الرجعه : بحوث مفصلة حول قيام الامام المهدي عليه السلام و رجعة النبي محمد و آله عليهم السلام

اشارة

الرجعه : بحوث مفصلة حول قيام الامام المهدي عليه السلام و رجعة النبي محمد و آله عليهم السلام

الشيخ احمد بن زين الدين الاحسائي قدس سره

موسسه الفكر الاوحدي - بيروت - لبنان

ص: 1

اشارة

الرجعه

بحوث مفصلة حول قيام الامام المهدي عليه السلام و رجعة النبي محمد و آله عليهم السلام

ص: 2

بسم الله الرحمن الرحيم

وَنُرِيدُ أَن نَّمُنَّ عَلَي ٱلَّذِينَ ٱسۡتُضۡعِفُواْ فِي ٱلۡأَرۡضِ وَنَجۡعَلَهُمۡ أَئِمَّة وَنَجۡعَلَهُمُ ٱلۡوَٰرِثِينَ (5)

وَنُمَكِّنَ لَهُمۡ فِي ٱلۡأَرۡضِ وَنُرِيَ فِرۡعَوۡنَ وَهَٰمَٰنَ وَجُنُودَهُمَا مِنۡهُم مَّا كَانُواْ يَحۡذَرُونَ (6)

سورة القصص 5 / 6

ص: 3

الرجعه

بحوث مفصلة حول قيام الامام المهدي عليه السلام و رجعة النبي محمد و آله عليهم السلام

الشيخ احمد بن زين الدين الاحسائي قدس سره

ص: 4

الرجعه : بحوث مفصلة حول قيام الامام المهدي عليه السلام و رجعة النبي محمد و آله عليهم السلام

الشيخ احمد بن زين الدين الاحسائي قدس سره

موسسه الفكر الاوحدي - بيروت - لبنان

ص: 5

الإهداء

إلي بقية الله في أرضه...

صاحب الرجعة الكبري...

والدولة العظمي...

مولانا الإمام المنتظر المهدي ابن الحسن عجل الله فرجه...

نهدي هذالعمل المتواضع...

و إلي نوَّابه مراجعنا الكرام و المجتهدين العظام (رحم الله الماظين و أيّد و سدّد الباقين) لاسيما مولانا المجاهد المقدَّس خادم الشريعة الغراء آية الله المعظّم الميرزا عبدر السول الحائري الإحقاقي قدّس سرّه و نجله الحكيم الإلهي آية الله الميرزا عبد الله الإحقاقي (دام ظله) طالبين من الله تعالي أن يجعلنا من أنصاره وأعوانه ومن المجاهدين تحت لوائه، والطالبين بثأر جده الإمام الحسين عليه السّلام بحق محمد و آله الطيبين الطاهرين المعصومين عليهم السّلام.

إدارة و اعضاء مؤسسة فكر الاوحد قدّس سرّه

ص: 6

كلمة المؤسسة

بسم اللّه الرحمن الرحيم

الحمد للّه رب العالمين، والصلاة و السلام علي ساداتنا محمد وآله الطاهرين.

لاشك أن سلامة الأحكام و المعتقدات من الزيغ والانحراف مرهونة بوجودها في المصادر التشريعية، لا سيما ما يخص منها أخبار الغيب وما سيحدث مستقبلا.

وموضوع الرجعة الذي نحن بصدده واحد من تلك الأمور الغيبية و التي تبيء عما سيحدث في المستقبل، ولقد أشبعها علماؤنا الأبرار استدلالاتٍ علي رجحان الاعتقاد بها وصحته بأحاديث صحيحة ومتواترة عن النبي وأهل بيته صلّي الله عليه و آله موجودة - نعني الأحاديث - في كتبنا الحديثية المعتبرة، أضف إلي ذلك إجماع طائفتنا علي ثبوتها.

كما استدلوا علي إمكان وقوعها بالآيات القرآنية التي تشير بوضوح إي عودة أقوامٍ من الأمم التي سبقتنا إلي الحياة الدنيا مع أنهم خرجوا منها.

إذن.. اعتقادنا برجوع بعض الناس إلي الدنيا بعد أن ماتوا ليس اعتباطياً، بل كان مستنداً علي الآثار الصحيحة و المتواترة التي زخرت بها كتبنا، وأخذت حيزاً واسعاً من روايات نبينا وأهل بيته صلّي الله عليه و آله الذين نعتقد عصمتهم من الكذب.

و قد تحدث القرآن عن الحشر الأصغر - إن جاز لنا التعبير - قبل يوم القيامة، و هو رجوع بعض الأموات إلي الحياة في قوله تعالي: وَ يَوْمَ نَحْشُرُ مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ فَوْجاً مِمَّنْ يُكَذِّبُ بِآياتِنا فَهُمْ يُوزَعُونَ (1) ، متلما تحدث عن الحشر الأكبر بعد النفخ في الصور في نفس السورة بقوله: وَ يَوْمَ يُنْفَخُ فِي الصُّورِ فَفَزِعَ مَنْ فِي السَّماواتِ وَ مَنْ فِي الْأَرْضِ إلي قوله: وَ كُلٌّ أَتَوْهُ داخِرِينَ (2).

ص: 7

و قد تحدث القرآن عن الحشر الأصغر - إن جاز لنا التعبير - قبل يوم القيامة، و هو رجوع بعض الأموات إلي الحياة في قوله تعالي: وَ يَوْمَ نَحْشُرُ مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ فَوْجاً مِمَّنْ يُكَذِّبُ بِآياتِنا فَهُمْ يُوزَعُونَ (1) ، متلما تحدث عن الحشر الأكبر بعد النفخ في الصور في نفس السورة بقوله: وَ يَوْمَ يُنْفَخُ فِي الصُّورِ فَفَزِعَ مَنْ فِي السَّماواتِ وَ مَنْ فِي الْأَرْضِ إلي قوله: وَ كُلٌّ أَتَوْهُ داخِرِينَ (2).

وعمد ملاحظة الآيتين معاً يتضح أن يوم الحشر الأصغر هو غير يوم النفخ في الصور الذي يحشر فيه كافة الخلائق، وبعد علمنا أنه ليس هناك حشر بعد يوم القيامة بضهادة الكتاب و السنة، فلا مناص عن القول بوقوع الحشر الآصغر قبل يوم القيامة.

هذا.. و قد دل القرآن الكريم علي رجعة بعض الناس إلي الحياة بعد أن ماتوا في آياتِ عديدة لا يمكن تأويلها، منها قوله تعالي: أَ لَمْ تَرَ إِلَي الَّذِينَ خَرَجُوا مِنْ دِيارِهِمْ وَ هُمْ أُلُوفٌ حَذَرَ الْمَوْتِ فَقالَ لَهُمُ اللّهُ مُوتُوا ثُمَّ أَحْياهُمْ (3) وَهذا يدل دلالة واضحة علي إمكاَن حصول الرجعة في أمتنا لقول النبي صلّي الله عليه و آله: (لتركبن سنن من كان قبلكم حذو النعل بالنعل و القذة بالقذة حتي لو دخلوا جحر ضب لدخلتموه)(4).2.

ص: 8


1- سورة النمل، الآية: 83.
2- سورة النمل، الآية: 87.
3- سورة البقرة، الآية: 243.
4- بحار الأنوار، ج 51، ص 128، باب 2.

* نماذج ممن رجع إلي الدنيا من الأمم السابقة:

1) سبعون رجلاً من قوم موسي عليه السّلام: روي محمد بن كعب القرظي، ذيل قوله تعالي: وَ اخْتارَ مُوسي قَوْمَهُ سَبْعِينَ رَجُلاً (1) أنّ موسي اختار من قومه سبعين رجلاً صالحاً وخرج بهم، فسألوه إلي أين تأخذنا؟.

فقال لهم: (أذهب بكم إلي ربي، فقد وعدني أن ينَزِّل عليَّ التوراة.

قالوا. فلا نؤمن بها حتي ننظر إليه!.

فظل موسي لوحذه ليس معه أحد منهم فقال: رَبِّ لَوْ شِئْتَ أَهْلَكْتَهُمْ مِنْ قَبْلُ وَ إِيّايَ أَ تُهْلِكُنا بِما فَعَلَ السُّفَهاءُ مِنّا (2) ، ماذا أقول لبني إسرائيل إذا رجعت إليهم و ليس معي رجل ممن خرج معي، ثم قرأ: ثُمَّ بَعَثْناكُمْ مِنْ بَعْدِ مَوْتِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ (3). قالوا: هدنا إليك(4).

قال: فبهذا تعلّقت اليهود، فتهودت بهذه الكلمة)(5).

قال الصدوق: (فأحياهم الله لَه، فرجعوا إلي الدنيا فأكلوا وشربوا و نكحوا النساء وولد لهم الأولاد ثم ماتوا بآجالهم)(6).

و في الدر المنثور: فأحياهم الله فرجعوا إلي قومهم أنبياء)(7).9.

ص: 9


1- سورة الأعراف، الآية: 155.
2- سورة البقرة، الآية: 56.
3- سورة البقرة، الآية: 56.
4- أي رجعنا وعدنا تائبين.
5- تاريخ مدينة دمشق، ج 61، ص 154، (بتصرف).
6- بحار الأنوار، ج 53، ص 127.
7- الدر المنثور، ج 3 ص 128-129.

2) إحياء الألوف بعد مونهم: روي ابن أبي الدنيا ذيل قوله تعالي: أَ لَمْ تَرَ إِلَي الَّذِينَ خَرَجُوا مِنْ دِيارِهِمْ وَ هُمْ أُلُوفٌ حَذَرَ الْمَوْتِ (1) ؛ (أن هؤلاء كانوا سبعين ألف بيت، وكان الطاعون يفزوهم كل سنة، فيخرج الأغنياء لِقُوَّتهم، ويبقي الفقراء لضعفهم، فيقلّ الطاعون في الذين يخرجون، ويكثر في الذين يقيمون، فيقول الذين أقاموا: لو خرجنا لما أصابنا الطاعون.

ويقول الذين خرجوا: لو أقمنا لأصابنا كما أصابهم.

فأجمعوا علي أن يخرجوا جميعاً من ديارهم إذا كان وقت الطاعون، فخرحوا بأجمعهم، فنَزلوا علي شط بحر، فلما وضعوا رحالهم ناداهم اللّه:

موتوا، فماتوا جميعاً، فكنستهم المارة عن الطريق، فبقوا ما شاء الله.

ثم مر بهم نبي من أنبياء بني إسرائيل يُقال لَه: (ارميا)، فقال: لو شئت يا رب لأحييتهم، فيعمروا بلادك، ويلدوا عبادك، و يعبدوك مع من يعبدك.

فأوحي الله تعالي إليه: أفتحب أن أحييهم لك؟. قال: نعم.

فأحياهم الله، وبعثهم معه، فهؤلاء ماتوا ورجعوا إلي الدنيا، ثم ماتوا بآجالهم)(2).

فلا مفر من التصديق والالتزام بها؛ إذ عمومية القدرة الإلهية تقتضي عدم الفرق بين إحياء هؤلاء وغيرهم سابقاً و لا حقاً.

3) أحياه الله بعد مائة عام: روي ابن أبي الدنيا.. عن الحسن في هذه الآية : أَوْ كَالَّذِي مَرَّ عَلي قَرْيَةٍ وَ هِيَ خاوِيَةٌ عَلي عُرُوشِها قالَ أَنّي يُحْيِي).

ص: 10


1- سورة البقرة، الآية: 243.
2- فروع الكافي، ج 8، ص 198، (بتصرف).

هذِهِ اللّهُ بَعْدَ مَوْتِها فَأَماتَهُ اللّهُ مِائَةَ عامٍ ثُمَّ بَعَثَهُ (1) . قال: ذكر لي أنه [أي: عزير] أماته ضحوة ثم بعثه حين سقطت الشمس من قبل أن تغرب قالَ كَمْ لَبِثْتَ قالَ لَبِثْتُ يَوْماً أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ قالَ بَلْ لَبِثْتَ مِائَةَ عامٍ فَانْظُرْ إِلي طَعامِكَ وَ شَرابِكَ لَمْ يَتَسَنَّهْ وَ انْظُرْ إِلي حِمارِكَ وَ لِنَجْعَلَكَ آيَةً لِلنّاسِ (2). قال: إن حماره لبجنبه وطعامه وشرابه، قد منع [منه] الطير السباع من طعامه وشرابه... إلخ.

السباع من و عن ابن عباس: (أنه كان يجلس مع بني بنيه وهم شيوخ و هو شاب؛ لأنه مات و هو ابن أربعين سنة، فبعثه الله شاباً كهيئته يوم مات)(3).

4) رجعة سام بن نوح إلي الدنيا: عن معاوية بن قرة، قال: (سألَ بنو إسرائيل عيسي بنَ مريمَ عليه السّلام قالوا: يا روح الله وكلمته! إن سام بن نوح دُفن هاهنا قريباً، فادع الله أن يبعثه لنا؟.

قال:.. فهتف ني الله فخرج أسمط(4)... إلخ.

قال الله عزّوجلّ لعيسي بن مريم عليه السّلام: وَ إِذْ تُخْرِجُ الْمَوْتي بِإِذْنِي (5)

فجميع الموتي الذين أحياهم عيسي عليه السّلام بإذن الله رجعوا إلي الدنَيا و بقوا فيها ثم ماتوا بآجالهم)(6).7.

ص: 11


1- سورة البقرة، الآية: 259.
2- سورة البقرة، الآية: 259.
3- من عاش بعد الموت، ص 78، الرقم 52، غيبة الطوسي، ص 260، (بتصرف يسيرٍ).
4- بياض شعر الرأس يخالط سواده، [مجمع البحرين، ج 4، ص 259].
5- سورة المائدة، الآية: 110.
6- مخار الأنوار، ج 53، ص 127.

هذه النماذج وأمثالها تثبت صحة القول بالرجعة الي طالما شنَّع المخالفون علي المعتقدين بها حتي عدّوها اسطورة وقولاً بالتناسخ، و أنّ معتقدها خارج عن الإسلام و الدين، و أنّها من مفتريات عبد اللّه بن سبأ، وما إلي ذلك من الافتراء علي مدرسة الاسلام الأصيل.

إنّنا لا نعطي الحق لمن لا يؤمن برجعة بعض الأموات إلي الحياة الدنيا بعد الموت لعدم ثبوتها عنده، بل عليه أن يبحث و يسأل أهل الذكر، و ليس من حقّه أن يشنّع علي من يقول بذلك لتواتر الأحاديث وثبوت النصوص عنده، إذ لا حجة للجاهل علي العالم.

ويحق لنا في هذا المقام أن نسأل المنكرين لأنباء الغيب وما يقع في المستقبل، ما الدليل علي زعمكم أنّه لا يوجد ثمة عودة إلي الحياة بعد الموت؟ وما الحجة التي تعزّز ما تذهبون إليه؟، هل تخلّل أحد منكم في آفاق المستقبل، وسبر أغوارها، و وقف علي حقيقة الأمر ثم عاد وأخبر أنّه لم يجد شيئاً ممّا أخبر به القرآن الكريم و العترة النبوية الطاهرة عليه السّلام؟.

نحن و هذا الكتاب:

في هذا الكتاب يسلط المؤلف الضوء علي تعريف الرجعة وفقاً لما ورد عن أئمة أهل البيت عليه السّلام، ويسوق الأدلة التي احتجوا بها لإثبات صحة الاعتقاد بها من الآيات القرآنية و الأحاديث الشريفة و الإجماع وغيرها من القرائن المختلفة، ويبين أيضاً الهدف منها وحكم منكريها، وجملة مما يحدث قبل وبعد قيام الإمام المهدي عليه السّلام و رجعة محمد و آله صلّي الله عليه و آله و دولتهم الشريفة، ويردُّ الإشكالات المطروحة حول هذا الموضوع.

ويتميز هذا الكتاب عن غيره من الكتب التي ألفت في نفس الموضوع بتحليلاته القائمة علي الدليل ووقوفه عند كل نقطة تستحق الوقوف و إعطائها حقها من البحث و المناقشة.

ص: 12

ولا ندَّعي أنّنا أول من أخرج هذا الكتاب من مخطوطته القديمة لقرَّائنا الأعزة، فقد طُبع سابقاً ولعله أكثر من مرةٍ؛ بيد أن طَبَعَاتَهُ تلك كانت تفتقر إلي العديد من مقومات العمل المحقّق، الذي يفيد الباحث و القارئ غيرهما من المهتمين.

وفي طبعتنا هذه سيلمس القارئ مقدار الجهود التي بُذلت لاستخراجه؛ من حيث الدقة في الإعداد و التحقيق، وانتقاء الصادر الحديثية من مجمل كتب الفرق الإسلامية، بل لم نغفل أيضاً عن توضيح بعض المصطلحات، أو إدرا بعض الإفادات التي تهم القارئ العزيز.

هذا العمل الذي وُفق لإعداده وتحقيقه ومراجعته جملة من الإخوة الأعزاء في مؤسسة فكر الأوحد قدّس سرّه، ليس إلا خطوة مباركة في طريق توعية شباب هذا الجيل وتهيئتهم ليكونوا أفراداً وأعواناً في جيش مولانا صاحب الأمر (عجل اللّه تعالي فرجه الشريف)، ولا يسعنا إلا أن نقدِّم لكل من ساهم في إبراز هذا العمل الشكر الجزيل.

اللهم عجل فرج ولي زماننا عليه السّلام، واجعلنا من أنصاره وأعوانه.

لجنة التحقيق في مؤسسة فكر الأوحد قدّس سرّه 1424/6/28 ه

ص: 13

ص: 14

إطالة علي حياة المؤلف شيخ المتالهين الاوحد الشيخ احمد بن زين الدين الاحسائي قدّس سرّه (1166 ه - 1241 ه)

اشارة

ص: 15

ص: 16

الشيخ احمد بن زين الدين الاحسائي قدّس سرّه

اسمه و نسبه الشريف

هو الشيخ أحمد بن زين الدين، بن الشيخ إبراهيم، بن صقر، بن إبراهيم، بن داعر، بن رمضان، بن راشد، بن دهيم، بن شمروخ، آل صقر، القرشي الأحسائي المطيرفي(1).

من مشاهير العلماء، وكبار الحكماء.

مولده و نشأته

وُلِدَ قدّس سرّه في «المطَيْرَفي» من قري الأحساء، في شهر رجب عام:

«1166 ه»، وبها نشأ وترعرع؛ تحت رعاية و الده الشيخ زين الدين، وبانت عليه علامات النبوغ منذ نعومة أظفاره، فكان يذكر ما جري في بلاده من الحوادث وبدأ بدراسة النحو قبل أن يبلغ الحلم(2).

مشائخه في الرواية

يروي قدّس سرّه عن جماعة من فحول العلماء، منهم:

1 - السيد محمد مهدي الطباطبائي بحر العلوم 2 - الشيخ جعفر كاشف الغطاء النجفي.

3 - السيد علي الطباطبائي صاحب «الرياض».

4 - السيد ميرزا مهدي الشهرستاني.

ص: 17


1- سيرة الشيخ أحمد الأحسائي، ص 9.
2- سيرة الشيخ أحمد الأحسائي، ص 9-13.

5 - الشيح حسين ال عصفور البحراني، المتوفي عام: «1216 ه».

6 - الشيخ أحمد بن الشيخ حسن الدمستاني البحراني.

وهؤلاء المشائخ الستة، طُبعت إجازاتهم - للمترجم له - ضمن كتاب «ترجمة الشيح أحمد الأحسائي»، ثم طُبعت هذه الإجازات مستقلة في النجف عام: «1390 ه»، بتعليق الدكتور حسين علي محفوظ.

ودكر الطهراني في «الذّريعة»، أن مجموع الإجازات الصادرة للمترجم من مشائخه قد جُمِعت في مجلد يقرب من عشرة آلاف بيت، كان عند صاحب كتاب «النعل الحاضرة»(1).

و من ذلك يظهر؛ أن للشيخ الأحسائي مشائخ كثيرين غير من ذكرناهم.

تلامذته

1 - السيد عبد اللّه بن السيد محمد رضا شبّر الحسيني الشهير، المتوفي عام:

«1242 ه».

2 - الشيخ هادي بن المهدي السبزواري؛ صاحب «المنظومة» - في الحكمة - المتوفي عام: «1289 ه».

3 - السيد محسن بن السيد حسن الأعرجي الحسيني الكاظمي، المتوفي عام : «1227 ه».

4 - السيد كاظم بن السيد قاسم الحسيني الرشتي، المتوف عام:

«1259 ه».

د - الميرزا حسن بن علي الشهيرب «كَوهر»»، المتوفي عام: «1266 ه».

6 - المولي محمد بن الحسين المعروف ب «حجة الإسلام» المامقاني التبريزي، والد صاحب «صحيفة الأبرار».

ص: 18


1- الذريعة إلي تصانيف الشيعة، ج 20، ص 58.

مؤلفاته

لقد خلّف المترجم له عدداً كبيراً من الكتب و الرَّسائل، في نحتلف العلوم والمعارف، و قد أفرد أكثر من مؤلِّف فهرساً خاصاً بأسماء تلك المؤلفات، إليك ذكر بعضها:

التحقيق في مدرسة الأوحد؛ لآية اللّه المولي الميرزا عبد الرسول الحائري الإحقاقي قدّس سرّه، ذدر فيه ما يقرب من (173) مصنف، مع شرح مبسط لمحتوياتها وذكر مصادرها(1).

فهرست تصانيف الشيخ أحمد الإحسائي؛ لرياض طاهر، و هو خاص بفهرسة مؤلفاته المطبوعة؛ التي بلغت «104 مؤلفاً».

وفيه: (إن مجموع ما صدر عن المترجم من رسائل وكتب وخطب وفوائد وقصائد «154»، ومجموع جوابات المسائل «555 مسألة»، من مخطوطة ومطبوعة علي الأقل)(2).

فهرست كتب شيخ أحمد أحسائي وسائر مشائخ عظم؛ للشيخ أبو القاسم الكرماني، كتاب فارسي ضخم، طبع في «كرمان» بإيران، وجاء فيه:

(إن مجموع آثار الشيخ أحمد تبلغ «15 رسالة»، في و «5 خطب»، و «35 فائدة»، و «مراسلة واحدة»، تقع في 31 مجلداً، فُقِد منها «11 مجلداً»)(3).

ومن أشهر تلك المؤلفات:

1 - شرح الزِّيارة الجامعة الكبيرة؛ في أربع مجلدات، (طبع في حمسة مجلدات).

2 - شرح الفوائد؛ في حكمة آل البيت عليهم السّلام (طُبع في ثلاث مجلدات).

ص: 19


1- التحقيق في مدرسة الأوحد، ج 1، ص 229.
2- فهرست تصانيف كتب الشيخ أحمد الأحسائي، ص 3.
3- فهرست تصانيف كتب الشيخ أحمد الأحسائي، ص 735.

3 - شرح علي العرشية و المشاعر؛ للملا صدر الدين الشيرازي.

4 - العصمة الرجعة؛ في إثبات عصمة الأنبياء، وإثبات الرجعة.

5 - جوامع الكلم؛ الجامع لغالب رسائله.

ثناء العلماء عليه

قال السيد علي الطباطبائي صاحب «الرياض»: (إنَّ من أغلاط الزَّمان، وحسنات الدَّهر الخوّان؛ اجتماعي بالأخ الروحاني، و الخل الصمداني، العالم العامل، والفاضل الكامل، ذي الفهم الصائب، والذهن الثاقب، الراقي أعلي درجات الورع و التَّقوي و العلم و اليقين؛ مولانا الشيخ أحمد بن الشيخ زين الدين الأحسائي - دام ظله العالي - فسألني، بل أمرني أن أجيز له...)(1).

قال الشيخ حسين آل عصفور البحراني: (التمس مني من لَه القَدم الرَّاسخ في علوم آل بيت محمد الأعلام، و من كان حريصاً علي التعلق بأديال آثارهم، عليهم الصِّلاة و السَّلام). - إلي أن قال -: (و هو العالم الأمجد، ذو المقام الأنجد؛ الشيخ أحمد بن زين الدين الأحسائي - ذلّل اللّه له شوامس المعاني، وشيَّد به قصور تلك المباني - و هو في الحقيقة؛ حَقِيْقٌ بأن يُجِيز لا يجاز، لعراقته في العلوم الإلهية علي الحقيقة لا المجاز، ولسلوكه طريق أهل السلوك وأوضح المجاز...)(2).

قال الخوانساري في «روضات الجنات»: (ترجمان الحكماء المتأهلين، ولسان العرفاء و المتكلمين، غرة الدهر، وفيلسوف العصر، العالم بأسرار المباني زالمعانِ؛ شيخنا أحمد بن الشيخ زين الدين بن الشيخ إبراهيم الأحسائي البحراني، لم يُعهد في هذه الأواخر مثله؛ في المعرفة و الفهم، والمكرمة و الحزم،

ص: 20


1- إجازات الشيخ أحمد الأحسائي، ص 23-37-38.
2- إجازات الشيخ أحمد الأحسائي، ص 19-43-44.

وجودة السَّليقة، وحسن الطريقة، وصفاء الحقيقة، و كثرة المعنوية، والعلم بالعربية، والأخلاق السَّنية، والشِّيم المرضيّة، والحِكم العلميَّة و العمليَّة، وحسن التعبير و الفصاحة، ولطف التقرير و الملاحة، وخلوص المحبة و الوداد، لأهل بيت الرسول الأمجاد، بحيث يُرمي عند بعض أهل الظاهر من علمائنا بالإفراط والغلو، مع أنه - لا شك - من أهل الجلالة و العلوّ، و قد رأيت صورة إجازة سيدنا، صاحب الدُّرة - أجزل اللّه تعالي برّه - لأجله، مُفصحةً عن غاية جلالته وفضله ونبله)(1).

وفاته و مدفنه

كان عمره «75 عاماً» و هو في سفره الأخير إلي بيت اللّه الحرام، وكان بصحبته ولداه الشيخ علي و الشيخ عبد اللّه وبقية عائلته، وبصحبته أيضاً بعض تلامذته وأصحابه وغيرهم و في الطريق أُصيب الشيخ الأحسائي. بمرض، فتوفي قدّس سرّه في مكان يقال له «هَدْيَة» قُرْبَ المدينة المنورة، وكان ذلك ليلة الجمعة، أو يوم الأحد «22 - ذو القعدة - 1241 ه»، ومادة تاريخه «مختار».

و نقل حتمانه إلي «المدينة المنورة»، فجهَّزه نجله الشيخ علي نقي، و صلّي عليه، ثم دفن في بقيع الغرقد، مجاوراً للزهراء، وأبنائها الأئمة: الحسن، وعلي زين العابدين، ومحمد الباقر، وجعفر الصادق عليه السّلام، خلف قبورهم عليهم السّلام، في الطرف المقابل لبيت الأحزان.

وكان قبره هناك معروفاً مشهوراً، يزوره الكثير من العلماء و المؤمنين؛ إلي أن هُدِّمت قبور الأئمة وغيرها في بقيع الفرقد، سنة «1345 ه».

و ممن زار قبره قبل هذا التاريخ، العلامة الشهير، الشيخ عباس القمي، صاحب كتاب «مفاتيح الجنان»، وقال أنه رأي علي قبره الشريف لوحاً

ص: 21


1- روضات الجنات، ج 1، ص 88-89.

مكتوباً عليه:

لَزَيْنُ الدِّيْنِ أَحْمَد نور عِلْمٍ تُضيء بِهِ القُلُوب المُدْلَهِمَّة

يُرِيْدُ الجَاحِدُوْنَ لِيُطْفِئوهُ وَيَأبَي الله إِلّا أَنْ يُتِمّه(1)7.

ص: 22


1- الفوائد الرّضوية، ص 37.

تمهيد

بسم اللّه الرحمن الرحيم

الحمد للّه جزيل النعم و الآلاء، وجميل الأفضال و العطاء، و حسن البلاء، وجليل العظمة و الكبرياء، وصلي اللّه علي محمد وآله النبلاء، الدين خصهم بالعصمة و الولاء، وجمَّلهم بأكمل الثناء، وجعلهم ملوك الدنيا و الآخرذ والأولي، صلي اللّه عليه و عليهم ما دامت الأرض و السماء.

أما بعد؛ فيقول العبد المسكين أحمد بن زين الدين الأحسائي، أنَّ حامي حوزة السلمين وناصر الدين، ومعز المؤمنين العضد اليمني للسلطنة، و الركن الأقوي للدولة السنية، حليف السعادة، و جليل الإفادة، ورافد الوفادة، كعبة الكرم، وحرم الشيم، و المولي المحترم، الشاه بن الشاه بن الشاه محمد علي ميرزا الشاه زاده - أدام اللّه تأيده وإمداده، و أشاد نصره وأوفاده، وأيده بالنصر هو وأجناده، و حفظه هو وأولاده، وسدّده وسدّد لَه نظام دولته، علي ما أحبه وأراده، وأصلح لَه. بما نفر به عينه ميعاده، وختم له أحواله وأعماله بالسعادذ، إنه سميع الدعاء، لطيف لما يشاء، و هو علي كل شيء قدير، وبالإجابة لمن دعاه جدير، رحم اللّه من قال آمين، فإنّ في ذلك صلاح الدنيا و الدين - قد أمر محبه وداعيه أن يكتب شيئاً في بيان العصمة وثبوتها لأهلها عليه السّلام، ونفي ما ينافي ذلك وما يرد عليه.

ص: 23

وفي ذكر رجعة محمد وأهل بيته الطاهرين، وخواص شيعتهم ومواليهم وأعدائهم، وذكر علاماتها وأحوالها، وذكر ما ورد فيها(1).

فأجبته إلي ذلك مع قلة البضاعة وكثرة الإضاعة، وتشتت الخاطر بدواعي الأعراض، وموانع الأمراض بناء علي الإتيان. بما يحضر من هذه الأمور، لأنه من جهة كثرة الموانع هو المقدور، إذ لا يسقط الميسور بالمعسور، وإلي اللّه ترجع الأمور.

ورتبت بيان كل واحدة من المسألتين علي مقدمة وفصول وخاتمة تقريباً للوصوك إلي المحصول.ك.

ص: 24


1- هذه الرسالة تتكون س مسألتين رئيسيتين: المسألة الأولي: في عصمة الأنبياء و الأئمة عليه السّلام، وهي قد أفردت لوحدها. و المسألة الثانية: في الرجعة وما يتعلق بها، وهي التي بين يديك.

مقدمة

اشارة

اعلم أن الرجعة سر من أسرار اللّه، والقول بها ثمرة الإيمان بالغيب، والمراد بها: رجوع الأئمة عليهم السّلام وشيعتهم وأعدائهم، ممن محض من الفريقين الايمان أو الكفر محضاً، ولم يكن ممن أهلكه اللّه في الدنيا بالعذاب، فإنّ من أهلكه اللّه في الدنيا بالعذاب لا يرجع إلي الدنيا، قال اللّه تعالي: وَ حَرامٌ عَلي قَرْيَةٍ أَهْلَكْناها أَنَّهُمْ لا يَرْجِعُونَ (1) ، روي القمي عنهما عليه السّلام قالا: (كل قرية أهلك الله أهلها بالعذاب لا يرجعون في الرجعة)(2).

وروي الطبرسي في مجمع البيان عن الباقر عليه السّلام قال: (كل قرية أهلكها الله بالعذاب فإنهم لا يرجعون)(3) ، إلّا إذا كان لهم قصاص، كما لو قُتِلُوا ظلماً، و لم يكونوا ما حضين للإيمان أو الكفر، فإنهم يرجعون مع قاتليهم، فيقتلون قاتليهم، ويعيشون بعد أن يقتصوا منهم ثلاثين شهراً، ثم يموتون في ليلة واحدة، و هو الحشر الأول الذي أشار إليه سبحانه بقوله: وَ يَوْمَ نَحْشُرُ مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ فَوْجاً مِمَّنْ يُكَذِّبُ بِآياتِنا فَهُمْ يُوزَعُونَ (4). و هو قول الصادق عليه السّلام

ص: 25


1- سورة الأنبياء، الآية: 95.
2- تفسير القمي، ج 2، ص 50، سورة الأنبياء، آية: 95. بحار الأنوار، ج 53، ص 60، ح 49، باب: 29. تفسير البرهان، ج 5، ص 248، ح 1، سورة الأنبياء، آية: 95.
3- تفسير مجمع البيان، ج 7، ص 100، سورة الأنبياء، الآية: 95. تفسير القمي، ج 2، ص 50، سورة الأنبياء، آية: 95. بحار الأنوار، ج 53، ص 60، ح 49. تفسير البرهان، ح 5، ص 248، ح 1، سورة الأنبياء، آية: 95.
4- سورة النمل، الآية: 83.

والدليل علي أن هذا في الرجعة قوله تعالي: وَ يَوْمَ نَحْشُرُ مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ فَوْجاً... قال: (الآيات أمير المؤمنين و الأئمة «عليه وعليهم السلام».

فقال الرجل: إنّ العامة تزعم أن قوله تعالي: وَ يَوْمَ نَحْشُرُ مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ فَوْجاً يعني في يوم القيامة؟.

فقال عليه السّلام: (أفيحشر الله عزّوجلّ يوم القيامة من كل أمة فوجاً، ويدع الباقين؟! لا، ولكنه في الرجعة، و أما آية القيامة فهي: وَ حَشَرْناهُمْ فَلَمْ نُغادِرْ مِنْهُمْ أَحَداً (1)(2).

وعنه عليه السّلام: (ليس أحد من المؤمنين قتل إلّا ويرجع حتي يموت، ولا يرجع إلّا من محض الإيمان محضاً، ومن محض الكفر محضاً)(3).

وفِي الكافي عنه عليه السّلام في قوله تعالي: بَعَثْنا عَلَيْكُمْ عِباداً لَنا أُولِي بَأْسٍ شَدِيدٍ (4): (إنهم قوم يبعثهم الله قبل خروج القائم عليه السّلام، فلا يدعون وتراً لآل محمد صلّي الله عليه و آله إلّا قتلوه...)(5).5.

ص: 26


1- سورة الكهف، الآية: 47.
2- تفسير القمي، ج 2، ص 106، سورة النمل، آية: 83. تأويل الآيات الظاهرة، ص 409، ح 14، سورة النمل، آية: 83. بحار الأنوار، ج 53، ص 52، ح 30، باب: 29. تفسير البرهان، ج 6، ص 36، ح 3، سورة النمل، آية: 83.
3- تفسير القمي، ج 2، ص 131، سورة النمل، آية: 83. بحار الأنوار، ج 53، ص 52، باب: 29. تفسير البرهان، ج 6، ص 37، ح 5، سورة النمل، آية: 83.
4- سورة الإسراء، الاية: 5.
5- فروع الكافي، ج 8، ص 206، حديث قوم صالح. تفسير العيَّاشي، ج 2، ص 304، ح 20، سورة الاسراء، آية: 5. كامل الزيارات، ص 62، باب 18. تأويل الآيات الظاهرة، ص 278، سورة الإسراء، آية: 5. بحار الأنوار، ج 51، ص 56، ح 46، باب: 5.

وبقوله تعالي: يَوْمَ تَأْتِي السَّماءُ بِدُخانٍ مُبِينٍ * يَغْشَي النّاسَ هذا عَذابٌ أَلِيمٌ (1) في حديث أشراط الساعة عنه صلّي الله عليه و آله: (أول الآيات الدخان، ونزول عيسي، ونار تخرج من قعر عدن، تسوق الناس إلي المحشر.

قيل: وما الدخان؟.

فتلا رسول الله صلّي الله عليه و آله هذه الآية، وقال: يملأ ما بين المشرق و المغرب، ويمكث أربعين يوماً وليلة، أما المؤمن فيصيبه كهيئة الزكام، و أما الكافر فهو كالسكران، يخرج من منخريه وأذنيه ودبره).

وفي تفسير علي بن إبراهيم قال: (ذلك إذا خرجوا في الرجعة من القبر - إلي أن قال - ثم قال: إِنّا كاشِفُوا الْعَذابِ قَلِيلاً إِنَّكُمْ عائِدُونَ (2)

يعني إلي القيامة.

ولو كان قوله: يَوْمَ تَأْتِي السَّماءُ بِدُخانٍ مُبِينٍ (3) في القيامة لم يقل : «إنكم عائدون» لأنه ليس بعد الآخرة و القيامة حالة يعودون إليها.

ثم قال: يَوْمَ نَبْطِشُ الْبَطْشَةَ الْكُبْري يعني في القيامة: إِنّا مُنْتَقِمُونَ (4)(5).

أقول: قوله: «من قعر عدن» بسكون الباء الموحدة، وفتح المثناة التحتانية، اسم رجلي؛ و هو الثاني من الأعرابيين، و «عدن»: اسم موضع؛ يعني : أن النار التي تسوق الناس من مسببات مضمرات فتن باطن ذلك الأعرابي.0.

ص: 27


1- سورة الدخان، الآيتان: 10-11.
2- سورة الدخان، الآية: 15.
3- سورة الدخان، الآية: 10.
4- سورة الدخان، الآية: 10.
5- تفسير القمي، ج 2، ص 265، سورة الدخان، آية: 10. بحار الأنوار، ج 53، ص 57، ح 39، باب: 29. تفسير البرهان، ج 7، ص 164، ح 3، سورة الدخان، آية: 10.

وبالجملة: فالرجعة قول للأكثرين من الإمامية، للأخبار المتكثرة المتواترة معني، و الآيات الكثيرة.

و قد أنكرها بعض الإمامية، و لم يُثْبِت إلّا خروج القائم عليه السّلام؛ لأنه من المجمع عليه بين المسلمين، و إن اختلفوا في القائم علي ثلاثة أقوال:

فمنهم من قال: هو عيسي بن مريم عليه السّلام.

ومنهم من قال: هو المهدي من بني العباس، كما رجحه ابن حجر في الصواعق(1).

ومنهم من قال: هو محمد بن الحسن العسكري، و هو قول جميع الشيعة، وقليل من الجمهور.

وممن نفي وجودها: هو الشيخ المفيد. وحمل ما دل عليها علي خصوص قيام القائم عليه السّلام، وطرح أكثر الروايات بالتضعيف.

ومما يشير إلي ذلك قوله في آخر كتابه الإرشاد: (وليس بعد دولة القائم عليه السّلام إلّا ما جاءت به الرواية، ولم ترد به علي القطع و الثبات، وأكثر الروايات أنه لم يمض مهدي هذه الأمة عليه السّلام إلّا قبل القيامة بأربعين يوماً، يكون فيها الفرج، وعلامة خروج الأموات، وقيام الساعة للحساب و الجزاء، والله أعلم بما يكون)(2).

و أما الجمهور فإنهم ينكرون الرجعة أشد الإنكار، ويشنعون علي الشيعة وينسبونهم في القول بذلك إلي الابتداع.3.

ص: 28


1- الصواعق المحرقة في الرد علي أهل الفتن و الزندقة، ص 166.
2- الارشاد، ص 366. إعلام الوري، ص 466، فصل: 4. كشف الغمة، ج 2، ص 467، باب: 1 ذكر علامات قيام القائم عليه السّلام. تفسير الصراط المستقيم، ج 2، ص 254، فصل: 9. بحار الأنوار، ج 53، ص 145، ح 4، باب: 3.

قال ابن الأثير في النهاية: (والرجعة مذهب قوم من العرب في الجاهلية معروف عندهم، ومذهب طائفة من فرق المسلمين من أولي البدع والأهواء، يقولون: إن الميت يرجع إلي الدنيا، ويكون فيها حياً كما كان، ومن جملتهم طائفة من الرافضة، يقولون: إن علي بن أبي طالب مستتر في السحاب، فلا يخرج مع من خرج من ولده حتي ينادي مناد من السماء، اخرج مع فلان، و يشهد لهذا المذهب السوء قوله تعالي: حَتّي إِذا جاءَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قالَ رَبِّ ارْجِعُونِ * لَعَلِّي أَعْمَلُ صالِحاً فِيما تَرَكْتُ (1) ، يريد الكفار، نحمد اللّه علي الهداية و الإيمان)(2).

و اعلم أن المخالفين كانوا في الصدر الأول كثيراً ما ينافون علي بن أبي طالب، ليصرفوا وجوه الناس عنه إليهم، فكانوا يسألون عن أحكامه واعتقاداته، فيقولون بخلافها، ويتكلفون الأدلة علي بدعتهم، و يؤولون ما يوافق المذهب الحق، و يوردون الشبهة التي تخفي علي العامة في صورة الحق، دليلاً لهم علي من لا يفهم، وعذراً لهم عمّن يفهم، فنصبوا أئمة الهدي عليه السّلام أدلة الحق الموصلة إلي طريق الرشاد، والنافية لحجج أهل الخلاف و العناد، ما بين مجملات وقواعد، ومفصلات وشواهد، فمن المجملات و القواعد ما أمروا به وجعلوه أصلاً ينفتح به ألف باب، و هو قولهم «صلي اللّه عليهم»: (خذ بما خالف القوم فإن الرشد في خلافهم)(3).

والعلة في ذلك أنّ خلافهم هو قول أمير المؤمنين علي عليه السّلام و اعتقاده.

والرجعة من ذلك لما أخبر بها هو، وأهل بيته أنكروها غاية الإنكار، وأوردوا عليها الشبهة تمويهاً علي الحق بالباطك.9.

ص: 29


1- سورة الؤمنون، الآية: 99.
2- النهاية في غريب الحديث و الأثر، ج 2، ص 202، مادة «رَجَعَ».
3- وسائل الشيعة، ج 27، ح 112، باب: 9.

إشكالات الجمهور علي الرجعة

الإشكال الأول

فمن ذلك قالوا: إن القول بالرجعة ينافي ثبوت التكليف، لأن من يرجع إلي الدنيا فهو راجع إلي دار التكليف، فإن قلتم بتكليفه ثانياً بعد انقطاع التكليف عنه قلنا الأصل براءة ذمته من أصل التكليف، وإنما ثبت قبل الموت بأخبار من شهدت له المعاجز الظاهرة بالتصديق من اللّه تعالي، ولا يثبت بعد ارتفاعه بالاتفاق إلّا. بمثل ذلك، و قد أجمع المسلمون علي أن محمداً صلّي الله عليه و آله خاتم النبيين، فلا بي بعده، و إن قلتم إنه ليس. بمكلف فقد نقضتم قولكم بأنه يرجع لإقامة الدين، والجهاد في سبيل اللّه، حتي يملأ الأرض قسطاً وعدلاً كما ملئت جوراً وظلماً(1).

و إن قلتم الرجوع للجزاء فهو خلاف الإجماع؛ لأن الجزاء إنما هو في يوم القيامة يوم الدين إجماعاً، فلا يصح القول بالرجعة.

الإشكال الثاني

ومن ذلك قولهم: إنه يلزم منه القول بالتناسخ، والقول بالتناسخ كفر، وذلك لأنهم لا يرجعون علي هذه الحالة في الدنيا وأجسادهم قد فنيت في قبورهم، و لم يبق منها إلّا الطينة الأصلية، وهي لطيفة مثل عالم الآخرة، فإذا رجعوا في الدنيا رجعوا في غيرها، و هو قول بالتناسخ، و إن قلتم يرجعون فيها

ص: 30


1- إشارة إلي قول رسول اللّه صلّي الله عليه و آله: (لو لم يبق من الدنيا إّلا يوم واحد لطول الله ذلك اليوم حتي يخرج رجل من ولدي، اممه اسمي، وكنيته كنيتي، فيملأ الأرض قسطاً وعدلاً كما ملئت جوراً وظلماً). غيبة الطوسي، ص 425، فصل: 7. إعلام الوري، ص 427، فصل: 2. بحار الأنوار، ج 38، ص 304، ح 5، باب: 67. ومثله في الصواعق المحرقة في الرد علي أهل البدع و الزندقة، ص 163.

لزم أنهم يكونون علي غير حالهم في الدنيا، فلا يكون بينهم وبين الموجودين في ذلك الزمان مجانسة ولا مؤانسة، ولا يتم ما تدعون إلّا بالمجانسة و المؤانسة، ويلزم منها التناسخ.

الإشكال الثالث

ومن ذلك أنهم قالوا: إنهم ما ماتوا في الدنيا إلّا بعد فناء آجالهم وأرزاقهم، لأنهم قبل فناء آجالهم وأرزاقهم لا يموتون، بل كما قال تعالي:

أُولئِكَ يَنالُهُمْ نَصِيبُهُمْ مِنَ الْكِتابِ (1) ، فيستحيل رجوعهم بغير آجال ولا أرزاق.

الإشكال الرابع

ومن ذلك [أنهم] قالوا: لو رجعوا إلي الدنيا جاز أن يتوب يزيد والشمر، وعبد الرحمن بن ملجم و أضرابهم، فإذا تابوا وجب قبول توبتهم، فيصيروا إلي طاعة الامام، فيجب عليكم أن تتولوهم، فإذا جاز ذلك لم يجز لكم الآن في هذه الدنيا لعنهم و البراءة منهم، لجواز أن يصيروا إلي أهل ولايتكم، فإن قلتم: إنهم قد يئسوا من قبول التوبة فلا يحتمل فيهم.

قلنا: إنّ دواعي معاصيهم قد ارتفعت، ولا سيما مع علمهم. بما سلف من تعذيبهم إلي وقت الرجعة.

ص: 31


1- سورة الأعراف، الآية: 37.

الإشكال الخامس

ومن ذلك أنّ الرجعة لو كانت حقاً لوجب ذكرها في شروط الإسلام، مع أن المذكور في شرائط الإسلام إنما هو الإيمان باللّه، ورسله وكتبه، واليوم الآخر، و هو يوم القيامة.

الإشكال السادس

ومن ذلك قولهم: إن قولكم بالرجعة من غير دليل يعتمد عليه، لأن ما تستدلون به أخبار آحاد ضعيفة في أسانيدها وفي دلالتها.

أما في أسانيدها فظاهر؛ لم يَرْوِهِ أحدٌ من الصحابة المعتمدين، وإلّا لروته العلماء في صحاحهم، و أما في دلالتها فعلي تسليم قبولها من جهة الورود فليست صريحة في الدلالة، بل يحتمل أن المراد برجوع الدولة رجوعها عند قيام القائم الموعود به في آخر الزمان. ونحن نقول به كما ورد في الصحاح قوله صلّي الله عليه و آله: الو لم يبق من الدنيا إلّا يوم واحد لطول الله ذلك اليوم حتي يخرج رجل من ولدي، اسمه اسمي، وكنيته كنيتي، فيملأ الأرض قسطاً وعدلاً كما ملئت ظلماً وجوراً)(1).

الإشكال السابع

ومن ذلك أنه قال صلّي الله عليه و آله: (من مات فقد قامت قيامته)(2) ، فلو رجع إلي الدنيا لم تقم قيامته، وإلّا لما رجع إلي الدنيا.

ص: 32


1- تقدم تخريجه فراجع.
2- إرشاد القلوب، ج 1، ص 12، باب: 18. بحار الأنوار، ج 58، ص 7، باب: 42.

الإشكال الثامن

ومن ذلك أن يوم موت الإنسان أول يوم من الآخرة، وآخر يوم من الدنيا، فلو رجع لكان يوم موته ليس أول يوم من الآخرة، وآخر يوم من الدنيا، بل هو من وسط الدنيا، وأمثال ذلك.

الإشكال التاسع

ومن ذلك أنها تنافي التكليف، لأن التكليف شرطه الاختيار كما يقولونه، و إذا كان القائم عليه السّلام يملؤها قسطاً وعدلاً كان مُلجئاً إلي فعل الطاعات، والامتناع من المعاصي، وذلك ينافي التكليف.

أجوابة الإشكالات الواردة علي الرجعة

جواب الإشكال الأول

والجواب عن الأول: إن العلة الموجبة التكليف في الدنيا موجودة بعينها في الأولي التي هي الرجعة؛ لأن الدنيا و الأولي التي هي الرجعة هي دار المتاع و الاستعداد للمعاد يوم القيامة، وذلك ظاهر لمن عرف علة تركيب الأجسام من العناصر المختلفة المتضادة، والأعراض المتغيرة الموجبة لعدم البقاء، الدالة علي إرادة الاختيار بذلك التغيير، ليهلك من هلك عن بينة و يحيي من حيّ عن بينة(1).

وانقطاع التكليف في دار الدنيا لا يدل علي عدمه بعدها، لجواز أن يكون انقطاعه إلي أجل محدود، ولسبق علم اللّه برجوعه، فهو مكتوب في اللوح المحفوظ، لأنه هو مقتضي كونه في دار التكليف، و هذا الكون فرع

ص: 33


1- مقتبس من قوله تعالي: لِيَهْلِكَ مَنْ هَلَكَ عَنْ بَيِّنَةٍ وَ يَحْيي مَنْ حَيَّ عَنْ بَيِّنَةٍ وَ إِنَّ اللّهَ لَسَمِيعٌ عَلِيمٌ. [سورة الأنفال، الآية: 42].

التركيب من العناصر و الأعراض المتغيرة، والتكليف إنما هو لتعديل نظام أحوال المكلف المختلفة، لاختلاف التركيب و الأعراض الذي هو المتاع لسفر الآخرة التي هي دار الجزاء، وما ذكرنا هو الأصل الأول فيستصحب بقاؤه بشغل ذمته به للعلة المذكورة.

ولو سلمنا توقفه علي إخبار من شهدت لَه المعاجز فهو موجود مستكمل لجميع الشرائط ما خلا النبوة، لما قررنا في المسألة الأولي في ذكر الحافظ، واشتراطنا فيه جميع شرائط التلقي و الأداء و التبليغ، بشهادة الأخبار والإجماع و المعاجز الباهرة التي يأتي عليه السّلام بها؛ كمعاجز النبي صلّي الله عليه و آله.

والرجعة عندنا دار تكليف لا دار جزاء.

فإن قلت: إنكم تروون أن الحسين عليه السّلام في الرجعة هو الذي يحاسب الخلق عن أمر رسول اللّه صلّي الله عليه و آله عن اللّه تعالي، و إن ما في الآخرة فإنما هو بعث إلي الجنة، و بعث إلي النار(1) ، و هذا ينافي نص القرآن و السنة و الإجماع، علي أن الجزاء إنما هو في الآخرة.

قلت: قد ثبت عقلاً ونقلاً ووجداناً أن الجزاء أوقاته نحتلفة باختلاف مراتب أسبابه ومسبباته، فمنه ما يكون في الدنيا، ومنه ما يكون في البرزخ، ومنه ما يكون في الآخرة، وما ينسب في الرواية المشار إليها إلي الحسين «صلوات اللّه عليه» من الحساب و المجازاة فهو فيما يتعلق بالرجعة، سواء جعلتها من الدنيا أم من البرزخ، وما أشرت إليه هو ما يكون وقته يوم القيامة، فيبطل. بما ذكرنا دليل النفي.3.

ص: 34


1- عن أبي عبداللّه عليه السّلام قال: (إنّ الذي يلي حساب الناس قبل يوم القيامة الحسين بن علي عليه السّلام، فأما يوم القيامة فإنما هو بعث إلي الجنة، وبعث إلي النار). مختصر البصائر، ص 117، ح 38، باب: الكرات وحالتها. بحار الأنوار، ج 53، ص 43، ح 13.

جواب الإشكال الثاني

والجواب عن الثاني: في أنه إنما يلزم القول بالتناسخ، لو قلنا بأن الأرواح ترجع في غير أجسادها فأين التناسخ؟، بل هو كما تقولون به يوم القيامة، وقولكم في أنه لم يبق في قبورهم إلّا الطينة الأصلية يوم القيامة هو جوابنا لكم في الرجعة وفي الدنيا؛ لأن الطينة الأصلية تلبس في كل عالم من أعراض مكانه ووقته، فيمزجها في كل عالم ما هو منه، ففي الدنيا. بما فيها من الكثائف، وفي البرزخ. بما فيه من الأمور البرزخية، والآخرة. بما فيها من اللطائف، وعلي ما بينا يرجعون علي حال أهل الرجعة، وتحصل المجانسة والمؤانسة، ولا يلزم منه القول بالتناسخ، وإلّا لزم القول به في الدنيا، إذ لا فرق بينهما.

جواب الإشكال الثالث

والجواب عن الثالث: إنهم ماتوا بعد فناء آجالهم وأرزاقهم المكتوبة لهم في الدنيا، و إذا رجعوا عاشوا بآجالهم وأرزاقهم المكتوبة لهم في الرجعة، كما كان في «عزير» وفي الذين خرجوا من ديارهم وهم ألوف حذر الموت فقال لهم اللّه موتوا ثم أحياهم(1) ، و في «السبعين» الذين سألوا موسي أن يريهم اللّه

ص: 35


1- عن حمران بن أعين، عن أبي جعفر عليه السّلام قال: قلت له حدثني عن قول اللّه: أَ لَمْ تَرَ إِلَي الَّذِينَ خَرَجُوا مِنْ دِيارِهِمْ وَ هُمْ أُلُوفٌ حَذَرَ الْمَوْتِ فَقالَ لَهُمُ اللّهُ مُوتُوا ثُمَّ أَحْياهُمْ. قلت: (أحياهم حتي نظر الناس إليهم، ثم أماتهم من يومهم، أو ردهم إلي الدنيا حتي سكنوا الدور، وأكلوا الطعام، ونكحوا النساء. قال: بل ردهم الله حتي سكنوا الدور، و أكلوا الطعام، ونكحوا النساء، ولبثوا بذلك ما شاء الله، ثم ماتوا بآجالهم). تفسير العياشي، ج 1، ص 150، ح 434، سورة البقرة، آية: 243.

تعالي فأخذتهم الصاعقة(1).

جواب الإشكال الرابع

والجواب عن الرابع: أنهم لا يتوبون عن صدق، و ليس حالهم في الرجعة من جواز التوبة وذهاب أسباب العناد و النفاق ومعاينة العذاب، والندم علي ما فعلوا بأشد منهم يوم القيامة، و قد أخبر اللّه سبحانه بأنهم يكذبون فيما يدعون من التوبة في قوله عزّوجلّ: وَ لَوْ تَري إِذْ وُقِفُوا عَلَي النّارِ فَقالُوا يا لَيْتَنا نُرَدُّ وَ لا نُكَذِّبَ بِآياتِ رَبِّنا وَ نَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ (2). فكذبهم اللّه العليم بأحوال خلقه و. بما هم صائرون إليه، فقال: بَدا لَهُمْ ما كانُوا يُخْفُونَ مِنْ قَبْلُ وَ لَوْ رُدُّوا لَعادُوا لِما نُهُوا عَنْهُ وَ إِنَّهُمْ لَكاذِبُونَ (3).

فإن قُلتَ: إن أهل القيامة إنما لم تقبل توبتهم لأنهم في دار ليس فيها تكليف بخلاف الرجعة، فإنها عندكم أنها دار تكليف فيقبل منهم ما لا يقبل من أهل الآخرة.

ص: 36


1- مقتبس من قوله تعالي: وَ إِذْ قُلْتُمْ يا مُوسي لَنْ نُؤْمِنَ لَكَ حَتّي نَرَي اللّهَ جَهْرَةً فَأَخَذَتْكُمُ الصّاعِقَةُ وَ أَنْتُمْ تَنْظُرُونَ. [سورة البقرة، الاية: 55]
2- سورة الأنعام، الآية: 27.
3- سورة الأنعام، الاية: 28.

قُلتُ: إن اللّه قد حكم في كتابه بتعذيبهم وتخليدهم في النار علي جهة الحتم و البت، فقال تعالي: وَ مَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِناً مُتَعَمِّداً فَجَزاؤُهُ جَهَنَّمُ خالِداً فِيها وَ غَضِبَ اللّهُ عَلَيْهِ وَ لَعَنَهُ وَ أَعَدَّ لَهُ عَذاباً عَظِيماً (1). و هو عزّوجلّ يعلم أنه يمَكن في حقهم إيقاع التوبة، ولكنه حكم بعدم قبولها ممن قتل مؤمناً متعمداً لأجل إيمانه، واللّه سبحانه يحكم لا معقب لحكمه. ومعقول هذا أنّ من يقدم علي الحنث العظيم لا يكون في حقيقة ذاته مقتض للتوبة، لأنها لا تصدر في محل قبولها إلّا من حقيقة فيها طيب مقتض للتوبة في محل قبولها، وفاعل ذلك الحنث العظيم لو كان في حقيقته طيب لم يقع منه، فيجب لعنهم و البراءة منهم للعلم القطعي العادي بعدم توبتهم وعدم قبولها لو وقعت منهم، فإنّ اللّه سبحانه يقول: وَ لَيْسَتِ التَّوْبَةُ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السَّيِّئاتِ حَتّي إِذا حَضَرَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قالَ إِنِّي تُبْتُ الْآنَ (2). و هو صادق علي المذكورين ونحوهم، وقال تعالي: وَ لاَ الَّذِينَ يَمُوتُونَ وَ هُمْ كُفّارٌ (3) و هذا صادق عليهم.

وكذا يصدق عليهم قوله تعالي: فَلَمّا رَأَوْا بَأْسَنا قالُوا آمَنّا بِاللّهِ وَحْدَهُ وَ كَفَرْنا بِما كُنّا بِهِ مُشْرِكِينَ * فَلَمْ يَكُ يَنْفَعُهُمْ إِيمانُهُمْ لَمّا رَأَوْا بَأْسَنا... (4). فلم تكنَ ترتفع دواعي معاصيهم و إن ارتفعت متعلقاتها.4.

ص: 37


1- سورة النساء، الآية: 93.
2- سورة النساء، الآية: 18.
3- سورة النساء، الآية: 18.
4- سورة غافر، الآية: 84.

جواب الإشكال الخامس

والجواب عن الخامس: أنا لا نقول أن القول بالرجعة من شرائط الإسلام، وإنما هي من شرائط الإيمان الكامل، فالمكملات للإيمان لا يجب ذكرها في شرائط الإسلام، بل قد يمنع ذكرها في أوائل الإسلام و مبادئه، لعدم احتمال العامة لذلك، لأنها من الغيب الذي مدح اللّه الذين يؤمنون به(1) ، ولذا قلنا فيما تقدم: أنها سر من أسرار اللّه تعالي(2) ، فالإيمان بها مكمل للإيمان، والجهل بها غير ناقض للإسلام، وإنما الإشكال في إسلام منكرها بعد ما تبين له الهدي، ولو لم يقل بها شخص لعدم ظهور الدليل له ومن شأنه الإيمان. بملوك الرجعة و الرد إليهم و التسليم لهم، فإنّ ذلك لا يكفره، و أما من أنكرها بعد ظهور الدليل فالقرآن ناطق بكفره، وذلك قوله تعالي: وَ أَقْسَمُوا بِاللّهِ جَهْدَ أَيْمانِهِمْ لا يَبْعَثُ اللّهُ مَنْ يَمُوتُ بَلي وَعْداً عَلَيْهِ حَقًّا وَ لكِنَّ أَكْثَرَ النّاسِ لا يَعْلَمُونَ * لِيُبَيِّنَ لَهُمُ الَّذِي يَخْتَلِفُونَ فِيهِ وَ لِيَعْلَمَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّهُمْ كانُوا كاذِبِينَ * إِنَّما قَوْلُنا لِشَيْ ءٍ إِذا أَرَدْناهُ أَنْ نَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ (3).

وفي تفسير العياشي عن سيرين قال كنت عند أبي عبد اللّه عليه السّلام إذ قال: (ما تقول الناس في هذه الآية: وَ أَقْسَمُوا بِاللّهِ جَهْدَ أَيْمانِهِمْ لا يَبْعَثُ اللّهُ مَنْ يَمُوتُ .

قال: يقولون لا قيامة ولا بعث ولا نشور.

ص: 38


1- قال اللّه تعالي: ذلِكَ الْكِتابُ لا رَيْبَ فِيهِ هُديً لِلْمُتَّقِينَ * اَلَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ وَ يُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَ مِمّا رَزَقْناهُمْ يُنْفِقُونَ. [سورة البقرة، الآيات: 1-2-3].
2- راجع الصفحة الأولي من هذا المقدمة.
3- سورة النحل، الآيات: 38-39-40.

فقال عليه السّلام: كذبوا و الله، إنما ذلك إذا قام القائم وكَرَّ معه المكرون، فقال أهل خلافكم قد ظهرت دولتكم يا معشر الشيعة، و هذا من كذبكم يقولون رجع فلان وفلان وفلان، لا و الله لا يبعث الله من يموت، ألا تري إذ قال: وَ أَقْسَمُوا بِاللّهِ جَهْدَ أَيْمانِهِمْ كان المشركون أشد تعظيماً باللات والعزي من أن يفسموا بغيرها، فقال الله: بَلي وَعْداً عَلَيْهِ حَقًّا... )(1).

وفي روضة الكافي عن ابي بصير قال: قلت لأبي عبد اللّه عليه السّلام: قول اللّه تبارك وتعالي: وَ أَقْسَمُوا بِاللّهِ... . قال: فقال لي: (يا أبا بصير ما تقول في هذه الآية؟.

قال: قلت: إن المشركين يزعمون ويحلفون لرسول الله صلّي الله عليه و آله أن الله لا يبعث الموتي.

قال: فقال: تباً لمن قال هذا، سلهم هل كان المشركون يحلفون بالله أم باللات و العزي؟.

قال: قلت: جعلت فداك فأوجدنيه!.

فقال لي: يا أبا بصير لو قد قام قائمنا بعث الله قوماً من شعيتنا تبايع، سيوفهم علي عواتقهم، فبلغ ذلك قوماً من شيعتنا لم يموتوا فيقولون بعث الله فلاناً وفلاناً وفلاناً من قبورهم، وهم مع القائم، فيبلغ ذلك قوماً من عدونا فيقولون يا معشر الشيعة ما كذبتم هذه دولتكم وأنتم تقولون فيها الكذب، لا و الله ما عاش هؤلاء ولا يعيشون إلي يوم القيامة، قال:8.

ص: 39


1- تفسير العياشي، ج 2، ص 259، ح 28، سورة النحل، آية: 38. بحار الأنوار، ج 53، ص 71، ح 69، باب: 29. تفسير البرهان، ج 4، ص 447، ح 5، سورة النحل، آية: 38.

فحكي الله قولهم فقال: وَ أَقْسَمُوا بِاللّهِ جَهْدَ أَيْمانِهِمْ لا يَبْعَثُ اللّهُ مَنْ يَمُوتُ (1)(2).

وفي تفسير علي بن إبراهيم عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: (ما يقول الناس فيها؟.

قال: يقولون: نزلت في الكفار.

قال: إنّ الكفار كانوا لا يحلفون بالله، وإنما نزلت في قوم من أمة محمد صلّي الله عليه و آله قيل لهم ترجعون بعد الموت قبل القيامة فحلفوا أنهم لا يرجعون، فرد الله عليهم فقال: لِيُبَيِّنَ لَهُمُ الَّذِي يَخْتَلِفُونَ فِيهِ وَ لِيَعْلَمَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّهُمْ كانُوا كاذِبِينَ (3). يعني في الرجعة يردهم فيقتلهم ويشفي صدور أنّهم المؤمنين منهم)(4).

قال عزَّ من قائل: إِنَّما قَوْلُنا لِشَيْ ءٍ إِذا أَرَدْناهُ أَنْ نَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ (5) فقد نطق القرآن بكفر من أنَكرهً بعد البيان في قوله: وَ لِيَعْلَمَ الَّذِينَ كَفَرُوا (6) فافهم.9.

ص: 40


1- سورة النحل الآية: 38.
2- فروع الكافي، ج 8، ص 44، ح 14. سعد السعود، ص 116. تاويل الايات الظاهرة، ص 293، سورة النحل، آية: 38. بحار الأنوار، ج 53، ص 92، ح 102، باب: 29. تفسير البرهان، ج 4، ص 447، ح 3، سورة النحل، آية: 38.
3- سورة النحل، الآية: 39.
4- تفسير القمي، ج 1، ص 387، سورة النحل، آية: 38. تفسير البرهان، ج 4، ص 446، ح 2، سورة النحل، آية: 38.
5- سورة النحل، الآية: 40.
6- سورة النحل، الآية: 39.

جواب الإشكال السادس

والجواب عن السادس: أنا إنما قلنا بهذا للأخبار المتكثرة عن أهل العصمة عليه السّلام المتواترة معني، فقد تكررت في أحاديثهم وأدعيتهم وزياراتهم، حتي إن من تتبع آثارهم حصل لَه العلم القطعي بأن الرجعة من متممات الإيمان عندهم، والقول بها شعارهم، و قد فسروا كثيراً من آيات القرآن بالرجعة؛ مثل ما فسزوا منها في يوم القيامة، بل في الرجعة أكثر، و قد نقل الإجماع علي تبونها العلماء، و هو عندنا حجة لكشفه عن قول المعصوم عليه السّلام، مع أن ذلك أمر ممكن مقدور، و قد أخبر الصادقون عليه السّلام و القرآن بوقوعه، وكل ما أخبر الصادقون عليه السّلام و القرآن بوقوعه فهو حق، وكلام علمائنا في ذلك متطابق متوافق علي الوقوع.

و أما من تأوَّل الرجعة من بعض شذّاذ الإمامية علي أن المراد منها رجوع الدولة و الأمر و النهي إليهم عليهم السّلام من دون رجوع الأشخاص وإحياء الأموات، فإنه لما عجز عن نصرة القول بالرجعة؛ لما دخلت عليه شبهة المخالفين في إحياء الأموات، فلم يقدر علي رد شبهتهم، و لا تزييف أخبار الرجعة، أوَّلها بهذا التأويل الباطل؛ لأن الرجعة لم تثبت بخصوص أخبار آحاد ليمكن تأويلها أو طرحها، وإنما ثبتت بأخبار متواترة معني، عليها عمل العلماء واعتقادهم، علي أن أكثرهم إنما عَوَّل علي الا الإجماع الذي هو مقطوع به، ولا يحتمل التأويل، بأن اللّه يحيي أمواتاً عند قيام القائم عليه السّلام من أوليائه وأعدائه.

و أما قول المفيد رضي الله عنه؛ فهو قائل بأنّ اللّه تعالي يحيي أمواتاً عند قيام القائه عليه السّلام، وإنما توقفه في مثل ما ندعيه من رجوع النبي وآله الطاهرين «صلي اللّه عليه وآله الطاهرين».

ص: 41

والمخالفون إنما أنكروا من جهة إحياء الأموات، كما تقدم في قوله تعالي : وَ أَقْسَمُوا بِاللّهِ جَهْدَ أَيْمانِهِمْ لا يَبْعَثُ اللّهُ مَنْ يَمُوتُ (1). وإلّا فهم قائلون بقيام القائم عليه السّلام، وأصحابنا متفقون علي خلافهم إلّا من شذ ممن لا يعتبر بهم، مع أن جُل علمائنا ادعوا الإجماع علي خلافهم، فلم يكن خلافهم ناقضاً للإجماع، مع أن المخالفين المنكرين للرجعة وإحياء الأموات قائلون. بما يلزم منه القول بها وبإحياء الأموات، فهم في الحقيقة مكذبون لأنفسهم وبإقرارهم، وذلك أنهم رووا عن الحميري في الجمع بين الصحيحين عن أبي سعيد الخدري، قال: قال رسول اللّه صلّي الله عليه و آله: التتبعن سنن من كان قبلكم، شبراً بشبر، وذراعاً بذراع، حتي لو دخل أحدهم جحر ضب لدخلتموه.

فقالوا: يا رسول الله صلّي الله عليه و آله: اليهود و النصاري؟.

فقال: فمن إذاً؟)(2).

وروي الزمخشري في الكشاف عن حذيفة: (أنتم أشبه الأمم سمتاً ببني إسرائيل، لتركبن طريقهم حذو النعل بالنعل، والقذة بالقذة، حتي أني لا أدري تعبدون العجل أو لا؟)(3). 1

ص: 42


1- سورة النحل، الآية: 38.
2- كنز الفوائدج 1، ص 144. الإفصاح، ص 50، فصل: 46. بحار الأنوار، ج 23، ص 165، باب: 7.
3- تفسير الكشاف، ج 1، ص 616، سورة المائدة، الآية: 44. سعد السعود، ص 65، باب : 2. العمدة، ص 340. الطرائف، ج 2، ص 380. بحار الأنوار، ج 28، ص 8، باب: 1

ورووا أنه صلّي الله عليه و آله قال: (سيكون في أمتي مثل ما كان في بني إسرائيل، حذو النعل بالنعل، والقذة بالقذة، حتي ولو أن أحدهم دخل جحر ضب لدخلتموه)(1).

وروي أبو ليث الواقدي قال: كنت رديفاً لرسول اللّه صلّي الله عليه و آله في غزوة أوطاس، فمررنا بشجرة للمشركين ينوطون عليها أسلحتهم يسمونها ذات أنواط، فقلت يا رسول اللّه اجعل لنا ذات أنواط كما لهم ذات أنواط؟.

قال صلّي الله عليه و آله: (قلتم - والذي نفسي بيده - ما قال من كان قبلكم لنبيهم، اجعل لنا إلهاً كما لهم آلهة، لتركبن سنن من كان قبلكم حذو النعل بالنعل، حتي لو سلكوا جحر ضب لسلكتموه.

قلت: بني إسرائيل؟.

قال: وإلّا فمن؟).

أو كما قال فإذا ردّوا هذه الروايات وأمثالها معتمدين عليها قائلين . بمدلولاتها و قد كان فِي ما قبلنا من الأمم مثل «عزير» أماته اللّه وأحياه و عاش خمساً و عشرين سنة، و «السبعين» الذين اختارهم موسي عليه السّلام فأخذتهم الصاعقة بظلمهم، ثم أحياهم، وكالذين خرجوا من ديارهم وهم ألوف حذر الموت فقال لهم اللّه موتوا فأحياهم.

وروي الزمخشري في الكشاف في حديث ذي القرنين، وعن علي عليه السّلام: (سخر له السحاب، و مدت له الأستار، وبسط له النور، وسئل عنه فقال أحب الله فأحبه.

وَسَأل ابن الكواء ما ذو القرنين أملك أم نبي؟.2.

ص: 43


1- تأويل الآيات الظاهرة، ص 409، ح 13. بحار الأنوار، ج 28، ص 14، ح 22.

فقال: ليس بملك ولا نبي، ولكن كان عبداً صالحاً ضرب علي قرنه الأيمن في طاعة الله فمات، ثم بعثه الله فضرب علي قرنه الأيسر فمات فبعثه الله، وسمي ذا القرنين، وفيكم مثله)(1).

وفي بعض كتب أخبار المخالفين، عن جماعة من المسلمين، أنهم رجعوا بعد الممات قبل الدفن، وتكلموا وتحدتوا ثم ماتوا، فمن ذلك ما رواه الحاكم النيسابوري، في تاريخه في حديث حسان بن عبد الرحمن عن أبيه عن جده، وكان قاضي نيشابور، دخل عليه رجل فقيل له: (إن عند هذا حديثاً عجيباً.

فقال: يا هذا ما هو؟.

فقال: اعلم إني كنت نباشاً أنبش القبور، فماتت امرأة، فذهبت لأعرف قبرها فصليت عليها، فلما جن الليل ذهبت لأنبش عنها، وضربت يدي إلي كفنها لأسلبها، فقالت: سبحان اللّه، رجل من أهل الجنة يسلب امرأة من أهل الجنة؟.

ثم قالت: ألم تعلم أنك ممن صليت عليَّ وأن اللّه عزّوجلّ قد غفر لمن صلي عليَّ)(2).

قال السيد ابن طاووس: (فإذا كانوا قد رووه ودوَّنوه عن نباش القبور، فهلا كان لعلماء أهل البيت عليه السّلام أسوة به؟، ولأي حال تقابل رواياتهم عليهم السّلام بالنفور؟، و هذه المرأة المذكورة دون الذين يرجعون لمهمات الأمور، والرجعة التي تعتمدها علماونا أهل البيت عليه السّلام وشيعتهم تكون في جملة آيات النبي صلّي الله عليه و آله ومعجزاته، ولأي حال تكون منزلته عند الجمهور دون موسي عليه السّلام،9.

ص: 44


1- راجع كتاب: سعد السعود، ص 65، باب: 2. وبحار الأنوار، ج 53، ص 141، باب : 29.
2- سعد السعود، ص 65، باب: 2. بحار الأنوار، ج 53، ص 141، باب: 29.

و عيسي عليه السّلام ودانيال؟، و قد أحيا اللّه (جل) علي أيديهم أمواتاً كثيرة بغير خلاف عند العلماء بهذه الأمور)(1).

أقول: إذا اعترف المخالفون بتلك الأخبار التي بهذه دلت علي أن كل ما يكون في الأمم الماضية يكون في هذه الأمة، واعترفوا بأن اللّه سبحانه قد أحيا أمواتاً كثيرة في الأمم الماضية، لزمهم القول بأن اللّه يحيي أمواتاً في هذه الأمة، و قد أخبر الصادقون عليه السّلام بأن الأحياء في هذه الأمة في الرجعة، والقرآن المجيد نحبر. بما أحيا اللّه تعالي من الأولين، وبأن سنة اللّه في الأولين جارية في الآخرين، فلن تجد لسنة الله تبديلاً، ولن تجد لسنة اللّه تحويلاً: إِنْ يَنْتَهُوا يُغْفَرْ لَهُمْ ما قَدْ سَلَفَ وَ إِنْ يَعُودُوا فَقَدْ مَضَتْ سُنَّتُ الْأَوَّلِينَ (2) ، وسيجيء في الآخرين لأنه سنة جارية لا تنقطع.

وأشار إلي هذا الإحياء في الآخرين بقوله تعالي: فَإِذا جاءَ وَعْدُ الْآخِرَةِ لِيَسُوؤُا وُجُوهَكُمْ وَ لِيَدْخُلُوا الْمَسْجِدَ كَما دَخَلُوهُ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَ لِيُتَبِّرُوا ما عَلَوْا تَتْبِيراً (3).

قال علي بن إبراهيم في تفسيره: (فَإِذا جاءَ وَعْدُ الْآخِرَةِ يعني.

القائم عليه السّلام وأصحابه، لِيَسُوؤُا وُجُوهَكُمْ ، يعني: تسود وجوهكم، وَ لِيَدْخُلُوا الْمَسْجِدَ كَما دَخَلُوهُ أَوَّلَ مَرَّةٍ ، يعني: رسول الله صلّي الله عليه و آله7.

ص: 45


1- سعد السعود، ص 66، باب: 2. بحار الأنوار، ج 53، ص 142، باب: 29.
2- سورة الأنفال، الاية: 38.
3- سورة الإسراء، الآية: 7.

وأصحابه، و أمير المؤمنين عليه السّلام وأصحابه وَ لِيُتَبِّرُوا ما عَلَوْا تَتْبِيراً أي:

يعلوا عليكم فيقتلوكم... إلخ)(1).

وقال السيد المرتضي في أجوبة السائل التي وردت عليه من الري، حيث سألوا عن حقيقة الرجعة، لأن شذاذ الإمامية يذهبون إلي أن الرجعة رجوع دولتهم في أيام القائم عليه السّلام من دون رجوع أجسامهم.

الجواب: (اعلم أن الذي قد ذهب الشميعة الإمامية إليه أن اللّه تعالي يعيد عند ظهور الإمام المهدي عليه السّلام قوماً ممن كان قد تقدم مدته من شيعته، ليفوز بثواب نصرته ومعونته ومشاهدة دولته، ويعيد أيضاً قوماً من أعدائه لينتقم منهم، فيلتذوا. بما يشاهدون من ظهور الحق وعلو كلمة أهله.

والدلالة علي صحة هذا المذهب؛ أن. الذي ذهبوا إليه مما لا شبهة فيه علي عاقل في أنه مقدور للّه تعالي غير مستحيل في نفسه، فإنا نري كثيراً من مخالفينا ينكرون الرجعة إنكار من يراها مستحيلة غير مقدورة.

و إذا ثبت جواز الرجعة ودخلوها تحت المقدور فالطريق إلي إثباتها إجماع الإمامية علي وقوعها، فإنهم لا يختلفون في ذلك، وإجماعهم قد بيناه في مواضع من كتبنا أنه حجة لدخول قول الإمام عليه السّلام فيه، وما يشتمل علي قول المعصوم من الأقوال لا بد فيه من كونه صواباً.

و قد بينا أن الرجعة لا تنافي التكليف، و أن الدواعي مترددة معها حين لا يظن ظان أن تكليف من يعاد باطل، وذكرنا أن التكليف كما يصح مع ظهور المعجزات الباهرة، والآيات القاهرة، فكذلك مع الرجعة؛ لأنه ليس في جميع ذلك ملجئ إلي فعل الواجب، والامتناع من فعل القبيح... إلخ)(2).9.

ص: 46


1- تفسير القمي، ج 1، ص 406، سورة الإسراء، آية: 7. بحار الأنوار، ج 51، ص 45، ح 3، باب: 5. تفسير البرهان، ج 4، ص 538، ح 2، سورة الإسراء، آية: 7.
2- بحار الأنوار، ج 53، ص 138، باب: 29.

و نحو هذا قال ابن طاووس و الطبرسي، وقال الشيخ عبد اللّه بن نور الله البحراني في المجلد السادس و العشرين من كتاب «عوالم العلوم» بعد نقل كلام كثير من العلماء في احتجاجهم علي صحة الرجعة.

أقول: فإذا عرفت هذا فاعلم يا أخي أني لا أظنك ترتاب بعدما مهدت وأوضحت لك في القول بالرجعة التي أجمعت الشيعة عليها في جميع الأعصار، واشتهرت بينهم كالشمس في رابعة النهار، حتي نظموها في أشعارهم، و احتجّوا بها علي المخالفين في جميع أعصارهم، وشَنّع المخالفون عليهم في ذلك، وأثبتوه في كتبهم وأسفارهم؛ منهم «الرازي» و «النيسابوري» وغيرهما، و قد مر كلام ابن أبي الحديد حيث أوضح مذهب الإمامية في ذلك.

ولولا مخافة التطويل من غير طائل، لأوردت كثيراً من كلماتهم في ذلك، وكيف يشك مؤمن بحقيقة الأئمة الأطهار عليه السّلام فيما تواتر عنهم في أكثر من مائتي حديث صريح رواها نيف وأربعون من الثقات العظام، والعلماء الأعلام في أزيد من خمسين من مؤلفاتهم؟، كثقة الإسلام الكليني، والصدوق محمد بن بابويه، والشيخ أبي جعفر الطوسي، والمرتضي، والنجاشَي، والكشي، والعياشي، وعلي بن إبراهيم، وسليم الهلالي، والشيخ المفيد، والكراجكي، و النعماني، والصفار، وسعد بن عبد اللّه، وابن قولويه، وعلي بن عبد الحميد، والسيد علي بن طاووس، وولده صاحب كتاب «زوائد الفوائد»، ومحمد بن علي بن إبراهيم، وفرات بن إبراهيم، ومؤلف كتاب «التنزيل والتحريف»، وأبي الفضل الطبرسي، و أبي طالب الطبرسي، وإبراهيم بن محمد الثقفي، ومحمد بن العباس بن مروان، والبرقي، وابن شهر آشوب، والحسن بن سليمان، والقطب الراوندي، والعلامة الحلي، والسيد بهاء الدين علي بن عبد الكريم، وأحمد بن داود بن سعيد، والحسن بن محمد بن أبي حمزة، والفضل بن

ص: 47

شاذان، والشيخ الشهيد محمد بن مكي، والحسين بن حمدان، والحسن بن محمد بن جمهور القمي مؤلف كتاب «الواحدة»، والحسن بن محبوب، وجعفر بن محمد بن مالك الكوفي، وطاهر بن عبد اللّه، وشاذان بن جبريل صاحب كتاب «الفضائل»، ومؤلف الكتاب العتيق، ومؤلف كتاب الخطب، و غيرهم من مؤلفي الكتب التي عندنا و لم نعرف مؤلفه علي التعيين، ولذا لم ننسب الأخبار إليهم و إن كان موجوداً فيها، و إذا لم يكن مثل هذا متواتراً ففي أي شيء يمكن دعوي التواتر مع ما روته كافة الشيعة خلفاً عن سلف، وظني أن من يشك في أمثالها فهو شاك في أئمة الدين عليه السّلام، ولا يمكنه إظهار ذلك بين المؤمنين، فيحتال في تخريب الملة القويمة بإلقاء ما يتسارع إليه عقول المستضعفين من استبعاد المتفلسفين وتشكيكات الملحدين: يُرِيدُونَ لِيُطْفِؤُا نُورَ اللّهِ بِأَفْواهِهِمْ وَ اللّهُ مُتِمُّ نُورِهِ وَ لَوْ كَرِهَ الْكافِرُونَ (1).

ولنذكر لمزيد التشييد و التأكيد أعاء بعض من تعرض لتأسيس هذا المدعي وصنف فيه، واحتج علي المنكرين، أو خاصم المخالفين، سوي ما ظهر مما قدمناه في ضمن الأخبار و اللّه الموفق.

فمنهم أحمد بن داوود بن سعيد الجرجاني، قال: الشيخ في الفهرست:

«له كتاب المتعة و الرجعة»(2).

ومنهم الحسن بن علي بن أبي حمزة البطائني، وعد النجاشي من جملة كتبه «كتاب الرجعة»(3).

ومنهم الفضل بن شاذان النيسابوري، ذكر الشيخ في الفهرست7.

ص: 48


1- سورة الصف، الآية: 8.
2- فهرست الطوسي، ص 33.
3- رجال النجاشي، ص 37.

والنجاشي أن له كتاباً في «إثبات الرجعة»(1).

ومنهم الصدوق، محمد بن علي بن بابويه، فإنه عد النجاشي من كتبه «كتاب الرجعة»(2).

ومنهم محمد بن مسعود العياشي، ذكر النجاشي و الشيخ في الفهرست كتابه في «الرجعة»(3).

ومنهم الحسن بن سليمان علي ما روينا عنه الأخبار.

و أما سائر الأصحاب فإنهم ذكروها فيما صنفوا في «الغَيْبَة» و لم يفردوا لها رسالة، وأكثر أصحاب الكتب من أصحابنا أفردوا كتاباً في «الغيبة»، و قد عرفت سابقاً من روي ذلك من عظماء الأصحاب وأكابر المحدثين، الذين ليس في جلالتهم شك ولا ارتياب، و قال العلامة رضي الله عنه في «خلاصة الرجال» في ترجمة ميسر بن عبد العزيز، قال: (العقيقي أثني عليه آل محمد صلّي الله عليه و آله، و هو ممن يجاهد في الرجعة).

أقول: قيل المعني هو أنه يرجع بعد موته مع القائم عليه السّلام ويجاهد معه، وإلّا ظهر عندي أن المعني أنه كان يجادل مع المخالفين ويحتج عليهم في حقيقة الرجعة، انتهي كلام الشيخ عبد اللّه رضي الله عنه.

أقول: والقرآن ناطق علي لسان من خاطبهم اللّه تعالي به، والسنة النبوية، وأخبار أهل بيت محمد صلّي الله عليه و آله ناطقة بذلك، وهي كثيرة جداً، وأحب أن أورد منها واحداً، و هو ما رواه الحسن بن سليمان الحلي، في منتخب0.

ص: 49


1- فهرست الطرسي، ص 124. رجال النجاشي، ص 306.
2- رجال النجاشي، ص 389.
3- فهرست الطوسي، ص 136. رجال النجاشي، ص 350.

بصائر سعد بن عبد اللّه الأشعري من كتاب «الواحدة» للقمي، بسنده إلي عاصم بن حميد، عن أبي جعفر الباقر عليه السّلام، قال أمير المؤمنين «صلوات اللّه عليه»: (إنّ الله تبارك وتعالي أحد واحد، تفرد في وحدانيته، ثم تكلم بكلمة فصارت نوراً، ثم خلق من ذلك النور محمداً صلّي الله عليه و آله وخلقني وذريتي، ثم تكلم بكلمة فصارت روحاً فأسكنه الله في ذلك النور، وأسكنه في أبداننا، فنحن روح الله وكلماته، فبنا احتج علي خلقه، فما زلنا في ظلة خضراء حيث لا شمس ولا قمر، ولا ليل ولا نهار، ولا عين تطرف، نعبده ونقدسه ونسبحه، وذلك قبل أن يخلق الخلي، وأخذ ميثاق الأنبياء بالإيمان و النصرة لنا، و ذلك قوله عزّوجلّ: وَ إِذْ أَخَذَ اللّهُ مِيثاقَ النَّبِيِّينَ لَما آتَيْتُكُمْ مِنْ كِتابٍ وَ حِكْمَةٍ ثُمَّ جاءَكُمْ رَسُولٌ مُصَدِّقٌ لِما مَعَكُمْ لَتُؤْمِنُنَّ بِهِ وَ لَتَنْصُرُنَّهُ (1) ؛ يعني لتؤمنن بمحمد صلّي الله عليه و آله، ولتنصرن وصيه، وسينصرونه جميعاً.

و إنّ الله أخذ ميثاقي مع ميثاق محمد بالنصرة بعضنا لبعض، فقد نصرت محمداً، وجاهدت بين يديه، وقتلت عدوه، ووفيت اللّه بما أخذه عليَّ من الميثاق، والعهد و النصرة لمحمد صلّي الله عليه و آله، و لم ينصرني أحد من أنبياء الله ورسله، وذلك لما قبضهم الله إليه، وسوف ينصرونني ويكون لي ما بين مشرقها إلي مغربها، وليبعثهم الله أحياء من آدم إلي محمد كل نبي مرسل يضربون بين يدي بالسيف هام الأموات و الأحياء، ومن الثقلين جميعاً.

فيا عجباً! فكيف لا أعجب من أموات يبعثهم الله أحياء يلبون زمرة زمرة بالتلبية، لبيك لبيك يا داعي الله، قد تخللوا سكك الكوفة قد شهروا1.

ص: 50


1- سورة آل عمران، الآية: 81.

سيوفهم علي عواتقهم ليضربون بها هام الكفرة وجبابرتهم وأتباعهم، من جبابرة الأولين و الآخرين، حتي ينجز الله ما وعدهم في قوله عزّوجلّ: وَعَدَ اللّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَ عَمِلُوا الصّالِحاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَ لَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضي لَهُمْ وَ لَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْناً يَعْبُدُونَنِي لا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئاً (1) ، أي: يعبدونني آمنين لا يخافون أحداً في عبادي، ليس عندهم تقية.

و إنّ لي الكرة بعد الكرة، والرجعة بعد الرجعة، وأنا صاحب الرجعات و الكرات، وصاحب الصولات و النقمات، والدولات العجيبات، وأنا قرن من حديد، وأنا عبدالله، وأخو رسول الله صلّي الله عليه و آله.

وأنا أمين الله وخازن علمه، وعيبة سره، وحجابه، ووجهه، وصراطه وميزانه، وأنا الحاشر إلي اللّه، وأنا كلمة اللّه التي يجمع بها المفترق، ويفرق بها المجتمع.

وأنا أسماء الله الحسني، وأمثاله العليا، وآياته الكبري، و أنا صاحب الجنة و النار، أسكن أهل الجنة الجنة، وأهل النار النار، و إليّ تزويج أهل الجنة، و إليّ عذاب أهل النار، و إلي إياب الخلق جميعاً، وأنا الأياب الذي يؤوب إليه كل شيء بعد القضاء، و إليّ حساب الخلق جميعاً، وأنا صاحب الهنات، وأنا المؤذن علي الأعراف، و أنا بارز الشمس، وأنا دابة الأرض، وأنا خازن النار، و أنا خازن الجنان، وصاحب الأعراف.

وأنا أمير المؤمنين، ويعسوب المتقين، وآية السابقين، ولسان الناطقين، وخاتم الوصيين، ووارث النبيين، و خليفة رب العالمين، وصراط ربي المستقيم، و قسطاطه المسقيم، والحجة علي أهل السماوات و الأراضين، وما فيهما9.

ص: 51


1- سورة المائدة، الآية: 9.

وما بينهما، و أنا الذي احتج الله به عليكم في ابتداء خلقكم، وأنا الشاهد يوم الدين، وأنا الذي علمت علم المنايا و البلايا و القضايا، وفصل الخطاب والأنساب، واستحفظت آيات النبيين المستحقين المستحفظين.

وأنا صاحب العصا و الميسم، وأنا الذي سخرت لي السحاب، والرعد والبرق، والظلم و الأنوار، والرياح و الجبال، والبحار و النجوم، والشمس والقمر، وأنا قرن الحديد، وأنا فاروق الأمة، وأنا الهادي، وأنا الذي أحصيت كل شيء عدداً بعلم الله الذي أودعنيه، وبسره الذي أسره إلي محمد صلّي الله عليه و آله، وأسره الني صلّي الله عليه و آله إليّ، وأنا الذي أنحلني ربي اسمه، وكلمته و حكمته، وعلمه وفهمه.

يا معشر الناس: سلوني قبل أن تفقدوني، اللهم إني أشهدك وأستعديك عليهم، ولا حول ولا قوة إلّا بالله العلي العظيم، والحمد لله متبعين أمره)(1).

فإن لم يكن فيما سمعت من الأخبار، وأقوال العلماء في سائر الأعصار، والإجماع و القرآن، وما لم تسمع أكثر من كل ذلك دليل علي ثبوت الرجعة كما تقوله الإمامية وأئمتهم عليهم السّلام، ففي أي شيء يثبت الدليل؟.

و أما قول القائل أن المراد برجوع الدولة عند قيام القائم عليه السّلام.

فجوابه: أنّ الأدلة القطعية كالإجماع، والأخبار المتواترة معني، دالة علي إحياء الأموات ورجوعهم إلي الدنيا، وأنتم إنما أنكرتم الرجعة بحجة عدم إحياء الأموات لما ادعيتم في ذلك، و أما إذا لزمكم صحة إحياء الأموات عند4.

ص: 52


1- تأويل الآيات الظاهرة، ص 116، ح 30. بحار الأنوار، ج 53، ص 46، ح 20، باب: 29. تفسير البرهان، ج 2، ص 60، ح 4.

قيام القائم عليه السّلام فلا فرق بين أن يكون من الأئمة عليهم السّلام أو من غيرهم، فيثبت المدعي بالأدلة القاطعة.

بقي شيء في قولكم مما تروون من هذا الحديث بأنه صلّي الله عليه و آله قال: (حتي يخرج رجل من ولدي اسمه كاسمي، واسم أبيه كاسم أبي)(1).

والمروي عن أئمتنا عليه السّلام فيه، واسم أبيه كاسم أبي، و هو مطابق لدعوانا، و ما ترونه مخالف للأكثر منكم، لأن منكم من يقول هو عيسي عليه السّلام، وعيسي ليس من ولد محمّد صلّي الله عليه و آله، ولا اسمه كاسمه، ولا أب لعيسي.

ومنكم من يقول: هو المهدي من بني العباس كما رواه ابن حجر في «الصواعق»(2) ، وذلك ليس من ولد رسول اللّه صلّي الله عليه و آله.

والقول الثالث: إنه هو محمد بن الحسن عليه السّلام و هو قولنا، و اسمه كاسمه صلّي الله عليه و آله و ليس اسم أبيه كاسم أبيه، إلّا أن نقول إن الحسن العسكري عليه السّلام عبد اللّه و هو حق، لكنه ليس اسماً بل صفة لَه، فقولكم: اسم أبيه كاسم أبي زيادة في الحديث، بدلاً مما نقصتم منه، فإن فيه: (اسمه اسمي، و كنيته ككنيتي) عني: أن كنيته أبو القاسم عليه السّلام، و هو عند آبائه عليه السّلام حق لأنهم يكنونه بذلك، ويكره أن يكني من اسمه محمد، بأبي القاسم غير محمد صلّي الله عليه و آله وغيره عليه السّلام.

و أما أن اسمه كاسمه فهو يعني به فيما يظهر وفيما يخفي، فإن اسمه فيما يظهر محمّد، وفيما يخفي أحمد، كما كان رسول اللّه صلّي الله عليه و آله كذلك، يعني اسمه في الأرض محمد، وفي السماء أحمد صلّي الله عليه و آله(3).

ص: 53


1- بحار الأنوار، ج 28، ص 45، ح 8، باب: 2.
2- راجع الهامش رقم (1) في صفحة (28) من هذا الكتاب.
3- راجع تفسير القمي، ج 2، ج 346، سورة الصف، آية: 6. بحار الأنوار، ح 15، ص 103، باب: 1. تفسير البرهان، ج 7، ص 526، ح 1، سورة الصف، آية: 6.

جواب الإشكال السابع

و الجواب عن السابع: أن المراد بأن من مات فقد قامت قيامته علي جهة المجاز،. بمعني أن من مات فقد عرف ما هو وارد عليه وقادم يوم القيامة، لأن الموت يأتي بحقيقة عاقبته كما قال تعالي: وَ جاءَتْ سَكْرَةُ الْمَوْتِ بِالْحَقِّ (1) ، فإن من مات من الأولين وأحياه اللّه لم تقم قيامته بالمعني المراد للسائل.

جواب الإشكال الثامن

والجواب عن الثامن: أنّ المراد به مثل المراد من الذي قبله، لأن الآخرة لم تكن علي الحقيقة، و هذا ظاهر.

جواب الأشكال التاسع

والجواب عن التاسع: أنّ قيام القائم وآبائه عليه السّلام إذا تمكنوا وأقاموا الدين حتي ملؤوا الأرض قسطاً وعدلاً، وتسلطوا لم يكن ذلك ملجئاً للمكلف بحيث لا يقدر علي ترك الطاعة وفعل المعصية، بل يكون دعاوهم عليهم السّلام إلي ملازمة امتثال الأوامر و اجتناب النواهي، وقتل من لم يقبل ذلك لطفاً للمكلفين غير مخرج لهم عن الاختيار، و قد جاهد رسول اللّه صلّي الله عليه و آله المشركين وقتلهم وسباهم وألزمهم قبول الشهادتين، والقيام بشرائط الإسلام وأركانه، ولم يكن فعله مُلجئاً للمكلفين، وحكم الحالين واحد.

ص: 54


1- سورة ق، الآية: 19.

والجواب عن الأول نفس الجواب عن الثاني، وطريق الحق و الحمد للّه واضح، وسبيل الهدي منير لائح، والحمد للّه رب العالمين.

و أما قول ابن الأثير في النهاية، ففي النهاية من العدول عن الاستقامة، لأنه ما قصد الحق في قوله، لأن الشيعة ما يقولون بأن جميع الخلق يرجعون إلي الدنيا، كما هو ظاهر ما حكاه عنهم، حين قال: (من أولي البدع و الأهواء، يقولون أنَّ الميت يرجع إلي الدنيا، ويكون فيها حياً ما كان). ثم قال: (ومن جملتهم طائفة من الرافضة يقولون إن علي بن أبي طالب عليه السّلام مستتر في السحاب... إلخ)(1).

فنسب إليهم افتراءين.

أحدهما: ما عرض به من أنهم يَدَّعُوْن العموم.

و ثانيهما: أن علي بن أبي طالب عليه السّلام مستتر في السحاب.

وإنما يقولون كما سمعت سابقاً بأنّ اللّه يحيي أمواتاً لا كل من مات، بل كما أخبر الصادق الأمين صلّي الله عليه و آله: (إنّ كل ما كان في الأمم السالفة يكون في هذ الأمة)(2).

وأخبر عن اللّه. بما أنزل في كتابه، وأوحي إليه أنه تعالي: لِيُظْهِرَهُ عَلَي الدِّينِ كُلِّهِ وَ لَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ (3) وذلك في الدنيا، ولم يأت ما وعد به، ولا بد أن يكون في الدنيا، ولن يخلف اللّه وعده، ومن قال بشيء من3.

ص: 55


1- تقدم تخريجه فراجع.
2- كمال الدين وتمام النعمة، ج 2، ص 520، باب: 54. إعلام الوري، ص 476، باب : 5. كشف الغمة، ص 545، ح 2، المسألة السادسة. بحار الأنوار، ج 28، ص 8، ح 10، باب: 1
3- سورة التوبة، الآية: 33.

الاعتقادات أو غيره عن أدلة مثل ما سمعت بعضها يكون من أهلي البدع والأهواء؟، ولكن إنما قال هو وأصحابه ذلك في حياته وحياتهم، ومن مات منهم لا بد أن يؤمن. بما قلنا، فلم يك ينفعهم إيمانهم لما رأوا بأسنا كما قال تعالي: وَ إِنْ مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ إِلاّ لَيُؤْمِنَنَّ بِهِ قَبْلَ مَوْتِهِ وَ يَوْمَ الْقِيامَةِ يَكُونُ عَلَيْهِمْ شَهِيداً (1).

و روي أن رسول اللّه صلّي الله عليه و آله: (إذا رجع آمن به الناس كلهم)(2).

وفي تفسير العياشي عن أبي جعفر عليه السّلام في تفسيرها: (ليس من أحد من جميع الأديان يموت إلّا رأي رسول الله، وأمير المؤمنين «عليهما وآلهما السلام» من الأولين و الآخرين)(3).

وفي مجمع البيان في أحد معانيها ليؤمنن. بمحمد صلّي الله عليه و آله قبل موته الكتابي، عن عكرمة، ورواه أصحابنا، قال: (وفيه دلالة علي أن كل كافر يؤمن عند المعاينة، وعلي أن إيمانه ذلك غير مقبول، كما لم يقبل إيمان فرعون في حال اليأس عند زوال التكليف)(4).

ويقرب من هذا ما رواه الإمامية أن المحتضرين من جميع الأديان يرون رسول اللّه صلّي الله عليه و آله وخلفاءه عليه السّلام عند الوفاة، ويروون في ذلك عن علي عليه السّلام أنه قال للحارث الهمداني:9.

ص: 56


1- سورة النساء، الآية: 159.
2- تفسير القمي، ج 1، ص 165، سورة النساء، آية: 159. بحار الأنوار، ج 53، ص 50، ح 24، باب: 29. تفسير البرهان، ج 2، ص 350، ح 1، سورة النساء، آية: 159.
3- تفسير العيّاشي، ج 1، ص 310، سورة النساء، آية: 159. بحار الأنوار، ج 6، ص 188، ح 30. تفسير البرهان، ج 2، ص 352، ح 7، سورة النساء، آية: 159.
4- راجع مجمع البيان، ج 2، ص 137، سورة النساء، آية: 159.

يا حار همدان من يمت يرني من مؤمن أو منافق قبلا

يعرفني طرفه وأعرفه بعينه واسمه وما عملا(1)

نظم قول علي عليه السّلام السيد إسماعيل الحميري.

وفي الجوامع للطبرسي عنهما عليه السّلام: (حرام علي روح أن تفارق جسدها حتي تري محمداً وعلياً)(2).

وفي تفسير العياشي عن الصادق عليه السّلام أنه سُئل عن هذه الآية فقال:

(هذه نزلت فينا خاصة، إنه ليس رجل من ولد فاطمة يموت ولا يخرج من الدنيا حتي يقر للإمام بإمامته، كما أقر ولد يعقوب ليوسف حين قالوا:

تَاللّهِ لَقَدْ آثَرَكَ اللّهُ عَلَيْنا وَ إِنْ كُنّا لَخاطِئِينَ (3) )(4).

وفي تفسير فرات بن إبراهيم الكوفي قال: حدثني عبيد بن كثير معنعناً عن جعفر بن محمد بن علي عليه السّلام قال: قال رسول اللّه صلّي الله عليه و آله: أيما علي! إن فيك مثلاً من عيسي بن مريم، قال الله تعالي: وَ إِنْ مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ إِلاّ لَيُؤْمِنَنَّ بِهِ قَبْلَ مَوْتِهِ وَ يَوْمَ الْقِيامَةِ يَكُونُ عَلَيْهِمْ شَهِيداً (5) ، يا علي! إنه لا يموت رجل يفتري علي عيسي بن مريم عليه السّلام حتي يؤمن به قبل موته،9.

ص: 57


1- الديوان المنسوب لمولانا أمير المؤمين علي بن أبي طالب عليه السّلام، ص 352.
2- جوامع الجامع، ج 1، ص 302، سورو النساء، آية: 159. أمالي الطوسي، ص 639، مجلس: يوم الجمعة الثامن عشر من جمادي الثاني. مناقب آل أبي طالب، ج 3، ص 223. كشف الغمة، ج 1، ص 414. بحار الأنوار، ج 5، ص 191، ح 37، باب: 7.
3- سورة يوسف، الآية: 91.
4- تفسير العيَّاشي، ج 1، ص 25، ح 69، سورة يوسف، آية: 91. بحار الأنوار، ج 46، ص 168، ح 11، باب: 11. تفسير البرهان، ج 4، ص 216، ح 17، سورة يوسف، آية: 91
5- سورة النساء، الآية: 159.

ويقول فيه الحق حيث لا ينفعه ذلك شيئاً، وإنك يا علي مثله لا يموت عدوك حتي يراك عند الموت فيكون علية غيظاً وحزناً حتي يقر بالأمر من أمرك، ويقول فيه الحق، ويقر بولايتك، حتي لا ينفعه ذلك شيئاً، و أما وليك فإنه يراك عند الموت فتكون له شفيعاً ومبشراً وقرة عين...)(1).

وأنا أقول كما قال اللّه تعالي حكاية عن مؤمن آل فرعون:

فَسَتَذْكُرُونَ ما أَقُولُ لَكُمْ وَ أُفَوِّضُ أَمْرِي إِلَي اللّهِ إِنَّ اللّهَ بَصِيرٌ بِالْعِبادِ (2)4.

ص: 58


1- تفسير فرات الكوفي، ص 116. بحار الأنوار، ج 6، ص 194، ح 44، باب: 7.
2- سورة غافر، الآية: 44.

فصل ما المراد بالرجعة؟

اعلم أن الرجعة في الأصل يراد بها: رجوع الأموات إلي الدنيا كأنهم خرجوا منها و رجعوا إليها، و قد تستعمل فيمن غاب و آب، فإنه خرج من أهله ورجع إليهم، وهل الرجعة التي قال بها الإمامية وأنكرها المخالفون ظهور الحجة عليه السّلام في الدنيا بالسيف يدعو إلي اللّه سبحانه؟، أم ظهور الأئمة عليهم السّلام مع أمير المؤمنين عليه السّلام ورسول اللّه صلّي الله عليه و آله، ورجوعهم إلي الدنيا مع من شاء اللّه تعالي من أوليائهم وأعدائهم؟.

احتمالان ناشئان من اختلاف ظواهر الأخبار من إطلاق الرجعة علي ظهور صاحب الزمان عليه السّلام مع من يظهر معه من أصحاب القبور، وعلي رجوع الأئمة عليهم السّلام مع رسول اللّه صلّي الله عليه و آله.

وأنت إذا نظرت في التسمية إلي المعني وجدته صادقاً علي الاحتمالين، فتصدق الرجعة في حق صاحب الزمان عليه السّلام؛ لأنه غاب عن الناس و استتر حتي خفي أمره، وقيل: (مات أو هلك بأي واد سلك)(1) ، كما يأتي إن شاء اللّه، فإذا ظهر أمره فقد رجع إلي الحالة الأولي، و إذا نظرت فِي التسمية إلي خصوص رجوع رسول اللّه صلّي الله عليه و آله وأمير المؤمنين عليه السّلام و الأئمة عليهم السّلام، وأن

ص: 59


1- تأويل الايات الظاهرة، ص 684، ح 2، سورة الإسراء، آية: 6. إعلام الوري، ص 345، فصل: 2. تفسير العيَّاشي، ج 2، ص 305، ح 22، سورة الإسراء، آية: 6. كمال الدين وتمام النعمة، ج 2، ص 364، ح 4.

أصل الحيرة و التشكيك من المخالفين وإنكارهم علي من يدعي الرجعة ويدعي أن اللّه يحيي أمواتاً يرجعون إلي الدنيا يجاهدون في سبيل اللّه، لم يصدق علي ظهور الحجة عليه السّلام لأنهم قائلون به، إلّا أكثرهم فإنه يقولون بأنه المهدي من بني العباس زهو إلي الآن لم يولد، ولا منافاة في ظهوره بعد ولادته، و من قال بأنه عيسي بن مريم، فكذلك لأنه حي، ويستدلون علي حياته بقوله تعالي:

وَ ما قَتَلُوهُ وَ ما صَلَبُوهُ وَ لكِنْ شُبِّهَ لَهُمْ وَ إِنَّ الَّذِينَ اخْتَلَفُوا فِيهِ لَفِي شَكٍّ مِنْهُ ما لَهُمْ بِهِ مِنْ عِلْمٍ إِلاَّ اتِّباعَ الظَّنِّ وَ ما قَتَلُوهُ يَقِيناً * بَلْ رَفَعَهُ اللّهُ إِلَيْهِ (1) ، و بقوله تعالي: وَ إِنْ مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ إِلاّ لَيُؤْمِنَنَّ بِهِ قَبْلَ مَوْتِهِ (2) ، والضمير في موته: راجع إلي عيسي، أي قبل موت عيسي، و إذا ثبتَ بكتاب اللّه أنه حي فلا منافاة في قيامه، فلا يريدون من الرجعة ما تناول قيامه، لأن ذلك لا ينكرونه، و إنما يعنون بالرجعة ما ينكرونه من رجعة رسول اللّه صلّي الله عليه و آله وأمير المؤمنين عليه السّلام و الأئمة عليهم السّلام، ويتعلقون في منعهم بأنّ حياة الأموات و رجوعهم إلي دار التكليف مناف للتكليف، و يحتجون علي إنكارهم. بما سمعت وتحوه.

والذي دعاهم إلي إنكار ذلك ما يلزم عليهم مع الاعتراف بها من فساد ما كانوا عليه، لأن في الرجعة هدم جميع ما أسسوا، فغطوا علي ما يعرفون أنه الحق من ربهم بالشبهات و المغالطات، فإذا أردت أنَّ المراد بالرجعة ما أنكره المخالفون لم يتناول الرجعة رسول اللّه صلّي الله عليه و آله وعلياً و الأئمة عليهم السّلام، ومن يرجع معهم ممن محض الإيمان ومن محض الكفر محضاً، وأصحاب القصاص، ولا9.

ص: 60


1- سورة النساء، الآية: 157.
2- سورة النساء، الآية: 159.

يخفي عليك أنهم إذا اعترفوا بقيام الحجة عليه السّلام وبصحة ما رووا من الروايات المتقدمة الدالة علي أن كل ما كان في بني إسرائيل يكون في هذه الأمة وقعوا فيما فروا منه، فلا محيص لهم عنه، لأن صحة قيام القائم عليه السّلام تستلزم إحياء الأموات كما دلت عليه الأدلة القاطعة، هذا بالنسبة إليهم وإلي من نظر إلي مرادهم، وكذلك ما دلت عليه أحاديث تقسيم أيام الله مثل ما رواه في الخصال عن مثني المناط قال سمعت أبا جعفر عليه السّلام يقول: (أيام الله ثلاثة، يوم يقوم القائم، ويوم الكرة، ويوم القيامة)(1) ، فإنه صريح بأن الرجعة غير قيام القائم عليه السّلام.

و أما بالنسبة إلي مطلق معني الرجوع وإلي إحياء الأموات فلا عيب في استعمال هذا اللفظ في اليومين، و قد دلت أخبارهم بأن أول من يخرج هو الحسين عليه السّلام، و هو أول من ينفض التراب عن رأسه، و هو عليه السّلام يخرخ في آخر دولة القائم عليه السّلام إذا مضي منها نحو تسع وحمسين سنة، كما تشير إليه بعض الأخبار، ويبقي صامتاً حتي يتحقق عند الخلق أنه الحسين بن بنت رسول اللّه صلّي الله عليه و آله.

فإذا تحقق وعلم جاء الحجة عليه السّلام الموت فتقتله سعيدة التميمية - لعنها اللّه -، ترميه بجاون صخر من فوق سطح، و هو متجاوز في الطريق كما روي(2) ، و هذه المرأة لها لحية مثل لحية الرجل، فإذا قتلته تولي تغسيله ودفنه2.

ص: 61


1- الخصال، ج 1، ص 108، ح 75، باب: أيام الله ثلاثة. معاني الأخبار، ص 365، ح 1. روضة الواعظين، ج 2، ص 392. بحار الأنوار، ج 7، ص 61، ح 13.
2- قال أحدهم عليهم السّلام: (... سنة ثمانين وستمائة تظهر امرأة يقال لها سعيدة مع لحية وسبال مثل الرجال، تأتي من الصعيد في مائتي ألف عنان، و تسير إلي العراق، و هذه القصة طويلة عظيمة). جامع الأخبار، ص 393، ح 3، فصل: 102.

الحسين عليه السّلام، وقام بالأمر بعده نمان سنين، ثم يقوم علي عليه السّلام لنصرة ابنه الحسين عليه السّلام، ثم يقتل علي، ثم يرجع آخر الرجعات مع شيعته، ويأتي تمام هذا الخبر.

وذلك يشعر بأن الرجعة التي وقع الكلام و الخلاف فيها هي الأخيرة التي أولها خروج الحسين عليه السّلام، و أما قيام القائم عليه السّلام فليس منها و إن كانت متصلة به، وإنما تسمي بالرجعة باعتبار ملاحظة رجوع من يرجع معه من أهل القبور.

ص: 62

فصل علامات الرجعة

و من علامات الرجعة ما رواه المفيد في المجالس بسنده إلي حذيفة بن اليمان، قال سمعت رسول اللّه صلّي الله عليه و آله يقول: (يميز الله أولياءه وأصفياءه حتي يطهر الأرض من المنافقين و الضالين وأبناء الضالين، وحتي يلتقي الرجل يومئذٍ خمسين امرأة هذه تقول يا عبدالله اشترني و هذه تقول يا عبدالله آوني)(1).

وفي جامع الأخبار عن النبي صلّي الله عليه و آله: (إنَّ في العشر بعد ستمائة و القتل تمتلئ الأرض ظلماً وجوراً.

وفي العشرين بعدها يقع موت العلماء لا يبقي الرجل بعد الرجل.

وفي الثلاثين ينقص النيل و الفرات حتي لا يزرع الناس علي شطهما.

وفي الأربعين بعدها تمطر السماء الحجر كأمثال البيض، يهلك البهائم فيها.

وفي الخمسين بعدها يسلط عليهم السباع.

وفي الستين تنكسف الشمس فيموت نصف الجن و الأنس.

وفي السبعين بعدها لا يولد المؤمن من المؤمنين.

ص: 63


1- أمالي المفيد، ص 144، ح 2، مجلس: 18. بحار الأنوار، ج 52، ص 225، ح 88، باب : 25.

وفي الثمانين بعدها تصير النساء كالبهم.

وفي التسعين بعدها تخرج دابة الأرض ومعها عصا آدم وخاتم سليمان.

وفي السبعمائة تطلع الشمس سوداء مظلمة ولا تسألوا عما وراءها)(1).

وفي خبر آخر: (سنة ثمانين وستمائة تظهر امرأة يقال لها سعيدة، مع لحية وسبال مع الرجال، تأتي من الصعيد في مائتي ألف عنان، وتصير إلي العراق، و هذه قصة طويلة وعظيمة.

وفي سنة سبع وثمانين وسبعمائة يظهر من «الروم» رجل يقال له المزيد في سبعمائة قنطارية؛ - وهي علم - علي كل قنطارية صليب، تحت كل صليب ألف فارس إفرنجي ونصراني، و هذه قصة عظيمة طويلة.

وفي زمانه يخرج رجل من مكة يقال له: سفيان بن حرب)(2).

و في خبر آخر: (من وقت خروجه إلي ظهور قائم آل محمد صلّي الله عليه و آله ثمانية أشهر، لا تكون زيادة يوم ولا نقصان يوم)(3).

أقول: و هذا الحديث مقطوع مرسل، وكتاب جامع الأخبار الذي نقلت منه هذه الأخبار قد استثناه الشيخ محمد بن الحسن الحر «رحمه اللّه» مع ما استثناه من الكتب، فلم ينقل منها شيئاً، وقال: هذه كتب غير معتمد عليها؛ لعدم ثبوت أسانيدها وعدم العلم بثبوت مؤلفيها، و ينسب إلي الصدوق إلي آخر كلامه.2.

ص: 64


1- حامع الأخبار، ص 397، ج 2، فصل: 102.
2- جامع الأخبار، ص 398، ح 3، فصل: 102.
3- جامع الأخبار، ص 398، ح 4، فصل: 102.

و قال الشيخ محمد باقر المجلسي: إذَ جامع الأخبار من مصنفات جعفر بن محمد الدوسي، وظني أنه تأليف بعض المتأخرين ولم أظفر. بمؤلفه علي التعيين، و نقل عنه أنه لمحمد بن محمد الشعيري.

وقال بعض المشايخ: إن جامع الأخبار من مصنفات الفقيه جعفر بن محمد الدوسي.

وقال بعض المشايخ: وقفت علي نسخة صحيحة عتيمقة جداً في دار السلطنة بأصفهان، وفيها تم الكتاب علي يد مصنفه الحسن بن محمد السبزواري.

وعلي تقدير صحتها فقائله أعلم. بما قال، لأنه لا ينطق عن الهوي إن هو إلّا وحي يوحي صلّي الله عليه و آله ويحمل علي نحو ما ذكرنا، أو علي أنه بدا فيه للّه سبحانه بمحو أو بتأخير، أو علي أنها وقعت فيما سبق ولا ضرر فيه، كما ثبت أن ملك بني أمية العباس من أشراط الساعة، و كذلك انشقاق القمر، وكذلك بعثته صلّي الله عليه و آله كما قال: (بعثت أنا و الساعة كهاتين وأشار بسبابته و الوسطي)(1).

ويحتمل أن يراد بقوله صلّي الله عليه و آله: (في العشر بعد ستمائة... إلخ)، ما يكون بعد الألف السابع، كما قد يشير إليه حديث أبي لبيد المخزومي، فإنه قد يبي علي ما دل عليه هذا الخبر.

وقوله: (يقال له سفيان بن حرب)، هو السفياني من ذرية سفيان بن حرب.4.

ص: 65


1- قال الإمام الصادق عليه السّلام: (صَعَدَ رَسُولُ الله صلّي الله عليه و آله الْمِنْبَرَ فَتَغَيّرَتْ وَجْنتاهُ وَالْتَمَعَ لَونهُ ثُمَّ أَقْبَلَ بِوَجْهِهِ فَقَالَ يَا مَعْشَرَ الْمُسلِمِينَ إِنِّي إنّما بُعِثْتُ أَنَا وَالسَّاعَةُ كَهَاتَيْنِ..). أمالي المفيد، ص 211، ح 1، مجلس: 24. الجعفريات، ص 212، باب: ما يوجب الصبر. كشف الغمة، ج 2، ص 163. نوادر الراوندي، ص 16. بحار الأنوار، ج 2، ص 309، ح 72، باب: 34.

وفي رواية: (إنّ اسمه عثمان بن عنبسة)(1) ، ولعل تسميته في الخبر الأول كناية عنه، أو لأنه من دريته، أو علي طريقته وطبيعته.

وقوله: (من وقت خروجه إلي خروج السفياني، إلي ظهور قائم آل محمد صلّي الله عليه و آله ثمانية أشهر)، لأنه يخرج في السنة التي يظهر فيها القائم عليه السّلام، يخرج في العاشر من جمادي الأولي، ويظهر القائم عليه السّلام في العاشر من المحرم، يكون بينهما ثمانية أشهر لا تكون من زيادة يوم ولا نقصان يوم.

وروي أن الدجال - لعنه اللّه - أيضاً: (يخرج من أصفهان، أو من سجستان) علي اختلاف الروايتين في يوم خروج السفياني.

ويحتمل الجمع بين الروايتين، أنّ سجستان محل ولادته، وأصفهان محل خروجه، لأنه الآن محبوس في بئر في قرية من قري أصفهان يقال لها اليهودية.

وفي غيبة النعماني بسنده إلي محمد بن بشير قال: سمعت محمد بن الحنفية يقول: (إن قبل رايتنا راية لآل جعفر، وأخري لآل مرداس، فأما راية آل جعفر فليست بشيء، ولا إلي شيء، فغضبت و كنت أقرب الناس إليه، فقلت جعلت فداك: إن قبل راياتكم رايات؟.

قال: أي و الله إنّ لبني مرداس ملكاً موطداً لا يعرفون في سلطانهم شيئاً من الخير، سلطانهم عسر ليس فيه يسر، يدنون فيه البعيد، ويقصون فيه القريب، حتي إذا أمنوا مكر الله وعقابه صيح بهم صيحة لم يبق لهم مناد يسمعهم، ولا جماعة يجتمعون إليها، وقذ ضرب بهم الله مثلاً في كتابه:5.

ص: 66


1- بحار الأنوار، ج 53، ص 8، باب: 25.

حَتّي إِذا أَخَذَتِ الْأَرْضُ زُخْرُفَها وَ ازَّيَّنَتْ (1) ، ثم حلف محمد بن الحنفية بالله أن هذه الآية نزلت فيهم.

فقلت: جعلت فداك لقد حدثتني عن هؤلاء بأمر عظيم فمتي يهلكون؟.

فقال: ويحك يا محمد، إن الله خالف علمه علم الموقتين، و إنّ موسي عليه السّلام وعد ثلاثين يوماً، وكان في علم الله عزّوجلّ زيادة عشرة أيام لم يخبر بها موسي، فكفر قومه واتخذوا العجل من بعده لما جاز عنهم الوقت.

و إنّ يونس وعد قومه العذاب وكان في علم الله أن يعفو عنهم، وكان في أمر الله ما قد علمت، ولكن إذا رأيت الحاجة قد ظهرت، وقال الرجل: بِتُّ الليلة بغير عشاء، وحتي يلقاك الرجل بوجه، ثم يلقاك بوجه آخر.

قلت: هذه الحاجة قد عرفتها و الأخري أي شيء هي؟.

قال: يلقاك بوجه طلق فإذا جئت تستقرضه قرضاً لقيك بغير ذلك الوجه، فعند ذلك تقع الصيحة من قريب)(2).

أقول: قوله: «لآل مرداس» يعني: به العباس بن مرداس السلمي، كني به عن بني العباس لأجل المشاركة في الاسم.

وقوله: «يلقاك بوجه طلق... إلخ» يريد: أنه إذا وقعت الحاجة بأحدكم حتي أنه يبيت بغير عشاء فيلقاه قبل أن يعلم بحاجته بوجه طلق، فإذا أتاه يستقرضه عبس في وجهه، فإذا كان ذلك فتوقعوا الصيحة بهم.7،

ص: 67


1- سورة يونس، الآية: 24.
2- غيبة النعماني، ص 302، ح 7، باب: 16. بحار الأنوار، ج 52، ص 246، ح 127،

و من العلامات العامة ما رواه في جامع الأخبار عن جابر بن عبد اللّه الأنصاري قال: (حججت مع رسول الله حجة الوداع، فلما قضي النبي صلّي الله عليه و آله ما افترض عليه من الحج أتي مودعاً الكعبة، فلزم بحلقة الباب ونادي برفيع صوته: أيها الناس، فاجتمع أهل المسجد وأهل السوق فقال صلّي الله عليه و آله:

اسمعوا ما إني قائل ما هو بعدي كائن فليبلغ شاهدكم غائبكم.

ثم بكي رسول الله صلّي الله عليه و آله حتي بكي لبكائه الناس أجمعون، فلما سكت من بكائه قال: اعلموا رحمكم الله إنَّ مثلكم في هذا اليوم كمثل ورق لا شوك فيه إلي أربعين ومائة سنة، ثم يأتي من بعد ذلك شوك وورق إلي مائتي سنة، يأتي من بعد ذلك شموك ولا ورق فيه حتي لا يري فيه إلَّا سلطان جائر، أو غني بخيل، أو عالم راغب في المال، أو فقير كذّاب، أو شيخ فاجر، أو صبي وقح، أو امرأة رعناء.

ثم بكي رسول الله صلّي الله عليه و آله، فقام إليه سلمان الفارسي رضي الله عنه وقال: يا رسول الله أخبرنا متي يكون ذلك؟.

فقال صلّي الله عليه و آله: يا سلمان إذا قَلَّت علماوكم، و ذهبت قراوكم وقطعتم زكاتكم، وأظهرتم منكراتكم، وعلت أصواتكم في مساجدكم، وجعلتم الدنيا فوق رووسكم، والعلم تحت أقدامكم، والكذب حديثكم، والغيبة فاكهتكم، والحرام غيمتكم، لا يرحم كبيركم صغيركم، ولا يوقر صغيركم كبيركم، فعند ذلك تنزل اللعنة عليكم، ويجعل بأسكم بينكم، يبقي الدين بينكم لفظاً بألسنتكم، فإذا أتيتم هذه الخصال توقعوا الريح الحمراء، أو مسخاً، أو قذفاً بالحجارة، وتصديق ذلك في كتاب اللّه عزّوجلّ: قُلْ هُوَ الْقادِرُ عَلي أَنْ يَبْعَثَ عَلَيْكُمْ عَذاباً مِنْ فَوْقِكُمْ أَوْ مِنْ تَحْتِ أَرْجُلِكُمْ أَوْ

ص: 68

يَلْبِسَكُمْ شِيَعاً وَ يُذِيقَ بَعْضَكُمْ بَأْسَ بَعْضٍ انْظُرْ كَيْفَ نُصَرِّفُ الْآياتِ لَعَلَّهُمْ يَفْقَهُونَ (1).

فقام إليه جماعة من الصحابة فقالوا: يا رسول الله أخبرنا متي يكون ذلك؟.

فقال صلّي الله عليه و آله: عند تأخير الصلاة، واتباع الشهوات، وشرب القهوات، وشتم الآباء و الأمهات، حتي ترون الحرام مغنماً، والزكاة مغرماً، و أطاع الرجل زوجته، وجفا جاره، وقطع رحمه، وذهبت رحمة الأكابر، وقل حياء الأصاغر، وشيدوا البنيان، وظلموا العبيد و الإماء، وشهدوا بالأهواء، وحكموا بالجور، و يسب الرجل أباه، ويحسد الرجل أخاه، ويعامل الشركاء بالخيانة، وقل الوفاء، وشاع الزنا، و تزين الرجال بثياب النساء، وذهب عنهم قناع الحياء، ودب الكِبْرُ في القلوب كدبيب السم في الأبدان، وقل المعروف، وظهرت الجرائم، و هونت العظائم، وطلبوا المدح بالمال، وأنفقوا المال للغناء، وشغلوا بالدنيا عن الآخرة، وقَل الورع، وكثر الطمع و الهرج والمرج، وأصبح المؤمن ذليلاً، والمنافق عزيزاً، مساجدهم معمورة بالأذان، وقلوبهم خالية من الإيمان بما استخفوا بالقرآن، وبلغ المؤمن عنهم كل هوان، فعند ذلك تري وجوههم وجوه الآدميين، وقلوبهم قلوب الشياطين، كلامهم أحلي من العسل، وقلوبهم أمر من الحنظل، فهم ذئاب عليهم ثياب، ما من يوم إلّا يقول الله تبارك تعالي: أفي تفترون أم علي تجترئون:

أَ فَحَسِبْتُمْ أَنَّما خَلَقْناكُمْ عَبَثاً وَ أَنَّكُمْ إِلَيْنا لا تُرْجَعُونَ (2) ، فوعزتي وجلالي5.

ص: 69


1- سورة الأنعام، الآية: 65.
2- سورة المؤمنون، الآية: 115.

لولا من يعبدني مخلصاً ما أمهلت من يعصني طرفة عين، ولو لا ورع الورعن من عبادي لما أنزلت من السماء قطرة، ولا أنبت ورقة خضراء.

فواعجباً لقوم آلهتهم أموالهم، وطالت آمالهم، وقصرت آجالهم، وهم يطعمون في مجاورة مولاهم، ولا يصلون إلي ذلك إلّا بالعمل، ولا يتم العمل إلّا بالعقل)(1).

أقول: «الوقح»: قلة الحياء(2). و «الرعناء»: الحمقاء(3). و «القهوة»:

الخمر(4).

و هذا الحديث وأمثاله ذكر فيها أشراط مطلق الساعة، لا خضوص الرجعة التي هي الساعة الصغري، و إن كان أكثرها من أشراطها وكلها قبلها وقوعاً، منها المحتوم، ومنها ما فيه البداء، ومنها ما كان، ومنها ما محي، ومنها ما يمحي، ومنها ما يكون.ن.

ص: 70


1- جامع الأخبار، ص 395، ح 1، فصل: 102. بحار الأنوار، ج 52، ص 262، ح 148.
2- راجع الصحاح.
3- راجع مجمع البحرين.
4- راجع كتاب العين.

فصل في العلامات الخاصة بقيام القائم عليه السّلام

منها ما هو مخصوص بقيام القائم عليه السّلام و الرجعة، فمن ذلك ما رواه الطوسي في غيبته عن عامر بن واثلة، عن أمير المؤمنين عليه السّلام قال: قال رسول اللّه صلّي الله عليه و آله: (عشر قبل الساعة لا بد منها؟ السفياني، والدجال، والدخان، والدابة، وخروج القائم عليه السّلام، وطلوع الشمس من مغربها، ونزول عيسي عليه السّلام، وخسف المشرق، وخسف بجزيرة العرب، ونار تخرج من قعر عدَن تسوق الناس إلي المحشر)(1).

وروي فيه أيضاً قال؛ قال أمير المؤمنين عليه السّلام: (بين يدي القائم موت أحمر وموت أبيض، وجراد في حينه، وجراد في غير حينه، أحمر كألوان الدم.

فأما الموت الأحمر فبالسيف، و أما الموت الأبيض فالطاعون)(2).

وفي الإكمال عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: (لا يكون هذا الأمر حتي يذهب ثلث الناس، فقيل لَه: فإذا ذهب ثلث الناس فما يبقي؟.

ص: 71


1- غيبة الطوسي، ص 436، ح 426، ذكر طرف من العلامات الكائنة قبل خروجه عليه السّلام. الخرائج و الجرائح، ج 3، ص 1148، ح 57، باب: العلامات الكائنة قبل خروجه عليه السّلام بحار الأنوار، ج 52، ص 209، ح 48، باب: 25.
2- غيبة الطوسي، ص 438، ح 430، ذكر طرف من العلامات الكائنة قبل خروجه عليه السّلام إعلام الوري، ص 456، فصل: 1. الخرائج و الجرائح، ج 3، ص 1152، باب: العلامات الكائنة قل خروجه عليه السّلام. تفسير الصراط المستقيم، ج 2، ص 249، فصل: 8. غيبة النعماني، ص 286، ح 62، باب: 14.

قال عليه السّلام: أما ترضون أن تكونوا الثلث الباقي؟)(1).

وعنه عن سليمان بن خالد، قال سمعت أبا عبد اللّه عليه السّلام يقول:

(قدام القائم موتان؛ موت أحمر، وموت أبيض، حتي يذهب من كل سبعة خمسة، الموت الأحمر السيف، والموت الأبيض الطاعون)(2).

وفي غيبة النعماني عن عباية بن ربعي، قال: دخلت علي أميرالمؤمنين عليه السّلام وأنا خامس خمسة، وأصغر القوم سناً، فسمعته يقول: حدثني أخي رمول اللّه صلّي الله عليه و آله أنه قال: (إني خاتم ألف نبي، وإنك خاتم ألف وصي، وكلفت ما لم يكلفوا.

فقلت: ما أنصفك القوم!.

قال: ليس حيث تذهب يا ابن أخي، والله لأعلم ألف كلمة لا يعلمها غيري و غير محمد صلّي الله عليه و آله، وإنهم ليقرؤون منها آية في كتاب الله عزّوجلّ وهي: وَ إِذا وَقَعَ الْقَوْلُ عَلَيْهِمْ أَخْرَجْنا لَهُمْ دَابَّةً مِنَ الْأَرْضِ تُكَلِّمُهُمْ أَنَّ النّاسَ كانُوا بِآياتِنا لا يُوقِنُونَ (3) ، وما يتدبرونها حق تدبرها ألّا أخبركم بآخر ملك بني فلان.

قلنا: بلي يا أمير المؤمنين.2.

ص: 72


1- كمال الدين وتمام النعمة، ج 3، ص 595، ح 29، باب: 57. غيبة الطوسي، ص 339، ح 286، فصل: 5. العدد القوية، ص 66. منتخب الأنوار المضيئة، ص 187، فصل: 11. بحار الأنوار نوار، ج 52، ص 113، ح 27، باب: 21.
2- كمال الدين وتمام النعمة، ج 2، ص 595، ح 27، باب: 57. العدد القوية، ص 66. منتخب الأنوار المضيئة، ص 178، فصل: 11. بحار الأنوار، ج 52، ص 207، ح 42، باب: 25.
3- سورة النمل، الآية: 82.

قال: قتل نفس حرام، في يوم حرام، في بلد حرام، من قوم قريش، والذي فلق الحبة وبرأ النسمة ما لهم ملك بعده غير خمسة عشر ليلة.

قلنا: هل قبل هذا شيء أو بعده؟.

فقال: صيحة في شهر رمضان، تفزع اليقظن، وتوقظ النائم، وتخرج الفتاة من خدرها)(1).

وفيه أيضاً قال: قاك أمير المؤمنين عليه السّلام: (لا يقوم القائم عليه السّلام حتي تفقأ عين الدنيا، وتظهر الحمرة في السماء، وتلك دموع حملة العرش علي أهل الأرض، حتي يظهر منهم قوم لا خلاق لهم، يدّعون لولدي وهم براء من ولدي.

تلك عصابة ردّية لا خلاق لهم، علي الأشرار مسلطة، وللجبابرة مفتنة، و للملوك مبيرة، يظهر في سواد الكوفة، يقدمهم رجل أسود اللون والقلب، رث الدين، لا خلاق لَه، مهجن زنيم عُتُل، تداولته أيدي العواهر من الأمهات من شر نسل، لا سقاها الله المطر في سنة إظهار غيبة المغيب من ولدي صاحب الراية الحمراء، والعلم الأخضر؛ أي يوم للمحبين بين الأنبار وهيت.

ذلك يوم فيه صيلم الأكراد و الشراة، وخراب دار الفراعنة، ومسكن الجبابرة، ومأوي الولاة الظلمة، أم البلايا وأخت العار، تلك ورب علي يا عمر بن سعد بغداد، ألا لعنة الله علي العصاة من بني أمية وبني5.

ص: 73


1- غية النعماني، ص 266، ح 17، باب: 14. بصائر الدرجات، ص 292، ح 7، باب: 18. بحار الأنوار، ج 52، ص 234، ح 100، باب: 25.

العباس الخونة، الذين يقتلون الطيبين من ولدي، ولا يراقبون فيهم ذمتي، ولا يخافون الله فيما يفعلونه بحرمتي.

إن لبني العباس يوماً كيوم الطيوح، ولهم فيه صرخة كصرخة الحبلي، والويل لشيعة ولد العباس من الحرب التي سنح بين نهاوند و الدينور، تلك حرب صعاليك شيعة علي، يقدمهم رجل من همدان، اسمه علي اسم النبي صلّي الله عليه و آله، منعوت موصوف باعتدال الحلق، وحسن الحلق، ونضارة اللون، لَه في صوته ضحك، وفي أشفاره وطف، و في عنقه سطح، فرق الشعر، مفلج الثنايا، علي فرسه كبدر تجلي عنه الغمام، يسير بعصابة خير عصابة آوت وتقربت ودانت لله بدين تلك الأبطال من العرب الذين يلحقون حرب الكريهة و الدبرة يومئذ علي الأعداء، إنّ للعدو يوم ذاك الصيلم والاستئصال)(1).

أقول: «المهجن»: هو ابن الأمة، ومن أبوه خير من أمه(2). و «الزنيم» : الملحق بقوم ليس منهم(3). و «العُتُلّ» بضم العين و التاء مشدد اللام: الشديد الجافي الفظ الغليظ من الناس(4). و «الأنبار»: موضع بالعراق قديم(5).

و «هِيت» بالكسر: بلد بالعراق معروفة. و «الصيلم»: الأمر الشديد، والداهية، والسيف، والوجبة(6). و «الطيوح» جمع طيحة، الأمور التي تفرقتط.

ص: 74


1- غيبة النعماني، ص 149، ح 5، باب: 10. بحار الأنوار، ج 52، ص 292، ح 90، باب: 25.
2- راجع لسان العرب.
3- راجع القاموس المحط.
4- راجع لسان العرب.
5- راجع معجم البلدان.
6- راجع القاموس المحيط.

جمع طيحة، الأمور التي تفرقت بينهم وأوقعتهم في مضيعة. و «نهاوند»: بلد من بلاد الجبل، جنوبي همدان(1). و «الدِينور» بكسر الدال: بلد(2).

و «الصعاليك»: الفقراء(3). و «الوطيف» محركة: كثرة شعر الحاجبين والعينين(4). و «السطح»: الانبساط و التسوية(5). و «الفرق»: الطريق في شعر الرأس(6). و «مفلج الثنايا»: متباعد الثنايا(7). و «الكريهة»: الشدة في الحرب(8). و «الدبرة»: الهزيمة في القتال وتقبض الدولة(9).

و هذا الحديث و إن كان راويه عمر بن سعد - لعنه اللّه - إلّا أنه صحيح بشهادة قرينة كونه علي خلاف رَاوِيْه لتضمنه التعريض به، والانتقام منه.

ولما ورد عنهم عليهم السّلام: (أن لَنا أوعية نملؤها علماً لتنقلها إلي شيعتنا وصفوها تجدوها نقية، وإياكم و الأوعية فإنها أوعية سوء فتنكبوها)(10) ، أو كما قالوا عليه السّلام ولاشتماله علي الاخبار بقتل الذرية الطيبة، وعلي الإخبار بقيام القائم عليه السّلام للانتقام من قاتليهم، وعلي ثبوت الرجعة في الجملة، وعلي تواطؤ المخالف و المؤالف علي ذلك.8.

ص: 75


1- راجع القاموس المحيط.
2- راجع معجم البلدان.
3- راجع لسان العرب.
4- راجع المنجد في اللغة.
5- راجع لسان العرب.
6- راجع لسان العرب.
7- راجع لسان العرب.
8- راجع القاموس المحيط.
9- راجع لسان العرب.
10- بحار الأنوار، ج 2، ص 93، ح 26، باب: 14. مستدرك الوسائل، ج 17، ص 284، ح 2، باب: 8.

وفي كفاية الأثر في النصوص علي الأئمة الإثني عشر، للشيخ السعيد علي بن محمد بن علي الخراز القمي، بإسناده عن علقمة بن قيس، قال:

خطبنا أمير المؤمنين عليه السّلام علي منبر الكوفة خطبة اللؤلؤة، قال فيما قال في آخرها: (... ألا وإني ظاعن عن قريب، ومنطلق إلي المغيب، فارتقبوا الفتنة الأموية، والمملكة الكسروية، و إماتة ما أحياه الله، وإحياء ما أماته الله، واتخذوا صوامعكم بيوتكم، وعضوا علي مثل جمر الغضا، واذكروا الله كثيراً، فذكره أكبر لو كنتم تعلمون.

ثم قال: وتبني مدينة يقال لها «الزوراء»، بين دجلة ودجيل والفرات، فلو رأيتموها مشيدة بالجص و الآجر، مزخرفة بالذهب و الفضة واللازورد المستسقي، والمرمر و الرخام، وأبواب العاج، و الآبنوس، والخيم، والقباب، والستارات، و قد عليت الساج و العرعر، والصنوبر و الشب، وشيدت بالقصور، وتوالت عليها ملوك بني شيصبان، أربعة وعشرون ملكاً، علي عدد سني الملك فيهم؛ السفاح، والمقلاص، والجموح، والحدوع، والمظفر، و المؤنث، و النطار، و الكبش، والمهتور، والعيار، و المصطلم، و المستصعب، و العلّام، والرهباني، و الخليع، والسيار، والمترف، والكديد، والأكثر، والمسرف، والأكلب، و الوشم، والصلام، والغيوق.

وتعمل القبة الغبراء ذات الغلاة الحمراء، وفي عقبها قائم الحق، يسفر عن وجهه بين الأقاليم كالقمر المضيء بين الكواكب الدرية.

ألا و إنَّ لخروجه علامات عشر: أولها طلوع الكوكب ذي الذنب، ويقارب من الجاوي، ويقع فيه هرج ومرج وشغب، وتلك علامات الخصب، ومن العلامة إلي العلامة عجب، فإذا انقضت العلامات العشر إذ

ص: 76

ذاك يظهر القمر الأزهر، وتمت كلمة الإخلاص لله علي التوحيد)(1).

أقول: «الشيصبان»: اسم الشيطان(2). و «الزوراء»: مسكن الجبا برة أم البلايا و أخت العار، وهي مأوي بني شيصبان من بني سابع، فعمارتها من أشراط الأولي، وخرابها من آثار الأولي وأشراط الأخري، دمر اللّه عليهم و للكافرين أمثالها.

وفي إكمال الدين عن الثمالي قال؛ قلت لأبي عبد اللّه عليه السّلام: (إنَّ أبا جعفر عليه السّلام كان يقول: إن خروج السفياني من الأمر المحتوم؟.

قال لي: نعم، واختلاف ولد العباس من المحتوم، وقتل النفس الزكية من المحتوم، وخروج القائم عليه السّلام من المحتوم.

فقلت: فكيف يكون النداء؟.

قال: ينادي مناد من السماء أول النهار ألا إنّ الحق في علي وشيعته، ثم ينادي إبليس - لعنه الله - في آخر النهار ألا إنَّ الحق في السفياني وشيعته، فيرتاب عند ذلك المبطلون)(3).

وفيه عن محمد بن مسلم قال، سمعت أبا عبد اللّه عليه السّلام يقول: (القائم منا منصور بالرعب، مؤيد بالنصر، تطوي له الأرض، وتظهر لَه الكنوز،5.

ص: 77


1- كفاية الأثر، ص 213، باب ما جاء عن أمير الؤمنين عليه السّلام ما يوافق هذه الأخبار. بحار الأنوار، ج 39، ص 354، ح 225، باب: 41.
2- رجع القموس المحيط.
3- كمال الدين وتمام النعمة، ج 2، ص 591، ح 14، باب: 57. غيبة الطوسي، ص 435، ح 425، ذكر طرف العلامات الكائنة قبل خروجه عليه السّلام. إعلام الوري، ص 445، فصل: 1. كشف الغمة، ج 2، ص 459. بحار الأنوار، ج 52، ص 206، ح 40، باب : 25.

ويبلغ سلطانه المشرق و المغرب، ويظهر الله عزّوجلّ به دينه ولو كره المشركون، فلا يبقي في الأرض خراب إلّا عُمِّر، و ينزل روح الله عيسي بن مريم عليه السّلام فيصلي خلفه.

قال: قلت: يا ابن رسول الله متي يخرج قائمكم؟.

قال: إذا تشبه الرجال بالنساء، والنساء بالرجال، واكتفي الرجال بالرجال، والنساء بالنساء، وركب ذوات الفروج السروج، وقبلت شهادات الزور، وردت شهادات العدول، واستخف الناس بالدماء، وارتكاب الزنا، وأكل الربا، واتقي الأشرار مخافة ألسنتهم، وخروج السفياني من الشام، واليماني باليمن، وخسف بالبيداء، وقتل غلام من آل محمد صلّي الله عليه و آله بين الركن و المقام، اسمه محمد بن الحسن النفس الزكية، وجاءت صيحة من السماء بأنَّ الحق فيه وفي شيعته، فعند ذلك خروج قائمنا، فإذا خرج أسند ظهره إلي الكعبة، واجتمع إليه ثلثمائة و ثلاثة عشر رجلاً، وأول ما ينطق به هذه الآية: بَقِيَّتُ اللّهِ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ (1).

ثم يقول: أنا بقية الله في أرضه، وحجته عليكمَ، فلا يُسَلِّم عليه مُسَلِّم إلّا قال: السلام عليك يا بقية الله في أرضه.

فإذا اجتمع إليه العقد و هو عشرة آلاف رجل خرج، فلا يبقي في الأرض معبود دون الله عزّوجلّ من صنم ووثن وغيره إلّا وقعت فيه نار فاحترق، ذلك بعد غيبة طويلة، ليعلم الله من يطيعه بالغيب ويؤمن به)(2).5.

ص: 78


1- سورة هود، الآبة: 86.
2- كمال الدين وتمام النعمة، ج 1، ص 309، ح 16، باب: 32. إعلام الوري، ص 463، فصل: 3. كشف الغمة، ج 2، ص 534، فصل: 3. بحار الأنوار، ج 52، ص 191، ح 25، باب: 25.

أقول: قد ذكرنا أن خروج الدجال من أصفهان، و خروج السفياني من الوادي اليابس في يوم واحد؛ و هو العاشر من جمادي الأولي، و في السنة التي يخرخ فيها قائم آل محمد في العاشر من المحرم، فيكون بين خروجهما وبين قيامه ثمانية أشهر لا تزيد يوماً ولا تنقص يوماً(1) ، و في يوم خروجهما يخرج اليماني الحسني، و يخرج الخراساني، و ليس في الرايات أهدي من راية اليماني؛ وهي راية هدي، لأنه يدعو إلي الحق وإلي طريق مستقيم.

والخسف بالبيداء خسف بعسكر السفياني، لا ينجو منهم إلّا رجلان من جهينة، فلذلك جاء القول: (وعند جهينة الخبر اليقين)(2) ، وذلك بعد أن ترد عساكره جيشين، جيش إلي بابل، وجيش إلي المدينة، و ينحدرون من بابل إلي الكوفة، وتكثر فيها سفك الدماء، ويهدم حائط مسجد الكوفة، ويقتل النفس الزكية بظهر الكوفة في سبعين من الصالحين، ويظهر في قرص الشمس في شهر رجب جسد بلا رأس وكف يطلع من السماء و هو من المحتوم، وحروخ السفياني من المحتوم، وخسف عسكره بالبيداء من المحتوم، و الصوت من السماء من المحتوم، ينادي جبرائيل عليه السّلام أول فجر اليوم الثالث و العشرين من شهر رمضان بصوت يسمعه جميع الخلائق كل بلغته: ألا أنّ الحق مع علي و شيعته، وينادي إبليس في الأرض عند غروب شمس ذلك اليوم بصوت يسمعه جميع الخلائق كل بلغته: ألا أن الحق مع السفياني وشيعته، فعند ذلك يرتاب المبطلون.

ومدة ملكه تسعة أشهر بقدر حمل امرأة لا يزيد ولا ينقص، فيكون ملكه بعد خروخ القائم عليه السّلام شهر واحد، لأنه يملك قبل خروجه بثمانية5.

ص: 79


1- تقدم تخريجه فراجع.
2- بحار الأنوار، ج 52، ص 186، باب: 25.

أشهر، وقتل النفس الزكية من المحتوم، و هو أيضاً من آل محمد صلّي الله عليه و آله غير النفس الزكية الذي يقتل بظهر الكوفة، و هذا يقتل بين الركن و المقام في الخامس والعشرين من ذي الحجة الحرام، و ليس بين قتله وظهور القائم عليه السّلام إلّا خمس عشرة ليلة، لأنه عليه السّلام يظهر في العاشر من المحرم يوم الجمعة، و تنكسف الشمس من شهر رمضان تلك السنة، وينخسف القمر في آخره، وروي في الليلة الخامسة منه.

وعند ذلك يبطل حساب المنجمين، ويكون من العشرين في جمادي الأرلي إلي آخر جمادي الثانية يتصل المطر، المطرة خلف المطرة حتي تقع أكثر بيوت أهل الدنيا، وفي أول شهر رجب تنبت لحوم من يريد الله رجوعه من الأموات فيحيون، و هو قول أمير المؤمنين عليه السّلام: (عجب وأي عجب بين جمادي ورجب)(1).9.

ص: 80


1- تأويل الآيات الظاهرة، ص 684، ح 2، سورة الممتحنة، آية: 13. مصباح الكفعمي، ص 511، فصل: 42. مناقب آل أبي طالب، ج 2، ص 274. بحار الأنوار، ج 53، ص 59، ح 46، باب: 29.

فصل في ذكر بعض احوال السفياني لعنه اللّه

يقبل السفياني من بلاد الروم، فينظر في عنقه صليب و هو صاحب القوم، فيمللث قدر حمل امرأة تسعة أشهر، يخرج بالشام فتنقاد لَه أهل الشام، إلّا طوائف من المقيمين علي الحق، يعصمهم اللّه من الخروج معه، ويأتي المدينة بجيش جرار، حتي إدا انتهي إلي بيداء المدينة خسف اللّه به، وذلك قول اللّه عزّوجلّ : وَ لَوْ تَري إِذْ فَزِعُوا فَلا فَوْتَ وَ أُخِذُوا مِنْ مَكانٍ قَرِيبٍ (1).

قال أمير المؤمنين عليه السّلام: (إذا اختلف الرمحان بالشَام لم تنجل إلَّا عن آية من آيات الله، قيل: وما هي يا أمير المؤمنين؟.

قال: ثم رجفة تكون بالشام، يهلك فيها أكثر من مائة ألف يجعلها الله رحمة للمؤمنين و عذاباً للكافرين، فإذا كان كذلك فانظروا إلي أصحاب البراذين الشهب المحذوفة و الرايات الصفر، تقبل من المغرب حتي تحل بالشام وذلك عند الجزع الأكبر و الموت الأحمر، فإذا كان كذلك فانظروا خسف قرية من دمشق يقال لها «حرستا»، فإذا كان ذلك خرج ابن آكلة الأكباد من الوادي حتي يستوي علي منبر دمشق، فإذا كان ذلك فانتظروا خروج المهدي عليه السّلام)(2).

ص: 81


1- سورة سبأ، الآية: 51.
2- غيبة النعماني، ص 317، ح 16، باب: 18. غيبة الطوسي، ص 461، ح 476، دكر طرف من العلامات قبل خروجه عليه السّلام. العدد القوية، ص 76. الخرائج و الجرائح، ج 3، ص 1151. باب: العلامات الكائنة قبل خروج المهدي عليه السّلام. بحار الأنوار، ج 52، ص 216، ح 73، باب: 25.

أقول: المرادب «المحذوفة»: مقطوعة الآذان الأذناب أو قصرهما، والمرادب «الوادي»: الوادي اليابس حتي ينزل فيبعث جيشين، جيشَ إلي المشرق وآخر إلي المدينة، حتي يترلوا بأرض بابل من المدينة الملعونة؛ يعني بغداد، فيقتلون أكثر من ثلاثة آلاف، ويفضون أكثر من مائة امرأة، ويقتلون تلاثمائة كبش من بني العباس، ثم ينحدرون إلي الكوفة فيخربون ما حولها، ثم يخرجون متوجهين إلي مكة حتي إذا كانوا بالبيداء بعث اللّه جبرائيل فيقول: يا جبرائيل اذهب فأبدهم، فيضربها برجله ضربة يخسف اللّه بهم عندها، ولا يفلت منهم إلّا رجلان من جهينة، فلذلك جاء القول: (عند جهينة الخبر اليقين)(1).

وفي تفسير العياشي: (يقال لهما وتر ووتيرة من مراد)(2) فلذلك قوله:

وَ لَوْ تَري إِذْ فَزِعُوا... (3) ، أورده الثعلبي في تفسيره، وروي أصحابنا مثله.

وفي غيبة النعماني، قال الباقر عليه السّلام: (إنّ لولد العباس و المرواني لوقعة بقرقيسيا، يشيب فيها الغلام الخرور، ويرفع الله عنهم النصر، ويوحي إلي طير السماء وسباع الأرض، اشبعي من لحوم الجبارين، ثم يخرج السفياني)(4).7.

ص: 82


1- تقدم تخريجه فراجع.
2- تفسير العياشي، ج 2، ص 61، ح 49، سورة سبأ، آية: 51. تفسير الرهان، ح 6، ص 348، ح 5، سورة سبأ، آية: 51. بحار الأنوار، ج 52، ص 341، ح 91، باب: 27.
3- سورة سبأ، الآية: 51.
4- غيبة النعماني، ص 315، ح 12، باب: 18. بحار الأنوار، ج 52، ص 251، ح 14، باب: 25. عقد الدرر، ص 87.

أقول: «الخرور» بالخاء المعجمة: الذي يخر في مشيه لضعفه وصغره، وبالمهملة: الحار المزاج، لأنه أبعد من الشيب.

وفيه عن أبي جعفر الباقر عليه السّلام قال: (السفياني أحمر أشقر، أزرق لم يعبد اللّه قط، ولم ير مكة ولا المدينة قط، يقول: يا رب ثاري و النار، يارب ثاري و النار)(1).

أقول: في النسخة التي نقلت منها الحديث و الثار بالثاء المثلثة، وفيه تأكيد، يعني يا رب بلغني أخد ثاري، يا رب بلغني أخذ ثاري، وفيه بعد.

و يحتمل ب (النون)، و المعني يا رب بلغني أخذ ناري و إن كان فيه النار لأنه يؤمن بالبعث، أو جري علي لسانه علي العادة، أو علي فرض الوقوع يا رب بلغني أخذ ثاري وأدخلني النار، و هذا أقرب.

وفي الإكمال قال أمير المؤمنين عليه السّلام: أيخرج ابن آكلة الأكباد من الوادي اليابس، و هو رجل ربعة، وحش الوجه، ضخم الهامة، بوجهه أثر الجدري، إذا رأيته حسبته أعور، اسمه عثمان، وأبوه عنبسة، و هو من ولد أبي سفيان، حتي يأتي أرض قرار ومعين فيستوي علي منبرها)(2).

وفي أمالي الطوسي عن أبي عبد اللّه عليه السّلام: (أنا وآل أبي سفيان أهل بيتين تعادينا في الله، قلنا: صدق الله، وقالوا: كذب اللّه، قاتل أبو سفيان رسول الله صلّي الله عليه و آله، وقاتل معاوية علي بن أبي طالب عليه السّلام، وقاتل يزيد بن5.

ص: 83


1- غيبة النعماني، ص 318، ح 18، باب: 18. بحار الأنوار، ج 52، ص 253، ح 146، باب: 25.
2- كمال الدين وتمام النعمة، ج 2، ص 590، ح 9، باب 57. منتخب الأنوار المضيئة، ص 28، فصل: 3. إعلام الوري، ص 457، فصل: 1 بحار الأنوار، ح 52، ص 205، ح 26، باب: 25.

معاوية الحسين بن علي عليه السّلام، و السفياني يقاتل القائم عليه السّلام)(1).

وفي الإكمال عن أبي عبد اللّه عليه السّلام: (إنّ أمر السفياني من الأمر المحتوم، وخروجه في رجب)(2).

أقول: الظاهر أن المراد به بدء قتاله، أو قتاله لمن رجع من الأموات.

و فيه عن عمر بن يزيد، قال: قال لي أبو عبد اللّه الصادق عليه السّلام:

(إنك لو رأيت السفياني رأيت أخبث الناس أشقر، أحمر، أزرق، يقول: يا رب يا رب يا رب الثار ثم النار، ولقد بلغ من خبثه أنه يدفن أم ولد له وهي حية مخافة أن تدل عليه)(3).

أقول: قال في العوالم: توضيح قوله: «ثم النار»؛ أي ثم مع إقراره ظاهراً بالرب يفعل ما يستوجب النار ويصير إليها، والأظهر يا رب ثاري، وثاري مكرراً.

وأقول: قوله: (ثم للنار): يؤيد التوجيه الثاني فيما تقدم.

وفيه عن عبد اللّه بن أبي منصور قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن اسم السفياني فقال: (وما تصنع باسمه؟ إذا ملك كور الشام الخمس، دمشق، وحمص، وفلسطين، والأردن، وقنسرين، فتوقعوا عند ذلك الفرج.

قلت: يملك تسعة أشهر؟.5.

ص: 84


1- معاني الأخبار، ص 346. بحار الأنوار، ج 33، ص 165، ح 433، باب: 17.
2- كمال الدين وتمام النعمة، ج 2، ص 589، ح 5، باب: 57. جامع الأخبار، ص 338، ح 4، فصل: 102. بحار الأنوار، ج 52، 204، 32، باب: 25.
3- كمال الدين وتمام النعمة، ج 2، ص 590، ح 10، باب: 57. بحار الأنوار، ج 52، ص 205، ح 37، باب: 25.

قال: لا، ولكن يملك ثمانية أشهر لا تزيد يوماً)(1).

أقول: لعل الجمع بينه وبين ما تقدم من أنه يملك تسعة أشهر: أن الشهر المتقدم منها لم يكن لَه ملك فيه.

فإن قلت: يلزم أن تكون مدة ملكه سبعة.

قلت: نعم ولكن الثامن بعد قيام الحجة عليه السّلام قبل قتله، وربما يمكن الاستدلال علي هذا. بما تقدم من أنه يخرج في رجب، ويقول الصادق عليه السّلام:

(إنّ السفياني يملك بعد ظهوره علي الكور الخمس حمل امرأة.

ثم قال عليه السّلام: أستغفر الله حمل حمل، و هو من المحتوم الذي لا بد منه)(2).

فقوله عليه السّلام: (أستغفر الله)، لعله استدراك مما حدد لأنه بعد ثبوت أن بين خروجه وظهور القائم عليه السّلام ثمانية أشهر وحمل المرأة، يفهم منه تسعة أشهر، لجواز إطلاق الملك علي أول خروجه وعلي أول ظهوره، فله اعتباران : فعلي الأول ثمانية، وعلي الثاني تسعة.

ونيه عن أبي عبد اللّه عليه السّلام: (كأني بالسفياني، أو بصاحب السفياني، قد طرح رحله في رجعتكم بالكوفة، فنادي مناديه: من جاء برأس رجل من شيعة عليَّ فله ألف درهم، فيثب الجار علي جاره ويقول هذا منهم فيضرب عنقه ويأخذ ألف درهم.5.

ص: 85


1- كمال الدين وتمام النعمة، ج 2، ص 591، ح 11، باب: 57. إعلام الرري، ص 457، فصل: في ذكر العلامات قبل خروجه عليه السّلام. منتخب الأنوار المضيئة، ص 177، فصل: 11. بحار الأنوار، ج 52، ص 206، ح 38، باب: 25.
2- غيبة الطوسي، ص 449، ح 452 باب: ذكر طرف من العلامات الكائنة قبل خروجه عليه السّلام. بحار الأنوار، ج 52، ص 215، ح 71، باب: 25.

أما إنَّ إمارتكم يومئذٍ لا تكون إلَّا لأولاد البغايا، وكأني أنظر إلي صاحب اليرقع.

قلت: ومن صاحب البرقع؟.

فقال: رجل منكم يقول بعضكم بقولكم، يلبس البرقع فيحوشكم فيعرفكم ولا تعرفونه، فيغمز بكم رجلاً رجلاً، أما إنه لا يكون إلَّا ابن بغي)(1).

و عن غيبة النعماني، عن أبي عبد الله عليه السّلام قال: (السفياني من المحتوم وخروجه من أول خروجه إلي آخره خمسة عشر شهراً، ستة أشهر يقاتل فيها، فإذا ملك الكور الخمس ملك تسعة أشهر ولم يزد عليها يوماً)(2).

أقول: و يمكن حمل هذا الحديث علي إرادة أن أول خروجه من حين طلبت نفسه أخذ الثار قبل بعث العساكر إلي الكوفة و الدينة، و إن الستة الأشهر هي مدة تملكه الكور الخمس، كما هو منطوق خبر غيبة الطوسي.

و أما ما دل علي أن ليس بين خروجه وبين قيام القائم عليه السّلام إلَّا ثمانية أشهر، فالمراد به أول خروجه بالبعوث، و الشهر التاسع ما بعد قيام القائم عليه السّلام قبل أن يقتله الحجة عليه السّلام.

وفي كتاب سرور أهل الإيمان عن الحضرمي، قال: قلت لأبي عبد اللّه عليه السّلام: كيف نصنع إذا خرج السفياني؟، قال: (تغيب الرجال وجوهها0.

ص: 86


1- غيبة الطوسي، ص 450، ح 453 ذكر طرف من العلامات الكائنة قبل خروجه عليه السّلام. بحار الأنوار، ج 52، ص 215، ح 72، باب: 25.
2- غيبة النعماني، ص 310، ح 1، باب: 18. بحار الأنوار، ج 52، ص 248، ح 130.

منه، وليس علي العيال بأس، فإذا ظهر علي الأكوار الحمس - يعني كور الشام - فانفروا إلي صاحبكم)(1).

وفي أمالي الطوسي عن هشام بن سالم، قال: قال أبو عبد اللّه عليه السّلام:

وذكر السفيان فقال: (أما الرجال فتواري وجوهها عنه، و أما النساء فليس عليهن بأس)(2).

وفي غيبة النعماني عن الحسين بن إبراهيم، قال: قلت للرضا عليه السّلام:

(أصلحك الله إنهم يتحدثون أنّ السفياني يقوم و قد ذهب سلطان بني العباس؟.

فقال: كذبوا إنه يقوم و إنّ سلطانهم لقائم)(3).

وفيه عن داوود بن أبي القاسم، قال: كنا عند أبي جعفر محمد بن علي الرضا «صلوات اللّه عليهما» فجري ذكر السفياني وما جاء في الرواية من أن أمره من المحتوم، فقلت لأبي جعفر عليه السّلام: (هل يبدو لله في المحتوم؟.

قال: نعم.

قال له: فنخاف أن يبدو لله في القائم عليه السّلام.

قال: القائم من الميعاد)(4).8،

ص: 87


1- بحار الأنوار، ج 52، ص 272، ح 116، باب: 25.
2- أمالي الطوسي، ص 661، ح 15، مجلس: يوم الجمعة الثالت و العشرون من رجب. بحار الأنوار، ج 52، ص 275، ح 170، باب: 25.
3- غيبة النعماني، ص 315، ح 11، باب: 18. بحار الأنوار، ج 52، ص 251، ح 139، باب: 25.
4- غيبة النعماني، ص 314، ح 10، باب: 18. بحار الأنوار، ج 52، ص 250، ح 138،

أقول: قال في العوالم بيان وتحقيق: (قلت: للمحتوم معان يمكن البداء في بعضها).

وقوله: (من الميعاد)، إشارة إلي أنه لا يمكن البداء فيه لقوله تعالي: إِنَّ اللّهَ لا يُخْلِفُ الْمِيعادَ (1).

و الحاصل: أن هذا شيء وعد اللّه رسوله و أهل بيته ليصبرهم علي المكاره التي وصلت إليهم من المخالفين، واللّه لا يخلف وعده.

ثم إنه يحتمل أن يكون المراد بالبداء في المحتوم البداء في خصوصياته لا في أصل وقوعه، كخروج السفياني قبل ذهاب بني العباس ونحو ذلك.

والظاهر أن مراده عليه السّلام أن المحتوم ما لم يقع لم يكن مستحيلاً فيمكن تغيره، وقيام القائم عليه السّلام كذلك، ولكنه من اللطف و اللّه سبحانه يمنع لطفه عباده لا أنه لا يمكن تغيره، وكذلك خروج السفياني، إلا أنه ليس في الظاهر لطفاً فأجاز فيه ما يمكن في نفس الأمر مع أنه لا بد أن يكون، لأنه مستلزم اللطف، وذلك كما قال تعالي: وَ يَسْتَعْجِلُونَكَ بِالْعَذابِ وَ لَنْ يُخْلِفَ اللّهُ وَعْدَهُ (2) ، لأن العذاب و إن لم يكن في نفسه لطفاً لكنه نصر لأنبيائه علي أعدائه وشفاء لصدورهم، و كذلك خروج السفياني، كما قال أمير المؤمنين «صلوات اللّه عليه»: (رجفة تكون بالشام يهلك فيها مائة ألف، يجعلها الله رحمة للمؤمنين وعذاباً علي الكافرين)(3).ع.

ص: 88


1- سورة آل عمران، الآية: 9.
2- سورة الحج، الآية: 47.
3- تقدم تخريجه فراجع.

فصل في ذكر بعض أحوال الدجال

وروي في غيبة النعماني من الإنجيل عن عبد اللّه بن سليمان، وكان قارئاً في الكتب، قال: (قرأت في الإنجيل ذكر أوصاف النبي صلّي الله عليه و آله، - إلي أن قال تعالي -: أرفعك إليّ ثم أهبطك في آخر الزمان، لتري من أمة ذلك النبي صلّي الله عليه و آله العجائب، ولتعينهم علي اللعين الدجال، أهبطك في وقت الصلاة لتصلي معهم إنهم أمة مرحومة)(1).

وفي الإكمال بسنده عن نافع عن ابن عمه، قال: (إنّ رسول الله صلّي الله عليه و آله صلي ذات يوم بأصحابه الفجر، ثم قام مع أصحابه حتي أتي باب دار بالمدينة، فطرق الباب، فخرجت إليه امرأة.

فقالت: ما تريد يا أبا القاسم؟.

فقال رسول الله صلّي الله عليه و آله: يا أم عبدالله استأدني لي علي عبداللّه.

فقالت يا أبا القاسم: وما تصنع بعبدالله!، فوالله إنه لمجهود في عقله، يحدث في ثوبه، وإنه ليراودني علي الأمر العظيم.

فقال: استأذني لي عليه.

فقالت: علي ذمتك؟.

قال: نعم.

فقالت: أدخل، فدخل فإذا هو في قطيفة يهينم فيها.

ص: 89


1- أمالي الصدوق، ص 271، ح 8، مجلس: 46. بحار الأنوار، ج 52، ص 181، ح 1، باب: 25.

فقالت أمه: اسكت واجلس هذا محمد قد أتاك، فسكت وجلس.

فقال الني صلّي الله عليه و آله: ما لها - لعنها الله - لو تركتني لأخبرتكم أهو هو؟.

ثم قال له النبي صلّي الله عليه و آله: ما تري؟.

قال: أري حقاً وباطلاً، وأري عرشاً علي الماء.

فقال: إشْهَد أن لا إله إلّا الله، وأني رسول الله.

فقال: بل تشهد أن لا إله إلّا الله وأني رسول اللّه، فما جعلك الله بذلك أحق مني.

فلما كان في اليوم الثاني صلي صلّي الله عليه و آله بأصحابه الفجر، ثم نهض فنهضوا معه حتي طرق الباب.

فقالت: أمه ادخل فدخل، فإذا هو في نخلة يغرد فيها.

فقالت أمه: اسكت وانزل هذا محمد قد أتاك، فسكت.

فقال النبي صلّي الله عليه و آله: ما لها - لعنها الله - لو تركتني لأخبرتكم أهو هو؟.

فلما كان في اليوم الثالث صلي صلّي الله عليه و آله بأصحابه الفجر، ثم نهض فنهضوا معه حتي أتي ذلك المكان، فإذا هو في غنم له ينعق بها، فقالت له أمه: اسكت واجلس هذا محمد قد أتاك فسكت، و قد كانت نزلت في ذلك اليوم آيات من سورة الدخان فقرأها لهم النبي صلّي الله عليه و آله في صلاة الغداة.

ثم قال: إشْهَد أن لا إله إلّا الله وأني رسول اللّه.

فقال: بل تشهد أن لا إله إلّا الله وأني رسول الله، وما جعلك الله بذلك أحق مني.

فقال النبي صلّي الله عليه و آله: إني قد خبأت لك خبيئاً.

فقال: الدُخ الدُخ.

فقال النبي صلّي الله عليه و آله: اخسأ فإنك لن تعدو أجلك ولن تبلغ أملك، ولن تنال إلّا ما قدر لك.

ص: 90

ثم قال لأصحابه: أيها الناس ما بعث الله عزّوجلّ نبياً إلَّا و قد أنذر قومه الدجال، و إنَّ الله عزّوجلّ قد أخره إلي يومكم هذا فمهما تشابه عليكم من أمره فإن ربكم ليس بأعور، إنه يخرج علي حمار عرض ما بين عينيه ميل، يخرج ومعه جنة ونار، وجبل من خبز، ونهر من ماء، أكثر أتباعه اليهود و النساء والأعراب، يدخل آفاق الأرض كلها إلّا مكة ولا بيتها، والمدينة ولا بيتها)(1).

قال في العوالم توصيح: قولها (إنه لمجهود في عقله)؛ أي أصاب عقله جهد البلاء فهو نحبط، يقال: جهد المرض فلاناً هزله، وكان مراودته إياها الإظهار دعوي الألوهية و النبوة، ولذلك تأبي أن يراه النبي صلّي الله عليه و آله، و «الهمهمة»:

الصوت الخفي(2) ، و في أخبار العامة يهمهم.

قوله: (أهو هو): أي ما تقولون بألوهية اللّه أم لا.

وروي الحسين بن مسعود الفراء في شرح السنة، بإسناده عر أبي سعيد الخدري: (إنَّ في هذه القصة قال رسول الله صلّي الله عليه و آله ما تري؟.

قال: أري عرشاً علي الماء.

فقال رسول الله صلّي الله عليه و آله: تري إبليس علي البحر؟.

فقال: ما تري عرشاً؟.

قال: أري صادقين وكاذباً، أو كاذبين وصادقاً.ط.

ص: 91


1- كمال الدين وتمام النعمة، ج 2، ص 478، ح 2، باب: 47. روضة الواعظين، ج 2، ص 305. بحار الأنوار، ج 52، ص 195، ح 27، باب: 25. و مثله في كتاب النهاية في الفتن و الملاحم، ص 59.
2- راجع القاموس المحيط.

فقال رسول الله صلّي الله عليه و آله: ليس عليه دعوة)(1).

و يقال غرد الطائر كفرح وغرد تغريداً، وأغرد وتغرد، رفع صوته وطرب به.

قوله: (قد خبأت لك خبيئاً): أي أضمرت لك شيئاً، أخبرني به، قال الجزري فيه: إنه قال لابن صياد خبأت لك خبيئاً، قال: (هو الدُخ الدخ - بضم الدال وفتحها - الدخان، قال: عند رواق البيت يغشي الدخان، وفسر الحديث أنه أراد بذلك يَوْمَ تَأْتِي السَّماءُ بِدُخانٍ مُبِينٍ (2)(3).

وقيل: (إن الدجال يقتله عيسي بجبل الدً خان)(4) ، فيحتمل أن يكون أراد تعريضاً بقتله، لأن ابن صياد كان يظن أنه الدجال.

قوله: (اخسأ): يقال خسأت الكلب؛ أي طردته وأبعدته.

قوله: (فإنك لن تعدو أجلك): قال في شرح السنة، قال الخطائي:

(يحتمل وجهين: أحدهما: أنه لا يبلغ قدره أن يطالع الغيب من قبل الوحي الذي يوحي به إلي الأنبياء، ولا من قبل الإلهام الذي يلقي في روح الأولياء، وإنما كان الذي جري علي لسانه شيئاً ألقاه الشيطان حين سمع النبي صلّي الله عليه و آله يراجع به أصحابه قبل دخول النخل.

والآخر: أنك لن تسبق قدر اللّه فيك وفي أمرك)(5)

وقال أبو سليمان: (والذي عندي أن هذه القصة إنما جرت أيام مهادنة رسول اللّه صلّي الله عليه و آله اليهود وحلفاءهم، وكان ابن الصياد منهم أو دخيلاً في5.

ص: 92


1- بحار الأنوار، ج 52، ص 197، ح 27، باب: 25.
2- سورة الدخان، الآية: 10.
3- بحار الأنوار، ج 52، ص 197، باب: 25.
4- بحار الأنوار، ج 52، ص 197، باب: 25.
5- بحار الأنوار، ج 52، ص 197، باب: 25.

جملتهم، وكان يبلغ رسول اللّه صلّي الله عليه و آله خبره وما يدعيه من الكهانة، فامتحنه بذلك، فلما كلمه علم أنه مبطل، وأنه من جملة السحرة، أو الكهنة، أو ممن يأتيه أو يتعاهده شيطان فيلقي علي لسانه بعض ما يتكلم به، فلما سمع منه قوله: (الدُخ) زبره وقال: اخسأ فلن تعدو قدرك، يريد أن ذلك شيء ألقاه إليك الشيطان، وليس ذلك من قِبَلِ الوحي، وإنما كانت له تارات يصيب في بعضها و يخطئ في بعضها، وذلك معني قوله يأتي صادق وكاذب.

فقال له عند ذلك: خلط عليك)(1).

و بالجملة من أمره أنه كان فتنة قد امتحن اللّه به عباده ليهلك من هلك عن بينة و يحيي من حي عن بينة، و قد افتتن قوم موسي في زمانه بالعجل، فافتتن به قوم فأهلكوا ونجا من هداه اللّه وعصمه.

أقول: قد اختلف العامة في ابن صياد، هل هو الدجال أو غيره، فذهب جماعة إلي أنه غيره لما روي أنه تاب عن ذلك ومات بالمدينة، و كشفوا عن وجهه حتي رآه الناس ميتاً.

وروي عن أبي سعيد الخدري أيضاً مما يدل علي أنه ليس بدجال، وذهب جماعة إلي أنه هو الدجال، ورووه عن ابن عمر وجابر الأنصاري(2).

أقول: قال الصدوق بعد إيراد هذا الخبر: (إن أهل العناد و الجحود يصدقون. بمثل هذا الخبر، ويروونه في الدجال وغيبته، وطول بقائه المدة الطويلة وبخروجه في آخر الزمان، ولا يصدقون بأمر القائم عليه السّلام وإنه يعيب مدة طويلة، ثم يظهر فيملأ الأرض قسطاً وعدلاً كما ملئت جوراً وظلماً، بنص النبي صلّي الله عليه و آله و الأئمة بعده «صلوات اللّه عليهم» باسمه وعينه ونسبه، و بأخبارهم5.

ص: 93


1- بحار الأنوار، ج 52، ص 197، باب: 25.
2- بحار الأنوار، ج 52، ص 197، باب: 25.

بطول غيبته، إرادة لإطفاء نور اللّه، وإبطالاً لأمر ولي اللّه، ويأبي اللّه إلّا أن يتم نوره ولو كره المشركون.

وأكثر ما يحتجون به فِي دفعهم لأمر الحجة عليه السّلام، إنهم يقولون: لم ترو هذه الأخبار التي تروونها في شأنه ولا نعرفها، وكذا يقول من يجحد نبوة نبينا صلّي الله عليه و آله من الملحد و البراهمة، واليهود و النصاري، إنه ما صح عندنا شَيء مما تروونه من معجزاته ودلائله ولا نعرفها فنعتقد بطلان أمره لهذه الحجة، و متي لزمنا ما يقولون لزمهم ما تقوله هذه الطوائف، وهم أكثر عدداً منهم، ويقولون أيضاً ليس في موجب عقولنا أن يعمر أحد من زماننا عمراً يتجاوز عمر أهل الزمان، فقد تجاوز عمر صاحبكم علي زعمكم عمر أهل الزمان؟، فنقول لهم أتصدقون علي أن الدجال في الغيبة يجوز أن يعمر عمراً يتجاوز عمر أهل الزمان، وكذلك إبليس ولا تصدقون منَل ذلك لقائم آل محمد عليه السّلام مع النصوص الواردة فيه في الغيبة، وطول العمر و الظهور بعد ذلك للقيام بأمر الله عزّوجلّ.

وما يروي في ذلك من الأخبار التي قد ذكرتها في هذا الكتاب؟، ومع ما صح عن النبي صلّي الله عليه و آله أنه قال: كل ما كان في الأمم السالفة يكون في هذه الأمة مثله؛ حذو النعل بالنعل، والقذة بالقذة، و قد كان فيمن مضي من أنبياء اللّه عزّوجلّ وحججه عليه السّلام معمرون.

أما نوح عليه السّلام فإنه عاش ألفي سنة وخمسمائة سنة، ونطق القرآن بأنه لبث في قومه ألف سنة إلّا حمسين عاماً(1).].

ص: 94


1- كما في قوله تعالي: وَ لَقَدْ أَرْسَلْنا نُوحاً إِلي قَوْمِهِ فَلَبِثَ فِيهِمْ أَلْفَ سَنَةٍ إِلاّ خَمْسِينَ عاماً فَأَخَذَهُمُ.... [سورة العنكبوت، الآية: 14].

و قد روي في الخبر الذي أسندته في هذا الكتاب أن في القائم عليه السّلام سنة من نوح وهي طول العمر(1) ، فكيف يدفع أمره ولا يدفع ما يشبهه من الأمور التي ليس شيء منها في موجب العقول، بل لزم الإقرار بها لأنها رويت عن النبي صلّي الله عليه و آله.

وهكذا يلزم الإقرار بالقائم صلّي الله عليه و آله من طريق السمع، وفي موجب أي عقل من العقول أنه يجوز أن يلبث أصحاب الكهف ثلاثمائة سنة وازدادوا تسعاً(2) ، وهل وقع التصديق بذلك إلّا من طريق السمع؟!، فلِمَ لم يقع التصديق بأمر القائم عليه السّلام أيضاً من طريق السمع؟.

وكيف يصدقون. بما يرد في الأخبار عن وهب بن منبه و عن كعب الأحبار في المحالات التي لا يصح منها شيء في قول الرسول ولا في موجب العقول، ولا يصدقون بما يرد عن البي و الأئمة عليهم السّلام في القائم عليه السّلام وغيبته وظهوره، بعد شك أكثر الناس في أمره، وارتدادهم عن القول به، كما تنطق الآثار الصحيحة عنهم عليهم السّلام، هل هذا إلّا مكابرة في دفع الحق وجحوده؟!.

وكيف لا يقولون إنه لما كان في الزمان غير محتمل للتعمير وجب أن تجري سنة الأولين بالتعمير في أشهر الأجناس، تصديقاً لقول صاحب الشريعة عليه السّلام، ولا جنس أشهر من جنس القائم عليه السّلام لأنه مذكور في الشرق].

ص: 95


1- راجع كل من كمال الدين وتمام النعمة، ج 1، ص 321، ح 3، باب: 31. إعلام الوري، ص 427، فصل: 2. كشف الغمة، ج 2، ص 522، فصل: 2. الخرائج والجرائح، ج 2، ص 936. تفسير الصراط المستقيم، ج 2، ص 238، فصل: 2. بحار الأنوار، ج 51، 217، ح 4، باب: 13.
2- كما في قوله تعالي: وَ لَبِثُوا فِي كَهْفِهِمْ ثَلاثَ مِائَةٍ سِنِينَ وَ ازْدَادُوا تِسْعاً. [سورة الكهف، الآية: 25].

والغرب علي ألسنة المقرين به وألسنة المنكرين له، و متي بطل وقوع الغيبة بالقائم الثاني عشر من الأئمة عليهم السّلام مع الروايات الصحيحة عن النبي أنه صلّي الله عليه و آله أخبر بوقوعها به عليه السّلام بطلت نبوته؛ لأنه يكون قد أخبر بوقوع الغيبة. بمن لم تقع به، و متي صح كذبه في شيء لم يكن نبياً.

وكيف يصدق في أمر عَمَّار فيما أخبر به: (تقتله الفئة الباغية)(1) ، وفي أمير المؤمنين عليه السّلام أنه تخضب لحيته من دم رأسه، و في الحسن بن علي عليه السّلام أنه مقتول بالسم، وفي الحسين بن علي عليه السّلام أنه مقتول بالسيف(2) ، ولا يصدق فيما أخبر به من أمر القائم عليه السّلام ووقوع الغيبة به، والنص عليه باسمه زنسبه، بل هو صلّي الله عليه و آله صادق في جميع أقواله، مصيب في جميع أحواله، ولا يصح إيمان عبد حتي لا يجد في نفسه حرجاً مما قضي، ويسلم في جميع الأمور تسليماً لا يحالطه شك ولا ارتياب، و هذا هو الإسلام، و الإسلام هو الاستسلام والانقياد: وَ مَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الْإِسْلامِ دِيناً فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ وَ هُوَ فِي الْآخِرَةِ مِنَ الْخاسِرِينَ (3).

ومن أعجب العجب أن مخالفينا يروون: (أن عيسي بن مريم عليه السّلام مر بأرض كربلاء فرأي عدة من الظباء هناك مجتمعة فأقبلت إليه وهي تبكي، وأنه5.

ص: 96


1- التفسير المنسوب للإمام العسكري عليه السّلام، ص 50، أعظم الطاعات. مجموعة ورام، ج 2، ص 417. الاحتجاج، ج 1، ص 430، احتجاج أمير المؤمنين عليه السّلام. بحار الأنوار، ج 33، ص 7، باب: 63.
2- اصول الكافي، ج 1، ص 281، ح 4. الحرائج و الجرائح، ج 3، ص 1143، ح 55، باب : العلامات الحزينة الدالة علي صاحب الزمان وآبائه عليه السّلام. بحار الأنوار، ج 22، ص 479، ح 28، باب: 1.
3- سورة آل عمران، الآية: 85.

جلس و جلس الحواريون، فبكي وبكي الحواريون، وهم لا يدرون لِمَ جلس ولِمَ بكي.

فقالوا: يا روح اللّه وكلمته ما يبكيك؟.

فقال: أتعلمون أي أرض هذه؟.

قالوا: لا.

فقال: هذه أرض يقتل فيها فرخ الرسول أحمد، وفرخ الخيرة الطاهرة البتول، شبيهة أمي ويلحد فيها، هي أطيب من المسلث، لأنها طينة الفرخ المستشهد، وهكذا تكون طينة الأنبياء وأولاد الأنبياء، و هذه الظباء تكلمني وتقول إنها ترعي في هذه الأرض شوقاً إلي تربة الفرخ المبارك، وزعمت إنها آمنة في هذه الأرض.

ثم ضرب بيده إلي بعر تلك الظباء فشمها وقال اللهم أبقها أبداً حتي يشمها أبوه فتكون لَه عزاء وسلوة، وإنها بقيت إلي أيام أمير المؤمنين عليه السّلام حتي شمها وبكي وأبكي، وأخبر بقصتها لما مر بكربلاء)(1).

فيصدقون بأن بعر تلك الظباء بقي زيادة علي خمسمائة سنة لم تغيرها الأمطار و الرياح، ومرور الأيام و الليالي و السنين عليها، ولا يصدقون بأن القائم من آل محمد عليه السّلام يبقي حتي يخرج بالسيف فيبيد أعداء اللّه، و يظهر دين اللّه مع الأخبار الواردة عن البي و الأئمة «صلوات اللّه عليهم» بالنص عليه باسمه ونسبه وغيبته المدة الطويلة، وجري سنن الأولين فيه بالتعمير، هل هذا إلا عناد وجحود للحق)(2). انتهي كلام صاحب العوالم و الصدوق.5.

ص: 97


1- كمال الدين وتمام النعمة، ج 2، ص 482، باب: 47.
2- كمال الدين و تمام النعمة، ج 2، ص 482، باب: 47. الخرائج و الجرائح، ج 3، ص 1143، ح 55، باب: العلامات الحزينة الدالة علي صاحب الزمان و آبائه عليه السّلام. منتحب الأنوار المضيئة، ص 90، فصل: 7. بحار الأنوار، ج 52، ص 201، باب: 25.

أقول: ما ذكره في تفسير (الدُخ) هو المشهور بين المفسرين للحديث، و قد يدل ما قبله من الكلام عليه، وفي بعض النسخ (الدُح الدُح) - بالمهملتين - وعلي تقدير صحة هذه النسخة - بالحاء المهملة - يكون معني «الدُح» : الدس و النكاح، والدع في القضاء، كما في القاموس(1) ، ويصير المعني علي هذه النسخة إنه لخبثه أراد تخجيل الني صلّي الله عليه و آله ليقطع حجته، وعلي هذا يكون قول أمه ليراودني علي الأمر العظيم، إنه يراودها في نفسها، ويؤيده قولها إنه لمجهود في عقله يحدث في ثوبه، ولو أرادت بقولها في نفسها إنه ليراودني علي الأمر العظيم إنه يريد دعوي الألوهية و النبوة مع وصفها له بأنه مجهود في عقله، لكانت منكرة عليه فلا تستحق من النبي صلّي الله عليه و آله أن يلعنها ثلاثاً في كل مرة دخل عليه لعنه، واللّه أعلم.

وفِي ماقب ابن شهر آشوب وبشارة المصطفي عنه صلّي الله عليه و آله يقول: (من قاتلني في الأولي وقاتل أهل بيتي في الثانية حشره الله في الثالثة مع الدجال)(2).

أقول: الظاهر أن الأولي: هي الجاهلية الأولي من المشركين كأبي سفيان.

وفي الثانية: أي في الجاهلية الثانية؛ يعني الردة بعد موته، كمعاوية قاتل علياً، ويزيد بن معاوية قاتل الحسين عليه السّلام، حشره اللّه في الجاهلية في الثالثة؛ وهي خروج الدجال، واللّه سبحانه أعلم.7.

ص: 98


1- راجع القاموس المحيط.
2- مناف آل أبي طالب، ج 3، ص 217، فصل: في ظالميه وقاتليه. بشارة المصطفي لشيعة المرتضي، ص 88. أمالي الطوسي، ص 59. بحار الأنوار، ج 33، ص 105، ح 3، باب: 7.

وفي أمالي الشيخ عن أنس بن مالك قال؛ قال رسول اللّه صلّي الله عليه و آله:

(الدجال لا يدخل مكة و المدينة، علي كل شعب من شعابها ملك شاهر سيفه)(1).

وفي الإكمال عر النَّزال بن سبرة، قال: خطبنا علي بن أبي طالب عليه السّلام فحمد اللّه و أثني عليه، ثم قال: أسلوني أيها الناس قبل أن تفقدوني) ثلاثاً.

فقام إليه صعصة بن صوحان، فقال: يا أمير المؤمنين متي يخرج الدجال؟.

فقال لَه عليه السّلام: (اقعد قد سمع الله كلامك، وعلم ما أردت، والله ما المسؤول عنه بأعلم من السائل، ولكن لذلك علامات و هيئات يتبع بعضها بعضاً؛ كحذو النعل بالنعل، و إن شئت أنبأتك بها.

قال: نعم يا أمير المؤمنين.

فقال عليه السّلام: احفظ فإنّ علامة ذلك إذا أمات الناس الصلاة، وأضاعوا الأمانة، واستحلوا الكذب، وأكلوا الربا، وأخذوا الرشا، وشيدوا البنيان، وباعوا الدين بالدنيا، واستعملوا السفهاء، وشاوروا النساء، وقطعوا الأرحام، واتبعوا الأهواء، واستخفوا بالدماء.

وكان الحلم ضعيفاً، والظلم فخراً، و كانت الأمراء فجرة، والوزراء ظلمة، والعرفاء خونة، والقراء فسقة، وظهرت شهادة الزور، واستعلي الفجور، وقول البهتان و الإثم و الطغيان.

وحُلِّيَت المصاحف، وزخرفت المساجد، وطولت المنارات، وأكرمت الأشرار، وازدحمت الصفوف، واختلفت القلوب، و نقضت العهود، و اقترب2.

ص: 99


1- أمالي الطوسي، ص 392.

الموعود، وشارك النساء أزواجهن في التجارة حرصاً علي الدنيا، وعلت أصوات الفساق، واستمع منهم، وكان زعيم القوم أرذلهم، واتقي الفاجر مخافة شره، وصدق الكاذب، وائتمن الخائن، واتخذت القيان و المعازف، ولعن آخر هذه الأمة أولها، وركب ذوات الفروج السروج.

وتشبه النساء بالرجال و الرجال بالنساء، وشهد الشاهد من غير أن يستشهد، وشهد الآخر قضاء لذمام بغير حق عرفه وتفقه لغير الدين، وآثروا عمل الدنيا علي عمل الآخرة، ولبسوا جلود الضأن علي قلوب الذئاب وقلوبهم أنتن من الجيف، وأمر من المبر، فعند ذلك الوحا الوحا، ثم العجل العجل، خير المساكن يومئذ بيت المقدس، ليأتين علي الناس زمان يتمني أحدهم أنه من سكانه.

فقام إليه الأصبغ بن نباتة فقال: يا أمير المؤمنين مَنْ الدجال؟.

فقال: ألا إنّ الدجال صائد بن الصيد، فالشقي من صدقه، والسعيد من كذبه، يخرج من بلدة يقال لها أصبهان من قرية تعرف باليهودية، عينه اليمني ممسوحة، والعين الأخري في جبهته، تضيء كأنها كوكب الصبح، فيها علقة كأنها ممزوجة بالدم، بين عينيه مكتوب كافر، يقروه كل كاتب وأمي.

يخوض البحار، وتسير معه الشمس، بين يديه جبل من دخان، وخلفه جبل أبيض، يري الناس أنه طعام، يخرج حين يخرج في قحط شديد، تحته حمار أقمر، خطوة حماره ميل، تطوي له الأرض منهلاً منهلاً، لا يمر بماء إلّا غار إلي يوم القيامة.

ينادي بأعلي صوته يسمع ما بين الخافقين من الجن و الإنس والشياطين يقول: إليَّ أوليائي أنا الذي خلق فسوي، و قدَّر فهدي، أنا

ص: 100

ربكم الأعلي، وكذب عدو الله، إنه أعور، يطعم الطعام، ويمشي في الأسواق، و إنّ ربكم عزّوجلّ ليس بأعور، ولا يطعم، ولا يمشي، ولا يزول، - تعالي الله عن ذلك علواً كبيراً -.

ألا و إنّ أكثر أتباعه يومئذٍ أولاد الزنا، وأصحاب الطيالسة الخضر، يقتله الله عزّوجلّ بالشام علي عقبة تعرف بعقبة أفيق، لثلاث ساعات من يوم الجمعة علي يد من يصلي المسيح عيسي بن مريم خلفه، ألا إنَّ بعد ذلك الطامة الكبري.

قلنا: وما ذلك يا أمير المؤمنين؟.

قال: خروج دابة من الأرض من عند الصفا معها خاتم سليمان، وعصا موسي، تضع الخاتم علي وجه كل مؤمنٍ فينطبع فيه هذا مؤمن حقاً، فيضعه علي وجه كل كافر فيكتب فيه هذا كافر حقاً، حتي أنَّ المؤمن لينادي الويل لك يا كافر، وأن الكافر ينادي طوبي لك يا مؤمن، ووددت أني اليوم مثلك، فأفوز فوزاً عظيما، ثم ترفع الدابة رأسها فيراها من بين الخافقين بإذن (جل)، وذلك بعد طلوع الشمس من مغربها، فعند ذلك ترفع التوبة فلا توبة تقبل ولا عمل يرفع، ولا ينفع نفساً إيمانها لم تكن آمنت من قبل، أو كسبت في إيمانها خيراً.

ثم قال عليه السّلام: لا تسألون عما يكون بعد هذا فإنه عهده إليَّ حبيبي رسول الله، أن لا أخبر به غير عترتي.

فقال النزال بن سبرة لصعصعة بن صوحان: يا صعصعة ما عني أمير المؤمنين بهذا القول؟.

فقال صعصعة: يا بن سبرة إنَّ الذي يصلي عيسي بن مريم خلفه هو الثاني عشر من العترة، التاسع من ولد الحسين بن علي، و هو الشمس

ص: 101

الطالعة من مغربها، يظهر عند الركن و المقام، فيطهر الأرض، ويضع ميزان العدل، فلا يظلم أحد أحداً، فأخبر أمر المؤمنين عليه السّلام أن حبيبه رسول الله صلّي الله عليه و آله عهد إليه ألا يخبر بما يكون بعد ذلك غير عترته الأئمة «صلوات الله عليهم أجمعين»)(1).

أقول: «العرفاء»: جمع عريف، و هو القيم بأمور القبيلة، أو الجماعة من الناس(2) ، يلي أمورهم يتعرف الأمير عنه أحوالهم، و هو فعيل. بمعني فاعل.

و «الزعيم»: سيد القوم ورئيسهم(3). و «القينة»: الأمة المغنية(4).

و «المعازف» الملاهي(5) ؛ كالعود و الطنبور. و «الذِمام»: - بالكسر - الحق و الحرمة، و «حمار أقمر»: لونه إلي الخضرة أو بياض فيه كدرة. وفسر «الطيالسة»: جمع طيلسان، بأنه شبه الأردية يوضع علي الرأس و الكتفين والظهر.

و قال ابن الأثير في شرح مسند الشافعي: الطيلسان: أن يكون علي الرأس و الأكتاف.

وفي القاموس «الأفيق»: قرية بين حوران و الغور(6) ، ومنه عقبة أفيق، انتهي. و «أفيق»: كأمير.ن.

ص: 102


1- كمال الدين وتمام النعمة، ج 2، ص 476، ح 1، باب: 47. الخرائج و الجرائح، ج 3، ص 1133، باب: العلامات الحزينة الدالة علي صاحب الزماد و آبائه عليه السّلام. منتخب الأنوار الضيئة، ص 85، فصل: 7. بحار الأنوار، ج 52، ص 192، ح 26، باب: 25. مستدرك الوسائل، ج 12، ص 326، ح 1، باب: 39.
2- راجع لسان العرب.
3- راجع القاموس المحيط.
4- راجع لسان العرب.
5- راجع القاموس المحيط.
6- راجع معجم البلدان.

وفي رواية ابن عباس عر النبي صلّي الله عليه و آله: (وظهور الدجال يخرج بالمشرق من سجستان)(1) ، ويمكن الجمع بينهما أنه يخرج من حبسه من اليهودية، ويسير في الأرض، وقوة استيلائه من سجستان، أو ولادته فيها كما ذكرنا سابقا.

و في الاختصاص قال أبو جعفر عليه السّلام، كان أمير المؤمنين عليه السّلام يقول : (من أراد أن يقاتل شيعة الدجال فليقاتل الاكي علي دم عثمان، و الباكي علي أهل النهروان، إن من لقي الله مؤمناً بأن عثمان قتل مظلوماً لقي الله عزّوجلّ ساخطا عليه، ولا يموت حتي يدرك الدجال، فقال رجل: يا أمير المؤمنين فإن مات قبل ذلك؟.

قال: فيبعث من قبره حتي يؤمن به، و إن ركم أنفه)(2).

وفي بصائر الدرجات عن أبي جعفر عليه السّلام قال: (دخل عليه رجل من أهل بلخ، فقال له: يا خراساني! تعرف وادي كذا وكذا؟.

قال: نعم.

قال له: أتعرف صدعاً في الوادي من صفته كذا وكذا؟.

قال: نعم.

قال: من ذلك يخرج الدجال.

قال: ثم دخل عليه رجل من أهل اليمن، فقال: يا يماني أتعرف شعب كذا وكذا؟.

قال: نعم.5.

ص: 103


1- منتخب الأنوار المضيئة، ص 24، فصل: 3. بحار الأنوار، ج 52، ص 276، ح 172، باب: 25.
2- بحار الأنوار، ج 52، ص 219، ح 81، باب: 25.

قال له: تعرف شجرة في الشعب من صفتها كذا وكذا؟.

قال له: نعم.

قال له: تعرف صخرة تحت الشجرة؟.

قال له: نعم.

قال: فتلك الصخرة التي حفظت ألواح موسي علي محمد صلّي الله عليه و آله)(1).

وفي محاسن البرقي عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: قال رسول اللّه صلّي الله عليه و آله:

(من أبغضنا أهل البيت بعثه الله يهودياً.

قيل يا رسول الله: و إن شهد الشهادتين؟.

قال: نعم إنما احتجب بهاتين الكلمتين عن سفك دمه، أو يؤدي الجزية و هو صاغر.

ثم قال: من أبغضنا أهل البيت بعثه الله يهودياً.

قيل: وكيف يا رسول الله؟.

قال: إن أدرك الدجال آمن به)(2).

أقول: قد روي الشيخ أحمد بن فهد الحلي في كتاب المهذب وغيره، عن المعلي بن خنيس عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: (يوم النوروز هو اليوم الذي يظهر فيه قائمنا أهل البيت وولاة الأمر، ويظفره الله تعالي بالدجال فيصلبه علي كناسة الكوفة)(3).5.

ص: 104


1- بصائر الدرجات، ص 144، ح 7، باب: 11 ما يبين كيفية وصول الألواح إلي محمد وآله عليه السّلام. بحار الأنوار، ج 26، ص 189، ح 27، باب: 13.
2- المحاسن، ج 1، ص 90، ح 39، باب: 16. أمالي الصدوق، ص 468، ح 2، مجلس: 86. ثواب الأعمال، ص 213، عقاب من أبغض أهل بيت النبي صلّي الله عليه و آله. إعلام الدين، ص 400. بحار الأنوار، ج 27، ص 135، ح 132، باب: 4.
3- بحار الأنوار، ج 52، ص 276، ح 171، باب: 25.

فصل في ذكر شيء من احاديثهم في بعض آيات خروجه عليه السّلام و علاماته مضافاً إلي ما ذكر منها

فمنها كسوف الشمس، وخسوف القمر، و في إرشاد المفيد عن بدر بن الخليل الأزدي، قال: قال أبو جعفر عليه السّلام: (آيتان تكونان قبل القائم عليه السّلام لم يكونا منذ هبط آدم عليه السّلام إلي الأرض، تنكسف الشمس في النصف من شهر رمضان، وخسوف القمر في آخره.

قال؛ قلت: يا بن رسول الله! تنكسف الشمس في آخر الشهر، والقمر في النصف؟.

فقال: أبو جعفر عليه السّلام: إني لأعلم بما تقول ولكنهما آيتان لم تكونا منذ أهبط آدم عليه السّلام)(1).

وفي إكمال الدين عن ورد عن أبي جعفر عليه السّلام قال: (اثنان بين يدي هذا الأمر؛ كسوف القمر لخمس، وكسوف الشمس لحمس عشرة، ولم يكن ذلك منذ هبط آدم عليه السّلام إلي الأرض، وعند ذلك يسقط حساب المنجمين)(2).

ص: 105


1- الإرشاد، ص 359، باب: علامات قيام القائم عليه السّلام. فروع الكافي، ج 8، ص 179، ح 258. غيبة الطوسي، ص 444، باب: ذكر طرف من العلامات قبل خروجه عليه السّلام. الخرائج و الجرائح، ج 3، ص 1158، باب: العلامات الكائنة قبل خروجه عليه السّلام.. بحار الأنوار، ج 52، ص 213، ص 67، باب: 25.
2- كمال الدين وتمام النعمة، ج 2، ص 594، ح 25، باب: 57. العدد القوية، ص 66، نبذذ عن أحوال الامام الحجة عليه السّلام. منتخب الأنوار المضيئة، ص 178، ص 178، فصل: 11. بحار الأنوار، ج 52، ص 207، باب: 25.

وفيه عن أبي بصير عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: (تنكسف الشمس لخمس مضين في شهر رمضان قبل قيام القائم عليه السّلام)(1).

أقول: قيل: (يحتمل وقوعهما معاً)(2) ، لأن انخسافهما ليس بالحيلولة خاصة ليكون ممتنعاً، وإنما إنخسافهما بغمس جرمهما في بحر الظلمة، وذلك كما يحصل في القمر بحيلولة الأرض، وفي الشمس بحيلولة القمر، كذلك يحصل بغير ذلك.

أقول: ووجه التعليل صحيح، إلّا أنَّ الظاهر أنَّ في هذا الحديث تغييراً من النساخ، إما بأن لفظ عشرة سقط من الناسخ، أو بأن (مضين) مصحف (عشرة) حيث اشتبهت علي الناسخ فتوهمها مضين وهي عشرة، ويؤيد الأخير قوله: في شهر رمضان، ولم يقل: من شهر رمضان، و إن كان يجوز في حروف الإضافة قيام بعضها مقام بعض، لكن المتعارف و المتداول في التخاطب أن يقال مضين من شهر رمضان، ويقال و للمعني عشرة في شهر رمضان ومن شهر رمضان.

وفي غيبة النعماني عن أبي بصير، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: (علامة خروج المهدي عليه السّلام كسوف الشمس في شهر رمضان في ثلاث عشرة و أربعة عشر منه)(3).

أقول: في هذا الحديث ليلة ثلاث عشرة، والذي قبله لخمس و الذي قبلهما لخمس عشرة، فأما وجه الجمع بين الخمس و الخمس عشرة فكما5.

ص: 106


1- كمال الدين وتمام النعمة، ج 2، ص 595، ح 28، باب: 57. بحار الأنوار، ص 52، ص 207، ح 43، باب: 25.
2- بحار الأنوار، ج 52، ص 207، ح 63، باب: 25.
3- غيبة النعماني، ص 280، ح 47، باب: 14. بحار الأنوار، 52، ص 342، ح 114، باب: 25.

سمعت، و أما الجمع بين هذا وبين الأخير أنها تنكسف لثلاث عشرة فأوجه ما يجمع بينهما، ومجمل الاختلاف علي توهم الراوي، أو من باب إلقاء الخلاف بين الشيعة، من قبيل: (أنا الذي خالفت بينكم)، و يجول في خاطري أنه لما كان جريان الآية قبل قيام الحجة عليه السّلام علي ما هو المعروف الذي ينطبق عليه قاعدة حساب المنجمين من أمر الحيلولة المعروفة، كان ذلك عادة مستمرة ووقوعهما دليلاً علي قيام القائم عليه السّلام، وعلامته بها السنة التي يقوم فيها، لا بد وأن يكون ذلك معجزة من اللّه سبحانه، ومن شأن المعجزة كونها خارقة للعادة، والخارق للشيء إذا جري علي الحكمة الطبيعية المشتملة علي أكملية المعجزة ينبغي أن يكون بعكس العادة، فعلي هذا الأولي كون كسوف الشمس في النصف من شهر رمضان، وخسوف القمر من آخره، كما هو مذكور في خبر الإرشاد المتقدم.

فإذا تقرر هذا في الجملة، فاعلم أن خسوفهما العادي يكون في القمر في ثلاث عشرة وأربع عشر وخمس عشرة، وفي الشمس في ثمانية وعشرين وتسعة وعشرين، فعلي هذا لقائل أن يقول لعل الإمام عليه السّلام إنما يريد مطلق التعاكس بين وقتي الخسوف و الكسوف لا خصوص العدد، فلذا قال:

(والقمر في آخره)، وقال: (و الشمس في خسة عشر)، ومرة قال: (في ثلاث عشرة)؛ لأن ذلك وقت خسوف القمر فيكون للشمس وما للشمس للقمر.

ويحتمل أنه عليه السّلام بعد أن تبين التعاكس للمعجز أخبر مرة بخمس عشرة ومرة بثلاث عشرة، مشيراً إلي أن التعاكس كائن، والتخصيص بخمس عشرة أو ثلاث عشرة إلي اللّه سبحانه، يمحو ما يشاء ويثبت(1).].

ص: 107


1- اشارة الي قوله تعالي: يَمْحُوا اللّهُ ما يَشاءُ وَ يُثْبِتُ وَ عِنْدَهُ أُمُّ الْكِتابِ. [سورة الرعد، الاية: 39].

و أما توجيه حديث ورد في القمر في قوله: (كسوف القمر لخمس)، فلا يبعد أن يكون الراوي وهم في ذكر القمر مكان الشمس، بقرينة بعض نسخ الحديث كما هنا في قوله: (كسوف القمر)، والغالب إنما يقال خسوف القمر وكسوف الشمس، وكون كسوفها و للمعني قد سمعت توجيهه، وذكر الشمس بعد ذكره القمر لا ينافِي حمل ذكر القمر علي التوهم، لجواز أن يكون قد ذكر الشمس مرتين، إما لأن الإمام عليه السّلام ذكر الشمس و القمر في ذلك المجلس في وقتين، وروي ما فهم منه علي ما وهم فيه بصورة وقت واحد.

و إما لأنه عليه السّلام ذكر الشمس بأنها تنكسف في الخامس عشر، ولم يسمع الراوي لفظ عشرة ثم بعد أن أخر ذكر الشمس بأنها تنكسف في الخامس عشر، فلما سمع أن الإمام عليه السّلام ذكر كسوف الشمس لخمسة عشر وقبل لم يسمع منه إلا لخمس توهم أنها في القمر، لئلا يتنافي عنده كلام الإمام عليه السّلام.

ويحتمل أن يكون عليه السّلام أخبر بأن القمر ينخسف لخمس مضين من شهر رمضان، إما لتجويز ذلك في القدرة لأنه تعالي يمحو ما يشاء ويثبت، و إما لأن المقصود من المعجز: صدوره علي خلاف العادة، ويتحقق ذلك بخسوف القمر لخمس ليال، ويؤيد مضافاً إلي ما أشرنا إليه من احتمال إرادة مطلق مخالفة العادة ما في بعض نسخ الحديث من لفظ: خسوف القمر مكان كسوف الشمس، لأنه غالباً هو المتعارف في التعبير، علي أنا لو فرضنا ثبوت لفظ كسوف لا غير لم يكن فيه عظيم المنافاة، لأنهما قد يستعمل أحدهما مكان الآخر.

ويحتمل أنه من قبيل: (أنا الذي خالفت بينكم).

ص: 108

فصل و منها الصحيحة و النداء من السماء و الارض و قتل النفس الزكية

في تفسير علي بن إبراهيم عن أبي جعفر عليه السّلام في قوله: وَ لَوْ تَري إِذْ فَزِعُوا فَلا فَوْتَ (1) ، قال: (من الصوت، وذلك الصوت من السماء.

وقوله: وَ أُخِذُوا مِنْ مَكانٍ قَرِيبٍ (2) ، قال: من تحت أرجلهم خسف بهم)(3).

أقول: هذه الصيحة صيحة جبرائيل عليه السّلام بجيش السفياني في البيداء، فتنخسف بهم كما يأتي إن شاء اللّه تعالي، ويجوز أن يراد بالصيحة نداوه اليوم الثالث و العشرين من شهر رمضان عند الفجر باسمه عليه السّلام ونسبه، فإنهم إذا سمعوا ذلك فزعوا واضطربوا، و هذه الصيحة سبب للخسف بهم، أو أنّ نداء إبليس في اليوم الثالث و العشرين من شهر رمضان آخر النهار، هو أخذهم من مكان قريب، لأنه دعاهم إلي ما هو قريب من نفوسهم، فلذا يركنون إلي ندائه ويشكون في النداء الأول، واحتمال إرادة هذا التأويل باطن، والأول هو الظاهر من تأويل الآية.

ص: 109


1- سورة سبأ، الاية: 51.
2- سورة سبأ، الآية: 51.
3- تفسير القمي، ج 2، ص 205، سورة سبأ، آية: 51. بحار الأنوار، ج 52، ص 185، ح 11، باب: 25. تفسير البرهان، ج 6، ص 348، ح 3، سورة سبأ، آية: 51.

و في إكمال الدين عن ميمون البان، قال: كنت عند أبي جعفر عليه السّلام في فسطاطه، فرفع حانب الفسطاط نقال: (إنّ أمرنا لو قد كان لكان أبين من هذه الشمس.

ثم قال: ينادي منادٍ من السماء فلان ابن فلان هو الإمام باسمه، وينادي إبليس - لعنه الله - من الأرض كما نادي برسول اللّه صلّي الله عليه و آله ليلة العقبة)(1).

وفيه عن الثمالي قال: لأبي عبد اللّه عليه السّلام أن أبا جعفر كان يقول:

(إنّ خروج السفياني من الأمر المحتوم؟.

قال لي: نعم، واختلاف ولد العباس من المحتوم، وقتل النفس الزكية من المحتوم، وخروج القائم عليه السّلام من المحتوم.

فقلت له: فكيف يكون النداء؟.

قال: ينادي منادٍ من السماء أول النهار ألا إنَّ الحق في علي وشيعته، ثم ينادي إبليس - لعنه الله - في آخر النهار ألا إنّ الحق في السفياني وشيعته، فيرتاب عند ذلك المبطلون)(2).5.

ص: 110


1- كمال الدين وتمام النعمة، ج 2، ص 589، ح 4، باب: 57. الخرائج و الجرائح، ج 3، ص 1160، باب: العلامات الكائنة قبل خروج المهدي عليه السّلام.
2- كمال الدين وتمام النعمة، ج 2، ص 591، ح 14، باب: 57. غيبة الطوسي، ص 425، باب: ذكر طرف من العلامات قبل خروجه عليه السّلام. كشف الغمة، ج 2، ص 459، باب: ذكر علامات قيام القائم عليه السّلام ومدة خلافته. إعلام الوري، ص 445، فصل : 1. الإرشاد، ص 358، باب: علامات قيام القائم عليه السّلام. بحار الأنوار، ح 52، ص 206، ح 40، باب: 25.

و عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: (ينادي منادٍ باسم القائم عليه السّلام خاص أو عام.

قال: عام يسمع كل قوم بلسانهم.

قلت: فمن يخالف القائم عليه السّلام و قد نودي باسمه؟.

قال: لا يدعهم إبليس حتي ينادي في آخر الليل فيشكك الناس)(1).

أقول: الظاهر أنه في آخر النهار، كما هو في سائر الأخبار، ولا يبعد أن يكون سهواً من النساخ، لأن بعض نسخ إكمال الدين ليس فيها ذكر آخر الليل أصلاً، لو كان نسخة لأثبتت فلم يبق إلّا أن أحدهما غلط فيحمل الغلط في آحر الليل، لأن آخر النهار هو الموافق للأخبار والاعتبار.

وفي تفسير العياشي، عن عجلان أبي صالح قال: سمعت أبا عبد اللّه عليه السّلام يقول: الا تمضي الأيام و الليالي حتي ينادي منادٍ من السماء، يا أهل الحق اعتزلوا، يا أهل الباطل اعتزلوا، فيعزل هؤلاء من هؤلاء، ويعزل هؤلاء من هؤلاء.

قال؛ قلت: أصلحك الله يخالط هؤلاء وهؤلاء بعد ذلك النداء؟.

قال: كلا إنه يقول في الكتاب: ما كانَ اللّهُ لِيَذَرَ الْمُؤْمِنِينَ عَلي ما أَنْتُمْ عَلَيْهِ حَتّي يَمِيزَ الْخَبِيثَ مِنَ الطَّيِّبِ (2)(3).9.

ص: 111


1- كمال الدين وتمام النعمة، ج 2، ص 590، ح 8، باب: 57. بحار الأنوار، ج 52، ص 205، ح 35، باب: 25.
2- سورة آل عمران، الآية: 179.
3- تفسير العيَّاشي، ج 1، ص 231، سورة آل عمران، آية: 179. غيبة النعماني، ص 320، ح 9، باب: 21. بحار الأنوار، ج 52، ص 222، ح 86، باب: 25. تفسير البرهان، ج 2، ص 133، ح 1، سورة آل عمران، آية: 179.

وفي غيبة النعماني عن أبي عبد اللّه عليه السّلام أنه قال: (إذا رأيتم ناراً من قبل المشرق شبه الهردي العظيم تطلع ثلاثة أيام أو سبعة فتوقعوا فرج آل محمد عليه السّلام إن شاء الله عزّوجلّ إن الله عزيز حكيم.

ثم قال: الصيحة لا تكون إلّا في شهر رمضان، لأن شهر رمضان شهر الله، والصيحة فيه هي صيحة جبرائيل إلي هذا الخلق.

ثم قال: ينادي منادٍ من السماء باسم القائم عليه السّلام فيسمع من في المشرق و المغرب، لا يبقي راقد إلَّا استيقظ، ولا قائم إلَّا قعد، ولا قاعد إلَّا قام علي رجليه فزعاً من ذلك الصوت، فرحم الله من اعتير بذلك الصوت فأجاب، فإن الصوت الأول هو صوت جبرائيل الروح الأمين عليه السّلام.

ثم قال عليه السّلام: يكون الصوت في شهر رمضان في ليلة جمعة ليلة ثلاث وعشرين، فلا تشكوا في ذلك واسمعوا وأطيعوا.

وفي آخر النهار صوت الملعون إبليس ينادي: ألا إنَّ فلاناً قتل مظلوماً لشكك الناس ويفتنهم، فكم في ذلك اليوم قد هوي في النار.

فإذا سمعتم الصوت في شهر رمضان فلا تشكوا أنه صوت جبرائيل.

وعلامة ذلك أنه ينادي باسم القائم، واسم أبيه حتي تسمعه العذراء في خدرها، فتحرض أباها وأخاها علي الخروج.

وقال: لا بد من هذين الصوتين قبل خروج القائم عليه السّلام، صوت من السماء؛ و هو صوت جبرائيل، باسم صاحب هذا الأمر، واسم أبيه، والصوت الثاني من الأرض؛ و هو صوت إبليس اللعين ينادي اسم فلان أنه

ص: 112

قتل مظلوماً يريد الفتنة، فاتبعوا الصوت الأول وإياكم و الأخير أن تفتتنوا به)(1) ، إلي اخر ما مر في حوامع علامات خروجه.

أقول: أراد بفلان المظلوم في الصوت الثاني عثمان.

وفيه عن أبي عبد اللّه عليه السّلام أنه قال: (العام الذي فيه الصيحة قبله الآية في رجب، قلت: وما هي؟.

قال: وجه يطلع في القبر ويدانيه)(2).

أقول: في الهامشة مكتوب القمر ولعله أظهر، و هو بدل القبر، والظاهر الذي ورد في الأخبار أن الآية تطلع في الشمس، وتطلع في شهر رجب بدن بلا رأس، وفي رواية رأس بلا بدن، وفي أخري كف، و لم يذكر في القمر شيء إلّا في نسخة هذا الحديث، فلعله سهواً من الناسخ و الراوي، فقد روي في غيبة الطوسي في حديث طويل عن أبي الحسن الرضا عليه السّلام منه أنه قال:

الا بد من فتنة صماء صيلم يسقط فيها كل بطانة ووليجة، وذلك عند فقدان الشيعة الثالث من ولدي، يبكي عليه أهل السماء و الأرض، و كم من مؤمن متأسف حيران حزين عند فقد الماء المعين، كأني بهم أسر ما يكونون و قد نودوا نداء يسمعه من بعد كما يسمعه من قرب، يكون رحمة للمؤمنين، وعذاباً للكافرين.

قلت: وأي نداء هو؟.5.

ص: 113


1- غيبة النعماني، ص 262، ح 13، باب: 14. بحار الأنوار، ج 52، ص 230، ح 96، باب: 25.
2- الرواية في المصدر المذكور: (وجه يطلع في القمر، ويد بارزة) و في بعض النسخ: (وجه يطلع في القبر ويدانيه). غيبة النعماني، ص 261، ح 10، باب: 14. بحار الأنوار، ج 52، ص 233، ح 97، باب: 25.

قال: ينادون في رجب ثلاثة أصوات؛ صوتاً منها أَلا لَعْنَةُ اللّهِ عَلَي الظّالِمِينَ (1).

والصوت الثاني: أزفت الازفة يا معشر المؤمنين.

والصوت الثالث: يرون بدناً بارزاً نحو عين الشمس، هذا أمير المؤمنين قد كرّ في هلاك الظالمين)(2).

وفي رواية الحميري: (و الصوت الثالث بدن يري في قرن الشمس، يقول إنّ الله بعث فلاناً فاسمعوا له وأطيعوا).

وقالا جميعاً: (فعند ذلك يأتي الناس الفرج وتود الناس لو كانوا أحياء، وَ يَشْفِ صُدُورَ قَوْمٍ مُؤْمِنِينَ (3)(4).

أقول: وبالجملة فلعل القبر تصحيف القمر كما ذكره في الهامشة، ولعل القمر توهم أو غلط عند ذكر الشمس، واللّه أعلم.

وقوله: (و يدانيه): لعل ذلك تصحيف يد آتية؛ يعني تري يد في عين الشمس، فإنه روي أنه يطلع كف ويصير آتية صفة ليد؛ يعني إتها تأتي أي4.

ص: 114


1- سورة هود، الاية: 18.
2- غيبة الطوسي، ص 439، ح 431، باب: ذكر العلامات الكائنة قبل خروجه عليه السّلام. كيبة النعماني، ص 186، ح 28. عيرن أخبار الرضا عليه السّلام، ج 2، ص 9، ح 14، باب: 30. الخرائج و الجرائح، ج 3، ص 1168، ح 65، باب: العلامات الكائنة قبل خروج المهدي عليه السّلام. دلائل الإمامة، ص 242، باب: معرفة وجوب القائم عليه السّلام. بحار الأنوار، ج 36، ص 337، ح 200، باب: 41.
3- سورة التوبة، الآيه: 14.
4- غيبة الطوسي، ص 439، ح 431، ذكر طرف من العلامات الكائنة قبل خروجه عليه السّلام. الخرائج و الجرائح، ح 3، ص 1169، باب: العلامات الكائنة قبل خروج المهدي عليه السّلام. بحار الأنوار، ج 52، ص 171، باب: 24.

تظهر بعد البدن، لأن ظهورهما من المحتوم، ففيه عن أبي عبد اللّه عليه السّلام أنه قال: (النداء من المحتوم، والسفياني من المحتوم، واليماني من المحتوم، وقتل النفس الزكية من المحتوم، وكف تطلع من السماء من المحتوم.

قال: وفزعة في شهر رمضان توقظ النائم، وتفزع اليقظن، و تخرج الفتاة من خدرها)(1).

أقول: المراد بالكف الطالع من السماء؛ كف علي ظاهر يلمع.

وفيه عن زرارة قال: قلت لأبي عبد اللّه عليه السّلام النداء حق؟.

قال: (أي و الله حتي يسمعه كل قوم بلسانهم.

وقال: أبو عبد الله عليه السّلام لا يكون هذا الأمر حتي يذهب تسعة أعشار الناس)(2).

أقول: يراد بهذا الذهاب معنيان: أحدهما: ما يقع بالناس من الموت الأحمر؛ أي السيف، ومن الموت الأبيض؛ أي الطاعون.

وثانيهما: ما يقع بهذا الخلق من التمحيص و الاختبار حتي لا يبقي من العشرة سالم من الموت الأحمر أو الأبيض، ثابت علي دين الحق إلّا واحد، وإليه الإشارة في قوله عليه السّلام المتقدم: (أما ترضون أن تكونوا من الثلث الباقي)(3) فظهر مما ذكرنا أن الصيحة و النداء علي أنحاء مختلفة، أما صيحة جبرائيل بجيش السفياني في البيداء؛ فهي بعد قيام الحجة عليه السّلام، و أما صيحتهع.

ص: 115


1- غيبة النعماني، ص 261، ح 11، باب: 14. بحار الأنوار، ج 52، ص 233، ح 98، باب: 25.
2- غيبة النعماني، ص 283، ح 54، باب: 14. بحار الأنوار، ج 52، ص 244، ح 120، 25.
3- تقدم تخريجه فراجع.

في شهر رمضان، فهي النداء باسمه عليه السّلام قبل قيامه بثلاثة أشهر، وسبعة عشر يوماً.

و أما الصيحات الثلاث في شهر رجب، فالظاهر أنه أمير المؤمنين، «صلوات اللّه عليه» وهي: أَلا لَعْنَةُ اللّهِ عَلَي الظّالِمِينَ (1).

و الثانية: أزفت الآزفة يا معشر المؤمنين.

و الثالثة: هذا أمير المؤمنين قد كرّ في هلاك الظالمين، كما تقدم.

ويحتمل أن المنادي ملك يأمره عليه السّلام بقرينة قوله هذا أمير المؤمنين... إلخ.

و أما نداء المائدة فيحتمل أنه جبرائيل عليه السّلام لأنه المنادي غالباً.

ويحتمل أنه ميكائيل عليه السّلام أو ملك عنه بقرينة المائدة، فإنها أرزاق الوحوش و الطير، فإنه موكل بالأرزاق، وذلك كما في غيبة النعماني عن أبي عبد اللّه عليه السّلام أنه قال: (إنّ لله مائدة)(2).

وفي رواية غير هذا: (مأدبة بقرقيسا، يطلع مطلع من السماء فينادي : يا طير السماء ويا سباع الأرض، هلموا إلي الشبع من لحوم الجبارين)(3).

أقول: «المأدبة» بالهمزة وفتح الدال المهملة وضمها قبل الموحدة من تحت: طعام يصنعه الرجل يدعو إليه الناس(4) ؛ و هو. بمعني المائدة، كما في هذه الرواية.ب.

ص: 116


1- سورة هود، الآية: 18.
2- غيبة النعماني، ص 287، ح 63، باب: 14. بحار الأنوار، ج 52، ص 246، ح 125، باب: 25.
3- غيبة النعماني، ص 287، ح 63، باب: 14 بحار الأنوار، ج 52، ص 246، ح 125.
4- راجع لسان العرب.

و «قرقيسا»: بلد علي الفرات، سمي باسم بانيها قرقيسا بن طمهورث، و هذه الدعوة يحتمل علي الظاهر وقوعها قبل قيام القائم عليه السّلام، لأن ذكرها في سياق الحوادث التي هي علامات، و عليه يجوز أن تكون الخارجين قبله عليه السّلام و هو المشار إليه بالموت الأحمر، وأن يكون من السفياني فإنه يقتل سبعين كبشاً من بني العباس المشار إليهم في هذه الرواية علي الاحتمال بقوله:

(من لحوم الجبارين)، وكذلك ما يقتل من غيرهم، وما يقتل من عساكره، و يشير إليه ما رواه جابر عن أبي جعفر عليه السّلام أنه قال: (يا جابر! لا يظهر القائم عليه السّلام حتي يشمل الشام فتنة يطلبون المخرج منها فلا يجدونه، ويكون قتل بين الكوفة و الحيرة قتلاهم علي سواء، وينادي منادِ من السماء، بقيام القائم عليه السّلام)(1) ، يعني بعد ذلك القتك ومعه وبعده، والمنَادي كما مر في شهر رمضان، فتكون المائدة علي الظاهر.

أقول: يريد (أن قتلاهم علي حد سواء) القاتل و المقتول في النار من فتنة السفياني و الدجال وأشباههما.

و يحتمل وقوعها بعد قيامه عليه السّلام، وكترة ما يسفك من دماء البغاة وقتلة الأئمة الهداة عليه السّلام و الراضين بأفعالهم، حتي يلقي اللّه تعالي في قلبه عليه السّلام الرحمة، واللّه أعلم.

و الحاصل: أنّ الأحاديث في ذكر النداء و الصيحة كثيرة جداً، مما سمعت وما لم تسمع مما سنذكره وما لم نذكره، و قد ذكرنا سابقاً أنّ من العلامات6.

ص: 117


1- غيبة النعماني، ص 288، ح 65، باب: 14. بحار الأنوار، ج 52، ص 297، ح 57، باب: 26.

المحتومة قتل النفس الزكية بين الركن و المقام، وأنه ليس بين قتله وقيام القائم عليه السّلام إلا حمس عشرة ليلة(1).

ومما يدل علي ذلك ما رواه في الاكمال عن صالح مولي بني العذراء، قال: سمعت أبا عبد اللّه الصادق عليه السّلام يقول: (ليس بين قيام قائم آل محمد وبين قتل النفس الزكية إلّا خمس عشرة ليلة)(2). وفي غيبة الطوسي عن ثعلبة مثله(3).

وفيه عن سفيان بن إبراهيم الحريري، أنه سمع أباه يقول: (النفس الزكية غلام من آل محمد، اسمه محمد بن الحسن، يقتل بلا جرم ولا ذنب، فإذا قتلوه لم يبق لهم في السماء عاذر، ولا في الأرض ناصر، فعند ذلك يبعث الله قائم آل محمد في عصبة لهم أدق في أعن الناس من الكحل، فإذا خرجوا بكي لهم الناس، لا يرون إلّا أنهم يختطفون، يفتح لهم مشارق الأرض ومغاربها، ألا وهم المؤمنون حقاً، ألا إنّ خير الجهاد في آخر الزمان)(4).

أقول: و هذا هو الذي أرسله عليه السّلام من المدينة إلي أهل مكة، فيذبحونه بين الركن و المقام.5.

ص: 118


1- تقدم تخريجه فراجع.
2- كمال الدين وتمام النعمة، ج 2، ص 588، ح 2، باب: 57. كشف الغمة، ج 2، ص 360، باب: ذكر علامات قيام القائم عليه السّلام. الخرائج و الجرائح، ج 3، ص 1112، باب: العلامات الكائنة قبل خروجه عليه السّلام.
3- غيبة الطوسي، ص 445، ح 440، باب: ذكر طرف من العلامات الكائنة قبل خروجه عليه السّلام.
4- بحار الأنوار، ج 52، ض 217، ح 78، باب: 25.

فصل في بعض ما يدل علي خروجه عليه السّلام

و هو مما تقدم في الاختصاص للمفيد بسنده عن حذيفة قال: سمعت رسول اللّه صلّي الله عليه و آله يقول: (إذا كان عند خروج القائم ينادي منادٍ من السماء، أيها الناس قطع عليكم مدة الجبارين، وولي الأمر خير أمة محمد فالحقوا بمكة، فيخرج النجباء من مصر، والأبدال من الشام، وعصائب العراق رهبان بالليل ليوث بالنهار، كأن قلوبهم زبر الحديد، فيبايعونه بين الركن والمقام.

قال عمران بن الحصين: يا رسول الله صف لنا هذا الرجل؟.

قال: هو رجل من ولد الحسين، كأنه من رجال شنوة، عليه عبايتان قطوانيتان، اسمه اسمي، فعند ذلك تفرح الطيور في أوكارها، و الحيتان في بحارها، وتمد الأنهار، وتفيض العيون، وتنبت الأرض ضعف أكلها، ثم يسير مقدمته جبرائيل، وساقيه إسرافيل، فيملأ الأرض عدلاً وقسطاً كما ملئت جوراً وظلماً)(1).

أقول: «النجباء» جمع النجيب: وهم صنف من الأولياء، قال في الرسالة الصوفية المسماة بالحقيقة المحمدية النجباء: (وهم الأربعون، وقيل السبعون القائمون بإصلاح أمور الناس و حمل أثقالهم، المتصرفون في حقوق الخلق لا غيرهم أهل القلوب، وتخلقوا بأخلاق اللّه، وتجلي لهم الغيب،

ص: 119


1- الاختصاص، ص 208، في إثبات إمامة الأئمة الإثني عشر عليه السّلام. بحار الأنوار، ج 52، ص 304، ح 73، باب: 26.

وانكشف لهم السر، وظهر عندهم حقيقة الأمر، و تحققوا بالأنوار الإلهية، وتقلبوا في الأطوار الربوبية).

وقيل: إنهم تحت الأبدال فوق الصالحين، لأنهم يقولون إنه لا بد للنظام في تمامه من قطب؛ و هو مخل نظر اللّه من العالم، وأربعة أركان وأربعين بدلاً، وسبعين نجيباً، وثلاث مائة وستين صالحاً، فلو اختل هذا العدد من العالم بطل النظام.

ونقله منا الشيخ اٍبراهيم الكفعمي في حاشية كتابه الجنة أخذه عنهم، و لم نجد لذلك في أخبارنا إلّا ما أشار إليه علي بن الحسين عليه السّلام في حديث الخيط الأصفر في قوله: (معرفة التوحيد أولاً، ثم معرفة المعاني ثانياً، ثم معرفة الأبواب ثالثا، ثم معرفة الإمام رابعاً، ثم معرفة الأركان خامساً، ثم معرفة النقباء سادساً، ثم معرفة النجباء سابعاً)(1). ولم يذكر شيئاً من عدد الأركان، ولا النقباء، ولا النجباء.

نعم روي في أخبارنا في ذكر حال الحجة عليه السّلام في قوله عليه السّلام: (نعْمَ المنزل طيبة، وما بثلاثين من وحشة)(2).

ويمكن إرادة الأبدال وأنهم ثلاثون، و أما قول أهل التصوف و من حذا حذوهم بأن الأبدال أربعون فلم نجده في أخبارنا.

وفي القاموس: (والأبدال قوم بهم يقيم اللّه عزّوجلّ الأرض، و هم سبعون؛ أربعون بالشام، وثلاثون بغيرها، لا يموت أحدهم إلا قام مكانه آخر من سائر3.

ص: 120


1- بحار الأنوار، ج 26، ص 12، باب: 14.
2- غيبة النعماني، ص 194، ح 41، باب: 10. غيبة الطوسي، ص 162، ح 121. بحار الأنوار، ج 52، ص 157، ح 20، باب: 23.

الناس)(1) ، و هذا التفصيل أيضاً ما وقفت عليه من طرقنا، وبالجملة معني البدل ما ذكره في القاموس.

وفي غيبة النعماني عن عبد اللّه بن سنان قال: كنت عند أبي عبد اللّه عليه السّلام فسمعت رجلاً من همدان يقول: (إنّ هؤلاء العامة يعيروننا ويقولون لنا أنكم تزعمون أنّ منادياً ينادي من السماء باسم صاحب هذا الأمر، وكان متكئاً فغضب و جلس.

ثم قال: لا ترووه عني، وارووه عن أبي، ولا حرج عليكم في ذلك، أشهد أني سمعت أبي عليه السّلام يقول: والله إنَّ ذلك في كتاب الله عزّوجلّ لَبَيُّنٌ حيث يقول: إِنْ نَشَأْ نُنَزِّلْ عَلَيْهِمْ مِنَ السَّماءِ آيَةً فَظَلَّتْ أَعْناقُهُمْ لَها خاضِعِينَ (2).

فلا يبقي في الأرض يومئذِ أحد إلّا خضع وذلت رقبته لها، فيؤمن أهل الأرض إذا سمعوا الصوت منَالسماء ألا إن الحق في علي بن أبي طالب عليه السّلام وشيعته، فإذا كان الغد صعد إبليس في الهواء حتي يتواري من أهل الأرض، ثم ينادي ألا إن الحق في عثمان بن عفان وشيعته، فإنه قتل مظلوماً فاطلبوا بدمه، قال: يثتب الله الذين آمنوا بالقول الثابت علي الحق و هو النداء الأول، ويرتاب يومئذ الذين في قلوبهم مرض، و المرض و الله عداوتنا.

فعند ذلك يتبروون منا ويتناولوننا فيقولون: إنَّ المنادي الأول سحر من سحر أهل هذا اليت، ثم تلا أبو عبد الله عليه السّلام قول الله عزّوجلّ: وَ إِنْ يَرَوْا آيَةً يُعْرِضُوا وَ يَقُولُوا سِحْرٌ مُسْتَمِرٌّ (3)(4).0.

ص: 121


1- راجع القاموس المحيط.
2- سورة الشعراء، الآية: 4.
3- سورة القمر، الآية: 2.
4- غيبة النعماني، ص 268، ح 19، باب: 14. بحار الأنوار، ج 52، ص 292، ح 40.

وفي إكمال الدين صت المفضل بن عمر الجعفي، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال سمعته يقولي: (إياكم و التنوية، أما و الله ليغيبن إمامكم سنين من دهركم، وليمحصن حتي يقال مات أو هلك بأي واد سلك، ولتدمعن عليه عيون المؤمنين، و لتكفأن كما تكفأ السفن في أمواجً البحر، فلا ينجو إلّا من أخذ الله ميثاقه وكتب في قلبه الإيمان، وأيده بروح منه، ولترفعن مع رايته اثنتا عشرة راية متشابهة، ولا يدري أي من أي.

قال: فبكيت.

قال لي: ما يبكيك؟.

فقلت: فكيف لا أبكي وأنت تقول اثنتا عشرة راية متشابهة، لا يدري أي من أي فكيف نصنع؟.

قال: فنظر إلي الشمس داخلة في الصفة.

فقال: يا أبا عبد الله تري هذه الشمس؟.

قلت: نعم.

قال: والله لأمرنا أبين من هذه الضمس)(1).

وفي غيبة النعماني، كلت حماد بن عبد الكريم الجلاب قال: ذكر القائم عليه السّلام عند أبي عبد اللّه عليه السّلام فقال: (أما أنه لو قد قام لقال الناس أني يكون هذا و قد بليت عظامه، مذ كذا وكذا)(2).6.

ص: 122


1- كمال الدين و تمام النعمة، ج 2، ص 325، ح 36، باب: 33. غيبة النعماني، ص 154، ح 10، باب: 10. غيبة الطوسي، ص 337، ح 285، فصل: 5. دلائل الإمامة، ص 286، باب: معرفة ما ورد من الأخبار في وجوب الغيبة. بحار الأنوار، ج 52، ص 281، ح 9، باب: 26.
2- كيبة النعماني، ص 155، ح 14، باب: 10. غيبة الطوسي، ص 59، ح 56. بحار الأنوار، 51، ص 148، ح 20، باب: 6.

وفيه عن أبي عبد اللّه عليه السّلام أنه قال: (أما النداء الأول من السماء باسم القائم عليه السّلام في كتاب الله لَبَيِّن.

فقلت: أين أصلحك الله؟.

فقال: في طسم * تِلْكَ آياتُ الْكِتابِ الْمُبِينِ قوله: إِنْ نَشَأْ نُنَزِّلْ عَلَيْهِمْ مِنَ السَّماءِ آيَةً فَظَلَّتْ أَعْناقُهُمْ لَها خاضِعِينَ (1)

قال: إذا سمعوا الصوت أصبحوا و كأنما علي رووسهم الطير)(2).

أقول: قال الجزري في صفة الصحابة: (كأنما علي رووسهم الطير) وصفهم بالسكون و الوقار، وأنهم لم يكن فيهم طيش ولا خفة، لأن الطير لا تكادتقع إلّاعلي شيء ساكن(3).

فيه عن هشام بن سالم قال؛ قلت لأبي عبد اللّه عليه السّلام أن الحريري أخا إسحاق يقول إنكم تقولون هما نداءان فأيهما الصادق من الكاذب، فقال أبو عبد اللّه عليه السّلام: (قولوا لَه إنَّ الذي أخبرنا بذلك وأنت تنكر أنَّ هذا يكون، هو الصادق)(4).

و في هذا الإسناد قال: سمعت أبا عبد اللّه عليه السّلام يقول: (هما صيحتان؛ صيحة في أول الليل، وصيحة في آخر الليل الثانية.

قال؛ فقلت: كيف ذلك؟.8،

ص: 123


1- سورة الشعراء، الآيات: 1-2-4.
2- غيبة النعماني، ص 270، ح 23، باب: 14. بحار الأنوار، ج 52، ص 293، ح 41، باب: 26.
3- بحار الأنوار، ج 16، ص 169، باب: 8.
4- عية النعماني، ص 273، ح 30، باب: 14. بحار الأنوار، ج 52، ص 295، ح 48،

قال؛ فقال: واحدة من السماء، وواحدة من إبليس.

فقلت: كيف تعرف هذه من هذه؟.

فقال: يعرفها من كان يسمع بها قبل أن تكون)(1).

أقول: قوله عليه السّلام: (صيحة في أول الليل، وصيحة في آخر الليل)، يحتمل أن يراد بأول الليل أول النهار، وآخر الليل آخر النهار، لأن أحدهما يطلق علي الآحر، كما قال تعالي في آية زكريا عليه السّلام قال: آيَتُكَ أَلاّ تُكَلِّمَ النّاسَ ثَلاثَةَ أَيّامٍ إِلاّ رَمْزاً (2). و قال تعالي: آيَتُكَ أَلاّ تُكَلِّمَ النّاسَ ثَلاثَ لَيالٍ سَوِيًّا (3) ، إما لأن اليوم عبارة عن دورة الفلك أربعاً وعشرين ساعة، فيسمي باعتبار الوجود نهاراً ويوماً، وباعتبار الكثرة ليلاً، و أما لأن الليل أصل للنهار في رتبة الصعود، كما قال تعالي: وَ آيَةٌ لَهُمُ اللَّيْلُ نَسْلَخُ مِنْهُ النَّهارَ (4) ، فيسمي النهار ليلاً، والنهار أصل الليل في رتبة الترول، كما قال تعالي: وَ لاَ اللَّيْلُ سابِقُ النَّهارِ (5) فيسمي الليل نهاراً.

ويحتمل أن يكون قوله عليه السّلام: (الثانية) يراد معني الأخري، يعني السابقة بمعني أن واحدة أول الليل؛ وهي صيحة إبليس آخر نهار اليوم الثالث و العشرين من شهر رمضان.

والثانية؛ أي الأولي أعني صيحة جبرائيل عليه السّلام أول نهار اليوم الثالث والعشرين، لأنه الفجر.0.

ص: 124


1- غيبة النعماني، ص 274، ح 31، باب: 14. بحار الأنوار، ج 52، ص 295، ح 49، باب: 26.
2- سورة آل عمران، الاية: 41.
3- سورة مريم، الآية: 10.
4- سورة يس، الاية: 37.
5- سورة يس، الآية: 40.

والداعي لحمل هذا الليل علي النهار أن الموجود في الأخبار المتكثرة أنّ الصيحتين في النهار، ولأن الفائدة إسماع الخلق، و وقوعه من النهار أقرب لحصول الغرض.

وقوله عليه السّلام في الحديث الذي قبل هذا: (قولوا لَه إنَّ الذي أخبرنا بذلك وأنت تنكر أن هذا يكون هو الصادق)(1). فيه استخدام يعني: هو الصادق وأنت في إنكارك أنت الكاذب، ويعني هو الصادق جعفر بن محمد الذي لا تقدر علي رد قوله، و أتي عليه السّلام بالجواب علي ألطف وجه.

وفيه ما يدل علي ذلك، و هو ما رواه بسنده عن عبد الرحمن بن مسلم قال: قلت لأبي عبد اللّه عليه السّلام: (إن الناس يوبخونا ويقولون: من أين يعرف المحق من المبطل إذا كانتا؟.

فقال: ما تردون عليهم؟.

قلت: فما نرد عليهم شيئاً.

قال: فقال: قولوا لهم يصدق بها إذا كانت من كان مؤمناً بها قبل أن تكون، قال الله عزّوجلّ: أَ فَمَنْ يَهْدِي إِلَي الْحَقِّ أَحَقُّ أَنْ يُتَّبَعَ أَمَّنْ لا يَهِدِّي إِلاّ أَنْ يُهْدي فَما لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ (2)(3).

أقول: يعني قولوا لهم أنتم ما علمتم بأنه ستكون صيحتان، و إذا أخبر به نحبر فإن لم يكن خبره موافقاً للواقع بأن لم تقع صيحتان فلا حاجة في استعلام شيء رإن وقعتا، فالذي أخبركم بوقوعهما قبل أن يقعا يجب اتباعه6.

ص: 125


1- تقدم تخريجه فراجع.
2- سورة يونس، الآية: 35.
3- فروع الكافي، ج 8، ص 177، ح 252. غيبة النعماني، ص 274، ح 32، باب: 14. بحار الأنوار، ج 52، ص 296، ج 50، باب: 26.

وتصديقه في تعيين صيحة الحق من صيحة الباطل، لأنه هداكم إلي الحق فهو أحق أن يتبع(1).

وفيه عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: [ليلة الجمعة أهبط الرب تعالي ملكاً إلي السماء الدنيا، فإذا طلع الفجر جلس ذلك الملك علي العرش فوق البيت المعمور، ونصب لمحمد وعلي و الحسن و الحسين عليه السّلام منابر من نور، فيصعدون عليها ويُجْمَعُ لهم الملائكة و النبيون و المؤمنون، وتفتح أبواب السماء.

فإذا زالت الشمس قال رسول الله صلّي الله عليه و آله: يا رب! ميعادك الذي وعدت به في كتابك و هو هذه الآية: وَعَدَ اللّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَ عَمِلُوا الصّالِحاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ (2).

ويقول الملائكة و النبيون مثل ذلك، ثم يخر محمد وعلي و الحسن والحسين سجداً، ثم يقولون: يا رب اغضب فإنه قد هتك حريمك، وقتل أصفياؤك، وأذل عبادك الصالحون، فيفعل الله ما يشاء، وذلك وقت معلوم)(3).

أقول: الذي يرد علي خاطري في معني المراد بهذا الدعاء في هذا الحديث أن تلك الليلة ليلة الجمعة هي الليلة العاشرة من المحرم، التي يخرج في صبيحتها الحجة «عجل الله فرجه» فيدخل المسجد الحرام و هو يسوق عنيزات4،

ص: 126


1- مقتبس من قوله تعالي: أَ فَمَنْ يَهْدِي إِلَي الْحَقِّ أَحَقُّ أَنْ يُتَّبَعَ أَمَّنْ لا يَهِدِّي إِلاّ أَنْ يُهْدي فَما لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ. [سورة البقرة، الآية: 143].
2- سورة المائدة، الآية:
3- غيبة النعماني، ص 284، ح 56، باب: 14. بحار الأنوار، ج 52، ص 297، ح 54،

معه حتي يدخل بها المسجد، ونقل أنه يدخل وخطيب القوم علي المنبر فيقتله بعصا موسي ثم يغيب، فإذا جاء عشية تلك الليلة ليلة الجمعة وهي ليلة السبت الحادية عشرة من المحرم، صعد سطح الكعبة نصف الليل ونادي أنصاره الثلاثمائة وثلاتة عشر، وكان اجتماعهم عليهم السّلام مع الملائكة و النبيين حين انسك سيف ذو الفقار من غمده، و علم الحجة وهم عليهم السّلام بحصول الأذن في خروجه عليه السّلام، فاجتمعوا يسألون اللّه سبحانه إنجاز ميعاده، وذلك حين دخوله عليه السّلام المسجد يسوق العنيزات السبع أو الثمان، و هو حينئذٍ غير معروف الحال.

فقوله عليه السّلام: (يفعل الله ما يشاء): إشارة إلي استجابة دعوتهم وإنجاز وعده لهم، لأنه لو لم يشأ ذلك لما أذن له في الظهور.

ويحتمل في خاطري ما هو أرجح من الأول؛ و هو أنهم يعني محمداً وعلياً، والحسن و الحسين «صلي اللّه عليه وعليهم» لما نظروا إلي الأصلاب و لم يروا في شيء من أصلاب الكفار أحداً من المؤمنين، بل وقع التنزيل الذي وعدهم اللّه عنده اجتمعوا لاستنجاز الوعد، فلما أجابهم عزّوجلّ وعرفوا الإجابة . بما ألقي في قلوبهم من برد الإجابة، وبخروج سيف ذو الفقار من غمده دخل المسجد الحرام وقتل خطيبهم، وصعد ليلة السبت ظهر الكعبة علي نحو ما يأتي إن شاء اللّه تعالي.

وفيه عن يعقوب السراج قال: قلت لأبي عبد اللّه عليه السّلام متي فرج ميعتكم؟، قال: فقال: (إذا اختلف ولد العباس، ووهي سلطانهم، وطمع فيهم من لم يكن يطمع، وخلعت العرب أعنتها، ورفع كل ذي صيصة صيصته، وظهر الشامي، وأقبل اليماني، وتحرك الحسني، وخرج صاحب هذا الأمر من المدينة إلي مكة بتراث رسول الله صلّي الله عليه و آله.

فقلت: وما تراث رسول الله صلّي الله عليه و آله.

ص: 127

قال: سيفه ودرعه وعمامته، وبردته وقضيبه، ورايته ولامته وسرجه، حتي ينزل بأعلي مكة فيخرج السيف من غمده، ويلبس الدرع، وينضر الراية و البردة و العمامة، ويتناول القضيب بيده، ويستأذن الله في ظهوره، فيطلع علي ذلك بعض مواليه، فيأتي الحسني فيخبره الخبر فيبتدر الحسني إلي الخروج، فيثب عليه أهل مكة ويقتلونه، ويبعثون برأسه إلي الشام، فيظهر عند ذلك صاحب الأمر، فيبايعه الناس ويتبعونه.

ويبعث الشامي عند ذلك جيشاً إلي المدينة فيهلكهم الله عزّوجلّ دونها، ويهرب يومئذٍ من كان بالمدينة من ولد علي عليه السّلام إلي مكة، فيلحقون بصاحب هذا الأمر.

ويقبل صاحب الأمر نحو العراق، ويبعث جيشاً إلي المدينة فيأمن أهلها ويرجعون إليها)(1).

أقول: «خلعت العرب أعنتها»: أي خرجت عن طاعتهم، و طلب كل منهم الرياسة لنفسه، وخروجهم عن سلطان العجم تملكهم البلاد، كما ذكره المفيد في الإرشاد(2).

و «الصِيصِة» بكسر الصادين، ثم الياء المثناة من تحت المفتوحة المخففة:

الحصن، وما يمتنع به ورفعه علّاه(3).

و قوله: (فيخرج السيف من غمده) علي ما يظهر لي أن خروخ السيف بعد أن سألوا اللّه عزّوجلّ إنجاز الوعد وبعد قتل الخطيب، لأنه حين قتك الخطيب لم يلبس الدرع و لم ينشر الراية... إلخ.ب.

ص: 128


1- غيبة النعماني، ص 279، ح 43، باب: 14. فروع الكافي، ج 8، ص 188، ح 285. بحار الأنوار، ج 52، ص 301، ح 66، باب: 25.
2- الارشاد، ص 357، باب: علامات قيام القائم عليه السّلام.
3- راجع لسان العرب.

و الاستئذان في الظهور ملابس للبس لامة الحرب.

ويحتمل أنَّ خروج السيف قبل السؤال، وإنه مع النظر ما في الأصلاب باعثان علي السؤال، أو هو الباعث علي النظر، والنظر باعث علي السؤال، واللّه أعلم.

وفي الكافي عن عيض بن القاسم قال: سمعت أبا عبد اللّه عليه السّلام يقول : (عليكم بتقوي الله وحده لا شريك لَه، وانظروا لأنفسكم فو الله إن الرجل ليكون له الغنم فيها الراعي، فإذا وجد رجلاً هو أعلم بغنمه من الذي كان فيها، والله لو كانت لأحدكم نفسان يقاتل بواحدة يجرب بها، ثم كانت الأخري باقية تعمل علي ما قد استبان لها، ولكن لَه نفس واحدة إذا ذهبت، فقد و الله ذهبت التوبة، فأنتم أحق أن تختاروا لأنفسكم إن أتاكم آت منا، فانظروا علي أي شيء تخرجون، ولا تقولوا خرج زيد، فإن زيداً كان عالماً، وكان صدوقاً، ولم يدعكم إلي نفسه، إنما دعاكم إلي الرضا من آل محمد عليه السّلام، ولو ظهر لوفي بما دعاكم إليه، إنما خرج إلي السلطان مجتمع لينقضه، فالخارج ما اليوم إلي أي شيء يدعوكم إلي الرضا من آل محمد عليه السّلام، فنحن نشهدكم أنا لسنا نرضي به و هو يعصينا اليوم، وليس معه أحد، و هو إذا كان الرايات و الألوية أجدر، ألا يسمع منا إلّا من اجتمعت بنو فاطمة معه، فو الله ما صاحبكم إلّا من اجتمعوا عليه، إذا كان رجب فاقبلوا علي اسم الله عزّوجلّ.

و إن أحببتم أن تتأخروا إلي شعبان فلا جبر.

و إن أحببتم أن تصوموا في أهاليكم فلعل ذلك أن يكون أقوي، وكفاكم بالسفياني علامة)(1).3.

ص: 129


1- فروع الكافي ج 8، ص 218، ح 381. بحار الأنوار، ج 52، ص 301، ح 67، باب: 26. وسائل الشيعة، ج 15، ص 50، باب: 13.

أقول: لعل المراد بقوله: (إذا كان رجب فاقبلوا علي اسم الله عزّوجلّ) بعد أن نهاكم عن الحركة و القيام، و إن كان مع أحد منهم من أولاد فاطمة عليه السّلام أنه رجب الخامس، فإن الأربعة قد مضت كما دلت عليه رواية قرب الإسناد للشيخ الجليل الثقة أبي جعفر بن عبد اللّه بن جعفر بن الحسين بن جامع بن مالك الحميري القمي، علي قول ابن إدريس، أو لوالد عبد اللّه بن جعفر كما صرح به النجاشي بسنده إلي البيزنطي قال: سمعت الرضا عليه السّلام يقول: (يزعم ابن أبي حمزة أن جعفراً زعم أن أبي القائم عليه السّلام وما علم جعفر بما حدث من أمر الله، فو الله لقد قال الله - تبارك وتعالي - يحكي عن رسوله صلّي الله عليه و آله: ما أَدْرِي ما يُفْعَلُ بِي وَ لا بِكُمْ إِنْ أَتَّبِعُ إِلاّ ما يُوحي إِلَيَّ (1).

وكان أبو جعفر عليه السّلام يقول: أربعة أحداث تكون قبل قيام القائم تدل علي خروجه؛ منها أحداث قد مضي فيها ثلاثة، وبقي واحد.

قلنا: جعلنا فداك وما مضي منها؟.

قال: رجب خلع فيه صاحب خراسان، ورجب وثب فيه علي ابن زبيدة، ورجب يخرج فيه محمد بن إبراهيم بالكوفة.

قلنا له: فالرجب الرابع متصل به؟.

قال: هكذا قال أبو جعفر)(2).

أقول: هكذا: يعني ذكر أبو جعفر الأمر مجملاً ولم يبين اتصاله بها أو انفصاله، فالأول خلع صاحب خراسان الظاهر أنه المأمون، لأنه وقع في رجب حين خلعه الأمين عن الخلافة، وأمر بمحو اسمه عن الدراهم.5.

ص: 130


1- سورة الأحقاف، الآية: 9.
2- قرب الإسناد، ص 374، ح 1330. بحار الأنوار، ج 52، ص 182، ح 7، باب: 25.

والخطب الثاني: خلع الأمين محمد بن زبيدة كان في رجب أيضاً.

والثالث: إشارة إلي ظهور محمد بن إبراهيم بن إسماعيل بن إبراهيم بن الحسن المعروف بابن طباطبا بالكوفة، لعشر خلون من جمادي الآخرة في نحو مائتين من الهجرة متصلاً برجب، ولا يبعد أن يكون المراد بقوله عليه السّلام:

(هكذا قال أبو جعفر عليه السّلام)، تقرير السائل علي قوله، فالرجب الرابع متصل به، فيكون الرابع دخوله، أي الرضا عليه السّلام خراسان بعد خروج محمد بن إبراهيم بسنة تقريباً.

ويحتمل أن يكون دخوله خراسان في رجب علي الظاهر، فإذا كان رجب من السنة التي يخرج فيها القائم عليه السّلام بعث اللّه من شاء اللّه أن يبعثه مع القائم عليه السّلام لنصرته.

وفيه الثلاث الصيحات كما تقدم، واستيلاء السفياني علي الكور الخمس من الشام، وبعثه عسكر إلي الكوفة، وعسكر إلي المدينة، فهذا رجب الخامس في كل واحد منها آية، أو آيات لظهور القائم عليه السّلام في تلك السنة.

ص: 131

ص: 132

فصل في كيفية خروجه عليه السّلام

فصل [في كيفية خروجه عليه السّلام(1)]

اعلم أن خروج الحجة عليه السّلام أول الاستدارة الثانية للفلك علي الاستقامة، فيجب أن يكون علي الهيئة التي خلق عليها العالم، ودار عليها الفلك علي تمام استقامة النظام، فيجب أن يكون يوم خروجه يوم النوروز، لأنه اليوم الذي خلق اللّه فيه العالم، فعن المعلي بن خنيس، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: (يوم النورور هو اليوم الذي يظهر فيه قائمنا أهل البيت، وولاة الأمر يظفره الله تعالي بالدجال، فيصلبه علي كناسة الكوفة، وما من يوم نوروز إلّا ونحن نتوقع فيه الفرج، لأنه من أيامنا حفظته الفرس، وضيعتموه)(2).

وفي الإكمال عن أبي بصير قال: قال أبو عبد اللّه عليه السّلام: (يخرج القائم عليه السّلام يوم السبت يوم عاشوراء، اليوم الذي قتل فيه الحسين عليه السّلام)(3).

و في غيبة الطوسي عن علي بن مهزيار قال: قال أبو جعفر عليه السّلام:

(كأني بالقائم يوم عاشوراء يوم السبت قائماً بين الركن و المقام، بين يديه

ص: 133


1- المصنف قدّس سرّه يتحدث في هذا الكتاب عن سيرة الامام المهدي عليه السّلام في فصلين؛ هدا هو الفصل الأول، والفصل الثاني يأتي ذكره.
2- عوالي اللآلي، ج 3، ص 40. بحار الأنوار، ج 52، ص 308، ح 84، باب: 26.
3- كمال الدين وتمام النعمة، ج 2، ص 593، ح 19، باب: 57. نهذيب الأحكام، ج 4، ص 333، ح 112، باب: 72. العدد القوية، ص 65، نبذة من أحوال القائم عليه السّلام. بحار الأنوار، ج 52، ص 285، ح 17، باب: 26.

جبرائيل عليه السّلام ينادي البيعة لله، فيملؤها عدلاً كما ملئت ظلماً و جوراً)(1).

وفي الخصال عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: (يخرج قائمنا أهل البيت يوم الجمعة)(2).

وفي غيبة الطوسي عن أبي بصير قال: قال أبو عبد اللّه عليه السّلام: (إن القائم «صلوات الله عليه» ينادي باسمه في ثلاث وعشرين، ويقوم يوم عاشوراء، يوم قتل فيه الحسين بن علي عليه السّلام)(3).

وفي غيبة النعماني عن أبي بصير، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: (يقوم القائم يوم عاشوراء)(4).

وفي إرشاد المفيد عن أبي بصير، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: (لا يخرج القائم عليه السّلام إلّا في وتر من السنين، سنة إحدي أو ثلاث، أو خمس أو سبع أوتسع)(5).

ص: 134


1- غيبة الطوسي، ص 453، ح 459، ذكر طرف من العلامات الكائنة قبل خروجه عليه السّلام. بحار الأنوار، ج 52، ص 290، ح 30، باب، 26.
2- الخصال، ج 2، ص 394، ح 101، ما جاء في يوم السبت. روضة الواعظين، ج 2، ص 392. بحار الأنوار، ج 7، ص 59، ح 3، باب: 4. مستدرك الوسائل، ج 7، ص 380، باب: 40.
3- غيبة الطوسي، ص 352، ح 458، ذكر طرف من العلامات الكائنة قبل خروجه عليه السّلام. الإرشاد، ص 361، باب: علامات قيام القائم عليه السّلام ومدة طهوره. روضة الواعظين، ج 2، ص 263، مجلس في ذكر إمامة صاحب الزمان عليه السّلام. كشف الغمة، ج 2، ص 462، ذكر علامات قيام القائم عليه السّلام. تفسير الصراط المستقيم، ج 2، ص 250، فصل: 9. بحار الأنوار، ج 52، ص 290، ح 29، باب: 26.
4- غيبة النعماني، ص 291، ح 68، باب: 14. كمال الدين وإتمام النعمة، ج 2، ص 593، ح 19، باب: 57. تهذيب الأحكام، ج 4، ص 333، باب: 72.
5- الارشاد، ص 361، باب: علامات قيام القائم عليه السّلام ومدة ظهوره. غيبة الطوسي، ص 453، ح 460، ذكر طرف من العلامات الكائنة قبل خروجه عليه السّلام. روضة الواعظين، ج 2، ص 263، مجلس في ذكر إمامة صاحب الزمان عليه السّلام. كشف الغمة، ج 2، ص 534، فصل: 2. منتخب الأنوار، ص 35، فصل: 3.

أقول: قد دلت الأخبار عنهم عليهم السّلام علي أنه يخرج في وتر من السنين، كما أشعر به هذا الخبر، ويكون في عاشوراء اليوم العاشر من المحرم، ويكون يوم الجمعة، ويكون يوم النوروز، بعد أن يغيب كما لبث نوح في قومه.

أما الوتر من السنين؛ فلأنه عدد مستأنف، ينبغي أن يبتدأ فيه بالوتر.

وفي عاشوراء اليوم العاشر من المحرم؛ لأنه اليوم الذي قتل فيه الحسين عليه السّلام، و هو عليه السّلام ولي دمه، فيخرج في يوم قتله لطلب ثأره.

وفي يوم الجمعة الذي تجتمع فيه الخصوم.

وفي يوم النوروز؛ لأن خروجه عليه السّلام إبتداء يوم جديد، ودين جديد(1) ، ونشأة أخري غير النشأة الدنيا، وبعد أن يغيب غيبته كما لبث نوح في قومه، ليتزيل ما في أصلاب أعدائه من أوليائه، للعلة التي صابر نوخ عليه السّلام قومه لأجلها، وللعلة التي أخرت دعوة موسي وهارون أربعين سنة بعد إجابتها.

وفي يوم السبت؛ لأجل قطع دابر القوم الذين ظلموا.

فإذا توفرت الشروط ظهر بلا مهلة، لأن ظهوره لطف لا يجوز في الحكمة منعه إلا لمانع لا يكون ذلك اللطف معه لطفاً، فإذا نظر في الأصلاب ودعا محمد وأهل بيته انسل ذو الفقار من غمده، و إذا انسل ذو الفقار من غمده وجد الباعث في قلبه علي الخروج.ر.

ص: 135


1- المقصود من الدين الجديد؛ هو الاسلام نفسه، لأنه يعود غريبا كما بدأ غريباً كما في الخبر.

وبالجملة: يحصل لَه الباعت علي الخروج بالأسباب، أو أن الباعث هو المتمم للأسباب، والباعث شيء يقذفه اللّه في قلبه عليه السّلام.

وفي غيبة الطوسي عن المفضل بن عمر، قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن تفسير جابر، قال عليه السّلام: الا تحدث به السفلة فيذيعونه، أما تقرأ كتاب الله: فَإِذا نُقِرَ فِي النّاقُورِ (1) إنّ منا إماماً مستتراً، فإذا أراد الله إظهار أمره، نكت في قلبه نكتة فظهر فقام بأمر الله تعالي)(2).

أفؤل: و هذه النكتة هي [النقر]، والنقر هو النكت، و الناقور هو الصور، و هو قلب الإمام عليه السّلام، وراجع هنا ما مر.9.

ص: 136


1- سورة المدثر، الآية: 8.
2- غيبة الطوسي، ص 164، ح 126. كمال الدين وتمام النعمة، ج 2، ص 328، ح 42، باب: 33. بحار الأنوار، ج 2، ص 70، ح 29.

فصل في بعض كيفية خروجه عليه السّلام

اعلم أن الأخبار في ذلك كثيرة جداً، مشتملة علي معانٍ متعددة، لا يكاد يجمعها خبر، نعم أغلب تلك العاني توجد في حديث المفضل بن عمر، و سيأتي إن شاء اللّه تعالي(1) ، ونحن نذكر شيئاً من تلك المعاني تحصيلاً لبعض الترتيب في هذا الفصل، وتقدم من هذا حديث الاختصاص.

وفي غيبة الطوسي عن حذيفة، قال: سمعت رسول اللّه صلّي الله عليه و آله وذكر المهدي، فقال: (إنه يبايع بين الركن و المقام، اسمه أحمد، وعبد الله، والمهدي، فهذه أسماوه ثلاثتها)(2).

أقول: لما كان محمد صلّي الله عليه و آله خاتم النبيين، والحجة عليه السّلام خاتم الوصيين، اقتضت الحكمة أن يسمي بأسمائه، وكان صلّي الله عليه و آله في الأرض محمداً، وفي السماء أحمد، و هو عبد اللّه في اللقب، وأبو القاسم في الكنية، وكان خاتم الولاية سمياً لَه، فاسمه «عجل اللّه فرجه» محمد، ويسمي بأحمد، و هو الاسم الذي يخفي كالأول، يعني أن اسمه الذي يخفي عن العامة محمد خوفاً عليه منهم، و اسمه

ص: 137


1- راجع الفصل الرابع و العشرين من هذا الكتاب.
2- غيبة الطوسي، ص 454، ح 463، ذكر طرف من العلامات الكائنة قبل خروجه عليه السّلام. الخرائج و الجرائح، ج 3، ص 1149، باب: العلامات الكائنة قبل خروجه عليه السّلام. منتخب الأنوار المضيئة، ص 25، فصل: 3. بحار الأنوار، ج 52، ص 290، ح 33، باب: 26.

الذي يخفي معناه عن كثير من شيعته أحمد، وإنما يعرفونه بالأول، وله اسم يظهر، و هو المهدي، وبه يعرف عند الخاصة و العامة؛ لأنه غير معين لَه، فلا يخشي عليه من إظهار هذا الاسم لعدم التخصيص.

وفي الاكمال في وصف أمير المؤمنين للقائم عليه السّلام: (وله اسمان: اسم يخفي، واسم يعلن، فأما الذي يخفي فأحمد، و أما الذي يعلن فمحمد)(1).

المراد أن اسمه محمد يعلن بعد الغيبة الكبري، و أما ما قبلها فهو أيضاً يخفي لما قلنا، و هو في غيبته في السماء، في قرية يقال لها: «كرعة» في اليمن، بواد يقال لّه: شمروخ و شمريخ، روي المفيد «رحمه اللّه» في الكفاية بسنده قال : قالي رسول اللّه صلّي الله عليه و آله: (يخرج من اليمن، من قرية يقال لها كرعة، علي رأسه عمامتي، متدرع بدرعي، متقلد بسيفي ذو الفقار، ومناد ينادي: هذا المهدي خليفة الله فاتبعوه)(2).

وفي مكاتبة الحجة عليه السّلام للمفيد «رحمه اللّه»: (فنحن مقيمون بأرض اليمن، بوادٍ يقال له شمروخ وسمريخ و السلام).

و عن عبد اللّه بن عمر راوي حديث الكفاية السابق علي هذه المكاتبة،1.

ص: 138


1- كمال الدين وتمام النعمة، ج 2، ص 592، ح 17، باب: 57. الخرائج و الجرائح، ج 3، ص 1149، باب: العلامات الكائنة قبل خروجه عليه السّلام. إعلام الوري، ص 465، فصل: 4. منتخب الأنوار المضيئة، ص 27، فصل: 3. بحار الأنوار، ج 51، ص 35، ح 4، باب: 4. وسائل الشعة، ج 16، ص 244، باب: 33.
2- كفاية الأثر، ص 146. تفسير الصراط المستقيم، ج 2، ص 153، فصل: 5. بحار الأنوار، ج 36، ص 333، ح 195، باب: 41.

قال علي بن عيسي: (هذا حديث حسن رزقناه عالياً)(1) ، أخرجه أبو الشيخ الأصفهاني في عواليه.

أقول: هذه القرية بطيبة، كما أشير إليه في قوله عليه السّلام في الكافي، عن أبي عبد اللّه أنه قال: (لا بد لصاحب هذا الأمر من غيبة، ولا بد له في غيبته من عزلة، ونعم المنزل طيبة، وما بثلاثين من وحشة)(2) ، يعني و اللّه أعلم أن هذه القرية التي يقال لها كرعة في الوادي المذكور، والمسمي شمروخ و شمريخ في اليمن، و قد كان معه من الأبدال و النقباء ثلاثون نقيباً، و هذا كلام جري علي غير ظاهره، فالمراد باليمن جهة العقل من الولاية، والمراد بطيبة التي هي المدينة المشرفة طيبة التي في السماء، الواقعة في الإقليم الثامن المسمي سفليه بجابلقا وجابرسا، وعلويه بهورقليا، ولهذا قلنا إنها في السماء، لأنها أسفله في الرتبة، فوق محدد الجهات، بل ولا خلف له، وإنما الواقع أن اللّه سبحانه لم يخلق إلّا محدد الجهات وما في جوفه.

و أما عالم الغيب و الجبروت و الملكوت، وعالم البرزخ و المثال، فهي في جوف محدد الجهات في غيبه.

وقولي: (فهو في السماء في غيبه) أريد به سماء البرزخ، لأنه في هذا العالم الذي نحن فيه، ويمشي في الأرض ولكن لا يعرف، ونزوله إلي الأرض كناية عن ظهوره للناس حتي يعرف، فإذا قلنا: إن اسمه في السماء أحمد، كما أن جده رسول اللّه صلّي الله عليه و آله في السماء أحمد، نريد به الآن هذا السماء الذي نشير3.

ص: 139


1- كشف الغمة، ج 1، ص 368. بحار الأنوار، ج 51، ص 94، باب: 1.
2- اصول الكافي، ج 1، ص 340، ح 16، باب: في الغيبة. غيبة الطرسي، ص 162، ح 121. تقريب المعارف، ص 190. بحار الأنوار، ج 52، ص 153، ح 20، باب: 23.

إليه، لأنه صعد إليه، وغاب فيه عن الناس، و إن كان يدعي أيضاً في السماء المعروف بأحمد، كما يدعي رسول اللّه صلّي الله عليه و آله فيه بأحمد، يعني أنه معروف في السماء بأنه خاتم الولاية، كما أن محمداً صلّي الله عليه و آله يعرف في السماء بأنه أحمد خاتم النبوة.

[قال]: و هو أيضاً عبد اللّه علي ما فسر به في حق النبي صلّي الله عليه و آله، كما قال الصادق عليه السّلام في تفسير قوله تعالي: وَ إِنْ كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ مِمّا نَزَّلْنا عَلي عَبْدِنا (1): (إنّ حمروف العبد ثلانة؛ عين وباء ودال، فالَعين علمه باللّه، والبَاء بونه عمن سواه، والدال دنوه من الخالق وبلا كيف ولا حجاب)(2).

أو كما قال: (ويكني أبا القاسم أيضاً) علي بعض معاني ما فسر به في كنية رسول اللّه صلّي الله عليه و آله، و أما علي البعض الآخر فلا يمكن إلّا بتأويل بعيد، يطول بذكره البيالن مع شدة صعوبته علي الأذهان.

و يكني بأبي عبد اللّه أيضاً كما قد يكني به رسول اللّه صلّي الله عليه و آله، قال علي ابن عيسي الأربلي «رحمه اللّه» في كشف الغمة، أيضاً من الأحاديث الأربعين التي وقعت لَه من طرق العامة جمعها الحافظ أبو نعيم أحمد بن عبد اللّه، بسنده عن حذيفه قال: قال رسول اللّه صلّي الله عليه و آله: الو لم يبق من الدنيا إلَّا يوم واحذ لبعث الله فيه رجلاً اسمه اسمي، وخلقه خلقي، يكني أبا عبد الله).

قال: هذا حديث حسن رزقناه عالياً بحمد اللّه(3).

و معني قوله صلّي الله عليه و آله: (خلقه خلقي) من أحسن الكنايات عن انتقام المهدي من الكفار لدين اللّه تعالي، كما كان النبي صلّي الله عليه و آله، و قد قال تعالي:1.

ص: 140


1- سورة البقرة، الآية: 23.
2- مصباح الشريعة، ص 8، باب: 2.
3- كشف الغمة، ج 2، ص 485. بحار الأنوار، ج 51، ص 81، باب: 1.

وَ إِنَّكَ لَعَلي خُلُقٍ عَظِيمٍ (1) .

قال الفقير إلي اللّه علي بن عيسي عفا اللّه عنه: (العجب قوله من أحسن الكنايات إلي آخر الكلام، ومن أين تحجَّر علي الخلق فجعله مقصوراً علي الانتقام فقط، و هو عام في جميع أخلاق النبي صلّي الله عليه و آله من كرمه وشرفه، وعلمه و حلمه، وشجاعته وغير ذلك من أخلاقه التي عددتها صدر هذا الكتاب، وأعجب من قوله ذاك الآية دليلاً علي ما قرره)(2) ، انتهي كلام علي بن عيسي رحمه اللّه مع الحافظ أبي نعيم.

وأقول: لعلَّ وجه استدلال الحافظ بهذه الآية أنّ القائم عليه السّلام علي خلق عظيم، حتي أنه خشن في ذات اللّه، غير مداهن في دينه، لا تأخذه في اللّه لومة لائم، كما كان رسول اللّه صلّي الله عليه و آله، لأن الآية معقبة بقوله: فَسَتُبْصِرُ وَ يُبْصِرُونَ بِأَيِّكُمُ الْمَفْتُونُ (3) يعني: إذا مكنك اللّه منهم، و انتقمت للّه يتبين لهم أيكم المفتون و المجنون أنت أم هم، فيتجه الاستدلال، فتدبر.

ولعل المراد من قوله صلّي الله عليه و آله: (يكني أبا عبد اللّه)، أنه شبيه لي في اسمي محمد وأحمد، و كنيتي بأبي القاسم، وفي خُلقي - بضم الخاء - حتي أنه ليسمي بكنيتي غير المشتهرة، فافهم.

فقوله صلّي الله عليه و آله في حديث الغيبة: (اسمه أحمد وعبد اللّه و المهدي) يفهم منه أنه سمي له في أكثر أسمائه وألقابه وكناه، إلّا ما يختص بالنبوة.

وفي الإكمال عن سيد العابدين علي بن الحسين عليه السّلام قال:

(المفقودون عن فرشهم ثلاثمائة وثلأثة عشر رجلاً، عدة أصحاب بدر،5.

ص: 141


1- سورة القلم، الآية: 4.
2- كشف الغمة، ج 2، ص 485، باب: 13. بحار الأنوار، ج 51، ص 94، باب: 1.
3- سورة القلم، الاية: 5.

فيصبحون بمكة، و هو قول الله عزّوجلّ: أَيْنَ ما تَكُونُوا يَأْتِ بِكُمُ اللّهُ جَمِيعاً (1)

وهم أصحاب القائم عليه السّلام)(2).

أقول: إنهم كانوا ليلة ثلاث وعشرين من شهر رمضان، بعد أن فرغوا من تهجدهم، ناموا فيصبح أحدهم وتحت رأسه [صحيفة] مكتوب فيها طاعة معروفة، كما روي عنهم عليهم السّلام في الاكمال عن عبد اللّه بن عجلان قال:

ذكرنا خروج القائم عليه السّلام عمد أبي عبد اللّه عليه السّلام فقلت لَه: كيف لنا بعلم ذلك؟.

قال: (يصبح أحدكم وتحت رأسه صحيفة عليها مكتوب طاعة معروفة)(3).

وروي أنه: (يكون في راية المهدي عليه السّلام البيعة لله)(4). فيستعدون للقائم عليه السّلام، فإذا كان ليلة السبت من المحرم عشية يوم الجمعة يوم عاشوراء صعد علي سطح الكعبة.6.

ص: 142


1- سورة البقرة، الآية: 148.
2- كمال الدين وتمام النعمة، ج 2، ص 593، ح 21، باب: 57. الخرائج و الجرائع، ج 3، ص 1156. العدد القوية، ص 65، نبذة عن أحوال الٍامام الحجة عليه السّلام. منتخب الأنوار المضيئة، ص 32، فصل: 3. بحار الأنوار، ج 52، ص 323، ح 34، باب: 27.
3- كمال الدين وتمام النعمة، ج 2، ص 593، ح 22، باب: 57. العدد القوية، ص 66، نبذة س أحوال الحجة عليه السّلام. منتخب الأنوار المضيئة، ص 178، فصل: 11.
4- كمال الدين و تمام النعمة، ج 2، ص 594، ح 22، باب: 57. العدد القوية، ص 66، نبذة من أحواق الإمام الحجة عليه السّلام. منتخب الأنوار المضيئة، ص 178، فصل: 11. بحار الأنوار، ج 52، ص 305، ح 77، باب: 26.

وفي حلية الأبرار للسيد هاشم التوبلي، عن أبي بصير قال؛ قال أبو جعفر عليه السّلام: (يخرج القائم عليه السّلام يوم السبت، يوم عاشوراء، يوم الذي قتل فيه الحسين عليه السّلام)(1).

أقول: قد تقدم أن خروجه عليه السّلام يوم الجمعة العاشر من المحرم، و هو اليوم الذي قتل فيه الحسين عليه السّلام، ويوم السبت يخرج في ليلته، ويصعد الكعبة ويدعو أنصاره، وتلك الليلة عشية الجمعة.

فقوله عليه السّلام: (يوم السبت يوم عاشوراء): يراد منه أنه يخرج عشية الجمعة، يوم عاشوراء الذي قتل فيه الحسين عليه السّلام، مستخفياً غير معروف، ويستعلن ظاهراً معروفاً يوم السبت.

فاليوم الذي قتل فيه الحسين عليه السّلام بدل من يوم، ويوم السبت معمول يخرج، يعني ظاهراً معروفاً.

وفيه عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: (إذا أراد الله قيام القائم بعث جبرائيل في صورة طائر أبيض، فيضع إحدي رجليه علي الكعبة، والأخري علي بيت المقدس، ثم ينادي بأعلي صوته: أَتي أَمْرُ اللّهِ فَلا تَسْتَعْجِلُوهُ (2).

قال: فيحضر القائم عليه السّلام فيصلي عند مقام إبراهيم عليه السّلام ركعتين، ثم ينصرف وحواليه أنصاره؛ وهم ثلاثمائة وثلاثة عشر رجلاً، إن فيهم لمن يسري من فراشه ليلاً، فيخرج ومعه الحجر فيلقيه فتعضب الأرض)(3).م.

ص: 143


1- حلية الأبرار، ج 2، ص 615، باب: 32. تهذيب الأحكام، ج 4، ص 333، ح 112، باب: 72. كمال الدين وتمام النعمة، ج 2، ص 593، ح 19، باب: 57. بحار الأنوار، ج 52، ص 285، ح 17، باب: 26.
2- سورة النحل، الآية: 1.
3- حلية الأبرار، ج 2، ص 615، باب: 32. دلائل الإمامة، ص 259، معرفة وجوب القائم عليه السّلام.

وفي الأنوار المضيئة عن أبي بصير عن أبي جعفر عليه السّلام في حديث طويل إلي أن قال: يقول القائم عليه السّلام لأصحابه: (يا قوم إنَّ أهل مكة لا يريدونني ولكني مرسل إليهم، لأحتج عليهم، فما ينبغي لمثلي إلّا أن يحتج عليهم، فيدعو رجلاً من أصحابه، فيقول لَه: امض إلي أهل مكة فقل: يا أهل مكة أنا رسول فلان إليكم، و هو يقول لكم: إنا أهل بيت الرحمة، ومعدن الرسالة و الخلافة، ونحن ذرية محمد، وسلالة النبيين، وإنا قد ظلمنا واضطهدنا، وقهرنا وابتز منا حقنا، منذ قبض نبينا إلي يومنا هذا، فنحن نستنصركم فانصرونا.

فإذا تكلم هذا الفتي بهذا الكلام أتوا إليه فذبحوه بين الركن و المقام، و هو النفس الزكية، فإذا بلغ ذلك الإمام قال لأصحابه: ألا أخبرتكم أنَّ أهل مكة لا يريدوننا، فلا يدعونه حتي يخرج، فيهبط من عقبة طوي في ثلاثمائة وثلاثة عشر رجلاً عدة أهل بدر، حتي يأتي المسجد الحرام، فيصلي في مقام إبراهيم أربع ركعات، ويسند ظهره إلي الحجر الأسود، ثم يحمد الله ويثني عليه، ويذكر النبي صلّي الله عليه و آله ويصلي عليه، ويتكلم بكلام لم يتكلم به أحد من الناس.

فيكون أول من يضرب علي يده ويبايعه جبرائيل و ميكائيل، ويقوم معه رسول الله و أمير المؤمنين، فيدفعان إليه كتاباً جديداً هو علي العرب شديد بخاتم رطب، فيقولون لَهْ: اعمل بما فيه، ويبايعه الثلاثمائة وقليل من أهل مكة.

ثم يخرج من مكة حتي يكون في مثل الحلقة.

قلت: وما الحلقة؟.

قال: عشرة آلاف رجل، جبرائيل عن يمينه، وميكائيل عن شماله، ثم يهز الراية الجلية وينشرها، وهي راية رسول الله صلّي الله عليه و آله السحابة، ودرع

ص: 144

رسول الله صلّي الله عليه و آله السابغة، ويتقلد بسيف رسول الله صلّي الله عليه و آله ذي الفقار)(1)

وفي خبر آخر: (ما من بلدة إلّا ويخرج منهم طائفة إلّا البصرة، فإنه لا يخرج منها أحد)(2).6.

ص: 145


1- بحار الأنوار، ج 52، ص 307، ح 81، باب: 26.
2- بحار الأنوار، ج 52، ص 307، ح 81، باب: 26.

ص: 146

فصل و مما يتعلق ببعض احواله و احوال اصحابه و سيرته و مسيره من مكة عليه السّلام

روي العياشي في تفسيره عن عبد الأعلي الحلبي، قال: قال أبو جعفر عليه السّلام: (يكون لصاحب هذا الأمر غيبة في بعض الشعاب، ثم أومأ بيده إلي ناحية ذي طوي، حتي إذا كان قبل خروجه بليلتين انتهي المولي الذي يكون بين يديه، حتي يلقي بعض أصحابه فيقول: كم أنتم ها هنا؟.

فيقولون: و اللّه لو يأوي بنا الجبال لآويناها معه.

ثم يأتيهم من القابلة فيقول لهم: أشيروا إلي ذوي أسنانكم، وأخياركم عشرة، فيشيرون لَه إليهم فينطلق بهم حتي يأتوا صاحبهم، ويعدهم إلي الليلة التي تليها.

ثم قال أبو جعفر: والله لكأني أنظر إليه و قد أسند ظهره إلي الحجر، ثم ينشد الله حقه ثم يقول: أيها الناس من يحاجّني في الله فأنا أولي الناس بالله، من يحاجّني في آدم فأنا أولي الناس بآدم، يا أيها الناس من يحاجني في نوح فأنا أولي الناس بنوح، يا أيها الناس من يحاجّني في إبراهيم فأنا أولي الناس بإبراهيم، يا أيها الناس من يحاجني في موسي فأنا أولي الناس بموسي، يا أيها الناس من يحاجني في عيسي فأنا أولي الناس بعيسي، يا أيها الناس من يحاجني في محمد فأنا أولي الناس بمحمد صلّي الله عليه و آله، يا أيها الناس من يحاجني في كتاب الله فأنا أولي الناس بكتاب الله، ثم ينتهي إلي المقام فيصلي عنده ركعتين، ثم ينشد الله حقه.

ص: 147

ثم قال أبو جعفر عليه السّلام: هو و الله المضطر في كتاب الله، و هو قول الله: أَمَّنْ يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذا دَعاهُ وَ يَكْشِفُ السُّوءَ وَ يَجْعَلُكُمْ خُلَفاءَ الْأَرْضِ (1) ، وجبرائيل علي الميزاب في صورة طائر أبيض، فيكون أول خلق الله يبايعه جبرائيل، ويبايعه الثلاثمائة و البضعة العشر رجلاً.

قال: قال أبو جعفر عليه السّلام: فمن ابتلي في المسير وافاه في تلك الساعة، ومن لم يبتل بالمسير فقد عن فراشه.

ثم قال: هو و الله قول علي بن أبي طالب عليه السّلام: المفقودون عن فرشهم و هو قول الله: فَاسْتَبِقُوا الْخَيْراتِ أَيْنَ ما تَكُونُوا يَأْتِ بِكُمُ اللّهُ جَمِيعاً (2) أصحاب القائم عليه السّلام، الثلاثمائة و البضعة عشر رجلاً.

قال: هم و الله الأمة المعدودة التي قال الله في كتابه: وَ لَئِنْ أَخَّرْنا عَنْهُمُ الْعَذابَ إِلي أُمَّةٍ مَعْدُودَةٍ (3). قال: يجمعون في ساعة واحدة، قزعاً كقزع الحريف، فيصبح بمكةً فيدعو الناس إلي كتاب الله وسنة نبيه صلّي الله عليه و آله، فيجيبه نفر يسير، ويستعمل علي مكة.

ثم يسير فيبلغه أن قد قتل عامله، فيرجع إليهم فيقتل المقاتلة لا يزيد علي ذلك شيئاً يعني السبي، ثم ينطلق يدعو الناس إلي كتاب الله وسنة نبيه «عليه و آله السلام»، والولاية لعلي بن أبي طالب عليه السّلام، والبراءة من عدوه، ولا يسمي أحداً حتي ينتهي إلي البيداء، فيخرج إليه جيش السفياني فيأمر الله الأرض فتأخذهم من تحت أقدامهم، و هو قول الله: وَ لَوْ تَري إِذْ فَزِعُوا فَلا فَوْتَ وَ أُخِذُوا مِنْ مَكانٍ قَرِيبٍ وَ قالُوا آمَنّا بِهِ (4) ؛ يعني بقائم آل1.

ص: 148


1- سورة النمل، الآية: 62.
2- سورة البقرة، الآية: 148.
3- سورة هود، الآية: 8.
4- سورة سبأ، الآية: 51.

محمد: وَ قَدْ كَفَرُوا بِهِ (1) يعني بقائم آل محمد، إلي آخر السورة، ولا يبقي منهم إلّا رجلان يقال لهما (وتر و وتيرة) من مراد، وجوههما في أقفيتهما، يمشيان القهقري، يخبران الناس بما فعل الله بأصحابهما.

ثم يدخل المدينة فتغيب عنهم عند ذلك قريش، و هو قول علي بن أبي طالب عليه السّلام: والله لودت قريش أي عدها موقفاً واحداً جزر جزور بكل ما ملكت، وكل ما طلعت عليه الشمس أو غربت، ثم يحدث حدثاً فإذا هو فعل ذلك.

قالت قريش: اخرجوا بنا إلي هذا الطاغية، فوالله أن لو كان محمدياً ما فعل، ولو كان علوياً ما فعل، ولو كان فاطمياً ما فعل، فيمنحه الله أكتافهم فيقتل المقاتلة و يسبي الذرية، ثم ينطلق حتي ينزل الشقرة، فيبلغه أنهم قتلوا عامله، فيرجع إليهم فيقتلهم، ليس قتلة الحرة إليها بشيء، ثم ينطلق فيدعو الناس إلي كتاب الله وسنة نبيه صلّي الله عليه و آله، والولاية لعلي بن أبي طالب «صلوات الله عليهما وآلهما» والبراءة من عدوه، حتي إذا بلغ الثعلبية قام إليه رجل من صلب أبيه، و هو أشد الناس ببدنه وأشجعهم بقلبه ما خلا صاحب هذا الأمر، فيقول: يا هذا ما تصنع، فوالله إنك لتجفل الناس إجفال النعم، أفبعهد رسول الله صلّي الله عليه و آله أم بماذا؟ فيقول المولي ولي البيعة: والله لتسكنن أو لأضربن الذي فيه عيناك.

فيقول لَه القائم عليه السّلام: اسكت يا فلان، أي و الله إنّ معي عهداً من رسول الله صلّي الله عليه و آله، هات لي يا فلان العيبة و الزنفلجة، فيأتيه بها فيقرئه العهد من رسول الله صلّي الله عليه و آله، فيقول: جعلني الله فداك، أعطني رأسك أقبله، فيعطيه رأسه فيقبله بين عينيه.2.

ص: 149


1- سورة سبأ، الآية: 52.

ثم يقول: جعلني الله فداك، جدد لنا بيعة، فيجدد لهم بيعته.

قال أبو جعفر عليه السّلام: لكأني أنظر إليهم مصعدين من نجف الكوفة، ثلاثمائة وبضعة عشر رجلاً، كأنّ قلوبهم زبر الحديد، جبرائيل عن يمينه، وميكائيل عن يساره، يسير الرعب أمامه شهراً، وخلفه شهراً، أمده الله بخمسة آلاف من الملائكة مسومين.

حتي إذا صعد النجف قال لأصحابه: تعبدوا ليلتكم هذه، فيبيتون بين راكع وساجد يتضرعون إلي الله، حتي إذا أصبح قال: خذوا بنا طريقة النخيلة، وعلي الكوفة جند مجند.

قلت: جندمجند؟.

قال: إي و الله، حتي ينتهي إلي مسجد إبراهيم بالنخيلة عليه السّلام، فيصلي فيه ركعتين، فيخرج إليه من كان بالكوفة من مرجئها وغيرهم من جيش السفياني، فيقول لأصحابه: استطردوا لهم، ثم يقول: كروا عليهم.

قال أبو جعفر عليه السّلام: لا يجوز و الله الخندق منهم مخبر، ثم يدخل الكوفة فلا يبقي مؤمن إلي كان فيها، أو حن إليها، و هو قول أمير المؤمنين عليه السّلام.

ثم يقول لأصحابه: سيروا إلي هذا الطاغية، فيدعوه إلي كتاب الله وسنة نبيه صلّي الله عليه و آله، فيعطيه السفياني من البيعة سلماً، فيقول له كلب وهم أخواله: ما هذا ما صنعت و الله ما نبايعك علي هذا أبداً.

فيقول: ما أصنع؟.

فيقولون: استقبله، فيستقبله.

ثم يقول لَه القائم عليه السّلام: خذ حذرك، فإني أديت إليك، وأنا مقاتلك، فيصبح فيقاتلهم، فيمنحه الله أكتافهم، ويأخذ السفياني أسيراً، فينطلق به فيذبحه بيده.

ص: 150

ثم يرسل جريدة خيل إلي الروم فيستحضرون بقية بني أمية، فإذا انتهوا إلي الروم قالوا: اخرجوا إلينا أهل ملتنا عندكم، فيأبون ويقولون:

والله لا نفعل، فتقول الجريدة: والله لو أمرنا لقاتلناكم.

ثم ينطلقون إلي صاحبهم فيعرضون ذلك عليه فيقول: انطلقوا فأخرجوا إليهم أصحابهم، فإنّ هؤلاء قد أتوا بسلطان عظيم، و هو قول الله : فَلَمّا أَحَسُّوا بَأْسَنا إِذا هُمْ مِنْها يَرْكُضُونَ * لا تَرْكُضُوا وَ ارْجِعُوا إِلي ما أُتْرِفْتُمْ فِيهِ وَ مَساكِنِكُمْ لَعَلَّكُمْ تُسْئَلُونَ (1).

قالَ: يعني الَكنوز التي كنتم تكنزون: قالُوا يا وَيْلَنا إِنّا كُنّا ظالِمِينَ * فَما زاَلَتْ تِلْكَ دَعْواهُمْ حَتّي جَعَلْناهُمْ حَصِيداً خامِدِينَ (2) لا يبقي منهم مخبر.

ثم يرجع إلي الكوفة فيبعث الثلاثمائة و البضعة عشر رجلاً إلي الآفاق كلها، فيمسح بين أكتافهم وعلي صدورهم، فلا يتعايون في قضاء، ولا تبقي أرض إلّا نودي فيها الشهادة، أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، و أنّ محمداً رسول الله، و هو قوله: وَ لَهُ أَسْلَمَ مَنْ فِي السَّماواتِ وَ الْأَرْضِ طَوْعاً وَ كَرْهاً وَ إِلَيْهِ يُرْجَعُونَ (3) ولا يقبل صاحب هذا الأمر الجزية كما قبلها رسول الله صلّي الله عليه و آله، و هو قول الله: وَ قاتِلُوهُمْ حَتّي لا تَكُونَ فِتْنَةٌ وَ يَكُونَ الدِّينُ لِلّهِ (4).

قال أبو جعفر عليه السّلام يقاتلون و الله حتي يوحد الله ولا يشك به شيئاً، وحتي تخرج العجوز الضعيفة من المضرق تريد المغرب ولا ينهاها3.

ص: 151


1- سورة الأنبياء، الآيتان: 12-13.
2- سورة الأنبياء، الآيتان: 14-15.
3- سورة آل عمران، الآية: 83.
4- سورة البقرة، الآية: 193.

أحد، ويخرج الله من الأرض بذرها، وينزل من السماء قطرها، ويخرج الناس خراجهم علي رقابهم إلي المهدي عليه السّلام، ويوسع الله علي شيعتنا، ولولا ما يدركهم من السعادة لبغوا، فبينما صاحب هذا الأمر قد حكم ببعض الأحكام، وتكلم ببعض السنن، إذ خرجت خارجة من المسجد يريدون الخروج عليه، فيقول لأصحابه: انطلقوا، فتلحقوا بهم في التمارين، فيأتونه بهم أسري، ليأمر بهم فيذبحون، وهي آخر خارجة تخرج علي قائم آل محمد صلّي الله عليه و آله)(1).

أقول: قوله عليه السّلام: (غيبة في بعض الشعاب): الظاهر أن هذا بعد خروجه من المدينة قبل دخوله المسجد الحرام بالعنيزات يوم الجمعة العاشر من المحرم.

قوله: (انتهي المولي الذي يكون بين يديه): إلي [الآن] لم يظهر لي اسمه من الأخبار التي وقفت عليها، والذي يجول في خاطري أنه المسيح عليه السّلام، واللّه أعلم.

قوله: (نحو من أربعين رجلاً): هؤلاء من النقباء من جملة الثلاثمائة والثلاثة عشر، غير الثلاثين الذين معه عليه السّلام في طيبة.

قوله: (وجبرائيل علي الميزاب): يعني ميزاب الكعبة، لأن عمدة ندائه إسماع أهل الشام و المدينة ومن يليهم لشدة طغيانهم، وبغيهم علي الإمام عليه السّلام لأنهم حين النداء كانت كور الشام الخمس في ملك السفياني وطاعته، فكان علي الميزاب مما يلي حجر إسماعيل عليه السّلام، ليسمعهم الدعوة، ولعل وقوعه7.

ص: 152


1- تفسير العياشي، ج 2، ص 61، ح 49. بحار الأنوار، ج 52، ص 341، ح 91، باب: 27.

عند البيعة علي الميزاب منه لهم، في مقابلته عند البيعة لقائم آل محمد صلّي الله عليه و آله الذي دعاهم إليه، و سماه لهم باسمه.

قوله: (فيكون أول خلق الله يبايعه جبرائيل عليه السّلام): يراد منه المبايعة التي هي الطاعة والامتثال والانقياد للخدمة، لا مطلق المبايعة وإلّا لشملت مبايعة الإذن، فلا يكون جبرائيل عليه السّلام أول خلق اللّه مبايعة للقائم عليه السّلام، بل أول من يبايعه محمد رسول اللّه صلّي الله عليه و آله، ثم من بعده علي «صلوات اللّه عليه» وهي مبايعة الإذن بالقيام.

فعن أبي حمزة الثمالي قال: سمعت أبا جعفر محمد بن علي عليه السّلام يقول له: (لو قد خرج قائم آل محمد عليه السّلام لنصرة الله بالملائكة المسومين و المردفين و المنزلين و الكروبيين، يكون جبرائيل أمامه، وميكائيل عن يمينه، وإسرافيل عن يساره، والرعب يسير مسيرة شهر أمامه وخلفه، وعن يمينه وعن شماله، والملائكة المقربون حذاه، أول من يتبعه محمد صلّي الله عليه و آله، وعلي عليه السّلام الثاني، ومعه سيف مخترطه يفتح الله له الروم، والديلم، والسند و الهند، وكابل شاه والخزر.

يا أبا حمزة: لا يقوم القائم عليه السّلام إلّا علي خوف شديد وزلزال وفتنة، وبلاء يصيب الناس، وطاعون قبل ذلك، وسيف قاطع بين العرب، واختلاف شديد من الناس، وتشتت في دينهم، و تغير من حالهم، حتي المتمني الموت صباحاً ومساءً، من عظم ما يري من كلب الناس، وأكل بعضهم بعضاً، وخروجه إذا خرج عند اليأس و القنوط، فيا طوبي لمن أدركه وكان من أنصاره، والويل كل الويل لمن خالفه وخالف أمره، و كان من أعدائه.

ص: 153

ثم قال: يقوم بأمر جديد، و كتاب جديد، وسنة جديدة، و قضاء جديد علي العرب شديد، ليس شأنه إلّا القتل، لا يستتيب أحداً ولا تأخذه في الله لومة لائم)(1).

أقول: إن أول من يبايعه محمد صلّي الله عليه و آله وعلي «صلوات اللّه عليه»، الثاني:

مبايعة الرخصة له والاذن في الظهور وفي القيام. بما يراد منه، و هذه لا بد أن تكون سابقة، و أما مبايعة جبرائيل عليه السّلام فمبايعة الطاعة وامتثال الأمر، فافهم.

و قوله عليه السّلام: (فمن ابتلي في المسير إلي آخره): لأن النقباء عرفوا قيامه بالعلامات الخاصة؛ وهي الواقعة في سنة قيامه، فمنهم من سار إلي مكة و ما يقرب منها استعداداً للقائه عليه السّلام، فإذا خرج عليه السّلام وافاه عند أول خروجه «عجل اللّه خروجه».

ومنهم من لم يسر وليس لعدم الاستعداد، بل لعل للاستعداد أو لإيمانه بأنه لا يتأخر إذا دعاه، إما الأرض تطوي لَه، ولأن السحاب تحمله، وذلك علي حسب إيمانهم.

وروي المفضل بن عمر قال: قال أبو عبد اللّه عليه السّلام: (إذا أوذن الامام دعا الله باسمه العبراني، فانتخب أصحابه الثلاثمائة و الثلاثة عشر، قزعاً كقزع الخريف، وهم أصحاب الألولاية، منهم من يفتقد من فراشه ليلاً فيصبح بمكة، ومنهم من يري يسير في السحاب نهاراً، يعرف باسمه واسم أبيه، وحسبه ونسبه. قلت: جعلت فداك أيهما أعظم إيماناً؟.

قال: الذي يسير في السحاب نهاراً، وهم المفقودون، وفيهم نزلت هذه الآية: أَيْنَ ما تَكُونُوا يَأْتِ بِكُمُ اللّهُ جَمِيعاً (2)(3).

ص: 154


1- غيبة النعماني، ص 239، ح 22، باب: 13. بحار الأنوار، ج 52، ص 348، ح 99.
2- سورة البقرة، الآية: 148.
3- تفسير العياشي، ج 1، ص 86، ح 119، سورة البقرة، آية: 148. بحار الأنوار، ج 52، ص 368، ح 153، باب: 27. تفسير البرهان، ج 1، ص 354، ح 12، سورة البقرة، آية: 148.

قوله عليه السّلام: (والله الأمة المعدودة): أي الفئة العدودة كناية عن قلتها، كما قال اللّه تعالي: كَمْ مِنْ فِئَةٍ قَلِيلَةٍ غَلَبَتْ فِئَةً كَثِيرَةً بِإِذْنِ اللّهِ (1).

وعن انتصارها علي من عاداها.

والظاهر أن المراد بالمعدودة الأمة التي قال اللّه تعالي: وَ لَئِنْ أَخَّرْنا عَنْهُمُ الْعَذابَ إِلي أُمَّةٍ مَعْدُودَةٍ (2) فإنها في أصحاب القائم، أو إلي مدة قيام القائم عليه السّلام، ففي تفسير عليً بن إبراهيم للمعني الأول، عن علي عليه السّلام في قوله: وَ لَئِنْ أَخَّرْنا عَنْهُمُ الْعَذابَ إِلي أُمَّةٍ مَعْدُودَةٍ لَيَقُولُنَّ ما يَحْبِسُهُ قال:

(الأمة المعدودة: أصحاب القائم عليه السّلام الثلاثمائة و البضعة عشر)(3).

و للمعني الثاني، قال: في الآية الشريفة: إِنْ مَتَّعْناهُمْ (4) في هذه الدنيا إلي خروج القائم عليه السّلام فنردهم فنعذبهم م، لَيَقُولُنَّ ما يَحْبِسُهُ ، أي يقولون ألا يقوم القائم عليه السّلام ولا يخرج إلي حدِّ الاستهزاء، فقال اللّه: أَلا يَوْمَ يَأْتِيهِمْ لَيْسَ مَصْرُوفاً عَنْهُمْ وَ حاقَ بِهِمْ ما كانُوا بِهِ يَسْتَهْزِؤُنَ (5).8.

ص: 155


1- سورة البقرة، الآية: 249.
2- سورة هرد، الآية: 8.
3- تفسير القمي، ج 1، ص 324، سورة هود، آية: 8. غيبة النعماني، ص 247، ح 36، باب: 13. بحار الأنوار، ج 51، ص 44، ح 1، باب: 5. تفسير البرهان، ج 4، ص 80، ح 2، سورة هود، آية: 8.
4- سورة الشعراء، الآية: 205.
5- سورة هود، الآية: 8.

وفي تفسير العياشي عن الحلبي، قال: قال أبو جعفر عليه السّلام: (أصحاب القائم الثلاثمائة و البضعة عشر رجلاً، هم و الله الأمة المعدودة، التي قال الله في كتابه: وَ لَئِنْ أَخَّرْنا عَنْهُمُ الْعَذابَ إِلي أُمَّةٍ مَعْدُودَةٍ (1) قال: يجمعون لَه في ساعة واحدة قزعاً كقزع الحريف)(2).

وقوله: (قزعاً كقزع الحزيف): «القزع»: جمع قزعة، وهي القطعة من السحاب(3) ، وخص الخريف لأنه أول الشتاء، والسحاب فيه متفرقاً غير متراكم ولا مطبق، ثم يجتمع بعضه إلي بعض بعد ذلك، لأتهم متفرقون منهم بالشام، ومنهم بالمدينة، ومنهم في غيرهما، فيصبح يوم السبت وهم معه جميعاً.

قوله: (فيقتل المقاتلة، لا يزيد علي ذلك شيئاً؛ يعني السبي)، لعله عليه السّلام إنما لم يسب العيال لعلمه بأنهم غير راضين بفعل رجالهم، أو غير عالمين بنكثهم، أو يستميل قلوب العرب ويرغبهم في قبول طريقته، بإظهار العفو والعدل.

قوله عليه السّلام: (فلا يبقي منهم إلّا رجلان، يقال لهما وتر و وتيرة من مراد)، وتقدم فيما روي أنهما من جهينة، قال: (فلذلك جاء القول: وعند جهينة)(4) وظاهره أنه مأخذ المثل.

وفي تفسير السهيلي: (إن آخر من يخرج من النار يوم القيامة رجل يقال لَه جهينة، فإذا دخل الجنة اجتمع عليه أهل الجنة يسألونه عن حال أهل النار، ويقولون عند جهينة الخبر اليقين). رواه عن النبي صلّي الله عليه و آله،ع.

ص: 156


1- سورة هود، الآية: 8.
2- تفسير العياشي، ج 2، ص 15، ح 8، سورة هود، آية: 8. بحار الأنوار، ج 52، ص 341، ح 91، باب: 27. تفسير البرهان، ج 4، ص 81، ح 5، سورة هود، آية: 8.
3- راجع لسان العرب.
4- تقدم تخريجه فراجع.

وظاهره أنه مستند المثل، ويأتي بعض ذكره في حديث المفضل بن عمر إن شاء اللّه تعالي(1).

وقوله عليه السّلام: (جزر جزور): أي أن قريشاً يودون أن يعطوا كل ما ملكوا، وكل ما طلعت عليه الشمس أو غربت لو كان لهم، ويأخذوا موقفاً يقفون فيه ويختفون به عنه عليه السّلام، بحيث لا يراهم قدر زمان ذبح جزور.

ويحتمل أن يراد به مكان ذبح جزور، لأنه أخس الأمكنة لما فيه من دم الجزور وفرثها.

قوله عليه السّلام: (ثم يحدث حدثاً): الظاهر أن المراد من هذا الحدث نبش الأعرابيين وحرقهما، فلذا سموه بالطاغية استعظاماً لفعله، حتي أنه عليه السّلام لما دعاهم إلي البراءة منهما قالوا: بل نبرئ منك ونتولاهما.

و قوله عليه السّلام: (فمنحه الله أكتافهم): أي جعله مستولياً عليهم، لأن الأكتاف هي محل القوة، فإذا ملكه الله إياها استولي عليهم، كأنه راكب علي أكتافهم، أو كناية عن نهاية الاقتدار عليهم، كأنه يستخرج أكتافهم التي هي له.

وقوله عليه السّلام: (حتي ينزل الشَقِرَة): هي بفتح الشين المعحمة، وكسر القاف، وفتح الراء، وقيل: بضم الشين، وسكون القاف،: موضع معروف في طريق مكة من المواضع [التي] يخسف بها.

وقوله عليه السّلام: (إنك لتجفل الناس إجفال الغنم): يعي تزعجهم بسرعة لعظيم ما أتاهم به.ب.

ص: 157


1- راجع الفصل الرابع و العشرين من هذا الكتاب.

و قوله عليه السّلام: (هات لي فلان العيبة، أو الزنفلجة): «العَيبة» بفتح العين: زنبيل من أدم، و «الزِنفلجة» بكسر الزاء: ظرف من الجلود المدبوغة يعلق علي الكتف، والإتيان باو يشعر بأنهما معاً عنده عليه السّلام، وفي كل واحد منهما نسخة العهد المطلوب.

وقوله عليه السّلام: (مصعدين من نجف إلي الكوفة): أي ماضين منه.

وقوله عليه السّلام: (صعد النجف): أي أتاه.

وقوله عليه السّلام: (علي طريق النخيلة) كجهينة: موضع بالعراق مقتل علي عليه السّلام، وفيه مسجد إبراهيم عليه السّلام.

وقوله عليه السّلام: (مرجئها) المرجئة قيل: هم فرقة من فرق الإسلام، يعتقدون أنه لا يضر مع الإيمان معصية، كما لا تنفع مع الكفر طاعة.

وقيل: سموا بذلك لاعتقادهم أن اللّه سبحانه أرجأ تعذيبهم علي المعاصي، أي أخره عنهم.

وقال قتيبة: هم الذين يقولون: الإيمان قول بلا عمل، سموا بذلك لأنهم يقدمون القول ويؤخرون العمل.

وقيل: هم الفرقة الجبرية الذين يقولون: العبد لا فعل لَه أصلاً، وإنما الفعل من اللّه سبحانه، سموا بذلك لأنهم يوخرون أمر اللّه ويرتكبون الكبائر.

وفي المغرب: سموا بذلك لإرجائهم حكم أهل الكبائر إلي يوم القيامة.

وفي بعض الأحاديث المرجئ يقول: من لم يصل، ولم يصم، ولم يغتسل من جنابة، وهدم الكعبة، ونكح أمه، فهو علي إيمان جبرائيل وميكائيل.

وروي في الحديث خطاباً للشيعة: (أنتم أشد تقليداً أم المرجئة؟)(1).0.

ص: 158


1- أصول الكافي، ج 1، ص 53، ح 2، باب: التقليد. وسائل الشيعة، ج 27، ص 125، باب: 10.

قيل: في هذا الحديث أراد ما عدا الشيعة، سموا بذلك لزعمهم أن اللّه عزّوجلّ أخَّر نصب الامام وجعله باختيارهم.

وفي الحديث: (القرآن يخاصم المرجئي و القدري، والزنديق الذي لا يؤمن به)(1) وفسر المرجئي بالأشعري، والقدري بالمعتزلي. وفيه أقوال أخر.

وقوله عليه السّلام: (فيعطيه السفياني البيعة سلماً): يعني به أنه يبايعه مهادنة، لا عن إيمان وانقياد، فلم يقبل منه لعلمه بأنه لم يكن صادقاً، لأنه - لعنه اللّه - إنما خرج يطلب ثأره بقتل الثالث من جميع الأئمة عليهم السّلام وشيعتهم، ومن مال إليهم بقتلهم، ومحو آثارهم، فجميع من قتل اٍنما قتله لأجل إيمانه:

وَ مَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِناً مُتَعَمِّداً فَجَزاؤُهُ جَهَنَّمُ خالِداً فِيها وَ غَضِبَ اللّهُ عَلَيْهِ وَ لَعَنَهُ وَ أَعَدَّ لَهُ عَذاباً عَظِيماً (2) فلا يوفق للتوبة، بل علي حد قوله تعاليَ: بَلْ بَدا لَهُمْ ما كانُوا يُخْفُونَ مِنْ قَبْلُ وَ لَوْ رُدُّوا لَعادُوا لِما نُهُوا عَنْهُ وَ إِنَّهُمْ لَكاذِبُونَ (3). فلذا قال عليه السّلام: (خذ حذرك فإنني أديت إليك وأنجا مقاتلك)، و إنما قبل منه المبايعة أولاً لاقامة الحجة عليه، فلما نكث لم يقبل منه.

وقوله عليه السّلام: (ثم يرسل جريدة خيل إلي الروم): «الجريدة من الحيل»: الجماعة لأنها جردت عما سواها لا رجالة فيها.

و قوله عليه السّلام: (ويخرج الناس علي رقابهم إلي المهدي عليه السّلام): المراد بالناس العامة إذا استولي عليهم، ياتونه منقادين لطلب السلامة علي دمائهم، فمن تولي بالأئمة عليهم السّلام وتبرأ من أعدائهم صادقاً فإخوانكم في الدين، و هو8.

ص: 159


1- أصول الكافي، ح 1، ص 168، ح 2، الاضطرار إلي الحجة عليه السّلام. علل الشرائع، ج 1، ص 227، ح 1، باب: 152. بحار الأنوار، ج 23، ص 17، ح 13، باب: 1.
2- سورة النساء، الآية: 93.
3- سورة الأنعام، الآية: 28.

من المومنين(1) ، ومن لم يكن صادقاً يكون ذا معيشة ضنك(2) ، حتي أنه يأكل العذرات، لأنه لا تحل لَه الزكاة، ولا يعطي منها، ولا تعطيه التجارة، ولا الزراعة، ولا يعامله المؤمنون ولا ينازلونه، بل يكون بحكم الكلاب السائبة التي لا أهل لها.

و قوله عليه السّلام: (ويوسع الله علي شيعتنا، ولولا ما يدركهم من السعادة لبغوا)، أشار بقوله: ولو ما يدركهم من السعادة جواب اعتراض بقوله تعالي: وَ لَوْ بَسَطَ اللّهُ الرِّزْقَ لِعِبادِهِ لَبَغَوْا فِي الْأَرْضِ... (3) وبيانه:

أنه قد أخبر بلزوم البغي للبسط، فكيف يوسع علي الشيعة في دولة الحق؟.

فأجاب عليه السّلام: إن في ذلك الزمان يشمل اللطف و التسديد و الرضوان جميع الشيعة، لعلة وجود صاحب الحق و العدل عليه السّلام بين ظهرانيهم، وجذبه إياهم في متابعته، ومحوه أسباب البغي من أهل الأرض من شعيته، فلا يتفاوت الحال عند الشيعة في ذلك الزمان بين التوسعة و الضيق، لقوة عقولهم، وكمال إيمانهم، ببركة الإمام عليه السّلام.7.

ص: 160


1- مقتبس من قوله تعالي: فَإِنْ تابُوا وَ أَقامُوا الصَّلاةَ وَ آتَوُا الزَّكاةَ فَإِخْوانُكُمْ فِي الدِّينِ وَ نُفَصِّلُ الْآياتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ. [سورة التوبة، الآية: 11].
2- مقتبي من قوله تعالي: وَ مَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكاً وَ نَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيامَةِ أَعْمي. [سورة طه، الآية: 124].
3- سورة الشوري، الآية: 27.

فصل في عدد اصحابه عليه السّلام

ومن ذلك ما في غيبة النعماني، عن العوام بن الزبير، قال: قال أبو عبد اللّه عليه السّلام: (يقبل القائم عليه السّلام في خمسة وأربعين رجلاً من تسعة أحياء، من حي رجل، ومن حي رجلان، ومن حي ثلاثة، ومن حي أربعة، ومن حي خمسة، ومن حي ستة، ومن حي سبعة، ومن حي ثمانية، ومن حي تسعة، ولا يزال كذلك حتي يجتمع له العدد)(1).

وأقول: ظاهر هذا الحديث أن اجتماعهم من الأحياء و البلدان علي نحو الكمال الشعوري، فإن اعتبرنا ذلك كانوا من خمسة و عشرين حياً، ثلاث مائة وحمسة وعشرين رجلاً، فيزيدون اثي عشر رجلاً، فلا بد من حمل قوله:

(ولا يزال كذلك) علي أنهم يجتمعون من الأحياء، و إن لم يكن علي ذلك النحو حتي يتم العدد، أو نقول: هذا الترتيب إنما في الأربعين، أو أغلبي، أو في الثلاممائة، لكن المذكور في خطبة البيان ينافي ذلك كله، ويمكن الجمع بينهما في الخمسة و الأربعين، أو يقال بأنً خطة البيان غير معتبرة.

وما ذكره محمد باقر المجلسي كما نقل عنه من اشتهارها بين الخاصة والعامة علي تقدير صحته، فإنما هو في أصل وقوعها منه عليه السّلام، فأما ما اشتملت فمتغير مختلف، حتي لا تكاد توجد نسختان منها متفقتان، فلا يصلح منها جمع ولا تفريق.

ص: 161


1- الخصال، ج 2، ص 424، ح 26. بحار الأنوار، ج 52، ص 309، ح 3، باب: 27.

وفي غيبة الطوسي عن أبي بصير قال: سمعت أبا عبد اللّه عليه السّلام يقول:

(كان أمر المؤمنين عليه السّلام يقول: لا يزال الناس ينقصون حتي لا يقال الله، فإذا كان ذلك ضرب يعسوب الدين بذنبه، فبعث الله قوماً من أطرفها، يجيئون قزعاً كقزع الخريف.

والله إني لأعرفهم وأعرف أسماءهم وقبائلهم، واسم أميرهم، وهم قوم يحملهم الله كيف يشاء من القبيلة الرجل و الرجلان، حتي بلغ تسعة، فيتوافون من الآفاق ثلاثمائة وثلاثة عشر رجلاً عدة أهل بدر، و هو قول الله : أَيْنَ ما تَكُونُوا يَأْتِ بِكُمُ اللّهُ جَمِيعاً إِنَّ اللّهَ عَلي كُلِّ شَيْ ءٍ قَدِيرٌ (1)

حتي أن الرجل ليحتبي فَلا يحل حبوته حتي يبلغه الله ذلك)(2).

أقول: يشعر هذا الحديث بأن الترتيب الشعوري إنما هو في الخمسة والأربعين، و أما الباقي فعلي الإتفاق، و هذا يشعر بأفضلية الخمسة و الأربعين لاشتمال عددهم واجتماعهم علي الكمال الشعوري.

قال الجزري: «اليعسوب»: السيد و الرئيس و المقدم(3): وأصله فحل النحل، ومنه حديث علي عليه السّلام أنه ذكر فتنة، فقال: (إذا كان ذلك ضرب يعسوب الدين بذنبه؛ أي فارق الفتنة، وضرب في الأرض ذاهباً في أهل دينه، وأتباعه الذين يتبعونه علي رأيه؛ وهم الأذناب)(4).

وقال الزمخشري: (الضرب بالذنب ها هنا مثل الإقامة و الثبات)(5):

يعني أنه يثبت هو ومن معه علي الدين.7.

ص: 162


1- سورة البقرة، الآية: 148.
2- غيبة الطوسي، ص 477، ح 503، فصل في ذكر طرف من صفاته ومنازله. بحار الأنوار، ج 52، ص 334، ح 65، باب: 27.
3- راجع لسان العرب.
4- بحار الأنوار، ج 34، ص 127، باب: 37.
5- بحار الأنوار، ج 34، ص 127، باب: 37.

أقول: إن فحل النحل إذا أراد اللبث في مكانه ألصق بذنبه الأرض، كما أراد الزمخشري، وعلي توجيه الجزري: أن الفحل إذا أراد [أن] يلدغ ضرب بذنبه، لأن الشوكة فيه، وشبه أتباع الحجة عليه السّلام؛ يعني أنصاره بالذنب - محركاً - لأنه لاحق وبه يلدغ، كذلك الحجة عليه السّلام يضرب أنصاره في الأرض فيبعثهم شرقاً وغرباً حتي يفتح اللّه بهم الحصون، ويملأ بهم الأرض قسطاً وعدلاً.

وفي الإكمال عن المفضل بن عمر قال: قال الصادق عليه السّلام: (كأني أنظر إلي القائم عليه السّلام علي منبر الكوفة، وحوله أصحابه ثلاثمائة وثلأثة عشر رجلاً عدة أصحاب بدر، وهم أصحاب الألوية، وهم حكام الله في أرضه علي خلقه، حتي يستخرج من قبائه كتاباً مختوماً بخاتم من ذهب، عهد معهود من رسول الله صلّي الله عليه و آله فيجفلون عنه إجفال الفنم، فلا يبقي منهم إلّا الوزير وأحد عشر نقيباً، كما بقوا مع موسي بن عمران عليه السّلام.

فيجولون في الأرض ولا يجدون عنه مذهباً فيرجعون إليه، فوالله إني لأعرف الكلام الذي يقوله لهم فيكفرون به)(1).

أقول: إنه يظهر لهم باطن ما أظهر جده أمير المؤمنين عليه السّلام لكميل حين قال: (ما الحقيقة يا أمير المؤمنين؟.

فقال عليه السّلام: ما لك و الحقيقة؟.

قال: أولست صاحب سرك؟، قال: بلي، ولكن يرشح عليك ما يطفح مني...)(2). فإن ما عرض عليه السّلام علي أصحابه باطن ما رشح علي1.

ص: 163


1- كمالي الدين وتمام النعمة، ج 2، ص 672، ح 25، باب: 58. منتخب الأنوار المضيئة، ص 198، فصل: 12. بحار الأنوار، ج 52، ص 326، ح 42، باب: 27.
2- نور البراهين، ج 1، ص 221.

كميل، والذي يظهر لي أن عيسي بن مريم عليه السّلام هو الوزير، وأن الأحد عشر نقيباً منهم سلمان الفارسي، وكان قد أعلمه علي عليه السّلام باطن ما أظهر لكميل من قول أبي جعفر عليه السّلام.

عن الفضيل بن يسار، عن أبي جعفر عليه السّلام قال لي: (تروي ما يروي الناس أن علياً عليه السّلام قال في سلمان: أدرك العلم الأول و العلم الآخر.

قلت: نعم.

قال: فهل تدري ما عني؟.

قال: قلت: علم بني إسرائيل، وعلم الني صلّي الله عليه و آله.

قال: فقلت: ليس هكذا يعني: ولكن علم النبي صلّي الله عليه و آله وعلي عليه السّلام، وأمر النبي علي «صلوات الله عليهما»)(1).

ولمثل هذا قال عليه السّلام: (لو يعلم أبو ذر ما في قلب سلمان لكفره أو لقتله)(2).

وفي تفسير العياشي عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: (إذا قام قائم آل محمد استخرج من ظهر الكعبة سبعة وعشرين رجلاً، خمسة وعشرين من قوم موسي الذين يقضون بالحق وبه يعدلون، وسبعة من أصحاب الكهف، ويوشع وصي موسي، ومؤمن آل فرعون، وسلمان الفارسي، وأبا دجانة الأنصاري، و مالك الأشتر)(3).9.

ص: 164


1- بحار الأنوار، ج 22، ص 350، ح 4، باب: 10.
2- أصول الكافي، ج 1، ص 401، ح 2، بصائر الدرجات، ص 41، ح 21، باب: 11 في أئمة آل محمّد حديثهم صعب مستصعب. بحار الأنوار، ج 2، ص 190، ح 25.
3- تفسير العياشي، ج 2، ص 35، ح 90، سورة الأعراف، آية: 159. بحار الأنوار، ج 52، ص 346، ح 92، باب: 27. تفسير البرهان، ج 3، ص 225، ح 2، سورة الأعراف، آية 159.

أقول: والظاهر أن أصل الحديث سبعة وعشرين.

و أما ما في الهامشة من كتابه ثلاثين، وعليه رمز الظاهر فإنه غلط، وأن نسخة الحديث في الكتب الصحيحة حمسة عشر من قوم موسي إلخ، ووجه الغلط أن بعض النساخ لما وجد أنّ الذين من قوم موسي خمسة وعشرين كتب علي سبعة وعشرين أن الظاهر سبعة و ثلاثين، فالغلط الأول الذي في الهامش نشأ من الغلط الثاني، لأن الهادين من قوم موسي حمسة عشر، فافهم.

وقوله عليه السّلام: (استخرج من ظهر الكعبة): لعل المراد أن هؤلاء السبعة و العشرين حين بعثوا عند أول شهر رجب من قبورهم، ساروا إلي الكعبة المشرفة انتظاراً لخروجه، لأنه إنما يخرج بعد بعثهم بستة أشهر وعشرة أيام، فأخفاهم اللّه في ظهر الكعبة، فلما خرج «عجل اللّه فرجه» استخرجهم.

في غيبة الطوسي عن أبي عبد اللّه عليه السّلام، عن أبيه «صلوات اللّه عليه» في حديث اللوح م ح م د: (يخرج في آخر الزمان علي رأسه غمامة بيضاء تظله من الشمس، تنادي بلسان فصيح يسمعه الثقلان و الخافقان، هو المهدي من آل محمد، يملأ الأرض عدلاً كما مُلِئَتْ جوراً)(1).0.

ص: 165


1- أمالي الطوسي، ص 297، مجلس: 11. تأويل الآيات الظاهرة، ص 206، ح 13. بشارة المصطفي لشيعة المرتضي، ص 183. بحار الأنوار، ج 36، ص 202، ح 6، باب: 40.

ص: 166

فصل في بعض سيرته صلوات اللّه عليه

ومن بعض سيرته «صلوات اللّه عليه» ما رواه السيد علي بن عبد الحميد في كتاب الغيبة عن الباقر عليه السّلام، قال: (إذا دخل القائم الكوفة لم يبق مؤمن إلّا و هو بها)(1).

وعنه عليه السّلام قال: (إذا بلغ السفياني أن القائم قد توجه إليه من ناحية الكوفة فيتجرد بخيله حتي يلقي القائم، فيخسرج فيقول: اخرجوا إلي ابن عمي، فيخرج إليه السفياني، فيكلمه القائم عليه السّلام، فيجيء السفياني فيبايعه ثم ينصرف إلي أصحابه، فيقولون له: ما صنعت؟.

فيقول: أسلمت وبايعت.

فيقولون: قبح الله رأيك بين ما أنت خليفة متبوع فصرت تابعاً.

فيستقبله فيقاتله، ثم يمسون تلك الليلة ثم يصبحون للقائم عليه السّلام بالحرب، فيقتتلون يومهم ذلك، ثم أن الله تعالي يمنح القائم وأصحابه . أكتافهم فيقتلونهم حتي يفنوهم، حتي أن الرجل يختفي في الشجرة و الحجرة، فتقول الشجرة و الحجرة: يا مؤمن هذا رجل كافر فاقتله فيقتله.

ص: 167


1- غيبة الطوسي، ص 455، ح 464، ذكر طرف من العلامات الكائنة قبل خروجه عليه السّلام. الخرائج و الجرائح، ج 3، ص 1159، باب: في العلامات الكائنة قبل خروجه عليه السّلام. منتخب الأنوار المضيئة، ص 190، فصل: 12. بحار الأنوار، ج 52، ص 330، ح 51، باب: 27.

قال: فتشبع السباع و الطيور من لحومهم، فيقيم بها القائم عليه السّلام ما شاء.

قال: ثم يعقد بها القائم عليه السّلام ثلاث رايات: لواء إلي القسطنطينية، يفتح الله لَه، ولواء إلي الصين يفتح له، ولواء إلي جبال الديلم، فيفتح له)(1).

وبإسناده رفعه إلي أبي بصير، عن أبي جعفر عليه السّلام في خبر طويل إلي أن قال: (و ينهزم قوم كثير من القس أمية، حتي يلحقوا بأرض الروم، فيطلبوا إلي ملكها أن يدخلوا إليه، فيقول لهم الملك: لا ندخلكم حتي تدخلوا في ديننا، وتنكحونا، وننكحكم، وتاكلون لحم الحنازير، وتشربوا الخمر، وتعلقوا الصلبان في أعناقكم، والزنابير في أو ساطكم، فيقبلون فيدخلونهم.

فيبعث إليهم القائم عليه السّلام أن أخرجوا هؤلاء الذين أدخلتموهم.

فيقولون: قوم رغبوا في ديننا، وزهدوا في دينكم.

فيقول عليه السّلام: إنكم إن لم نخرجوهم، وضعنا السيف فيكم.

فيقولون لَه: هذا كتاب الله بيننا وبينكم.

فيقول: قد رضيت به، فيخرجون إليه فيقرأ عليهم، و إذا في شرطه الذي شرط عليهم أن يدفعوا إليه من دخل اٍليهم مرتداً عن الإسلام، ولا يرد إليهم من عندهم راغباً إلي الأسلام، فإذا قرأ عليهم الكتاب رأوا هذا الشرط لازماً لهم أخرجوهم إليه، فيقتل الرجال، ويبقر بطون الحبالي، ويرفع الصلبان في الرماح.

قال: والله لكأني أنظر إليه، وإلي أصحابه، يقتسمون الدنانير علي الجحفة، ثم تسلم الروم علي يده، فيبني فيهم مسجداً، ويستخلف عليهم رجلاً من أصحابه، ثم ينصرف)(2).7.

ص: 168


1- بحار الأنوار، ج 52، ص 388، ح 206، باب: 27.
2- بحار الأنوار، ج 52، ص 388، ح 206، باب: 27.

وبإسناده عن أبي بصير، عن أبي جعفر عليه السّلام قال: (يقضي القائم بقضايا ينكرها بعض أصحابه، ممن قد ضرب قدامه بالسيف، و هو قضاء آدم عليه السّلام، فيقدمهم فيضرب أعناقهم.

ثم يقضي الثانية فينكرها قوم آخرون ممن قد ضرب قدامه بالسيف، و هو قضاء داوود عليه السّلام فيقدمهم فيضرب أعناقهم.

ثم يقضي الثالثة فينكرها قوم آخرون ممن قد ضرب قدامه بالسيف، و هو قضاء إبراهيم عليه السّلام فيقدمهم ويضرب أعناقهم.

ثم يقضي الرابعة و هو قضاء محمد صلّي الله عليه و آله فلا ينكرها أحد عليه)(1).

وفي الاكمال بسنده عن أبان بن تغلب، قال: قال أبو عبد اللّه عليه السّلام:

(دمان في الأسلام حلال من الله عزّوجلّ، لا يقضي فيهما أحد بحكم الله حتي يبعث الله عزّوجلّ القائم من أهل البيت، فيحكم فيهما بحكم الله، لا يريد علي ذلك بينة؛ الزاني المحصن يرجمه، ومانع الزكاة يضرب عنقه)(2).

وبإسناده رفعه إلي أبي الجارود، قال: قلت لأبي جعفر عليه السّلام: جعلت فداك أخبرني عن صاحب هذا الأمر؟.

قال: (يمسي من أخوف الناس، ويصبح من آمن الناس، يوحي إليه هذا الأمر.

قال: قلت: يوحي الله إليه يا أبا جعفر؟.4.

ص: 169


1- بحار الأنوار، ج 52، ص 389، ح 207، باب: 27.
2- كمال الدين وتمام النعمة، ج 2، ص 609، ح 21، باب: 58. فروع الكافي، ج 3، ص 503، ح 5، منع الزكاة. المحاسن، ج 1، ص 87، عقاب من منع الزكاة. بحار الأنوار، ج 76، ص 42، ح 25، باب: 70. مستدرك الوسائل، ج 7، ص 25، ح 44، باب: 4.

قال: (يمسي من أخوف الناس، ويصبح من آمن الناس، يوحي إليه هذا الأمر.

قال: قلت: يوحي الله إليه يا أبا جعفر؟.

قال: يا أبا الجارود إنه ليس وحي نبوة، ولكنه يوحي إليه كوحيه إلي مريم بنت عمران، وإلي أم موسي وإلي النحل.

يا أبا الجارود إنّ قائم آل محمد لأكرم عند الله من مريم بنت عمران، وأم موسي و النحل)(1).

أقول: توله: (يمسي من أخوف الناس): يوم الجمعة، و قد قتل الخطيب. بمكة، ويصبح يوم السبت ومعه أنصاره الثلاثمائة و الثلاثة عشر و الملائكة.

فأما أنصاره فقال: أبو عبد اللّه عليه السّلام: (ما كان قول لوط عليه السّلام لقومه: لَوْ أَنَّ لِي بِكُمْ قُوَّةً أَوْ آوِي إِلي رُكْنٍ شَدِيدٍ (2) إلا تمنياً لقوة القائم عليه السّلام، ولا ذكر إلّا شدة أصحابه، وأن الرجلً منهم ليعطي قوة أربعين رجلاً، وأن قلبه لأشد من زبر الحديد، ولو مروا يحبال الحديد لقلعوها، لا يكفون سيوفهم حتي يرضي الله عزّوجلّ)(3).

و أما الملائكة فكما رواه في الاكمال عن أبان بن تغلب، قال: قال أبو عبد اللّه عليه السّلام: (كأني أنظر إلي القمائم عليه السّلام علي ظهر النجف، فإذا استوي علي ظهر النجف ركب فرساً أدهم أبلق بين عينيه سمراخ، ثم7.

ص: 170


1- بحار الأنوار، ج 52، ص 389، ح 209، باب: 27.
2- سورة هود، الآية: 80.
3- كمال الدين وتمام النعمة، ج 2، ص 611، ح 26، باب: 58. بحار الأنوار، ج 52، ص 327، ح 44، باب: 27.

ينتفض به فرسه فلا يبقي أهل بلدة إلي وهم يظنون أنه معهم في بلادهم، فإذا نضر راية رسول الله صلّي الله عليه و آله انحط عليه ثلاثة عشر ألف وثلاثة عشر ملكاً كلهم ينتظر القائم عليه السّلام، وهم الذين كانوا مع نوح في السفينة، والذين كانوا مع إبراهيم عليه السّلام حيث ألقي في النار، وكانوا مع عيسي عليه السّلام حين رفع وأربعة آلاف ملل مسومين ومردفين، وثلاثمائة و ثلاثة عشر ملكاً يوم بدر، وأربعة آلاف الذين هبطوا يريدون القتال مع الحسين بن علي عليه السّلام، فلم يؤذن لهم فصعدوا في الاستيذان وهبطوا، و قد قتل الحسين عليه السّلام، فهم شعث كبر يبكون عند قبر الحسين بن علي عليه السّلام إلي يوم القيامة، وما بين قبره إلي السماء مختلف الملائكة)(1).

وبإسناد السيد المذكور رفعه إلي جابر عن أبي جعفر عليه السّلام قال: (أول ما يبدأ القائم عليه السّلام بأنطاكية، فيستخرج منه التوراة من غار فيه عصا موسي وخاتم سليمان.

قال: وأسعد الناس به أهل الكوفة.

وقال: إنما سمي المهدي لأنه يهدي إلي أمر خفي، حتي أنه يبعث إلي رجل لا يعلم الناس لَه ذنب فيقتله، حتي أن أحدهم يتكلم في بيته فيخاف أن يشهد عليه الجدار)(2).7.

ص: 171


1- كمال الدين وتمام النعمة، ج 2، ص 609، ح 22، باب: 58. منتخب الأنوار المضيئة، ص 198، فصل: 12. دلائل الإمامة، ص 239، باب: معرفة وجوب الامام عليه السّلام.
2- بحار الأنوار، ج 52، ص 390، ح 212، باب: 27.

ص: 172

فصل في سيرته عليه السّلام

ومن سيرته ما يعمل من الحدود بأبي بكر وعمر وعائشة، روي في حلية الأبرار السيد هاشم التوبلي، بسنده إلي عبد العطم الحسيني، قال: قلت لمحمد بن علي بن موسي عليه السّلام إني لأرجو أن يكون القائم عليه السّلام من أهل بيت محمد الذي يملأ الأرض عدلاً وقسطاً كما ملئت جوراً وظلماً.

فقال عليه السّلام: (يا أبا القاسم ما منا إلّا و هو قائم بأمر الله عزّوجلّ، وهاد إلي دين الله، ولكن القائم الذي يطهر الله عزّوجلّ به الأرض من أهل الكفرً والجحود ويملؤها عدلاً وقسطاً، هو الذي تخفي علي الناس ولادته، ويغيب عنهم شخصه، ويحرم عليهم تسميته، و هو سمي رسول الله، وكنيه صلّي الله عليه و آله، و هو الذي تطوي لَه الأرض، ويذل لَه كل صعب، وتجتمع إليه أصحابه عدة أصحاب بدر ثلاثمائة و ثلاثة عشر رجلاً من أقاصي الأرض، وذلك قول الله عزّوجلّ: أَيْنَ ما تَكُونُوا يَأْتِ بِكُمُ اللّهُ جَمِيعاً إِنَّ اللّهَ عَلي كُلِّ شَيْ ءٍ قَدِيرٌ (1) ، فإذا اجمتمعت لَه هذه العدة من أهل الأخلاص أظهر الله أمره، فإذا كمل لَة العقد و هو عشرة آلاف رجل خرج بإذن الله عزّوجلّ، فلا يزال يقتل أعداء الله حتي يرضي الله عزّوجلّ.

ص: 173


1- سورة البقرة، الآية: 148.

قال عبد العطيم: فقلت: يا سيدي فكيف يعلم أن الله عزّوجلّ قد رضي؟.

قال: يلقي في قلبه الرحمة، فإذا أتي المدينة أخرج اللات و العزي فأحرقهما)(1).

أقول: يحمل المنع من تسميته عليه السّلام وقت ولادته، وفي زمان غيبته الصغري بالاسم الخاص لورود التسمية به عنهم عليهم السّلام.

وفيه عن محمد بن جرير الطبري في مسند فاطمة عليه السّلام، بسنده عن أبي الجاررد، عن أبي جعفر عليه السّلام قال: (سالته متي يقوم قائمكم؟.

قال: يا أبا الجارود لا تدركون.

فقلت: أهل زمانه؟.

فقال: وتدرك أهل زمانه، يقوم قائمنا بالحق بعد أياس من الشيعة، يدعو الناس ثلاثاً فلا يجيبه أحد، فإذا كان اليوم الرابع تعلق بأستار الكعبة، فقال: يا رب انصرني، ودعوته لا تسقط، فيقول الله تبارك وتعالي للملائكة الذين نصروا رسول الله صلّي الله عليه و آله يوم بدر، ولم يحطوا سروجهم، ولم يضعوا أسلحتهم فيبايعون.

ثم يبايعه من الناس ثلاثمائة و ثلاثة عشر رجلاً، ويسير إلي المدينة فيسير(2) الناس حتي يرضي الله، فيقتل ألفاً وخمسمائة قريباً ليس فيهم إلّا فوح الزبيبية.).

ص: 174


1- حلية الأبرار، ج 2، ص 598، باب: 28. كمال الدين وتمام النعمة، ج 2، ص 352، ح 2، باب: 36. إعلام الوري، ص 435، فصل: 2. منتخب الأنوار المضية، ص 176، فصل: 11. بحار الأنوار، ج 52، ص 283، ح 10، باب: 26.
2- في المصدر: (مسير).

ثم يدخل المسجد فيقض الحائط حتي يضعه إلي الأرض، ثم يخرج الأزرق وزريق غضين كليهما طريين، فيجيبانه فيرتاب عند ذلك المبطلون، فيقول: تكلم بربي، فيقتل منهم خمسمائة مرتاب في جوف المسجد، ثم يحرقهما بالحطب الذي جمعاه ليحرقا به علياً وفاطمة، والحسن و الحسين عليه السّلام، وذا الحطب عندنا نتوارثه، ويهدم قطر المدينة، و يسير إلي الكوفة، فيخرج منها ستة عشر ألفاً من البرية(1) شاكين في السلاح وقراء القرآن، فقهاء في الدين، قد قرعوا(2) جباههم، وسمروا ثيابهم، وعمهم النفاق، وكلهم يقول: يا بن فاطمة ارجع لا حاجة لنا فيك.

فيضع فيهم السيف علي ظهر النجف عشية الأثنين من العصر إلي العشاء، فيقتلهم أسرع من جزر جزور، فلا يفوت منهم رجل، ولا يصاب من أصحابه أحد، دماوهم قربان إلي الله.

ثم يدخل الكوفة، فيقتل مقاتليها، حتي يرضي الله عزّوجلّ.

قال: فلم أعقل المعني فمكثت طويلاً.

ثم قلت: وما يدريه جعلت فداك متي يرضي الله عزّوجلّ؟.

قال: يا أبا الجارود إنّ الله أوحي إلي أم موسي و هو خير من أم موسي، وأوحي إلي النحل و هو خير من النحل، فعقلت المذهب.

فقال: أعقلت المذهب؟.

قلت: نعم.).

ص: 175


1- في المصدر: (الترية).
2- في المصدر: (فرحوا).

قال: اٍنّ القائم عليه السّلام ليملك ثلاثمائة وتسع سنين، كما لبث أصحاب الكهف في كهفهم يملأ الأرض عدلاً و قسطاً كما ملئت ظلماً وجوراً، ويفتح الله إليه شرق الأرض ومغربها، يقتل الناس حتي لا يري ديناً إلّا دين محمد صلّي الله عليه و آله، يسير بسيرة سليمان بن داوود، يدعو الشمس و القمر فيحبيبانه، وتطوي لَه الأرض، ويوحي الله إليه، فيعمل بأمر الله)(1).

قوله عليه السّلام: (ليس فيهم إلّا فوح الزبيبية): «الفوح»: الرائحة.

و «الزبيبية»: شجر طيب الرائحة، و هو إشارة إلي تنعمهم في الدنيا.

وفيه بسنده عن أبي الطفيل عامر بن واثلة، قال: (رأيت أمير المؤمنين عليه السّلام و هو في بعض أزقة المدينة يمشي وحده، فسلمت عليه، فاتبعته حتي انتهي إلي دار الثاني، فجلس حين استقرت به الأرضي، قال له: من علمك الجهالة يا مغرور؟، أما و اللّه لو ركبت العقر، ولبست الفقر، لكان خيراً لك من المجلس الذي جلست، ومن علوك المنابر، أما و الله لو قبلت قول رسول الله صلّي الله عليه و آله وأطعت ما أمرك به لما سميت أمير المؤمنين، وكأني بك و قد طلبت الإقالة كما طلبها صاحبك، ولا إقالته إقالة صاحبي، طلب منك الأقالة.

قال: والله إنك لتعلم أن صاحبك طلب مني الأقالة ولم أقله، وكذلك تطلبها أنت و الله لكأني بك وبصاحبك و قد أخرجتما طريين حتي تصلبا بالبيداء.

فقال لَه الثاني: ما هذا التكهن، فانكم يا معشر بني عبد المطلب لم تزل قريش تعرفكم بالكذب، أما و الله لا ذقت حلاونها و أنا أطاع.م.

ص: 176


1- حلية الأبرار، ج 2، ص 599، باب: 28. دلائل الإمامة، ص 238، معرفة وجوب القائم عليه السّلام.

قال: إنك تعلم أني لست بكاهن.

قال له: من يعمل بنا ما قلت؟.

قال: فتي من ولدي من عصابة قد أخذ ميثاقها.

فقال لَه: يا أبا الحسن، إني لأعلم إنك ما تقول إلّا حقاً، فأسألك بالله إنّ رسول الله صلّي الله عليه و آله سماني وسمي صاحي؟.

فقال له: والله إن رسول اللّه صلّي الله عليه و آله سماك وسمي صاحبك؟.

قال: والله لو علمت إنك تريد هذا ما أذنت لك في الدخول، ثم قام فخرج.

فقال: أبو الطفيل يا أبا الفضل اسكت فوالله ما علم أحد مما دار بينهما حتي قتل الثاني، و قتل أمير الموً منين عليه السّلام)(1).

وفيه بسنده عن هارون بن سعيد، قال: (سمعت أمير المؤمنين عليه السّلام يقول لعمر: من علمك الجهالة يا مغرور؟، أما و الله لو كنت بصيراً أوكنت بما أمرك به رسول الله صلّي الله عليه و آله خيراً كنت في دينك تاجراً نحريراً لركبت العقر، وافترشت الغصب، و لما أحببت أن تتمثل لك الرجال قياماً، و لما ظلمت عترة النبي «عليه وآله السلام» بقبيح الفعل، كير أني أراك في الدنيا قتيلاً من عبد أم معمر، تحكم عليه جوراً فيقتلك توفيقاً، يدخل به و الله الجنان علي الرغم منك، ووالله لو كنت مع رسول اللّه صلّي الله عليه و آله سامعاً ومطيعاً لما وضعت سيفك علي عاتقك، ولما خطبت علي المنير، و لكأني بك و قدم.

ص: 177


1- حلية الأبرار، ج 2، ص 599، باب: 28. دلائل الإمامة، ص 253، معرفة وجوب القائم عليه السّلام.

دعيت فاجبت، ونودي باسمك فاحجمت، و إنّ لك لهتك ستر وصلب، و لصاحبك الذي اختارك وقمت مقامه من بعده.

فقال له عمر: يا أبا الحسن أما تستحي لنفسك من هذا التكهن؟.

فقال له أمير المؤمنين عليه السّلام: ما قلت إلّا ما سمعت من رسول الله صلّي الله عليه و آله وما نطقت إلي بما علمت.

قالي: فمتي هذا يا أمير المؤمنين؟.

قال: إذا أخرجت جيفاتكما عن رسول اللّه صلّي الله عليه و آله من قيريكما اللذين لم تدفنا فيهما نهاراً لئلا يشك أحد فيكما إذا نبشتما، ولو دفنتما بين المسلمين لشك شاك وارتاب مرتاب، وصلبتما علي أكصان دوحات شجرة يابسة، فتورق تلك الدوحات بكما وتفرع وتخضر فتكونان فتنة لمن أحبكما ورضي بفعالكما، ليميز الله الخبيث من الطيب.

ولكاني أنظر إليكما و الناس يسألون ربهم العافية مما قد بليتما به.

قال: فمن يفعل ذلك يا أبا الحسن؟.

قال: عصابة قد فرقت بين السيوف وأغمادها، وارتضاهم الله لنصرة دينه، فما تأخذهم في الله لومة لائم، و لكأني أنظر إليكما و قد خرجتما من قبريكما غضمين طريين حتي تصلبا علي الدوحات فيكون ذلك فتنة لمن أحبكما، ثم يؤتي بالنار التي أضرمت لأبراهيم عليه السّلام، ويحي وجرجيس ودانيال عليه السّلام، وكل ني وصديق ومؤمن، ثم يؤمر بالنار وهي النار التي أضرمتموها علي باب داري لتحرقوني وفاطمة بنت رسول الله صلّي الله عليه و آله وابني الحسن و الحسين، و ابنتي زينب وأم كلثوم، حتي تحرقوا بها، ويرسل عليكما ريحاً صراً فتنسفكم في اليم نسفاً، ويأخذ السيف من كان منكما و يصير مصيركما جميعاً إلي النار، وتخرجان إلي البيداء إلي موضع

ص: 178

الحسف الذي قال اللّه عزّوجلّ: وَ لَوْ تَري إِذْ فَزِعُوا فَلا فَوْتَ وَ أُخِذُوا مِنْ مَكانٍ قَرِيبٍ (1) يعني من تحت أقدامكم.

قال. يا أبا الحسن يفرق بيننا وبين رسول الله صلّي الله عليه و آله؟.

قال: نعم.

قال: يا أبا الحسن إنك سمعت هذا وإنه حق؟.

قال: فحلف أمر المؤمنين عليه السّلام إنه سمعه من الني صلّي الله عليه و آله، فبكي عمر وقال: إني أعوذ بالله مما تقول، فهل لذلك علامة؟.

قال عليه السّلام: نعم، قتل فظيع، وموت سريع، و طاعون شنيع، ولا يبقي من الناس في ذلك الوقت إلّا ثلثهم، وينادي مناد من السماء باسم رجل من ولدي، وتكثر الآيات حتي يتمني الأحياء الموت مما يرون من الأهوال، فمن هلك استراح، ومن كان لَه عند الله خير نجا.

ثم يظهر رجل من ولدي يملأ الأرض عدلاً كما ملئت جوراً وظلماً، يأتيه الله ببقايا قوم موسي و يحيي لَه أصحاب الكهف، ويؤيده الله بالملائكة والجن وشيعتنا المخلصين، وينزل من السماء قطرها، وتخرج الأرض نباتها.

فقال لَه عمر: إني أعلم أنك لا تحلف إلّا علي حق، فوالله لا تذوق أنت ولا أحد من ولدك حلاوة الخلافة.

فقال لَه أمير المؤمنين عليه السّلام: ثم إنكم لا تزدادون لي ولولدي إق عداوة.

قال: فلما حضرت عمر الوفاة أرسل إلي أمير المؤمنين عليه السّلام.

فقال لَه: يا أبا الحسن اعلم أن أصحابي هؤلاء قد حللوني مما وليت من أمرهم فمان رأيت أن تحلني؟.1.

ص: 179


1- سورة سبأ، الآية: 51.

فقال أمير المؤمنين عليه السّلام: أرأيتك أن أحللتك أنا فهل لك تحليل من قد مضي من رسول اللّه صلّي الله عليه و آله وابنته؟.

ثم وليّ و هو يقول: وَ أَسَرُّوا النَّدامَةَ لَمّا رَأَوُا الْعَذابَ (1)(2).

أقول: و سيأتي تفصيل ما يفعل الحجة عليه السّلام بهما في حديث المفضل بن عمر(3).

وفيه ما رواه عن أبي جعفر محمد بن جرير الطبري في مسند فاطمة عليه السّلام بسنده إلي عبد الرحمن القصير، قال: قال لي أبو جعفر عليه السّلام: (أما لو قام القائم لقد ردت إليه الحميراء حتي يجلدها الحد، وينتقم لأمه فاطمة عليه السّلام منها.

قلت: جعلت فداك ولم يحدها الحد؟.

قال: لقذفها علي أم إبراهيم.

فقلت: وكيف أخره الله عزّوجلّ للقائم عليه السّلام؟.

فقال: لآن الله - تبارك وتعالي - بعث محمداً صلّي الله عليه و آله رحمة، ويبعث القائم عليه السّلام نقمة)(4).2.

ص: 180


1- سورة يونس، الآية: 54.
2- حلية الأبرار، ج 2، ص 601، باب: 28. إرشاد القلوب، ج 2، ص 285.
3- راجع الفصل الرابع و العشرين من هذا الكتاب.
4- حلية الأبرار، ج 2، ص 605، باب: 28. علل الشرائع، ج 2، ص 303، ح 10، باب : 385. دلائل الإمامة، ص 256، معرفة وجوب القائم عليه السّلام. المحاسن، ج 2، ص 339. بحار الأنوار، ج 22، ص 242، ح 8، باب: 4. مستدرك الوسائل، ج 18، ص 92، ح 8، باب: 2.

أقول: قد ورد عنهم عليهم السّلام: (أن حديثهم صعب مستصعب، ثقيل مقنع، أجرد ذكوان، لا يحتمله ملك مقرب، ولا نبي مرسل، ولا مؤمن امتحن الله قلبه للإيمان، قيل: فمن يحتمله؟.

قال: نحن)(1) - وفي رواية: (من شئنا أو مدينة حصينة.

قيل: فما المدينة الحصينة؟.

قال: القلب المجتمع)(2).

واعلم أن هذا الحديث من ذلك الصعب المستصعب، لأنه صلّي الله عليه و آله قد أقام حدوداً كثيرة ولم يعطل شيئاً من حدود اللّه، مع أنه بعث رحمة، فعلي هذا يمكن حمل قوله عليه السّلام بعث رحمة علي أنه صلّي الله عليه و آله يسلك طريق الرأفة بالأمة في كل حال حتي في إقامة الحدود، ولذا لا يقيم الحد علي الحامل حتي تضع، و حتي ترضع طفلها فيما يلحق الطفل منه الضرر، و حتي أنه ليدفع الحدود بالشبهات، ويحكم بالظاهر، ولا يعامل الأمة. بما يعلم، فلما قذفت مارية وقالت: إن إبراهيم ليس من محمد، وإنما هو من مأثور القبطي بن برك مولاه زيد، وأبوه جريج، و هو خصي.

أما وقصته مع علي عليه السّلام مشهورة لم يحسن إقامة الحد عليها وهي تحته، لأنه ينافي مقام النبوة، ولكن هذه المنافاة لا تسقط الحد و إن أوجب تأخيره، كما يوجبه الحمل، ولأن المنافقين قد تكلموا فيها، كعبد اللّه بن أبي بن سلول، حيث اتهمها بصفوان بن المعطل، لأنه كان صلّي الله عليه و آله قد صحبها فيق.

ص: 181


1- هناك عدة روايات مشابهة لهذه الرواية فراجع بصائر الدرجات، باب: 11. وبحار الأنوار، ج 2، ص 191.
2- المصدر السابق.

غزوة بني المصطلق، وكانت قد خرجت لقضاء حاجة فضاع عقدها، فرجعت طالبة لَه، وحمل هودجها ظناً منهم أنها فيه، فلما عادت إلي الموضع وجدتهم قد رحلوا، وكان صفوان من وراء الجيش، فلما وصل إلي ذلك الموضع وعرفها أناخ بعيره حتي ركبت، و هو يسوقه حتي وصل الجيش، و قد نزلوا في قائم الظهيرة، قال المنافقون فيها ما قالوا حتي نزلت فيهم آيات سورة النور.

ولو أقام عليها الحد لتقرر المنافقين ما قذفوها به، فكان هذا مما أوجب تأخير الحد.

فلما طلقها علي عليه السّلام في حرب الناكثين يوم البصرة، وزالت أسباب التأخير، بعثها اللّه تعالي مع طالب الثار «عجل اللّه فرجه» ليقتص منها. بما فعلته.

وإنما لم يذكر الجواد عليه السّلام هذه العلل لعدم احتمال الراوي لذلك، واللّه أعلم بحقيقة الأمور.

ص: 182

فصل في ذكر بعض ما عنده من مواريث الانبياء و آياتهم

في حلية الأبرار من الاكمال بسنده عن محمد بن الفيض، عن أبي جعفر عليه السّلام قال: (كانت عصا موسي عليه السّلام لآدم فصارت إلي شعيب، ثم صارت إلي موسي بن عمران، وإنها لعندنا، و إنّ عهدي بها آنفاً وهي خضراء، كهيئتها حين انتزعت من شجرتها، وإنها لتنطق إذا استنطقت، أعدت لقائمنا عليه السّلام يصنع بها ما كان يصنع بها موسي عليه السّلام، وإنها لتروغ وتلقف ما يافكون، وتصنع ما تؤمر به، إنها حيث أقبلت تلقف ما يافكون، يفتح لها شعبتان، إحداهما في الأرض، والأخري في السقف، وبينهما أربعون ذراعاً تلقف ما يافكون بلسانها)(1).

أقول: قوله عليه السّلام: (أعدت): يراد إنها لما فيها من المنافع و المآرب العظيمة، كانت معدة له عليه السّلام مع جملة مواريث الأنبياء وآياتهم وآثارهم، فإن جميعها عنده عليه السّلام أكمل منها عند غيره من الأنبياء عليه السّلام، لأنهم إنما يستمدون من نوره عليه السّلام، وتلك الآيات و المعاجز إنما صلحت لما هي له به «صلوات اللّه عليه» فهي عنده أكمل منها عندهم، وأعم منافع وأجل مآرب.

ص: 183


1- حلية الأبرار، ج 2، ص 578، باب: 19. كمال الدين وتمام النعمه، ج 2، ص 611، ح 27، باب: 58. أصول الكافي، ج 1، ص 231، ح 1. تفسير العياشي، ج 2، ص 27، ح 64، سورة الأعراف، آية: 102. بصائر الدرجات، ص 183، باب: 4 ما عند الأئمة من سلاح رسول اللّه صلّي الله عليه و آله.

وفيه عن أبي عبد اللّه عليه السّلام: (إنّ القائم عليه السّلام إذا قام بمكة وأراد أن يتوجه إلي الكوفة نادي مناديه: ألا لا يحمل أحد منكم طعاماً ولا شراباً، ويحمل حجر موسي بن عمران، و هو في وقر بعير، فلا ينزل منزلاً إلّا نبعت عين منه، فمن كان جائعاً شبع، ومن كان ظامئاً روي، فهو زادهم حتي ينزل النجف من ظهر الكوفة)(1).

وفيه بسنده إلي أبي الجارود زياد بن منذر، قال: قال لي جعفر محمد بن علي الباقر عليه السّلام: (إذا ظهر القائم عليه السّلام ظهر براية رسول الله صلّي الله عليه و آله، وخاتم سليمان، وحجر إبراهيم، وعصا موسي.

ثم يأمر مناديه فينادي: ألا لا يحملن رجل منكم طعاماً ولا شراباً و لا علفاً.

فيقول أصحابه: إنه يريد أن يتقلنا ويقتل دوابنا من الجوع و العطش، فيسير ويسيرون معه، فاول منزل ينزله يضرب الحجر فينبع منه طعام وشراب وعلف، فيأكلون و يشربون هم ودوابهم حتي ينزلوا النجف بظهر الكوفة)(2).

وأقول: قوله عليه السّلام: (فيقول أصحابه): المراد بالقائلين بعض من أصحابه، الذين صحبوه من غير أصحاب الألوية الثلاممائة و الثلاثة عشر، فإنهم لا يرتابون منه ولا من قوله، وإنما أطلق البعض علي لفظ الكل؛ كما أطلق7.

ص: 184


1- حلية الأبرار، ج 2، ص 579، باب: 19. أصول الكافي، ج 1، ص 231، ح 3، باب: ما عند الأئمة من آيات الأنبياء. قصص الأنبياء، ص 250، فصل: 5 في أحوال مومن آل فرعون. بحار الأنوار، ج 13، ص 185، ح 20، باب: 6
2- حلية الأبرار، ح 2، ص 579، باب: 19. غيبة النعماني، ص 244، ح 28، باب: 13. بحار الأنوار، ج 52، ص 351، ح 105، باب: 27.

البعض علي الملائكة الذين اعترضوا حين قال اللّه تعالي: إِنِّي جاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً . وقالوا: أَ تَجْعَلُ فِيها مَنْ يُفْسِدُ فِيها... (1).

فقد روي: (أن الذين قالوَا ملكان لا غير، ورضي بقولهما بعض الملائكة).

وفيه بسنده عن المفضل بن عمر، عن أبي عبد اللّه الصادق عليه السّلام قال:

سمعته يقول: (أتدري ما كان قميص يوسف عليه السّلام؟.

قال: لا.

قال: إنّ إبراهيم عليه السّلام لما أو قدت له النار نزل إليه جبرائيل عليه السّلام بالقميص وألبسه إياه فلم يضر معه حر ولا برد، فلما حضرته الوفاة جعله في تميمة، وعلقه علي إسحاق عليه السّلام، وعلقه إسحاق علي يعقوب عليه السّلام، فلما ولد له يوسف عليه السّلام علقه عليه، و كان في عضده حتي كان من أمره ماكان.

فلما أخرجه يوسف عليه السّلام بمصر من التميمة وجد يعقوب عليه السّلام ريحه، و هو قوله عزّوجلّ حكاية عنه: إِنِّي لَأَجِدُ رِيحَ يُوسُفَ لَوْ لا أَنْ تُفَنِّدُونِ (2)

فهو ذلك القميص الذي أنزل من الجنة.

قلت: جعلت فداك فإلي من صار هذا القميص؟.

قال: إلي أهله، و هو مع قائمنا عليه السّلام إذا خرج.

ثم قال: كل نبي ورث علماً أو غيره فقد انتهي إلي محمد صلّي الله عليه و آله)(3).

ص: 185


1- سورة البقرة، الآية: 30.
2- سورة يوسف، الآية: 94.
3- حلية الأبرار، ج 2، ص 580، باب: 19. أصول الكافي، ج 1، ص 132، باب: ما عند الأئمة من آيات الأنبياء. تفسير العياشي، ج 2، ص 205، ح 71، سورة يوسف، الآية: 91. الخرائج و الجرائح، ج 2، ص 693، ح 6، فصل: في إعلام الإمام وارث الأنبياء. علل الشرائع، ج 1، ص 70، ح 2، باب: 45.

قوله عليه السّلام: (ألبسه إياه فلم يضر معه حر ولا برد): لأنه كان من جنة الخلد جنة الآخرة، وهي ليس في شيء منها حر ولا برد، كما قال تعالي:

لا يَرَوْنَ فِيها شَمْساً وَ لا زَمْهَرِيراً (1) فإذا لبسه لم تضره النار بحرارتها، و لم يلحقه برد بعدم حرارتها بالنسبة [إليه]، كما هو مقتضي الجنة وما فيها.

ويجوز أن يكون قوله تعالي: قُلْنا يا نارُ كُونِي بَرْداً وَ سَلاماً عَلي إِبْراهِيمَ (2) إن هذا الأمر منه عزّوجلّ هو إلباس إبراهيم القميص الذي يقتضي البرد و السلام بحقيقة ما خلق عليه، فيكون القول للنار و الوحي إليها هو إنزال القميص.

ويحتمل أن يكون لازم ذلك القول، وجود ذلك القميص أو إلباسه اٍياه.

وفيه بسنده عن عبد اللّه بن سنان، قال: سمعت أبا عبد اللّه عليه السّلام يقول: (كانت عصا موسي قضيب آس من غرس الجنة، أتاه بها جبرائيل عليه السّلام لما توجه تلقاء مدين، وهي وتابوت آدم في بحيرة طبرية، ولن يبليا ولن يتفيرا، حتي يخرجهما القائم عليه السّلام إذا قام)(3).

ص: 186


1- سورة الانسان، الآية: 13.
2- سورة الأنبياء، الآية: 68.
3- حلية الأبرار، ج 2، ص 579، باب: 19. غيبة النعماني، ص 243، ح 27، باب: 13. بحار الأنوار، ج 52، ص 351، ح 104، باب: 27.

فصل في ذكر بعض صفاته و اسمه عليه السّلام

وفي غيبة النعماني بسنده عن أبي وائل، قال نظر أمير المومنين علي إلي الحسين عليه السّلام فقال: (إنّ ابني هذا سيد كما سماه رسول الله صلّي الله عليه و آله سيداً، وسيخرج الله من صلبه رجلاً باسم نبيكم، يشبهه في الحلق و الحلق، يخرج علي حين غفلة من الناس و إماتة للحق و إظهار للجور، والله لو لم يخرج لضربت عنقه، يفرح بخروجه أهل السماوات وسكانها، و هو رجل أجلي الجبين، أقني الأنف، ضخم البطن، أزيل الفخذين، بفخذه اليمني شامة، أفلج الثنايا، يملأ الأرض عدلاً كما ملئت ظلماً وجوراً)(1).

أقول: قوله: (يشبهه في الخَلق) بفتح الخاء المعجمة: و هو الصورة، (والخُلق) بضم الخاء المعجمة: الطبع، و هو كيفية نفسانية تصدر عنها الأفعال بسهولة، و هو الدين و السجية. و (أجلي الجبين): واضحه، و (أجلي الجبهة):

الخفيف الشعر ما بين النزعتين من الصدغين، والذي انحسر عن جبهته الشعر.

وقوله: (أقني الأنف): أحدب الأنف، أي ارتفاع وسطه، وقيل:

طوله ودقة أرنبته مع حدب في وسطه، و منه الخبر كان صلّي الله عليه و آله: (أقني

ص: 187


1- غيبة النعماني، ص 222، ح 2، باب: 13. بحار الأنوار، ج 51، ص 39، ح 19، باب : 4.

العرنين)(1).

وقوله: (أزيل الفخذين): كناية عن كونهما عريضين، كما في خبر آخر يأتي، وفي بعض النسخ بالباء الموحدة من الذبول، و هو ينافي ما يأتي ظاهراً، وفي بعض النسخ أربل، بالراء المهملة و الباء الموحدة من قولهم: ربل كثير اللحم، و هذا أظهر.

وقوله: (أفلج الثنايا): انفراجها وعدم التصاقها.

وفي الإكمال عن أبي الجارود، عن أبي جعفر، عن أبيه، عن جده عليه السّلام قال: قال أمير المؤمنين عليه السّلام علي المنبر: (يخرج رجل من ولدي في آخر الزمان، أبيض اللون، مشرب بالحمرة، مبدح البطن، عريض الفخذين، عظيم مشاش المنكبين، بظهره شامتان؛ شامة علي لون جلده، وشامة علي شبه شامة النبي صلّي الله عليه و آله، لَه اسمان؛ اسم يخفي، واسم يعلن، فأما الذي يخفي فأحمد، و أما الذي يعلن فمحمد، فإذا هز رايته أضاء مابين المشرق و المغرب، ووضع يده علي رووس العباد، فلا يبقي مؤمن إلّا صار قلبه أشد من زبر الحديد، وأعطاه الله قوة أربعين رجلاً، ولا يبقي ميت إلّا دخلت عليه تلك الفرحة في قبره، وهم يتزاورون في قبورهم، و يتباشرون بقيام القائم «صلوات اللّه علية»)(2).

أقول: قوله: (مبدح الطن): أي واسعه وعرضه، قال في القاموس : «الداح»: كسحاب المتسع من الأرض، أو اللينة الواسعة، و «البدح»4.

ص: 188


1- كمال الدين وتمام النعمة، ج 2، ص 592، ح 17، باب: 57. الخرائج و الجرائح، ج 3، ص 1149، ح 58. إعلام الوري، ص 465، فصلة 4. منتخب الأنوار المضيئة، ص 27، فصل: 3. بحار الأنوار، ج 51، ص 35، ح 4، فصل: 4.
2- معاني الأخبار، ص 85. بحار الأنوار، ج 16، ص 156، باب: 8.

بالكسر: الفضاء الواسع، وامرأة بآذن، و «الأبدح»: الرجل الطويل، والعرض الجبين من الدواب.

وقوله: (عظيم مشاش المنكبين). وفيه قال: «المشاشة» بالضم:

رأس العظم الممكن، المضغ و الجمع مشاش.

و قوله: (شامتان): الشامة علامة تخالف البدن الذي هي فيه، قيل هي هنا إما بأن تكون أرفع من سائر الأجزاء أو أخفض، و إن لم تخالف في اللون.

و أقول: أما الثانية التي علي شبه شامة النبي صلّي الله عليه و آله فلا بد أن تكون نحالفة للون، لأن شامة النبي صلّي الله عليه و آله كذلك، فإنها سوداء فيها شعر غليظ.

و أما الأولي فلا بد أن تتميز من الجسد، و أما خصوص أنها أرفع أو أخفض فلم أقف عليه إلي الآن، ولعل القائل أخذ ذلك من قوله عليه السّلام:

(شامة علي لون جلده) يعني: أنها إذا كانت علي لون جلده لا تتميز بكونها شامة إلّا بالارتفاع أو الانخفاض، والذي يظهر [لي] بان هاتين الشامتين شَامة من النبوة، وشَامة من الولاية، أما الشامة الي من الولاية. بمعني أنها علامة أنه خاتم الولاية، فلا بد أن تكون علي لون جلده، إشارة إلي أنه ولي وخاتم الولاية علي صبغة الولي.

و أما الشامة التي علي شبه شامة النبي صلّي الله عليه و آله فهي من النبوة،. بمعني أنها علامة أنه خاتم خلافة النبي صلّي الله عليه و آله، فلا خليفة بعده لمحمد صلّي الله عليه و آله، فلا بد أن تكون نحالفة للون جلده، لأنه ليس بنبي، وإنما تكون مشابهة لشامة النبي صلّي الله عليه و آله وشامة النبي صلّي الله عليه و آله التي هي خاتم النبوة، أسود مرتفع، وفيها شعر غليظ.

فإن قلت: إذا عللت الشامة الأولي في كونها بلون الجلد لأنه ولي، وهي علامة ختم الولاية، فيلزم أن تكون شامة النبي صلّي الله عليه و آله بلون جلده لأنه نبي، وهي علامة ختم النبوة.

ص: 189

قلت: فرق بين الحالين، ولا فرق بين المحلين، وذلك لأن النبي صلّي الله عليه و آله ولي، و هو سيد الأولياء، وإنما نال الأولياء ولايتهم بواسطه، ونصبه من جميع الخلق أجمعين، وبعد كونه ولياً بثمانين ألف سنة كان نبياً، فظهر فيه خاتم النبوة، وعلامة ختمها علي غير لون جلده، ولو لم يكن ولياً لما ظهرت الشمامة علي خلاف جلده، لكنه ولي و نبي، بلي نبي وولي، ولا تجوز النبوة بغير ولاية، ولأن شامته صلّي الله عليه و آله للنبوة، و هو و إن كان في الحقيقة نبياً لكنه في الحقيقة وقبل تحقق النبوة ولي، فكان تلك الشامة علامة للصفة العارضة، والعارض علي غير لون الذاتي، فافهم.

و قوله: (له اسمان اسم يخفي واسم يعلن): تقدم الكلام فيه.

وقوله: (و هم يتزاورون في قبورهم): يراد منه إن أرواحهم الملابسة للاُجسام اللطيفة في قوالبها المثالية يزور بعضهم بعضاً في مواضع حفرهم، لأن هزلاء فِي الغالب ليسوا من الذين لهم برزخ، لأنهم ليسوا ممن محض الإيمان محضاً وإلا كروا معه، إلّا أن يكونرا من أهل زمان من قبله من الأئمة عليهم السّلام، فإنهم قد لا يكرون معه، لكنهم يتزاورون في قبورهم، ويفرحون بخروجه، ويكر كل واحد منهم مع كرة إمام زمانه، كما يحشر يوم القيامة معه.

وفي غيبة الطوسي عن جابر الجعفي، قال: سمعت أبا جعفر عليه السّلام يقول : (سأل عمر بن الحطاب أمير المؤمنين عليه السّلام فقال: أخبرني عن المهدي ما اسمه؟.

قال: أما اسمه فمانّ حبيبي شهد إليّ أن لا أحدث باسمه حتي يبعثه الله.

قال: فأخيرني عن صفته؟.

قال: هو شاب مربوع، حسن الوجه، حسن الشعر، يسيل شعره

ص: 190

علي منكبيه، ونور وجهه يعلو سواد لحيته ورأسه، بأبي ابن خرة الأماء)(1).

وفي إرشاد المفيد عن عبد الرحيم القصير، قال: قلت لأبي جعفر عليه السّلام: قال أمير المؤمنن: (بأبي ابن خيرة الأماء، أهي فاطمة.

قال: فاطمة عليه السّلام.

قال: المبدح بطنه و المشرب حمرة رحم الله فلاناً)(2).

وفي غيبة النعماني بسنده عن حمران، قال: قلت لأبي جعفر عليه السّلام:

جعلت فداك، إني قد دخلت المدينة وفي حقوي هميان فيه ألف دينار، و قد أعطيت اللّه عهداً أني أنقصها ببابك ديناراً ديناراً، أو تجيبني فيما أسألك عنه.

فقال: (يا حمران سل تجب، ولا تنفقن دنانيرك.

فقلت: سألت بقرابتك من رسول اللّه صلّي الله عليه و آله أنت صاحب الأمر و القائم به.

قال: لا.

قلت: فمن هو بأبي وأمي؟.

فقال: ذلك المشرب حمرة، الغائر العينين، المشرف الحاجبين، العريض ما بين المنكبين، برأسه حزاز، وبوجهه أثر، رحم الله موسي)(3).4.

ص: 191


1- غيبة الطوسي، ص 470، ح 487، ذكر طرف من العلامات الكائنة قبل خروجه عليه السّلام. الارشاد، ص 363. إعلام الوري، ص 482، فصل: 4. روضة الراعظين، ص 292، مجلس في ذكر إمامة صاحب الزمان عليه السّلام. بحار الأنوار، ج 51، ص 36، ح 6.
2- غيبة النعماني، ص 234، ح 9، باب: 13. بحار الأنوار، ج 51، ص 41، باب: 4.
3- غيبة النعماني، ص 223، ح 3، باب: 13. بحار الأنوار، ج 51، ص 40، ح 20، باب : 4.

أقول: الغائر العينين الذي ليست حدقتا عينيه بارزتين، زائداً علي أكثر الناس، أو كاكثر الناس، بل هما إلي الدخول تحت الحاجبين أكثر، و هذا في الغالب من الناس صفة صاحب الدهر.

وقوله: (المشرف الحاجبين): أي في وسطهما ارتفاع، و هو علة غور العين كما تقدم.

وقوله: (حزاز)، قال في العوالم: (الحزاز ما يكون في الشعر مثل النخالة)(1).

وقوله عليه السّلام: (رحم الله موسي): يحتمل أنه لما ذكر له حمران وأقسم عليه هل هو القائم أم لا بين أني لست بذلك، ولقد قوَّم قوم يعني بهم الواقفية، أن موسي عليه السّلام هو القائم، فأشار إلي ذكر ذلك بالرحم عليه، أو ترحم عليه، رداً علي الواقفية حيث ذهبوا إلي أنه القائم عليه السّلام، وأنه حي لم يمت حتي تملأ الأرض قسطاً وعدلاً، أو أنه قال رحم اللّه فلاناً، كما تأتي في الحديث الآتي، فقال: الواقفية عني موسي، والترحم عليه، الدعاء بتعجيل الفرج.

وفيه عن عمران بن أعين، قال: سألت أبا جعفر عليه السّلام فقلت: (أنت القائم؟.

قال: قد ولدني رسول الله صلّي الله عليه و آله، وأني للطالب بالدم، ويفعل الله ما يشاء.

ثم أعدت عليه، فقال: قد عرفت حيث تذهب، صاحبك المبدح البطن، ثم الحزاز برأسه، ابن الأوراع، رحم الله فلاناً)(2).2.

ص: 192


1- بحار الأنوار، ج 51، ص 40، ح 21، باب: 4.
2- غيبة النعماني، ص 215، ح 4، باب: 13. بحار الأنوار، ج 51، ص 40، ح 22.

أقول: قوله: (المبدح البطن): المستوي بطنه بصدره.

و قوله: (الحزاز برأسه) كما تقدم ويأتي: والمراد بها و اللّه أعلم القوبي، لأنه علامة لَه في رأسه كما يأتي.

وقوله: (ابن الأوراع) بالواو ثم الراء المهملة وآخره عين، جمع ورع:

أي أنه ابن الورعين الزاهدين، أو أن الورع. بمعني الجبان و الضعيف، يعني أن صاحبك الشجاع و القوي، و هو ابن الجبناء و الضعفاء، كناية عن خوفهم عليه السّلام واستيلاء أعدائهم عليهم، وصاحبك ليس كآبائه.

وفي بعض النسخ: (الأرواع) بتقديم الراء علي الواو جمع أروع: أي الذي يعجبك بحسنه ومنظره، أو بشجاعته، أو أنه جمع روع:. بمعني الخوف؛ كالمعني الأول.

وفيه بسنده عن محمد بن عصام، عن وهب بن حفص، عن أبي بصير، قال: قال أبو جعفر عليه السّلام، وأبو عبد اللّه عليه السّلام الشك من ابن عصام: (يا أبا محمد بالقائم علامتان، شامة في رأسه، و هو داء الحزاز برأسه، وشامة بين كتفيه من الجانب الأيسر، تحت كتفه الأيسر ورقة مثل ورقة الآس، ابن ستة، وابن خير الإماء)(1).

أقول: لعل الشامة الي بين كتفيه من الجانب الأيسر هي التي علي شبه شامة رسول اللّه صلّي الله عليه و آله، و إنما قال: (من الجانب الأيسر) لأن علامة استخلاف النبوة تحت علامة استخلاف الولاية، لأن استخلاف النبوة وكالة، واستخلاف الولاية ولاية.].

ص: 193


1- كيبة النعماني، ج 224، ح 5، باب: 13. بحار الأنوار، ج 51، ص 41، ح 22، باب : 4. بزيادة [ابن ستة، وابن خير الاماء].

قوله: (مثل ورقة الآس): يشار به إلي أنّ علامة استخلاف النبوة ناظرة إلي الجهة العليا؛ أي جهة علامة استخلاف الولاية، لأنها في الرأس، و أما كونها علي هذه الهيئة، لأن الجهة السفلي أغلظ، والجهة العليا ألطف، فإذا جذبتها العليا، أو هي طلبت العليا امتدت علي هذه الهيئة، و قد برهنا علي وجه هذا في بعض رسائلنا.

وقوله: (ابن ستة): يحتمل أن يراد منه ستة أعوام، لأن أباه عليه السّلام مات و هو داخل في السادسة علي رواية، أو أن السادسة تمت علي أخري، أو يراد به أنه ابن سادات أعاوهم ستة؛ وهي محمد، وعلي، والحسين، وجعفر، وموسي، والحسن، فيدخل في اسم محمد صلّي الله عليه و آله الباقر، والجواد، وفي اسم علي عليه السّلام السجاد، والرضا، والهادي، و لم يحصل هذا في غيره من الأئمة عليهم السّلام.

ويحتمل أن يكون قرله: (ابن ستة):. بمعني ابن سيدة الاماء، لأنه قد يستعمل ستة. بمعني سيدة، إما أنه لغة في معني سيدة، أو تخفيف كما خففوا أي شيء فقالوا أيش، أو أنه لفظ مولد، واستعملوه [فيها].

أما الاستعمال فلا إشكال فيه، وإنما الإشكال في أنه لغة، أو مخفف سيدة أو مولد.

وفي القاموس: (وستي للمرأة): أي ياست جهاني، أولحن، والصواب سيدتي، وربما يدل علي هذا ما في غيبة النعماني بسنده عن زيد بن حازم، قال : (خرجت من الكوفة فلما قدمت المدينة دخلت علي أبي عبد اللّه عليه السّلام فسلمت عليه، فسألني هل صاحبك أحد؟.

فقلت: نعم.

فقال: كنتم تتكلمون؟.

قلت: نعم، صحبني رجل من المغيرية.

ص: 194

قال: فما كان يقول؟.

قلت: كان يزعم اًن محمد بن عبد الله بن الحسن هو القائم، والدليل علي ذلك اسمه اسم النبي صلّي الله عليه و آله، واسم أبيه اسم الني صلّي الله عليه و آله.

فقلت لَه في الجواب: إن كنت تاخذ في الأسماء فهو ذا في ولد الحسين عليه السّلام محمدبن عبد الله بن علي.

فقال لي: إن هذا ابن أمة؛ يعني محمد بن عبد الله بن علي، و هذا ابن مهيرة؛ يعني محمد بن عبد الله بن الحسن بن الحسن.

فقال لي أبو عبد الله عليه السّلام: فما رددت عليه؟.

قلت: ما كان عندي شيء أرد عليه.

فقال: أوَ لم تعلموا أنه ابن سبية؛ يعني القائم عليه السّلام)(1).

أقول: فقوله عليه السّلام: (لو تعلمون أنه ابن ستة): جواب لو محذوف؛ أي لو لرددتم عليه؛ يعي بان قلتم أن القائم عليه السّلام ابن أمة، كما قال أمير المؤمنين عليه السّلام في قوله: (بأبي ابن خيرة الإماء)(2) فدل علي أن المراد بستة؛ ستة الإماء، أي سيدتهن، لأن جوابه عليه السّلام في مقام ذكر الحرة و الأمة.

ويحتمل أن المراد: أنه ابن ستة من الأئمة عليهم السّلام، باعتبار الأسماء كما مر، ومحمد بن عبد اللّه لم يكن كذلك، إلّا أن الأول قريب للقرينة، وعليه فيحتمل الواو في الحديث علي التفسير، فلا يحمل علي اقتضاء المغايرة، واللّه سبحانه وهم عليهم السّلام أعلم.

وفي بصائر الدرجات بسنده عن أبي بصير، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال : قلت: جعلت فداك إني سمعت أباك و هو يقول: إن القائم واسع الصدر،ع.

ص: 195


1- كيبة النعماني، ص 235، ح 12، باب: 13.
2- تقدم تخريجه فراجع.

مسترسل المنكبين، عريض ما بينهما؟.

فقال: (يا محمد إن أبي لبس درع رسول الله صلّي الله عليه و آله، و كانت تستحب(1) علي الأرض، وإني لبستها فكانت وكانت، وإنها تكون في القائم عليه السّلام كما كانت من رسول الله صلّي الله عليه و آله مشمرة، كانه يرفع نطاقها بحلقتين، وليس صاحب هذا الأمر من جاز الأربعين)(2).

قوله: (مترسل المنكبين): أي منبسطهما وقوله: (فكانت وكانت)، قال في العوالم: (أي كانت قريبة من الأستواء، والتقدير كانت مستوية، وكانت زائدة)(3).

أقول: والظاهر أن المراد فكانت تسحب أيضاً، وكانت زائدة، وكانت واسعة، وأمثال ذلك من عدم الاعتدال و الموافقة، لأن موافقتها لمن لبسها منهم «صلي اللّه عليهم» علامة القيام بأمر اللّه حتي يرضي؛ يعني أتها كما كانت علي أبي من عدم الاستواء وزيادة، وتكرير كانت لتعديد جهات المخالفة.

وتوله: (تكون من القائم عليه السّلام كما كانت من رسول الله صلّي الله عليه و آله):

يعني أنها علي القائم عليه السّلام إذا لبسها مثل ما هي علي رسول اللّه صلّي الله عليه و آله من الاستواء و الموافقة.

وقوله: (مشمرة): أي مرتفعة أذيالها عن الأرض، والمراد بنطاقها ما يرسل قدامها، و المعني أنها كانت قصيرة عليه بحسبه، يظن الناظر إنه رفع بنطاقها وشدها علي وسطها بحلقتين.7.

ص: 196


1- في المصدر: (تستحب).
2- بصائر الدرجات، ص 188، ح 55، باب: 4 ما عند الأئمة من سلاح رسول اللّه صلّي الله عليه و آله. بحار الأنوار، ج 52، ص 319، ح 20، باب: 20.
3- بحار الأنوار، ج 52، ص 319، باب: 27.

و في بعض النسخ: (وكانت)، ولعل المعني أنه عليه السّلام يعني القائم عليه السّلام يشدها لسهولة الحركات لا لطولها، ويحتمل أن يكون المراد بالنطاق المنطقة التي تشد فوق الدرع.

و قوله: (من جاز الأربعين)، قال: في العوالم: (أي في الصورة، أي صاحب هذا الأمر، يري دائماً أنه في سن الأربعين، ولا يؤثر فيه الشيب ولا يغيره)(1).

أقول: يعني أنه في سن الأربعين لا تتوهم فيه نفوس الجهال، عدم العلم والحلم و العقل.

ويحتمل أن يكون المراد: أن من تجاوز سن الأربعين يكون شيخا لا يقوم بأعباء الأمر، وإنما صاحب هذا الأمر من يظهر شاباً قوياً في بدنه علي معالجة الأمور الشديدة.7.

ص: 197


1- بحار الأنوار، ج 52، ص 319، باب: 27.

ص: 198

فصل في ذكر قوته و قوة اصحابه، و في معني ذي القوة، و في علة غيبته عليه السّلام

في حلية الأبرار بسنده عن الريان بن الصلت، قال: قلت: للرضا عليه السّلام : (أنت صاحب هذا الأمر؟.

فقال: أنا صاحب هذا الأمر، ولكني لست بالذي أملؤها عدلاً كما ملئت جوراً، وكيف أكون ذلك علي ما تري من ضعف بدني؟!، و إنّ القائم هو الذي إذا خرج كان في سن الشيوخ، ومنظر الشاب، قوي في بدنه، حتي لو مد يده إلي أعظم شجرة علي وجه الأرض لقلعها، ولو صاح بين الجبال لتدكدكت صخورها، يكون معه عصا موسي عليه السّلام، وخاتم سليمان عليه السّلام، ذلك الرابع من ولدي، يغيبه الله في ستره ما شاء، ثم يظهر فيملأ الأرض قسطاً وعدلاً كما ملئت جوراً وظلماً)(1).

وفيه عن أبي بصير، قال: (سأل رجل من أهل الكوفة أبا عبد الله . عليه السّلام كم يخرج مع القائم عليه السّلام، فإنهم يقولون: أنه يخرج معه مثل عدة أهل بدر ثلاثمائة وثلاثة عشر رجلاً؟.

ص: 199


1- حلية الأبرار، ج 2، ص 584، باب: 22. كمال الدين وتمام النعمة، ج 2، ص 350، ح 7، باب: 35. إعلام الوري، ص 434، فصل: 2. كشف الغمة، ج 2، ص 1018، فصل: 2، باب: 2. منتخب الأنوار المضيئة، ص 196، فصل: 12. بحار الأنوار، ج 52، ص 322، ح 30، باب: 27.

قال: ما يخرج إلّا في أولي قوة، وما يكون أولي القوة أقل من عشرة آلاف، - وفي نسخة أخري - وما يكون أولو القوة إلّا عشرة الآف)(1).

وفيه عن أبي بصير، قال: قال أبو عبد اللّه عليه السّلام: (ط كان قول لوط عليه السّلام لقومه: لَوْ أَنَّ لِي بِكُمْ قُوَّةً أَوْ آوِي إِلي رُكْنٍ شَدِيدٍ (2) إلّا تمنياً لقوة القائم عليه السّلام، ولا ذكر ركَن إلّا شدة أصحابه، فإنّ الرجل منهم يعطي قوة أربعين رجلاً، و إنّ قلبه لأشد من زبر الحديد، ولو مروا يحبال الحديد لقطعوها، لا يكفون سيوفهم حتي يرضي الله عزّوجلّ)(3).

وفيه عن أبان بن تغلب الكلبي، قال: قال أبو عبد اللّه عليه السّلام في حديث يذكر فيه القائم عليه السّلام إذا خرج قال عليه السّلام: (ووضع الله يده علي رووس العباد، فلا يبقي مؤمن إلّا صار قلبه أشد من زبر الحديد، وأعطي قوة أربعين رجلاً)(4).

وفيه عن ابن أبي عمير، عمن ذكره عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: قلت له: ما بال أمير المؤمنين عليه السّلام لم يقاتل فلاناً وفلاناً وفلاناً؟.

قال: (الآيات في كتاب الله عزّوجلّ: لَوْ تَزَيَّلُوا لَعَذَّبْنَا الَّذِينَ كَفَرُوا4.

ص: 200


1- حلية الأبرار، ج 2، ص 585، باب: 22 كمال الدين وتمام النعمة، ج 2، ص 593، باب: 57. العدد القوية، ص 65، نبذة من أحوال الإمام الحجة عليه السّلام. بحار الأنوار، ج 52، ص 323، ح 33، باب: 27.
2- سورة هود، الآية: 80.
3- تقدم تخريجه فراجع.
4- حلبة الأبرار، ج 2، ص 586، باب: 22. كمال الدين وتمام النعمة، ج 2، ص 592، ح 17، باب: 57. العدد القوية، ص 64، نبذة من أحوال الإمام الحجة عليه السّلام. بحار الأنوار، ج 51، ص 35، ح 4، باب: 4.

مِنْهُمْ عَذاباً أَلِيماً (1) .

قال: قلت: وما يعني بتزايلهم؟.

قال: ودائع مؤمنين في أصلاب قوم كافرين، وكذلك القائم عليه السّلام لن يظهر أبداً حتي تخرج ودائع الله عزّوجلّ، فاذا خرجت ظهر علي من ظهر في أعداء الله فقتلهم)(2).

وفيه عن إبراهيم الكرخي، قال: قلت: لأبي عبد اللّه عليه السّلام أو قال له رجل: أ أصلحك الله ألم يكن علي عليه السّلام قوياً في دين الله عزّوجلّ؟.

قال: بلي.

قلت: كيف ظهر عليه القوم ولم يمنعهم، و كيف لم يدفعهم، وما منعه من ذلك؟.

قال: آية في كتاب الله عزّوجلّ منعته.

قال: قلت: وأي آية؟.

قال: قوله: لَوْ تَزَيَّلُوا لَعَذَّبْنَا الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْهُمْ عَذاباً أَلِيماً (3) إنه كان لله عزّوجلّ ودائع مؤمنون في أصلاب قوم كافرين ومنافقين، فلم يكن علي عليه السّلام ليقتل الآباء حتي تخرج الودائع، فلما خرجت الودائع ظهر علي من ظهر فقاتله، وكذلك قائمنا أهل البيت عليه السّلام لن يظهر أبداً حتي تظهر5.

ص: 201


1- سورة الفتح، الآية: 25.
2- حلية الأبرار، ج 2، ص 587، باب: 23. كمال الدين وتمام النعمة، ج 2، ص 581، باب: 54. علل الشرائع، ج 1، ص 176، ح 2، باب: 122. بحار الأنوار، ج 29، ص 435.
3- سورة الفتح، اليية: 25.

ودائع الله عزّوجلّ، فإذا ظهرت ظهر علي من ظهرر فقتله)(1).

اًقول: قوله عليه السّلام في الحديثين: (ودائع مؤمنين): يريد أنه إذا خرج علي الأعداء الذين يحاربونه، فإن قتلهم فقد قتل من في أصلابهم من المومنين الذين لم يخرجوا عليه، و إن لم يقتل من في صلبه الوديعة المؤمنة قتلوه كما كان يوم كربلاء، والاشارة إلي ذلك أن اللّه سبحانه خلق شجرة في الجنة اسمها «المزن» يقع منها قطرات علي البقول و الثمار وسائر النباتات، فما أكل من تلك البقول أو الثمار مما فيه قطرة مؤمن أو كافر إلّا أخرج اللّه من صلبه مؤمناً، وبالعكس شجرة الزقوم في سحين نابتة في طينة خبال علي العكس، فلما كان أعداوه من المنافقين و المشركين و الكافرين في أصلابهم نطف مؤمنة طاهرة لم يخرج، لأنه إن قتلهم قتل شيعته، و إن لم يقتلهم قتلوه، فهو دائماً ينظر بنور اللّه(2) ، والتوسم في أصلاب الخلائق، فإذا تزيلوا كما كان من قوم نوح وموسي وغيرهما، فقتل من قاتله، و لم تصبه هو و أنصاره معرة، و هذا هو المراد من خوفه عليه السّلام من القتل الذي عناه أبو عبد اللّه عليه السّلام في قوله: (لا بد للقائم غيبة قبل أن يقوم.

قال: قلت: ولِمَ؟.

قال: يخاف - وأوما بيده إلي بطنه - قال زرارة: يعني القتل)(3).

وعن زرارة عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: (اٍنّ للقائم غيبة قبل قيامه.0.

ص: 202


1- حلية الأبرار، ج 2، ص 587، باب: 23. علل الشرائع، ج 1، ص 147، ح 3، باب : 122. مناقب آل أبي طالب، ج 1، ص 272، فصل: في مسائل وأحوبة. بحار الأنوار، ج 29، ص 436.
2- قال رَسُولُ اللّهِ صلّي الله عليه و آله: (اتّقوا فِرَاسَةَ المؤمن فإنّه يَنظرُ بِنُورِ اللّه...). أصرل الكافي، ج 1، ص 218، ح 3. بصائر الدرجات، ص 330، ح 4، باب: 17 أنهم المتوسمون.
3- كمال الدين وتمام النعمة، ج 2، ص 437، ح 8، باب: 44. غيبة النعماني، ص 176، ح 19. بحار الأنوار، ج 52، ص 91، ح 5، باب: 20.

قلت: ولِمَ؟.

قال: يخاف علي نفسه الذبح)(1).

وفيه عن عبد اللّه بن الفضل الهاشمي، قال: سمعت الصادق جعفر بن محمد عليه السّلام يقول: (إنّ لصاحب هذا الأمر غيبة لا بد منها، يرتاب فيها كل مبطل.

قلت: ولم جعلت فداك؟.

قال: لأمر لم يؤذن لنا في كشفه لكم.

قلت: فما وجه اظكمة في غيبته؟.

قال: وجه الحكمة في غيبته وجه الحكمة في كيبات من تقدمه من حجج الله - تعالي ذكره -، و إن وجه الحكمة في ذلك لا ينكشف اٍلّا بعد ظهوره، كما لا ينكشف وجه الحكمة فيما أتاه الخضر عليه السّلام من خرق السفينة، وقتل الغلام، وإقامة الجدار لموسي عليه السّلام إلّا وقت افتراقهما.

يا ابن الفضل: إنّ هذا الأمر من أمر الله تعالي، وسره من سر الله، و غيبه من غيب الله، ومتي علمنا أنه عزّوجلّ حكيم صدقنا بأن أفعاله كلها حكمة، و إن كان وجهها غير منكشف لنا)(2).

أقول: قوله عليه السّلام: (لأمر لم يُؤذن في كشفه لكم): يريد منه - و اللّه سبحانه وتعالي ورسوله وحججه عليه وعليهم السلام أعلم - لم يزذن في كشفه لمثلك [من] الضعفاء من شيعتنا ممن لا يحتملونه، لأنه صعب0.

ص: 203


1- كمال الدين وتمام النعمة، ج 2، ص 437، ح 10، باب: 44. بحار الأنوار، ج 52، ص 97، ح 18، باب: 20.
2- كمال الدين وتمام النعمة، ج 2، ص 437، ح 11، باب: 44. منتخب الأنوار المضيئة، ص 81، فصل: 6. بحار الأنوار، ج 52، ص 91، ح 4، باب: 20.

مستصعب، ولأعدائنا لئلا يزدادوا بكشفه لهم عتواً ونفراً، وعماية وجهلاً، وإلّا فإنهم قد كشفوه في أحاديثهم لشيعتهم الذين يحتملونه، وذلك الأمر هو مركب من أسباب:

منها ما سمعت في بيان: لَوْ تَزَيَّلُوا لَعَذَّبْنَا الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْهُمْ عَذاباً أَلِيماً (1) و هذا أعظمها وأقواها ركناً.

ومنها: جري الأشياء في جعل التقدير علي الاقتضاءات الطبيعية، فلا بد للأشياء إذا جرت علي ما تقتضيه أن يجري اللاحق علي طريق جري السابق، كما قال تعالي: وَ لَنْ تَجِدَ لِسُنَّةِ اللّهِ تَبْدِيلاً (2). و قال: إِنْ يَنْتَهُوا يُغْفَرْ لَهُمْ ما قَدْ سَلَفَ وَ إِنْ يَعُودُوا فَقَدْ مَضَتْ سُنَّتُ الْأَوَّلِينَ (3).

ومنها: الاختبار والابتلاء اللذاين بهما يميز اللّه الخبيث من الطب، كما قال اللّه: أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تُتْرَكُوا وَ لَمّا يَعْلَمِ اللّهُ الَّذِينَ جاهَدُوا مِنْكُمْ (4) ، أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَ لَمّا يَأْتِكُمْ مَثَلُ الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلِكُمْ مَسَّتْهُمُ الْبَأْساءُ وَ الضَّرّاءُ (5) ، أَ حَسِبَ النّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آمَنّا وَ هُمْ لا يُفْتَنُونَ (6).

وقول: أمير المؤمنين صلوات الله عليه: (لتبلبلن بلبلة، ولتغربلن كربلة، و لتساطن سوط القدر، حتي يعود أسفلكم أعلاكم، أعلاكم2.

ص: 204


1- سورة الفتح، الآية: 25.
2- سورة الأحزاب، الآية: 62.
3- سورة الأنفال، الآية: 38.
4- سورة التربة، الآيات: 16.
5- سورة البقرة، الآية: 214.
6- سورة العنكبوت، الآية: 2.

و أسفلكم...)(1).

ومنها: إعطاء اللّه عزّوجلّ عباده المؤمنين جزيل منحه ومواهبه، علي ما سبب لهم من الإيمان بالغيب، والتصديق له ولكتبه ورسله وأوليائه.

ومنها: سر القدر في الاختبار والابتلاء، الذي لا ينبغي كشفه، أو لا يدرك تبيينه إلّا إجمالاً، أو بتطويل طويل.

وفيه عن زرارة، قال سمعت أبا عبد اللّه عليه السّلام: (إنّ للقائم كيبة قبل أن يقوم.

قلت له: ولِمَ؟.

قال: يخاف - و أومأ بيده إلي بطنه - ثم قال: يا زرارة و هو المنتظر، و هو الذي يشك الناس في ولادته، فمنهم من يقول: هو حمل، ومنهم من يقول: هو غائب، ومنهم من يقول: ما ولد، ومنهم من يقول: ولد قبل وفاة أبيه بسنتين، غير أن الله تبارك وتعالي يحب أن يمتحن الشيعة، فعند ذلك يرتاب المبطلون.

قال زرارة، فقلت: جعلت فداك إن أدركت ذلك الزمان أي شيء أعمل؟.

فقال: يا زرارة إن أدركت ذلك الزمان فليدع بهذا الدعاء: اللهم عرفني نفسك، فإنّك إن لم تعرفني نفسك لم أعرف نبيك، اللهم عرفني رسولك فإنّك إن لم تعرفني رسولك لم أعرف حجتك، اللهم عرفني حجتك فإنّك إن لم تعرفني حجتك ضللت عن ديني.

ثم قال: يا زرارة لا بد من قتل كلام بالمدينة.2.

ص: 205


1- أصول الكافي، ج 8، ص 378. غيبة النعماني، ص 209، ح 1، باب: 12.

قلت جعلت فداك: أليس الذي يقتله جيش السفياني؟.

قال: لا، ولكن يقتله جيش بني فلان، يخرج حتي يدخل المدينة، فلا يدري الناس في أي شيء دخل، فيأخذ الغلام فيقتله، فإذا قتله بغياً وعدواناً وظلماً لم يمهلهم الله، فعند ذلك فتوقعوا الفرج)(1).

أقول: هذا الغلام هو النفس الزكية، و لم يمهلهم اللّه إلّا خمس عشرة ليلة.2.

ص: 206


1- كمال الدين وتمام النعمة، ج 2، ص 321، ح 24، باب: 33. أصول الكافي، ج 1، ص 337، ح 5، باب: في الغيبة. إعلام الوري، ص 431، فصل: 2. بحار الأنوار، ج 52، ص 146، ح 70، باب: 22.

فصل في انه عليه السّلام يحضر الموسم فيقبل حجهم إذا حضر و لا يحضرهم إبليس

في حلية الأبرار عن عبيد بن زرارة قال سمعت أبا عبد اللّه عليه السّلام يقول:

(يفقد الناس إمامهم فيشهد الموسم فيراهم ولا يرونه)(1).

وفيه عن عبيد بن زرارة قال سمعت أبا عبد اللّه عليه السّلام يقول: (للقائم غيبتان، يشهد في إحداهما الموسم، يري الناس ولا يرونه)(2).

أقول: يحتمل أن يراد بالغيبة التي يشهد فيها الموسم الغيبة الصغري، و هذا في الظاهر، إلّا أن فيه إشكالاً، و هو أنه عليه السّلام لم يحتجب في الغيبة الصغري عن كل أحد، بل كثيراً ما يراه بعض شيعته، إلّا أن يحمل علي أن العامة لا يرونه، أو علي أن هذا جار علي الأغلب، وأيضاً يفهم منه أن في الثانية لا يشهد الموسم، أو يشهد ولكنهم يرونه، أو يرونه ولا يشهد، كما هو مقتضي الحصر العقلي، وكل هذه لا تصح.

ص: 207


1- حلية الأبرار، ج 2، ص 606، باب: 29. أصرل الكافي، ج 1، ص 337، ح 6، باب: في الغيبة. كمال الدين وتمام النعمة، ج 2، ص 325، ح 34، باب: 33. غيبة الطوسي، ص 161، ح 119. غيبة النعماني، ص 180، ح 14، باب: 13. دلائل الإمامة، ص 255، معرفة وجوب الإمام القائم عليه السّلام.
2- حلية الأبرار، ج 2، ص 606، باب: 29. أصول الكافي، ج 1، ص 339، ح 12، باب : في الغيبة. كيبة النعماني، ص 181، ح 16، باب: 10. مستدرك الوسائل، ج 8، ص 51، ح 5، باب: 30.

والظاهر أن المفهوم المراد هو أنه عليه السّلام في الغيبة الكبري، فيما بعد عنها عن الصغري لا يراه أحد، كما يأتي عنهم عليهم السّلام من: (أنه لا تراه عين حتي تراه كل عين)(1).

وما نقل من أنه رُئي فِي الغيبة الكبري كما نقله كثير، فعلي تقدير صحته يحمل علي ما كان قريباً من الغيبة الصغري.

و أما أنه لا يحضر الموسم فلا، بل يحضر في كل سنة أو في أغلب السنين، كما قد يفهم من بعض الأخبار بدلالة مفهومه، والذي يخطر بقلبي مما استفدته من آثارهم عليهم السّلام أنه يحضر الموسم، وأنه إذا حضر لم يحضر إبليس، و إذا حضر قُبِلَ حج أهل الموسم، ولكن ذلك ليس علي إطلاق لفظه، بل في بعض مواضع عرفة دون بعض، وما لم يحضر فيه يحضره إبليس، لأنه عليه السّلام لا يحضر إلّا مع أوليائه حين طاعتهم وذكرهم، وحينئذٍ لا يحضر إبليس؛ لأنه لو حضر أحرقه نور ولي اللّه «صلوات اللّه عليه وعلي آبائه الكرام» ولا يحضر مع أعدائه، ولا مع من وافقهم من المحبين، فيحضر إبليس فيصيبهم. بما يقدر عليه من كل ما يخدش به حجهم، واللّه سبحانه أعلم.

ويحتمل أن يكون المراد يحضر الوسم عند أوليائه، ولا يحضر عند أعدائه، فيكون المعني في قوله أنه عليه السّلام يري الناس فيعرفهم ويرونه ولا يعرفونه، أن الناس هم أعداوه، أو أعم من أعدائه وأوليائه، وأن ضمير يرونه ولا يعرفونه يرجع إلي أوليائه، كما تشير إليه بعض آثارهم.

و أما قبول الحج وعدمه، وحضور إبليس وعدمه، فمبي علي إقباله وإدباره عليه السّلام، لا علي حضوره الموسم من أصله وعدمه، لأنه لا يترك الحجد.

ص: 208


1- مصباح الكفعمي، ص 105، دعاء ليلة الأحد.

أبداً، ويدل علي حضوره كل سنة ما رواه ابن بابويه بسنده عن عبد اللّه بن جعفر الحميري، عن محمد بن عثمان العمري، قال: سمعته يقول: (والله إنّ صاحب هذا الأمر يحضر الموسم كل سنة، فيري الناس فيعرفهم ويرونه ولا يعرفونه).

وعنه قال: سألت محمد بن عثمان العمري رضي الله عنه.

فقلت له: رأيت صاحب هذا الأمر؟.

فقال: نعم، وآخر عهدي به عند بيت اللّه الحرام، و هو يقول: (اللهم أنجز لي ما وعدتني)(1).

وعنه قال: سمعت محمّد بن عثمان العمري رضي الله عنه يقول: رأيته «صلوات اللّه عليه» متعلقاً بأستار الكعبة في المستجار، و هو يقول: (اللهم انتقم لي من أعدائي)(2).

وفيه عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: (العام الذي لا يشهد صاحب هذا الأمر الموسم لا يقبل من الناس حجهم)(3).

أقول: يظهر من هذا أنه عليه السّلام قد لا يحضر في بعض السنين الموسم، والجمع بينه وبين ما تقدم من أنه يحضر الموسم كل سنة، إما علي مثل ما ذكرنا من التوجيه من أنه البتة يحضر عند أوليائه ولا يحضر عند أعدائه فلام.

ص: 209


1- كمال الدين وتمام النعمة، ج 2، ص 404، ح 8 وَح 9، باب: 44. غيبة الطوسي، ص 362، ح 329 و ح 330. ذكر أبي جعفر محمد بن عثمان بن سعيد.
2- حلية الأبرار، ج 2، ص 607، باب: 29. غيبة الطوسي، ص 251، فصل: 2. كمال الدين وتمام النعمة، ج 2، ص 404، ح 10، باب: 44.
3- حلية الأبرار، ج 2، ص 607، باب: 29. دلائل الإمامة، ص 257، وجوب معرفة الإمام القائم عليه السّلام.

يقبل حجهم، أو أنه يقبل علي أوليائه، فيقبل حجهم ولا يقبل علي أعدائه، فيحضر إبليس فلا يقبل حجهم.

أو يحمل قوله في الحديث الأول كل سنة علي الأغلب، واللّه أعلم.

ص: 210

فصل في نزول عيسي بن مريم عليه السّلام و يصلي خلف المهدي عليه السّلام

في حلية الأبرار بسنده إلي شهر بن حوشب، قال لي الحجاج: (يا حوشب آية في كتاب اللّه قد أعيتني.

فقلت: أيها الأمير أية آية هي؟.

فقال: قوله: وَ إِنْ مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ إِلاّ لَيُؤْمِنَنَّ بِهِ قَبْلَ مَوْتِهِ (1) واللّه إني لأمر باليهودي و النصراني فتضرب عنقه، ثم أرمقه بعيني فما أَراه يحرك شفتيه حتي يخمد.

فقلت: أصلح اللّه الأمير ليس علي ما أولت.

قال: كيف هو؟.

قال: إن عيسي ينزل به قبل يوم القيامة إلي الدنيا، فلا يبقي أهل ملة يهودي لا نصراني ولا غيره إلّا من آمن به قبل موته، ويصلي خلف المهدي.

قال: و يحك أني لك هذا، ومن أين جئت به؟.

فقلت: حدثني به محمد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب عليه السّلام فقال: جئت بها و اللّه من عين صافية)(2).

وفيه عن علي بن رئاب، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام في حديث طويل، قال فيه: (فظهر عيسي عليه السّلام في ولادته معلناً لدلائله، مظهراً لشخصه، شاهراً لبراهينه عنه، غير مخفي لنفسه، لأن زمانه كان زمان إمكان ظهور الحجة

ص: 211


1- سورة النساء، الآية: 159.
2- حلية الأبرار، ج 2، ص 619، باب: 34. تفسير القمي، ج 1، ص 165، سورة النساء، آية: 159. بحار الأنوار، ج 2، ص 195، ح 45، باب: 1.

كذلك.

ثم كان له من بعده أوصياء حججاً مستعلنين ومستخفين إلي وقت ظهور نبينا صلّي الله عليه و آله، فقال اللّه عزّوجلّ له في الكتاب: ما يُقالُ لَكَ إِلاّ ما قَدْ قِيلَ لِلرُّسُلِ مِنْ قَبْلِكَ... (1). ثم قال عزّوجلّ: سُنَّةَ مَنْ قَدْ أَرْسَلْنا قَبْلَكَ مِنْ رُسُلِنا... (2) ، فكان مما قيل له، ولزم من سنة علي إيجاب سنن من تقدمه من الرسل إقامة الأوصياء له، كماقامة من تقدمه لأوصيائهم، فأقام رسول الله صلّي الله عليه و آله أوصياءه كذلك، وأخبر بكون المهدي عليه السّلام خاتم الأئمة عليهم السّلام، وأنه يملأ الأرض عدلاً و قسطاً كما ملئت ظلماً وجوراً، فنقلت الأمة بأجمعها عنه صلّي الله عليه و آله، وأن عيسي عليه السّلام ينزل في وقت ظهوره ويصلي خلفه)(3).

وفيه عن الفاضل عمر بن إبراهيم الأوسي في كتابه، عن رسول اللّه صلّي الله عليه و آله قال: (ينزل عيسي بن مريم عليه السّلام عند انفجار الصبح ما بين مهرودين، و هما ثوبان أصفران من الزعفران، أبيض الجسم، أصهب الرأس، فرق الشعر، كأن رأسه يقطر دهناً، بيده حربة تكسر الصليب، ويقتل الحنزير، ويهلك الدجال، ويقبض أموال القائم عليه السّلام، ويمشي خلفه أهل الكهف، و هو الوزير الأيمن للقائم عليه السّلام وحاجبه ونائبه، ويبسط في المغرب والمشرق الأمن من كرامة الحجة بن الحسن «صلوات الله عليه» حتي يرتع الأسد مع الغنم، والنمر مع البقر، والذئب و الغنم، وتلعب الصبيان بالحيات، ويتزوج عيسي بامرأة من غسان، حتي يسود وجه من كان يقولا.

ص: 212


1- سورة فصلت، الآية: 43.
2- سورة الاسراء، الآية: 77.
3- حلية الأبرار، ج 2، ص 619، باب: 34. كمال الدين وتمام النعمة، ج 1، ص 23، إثبات الغيبة و الحمكة فيها.

: ليس من البشر، ويروه كيف يأكل ويشرب وينكح، ويعمر في سبعين ألفاً منهم أصحاب الكهف، وتجمع له الكتب من أنطاكية، حتي يحكم بين أهل المشرق و المغرب، ويحكم بين أهل التوراة في توراتهم، و أهل الإنجيلي في إنجيلهم، وأهل الزبور في زبورهم، وأهل الفرقان بفرقانهم، فيكشف الله له عن إرم ذات العماد، والقصر الذي بناه سليمان بن داوود عليه السّلام قرب موته، فيأخذ ما بهم من الأموال، ويقسمها علي المسلمين، ويخرج الله التابوت الذي أمر به أرميا أن يرميه في بحر طبرية، فيه بقية مما ترك آل موسي وآل هارون، ورضاضة اللوح، وعصا موسي، وقبا هارون، وعشرة أصواع من المن، وشرايح السلوي التي ادخرها بنو إسرائيل لمن بعدهم، فيستفتح بالتابوت المدن، كما استفتح به من كان قبله، وينشر الإسلام في المشرق و المغرب، والجنوب و القبلة، وذلك الوقت سنته كالشهر، وشهره كالجمعة، وجمعته كاليوم، ويومه كالساعة، و الساعة لا بقاء لها.

ثم تقبل ريح باردة صفراء ألين من الحرير مثل المسك، فيقبض الله بها روح عيسي بن مريم)(1).

أقول: قوله: (ما بين مهرودين... إلخ): أي أنه لابس لهما، فإن اللابس للثياب يكون ما بينها، لأنها محيطة به.

و «المهرودان»: ثوبان مصبوغان، وأصله المصبوغ بالهرد، و هو الكركم، أو عروقاً يصبغ بها، وهنا «مهرودان»: أي مصبوغان، وهما مصبوغان بالزعفران.

وقوله: (وزير الأيمن للقائم عليه السّلام): لعل الوزير الأيسر النبي إلياس4.

ص: 213


1- حلية الأبرار، ج 2، ص 621، باب: 34.

عليه السّلام.

و قوله: (حتي يسود وجه من كان يقول: ليس من البشر): يعني أنه إذا رآه قد تزوج بامرأة من غسان ونكح علم بأنه ليس بابن اللّه، ولا أنه إله تولد من إله كما تزعم النصاري القائلون بثبوت الثالث القديم - تعالي اللّه عما يقولون علواً كبيراً -.

و «غسان» طائفة تسمي باسم أبيها غسان بن سبأ بن يضجب، بن يعرب بن قحطان بن عابر، و هو هود عليه السّلام بن شالخ، بن أرفخشد، بن سام بن نوح عليه السّلام.

وقوله: (وشرائح السلوي): الشرائح جمع شريحة، وهي القطعة من اللحم، أو القديد من لحم الظباء أو غيره.

والمراد أن بني إسرائيل لما كانوا في التيه نزل عليهم المن و السلوي، وكانت لهم من المناقب العظيمة، فلما ذهبوا إلي أرض بيت المقدس بقي عندهم شيء من المن قدر عشرة أصواع، وشيء من لحوم السلوي.

و «السلوي»: الطير السمائي، وادخروا تلك الأصواع و الشرائح من جملة آثار الأنبياء، ولا زالت الأنبياء و الأوصياء يتوارثونها مع ما ذكر من تركات الأنبياء إلي أن وصلت إلي نبينا محمد صلّي الله عليه و آله، وهي عند الأئمة عليهم السّلام، وانتهت المواريث كلها إلي صاحب الأمر «عجل اللّه فرجه»، وتلك عنده في السفط أو العيبة، أو الزنفجلة أو غيرها، ومنها عنده في أماكنها، أي وقت أرادها، فهي حاضرة عنده.

قوله: (التابوت الذي أمر به أرميا... إلخ): هذا هو التابوت المذكور في القرآن: فِيهِ سَكِينَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَ بَقِيَّةٌ مِمّا تَرَكَ آلُ مُوسي وَ آلُ هارُونَ

ص: 214

تَحْمِلُهُ الْمَلائِكَةُ (1) ورماه النبي أرميا عليه السّلام في بحيرة طبرية، وهي قصبة بالأردن، والأردَّن بتشديد الدال كورة بالشام، ليدخر للقائم عليه السّلام - وعجل اللّه فرجه -، و هذا الحديث من طرق العامة، ولهذا نسب هذه الأفاعيل التي يفعلها الحجة عليه السّلام إلي عيسي بن مريم عليه السّلام.

وقوله: (وذلك الوقت سنته كالشهر... إلخ): كناية عن حسنه واعتداله، وريعه ورفاهيته، وظهور غاية العدل فيه، حتي أن السنة عند الشخص كالشهر إلخ، لأنه لا يحب تقضيها لأنها مثال الجنة، بل هي من الجنتين المدهامتين، كما يأتي إن شاء اللّه تعالي.

وليس المراد أنها قصيرة، كما قد يتوهم من قوله: (والساعة لا بقاء لها)، بل السنة بقدر عشر سنين من هذه السنين الي نحن فيها، لأن اللّه سبحانه يأمر الفلك باللبوث حتي تكون السنة بعشر سنين، ويأتي إن شاء اللّه تعالي.

وقوله عليه السّلام: (تقبل ريح باردة صفراء... إلخ): هذه الريح من الجنة مأمورة، أزكي من المسك و العنبر، وإليها الإشارة بتأويل قوله تعالي: فَرَوْحٌ وَ رَيْحانٌ وَ جَنَّةُ نَعِيمٍ (2) ، أما كونها ريحاً فلمناسبتها للروح لتجذبها عند الموت بجهة المناسبة، و أما كونها باردة فإشارة إلي أنها من الجنة، و أما كونها صفراء فإشارة إلي البقاء، لأن هذا موت بقاء إذ هو مقدمة لبقاء الأبد لا أنه موت فناء، لأن الصفرة معلولة علي الحرارة و الرطوبة اللتين هما علة الكون.9.

ص: 215


1- سورة البقرة، الآية: 248.
2- سورة الواقعة، الآية: 89.

ص: 216

فصل في ذكر بعض سيرته تتمة لما مر

في حلية الأبرار من غيبة النعماني محمد بن إبراهيم بسنده إلي عبد اللّه بن عطاء المكي، عن شيخ من الفقهاء، يعني أبا عبد اللّه عليه السّلام قال: سألته عن سيرة المهدي عليه السّلام كيف سيرته؟.

فقال: (يصنع كما يصنع رسول الله صلّي الله عليه و آله، يهدم ما كان قبله كما هدم رسول الله صلّي الله عليه و آله من [أمر] الجاهلية، و يستأنف الأسلام جديداً)(1).

[أقول]: قوله: (و يستأنف الإسلام جديداً): كناية عن إزالة ما أحدثه المبدعون في الإسلام.

وفيه عن زرارة عن أبي جعفر عليه السّلام قال: قلت له: (صالح من الصالحين سمه لي أريد القائم عليه السّلام؟.

قال عليه السّلام: اسمه اسمي.

قلت: يسير بسيرة محمد صلّي الله عليه و آله.

فقال: هيهات هيهات يا زرارة ما يسير بسيرته.

قلت: ولم جعلني الله فداك.

فقال: إنّ رسول الله صلّي الله عليه و آله سار في أمته بالمن يتألف الناس، والقائم

ص: 217


1- حلية الأبرار، ج 2، ص 628، باب: 37. غيبة النعماني، ص 236، ح 13، باب: 13. بحار الأنوار، ج 52، ص 352، ح 108، باب: 27.

عليه السّلام يسير بالقتل، ولا يستتيب أحداً، ويل لمن ناوأه)(1).

أقول: قوله: (هيهات هيهات... إلخ): يراد منه أنه يسير بسيرة رسول اللّه صلّي الله عليه و آله، ولكن إنما عاملهم رسول اللّه صلّي الله عليه و آله بالمن ليتألفهم لئلا يرتدوا عن الإسلام، وليرغب الكفار و المشركين في الإسلام، ويقررهم علي الاسلام بالتدريج، فإنه أمرهم بالصلاة ركعتين ثم زاد فيها، و لم يفرض عليهم الولاية، ثم فرضها مع أن الاسلام فرع عليها وغير ذلك.

ولما عرف عليه السّلام من زرارة أن اعتقاده أن ما فعله رسول اللّه صلّي الله عليه و آله هو حمَيقة الدين بيّن عليه السّلام له أن الدين الذي أتي به رسول اللّه صلّي الله عليه و آله إنما يكمل إذا قام القائم عليه السّلام «عجل اللّه فرجه» من قوله عزّوجلّ: لِيُظْهِرَهُ عَلَي الدِّينِ كُلِّهِ (2) وذلك عند قيام القائم عليه السّلام، لأن رسول اللّه صلّي الله عليه و آله ترك أشياء كثيرة من دينه لأجل موانع وأسباب من نفوس المكلفين، و القائم عليه السّلام يقوم بحقيقة ذلك الدين، إلّا أنه لما كان في زمان دولة الحق بحيث لا يكون للباطل دولة أبداً، نفي تلك الموانع التي كانت معلولة، ومحل تلك الأسباب إلّا ما اقتضته ذات التكليف، فلم يَسِرْ بسيرة رسول اللّه صلّي الله عليه و آله بالتألف و المن والاستجلاب والتدرج، وإنما يسير بسيرته بنفس شريعته وحقيقة حلاله وحرامه.

وفيه عن أبي خديجة، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام أنه قال: (إنّ علياً قال:

قد كان لي أن أقتل المولي، وأجيز علي الجريح، ولكني تركت ذاك للعاقبة من أصحابي، إن أخرجوا لم يقتلوا، و القائم له أن يقتل المولي، ويجيز علي3.

ص: 218


1- حلية الأبرار، ج 2، ص 628، باب: 37. غيبة النعماني، ص 236، ح 14، باب: 13. بحار الأنوار، ج 52، ص 353، ح 109، باب: 27.
2- سورة التوبة، الآية: 33.

الجريح)(1).

أقول: قوله: (أجيز علي الجريح): أي أجهز عليه، و معني الحديث كما ذكرنا.

وفيه بسنده عن الحسن بن هارون بياع الأنماط، قال: كنت عند أبي عبد اللّه عليه السّلام جالساً فسأله المعلي بن خنيس: (أيسير القائم عليه السّلام إذا قام بخلاف سيرة علي عليه السّلام؟.

فقال: نعم وذلك أن علياً سار بالمن و الكف، لأنه علم أن شيعته سيظهر عليهم من بعده، و أنّ القائم عليه السّلام إذا قام سار فيهم بالبسط والسبي، وذلك أنه يعلم أن شيعته لن يظهر عليهم من بعده)(2).

وفيه عن محمد بن مسلم، قال: سمعت أبا جعفر عليه السّلام يقول: الو يعلم الناس ما يصنع القائم عليه السّلام إذا خرج لأحب أكثرهم ألا يروه مما يقتل من الناس، أما أنه لا يبدأ إلّا بقريش فلا يأخذ منها إلّا السيف، ولا يقطعها إلّا السيف، حتي يقول كثير من الناس: ما هذا من آل [بيت] محمد صلّي الله عليه و آله، ولو كان من آل محمد صلّي الله عليه و آله لرحم)(3).

أقول: ولهذا ورد أن أكثر ما يرد عليه المتفقهون، لأنه يحكم بالحق الذي أراه اللّه إياه عن علم لا بشهادة شهود، حتي ورد أنه «عجل اللّه فرجه»7.

ص: 219


1- حلية الأبرار، ج 2، ص 628، باب: 37. غيبة النعماني، ص 337، ح 15، باب: 13. بحار الأنوار، ج 52، ص 353، ح 110، باب: 27. مستدرك الوسائل، ج 11، ص 54، ح 6، بال: 22.
2- حلية الأبرار، ج 2، ص 628، باب: 37. غيبة النعماني، ص 237، ح 16، باب: 13. بحار الأنوار، ج 52، ص 353، ح 111، باب: 27.
3- حلية الأبرار، ج 2، ص 629، باب: 37. غيبة النعماني، ص 237، ح 18، باب: 13. بحار الأنوار، ج 52، ص 354، ح 113، باب: 27.

: (ليكون الرجل قاعداً في بيته لا يعلم أحداً من الناس أن له ذنباً فيرسل إليه ويقتله، فويل لمن ناوأه ورد عليه في الدنيا و الآخرة، وطوبي لمن سلّم له ورد إليه في كل شيء في الدنيا و الآخرة) اللهم أعنا علي طاعته، وارزقنا رأفته، و رحمته ورضاه، إنك علي كل شيء قدير.

وفيه بسنده عن أبي بصير، قال: قال أبو جعفر عليه السّلام: (يقوم القائم بأمر جديد، وكتاب جديد، علي العرب شديد، ليس شأنه إلّا السيف، لا يستب أحداً، ولا تأخذه في الله لومة لائم)(1).

وفيه بسنده عن أبي بصير، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: (ما تستعجلون بخروج القائم عليه السّلام، فوالله ما لباسه إلّا الغليظ، ولا طعامه إلّا الجشب، وما هواه إق السيف و الموت تحت ظل السيف)(2).

وفيه بسنده عن أبي بصير، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: (أنه إذا خرج القائم عليه السّلام لم يكن بينه وبين العرب وقريش إلّا السيف، ما يأخذ منها إلّا السيف، ولا يعطيها إلّا السيف، وما يستعجلون بخروج القائم عليه السّلام، والله ما لباسه إق الغليظ، ولا طعامه إلّا الشعير الجشب، وما هو إلّا السيف7.

ص: 220


1- حلية الأبرار، ج 2، ص 629، باب: 37. غيبة النعماني، ص 233، ح 19، باب: 13. بحار الأنوار، ج 52، ص 354، ح 114، باب: 27.
2- حلية الأبرار، ج 2، ص 629، باب: 37. غيبة الطوسي، ص 459، ح 473، ذكر طرف من العلامات الكائنة قبل خروجه عليه السّلام. غيبة النعماني، ص 239، ح 20، باب: 13. الخرائج و الجرائح، ج 3، ص 1155. منتخب الأنوار المضيئة، ص 32، فصل: 3. بحار الأنوار، ج 52، ص 354، ح 115، باب: 27.

والموت تحت ظل السيف)(1).

وفي الكافي بسنده عن أبي بصير، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: (إنّ القائم إذا قام رد البيت الحرام إلي أساسه، ومسجد الرسول صلّي الله عليه و آله إلي أساسه، ومسجد الكوفة إلي أساسه.

وقال أبو بصير: إلي موضع التمارين من المسجد)(2).7.

ص: 221


1- حلية الأبرار، ج 2، ص 630، باب: 37. غيبة النعماني، ص 239، ح 21، باب: 13. بحار الأنوار، ج 52، ص 355، ح 116 باب: 27.
2- فروع الكافي، ج 4، ص 543، ح 16، باب: النرادر. وقريب منه في غيبة الطوسي، ص 472، ح 492، فصل في ذكر طرف من العلامات الكائنة قبل خروجه عليه السّلام. وبحار الأنوار، ج 52، ص 332، ج 57، باب: 27.

ص: 222

فصل في ان ما يلقاه القائم عليه السّلام اشد مما لقيه رسول اللّه صلّي الله عليه و آله من جهال قومه

في غيبة النعماني عن محمد بن إبراهيم، بسنده عن فضيل بن يسار، قال : سمعت أبا عبد اللّه عليه السّلام يقول: (إنّ قائمنا إذا قام استقبل من جهلة(1)

الناس أشد مما استقبله رسول الله صلّي الله عليه و آله من جهال الجاهلية.

قلت: وكيف ذاك؟.

قال: إنّ رسول الله صلّي الله عليه و آله أتي الناس وهم يعبدون الحجارة و الصخور والعيدان و الخشب المنحوتة، و إن قائمنا إذا قام أتي الناس وكلهم يتأول عليه كتاب الله و يحتج عليه به.

ثم قال: أما و الله ليدخلن عليهم جوف بيوتهم كما يدخل الحر والقبر)(2).

وفيه عن أبي حمزة الثمالي، قال: سمعت أبا جعفر عليه السّلام يقول: (إنّ صاحب هذا الأمر لو قد ظهر لقي من الناس ما لقي رسول الله صلّي الله عليه و آله

ص: 223


1- في المصدر: (جهل).
2- غيبة النعماني، ص 307، ح 1، باب: 17. بحار الأنوار، ج 52، ص 362، ح 131، باب: 27.

وأكثر)(1).

وفيه عن محمد بن أبي حمزة، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: سمعته يقول:

(إنّ عليه السّلام القائم يلقي في حربه ما لم يلق رسول الله صلّي الله عليه و آله، لأن رسول الله صلّي الله عليه و آله أتاهم وهم يعبدون الحجارة المنقورة، والحشبة المنحوتة، و إنّ القائم عليه السّلام يخرجون عليه فيتأولون عليه كتاب الله فيقاتلونه عليه)(2) * وفيه عن أبان بن تغلب، قال: سمعت أبا عبد اللّه جعفر بن محمد عليه السّلام يقول: (إذا ظهرت راية الحق لعنها أهل الشرق وأهل الغرب، أتدري لم ذاك؟.

قلت: لا.

قال: للذي يلقي الناس من أهل بيته قبل خروجه)(3).

وفيه عن يعقوب السراج، قال سمعت أبا عبد اللّه عليه السّلام يقول: (ثلاث عشرة مدينة و طائفة يحارب القائم أهلها، ويحاربونه أهل مكة، وأهل المدينة، وأهل الشام، وبنو أمية، وأهل البصرة، وأهل دست ميسان، والأكراد، والأعراب، وضبة، وغني، وباهلة، وأزد، وأهل الري)(4).

أقول: قوله: (وأهل دست ميسان): «دست»: قرية، و «ميسان»7.

ص: 224


1- غيبة النعماني، ص 308، ح 2، باب: 17. بحار الأنوار، ج 52، ص 362، ح 132، باب: 27.
2- غيبة النعماني، ص 308، ح 3، باب: 17. بحار الأنوار، ج 52، ص 362، ح 133، باب: 27.
3- كيبة النعماني، ص 308، ح 4، باب: 17. بحار الأنوار، ج 52، ص 363، ح 134، باب: 27.
4- غيبة النعماني، ص 309، ح 6، باب: 17. بحار الأنوار، ج 52، ص 363، ح 136، باب: 27.

: كورة بين البصرة وواسط.

و «ضبة»»: قبيلة من قريش أبوهم ضبة بن أدغم بن مر بن أد بن طانحة بن إلياس بن مضر.

و «غني»: حي من غطفان، «و غطفان» حي من قيس. و «باهلة»:

قبيلة.

ص: 225

ص: 226

فصل في ذكر إعلام الاحياء و الاموات بقيامه و في ذكر منزله و مسجده و موضع منبره و يراه المؤمن من بعيد في زمانه و ما يعطاه في زمانه و في ذكر نشره راية رسول اللّه صلّي الله عليه و آله إذا قام

في الإكمال عن عبد اللّه بن عجلان، قال: ذكرنا خروج القائم عليه السّلام عند أبي عبد اللّه عليه السّلام فقلت لَه: كيف نعلم ذلك؟.

فقال: (يصبح أحدكم وتحت رأسه صحيفة عليها مكتوب طاعة معروفة)(1).

وروي أنه يكون في راية المهدي: (الرفعة لله عزّوجلّ)(2).

وفي نسخة أخري: (البيعة لله عزّوجلّ)(3).

وفيه عن سيف بن عميرة، قال: قال: أبو جعفر عليه السّلام: (إذا قام أتي المؤمن في قبره، فيقال لَه: قد ظهر صاحبك فإن تشأ أن تلحق به فالحق،

ص: 227


1- كمال الدين وتمام النعمة، ج 2، ص 593، ح 22، باب: 57. العدد القوية، ص 66، نبذة من أحوال الامام القائم عليه السّلام. منتخب الأنوار المضيئة، ص 178، فصل: 11. بحار الأنوار، ج 52، ص 305، ح 76، باب: 26.
2- بحار الأنوار، ج 52، ص 324، باب: 27.
3- كمال الدين وتمام النعمة، ج 2، ص 594، ح 22، باب: 57.

و إن تشأ أن تقيم في كرامة ربك فاقم)(1).

وفي الكافي عن أبي ربيع الشامي، قال: سمعت أبا عبد اللّه عليه السّلام يقول:

(إنّ قائمنا إذا قام مد الله عزّوجلّ لشيعتنا في أسماعهم وأبصارهم، حتي لا يكون بينهم وبين القائم بريد يكلمهم ويسمعون، وينظرون إليه و هو في مكانه)(2).

وفي الاكمال عن أبان بن تغلب، قال: قال: أبو عبد اللّه عليه السّلام:

(كأني أنظر إلي القائم عليه السّلام علي ظهر النجف، فإذا استوي علي ظهر النجف راكب فرساً أدهم أبلق، ما بين عينيه سمراخ، ثم ينتفض به فرسه فلا يبقي أحد في بلده إلّا وهم يظنون أنه معهم في بلادهم)(3).

وفي غيبة النعماني عن حمران بن أعين، عن أبي جعفر عليه السّلام أنه قال:

(كأني بدينكم هذا لا يزال متخضخضاً يفحص بدمه، ثم لا يرده عليكم إلّا رجل منا أهل البيت، يعطيكم الله في السنة عطاءين، ويرزقكم في الشهر رزقين، وتؤتون الحكمة في زمانه، حتي أن المرأة لتقضي في بيتها بكتاب الله تعالي وسنة رسول اللّه صلّي الله عليه و آله)(4).

وفي التهذيب للشيخ بسنده عن صالح بن أبي الأسود، قال: قال أبو7.

ص: 228


1- غيبة الطوسي، ص 458، ح 470، ذكر طرف من العلامات الكائنة قبل خروجه عليه السّلام. دلائلي الامامة، ص 253، معرفة وجرب الامام القائم عليه السّلام. منتخب الأنوار المضيئة، ص 36، فصل: 3. بحار الأنوار، ج 53، ص 91، ح 98، باب: 29.
2- فروع الكافي، ج 8، ص 201، ح 329. الخرائج و الجرائح، ج 2، ص 840، ح 58، باب: 16. منتخب الأنوار المضيئة، ص 200، فصل: 12. بحار الأنوار، ج 52، ص 336، ح 72، باب: 27.
3- تقدم تخريجه فراجع.
4- غيبة النعماني، ص 245، ح 30، باب: 13. بحار الأنوار، ج 52، ص 352، ح 106، باب: 27.

عبد اللّه عليه السّلام وذكر مسجد السهلة فقال: (أمما أنه منزل صاحبنا إذا قام بأهله)(1).

وفي كامل الزيارات عن أبي بكر الحضرمي، عن أبي عبد اللّه وأبي جعفر عليه السّلام قال: قلت له: أي بقاع الأرض أفضل بعد حرم اللّه عزّوجلّ وبعد حرم رسول اللّه صلّي الله عليه و آله؟.

فقال: (الكوفة يا أبا بكر؛ هي الزكية الطاهرة، فيها قبور النبيين والمرسلين، والأوصياء و الصادقين، وفيها مسجد سهيل الذي لم يبعث الله نبياً إلي و قد صلي فيه، ومنها يظهر عدل الله، وفيها يكون قائمه و القوام من بعده، وهي منازل النبيين و الأوصياء و الصالحين)(2).

وفي التهذيب عن أبي بكر الحضرمي، عن أبي جعفر الباقر عليه السّلام مثله.

وفيه عن حبة قال: (خرج أمير المؤمنين عليه السّلام إلي الحيرة، فقال:

لتصلن هذه بهذه وأومأ بيده إلي الكوفة و الحيرة حتي يباع الذراع فيما بينهما بدنانير، وليبنين بالحيرة مسجد له خمسمائة باب، يصلي فيه خليفة القائم «عجل الله فرجه» لأن مسجد الكوفة ليضيق عنهم، وليصلين فيه اثنا عشر إماماً عدلاً.

قلت: يا أمير المؤمنين: ويسمع مسجد الكوفة هذا الذي تصف الناس يومئذ؟.

قال. تبني لهم أربع مساجد، مسجد الكوفة أصغرها هذا، ومسجدان1.

ص: 229


1- فروع الكافي، ج 3، ص 495، ح 2. تهذيب الأحكام، ج 3، ص 252، ح 12، باب: 25. كتاب المزار، ص 13، باب: 4. بحار الأنوار، ج 97، ص 439، ح 15.
2- كامل الزيارات، ص 30، ح 11، باب: 8. تهذيب الأحكام، ج 6، ص 31، باب: 10. كتاب المزار، ص 4، باب: 1.

طرفي الكوفة من هذا الجانب، و هذا الجانب وأومأ بيده نحو نهر البصريين والغريين)(1).

وفي الكافي عن أبان بن تغلب، قال: (كنت مع أبي عبد الله عليه السّلام فمر بظهر الكوفة، فنزل فصلي ركعتين، ثم تقدم قليلاً فصلي ركعتين، ثم سار قليلاً فنزل فصلي ركعتين، ثم قال: هذا قبر أمير المؤمنين عليه السّلام.

قلت: جعلت فداك و الموضعين اللذين صليت فيهما؟.

قال: هذا موضع رأس الحسين عليه السّلام، و موضع منزل القائم عليه السّلام)(2).

وفي كامل الزيارات: (وموضع منبر القائم عليه السّلام)(3).

ومثل هذه رواية ابن طاووس، عن محمد بن جرير الطبري في مسند فاطمة عليه السّلام، بسنده عن فرات بن أحنف قال: (كنت مع أبي عبد الله ونحن نريد زيارة أمير المؤمنين عليه السّلام، فلما صرنا إلي النوبة نزل فصلي ركعتين.

فقلت: يا سيدي ما هذه الصلاة؟.

قال: هذا موضع منبر القائم عليه السّلام، أحببت أن أشكر الله في هذا الموضع، ثم مضي ومضيت معه حتي انتهي إلي القائم الذي علي الطريق فنزل فصلي ركعتين.2.

ص: 230


1- تهذيب الأحكام، ج 3، ص 253، ح 19، باب: 25. بحار الأنوار، ج 52، ص 374، ح 173، باب: 27.
2- فروع الكافي، ج 4، ص 571، ح 2، باب: مواضع رأس الإمام الحسين عليه السّلام. فرحة الغري، ص 57، باب: 6. بحار الأنوار، ج 97، ص 241، ح 20، باب: 2.
3- كامل الزيارات، ص 84، ح 5، باب: 9. بحار الأنوار، ج 97، ص 241، ح 20، باب: 2.

فقلت: ما هذه الصلاة؟.

قال: ها هنا نزل القوم الذين كان معهم رأس الحسين عليه السّلام في صندوق فبعث الله عزّوجلّ طيراً فاحتمل الصندوق بما فيه، فمر بهم جمال فأخذوا رأسه وجعلوه في الصندوق فحملوه، ونزلت وصليت ها هنا شكراً لله.

ثم مضي ومضيت معه حتي انتهي إلي موضع فنزل وصلي ركعتين، وقال: ها هنا قبر أمير المؤمنين عليه السّلام، أما إنه لا تذهب الأيام حتي يبعث الله رجلاً ممتحناً في نفسه في القتل، يبني عليه حمصناً فيه سبعون طاقاً)(1).

قال حبيب بن الحسين: سمعت هذا الحديث قبل أن يبني علي الموضع شيء، ثم أن محمد بن زيد وجه فبني عليه فلم تمض إلّا أيام حتي امتحن محمد نفسه بالقتل.

وفي غيبة النعماني، عن أبي بصير قال: قال أبو عبد اللّه عليه السّلام: (لا يخرج القائم عليه السّلام من مكة حتي يكون تكملة الحلقة.

قلت: وكم تكملة الحلقة؟.

قال: عشرة الآلف، جبرائيل عن يمينه، وميكائيل عن يساره، ثم يهز الراية ويسير بها، فلا يبقي أحد في المشرق ولا في المغرب إلّا لعنها؛ وهي راية رسول الله صلّي الله عليه و آله نزل بها جبرائيل عليه السّلام يوم بدر.

ثم قال: يا أبا محمد ما هي و الله لا قطن ولا كتان، ولا قز ولا حرير.

قلت: فمن أي شيءهي؟.

قال: من ورق الجنة، نشرها رسول الله صلّي الله عليه و آله يوم بدر، ثم لفها ودفعها إلي علي عليه السّلام، فلم تزل عند علي عليه السّلام حتي إذا كان يوم البصرةم.

ص: 231


1- دلائل الامامة، ص 241، معرفة وجوب الامام القائم عليه السّلام.

نشرها أمير المؤمنين عليه السّلام ففتح الله عليه، ثم لفهما وهي عندنا هناك لا ينشرها أحد حتي يقوم القائم عليه السّلام، فإذا هو قام ينشرها لم يبق أحد في المشرق و المفرب إلّا لعنها، ويسير الرعب قدامها شهراً، وورائها شهراً، وعن يمينها شهراً، وعن يسارها شهراً.

ثم قال: يا أبا محمد إنه يخرج موتوراً غضبان أسفاً لغضب الله علي هذا الحلق، يكون عليه قميص رسول اللّه صلّي الله عليه و آله الذي كان عليه يوم أحد، وعمامته السحاب، ودرع رسول الله السابغة، وسيفه سيف رسول الله عليه السّلام ذو الفقار، يجرد السيف علي عاتقه ثمانية أشهر هرجاً، فأول ما يبدأ ببني شيبة، فيقطع أيديهم ويعلقها في الكعبة، وينادي مناديه هؤلاء سراق الله، ثم يتناول قريشاً، فلا يأخذ منها إلّا السيف، ولا يعطيها إلّا السيف، ولا يخرج القائم عليه السّلام حتي يقرأ كتابان؛ كتاب بالبصرة، وكتاب بالكوفة، بالراءة من علي عليه السّلام)(1).9.

ص: 232


1- غيبة النعماني، ص 319، ح 2، باب: 19. بحار الأنوار، ج 52، ص 360، ح 129، باب: 19. وقريب منه في حلية الأبرار، ج 2، ص 633، باب: 39.

فصل في مدة ملكه عليه السّلام

عن أبي سعيد الخدري قال: خشينا أن يكون بعد نبينا حدثاً، فسألنا نبي اللّه صلّي الله عليه و آله.

فقال: (إنّ في أمتي المهدي يخرج يعيش خمساً، أو سبعاً أو تسعاً زيد الشاك.

قلنا: وما ذاك؟.

قال: سنين.

قال: فيجيء إليه الرجل فيقول: يا مهدي أعطني.

قال: فيحثي له ثوبه ما استطاع أن يحمله)(1).

وعنه أن النبي صلّي الله عليه و آله قال: (يكون في أمتي المهدي، إن قصر فسبع وإلّا فتسع، يتعم فيه أمتي نعمة لم يتنعموا مثلها قط، تؤتي الأرض أكلها ولم تدخر مهم شيئاً، والمال يومئذٍ كدوس يقوم الرجل فيقول: يا مهدي أعطني.

فيقول: خذ)(2).

عن أم سلمة زوج النبي صلّي الله عليه و آله قالت: (يكون اختلاف عند موت خليفة، فيخرج رجل من أهل المدينة هارباً إلي مكة، فيأتيه أناس من أهل مكة

ص: 233


1- كشف الغمة، ج 2، ص 977، باب: 6. بحار الأنوار، ج 51، ص 87.
2- كشف الغمة، ج 2، ص 977، باب: 6. بحار الأنوار، ج 51، ص 87.

فيخرجونه و هو كاره، فيبايعونه بين الركن و المقام، ويبعث إليه بعث الشمام فتنخسف بهم البيداء بين مكة و المدينة، فإذا رأي الناس ذلك أتاه أبدال الشام و عصائب أهل العراق فيبايعونه، ثم ينشأ رجل من قريش أخواله كلب، فيبعث إليهم بعثاً فيظهرون عليهم، وذلك بعث كلب، والخيبة لمن لم يشهد غنيمة كلب، فيقسم المال ويعمل في الناس بسنة رسول اللّه صلّي الله عليه و آله، ويلقي الإسلام بجرانه إلي الأرض، فيلبت سبع سنين، ثم يتوفي ويصلي عليه المسلمون)(1).

أقول: قوله صلّي الله عليه و آله: (يعيش خمساً أو سبعاً أو تسعاً): اعلم أن الروايات في قدر ذلك مختلفة والاختلاف منهم عليهم السّلام، إما للإبهام، أو لتجويز البداء فيما لم يقع، أو يحمل الاختلاف علي أحوال استقرار الملك أو خروجه عليه السّلام، أو من جلوسه في مكانه وبعث جنوده.

وروايات (السبعين و التسعين) محتمل علي أن السنة من سنيه عليه السّلام بعشر سنين، لأن اللّه تعالي أمر الفلك باللبوث.

وروايات (السبع) أكثر، وروايات (التسع) ميل العامة إليها أكثر.

قال أبو داوود عن بعضهم عن هشام: (تسع سنين، وقال غير معاذ عن هشام: تسع سنين، قال: هذا سياق الحفاظ؛ كالترمذي، وابن ماجة القزويي وغيرهما)(2). فيظهر من الترجيح رجحان السبع بقدر السبعين، كما هو راجح في نفسي من الآثار.

وأن الخمس و التسع و التسع عشرة و الثلاثمائة وثلاثة عشرة وغيرهما فلها مخامل يأتي ذكر بعضها.

وقولها: (فيخرج رجل من المدينة هارباً): لعل المراد به الحجة عليه السّلام1.

ص: 234


1- كشف الغمة، ج 2، ص 978، باب: 6. بحار الأنوار، ج 51، ص 88.
2- كشف الغمة، ج 2، ص 978، باب: 6. بحار الأنوار، ج 51، ص 88، باب: 1.

علي ما ذكرنا سابقاً، و يأتي قولها: (ويبعث إليه بعث الشام): هو عسكر السفياني، كما مضي و يأتي.

وقولها: (فإذا رأي الناس ذلك): و هو خسف البيداء بعسكر السفياني خرج إليه الأبدال الأربعون، أو الثلاثون، وسائر أنصاره.

وقولها: (ثم ينشأ رجل من قريش أخواله كلب): هذا هو السفياني عثمان بن عنبسة، من ذرية عتبة بن أبي سفيان، وأمه - لعنهم اللّه - من كلب، وهم الذين حرضوه علي نكث بيعته للحجة عليه السّلام بعد أن بايع مسالمة، وراودوه علي الخروج عليه، حتي خرج وأخذه أسيراً وذبحه بيده.

وقولها: (والحيبة لمن لم يشهد غنيمة أموالهم): لأنه عليه السّلام إذا قتل السفياني - لعنه اللّه - وقتل جميع أخواله كلب حتي لم يبق منهم مخبر فعند ذلك يغتنمون أموالهم ويقسمونها، فقالت عليه السّلام: (والخيبة لمن لم يشهد غنيمة أموالهم).

وفي إرشاد المفيد بسنده عن أبي بصير، عن أبي جعفر عليه السّلام في حديث طويل أنه قال: (إذا قام القمائم عليه السّلام سار إلي الكوفة، فهدم بها أربعة مساجد، ولم يبق مسجد علي وجه الأرض له شرف إلي هدمه وجعلها جماء، ووسع الطريق الأعظم، وكسر كل جناح خارج في الطريق، وأبطل الكنيف و الميازيب إلي الطرقات، فلا يترك بدعة إلّا أزالها، ولا سنة إلّا أقامها، ويفتح قسطنطينية، والصين، وجبال الديلم، فيمكث علي ذلك سبع سنين؛ مقدار كل سنة عشر سنْين من سنينكم هذه، ثم يفعل الله ما يشاء.

قال: قلت له: جعلت فداك فكيف تطول السنون؟.

قال: يأمر الله الفلك باللبوث وقلة الحركة، فتطول الأيام كذلك و السنون.

ص: 235

قال: قلت له: إنهم يقولون لي إنّ الفلك إن تغير فسد؟.

قال: ذلك قول الزنادقة، فأما المسلمون فلا سبيل لهم إلي ذلك، و قد شق الله تعالي القمر لنبيه صلّي الله عليه و آله، ورد الشمس من قبله ليوشعبن نون عليه السّلام، وأخبر بطول يوم القيامة: (وأنه كالف سنة مما تعدون(1)(2).

أقول: وروي (أنه عليه السّلام يوسع الطريق الأعظم فيصير ستين ذراعاً)(3).

وقوله: (كيف تطول السنون؟): أجاب عليه السّلام. بما لا يمكنه الانكار له من جهة الالزام.

و أما الجواب الذوقي فيطول ذكره، ولكن له دليل من أدلة الحكمة نشير إليه علي جهة الإجمال، فنقول: قد ثبت أن الانسان هو العالم الصغير، و هو أنموذج العالم الكبير، فكل ما في الكبير يوجد في الصغير، وما لا يوجد في الصغير لا يوجد في الكبير، قال عليه السّلام:

أتحسب أنك جرم صغير وفيك انطوي العالم الأكبر(4)5.

ص: 236


1- كما في قوله تعالي: وَ يَسْتَعْجِلُونَكَ بِالْعَذابِ وَ لَنْ يُخْلِفَ اللّهُ وَعْدَهُ وَ إِنَّ يَوْماً عِنْدَ رَبِّكَ كَأَلْفِ سَنَةٍ مِمّا تَعُدُّونَ. [سورة الحج، الآية: 47].
2- الارشاد، ص 365، باب: علامات القائم عليه السّلام ومدة ظهوره. كشف الغمة، ج 2، ص 966، باب: ذكر الامام الثاني عشر عليه السّلام. روضة الواعظين، ج 2، ص 290، مجلس في ذكر إمامة صاحب الزمان عليه السّلام. إعلام الوري، ص 462، فصل: 3. بحار الأنوار، ج 52، ص 339، ص 84، باب: 27.
3- غيبة الطوسي، ص 475، ح 498، فصل: في ذكر طرف من صفاته عليه السّلام. منتخب الأنوار، ص 194، فصل: 12. مستدرك الوسائل، ج 17، ص 121، ح 6، باب: 11. بحار الأنوار، ج 52، ص 333، ح 61، باب: 27.
4- الديوان المنسوب لمولانا أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السّلام، ص 175.

وحركة الفلك في السرعة و البط ء مثل حركة النبض في الإنسان، فإنها في الانسان تختلف عند عروض الصفراء بالسرعة، وعند عروض البلغم بالبط ء، وحركة النبض وسائر حركات الأنسان تختلف عند الرضا وعند الغضب، كذلك حركة الفلك تسرع عند ظلم العباد لظهور أثر الغضب، وتبطئ عند العدل و القسط لظهور الرضا عليهم، وليست السرعة و البط ء في العالمين موجبة لفساد المتحرك إلّا إذا اقتضت هدم البنية.

وفي الاحتجاج عن الحسن بن علي بن أبي طالب عليه السّلام، عن أبيه «صلوات اللّه عليهما» قال: (يبعث الله رجلاً في آخر الزمان، وكلب من الدهر، وجهل من الناس، يؤيده الله بملائكته، ويعصم أنصاره، وينصوه بآياته، ويظهره علي الأرض، حتي يدينوا طوعاً وكرهاً، يملأ الأرض قسطاً وعدلاً ونوراً وبرهاناً، يدين له عرض البلاد وطولها، لا يبقي كافر إلّا آمن، ولا طالح إلّا صلح، وتصطلح في ملكه السباع، وتخرج الأرض نبتها، و تنزل السماء بركتها، وتظهر له الكنوز، ويملك ما بين الخافقين أربعين عاماً، فطوبي لمن أدرك أيامه وسمع كلامه)(1).

أقول: لعل الأربعين بعد تسع عشرة سنة من خروجه، و قبله خروج الحسين عليه السّلام، لأنه في مدة التسع عشرة مشارك في الملك من الخارجين عليه، حتي يطهر الأرض منهم في ضمن تسع عشرة سنة، وبعد الأربعين و التسع عشرة يخرج الحسين عليه السّلام، و إن كان الحسين عليه السّلام صامتاً في آخر ملك القائم عليه السّلام في إحدي عشرة سنة، إلّا أن الحسين عليه السّلام معه حجة فيكون محض الاختصاص أربعين عاماً، أو من خروج الحسين عليه السّلام إلي خروج أميرة.

ص: 237


1- الاحتجاج، ج 2، ص 290، احتجاجه عليه السّلام علي من أنكر عليه مصالحة معاوية.

المؤمنين عليه السّلام وهي تسع عشرة سنة، لأنها من مدة ملك القائم عليه السّلام في الجملة، لأن الحسين عليه السّلام إنما قرر ملكه خروج أبيه، واللّه أعلم.

وفي تفسير علي بن إبراهيم عن يجي بن ميسرة الخثعمي، عن أبي جعفر عليه السّلام قال: حمعته يقول: (حم عسق (1): أعداد سني القائم، وقاف:

جبل محيط بالدنيا من زمرد أخضر، فخضرة السماء من ذلك الجبل، وعلمُ كل شيء في عسق )(2).

أقول: لعل المراد به أن العين سبعون؛ وهي مدة ملكه المطلق، والسين ستون؛ وهي مدة ملكه وحده تقريباً.

ثم يخرج الحسين عليه السّلام، لأنه يخرج علي ما في بعض الروايات بعد مضي تسع وحمسين من خروج الحجة عليه السّلام، ويبقي معه إحدي عشرة سنة، ثم يأتي الحجة عليه السّلام الموت فيكون ملكه كله سبعين عدد العين، وقبيل خروج الحسين تقريباً ستين عدد السين، والقاف لما لم يكن مرتبطاً بعدد المدة فسره . بمعني آخر.

و أما قوله عليه السّلام: (وعلمُ كل شيء في عسق ): فالظاهر أن المراد منه أنّ العين إشارة إلي عقله عليه السّلام، و السين إشارة إلي نفسه عليه السّلام، والقاف إشارة إلي جسده عليه السّلام، فالمعاني في العقل، والصور في النفس، والحواس في الجسد، وهي مجموع علم الشخص، لأنها مجموع مدارك علومه.

وفي غيبة الطوسي عن أبي الجارود، قال: قال أبو جعفر عليه السّلام: (إنّ6.

ص: 238


1- سورة الشوري، الآية: 2.
2- تفسير القمي، ج 2، ص 240، سورة الشوري، الآية: 2. بحار الأنوار، ج 52، ص 279، ح 4، باب: 26.

القائم يملك ثلاثمائة وتسع سنين، كما لبث أهل الكهف في كهفهم(1) ، يملأ الأرض عدلاً و قسطاً كما ملئت جوراً وظلماً، ويفتح اللّه له شرق الأرض وغربها، ويقتل الناس حتي لا يبقي إلّا دين محمد صلّي الله عليه و آله، يسير بسيرة سليمان بن داود...)(2).

وفي غيبة النعماني عن جابر بن يزيد الجعفي، قال: سمعت أبا جعفر محمد بن علي عليه السّلام يقول: (والله ليملكن رجل منا أهل البيت ثلاثمائة سنة وثلاث عشر سنة يزداد تسعاً.

قال: فقلت له: متي يكون ذلك؟.

قال: بعد موت القائم عليه السّلام.

قلت له: وكم يقوم القائم عليه السّلام في عالمه حتي الموت؟.

قال: تسع عشرة سنة من يوم قيامه اٍلي يوم موته)(3).

أقول: قوله: (إنّ القائم عليه السّلام يملك ثلاثمائة وتسع سنين): في الأول.

وقوله: (وليملكن رجل منا أهل البيت ثلاثمائة سنة وثلاث عشر سنة تزداد تسعاً) في الثاني: لعل المراد من هذه المدة هو مدة بقاء أمير المؤمنين3.

ص: 239


1- كما في قوله تعالي: وَ لَبِثُوا فِي كَهْفِهِمْ ثَلاثَ مِائَةٍ سِنِينَ وَ ازْدَادُوا تِسْعاً. [سورة الكهف، الآية: 25].
2- غيبة الطوسي، ص 474، ح 496، فصل: في ذكر طرف من صفاته عليه السّلام. إعلام الوري، ص 464، فصل: 3. بحار الأنوار، ج 52، ص 291، ح 34، باب: 26.
3- غيبة النعماني، ص 354، ح 3، باب: 26. تفسبر العياشي، ج 2، ص 352، ح 24، سورة الكهف، الآية: 18. الاختصاص، ص 257. بحار الأنوار، ج 52، ص 298، ح 61، باب: 26. حلية الأبرار، ج 2، ص 640، باب: 43.

عليه السّلام وقت خروجه الأول لنصرة ابنه الحسين عليه السّلام، وبقائه معه حتي يقتل، فإنه يخرج بعد موت القائم عليه السّلام بثمان سنين، فبين خروج ابنه الحسين تسع عشرة علي ما في بعض الروايات.

ويمكن حمل الرواية الثلاممائة و التسع سنين علي مدة خروجه في نصرة ابنه حتي يقتل، ولا أعلم كيفية قتله، ولا من يقتله، ولكن سمعت من بعض الناس العارفين أنه يضرب علي مفرق رأسه في موضع ضربة ابن ملجم - لعنه اللّه تعالي -.

ويمكن الاستدلال علي هذا. بما روي عن علي عليه السّلام أنه سأله ابن الكوا ما ذو القرنين ملك أم نبي؟.

فقال عليه السّلام: اليس بملك ولا نبي، لكن كان عبداً صالحا، ضرب علي قرنه في طماعة الله فماث، ثم بعثه الله فضرب علي قرنه الأيسر فمات، فبعثه الله وسمي ذو القرنين، وفيكم مثله)(1).

فقوله عليه السّلام: (فيكم مثله): يعني نفسه الشريفة عليه السّلام ليشعر أنه في قتلته الثانية يضرب علي قرنه.

ثم أنه عليه السّلام يكر بعد أن يقتل مع ابنه الحسين عليه السّلام مرة ثانية كما يأتي يكر مع جميع شيعته ممن محض الإيمان محضاً، والحسين عليه السّلام باق، وإلي ذلك الإشارة بقوله «صلوات اللّه عليه»: ([أنا الذي أقتل مرتين، وأحيي1.

ص: 240


1- سعد السعود، ص 65، باب: 2. بحار الأنوار، ج 53، ص 141.

مرتين](1) ولي الكرة بعد الكرة، والرجعة بعد الرجعة)(2) ، كما روي عن أبي عبد اللّه: (أنّ لعلي في الأرض كرة مع الحسين عليه السّلام - إلي أن - قال: ثم كرة أخري مع رسول الله صلّي الله عليه و آله)(3) ، ويأتي تمامه إن شاء اللّه تعالي.

وفي إرشاد المفيد روي عبد الكريم الخثعمي، قال: قلت لأبي عبد اللّه عليه السّلام: (كم يملك الناس من القائم عليه السّلام؟.

فقال: سبع سنين، تطول له الأيام و الليالي حتي تكون السنة من سنيه مقدار عشر سنين من سنيكم، فيكون سني ملكه سبعين سنة من سنيكم هذه)(4).

أقول: قد قدمنا أن رواية السبع كل سنة بقدر عشر من سنيكم هو الأكثر في الروايات، وينبغي الحمل عليها علي نحو ما أشرنا إليه.

وفي إرشاد المفيد روي: (أنّ مدة دولة القائم عليه السّلام تسع عشرة سنة،7.

ص: 241


1- في المصدر مفقود.
2- نحتصر البصائر، ص 130، ح 2، باب: أحاديث في الرجعة من غير طريق سعد. بحار الأنوار، ج 53، ص 46، ح 20، باب: 29.
3- مختصر البصائر، ص 120، ح 99، باب: الكرات وحالاتها. بحار الأنوار، ج 53، ص 74، ح 75، باب: 29.
4- الارشاد، ص 363، باب: علامات قيام القائم عليه السّلام ومدة ظهوره. كشف الغمة، ج 2، ص 964، باب: 4 في ذكر الإمام الثاني عليه السّلام. روضة الواعظين، ص 284، مجلس في ذكر إمامة صاحب الزمان عليه السّلام. إعلام الوري، ص 462، فصل: 3. بحار الأنوار، ج 52، ص 337، ح 77، باب: 27.

يطول أيامها و شهورها)(1) علي ما قدمناه، و هذا أمر مُغَيّب عنا، وإنما ألقي إلينا منه ما يفعله اللّه تعالي، بشرط ما يعلمه من المصالح المعلومة - جل احمه -، فلسنا نقطع علي أحد الأمرين و إن كانت الرواية بذكر سبع سنين أظهر و أكثر.

أقول: ومن أجل شهرتها وكثرتها رجَّحناها.

وقال في العوالم في هذا الموضع: خاتمة فيها تحقيق اعلم: (أن الأخبار المختلفة الواردة في أيام ملكه عليه السّلام بعضها محمول علي جميع مدة ملكه، وبعضها علي زمان استقرار دولته، وبعضها علي حساب ما عندنا من السنين والشهور، وبعضها علي سنيه وشهوره الطويلة، واللّه يعلم [بحقائق الأمور](2)(3).6.

ص: 242


1- الأرشاد، ج 2، ص 366، باب: علامات قيام القائم عليه السّلام ومدة ظهوره. كشف الغمة، ج 2، ص 967، باب: 4 ذكر الإمام الثاني عليه السّلام. إعلام الوري، ص 464، فصل: 3. بحار الأنوار، ج 52، ص 340، ح 87، باب: 27.
2- مفقود في المصدر.
3- بحار الأنوار، ج 52، ص 280، ح 6، باب: 26.

فصل في ذكر حديث المفضل بن عمر

وإنما أذكره مع طوله وذكر كثير من معناه فيما ذكرت من الروايات، لأنه مشتمل علي شيء من علامات القائم عليه السّلام وسيرته، وصفته ومدة ملكه، فهو في الغالب مجمل أكثر الروايات ومفصلها، فلكثرة فوائده ذكرته.

في كتاب الحسين بن حمدان الحصيني، وكتابه مذكور في كتب الرجال، ويشهد لصحته وجود معانيه وأكثر ألفاظه في الأحاديث المعتبرة، بسنده عن المفضل بن عمر، قال: سألت سيدي جعفر بن محمد الصادق عليه السّلام هل للمأمول المنتظر المهدي عليه السّلام من وقت موقت يعلمه الناس؟.

فقال: (حاش لله أن يوقت ظهوره بوقت يعلمه شيعتنا.

قلت: يا سيدي ولم ذاك؟.

قال: لأنه هو الساعة التي قال الله تعالي: يَسْئَلُونَكَ عَنِ السّاعَةِ أَيّانَ مُرْساها قُلْ إِنَّما عِلْمُها عِنْدَ رَبِّي لا يُجَلِّيها لِوَقْتِها إِلاّ هُوَ ثَقُلَتْ فِي السَّماواتِ وَ الْأَرْضِ... (1). و هو الساعة التي قال الله تعالي: يَسْئَلُونَكَ عَنِ السّاعَةِ أَيّانَ مُرْساها (2). وقال: عِنْدَهُ عِلْمُ السّاعَةِ (3) ولم يقل إنها

ص: 243


1- سورة الأعراف، الآية: 187.
2- سورة النازعات، الآية: 42.
3- سورة لقمان، الآية: 34.

عند أحد، وقال: هَلْ يَنْظُرُونَ إِلاَّ السّاعَةَ أَنْ تَأْتِيَهُمْ بَغْتَةً... (1). وقال:

اِقْتَرَبَتِ السّاعَةُ وَ انْشَقَّ الْقَمَرُ (2) . وقال: ما يُدْرِيكَ لَعَلَّ السّاعَةَ قَرِيبٌ يَسْتَعْجِلُ بِهَا الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِها وَ الَّذِينَ آمَنُوا مُشْفِقُونَ مِنْها وَ يَعْلَمُونَ أَنَّهَا الْحَقُّ أَلا إِنَّ الَّذِينَ يُمارُونَ فِي السّاعَةِ لَفِي ضَلالٍ بَعِيدٍ (3).

قلت: فما معني يُمارُونَ ؟.

قال: يقولون متي ولد؟، ومن رأي؟، وأين يكون؟، ومتي يظهر؟، وكل ذلك استعجالاً لأمر الله، وشكاً في قضائه، ودخولاً في قدرته، أولئك الذين خسروا الدنيا و إن للكافرين لشر ماب.

قلت: أفلا يوقت له وقت.

فقال: يا مفضل لا أوقت له وقتاً، ولا يوقت له وقت، إنّ من وقت لمهدينا وقتاً فقد شارك الله تعالي في علمه، وادعي أنه ظهر علي سره، وما لله من سر إلّا و قد وقع إلي هذا الحلق المعكوس، الضال عن الله، الراكب عن أولياء الله، وما لله من خبر إق وهم أخص به لسره، و هو عندهم، وإنما ألقي الله إليهم ليكون حجة عليهم.

قال المفضل: يا مولاي فكيف بدء ظهور المهدي عليه السّلام وإليه التسليم؟.

قال عليه السّلام: يا مفضل يظهر في شبهة ليستبين، فيعلو ذكره، ويظهر أمره، وينادي باسمه، وكنيته و نسبه، ويكثر ذلك علي أفواه المحقين والمبطلين، و الموافقين و المخالفين، لتلزمهم الحجة بمعرفتهم به، علي أنه قد8.

ص: 244


1- سورة الزخرف، الآية: 66.
2- سورة القمر، الآية: 1.
3- سورة الشوري، الآيتان: 17-18.

قصصنا و دللنا عليه، ونسبناه وسميناه و كنيناه، وقلنا سمي جده رسول الله صلّي الله عليه و آله وكنيه، لئلا يقول الناس ما عرفنا له اسماً، ولا كنية ولا نسباً.

والله ليتحقق الأيضاح به وباسمه، ونسبه وكنيته علي ألسنتهم، حتي ليسميه بعضهم لبعض، كل ذلك للزوم الحجة عليهم.

ثم يظهره الله كما وعد به جده صلّي الله عليه و آله في قوله عزّوجلّ: هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدي وَ دِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَي الدِّينِ كُلِّهِ وَ لَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ (1).

قال المفضل: يا مولاي فما تأويل قوله تعالي: لِيُظْهِرَهُ عَلَي الدِّينِ كُلِّهِ وَ لَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ .

قال عليه السّلام: هو قوله تعالي: وَ قاتِلُوهُمْ حَتّي لا تَكُونَ فِتْنَةٌ وَ يَكُونَ الدِّينُ لِلّهِ (2) فو الله يا مفضل ليرفع عن الملل و الأديان الاختلاف، ويكون الدين كله واحداً، كما قال جل ذكره: إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللّهِ الْإِسْلامُ (3).

وقال الله: وَ مَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الْإِسْلامِ دِيناً فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ وَ هُوَ فِي الْآخِرَةِ مِنَ الْخاسِرِينَ (4).

قال المفضل: قلت: يا سيدي ومولاي و الدين الذي في آبائه إبراهيم ونوح، وموسي وعيسي، ومحمد صلّي الله عليه و آله هو الأسلام؟ قال: نعم يا مفضل هو الأسلام لا غير.

قلت: يا مولاي أتجده في كتاب الله؟.5.

ص: 245


1- سورة التوبة، الآيه: 33.
2- سورة البقرة، الآية: 193.
3- سورة آل عمران، الآية: 19.
4- سورة آل عمراد، الآية: 85.

قال: نعم من أوله إلي آخره، ومنه هذه الآية: إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللّهِ الْإِسْلامُ وقوله تعالي: مِلَّةَ أَبِيكُمْ إِبْراهِيمَ هُوَ سَمّاكُمُ الْمُسْلِمِينَ (1).

ومنه قوله تعالي في قصة إبراهيم وإسماعيل: وَ اجْعَلْنا مُسْلِمَيْنِ لَكَ وَ مِنْ ذُرِّيَّتِنا أُمَّةً مُسْلِمَةً لَكَ (2). وقوله تعالي في قصة فرعون: حَتّي إِذا أَدْرَكَهُ الْغَرَقُ قالَ آمَنْتُ أَنَّهُ لا إِلهَ إِلاَّ الَّذِي آمَنَتْ بِهِ بَنُوا إِسْرائِيلَ وَ أَنَا مِنَ الْمُسْلِمِينَ (3) وفي قصة سليمان وبلقيس: قَبْلَ أَنْ يَأْتُونِي مُسْلِمِينَ (4).

وقولها: أَسْلَمْتُ مَعَ سُلَيْمانَ لِلّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ (5).

وقول عيسي عليه السّلام: مَنْ أَنْصارِي إِلَي اللّهِ قالَ الْحَوارِيُّونَ نَحْنُ أَنْصارُ اللّهِ آمَنّا بِاللّهِ وَ اشْهَدْ بِأَنّا مُسْلِمُونَ (6). وقولَه عزّوجلّ: وَ لَهُ أَسْلَمَ مَنْ فِي السَّماواتِ وَ الْأَرْضِ طَوْعاً وَ كَرْهاً (7). وقوله في قصة لوط: فَما وَجَدْنا فِيها غَيْرَ بَيْتٍ مِنَ الْمُسْلِمِينَ (8). وقوله: قُولُوا آمَنّا بِاللّهِ وَ ما أُنْزِلَ إِلَيْنا إلي قوله: لا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْهُمْ وَ نَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ (9).6.

ص: 246


1- سورة الحج، الآية: 78.
2- سورة البقرة، الآية: 128.
3- سورة يونس، الآية: 90.
4- سورة النمل، الآية: 38.
5- سورة النمل، الاية: 44.
6- سورة آل عمران، الآية: 52.
7- سورة آل عمران، الآية: 83.
8- سورة الذاريات، الآية: 36.
9- سورة البقرة، الآية: 136.

وقسوله تعالي: أَمْ كُنْتُمْ شُهَداءَ إِذْ حَضَرَ يَعْقُوبَ الْمَوْتُ إلي قوله:

وَ نَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ (1) .

قلت: يا سيدي كم الملل؟.

قال: أربعة، وهي شرائع.

قال المفضل: قلت: يا سيدي المجوس لِمَ سموا المجوس؟.

قال عليه السّلام: لأنهم تمجسوا في السريانية، وادعوا علي آدم وعلي شيث، و هو هبة الله، أنهما أطلقا لهم نكاح الأمهات، والأخوات و البنات، والخالات و العمات، والحرمات من النساء، وأنهما أمراهم أن يصلوا إلي الشمس، حيث وقفت في السماء ولم يجعلا لصلانهم وقتاً، وإنما هو افتراء علي الله الكذب، وعلي آدم وشيث عليه السّلام.

قال المفضل: يا مولاي وسيدي لِمَ سمي قوم موسي اليهود؟.

قال عليه السّلام: لقول الله عزّوجلّ: إِنّا هُدْنا إِلَيْكَ (2) أي اهتدينا إليك.

قال: فالنصري؟.

قال: لقول عيسي عليه السّلام: مَنْ أَنْصارِي إِلَي اللّهِ (3) وتلا الآية إلي آخرها، فسموا النصاري لنصرة دين الله.

قال المفضل: فقلت: يا مولاي فلِمَ سمي الصابئون الصابئين؟.

فقال عليه السّلام: إنهم صبوا إلي تعطيل الأنبياء و الرسل، و الملل والشرائع، وقالوا كلما جاءوا به باطل، فجحدوا توحيد اللّه تعالي، ونبوة2.

ص: 247


1- سورة البقرة، الآية: 133.
2- سورة الأعراف، الآية: 156.
3- سورة آل عمران، الآية: 52.

الأنبياء، ورسالة المرسلين، ووصية الأوصياء، فهم بلا شريعة، ولا كتاب، ولا رسول، وهم معطلة العالم.

قال المفضل: سبحان الله، ما أجل هذا من علم!.

قال عليه السّلام: نعم يا مفضل، فألقه إلي شيعتنا لئلا يشكوا في الدين.

قال المفضل: يا سيدي ففي أي بقعة يظهر المهدي؟.

قال عليه السّلام: لا تراه عين في وقت ظهوره إلّا رأته كل عين، فمن قال لكم غير هذا فكذبوه.

قال المفضل: يا سيدي ولا يري وقت ولادته؟.

قال: بلي و الله ليري من ساعة ولادته إلي ساعة وفاة أبيه سنتين وتسعة أشهر، أول ولادته وقت الفجر من ليلة الجمعة، لثمان خلون من شعبان سنة سبع وخمسين ومائتين إلي يوم الجمعة، لثمان خلون من ربيع الأول من سنة ستين ومائتين، و هو يوم وفاة اًبيه بالمدينة التي بشاطئ دجلة، يبنيها المتكبر الجبار، المسمي باسم جعفر الضال، الملقب بالمتوكل، و هو المتأكل - لعنه الله تعالي - وهي مدينة تدعي بسر من رأي؛ وهي ساء من رأي، يري شخصه المؤمن المحق سنة ستين ومائتين، ولا يراه المشكك المرتاب، وينفذ فيها أمره ونهيه، ويغيب عنها، فيظهر في القصر بصابر، يحانب المدينة في حرم جده رسول الله صلّي الله عليه و آله، فيلقاه هناك من يسعده الله بالنظر إليه، ثم يغيب في آخر يوم من سنة ست وستين ومائتين، فلا تراه عين أحد حتي يراه كل أحد وكل عين.

قال المفضل: قلت: يا سيدي فمن يخاطبه، ولمن يخاطب؟.

ص: 248

قال الصادق عليه السّلام: تخاطبه الملائكة و المؤمنون من الجن، ويخرج أمره ونهيه إلي ثقاته، وولاته ووكلائه، ويقعد ببابه، محمد بن نصير النميري، في يوم غيبته بصابر.

ثم يظهر بمكة، ووالله يا مفضل كاني أنظر إليه دخل مكة، وعليه بردة رسول الله صلّي الله عليه و آله، وعلي رأسه عمامة صفراء، وفي رجليه نعلا رسول الله صلّي الله عليه و آله المخصوفة، وفي يده هراوته صلّي الله عليه و آله، يسوق بين يديه عازاً عجافاً حتي يصل بها نحو البيت، ليس ثم أحد يعرفه، ويظهر و هو شاب.

قال المفضل: يا سيدي يعود شاباً، أو يظهر في شيبة؟.

فقال عليه السّلام: سبحان الله، وهل يعرف ذلك، يظهر كيف شاء، وبأي صورة شاء، إذا جاءه الأمر من الله تعالي مجده، وجل ذكره.

قال المفضل: يا سيدي فمن أين يظهر، وكيف يظهر؟.

[قال]: يا مفضل يظهر وحده، ويأتي البيت وحده، ويلج الكعبة وحده، ويجن عليه الليل وحده، فاذا نامت العيون وغسق الليل، نزل إليه جبرائيل وميكائيل عليه السّلام، و الملائكة صفوفاً، فيقول لة جبرائيل: يا سيدي قولك مقبول، و أمرك جائز، فيمسح عليه السّلام يده علي وجهه، ويقول:

اَلْحَمْدُ لِلّهِ الَّذِي صَدَقَنا وَعْدَهُ وَ أَوْرَثَنَا الْأَرْضَ نَتَبَوَّأُ مِنَ الْجَنَّةِ حَيْثُ نَشاءُ فَنِعْمَ أَجْرُ الْعامِلِينَ (1) ويقف بين الركن و المقام، فيصرخ صرخة فيقول يا معاشر نقبائي، وأهل خاصتي، ومن ذخرهم الله لنصرتي قبل ظهوري، علي وجه الأرض، ائتوني طائعين.4.

ص: 249


1- سورة الزمر، الآية: 74.

فترد صيحته، عليه السّلام عليهم، وهم علي محاريبهم، وعلي فرشهم في شرق الأرض وغربها، فيسمعونه في صيحة واحدة، في أذن كل رجل فيجيئون نحوها، ولا يمضي لهم إلّا كلمحة بصر، حتي يكون كلهم بين يديه عليه السّلام، بين الركن و المقام، فيامر الله عزّوجلّ النور فيصير عموداً من الأرض إلي السماء، فيستضيء به كل مؤمن علي وجه الأرض، ويدخل عليه نور من جوف بيته، فتفرح نفوس المؤمنين بذلك النور، وهم لا يعلمون بظهور قائمنا أهل البيت عليه السّلام، ثم يصبحون وقوفاً بين يديه؛ وهم ثلاثمائة و ثلاثة عشر رجلاً، بعدة أصحاب رسول الله صلّي الله عليه و آله يوم بدر.

قال المفضل: يا مولاي ويا سيدي فاثنان وسبعون رجلاً الذين قتلوا مع الحسين بن علي عليه السّلام يظهرون معهم؟.

قال: يظهر منهم أبو عبد الله الحسين بن علي عليه السّلام في اثني عشر ألفاً مؤمنين من شيعة علي عليه السّلام، وعليه عمامة سوداء.

قال المفضل: يا سيدي فبغير سنة القائم عليه السّلام بايعوا له قبل ظهوره، وقبل قيامه؟.

فقال عليه السّلام: يا مفضل كل بيعة قبل ظهور القائم عليه السّلام، فبيعته كفر ونفاق وخديعة، لعن الله المبايع لها، و المبايع له، بل يا مفضل يسند القائم عليه السّلام ظهره إلي الحرم، و يمد يده فتري بيضاء من غير سوء، ويقول: هذه يد الله، وعن الله، وبأمر الله، ثم يتلو هذه الآية: إِنَّ الَّذِينَ يُبايِعُونَكَ إِنَّما يُبايِعُونَ اللّهَ يَدُ اللّهِ فَوْقَ أَيْدِيهِمْ فَمَنْ نَكَثَ فَإِنَّما يَنْكُثُ عَلي نَفْسِهِ... (1).0.

ص: 250


1- سورة الفتح، الآية: 10.

فيكون أول من يقبل يده جبرائيل عليه السّلام، ثم يبايعه وتبايعه الملائكة، ونجباء الجن، ثم النقباء، ويصبح الناس بمكة، فيقولون من هذا الرجل الذي بجانب الكعبة؟، وما هذا الحلق الذين معه؟، وما هذه الآية التي رأيناها الليلة، ولم تر مثلها؟.

فيقول بعضهم لبعض: هذا الرجل هو صاحب العنيزات.

فيقول بعضهم لبعض: انظروا هل تعرفون أحداً ممن معه؟.

فيقولون: لا نعرف أحداً منهم إلّا أربعة من أهل مكة، وأربعة من اهل المدينة، وهم فلان وفلان، ويعدونهم بأسمائهم، و يكون هذا أول طلوع الشمس في ذلك اليوم، فإذا طلعت الضمس وأضاءت صاح صائح بالخلائق من عين الشمس، بلسان عربي مبين، يسمع من في السماوات و الأرضين، يا معشر الخلائق هذا مهدي آل محمد، ويسميه باسم جده رسول الله صلّي الله عليه و آله، ويكنيه وينسبه إلي أبيه الحسن الحادي عشر، إلي الحسين بن علي - صلوات الله عليه - بايعوه تهتدوا، ولا تخالفوا أمره فتضلوا.

فأول من يقبل يده الملائكة، ثم الجن، ثم النقباء، ويقولون: سمعنا و أطعنا، ولا يبقي ذو أذن من الخلائق إلّا سمع ذلك النداء، وتقبل الخلائق من البدو و الحضر، والبر و البحر، يحدث بعضهم بعضاً، ويستفهم بعضهم بعضاً ما سمعوا بآذانهم، فإذا دنت الشمس للغروب صرخ صارخ من مفربها، يا معشر الحلائق قد ظهر ربكم بوادي اليابس، من أرض فلسطين، و هو: عثمان بن عنبسة الأموي، من ولد يزيد بن معاوية، فبايعوه تهتدوا، ولا تخالفوا عليه فتضلوا.

فيرد عليه الملائكة و الجن، و النقباء، فوله: ويكذبونه ويقولون له:

سمعنا وعصينا، ولا يبقي ذو شك ولا مرتاب ولا منافق ولا كافر إلّا ضل

ص: 251

بالنداء الآخير، وسيدنا القائم عليه السّلام مسند ظهره إلي الكعبة، ويقول: يا معشر الحلائق ألا ومن أراد أن ينظر إلي آدم وشيث فها أنا ذا آدم وشيث، ألا ومن أراد أن ينظر إلي نوح وولده سام فها أنا ذا نوح وسام، ألا ومن أراد أن ينظر إلي إبراهيم و إسماعيل فها أنا ذا إبراهيم و إسماعيل، ألا ومن أراد أن ينظر إلي موسي ويوشع فها أنا ذا موسي ويوشع، ألا ومن أراد أن ينظر إلي عيسي وسمعون فها أنا ذا عيسي وسمعون، ألا ومن أراد أن ينظر إلي محمد وأمر المؤمنين - صلوات الله عليهما - فها أنا ذا محمد صلّي الله عليه و آله و أمير المؤمنين عليه السّلام، ألا ومن أراد أن ينظر إلي الحسن و الحسين عليه السّلام فها أنا ذا الحسن و الحسين، ألا ومن أراد أن ينظر إلي الأئمة من ولد الحسين عليه السّلام فها أنا ذا الأئمة عليهم السّلام، أجيبوا إلي مسألتي فإني أنبئكم بما نبئتم به، وما لم تنبئوا به، ومن كان يقرأ الكتب و الصحف فليسمع مني.

ثم يبتدي بالصحف التي أنزلها الله علي آدم وشيث عليه السّلام، ويقول أمة آدم وشيث هبة الله: هذه و الله هي الصحف حقاً، ولقد أرانا ما لم نكن نعلمه فيها، وما كان خفي علينا، وما كان أسقط منها وبدل وحرف.

ثم يقرأ صحف نوح، وصحف إبراهيم، والتوراة و الإنجيل و الزبور، فيقول أهل التوراة و الإنجيل و الزبور هذه: والله صحف نوح وإبراهيم عليه السّلام حقاً وما أسقط منها وبدل وحُرّف منها، هذه و الله التوراة الجامعة، والزبور التام، والإنجيل الكامل، وإنها أضعاف ما قرأناً منها.

ثم يتلو القرآن، فيقول المسلمون: هذا و الله القرآن حقاً الذي أنزله الله علي محمد صلّي الله عليه و آله، وما أسقط منه وحُرِّف وبدل.

ثم تظهر الدابة بين الركن و المقام، فتكتب في وجه المؤمن مؤمن، وفي وجه الكافر كافر.

ص: 252

ثم يقبل علي القائم عليه السّلام رجل وجهه إلي قفاه، وقفاه إلي صدره، ويقف بين يديه، فيقول يا سيدي: أنا بشير، أمرني ملك من الملائكة أن ألحق بك، وأبشرك بهلاك جيش السفياني بالبيداء.

فيقول له القائم عليه السّلام: بَيِّن قصتك وقصة أخيك.

فيقول الرجل: كنت وأخي في جيش السفياني، وخربنا الدنيا من دمشق إلي الزوراء، وتركناها جماء، وخربنا الكوفة، وخربنا المدينة، وكسرنا المنبر، وراثت بغالنا في مسجد رسول الله صلّي الله عليه و آله، وخرجنا منها، وعددنا ثلاثمائة ألف رجل، نريد إخراب البيت، وقتل أهله، فلما صرنا في البيداء عرسنا فيها، فصاح بنا صائح: يا بيداء أبيدي القوم الظالمين، فانفجرت الأرض، وابتلعت كل الجيش، فو الله ما بقي علي وجه الأرض عقال ناقة، فما سوا غيري وغير أخي، فإذا نحن بملك قد ضرب وجوهنا، فصارت إلي ورائنا كما تري.

فقال لأخي: ويلك يا نذير امض إلي الملعون السفياني بدمشق، فأنذره بظهور المهدي من آل محمد صلّي الله عليه و آله، وعرفه أن الله قد أهلك جيشه بالبيداء.

وقال لي: يا بشير الحق بالمهدي بمكة وبشره بهلاك الظلمين، وتب علي يده، فإنه يقبل توبتك، فيمر القائم عليه السّلام يده علي وجهه فيرده سوياً كما كان، ويبايعه ويكون معه.

قال المفضل: يا سيدي و تظهر الملائكة و الجن للناس؟.

قال: إي و الله يا مفضل، ويخاطبونهم كما يكون الرجل مع حاشيته وأهله.

قلت: يا سيدي و يسيرون معه؟.

ص: 253

قال: إي و الله يا مفضل، ولينزلن أرض الهجرة ما بين الكوفة والنجف، وعدد أصحابه عليه السّلام حينئذٍ ستة وأربعون ألفاً من الملائكة، وستة آلاف من الجن، - وفي رواية أخري ومثلها من الجن - بهم ينصره الله، ويفتح علي يديه.

قال المفضل: فما يصنع بأهل مكة؟.

قال: يدعوهم بِالْحِكْمَةِ و الْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَة، فيطيعونه، ويستخلف فيهم رجلاً من أهل بيته، ويخرج يريد المدينة.

قال المفضل: يا سيدي فما يصنع بالبيت؟.

قال: ينقضه، فلا يدع منه إلّا القواعد التي هي أول بيت وضع للناس ببكة في عهد آدم عليه السّلام، والذي رفعه إبراهيم وإسماعيل عليه السّلام منها، و إن الذي بني بعدهما لم يبنه نبي ولا وصي، ثم يبنيه كما يشاء الله، وليعفين آثار الظلمين بمكة و المدينة و العراق، وسائر الأقاليم، وليهدمن مسجد الكوفة، وليبنيه علي بنيانه الأول، وليهدمن القصر العتيق - ملعون ملعون من بناه -.

قال المفضل: يا سيدي يقيم بمكة؟.

قال: لا يا مفضل، بل يستخلف منها رجلاً من أهله، فإذا سار منها وثبوا عليه فيقتلونه، فيرجع إليهم فيأتونه مُهْطِعِينَ مُقْنِعِي رُوُسِهِمْ يبكون، ويتضرعون ويقولون: يا مهدي آل محمد التوبة التوبة، فيعظهم وينذرهم، ويحذرهم ويستخلف عليهم منهم خليفة، ويسير فيثبون عليه بعده فيقتلونه، فيرد إليهم أنصاره من الجن و النقباء، ويقول لهم: ارجعوا فلا تبقوا منهم بشراً إلّا من آمن، فلولا اًن رحمة ربكم وسعت كل شيء، وأنا تلك الرحمة،

ص: 254

لرجعت إليهم معكم، فقد قطعوا الأعذار بينهم وبين الله، وبيني وبينهم، فرجعون إليهم، فو الله لا يسلم من المائة منهم واحد، لا و اللّه، ولا من ألف واحد.

قال المفضل: قلت: يا سيدي فاين تكون دار المهدي ومجتمع المؤمنين؟.

قال: دار ملكه الكوفة، ومجلس حكمه جامعها، وبيت ماله ومقسم غنانم المسلمين مسجد السهلة، وموضع خلواته الذكوات البيض من الغريين.

قال المفضل: يا مولاي كل المؤمنين يكونون بالكوفة؟.

قال: إي و الله، لا يبقي مؤمن إلّا كان بها أوحواليها، و ليبلغن مجالة فرس منها ألفي درهم، وليودن أكثر الناس أنه اشتري شبراً من أرض السع بشبر من ذهب، والسبع خطة من خطط همدان، وليصيرن الكوفة أربعة وخمسين ميلاً، وليجاورن قصورها كربلاء، وليصيرن الله كربلاء معقلاً ومقاماً تختلف فيه الملائكة و المؤمنون، وليكونن لها شأن من الشأن، وليكونن فيها من البركات ما لو وقف مؤمن ودعا ربه بدعوة لأعطاه الله بدعوته الواحدة؛ مثل ملك الدنيا ألف مرة.

ثم تنفس أبو عبد الله عليه السّلام، وقال: يا مفضل إن بقاع الأرض تفاخرت، ففخرت كعبة البيت الحرام علي بقعة كربلاء، فأوحي الله إليها أن اسكتي كعبة البيت اظرام ولا تفتخري علي كربلاء، فإنها البقعة المباركة التي نودي موسي منها من الشجرة، وإنها الربوة التي أوت إليها مريم والمسيح، وإنها الدالية التي غسل فيها رأس الحسين عليه السّلام، وفيها غسلت

ص: 255

مريم عيسي عليه السّلام، و اغتسلت من ولادنها، وإنها خير بقعة عرج رسول الله صلّي الله عليه و آله منها وقت غيبته، وليكونن لشيعتنا فيها خيرة إلي ظهور قائمنا عليه السّلام.

قال المفضل: يا سيدي ثم يسير المهدي إلي أين؟.

قال عليه السّلام: إلي مدينة جدي رسول الله صلّي الله عليه و آله، فإذا وردها كان له فيها مقام عجيب، يظهر فيه سرور المؤمنين، وخزي الكافرين...(1).

ثم يسير المهدي عليه السّلام إلي الكوفة، وينزل ما بين الكوفة و النجف، وعنده أصحابه في ذلك اليوم ستة وأربعون ألفاً من الملائكة، وستة آلاف من الجن، و النقباء ثلاثمائة وثلاثة عشر نفساً.

قال المفضل: يا سيدي كيف تكون دار الفاسقين في ذلك الوقت؟.

قال: في لعنة الله وسخطه، تخربها الفتن، وتتركها جماء، فالويل لمن بها كل الويل من الرايات الصفر، ورايات المغرب، ومن يجلب الجزيرة، ومن الرايات التي تسير إليها من كل قريب أو بعيد.

والله لينزلن بها من صنوف العذاب ما نزل بسائر الأمم المتمردة، من أول الدهر إلي آخره، ولينزلن بها من العذاب ما لا عين رأت ولا أذن سمعت بمثله، ولا يكون طوفان أهلها إلّا بالسيف، فالويل لمن اتخذ بها مسكناً، فإن المفيم بها يبقي لشقائه، والخارج منها برحمة الله، والله ليبقي من أهلها في الدنيا حتي يقال إنها هي الدنيا، و إن دورها وقصورها هي الجنة، و إن بنانها هن الحور العين، و إن ولدانها هم الولدان، وليظنن أن الله لم يقسم رزق العباد إلّا بها، وليظهرن فيها من الأمراء علي الله وعلي رسوله صلّي الله عليه و آله، والحكم بغير كتابه، ومن شهادات الزور، وشرب الخمور، وإتيان الفجور،ة.

ص: 256


1- للاطلاع علي ما سيفعله الامام المهدي عليه السّلام فِي المدينة المنوَّرة من أحداث، راجع ما سيذكره المصنف من المصادر في نهاية هذه الروإية.

وأكل السحت، وسفك الدماء، ما لا يكون في الدنيا كلها إلّا دونه، ثم ليخربها الله بتلك الفتن، و تلك الرايات، حتي ليمر عليها المار فيقول: ها هنا كانت الزوراء.

ثم يخرج الحسني، الفتي الصبيح، الذي نحو الديلم يصيح، بصوت له فصيح: يا آل أحمد أجيبوا الملهوف، والمنادي من حول الضريح، فتجيبه كنوؤ الله بالطالقان، كنوز وأي كنوز ليست من فضة ولا ذهب، بل هي رجال كزبر الحديد، علي البراذين الشهب، بأيديهم الحراب، ولم يزل يقتل الظلمة، حتي يرد الكوفة، و قد صفا أكثر الأرض، فيجعلها له معقلاً، فيتصل به وبأصحابه خبر المهدي عليه السّلام، ويقولون يا ابن رسول الله من هذا الذي قد نزل بساحتنا؟.

فيقول: اخرجوا بنا إليه حتي ننظر من هو؟، وما يريد؟.

و هو و الله يعلم أنه المهدي، وإنه ليعرفه، ولم يرد بذلك الأمر إلّا ليعرف أصحابه من هو.

فيخرج الحسني فيقولي: إن كنت مهدي آل محمد فأين هراوة جدك رسول الله صلّي الله عليه و آله، وخاتمه وبردته، ودرعه الفاضل، وعمامته السحاب، وفرسه اليربوع، وناقته العضباء، وبغلته الدلدل، و حماره اليعفور، ونجيبه البراق، ومصحف أمير المؤمنين عليه السّلام، فيخرج له ذلك، ثم ياخذ الهراوة فيغرسها في الحجر الصلد وتورق، ولم يرد ذلك إلّا أن يري أصحابه فضل المهدي عليه السّلام، حتي يبايعوه.

فيقول الحسني: الله أكبر، مد يدك يا ابن رسول الله حتي نبايعك، فيمد يده فيبايعه، ويبايعه سائر العسكر الذي مع الحسني، إلّا أربعين ألفاً أصحاب المصاحف، المعروفون بالزيدية، فإنهم يقولون ما هذا إلّا سحر

ص: 257

عظيم، فيختلط العسكران، فيقبل المهدي عليه السّلام علي الطائفة المنحرفة، فيعظهم ويدعوهم ثلاثة أيام، فلا يزدادون إلّا طغماناً وكفراً، فيأمر بقتلهم، فيقتلون جميعاً.

ثم يقول لأصحابه: لا تاخذوا المصاحف ودعوها تكون عليهم حسرة، كما بدلوها وغيروها وحرفوها، ولم يعملوا بما فيها.

قال المفضل: يا مولاي ثم ما ذا يصنع المهدي؟.

قال: يثور سرايا علي السفياني إلي دمشق، فياخذونه ويذبحونه علي الصخرة.

ثم يظهر الحسين عليه السّلام في اثني عشر ألف صديق، واثنين وسبعين رجلاً، أصحابه يوم كربلاء، فيا لك عندها من كرة زهراء بيضاء.

ثم يخرج الصديق الأكبر أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السّلام، وينصب له القبة بالنجف، ويقام أركانها؛ ركن بالنجف، وركن بهجر، وركن بصنعاء، وركن بأرض طيبة، لكأني أنظر إلي مصابيحه تشرق في السماء و الأرض؛ كاضواء من الشمس و القمر، فعندها تبلي السرائر:

تَذْهَلُ كُلُّ مُرْضِعَةٍ عَمّا أَرْضَعَتْ... (1) .

ثم يخرج السيدًالأكبر محمد رسول اللّه صلّي الله عليه و آله في أنصاره و المهاجرين، ومن آمن به وصدقه، واستشهد معه، ويحضر مكذبوه، و الشاكون فيه، والرادون عليه، والقائلون فيه إنه داحر، وكاهن ومجنون، وناطق عن الهوي، ومن حاربه وقاتله، حتي يقتص منهم بالحق، ويجازون بافعالهم، منذ وقت ظهر رسول الله صلّي الله عليه و آله إلي ظهور المهدي، مع إمام اٍمام، ووقت وقت،2.

ص: 258


1- سورة الحج، الآية: 2.

ويحق تأويل هذه الآية: وَ نُرِيدُ أَنْ نَمُنَّ عَلَي الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الْأَرْضِ وَ نَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَ نَجْعَلَهُمُ الْوارِثِينَ وَ نُمَكِّنَ لَهُمْ فِي الْأَرْضِ وَ نُرِيَ فِرْعَوْنَ وَ هامانَ وَ جُنُودَهُما مِنْهُمْ ما كانُوا يَحْذَرُونَ (1)...

قال المفضل؛ قلت: يا سيدي ورسول الله وأمير المؤمنين صلّي الله عليه و آله يكونان معه؟.

فقال: لا بد أن يطأ الأرض، إي و الله حتي ما وراء الحاف؛ إي و الله وما في الظلمات، وما في قعر البحار، حتي لا يبقي موضع قدم إلي وطئا وأقاما فيه الدين الواجب لله تعالي.

ثم لكاني أنظر يا مفضل إلينا معاشر الأئمة بين يدي رسول اللّه صلّي الله عليه و آله، نشكو إليه ما نزل بنا من الأمة بعده، وما نالنا من التكذيب و الرد علينا، وسبينا ولعننا، وتخويفنا بالقتل، وقصد طواغيتهم الولاة لأمورهم من دون الأمة بترحيلنا عن الحرمة إلي دار ملكهم، وقتلهم إيانا بالسم و الحبس، فيبكي رسول الله صلّي الله عليه و آله ويقول: يا بني ما نزل بكم إلّا ما نزل بجدكم قبلكم.

ثم تبتدئ فاطمة عليه السّلام وتشكو ما نالها من أبي بكر وعمر، وأخذ فدك منها، ومشيها إليه في مجمع من المهاجرين و الأنصار، وخطابها له في أمر فدك وما رد عليها، من قوله: إن الأنبياء لا تورث، واحتجاجها بقول زكريا و يحيي عليه السّلام، وقصة داوود وسليمان عليه السّلام.

وقول: عمر هاتي صحيفتك التي ذكرت أن أباك كتبها لك، وإخراجها الصحيفة وأخذه إياها منها، ونشره لها علي رووس الأشهاد من قريش و المهاجرين و الأنصار، وسائر العرب، وتفله فيها، وتمزيقه إياها،6.

ص: 259


1- سورة القصص، الآيتان: 5-6.

و بكائها ورجوعها إلي قير أبيها رسول الله صلّي الله عليه و آله باكية حزينة، تمشي علي الرمضاء قد أقلقتها واستغاثتها بالله، وبأبيها رسول الله صلّي الله عليه و آله، وتمثلها بقول رقيقة بنت صيفي:

قد كان بعدك أنباء وهنبثة لو كنت شاهدها لم يكير الخطب

إنا فقدناك فقد الأرض وابلها واختل أهلك فاشهدهم فقد لعبوا

أبدت رجال لنا فحوي صدورهم لما نأيت وحالت دونك الحجب

لكل قوم لهم قرب ومنزلة عند الإله علي الأدنين مقترب

يا ليت قبلك كان الموت حلي بنا أما أناس ففازوا بالذي طلبوا

وكلقص عليه قصة أبي بكر، وإنفاذه خالد بن الوليد، وقنفذا، وعمر بن الخطاب، وجمعه الناس لإخراج أمير المؤمنين عليه السّلام من بيته، إلي البيعة في سقيفة بني ساعدة، واشتغال أمير المؤمنين عليه السّلام بعد وفاة رسول الله صلّي الله عليه و آله، بضم أزواجه وقبره وتعزيتهم، وجمع القرآن، وقضاء دينه، وإنجاز عداته، وهي ثمانون ألف درهم، باع فيها تليده و طارفه، وقضاها عن رسول الله صلّي الله عليه و آله.

وقول عمر: اخرج يا علي إلي ما أجمع عليه المسلمون، وإلّا قتلناك.

وقول فضة جارية فاطمة: إن أمير المؤمنين عليه السّلام مشغول، والحق له إن أنصفتم من أنفسكم وأنصفتموه، وجمعهم الجزل و الحطب علي الباب لأحراق بيت أمير المؤمنين، وفاطمة و الحسن و الحسين وزينب وأم كلثوم وفضة، وإضرامهم النار علي الباب، وخروج فاطمة إليهم، و خطابها لهم من وراء الباب، وقولها: ويحك يا عمر ما هذه الجرأة علي الله وعلي رسوله، تريد أن تقطع نسله من الدنيا، وتفنيه و تطفئ نور الله، والله متم نوره، وانتهاره لها.

ص: 260

وقوله: كُفِّي يا فاطمة، فليس محمد حاضراً، ولا الملائكة آتية بالأمر والنهي و الزجر، من عند الله، وما علي إلَّا كأحد المسلمين، فاختاري إن شئت خروجه لبيعة أبي بكر، أو إحراقكم جميعاً.

فقالت وهي باكية: اللهم إليك نشكو فقد نبيك، ورسولك وصفيك، وارتداد أمته علينا، ومنعهم إيانا حقنا الذي جعلته لنا في كتابك المنزل علي نبيك المرسل.

فقال لها عمر: دعي عنك يا فاطمة حماقات النساء، فلم يكن الله ليجمع لكم النبوة و الحلافة، وأخذت النار في خشب الباب، وإدخال قنفذ يده - لعنه الله - يروم فتح الباب، وضرب عمر لها بالسوط علي عضدها، حتي صار كالدملج الأسود، وركل الباب برجله، حتي أصاب بطنها، وهي حاملة بالمحسن؛ لستة أشهر، وإسقاطها إياه، وهجوم عمر، وقنفذ، وخالد بن الوليد، وصفقه خدها، حتي بدا قرطاها تحت خمارها، وهي تجهر بالبكاء وتقول: وأبتاه، ورسول الله، ابنتك فاطمة تكذب وتضرب، ويقتل جنين في بطنها، وخروج أمير المؤمنين عليه السّلام من داخل الدار محمر العين، حاسراً حتي ألقي ملاءته عليها، وضمها إلي صدره.

وقوله لها: يا بنت رسول الله قد علمتي أن أباك بعثه الله رحمة للعالمين، فالله الله أن تكشفي خمارك، وترفعي ناصيتك، فو الله يا فاطمة لئن فعلت ذلك لا أبقي الله علي الأرض من يشهد أنّ محمداً رسول الله، ولا موسي، ولا عيسيٍ، ولا إبراهيم، ولا نوح، ولا آدم، ولا دابة تمشي علي الأرض، و لا طائراً في السماء إلّا أهلكه الله.

ثم قال: يا ابن الحطاب لك الويل من يومك هذا، وما بعده، وما يليه، اخرج قبل أن أشهر سيفي فأفني غابر الأمة، فخرج عمر و خالد بن

ص: 261

الوليد، وقنفذ وعبد الرحن بن أبي بكر، فصاروا من خارج الدار، وصاح أمر المؤمنين بفضة: يا فضة مولاتك فاقبلي منها ما تقبله النساء، فقد جاءها المخاض من الرفسة، ورد الباب فأسقطت محسناً.

فقال: أمير المؤمنين عليه السّلام فإنه لَاحِق بجده رسول الله صلّي الله عليه و آله، فيشكو اٍليه.

وحمل أمير المؤمنين لها في سواد الليل، والحسن و الحسين وزينب وأم كلثوم إلي دور المهاجرين و الأنصار يذكرهم باللّه ورسوله، وعهده الذي بايعوا الله ورسوله، وبايعوه عليه في أربعة مواطن في حياة رسول الله صلّي الله عليه و آله، و تسليمهم عليه بإمرة المؤمنين في جميعها، فكل يعده بالنصر في يومه المقبل، فإذا أصبح قعد جميعهم عنه.

ثم يشكو إليه أمير المؤمنين عليه السّلام المحن العظيمة التي امتحن بها بعده، وقوله: لقد كانت قصتي مثل قصة هارون مع بني إسرائيل، وقولي كقوله لموسي: اِبْنَ أُمَّ إِنَّ الْقَوْمَ اسْتَضْعَفُونِي وَ كادُوا يَقْتُلُونَنِي فَلا تُشْمِتْ بِيَ الْأَعْداءَ وَ لا تَجْعَلْنِي مَعَ الْقَوْمِ الظّالِمِينَ (1) فصبرت محتسباً وسلمت راضياً وكانت الحجة عليهم في خلأفي ونقضهم عهدي، الذي عاهدتهم عليه يا رسول الله، واحتملت يا رسول الله ما لم يحتمل وصي ني من سائر الأوصياء، من سائر الأمم، حتي قتلوني بضربة عبد الرحمن بن ملجم، وكان الله الرقيب عليهم في نقضهم بيعتي، وخروج طلحة و الزبر بعائشة إلي مكة، يظهران الحج و العمرة، و سيرهم بها إلي البصرة، وخروجي إليهم، وتذكري لهم الله، وإياك وما جئت به يا رسول الله، فلم يرجعا حتي نصرني0.

ص: 262


1- سورة الأعراف، الآية: 150.

الله عليهما، حتي أهرقت دماء عشرين ألف من المسلمين، وقطعت سبعين كفاً علي زمام الجمل، فما لقيت في غزواتك يا رسول الله وبعدك أصعب يوماً منه أبداً، لقد كان من أصعب الحروب التي لقيتها وأهولها و أعظمها، فصبرت كما أدبني الله بما أدبك به يا رسول الله، في قوله عزّوجلّ: فَاصْبِرْ كَما صَبَرَ أُولُوا الْعَزْمِ مِنَ الرُّسُلِ (1). وقوله: وَ اصْبِرْ وَ ما صَبْرُكَ إِلاّ بِاللّهِ (2) ، وحق الله يا رسول الله تأويل الآية التي أنزلها الله في الأمة من بعدك، في قوله: وَ ما مُحَمَّدٌ إِلاّ رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَ فَإِنْ ماتَ أَوْ قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ عَلي أَعْقابِكُمْ وَ مَنْ يَنْقَلِبْ عَلي عَقِبَيْهِ فَلَنْ يَضُرَّ اللّهَ شَيْئاً وَ سَيَجْزِي اللّهُ الشّاكِرِينَ (3).

يا مفضل ويقوم الحسن عليه السّلام إلي جده صلّي الله عليه و آله فيقول: يا جداه كنت مع أمر المؤمنين في دار هجرته بالكوفة حتي استشهد بضربة عبد الرحمن بن ملجم - لعنه الله - فوصاني بما وصيته يا جداه، وبلغ معاوية قتل أبي، فانفذ الدعي اللعين زياداً إلي الكوفة في مائة ألف وخمسين ألف مقاتل، فأمر بالقبض علي وعلي أخي الحسين، وسائر إخواني، و أهل بيتي، وشيعتنا و موالينا، وأن يأخذ علينا البيعة لمعاوية، فمن يأبي منا ضرب عنقه، وسير إلي معاوية رأسه.

فلما علمت ذلك من فعل معاوية خرجت من داري، فدخلت جامع الكوفة للصلاة، ورقيت المنبر، واجتمع الناس، فحمدت الله وأثنيت عليه، وقلت: معشر الناس عفت الديار، و محيت الآثار، وقل الاصطبار، فلا قرار4.

ص: 263


1- سورة الأحقاف، الآية: 35.
2- سورة النحل، الآية: 127.
3- سورة آل عمران، الآية: 144.

علي همزات الشياطين، وحكم الحائنين الساعة، والله صحت البراهين، وفصلت الآيات، وبانت المشكلات، ولقد كنا نتوقع تمام هذه الآية تأويلها، قال الله عزّوجلّ: وَ ما مُحَمَّدٌ إِلاّ رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَ فَإِنْ ماتَ أَوْ قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ عَلي أَعْقابِكُمْ وَ مَنْ يَنْقَلِبْ عَلي عَقِبَيْهِ فَلَنْ يَضُرَّ اللّهَ شَيْئاً وَ سَيَجْزِي اللّهُ الشّاكِرِينَ (1).

فلقد مات و الله جدي رسول الله صلّي الله عليه و آله، وقتل أبي عليه السّلام، وصاح الوسواس الحناس في قلوب الناس، ونعق ناعق الفتنة، وخالفتم السنة، فيا لها من فتنة صماء عمياء، لا يسمع لداعيها، ولا يجاب مناديها، ولا يخالف و اليها، ظهرت كلمة النفاق، وسيرت رايات أهل الشقاق، وتكالبت جميوش أهل المراق، من الشام و العراق، هلموا رحمكم الله إلي الافتتاح و النور الوضاح، والعلم الجحجاح، والنور الذي لا يطفي، والحق الذي لا يخفي.

أيها الناس! تيقظوا من رقدة الغفلة، ومن تكاثف الظلمة، فو الذي فلق الحبة، وبرأ النسمة، وتردي بالعظمة، لئن قام إليّ منكم عصبة بقلوب صافية، ونيات مخلصة، لا يكون فيها شوب نفاق، ولا نية افتراق، لأجاهدن بالسيف قدماً قدماً، ولأضيقن من السيوف جوانبها، ومن الرماح أطرافها، ومن الخيل سنابكها، فتكلموا رحمكم الله.

فكأنما ألجموا بلجام الصمت عن إجابة الدعوة، إلّا عشرون رجلاً، فإنهم قاموا إلي فقالوا: يا ابن رسول الله ما نملك إلّا أنفسنا وسيوفنا، فها نحن بين يديك لأمرك طائعون، وعن رأيك صادرون، فمرنا بما شئت.4.

ص: 264


1- سورة آل عمران، الآية: 144.

فنظرت يمنة ويسرة فلم أري أحداً غيرهم، فقلت: لي أسوة بجدي رسول الله، حين عبد الله سراً، و هو يومئذ في تسعة و ثلاثين رجلاً، فلما أكمل الله له الأربعين صار في عدة، وأظهرً أمر الله، فلو كان معي عدتهم جاهدت في الله حق جهاده.

ثم رفعت رأسي نحو السماء فقلت: اللهم إني قد دعوت، وأنذرت، وأمرت، ونهيت، وكانوا عن إجابة الداعي غافلين، وعن نصرته قاعدين، وعن طاعته مقصرين، ولأعدائه ناصرين، اللهم فأنزل عليهم رجزك، وبأسك، وعذابك الذي لا يرد عن القوم الظلمين.

ونزلت ثم خرجت من الكوفة راحلاً إلي المدينة، فجاووني يقولون:

إن معاوية أسري سراياه إلي الأنبار و الكوفة، وشن غاراته علي المسلمين، وقتل من لم يقاتله، وقتل النساء و الأطفال، فأعلمتهم أنه لا وفاء لهم، فأنفذت معهم رجالاً وجيوشاً وعرفتهم أنهم يستجيبون لمعاوية، وينقضون عهدي وبيعتي، فلم يكن اٍلّا ما قلت لهم، و أخبرتهم.

ثم يقوم الحسين عليه السّلام مخضباً بدمه، هو وجميع من قتل معه، فإذا رآه رسول الله عليه السّلام بكي، وبكي أهل السماوات و الأرض لبكائه، وتصرخ فاطمة عليه السّلام، فتزلزل الأرض ومن عليها، ويقف أمير المؤمنين و الحسن عليه السّلام عن يمينه، وفاطمة عن سماله ويقبل الحسين عليه السّلام، فيضمه رسول الله صلّي الله عليه و آله إلي صدره، ويقول: يا حسين فديتك، قرت عيناك وعيناي فيك.

وعن يمين الحسين حمزة أسد الله في أرضه، وعن سماله جعفر بن أبي طالب الطيار، ويأتي محسن تحمله خديجة بنت خويلد، وفاطمة بنت أسد، أم أمير المؤمنين عليه السّلام، وهن صارخات، وأمه فاطمة تقول هذا: يَوْمَ تَجِدُ

ص: 265

كُلُّ نَفْسٍ ما عَمِلَتْ مِنْ خَيْرٍ مُحْضَراً وَ ما عَمِلَتْ مِنْ سُوءٍ تَوَدُّ لَوْ أَنَّ بَيْنَها وَ بَيْنَهُ أَمَداً بَعِيداً (1).

قال: فبكي الصادق عليه السّلام حتي اخضلت لحيته بالدموع.

ثم قال: لا قرت عين لا تبكي عند هذا الذكر.

قال: وبكي المفضل بكاء طويلاً.

ثم قال: يا مولاي ما في الدموع يا مولاي؟.

فقال: ما لا يحصي إذا كان من محق.

ثم قال المفضل: يا مولاي ما تقول في قوله تعالي: وَ إِذَا الْمَوْؤُدَةُ سُئِلَتْ * بِأَيِّ ذَنْبٍ قُتِلَتْ (2).

قال: يا مفضل و الموودة و الله محسن، لأنه منا لا غير، فمن قال غير هذا فكذبوه.

قال المفضل: يا مولاي ثم ما ذا؟.

قال الصادق عليه السّلام: تقوم فاطمة بنت رسول اللّه صلّي الله عليه و آله فتقول:

اللهم أنجز وعدك وموعدك لي، فيمن ظلمني و غصبني وضربني، وجزعني بكل أولادي، فتبكيها ملائكة السماوات السبع، وحملة العرش، وسكان الهواء، ومن في الدنيا، ومن تحت أطباق الثري، صائحين صارخين إلي الله تعالي، فلا يبقي أحد ممن قاتلنا وظلمنا، ورضي بما جري علينا، إلي قتل في ذلك اليوم ألف قتلة، دون من قتل في سبيل الله، فمانه لا يذوق الموت، و هو كما قال الله عزّوجلّ: وَ لا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللّهِ أَمْواتاً بَلْ أَحْياءٌ9.

ص: 266


1- سورة آل عمران، الآية: 30.
2- سورة التكوير، الآيتان، 8-9.

عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ * فَرِحِينَ بِما آتاهُمُ اللّهُ مِنْ فَضْلِهِ وَ يَسْتَبْشِرُونَ بِالَّذِينَ لَمْ يَلْحَقُوا بِهِمْ مِنْ خَلْفِهِمْ أَلاّ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَ لا هُمْ يَحْزَنُونَ (1) .

قال المفضل: يا مولاي إن من شيعتكم من لا يقول برجعتكم؟.

فقال عليه السّلام: أما سمعوا قول جدنا رسول اللّه صلّي الله عليه و آله و نحن سائر الأئمة، نقول: وَ لَنُذِيقَنَّهُمْ مِنَ الْعَذابِ الْأَدْني دُونَ الْعَذابِ الْأَكْبَرِ (2).

قال الصادق عليه السّلام: العذاب الأدني عذاب الرجعة، والعذاب الأكبر عذاب يوم القيامة، الذي: تُبَدَّلُ الْأَرْضُ غَيْرَ الْأَرْضِ وَ السَّماواتُ وَ بَرَزُوا لِلّهِ الْواحِدِ الْقَهّارِ (3).

قال المفضل: يا مولاي نحن نعلم أنكم اختيار الله في قوله تعالي:

نَرْفَعُ دَرَجاتٍ مَنْ نَشاءُ (4) . وقوله: اَللّهُ أَعْلَمُ حَيْثُ يَجْعَلُ رِسالَتَهُ (5).

وقوله: إِنَّ اللّهَ اصْطَفي آدَمَ وَ نُوحاً وَ آلَ إِبْراهِيمَ وَ آلَ عِمْرانَ عَلَي الْعالَمِينَ * ذُرِّيَّةً بَعْضُها مِنْ بَعْضٍ وَ اللّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (6).

قال الصادق عليه السّلام: يا مفضل فاين نحن في هذه الآية؟.

قال المفضل: فو الله إِنَّ أَوْلَي النّاسِ بِإِبْراهِيمَ لَلَّذِينَ اتَّبَعُوهُ وَ هذَا النَّبِيُّ وَ الَّذِينَ آمَنُوا وَ اللّهُ وَلِيُّ الْمُؤْمِنِينَ (7) وقوله مِلَّةَ أَبِيكُمْ إِبْراهِيمَ هُوَ8.

ص: 267


1- سورة آل عمران: 169-170.
2- سورة السحدة، الآية: 21.
3- سورة إبراهيم، الآية: 48.
4- سورة الأنعام، الآية: 83.
5- سورة الأنعام الآية: 124.
6- سورة آل عمران، الآيتان: 33-34.
7- سورة يل عمران، الآية: 68.

سَمّاكُمُ الْمُسْلِمِينَ (1) . وقوله عن إبراهيم: وَ اجْنُبْنِي وَ بَنِيَّ أَنْ نَعْبُدَ الْأَصْنامَ (2).

و قد علمنا أن رسول اللّه صلّي الله عليه و آله وأمر المؤمنين عليه السّلام ما عبدا صنماً، ولا وثناً، ولا أشركا بالله طرفة عين، وقوله: وَ إِذِ ابْتَلي إِبْراهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِماتٍ فَأَتَمَّهُنَّ قالَ إِنِّي جاعِلُكَ لِلنّاسِ إِماماً قالَ وَ مِنْ ذُرِّيَّتِي قالَ لا يَنالُ عَهْدِي الظّالِمِينَ (3) والعهد عهد الإمامة لا يناله ظالم.

قال: يا مفضل وما علمك بان الظلم لا ينال عهد الإمامة؟.

قال المفضل: يا مولاي لا تمتحني بما لا طاقة لي به، ولا تختيرني، ولا تبتلني فمن علمكم علمت، ومن فضل الله عليكم أخذت.

قال الصادق عليه السّلام: صدقت يا مفضل، ولولا اعترافك بنعمة الله عليك في ذلك لما كنت هكذا، فاين يا مفضل الآيات من القرآن في أن الكافر ظالم؟.

قال: نعم يا مولاي، قوله تعالي: وَ الْكافِرُونَ هُمُ الظّالِمُونَ (4) ، و من كفر و فسق و ظلم لا يجعله الله للناس إماما.

قال الصادق عليه السّلام: أحسنت يا مفضل، فمن أين قلت برجعتنا، و مقصرة شيعتنا تقول معني الرجعة: أن يرد الله إلينا ملك الدنيا، وأن يجعله للمهدي، ويحهم متي سلبنا الملك حتي يرد علينا؟.4.

ص: 268


1- سورة الحج، الآية: 78.
2- سورة إبراهيم، الآية: 35.
3- سورة البقرة، الآية: 124.
4- سورة البقرة، الآية: 254.

قال المفضل: لا و الله، وما سلبتموه و لا تسلبونه، لأنه ملك النبوة و الرسالة، والوصية و الإمامة.

قال الصادق عليه السّلام: يا مفضل لو تدبر القرآن شيعتنا لما شكوا في فضلنا، أما سمعوا قوله عزّوجل ّ: وَ نُرِيدُ أَنْ نَمُنَّ عَلَي الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الْأَرْضِ وَ نَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَ نَجْعَلَهُمُ الْوارِثِينَ * وَ نُمَكِّنَ لَهُمْ فِي الْأَرْضِ وَ نُرِيَ فِرْعَوْنَ وَ هامانَ وَ جُنُودَهُما مِنْهُمْ ما كانُوا يَحْذَرُونَ (1).

و الله يا مفضل إن تنزيل هذه الآية في بني إسرائيل، وتأويلها فينا..

قال المفضل: يا مولاي فالمتعة؟.

قال: المتعة حلال طلق، و الشاهد بها قول الله عزّوجلّ: وَ لا جُناحَ عَلَيْكُمْ فِيما عَرَّضْتُمْ بِهِ مِنْ خِطْبَةِ النِّساءِ أَوْ أَكْنَنْتُمْ فِي أَنْفُسِكُمْ عَلِمَ اللّهُ أَنَّكُمْ سَتَذْكُرُونَهُنَّ وَ لكِنْ لا تُواعِدُوهُنَّ سِرًّا إِلاّ أَنْ تَقُولُوا قَوْلاً مَعْرُوفاً (2) ؛ أي مشهوداً، والقول المعروف هو المشتهر بالولي و الشهود، وإنما احتيج إلي الولي و الشهود في النكاح ليثبت النسل، ويصح النسب، ويستحق الميراث، و قوله: وَ آتُوا النِّساءَ صَدُقاتِهِنَّ نِحْلَةً فَإِنْ طِبْنَ لَكُمْ عَنْ شَيْ ءٍ مِنْهُ نَفْساً فَكُلُوهُ هَنِيئاً مَرِيئاً (3).

و جعل الطلاق في النساء المزوجات غير جائز إلّا بشاهدين، ذوي عدل من المسلمين، وقال في سائر الشهادات علي الدماء و الفروج،4.

ص: 269


1- سورة القصص، الآيتان: 5-6.
2- سورة البقرة، الآية: 235.
3- سورة النساء، الآية: 4.

والأموال، والأملاك،: وَ اسْتَشْهِدُوا شَهِيدَيْنِ مِنْ رِجالِكُمْ فَإِنْ لَمْ يَكُونا رَجُلَيْنِ فَرَجُلٌ وَ امْرَأَتانِ مِمَّنْ تَرْضَوْنَ مِنَ الشُّهَداءِ (1).

و بيّن الطلاق عز ذكره فقال: يا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذا طَلَّقْتُمُ النِّساءَ فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ وَ أَحْصُوا الْعِدَّةَ وَ اتَّقُوا اللّهَ رَبَّكُمْ (2) ، ولو كانت المطلقة تبين بثلاث تطليقات تجمعها كلمة واحدة، أو أكثر منها، أو أقل، لما قال الله تعالي: وَ أَحْصُوا الْعِدَّةَ وَ اتَّقُوا اللّهَ رَبَّكُمْ إلي قوله: تِلْكَ حُدُودُ اللّهِ وَ مَنْ يَتَعَدَّ حُدُودَ اللّهِ فَقَدْ ظَلَمَ نَفْسَهُ لا تَدْرِي لَعَلَّ اللّهَ يُحْدِثُ بَعْدَ ذلِكَ أَمْراً * فَإِذا بَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَأَمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ أَوْ فارِقُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ وَ أَشْهِدُوا ذَوَيْ عَدْلٍ مِنْكُمْ وَ أَقِيمُوا الشَّهادَةَ لِلّهِ ذلِكُمْ يُوعَظُ بِهِ مَنْ كانَ يُؤْمِنُ بِاللّهِ وَ الْيَوْمِ الْآخِرِ (3). وقوله: لا تَدْرِي لَعَلَّ اللّهَ يُحْدِثُ بَعْدَ ذلِكَ أَمْراً ، هو نكر يقع بين الزوج وزوجته، فيطلق التطليقة الأولي بشهادة ذوي عدل، وحد و قت التطليق هو آخر القروء.

و القرء: هو الحيض، والطلاق يجب عند آخر نقطة بيضاء تنزل بعد الصفرة و الحمرة، وإلي التطليقة الثانية و الثالثة ما يحدث الله بينهما عطفا أو زوال ما كرهاه، و هو قوله: وَ الْمُطَلَّقاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ ثَلاثَةَ قُرُوءٍ وَ لا يَحِلُّ لَهُنَّ أَنْ يَكْتُمْنَ ما خَلَقَ اللّهُ فِي أَرْحامِهِنَّ إِنْ كُنَّ يُؤْمِنَّ بِاللّهِ وَ الْيَوْمِ الْآخِرِ وَ بُعُولَتُهُنَّ أَحَقُّ بِرَدِّهِنَّ فِي ذلِكَ إِنْ أَرادُوا إِصْلاحاً وَ لَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ وَ لِلرِّجالِ عَلَيْهِنَّ دَرَجَةٌ وَ اللّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ (4) ، هذا8.

ص: 270


1- سورة البقرة، الآية: 282.
2- سورة الطلاق، الآية: 1.
3- سورة الطلاق، الآيتان: 1-2.
4- سورة البقرة، الآية: 228.

لقوله في أن للبعولة مراجعة النساء من تطليقة إلي تطليقة إن أرادوا إصلاحاً، و للنساء مراجعة الرجال في مثل ذلك.

ثم بيّن تبارك و تعالي فقال: اَلطَّلاقُ مَرَّتانِ فَإِمْساكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسانٍ (1). وفي الثالثة فإن طلق الثالثة بانت، فهو قوله: فَإِنْ طَلَّقَها فَلا تَحِلُّ لَهُ مِنْ بَعْدُ حَتّي تَنْكِحَ زَوْجاً غَيْرَهُ (2) ، ثم يكون كسائر الحطاب لها.

و المتعة التي أحلها الله في كتابه و أطلقها الرسول عن الله لسائر المسلمين، فهي قوله عزّوجل ّ: وَ الْمُحْصَناتُ مِنَ النِّساءِ إِلاّ ما مَلَكَتْ أَيْمانُكُمْ كِتابَ اللّهِ عَلَيْكُمْ وَ أُحِلَّ لَكُمْ ما وَراءَ ذلِكُمْ أَنْ تَبْتَغُوا بِأَمْوالِكُمْ مُحْصِنِينَ غَيْرَ مُسافِحِينَ فَمَا اسْتَمْتَعْتُمْ بِهِ مِنْهُنَّ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ فَرِيضَةً وَ لا جُناحَ عَلَيْكُمْ فِيما تَراضَيْتُمْ بِهِ مِنْ بَعْدِ الْفَرِيضَةِ إِنَّ اللّهَ كانَ عَلِيماً حَكِيماً (3).

والفرق بين المزوجة و المتعَة؛ أن للَزوجة صداقاً، وَللمتعة أَجرة، فتمتع سائر المسلمين علي عهد رسول الله صلّي الله عليه و آله في الحج وغيره، وأيام أبي بكر، وأربع سنين في أيام عمر، حتي دخل علي أخته عفرا، فوجد في حجرها طفلاً يرضعمن ثديها، فنظر إلي درة اللبن في فم الطفل فأغضب وأَرعد وأربد، وأخذ الطفل علي يده وخرج حتي أتي المسجد، ورقي المنبر، وفال:

نادوا في الناس أن الصلاة جامعة.

وكان غير وقت صلاة، يعلم الناس أنه لأمر يريده عمر، فحضروا فقال: معاشر الناس من المهاجرين و الأنصار، وأولاد قحطان، من منكم4.

ص: 271


1- سورة البقرة، الآية 229.
2- سورة البقرة، الآية: 230
3- سورة النساء، الآية: 24.

يحب أن يري المحرمات عليه من النساء، ولها مثل هذا الطفل، قد خرج من أحشائها، و هو يرضع علي ثديها، وهي غير متبعلة.

فقال بعض القوم: ما نحب هذا.

فقال: ألستم تعلمون أن أختي عفرا بنت خيثمة أمي و أبي الخطاب، غيرمتبعلة.

قالوا: بلي.

قال: فإني دخلت عليها في هذه الساعة فوجدت هذا الطفل في حجرها، فناشدنها أني لك هذا؟.

فقالت: تمتعت.

فأعلموا سائر الناس أن هذه المتعة التي كانت حلالاً للمسلمين في عهد رسول الله صلّي الله عليه و آله قد رأيت تحريمها، فمن أبي ضربت جنبيه بالسوط.

فلم يكن في القوم منكر قوله، ولا راد عليه، ولا قائل، لا يأتي رسول بعد رسول الله، أو كتاب بعد كتاب الله، لا نقبل خلافك علي الله، وعلي رسوله وكتابه، بل سلموا ورضوا.

قال المفضل: يا مولاي فما شرائط المتعة؟.

قال: يا مفضل لها سبعون شرطا، من خالف فيها شرطاً واحداً ظَلَمَ نفْسَهُ.

قال: قلت: يا سيدي قد أمرتمونا أن لا نتمتع ببغية، ولا مشهورة بفساد، ولا مجنونة، وأن ندعو المتعة إلي الفاحشة، فإن أجابت فقد حرم الاستمتاع بها، وأن نسال أفارغة أم مشغولة ببعل، أوحمل، أوبعده، فإن شغلت بواحدة من الثلاث فلا تحل.

ص: 272

و إن خلت فيقول لها: متعيني نفسك علي كتاب الله عزّوجلّ وسنة نبيه صلّي الله عليه و آله، نكاحاً غير سفاح، أجلاً معلوماً، باجرة معلومة، و هي ساعة، أو يوم، أو يومان، أو شهر، أو سنة، أو ما دون ذلك، أو أكثر، والأجرة ما تراضيا عليه، من حلقة خاتم، أو شسع نعل، أو شق تمرة، إلي فوق ذلك من الدراهم و الدنانير، أو عرض ترضي به، فاٍن وهبت له حل له كالصداق المو هوب من النساء المزوجات، الذين قال الله تعالي فيهن: فَإِنْ طِبْنَ لَكُمْ عَنْ شَيْ ءٍ مِنْهُ نَفْساً فَكُلُوهُ هَنِيئاً مَرِيئاً (1).

ثم يقول لها: علي ألا ترثيني، ولا أرثك، وعلي أن الماء لي، أضعه منك حيث أشاء، وعليك الاستبراء خمسة وأربعين يوماً، أو محيضاً واحداً.

فإذا قالت: نعم، أعدت القول ثانية، وعقدت النكاح، فمان أحببت وأحبت هي الاستزادة في الأجل زدتما، و فيه ما رويناه، فإن كانت تفعل فعليها ما تولت من الإخبار عن نفسها، ولا جناح عليك.

وقول أمر المؤمنين عليه السّلام: فلولا [تحريم المتعة] ما زني إلّا شقي أو شقية؛ لأنه كان يكون للمسلمين غناء في المتعة عن الزنا.

ثم تلا: وَ مِنَ النّاسِ مَنْ يُعْجِبُكَ قَوْلُهُ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا وَ يُشْهِدُ اللّهَ عَلي ما فِي قَلْبِهِ وَ هُوَ أَلَدُّ الْخِصامِ وَ إِذا تَوَلّي سَعي فِي الْأَرْضِ لِيُفْسِدَ فِيها وَ يُهْلِكَ الْحَرْثَ وَ النَّسْلَ وَ اللّهُ لا يُحِبُّ الْفَسادَ (2).5.

ص: 273


1- سورة النساء، الآية: 4.
2- سورة البقرة، الآيتان: 204-205.

ثم قال: إنّ من عزل بنطفته عن زوجته فدية النطفة عشرة دنانير كفارة، و إنّ من شرط المتعة أن ماء الرجل يضعه حيث يشاء من المتمتع بها، فإذا وضعه في الرحم فخلق منه ولد كان لاحقاً بابيه.

ثم يقوم جدي علي بن الحسين، و أبي الباقر عليه السّلام فيشكوان إلي جدهما رسول الله عليه السّلام ما فعل بهما.

ثم أقوم أنا فاشكو إلي جدي رسول الله صلّي الله عليه و آله ما فعل المنصور بي.

ثم يقوم ابني موسي فيشكو إلي جده رسول الله صلّي الله عليه و آله ما فعل به الرشيد.

ثم يقوم علي بن موسي فيشكو إلي جده رسول اللّه صلّي الله عليه و آله ما فعل به المامون.

ثم يقوم محمد بن علي فيشكو إلي جده رسول الله صلّي الله عليه و آله ما فعل به المامون.

ثم يقوم علي بن محمد فيشكو إلي جده رسول اللّه صلّي الله عليه و آله ما فعل به المتوكل.

ثم يقوم الحسن بن علي فيشكو إلي جده رسول الله صلّي الله عليه و آله ما فعل به المعتز.

ثم يقوم المهدي سمي جدي رسول الله، وعليه قميص رسول الله، مضرجاً بدم رسول الله يوم شج جبينه، وكسرت رباعيته، والملائكة تحفه حتي يقف بين يدي جده رسول اللّه صلّي الله عليه و آله، فيقول: يا جداه وصفتني ودللت علي، ونسبتني و سميتني وكنيتني، فجحدتني الأمة، وتمردت وقالت: ما ولد، ولا كان، وأين هو؟، ومتي كان؟، - و أين يكون؟، و قد مات ولم يعقب،

ص: 274

ولو كان صحيحاً ما أخره الله كلعالي إلي هذا الوقت المعلوم، فصبرت محتسباً، و قد أذن الله لي فيها بإذنه يا جداه.

فيقول رسول الله صلّي الله عليه و آله: اَلْحَمْدُ لِلّهِ الَّذِي صَدَقَنا وَعْدَهُ وَ أَوْرَثَنَا الْأَرْضَ نَتَبَوَّأُ مِنَ الْجَنَّةِ حَيْثُ نَشاءُ فَنِعْمَ أَجْرُ الْعامِلِينَ (1) ، ويقول: جاءَ نَصْرُ اللّهِ وَ الْفَتْحُ (2) ، وحق قول الله سبحانه وتعالي: هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدي وَ دِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَي الدِّينِ كُلِّهِ وَ لَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ (3).

ويقرأ: إِنّا فَتَحْنا لَكَ فَتْحاً مُبِيناً * لِيَغْفِرَ لَكَ اللّهُ ما تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِكَ وَ ما تَأَخَّرَ وَ يُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكَ وَ يَهْدِيَكَ صِراطاً مُسْتَقِيماً * وَ يَنْصُرَكَ اللّهُ نَصْراً عَزِيزاً (4).

فقال المفضل: يا مولاي أي ذنب كان لرسول الله صلّي الله عليه و آله؟.

فقال الصادق عليه السّلام: يا مفضل إنّ رسول اللّه صلّي الله عليه و آله قال: اللهم حملني ذنوب شيعة أخي وأولادي الأوصياء ما تقدم منها وما تاخر إلي يوم القيامة، ولا تفضحني بين النبيين و المرسلين من شيعتنا، فحمله الله إياها وغفر جميعها.

قال المفضل: فبكيت بكاء طويلاً، وقلت: يا سيدي هذا بفضل الله علينافيكم.

قال الصادق عليه السّلام: يا مفضل ما هو إلّا أنت وأمثالك بلي يا مفضل، لا تحدث بهذا الحديث أصحاب الرخص من شيعتنا، فيتكلون علي3.

ص: 275


1- سورة الزمر، الآية: 74.
2- سورة النصر، الآية: 1.
3- سورة التوبة، الآية: 33.
4- سورة الفتح، الآيات: 1-2-3.

هذا الفضل، ويتركون العمل، فلا يفني عنهم من الله شيئاً، لأنا كما قال الله تبارك وتعالي فينا: لا يَشْفَعُونَ إِلاّ لِمَنِ ارْتَضي وَ هُمْ مِنْ خَشْيَتِهِ مُشْفِقُونَ (1).

قال المفضل: يا مولاي فقوله: لِيُظْهِرَهُ عَلَي الدِّينِ كُلِّهِ (2) ما كان رسول الله صلّي الله عليه و آله ظهر علي الدين كله؟!.

قال: يا مفضل لو كان رسول الله صلّي الله عليه و آله ظهر علي الدين كله ما كانت مجوسية ولا يهودية، ولا صابئية، ولا نصرانية، ولا فرقة، ولا خلاف، ولا شك، ولا شرك، ولا عبدة أصنام، ولا أوثان، ولا اللات والعزي، ولا عبدة الشمس و القمر، ولا النجوم، ولا النار، ولا الحجارة، وإنما قوله: لِيُظْهِرَهُ عَلَي الدِّينِ كُلِّهِ في هذا اليوم، و هذا المهدي، و هذه الرجعة، و هو قَوله: وَ قاتِلُوهُمْ حَتّي لا تَكُونَ فِتْنَةٌ وَ يَكُونَ الدِّينُ لِلّهِ (3).

فقال المفضل: أشهد أنكم من علم الله علمتم، وبسلطانه وبقدرته قدرتم، وبحكمه نطقتم، و بأمره تعملون.

ثم قال الصادق عليه السّلام: ثم يعود المهدي عليه السّلام إلي الكوفة، وتمطر السماء بها جراداً من ذهب، كما أمطره الله في بني إسرائيل علي أيوب، ويقسم علي أصحابه كنوز الأرض، من تبرها ولجينها وجوهرها.

قال المفضل: يا مولاي من مات من شيعتكم، وعليه دين لأخوانه ولأضداده كيف يكون؟.3.

ص: 276


1- سورة الأنعام، الآية: 28.
2- سورة التوبة: الآية: 33.
3- سورة البقرة، الآية: 193.

قال الصادق عليه السّلام: أول ما يبتدئ المهدي عليه السّلام أن ينادي في جميع العالم ألا من له عند أحد من شيعتنا دين فليذكره، حتي يرد الثومة، والخردلة، فضلاً عن الْقَناطير المقنطرة مِنَ الذّهَبِ و الْفِضّةِ و الأملاك، فيوفيه إياه.

قال المفضل: يا مولاي ثم ما ذا يكون؟.

قال: يأتي القائم عليه السّلام بعد أن يطأ شرق الأرض وغربها الكوفة ومسجدها، ويهدم المسجد الذي بناه يزيد بن معاوية لما قتل الحسين بن علي عليه السّلام؛ و هو مسجد ليس لله...

قال المفضل: يا مولاي فكم تكون مدة ملكه عليه السّلام؟.

فقال: قال الله: فَمِنْهُمْ شَقِيٌّ وَ سَعِيدٌ * فَأَمَّا الَّذِينَ شَقُوا فَفِي النّارِ لَهُمْ فِيها زَفِيرٌ وَ شَهِيقٌ * خالِدِينَ فِيها ما دامَتِ السَّماواتُ وَ الْأَرْضُ إِلاّ ما شاءَ رَبُّكَ إِنَّ رَبَّكَ فَعّالٌ لِما يُرِيدُ * وَ أَمَّا الَّذِينَ سُعِدُوا فَفِي الْجَنَّةِ خالِدِينَ فِيها ما دامَتِ السَّماواتُ وَ الْأَرْضُ إِلاّ ما شاءَ رَبُّكَ عَطاءً غَيْرَ مَجْذُوذٍ (1).

والمجذوذ: المقطوع؛ أي عطاء غير مقطوع عنهم، بل هو دائم أبداً، وملك لا ينفد، وحكم لا ينقطع، وأمر لا يبطل، إلّا باختيار الله ومشيته، وإرادته التي لا يعلمها إلّما هو، ثم القيامة وما وصفه الله عزّوجلّ في كتابه،8.

ص: 277


1- سورة هود، الايات: 105-106-107-108.

واظمد الله رب العالمين، وصلي الله علي خير خلقه، محمد النبي، وآله الطيبين الطاهرين، وسلم تسليماً كثيراً كثيراً)(1).

وفي كتاب العوالم أقول: روي الشيخ حسن بن سليمان في كتاب مختصر البصائر هذا الخبر هكذا، حدثني الأخ الصالح الرشيد محمد بن إبراهيم بن مجلس محسن الميارابادي، أنه وجد بخط أبيه الرحل الصالح إبراهيم بن محسن هذا الحديث الآتي ذكره، و أراني خطه وكتبته منه، وصورته الحسين بن حمدان، وساق الحديث كما مر إلي قوله: (لكأني أنظر إليهم علي البراذين الشهب، في أيديهم الحراب، يتعاوون شوقاً للحرب، كما تتعاوي الذئاب، أمرهم رجل من تميم، يقال له شعيب بن صالح، فيقبل الحسني فيهم، وجهه كدائرة البدر، يريع الناس جمالاً أنيقاً، فيعفي علي أثر الظلمة، فيأخذ سيفه الكبر و الصغير، والعظيم و الرضيع، ثم يسير بتلك الرايات كلها حتي يرد الكوفة، و قد صفا أكثر الأرض فيجعلها معقلاً، ثم يتصل به وباصحابه خبر المهدي عليه السّلام، فيقولون: يا ابن رسول الله من هذا الذي نزل بساحتنا؟.

فيقول: أخرجوا بنا إليه، حتي ننظره من هو وما يريد، - و اللّه ويعلم أنه المهدي عليه السّلام، وأنه يعرف وأنه لم يرد بذلك الأمر إلّا له -.

فيخرج الحسني في أمر عظيم وبين يديه أربعة آلاف رجل في أعناقهم المصاحف، وعلي ظهورهم المسوح الشعر، يقال لهم الزيدية، فيقبل الحسني حتي ينزل بقرب المهدي، ثم فيقول الرجل أصحابه: اسالوا عن هذا الرجل من هو وماذا يريد، فيخرج بعض أصحاب الحسني إلي عسكر8.

ص: 278


1- مصدر هذا الحديث كما سيذكره المصنف لا حقاً كتاب الهداية الكبري، ص 393، باب : المهدي المنتظر عليه السّلام. ولكن لكثرة اختلافاته مع النسخة التي بين أيدينا طابقناه علي رواية بحار الأنوار، ج 53، ص 35، باب: 28.

المهدي، ويقول: يا أيها العسكر الجميل من أنتم حياكم الله، ومن صاحبكم هذا؟، وماذا تريدون؟.

فيقول له أصحاب المهدي: هذا ولي الله مهدي آل محمد، ونحن أنصاره من الملائكة و الجن و الأنس، فيقول أصحاب الحسني: يا سيدنا ما تسمع ما يقول هؤلاء في صاحبهم. - فيقول الحسني: خلوا بيني وبين القوم، فانا هل اتيت علي هذا حتي انظر وينظروا، فيخرج الحسني من عسكره، و يخرج المهدي عليه السّلام فيقفان بين العسكرين، فيقول له الحسني: إن كنت مهدي آل محمد فاين هراوة جدك رسول الله صلّي الله عليه و آله وخاتمه، وبردته ودرعه الفاضل، وعمامته السحاب، وفرسه البرقوع، وناقته الغضباء، وبغلته الدلدل، وحماره اليعفور، ونجيبه البراق، وتاجه السني، والمصحف الذي جمعه أمر المؤمنين عليه السّلام بغير تغيير ولا تبديل.

قال المفضل: يا سيدي فهذا كله في السفط.

قال: يا مفضل وتركات جمع النبيين، حتي عصا آدم وآلة ونوح، وتركة هود وصالح، ومجموع إبراهيم، وصاع يوسف ومكيال(1) شعيب ومزانه، وعصا موسي، و تابوته الذي فيه بقية مما ترك آل مودي وآل هارون تحمله الملائكة، ودرع داوود وعصاته، وخاتم سليمان وتاجه، وانجيل عيسي، و ميراث النبيين و المرسلين في ذلك السفط.

فيقول الحسني هذا ما قد رأيت، وأنا أسالك أن تفرس هراوة جدك رسول اللّه صلّي الله عليه و آله في هذا الحجر الصفا، و تسأل الله أن ينبتها فيها - ولا يريد).

ص: 279


1- في المصدر: (ميكائيل).

بذلك إلّا أن يري أصحابه فضل المهدي التسليم حتي يطيعوه ويبايعوه - فياخذ المهدي الهراوة بيده فيفرسها فتنبت فيه وتعلو وتفرغ وتورق، حتي تظل عسكر الحسني.

فيقول الحسني: الله أكبر يا ابن رسول الله مد يدك حتي أبايعك.

فيبايعه سائر عسكر الحسني، إلّا الأربعة آلاف من أصحاب المصاحف، والمسوح الشعر؛ المعروفين بالزيدية، فيقولون: ما هذا إلي سحر عظيم)(1).

أقول: ثم ساق الحديث إلي قوله: (إنّ أنصفتم من أنفسكم وأنصفتموه): نحو مما مر، ولم يذكر بعده شيئاً.

أقول: وجدت هذه الرواية في أصل كتاب الهداية للحسين بن حمدان.

أقول: قوله: (حاش لله أن يوقت ظهوره بوقت يعلمه شيعتنا): ربما يفهم منه أنهم عليهم السّلام يعلمونه، وأنه خاص بهم.

وقول أمير المؤمنين عليه السّلام لما سُئل: واللّه ما المسوول بأعلم من السائل كما تقدم، يحمل علي العلم الذي لا يجري فيه البداء، و يدل علي هذا قول الصادق عليه السّلام: (فلا تراه عين أحد حتي يراه كل أحد وكل عين).

وقوله: (كذب الموقتون) وقول بعض علماء التفسير، كما روي: (إنّ ما ذكره الله بالماضي؛ مثل وَ ما أَدْراكَ ، فقد أخبره له، وما ذكره الله بالمضارع؛ مثل (و مما أدراك)، فإنه لم يخبر به)، و قد ذكر اللّه في وقت قيامهم.

ص: 280


1- الهداية الكبري، ص 393، باب: المهدي المنتظر عليه السّلام.

عليه السّلام (و مما أدراك)، فإذا لم يعلمه رسول اللّه صلّي الله عليه و آله، فغيره بالطريق الأولي بعدم العلم.

وقول الصادق عليه السّلام بعد ذلك: (يا مفضل ما وقت له إنّ من وقت لمهدينا وقتاً، فقد شارك الله تعالي في علمه، وادعي أنه ظهر علي سره...).

وتوله عليه السّلام: (تدعي بسر من رأي، و هو ساء من رأي): المشهور أن سر من رأي بناء المعتصم، ولعل المتوكل أتم بناءها وتعميرها، فلذا ينسب إليه.

وقال الفيروز آبادي: «سُرُ من رأي» بضم السين و الراء: سروراً، أو بفتحها وفتح الأول وضم الثاني سامرا، ومده البحتري في الشعر، أي كلاهما لحن.

و «ساء من رأي»: بلد لما شرع في بنائه المعتصم، ثقل ذلك علي عسكره، فلما انتقل بهم إليها سر كل منهم برويتها، فلزمها هذا الاسم(1).

أقول: ولعل قوله عليه السّلام: (وهي و الله ساء من رأي) فيه نوع استخدام.

وقوله: (يأتي البيت وحده، ويلج الكعبة وحده، ويجن عليه الليل وحده): يأتي البيت وحده يوم الجمعة، ودخل المسجد يسوق العنيزات، ويلج الكعبة، وبعد أن قتل خطيبهم علي المنبر دخل الكعبة مستتراً عنهم، ولم يعلم به أحد، ويجن عليه الليل، ليلة السبت وحده، فإذا كان نصف الليل صعد علي سطح الكعبة ونادي أصحابه، فما أتم نداءه حتي اجتمعوا عنده علي ما تقدم.8.

ص: 281


1- بحار الأنوار، ج 53، ص 36، باب: 28.

وقوله: (ويقف بين الركن و المقام فيصرخ صرخة): يحتمل أنه في الأرض عند المعجن، ويحتمل أنه فوق السطح مما يلي جهة المقام، محاذياً للححر الأسود، لما روي أنه ينادي علي سطح الكعبة، واللّه أعلم.

وقوله: (وبغير سنة القائم عليه السّلام): لعل المعني أن الحسين عليه السّلام كيف يظهر قبل قيام القائم، إذ لو ظهر لغير سنته فاجاب عليه السّلام بأن ظهوره بعد القائم عليه السّلام، إذ كل بيعة قبله ضلال، وتقدم الاشارة إلي البعدية، و يأتي إن شاء الله تعالي.

وقوله: (ويلزمهما إياه، و يعترفان به): قيل: (العلة و السبب في إلزامهما ما تاخر عنهما من الآثام ظاهر، لأنهما منعا أمير المؤمنين «صلوات اللّه عليه» عن حقه، ودفعاه عن مقامه، فصارا سببين لاختفاء سائر الأئمة ومغلوبيتهم، وتسلط أئمة الجور، وغلبتهم إلي زمان القائم عليه السّلام، وصار ذلك سبباً لكفر من كفر، وضلال من ضل، وفسق من فسق، لأن الامام مع اقتداره و استيلائه، وبسط يده يمنع من جميع ذلك، وعدم تمكن أمير المؤمنين عليه السّلام من بعض تلك الأمور في أيام خلافته، إنما كان لما أسساه من الظلم و الجور.

و أما ما تقدم عليهما فلأنهما كانا راضيين بفعل من فعل، مثل فعلهما من دفع خلفاء الحق عن مقامهم، وما يترتب علي ذلك من الفساد، ولو كانا منكرين كذلك لم يفعلا مثل فعلهم، وكل من رضي بفعل فهو كمن أتاه، كما دلت عليه الآيات الكثيرة، حيث نسب اللّه فعال آباء اليهود إليهم وذمهم عليها، لرضاهم بها و غير ذلك، واستفاضت به أخبار الخاصة و العامة، علي أنه لا يبعد أن يكون لأرواحهم الخبيثة مدخل في صدور تلك الأمور عن الأشقياء، كما أنّ أرواح الطيبين من أهل بيت الرسالة كانت مؤيدة للأنبياء

ص: 282

والرسل عليه السّلام، معينة لهم في الخيرات، شفيعة لهم في رفع الكربات، كما مر في كتاب الامامة.

ومع صرف النظر عن جميع ذلك يمكن أن يؤول: بأن المراد إلزام مثل أفعال هؤلاء الأشقياء عليهما، أنهما في الشقاوة، مثل جميعهم لصدور مثل أفعال الجميع عنهما). انتهي كلام صاحب العوالم، وأظنه نقله عن صاحب البحار(1).

وأقول: إنّ المعني المراد من ذلك له وجه ظاهر ووجه باطن؛ فالظاهر ما ذكره أولا، والأخبار به متواترة معني، لأن الرضا عمل قلبي ويلزمه الجزاء و هذا ظاهر.

و أما الباطن فهو ما أشار إليه ثانياً في العلاوة إلّا أن العبارة عنه باللفظ الذي ذكره لا تدل علي حقيقة الحال، لأنه إنما جري علي قلبه مجملاً، والعبارة التي تدل عليه حقيقة علي جهة الاشارة في الاجمال أنهما في عالم الذر في تكليف الأرواح، حين قال لهما: (ألست بربكم ومحمد نبيكم، وعلي وليكم وإطمكم)(2) ، والخطاب لهما بالتثنية بعد العموم بالخصوص، فقالا عندما قال ألست بربكما؟: بلي، اعترافاً بخصوص الصنع، وإنكاراً لما سواه من أحوال الربوبية.

وعندما قال لهما: محمد نبيكما؟.2.

ص: 283


1- بحار الأنوار، ج 53، ص 36، باب: 28.
2- تفسير القمي، ج 1، ص 248، سورة الأعراف، آية: 172. تاويل الآيات الظاهرة، ص 179، ح 17، سورة الأعراف، آية: 172.

[قالا]: بلي، طمعاً في الولاية.

وعندما قال لهما: وعلي وليكما و إمامكما؟.

[قالا]: نعم. جحوداً واستكباراً، وهما أول من فتح باب الانكار والجحود والاستكبار، ودعيا إلي ذلك كل من سواهما فِي عالم الأظلة، إلي إنكار الولاية الي هي جميع ما يريد اللّه من عباده من التكاليف الاعتقادية، والعملية و القولية، فأجابهما كل عاصٍ للّه عزّوجلّ. بما دعياه إليه من كل ما حرم اللّه - سبحانه وتعالي - ونهي عنه، فكل عاصٍ للّه تابع لهما. بمعصيته، مجيب لدعوتهما يحرمه وجريرته،: وَ جَعَلْناهُمْ أَئِمَّةً يَدْعُونَ إِلَي النّارِ وَ يَوْمَ الْقِيامَةِ لا يُنْصَرُونَ (1) فهما يدعوان إلي النار، فأجابهما العاصون . بمعاصيهم من اعتقاداتهم الفاسدة، وأعمالهم الخبيثة، وأقوالهم المنكرة، فهما إماما هذا الخلق المتعوس منذ جري التكليف إلي فناء العالم، فعليهما وزرهما، ووزر كل عاص للّه سبحانه: وَ لَيَحْمِلُنَّ أَثْقالَهُمْ وَ أَثْقالاً مَعَ أَثْقالِهِمْ وَ لَيُسْئَلُنَّ يَوْمَ الْقِيامَةِ عَمّا كانُوا يَفْتَرُونَ (2).

فلما أحضرهما الحجة عليه السّلام، وذكرهما ذلك اعترفا به، وعرفهما استحقاقهما العقوبة علي ذلك فعرفاه.

و أما الوجه الثالث: فليس ببيان لسبب الالزام، فهو مستغن عنه، إلّا أنه لا بأس له لأنه بيان لمقدار ما يحملانه، فهو كما قال رسول اللّه صلّي الله عليه و آله في علي3.

ص: 284


1- سورة القصص، الآية: 41.
2- سورة العنكبوت، الآية: 13.

عليه السّلام في بيان مقدار عمله يوم الخندق: (إن ضربة علي لعمرو بن عبدود تعدل أعمال الثقلين)، فافهم.

وقوله: (أجيبوا المنادي من حول الضريح): القائل هو الحسني، يدعو إلي إجابة المنادي من حول ضريح النبي صلّي الله عليه و آله، رهو القائم عليه السّلام لأنه بعد انتقاله من القصر بصاريا إلي ضريح جده صلّي الله عليه و آله، خرج بالثلاثين الذين معه كان يأنس بهم من النقباء، ونادي الباقي و هو الخمسة عشر تمام الخمسة و الأربعين من تسعة أحياء كما تقدم، و هو الملهوف، و هو المضطر الذي قال اللّه سبحانه: أَمَّنْ يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذا دَعاهُ (1).

وقوله: (والحماف): أي الجبل اللطيف بالدنيا، يعني المحيط بها، والحاف اسم فاعل من حف، ويحتمل أن يكون تصحيف القاف.

وقوله: (ثم يظهر الحسين عليه السّلام) و هو أول من ينفض التراب عن رأسه من الأئمة عليهم السّلام.

وروي: (أنه يظهر بعد أن يمضي من ملك القائم عليه السّلام تسع وخمسون سنة) كما مر، فيكون مع القائم قبل أن يقتل بإحدي عشرة سنة، فاذا قتل عليه السّلام جهزه الحسين عليه السّلام وقام بالأمر.

و قوله: (ثم يخرج الصديق الأكبر أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السّلام): الظاهر أن هذا الخروج هو خروجه الثاني، لأنه عليه السّلام يخرج بعد قيام ابنه الحسين عليه السّلام بالأمر بثمان سنين لنصرة ابنه، فبين موت القائم2.

ص: 285


1- سورة النمل، الآية: 62.

عليه السّلام وبين خروجه عليه السّلام تسع عشرة سنة كما مر، ثم يقتل «صلوات اللّه عليه» ثم يمكث ماشاءاللّه.

والذي فهمت من بعض الأخبار أن بين قتلته هذه وبين خروجه الثاني المشار إليه أربعة آلاف سنة، أو ستة آلاف، أو عشرة آلاف، علي اختلاف الروايات، و هذا علي تقدير كونه مراداً تقريي.

فقوله هنا: (ثم يخرج الصديق الأكبر): هو الخروج الثاني الذي يوافي قيام رسول اللّه صلّي الله عليه و آله، هذا و الحسين عليه السّلام حي إلي آخر الرجعات، إلي أن يرفع اللّه محمداً وأهل بيته صلّي الله عليه و آله، وليس بين رفعهم ونفخ إسرافيل في الصور نفخة الصعق إلّا أربعين يوماً.

وقوله: (ثم يخرج السيد الأكبر محمد رسول اللّه صلّي الله عليه و آله): فيوافي خروج أمير المؤمنين عليه السّلام يحميع أهل بيته، وجميع شيعته في الخروج الثاني، وهنا يكون تأويل قوله تعالي: هَلْ يَنْظُرُونَ إِلاّ أَنْ يَأْتِيَهُمُ اللّهُ فِي ظُلَلٍ مِنَ الْغَمامِ وَ الْمَلائِكَةُ وَ قُضِيَ الْأَمْرُ (1) ، فالغمام أمير المؤمنين عليه السّلام يظهر نصر اللّه لدينه وللمؤمنين، وقهره لأعداء الدين، وهلاك إبليس اللعين وجنوده وأتباعه أجمعين، بعلي أمير المؤمنين عليه السّلام، وقضي الأمر: رسول اللّه صلّي الله عليه و آله، ينزل من السحاب في يده حربة من نار فيقتل بها إبليس، ويأتي تمام هذا إن شاء الله تعالي.0.

ص: 286


1- سورة البقرة، الآية: 210.

وقوله: (وركل الباب برجله): الركل الضرب بالرجل و الرفس كذلك(1).

و قوله: (ويأتي محسن تحمله خديجة بنت خويلد، وفاطمة بنت أسد أم أمير المؤمنين عليه السّلام، وهن صارخات)، روي ابن قولويه في كامل الزيارات عن حماد بن عثمان، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: لما أسري بالنبي صلّي الله عليه و آله والحديث طويل، إلي أن قال: (وأول من يحكم فيهم محسن بن علي عليه السّلام في قاتله، ثم في قنفذ فيؤتيان هو وصاحبه، فيضربان بسياط من نار، لو وقع سوط منها علي البحار لغليت من مشرقها إلي مغربها، ولو وضعت علي جبال الدنيا لذابت حتي تصير رماداً)(2).

وقوله: (فمنهم شقي وسعيد)، قيل: لعله عليه السّلام فسر قوله تعالي:

إِلاّ ما شاءَ رَبُّكَ (3) بزمان الرجعة، بان يكون المراد بالجنة و النار في الآية ما يكون منهما في عالم البرزخ.

قال علي بن إبراهيم في تفسير هذه الآية - (يوم يأتي) والتي بعدها -:

(هذا في دار الدنيا قبل يوم القيامة.

قال: و أما قوله: وَ أَمَّا الَّذِينَ سُعِدُوا فَفِي الْجَنَّةِ خالِدِينَ فِيها (4)

يعني: في الجنان التي تنتقل إليهما أرواح الَمؤمنين،: ما دامَتِ السَّماواتُ7.

ص: 287


1- راجع المقاييس في اللغة.
2- كامل الزيارات، ص 537، ح 12، باب: 108. تأويل الآيات الظاهرة، ص 840، سورة التوحيد. بحار الأنوار، ج 28، ص 64، باب: 2.
3- سورة هود، الآية: 107.
4- سورة هود، الآية: 107.

وَ الْأَرْضُ إِلاّ ما شاءَ رَبُّكَ عَطاءً غَيْرَ مَجْذُوذٍ (1) يعني: غير مقطوع من نعيم الآخرة في الجنة ويكون متصلاً به)(2).

وفيه وجوه أخر في الآية في معني الدوام وفي معني الاستثناء، و معني الاستشهاد من قوله عليه السّلام بالآية، إن ملك القائم عليه السّلام لا انقطاع له، لأنه ملك اللّه سبحانه ولأنه ولايتهم؛ وهي الجنة، والجنة لا انقطاع ولا نفاد لها.

وإنما الاستثناء جار علي أحد الوجوه المذكورة في الآية عند المفسرين، كذلك ملكه عليه السّلام فإنه إذا قُتِلَ - لعن اللّه قاتله - قام الحسين عليه السّلام، ويقوم الأئمة ورسول اللّه «صلي اللّه عليه وآله وعليهم» والملك متصل إلي أن يرفعهم اللّه تعالي، وينفخ إسرافيل في الصور و الملك متصل، ويموت كل ذي روح، وتبطل كل [حركة] والملك متصل، لأن اللّه عزّوجلّ لم يكن خلواً من ملكه في رتبة الملك أبداً، وكل شيء فهو ملكهم، لأنهم عليهم السّلام ملك اللّه عزّوجلّ، وتبقي السماوات و الأرض بين النفختين عاطلات من جميع الحركات و الملك باق للّه، وما كان للّه، فقد جعله ملكاً لهم، والملك ولاية اللّه؛ وهي ولايتهم.

و قد حققنا هذا المعني في مواضع من شرحنا علي الزيارة الجامعة، من طلبه وجده.

وإنما قال عليه السّلام: (بدوام ملكه): مع أنه إنما بقي بعد خروجه سبعين سنة ثم قتل، لأنه لا بد من أن يرجع بعد ذلك، لأنه لا بد لكل مؤمن من ميتة وقتلة، من مات لا بد أن يرجع حتي يقتل، ومن قتل لا بد8.

ص: 288


1- المصدر هود، الآية: 108.
2- تفسير القمي، ج 1، ص 338، سورة هود، الآية: 108.

أن يرجع حتي يموت، والحجة عليه السّلام لا بد أن يرجع حتي يموت، فيرجع هو ورسول اللّه صلّي الله عليه و آله و الأئمة وفاطمة عليه السّلام في آخر الرجعات، كما قال الحسين عليه السّلام لأصحابه يوم كربلاء: (لن تشذ عن رسول الله صلّي الله عليه و آله لحمته، هي مجموعة له في حظيرة القدس تقر بهم عينه)(1).7.

ص: 289


1- مثير الأحزان، ص 41. اللهوف، ص 60، المسلك الأول. بحار الأنوار، ج 44، ص 366، باب: 37.

ص: 290

فصل في ذكر بعض ما و رد من ان القائم عليه السّلام إذا قام استغني العباد بضوئه عن ضوء الشمس و القمر و في ذكر بعض ما يكون إذا قام

روي محمد بن جرير الطبري في كتاب مسند فاطمة عليه السّلام، بسنده عن المفضل بن عمر، قال: سمعت أبا عبد اللّه عليه السّلام يقول: (إنّ قائمنا إذا قام أشرقت الأرض بنور ربها، واستغني العباد عن ضوء الشمس و القمر، وصار الليل و النهار واحداً، و ذهبت الظلمة، وعاش الرجل في زمانه ألف سنة، يولد له في كل سنة غلام لا يولد له جارية، ويكسوه الثوب فيطول عليه كلما طال، ويتلون عليه أي لون شاء)(1).

وفيه بسنده عن المفضل بن عمر، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: (إذا قام القائم استنزل المؤمن الطير من الهواء، فيذبحه ويشويه ويأكل لحمه، ولا يكسر عظمه، ثم يقول له: هل أحيي بماذن اللّه تعالي فيحي و يطير، وكذلك الظباء من الصحاري، ويكون ضوء البلاد ونورها ولا يحتاجون إلي شمس ولا قمر، ولا يكون علي وجه الأرض مؤذ، ولا شر، ولا سم، ولا عمل، ولا فساد، لأن الدعوة سماوية ليست أرضية، ولا يكون للشيطان فيها

ص: 291


1- حلية الأبرار، ج 2، ص 634، باب: 40. دلائل الامامة، ص 5763، معرفة وجوب قيام القائم عليه السّلام. الارشاد، ج 2، ص 363، باب: علامات قيام القائم عليه السّلام ومدة ظهوره. كضف الغمة، ج 2، ص 964، ذكر علامات قيام القائم عليه السّلام. منتخب الأنوار المضيئة، ص 190، فصل: 12. بحار الأنوار، ج 52، ص 337، باب: 27.

وسوسة، ولا حسد، ولا شيء من الفساد، ولا تشوك الأرض ولا الشجر، وتبقي الزروع قائمة كلما أخذ منها شيء نبت من وقته وعاد كحاله، وأن الرجل ليكسو ابنه الثوب فيطول معه كلما طال، ويتلون عليه أي لون أحب وشاء.

ولو أن الرجل الكافر دخل جحر ضب اًو تواري خلف مدرة أو حجرة أو شجرة لأنطق الله ذلك الشيء الذي يتواري فيه، حتي يقول: يا مؤمن خلفي كافر فخذه، فيؤخذ ويقتل، ولا يكون لإبليس هيكل يسكن فيه، والهيكل البدن، ويصافح المؤمنون الملائكة، ويوحي إليهم، ويحبون ويجتمعون الموتي بإذن الله تعالي.

قالوا: يأتي علي الناس زمان لا يكون المؤمن إلّا بالكوفة، أو بجره إليها)(1).

وفي تفسير علي بن إبراهيم بسنده عن المفضل بن عمر، أنه سمع أبا عبد اللّه عليه السّلام يقول في قوله: (وَ أَشْرَقَتِ الْأَرْضُ بِنُورِ رَبِّها (2) قال: رب الأرض؛ يعني إمام الأرض.

قلت: فإذا خرج يكون ماذا؟.

قال: إذاً يستغني الناس عن ضوء الشمس ونور القمر، ويجتزون بنور الإمام)(3).0.

ص: 292


1- حلية الأبرار، ج 2، ص 635، باب: 40. دلائل الامامة، ص 243، باب: معرفة وجوب القائم عليه السّلام.
2- سورة الزمر، الآية: 69.
3- تفسير القمي، ج 2، ص 224، سورة الزمر، الآية: 69. حلية الأبرار، ج 2، ص 635، باب: 40.

أقول: مفاد هذه الأحاديث هي وما أشبهها؛ إنما يتحقق إذا خلص الحق وزهق الباطل عن جميع المكلفين وتخلقوا بأخلاق الروحانيين، و كملت عقولهم وأحلامهم و إيمانهم، و هذا لا يتم لهم علي كمال ما ينبغي، حتي يحصل لهم ما يشتهون إلّا بالتدريج، وأول شروعهم في الصلوح و الإصلاح لأنفسهم عند قيام الحجة عليه السّلام، ولا يكلّمون علي النحو الذي يحصل لهم ما يشتهون، وتنقاد لهم الأشياء إلّا بعد قتل إبليس وجنوده ودواعي الشهوات، ولا يكون ذلك إلّا في آخر الرجعات، كما يأتي لأن القائم عليه السّلام يُقْتَل و إبليس اللعين موجود.

وإنما قال عليه السّلام في الأخبار المتقدمة: (إذا قام القائم عليه السّلام.. إلخ) لأن المراد بقيامه رجوعه إلي الدنيا، لا خروجه الأول، فإنه بعد قتله عليه السّلام يرجع معه آباوه الكرام «عليه وعليهم السلام» إلّا أنني لم أقف علي ترتيب خروجهم، ولكن الظاهر من الأخبار بل النص أن أول ما يظهر القائم عليه السّلام.

ثم يرجع الحسين عليه السّلام و هو أول من يكر من الأئمة «صلوات اللّه عليهم»، ثم يكر علي عليه السّلام الكرة الأولي، ثم يقتل «صلوات اللّه عليه».

ثم يكر الأئمة الأحد عشر و الحسين عليه السّلام حي، ولا أعلم ترتيب كراتهم.

ثم يكر أمير المؤمنين عليه السّلام الكرة الثانية، وهي الكرة الزهراء الكبري.

ثم ينزل السيد الأكبر رسول اللّه صلّي الله عليه و آله، فإذا قَتَلَ إبليس وجنوده استقر الحق مقره كما يحبه اللّه، ويكون رسول اللّه صلّي الله عليه و آله هو الحاكم، والأئمة الاثنا عشر عليه السّلام وزراوه في أقطار الأرض، ومنهم القائم «عليه وعليهم السلام»، كل واحد من الأئمة الإثني عشر «صلوات اللّه عليهم» حاكم في قطر من أقطار الأرض من قبل رسول اللّه صلّي الله عليه و آله، وفي هذا الوقت يكون ما ذكر في هذه الأحاديث المذكورة في هذا الفصل من استغناء العباد عن ضوء الشمس

ص: 293

والقمر، وكون الليل و النهار واحداً، ومن ذهاب الظلمة من العالم كله، لارتفاع الظلم وذهابه منه، واللّه أعلم.

وسيأتي ذكر بعض الأخبار الدالة بالتصريح وبالاشارة علي ما أشرنا إليه.

ص: 294

فصل في بعض ما و رد من ان القائم عليه السّلام يقتل قتلة الحسين عليه السّلام و ذراريهم لرضاهم بفعل آبائهم و انه ولي دم الحسين عليه السّلام و المطالب به

في حلية الأبرار بسنده عن ثابت بن دينار، قال: سألت أبا جعفر عليه السّلام قلت: (يا ابن رسول الله لِمَ سمّي علي عليه السّلام أمير المؤمنين عليه السّلام و هو اسم ما سمي به أحد قبله، ولا يجري في أحد بعده؟.

فقال: لأنه ميرة العلم، يمتار منه ولا يمتار من أحد غيره.

قال: فقلت: يا ابن رسول الله فلمَ سمي ذا الفقار؟.

فقال عليه السّلام: لأنه ما ضرب به أَحد من خلق الله إلي أفقره من هذه الدنيا من أهله وولده، وأفقره في الآخرة من الجنة.

قال: فقلت: يا ابن رسول اللّه فلستم كلكم قائمون بالحق؟.

قال: بلي.

قلت: فلمَ سمي القائم قائماً؟.

قال: لما قتل جدي الحسين عليه السّلام ضجت الملائكة إلي الله عزّوجلّ بالبكاء و النحيب، وقالوا: إلهنا وسيدنا انتقم ممن قتل صفوتك، وابن صفوتك، و خيرتك من خلقك، فأوحي الله عزّوجلّ إليهم قروا ملائكتي، فوعزتي وجلالي لأنتقمن منهم ولو بعد حين، ثم كشف الله عزّوجلّ عن الأئمة

ص: 295

من ولد الحسين عليه السّلام للملائكة فَسرّت الملائكة بذلك، فإذا أحدهم قائم يصلي، فقال الله عزّوجلّ: بذلك انتقم منهم)(1).

وفيه بسنده عن محمد بن سنان، عن رجل قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن قوله تعالي: وَ مَنْ قُتِلَ مَظْلُوماً فَقَدْ جَعَلْنا لِوَلِيِّهِ سُلْطاناً فَلا يُسْرِفْ فِي الْقَتْلِ إِنَّهُ كانَ مَنْصُوراً (2).

قال: (ذلك قائم آل محمد عليه السّلام يخرج فيقتل بدم الحسين عليه السّلام، فلو قتل أهل الأرض لم يكن مسرفاً. وقوله: فَلا يُسْرِفْ فِي الْقَتْلِ ؛ أي لم يكن ليصنع شيئاً فيكون مسرفاً.

ثم قال أبو عبد اللّه عليه السّلام: يقتل و الله ذراري قتلة الحسين عليه السّلام بفعال آبائها)(3).

وفيه بسنده عن عبد السلام بن صالح، قال: قلت لأبي الحسن علي بن موسي الرضا عليه السّلام: ما تقول في حديث روي عن الصادق عليه السّلام إذا قام القائم عليه السّلام قتل ذراري قتلة الحسين عليه السّلام بفعال آبائها؟.

فقال عليه السّلام: (هو كذلك.

قلت: فقول الله عزّوجلّ: لا تَزِرُ وازِرَةٌ وِزْرَ أُخْري (4) ما معناه؟.4.

ص: 296


1- حلية الأبرار، ج 2، ص 676، باب: 48. علل الشرائع، ج 1، ص 191، ح 1، باب: 129. دلائل الإمامة، ص 236، معرفة وجوب قيام القائم عليه السّلام. بحار الأنوار، ج 37، ص 294، ح 8، باب: 54.
2- سورة الإسراء، الآية: 33.
3- حلية الأبرار، ج 2، ص 677، باب: 48.
4- سورة الأنعام، الآية: 164.

فقال: صدق الله في جميع أقواله، لكن ذراري قتلة الحسين عليه السّلام يرضون بفعال آبائهم ويفتخرون بها، ومن رضي شيئاً كمن أتاه، ولو أنّ رجلاً قتل في المشرق فرضي بقتله رجل في المغرب لكان الراضي عند الله عزّوجلّ شريك القاتل، وإنما يقتلهم بالقائم عليه السّلام إذا خرج لرضاهم بفعل آبائهم.

قال: فقلت له: بأي شيء يبدأ القائم فيهم؟.

قال: يبدأ ببني ذيبة، ويقطع أيديهم، لأنهم سراق بيت الله الحرام)(1).

وفيه من تفسير العياشي، بسنده عن سلام بن مستنير، عن أبي جعفر عليه السّلام في قوله: وَ مَنْ قُتِلَ مَظْلُوماً فَقَدْ جَعَلْنا لِوَلِيِّهِ سُلْطاناً فَلا يُسْرِفْ فِي الْقَتْلِ إِنَّهُ كانَ مَنْصُوراً (2).

قال: (هو الحسين بن علي عليه السّلام قتل مظلوماً، ونحن أولياؤه، و القائم منا إذا قام منا طلب بثأر الحسين فيقتل حتي يقال: قد أسرف في القتل.

وقال المثني المقتول الحسين عليه السّلام، ووليه القائم، والإسراف في القتل أن يقتل غير قاتله، إنه كان منصوراً، فإنه لا يذهب من الدنيا حتي ينتصر رجل من آل الرسول صلّي الله عليه و آله، يملأ الأرض قسطاً وعدلاً كما ملئت جوراً و ظلماً)(3).8.

ص: 297


1- حلية الأبرار، ج 2، ص 677، باب: 48. علل الشرائع، ج 1، ص 268، باب: 164.
2- سورة الإسراء، الآية: 33.
3- حلية الأبرار، ج 2، ص 677، باب: 48. تفسير العياشي، ج 2، ص 313، ح 67، سورة الإسراء، الآية: 17. بحار الأنوار، ج 44، ص 218، ح 7، باب: 28.

و فيه بإسناده عن حمران، عن أبي جعفر عليه السّلام قال: قلت له: (يا ابن رسول الله صلّي الله عليه و آله زعم ولد الحسن عليه السّلام أنّ القائم منهم، وأنهم أصحاب الأمر، ويزعم ولد الحنفية مثل ذلك؟.

فقال: رحم الله عمي الحسن عليه السّلام، لقد غمد أربعين ألف سيف حين أصيب أمير المؤمنين عليه السّلام، وأسلمها إلي معاوية، ومحمد بن علي سبعين ألف سيف قاتله، لو خطر عليهم خطراً ما خرجوا منها حتي يموتوا جميعاً.

وخرج الحسين «صلوات اللّه عليه» فعرض نفسه علي الله في سبعين رجلاً، من أحق بدمه منه نحن و الله أصحاب الأمر، وفينا القائم، ومنا السفاح و المنصور، و قد قال الله: وَ مَنْ قُتِلَ مَظْلُوماً فَقَدْ جَعَلْنا لِوَلِيِّهِ سُلْطاناً (1) نحن أولياء الحسين بن علي عليه السّلام وعلي دينه)(2).

أقول: قوله: (ومنا السفاح و المنصور): والمراد بالسفاح أمير المؤمنين «صلوات اللّه عليه» وذلك في كرته الأولي، يطلب بدم ابنه الحسين عليه السّلام، وبالمنصور الحسين عليه السّلام إذا رجع إلي الدنيا في آخر دولة القائم عليه السّلام، يطلب بدمه ودم أصحابه يوم كربلاء.

ومما يدل علي هذا ما رواه المفيد في الاختصاص عن جابر، قال: سمعت أبا جعفر عليه السّلام يقول: (والله ليملكن رجل منا أهل البيت، بعد موته ثلاثمائة سنة ويزداد تسعاً.

قالي: فقلت: متي يكون ذلك؟.

قال: فقال: بعد موت القائم.2.

ص: 298


1- سورة الإسراء، الاية: 33.
2- حلية الأبرار، ج 2، ص 677، باب: 48. تفسير العياشي، ج 2، ص 314، ح 69، سورة الإسراء، الآية: 17. بحار الأنوار، ج 29، ص 452.

قال: قلت له: وكم يقوم القائم في عالمه حتي يموت؟.

قال: تسع عشرة سنة من يوم قيامه إلي يوم موته.

قال: قلت له: فيكون بعد موته الهرج؟.

قال: نعم خمسين سنة، ثم يخرج المنتصر إلي الدنيا، فيطلب بدمه ودماء أصحابه، فيقتل و يسبي حتي يُقَال لو كان هذا من ذرية الأنبياء ما قتل الناس كل هذا القتل، فيجتمع عليه الناس أبيضهم وأسودهم فيكثرون عليه حتي يلجئوه إلي حرم الله، فإذا اشتد عليه البلاء وقتل المنتصر خرج السفاح إلي الدنيا غضباً، فيقتل كل عدو لنا.

وهل تدري من المنتصر و السفاح يا جابر؟. المنتصر الحسين بن علي، والسفاح علي بن أبي طالب عليه السّلام)(1).

أقول: قد ذكر عليه السّلام أن المراد بالمنصور و السفاح الحسين و علي بن أبي طالب عليه السّلام مما ذكرنا قبل، فإن قوله: (ومنا المنصور، ومنا السفاح، بعد قوله وفينا القائم): إن المراد بالمنصور الحسين، وبالسفاح أمير المؤمنين عليه السّلام، إلّا أنّ في حديث الاختصاص الذي أوردناه شاهداً إشكالين:

أحدهما: أنه ذكر المنتصر، وأنه يخرج يطلب بدمه ودماء أصحابه، و هو الحسين عليه السّلام، ونحن أتينا به شاهداً علي المنصور، و إن كان فيه نسخة بالمنصور، إلّا أن نسخة الأصل المنتصر، و هو المتكرر في هذا الحديث، وإنما فسرناه بالمنصور كما في بعض نسخ الحديث للقرينة، ولكن المستفاد من الأخبار أن المنتصر قد يطلقونه علي القائم عليه السّلام، كما في حديث غيبة9.

ص: 299


1- الاختصاص، ص 257، إخبار. بما يكون. تفسير العياشي، ج 2، ص 352، ح 24، سورة الكهف، آية: 18. منتخب الأنوار المضيئة، ص 202، فصل: 12. بحار الأنوار، ج 53، ص 100، ح 122، باب: 29.

النعماني عن جابر عن أبي جعفر عليه السّلام قال: بلفظ حديث الاختصاص إلي قوله: (تسع عشرة سنة).

وقال في حديث الغيبة: (ثم يخرج المنتصر فيطلب بدم الحسين عليه السّلام ودماء أصحابه، فيقتل و يسبي حتي يخرج السفاح).

فالمراد بالمنتصر و اللّه العالم هو القائم عليه السّلام بقرينة قوله: (فيطلب بدم الحسين عليه السّلام ودماء أصحابه)، و قد يطلقونه ويريدون به الحسين، كما في حديث الاختصاص بقرينة قوله: (ئم يخرج المنتصر إلي الدنيا فيطلب بدمه ودماء أصحابه)، وكذلك المنصور قد يطلق ويراد به القائم عليه السّلام، كما في قوله تعالي: فَلا يُسْرِفْ فِي الْقَتْلِ إِنَّهُ كانَ مَنْصُوراً (1).

وورد عنهم عليهم السّلام: (أنّ من أسماء الحجة عليه السّلام منصوراً)(2). و قد يطلق ويراد به الحسين عليه السّلام كما ذكره في الحديث السابق في قوله: (وفينا القائم، ومنا السفاح و المنصور)، فإنه لما ذكر القائم تعين أن المراد بالمنصور هو الحسين عليه السّلام، فظهر أن المنتصر في حديث الاختصاص هو الحسين عليه السّلام، وما في حديث العياشي الآتي من قوله: (مات المنتصر): يراد بالمنتصر هنا و اللّه العالم هو القائم عليه السّلام، وخرج السفاح هو أمير المؤمنين عليه السّلام كما في هذا الحديث، وقتل المنتصر خرج السفاح، ويأتي في حديث الاختصاص الثاني مثل ما في غيبة النعماني، وزاد في آخره تفسير السفاح، قال : (و هو أمير المؤمنين عليه السّلام).2.

ص: 300


1- سورة الاسراء، الآية: 33.
2- قال الإمام الباقر عليه السّلام في قوله تعالي: فَلا يُسْرِفْ فِي الْقَتْلِ إِنَّهُ كانَ مَنْصُوراً قال: (الحسين فلا يسرف في القتل أنه كان منصوراً، قال: سمي الله المهدي المنصور كما ممي أحمد ومحمد...) تفسير فرات الكوفي، ص 240. بحار الأنوار، ج 51، ص 30، ح 8، باب: 2.

و قد يطلق السفاح علي الحسين عليه السّلام، كما روي: (أنّ أول من ينفض التراب عن رأسه هو السفاح، و هو الحسين عليه السّلام)(1).

وفي تأويل الآيات الظاهرة بإسناده عن بعض أصحابنا، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: سألته عن قول اللّه عزّوجلّ: وَ مَنْ قُتِلَ مَظْلُوماً فَقَدْ جَعَلْنا لِوَلِيِّهِ سُلْطاناً فَلا يُسْرِفْ فِي الْقَتْلِ إِنَّهُ كانَ مَنْصُوراً (2).

قال: (نزلت في الحسين عليه السّلام، لو قتل وليه أهل الأرض ما كان مسرفاً، ووليه القائم عليه السّلام)(3).8.

ص: 301


1- سورة الإسراء، الآية: 33.
2- تأويل الآيات الظاهرة، ص 280، ح 10، سورة الاسراء، آية: 33. فروع الكافي، ج 8، ص 312، ح 364. بحار الأنوار، ج 44، ص 219، ح 10، باب: 28.
3- قال الإمام جعفر بن محمد الصادق عليه السّلام: في قوله تعالي: يَوْمَ تَرْجُفُ الرّاجِفَةُ * تَتْبَعُهَا الرّادِفَةُ. قال: (الراجفة الحسين بن علي عليه السّلام، والرادفة علي بن أبي طالب عليه السّلام، وأوَل من ينفض التراب عن رأسه الحسين بن علي عليه السّلام، في خمسة وسبعين ألفاً...). تأويل الآيات الظاهرة، ص 737، سورة النازعات، الآيتان: 6-7. متشا به القرآن، ص 357. بحار الأنوار، ج 53، ص 106، ح 104، باب: 29.

ص: 302

فصل في ذكر بعض ما ورد في رجعة الحسين عليه السّلام

في الخرائج و الجرائح للشيخ الامام قطب الدين سعيد بن هبة اللّه الراوندي، بسنده عن جابر عن أبي جعفر عليه السّلام، قال: (قال الحسين بن علي عليه السّلام لأصحابه قبل أن يقتل: إن رسول الله صلّي الله عليه و آله قال: «يا بني! إنك ستساق إلي العراق، وهي قد التقي بها النبيون وأوصياء النبيين، وهي أرض تدعي عمورا، وإنك تستشهد بها، و يستشهد معك جماعة من أصحابك، لا يجدون ألم مس الحديد، وتلا: قُلْنا يا نارُ كُونِي بَرْداً وَ سَلاماً عَلي إِبْراهِيمَ (1)

تكون الحرب عليك وعليهم برداً وسلاماً»، فأبشروا فو الله لئن قتلونا فإنا نرد علي نبينا.

ثم أمكث ما شاء الله، ثم أكون أول من تنشق الأرض عنه، فأخرج خرجة يوافق ذلك خرجة أمير المؤمنين عليه السّلام، وقيام قائمنا، وحياة رسول الله صلّي الله عليه و آله.

ثم لينزلن عليَّ وفد من السماء من عند الله ولم ينزلوا إلي الأرض قط، ولينزلن جبرائيل و ميكائيل و إسرافيل، وجنود من الملائكة.

ولينزلن محمد وعلي، وأنا وأخي، وجميع من من الله عليه في حمولات من حمولات الرب، خيل بلق من نور لم يركبها مخلوق.

ثم ليهزن محمد صلّي الله عليه و آله لواءه، و ليدفعنه إلي قائمنا مع سيفه.

ص: 303


1- سورة الأنبياء، الآية: 69.

ثم أنا نمكث من بعد ذلك ما شاء الله، ثم أن الله يخرج من مسجد الكوفة عيناً من دهن، وعيناً من لبن، وعيناً من ماء.

ثم أمير المؤمنين عليه السّلام يدفع إليّ سيف رسول الله صلّي الله عليه و آله، فيبعثني إلي المشرق و المغرب، فلا آتي علي عدو إلي أهرقت دمه، ولا أدع صنماً إلّا أحرقته، حتي أقع إلي الهند فافتحها.

وأن دانيال ويونس يخرجان إلي أمر المؤمنين عليه السّلام يقولان: صدق الله ورسوله.

ويبعث الله معهما إلي البصرة سبعين رجلاً، فيقتلون مقاتليهم، ويبعث مبعثاً إلي الروم فيفتح لهم.

ثم لأقتلن كل دابة حرم الله لحمها حتي لا يكون علي وجه الأرض إلّا الطيب، وأعرض علي اليهود و النصاري وسائر الملل، ولأخيرنهم بين الإسلام والسيف، فمن أسلم مننت عليه، ومن كره الإسلام أهرق لله دمه.

ولا يبقي رجل من شيعتنا إلّا أنزل الله إليه ملكاً يمسح عن وجهه التراب، ويعرفه أزواجه ومنزلة في الجنة، ولا يبقي علي وجه الأرض أعمي ولا مقعد، ولا مبتلي إلّا كشف الله بلاءه بنا أهل البيت.

ولتنزلن البركة من السماء إلي الأرض، حتي أنّ الشجرة لتقصف بما يريد الله فيها من الثمرة، ولياكلن ثمرة الشتاء في الصيف، وثمرة الصيف في الشتاء، وذلك قوله تعالي: وَ لَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُري آمَنُوا وَ اتَّقَوْا لَفَتَحْنا عَلَيْهِمْ بَرَكاتٍ مِنَ السَّماءِ وَ الْأَرْضِ وَ لكِنْ كَذَّبُوا فَأَخَذْناهُمْ بِما كانُوا يَكْسِبُونَ (1).6.

ص: 304


1- سورة الأعراف، الآية: 96.

ثم أن الله ليهب شيعتنا كرامة لا يخفي عليهم شيء في الأرض وما كان فيها، حتي أنّ الرجل منهم يريد أن يعلم علم أهل بيته فيخبرهم بعلم ما يعلمون)(1).

أقول: قوله عليه السّلام: (فإنا نرد علي نبينا): يعني بذلك إذا قتلوا ورد جسده الشريف علي رسول اللّه صلّي الله عليه و آله، ووردت روحه الطاهرة وأرواح المستشهدين معه «عليه وآله»، ثم يعود جسده إلي موضع قبره.

وما ورد من: (أنّ أجسادهم لا تبقي في الأرض إلّا ثلاثة أيام، أو أكثر إلي أربعين يوماً ثم ترتفع إلي السماء)(2) ، ومن: (أنّ الحسين عليه السّلام لو نبش في أيامه لوجد في قبره، و أما الآن فلا يوجد، لأنه رفع إلي السماء)، ومن: (أنه معلق بالعرش، وأنه دائماً ينظر إلي موضع قبره وزواره، ويستغفر لهم، ويسأل أباه أن يستففر لهم، وأنه يسأل الله وينتظر متي يؤمر بحمل العرش)(3) ، ومن أنه إنما تزار مواضع حفرهم، فقد كتبنا بيان ذلك في بعض أجوبتنا مبيناً مشروحاً، من أراده طلبه من أجوبة مسائل الملا مهدي.

ومختصر الجواب إجمالاً: أن أجساد المعصومين تبقي بشريتها ملازمة لها ثلاثة أيام إلي أربعين يوماً، علي اختلاف مراتب المعصومين في اللطافة وشدة النورية، فالقوي تبقي ثلاثة أيام، والضعيف تبقي أربعين يوماً، وما بينهما بالنسبة، فما دامت البشرية موجودة في الأجساد موجودة في الأرض، ولو نبشت رُئيت، و إذا فارقت صورة البشرية التي هي الكثافة لم تر الأجساد، ولو7.

ص: 305


1- الخرائج و الجرائح، ج 2، ص 848، ح 73. بحار الأنوار، ج 45، ص 80، ح 6، باب: 37.
2- تهذيب الأحكام، ج 6، ص 106.
3- مدينة المعاجز، ج 4، ص 217.

نبشت لم توجد، و إن كانت في محالها للطافتها فلا تراها إلّا عين المعصومين، ويعبر عن هذه الغيبوبة التي حصلت من خلعها الكثافة بالرفع إلي السماء، وبالنزول إلي الأرض، بلبسها كثافة البشرية، فافهم هذه القاعدة، واعرف منها كلما ورد من هذا النحو.

و أما أبصار المعصومين عليهم السّلام فيرونها، فلو نبشها المعصوم وجدها في كل وقت إلي يوم القيامة، ولهذا نبش نوح عليه السّلام قبر آدم عليه السّلام من مكة، أو من سرنديب، وحمله إلي النجف الأشرف.

فإن قلت: إنما حمل عظامه.

قلت: إن الروايات الواردة في رفعها إلي السماء مصرحة برفع اللحوم والعظام وغيرهما، وأيضاً المراد بالعظام جميع الجسد، والعرب يعبرون عن الجسد بالعظام وغيرهما، قال الشاعر يرثي طلحة الطلحات؛ و هو طلحة بن عبد اللّه بن خلف، قال:

رحم الله أعظماً دفنوها بسجستان طلحة الطلحات(1)

عي بذلك لأن أمه صفية بنت الحارث بن طلحة، بن أبي طلحة، بن عبد مناف، فقال الشاعر: (رحم الله أعظماً) ويريد به الجسد.

وأيضاً لو كانت ترفع أو تبلي لم يجدها نوح عليه السّلام، وكان من بين موت آدم عليه السّلام وحمل نوح عليه السّلام بجسده علي ما رواه المسعودي في مروج الذهب: (ألف سنة، و خمسمائة سنة، وأربع عشرة سنة). وكذلك موسي عليه السّلام حمل يوسف عليه السّلام من النيل إلي بيت المقدس، وبينهما تقريباً أربعمائة سنة.

و أما أن الحسين عليه السّلام معلق بالعرش، فلأنه يراد به جسمه الذي هو الروح الشريفة، أو مع الجسد بعد خلع البشرية، فإنه في رتبة العرش حينئذ، و معني أنه ينتظر متي يؤمر بحمل العرش، أنه ينتظر متي يكر فيطلب بدمه و دماء6.

ص: 306


1- تهذيب التهذيب، ج 5، ص 16.

أصحابه، لأن المراد به العرش هنا؛ أي في مقام حمل العرش الدين، فإذا كر أقام الدين الذي من جملته الطلب بدمائهم.

وقوله عليه السّلام: (ثم أمكث ما شاء الله): إشارة إلي مدة ما بين قتله وكرته عليه السّلام.

وقوله: (ثم أكون أول من تنشق الأرض عنه): بعد أن يظهر القائم عليه السّلام، لأن القائم عليه السّلام حي لم يمت فإذا ظهر ومضي من ملكه تسع وخمسون سنة تقريباً - كما مرت الاشارة إليه - خرج الحسين عليه السّلام.

وقوله عليه السّلام: (فأخرج خرجة توافق ذلك خرجة أمير المؤمنين عليه السّلام، وقيام قائمنا وحياة رسول الله صلّي الله عليه و آله): يراد منه - واللّه سبحانه وهم عليهم السّلام أعلم - أن كرة الحسين عليه السّلام بعد ظهور القائم عليه السّلام بتسع وحمسين سنة كما مر، ويطول عمره وملكه علي ما يظهر لي من أحاديثهم عليهم السّلام، حمسين ألف سنة حتي تسقط حاجباه علي عينيه من الكبر، ويربطهما بعصابة حتي يتمكن من النظر، وليس بين رفعه مع آبائه وأبنائه الطاهرين، وبين نفخة إسرافيل عليه السّلام نفخة الصعق إلّا أربعين يوماً يكون فيها هرج ومرج كما ذكرناه مكرراً.

فيكون خروجه هذا موافقاً لظهور القائم عليه السّلام، لأنه يدرك من مدة ملكه إحدي عشرة سنة، وموافقاً لخروج أمير المؤمنين عليه السّلام الأول، لأنه بعد موت القائم عليه السّلام بثمان سنين، ولخروج أمير المومنين عليه السّلام الثاني، لأنه عليه السّلام يخرج الخروج الأول لنصر ابنه الحسين عليه السّلام ويعيش معه علي ما يظهر إلي ثلاثمائة سنة وتسع سنين، بل هو صريح رواية العياشي في تفسيره عن جابر، قال سمعت أبا جعفر عليه السّلام يقول: (والله ليملكن رجل منا أهل البيت بعد موته ثلاثمائة ويزداد تسعاً.

ص: 307

قال: قلت: فمتي ذلك؟.

قال: بعد موت القائم.

قال: قلت: وكم يقوم القائم في عالمه حتي يموت؟.

قال: تسع عشرة سنة، من يوم قيامه اٍلي يوم موته.

قال: قلت: فيكون بعد موته هرج؟.

قال: نعم، خمسين سنة.

قال: ثم يخرج المنصور إلي الدنيا، فيطلب دمه ودم أصحابه، فيقتل ويسبي حتي يُقال: لو كان هذا من ذرية الأنبياء ما قتل الناس كل هذا القتل، فيجتمع الناس عليه، أبيضهم وأسودهم، فيكثرون عليه حتي يلجئوه إلي حرم الله، فإذا اشتد البلاء عليه مات المنتصر، وخرج السفاح غضباً للمنتصر، فيقتل كل عدو لنا جائر، ويملك الأرض كلها، ويصلح الله له أمره، ويعيش ثلاثمائة سنة ويزداد تسعاً.

ثم قال أبو جعفر عليه السّلام: وهل تدري من المنصور و السفاح يا جابر؟، بن علي، و السفاح علي بن أبي طالب عليه السّلام)(1).

أقول: مضي مثل هذا المعني ويأتي، و قد صرح عليه السّلام بأن أمير المؤمنين عليه السّلام يعيش في كرته الأولي ثلاثمائة سنة وتسع سنين كما وجهنا، فالمنصور في أول الحديث هوا الحسين عليه السّلام.

و قوله: (مات المنتصر) هنا و هو القائم عليه السّلام، وكذا في حديث الاختصاص، (وقتل المنتصر): هو القائم عليه السّلام، ولو أريد بالمنتصر في قوله:ع.

ص: 308


1- تقدم تخريجه فراجع.

(مات المنتصر) هو الحسين عليه السّلام، لقيل: فإذا اشتد البلاء عليه مات، لأنه هو المذكور بقوله: أثم يخرج المنصور فيطلب دمه).

فلما أراد بالمنتصر القائم عليه السّلام هنا قال: (فإذا اشتد البلاء عليه)؛ أي علي الحسين عليه السّلام مات المنتصر، أي القائم عليه السّلام.

وفي قوله: (وخرج السفاح غضباً للمنتصر): أي للحسين عليه السّلام، لأن المنتصر يستعمل في القائم عليه السّلام، كما في حديث غيبة الطوسي، في قوله : (ثم يخرج المنتصر فيطلب بدم الحسين عليه السّلام)(1) ، ويستعمل في الحسين عليه السّلام كما في حديث الاختصاص في قوله: (ثم يخرج المنتصر إلي الدنيا فيطلب بدمه ودماء أصحابه) ولهذا قال عليه السّلام هنا: (يا جابر هل تدري من المنتمر و السفاح... إلخ)(2).

و إنما قلنا: بأن المراد بالمنتصر الذي يقتل ويموت قبل خروج السفاح، أعني أمير المؤمنين عليه السّلام، هو القائم عليه السّلام لا الحسين عليه السّلام، لما دلت عليه أحاديثهم بأنّ القائم عليه السّلام يقتل.

وبعبارة أخري: يموت قبل كرة أمير المومنين عليه السّلام بتسع عشرة سنة، والحسين عليه السّلام يبقي بعده ثم يقتل - لعن اللّه قاتله - ويبقي الحسين عليه السّلام بعد أبيه ثم يخرج الخروج الثاني مع جميع شيعته، علي ما سيأتي إن شاء اللّه تعالي.

وبين الخروجين، أي بين موته إذا قتل وبين خروجه ثانياً، علي ما فهمت من رواياتهم عليهم السّلام: (أربعة آلاف سنة) علي رواية، أو: (ستة آلاف) علي رواية أخري، أو: (عشرة آلاف سنة) علي رواية أخري، وذلك لأنهع.

ص: 309


1- غيبة الطوسي، ص 478، ح 505.
2- تقدم تخريجه فراجع.

ورد: (أن مدة ملك الحسين عليه السّلام هسون ألف سنة)، ومدة ملك علي عليه السّلام: (ست وأربعون سنة) علي رواية، وعلي رواية أخري: (أربع وأربعون سنة)، وعلي أخري: (أربعون ألف سنة)، والظاهر من هذه المدة مدة الخروج الثاني.

و أما الخروج الأول الذي حملنا عليه روايات الثلاممائة سنة وتسع سنين، فيحتمل أنه غير هذه المدة الأخيرة علي الظاهر، لأنه عليه السّلام إنما خرج في الأولي لنصرة ابنه الحسين عليه السّلام، فلا تحسب من ملكه.

ويحتمل كونها من الأخيرة، واللّه أعلم.

ومدة خروجه الأخير تقرب من مدة حياة رسول اللّه صلّي الله عليه و آله، لأنه ينزل من السماء بعد خروج أمير المؤمنين عليه السّلام موجود في الدنيا، لأنه قتل يوم كربلاء - لعن اللّه قاتله - وبقيت لَه ميتة، وهي مع ميتة آبائه وأبنائه الطاهرين، صلي اللّه عليهم أجمعين.

وكذلك القائم عليه السّلام بعد قتله في أوائل خروج الحسين عليه السّلام، ويكر ويموت مع موتهم عليهم السّلام، وموتهم الثاني هو رفعهم إلي السماء رفعاً حقيقياً، كما قلنا في رفع أجسادهم بعد الموت بثلالة أيام، وليس لأحد من الخلق قتلتان و خروجان، وموتة غير أمير المومنين «صلوات اللّه عليه» ولذا قال عليه السّلام: (أنا الذي أقتل مرتين، وأحيي مرتين، ولي الكرة بعد الكرة، والرجعة بعد الرجعة)(1).

و أما ما دل علي خروجهم كلهم عليهم السّلام عند قيام القائم عليه السّلام، قبل ظهوره لسائر الناس، فالذي فهمت من أحاديثهم «صلي اللّه عليهم» أنّ ذلك).

ص: 310


1- بحار الأنوار، ج 53، ص 47، ح 20، بدون لفظ: (أنا الذي اقتل مرتين، و أحيي مرتين).

خروج الإذن للقائم عليه السّلام في الظهرر و المبايعة لَه، علي ذلك مبايعة الإذن والرخصة و الرضا من اللّه عزّوجلّ، ثم منهم وليس من ملكهم بذاتهم، و إن كان من ملكهم بالقائم عليه السّلام، كما يشعر قوله عليه السّلام بعد هذا الكلام علي أحد وجهيه: (ولينزلن محمد وعلي، وأنا وأخي وجميع من منّ الله عليه في حمولات من حمولات الرب، خيل بلق من نور لم يركبها مخلوق، ثم ليهزن محمد صلّي الله عليه و آله لواءه وليدفعنه إلي قائمنا مع سيفه، ثم إنا نمكث من بعد ذلك ما شاء الله)(1) و الوجه الآخر يأتي.

وقوله عليه السّلام: (ثم لينزلن علي وفد من السماء من عند الله، ولم ينزلوا إلي الأرض قط، ولينزلن جبرائيل وميكائيل وإسرافيل وجنود الملائكة، ولينزلن محمد وعلي، وأنا وأخي، وجميع من من الله عليه في حمولات من حمولات الرب، خيل بلق من نور لم يركبها مخلوق.

ثم ليهزن محمد... إلخ): يحتمل أن يكون نزول هذا الوفد و هذه الملائكة في ظهور القائم عليه السّلام، فإن محمداً صلّي الله عليه و آله يبعث كل واحد منهم عليهم السّلام في بعث للجهاد في أقطار الأرض، أو يكون الباعث علي عليه السّلام عن أمر محمّد صلّي الله عليه و آله و هذا الاحتمال التاني هو الوجه الثاني في قولي: علي أحد وجهيه.

و قوله: (ثم إنا نمكث من بعد ذلك ما شاء الله): الظاهر لي من هذا الكلام علي ما فهمته من معاني أحاديثهم، أن هذا المكث هو منذ قام بالأمر بعد قتل الحجة عليه السّلام إلي خروج أمير المومنين عليه السّلام، الخروج الثاني، أو إلي خروج أمير المؤمنين عليه السّلام الأول، أو منذ قتل أمير المومنين عليه السّلام بعد9.

ص: 311


1- الخرائج و الجرائح، 2، ص 848، فصل في الرجعة. بحار الأنوار، ج 53، ص 61، باب: 29.

الخروج الأول إلي الكرة الثانية أو الخروج الثاني، والأول أظهر عندي، واللّه أعلم.

وقوله عليه السّلام: (ثم أنّ الله يخرج من مسجد الكوفة عيناً من دهن... إلخ). الظاهر أنه في كرة أمير المؤمنين عليه السّلام الثانية.

و قوله عليه السّلام: (ثم أنّ أمير المؤمين عليه السّلام يدفع إلي سيف رسول الله صلّي الله عليه و آله): الظاهر أنه في الكرة الثانية لأمير المؤمنين عليه السّلام، و باقي الحديث متعلق بالكرة الثانية التي يجتمع فيها محمد وأهل بيته أجمعون صلّي الله عليه و آله و في منتخب البصائر للحسن بن سليمان الحلي، بسنده عن حمران عن أبي جعفر عليه السّلام قال: (إنّ أول من يرجع لجاركم الحسين عليه السّلام، فيملك حتي تقع حاجباه علي عينيه من الكبر)(1).

وفيه عن محمّد بن مسلم، قال: سمعت حمران بن أعين، وأبا الخطاب يحدثان جميعاً - قبل أن يحدث أبو الخطاب ما أحدث - أنهما سمعا أبا عبد اللّه عليه السّلام يقول: (أول من تنشق الأرض عنه، ويرجع إلي الدنيا الحسين بن علي عليه السّلام، وأن الرجعة ليست بعامة، وهي خاصة، لا يرجع إلّا من محض الإيمان محضاً، أو من محض الشرك محضاً)(2).

أقول: قوله عليه السّلام: (أول من تنشق الأرض عنه... إلخ): أي من الأئمة عليهم السّلام، وإلا فإن كثيراً ممن يرجع مع القائم عليه السّلام يخرجون من قبورهم بين جمادي ورجب من السنة الي يخرج فيها عليه السّلام، كما صرحت به الروايات.

و قوله: (وهي خاصة لا يرجع إلّا من محض... إلخ).ا.

ص: 312


1- مختصر البصائر، ص 117، ح 39، باب: الكرات وحالاتها.
2- نحتصر البصائر، ص 116، ح 23، باب: الكرات و حالاتها.

و قوله: الا يرجع إلّا من محض الأيمان محضاً، أو من محض الكفر محضاً): هذا الموجود في الأخبار المتكثرة المتواترة معني أنه لا يرجع إلّا من محض الإيمان ومحض الكفر محضاً، وفي بعضها الكفر، وفي بعضها النفاق محضاً، ولا إشكال فيه.

نعم ورد أن أناساً ممن لم يمحض الايمان ولا الشرك محضاً، وليسوا من أهل الرجعة ولا ممن يسألون في قبورهم يرجعون، وذلك لأن بعضهم لَه قِصَاصٌ، والبعض الآخر عليه القصاص، فيرجع القاتلون و المقتولون، حتي يستوفوا قصاصهم من قاتليهم، ويعيشون بعد أخذ ثأرهم ثلاثين شهراً، ثم يموتون في ليلة واحدة، و هو ما رواه في منتخب البصائر، عن أبي إبراهيم موسي بن جعفر عليهما السّلام، قال: (لترجعن نفوس ذهبت، وليقتص يوم يقوم، ومن عذب يقتص بعذابه، ومن أغيظ أغاظ بغيظه، ومن قتل اقتص بقتله، ويرد لهم أعداوهم معهم حتي يأخذوا بثارهم، ثم يعمرون بعدهم ثلاثين شهراً، ثم يموتون ليلة واحدة، قد أدركوا ثأرهم، وشفوا أنفسهم، و يصير عدوهم إلي أشد النار عذاباً، ثم يوقفون بين يدي الجبار عزّوجلّ فيأخذ لهم بحقوقهم)(1).

وفي منتخب البصائر، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: (إنّ الذي يلي حساب الناس قل يوم القيامة الحسين بن علي عليهما السّلام، فأمَّا يوم القيامة فإنما هو بعث إلي الجنة وبعث إلي النار)(2).9.

ص: 313


1- نحتصر البصائر، ص 118، ح 41، باب: الكرات وحالاتها. بحار الأنوار، ج 53، ص 44، ح 16، باب: 29.
2- مختصر البصائر، ص 117، ح 38، باب: الكرات وحالاتها. بحار الأنوار، ج 53، ص 43، ح 13، باب: 29.

أقول: اعلم أن أيام المجازاة علي الأعمال ثلاثة؛ الدنيا، والبرزخ، والآخرة.

فأما الأعمال الي لا إيمان معها عن تعمد، أو لا إخلاص فجزاوها فِي الدنيا، بدفع بعض البلايا، وإدرار الرزق، وكثرة الأموال و الأرزاق.

و أما الأعمال الي لا إيمان معها عن جهل وما أشبه ذلك، من خطاء وغفلة، فجزاوها في البرزخ بدفع عذاب القبر، أو فتح باب من الجنة إلي القبر فيدخل عليه الروح.

و أما الأعمال التي وقعت عن إيمان ومعرفة فجزاوها في الآخرة، وتسمي الأعمال وتوصف. بمحالها، وتنسب إلي أوقات المجازاة عليها.

فالأعمال البرزخية الي يكون المجازاة عليها في البرزخ، إذا كان من أهل الرجعة، وقت المجازاة عليها في الرجعة؛ لأن الرجعة من نوع البرزخ، ألا تري أن المؤمن إذا مات التحقت روحه بجنة الدنيا، و إن كان كافراً أو مشركاً أو منافقاً التحقت روحه بنار الدنيا، وجنة الدنيا هي الجنتان المدهامتان، وهي تخرج في الرجعة كما يأتي عند مسجد الكوفة، فإذا كان علي المكلف أو له شيء من المجازاة البرزخية كان المحاسب عليها هو الحسين عليه السّلام.

و أما ما لا يتعلق بتلك الأعمال البرزخية من الأعمال الأخروية إذا كان حوسب المكلف علي الأعمال البرزخية، وجوزي عليها في البرزخ، وحضر يوم القيامة يحاسب عن الأعمال الأخروية، فإذا استحق دخول الجنة أو النار بالأعمال الأخروية بعد المحاسبة عليها، وبعث به إلي الجنة أو النار، و لم يتوقف دخول ما يستحقه علي شيء من الأعمال البرزخية، لأنه قد حاسبه الحسين عليه السّلام عليها.

ص: 314

وليس معني الحديث - واللّه العالم - أن جميع حساب الخلائق يقع في الرجعة، بل المعني أن الحساب علي الأعمال البرزخية يقع في الرجعة، ولا يعاد الحساب عليها يوم القيامة، فافهم.

وفيه عن المعلي بن خنيس، وزيد الشحام، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قالا:

سمعناه يقول: (إن أول من يكر في الرجعة الحسين بن علي عليهما السّلام، ويمكث في الأرض أربعين ألف سنة حتي تسقط حاجباه علي عينيه)(1).

أقول: لعل المراد. بملكه أربعين ألف سنة حال استقرار ملكه، لأنه قبل خروج أبيه أمير المومنين عليه السّلام في الكرة الثانية لم يستقر ملكه، بل هو في أشد المجاهدة لأعداء اللّه، وعلي هذا فاستقرار ملكه يقرب من ذلك.

و في الاختصاص، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام: (سُئل عن الرجعة، أحقّ هي؟.

قال: نعم.

فقيل له: من أول من يخرج؟.

قال: الحسين عليه السّلام يخرج علي أثر القائم عليه السّلام.

فقلت: معه الناس كلهم؟.

قال: لا بل كما ذكره الله تعالي في كتابه: يَوْمَ يُنْفَخُ فِي الصُّورِ فَتَأْتُونَ أَفْواجاً (2) قوم بعد قوم)(3).9.

ص: 315


1- مختصر البصائر، ص 91، ح 4، باب: الكرات وحالاتها. بحار الأنوار، ج 53، ص 63، ح 54، باب: 29.
2- سورة النبأ، الآية: 18.
3- مختصر البصائر، ص 165، ح 39، باب: أحاديث الرجعة من غير طريق سعد. بحار الأنوار، ج 53، ص 103، ح 130، باب: 19.

وعنه عليه السّلام: (ويقبل الحسين عليه السّلام في أصحابه الذين قتلوا معه، ومعه سبعون نبياً، كما بعثوا علي موسي بن عمران عليه السّلام، فيدفع إليه القائم عليه السّلام الخاتم، فيكون الحسين عليه السّلام هو الذي يلي غسله، وكفنه وحنوطه، ويواريه في حفرته)(1).

وفي كامل الزيارات، بسنده عن بريد العجلي، قال: قلت لأبي عبد اللّه عليه السّلام: يا بن رسول اللّه أخبرني عن إسماعيل الذي ذكره اللّه في كتابه حيث يقول: وَ اذْكُرْ فِي الْكِتابِ إِسْماعِيلَ إِنَّهُ كانَ صادِقَ الْوَعْدِ وَ كانَ رَسُولاً نَبِيًّا (2) ، أكان إسماعيل بن إبراهيم عليه السّلام، فإن الناس يزعمون أنه إسماعيل بن إبراهيم؟.

فقال عليه السّلام: (إن إسماعيل مات قبل إبراهيم، و إنّ إبراهيم كان حجة لله، [فإنما هو](3) صاحب شريعة، فإلي من أرسل إسماعيل إذن؟.

فقلت: فمن كان جعلت فداك؟.

قال عليه السّلام: ذلك إسماعيل بن حزقيل النبي صلّي الله عليه و آله، بعثه الله إلي قومه فكذبوه وقتلوه، وسلخوا فروة وجهه، فغضب الله له عليهم، فوجه إليهم سطاطائيل ملك العذاب، فقال له: يا إسماعيل أنا سطاطائيل ملك العذاب، وجهني رب العزة إليك لأعذب قومك بأنواع العذاب إن شئت.

فقال له إسماعيل: لا حاجة لي في ذلك.

فأوحي الله إليه: فما حاجتك يا إسماعيل؟.).

ص: 316


1- نحتصر البصائر، ص 165، ح 39، باب: اًحاديث الرجعة من غير طريق سعد. بحار الأنوار، ج 53، ص 103، باب: 19.
2- سورة مريم، الآية: 54.
3- في المصدر: (كلها قائماً).

فقال: يا رب إنك أخذت الميثاق لنفسك بالربوبية، ولمحمد بالنبوة، ولأوصيائه بالولاية، وأخبرت خير خلقك بما تفعل أمته بالحسين بن علي عليهما السّلام من بعد نبيها، وإنك وعدت الحسين أن تكر إلي الدنيا حتي ينتقم بنفسه ممن فعل ذلك به، فحاجتي إليك يا رب أن تكرني إلي الدنيا حتي انتقم من فعل ذلك به ما فعل كما يكر الحسين، فوعد الله إسماعيل بن حزقيل ذلك، فهو يكر مع الحسين بن علي عليهما السّلام)(1).

وفي كنز الفوائد؛ لأبي الفتح محمّد بن علي الكراجكي، قرأ علي المرتضي و الشيخ بسنده عن سليمان بن خالد، قال: قال أبو عبد اللّه عليه السّلام:

في قوله تعالي: يَوْمَ تَرْجُفُ الرّاجِفَةُ * تَتْبَعُهَا الرّادِفَةُ (2).

قال: (الراجفة: الحسين بن علي «صلوات اللّه عليه»، والرادفة:

علي بن أبي طالب عليه السّلام، وأول من ينفض التراب عن رأسه الحسين بن علي عليهما السّلام، في خمسة وسبعين ألفاً، و هو قوله تعالي: إِنّا لَنَنْصُرُ رُسُلَنا وَ الَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَياةِ الدُّنْيا وَ يَوْمَ يَقُومُ الْأَشْهادُ * يَوْمَ لا يَنْفَعُ الظّالِمِينَ مَعْذِرَتُهُمْ وَ لَهُمُ اللَّعْنَةُ وَ لَهُمْ سُوءُ الدّارِ (3)(4)

وفي كامل الزيارات لابن قولويه، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام، قال: (كأني بسرير من نور قد وضع، و قد ضربت عليه قبة من ياقوتة حمراء مكللة9.

ص: 317


1- كامل الزيارات، ص 138، ح 4، باب: 19. قصص الأنبياء للجزائري، ص 295، فصل: 10 في قصص بلعم بن باعوراء وحزقيل. بحار الأنوار، ج 12، ص 390، ح 6.
2- سورة النازعات، الآيتان: 6-7.
3- سورة غافر، الآيتان: 51-52.
4- تأويل الآيات الظاهرة، ص 737، سورة النازعات، الآيتان: 6-7. متشابه القرآن، ص 357. بحار الأنوار، ج 53، ص 106، ح 104، باب: 29.

بالجوهر، وكأني بالحسين عليه السّلام جالسا علي ذلك السرير، وحوله تسعون ألف قبة خضراء، وكاني بالمؤمنين يزورونه ويسلمون عليه، فيقول الله عزّوجلّ لهم: أوليائي سلوني فطال ما أوذيتم، وذللتم واضطهدتم، فهذا يوم لا تسألوني حاجة من حوائج الدنيا و الآخرة إلّا قضيتها لكم.

فيكون أكلهم وشربهم من الجنة، فهذه و الله الكرامة)(1).

أقول: قوله: أمن حوائج الدنيا و الآخرة): صريح في أن ذلك في الرجعة، لأن الآخرة لا يسأل فيها حوائج الدنيا، و هذا الحديث يويد ما ذكرنا قبل، من أن الجنتين المدهامتين تظهران في الرجعة، لقوله: (فيكون أكلهم و شربهم من الجنة). وأمثال هذه الأحاديث كثيرة.9.

ص: 318


1- كامل الزيارات، ص 258، ح 3، باب: 50. مستدرك الوسائل، ج 10، ص 246، ح 32، باب: 26. بحار الأنوار، ج 53، ص 116، ح 140، باب: 29.

فصل و مما جاء في رجمة امير المؤمنين عليه السّلام و انه دابة الارض

في منتخب البصائر، بسنده عن الأصبغ بن نباتة، قال: قال لي معاوية:

أيا معشر الشيعة تزعمون أنّ علياً دابة الأرض؟.

قلت: نحن نقول و اليهود تقوله، فارسل إلي رأس الجالوت.

فقال: ويحك تجدون دابة الأرض عندكم؟.

فقال: نعم.

فقال: ماهي؟.

فقال: رجل.

فقال: أتدري ما اسمه؟.

قال: نعم اسمه «آليا».

قال: فالتفت إليَّ فقال: ويحك يا أصبغ ما أقرب «آليا» من علي علياً)(1).

وفي كنز الكراجكي، بسنده عن أبي الجارود، عمن سمع علياً «صلوات اللّه عليه» يقول: (العجب كل العجب بين جمادي ورجب، فقام رجل فقال: يا أمير المؤمنين ما هذا العجب الذي لا تزال تعجب منه؟.

فقال: ثكلتك أمك وأي عجب، أعجب من أموات يضربون كل عدو اللّه ورسوله ولأهل بيته، وذلك تأويل هذه الآية: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا

ص: 319


1- بحار الأنوار، ج 53، ص 112، باب: 29.

لا تَتَوَلَّوْا قَوْماً غَضِبَ اللّهُ عَلَيْهِمْ قَدْ يَئِسُوا مِنَ الْآخِرَةِ كَما يَئِسَ الْكُفّارُ مِنْ أَصْحابِ الْقُبُورِ (1) ، فإذا اشتد القتل قلتم مات أو هلك، أو في أي واد سلك، وذلك تأويل هذه الآية: ثُمَّ رَدَدْنا لَكُمُ الْكَرَّةَ عَلَيْهِمْ وَ أَمْدَدْناكُمْ بِأَمْوالٍ وَ بَنِينَ وَ جَعَلْناكُمْ أَكْثَرَ نَفِيراً (2)(3).

أقول: قوله: (و أي عجب من أموات... إلخ): يشير إلي العجب الذي يكون بين جمادي ورجب، وذلك لأنه إذا كانت السنة التي يخرج فيها القائم عليه السّلام مطر الناس جمادي الآخر وعشرة أيام من رجب مطراً، لم ير الخلائق مثله.

وروي: (أربعين مطرة).

وروي (أربعين يوماً آخرها بين جمادي ورجب، حتي أنه لتقع أكثر بيوت أهل الدنيا، فتنبت به لحوم المؤمنين وأبدانهم في قبورهم).

قال الصادق عليه السّلام: (و كأني أنظر إليهم مقبلين من قبل جهينة، ينفضون شعورهم من التراب)(4).

و قوله عليه السّلام: (وذلك تأويل هذه الآية يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَوَلَّوْا قَوْماً غَضِبَ اللّهُ عَلَيْهِمْ... (5): يراد منه أن أولئك المنَكرين للرجعة، إنما يتمسكون في شبهتهم بإنكار البعث قبل يوم القيامة، فأخبر عليه السّلام بأن الأموات ممن محض الإيمان محضاً، ومخض الكفر محضاً، يبعثون في الرجعة.3.

ص: 320


1- سورة الممتحنة، الآية: 13.
2- سورة الإسراء، الآية: 6.
3- تأويل الآيات الظاهرة، ص 684، ح 2، سورة الممتحنة، آية: 13. بحار الأنوار، ج 53، ص 60، ح 48، باب: 29.
4- إعلام الوري، ص 462، فصل: 3.
5- سورة الممتحنة، الآية: 13.

والدليل عليه أن اللّه أخبر بأن الذين غضب اللّه عليهم من أعداء آل محمد صلّي الله عليه و آله ينكرون البعث في الرجعة، كما ينكر الكفار البعث يوم القيامة، لأن المنكرين للرجعة ولبعث الأموات فيها لا ينكرون البعث يوم القيامة، و سمي عليه السّلام الرجعة بالآخرة لأنها بعد الدنيا، فهي الآخرة الصغري.

ثم إنه عزّوجلّ أكد وقوع البعث وحياة الأموات في الرجعة، بأن نهي المؤمنين عن أن يتولوا منكري البعث في الرجعة، بل يتبروْوا منهم، وما ذكرنا هو التأويل المشار إليه.

و قوله عليه السّلام: (فإذا اشتد القتل): يعي به القتل الذي قبل قيام القائم عليه السّلام، فإنه حينئذٍ يشك كثير ممن يقول به إلّا من ثبته اللّه بالقول الثابت، ويقولون: مات القائم عليه السّلام أو هلك، أو أي واد سلك.

فإذا بلغ به الأمر إلي هذه الحال أتي اللّه بالفرج، فأذن اللّه لوليه بالظهور «عجل اللّه فرجه» و هو تأويل قوله تعالي: ثُمَّ رَدَدْنا لَكُمُ الْكَرَّةَ عَلَيْهِمْ ... (1) و هو أحد وجوه التأويل فيها، وعلي بعضها يراد به كرة الحسين عليه السّلام، وعلي بعضها يراد به بنو اًمية، وظهور يزيد بن معاوية - لعنهما اللّه - علي الحسين عليه السّلام، وامدادهم بالأموال و البنين و الجنود، ليختبرهم حتي قتلوه عليه السّلام في كربلاء.

وفي رجال الكشي بسنده عن جعفر بن فُضَيل قال: قلت لمحمد بن فرات: لقيت أنت الأصبغ؟.6.

ص: 321


1- سورة الإسراء، الآية: 6.

قال: نعم لقيته مع أبي، فرأيته شيخاً أبيض الرأس، وقال له أبي: حدثنا بحديث سمعته من أمير المومنين عليه السّلام؟.

قال: (سمعته يقول علي المنبر: أنا سيد الشيب، وفي شبه من أيوب، والله ليجمعن الله لي أهلي كما جمعه ليعقوب عليه السّلام.

قال: فسمعت هذا الحديث أنا وأبي من الأصبغ بن نباتة.

قال: فما مضي بعد ذلك إلّا قليلاً حتي توفي رحمة الله عليه)(1).

وفي منتخب البصائر من كتاب الغارات لابراهيم بن محمد الثقفي، روي حديثاً عن أمير المؤمنين عليه السّلام منه، قيل له: (فما ذو القرنين؟.

قال عليه السّلام: رجل بعثه الله إلي قومه فكذبوه وضربوه علي قرنه فمات، ثم أحياه الله ثم بعثه إلي قومه فكذبوه وضربوه علي قرنه الآخر فمات، ثم أحياه الله فهو ذو القرنين؛ لأنه ضربت قرناه)(2).

وفي حديث آخر: (وفيكم مثله)(3) يريد نفسه.

أقول: مضمون هذا الحديث موجود في أحاديث كثيرة، و هو يدل علي أن أمير المؤمنين عليه السّلام يقتل مرتين، و يحيي مرتين، كما صرح عليه السّلام في كثير من أحاديثه وخطبه، وحديث النبي صلّي الله عليه و آله الموجود المقبول عند الفريقين: (بان كل ما كان في الأمم الماضية يكون في هذه الأمة، حذو النعل بالنعل، والقذة بالقذة، حتي لو سلكوا جحر ضب لسلكتموه)(4) ، شاهد بأنّ أمير المؤمنين عليه السّلام يقتل مرتين و يحيي مرتين، لأنه لم يدع لأحد غيره، ولم يدعه سواه،ع.

ص: 322


1- رجال الكشي، ص 221. بحار الأنوار، ج 53، ص 77، ح 83، باب: 29.
2- تقدم تخريجه فراجع.
3- رجال الكشي، ص 221. بحار الأنوار، ج 53، ص 77، ح 83، باب: 29.
4- تقدم تخريجه فراجع.

للاتفاق علي أنّ ذا القرنين ضرب علي قرنه فمات وأحياه اللّه، وضرب علي قرنه فمات فأحياه اللّه، فلما قال عليه السّلام: (و فيكم مثله).

قال عليه السّلام: (أنا ذو قرنيها).

وقال عليه السّلام: (أنا الذي اقتل مرتين وأحي مرتين، ولي الكرة بعد الكرة، والرجعة بعد الرجعة)(1) ، مع أنه معصوم مطهر من الكذب، لم يبق لمؤمن توقف، ولا لمعاند حجة بعد اعترافه بالملزومات.

و قوله عليه السّلام: (وفي شبه من أيوب، والله ليجمعن الله لي شملي كما جمعه لأيوب): صريح في رجوع الأئمة كلهم عليهم السّلام بصريح الحديث المتفق عليه، فإنّ في الأمم الماضية كان مثل ذلك كما في أيوب، فإنّ اللّه سبحانه قال: وَ آتَيْناهُ أَهْلَهُ وَ مِثْلَهُمْ مَعَهُمْ (2) فلا بد أن يكون في هذه الأمة من يرجع إليه أهله، ومثلهم معهم في الدنيا بعد الموت كما في أيوب.

وفيه عن عباية، قال: سمعت علياً يقول: (أنا سيد الشيب، وفي شبه من أيوب، لأن ايوب عليه السّلام ابتلي ثم عافاه الله من بلواه، وأوتي أهله، ومثلهم معهم، كما حكي الله سبحانه)(3).

وقوله عليه السّلام: (والله ليجمعن الله لي أهلي كما جمعوا ليعقوب عليه السّلام) : وذلك أنّ يعقوب فرق بينه وبين أهله برهة من الزمان، ثم جمعوا له.9.

ص: 323


1- تقدم تخريجه فراجع.
2- سورة الأنبياء، الآية: 84.
3- بحار الأنوار، ج 53، ص 108، باب: 29.

وفي بصائر الدرجات، بسنده عن سلمان الفارسي، عن أمير المؤمنين عليه السّلام: (وأنا الفاروق الأكبر، وصاحب النشر الأول، والنشر الثاني، وأنا صاحب الميسم، وأنا صاحب الكرات، ودولة الدول،)(1).

أقول: قوله عليه السّلام: (أنا صاحب الميسم): يعني أنا دابة الأرض التي تسم المومن بعصا موسي، أو خاتم سليمان عليه السّلام فيبيض وجهه، وتسم الكافر بعصا موسي عليه السّلام، أو خاتم سليمان عليه السّلام فيسود وجهه، والترديد علي اختلاف الروايتين.

وعن جابرٍ عن أبي عبد اللّه الجدلي، قال: دخلت علي علي بن أبي طالب عليه السّلام يوماً، فقال: (أنا دابة الأرض)(2).

و قد روي عنه عليه السّلام أنه قال بعد ذكر قتل الدجال: (ألا إنّ بعد ذلك الطامة الكبري، قلنا: وما ذاك يا أمير المؤمنين؟.

قال: خروج دابة الأرض عند الصفا، معها خاتم سليمان، وعصا موسي، يضع الخاتم علي وجه كل مؤمن فينطبع فيه هذا مؤمن حقاً، ويضعه علي وجه كل كافر فيكتب فيه هذا كافر حقاً...)(3).

وإنما قلنا: علي اختلاف الروايتين، لأن في بعضها يضع خاتم سليمان علي وجه المؤمن، ويسم الكافر، أو يحطم أنف الكافر بعصا سليمان، وفي5.

ص: 324


1- بحار الأنوار، ج 53، ص 98، ح 144، باب: 29.
2- مختصر البصائر، ص 483، ح 27، باب: تتمة ما تتقدم من أحاديث سعد. مناقب آل أبي طالب، ج 3، ص 102. بحار الأنوار، ج 53، ص 110، باب: 29.
3- الخرائج و الجرائح، ج 3، ص 1136. بحار الأنوار، ج 52، ص 194، باب: 25.

بعضها يسم المؤمن بعصا موسي، ويسم الكافر بخاتم سليمان، ولكل في الاعتبار معني.

و في منتخب البصائر من كتاب الواحدة، بسنده عن عاصم بن حميد، عن أبي جعفر الباقر عليه السّلام قال: وقال أمير المؤمنين «صلوات اللّه عليه»: (إنّ الله تبارك وتعالي أحد واحد، تفرد في وحدانيته، وتكلم بكلمة فصارت نوراً، ثم خلق من ذلك النور محمداً صلّي الله عليه و آله، وخلقني وذريتي.

ثم تكلم بكلمة فصارت روحاً، فاسكنه الله في ذلك النور، وأسكنه في أبداننا، فنحن روح الله وكلماته، فبنا احتج علي خلقه، فما زلنا في ظلة خضراء، حيث لا شمس ولا قمر، ولا ليل ولا نهار، ولا عين تطرف، نعبده ونقدسه ونسبحه، وذلك قبل أن يخلق الخلق.

وأخذ ميثاق الأنبياء بالإيمان، والنصرة لنا، وذلك قوله عزّوجلّ: وَ إِذْ أَخَذَ اللّهُ مِيثاقَ النَّبِيِّينَ لَما آتَيْتُكُمْ مِنْ كِتابٍ وَ حِكْمَةٍ ثُمَّ جاءَكُمْ رَسُولٌ مُصَدِّقٌ لِما مَعَكُمْ لَتُؤْمِنُنَّ بِهِ وَ لَتَنْصُرُنَّهُ (1) يعني: لتًؤمنن بمحمد صلّي الله عليه و آله، ولتنصرن وصيه وينصرونه جميعاً.

وأن الله أخذ ميثاقي مع ميثاق محمد صلّي الله عليه و آله بالنصرة بعضنا لبعض، فقد نصرت محمداً صلّي الله عليه و آله وجاهدت بين يديه، وقتلت عدوه، و وفيت لله بما أخذ عليَّ من الميثاق و العهد و النصرة لمحمد صلّي الله عليه و آله، ولم ينصرني أحد من أنبياء الله ورسله، وذلك لما قبضهم الله إليه، وسوف ينصرونني ويكون لي ما بين مشرقها إلي مغربها، وليبعثهم الله أحياء من لدن آدم إلي محمد صلّي الله عليه و آله، كل نبي مرسل يضربون بين يدي بالسيف هام الأموات و الأحياء، والثقلين جميعاً.1.

ص: 325


1- سورة آل عمران، الآية: 81.

فيا عجباً وكيف لا أعجب من أموات يبعثهم الله أحمياء، يلبون زمرة زمرة بالتلبية، لبيك لبيك يا داعي الله، قد انطلقوا بسكك الكوفة، قد شهروا سيوفهم علي عواقتهم، ليضربون بها هام الكفرة وجبابرنهم، وأتباعهم من جبابرة الأولين و الآخرين، حتي ينجز الله ما وعدهم في قوله عزّوجلّ: وَعَدَ اللّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَ عَمِلُوا الصّالِحاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَ لَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضي لَهُمْ وَ لَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْناً يَعْبُدُونَنِي لا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئاً (1) ؛ أي يعبدونني آمنين لا يخافون أحداً في عبادتي، ليس عندهم تقية.

وأن لي الكرة بعد الكرة، والرجعة بعد الرجعة، واًنا صاحب الرجعات و الكرات، وصاحب الصولات و النقمات، والدولات العجيبات، وأنا قرن من حديد، وأنا عبد الله، وأخو رسول الله صلّي الله عليه و آله، وأنا أمين الله وخازنه، وعيبة سره، وحجابه ووجهه، وصراطه وميزانه.

وأنا الحاشر إلي الله، وأنا كلمة الله التي يجمع بها المتفرق ويفرق بها المجتمع.

وأنا أسماء الله الحسني، وأمثاله العليا، وآياته الكبري.

وأنا صاحب الجنة و النار، أسكن أهل الجنة الجنة، وأسكن أهل النار النار، و إليّ تزويج أهل الجنة، و إلي عذاب أهل النار، و إلي إياب الخلق جميعاً، وأنا الأياب الذي يؤوب إليه كل شيء بعد الفناء، و إليّ حساب الخلق جميعاً.

وأنا صاحب الهنات، وأنا المؤذن علي الأعراف، وأنا بارز الشمس، وأنا دابة الأرض، وأنا قسيم النار، وأنا خازن الجنان، واًنا صاحب5.

ص: 326


1- سورة النور، الآية: 55.

الأعراف، و أنا أمير المؤمنين، ويعسوب المتقين، وآية السابقين، ولسان الناطقين، وخاتم الوصيين، ووارث النبيين، وخليفة رب العالمين، وصراط ربي المستقيم وقسطاطه، والحجة علي أهل السماوات و الأرضين وما فيهما وما بينهما.

وأنا الذي احتج الله به عليكم في ابتداء خلقكم، وأنا الشاهد يوم الدين، وأنا الذي علمت علم المنايا و البلايا و القضايا، وفصل الحطاب والأنساب، واستحفظت آيات النبيين المستحقين المستحفظين.

وأنا صاحب العصا و الميسم، وأنا الذي سُخرت لي السحاب، والرعد واليرق، والظلم و الأنوار، والرياح و الجبال و البحار، والنجوم و القمر.

وأنا الذي أهلكت عاداً وثموداً وأصحاب الرس، وقاروناً بين ذلك كثيراً.

وأنا الذي ذللت الجبابرة، وأنا صاحب صديق، ومُهلك فرعون، ومنجي موسي عليه السّلام، وأنا القرن الحديد، وأنا فاروق الأمة، وأنا الهادي، وأنا الذي أحصيت كل شيء عدداً بعلمه الذي أودعنيه، وبسره الذي أسره إلي محمد صلّي الله عليه و آله وأسره النبي صلّي الله عليه و آله إلي.

وأنا الذي أنحلني ربي اسمه، وكلمته وحكمته، وعلمه وفهمه.

يا معشر الناس - اسالوني قبل أن تفقدوني.

اللهم إني أشهدك وأستعديك عليهم، ولا حول ولا قوة إلّا بالله العلي العظيم، والحمد لله رب العالمين، متبعين أمره)(1).9.

ص: 327


1- مختصر البصائر، ص 130، باب: أحاديث في الرجعة من طريق سعد. بحار الأنوار، ج 53، ص 46، ح 20، باب: 29.

أقول: لا يمكنني بيان ما أعرف من هذا الخبر الشريف، لأن بيانه علي ما أعرف يكون منه ربما أكثر مما كتبت في هاتين المسألتين، «العصمة(1)

والرجعة» كله، وما لا أعرف أكثر مما أعرف بكثير غير متناه، و أما ظاهر ألفاظه فلا إشكال فيها.

و «القَرن»: بفتح القاف: الحصن، واللّه أعلم.

وفي تفسير العياشي، عن صالح بن ميثم، قال: سألت أبا جعفر عليه السّلام عن قول اللّه: وَ لَهُ أَسْلَمَ مَنْ فِي السَّماواتِ وَ الْأَرْضِ طَوْعاً وَ كَرْهاً (2) قال : (ذلك حين يقول علي عليه السّلام: أنا أوليَ الناس بهذه الآية،: وَ أَقْسَمُوا بِاللّهِ جَهْدَ أَيْمانِهِمْ لا يَبْعَثُ اللّهُ مَنْ يَمُوتُ بَلي وَعْداً عَلَيْهِ حَقًّا وَ لكِنَّ أَكْثَرَ النّاسِ لا يَعْلَمُونَ . إلي قوله: اَلْكاذِبِينَ (3)(4).

أقول: قوله عليه السّلام: في الجواب حين يقول إلي أخر: يريد عليه السّلام أن تأويل هذه الآية، وهي قوله: وَ لَهُ أَسْلَمَ مَنْ فِي السَّماواتِ وَ الْأَرْضِ يحق في حين تحقق قوله تعالي: وَ أَقْسَمُوا بِاللّهِ جَهْدَ أَيْمانِهِمْ وذلك كما تقدم أن تأويل قوله: وَ أَقْسَمُوا بِاللّهِ... إلخ أن منكري الرجعة وبعث الأموات، اقسموا باللّه جهد أيمانهم لا يبعث اللّه من يموت في الرجعة، وإنما يبعث من يموت في القيامة، لأنهم من السلمين الذين لا ينكرون البعث يوم القيامة.9.

ص: 328


1- طبعت هذه المسالة. بمفردها، من أرادها فاليطلبها.
2- سورة آل عمران، الآية: 83.
3- سورة النحل، الآيتان: 38-39.
4- تفسير العياشي، ج 1، ص 183، ح 80، سورة آل عمران، آية: 83. بحار الأنوار، ج 53، ص 50، ح 21، باب: 29.

والدليل علي أنهم من المسلمين قوله تعالي: وَ أَقْسَمُوا بِاللّهِ جَهْدَ أَيْمانِهِمْ (1)

فإن الكافرين و المشركين لا يقسمون باللّه جهد أيمانهم، وإنما يقسمون باللات و العزي، فرد اللّه علي منكري البعث في الرجعة، فقال: بَلي وَعْداً عَلَيْهِ حَقًّا... (2) ، فإذا كانت الرجعة، وكان البعث، كما وعد اللّه حَقَّ تأويل قوله: وَ لَهُ أَسْلَمَ... «وأنا أولي بها»، أنه ينقاد لي من في السماوات والأرض طوعاً وكرهاً، و إليّ يرجعون في كل شيء.

وفي منتخب البصائر قال جابر؛ قال أبو جعفر عليه السّلام؛ قال أمير المؤمنين عليه السّلام: في قوله عزّوجلّ: رُبَما يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْ كانُوا مُسْلِمِينَ (3) قال:

(هو أنا إذا خرجت أنا وشيعتي، وخرج عثمان بن عفان وشيعته، ونقتل بني أمية، فعندها يود الذين كفروا لو كانوا مسلمين)(4).

وفي مناقب ابن شهرآشوب، عن الباقر عليه السّلام في شرح قول أمير المؤمنين عليه السّلام: (علي يدي تقوم الساعة.

قال: يعني الرجعة قبل القيامة ينصر الله لي وبذريتي المؤمنين)(5).9.

ص: 329


1- سورة آل عمران، الآية: 83.
2- سورة النحل، الآية: 38.
3- سورة الحجر، الآية: 2.
4- مختصر البصائر، ص 78، ح 1، باب: الكرات وحالاتها. بحار الأنوار، ج 53، ص 64، ح 55، باب: 29.
5- مناقب آل أبي طالب، ج 3، 387، فصل: في محبة النبي صلّي الله عليه و آله. بحار الأنوار، ج 53، ص 120، ح 153، باب: 29.

وفي تفسير علي بن إبراهيم: قُتِلَ الْإِنْسانُ ما أَكْفَرَهُ (1) قال: (هو أمير المؤمنين عليه السّلام.

قال: ما أكفره، أي ماذا فعل فأذنب حتي قتلوه.

ثم قال: مِنْ أَيِّ شَيْ ءٍ خَلَقَهُ * مِنْ نُطْفَةٍ خَلَقَهُ فَقَدَّرَهُ * ثُمَّ السَّبِيلَ يَسَّرَهُ (2).

قال: يسر له طريق الخير ثُمَّ أَماتَهُ فَأَقْبَرَهُ * ثُمَّ إِذا شاءَ أَنْشَرَهُ (3).

قال: في الرجعة كَلاّ لَمّا يَقْضِ ما أَمَرَهُ (4) أي لم يقض أمير المؤمنين عليه السّلام ما قد أمره، و سيرجع حتي يقضي ما أمره)(5).

وعنه عن أبي سلمة، عن أبي جعفر عليه السّلام قال: (سألته عن قول الله:

قُتِلَ الْإِنْسانُ ما أَكْفَرَهُ (6) ؛ قال: نزلت في أمير المؤمنين عليه السّلام، ما أَكْفَرَهُ يعني بقتلكم إياه، ثم نسب أمير المؤمنين عليه السّلام فنسب خلقه وما أكرمه الله به، فقال: مِنْ أَيِّ شَيْ ءٍ خَلَقَهُ (7) يقول: من طينة الأنبياء فَقَدَّرَهُ (8) للخير،: ثُمَّ السَّبِيلَ يَسَّرَهُ (9) ؛ يعني سبيل الهدي: ثُمَّ0.

ص: 330


1- سورة عبس، الآية: 17.
2- سورة عبس، الآيات: 18-19-20.
3- سورة عبس، الآيتان: 21-22.
4- سورة عبس، الآية: 23.
5- تفسير القمي، ج 2، ص 398، سورة عبس، آية: 17.
6- سورة عبس، الآية: 17.
7- سورة عبس، الآية: 18.
8- سورة عبس، الآية: 19.
9- سورة عبس، الآية: 20.

أَماتَهُ (1) ميتة الأنبياء،: ثُمَّ إِذا شاءَ أَنْشَرَهُ (2). قلت: قوله: ثُمَّ إِذا شاءَ أَنْشَرَهُ . قال: يمكث بعد قتله في الرجعة فيقضي ما أمره)(3).

أقول: قوله عليه السّلام: (في الرجعة): متعلق ب (يمكث).

وقوله: (بعد قتله): يحتمل بعد قتله في هذه الدنيا، حين قتله ابن ملحم - لعنه اللّه - فيكون المراد. بمكثه في الرجعة حين يكر الكرة الأولي لنصرة ابنه الحسين عليه السّلام، وذلك بعد موت القائم عليه السّلام بثمان سنين، ويكون مكثه في هذه الكرة علي ما واجهته من بعض الروايات ثلاممائة سنة وتسع سنين، بل هو صريح رواية العياشي، عن جابر كما تقدم فراجع.

ثم يقتل مرة ثانية - لعن اللّه قاتله أولاً وآخراً - ويمكث في موته أربعة آلاف سنة، أو ستة آلاف سنة، أو عشرة آلاف سنة، ثم يكر الكرات، ويمكث في الدنيا إلي قريب نفخة الصور، نفخة الصعق، ويحتمل بعد قتله في الرجعة في الكرة الأولي، وهي كرة الثانية، و قد أشرنا إلي هذا كله سابقاً.

وفي منتخب البصائر، من كتاب تاويل ما نزل س القرآن في النبي صلّي الله عليه و آله، بسنده عن أبي بصير، عن أبي جعفر عليه السّلام قال: سالته عن قوله اللّه عزّوجلّ:

إِنْ نَشَأْ نُنَزِّلْ عَلَيْهِمْ مِنَ السَّماءِ آيَةً فَظَلَّتْ أَعْناقُهُمْ لَها خاضِعِينَ (4) .

قال: (فخضع لها رقاب بني أمية.

قال: ذلك بارز عند زوال الشمس.4.

ص: 331


1- سورة عبس، الآية: 21.
2- سورة عبس، الآية: 22.
3- تفسير القمي، ج 2، ص 398، سورة عبس، آية: 17. تاويل الآيات الظاهرة، ص 764، سورة عبس، آية: 17. بحار الأنوار، ج 53، ص 119، باب: 29.
4- سورة الشعراء، الآية: 4.

قال: وذلك علي بن أبي طالب «صلوات الله عليه» يبرز عند زوال الشمس علي رووس الناس ساعة حتي يبرز وجهه، يعرف الناس حسبه ونسبه.

ثم قال: أما بنو أمية ليختبين الرجل منهم إلي جنب شجرة، فتقول:

هذا رجل من بني أمية فاقتلوه)(1).

أقول: قوله عليه السّلام: (ذلك بارز الشمس - إلي قوله - يبرز عند زوال الشمس): يحتمل أن المراد منه أنه عليه السّلام هو الذي يبرز فِي قرص الشمس في شهر رجب، قبل ظهور القائم عليه السّلام بخمسة أشهر، أو ستة أشهر، لأنه علامة ظهوره.

ويحتمل أن المراد منه أنه عليه السّلام يكر في الكرة الأولي، أو الثانية، أو فيهما عند الزوال، ويمكث ساعة بارزاً للناس إلي أن يعرف بحسبه ونسبه، ولعل الأول أولي.

وفيه بسنده عن عبد اللّه بن سنان، قال: قال أبو عبد اللّه عليه السّلام: قال رسول الله صلّي الله عليه و آله: (لقد أسري بي ربي عزّوجلّ فأوحي إلي من وراء حجاب ما أوحي، وكلمني بما كلم به، وكان مما كلمني به أن قال: يا محمد إني أنا الله لا اٍله إلّا أنا، عالم الغيب و الشهادة الرحمن الرحيم، إني أنا الله لا إله إلّا أنا الملك القدوس، السلام المؤمن المهيمن، العزيز الجبار المتكبر، سبحان الله عما يشركون.9.

ص: 332


1- مختصر البصائر، ص 482، ح 26، باب: تتمة ما تقدم من أحاديث سعد. تأويل الآيات الظاهرة، ص 386، ح 2، سورة الشعراء، آية: 4. بحار الأنوار، ج 53، ص 109، باب : 29.

إني أنا الله لا إله إلّا أنا اظلق البارئ المصور، لي الأسماء الحسني، يسبح لي ما في السماوات و الأرض، وأنا العزيز الحكيم.

يا محمد إني أنا الله لا إله إلّا أنا، الأول فلا شيء قبلي، و أنا الآخر فلا شيء بعدي، وأنا الظاهر فلا شيء فوقي، وأنا الباطن فلا ثيء دوني، و أنا الله لا إله إلّا أنا بكل شيء عليم.

يا محمد! علي أول من آخذ ميثاقه من الأئمة.

يا محمد! علي آخر من أقبض روحه من الأئمة، و هو الدابة التي تكلمهن.

يا محمد! علي أَظْهِرْهُ علي جميع ما أوحيه إليك، ليس لك أن تكتم منه شيئاً.

يا محمد! علي أبطنه الذي أسررته إليك، فليس ما بيني وبينك سر دونه.

يا محمد! علي علي ما خلقت من حلال أو حرام، علي عليم به)(1).

أقول: قوله: (علي علي ما خلقت... إلخ): مبتدأ.

وقوله: (علي ما خلقت): جار ومجرور متعلق بالخبر الذي هو علي الثاني؛ أي علي عالي علي ما خلقت، أي علي عالي الشأن.

و قوله: (عليم به): خبر بعد خبر.

وقوله: (يا محمد علي أول من آخذ ميثاقه من الأئمة عليهم السّلام): ظاهر فإنه بعد النبي صلّي الله عليه و آله، فقال الله تعالي للخلق أجمعين كل في مخل تقديره: (ألست بربكم، ومحمد نبيكم، وعلي وليكم و إمامكم، و الأئمة من ولده أئمتكم.

فقالوا: بلي)(2).ع.

ص: 333


1- مختصر البصائر، ص 138، ح 6، باب: أحاديث في الرجعة من كير طريق سعد. بحار الأنوار، ج 53، ص 68، ح 65، باب: 29.
2- تقدم تخريجه فراجع.

وقوله: (وآخر من أقبض روحه من الأئمة عليهم السّلام): فيه إشارة إلي آخر من يقبض الجبار عزّوجلّ روحه محمد صلّي الله عليه و آله، وقبله علي عليه السّلام، لأن محمداً صلّي الله عليه و آله قبل الخلق حياة، فيكون آخر الخلق قبضاً، ثم بعده علي أول الأئمة كوناً، وآخرهم قبضاً، و قد تقدمت الاشارة إلي أن ما بين أن يرفعهم اللّه تعالي من العالم، وبين نفخ الصور نفخة الصعق إلّا أربعين يوماً، يكون فيها الهرج والمرج، و هذا إن شاء اللّه تعالي لا إشكال [فيه]، وأنهم عليهم السّلام يرفعون في وقت واحد نوعي.

أما ترتيب رفعهم وكم بين الأول و الثاني فلم أقف علي ما يدل علي ذلك، نعم الذي استفدته من اقتباسات أنوارهم من أخبارهم في تلويحات أسرارهم أن أول من يرفع منهم عليهم السّلام فاطمة عليه السّلام، ئم الأئمة الثمانية علي بن الحسين، والباقر، والصادق، والكاظم، والرضا، والجواد، والهادي، والعسكري «صلوات اللّه عليهم أجمعين»، ثم الحسين، ثم الحسن عليه السّلام، ثم علي عليه السّلام، ثم رسول اللّه صلّي الله عليه و آله.

ومما يلوح إلي هذا ما أشار به في محمد وعلي «صلي اللّه عليهما وآلهما و سلم» فقال تعالي: (علي أول من آخذ ميثاقه من الأئمة عليهم السّلام): فدل علي أن أخذ ميثاق رسول اللّه صلّي الله عليه و آله قبل علي عليه السّلام.

وقال تعالي: (علي آخر من أقبض روحه من الأئمة عليهم السّلام): فدل علي أنْ قبض روح رسول اللّه صلّي الله عليه و آله بعد قبض روح علي عليه السّلام، وأن قبض روحيهما بعد قبض أرواح الأئمة «عليهما وعليهم السلام»، كما أن إيجادهما قبل إيجادهم، وأخذ ميثاقهما قبل أخذ ميثاقهم، «صلي اللّه عليهم أجمعين».

وفيه بسنده عن أبان بن تغلب، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام أنه قال: (بلغ رسول الله صلّي الله عليه و آله عن بطنين من قريش، كلام تكلموا به فقالوا: يري محمد أن لو قد قضي أنّ هذا الأمر يعود في أهل بيته من بعده، فاُعلم رسول الله

ص: 334

صلّي الله عليه و آله ذلك، فباح في مجمع من قريش بما كان يكتمه، فقال: كيف أنتم معاشر قريش، و قد كفرتم بعدي، ثم رأيتموني في كتيبة من أصحابي، أضرب وجوهكم ورقابكم بالسيف؟.

قال: فنزل جبرائيل عليه السّلام فقال: يا محمد قل إن شاء الله أو يكون ذلك علي بن أبي طالب عليه السّلام إن شاء الله تعالي.

فقال رسول اللّه صلّي الله عليه و آله: أو يكون ذلك علي بن أبي طالب عليه السّلام إن شاء الله تعالي؟.

فقال جبرائيل عليه السّلام: واحدة لك واثنتان لعلي بن أبي طالب عليه السّلام، وموعدكم السلام.

قال أبان: جعلت فداك وأين السلام؟.

فقال عليه السّلام: يا أبان السلام من ظهر الكوفة)(1).

اًقول: قوله: (عن بطنين من قريش): الظاهر أنهما تيم وعدي.

وقوله: (فباح): أي أظهر ما كتمه، و (الكتيبة): العسكر.

فقوله: (فقال جبرائيل عليه السّلام: قل ما شاء الله)، إنما أمره عن اللّه بذلك، لأن الأشياء متوقفة الوقوع علي مشيئة اللّه.

وقوله: (واحدة لك، واثنتان لعلي بن أبي طالب عليه السّلام): يراد منه أنه صلّي الله عليه و آله له كرة واحدة، لأنه آخر من يكر في آخر الكرات في اليوم المعلوم، و هو الذي يقتل إبليس.

و أما علي عليه السّلام فله كرتان؛ الأولي مع الحسين ابنه عليه السّلام، والأخري الي يجتمع هو وجنوده، وإبليس في يوم الوتت المعلوم، عند «الروحاء» ويقتل9.

ص: 335


1- بحار الأنوار، ج 53، ص 66، ح 60، باب: 29.

رسول اللّه صلّي الله عليه و آله إبليس - لعنه اللّه - و هو في منتخب البصائر، بسنده عن عبد الكريم بن عمرو الخثعمي، قال: سمعت أبا عبد اللّه عليه السّلام يقول: (إنّ إبليس قال: فَأَنْظِرْنِي إِلي يَوْمِ يُبْعَثُونَ فابي الله ذلك عليه، فقال: فَإِنَّكَ مِنَ الْمُنْظَرِينَ * إِلي يَوْمِ الْوَقْتِ الْمَعْلُومِ (1).

فماذا كان يوم الوقت المعلوم ظهر إبليس - لعنه الله - في جميع أشياعه، منذ خلق الله آدم إلي يوم الوقت المعلوم؛ وهي آخر كرة يكرها أمير المؤمنين «صلوات اللّه عليه».

فقلت: وإنها لكرات؟.

قال: نعم إنها لكرات وكرات، ما من إمام في قرن إلّا ويكر معه البر والفاجر في دهره، حتي يديل الله المؤمن من الكافر، فإذا كان يوم الوقت المعلوم كر أمير المؤمنين «صلوات الله عليه» في أصحابه، وجاء إبليس في أصحابه، ويكون ميقاتهم في أرض من أراضي الفرات، يقال لها: «الروحاء» قريب من كوفتكم، فيقتتلون قتالاً لم يقتتل مثله منذ خلق الله عزّوجلّ العالمين، فكأني أنظر إلي أصحاب علي أمير المؤمنين «صلوات اللّه عليه» قد رجعوا إلي خلفهم القهقري مائة قدم، وكأني أنظر إليهم و قد وقعت بعض أرجلهم في الفرات.

فعند ذلك يهبط الجبار عزّوجلّ في ظلل من الغمام، و الملائكة وقضي الأمر، رسول الله صلّي الله عليه و آله أمامه بيده حربة من نور، فإذا نظر إبليس رجع القهقري ناكصاً علي عقبيه، فيقولون له أصحابه: أين تريد و قد ظفرت؟.1.

ص: 336


1- سورة ص، الآيات: 79-80-81.

فيقول لهم: إِنِّي أَري ما لا تَرَوْنَ (1)إِنِّي أَخافُ اللّهَ رَبَّ الْعالَمِينَ (2) فيلحقه النبي صلّي الله عليه و آله فيطعنه طعنة بين كتفيه، فيكون هلاكه وهلاك جميع أشياعه، فعند ذلك يعبد الله عزّوجلّ ولا يشرك به شيئاً، ويملك أمر المؤمنين عليه السّلام أربعاً وأربعين ألف سنة.

حتي يلد الرجل من شيعة علي عليه السّلام ألف ولد من صلبه ذكراً في كل سنة ذكراً، وعند ذلك تظهر الجنتان المدهامتان عند مسجد الكوفة وما حوله بما شاء الله)(3).

أقول: قيل: (هبوط الجبار تعالي كناية عن نزول آيات عذابه)(4).

أقول: ورد عنهم عليهم السّلام كما في تفسير علي بن إبراهيم: (أن الغمام في هذه الآية هو أمير المؤمنين عليه السّلام)(5) فالمراد بإتيان الله ظهور قهره وسطوته، واقتدراه به عليه السّلام لأنه محل ذلك، كما أنه محل رحمته، فهو رحمة اللّه، وعفوه وفضله، و هو عذاب اللّه وعدله.

وقوله عليه السّلام: (وعند ذلك تظهر الجنتان المدهامتان... إلخ): لأن الجنتين المدهامتين من جنان الدنيا، وهي مأوي أرواح المؤمنين، ولهذا قال تعالي بعد أن ذكر جنان الخلد في الآخرة، فقال: وَ لِمَنْ خافَ مَقامَ رَبِّهِ جَنَّتانِ *0.

ص: 337


1- سورة الأنفال، الآية: 48.
2- سورة الحشر، الآية: 16.
3- مختصر البصائر، ص 115، ح 37، باب: الكرات و حالاتها.
4- بحار الأنوار، ج 53، ص 43، باب: 29.
5- تفسير القمي، ج 2، ص 90، سورة الفرقان، آية: 25. بحار الأنوار، ج 36، ص 190.

فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ * ذَواتا أَفْنانٍ (1) . قال: وَ مِنْ دُونِهِما جَنَّتانِ * فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ * مُدْهامَّتانِ (2).

فقوله: وَ مِنْ دُونِهِما : أي ومن دون الجنتين الأوليين، والمراد بالدون القرب أو الضعف؛ أي ولمن خاف مقام ربه جنتان في الآخرة، وصفهما كما ذكر تعالي، وله من دونهما أقرب منهما، وأقل منهما في الشرف، فالدون يفيد القرب، أي من قبلهما جنتان في البرزخ، والقلة أي أقل من جنتي الخلد.

ونظيره ما في الحديث القدسي قال تعالي: (يا داوود! لا تجعل بيني وبينك عالماً مفتوناً بالدنيا، فيصدك عن طريق محبتي، فإن أولك قطاع طريق عادي المريدين، أن أدني ما أنا صانع بهم، أن أنزع حلاوة مناجاتي من قلوبهم)(3) ، «فأدني»: يفيد المعنيين؛ أي أقل ما أنا صانع بهم، أو أول ما أنا صانع بهم وأقرب.

فإن قلت: إن المفسرين نصوا علي أن الجنتين المدهامتين لأصحاب اليمين يوم القيامة، وأن الجنتين ذواتا أفنان للمقربين.

قلت: كلامهم علي الحرف الظاهر، ونحن إنما قلنا بذلك لما ثبت من الدليل النقلي و العقلي، أما النقلي فالكتاب و السنة، فأما الكتاب فقوله تعالي في وصف الجنة: جَنّاتِ عَدْنٍ الَّتِي وَعَدَ الرَّحْمنُ عِبادَهُ بِالْغَيْبِ إِنَّهُ كانَ وَعْدُهُ مَأْتِيًّا * لا يَسْمَعُونَ فِيها لَغْواً إِلاّ سَلاماً وَ لَهُمْ رِزْقُهُمْ فِيها بُكْرَةً وَ عَشِيًّا (4).2.

ص: 338


1- سورة الرحمان، الآيات: 46-47-48.
2- سورة الرحمان، الآيات: 62-63-64.
3- أصول الكافي، ج 1، ص 46، ح 4. علل الشرائع، ج 2، ص 97، ح 12، باب: 131. مشكاة الأنوار، ص 140، فصل: 8 في العلم و العالم. بحار الأنوار، ج 2، ص 107، ح 8، باب: 15.
4- سورة مريم، الآيتان: 61-62.

و هذه جنة الدنيا لقوله: بُكْرَةً وَ عَشِيًّا فإن الآخرة لا يكون فيها بكرة ولا عشي.

ثم قال: تِلْكَ الْجَنَّةُ الَّتِي نُورِثُ مِنْ عِبادِنا مَنْ كانَ تَقِيًّا (1) فأبان سبحانه أن الجنة الي فيها البكرة و العشي وهي حنة الدنيا، هي بعينها التي لا بكرة فيها ولا عشي.

وقوله في وصف النار: وَ حاقَ بِآلِ فِرْعَوْنَ سُوءُ الْعَذابِ * اَلنّارُ يُعْرَضُونَ عَلَيْها غُدُوًّا وَ عَشِيًّا وَ يَوْمَ تَقُومُ السّاعَةُ (2) ، فأبان سبحانه بأن النار التي يعرضون عليها غدواً وعشياً، يعي في الدنيا هي التي يعرضون عليها يوم تقوم الساعة و هذا ظاهر، كما أنْ جسدك الموجود في هذه الدنيا هو بعينه جسد الآخرة، وجسد البرزخ، و هذا من دليل الحكمة علي جهة الاختصار، فافهم راشداً.

وفي تفسير العياشي، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: (لقد تسموا باسم ما سمي الله به أحداً إلّا علي بن أبي طالب عليه السّلام، وما جاء تأويله.

قلت: جعلت فداك متي يجيء تأويله؟.

قال: إذا جاء؛ جمع الله أمامه النبيين و المؤمنين حتي ينصروه، و هو قول الله: وَ إِذْ أَخَذَ اللّهُ مِيثاقَ النَّبِيِّينَ لَما آتَيْتُكُمْ مِنْ كِتابٍ وَ حِكْمَةٍ إلي قوله:

وَ أَنَا مَعَكُمْ مِنَ الشّاهِدِينَ (3) فيومئذ يدفع رسولَ الله صلّي الله عليه و آله اللًواء إلي علي بن أبي طالب، فيكون أمير الحلائق كلًهم أجمعين، ويكون الخلائق كلهم تحت لوائه، ويكون هو أميرهم، فهذا تأويله)(4).7.

ص: 339


1- سورة مريم، الآية: 63.
2- سورة غافر، الآيتان: 45-46.
3- سورة آل عمران، الآية: 81.
4- تفسير العياشي، ج 1، ص 181، ح 77. بحار الأنوار، ج 53، ص 70، ح 67.

وفي منتخب البصائر، عن جابر بن يزيد، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال:

(إنّ لعلي عليه السّلام في الأرض كرة مع الحسين ابنه «صلوات اللّه عليه»، يقبل برايته حتي ينتقم له من بني أمية، ومعاوية وآل معاوية، ومن شهد حربه - لعنهم الله -، ثم يبعثهم الله إليهم بأنصاره يؤمئذٍ من أهل الكوفة ثلاثين ألفاً، ومن سائر الناس سبعين ألفاً، فيلقاهم بصفين مثل المرة الأولي حتي يقتلهم، ولا يبقي منهم مخبر.

ثم يبعثهم الله عزّوجلّ فيدخلهم أشد عذابه مع فرعون وآل فرعون.

ثم كرة أخري مع رسول الله صلّي الله عليه و آله حتي يكون خليفة في الأرض، وتكون الأئمة عليهم السّلام عماله، وحتي يبعد الله علانية، فتكون عبادته علانية في الأرض، كما عبد الله سراً في الأرض.

ثم قال أي و الله، وأضعاف ذلك - ثم عقد بيده أضعافاً - يعطي الله نبيه ملك جمع أهل الدنيا، منذ يوم خلق الله الدنيا إلي يوم يفنيها، حق ينجز له موعوده في كتابه، كما قال: لِيُظْهِرَهُ عَلَي الدِّينِ كُلِّهِ وَ لَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ (1)(2).

وفي منتخب البصائر، بسنده عن خالد بن يحيي، قال: قلت لأبي عبد اللّه:

عي رسول اللّه صلّي الله عليه و آله أَبا بكر صديقاً؟.

فقال: (نعم إنه حيث كان أبو بكر معه في الغار، قال رسول الله صلّي الله عليه و آله:

أني لأري سفينة بني عبد المطلب تضطرب في البحر ضالة.9.

ص: 340


1- سورة التوبة، الاية: 33.
2- مختصر البصائر، ص 121، ح 45، باب: الكرات وحالاتها. بحار الأنوار، ج 53، ص 74، ح 75، باب: 29.

فقال له أبو بكر: وإنك لتراها؟.

قال: نعم.

قال: يا رسول الله صلّي الله عليه و آله تقدر أن ترينيها؟.

فقال: أدن مني، فدنا منه فمسح يده علي عينه، ثم قال له: أنظر.

فنظر أبو بكر فرأي السفينة تضطرب في البحر، ثم نظر إلي قصور أهل المدينة، فقال في نفسه: الآن صدّقت إنك ساحر.

فقال رسول الله صلّي الله عليه و آله: صدِّيق أنت.

فقلت: لم سمي عمر الفاروق؟.

قال: نعم ألا تري أنه فرق بين الحق و الباطل، وأخذ الناس بالباطل.

قلت: فلم سمي سالماً الأمين؟.

قال: لما أن كتبوا الكتب ووضعوها علي يد سالم فصار الأمين.

قلت: فقال: اتقوا دعوة سعد.

قال: نعم.

قلت: وكيف ذلك؟.

قال: إنّ سعداً يكر فيقاتل علياً عليه السّلام)(1).

وفي كنز الكراجكي، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام في قوله عزّوجلّ: أَ فَمَنْ وَعَدْناهُ وَعْداً حَسَناً فَهُوَ لاقِيهِ (2) قال: (الموعود علي بن أبي طالب عليه السّلام،1.

ص: 341


1- مختصر البصائر، ص 122، ح 46، باب: الكرات وحالاتها. بحار الأنوار، ج 53، ص 75، ح 76، باب: 29.
2- سورة القصص، الآية: 61.

وعده الله أن ينتقم له من أعدائه في الدنيا، ووعده الجنة له و لأوليائه في الآخرة)(1).

وفي الاختصاص، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام أنه قال حين سئل عن اليوم الذي ذكره اللّه مقداره في القرآن: فِي يَوْمٍ كانَ مِقْدارُهُ خَمْسِينَ أَلْفَ سَنَةٍ (2) ، وهي (كرة رسول اللّه صلّي الله عليه و آله، فيكون ملكه في كرته خمسين ألف سنة، ويملك أمير المؤمنين في كرته أربعة وأربعين ألف سنة)(3).

أقول: قوله: (وهي كرة رسول الله صلّي الله عليه و آله): يحتمل علي الظاهر أن أولههما قيام الحسين بن علي عليه السّلام، لأن الحسين عليه السّلام يملك كما مر حمسين ألف سنة، وكرة الحسين عليه السّلام كرة رسول اللّه صلّي الله عليه و آله ومحسوبة منها، لأنا قد ذكرنا سابقاً مما ورد عنهم صلّي الله عليه و آله علي ما ظهر لي من كلامهم، أن علياً يكر بعد كرة الحسين بتسع عشرة سنة، ويكون مع ابنه الحسين عليه السّلام ناصراً له علي أعدائه، ثلاممائة سنة وتسع سنين، كما لبث أصحاب الكهف علي ما ظهر لي من الجمع و التوجيه.

ثم يقتل أمير المؤمنين عليه السّلام ويجهزه الحسين عليه السّلام، ويمكث اًربعة آلاف سنة، أو ستة آلاف سنة، أو عشرة آلاف سنة، ثم يكر الكرة الثانية الموافقة لكرة رسول اللّه صلّي الله عليه و آله هذا و الحسين عليه السّلام حي في الدنيا، وجميع ملكه حمسون ألف سنة.9.

ص: 342


1- تاويل الآيات الظاهرة، ص 422، ح 18، سورة القصص، آية: 61. بحار الأنوار، ج 53، ص 76، ح 79، باب: 29.
2- سورة المعارج، الآية: 4.
3- منتخب الأنوار المضيئة، ص 202، فصل: 12. بحار الأنوار، ج 53، ص 107، باب: 29.

ويكر علي عليه السّلام في الكرة الثانية قبل كرة رسول اللّه صلّي الله عليه و آله، فكيف تكون كرته وملكه خمسين ألف سنة؟، إلّا إذا عدت كرة الحسين عليه السّلام من ملكه صلّي الله عليه و آله، لأن المفروض كما هو ظاهر رواياتهم أن اللّه سبحانه يرفعهم إلي السماء جميعاً، إذا أراد هلاك جميع الخلق، ورفع الحسين عليه السّلام مع رفع حده رسول اللّه صلّي الله عليه و آله، بل يحتمل أن أول ملكه صلّي الله عليه و آله الذي مدته حمسون ألف سنة، قيام القائم عليه السّلام، لأن قيامه عليه السّلام أول ظهور تاويل قوله تعالي: هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدي وَ دِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَي الدِّينِ كُلِّهِ وَ لَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ (1).

ويحتمل أن يكون أول ملكه صلّي الله عليه و آله الذي مدته حمسون ألف سنة هو نزوله من السماء حين يقتل إبليس، ويكون باقياً بعد رفع أهل بيته، كما يشير إليه بعض أخبارهم تلويحاً، واللّه أعلم.

فعلي هذا الاحتمال يبقي بعدهم أربعة آلاف سنة، أو ستة آلاف سنة، أو عشرة آلاف سنة، والاحتمال الأول أولي، و إن تأخر صلّي الله عليه و آله في الرفع عنهم عليه السّلام، إلّا أن الذي يجول في خاطري أنه لا يبلغ هذا المقدار و إن كان صلّي الله عليه و آله متاخراً في الرفع عنهم، و قد يشير إلي هذا التأخر ما رواه في كنز الفوائد، محمد بن علي بن عثمان الكراجكي، بإسناده عن الفضل بن شاذان، يرفعه إلي بريدة الأسلمي، قال: قال رسول اللّه صلّي الله عليه و آله لعلي «صلوات اللّه عليه»: (يا علي! إنّ الله أشهدك معي سبعة مواطن - وساق الحديث اٍلي أن قال -:

والموطن السابع أنا نبقي حين لا يبقي أحد، وهلاك الأحزاب بأيدينا)(2).9.

ص: 343


1- سورة التوبة، الآية: 33.
2- بحار الأنوار، ج 53، ص 59، ح 44، باب: 29.

أقول: وظاهر قوله: (إنا نبقي): أنه مختص بهما «صلي اللّه عليهما وآلهما» دون الأئمة عليهم السّلام، وليس المراد بقوله: (إنا نبقي): يعي به نفسه وأهل بيته كلهم، لأنه يلزم منه أنهم يبقون بعد فناء الخلق، و الروايات عنهم عليه السّلام دلت علي أن اللّه سبحانه إذا رفعهم بقي الناس بعد ذلك أربعين يوماً في هرج و مرج، ثم ينفخ إسرافيل عليه السّلام نفخة الصعق.

وورد: (أن الساعة إنما تقوم علي شرار خلق الله)(1).

فالظاهر أن ذلك البقاء مختص بهما دون سائر الأئمة «صلوات اللّه عليهم» و قد تقدم في رواية عبد اللّه بن سنان، من منتخب البصائر.

وفيه قال اللّه تعالي: (يا محمد! علي آخر من أقبض روحه من الأئمة عليه السّلام)(2) ، وقيل: هذا بلا فصل (يا محمد علي أول من آخذ ميثاقه من الأئمة عليه السّلام) فعلي هذا إذا لاحظنا الكون باللحاظ الطبيعي عرف من يفهمه أنّ التأخر بقدر التقدم، وعلي هذا يكون التأخر يبلغ ذلك المقدار وزيادة، فقد ذكر الشيخ عبد اللّه بن نور اللّه البحراني في المجلد الثالث من الأئمة، من كتاب عوالم العلوم، ما رواه: (نوري ابتدعه من نوره، واشتقه من جلال عظمته، فأقبل يطوف بالقدرة، حتي وصل إلي جلال العظمة، في ثمانين ألف سنة، ثم سجد لله تعظيماً، ففتق منه نور علي، فكان نوري محيطاً بالقدرة)(3).

ويظهر من هذا أن نور محمد صلّي الله عليه و آله خلق قبل نرر علي عليه السّلام بثمانين ألف سنة، فعلي هذا وملاحظة التكوين بالأمر الطبيعي يكون مقدار ما يتأخر1.

ص: 344


1- نوادر الراوندي، ص 66. شرح نهج البلاغة، ج 15، ص 263. بحار الأنوار، ج 6، ص 315، ح 25، باب: 1.
2- تقدم تخريجه فراجع.
3- بحار الأنوار، ج 25، ص 22، ح 38، باب: 1.

رسول اللّه صلّي الله عليه و آله عن علي عليه السّلام في الرفع الذي هو موتهم عليهم السّلام، يبلغ ذلك المقدار فيكون ملكه منذ نزل من السماء خمسين ألف سنة.

ويشكل. بما روي من أن: (عمر الدنيا كله مائة ألف سنة، لآل محمد صلّي الله عليه و آله ثمانون ألف سنة، و لغيرهم عشرون ألف سنة)(1) ، ويمكن الجواب بتخصيص ذلك بحال اشتراكهم في الملك، وما زاد عليه بحال الاختصاص، واللّه أعلم.

واعلم أنّ الأخبار الواردة في أمير المؤمنين عليه السّلام هو دابة الأرض، كما قال تعالي: وَ إِذا وَقَعَ الْقَوْلُ عَلَيْهِمْ أَخْرَجْنا لَهُمْ دَابَّةً مِنَ الْأَرْضِ تُكَلِّمُهُمْ أَنَّ النّاسَ كانُوا بِآياتِنا لا يُوقِنُونَ (2) كثيرة منها ما سمعت أولاً، في بعضها أنه إذا أخرج اللّه سبحانه دابة الأرض و سمت المؤمن و الكافر، ثم يغلق باب التوبة، فلا ينفع نفس إيمانها لم تكن آمنت من قبل، أو كسبت في إيمانها خيراً.

و قد ثبت أن دابة الأرض هو أمير المؤمنين عليه السّلام، وأن له كرتين، توافق الأولي خروج الحسين عليه السّلام، والثانية خروج رسول اللّه صلّي الله عليه و آله، ففي أي الكرتين يكون هو دابة الأرض الي ترتفع عند خروجهما التوبة كل محتمل(3) ، فقول اللّه تعالي: وَعَدَ اللّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَ عَمِلُوا الصّالِحاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَ لَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ6.

ص: 345


1- عن حمران بن أعين قال عن أحدهم عليهم السّلام: (عمر الدنيا مائة ألف سنة، لسائر الناس عشرون ألف سنة، وثمانون ألف سنة لآل محمد «عليه و عليهم السلام»). [مختصر البصائر، ص 494، ح 50، باب: تتمة ما تقدم من أحاديث سعد. بحار الأنوار، ج 53، ص 116، باب: 29].
2- سورة النمل، الآية: 82.
3- راجع مناقب آ أبي طالب، ج 3، ص 112. بحار الأنوار، ج 39، ص 244، باب: 86.

اَلَّذِي ارْتَضي لَهُمْ وَ لَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْناً يَعْبُدُونَنِي لا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئاً وَ مَنْ كَفَرَ بَعْدَ ذلِكَ فَأُولئِكَ هُمُ الْفاسِقُونَ (1) ، فعلي ما ورد من خصوص إرادة القائم عليه السّلام بهذه الآية يكون المراد برفع التوبة في كرته الأولي، و هو حينئذٍ دابة الأرض، لأنه علي اٍرادة القائم، و هو يشعر بالمدعي.

وعلي إرادة العموم من الآية يكون المراد برفع التوبة في كرته الثانية، و هو المستفاد من إشارات الأخبار، ويلوح إليه قوله تعالي حكاية عن قول الذين كفروا: قالُوا رَبَّنا أَمَتَّنَا اثْنَتَيْنِ وَ أَحْيَيْتَنَا اثْنَتَيْنِ فَاعْتَرَفْنا بِذُنُوبِنا فَهَلْ إِلي خُرُوجٍ مِنْ سَبِيلٍ (2).1.

ص: 346


1- سورة النور، الآية: 55.
2- سورة غافر، الآية: 11.

فصل في بعض ما ورد في رجعة النبي صلّي الله عليه و آله

في تفسير علي بن إبراهيم، بسنده عن علي بن الحسين عليه السّلام في قوله تعالي: إِنَّ الَّذِي فَرَضَ عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لَرادُّكَ إِلي مَعادٍ (1) قال: (يرجع إليكم نبيكم صلّي الله عليه و آله)(2).

و في منتخب البصائر، بإسناده عن أبي جعفر عليه السّلام أن أمير المومنين عليه السّلام كان يقول: (إنّ المدثر هو كائن عند الرجعة، فقال له رجل: يا أمر المؤمنين أحياة قبل القيامة ثم موت؟.

فقال له عند ذلك: نعم و الله لكفرة من الكفر بعد الرجعة أشد من كفرات قبلها)(3).

وفيه بإسناده عن بكير عن أعين، قال: قال لي مما لا أشك فيه - يعي أبا جعفر عليه السّلام: (أنّ رسول اللّه صلّي الله عليه و آله وعلياً يرجعون).

وفيه عن جابر بن يزيد، عن أبي جعفر عليه السّلام في قول اللّه عزّوجلّ: يا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ * قُمْ فَأَنْذِرْ (4): (يعني بذلك محمداً صلّي الله عليه و آله وقيامه في الرجعة ينذر فيها.

ص: 347


1- سورة الفصص، الآية: 85.
2- تفسير القمي، ج 2، ص 147، سورة القصص، آية: 85. بحار الأنوار، ج 53، ص 56، ح 33، باب: 29.
3- مختصر البصائر، ص 114، ح 75، باب: الكرات و حالاتها. بحار الأنوار، ج 53، ص 42، ح 11، باب: 29.
4- سورة المدثر، الآيتان: 1-2.

وفي قوله: إِنَّها لَإِحْدَي الْكُبَرِ * نَذِيراً لِلْبَشَرِ (1): يعني محمداً صلّي الله عليه و آله نذيراً للبشرية في الرجعة.

وفي قوله: وَ ما أَرْسَلْناكَ إِلاّ كَافَّةً لِلنّاسِ (2) في الرجعة)(3).

وفيه بإسناده عن أبي جعفر عليه السّلام قال: اليس من مؤمن إلّا وله قتلة وموتة، - وساق الكلام إلي قوله -: وقوله: يا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ * قُمْ فَأَنْذِرْ (4)

يعني بذلك محمداً صلّي الله عليه و آله قيامه في الرجعة ينذر فيها.

وقوله: إِنَّها لَإِحْدَي الْكُبَرِ * نَذِيراً لِلْبَشَرِ (5) يعني محمداً صلّي الله عليه و آله نذيراً للبشر في الرجعة.

وقوله: هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدي وَ دِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَي الدِّينِ كُلِّهِ وَ لَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ (6) قال: يظهره الله عزّوجلّ في الرجعة)(7).

وفي تفسير علي بن إبراهيم، بإسناده عن أبي بصير، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام في قوله: وَ لَلْآخِرَةُ خَيْرٌ لَكَ مِنَ الْأُولي (8) قال: (يعني الكرة هي الآخرة للنبي صلّي الله عليه و آله، قلت: قوله: وَ لَسَوْفَ يُعْطِيكَ رَبُّكَ فَتَرْضي (9).5.

ص: 348


1- سورة المدثر، الآيتان: 35-36.
2- سورة سبأ، الآية: 24.
3- مختصر البصائر، ص 113، ح 34، باب: الكرات رحالاتها.
4- سورة المدثر، الآيتان: 1-2.
5- سورة المدثر، الآيتان: 35-36.
6- سورة التوبة، الآية: 33.
7- مختصر البصائر، ص 87، ح 1، باب: الكرات وحالاتها. بحار الأنوار، ج 53، ص 64، ح 55، باب: 29.
8- سورة الضحي، الآية: 4.
9- سورة الضحي، الآية: 5.

قال: يعطيك من الجنة فترضي)(1).

وفيه عر مروان، قال: سالت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن قول اللّه عزّوجلّ:

إِنَّ الَّذِي فَرَضَ عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لَرادُّكَ إِلي مَعادٍ (2) .

قَال: فقال لي: لا و الله لا تنقضي الدنيا ولا تذهب حتي يجتمع رسول الله صلّي الله عليه و آله وعلي بالثوية، فيلتقيان ويبنيان بالثوية مسجداً له اثنا عشر ألف باب؛ يعني موضعاً بالكوفة)(3).

وفيه عن محمد بن سليمان الديلمي، عن أبيه قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن قول اللّه عزّوجلّ: جَعَلَ فِيكُمْ أَنْبِياءَ وَ جَعَلَكُمْ مُلُوكاً (4).

فقال: الأنبياء، رسول الله صلّي الله عليه و آله، وإبراهيم و إسماعيل ذريته، والملوك الأئمة عليهم السّلام.

قال: فقلت: وأي ملك أعطيتم؟.

قال: ملك الجنة وملك الكرة)(5).

وفيه: وَ إِنْ مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ إِلاّ لَيُؤْمِنَنَّ بِهِ قَبْلَ مَوْتِهِ وَ يَوْمَ الْقِيامَةِ يَكُونُ عَلَيْهِمْ شَهِيداً (6) ، فإنه روي: (أن رسول الله صلّي الله عليه و آله إذا رجع آمن به الناس كلهم)(7).9.

ص: 349


1- تفسير القمي، ج 2، ص 426، سورة الضحي، آية 4. بحار الأنوار، ج 53، ص 59، ح 43، باب: 29.
2- سورة القصص، الآية: 85.
3- بحار الأنوار، ج 53، ص 112، ح 17، باب: 29.
4- سورة المائدة، الآية: 20.
5- بحار الأنوار، ج 53، ص 45، ح 18، باب: 29.
6- سورة النساء، الآية: 159.
7- تفسير القمي، ج 1، ص 165، سورة النساء، آية: 159. بحار الأنوار، ج 53، ص 50، ح 24، باب: 29.

وروي ما يدل علي ذلك منه ما تقدم فيما ذكرنا في رجعة الحسين، وأمير المؤمنين، وقيام القائم عليه السّلام، ومنه ما لم نذكره اختصاراً، خصوصاً وعموماً.

ومن العموم ما دل علي أن كل مومن فله قتلة وموتة، وعلي رجوع من محض الإيمان محضاً، وبكل معني فهو صلّي الله عليه و آله أولي بالرجوع من جميع الخلق، في جميع ما يراد من الكرة ولها.

ص: 350

خاتمة في من يخرج و يكر من الأئمة عليهم السّلام

خاتمة تشتمل علي أحاديث مشتملة علي تاويل بعض الآيات، فيمن يخرج ويكر من الأئمة «صلي اللّه عليهم» وفي بعض سيرتهم، وما يكون في وقتهم.

روي شرف الدين النجفي في تأويل الآيات الظاهرة، بسنده عن جابر بن يزيد، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام في قوله عزّوجلّ: وَ اللَّيْلِ إِذا يَغْشي (1) قال:

(دولة إبليس إلي يوم القيامة، و هو يوم قيام القائم: وَ النَّهارِ إِذا تَجَلّي (2)

و هو القائم عليه السّلام إذا قام.

وقوله: فَأَمّا مَنْ أَعْطي وَ اتَّقي (3) أعطي نفسه للحق، واتقي الباطل، : فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْيُسْري (4) أي الجنة: وَ أَمّا مَنْ بَخِلَ وَ اسْتَغْني (5) يعني:

بنفسه عن الحق واستغني بالباطل عن الحق،: وَ كَذَّبَ بِالْحُسْني (6) بولاية علي بن أبي طالب، و الأئمة من بعده «صلوات الله عليه»: فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْعُسْري (7) يعني النار.

ص: 351


1- سورة الليل، الآية: 1.
2- سورة الليل، الآية: 2.
3- سورة الليل، الآية: 5.
4- سورة الليل، الآية: 7.
5- سورة الليل، الآيةْ 8.
6- سورة الليل، الآية: 9.
7- سورة الليل، الآية: 10.

و أما قوله إِنَّ عَلَيْنا لَلْهُدي (1) يعني علياً هو الهدي،: وَ إِنَّ لَنا لَلْآخِرَةَ وَ الْأُولي * فَأَنْذَرْتُكُمْ ناراً تَلَظّي (2) ، قال: القائم إذا قام بالغضب يقتل من كل ألف تسعمائة وكلسعة وتسعين،: لا يَصْلاها إِلاَّ الْأَشْقَي (3)

قال: هو عدو آل محمد،: وَ سَيُجَنَّبُهَا الْأَتْقَي (4) قال: ذاك أمر المؤمنين عليه السّلام و شيعته)(5).

أقول: قوله: (إلي يوم القيامة، و هو قيام القائم عليه السّلام): قد دل الدليل النقلي المعتضد بالعقلي، أن الذي يقتل إبليس هو رسول اللّه صلّي الله عليه و آله، وما ورد بأن الذي يقتله هو القائم عليه السّلام أو غيره، فمحمول علي أن كلاً منهم قائم، ويسمي بذلك، وليس أحد منهم رسول اللّه صلّي الله عليه و آله ولا يسمي به.

فإذا ورد: (يقتله القائم عليه السّلام)(6) تناول كلاً منهم.

و إذا قيل: (يقتله رسول الله صلّي الله عليه و آله) لم يتناول غيره.

وعلي هذا فيحتمل قوله: (إلي يوم القيامة، و هو قيام القائم عليه السّلام):

علي أن أول انكشاف ظلمة دولة بليس - لعنه اللّه - قيام القائم عليه السّلام، لقوة الحق، وضعف الباطل، يوماً فيوماً، وتمامه إذا قتله رسول اللّه صلّي الله عليه و آله، أو علي أن المراد بالقائم رسول اللّه صلّي الله عليه و آله، لأنه سيد القائمين بالحق، وأحق بهذا الاسم منم.

ص: 352


1- سورة الليل، الآية: 12.
2- سورة الليل، الآية: 14.
3- سورة الليل، الآية: 15.
4- سورة الليل، الآية: 17.
5- تأويل الآيات الظاهرة، ج 2، ص 807، ح 1، سورة الليل، آية: 1. بحار الأنوار، ج 24، ص 398، ح 120، باب: 67.
6- دلائل الإمامة، ص 237، معرفة وجوب الامام القائم عليه السّلام.

كل أحد من الخلق، وعلي هذا لا تكون ظلمة إبليس منكشفة بالكلية، حتي يقتل كما أشار إلي تمام انكشاف ظلمته، فيما رواه محمد بن جرير الطبري في مسند فاطمة عليه السّلام، في رواية المفضل بن عمر، إلي أن قال: (ولا يكون لإبليس هيكل يسكن فيه، والهيكل البدن...)(1).

أقول: قد تقدم، والمراد أنه إذا قتل كل من الشيطان فيه نصيب لم يجد من يغويه، فإذا قام كان مع جميع شيعته، ونزل رسول اللّه صلّي الله عليه و آله وقتل إبليس، وقتل جميع جنوده وأتباعه، ارتفعت ظلمته بالكلية.

وفيه عن جابر، عن أبي جعفر عليه السّلام: (قوله عزّوجلّ: ذَرْنِي وَ مَنْ خَلَقْتُ وَحِيداً (2) يعني بهذه الآية إبليس اللعين، خلقه وحيداً من غير أب وأم.

وقوله: وَ جَعَلْتُ لَهُ مالاً مَمْدُوداً (3) يعني: هذه الدولة إلي يوم الوقت المعلوم، يوم يقوم القائم عليه السّلام،: وَ بَنِينَ شُهُوداً * وَ مَهَّدْتُ لَهُ تَمْهِيداً * ثُمَّ يَطْمَعُ أَنْ أَزِيدَ * كَلاّ إِنَّهُ كانَ لِآياتِنا عَنِيداً (4) يقول: معاند الأئمة يدعو إلي غير سبيلها، ويصد الناس عنها، وهي آَيات الله.

وقوله: سَأُرْهِقُهُ صَعُوداً (5) قال أبو عبد الله عليه السّلام: صعود جبل في النار من نحاس، يحمَل عليه حبتر، ليصعده كارهاً، فإذا ضرب برجله علي الجبل ذابتا حتي تلحق بالركبتين، فإدا رفعهما عادتا، فلا يزال هكذا إلي ما شاء الله تعالي.7.

ص: 353


1- دلائل الامامة، ص 240، معرفة وجوب الامام القائم عليه السّلام.
2- سورة المدثر، الآية: 11.
3- سورة المدثر، الآية: 12.
4- سورة المدثر، الآيات: 13-14-15-16.
5- سورة المدثر، الاية: 17.

وقوله تعالي: إِنَّهُ فَكَّرَ وَ قَدَّرَ * فَقُتِلَ كَيْفَ قَدَّرَ * ثُمَّ قُتِلَ كَيْفَ قَدَّرَ * ثُمَّ نَظَرَ * ثُمَّ عَبَسَ وَ بَسَرَ * ثُمَّ أَدْبَرَ وَ اسْتَكْبَرَ (1) قال: يعني تدبيره ونظره وفكرته و استكباره في نفسه، وادعائه الحق لنفسه، دون أهله.

ثم قال الله تعالي: سَأُصْلِيهِ سَقَرَ * وَ ما أَدْراكَ ما سَقَرُ * لا تُبْقِي وَ لا تَذَرُ * لَوّاحَةٌ لِلْبَشَرِ (2) قال: يراه أهل المشرق كما يراه أهل المغرب، أنه إذا كان في سقر يراه أهل الشرق و الغرب ويتبين حاله.

والمعني في هذه الآيات جميعها حبتر.

قال: قوله تعالي: عَلَيْها تِسْعَةَ عَشَرَ (3) أي تسعة عشر رجلاً، فيكونون من الناس كلهم في الضرق و الفرب.

وقوله تعالي: وَ ما جَعَلْنا أَصْحابَ النّارِ إِلاّ مَلائِكَةً (4) قال: فالنار هو القائم الذي عليه السّلام أنار ضووه وخروجه لأهل الشرق و الغرب، و الملائكة هم الذين يملكون علم آل محمد «صلوات الله عليهم أجمعين.

وقوله تعالي: وَ ما جَعَلْنا عِدَّتَهُمْ إِلاّ فِتْنَةً لِلَّذِينَ كَفَرُوا قال: يعني المرجئة.

وقوله: لِيَسْتَيْقِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ (5). قال: هم الشيعة، وهم أهل الكتاب، وهم الذين أوتوا الكتاب، والحكم و النبوة.1.

ص: 354


1- سورة المدثر، الايات: 18-19-20-21-22-23.
2- سورة المدثر، الآيات: 26-27-28-29.
3- سورة المدثر، الآية: 31.
4- سورة المدثر، الآية: 31.
5- سورة المدثر، الآية: 31.

وقوله تعالي: وَ يَزْدادَ الَّذِينَ آمَنُوا إِيماناً وَ لا يَرْتابَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ (1) أي لا يشك الشيعة في اًمر القائم عليه السّلام، وقوله: وَ لِيَقُولَ الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ - يعني: بذلك الشيعة وضعفاءها - وَ الْكافِرُونَ ما ذا أَرادَ اللّهُ بِهذا مَثَلاً (2) ، فقال الله عزّوجلّ لهم: يُضِلُّ اللّهُ مَنْ يَشاءُ وَ يَهْدِي مَنْ يَشاءُ (3) فالمؤمن يسلم، والكافر يشك.

وقوله: وَ ما يَعْلَمُ جُنُودَ رَبِّكَ إِلاّ هُوَ (4) فجنود ربك هم الشيعة، وهم شهداء الله في الأرض.

وقوله: نَذِيراً لِلْبَشَرِ * لِمَنْ شاءَ مِنْكُمْ أَنْ يَتَقَدَّمَ أَوْ يَتَأَخَّرَ (5) ، قال: يعني اليوم قبل خروج القائم من شاء قبل الحق وتقدم إليه، ومن شاء تأخر عنه.

وقوله: كُلُّ نَفْسٍ بِما كَسَبَتْ رَهِينَةٌ * إِلاّ أَصْحابَ الْيَمِينِ (6) هم أطفال المؤمنين، قال الله تبارك وتعالي: أَلْحَقْنا بِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ (7) قال إنهم آمنوا بالميثاق.

وقوله: وَ كُنّا نُكَذِّبُ بِيَوْمِ الدِّينِ (8) قال: الدين خروج القائم عليه السّلام.6.

ص: 355


1- سورة المدثر، الآية: 31.
2- سورة المدثر، الآية: 31.
3- سورة المدثر، الاية: 31.
4- سورة المدثر، الآية: 31.
5- سورة المدثر، الآيتان: 36-37.
6- سورة المدثر، الآيتان: 38-39.
7- سورة الطور، الآية: 21.
8- سورة المدثر، الاية: 46.

وقوله: فَما لَهُمْ عَنِ التَّذْكِرَةِ مُعْرِضِينَ (1) قال: يعني بالتذكرة ولاية أمير المؤمنين عليه السّلام.

وقوله: كَأَنَّهُمْ حُمُرٌ مُسْتَنْفِرَةٌ * فَرَّتْ مِنْ قَسْوَرَةٍ (2) قال: يعني كأنهم حمر وحش فرت من الأسد حين رأته، وكذا أعداء آل محمد اٍذا سمعت بفضل آل محمد «صلوات الله عليهم» نفرت عن الحق.

ثم قال تعالي: بَلْ يُرِيدُ كُلُّ امْرِئٍ مِنْهُمْ أَنْ يُؤْتي صُحُفاً مُنَشَّرَةً (3)

قال: يريد كل رجل من المخالفين ان ينزل عليه كتاب من السماء.

ثم قال اللّه تعالي: كَلاّ بَلْ لا يَخافُونَ الْآخِرَةَ (4) قال: هي دولة القائم عليه السّلام.

ثم قال بعد أن عرفهم التذكرة هي الولاية: كَلاّ إِنَّهُ تَذْكِرَةٌ * فَمَنْ شاءَ ذَكَرَهُ * وَ ما يَذْكُرُونَ إِلاّ أَنْ يَشاءَ اللّهُ هُوَ أَهْلُ التَّقْوي وَ أَهْلُ الْمَغْفِرَةِ (5) قال: فالتقوي في هذا الموضع النبي صلّي الله عليه و آله، والمففرة أمير المؤمنين عليه السّلام)(6).

وفي مسند فاطمة عليه السّلام، روي محمد بن جرير الطبري، بسنده عن وهب بن جميع، مولي إسجاق بن عمار، قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن إبليس، قوله: رَبِّ فَأَنْظِرْنِي إِلي يَوْمِ يُبْعَثُونَ * قالَ فَإِنَّكَ مِنَ الْمُنْظَرِينَ * إِلي يَوْمِ1.

ص: 356


1- سورة المدثر، الآية: 49.
2- سورة المدثر، الآينان: 50-51.
3- سورة المدثر، الآية: 52.
4- سورة المدثر، الآية: 53.
5- سورة المدثر، الآيات: 54-55-56.
6- تأويل الآيات الظاهرة، ج 2، ص 734، ح 5 و 6، سورة الليل، آية: 11.

اَلْوَقْتِ الْمَعْلُومِ (1) أي يوم هو؟.

قال: (أتحمسب أنه يوم يبعث الله تعالي الناس لا، ولكن الله عزّوجلّ أنظره إلي يوم يبعث الله عزّوجلّ قائمنا، فإذا بعث الله عزّوجلّ قائمنا فيأخذ بناصيته، ويضرب عنقه، فذلك إلي يوم الوقت المعلوم)(2).

أقول: قوله: (أنظره إلي يوم يبعث الله قائمنا): يراد منه و اللّه أعلم حين يخرج أمير المؤمنين عليه السّلام في كرته الثانية، فالمراد بالقائم هنا رسول اللّه صلّي الله عليه و آله، جمعاً بين الروايات، لأنه صلّي الله عليه و آله قائم بالحق، بل لا قائم بالحق غيره، إلّا بتبعيته له.

و إن أويد بالقائم عليه السّلام هو محمد بن الحسن العسكري عليه السّلام هنا، فالمراد بذلك بعثه بعد أن يقتل، لأنه عليه السّلام كما تقدم إذا خرج واستقر ملكه خرج الحسين عليه السّلام، فيقتل ويقوم بالأمر الحسين عليه السّلام، ثم يرجع الحجة عليه السّلام، لأن كل مؤمن لا بد له من موتة و قتلة، ومن قتل مات، ومن مات قتل، فهو عليه السّلام يقتل ئم يبعثه اللّه عزّوجلّ حتي يموت؛ أي يرفع مع آبائه عليه السّلام.

وذكر أبو عبد اللّه عليه السّلام أن الوقت المعلوم الذي يقتل فيه إبليس يوم يبعث اللّه عزّوجلّ القائم عليه السّلام بعد الموت، و هو يوم كرته، ولذا قال عليه السّلام:

(يوم يبعث الله قائمنا)، و لم يقل يوم يخرج قائمنا، لأن الخروج و الظهور يكون عن الغيبة، والبعث يكون عن الموت، فافهم.م.

ص: 357


1- سورة الححر، الآيات: 36-37-38.
2- دلائل الإمامة، ص 237، معرفة وجوب الامام القائم عليه السّلام.

ص: 358

تتمة في تنعم الناس في دولتهم عليهم السّلام

قد تقدم بعض ما يدل علي سيرنهم وتنعم الناس في دولتهم عليهم السّلام، وظهور الجنتين المدهامتين المذكورتين في القرآن، فإنهما من جنان الدنيا التي تأوي إليها أرواح المؤمنين.

وفي تفسير علي بن إبراهيم، عن الصادق عليه السّلام و قد سُئل عن قوله تعالي : وَ مِنْ دُونِهِما جَنَّتانِ (1) قال: (خضراوتان في الدنيا ياكل المؤمنون منهما حتي يفرغون من الحساب)(2).

أقول: فقوله: (في الدنيا): يشعر بكونهما من جنان الدنيا، ولهذا تظهران في آخر الرجعات عند مسجد الكوفة، وما حوله. بما شاء اللّه تعالي كما تقدم.

وقوله: (ياكل المؤمنون منهما حتي يفرغون من الحساب): يشعر بكوتهما من جنان الآخرة، والإشعاران صحيحان، كما أن جسد المؤمن في الدنيا هو من أجساد الدنيا، و هو بعينه في البرزخ من أجساد البرزخ، و هو بعينه في الآخرة من أجساد الآخرة، ولم يتغير ولم يختلف بتغير، ولا بتبديل، ولا بزيادة ولا نقصان، إلّا بالتصفية خاصة، بأن يصفي عما ليس منه، و قد تقدمت الإشارة إلي ذلك.

ص: 359


1- سورة الرحمان، الآية: 62.
2- تفسير القمي، ج 2، ص 324، سورة الرحمان، آية: 62.

و قد دلت الأحاديث و قد مضي بعضها؛ أن الرجل من المؤمنين لا يموت حتي يري ألف ولد ذكر من صلبه، لا يولد له جارية، وأنه يكسو ولده الثوب فيطول عليه كلما طال، ويكون عليه بأي لرن شاء، يتبدل لونه بتبدل مشيئته، ويستغني الناس عن ضوء الشمس و القمر، وصار الليل و النهار واحداً، وتذهب الظلمة من العالم، ولا يكون في الأرض موذ ولا مفسد، ولا ذو سم، ولا شَوك في شيء من الشجر، و تبقي الثمار و الفواكًه، والزرع قائمة دائماً، كلما أخذ منها شيء نبت مثله مكانه في الحال، بحيث لا يفقده المؤمن، ويصافح المؤمنون الملائكة، ويجتمعون معهم، ويوحي إليهم وحي إلهام، حتي لا يجهل أحد منهم بشيء يريده، وغير ذلك مما تشتهي الأنفس و تلذ الأعين.

ولا يزال المؤمنون مع نبيهم وأهل بيته أجمعين عليه السّلام كذلك، حتي ينتهي ما أراد اللّه عزّوجلّ، من وتت بقائهم في الدنيا، فإذا أراد اللّه سبحانه نقل محمد وأهل بيته عليه السّلام، ونقل شيعتهم إلي جزيل ثوابه، ونعيم جنته ورضوانه، ونقل أعداءهم إلي عظيم عقابه، ودائم سخطه وعذابه، رفع محمداً وأهل بيته إليه مكرمين، ولعل العود كالبدء فمن سبق في البدء كونه تأخر في العود رفعه، فإذا رفعهم من الأرض بقي الناس في هرج ومرج أربعين يوماً، ثم ينفخ إسرافيل في الصور.

وروي محمد بن جرير الطبري، بسنده عند عبد اللّه بن سليمان العامري، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: (ما زالت الأرض إلي ولله حجة يعرف الحلال والحرام، ويدعو الناس إلي سبيل الله عزّوجلّ، ولا تنقطع الحجة من الأرض إلّا أربعين يوماً قبل القيامة، فإذا رفعت الحجة أغلق باب التوبة، ولم ينفع نفساً

ص: 360

إيمانها لم تكن آمنت من قبل أن ترفع الحجة، وأولئك من شرار خلق الله، وهم الذين تقوم فيهم القيامة)(1).

أقول: وفي معناه أخبار أخر؛ مثل ما في كشف الغمة للأربلي وغيره.

هذا الحديث وأمثاله من الأحاديث الصعبة المستصعبة، وليس لأمثالنا سباحة في مثله، وإنما نتكلم علي بعض ما يظهر لنا منه. بما نعرف من غيره من الأخبار، وذلك لما دلت الروايات عليه من أن الحجة قبل الخلق، ومع الخلق، وبعد الخلق(2) ، و قد دل هذا وأمثاله علي وجود خلق لا حجة فيهم، وعلي هذا فلو فرضنا خلوهم من الحجة فلم يكونون شرار خلق اللّه، ولم تقم عليهم الحجة بوجود حجة من الله، وأيضا فتقتضي الحكمة في النظام الحق أن ما كان وجوده أولاً كان فناؤه آخراً، و أيضاً كيف يكونون شرار خلق اللّه و لم يكن معهم من يزين لهم سوء أعمالهم، لأن إبليس قد قتل هو وجميع جنوده من الجن و الإنس قبل ذلك، فارتفع جميع سلطانه وظلمته، ولهذا استغني الناس عن ضوء الشمس و القمر، وصار الليل و النهار واحداً، و ذلك لكمال الإيمان وشدة الهداية.

ويمكن التلويح إلي الجواب بأن نقول: إنما وقع الهدي و النور، وكمال الإيمان في قلوب العباد بإقبال النور من الحجج عليه السّلام، كاستنارة الجدار عند مقابلة الشمس، فكما أن الشمس عند المغيب يرتفع نورها إلي جهة العلو عند1.

ص: 361


1- أصول الكافي، ج 1، ص 178، ح 3. كمال الدين وتمام النعمة، ج 1، ص 220، ح 22، باب: 22. بحار الأنوار، ج 6، ص 18، ح 1، باب: 20.
2- قال الامام جعفر بن محمد الصادق عليه السّلام: (الحجّة قَبلَ الخلق وَمَعَ الْخَلْقِ وَبَعْدَ الْخَلْقِ). أصول الكافي، ج 1، ص 177، ح 4. كمالي الدين وإتمام النعمة، ج 1، ص 212، ح 3، باب: 22. بحار الأنوار، ج 23، ص 38، باب: 1.

انحطاطها، فتحصل الظلمة في الجدار. بمقتضي طبيعته و كثافته، كذلك الحجج عليه السّلام إذا قرب رحيلهم إلي العالم العلوي حصل لهم ميل وتوجه، وانصراف إلي جهة مقصدهم،. بمقتضي إجابة دعوة اللّه سبحانه، وذلك الميل تخلية من اللّه تعالي لمن تخلف موته عن رفعهم إلي السماء، وعن ميلهم إلي الرفع، وذلك الميل حصل لهم علي نحو ما حصل ليوسف عليه السّلام حين تذكر نعيم الآخرة، حتي زهد في ملك الدنيا ونعيمها، نقال: رَبِّ قَدْ آتَيْتَنِي مِنَ الْمُلْكِ وَ عَلَّمْتَنِي مِنْ تَأْوِيلِ الْأَحادِيثِ فاطِرَ السَّماواتِ وَ الْأَرْضِ أَنْتَ وَلِيِّي فِي الدُّنْيا وَ الْآخِرَةِ تَوَفَّنِي مُسْلِماً وَ أَلْحِقْنِي بِالصّالِحِينَ (1) ، فهذا مما كان في الأمم الماضية، ويكون نظيره في هذه الأمة حذو النعل بالنعل، والقذة بالقذة.

فلما تذكر يوسف عليه السّلام نعيم الآخرة وطلبها حصل منه إعراض عن الملك قبل أن يفارق الدنيا، فيكون مثله في الحجج عليه السّلام، ويحصل لمن بقي ما سمعت من الهرج و المرج، لاسوداد قلوبهم من مفارقة النور، وحرمان الخير مع ظلمة نياتهم، وتخلف الحجة عنهم، كتخلفه عمن أنذره ولم يقبل منه، فاعتزله ليقع به العذاب.

و أما ما يتوهم من مخالفة النظام حينئذٍ للحكمة فليس. بمخالف، لأن انصرافهم عليهم السّلام عنهم انصراف بالآثار الشرعية التكليفية، و البداية الاختيارية، وليس ذلك مستلزماً للانصراف بالآثار الوجودية، وإنما كانت مدة تحلل التركيب و الفناء أربعين يوماً، لأن مدة التركيب في التكوين أربعون يوماً، وهي التي يسمونها (مراتب الوجود).

و قد أشرنا في كثير من رسائلنا إلي ذلك، بان الانسان مركب من عشر قبضات، تسع من الأفلاك التسعة، والعاشرة من العناصر الأربعة، وفي كل1.

ص: 362


1- سورة يوسف، الآية: 101.

قبضة من العشر دورات، أربع دورات، دورة عناصرها، ودورة معادنها، ودورة نباتها، و دورة حيوانها، وذلك في كل شيء بحسبه، فهذه أربعون هي مراتب الوجود بعدد ميقاة موسي عليه السّلام، فإذا رفع اللّه حججه محمداً وأهل بيته «صلوات اللّه عليهم أجمعين» نفخ إسرافيل عليه السّلام في الصور نفخة الصعق، قال اللّه عزّوجلّ: وَ نُفِخَ فِي الصُّورِ فَصَعِقَ مَنْ فِي السَّماواتِ وَ مَنْ فِي الْأَرْضِ إِلاّ مَنْ شاءَ (1).

وروي الطبرسي في مجمع البيان: (أنّ المستثنين جبرائيل وميكائيل، وإسرافيلي وملك الموت)(2).

وروي عن النبي صلّي الله عليه و آله: (أنه سأل جبرائيل عن هذه الآية، من ذا الذي لم يشأ الله أن يصعقهم؟.

فقال: هم الشهداء، متقلدون أسيافهم حول العرش).

أقول: روي ظاهراً (أن المستثنين هؤلاء الأربعة من نفخة الصعق؛ بمعني أنهم لا يموتون بالنفخة، ثم يأمر الله ملك الموت فيقبض روح ميكائيل وإسرافيل)، و في جبرائيل روايتان، في رواية: (يأمر الله ملك الموت فيضم جبرائيل ويقبض روحه)، وفي أخري: (يقبض الله عزّوجلّ روح جبرائيل بغير واسطة ملك الموت)، و يأتي كيفية موتهم بغير هذا في رواية زين العابدين عليه السّلام.

ثم يأمر الجبار عزّوجلّ ملك الموت فيموت، فيمكث العالم معطلاً ما بين النفختين أربعمائة سنة في رواياتنا، وروي الجمهور أربعين سنة.8.

ص: 363


1- سورة الزمر، الآية: 68.
2- تفسير مجمع البيان، ج 8، ص 792، سورة الزمر آية: 68.

وروي في الباطن: (أنّ الوجه الباقي في قوله تعالي: كُلُّ مَنْ عَلَيْها فانٍ * وَ يَبْقي وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجَلالِ وَ الْإِكْرامِ (1) هم محمد وأهل بيته الطاهرون «صلي الله عليهم أجمعين»، وهم المستثنون).

وفي خطبة أمير المؤمنين عليه السّلام: (إن ميتنا لم يمت، وغائبنا لم يفب، إن فتلانا لن يقتلوا)(2).

والمراد أتهم عليهم السّلام و إن كان يجري عليهم الموت و القتل علي الحقيقة، كما يجري علي غيرهم ظاهراً، إلّا أنهم لما تخلقوا بأخلاق اللّه علي كمال ما يمكن انخلعت حقائقهم علي نواسيتهم، فإذا مات أحدهم أو قتل لم تتغير حقيقة عما هي عليه؛ من الادراك و الشعور و التصرف فيما شاووا، بل يحصل ذلك في نواسيتهم أيضاً، فإن النبي صلّي الله عليه و آله لما مات وأخذ علي عليه السّلام في تغسيله كان يتقلب لعلي، ولا يحتاج إلي تقليب غيره، وعلي عليه السّلام لما قتل أوصي إلي ابنه الحسن عليه السّلام أن غسلني وكفي، وضعي علي سريري، فإذا رأيتم مقدم السرير قد رفع فاحمل أنت وأخوك الحسين عليه السّلام مؤخرته.

فلما كان نصف الليل جاء رجل في صورة أعرابي، وحمل مقدم السرير، وحملا موخره، وكان الحامل لمقدم السرير الشريفة روحه الشريفة، و رأس الحسين عليه السّلام - لعن اللّه قاتله - علي رأس السنان، و هو يقرأ القرآن.

و هذا شيء ظاهر، فهم أحياء في حالة موتهم، يتصرفون في كل ما جعلهم اللّه أولياء عليه في حال حياتهم، فهم في الدنيا وفي البرزخ وبين النفختين علي حال واحد.4.

ص: 364


1- سورة الرحمان، الآيتان: 26-27.
2- بحار الأنوار، ج 26، ص 5، باب: 14.

ومعلوم أن محمداً وعلياً وسائر الأئمة عليه و عليه السّلام يحضرون الأموات عند الموت، وعند سؤال القبر:

يا حارهمدان من يمت يرني من مؤمن أو منافق قبلا

يعرفني طرفه وأعرفه بعينه واسمه وما عملا(1)

وقال اللّه تعالي: وَ قُلِ اعْمَلُوا فَسَيَرَي اللّهُ عَمَلَكُمْ وَ رَسُولُهُ وَ الْمُؤْمِنُونَ (2) حتي أنه روي ما معناه عنهم عليهم السّلام: (أنه إذا أفني الله جميع الخلق، قال الله تعالي: يا أرض أين سكانك، أين الجبارون، أين المتكبرون؟، أين من أكل رزقي، وعبد غيري؟، لمن الملك اليوم؟، فلا يجيبه أحد، فيرد علي نفسه فيقول: لله الواحد القهار).

وروي عنهم عليهم السّلام: (نحن المجيبون)(3).

وروي عنهم عليهم السّلام أيضاً: (نحن السائلون، ونحن المجيبون)(4).

و أما في الحديث الثاني من قول جبرائيل عليه السّلام: (هم الشهداء، متقلدون أسيافهم حول العرش) فالظاهر أن المراد بهم محمد وأهل بيته «صلوات اللّه عليهم» خاصة، وهم الشهداء هنا لا غير، لأدلة لا يسع ذكرها هنا.

وفي تفسير علي بن إبراهيم، عن السجاد عليه السّلام: (أنه سئل عن النفختين كم بينهما؟.3.

ص: 365


1- الديوان المنسوب لمولانا الامام علي بن أبي طالب عليه السّلام، ص 352.
2- سورة التوبة، الآية: 105.
3- تفسير القمي، ج 2، ص 228، سورة كافر، الآية: 16. بحار الأنوار، ج 54، ص 104، ح 89.
4- بحار الأنوار، ج 87، ص 53.

فقال: ما شاء الله.

قل: فأخبرني يا ابن رسول الله صلّي الله عليه و آله كيف ينفخ فيه؟.

فقال: أما النفخة الأولي فإن الله عزّوجلّ يأمر إسرافيل فيهبط إلي الدنيا، ومعه الصور، وللصور رأس واحد وطرفان، وبين رأس كل طرفين منهما إلي الآخر مثل ما بين السماء.

فإذا رأت الملائكة إسرافيل قد هبط إلي الدنيا ومعه الصور، قالوا: قد أذن الله في موت أهل الأرض و السماء.

قال: فيهبط إسرافيل بحظيرة بيت المقدس، و هو مستقبل الكعبة، فإذا رآه أهل الأرض قالوا: قد أذن الله عزّوجلّ في موت أهل الأرض، فينفخ فيه نفخاً، فيخرج الصوت من الطرف الذي يلي الأرض، فلا يبقي ذو روح إلّا صعق ومات، إلّا إسرافيل فيقول الله لأسرافيل: يا إسرافيل! مت فيموت، فيمكثون في ذلك ما شاء الله عزّوجلّ، ثم يأمر السماوات فتمور، ويأمر الجبال فتسير، و هو قوله تعالي: يَوْمَ تَمُورُ السَّماءُ مَوْراً * وَ تَسِيرُ الْجِبالُ سَيْراً (1) ، يعني: تبسط وتبدل الأرض غير الأرض؛ يعني بأرض لم تكتسب عليها الذنوب، بارزة ليس عليها جبال ولا نبات، كما دحاها أول مرة، ويعيد عرشة علي الماء كما كان أول مرة، مستقلاً بعظمته و قدرته.

قال: فعند ذلك ينادي الجبار - تبارك وتعالي - بصوت من قبله جهوري، يسمع أقطار السماوات و الأرضين: لِمَنِ الْمُلْكُ الْيَوْمَ فلا يجيبه مجيب، فعند ذلك يقول الجبار عزّوجلّ مجيباً لنفسه: لِلّهِ الْواحِدِ الْقَهّارِ (2) ، وأنا قهرت الحلائق كلهم، وأمتهم بمشيتي، وأنا أحييهم بقدرتي.16

ص: 366


1- سورة الطور، الآيتان: 9-10
2- سورة غافر، الآية: 16

قال: فينفخ الجبار نفخة أخري في الصور، فيخرج الصوت من أحد الطرفين الذي يلي السماوات، فلا يبقي في السماوات أحد إق حي وقام كما كان، وتعود حملة العرش، ويحضر الجنة و النار، ويحشر الخلائق للحساب.

قال الراوي: فرأيت علي بن الحسين عليه السّلام يبكي عند ذلك بكاءاً شديداً)(1).

وفي غيره قيل: (فما سبب بكائك يا ابن رسول الله صلّي الله عليه و آله؟.

قال: لشدة ذلك اليوم، لأن الخلائق يخرجون من قبورهم، فجأةً عرايا، جرداً حفاة، مرداً فيقفون عند قبورهم ثلاثمائة سنة من الدهشة).

و عن الصادق عليه السّلام: (إذا أراد الله أن يبعث الخلق أمطر السماء علي الأرض أربعين صباحاً، فاجتمعت الأوصال ونبتت اللحوم.

وقال: أتي جبرائيل رسول الله صلّي الله عليه و آله لاخذه بيده فاخرجه إلي البقيع، فانتهي به إلي قبر، فَصَوّت بصاحبه، فقال: قم بإذن الله.

فخرج منه رجل أبيض الرأس و اللحية، يمسح التراب عن وجهه، و هو يقول: الحمد لله و الله أكبر.

فقال جبرائيل: عُد بإذن الله، ثم انتهي به إلي قبر آخر.

فقال: قم بإذن الله.

فخرج رجل مسود الوجه، و هو يقول: يا حسرتاه يا ثبوراه.

ثم قال له جبرائيل: عد إلي ما كنت فيه بإذن الله.2.

ص: 367


1- تفسير القمي، ج 2، ص 252. بحار الأنوار، ج 6، ص 324، ح 2، باب: 2.

فقال: يا محمد! هكذا يحشرون يوم القيامة، فالمؤمنون يقولون هذا القول، وهؤلاء يقولون ما تري)(1).

أقول: المراد بالمطر الذي يقع علي الأرض فتحيي به الموتي؟ هو ماء ينزله اللّه عزّوجلّ من بحر تحت العرش، أحلي من العسل، وأبرد من الثلج، وأطيب من المسك، يقال له: صاد؛ و هو الذي قاله جبرائيل محمد صلّي الله عليه و آله ليلة المعراج، لما أراد أن يتوضأ ليصلي بالملائكة.

قال: (أدن من صاد)(2) ، فدنا فتوضأ، ورائحة ذلك الماء كرائحة المني، وهر الذي حمرت منه طينة الخلق في بدئهم، و يخمرها منه في عودهم ذلك تقدير العزيز العليم.

جعل اللّه سبحانه عاقبتنا وإياكم إلي رحمته ومغفرته ورضوانه، إنه علي كل شيء قدير، غفور رحيم، ولا حول ولا قوة إلّا باللّه العلي العظيم، وصلي اللّه علي محمد وآله الطاهرين، والحمد للّه رب العالمين، حمداً كثيراً.

وكتب مؤلفه العبد المسكين أحمد بن زين الدين، بن اٍبراهيم بن صقر، بن إبراهيم بن داغر الأحسائي، في الحادي و العشرين من شهر ربيع المولود، سنة إحدي و ثلاثين بعد المئتين و الألف من الهجرة النبوية، علي مهاجرها ألف صلاة وسلام وتحية، حامداً مصلياً مستغفراً.3.

ص: 368


1- تفسير القمي، ج 2، ص 253، سورة الزمر، آية: 69. الزهد، ص 94، باب: 17. بحار الأنوار، ج 7، ص 39، ح 8، باب: 3.
2- راجع فروع الكافي، ج 3، ص 484. وبحار الأنوار، ج 18، ص 367، باب: 3.

فهرس الروايات الشريفة

متن الحديث الشريف\قائل الحديث\الصفحة

أَ فَمَنْ وَعَدْناهُ... الموعود علي بن أبي طالب\الصادق عليه السّلام\ 341

إِنَّ الَّذِي فَرَضَ... قال فقال لي لا و الله... \الصادق عليه السّلام\ 349

إِنَّ الَّذِي فَرَضَ... يرجع إليكم نبيكم... \السجاد عليه السّلام\ 347

جَعَلَ فِيكُمْ أَنْبِياءَ... فقال الأنبياء... \الصادق عليه السّلام\ 349

حم عسق أعداد سني القائم وقاف... \الباقر عليه السّلام\ 238

فَذَرْنِي وَ مَنْ... يعني بهذه الآية إبليس... \الباقر عليه السّلام\ 353

رَبِّ فَأَنْظِرْنِي... قال وهب أتحسب أنه... \الصادق عليه السّلام\ 356

رُبَما يَوَدُّ... هو أنا إذا خرجت أنا... \علي عليه السّلام\ 329

وَ أَشْرَقَتِ الْأَرْضُ... قال رب الأرض... \الصادق عليه السّلام\ 292

وَ لَلْآخِرَةُ خَيْرٌ... يعني الكرة هي... \الصادق عليه السّلام\ 348

وَ لَهُ أَسْلَمَ... يقول علي عليه السّلام أنا أول... \الباقر عليه السّلام\ 308

خضراوتان في الدنيا يأكل المؤمنون منهما... \الصادق عليه السّلام\ 359

إنّ المستثنين جبرائيل و ميكائيل وإسرافيل... \أحدهم عليهم السّلام\ 363

إنَّ ميتنا لم يمت و غائبنا لم يفب إن قتلانا... \علي عليه السّلام\ 364

نحن المجيبون\أحدهم عليهم السّلام\ 365

أنه سئل عن النفختين كم بينهما فقال ما... \السجاد عليه السّلام\ 365

ص: 369

نحن السائلون ونحن المجيبون\أحدهم عليهم السّلام\ 365

إنه إذا أفني الله الحلق قال الله تعالي يا أرض... \أحدهم عليهم السّلام\ 365

ادن من صاد\أحدهم عليهم السّلام\ 368

فما سبب بكائك يا ابن رسول الله صلّي الله عليه و آله... \أحدهم عليهم السّلام\ 367

هم الشهداءمتقلدون أسيافهم حول العرش\أحدهم عليهم السّلام\ 365

يقبض الله عزّوجلّ روح جبرائيل بغير واسطة.. \أحدهم عليهم السّلام\ 363

إنّ الوجه الباقي في قوله تعالي: كُلٌّ مِنْ... \أحدهم عليهم السّلام\ 363

إن المستثنين هؤلاء الأربعة من نفخة... \أحدهم عليهم السّلام\ 363

يأمر الله ملك الموت فيضم جبرائيل ويقبض... \أحدهم عليهم السّلام\ 363

أنه سأل جبرائيل هن هذه الآية من ذا... \الرسول صلّي الله عليه و آله\ 363

ما زالت الأرض إلي ولله حجة يعرف... \الصادق عليه السّلام\ 360

أتدري ما كان قميص يوسف عليه السّلام... \الصادق عليه السّلام\ 185

الحجة قبل الحلق ومع الحلق وبعد الحلق... \الصادق عليه السّلام\ 361

أحياهم حتي نظر الناس إليهم ثم أمانهم من... \الباقر عليه السّلام\ 35

إذا أراد الله قيام القائم بعث جبرائيل في... \الصادق عليه السّلام\ 143

إذا أوذن الإمام دعا الله باسمه العبراني... \الصادق عليه السّلام\ 154

إذا اختلف رمحان بالشام لم تنجل إلّا عن... \علي عليه السّلام\ 57

إذا اختلف ولد العباس وولها سلطانهم... \الصادق عليه السّلام\ 127

إذا بلغ السفياني أن القائم عليه السّلام توجه... \الباقر عليه السّلام\ 167

إذا دخل القائم الكوفة لم يبق مؤمن إلّا... \الباقر عليه السّلام\ 167

ص: 370

إذا رأيتم ناراً من قبل المشرق شبه الهروي... \الصادق عليه السّلام\ 111

إذا ظهر القائم عليه السّلام ظهر براية رسول... \الباقر عليه السّلام\ 184

إذا ظهرت راية الحق لعنها أهل الشرق... \الصادق عليه السّلام\ 224

إذا قام أتي المؤمن في قبره فيقال له قد... \الباقر عليه السّلام\ 227

إذا قام القائم عليه السّلام ودخل الكوفة لم... \الباقر عليه السّلام\ 151

إذا قام القائم استنزل المؤمن الطير من... \الصادق عليه السّلام\ 291

إذا قام القائم سار إلي الكوفة فيهدم بها... \الباقر عليه السّلام\ 235

إذا قام قائم آل محمد استخرج من ظهر... \الصادق عليه السّلام\ 148

إذا كان ذلك ضرب يعسوب الدين بذنبه... \علي عليه السّلام\ 146

إذا كان عند خروج القائم ينادي منادٍ... \الرسول صلّي الله عليه و آله\ 119

أربعين مطرة\أحدهم عليهم السّلام\ 320

أربعين يوماً آخرها بين جمادي ورجب... \أحدهم عليهم السّلام\ 320

أصحاب القائم الثلاثمائة و البضعة عشر... \الباقر عليه السّلام\ 155

أصلحك الله ألم يكن عليه السّلام قوياً في دين... \الباقر عليه السّلام\ 201

أصلحك الله إنهم يتحدثون أنّ السفياني... \الرضا عليه السّلام\ 63

ألا إنَّ بعد ذلك الطامة الكبري قلنا وما... \علي عليه السّلام\ 324

ألا وإني ظاعن عن قريب، ومنطلق إلي... \علي عليه السّلام\ 76

ألست بربكم ومحمد نبيكم، وعلي وليكم... \قدسي\ 284

\ \ 333

أما أنه لو قد قام لقال الناس أني يكون... \الصادق عليه السّلام\ 122

ص: 371

أما أنه منزل صاحبنا إذاقام بأهله\الصادق عليه السّلام\ 228

أما الرجال فتواري وجوهها عنه و أما... \الصادق عليه السّلام\ 63

أما النداء الأول من السماء باسم القائم... \الصادق عليه السّلام\ 123

أما لو قام القائم لقد ردت إليه الحميراء... \الباقر عليه السّلام\ 180

الأمة المعدودة أصحاب القائم عليه السّلام... \علي عليه السّلام\ 155

إنَّ أبا جعفر عليه السّلام كان يقول إن خروج... \الصادق عليه السّلام\ 77

إنَّ إبليس قال... فأبي الله ذلك عليه... \الصادق عليه السّلام\ 335

إنَّ آخر من يخرج من النار يوم القيامة... \الرسول صلّي الله عليه و آله\ 56

إن أمر السفياني من الأمر المحتوم وخروجه... \الصادق عليه السّلام\ 60

إن أمرنا لو قد كان لكان أبين من هذه... \الباقر عليه السّلام\ 109

إن أول من يرجع لجاركم الحسين... \الباقر عليه السّلام\ 292

إن أول من يكر في الرجعة الحسين بن... \الصادق عليه السّلام\ 295

أنَّ أول من ينفض التراب عن رأسه هو... \أحدهم عليهم السّلام\ 300

إنّ اسمه عثمان بن عنبسة\أحدهم عليهم السّلام\ 41

إنَّ الدجال يقتله عيسي يحبل الدخان\أحدهم عليهم السّلام\ 70

إن الذي يلي حساب الناس قبل يوم... \الصادق عليه السّلام\ 34

\ \ 313

أن الذين قالوا ملكان لا غير ورضي... \أحدهم عليهم السّلام\ 185

أن الساعة إنماتقوم علي شرارخلق الله\أحدهم عليهم السّلام\ 343

إنّ السفياني يملك بعد ظهوره علي الكور... \الصادق عليه السّلام\ 61

ص: 372

إنّ الغمام في هذه الآية هو أمير المؤمنين عليه السّلام\أحدهم عليهم السّلام\ 336

إن القائم عليه السّلام إذا قام بمكة، وأراد أن... \الباقر عليه السّلام\ 183

إنَّ القائم عليه السّلام يملك ثلاثمائة وتسع سنين... \الباقر عليه السّلام\ 239

إنّ القائم إذا قام رد البيت الحرام إلي... \الصادق عليه السّلام\ 220

إنّ القائم صلوات الله عليه ينادي باممه في... \الصادق عليه السّلام\ 132

إنّ القائم يلقي في حربه ما لم يلق رسول... \الصادق عليه السّلام\ 224

إنّ الله تبارك وتعالي أحد واحد تفرد في... \علي عليه السّلام\ 324

إن المدثر هو كائن عند الرجعة فقال له... \الباقر عليه السّلام\ 347

إنّ الناس يوبخونا ويقولون: من أين... \الصادق عليه السّلام\ 125

أن حديثهم صعب مستصعب ثقيل مقنع... \أحدهم عليهم السّلام\ 180

إن حروف العبد ثلاثة عين وباء ودال... \الصادق عليه السّلام\ 140

إنّ خروج السفياني من الأمر المحتوم قال... \الصادق عليه السّلام\ 110

إنّ رسول الله صلّي الله عليه و آله إذا رجع آمن به... \أحدهم عليهم السّلام\ 349

أن رسول الله صلّي الله عليه و آله إذا رجع آمن به الناس... \أحدهم عليهم السّلام\ 330

إنّ رسول الله صلّي الله عليه و آله وعلياً يرجعون\الباقر عليه السّلام\ 347

إنّ رسول الله صلّي الله عليه و آله يوم بأصحابه... \أحدهم عليهم السّلام\ 81

إنّ صاحب هذا الأمر لو قد ظهر لقي من... \الباقر عليه السّلام\ 223

إنّ ضربة علي لعمرو بن ودتعدل أعمال... \الرسول صلّي الله عليه و آله\ 285

إنّ علياً قال قد كان لي أن أقتل المولي... \الصادق عليه السّلام\ 218

إنّ في أمتي المهدي يخرج و يعيش خمساً أو... \الرسول صلّي الله عليه و آله\ 233

ص: 373

إنَّ في العشر بعد ستمائة و القتل تمتلئ... \الرسول صلّي الله عليه و آله\ 63

إنَّ في هذه القصة قال رسول الله صلّي الله عليه و آله ما... \أحدهم عليهم السّلام عليه السّلام\ 68

إن قائمنا إذا قام أشرقت الأرض بنور... \الصادق عليه السّلام\ 291

إنّ قائمنا إذا قام مد الله عزّوجلّ لشيعتنا في.. \الصادق عليه السّلام\ 228

إن قائمنا استقبل من جهلة الناس أشد مما... \الصادق عليه السّلام\ 223

إنَّ قبل رايتنا رايتان راية لآل جعفر... \أحدهم عليهم السّلام\ 66

إن لصاحب هذا الأمر غيبة لا بد منها... \الباقر عليه السّلام\ 187

إن لعلي عليه السّلام في الأرض كرة مع... \علي عليه السّلام\ 241

\ \ 339

إنّ للقائسم عليه السّلام غيبة قبل قيامه قلت... \الصادق عليه السّلام\ 202

إن لله مائدة\الصادق عليه السّلام\ 116

إنَّ لنا أوعية نملؤها علماً لتنقلها إلي... \أحدهم عليهم السّلام\ 75

إن لولد العباس و المرواني لوقعة بقرقيسيا... \الباقر عليه السّلام\ 58

إنّ ما ذكره الله بالماضي مثل و ما أدراك... \أحدهم عليهم السّلام\ 281

أن مدة دولة القائم عليه السّلام تسعة عشر... \أحدهم عليهم السّلام\ 241

إن من أسماءالحجة عليه السّلام منصوراً\أحدهم عليهم السّلام\ 300

إنَّ هؤلاء العامة يعيرونا ويقولون لنا أنكم... \الصادق عليه السّلام\ 121

إن هذه القصة قال رسول الله صلّي الله عليه و آله ما... \أحدهم عليهم السّلام\ 91

أنا الذي أقتل مرتين و أحيي مرتين ولي... \الرسول صلّي الله عليه و آله\ 240

ص: 374

\ \ 323

أنا الذي أقتل مرتين واحي مرتين ولي... \الرسول صلّي الله عليه و آله\ 290

أنادابة الأرض علي\عليه السّلام\ 324

أنا ذو قرنيها وقال عليه السّلام أنا الذي اقتل... \أحدهم عليهم السّلام\ 303

أنا سيد الشيب وفي سنة من أيوب و الله... \علي عليه السّلام\ 322

\ \ 323

أنا صاحب الميسم و أنا الفاروق الأكبر... \علي عليه السّلام\ 304

أنا وآل أبي سفيان أهل بيتين تعادينا في... \الصادق عليه السّلام\ 60

أنت القائم قال قد و لدني رسول الله صلّي الله عليه و آله... \الباقر عليه السّلام\ 192

أنت صاحب هذا الأمر فقال أنا صاحب... \الرضا عليه السّلام\ 199

أنتم أشدتقليداً أم المرجئة\أحدهم عليهم السّلام\ 142

إنك لو رأيت السفياني رأيت أخبث... \الصادق عليه السّلام\ 61

أنه عليه السّلام يوسع الطريق الأعظم بأن يجعله... \أحدهم عليهم السّلام\ 236

أنه إذا خرج القائم عليه السّلام لم يكن بينه... \الصادق عليه السّلام\ 220

أنه لاتراه عين حتي تراه كل عين\أحدهم عليهم السّلام\ 208

\ \ 281

إنه يبايع بين الركن و المقام اسمه أحمد... \الرسول صلّي الله عليه و آله\ 137

أنه يظهر بعد أن يمضي من ملك القائم... \أحدهم عليهم السّلام\ 286

إني خاتم ألف ني وإنك خاتم ألف وصي... \الرسول صلّي الله عليه و آله\ 72

أول الآيات الدخان، ونزول عيسي ونار... \أحدهم عليهم السّلام\ 27

ص: 375

أول ما يبدأ القائم عليه السّلام بأنطاكية بأنطاكية... \الصادق عليه السّلام\ 171

أول من تنشق الأرض عنه ويرجع إلي... \الصادق عليه السّلام\ 292

أي بقاع الأرض أفضل بعد حرم الله عزّوجلّ... \الباقر عليه السّلام\ 211

أي و الله حتي يسمعه كل قوم بلسانهم... \الصادق عليه السّلام\ 115

الآيات أمير المؤمنين و الأئمة عليه وعليهم... \أحدهم عليهم السّلام\ 26

الآيات في كتاب الله عزّوجلّ: لَوْ تَزَيَّلُوا... \الصادق عليه السّلام\ 200

إياكم و التنوية أما و الله ليفيبن إمامكم... \الصادق عليه السّلام\ 122

ايام اقه ثلاثة يوم يقوم القائم ويوم الكرة... \الباقر عليه السّلام\ 61

آيتان تكونان قبل القائم عليه السّلام لم يكونا... \الباقر عليه السّلام\ 105

أيسير القائم عليه السّلام إذا قام بخلاف سيرة... \الصادق عليه السّلام\ 219

ابني هذا سيد كما سماه رسول الله صلّي الله عليه و آله... \علي عليه السّلام\ 187

اتقوا فراسة المؤمن فإنه ينظر بنور الله... \الرسول صلّي الله عليه و آله\ 202

اثنان بين يدي هذا الأمر كسوف القمر... \الباقر عليه السّلام\ 105

انا الذي خالفت بينكم\أحدهم عليهم السّلام\ 107

\ \ 108

بأبي ابن خيرة الإماء أهي فاطمة قال... \علي عليه السّلام\ 191

بأن كل ما كان في الأمم الماضية يكون في... \الرسول صلّي الله عليه و آله\ 303

بعثت أنا و الساعة كهاتين وأشار بسبابته.. \الرسول صلّي الله عليه و آله\ 65

بلغ رسول الله صلّي الله عليه و آله عن بطنين من قريش... \الصادق عليه السّلام\ 334

البيعة لله عزّوجلّ\أحدهم عليهم السّلام\ 227

ص: 376

بين يدي القائم موت أحمر وموت أبيض... \علي عليه السّلام\ 71

ترجعن تقول ذهبت وليقتص يوم الرضا\عليه السّلام\ 293

تروي ما يروي الناس أن علياً عليه السّلام... \الباقر عليه السّلام\ 148

تسع سنين وقال هذا سياق الحفاظ... \أحدهم عليهم السّلام\ 216

تغيب الرجال وجوهها منه وليس علي... \الصادق عليه السّلام\ 63

تنكسف الشمس لخمس مضين في شهر... \الصادق عليه السّلام\ 106

ثلاث عشرة مدينة و طائفة يحارب القائم... \الصادق عليه السّلام\ 224

ثم يخرج المنتصر إلي الدنيا فيطلب بدم... \أحدهم عليهم السّلام\ 300

ثم يخرج المنتصر إلي الله فيطلب بدمه... \أحدهم عليهم السّلام\ 289

ثم يخرج المنتصر فيطلب بدم الحسين... \أحدهم عليهم السّلام\ 299

جعلت فداك أخبرني عن صاحب هذا... \الباقر عليه السّلام\ 153

جعلت فداك إني سمعت أباك و هو يقول... \الصادق عليه السّلام\ 195

جعلت فداك إني قد دخلت المدينة وفي... \الباقر عليه السّلام\ 175

حاش لله أن يوقت ظهوره بوقت يعلمه... \الصادق عليه السّلام\ 243

حتي يخرج رجل من ولدي اسمه كاسمي... \الرسول صلّي الله عليه و آله\ 52

حججت مع رسول الله حجة الوداع فلما... \أحدهم عليهم السّلام\ 67

حرام علي روح أن تفارق جسدها حتي... \أحدهم عليهم السّلام\ 56

الحسين فلا يسرف في القتل إنه كان... \الباقر عليه السّلام\ 300

حين سئل عن اليوم الذي ذكره الله... \الصادق عليه السّلام\ 322

خذ بما خالف القوم فإن الرشد في... \الرسول صلّي الله عليه و آله\ 29

ص: 377

خذ حذرك فإنني أديت إليك وأنا مقاتلك... \أحدهم عليهم السّلام\ 159

خرج أمر المؤمنين عليه السّلام إلي الحيرة فقال... \الباقر عليه السّلام\ 229

خرجت من الكوفة فلما قدمت المدينة... \الصادق عليه السّلام\ 194

خشينا أن يكون بعد نبينا صلّي الله عليه و آله حدثاً... \أحدهم عليهم السّلام\ 215

خطبنا علي بن أبي طالب عليه السّلام فحمد... \علي عليه السّلام\ 78

الدجال لا يدخل مكة و المدينة، علي كل... \الرسول صلّي الله عليه و آله\ 78

الدجال لا يدخل مكة و المدينة علي كل... \الرسول صلّي الله عليه و آله\ 99

دخل عليه رجل من أهل بلخ فقال له يا... \الباقر عليه السّلام\ 82

دمان في الأسلام حلال من الله عزّوجلّ لا... \الصادق عليه السّلام\ 169

دولة إبليس... إلي يوم القيامة، و هو يوم... \الصادق عليه السّلام\ 351

ذلك إذا خرجوا في الرجعة من القبر إلي... \أحدهم عليهم السّلام\ 27

ذلك حين يقول علي عليه السّلام أنا أولي... \الباقر عليه السّلام\ 328

ذلك قائم آل محمد عليه السّلام يخرج فيتل بدم... \الصادق عليه السّلام\ 296

رأيت أمر المؤمنين عليه السّلام و هو في بعض... \علي عليه السّلام\ 176

رأيته عليه السّلام متعلقاً باستار الكعبة في... \أحدهم عليهم السّلام\ 193

الراجفة الحسين بن علي عليه السّلام و الرادفة... \الصادق عليه السّلام\ 300

\ \ 317

رجفة تكون بالشام يهلك فيها مائة ألف... \علي عليه السّلام\ 65

الرفعة لله عزّوجلّ أحدهم\عليهم السّلام\ 227

سأل رجل من أهل الكوفة أبا عبد الله... \الصادق عليه السّلام\ 199

ص: 378

سال عمر بن الخطاب أمير المؤمنين... \علي عليه السّلام\ 190

سأل عن الرجعة أحق هي قال نعم... \الصادق عليه السّلام\ 299

سألت أبا عبد الله عليه السّلام عن قوله تعالي... \أحدهم عليهم السّلام\ 276

سألته عن سيرة المهدي عليه السّلام كيف سيرته... \الصادق عليه السّلام\ 201

سالته عن قوله الله... فخضع لهارقاب... \الباقر عليه السّلام\ 331

سألته عن قوله الله... يعني بقتلكم إياه ثم... \الباقر عليه السّلام\ 310

سألته متي يقوم قائمكم قال يا أبا... \الصادق عليه السّلام\ 174

سخر له السحاب ومدت له الأستار... \علي عليه السّلام\ 19

السفياني أحر أشقر أزرق لم يعبد الله قط... \الباقر عليه السّلام\ 59

سلوني أيها الناس قبل أن تفقدوفي ثلاثاً... \علي عليه السّلام\ 99

سمعت أبا عبد الله عليه السّلام أنّ للقائم عليه السّلام... \الصادق عليه السّلام\ 189

سمعت أمير المؤمنين عليه السّلام يقول لعمر من... \علي عليه السّلام\ 177

سمي رسول الله صلّي الله عليه و آله أبا بكر صديقاً... \الصادق عليه السّلام\ 321

سنة ثمانين وستمائة تظهر امرأة يقال لها... \أحدهم عليهم السّلام\ 40

سيكون في أمتي مثل ما كان في بني... \الرسول صلّي الله عليه و آله\ 42

شامة علي لون جلده احدهم\عليهم السّلام\ 173

صالح من الصالحين سمه لي أريد القائم... \الباقر عليه السّلام\ 217

صعد رسول اللّه صلّي الله عليه و آله المنبر فتغيرت... \الصادق عليه السّلام\ 65

العام الذي فيه الصيحة قبله الآية في... \الصادق عليه السّلام\ 112

ص: 379

العام الذي لا يشهد صاحب هذا الأمر... \الصادق عليه السّلام\ 209

العجب كل العجب بين جمادي ورجب... \علي عليه السّلام\ 319

عجب واًي عجب بين جمادي ورجب... \علي عليه السّلام\ 80

عسق عدد سني القائم عليه السّلام وقاف جبل... \الباقر عليه السّلام\ 220

عشرقبل الساعة لابدمنها السفياني... \الرسول صلّي الله عليه و آله\ 71

علامة خروج المهدي عليه السّلام كسوف... \الصادق عليه السّلام\ 106

علي أول من آخذ ميثاقه من الأئمة عليهم السّلام... \قدسي\ 314

علي يدي تقوم الساعة قال يعني الرجعة... \علي عليه السّلام\ 329

عليكم بتقوي الله وحده لا شريك لَه... \الصادق عليه السّلام\ 129

عمر الدنيا كله مائة ألف سنة لآل محمد... \أحدهم عليهم السّلام\ 344

فظهر عيسي عليه السّلام في ولادته معلناً... \الصادق عليه السّلام\ 211

فما ذو القرنين قال رجل بعثه الله إلي... \علي عليه السّلام\ 322

فنحن مقيمون بأرض اليمن بواد يقال له... \المهدي عليه السّلام\ 138

القائم منا منصور بالرعب مؤيد بالنصر... \الصادق عليه السّلام\ 77

قال الحسين عليه السّلام لأصحابه قبل أن يقتل... \الباقر عليه السّلام\ 283

قد كان لي أن أقتل المولي وأجر علي... \الصادق عليه السّلام\ 202

قدام القائم عليه السّلام موتان موت أحمر... \الصادق عليه السّلام\ 71

قرأت في الإنجيل ذكر أوصاف النبي صلّي الله عليه و آله... \أحدهم عليهم السّلام\ 81

القرآن يخاصم المرجئي و القدري... \أحدهم عليهم السّلام\ 158

قلت لمحمد بن علي بن موسي عليه السّلام إني... \الرضا عليه السّلام\ 157

ص: 380

قولوا لَه إنّ الذي أخبرنا بذلك وأنت... \الصادق عليه السّلام\ 123

\ \ 125

كأني أنظر إلي القائم عليه السّلام علي ظهر... \الصادق عليه السّلام\ 170

\ \ 228

كأني أنظر إلي القائم عليه السّلام علي منبر... \الصادق عليه السّلام\ 147

كأني بالسفياني أو بصاحب السفياني قد... \الصادق عليه السّلام\ 62

كأني بالسفياني أو بصاحب السفياني قد... \الصادق عليه السّلام\ 62

كأني بالقائم يوم عاشوراء يوم السبت... \الباقر عليه السّلام\ 133

كأني بدينكم هذا لا يزال مولياً يحصص... \الصادق عليه السّلام\ 228

كأني بسرير من نور قد وضع و قد... \الصادق عليه السّلام\ 297

كان أمير المؤمنين عليه السّلام يقول لا يزال... \الصادق عليه السّلام\ 146

كانت عصا موسي عليه السّلام لآدم فصارت... \الباقر عليه السّلام\ 183

كانت عصا موسي قضيب آس من غرس... \الصادق عليه السّلام\ 186

كانت عصي موسي لآدم عليه السّلام فصارت... \الباقر عليه السّلام\ 167

كرة رسول اللّه صلّي الله عليه و آله فيكون ملكه في... \الصادق عليه السّلام\ 341

كل قرية أهلك الله أهلها بالعذاب لا... \أحدهم عليهم السّلام\ 25

كل قرية أهلكها الله بالعذاب لا يرجعون... \الباقر عليه السّلام\ 25

كم يملك القائم عليه السّلام فقال سبع سنين... \الصادق عليه السّلام\ 222

كنت رديفاً لرسول الله صلّي الله عليه و آله في غزوة... \الرسول صلّي الله عليه و آله\ 42

كنت مع أبي عبد الله عليه السّلام فمر بظهر... \الصادق عليه السّلام\ 230

ص: 381

كنت مع أبي عبد الله عليه السّلام ونحن نريد... \الصادق عليه السّلام\ 230

الكوفة يا أبا بكر هي الزكية الطاهرة فيها... \أحدهم عليهم السّلام\ 229

لا بد لصاحب هذا الأمر من غيبة ولا بد... \الصادق عليه السّلام\ 139

\ \ 203

لا بد للغلام من غيبة قال السائل ولِمَ... \الصادق عليه السّلام\ 185

لا بد للقائم كيبة قبل أن يقوم قال قلت... \الصادق عليه السّلام\ 202

لا بد من فتنة صماء صيلم يسقط فيها... \الرضا عليه السّلام\ 113

لا تحدث به السفلة فيذيعونه، أما تقرأ... \الصادق عليه السّلام\ 136

لا تمضي الأيام و الليالي حتي ينادي مناد... \الصادق عليه السّلام\ 111

لا يخرج القائم عليه السّلام إلّا في وتر من... \الصادق عليه السّلام\ 132

لا يخرج القائم عليه السّلام من مكة حتي يكون... \الصادق عليه السّلام\ 231

لا يقوم القائم عليه السّلام حتي تفقأ عين الدنيا... \علي عليه السّلام\ 73

لا يكون هذا الأمر حتي يذهب ثلث... \الصادق عليه السّلام\ 71

لتبلبلن بلبلة ولتغربلن غربلة ولتساطن... \علي عليه السّلام\ 204

لتتبعن سنن من كان قبلكم شبراً بشبر... \الرسول صلّي الله عليه و آله\ 41

لقد أسري بي عزّوجلّ فاوحي إلي من وراء... \الرسول صلّي الله عليه و آله\ 332

لقد تسموا باسم ما سمي الله به أحداً إلّا... \الصادق عليه السّلام\ 338

للقائم غيبتان يشهد في إحداهما الموسم... \الصادق عليه السّلام\ 207

لن تشذ عن رسول إلله صلّي الله عليه و آله لحمته هي... \الحسين عليه السّلام\ 289

اللهم أنجز لي ماوعدتني\المهدي عليه السّلام\ 209

ص: 382

اللهم انتقم لي من أعدائي\المهدي عليه السّلام\ 209

لو قد خرج قائم آل محمد عليه السّلام لنصره... \الباقر عليه السّلام\ 153

لو لم يبق من الدنيا إلّا يوم واحد لطول... \الرسول صلّي الله عليه و آله\ 30

\ \ 32

\ \ 140

لو يعلم أبو ذر ما في قلب سلمان لكفره... \أحدهم عليهم السّلام\ 148

لو يعلم الناس ما يصنع القائم عليه السّلام إذا... \الباقر عليه السّلام\ 219

ليس أحد من المؤمنين قتل إلّا ويرجع حتي... \الباقر عليه السّلام\ 26

ليس بملك ولا نبي ولكن كان عبداً... \علي عليه السّلام\ 240

ليس بين قيام قائم آل محمد وبين قتل... \الصادق عليه السّلام\ 117

ليس من أحد من جميع الأديان يموت إلّا... \أحدهم عليهم السّلام\ 55

ليس من مؤمن إلّا وله قتلة وموتة... يعني... \الباقر عليه السّلام\ 348

ليكون الرجل قاعداً في بيته لا يعلم... \أحدهم عليهم السّلام\ 219

ليلة الجمعة أهبط الرب تعالي ملكاً إلي... \الصادق عليه السّلام\ 126

مأدبة بقرقيسا، يطلع مطلع من السماء... \أحدهم عليهم السّلام\ 116

المؤمن يتخير في قبره فإذا قام القائم عليه السّلام... \الباقر عليه السّلام\ 209

ما الحقيقة يا أمير المؤمنين فقال عليه السّلام... \علي عليه السّلام\ 147

ما تستعجلون بخروج القائم عليه السّلام فو الله... \الصادق عليه السّلام\ 220

ما تقول الناس في هذه الآية وَ أَقْسَمُوا... \الصادق عليه السّلام\

ما تقول في حديث روي عن الصادق... \الرضا عليه السّلام\ 276

ص: 383

ما كان قول لوط لقومه لَوْ أَنَّ لِي بِكُمْ... \الصادق عليه السّلام\ 170

ما من بلدة إلّا ويخرج منهم طائفة إلّا... \أحدهم عليهم السّلام\ 145

ما يقول الناس فيها قال يقولون نزلت... \الصادق عليه السّلام\ 39

مات أوهلك وفي أي واد سلك\أحدهم عليهم السّلام\ 59

المبدح بطنه و المشرب حمرة رحم الله فلاناً... \علي عليه السّلام\ 175

معرفة التوحيد أولاً ثم معرفة المعاني ثانياً... \السجاد عليه السّلام\ 120

المفقودون من فرشهم ثلاثمائة وثلاثة عشر... \السجاد عليه السّلام\ 141

مما لا أشك فيه... أن رسول الله صلّي الله عليه و آله... \أحدهم عليهم السّلام\ 327

من أبغضنا أهل البيت بعثه الله يهودياً قيل... \النبي صلّي الله عليه و آله\ 104

من أراد أن يقاتل شيعة الدجال فليقاتل... \علي عليه السّلام\ 103

من الصوت وذلك الصوت من السماء... \الباقر عليه السّلام\ 109

من شئنا أو مدينة حمينة قيل فما المدينة... \أحدهم عليهم السّلام\ 181

من قاتلني في الأولي وقاتل أهل بيتي في... \الرسول صلّي الله عليه و آله\ 98

من مات فقد قامت قيامته\الرسول صلّي الله عليه و آله\ 32

من وقت خروجه إلي ظهور قائم آل محمد... \أحدهم عليهم السّلام\ 64

النداء من المحتوم و السفياني من المحتوم... \الصادق عليه السّلام\ 114

نزلت في أمير المؤمنين عليه السّلام ما أَكْفَرَهُ ... \الباقر عليه السّلام\ 330

نزلت في الحسين عليه السّلام لو قتل وليه... \الصادق عليه السّلام\ 301

نعم إنه حيث كان أبو بكر معه في الغار... \الصادق عليه السّلام\ 340

ص: 384

نعم المنزل طيبة وما بثلاثين من وحشة... \أحدهم عليهم السّلام\ 120

النفس الزكية غلام من آل محمد اسمه... \أحدهم عليهم السّلام\ 118

نوري ابتدعه من نوره و اشتقه من جلال... \أحدهم عليهم السّلام\ 343

هبوط الجبار تعالي كناية عن نزول آيات... \أحدهم عليهم السّلام\ 317

هذاحديث حسن رزقناه عالياً\أحدهم عليهم السّلام\ 138

هذا في دار الدنيا قبل يوم القيامة قال... \أحدهم عليهم السّلام\ 287

هذه نزلت فينا خاصة، إنه ليس رجل... \أحدهم عليهم السّلام\ 56

هل يبدو لله في المحتوم قال نعم قال له... \الباقر عليه السّلام\ 64

هما صيحتان صيحة في أول الليل وصيحة... \الصادق عليه السّلام\ 123

هو أمر المؤمنين عليه السّلام قال ما أكفره أي... \أحدهم عليهم السّلام\ 329

هو الحسين بن علي قتل مظلوماً ونحن... \الباقر عليه السّلام\ 297

هو كذلك قلت فقول الله عزّوجلّ لا تَزِرُ... \الرضا عليه السّلام\ 296

و إنّ صاحب هذا الأمر يحضر الموسم كل... \أحدهم عليهم السّلام\ 209

وأول من يحكم فيه محسن بن علي عليه السّلام... \الصادق عليه السّلام\ 287

والصوت الثالث بدن يري في قرن... \أحدهم عليهم السّلام\ 114

والله ليملكن رجلاً منا أهل البيت بعد... \الباقر عليه السّلام\ 298

والله ليملكن رجلاً منا أهل البيت ثلاثمائة... \الصادق عليه السّلام\ 239

وانا الفاروق الأكبر وصاحب النشر الأول... \علي عليه السّلام\ 323

وجه يطلع في القبر و يدانيه\أحدهم عليهم السّلام\ 93

وضع الله يده علي رووس العباد فلا يبقي... \الصادق عليه السّلام\ 184

ص: 385

وظهور الدجال يخرج بالمشرق من... \الرسول صلّي الله عليه و آله\ 103

وعندجهينة الخبر اليقين\أحدهم عليهم السّلام\ 79

وفيكم مثله\أحدهم عليهم السّلام\ 302

ولا يكون لإبليس هيكل يسكن فيه... \أحدهم عليهم السّلام\ 353

وله اممان اسم يخفي واسم يعلن فاما الذي... \علي عليه السّلام\ 138

و لينزلن محمد وعلي وأنا وأخي من الله... \أحدهم عليهم السّلام\ 291

وما تصنع باسمه إذا ملك كور الشام... \الصادق عليه السّلام\ 61

وموضع منبر القائم عليه السّلام\أحدهم عليهم السّلام\ 212

ويظهر الدجال يخرج بالمشرق من سجستان\الرسول صلّي الله عليه و آله\ 82

وينهزم قوم كثير من بني أمية حتي يلحقوا... \الباقر عليه السّلام\ 168

يا أبا القاسم ما منا إلّا و هو قائم بامر الله... \الجواد عليه السّلام\ 173

يا أبا بصير ما تقول في هذه الآية قال... \الصادق عليه السّلام\ 38

يا أبا محمد بالقائم علامتان شامة في رأسه... \الصادق عليه السّلام\ 193

يا ابن رسول الله زعم ولد الحسن أنْ... \الباقر عليه السّلام\ 297

يا ابن رسول الله لم سمي علي عليه السّلام أمر... \الباقر عليه السّلام\ 295

يا جابر لا يظهر القائم عليه السّلام حتي يشمل... \الباقر عليه السّلام\ 116

يا جابر هل تدري من المنتصر و السفاح... \أحدهم عليهم السّلام\ 289

يا حمران سل تجب ولا تنفقن دنانيرك... \الباقر عليه السّلام\ 191

يا حوشب آية في كتاب الله قد أعيتني... \أحدهم عليهم السّلام\ 195

يا داوود لا تجعل بيني وبينك عالماً مفتوناً... \قدسي\ 337

ص: 386

يا علي إنَّ الله أشهدك معي سبعة مواطن... \الرسول صلّي الله عليه و آله\ 342

يا علي إن فيك مثلاً من عيسي بن مريم... \الصادق عليه السّلام\ 56

يا قوم إنّ أهل مكة لا يريدونني ولكني... \المهدي عليه السّلام\ 143

يا محمد علي آخر من أقبض روحه من... \قدسي\ 343

يا معشر الشيعة تزعمون أن علياً دابة... \أحدهم عليهم السّلام عليه السّلام\ 319

يبعث الله رجلاً في آخر الزمان وكلب... \علي عليه السّلام\ 237

يحتمل وقوعهمامعاً\أحدهم عليهم السّلام\ 86

يخرج ابن آكلة الأكباد من الوادي... \علي عليه السّلام\ 59

يخرج القائم عليه السّلام يوم السبت يوم... \الصادق عليه السّلام\ 133

\ \ 142

يخرج رجل من ولدي في آخر الزمان... \علي عليه السّلام\ 188

يخرج في آخر الزمان علي رأسه كمامة... \الباقر عليه السّلام\ 152

يخرج قائمنا أهل البيت يوم الجمعة\الصادق عليه السّلام\ 132

يخرج من أصفهان، أومن سجستان\أحدهم عليهم السّلام\ 66

يخرج من اليمن من قرية يقال لها كرعة... \الرسول صلّي الله عليه و آله\ 138

يزعم ابن أبي حمزة أن جعفراً زعم أن أبي... \الرضا عليه السّلام\ 130

يصبح أحدكم وتحت رأسه صحيفة... \الصادق عليه السّلام\ 142

يصبح أحدكم وتحت رأسه صحيفة... \الصادق عليه السّلام\ 227

يصنع كما يصنع رسول الله صلّي الله عليه و آله يهدم... \الصادق عليه السّلام\ 117

يعني القائم عليه السّلام وأصحابه لِيَسُوؤُا... \أحدهم عليهم السّلام\ 38

ص: 387

يعني بذلك محمداً صلّي الله عليه و آله وقيامه في الرجعة... \الباقر عليه السّلام\ 347

يفقد الناس إمامهم فيشهد الموسم فيراهم... \الصادق عليه السّلام\ 207

يقبل القائم عليه السّلام في خمسة وأربعين رجلاً... \الصادق عليه السّلام\ 145

يقضي القائم عليه السّلام بقضايا ينكرها بعض... \الباقر عليه السّلام\ 169

يقوم القائم بأمر جديد و كتاب جديد... \الباقر عليه السّلام\ 220

يقوم القائم يوم عاشوراء\الصادق عليه السّلام\ 132

يكون في أمتي المهدي إن قصر فسبع وإلّا... \الرسول صلّي الله عليه و آله\ 233

يكون في راية المهدي عليه السّلام البيعة لله... \أحدهم عليهم السّلام\ 142

يكون لصاحب هذا الأمر غيبة في بعض... \الباقر عليه السّلام\ 147

يمسي من أخوف الناس ويصبح من آمن... \الباقر عليه السّلام\ 169

يميز الله أولياءه وأصفياءه حتي يطهر... \الرسول صلّي الله عليه و آله\ 63

ينادي منادٍ باسم القائم عليه السّلام خاص أو... \الصادق عليه السّلام\ 110

ينزل عيسي ابن مريم عليه السّلام عند انفجار... \الرسول صلّي الله عليه و آله\ 212

يوم النوروز هو اليوم الذي يظهر فيه... \الصادق عليه السّلام\ 104

\ \ 133

ص: 388

فهرس المصادر و المراجع للكتاب

القرآن الكريم.

1 - إجازات الشيخ الأحسائي قدّس سرّه، للدكتور حسين محفوظ، النجف الأشرف: (1390 ه).

2 - أصول الكافي؛ لأبي جعفر محمد بن يعقوب الكليني الرازي، المتوفي عام: (329 ه)، دار الأضواء - بيروت لبنان:

(1405 ه).

3 - أمالي الصدوق؛ للشيخ أبي جعفر محمّد بن علي بن الحسين بن بابويه القمي المعروف ب (الشيخ الصدوق)، المتوفي عام:

(381 ه)، مؤسسة الأعلمي للمطبوعات - بيروت لبنان، الطبعة الخامسة: (1400 ه).

4 - أمالي الطوسي؛ لشيخ الطائفة أبي جعفر محمد بن الحسن الطوسي، المتوفي عام: (460 ه)، مؤسسة الوفاء - بيروت لبنان، الطبعة الثانية: (1401 ه).

5 - أمالي المفيد؛ للشيخ محمّد بن محمد بن النعمان العكبري البغدادي، المتوفي عام: (413 ه)، المعروف ب - (الشيخ المفيد)، دار التيار الجديد، بيروت لبنان. (ب - ت - ط).

6 - إعلام الوري؛ لأمين الاسلام الطبرسي، دار الكتب الاسلامية - طهران. (ب - ت - ط).

ص: 389

7 - الأرشاد؛ للشيخ محمد بن محمد بن النعمان العكبري البغدادي، المتوفي عام: 4131 ه) المعروف ب - (الشيخ المفيد)، مؤسسة الأعلمي للمطبوعات - بيروت لبنان، الطبعة الثالثة: (1399 ه).

8 - الاختصاص؛ للشيخ محمد بن محمد بن النعمان العكبري البغدادي، المتوفي عام: (413 ه) المعروف ب - (الشيخ المفيد)، مؤسسة الأعلمي للمطبوعات - بيروت لبنان: (1402 ه).

9 - الإفصاح في الإمامة؛ للشيخ محمد بن محمد بن النعمان العكبري البغدادي، المتوفي عام: (413 ه) المعروف ب - (الشيخ المفيد)، المؤتمر العالمي للشيخ المفيد - قم المقدسة: (1413 ه).

10 - الاحتجاج؛ لأبي منصور، أحمد بن علي الطبرسي، نشر المرتضي - مشهد: (1403 ه).

11 - إرشاد القلوب؛ للحسن بن أبي الحسن الديلمي، المتوفي عام:

(841 ه)، دار الشريف الرضي للنشر، قم المقدسة: (1412 ه).

12 - بشارة المصطفي لشيعة المرتضي؛ لعماد الدين الطبري، المتوفي عام : (553 ه)، المكتبة الحيدرية - النجف الأشرف: (1383 ه).

13 - بحار الأنوار؛ للعلامة الشيخ محمد باقر المجلسي، المتوفي عام:

(1110 ه)، دار إحياء التراث العربي - بيروت لبنان، الطبعة الثالثة: (1403 ه).

14 - بصائر الدرجات، لأبي جعفر محمد بن الحسن بن فروخ الصفّار؛ المتوفي عام: (290 ه)، مؤسسة النعمان - بيروت لبنان، الطبعة الثانية: (1412 ه).

15 - تفسير البرهان؛ للعلامة المحدث السيد هاشم البحراني، موسسة الأعلمي للمطبوعات، بيروت لبنان، الطبعة الأولي: (1419 ه).

ص: 390

16 - تفسير العيّاشي شي، للمحدِّث الجليل أبي النَّصر محمّد بن عيَّاش، المتوفي عام: (320 ه)، مؤسسة الأعلمي للمطوعات - بيروت لبنان، الطبعة الأولي: (1411 ه).

17 - تفسير مجمع البيان؛ للشيخ أبي علي الفضل بن الحسن الطبرسي، المتوفي عام: (502 ه)، دار المعرفة - بيروت لبنان، الطبعة الثانية : (1408 ه).

18 - تفسير فرات الكوفي؛ لفرات بن إبراهيم الكوفي، المتوفي في القرن (الثالث هجري)، مؤسسة الطبع و النشر - قم المقدسة: (1410 ه).

19 - تفسير الإمام الحسن العسكري عليه السّلام؛ منسوب للإمام الحسن بن علي العسكري عليه السّلام، المتوفي عام: (250 ه)، مؤسسة التاريخ العربي - بيروت لبنان، الطبعة الأولي: (1421 ه).

20 - تفسير الصراط المستقم؛ لعلي بن يونس النباطي البياضي، المكتبة الحيدرية - النجف الأشرف: (1384 ه).

21 - تفسير القمِّي؛ لعلي بن إبراهيم بن هاشم القمي، موسسة الأعلمي للمطبوعات - بيروت لبنان، الطبعة الأولي: (1412 ه).

22 َ - تأويل الآيات الظاهرة؛ للسيد شرف الدين الحسيي الإستربادي، الناشر مدرسة الامام المهدي عليه السّلام - قم المقدسة، الطبعة الأولي : (1407 ه).

23 - تفسير جوامع الجامع؛ للشيخ أبي علي الفضل بن الحسن الطبرسي، المتوفي عام: (502 ه)، طهران إيران: (1412 ه).

24 - تفسير الكشاف عن حقائق التنزيل وعيون الأقاويل في وجوه التأويل، لجار اللّه محمود بن عمر بن محمد الخوارزمي المعتزلي

ص: 391

الزمخشري، المتوفي عام: (538 ه)، دار الفكر، بيروت لبنان، (ب - ت - ط).

25 - تفسير الدر المنثور؛ لجلال الدين السيوطي، المتوفي عام:

(911 ه)، دار المعرفة، الطبعة الأولي: (1365 ه).

26 - تهذيب الأحكام؛ للشيخ أبي جعفر محمد بن الحسن الطوسي، المتوفي عام: (385 ه)، دار الكتب الإسلامية - طهران : (1365 ه ش).

27 - تهذيب التهذيب؛ لابن حجر العسقلاني، المتوفي عام: (852 ه)، دار الفكر، الطبعة الأولي: (1404 ه).

28 - تاريخ مدينة دمشق؛ معروف بابن عساكر، المتوفي عام:

(571 ه)، تحقيق علي شيري، دار الفكر: (1415 ه).

29 - التحقيق في مدرسة الأوحد؛ لآية اللّه العظمي خادم الشريعة الغراء المولي ميرزا عبد الرسول الحائري الاحقاقي قدّس سرّه، المتوفي عام : (1424 ه).

30 - حلية الأبرار؛ للعلامة المحدث الخبير السيد هاشم البحراني، المتوفي عام: (1107 ه)، منشورات مؤسسة الأعلمي للمطبوعات - بيروت لبنان، الطبعة الثانية: (1413 ه).

31 - الخصال؛ للشيخ أبي جعفر محمد بن علي بن الحسين بن بابويه القمي، المعروف ب (بالشيخ الصدوق)، المتوفي عام: (381 ه)، مؤسسة الأعلمي للمطبوعات - بيروت لبنان، الطبعة الأولي:

(1410 ه).

ص: 392

32 - الخرائج و الجرائح؛ للفقيه المحدث و المفسر الكبير قطب الدين الراوندي؛ المتوفي عام: (573 ه)، مؤسسة النور للمطبوعات تبيروت لبنان، الطبعة الثانية: (1411 ه).

33 - الجعفريات؛ لمحمد بن محمد الأشعث الكوفي، المتوفي في القرن:

(الرابع الهجري)، مكتبة نينوي الحديثة - طهران، (ب - ت - ط).

34 - جامع الأخبار؛ للشيخ محمد بن محمد السبزواري، من القرن السابع الهجري، تحقيق: علاء آل جعفر، مؤسسة آل البيت عليه السّلام لإحياء التراث، الطبعة الأولي: (1413 ه).

35 - نور البراهين؛ للسيد نعمة الله الجزائري؛ الموفي عام:

(1112 ه)، مؤسسة النشر الاسلامي التابعة لجماعة المدرسين، قم المقدسة، الطبعة الأولي: (1417 ه).

36 - دلائل الإمامة؛ لأبي جعفر محمد بن جرير بن رستم الطبري، المتوفي عام: (358 ه)، منشورات موسسة الأعلمي للمطبوعات - بيروت لبنان، الطبعة الثانية: (1408 ه).

37 - ديوان الإمام علي عليه السّلام؛ منسوب للإمام علي بن أبي طالب عليه السّلام، المتوفي عام: (40 ه)، دارنداءالاسلام للنشر - قم المقدسة:

(1411 ه).

38 - الذريعة إلي تصانيف الشيعة؛ للآغا بزرك الطهراني، دار الأضواء - بيروت لبنان - الطبعة الثانية. (ب - ت - ط).

39 - روضات الجنات؛ للشيخ محمد باقر الخنساري، طهران إيران:

(1306 ه).

ص: 393

40 - روضة الواعظين؛ لمحمد بن الحسن الفتال، المتوفي عام:

(508 ه)، الناشر دار الرضي - قم المقدسة. (ب - ت - ط).

41 - رجال الكشي؛ لمحمد بن عمر الكشي، المتوفي عام: (350)، موسسة النشر في جامعة مشهد: (1348 ه ش).

42 - رجال النجاشي؛ لأحمد بن علي النجاشي، المتوفي: (450 ه)، موسسة النشر الإسلامي - قم المقدسة: (1407 ه).

43 - الزهد؛ لحسين بن سعيد الأهوازي، المتوفي في: (القرن الثالث هجري): (1402 ه).

44 - سير الشيخ أحمد الأحسائي قدّس سرّه، للشيخ أحمد بن زين الدين الأحسائي قدّس سرّه، المتوفي عام: (1241 ه). (مخطوط).

45 - سعد السعود؛ للسيد علي بن طاووس، منشورات الرضي - قم المقدسة: (1363 ه).

46 - شرح نهج البلاغة؛ لعز الدين أبي حامد بن هبة اللّه بن محمد بن أبي الحديد المدائني، المتوفي عام: (656 ه)، الناشر مكتبة آية اللّه المرعشي - قم المقدسة: (1404 ه).

47 - الصواعق المحرقة في الرد علي أهل الفتن و الزندقة؛ لأحمد بن محمد بن حجر الهيثمي المكي، المتوفي عام: (974 ه)، مكتبة القثاهرة - مصر القاهرة، الطبعة الثانية: (1385 ه).

48 - الصحاح؛ لمحمد بن أبي بكر بن عبد القادر الرازي، المتوفي عام:

(721 ه).

49 - الطرائف؛ للسيد علي بن طاووس الحلي، المتوفي عام:

6641 ه)، مطبعة الخيام - قم المقدسة: (1400 ه).

ص: 394

50 - عوالي اللآلي، لابن أبي جمهور الأحسائي، المتوفي في: (القرن العاشر)، دار سيد الشهداء عليه السّلام، قم المقدسة: (1405 ه).

51 - العدد القوية؛ لرضي الدين الحلي، المتوفي عام: (635 ه)، مكتبة آية اللّه المرعشي - قم المقدسة: (1408 ه).

52 - عيون أخبار الرضا عليه السّلام؛ للشيخ أبي جعفر محمد بن علي بن الحسين بن بابويه القمي، المعروف ب (الشيخ بالصدوق)، عام : (381 ه)، منشورات الشريف الرضي - قمر المقدسة، الطبعة الأولي: (1378 ق).

53 - علل الشرائع؛ للشيخ أبي جعفر محمد بن علي بن الحسين بن بابويه القمي، المعروف ب - (الشيخ بالصدوق)، المتوفي عام:

(381 ه)، مؤسسة الأعلمي - بيروت لبنان، الطبعة الأولي:

(1408 ه).

54 - العمدة؛ لابن البطريق الحلي، المتوفي عام: (600 ه)، مؤسسة النشر الإسلامي - قم المقدسة: (1407 ه).

55 - غيبة الطوسي؛ لشيخ الطائفة أبي جعفر محمد بن الحسن الطوسي، المتوفي عام: (385 ه)، مؤسسة المعارف الإسلامية - قم المقدسة، الطبعة الأولي: (1411 ه).

56 - غيبة النعماني؛ للشيخ محمد بن إبراهيم بن جعفر الكاتب، المعروف ب (ابن أبي زينب النعماني)، المتوفي حدود عام: 360 ه ش)، منشورات أنوار الهدي - قم المقدسة، الطبعة الأولي: (1422 ه).

57 - فروع الكافي؛ لثقة الاسلام محمد بن يعقوب الكليني، المتوفي عام : (328 ه)، دار الأضواء - بيروت لبنان: (ب - ت - ط).

ص: 395

58 - فهرست تصانيف كتب الشيخ أحمد الأحسائي قدّس سرّه، للشيخ أبي القاسم الابراهيمي، كرمان: (1367 ه).

59 - فهرست الشيخ الطوسي؛ لشيخ الطائفة أبي جعفر محمد بن الحسن الطوسي، المتوفي عام: (460 ه)، تحقيق ونشر: مؤسسة نشر الفقاهة، قم المقدسة، الطبعة الأولي: (1417 ه).

60 - الفوائد الروضوية؛ للشيخ عباس القمي، طهران: (1367 ه).

61 - قرب الأسناد؟ للشيخ عبد اللّه بن جعفر الحميري، تحقيق:

موسسة آل البيت عليه السّلام لاحياء التراث - بيروت لبنان، الطبعة الأولي: (1413 ه).

62 - قصص الأنبياء عليه السّلام؛ للسيد نعمة اللّه الجزائري، المتوفي عام:

(1112 ه)، مؤسسة الأعلمي للمطبوعات - بيروت لبنان، الطبعة الثانية: (1423 ه).

63 - القاموس المحيط؛ لمحمد بن يعقوب، المعروف بالفيروز آبادي.

64 - كشف الغمة في معرفة الأئمة؛ لعلي بن عيسي الإربلي، المتوفي عام: (692 ه)، منشورات الشمريف الرضي - قم المقدسة؛ الطبعة الأولي: (1421 ه).

65 - كمال الدين وتمام النعمة؛ للشيخ أبي جعفر محمد بن علي بن الحسين بن بابريه القمي، المعروف ب - (الشيخ بالصدوق)، المتوفي عام: (381 ه)، مؤسسة الأعلمي - بيروت لبنان، الطبعة الأولي : (1412 ه).

66 - كفاية الأثر؛ لعلي بن محمد الخزاز القمي، المتوفي في القرن:

(الرابع الهجري)، دار بيدار للنشر - قم المقدسة: (1401 ه).

ص: 396

67 - كامل الزيارات؛ للشيخ جعفر بن محمد بن قولويه القمي، المتوفي عام: (368 ه)، تحقيق: الشيخ جواد القيومي، موً سسة النشر الإسلامي - قم المقدسة. (ب - ت - ط).

68 - كتاب العين؛ لأبي عبدالرحمان الخليل بن أحمد الفراهيدي، المتوفي عام: (175 ه)، تحقيق: الدكتور مهدي المخزومي، وإبراهيم السامرائي، مؤسسة دار الهجرة، الطبعة الثانية: (1409 ه).

69 - كنز الفوائد؛ لأبي الفتح الكراجكي، المتوفي عام: (339 ه)، دار الذخائر - قم المقدسة: (1410 ه).

70 - لسان العرب، للعلامة ابن منظور، نشر أدب الحوزة - قم المقدسة : (1405 ه).

71 - اللهوف؛ لعلي بن طاوس الحلي، المتوفي عام: (664 ه)، دار العالم - طهران: (1348 ه ش).

72 - مستدرك الوسائل؛ للحاج ميرزا حسين النوري الطبرسي، المتوفي عام: (1320 أو 1330 ه)، مؤسسة آل البيت عليه السّلام لإحياء التراث العربي، بيروت لبنان، الطبعة الثانية: (1408 ه) 73 - معاني الأخبار؛ للشيخ أبي جعفر محمد بن علي بن الحسين بن بابويه القمي (المشهور بالصدوق)، المتوفي عام: (381 ه)، مؤسسة الأعلمي للمطبوعات - بيروت لبنان، الطبعة الأولي : (1410 ه).

74 - المنجد في اللفة؛ دار المشرق - بيروت لبنان، الطبعة الثالثة و الثلاثون

ص: 397

75 مجموعة ورَّام، لورَّام بن أبي فراس، المتوفي عام: (605 ه)، الناشر مكتبة الفقيه - قم المقدسة. (ب - ت - ط).

76 - مناقب آل أبي طالب؛ محمد بن شهرآشوب المازندراني، المتوفي عام: (558 ه)، موسسة العلامة للنشر - قم المقدسة : (1379 ه).

77 - مدينة المعاجز؛ للسيد هاشم البحراني، المتوفي عام:

(1107 ه)، تحقيق الشيخ عزة اللّه المولائي الهمداني، مؤسسة المعارف الاسلامية، الطبعة الأولي: (1413 ق).

78 - مختصر البصائر؛ للشيخ عز الدين الحسن بن سليمان الحلي، المتوفي في القرن: (التاسع الهجري)، تحقيق: مشتاق المظفر، مؤسسة النشر الإسلامي التابعة لجماعة المدرسين بقم المقدسة، الطبعة الأولي: (1421 ه ق).

79 - المحاسن؛ لأحمد بن محمد بن خالد البرقي، المتوفي عام:

(274 ه)، دار الكتب الإسلامية - قم المقدسة: (1371 ه).

80 - مجمع البحرين؛ للشيخ عز الدين الطريحي، المتوفي عام:

(1085 ه).

81 - منتخب الأنوار المضعئة؛ لعلي بن عبد الكريم النيلي، المتوفي في القرن: (الثامن الهجري)، مطبعة الخيام - قم المقدسة:

(1401 ه).

82 - معجم البلدان؛ لياقوت الحموي، المتوفي عام: (626 ه).

83 - مصباح الكفعمي؛ لابراهيم بن علي الكفعمي، دار الرضي (الزاهدي) - قم المقدسة: (1405 ه).

ص: 398

84 - مشكاة الأنوار؛ لعلي بن الحسن الطبرسي، المتوفي في القرن:

(السابع الهجري)، المكتبة الحيدرية - النجف الأشرف:

(1385 ه).

85 - متشابه القرآن؛ للشيخ محمد بن علي بن شهر آشوب المازندراني، المتوفي عام: (588 ه)، دار بيدار للنشر: (1369 ه).

86 - المقاييس في اللفة؛ لأحمد بن فارس بن زكريا الرازي.

87 - مثير الأحزان؛ لابن نما الحلي، المتوفي عام: (645 ه)، مدرسة الإمام المهدي عليه السّلام - قم المقدسة: (1406 ه).

88 - كتاب المزار؛ للشيخ محمد بن محمد بن النعمان العكبري البغداديِ، المعروف ب (بالشيخ المفيد)، المتوفي عام: (413 ه)، المؤتمر العالمي للشيخ المفيد - قم المقدسة: (1413 ه).

89 - مصباح الشريعة؛ الامام جعفر الصادق عليه السّلام، المتوفي عام : (148 ه)، مؤسسة الأعلمي للمطبوعات - بيروت لبنان : (1400 ه).

90 - النهاية في غريب الحديث و الأثر؛ لمبارك بن محمد الجزري ابن الأثير، المتوفي عام: (606 ه)، المكتبة العالمية - بيروت لبنان.

(ب - ت - ط).

91 - النهاية في الفتن و الملاحم؛ للإمام أبي الفداء الحافظ ابن كثير الدمشقي، المتوفي عام: (774 ه)، منشورات دار الكتب العالمية - بيروت لبنان، الطبعة الثانية: (1423 ه).

92 - نوادر الراوندي؛ للسيد فضل اللّه الراوندي، المتوفي عام:

(570 ه)، مؤسسة دار الكتاب - قم المقدسة: (ب - ت - ط).

ص: 399

93 - وسائل الشيعة؛ للشيخ محمد بن الحسن الحر العاملي، المتوفي عام : (1104 ه)، دار إحياء التراث العربي - بيروت لبنان، الطبعة الخامسة: (1403 ه).

94 - الهداية الكبري؛ لأبي عبد اللّه الحسين بن حمدان الخصيي، المتوفي عام: (334 ه)، موسسة البلاغ - بيروت لبنان، الطبعة الأولي:

(1406 ه).

ص: 400

فهرس الموضوعات العامة للكتاب

الموضوع\الصفحة

الإهداء 5

كلمة المؤسسة 7

حياة المصنف قدّس سرّه 15

مقدمة المصنف 23

* إشكالات الجمهور علي الرجعة 30

الاشكال الأول 30

الاشكال الثاني 30

الإشكال الثالث 31

الاشكال الرابع 31

الاشكال الخامس 32

الإشكال السادس 32

الاشكال السابع 32

الإشكال الثامن 33

الاشكال التاسع 33

* أجوبة الإشكالات الواردة علي الرجعة 33

ص: 401

جواب الاشكال الأول 33

جواب الإشكال الثاني 35

جواب الاشكال الثالث 35

جواب الاشكال الرابع 36

جواب الاشكال 38

جواب الإشكال السادس 41

جواب الاشكال السابع 56

جواب الاشكال الثامن 56

جواب الاشكال التاسع 56

الفصل الأول 59

* في المراد بالرجعة 59

الفصل الثاني 63

* في علامات الرجعة 63

الفصل الثالث 71

* في العلامات الخاصة بقيام القائم عليه السّلام 71

الفصل الرابع 81

* في ذكر بعض أحوال السفياني 81

الفصل الخامس 89

* في ذكر بعض أحوال الدجال 89

الفصل السادس 105

ص: 402

* في ذكر بعض آيات خروجه عليه السّلام 105

الفصل السابع 109

* في الصيحة و النداء وقتل النفس الزكية 109

الفصل الثامن 119

* في بعض ما يدل علي خروجه عليه السّلام 119

الفصل التاسع 133

* في كيفية خروجه عليه السّلام [1] 133

الفصل العاشر 137

* في بعض كيفية خروجه عليه السّلام [2] 137

الفصل الحادي عشر 147

* في ما يتعلق في بعض أحواله وأحوال أصحابه 147

الفصل الثاني عشر 161

* في عدد أصحابه 161

الفصل الثالث عشر 167

* في بعض سيرته عليه السّلام [1] 167

الفصل الرابع عشر 173

* في بعض سيرته عليه السّلام [2] 173

الفصل الخامس عشر 183

* في بعض ما عنده من مواريث الأنبياء وآياتهم 183

الفصل السادس عشر 187

ص: 403

* في ذكر بعض صفاته و اسمائه 187

الفصل السابع عشر 199

* في ذكر قوته وقوة أصحابه وعلة غيابه 199

الفصل الثامن عشر 207

* في حضوره في موسم الحج 207

الفصل التاسع عشر 211

* نزول نبي اللّه عيسي وصلاته خلف المهدي 211

الفصل العشرون 217

* في ذكر بعض سيرته عليه السّلام تتمة لما مر 217

الفصل الحادي و العشرون 223

* في ما يلقاه القائم عليه السّلام أشد مما لقيه رسول اللّه 223

الفصل الثاني و العشرون 227

* في إعلام الأحياء و الأموات بقيامه 227

الفصل الثالث و العشرون 233

* في مدة ملكه عليه السّلام 223

الفصلي الرابع و العشرون 243

* في ذكر حديث المفضل بن عمر 243

الفصل الخامس و العشرون 291

* الاستغناء بضوئه عن الشمس و القمر إذا قام عليه السّلام 291

الفصل السادس و العشرون 295

ص: 404

* في قتل قتلة الامام الحسين عليه السّلام وذراريهم 295

الفصل السابع و العشرون 303

* في رجعة الامام الحسين 303

الفصل الثامن و العشرون 319

* في رجعة الإمام علي بن أبي طالب 319

الفصل التاسع و العشرون 347

* في رجعة النبي محمد صلّي الله عليه و آله 348

الخاتمة 351

* في من يخرج ويكر من الأئمة عليهم السّلام 351

تتمة 359

* في تنعم الناس في دولتهم 359

فهرس الروايات الشريفة 369

فهرس المصادر و المراجع للكتاب 389

فهرس الموضوعات العامة للكتاب 401

ص: 405

ص: 406

فهرس إصدارات مؤسسة فكر الاوحد قدّس سرّه

1) أسرار الشهادة (سِر الحقيقة في واقعة الطفوف).

تاليف: السيد كاظم الحسيي الرشتي قدّس سرّه. تحقيق: الشيخ راضي السلمان.

القياس: 24 * 17. عدد الصَّفحات: 160. سنة الطباعة: 1421 ه.

2) روي حول الأسرار الحسينية في مدرسة الشيخ الأحسائي قدّس سرّه.

تاليف: الشيخ الأوحد الأحسائي قدّس سرّه، والسيد كاظم الرشي قدّس سرّه.

جميع وإعداد وتحقيق: الشيخ راضي السلمان. القياس: 24 * 17.

عدد الصَّفحات: 247. سنة الطباعة: 1422 ه.

3) كشف الحق (في مسائل المعراج).

تاليف: السيد كاظم الحسيي الرشي قدّس سرّه. تحقيق: أمير عسكري.

إعداد و تقديم: الشيخ راضي السلمان. القياس: 22 * 14.

عدد الصَّفحات: 166. سنة الطباعة: 1421 ه.

4) نظرة فيلسوف (في سيرة الأحسائي و الرشي).

تأليف: الفيلسوف الفرنسي هنري كوربان. ترجمة ة خليل زامل.

إعداد وتقديم: الشيخ راضي السلمان. القياس: 22 * 14.

عدد الصَّفحات: 142. سنة الطاعة: 1423 ه.

5) السلوك إلي الله عزّوجلّ.

تأليف: السيد كاظم الحسيي الرشي قدّس سرّه. تحقيق: الشيخ صالح الدباب.

القياس: 22 * 14. عدد الصّفحات: 160. سنة الطاعة: 1423 ه.

ص: 407

6) شرح دعاء السِّمات (ويليه شرح حديث القدر).

تاليف: السيد كاظم الحسيي الرشي قدّس سرّه. تحقيق وتعليق: الشيخ راضي السلمان.

القياس: 24 * 17. عدد الصّفحات: 352. سنة الطباعة: 1423 ه.

7) مسائل حكمية؛ (أجوبة مسائل الشيخ محمد القطيفي).

تأليف: الشيخ الأوحد أحمد بن زين الدين الأحسائي قدّس سرّه. تحقيق: الشيخ الدباب.

القياس: 17 * 12. عدد الصفحات: 96. سنة الطباعة: 1423 ه.

8) أسرار أسماء المعصومين عليهم السّلام.

تأليف: السيد كاظم الحسيي الرشي قدّس سرّه. تحقيق: الشيخ صالح الدباب.

القياس: 17 * 13. عدد الصفحات: 80. سنة الطباعة: 1423 ه.

9) صفحات مشرقة من حياة الإمام المصلح قدّس سرّه.

تأليف: المولي الميرزا عبد الرسول الحائري الأحقاقي قدّس سرّه. إعدادة الشيخ السلمان.

القياس: 2 * 16. عدد الصّفحات: 384. سنة الطباعة: 1423 ه.

10) عبقات من فضائل أهل البيت عليه السّلام، (قصيدة شعرية).

من نظم: الشيخ الأوحد أحمد بن زين الدين الأحسائي قدّس سرّه.

إعداد وتعليق: الشيخ راضي السلمان. القياس: 22 * 14.

عدد الصَّفحات: 128. سنة الطباعة: 1424 ه.

11) كلوضيح الواضحات، (ردود علي اعتراضات البرقعي).

تأليف: آية اللّه المولي الميرزا عبد الرسول الحائري الإحقاقي قدّس سرّه.

ترجمة: محمد علي داعي الحق. تحقيق وتعليق: الشيخ راضي السلمان.

القياس: 24 * 17. عدد الصفحات: 224. سنة الطباعة: 1424 ه.

ص: 408

12) تفسير الشيخ الأوحد الأحسائي قدّس سرّه (الجزء الأول).

جمعٌ للآيات المفسَّرة في كتب الشيخ الأوحد الأحسائي قدّس سرّه.

تقديم: آية اللّه المولي الميرزا عبد الرسول الحائري الإحقاقي قدّس سرّه.

جمع وإعداد وتحقيق: الشيخ راضي السلمان. القياس: 24 * 17.

عدد الصفحات: 496. سنة الطباعة: 1424 ه.

13) حل مشكلات شرح الزيارة الجامعة الكبيرة.

تاليف: آية اللّه المولي الميرزا حسن الحائري الاحقاقي قدّس سرّه. تحقيق: الشيخ السلمان.

القياس: 24 * 17. عدد الصَّفحات: 142. سنة الطبع: 1424 ه.

14) خصائص الرسول الأعظم صلّي الله عليه و آله و البضعة الطاهرة عليه السّلام.

تأليف: السيد كاظم الحسيي الرشتي قدّس سرّه. تحقيق: الشيخ صالح الدباب.

القياس: 24 * 17. عدد الصفحات:. سنة الطبع: 1424 ه.

15) قصص من حياة الشيخ الأوحد الأحسائي قدّس سرّه.

جمع وإعداد: مؤسسة فكر الأوحد قدّس سرّه. إشراف ومراجعة: الشيخ راضي السلمان.

القياس: 22 * 14. عدد الصفحات: 96. سنة الطبع: 1424 ه.

16) العصمة (بحث مفصل في عصمة الأنبياء و الأئمة عليهم السّلام).

تاليف: الشيخ الأوحد أحمد بن زين الدين الأحسائي قدّس سرّه.

تحقيق: الشيخ صالح الدباب. مراجعة: الشيخ مجتي السماعيل.

القياس: 24 * 17. عدد الصفحات: 193. سنة الطبع: 1424 ه.

ص: 409

17) أحوال البرزخ و الآخرة.

برؤية: الشيخ الأوحد أحمد بن زين الدين الأحسائي قدّس سرّه.

جمع وإعداد وتحقيق: الشيخ صالح الدباب. القياس: 24 * 17.

عدد الصّفحات: 256. سنة الطبعة 1424 ه.

18) ديوان الشيخ الأوحد الأحسائي قدّس سرّه.

مخموعة قصائد شيخ المتألهين الأوحد الأحسائي قدّس سرّه.

تحقيق وتعليق: الشيخ راضي السلمان. تقديم: أ. الدكتور أسعد علي.

القياس: 24 * 17. عدد الصفحات: 496. سنة الطبع: 1424 ه.

19) أضواء علي الوصية الأخيرة لخادم الشريعة الغراء قدّس سرّه.

بقلم: الشيخ راضي السلمان. القياس: 22 * 14.

عدد الصفحات: 46. سنة الطبع: 1425 ه.

20) التحقيق في مدرسة الأوحد قدّس سرّه.

تاليف: آية اللّه المولي الميرزا عبد الرسول الحائري الإحقاقي قدّس سرّه.

القياس: 24 * 17. عدد الصفحات: 224. سنة الطاعة: 1425 ه.

21) دفاع عن الشيخ الأوحد الأحسائي قدّس سرّه.

تاليف: آية اللّه الشيخ إسماعيل بن أسد اللّه الكاظمي قدّس سرّه.

تحقيق: مزسسة فكر الأوحد قدّس سرّه. مراجعة: الشيخ راضي السلمان.

القياس: 24 * 17. عدد الصَّفحات: 135. سنة الطبع: 1425 ه.

22) أسرار العبادات.

تأليف: السيد كاظم الحسيي الرشتي قدّس سرّه. تحقيق: الشيخ صالح الدباب.

القياس: 24 * 17. عدد الصّفحات: 288. سنة الطبع: 1425 ه.

ص: 410

23) الأربعون حديثاً.

مجموع من مولفات الشيخ الأوحد الأحسائي قدّس سرّه.

جمع وإعداد وتحقيق: الشيخ صالح الدباب. القياس: 24 * 17.

عدد الصفحات: 351. سنة الطبع: 1425 ه.

24) صلاة الليل (ثوابها وآدابها وكيفيتها).

مقتبس من مزلفات الشيخ الأوحد الأحسائي قدّس سرّه.

جمع وإعداد: الشيخ راضي السلمان. القياس: 24 * 17.

عدد الصفحات: 192. سنة الطبع: 1426 ه.

25) الوعي المدرسي.

تأليف: الشيخ سعيد القريشي. القياس: 22 * 14.

عدد الصفحات: 72. سنة الطبع: 1426 ه.

26) نزهة الأفكار.

تأليف: معتمد الاسلام الكندجاني. ترجمة: الشيخ حسين الباكستاني.

إعداد: لجنة الشيخ محمد أبو خمسين قدّس سرّه، ولجنة السيدة زينب عليه السّلام.

إشراف ومراجعة: الشيخ راضي السلمان، والشيخ مجتبي السماعيل.

القياس: 22 * 14. عدد الصفحات: 72. سنة الطبع: 1426 ه.

27) رسالة نصف المجتمع.

تاليف: القنواء الهجرية (آسيا علي مكي). القياسة 24 * 17.

عدد الصفحات: 48. سنة الطبع: 1426 ه.

ص: 411

28) شخصيات من بلادي (العدد الأول).

حول الشيخ أحمد بن زين الدين الأحسائي قدّس سرّه.

تأليف: الشيخ راضي ناصر السلمان. القياس: 24 * 17.

عدد الصفحات: 16. سنة الطبع: 1426 ه.

29) موسوعة شرح الفوائد (في حكمة أهل البيت عليه السّلام).

تأليف: الشيخ أحمد بن زين الدين الأحسائي قدّس سرّه.

إعداد وتحقيق: الشيخ راضي ناصر السلمان. القياس: 24 * 17.

شارك في المراجعة: الشيخ سعيد القريشي الشيخ مجتي السماعيل الشيخ صالح الدباب.

الصفحات: (1520) ثلاث مجلدات، ج 4801. ج 2-560. ج 3-480.

عدد النسخ: 2000 نسخة. سنة الطبع: 1426 ه.

30) شيخ المتالهين (أضواء علي شخصية عالمية).

تأليف: العلامة السيد محمد رضا السلمان (أبو عدنان).

الصفحات: 32. القياس: 24 * 17.

عدد النُّسخ: 2000 نسخة. سنة الطبع: 1426 ه.

31) الرجعة (بحوث حول قيام المهدي عليه السّلام ورجعة محمد وآله عليه السّلام).

تاليف: الشيخ الأوحد أحمد بن زين الدين الأحسائي قدّس سرّه.

الصفحات: 413. القياس: 24 * 17.

إعداد وتحقيق: لجنة التحقيق في مؤسسة فكر الأوحد قدّس سرّه.

إشراف ومراجعة: الشيخ مجتي السماعيل - الشيخ راضي الأحسائي.

عدد النُّسخ: 1000 نسخة. سنة الطبع: 1427 ه.

ص: 412

تعريف مرکز

بسم الله الرحمن الرحیم
هَلْ یَسْتَوِی الَّذِینَ یَعْلَمُونَ وَالَّذِینَ لَا یَعْلَمُونَ
الزمر: 9

عنوان المکتب المرکزي
أصفهان، شارع عبد الرزاق، سوق حاج محمد جعفر آباده ای، زقاق الشهید محمد حسن التوکلی، الرقم 129، الطبقة الأولی.

عنوان الموقع : : www.ghbook.ir
البرید الالکتروني : Info@ghbook.ir
هاتف المکتب المرکزي 03134490125
هاتف المکتب في طهران 88318722 ـ 021
قسم البیع 09132000109شؤون المستخدمین 09132000109.