطالب أو الجامعة في ذلك.
3- إنشاء مكتبة متخصِّصة بالرسائل الجامعية؛ لمساعدة الباحثين علي إنجاز دراساتهم ورسائلهم، فضلاً عن إتاحة الفرصة أمامهم للاستفادة من مكتبة المؤسَّسة المتخصّصة بالنهضة الحسينية.
المستوي الثالث: الرسائل المناقشة
يتمّ التعامل مع الرسائل التي تمّت مناقشتها علي النحو التالي:
1- وضع الضوابط العلمية التي ينبغي أن تخضع لها الرسائل الجامعية، تمهيداً لطبعها ونشرها وفقاً لقواعد ومقرَّرات المؤسَّسة.
2- رصد وإحصاء الرسائل الأكاديمية التي تمّ تدوينها حول النهضة الحسينية المباركة.
3- استحصال متون ونصوص تلك الرسائل من الجامعات المتعاقَد معها، والاحتفاظ بها في مكتبة المؤسَّسة.
4- قيام اللجنة العلمية في القسم بتقييم الرسائل المذكورة، والبتِّ في مدي صلاحيتها للطباعة والنشر من خلال جلسات علمية يحضرها أعضاء اللجنة المذكورة.
ص: 23
5- تحصيل موافقة صاحب الرسالة لإجراء التعديلات اللازمة، سواء أكان ذلك من قبل الطالب نفسه أم من قِبل اللجنة العلمية في القسم.
6- إجراء الترتيبات القانونية اللازمة لتحصيل الموافقة من الجامعة المعنِيَّة وصاحب الرسالة علي طباعة ونشر رسالته التي تمّت الموافقة عليها بعد إجراء التعديلات اللازمة.
7- فسح المجال أمام الباحث؛ لنشر مقال عن رسالته في مجلة (الإصلاح الحسيني) الفصلية المتخصِّصة في النهضة الحسينية التي تصدرها المؤسَّسة.
8 - العمل علي تلخيص الرسائل الجامعية، ورفد الموقع الإلكتروني التابع للمؤسَّسة بها، ومن ثَمَّ طباعتها تحت عنوان: دليل الرسائل الجامعية المرتبطة بالإمام الحسين(عليه السلام) ونهضته المباركة.
هذه الرسالة
إنّ حادثة كربلاء وما جري في واقعة الطف كان له التأثير البالغ علي مجريات التاريخ منذ ذلك اليوم وإلي زماننا المعاصر، وذلك لما لهذه الواقعة من عظمة اكتسبتها من قائدها العظيم ومبادئها وقيمها الأصيلة، فلولاها لما انحفظ الدين ولحرّفت آخر رسالة سماوية لهداية البشر، قال رسول الله(صلي الله عليه و آله): «حسين منّي وأنا من حسين».
من أجل ذلك فإنّ نقل تلك الواقعة بجزئياتها وأحداثها وكلماتها أمر في غاية الأهمية، فمن خلاله تنشر مبادئ وقيم تلك النهضة الإلهية، لذلك دوّنت كتب عديدة في هذا المجال اصطلح عليها بكتب المقتل، أو المقتل الحسيني، وهي عديدة ومتنوّعة، وقد كتبت في أزمان متفاوتة، متقاربة ومتباعدة، تتحد في نقل معيّن وتختلف في آخر، بعضها واسع وبعضها مختصر، بعضها يشير إلي الجزئيات وبعضها في الكليات، وبعضها متخصص في نقل المقتل وبعضها أوسع من ذلك.
ص: 24
وبعضها بل أكثرها كتبت بيد الطرف المخالف، وغيرها من الخصوصيات الكثيرة التي يشترك فيها بعض المقاتل ويختلف عنها البعض الآخر.ومن المؤسف جدّاً أنّ بعضها أتلفته يد الزمان أو يد الخيانة وبعضها وصل إلينا.
هذه المقاتل جميعاً يشترك بعضها في كيفيّة معيّنة للكتابة ويختلف بعضها الآخر، ومن تلك الكيفيّات المهمّة هو الكتابة التاريخية لكتب المقتل الحسيني، والذي بحثته هذه الرسالة من القرن الأوّل وحتّي القرن السابع الهجري بدراسة نقدية تحليلية.
نسأل الله تعالي للمؤلِّف دوام السَّداد والتوفيق لخدمة القضية الحسينية، ونسأل الله تعالي أن يبارك لنا في أعمالنا إنَّه سميع مجيب.
اللجنة العلمية في
مؤسسة وارث الأنبياء
للدراسات التخصصية في النهضة الحسينية
ص: 25
ص: 26
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله ربّ العالمين، والصلاة والسلام علي أشرف الخلائق محمد وآله الطاهرين.
لا شكّ أنّ التعرّف علي تجليات النهضة الحسينية هو تعرّف علي السنن التاريخية والسنن الإلهية التي تتعلّق برسالة السماء، وسيرة المعصومين(عليهم السلام)، فنهضة الإمام الحسين(عليه السلام) هي أهمّ محطات الإصلاح التي تركت بصماتها خالدة علي جبين التاريخ، غير متأثّرة بعامل الزمان والمكان؛ ما جعل عطاءها دائماً ومستمرّاً.
لقد عاين الإمام الحسين(عليه السلام) من خلال نهضته في وجه الظلم سرّ الخلود الأبدي وفتح بدمائه ودماء أنصاره أبواب الملكوت، حتي تجلّي علي رمضاء كربلاء الكمال الإنساني بأعظم بهائه وجماله.
إنّ النهضة الحسينية تتعالي عن كلِّ نظرة تعبوية ومذهبية؛ إنَّما هي مجمع المبادئ الإنسانية ومنتهي كمالات البشرية، لهذا تجد الكلَّ يفتخر بالانتماء إليها لا فرق في ذلك بين المسلم وغيره، وهذا شاهد وجداني صريح علي أنَّها تراث عالمي وقيمة حضارية عليا، وأمانة إنسانية.
من هنا تعيَّن علي الذين وعوا حكمة تلك النهضة الحسينية، وعقدوا العزم علي أن يعيشوا نهج سيد الشهداء(عليه السلام) الحفاظ علي رايته الإنسانية والمعرفية، فانقدحت ذهنا، وانعقدت عزما وعملا فكرة هذا المشروع المبارك الذي أخذ أصحابه علي عاتقهم مهمة تفعيل الفكر الحسيني بجميع أبعاده العقدية والتاريخيةوالفقهية
ص: 27
والأخلاقية و... في الوسط الجامعي بمستوياته الثلاث: البكالوريوس والماجستير والدكتوراه. حيث لا شكَّ أنَّ الرسائل الجامعية الحسينية من شأنها أن تلعب دوراً ريادياً في نشر الوعي الحسيني، و تنشئة جيل من الأقلام الواعية ترفد فكر النهضة الحسينية علميا، خصوصا أنَّ الوسط الجامعي هو محلٌّ لتجاذب الأفكار، وتلاقح الثقافات المختلفة، وبتفعيل تلك الأبحاث الحسينية في دائرة البحث المنهجي الأكاديمي نكون قد خطونا خطوة واعية علي طريق الإرتقاء بالفكر الحسيني الأصيل.
وانطلاقا من هذه الرؤية الواعية والواقعية سطَّر قسم الرسائل الجامعية في مؤسسة وارث الأنبياء(عليهم السلام) خطَّة المشروع بدءا من رصد عناوين الرسائل الجامعية المتعلِّقة بالنهضة الحسينية وتجميعها، ثمّ إخضاعها للمعايير والضوابط التي يتبناها القسم المذكور؛ حيث يتسنَّي من خلال تلك القوانين التي تعتبر أسسا معرفية ومعيارية يوظّفها المقيّم في تعاطيه مع مكوِّنات الرسالة لغة وصيانة وتقريراً بأن يتعيَّن كلُّ مكوَّن بنظم مناسب، فضلا عن تعيُّن مجموع الرسالة بنظم عام كلي، وصولا إلي المرحلة التي يتمُّ فيها إدخال التعديلات اللازمة بالتنسيق المباشر مع صاحب الرسالة؛ لأنَّ المؤسسة لا تريد أن تكون بديلا عن الباحث، وبانتهاء هذه المرحلة تكون الرسالة جاهزة للطبع والنشر.
وممّا جادت به أقلام الباحثين الجامعيين هذه الرسالة الجامعية الموسومة ب-(منهج الكتابة التاريخية لكتب المقتل الحسيني) التي وقع عليها الإختيار من جانب قسم الرسائل الجامعية. حيث تناولت موضوعاً مهماً من مواضيع النهضة الحسينية يرتبط بمصادر المقتل الحسيني، وما دوّنه المؤرِّخون عن الأحداث التي حصلت في كربلاء وما بعدها مما جري علي السبايا حتي عودتهنَّ إلي المدينة المنورة، واختار من تلك المصادر ما دوّن منها من القرن الأول إلي أواخر القرن السابع،أي اختار أهمَّ المصادر
ص: 28
وأكثرها اعتباراً؛ نظرا لقربها الزماني من تلك الأحداث، وما لهذا القرب من دور أساسي في اعتبار المصادر التاريخية، وقد بدأ بحثه في تلك المصادر بتوثيقها والتعريف بها، ولم يكتفِ بالمصادر المتداولة والموجودة منها، بل شمل ذلك التوثيق والتعريف حتي المصادر المفقودة، وهذه من حسنات الرسالة، ثم تناول المادَّة التاريخية التي تضمنتها تلك المصادر بالتحليل والنقد التاريخي المقارن، وقد استوعب ذلك أغلب بحوث الرسالة واظهر في ذلك جهدا علمياً لافتاً، وكانت له محاولة جادَّة في إثبات عدم صحة بعض كتب المقاتل المتداولة، وهو عمل علمي له أهميته البالغة، بالإضافة إلي بحوث علمية أخري ضمَّتها الرسالة لا تقلُّ أهمية عن سابقاتها، حتي إذا اكتملت سلسلة المقاربات العلمية للرسالة خلصت إلي نتائج علمية لافتة عكست قدرة كاتبها علي البحث والتحقيق وأهلية رسالته للنشر والمطالعة.
وبما أنَّ أيَّ عطاء علمي لا يخلو من نقد - ولولا النقد البنّاء لما ارتقت المسيرة العلمية للبشرية - فقد رأت إدارة قسم الرسائل الجامعية في مؤسسة وارث الأنبياء أنَّ وسم الرسالة المذكورة ب-(الكتابة التاريخية لكتب المقتل الحسيني حتي أواخر القرن السابع الهجري/الثالث عشر الميلادي (دراسة نقدية تحليلية)) هو أقرب لما تضمنته الرسالة من فصول ومباحث حيث لم يتعاطَ الباحث مع محورية مفردة (المنهج) في عنوانه المختار إنمّا كان جلُّ سعيه هو النقد والتحليل لكتب المقتل؛ فكان حريَّاً أن تتوافق اللجنة العلمية في وارث الأنبياء علي ذلك مع الكاتب؛ لكي تحصل الموافقة والمواءمة بين العنوان ومضامين الرسالة.
قسم الرسائل الجامعية
في
مؤسسة وارث الأنبياء
ص: 29
ص: 30
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله الهادي المعين الذي به أستهدي وبه أستعين، والصلاة والسلام علي خير الخلق أجمعين، إمام المرسلين وخاتَم النبيِّين سيدنا محمد وعلي آله الطيِّبين الطاهرين، وبعدُ:
يُعدُّ موضوع «منهج الكتابة التاريخية لكتب المقتل الحسيني حتي أواخر القرن السابع الهجري/الثالث عشر الميلادي» من الموضوعات المهمَّة من الناحيتين التاريخية والعقائدية علي حدّ سواء، التي تستحقُّ الدراسة والتحقيق والتحليل، لسبب وآخر حتي أنَّها ارتبطت ارتباطاً وثيقاً ومؤثِّراً بدفع عجلة النشاط الديني والثقافي والسياسي عند المسلمين عامة، وأتباع مذهب أهل البيت(عليهم السلام) خاصَّة.
أُحيط هذا الموضوع (المقتل) وعلي مرِّ العصور التاريخية ببعض الشكوك والغموض والملابسات من قبل بعض المؤرخين، خصوصاً وإنَّ لهؤلاء توجُّهاتٍ وميولاً مذهبيةً وسياسية مختلفة فمن المؤكَّد أنَّها تؤثّر في كتاباتهم التاريخية عن المقتل، وتحرفها عن مساره الحقيقي، والمصادر التاريخية ملآي بالأخبار والروايات التي تتحدَّث بشأن ﻫذا الموضوع إثباتاً وتشكيكاَ، ومن منطلقات عقائدية ومذهبية وحتي سياسية وعاطفية، أثرّت علي مادة المقتل التاريخية وحرفتها عن حقيقتها، فضلاً عن الإضافات التي وضعها بعض المؤرخين؛ لأسباب مختلفة والتي أثَّرتعلي حقيقة الرواية التاريخية عن المقتل وشوَّهتها.
ص: 31
وفضلاً عن ذلك فإنَّ الموضوع بحث في تعريف مناهج المؤرخين، الذين صنَّفوا مؤلفاتهم لعرض المقتل الحسيني وتفاصيله، سواء في مصنفات متخصصة عن المقتل، أو ضمن مصنفاتهم التاريخية، وتدقيق تلك الروايات التي أوردوها وتعريضها للنقد التاريخي، ولم تغفل الدراسة عن مناقشة الروايات الضعيفة أو المشكوك بصحتها علي وفق الأسس المنهجية التاريخية والدليل العقلي، ولهذه المبرِّرات والأسباب جاء اختيار موضوع الأطروحة، عسي أن نضيف من خلالها جهداً متواضعاً إلي جهود من سبقونا في مثل هذه الدراسة؛ لإغناء المكتبة التاريخية.
ومما لا شكَّ فيه أنَّ موضوع الدراسة يشكِّل أهمية كبيرة؛ لما تركه استشهاد الإمام الحسين(عليه السلام) وواقعة الطفِّ من أثر في قلوب المسلمين حتي الوقت الحاضر، وأنَّ أكثر ما أستأثر باهتمام الناس في ثورة الإمام الحسين(عليه السلام) هو جانب الرواية التاريخية فيها؛ لما أشتمل عليها من مظاهر البطولة والتضحية والسموِّ الإنساني لدي الثائرين وقائدهم العظيم، المتمثِّل بالتضحية بكلِّ عزيز علي النفس من الولد والمال والأمن في سبيل المبدأ، وتحقيق العدالة بكل مظاهرها.
من جهة أخري اشتمل هذا الجانب علي مظاهر الإنحطاط الإنساني لدي التيار الأموي، الذي تفنَّن في تنفيذ جريمته الوحشية باستئصال الثائرين، وعلي رأسهم الإمام الحسين(عليه السلام) بصورة لم يشهد لها التاريخ مثيلاً علي مرِّ العصور.
حدَّدت الأطروحة المدَّة الزمنية التي تدرسها، وهي من القرن الأول حتي أواخر القرن السابع الهجري، وذلك لجملة من المبِّررات والأسباب، منها:إنَّ كلَّ دراسة أكاديمية متخصصة لابَّد وأن تُحدَّد بمدة زمنية وتاريخية معينة، فضلاً عن ذلك أنَّ كتب المقتل التي صُنِّفت بعد هذه المدة ابتعدت كثيراً عن المنهج التاريخي وبشكل كبير جداً، واحتوت متونها علي المرويات الضعيفة التي لا سند تاريخيلها، والتي عرضت حادثة المقتل بشكل قصصي خيالي من قبيل: روضة الشهداء، لحسين
ص: 32
الكاشفي (ت910ﻫ/أ1504م)، وكتاب المنتخب في جمع المراثي والخطب، لفخر الدين الطريحي (ت 1085ﻫ/1674م) الذي وصفه أحد الباحثين قائلاً: «بأنَّه ألَّفه بهدف إبكاء المؤمنين وحثِّهم علي إقامة العزاء، وقد ألَّفه في صورة موسوعة، وليس تأليفاً تاريخياً علمياً عن حياة الإمام الحسين(عليه السلام) أو ثورته؛ فقد جاءت معظم موضوعات الكتاب دون ذكر المصدر، وذكرت أحاديثه بشكل مُرسَل، وامتزج فيه الغثُّ بالسمين...»((1)) هذا فيما يخصُّ بعض مؤلفات كتب المقتل الحسيني المتخصِّصة.
أمّا المصنَّفات التاريخية، فإنَ أغلبها قد اعتمد في إيراد أخبار المقتل علي المؤلَّفات التي سبقته من الناحية الزمنية ونقلته بنصِّه، دون أن تطرحه بشكل جديد، أو أن تضيف لها تعليلاً أو تحليلاً، أو أن تتناوله بالنقد والتحقيق.
ركَّزت الأطروحة بشكل مستفيض علي المؤلَّفات المشرقية دون المؤلَّفات الأندلسية إلا بشكل محدود؛ وذلك لوجود دراسة أكاديمية متخصِّصة تناولت المؤلَّفات الأندلسية تحت عنوان «ثورة الإمام الحسين(عليه السلام) في المصنَّفات الأندلسية (422ﻫ/897ﻫ) دراسة تاريخية»((2)).
أمّا المصادر والدراسات الأكاديمية، والبحوث والمؤلَّفات الحديثة التي اعتمدت عليها الأطروحة والتي كان لها أثرٌ في إغنائها بالمعلومات القيِّمة، فهي عديدة ومثبتة في قائمة المصادر والمراجع، ولعلَّ في مقدِّمتها كتب المقتل الحسينيالسبعة محور الأطروحة، وهي مقتل الإمام الحسين(عليه السلام)، لأبي مخنف (ت157ﻫ/759م)، وقد اشملت الدراسة فيه علي محورين الأول خُصِّص لدراسة المقتل المنسوب إليه والذي أثبتت الأطروحة ذلك وفق الأدلَّة والقرائن التاريخية والعلمية، بينما كُرِّس
ص: 33
المحور الثاني لبيان منهج أبي مخنف في مروياته في تاريخ الطبري والمصنَّفات الأخري، وتسمية مَن قُتل مع الإمام الحسين(عليه السلام)، للفضيل بن الزبير الرسَّان (المتوفي في القرن الثاني الهجري/الثامن الميلادي) والذي أورد فيه المؤلف بعض الروايات التي انفرد بها عن المصادر الأخري.
أمَّا كتاب نور العين في مشهد الحسين(عليه السلام) المنسوب للأسفراييني (ت417ﻫ/ 1026م)، فقد أثبتت الدراسة أنّ هذا المقتل لم يكن للأسفراييني، وإنما نسب إليه بعد تحليل مروياته ونقدها والتحقق منها، ومقتل الإمام الحسين(عليه السلام) للخوارزمي (ت568 ﻫ/1172م)، إذ قدَّم معلومات مهمة وقيِّمة أفادت جميع فصول الأطروحة، وتميَّز هذا المقتل بسعته عن بقية كتب المقتل؛ إذ يقع في جزأين، فضلاً عن تضمينه العديد من الروايات ذات الطابع السياسي والعسكري، يضاف إلي ذلك ذكره للعديد من الروايات في الحادثة الواحدة، ودُرَر السِّمط في خبر السِّبط لابن الأبار (ت658ﻫ/1260م)، الذي أورد المقتل بأسلوب أدبي نثري معتمداً علي الرواية التقليدية للمقتل التي أوردتها أغلب المصادر، واللهوف في قتلي الطفوف، لابن طاووس (ت664ﻫ/1266م)، الذي وردت فيه العديد من الروايات المهمة عن حادثة استشهاد الإمام الحسين(عليه السلام)، وقد اتبع ابن طاووس منهجاً متميزاً في عرض مادته التاريخية، فضلاً عن انفراده ببعض الروايات، ومثير الأحزان لابن نَما الحلي (ت685ﻫ/1287م).
كما شكَّلت بعض المصادر أهمية كبري لا تغني عنها سابقاتها، منها:
1- كتب التاريخ العام: يأتي في مقدِّمتها كتاب (الإمامة والسياسة) المنسوبلابن قتيبة الدينوري (ت276ﻫ/879م)، وقد فصّل فيه خبر أحداث طلب البيعة ليزيد في زمن معاوية بن أبي سفيان أكثر من غيره من المؤرخين الذين جاؤوا بعده، فضلاً عن إيراده بعض الروايات المنفردة والمضطربة الخاصة بالمقتل، والأخبار
ص: 34
الطوال للدينوري (ت282ﻫ/895م) والذي انفرد في بعض الروايات عن الرواية التقليدية للمقتل، وتاريخ الرسل والملوك، لأبي جعفر محمد بن جرير الطبري، (ت310ﻫ/922م)، ويُعدُّ المصدر الأساس في رفد الأطروحة بالمعلومات التاريخية المهمة، خاصة وأنَّهُ حفظ لنا بعض روايات وأخبار كتب المقتل المفقودة؛ مثل مرويات أبي مخنف، وهشام بن محمد الكلبي، والمدائني وغيرها، وهذا الكتاب اعتمد عليه كلُّ من كتب عن المقتل وجعله المصدر الأساس؛ لأنَّه أورد الأحداث بدقَّة وفصَّلها، وذكر أبرز سماتها ومعالمها الأساسية، وكتاب مروج الذهب ومعادن الجوهر لأبي الحسن علي بن الحسين المسعودي (ت346ﻫ/974م) الذي ذكر بعض الروايات المشكوك بصحتها والتي تستحقُّ الوقوف والمناقشة، من قبيل إشارته إلي أنَّ الذين حضروا لحرب الإمام الحسين(عليه السلام) لم يكن فيهم شامي ولا حجازي ولا مصري بل جميعهم من أهل الكوفة، وهذا مخالف للحقائق ولأغلب النصوص التاريخية.
2- كتب الفتوح: لعلّ كتاب الفتوح، لأحمد بن أعثم الكوفي، (المتوفي في القرن الرابع الهجري/العاشر الميلادي)، هو المصدر الوحيد من بين تلك الكتب؛ إذ فصّل في المقتل وحيثياته علي الرغم من انعدام السند في رواياته، وقد اعتمد الباحث عليه في الموضوعات التي أغفلها الطبري، وابن الأثير، وابن كثير، وقد عقدنا مقارنة علمية بين ابن اعثم والطبري في عرضهما لمادة المقتل، وطبيعة الروايات التي أورداها.
3- استفادت الدراسة أيضاً من بعض كتب الأنساب: مثل نسب معد واليمن الكبير، وجمهرة النسب لابن الكلبي (ت204ﻫ/819م)، وأنساب الأشراف للبلاذري (ت 279ﻫ/892م) الذي كانت أغلب مادته عن المقتل موافقة للرواية التقليدية، كما احتفظ لنا ببعض مرويات أبي مخنف والمدائني، وجمهرة أنساب العرب
ص: 35
لابن حزم الأندلسي (ت456ﻫ/1064م)، والأنساب للسمعاني (ت562ﻫ/ 1167م)، واللباب في تهذيب الأنساب لابن الأثير، (630ﻫ/1232م)، ونهاية الإرب في معرفة أنساب العرب للقلقشندي (821ﻫ/1423م)، ولب اللباب في تحرير الأنساب للسيوطي (ت911ﻫ/1513م).
4- كتب التراجم: كان لها دورٌ مهمٌ في إنجاز الأطروحة منها: الطبقات لابن سعد (ت230ﻫ/844م)، وطبقات ابن خياط (ت240ﻫ/842م)، واختيار معرفة الرجال، لأبي جعفر محمد بن الحسن الطوسي، (ت460ﻫ/1062)، ويعتبر المصدر الأساس الذي اعتمدت عليه الأطروحة خصوصاً في الكشف عن أسماء مؤلِّفي كتب المقتل المفقودة، والإستيعاب لابن عبد البر (ت463ﻫ/1065م)، وأسد الغابة لابن الأثير (ت630ﻫ/1232م)، ورجال ابن داود (ت707ﻫ/1309م)، وخلاصة الأقوال للعلَّامة الحلي (ت726ﻫ)، وتهذيب الكمال للمزي (ت742ﻫ/1344م)، وسير أعلام النبلاء، وتذكرة الحفاظ، وميزان الإعتدال للذهبي (ت748ﻫ/1350م)، والإصابة، وتقريب التهذيب، وتهذيب التهذيب لابن حجر العسقلاني (ت852ﻫ/1454م).
5- وكان لكتب البلدانيات: دورٌ أساسيٌّ في معرفة الأماكن من المدن والقري والمنازل وغيرها؛ ككتاب مختصر كتاب البلدان لأبي بكر أحمد بن محمد الهمداني (ت نحو 365ﻫ/975م)، ومعجم البلدان لياقوت الحموي (ت626ﻫ/1228م).
6- أمّا كتب اللغة: فكان لها الأثر البالغ في تعريف بعض المعاني والمفرداتالتي تحتاج الي توضيح من قبيل بيان مفردة المقتل، وبعض النقاط المهمة، ومنها كتاب العين للفراهيدي (ت175ﻫ)، والصحاح للجوهري (ت373ﻫ/975م)، ومعجم مقاييس اللغة لابن فارس (ت395ﻫ/997م)، ولسان العرب لابن منظور (ت711ﻫ/1313م)، وتاج العروس للزبيدي (ت1205ﻫ/1807م).
ص: 36
وفرضت طبيعة موضوع الدراسة تقسيمها علي خمسة فصول، سُبقت بمقدِّمة، وانتهينا بخاتمة لأهمِّ النتائج التي توصَّلت إليها الأطروحة، تناول الفصل الأول أخبار المقتل الحسيني في المصنفات التاريخية من القرن الأول حتي القرن السابع الهجريين، وتمَّ عرض مادته في مبحثين الأول تناول أخبار المقتل في كتب التاريخ العام والأنساب، والثاني في كتب الفتوح والطبقات والتراجم، بينما خُصِّص الفصل الثاني إلي كتب المقتل المفقودة، وقُسِّم إلي مبحثين أساسيين، تضمَّن الأول بيان كتب المقتل الحسيني المفقودة خلال القرون الثلاثة الأولي الهجرية، في حين اشتمل الثاني علي كتب المقتل المفقودة خلال القرون الرابع والخامس والسادس والسابع الهجرية.
أمّا الفصل الثالث فقد تضمَّن موارد كتب المقتل، وقُسِّم علي مبحثين الأول خُصِّص لموارد كتب المقتل خلال القرنين الثاني والخامس الهجريين، والثاني تعرَّض لموارد كتب المقتل خلال القرنين السادس والسابع الهجريين.
علي حين اقتصر الفصل الرابع علي دراسة وتحليل المتون الروائية لكتب المقتل الحسيني، وعلي وفق خطة الدراسة قُسِّم أيضاً إلي مبحثين الأول كُرِّس لدراسة المتون الروائية لكتب المقتل خلال القرن الثاني الهجري، بينما خُصِّص المبحث الثاني لدراسة المتون الروائية لكتب المقتل خلال القرن الخامس الهجري.
أمّا الفصل الخامس فقد قُسِّم إلي مبحثين تناولا دراسة وتحليل المتون الروائية لكتب المقتل خلال القرنين السادس والسابع الهجريين.
الباحث
ص: 37
ص: 38
المبحث الأول: أخبار المقتل الحسيني في كتب التاريخ العام والأنساب
المبحث الثاني: أخبار المقتل الحسيني في كتب الفتوح والطبقات والتراجم
ص: 39
ص: 40
وردت مفردة (مقتل) في المعاجم اللغوية بشكل واسع وبمعان مختلفة، فمادة مقتل علي وزن مفعل، وهو اسم مكان من مادة (قتل) بمعني مكان القتل، (والقتل) جمع قتول كصبور لكثرة القتل، من أبنية المبالغة((1)).
أمّا إذا قلنا هذا (مقتل) فلان فهو إشارة إلي الموضع الذي ضُرب فيه ضرباً شديداً، أو مرقد فلان لقبره((2))، كما أشار الزبيدي((3)) إلا أنَّ مقاتل الإنسان هي المواضع التي إذا اصيبت منه قتلته واحداها مقتل، علي حين حدَّد الفيروزآبادي((4)) مادة (مقتل) بأنَّها تُطلق علي كلِّ قوم قُتلوا في بقعة واحدة.
وتعني كتب المقتل في الإصطلاح: بأنَّها الكتب الّتي تروي أحداث واقعة استشهاد، أو قتل إحدي الشخصيات المهمة والمعروفة، خاصةً واقعة كربلاء، وتُطلَق أحياناً علي مجالس العزاء أيضاً، هذا ويُعَدُّ رواة واقعة كربلاء في الدرجة الأولي سبايا واقعة الطّف، في طليعة أرباب المقاتل في تاريخ التشيّع، كما يُعَدّ الّذين
ص: 41
تمكّنوا من تدوين ما رأوه أو سمعوه عن تلك الواقعة من أوائل كتّاب المقاتل((1))، وأشار أحد الباحثين إلي أنَّ كتب المقاتل هي الكتب التي تخصَّصت بدراسة واقعة الطف وسردها التاريخي((2)).
ولابدَّ من الإشارة إلي مسألة مهمة وهي أنَّ تأليف وتصنيف كتب المقاتل لم تقتصر علي الإمام الحسين(عليه السلام) أو واقعة الطف أو أحد المعصومين(عليهم السلام)، بل امتدَّ إلي أبعد من ذلك؛ بدليل وجود العديد من المؤرخين الذين ألَّفوا كتباً عن مقتل بعض الشخصيات المهمة والمشهورة ذات المكانة المرموقة في المجتمع، منها مقتل عثمان بن عفان (ت35ﻫ/656م) ومقتل الإمام الحسن بن علي بن أبي طالب(عليه السلام) (ت50ﻫ/670م)، ومقتل حجر بن عدي(رضي الله عنه) (ت51ﻫ/671م)، وهي بلا شكّ تسبق من الناحية الزمنية تأريخ استشهاد الإمام الحسين(عليه السلام)، ويتضح لنا أنَّ أكثر شخصية أُلّفت عنها كتب بعنوان (المقتل) هي شخصية الإمام الحسين(عليه السلام)، فضلاً عن أنّ الأحداث المأساوية التي تعرَّض لها الإمام الحسين(عليه السلام) وأهل بيته وأصحابه هي من أكسبت الشهرة والإنتشار الواسع للمقتل علي بقية المقاتل الأخري، فضلاً عن ذلك فقدان أغلب المقاتل التي أُلِّفت عن تلك الشخصيات وعلي مرِّ العصور مقابل بقاء بعض كتب المقتل التي تناولت مقتل الإمام الحسين(عليه السلام)((3)).
ص: 42
حفلت المصادر التاريخية بأخبار المقتل الحسيني، وإن اختلفت في عرض تلك المرويات، تبعاً لمنهج المؤرخ وطبيعة مصنَّفه، وسنبين في هذا الفصل طبيعة المنهج المعتمد من قبل المؤرِّخ في هذه الروايات - وإن كان ذلك المنهج لم يخرج عن السياق العام للمؤرِّخ في مصنَّفه - فضلاً عن ذلك سنحدِّد رواة مؤرخي المقاتل، وبيان ومناقشة بعض تلك المرويات ومقارنتها مع ما جاء في بقية المصادر التاريخية الأخري، وسنركِّز علي أهمِّ تلك المؤلَّفات وإن كان من الصعب حصرها جميعاً، فضلاً عن أنَّ بعضها لم يتطرق للمقتل سوي إشارة بسيطة، وتُصنَّف هذه المؤلفات إلي كتب أنساب، وكتب طبقات وتراجم، وكتب تاريخ عام وغيرها من التصنيفات الأخري.
ص: 43
ص: 44
صنَّف المؤرخون المسلمون كتباً تميَّز أغلبها بالضخامة، أُطلِق عليها من قبل بعض الباحثين مصطلح (كتب التاريخ العام)؛ لأنها حوت مادة تاريخية عن الأحداث منذ بدء الخليقة وحتي السنة التي يتوقف فيها المؤلِّف عن متابعة الكتابة، وهي في الغالب قبل وفاته بمدة قصيرة، ورُتِّبت فيها الأحداث التاريخية التي وقعت قبل البعثة النبوية ترتيباً موضوعياً، أو حسب تعاقب الأحداث، أما الفترة الإسلامية فقد اعتُمِد في تنظيمها حسب تعاقب السنين، وتُعرف عند بعض الباحثين بالحوليات، أو كما تُسمَّي بالمصطلح الغربي (Chronicles) وهي تسمية قد لا تصحُّ علي المادة التي حواها الكتاب عن أحداث الفترة قبل الإسلام، ولهذا فإنَّ التسمية الأصحَّ هي الأولي؛ وذلك لأنَّ مصطلح التاريخ العام - ينسجم مع طبيعة المادة التي تضمنتها تلك الكتب وتنوِّعها؛ إذ تشمل الجوانب السياسية والعسكرية والإدارية والإجتماعية والإقتصادية والعلمية وغرائب الأحداث، ولكن بنسب متفاوتة من حيث حجم المادة المقدمة، فضلاً عن ذكر الوفيات لمشاهير الأشخاص وأغلبهم من الرجال((1))، وسنقف علي أهمِّ المؤلَّفات التي صُنِّفت في التاريخ العام التي منها:
ص: 45
تناول ابن خياط مادة المقتل ضمن حديثه عن ولاية يزيد بن معاوية، وقد تحدَّث عنه بشكل مقتضب بحدود ثلاث صفحات، أورد إشارة بسيطة عن إقدام والي المدينة الوليد بن عتبة((1)) لأخذ البيعة من الإمام الحسين(عليه السلام) وابن الزبير، بقوله: «فأتاه ابن الزبير فنعي له معاوية وترحَّم عليه، وجزاه خيراً، فقال له: بايع، قال: ما هذه ساعة مبايعة ولا مثلي يبايعك ها هنا، فترقي المنبر فأبايعك ويبايعك الناس علانية... فجاء الحسين بن علي علي تلك الحال فلم يُكلَّم بشيء حتي رجعا جميعاً...»((2))، ثم أشار إلي خروج الإمام الحسين(عليه السلام) إلي الكوفة والتقائه بالشاعر الفرزدق، وحديث الأخير عن الأوضاع في الكوفة مع الإمام(عليه السلام)، ثم بعد ذلك ختم حديثه بذكر أسماء من قتل من آل أبي طالب(عليه السلام) معه((3)).
ونميل إلي رأي المرعبي عن ابن خياط قائلاً: «حاول تسليط الضوء علي عبد الله ابن الزبير في أخذ البيعة منه وإعطاءه الدور البارز، بل يبدو أنَّ ابن الزبير هو المستهدف الأول في طلب البيعة، مخالفاً بذلك أغلبالروايات التي تشير إلي أنَّ هذا الحوار أو قريباً منه دار بين الإمام الحسين(عليه السلام) والوليد بن عتبة بحضور مروان بن الحكم»((4)).
ص: 46
قسَّم ابن قتيبة تأريخه علي أساس الموضوعات، إذ جعل الشخصيات من أنبياء وخلفاء وملوك، والأحداث ذات الطابع السياسي والديني والعسكري محاور لدراسته، وجاءت مادة المقتل وفق هذا المنهج، مع اتصاف أغلب رواياته بالإضطراب والضعف والتناقض.
ومن الأخبار المضطربة التي تستوقفنا تحديده لشخص والي المدينة الذي أقدم علي إستدعاء الإمام الحسين(عليه السلام) لأخذ البيعة منه، فيذكره بأنَّه خالد بن الحكم((1))((2))، وهذا خلاف ما ذكرته أغلب المصادر التاريخية((3))، باستثناء البري (المتوفي في القرن السابع الهجري/الثالث عشر الميلادي) الذي أشار إلي هذه الرواية مع أنَّه ضعّفها بقوله: «وقيل: إنَّ الوالي كان علي المدينة عند بيعة يزيد بن معاوية خالد بن الحكم أخو مروان، ثم عُزل وولَّاها عثمان بنمحمد بن أبي سفيان»((4))، ويُحتمل أنّ البري نقلها عن ابن قتيبة، بوصفه الراوي الأول لها بحسب إطلاعنا.
أشار ابن قتيبة بعد ذلك إلي أنَّ يزيد بن معاوية قد عزله ونصَب مكانه عثمان بن محمد((5))، ونصُّ ذلك: «إنَّ يزيد بن معاوية عزل خالد بن الحكم عن المدينة، وولاها
ص: 47
عثمان بن محمد بن أبي سفيان الثقفي، وخرج الحسين بن علي، وعبد الله بن الزبير إلي مكة، وأقبل عثمان بن محمد من الشام والياً علي المدينة ومكة وعلي الموسم في رمضان، فلما استوي علي المنبر بمكة رعف، فقال رجل مستقبله: جئت والله بالدم، فتلقاه رجل آخر بعمامته. فقال: مه، والله عمَّ الناس. ثم قام يخطب، فتناول عصا لها شعبتان، فقال: مه: شعب والله أمر الناس، ثم نزل. فقال الناس للحسين: يا أبا عبد الله، لو تقدَّمت فصليت بالناس؟ فإنَّه لَيَهمُّ بذلك إذ جاء المؤذِّن، فأقام الصلاة، فتقدم عثمان فكبر، فقال للحسين: يا أبا عبد الله، إذا أبيت أن تتقدَّم فاخرج. فقال: الصلاة في الجماعة أفضل. قال: فصلَّي، ثم خرج، فلما انصرف عثمان بن محمد من الصلاة، بلغه أنَّ الحسين خرج. قال: اركبوا كلَّ بعير بين السماء والأرض فاطلبوه، فطُلب، فلم يُدرك»((1)).
وتحدَّث ابن قتيبة بعد ذلك قائلاً: «إنه لما بُويع يزيد بن معاوية خرج الحسين حتي قدم مكة، فأقام هو وابن الزبير. قال: وقدم عمرو بن سعيد بن العاص في رمضان أميرا علي المدينة وعلي الموسم، وعزل الوليد بنعقبة فلما استوي علي المنبر رعف((2)) فقال أعرابي مستقبله: مه مه! جاءنا والله بالدم فتلقاه رجل بعمامته، فقال مه! عمَّ والله الناس، ثم قام يخطب، فناوله آخر عصا لها شعبتان. فقال: مه! شعب والله الناس. ثم خرج إلي مكة، فقدمها يوم التروية، فصلي الحسين ثم خرج. فلما انصرف عمرو بلغه أنَّ الحسين خرج، فقال: اركبوا كلَّ بعير بين السماء والأرض فاطلبوه. قال: فكان الناس يعجبون من قوله هذا. قال: فطلبوه فلم يدركوه»((3)). التناقض واضح علي هاتين الروايتين، وذلك لعدَّة أسباب، منها:
ص: 48
أ - إنَّها تخالف أغلب المصادر، فضلاً عن ذلك لم نجدها في المصادر المتوافرة لدينا باستثناء إيرادها من قبل الباعوني الشافعي (ت871ﻫ/1466م)((1)).
ب - لم تحدِّثنا المصادر المتوافرة لدينا أنَّ أربعة ولاة قد أُسند إليهم منصب والي المدينة، وكلُّ ذلك وقع في عام ستين للهجرة، فكيف حصل ذلك؟
ت - السرد التاريخي تطابق بشكل حرفي ونصي (بين الروايتين) في آلية تنصيب الولاة وصلاتهم وموقفهم من الإمام الحسين(عليه السلام)، وطريقة تعامل أهل المدينة معهم، مما يدلُّ علي أنّ تلك الأخبار موضوعة.
ث - الروايتان تشيران إلي دخول الإمام الحسين(عليه السلام) إلي مكة مرتين الأولي في عهد عثمان بن محمد والثانية في عهد عمرو بن سعيد، وكلاهما طلبا الإمام(عليه السلام) ولم يدركاه، فكيف حصل ذلك؟ ومتي؟
ح - تطابق النصّ الحرفي للروايتين في المواقف باستثناء تغيير أسماء الولاة،وهذا غير ممكن تاريخياً ومنطقياً.
وقد انفرد ابن قتيبة بروايتين بخصوص مسلم بن عقيل(عليه السلام)، الأولي تشير إلي أنَّ مسلماً دخل دار هانئ ابن عروة بعد أن خذله الناس بقوله: «وبايع له مسلم بن عقيل وأكثر من ثلاثين ألفا من أهل الكوفة، فنهضوا معه يريدون عبيد الله بن زياد، فجعلوا كلما أشرفوا علي زقاق أنسلَّ عنه منهم ناس، حتي بقي مسلم في شرذمة قليلة. قال: فجعل أناس يرمونه بالآجر من فوق البيوت، فلما رأي ذلك دخل دار هانئ بن عروة المرادي»((2)).
أمّا الثانية فقد انفرد فيها بتحديده للشخصية التي أوصي لها مسلم بن عقيل،
ص: 49
فأغلب المصادر((1)) أشارت إلي أنَّه عمر بن سعد، علي حين أشار هو((2)) إلي عمرو بن سعيد الاشدق((3)). ونحن نميل إلي رأي أغلب المصادر بكونه عمر بن سعد وليس الأشدق.
ومن الروايات الأخري التي أختصَّ بها هي تحديده لقائد الجيش الأموي الذيحارب الإمام الحسين بواقعة الطفِّ بأنَّه عمرو بن سعيد أيضاً، وهذا خلاف ما أجمعت عليه المصادر((4)).
ومن الملاحظ أنَّ ابن قتيبة أعطي دور عمر بن سعد في واقعة الطف لعمرو بن سعيد الاشدق بشكل كامل، ولعلَّ ذلك ناجم عن وهم وخلط قد وقع فيه المؤرخ، علي حين فسَّر أحد الباحثين ذلك بأنَّه يرجع إلي: «نشأة المؤرخ في عائلة كانت علي الدوام الي جانب الامويين، واعتلت مناصب بارزة في ظل خلافتهم، اضافة إلي أنَّه قد تتلمذ في بغداد، ودرس علي يد كبار علمائهم، في حقبة ساد فيها التعتيم عن تاريخ آل
ص: 50
البيت(عليهم السلام)؛ لذا لا نستبعد أن يكون هذا اللبس في الأسماء جاء من قلَّة اطلاع المؤرِّخ في ما يتعلَّق بواقعة الطفِّ وما دُوِّن عنها»((1)). وهذه أهمُّ الروايات التي وجدناها جديرة بالوقوف عندها ومناقشتها ونقدها.
قَسَّمَ الدينوري تأريخه علي أساس الموضوعات، جاعلاً من الشخصيات من أنبياء وخلفاء وملوك، وبعض الأحداث ذات الطابع السياسي والعسكري والإجتماعي محاور لدراسته، وأورد أخبار المقتل من ضمن حديثه عن يزيد بن معاوية، مقسِّماًإياه علي موضوعات عدَّة جزئية مثل: أهل الكوفة والحسين(عليه السلام)، مسلم بن عقيل في الكوفة، قتل مسلم بن عقيل، خروج الحسين إلي الكوفة، نهاية الحسين((2)).
ومجمل مادته عن المقتل كانت علي وفق الرواية التقليدية التي أوردتها أغلب المصادر التاريخية، وتحديداً لمادة الطبري بإشارة أحد الباحثين قائلاً: «أما بخصوص المادة التاريخية التي ذكرها الدينوري، فإنها لا تختلف كثيراً عما جاء بها الطبري، فبالرغم من أنَّ الدينوري سبق الطبري في وفاته إلا أنهما ينتميان إلي نفس العصر تقريباً، وبالرغم من أنَّ الدينوري لم يذكر سلسلة سند لرواياته إلا أنَّ بعضها يكاد يكون مطابقاً لروايات الطبري التي نقلها عن أبي مخنف، واختلف مع الطبري في أنَّه حدَّد مقتل هانئ بن عروة قبل مقتل مسلم بن عقيل(عليه السلام)»((3)).
وثمَّة اختلاف آخر بين الدينوري والطبري لم يشر إليه الباحث يتعلَّق بعدد الشخصيات التي نجت في واقعة الطف من أصحاب الإمام الحسين(عليه السلام)، فبينما
ص: 51
حدَّدها الطبري بثلاث، ذكر الدينوري بأنَّ الذين نجوا اثنان فقط بقوله: «لم يسلم من أصحابه إلا رجلان، أحدهما المرقع بن ثمامة الأسدي، بعث به عمر بن سعد إلي ابن زياد فسيره إلي الربذة((1))، فلم يزل بها حتي هلك يزيد، وهرب عبيد الله إلي الشام، فانصرف المرقع إلي الكوفة، والآخر مولي للرباب أم سكينة، أخذوه بعد قتل الحسين، فأرادوا ضرب عنقه،فقال لهم: إني عبد مملوك. فخلَّوا سبيله»((2)).
كما أورد بعض الروايات المخالفة، فضلاً عن الأخبار المتناقضة، وفيما يخصُّ الأخبار التي خالف بها مجمل المصادر ذكرهُ أنَّ المجير لمسلم بن عقيل(عليه السلام) هو هانيء بن ورقة بقوله: «حتي أتي دار هانئ بن ورقة المذحجي، وكان من أشراف أهل الكوفة...»((3)).
بينما ذكر في رواياته الأخري الاسم صحيحاً هانئ بن عروة((4))، ولعلَّ الخلط في الأسماء قد وقع من النساخ.
بينما فسَّرَ أحد الباحثين ذلك من أنَّ: «الدينوري أخطأ في الاسم فقط، إذ لم نجد لهاني بن ورقة ذكراً عند غيره من المؤرخين»((5)).
ونميل إلي السبب الأول لكونه أكثر قبولاً، لاسيما وأنَّ هانئ بن ورقة لا وجود له ولا أثر في المصادر، فمن غير الممكن أن يورده الدينوري وهو شخصية لا وجود لها، فضلاً عن ذلك أنَّ الدينوري قد أورد هانئ ابن عروة فهل غفل عن ذلك أم أنَّ
ص: 52
هناك شخصيتين؟ مما نتج عن ذلك أنَّ احتمال وقوع النساخ في الخطأ هو الأقرب للصواب.
وأورد الدينوري تضارباً واضحاً في عدد أصحاب الإمام الحسين(عليه السلام) فذكر في رواية أنَّ عددهم: «اثنين وثلاثين فارساً وأربعين راجلاً»((1))، علي حين خالف هذا العدد برواية تقسيم الرؤوس بين القبائل من أنَّ مجموعها بلغالخمسة والسبعين رأساً((2))، وهذا خلاف الرواية الأولي التي أشارت إلي أنَّ العدد اثنان وسبعون رأساً، وفضلاً عن ذلك أنَّه ذكر أنَّ اثنين من أصحابه(عليه السلام) قد نجا((3))، مما يجعل الفارق بحدود الخمسة فأين مصير هؤلاء؟ هذا ما لم يكشفه لنا الدينوري.
اعتمد اليعقوبي منهج التاريخ بحسب الموضوعات في كلا قسميه: تاريخ ما قبل الإسلام والتاريخ الإسلامي، فضلاً عن ذلك اتبع إسقاط الأسانيد، ونظَّم الأخبار في نسق واحد متصل، والإكتفاء في مقابل ذلك بذكر المصادر في مقدِّمة الكتاب((4)).
وعلي هذا المنهج عرض مادته عن المقتل، التي اتصفت بالإقتضاب وعدم الإسهاب؛ إذ شغل بحدود خمس صفحات((5))، ولم يقسِّم اليعقوبي حديثه عن المقتل كبقية المؤرخين علي عنوانات وموضوعات وإنَّما اقتصر فقط علي عنوان عام هو (مقتل الحسين بن علي)، ومن ثَمَّ شرعَ بالحديث عن التفاصيل مبتدئها بمسلم بن
ص: 53
عقيل وهانئ بن عروة(عليه السلام) ومقتلهما، بعدها تحدَّث عن مسير الإمام الحسين(عليه السلام)، دون أن يتتبع المواقع الجغرافية التي سار بها الركب باستثناء ذكره لمنطقة القطقطانية((1)) التي جاء بها خبر مقتل مسلم بن عقيلللحسين(عليه السلام)، ثم ينتقل بعد ذلك إلي الإلتحام العسكري بين الطرفين، وختم حديثه عن الأسر والسبي الذي تعرَّض له أهل البيت في الشام((2)).
ومن الجدير بالذكر أنَّ اليعقوبي اهتمَّ بالجانب الفلكي كثيراً في تاريخه وربطه بالأحداث، ولم يستثنِ المقتل من ذلك، فقد حدَّد اليوم الذي استُشهِد فيه الإمام الحسين(عليه السلام) من الناحية الفلكية ووضعية الأبراج ودرجاتها((3)).
ومن الملاحظ أنَّ أغلب ما أورده اليعقوبي عن المقتل لم يخرج عن سياق الرواية التقليدية باستثناء الرواية التي انفرد بها عن ولادة ولد للإمام الحسين(عليه السلام) في واقعة الطف بقوله: «حتي بقي وحده ما معه أحد من أهله، ولا ولده، ولا أقاربه، فإنَّه لواقف علي فرسه إذ أُتي بمولود قد وُلد له في تلك الساعة، فأذَّن في أذنه، وجعل يحنِّكه، إذ أتاه سهم، فوقع في حلق الصبي، فذبحه، فنزع الحسين السهم من حلقه، وجعل يلطِّخه بدمه ويقول: والله لأنت أكرم علي الله من الناقة، ولمحمد أكرم علي الله من صالح! ثم أتي فوضعه مع ولده وبني أخيه»((4)).
وأشار أحد الباحثين إلي هذه الرواية، بقوله: «وربما نجد في هذه الرواية التفسير
ص: 54
المنطقي لمعني وجود الطفل الرضيع بين يدي الحسين(عليه السلام) في ساحة المعركة، والسهام تنهال عليه، والتي فسحت المجال أمام المؤرخين لتصوير الإمام(عليه السلام) وكأنه يحمل الطفل ليطلب بهالماء، ولا نعلم كيف ممكن أن يتجهوا إلي مثل هذا الإتجاه، وهل ينتظر الإمام الحسين(عليه السلام) رحمتهم بالطفل...»((1)).
وتعليقاً علي رأي الباحث نقول إن لم يكن الإمام الحسين(عليه السلام) قد أخرج طفلاً في واقعة الطف ليطلب له الماء، وإنَّما ولد له في تلك الساعة فأخرجه، فنحن نتساءل لماذا أتي بالطفل الذي وُلد له في تلك الساعة إلي أرض المعركة ولم يبقَ مع أُمِّه؟ ثم لعلَّ طلب الماء لطفله من باب إلقاء الحجة علي أعدائه مع علمه المسبق بعدم حصوله علي الماء، وليكشف للعالم مدي وحشية هؤلاء وابتعادهم عن الإنسانية.
يُعَدُّ تأريخ الطبري من أهمِّ المصادر التاريخية في رواية مجمل الأحداث التي تناولها، ويأتي في مقدمة ذلك مادة المقتل الحسيني، إذ أورده بشكل كامل متبعاً في ذلك منهج سلسلة الأسناد في إيراد الروايات((2)).
ومن الجدير بالذكر أنَّ المقتل الذي أورده الطبري قد أعتمد في نقله بنسبة عالية علي مرويات أبي مخنف، ومن ثَمَّ علي هشام الكلبي، وبعدها علي النصِّ الروائي الذي نقله عمار الدهني((3)) عن الإمام محمد الباقر(عليه السلام)، وتأتي أهمية تاريخالطبري من
ص: 55
كونه حفظ لنا بعضاً من كتب المقاتل المفقودة والتي لم تصلنا.
وبخصوص مرويات كلٍّ من أبي مخنف وهشام الكلبي سنركِّز عليهما بالدراسة والتحليل، بشكل مفصل في الفصل الثاني والثالث والرابع من هذه الأطروحة، علي حين ستتركز دراستنا في هذا الفصل علي النص الروائي لعمّار الدهني.
يشكِّل النصُّ الروائي عن المقتل المروي عن الإمام محمد الباقر(عليه السلام) والمنقول عن عمّار الدهني، محوراً مهماً في رفد المقتل بالمادة التاريخية المهمة، فضلاً عن ذلك فمرويات الإمام الباقر(عليه السلام) حول معركة الطف غاية في الأهمية؛ لأنَّه نقل أحداثها عن أبيه الإمام زين العابدين(عليه السلام) الذي تابع تلك الأحداث، وبذلك اكتسبت أهمية تاريخية من حيث الزمان والمكان؛ لأنَّ الإمام زين العابدين(عليه السلام) عاصر الأحداث وشاهد جميع فصولها، ورواها بأمانة وثقة((1)).
وقبل الدخول في دراسة النصِّ لا بدّ من الإشارة إلي أنَّ الطبري يُعَدُّ الناقل الأول من الناحية الزمنية لنصِّ عمار الدهني، والذي شغل تقريباً ثمان صفحات((2)).
شرع الطبري بنقل النصِّ بقوله: «حدثني زكرياء بن يحيي الضرير((3)) قالحدثنا أحمد بن جناب المصيصي، ويُكنَّي أبا الوليد((4)) قال حدثنا خالد بن يزيد بن أسد بن عبد
ص: 56
الله القسري((1)) قال حدثنا عمار الدهني قال قلت لأبي جعفر حدثني بمقتل الحسين حتي كأني حضرته قال...»((2)).
هنا يجب أن يخضع هذا النصُّ لدراسة سند سلسلته الروائية؛ لكونه نصَّاً مهماً لاحتوائه علي مادة تاريخيه متسلسلة بنصٍّ واحد عن المقتل من ناحية، وينتهي سنده بالإمام المعصوم(عليه السلام) وهو الإمام الباقر(عليه السلام) من ناحية أخري، وعند تتبع مدي وثاقة هذه السلسة التي بموجبها وصل إلينا هذا النصّ تتضح لنا جملة من النقاط المهمة والأساسية في بيان مدي وثاقة النصِّ وسلسلة رواته، منها:
أ - يبدأ النصُّ بالراوي زكرياء بن يحيي، والذي قال عنه أبو حاتم الرازي بأنَّه: «ليس بشيء»((3)) ولعلَّ هذه أولي نقاط الضعف في السلسة.
ب - أمّا الراوي الثاني أحمد بن جناب، فقد وثَّقه بعض المؤلفين وعدوه منالرواة الموثوق بهم((4)).
ت - أمّا الراوي المباشر عن عمار الدهني للنصِّ فهو خالد بن يزيد القسري،
ص: 57
الذي ضعَّفه العديد من المؤرخين، ووصفوه بعدم تمتعه بالوثاقة، وأنَّ أحاديثه لا يمكن الأعتماد عليها، منهم:
أ- العقيلي (ت322ﻫ/924م): «خالد بن يزيد القسري لا يُتابع علي حديثه»((1)).
ب - ابن عدي (ت365ﻫ/967م): «خالد بن يزيد... أحاديثه كلُّها لا يُتابع عليها لا إسناداً ولا متناً ولم أرَ للمتقدمين الذين يتكلمون في الرجال لهم فيه قول، ولعلَّهم غفلوا عنه، وقد رأيتهم تكلموا في من هو خير من خالد هذا، فلم أجد بدّاً من أن أذكره وأن أبيِّن صورته عندي، وهو عندي ضعيف، إلا أنَّ أحاديثه إفرادات ومع ضعفه كان يُكتب حديثه»((2)).
ت - ابن الجوزي (ت597ﻫ/1199م): «أحاديثه كلُّها لا يُتابَع عليها لا متناً ولا إسنادا»((3)).
ث - الذهبي (ت748ﻫ/1350م): «لا يُتابَع علي رواياته»((4)).
ج - ابن العجمي (ت841ﻫ/1343م): فقد نقل مجمل الآراء آنفة الذكر التي ضعَّفته مما يشير إلي ذهابه للطعن به أيضاً بقوله: «خالد بن يزيد بن أسدالقسري، قال ابن عدي هو عندي ضعيف، وقال ابن أبي حاتم سألت أبي عنه فقال ليس بقوي، وقد ذكره الذهبي وذكر تعقيب ابن أبي حاتم في كونه جعلهما اثنين، وذكر العقيلي أنه لا يُتابع علي حديثه، ثم ذكر الحديث المشار إليه، وقد ذكر بن الجوزي حديثاً في باب موت المرأة، ثم قال موضوع والمتهم به خالد بن يزيد بن أسد القسري، ثم ذكر ابن عدي
ص: 58
أحاديثه كلَّها لا يُتابع عليها لا متناً ولا سنداً»((1)).
ونستنتج من ذلك كلّه أنَّ السند الروائي لنصِّ عمار الدهني يشوبه كثير من الشكِّ والضعف؛ لورود رواة فيه لا يتمتعون بالوثاقة والأمانة في النقل في طريقه السندي، مما ينتج عن ذلك التعامل بحذر مع الروايات التي أوردها وعدم التسليم المطلق لها.
أمّا من ناحية مضمون رواياته وطبيعتها فيبدأ النَّصُّ بالحديث عن إقدام والي المدينة الوليد بن عتبة بمحاولة أخذ البيعة من الإمام(عليه السلام)، بعدها انتقل إلي مراسلة أهل الكوفة له(عليه السلام)، ثم استعرض دور مسلم بن عقيل(عليه السلام) في نهضة الحسين(عليه السلام)، واسترسل بعد ذلك ليتحدث عن دخول عبيد الله بن زياد إلي الكوفة والأحداث التي رافقت ذلك، ثمَّ عرَّج بحديثه عن مقتل كلٍّ من مسلم بن عقيل وهانئ بن عروة(عليه السلام)، بعدها تناول مسير الإمام الحسين(عليه السلام) إلي العراق، ليختم حديثه عما جري لآل البيت(عليه السلام) في الأسر إلي الشام حتي رجوعهم للمدينة المنورة((2)).ومن الجدير بالذكر أنَّ الطبري أجري مقارنة بين رواية عمار الدهني وأبي مخنف بخصوص المادة التاريخية عن حادثة مسلم بن عقيل(عليه السلام)، مرجِّحاً مادة أبي مخنف، بقوله: «وأما أبي مخنف فإنه ذكر من قصة مسلم ابن عقيل وشخوصه إلي الكوفة ومقتله قصة هي أشبع وأتم من خبر عمار الدهني عن أبي جعفر»((3)).
وقد نقل نصَّ عمار الدهني أكثرُ من مؤرخ بعد الطبري منهم المزي
ص: 59
(ت742ﻫ/1344م)((1))، والذهبي((2))، وابن كثير (ت774ﻫ/1376م)((3))، وابن حجر (ت 852ﻫ/1454م)((4)).
وعند دراسة النصِّ بشكل دقيق تتضح لنا عدَّة أمور نستبعد فيها أن يكون النصُّ صادراً عن الإمام الباقر(عليه السلام)، فينتج عن ذلك نتائج مفيدة منها: إمّا أن يكون النصُّ قد نُقل بالمعني وليس باللفظ، وحصل التحريف والتغيير فيه، وإمّا أن يكون الناقل وهو عمار الدهني قد حرَّف فيه، أو أن يكون الطبري - بوصفه الناقل الأول للنصِّ من الناحية الزمنية - قد غيَّر في ألفاظه وتعابيره ورواياته، وهنا أشار أحد الباحثين إلي هذا المعني بقوله: «ولذا فإنَّ مما يبعث علي الدهشة أن نجد في الرواية تحريفاً منكراً لوقائع التاريخ، فهي تخالف من عدة وجوه، بعض الحقائق الهامة المتصلة بمعركة كربلاء، ونرجِّح أنَّ ذلك ناشئ منتلاعب الرواة...»((5))، ومن جملة تلك الامور:
أ - رواية البيعة ونصّها: «مات معاوية والوليد بن عتبة بن أبي سفيان علي المدينة، فأرسل إلي الحسين بن علي ليأخذ بيعته، فقال له أخِّرني، وأرفق به فأخَّره، فخرج إلي مكة...»((6)).
وأشار أحد الباحثين إلي أنَّه عند مقابلة هذه الرواية مع ما نقله الصدوق عن الإمام الباقر(عليه السلام) نجدها خلاف ذلك بقوله: «فإنَّه لم يذكر طلب الإمام الحسين(عليه السلام)
ص: 60
من والي المدينة تأخيره، بل يؤكِّد أنَّ الإمام الحسين(عليه السلام) قد رفض أن يبايع ليزيد عند والي المدينة، فكتب الأخير إلي يزيد: فإنَّ الحسين بن علي(عليه السلام) ليس يري لك خلافة ولا بيعة، فرأيك في أمره والسلام، ويضيف قائلاً: وإذا صحَّت رواية المزي بطلب الإمام الحسين(عليه السلام) التأخير عن البيعة، فيبدو أنَّها محاولة منه للتمويه وكسب الوقت، فموقف الإمام الحسين(عليه السلام) من البيعة ليزيد واضح منذ أيام معاوية»((1)).
أ - التعبير عن السيدة العلوية التي أراد الشامي أخذها بأنَّها وصيفة، ونصُّ ذلك: «وحملهم إلي يزيد فلما قدموا عليه جمع من كان بحضرته من أهل الشام، ثم أدخلوهم فهنأوه بالفتح، قال رجل منهم أزرق أحمر ونظر إلي وصيفة من بناتهم فقال يا أميرالمؤمنين هب لي هذه، فقالت زينب لا والله ولا كرامة لك ولا له إلا أن يخرج من دين الله، قال فأعادهاالأزرق فقال له يزيد كفَّ...»((2)).
نستبعد أن يصف الإمام الباقر(عليه السلام) تلك العلوية سليلة آل البيت(عليه السلام) بهذا الوصف الذي لا يتوافق مع أخلاق وسموِّ ومكانة الإمام(عليه السلام) من جانب، ولا يليق بسيدة علوية طاهرة من جانب آخر.
ب - رواية تراجع الإمام الحسين(عليه السلام) ما نصُّها: «فتوجَّه إليه عمر بن سعد فلما أتاه قال له الحسين اختر واحدة من ثلاث إمَّا أن تدعوني فانصرف من حيث جئت، وإمَّا أن تدعوني فأذهب إلي يزيد، وإمَّا أن تدعوني فألحق بالثغور، فقبل ذلك عمر، فكتب إليه عبيد الله لا ولا كرامة حتي يضع يده في يدي، فقال له الحسين لا والله لا يكون ذلك أبداً، فقاتله فقتل أصحاب الحسين كلُّهم...»((3)).
سنترك نقاش الرواية هذه للفصل الرابع من هذه الأطروحة، إلا أنَّه يمكن
ص: 61
الإشارة إلي أنَّها لا يمكن أن تصدر من الإمام الحسين(عليه السلام) الذي أراد تغيير الأوضاع الفاسدة، والثورة ضدَّها أن ينزل علي حكم يزيد ابن معاوية الذي وصفه(عليه السلام) بأنَّه«رجل فاسق شارب الخمر قاتل النفس المحرمة»((1)).
فضلاً عن ذلك فقد ناقش أحد الباحثين هذه الرواية بشكل مستفيض بقوله: «وهذه الخيارات الثلاثة لم يذكرها الشيخ الصدوق في روايته عن الإمام الباقر(عليه السلام)، وهي تبدو ضعيفة التطلع ولا تتماشي وطروحات الإمام الحسين(عليه السلام) في هذه المرحلة، فهل يُعقل أنَّ الإمام(عليهالسلام) يطلب منه السماح له بالإلتحاق بالثغور بأهل بيته والأطفال التي معه والنساء، وهو القائل: وإنِّي لم أخرج أشراً ولا بطراً... فهل طلب الإصلاح الذي دعا إليه الإمام الحسين(عليه السلام) في عنوان نهضته يتحقَّق بالإلتحاق بالثغور؟ أو أن يطلب منه الذهاب إلي يزيد؟ وهو الشخص الذي رفض بيعته منذ أيام معاوية... أمَّا الخيار الثالث فهو طلب العودة إلي المدينة، وهذا الطلب يبدو أيضاً ضعيف ولا يوجد له مبرِّرٌ، فمتي خرج الإمام الحسين(عليه السلام) قسراً من المدينة حتي يطلب العودة إليها، والدلائل كلُّها تشير إلي أنَّه خرج بإرادته»((2)).
ت - رواية تفرُّق أنصار مسلم بن عقيل(عليه السلام) ولجوئهِ إلي دار طوعة ونصّها: «أشرفوا علي عشائرهم فجعلوا يكلمونهم ويردونهم، فجعل أصحاب مسلم يتسلَّلون حتي أمسي في خمسمائة فلما اختلط الظلام ذهب أولئك أيضاً، فلما رأي مسلم أنَّه قد بقي وحده يتردَّد في الطرق حتي أتي بابا فنزل عليه فخرجت إليه امرأة، فقال لها اسقيني فسقته، ثم دخلت فمكثت ما شاء الله، ثم خرجت فإذا هو علي الباب قالت يا عبد الله إنَّ مجلسك مجلس ريبة فقم، قال إنِّي أنا مسلم بن عقيل فهل عندك مأوي؟
ص: 62
قالت نعم ادخل...»((1))، لا يمكن الركون إلي هذه الرواية، لعدة أسباب منها اختلافها مع خبر أبي مخنف - والتي سنفصِّل الحديث عنه في الفصل الرابع من هذه الأطروحة - من حيث إنَّها مقتضبة، ولم ترد فيها التفاصيلالدقيقة، فضلاً عن أنَّها اختلفت معها في عدد الذين بقوا مع مسلم بن عقيل(عليه السلام) ومراحل تفرُّقهم، يضاف إلي ذلك أنّ الرواية لم تشر إلي اسم طوعة؟ ولم تذكر المسجد وصلاة مسلم فيه، ولم تتطرق لحديث مسلم وطوعة في الباب، والذي فيه كشف لها أسراره وشخصه، فضلاً عن ذلك تحمل تلك الرواية بعض التشكيكات والتي سنناقشها بشكل أوسع عند التعرض لها ضمن مرويات أبي مخنف.
ويتضح لنا من خلال ذلك كلّه، أنَّ نصَّ عمار الدهني الذي يسنده إلي الإمام الباقر(عليه السلام)، لا يتمتع بالوثاقة من ناحية السند والمتن علي حدٍّ سواء، وأنَّ الروايات الواردة فيه بعضها ضعيفة وتثير الشكَّ؛ لذا لا يمكن الإعتماد علي هذا النصِّ والتسليم به؛ بكونه صادراً عن الإمام المعصوم(عليه السلام)، ولعل هذه أهمّ النقاط التي استوقفتنا في دراسة هذا النصِّ.
6- البدء والتاريخ، المنسوب لأبي زيد أحمد بن سهل البلخي (ت322ﻫ/924م)((2))
يُلاحَظ أنَّ البلخي استعمل الإسناد الجمعي الذي سبقه إليه في ذلك اليعقوبي في تاريخه، وقد قسَّم البلخي مصنَّفه علي أساس الموضوعات والعناوين، ولم يستثنِ
ص: 63
إيراده للمقتل عن منهجه العام الذي اتبعه، إلا أنَّ السِّمة الغالبة التي امتاز بهاالمقتل هو الاقتضاب الشديد، إذ لم يتجاوز الصفحتين، مبتدئاً بحادثة مقتل مسلم بن عقيل(عليه السلام) ومنتهياً بحادثة الأسر والسبي التي تعرَّض له الركب الحسيني في الشام((1)).
لم يُشر البلخي إلي ذكر أيٍّ من المصادر التي اعتمد عليها في نقل رواياته عن المقتل، وإنَّما أوردها بصيغة الجمع «قالوا»((2)) دون أن يحدِّد لنا مصادره.
وشكَّك البلخي ببعض الروايات التي أوردها مستعملاً لفظ: (وزعم)؛ منها الرواية التي أشارت إلي إقدام الوالي عبيد الله بن زياد بتكليف عمر بن سعد لحرب الإمام الحسين(عليه السلام) وقتله، وكذلك تشكيكه بروايات ضرب ثنايا الإمام الحسين(عليه السلام)، مع أنَّه أشار إلي حصول حادثة ضرب الثنايا مرتين: الأولي في مجلس عبيد الله بن زياد في الكوفة، والثانية عند يزيد بن معاوية في الشام((3))، أي أنَّه رجَّح وقوع الحادثة مرتين وليس مرة واحدة، فضلاً عن ذلك فهو يميل إلي تبرئة يزيد بن معاوية من قتل الإمام الحسين(عليه السلام).
وهنا تجدر الإشارة إلي أنَّ تشكيك البلخي بحادثة ضرب ثنايا الإمام الحسين(عليه السلام) سواء من قبل الوالي عبيد الله بن زياد، أو يزيد بن معاوية لا يصمد أمام القرائن والأدلَّة والروايات التي أثبتت تلك الواقعة وبشكل متواتر((4)).
ص: 64
وختم البلخي حديثه عن المقتل بتوجيه اتهامه للروافض (الشيعة)؛ لكونهم أضافوا كثيراً من الروايات والأخبار للمقتل دون أن يذكرها، أو يشير إليها بقوله: «إنَّ للروافض في هذه القصة من الزيادات والتهاويل شيئاً غير قليل»((1)).
وهنا لا بدّ من القول أنَّ البلخي وجَّه اتهاماً لمؤرخي الشيعة بتحريف رواية المقتل، لكن دون أن يحدِّد لنا من هم هؤلاء المؤرخون الشيعة؟ وماهي المادة التاريخية التي أضافوها للمقتل؟ كلُّ ذلك لم يجبنا عليه البلخي، مما يجعل اتهامه هذا لا قيمة علمية له، بل مجرَّد تصريح لا نصيب له من الصحة.
التزم المسعودي تقسيمه للتاريخ بحسب الموضوعات، فجعل الأمم والأنبياء والملوك والأسر محاورلدراسته، وهو المنهج الذي سبقه إليه أبو حنيفة الدينوري في الأخبار الطوال، كما تابع المنهج الذي اعتمده اليعقوبي قبله بإسقاط الأسانيد ووصل الأخبار والإكتفاء بذكر مصادره في مقدمة الكتاب((2)).
بالمنهجية نفسها هذه عرض المسعودي مادته التاريخية عن المقتل، إذ أوردها ضمن حديثه عن حكم يزيد بن معاوية، وقد قسَّمه إلي عدَّة محاور مبتدئها بعنوان عام للموضوع وهو: (ذكر مقتل الحسين بن علي ابن أبي طالب(عليه السلام) ومَن قُتِل معه من أهل بيته وشيعته)، بعدها تناول المقتل وفق المواضيع التي حدَّدها وبالشكل الآتي: «ذكر مقتل الحسين بن علي بن أبي طالب(عليه السلام) ومَن قُتِل معه من أهل بيته وشيعته،
ص: 65
أهل الكوفة يدعون الحسين، مسلم بن عقيل يتقدم الحسين إلي الكوفة، ابن عباس((1)) ينصح الحسين، يزيد يستعدُّ، مقتل هانئ بن عروة، الحسين يقاتل جيش ابن زياد، أسماء ولد علي وأمهاتهم، رثاء قتيل الطف»((2)). ومن الملاحَظ أنَّ المسعودي لم يسهب كثيراً في تفاصيل المقتل ومقدِّماته وحيثياته، إذ شغلت مجمل المادة التاريخية عنه عشر صفحات تقريباً((3))، ولم نلحظ فيها أيّ نقد تاريخي، أو تحليل قد مارسه المسعودي.
ولابدَّ من التركيز علي أمرين مهمَّين تعرَّض لهما المسعودي، الأول: إنَّ جميع مَن شارك بحرب الإمام الحسين(عليه السلام) في واقعة الطف هم من أهل الكوفة بقوله: «وكان جميع من حضر مقتل الحسين من العساكر وحاربه وتولَّي قتله من أهل الكوفة خاصة، لم يحضرهم شامي»((4))، وهو أمر لا يمكن قبوله؛ فهناك العديد من العناصر غير الكوفية التي اشتركت في حرب الإمام الحسين(عليه السلام).
وفي تحليل لأحد الباحثين عن سبب إيراد المسعودي لهذه الرواية، قال: «قد يكون دافع المسعودي إلي حصر قتلة الإمام الحسين(عليه السلام) بأهل الكوفة، هو سعيه لتبرئة أبناء كبار الصحابة في المدينة المنورة ومكة، وتبرئة أهل الشام والمدينة من قتل الإمام الحسين(عليه السلام)، علماً أنَّ مَن اشترك في قتل الحسين(عليه السلام) هم من المدينة المنورة ومكة والشام أيضاً ونستدلُّ علي ذلك من الشخصيات التي كانت في جيشيزيد بن معاوية، ومن كان منهم من المدينة مثل الحصين بن النمير وعمر بن سعد... ونستغرب أيضاً من إلقاء المسعودي اللائمة علي أهل الكوفة فقط، فحقيقة النصوص التاريخية تقودنا إلي القول أنَّ قتل الحسين(عليه السلام) شاركت به شخصيات من بلدان عدَّة لم تكن الكوفة المغلوبة
ص: 66
علي أمرها يومئذ هي مَن تتحمَّل المسؤولية وحدها في ذلك»((1)).
ومما يجدر التنويه إليه أنَّ الباحث أشار في نصِّه أعلاه إلي أنَّ الحصين بن نمير من شخصيات المدينة، وهو غير صحيح؛ فهو شخصية شامية وتحديداً من أهل حمص((2))، وليس من رجالات المدينة.
أمّا الأمر الثاني: فهو التناقض في عدد من كان مع الإمام الحسين(عليه السلام) ففي رواية له ما نصُّها: «فعدل إلي كربلاء - وهو في مقدار خمسمائة فارس من أهل بيته وأصحابه ونحو مائة راجل - فلما كثرت العساكر علي الحسين أيقن أنَّه لا محيصَ له...»((3))، علي حين نجد خبراً آخر يناقض تلك الرواية بقوله: «وكان جميع من قُتل مع الحسين في يوم عاشوراء بكربلاء سبعة وثمانون»((4)).
ويميل أحد الباحثين إلي صحَّة هذه الرواية في تحديدها لعدد أنصار الإمام(عليه السلام) بقوله: «إنَّ هذه الرواية تختلف عن كلِّ الروايات المعروفة التي أُحصيت لنا، أو قدَّرت لنا العدد الكلي لأنصار الحسين(عليه السلام) فيواقعة الطف. ولربما تكون رواية المسعودي صحيحة إذا كان في إطارها الجغرافي، أي قبل أن يتفرَّق الناس عن الإمام الحسين(عليه السلام) في موقع زُبالة((5)) عندما علموا بمقتل مسلم بن عقيل وأصحابه وخطب بهم الحسين(عليه السلام) وأذِن لهم بالإنصراف»((6)).
ص: 67
ولعلَّ هذا التناقض يدلُّ علي أنَّه لا يوجد رقم ثابت لعدد أنصار الإمام(عليه السلام)، وهناك تعتيم إعلامي حول العدد الحقيقي للأنصار، فضلاً عن ذلك فقد طرح أحد الباحثين جملة من التشكيكات حول هاتين الروايتين منها أنَّ المسعودي «لا يسعفنا بمعلومة عن مصير الباقين هل نجوا من المعركة؟ وكيف؟ ومتي؟ لذا تبقي هذه الرواية ضمن الروايات المنفية من المؤرِّخ نفسه»((1)).
ونختم حديثنا عنه ببيان روايتين متضاربتين له في تحديده للقاتل المباشر للإمام الحسين(عليه السلام)، فقد أشار في الأولي أنَّ «الذي تولّي قتله رجل من مذحج واحتزَّ رأسه، وانطلق به إلي ابن زياد...»((2))، علي حين حدَّد في الثانية الشخصية بقوله: «وطعنه سنان بن أنس النخعي، ثم نزل فاحتزَّ رأسه...»((3)).
وهنا لا بدّ من الإشارة إلي أنَّ المسعودي قد أورد المقتل أيضاً في كتابه إثباتالوصية، لكن بشكل مقتضب جداً، ولم يشر إلي أيٍّ من المصادر التي أستعملها، وإنَّما ذكرها بصيغة مجهولة: «ورُوي»((4)).
وخصَّص عنواناً عاماً للحديث عنه هو «قصة كربلاء»((5)) وقد أستهلَّ حديثه برواية حديث أمِّ سلمة عن القارورة، ثم ذكر بعد ذلك بقية الأحداث حتي استشهاد الإمام(عليه السلام)((6)).
ونختم حديثنا عنه بعرضنا لرواية نشكُّ بصحتها - لأنَّها لا تنسجم مع المنطق
ص: 68
العقلي - بما نصّها: «ورُوي أنَّه - أي الإمام الحسين(عليه السلام) - قتل بيده ذلك اليوم ألفاً وثماني مائة مقاتلاً»((1)). ويمكن تسجيل عدَّة نقاط عنها؛ لمخالفتها الموازين العقلية والنواميس الطبيعية.
أ - الرواية لا يُعتمد عليها من الناحية التاريخية، لكون المسعودي أوردها بصيغة مجهولة ومبهمة وهي (ورُوي) فمن هو الذي رواها؟ وما مصدرها؟
ب - كيف لشخص واحد أن يقدم علي قتل هذا العدد الكبير من المقاتلين العسكريين المدرَّبين والمجهَّزين بكافة العدد العسكرية؟ وكم يحتاج من الوقت لذلك لو قارناه مع واقعة الطف التي استمرت لساعات محدودة؟ ولنفترض أنَّ كلَّ مقاتل يحتاج إلي قتله دقيقة واحدة - وإن كان الأمر غير ممكن عقلاً - فهذا يتطلب ثلاثين ساعة، أي يوماً كاملاً وستّ ساعات، بدون أيّ توقف أو انقطاع، وهذا أمر محال عقلاً.
اتَّبع مسكويه منهجية خاصة لطرح مادته التاريخية في مصنَّفه هذا، وقد أشار إلي منهجه في مقدمة كتابه قائلاً: «وإنّي لمّا تصفّحت أخبار الأمم، وسير الملوك، وقرأت أخبار البلدان، وكتب التواريخ، وجدت فيها ما تُستفاد منه تجربة لا تزال يتكرّر مثلها، ويُنتظَر حدوث شبهها وشكلها: كذكر مبادئ الدول، ونشء الممالك، وذكر دخول الخلل فيها بعد ذلك، وتلافي من تلافاه وتداركه إلي أن عاد إلي أحسن حال، وإغفال من أغفله واطَّرحه إلي أن تأدّي إلي الإضمحلال والزوال، وذكر ما يتّصل بذلك من السياسات في عمارة البلدان، وجمع كَلِم الرعيّة...»((2)).
ص: 69
فأشار مسكويه إلي الأساطير والخرافات، بقوله: «ووجدت هذا النمط من الأخبار مغموراً بالأخبار التي تجري مجري الأسمار والخرافات التي لا فائدة فيها غير استجلاب النوم بها، والإستمتاع بأنس المستطرف منها، حتي ضاع بينها، وتبدّد في أثنائها، فبطل الإنتفاع به، ولم يتصل لسامعه وقارئه اتصالاً يربط بعضه بعضاً، بل تُنسَي النكتة منها قبل أن تجيء أختها، وتتفلَّت من الذهن قبل أن تقيّدها نظيرتها، ويشتغل الفكر بسياقة خبرها دون تحصيل فائدتها...»((1)).
أمّا بخصوص موقفه من معجزات الأنبياء والرسل(عليهم السلام) فقال: «لم نتعرّض لذكر معجزات الأنبياء(عليهم السلام) وما تمّ لهم من السياسات بها؛ لأنّ أهل زماننا لا يستفيدون منها تجربة فيما يستقبلونه من أمورهم،اللَّهمّ إلَّا ما كان منها تدبيرا بشريّا لا يقترن بالإعجاز»((2)).
حدَّد مسكويه منهجه اتجاه المصادفة في التاريخ، بقوله: «وقد ذكرنا أشياء مما يجري علي الإتّفاق والبخت وإن لم يكن فيها تجربة، ولا تُقصد بإرادة. وإنّما فعلنا ذلك لتكون هي وأمثالها في حساب الإنسان وفي خلده ووهمه، لئلَّا تسقط من ديوان الحوادث عنده وما ينتظر وقوع مثله، وإن لم يستطع تحرّزاً من مكروهه إلَّا بالإستعانة بالله، ولا توقّعا لمحبوبه إلَّا بمسألته التوفيق، وهو(عزوجلّ) خير موفّق ومعين»((3)).
وبخصوص عرضه لمادة المقتل، يُلاحَظ أنَّه أوردها ضمن حديثه عن حكم يزيد بن معاوية، واستعرض الأحداث الأساسية للمقتل المتمثلة بوصية معاوية لولده يزيد، ثم تعرَّض لذكر مجمل الذين أبدوا المشورة علي حدِّ تعبيره للإمام
ص: 70
الحسين(عليه السلام)، بعد ذلك عرّج إلي مكاتبة أهل الكوفة للإمام(عليه السلام)((1)).
وخصَّص مساحة واسعة لحادثة مسلم بن عقيل وهانئ بن عروة(عليه السلام) ومقتلهما والأحداث التي ارتبطت بهما((2)).
وفضلاً عن ذلك تطرَّق لمجمل الأحداث السياسية والعسكرية التي تخصُّ دخول الإمام الحسين(عليه السلام) إلي العراق حتي إستشهاده(عليه السلام)((3)).
ومن الجدير بالذكر أنَّ مسكويه لم يذكر الأحداث ذات الطابع الإعجازي التيوقعت عقب استشهاد الإمام(عليه السلام)، ولعلَّ ذلك واضح، لأنَّ هذا يتعارض مع منهجيته القائمة علي أساس تجنُّب ذكر الحوادث التي تحمل طابعاً إعجازياً، وتعليل ذلك بعدم استفادة البشرية من المعاجز بصورة عامة بكونها خاصَّة بمن وقعت لهم((4)).
ولم نجد أيّ نقدٍ أو تحليل استخدمه مسكويه في طرحه لمادة المقتل، أو ذكره لروايات منفردة، وإنَّما أورد الرواية التقليدية للمقتل.
اتَّبع القضاعي في تاريخه المنهج الموضوعي في طرح الأحداث التاريخية، فجعل الخلفاء والشخصيات ذات المكانة، وبعض الأحداث ذات الطابع السياسي والديني والعسكري محاور لدراسته، وتطرَّق إلي المقتل من خلال حديثه عن
ص: 71
شخصية يزيد بن معاوية.
اتسمت أخبار المقتل عنده بالإقتضاب الشديد، حيث شغلت صفحتين((1))، ابتدأها بحديثه عن توجُّه الركب الحسيني للكوفة، فضلاً عن تعرضه بإشارة بسيطة لحادثة السبي لآل البيت(عليهم السلام) في الشام التي ختم بها حديثه((2)).
اعتمد ابن الأثير المنهج الحولي بشكل عام - في تاريخ الإسلام - فرتَّب كتابه بحسب السنين وهو المنهج الذي سبقه إليه الطبري في تاريخه، لكنَّه عالج نواقصهذا المنهج أحيانا، فحاول جمع ما يتصل بالحادثة الواحدة في موضع واحد، كما صنع مثل هذا مع الحكام الذين لم تطل مدَّة حكمهم((3)).
ولتسليط الضوء أكثر حول منهجيته لا بدّ أن نورد المنهج الذي اتَّبعه في عرض كتابه، والذي أورده في مقدمة مصنَّفه، إذ يقول: «ورأيتهم أيضاً يذكرون الحادثة الواحدة في سنة، ويذكرون منها في كل شهر أشياء فتأتي الحادثة مقطَّعة لا يحصل منها علي غرض، ولا تُفهم إلا بعد إمعان النظر، فجمعت أنا الحادثة في موضع واحد وذكرت كلَّ شيء منها في أيّ شهر أو سنة كانت؛ فأتت متناسقة متتابعة قد أخذ بعضها برقاب بعض»((4)).
وبخصوص عرضه للأحداث قال: «وذكرت في كلِّ سنة لكلِّ حادثة كبيرة مشهورة ترجمة تخصُّها، فأمَّا الحوادث الصغار التي لا يُحتمل منها كلّ شيء ترجمة فإنَّني
ص: 72
أفردت لجميعها ترجمة واحدة في آخر كلِّ سنة، فأقول ذكر عدة حوادث، وإذا ذكرت بعض مَن تبع وملك في قطر من البلاد ولم تطل أيامه فإنِّي أذكر جميع حاله من أوله إلي آخره عند ابتداء أمره؛ لأنَّه إذا تفرَّق خبره لم يُعرف؛ للجهل به، وذكرت في آخر كلِّ سنة مَن تُوفي فيها من مشهوري العلماء والأعيان والفضلاء، وضبطت الأسماء المشتبهة المؤتلفة في الخطِّ، المختلفة في اللفظ، الواردة فيه بالحروف ضبطاً يُزيل الإشكال، ويغني عن النقاط والأشكال...»((1)).وقال أحد الباحثين بخصوص المنهج الذي اتَّبعه ابن الأثير في عرض مادته التاريخية ما نصُّه «يقوم علي أساس إسقاط الأسانيد، وحذف الروايات المتكرّرة والمتعدِّدة علي الأغلب، ولم يذكر للحادثة الواحدة روايتين أو أكثر إلا قليلاً، كما أنَّه اعتمد أسلوباً جديداً في عرض الأحداث، فبدلاً من أن يتناول الحدث علي الطريقة التقليدية منذ بداياته الأُولي، اعتمد اختيار العنوان المعبِّر عن جوهر الحدث ونتيجته...»((2)).
- عرض مادة المقتل: استعرض ابن الأثير مادته التاريخية عن المقتل علي وفق المنهج الذي حدَّده في بداية مصنَّفه؛ إذ تحدَّث عن المقتل ضمن حديثه عن حكم يزيد بن معاوية مقسِّماً إيّاها علي عدَّة عناوين بعضها أساسية، وأخري جزئية وبالشكل الآتي:
1- بيعة يزيد بن معاوية.
2- ذكر الخبر عن مراسلة الكوفيين الحسين بن علي ليسير إليهم وقتل مسلم بن عقيل.
3- ذكر مسير الحسين إلي الكوفة.
ص: 73
4- ذكر مقتل الحسين(عليه السلام).
5- ذكر أسماء مَن قتل معه((1)).
وبصورة عامة فإنَّ ابن الأثير تطرَّق إلي المقتل وبشكل كامل ومُسهَب إلي حدٍّ ما، فضلاً عن ذلك فقد تعرَّض إلي السبي والأسر الذي تعرَّض له أهل البيت، سواءفي الكوفة أو الشام، والأحداث التي رافقت ذلك((2)).
أمّا المصادر التي اعتمدها ابن الاثير في إيراده لأخبار المقتل فلم يُشِر إلي أيٍّ منها إلا أنَّ مجمل أخباره تتطابق بشكل كبير مع مادة الطبري، لاسيما وإنَّه أشار إلي اعتماده عليه في مقدمة كتابه، بقوله: «فابتدأتُ بالتاريخ الكبير الذي صنَّفه الإمام أبو جعفر الطبري إذ هو الكتاب المُعَّول عند الكافة عليه، والمرجوع عند الإختلاف إليه، فأخذتُ ما فيه من جميع تراجمه، لم أخلَّ بترجمة واحدة منها، وقد ذكر هو في أكثر الحوادث روايات ذوات عدد، كلُّ رواية منها مثل التي قبلها، أو أقلّ منها، وربّما زاد الشيء اليسير أو نقصه، فقصدتُ أتمَّ الروايات فنقلتها وأضفتُ إليها من غيرها ما ليس فيها، وأودعت كلَّ شيء مكانه، فجاء جميع ما في تلك الحادثة علي اختلاف طرقها سياقاً واحداً علي ما تراه، فلما فرغت منه أخذت غيره من التواريخ المشهورة فطالعتها وأضفت منها إلي ما نقلته من تاريخ الطبري ما ليس فيه، ووضعت كلَّ شيء منها موضعه...»((3)). وقد عرض ابن الأثير المقتل الحسيني ومقدماته وحيثياته، فابتدأ بذكر مقدِّمات المقتل السياسية التي تتعلَّق بمحاولة أخذ البيعة من الإمام الحسين(عليه السلام) وبعض الشخصيات المؤثِّرة في المجتمع آنذاك، وقد أورد نصاً روائياً في
ص: 74
حادثة البيعة يستحقُّ الوقوف وهو: «فقال الحسين: أظنُّ أنَّ طاغيتهم قد هلك فبعث إلينا ليأخذنا بالبيعة قبل أن يفشو في الناس الخبر، فقال عبد الله بن الزبير وأنا ما أظنُّ غيره فما تريد أن تصنع؟ قال الحسين: أجمع فتياني الساعة ثم أمشي إليهوأجلسهم علي الباب وأدخل عليه، قال: فإنِّي أخافه عليك إذا دخلت، قال: لا آتيه إلا وأنا قادر علي الإمتناع، فقام فجمع إليه أصحابه وأهل بيته، ثم أقبل علي باب الوليد وقال لأصحابه إني داخل فإذا دعوتكم أو سمعتم صوتي قد علا فادخلوا عليَّ بأجمعكم وإلا فلا تبرحوا حتي أخرج إليكم...»((1)).
يثير هذا النصُّ عدَّة تساؤلات تجعله في دائرة الشكِّ والريبة، منها كيف للإمام الحسين(عليه السلام) أن يفكِّر في اقتحام مقرِّ الوالي آنذاك بمجموعة من الفتيان علي حدِّ تعبير الرواية، وهل السلطة في المدينة منهارة في ذلك الوقت أم في أوجِّ قوتها؟ فضلاً عن ذلك أنَّ جلوس الفتيان علي الباب بحسب الرواية أمر مشكوك فيه فأين حرس الوالي أو الشرطة؟ إذ بمجرد أن يُنادي عليهم يقتحمون مقرَّ الوالي، وينقذون الإمام(عليه السلام)، ثم إنَّ استدعاء الوالي للإمام كان بشكل طبيعي لا يثير الريبة أو الشكَّ أو التخوُّف، بحيث يلجأ الإمام إلي أخذ حرس له؛ تخوّفاً من أن تعتقله السلطة، ولعلَّ آخر تشكيك يمكن أن نورده ما هي المسافة بين مكان جلوس الوالي والباب؟ أي الخارج الذي بمجرد أن يناديهم الإمام يسمعونه ويلبُّون نداءه، كلُّ هذه الأمور تجعل هذه الرواية مشكوكاً فيها.
ومن الجدير بالذكر أنَّ البلاذري((2)) أسبق من الناحية الزمنية من ابن الأثير، قد أورد هذه الحادثة، لكن بدون ذكر التفاصيل التي وردت في النصِّ أعلاه.
ص: 75
ويلاحظ أنَّ ابن الأثير قد وجَّه انتقاداً تاريخياً وتحليلاً لبعض فقرات الرواية التي ذكرت وصية معاوية بن أبي سفيان لولده يزيد، ونصُّها: «أمّا الحسين بن عليفهو رجل خفيف ولن يتركه أهل العراق حتي يخرجوه، فإن خرج وظفرت به فاصفح عنه؛ فإنَّ له رحماً ماسَّة وحقاً عظيماً، وقرابة من محمد، وأمّا ابن أبي بكر((1)) فإن رأي أصحابه صنعوا شيئاً صنع مثله، ليس له همة إلا في النساء واللهو...»((2)).
إذ أشار ابن الأثير إلي أنَّ عبد الرحمن بن أبي بكر لم يكن علي قيد الحياة آنذاك، الأمر الذي دفعه إلي انتقاد تلك الرواية بقوله: «هكذا في هذه الرواية ذكر عبد الرحمن ابن أبي بكر، وليس بصحيح؛ فإنَّ عبد الرحمن بن أبي بكر كان قد مات قبل معاوية»((3))، وقد اختلفت المصادر في تحديدها لتأريخ وفاة عبد الرحمن، فبعضها أشارت إلي سنة ثلاث وخمسين للهجرة، علي حين رجّحت الأخري سنة الثمان والخمسين((4)).أشار ابن حجر برواية تؤكِّد وفاته قبل حصول عملية البيعة ليزيد بن معاوية، إذ قال: «وخرج إلي مكة فمات بها قبل أن تتمَّ البيعة ليزيد، وكان موته فجأة من نومة نامها
ص: 76
بمكان علي عشرة أميال من مكة، فحمل إلي مكة ودفن بها، ولما بلغ عائشة خبره خرجت حاجَّة فوقفت علي قبره فبكت...»((1)).
عقَّب ابن حجر بعد هذه الرواية إلي ذكر الآراء المختلفة في تحديد تأريخ وفاة عبد الرحمن، مرجِّحاً إيّاها بين سنة الثلاث والخمسين إلي الثمان والخمسين للهجرة((2)).
وعند مقارنة رواية ابن الأثير مع رواية الطبري((3)) نجدها طبق الأصل، مما يشير إلي أنَّ ابن الأثير قد نقلها اعتماداً علي تاريخ الطبري.
ولعلَّ نقد ابن الأثير للرواية والإختلاف بين المصادر في تاريخ وفاة عبد الرحمن، أكان موجوداً في عهد وصية معاوية أم لا، ينتج عدة احتمالات ونتائج مفيدة، منها:
1- الإحتمال الأول: أنَّ عبد الرحمن لم يكن علي قيد الحياة إبّان وصية معاوية وإنّما توفي قبلها، ويمكن قبول هذا الإحتمال لكن بعد تضعيف رواية ابن قتيبة والطبري وابن الأثير؛ ليصبح الإحتمال مقبولاً.
2- الإحتمال الثاني: وهو ما ذهب إليه أحد الباحثين، بقوله: «إنَّ ابن الأثير أراد من تأكيده وفاة عبد الرحمن أن يتخلَّص من التشكيك بشرعية ما فعله معاوية عن طريق الموقف المعارض لعبد الرحمن بن أبي بكر، فهو ابن الخليفة الأول علي كلِّ حال، فلا يبقي موقف أحد مشكلاً بالنسبة إليه إلا موقف ابن عمر وهو هين؛ لأنَّ أمره سيؤول إلي الموافقة في نهاية المطاف، أمّا ابن الزبير فتعساً له؛ منبوذ عند الجميع، فليس هو بمرضي عند أنصار موقف الحسين، ولا عند أنصار الموقف الآخر الذي مثَّله الإتجاه
ص: 77
الآخر الغالب في التاريخ»((1)).
3- الإحتمال الثالث: أنَّ عبد الرحمن كان موجوداً، وبعد الوصية بمدة وجيزة توفي، ويبدو هذا الإحتمال هو الأقرب للقبول، وهذا ما نجده في رواية البلاذري، بقوله: «وأمّا عبد الرحمن فشيخ عشمة، هامة اليوم أو غد وهو مشغول عنك بالنساء، وأمّا الذي يجثم لك جثوم الأسد، ويراوغك مراوغة الثعلب فإن أمكنته فرصة وثب، فهو عبد الله بن الزبير، فإذا فعلها فاستمكنت منه فلا تبقِ عليه، قطَّعه إربا إربا إلَّا أن يلتمس منك صلحا، فإن فعل فاقبل منه، واحقن دماء قومك ما استطعت، ولم يمكث إلَّا يسيراً حتّي أتاه موت عبد الرحمن بن أبي بكر فدعا يزيد فبشّره بذلك...»((2)).
ونفي ابن الأثير حضور يزيد في مرض معاوية ووصيته بقوله: «وقيل:إنَّ يزيد كان غائباً في مرض أبيه وموته... وهو الصحيح»((3))، ويتفق ابن الأثير مع منسبقه من المؤرِّخين((4)) في هذا الرأي.
ويورد ابن الأثير بعض الروايات التي نشكِّك بمصداقيتها، منها حديث الإمام الحسين(عليه السلام) مع أخته زينب بنت علي(عليهما السلام) قائلاً: «يا أخية لا يذهبن بحلمك الشيطان، قال بأبي أنتِ وأمي استقلت نفسي لنفسك الفداء فردَّد غصته وترقرقت عيناه، ثم قال: لو تُرك القطا ليلاً لنام، فلطمت وجهها وقالت وا ويلتاه أفتغصبك نفسك اغتصابا فذلك أقرح لقلبي، وأشدُّ علي نفسي، ثم لطمت وجهها وشقَّت جيبها، وخرَّت مغشياً
ص: 78
عليها، فقام إليها الحسين فصبَّ الماء علي وجهها، وقال اتقِ الله وتعزَّي بعزاء الله، واعلمي أنَّ أهل الأرض يموتون، وأهل السماء لا يبقون وأنَّ كلَّ شيء هالك إلا وجه الله...»((1)).
ومن الجدير بالذكر أنَّ هذه الرواية قد أوردها مسكويه((2)) لم ترد فيها العبارات التي لا تليق بالسيدة زينب(عليها السلام) من قبيل (شقَّت جيبها)، مما يشير إلي أنَّ تلك الفقرات أضيفت إلي الرواية لاحقاً من قبل بعض المؤرخين، ولعلَّ سبب ذكرها هو للطعن بالسيدة زينب(عليها السلام)، والتقليل من مكانتها وأثرها في النهضة الحسينية.
استخدم ابن الأثير أحياناً منهج تعدُّد الروايات في أخبار المقتل، وإن كان بشكلمحدود، من قبيل تحديده لحاملي رأس الإمام الحسين(عليه السلام) وأصحابه إلي الوالي عبيد الله بن زياد، فأورد هنا روايتين الأولي:تشير إلي أنَّ حاملي هذه الرؤوس هما كلٌّ من «خولي بن يزيد وحميد بن مسلم الأزدي»((3))، علي حين ذكرت الرواية الثانية:أنَّ حاملي الرؤوس هم «شمر بن ذي الجوش وقيس بن الأشعث وعمرو بن الحجاج وعروة بن قيس»((4))، ومن الملاحظ أنَّ الرواية الأولي تتفق مع ما ذهب إليه الطبري والنويري((5)).
وبالمنهج نفسه أورد ابن الأثير روايتين في تحديده للوفد الذي رافق السبي إلي
ص: 79
الشام بقوله: «ثمّ أرسل ابن زياد رأس الحسين ورؤوس أصحابه مع زحر بن قيس((1)) إلي الشام إلي يزيد ومعه جماعة، وقيل: مع شمر بن ذيالجوشن وجماعة معه، وأرسل معه النساء والصبيان...»((2))، وهنا يرجح ابن الأثير الرواية الأولي ويوردها بكلِّ تفاصيلها ويعتمدها((3))، ولعلَّ هذه الإشارات المنهجية التي عرضناها هي أهمُّ النقاط التي عرضها ابن الأثير لمادة المقتل.
تُعدُّ كتب الأنساب من المصادر المهمة في التاريخ الإسلامي؛ إذ تزود الباحث بمادة تاريخية خصبة لما تحويه من معارف شتَّي، كمعرفة أسماء الرجال وأحوالهم وأقوالهم ومراتبهم((4))، ومن هنا تأتي أهمية هذه الكتب في ذكر مَنْ شارك في معركة
ص: 80
الطفِّ، ومعرفة أثرهم في ذلك، وسنعتمد في عرض آراء أبرز المؤرِّخين الذين صنَّفوا في هذا المجال وفق التسلسل الزمني:
أورد ابن الكلبي تفاصيل مَن شارك في ثورة الإمام الحسين(عليه السلام)، وذكر منهم قيس بن مسهر الصيداوي((1)) الذي أرسله الإمام الحسين(عليه السلام)إلي أهل الكوفة وكتب إليهم كتاباً، فلما وصل إلي القادسية((2))، تمَّ اعتقاله من قبل أعوان السلطة الأموية((3)).
وفي رواية أخري ذكر فيها الحرَّ بن يزيد((4)) بقوله: «لما عرض الإمام الحسين علي ابن مرجانة ما عرض فلم يقبل منه وصار الحرُّ إلي الحسين(عليه السلام) فقاتل معه حتي قُتل»((5)) ومن هنا يتضح لنا بأنَّ الحرَّ بن يزيد التحق مع بعض الأنصار من معسكر الجيش الإموي إلي معسكر الإمام الحسين(عليه السلام) وقاتلوا بين يديه حتي استُشهِدوا.
ص: 81
أمّا في كتابه نسب معد واليمن الكبير فهو من عنوانه يعرض لنا أنساب القبائل اليمنية، إلا أنَّه أورد فيه أسماء مَن كان مع الإمام الحسين(عليه السلام) في واقعةالطفِّ بقوله: «اخرج النفر المذحجيون إلي الحسين بن علي(عليه السلام) بالكوفة»((1))، والملاحَظ علي الرواية أنَّها لم تحدِّد عدد هؤلاء الرجال، ومَن هم، علي حين نجد أنَّ الطبري أورد رواية قريبة إلي هذا المعني، إذ ذكر بأنَّ هناك أربعة فتيان من اليمن جاؤوا إلي أميرالمؤمنين علي بن أبي طالب(عليه السلام)، وعرضوا له قضية تتعلَّق بأختهم فقام الإمام(عليه السلام) بحلها، فتعجبوا من ذلك، وبقوا في الكوفة مرافقين للإمام علي(عليه السلام)، ثم للإمام الحسن(عليه السلام)، ثم جاؤوا مع الإمام الحسين(عليه السلام) إلي كربلاء واستُشهِدوا معه((2)).
ومن الملاحظ أنَّ هؤلاء الفتية لم تذكرهم المصادر الأولية - بحسب اطلاعنا - وقد انفرد الطبري بذكرهم دون الإشارة إلي أسمائهم، ويُحتمل من خلال المقارنة بين الروايتين أنَّ المذحجيين المشار إليهم من قبل ابن الكلبي الذين خرجوا مع الإمام الحسين(عليه السلام) هم الفتية أنفسهم الذين ذكرهم الطبري، وقد استُشهِدوا في معركة الطف.
تركَّزت معظم رواياته علي مادة المقتل من خلال ذكره لقتلي بني هاشم، وعرض أنسابهم ووفياتهم((3)).
ومن الروايات التي تستحقُّ الوقوف والتأمل التي ذكرها مصعب الزبيري
ص: 82
قوله: «لما قُتل الحسين قال عمر بن سعد لا تعرضوا لهذا المريض، قال عليبن الحسين فغيبني رجل منهم، وأكرم نزلي، واحتضنني وجعل يبكي كلما خرج ودخل، حتي كنت أقول: إن يكن عند أحد من الناس وفاءٌ فعند هذا! إلي أن نادي منادي ابن زياد: ألا من وجد علي بن حسين فليأتِ به، فقد جعلنا فيه ثلاثمائة درهم! قال: فدخل والله عليَّ وهو يبكي وجعل يربط يديَّ إلي عنقي وهو يقول: أخاف، فأخرجني والله إليهم مربوطاً حتي دفعني إليهم، وأخذ ثلاثمائة درهم وأنا أنظر إليها فأخذت وأدخلت علي ابن زياد، فقال ما اسمك؟ فقلت علي بن حسين، قال أو لم يقتل الله عليا؟ قلت كان لي أخ يقال له علي أكبر مني قتله الناس، قال بل الله قتله، قلت الله يتوفي الأنفس حين موتها...»((1)).
يمكن تسجيل عدَّة ملاحظات نقدية حول هذه الرواية، منها: محاولتها بشكل غير مباشر النيل من مكانة وشخصية الإمام علي بن الحسين(عليه السلام)، ثم هل من المعقول أن يلجأ الإمام السجاد(عليه السلام) الذي ضَربَ أروع صور البطولة والتضحية إلي الاختباء خوفاً من السلطة الأموية؟ فضلاً عن ذلك أنَّ الرواية ذكرت أنَّ عمر بن سعد قد عفا عنه، فما الداعي إلي الإختباء أو الخوف؟ وإن كان الجواب أنَّ تصرف عمر بن سعد شخصي ولا علم للسلطة فيه، فهذا غير ممكن؛ لكون عمر بن سعد من أبرز رجالات السلطة الأموية، ومن المطيعين لأوامرها، وقد قتل الإمام الحسين(عليه السلام) وأهل بيته من أجل الدنيا وتنفيذ رغبات تلك السلطة، فكيف يخالفها ويعصي أوامرها من أجل العفو عن الإمام السجاد(عليه السلام)؟ يضاف إلي ذلك أنَّها لم تحدِّد شخصية الرجل الذي غيَّب الإمام(عليه السلام) عنده، وإنماجعلته مجهولاً وهذا ما يثير
ص: 83
الشكَّ، ثم كم استمر اختفاء الإمام(عليه السلام) وهل ترك حرم رسول الله خلال مدة الإختباء؟ فضلاً عن ذلك أنَّ ميول وتوجهات المؤلف لا تنسجم مع أهل البيت؛ لكونه من آل الزبير، كلُّ هذا يجعلنا نشكِّك في مصداقية هذه الرواية ونجعلها في عداد الروايات الموضوعة التي لا يمكن الإعتماد عليها والركون إليها مطلقاً.
كما أورد مصعب الزبيري رواية في طلب البيعة ليزيد بعد وفاة معاوية؛ إذ أرسل والي المدينة الوليد بن عتبة إلي الإمام الحسين(عليه السلام) وعبد الله بن الزبير وطلب بيعتهما، فقالا: «نصبح ويجتمع الناس فنكون منهم، فقال مروان بن الحكم إن خرجا من عندك لن ترهما فنازعه ابن الزبير الكلام وتغالظا، حتي قام كلُّ واحد منهما إلي صاحبه فتناصيا، فقام الوليد فحجز بينهما حتي خلَّص كلَّ واحد منهما من صاحبه...»((1)) وعند مقارنة هذه الرواية مع المصادر التاريخية نجدها تتعارض معها في مسألة مهمة ألا وهي خروج الإمام الحسين(عليه السلام) مع عبد الله بن الزبير لمقابلة والي المدينة، فقد نفي الدينوري أنَّ ابن الزبير كان مع الإمام الحسين(عليه السلام) في طريقه إلي مكة((2)) ويتفق معه الطبري في هذا المعني بقوله: «إن ابن الزبير خرج قبل الحسين(عليه السلام) بليلة...»((3)) ويؤيد هذه الرواية المفيد في نفيه مصاحبة ابن الزبير للإمامالحسين(عليه السلام) في مقابلته لوالي المدينة((4)).
لعلَّ السبب الذي دفع مصعب الزبيري لإيراد هذه الرواية هو العامل ألقبلي،
ص: 84
المتمثِّل بالقرابة النسبية التي تربطه مع عبد الله بن الزبير؛ إذ أراد أن يُظهره بموقف مُشرِّف ومُناصر للإمام الحسين(عليه السلام)، علي حين كان هدف ابن الزبير حصوله علي السلطة، ومن الملاحَظ أيضاً أنَّ هذه الرواية أوردها ابن عساكر((1)) عن طريق الزبير ابن بكار (ت 256ﻫ/858م)((2))، مما يؤيِّد أنَّ تلك الرواية قد نظَّر لها رواة آل الزبير وهم مصدرها الأساس، وعلَّق أحد الباحثين حول هذه الرواية بقوله: لو كان الاثنان قد ذهبا فما موقف الإمام الحسين(عليه السلام) من هذا النزاع؟ ولماذا بقي متفرِّجاً ولم يسند صاحبه ولو بكلمة؟»((3))، ومن هنا نستبعد هذه الرواية ونشكِّك بمصداقيتها.
يُعدُّ كتاب أنساب الأشراف((4)) من المصادر الأساسية والمهمة عن المقتل؛ لأنَّ مادته التاريخية قد استوعبت مساحة واسعة من مقدمات وأحداث ونتائج المقتل، إذذكر البلاذريّ عدداً من الأخبار حول الإمام الحسين(عليه السلام) بخصوص ولادته(عليه السلام) وأولاده، ثم شرع ببيان واقعة كربلاء، وكانت الروايات الأولي التي أوردها تتحدّث عن علاقة الشيعة بالإمام الحسين(عليه السلام) منذ صلح الإمام الحسن(عليه السلام) مع معاوية بن أبي سفيان.
ويلاحظ أنَّ البلاذري قسَّم المقتل علي أربع مراحل هي:
ص: 85
أولاً: شخوص الإمام الحسين(عليه السلام) إلي مكة.
ثانياً: مراسلات أهل العراق له(عليه السلام).
ثالثاً: خروجه(عليه السلام) إلي الكوفة.
رابعاً: إستشهاده(عليه السلام)، وبعد مقارنة مرويات تلك المحاور وجدناها مطابقة مع ما موجود عند الطبري في تاريخه((1)).
أما المنهج التاريخي الذي اتبعه البلاذري في إيراده أحداث المقتل، فيمكن تلخيصه بعدة نقاط أساسية هي:
1- استعمل في إيراد روايات المقتل منهج التركيب مثلما فعل اليعقوبيّ والدينوريّ، لذا نراه بدلاً من ذكر سند مستقلّ لكلّ خبر، كان في أغلب الحالات يكتفي بنقله مكتفياً بعبارة: «قالوا»((2))، ويعلِّل أحد الباحثين سبب استعمال البلاذريلهذه الصيغة: (قالوا) في مصادره، بقوله: «ويظهر أنَّ بعض الروايات كانت مقبولة لدي عامة المؤرخين كما يظهر من بعض أخباره التي تبدأ ب-(قالوا)»((3)).
2- أشار في بعض مروياته إلي سندها كما في نقله عن أبي مخنف((4))، وعوانة بن
ص: 86
الحكم((1))، والهيثم بن عدي((2)) وعمر بن شبه((3))((4)) والواقدي((5)) والمدائني((6)).وغيرهم((7)).
استعرض البلاذري مجمل الأحداث الخاصة بالمقتل، منها حديثه لبيان بعض أسباب خروج الإمام الحسين(عليه السلام) إلي العراق((8))، ومن الروايات التي أوردها
ص: 87
وتستحقُّ الوقوف عليها هي أنَّ عبد الله بن عباس قال: «استشارني الحسين في الخروج فقلت: والله لولا أن يزري((1)) بي وبك لنشبت يدي في رأسك، فقال والله لأن أُقتل بمكان كذا وكذا أحبُّ إليّ من أن يُستحلَّ بي هذه الحرمة غداً»((2)).وهنا عدَّة إشكالات نقدية يمكن تسجيلها ضدَّ هذه الرواية منها:هل من المعقول أن يستشير الإمام الحسين(عليه السلام) ابن عباس في مسألة مفصلية ألا وهي الجهاد ضد السلطة الأموية الحاكمة وهو إمام زمانه؟ ثم هل إنَّ ابن عباس أعرف بمصلحة الإمام الحسين(عليه السلام) من نفسه لكي يعمل علي منعه؟ ثم كيف لابن عباس أن يسلك أُسلوباً عنيفاً مع إمام معصوم بهذه الطريقة؟
من خلال دراستنا لمرويات البلاذري الخاصة بالمقتل نجده قد انفرد بجملة من الأخبار والأحداث منها قوله إنَّ الوالي عبيد الله بن زياد بعث برأس عمارة بن صلخب((3)) مع رأسي مسلم بن عقيل(عليه السلام) وهانئ بن عروة(عليه السلام) إلي يزيد بن معاوية((4)).
ومن الأخبار الأخري التي أوردها البلاذري موقف الإمام الحسين(عليه السلام) من الرسول((5)) الذي أبلغه بمقتل مسلم بن عقيل(عليه السلام) فصور البلاذري ذلك الموقف،
ص: 88
بقوله: «فلم يلتفت إلي قوله وأبي إلا القدوم إلي العراق»((1)).
وانفرد أيضاً بقول للإمام الحسين(عليه السلام) موجِّهاً أصحابه ليلة العاشر منالمحرم: «ما كانت كتب مَن كتب إليَّ - فيما أظنُّ - إلا مكيدة لي وتقرباً إلي ابن معاوية بي»((2)).
وهذه الرواية يمكن أن تُسجل عليها عدة نقاط سلبية، منها:هل إنَّ خروج الإمام الحسين(عليه السلام) ضدَّ السلطة الأموية كان بدافع مراسلة أهل العراق له ولولاها لما خرج؟ هذا ما أرادت الرواية إيصاله مع أنَّ هذا الأمر مردود؛ لأنَّ استعدادات الإمام الحسين(عليه السلام) للخروج ضدَّ السلطة الأموية ومقدمات ذلك، سبقت مراسلة الكوفيين له((3))، كما أنَّ الرواية توحي بتحميل أهل العراق وتحديداً أهل الكوفة مسؤولية ما جري للإمام الحسين(عليه السلام) من الأحداث المؤلمة، لأنَّهم هم من كاتبوه(عليه السلام).
يبدو أنَّ سبب إيراد البلاذري لمثل هذه الروايات وأشباهها كونه كتب مصنّفه أنساب الأشراف في عصر الدولة العباسية، ومن المؤكَّد أنَّ الحكّام العباسيين أرادوا الطعن بالكوفة والنيل منها؛ لكونها رمزاً ومقرَّاً للحركات والثورات العلوية، لكي لا تشكِّل خطراً عليهم، لا سيما وأنَّ البلاذري كانت له علاقات وثيقة مع بعض الحكام العباسيين((4))، هذا من جانب ومن جانب آخر أنَّ البلاذري وعلي حدِّ تعبير أحد الباحثين كان عثمانيَّ الهوي((5)).
ص: 89
ص: 90
يركِّز هذا المبحث علي أخبار المقتل التي وردت في كتب الفتوح والطبقات والتراجم العامة والخاصة بتراجم أئمة آل البيت(عليه السلام)، ويتناول تلك الروايات بالنقد والتحليل، مع بيان مناهج مؤلفيها.
تُعدُّ من المصادر المهمة والأساسية في إثراء التراث الاسلامي بالأحداث والأخبار التأريخية، وكان اهتمامها الأوَّل منصبَّاً علي الفتوحات الإسلامية سواء في الشرق أم في الغرب((1))، ويلاحَظ أنَّه باستثناء كتاب الفتوح لابن أعثم، لم تستعرض أيّ روايات أو اخبار واقعة الطف، ولعلَّ ذلك يعود إلي طبيعة تلك المؤلَّفات، إذ ركَّزت اهتمامها علي الفتوحات ومتعلقاتها، وعلي هذا النحو سيكون تركيزنا علي كتاب الفتوح لابن أعثم، ودراسة رواياته ومقارنتها بالمصادر التاريخية الأخري.
كتاب الفتوح لابن أعثم (المتوفي في القرن الرابع الهجري/العاشر الميلادي)((2))
صنَّف ابن أعثم كتابه الفتوح (وفق التسلسل الزمني للأحداث)؛ لبيان وقائعالتاريخ الإسلاميّ منذ وفاة النبيّ(صلي الله عليه و آله) لاسيما الحروب والفتوحات التي خاضها
ص: 91
الخلفاء والولاة المسلمون، وعندما وصل إلي أحداث سنة (60-61 ﻫ/679-680م) ابتدأها بتناول واقعة الطف ومقدماتها التي خصّص لها مساحة واسعة من صفحات كتابه، قُدِّرت ب- مائة وخمسين صفحة((1))، وهذا ما يؤكِّد أهمية وغزارة المادة التاريخية لواقعة الطف عند ابن أعثم، وقد أجمل ابن أعثم المحاور الأساسية التي استعرضها في فتوحه، وفق النحو الآتي:
1- ذكر أخبار الكوفة وما كان من كتبهم إلي الحسين(عليه السلام).
2- ذكر خروج مسلم بن عقيل(عليه السلام) نحو العراق.
3- ذكر نزول مسلم بن عقيل الكوفة واجتماع الشيعة إليه للبيعة.
4- ذكر مسير عبيد الله بن زياد ونزوله الكوفة وما فعل بها.
5- ذكر هانئ وعبيد الله بن زياد.
6- ذكر مسلم بن عقيل وخروجه علي عبيد الله بن زياد.
7- ذكر دخول مسلم بن عقيل علي عبيد الله بن زياد وما كان من كلامه وكيف قُتِل.
8- ذكر هانئ بن عروة ومقتله.
9- ابتداء أخبار الحسين بن علي(عليه السلام).
10- ذكر الحرِّ بن يزيد الرياحي.
11- ذكر نزول الحسين(عليه السلام) أرض كربلاء.
12- ذكر اجتماع العسكر إلي حرب الحسين(عليه السلام).
13- ذكر ابتداء الحرب بين الحسين وبين القوم.
ص: 92
14- ذكر كلام زينب بنت علي(عليهما السلام).
15- ذكر دخول القوم علي عبيد الله بن زياد.
16- ذكر عبد الله بن عفيف الأزدي(رحمة الله) ومقتله علي يد عبيد الله بن زياد((1)).
هذه أبرز المحاور التي سار علي وفقها ابن أعثم، وقد اتَّبع في إيرادها المنهج الموضوعي بأسلوب قصصي هو أقرب إلي منهج اليعقوبيّ والدينوريّ، الذي كان عماده الأساسي عدم ذكر الأسانيد، وبنحوٍ تركيبيّ إذ إنَّه يسمِّي رواته بصورة جمعية، ويتمحور هذا المنهج عند ابن أعثم من خلال ذكره لأخبار واقعة الطف بذكر من أخذ عنهم، ويبدأ بالقراءة المباشرة عن رواته، وينتهي بأسماء كثيرة، وتمثل ذلك.
في قوله: «حدثني أبو الحسن أحمد بن الحسين النيسابوري((2)) قال: حدثني محمد بن القاسم المديني((3)) عن أبي حازم((4)) مولي ابن عباسعن ابن عباس، قال:وحدثني علي ابن عاصم((5)) عن الحصين بن عبد الرحمن((6)) عن أبيه عن مجاهد((7)) عن ابن عباس... عن
ص: 93
رجاله كلِّهم قد حدَّث بهذا الحديث وبعضهم أوعما له من بعض وزيادته ونقصانه علي من نقله إلينا وقرأه علينا»((1))، والقائمة طويلة، وقد ضمَّت في رواتها بعضاً من الرواة المشهورين((2)).
أمّا الميول المذهبية لابن أعثم فيشير أحد الباحثين إلي ذلك بقوله: «وتظهر الميول العلوية أيضاً قوية جداً عند ابن أعثم في قصة استشهاد الحسين بن علي(عليه السلام)، حيث تناولها بشيء من التفصيل، ولم يحاول ابن أعثم نقد أو إلغاء أو إبراز رواية دون أخري من مروياته عن العصر الأموي بصورة عامة، وحركات العلويين وأنصارهم بصورة خاصة، ونادراًما نري روايات في صالح الأمويين، أو دفعها مسؤولية بعض الأعمال عنهم، ونري فكرة حرية الإرادة ومسؤولية البشر عما يقترفون واضحة في بعض ما كتبه الرواة ذوو الميول العلوية مثل أبي مخنف، وخاصة فيما يورده عن حركة الحسين بن علي(عليه السلام)، وحركة التوابين، وحركة المختار، وحركة زيد بن علي(رضي الله عنه). وابن أعثم في تناوله لهذه الحركات كلها لم يستطع أن يكبت حقده لقتلة آل البيت وأنصارهم ونعتهم بأشنع الألقاب، مثل زياد (لعنه الله)، وشمر بن ذي جوشن (لعنه الله)، وتارة أخري (عدوّ الله)، وتظهر ميول ابن أعثم العراقية أيضاً واضحة في أخبار العصر هذا، فهو
ص: 94
يقول: «فحمل أهل العراق علي أهل الشام، فانهزموا وقد ألقي الله الرعب في قلوبهم»»((1)).
وأضاف الباحث قائلاً: «إنَّه ومن خلال مقابلة بعض روايات ابن أعثم عن العصر الأموي مع مثيلاتها في المصادر الأخري، يظهر الوهن واضحاً عليها، منها بعث الوليد ابن عتبة (أميرالمدينة ليزيد) لأربعة نفر من قريش بينهم عبد الرحمن بن أبي بكر، لمبايعة يزيد. ولكنَّ مصادرنا الأخري تشير إلي أنَّ عبد الرحمن مات بمكة قبل أن تتمَّ البيعة ليزيد، وذلك في عهد معاوية سنة ثمان وخمسين للهجرة، وذُكِر أنَّه مات سنة قدوم معاوية إلي المدينة لأخذ البيعة ليزيد. وفي مكان آخر ذكر ابن أعثم أنَّ مسلم بن عقيل ضرب بكير بن حمران الأحمري وقتله، في حين أنَّ المصادر تشير إلي أنَّ مسلماً ضرب بكير فأصابه، ولما أُسِر مسلم طلب عبيد الله بنزياد من بكير قتل مسلم فقتله»((2)).
سارت دراستنا لروايات ابن أعثم الخاصة بالمقتل باتجاهين، الأول:المقارنة (وتحديداً مع روايات الطبري)، والثاني:مناقشة الروايات المنفردة أو المتناقضة، أمّا الإتجاه الأول من الدراسة فيتركَّز حول بيان أوجه الإختلاف بين مرويات ابن أعثم ومادة الطبري التاريخية عن المقتل، فضلاً عن دراسة الروايات التي أوردها ابن أعثم وأحجم عنها الطبري أو العكس.
أشار أحد الباحثين إلي المقارنة بين روايات الطبري وابن أعثم وبيانه لأهميتها قائلاً: «إنَّ المدقِّق المتتبع لما جاء في المادة التاريخية عن حركة الإمام الحسين(عليه السلام) في كتب التاريخ الإسلامي، يجد أنَّ مادة الطبري التاريخية عنها لا يمكن مقارنتها من حيث الكم والمضمون مع أيٍّ من المؤرخين باستثناء المادة التاريخية التي جاء بها ابن أعثم
ص: 95
الكوفي المعاصر((1)) للطبري»((2)).
وبعد دراسة كلا المصدرين تأريخ الطبري والفتوح يلاحَظ أنَّ ابن أعثم أورد روايات وأخباراً تخصُّ المقتل ومقدماته، قد غفل عنها الطبري، أو أورد بعضها بإشارات بسيطة ومشوَّشة، وسنذكر أبرز تلك الروايات وبشكل نقاط منها:1- بدأ ابن أعثم أخباره عن المقتل برؤيا الإمام الحسين(عليه السلام) قائلا: «وخرج الحسين بن علي من منزله ذات ليلة وأتي إلي قبر جدِّه(صلي الله عليه و آله) فقال: السلام عليك يا رسول الله أنا الحسين بن فاطمة، أنا فرخك وابن فرختك وسبطك في الخلف الذي خلَّفت علي أمَّتك فاشهد عليهم يا نبي الله أنَّهم قد خذلوني وضيعوني وأنَّهم لم يحفظوني... ثم رجع الحسين إلي منزله مع الصبح، فلما كانت الليلة الثانية خرج إلي القبر أيضاً فصلَّي ركعتين، فلما فرغ من صلاته جعل يقول: اللهمَّ! إنَّ هذا قبر نبيك محمد، وأنا ابن بنت محمد، وقد حضرني من الأمر ما قد علمت، اللهم! وإنِّي أحبُّ المعروف وأكره المنكر...»((3)).
ويستمرُّ النصُّ «ثم جعل الحسين يبكي حتي إذا كان في بياض الصبح وضع رأسه علي القبر فأغفي ساعة، فرأي النبي قد أقبل في كبكبة من الملائكة... حتي ضمَّ الحسين إلي صدره وقبَّل بين عينيه وقال: يا بني! يا حسين! كأنك عن قريب أراك مقتولا مذبوحا بأرض كرب وبلاء من عصابة من أمتي، وأنت في ذلك عطشان لا تُسقي وظمآن لا تروي وإنَّ لك في الجنة درجات لن تنالها إلا بالشهادة. قال: فجعل الحسين
ص: 96
ينظر في منامه إلي جده ويسمع كلامه وهو يقول: يا جداه! لا حاجة لي في الرجوع إلي الدنيا أبدا فخذني إليك، واجعلني معك إلي منزلك. قال: فقال له النبي: يا حسين! إنه لا بدَّ لك من الرجوع إلي الدنيا حتي تُرزق الشهادة، وما كتب الله لك فيها من الثواب العظيم... قال: فانتبه الحسينمن نومه فزعا مذعورا، فقصَّ رؤياه علي أهل بيته وبني عبد المطلب، فلم يكن ذلك اليوم في شرق ولا غرب أشدَّ غماً من أهل بيت الرسول ولا أكثر منه باكياً وباكية»((1)).
إنَّ هذه الرواية لا تخلو من بعض الإشكالات النقدية والمناقشة لها مما يجعلها في دائرة الشكِّ، ومن أبرزها:
أ - إنَّها تعد من المرويات التي انفرد بها ابن أعثم دون بقية المؤرخين، ولم يوردها من سبقه من المؤرخين من الناحية الزمنية أمثال الدينوري في الأخبار الطوال، والبلاذري في أنساب الأشراف، والطبري في تاريخه، علي الرغم من أنَّ الأخير قد أورد مادة تاريخية جيدة عن المقتل ومقدماته من ناحية الكم والمضمون، ومن ثم تُعدُّ هذه الرواية من الروايات المنفردة.
ب - الرواية تصوّر الإمام الحسين(عليه السلام) وقد غفا علي قبر جده الرسول محمد(صلي الله عليه و آله)، وبعدها دخل في مرحلة النوم، فرأي جدَّه ونحن نتساءل ما الحكمة من نوم الإمام(عليه السلام)؟ ويا تري كم استغرق ذلك النوم من وقت لكي تكتمل فصول الرؤيا؟
ج - والرواية توحي أيضاً بأنَّ الإمام الحسين(عليه السلام) كان خائفاً من مصيره ومستقبله بحيث طلب من جده(صلي الله عليه و آله) أن لا يرجعه إلي الدنيا - ومن ثَمَّ لا يكون وجود لواقعة الطف - وأن ينقله إلي منزله؛ لكي يتخلَّص من الأحداث العصيبة التي تنتظره،
ص: 97
وهذا يتنافي مع إيمان وعقيدة ومبادئ الإمام الحسين(عليهالسلام) - كما أنَّ هذا يتعارض مع ما أخبر به رسول الله من الأخبار المستقبلية التي تحدَّثت عن مقتل الإمام الحسين(عليه السلام) - ثم ترجع الرواية مرة أخري لتؤكد خوف الإمام الحسين(عليه السلام) لتقول (فانتبه الحسين من نومه فزعاً مذعوراً)، ولا شكَّ أنَّ الإمام(عليه السلام) لم يكن مذعوراً، لأنَّه كان يعرف ما سيجري عليه من القتل والسبي والمتاعب في دار الدنيا، وقد أثبت هذا المعني العديد من النصوص التاريخية((1)).
وبعد مقارنة هذه الرواية مع مادة المقتل التي أوردها الطبري((2)) يتضح لنا أن هذه الرواية لم ترد بهذه التفاصيل الدقيقة إطلاقاً، وإنما أشار إليها الطبري بشكل بسيط دون ذكر أيّ من التفاصيل التي أوردها ابن أعثم.
2- روي ابن أعثم خبراً يتعلَّق بوصية الإمام الحسين(عليه السلام) لأخيه محمد بن علي بن ابي طالب(عليه السلام)، المعروف ب-(ابن الحنفية) والتي نصُّها: «بسم الله الرحمن الرحيم، هذا ما أوصي به الحسين بن علي بن أبي طالب لأخيه محمد بن الحنفية ولد علي بن أبي طالب: إنَّ الحسين بن علي يشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأنَّ محمدا عبده
ص: 98
ورسوله، جاء بالحق من عنده، وأنَّ الجنة حقٌّ والنار حقٌّ. وأنَّ الساعة آتية لا ريب فيها، وأنَّ الله يبعث من في القبور، وإني لم أخرج أشراً ولا بطراً ولا مفسداً ولا ظالماً، وإنَّما خرجت لطلب النجاح والصلاح في أمة جدي محمد أريد أن آمر بالمعروف، وأنهي عن المنكر، وأسير بسيرة جدي محمد وسيرة أبي علي بن أبي طالب، وسيرة الخلفاء الراشدين المهديين(رضي الله عنهم)، فمن قبلني بقبول الحقِّ فالله أولي بالحق، ومن ردَّ عليَّ هذا أصبر حتي يقضي الله بيني وبين القوم بالحق، ويحكم بيني وبينهم بالحق وهو خير الحاكمين، هذه وصيتي إليك يا أخي وما توفيقي إلا بالله عليه توكلت وإليه أنيب، والسلام عليك وعلي من اتبع الهدي، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم: ثم طوي الحسين الكتاب وختمه بخاتمه ودفعه إلي أخيه محمد بن الحنفية، ثم ودَّعه وخرج في جوف الليل يريد مكة بجميع أهله»((1)).
يُلاحَظ أنَّ الطبري لم يورد هذه الرواية بكلِّ تفاصيلها، ولعلَّ ذلك مدعاة إلي نقده لعدم إيراده لهذه الوصية، لكونها مهمة من جهتين: الأولي لأنَّها تشكِّل مادة تاريخية مهمة في بناء رواية المقتل وتحدِّد معالمه الأساسية، أما الجهة الأخري فتتمثَّل باحتواء تلك الوصية علي نقاط أساسية في بيان جزء من الأسباب الحقيقيةالتي دفعت بالإمام الحسين(عليه السلام) إلي الثورة ضدَّ الحكم الإموي المستبدّ والمتمثلة بالإصلاح بكافة أشكاله، ولعلَّ أحد الإحتمالات التي دفعت الطبري إلي عدم ذكر تلك الوصية هو النظرة التي تبناها في مصنَّفه من كون خروج الإمام الحسين(عليه السلام) ضدَّ السلطة الأموية لم يكن بدافع ديني عقائدي (أمر بالمعروف ونهي عن المنكر)، وإنَّما كان لظروف قد استجدَّت سواء علي الصعيد السياسي أم المجتمعي، والتي حرَّكت
ص: 99
الإمام الحسين(عليه السلام) للقيام بثورة ضدَّ الحكم الأموي، منها كما أشار إليها أحد الباحثين مراسلة الكوفيين له((1)).
3- وقد ورد اختلاف عند كلا المؤرِّخَين في معرض بيان نصيحة محمد بن الحنفية للإمام الحسين(عليه السلام) إذ ذكر الطبري وصية محمد لأخيه الإمام الحسين(عليه السلام) بقوله: «يا أخي أنت أحبّ الناس إليَّ وأعزَّهم عليَّ ولست أدّخر النصيحة لأحد من الخلق أحقّ بها منك تنحَّ بتبعتك عن يزيد بن معاوية وعن الأمصار ما استطعت، ثم ابعث رسلك إلي الناس فادعُهم إلي نفسك... قال له الحسين فإني ذاهب يا أخي، قال فأنزل مكة فإن اطمأنَّت بك الدار فسبيل ذلك، وإن نَبَتْ بك لحقتَ بالرمال وشعوف الجبال، وخرجتَ من بلد إلي بلد حتي تنظر إلي ما يصير أمر الناس...»((2)).
في حين يُلاحَظ أنَّ الرواية تلك قد أوردها ابن أعثم لكن مع بعض الزيادات فيها، إذ أورد فيها أنَّ ابن الحنفية قد أشار للإمام الحسين(عليه السلام) بالذهاب إليبلاد اليمن؛ إذ يقول: «وإن تكن الأخري خرجت إلي بلاد اليمن؛ فإنَّهم أنصار جدِّك وأخيك وأبيك، وهم أرأف الناس وأرقَّهم قلوبا، وأوسع الناس بلاداً، وأرجحهم عقولاً، فإن اطمأنَّت بك أرض اليمن وإلا لحقت بالرمال وشعوب الجبال، وصرت من بلد إلي بلد لتنظر ما يؤول إليه أمر الناس ويحكم بينك وبين القوم الفاسقين...»((3)).
وقد علَّق أحد الباحثين علي هذا الإختلاف بقوله «ويكشف ابن أعثم عن ميوله اليمنية عندما يذكر نصيحة محمد بن الحنفية للإمام الحسين(عليه السلام) باختياره بلاد
ص: 100
اليمن»((1))، ونحن لا نتفق مع هذا الرأي؛ لأنَّنا لا نجد أيَّة علاقة بين ابن أعثم وبلاد اليمن؟ لكي تكون هناك ميولٌ يمانية لديه، لكن نرجِّح وجود ميول علوية دفعته إلي إيراد مثل هكذا خبر، بوصفه بلاد اليمن بأنَّها قاعدة موالية لأهل البيت علي حدِّ تعبير الرواية علي لسان ابن الحنفية.
وفي تحليل لأحد الباحثين عن سبب امتناع الإمام الحسين(عليه السلام) من التوجُّه نحو اليمن معلِّلاً ذلك بقوله «لموقعها الجغرافي حيث كانت اليمن بعيدة عن الرأي العام الإسلامي آنذاك، وبالتالي سوف يؤدي ذلك إلي طمس معالم ثورته التي أراد أن يسمع بها القاصي والداني فيحقِّق بذلك أهداف هذه الثورة، علاوة علي ذلك أنَّ أهل اليمن لم يكاتبوه ولم يبايعوه»((2)).4- ومن المواد التاريخية التي أغفلها الطبري في بناء رواية المقتل والتي شكَّلت خللاً في المادة التاريخية لديه، هي خطبة السيدة زينب بنت علي بن أبي طالب(عليه السلام) أمام والي الكوفة عبيد الله بن زياد، تلك الخطبة التي أوردها ابن أعثم بنصِّها وبتفاصيلها الدقيقة((3))، ولعلَّ عدم إيراد الطبري لتلك الخطبة يُعدُّ من أبرزالمآخذ
ص: 101
التي تُسجَّل ضدَّه، لا سيما وأنَّ خطبة بهذا الحجم لا يمكن التغافل عنها، لأنَّها تحمل في طياتها جملة من الحقائق منها أنَّ السيدة زينب(عليها السلام)، قد حمَّلت المجتمع الكوفي بصورة عامة مسؤولية ما جري عليهم، لا كما يدَّعي البعض من أنَّ شيعته في الكوفة هم من خذله وقتله، وذلك لكون المجتمع الكوفي يضمُّ عناصر وأطيافاً وشرائح اجتماعية وقبلية وسياسية ومذهبية مختلفة ومتباينة فيما بينها، فضلاً عن السياسات التي اتَّبعتها السلطة الحاكمة، كلُّ ذلك أدي إلي خلق مجتمع معقَّد يكون علي استعداد للغدر بعترة آل الرسول(صلي الله عليه و آله)، ومن ثَمَّ لم يكن شيعة الإمام الحسين(عليه السلام) هم مَن قتلوه((1)).
5- ويستمرُّ الطبري بالإحجام عن إيراد بعض الروايات التاريخية المهمة في تحديد معالم ومقدِّمات المقتل، ومن تلك الحوار الذي جري بين الإمام علي بن الحسين زين العابدين(عليه السلام) والحاكم الأموي يزيد بن معاوية في الشام، والذي حمّل
ص: 102
فيه الإمام زين العابدين(عليه السلام) يزيد بن معاوية مسؤولية ما جري للإمام الحسين(عليه السلام) وأهل بيته، ثم صعود الإمام زين العابدين(عليه السلام) المنبر وتعريفه للناس بمقامه السامي ومكانته الرفيعة، ثم محاولة يزيد إسكات الإمام(عليه السلام) والتي كان مصيرها الفشل، علي حين نجد ابن أعثم قد أولي هذا الحوار أهمية بالغة، إذ خصّص له مساحة واسعة قُدِّرت بثلاث صفحات((1)).وبعد أن أوردنا أبرز الروايات التي أغفلها الطبري أو تغافلها علي حين أثبتها ابن أعثم، وبيَّنا مدي خطورة منهج الطبري في إحجامه عن تلك الروايات في بناء مادة المقتل، أوضحنا ذلك وفق المنهج الذي حدَّدناه، الذي تركَّز علي الإتجاه الأول، وهو المقارنة بين روايات كلا المؤرِّخين الطبري وابن أعثم، أمّا الإتجاه الثاني فيتمحور حول تناقضات مرويات ابن أعثم عن المقتل الحسيني ومقدماته، فضلاً عن إيراد الروايات والأخبار التي انفرد بها عن بقية المؤرخين، ويمكن إجمال ذلك بعدة نقاط منها:
1- من الروايات المتناقضة عند ابن أعثم هي ما يخصُّ عبد الله بن مطيع العدوي((2))، ولعلَّ هذا التناقض ناجم عن الفارق الزمني، إذ إنَّ ابن مطيع تمَّ زجُّه في السجن بسبب أحداث رفض بيعة الحاكم الأموي يزيد بن معاوية، ثم تمَّ إطلاق سراحه، وفي تلك المدة مازال الإمام الحسين(عليه السلام) موجوداً في المدينة المنورة((3)).
ص: 103
وأورد رواية أخري مفادها أنَّ ابن مطيع استقبل الإمام الحسين(عليه السلام) بين المدينة ومكة((1)) والإشكال هنا حول هذه الرواية يخصُّ المدة الزمنية التي استغرقها ابن مطيع من خروجه من السجن في المدينة المنورة حتي ذهابه لمكة ثم عودتهمنها، واستقباله للإمام الحسين(عليه السلام) بلا شكٍّ يحتاج ذلك إلي مدة زمنية طويلة جداً، لا تتناسب مع طلب البيعة وخروج الإمام الحسين(عليه السلام) من المدينة، التي تتطلب مدة أقل بكثير من تلك التي قطعها ابن مطيع.
2- وفي خبر منفرد أشار إليه ابن أعثم هو أنّ بكيراً بن حمران قد قتله مسلم بن عقيل، بقوله: «وضربه مسلم بن عقيل ضربة فسقط إلي الأرض قتيلاً»((2))، في حين نجد أنَّ أغلب المصادر التاريخية أثبتت العكس من ذلك، من كون بكير بن حمران هو من باشر عملية إعدام مسلم بن عقيل(عليه السلام) بأمر من عبيد الله بن زياد((3)).
3- ومن الروايات المنفردة والخطيرة التي أوردها ابن أعثم التي شكَّلت محوراً جديداً عن بقية المؤرِّخين هو مراسلة أهل الشام للإمام الحسين(عليه السلام)، ونقف علي هذا المعني من خلال هذه الرواية: «التفت الحسين إلي غلام له يقال له عقبة بن سمعان فقال: يا عقبة! هاتِ الخرجين((4)) اللذين فيهما الكتب: فجاء عقبة بكتب أهل الشام
ص: 104
والكوفة فنثرهما...»((1)).
ونحن نشكِّك بصحة هذه الرواية ونجعلها في عداد الروايات الضعيفة؛ لجملةمن الأسباب التي تدفعنا إلي ذلك، منها:
أ - الرواية أشارت بشكل بسيط إلي مكاتبة أهل الشام للإمام الحسين(عليه السلام)، ولم تبيِّن كم عدد تلك الكتب التي بعثها أهل الشام، ومن هي الشخصيات التي كتبت تلك الكتب؟ وما عدد الذين وردت بيعتهم للإمام الحسين(عليه السلام) في تلك الكتب؟ ومتي وصلت تلك الكتب؟ ومن الذي أوصلها وكيف؟ ولو قارنا بين مراسلة أهل الكوفة ومراسلة أهل الشام لوجدنا فرقاً شاسعاً إذ إنَّ مراسلة أهل الكوفة حقيقة تاريخية، علي الرغم من اختلافها في عدد المبايعين للإمام(عليه السلام)، في حين أنَّ مراسلة أهل الشام لا أساس لها، بل هي مجرد إشارة أوردها ابن أعثم((2)).
ب - إنَّ طبيعة أهل الشام وميولهم الأموية لا تتفق ومسألة مراسلتهم ومكاتبتهم للإمام الحسين، وذلك بحكم السياسة التي اتبعها معهم معاوية بن أبي سفيان وإعلامه المُضلِّل، بحيث جعل منهم مجتمعا لا يعرف سوي بني أمية وتبجيلهم، علي الرغم من أنَّ هذا لا يعني أنَّ المجتمع الشامي بأجمعه موالٍ لبني أمية وإنَّما بصورة عامة أو الأعمّ الأغلب منهم، وهذا يكفي في عدم مراسلتهم.
ت - فضلاً عن ذلك أنَّ الرواية لم ترد في المصادر الأولية، التي كوَّنت بناء مادة
ص: 105
المقتل بكل حيثياته، وإنَّما أوردها فقط ابن أعثم مما يسهم بشكل كبير فيإضعافها وعدم قبولها.
ث - من الملاحَظ أنَّ الدور الشامي كان سلبياً تجاه مقتل الإمام الحسين(عليه السلام)؛ حيث أشارت بعض المصادر إلي مشاركة العديد من العناصر الشامية في الجيش الأموي الذي شنَّ الحرب علي الإمام الحسين(عليه السلام) وأهل بيته الأطهار بواقعة الطف((1)).
ه- - أضاف أحد الباحثين احتمالاً بخصوص تلك المراسلة بما نصه: «إنَّ من راَسلَ الإمام الحسين(عليه السلام) كان يعمل تقرباً إلي يزيد بن معاوية، وإنَّهم مدسوسون فعلاً من قبل السلطة الأموية لإغراء الإمام بالخروج إلي الكوفة، فهل مثل الإمام الحسين(عليه السلام) ليغفل عن ذلك؟ ولو صحَّت مراسلة أهل الشام للإمام لأيقن الإمام بأنَّها دسيسة وخديعة، وتنتفي بعد ذلك الحاجة لأن يعاتبهم»((2))، ويمكن أن نضيف توضيحاً آخر هو: هل كان سبب خروج الإمام الحسين(عليه السلام) نتيجة لمكاتبة أهل الكوفة له؟ وهل تلك المكاتبة أغرت الإمام بالخروج علي الحكم الأموي؟ والجواب بكل تأكيد: كلا؛ لأنَّ الحسين(عليه السلام) خرج ثائراً ضدَّ الظلم والإستبداد المتمثِّل بالحكم الأموي سواء أكاتبه أهل الكوفة أم لم يكاتبوه.
ص: 106
أورد ابن سعد في طبقاته بعض الروايات التي تخصُّ المقتل الحسيني((1)) بصورة مقتضبة، أمَّا ما حقَّقه الباحث عبد العزيز الطباطبائي من كتاب الطبقات الكبري من غير القسم المطبوع تحت عنوان ترجمة الإمام الحسين(عليه السلام) ومقتله من كتاب الطبقات الكبري((2))، فقد وردت فيه مادة تاريخيه مهمة عن مجريات المقتل وحيثياته، التي ستتركَّز دراستنا فيها حول الروايات التي تستحقُّ الوقوف والمناقشة والنقد التاريخي، لكن قبل البدء بذلك لابَّد من معرفة رواته في هذا المجال، ويمكن ملاحظة ذلك من خلال ما تحدَّث به في مقدمة حديثه عن المقتل، إذ أورد سلسلة طويلة من الرواة، من أبرزهم: أبو مخنف لوط بن يحيي، ثم عقّب بعد ذلك بقوله:«وغير هؤلاء أيضاً قد حدثني في هذا الحديث بطائفة، فكتبت جوامع حديثهم في مقتل الحسين»((3)).من خلال ذلك يتضح لنا أنَّ ابن سعد استعمل الإسناد الجمعي في عرضه لروايات المقتل، إذ استعرض مجمل رواته في مقدِّمة حديثه عن المقتل، وهذا المنهج أقرب إلي منهج اليعقوبي في تاريخه الذي جاء بعده.
أمّا بخصوص المادة التاريخية التي تخصُّ المقتل وما يتعلَّق به، التي استعرضها ابن سعد، فيمكن إجمالها بالمحاور والموضوعات الآتية:
1- استهلَّ المقتل بخبر رفض الإمام الحسين(عليه السلام) بيعة يزيد بن معاوية، ومكاتبة أهل الكوفة له((4)).
ص: 108
2- تطرَّق إلي مغادرة الإمام الحسين(عليه السلام) إلي مكة، وبعدها استعرض عدداً كبيراً من النصحاء الذين أبدوا مواقفهم المعُارضة من توجُّه الإمام(عليه السلام) إلي العراق((1)).
3- حادثة الشاعر المعروف الفرزدق بن غالب مع الإمام الحسين(عليه السلام)((2)).
4- خبر مسلم بن عقيل(عليه السلام) وإرساله إلي العراق، وما جري لهانئ بن عروة(عليه السلام) ومقتلهما((3)).
5- توجُّه الإمام الحسين(عليه السلام) نحو كربلاء والأحداث التي تلتها حتي استشهاده(عليه السلام)((4)).6- بيان شهداء آل أبي طالب(عليه السلام)، وتحديد قاتليهم((5)).
7- السبي الحسيني في الكوفة والأحداث التي رافقته((6)).
8- السبي الحسيني في الشام والأحداث التي رافقته((7)).
9- الروايات ذات الطابع الغيبي التي تحدَّثت عن الكرامات التي حصلت للإمام الحسين(عليه السلام) عقب استشهاده((8)).
من خلال استعراض هذه المحاور تتضح لنا عدَّة أمور، منها: إنَّ ابن سعد أورد مادة تاريخية جيدة من ناحية الكم والمحتوي، كما إنَّها من الناحية الزمنية مهمة جداً؛
ص: 109
لكونه متوفي بحدود (230ه- أو 231ﻫ) ولعلَّه الأقرب زماناً بعد أبي مخنف (ت157ﻫ) من حوادث المقتل وحيثياته، إضافة إلي أنَّ مرويات ابن سعد لم تتوقف عند مقتل الإمام الحسين(عليه السلام) من الناحية الزمنية، بل امتدَّت لتشمل ما تعرَّضت له سبايا أهل البيت سواء في الكوفة أم في الشام، مما كان له أثر مهمٌّ في بناء الرواية التاريخية للمقتل، ورفدها بالأحداث والأخبار التي تسهم في اكتمالها التاريخي والروائي.
وبعد دراستنا لتلك الروايات التي عرضها ابن سعد، أتضح لنا أنَّ هناك العديد منها يستحقُّ المناقشة والنقد، فضلاً عن مقارنتها مع مصادر أخري؛ للكشف عن مدي مصداقيتها ومقبوليتها من الناحية التاريخية، منها:
1- الرواية التي نصُّها: «كان الحسن والحسين يصليان خلف مروان بنالحكم يبتدران الصف، وكان الحسين ليسبّه وهو علي المنبر حتي ينزل...»((1)). لا شكَّ أنَّ تلك الرواية لا يمكن قبولها من الناحية التاريخية بل وحتي الشرعية والإخلاقية، ولعدَّة أسباب:
أ - كيف لإمامين معصومين أن يكونا ضمن المأمومين، بل لا يجوز تقدمهما من الناحية الشرعية وحتي الأخلاقية.
ب - كيف لإمامين معصومين يصليان خلف رجل هو من الفاسقين - والصلاة خلف الفاسق غير جائزة من الناحية الشرعية، أمّا الواقع فهو غيرذلك؛ فالخليفة في مركزه والوالي في ولايته هو الذي يتقدَّم الصفَّ - مع أنّ غالبية ولاة بني أمية هم من الفساق والفجرة، ولنا حادثة صلاة والي الكوفة في عهد الحاكم عثمان بن عفان
ص: 110
بأهل الكوفة وهو سكران((1))، فلا يمكن شرعياً ولا أخلاقياً أن يصليان خلف طريد رسول الله(صلي الله عليه و آله)((2))، بوصفهما إمامين معصومين، ولهما مركزهما وثقلهما في المجتمع.
ج - ما أوجه العلاقة التي تربط الإمامين الحسن والحسين(عليه السلام) بمروان بن الحكم الذي كانت مواقفه علي مرِّ التاريخ مع أهل البيت تتسم بالعداء والكره؟
د - ورد في ذيل الرواية دسٌّ آخر حيث تُصوِّر الإمام الحسين(عليه السلام) رجلاً سبَّاباً شتَّاماً وأنَّه كان يسبُّ مروان بن الحكم بدون سبب أو حتي مع وجود السبب، هذا بلا شكّ لا يتفق مع سيرة وأخلاق الإمام الحسين(عليه السلام) وسموّ نفسه، ثم إذا كان الإمام(عليه السلام) يسبُّ مروان ويشتمه فلماذا يا تري يصلي خلفه؟ هذه ازدواجية في الشخصية، والإمام(عليه السلام) أكرم من هكذا فعل شنيع.
ه - فضلاً عن ذلك كلّه أنَّ ابن سعد قد انفرد بتلك الرواية، إذ لم نعثر عليها في المصادر التي عاصرته أو التي كانت قريبة الظهور منه - بحسب اطلاعنا((3)) - ويلاحَظ أنَّ ابن عساكر((4)) قد أورد تلك الرواية وبالسند نفسه الذي اعتمده ابن سعد، مما يدلِّل علي أنه اقتبسها منه، - مما يجعلنا نشكِّك فيها ونستبعدها بشكل قطعي.
ص: 111
2- مما لا شكَّ فيه أنَّ ابن سعد أورد روايات تنال من شخصية ومكانة الإمام الحسين(عليه السلام)، منها ما نصُّه: «كان الوليد بن عتبة - والي المدينة - قد أغلظ للحسين، فشتمه الحسين وأخذ بعمامته فنزعها من رأسه، فقال الوليد: إن هجنا بأبي عبد الله إلا أسدا. فقال له مروان - أو بعض جلسائه -: اقتله، قال: إنَّ ذاك لدم مظنون في بني عبد مناف. فلما صار الوليد إلي منزله قالت له امرأته: أسببت حسينا؟! قال: هو بدأ فسبَّني، قالت: وإن سبَّك تسبُّه؟ وإن سبَّ أباك تسبُّ أباه؟»((1))، الرواية فيها الكثير من المآخذونقاط الضعف والنقد، ولعلَّ من أبرزها:
أ - إنَّ أغلب المصادر((2)) التي روت تلك الحادثة - استدعاء والي المدينة للإمام الحسين(عليه السلام) لأخذ البيعة منه - لم تذكر تلك الرواية والتفاصيل التي أوردها ابن سعد، مما يجعل هذه الرواية من الروايات الضعيفة والمنفردة التي أنفرد بها ابن سعد عن بقية المؤرِّخين، وهذا يسهم في تضعيفها إلي حدٍّ ما.
ب - وفضلاً عن ذلك أنَّ الرواية لم تبين ما السبب الذي أدي إلي غضب الوالي من الإمام الحسين(عليه السلام) بحيث جعل الإمام يشتمه ويعتدي عليه؟ هل لمجرد عرض البيعة عليه ومطالبته بها، أم هناك أسباب أخري؟ وهل من المعقول أن يتصرَّف الإمام(عليه السلام)، بهذا الشكل ويقدم علي شتم الوالي، بل والإعتداء عليه وهو صاحب الخلق الرفيع؟ والأغرب من ذلك أنَّ الرواية تصوِّر أنَّ هذا الوالي يحمل خلقاً أرفع وأنبل من خلق الإمام الحسين(عليه السلام)، لكون الذي بدأ السبَّ هو الإمام الحسين(عليه السلام)
ص: 112
وليس الوالي علي حدِّ تعبير الرواية؟ أولم يكن هناك حرسٌ للوالي يمنع الإمام(عليه السلام) من الاعتداء عليه لدرجة انتزاع عمامته؟
ت - فضلاً عن ذلك أنَّ من الممكن أن تؤثِّر الميول السياسية والفكرية علي المؤرخ في كتاباته، كما أشار روزنثَال إلي ذلك بقوله: «استخدم المؤرِّخون المسلمون في كتبهم... الأحكام التأريخية التي كانت نتيجة الأهواء السياسية بصورة واضحة... والحقيقة أنَّ اتجاه تفكيرهم كان يعبر عن نفسهفي كلِّ عملهم، وكانت مكانتهم في المحيط الفكري لعصرهم تقرِّر اختيار صور ومحتويات التواريخ التي كتبوها...»((1)). ولعلَّ ابن سعد لا يخرج عن تلك التأثيرات، مما دفعه إلي إيراد الروايات التي تنال من مكانة أهل البيت.
3- ومن الإشارات المهمة التي أشار إليها ابن سعد، ولعلَّ له السبق الزمني فيها هي ما نصُّه: «إنَّ محمد بن الحنفية أدرك حسيناً بمكة وأعلمه أنَّ الخروج ليس له برأي يومه هذا، فأبي الحسين أن يقبل، فحبس محمد ابن علي ولده، فلم يبعث معه أحداً منهم، حتي وجد الحسين في نفسه علي محمد، قال: ترغب بولدك عن موضع أصاب فيه؟ فقال محمد: وما حاجتي أن تصاب ويصابون معك، وإن كانت مصيبتك أعظم عندنا منهم؟»((2)).
ومن الجدير بالذكر أنَّ هذا النصَّ يخرج عن سياق مجمل الأخبار التي فسَّرت امتناع ابن الحنفية عن الإلتحاق بأخيه الإمام الحسين(عليه السلام) بداعي المرض، وإنَّما علَّلته بدافع شخصي.
من خلال هذه الرواية نستشفُّ أنّ محمد بن الحنفية لم يشرك أولاده في واقعة
ص: 113
الطفِّ، الأمر الذي يقودنا إلي التساؤل عن السبب في ذلك، وللإجابة علي هذا التساؤل يجب أن نطرح عدَّة احتمالات وإشكالات منها:
أ - إنَّ محمد بن الحنفية ليس له أولاد ليزجَّهم بواقعة الطف ليشتركوا فيها، وهذا الإحتمال مردود؛ وذلك لأنَّ المصادر التاريخية أثبتت أنَّ لابن الحنفية أولاداًوعقباً((1)).
ب - هنالك احتمال آخر، هو: إنَّ أولاد ابن الحنفية كانوا صغار السن ولم يبلغوا التكليف، وهذا الإحتمال هو الآخر لا يمكن قبوله؛ لأنَّ هناك من اشتركوا في واقعة الطفِّ وهم صغار السنِّ، فضلاً عن أنَّه من غير المعقول أن يكون أولادهُ جميعاً صغار السنِّ أو بنفس العمر؛ وذلك لأنَّ ابن حزم قد أورد له عدداً من الأولاد الذكور، بقوله: «وهؤلاء ولد محمّد بن الحنفيّة، وهو محمّد بن عليّ بن أبي طالب، ولد محمّد هذا: جعفر، وعلي، وعون وإبراهيم، والقاسم والعقب لهؤلاء، ولا عقب لسائر ولده، وكان له من الولد غير هؤلاء: عبد الله أبو هاشم، والحسن، لم يعقبا»((2))، فكيف يكونون بعمر واحد؟ هذا من غير الممكن. إذاً هذا الإحتمال ساقط أيضاً، ولنفرض جدلاً حصول هذا الإحتمال ألا كان الأجدر به أن يقدِّمهم للإمام الحسين(عليه السلام) ومن ثم يرجعهم الإمام(عليه السلام) لصغر سنهم؟ لكن هذا لم تذكره المصادر الأخري.
ت - ولعلَّ الخبر الذي ورد في متن الرواية هو الأقرب للقبول لتفسير هذا المنع من قبل ابن الحنفية لأولاده من الإشتراك في واقعة الطف وهو«وما حاجتي أن
ص: 114
تُصاب ويصابون معك، وإن كانت مصيبتك أعظم عندنا منهم»، فضلاً عن ذلك ومن خلال سياق الرواية أنَّ ابن الحنفية لم يكن مقتنعاً بخروج الإمام الحسين(عليه السلام) أو علي أقلِّ تقدير باختيار العراق، ويُستشفُّ ذلك من خلالالنصائح التي قدَّمها للإمام(عليه السلام)((1)).
وهنا قد يُطرح إشكالٌ آخر هو لماذا لم يشترك ابن الحنفية مع الإمام الحسين(عليه السلام) في واقعة الطف بدلاً من أن يقدمَّ النصائح له في اختيار المكان المناسب، أو أن يكتفي بتحذيره من أهل الكوفة؟ وقد يرد علي ذلك بأنَّه كان مريضاً ولم يستطع المشاركة بسبب مرضه، ولكن قد يكون هذا الإحتمال ضعيفاً؛ لأنّ العديد من المصادر الأولية لم تُشر إلي مرضهِ، ومنهم البلاذري إذ قال: «وخرج الحسين إلي مكة في بنيه وإخوته وبني أخيه وجلّ أهل بيته غير محمد بن الحنفيّة فإنّه قال له: يا أخي أنت أعزّ الناس عليّ... ابعث رسلك إلي الناس فإن أجمعوا عليك حمدت الله علي ذلك، وإن أجمع الناس علي غيرك لم ينقص الله دينك ومروءتك وفضلك، إنّي أخاف أن تدخل بعض الأمصار ويختلف الناس فيك ويقتتلون... فإذا خير الناس نفساً وأمّاً وأباً قد ضاع دمه وذلّ أهله، قال: وأين أذهب يا أخي؟ قال: تنزل مكة فإن اطمأنّت بك الدار وإلَّا لحقت باليمن، فإن اطمأنّت بك وإلَّا لحقت بشعف الجبال حتي تنظر إلي ما يصير أمر الناس ويفرق لك الرأي...»((2)).
وصرَّح الطبرسي بهذا الخصوص، قائلاً: «خرج الإمام الحسين(عليه السلام)... متوجهاً نحو مكة ومعه بنوه وبنو أخيه الحسن وإخوته وجلُّ أهل بيته، إلا محمد بن الحنفية فإنَّه
ص: 115
لم يدرِ أين يتوجَّه، وشيَّعهوودَّعه»((1))، لعلَّ الطبرسي أراد أن يقول إنَّ ابن الحنفية كان متحيِّراً في اتخاذ قراره من الإلتحاق بالركب الحسيني أم لا. فاختار عدم الإلتحاق.
4- من خلال بعض الروايات يُستنتَج أنَّ ابن سعد علي وفق تنظيره علَّل سبب خروج الإمام الحسين(عليه السلام) بدافع مكاتبة أهل العراق له - وهو عامل سياسي - وأنَّه(عليه السلام) قد ندم علي استجابته لتلك المكاتبات والمراسلات التي بعثها إليه أهل العراق، والتي علي أثرها خرج(عليه السلام) ضدَّ السلطة الحاكمة وذلك من خلال الروايتين الآتيتين.
أ - الرواية الأولي: «وبعث أهل العراق إلي الحسين الرسل والكتب يدعونه إليهم، فخرج متوجِّهاً إلي العراق في أهل بيته وستين شيخاً من أهل الكوفة...»((2)).
ب - أمّا الثانية:فتؤكِّد أنَّ الإمام الحسين(عليه السلام) قد تمَّ خداعه من خلال المكاتبة من قبل أهل العراق ونستنتج ذلك من قوله(عليه السلام) «اللهمَّ إنَّ أهل العراق غرُّوني وخدعوني وصنعوا بحسن بن علي ما صنعوا، اللهمَّ شتِّت عليهم أمرهم وأحصهم عددا...»((3)).
من خلال اطلاعنا علي ما تيسر لنا من المصادر، يتضح لنا أنَّ الرواية الثانية، لم ترد في مصادرنا((4))، وأنَّها من الروايات التي انفرد بها ابن سعد عن بقية المؤرِّخين.
يضاف إلي ذلك أنَّ الهدف الحقيقي لخروج الإمام الحسين(عليه السلام) ليسمراسلة أهل العراق، وإنَّما لتغيير الأوضاع الفاسدة في المجتمع الإسلامي وإصلاحها لقوله(عليه السلام): «وأني لم أخرج أشراً ولا بطراً ولا مفسداً ولا ظالماً وإنَّما خرجت لطلب الإصلاح في أمَّة جدي، أريد أن آمر بالمعروف وأنهي عن المنكر، وأسير بسيرة جدي وأبي علي بن أبي
ص: 116
طالب(عليه السلام)؛ فمن قبلني بقبول الحقِّ فالله أولي بالحقِّ، ومن ردَّ عليَّ هذا أصبر حتي يقضي الله بيني وبين القوم بالحقِّ وهو خير الحاكمين...»((1)).
ونستنتج من هذا النصِّ أنَّ خروج الإمام الحسين(عليه السلام) كان مُعَدَّاً له ومدروساً من قبله، أما مكاتبة أهل العراق له، فقد جاءتْ كجزء من مشروع الإمام الثوري القائم ضدَّ كلِّ أنوع الظلم والجور وتلبية لنداء العديد من المسلمين الذين عانوا من الإضطهاد الأموي - بالرغم من تغيير موقفهم اتجاه الإمام بفعل سياسات السلطة الحاكمة انذآك.
5- ومن الروايات الخطيرة التي أوردها ابن سعد، ولعلَّه من الناحية الزمنية له السبق في إيرادها((2))، مانصُّها: «لما رأي الحسين عمر بن سعد قد قصد له فيمن معه قال: يا هؤلاء اسمعوا يرحمكم الله، ما لنا ولكم! ما هذا بكم يا أهل الكوفة؟! قالوا: خفنا طرح العطاء، قال: ما عند الله من العطاء خير لكم، يا هؤلاء دعونا فلنرجع من حيث جئنا، قالوا: لا سبيل إلي ذلك،قال فدعوني أمضي إلي الري فأجاهد الديلم، قالوا: لا سبيل إلي ذلك، قال دعوني أذهب إلي يزيد بن معاوية فأضع يدي في يده، قالوا: لا، ولكن ضع يدك في يد عبيد الله بن زياد، قال: أما هذه فلا، قالوا: ليس لك غيرها وبلغ ذلك عبيد الله، فهمَّ أن يخلِّي عنه، وقال: والله ما عرض لشئ من عملي، وما أراني إلا مخلٍّ سبيله يذهب حيث شاء. قال شمر بن ذي الجوشن الضبابي: إنَّك والله إن فعلت وفاتك الرجل لا تستقيلها أبداً، وإنَّما كان همُّ عبيد الله أن يثبت علي العراق،
ص: 117
فكتب إلي عمر بن سعد: الآن حين تعلَّقتهُ حبالنا يرجو النجاة ولات حين مناص فناهضه، وقال لشمر بن ذي الجوشن: سِرْ أنت إلي عمر بن سعد فإن مضي لما أمرته وقاتل حسيناً وإلا فاضرب عنقه، وأنت علي الناس...»((1)).
هذه الرواية لا يمكن قبولها، بل نستبعد مثل هذا الكلام من الإمام الحسين(عليه السلام)، لعدَّة أسباب، منها:
أ- كون الإمام خرج ليغيِّر الإنحراف الذي أحدثه يزيد بن معاوية - كما بينا ذلك قبل قليل في العالم الإسلامي، فكيف يضع يده بيده وهو فاسق شارب الخمر قاتل النفس المحرمة كما وصفه الإمام الحسين(عليه السلام) بذلك((2))؟ ونحن نتساءل إذا كان الإمام(عليه السلام) قد وضع يده بيد يزيد بن معاوية فما المانع من وضع يده بيد عبيد الله بن زياد إن صحَّت تلك الرواية؟
ب - لم تحدِّد الرواية إلي من وجَّه الإمام الحسين(عليه السلام) خطابه؟ هل إلي أهل الكوفة أم إلي غيرهم؟ فإذا كان لأهل الكوفة، فهل لهم الحقُّ والقرار فيتوجيه الإقتراحات؟ وهل يمتلكون تلك الصلاحيات للتفاوض مع الإمام الحسين(عليه السلام)؟ ثم من الذي اقترح علي الإمام أن يضع يده في يد عبيد الله بن زياد إذ لم تحدِّدهُ الرواية وجعلته مبهماً بصيغة (قالوا)؟
ت - من خلال تحليل الرواية نستنتج بأنَّها توحي بأنَّ الإمام الحسين(عليه السلام) يرضي بكلِّ شيء إلا بإعطاء البيعة للوالي عبيد الله بن زياد، وإنَّ المشكلة تتركَّز حول عبيد الله بن زياد وليس مع يزيد بن معاوية وهذه خطوة لتبرئة يزيد من قتل الإمام الحسين(عليه السلام) - ولعلَّ الرواية تُنظِّر لمسألة وجوب الخضوع للحاكم حتي وإن كان
ص: 118
ظالماً، لا سيما وأنَّ الكتاب قد تمَّ تأليفه في عصر الدولة العباسية وهي بحاجة الي هذا التنظير، ونحن نتساءل ما الفرق بين عبيد الله بن زياد ويزيد بن معاوية، لكي يرفض الإمام الحسين(عليه السلام) التعامل معه - بحسب فرض الرواية - لاسيما وان عبيد الله بن زياد يمثل جزءاً من منظومة الدولة الإموية التي يترأسها يزيد بن معاوية؟
ث - إنَّ حكم عبيد الله بن زياد هو نفس حكم يزيد بن معاوية، ويستمدُّ سلطته منه، فمن غير المعقول أن ينزل الإمام الحسين(عليه السلام) علي حكم يزيد ولا يقبل أن يبايع عبيد الله بن زياد.
ج - توحي الرواية بإنّ شمر بن ذي الجوشن هو من عارض مقترحات الإمام الحسين(عليه السلام)، مما ترتب علي ذلك من تغيير وجهة نظر عبيد الله بن زياد في إخلاء سبيل الإمام الحسين(عليه السلام)، ونحن نتساءل ماهي الصلاحيات الممنوحة للوالي ابن زياد لكي يخلي سبيل الإمام الحسين(عليه السلام)؟ وهل مشكلة الإمام الحسين(عليه السلام) كانت مع ابن زياد أم مع الحاكم يزيد بن معاوية، أم مع المنهج الأموي بأجمعه؟
ح - الرواية بكلِّ فقراتها تُنظِّر لمسألة مهمة وخطيرة ألا وهي تحميل أهل الكوفةمسؤولية قتل الإمام الحسين(عليه السلام) والغدر به، وهذا يصبُّ في صالح الدولة العباسية التي تنظر إلي الكوفة بأنَّها مركزعلوي كبير مُعاِرض لها، ولا بدَّ من التخلُّص منه، وأحد سبل ذلك وصف أهل الكوفة بالخونة وأنَّهم غدروا بالإمام الحسين(عليه السلام) والكوفة ليس فيها قواعد شيعية كبيرة، ويسهم ذلك في تحجيم التحرك الثوري في الكوفة من خلال ذلك التنظير، لاسيما وأنَّ أغلب المصادر كُتِبت في عهد الدولة العباسية.
ولهذا أشار أحد الباحثين المعاصرين إلي حقيقة موقف أهل الكوفة ببحث مستقلٍّ، بقوله: «إنَّ الجمهور العام في الكوفة كان شيعياً مخلصاً، وهم من كتب للإمام الحسين(عليه السلام) يستحثونه للإسراع في المجيء إلي الكوفة وهو(عليه السلام) يدرس الموقف، وقد
ص: 119
توافدت عليه بعد ذلك كتب أهل الكوفة وتكاثرت... وإنَّ أغلب المؤشِّرات تدلُّ علي أنَّ الكوفيين صادقون في طلبهم...»((1))، ثم أورد الباحث الأدلة التاريخية التي توضِّح السبب في تغيير موقفهم والتحليلات والإستنتاجات التي تؤكِّد ذلك((2)).
6- وبخصوص دفن الأجساد الطاهرة أشار ابن سعد برواية شاذة، إذ قال: «قال ذكوان أبو خالد لعبيد الله بن زياد: خلِّ بيني وبين هذه الرؤوس فأدفنها، ففعل فكفَّنها ودفنها بالجبَّانة، وركب إلي أجسادهم فكفَّنهم ودفنهم، وكان زهير بن القين قد قُتِل مع الحسين، فقالت امرأته لغلام له يقال له شجرة: انطلق فكفِّن مولاك، قال: فجئت فرأيت حسيناً ملقي، فقلت: أكفِّن مولاي وأدع حسيناً؟ فكفَّنت حسيناً، ثم رجعت فقلت ذلكلها، فقالت: أحسنت، وأعطتني كفنا آخر، وقالت: انطلق فكفِّن مولاك، ففعلت»((3)).
الرواية تحمل في طيَّاتها عدداً من التساؤلات والتشكيكات التي تجعلها في عداد الروايات الضعيفة منها:
أ- من هو ذكوان أبو خالد؛ إذ لم نجد له ترجمة في المصادر المتوافرة لدينا؟ وما علاقته بالسلطة الأمويةوتحديداًبالوالي عبيد الله بحيث سمح له بدفن الأجساد الطاهرة؟ أو له علاقة بآل البيت(عليه السلام) أو لسبب آخر؟
ب - أشارت الرواية إلي حصول فاصل زمني بين عملية دفن الرؤوس ودفن الأجساد من قبل القائم بهذه العملية، مما يترتَّب علي ذلك أنّ الأجساد لم تُدفن مع الرؤوس، وهذا مالم تؤيده المصادر التي ذكرت حادثة الدفن.
ص: 120
ج - كيف استطاع (شجرة) - غلام زهير بن القين - أن يحدِّد ويتعرَّف علي الشخصيات أمثال زهير بن القين والإمام الحسين(عليه السلام)؟ لاسيما وأنَّ الإمام(عليه السلام) كان مقطوع الرأس، وهل كان للإمام الحسين(عليه السلام) جسد كامل أم مقطع بفعل رضِّ الخيول وسحقها له؟ فضلاً عن تأثير الأحوال المناخية ودورها في تغيير معالم الشخص، كلُّ ذلك يجعل من الصعوبة، بل من غير الممكن التعرُّف علي أصحاب تلك الأجساد وتحديد شخصياتها.
ه - لو قابلنا تلك الرواية مع المصادر الأخري التي عرضت حادثة الدفن لوجدناها تتعارض معها بشكل جذري، مما يترتب علي ذلك أنّ تلك الرواية تُعدُّ شاذَّة ولا قيمة لها، فقد ذكرت أغلب المصادر أنَّ حادثة الدفن كانت بالشكلالآتي: «ودَفَنَ الحسينَ وأصحابه أهلُ الغاضرية من بني أسد...»((1))، وبهذا يتضح ضعف رواية ابن سعد، لكن قد يرد إشكال آخر في هذا الموضوع، هو كيف تسنَّي لبني أسد تحديد الشخصيات والتعرُّف عليها، ومن ثَمَّ دفنها، لاسيما ونحن قد بيَّنا في معرض نقدنا لرواية ابن سعد بأنَّ ملامح ومعالم الشخصيات قد تغيَّرت وأصبحت من الصعوبة تحديدها، وللإجابة علي هذا الإشكال نوضِّح ما يلي:
أ - إنَّ بني أسد دفنوا الأجساد بدون تحديد شخصياتها، هذا الإحتمال ساقط من الإعتبار؛ لأنّ عملية الدفن التي قام بها بنو أسد اعتمدت علي تحديد الشخصيات، وهذا التحديد موجود منذ ذلك الوقت وحتي اليوم، ولأنَّ عملية دفن الأجساد وتحديدها قد حصلت مرة واحدة علي يدي بني أسد منذ ذلك الوقت بدليل قول ابن طاووس: «لما انفصل عمر بن سعد عن كربلاء خرج قوم بني أسد فصلُّوا علي
ص: 121
تلك الجثث الطواهر المرمَّلة بالدماء ودفنوها علي ما هي الآن عليه»((1))، لاسيما وأنَّ ابن طاووس من جيل القرن السابع الهجري، ولاشكَّ أنَّهُ يتحدَّث عن ذلك القرن ومشاهداته له.
ب - إنَّ هناك جانباً غيبياً إعجازياً يكمن وراء عملية الدفن، ويتمثَّل ذلك بحضور الإمام علي بن الحسين(عليه السلام) وتوليه عملية تحديد الشخصيات ومن ثَمَّ دفنها، بيدَ أنّ الأدلة التاريخية لا تساعدنا كثيراً علي تأييد هذا الجانب، ولعلَّالإشارة التاريخية الوحيدة بهذا الخصوص هي ما نقله الطوسي من مناظرة جرت بين الإمام علي بن موسي الرضا(عليه السلام) وعلي بن أبي حمزة((2)) بما نصُّه «قال له علي: إنَّا روينا عن آبائك أنَّ الإمام لا يلي أمره إلا إمام مثله؟ فقال له أبو الحسن(عليه السلام): فأخبرني عن الحسين بن علي(عليه السلام) كان إماما أو كان غير إمام؟ قال: كان إماما، قال: فمن ولي أمره؟ قال: علي بن الحسين، قال: وأين كان علي بن الحسين(عليه السلام)؟ قال: كان محبوساً بالكوفة في يد عبيد الله بن زياد، قال: خرج وهم لا يعلمون حتي ولي أمر أبيه ثم انصرف، فقال له أبو الحسن(عليه السلام):ان هذا أمكن علي ابن الحسين(عليه السلام) أن يأتي كربلا فيلي أمر أبيه، فهو يمكِّن صاحب هذا الامر أن يأتي بغداد فيلي أمر أبيه ثم ينصرف وليس في حبس ولا في أسارٍ»((3))، يتضح لنا من خلال تلك المناظرة أنَّ حضور الإمام زين العابدين(عليه السلام) لدفن شهداء الطف كان بطريق إعجازي، فضلاً عن ذلك فقد ذهب أحد الباحثين إلي هذ الرأي بقوله: «إنّ التنظيم الذي ساد عملية الدفن يثبت بما لا يقبل الشك أنّ الإمام السجاد (عليه السلام) هو الذي خطَّط مواضع القبور الشريفة، إذ إنّه أفرد قبراً للإمام
ص: 122
الحسين ودفن ابنه علي الأكبر مما يلي رجلي أبيه، ودفن العباس بن علي في موضعه الذي استُشهِد فيه، كما أنّ حبيب بن مظاهر حُمل ناحية عنالشهداء الذين دُفنوا مما يلي رجلي الإمام الحسين»((1)).
وأضاف هذا الباحث تساؤلاً مهماً عن كيفية تمكُّن الإمام السجاد(عليه السلام) من إتمام عملية الدفن، وكيف استطاع مع بني أسد دفن حوالي اثنتين وسبعين جثَّة، بقوله: «اتضح من خلال الروايات التاريخية أنّ الجثث لم تكن متناثرة؛ لأنّ الإمام الحسين كان يحمل الشهداء من أهل بيته وأصحابه بمساعدة من لم يستشهد بعد، فعندما استُشهِد علي الأكبر بن الحسين أقبل إليه أبوه وأقبل فتيانه فقال: «احملوا أخاكم فحملوه من مصرعه حتي وضعوه بين يدي الفسطاط الذي كانوا يقاتلون أمامه»، ولما استُشهِد القاسم بن الحسن بن علي بن أبي طالب(عليه السلام) حمله الإمام الحسين وجاء به حتي ألقاه مع ابنه علي بن الحسين، وقتلي قد قُتِلت حوله من أهل بيته، وفي النهاية فإنّ معظم الشهداء كان قد جمعهم الإمام الحسين، وهذا مما ساعد وسهّل في عملية الدفن»((2)).
أورد ابن حبان المقتل وما يتعلَّق به في كتابه (الثقات) بشكل مختصر، وقد تمَّ الإطلاع عليه ودراسته، ويمكن إجمال أبرز معالم تلك الدراسة بعدد من النقاط الأساسية، منها:
أ - إنَّ ابن حبان قد استعرض أخبار المقتل بشكل مختصر جداً دون التطرق إلي التفاصيل المهمة بحسب منهجيته التي اتبعها في إيراده لمادة المقتل، والتي شغلت ما يقارب الخمس صفحات، علي الرغم من أنَّ المقتل ضمَّ في رواياته أخباراً تتعلَّق بالسبي في الكوفة والشام((3)).
ص: 123
ب - لم يذكر ابن حبان أيَّاً من المصادر أو الرواة الذين اعتمد عليهم في إيراده لروايات المقتل، ولعلَّ هذه من أبرز المآخذ التي تُسجَّل عليه، وتُعدُّ خللاً في المنهج الذي اتَّبعه في تدوينه لحادثة المقتل.
ويمكن ملاحظة أنَّ ابن حبان قد أورد بعض الروايات التي انفرد بها وتستحقُّ الوقوف والدراسة منها:
أ - أورد في مستهلِّ حديثه عن المقتل رواية نصُّها: «ولما بايع أهل الشام يزيد بن معاوية واتصل الخبر بالحسين بن علي جمع شيعته واستشارهم، وقالوا إنَّ الحسن لما سلَّم الأمر لمعاوية سكت وسكت معاوية، فالآن قد مضي معاوية ونحبُّ أن نبايعك، فبايعته الشيعة ووردت علي الحسين كتب أهل الكوفة من الشيعة يستقدمونه إياها...»((1)).
إنَّ تحليل الرواية يشير إلي أنَّ الإمام الحسين(عليه السلام) قد سبق من الناحية الزمنية السلطة الأموية بالتحرُّك ضدَّها، ولعلَّ ابن حبان كان معتقداً بهذه الفكرة؛ لكونه لم يورد حادثة استدعاء الإمام الحسين(عليه السلام) من قبل والي المدينة لأخذ البيعة منه، هذا من جانب، ومن جانب آخر، نجد أنَّ ابن حبان علَّل خروج الإمام الحسين(عليه السلام) إلي أسباب سياسية، تتعلَّق بنقض معاوية بن أبي سفيان بنود الصلح التي عقدها مع الإمام الحسن بن علي(عليه السلام) وجعل الخلافة تقوم علي أساس وراثي؛ بدليل مبايعة أهل الشام ليزيد بن معاوية، وهذا خلاف بنود الإتفاق المعقود بينهما((2)).
ص: 124
ب - أشار ابن حبان إلي مسألة - ولعلَّه انفرد بها - هي: أنَّ السلطة الأموية ِلم تقدم علي قتل الإمام علي ابن الحسين(عليه السلام) في واقعة الطفِّ؛ لسبب يتعلَّق بصغر سنِّه لقوله: «استُصغِر علي بن الحسين بن علي فلم يُقتل، انفلت في ذلك اليوم من القتل، لصغره وهو والد محمد بن علي الباقر...»((1)).
والرواية تنُظِّر إلي مسألة مهمة ألا وهي أنَّ السلطة الأموية لم تقدم علي قتل الإمام زين العابدين(عليه السلام) لصغر سنه فقط، وهذا لا يمكن قبوله من الناحية التاريخية؛ لعدَّة اعتبارات منها: إنَّ العديد من المصادر التاريخية((2)) أكدت أنَّ سبب عدم قتل الإمام(عليه السلام) لمرض ألمَّ به في وقت حدوث واقعة الطف ومنعه من المشاركة في الجهاد، باستثناء ما أنفرد به الرسان من مشاركته(عليه السلام) في القتال((3))، مما ترتَّب علي ذلك عدم اشتراكه بالقتال لوجود سبب مانع هو المرض، هذا من جهة، ومن جهة أخري نتساءل هل أنَّ السلطة الأموية استثنت قتل كلّ من كان صغير السِّنِّ لكي لا تقتل الإمام زين العابدين(عليه السلام) لهذا السبب؟ هذا الأمر لا يمكن قبوله تاريخياً لسببين، الأول:إنَّ السلطة الأموية قد قتلت العديد منالأطفال في واقعة الطف((4)) ودليل ذلك قتلها طفل الحسين(عليه السلام) الرضيع عبد الله، أما السبب الثاني فلأنَّ الإمام زين العابدين(عليه السلام) لم يكن صغير السِّنِّ في واقعة الطف، لكي تستثنيه من القتل،
ص: 125
لكون ولادته(عليه السلام) كانت سنة ثمان وثلاثين من الهجرة((1)) وواقعة الطف سنةإحدي وستين للهجرة، فيكون عمره حينئذ ثلاثاً وعشرين سنة، وفي مقابل ذلك ذكر ابن عساكر رأياً آخر بخصوص تأريخ ولادته(عليه السلام) فقال: «وفي سنة ثلاث وثلاثين ولد علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب»((2))، وعلي هذا الرأي يكون عمر الإمام في واقعة الطف ثمان وعشرين سنة، وعلي كلا الرأيين لم يكن الإمام صغيراً، فكيف يعدُّه ابن حبان صغيراً جاعلاً من صغر سنِّه سبباً في نجاته من القتل، ومما يترتب علي ذلك أنَّه لا يمكن قبول هذه الرواية التي ذكرها ابن حبان التي علَّلت سبب بقاء الإمام زين العابدين(عليه السلام) علي قيد الحياة في واقعة الطف لصغر سنِّه.
من المؤكَّد أنَّ بقاء الإمام زين العابدين(عليه السلام) علي قيد الحياة في واقعة الطف، كان لمصلحة ربانية وتدبير إلهي، ومما يؤيِّد هذا التفسير ما أورده المجلسي وهو يشرح حال الإمام الحسين(عليه السلام) في العاشر من المحرَّم، قائلاً: «التفت الحسين عن يمينه فلم يَرَ أحداً من الرجال، والتفت عن يساره فلم يرَ أحداً، فخرج علي بن الحسين زين العابدين(عليه السلام) وكان مريضاً لايقدر أن يقلَّ سيفه، وأمُّ كلثوم تنادي خلفه: يا بنيَّ ارجع فقال: يا عمتاه ذريني أقاتل بين يدي ابن رسول الله، فقال الحسين(عليه السلام): يا أمَّ كلثوم خذيه؛ لئلا تبقي الأرض خالية من نسل آل محمد»((3)).
وفضلاً عن ذلك أنّ السبب الظاهري الأساس في حفظه من القتل(عليه السلام)، يرجع إلي الموقف الجهادي، الذي قامت به السيدة زينب بنت علي(عليهما السلام)؛ إذ تعلّقت به وانقذته من القتل، في مجلس الوالي عبيد الله بن زياد بقولها له حينما أراد قتله(عليه السلام):
ص: 126
«حسُبك من دمائنا! والله، لا أُفارقه، فإن قتلته فاقتلني معه»((1)) أو قولها(عليه السلام): «لا يُقتَل حتّي تقتلوني...»((2)).
يُعَدُّ كتاب المعجم الكبير من كتب التراجم المهمة والزاخرة بالمعلومات التاريخية للمترجَم لهم، وقد رتَّبه علي أساس حروف المعجم العربي، ويُلاحَظ أنَّ منهج الطبراني في مصنَّفه هذا قد اتسم في ترجمة وجيزة للشخصيات المترجم لها، وروي عن كلِّ واحد منها بعض أحاديثهم أو جميعها، كما ذكر في المقدمة وأنَّهم حضروا المشاهد والمواقع، أو يكتفي بذكر أسمائهم أحياناً أخري((3)).
وفيما يخصُّ المقتل فتُلاحَظ عليه عدَّة نقاط أساسية، يمكن من خلالها التعرُّفعلي منهجيته في انتقاء نوع الروايات في معجمه الكبير، منها:
أ- استعرض الطبراني روايات المقتل وما يتعلَّق به من خلال ترجمته للإمام الحسين(عليه السلام).
2- امتازت روايات المقتل التي أوردها من ناحية المساحة بالإقتضاب والإختصار فيها، إذ نلحظ أنَّ الطبراني خصَّص للحديث عن الإمام الحسين(عليه السلام) ما يقارب من اثنتين وأربعين صفحة بصورة عامة، وإذا ما دقَّقنا في الروايات التي خصَّصها للمقتل وحيثياته نجدها بحدود الثلاثين صفحة، وبالشكل الآتي:
ص: 127
- مسند الحسين بن علي(عليه السلام).
- ذكر مولده وصفته وهيأته.
- ما أسند للحسين بن علي.
- ما أسنده علي بن الحسين عن أبيه.
- ما أسندته فاطمة بنت الحسين عن أبيها.
- ما أسندته سكينة بنت الحسين عن أبيها، فضلاً عن بعض الشخصيات التي أسندت أحاديث للإمام الحسين(عليه السلام)((1)).
من خلال دراستنا لتلك المحاور، وجدنا أنَّ مجمل الروايات التي أوردها الطبراني عن المقتل، قد تركَّزت في المحور الثالث (وما أسند للحسين بن علي).
3- أما المنهج الذي اتَّبعه الطبراني فهو المنهج الإسنادي في ذكر الأخبار والروايات من خلال كلمة (حدَّثنا)، ومن أبرز الرواة الذين اعتمد عليهم في ذكر روايات المقتل هم الليث بن سعد (ت 165ﻫ)((2))، وأبو الزنباع روح بن الفرج (ت282ﻫ/884م)((3))، وعمار الدهني، والزبير بن بكار((4)) والإمام الصادق(عليه السلام) والواقدي وآخرون.
ص: 128
4- من خلال دراسة المعجم لم نلحظ أنَّ الطبراني قد خصَّص مساحة لحادثة تاريخية معينة بحجم تلك التي خصَّصها للمقتل، مما يدلُّ علي مدي اهتمام المؤرخين في حادثة المقتل وعلي اختلاف مذاهبهم وتوجهاتهم السياسية والدينية.
5- بعد دراستنا لروايات المقتل اتضح لنا أنَّ الطبراني خصَّص بعضاً منها للنبوءات المستقبلية التي تحدَّث عنها الرسول(صلي الله عليه و آله) والإمام علي بن أبي طالب(عليه السلام) من قبيل تحديد الأمَّة التي ستقتله، وتعيين الأرض التي سيُستَشهد عليها(عليه السلام)((1)).
6- إنَّ الطبراني خصَّص القسم الأكبر من روايات المقتل للحديث عن الروايات ذات الطابع الغيبي والأحداث الكونية، التي حدثت عقب مقتل الإمام الحسين(عليه السلام) والتي منها:أ- «لما قُتل الحسين بن علي(رضي الله عنه) لم يُرفع حجر ببيت المقدس إلا وُجِد دمٌ عبيط»((2)).
ب - «ما رُفع بالشام حجر يوم قُتل الحسين بن علي إلا عن دم»((3)).
ت - «لما قُتل الحسين بن علي(رضي الله عنه) انكسفت الشمس كسفة حتي بدت الكواكب نصف النهار...»((4)).
ث - «لم يكن في السماء حمرة حتي قُتل الحسين»((5))، ولم يقتصر الطبراني علي إيراد الأحداث الكونية فقط بل ذكر أحداثاً أخري ذات طابع إعجازي وقعت بعد مقتل الحسين(عليه السلام)((6)).
ص: 129
- كما نقل لنا الطبراني الحادثة الإعجازية التي وقعت في أرض الطف قائلاً: «قام رجل فقال أفيكم حسين؟ قالوا نعم، فقال أبشر بالنار، فقال أبشر بربٍّ رحيم وشفيع مطاع، قال من أنت؟ قال: انا بن جويز أو حويزة،: فقال(عليه السلام): اللهمَّ حزْهُ إلي النار، فنفرت به الدابة فتعلَّقت رجله في الركاب، قال فوالله ما بقي عليها منه إلا رجله»((1)).
ولعلَّ كثرة الروايات ذات الطابع الغيبي عند الطبراني تنمُّ عن إيمانه بفلسفة الغيب، وأثرها في تفسير حركة التاريخ وتعليلها.
7- ومن أبرز الروايات التي استوقفتنا، والتي بلا شكٍّ تستحقُّ الدراسة والمناقشةهي:
أ - «قُتل الحسين بن علي(رضي الله عنه) وعليه دين كثير، فباع فيها علي بن حسين عين كذا وعين كذا»((2))، وعند التمعُّن في هذه الرواية نستنتج جملة من المآخذ والتشكيكات التي تجعلها في دائرة الروايات الموضوعة.
أ- لم ترد هذه الرواية في المصادر التاريخية الأخري بحسب اطلاعنا((3)) مما يدلُّ أنَّها من الروايات الشاذة التي انفرد بها الطبراني دون بقية المؤرِّخين، مما يؤكِّد ضعفها من الناحية التاريخية.
ب - لم تحدِّد الرواية سبب الدين؟ ومن هم الذين استدان منهم الإمام(عليه السلام)؟ وإنما جعلت الأمر مبهماً عاماً.
ت - وبعد أن أورد الطبراني هذه الرواية أورد بعدها مباشرة رواية تناقضها وتخالفها من حيث المضمون، بما نصُّه «قال أمر الحسين منادياً فنادي: لا يُقبل معنا
ص: 130
رجل عليه دين، فقال رجل:إنَّ امرأتي ضمنت ديني فقال حسين(رضي الله عنه) وما ضمان امرأة؟»((1))، ونحن نتساءل إذا كان الإمام الحسين(عليه السلام) عليه دين فكيف له أن يسأل الآخرين عن دينهم؟ وهذا لا ينسجم مع أخلاقه ومبادئه؟ ثم كيف له أن لا يقبل أيّ رجل عليه دين دين ويقبلها علي شخصه الكريم؟
ت - فضلاً عن ذلك أنَّ أحد الباحثين قد ضعَّف هذه الرواية، بإثارته جملة من التشكيكات ضدَّها، بقوله: «لماذا الإمام الحسين(عليه السلام) لم يفِ دينهوهو في مكة، وكان مكوثه بها لمدة ليست بالقصيرة ويترك الأمر لولده الإمام علي بن الحسين(عليه السلام)؟ وماذا لو لم يسلم الإمام علي بن الحسين من أحداث كربلاء؟ أكان سيرضي بضمان امرأة؟ وهو ما رفضه بالرواية الثانية... وبذلك نضعِّف تلك الرواية والتي لا تتناسب مع أهداف مسير الإمام الحسين(عليه السلام) في طلب الإصلاح، ومنها ردُّ حقوق الناس إلي أهلها...»((2)).
يضاف إلي ذلك أنَّهُ من الناحية الفقهية والشرعية لا يجوز الخروج للجهاد لأيِّ إنسان مسلم وعليه دين إلا بعد موافقة غريمه (دائنه)، أو تسديد ما بذمته((3)) كلُّ ذلك يجعل منها رواية ضعيفة ومشكوك فيها.
ب - ومن الأخبار المتناقضة التي أوردها الطبراني قوله: «رأس الحسين(عليه السلام) أول رأس حُمل في الإسلام»((4)).
هنالك جملة من المصادر التاريخية((5)) اختلفت مع الطبراني من الناحية الزمنية في
ص: 131
ذكرها أنَّ رأس عمرو ابن الحمق((1)) هو أول رأس حُمل في الإسلام، وليسرأس الإمام الحسين(عليه السلام)، ولاحظ أحد الباحثين((2)) أنَّ الطبراني قد وقع في تناقض من خلال إيراده رواية في كتابه الأوائل((3)) أنَّ أول رأس حُمل في الإسلام هو رأس عمرو ابن الحمق.
ت - ومن باب الإنفراد((4)) نسب الطبراني القصيدة التي نظمها الشاعر الفرزدق بحقِّ الإمام علي بن الحسين السجاد(عليه السلام) إلي الإمام الحسين(عليه السلام) ومطلعها:
هذا الذي تعرفُ البطحاءُ وطأتهُ *** والبيتُ يعرفهُ والحلُّ والحرمُ
هذا ابنُ خيرِ عبادِ الله كلهمُ *** هذا التقي النقي الطاهرُ العلمُ((5)).
يُعدُّ كتاب تاريخ مدينة دمشق من أوسع الكتب التي صُنِّفت في مجال كتب التراجم من حيث الكم والمادة التاريخية التي ضمَّها، وقد وصفه أحد الباحثين بقوله «وهو أضخم معجم للتراجم ظهر بعد تاريخ بغداد، وهو مصدر لتاريخ رجال الشام كلّه، لا دمشق وحدها، ويُستفاد من خلاله أمور كثيرة تتعلَّقب التاريخ السياسي
ص: 132
والعلمي والحضاري للشام»((1)).
اتبع ابن عساكر منهج الأسناد في مروياته التاريخية، فضلاً عن تكراره الروايات للحادثة الواحدة مما انعكس ذلك علي حجم المادة التاريخية، وترتَّب علي ذلك تضخُّم حجم الكتاب، وللوقوف أكثر علي منهجيته لا بدّ من إيراد ما أوضحه هو في مقدمته، بقوله: «هو كتاب مشتمل علي ذكر مَن حلَّها من أماثل البرية أو اجتاز بها أو بأعمالها من ذوي الفضل والمزيد من أنبيائها وهُداتها وخلفائها وولاتها وفقهائها وقضاتها... وذكر ما لهم من ثناء ومدح، وإثبات ما فيهم من هجاء وقدح، وإيراد ما نُقل عنهم من جدٍّ ومزح، وبعض ما وقع إليَّ من رواياتهم، وتعريف ما عرفت من مواليدهم ووفياتهم...»((2)).
أمّا تنظيم وترتيب المُترجَم لهم في الكتاب فقد كان علي المنوال الذي ذكره قائلاً: «وبدأت بذكر مَن اسمه منهم أحمد؛ لأن الإبتداء بمن وافق اسمه اسم المصطفي، ثم ذكرتهم بعد ذلك علي ترتيب الحروف مع اعتبار الحرف الثاني والثالث تسهيلاً للوقوف، وكذلك أيضاً اعتبرت الحروف في أسماء آبائهم وأجدادهم، ولم أرتِّبهم علي طبقات أزمانهم أو كثرة أعدادهم، وعلي قدر علوهم في الدرجات والرتب، ولا لشرفهم في الأفعال والنسب وأردفتهم بمن عُرف بكنيته ولم أقف علي حقيقة تسميته ثم ذكر تنسيبه، وبمن لم يُسمَّ في روايته وأتبعتهم بذكر النسوة المذكورات والإماء الشواعر المشهورات...»((3)).ولعلَّ هذه أبرز المعالم الأساسية للمنهج الذي سار وفقها ابن عساكر، أمّا
ص: 133
مصادره فهي متنوعة وعديدة، وقد قسّمها أحد الباحثين((1)) علي الشكل الآتي: السماع من الشيوخ، والمكاتبة معهم، الكتب المخطوطة، مؤلفات السابقين.
هذه أبرز سمات منهجه العام في مؤلَّفه، أما منهجه في إيراد روايات المقتل، فهو لم يخرج عن أطار منهجه العام، وبعد دراستنا لها، تمَّ الوقوف علي جملة من النقاط الأساسية، منها:
1- استعرض ابن عساكر مجمل روايات وأحداث المقتل من خلال ترجمته للإمام الحسين(عليه السلام)((2))، والتي استوعبت مائة وخمسين صفحة تقريباً، وقد شغلت أخبار المقتل ما يقارب من الخمس والخمسين صفحة، ويمكن تقسيم أبرز المحاور التي تحدَّث عنها بالشكل الآتي:
أ- ولادة الإمام الحسين(عليه السلام) ومكانها((3)).
ب - فضائل الإمام الحسين(عليه السلام) وشمائله، ومكانته عند رسول الله(صلي الله عليه و آله)((4)).
ت - الأخبار المستقبلية التي أخبر عنها الرسول والتي تتعلَّق بمقتل سبطه الإمامالحسين(عليه السلام) وموضع قتله((5)).
ث - النصحاء الذين أبدوا مواقفهم بشأن خروج الإمام الحسين(عليه السلام) وجواب الإمام لهم((6)).
ص: 134
ج - أخبار المقتل الحسيني ومقدماته((1)).
2- استعمل ابن عساكر في إيراد روايات المقتل منهج إسناد الروايات بصيغ عدة أبرزها «حدَّثنا((2))، أخبرنا((3))، انبأنا»((4)).
3- من ضمن منهجه ذكر أكثر من رواية لبعض الأحداث التاريخية، منها، تحديد عُمر الإمام الحسين(عليه السلام) حين استشهاده أو الإختلاف في سنة استشهاده، أو تحديد اليوم الذي استُشهِد فيه، ونجد أنَّ ابن عساكر ذكر العديد من الروايات بهذا الخصوص ومن مصادر مختلفة((5)).
4- أمّا مصادر رواياته عن المقتل فنلحظ أنَّ ابن عساكر قد اعتمد علي النقل التاريخي الحرفي وبشكل كبير جداً في إيراد روايات المقتل الحسيني، وقد ابتدأ في نقله عن ابن سعد بقوله: «قال ابن سعد وغير هؤلاء أيضاً قد حدَّثني في هذا الحديث بطائفة فكتبتُ جوامع حديثهم في مقتل الحسين(عليهالسلام)»((6))، ثم استمرَّ ابن عساكر في النقل التاريخي النصِّي حتي أورد الخبر كاملاً والذي بلغ سبع صفحات تقريبا، وتضمَّن الخبر إجراءات معاوية بن أبي سفيان في إسناد الحكم لولده يزيد ووصيته له، فضلاً عن مكاتبة أهل الكوفة للإمام الحسين(عليه السلام) للخروج، ثم استعرض محاولات والي المدينة لأخذ البيعة من الإمام الحسين(عليه السلام)، ثم ذكر كلام النصحاء الذين أبدوا رأيهم للإمام(عليه السلام) من مسألة توجُّهه نحو العراق وجوابه لهم((7)).
ص: 135
واعتماد ابن عساكر بالدرجة الثانية من حيث المادة التاريخية الخاصة بالمقتل علي جملة من الرواة والمؤرِّخين، منهم ابن سيرين((1)) الذي نقل منه ابن عساكر روايتين: الأولي حول وضع رأس الإمام الحسين(عليه السلام) في الطست((2)) بينما كانت الرواية الثانية ضمن الروايات ذات الطابع الغيبي، والتي تناولت معجزة من معاجز السماء التي وقعت عقب استشهاده(عليه السلام)((3)). كما اعتمد ابن عساكر علي الواقدي في بعض مرويات المقتل، والتي كانت بحدود ستِّ روايات، وقد تركَّزت حول عمر الإمام(عليه السلام) وتاريخ استشهاده((4))، فضلاً عن ذلك فقد اعتمد علي غير هؤلاء المؤرِّخين ولكن بشكل ضئيل جداً((5)).وفيما يخصُّ الروايات التي ذكرها ابن عساكر التي تستحقُّ الوقوف فقد ناقشناها في معرض حديثنا عن مروِّيات ابن سعد والطبراني التي نقلها ابن عساكر((6)) ويُستشفُّ من عرض منهج ابن عساكر الخاص بالمقتل، أنَّه خصَّص مادة تاريخية واسعة لفضائل الإمام الحسين(عليه السلام) مقارنةً بالمادة التاريخية ذات الطابع السياسي، التي نجد أنَّه أغفل الكثير من جوانبها لاسيما مقدماتها، فضلاً عن أنَّ ابن عساكر لم
ص: 136
يبدِ أيَّ نقدٍ تاريخي أو مناقشة لأيٍّ من الأحداث، إذا استثنينا مناقشته لتأريخ استشهاد الإمام الحسين(عليه السلام) ونقله لآراء المؤرخين((1)).
هناك نوع آخر من التراجم خُصِّص لترجمة حياة أئمة آل البيت(عليه السلام) والعلويين، مع أنَّها لا تحمل عنوان التراجم إلا أنَّ محتواها يشير إلي أنَّها من هذا النوع، منها:
تناول أبو الفرج أحداث المقتل من خلال تراجمه للشخصيات التي اشتركت فيه، وقد أوضح منهجه في عرض مادته التاريخية، فمن حيث المدَّة الزمنية لمصنَّفه فقد حدَّدها بقوله: «ونحن ذاكرون في كتابنا... أخبار من قُتل من ولد أبي طالب منذ عهد رسول الله إلي الوقت الذي ابتدأنا فيه هذا الكتاب، وهوفي جمادي الأولي سنة ثلاث عشرة وثلاثمائة للهجرة»((2)).
أمّا مَن يشمله موضوع مصنفه من شخصيات آل أبي طالب فهم: «مَن احتِيل في قتله منهم بسَمٍّ سُقِيه وكان سبب وفاته، ومَن خاف السلطان وهرب منه فمات في تواريه، ومَن ظفر به فحبس حتي هلك في محبسه... ووفاة مَن تُوفي بهذه الأحوال، لا علي قدر مراتبهم في الفضل والتقدُّم... وعلي أنَّا لا ننفي من أن يكون الشئ من أخبار المتأخرين منهم فاتنا ولم يقع إلينا، لتفرُّقهم في أقاصي المشرق والمغرب، وحلولهم في نائي الأطراف وشاسع المحال التي يتعذَّر علينا استعلام أخبارهم فيها، ومعرفة قصصهم لاستيطانهم إيَّاها سيما مع قصور زماننا هذا وأهله، وخلوِّه من مدوَّن الخبر،
ص: 137
أو ناقل الأثر كما كان المتقدِّمون قبلهم يدوِّنون ويصنِّفون وينظِّمون ويرصفون... وجاعلون ما نؤلِّفه في هذا الكتاب ونأتي به، علي أقرب ما يمكننا من الإختصار، ونقدر عليه من الإقتصار، وجامعون فيه ما لا يُستغنَي عن ذكره من أخبارهم وسيرهم ومقاتلهم وقصصهم...»((1)).
امتازت ترجمة الأصفهاني لتلك الشخصيات المشاركة في المقتل تحديداً بالإقتضاب والإختصار، حيث تضمَّنت الترجمة الاسم الكامل للمترجَم له والكنية مع ذكر اسم الأم، وتحديد الشخصية التي قتلته، ومن أمثلة ذلك: «عثمان بن علي بن أبي طالب(عليه السلام) وأُمُّه أمُّ البنين... قُتِل عثمان بن علي وهو ابن إحدي وعشرين سنة... إنَّ خولي بن يزيد رمي عثمان بن عليبسهم... وشدَّ عليه رجل من بني أبان بن دارم فقتله وأخذ رأسه...»((2)).
وفي معرض ترجمته لعبد الله بن الإمام الحسن(عليه السلام) إذ قال: «عبد الله بن الحسن بن علي ابن أبي طالب(عليه السلام)، وأمُّه بنت السليل بن عبد الله أخي جرير بن عبد الله البجلي. وقيل: إنَّ أمَّه أمُّ ولد... إنَّ حرملة بن كاهل الأسدي قتله، وذكر المدائني... أنَّ رجلاً منهم قتله»((3)).
وعلي هذا المنهج سار الأصفهاني في إيراد تراجمه للشخصيات المشاركة في المقتل مع التفصيل في بعضها مثل ترجمته للإمام الحسين(عليه السلام)((4)) وأخيه أبي الفضل العباس(عليه السلام)((5)).
وفي أثناء ترجمته للإمام الحسين(عليه السلام) تطرَّق الأصفهاني إلي أحداث المقتل السياسية
ص: 138
والعسكرية من قبيل قصة مسلم بن عقيل وهانئ بن عروة(عليه السلام) حتي استشهادهما، بعدها استعرض الأحداث التي جرت للإمام(عليه السلام) منها موقفه من الحرِّ بن يزيد الرياحي وما جري بينهما، ثم استرسل بالحديث حتي ذكر الإصطدام العسكري بين الطرفين الذي أدَّي إلي استشهاد الإمام(عليه السلام) والسَّلَب الذي تعرَّض له، ثم انتقل إلي السبي والأسر الذي تعرَّض له أهل البيت في الشام، والأحداث التي جرت لهم هناك((1)).
واتبع أبو الفرج الأصفهاني مع بعض الروايات النقد التاريخي، منها: تحديده لليوم الذي استُشهِد فيه الإمام الحسين(عليه السلام) إذ حدَّده الأصفهاني بيوم الجمعة لعشر خلونَ من المحرم، سنة إحدي وستين من الهجرة، ثم أورد بعد ذلكالآراء المختلفة بقوله «وقيل: إنَّ مقتله كان يوم السبت، روي ذلك عن أبي نعيم الفضل بن دكين والذي ذكرناه أولاً أصحُّ، فأمَّا ما تقوله العامة إنَّه قُتل يوم الاثنين فباطل، وهو شئ قالوه بلا رواية»((2)).
دافع الأصفهاني عن روايته بدليل منطقي باستناده إلي أنَّ: «أول المحرَّم الذي قُتل فيه يوم الأربعاء، أخرجنا ذلك بالحساب الهندي من سائر الزيجات، وإذا كان ذلك كذلك فليس يجوز أن يكون اليوم العاشر يوم الاثنين، وهذا دليل صحيح واضح تنضاف إليه الرواية... فأمَّا ما تعارفه العوام من أنَّه قُتل يوم الاثنين فلا أصل له ولا حقيقة ولا وردت به رواية»((3)).
وشكَّك الأصفهاني باستشهاد إبراهيم بن علي بن أبي طالب(عليه السلام) في واقعة الطف، بقوله: «وما سمعت بهذا، ولا رأيت لإبراهيم في شيء من كتب الأنساب ذكراً»((4)).
ص: 139
علي حين استبعد مقتل عبيد الله بن علي(عليه السلام) مع الحسين(عليه السلام)، واصفاً إيَّاه «بالخطأ وإنَّما قُتل عبيد الله يوم المذار((1))، قتله أصحاب المختار بن أبي عبيد الثقفي»((2)).
ومن الجدير بالذكر أنَّ العديد من المؤرخين قد ذهبوا إلي هذا الرأي من أنَّ عبيدالله ابن علي(عليه السلام) قد قُتل مع المختار بن أبي عبيد الثقفي، ومنهم ابن سعد((3)) والجاحظ((4)) وابن قتيبة((5)) واليعقوبي((6)) والطبري((7)) والمسعودي((8)) وابن أعثم الكوفي((9)) ومسكويه((10)) وابن الأثير((11))، والذهبي((12)).
وفضلاً عن ذلك فقد ردَّ ابن إدريس الحلي علي رواية المفيد((13)) التي أشارت إلي استشهاد عبيد الله في واقعة الطف بقوله: «وقد ذهب أيضاً شيخنا المفيد في كتاب الإرشاد إلي أنّ عبيد الله بن النهشلية قُتل بكربلاء مع أخيه الحسين(عليه السلام)، وهذا خطأ محض بلا مراء؛ لأنّ عبيد الله بن النهشلية كان في جيش مصعب بن الزبير، ومن جملة
ص: 140
أصحابه قتله أصحاب المختار بن أبي عبيد بالمذار، وقبره هناك ظاهر، والخبر بذلك متواتر»((1))، ونستنتج من مجمل تلك الدلائل والقرائن عدم مشاركة عبيد الله في واقعة الطف، وإنَّما قُتل مع المختار بن أبي عبيد الثقفي.وآخر ما تستوقفنا من روايات الأصفهاني إشارته إلي وجود أخ للإمام الحسين(عليه السلام) قد استُشهِد معه في كربلاء يكني بأبي بكر، ولم يحدِّد اسمه ولا اسم قاتله، قائلاً: «قتله رجل من همدان»((2))، علي حين ذكره القاضي النعمان بإنَّه ابن الإمام الحسين(عليه السلام) وليس أخاه((3)).
ونميل إلي ضعف هذه الرواية لاضطراب الروايتين في تحديد انتسابه من كونه أخاً للإمام الحسين(عليه السلام) أو ابنه، يُضاف إلي ذلك مجهولية الاسم لأبي بكر واسم قاتله، فضلاً عن تفنيد أحد الباحثين المتأخرين لهذه الرواية بشكل مستفيض علي وفق الأدلة والقرائن العلمية والمصادر التاريخية((4)).
ابتدأ القاضي سرده لمادة المقتل بحديثه عن الأخبار المستقبلية التي أخبر بها كلٌّ من الرسول محمد(صلي الله عليه و آله) والإمام علي بن أبي طالب(عليه السلام) عن مقتل الإمام الحسين(عليه السلام) مكاناً وزماناً، وبعد ذلك تسلسل بالحديث عن الأحداث السياسية والعسكرية عن المقتل؛ ليركِّز علي قصة مسلم بن عقيل وهانئ بن عروة(عليه السلام)، ثم توجُّه الإمام(عليه السلام) إلي
ص: 141
كربلاء، حتي استشهاده(عليه السلام)، ثم استعرض بعد ذلك الوقائع التي حصلت بعد استشهاد الإمام سواء في الكوفة أو في بلاد الشام، ليختم حديثه بعد ذلك بإيراد أسماء مَنقُتل مع الحسين(عليه السلام)((1)).
أشار القاضي إلي مسالة مهمة تتعلَّق بآلية وطريقة مبايعة أهل الكوفة لسفير الإمام الحسين(عليه السلام) مسلم ابن عقيل(عليه السلام)، بأنَّها كانت بسريِّة تامَّة، بقوله: «وكان مسلم ابن عقيل(عليه السلام) قد بايع له جماعة من أهل الكوفة في استتارهم»((2)).
وقد خالف القاضي بهذا النص الرواية التقليدية للمقتل((3)) التي صوَّرت عملية البيعة تلك بأنَّها علنية وأمام الأنظار، فقد أشار الدينوري إلي هذا المعني بقوله: «فسار مسلم حتي وافي الكوفة، ونزل في الدار التي تُعرف بدار المختار بن أبي عبيد، ثم عُرفت اليوم ب-:دار المسيَّب، فكانت الشيعة تختلف إليه، فيقرأ عليهم كتاب الحسين، ففشا أمره بالكوفة...»((4)) ومنها ما أورده المسعودي: «فخرج مسلم من مكة في النصف من شهر رمضان، حتي قدم الكوفة لخمس خلونَ من شوال، والأمير عليها النعمان بن بشير الأنصاري، فنزل علي رجل يُقال له عَوْسَجة مستتراً، فلما ذاع خبر قدومه بايعه من أهل الكوفة اثنا عشر ألف رجل، وقيل: ثمانية عشر ألفاً...»((5))، ووصف ابنأعثم البيعة بقوله: «وجعلت الشيعة تختلف إلي دار مسلم وهو يقرأ
ص: 142
عليهم كتاب الحسين والقوم يبكون شوقا منهم إلي قدوم الحسين...»((1)).
ويقترب مسكويه من النَّصَّين السابقين كثيراً، قائلاً «فسار مسلم إلي الكوفة، وبها النعمان بن بشير الأنصاري أميراً من قبل يزيد. فلما تحدّث الناس بمقدمه دبّوا إليه، فبايعه منهم اثنا عشر ألفا...»((2)).
وعند مقارنة هذه النصوص مع رواية القاضي النعمان نقدِّم عدَّة احتمالات ونتائج مفيدة منها:
أ - إنَّ نصّ القاضي النعمان يخالف أغلب النصوص أعلاه بخصوص شكل وطريقة مبايعة الشيعة لمسلم بن عقيل(عليه السلام) إذ أكَّدت تلك النصوص علنية البيعة، وبحضور جمع كبير من المبايعين مع اختلافها في العدد إلا أنَّها أشارت إلي حضور الآلاف من الشيعة وإعلان ولائهم لمسلم(عليه السلام)، بينما أشارت رواية القاضي إلي سرِّيَّة البيعة وكتمانها.
ب - في حال احتمال علنية البيعة تواجهنا إشكالات عدَّة، منها: لماذا جعل مسلم البيعة علنية مع أنَّ تعليمات الإمام الحسين(عليه السلام) أكَّدت علي كتمان الأمر، ثم إنَّ علنية البيعة تؤدي إلي فشل الثورة في بداياتها؟ فما الداعي إلي العلنية والسلطة الحاكمة تبحث عنهم؟ ثمَّ إذا كان عددهم يتجاوز الآلاف فأين السلطة الحاكمة، من هؤلاء؟ ولماذا لم تلقِ القبض عليهم؟
ت - في حال سرِّيَّة المبايعة: نري أنّ هذا أقرب للقبول والتفسير المنطقي - وإن كان مخالفاً لمجمل النصوص - وأنَّ انفراد مؤرخ برواية عن بقية المؤرِّخين لا يعنيعدم وقوعها أو مقبوليتها؛ إذ من المنطق أن يجعل مسلم تحركاته التنظيمية ذات
ص: 143
طابع سرِّي بموجب الوضع في الكوفة الذي يحتِّم عليه ذلك بوصفه معارضاً للحكم الأموي، فضلاً عن التزامه بوصايا إمامه وقائده الحسين(عليه السلام).
ويورد القاضي النعمان إشارة تأريخية مهمة تؤكِّد حضور الإمام محمد الباقر(عليه السلام) في واقعة الطف بعمر سنتين، والظاهر من الخبر أنَّه يضعِّفه بقرينة قوله: «وقيل: إنَّ ابنه محمداً بن علي(عليه السلام) يومئذ كان مع الحرم ابن سنتين»((1)).
وهنا لا بدّ من التأكُّد من حقيقة وجود الإمام الباقر(عليه السلام) في واقعة الطفِّ أوعدمها، ولتسليط الضوء أكثر علي ذلك هناك عدَّة أدلة وقرائن تثبت حضوره في تلك الواقعة منها:
أ- اختلف المؤرِّخون((2)) في تحديدهم لتأريخ ولادة الإمام الباقر(عليه السلام) إلا أنَّ ذلك الإختلاف يمكن تحديده من أنَّ أقلَّ تأريخ ذكروه هو (سنة 56ﻫ/676م)، وأقصاه (سنة 59ﻫ/677م)، ينتج عن هذا أنَّ كلا التأريخين لولادته(عليه السلام) يؤكد أنَّه موجود في واقعة الطف، ويتراوح عمره ما بين (3 إلي 5 سنوات) تقريباً.
ب - تصريح الإمام الباقر(عليه السلام) نفسه بقوله: «قُتل جدِّي الحسين ولي أربع سنين، وإني لأذكر مقتله، وما نالنا في ذلك الوقت»((3))، يدلُّ هذاالنصُّ علي أنَّ الإمام(عليه السلام) قد شاهد أحداث واقعة الطفِّ ومأساتها.
ت - إشارة المسعودي الصريحة، بقوله: «حمل علي بن الحسين مع الحريم، وأُدخل علي اللعين يزيد وكان لابنه أبي جعفر(عليه السلام) سنتان وشهور فأدخل معه...»((4)).
ص: 144
ث - وردت بعض الروايات والأخبار عن المقتل مسندة عن طريق الإمام الباقر(عليه السلام)؛ وهي بذلك تدلُّ علي أنَّه شاهد عيان للحدث آنذاك، منها أنَّه عندما رفع الحسين(عليه السلام) رضيعه، وطالب أعداءه أن يسقوه الماء، رماه حرملة بن كاهل الأسدي بسهم فأصابه في نحره: «تلقي الحسين(عليه السلام) الدم بكفيه فلما امتلأتا رمي بالدم نحو السماء قائلاً: هَوَّنَ عليَّ ما نزل بي أنه بعين الله»((1)) وبهذا الصدد قال الإمام الباقر(عليه السلام): «فلم يسقط من ذلك الدم قطرة إلي الأرض»((2))، وقوله(عليه السلام): «أُصيب الحسين بن علي(عليه السلام)، ووجد به ثلاثمائة وبضعة وعشرون طعنة برمح أو ضربة بسيف أو رمية بسهم»((3)).
من خلال تلك النصوص والقرائن نستنتج أنَّ الإمام الباقر(عليه السلام) كان موجوداً في واقعة كربلاء، علي اختلاف تحديد عمره الشريف(عليه السلام).
وفي جانب آخر حلَّل القاضي النعمان من الناحية النفسية والتأريخية سبب استبشار مروان بن الحكم (ت 65ﻫ/685م) بقتل الإمام الحسين(عليه السلام) معلّلها بدافع قبلي جاهلي بقوله: «هذه العداوة المحضة الأصيلة، وطلب القديم منثأر الجاهلية، لم يستطع مروان اللعين أن يخفيه، وبعثه السرور بقتل الحسين علي أن أخذه بيده، وقال ما قاله. وقد كان علي(عليه السلام) أسره يوم الجمل، فمنَّ عليه وأطلقه، فما راعي ذلك ولا حفظه، بل قد شاور معاوية اللعين في نبش قبر علي(عليه السلام) لما غلب علي الأمر... ويذكِّره قتلي بدر من بني عبد الشمس، ومن قُتل منهم علي الكفر غير موسَّد ولا مدفون»((4)).
ص: 145
وآخر ما يستوقفنا في منهجيته استعمالهُ للنقد والتحقيق في بعض الأحداث، من قبيل تحقيقه في علي الأكبر(عليه السلام) بقوله: «واختُلف القول فيهما، فقيل: إنَّ المقتول هو علي الأصغر، إنَّه قُتل يومئذ وفي أذنه قرط، وإنَّ علياً الأكبر هو الباقي يومئذ، وكان(عليه السلام) عليلاً... وإنَّه يومئذ ابن ثلاث وعشرين سنة، وكان معه ابنه محمد بن علي(عليه السلام) ابن سنتين، وإنَّه كان وصي أبيه الحسين(عليه السلام)، وهذه الرواية هي الرواية الفاشية الغالبة، وقال آخرون: المقتول هو علي الأكبر وصي أبيه. فلما قُتل عهد إلي علي الأصغر الذي هو لأُمِّ ولد، فأما المقتول يومئذ فأمُّه ليلي بنت مرة بن عروة بن مسعود الثقفي، وعلي الباقي لأمِّ ولد فيما أجمعوا عليه»((1)).
بعدها لجأ القاضي النعمان إلي تقسيم آراء المؤرخين التي تناولت موضوع علي الأكبر بقوله: «وكان للحسين(عليه السلام) ابنان، يدعي كل واحد منهما علياً. فالعامة تزعم أنَّ المقتول منهما معه هو الأكبر، وأهل العلم منأوليائهم وشيعتهم وغيرهم من علماء العامة العارفين بالأنساب والتواريخ يقولون: إنَّ المقتول مع الحسين(عليه السلام) هو الأصغر وإنَّ الباقي منهما هو الأكبر، وإنَّه كان يوم قُتل الحسين(عليه السلام)... شديد العلَّة، فذلك كان سبب بقائه»((2)).
وعند تتبعنا لبعض المصادر التاريخية نجد روايتي القاضي مخالفة لها وتتعارض مع بعضها بشكل كبير، وسندرج نصوص قول المؤرخين وفق التسلسل التاريخي وهم:
أ - الدينوري: «لم يزل أصحاب الحسين يقاتلون ويُقتلون، حتي لم يبقَ معه غير أهل بيته، فكان أول من تقدم منهم، فقاتل علي بن الحسين، وهو علي الأكبر، فلم يزل يقاتل
ص: 146
حتي قُتل، طعنه مرة بن منقذ العبدي، فصرعه»((1)).
ب - اليعقوبي: «وكان للحسين من الولد: علي الأكبر، لا بقية له، قُتل بالطف، وأمُّه ليلي بنت أبي مرة بن عروة بن مسعود الثقفي، وعلي الأصغر»((2)).
ت - الطبري: «وكان أوَّل قتيل من بني أبي طالب يومئذ علي الأكبر بن الحسين بن علي وأُمُّه ليلي ابنة أبي مرة ابن عروة بن مسعود الثقفي»((3)).
ث - الكاتب البغدادي (ت322ﻫ/924م): «ولد للحسين بن علي(عليهالسلام) علي الأكبر الشهيد مع أبيه وعلي سيد العابدين»((4)).
ج - المسعودي: «وكان جميع مَن قُتل مع الحسين في يوم عاشوراء بكربلاء سبعة وثمانين، منهم ابنه علي بن الحسين الأكبر...»((5)).
ح - أبو الفرج الأصفهاني: «وعلي بن الحسين وهو علي الأكبر... وهو أول من قُتل في الواقعة»((6)).
خ - المفيد: «وكان للحسين(عليه السلام) ستة أولاد: علي بن الحسين الأكبر، كنيته أبو محمد، وأمُّه شاه زنان بنت كسري يزدجرد وعلي بن الحسين الأصغر، قُتل مع أبيه بالطف... وأمُّه ليلي بنت أبي مرة بن عروة بن مسعود الثقفية»((7)).
د - الطبري الشيعي: «علي الأكبر قُتل معه، وعلي الإمام زين العابدين، وعلي الأصغر»((8)).
ص: 147
ذ - العمري، نجم الدين أبو الحسن علي بن أبي الغنائم (المتوفي في القرن الخامس الهجري/الحادي عشرالميلادي): وجَّه العمري انتقاداً لاذعاً لكلِّ مَن يروي بأنَّ علياً الأصغر هو مَن قُتل في واقعة الطف بقوله: «وزعم مَن لا بصيرة له أنَّ علياً الأصغر هو المقتول بالطف، وهذا خطأ ووهم»((1)).
ر - الطبرسي: «علي بن الحسين الأكبر زين العابدين(عليه السلام)، أُمُّه شاه زنان بنت كسري يزدجرد بن شهريار، وعلي الأصغر، قُتل مع أبيه،أُمُّه ليلي بنت أبي مرة بن عروة بن مسعود الثقفية، والناس يغلطون ويقولون: إنَّه علي الأكبر»((2)).
ز - ابن الخشاب البغدادي (ت 567ﻫ/1169م): «علي الأكبر الشهيد مع أبيه، وعلي الإمام سيد العابدين، وعلي الأصغر»((3)).
س - أبو عبد الله محمّد بن عليّ بن شهر آشوب (ت 588 ﻫ/1190م): «علي الأكبر الشهيد، أُمُّه برَّة بنت عروة بن مسعود الثقفي، وعلي الإمام وهو علي الأوسط، وعلي الأصغر»((4)).
ش - ابن الجوزي: «وخرج علي بن الحسين الأكبر... فطعنه مرة بن منقذ فصرعه»((5)).
وعند مقارنة هذه النصوص مع بعضها البعض، ومقابلتها مع روايتي القاضي النعمان آنفتا الذكر، نصل إلي جملة من النتائج، منها:
أ - إنَّ إدعاء القاضي النعمان من أنَّ أغلب مؤرخي الشيعة أشاروا إلي كون
ص: 148
المقتول في واقعة الطف هو علي الأصغر، أمر فيه نظر وتأمل؛ وذلك لأنَّ جميع المؤرخين أعلاه - الذين أغلبهم من أعلام الشيعة - قد أشاروا إلي أنَّ علياً الأكبر هو من استُشهد في واقعة الطف، وليس علياً الأصغر بإستثناء روايتي المفيد و الطبرسي، وكلاهما متأخران عنه من الناحية الزمنية.
ب - إنَّ رواية القاضي النعمان تخالف مجمل المصادر أعلاه، إذ إنَّه أشار إلي وجود ولدين للإمام الحسين(عليه السلام) باسم علي، أحدهما الإمام السجاد(عليهالسلام)، علي حين أشارت تلك المصادر إلي وجود ثلاثة أولاد للإمام(عليه السلام) متسمَّين باسم علي.
ت - أشار القاضي النعمان إلي أنَّ رواية استشهاد علي الأصغر هي (الفاشية الغالبة)، ولم تكن كذلك، لكونها تتعارض مع المصادر التي أوردناها، لاسيما وإنَّ بعضها أقدم من الناحية الزمنية من عصر القاضي النعمان، بل إنَّ الرواية الغالبة هي التي أشارت إلي استشهاد علي الأكبر وليس علياً الأصغر.
ث - أشار بعض الباحثين((1)) إلي أنَّ علياً الاكبر هو أسنُّ عمراً من الإمام السجاد(عليه السلام)، وبالتالي فإنَّ رواية القاضي التي تشير إلي استشهاد علي الأصغر والتي وصفته (في أُذنه قرط) - ولعلَّ لبس القرط فيها دلالة علي صغر عمره - تتعارض بشكل كبير مع الرواية التقليدية للمقتل.
ج - إنَّ روايات كلٍّ من القاضي النعمان والمفيد والطبرسي التي أشارت إلي استشهاد علي الأصغر في الطف تُعدُّ ضعيفة؛ وذلك لوجود مصادر أقدم منها من الناحية الزمنية، قد أشارت إلي خلاف ذلك مبيّنة أنَّ علياً الأكبر هو من استشهد وهم: اليعقوبي، والطبري، والكاتب البغدادي، والمسعودي، وأبو الفرج الإصفهاني.
ص: 149
ح - ثَمَّة تساؤل قد يُطرح، مَن هو علي الأصغر؟ وما مصيره؟ الجواب نجا من واقعة الطف بنصِّ تصريح الدينوري إذ قال: «ولم ينجُ من أصحاب الحسين(عليه السلام) وولده وولد أخيه إلا ابناه، علي الأصغر، وكان قد راهق...»((1)).من خلال هذه الرواية نستنتج أنَّ علياً الأصغر هو الإمام السجاد(عليه السلام)، ومن ثَمَّ فإنَّ أغلب المصادر التي أشارت إلي ذلك كانت تقصد به الإمام السجاد(عليه السلام)، وسلَّط القندوزي (ت 1294ﻫ/1896م) الضوء أكثر حول هذا المعني بقوله: «وكان للحسين(رضي الله عنه) ثلاثة أبناء وبنتان: علي الأصغر، وهو الإمام زين العابدين، لُقِّب بالأصغر، لأنَّه وُلِد في حياة جدِّه، وعند وفاة جدِّه كان ابن سنتين، فجدُّه أميرالمؤمنين، سعلي الأكبر وهو الأصغر، وفي حادثة كربلا كان ابن اثنتين وعشرين سنة، وكان عليلاً بالإسهال، فلم يقدر أن يخرج إلي الحرب»((2)).
ح - يُستنتَج من ذلك كلّه أنَّ للإمام الحسين(عليه السلام) ثلاثة أولاد يحملون اسم علي، وأنَّ الذي استُشهد في واقعة الطف هو علي الأكبر وليس الأصغر، وأنَّ رواية القاضي النعمان، والمفيد، والطبرسي مخالفة لأغلب المصادر التأريخية.
وهذه هي أهمُّ معالم القاضي النعمان المنهجية التي تمَّ تسجيلها في عرض مادته التاريخية عن المقتل ورواياته التي انفرد بها.
ت - الإرشاد في معرفة حجج الله علي العباد، لمحمّد بن محمّد بن النعمان المعروف ب-:المفيد (ت413ﻫ/1015م).
أورد المفيد مادة المقتل من خلال حديثه عن حياة الإمام الحسين(عليه السلام) في فصلٍ مستقلّ بحسب منهجه في ترجمته لأئمة أهل البيت في مصنَّفه((3)).
وأمّا مصادره عن المقتل فقد صرَّح بأنَّه نقلها عن هشام الكلبي والمدائني، فضلاً
ص: 150
عن مصادر أخري لم يسمِّها بقوله: «ما رواه الكلبي والمدائني وغيرهما من أصحاب السيرة...»((1)).
إنّ متابعة مادة المقتل التي أوردها المفيد ومقارنتها ولو بصورة إجمالية مع المصادر الأخري، تظهر لنا أنَّ معظمها مطابق للرواية التقليدية للمقتل، وتحديداً لما أورده تأريخ الطبري مع حذف السند الروائي وبنحوٍ مختصر، فالمقارنة بين ما موجود في تأريخ الطبريّ مع الأسانيد وبين ما نقله المفيد يثبت هذا التطابق، وقد أشار أحد الباحثين إلي ذلك بقوله: «إنَّ المتتبِّع لحركة الإمام الحسين(عليه السلام) لدي الشيخ المفيد مقارنة بما أورده الطبري، ذلك التوالي والتشابه في المضمون الذي وصل في بعض الأحيان إلي حدِّ التطابق التامِّ... وهذا يبعث علي التساؤل: ماذا إذا كانت هذه الروايات تعود في مصدرها الأساسي إلي شخص واحد نقل عنه الأخباريون جميعهم، استفاد منه الطبري والمفيد»((2))، إلا أنَّ للمفيد زيادات في بعض الأخبار علي مادة الطبري، من قبيل تحديده لمكان دفن عليّ الأكبر والعبّاس(عليه السلام) والشهداء الآخرين((3)).
ث - مناقب آل أبي طالب، لأبي عبد الله محمّد بن عليّ بن شهر آشوب (ت588ﻫ/ 1190م).
تناول ابن شهرآشوب المقتل في فصل مستقلٍّ ضمن ترجمة سيرة الإمام الحسين(عليه السلام) وفضائله ومناقبه علي وفق منهجيته التي اتَّبعها في مصنَّفه، فبعد أن بيّن في عدّة فصول روايات من كرامات الإمام(عليه السلام) ومحاسن أخلاقه ومعاجزه التي حصلت عقب استشهاده(عليه السلام)، فضلاً عن بعض الأخبار التي بيّنت منزلة ومكانته
ص: 151
عند جدِّه المصطفي، وتطرُّقه أيضاً إلي تأريخ ولادتهوألقابه(عليه السلام)، بعدها عرض مادة المقتل وتفاصيله ومقدماته((1)).
من الملاحَظ أنّ ابن شهرآشوب، وبحسب منهجه في عرض المقتل القائم علي أساس الإختصار واجتناب التفصيل في بعض الأخبار لم يتطرَّق للمسائل الدقيقة والمفصلة لبعض مرويات المقتل، إلا أنَّه تناولها بالإجمال، بل لم يتعرّض أصلاً لكثير من الوقائع بسبب اختياره بعضها دون البعض الآخر، ومن المآخذ التي تُسجَّل عليه أنَّه لم يراعِ كثيراً الترتيب الزمنيّ بين الأحداث وتسلسلها، فقد أورد فصلاً تحدَّث فيه عن الكرامات التي تحقَّقت للإمام الحسين(عليه السلام) بعد استشهاده، ثم تناول أيضاً فصلاً في بيان مكارم أخلاقه(عليه السلام)، ثم أورد بعد ذلك فصلاً بعنوان معالي أُموره... ثم أورد فصلاً آخر خاصاً بمقتله(عليه السلام)، وهذا واضح من خلال تتبُّع الفصول أنَّه لم يراعِ التسلسل الزمني للأحداث((2)).
اعتمد المؤلِّف في عرض مادته هذه علي بعض مرويات الأئمة(عليهم السلام) منهم الإمام السجّاد(عليه السلام) والإمام الصادق(عليه السلام) والإمام الرضا(عليه السلام)((3))، فضلاً عن اعتماده مصادر متعدّدة من قبيل: أنساب الأشراف للبلاذريّ، وتاريخ الطبريّ، ومقتل ابن بابويه، وفضائل العشرة لأبي السعادات، وحلية الأولياء لأبي نعيم الأصفهانيّ، وأمالي الطوسي، وعن رواة مثل أبي مخنف، وعن القاسم بن الأصبغ - ومن المحتمل أنَّه اعتمد علي مقتله المفقود - مما يترتب علي ذلك أنَّ كتاب المقتل قد فُقد بعد عصر ابن شهر آشوب((4)).
ص: 152
ومن الروايات الجديرة بالوقوف عليها إخباره عن عدد القتلي، والتي لا تتفق معالعقل والمنطق، من قبيل قوله عن الإمام الحسين(عليه السلام): «وجعل يقاتل حتي قتل ألفاً وتسعمائة وخمسين سوي المجروحين، فقال عمر بن سعد لقومه: الويل لكم أتدرون من تبارزون؟! هذا ابن الأنزع البطين، هذا ابن قتَّال العرب، فاحملوا عليه من كلِّ جانب، فحملوا بالطعن مائة وثمانون، وأربعة آلاف بالسهام»((1)).
إنَّ المبالغة واضحة جداً في الرواية، فكيف تمكَّن الإمام الحسين(عليه السلام) من قتل هذا العدد من الجنود المدرَّبين والمجهَّزين بكامل عُدَدهم العسكرية؟ فضلاً عن ذلك لم يحدِّد لنا ابن شهر آشوب مصدر هذه الرواية ومن أين جاء بها.
أو قوله عن عبد الله بن مسلم بن عقيل(عليه السلام): «فقاتل حتي قتل ثمانية وتسعين رجلاً بثلاث حملات»((2)).
وآخر ما نختم به حديثنا هو أنّ ابن شهر اشوب قد ذكر بعض الأراجيز التي أطلقها أبو الفضل العبّاس والإمام الحسين(عليه السلام) في واقعة الطف، والتي لم نطَّلع عليها في المصادر المتوافرة لدينا، مما يدلُّ علي انفراده بها((3)).
ح - تذكرة خواص الأمَّة في خصائص الأئمة(عليهم السلام)، ليوسف بن فرغلي بن عبد الله المعروف ب-(سبط ابن الجوزي)، (ت654ﻫ/1256م).
ترجم فيه المؤلِّف لأئمة أهل البيت ابتداءً من الإمام علي بن أبي طالب(عليه السلام) حتي الإمام محمد المهدي(عليه السلام) وبخصوص الإمام الحسين(عليه السلام) فقد ابتدأ حديثه عنه ببيان منزلته وفضله عند رسول الله(صلي الله عليه و آله) ثم استعرض بعد ذلك مقدّمات المقتل وحيثياته.وهناك جملة من الخصائص المنهجية التي اتَّبعها المؤلِّف في إيراده لأخبار المقتل
ص: 153
والتي منها:
أورد سبط ابن الجوزي المقتل كجزء من ترجمته لسيرة الإمام الحسين(عليه السلام)، وقد خصَّص للمقتل حدود ثمانين صفحة، تناولت المقتل بشكل متسلسل من الناحية التاريخية إذ ابتدأه بوصية معاوية بن أبي سفيان لولده يزيد بن معاوية، التي تضمَّنت بعض المعالم الأساسية في إدارة دفَّة الحكم لولده يزيد، ومطالبة والي المدينة للإمام الحسين(عليه السلام) بالبيعة، ثم استعرض الأحداث التي تعاقبت علي ذلك، وكيفية خروج الإمام الحسين(عليه السلام) من المدينة، ووصول كتب أهل الكوفة له وجوابه لهم((1)).
بعدها استعرض حادثة مقتل كلٍّ من مسلم بن عقيل وهانئ بن عروة(عليه السلام)، والأحداث التي ارتبطت بهما((2))، ثم انتقل ليركّز حديثه عن وصول الركب الحسيني إلي العراق والإستعدادات العسكرية التي اتخذتها السلطة الحاكمة لمواجهته، فضلاً عن المواجهة العسكرية بين الطرفين حتي استشهاد الإمام الحسين(عليه السلام) في كربلاء((3)).
أورد السبط إحصاءً دقيقاً بأسماء مَن قُتل من آل أبي طالب(عليه السلام)، ثم عرَّج بعد ذلك إلي السبي والأسر الذي تعرَّض له أهل البيت في الكوفة والشام،بعدها ختم حديثه عن المقتل بالجزاء والعقوبة الدنيوية التي تعرَّض لها بعض قتلة الإمام الحسين(عليه السلام)((4)) جزاءاً لجريمتهم النكراء.
ص: 154
اعتمد سبط ابن الجوزي علي العديد من المصادر في ذكره لروايات وأخبار المقتل، ومنها ما أشار إليه بشكل صريح من قبيل الواقدي((1)) ومحمد بن هشام الكلبي((2)) ومحمد بن سعد((3)) والبلاذري((4)) ومحمد بن جرير الطبري((5)) وعلي بن الحسين المسعودي((6))، وابن الجوزي((7)).
فضلاً عن ذلك نجد أنَّ سبط ابن الجوزي أورد بعض الروايات ولم يشر إلي مصادرها التي استقاها منها مستعملاً في ذلك عبارات وصيغاً مختلفة من قبيل «قال علماء السير((8))، وفي رواية»((9)).
اتبع السبط في منهجيته أسلوب المقارنة بين المصادر، فبخصوص المادةالتاريخية عن حادثة مسلم بن عقيل(عليه السلام) يقارن السبط بين مادة الواقدي عن تلك الحادثة، ومادة ابن هشام الكلبي وابن إسحاق قائلاً: «وذكر ابن هشام بن محمد وابن إسحاق في قصة مسلم بن عقيل ما هو أتمُّ من هذا»((10)).
ص: 155
إنّ مسلم بن عقيل(عليه السلام) قد طلب من الإمام الحسين(عليه السلام) إعفاءه من مهمة الذهاب للكوفة لدراسة أوضاعها، ونصُّها: «ثم بعث الحسين قبل خروجه من مكة إلي الكوفة مسلم بن عقيل، وقال له انظر ما كتبوا به إلينا فإن كان حقاً فأخبرني، فاستعفاه مسلم، فلم يعفه فقال له يا ابن عمّ الناس كثير فبالله لا تلقي الله بدمي، فقال له لا بدّ من مسيرك، فسار حتي أتي الكوفة»((1)).
إنّ موقف مسلم في هذه الرواية لا يتفق مع سيرته وإخلاصه العقائدي تجاه إمامه الحسين بن علي(عليهما السلام)، ويلاحظ أنَّ الرواية تحاول تصوِّر أنَّ مسلماً خرج مجبراً من قبل الإمام الحسين(عليه السلام)، وهذا غير ممكن لأنَّ مسلماً كان معتقداً تماماً بإمامة الحسين(عليه السلام) ويعرف أنّ هذا هو جزء من تكليفه الشرعي، ولا يمكن أن يعترض علي ذلك، فضلاً عن أنَّ سبط ابن الجوزي قد نقلها عن طريق الواقدي، ولم نطلع عليها في بقية المصادر التاريخية المتوافرة لدينا.
وفضلاً عن ذلك فإنَّ هذه الرواية تخالف مجمل ما ذكره المؤرخون الذين لم يشيروا في روايتهم لقصة مسلم بن عقيل(عليه السلام) لهذه الرواية وتردّد الأخيرفي إسناد المهمة إليه من قبل الإمام الحسين(عليه السلام)، ومنهم ابن قتيبة((2))، والبلاذري((3))، واليعقوبي((4)) والطبري((5)) والمسعودي((6))، وأبو الفرج الإصفهاني((7))، والقاضي
ص: 156
النعمان((1))، وما أشار إليه الفتّال النيسابوري في إيراده لقصة مسلم((2))، وما أورده ابن نما((3)) وغيرها، وهذا يجعل الرواية في دائرة الشكِّ والضعف، ومن الأخبار المنفردة.
لجأ سبط ابن الجوزي إلي نقد وتحليل بعض الروايات - وإن كان في حالات محدودة - منها، انتقاده لرواية قول الحسين(عليه السلام) إلي عمر بن سعد بأنَّه سوف يتراجع عن موقفه والذهاب للمدينة، أو النزول علي حكم يزيد بن معاوية، فقال منتقداً هذا النصَّ: «وقد وقع في بعض النسخ أنَّ الحسين(عليه السلام) قال لعمر بن سعد دعوني أمضي إلي المدينة أو إلي يزيد فأضع يدي في يده، ولا يصحُّ ذلك؛ لأنَّ عقبة ابن سمعان قال:صحبت الحسين من المدينة إلي العراق ولم أزل معه إلي أن قُتل والله ما سمعته قالذلك»((4)).
وجَّه سبط ابن الجوزي انتقاداً تاريخياً إلي البلاذري بخصوص حضور أنس بن مالك في مجلس يزيد بن معاوية في الشام ومشاهدته ضرب الأخير لثنايا الإمام الحسين(عليه السلام)، قائلاً: «وهو غلط لأنَّ أنس بن مالك كان بالكوفة عند ابن زياد ولما جيء بالرأس بكي»((5)).
وأحياناً يرجِّح السبط بعض الروايات المتعدِّدة للحادثة الواحدة، كما هو الحال في عدد أصحاب الإمام الحسين(عليه السلام)، فقد أورد عدة أخبار مختلفة منها أنَّ «عددهم
ص: 157
سبعون فارساً ومائة راجل، وقيل كان معه ثلاثون فارساً، وذكر المسعودي: أنَّه كان معه ألف»((1))، ويرجِّح السبط الرأي الأول بقوله: «والأول أصحُّ»((2))، ولعلَّ سبب ترجيحه هذا يرجع إلي شهرة هذا الرقم عند المؤرخين.
وذكر أيضاً روايات عدَّة بخصوص الشخصية التي أقدمت علي قتل وذبح الإمام الحسين(عليه السلام) مرجِّحاً سنان بن أنس وبمشاركته من قبل شمر بن ذي الجوشن((3)).
ومن منهجه العلمي أيضاً أنَّه أورد عدة مصادر تاريخية لنقل خبر واحد اتفقت عليه، من قبيل إيراده لحادثة إرسال الرؤوس والسبايا إلي الوالي عبيد الله بن زياد، بقوله: «قال هشام بن محمد، والواقدي، وابن إسحاق: ثم بعث عمر بنسعد إلي ابن زياد...»((4)).
وهنا لا بدّ من الإشارة إلي أنَّ سبط ابن الجوزي نقل بعض الروايات الضعيفة التي لا يمكن قبولها من قبيل، نقله لرواية المسعودي بقوله: «ولم يحضر قتال الحسين أحد من أهل الشام، بل كلُّهم من أهل الكوفة ممن كاتبه وكانوا ستة آلاف مقاتل...»((5))، وعند التدقيق بهذه الرواية ومقابلتها مع رواية المسعودي((6)) لم نجدها مطابقة لها، وإنَّ سبط بن الجوزي قد أضاف عليها بعض الزيادات، منها ذكره للعدد ستة آلاف الذين كاتبوا الإمام الحسين(عليه السلام) ومن ثَمَّ قاتلوه، مما يدلُّ علي أنَّ
ص: 158
السبط قد تلاعب بهذه الرواية ولم يتّبع الأمانة العلمية في نقلها.
وفضلاً عن إيراده لرواية ابن شهر آشوب بخصوص عدد الذين قتلهم الإمام الحسين(عليه السلام) والضربات التي تعرَّض لها والتي فيها مبالغة واضحة ومخالفة للمنطق بقوله: «وجعل يقاتل حتي قتل الفاً وتسعمائة وخمسين سوي المجروحين، فقال عمر بن سعد لقومه: الويل لكم أتدرون من تبارزون! هذا ابن الأنزع البطين، هذا ابن قتَّال العرب، فاحملوا عليه من كلِّ جانب. فحملوا بالطعن مائة وثمانون وأربعة آلاف بالسهام»((1)). وقد ناقشنا هاتين الروايتين في معرض حديثنا عن كلا المؤرِّخينِ، وبهذا نختم حديثنا عن مرويات سبط ابن الجوزي.
ص: 159
ص: 160
المبحث الأول: كتب المقتل الحسيني المفقودة من القرن الأول حتي القرن الثالث الهجري
المبحث الثاني: كتب المقتل الحسيني المفقودة من القرن الرابع حتي أواخر القرن السابع الهجري
ص: 161
ص: 162
إنَّ ظاهرة فقدان الكتب وتلفها من الظواهر التي برزت في التاريخ الإسلامي، وعند مختلف الأمم الأخري وعلي مرِّ العصور، والتي تسبَّبت بفقدان الكثير من المصادر الأساسية والقيِّمة، وهنالك عدة عوامل ودوافع أدَّت إلي فقدان تلك الكتب، بعضها سياسي وآخر ديني مذهبي، فضلاً عن العوامل الإجتماعية والإقتصادية الأخري.
تعرَّض الكثير من الباحثين إلي الخوض بشكل تفصيلي في بيان أسباب ودوافع ضياع الكتب وحرق المكتبات وإتلافها((1))، والذي يبدو أنَّ كتب المقتل الحسيني شكَّلت جزءاً من تلك الكتب التي تعرَّضت للفقدان، ومن أدلَّة ذلك أنَّ بعض كتب المقاتل قد وُجدت في حِقَب زمنية معيَّنة وقد اعتمد عليها بعض المؤرخين في ذكر رواياتهم عن مقتل الحسين بن علي(عليه السلام)، في حين فُقِدت فيما بعد وأصبحت في عداد الكتب المفقودة.
ومن الجدير بالذكر أنَّ العديد من المصادر التاريخية اعتمدت علي بعض كتب المقاتل المفقودة والتي لم تصلنا، ومنها علي سبيل المثال لا الحصر، ما اعتمده أبوالفرج الأصفهاني في كتابه مقاتل الطالبيين علي بعض مرويات المدائني((2))، كما نقل
ص: 163
ابن عساكر في كتابه تاريخ مدينة دمشق جزء من مرويات الواقدي((1))، الخاصة بالمقتل، وكذلك أورد الذهبي بعض الأخبار التي تخصُّ مقتل الحسين(عليه السلام) استناداً إلي روايات الواقدي((2)).
إنَّ ما ذكرناه يدلُّ علي أنَّ كتب المقاتل المشار إليها آنفاً كانت موجودة أو قريبةً زمانياً من عصر هؤلاء المؤرخين وتناقلها بعض المحدِّثين؛ وذلك لأنَّ بعض المؤرخين اعتمد علي تلك الكتب عن طريق سلسلة من الأسناد بعبارة (حدَّثنا).
1- الأصبغ بن نُباته (ت100ﻫ/702م)((3))
من أصحاب وخواصِّ الإمام علي بن أبي طالب(عليه السلام) وعمَّر بعده، وأورد عنه الطوسي أنَّه روي عن مقتل الحسين(عليه السلام)((4)).
لكن لم نُوفَّق - بحدود اطلاعنا - للتعرُّف علي أيِّ رواية تخصُّ المقتل فيالمصنفات التاريخية مروية عن الأصبغ بن نُباتة، علي حين هناك ثلاث روايات وردت في بعض المصادر عن طريق القاسم بن الأصبغ بن نُباته، وهي: الأولي مفادها: «أنَّ رجلاً من بني أبان بن دارم دعا قومه إلي منع الحسين(عليه السلام) من الوصول إلي
ص: 164
الماء، فدعا عليه الإمام(عليه السلام) بالظمأ حتي صبَّ الله عليه الظمأ»((1)) الثانية أوردها أبو الفرج الأصفهاني: «عن القاسم بن الأصبغ بن نباتة قال: رأيت رجلاً من بني أبان بن دارم أسود الوجه، وكنت أعرفه جميلاً شديد البياض فقلت له: ما كدت أعرفك قال. إني قتلت شاباً أمرد مع الحسين بين عينيه أثر السجود، فما نمت ليلة منذ قتلته إلا أتاني فيأخذ بتلابيبي((2)) حتي يأتي جهنم فيدفعني فيها، فأصيح فما يبقي في الحي أحد إلا سمع صياحي، قال: والمقتول العباس بن علي(عليه السلام)»((3)).
أمّا الثالثة فقد أوردها القندوزي عن طريق هشام بن محمد الكلبي ونصُّها: «عن القاسم بن الأصبغ... قال: لما أُتي بالرؤوس إلي الكوفة إذ فارساً منأحسن الناس وجهاً قد علق في لبب فرسه رأس... كأنه القمر ليلة تمامه والفرس طوح فإذا طأطأ رأسه لحق الرأس بالأرض. فقلت له: رأس من هذا قال: رأس العباس بن علي(رضي الله عنه) قلت: وأنت؟ قال: حرملة بن كاهل الأسدي، قال: فلبث أياما وإذا بحرملة فصار وجهه أشد سواداً من القار، فقلت له: لقد رأيتك يوم حملت الرأس وما في العرب أنضر وجها منك وما أدري اليوم إلا أقبح وإلا أسود وجها منك! فبكي، وقال: والله منذ حملت الرأس والي اليوم ما تمر علي ليلة إلا واثنان يأخذاني... ثم ينتهيان بي إلي النار فيدفعاني فيها وأنا أنكص فتسفعني، ثم مات علي أقبح حال»((4)).
ص: 165
بعد إيرادنا لهذه الروايات يبدو لنا أنَّ القاسم بن الأصبغ بن نُباتة هو من ألَّف كتاب مقتل الحسين(عليه السلام) لا والده الأصبغ، بقرينة الروايات الثلاث آنفة الذكر، فضلاً عن ذلك وحسب اطلاعنا لا توجد أيَّة رواية للأصبغ تخصُّ المقتل، أمّا من ترجم للأصبغ وذكر أنَّه ألَّف كتاب مقتل الحسين(عليه السلام)، كما أشار إلي ذلك الطوسي((1))، فلعله ناجم عن الإشتباه بين الأصبغ وولده القاسم، و ما شاكل ذلك.
ومن الجدير بالذكر أنَّ الروايات الثلاث التي أسُندت للقاسم بن الأصبغ كانت ذات طابع غيبي إعجازي حيث تحدَّثت عن الجزاء الدنيوي الذي طال قتلة الإمام الحسين(عليه السلام).
المجالات والتخصُّصات والأحداث، إلا أنَّه لم يورد لنا روايات أو أخباراً تخصُّ المقتل في المصادر المتوافرة لدينا.
3- الواقدي (ت207ﻫ/822م)((1))
أخباري معروف، له عدَّة مؤلفات في السير والتاريخ، منها كتاب مقتل الحسين(عليه السلام). وهو كتاب مفقود((2))، وقد اعتمد علي مروياته الخاصة بالمقتل جملة من المؤرخين الذين اقتبسوا بعض النصوص التاريخية الخاصة بالمقتل عنه، أمثال ابن سعد (مؤلف الطبقات الكبري) إذ ذكر اللقاء الذي دار بين الإمام الحسين بن علي(عليه السلام) وابن مطيع عندما خرج من المدينة باتجاه مكة نقله استنادً إلي ما رواه الواقدي((3)).
ص: 167
واعتمد الطبري هو الآخر علي بعض مرويات الواقدي في أخبار المقتل نقلاً عن ابن سعد، منها ما يخصُّ تاريخ استشهاد الإمام(عليه السلام)؛ إذ ذكر مروياً عن الواقدي فقال: «قُتل الحسين لعشر خلون من المحرم عام 61هجرية، قال الواقدي هذا أثبت»((1))، ولعلَّ قول الواقدي (هذا أثبت) تشير إلي أنَّ هناك آراء مختلفة قد تناولت تأريخ استشهاد الإمام الحسين(عليه السلام) وقد رجَّح الواقدي هذا التأريخ.
وأشار البلاذري إلي بعض مصادره التي اعتمدها في رواية المقتل، منها مرويات الواقدي، إذ ذكر مروياً بما نصه: «قتل الحسينَ شمرُ بن ذي الجوشن، وقد فصَّل خضاب لحيته وكان يخضب بسواد، وأوطأ شمر فرسه وذلك في يوم عاشوراء سنة إحدي وستين، وهو ابن ثمان وخمسين سنة. ويقال: ابن ست وخمسين»((2)).
ولم يذكر ابن عساكر روايات عن المقتل منقولة عن الواقدي سوي تاريخ استشهاد الإمام الحسين(عليه السلام) وحديث يخصُّ أمَّ سلمة((3)).
من خلال استقراء وتتبع المصادر يتضح لنا أنَّ سبط ابن الجوزي هو من أكثر المؤرخين الذين نقلوا روايات مسندة للواقدي تخصُّ مادة المقتل، وهي أشبه بمقتل كامل للواقدي، وقد ابتدأ بنقله عنه فيما يخصُّ نزول الإمام الحسين(عليه السلام) في مكة بقوله: «قال الواقدي: ولما نزل الحسين مكة كتب يزيد بن معاوية إلي ابن عباس أمّا بعد فإنَّ ابن عمك حسيناً وعدوَّ الله ابنالزبير التويا ببيعتي ولحقا بمكة مرصدين للفتنة...»((4)).
وأورد كذلك عنهُ رواية بخصوص النصيحة أو المشورة التي وجَّهها عبد الله بن
ص: 168
عمر للإمام الحسين(عليه السلام) ونصّها: «قال الواقدي ولما بلغ عبد الله بن عمر ما عزم عليه الحسين دخل عليه... فلامه ووبَّخه ونهاه عن المسير، وقال يا أبا عبد الله سمعت جدَّك رسول الله يقول مالي وللدنيا، وما للدنيا ومالي وأنت بضعة منه»((1)).
وهنا لا بدّ أن نشير إلي بعض النقاط السلبية التي حملتها هذه الرواية، منها: إنَّ تلك الرواية قد تمَّ التلاعب بألفاظها؛ وذلك من غير المعقول أن يوجِّه عبد الله بن عمر كلاماً وانتقاداً بهذا المستوي تجاه الإمام الحسين(عليه السلام)، وفضلاً عن ذلك فإنَّ سياقها وأسلوبها يشيران إلي أنَّها نُقلت بالمعني وليس باللفظ، ومن المؤكَّد أن يحصل تغيير وتحريف في العبارات والألفاظ، وكيفما يشاء الناقل يُعبِّر - تحكمه في ذلك منظومته العقائدية والمذهبية والسياسية - هذا من جانب، ومن جانب آخر كيف يحقُّ لشخص مثل عبد الله بن عمر أن يوبِّخ إماماً معصوماً مفترض الطاعة مثل الإمام الحسين(عليه السلام)، أضف إلي ذلك أنَّ رواية إبداء النصيحة أو المشورة من قبل عبد الله بن عمر للإمام(عليه السلام) قد أوردها البلاذري((2)) وعند مقارنتها مع رواية الواقدي وجدناها تختلف عنها، وبشكل جذري، ولا تتفق معها بشكل أو بآخر، مما يدلُّ علي أنَّ هذه الرواية من نسج وتأليف الناقل لها سواء الواقدي أو سبط ابن الجوزي.ونقل سبط بن الجوزي عن الواقدي أيضاً الروايات ذات الطابع الإعجازي، بقوله: «وقال الواقدي وغيره لمَّا رحل الحسين(عليه السلام) من القادسية وقف يختار مكاناً ينزل فيه واذا سواد الخيل قد أقبل كالليل، وكأنَّ راياتهم أجنحة النسور... فنزلوا مقابلهم ومنعوهم الماء ثلاثة أيام، فناداه عبد الله بن حصن الأزدي يا حسين ألا تنظر إلي الماء كأنَّه كبد سماء والله لا تذوق منه قطرة حتي تموت عطشا، فقال الحسين اللهم اقتله
ص: 169
عطشاً ولا تغفر له أبداً فكان بعد ذلك يشرب الماء ولا يروي حتي سقي بطنه فمات عطشا»((1)).
وذكر أخري أشارت إلي حصول لقاء بين الإمام الحسين(عليه السلام) وبين عمر بن سعد بين العسكرين وهي تصوّر تراجع الإمام(عليه السلام) عن مشروعه الإصلاحي الثوري، مطالباً السلطة الأموية باختيار أيّ مكان يلجأ إليه، وإنَّه انخدع بأهل الكوفة ويريد التراجع، ويطلب من عمر بن سعد مكاتبة الوالي عبيد الله بذلك، وتحاول الرواية أن تعطي لشمر بن ذي الجوشن دوراً كبيراً في منع الوالي عبيد الله من الإنصياع لمطلب الإمام الحسين(عليه السلام) ووجوب الرضوخ لحكم الوالي عبيد الله أو القتل، وبدوره - أي عبيد الله - كتب إلي القائد عمر ابن سعد بذلك((2))، هذه الرواية من المؤكَّد هي ضمن الموضوعات التي تحاول أن تشوِّه نهضة الإمام(عليه السلام).
وحدَّد الواقدي أنَّ أول من رمي معسكر الإمام الحسين(عليه السلام) بسهم، هو:عمر بن سعد، وهو يتفق مع العديد من المصادر((3)) التي أشارت إلي هذا الأمر.
وذكر السبط رواية بأسلوب الإسناد الجمعي ومن بينهم الواقدي، تتعلَّق بحمل الأسري والسبايا إلي الكوفة ونصُّ الرواية: «ثم بعث عمر بن سعد إلي ابن زياد برأس الحسين ورؤوس أصحابه وبناته ومن بقي من الأطفال مع خولي بن يزيد الأصبحي، وفيهم علي بن الحسين الأصغر وكان مريضاً...»((4)).
ص: 170
ولم تقتصر روايات الواقدي التي نقلها لنا سبط بن الجوزي عن المقتل فقط، بل تعدَّت إلي أكثر من ذلك فقد أوردت لنا الأخبار التي تحدَّثت عن الرأس الشريف للإمام الحسين(عليه السلام) والسبي والأسر الذي تعرَّض له أهل البيت في الشام ونصُّ الرواية: «قال الواقدي: ثم دعا ابن زياد زحر بن قيس الجعفي وسلَّم إليه الرؤوس والسبايا وجهَّزه إلي دمشق... فحكي ربيعة بن عمر((1)) وقال كنت جالساً عند يزيد بن معاوية في بهو له إذ قيل له زحر بن قيس بالباب وأذن له في الحال، فدخل فقال ما وراءك؟ فقال ما تحبُّ ابشربفتح الله ونصره؛ ورد علينا الحسين في سبعين راكباً من أهل بيته وأصحابه، حتي أخذت السيوف مأخذها من هام الرجال فهاتيك أجسامهم مجرَّدة وهم صرعي في الفلاة...»((2))، إلي آخر الرواية التي تصوِّر أنَّ يزيد بكي وحَمّلَ أهل العراق وخصوصاً عبيد الله مسؤولية ما جري يوم عاشوراء.
وذكر الواقدي رواية عن عاقبة المتخاذلين عن نصرة الإمام الحسين(عليه السلام) والذين لاقوا جزاءهم في الدنيا قبل الآخرة، والرواية أشارت إلي أنَّ رجلاً لم تسمِّه أو تحدِّد هويته، قد حضر واقعة الطف ولم ينصر الإمام الحسين(عليه السلام) بأيِّ شكل من الأشكال، وإنَّ الله عاقبه بعمي بصره في الدنيا؛ لتخاذله عن المشاركة في نصرة الإمام الحسين(عليه السلام)((3)).
ونقل الذهبي أيضاً العديد من النصوص الخاصة بالمقتل عن ابن سعد الذي
ص: 171
بدوره يسندها إلي الواقدي، منها:خبر مسلم بن عقيل(عليه السلام) وكيفية خروجه واشتباكه مع عناصر السلطة الأموية، والأحداث الأخري التي تلتها حتي استشهاده(عليه السلام)((1)).
أوردَ الذهبي رواية بنفس إسناده آنف الذكر ما نصُّها: «إنّ عمر بن سعد بن أبي وقاص أرسل رجلاً علي ناقة إلي الحسين، يخبره بقتل مسلم بن عقيل، وكان قد بعثه الحسين إلي الكوفة كما مرَّ في سنة ستين، فقال للحسين ولده علي الأكبر: يا أبه ارجع، فإنهم أهل العراق وغدرهم، وقلَّةوفائهم، ولا لك بشيء، فقالت بنو عقيل: ليس هذا حين رجوع، وحرَّضوه علي المضي»((2)).
الرواية لا تخلو من الإشكالات النقدية والتساؤلات التي تجعلها بدائرة الأخبار الموضوعة، منها:
1- ما الدافع الذي جعل عمر بن سعد يرسل رسولاً لإبلاغ الإمام الحسين(عليه السلام) بقتل سفيره مسلم بن عقيل(عليه السلام)؟ هل حبّاً بالإمام الحسين أم خوفاً من التورط بقتله؟ ومن خلال الوقائع والتصرفات التي أقدم عليها عمر بن سعد تجاه الإمام(عليه السلام) وأهل بيته الأطهار تؤكِّد أنَّ عمر بن سعد لم يكنْ لديه دافع الحبِّ للإمام الحسين أو الخوف من التورط في قتله، فيا تري أيّ دافع أو أيّ سبب حرَّضه علي هذا التصرف؟
2- تبيِّن الرواية أنّ علياً الأكبر(عليه السلام) إنسان لا يمتلك أيّ عقيدة راسخة، ومتخوِّف من السلطة الأموية وأنَّه تراجع بمجرد سماعه نبأ قتل مسلم بن عقيل(عليه السلام)، كما وتشير إلي أنَّ علياً الأكبر هو أعرف وأدري بأهل العراق ونفسياتهم من الإمام الحسين(عليه السلام)، كما تصوِّر أنَّ خروج الإمام الحسين(عليه السلام) كان بسبب أهل
ص: 172
العراق ودعوتهم ومكاتبتهم له، وهذا بعيد جداً.
3- تحاول الرواية أن تبيِّن أنَّ موقف بني عقيل أكثر ثباتاً ورسوخاً من موقف علي الأكبر، وهذا خلاف الحقيقة؛ لما بذله الأكبر من تضحية وفداء في سبيل الدين ونصرة إمام زمانه.
4- وبحسب فرض الرواية: لماذا جاءت نصيحة علي الأكبر لوالده الإمام الحسين(عليه السلام) متأخِّرة؟ ولماذا لم ينصحه قبل خروجه من المدينة؟ ولماذافي هذا الوقت؟ كلُّ هذا يؤكِّد أنّ الرواية تريد الطعن بعلي الأكبر(عليه السلام).
4- يضاف إلي ذلك تشكيك أحد الباحثين المعاصرين بهذه الرواية بقوله: «إنَّ القراءة الخاطئة للرواية تظهر عجز الإمام الحسين(عليه السلام) عن الإستمرار في المسير، وإنَّه - بحسب الرواية - لأجل إرضاء أخوة مسلم»((1)) نستنتج من خلال ذلك كلّه أنَّ هذه الرواية تحاول التنظير لثلاث نقاط أساسية:
أ - الطعن بنهضة الإمام الحسين(عليه السلام) وإنَّها لم يخطّط لها مسبقاً وإنَّما جاءت لظروف استُجدّت آنذاك، وإنَّ بني عقيل هم من حرَّضوه علي المضي، وتوحي إلي حصول تراجع من الإمام الحسين(عليه السلام).
ب - الطعن بعلي الأكبر(عليه السلام) وإنَّه تراجع بمجرد سماعه خبر استشهاد مسلم بن عقيل(عليه السلام)، بل إنَّه أخذ يحثُّ أباه الإمام الحسين(عليه السلام) علي التراجع.
ت - الطعن بأهل العراق وإنَّهم لا وفاء لهم وأهل غدر.
ويشير الذهبي إلي رواية دفن رأس الإمام الحسين بن علي(عليه السلام) في منطقة البقيع في المدينة المنورة استناداً إلي ما نقله الواقدي((2))، والرواية تحتاج للمناقشة والدراسة؛
ص: 173
لكونها تتعارض مع عدَّة مصادر في تحديدها لمكان دفن رأسالإمام الحسين(عليه السلام)((1)).
ويبدو أنَّ الرواية الوحيدة التي اعتمدها ابن كثير بخصوص المقتل عن الواقدي هي ما تخصُّ مناقشته لتأريخ استشهاد الإمام الحسين(عليه السلام)؛ إذ أشار إلي أنَّ هناك من يذكر أنَّ الإمام الحسين(عليه السلام) استشهد في شهر صفر، ويضعِّف ابن كثير رأي من يذهب إلي هذا القول، وذلك بعبارته «وزعم بعضهم أنَّه قُتل في صفر»((2)) ويرجِّح رأي الواقدي القائل باستشهاده(عليه السلام) في يوم عاشوراء من شهر المحرم من سنة (61ﻫ) علي المشهور((3)).
4 - هشام بن محمد بن السائب الكلبي (ت206 ﻫ/819 م)((4))
عالم بالأنساب والأخبار، وله مؤلَّفات عدَّة، وقد استعرض كتبه ابن النديم((5)) ولكنه أهمل كتابه مقتل الحسين(عليه السلام) وبعض كتبه، في حين أثبت النجاشيفي معرض ترجمته له كتاب مقتل الحسين(عليه السلام) ضمن مصنََّفاته((6)).
اعتمد علي ابن الكلبي عدد من المؤرخين في بعض الروايات الخاصة بالمقتل
ص: 174
الحسيني، ويأتي في مقدمتهم ابن سعد الذي لم يذكر سوي خبر يخصُّ شمر بن ذي الجوشن كونه اشترك في قتل الإمام الحسين(عليه السلام)، وإنَّه كان يكني ب-:أبي السابغة((1)).
أمّا الطبري فقد اعتمد علي ابن الكلبي بشكل واسع جداً، وقبل الدخول في بيان طبيعة وماهية رواياته، لا بدّ من الإشارة إلي أنَّ هناك ثلاثة طرق روائية استعملها ابن الكلبي في نقل أخبار المقتل، الأول: بوساطة شيخه أبي مخنف، أمّا الثاني: فبوساطة عوانة بن الحكم((2))، علي حين نقل بقية أخباره بطرق مختلفة ومتعددة سنوضّحها بعد قليل.
نقل عن ابن الكلبي ثماني روايات خاصَّة بالمقتل عن طريق شيخه أبي مخنف، الأولي تناولت الكتاب الذي كتبه الإمام الحسين(عليه السلام) إلي أشراف البصرة والذي فيه: «أنا أدعوكم إلي كتاب الله وسنة نبيه(صلي الله عليه و آله)؛ فإنَّ السنَّة قد أُميتت وإنَّ البدعة قد أُحييت، وأن تسمعوا قولي وتطيعواأمري أهدكم سبيل الرشاد والسلام عليكم ورحمة الله»((3))، أمّا الرواية الثانية فتناولت خطبة الوالي عبيد الله بن زياد في أهل الكوفة، والتي احتوت علي التهديد والوعيد((4))، علي حين أشارت الرواية الثالثة إلي محاولة عمر بن عبد الرحمن((5)) إبداء النصيحة للإمام الحسين(عليه السلام) بعدم الذهاب إلي العراق وتحذيره
ص: 175
من ذلك، فأجابه الإمام قائلاً له: «جزاك الله خيرا يا ابن عم فقد والله علمت أنَّك مشيت بنصح، وتكلمت بعقل، ومهما يقضِ من أمر يكن أخذت برأيك أو تركته فأنت عندي أحمد مشير وأنصح ناصح...»((1)).
نشكِّك بمصداقية الرواية الرابعة والتي أشارت إلي أنَّ الإمام الحسين(عليه السلام) جاء إلي العراق بسبب مكاتبة أهل الكوفة له، وأنَّه بعد أن غدروا به أراد الإنصراف، وطلب من القائد عمر بن سعد مكاتبة الوالي عبيد الله بن زياد بذلك، والأخير رفض ذلك((2))، علي حين اختصت الرواية الخامسة ببيان مقتل نافع بن هلال((3))، أمّا السادسة فتصوِّر لنا الأحداث التاريخية التي جرت للأسري والسبايا فيمجلس يزيد ابن معاوية في دمشق((4))، بينما ذكرت الرواية السابعة إجراء مراسيم العزاء من قبل عبد الله بن جعفر بن أبي طالب(رضي الله عنه) بعد وصوله نبأ استشهاد ولديه((5)).
أمّا الرواية الثامنة فسردت لنا حصص القبائل من عدد رؤوس الشهداء من أهل بيت الإمام الحسين(عليه السلام) وأصحابه الأطهار، ثم أشارت إلي أسماء الشهداء من آل أبي طالب(عليه السلام)، وأسماء أمهاتهم، وتحديد أسماء قاتليهم((6))، وهنا لا بدّ من القول
ص: 176
بأنَّ الرواية أعلاه والتي اتَّسمت بتعداد أسماء الشهداء وأسماء أمهاتهم وأسماء قاتليهم هو منهج خاص اتَّبعه بشكل أوسع في مصنفه أبو الفرج الأصفهاني، وسبقه إلي ذلك أبو مخنف.
ونقل ابن الكلبي سبع روايات عن طريق عوانة بن الحكم تناولت الأولي وصية معاوية بن أبي سفيان لولده يزيد التي رسم فيها المعالم الأساسية في إدارة دفَّة الحكم، وأوجد معاوية فيها منهجاً للتعامل مع كلِّ شعب وبلد وفق المنظور العقائدي والنفسي لسكان البلد قائلاً له: «انظر أهل الحجاز فإنَّهم أصلك فأكرم من قدم عليك منهم، وتعاهد من غاب، وانظر أهل العراق فإن سألوك أن تعزل عنهم كلَّ يوم عاملاً فافعل فإنَّ عزل عامل أحبُّ إليَّ من أن تُشهر عليك مائة ألف سيف، وانظر أهل الشأم فليكونوا بطانتك وعيبتك فإن نابك شئ من عدوك فانتصر بهم...»((1))، ثم تستمرُّ الوصية فيتحذيره من الشخصيات التي لها تأثير في الرأي العام ومنها شخصية الإمام الحسين(عليه السلام).
وأوردت لنا الرواية الثانية استشارة يزيد بن معاوية لمستشاره الخاص سرجون الرومي بتحديد والٍ جديد للكوفة، واقتراحه له بتنصيب عبيد الله بن زياد((2)). أمّا الثالثة فأشارت إلي اللقاء الذي جري بين الإمام الحسين(عليه السلام) والشاعر الفرزدق والحديث الذي جري بينهما((3)).
وسردت لنا الرواية الرابعة استعدادات القائد عمر بن سعد لحرب الإمام الحسين(عليه السلام) وارساله الرسل للاستفسار عن سبب قدومه للعراق((4))، والخامسة
ص: 177
أوردت في متنها حادثة تجهيز الأسري والسبايا إلي الشام بقيادة محفِّز بن ثعلبة((1)) وشمر بن ذي الجوشن، ودخولهما مجلس يزيد بن معاوية والأحداث التي جرت في ذلك المجلس((2)).
أمّا الروايتان السادسة والسابعة فقد أشارت الأولي: إلي إرسال الوالي عبيد الله ابن زياد رسولاً لأهل المدينة المنورة لينبأهم بمقتل الإمام الحسين(عليه السلام)، أمّا الثانية فمطالبة عبيد الله بن زياد بعد قتل الإمام الحسين(عليه السلام) للقائد عمر بنسعد بالكتاب الذي كتبه له بخصوص قتل الإمام الحسين(عليه السلام) وجواب الأخير له بإنَّه فقده((3)).
وأورد ابن الكلبي عشر روايات مع اختلاف الوسائط الروائية في نقلها، الأولي أسندها ابن الكلبي إلي أبي بكر بن عياش الكوفي((4)) والذي بدوره نقلها عن جهة مجهولة لم يسمِّها أو يحدِّد هويتها، بقوله: «قال هشام حدثنا أبو بكر بن عياش عمَّن أخبره قال...»((5)).
ص: 178
أشارت تلك الرواية إلي مسألة مهمة، هي: أنَّ أنصار الإمام الحسين(عليه السلام) الذين استشهدوا معه في كربلاء لم يكونوا هم منذ البداية العدد الحقيقي الثابت، وإنَّما كانوا أعداداً كبيرة إلا أنَّهم تفرَّقوا عن الركب الحسيني في منطقة زبالة علي إثر إبلاغهم من قبل الإمام الحسين(عليه السلام) نبأ استشهاد مسلم بن عقيل وهانئ بن عروة(عليها السلام).
ويبدو أنَّ السبب في إبلاغهم بخبر استشهاد مسلم وهانئ في منطقة زبالة وبهذا الوقت هو لاختبارهم بعد أن درس الإمام(عليه السلام) نفسيتهم وعقيدتهم، بقرينةنصِّ الرواية: «فأتي ذلك الخبر حسيناً وهو بزبالة فأخرج للناس كتابا فقرأ عليهم بسم الله الرحمن الرحيم أمَّا بعدُ فإنَّه قد أتانا خبر فظيع؛ قتل مسلم بن عقيل وهانئ بن عروة، وعبد الله بن بقطر، وقد خذلتنا شيعتنا؛ فمن أحبَّ منكم الإنصراف فلينصرف، ليس عليه منَّا ذمام قال فتفرَّق الناس عنه تفرقا، فأخذوا يمينا وشمالا حتي بقي في أصحابه الذين جاؤوا معه من المدينة؛ وإنمَّا فعل ذلك لأنَّه ظنَّ أنمَّا اتبعه الأعراب لأنَّهم ظنوا أنَّه يأتي بلدا قد استقامت له طاعة أهله، فكره أن يسيروا معه إلا وهم يعلمون علامَ يقدمون، وقد علم أنَّهم إذا بيَّن لهم لم يصحبه إلا من يريد مواساته والموت معه....»((1)).
الرواية الثانية أوردها ابن الكلبي عن طريق لقيط((2)) مسندة إلي أحد شهود العِيان آنذاك وهو (علي بن الطعان المحاربي) - الذي كان أحد أفراد جيش الحر بن يزيد الرياحي - وتتمحور الرواية حول حادثة التقاء الإمام الحسين(عليه السلام) مع الحر بن يزيد الرياحي
ص: 179
والأحداث التي جرت بينهما((1))، ونقل ابن هشام الكلبي الرواية الثالثة عبر واسطتين روائيتين الأولي عن رجل من السكون كناه بأبي الهذيل ولم يسمِّه أو يحدِّده لنا، والثانية عن شاهد عِيان هو هانئ بن ثبيت الحضرمي - كان ضمن معسكر عمر بن سعد - والرواية أشارت إلي قيام أحد عناصر الجيش الأموي بقتل غلام من آل الحسين(عليه السلام)((2)).
علي حين أورد الرواية الرابعة عن طريق عمرو بن شمر((3)) بوساطة جابر الجعفي،وفيها دعاء للإمام الحسين(عليه السلام) علي أعدائه وهو: «اللهمَّ أحصهم عدداً، واقتلهم بدداً، ولا تذرعلي الأرض منهم أحداً»((4)).
إنَّ هذا الدعاء الوارد في هذه الرواية قد أوردته العديد من المصادر، لكن دون الإشارة إلي مصدر راويه هشام بن الكلبي، وبعضها أوردته بصيغة الجمع «قالوا»((5)).
بينما أورد هشام بن الكلبي الروايتين الخامسة والسادسة المسندتين عن طريق أبيه (محمد بن السائب الكلبي) تناولت الأولي محاولة عسكر الأعداء منع الإمام الحسين(عليه السلام) من الوصول إلي ماء الفرات ونجاحهم بذلك، والثانية تطرَّقت إلي الرأس الشريف الذي وضعه خولي بن يزيد الأصبحي في داره، والكرامات التي
ص: 180
حصلت داخل الدار، وقد نقلت هذه الرواية بوساطة زوجة خولي (النوار بنت مالك)، وتُعَدُّ شاهدة عِيان لهذه الرواية((1)).
استعرضت الرواية السابعة الأحداث التي رافقت وصول الأسري والسبايا من أهل البيت إلي دمشق ودخولهم إلي مجلس يزيد بن معاوية، ومحاولة الأخير تبرئة نفسه من الجريمة النكراء التي اقترفها بحق أهل البيت، وتحميله واليه عبيد الله بنزياد مسؤولية ذلك((2))، مع أنَّه من الواضح تاريخياً أنَّ ما حصل لآل البيت كان بإيعاز مباشر من قبله ووفق تعليماته.
ومن الجدير بالذكر أنَّ هذه الرواية قد تناقلتها العديد من المصادر عن هشام أيضاً وبنصِّها الكامل((3)).
أمّا الروايتان الأخيرتان الثامنة والتاسعة التي نقلهما لنا الطبري عن هشام بن الكلبي فتركِّزان علي حصول نداء أوسماع صوت في السماء صبيحة استشهاد الإمام الحسين(عليه السلام) بترديد أبيات من الشعر تدين الأمَّة التي أقدمت علي قتل إمامها الحسين(عليه السلام) وتنذرهم بالويل والعذاب((4)).
الرواية الأولي التي أوردها ابن الكلبي بوساطة ثلاث طرق روائية للوصول إلي الحدث ونقله، وهي الطريق الأول قوله: «حدَّثنا بعض أصحابنا»((5)) ولم يحدِّدهم أو يسمِّهم، وإنَّما بصورة جمعية، وهذا يضعف من الرواية، الطريق الثاني عمرو بن أبي
ص: 181
المقدام((1))، أما الطريق الثالث والناقل للحدث فهو عمرو بن عكرمة((2)).وليؤكِّد ابن الكلبي هذه الرواية أكثر أورد رواية ثانية عن طريق مختلف عن الرواية السابقة، وهذا ينمُّ عن امتلاكه منهجاً تاريخياً علمياً في طرح الروايات وتثبيتها، ونصُ ذلك: «قال هشام: حدثني عمر بن حيزوم الكلبي((3)) عن أبيه قال سمعت هذا الصوت»((4)).
وهنا لا بدّ من الإشارة إلي أنَّ هذه الرواية التي أوردها هشام بن الكلبي قد ذكرها أيضاً وبنصِّها الكامل ابن قولويه، لكن من طريق آخر غير طريق هشام((5))، مما يثبت صحتها ووثاقتها.
أما الرواية التي أوردها ابن عساكر عن ابن الكلبي فهي مخالفة لمجمل المصادر، ولعلَّها من الروايات المنفردة والشاذة التي رواها ابن الكلبي وتتعلَّق بتأريخ سنة استشهاد الإمام(عليه السلام)؛ إذ يذكر ابن الكلبي أنَّ الإمام الحسين(عليه السلام) استشهد سنة 62هجرية((6))، وهذا يناقض أغلب المصادر التي ذكرت أنّ سنة 61ه- هي السنة التي استُشهِد فيها الإمام الحسين(عليه السلام).
ص: 182
وقد فنَّد ابن عساكر هذه الرواية من خلال نقله لرواية أخري عارضت ما أورده ابن الكلبي، مفادها أجمع أكثر أهل التاريخ أنَّه استُشهِد في المحرم سنة إحديوستين إلا هشام بن الكلبي فإنَّه قال سنة اثنين وستين وهو وهم((1)).
ونقل لنا سبط ابن الجوزي العديد من الروايات الخاصة بالمقتل((2)) عن طريق هشام بن الكلبي وهي مطابقة لما أورده الطبري، باستثناء رواية واحدة ما نصُّها: «قال هشام: لما وُضِع الرأس بين يدي ابن زياد، قال له كاهنه قم فضع قدمك علي فم عدوك، فقام فوضع قدمه علي فيه، ثم قال لزيد بن أرقم كيف تري؟ فقال والله لقد رأيت رسول الله واضعاً فاه حيث وضعت قدمك»((3)).
من خلال اطلاعنا المحدود نرجِّح كون هذه الرواية من المنفردات التي أختصَّ بها هشام بن الكلبي، ولم تُشِر إليها المصادر المتوافرة لنا لتوثيق تلك الحادثة، ومن ثَمَّ فإنَّ نسبة الشكِّ فيها قائم.
علي حين يورد ابن كثير عدة روايات منقولة عن ابن الكلبي؛ منها الرسالة التي أرسلها الإمام الحسين بن علي(عليه السلام) إلي أشراف البصرة والتي نصُّها: «أما بعد فإنَّ الله اصطفي محمداً علي خلقه وأكرمه بنبوته، واختاره لرسالته، ثم قبضه إليه وقد نصح لعباده وبلَّغ ما أُرسِل به، وكنَّا أهله وأولياءه وورثته، وأحقَّ الناس به وبمقامه في الناس، فاستأثر علينا قومنا بذلك، فرضينا وكرهنا الفرقة، وأحببنا العافية، ونحن نعلم أنَّا أحقُّ بذلك الحقّ المستَحقِّ علينا ممن تولاه، وقد أحسنوا وأصلحوا، وتحروا
ص: 183
الحقَّ فرحم الله وغفر لنا ولهم، وقد بعثت إليكم بهذا الكتاب، وأنا أدعوكم إلي كتاب الله وسنَّة نبيه، فإنَّ السنَّة قد أُمِيتت، وإنَّ البدعة قد أُحييت، فتسمعوا قولي وتطيعوا أمري، أهدكم سبيل الرشاد، والسلام عليكم ورحمة الله»((1)).
وبعد ان أورد ابن كثير الرسالة هذه علَّق عليها بقوله: «وعندي في صحة هذا عن الحسين نظر، والظاهر أنَّه مطرَّز بكلام مزيد من بعض رواة الشيعة»((2)).
وهنا يلاحظ أنَّ كلام ابن كثير فيه اتهام واضح لمؤرخي الشيعة بوضع الزيادات علي تلك الرسالة، ولكن علينا أن نتساءل ما الذي وضعه هؤلاء لكي يعترض عليها ابن كثير؟ ثم إنَّ الرسالة لا تحتوي أموراً منفردة أو شاذة، أو جاءت بشيء غريب أو مخالف للمنهج الاسلامي، إذ إنّ المغزي الحقيقي للرسالة هو الدعوة إلي كتاب الله وسنَّة نبيه؛ وذلك لأنَّ سنَّة النبي قد أُمِيتت بفعل السلطة الأموية التي أرادت محو معالمها، فأين الزيادة في ذلك؟ فضلاً عن ذلك أنَّ تلك الرسالة قد أوردها كلاً من الطبري((3)) والدينوري((4)) وهما ليسا من مؤرخي الشيعة، الأمر الذي ينتج عنه صحة الرسالة والوثوق بها، وإنَّها ليست من موضوعات الشيعة - بحسب فرض ابن كثير -.
ذكر ابن الكلبي وفق ما نقله ابن كثير خطبة الوالي عبيد الله بن زياد إلي أهل البصرة، قبل أن يخرج منها بيوم واحد، وقد اشتملت تلك الخطبة علي الوعيدوالتهديد بإنزال أقصي العقوبات بحقِّ المخالفين للسلطة الأموية((5)).
ص: 184
ولا شكَّ أنَّ ابن الكلبي نقل بعض الأخبار الخاصة بالمقتل عن بعض شهود العِيان، ومنها الخبر الذي نقله عن طريق عوانة بن الحكم، عن ليطة بن غالب بن الفرزدق عن أبيه، والحديث مشهور فيما يخصُّ لقاء الشاعر المعروف الفرزدق بالإمام الحسين(عليه السلام) وما دار بينهما من كلام((1)).
أكَّد ابن الكلبي بطريقين مختلفين في السند رواية تتحدَّث عن سماع نداء من السماء صبيحة مقتل الإمام الحسين بن علي(عليه السلام) تقول:
أيها القاتلون ظلماً حسيناً *** ابشروا بالعذاب والتنكيلِ
كلُّ أهل السماء يدعو عليكم *** من نبي ومالك وقبيلِ
لقد لُعْنتم علي لسان ابن داودَ *** وموسي وحامل الإنجيلِ
والطريقان هما، الأول: «قال هشام: حدثني بعض أصحابنا عن عمرو بن أبي المقدام((2))، قال: حدثني عمرو بن عكرمة((3))... أمّا الثاني: قال هشام:حدثني عمرو بن حيزوم الكلبي((4)) عن أُمِّه، قالت: سمعت هذا الصوت»((5)).
ص: 185
5- معمر بن المثني (ت209ﻫ/811م)((1))
أشار ابن طاووس بأنَّ لمعمر كتاباً بعنوان مقتل الحسين(عليه السلام)، واعتمد عليه، ويبدو أنَّها الإشارة الوحيدة التي ذكرت بأنَّ لمعمرٍ مصنَّفاً في مقتل الحسين بقوله: «وروي معمر بن المثني في مقتل الحسين(عليه السلام)، فقال: ما هذا لفظه، فلما كان يوم التروية قدم عمر بن سعد بن أبي وقاص إلي مكة في جند كثيف قد أمره يزيد أن يناجز الحسين القتال إن هو ناجزه أو يقاتله إن قدر عليه. فخرج الحسين(عليه السلام) يوم التروية»((2)).
ويبدو من خلال نقل ابن طاووس لهذه الرواية أنّ كتاب المقتل لمعمر كان موجوداً لديه بدليل نقل الرواية بصورة مباشرة عن معمر من دون وسائط روائية، مع أنّ الفارق الزمني بينهما كبير، فكيف حصل ذلك والكتاب لم يكن موجوداً عنده؟فضلاً عن ذلك أنَّ الرواية نُقلت بلفظها وليس بمعناها بقوله (ما هذا لفظه) فكيف تمَّ ذلك إن لم يكن الكتاب موجوداً عنده؟ لكن يرد احتمال آخر هو أنَّهُ نقلها من كتاب آخر دون أن يسمِّيه لنا، يمكن أن نحتمل ذلك، لكن يبدو هذا الإحتمال ضعيف؛ وذلك لماذا لم يسمِّ الكتاب ويحدِّده؟ مع أنَّهُ عرّف في بعض الأحيان أسماء الكتب التي نقل عنها كما سنوضِّح ذلك بشيء من التفصيل في الفصل الخامس من هذه الأطروحة.
روي الطبري عن معمر رواية واحدة تخصُّ المقتل، وهي تبيِّن مدي ازدواجية
ص: 186
يزيد بن معاوية مع أنَّها مشكوك فيها؛ وذلك لأنَّها تحاول أن تبرّئ يزيد من جريمته النكراء التي ارتكبها بحقِّ أهل البيت، ونصُّها: «قال أبو جعفر: وحدثني أبو عبيدة معمر بن المثني أنَّ يونس بن حبيب الجرمي((1)) حدَّثه قال: لما قتل ابن زياد الحسين ومن معه بعث برؤوسهم إلي يزيد، فسُرَّ بقتله وحسنت بذلك منزلة ابن زياد عنده، ثم لم يلبث إلا قليلاً حتي ندم! فكان يقول: وما كان عليّ لو احتملت الأذي وأنزلته في داري وحكمتهفيما يريده، وإن كان عليَّ في ذلك وكف ووهن في سلطاني، حفظاً لرسول الله ورعاية لحقه وقرابته، ثم يقول: لعن الله ابن مرجانة فإنَّه أخرجه واضطرَّه، وقد كان سأله أن يخلي سبيله، أو يأتيني، أو يكون بثغر من ثغور المسلمين حتي يتوفاه الله، فلم يفعل، بل أبي عليه وقتله، فبغَّضني بقتله إلي المسلمين، وزرع لي في قلوبهم العداوة، فأبغضني الَبرُّ والفاجر بما استعظم الناس من قتلي حسيناً، مالي ولابن مرجانة قبَّحه الله وغضب عليه»((2)).
وعند التدقيق في هذه الرواية تظهر لنا عدَّة ملاحظات نقدية تجعلها مشكوكاً فيها وضعيفة، منها:
أ - لو درسنا الرواية من ناحية السند للاحظنا أنّ الطبري قد نقل هذه الرواية
ص: 187
وفق منهجه عن طريق معمر بن المثني، والأخير نقلها بوساطة يونس بن حبيب - الناقل المباشر لها - و في سند سلسلة هذه الرواية خلل وشكٌّ، ولعلَّ هناك قطعاً روائياً، لكون صيغة الرواية تزيدها ضعفاً وشكاً من جانب، ومن جانب آخر أنَّ وفاة الطبري كانت سنة (310ﻫ)، ووفاة معمر بن المثني كانت سنة (209ﻫ)، ويونس بن حبيب كانت ولادته سنة (90ﻫ) ووفاته (183ﻫ)، وعاش (93سنة)((1)).
من خلال تواريخ هؤلاء الأعلام يتبيَّن لنا عدَّة إشكالات وانتقادات منها: كيف يقول الطبري حدثني معمر بن المثني والفارق الزمني بينهما يقارب المائة عام؟ لاسيما دلالة حدثني تعطي معني المحادثة وجهاً لوجه أي المعاصرة، وأنَّهُ حدثه بمفرده وليس معه آخرون - فكيف حصل ذلك؟يضاف إلي ذلك، كيف نقل يونس بن حبيب هذه الرواية؟ والفرق بينه وبين واقعة الطف كبير جداً كما هو واضح، وقد يقول قائل:إنَّه نقل هذه الرواية عن طريق واسطة أخري، يمكن أن نحتمل ذلك، لكن لماذا لم يسمِّها لنا أو يحدِّدها؟ وما درجة وثاقتها وقربها من الحدث؟ وما اتجاهاتها السياسية والمذهبية؟ حتي نستطيع أنْ نطمئن علي صحتها وحياديتها من حيث النقل.
ب - رواية الطبري هذه تحمل تناقضا واضحاً في سلوك يزيد بن معاوية؛ إذ تبيِّن أنَّ يزيد قاتل أولاد الأنبياء في حين تبيِّن أنّه حافظ لحرمة رسول الله، وهذا يؤدي إلي الشكِّ بصحتها؛ لأنَّها تتعارض مع أفعال وتصرفات يزيد مع أهل البيت.
ومن الجدير بالذكر أنَّ هذه الرواية قد نقلها عن الطبري بنصِّها الكامل كلٌّ من
ص: 188
ابن عساكر((1))، والذهبي((2))، وابن كثير((3)).
ولعلَّ تواترها بهذا الشكل بين هذه المصادر لا قيمة له؛ إذ نقلوها عن الطبري، الذي اتضح لنا ضعف روايته وأنَّها موضوعة، لاسيما وإنَّ الناقل المباشر لها علي حدِّ تعبير الطوسي أنَّهُ ذو ميول عثمانية((4)).
6- نصر بن مزاحم المنقري (ت212ﻫ/827 م)((5))
مؤرِّخ مشهور، له مصنَّفات عدَّة منها كتاب مقتل الحسين(عليه السلام) الذي أشارت إليه بعض المصادر((6))، ويري أحد الباحثين بأنَّ تشيُّع ابن مزاحم قد انعكس علي مؤلَّفاته، من ضمنها كتاب المقتل بقوله: «هو أول أخباري شيعي، ونجد كتبه تدور حول موضوعات تهمُّ الشيعة - مثل كتاب الجمل، وكتاب صفين، وكتاب مقتل الحسين(عليه السلام)، ومقتل حجر بن عدي، وأخبار المختار...»((7))، ولم يصل إلينا كتاب المقتل إلا أنَّه وردت له العديد من الروايات الخاصة بالمقتل في بطون المصنَّفات التاريخية، والتي منها مافي كتاب مقاتل الطالبيين؛ إذ وردت فيه عدَّة مرويات مسندة عن نصر
ص: 189
ابن مزاحم منها: «أنَّ خولي بن يزيد الأصبحي - لعنه الله - قتل جعفر بن علي»((1)).
ونقل ابن مزاحم رواية عن أبي مخنف سنذكرها بنصِّها؛ لأنَّها تستحقُّ المناقشةقائلاً: «حدثنا نصر بن مزاحم عن أبي مخنف، عن الحرث بن كعب((2)) عن علي بن الحسين(عليه السلام) قال: إني والله لجالس مع أبي في تلك الليلة وأنا عليل، وهو يعالج سهاماً له، وبين يديه جون - مولي أبي ذر الغفاري - إذ ارتجز الحسين(عليه السلام):
يا دهر أُفٍّ لك من خليلِ *** كم لك في الإشراقِ والأصيلِ
من صاحب وماجد قتيلِ *** والدهرُ لا يقنعُ بالبديلِ
والأمرُ في ذاك إلي الجليلِ *** وكلُّ حيّ سالكٌ السبيلِ
قال: وأمَّا أنا فسمعته ورددت عبرتي. وأمَّا عمتي فسمعته دون النساء فلزمتها الرِّقَّة والجزع، فشقَّت ثوبها ولطمت وجهها، وخرجت حاسرة تنادي: وا ثكلاه! وا حزناه! ليت الموت أعدمني الحياة، يا حسيناه يا سيداه يا بقية أهل بيتاه استقلت ويئست من الحياة، اليوم مات جدي رسول الله وأمي فاطمة الزهراء وأبي علي وأخي الحسن يا بقية الماضين وثُمال الباقين. فقال لها الحسين: يا أختي «لو تُرك القَطا لنام». قالت: فإنَّما تغتصب نفسك اغتصاباً فذاك أطول لحزني، وأشجي لقلبي، وخرَّت مغشياً عليها، فلم يزل يناشدها واحتملها حتي أدخلها الخباء»((3)).الرواية فيها بعض الفقرات التي لا يمكن أن تصدر عن بيت النبوة؛ إذ أشار
ص: 190
النصُّ إلي أنّ الإمام السجاد علي بن الحسين(عليه السلام) قال بخصوص عمته السيدة زينب إنَّها سمعته دون باقي النساء، فكيف حصل ذلك والرواية تدلُّ علي وجود نساء أخريات؟ ولماذا لم يسمعنَه باقي النساء، فضلاً عن ذلك كيف يمكن للسيدة زينب(عليها السلام) أن تشقَّ ثوبها وهي التي كان لا يُري ظلُّها؟ كما أنَّ الرواية أشارت إلي خروجها من خيمتها بدليل قوله: «وخرَّت مغشيا عليها فلم يزل يناشدها، واحتملها حتي أدخلها الخباء». وهذا لا ينسجم مع المنهج الإسلامي والتربوي الذي تربي عليه آل بيت النبوة، فالرواية مشكوك فيها، أو علي أقلّ تقدير في هذه الفقرة التي ذكرت شقِّ ثوب السيدة زينب(عليها السلام).
أمّا ابن قولويه، جعفر بن محمد (ت 368ﻫ/978م)((1)) فقد نقل هو الآخر روايات عن ابن مزاحم لكن الروايات التي نقلها عنه لم تكن ذات طابع سياسي وعسكري، ولعلَّ السبب في ذلك يرجع إلي طبيعة الكتاب الذي فرض عليه ذلك، إذ إنّ الكتاب لم يكن ذا طابع تأريخي، إنما كان عقائدياً يتناول بعض الأدعية والزيارات، والرواية الأولي التي وردت فيه هي رواية تتحدَّث عن تنبؤات ستحدث في المستقبل؛ أيْ ضمن الأخبار التي أخبر عنها الإمام أميرالمؤمنين(عليه السلام) التي ستحدث في المستقبل؛ إذ قال: «ليُقتَل الحسين قتلاً، وإنِّي لأعرف تربة الأرض التي يُقتَل عليها قريباً من النهرين»((2)).
علي حين تحدَّثت الرواية الثانية عن إحدي الظواهر الكونية التي حصلت عقباستشهاد الإمام(عليه السلام) ومفادها أنَّه لما قُتِل الحسين(عليه السلام) أمطرت السماء تراباً أحمر((3)).
ص: 191
أمّا الثالثة فقد أوردها ابن مزاحم نقلاً عن أمِّ سلمة((1))، تتعلَّق ببكاء الجنِّ علي مقتل الحسين(عليه السلام)((2)).
وحفظ لنا الصدوق((3)) بعض أخبار ابن مزاحم، ويأتي في مقدِّمتها الرواية التي تحدَّثت عن بكاء الجنِّ علي الإمام الحسين(عليه السلام) نقلاً عن أمِّ سلمة((4)) وهي عينها التي نقلها ابن قولويه((5)).
ويفسِّر أحد الباحثين روايات بكاء الجنِّ علي الإمام الحسين(عليه السلام) بكونها موضوعة بقوله: «لا يُستبعَد أن تكون مراثي الجنِّ قد نُظمت من قِبل المحبين والشيعة خاصة، وأنَّها تعبِّر عن حنين وعمق في الإحساس والعواطف، ولكن لما كان الوضع لا يحتمل التصريح بتلك العلاقة فيزمن الحكومات التي كانت تطارد الشيعة والمحبين لآل البيت(عليه السلام) فإنَّ أصحابها كانوا ينشرونها علي أنَّها من أشعار الجن، وبهذا كانوا يخفون علي النظام الجهات الحقيقية الناظمة لها»((6))، ومما سبق تولدت لنا بعض الملاحظات التي تضعف هذا الرأي منها:
أ - إذا كان هناك خوف من السلطة الحاكمة في التصريح باسم قائل تلك
ص: 192
الأبيات الشعرية، فالأجدر إخفاء اسم مؤلف الكتاب الذي وردت فيه تلك الأبيات، وهذا الأمر لم يحصل.
ب - إنَّ تأليف كتاب يتناول ثورة الإمام الحسين(عليه السلام) ومقتله والتصريح باسم مؤلِّفه، أخطر من نظم بضع أبيات شعرية وعدم التصريح باسم قائلها - لاسيما وإنَّ جميع مؤلفي كتب المقتل معروفون ومُصرَّح بأسمائهم، وبحدود اطلاعنا علي المصادر المتوافرة لنا لم نلحظ وجود كتاب عن المقتل لمؤلف مجهول وعلي مرِّالعصور.
ت - إنَّ أغلب موضوعات أبيات نوَح الجنِّ التي وردت في المصادر((1)) ذات طابع عاطفي ولم تتطرَّق إلي موضوع سياسي أو ثوري؛ لكي يخشي أصحابها من السلطة الحاكمة.
ث - هناك الكثير من الأبيات الشعرية والقصائد قد أُلفت حول مقتل الإمامالحسين(عليه السلام) وأصحابُها معروفون علي مرِّ العصور، فلماذا لم يخفوا أسماءهم وينسبونها للجنِّ أيضاً.
ج - إذ اكان هناك مانع سياسي - بفرض رأي الباحث - من التصريح باسم قائل تلك الأبيات، فلماذا لم يجعلوا قاءلها مجهولاً بدلاً من أن ينسبوها للجنِّ، مثلما هناك العديد من المؤلفات لمؤلف مجهول؟
ح - أشار ابن أبي الدنيا((2)) إلي ابيات من الشعر يقول: إنَّ الجنَّ قالتها بحقِّ مقتل
ص: 193
الخليفة عثمان بن عفان فهل هناك عامل سياسي يخصُّ الخليفة عثمان منع من التصريح باسم قائل تلك الأبيات؟
وذكر لنا ابن مزاحم نقلاً عن أبي مخنف رواية مروية عن فاطمة بنت علي بن أبي طالب(عليهما السلام)((1)) تشرح فيها حالة السبي التي تعرَّض لها آل البيت(عليه السلام) من قبل السلطة الأموية بوصفها إحدي النساء المعاصرات لواقعة الطف، ولحالة السبي التي تعرَّضت له إذ تقول: «إنَّ يزيد (لعنه الله) أمر بنساء الحسين(عليه السلام) فُحبسْنَ مع علي ابن الحسين(عليه السلام) في مَحبَس لا يكنّهم من حرٍّ ولا قرٍّ حتي تقشَّرت وجوههم»((2)).
وكشف ابن مزاحم برواية تاريخية، أنَّ رأس الإمام الحسين(عليه السلام) تمَّ إرجاعه إلي كربلاء، ودُفن مع الجسد الشريف من قبل الإمام علي بن الحسين(عليهالسلام)((3)).
ونقل أيضاً حديثا لميثم التمار((4)) عن الإمام علي بن أبي طالب(عليه السلام) الذي أخبره به - وهو يقع ضمن الأخبار الغيبية التي أخبر بها أميرالمؤمنين والتي ستحدث في
ص: 194
المستقبل - قائلاً: «والله لَتقتل هذه الأُمَّة ابن نبيها في المحرم لعشرٍ يمضين منه، وليتخذنَّ أعداء الله ذلك اليوم يوم بركة، وإنَّ ذلك لكائن قد سبق في علم الله تعالي ذكره أعلم ذلك بعهد عهده إليَّ مولاي أميرالمؤمنين(عليه السلام)، ولقد أخبرني أنَّه يبكي عليه كلُّ شيء حتي الوحوش في الفلوات والحيتان في البحر والطير في السماء...»((1)).
لاشكَّ أنَّ بعض رموز السلطة الأموية اتخذت إجراءات في المجال العقائدي والفكري، في محاولاتها الرامية إلي دثر معالم الثورة الحسينية، منها: الترويج لوصف يوم مقتل الحسين(عليه السلام) يوم عيد وبركة، كما ناقش ذلك جملة من الباحثينوالمحقِّقين((2)).
وقد نُظِّرَ لتلك الفكرة بأحاديث وروايات موضوعة، وهذا المعني نقله ابن مزاحم بأنَّ بني أمية ستتخذ يوم مقتل الحسين(عليه السلام) عيداً بوصف هذا اليوم: «الذي تاب الله فيه علي آدم وإنَّما تاب الله علي آدم في ذي الحجة، ويزعمون أنَّه اليوم الذي قبل الله فيه توبة داود وإنَّما قبل الله(عزوجلّ) توبته في ذي الحجة، ويزعمون أنَّه اليوم الذي أخرج الله فيه يونس من بطن الحوت وإنَّما أخرج الله(عزوجلّ) يونس من بطن الحوت في ذي الحجة...»((3))، فضلاً عن ذلك فقد أشار الطوسي بنصٍّ صريح قائلاً: «إنَّ آل أمية (عليهم لعنة الله) ومن أعانهم علي قتل الحسين من أهل الشام، نذروا نذراً إن قُتل الحسين(عليه السلام) وسلم من خرج إلي الحسين، وصارت الخلافة في آل أبي سفيان أن يتخذوا ذلك اليوم عيداً لهم، وأن يصوموا فيه شكرا...»((4)).
وهكذا أخبر الإمام علي(عليه السلام) بما ستقدم عليه السلطة الأموية من إجراءات في
ص: 195
سبيل محو معالم ومنهج ثورة الإمام الحسين(عليه السلام)، إلا أنّ تلك المحاولات لم يكن نصيبها سوي الفشل.
7- المدائني، علي بن محمد (ت 225ﻫ/840م)((1))
مؤرخ مشهور له مصنَّفات عديدة منها، كتاب مقتل الحسين بن علي(عليه السلام) حسب ما ذكره الطوسي((2)) علي حين ذكر ابن شهر آشوب الكتاب باسم (السيرة في مقتل الحسين(عليه السلام))((3))، وبحسب اطلاعنا علي المصادر نجد أنَّ معظم روايات المقتل عنه قد استقرَّت في كتاب مقاتل الطالبيين، وأنَّ أغلبها كانت تقتصر علي تحديد هوية الأشخاص القتلة الذين قتلوا رجالات آل أبي طالب(عليهم السلام)، ومن بينهم محمد الأصغر ابن علي بن أبي طالب(عليهم السلام)، فلم يحدِّد المدائني القاتل بشكل دقيق، وإنَّما حدَّد قبيلته بقوله: «رجلاً من تميم، من بني أبان بن دارم قتله»((4))،أمّا أبو بكر بن الحسين بن علي بن أبي طالب(عليهم السلام) فقد ذكر المدائني عن أبي مخنف أنَّ قاتله هو عبد الله بن عقبة الغنوي.
ص: 196
ومن خلال استقراء المصادر فيما يخصُّ مسألة أنّ عبد الله الغنوي قد قتل أبا بكر ابن الحسين(عليه السلام) كما ذكر أبو الفرج الأصفهاني ذلك نقلاً عن المدائني بواسطة أبي مخنف، يتضح أنَّ هؤلاء قد وقعوا في اشتباه، أو أنَّ الأمر يرجع إلي حصول تصحيف في الاسم؛ وذلك لأنَّ جملة من المصادر ذكرت أنَّ عبد الله الغنوي قد قتل أبا بكر بن الإمام الحسن الزكي(عليه السلام)، وليس ابن الإمام الحسين الشهيد(عليه السلام)((1))، وحدَّد المدائني قاتل عبد الله بن الحسن بن علي بن أبي طالب(عليه السلام) بأنَّه عقبة بن بشر((2))، علي حين لم يذكر الطوسي هوية قاتله، وإنَّما اكتفي بذكر أنَّهُ قُتل مع أبيه الحسين(عليه السلام)((3))، إلا أنّ ابن الاثير حدَّد هوية قاتله مع اختلافه مع المدائني: فقال قتله هانئ بن ثبيت الحضرمي((4)) كما وذكر المدائني أنَّ عبد الله بن عقيل بن أبي طالب(عليه السلام) قتله عمرو بن صبيح ولعلَّ نسبة قاتل عبد الله بن عقيل إلي عمرو بن صبيح علي وفق قول المدائني صحيح؛ وذلك لأنَّ هناك عدة مصادر تاريخية قد أثبتت ذلك واتفقت معقوله((5)).
وأشار المدائني إلي مسألة مكاتبة أهل الكوفة للإمام الحسين(عليه السلام) للبيعة له، وخلع الحاكم الأموي يزيد بن معاوية، وقد حدَّد بعض الزعماء الذين كاتبوه، وهم
ص: 197
أبو عبد الله الجدلي((1)). وابن صرد((2)) وشبث بن ربعي((3)) وآخرين((4))، وعلي أثرتلك المكاتبة التي قدَّمها زعماء الكوفة يذكر بأنَّ الإمام الحسين قد استجاب لهم وأرسل سفيره وابن عمِّه مسلم بن عقيل(عليه السلام)؛ للتحقُّق من الأوضاع وتقييمها وإبلاغه بذلك.
حدَّد المدائني أول من استُشهِد من آل أبي طالب(عليه السلام) هو:علي الأكبر بن الحسين(عليه السلام) الذي قتله مرة بن منقذ بن النعمان العبدي((5))، وقد اتفقت العديد من
ص: 198
المصادر علي هذا الرأي((1)). كما ذكرناه سابقاً.
ونقل الذهبي روايتين عن المدائني، الأولي تتحدَّث عن وصية معاوية بن أبي سفيان لولده يزيد بخصوص الحسين(عليه السلام) إذ قال فيها: «انظر حسين بن فاطمة، فإنَّه أحبُّ الناس إلي الناس، فصِل رحمه، وارفق به، فإنَّ بك منه شيء، فإني أرجو أن يكفيكه الله بمن قتل أباه وخذل أخاه»((2)).ولعلَّ هذه الوصية تكشف عن أمورٍ عدَّة منها محاولة معاوية استصغار الإمام الحسين(عليه السلام) من خلال حذف الألف واللام من اسمه وتسميته باسم أُمِّه فاطمة(عليها السلام) وفق اعتقاده أنَّ ذلك يقلِّل من شأن وعلوِّ منزلته(عليه السلام)، أمّا الأمر الآخر فهو يشير إلي الشعبية التي كان يتمتع بها الإمام الحسين(عليه السلام) من خلال قوله «أحبُّ الناس إلي الناس»، ولعلَّ الأمر الآخر في غاية الخطورة؛ يشير إلي الذين سيغدرون بالإمام الحسين(عليه السلام) ليسَ شيعته كما يزعم البعض، إنَّما فئات وعناصر خارجية سبق وأن اشتركت في قتل أبيه الإمام علي بن أبي طالب(عليه السلام)، وخذل أخيه الإمام الحسن(عليه السلام) وهم الخوارج الفئة الباغية، وهم ليسوا من الشيعة ولا من القواعد الموالية لهم. وهذا يشير بدلالة واضحة علي أنَّ الذين اشتركوا في حرب الإمام الحسين(عليه السلام) فئات وتحزّبات ليسوا من شيعته أو من الموالين لهم - بحسب ما ورد في رواية الوصية - لا كما تنظر لها الرواية التقليدية من أنّ شيعته هم من قتله.
وقد ركَّزت الرواية الثانية علي العلامات الكونية التي وقعت عقب استشهاد
ص: 199
الإمام الحسين(عليه السلام) منها: «احمرَّت آفاق السماء بعد قتل الحسين ستة أشهر»((1)).
8- أبو عبيد القاسم بن سلام (ت244ﻫ/839م)((2))
أشار الذهبي أنّ لأبي عبيد كتاباً، بعنوان: مقتل الحسين(عليه السلام)((3))، وقد أورد ذلك في معرض ترجمته لأبي علي الحداد((4)).
وقد نقل ابن عبد ربه الأندلسي من مقتله العديد من الأخبار، منها أخذ البيعة من الإمام الحسين(عليه السلام) بقوله: «لما مات معاوية بن أبي سفيان وجاءت وفاته إلي المدينة وعليها يومئذ الوليد بن عتبة، فأرسل إلي الحسين بن علي وعبد الله بن الزبير، فدعاهما إلي البيعة ليزيد فقالا: بالغد إن شاء الله علي رؤوس الناس...»((5)).
بعدها تعرَّض لقضية لقاء الإمام الحسين(عليه السلام) بعبد الله بن مطيع العدوي، ويبدو أنَّ هذه الرواية تخالف أغلب المصادر، ونصُّها: «ومرَّ حسين حتي أتي علي عبد الله بن مطيع وهو علي بئر له فنزل عليه فقال له... أين تريد؟ قال العراق، قال سبحان الله لمِ؟ قال: مات معاوية وجاءني أكثر منحمل صحف... فخرج الحسين حتي قدم مكة فأقام
ص: 200
بها هو وابن الزبير»((1)).
من الملاحظ علي هذه الرواية أنَّها تحدِّد تاريخ مراسلة أهل الكوفة للإمام(عليه السلام) قبل دخوله مكة وإقامته بها فكيف حصل ذلك؟ ومتي راسل هؤلاء الإمام(عليه السلام)؟ وكم استغرق من الوقت والإمام لم يصل إلي مكة بعد؟ بدليل (فخرج الحسين حتي قدم مكة)، فضلاً عن ذلك أنَّ الرواية التقليدية لهذه الحادثة تخالف ذلك إذ تشير إلي أنَّ مراسلة أهل الكوفة قد جاءت بعد إقامة الإمام بمكة((2)).
ويبدو أنَّ هذه الرواية قد انفرد بها القاسم بن سلام، ونصُّها: «لما بلغ يزيد - انحياز الوالي لمسلم بن عقيل - فقال يا أهل الشام اشيروا عليّ منْ استعمل علي الكوفة؟ فقالوا ترضي من رضي به معاوية؟ قال: نعم، قيل له فإنَّ الصكَّ بإمارة عبيد الله بن زياد علي العِراقين قد كُتب في الديوان، فاستعمله علي الكوفة فقدمها»((3)).الرواية تخالف أغلب المصادر((4)) التي أَشارت إلي أنّ يزيد بن معاوية استشار مستشاره الشخصي سرجون الرومي في قضية ولاية الكوفة، ولم يستشر أهل الشام الذي أشار بدوره إلي معاوية بتولية عبيد الله ابن زياد عليهم.
ص: 201
ثم استرسل القاسم بن سلام في ذكر أخبار المقتل، فذكر حادثة مسلم بن عقيل وهانئ بن عروة(عليها السلام) ومقتلهما، حتي نزول الإمام(عليه السلام) في كربلاء((1)).
وتجدر الإشارة هنا إلي أنَّ أبا العرب محمد بن أحمد بن تميم (ت333ﻫ/935م) قد نقل مجمل الروايات تلك عن القاسم بن سلام، وهي مطابقة بشكل تام مع ما نقل ابن عبد ربه من روايات آنفة الذكر((2)).
كما أنَّ ابن كثير نقل جزءاً من تلك المرويات((3))، كذلك الباعوني الشافعي هو الآخر قد نقل نصاً مروياً عن القاسم بن سلام اعتماداً علي ابن عبد ربه الأندلسي((4))، ولعلَّ ذلك يدلُّ علي أنَّ ابن عبد ربه الأندلسي هو الناقل الأول لمرويات القاسم بن سلام عن المقتل.
10- عبد الله بن عمرو الوراق (ت 274ﻫ/876م)((1))
بحسب المصادر المتوافرة عندنا، لم نجد للوراق مرويات عن المقتل سوي إشارة سبط ابن الجوزي الذي ذكر اسم كتابه (المقتل) مع إيراده لرواية واحدة عنه فقط ونصُّها: «وذكر عبد الله بن عمرو الوراق في كتاب المقتل، أنَّه لما حضر الرأس بين يدي عبيد الله بن زياد أمر حجاما فقال قوِّره فقوَّرهوأخرج لغاديده ونخاعه وما حوله من اللحم، واللغاديد ما بين الحنك وصفحة العنق من اللحم»((2)).
11- ابو جعفر محمد الأشعري المعروف ب-:دبة شبيب (ت280ﻫ/882 م)((3))
أشار النجاشي من ضمن ترجمته له وذكر مصنَّفاته أنَّ له كتاباً بعنوان مقتل الحسين(عليه السلام)((4))، ولم نجد له مرويات تخصُّ المقتل الحسيني في المصنفات التاريخية المتوافرة لدينا.
ص: 203
12- ابن أبي الدنيا (ت281ﻫ/883م)((1))
له مؤلَّفات عديدة منها كتاب مقتل الحسين(عليه السلام) وفق ما ذكرهالطوسي((2)) وابن شهر آشوب((3)).
وردت له روايتان عند ابن عساكر الأولي: «استيقظ ابن عباس من نومه فاسترجع وقال قُتل الحسين والله فقال له أصحابه كلا يا ابن عباس كلا، قال:رأيت رسول الله(صلي الله عليه و آله) ومعه زجاجة من دم فقال ألا تعلم ما صنعت أمتي من بعدي؟ قتلوا ابني الحسين، وهذا دمه ودم أصحابه أرفعها إلي الله(عزوجلّ)، قال فكُتب ذلك اليوم الذي قال فيه وتلك الساعة، قال فما لبثوا إلا أربعة وعشرين يوما حتي جاءهم الخبر بالمدينة أنَّه قُتل ذلك اليوم وتلك الساعة»((4)).
اقتصرت الثانية علي مكان وتاريخ استشهاد الإمام الحسين(عليه السلام) وعمره الشريف، إذ قال: «قُتل الحسين بنهر كربلاء يوم عاشوراء في المحرم سنة إحدي وستين، وهو ابن ست وخمسين سنة»((5)).
علي حين نقل ابن الجوزي عنه رواية واحدة بقوله: «وذكر ابن أبي الدنيا أنَّهم وجدوا في خزانة يزيد رأس الحسين، فكفنوه، ودفنوه بدمشق عند باب
ص: 204
الفراديس...»((1))، وقد أشار ابن حبان إلي هذه الرواية وأنَّه ضعّفها وأورد معها أقوال وآراء أخري((2))، في حين ضعّف ابن كثير الراوي الذي نقل عنه ابن أبيالدنيا هذه الرواية((3))، كما أورد السخاوي (ت902ﻫ/1504م) هذه الرواية دون الإشارة إلي مصدرها بصيغة (وزعم) مما يدلِّل علي عدم قناعته بها وتشكيكه لها، ذاكراً آراء أخري في تحديد مصير الرأس الشريف((4))، فضلاً عن ذلك أنَّ هذه الرواية تتعارض مع الروايات المُعتمدة التي تشير إلي إلحاق الرأس الشريف مع الجسد الطاهر في كربلاء، وهذا ما يجعلها من الروايات الضعيفة والمشكوك بها.
وذكر لنا سبط ابن الجوزي بعض مرويات ابن أبي الدنيا التي تتعلَّق بالأحداث التي جرت للأسري والسبايا في الكوفة عند الوالي عبيد الله بن زياد، وفي مجلس يزيد بن معاوية وتطاوله وضربه للرأس الشريف واعتراض بعض من حضر إلي المجلس علي تصرُّف يزيد وانتقاده((5)).
وناقش ابن تيمية((6)) بشكل مستفيض المواضع والأماكن التي يُعتَقد أنَّ رأس الإمام الحسين(عليه السلام) دُفن فيها ومنها الشام، وعسقلان، وأثبت بطلانها وعدم صحتها، وأنَّ الرأس أُرجع إلي أهله ودُفن بالمدينة((7))، علي أنَّنا لا نتفق مع هذا
ص: 205
الرأي، بل إنَّ الرأس الشريف دُفن مع الجسد الطاهر في كربلاء كما هو متفق عليه((1)).
باستثناء الرواية التي أوردها ابن العديم عنه، والذي بدوره رواها عن ابن عائشة((1)) قال: «وقف سليمان بن قتة((2)) بمصرع الحسين وأصحابه بكربلاء فاتكأ علي قوسه وجعل يبكي ويقول:
إنَّ قتيلَ الطفِّ من آل هاشمٍ *** أذلَّ رقاباً من قريشٍ فذلَّتِ
مررتُ علي أبياتِ آلِ محمدٍ *** فلم أرَها أمثالهَا يومَ حلَّتِ
فلا يبعد اللهُ الديارَ وأهلَها *** وإن أصبحت منهم برغمي تخلَّتِ
ألم ترَ أنَّ الأرضَ أمست مريضةً *** لفقدِ حسينٍ والبلادَ اقشعرَّتِ
وكانوا رجاءً ثم عادوا رزيةً *** لقد عظمتْ تلك الرزايا وجلَّتِ»((3)).
15- أبو الحسين زيد الأصغر(عليه السلام)((4)) (المتوفي في القرن الثالث الهجري/التاسع الميلادي)
أشار ابن عنبه إلي أنَّهُ صنف كتاباً في المقتل بعنوان مقتل الحسين(عليه السلام)((5))، وهو الآخر ليس لديه مرويات عن المقتل في المصادر المتوافرة لدينا.
ص: 207
ص: 208
ألَّف مؤرِّخو تلك القرون العديد من كتب المقاتل، لكنّها تعرَّضت كسابقاتها للفقدان والضياع، ولعلَّ من أهمِّ مؤلِّفيها:
1- إبراهيم الأحمري (المتوفي في القرن الثالث الهجري/التاسع الميلادي)((1))
وذكر الطوسي عن طرقه وأسانيده بأنَّها كلَّها ضعيفة، بجهالة ظفر بن حمدون((2)) وأحمد بن نصر بن سعيد((3)) وأحمد بن هوذة((4))، أمّا طريقه إلي كتابه في مقتلالحسين(عليه السلام) فهو صحيح((5))، ويُحتمل من خلال كلام الطوسي أنَّه اطلع علي كتاب
ص: 209
المقتل ومن ثم درس طرقه فوجدها صحيحة. أمّا مروياته عن المقتل لم نجدها في المصنفات التاريخية المتوافرة لدينا.
2- عمارة بن زيد الخيواني((1))
ذكر النجاشي له مصنَّفاً بعنوان مقتل الحسين(عليه السلام)((2))، ولم نعثر علي أيّ روايات مُسْنَدة إليه تخصُّ المقتل.
3- عبد العزيز الجلودي (ت332ﻫ/942م)((3))
ذكر العديدُ من المؤرِّخين أنّ له مصنَّفاً بعنوان: مقتل الحسين(عليه السلام)((4))،ووفق المصادر المتوافرة لدينا لم نجد له أيّة روايات في المصنَّفات التاريخية.
وهنا لا بدّ من الإشارة إلي أنَّ كتاب المقتل الذي صنَّفه الجلودي كان موجوداً في حدود القرن الثامن الهجري، بدليل قول العلامة الحلي: «رأيت علي مقتل الحسين(عليه السلام) الذي صنفه أبو أحمد الجلودي(رحمة الله) ما هذه حكايته: توفي أبو أحمد عبد العزيز
ص: 210
ابن يحيي بن عيسي الجلودي(رحمة الله) يوم الاثنين لسبع عشرة ليلة خلت من ذي الحجة سنة اثنتين وثلاثين وثلاثمائة، ودُفن(رحمة الله)، في اليوم الثامن عشر وهو يوم الغدير»((1))، ونرجِّح أنَّ هذا المقتل فُقِد بعد القرن الثامن الهجري.
4- أبو الحسين عمر بن الحسن المعروف ب-:ابن الأشناني (ت339ﻫ/941م)((2))
أشار الطباطبائي((3)) بأنَّ له كتاب مقتل الحسين(عليه السلام)، ولم نجد له مرويات في المصادر المتوافرة لدينا.
5- محمد بن علي الصدوق (ت381ﻫ/991م)((4))
صنَّف الصدوق العديد من المؤلَّفات، ومن بينها كتاب مقتل الإمام الحسين(عليه السلام)((5)).
أشار الصدوق نفسه أنَّ لهُ مصنَّفاً بعنوان مقتل الحسين(عليه السلام) في أكثر من مناسبة، ففي معرض حديثه عن منزلة ومقام أبي الفضل العباس بن علي بن أبي طالب(عليه السلام) قال: «وإنَّ للعباس عند الله تبارك وتعالي لمنزلة يغبطه بها جميع الشهداء يوم القيامة،
ص: 211
والحديث طويل أخذنا منه موضع الحاجة، وقد أخرجته بتمامه مع ما رويته في فضائل العباس بن علي(عليه السلام) في كتاب مقتل الحسين بن علي(عليه السلام)»((1))، وذكر أيضاً - إلي أنه ضمن كتاب المقتل - أنواعاً متعددة من الزيارات قائلاً: «وقد أخرجت في كتاب الزيارات، وفي كتاب مقتل الحسين(عليه السلام) أنواعاً من الزيارات...»((2)).
وعند تتبع مؤلَّفات الصدوق((3)) نجد العديد من الروايات التي تخصُّ مادة المقتل، لكنَّه لم يُشِر إلي أنَّه أخذها من كتاب المقتل المفقود الذي ألَّفه، ونرجِّحأنَّ تلك الروايات التي ضمنّها الصدوق في مؤلفاته كان الجزء الأكبر منها من كتاب المقتل المفقود؛ وذلك أنّ رواية المقتل التي أوردها الصدوق في مؤلفاته هي مقاربة للرواية التي وضعها في كتاب المقتل (المفقود)، ومنْ غيرِ المعقول أن يأتي الصدوق برواية جديدة للمقتل تغاير تلك التي ضمَّنها مصنَّفاته، خاصة وأنَّه قد عرض مساحة واسعة من المادة التاريخية لرواية المقتل في مصنفاته، فيا تري ما المادة الجديدة التي ضمَّنها في كتاب المقتل المفقود؟ من المحتمل لم تكن هناك مادة جديدة، إلا أنَّ الفارق بين المادة الموجودة في المصنَّفات وكتاب المقتل المفقود هو احتواؤه علي تفاصيل دقيقة وموسَّعة للإرهاصات ومقدِّمات وحيثيات المقتل بوصفه يركِّز في المقتل، بخلاف المؤلَّفات العامة التي صنَّفها والتي تضمَّنت بعض روايات المقتل.
من الملاحظ أنّ ابن شهر آشوب قد نقل العديد من الروايات الخاصة بالمقتل من الصدوق، وتحديداً من كتاب الأمالي((4))، ولم يُشِر إلي أيّ روايات قد نقلها عن المقتل المفقود، مما يرجِّح لنا أنّ كتاب المقتل للصدوق قد فُقِدَ في وقت قريب من تأليفه؛
ص: 212
ودليلنا علي ذلك أنَّه لو كان موجوداً علي سبيل المثال في القرن السادس الهجري/الثاني عشر الميلادي لاعتمده ابن شهر آشوب بدلاً من الإعتماد علي كتاب الأمالي.
6- محمد بن علي بن سكين (المتوفي في القرن الرابع الهجري/العاشر الميلادي)((1))
ذكر النجاشي بأنَّ له مصنَّفات عدَّة منها كتاب مقتل الحسين(عليه السلام)((2))، هو الآخر لم نجد لمروياته عن المقتل أثراً في بطون المصنَّفات التاريخية المتوافرة لدينا.
7- أبو جعفر العطار القمي((3))(المتوفي في القرن الرابع الهجري/العاشر الميلادي)
من مصنَّفاته، كتاب مقتل الحسين(عليه السلام) وهو في عداد الكتب المفقودة، فضلاً عن عدم وجود أيّة روايات له في المصادر تخصُّ المقتل باستثناء واحدة أوردها الكليني عنه تشير إلي فضل وأهمية زيارة الإمام الحسين(عليه السلام)((4)).
8- أبو سعيد التستري((5))(المتوفي في القرن الرابع الهجري/العاشر الميلادي)
هناك العديد من الإشارات التأريخية التي تدلُّ علي تصنيفه كتاباً عن مقتل
ص: 213
الإمام الحسين(عليه السلام)((1))، منها: ما أورده الصدوق وهو أشبه بمقتل متكامل لأبي سعيد بقوله: «حدثنا أبو سعيد الحسن بن عثمان بن زياد التستري من كتابه قال: حدثنا إبراهيم بن عبيد الله بن موسي بن يونس بن أبي إسحاق السبيعي قاضي بلخ((2))... حدثتني صفية بنت يونس ابن أبي إسحاق الهمدانية((3) ) وكانت عمتي عن خالها عبد الله ابن منصور، وكان رضيعا لبعض ولد زيد بن علي(عليه السلام)، قال: سألت جعفر بن محمد بن علي بن الحسين(عليه السلام)، فقلت: حدثني عن مقتل ابن رسول الله فقال: حدثني أبي، عن أبيه....»((4))، واورد المقتل بنصِّه والذي شغل بحدود اثنتي عشرة صفحة.
وهنا لا بدّ من القول أنَّ الصدوق حفظ لنا الجزء الأكبر من مقتل أبي سعيد منالضياع والإندثار((5))، ويمكننا تسليط الضوء علي بعض ما ورد في هذا المقتل وعلامَ ركَّز، ابتدأ أبو سعيد مقتله بوصية معاوية بن أبي سفيان لولده يزيد بن معاوية، والتي تضمنت تحديده للبرنامج السياسي الذي يجب أن يسير عليه وتحذيره من بعض الشخصيات، ومنها الإمام الحسين بن علي(عليه السلام)((6)). ثم استعرض الظروف والإجراءات التي اتخذتها السلطة الحاكمة في سبيل أخذ البيعة من الإمام الحسين(عليه السلام)، وموقف الإمام من ذلك، بعدها انتقل مباشرة إلي الأماكن والمناطق
ص: 214
التي مرَّ بها الركب الحسيني منها الثعلبية((1)) والرهيمة((2)) والقطقطانية((3)).
ثم يورد سرداً تاريخياً للاستعدادات العسكرية بين الطرفين، وخطب ولقاءات الإمام الحسين(عليه السلام) مع أصحابه وأهل بيته، ثم تقدُّمهم للمبارزة العسكرية الواحد تلو الآخر حتي استشهادهم(عليهم السلام)، ثم يتناول حادثة استشهاد الإمام الحسين(عليه السلام) والمباشرة في قتله، ويختم أبو سعيد حديثه عن حمل رأس الإمام(عليه السلام) إلي الوالي عبيد الله بن زياد من قبل سنان بن أنس الإيادي الذي تمَّ قتله من قِبل الوالي عبيد الله بن زياد((4)).وهنا تجدر الإشارة إلي أنَّ منهج أبي سعيد في سرد مروياته كان مقارباً لجملة من المؤرِّخين الذين ذكروا المقتل في مصنَّفاتهم التاريخية، مع الإنتباه إلي أنَّ رواية أبي سعيد للمقتل كان أصلها ومنبعها مصدراً واحداً وهو ما نقله عن أحد الزيدية عن الإمام جعفر بن محمد الصادق(عليه السلام)((5))، ولعلَّه أرادها أن تكون سِمَة يتميز بها مقتله عن بقية المقاتل الأخري، أمّا الحديث عن حجم المقتل فمن المتعذر تحديده بشكل دقيق؛ لكونه مفقوداً وإنَّ ما نقلهُ الصدوق كان جزءاً منه وليس بأكمله، وإن كان الجزء الأكبر وليس كلّ المقتل بقرينة «حدثنا أبو سعيد الحسن بن عثمان بن زياد التستري من كتابه»، فالإشارة واضحة أنَّ الذي أورده الصدوق يمثِّل جزءاً من كتاب المقتل لأبي سعيد وليس بأكمله.
ص: 215
9- سليمان بن محمد الكوفي((1))(المتوفي في القرن الرابع الهجري/العاشر الميلادي)
ذُكِر أنَّهُ ألَّفَ كتاباً بعنوان مقتل الحسين(عليه السلام)((2))، ولم نجد له روايات في المصادر المتوافرة لدينا.
10- محمد بن إبراهيم الكاتب، المعروف بالشافعي((3))(المتوفي في القرن الرابع الهجري/العاشر الميلادي)
ذكر النجاشي مُصنَّفاً له بعنوان مقتل الحسين(عليه السلام)((4))، ولم نجد مرويات لهذا المقتل في المصادر المتوافرة لدينا.
11- الحاكم النيسابوري (ت405ﻫ/1007م)((5))
أشار الحاكم إلي مصنَّف له بعنوان:مقتل الحسين(عليه السلام) بقوله: «وقُتل الحسين يوم الجمعة يوم عاشوراء، لعشر مضين من المحرم سنة إحدي وستين، وهو ابن أربع
ص: 216
وخمسين سنة، وقد ذكرت هذه الأخبار بشرحها في كتاب مقتل الحسين(عليه السلام)، وفيه كفاية لمن سمعه ووعاه»((1)).
12- الطوسي (ت460ﻫ/1062م)((2))
ألَّفَ العديد من المصنَّفات ومنها ما أشار إليه ابن شهر آشوب بأنّه ألَّفَ ضمن مؤلفاته كتاباً بعنوان مختصر في مقتل الحسين(عليه السلام)((3))، ويبدو أنّ سببَ فقدان مقتله هذا يعود إلي ما ذكره الذهبي من أنّ مصنَّفاته قد تعرَّضت للحرقِ((4))، ولعلَّ كتاب المقتل من ضمن الكتب التي تعرَّضت للحرق والضياع، أمّا ما يخصُّ مروياته عن المقتل فلم نطلع عليها في المصادر المتوافرة لدينا.
13- نجم الدين القوسيني (ت 585ﻫ/1187م)((5))
ذكر ابن بابويه منتجب الدين((6)) (ت585ﻫ/1187م)، فضلاً عن إشارة بعض الباحثين أنَّ له مؤلَّفاً بعنوان مقتل الحسين(عليه السلام)((7))، أمّا ما يخصُّ مروياته في المصنَّفات التي تخصُّ المقتل فلم نطلع علي أيّ من تلك الروايات في المصادر المتوافرة لدينا.
ص: 217
14- محمود بن المبارك المعروف ب-:المجير البغدادي (ت 592ﻫ/1194م)((1))
أشار أحد الباحثين((2)) بأنَّ له مصنَّفاً في المقتل، تحت عنوان مقتل الحسين(عليه السلام) ولم نطلع له علي مروياته في المصنَّفات التاريخية المتوافرة لدينا.
15- أبو المفاخر الرازي (المتوفي في القرن السادس الهجري/الثاني عشر الميلادي)((3))
أشار بعض الباحثين((4)) بأنّ لأبي المفاخر مصنَّفاً بعنوان مقتل الشهداء(عليه السلام)، ذكر فيه شهداء واقعة الطف، وأنَّ بعض مرويات هذا المقتل نقلها
ص: 218
الكاشفي((1)) (ت910ﻫ/1512م) في مقتله المعنون (روضة الشهداء).
تركَّزت أغلب الروايات التي نقلها الكاشفي عن أبي المفاخر حول الأراجيز الشعرية في مختلف المناسبات، منها ما نظمه أهل الكوفة في كتبهم للإمام الحسين(عليه السلام)، وأبيات قالها الإمام الحسين(عليه السلام) في رثاء الحر بن يزيد الرياحي، فضلاً عن الأراجيز التي نظمها أبو المفاخر في رثاء بعض الشخصيات العلوية من قبيل علي الأكبر بن الإمام الحسين(عليه السلام)، وعبد الله بن الإمام الحسن(عليه السلام)، وعون بن عبد الله ابن جعفر الطيار(عليه السلام)((2)).
أمّا الروايات ذات الطابع التاريخي التي أوردها الكاشفي عن أبي المفاخر، فيمكن إجمالها بثلاث روايات الأولي: حدَّدت مصير فرس الإمام الحسين(عليه السلام) بأنَّه أمَّ البادية ولم يقع أحد له علي أثر((3))، أمّا الثانية والتي انفرد أبو المفاخر بها عن بقية المصادر فكان نصُّها «أنَّ ابن زياد لما وضع الرأس الشريف علي فخذه قطرت منه قطرة دم علي ثيابه فأحدثت ثقباً في الثياب حتي وصلت إلي لحم فخذه ونفذت من الطرف الآخر فخرقت الفراش والسرير ووقعت علي الأرض، وغابت عن العيون وبقي الجرح فاغراً في فخذ ابن زياد، وعُولج فلم يبرأ ونتن نتناً شديداً، فكان مجلسه لا يستطيع تحمل ذلك النتن المزعج، وكان يضع عليه ابن زياد نافجة المسك فلم يفلح لأنَّ
ص: 219
رائحة الجرح غلبت رائحة المسك، وظلَّ ملازماً له حتي قتل...»((1))، وقد ركَّزت الرواية الثانية علي المحاورة التي جرت بين يزيد بن معاوية والتاجر اليهودي الذي كان حاضراً في مجلسه آنذاك والتي انتقد فيهااليهودي يزيد لإقدامه علي قتل الإمام الحسين(عليه السلام) لاسيما بعد أن أعلن اليهودي إسلامه واعتقاده بإمامة الإمام الحسين(عليه السلام)((2)).
أمّا الرواية الثالثة فقد نقلت لنا المعاجز التي حدثت للإمام الحسين(عليه السلام) عقب استشهاده، التي نقلها أبو المفاخر عن أحد العناصر المشاركة في قتال الإمام(عليه السلام)((3)).
16- عبد الرزاق الرسعني((4)) (ت661ﻫ/1263م)
ذكر الذهبي أنهّ ألَّف كتاباً في مقتل الحسين(عليه السلام)((5)) بينما ذكر له عبد الرحمن الدمشقي اسم الكتاب مع اختلاف بسيط في العنوان هو: مصرع الحسين(عليه السلام)((6)) ومع اختلاف كلا العنوانين فإنَّ الكتاب يخصُّ مقتل الحسين(عليه السلام)، وهو من الكتب المفقودة، ولم نطلع له علي أيّ روايات منقولة عنه في المصنَّفات التاريخية المتوافرة لدينا، وبهذا نختم دراستنا لكتب المقتل المفقودة.
ص: 220
المبحث الأول:موارد كتب المقتل الحسيني بين القرنين الثاني والخامس الهجريين/ الثامن و الحادي عشر الميلاديين.
المبحث الثاني:موارد كتب المقتل الحسيني خلال القرنين السادس و السابع الهجريين/ الثاني عشر والثالث عشر الميلاديين.
ص: 221
ص: 222
المورد لغةً: استعرضت المعاجم اللغوية هذه المفردة وأرجعت معناها إلي الطريق والورود، إذ قال ابن فارس (ت395ﻫ/997م) في معرض حديثه عن الفعل ورد: «المورد الطريق الموفاة إلي الشيء»((1))، ولم يخرج أبو الفضل ابن منظور (ت711ﻫ/1313م) عن هذا المعني كثيراً فقال: «الموارد: المناهل، أحدها مورد وورد مورداً أيّ وروداً. والمورد: الطريق إلي الماء»، وأحدها مورد، وهو مفعل من الورود، «يقال: ورَدْتُ الماءَ أَرِدُه وُرُوداً إذا حضرته لتشرب. والوِرد: الماء الذي ترد عليه»((2)) ويتفق معهم بهذا المعني محمد أبو بكر الرازي (ت721ﻫ/1323م)، بقوله: «والوارد الطريق وكذا المورد»((3)).
أمّا الموارد اصطلاحاً: يقُصد بها مصادر الروايات، فهي المنبع أو الأصل((4)) وقد تنوعت الموارد التي اعتمدت عليها روايات كتب المقاتل الحسينية منها: الإعتماد علي المصادر السابقة المدوَّنة، ومنها الإعتماد علي الرواية الشفوية، فضلاً عن ذلك فقد اعتمدت تلك الكتب علي أخبار مُسنَدة وأخري غير مُسنَدة.
ص: 223
ص: 224
حفلت تلك القرون بظهور العديد من كتب المقاتل، إلا أنَّها فُقِدت - كما أوضحنا فيما سبق - ومن الملاحظ أنَّه لم تصلنا كتب عن المقتل من القرنين الأول والرابع الهجريين، وإنمَّا فُقِدت جميعها، أمَّا كتب المقاتل التي وصلتنا والتي أصبحت متداولة ومطبوعة عن هذه المدة الزمنية فهي من القرن الثاني الهجري وتشمل المقتل المنسوب لأبي مخنف، وتسمية من قُتل مع الإمام الحسين(عليه السلام) للرسان، ومن القرن الخامس الهجري كتاب نور العين في مشهد الحسين(عليه السلام) المنسوب للإسفراييني، وسنتناول موارد تلك الكتب في هذا الفصل.
هو أبو مخنف لوط بن يحيي بن سعيد بن مخنف بن سُليم بن الحارث بن عوف ابن ثعلبة بن عامر بن ذهل الأزدي، الغامدي، الكوفي، كان أبوه من أصحاب
ص: 225
أميرالمؤمنين علي بن أبي طالب والإمامين الحسن والحسين(عليهم السلام)((1)).
ويُعدُّ أبو مخنف من العلماء المؤرِّخين، بل هو شيخ المؤرِّخين وعميدهم بالكوفة، روي عنه هشام بن محمد السائب الكلبي، ونصر بن مزاحم، ومحمد بن موسي وغيرهم، له كتب كثيرة منها: مقتل الحسين(عليه السلام)، ومقتل محمد بن أبي بكر(رضي الله عنه)، ومقتل عثمان بن عفان، وخطبة الزهراء(عليها السلام) وكتاب الردة، وكتاب فتوح الشام، وكتاب فتوح العراق، وكتاب الجمل، وكتاب صفين، وكتاب النهروان، وكتاب الغارات((2)).
ولابدَّ من الفحص والتحقيق عن هذه الشخصية لدي المؤرِّخين، ومن أوليات التحقيق التحقُّق من درجة وثاقته في النقل وأقوال وآراء المؤلِّفين فيه، علي الرغم من أنَّ هناك أختلافاً شديداً في توثيقه أو تضعيفه، ومن هذه الآراء والأقوال التي تضعِّفه وتطعن في رواياته:
1- ابن معين (ت233ﻫ/835م): «قال عنه ليس بثقة»((3)).
2- العقيلي (ت322ﻫ/924م): وصفه بأنَّه: «ليس بشيء وفي موضع آخر ليس بثقة»((4)).3- أبو حاتم الرازي (ت 327ﻫ/929م) قال عنه: «متروك الحديث»((5)).
4- ابن عدي (ت356ﻫ/958م) قال عنه: «حدَّث بأخبار من تقدَّم من السلف
ص: 226
الصالحين، ولا يبعد منه أن يتناولهم وهو شيعي محترق صاحب أخبارهم وإنَّما وصفته لا يُستغني عن ذكر حديثه فإني لا أعلم له من الأحاديث المسنَدة ما أذكره وإنما له من الأخبار المكروه الذي لا أستحب ذكره»((1)).
5- الذهبي قال عنه: «أخباري تالف، لا يوثق به»((2)).
6- وصفه الصفدي بإنه «يروي عن المجاهيل»((3)).
وفي مقابل الإنتقاد الشديد الذي تعرَّض له أبو مخنف من قبل هؤلاء المؤلِّفين نجد أن هناك قسماً منهم من لم يطعن به:
1- النجاشي (ت450ﻫ/1052م) وفي معرض ترجمته له قال: «شيخ أصحاب الأخبار بالكوفة ووجههم، وكان يسكن إلي ما يرويه»((4)).
2- الطوسي (ت460ﻫ/1062م)، ذكر أنَّه من أصحاب أميرالمؤمنين(عليه السلام)، ومن أصحاب الحسن والحسين(عليه السلام)، علي ما زعم الكشي (ت340ﻫ/942م)((5))، والصحيح أنَّ أباه كان من أصحاب الإمام علي(عليه السلام)،وهو لم يلقَه((6)).
ويُلاحَظ أنّ الطوسي قد مارس النقد التاريخي تجاه الكشي في تصحيحه للرواية التي أوردها فيما يخصُّ أبا مخنف، وقال عنه إنَّه معاصر للإمام علي بن أبي طالب(عليه السلام)
ص: 227
والحسنين(عليه السلام)، وقد ذكر الطوسي أنَّ والد أبي مخنف هو من عاصر الإمام علياً(عليه السلام) لا أبا مخنف نفسه، وحلّل أحد الباحثين هذا الموضوع بقوله: «إنَّ لوط بن يحيي لم يثبت دركه أميرالمؤمنين(عليه السلام)، بل إنَّ روايته لخطبة فاطمة الزهراء(عليهما السلام) عنه(عليه السلام) بواسطتين، يدلُّ علي عدم دركه إياه(عليه السلام)، وكذلك روايته خطب أميرالمؤمنين(عليه السلام) بواسطتين»((1)).
3- ابن شهر آشوب قال عنه: «أبوه من أصحاب أميرالمؤمنين والحسن والحسين(عليهم السلام)، له كتب كثيرة في السير كمقتل الحسين(عليه السلام)، ومقتل محمد بن أبي بكر، ومقتل عثمان والجمل وصفين»((2)).
وفضلاً عن ذلك أنَّ تاريخ وفاته (157ﻫ) توضِّح الفرق الشاسع بينه وبين الإمام علي بن أبي طالب(عليه السلام) من حيث المدة الزمنية، كما أنَّ المصادر لم تُشِر إلي أنَّه من المُعمَّرين، وبالتالي يُستبعد أن يكون من أصحاب أميرالمؤمنين(عليه السلام).ولعلَّ سبب الإختلاف في تحديد وثاقة أبي مخنف من عدمها بين المؤرخين يرجع إلي أسباب مذهبية، ويتضح ذلك من خلال عدة قرائن: أولها أنَّ الذين ضعَّفوه واتهموه أغلبهم من علماء أهل السنة، علي حين أغلب من لم يضعِّفه هم من علماء الشيعة، كما مبين أعلاه بدليل أنَّ بعض من اتّهمُه بالضعف وصفه بأنَّه رافضي وعلي أساسها ضعَّفوه، أمثال الذهبي((3)).
وفضلاً عن ذلك فإنَّ أغلب من جرحَ أو ضعَّفَ أبا مخنف لم يُشِر إلي السبب أو العلة التي علي أساسها تمَّ تضعيفه، وإنَّما جعل ذلك مطلقاً بلا قرينة، مما يجعل تلك الأقوال والآراء مشكوكاً فيها ولا تستند إلي أدلة علمية، وهناك من أشار إلي أنَّ أبا
ص: 228
مخنف يُعدُّ من الشيعة الإمامية أمثال الفيروزآبادي (ت817ﻫ/1419م)((1))، كذلك بعض الباحثين((2))، ونحن لا نتفق مع هذا الرأي لعدة أسباب، منها: إنّ جملة من المؤرخين لا سيما الشيعة منهم لم يشيروا صراحةً إلي هذا الأمر أمثال: النجاشي((3)) والطوسي((4)) وابن شهر آشوب((5))، كما إنّ ابن النديم وضمن منهجه من يريد الترجمة لسيرته الذاتية يبين مذهب المترجم لهُ، كما في ترجمته للواقدي الذي بيَّن مذهبه بأنّه تشيع((6)) لم يُشِر إلي أبي مخنف بذلك، لا من قريب ولا منبعيد.
وقد بيَّن ابن أبي الحديد المعتزلي (ت 656ﻫ/1258م) بشكل صريح مذهب أبي مخنف قائلاً: «وأبو مخنف من المحدِّثين وممن يري صحة الإمامة بالإختيار، وليس من الشيعة ولا معدودا من رجالها»((7))، فأشار أحد الباحثين((8)) إلي أنّ لأبي مخنف ميولاً علوية وعراقية، ونحن نتفق مع هذا الرأي من كون أبي مخنف يحمل ميولاً شيعية وليس شيعياً.
وبعد أنْ تبيَّن لنا أنّ أبا مخنف لم يكن متروكاً أو ضعيفاً علي حدِّ قول بعض المؤرخين، وإنَّما كان يتصف بالإعتدال الي حدٍّ ما، نود أن نوضح أنَّ هناك عوامل
ص: 229
واهية دفعت هؤلاء المؤرخين الي شنِّ جملة من الإنتقادات عليه، ويأتي في مقدمتها العامل المذهبي، فضلاً عن مؤلفاته التي صنفها بحقِّ أهل البيت، وكلا العاملين لا يجيزان لهم أنْ يصنفوه ضمن الضعفاء أو المتروكين.
وفضلاً عن ذلك فقد أوضح أحد الباحثين وبشكل مفصَّل لمجمل الآراء والأقوال للعلماء المتقدمين والباحثين في تحديد مذهب أبي مخنف مثبتاً فيه بكونه لم يكن إمامياً من الناحية الإعتقادية((1)).
تبوّأ أبو مخنف مكانة متميزة لدي أكثر الأخباريين والمؤرخين، وقد شغلت رواياته عن المقتل مساحة مكانية وزمانية أسهمت بشكل كبير في بناء المادةالتاريخية للمقتل، كما أنهّ يُعدُّ القاعدة الأساسية من الناحية التاريخية والزمانية لروايات المقتل.
أمّا الموارد التي استقي منها مادته عن المقتل فتتركَّز بالدرجة الأولي من شيوخه الذين كان جلُّهم من أهل الكوفة - موطنه الذي نشأ فيه - لكن هذا لا يلغي عدم وجود شيوخ له من مناطق أخري غير الكوفة، مثل: بغداد والشام والبصرة واليمن.
وسنذكر أسماء أبرز الشيوخ الذين اعتمد عليهم أبو مخنف في مرويات وأخبار المقتل، وطبيعة المادة التاريخية التي استقاها منهم، كذلك الوسائط الروائية التي اعتمدها بعض الشيوخ في رواية وتثبيت الحدث التاريخي الخاص بالمقتل، وهم:
ص: 230
1- أبو زهير، النضر بن صالح((1))
نقل عنه أبو مخنف أربع روايات تخصُّ أحداث المقتل، الأولي تتركز في الكتب الرسمية التي دارت بين الوالي عبيد الله بن زياد والقائد عمر بن سعد حول أخذ البيعة من الإمام الحسين(عليه السلام)((2))، علي حين أورد النضر الرواية الثانية عن طريق قرَّة ابن قيس - شيخ وزعيم النضر((3)) وأحد شهود العيان آنذاك عندخول السبايا الي الوالي عبيد الله بن زياد في الكوفة مع اثنين وسبعين رأساً((4))، وروايتان عن المختار ابن أبي عبيدة الثقفي ودوره في نصرة مسلم بن عقيل، وإخفاقه في ذلك، ومن ثَمَّ إلقاؤه في السجن من قبل سلطة الكوفة آنذاك((5)).
ص: 231
2- فضيل بن خديج الكندي((1))
نقل عنه أبو مخنف رواية تتحدث عن أسماء زعماء القبائل التي شاركت في قتال الإمام الحسين(عليه السلام) وأسماء قادة جيش عمر بن سعد بن أبي وقاص((2)).جاءأبو مخنف بهذه الرواية بوساطتين هما محمد بن بشر((3)) عن عمرو الحضرمي (أحد شهود العيان) ورواية ثانية ينتهي سندها بفضيل نفسه، تتحدَّث عن قتال يزيد بن زياد، وهو أبو الشعثاء الكندي وعدد من أصحاب الإمام الحسين(عليه السلام) في معركة الطف((4)).
ومن الملاحَظ أنّ الرواية الأخيرة التي أسندها أبو مخنف للفضيل مباشرة بلا واسطة كان نصُّها: «قال أبو مخنف حدثني فضيل بن خديج الكندي...»((5))، تثير التساؤل؛ إذ كيف نقل فضيل هذه الرواية وهو لم يعاصر الحدث؟ ولعلَّ مَرَدَّ ذلك لاحتمالين الأول: إنَّ الطبري قد أسقط الواسطة، والثاني:إنّ أبا مخنف أسقط
ص: 232
الواسطة الروائية المعاصرة للحدث، وذلك لأنَّه من غير الممكن أن ينقل فضيل حدثاً عن واقعة الطف بصورة مباشرة؛ لكونه لم يكن معاصراً للحدث آنذاك.
3- عبد الرحمن بن جندب الازدي((1))
نقل أبو مخنف عن شيخه هذا، أربع روايات تخصُّ المقتل، ثلاث منها مُسنَدة عن عقبة بن سمعان (بوصفه شاهد عيان)((2)).
أ - الأولي: عن مغادرة الإمام الحسين(عليه السلام) المدينة المنورة إلي مكة المكرمة بعد اعتلاء يزيد بن معاوية سدَّة الحكم، ووصف الطبري هذه الرواية بأنَّها «أشبع وأتمّ من خبر عمار الدهني»((3)) بكونها مختصرة.
ب - الثانية: تتحدّث عن ملازمة الحر بن يزيد الرياحي للإمام الحسين(عليه السلام)، ومسير القائد عمر بن سعد لحرب الإمام(عليه السلام)((4)).
ت - الثالثة: نقلت قول الإمام الحسين(عليه السلام): «دعوني أذهب في هذه الأرض العريضة حتي ننظر ما يصير أمر الناس»((5)).
وهنا لا بدّ من الإشارة إلي أنَّ ما ذهب إليه بعض الباحثين((6)) من أنّ عقبة بن سمعان قد استشهد مع الإمام الحسين(عليه السلام) في واقعة الطف، لكن الحقيقة أنّانرجِّح
ص: 233
عدم دقة هذا الرأي؛ وذلك لتعارضه مع العديد من المصادر((1)) التي أشارت وبشكل صريح إلي أنَّ عقبة بن سمعان قد نجا من القتل في واقعة الطف.
وفضلاً عن ذلك أنَّ أغلب منْ يعتقد باستشهاد عقبة بن سمعان مع الإمام الحسين(عليه السلام) يستدلُّ علي ذلك بوجود اسمه بالزيارة المسماة (زيارة الناحية المقدسة)((2)) مع جملة الشهداء(عليه السلام) الذين استُشهِدوا في واقعة الطف وخُصُّوا بالتسليم عليهم((3)).
ث - أمّا الرواية الرابعة فهي غير مُسنَدة، وتدور حول الحوار الذي جري بين الوالي عبيد الله بن زياد وأحد أشراف الكوفة عبيد الله بن الحر((4))، ونُقِلت مباشرة عن عبد الرحمن بن جندب((5)).
ص: 234
4- سليمان ابن أبي راشد الأزدي((1))
من خلال تتبعنا لمرويات أبي مخنف عنه نجد أنَّه اعتمد عليه في الكثير من الروايات الخاصة بالمقتل والتي قُدِّرت بعشرين رواية، بوسائط وطرق روائية مختلفة:
أ - رواية مُسنَدة إلي عبد الله بن خازم - رجل من بني كثير الذين كانوا مع مسلم ابن عقيل(عليه السلام) - عن قيام كثير بن شهاب - أحد أشراف الكوفة الموالين للسلطة الأموية((2))، ببثِّ الإشاعات لتفريق أنصار مسلم ابن عقيل(عليه السلام) وتحذيرهم غضب السلطة الحاكمة وأجهزتها العسكرية((3))، وأشار أحد الباحثين((4)): «بأنَّ ابن الأثير قد نقل هذه الرواية وروايات أخُر دون أن يصرِّح بنقلها عن أبي مخنف»، ولعلَّ السبب في ذلك يرجع إلي اعتقاد ابن الأثير بأنّ رواياتأبي مخنف تَتَّسم بالضعف، أو أنَّ هناك عاملاً مذهبياً منعه من التصريح بذلك.
ب - هناك سبع عشرة رواية نقلها سليمان بن أبي راشد مسندة إلي حميد بن مسلم (بوصفه أحد شهود العيان)، وكان من جانب السلطة الحاكمة((5))، الأولي: عن عطش الإمام الحسين(عليه السلام) وأصحابه وأمره لأخيه العباس(عليه السلام) بجلب الماء((6))، والثانية: تتناول كتاب ابن زياد لابن سعد جوابا علي كتابه يأمره بضرورة نزول
ص: 235
الإمام الحسين(عليه السلام) علي حكمه((1))، والثالثة تتحدَّث عن أول سهم رماه عمر بن سعد في معسكر الإمام الحسين(عليه السلام)، والرابعة عن استحياء شمر بن ذي الجوشن من حميد ابن مسلم وشبث بن ربعي لتوبيخهما إيّاه لمحاولته حرق فسطاط الإمام الحسين(عليه السلام)((2))، كما نقل سليمان عن حميد رواية فيها تألُّم الإمام الحسين(عليه السلام) وحزنه علي ولده الذي استُشهِد في المعركة، وحزن السيدة زينب بنت علي بن أبي طالب(عليه السلام) عمته عليه((3)).
وثمان روايات أُخَر عن استشهاد أهل بيت الإمام الحسين(عليه السلام)((4))، ورواية عن دعاء الإمام(عليه السلام) علي أعدائه، ثم تتطرَّق إلي السلب والنهب الذي تعرَّض له(عليه السلام) علي يد بعض عناصر الجيش الأموي عقب استشهاده(عليه السلام)((5))، ورواية مُسنَدة تتناول مسير أصحاب عمر بن سعد برأسالإمام الحسين(عليه السلام) إلي والي الكوفة عبيد الله بن زياد((6))، ورواية بالسند نفسه عن دخول رأس الإمام الحسين(عليه السلام) والسبايا إلي مجلس الوالي عبيد الله بن زياد((7))، ورواية تتحدَّث عن الحوار الذي دار بين الوالي عبيد الله ابن زياد والإمام علي بن الحسين(عليه السلام) ومحاولة الوالي قتل علي بن الحسين ومن ثَمَّ عدوله عن ذلك علي إثر تدخُّل عمَّته السيدة زينب بنت علي بن أبي طالب(عليه السلام)((8)).
ص: 236
ت - ونقل سليمان بن أبي راشد رواية مُسنَدة عن عبد الرحمن بن عبيد أبي الكنود((1)) تتناول مقالة عبد الله بن جعفر بن أبي طالب حينما بلغه استشهاد ولديه مع الإمام الحسين(عليه السلام) في معركة الطف، وخروج ابنة عقيل بن أبي طالب(رضي الله عنه) لرثاء الإمام الحسين(عليه السلام) بعد استشهاده((2)).
وأشار بعض المؤرِّخين((3)) إلي أنّ ابنة عقيل - اسمها (زينب الصغري) - هي التي رثتْ الإمام الحسين(عليه السلام) في المدينة المنورة.
أ - رواية مُسنَدة إلي أبي عثمان النهدي((1)) عن كتاب الإمام الحسين(عليهالسلام) إلي أهل البصرة يدعوهم فيه إلي نصرته ثم قدوم الوالي عبيد الله بن زياد إلي الكوفة((2)).
ب - رواية مُسنَدة إلي عبد الرحمن بن شريح((3))، روي فيها خروجه إلي اتِّباع قبيلة مذحج الذين جاؤوا لإنقاذ زعيمهم - هانئ بن عروة المرادي - وقد أبلغهم بأنَّه علي قيد الحياة، وأنَّ السلطة الحاكمة لم تقتله((4)).
ت - روايتان مُسنَدتان إلي عون بن أبي جحيفة((5)): الأولي تتناول الحوار الذي دار
ص: 238
بين الوالي عبيد الله ابن زياد وبكير بن حمران - أحد عناصر السلطة الأمويةوقاتل مسلم بن عقيل(عليه السلام)((1))، والثانية: تذكر تأريخ خروج مسلم بن عقيل(عليه السلام) والإمام الحسين(عليه السلام) من المدينة نحو مكة ومنها إلي العراق((2)).
ث - رواية نقلها أبو مخنف عن طريق الصقعب بن زهير بوساطة عمر بن عبد الرحمن المخزومي((3))، تتحدَّث عن نصيحة الأخير للإمام الحسين(عليه السلام) بعدم الخروج والتوجه إلي العراق، لكونهم أهل غدر، بحسب التعبير الذي وصفهم به((4)).
ج - هناك روايتان مُسنَدتان عن الصقعب بوساطة حميد بن مسلم، الأولي: تشير إلي أول سهم رماه عمر بن سعد باتجاه معسكر الإمام الحسين(عليه السلام)((5))،والثانية ذكرت الجنود الذين بدأوا بعملية قتل الإمام الحسين(عليه السلام)((6)).
ح - رواية مُسنَدة ذكرها أبو مخنف عن الصقعب بوساطة القاسم بن عبد
ص: 239
الرحمن((1)) (شاهد عيان آنذاك) تضمن أبياتاً شعريةً استشهد بها يزيد بن معاوية في مجلسه بالشام، حينما أدخلوا عليه رؤوس أهل بيت الإمام الحسين(عليه السلام) وأصحابه قائلاً:
يفلقنَ هاماً من رجالٍ أعزَّةٍ علينا *** وهم كانوا أعقَّ وأظلما((2)).
ومن الجدير بالذكر أنَّ الأبيات السابقة الذكر ذكرتها بعض المصادر((3)) ليس عن طريق أبي مخنف الأزدي وإنَّما من طرق روائية مختلفة.
6- أبو جناب يحيي الكلبي((4))
أحد شيوخ أبي مخنف، نقل عنه ثلاثاً وعشرين رواية، لأحداث تاريخية مختلفة، منها عشر روايات تخصُّ المقتل، بعضها مسندة وأخري غير مسندة، وهي:
أ - رواية عن أمر الوالي عبيد الله بن زياد ومسلم بن عقيل(عليه السلام) ومحاصرة الأخير قصر الأمارة، ومحاولة بعض العناصر الموالية للسلطة تفتيت وتشتيت أنصار مسلم بن عقيل(عليه السلام).
ص: 240
ب - رواية غير مُسنَدة لم يُشر أبو جناب الكلبي إلي الوساطة الروائية التي اعتمدها في نقله، تتحدَّث عن إرسال والي الكوفة رأسي مسلم بن عقيل وهانئ بن عروة(عليه السلام) إلي يزيد بن معاوية((1)).
ت - رواية غير مُسنَدة أوردها تتعلَّق بكتاب الوالي عبيد الله بن زياد إلي القائد عمر بن سعد فيه تعليمات الوالي لابن سعد بتعجيل قتل الإمام الحسين(عليه السلام) وأصحابه، والتمثيل بهم إن رفضوا الاستسلام والنزول علي حكم الأمير((2)).
ث - أربع روايات مُسنَدة إلي عدي بن حرملة((3)) بوساطة عبد الله بن سليم والمذري بن المشمعل الأسديين - كانا شهود عيان في نقل الحدث - الأولي:ذكرت الحوار الذي وقع بين الإمام الحسين(عليه السلام) وعبد الله بن الزبير بمكة وسبب مغادرة الإمام مكة((4))، أمّا الرواية الثانية فتتعلَّق بالتقاء الشاعر الفرزدق بالإمام الحسين(عليه السلام) وإبلاغه بحال وموقف أهل العراق((5))، علي حين ركَّزت الرواية الثالثة علي مسير الإمام الحسين(عليه السلام) نحو العراق، ووصول نبأ مقتل مسلم وهانئ إليه(عليه السلام)((6))، وذكرت تلك الرواية أيضاً الحرَّ بن يزيد الرياحي وجيشه البالغ عددهم ألف فارس ومسايرتهم للإمام الحسين(عليه السلام)((7)).
ص: 241
ج - رواية مُسنَدة بوساطة هانئ بن ثبيت الحضرمي((1)) - وهو أحد شهود العيان وكان ضمن المعسكر الأموي((2))- تحدَّثت عن التقاء الإمام الحسين(عليه السلام) مع عمر بن سعد بين العسكرين((3)).
ح - رواية مُسنَدة ينتهي إسنادها إلي عدي بن حرملة الأسدي عن انقلاب موقفالحر بن يزيد((4)). وانحيازه إلي جانب الإمام الحسين(عليه السلام)((5)).
خ - رواية غير مُسنَدة وتنتهي بأبي الجناب نفسه: عن مشاركة عبد الله بن عمير الكلبي((6)) في القتال مع الإمام الحسين(عليه السلام)((7)).
ص: 242
7- أبو نوفل عبد الملك العامري المدني((1))
روي عنه أبو مخنف إحدي وعشرين رواية في مختلف القضايا التاريخية((2))،وكانت حصة المقتل منها روايتين الأولي مُسنَدة عن طريق أبي سعيد المقبري((3)) بخصوص الأبيات الشعرية التي قالها الإمام الحسين(عليه السلام) في المدينة المنورة، والثانية أسندها أبو نوفل إلي أبيه بقوله: «عن عبد الملك بن نوفل قال حدثني أبي...»((4))، وهي تشير إلي خطبة عبد الله بن الزبير في أهل مكة بعد استشهاد الإمام الحسين(عليه السلام) وهو ينتقد قاتليه ويُحمِّل أهل العراق المسؤولية في ذلك وتحديدا أهل الكوفة ويصفهم بأهل الغدر والشرار((5)).
وهنا لا بدّ من الإشارة إلي الرواية الأولي التي نقلها أبو مخنف عن طريق شيخه أبي نوفل كانت بإسناد ينتهي بأبي سعيد المقبري، وتوهَّم أحد الباحثين((6))، حينما خلط بين أبي سعيد المقبري وبين أبي سعيد دينار في أسناد الرواية إليه، إذ إنَّ أبا سعيد دينار كان من أصحاب أميرالمؤمنين(عليه السلام)، اشترك معه في موقعة صفين، وهو
ص: 243
ليس أبا سعيد المقبري((1)) ناقل هذه الرواية.
8- المجالد بن سعيد الهمداني((2))
يُعدُّ من أبرز مشايخ أبي مخنف، والذي بدوره نقل عنه ثماني عشرة رواية في مختلف الأحداث، منها:مقتل الإمام الحسين(عليه السلام) الذي كان حصته منها ستَّ روايات انتهي إسنادهنّ بالمجالد نفسه دون الإشارة إلي أسماء الوسائط الروائية التي نقل عنها باستثناء رواية واحدة. أما الروايات الخمس غير المسنَدة فهي:
أ- الأولي: تحدَّثت عن إرسال الوالي عبيد الله بن زياد عدداً من الشخصيات المقرَّبة منه إلي هانئ بن عروة؛ لبيان سبب عدم حضوره للوالي بخلاف حضور أشراف وزعماء أهل الكوفة الآخرين((3)).
ب - الثانية: تتعلَّق بتشتُّت الأنصار عن مسلم بن عقيل(عليه السلام)؛ بفعل إشاعة قدوم جيش الشام، وعلم السلطة الحاكمة بمكان تواجد مسلم واجتهادها بإحضاره((4)).
ت - الثالثة: أشارت إلي الخصال الثلاث التي عرضها الإمام الحسين(عليه السلام) علي قائد الجيش الأموي عمر بن سعد((5)).
ص: 244
ث - الرابعة: أوضحت كتاب القائد عمر بن سعد إلي الوالي عبيد الله بن زيادبخصوص الشروط التي أعلنها الإمام الحسين(عليه السلام) والتي رفضها الوالي((1)).
ج - الخامسة: تحدَّثت عن محاولة الوالي عبيد الله بن زياد قتل الإمام علي بن الحسين(عليه السلام) بعد دخوله إلي مجلس الوالي مع السبايا، وتراجع الوالي عن قرار القتل((2)).
ح - الرواية السادسة: مُسنَدة عن عامر الشعبي((3)) ركَّزت الرواية علي الحوار الذي دار بين الإمام الحسين(عليه السلام) وعبد الله بن الحرِّ الجحفي((4)).
ورجَّح أحد الباحثين((5)) أنّ عامر الشعبي يُعدُّ من شيوخ المجالد، كما يتجلَّي ذلك من خلال عدد من الروايات التي ينتهي فيها السند إليه.
خصَّص الحارث للمقتل ستَّ روايات بأسانيد وطرق روائية مختلفة: وبالشكل الآتي:
أ - روايتان مُسنَدتان إلي عقبة بن سمعان - شاهد عيان -: الأولي عن عزم الإمام الحسين(عليه السلام) الخروج إلي العراق، وتحذير عبد الله بن عباس له((1))، أمّا الثانية فتتعلَّق بمحاولة السلطة الحاكمة في مكة المكرمة منع الإمام الحسين(عليه السلام) من الخروج ورفض الإمام ذلك((2)).
ب - روايتان مُسنَدتان عن الإمام علي بن الحسين(عليهما السلام) (شاهد عيان)، الأولي تحدَّثت عن كتاب عبد الله بن جعفر بن أبي طالب للإمام الحسين(عليه السلام) يحذِّره من المسير نحو العراق، ثم كتاب والي مكة إليه يسأله الرجوع عمَّا قرره، ثم كتاب الإمام الحسين للأخير جواباً علي كتابه((3))، والرواية الثانية تضمَّنت أبياتاً شعرية أنشدها الإمام الحسين(عليه السلام) قبل استشهاده((4)).
ت - روايتان مُسنَدتان عن السيدة فاطمة بنت علي بن أبي طالب(عليه السلام)((5))(شاهد عيان للحدث) الأولي ذكرت الحوار الذي دار بين السيدة زينببنت علي بن أبي
ص: 246
طالب(عليه السلام) ويزيد بن معاوية في الشام((1))، والثانية: تحدَّثت عن إحسان السيدتين زينب وفاطمة ابنتي علي بن أبي طالب(عليه السلام) للرجل الشامي الذي بعثه معهم يزيد بن معاوية لحسن صحبته لهم((2)).
10- أبو معشر يوسف بن يزيد العطار((3))
روي عنه أبو مخنف سبع عشرة رواية عن مراحل زمنية تاريخية مختلفة وقضايا متنوعة، منها أخبار المقتل الذي حدَّد له روايتين بسندين مختلفين، هما:
أ - الرواية الأولي: مُسنَدة إلي عبد الله بن خازم - شاهد عيان للحدث وكان رسول مسلم بن عقيل لقصرالإمارة((4)) تدور حول تطويق قوات مسلم بن عقيل قصر عبيد الله بن زياد((5)).
ب - الرواية الثانية ينتهي إسنادها إلي عفيف بن زهير - (شاهد عيان للحدث)، وكان قد شهد مقتل الحسين(عليه السلام) - وهي تورد الحوار الذي دار بين يزيد بن معقل - أحد عناصر جيش عمر بن سعد - وبرير بن خضير الهمداني - أحدأصحاب الإمام الحسين(عليه السلام) - ثم ذكرت مقتل برير وكيفيتها((6)).
ص: 247
11- الحارث بن حصيرة الأزدي((1))
أشار أحد الباحثين إلي أنَّ أبا مخنف روي عنه ثلاث عشرة رواية((2))، منها ثلاث روايات مُسنَدة تخصُّ المقتل، هي:
أ - الأولي: مُسنَدة عن عبد الله، عن شريك العامري((3)) تتعلَّق بكتاب الوالي عبيد الله بن زياد إلي القائد عمر بن سعد يخصُّ الإمام الحسين(عليه السلام)، وكتاب الأمان الذي كتبه شمر بن ذي الجوشن للعباس بن علي بن أبي طالب وإخوته(عليهم السلام) ورفضهم ذلك الأمان، وإصرارهم علي الشهادة مع إمامهمالحسين(عليه السلام)((4)).
ب - الثانية والثالثة: بالسند نفسه آنف الذكر عن علي بن الحسين(عليه السلام) (شاهد عيان للحدث) تناولت الأولي موعد بدء الحرب بين المعسكرين معسكر الإمام الحسين(عليه السلام) ومعسكر ابن سعد((5))، والثانية سردت لنا خطبة الإمام الحسين(عليه السلام) بأصحابه((6)).
ص: 248
12- نمير بن وعلة((1))
بلغ مجموع الروايات التي رواها عنه أبو مخنف ثلاث عشرة رواية في أحداث تاريخية مختلفة((2))، خصَّص من مجموعها أربعاً عن المقتل بأسانيد متعدِّدة وبالشكل الآتي:
أ - روايتان مُسنَدتان إلي أبي الوداك((3))، الأولي سردت لنا خطبة والي الكوفة النعمان بن بشير، تضمَّت عدم خلع أهل الكوفة بيعتهم ونصُّها: «قال أبو مخنف: حدثني نمر بن وعلة عن أبي الوداك قال خرج إلينا النعمان ابن بشيرفصعد المنبر، فحمد الله وأثني عليه...»((4))، أمّا الثانية فهي تخصُّ الأحداث التي جرت بين الوالي عبيد الله بن زياد وهانئ بن عروة، وحبس الأخير من قبل الوالي((5)).
ب - الرواية الثالثة: ينتهي سندها إلي أيوب بن مشرح الخيواني - من معسكر عمر بن سعد - التي استعرضت عقر فرس الحر بن يزيد الرياحي من قبله وحديث أبي الوداك معه((6)).
وهنا لا بدّ من الوقوف علي الروايات الثلاث أعلاه؛ إذ ورد في سند الروايتين الأُولتين، أبو الوداك الناقل لهما، وفي الرواية الثالثة كان حديث الحر مع أبي الوداك،
ص: 249
وبهذا تبيِّن تلك الروايات أنَّ أبا الوداك كان شاهداً ومشاركاً في أحداث واقعة الطف.
ومن الملاحظ أنَّ كتب التراجم التي ترجمت لأبي الوداك لم تذكر مشاركته في واقعة الطف من جانب، ومن جانب آخر أنَّ المصادر التي ذكرت الروايات أعلاه - والتي نقلها لنا أبو الوداك - لم تذكر اسمه إطلاقاً، وهذا يقودنا إلي الشكِّ بمشاركته في أحداث واقعة الطف.
ت - والرواية الرابعة مُسنَدة إلي ربيع بن تميم((1)) التي أشارت إلي مقتل أحد أصحاب الإمام الحسين(عليه السلام)((2)).
بتشتيت وتفريق أنصار مسلم بن عقيل(عليه السلام)، الذين كانوا متواجدين حول القصر((1)).
ب - الثانية: ينتهي إسنادها بعباس الجدلي أيضاً دون أن يذكر لنا الواسطة التي نقل عنها الرواية وهي تتحدَّث عن إجراءات السلطة بوضع المسالح العسكرية في طريق موكب الإمام الحسين(عليه السلام)((2)).
من بيعته، وموقف أبنائه وإخوته وبني عمِّه من ذلك((1)).
ب - ورواية تحدَّثت عن صلاة الإمام الحسين(عليه السلام) وأصحابه في الليلةالتي قامت الحرب فيها، والحوار الذي دار بين برير بن خضير - من أصحاب الإمام الحسين وأبي حرب السبيعي - أحد عناصر الجيش الأموي -((2)).
ت - رواية سردت لنا خطبة الإمام الحسين(عليه السلام) بمعسكر الأعداء، مذكِّراً إيَّاهم بنسبه الشريف ورفضه لحكمهم الظالم((3)).
ث - رواية أشارت إلي نجاة أحد أصحاب الإمام(عليه السلام) من الموت وهو:الضحاك ابن عبد الله المشرفي، ومن ثَمَّ أذن له الإمام بالإنصراف إن استطاع((4)).
ج - رواية سردت قصة استشهاد كلٍّ من:عبد الله وجعفر وعثمان أبناء الإمام علي بن أبي طالب(عليه السلام)، بين يدي أخيهم أبي الفضل العباس(عليه السلام)((5)).
وهنا لا بدّ من الإشارة إلي أنَّ الطبري لم ينقل هذه الرواية عن عبد الله بن عاصم، وإنَّما أوردها بصيغة مجهولة بقوله: «وزعموا أنَّ العباس بن علي قال لأخوته من أُمِّه عبد الله وجعفر وعثمان يا بني أُمِّي تقدَّموا حتي أرثكم فإنَّه لا ولد لكم»((6))، خاطب العباس أخاه عبد الله قائلاً «تقدم بين يديَّ حتي أراك وأحتسبك فإنه لا ولد لك»((7)).
ص: 252
وشكك أحد الباحثين بهذه الرواية بقوله: «ان رواية مقولة أبي الفضل العباس اعلاه ذكرها الطبري في تاريخه لكن دون ان يصرح بأسم الشيخوربما كان هذا لسببين: أولها إما أن يكون غير متأكد من أسم الشيخ أو شاكاً به وأما انْ يكون غير مقتنع بمتن الرواية، هذا فضلاً عن ذلك كيف يقول العباس لأخوته ارثكم وهو يعلم إنه وابناءه سيلحقون بهم»((1)).
ونحن نتفق مع رأي الباحث بضعف هذه الرواية، خاصة وان قول أبي الفضل العباس(عليه السلام) فيه نظر وتأمل؛ لأنه لا ينسجم مع اخلاق وسمو نفسه الطاهرة، فضلاً عن ذلك ان اجواء الحرب آنذاك لا تساعد في التفكير بمثل هذه المسائل فكيف تصدر من أبي الفضل العباس(عليه السلام) الذي دافع عن إمامه حتي استشهد.
16- قدامة بن سعيد الثقفي((2))
أورد عنه أبو مخنف ثلاث روايات غير مُسنَدة، الأولي:عن القتال الذي وقع بين رجال السلطة الأموية ومسلم بن عقيل(عليه السلام) والذي انتهي بأسر الأخير((3))، والثانية: تتعلَّق بالحديث الذي دار بين مسلم بن عقيل ومسلم بن عمرو الباهلي (أحد عناصر السلطة الأموية) وطلب مسلم للماء((4))، أمّا الثالثة: فتتعلَّق بإرسال عمرو بن
خاطب العباس أخاه عبد الله قائلاً «تقدم بين يديَّ حتي أراك وأحتسبك فإنَّه لا ولد لك»((5)).
ص: 253
وشكَّك أحد الباحثين بهذه الرواية بقوله: «إنَّ رواية مقولة أبي الفضلالعباس أعلاه ذكرها الطبري في تاريخه لكن دون أيصرِّح باسم الشيخ وربما كان هذا لسببين: أولها إمَّا أن يكون غير متأكِّد من اسم الشيخ أو شاكّاً به وإمَّا انْ يكون غير مقتنع بمتن الرواية، هذا فضلاً عن ذلك كيف يقول العباس لأخوته أرثكم وهو يعلم أنَّه وأبناءه سيلحقون بهم»((1)).
ونحن نتفق مع رأي الباحث بضعف هذه الرواية، خاصَّة وإنَّ قول أبي الفضل العباس(عليه السلام) فيه نظر وتأمل؛ لأنَّه لا ينسجم مع أخلاق وسموِّ نفسه الطاهرة، فضلاً عن ذلك أنَّ أجواء الحرب آنذاك لا تساعد في التفكير بمثل هذه المسائل، فكيف تصدر من أبي الفضل العباس(عليه السلام) الذي دافع عن إمامه حتي استُشهِد.
حريث (أحد عناصر السلطة الأموية)((2)) غلامه ليسقي مسلم بن عقيل(عليه السلام)((3)).
الروايات الثلاث غير مُسنَدة، وتنتهي بقدامة بن سعيد الذي لم تترجم له كتب الرجال والتراجم، فضلاً عن كتب التاريخ العام وِفق اطلاعنا، أمّا ما أشار إليه أحد الباحثين بأنّه محتمل أن يكون قدامة ممن شهد الأحداث في واقعة الطف((4))، فنحنلا نتفق مع هذا الرأي؛ وذلك لعدم وجود أدلّة تثبت ذلك، وعليه فإنَّ رواياته أعلاه تعد ضعيفة من الناحية التاريخية، لمجهولية ناقلها (قدامة بن سعيد)،
ص: 254
وإنّها تحتوي في متونها أموراً لا يمكن أن تصدر من مسلم بن عقيل(عليه السلام) الذي عُرِفَ عنه الفداء والتضحية في سبيل العقيدة من قبيل التوسُّل بالأعداء لطلب الماء، وغيرها من المسائل التي لا تليق بمكانته وسموِّ نفسه.
17- أبو عتبة عبد الرحمن الداراني الدمشقي((1))
روي عنه أبو مخنف روايتين إحداهما تتعلَّق بالمقتل وينتهي إسنادها إلي حميد بن مسلم عن استشهاد علي الأكبر بن الإمام الحسين(عليه السلام)((2)).
18- محمد بن قيس((3))
روي عنه أبو مخنف روايتين انتهي إسنادهما إليه دون الإشارة إلي أيّ واسطة روائية:الأولي تتعلَّق بإرسال الإمام الحسين(عليه السلام) مبعوثاً لأهل الكوفة ومقتله علي يد السلطة الحاكمة، أمّا الثانية فتسرد لنا قصة استشهاد عدد من أصحاب الإمام الحسين(عليه السلام)((4)).
ص: 255
19- أبو داود يحيي بن هانئ الكوفي((1))
نقل عنه أبو مخنف روايتين ينتهي إسنادهما إليه الأولي محور موضوعنا عنالمقتل، تناولت قتال أحد أصحاب الإمام الحسين(عليه السلام)، فضلاً عن نصيحة أحد قيادات الجيش الأموي لجنوده بعدم البروز لأصحاب الإمام الحسين(عليه السلام) وأنصاره؛ لشجاعتهم((2)). أمَّا الرواية الثانية فهي خارج أطار موضوعنا.
20- زهير بن عبد الرحمن بن زهير الخثعمي((3))
مجموع الروايات التي نقلها عنه أبو مخنف روايتين تتعلَّقان بالمقتل الأولي:عن مقتل علي الأكبر بن الإمام الحسين(عليه السلام)((4))، والثانية:تسرد لنا قصة مقتل سويد بن عمرو بن أبي المطاع - وهو آخر مَن قُتل من أصحاب الإمام الحسين(عليه السلام)((5)).
21- سويد بن حية الأسدي((6))
نقل عنه أبو مخنف روايتين أحدهما تتعلَّق بالمقتل الحسيني، ومفادها أنَّ عبد الله ابن حوزة - أحد عناصر الجيش الأموي - جمحت به فرسه فسقط منها، وبقيت
ص: 256
رجله عالقة في الركاب ولم تتوقَّف فرسه حتي مات((1)).
ويعلِّق أحد الباحثين((2)) علي هذه الرواية بقوله: «وهذه الرواية تبيِّن عدم تحيُّز أبي مخنف فقد وردت بالشكل الآتي: وأمَّا سويد بن حية فزعم لي أنَّ عبد الله بن حوزة؛ وكلمة زعم لي تدلُّ علي عدم اقتناعه بما سمعهمن شيخه، أو عدم اقتناع شيخه نفسه بما رواه».
22- جميل بن مرثد من بني معن((3))
روي عنه أبو مخنف روايتين مُسنَدتين بوساطة الطرماح بن عدي (شاهد عيان)((4)) الأولي تتعلَّق بنصيحة الطرماح للإمام الحسين(عليه السلام) بعدم الذهاب إلي الكوفة((5))، والرواية الثانية تحدَّثت عن استئذان الطرماح من الإمام الحسين(عليه السلام) للذهاب إلي قومه، ثمَّ الرجوع إليه للقتال بقوله: «أنه دنا - أيّ الطرماح - من الحسين فقال له والله إني لأنظر فما أري معك أحداً، ولو لم يقاتلك إلا هؤلاءِ الذين أراهم ملازميك لكان كفي بهم، وقد رأيت قبل خروجي من الكوفة إليك بيوم ظهر الكوفة وفيه من الناس ما لم ترَ عيناي في صعيد واحد جمعاً أكثر منه فسألت عنهم، فقيل اجتمعوا ليعرضوا ثم يسرحوا إلي الحسين؛ فأنشدك الله إن قدرت علي ألا تقدم عليهم شبراً إلا فعلت، فإن
ص: 257
أردت أن تنزل بلداً يمنعك الله به حتي تري من رأيك ويستبين لك ما أنت صانعٌ. فسر حتي أنزلك مناع جبلنا الذي يدعي أجأ امتنعنا والله به من ملوك غسان وحمير ومن النعمان ابن المنذر ومن الأسود والأحمر، واللهإن دخل علينا ذلٌّ قطُّ فأسير معك حتي أنزلك القرية، ثم نبعث إلي الرجال ممن بأجأ وسلمي من طيئ فو الله لا يأتي عليك عشرة أيام حتي يأتيك طيئ، رجالاً وركبانا، ثمَّ أقم فينا ما بدا لك فإنْ هاجك هيج فأنا زعيم لك بعشرين ألف طائي يضربون بين يديك بأسيافهم والله لا يوصل إليك أبدا ومنهم عين تطرف، فقال له جزاك الله وقومك خيراً؛ إنَّه قد كان بيننا وبين هؤلاء القوم قولٌ لسنا نقدر معه علي الإنصراف، ولا ندري علام تنصرف بنا وبهم الأمور في عاقبه...»((1))، ثمَّ تستمرُّ الرواية والتي تشير إلي عدم اشتراك الطرماح بواقعة الطف «حدثني الطرماح بن عدي قال:فودَّعته وقلت له: دفع الله عنك شرَّ الجن والإنس إني قد إمترت لأهلي من الكوفة مِيرة ومعي نفقة لهم فآتيهم فأضع ذلك فيهم، ثم أقبل إليك إن شاء الله فإن ألحقك فوالله لأكونن من أنصارك قال: فإن كنت فاعلاً فعجِّل رحمك الله، قال فعلمت أنَّه مستوحش إلي الرجال حتي يسألني التعجيل، قال فلما بلغت أهلي وضعت عندهم ما يصلحهم وأوصيت، فأخذ أهلي يقولون إنَّك لتصنع مَرَّتَك هذه شيئا ما كنت تصنعه قبل اليوم، فأخبرتهم بما أريد، وأقبلت في طريق بني ثعل حتي إذا دنوت من عذيب الهجانات استقبلني سماعة بن بدر فنعاه إليَّ فرجعت»((2)).
من خلال التدقيق بكلام الطرماح بن عدي الطائي مع الإمام الحسين(عليه السلام) تتضح لنا عدة ملاحظات تثير الشكَّ والريبة في كلامه وتضعف من مصداقيته، منها:
أ - الرواية تصف الطرماح بأنَّه زعيم أو سيد قبيلته، وتأثيره في قبيلته يصل إليعشرين ألف مقاتل، ونحن هنا نتساءل بأنَّ الروايات التاريخية أشارت إلي أنَّ
ص: 258
وظيفة الطرماح أنَّه كان دليلاً للنفر الذين قدموا من الكوفة((1))، فكيف يمكنه العمل بين الزعامة القبلية والدليل والتوفيق بينهما؟
ب - هل قبيلة طيء((2)) لم تكن علي علم بمجمل تحرُّكات الإمام الحسين(عليه السلام) من بدايتها إلي زمان التقاء الطرماح بالإمام الحسين(عليه السلام)؛ لكي تنصره وتعدُّ رجالها للإنضمام إلي ركبه؟ نستبعد عدم علم قبيلة طيئ بموقف الإمام الحسين(عليه السلام) من السلطة الأموية، ومن ثَمَّ يصبح كلام الطرماح ضعيفاً، ولا نصيب له من الصحة، هذا وقد شكَّك أحد الباحثين((3)) بهذه الرواية، بقوله: «إنًَّ الطرماح بن عدي، ليس أكثر من رجل واحد، ومن المحال أن تكون له القدرة علي جمع عشرين ألفا بعشرة أيام، ومن جهة أخري فإنَّ قومه قد علموا بخروج الإمام الحسين(عليه السلام) من المدينة، وبامتناعه عن البيعة منذ أكثر من شهرين، فما الذي منعهم خلال هذه المدة من الإلتحاق بالحسين ومن نصره وحمايته؟! فلو وقف من عشرين ألف الطرماح ألفان مع الإمام الحسين لكان بإمكان الحسين أن يهزم جيش فرعون، وأن يغِّير موازين القوي وحركة التاريخ».ت - ما حجم الطرماح لكي يؤثِّر علي عشرين ألف شخص علي حدِّ تعبير الرواية أعلاه؟ وكيف جمع هذا العدد في مدة زمنية قدرها عشرة أيام وفق كلامه، لاسيما وأنَّ الدلائل لا تشير إلي كونهِ زعيماً لقبيلته آنذاك؟
ث - ونحن نتساءل لماذا لم ينضمَّ الطرماح للركب الحسيني؟ وهل إيصال الميرة
ص: 259
- علي حدِّ تعبير الرواية - يُعدُّ مسوّغاً شرعياً للطرماح لترك الجهاد مع الإمام(عليه السلام)؟ ثم لماذا لم يرسل تلك الميرة أو نفقة عياله مع أيِّ شخص آخر ويلتحق هو بالإمام إن كان يريد الإنضمام للركب الحسيني؟
ح - وعلي هذا ينتج من كلام الطرماح في هذه الرواية أمران، الأول: إنَّ هذه الرواية موضوعة ولا تمتُّ إلي الحقيقة بصلة، ولعلَّ هذا الإحتمال يتعارض مع المصادر التاريخية التي أوردت هذه الرواية والتي أشرنا إليها في معرض سردنا للرواية، والإحتمال الثاني:إنّ كلام الطرماح لا يستند إلي الحقيقة، وقد ابتدع من مخيلته هذا الكلام نثراً وشعراً، فمزج بين انتمائه الشيعي في نصرته للإمام الحسين(عليه السلام) وعاطفته الشعرية ليخرج لنا هذا الكلام الذي لا أثر له علي أرض الواقع، وهذا ما دفع أحد الباحثين((1)) إلي تحليل ذلك بقوله: «إنَّ أقوال الطرماح ليست أكثر من تصورات شاعر، وما كان ينبغي للإمام الحسين(عليه السلام) أو لأيِّ عاقل أن يترك ما بينه وبين القوم، ويتبع تلك التصورات النظرية دون أن يعرف عاقبة أو مآل ما تمَّ عليه الإتفاق بينه وبين أهل الكوفة».
ويمكن استنتاج احتمالٍ آخر بشأن رواية الطرماح وهو أنَّ الطبري حاول تشويه حقيقة الطرماح ورفاقهِ وأنَّهم كانوا من ضمن معسكر الإمام الحسين(عليه السلام)، وكانت مهمَّتهم تقتصر علي العمل اللوجستي في إيصال الميرة لمعسكر الإمام(عليهالسلام)، ولعلَّ الذي يسند هذا الإحتمال عدَّة أدلَّة منها:
أ- إحجام الطبري عن تحديد شخصية وهوية النفر الأربعة((2)) الذين كانوا مع الطرماح وتصريح البلاذري بأسمائهم، فضلاً عن دفاع الإمام الحسين(عليه السلام) عنهم، ووصفهم (بالأصحاب والانصار)، بقوله: «وكان الأربعة النفر: نافع بن هلال
ص: 260
المرادي، وعمرو بن خالد الصيداوي، وسعد مولاه، ومجمع بن عبد الله العائذي من مذحج((1)). فقال الحرُّ: إنَّ هؤلاء ليسوا ممن أقبل معك فأنا حابسهم أورادُّهم. فقال الحسين: إذاً أمنعهم مما أمنع منه نفسي إنَّما هؤلاء أنصاري وأعواني وقد جعلتَ لي أن لا تعرّض لي حتي يأتيك كتاب ابن زياد. فكفَّ الحرُّ عنهم»((2)).
ب - أورد الخوارزمي((3)) موقف الطرماح لكنَّه لم يُشِر إلي أنَّه كان دليلاً للنفر الأربعة الذين ذكرتهم رواية الطبري آنفة الذكر.
ت - اختلاف رواية الطبري عن الخوارزمي في عدد العناصر التي ضمَّنها الطرماح للإمام الحسين(عليه السلام) من المقاتلين، فبينما أشارت رواية الطبري إليالعشرين ألف، علي حين قلَّلت رواية الخوارزمي من هذا العدد وحدَّدته بخمسة الآف((4)).
ث - توحي رواية الخوارزمي إلي أنَّ الطرماح كان من ضمن المعسكر الحسيني؛ بقرينة نصِّ الرواية: «أقبل الحسين علي أصحابه فقال: هل فيكم أحد يخبر الطريق علي غير الجادة؟ فقال الطرماح بن عدي الطائي: أنا يا ابن رسول الله أخبر الطريق، فقال الحسين: فسر إذن بين إيدينا، فسار الطرماح واتبعه الحسين واصحابه...»((5)).
نستخلص من ذلك كلّه أنَّ حقيقة الطرماح ورفاقه قد تناثرت بين المصادر التي عرضناها آنفاً وأنَّه لم يكن عابر سبيل أو دليلاً - بحسب تنظير رواية الطبري - وإنَّما
ص: 261
كان من جملة أنصار الإمام الحسين(عليه السلام) هو ورفاقه، وكانت لهم مهمة خاصة تتعلَّق بتقديم التموين لمعسكر الإمام الحسين(عليه السلام)، والذي يؤكِّد لنا ذلك اختلاف رواية الطبري مع رواية البلاذري وتضاربها مع ما أشار إليه الخوارزمي، فضلاً عن ذلك الإشكالات التي سُجِّلت ضدَّ رواية الطبري آنفة الذكر.
نقل عنه أبو مخنف رواية واحدة ينتهي إسنادها به دون أن يذكر أيّ واسطة روائية، تتعلَّق بعدد الطعنات والضربات التي ُوجِدت في جسم الإمام الحسين(عليه السلام)، والسلب الذي تعرَّض له الإمام الحسين(عليه السلام) وحرق الخيام، فضلاً عن أمر عمر بن سعد بعدم قتل الإمام علي بن الحسين(عليه السلام)((1)).
24- عوانة بن الحكم((2))
وهو تلميذ أبي مخنف((3)) وروي عنه رواية واحدة مُسنَدة تخصُّ المقتل الحسيني ينتهي إسنادها به، تتناول موقف أهل الكوفة وأشرافها من حكم يزيد بن معاوية، وخلعه ومبايعتها للإمام الحسين(عليه السلام)، الأمر الذي ترتَّب عليه إرسال الإمام(عليه السلام) سفيره مسلم بن عقيل(عليه السلام) إليهم لدراسة الأوضاع العامة في الكوفة وتقييمها((4)).
ص: 262
27- أبو علي الأنصاري((1))
نقل عنه أبو مخنف رواية مسندة إلي بكر بن مصعب المزني((2)) تتعلَّق بانضمام بعض الناس إلي الإمام الحسين(عليه السلام)، فضلاً عن إقدام السلطة علي قتل رسول الحسين وأخيه من الرضاعة عبد الله بن يقطر، الذي أُرسل لتقصِّي خبر مسلم بن عقيل(عليه السلام)((3)).
28- أبو الحكم يزيد بن عياض بن جعدبة الحجازي((4))
نقل عنه أبو مخنف رواية ينتهي إسنادها به، دون أن يذكر لنا أيّ واسطة روائية نقل عنها الحدث، والرواية التي رواها تتضمَّن إعلان بعض سادات أهل الكوفة بيعتهم للإمام الحسين(عليه السلام) في مقابل خلع بيعة يزيد بن معاوية، وإرسال الإمام الحسين(عليه السلام) سفيره مسلم بن عقيل(عليه السلام) إليهم؛ لمعرفة الوضع العام في الكوفة وتقييمه ودراسته((5)).
ص: 264
في ختام حديثنا عن موارد أبي مخنف التي استسقي منها مادته التاريخية عن المقتل، تتضح لنا بعض معالم منهجه التاريخي في سرده لمرويات المقتل، منها:
1- اهتمامه بالسند الروائي (سلسلة الرواية)، حيث يُلاحَظ أنَّ أبا مخنف يذكر الروايات في الكثير من الأحيان بسلسة إسناد كاملة، لكن وردت بعض الحالاتأسند فيها أبو مخنف الروايات إلي شاهد العيان للحدث دون المرور عبر سلسة السند، وإنمَّا النقل بصورة مباشرة عنه - اي شاهد العيان - كقوله «حدثتني دلهم بنت عمرو امرأة زهير بن القين...»((1))، أو قوله: «حدثني لوذان أحد بني عكرمة أنَّ أحد عمومته...»((2))، وقد أشارت بعص المصادر((3)) إلي أنَّ (لوذان) الذي اعتمد عليه أبو مخنف هو لوذان بن عمرو وأنَّه نفسه الذي التقي بالإمام الحسين(عليه السلام) وليس أحد عمومته.
2- تميَّزت سلسلة السند الروائية عند أبي مخنف بكونها مطوَّلة في بعض المرويات، وقصيرة في أحيانٍ أخري، فضلاً عن ذلك احتوت سلسة السند عند أبي مخنف بعض المجاهيل، الذين لا أثر لهم في كتب التراجم والتاريخ العام((4)).
3- التنوع الزمني في المصادر التي أخذ مادته منها، فهنالك رواة سبقوه زمنياً، أو كانوا قريبين منه، أمثال: عامر الشعبي، وأبي المخارق، والمجالد وآخرين.
4- من خلال استقراء الروايات التي أوردها أبو مخنف عن المقتل نلحظ أنّ
ص: 265
مصدره لتلك الروايات كان علي صنفين، الصنف الأول: شهود عيان للحدث ينتمون للسلطة الأموية الحاكمة من أمثال: حميد بن مسلم، وكثير بن عبد الله الهمداني، وأيوب بن مشرح الخيواني، وقرة بن قيس التميمي، وآخرين((1))، أمَّا الصنف الثاني فهم شهود عيان للحدث من معسكر الإمام الحسين(عليه السلام)حيث نجا بعض منهم، من أمثال: الإمام زين العابدين علي بن الحسين(عليه السلام)، وعقبة بن سمعان (مولي الرباب زوجة الإمام الحسين)، أو دلهم بنت عمرو (زوجة زهير بن القين)، وآخرين((2))، ويدلُّ اعتماد أبي مخنف علي هذين الصنفين من الموارد علي حياديته وأمانته العلمية، وتطبيقه لشروط المنهج التاريخي التوثيقي العلمي، القائم علي أساس نقل وتوثيق الحقيقة، بغضِّ النظر عن المنظومة العقائدية والمذهبية والسياسية التي يحملها الراوي.
5- امتاز أبو مخنف في بعض الأحيان بالتوثيق الدقيق للأحداث التاريخية، وعلي سبيل المثال ما يخصُّ موضوع دراستنا عن أخبار المقتل؛ إذ حدَّد خروج سفير الإمام الحسين(عليه السلام) مسلم بن عقيل(عليه السلام) باليوم والشهر والسنة، كقوله: «كان مخرج مسلم بن عقيل بالكوفة يوم الثلاثاء لثمان ليال مضين من ذي الحجة سنة 60ويقال يوم الأربعاء لسبع مضين سنة 60من يوم عرفة...»((3))، وكذلك تحديده لتحرك الإمام الحسين(عليه السلام) من المدينة إلي مكة المكرمة «وكان مخرج الحسين من المدينة إلي مكة يوم الأحد لليلتين
ص: 266
بقيتا من رجب سنة 60، ودخل مكة ليلة الجمعة لثلاث مضين من شعبان...»((1)).
6- اتَّبع في بعض مروياته أسلوب الإسناد الجمعي لشيوخه، إذ أورد أكثر من شيخ لرواية واحدة أو خبر معين، ولعلَّ السبب الذي دفع أبا مخنف إلي هذاالأسلوب يرجع إلي إجماع شيوخه واتفاقهم علي حدث معين، ومن أبرز مرويات هذا المنهج هي:
أ - «ما حدثنا به المجالد بن سعيد، والصقعب بن زهير الأزدي، وغيرهما من المحدِّثين فهو ما عليه جماعة المحدِّثين...»((2)).
ب - قال أبو مخنف: «حدثني المجالد بن سعيد الهمداني، والصقعب بن زهير...»((3)).
ت - «قال أبو مخنف: عن الصقعب بن زهير، وسليمان بن أبي راشد.»((4))، وهناك بعض الحالات الروائية التي أوردها أبو مخنف، والتي تنتهي بصيغ مجهولة غير محدَّدة، وهذه من الناحية التاريخية ضمن أطار المنهج التاريخي تُعدُّ خللاً في عمل الإخباري أو المؤرِّخ؛ لكونها تسهم في تضعيف الرواية أو الخبر الي حدٍّ ما، ومن تلك الحالات:
أ - قال أبو مخنف: «عن أبي سعيد عقيصي، عن بعض أصحابه...»((5)).
ص: 267
ب - قال أبو مخنف: «عن بعض أصحابه، عن أبي خالد الكاهلي...»((1)).
ت - هناك حالات يكون شاهد العيان للحدث لدي المحدِّث الذي نقل عنه أبو مخنف غير محدَّد (مجهول) مثل قوله: «حدثني علي بن حنظلة بن أسعدالشامي، عن رجل من قومه شهد مقتل الحسين...»((2)).
وفي تعليقة لأحد الباحثين بشأن السبب في اعتماد بعض الإخباريين منهج الإسناد الجمعي فيقول: «ولعلَّ هذا النهج الذي اتَّبعه الإخباريون والرواة للتخلص من تكرار الأسانيد، أو ربما كان الغرض منه زيادة توثيق الرواية والتأكُّد من مدي صحتها»((3)).
ولعلَّ هذه الملاحظات هي الأبرز في بيان معالم منهج أبي مخنف وتحديداً في موارده، أمّا الروايات وطبيعة عرضها ومناقشة متونها والتفصيل في ذلك فسيترك إلي الفصل القادم من هذه الدراسة.
قبل الدخول في تفاصيل كتابه السند الروائي لتسمية مَن قُتِل، لا بدّ من التعريف بشخصية الفضيل، والبحث عن بعض جزئياتها وتفاصيلها.
ص: 268
الفضيل بن الزبير الأسدي، الكوفي الرَسّان((1))، عُدَّ من أصحاب الإمام محمدالباقر(عليه السلام) والإمام جعفر الصادق(عليه السلام) علي رأي الطوسي، قائلاً: «الفضيل بن الزبير الأسدي، مولاهم، كوفي، الرسان»((2))، علي حين عدَّه ابن النديم من أصحاب الإمام محمد الباقر(عليه السلام)((3)).
أمّا بعض الباحثين المتأخرين فقد رجَّحوا((4)) أنّ الفضيل بن الزبير من جملة أصحاب الإمامين الباقر والصادق(عليه السلام).
ونلحظ أنَّ للفضيل بن الزبير العديد من الروايات التاريخية بعضُها مُسنَد عن الإمام محمد الباقر(عليه السلام)، وأخري عن مشايخه، وقد جمعتها بعض المصنَّفات((5))، وأغلبها تخصُّ عصر الرسالة والأحداث التي وقعت فيها، كما أورد قسماً كبيراً من رواياته عن أخبار الإمام علي بن أبي طالب(عليه السلام)، والأحداث التي عاصرها.
أمّا مروياته عن المقتل في المصنَّفات التاريخية، فكانت محدودة وبحدود
ص: 269
الروايتين، الأولي: تناولت حديث الإمام الحسين(عليه السلام) مع عبد الله بن الزبيرفي ضرورة مغادرته(عليه السلام) مكة؛ لئلا تراق فيها دماؤه الزاكية الطاهرة((1)) علي حين ركَّزت الرواية الثانية علي مكانة ومنزلة الإمام الحسين(عليه السلام) وبكاء كلِّ شيء عليه، وذلك يوم استشهاده في العاشر من محرم الحرام حتي الوحوش والطير والشمس والنجوم وغيرها((2)).
أمّا مذهب الفضيل فهو علي الأرجح كان يعتنق المذهب الزيدي((3)) ويُعدُّ منْ أبرز المتكلمين عندهم كما صرَّح بذلك ابن النديم، قائلاً: «ومن متكلميالزيدية، فضيل الرسان...»((4)).
أشار أيضاً الأشعري إلي نسبة الرسّان إلي مذهب الزيدية قائلاً: «من فرق الزيدية
ص: 270
يسمَّون (السرحوبية) ويسمَّون (الجارودية)((1)) وهم أصحاب أبي الجارود زياد بن منذر، وإليه نُسِبت الجارودية، وأصحاب أبي خالدالواسطي، وأصحاب فضيل بن الزبير الرسَّان»((2))، وقد قُسِّمت الزيدية إلي ضعفاء وأقوياء، ثم قال: وأمَّا الأقوياء منهم: فهم أصحاب أبي الجارود، وأصحاب أبي خالد الواسطي، وأصحاب فضيل الرسَّان((3)).
لم يقتصر الأمر في إثبات انتماء واعتقاد الرسّان بالزيدية علي آراء هؤلاء مؤلفي الفرق والملل والنحل أعلاه، بل رجَّح بعض الباحثين صحة اعتقاد الرسّان بالزيدية، فقد أشار حسن الأمين إلي هذا المعني مع مناقشة مستفيضة للروايات بهذا الخصوص بقوله: «أقول: مجرد الخروج مع زيد ليس دليلا علي الزيدية كما ذُكِر، لكن
ص: 271
تصريح علماء الفرق والرجال - كالأشعري وابن النديم - وضمّ الروايات الأخري التي تلائم زيدية الرجل، حجة للإستظهار المذكور، فهو زيدي علي الأظهر، وما ذكره الشيخ المامقاني - بعد ما نُقل عن الشيخ الطوسي، ذكر الرجل في بابي أصحاب الباقر والصادق(عليه السلام) - من: أنَّ ظاهره كونه إماميا لا وجه له أصلا؛ وذلك: أولا: لما عرفت من أنَّ الأظهر كونه زيدي المذهب، وثانيا: أنَّ مجرد ذكر الشيخ الطوسي للراوي في كتاب رجاله لا يدلُّ علي كونه إمامياً؛ لأنَّ الشيخ لم يلتزم في الرجال بذكر من كان إمامياً، بل هو بصدد جمع أسماء الرواة عن الأئمة، بمجرّد عثوره علي رواية له عن أحدهم، فكتابه في الحقيقة فهرس لأسماء الرواة، من دون نظر له فيه إلي توثيق أو جرح، ولا إلي تعيين مذهب أو غير ذلك من الإهتماماتالرجالية، وهذا واضح لمن راجع كتاب الرجال، نعم التزم الشيخ الطوسي في الفهرست بأن يذكر فيه المؤلفين من الإمامية عدا من يصرِّح بمذهبه من غيرهم»((1))، كذلك ذهب إلي هذا الرأي الشاهرودي((2)) من كون الرسّان يعتقد مذهب الزيدية.
يُعدُّ كتاب التسمية من الناحية التاريخية كتاباً مُسنَداً، إذ وردت فيه سلسلة الإسناد الروائي كاملة، إذ ذكر مجمل الرواة الذين نقل عنهم الكتاب وبالشكل الآتي: «قال الإمام المرشد بالله((3)): أخبرنا الشريف أبو عبد الله، محمد بن علي بن الحسن
ص: 272