ثورة الإمام الحسين عليه السلام وأثرها علي حركات المعارضة حتي عام 132ﻫ.
تأليف : د. مروان عطية مايع الزيدي
نشر: النجف، العراق: العتبة الحسينية المقدسة، قسم الشؤون الفكرية والثقافية، مؤسسة وارث
الأنبياء للدراسات التخصصية في النهضة الحسينية
ص:1
بطاقة فهرسة
--------------------------------------------------
مصدر الفهرسة: IQ – KaPLI ara IQ –KaPLI rda
رقم الاستدعاء: BP41.5.Z39 2018
المؤلف: الزيدي، د.مروان عطية مايع. مؤلف.
العنوان: ثورة الإمام الحسين(عليه السلام) وأثرها علي حركات المعارضة حتي عام 132 ﻫ.
بيان المسؤولية: د.مروان عطية مايع الزيدي
بيانات الطبعة: الطبعة الأولي.
بيانات النشر: النجف، العراق: العتبة الحسينية المقدسة، قسم الشؤون الفكرية والثقافية، مؤسسة وارث
الأنبياء للدراسات التخصصية في النهضة الحسينية، 2018 / 1439 للهجرة.
الوصف المادي: 262 صفحة ؛ 24 سم.
سلسلة النشر: (العتبة الحسينية المقدسة ؛ 401).
سلسة النشر: (مؤسسة وارث الأنبياء للدراسات التخصصية في النهضة الحسينية).
تبصرة عامة: أصل الكتاب رسالة ماجستير في التاريخ الإسلامي
تبصرة ببليوغرافية: يتضمن هوامش، لائحة المصادر الصفحات (243-257).
موضوع شخصي: الحسين بن علي الشهيد(عليه السلام)، الإمام الثالث، 4-61 للهجرة –سيرة.
موضوع شخصي: الحسين بن علي الشهيد(عليه السلام)، الإمام الثالث، 4-61 للهجرة – واقعة كربلاء، 61 للهجرة.
موضوع شخصي: الحسين بن علي الشهيد(عليه السلام)، الإمام الثالث، 4-61 للهجرة - استشهاد.
موضوع شخصي: معاوية بن أبي سفيان، معاوية بن صخر، 20 قبل الهجرة–60 للهجرة – نقد وتفسير.
موضوع شخصي: يزيد بن معاوية بن أبي سفيان، الخليفة الأموي 25-64 للهجرة – نقد وتفسير.
مصطلح موضوعي: واقعة كربلاء، 61 للهجرة - نتائج وتأثيرات.
مصطلح موضوعي: التاريخ الإسلامي - العصر الأموي، 41-132 للهجرة.
مصطلح موضوعي: الثورات - العصر الأموي، 41-132 للهجرة.
مصطلح موضوعي: واقعة الحرة، 63 للهجرة.مصطلح موضوعي: الشيعة - ثورات.
مصطلح موضوعي: ثورة التوابين، 65 للهجرة.
مصطلح موضوعي: ثورة المختار بن أبي عبيدة، 67 للهجرة.
مصطلح موضوعي: ثورة زيد بن علي بن الحسين(عليه السلام)، 122 للهجرة.
مصطلح موضوعي: العباسيون - ثورات.
اسم هيئة اضافي: العتبة الحسينية المقدسة. قسم الشؤون الفكرية والثقافية. مؤسسة وارث الأنبياء
للدراسات التخصصية في النهضة الحسينية، جهة مصدرة.
--------------------------------------------------
تمت الفهرسة قبل النشر في مكتبة العتبة الحسينية المقدسة
رقم الإيداع في دار الكتب والوثائق ببغداد (1793) لسنة (2018م)
ص: 2
ثورة الإمام الحسين عليه السلام وأثرها علي حركات المعارضة
حتي عام 132ﻫ.
تأليف : د. مروان عطية مايع الزيدي
الإشرافُ العِلمِيّ مؤسسة وارث الأنبياء للدراسات التخصصية في النهضة الحسينية
ص: 3
جميع الحقوق المحفوظة
للعتبة الحسينية المقدسة
العطبعة الاولي
1440ﻫ - 2019 م
إصدار
مؤسسة وارث الأنبياء
للدراسات التخصصية في النهضة الحسينية
ص: 4
بسم الله الرحمن الرحيم
ص: 5
تنويه: هذا الكتاب هو جزء من متطلبات نيل شهادة الماجستير في التاريخ الإسلامي
وهي بعنوان: ثورة الإمام الحسين(عليه السلام) وأثرها علي حركات المعارضة حتي عام 132ﻫ
تقدم بها الطالب: مروان عطية مايع الزيدي
تحت إشراف: أ. م. د. نضال حميد الربيعي
قدمت إلي مجلس كلية التربية / الجامعة المستنصرية
لسنة 1428ﻫ /2007م
مراجعة وتدقيق
اللجنة العلمية في قسم الرسائل الجامعية في مؤسسة وارث الأنبياء
د. الشيخ عبد الرحمن الربيعي، د. الشيخ علي حمود العبادي،
د. السيد خالد السيساوي، د. الشيخ عدي السهلاني، الأستاذ معروف عبد المجيد
هوية الكتاب
عنوان الكتاب ثورة الإمام الحسين(عليه السلام) وأثرها علي حركات المعارضة حتي عام 132ﻫ
المؤلفد.مروان عطية مايع الزيدي
الإشراف العلمياللجنة العلمية في مؤسسة وارث الأنبياء
الإخراج الفنيحسين المالكي
الطبعةالأولي
سنة الطبع1440ﻫ - 2019م
عدد النسخ1000
ص: 6
بسم الله الرحمن الرحيم
«لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا لَهَا مَا كَسَبَتْ وَعَلَيْهَا مَا اكْتَسَبَتْ رَبَّنَا لَا تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا رَبَّنَا وَلَا تَحْمِلْ عَلَيْنَا إِصْرًا كَمَا حَمَلْتَهُ عَلَي الَّذِينَ مِنْ قَبْلِنَا رَبَّنَا وَلَا تُحَمِّلْنَا مَا لَا طَاقَةَ لَنَا بِهِ وَاعْفُ عَنَّا وَاغْفِرْ لَنَا وَارْحَمْنَا أَنْتَ مَوْلَانَا فَانْصُرْنَا عَلَي الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ»
صدق الله العلي العظيم
(البقرة: آية286).
ص: 7
ص: 8
إلي كل من نطق بكلمة حق عند سلطان جائر...
إلي مَن أوصي الله بهم فقال وبالوالدين إحسانا...
إلي عوني وأملي في الحياة أخويّ... عدنان و بشير...
أَهدي جهدي....
مروان
ص: 9
ص: 10
إلهي كم من همّ يضعف فيه الفؤاد ويخذل فيه الصديق ويشمت فيه العدوّ نزل بي شكوته إليك... فأول شكري لك خالصاً.
وبعد...
فإنّي أقدّم جزيل شكري وامتناني إلي أستاذي المشرف الدكتورة نضال حميد الربيعي، التي لم تبخل عليّ بنصائحها، فكانت خير عون لي، وكان لتوجيهاتها القيّمة الأثر البالغ في إخراج هذا البحث علي ما هو عليه، داعياً الله سبحانه وتعالي أن يمنّ عليها بوافر العافية إنه سميع مجيب. كما يسرّني أن أقدّم شكري وتقديري إلي أساتذتي في المرحلة التحضيرية؛ وهم الأستاذ الدكتور رشيد عبد الله الجميلي، والأستاذ الدكتور محمد مفيد آل ياسين، والأستاذ الدكتورة أمل السعدي. وإن نسيت فلن أنسي ذكري أستاذي المرحوم الدكتور محمد سعيد رضا تغمّد الله روحه برحمته ومنّ عليه بالمغفرة والرضوان. كما وأقدّم بعد ذلك شكري وامتناني للأخت نوال لما قدّمته لي من نصائح كانت عوناً لي. فضلاً عن امتناني الوافر أسوقه بين يدي الأخوة والأخوات العاملين في مكتبتي جامعة بغداد والجامعة المستنصرية. وأقدّم جزيل شكريللمركز الثقافي للدراسات الإسلامية لما قدّموه لي من تسهيلات. أما كلماتي الخجلي وامتناني العظيم فأخصّ به عائلتي التي أحاطتني بالرعاية الكريمة والحنوّ الدافئ فإليهم جهد المقلّ المقصّر.
وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.. عليه توكّلت وإليه أنيب...
الباحث
ص: 11
صورة
ص: 12
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله والصلاة والسلام علي أشرف الأنبياء والمرسلين محمّد وعلي آله الطيبين الطاهرين.
إنّ العلم والمعرفة مصدر الإشعاع الذي يهدي الإنسان إلي الطريق القويم، ومن خلالهما يمكنه أن يصل إلي غايته الحقيقية وسعادته الأبدية المنشودة، فبهما يتميّز الحقّ من الباطل، وبهما تُحدد اختيارات الإنسان الصحيحة، وعلي ضوئهما يسير في سبل الهداية وطريق الرشاد الذي خُلق من أجله، بل علي أساس العلم والمعرفة فضّله الله عز وجل علي سائر المخلوقات، واحتج عليهم بقوله: «وَعَلَّمَ آدَمَ الْأَسْمَاءَ كُلَّهَا ثُمَّ عَرَضَهُمْ عَلَي الْمَلَائِكَةِ فَقَالَ أَنْبِئُونِي بِأَسْمَاءِ هَؤُلَاءِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ»(1)، فبالعلم يرتقي المرء وبالجهل يتسافل، وقد جاء في الأثر «العلمُ نورٌ»(2)، كما بالعلم والمعرفة تتفاوت مقامات البشر ويتفوّق بعضهم علي بعض عند الله عز وجل، إذ «يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ»(3)،وبهما تسعد المجتمعات، وبهما الإعمار والازدهار، وبهما الخير كلّ الخير.
ومن أجل العلم والمعرفة كانت التضحيات الكبيرة التي قدّمها الأنبياء والأئمة
ص: 13
والأولياء(عليهم السلام)، تضحيات جسام كان هدفها منع الجهل والظلام والانحراف، تضحيات كانت غايتها إيصال المجتمع الإنساني إلي مبتغاه وهدفه، إلي كماله، إلي حيث يجب أن يصل ويكون، فكان العلم والمعرفة هدف الأنبياء المنشود لمجتمعاتهم، وتوسّلوا إلي الله عز وجل بغية إرسال الرسل التي تعلّم المجتمعات فقالوا: «وَابْعَثْ فِيهِمْ رَسُولًا مِنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِكَ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَيُزَكِّيهِمْ إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ»(1)، و«لَقَدْ مَنَّ اللَّهُ عَلَي الْمُؤْمِنِينَ إِذْ بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولًا مِنْ أَنْفُسِهِمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلَالٍ مُبِينٍ»(2)، ما يعني أنّ دون العلم والمعرفة هو الضلال المبين والخسران العظيم.
بل هو دعاؤهم(عليهم السلام) ومبتغاهم من الله عز وجل لأنفسهم أيضاً، إذ طلبوا منه تعالي بقولهم: «وَاملأ قُلُوبَنا بِالْعِلْمِ وَالمَعْرفَةِ»(3).
وبالعلم والمعرفة لا بدّ أن تُثمّن تلك التضحيات، وتُقدّس تلك الشخصيات التي ضحّت بكلّ شيء من أجل الحقّ والحقيقة، من أجل أن نكون علي علم وبصيرة، من أجل أن يصل إلينا النور الإلهي، من أجل أن لا يسود الجهلوالظلام.
فهذه هي سيرة الأنبياء والأئمة(عليهم السلام) سيرة الجهاد والنضال والتضحية والإيثار لأجل نشر العلم والمعرفة في مجتمعاتهم، تلك السيرة الحافلة بالعلم والمعرفة في كلّ جانب من جوانبها، والتي ينهل منها علماؤنا في التصدّي لحلّ مشاكل مجتمعاتهم علي مرّ العصور والأزمنة والأمكنة، وفي كافّة المجالات وشؤون البشر.
وهذه القاعدة التي أسسنا لها لا يُستثني منها أيّ نبي أو وصي، فلكلّ منهم(عليهم السلام)
ص: 14
سيرته العطرة التي ينهل منها البشر للهداية والصلاح، إلّا أنّه يتفاوت الأمر بين أفرادهم من حيث الشدّة والضعف، وهو أمر عائد إلي المهام التي أنيطت بهم(عليهم السلام)، كما أخبر عز وجل بذلك في قوله: «تِلْكَ الرُّسُلُ فَضَّلْنَا بَعْضَهُمْ عَلَي بَعْضٍ مِنْهُمْ مَنْ كَلَّمَ اللَّهُ وَرَفَعَ بَعْضَهُمْ دَرَجَاتٍ»(1)، فسيرة النبي الأكرم(صلي الله عليه و آله و سلم) ليست كبقية سير الأنبياء، كما أنّ سيرة الأئمة(عليهم السلام) ليست كبقية سير الأوصياء السابقين، كما أنّ التفاوت في سير الأئمة(عليهم السلام) فيما بينهم مما لا شك فيه، كما في تفضيل أصحاب الكساء علي بقية الأئمة(عليهم السلام) .
والإمام الحسين(عليه السلام) تلك الشخصية القمّة في العلم والمعرفة والجهاد والتضحية والإيثار، أحد أصحاب الكساء الخمسة التي دلّت النصوص علي فضلهم ومنزلته معلي سائر المخلوقات، الإمام الحسين(عليه السلام) الذي قدّم كلّ شيء من أجل بقاء النور الرباني، الذي يأبي الله أن ينطفئ، الإمام الحسين(عليه السلام) الذي بتضحيته تعلّمنا وعرفنا، فبقينا.
فمن سيرة هذه الشخصية العظيمة التي ملأت أركان الوجود تعلَّم الإنسان القيم المثلي التي بها حياته الكريمة، كالإباء والتحمّل والصبر في سبيل الوقوف بوجه الظلم، وغيرها من القيم المعرفية والعملية، التي كرَّس علماؤنا الأعلام جهودهم وأفنوا أعمارهم من أجل إيصالها إلي مجتمعات كانت ولا زالت بأمس الحاجة إلي هذه القيم، وتلك الجهود التي بُذلت من قبل الأعلام جديرة بالثناء والتقدير؛ إذ بذلوا ما بوسعهم وأفنوا أغلي أوقاتهم وزهرة أعمارهم لأجل هذا الهدف النبيل.
إلّا أنّ هذا لا يعني سدّ أبواب البحث والتنقيب في الكنوز المعرفية التي
ص: 15
تركها(عليه السلام) للأجيال اللاحقة - فضلاً عن الجوانب المعرفية في حياة سائر المعصومين(عليهم السلام) - إذ بقي منها من الجوانب ما لم يُسلّط الضوء عليه بالمقدار المطلوب، وهي ليست بالقليل، بل لا نجانب الحقيقة فيما لو قلنا: بل هي أكثر مما تناولته أقلام علمائنا بكثير، فلا بدّ لها أن تُعرَف لتُعرَّف، بل لا بدّ من العمل علي البحث فيها ودراستها من زوايا متعددة، لتكون منهجاً للحياة، وهذا ما يزيد من مسؤولية المهتمين بالشأن الديني، ويحتّم عليهم تحمّل أعباء التصدّي لهذه المهمّة الجسيمة؛استكمالاً للجهود المباركة التي قدّمها علماء الدين ومراجع الطائفة الحقّة.
ومن هذا المنطلق؛ بادرت الأمانة العامة للعتبة الحسينية المقدّسة لتخصيص سهم وافر من جهودها ومشاريعها الفكرية والعلمية حول شخصية الإمام الحسين(عليه السلام) ونهضته المباركة؛ إذ إنّها المعنيّة بالدرجة الأولي والأساس بمسك هذا الملف التخصصي، فعمدت إلي زرع بذرة ضمن أروقتها القدسية، فكانت نتيجة هذه البذرة المباركة إنشاء مؤسّسة وارث الأنبياء للدراسات التخصّصية في النهضة الحسينية، التابعة للعتبة الحسينية المقدّسة، حيث أخذت علي عاتقها مهمّة تسليط الضوء - بالبحث والتحقيق العلميين - علي شخصية الإمام الحسين(عليه السلام) ونهضته المباركة وسيرته العطرة، وكلماته الهادية، وفق خطة مبرمجة وآلية متقنة، تمّت دراستها وعرضها علي المختصين في هذا الشأن؛ ليتمّ اعتمادها والعمل عليها ضمن مجموعة من المشاريع العلمية التخصصية، فكان كلّ مشروع من تلك المشاريع متكفّلاً بجانب من الجوانب المهمّة في النهضة الحسينية المقدّسة.
كما ليس لنا أن ندّعي - ولم يدّعِ غيرنا من قبل - الإلمام والإحاطة بتمام جوانب شخصية الإمام العظيم ونهضته المباركة، إلّا أنّنا قد أخذنا علي أنفسنا بذلقصاري جهدنا، وتقديم ما بوسعنا من إمكانات في سبيل خدمة سيّد الشهداء(عليه السلام)، وإيصال أهدافه السامية إلي الأجيال اللاحقة.
ص: 16
بعد الدراسة المتواصلة التي قامت بها مؤسَّسة وارث الأنبياء حول المشاريع العلمية في المجال الحسيني، تمّ الوقوف علي مجموعة كبيرة من المشاريع التي لم يُسلَّط الضوء عليها كما يُراد لها، وهي مشاريع كثيرة وكبيرة في نفس الوقت، ولكلٍّ منها أهميته القصوي، ووفقاً لجدول الأولويات المعتمد في المؤسَّسة تمّ اختيار المشاريع العلميّة الأكثر أهميّة، والتي يُعتبر العمل عليها إسهاماً في تحقيق نقلة نوعية للتراث والفكر الحسيني، وهذه المشاريع هي:
إنّ العمل في هذا القسم علي مستويين:
ويُعنَي هذا القسم بالكتابة في العناوين الحسينية التي لم يتمّ تناولها بالبحث والتنقيب، أو التي لم تُعطَ حقّها من ذلك. كما يتمُّ استقبال النتاجات القيِّمة التي أُلِّفت من قبل العلماء والباحثين في هذا القسم؛ ليتمَّ إخضاعها للتحكيم العلمي، وبعد إبداء الملاحظات العلمية وإجراء التعديلات اللازمة بالتوافق مع مؤلِّفيها يتمّطباعتها ونشرها.
والعمل فيه قائم علي جمع وتحقيق وتنظيم التراث المكتوب عن مقتل الإمام الحسين(عليه السلام)، ويشمل جميع الكتب في هذا المجال، سواء التي كانت بكتابٍ مستقلٍّ أو ضمن كتاب، تحت عنوان: (موسوعة المقاتل الحسينيّة). وكذا العمل جارٍ في هذا القسم علي رصد المخطوطات الحسينية التي لم تُطبع إلي الآن؛ ليتمَّ جمعها وتحقيقها، ثمّ طباعتها ونشرها. كما ويتمُّ استقبال الكتب التي تمّ تحقيقها خارج المؤسَّسة، لغرض طباعتها ونشرها، وذلك بعد إخضاعها للتقييم العلمي من قبل اللجنة
ص: 17
العلمية في المؤسَّسة، وبعد إدخال التعديلات اللازمة عليها وتأييد صلاحيتها للنشر تقوم المؤسَّسة بطباعتها.
وهي مجلّة فصلية متخصّصة في النهضة الحسينية، تهتمّ بنشر معالم وآفاق الفكر الحسيني، وتسلِّط الضوء علي تاريخ النهضة الحسينية وتراثها، وكذلك إبراز الجوانب الإنسانية، والاجتماعية والفقهية والأدبية في تلك النهضة المباركة، وقد قطعت شوطاً كبيراً في مجالها، واحتلّت الصدارة بين المجلات العلمية الرصينة في مجالها، وأسهمت في إثراء واقعنا الفكري بالبحوثالعلمية الرصينة.
إنّ العمل في هذا القسم قائم علي جمع الشُّبُهات المثارة حول الإمام الحسين(عليه السلام) ونهضته المباركة، وذلك من خلال تتبع مظانّ تلك الشُّبُهات من كتب قديمة أو حديثة، ومقالات وبحوث وندوات وبرامج تلفزيونية وما إلي ذلك، ثُمَّ يتمُّ فرزها وتبويبها وعنونتها ضمن جدول موضوعي، ثمّ يتمُّ الردُّ عليها بأُسلوب علميّ تحقيقي في عدَّة مستويات.
وهي موسوعة علمية تخصصية مستخرَجة من كلمات الإمام الحسين(عليه السلام) في مختلف العلوم وفروع المعرفة، ويكون ذلك من خلال جمع كلمات الإمام الحسين(عليه السلام) من المصادر المعتبرة، ثمّ تبويبها حسب التخصّصات العلمية مع بيان لتلك الكلمات، ثمّ وضعها بين يدي ذوي الاختصاص؛ ليستخرجوا نظريات علميّة ممازجة بين كلمات الإمام(عليه السلام) والواقع العلمي.
وهي موسوعة تشتمل علي كلّ ما يرتبط بالإمام الحسين(عليه السلام) ونهضته المباركة من
ص: 18
أحداث، ووقائع، ومفاهيم، ورؤي، وأعلام وبلدان وأماكن، وكتب، وغير ذلك،مرتّبة حسب حروف الألف باء، كما هو معمول به في دوائر المعارف والموسوعات، وعلي شكل مقالات علميّة رصينة، تُراعَي فيها كلّ شروط المقالة العلميّة، مكتوبة بلغةٍ عصرية وأُسلوبٍ حديث.
إنّ العمل في هذا القسم يتمحور حول أمرين: الأوّل: إحصاء الرسائل والأطاريح الجامعية التي كُتبتْ حول النهضة الحسينية، ومتابعتها من قبل لجنة علمية متخصّصة؛ لرفع النواقص العلمية، وتهيئتها للطباعة والنشر، الثاني: إعداد موضوعات حسينيّة من قبل اللجنة العلمية في هذا القسم، تصلح لكتابة رسائل وأطاريح جامعية، تكون بمتناول طلّاب الدراسات العليا.
يقوم هذا القسم بمتابعة التراث المكتوب حول الإمام الحسين(عليه السلام) ونهضته المباركة باللغات غير العربية لنقله إلي العربية، ويكون ذلك من خلال تأييد صلاحيته للترجمة، ثمَّ ترجمته أو الإشراف علي ترجمته إذا كانت الترجمة خارج القسم.
يتمُّ في هذا القسم رصد جميع القضايا الحسينيّة المطروحة في جميع الوسائل المتّبعة في نشر العلم والثقافة، كالفضائيات، والمواقع الإلكترونية، والكتب،والمجلات والنشريات، وغيرها؛ ممّا يعطي رؤية واضحة حول أهمّ الأُمور المرتبطة بالقضية الحسينية بمختلف أبعادها، وهذا بدوره يكون مؤثّراً جدّاً في رسم السياسات العامّة للمؤسّسة، ورفد بقيّة الأقسام فيها، وكذا بقية المؤسّسات والمراكز العلمية في شتّي المجالات.
ص: 19
ويتمّ العمل في هذا القسم علي إقامة مؤتمرات وملتقيات وندوات علميّة فكرية متخصّصة في النهضة الحسينية، لغرض الإفادة من الأقلام الرائدة والإمكانات الواعدة، ليتمّ طرحها في جوٍّ علميّ بمحضر الأساتذة والباحثين والمحقّقين من ذوي الاختصاص، كما تتمّ دعوة العلماء والمفكِّرين؛ لطرح أفكارهم ورؤاهم القيِّمة علي الكوادر العلمية في المؤسَّسة، وكذا سائر الباحثين والمحققين وكلّ من لديه اهتمام بالشأن الحسيني، للاستفادة من طرق قراءتهم للنصوص الحسينية وفق الأدوات الاستنباطية المعتمَدة لديهم.
وهي مكتبة حسينية تخصّصية تجمع التراث الحسيني المخطوط والمطبوع، أنشأتها مؤسَّسة وارث الأنبياء، وهي تجمع آلاف الكتب المهمّة في مجال تخصُّصها.
يعمل هذا القسم من خلال كادر علمي متخصص وبأقلام علمية نسوية في الجانب الديني والأكاديمي علي تفعيل دور المرأة المسلمة في الفكر الحسيني، كما يقوم بتأهيل الباحثات والكاتبات ضمن ورشات عمل تدريبية، وفق الأساليب المعاصرة في التأليف والكتابة.
ص: 20
إنّ العمل في هذا القسم قائم علي طباعة وإخراج النتاجات الحسينية التي تصدر عن المؤسَّسة، من خلال برامج إلكترونية متطوِّرة يُشرف عليها كادر فنيّ متخصِّص، يعمل علي تصميم الأغلفة وواجهات الصفحات الإلكترونية، وبرمجة الإعلانات المرئية والمسموعة وغيرهما، وسائر الأمور الفنيّة الأخري التي تحتاجها كافّة الأقسام.
وهناك مشاريع أُخري سيتمّ العمل عليها إن شاء الله تعالي.
يتكفّل قسم الرسائل والأطاريح الجامعية بمهمّة نشر الفكر الحسيني المبارك، من خلال تفعيل الدراسات والأبحاث العلمية الحسينية في الأوساط الجامعية والأكاديمية بمستوياتها الثلاثة: البكالوريوس، والماجستير، والدكتوراه، مضافاً إلي الرُقي بالمستوي العلمي والتحقيقي للكفاءات الواعدة المهتمّة بالنهضة الحسينية في جميع مجالاتها. وقد تصدّي لهذه المسؤولية نخبة من الأساتذة المحقِّقين في المجال الحوزوي والأكاديمي.
الغاية من وراء إنشاء هذا القسم جملة من الأهدافالمهمّة، منها:
1- إخضاع الدراسات والأبحاث الحسينية لمناهج البحث المعتمَدَة لدي المعاهد والجامعات.
2- إبراز الجوانب المهمّة وفتح آفاق جديدة أمام الدراسات والأبحاث المتعلّقة بالنهضة الحسينية، من خلال اختيار عناوين ومواضيع حيوية مواكبة للواقع المعاصر.
3- الارتقاء بالمستوي العلمي للكوادر الجامعية، والعمل علي تربية جيل يُعنَي
ص: 21
بالبحث والتحقيق في مجال النهضة الحسينية الخالدة.
4- إضفاء صبغة علمية منهجية متميزة علي صعيد الدراسات الأكاديمية، المرتبطة بالإمام الحسين(عليه السلام) ونهضته المباركة.
5- تشجيع الطاقات الواعدة في المعاهد والجامعات؛ للولوج في الأبحاث والدراسات العلمية في مختلف مجالات البحث المرتبطة بالنهضة الحسينية، ومن ثَمّ الاستعانة بأكفّائها في نشر ثقافة النهضة، وإقامة دعائم المشاريع المستقبلية للقسم.
6- معرفة مدي انتشار الفكر الحسيني في الوسط الجامعي؛ لغرض تشخيص آلية التعاطي معه علمياً.
7 - نشر الفكر الحسيني في الأوساط الجامعية والأكاديمية.
8 - تشخيص الأبعاد التي لم تتناولها الدراسات الأكاديمية فيما يتعلّق بالنهضة الحسينية، ومحاولة العمل علي إبرازها في الدراسات الجديدة المقترحة.
9- التعريف بالرسائل الجامعية المرتبطة بالإمام الحسين(عليه السلام) ونهضته المباركة؛ والتي تمّت كتابتها ومناقشتها في الجامعات.
إنّ طبيعة العمل في قسم الرسائل الجامعية تكون علي مستويات ثلاثة:
يسير العمل فيه طبقاً للخطوات التالية:
1- إعداد العناوين والموضوعات التخصّصية، التي تُعنَي بالفكر الحسيني طبقاً للمعايير والضوابط العلمية، مع الأخذ بنظر الاعتبار جانب الإبداع والأهمية لتلك العناوين.
2- وضع الخطّة الإجمالية لتلك العناوين والتي تشتمل علي البحوث التمهيدية والفصول ومباحثها الفرعية، مع مقدّمة موجَزَة عن طبيعة البحث وأهميته والغاية
ص: 22
منه.
3- تزويد الجامعات المتعاقد معها بتلك العناوين المقترَحَة مع فصولها ومباحثها.
يسير العمل فيه علي النحو التالي:
1- مساعدة الباحث في كتابة رسالته من خلال إبداءالرأي والنصيحة.
2- استعداد القسم للإشراف علي الرسائل والأطروحات فيما لو رغب الطالب أو الجامعة في ذلك.
3- إنشاء مكتبة متخصِّصة بالرسائل الجامعية؛ لمساعدة الباحثين علي إنجاز دراساتهم ورسائلهم، فضلاً عن إتاحة الفرصة أمامهم للاستفادة من مكتبة المؤسَّسة المتخصّصة بالنهضة الحسينية.
يتمّ التعامل مع الرسائل التي تمّت مناقشتها علي النحو التالي:
1- وضع الضوابط العلمية التي ينبغي أن تخضع لها الرسائل الجامعية، تمهيداً لطبعها ونشرها وفقاً لقواعد ومقرَّرات المؤسَّسة.
2- رصد وإحصاء الرسائل الأكاديمية التي تمّ تدوينها حول النهضة الحسينية المباركة.
3- استحصال متون ونصوص تلك الرسائل من الجامعات المتعاقَد معها، والاحتفاظ بها في مكتبة المؤسَّسة.
4- قيام اللجنة العلمية في القسم بتقييم الرسائل المذكورة، والبتِّ في مدي صلاحيتها للطباعة والنشر من خلال جلسات علمية يحضرها أعضاء اللجنة المذكورة.
5- تحصيل موافقة صاحب الرسالة لإجراء التعديلاتاللازمة، سواء أكان
ص: 23
ذلك من قبل الطالب نفسه أم من قِبل اللجنة العلمية في القسم.
6- إجراء الترتيبات القانونية اللازمة لتحصيل الموافقة من الجامعة المعنِيَّة وصاحب الرسالة علي طباعة ونشر رسالته التي تمّت الموافقة عليها بعد إجراء التعديلات اللازمة.
7- فسح المجال أمام الباحث؛ لنشر مقال عن رسالته في مجلة (الإصلاح الحسيني) الفصلية المتخصِّصة في النهضة الحسينية التي تصدرها المؤسَّسة.
8 - العمل علي تلخيص الرسائل الجامعية، ورفد الموقع الإلكتروني التابع للمؤسَّسة بها، ومن ثَمَّ طباعتها تحت عنوان: دليل الرسائل الجامعية المرتبطة بالإمام الحسين(عليه السلام) ونهضته المباركة.
هذه الرسالة: ثورة الإمام الحسين(عليه السلام) وأثرها علي حركات المعارضة حتّي عام 132ﻫ
إنّ نهضة الإمام الحسين(عليه السلام) كانت شاملة لمختلف مجالات الحياة فهي نهضة علمية اقتصادية سياسية فكرية عقائدية، وهي نهضة بوجه جميع الانحرافات علي مختلف المستويات، فهي في واقعها رفض كلّ ظلم وانحراف يضر بالفرد والمجتمع؛ لذلك كانت هذه النهضة المباركة نهضة إصلاح وكفاح وتغيير للأوضاع المأساوية التي خلقتها الحكومات الجائرة في ذلك الزمانوالتي حرّفت التعاليم الإسلامية علي مستوي العقيدة والفقه والأخلاق وسائر القيم والمبادئ الحقة. تلك الحكومات التي أرادت لمشعل الهداية الأخير أن ينطفئ ولكن يأبي الله تعالي إلّا أن يتمّ نوره، وببركة الدماء الزاكية التي صعدت في سماء كربلاء بدأت رياح التغيير تهب في العالم الإسلامي، وبدأت الضمائر تصحو وتستيقظ من سبات عميق، فحصلت تغييرات عديدة بعضها آني وقريب وبعضها علي المدي البعيد، ومن تلك الأمور الثورات العديدة التي حصلت في العالم الإسلامي والتي كانت متأثرة بنهضة الإمام الحسين(عليه السلام) سواء علي مستوي القيم والمبادئ أو الشعارات والكلمات
ص: 24
أو الأهداف والغايات أو غير ذلك. ولا نريد أن نقول: إنّ جميع تلك الثورات علي الحكم الجائر كانت حقة وفي محلّها وبرجالاتها الأكفاء، وإنّما نريد أن نبيّن حقيقة من الحقائق وهي تأثر الكثير من تلك الثورات بنهضة الإمام الحسين(عليه السلام)، وهذا ما يستدعي البحث عن النهضة الحسينية وخلفياتها ومبادئها وقيمها، ثمّ عرض كيفية تأثير هذه النهضة بباقي الثورات اللاحقة.
وهذا ما سلّط الباحث عليه الضوء في هذه الرسالة، فبعد أن بيّن نبذة عن حياة الإمام الحسين(عليه السلام) تطرّق إلي أسباب النهضة ودوافعها، ثمّ تطرّق إلي الأوضاع من حين خروج الإمام الحسين(عليه السلام) حتّي استشهاده، ثمّ بيّن حركاتالمعارضة التي تأثرت بتلك النهضة المقدّسة إلي سنة 132هجرية.
وفي الختام نسأل الله تعالي للمؤلِّف دوام السَّداد والتوفيق لخدمة القضية الحسينية، ونسأل الله تعالي أن يبارك لنا في أعمالنا إنَّه سميعٌ مجيبٌ.
اللجنة العلمية في
مؤسسة وارث الأنبياء
للدراسات التخصصية في النهضة الحسينية
ص: 25
ص: 26
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام علي أشرف الخلائق المسمّي في السماء بأحمد وفي الأرض بأبي القاسم محمد، وعلي آله الطيبين الطاهرين.
لا شكّ أنّ التعرّف علي تجليات النهضة الحسينية هو تعرّف علي السنن التاريخية والسنن الإلهية التي تتعلّق برسالة السماء وسيرة المعصومين عليهم السلام، فنهضة الإمام الحسين(عليه السلام) هي أهمّ محطات الإصلاح التي تركت بصماتها خالدة علي جبين التاريخ، غير متأثّرة بعامل الزمان والمكان؛ ما جعل عطاءها دائماً ومستمراً، فصرخة التحدّي الحسيني الذي هزّت عروش الجبابرة وأيقظت الوجدان الإسلامي صارت سمفونية إباء يعزفها كل حر من أبناء هذه الأمة.
لقد عاين الإمام الحسين(عليه السلام) من خلال انتفاضته في وجه الظلم سرّ الخلود الأبدي، وفتح بدمائه ودماء أنصاره أبواب الملكوت، حتي تجلّي علي رمضاء كربلاء الكمال الإنساني بأعظم بهائه وجماله. وباتت نهضته الخالدة المباركة أيقونة الإباء والعزة والكرامة، ومدرسة تستلهممنها كلُ نهضة قامت للحق ومن أجل الحق دروسَ الإباء والحرية، كما عبّر عن ذلك الزعيم الهندي غاندي: «لقد علمني الحسين كيف أكون مظلوما فأنتصر». نهضة هيمنت علي وجدان الأمة الواعي، وأعادت صياغة قيم الإنسانية المغيّبة من خلال ما تمثله سيد الشهداء(عليه السلام) وأصحابه في رمضاء كربلاء وعضاً وإرشاداً، وجسّدوه تضحيةً وشهادةً، رافضين من خلال
ص: 27
صرخاتهم المدوية «هيهات منّا الذلة» حالة استعباد الإنسان للإنسان، ومطالبين بسيادة الشرع والقانون الإلهي.
وانطلاقاً من هذه الرؤية الواعية والواقعية لفلسفة النهضة الحسينية، التي تتمحور حول صناعة الإنسان الرسالي؛ تبلورت فكرة هذا المشروع المبارك الذي تبنّته مؤسسة وارث الأنبياء، للدراسات التخصصية في النهضة الحسينية، وأخذ أعضاء قسم الرسائل الجامعية بالمؤسسة المذكورة علي عاتقهم مهمة تفعيل الفكر الحسيني بجميع أبعاده العقدية والتاريخية والفقهية والاخلاقية و... في الوسط الجامعي بمستوياته الثلاث: البكالوريوس والماجستير والدكتوراه.
ومن بين تلك الرسائل الجامعية القيمة - التي اختارتها المؤسسة للطباعة بعد إدخال التعديلات اللازمة عليها بالتوافق مع صاحبها - رسالة في مجال التخصصالتاريخي تحت عنوان «ثورة الإمام الحسين وأثرها علي حركات المعارضة حتي عام 132ﻫ». حيث تناول فيها الباحث جملة من الحركات التي استلهمت رسالتها الثورية من النهضة الحسينية، وأرّخت لكينونتها الإنسانية من كربلاء، وغذّت أراضيها بامتداد الدم الحسيني الذي يجري في عروق ثوارها الأحرار.
وقد أجاد الباحث بمنهجه التحقيقي التحليلي في تناول محتويات التاريخية الأولية، حتي بدت رسالته التي بين أيدينا جامعة في مضمونها؛ متسلسلة الفصول والمباحث؛ رصينة في لغتها العلمية والأدبية.
قسم الرسائل الجامعية
في
مؤسسة وارث الأنبياءالمقدّمة
ص: 28
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام علي خير خلق الله أجمعين إمام المرسلين وخاتم النبيين سيدنا محمد، وعلي آله الطيبين الطاهرين، وصحبه المنتجبين، اللهمّ إنك ثقتي في كلّ كرب ورجائي في كلّ شدّة، وبعد:
فمما لا شكّ فيه أنّ موضوع هذه الرسالة الذي كان تحت عنوان: (ثورة الإمام الحسين(عليه السلام) وأثرها في حركات المعارضة حتي عام 132ﻫ)، موضوع ذو أهمية كبيرة؛ لما تركه استشهاد الإمام الحسين(عليه السلام) ومأساة كربلاء من صدع في قلوب المسلمين حتي الوقت الحاضر، وأنّ أكثر ما أستأثر باهتمام الناس من ثورة الإمام الحسين(عليه السلام) هو جانب القصّة فيها؛ لما أشتمل عليه من مظاهر البطولة النادرة والسموّ الإنساني لدي الثائرين وقائدهم العظيم، المتمثّل بالتضحية بكلّ عزيز علي النفس من الولد والمال والأمن في سبيل المبدأ والصالح العام، مع القلّة في العدد واليأسمن النصر العسكري.
ومن جهة أخري اشتمل هذا الجانب علي مظاهر الخسّة والإنحطاط الإنساني لدي مجموعة تفنّنت في تنفيذ جريمتها الوحشية؛ باستئصال الثائرين بصورة لم يشهد لها التاريخ مثيلاً.
لقد سطّرت المجموعة الحسينية الثائرة من الحبّ، حبّ الثائرين لجلّاديهم
ص: 29
وإشفاقهم عليهم من السلطة الجائرة التي تستخدمهم، وتغرّر بهم، وتدفعهم لحرب القوي التي تريد لهم الخير والصلاح، وحبّ الثائرين بعضهم لبعض بحيث يدفع كلاً منهم إلي طلب الموت قبل صاحبه؛ لئلا يري صاحبه مقتولاً قبله، إلي غير ذلك مما تعرضه قصة هذه الثورة من أنبل ما في الإنسان في الفكر والقول والعمل لدي الثائرين، وأحطّ ما فيه من غرائز لدي الحاكمين وأعوانهم.
وما نتج من تقابل هذه النماذج المتضادّة من المثل والمبادئ والعواطف من مأساة دامية لا تزال تثير الأسي في قلب كلّ من سمعها وقرأها، وقد بلغ من قوة تأثير الجانب القصصي المأساوي من هذه الثورة بما له من دلالات مثيرة، أنّه فرض نفسه علي معظم من كتب عنها - إن لم يكن كلّهم - فحدّدوا دراساتهم علي هذا الجانب من دون غيره.ولكنّ الجانب القصصي - علي ما له من مزايا تربوية وتوجيهية - لم يكن هو المعبّر الوحيد عن مضمون الثورة، بل هو الجزء الظاهر من عملية تاريخية واسعة النطاق، فلكلّ ثورة ظروف سياسية واجتماعية معينة ولكلّ ثورة - وإن كانت فاشلة عسكرياً - آثار ونتائج.
ولا يمكن أن تفهم الثورة علي وجهها ما لم تدرس من جميع جوانبها: مقدماتها، وفصولها، ونتائجها. وهو ما هدفت إليه في هذه الرسالة، فقد حاولت أن أشير إلي أهمّ الظروف التي كان لها التأثير الواضح في قيام ثورة الإمام الحسين(عليه السلام) والأوضاع التي أحاطت بها، والملابسات التي أدّت إليها، والآثار التي نجمت عنها الحياة الإسلامية، واعتقد أنّ كثيراً من الثورات في التاريخ الإسلامي لم تحض بعد بالعناية التي تستحقّها من المؤرّخين والباحثين، بل أنصبّت عنايتهم علي تاريخ السلطة الحاكمة التي تحاول أن تسبغ علي نفسها دائماً صفة الشرعية، أما الثورات وهي في الحقيقة تمثّل الجانب الآخر من قصّة الحكم في الإسلام، وقد عولجت بصورة جانبية، وبعضها بروح معادية.
ص: 30
أمّا عن مخطط البحث الذي اتبعناه هنا فهو يشتمل علي مقدمة وتمهيد وثلاثة فصول وخاتمة، ثم قائمة بالمصادر الأولية والمراجع الحديثة.
تضمّن التمهيد ذكر شيء من حياة الإمام الحسين(عليه السلام) صاحب هذه الثورة، من حيث النسب والمولد والمكانة السامية التي ذكرت في القرآن الكريم والرعاية التي حصل عليها من قبل الرسول(صلي الله عليه و آله و سلم)، فضلاً عن عرض موجز لمكانة الإمام الحسين(عليه السلام) لدي معاصريه وعبر الأجيال.
وقد خصّص الفصل الأول لدراسة دوافع وأسباب ثورة الإمام الحسين(عليه السلام)، وبداية خلافة يزيد وإعلان الثورة، حيث اشتمل علي ثلاثة مباحث، تحدثنا في المبحث الأول عن أهمّ دوافع الثورة الحسينية، والتي تعلّقت بحياة المسلمين بصورة عامة، أما المبحث الثاني، فقد تضمن طلب البيعة من الأمصار وماله من أثر في قيام ثورة الإمام الحسين(عليه السلام)، أما المبحث الثالث، فكان يخصّ خلافة يزيد، وخروج الإمام الحسين(عليه السلام) من المدينة وإعلان الثورة.
وخصّص الفصل الثاني لدراسة أوضاع الثورة بعد خروج الإمام الحسين(عليه السلام) إلي العراق حتي استشهاده، فضلاً عن ردود الأفعال المباشرة بعد استشهاده(عليه السلام)، وأثر استشهاده علي أهل الحجاز، وما جري من وقائع عليهم إبّان موقعة الحرّة، كذلك تناولنا في هذا الفصل أحداث حركة التوّابين منذُ نشوئها وما سعت إليه من الأخذ بثأر الإمام الحسين(عليه السلام) حتي نهاية هذه الحركة في عين الوردة.
أما الفصل الثالث، فقد اشتمل علي حركات المعارضة منذ حركة المختار بن أبي عبيد الثقفي حتي نهاية العصرالأموي، وقد قسّم الفصل إلي ثلاثة مباحث حيث خصّص المبحث الأول لأحداث حركة المختار الثقفي، وقد أعطينا لهذه الحركة أهمية خاصّة عن باقي حركات المعارضة؛ ذلك لارتباطها المباشر بالثورة من خلال سعي
ص: 31
المختار إلي الانتقام من قتلة الإمام الحسين(عليه السلام)، والمطالبة بدماء أهل البيت(عليهم السلام) من قاتليهم، وليس النظام الحاكم كما فعل التوابون من قبل. وقد قمنا بدراسة حركة المختار الثقفي قبل حركة عبد الله بن الزبير في الحجاز علي الرغم من أنّ حركة ابن الزبير قد ظهرت قبل حركة المختار، هذا من حيث التسلسل التاريخي للأحداث إلا أنّنا قد خصّصنا المبحث الثاني لدراسة حركة عبد الله بن الزبير علي اعتبار أنّ هذه الحركة قد استمرّت إلي ما بعد نهاية المختار، وإلي ما أشتملته هذه الحركة من مساحات واسعة من البلاد الإسلامية حتي كادت أن تقضي علي سلطان الأمويين.
أما المبحث الثالث، فقد خصّص لدراسة حركات المعارضة بعد نهاية حركة عبد الله بن الزبير، وقد أطلقنا علي هذا المبحث تسمية حركات المعارضة بعد عام الجماعة الثاني، إشارة إلي أنّ عام الجماعة الأول كان سنة 41ﻫ/ 661م، أي بعد صلح الإمام الحسن(عليه السلام) مع معاوية بن أبي سفيان، وعلي اعتبار أنّ عبد الله بن الزبير قد أعلن نفسه خليفةً في الحجاز، فأصبح هناك خليفتان في وقت واحد، ففيالوقت الذي كان فيه ابن الزبير مبايعاً علي الخلافة في الحجاز، كان عبد الملك بن مروان خليفةً قد بويع في الشام، ولم تصحّ خلافة عبد الملك علي رأي السيوطي - وهو من كبار فقهاء ومفسري المسلمين السنة - إلا بعد أن قتل عبد الله بن الزبير، وقد تناولنا في هذا المبحث أربع حركات للمعارضة، كان سقوط الدولة الأموية علي يد الأخيرة منها، ألا وهي الثورة العباسية. وأودّ أن أشير هنا إلي أنّني كباحث لم أتطرّق إلي حركات المعارضة التي لم تقم من أجل استشهاد الإمام الحسين(عليه السلام)، ولم يكن لثورته تأثير عليها لا من قريب ولا بعيد؛ مثل حركات الخوارج التي كانت قائمةً قبل الثورة الحسينية، فضلاً عن الحركات التي قامت من أجل أغراض شخصية؛ مثل حركة يزيد بن المهلب في البصرة أيام خلافة يزيد بن عبد الملك بن مروان سنة 101ﻫ/ 719م، علي الرغم من أنّ الدراسة
ص: 32
قد شملت بعض الحركات التي اتخذت من ثورة الإمام الحسين(عليه السلام) ذريعةً لكسب رضي المجتع الذي تدور في فلكه تلك الثورات؛ لتحقيق مآرب شخصيه؛ مثل حركة عبد الله بن الزبير، وحركة عبد الرحمن بن الاشعث، والثورة العباسية.
وأخيراً فقد خصّصنا الخاتمة لبيان أهم النتائج التي توصّل إليها الباحث.
وأمّا عن المصادر التي اعتمدناها فنقسّمها ابتداءً إلي:
1 - كتب التفسير والحديث.
2 - كتب التاريخ العام.
3 - كتب اللغة والتراجم.
4 - كتب الأدب وباقي العلوم الأخري.
5 - كتب المراجع الحديثة.
وسنقوم بذكر أهمّ المصادر حسب وفاة مؤلفيها، وبهذا سيكون أول كتب التفسير التي اعتمدناها هو كتاب (الكشّاف عن حقائق التنزيل وعيون الأقاويل في وجوه التأويل)، للزمخشري أبي القاسم جار الله محمد بن عمر (ت 538ﻫ/ 1143م)، حيث يعدّ هذا التفسير من التفاسير المهمّة عند جمهور المسلمين، وقد أفادنا في تفسير مكانة أهل البيت(عليهم السلام) في القرآن الكريم، و المصدر الثاني هو تفسير (مجمع البيان في تفسير القرآن)، لأبي علي الفضل بن الحسن الطبرسي (ت 548ﻫ/ 1147م)، وقد أفادنا هذا الكتاب كثيراً في إعطاء تفسير للآيات التي جاءت بحق أهل البيت(عليهم السلام)، وبصورة مفصّلة عما جاء في التفسير الأول، وفضلاً عن هذين التفسيرين، فهناك تفاسير أخري استفدنا مما جاء فيها من ذكر لأهل البيت، وقد كانت تنبع من المنطلق الذي ذكرنا.
أما بخصوص كتب الحديث فنذكر في أولها كتاب (صحيح البخاري)، لمحمد بن إسماعيل البخاري (ت 256ﻫ/ 859م)،وقد زوّدنا هذا المصدر بالأحاديث التي
ص: 33
تخصّ مكانة الإمام الحسين(عليه السلام)، وما لهذه الأحاديث من أهمية؛ لكونها قوية السند. أما الكتاب الثاني فهو كتاب (سنن ابن ماجة)، لمحمد بن يزيد القزويني (ت 275ﻫ/ 888م)، وقد أورد حديثاً عن مكانة الإمام الحسين(عليه السلام) عند الرسول(صلي الله عليه و آله و سلم)، فضلاً عن ذكر حديث حول مرضعة الحسين وما رأت من أنّ عضواً من أعضاء الرسول في بيتها. وأودّ أن أورد كتاب حديث آخر وهو كتاب (سنن الترمذي)، لمحمد بن عيسي بن سَورة (ت 279ﻫ/ 892م)، ويحتوي كتاب الحديث هذا علي مجموعة أحاديث جاءت في حقّ الإمام الحسين(عليه السلام) لا تقلّ أهمية عن ما جاء في الكتابين السابقين، وفضلاً عن هذه الكتب فهناك كتب حديث أخري لا يسعنا ذكرها.
وأما عن كتب التاريخ العام، فنذكر أوّلها كتاب (أبجد الشيعة) المعروف بكتاب سليم بن قيس العامري (ت 76ﻫ/695م) ويعدّ من أوائل الكتب التي أرّخت لجزء من التاريخ الأموي، وهو من المصادر المهمّة؛ لأنّ الكاتب يعدّ من شهود العيان عن تلك الفترة؛ فهو أحد أصحاب الإمام علي بن أبي طالب(عليه السلام)، وقد أفادنا هذا المصدر؛ بما فيه من معلومات تخصّ دوافع الثورة الحسينية.
أما الكتاب الثاني، فهو كتاب (مقتل الإمام الحسين) المعروف بمقتل أبي مخنف لصاحبه لوط بن يحيي (ت157ﻫ/ 773م)، لقد أفادنا هذا المصدر بنقل وقائع استشهاد الإمام الحسين(عليه السلام) بصورة مفصّلة، فضلاً عن كون المؤلّف من أهل الكوفة فهو أقرب للحوادث من غيره، إلا أنّ ما يؤخذ عليه أنّ رواياته كان يشوبها نوع من الخيال، وخاصة في أحداث واقعة يوم عاشوراء، إلا أنّنا نجد العديد من كبار المؤرّخين قد أخذ عن أبي مخنف؛ مثل البلاذري والطبري وغيرهما.
وكذلك نذكر كتاب (تاريخ خليفة بن خياط)، لخليفة بن خياط العصفري (ت 240ﻫ/ 854م)، فهو مصدر قديم حول المنهج، تحدّث عن أكثر من قرنين من
ص: 34
الزمن، وقد أرّخ المؤرّخ فيه لأحداث سياسية مهمّة، وقد استفدنا منه كثيراً فيما يخصّ أخبار الخلفاء الأمويين وتوضيحها.
أما المصدر الثاني هو كتاب (الإمامة والسياسة)، المنسوب لابن قتيبة الدينوري (ت 276ﻫ/879م)، وقد أفادنا هذا الكتاب في ذكر أخبار الخلفاء الأمويين؛ كونه كتاباً عني بتاريخ الخلفاء، وقد ذكر صاحبه أحداث طلب البيعة ليزيد زمن معاوية بن أبي سفيان بصورة مفصّلة أكثر من غيره ممن جاء بعده من المؤرخين.
ونذكر كذلك كتاب (أنساب الأشراف)، للبلاذري أحمد بن يحيي (ت 279ﻫ/ 892م) وهو كتاب كبير، لم يقف مؤلّفه فيه عند حدود بيان نسب الأشراف، بل تطرّق إلي الأخبارالتاريخية العامة بين كتب الأنساب والتاريخ والتراجم والأدب وغيرها.
ونذكر كذلك كتاب (الأخبار الطوال)، لأبي حنيفة أحمد الدينوري (ت 282ﻫ/ 895م) وقد أرفدنا هذا المصدر بالمعلومات الخاصّة باستشهاد مسلم بن عقيل، فضلاً عن بعض ما نقله عن أحداث حركة المختار الثقفي، وقد جاءت أخباره بصورة مختصرة.
وكذلك كتاب (تاريخ اليعقوبي)، لمؤلفه اليعقوبي أحمد بن إسحاق (ت 292ﻫ/ 904م)، فهو كتاب مهمّ يتميّز بالقدم والموضوعية، وقد تنازل هذا المؤرخ في فترات التاريخ القديم والإسلامي منتهياً عند فترة الخليفة العباسي (المعتمد)، وقد تحدّدت فائدتنا منه فيما يخصّ أخبار الخلفاء الأمويين وولاتهم.
ومن المصادر التاريخية الأخري نذكر كتاب (تاريخ الرسل والملوك)، للطبري محمد بن جرير (ت 310ﻫ/ 922م)، وهو من المصادر الموسوعية المتميّزة، تناول أحداث ثلاثة قرون من التاريخ الإسلامي، وقد تعدّدت موارد هذا المؤرّخ في هذا الكتاب؛ لذا كانت فائدتنا منه كبيرة وموزّعة علي عموم الرسالة.
ومن المصادر التاريخية الأخري كتاب (الفتوح)، لابن أعثم الكوفي (314ﻫ/ 926م)، وهو من المصادر المهمّة؛ لكونهيقوم بنقل الأحداث بصورة مفصّلة علي الرغم من انعدام السند في رواياته، وعدم استخدامه الطريقة الحولية، وقد كانت فائدتنا منه علي عموم الرسالة.
ص: 35
ومن المصادر التاريخية الأخري نذكر كتاب (مروج الذهب ومعادن الجوهر) للمسعودي علي بن الحسين (ت 346ﻫ/ 957م)، فهو واحد من كتب التاريخ العام المهمّة، التي تمتاز بالتفصيل والإسناد التاريخي المتعدّد، وقد كانت فائدتنا منه كبيرة.
ونذكر كذلك كتاب (مقاتل الطالبيين)، لأبي الفرج علي بن الحسين الاصفهاني (ت 356ﻫ/ 966م)؛ إذ يعدّ هذا الكتاب من الكتب التي عنيت بحركات المعارضة التي قادها الطالبيون في العصرين الأموي والعباسي، وهو من الكتب المهمّة في هذا المجال.
وهناك مصادر تاريخية أخري عديدة اعتمدناها، ولا يسعني ذكرها جميعاً منها كتاب (مقتل الحسين)، للخوارزمي أبي مؤيد بن أحمد (ت 568ﻫ/ 1172م)، وقد اعتمد في تدوين الكثير من رواياته علي كتاب الفتوح لابن أعثم الكوفي، وكتاب (التاريخ الكبير) لابن عساكر (ت 571ﻫ/ 1175م)، وكتاب (اللهوف في قتلي الطفوف) لابن طاووس علي بن موسي الحسيني (ت 589ﻫ/ 1193م) والذي يذكر فيه حادثة استشهاد الإمام الحسين(عليه السلام) بصورة مفصّلة،وكتاب (المنتظم في تاريخ الملوك والأمم)، لابن الجوزي (ت 597ﻫ/ 1200م)، وكتاب (الكامل في التاريخ)، لابن الأثير (ت 630ﻫ/1232م)، والذي اعتمد في كثير من رواياته علي الطبري، وكتاب (البداية والنهاية)، لابن كثير الدمشقي (ت 774ﻫ/ 1372م)، وكتاب (تاريخ ابن خلدون)، لابن خلدون (ت 808ﻫ/ 1405م)، وغيرها من المصادر الأخري.
ص: 36
وأمّا عن كتب الطبقات والتراجم فنذكر منها؛ كتاب (الطبقات الكبري) لابن سعد محمد بن سعد البصري (ت 230ﻫ/ 844م)، وهو كتاب مهمّ وكبير أفادنا بمعلومات تاريخية مهمّة عن الأوضاع السياسية أثناء الخلافة الأموية.
كذلك كتاب (الاستيعاب في أسماء الأصحاب)، لابن عبد البر (ت 463ﻫ/ 1070م)، فهو من المصادر التاريخية المهمّة، يترجم للصحابة (رض) ولابدّ لأيّ باحث في التاريخ الإسلامي من الرجوع إليه، وقد كانت فائدتنا منه كبيرة في كثير من مواضيع الرسالة.
كما نشير هنا أيضاً إلي كتابين مهمّين هما، كتاب (تاريخ الإسلام وطبقات المشاهير والأعلام)، للذهبي محمد بن أحمد (ت 748ﻫ/ 1347م)، وكتاب (الإصابة في تمييز الصحابة)، لابن حجر أحمد بن علي العسقلاني (ت 852ﻫ/ 1448م) إذ أفادنا كلّ منهما بمعلومات تاريخية مهمّةوخاصة في علم الرجال.
ومن كتب الأدب والعلوم الأخري نذكر كتاب (البيان والتبيين)، للجاحظ عمرو ابن بحر (ت 255ﻫ/ 868م)، وكتاب (الأغاني)، لأبي الفرج علي بن الحسين الاصفهاني (ت356ﻫ/966م)، فقد احتوي كلّ منهما علي معلومات تاريخية مهمّة أفادتنا في مواضع عديدة من هذه الرسالة.
كذلك نذكر كتاب (معجم البلدان)، لشهاب الدين ياقوت الحموي (ت 626ﻫ/ 1228م)، وهو كتاب جغرافي وتاريخي في وقت واحد، وقد كانت فائدتنا منه كبيرة في تحديد المواقع علي العديد من مواضيع الرسالة.
وأخيراً نذكر شيئاً عن الكتب الحديثة، التي رجعنا إليها، من أجل الاستفادة من آراء مؤلفيها وأهم ما وصلوا إليه وأبرزها كتاب (الفتنة الكبري)، للدكتور طه حسين، وكتاب (مقتل الإمام الحسين)، للمقرم، وكتاب (الوثائق الرسمية لثورة الإمام
ص: 37
الحسين)، لعبد الكريم الحسيني، وكتاب (الحسين في الفكر المسيحي)، لأنطوان بارا، وكتاب (عبد الملك بن مروان والدولة الأموية)، للدكتور محمد ضياء الدين الريس، وكتاب (العراق في العصر الأموي)، للدكتور ثابت إسماعيل الراوي، وكتاب (التمدن الإسلامي)، لجرجي زيدان، وكتاب (الدولة العربية وسقوطها)، ليوليوس ولهاوزن، فضلاً عن العديد من المراجع التي لا يسعنا ذكرها، وقدأسهمت هذه المراجع بشكل واضح في توضيح النقاط الغامضة علي طول الرسالة.
وأخيراً أرجو من الله أن أكون قد وفّقت في إعطاء الشيء اليسير عن هذه الثورة العظيمة، وما كان لها من تأثير واضح في أحداث التاريخ اللاحقة، وأودّ أن أذكر بأنّي لم أستطع الإحاطة؛ لأنّ الله تعالي هو المحيط بكلّ شيء، ولم أستطع إكمال أيّ شيء لأنّ الكمال لله وحده، وما توفيقي إلا بالله عليه توكّلت وإليه أنيب.
ص: 38
ص: 39
ص: 40
التمهيد
لمحة من حياة الإمام الحسين(عليه السلام) ومكانته
هو الحسين بن علي بن أبي طالب بن عبد المطلب بن هاشم بن عبد مناف الهاشمي القرشي المدني، أمّه فاطمة الزهراء(عليها السلام) سيدة نساء العالمين ابنة رسول الله(صلي الله عليه و آله و سلم) (1).
قال ابن حجر في الإصابة «أبو عبد الله سبط الرسول(صلي الله عليه و آله و سلم) وريحانته»(2).
ولد الإمام الحسين(عليه السلام) بالمدينة المنورة في الثالث من شعبان من السنة الرابعة من الهجرة(3).
ص: 41
وقيل: إنّه ولد في الخامس من شعبان من السنة نفسها(1).
وقال الإمام جعفر بن محمد الصادق(عليهما السلام) : لم يكن بين ولادة الحسن(عليه السلام) والحمل بالحسين إلا طهرٌ واحد(2)، والطهر حسب رواية البخاري التي نسبها للإمام جعفر الصادق(عليه السلام) هي مدّة زمنية يقاس عليها الحمل لدي النساء، وليس من المؤكد أنّها تسري علي سيدة نساء العالمين(عليها السلام)، ولكنه مجرّد وقت لتحديد حالة الحمل، إلا أنّ ابن قتيبة حدّد ما بين ولادة الإمام الحسن(عليه السلام) والحمل بالحسين باثنين وخمسين يوماً(3)، وقد كانت ولادة الإمام الحسن(عليه السلام) في النصف منرمضان سنة 3ﻫ/ 624م(4)، وولادة الإمام الحسين(عليه السلام)، في بضع ليالٍ خلت من شعبان في السنة الرابعة من الهجرة المباركة، فتكون مدة الحمل به تسعة أشهر(5).
ولمّا وُلِدَ الحسين(عليه السلام) : «جيء به إلي النبي(صلي الله عليه و آله و سلم) فأستبشر به وأذّن في أذنه اليُمني، وأقام في أذنهِ اليُسري، وسمّاه حُسيناً في اليوم السابع من مولده، وعقَ عنه بكبش، وحلق
ص: 42
رأسه وتصدق بوزن شعره فضة»(1).
وقال ابن الأثير: «أبو عبد الله ريحانة النبي(صلي الله عليه و آله و سلم) وشبهه من الصدر إلي أسفل منه، ولما ولد أذّن النبي في أذنه اليمني وأقام في اليسري، وهو سيد شباب أهل الجنة، وخامس أهل الكساء»(2).
لقد تكنّي الإمام الحسين(عليه السلام) بأبي عبد الله(3) ولُقّب بألقابٍ عدّة أبرزها شهرة السبط؛ أي سبط رسول الله، وهو اسمٌ يطلق علي ابن البنت(4). وأشهر ألقاب الإمام الحسين(عليه السلام) ما لقّبه به جدّه رسول الله(صلي الله عليه و آله و سلم) وكان قوله بحقّه وحقّ أخيه الحسن(عليهما السلام) : «الحسن والحسين سيدا شباب أهل الجنة وأبوهما خيرٌ منهما»(5).
وقال ابن الأثير: «الحسن والحسين من أسماء أهل الجنة لم يكونا في الجاهلية»(6).
ص: 43
لقد كانت مرضعة الإمام الحسين(عليه السلام) لُبابة الكبري(1) بنتالحارث زوجة العباس بن عبد المطلب، عمّ الرسول(صلي الله عليه و آله و سلم)، فقد روُي عنها أنّها قالت للرسول(صلي الله عليه و آله و سلم) : «لقد رأيت أنّ عضواً من أعضائك في بيتي، فقال الرسول(صلي الله عليه و آله و سلم) : تلِدُ فاطمة غُلاماً وترضعينه بلبن قثم فَولد حسيناً»(2).
وذكر المزّي أنّ أمّ الفضل قالت: يا رسول الله «رأيت كأنّ في بيتي عضواً من أعضائك قال: خيراً، تلد فاطمة غلاماً، فترضعينه، فوضعت حسيناً فأرضعته بلبن قثم»(3).
لقد برزت مكانة الإمام الحسين(عليه السلام) في مواضع عدة من القرآن الكريم لتبيّن للأمّة الإسلامية مكانة أهل بيت النبوة ومعدن الرسالة(4). فلم تتفق كلمة المسلمين في شيءٍ كاتّفاقهم علي فضلِ أهل البيت(عليهم السلام)، والإمام الحسين(عليه السلام) هو من أهل البيت المطهرين من الرجس بلا ريب، وقد جاء عن أمّ المؤمنين عائشة أنّها قالت: إنّ رسول الله(صلي الله عليه و آله و سلم) خرج وعليهكساء من شعر أسود، فجاء الحسن فأدخله، ثم جاء الحسين فأدخله، ثم فاطمة ثم علي، ثم تلا قوله تعالي: «...إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ
ص: 44
الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا»(1)، وقد أوضحها الزمخشري أنّها في حقّ هؤلاء(2).
والإمام الحسين(عليه السلام) هو ابن الرسول(صلي الله عليه و آله و سلم)، بنصّ آية المباهلة مع نصاري نجران، وقد خلّد القرآن الكريم هذا الحدث بصورته العميقة في قوله تعالي: «فَمَنْ حَاجَّكَ فِيهِ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ فَقُلْ تَعَالَوْا نَدْعُ أَبْنَاءَنَا وَأَبْنَاءَكُمْ وَنِسَاءَنَا وَنِسَاءَكُمْ وَأَنْفُسَنَا وَأَنْفُسَكُمْ ثُمَّ نَبْتَهِلْ فَنَجْعَلْ لَعْنَتَ اللَّهِ عَلَي الْكَاذِبِينَ»(3).
وروي جمهور المفسرين بطرقٍ شتّي أنّ هذه الآية نزلت في أهل البيت وهم: رسول الله، وعلي، وفاطمة، والحسن، والحسين، كما صرّحوا علي أنَّ الأبناء هنا هما الحسنان بلا ريب(4).
وذكر الطبرسي تفسير هذه الآية بقوله «(فَمَنْ حَاجَّكَ): أي جادلك وخاصمك وقد جاء النبي بالحسن والحسين وفاطمة تمشي خلفه وعلي خلفها»(5).وندع أبناءنا، دليلٌ علي أنّ أبناء البنات يُسمّون أبناء؛ ومن هنا نستطيع أن نفهم السّرّ الكامن في وجوب مودّتهم والالتزام بخطّهم كما جاء بنصّ الكتاب العزيز في
ص: 45
قوله تعالي: «ذَلِكَ الَّذِي يُبَشِّرُ اللَّهُ عِبَادَهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ قُلْ لَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَي وَمَنْ يَقْتَرِفْ حَسَنَةً نَزِدْ لَهُ فِيهَا حُسْنًا إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ شَكُورٌ»(1).
والقربي هم قرابة الرسول(صلي الله عليه و آله و سلم)، وقالوا يا رسول الله مَنْ هؤلاء الذين نودّهم؟ قال: «علي وفاطمة وأبناؤهما»(2).
ولا يتركنا القرآن الحكيم حتي يبيّن لنا أسباب هذاالتفضيل، وجاء نصّ ذلك في سورة الإنسان بقوله تعالي: «وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَي حُبِّهِ مِسْكِينًا وَيَتِيمًا وَأَسِيرًا * إِنَّمَا نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللَّهِ لَا نُرِيدُ مِنْكُمْ جَزَاءً وَلَا شُكُورًا»(3). لقد روي جمهور المفسرين أنّ هذه الآيات نزلت في حقّ أهل البيت، وقد جسّدت أروع أنواع الإيثار حتي نزل قوله تعالي:
«إِنَّ الْأَبْرَارَ يَشْرَبُونَ مِنْ كَأْسٍ كَانَ مِزَاجُهَا كَافُورًا * عَيْنًا يَشْرَبُ بِهَا عِبَادُ اللَّهِ يُفَجِّرُونَهَا تَفْجِيرًا * َانَ شَرُّهُ مُسْتَطِيرًا»(4).
ص: 46
لقد تظافرت النصوص الواردة عن رسول الله(صلي الله عليه و آله و سلم) بشأن الحسين(عليه السلام) والتي تبرز المكانة الرفيعة التي يمثّلها في دنيا الرسالة ونختار هنا نماذج عدّة للوقوف علي شيء من مكانة الإمام الحسين(عليه السلام)، فقد روي أسامة بن زيد(1) عن رسول الله(صلي الله عليه و آله و سلم) قوله: «هذان ابناي وابنا ابنتي، اللهمّ إنّي أحبّهمافأحببهما وأحبّ من يحبّهما»(2).
وقال رسول الله(صلي الله عليه و آله و سلم) : «الحسن والحسين ابناي من أحبّهما أحبّني، ومن أحبّني أحبّه الله، ومن أحبّه الله ادخله الجنة، ومن أبغضهما أبغضني ومن أبغضني أبغضه الله، ومن أبغضه الله ادخله النار»(3).
لقد خصّ الرسول الأعظم حفيديه الحسن والحسين(عليهما السلام) بأوصافٍ تنبئ عن عظم منزلتهما لديه، بقوله: «إنَّ ابني هذين ريحانتاي من الدنيا»(4).
وروي ابن مسعود(رضي الله عنه) حيث قال: إنّ النبي(صلي الله عليه و آله و سلم) كان يُصلّي فجاء الحسن
ص: 47
والحسين(عليهما السلام) فارتدفاه، ثم أخذهما أخذاً رفيقاً، وأجلس هذا علي فخذه وهذا علي فخذه، وقال: «من أحبّني فليُحبّ هذين»(1).وروي البيهقي بسنده عن رزين بن حبيش قال: «كان رسول الله(صلي الله عليه و آله و سلم) ذات يوم يصلي بالناس، فأقبل الحسن والحسين(عليهما السلام)، وهما غلامان يتوثّبان علي ظﻫره إذا سجد فأقبل الناس عليهما ينحيانهما عن ذلك قال: دعوهما بأبي وأمي، من أحبّني فليحبّ هذين»(2).
لقد ورد أنّ الخليفة عمر بن الخطاب قال للحسين(عليه السلام) : «فإنما أنبت ما تري في رؤوسنا الله ثم أنتم»(3).
وقال أبو هريرة(4): «دخل الحسين بن علي وهو معتمّ فظننت أنّ النبي قد بُعِث»(5).
وكان(عليه السلام) في جنازة فأعيا، وقعد في الطريق، فجعل أبو هريرة ينفض التراب عن قدميه بطرف ثوبه، فقال له: «يا أبا هريرةوأنت تفعل هذا؟ فقال له: دعني فوالله لو يعلم الناس منك ماأعلم لحملوك علي رقابهم»(6).
ص: 48
وقد أخذ عبد الله بن عباس(1)بركاب الحسن والحسين(عليهما السلام) فعوتب في ذلك وقيل له: أنت أسنّ منهما فقال: «إنّ هذين ابنا رسول الله(صلي الله عليه و آله و سلم) أفليس من سعادتي أن آخذ بركابهما»(2).
وقد قال معاوية بن أبي سفيان لأبن عباس بعد وفاة الحسن(عليه السلام) يا بن عباس أصبحت سيد قومك، فقال: «أما ما أبقي الله أبا عبد الله الحسين فلا»(3).
وقال أنس بن مالك(4). وكان قد رأي الحسين(عليه السلام) : «كانأشبههم برسول الله(صلي الله عليه و آله و سلم) »(5).
ومرّ الإمام الحسين(عليه السلام) بعمرو بن العاص(6). وهو جالس في ظل الكعبة فقال:
ص: 49
«هذا أحبّ أهل الأرض إلي أهل الأرض وإلي أهل السماء»(1).
وقال عبد الله بن عمرو بن العاص(2) وقد مرّ عليه الحسين(عليه السلام) فقال: «من أحبّ أن ينظر إلي أحبّ أهل الأرض إلي أهلالسماء فلينظر إلي هذا المجتاز»(3).
وحين أشار يزيد علي أبيه معاوية بن أبي سفيان أن يكتب للحسين(عليه السلام) جواباً عن كتابٍ له علي أن يصغّر فيه الحسين(عليه السلام)، قال معاوية راداً عليه: «وما عسيت أن أعيب حسيناً، والله لا أري للعيب فيه موضعاً»(4).
وقال محمد بن علي بن أبي طالب المسمي ب-(ابن الحنفية): «إنّ الحسين أعلمنا علماً، واشغلنا حلماً، وأقربنا من رسول الله(صلي الله عليه و آله و سلم) رحماً، كان إماماً فقيهاً... »(5).
وكتب عبد الله بن جعفر(6) إلي الإمام الحسين(عليه السلام) حينما أراد المسير إلي العراق
ص: 50
«...إن هلكت اليوم طفئ نور الإسلام؛ فإنّك علم المهتدين ورجاء المؤمنين»(1).وقال عبد الله بن الحرّ الجحفي وقد لقي الحسين(عليه السلام) قبل وصوله كربلاء «ما رأيت أحداً قطّ أحسن ولا أملأ للعين من الحسين»(2).
وقال إبراهيم النخعي: «لو كنت فيمن قاتل الحسين(عليه السلام) ثم أدخلت الجنة لاستحييت أن أنظر إلي وجه رسول الله(صلي الله عليه و آله و سلم) »(3).
وسأل رجلٌ عبد الله بن عمر بن الخطاب عن دم البعوض يكون في الثوب أفأصلي فيه؟ فقال له: ممن أنت؟ قال: من أهل العراق، فقال ابن عمر: «انظروا إلي هذا يسألني عن دم البعوض وقد قتلوا ابن رسول الله(صلي الله عليه و آله و سلم) وقد سمعت رسول الله يقول: هما ريحانتاي من الدنيا»(4).
بقي ذكر الإمام الحسين(عليه السلام) وهجاً لا تطفئه عاديات الزمن، ولا تبليه كثرة السنين، بل تزيده رونقاً وبهاءاً في ذري المجد. وما زالت ثورة الإمام الحسين(عليه السلام) قبساً يضيء للأجيال طريق الكرامة ونبراساً في عالم الحرية.
ذكر البلاذري أن الحجاج بن يوسف الثقفي وكان أمير العراق زمن الخليفة عبد الملك بن مروان، سأل سنان بنأنس، كيف قُتِل الحسين(عليه السلام) ؟ فقال سنان: طعنته
ص: 51
بالرمح وضربته بالسيف. فقال الحجاج: لا يجتمعان في الجنة والله أبداً، وقال ادفعوا إليه خمسُمائة درهم، فلما خرج قال: لا تعطوه شيئاً(1).
وقد قال الربيع بن خيثم لبعض مَنْ شَهِدَ قتل الحسين(عليه السلام) : «والله لقد قتلتم صفوة لو أدركهم رسول الله(صلي الله عليه و آله و سلم) لقبّل أفواههم وأجلسهم في حجره»(2).
وقال ابن سيرين «لم تبكِ السماء علي أحدٍ بعد يحيي بن زكريا(عليهما السلام) إلا علي الحسين(عليه السلام)، ولمّا قُتل أسودّت السماء وظهرت الكواكب نهاراً، حتي رؤيت الجوزاء عند العصر، وسقط التراب الأحمر، ومكثت السماء سبعة أيام بلياليها كأنها علقة»(3).
وقال المجلسي: «أبو عبد الله الحسين(عليه السلام) ابن بنت رسول الله(صلي الله عليه و آله و سلم) وريحانته، وابن أمير المؤمنين علي(عليه السلام) وشأن بيت النبوة له أشرف نسب وأكمل نفس، جمع الفضائل ومكارم الأخلاق، ومحاسن الأعمال من علوّ الهمة، ومنتهي الشجاعة، وأقصي غاية الجود، وأسرار العلم، وفصاحة اللسان، ونصرة الحق والنهي عن المنكر، وجهاد الظلم، والتواضع عن العز، والعدل والصبر والحلم والعفاف والمروءة والورعوكان إذا أقام بالمدينة أو غيرها مفيداً بعلمه مرشداً بعلمه»(4).
وذكر الزعيم الصيني (صان يان صن) وهو الزعيم الروحي للديانة البوذية في الصين الحديثة فيقول في ثورة الإمام الحسين(عليه السلام) : «إنّ أروع لحظات الاستشهاد لا تظهر إلا في لحظات الإنحدار الروحية الشديدة، وكأنّ المجموعة البشرية تطلق كلّ
ص: 52
إمكانياتها في هذه اللحظات الشديدة الخطورة، عندئذٍ يصبح الصراع الطبقي مجرد ذريعة لتتخطي البشرية هوة الانحدار الأخلاقي، وأمامنا الكثير من قصص الغدر والخيانة والتوحش ومدي ما وصل إليه الانهيار الأخلاقي في تلك الفترة التي عزم فيها الحسين بن علي(عليهما السلام) علي التصدي للنظام»(1).
ويقول موضحاً في ذلك: «لقد خرج الحسين(عليه السلام) وهو يحسب أنّ الناس ما زالوا يطلبون العدل الاجتماعي، وأنه من الطبيعي أن ترفض الكرامة البشرية أن يفرض عليها حاكمٌ سكّير عربيد في مجتمعٍ يعتبر السكر والعربدة معصية تستوجب عقاب الله والمجتمع»(2).
ص: 53
ص: 54
المبحث الأوَّل: دوافع الثورة.
المبحث الثاني: طلب البيعة من الأمصار وأثرها في قيام الثورة
المبحث الثالث: خلافة يزيد بن معاوية وقيام الثورة
ص: 55
ص: 56
لقد حفظ لنا التاريخ أرقاماً ووقائع تشهد بانحدار المجتمع وتباعده عن كثيرٍ من قيم الإسلام وقوانينه، ومن يقرأ تلك الحقبة بإمعانٍ يجد أنّ ثورة الإمام الحسين(عليه السلام) كانت ضرورة تاريخية، وأنّ الظروف والأوضاع المتردية هي التي أفرزت عوامل الثورة وأسبابها، وأنّ الحسين(عليه السلام) لم يجد مناصاً من التحرك والثورة.
فلنأخذ مثلاً علي ذلك الوضع الأمني والأمن الاجتماعي الذي ثبته الإسلام بقوله تعالي: «فَلْيَعْبُدُوا رَبَّ هَذَا الْبَيْتِ * الَّذِي أَطْعَمَهُمْ مِنْ جُوعٍ وَآمَنَهُمْ مِنْ خَوْفٍ»(1)، وكذلك قوله تعالي: «مِنْ أَجْلِ ذَلِكَ كَتَبْنَا عَلَي بَنِي إِسْرَائِيلَ أَنَّهُ مَنْ قَتَلَ نَفْسًا بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الْأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعًا وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعًا وَلَقَدْ جَاءَتْهُمْ رُسُلُنَا بِالْبَيِّنَاتِ ثُمَّ إِنَّ كَثِيرًا مِنْهُمْ بَعْدَ ذَلِكَ فِي الْأَرْضِ لَمُسْرِفُونَ»(2).
لقد كان لمقتل العديد من الشخصيات الإسلامية البارزة أثره في قلوب المسلمين ومن أبرز الذين شملهم القتل الصحابي الجليل حجربن عدي الكندي(3)، والذي
ص: 57
أدّي مقتله إلي ردود فعل عنيفة بين المسلمين، حيث قالت السيدة عائشة لمعاوية بن أبي سفيان: «يا معاوية أقتلت حجراً وأصحابه فأين غرب حلمك عنهم؟ أما أني سمعت رسول الله(صلي الله عليه و آله و سلم) يقول: «يُقتَل بمرج عذراء(1) نفرٌ يغضب لهم أهل السماوات»(2) وقال الحسن البصري لما سمع بمقتل حجر بن عدي الكندي وأصحابه قال: «أصلّوا عليهم وكفّنوهم ودفنوهم واستقبلوا بهم القبلة قالوا: نعم فقال حجّوهم وربّ الكعبة»(3).
وقد استنكر الإمام الحسين(عليه السلام) لمقتل حجر وأصحابه وجاء ذلك الاستنكار في إحدي الرسائل التي بعثها إلي معاوية بن أبي سفيان: «...ألست القاتل حجر بن عدي أخي كندة وأصحابه الصالحين المطيعين العابدين؟ كانوا ينكرون الظلم ويستعظمون المنكر والبدع، ويؤثرون حكم الكتاب، ولا يخافون في الله لومة لائم، فقتلتهم ظلماً وعدواناً من بعد ما كنت أعطيتهم الأمان والأيمان المغلّظة والمواثيقالمؤكّدة»(4).
ويقول الدكتور طه حسين: «كان قتل حجر حدثاً من الأحداث الكبار لم يشكّ أحد من الأخيار الذين عاصروا معاوية في أنّه كان صدعاً في الإسلام، بل لم يشكّ
ص: 58
معاوية نفسه في أنّه كان كذلك»(1)، وفضلاً عن هذه الطليعة، من رجال المعارضة ممن تحرّكوا مع حجر بن عدي، وسيقوا معه إلي القتل(2).
فقد قتل معاوية بن أبي سفيان شخصيات سياسية ورجالاً من المعارضة ممن يوالون الإمام علياً(عليه السلام) وأبناءه، جاء ذكر ذلك في الرسالة الموجّهة من قبل الإمام الحسين(عليه السلام) إلي معاوية بن أبي سفيان بقوله: «...أولست قاتل عمرو(3) بن الحمق صاحب رسول الله(صلي الله عليه و آله و سلم) العبد الصالح الذي أبلته العبادة فصفّرت لونه، ونحلّت جسمه، بعد أن آمنته، وأعطيته من عهود الله عزّوجلّ وميثاقه»(4).
وكتب معاوية إلي عماله محرّضاً من «اتهمتموه ولم تقم عليه البينة فاقتلوه»((5).
أما زياد(6) بن أبيه عامل معاوية بن أبي سفيان عليالعراق (45ﻫ - 53ﻫ) فقد
ص: 59
قتل العديد علي التهمة والظنّة «...وجرّد السيف وأخذ بالظنّة وعاقب علي الشبهة وخافه الناس في سلطانه خوفاً شديداً... »(1).
وذكر ابن قتيبة أنّه خطب في البصرة قائلاً: «وإنّي أقسم بالله لآخذنّ الوليّ بالوليّ والمقيم بالظاعن، والمقبل بالمدبر، والصحيح منكم بالسقيم، حتي يلقي الرجل منكم أخاه فيقول أنج سعد، فقد هلك سعيد، أو تستقيم لي قناتكم»(2).
وقد قام بقتل أوفي بن حصن، وهو أول قتيل قتله زياد بالكوفة إثر حوار وقع بينهما، وكان قد سأله عن الخليفة عثمان بن عفان ومعاوية بن أبي سفيان فأجابه أجوبةً مرضية عند زياد ثم سأله فما تقول فيَّ؟ فقال: «بلغني أنّك قلت بالبصرة: والله لآخذنّ البريء بالسقيم، والمقبل بالمدبر، قال: قد قلت ذلك: قال خبطتها عشواء، فقال زياد: ليس النفّاخ بشرّ الزمرة فَقُتِل»(3).
وقد قتل زياد سبعين رجلاً مرة واحدة؛ لأنّهم رفضوا تلبية رغبته في البراءة من الإمام علي بن أبي طالب(عليه السلام) (4)،وقد تصدّي زياد إلي كلّ من كان هواه مع علي(عليه السلام)، يذكر المسعودي: «أنّ زياداً جمع الناس بباب قصره يحرّضهم علي لعن علي(عليه السلام)، فمن
ص: 60
أبي ذلك عرضه علي السيف» (1). وذكر ابن الأثير أنّ زياداً قد قطع أيدي أكثر من ثلاثين رجلاً من أهل الكوفة(2).
وفضلاً عن ذلك فقد مارس زياد سياسة الترحيل والتشريد التي قصد بها إضعاف المعارضة في العراق، فقد أنزل من الكوفيين وأسرهم خمسين ألفاً في خراسان(3).
وقد بلغت الحال أنّ الرجل أصبح يفضّل أن يُقال عنه أنّه زنديق أو كافر ولا يقال عنه أنّه من شيعة علي(4)، بل قد بلغ الحال أنّهم كانوا يخافون من النطق بأسمائهم حتي فيما يتعلق بأحكام الدين التي لا ترجع إلي الفضائل التي كان الأمويون يخشون شيوعها، فكانوا يقولون: (روي أبوزينب)(5)، ويصوّر لنا سليم ابن قيس الكوفي أوضاع أهل الكوفة أيام ولاية زياد بن أبيه، والمؤرخ من شهود العيان في تلك الفترة «...ثم اشتدّ البلاء بالأمصار كلها علي شيعة علي وأهل بيته(عليهم السلام)، وكان أشدّ الناس بلية أهل الكوفة؛ لكثرة من بها من الشيعة، واستعمل عليها زياداً ضمّها إليه مع البصرة وجمع له العراقين، وكان يتتبّع الشيعة وهو بهم عالم؛ لأنه كان منهم قد عرفهم وسمع كلامهم أول شيء، فقتلهم تحت كلّ كوكب وتحت كلّ حجر ومدر، وأجلاهم وأخافهم، وقطع الأيدي والأرجل منهم وصلبهم علي جذوع
ص: 61
النخل، فلم يبق بها أحدٌ منهم إلا مقتول أو مصلوب أو طريد أو هارب»(1).
ويذكر الدكتور طه حسين بعض سياسة زياد التي ساس بها الناس، فيقول: «...إنّها سياسة منكرة لا يعرفها الإسلام ولا يرضاها، ولم يعرفها المسلمون، ولم يألفوها، والتي إن دلّت علي شيء، فإنّها تدلّ علي أنّ صاحبها طاغية، يريد أن يحكم الناس بالبغي، يملأ القلوب رعباً ورهباً، ويغتصب منها الطاعة والخضوع للسلطان اغتصاباً»(2).
وعندما استعمل زياد سمرة بن جندب(3)) علي البصرةأسرف في القتل إسرافاً لا حدود له، فهذا أنس بن سيرين يقول لمن سأله: هل كان سمرة قتل أحداً؟: «وهل يُحصي من قتل سمرة بن جندب؟ استخلفه زياد علي البصرة وأتي الكوفة، فجاء وقد قتل ثمانية آلاف من الناس، فقال له يعني زياد: هل تخاف أن تكون قتلت أحداً بريئاً؟ فرد عليه قائلاً: لو قتلت إليهم مثلهم ما خشيت»(4).
وقال أبو سوار العدوي: «قتل سُمرة من قومي في غداة سبعة وأربعين رجلاً قد جمع القرآن»(5).
وذكر الطبري «وأتي سمرة بناس كثير وأناس بين يديه فيقول للرجل ما دينك؟ فيقول: أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأنّ محمداً عبده ورسوله،
ص: 62
وأني بريءٌ من الحرورية، فيقدّم فيضرب عنقه، حتي مرّ ببضعة وعشرين»(1).
وقد سبي نساء همدان واقامهنّ في الأسواق، فكنّ أول مسلمات أشترين في الإسلام وكان يعذّب بغير القتل من صنوف العذاب(2).
كان النظام الحاكم يعطّل قوانين التوزيع الاقتصادي التي نادي بها الإسلام، وهي قوانين تنصّ علي المساواة في العطاء، وتحريم الاحتكار، ووجوب الكفالة والضمان الاجتماعي للطبقات الفقيرة ومكافحة الفقر، وسنجد حافزاً ومحرّكاً قوياً للثورة والتحرّك، حرّك جماهير الأمة وحفّزها للاستنجاد بالإمام الحسين(عليه السلام) وهو الحافز الاقتصادي فقد شعرت الطبقات الضعيفة بضياع حقوقها، وانتشار الفقر بين صفوفها في حين تتكدّس الثروة بيد فئة وطبقة معينة، وقد جاء في القرآن الكريم: «يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ كَثِيرًا مِنَ الْأَحْبَارِ وَالرُّهْبَانِ لَيَأْكُلُونَ أَمْوَالَ النَّاسِ بِالْبَاطِلِ وَيَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ وَلَا يُنْفِقُونَهَا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَبَشِّرْهُمْ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ»(3).
وفي قوله تعالي: «مَا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَي رَسُولِهِ مِنْ أَهْلِ الْقُرَي فَلِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَي وَالْيَتَامَي وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ كَيْ لَا يَكُونَ دُولَةً بَيْنَ الْأَغْنِيَاءِ مِنْكُمْ وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ»(4).
ويجب علينا حين ندرس سياسة معاوية المالية أن نضع خطاً فاصلاً بين الشام
ص: 63
وبين سائر الولايات الإسلامية، لأنّ الشام كانت تتمتّع برخاءٍ حقيقي، والسرّ في ذلك هو أنّ جند الشام كان عماد معاوية في حروبه، وقد كان يحاول أن يسترضيهم بالأموال(1).علي أنه لا يفوتنا أن نلاحظ أنّ هذا الرخاء لم يكن من حظّ عرب الشام أجمع، وإنما كان لقبائل اليمن وحدها، وأما قبائل قيس فكانت تعاني شظف العيش، لأنه بولاء اليمن لم يأبه لقيس، فلم يفرض لها في العطاء، إلا في وقتٍ متأخر بعد أن خشي علي سلطانه من قوة قبائل اليمن(2). فقد نالت قبيلة كلب اليمانية شرف العطاء علي بقية القبائل فقد فرض معاوية بن أبي سفيان لألفين من رجال هذه القبيلة من العطاء ألفي درهم لكلّ شخص وإن مات قام ابنه أو ابن عمّه مكانه، وكان لهم الأمر والنهي وصدر المجلس، وكلّ ما كان من حلّ وعقد ورأي ومشورة(3).
وقد استحدث معاوية طرقاً عدّة لجمع الأموال وبشتّي الوسائل، منها استصفاء معاوية بن أبي سفيان أموالاً كان يأخذها كسري وآل كسري، وقد بلغت جبايتها خمسين ألف ألف درهم من الكوفة وسوادها، واستصفي من أرض البصرة مثل ذلك(4)، كما أمر أن تحمل إليه هدايا النوروز والمهرجان، وكانت تحمل إلي كسري من قبلهوقدّرت بعشرة آلاف ألف درهم(5)، ولم يقتصر ذلك علي العراق وحده بل تعدّي إلي أكثر من ذلك حيث يذكر اليعقوبي قائلاً: «...وفعل معاوية بالشام والجزيرة واليمن مثلما فعل بالعراق من استصفاء ما كان للملوك من الضياع،
ص: 64
وتصيرها لنفسه خالصة، وأقطعها أهل بيته وخاصّته، وكان أول ما كانت له الصوافي»(1)، وكتب معاوية إلي عماله في جميع البلدان: «انظروا من قامت عليه البيّنة أنّه يحبّ علياً وأهل بيته فامحوه من الديوان، ولا تجيزوا له شهادة»(2).
وكان من جملة الأساليب التي اتّبعها معاوية بن أبي سفيان لحمل الحسين(عليه السلام) علي بيعة يزيد حرمان جميع بني هاشم من عطائهم حتي يبايع الحسين(عليه السلام) (3).
وقد كان معاوية قد أخذ الزكاة من الأعطية، وسخّر الناس في بنائه، ورحل إليه عبد الله بن عمر بن الخطاب يوماً فقال: «يا أبا عبد الرحمن كيف تري بنياننا؟ قال: إن كان من مال الله فأنت من الخائنين، وإن كان من مالك فأنت من المسرفين»(4).
وكتب معاوية بن أبي سفيان إلي زياد بن أبيه عامله علي العراق «أصطفِ لي الصفراء والبيضاء» فكتب زياد إلي عمّاله بذلك وأمرهم أن لا يقسّموا بين المسلمين ذهباًولا فضة(5).
وكان معاوية يحرّض عمّاله علي جمع الأموال وهم يخترعون الطرق للإستكثار منها(6)، وبهذا فإنّ الطبقات الفقيرة في المجتمع لابدّ أن تشكوا وتتذمّر(7).
وإنّ معاوية بن أبي سفيان بعد أن تمّ له السلطان علي البلاد الإسلامية في عام الجماعة، أعلن للناس طبيعة الحكم الجديد في كلمته الشهيرة؛ حيث قال: «إني والله ما قاتلتكم لتصلّوا ولا لتصوموا ولا لتحجّوا ولا لتزكّوا إنّكم لتفعلون ذلك، وإنّما
ص: 65
قاتلتكم لأتأمّر عليكم، وقد أعطاني الله ذلك وأنتم كارهون»(1).
وتري كتب التاريخ والأدب حافلةٌ بالحديث عن حلم معاوية وسخائه وبذله الأموال، ولكنّ شيئاً من دقّة الملاحظة يكشف لنا عن حقيقة الحال، فإنّ هذا السخاء كان مقصوراً علي حفنةٍ من الناس، لا يتعدّاها إلي غيرها من العامة ممن هم في أمسّ الحاجة إلي الدرهم، لقد كان سخاؤه مقصوراً علي هذه الطبقة الأرستقراطية التيصعد علي أكتافها إلي الحكم، والتي استعان بمالها من نفوذ سياسي أو ديني في حروبه، وكانت هذه الطبقة مؤلفة من زعماء القبائل الموالين له، ومن بعض الأشخاص الذين كان لهم تأثير في نفوس المسلمين؛ فقد ذكر المؤرخون أنّ معاوية بن أبي سفيان أعطي مصر والمغرب طعمة لعمرو بن العاص، وكان عمرو قد شرطها عليه يوم بايع(2)، ويذكر المسعودي: «أن عمرو بن العاص والي مصر في عهد معاوية بلغت ثروته من العين ثلاثمائة ألف دينار وخمسة وعشرين ألف دينار، ومن الورق ألف درهم، وغلة مائتي ألف دينار بمصر، وضيعته المعروفة بالرهط قيمتها عشرة آلاف ألف درهم»(3).
وكان زياد أول من بسط الأرزاق علي عماله؛ لكلّ شخص ألف درهم، ولنفسه خمسة وعشرون ألف درهم(4).
أما النعمان بن بشير(5)- والي الكوفة من قبل معاوية بنأبي سفيان، وكان يبغض
ص: 66
أهل الكوفة؛ لرأيهم في علي(عليه السلام) - فقد رفض أن يدفع لهم الزيادة في أعطياتهم ولمّا أسترحمه عبد الله بن همام السلولي، وطلب إليه دفع الزيادة في قطعة شعرية مؤثّرة قال: «والله لا أجيزها ولا أنفذّها أبداً»(1).
وكانت جباية الأموال تقوم علي الشدّة والقسوة والعنف، ولذلك حرص بنو أمية علي جمع الأموال بكل وسيلة، فأطلقوا الأيدي ولا تهمّ في العراق حتي يتمكّنوا من جمع الضرائب، ولو أدي ذلك إلي استعمال البطش في جمعها(2).
ويقدّم لنا فان فلوتن صورة معبّرة عن الآثار السياسية والاجتماعية التي خلّفتها هذه السياسة في المجتمع العراقي في ذلك الحين، حيث يقول: «...وفي العراق أيضاً نري أشكالاً عدّة من الزيادات الاستثنائية تضاف إلي الضرائب القديمة، وكان علي عمر الثاني (الخليفة الأموي عمر بن عبد العزيز) أن يأمر جباة الضرائب في عهده بأن لا يتقاضوا من الدراهم ما يزيد وزنه علي أربعة عشر قيراطاً، وهو الوزن العادي الذي أقرّه الخليفة عمر الأول (أي الخليفة الراشدي عمر بن الخطاب)... وكثيراً ما ارتفعت الشكوي ضدّالولاة وعمال الخراج، الذين استأثروا بأموال الدولة لأنفسهم»(3).
إنّ هذه الظروف كوّنت طبقتين في المجتمع الإسلامي؛ طبقة فقيرة محرومة
ص: 67
وطبقةٌ غنية تملك الأموال والأراضي، فنمت هذه الثروة وورّثت، فأثار هذا الوضع الرأي العام الإسلامي، الذي ألف المساواة في التوزيع، وآمن بحركة المال، وتحريم الكنز والاحتكار، والطبقية، فكانت هذه الأوضاع الاقتصادية إحدي الأسباب التي أجّجت نار الثورة، وجعلت الطبقات المحرومة ومن ينادون بالمساواة يتجهون إلي الحسين(عليه السلام) ؛ باعتباره الشخص الذي يستطيع أن يطبّق أحكام الإسلام وقوانينه، كما ألفوها أيام الرسول(صلي الله عليه و آله و سلم) .
وقد جاء ذلك واضحاً في كتاب أهل الكوفة للإمام الحسين(عليه السلام) الذي جاء فيه «بسم الله الرحمن الرحيم، سلام عليك، فإننا نحمد إليك الله الذي لا إله إلا هو، أما بعد، فالحمد لله الذي قصم عدوك الجبّار العنيد الذي إنتزي علي هذه الأمة وابتزّها أمرها، وغصبها فيئها... »(1).
يعزل المغيرة عن ولاية الكوفة ويوليها سعيد بن العاص(1). فلما بلغ ذلك المغيرة قدم علي معاوية فقال له: «يا أمير المؤمنين قد علمت ما لقيت هذه الأمة من الفتنة والإختلاف وفي عنقك الموت، وأنا أخاف إن حدث بك حادث أن يقع الناس في مثل ما وقعوا فيه بعد قتل عثمان، فاجعل للناس بعدك علماً يفزعون إليه، واجعل ذلك يزيد ابنك»(2).وذكر ابن الأثير أنّ المغيرة بن شعبة دخل علي يزيد فقال: «لا أدري ما يمنع أمير المؤمنين أن يعقد لك البيعة قال: أوَ تري ذلك يتمّ؟ فقال: نعم، فدخل يزيد علي أبيه وأخبره بما قاله المغيرة»(3).
وبهذا إشارة إلي أنّ المغيرة بن شعبة قد رأي في شخص يزيد الشاب الذي يمكن أن يستغلّه لمصالحه الشخصية، ويدعم موقفه أمام أبيه، فدعا معاوية المغيرة وذكّره بما أخبره يزيد من كلامه فقال: «يا أمير المؤمنين قد رأيت ما كان من سفك الدماء والاختلاف بعد عثمان، وفي يزيد منك خلف؛ فاعقد له فإن حدث بك حادث كان كهفاً للناس، وخلفاً منك، ولا تسفك دماء ولا تكون فتنة، قال: ومن لي بهذا؟ قال: أكفيك أهل الكوفة، ويكفيك زياد أهل البصرة، وبعد هذين المصرين لا أحد يخالفك قال: فارجع إلي عملك، وتحدّث مع من تثق إليه في ذلك وتري ما نري»(4).
ص: 69
وبذلك فقد كسب المغيرة الخليفة ويزيد وحافظ علي مكانته ومنصبه، ومن المعروف أنّ المغيرة كان داهية من دهاة العرب «الرأي لا يستجر في صدره أمران إلا وجد في إحداهما مخرجاً»(1). ونلاحظ هنا أنه قد قدّر حساسية الموضوع،وأبعاده المستقبلية من خلال ما قاله لجماعته حين رجع من معاوية: «...لقد وضعت رجل معاوية في غرز بعيد الغابة علي أمة محمد، وفتقت عليهم فتقاً لا يرتق أبداً»(2).
وقد أكّدت المصادر المتأخّرة علي أثر المغيرة في إبراز فكرة ولاية العهد(3)، ويبدو أنّ الموضوع الذي أوحاه المغيرة لم يكن بالموضوع البسيط الذي لا يستحق التفكير به من جهة معاوية، فضلاً عن أنّ المغيرة لم يطرح هذا الموضوع اعتباطاً، بل حصل علي أمرين الأول: تقرّبه من شخص الخليفة وابنه، والآخر: إظهار الحرص علي مصير الخلافة بطريقة ذكية؛ ليضمن استمرار عمله علي الكوفة، ويبيّن ليزيد بأنه أولي بالخلافة من غيره بعد أبيه، وأنّه يمتاز بمزايا عدة ترشّحه لذلك المنصب مؤكداً بأنه من أبناء سادة قريش، وأحسنهم رأياً، ويندهش لماذا لم يشغل معاوية هذه الامتيازات ويعهد لولده يزيد؟ وعرض عليه محاسن البيعة في مصلحة الأمة الإسلامية، وبهذاشجّع وحفّز معاوية في طلب البيعة ليزيد، ويظهر ذلك واضحاً
ص: 70
في قول معاوية ومن لي بهذا(1).
لكنّ معاوية تمهّل في أخذ البيعة؛ حتي لا يثير عليه الإمام الحسن بن علي(عليهما السلام) وأبناء الصحابة، وخاصة من كانت لديهم مؤهّلات لم تكن موجودة في شخص يزيد، لذلك سعي معاوية إلي دسّ السُمّ للحسن(عليه السلام)، وتشير الروايات إلي أنّ امرأة الحسن(عليه السلام) جُعدة بنت الأشعث هي التي سمّته بتحريض من معاوية، وقيل: إنّ يزيد هو الذي دسّ إليها؛ لتسمّه؛ فيتزوجها(2)، وكانت وفاة الحسن(عليه السلام) سنة 49ﻫ/ 669م(3).
وبايع معاوية لابنه يزيد بعد وفاة الحسن(عليه السلام) بفترةٍ قصيرة(4)، لقد زاد اهتمام معاوية ببيعة يزيد، خاصّة بعد أن أرسل إليه المغيرة وفداً من أهل الكوفة يطالبونه بمبايعة يزيد(5)، وقد دخل معاوية علي زوجته فاختة بنتقرضة بن حبيب بن عبد شمس، وكانت أمّ عبد الله بن معاوية، يزيد بن ميسون بنت بحدل الكلبي وكانت فاختة معادية لميسون فأخبرها بما أشار عليه المغيرة فقالت: «أراد أن يجعل لك عدواً من نفسك يتمنّي هلاكك كلّ يوم فشقّ ذلك علي معاوية» (6).
وهناك رأي يقول:إنّ معاوية كان مُدركاً بوجود تيارات معادية له، ومن المؤكّد أنّ هذه التيارات سوف تبرز بعد وفاته وتحدث زعزعة في حكم بني أمية، ولعله تخيّل أنّه لو ترك الأمر لحين وفاته من دون ولي للعهد لظهر الخصام حالاً، ولتنافر
ص: 71
المسلمون وتقاتلوا، فمن المصلحة أن يعهد إلي شخص معيّن تجنباً للمشاكل المتوقّعة(1).
ويري ولهاوزن أنّ أساس هذه الفكرة كانت تجول في ذهن معاوية وأنّه ربّما كان يفكّر فيها مذ زمنٍ طويل(2)، فسواءٌ كان المغيرة هو صاحب فكرة ولاية العهد لمعاوية أو كان معاوية نفسه صاحبها فإنّ الهدف واحد في كلا الحالتين، فيما يخصّ معاوية وهو توريث الحكم وجعلهفي عقبه، وخيرُ دليل علي ذلك تقبّله للفكرة، وطلبه من المغيرة المباشرة في مسألة بيعة يزيد مع من يثق بهم، وأبقاه في منصبه وآلياً علي الكوفة بعد أن كان قد فكّر في عزله(3).
ص: 72
لم يكن معاوية مهتمّاً في أخذ البيعة من أهل الشام، وخاصّة حاضرة الدولة (دمشق) فقد كان يعلم بولائهم وانقيادهم المطلق للبيت الأموي بصورة عامة ولشخصه بصورة خاصة، ويظهر ذلك واضحاً عندما خاطب معاوية ولده يزيد بأنّ أهل الشام هم بطانته الذين ينتصر بهم علي عدوّه(1).
لذلك وجّه معاوية جُلّ اهتمامه لأخذ البيعة من الأمصار التي كانت وما زالت تمثّل خطراً يُهدّد الحكومة المركزية في دمشق، وأبرز تلك الأقاليم هي العراق والحجاز، فيذكر معاوية أهل العراق بقوله ليزيد: «انظر أهل العراق فإن سألوك أن تعزل عنهم كلّ يوم عاملاً فأفعل؛ فإنّ عزل عامل أيسر من أن يشهر عليك مائة ألف سيف»(2). ومن الطبيعي أن يواجه يزيدمعارضة من أهل العراق، فهم أعداء معاوية، وقد حاربوه في صفين(3) مع الإمام علي(عليه السلام) «35ﻫ/655م -
ص: 73
40ﻫ/660م»(1) والذي نكّل بأبرز قادتهم؛ مثل مالك بن الحارث الأشتر(2) الذي استشهد في القلزم(3) سنة 38ﻫ/658م(4).
ومحمد بن أبي بكر(5)
استشهد في مصر سنة 38ﻫ /658م(6)، وحجر بن عدي الكندي، وعمرو بن الحمق الخزاعي اللذين مرّ ذكرهما.
أما الإقليم الثاني والذي يحظي بأهمية كبيرة لدي معاوية في أخذ البيعة فهو الحجاز؛ لأنّه مهبط الوحي، وأرض ومسكن الصحابة والذين يؤخذ رأيهم في عقد الولاية، فهم رجال الدين وأصحاب السياسة وأبناء الخلفاء، والناس إليهم تبع حيث يذكرهم معاوية ويوصّي بهم يزيد بقوله: «فانظر أهل الحجاز؛ فإنّهم أصلك، وأكرم من قدم عليك منهم، وتعاهد من غاب»(7).
ص: 74
أرسل معاوية بن أبي سفيان إلي مروان(1) بن الحكم - وكان أميراً علي المدينة وذلك سنة 49ﻫ/ 696م(2)- يأمرهأن يمهّد لأخذ البيعة ليزيد «إذ كان عرب الحجاز بوجهٍ خاص غير مستعدّين للإنتقال من النظام القائم علي الشوري إلي النظام الوراثي»(3).
وقد كان ردّ الفعل عنيفاً بوجه مروان، الذي خاطب أهل المدينة بأمر البيعة ليزيد وأعلن أبناء الصحابة استنكارهم لولاية العهد، ونهض عبد الرحمن(4) بن أبي بكر وأعلن معارضته بقوله: «ما الخيار أردتم لأمّة محمد، ولكنكم تريدون أن تجعلوها هرقلية، كلما مات هرقل قام هرقل»(5).
لذلك فقد سعي معاوية لأخذ البيعة من أهل المدينة بنفسه، وقدّمها سنة 50ﻫ/670م، والتقي بأبرز رجالها، وشاورهم في رغبته بأخذ البيعة ليزيد، فتلقّي معارضة تامّة من الجميع، وقد لخّص عبد الله بن عمر رأي الجميع بقوله: «...فإنّ هذه الخلافة ليست بهرقلية ولا قيصرية ولا كسرويه يتوارثها الأبناء عن الآباء، ولو
ص: 75
كانت كذلك لكنت القائم بها بعد أبي»(1).
وبعد أن عاد معاوية إلي الشام أخذ يعمل علي إغراء الناس وتقريبهم إليه، ويداني بعيدهم ويلطف بهم حتياستوثق له أكثر الناس، ثم كرّر معاوية طلب البيعة لابنه يزيد، وأوكل هذه المهمّة لعامله علي المدينة سعيد بن العاص، الذي أخذ الناس بالشدّة والعنف وأبطأ الناس في البيعة، سيّما بنو هاشم الذين أنكروا أن يتولّي عليهم من يشرب الشراب، ويلعب بالكلاب، ويظهر الفسوق(2).
وقد تخلّف عن البيعة أربعة أشخاص وهم: الحسين بن علي(عليه السلام)، وعبد الله بن عمر، وعبد الرحمن بن أبي بكر، وعبد الله بن الزبير(3)، وقد قال عبد الله بن عمر: «نبايع من يلعب بالقرود والكلاب، ويشرب الخمر، ويظهر الفسوق: ما حجتنا عند الله»(4)؟ وقال عبد الله بن الزبير: «لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق، وقد أفسد علينا ديننا»(5).
بدأ معاوية بن أبي سفيان بتهيئة يزيد للخلافة وتقريبه من الناس، إذ قام معاوية
ص: 76
سنة (51ﻫ/671م) بتوجيه يزيد أميراً للحج(1)، وما هذه إلا محاولةً لتحسين صورة يزيد لدي أهل الحجاز، وإعداده لتولّي الخلافة في المستقبل، وبعد ذلك طلب معاوية من عمّاله أن يرسلوا إليه الوفود من الأمصار إلي دمشق، ومن طلائع الوفود التي وصلت محمد بن عمر بن حزم من المدينة، وهو أحد علماء أهل الحجاز والأحنف(2) بن قيس من البصرة.
فضلاً عن وفود الكوفة ومكة ومصر والجزيرة، وعندها عُقِد المجلس(3)، وقد حدّد المسعودي السنة التي قدمت بها الوفود إلي دمشق، وهي سنة 59ﻫ/ 678م(4)، أما ابنالأثير فأشار إلي أنّها سنة 56ﻫ/ 675م(5). ومن المتوقع أنّ معاوية طلب البيعة قبل وفاته بمدّة ليست بالقصيرة، وبحضور معاوية بن أبي سفيان قام الخطباء ببيعة يزيد «وأظهر قوم الكراهة، فقام رجل من عذرة يقال له يزيد بن المقنع، واخترط من سيفه شِبراً، ثم قال أمير المؤمنين هذا، وأشار إلي معاوية، فإن يهلك فهذا وأشار إلي يزيد، فمن أبي فهذا، وأشار إلي سيفه، فقال معاوية: أنت سيد الخطباء»(6).
ص: 77
وهذا يؤكّد أنّ محاولة معاوية في أخذ البيعة لابنه من بعده لم تكن تحظي بالتأييد المطلق، وأنّ هناك مَنْ يعارضها.
وعندما تكلّم محمد بن عمرو بن حزم الموفد من المدينة قائلاً: «يا معاوية إنّ يزيد أهلٌ لما تريد أن ترسمه له، وهو لعمري غني بالمال ووسيط في النسب، غير أنّ الله تعالي مسائلٌ كلّ راعٍ عن رعيته، فاتّق الله يا معاوية، وانظر من تولّي أمر أمّة محمد(صلي الله عليه و آله و سلم) »(1).
ويبدو أنّ موفد أهل المدينة لم يُظهر موقفاً واضحاً بشأن تأييد بيعة يزيد حتي يجنّب أهلها ما يترتّب علي هذا الموقف، وفي الوقت نفسه حاول أن يُبيّن لمعاوية أنيُرشّح من يصلح للخلافة، وكانت إجابة معاوية لابن عمر علي أنّه رجلٌ ناصح ويكفي أن يسمع رأيه، ولم يكن واجبه أكثر من هذا، غير أنّ معاوية أكّد لموفد المدينة قائلاً: «لم يبق من أولاد الصحابة إلا ابني وأبناؤهم وابني أحبّ إليّ من أبنائهم»(2).
ومن هنا يتبين أنّ معاوية عبَّر عن رأيه بصريح العبارة أنّ ابنه أحبّ إليه وأفضل من أبناء الصحابة جميعاً.
وحاول معاوية أن يعمل علي أخذ البيعة ليزيد، فكتب إلي الأمصار يصف يزيد بأحسن وصف؛ ليكون بالصورة الحسنة والمنزلة الجديرة بالاحترام التي يجب أن يتحلّي بها الخليفة، وعندما توافدت عليه الوفود وكّلف الضحاك(3) بن قيس الفهري بأن يكون المشرف والمتكلم في هذا المجلس، وأوعز الخليفة أن يستأذنه الضحاك إذا
ص: 78
فرغ من كلامه فإن سمع له معاوية أن يولي يزيد بعد أن هيأ أربعة من الرجال من خاصة معاوية، ليكونوا علي استعداد ليقوموا ويدعموا كلامه بالتصديق ويدعوه إلي البيعة؛وهم عبد الرحمن بن عثمان الثقفي، وعبد الله بن مسعدة الفزاري، وثور ابن معن السلمي، وعبد الله بن عصام الأشعري(1).
وبدأ الضحاك خطبته، وهي دليلٌ قاطع علي تأييد أهل الشام لبيعة يزيد إذ قال: «أصلح الله أمير المؤمنين وأمتع به، إنّا قد بلونا الجماعة والألفة والاختلاف والفرقة فوجدناها ألمّ لشعثنا، وأمنة لسبلنا، وحاقنة لدمائنا، وعائدة علينا في عاجل ما نرجو، أو آجل ما نؤمّل، مع ما ترجو به الجماعة من الألفة، ولا خير لنا أن نترك سُدي، والأيام عوج رواجع، والله يقول: كلّ يوم هو في شأن، ولسنا ندري ما يختلف به العصران، وأنت يا أمير المؤمنين ميّت كما مات من كان قبلك من أنبياء الله وخلفائه، نسأل الله تعالي بك المتاع، وقد رأينا من دعة يزيد بن أمير المؤمنين، وحسن مذهبه، وقصر سيرته ويُمن نقيبته، مع ما قسم الله له من المحبة في المسلمين، والشبه بأمير المؤمنين في عقله وسياسته وتسميته المرضية، ما دعانا إلي الرضا به في أمورنا، والقنوع به في الولاية علينا، فليولّه أمير المؤمنين أكرمه الله عهده، وليجعله لنا ملجأ ومفزعا بعده لنأوي إليه أن كان كون فإنّه ليس أحدٌ أحقّ بها منه، فأعزم علي ذلك، عزم الله لك في رشدك ووفّقك في أمورنا»(2).ثم قام الأربعة وعزّزوا ما قاله الضحاك وأيّدوا بيعة يزيد(3)، ومجمل كلامهم
ص: 79
الحثّ علي طلب البيعة ليزيد، ووصف محاسنه، وكان من نتيجة ذلك أن أصبح الضحاك والياً علي الكوفة(1).
وبعد هذه المداولات التي دارت أثناء الاجتماع قال معاوية: «أو كلكم قد جمع رأيه علي ما ذكرنا؟ فقالوا: كلّنا أجمع رأيه علي ما ذكرنا»(2).
ونلاحظ أنّ معاوية أخذ رأي المجلس علي ما قالوا بشأن بيعة يزيد فأجابوا بالإجماع علي الموافقة.
لقد كان اهتمام معاوية بن أبي سفيان واضحاً في طلب البيعة من أهل العراق؛ لما كان يعرفه منهم في رفضهم لخلافة بني أمية بصورة عامة، ولشخص يزيد بصورة خاصة، وقد جاء ذلك الردّ علي لسان موفد أهل العراق الأحنف بن قيس رئيس قبيلة بني تميم، حيث تكلّم بعد أنسأله معاوية فبدأ حديثه: «فحمد الله وأثني عليه، ثم قال: أصلح الله أمير المؤمنين، إنّ الناس قد أمسوا في منكر زمان قد سلف ومعروف زمان مؤتنف، ويزيد بن أمير المؤمنين نعم الخلف، وقد حلبت الدهر أشطره، يا أمير المؤمنين فاعرف من تسند إليه الأمر من بعدك ثم أعصِ أمر من يأمرك، لا يغررك من يشير عليك، ولا ينظر لك، وأنت أنظر الجماعة وأعلم باستقامة الطاعة...»(3).
ومن خلال تحذير الأحنف لمعاوية من أهل العراق ردّ الضحاك عليه علي نحوٍ
ص: 80
عنيف، ووصف أهل العراق بأنّهم علي غير حق في أن يرفضوا يزيد، وأكّد لمعاوية بأن لا يبالي بهم، وناشد أهل العراق مخاطباً «ناصحوا لإمامكم، وكاتب نبيكم وصهره»(1).
وفي رواية أخري تذكر أنّ الأحنف بن قيس قال لمعاوية عندما سأله عن يزيد قائلاً: «أنت أعلمنا بيزيد في ليله ونهاره، وسره وعلانيته، فلا تسلّمه الدنيا وأنت تذهب إلي الآخرة»(2).
وهذا تعبيرٌ صريح من قبل الأحنف يحمّل فيه معاوية المسؤولية في توليته، ونلاحظ أنّه أكّد الالتزام بالعهود، وتحميل معاوية المسؤولية المباشرة في اتخاذه القرار تجاه الله سبحانه وتعالي في مصير الأمة الإسلامية.
وفي رواية أخري تؤكّد موقف الأحنف الصريح: «أرسلمعاوية إلي الأحنف فدعاه، ثم شاوره في أمر يزيد فقال: يا أمير المؤمنين إننا نخافك إن صدقناكم، ونخاف الله إن كذبنا»(3)، ولكن عليك بغيري «فأمسك عنه معاوية، وجعل يروّض الناس في كلّ سنة، وفي كلّ موسم يدعوهم إلي بيعة يزيد»(4).
ويبدو أنّ الأحنف حاول التخلّص من مسؤولية إعطاء الرأي الصريح لمعاوية لذلك تركه الأخير، وفي الوقت نفسه حاول الأحنف ترغيب الناس في بيعة يزيد في كل موسم، فأثابه معاوية علي موقفه، وحمل إليه هدية مقدارها خمسون ألف درهم(5).
ص: 81
ومن هنا يتبيّن أنّ معاوية كان أحوج إلي الأحنف؛ لأنه زعيم قبائل تميم أكبر القبائل في البصرة، وذو كلام مسموع لدي أهل العراق.
وعلي الرغم من وجود علاقة حميمة بين معاوية والأحنف بن قيس فقد كانت لا تخلو من علاقة منفعة متبادلة، فلم يُعرب الأحنف عن رأيه علي نحوٍ مباشر، وجعل الحكم لمعاوية، فلما سأل معاوية الأحنف عن البيعة صرح قائلاً: «أنت أعلم بما أردت، وإنما علينا أن نسمع ونطيع، وعليك أن تنصح للأمة»(1).ومن هنا يتبيّن أنّ جواب الأحنف كان صريحاً مكلّلاً بالطاعة والاحترام، ويبدو أنّ الأحنف لم يكن مقتنعاً بتولية يزيد، لكن الخوف والطاعة هي التي قادته بأن يعبّر عن رأيه علي نحوٍ غير واضح، من دون أن يُظهِر حقيقة ما كان يدور في العراق من معارضة ضدّ الحكم الأموي.
ويعد أن تحدَّث الأحنف قام رجلٌ من أهل الشام فقال: «ما ندري ما تقول هذه المعدية العراقية، وإنما عندنا سمع وطاعة وضرب وازدلاف»(2).
ويتبيّن لنا أنّ أهل الشام كانوا يريدون بيعة يزيد لكنهم كانوا ينتظرون أن يسمعوا رأي أهل العراق، وهم علي أهبة الاستعداد في الطاعة والولاء والحرب، وفي نهاية المجلس قام أحد أفراد التجمع، وهو عبد الرحمن بن عثمان الثقفي وبيّن للخليفة أنّ آراء الناس مختلفة، والكثير منهم يخالفون رأي الخليفة، ولا يدعون إلي الطريق الصحيح الذي يدعوه الخليفة، وبذلك يكونون قد خالفوا السُنة، لكن يزيد يتصف بكلّ الصفات الحميدة التي تؤهّله لهذا المنصب، فإذا دعاك إليه لبيعته فنفذ واقطع كلّ ما يقوله الناس، ولا يبالي من يرفض البيعة، وهم الذين يحركون الفتنة
ص: 82
والكراهية، فإن سمعتهم فقولهم شرّ، وإن سكتوا فدفع البلاء عنهم، وأنت تعرفهم فلاتبالي لهم، فبايعه لكي يرفع هذه الغمّة، وتجمع شمل الأمة، وهذا الرأي لك ولنا، والحقّ علينا وعليك(1).
وقد ذكر ابن قتيبة تلك الوفود، فضلاً عن مجموعة من المصادر المتأخرة، ولم يذكرها الطبري، وهناك إشارة في الإمامة والسياسة تشير إلي أنّ معاوية عيّن عبد الرحمن بن عثمان الثقفي علي الجزيرة إثابةٍ له علي موقفه هذا(2).
ثم خطب معاوية بالناس، وسمّي الذين يستعبدهم إبليس إخوانه، ويقصد بهم الذين يشنون ويثيرون المشاكل فهم حطب النفاق، ولم يبال معاوية بهم؛ لأنّه قادرٌ علي القضاء عليهم من جذورهم، وشبّههم بجذور الكمأ التي بطبيعتها رخوة(3).
ومما تجدر الإشارة إليه أنّ الناس انقسموا إلي قسمين؛ قسمٌ مع البيعة، وآخر ضدّها، فهناك من اندفع وكان موقفه مطابقاً لموقف معاوية؛ تحقيقاً لمصلحةٍ شخصية وتجنباً للمشاكل، والقسم الآخر لم يؤيّد البيعة؛ لأنّها غير مألوفة عند المسلمين، وقد يكونالرفض لشخص يزيد نفسه، وهناك من عبَّر عن رأيه من دون خوفٍ، وهناك من أضمر رأيه في داخله وحمّل معاوية المسؤولية في اختيار ولي عهده كالأحنف بن قيس، وهناك من جامل في رأيه.
ويبدو أنّ هناك من عبَّر عن رأيه بصراحة، فمثلاً طلب من رجل قد دُعي إلي البيعة التعبير عن رأيه فأجاب قائلاً: «اللهمّ إنّي أعوذ بك من شرّ معاوية، فقال له
ص: 83
معاوية: تعوذ من شرِ نفسك فإنّه أشدُّ عليك»(1).
وبايع ثم قال إني أبايع وأنا كاره للبيعة، فقال له معاوية: بايع أيها الرجل فإنّ الله يقول: «... فَعَسَي أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَيَجْعَلَ اللَّهُ فِيهِ خَيْرًا كَثِيرًا» (2).
ويوضّح لنا احتجاج قسم من الشعراء علي بيعة يزيد ما كان في دواخل الناس، علي اعتبار أنّ الشعراء كانوا يُمثّلون وسائل إعلام تعكس مشاعر الناس، ونلاحظ أنّ منهم من انتقد معاوية وسياسته، وناداه بالاعتدال في سياسته، ونقد الوراثة في العهد والطمع في الخلود، وهذا ما يؤكّده ابن أعثم، إذ يقول أحد الشعراء:
معاوي إنّنا بشرٌ فاسجع *** فلسنا بالجبال ولا الحديد
أكلتم أرضنا فجرّتموها *** فهل من قائم أو من حصيد
أتطمع في الخلود إذا هلكنا *** وليس لنا ولا لك من خلود
فهبها أمة هلكت ضياعا *** يزيد يسوسها وأبو يزيد
دعوا حقّ الإمارة واستقيموا *** وتأمير الأراذل والعبيدا(3)
لقد كان تأييد أهل الشام واضحاً، ولم يخشَ معاوية بن أبي سفيان من معارضة أهل العراق والحجاز بعد أن عالج الوضع في العراق، وحصل علي تأييد أهل الكوفة بمساعدة عامله عليها المغيرة بن شُعبة(4)، حيث أعلن رسمياً تولية يزيد
ص: 84
لولاية العهد ولم يتخلف عن بيعته إلا أربعة نفر، هم: الحسين بن علي(عليهما السلام) وعبد الله ابن عمر، وعبد الرحمن بن أبي بكر، وعبد الله بن الزبير(1).
بينما يذكر الطبري أنّ زعماء المعارضة في الحجاز كانوا خمسة بقوله: «واستوثق له الناس علي البيعة غير خمسة نفر»(2)،مُضيفاً عبد الله بن عباس إليهم، ولم تتمّ البيعة إلا إذا وافق عليها ذوو الرأي والمكانة من أهل المدينة لأنّهم أولاد الصحابة، فضلاً عن مكانتهم الاجتماعية والدينية في مجتمع المدينة، ومن المؤكّد أنّ لهم تأثيراً في كسب الرأي العام، وهنا جاء أثر معاوية في أخذ رأي أبناء الصحابة ومناقشتهم في الأمر، لذلك فقد كان جُلّ اهتمام معاوية بأن يأخذ موافقة أبناء الصحابة، وهذا ما قام به مروان بن الحكم أمير مكة سنة (49ﻫ/ 669م) عندما طالب بمبايعة يزيد(3).
وفي رواية لابن قتيبة تقول: إنّ معاوية كتب إلي عامله علي المدينة سعيد بن العاص بأن يدعو أهل المدينة إلي البيعة، علي أن يكتب له من يسارع في البيعة ومن يباطؤها، فكتب إليه سعيد أنّ بني هاشم هم الذين أبطأوا البيعة، وأكّد أنّ عبد الله بن الزبير أشدُّ معارضةً، علماً أنّ سعيد بن العاص استعمل الشدة والغلظة مع من أبطأ البيعة(4)، وقد أرسل معاوية رسالةً إلي سعيد بن العاص جاء فيها: «عليك بالرفق وإياك والخرق، فإنّ الرفق رشد، والخرق منكر، وانظر حسيناً خاصة، فلا يناله مكروه، فإنّ له قرابة وحظاً عظيماً ولا ينكره مسلمٌ ومسلمة، وهو ليث عرين ولست آمنك إن شاورته أن لا تقوي عليه، فإما من يرد السباع إذ أوردت، وينكّس إذ نكّست فذلك عبد الله بن الزبير،
ص: 85
فأحذرهأشدّ الحذر ولا قوة إلا بالله»(1).
ونلاحظ أنّ معاوية أكّد الرفق، وعدم استعمال العنف وأوصي بالحسين(عليه السلام) وأن لا يمسّه أيّ مكروه، وحذّر من عبد الله بن الزبير، لكنه مع هذه التوصيات التي أدلي بها إلي عامله علي المدينة رأي من الضروري عدم إلحاق عامله سعيد بن العاص الضرر بهؤلاء العبادلة، والذين يمثلون الرأي العام في الحجاز، وقد كتب معاوية ابن أبي سفيان إلي الحسين(عليه السلام) : «أما بعد، فقد انتهت إليّ منك أمور، ولم أكن أظنّك بها رغبة عنها، وإن أحقّ الناس بالوفاء لمن أعطي بيعة من كان مثلك، في خطرك وشرفك ومنزلتك التي أنزلك الله بها، فلا تنازع إلي قطيعتك، وأتقِ الله ولا تردن هذه الأمة في فتنة وانظر لنفسك ودينك وأمة محمد، ولا يستخفنّك الذين لا يوقنون»(2).
ويبدو أنّ معاوية حاول التأثير علي الحسين(عليه السلام)، وطلب منه تأييد رأيه استجابةً بصلة الرحم، وبيّن منافع البيعة من أجل مصلحة الأمة الإسلامية، فانتقد الحسين(عليه السلام) قول معاوية قائلاً: «تريد أن توهم الناس في يزيد كأنّك تصف محجوباً، أو تنعت غائباً أن تخبر عما كان مما احتويته بعلمٍ خاص، وقد دلّ يزيدمن نفسه علي موقع رأيه، فخذ ليزيد فيما أخذ فيه، من استقرائه الكلاب المهارشة عند التهارش، والحمام السبّق لأ ترابهنّ، والقيان ذوات المعازف، وضرب الملاهي تجده باصرا، ودع منك ما تحاول، فما أغناك أن تلقي الله من وزر هذا الخلق بأكثر مما أنت لاقيه، فوالله ما برحت تقدح باطلاً في جور... »(3).
ص: 86
مما تقدّم يتضح لنا أنّ الحسين(عليه السلام) وصف يزيد بأنه معروف بتصرفاته الصبيانية، ونفهم أيضاً أنّ الحسين(عليه السلام) حذّر معاوية عواقب هذا العمل حيث لم يخرج الأخير بنتيجة، ولعله كان يطمح أن يكسب الحسين(عليه السلام) إلي جانب البيعة طمعاً في قرابته، وربما كان معاوية قد عقد العزم علي مبايعته ليزيد لأنّ ذلك يحقّق نجاحاً كبيراً للبيعة، لكن الحسين(عليه السلام) واجه معاوية بكل حزم بقوله: «تريد أن تلبس الناس شبهة يسعد بها الباقي في دنياه، وتشقي بها في آخرتك، إنّ هذا لهو الخسران المبين»(1).
وبذلك فقد أجمعت المصادر علي أنّ هؤلاء النفر لم يبايعوا ليزيد، وخير دليلٌ علي ذلك وصية معاوية لابنه يزيد قبيل وفاته، وقد أوضح ذلك أبو مخنف في روايةمفادها: «لمّا مرض معاوية مرضته التي هلك فيها دعا يزيد ابنه فقال: يا بني، إنّي قد كفيتك الرحلة والترحال، ووطّأت لك الأشياء، وذلّلت لك الأعداء، وأخضعت لك أعناق العرب، وجمعت لك من جمعٍ واحد... وإنّي لا أتخوّف أن ينازعك هذا الأمر الذي أستتبّ لك إلا أربعة نفر من قريش؛ الحسين بن علي، وعبد الله بن عمر، وعبد الله بن الزبير، وعبد الرحمن بن أبي بكر... فأمّا عبد الله بن عمر فرجلٌ قد وقذته العبادة، وأمّا الحسين بن علي فإنّ أهل العراق لن يدعوه حتي يخرجوه، فإن خرج عليك فظفرت به فاصفح عنه؛ فإنّ له رحماً ماسة وحقاً عظيماً، وأمّا عبد الرحمن بن أبي بكر فرجلٌ إن رأي أصحابه صنعوا شيئاً صنع مثلهم، ليس له همّة إلا في النساء واللهو، وأمّا الذي يجثم لك جثوم الأسد، ويراوغك مراوغة الثعلب، فإذا أمكنته فرصة وثب،
ص: 87
فذاك ابن الزبير، فإن هو فعلها بك فقدرت عليه فقطّعه إرباً إرباً»(1).
ويبدو - كما ذكرنا - أنّ معاوية كان يفكر في أخذ البيعة ليزيد قبل وفاته بمدةٍ غير قصيرة، وأنّ الناس وافقوه علي ذلك إلا هؤلاء الأربعة.
ص: 88
تُوفي معاوية بن أبي سفيان في النصف من شهر رجب، وقيل: لثمانٍ بقين منه سنة (60ﻫ/ 680م)(1).
وكان يزيد بحوارين(2)، فكتب إليه الضحاك بن قيس كتاباً جاء فيه: «بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله الذي لبس رداء البقاء، وحكم علي عباده بالفناء، فقال عزّ وجلّ: «كُلُّ مَنْ عَلَيْهَا فَانٍ * وَيَبْقَي وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجَلَالِ وَالْإِكْرَامِ»(3)، (4) ثم ذكر بعد ذلك كلامه «لعبد الله يزيد أمير المؤمنين» من الضحاك بن قيس، سلام عليك، أمّا بعد، فكتابي إلي أمير المؤمنين كتاب تهنئة ومصيبة، فأمّا الخلافة التي جاءتك فهي التهنئة، وأما المصيبة فموت أمير المؤمنين معاوية، إنّا لله وإنّا إليه راجعون، فإذا قرأت كتابي فالعجلالعجل! لتأخذ الناس ببيعة أخري محدودة، والسلام عليك ورحمة الله وبركاته»(5)، ثم أثبت في أسفل الكتاب هذين البيتين:
ص: 89
مضي ابن أبي سُفيان فرداً لشأنه *** وخُلّفت فانظر هذه كيف تصنعُ
أقمنا علي المنهاج واركب محجة **** سداداً فأنت المرتجي كيف تفزعُ(1)
وكان وصول يزيد إلي دمشق بعد موت معاوية بثلاثة أيام(2) فخطب خطبة طويلة جاء فيها: «...أبشروا يا أهل الشام، فإن الخير لم يزل فيكم، وسيكون بيني وبين أهل العراق حرب شديد، وقد رأيت في منامي كأن نهراً يجري بيني وبينهم دماً عبيطاً وجعلتُ أجهد في منامي أن أجوز ذلك النهر، فلم أقدر علي ذلك حتي جاءني عبيد الله ابن زياد(3)، فجازه بين يدي وأنا أنظر إليه، فأجابه أهل الشاموقالوا: يا أمير المؤمنين امضِ بنا حيث شئت، وأقدم بنا علي مَنْ أحببت، فنحن بين يديك، وسيوفنا تعرفها أهل العراق في يوم صفين»(4).
ثم كتب يزيد كتابين إلي ابن عمه وعامله علي المدينة الوليد(5) بن عتبة بن أبي
ص: 90
سفيان، كان الأول يحمل نعي معاوية، وقد جاء فيه: «من عبد الله يزيد بن معاوية أمير المؤمنين إلي الوليد بن عتبة، أما بعد، فإنّ معاوية كان عبداً من عباد الله أكرمه الله واستخلفه وخولّه ومكّن له، ثم قبضه إلي روحه وريحانه ورحمته وغفرانه، عاش بقدر ومات بأجل، عاش برّاً تقيّاً، وخرج من الدنيا رضيّاً زكيّاً، فنعم الخليفة كان ولا أزكّيه علي الله، هو أعلم به مني، وقد كان عَهِد إليّ عهداً وجعلني له خليفة من بعده، وأوصاني أن آخذ آل أبي تراب بآل أبي سفيان لأنّهم أنصار الحقّ وطلاب العدل، فإذا ورد عليك كتابي هذا فخذ البيعة علي أهل المدينة والسلام»(1).
أمّا الكتاب الثاني فكان كتاباً صغيراً شبّهه المؤرّخونبصغر أذن الفأرة، ورغم صغرها كانت تحمل خبراً حاسماً لقضية البيعة؛ يقول فيها: «أما بعد، فخذ حسيناً وعبد الله بن عمر، وعبد الله بن الزبير، بالبيعة أخذاً شديداً ليست فيه رخصة، حتي يبايعوا والسلام»(2).
وعلي أثر وصول الكتاب بعث الوليد بن عُتبة إلي مروان بن الحكم؛ طالباً منه المساعدة في أخذ البيعة، ومشاركة الرأي والمشاورة، علماً بأنّ الأخير كان والياً علي المدينة وعُزِل عنها، وعلي الرغم من سوء العلاقة بينهما، فقد حضر مروان بن الحكم، وقرأ الوليد الكتاب عليه واستشاره في الأمر، فكان جوابه أن يبعث إلي هؤلاء النفر، فيدعوهم إلي البيعة والدخول في الطاعة، فإن استجابوا فخيراً، وإن
ص: 91
أبوا تضرب أعناقهم، قبل أن يعلموا بموت الخليفة، فإن علموا ولم يبايعوا أظهروا الخلاف، وثار كلّ واحدٍ منهم في ناحية(1).ويبدو أنّ مروان بن الحكم أراد استعمال القوة، فقال الوليد: «أأقتل الحسين وابن الزبير فأجاب مروان، هو ما قلت»(2).
ونلاحظ أنّ مروان أكّد علي أنّ الحسين وعبد الله بن الزبير لهما خطورة علي البيعة، وربما شكّ في عدم مبايعتهم ليزيد(3)، ولم يحمل همّاً لعبد الله بن عمر قائلاً: «لا أراه يري القتال، ولا يحسب أن يولّي علي الناس، إلا أن يدفع إلي هذا الأمر عفواً»(4)، وألحّ مروان بن الحكم علي الوليد أن يرسل إلي الإمام الحسين(عليه السلام)، وعبد الله بن الزبير في جوف الليل؛ أي عند وصول الرسول(5)، فأرسل إليهما عبد الله بن عمرو بن عثمان يدعوهما للحضور، فوجدهما في المسجد يتحدثان، فأتاهما في ساعة لم يكن الوليد يجلس فيها للناس(6)،وبلّغ الرسول حضورهما إلي مجلس الوليد، فأمراه بالإنصراف وأنّهما سوف يأتيان بعده، وتداولا الأمر بينهما، حيث إنّ الوليد لم يجلس في هذه الساعة إلا إذا كان أمراً هامّاً، فردّ الإمام الحسين(عليه السلام) قائلاً أظنّ: «أنّ
ص: 92
طاغيتهم قد مات، ويريد أن يأخذ البيعة ليزيد قبل أن يتسرّب خبر وفاته بين الناس، وطابقه في الرأي ابن الزبير، وجري الحديث حول موقفها فقال الإمام الحسين(عليه السلام) : سوف أذهب وأجمع فتياني الساعة، فجمع مواليه وأهل بيته وشيعته، وذهب إلي الوليد وأمرهم أن يبقوا في الباب علي أهبة الاستعداد وأعلمهم إذا سمعتم صوتي قد علا فادخلوا وإن لم تسمعوا شيء ظلوا في أماكنكم»(1)، ولمّا دخل الحسين(عليه السلام) وكان مروان بجانبه فقرأ الوليد نعي معاوية فترحم الحسين(عليه السلام) عليه، ثم قرأ كتاب مبايعة يزيد فأجاب الحسين(عليه السلام) قائلاً: «إنّ مثلي لا يعطي البيعة سرّاً، ولا أراك تجترئ بها مني سرّاً دون أن أظهرها علي رؤوس الناس علانية... »(2).
ويتبين من هذا أنّ الحسين(عليه السلام) أعلن معتذراً عن البيعة وحده من دون جماعته؛ إذ يجب أن يتداول الأمر معهم ثميأخذ قراره، ويُضيف بأنه ليس مثله أن يبايع في جوف الليل أي في هذا المجلس، ولكنّ البيعة تكون أمام الملأ، إذا قالوا له أخرج إلي الناس فبايع، قال: لا يوجد فرق، وكان الوليد علي حدّ تعبير المؤرّخين رجل يحب العافية، أي أنه مُسالم لا يحبّ المشاكل، فسمح للحسين(عليه السلام) أن ينصرف، ويأتي غداً علي رؤوس الناس ليعلن البيعة(3).
ولكن مروان لم يوافقه الرأي قائلاً: «والله لئن فارقك الساعة ولم يبايع لا قدرت
ص: 93
منه علي مثلها أبداً، حتي تكثر القتلي بينكم وبينه، إحبس الرجل ولا يخرج من عندك حتي يبايع، أو تضرب عنقه»(1).
وعندما نطق مروان بقتل الحسين(عليه السلام) وثب الحسين قائلاً: «يا ابن الزرقاء أأنت تقتلني أم هو؟ كذبت والله وأثمت»(2)، ثم أقبل علي الوليد فقال: «أيها الأمير، إنّا أهل بيت النبوة، ومعدن الرسالة، ومختلف الملائكة، بنا فتح الله، وبنا ختم، ويزيد فاسقٌ، فاجر، وشارب الخمر، قاتل النفس المحرمة، معلنٌ بالفسق والفجور، ومثلي لا يبايعمثله»(3).
وهذا خير دليل علي أنّ الحسين(عليه السلام) أبي البيعة بكلّ شجاعة، وخرج بجماعته إلي داره، ولم يطابق الوليد رأي مروان، وكان موقفه حرجاً؛ وذلك لمكانة الحسين(عليه السلام) الدينية، ولكونه ابن بنت الرسول(صلي الله عليه و آله و سلم) فقال مروان للوليد: «عصيتني لا والله لا يمكنّك من نفسه بمثلها أبداً»(4).
وكان ردّ الوليد علي مروان عنيفاً، حيث خاطبه قائلاً: «ويح غيرك يا مروان إنّك اخترت لي التي فيها هلاك ديني، والله ما أحبّ أنّ لي ما طلعت عليه الشمس وغَرُبت عنه من مال الدنيا وملكها وأني قتلت حسينا، سبحان الله! أقتل حسينا أن قال:
ص: 94
لا أبايع؟ والله لا أظنّ أمرأ يُحاسب بدم حسين لخفيف الميزان يوم القيامة»(1).
وذكر ابن اعثم أنه قال: «ويحك! أشرت عليّ بقتل الحسين، وفي قتله ذهاب ديني ودنياي»(2). فردّ عليه مروان بقوله: «قد أصبتبقول له هذا وهو غير حامد له علي رأيه»(3).
وتعد مواجهة الإمام الحسين(عليه السلام) للوليد ورفضه طلب البيعة ليزيد بداية إعلان الثورة علي الحكم الأموي، فقد مات معاوية وانقضي العهد الذي كان مُبرماً بين الإمام الحسين(عليه السلام) ومعاوية بن أبي سفيان(4).
وعندما أرسل الوليد في طلب ابن الزبير قال: «الآن آتيكم لكنه مكث في داره واجتمع بجماعته، وتناظروا في الأمر وألحّوا في إرسال رسلهم والرجال في أثر الرجال، وجوابه أمهلوني سآتيكم، بحيث وصل لحدّ بأنّ الرسل شتموه وهددوه بالحضور إلي المجلس، ثم أرسل أخاه جعفر إلي الوليد؛ ليكفّ عنه الرُسِل وأخبره بأنه سوف يأتيكم الساعة وأنصرف الرسل عنه»(5).
«ثم خرج ابن الزبير تحت ظلام الليل، فأخذ طريق الفرع هو وأخوه جعفر، ليس معهما ثالث»(6)، ويحدّد البلاذري مسير ابن الزبير إلي مكة يوم السبت، لثلاث ليال
ص: 95
بقين من رجب، سنة 60ﻫ/680ﻫ(1).وقد خرج متخفياً عن أعين الوليد، حيث سلك طريقاً آخر ليس الطريق المعتاد عليه ليكون في مأمنٍ، ولئلا يدركه الطلب، فتخلّص ابن الزبير من بيعة يزيد بنزوله مكة(2)، وعندما انفلق الصباح في المدينة أرسل الوليد رجاله ليأتوا بابن الزبير، فلم يعثروا عليه، وبذلك تحقّق كلام مروان «إن خرجا من عندك لم ترهما»(3).
أما فيما يخصّ الإمام الحسين(عليه السلام) فقد كان موقفه كما ذكرنا رَفض البيعة، ورجع إلي أهله، وفكّر في الرحيل إلي مكة متداولا الأمر مع أهل بيته، ثم تمثّل الحسين(عليه السلام) بقول الشاعر:
لا ذعرت السوام في وضح الصُبح *** مغيراً ولا دعيتُ يزيدا
يوم أعطي مخافة الموت ضيماً *** والمنايا يرصدنني أن أحيدا
ولما سَمِع أحدهم ما قاله الحسين(عليه السلام) قال إن الحسين(عليه السلام) يريد شيئاً(4)، ويذكر ابن اعثم أنّ الحسين(عليه السلام) خرج في الليلة الثانية وأتي قبر الرسول(صلي الله عليه و آله و سلم) فقال: «السلام عليك يا رسول الله، أنا الحسين بن فاطمة، أنا فَرخك وابن فرختك، وسبطك في الخلق الذيخلقت علي أمتك، فاشهد عليهم يا نبي الله أنّهم قد خذلوني وضيعوني وأنهم لم يحفظوني، وهذه شكواي إليك حتي ألقاك، صلي الله عليك وسلم، ثم وثب قائماً وصفّ قدميه ولم يزل راكعاً ساجداً»(5).
ص: 96
عندما عزم الإمام الحسين(عليه السلام) الخروج من المدينة جاء إليه أخوه محمد بن الحنفية وقال له: «يا أخي فدتك نفسي، أنت أحب الناس إليّ، وأعزّهم عليَّ ولستُ والله أدّخر النصيحة لأحدٍ مِنَ الخلق وليس أحدٌ أحقّ بها منك، فإنّك كنفسي وروحي، وكبير أهل بيتي، ومن عليه اعتمادي وطاعته في عنقي؛ لأنّ الله تبارك وتعالي قد شرفك وجعلك من سادات أهل الجنة وإنّي أريد أن أشير عليك أن تنجو بنفسك عن يزيد بن معاوية وعن الأمصار ما استطعت... وإنّي خائف عليك أن تدخل مِصراً من الأمصار أو تأتي جماعةٍ من الناس فيقتتلون، فتكون طائفة منهم معك وطائفة عليك فتقتل منهم»(1)، فشكره الإمام الحسين علي مقالته وحُسِن نصيحته ثم دعا بدواة وبياض وكتب فيه: بسم الله الرحمن الرحيم، هذا ما أوصي به الحسين بن علي لأخيه محمد ابن الحنفية: «أنا الحسين بن علي، أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأنّ محمداً عبده ورسوله، جاء بالحقّ من عنده، وأنّ الجنة حقّ والنار حقّ، وأنّ الساعة آتية لا ريب فيها، وأنّ الله يبعث من في القبور، وأنّي لم أخرجأشراً ولا بطراً ولا مفسداً ولا ظالماً، وإنما خرجت لطلب النجاح والإصلاح في أمّة جدّي محمد(صلي الله عليه و آله و سلم)، أريد أن آمر بالمعروف وأنهي عن المنكر، وأسير بسيرة جدّي محمد(صلي الله عليه و آله و سلم) وسيرة علي بن أبي طالب(عليه السلام)، وسيرة الخلفاء الراشدين المهديين)، فمن قبلني بقبول الحقّ فالله أولي بالحقّ، ومن ردَّ عليّ هذا أصبر حتي يقضي الله بيني وبين القوم بالحق ويحكم بيني وبينهم، وهو خير الحاكمين، هذه وصيتي إليك يا أخي، وما توفيقي إلا بالله عليه توكّلت وإليه أنيب، والسلام عليك وعلي من أتبع الهدي، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم»(2).
أما بالنسبة إلي عبد الله بن عمر فقد بقي في المدينة وعندما دعوه للبيعة قال: «ما
ص: 97
أحبّ أن يقتتلوا ولا يتفانوا، ولكن إذا بايع الناس ولم يبق غيري بايعت، ثم تركوه وكانوا لا يخافونه»(1).
ثم خرج الإمام الحسين(عليه السلام) مع بنيه وإخوته وبني أخيه، وجُلّ أهل بيته إلي مكة(2)، وكان خروجه من المدينة لثلاثِ ليالٍ مَضينٍ من شعبان سنة 60ﻫ/ 680م(3)، ولزم الطريق الأعظم، وتلا قوله تعالي: «فَخَرَجَ مِنْهَا خَائِفًا يَتَرَقَّبُ قَالَ رَبِّ نَجِّنِي مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ»(4) (5). وأشار عليه بعضأهل بيته بالعدول عن الطريق كما فعل ابن الزبير؛ خوفاً من الطلب، فقال الحسين(عليه السلام) : «لا والله لا أفارق هذا الطريق أبداً، أو أنظر إلي أبيات مكة ويقضي الله في ذلك ما يحب ويرضي»(6).
وعلي أثر تساهل الوليد بن عتبة مع الحسين(عليه السلام) وابن الزبير وعدم تنفيذ أوامر يزيد بالسرعة المطلوبة(7) استضعفه الخليفة وعزله عن إمارة المدينة، وعيّن عليها عمرو بن سعيد الأشدق(8) علي مكة والمدينة(9).
ص: 98
وبينما كان الحسين(عليه السلام) بين المدينة ومكة استقبله عبد الله بن مطيع العدوي(1) فسأله عن وجهته فقال الحسين(عليه السلام) أما الآن فأريد مكة، فإذا صرت بها استخرت الله في أمري(2)، فقال ابن مطيع يا ابن بنت رسول الله فإني أشير عليك، فقال الحسين(عليه السلام) : قل يا ابن مطيع، فقال: «إذا أتيت مكة فأحذر أن يغرّك أهل الكوفة، فيها قتل أبوك، وطعن أخوك بطعنة كادت أن تأتي علي نفسه، فالزم الحرم، فأنت سيد العرب في دهرك هذا، فوالله لئن هلكت يهلكن أهل بيتك بهلاكك والسلام»(3)، فودّعه الحسين(عليه السلام) ودخل مكة، وهو يتلو قوله تعالي: «وَلَمَّا تَوَجَّهَ تِلْقَاءَ مَدْيَنَ قَالَ عَسَي رَبِّي أَنْ يَهْدِيَنِي سَوَاءَ السَّبِيلِ»(4)(5).
لقد ذكر عامة المؤرخين أنّ أهل الكوفة لمّا بلغهم هلاك معاوية تمرّدوا علي النظام وأرجفوا طاعته، وخالفوا واليه النعمان بن بشير الأنصاري(6)، وقد قوي عزمهم بعد أنوصلتهم الأخبار بامتناع الإمام الحسين(عليه السلام) عن بيعة يزيد وتركه المدينة وإقامته
ص: 99
بمكة، وتماشياً مع هذا الاتجاه المعارض اجتمعت الشيعة في منزل سليمان بن صرد الخزاعي(1)، فذكروا هلاك معاوية، فحمدوا الله وأثنوا عليه، وقال سليمان بن صرد: إنّ معاوية قد هلك، وإنّ حسيناً قد امتنع علي القوم ببيعته، وقد خرج إلي مكة، وأنتم شيعته وشيعة أبيه، فإن كنتم تعلمون أنّكم ناصروه ومجاهدو عدوه، وقاتلو أنفسكم دونه فاكتبوا إليه، وإن خفتم الوهن والفشل فلا تغرّوا الرجل من نفسه، فقال القوم: بل نأويه وننصره، ونقاتل عدوه، ونقتل أنفسنا دونه، حتي ينال حاجته(2).
فكتبوا بذلك كتاباً جاء فيه: «بسم الله الرحمن الرحيم، للحسين بن علي(عليهما السلام) من سليمان بن صرد، والمسيب بن نجية، ورفاعة بن شداد، وحبيب بن مظاهر، وشيعته المؤمنين والمسلمين من أهل الكوفة، أمابعد، فالحمد لله الذي قصم عدوّك الجبار العنيد الذي انتزي علي هذه الأمة فأبتزها أمرها، وغصبها فيئها، وتآمر عليها بغير رضا منها، ثم قتل خيارها، واستبقي شرارها، وجعل مال الله دولة بين جبابرتها وأغنيائها، فبُعداً له كما بَعُدَت ثمود، إنه ليس علينا إمام، فأقبل لعلّ الله أن يجمعنا بك علي الحقّ، والنعمان بن بشير في قصر الإمارة، لسنا نجتمع معه في جمعة، ولا نخرج معه إلي عيد، ولو قد بلغنا أنك أقبلت إلينا أخرجناه حتي نلحقه بالشام إن شاء الله»(3)، ثم سرّحوا
ص: 100
بالكتاب مع عبد الله بن سبع الهمداني، وعبد الله بن وائل وأمروهما بالنجاء، فخرجا مُسرعين حتي قدما إلي الحسين(عليه السلام) بمكة لعشرٍ مضين من شهر رمضان سنة 60ﻫ/ 680م، فسلّماه الكتاب(1).
ولم يقتصر أهل الكوفة علي هذا الكتاب الجماعي، بل لبثوا بعده يومين فقط، وأنفذوا قيس بن مسهر الصيداوي، وعبد الله وعبد الرحمن ابني شداد الأرحبي، وعمارة بن عبد الله السلوي إلي الإمام الحسين، ومعهم نحو مائة وخمسين صحيفة من الرجل والاثنين والأربعة(2).ولم يطل الانتظار بالكوفيين ليتسلّموا جواب الحسين(عليه السلام)، ولم يصبروا قليلاً ليعرفوا رأيه علي الأقل، ولم يسألوا الركبان عن مدي استجابته لهم، بل لبثوا يومين آخرين فقط، وسرّحوا إلي الحسين(عليه السلام) هاني بن هاني السبيعي، وسعيد بن عبد الله الحنفي، بكتابٍ بليغ جديد جاء فيه: «بسم الله الرحمن الرحيم، للحسين بن علي(عليهما السلام) من شيعته وشيعة أبيه من المؤمنين والمسلمين، أما بعد: فحيّ هلا، فإن الناس ينتظرونك ولا رأي لهم غيرك، فالعجل العجل، ثم العجل العجل، والسلام»(3).
وأكثر من هذا كله، فقد كتب مع الرسولين جملة من زعماء القبائل؛ مثل شبث ابن ربعي التميمي(4)، ومجموعة من القادة العسكريين أمثال: حجار بن أبجر،
ص: 101
ويزيد بن الحارث، ويزيد بن رويم الشيباني، وعمر بن قيس الأرحبي، وعمرو بن الحجاج الزبيدي، ومحمد بن عمير بن عطارد بن حاجب بن زرارة، بكتاب يحمل ما عليه المناخ السياسي والاستعداد التعبوي، وهو: «أما بعد، فقد أخضرّ الجناب، وأينعتالثمار، فإذا شئت فأقبل علي جندٍ لك مجندة والسلام»(1).
وكان عموم أهل الكوفة قد كتبوا للحسين(عليه السلام) بالحرف الواحد: «أنّ لك هنا مائة ألف سيف، فلا تتأخر»(2).
تلاقت الرسل عند الإمام الحسين(عليه السلام)، واجتمعت هذه الكتب لديه، وسائل الرسل عن الناس، واستخبر أحوال الأمة فما عليه إلا أن يجيب الناس بعد طول تأملٍ وتفكير؛ فكتب كتاباً إلي أهل الكوفة مع هاني السبيعي، وسعيد بن عبد الله الحنفي، وكانا آخر الرسل وكان الكتاب الآتي: «بسم الله الرحمن الرحيم من الحسين بن علي إلي الملأ من المؤمنين والمسلمين أما بعد، فإنّ هانئا وسعيداً...قدما عليّ بكتبكم، وكانا آخر من قَدِم عليّ من رسلكم، وقد فهمت كلّ الذي اقتصصتم وذكرتم، ومقالة جلّكم أنه ليس علينا إمام، فأقبل لعلَّ الله أن يجمعنا بك علي الهدي والحق، وأني باعث إليكم أخي وابن عمي وثقتي من أهل بيتي (مسلم بن عقيل بن أبي طالب) فإن كتب إليّ أنه قد اجتمع رأي ملأكم، وذوي الحجي والفضل منكم علي مثل ما قَدِمتْ به رسلكم، وقرأت من كتبكم، فإنّي أقدم إليكم وشيكاً إن شاء الله فلعمري ما الإمام إلا الحاكمبالكتاب،
ص: 102
القائم بالقسط، الدائن بدين الحق، الحابس نفسه علي ذات الله، والسلام»(1).
وقد كان محتوي هذا الكتاب استجابة للكوفيين، ولكنها لم تكن نهائية، بل كانت متحفظة بحذر(2).
ثم بعث الإمام الحسين(عليه السلام) بسفيره مسلم بن عقيلw إلي الكوفة مع جملة من الرسل والأدلاء، ووجّهه رسالياً، «وأمره بالتقوي وكتمان أمره، واللطف، فإن رأي الناس مجتمعين مستوسقين عجّل إليه بذلك»(3).
وكان انبعاث مسلم بن عقيل بهذه المهمة الخطيرة يعني أنه كان أثيراً بثقة الإمام الحسين(عليه السلام)، ومعتمداً في تبليغ رسالته، ورائداً مبكراً من روّاد ثورته، وهذا يعني أنّ الإمام الحسين(عليه السلام) ظل متريّثاً، ولبث مترصّداً حتي تنتهي إليه الأنباء الأكيدة من سفيره وموفوده، وفعلاً دخل مسلم بن عقيل الكوفة، ونزل دار المختار(4) الثقفي(5) «وهواختيار دقيق، لأنّ المختار يمثل زعامة شعبية في الكوفة»(6)، وأقبل عليه الناس، واختلفوا إليه سامعين فرحين، وكلما اجتمعت منهم جماعة قرأ عليهم كتاب
ص: 103
الحسين(عليه السلام) وهم يبكون، وبايعه من الناس ثمانية عشر ألفاً(1)، وهو عدد ضخم يشكلّ قوة عسكرية يعتدّ بها، وكتب مسلم إلي الحسين(عليه السلام) : «أما بعد، فإنّ الرائد لا يكذب أهله، وإنّ جميع أهل الكوفة معك، وقد بايعني منهم ثمانية عشر ألفاً، فعجّل الإقبال حين تقرأ كتابي هذا، والسلام»(2).
وكان الحسين(عليه السلام) بعد هذا الكتاب قد لمس استقرار رأي الكوفيين عليه، فأراد أن يستوثق رأي البصريين كذلك فكتب إلي رؤساء الأخماس بالبصرة، وإلي أشرافها مع مولي له يقال له سليمان(3) يكني أبا رزين(4) نسخة واحدة إلي كلٍّ من: مالك بن مسمع البكري، والأحنف بن قيس، ويزيد بن مسعود النهشلي، والمنذر بن الجارود العبدي،ومسعود بن عمر الأزدي، وهذا نص الكتاب: «بسم الله الرحمن الرحيم، أما بعد، فإنّ الله اصطفي محمداً علي خلقه، وأكرمه بنبوته، واختاره لرسالته، ثم قبضه الله إليه، وقد نصح لعباده، وبلّغ ما أرسل به، وكنّا أهله وأولياءه وأوصياءه وورثته، وأحقّ الناس بمقامه في الناس، فاستأثر علينا قومنا بذلك فأغضينا كراهيةً للفرقة ومحبة للعافية، ونحن نعلم أنّا أحقّ بذلك الحقّ المستحقّ علينا ممن تولّاه، وبعثت رسولي إليكم بهذا الكتاب، وأنا أدعوكم إلي كتاب الله وسُنةِ نبيه، فإنّ السُنة قد أميتت وإنّ البدعة قد أحييت، فإن تجيبوا دعوتي، وتطيعوا أمري أهدكم سبيل الرشاد»(5).
ويبدو أنّ رؤساء الأخماس في البصرة قد تلكّأوا عن الاستجابة، وتردّدوا في الأمر بل لقد رأي بعضهم أنّ هذا الكتاب مكيدة من الأمويين؛ حيث قام المنذر الجارود العبدي بتسليم رسول الحسين(عليه السلام) إلي ابن زياد، فصلبه عشية الليلة التي
ص: 104
خرج في صبيحتها إلي الكوفة، ليسبق الحسين(عليه السلام) إليها(1)، وكانت ابنة المنذر زوجة لعبيد الله بن زياد «فزعم أن يكون الرسول دسيساً من ابن زياد»(2)، وأما الأحنف بن قيس فإنّه كتب إلي الحسين(عليه السلام) : «أما بعد، فاصبر إنّ وعد اللهحقّ ولا يستخفّنّك الذين لا يوقنون»(3).
وأما يزيد بن مسعود فإنّه جمع بني تميم وبني حنظلة وبني سعد فلما حضروا قال: «يا بني تميم كيف ترون موضعي فيكم وحسبي منكم؟ قالوا: بخ بخ، أنت والله فقرة الظهر، ورأس الفخر، حللتَ في الشرف وسطاً، وتقدمت فيه فرطاً قال: فإني قد جمعتكم لأمر أريد أن أشاوركم فيه واستعين بكم عليه، فقالوا: إنا والله نمنحك النصيحة، ونجد لك الرأي، فقل حتي نسمع»(4).
فخطب فيهم حيث قال: «إنّ معاوية مات فأهون به والله هالكاً ومفقوداً، ألا وإنّه قد انكسر باب الجور والإثم، وتضعضعت أركان الظلم، وكان قد أحدث بيعة عقد بها أمراً ظنّ أنه قد أحكمه، وهيهات الذي أراد اجتهد والله ففشل، وشاور فخذل وقد قام يزيد شارب الخمور ورأس الفجور يدّعي الخلافة علي المسلمين، ويتأمّر عليهم بغير رضي منهم مع قصر حلم وقلة علم، لا يعرف من الحق موطئ قدميه، فأقسم بالله قسماً مبروراً لجهاده علي الدين أفضل من جهاد المشركين، وهذا الحسين بن علي وابن رسول الله(صلي الله عليه و آله و سلم) ذو الشرف الأصيل والرأي الاثيل له فضل لا يوصف، وعلم لا ينزف، وهو أولي بهذا الأمر لسابقته وسنّه وقدمه وقرابته... »(5).
ص: 105
فقالت بنو حنظلة: «يا أبا خالد نحن نبل كنانتك، وفرسان عشيرتك، إن رميت بنا أصبت، وإن غزوت بنا فتحت، لا تخوض والله غمرة إلا خضناها، ولا تلقي والله شدة إلا لقيناها، ننصرك والله بأسيافنا،ونقيك بأبداننا إذا شئت فأفعل»(1).
وتكلّمت بنو عامر بن تميم فقالوا: «يا أبا خالد نحن بنو أبيك وحلفاؤك، لا نرضي إن غضبت، ولا نبقي إن ظعنت، والأمر إليك فادعنا إذا شئت»(2).
وقالت بنو سعد بن زيد: «يا أبا خالد إنّ أبغض الأشياء إلينا خلافك والخروج عن رأيك، وقد كان صخر بن قيس أمرنا بترك القتال يوم الجمل، فحمدنا ما أمر، وبقي عزنا فينا، فأمهلنا نراجع المشورة ونأتيك برأينا»(3).
ثم كتب ابن مسعود إلي الحسين(عليه السلام) : «بسم الله الرحمن الرحيم، أمّا بعد، فقد وصل إليّ كتابك، وفهمت ما ندبتني إليه، ودعوتني له من الأخذ بحظّي من طاعتك، والفوز بنصيبي من نصرتك، وإنّ الله لم يخل الأرض قط من عامل عليها بخير ودليل علي سبيل نجاة... »(4).
ولما تجهّز ابن مسعود إلي المسير بلغه قتل الحسين(عليه السلام)، «فاشتدّ جزعه وكَثُر أسفه لفوات الأمنية من السعادة بالشهادة»(5)، وكانت ماوية بنت سعد بن عبد القيس امرأة تتشيع لآل علي بن أبي طالب(عليه السلام)، ودارها مألف للشيعة يتحدثون فيهبفضل أهل البيت، فقال يزيد بن نبيط، وهو من عبد القيس لأولاده وهم عشرة: «أيّكم يخرج
ص: 106
معي؟ فأنتدب منهم اثنان هم عبد الله وعبيد الله»(1)، وقد خاطبه أصحابه في بيت تلك المرأة متخوفين من ابن زياد فقال لهم: «والله لو استوت أخفافها بالجدّ لهان عليّ طلب من طلبني»(2)، وقد وافوا الحسين(عليه السلام) بمكة وضمّوا أرحالهم إلي رحله حتي وردوا العراق واستشهدوا معه(3).
وعندما سمع عبيد الله بن زياد خبر أهل البصرة وكان أميرهم خطب فيهم قائلاً: «يا أهل البصرة، إنّ أمير المؤمنين يزيد بن معاوية قد ولّاني الكوفة وأنا سائرٌ إليها غداً إن شاء الله تعالي، وقد استخلفت عليكم أخي عثمان بن زياد، فإياكم والخلاف والإرجاف فوالذي لا إله إلا هو لو بلغني عن رجل منكم خلاف لأقتلنّه ولأقتلنّ عريفه، ولآخذن الأدني بالأقصي حتي يستقيموا لي، فاحذروا أن يكون فيكم مخالف أو مشاقّ، أنا ابن زياد، أشبهته من بين من وطئ الحصي، ولم ينتزعني شبه خال ولا ابن عم»(4).
وعندما أصبح خرج من البصرة يريد الكوفة ومعه مسلم بن عمرو الباهلي، وهو أبو قتيبة والمنذر بنالجارود العبدي، وشُريك بن الأعور الحارثي، وحشمه وأهل بيته، فلم يزل يسير حتي أصبح قريباً من الكوفة، فلبس زيّاً مشابهاً لزيّ الحسين(عليه السلام) وركب مع أصحابه ودخل الكوفة من طريق البادية(5).
وفي تلك الأثناء كان أهل الكوفة ينتظرون قدوم الحسين(عليه السلام)، وكانوا يُسلّمون
ص: 107
علي ابن زياد ويقولون مرحباً بك يا ابن بنت رسول الله، فقد قدمت خير مقدم، وقد ساء ذلك عبيد الله بن زياد ولم يكلمهم، وصاح بهم مسلم بن عمرو الباهلي وقال: «إليكم يا ترابية، فليس هذا ما تظنون، هذا الأمير عبيد الله بن زياد فتفرّق الناس عنه، ودخل عبيد الله بن زياد قصر الإمارة وقد امتلأ غيظاً»(1).
ص: 108
المبحث الأوَّل: خروج الإمام الحسين(عليه السلام) إلي العراق واستشهاده
المبحث الثاني: ردود الفعل بعد استشهاد الإمام الحسين(عليه السلام) وموقعة الحرة
المبحث الثالث: حركة التوابين
ص: 109
ص: 110
فوجئ أهل الكوفة بأنّ عبيد الله بن زياد قد سيطر علي قصر الامارة، ونادي بالصلاة جامعة، وقد قام خطيباً بالجموع المحتشدة، وراح يمنّي المطيع ويهدّد ويتوعّد المعارضين والرافضين لحكومة يزيد بن معاوية حتي قال: «... سوطي وسيفي علي من ترك أمري، وخالف عهدي»(1).
ثم فرض علي الحاضرين مسؤولية التجسّس علي المعارضين، وهدّد من لم يساهم في هذه العملية بالعقوبة وقطع العطاء، وقال: «...فمن يجيء لنا بهم فهو بريء، ومن لم يكتب لنا عن أحد فليضمن لنا في عرافته أن لا يخالفنا منهم مخالف، ولا يبغي علينا منهم باغٍ، فمن لم يفعل برئت منه الذمة وحلالٌ دمه وماله، وأيَّما عريف وجد في عرافته من بغية أميرالمؤمنين أحدٌ لم يرفعه إلينا صُلِبَ علي باب داره وألغيت تلك العرافة من العطاء»(2).
ص: 111
لقد كان ابن زياد معروفاً في أوساط الكوفيين بالقسوة والشدة، فكان من الطبيعي أن يحدث قدومه وخطابه الشديد اللهجة هزةً عند المعارضين، فلاحت بوادر التخاذل والإرجاف تظهر علي الكوفيين وقياداتهم، من هنا اعتمد مسلم بن عقيل وسيلة جديدة للسير في حركته نحو الهدف المطلوب، فانتقل من دار المختار الثقفي إلي دار هانئ(1) بن عروة المرادي، وجعل يتستّر في دعوته وتحركاته إلا عن خلّص أصحابه، وقد كان هانئ يومذاك سيد بني مراد وصاحب الكلمة المسموعة في الكوفة والرأي المطاع(2).
كان مسلم بن عقيل يملك درايةً تامه بكل تقاليد وأعراف المجتمع الذي كان يتحرّك فيه، ففي موقف كان يمكن فيه لمسلم أن يغتال ابن زياد رفض ذلك لاعتباراتشتيّ، فقد روي أنّ شُريك بن الأعور حين نزل في دار هانئ بن عروة مرض مرضاً شديداً وحين علم عبيد الله بن زياد بذلك قدم لعيادته، وهنا اقترح شريك علي مسلم اغتيال ابن زياد(3).
وقال: «إنما غايتك وغاية شيعتك هلاك هذا الطاغية، وقد أمكنك الله منه وهو صائر إليّ ليعودني، فإن جاء فاخرج إليه فأقتله، ثم صر إلي قصر الإمارة فأجلس فيه، فإنّه لا ينازعنّك فيه أحدٌ من الناس»(4).
ولمس مسلم كراهية هانئ بن عروة أن يقتل عبيد الله بن زياد في داره، ولم يأخذ باقتراح شريك، وحين خرج عبيد الله قال شريك بحسرةٍ وألم لمسلم: ما منعك من
ص: 112
قتله؟ قال مسلم منعني منه خُلتان: إحداهما كراهية هانئ لقتله في منزله، والأخري قول سمعته من الناس عن رسول الله(صلي الله عليه و آله و سلم) : «إنّ الإيمان قيد الفتك، لا يفتك مؤمن»(1).
ثم اتخذ ابن زياد كل وسيلة مهما كانت دنيئة للقضاء علي الوجود السياسي والتحرّك الذي برز، منذراً بالخطر بوجود مسلم بن عقيل، فدبّر خطّةً للتجسس علي تحركات مسلم ومكانه والموالين له، واستطاع أن يكشفمقرّه(2)، فكانت بداية تخاذل الناس عن الصمود في مواجهة الظلم.
لقد استطاع عبيد الله بن زياد أن يحكم الحيلة والخداع ليقبض علي هانئ بن عروة الذي آوي رسول الحسين(عليه السلام) وأحسن ضيافته وأشترك معه في الرأي والتدبير، فقبض عليه وقتله بعد حوارٍ طويل جري بينهما(3)، وذهب كلّ شخصٍ إلي بيته، وكأنّ الأمر لا يعنيه(4).
ولما عَلِم مسلم بن عقيل بما جري لهانئ بن عروة ورأي تخاذل عشيرته عنه، خرج في أصحابه ونادي بشعاره (يا منصور أمت)(5)، ونادي مناديه في الناس وسار بهم لمحاصرة القصر، واشتدّ الحصار علي ابن زياد وضاق به أمره ولكنه استطاع بدهائه ومكره أن يتغلب علي المحنة، ويخذّل الناس عن مسلم بن عقيل(6).
وقد استمرّ الموقف كذلك والناس تتفرّق عن مسلم وأقفلوا أبوابهم في وجهه ثم
ص: 113
أوي مسلم إلي دار امرأة منأهل الكوفة(1)، وعندما علم ابن زياد بمكان مسلم بن عقيل أرسل قوة من جنده بقيادة محمد بن الأشعث(2) إلي المكان الذي فيه مسلم، وما إن سمع بالضجّة حتي أدرك أنّ القوم يطلبونه، فخرج إليهم مقاتلاً، وعندما تكاثروا عليه أخذوه أسيراً بعد إعطائه الأمان، وأدخل علي بن زياد ولم يسلم عليه، وجري بينهما حوارٌ طويل كان بن عقيل رابط الجأش، منطلقاً في بيانه قوي الحجة، ثم أمر بن زياد بقتل مسلم بن عقيل ورمي جسده من القصر، وذلك في اليوم التاسع من ذي الحجة سنة 60ﻫ/ 680م، وهو يوم عرفة(3)، ثم صلب مسلم بن عقيل إلي جنب هانئ بن عروة، هذا وأهل الكوفةوقوف لا يحرّكون ساكناً(4).
وكان مسلم قد طلب من ابن الأشعث أن يكتب إلي الحسين(عليه السلام) بخبره وما
ص: 114
جري في الكوفة، وينصحه بعدم الشخوص إليهم(1).
لقد أزمع الإمام الحسين(عليه السلام) علي الخروج من مكة والتوجه نحو العراق فجمع أهل بيته وأبناء عمومته، وكلهم من آل أبي طالب فحسب، وضمّ إليه من اصطحبه من الأنصار، ومن تبعه من أهل الحجاز والكوفيين والبصريين ومن جاء موفداً أو رسولاً فعاد مصاحباً وملازماً(2)، وكان خروج الإمام الحسين(عليه السلام) من مكة في يوم خروج مسلم بن عقيل بالكوفة - وهو يوم التروية - وهو يوم الثامن من ذي الحجة سنة60ﻫ/ 680م(3).
ثم قام الإمام الحسين(عليه السلام) خطيباً معلناً ثورته كاشفاً عن مصيره المحتوم حيث قال: «بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله، وما شاء الله، ولا قوة إلا بالله، وصلي الله علي رسوله... خطّ الموت علي ولد آدم مخطّ القلادة علي جيد الفتاة، وما أولهني إلي أسلافي اشتياق يعقوب إلي ولده يوسف، وخير لي مصرع أنا لاقيه، كأنّي بأوصالي تقطّعها عسلان الفلوات بين النواويس وكربلاء، فيملأن مني أكراشاً جوفاً، وأجربة سغباً، لا محيص عن يوم خُطَ بالقلم، رضا الله رضانا أهل البيت، نصبر علي بلائه، ويوفّينا أجور الصابرين، تقرّ بهم عينه، وينجز بهم وعده، ألا ومن كان باذلاً فينا مهجته، وموطّناً علي
ص: 115
لقاء الله نفسه، فليرحل معنا، فإنّي راحل مصبحاً، إن شاء الله تعالي»(1).
كانت هذه الخطبة جزلة الألفاظ، مُشرقة العبارة، ناصعة الهدف، اجتمع فيها الغرض الفني إلي جانب الغرض النضالي في سياقٍ أسلوبي متجدّد، ولغة بلاغية سليمة، وعرضٌ بياني جديد(2).
وقد طلب إليه عبد الله بن الزبير أن يثور في مكة، ولايتوجه نحو العراق، ووعده بجمع الناس إليه، فأجابه الحسين(عليه السلام) : «وأيم الله لو كنت في حجر هامّة من هذه الهوام، لاستخرجوني حتي يقضوا بي حاجتهم، والله ليعتدنّ عليَّ كما اعتدت اليهود في السبت»(3).
وكرّر عليه ابن الزبير ثانية؛ فأشار عليه بالعراق ثم خشي أن يتهمه، فقال: «لو أقمت لما خالفنا عليك»(4)، فلما خرج ابن الزبير، قال الحسين(عليه السلام) : «إنّ هذا ليس شيء أحبّ إليه من أن أخرج من الحجاز»(5)، وجاء عبد الله بن عباس فنهاه عن الخروج فقال: استخير الله وأنظر ما يكون، فعاود عليه القول، وقال له: إن أبيت إلا الخروج فأخرج إلي اليمن، فقال الحسين(عليه السلام) : «يا ابن عمّ؛ إنّي والله لأعلم أنّك ناصحٌ مشفق، وقد أزمعت وأجمعت علي المسير»(6)، وكثر علي الحسين(عليه السلام) من يُشير عليه بعدم الخروج، فرد قائلاً: «والله لا يدعوني حتي يستخرجوا هذه العلقة من جوفي، فإذا
ص: 116
فعلوا سلّط الله عليهم من يذلّهم»(1).
وتحرّك الحاكم الأموي تحت وطأة هذه الأنباء المقلقةله في تصميم الحسين(عليه السلام) علي مجابهة الحكم، حيث اعترضته رُسل عمرو بن سعيد بن العاص وعليهم أخوه يحيي بن سعيد ومنّوا الحسين(عليه السلام) بالصلة والأمان «وتدافع الفريقان، وتضاربوا بالسياط وامتنع الحسين(عليه السلام) وأصحابه عليهم امتناعاً قوياً»(2).
ومضي ركب الإمام الحسين(عليه السلام) لا يلوي علي شيء، وفي طريقهم بمنطقة التنعيم(3) صادف إبلاً قد اتجهت نحو الشام، وهي تحمل الهدايا إلي يزيد بن معاوية قادمة من اليمن فاستأجر من أهلها جمالاً لرحله وأصحابه(4).
وواصل الإمام الحسين(عليه السلام) مسيره حتي وصل الصفاح(5) فالتقي بالشاعر الفرزدق فقال له: بأبي أنت وأمي يا بن رسول الله ما أعجلك عن الحج؟ فقال له: لو لم أعجل لأُخذت، ثم قال للفرزدق: أخبرني عن الناس خلفك، فقال: «قلوب الناس، معك وسيوفهم عليك، والقضاء ينزل من السماء، واللهيفعل ما يشاء»(6).
فقال الإمام الحسين(عليه السلام) : «صدقت، لله الأمر من قبل ومن بعد، والله يفعل ما يشاء، وكلّ يوم ربنا في شأن، إن نزل القضاء بما نحبّ نحمد الله علي نعمائه، وهو
ص: 117
المستعان علي أداء الشكر، وإن حال القضاء دون الرجاء، فلم يعتدّ من كان الحقّ نيته والتقوي سريرته»(1)، ثم سار الإمام الحسين(عليه السلام) في رحلته فلقيه رجلٌ من بني أسد، اسمه بُشر بن غالب وارداً من العراق، فسأله الحسين(عليه السلام) عن أهله فقال الأسدي: «خلّفت القلوب معك والسيوف مع بني أمية والله يفعل ما يشاء»(2).
ومضت الأحداث سراعاً والحسين(عليه السلام) في طريقه إلي العراق، ولما وصل إلي الحاجر من بطن(3) الرمة كتب كتاباً إلي زعماء الكوفة وأنفذه مع قيس بن مسهر الصيداوي، وكان ذلك قبل وصول الأخبار إلي الإمام الحسين(عليه السلام) باستشهاد مسلم ابن عقيل(4)، وهذا نصّ الكتاب: «بسم الله الرحمن الرحيم، من الحسين بن علي إلي إخوانه من المؤمنين والمسلمين، سلام عليكم، فإنّي أحمدُ إليكم الله الذي لا إله إلا هو، أما بعد، فإنَّ كتاب مسلم بن عقيل جاءني يخبرني بحسن رأيكم واجتماع ملئكم علي نصرنا، والطلب بحقّنا، فسألت الله أن يحسن لنا الصنيع، وأن يصيبكم علي ذلك أعظم الأجر، وقد شخصت إليكم يوم الثلاثاء لثمان مضين من ذي الحجة يوم التروية، فإذا قَدِم عليكم رسولي فانكمشوا في أمركم وجدُّوا، فأني قادم عليكم في أيامي هذه إن شاء الله تعالي، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته»(5).
ص: 118
وعندما سري نبأ مسير الإمام الحسين(عليه السلام) بين الناس اضطرب الموقف الأموي بالكوفة، وتحدّثت الركبان بأنباء الثائر العظيم، فتناهي الخبر إلي عبيد الله بن زياد، فأعدّ رجاله ووضع خطة لقطع الطريق أمام الحسين(عليه السلام) والحيلولة من دون وصوله إلي الكوفة، فبعث بالحصين بن نمير السكوني وكان علي شرطة الكوفة، فاختار الحصين موقعاً يسيطر من خلاله علي طريق مرور الإمامالحسين(عليه السلام)، فنزل بالقادسية(1) واتخذها مقراً لقيادته(2).
وعندما وصل قيس بن مسهر الصيداوي إلي القادسية اعتقله الحصين وبعث به إلي عبيد الله بن زياد(3)، فقال له عبيد الله اصعد المنبر فَسِبّ الكذّاب يعني بذلك الحسين(عليه السلام)، فصعد قيس فحمد الله وأثني عليه ثم قال: «أيها الناس إنّ هذا الحسين ابن علي خير خلق الله، ابن فاطمة بنت رسول الله(صلي الله عليه و آله و سلم)، وأنا رسوله إليكم، وقد فارقته في الحاجر فأجيبوه، ثم لعن عبيد الله بن زياد وأباه، واستغفر لعلي بن أبي طالب وصلي عليه، فأمر عبيد الله أن يُرمي من فوق القصر، فرموا به، فتقطّع»(4).
ويقال إنّه لم يمتْ وبقي به رمق، فقام إليه رجل يدعي عبد الملك بن عُمير اللخمي فذبحه، فقيل له في ذلك وعيب عليه، فقال: أردت أن أريحه(5)، وعندما
ص: 119
وصل الإمام الحسين(عليه السلام) إلي الثعلبية(1) أتته الأخبار باستشهاد مسلم بن عقيل، وهانئ بن عروة، ورسوله قيس بن مُسهر الصيداوي(2)، وكان الإمام الحسين(عليه السلام) قد أرسل رسولاً آخر قبل أن يأتيه خبر استشهاد رسوله الأول، وذلك هو عبد الله بن يقطر وقد وقع هذا الرسول بيد الحصين أيضاً ونقل إلي عبيد الله بن زياد، وكان مصيره كمصير من سبقه(3).
ووصل خبر أسر الرسول واستشهاده إلي الإمام الحسين(عليه السلام) في موضع يدعي زبالة(4)، وهكذا راحت تتوارد علي الإمام الحسين(عليه السلام) أنباء الإنتكاسة ولاحت له بوادر النكوص الخطير، وشعر بالخذلان ونقض العهد، فوقف في أصحابه وأهل بيته وأخبرهم بمقتل رسوله، وأنّ من أحبّ منهم أن ينصرف فلينصرف في غير حرج ليس عليهذمام(5)، فتفرّق الناس عنه يميناً وشمالاً، حتي بقي في أصحابه الذين جاءوا معه من مكة، ونفرٌ يسير ممن انضمّوا إليه وإنما فعل ذلك لأنّه(عليه السلام) عَلِمَ أنّ الناس الذين اتّبعوه إنما اتّبعوه وهم يظنون أنه يأتي بلداً قد استقامت له طاعة أهله، فكره أن يسيروا معه إلا وهم يعلمون علي ماذا يَقدِمون(6).
ص: 120
وأشار عليه عمر بن لوذان من بني عكرمة بالرجوع إلي المدينة، لما علم من غدر أهل الكوفة، فقال الحسين(عليه السلام) : «ليس يخفي عليَّ الرأي وإنَّ الله لا يخلي علي أمره»(1).
ثم سار الإمام الحسين(عليه السلام) حتي نزل شراف(2) وعند السحر أمر فتيانه أن يستقوا من الماء ويكثروا، وفي نصف النهار سمع رجلاً من أصحابه يكبّر، فقال الحسين(عليه السلام) : لم كبرت، قال: رأيت النخل، فأنكر من معه أن يكون بهذا الموضع نخل، وإنما هي الخيل وأسنّة الرماح وقد كانوا ألف فارسبقيادة الحر(3) ابن يزيد الرياحي أرسلهم ابن زياد؛ لقطع الطريق علي الإمام الحسين(عليه السلام) (4)، ولما اقتربوا من ركب الحسين(عليه السلام) سألهم عن المهمة التي جاؤوا من أجلها، فقال لهم الحر: «لقد أُمرنا أن نلازمكم ونصحبكم حتي ننزلكم علي غير ماء ولا حصن، أو تدخلوا في حكم يزيد وعبيد الله بن زياد»(5)، وقد وقف الحر الرياحي وأصحابه مقابلاً الحسين(عليه السلام) في حر الظهيرة(6)، ولما رأي الحسين(عليه السلام) ما بالقوم من العطش أمر أصحابه أن يسقوهم ويرشفوا الخيل، فسقوهم وخيولهم عن آخرهم(7) «وكان هذا لُطفاً وحناناً من أبي
ص: 121
الضيم علي هذا الجمع في تلك البيداء المقفرة التي تعزّ فيها الجرعة الواحدة»(1).
وقد جري حوارٌ طويل بين الإمام الحسين(عليه السلام) والحر بن يزيد الرياحي حيث أبي الحرّ أن يُمكّن الحسين(عليه السلام) من الرجوع إلي الحجاز، أو سلوك الطريق المؤدية إلي الكوفة، وأبي الحسين(عليه السلام) أن يستسلم ليزيد وابن زياد(2)، فقام الإمام الحسين(عليه السلام) خطيباً، فحمد الله وأثني عليه، ثم قال: «إنّها معذرة إلي الله عز وجل وإليكم، وإنّي لم آتكم حتي أتتني
ص: 122
كتبكم، وقدمت بها عليَّ رسلكم أن أقدم علينا، فإنّه ليس لنا إمام ولعلّ الله أن يجمعنا بك علي الهدي، فإن كنتم علي ذلك فقد جئتكم، فأعطوني ما أطمئنّ به من عهودكم ومواثيقكم، وإن كنتم لمقدمي كارهين انصرفت عنكم إلي المكان الذي جئت منه إليكم»(1)، فسكتوا جميعاً، وأذّن الحجّاج بن مسروق الجعفي لصلاة الظهر، فقال الحسين(عليه السلام) للحرّ: أتصلي بأصحابك قال: لا، بل نصلي جميعاً بصلاتك، فصلّي بهم الحسين(عليه السلام) (2)، وبعد الصلاة خاطبهم بقوله: «أمّابعد، فإنّكم إن تتقوا الله وتعرفوا الحق لأهله تكونوا أرضي لله عنكم، ونحن أهل بيت محمد، وأولي بولاية هذا الأمر عليكم من هؤلاء المدّعين ما ليس لهم، والسائرين فيكم بالجور والعدوان، وإن أبيتم إلا الكراهية لنا والجهل بحقّنا، وكان رأيكم الآن غير ما أتتني به كتبكم، وقدمت به عليَّ رسلكم انصرفت عنكم»(3)، فقال الحرّ: ما أدري ما هذه الكتب التي تذكرها، فأمر الحسين(عليه السلام) عقبة بن سمعان، فأخرج خرجين مملوئين كتباً، فقال الحر: إنّي لست من هؤلاء الذين كتبوا إليك وإنّي أُمرتُ أن لا أفارقك حتي أقدمك الكوفة علي ابن زياد، فقال الإمام الحسين: ثكلتك أمّك فردّ عليه الحرّ: «أما لو غيرك من العرب يقولها لي وعلي مثل حالك ما تركت ذكر أمّه بالثكل كائناً من كان، والله مالي إلي ذكر أمّك من سبيل إلا بأحسن ما نقدر عليه»(4).
ثم خاطب الإمام الحسين(عليه السلام) قائلاً: «إنّي أذكّرك الله في نفسك، فإنّي أشهد لئن قاتلت لتُقتلنّ»(5)، فقال الحسين(عليه السلام) : «أفبالموتتخوّفني؟ وهل يعدو بكم الخطب أن تقتلوني؟ وسأقول ما قال أخو الأوس لابن عمّه وهو يريد نصرة رسول الله(صلي الله عليه و آله و سلم)
سأمضي وما بالموت عارٌ علي الفتي *** إذا ما نوي حقّاً وجاهد مسلما
وواسي الرجال الصالحين بنفسه *** وفارق مثبوراً وخالف مجرما
فإن عشت لم أندم وإن مُتُ لم ألم *** كفي بك ذلاً أن تعيش وترغما»(6).
فلما سمع الحرّ كلامه تنحّي عنه، فكان الحسين(عليه السلام) يسير بأصحابه في ناحية، والحر ومن معه في ناحية(7)، ثم إنّ الإمام الحسين(عليه السلام) خطب في أصحاب الحرّ، فقال بعد الحمد لله والثناء عليه: «أيها الناس إنّ رسول الله قال: من رأي سُلطاناً جائراً
ص: 123
مستحلاً لحرام الله، ناكثاً عهده مخالفاً لسنة رسول الله، يعمل في عباد الله بالإثم والعدوان، فلم يغيّر عليه بفعل ولا قول كان حقاً علي الله أن يدخله مدخله، ألا وإنّ هؤلاء قد لزموا طاعة الشيطان، وتركوا طاعة الرحمن، وأظهروا الفساد، وعطّلوا الحدود، واستأثروا بالفيء، وأحلّوا حرام الله، وحرّموا حلاله، وأنا أحقّ من غيّر، وقد أتتني كتبكم وقدمت عليَّ رسلكم ببيعتكم أنّكم لا تسلموني ولا تخذلوني، فإن أتممتم عليَّ بيعتكم تصيبوا رشدكم، فأنا الحسين بن علي بن فاطمة بنت رسول الله نفسي مع أنفسكم، وأهلي مع أهليكم، ولكم فيَّ أسوة، وإن لمتفعلوا ونقضتم عهدكم وخلعتم بيعتي من أعناقكم فلعمري ما هي لكم بنكر؛ لقد فعلتموها بأبي وأخي وابن عمي مسلم، فالمغرور من أغترّ بكم، فحظّكم أخطأتم، ونصيبكم ضيّعتم، ومن نكث فإنما ينكث علي نفسه، وسيغني الله عنكم، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته»(1).صحابه أص
وعندما وصل الإمام الحسين(عليه السلام) إلي عذيب(2) الهجانات وافاه أربعة نفر خارجين من الكوفة هم: عمرو بن خالد الصيداوي، وسعد مولاه، ومجمع بن عبد الله المذحجي، ونافع بن هلال، ودليلهم الطرماح الطائي وقد أنضمّ هؤلاء إلي ركب الإمام الحسين(عليه السلام) (3)، وسار الإمام الحسين(عليه السلام) من عذيب الهجانات حتي نزل قصر
ص: 124
بني مقاتل(1) فرأي فسطاطاً مضروباً، ولما سأل عنه قيل لعبيد الله بن الحرالجعفي، فدعاه الإمام لنصرته فرفض ذلك قائلاً: إني إنما خرجت من الكوفة خوفاً أن أكره علي قتالك، فتركه الإمام الحسين(عليه السلام) وأرتحل عنه(2)، وندم ابن الحر علي ما فاته من نصرة الإمام الحسين(عليه السلام) فأنشأ يقول:
أيا لك حسرة ما دمت حيّاً *** تردّد بين صدري والتراقي
غداة يقول لي بالقصر قولاً *** أتتركنا وتعزم بالفراقِ
حُسين حينَ يطلب بذلَ نصري *** علي أهل العداوة والشقاقِ
فلو فلقَ التلهف قلبَ حُرٌ *** لَهَمَ اليوم قلبي بانفلاقِ
ولو واسيته يوماً بنفسي *** لنلت كرامته يوم التلاقِ
مع ابن محمد تفديه نفسي *** فودّع ثم أسرع بانطلاقِ
لقد فاز الألي نصروا حسيناً *** وخاب الآخرون ذوو النفاقِ(3).
ثم سار الحسين(عليه السلام) حتي وصل الطف(4)، وكانت هناكمجموعة قري عامرة، ثم
ص: 125
جاء كتابٌ إلي الحرّ أن ضع الحسين في موضعٍ ليس فيه ماء(1)، فساروا جميعاً حتي وصلوا كربلاء(2).
نزل الإمام الحسين(عليه السلام) أرض كربلاء في الثاني من المحرم سنة 61ﻫ/680م(3)، فجمع أهل بيته ونظر إليهم وقال: «اللهمّ إنّا عترة نبيك محمد(صلي الله عليه و آله و سلم)، وقد أُخرجنا وطُردنا وأُزعجنا عن جدّنا، وتعدّت بنو أمية علينا، اللهمّ فخذ لنا بحقّنا وانصرنا علي القومالظالمين»(4)، ثم أقبل علي أصحابه فقال: «...الناس عبيد الدنيا، والدين لعق علي ألسنتهم، يحوطونه ما درّت معايشهم فإذا محّصوا بالبلاء قلّ الديّانون»(5).
ص: 126
ثم حمد الله وأثني عليه، وصلي علي محمد وآله، وقال: «أما بعد، فقد نزل بنا من الأمر ما قد ترون، وإنّ الدنيا قد تغيّرت وتنكّرت، وأدبر معروفها، ولم يبقَ منها إلا صبابة كصبابة الإناء، وخسيس عيش كالمرعي الوبيل، ألا ترون أنّ الحقّ لا يُعمل به، وأنّ الباطل لا يتناهي عنه، ليرغب المؤمن في لقاء الله فإنّي لا أري الموت إلا سعادة والحياة مع الظالمين إلا برماً»(1)، فقال له أصحابه: «لقد سمعنا يا ابن رسول الله مقالتك، ولو كانت الدنيا لنا باقية وكنّا فيها مخلّدين لآثرنا النهوض معك علي الإقامة فيها»(2).وقال أحد أصحابه: «يا ابن رسول الله لقد مَنَّ الله بك علينا أن نقاتل بين يديك تقطع فيك أعضاؤنا، ثم يكون جدّك شفيعنا يوم القيامة»(3).
ثم أمر عبيد الله بن زياد عمر بن سعد بن أبي وقاص بالخروج إلي كربلاء في أربعة آلاف رجل(4)، وكان ابن زياد قد كتب له عهداً بولاية الري(5)، فاستعفاه ابن سعد، ولما استردّ منه العهد استمهله ليلته، وجمع عمر بن سعد نصحاءه، فنهوه عن
ص: 127
المسير لحرب الحسين، وقال له ابن أخته حمزة بن المغيرة بن شُعبة الثقفي: «أنشدك الله أن لا تسير لحرب الحسين؛ فتقطع رحمك، وتأثم بربك فوالله لأن تخرج من دنياك ومالك وسلطان الأرض كله، لو كان لك، خيراً لك من أن تلقي الله بدم الحسين»(1)، ولم ينثنِ عمر بن سعد عن قتال الحسين(عليه السلام)،وكان يردّد هذه الأبيات:
أأترك ملك الريَ والريُ رغبتي *** أم أرجع مذموماً بقتل حسينِ
وفي قتله النار التي ليس دونها *** حجاب وملك الري قرة عيني(2)
ثم جاء عمر بن سعد إلي عبيد الله بن زياد، وقال: إنّي سائرٌ لحرب الحُسين(3)، فأقبل في أربعة آلاف، وانضمّ إليه الحرّ فيمن معه وكانوا ألف فارس، فأصبح تحت قيادته خمسة آلاف فارس(4)، ونزل ابن سعد علي الفرات في اليوم الثالث من المحرم، ثم أرسل عمرو بن الحجاج في خمسمائة فارس ونزلوا الشريعة في اليوم السابع من المحرم، أي قبل استشهاد الحسين(عليه السلام) بثلاثة أيام(5).
وذكر المسعودي: «لما أصبح الحسين(عليه السلام) يوم عاشوراء وصلّي بأصحابه صلاة الصبح قام خطيباً فيهم، فحمد الله وأثني عليه، ثم قال: إنّ الله تعالي أذن في قتلكم وقتلي في هذا اليوم؛ فعليكم بالصبر والقتال»(6).ثم صفّهم للقتال، وكانوا اثنين وثمانين فارساً وراجلاً، وأعطي رايته أخاه
ص: 128
العباس(1)، أما عمر بن سعد فقد جعل علي الميمنة عمرو بن الحجاج الزبيدي وعلي الميسرة شمر بن ذي الجوشن العامري، وعلي الخيل عزرة بن قيس الأحمسي وعلي الرجّالة شبث بن ربعي، والراية مع مولاه ذويد(2).
لما نظر الإمام الحسين(عليه السلام) إلي جمعهم كأنه السيل رفع يديه بالدعاء وقال: «اللهمّ أنت ثقتي في كل كرب، ورجائي في كل شدة، وأنت لي في كلّ أمر نزل بي ثقةً وعدة، كم من همّ يضعف فيه الفؤاد، وتقلّ فيه الحيلة، ويخذل فيه الصديق، ويشمت فيه العدو، أنزلته بك وشكوته إليك، رغبة مني إليك عمن سواك فكشفته وفرّجته، فأنت وليّ كلّ نعمة، ومنتهي كلّ رغبة»(3).
ثم وقف خطيباً ونادي بصوت سمعه أغلب العسكرحيث قال: «أيّها الناس أسمعوا قولي، ولا تعجلوا حتي أعظكم بما هو حقٌ لكم عليَّ، وحتي اعتذر إليكم من مقدمي عليكم، فإن قبلتم عذري وصدّقتم قولي وأعطيتموني النصف من أنفسكم كنتم بذلك أسعد، ولم يكن لكم عليّ سبيل، وإن لم تقبلوا مني العذر، ولم تعطوا النصف من أنفسكم، فأجمعوا أمركم وشركاءكم ثم لا يكن أمركم عليكم غمّة ثم أقضوا إليّ ولا تنظرون إنّ وليّ الله الذي نزَّل الكتاب وهو يتولّي الصالحين»(4).
ص: 129
وذكر الطبري أنه لم يُسمَعْ متكلّم قبله ولا بعده أبلغ منه في منطقه(1)، ثم قال: «أيّها الناس أنبؤني من أنا؟ ثم ارجعوا إلي أنفسكم وعاتبوها، وانظروا هل يحلّ لكم قتلي وانتهاك حرمتي؟ ألست ابن بنت نبيكم وابن وصيه وابن عمه وأول المؤمنين بالله والمصدّق لرسوله بما جاء من عند ربه؟ أو ليس حمزة سيد الشهداء عمّ أبي؟ أو ليس جعفر الطيار عمي؟ أو لم يبلغكم قول رسول الله لي ولأخي: هذان سيدا شباب أهل الجنة؟ فإن صدّقتموني بما أقول وهو الحقّ، والله ما تعمدّتُ الكذب منذ علمت أنّ الله يمقت عليه أهله، ويضرّ به من اختلقه، وإن كذّبتموني فإنّ فيكم من إن سألتموه ذلك أخبركم...»(2)، ثم قال(عليه السلام) : «فإن كنتم في شكّ من هذا القول أفتشكّونأني ابن بنت نبيكم، فوالله ما بين المشرق والمغرب ابن بنت نبي غيري لا فيكم ولا في غيركم، ويحكم أتطلبوني بقتيل منكم قتلته! أو مال لكم استهلكته أو بقصاص جراحه، فأخذوا لا يكلمونه»(3).
ثم إنّ الحسين(عليه السلام) - في خطبة أخري - استشهدهم علي نفسه المقدسة وما عليه من سيف النبي(صلي الله عليه و آله و سلم) وعمامته، فأجابوه بالتصديق، فسألهم عما أقدمهم علي قتله، قالوا: طاعة للأمير عبيد الله بن زياد(4)، فقال(عليه السلام) : «تبّاً لكم أيّتها الجماعة وترحاً، أحين استصرختمونا والهين فأصرخناكم موجفين سللتم علينا سيفاً لنا في أيمانكم، وحششتم علينا ناراً اقتدحناها علي عدونا وعدوكم، فأصبحتم إلباً لأعدائكم علي أوليائكم بغير عدل أفشوه فيكم، ولا أمل أصبح لكم فيهم، فهلّا لكم الويلات، تركتمونا والسيف مشيم، والجأش طامن، والرأي لمّا يستحصف، ولكن أسرعتم
ص: 130
كطيرة الدّبا، وتداعيتم عليها كتهافت الفراش ثم نقضتموها، فسحقاً لكم يا عبيد الأمة، وشذّاذ الأحزاب، ونبذة الكتاب، ومحرّفي الكَلَم، وعصبة الإثم، ونفثه الشيطان، ومطفئ السُنن! ويحكم أهؤلاء تعضدون وعنّا تتخاذلون؟ أجل والله غدرٌ فيكم قديم وشجت عليه أصولكم وتأزرت فروعكم فكنتم أخبث ثمرة، شجي للناظر وأكلة للغاصب»(1).ثم قال(عليه السلام) : «ألا وإنّ الدعيّ ابن الدعيّ قد ركز بين اثنتين بين السلّة والذلّة، وهيهات منّا الذّلّة، يأبي الله لنا ذلك، ورسوله والمؤمنون وحجور طابت وطهرت، وأنوف حمية، ونفوس أبية، من أن تؤثر طاعة اللئام علي مصارع الكرام، ألا وإنّي زاحفٌ بهذه الأسرة، علي قلة العدد، وخذلان الناصر»(2).
ثم أنشد قائلاً:
فإن نُهزم فهزّامون قدماً *** وإن نهزم فغير مهزّمينا
وما إن طبّنا جبن ولكن *** منايانا ودولة آخرينا
فقل للشامتين بنا أفيقوا *** سيلقي الشامتون كما لقينا
إذا ما الموت رُفع عن أُناسٍ *** بكلكلهِ أناخَ بآخرينا(3).
ثم قال(عليه السلام) : «أما والله لا تلبثون بعدها إلا ريثما يركب الفرس، حتي تدور بكم دوران الرحي، وتقلق بكم قلق المحور، عهد عهده إليّ أبي عن جدّي رسول الله، فأجمعوا أمركم وشركاءكم ثم لا يكن أمركم عليكم غمّة ثم أقضوا إليّ ولا تنظرون إنّي
ص: 131
توكّلت علي الله ربي وربكم ما من دابة إلا هو آخذ بناصيتها إنّ ربي علي صراطٍ مستقيم»(1).
ولما سمع الحر بن يزيد الرياحي كلام الإمام الحسين(عليه السلام) وعَلِمَ أنّ القوم مقاتلوه لا محالة انعطف إلي جانبالحسين(عليه السلام)، وأصبح مع أصحابه(2)، ثم دارت معركة الكرامة بين فئتين غير متكافئتين عسكرياً، عدداً وعدّة، والتي أبدي فيها أصحاب الإمام الحسين(عليه السلام) وأهل بيته شجاعةً وصبراً عند اللقاء وقد كانت شعلة في طريق الأجيال التي تنازع الظالمين من أجل الحرية.
وكان استشهاد الإمام الحسين وأهل بيته وأصحابه يوم العاشر من المحرّم سنة 61ﻫ/ العاشر من تشرين الأول سنة 680م(3).
ولما التفت الإمام(عليه السلام) في اليوم العاشر يمينا وشمالا فلم يجد أحدا من أهل بيته وأنصاره أخذ يناديهم بأسمائهم ثمّ أنشأ يقول:
قومٌ إذا نودوا لدفع ملمّةٍ *** والخيل بين مدعّس ومكردسِ
لبسوا القلوب علي الدروع وأقبلوا *** يتهافتون علي ذهاب الأنفس
نصروا الحُسين فيا لها من فتيةٍ *** عافوا الحياة وألبسوا من سندسِ(4).
ص: 132
إنّ من القضايا التي أثبتها التاريخ واعترف بها اعترافاً جازماً غير مكترث بأية قوة تعارضه، هي قضية يزيد بن معاوية وقتله الإمام الحسين(عليه السلام)، وسروره بسفك ذلك الدم النبوي الزكي، حتي صارت من بديهيات التاريخ، وصار اسم يزيد كعلم لقاتل الحسين(عليه السلام)، وكعلم للظلموالقسوة، واسم الحسين(عليه السلام) كعلم للعدالة والإباء والنهضة(1)، وفي ذلك قال الشاعر المصري أحمد شوقي هاجياً الزعيم التركي مصطفي كمال آتاتورك:
هذا الذي كان الحسين عدالةً في المسلمين قد استحال يزيدا (2)
وذكر ابن عبد ربه أنّ يزيد بن معاوية كتب كتاباً إلي عبيد الله بن زياد، وهو واليه علي العراق، جاء فيه «أنّه قد بلغني أنّ حسيناً سار إلي الكوفة، وقد ابتلي الله به زمانك من بين الأزمان، وبلدك من بين البلدان، وابتليت به من بين العمال وعندها تعتق أو
ص: 133
تعود عبداً»(1).
وقد اعترف ابن زياد بمغزي كلام يزيد وتهديده إياه بالقتل فقال: «أما قتلي الحسين فإنّه أشار إلي يزيد بقتله أو قتلي، فاخترت قتله»(2)، وذكر السيوطي قائلاً: «خرج الحسين من مكة إلي العراق، فكتب يزيد إلي واليه في العراق عبيد الله بن زياد بمقاتلته، فوجّه إليه جيشاً... عليه عمر بن سعد فقتله، وجيء برأسه في طست حتي وضع بين يدي ابن زياد لعنه الله ولعن قاتله ويزيد أيضاً،ثم إنّ ابن زياد بعث برأس الحسين وأهله إلي يزيد، فسرّ بقتلهم أولاً، ثم ندم لمّا مقته المسلمون علي ذلك وأبغضه الناس، وحقّ لهم أن يبغضوه»(3).
ووضع رأس الحسين(عليه السلام) بين يدي عبيد الله بن زياد فجعل ينكت بالقضيب ثنايا الحسين(عليه السلام)، فقال له زيد بن أرقم(4): «ارفع القضيب عن هاتين الشفتين فوالله الذي لا إله إلا هو لقد رأيت فم رسول الله(صلي الله عليه و آله و سلم) علي هاتين الشفتين يقبلهما ثم بكي، فقال له ابن زياد: أبكي الله عينيك فو الله لولا أنّك شيخ قد خرفت وذهب عقلك لضربت عنقك، فنهض وخرج وقد سمعه الناس يقول: ملك عبدٌ عبداً، فاتخذهم تلداً، أنتم يا معشر العرب العبيد بعد اليوم، قتلتم ابن فاطمة وأمّرتم بن مرجانة، فهو يقتل خياركم، ويستعبد شراركم، فرضيتم بالذلّ، فبعداً لمن رضي بالذل»(5).
ص: 134
وذكر الطبري: «أنّه عندما دخلت زينب(1)بنت علي(عليهما السلام) علي عبيد اللهابن زياد قال لها عبيد الله: الحمد لله الذي فضحكم، وأكذب أحدوثتكم، فقالت: الحمد لله الذي أكرمنا بمحمد(صلي الله عليه و آله و سلم) وطهرنا تطهيرا، لا كما تقول أنت، إنما يفتضح الفاسق، ويكذب الفاجر، قال: فكيف رأيتِ صنع الله بأهل بيتك؟ قالت: كتب عليهم القتل، فبرزوا إلي مضاجعهم، وسيجمع الله بينك وبينهم، فتحاجّون إليه، وتخاصمون عنده... ثم قال لها ابن زياد: قد أشفي الله نفسي من طاغيتك، والعصاة المردة من أهل بيتك، فبكت ثم قالت: لعمري لقد قتلت كهلي وأبرت أهلي، وقطعت فرعي، واجتثثت أصلي فإن يشفك هذا فقد اشتفيت...»(2).
وأمر ابن زياد أن ينادي بالصلاة جامعة، فاجتمعوا في الجامع الأعظم، وارتقي ابن زياد المنبر فقال: «الحمد لله الذي أظهر الحقّ وأهله، ونصر أمير المؤمنين يزيد وحزبه، وقتل الكذّاب بن الكذّاب الحسين بن علي وشيعته»(3).
فلم ينكر عليه أحدٌ من ذلك الجمع إلا عبد الله بن عفيف الغامدي الأزدي وكان أحد أصحاب الإمام علي(عليه السلام)، وقد ذهبت عيناه في الجمل وصفين فقال: «يا ابن مرجانة، الكذّاب ابن الكذّاب أنت وأبوك، والذي ولّاك وأبوه، يا ابن مرجانة أتقتلون أبناء النبيّين، وتتكلّمون بكلام الصدّيقين»(4)، وبعد هذا الكلام أمر عبيدالله
ص: 135
ابن زياد بالقبض علي عبد الله بن عفيف وضُرِبت عنقه(1).
ولما جاءت الرؤوس إلي الشام كان يزيد جالساً فلما نظر إليها أنشأ يقول:
نفلق هاماً من رجالٍ أعزّةٍ علينا *** وهم كانوا أعقّ وأظلما(2)
وذكر الطبري «أنّ ابن زياد أمر بنساء الحسين وصبيانه، وأمر علي بن الحسين فَغُلّ بغلٍّ إلي عنقه، ثمّ سرّح بهم إلي يزيد في الشام، ولمّا وصلوا جلس يزيد ودعا أشراف الشام فأجلسهم حوله، ثم دعا بعلي بن الحسين وصبيان الحسين ونسائه فأدخلوا عليه، والناس ينظرون، وجاء برأس الحسين، فوضعه بين يديه، وأخذ ينكث - بقضيب كان معه - ثنايا الحسين وثغره حتي قام إليه أبو برزة الأسلمي، وقال: أتنكت بقضيبك ثغر الحسين وقد رأيت رسول الله(صلي الله عليه و آله و سلم) يرشفه»(3)؟ وكان يزيد يردّد هذه الأبيات:
ليت أشياخي ببدر شهدوا *** جزع الخزرج من وقع الأسل
لأهلّوا واستهلّوا فرحاً *** ثم قالوا يا يزيد لا تشل
قد قتلنا القرم من ساداتهم *** وعدلنا ميل بدر فاعتدل
لعبت هاشم بالملك فلا *** خبر جاء ولا وحي نزل
لستُ من خندف إن لم انتقم *** من بني أحمد ما كان فعْل(4)
وعندما سمعت زينب بنت علي(عليهما السلام) هذه الأبيات انبرت إلي يزيد قائلةً:
ص: 136
«أظننت يا يزيد حين أخذت علينا أقطار الأرض وآفاق السماء، فأصبحنا نُساق كما تساق الأساري، أنّ بنا هواناً علي الله، وبك عليه كرامة وغني ذلك لعظم خطرك عنده؟ فشمخت بأنفك ونظرت في عطفك جذلان فرحاً، حتي رأيت الدنيا لك مستوسقة والأمور عليك متسقة... فكد كيدك، وأسع سعيك، وناصب جهدك، فو الله لا تمحو ذكرنا، ولا تميت وحينا، ولا تدرك أحدنا، ولا ترحض عنك عارها، وهل رأيك إلا فند وأيامك إلا عدد وجمعك إلا بدد، يوم ينادي المنادي ألا لعنة الله علي الظالمين»(1).
أضف إلي ذلك كلّه أنّه لما وصل رأس الحسين(عليه السلام) إلي يزيد حسنت حال ابن زياد عنده، وزاده ووصله وسرّه ما فعل، «وبالغ في رفعته حتي أدخله علي نسائه»(2)، «وجلس بعد قتلالحسين(عليه السلام) وعن يمينه ابن زياد، فأقبل علي ساقيه وقال:
اسقني شُربة تروي مشاشي *** ثم مل واسقِ مثلها ابن زياد
صاحب السرّ والأمانة عندي *** ولتسديد مغنمي وجهادي»(3).
هذا فعل ابن زياد الذي سرّ يزيد، وأوجب أن يحسن حاله، ويزيد في عطائه وصلته ويبالغ في رفعته، ويدخله علي نسائه(4).
ويؤيّد ذلك كلّه ما كتبه عبد ولتسديد مغنمي وجهادي»(5). الله بن عباس في
ص: 137
جواب كتاب كتبه إليه يزيد بن معاوية يشكره فيه علي ترك البيعة لابن الزبير؛ حيث قال ابن عباس: «... وإن أنس فما أنسي طردك حسيناً من حرم جده رسول الله(صلي الله عليه و آله و سلم)، وكتبت إلي ابن مرجانة بالخيل والرجال والأسنّة والسيوف، وأمرته بمعاجلته وترك مطاولته بالإكمام عليه، حتي قتلته ومن معه من بني عبد المطلب، أهل البيت الذين أذهب الله عنهم الرجس وطهرهم تطهيرا، فنحن أولئك لسنا كآبائك الجفاة الأحلاف... فطلب الحسين(عليه السلام) الموداعة وسألكم الرجعة، فأبيتم عليهم فقتلتموهم، كأنما قتلتم أهل بيت من ترك أو كابل، فلا شيء أعجب عندي من طلب ودّي وقد قتلت بني أبي، وسيفك يقطر من دمي...»(1)، وزاد فيذلك أيضاً «ألا ومن أعجب الإعجاب عندي، وما عسيت أن أري في الدهر من عجب، حملك بنات عبد المطلب وأغلمة صغاراً من ولد أبيه إلي الشام، كالسبي المجلوبة، تري الناس أنّك قد قهرتنا وأنك تمنّ علينا، ولعمري لئن كنت تُمسي وتُصبح آمناً من جراحة يدي أني لأرجو أن أعظم جراحك من لساني وتقضي وإبرامي وأني لا أرجو أن يمهلك الله بعد قتل أهل بيته(صلي الله عليه و آله و سلم) إلا قليلاً، حتي يأخذك أخذاً وبيلاً، ويخرجك من الدنيا مذموماً مخذولاً، فاعتبر لا أبالك ما استطعت، فقد والله زادك الله بما اقترفت إثماً... والسلام علي أهل طاعة الله»(2).
ولقد أقرّ معاوية بن يزيد بن معاوية بأنّ أباه قد نازع الحسين(عليه السلام) وقتله حيث يقول: «إنّ هذه الخلافة حبل الله، وإنّ جدي معاوية نازع الأمر أهله، ومن هو أحقّ به منه علي بن أبي طالب(عليه السلام)، وركب بكم ما تعلمون، حتي أتته منيته فصار في قبره رهيناً بذنوبه، ثم قلّد أبي الأمر، وكان غير أهل له، ونازع ابن بنت رسول الله(صلي الله عليه و آله و سلم) فقصف
ص: 138
عمره، وصار في قبره رهيناً بذنوبه، ثم بكي وقال: إنّ من أعظم الأمور علينا علمنا بسوء منقلبه، وبؤس مصرعه، وقد قتل عترة رسول الله(صلي الله عليه و آله و سلم)، وأباح الخمرة وضرب الكعبة»(1).
وذكر بن حجر «ولما فعل يزيد برأس الحسين ما مرّ كان عنده رسول قيصر، فقال متعجباً: إنّ عندنا في بعض الجزائر في دير حافر حمار عيسي، فنحن نحجّ إليه كلّ عام من الأقطار، وننذر النذور، ونعظّمهكما تعظّمون كعبتكم، فأشهد أنكم علي باطلٍ. وقال ذمي آخر: بيني وبين داود سبعون أباً، وأنّ اليهود تُعظّمني وتحترمني، وأنتم قتلتم ابن نبيكم»(2)، وذكر المسعودي قائلاً: وفي قتيل الطف يقول سليمان بن قتّة:
فإنّ قتيل الطفّ من آل هاشم *** أذلّ رقاباً من قريش فذلّتِ
فأن يتبعوه عائذ البيت يصبحوا *** كعادٍ تعمت عن هداها فضلتِ
ألم تر إن الأرض أضحت مريضةً *** بقتل حسين والبلاد أقشعرت
فلا يبعد الله الديار وأهلها *** وإن أصبحت منهم برغمي تخلتِ»(3).
ويقول الدكتور طه حسين: «وأدخل السبي علي يزيد فأغلظ لهم أول الأمر، ثم لم يلبث أن رفق بهم، وبرّهم وأدخلهم علي أهله، ثم جهزهم بعد ذلك إلي المدينة وردهم إليها كراماً. والرواة يزعمون أنّ يزيد تبرّأ من قتل الحسين علي هذا النحو، وألقي عبء هذا الإثم علي ابن مرجانة عبيد الله بن زياد، ولكنّا لا نراه لام ابن زياد ولا عاقبه، ولا عزله عن عمله كله أو بعضه، ومن قبله قتل معاوية حجر بن عدي وأصحابه، ثم ألقي عبء قتلهم علي زياد، وقال: حملني ابن سمية فاحتملت»(4).
ص: 139
لقد كان لاستشهاد الإمام الحسين(عليه السلام) وأهل بيتهوأصحابه أثراً واضحاً في قلوب المسلمين، فقد بدأت بوادر الثورة تظهر في المجتمع الإسلامي، وبدأ الناس يرقبون زعيماً يقودهم، وهم مستعدون للتمرّد والثورة علي الأمويين في أية لحظة، ولكنهم بحاجة إلي ثائر يقودهم(1).
وقد كان لثورة الإمام الحسين أثر في منهاج وحركة الثورات التي جاءت بعدها »إنّ كلّ تمرّد كان يحظي بعطف المجتمع الإسلامي كله من شارك ومن لم يشارك... ولم يتمكّن الحكام الأمويون من قمع هذه الثورات بجيوش من سكان المناطق الثائرة، فقد كانوا يعرفون أنّ ثمة تجاوباً نفسياً بين الثائرين وبين القاعدين، فاضطروا إلي قمع هذه الثورات بجيوشٍ أجنبية عن مناطق الثائرين»(2).
ومن أولي الحركات التي جاءت كرد فعلٍ لاستشهاد الإمام الحسين(عليه السلام) هي ثورة أهل المدينة أو ما تسمي بموقعة الحرة(3).لم تتميز هذه الثورة بالطابع الانتقامي من قتلة الإمام الحسين(عليه السلام)، بل كانت ثورة
ص: 140
تستهدف القضاء علي سلطان الأمويين(1).
وذكر المسعودي أنه «لما شمل الناس جور يزيد وعماله، وعمّهم ظلمه، وما ظهر من فسقه من قتله ابن بنت رسول الله(صلي الله عليه و آله و سلم) وأنصاره، وما أظهر من شرب الخمور، وسيره سيرة فرعون، بل كان فرعون أعدل منه في رعيته، وأنصف منه لخاصته وعامته، أخرج أهل المدينة عامله عليهم، وهو عثمان بن محمد بن أبي سفيان، ومروان بن الحكم، وسائر بني أمية...»(2).
ويقول الدكتور طه حسين: «...لقد انتهت محنة الحسين إلي الحجاز، فكانت صدمة لأهله وللصالحين منهم خاصة، وجعل الناس يتحدثون بها، فيكثرون الحديث وجعلوا يعظمون أمرها، ما أكثر ما تحدّثت قلوبهم إليهم، وما أكثر ما تحدّث بعضهم إلي بعض حيث كانوا يخلون، بأن، سلطان يزيد قد أمعن في الخلاف عن أمر الله، فلم تصبح طاعته لازمة، بل أصبح الخروج عليه واجباً، حيث يمكن الخروجعليه»(3). وقد كان مروان بن الحكم يري في قتل الحسين(عليه السلام) هياجاً للرأي العام، جاء ذلك في كتابه الذي بعث به إلي عبيد الله بن زياد: «...فإياك أن تهيّج علي نفسك ما لا يسدّه شيء، ولا تنساه العامة، ولا تدع ذكره آخر الدهر والسلام»(4).
وقد قامت زينب بنت علي بن أبي طالب(عليهما السلام) بعد واقعة كربلاء ورجوعها إلي
ص: 141
المدينة بتعبئة النفوس، وتأليب الناس علي حكم يزيد، وقد خاف عمرو بن سعيد الأشدق والي يزيد علي المدينة انتفاض الأمر، فكتب إلي يزيد كتاباً يقول فيه: «إنّ وجودها بين أهل المدينة مهيج للخواطر، وإنها فصيحة عاقلة، لبيبة، وقد عزمت هي ومن معها للأخذ بثأر الحسين، فأتاه كتاب يزيد بأن يفرّق بينها وبين الناس»(1).
وكانت زينب(عليها السلام) تقصّ عليهم ما جري عليها من المصائب في الكوفة والشام، يقول المجلسي: «...كان التحدث بأيّ مشهد من تلك المشاهد المؤلمة يكفي لأن تمتلئ القلوب حقداً وغيضاً علييزيد ومن يدور في فلكه»(2). وقد كان السبب المباشر لاشتعال الثورة هو وفد أهل المدينة إلي يزيد بن معاوية، فقد أوفد عثمان بن محمد بن أبي سفيان والي المدينة وذلك في أواخر سنة 62ﻫ/ 681م(3).
وفداً من أهلها إلي يزيد، فيهم عبد الله بن حنظلة الأنصاري(4) غسيل الملائكة وعبد الله بن أبي عمرو بن حفص بن المغيرة المخزومي، والمنذر بن الزبير بن العوام، ورجالاً من أشراف أهل المدينة(5).
وقد أكرمهم يزيد وأجازهم، فرجعوا إلي المدينة، إلي المنذر بن الزبير الذي ذهب إلي عبيد الله بن زياد في البصرة(6)، ثم رجع إلي المدينة، وقد صرّحوا جميعاً إلي أهل المدينة بقولهم: «إنّا قدمنا من عند رجل ليس له دين، يشرب الخمر، ويعزف بالطنابير،
ص: 142
ويضرب عنده القيان، ويلعب بالكلاب،ويسامر الحرّاب والفتيان، وإنّا نشهدكم أنّا قد خلعناه فتابعهم الناس»(1)، وقال المنذر بن الزبير: «إنّ يزيد والله لقد أجازني بمائة ألف درهم، وإنّه لا يمنعني ما صنع إليّ أن أخبركم خبره، وأصدقكم عنه، والله إنّه ليشرب الخمر، وإنّه ليسكر حتي يدع الصلاة، وعابه بمثل ما عابه أصحابه الذين كانوا معه وأشدّ»(2).
وقال عبد الله بن حنظلة: «جئتكم من عند رجل لو لم أجد إلا بنيّ هؤلاء لجاهدته بهم، وقد أعطاني وأكرمني، وما قبلت عطاءه إلا لأتقوّي به»(3)، وقال أيضاً: «والله ما خرجنا علي يزيد حتي خفنا أن نرمي بالحجارة من السماء»(4).
ثم قام أهل المدينة بخلع يزيد، وبايعوا عبد الله بن حنظلة الغسيل(5) فبلغ ذلك يزيد، فكتب إليهم: «أما بعد، فإنّ الله لا يغيّر ما بقومٍ حتي يغيّروا ما بأنفسهم وإذا أراد الله بقوم سوءاً فلا مردّ له وما لهم من دونه من وال، وإنّي والله قد لبستكم فاخلقتكم، ورفعتكم علي رأسي، ثم علي عيني، ثم علي فمي، ثم علي بطني، وأيم الله لئن وضعتكم تحت قدمي لأطأنّكم وطأةً أقلّ بهاعددكم، وأترككم بها أحاديث، تنتج أخباركم مع أخبار عادٍ وثمود»(6).
وثار أهل المدينة علي الحكم الأموي وطرد الثائرون عامل يزيد علي المدينة عثمان بن محمد بن أبي سفيان، وباقي بني أمية، ومواليهم، ومن كان علي رأيهم من، فنزلوا
ص: 143
دار مروان بن الحكم وقام أهل المدينة بمحاصرتهم في دار مروان(1). ولم ينفع الوعد والوعيد الذي نادي به يزيد أهل المدينة، وسار الثائرون في حركتهم، فكتب بنو أمية كتاباً إلي يزيد جاء فيه: «بسم الله الرحمن الرحيم، أما بعد، فإنّا قد حصرنا في دار مروان بن الحكم، ومنعنا العذب، ورمينا بالجيوب، فياغوثاه، يا غوثاه»(2).
وكان الذي بعث الكتاب مروان بن الحكم وعمر بن عثمان بن عفان، وكان مروان هو الذي يدبّر أمرهم، حيث إنّ عثمان بن محمد بن أبي سفيان كان غلاماً حدثاً لم يكن له رأي(3).
وكان ورود هذا الكتاب علي يزيد منتصف سنة 63ﻫ/ 683م فتمثل قائلاً:
لقد بدّلوا الحلم الذي من سجيّتي *** فبدّلت قومي غلظةً بليانِ(4).
ولم يكن يزيد بالرجل الحليم، إنّما كانت هذه أبياتاً ردّدها قولاً لا فعلاً: «ولم يكن يزيد يحتمل أن يلتوي عليه أحد بطاعته، وإنّما كان يري أنّ طاعته حقّ علي الناس جميعاً، فمن التوي بها عليه فليس له عنده إلا السيف»(5)، ونتيجة ذلك أن بعث يزيد إلي عمرو بن سعيد الأشدق فأقرأه الكتاب، وأمره بالمسير في الناس، فرفض عمرو غزو الحجاز، وردّ علي يزيد قائلاً: «قد كنت ضبطت لك الأمور والبلاد فأمّا الآن إذا
ص: 144
صارت دماء قريش تهراق بالصعيد فلا أحبّ أن أتولّي ذلك»(1).
وقيل: إنّ يزيد قد كتب إلي عبيد الله بن زياد أن يغزو الحجاز، فقال ابن زياد: «لا أجمعها للفاسق أبداً، اقتل ابن بنت رسول الله(صلي الله عليه و آله و سلم) وأغزو البيت»(2). وذكر الطبري: «وكانت مرجانة –أم عبيد الله - امرأة صدق، فقالت لعبيد الله حين قتل الحسين(عليه السلام) : ويلك! ماذاصنعت؟! وماذا ركبت»(3)؟
ثم بعث يزيد إلي مسلم بن عقبة المري، وكان شيخاً كبيراً ومريضاً(4) فأخبره بالخبر، فقال مسلم: «يا أمير المؤمنين، لا تنصر هؤلاء فإنّهم الأذلاء، أما استطاعوا أن يقاتلوا يوماً واحداً أو شطره أو ساعة منه! دعهم يا أمير المؤمنين حتي يجهدوا أنفسهم في جهاد عدوّهم، وعزّ سلطانهم وسيتبين لك من يقاتل منهم علي طاعتك ويصبر عليها أو يستسلم»(5). فأنكر يزيد هذا القول، وردّ عليه قائلاً: «ويحك إنّه لا خير في العيش بعدهم، فاخرج فأنبئني نبأك، وسر بالناس»(6)، فنادي في الناس بالتجهز إلي الحجاز، وأن يأخذوا عطاءهم ومعونة مائة دينار لكلّ رجل، وانتدب لذلك أثني عشر ألف رجل(7).
ص: 145
وودّعه يزيد، وأمره أن حدث بك حادث فاستخلف الحصين بن نمير السكوني وقال له: «أدع القوم ثلاثاً، فإن أجابوا وإلا فقاتلهم، فإذا ظهرت عليهم فأبحها ثلاثاً بما فيها من مالٍ أو سلاح أو طعام، فهو للجند فإن انقضت الثلاث فاعف عن الناس، وانظر علي بنالحسين(عليهما السلام) فأكفف عنه، واستوص به خيراً»(1)، وقد كان علي بن الحسين(عليهما السلام) لما خرج بنو أمية نحو الشام آوي إليه ثقل مروان بن الحكم وامرأته عائشة بنت عثمان بن عفان، وهي أمّ أبان بن مروان(2).
وفي رواية أخري: أنّ أهل المدينة لما ثاروا علي بني أمية كلّم مروان بن الحكم علي بن الحسين(عليهما السلام)، وقال: يا أبا الحسن إنّ لي رحماً، وحرمي تكون مع حرمك فقال: أفعل، فبعث بحرمه إلي علي بن الحسين(عليهما السلام)، فخرج بحرمه وحرم مروان حتي وضعهم في ينبع(3). وكان مروان شاكراً لعلي بن الحسين(عليهما السلام) (4)، فلما بلغ أهل المدينة خبر الجيش اشتدّ حصارهم لبني أمية(5)، وقالوا: «والله لا نكفّ عنكم حتي نضرب أعناقكم، أو تعطونا عهد الله وميثاقه أنّكم لا تبغون غائلة، ولا تدلوا لنا علي عورةٍ، ولا تظاهروا علينا عدونا، فنكفّ عنكم ونخرجكم، فعاهدوهم علي ذلك وأخرجوهم من المدينة»(6). وساروا بأثقالهمحتي لقوا مسلم بن عقبة في وادي القري(7).
وقد سأل مسلم بن عقبة عمرو بن عثمان بن عفان عن مواضع الخلل عند أهل المدينة فأخبره عمرو أنه قد أخذ علينا العهود والمواثيق ألا ندلّ علي عورةٍ ولا
ص: 146
نظاهر عدواً فانتهره مسلم وقال: والله لولا أنّك ابن الخليفة عثمان لضربت عنقك(1). ثم قال مروان لابنه عبد الملك أدخل عليه قبلي لعله يكتفي بك عني(2)، فدخل عبد الملك علي مسلم بن عقبة، وكان أسرعهم إلي نقض العهد، فقال له: «أري أن تسير بمن معك، فإذا انتهيت إلي أدني نخل نزلت، فاستظل الناس في ظله وأكلوا من صقره(3)، فإذا أصبحت من الغد مضيت وتركت المدينة ذات اليسار، ثم أدرت بها حتي تأتيهم من قبل الحرّة مشرّقاً، ثم تستقبل القوم، فإذا استقبلتهم وقد أشرقت عليهم الشمس طلعت من أكتاف أصحابك، فلا تؤذيهم ويصيبهم أذاها ويرون من ائتلاف بيضكم وأسنة رماحكم وسيوفكم ودروعكم ما لا ترونه أنتم عنهم، ثم قاتلهمواستعن عليهم بالله تعالي»(4).
ثم ارتحل مسلم من مكانه، وفعل بما أشار عليه عبد الملك، ودعا أهل المدينة إلي طاعة يزيد، وأجّلهم ثلاثاً(5)، ولما أنقضت الثلاث قال مسلم: «يا أهل المدينة ما تصنعون أ تسالمون أم تحاربون؟ فقالوا: بل نحارب»(6)، وكان أهل المدينة قد اتخذوا خندقاً وعليه جمع منهم، وكان مسلم بن عقبة مريضاً فوضع له كرسي بين الصفّين فكانت وقعة الحرّة في يوم الأربعاء من ذي الحجة، لليلتين بقيتا منه سنة 63ﻫ/
ص: 147
683م(1)، وقد رتّب أهل المدينة قواتهم؛ فكان عبد الله بن مطيع علي قريش من أهل المدينة، وعبد الله بن حنظلة الغسيل علي الأنصار، ومعقل بن سنان(2) الأشجعي علي المهاجرين، وكان الأمير عليهم جميعاً عبد الله بن حنظلة(3)، وحرّض مسلم أهل الشام علي القتال، فقاتلواقتالاً شديداً. وانهزم أهل المدينة، ودعا مسلم الناس إلي البيعة ليزيد(4).
ثم طلب الأمان لرجلين من قريش، هما: يزيد بن عبد الله بن زمعة بن الأسود وجدته لأمّه أمّ سلمة زوجة الرسول(صلي الله عليه و آله و سلم)، ومحمد بن(5) أبي الجهم بن حذيفة العدوي، وقد أتي بهما بعد الوقعة بيوم، فقال لهما مسلم: بايعا فقال القرشيان نبايعك علي كتاب الله وسنة نبيه، فقال: لا والله لا أقبل منكما هذا أبداً، وقدّمهما فضرب أعناقهما(6)، وأحضر معقل بن سنان الأشجعي، فضربت عنقه، وجيء بيزيد بن وهب بن زمعة فقال: أبايعك علي سنة عمر فقتل(7)، ثمّ دعا مسلم بن عقبة لبيعة يزيد بن معاوية؛ حيث يذكر الطبري: «فدعا الناس للبيعة علي أنّهم خول ليزيد بن
ص: 148
معاوية، يحكم في دمائهم وأموالهم وأهليهم ما شاء»(1).
«وأباح مسلم المدينة ثلاثاً؛ يقتلون الناس، ويأخذون المتاع والأموال، فأفزع ذلك من بها من الصحابة»(2)، وذكر المسعودي: «وسمّاها - مسلم - نتنة، وقد سمّاها رسول الله(صلي الله عليه و آله و سلم) طيبة، وقال: (من أخاف أهل المدينة فقد أخاف الله)، أخافه الله، وعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين)؛ لذا سمّي مسلما هذا بمجرم ومسرف»(3)، وقال ابن كثير: «وقد اخطأ يزيد خطأ فاحشاً في قوله لمسلم أن يبيح المدينة ثلاثة أيام، وهذا خطأ كبير فاحش، مع ما انضمّ إلي ذلك من قتل خلقٍ من الصحابة وأبنائهم - وقد تقدم أنّه قتل الحسين وأصحابه علي يد عبيد الله بن زياد - وقد وقع في هذه الثلاثة أيام من المفاسد العظيمة في المدينة النبوية ما لا يحدّ ولا يوصف مما لا يسلمه إلي الله عز وجل... فقصمه الله قاصم الجبابرة، وأخذه أخذ عزيز مقتدر»(4)، وبلغ عدد قتلي الحرّة من قريش والأنصار والمهاجرين ووجوه الناس ألفاً وسبعمائة، وسائر الناس عشرة آلاف(5).
ص: 149
ص: 150
حركة التوابين(1)
إنّ أول ردّ فعلِ مباشر لاستشهاد الإمام الحسين(عليه السلام) هو حركة التوّابين في الكوفة، فحين استشهد الإمام الحسين(عليه السلام) وأهل بيته وأصحابه في كربلاء، ورجع عبيد الله بن زياد من معسكره بالنخيلة(2) تلاقت الشيعة بالتلاوم والندم، وقد رأوا أنّهم أخطأوا خطأً كبيراً، بدعوة الحسين(عليه السلام) إلي النصرة وتركهم إجابته، ومقتله إلي جانبهم ولم ينصروه(3)، وكان رأيهم أنّه لن يغسل عارهم ولن يزيلوا الإثم الذي وقعوا فيه إلا بقتل من قتله، أو القتل فيه(4)،ففزعوا بالكوفة إلي خمسة أشخاص كانوا من زعماء المعارضة، وممن راسل الإمام الحسين(عليه السلام) ؛ وهم سليمان بن صرد الخزاعي، والمسيب بن نجية الفزاري، وعبد الله بن سعد بن نفيل الأزدي، وعبد الله ابن وال البكري، ورفاعة بن شداد البجلي(5).
وقد اجتمع هؤلاء النفر في منزل سليمان بن صرد الخزاعي، وأول من بدأ الكلام فيهم المسيب بن نجية، فتكلم فحمد الله وأثني عليه، وصلي علي نبيه(صلي الله عليه و آله و سلم)، ثم قال:
ص: 151
«أما بعد، فإنا قد ابتلينا بطول العمر، والتعرض لأنواع الفتن فنرغب إلي ربنا ألا يجعلنا ممن يقول له غداً: «أَوَلَمْ نُعَمِّرْكُمْ مَا يَتَذَكَّرُ فِيهِ مَنْ تَذَكَّرَ وَجَاءَكُمُ النَّذِيرُ»(1)، فإنّ أمير المؤمنين علي(عليه السلام) قال: العمر الذي أعذر الله فيه إلي ابن آدم ستون سنة، وليس فينا رجلٌ إلا وقد بلغه، وقد كنا مغرمين بتزكية أنفسنا، وتقريظ شيعتنا، حتي بلي الله أخيارنا فوجدنا كاذبين في موطنين من مواطن ابن ابنة نبينا(صلي الله عليه و آله و سلم)، وقد بلغنا قبل ذلك كتبه، وقدمت علينا رسله، وأعذر إلينا يسألنا نصره عوداً وبدءاً، وعلانيةً وسرّاً، فبخلنا عنه بأنفسنا حتي قتل إلي جانبنا، لا نحن نصرناه بأيدينا، ولا جادلنا عنه بألسنتنا، ولا قوّيناه بأموالنا، ولا طلبنا له النصرة إلي عشائرنا، فما عذرنا إلي ربنا وعند لقاء نبينا(صلي الله عليه و آله و سلم) وقد قتل فينا ولده وحبيبه وذريته ونسله...؟ أيّها القوم، ولّوا عليكم رجلاً منكم؛ فإنّه لابدّ لكم من أمير تفزعون إليه،وراية تحفّون بها أقول قولي هذا واستغفر الله لي ولكم»(2).
ثم قام رفاعة بن شداد فخطب فيهم قائلاً: «...أما بعد، فإنّ الله قد هداك لأصوب القول، ودعوت إلي أرشد الأمور، بدأت بحمد الله والثناء عليه، والصلاة علي نبيه(صلي الله عليه و آله و سلم)، ودعوت إلي جهاد الفاسقين، وإلي التوبة من الذنب العظيم، فمسموع منك، مستجابٌ لك مقبول قولك، قلت أولوا أمركم رجلاً منكم تفزعون إليه، وتحفّون برايته، وذلك رأيٌ قد رأينا مثل الذي رأيت، فإن تكن أنت ذلك الرجل فعندنا مرضياً، وفينا متنصّحاً، وفي جماعتنا محباً، وإن رأيت رأي أصحابنا ذلك ولينا هذا الأمر شيخ الشيعة، صاحب رسول الله(صلي الله عليه و آله و سلم) وذا السابقة والقِدم، سليمان بن صرد المحمود في
ص: 152
بأسه ودينه، والموثوق بحزمه، أقول قولي هذا واستغفر الله لي ولكم»(1)، ثم تكلّم عبد الله بن وال، وعبد الله بن سعد فحمدا الله وأثنيا عليه، وتكلما بكلامٍ مشابه إلي كلام رفاعة بن شداد، فذكرا فضل المسيب بن نجية، وذكرا سليمان بن صرد بسابقته، ورضاهما بتوليته(2).
ثم تكلم سليمان بن صرد الخزاعيّ فقال: «أثني علي الله خيراً، وأحمد آلاءه وبلاءه، وأشهد أن لا إله إلا الله، وأنّ محمداً رسوله، أما بعد، فإنّي والله لخائف ألّا يكون آخرنا إلي هذا الدهر الذي نكدت فيهالمعيشة، وعظمت فيه الرزية، وشمل فيه الجور أولي الفضل من الشيعة لما هو خير، إنّا كنّا نمدّ أعناقنا إلي قدوم آل نبينا، ونمنّيهم النصر، ونحثّهم علي القدوم، فلما قدموا ونينا وعجزنا وادّهنا، وتربّصنا، وانتظرنا ما يكون، حتي قُتل فينا ولد نبينا وسلالته وعصارته وبضعته من لحمه ودمه، إذ جعل يستصرخ فلا يُصرخ، ويسأل النصف فلا يعطاه، اتخذه الفاسقون غرضاً للنبل ودرية للرماح، حتي أقصدوه وعدوا عليه فسلبوه، ألا أنهضوا، قد سخط ربكم فلا ترجعوا إلي الحلائل والأبناء حتي يرضي الله، والله ما أظنّه راضياً دون أن تناجزوا من قتله، أو تبيروا...»(3)، ثم قال اشحذوا السيوف، واركبوا الأسنّة: «وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ وَمِنْ رِبَاطِ الْخَيْلِ ...»(4)، حتي تدعوا حين تدعون وتستنفرون(5).
وبعد ذلك قام جماعة من أصحاب سليمان بن صرد الخزاعي، ووضعوا كلّ ما
ص: 153
يملكون تحت تصرف الثائرين؛ ومن هؤلاء خالد بن سعد بن نفيل، فأمر سليمان بن صرد الخزاعي أن توضع هذه الأموال عند عبد الله بن وال التيمي، لتزويد كلّ من لا يستطيع أن يجهّز نفسه للحرب(1).
اجتمعت الناس حول سليمان بن صرد، وكثر متبعوه منأهل الكوفة، ثم بدأ سليمان بالكتابة إلي الشيعة في الأمصار(2)، فكتب إلي سعد بن حذيفة بن اليمان وكان في المدائن كتاباً يقول فيه: «بسم الله الرحمن الرحيم، من سليمان بن صرد إلي سعد بن حذيفة ومن قبله من المؤمنين سلام عليكم، أما بعد، فإنّ الدنيا دار قد أدبر منها ما كان معروفاً، وأقبل منها ما كان منكراً، وأصبحت قد تشنأت(3) إلي ذوي الألباب، وأزمع(4) الترحال منها عباد الله الأخيار، وباعوا قليلاً من الدنيا لا يبقي بجزيل مثوبة عند الله لا يغني، إنّ أولياء الله من إخوانكم وشيعة آل نبيكم نظروا لأنفسهم فيما ابتلوا به من أمر ابن بنت نبيهم؛ دُعي فأجاب، ودعا فلم يُجَبْ، وأراد الرجعة فَحبُس، وسأل الأمان فَمُنع، وترك الناس فلم يتركوه، وعدوا عليه فقتلوه ثم سلبوه وجرّدوه ظلماً وعدواناً وغرة بالله وجهلاً، وبعين الله ما يبلون، وإلي الله ما يرجعون، وسيعلم الذين ظلموا أيّ منقلب ينقلبون...»(5)، فرد سعد بن حذيفة علي سليمان بن صرد كتاباً جاء فيه: «بسم الله الرحمن الرحيم، إلي سليمان بن صرد من سعد بن حذيفة ومن قبله من
ص: 154
المؤمنين، سلام عليكم، أما بعد، قد قرأنا كتابك وفهمنا الذي دعوتنا إليه،من الأمر الذي عليه رأي الملأ من إخوانك، قد هديت لحظّك ويسرت لرشدك، ونحن جادّون مجدّون معدّون مسرجون ملجمون ننتظر الأمر ونستمع للداعي، فإذا جاء الصريخ أقبلنا ولم نعرج إن شاء الله والسلام»(1).
وكتب سليمان بن صرد إلي أهل البصرة، وكان كتابه موجّهاً إلي المثني بن مخربة العبدي وكان الكتاب نسخةً من الكتاب الذي وجّهه إلي سعد بن حذيفة وأهل المدائن(2)، فردّ المثني بن مخربة علي كتاب سليمان فقال: «أما بعد، فقد قرأت كتابك، وأقرأته إخوانك فحمدوا رأيك واستجابوا لك، فنحن موافوك إن شاء الله للأجل الذي ضربت، وفي الموطن الذي ذكرت والسلام عليك»(3)، وأرفق مع الكتاب هذه الأبيات:
تبصّر كأنّي قد أتيتك معلماً *** علي اتلع الهادي أجشّ هزيمِ
طويل القري فهو السواء تقلّص *** ملحٌ علي فأس اللجام أزومِ
بكل فتيً لا يملأ الروع نحره *** محسٍّ لعطن الحرب غير سئومِ
أخي ثقةٍ ينوي الإله بسعيه *** ضروبٍ بنصلِ السيف غير أثيمِ(4)
ويجب أن نشير إلي أن المكان الذي كان متفقاً عليه أن تجتمع به وفود التوابين هو النخيلة في ربيع الآخر سنة 65ﻫ/ 686م(5).
ص: 155
وقام عبد الله بن يزيد الأنصاري(1) - وكان أميراً علي الكوفة(2) من قبل عبد الله ابن الزبير - بتشجيع التوابين علي الأخذ بثأر الإمام الحسين(عليه السلام)، وفي هذه الأثناء أظهر التوابون أمرهم علانية للناس، وأخذوا يشترون السلاح ويتجهزون ظاهرين لا يخافون أحداً(3)، لكن عبد الله بن يزيد طلب منهم تأخير الخروج؛ وذلك لغرض الاشتراك معهم في قتال عبيد الله بن زياد، وأخبرهم أنه سيرسل معهم جيشاً لمساعدتهم، فرفض سليمان بن صرد وقدّر الخروج في الموعد الذي كانوا قد اتفقوا عليه(4).
وفي هذه الأيام وتحديداً في النصف من رمضان سنة64ﻫ/684م، قدم المختار ابن أبي عبيد الثقفي الكوفة(5)، وقد أخذ يدعو الناس لقتل قتلة الإمام الحسين(عليه السلام)، وكان يقول: «قد جئتكم من عند المهدي محمد بن الحنفية وزيراً أميناً»(6)، وكان يحرّض الناس علي عدم الخروج مع سليمان بن صرد، ويقول لهم: «إنما يريد سليمان أن يخرج بكم ليقتل نفسه ويقتل أنفسكم، ليس له بصر في الحرب ولا علم له بها»(7)، أما أمير
ص: 156
الكوفة عبد الله بن يزيد الأنصاري فخطب قائلاً: «...إنّ هؤلاء القوم يطلبون بدم الحسين(عليه السلام)، فرحم الله هؤلاء القوم آمنون فليخرجوا ظاهرين وليس إلي من قاتل الحسين أقبل إليهم - يعني ابن زياد - وأنا لهم ظهير هذا ابن زياد قاتل الحسين(عليه السلام)، وقاتل أخياركم وأمثالكم قد توجه إليكم، وقد فارقوا علي ليلة من جسر منبج، والقتال والاستعداد إليه أولي من أن تجعلوا بأسكم بينكم فيقتل بعضكم بعضاً، فيلقاكم عدوكم وقد ضعفتم وتلك أمنيته، وقد قَدِم عليكم أعدي خلق الله لكم، من ولّي عليكم هو وأبوه سبع سنين، لا يقلعان عن قتل أهل العفاف والدين،هو الذي من قبله أتيتم والذي قتل من تنادون بدمه...»(1).
ولما استهلّ هلال ربيع الآخر سنة 65ﻫ/ 684م خرج سليمان بن صرد في أصحابه إلي النخيلة، وبلغ ذلك عبد الله بن يزيد أمير الكوفة، فخرج هو وإبراهيم ابن محمد بن طلحة بن عبيد الله وكان إبراهيم علي خراج الكوفة من قبل ابن الزبير فحاولا أن يثنيا سليمان علي عدم الخروج، والتمهّل في هذا الأمر، فرفض سليمان إلا قتال عبيد الله بن زياد، فكتب عبد الله بن يزيد كتاباً قال فيه: «بسم الله الرحمن الرحيم، من عبد الله بن يزيد إلي سليمان بن صرد ومن معه من المسلمين، سلام عليكم، أما بعد، فإنّ كتابي هذا إليكم كتابٌ ناصحٌ ذو إرعاء(2)، وكم من ناصح مستغش، وكم من غاشٍّ مستنصح محب، أنه بلغني أنكم تريدون المسير بالعدد اليسير إلي الجمع الكثير، وأنه من يرد أن ينقل الجبال عن مراتبها تكلّ معاوله، وينزع وهو مذموم العقل والفعل، يا قومنا لا تطمعوا عدوكم في أهل بلادكم، فإنكم خيار كلكم، ومتي ما يصيبكم عدوّكم يعلموا أنّكم أعلام مصركم، فيطمعهم ذلك فيمن وراءكم...
ص: 157
يا قومنا إنّ أيدينا وأيديكم اليوم واحدة، وإنّ عدونا وعدوكم واحد ومتي تجتمع كلمتنا نظهر علي عدونا، ومتي تختلف تهن شوكتنا عليمن خالفنا...»(1).
لقد كان خروج سليمان بن صرد إلي معسكره بالنخيلة سنة 65ﻫ/ 684م، وعسكر بالنخيلة قرب الكوفة، فلما استهل هلال شهر ربيع الآخر من هذه السنة خرج في وجوه أصحابه، وكان قد واعدهم في تلك الليلة، وعندما دار بين أصحابه لم يعجبه العدد الذي خرج(2)، ثم قام سليمان بن صرد بإرسال حكيم بن مفقذ الكندي في خيل وبعث الوليد بن غصين الكناني في خيلٍ أيضاً، وأمرهما أن يدخلا الكوفة وهما يناديان «يا لثارات الحسين» (3).
وذكر الطبري «...وكانا أول خلق الله دعوا: يا لثارات الحسين»(4)، ثم دخلوا المسجد ونادوا بشعارهم، واستجاب لهم أناس ممن لم يكن مع سليمان بن صرد ولم يكن في سجل الديوان(5)، ويبدو أنّ الهتاف بهذا الشعار كان له وقعٌ كبير في نفوس الناس فبادروا متلهفين، ويذكر أنّ رجلاً منأهل الكوفة سمع النداء: يا لثارات الحسين ولم يكن هذا الرجل ممن كان يأتي جماعة ابن صرد ولا ممن سجل اسمه، فوثب وقد دعا بسلاحه وفرسه، فمنعته زوجته أن يلحق بالقوم، فردّ عليها قائلاً: «إني سمعت داعي الله، فأنا مجيبه، أنا طالب بدم هذا الرجل حتي أموت، أو يقضي الله
ص: 158
من أمري ما هو أحبّ إليه»(1)، وكان الناس علي هذه الحال من بغضهم لبني أمية وانقيادهم لأخذ الثأر من قتلة الإمام الحسين(عليه السلام) حتي اجتمع عند سليمان بن صرد أكثر ممن كان في عسكره(2).
وعلي الرغم من هذه الاستجابة من الناس إلا أنّ عدد ما أصبح من الرجال في النخيلة كان أربعة آلاف، في حين أنّ الديوان كان قد أثبت علي ستة عشر ألفاً(3)، ولم يأتِ أصحابهم من البصرة، والمدائن في الموعد الذي كان قد اتفق عليه(4).
تنفيذ الثورة.
بدأ سليمان بن صرد وأصحابه التهيؤ للمسير؛ لملاقاة جيش الشام الذي كان بقيادة عبيد الله بن زياد، وقد بدأ سليمان بإلقاء خطبة في أصحابه فحمد الله وأثني عليه،ثم قال: «أما بعد، أيها الناس، فإنّ الله قد علم ما تنوون، وما خرجتم تطلبون، وإن للدنيا تجاراً، وللآخرة تجاراً، فإما تاجر الآخرة فساعٍ إليها، متنصبٌ يتطالبها، لا يشتري بها ثمناً، لا يُري إلا قائماً وقاعداً، وراكعاً وساجداً، لا يطلب ذهباً ولا فضة، ولا دنيا ولا لذة، وإما تاجر الدنيا فمكبٌ عليها، راكع فيها، ولا يبتغي بها بدلاً، فعليكم يرحمكم الله في وجوهكم هذا بطول الصلاة في جوف الليل، وبذكر الله كثيراً علي كلّ حال...»(5)، ثم سار الثائرون عشية الجمعة لخمسٍ مضين من شهر ربيع الآخر سنة 65ﻫ/ 684م(6).
ص: 159
وتوجّه الجمع المقاتل إلي قبر الحسين(عليه السلام) وأصحابه في كربلاء، وقد تخلّف عنهم أصحاب الهمم الواهنة، فلما وصل التوابون إلي القبر الشريف، صاحوا صيحة واحدة «يا ربّ إنا قد خذلنا ابن بنت نبينا، فأغفر لنا ما مضي منّا، وتب علينا إنك أنت التواب الرحيم، وأرحم حسيناً وأصحابه الشهداء الصديقين، وإنا نشهدك يا ربّ إنا علي ما قد قتلوا عليه، فإن لم تغفر لنا وترحمنا لنكوننّ من الخاسرين»(1)، ثم إنّهم أقاموا عند قبر الحسين(عليه السلام) يوماً وليلة، يصلون ويبكون، وقد زادهم ذلك حنقاً علي منقتل الحسين(عليه السلام) (2)، ثم فارق التوابون قبر الحسين(عليه السلام) بعد أن جدّدوا عهداً به، وساروا يقدمهم رؤساؤهم نحو الشام وعوف ابن عبد الله بن الأحمر شاعر الثورة يرتجز بالجيش الزاحف:
خرجن يلمعن بنا أرسالاً *** عوابساً يحملننا أبطالا
نريد أن نلقي بها الأ قيالا *** القاسطين الخدر الطلالا
وقد رفضنا الأهل والأموالا *** والخفرات البيض والحجالا
نرضي بها ذا النعم المفضالا(3).
ويبدو أنّ هذه الثورة قد بلغت من النضج السياسي ذروته، إذ اتجهت بجيوشها المقاتلة نحو الشام، ولم تقصد أشخاص قتلة الحسين(عليه السلام) في الكوفة، فقد اعتبرت النظام الأموي، هو المُطالَبْ بدم الحسين(عليه السلام) لا القتلة أنفسهم(4)، يقول محمد مهدي
ص: 160
شمس الدين: «ولقد اعتبر التوابون أنّ المسؤول الأول والأهمّ عن قتل الحسين(عليه السلام) هو النظام وليس الأشخاص، وكانوا مصيبين في هذا الاعتقاد، ولذا توجّهوا إلي الشام، ولم يلقوا بالا إلي من في الكوفة من قتلة الحسين(عليه السلام) »(1).سار التوابون حتي وصلوا قرقيسيا(2)، وكان بها زفر بن الحارث(3) الكلابي، فبعث سليمان المسيب بن نجية فقال: «ائت ابن عمك هذا فقل له: فليخرج إلينا سوقاً، فإنّا لسنا إيّاه نريد، إنما صمدن لهؤلاء المحلّين»(4)، فدخل المسيب بن نجية، علي زفر بن الحارث وقال له: «ممن تتحصّن؟ إنا والله ما إياكم نريد، وما اعترينا إلي شيء إلا أن تُعيننا علي هؤلاء القوم الظلمة المحلّين، فاخرج لنا سوقاً، فإنّا لا نقيم بساحتكم إلا يوماً أو بعض يوم»(5)، ثم إنّ القوم تزوّدوا بما يصلح أمرهم، وارتحلوا عن قرقيسيا، وقد شيّعهم زفر بن الحارث بعض الطريق وأشار عليهم أن يصلوا مدينة عين الوردة(6) قبل أن يصل إليها عدوهم،وإنّ ما بين قرقيسيا وعين الوردة فهو
ص: 161
أمان لهم(1).
ثم سار القوم حتي وصلوا عين الوردة واستراحوا بها أياماً(2)، وقد كان جيش الشام يسير باتجاههم، وكان عليه عبيد الله بن زياد، وهو أمير الجيش فضلاً عن أبرز قادة أهل الشام؛ وهم شرحبيل بن ذي الكلاع الحميري، والحصين بن نمير السكوني(3)، وكان عسكر شرحبيل يتقدم القوم، وكان المسيب بن نجية يتقدم جيش التوابين فالتقي المسيب بجيش شرحبيل بن ذي الكلاع وتقاتلوا حتي انهزم شرحبيل وأصحابه(4).
وقد وصل الخبر إلي عبيد الله بن زياد، فسرّح لهم الحصين بن نمير في اثني عشر ألفاً، وكان ذلك يوم الأربعاء لثمان بقين من جمادي الأولي سنة 65ﻫ/ 686م(5)، وعندماالتقي الطرفان قام أصحاب الحصين فدعوا التوابين إلي الجماعة علي مروان ابن الحكم، وقيل: عبد الملك بن مروان(6)، وذكر الطبري أنهم التقوا أول خلافة عبد الملك بن مروان، فدعوهم لبيعته والدخول في طاعته، وقد دعاهم التوابون إلي
ص: 162
أن يدفعوا لهم عبيد الله بن زياد، وخلع عبد الملك بن مروان، ورفض كلّ طرف طلب الآخر، وحدث القتال بينهم وانتصر أصحاب سليمان بن صرد(1)، وفي اليوم الثاني قام عبيد الله بن زياد بإرسال شرحبيل بن ذي الكلاع الحميري في ثمانية آلاف مدداً للحصين بن نمير، واستمرّ القتال بين الطرفين، ولم يكن حاجزاً بينهم سوي الصلاة(2)، وفي اليوم الثالث وكان يوم الجمعة قدم أدهم بن محرز الباهلي مدداً للحصين وكثر القتل في أصحاب سليمان، وأحاط أهل الشام بالتوابين من كلّ جانب(3)، فاستمات التوابون وكسروا أجفان السيوف، وقتلقادتهم سليمان بن صرد، والمسيب بن نجية، وعبد الله بن سعد بن نفيل، وأخوه خالد بن سعد، وعبد الله بن وال البكري(4)، وقد رأي رفاعة بن شداد ما أصبح عليه إخوانه فقاتلهم حتي المساء، ثم سار بأصحابه راجعاً(5)، أما سعد بن حذيفة فقد جاء مع أصحابه من أهل المدائن، فلما عرف خبرهم رجع واستقبل أهل البصرة الذين يقودهم المثني ابن مخربة، فأخبرهم وانتظروا وصول رفاعة بن شداد فاستقبلوهم، ثم رحل كلّ منهم إلي أهله(6).
ص: 163
«لقد كانت ثورة التوابين ثورةً استشهادية، ولم تكن لها أهداف اجتماعية واضحة إلا أنّها أثّرت في مجتمع الكوفة تأثيراً عميقاً؛ فقد عبّأت خطب قادة الثورة وشعاراتهم الجماهير في الكوفة للثورة علي الحكم الأموي»(1)
ص: 164
المبحث الأوَّل: حركة المختار بن أبي عبيد الثقفي
المبحث الثاني: حركة عبد الله بن الزبير
المبحث الثالث: حركات المعارضة بعد عام الجماعة الثاني
ص: 165
ص: 166
لقد سبقت الإشارة إلي بروز شخصية المختار الثقفي عندما نزل مسلم بن عقيل في داره، آخذاً البيعة للإمام الحسين(عليه السلام) من أهل الكوفة(1).
وتشير الروايات إلي أنّ المختار عمل جاهداً لأخذ البيعة للإمام الحسين(عليه السلام) وأنّه ناصح مسلماً ودعا إليه(2)، وأنّه تعاطف معه، وغضب لمصيره، فقد صرّح عند باب الفيل لأنصار الأمويين بقوله: «أصبح رأيي مرتجناً لعظم خطيئتكم»(3)، ويذكر الطبري أنّ عبد الرحمن بن أبي عمر الثقفي، وزائدة بنقُدامة الثقفي كانا في مجلس ابن زياد عندما وشي هانئ(4) بن أبي حية الوداعي بالمختار وقد أصرّ ابن زياد
ص: 167
معاقبة المختار، وخاطبه بقوله(1): «أنت المقبل في الجموع لتنصر ابن عقيل»(2)؟ وضربه بقضيبٍ كان بيده فشتر عينه، وسجنه مع وجوه الناس والذي أخلي سبيله وساطة صهره عبد الله بن عمر بن الخطاب، ويبدو أنّ ابن زياد أطلق سراحه مرغماً بعد أن وصلته رسالة من يزيد بن معاوية، فأمهله ثلاثة أيام ليترك الكوفة منفياً(3)، وقد نقل أسماء بن خارجة الفزاري، وعروة بن المغيرة بن شعبة الثقفي أنّ المختار توعّد ابن زياد، فادّعي أنّه سيقتله، فعلّق أسماء علي ذلك بقوله: «يا أبا إسحق، فقد كانت تبلغنا عنك أشياء، فأما أن سمعنا منك هذا القول فما فيك مسمع»(4)، وبدأت بذلك مرحلة جديدة من حياة المختار.وتوجّه المختار إلي مكة مباشرة، فقابل ابن الزبير؛ ليعرض عليه تعاونه وكان اللقاء الأول بينهما قد كشف للمختار رغبة ابن الزبير في العمل بسرّيةٍ وكتمان(5)، وقد شهد المختار مع ابن الزبير الحصار الأول وأبلي فيه(6).
وشهد له معاصروه بالشجاعة والإقدام(7)، فوصفوه بأنه: «من أحسن الناس بلاء وأعظمهم غناء»، وأنه: «لم ير أشد منه قط في قتاله»، حتي أنّ ابن الزبير قال فيه: «والله ما أبالي إذا قاتل معي المختار من لقيت»، وظلّ علي حاله تلك يحارب أمام أصحاب ابن
ص: 168
الزبير حتي رفع الحصار(1)، ثم أتصل المختار قبل خروجه من الحجاز بمحمد بن الحنفية، وحرص علي استئذانه، وأشعره باتجاهه للطلب بدم الحسين(عليه السلام)، وتشير الروايات إلي أنّ ابن الحنفية لم يأمره ولم ينهه، وأنّ المختار فهم من ذلك أنّه أذن له، وتأكّد ظنّه حينما ودّعه ابن الحنفية وأوصاه بتقوي الله(2)، وفي رواية أخري أنّ ابن الحنفية قال للمختار: «إنّيلأحبّ أن ينصرنا ربّنا ويهلك من سفك دماءنا، ولست أأمر بحرب ولا إراقة دم، فإنّه كفي بالله لنا ناصراً، ولحقّنا آخذاً، ولدمائنا طالباً»(3).
ويفهم من كلّ هذا، أنّ المختار فهم من مقابلته لابن الحنفية أنّه لا يمانع في الأخذ بثأر الحسين(عليه السلام)، وفي هذا تفسير لدعوة المختار المباشرة فور وصوله الكوفة، ولثقته بدعم ابن الحنفية له، وهذا يبرّر ما دار بين الوفد الكوفي وابن الحنفية فيما بعد(4).
ثم ترك المختار الحجاز بعد موت يزيد بن معاوية بخمسةِ أشهر، أو بعد ذلك بأيام(5)، فوصل الكوفة في 15 رمضان سنة 64ﻫ/ 684م(6)، وبدأ المختار نشاطه ساعة وصولهِ(7)، ثم أخذ يمرّ بالمساجد القبلية ليقابل الشيعة، فمرّ بمسجد السكون وكندة، ثمّ مرّ بالهمدانيين المعروفين بشدّة تشيعهم(8)، وبلّغهم جميعاً تحيات (المهدي) محمد بن الحنفية، وبشرّهم بالنصر واليسر والفرج، وقد أوضح المختار أنّه قادم
ص: 169
«لقتال المحلّين والطلببدم أولاد النبيين»، واختار أن يبدأ بالدعوة لدي أحد بني بداء من كندة والمعروفين بشدة تشيعهم، واسمه عبيدة بن عمر البدي(1)، وقد أدّت هذه الدعوة إلي إثارة مخاوف أشراف الكوفة من المتهمين بقتل الإمام الحسين(عليه السلام) (2)، فحرّضوا عامل ابن الزبير في الكوفة عبد الله بن يزيد الخطمي علي المختار، فألقي القبض عليه بعد خروج التوابين إلي عين الوردة، ومكث في السجن ثلاثة أشهر كاملة(3)، ويبدو من أخبار المختار في السجن أنه لم تثبت عليه أية تهمة مباشرة(4)، فقد كان الأمير يراه بريئاً، وأنه أخذ علي الظنّة، وفي هذا تفسيرٌ لموقفه منه، فقد رفض اقتراح عامل الخراج إبراهيم بن محمد بن طلحة أن يشدّه كتافاً ويمشّيه حافياً، وكان المختار علي ثقةٍ من تكتّم أصحابه علي دعوته: فوالله بعد ما ظفرت أكفكم، ومن التزامهم به فقد ظلوا علي اتصالٍ دائم به طوال مدة سجنه، فكانوايزورونه ويعاهدونه(5)، وقد كاتب المختار أصحاب سليمان بن صرد الخزاعيّ العائدين من عين الوردة، فأمتدحهم وحيّا جهدهم، وقد كاتب رفاعة بن شداد عارضاً عليه أمره: «إنّي أنا الأمير المأمور، والأمير المأمون، وأمير الجيش وقاتل الجبارين، والمنتقم من أعداء الدين... أدعوكم إلي كتاب الله وسنة نبيه(صلي الله عليه و آله و سلم)، وإلي
ص: 170
الطلب بدماء آل البيت، والدفع عن الضعفاء، وجهاد المحلّين»(1)، ويبدو أنّ الاستجابة بينهم كانت كبيرة، فقد ساندوه وأخذوا البيعة له، وهو في السجن(2).
حاولت الشيعة إخراج المختار من السجن(3)، لكنّه كره الخروج علي وجه القهر لنواب الكوفة، واختار الطريقة التي تناسبه؛ إذ بعث غلامه (زربيا) بكتاب إلي صهره عبد الله بن عمر، أخبره فيه أنّه حُبس مظلوماً، وطلب منه أن يتوسط له ففعل، وكان خروج المختار هذه المرة مرهوناً بكفلاء يضمنونه، ويمين حلفها فكفله ثلاثة عشر كفيلاًمن رؤوس أصحابه(4)، وعندما عزل ابن الزبير عبيد الله بن يزيد وإبراهيم بن محمد، وأرسل عبد الله بن مطيع العدوي علي الكوفة، عاود المختار نشاطه(5).
وكان وصول ابن مطيع الي الكوفة في رمضان سنة 65ﻫ/685م، فأكرم الأمير السابق عبيد الله بن يزيد، وخيره بين البقاء في المصر أو الالتحاق بابن الزبير في الحجاز، فالتحق بابن الزبير(6)، وقد اتبع ابن مطيع الشدّة مع الشيعة، وكان هذا سبباً لخروج المختار عليه(7)، ثم واجه المختار الشكّ بدعوته، وكاد هذا الموقف أن يتسبب في انشقاق أصحابه، إذ إنّ جماعة من أصحابه شكّوا في أنه مرسل من ابن الحنفية، واتفقوا علي الخروج إليه ليتأكدوا من صدق الدعوة وهم: عبد الرحمن بن شريح الشبامي، وسعيد بن منقذ الثوري، وسعر بن أبي سعر الحنفي، والأسود بن
ص: 171
قراد الكندي، وقدامة بن مالك الجشمي(1)، وكان خروج هذه الجماعة من دون علم المختار؛إذ خرجوا دون أن يشاوروه أو يستأذنوه، وتسرّب أمرهم إلي بقية أصحابه، فأخذوا ينتظرون عودتهم مما أضعف موقف المختار(2).
وإنّ الوفد أستأذن ابن الحنفية بالدخول، وطلبوا الاختلاء به حال وصولهم(3)، ففاتحه عبد الرحمن بن شريح بشكّهم في دعوة المختار؛ «قد قدم علينا المختار بن أبي عبيد يزعم أنه قد جاءنا من تلقائكم، وقد دعانا إلي كتاب الله وسنة نبيه(صلي الله عليه و آله و سلم)، والطلب بدماء أهل البيت، والدفع عن الضعفاء، فبايعناه علي ذلك... فإن أمرتنا بإتباعه اتبعناه، وإن نهيتنا اجتنباه»(4)، وأيّده أعضاء الوفد في ذلك فكان ردّ ابن الحنفية مُبهماً: «فوالله لوددت أنّ الله انتصر لنا من عدونا بمن شاء من خلقه»(5).
كانت عودة الوفد إلي الكوفة قد دعمت مركز المختار، ورسّخت دعوته بين أصحابه، فجمعت صفوفهم، وصارت المجابهة بينهم وبين الأمير قريبة، وقد تطلب هذااستعداداً عسكرياً خاصاً، وإنّ رؤوس أصحابه اقترحوا عليه ضمّ إبراهيم بن مالك الأشتر؛ لأنه شاب مندفع(6)، وابن رجل شريف، يمتاز بعشيرة ذات عزّ وعدد، فوالده من رؤوس أصحاب علي بن أبي طالب(عليه السلام) حتي أنّ الأخبار
ص: 172
تسير إلي مشاركة إبراهيم بن الأشتر مع والده في صفين، وهو غلام(1)، ويذكر أنّ المختار أتفق مع أصحابه علي الخروج في الرابع عشر من ربيع الأول سنة 66ﻫ/ 685م(2).
وقد اضطرّ المختار للخروج قبل الموعد المحدّد بليلتين؛ إذ إنّ صاحب الشرطة أخذ المختار وأقبل نحو القصر، فلحقته الشيعة واستنقذوه من أيديهم، واضطروا للخروج(3)، فجمع المختار أصحابه، وطلب منهم أن يتنادوا بثارات الحسين، وبشعار «يا منصور أمتْ»(4).
ويبيّن بعض من خرج مع المختار أنّه صلّي الفجر، فقرأ«النازعات وعبس وتولي»(5)، وقد التقي المختار وأصحابه بقوات الأمير عبد الله بن مطيع العدوي، وكان النصر حليف المختار؛ حيث فرّ الأمير إلي القصر، وذلك في 16 ربيع الأول سنة 66ﻫ/ 685م، ودخل المختار الكوفة بعد ثلاثة أيام من القتال، وبدأ حصار القصر، ويذكر أنّ الأمير التجأ إلي القصر ومعه وجوه أهل الكوفة، وفيهم شبث بن ربعي التميمي، وأسماء بن خارجة الفزاري، وعبد الرحمن بن مخنف وعمرو بن حريث(6)، وبعد أن شدّد عليهم الحصار اقترح شبث بن ربعي علي الأمير أن يأخذ
ص: 173
الأمان لنفسه، ويلحق بعدها بابن الزبير، فوافقه أسماء بن خارجة الفزاري وعبد الرحمن بن مخنف، ثم خطب ابن مطيع بأصحابه عندما قرّر العودة لابن الزبير، وقد بيّن فيها موقف الأشراف بقوله: «فقد علمت الذين صنعوا هذا... وقد علمت أنّما هم أراذلكم وسفهاؤكم وطغامكم واخساؤكم، ماعدا الرجل أو الرجلين، وأنّ أشرافكم وأهل الفضل فيكم لم يزالوا سامعين مطيعين مناصحين، وأنا مبلّغ ذلك صاحبي، ومعلّمه طاعتي»(1).
لقد حاول الأمويون إعادة سيطرتهم علي العراق بعد موقعة عين الوردة مع التوابين، وقد بقي قائدهم عبيد الله بن زياد عاماً كاملاً يحاول قمع عصيان زعيم القيسيين، زفر بن الحارث الكلابي الذي كان متحصّناً في قرقيسيا(2)، وفي رمضان سنة 66ﻫ/686م جمع عبد الملك بن مروان لعبيد الله بن زياد ثمانين ألفاً من أهل الشام، وطلب منه أن يسير إلي العراق والجزيرة(3)، وذكر الطبري أنّ عبيد الله بن زياد نزل نصيبين(4)، وأرسل مقدمته إلي الموصل، وعددها عشرون ألف رجل، فانسحب عاملها للمختار، عبد الرحمن بن سعيد بن قيس الهمداني مع أصحابه وعددهم ألف رجل، منحازاً إلي تكريت، وكتب إلي المختار بذلك، فوافقه علي ما قام به: «قد أصبت في تنحّيك من بين يديه، إذ كنت لا تقوم لجيشه، فانظر لا تبرحن
ص: 174
من موضعك ذلك حتي يأتيك أمري والسلام»(1).
فوقع اختيار المختار علي يزيد بن أنس بن كلاب الأسدي؛ ليوجهه لملاقاة ابن زياد، ويزيد هو أحد سادات الكوفة وشجعانهم، وقد اشترط يزيد بن أنس علي المختار أن يتركه لينتخب أصحابه بنفسه: «أيها الأمير أضمم إليّ ثلاثة آلاف فارس انتخبهم أنا، وخلّيني والوجه الذي توجهني»(2)، ويبيّن الطبري أنّ يزيد بن أنس تخيّر سادات فرسان العرب، وفيهم رؤوس الأرباع، وعدد من قرّاء الكوفة، وأنّه عبّأهم علي النحو التالي: النعمان بن عوف الأزدي علي ربع المدينة، وعاصم بن قيس بن حبيب الهمداني علي ربع تميم وهمدان، وورقاء بن عازب الأسدي علي مذجح وأسد وسعر بن أبي سعر الحنفي علي ربع كندة وربيعة(3).
وقد اعتمد جيش ابن زياد علي الإشاعات فأوهموا أهل الشام أن جيش المختار هم الموالي والعجم، وقد كان ربيعة بن المخارق يعبئ أصحابه من جيش ابن زياد مدعياً أنهم يقاتلون: «العبيد الآباق، وقوماً قد تركوا الإسلام وخرجوا منه، ليست لهم تقية ولا ينطقون بالعربية»(4)، ويذكر عمرو بن مالك بن كثبة القيني - وكان في معسكر أهل الشام - أنّه دهشعندما اكتشف أنّ أصحاب المختار هم فرسان العرب من الكوفيين(5)، وأنّ أصحاب يزيد بن أنس لم يتجاوزوا الثلاثة آلاف فارس، وأنّ ابن زياد أبدي استهانته بعددهم، ويبدو ذلك من استعداد المختار
ص: 175
لإرسال المدد ليزيد بن أنس(1)، وتتلخص الخطبة التي شرحها المختار ليزيد بن أنس بقوله: «يا يزيد بن أنس، أنظر إذا لقيت العدوّ نهاراً، فلا تنظرهم إلي الليل، وإذا أمكنتك الفرصة فلا تؤخّرها، وليكن خبرك عندي في كلّ يوم إنّي ممدّك، وإن لم تستمدّ؛ لأنه أشدّ لعضدك وأرعب لعدوك»(2)، وقد زوّد المختار يزيد بن أنس بكتاب إلي عامله علي الموصل، عبد الرحمن بن سعيد بن قيس الهمداني، يأمره فيه أن يطيع يزيد ابن أنس ويسمع منه، ويبين الطبري أن يزيد بن أنس وصل أرض الموصل في التاسع من ذي الحجة سنة 66ﻫ/686م، وأنه نزل علي خمسة فراسخ من الموصل، ثم التقي بعبد الرحمن بن سعيد في ألف فارس، فأصبح مجموع ما معه أربعة آلاف، عبّأهم علي الأرباع(3)، أما عبيد الله بن زياد فقد عبّأ أصحابه متأخراً، فبعث ربيعةبن المخارق الغنوي في ثلاثة آلاف، وعبد الله بن حملة الخثعمي في ثلاثة آلاف، وجعل السابق منهما أميراً يتسلّم القيادة، فوصل ربيعة بن المخارق الغنوي مبكراً ونزل بأصحابه إزاء أصحاب يزيد بن أنس، وأمضي الجمعان الليل في التعبئة، وقد تصادف أن صبيحة ذلك اليوم كانت يوم الأضحي المبارك، العاشر من ذي الحجة سنة 66ﻫ/ 686م(4).
وتبين الأخبار أن يزيد بن أنس اشتكي طوال الليل من علّة ألمّت به، لكنه ظلّ يطوف علي أصحابه ويعبئهم، وأعلمهم أنّ أميرهم ورقاء بن عازب الأسدي إن حدث له حادث، وأنّه إن قتل ورقاء، فعبد الله بن ضمرة العذري يكون الأمير، فإن
ص: 176
قتل فسعر بن أبي سعر الحنفي، وجعل عبد الله بن ضمرة علي ميمنته، وسعر بن أبي سعر علي ميسرته، وورقاء بن عازب علي خيله(1)، ويذكر الطبري عن رواية لأبي مخنف أحداث القتال عن شهودٍ عيان، وتبدو رواياته أقرب إلي تصوير الواقع إذ يبيّن أن القتال بدأ عند الفجر(2)، وكان هجوم ميسرة أهل الكوفة علي ميمنة أهل الشام عندالظهر مؤثراً، فأنهزم أهل الشام، وقتل ربيعة بن المخارق الغنوي، وأن مقتل ربيعة بن المخارق قد أضعف أهل الشام(3)، وقد بدأ القتال في فجر اليوم التالي، فدارت الدائرة علي أهل الشام، وقتل عبد الله بن حملة الخثعمي بيد خثعمي آخر من أصحاب يزيد بن أنس، وانتهب الكوفيون معسكر أهل الشام وأسروا ثلاثمائة منهم(4)، وقد كان مصير الأسري القتل حيث يذكر أن يزيد بن أنس أمر بقتلهم جميعاً.
وتذكر الأخبار أنّ العلّة اشتدّت عليه، وأنه كان يومئ بيده عاجزاً عن الكلام آمراً أصحابه بقتل الأسري، وأنه توفي في آخر النهار، فصلّي عليه ابن عمه ورقاء بن عازب الأسدي، ثم سُوّي قبره بالأرض؛ لئلا يُعرف موضعه، وتولي ورقاء الإمارة حسب وصيته(5)، ويبدو أن موت يزيد بن أنس كان نكبةً لجيش الكوفة(6)، ويذكر
ص: 177
الطبري أنّ ورقاء بن عازب الأسدي رأي تخوف أصحابه من عدد أهل الشام، ولاحظ تخلّف جماعة منهم فاستشارهم قائلاً: «إنا إن لقيناهم اليوم كنا مخاطرين، فإن هُزمنا اليوم لم تنفعنا هزيمتنا»(1)، فوافقه أصحابه وأجمعوا علي العودة، واتجهوا من فورهم إلي الكوفة عند الليل، أما ما يورده الدينوري من أنّ عبد الملك بن مروان سار بنفسه إليهم، وقابل يزيد بن أنس فهزمه وقتله وقتل معه أصحابه(2)، فلا نجد ما يوثقه، ولا يناسب أحداث وأخبار الشام والعراق في تلك الحقبة.
وقد أدّي انقطاع أخبار يزيد بن أنس عن المختار إلي إضعاف موقفه بين أصحابه(3)، فقد راجت إشاعات في الكوفة تتحدث عن مقتله وهزيمة أصحابه، لكن ذلك لم يدمْ طويلاً إذ وصله مبعوث من قبل والي المدائن فهدأ حاله، وأعاد لأصحابه ثقتهم به، وقرّر متابعة المواجهة مع أهل الشام، ويذكر الطبري أنّ المختار استدعي إبراهيم بن الأشتر وولاه الموصل، وعقد له علي فرسان أهل الكوفة ورجالاتها وعددهم سبعة آلاف فارس(4)، وطلب منه أن يضمّ أصحاب يزيد بن أنس، وأوصاه بجملة وصايا منها: «طالعني بأخبارك في ليلك ونهارك، وإن رأيت أمراً لا طاقة لكبه، فلا تلق بيدك إلي التهلكة، وأكتب إليّ حتي أمددك بالخيل والرجال»(5)، وقد عسكر ابن الأشتر عند حمام أعين(6)، لكنه أضطر للعودة إلي الكوفة عندما استدعاه المختار علي وجه السرعة، للقضاء علي الحركة التي قادها
ص: 178
المتهمون بدم الإمام الحسين(عليه السلام) (1).
ثالثاً: موقعة جبّانة السبيع(2).
ترتبط دراسة إدارة المختار بعلاقته بأشراف الكوفة، واصطدامه بهم فيما عرف بموقعة جبّانة السبيع، وهي أول احتجاج قاده أشراف الكوفة الموالون لعبد الله بن الزبير، والمتهمون بقتل الإمام الحسين(عليه السلام)، وترتب علي هذه الموقعة تغيّرٌ كبير في علاقات المختار بالكوفيين، تذكر الأخبار أنّ المختار قرب أشراف الكوفة، وأنهم كانوا «جلساءه وحداثه»(3)، لقد أحس زعماء الكوفة بتدهور مصالحهم،وخاصّة من كان قد شارك في قتل الحسين(عليه السلام) وبدأوا يتجمعون في منزل زعيم قبيلة تميم شبث ابن ربعي الرياحي(4)، يتذاكرون أمر المختار، مبدين احتجاجهم وغضبهم، ومن هؤلاء الأشراف عبد الرحمن بن سعيد بن قيس الهمداني، وشمر بن ذي الجوشن الضبابي، وكعب بن أبي كعب الخثعمي وعبد الرحمن بن مخنف الأزدي، وزحر بن قيس، ومحمد بن الأشعث بن قيس الكندي(5).
ص: 179
وقد كانت دوافع هؤلاء الزعماء ومحاولاتهم للخروج علي المختار ليست مشتركة(1)، فزحر بن قيس مثلاً هو أحد الذين حاربوا المختار مع عبد الله بن مطيع انتصاراً لابن الزبير(2)، وعبد الرحمن بن سعيد بن قيس الهمداني كان عاملاً للمختار علي الموصل، وقد عزله المختار وجعله تحت إمرة يزيد بن أنس، فنقم علي المختار لذلك(3)، أما بقيةالمتآمرين من أهل الكوفة فقد عرفوا بولائهم لابن الزبير، وبقائهم مع ابن مطيع في القصر حينما حاصره المختار(4).
وتعرض المصادر أكثر من سبب لاستيائهم وخروجهم؛ إذ توجد إشارة علي أنهم احتجوا عليه لأنه كما قالوا: «تآمر علينا بغير رضانا»(5)، ولشكّهم في صدق دعوته بأنه مبعوث ابن الحنفية إليهم ولموقفه من الموالي والعبيد: «أطعم موالينا... وأخذ عبيدنا فحارب بهم يتامانا وأراملنا»(6)، ويعطي الدينوري لاستياء الأشراف صفة عرقية فبيّن أنّ المختار قَرَبَ أبناء العجم، وفرض لهم ولأولادهم الأعطيات، وقرّب مجالسهم، وباعد العرب وأقصاهم وحرمهم(7)، ولم يعتمد المختار بالدرجة الأولي علي الموالي والعبيد، وهذا ما بينه نصّ كلام عبد الرحمن بن مخنف الأزدي لأشراف الكوفة: «مع الرجل والله شجعانكم من أنفسكم... ثم معه عبيدكم ومواليكم، وكلمة هؤلاء واحدة، فهو مقاتلكم بشجاعة العرب وعداوة العجم»(8).
ص: 180
وقد خرج زعماء أهل الكوفة مغتنمين فرصة خروج إبراهيم بن الأشتر مع جيشه لملاقاة ابن زياد، وذلك يومالأربعاء لست ليالٍ بقين من ذي الحجة، سنة 66ﻫ/ 686م(1)، وتشير المصادر إلي أنّ القبائل التي خرجت عليه هي: همدان وأكثرهم من الوداعيين، والأزد وكندة وبجيلة وخثعم وسلول ومضر وربيعة ومذحج وطيء وقد بدأ خروجهم في قطائع اليمن(2)، فقد خرجت القبائل اليمانية في جبانة السبيع، فلما علم المختار بأمرهم أرسل رجلاً اسمه عمر بن ثوبة إلي ساباط المدائن، حيث يعسكر ابن الأشتر، وطلب إليه العودة في الحال، حيث وصل ابن ثوبة عند العِشاء وسلم ابن الأشتر الرسالة، فسار من ليلته حتي وصل الكوفة في اليوم الثالث لخروجه(3).
وقد تجمعت القبائل اليمانية في جبانة السبيع عدا مذحج، إذ بقي عمرو بن الحجاج الزبيدي في جبانة مراد، لأنّه لا يأمنهم(4)، وأتضح التفكك في التجمع اليمني مبكراً، فقداختلف رؤوسهم فيمن يؤمّهم في جبانة السبيع(5)، فاقترح عليهم سيد الأزد عبد الرحمن بن مخنف أن يؤمهم رفاعة بن شداد الفتياني، سيد قراء أهل المصر، فتراضوا علي ذلك، واختلفوا أيضاً في خطّة القتال، فقد رأي شمر بن ذي
ص: 181
الجوشن أن يكون قتالهم مجتمعين تحت راياتهم، لكنهم لم يوافقوه، فأنفصل بقومه عنهم «والله لا أقاتل في هذا المكان في سككٍ ضيقة ونقاتل من غير وجه»(1).
وأما المختار فقد كان موقفه ضعيفاً، واعتمد علي تسقط أخبارهم عن طريق عيونه(2)، وعلي محاولة لكسب الوقت بانتظار وصول ابن الأشتر(3)، فتحوّل إلي مفاوضتهم، وكانوا قد سدوا عليه أفواه السكك، ومنعوا الماء عنه وعن أصحابه وهم أربعة آلاف فقط(4)، وكانت خطة المختار الاستفادة من تجمعهم في مكان واحد، ومن اختلافهم فيما بينهم، وبعد وصول إبراهيم بن الأشترإلي الكوفة بدأ قمع الحركة، وكان معه سبعة آلاف فصار مجموع ما معهما أحد عشر ألفاً(5)، فسير المختار إبراهيم بن الأشتر إلي مضر وربيعة في موضع الكناسة، وسار المختار إلي أهل اليمن بجبانة السبيع، خوفاً من أن يتعاطف ابن الأشتر مع قومه من اليمانية، ويبدو أنّ المختار حاول السيطرة علي السكك التي تقود إلي جبانة السبيع، فأخذ معه أحمر بن شميط البجلي، وعبد الله بن كامل الشاكري، وطلب من قبيلة شبام أن تهاجم الجبانة من الخلف، ثم أحكم الحصار علي أهل اليمن، فجعل أحمر بن شميط علي السكة الموصلة إلي دور قومه، وجعل عبد الله بن كامل علي السكة التي تلي الفرات(6)، وقد كان لقبيلة نهد دور كبير في دعم أصحاب المختار المنهزمين أمام
ص: 182
أهل اليمن(1)، وقد تنادت قبيلة شبام بثارات الحسين(عليه السلام) وتدافعت لقتال المحلّين من أهل اليمن، وإنّ هذا الشعار كان سبباً في إثارة مشاعر العثمانية(2)، فتنادي يزيد بن عمير بن ذي مران الهمداني بثارات عثمان، فانفصل رفاعة بن شداد الفتياني عن قومه،والتحق بالمختار، وكانت نتيجة الهجوم علي جبانة السبيع لصالح المختار، فقد قُتل عددٌ كبير من اليمانية وجُلّهم من همدان(3)، وقتل من رؤوسهم عبد الرحمن بن سعيد بن قيس الهمداني، وفرات بن زحر بن قيس، وعمرو ابن مخنف(4).
أما محمد بن الأشعث الكندي فلا يذكر في الموقعة؛ لأنه كان خارج الكوفة في قصرٍ له مما يلي القادسية(5)، وكان شبث بن ربعي يتزعم هجوم مضر وربيعة في الكناسة، ومعه حسان بن فائد العبسي(6).
وذكر الطبري أنّ ابن الأشتر سار إليهم فلم يبدأهم بالقتال، ومنحهم فرصةً للتراجع(7)، فلم يتجاوز قتلاهمبضعة عشر رجلاً، ويُفهم من مجري القتال أنّ
ص: 183
ربيعة لم تصمد، ولم يكن لهم دور كبير في الخروج علي المختار(1)، وقد أمر المختار مناديه أن يبلغ أهل اليمن أن: «من أغلق بابه فهو آمن، إلا من شرك في دماء آل محمد»، ثم بعث لاستخراج الوداعيين من همدان، فأخذوا منهم مائتين وخمسين رجلاً ممن اتهموا بدم الحسين(عليه السلام)، فقتلوا عن آخرهم(2).
لا ترد أية إشارة إلي عدد قتلي أصحاب المختار، وتختلف الروايات في مجموع مَنْ قُتِل من الخارجين عليه، حيث ذكر البلاذري أنهم سبعمائة وثمانون قتيلاً من همدان(3)، وذكر الدينوري أنهم خمسمائة رجل، ومائتان من الأسري(4)، أما ابن اعثم فيذكر أنهم ستمائة وأربعون رجلاً(5)، ويذكر الطبري أنّ السبب في تتبع المختار لقتلة الحسين(عليه السلام) يعود إلي غضب محمد بن الحنفية من تأخره في الأخذ بالثأر(6)، أما ابن اعثم فذكر أنّ ابن الحنفية غضب من تقريب المختار لعمر بن سعد بن أبي وقاص وابنه حفص، وصرح بذلكلجلسائه(7).
لقد بدأ المختار تتبع قتلة الإمام الحسين(عليه السلام) بعد موقعة جبانة السبيع مباشرة(8)،
ص: 184
فقد قتل مائتين وخمسين من الهمدانيين الذين اُتهموا بدم الحسين(عليه السلام)، ويبدو أنّ أصحاب المختار استغلوا هذا الموقف للانتقام من عداوات شخصية لهم، حتي قُتل ناس كثير ولم يشعر بهم المختار، ويبدو أنّ أكثرهم من الموالي(1)، وقد كلّف المختار أصحابه بطلب المتهمين، ويذكر البلاذري أنه قال لأصحابه: «أطلبوا لي قتلة الحسين(عليه السلام)، فإنّه لا يسوغ لي الطعام والشراب حتي أطهر الأرض منهم وأنقي المِصرَ منهم»(2)، وقد أشار المختار علي أنّه ناصر آل محمد «ما في ديننا تركُ قَومٍ قتلوا الحسين(عليه السلام) يمشون أحياء آمنين فبأس ناصر آل محمد أنا، أنا إذاً الكذاب كما تسموني»(3)، وقد أخذ المتهمون بقتل الحسين(عليه السلام) يفرّون من الكوفة خوفاً عليدمائهم، وإن المختار كان يتوعدهم بأسمائهم؛ ومنهم(4) عمرو بن الحجاج الزبيدي الذي كان قد نزل شريعة الفرات يوم عاشوراء، فقد هرب بعد جبانة السبيع مباشرة إلي الصحراء، فمات من العطش(5)، وهرب أيضاً شمر بن ذي الجوشن الضبابي مع عدد من أصحابه وكان شمر المتهم الأول بقتل الحسين(عليه السلام)، وقد كان هدفاً لأصحاب المختار وإن المختار بعث غلامه (زربيا) مولي بجيلة مع عدد من أصحابه، لكن شمر احتال عليه وقتله، وألتحق بقريةٍ علي شاطيء الفرات يُقال لها
ص: 185
(الكلتانية)، أهلها من النبط(1)، وإن شمر بن ذي الجوشن ضرب نبطياً من أهلها، وأمره بحمل كتاب منه إلي البصرة لمصعب بن الزبير، فأمتثل النبطي لأمره، لكنه أعترف لأبي عمرة كيسان صاحب حرس المختار بمكان شمر بن ذي الجوشن، ففاجأه أبو عمرة مع أصحابه وقتلوه، قتله أبو الكنود الهمداني، فأمر له المختاربعشرة آلاف درهم وولاه أرض حلوان(2)، وقد تتبع أصحاب المختار قتلة الحسين(عليه السلام) خارج الكوفة، ذكر الطبري أنّ عبد الله بن أُسيد بن نزال الجهني، ومالك بن النسر البدي - وكانا متّهمين بسلب برنس الحسين(عليه السلام) - في القادسية ومعهما حمل بن مالك المحاربي، وإن المختار بعث إليهم بأبي النمران مالك بن عمرو النهدي فجاءه بهم، فحكم المختار علي مالك بن النسر بقطع يديه ورجليه وهو ينظر إليها وحرقوه بالنار وقام سعر بن أبي سعر الحنفي، وعبد الله بن كامل الشاكري بقتل الجهني والمحاربي(3)، ومن الذين قُتِلوا عبد الله بن شداد الجهني، وأبو عثمان بن خالد بن أسيد، وزيد بن رقاد وكان مُتهماً بقتل عبد الله بن مسلم بن عقيل، وكان يتفاخر بين الكوفيين بأنه رمي عبد الله بن مسلم بسهم في جبهته، فأتي عبد الله بن كامل داره وأمر أصحابه أن يرموه بالنبل(4)، ويذكر الطبري أن سعر بن أبي سعر الحنفي دل المختار علي أصحاب الحلل؛ الذيننهبوا معسكر الحسين(عليه السلام) وهم: زياد بن مالك من بني ضبيعة، وعمران بن خالد القشيري، وعبد الرحمن بن
ص: 186
أبي خشكارة البجلي، وعبد الله بن قيس الخولاني، فقُتِلوا في السوق(1)، وضربت أعناق عبد الله وعبد الرحمن أبنا صلخب، وعبد الله بن وهب بن عمرو الهمداني، ابن عم الشاعر أعشي همدان(2)، ولاحق أصحاب المختار قتلة عبد الرحمن بن عقيل بن أبي طالب؛ وهما خالد بن أُسيد الجهني، وأبو أسماء بشر الهمداني فقالوهما(3).
ومن الذين قتلوا خولّي بن يزيد الأصبحي، الذي احتزّ رأس الحسين(عليه السلام)، وذكر الدينوري أنّ المختار بعث أبا عمرة كيسان مع معاذ بن هانئ بن عدي الكندي إلي دار خولّي بن يزيد وكان مختبئاً، فدلته امرأته علي مكان زوجها بإشارة من يدها؛ لإنّها كانت تنقم عليه اشتراكه في قتل الحسين(عليه السلام) فقتله أمام بيته(4)، وقد طلب أصحاب المختار قيس بن الأشعث الكندي، وكان ممن شارك في قتال الحسين(عليه السلام) وسلب خيام أهل البيت(عليهم السلام)، فاستجار بعبد الله بن كامل الشاكري، إلا أنّ المختار أضمر قتله، فاحتال علي ابن كامل، وبعث أبا عمرة كيسان فأحضر قيس بن الأشعث من بيت ابن كامل، وقتله ثم استرضي ابن كامل(5)، ومن الذين قتلهم المختار أيضاً حبيب بن صهبان الأسدي(6)، وحكيم بن الطفيل الطائي وكان متهماً بقتل الحسين، إذ يذكر البلاذري أنه رمي الحسين(عليه السلام) بسهم في جبينه، وسلب ثياب
ص: 187
العباس بن علي(عليهما السلام) وإنّ أصحاب المختار أخذوه، فتشفّع فيه عدي بن حاتم الطائي عند عبد الله بن كامل الشاكري، فقال له ابن كامل: «أمره إلي الأمير المختار»(1)، ويبدو أنّ أصحاب المختار قد خشوا أن يشفع فيه المختار؛ لمكانة عدي ابن حاتم عنده فقتلوه بالنبال قبل أن يصل إلي المختار، وقد طلب أصحاب المختار بعض المتهمين فلم يقدروا عليهم، ومنهم الشاعر مسكين بن عامر الدارمي، الذي لجأ إلي آذربيجان عند عاملها محمد بن عمير بن عطارد(2)، كذلك فقد فَرَ منقذ بن مُرة العبدي إلي البصرة، وكان متهماًبقتل علي بن الحسين(عليهما السلام)، حيث لجأ إلي مصعب ابن الزبير وكان جريحاً فحماه(3)، ولم يقدر أصحاب المختار علي موسي بن طلحة وكان ممن شارك في قتال الحسين(عليه السلام) (4)، كذلك الحال مع سنان بن أنس النخعي، وكان من المتهمين بقتل الحسين(عليه السلام) ؛ إذ التجأ إلي مصعب بن الزبير في البصرة(5)، وإنّ كلاً من عبد الله بن عروة الخثعمي، وحرملة بن كاهل الأسدي والذي كان متهماً بقتل عبد الله بن الحسين(عليهما السلام)، قد هربا إلي البصرة، لكنهما ماتا في الطريق من شدة العطش، فهدم المختار داريهما(6)، واستطاع عبد الله بن عقبة
ص: 188
الغنوي، والذي كان متهماً بقتل أبي بكر بن علي(عليهما السلام) أن يهرب إلي الجزيرة، فهدم المختار داره(1)، كذلك هرب شبث بن ربعي التميمي إلي البصرة، وكان ممن اشترك في قتال الحسين(عليه السلام) والتحق بمصعب بن الزبير، واستصرخه للقضاءعلي المختار(2)، وطلب أيضاً عمرو بن الصبيح الصائدي، وكان يقول لقد طعنت بهم وما قتلت أحداً، فأخذه المختار وقتله(3)، وطلب المختار محمد بن الأشعث الذي كان في قريته التي تقع جانب القادسية، فبعث إليه المختار بمائة فارس، عليهم عبد الله بن قراد الخثعمي وقيل حوشب البرسمي، فأحس بهم ابن الأشعث وهرب إلي البصرة عند ابن الزبير، فهدم المختار داره، وبني بحجارتها دار حجر بن عدي الكندي(4)، ومن الفارّين أيضاً من الكوفة أسماء بن خارجة الفزاري، وكان قد وقف إلي جانب عبيد الله بن زياد في مقتل مسلم بن عقيل وهانئ بن عروة(5)، ويبدو أن مكانته في المصر منعت المختار من قتله؛ تحرجاً من القيسيين من أهل الكوفة، فكان المختار يحتال ليتدبر أمره من دون أن يغضبهم، لكن أسماء بن خارجة خاف علي دمه فاستخفي، وتذكر الروايات أنّ المختار قال يوماًلجلسائه ساجعاً إن ناراً ستحرق دار أسماء(6)،
ص: 189
فلما بلغ أسماء بن خارجة كلامه قال: «أو سجع بي أبو إسحاق، لا قرار علي زأر من الأسد»(1)، ثم فرّ هارباً من الكوفة، فهدم المختار داره، وتبين الأخبار أن المشاعر القبلية كان لها الأثر الكبير في أمر أسماء، فقد تحرج القيسيون من أصحاب المختار عن هدم دار أسماء بن خارجة، فتولت ربيعة واليمن ذلك(2)، وتشير الأخبار أنّ أسماء بن خارجة قد هلك بعد مدةٍ قصيرة من ترك الكوفة(3)، وقد كانت قمة انتقام أصحاب المختار في مقتل عمر بن سعد بن أبي وقاص وابنه حفص بن عمر، ويذكر أنّ عمر بن سعد خشي علي دمه عندما سيطر المختار علي الكوفة، فاستجار بعبيد الله بن جعدة بن هبيرة؛ لمعرفته بأنّ المختار يقرّبه(4)، فأجاره وحصل له علي أمان من المختار هذا نصه: «بسم الله الرحمن الرحيم، هذا أمان من المختار بن أبي عبيد لعمر بن سعد بن أبي وقاص، إنك آمنبأمان الله علي نفسك ومالك وأهلك وأهل بيتك وولدك، لا تؤاخذ بحدث كان منك قديماً ما سمعت وأطعت ولزمت رحلك وأهلك ومصرك، فمن لقي عمر بن سعد من شرطة الله وشيعة آل محمد ومن غيرهم من الناس فلا يعرض لهم إلا بخير، وقد شهد علي الأمان السائب بن مالك الأشعري، وأحمر بن شميط، وعبد الله بن شداد، وعبد الله بن كامل الهمداني ويزيد بن أنس الأسدي، شهدوا علي المختار بن أبي عبيد بالعهد والميثاق والأمان لعمر بن سعد وولده ألا يحدث حدثاً، وكفي بالله شهيداً والسلام»(5).
ص: 190
أما ما ذكره ابن اعثم من أنّ المختار يرتبط بصلة القرابة بعمر بن سعد، وأنّ عمر بن سعد هو زوج أخت المختار(1)، فهو خبر غير موثوق به، والأفضل استبعاده(2)، ويبدو أنّ أصحاب المختار لم يكونوا راضين عن الأمان(3)، وهذا سببٌ كافٍ لتجرد أصحاب المختار لقتله(4).ذكر البلاذري أنّ المختار قال يوماً لجلسائه: «لأقتلنّ غداً رجلاً عظيم القدمين، غائر العينين مشرف الحاجبين، يَسرُّ مقتله المؤمنين والملائكة المقربين»(5)، ويبيّن الطبري أنّ المختار بعث أبا عمرة كيسان ليأتيه بعمر بن سعد، وسمح له بقتله إن هو قاوم(6)، ويبدو أن عمر بن سعد حاول خداع أبي عمرة، فقتله، وأحضر رأسه إلي المختار، في حين يُبيّن الدينوري أنّ أبا عمرة أحضر عمر بن سعد وهو حي ثم قتله عند المختار(7)، والخبر يخلط بينه وبين ابنه حفص بن عمر، لأنّ حفصاً كان عند المختار عندما أحضر أبو عمرة رأس أبيه(8)، فلما رأي الرأس توجع لأبيه فقتله المختار ووضع رأسه إلي جنب رأس أبيه وقال: «هذا بالحسين(عليه السلام)، وهذا بعلي بن الحسين(عليهما السلام) ولا سواء، فوالله لو قتلت ثلاثة أرباع قريش لما وفّوا بأنملة واحدة من
ص: 191
أنامل الحسين(عليه السلام) »(1).
ثم صلب الجسدين منكّسين، ثم أحرق داري عمر بن سعد وابنه حفص، وبعث برأسيهما إلي مكة ومعهما ثلاثون ألف دينار(2)، وكتب إلي محمد بن الحنفية: «بسم اللهالرحمن الرحيم، للمهدي محمد بن علي(عليه السلام) من المختار بن أبي عبيد الثقفي، سلام عليك، أمّا بعد، فإنّ الله تبارك وتعالي جعلني نعمة لأوليائكم ونقمة علي قاتليكم وأعدائكم، فهم من فضل الله العزيز الحكيم بين قتيلٍ وأسيرٍ وشريد وطريد، فنحمد الله علي ذلك أيها المهدي حمداً يستوجب منه المزيد في العاجلة، والمغفرة والرحمة في الآجلة، وقد وجّهت إليك برأسي عمر بن سعد وحفص بن عمر، وقد قتلت ممن شرك في دم الحسين(عليه السلام)، وأهل بيته من قَدِرت عليه ولن يعجز من بقي منهم، ولستُ ألتذّ بالمنام، ولا يسوغ لي الطعام، ولا يطيب لي الشراب ويبقي أحدٌ ممن شرك في دماء أهل بيتك، وأنا أرجو أن يقتل الله عبيد بن زياد وأصحابه المحلّين علي يدي...»(3)، وعندما وصل الكتاب إلي محمد بن الحنفية قال: «اللهمّ لا تنس هذا للمختار، واجزه عن أهل بيت نبيك أفضل الجزاء»(4).
وقد ذكر الإمام محمد بن جعفر الباقر(عليهما السلام) نقض المختار للعهد بقوله: «أما أمان المختار لعمر بن سعد إلا أن يحدث، فإنّه أراد أن يدخل الخلاء فيحدث»(5).ولا نجد ذكراً لمشاركة إبراهيم بن مالك الأشتر في تتبع قتلة الحسين(عليه السلام)، فقد
ص: 192
بعثه المختار لملاقاة جيش عبيد الله بن زياد بعد يومين من موقعة جبانة السبيع(1)، وكان لكلٍ من عبد الله بن كامل الشاكري، وسعر بن أبي سعر الحنفي دورٌ كبير في ذلك، وترتبط أحداث تتبع قتلة الحسين(عليه السلام) بأبي عمرة كيسان، ويذكر أنه كان في مسلحة للمختار ضدّ أهل البصرة، فاستدعاه المختار ليشارك في المهمة(2)، ومع أن أبا عمرة لم يشارك إلا في تتبع وقتل ثلاثة من القتلة، لكن هذه العملية ارتبطت به بشكلٍ كبير(3)، فيذكر ابن منظور أنه كان إذا نزل البلاء ببعضهم قالوا: نزل بهم أبو عمرة، وفي هذا إشارة للبلاء من القتل والحرب، وكانت العرب تتشاءم به، فأبو عمرة في اللغة تعني الإقلال والجوع(4).
خامساً: موقعة الخازر(5) ومقتل عبيد الله بن زياد
بعد أن تمّ للمختار بن أبي عبيد الثقفي القضاء علي حركة المناوئين له في موقعة جبّانة السبيع قام بإرسال إبراهيم بن مالك الأشتر لملاقاة جيش الشام والذي كان قد توجه نحو الموصل بقيادة عبيد الله بن زياد، وكان خروج إبراهيم بن الأشتر بعد موقعة (جبانة السبيع) بيومين، أي في اليوم السادس والعشرين من ذي الحجة سنة
ص: 193
66ﻫ/ 685م(1)، وقد وصل أرض الموصل في أوائل شهر محرم من سنة 67ﻫ/ 686م(2)، وتختلف الروايات في تاريخ الموقعة، ففي رواية الطبري أنّها حدثت في أوائل سنة 67ﻫ/ 686م(3)، في حين حدّدها المسعودي في العاشر من محرم سنة 67ﻫ/ 686م(4)، ولا تتفق الأخبار أيضاً علي عدد جيش ابن الأشتر، فأقل الأعداد اثنا عشر ألفاً(5)، وأكثرهاثلاثون ألف رجل(6)، في حين يذكرهم ابن اعثم علي أنهم أقل من عشرين ألفاً(7)، وإن العدد الأقرب إلي الصحة الذي كان يذكر أنّ جيش إبراهيم كان اثني عشر ألفاً، لأنه ينسجم مع المعلومات التي وصلتنا لعدد جيش إبراهيم بن الأشتر، وهو سبعة آلاف(8)، مضافاً إليه ثلاثة آلاف هم مجموع جيش يزيد بن أنس الأسدي(9)، ويبدو أن المختار أنتدب مع ابن الأشتر ألفين فقط من أصحابه، وكان أصحاب إبراهيم بن الأشتر جميعاً من العرب ومن مجرّبي الحرب(10)، وكان أكثر أصحابه من القبائل اليمانية حسب ما يفهم من التعبئة، كذلك الحال مع يزيد بن أنس، فهم أيضاً من العرب، من الفرسان المجرّبين الذين
ص: 194
انتخبهم بنفسه(1)، وبهذا يكون جيش ابن الأشتر من العرب المعروفين بفروسيتهم، وتبدو في أخبار الدينوري محاولة لإقحام الموالي وإعطائهم دوراً كبيراً في حركة المختار، وينسجم هذا مع ما أورده لموقعة الخازر، حيث أدّعي أنّ جيش ابن الأشتر من الموالي(2)، وهي محاولة لتشويه أخبار أصحاب المختار، وقد خرج مع ابن الأشتر أمراء الأرباع في الكوفة، وكان قادته من العرب رتّبهم علي النحو التالي: قيس بن طهفة النهدي علي ربع أهل المدينة، وعبد الله بن حية الأسدي علي ربع مذحج وأسد، والأسود بن قراد الكندي علي ربع كندة وربيعة، وحبيب بن منقذ الهمداني علي ربع تميم وهمدان(3).
وكان لخروج إبراهيم بن الأشتر أهمية خاصة عند المختار، فقد سار معه مسافة طويلة خارج الكوفة ليودّعه(4)، وقد أوصي ابن الأشتر بثلاث وصايا هي: «خف الله في سرك وعلانيتك وجّدَ السير، وإذا لقيت عدوك فناجزهم ساعة تلقاهم»، وهذه الوصايا تدلّ علي نظرة المختار العسكرية، وقد التزم بها ابن الأشتر، فاعتمد التعبئة والاستعداد مبكراً(5)، ابتداء بنزوله في حمام أعين، ثم موقع الكحيل(6)،وحتي تمركزه علي الخازر عند قرية تسمي (بارثيا)(7)، وكان ابن الأشتر يُرسل طليعة أمامه، ويبدو أنّ وصوله مبكراً أكسبه ميزة هامة، فاختار الموقع بعناية وبدأ يعبئ أصحابه،
ص: 195
وقد أعطي ابن الأشتر للإعداد النفسي أهمية خاصة، إذ كان هذا اللقاء الفرصة الحقيقية للانتقام من قتلة الإمام الحسين(عليه السلام)، وفرصة المختار نفسه لتطبيق أهم نصوص دعوته التي جاء بها إلي الكوفيين، ويبدو أنّ هذا الأمر كان مبعث حماسة كبيرة، فقد جاء شريك بن جدير التغلبي علي خيل ربيعة، ومعه ثلاثمائة من أصحابه للانتقام لدم الحسين(عليه السلام) (1)، وينقل الطبري صورةً مفصّلة لنشاط ابن الأشتر، حيث أظهر دوره الكبير في التعبئة النفسية قبل المعركة، ونقل الكثير من الخطب التي وجه فيها ابن الأشتر أصحابه للانتقام من قتلة الحسين(عليه السلام)، فيذكر في إحدي خطبه قائلاً: «يا أنصار الدين، يا شيعة الحق، يا شرطة الله، هذا قاتل الحسين(عليه السلام)، فما الذي تبقون له جدكم واجتهادكم بعد؟ هذا الذي حال بين الحسين(عليه السلام) وبين ماء الفرات...»(2).
ويبدو أنّ إبراهيم بن الأشتر بذل جهداً كبيراً في تعبئة أصحابه، وأظهر مقدرةً عسكرية فائقة في القتال، وكانأمراؤه علي الكتائب هم: سفيان بن يزيد الأزدي علي الميمنة، وعلي بن مالك الجشمي علي الميسرة، وعبد الرحمن بن عبد الله أخو إبراهيم لأمه علي الخيل، والطفيل بن لقيط النخعي علي الرجالة، وجعل رايته مع مزاحم بن مالك السكوني، ثم وزّع الخيل في الميمنة والقلب، ووضع أمراء الأرباع في أماكنهم، وأخذ يبعث طلائعه مستطلعاً أخبار ابن زياد(3)، أما جيش عبيد الله بن زياد فقد تميّز بكثرته، إذ يذكر الطبري(4) أنهم ثمانون ألفاً أو يزيدون، ويبدو أنّ ابن زياد اعتمد علي هذه الميزة، حتي أنه استهان بنصيحة عمير بن الحباب له بالعجلة بالسير لاختيار
ص: 196
الموقع(1)، ويبدو أنّ طبيعة الترتيب القبلي لجيش عبيد الله بن زياد، عملت علي هزيمته، إذ إنّ قبائل قيس كانت تكره آل مروان بسبب موقعة مرج راهط، وكان لذكري هذه الموقعة دورٌ حاسم في نتائج المعركة، التي انتهت لصالح المختار(2).
ويبدو من مسار الموقعة مشاعر أصحاب ابن الأشتر ورغبتهم في الانتقام(3)، مما أدي إلي انهزام أصحاب ابنزياد عند حلول الظلام فلاحقهم جيش ابن الأشتر حتي غرق أكثرهم في نهر الخازر(4)، فغنموا معسكرهم وكانت ذروة النصر بمقتل عبيد الله بن زياد، قيل: إنّ الذي قتله إبراهيم بن الأشتر(5)، وفي روايةٍ أخري أنّ شريك بن جدير هو الذي قتله(6)، وقد قتل باقي أمراء أهل الشام، وهم شرحبيل ابن ذي الكلاع الحميري، والحصين بن نمير السكوني(7).
لقد حقّق هذا الانتصار للمختار أهم شعارات دعوته، وهي الثأر للإمام الحسين(عليه السلام)، وأبعد عن الكوفة خطر أهل الشام، ويبدو أنّ عامّة أهل الكوفة اعتبروا ذلك نصراً لمصرهم لا للمختار وأصحابه، وقد قيلت العديد من القصائد لشعراء الكوفة وكان بعضهم من المعادين للمختار(8)، ثم بعث إبراهيم بن الأشتر
ص: 197
برأس عبيد الله بن زياد، ورؤوس أصحابه إلي المختار، والذي قام بدورهبإرسالها إلي الإمام علي بن الحسين(عليهما السلام) في المدينة، ويذكر أنّ الإمام لم يُرَ ضاحكاً يوماً منذ يوم كربلاء إلا في ذلك اليوم(1).
ولما تمّ لإبراهيم بن مالك الأشتر القضاء علي جيش الشام، وقتل قادته واستيلائه علي أرض الجزيرة أقام هناك، وكان المختار يكاتبه فلا يُجيبه(2)، وإنّ المختار قد بقي في عدد قليل من أصحابه(3)، مما أدي إلي انتهاز مصعب بن الزبير (أمير البصرة لأخيه عبد الله بن الزبير) الفرصة، وكاتب المهلب بن أبي صفرة وكان يحارب الخوارج، وبعث الكتاب مع محمد بن الأشعث الكندي؛ ليعطي للأمر أهمية كبيرة، «سُر إليه فليس أحدٌ سواك، فإنّه إذا نظر إليك رسولاً علم أنّ الأمر جدّ فلا يتخلّف، وأنظر أن لا تفارقه أو تشخصه معك»(4)، فدعا المهلب بأصحابه وقال: «إن الأزارقة لا يريدون إلا ما في أيديهم، والمختار يريد ما في أيديكم فذاك أولي بالدفع والنفع»(5)، ثم سار إلي البصرة فقرّبه مصعب، ثم أمر أصحابه بالتأهّب لحرب المختار، ثم خرج مصعب وخرج الناس معه من البصرة،وجعل علي كل قبيلة رئيساً يقتدون برأيه، فجعل علي قريش عمرو بن عبيد الله التيمي، وعلي تميم الأحنف بن قيس، وعلي أهل العالية من البصرة قيس بن الهيثم السلمي، وعلي بكر ابن وائل مسمع الجحدري، وعلي عبد قيس مالك بن المنذر بن الجارود العبدي،
ص: 198
وعلي كندة محمد بن الأشعث، وعلي مذحج عبيد الله بن الحر الجعفي، وعلي قبائل الأزد المهلب بن أبي صفرة(1).
وقد بلغ المختار ذلك فقام خطيباً في الناس، فحمد الله وأثني عليه، ثم قال: «أما بعد يا أهل الكوفة، فإنّ أهل مصركم بغوا عليكم، كما قتلوا ابن بنت نبيكم، فقد كانوا لجأوا إلي أمثالهم من الفاسقين الملحدين، فاستعانوا بهم عليكم، لما علموا أنّ ابن الأشتر قد خذلني، وقعد عن نصرتي، وقد بلغني أنهم خرجوا من البصرة يريدون قتلي ليضمحل الحق وينتعش الباطل، وليقتلوا أولياء الله، فانهدوا مع الأحمر بن شميط البجلي، فإني أرجو أن يهلكهم الله تعالي علي أيديكم»(2)، فأجابه الناس بالسمع والطاعة، وخرج بهم الأحمر بن شميط حتي عسكروا بحمام أعين، ثم رحل حتي نزل المذار(3) في ثلاثة آلاف فارس، وأقبل مصعب بن الزبيرقريباً منه في سبعة آلاف فارس وراجل من أهل البصرة والأهواز، وممن فر من الكوفة خوفاً من المختار(4)، وجري القتال بين الطرفين وكانت الغلبة لأصحاب ابن الزبير، وقُتل العديد من أصحاب المختار، وعلي رأسهم قائده أحمر بن شميط(5)، وقد نزل المختار همٌ عظيم؛ لِما لَقيَ أصحابه في موقعة المذار، فكتب إلي إبراهيم بن الأشتر فلم يجبه(6)، ثم سار مصعب حتي نزل حروراء(7)، وخرج المختار من الكوفة حتي نزل بإزائهم وقال:
ص: 199
«يا له من يومٍ لو حضرني فيه ابن الأشتر، ووالله ما من الموت بدّ»(1)، وجري القتال بينهم، وقال رجلٌ من أصحاب المختار اسمه عبد الله بن عمرو النهدي: «ويحكم أروني الموضع الذي فيه محمد بن الأشعث فإنّه والله ممن قاتل الحسين(عليه السلام) وشرك في دمه، وقال له: أيُ قرابة بينك وبين رسول الله(صلي الله عليه و آله و سلم) »(2)، وقد كان عبد الله هذا ممن شارك في صفين مع الإمام علي(عليه السلام) ثم قال: «اللهمّ إنّي علي ما كنت عليه بصفين، اللهم وإنّي أبرأممن قتل آل بيت نبيك محمد(صلي الله عليه و آله و سلم)، أو قاتلهم أو شرك في دمائهم»(3)، ثم حمل علي أصحاب مصعب وقتل محمد بن الأشعث ثم قُتل(4).
تُعدّ موقعة المذار أول هزيمة ساحقة لأصحاب المختار خارج الكوفة، فقد قُتل فيها رؤوس أصحابه، ومنهم أحمر بن شميط البجلي، وعبد الله بن كامل الشاكري(5).
وذكر الطبري أنّ عبد الرحمن بن أبي عمير الثقفي كان جالساً عند المختار عندما وصلته أنباء الهزيمة، فتألم المختار وتمنّي ميتة كريمة مثل ميتة أحمر بن شميط، وبدا أنّه سيستميت بالقتال(6)، حيث بدأ يستعدّ للحصار ويتقوي بالأموال والسلاح في الوقت الذي انفتحت فيه الطريق إلي الكوفة أمام قوات مصعب بن الزبير، الذي أتخذ احتياطاتٍ عسكرية ذكية، تمثلت في قطع الطريق النهري أمام أصحاب
ص: 200
المختار(1).ذكر الطبري أنّ أصحاب المختار الذين تحصّنوا معه كانوا ثمانية آلاف فقط، وأنّ غيرهم هرب إلي الدور عندما وصلت جيوش مصعب إلي الكوفة(2)، وقد أحكم مصعب الحصار علي القصر، فوزّع أصحابه علي الجبّانات، حيث بعث عبد الرحمن ابن الأشعث وزحر بن قيس إلي جبّانة مراد، وبعث عبيد الله بن الحر الجعفي إلي جبّانة الصائدين، وعباد بن الحصين إلي جبّانة كندة(3)، وكانت المؤونة تصل المختار وأصحابه عن طريق السبخة، تحضّرها النساء لهم، فندب مصعب بن الزبير عبيد الله بن الحر الجعفي لملاحقة السقائين، الذين استغلوا فرصة عطش أصحاب المختار، وأخذوا يبيعون شربة الماء بدينار أو دينارين(4)، وتختلف الروايات في مدة الحصار فقيل: إنّها أربعة أشهر(5).
ذكر الدينوري أنّ مدّة الحصار كانت شهرين(6)، وفي موضع آخر أنّها أربعون يوماً(7)، وبما أنّ عدد المحاصرين في القصر كان كبيراً ولا تكفيهم المؤونة مما يرجّح أنّ مدة الحصار كانت أربعين يوماً، وهو أقل الاحتمالات الواردة،وكان المختار يخرج أثناء الحصار مع أصحابه فيقاتلون قتالاً ضعيفاً ثم يعودون إلي القصر(8).
ص: 201
ويذكر أنّ صبيان الكوفة والبصرة كانوا يرمونه بالحجارة والماء القذر، وأنه شعر بعدم جدوي الحصار، فقرّر الخروج مستميتاً، إلا أنّه تراجع عندما تكاثر عليه أصحاب مصعب، وحاول إثارة أصحابه ببلاغة مؤثرة، حيث خطبهم بقوله: «إنّي والله إن قتلت لم تزدادوا إلا ضعفاً وذلاً، ثم إن أخذتم ذبحتم كما تُذبح الغنم، يقولون هذا قاتل أبي وهذا قاتل أخي، وإن قتلتم فمتم كِراماً»(1)، إلا أنّهم لم يستجيبوا له، وبدت النهاية أمام المختار واضحة، فتحنّط وتطيّب وخرج مستميتاً في عدد من أصحابه «لا أقل من سبعة عشر رجلاً، ولا أكثر من تسعة وعشيون»(2)، وقد رفض المختار أن يحكم في نفسه، وأندفع يقاتل حتي ألجأه أصحاب مصعب بن الزبير إلي حائط في سوق الزياتين وقتلوه مع أصحابه جميعاً(3).
وتختلف الأخبار فيمن قتله فقيل: قتله أخوان من عنزة؛ اسمهما طرفة وطريفة وقيل: إنّ تميماً تدّعي أنّ قاتله تميمي، في حين تدّعي ربيعة أنّ قاتله طراف بن يزيد الحنفي(4)،والمتّفق عليه أنه قُتل في اليوم الرابع عشر من رمضان سنة 67ﻫ/ 686م، وله من العمر سبعة وستون عاماً(5)، وقد أمر مصعب بن الزبير بقطع يد المختار اليُمني، ثم سمرها علي حائط المسجد، وبعث الرأس مع رؤوس وجوه أصحابه إلي مكة، وقيل: إنّ عبد الله بن الزبير نصب الرؤوس بالأبطح(6)، أما بخصوص الأسري فإنّ أغلبهم تعرّض للقتل صبراً، وبدأ الكوفيون الموتورون يثأرون لقتلاهم(7).
ص: 202
وتبيّن أخبار الأسري أنّهم حاولوا التأثير علي مصعب بن الزبير؛ ليستبقيهم، فأراد مصعب أن يقتل الموالي ويستبقي العرب(1)، لكنه رضخ أزاء تصلّب أشراف الكوفة ووافق علي قتلهم جميعاً(2)، وتختلف الروايات في عدد المقتولين، فبعضها يذكر أنهم ستة آلاف(3)، وهناك رواية تشير أنهم سبعة آلاف(4)، وأقلّ الأعداد التي رويتسبعمائة(5)، ثمّ أخذ مصعب بن الزبير يبعث إلي رؤوس أصحاب المختار العرب المتخفين في دورهم، ويقتلهم صبراً(6)، ومنهم عبد الرحمن وعبد ربه ابنا حجر بن عدي الكندي، وعمران بن حذيفة بن اليمان(7)، وكان لهذه المجزرة الجماعية أثرٌ سلبي خارج الكوفة، فقد أبدي عبد الله بن عمر بن الخطاب غضبه واحتجاجه: «والله ما كانوا غنماً من تراث الزبير»(8)، كذلك توجّع عبد الله بن عباس للمختار ولمن قُتل معه(9)، وقد قتل مصعب بن الزبير زوجة المختار عمرة بنت النعمان بن بشير الانصاري، وهي أول امرأة ضُربت عنقها صبراً في الإسلام، فكان لمقتلها أثرٌ مفجع حتي ذكرها الشعراء وتوجعوا لها، ومنهم عمر بن أبي ربيعة المخزومي(10)، وقد انتقلت الكوفة بعد ذلك إلي الزبيريين وتفرق أصحاب المختار.
ص: 203
ص: 204
من الحركات الكبيرة المناوئة لدولة بني أمية، والتي أحرزت نجاحاً كبيراً علي مساحاتٍ واسعة من البلاد الإسلامية حتي أوشكت بعد موت معاوية بن يزيد سنة 64ﻫ/ 683م(1)، أن تنتزع من بني أمية كلّ شيء، وترجع حركة ابن الزبير إلي بداية خلافة يزيد بن معاوية، عندما رفض عبد الله بن الزبير مبايعة يزيد، وخرج إلي مكة قبل خروج الإمام الحسين(عليه السلام) بليلة، ولقد تناولنا ذكر ذلك سابقاً، ومن الواضح أنّ ابن الزبير كان يحدّث نفسه في الوصول إلي الخلافة قبل مدة ليست بالقصيرة، وذلك منذ أن تولي يزيد بن معاوية الخلافة، والظاهر أنّ المسلمين لم يُحبوا يزيد وأفعاله.
فنما الأمل في نفس عبد الله بن الزبير، وأصبح من المعارضين في مكة لخلافة يزيد، ولكن كيف الوصول إلي الخلافة مع وجود الإمام الحسين(عليه السلام)، فعمد بكلّ وسيلة أن يترك الحسين(عليه السلام) الحجاز ويتّجه نحو العراق، إذ يذكر الطبري كلام ابن الزبير للإمام الحسين(عليه السلام) قبل خروجه إلي العراق «أما لو كان لي بها مثل شيعتك ما عدلت بها»(2)، وقد كان ابن الزبير حريصاً علي أن يلبّي الإمام الحسين(عليه السلام) نداءات
ص: 205
أهل الكوفة، لا أملاً في نجاح ثورة الحسين(عليه السلام) ولا تأييداً له، ولكن ليُقتل الحسين(عليه السلام) فيخلو الجوّ له وقد أشار عبد الله بن عباس بذلك لابن الزبير(1)، كما صرّح الإمام الحسين(عليه السلام) حول ذلك بقوله: «إنّ هذا ليس شيئ يؤتاه من الدنيا أحبّ إليه من أن أخرج من الحجاز إلي العراق، وقد علم أنه ليس له من الأمر معي من شيء، وأن الناس لا يعدلونه بي، فودّ أنّي خرجت منها؛ لتخلو له»(2).
وذكر ابن اعثم قائلاً: «ودخل الحسين إلي مكة، ففرح به أهلها فرحاً شديداً وجعلوا يختلفون إليه بكرةً وعشية، واشتدّ ذلك علي عبد الله بن الزبير؛ لأنه كان قد طمع أن يبايعه أهل مكة، فلما قدم الحسين شقّ ذلك عليه»(3)، ويذكر المسعودي: «وبلغ ابن الزبير أنه يريد - يعني الحسين - الخروج إلي الكوفة، وهو أثقل الناس عليه، قد غمّه مكانه بمكة، لأنّ الناس ما كانوا يعدلونه بالحسين(عليه السلام)، فلم يكن شيء يؤتاه أحبّ إليه من شخوص الحسين(عليه السلام) عن مكة»(4).
وبعد خروج الإمام الحسين(عليه السلام) إلي العراق بدأ عبد الله بن الزبير يجمع الناس حوله من الناقمين علي بني أمية، فوجّه عامل يزيد علي المدينة عمرو بن سعيد بن العاص جيشاً إلي مكة بقيادة عمرو بن الزبير، وكان هواه مع بني أمية وجري القتال بين الأخوين، ودارت الدائرة علي جيش عمرو بن الزبير، وتمّ أسره ثم اقتيد إلي السجن حيث مات هناك تحت ضرب السياط، وبعدها اشتدّت شوكة ابن الزبير،
ص: 206
وأصبح المنافس الأول لسلطان الأمويين(1).
وقد اتخذ ابن الزبير من استشهاد الإمام الحسين(عليه السلام) سبباً لتحقيق أهدافه، واستغلّ واقعة كربلاء ذريعةً في استمالة العديد من المسلمين الذين رأوا في ذلك انتهاكاً لحرمة الإسلام والمسلمين، إذ يذكر ابن الأثير قائلاً: «إنّ عبد الله بن الزبير أظهر الخلاف علي يزيد، وبويع بمكة بعد قتل الحسين(عليه السلام) فإنه لما بلغه قتل الحسين(عليه السلام) قام في الناس وعظّم قتله، وعابأهل الكوفة خاصة، وأهل العراق عامة...»(2)، وبدأ يحرّض الناس في الخروج علي يزيد وقام فخطب بهم قائلاً بعد حمد الله والصلاة علي نبيه(صلي الله عليه و آله و سلم) : «إنّ أهل العراق غدراء فجراء إلا قليلاً، وإنّ أهل الكوفة شِرار أهل العراق، وإنّهم دعوا الحسين(عليه السلام) لينصروه ويولّوه عليهم، فلما قَدِمَ عليهم ثاروا عليه فقالوا: إما أن تضع يدك في أيدينا فنبعث بك إلي ابن زياد بن سُمية فيمضي فيك حكمه، وإما أن تحارب، فرأي والله أنّه هو وأصحابه قليل في كثير فإن كان الله لم يطلِع علي الغيب أحداً أنه مقتول، ولكنه اختار الميتة الكريمة علي الحياة الذميمة، فرحم الله الحسين(عليه السلام) وأخزي قاتله، لعمري لقد كان من خلافهم إياه وعصيانهم بما كان في مثله واعظ أو ناه عنهم، ولكنه ما قرر نازل، وإذا أراد الله أمراً لم يدفع أفبعد الحسين(عليه السلام) نطمئن إلي هؤلاء القوم ونصدق قولهم ونقبل لهم عهداً؟ لا والله، لا نراهم لذلك أهلاً، أما والله لقد قتلوه طويلاً بالليل قيامه، كثيراً في النهار صيامه، أحقُ بماهم فيه منهم، وأولي به في الدين والفضل، أما والله ما كان يبدل بالقرآن غيّاً، ولا بالبكاء من خشية الله حداً، ولا بالصيام شرب الخمر، ولا بالمجالس في حَلَق الذكر بكلاب الصيد - يعرض بيزيد -
ص: 207
فسوف يلقون غيّاً»(1).
وهناك إشارة إلي أن يزيد قد هادن ابن الزبير، وحاول استمالته، وأرسل إليه وفداً أخبرهم أن يأخذوه بالرفق والتأني؛ إذ قال: «...وعليكم بالرفق والتأني، فإن أجاب إلي ذلكفخذوا بيعته وانصرفوا عنه، وإن أبي إلا العداوة وشقّ العصا فخوّفوه وحذرّوه ما نزل بالحسين بن علي، وليس الزبير عندي بأفضل من علي بن أبي طالب، ولا ابنه عبد الله بأفضل من الحسين بن علي...»(2).
ونفهم من كلام يزيد أنه لا يبالي بعد قتل الحسين(عليه السلام) أن يقتل أي شخص، مهما كانت مكانته في المجتمع الإسلامي، حتي لو استوجب ذلك غزو مكة(3)، وهذا ما حدث فعلاً، ويذكر الدكتور علي إبراهيم حسن أن يزيد كان مصمماً علي أن يواجه ابن الزبير كما واجه الحسين(عليه السلام) من قبل(4)، وبعد أن هدّد الوفد ابن الزبير بغزو مكة إن لم يبايع ردّ عليهم المختار بن أبي عبيد الثقفي وكان حاضراً عند ابن الزبير بكلام موجز، أوضح فيه عدم انقيادهم لأمر يزيد، وأوضح بأن، خلافته غير شرعية «والله ما كان أبوه أمير المؤمنين، وقد قتل وسفك دماء المؤمنين، وقد قتل ابن بنت رسول رب العالمين»(5).
وبعد أن تشاجر الطرفان وارتفعت الأصوات بينهم لم يُجبهم ابن الزبير إلي ما أرادوا، رجعوا إلي يزيد فأخبروه بامتناعه عن البيعة، فأمهله وأخذ يتأنّي في أمره(6)،
ص: 208
ويقول لأصحابه: «ويحكم! إني قتلت بالأمس الحسين بن علي، وأقتل اليوم عبد الله ابن الزبير! أخاف أن تشعث عليَّ العامة، ولا يحتمل ذلك لي ويستنغص عليَّ أمري»(1)، ثم تحرجت الأحوال وثار أهل المدينة بتحريض من عبد الله بن الزبير(2)، وقد تناولنا ذلك في أحداث موقعة الحرة وما جري بعد ذلك من انتهاك الحرمات.
ولما فرغ مسلم بن عقبة المرّي من قتال أهل المدينة ونهبها استخلف عليها روح ابن زنباغ الجذامي، وقيل: عمر بن محرز الأشجعي(3)، وتوجّه نحو مكة، وقد بايع أهلها وأهل الحجاز عبد الله بن الزبير(4).
وما كاد جيش الشام أن يصل إلي مكة حتي مات قائدهم مسلم بن عقبة المري في المشلل بالقرب من مكة(5)، وقد استخلف علي القيادة الحصين بن نميرالسكوني، فسار الحصين حتي قدم مكة في 26 محرم سنة 64ﻫ/ 683م(6)، وقد اجتمع مع ابن
ص: 209
الزبير الفارّون من المدينة بعد موقعة الحرة، وجماعة من الخوارج النجدية وكان عليهم نجدة بن عامر الحنفي، ولم يكن رأيهم مع ابن الزبير لكنهم جاءوا مدافعين عن البيت(1).
ثم حاصر أهل الشام مكة، وقاموا يقاتلون أهلها ومن أنضمّ إليهم بقية شهر محرم وصفر كله، وفي الثالث من ربيع الأول سنة (64ﻫ/ 684م) أخذوا يرمون البيت الحرام بالمجانيق المنصوبة علي جبل أبي قُبيس، وأحرقوه بالنار(2)، وذكر المسعودي: «...فتواردت أحجار المجانيق والعرادات علي البيت، ورمي مع الأحجار بالنار والنفط ومشاقات الكتان وغير ذلكمن المحرقات، وانهدمت الكعبة واحترقت الأبنية...»(3).
وظل أهل الشام يحاصرون مكة ويرمونها بالمجانيق حتي بلغهم نعي يزيد بن معاوية(4)، فتوقّفوا عن القتال، وأرسل الحصين إلي عبد الله بن الزبير يطلب مهادنته(5)، ويذكر الطبري بقوله: «بينما الحصين بن نمير يقاتل ابن الزبير إذ جاء موت يزيد، فصاح بهم ابن الزبير، قائلاً: إنّ طاغيتكم قد هلك، فمن شاء منكم أن يدخل
ص: 210
فيما دخل فيه الناس فليفعل، ومن كره فليلحق بشآمه، فأخذوا عليه يقاتلونه»(1)، وعندما علم الحصين وأصحابه بموت يزيد طلبوا الدخول إلي المسجد ثم الانصراف ففتحت لهم أبواب المسجد ودخلوا إليه(2)، وخاطب الحصين عبد الله بن الزبير هامساً فقال: «إن يكُ هذا الرجل قد هلك فأنت أحقّ الناس بهذا الأمر، هلمّ نبايعك، ثم اخرج معي إلي الشام، فإنّ هذا الجند الذي معي هم وجوه أهل الشاموفرسانهم، فوالله لا يختلف عليك اثنان...»(3). وطلب الحصين من ابن الزبير أن تُهدر الدماء التي كانت بينهم فقال ابن الزبير: «أنا أهدر تلك الدماء أما والله لا أرضي أن أقتل بكل رجل عشرة»(4).
وكان الحصين يكلم ابن الزبير سرّاً ويكلّمه ابن الزبير جهراً، فقال الحصين: «قبّح الله من يعدّك بعد هذه داهياً قط أو أديباً قد كنت أظنّ أنّ لك رأياً، ألا أراني أكلمك سِراً وتكلمني جهراً، وأدعوك إلي الخلافة وتعدني القتل والهلكة»(5)، وعلي أثر ذلك انصرف الحصين مع جنوده إلي الشام، وقد بويع معاوية بن يزيد بالخلافة وبويع عبد الله بن الزبير بالخلافة بالحجاز(6).
وقد أشار الدكتور طه حسين إلي حصار ابن الزبير قائلاً: «وكان في حصار ابن الزبير بمكة والمضي في هذا الحصار حتي يستسلم ابن الزبير مُقنع ليزيد وأصحابه،
ص: 211
ولكن جيش يزيد أبي إلا أن ينتهك حرمة مكة كما انتهك حرمة المدينة، وأسخط يزيد علي نفسه بذلك أهلالحجاز وعامة المسلمين، كما أسخطهم بقتل الحسين(عليه السلام) »(1).
بعد وفاة يزيد بن معاوية استخلف ابنه معاوية بن يزيد وذلك في ربيع الأول سنة 64ﻫ/ 683م(2)، فلبث فترة عن الناس، ثم خرج بعد ذلك فحمد الله وأثني عليه ثم قال: «أما بعد، فإني قد نظرت في أمركم فضعفت عنه، فابتغيت لكم ستة في الشوري مثل ستةِ عمر، فلم أجدها، فأنتم أولي بأمركم، فاختاروا له من أحببتم، ثم دخل منزله ولم يخرج إلي الناس، وتغيّب حتي مات»(3)، وذكر المسعودي قائلاً: «وملك معاوية ابن يزيد بن معاوية بعد أبيه، فكانت أيامه أربعين يوماً إلي أن مات، وقيل: شهرين وقيل: غير ذلك... ولما حضرته الوفاة اجتمعت إليه بنو أمية فقالوا له: أعهد إلي من رأيت من أهل بيتك، فقال: والله ما ذقت حلاوة خلافتكم فكيف أتقلد وزرها وتتعجلون أنتم حلاوتها وأتعجل مرارتها؟ اللهم أني بريء منها متخلٍّ عنها...»(4).
ويذكر أنه لم يقم بشيء من أمور الخلافة «...ولما استخلف كان مريضاً إلي أن مات، ولم يخرج إلي الباب، ولا فعل شيئاً من الأمور، ولا صلي بالناس وكانت مدة خلافته أربعين يوماً، وقيل: شهرين،وقيل: ثلاثة أشهر... وقال ما أصبت من حلاوتها فَلِمَ أتحمل مراراتها؟»(5).
ص: 212
ومن هنا يتبين لنا أنّ معاوية بن يزيد، أراد إتباع المبدأ الإسلامي ولم يقبل بالوراثة والذي يدل علي ذلك قوله حينما خطب الناس قائلاً: «أيها الناس، فإنا بلينا بكم وبليتم بنا، فما نجهل كراهتكم لنا وطعنكم علينا، ألا وإنّ جدي معاوية بن أبي سفيان نازع الأمر من كان أولي به منه في القرابة برسول الله، وأحق في الإسلام، سابق المسلمين وأول المؤمنين، وابن عمّ رسول رب العالمين وأبا بقية خاتم المرسلين...»(1).
أما أهل الحجاز فقد بايعوا لعبد الله بن الزبير فور سماعهم بوفاة يزيد بن معاوية وتابعت الحجاز كلّ من اليمامة واليمن وبقية الجزيرة العربية في بيعتها لابن الزبير(2)، وبعد خلو مركز الخلافة بوفاة معاوية الثاني(3)، توجه جماعة من أهل مصر إلي الحجاز وبايعوا لابن الزبير، فأرسل إليهم عبد الرحمن بن جحدم الفهري(4) والياً عليهافدخلها في شعبان سنة 64ﻫ/ 684م، ودخل معه مصر جماعة من الخوارج(5)، من الذين كانت لهم علاقة حسنة بعبد الله بن الزبير؛ إذ كانوا يدافعون عن مكة ضد الجيش الشامي الذي كان محاصراً لها بقيادة الحصين بن نمير السكوني(6).
أما في العراق فقد كان الوالي آنذاك عبيد الله بن زياد(7)، وكان مقيماً في البصرة
ص: 213
وخليفته علي الكوفة عمرو بن حريث، وحين علم عبيد الله بن زياد بهلاك يزيد بن معاوية، نادي بالصلاة جامعة، وخطب في أهل البصرة قائلاً: «وإن يزيد قد توفي واختلف الناس بالشام، وأنتم اليوم أكثر الناس عدداً وأعرضهم فناءً وأغني الناس وأوسعهم بلاداً فاختاروا لأنفسكم رجلاً ترضونه لدينكم وجماعتكم... فما بكم إلي أحد من أهل البلدان حاجة، وما يستغني الناس عنكم»(1). فأجابوه قائلين: «نحن راضون بك حتي يجتمع الناس»(2)، فبسط عبيد الله بن زياد يده فبايعه أهل البصرة ثم انصرفوا عنه يمسحون أيديهم بالحيطان ويقولون: أيظنّ ابن مرجانة أنا ننقاد اليه في الجماعةوالفرقة، ثم أرسل عبيد الله رسولاً إلي أهل الكوفة يطلب بيعتهم، فأبوا عليه(3)، وحينما سمع أهل البصرة برفض أهل الكوفة لبيعة عبيد الله بن زياد خالفوه أيضاً ورفضوا بيعته، فخافهم علي نفسه واستجار بمسعود بن عمرو سيد الازد في البصرة، فأجاره حتي هرب إلي الشام(4)، واتفق أهل البصرة علي اختيار عبد الله بن الحارث(5) والياً عليهم(6).
أما أهل الكوفة فعند سماعهم بهلاك يزيد بن معاوية قاموا بطرد عمرو بن حريث خليفة عبيد الله بن زياد عليهم(7)، واتفقوا علي تولية عامر بن مسعود
ص: 214
القرشي(1)، حيث قام عامر بن مسعود بأخذ البيعة لعبد الله بنالزبير(2).
وهكذا نري أن عبيد الله بن زياد عجز عن ضبط أمور البصرة والكوفة عندما أختلّ الأمر في الشام، ونجا بنفسه هارباً من ثورة أعدائه الكثيرين، ثم كتب عبد الله ابن الزبير إلي أنس بن مالك أن يصلي بأهل البصرة والياً عليهم من قبله(3)، كما أرسل إلي الكوفة عبد الله بن يزيد الأنصاري(4).
وقد ذكرنا ذلك في أحداث حركة التوابين، واستمرت أوضاع العراق علي هذا الحال حتي بعث عبد الله بن الزبير أخاه مصعب فحاز العراق له(5).
وعلي الرغم من أنّ الشام مركز الحكم الأموي لفترة طويلة، وأنّ أغلب سكانه من القبائل اليمانية المؤيدة لهم، وصاحبة اليد في تأسيس هذا الحكم في عهد معاوية الأول، فقد أعلنت بيعتها لابن الزبير؛ وذلك لخلو مركز الخلافة من شخصية تستطيع الوقوف بوجه ابن الزبير، كما أنّ قبائل الشام كانت منقسمة إلي فئتين (قيسية ويمانية) وكانت القيسية حانقة علي الأمويين؛لتقريبهم أهل اليمن، لهذا أعلن زعيم القيسية في الشام الضحاك بن قيس الفهري تأييده لعبد الله بن الزبير، فبعث الأخير إليه بعهده(6)، وأصبح الضحاك بن قيس ممثلاً له في الشام(7).
ص: 215
وفي حمص أعلن النعمان بن بشير الأنصاري بيعته لابن الزبير(1) لإيمان النعمان بأحقية ابن الزبير بالخلافة(2)، أما فلسطين فقد كانت تحت ولاية حسان بن مالك بن بحدل الكلبي بالرغم من أنّ سكانها من قبيلة جذام، وعندما أعلن ابن الزبير نفسه خليفةًً في مكة أرسل ناتل بن قيس الجذامي والياً علي فلسطين والذي كان عنده آنذاك، وقال له: «أكفني فلسطين بما فيها من قومك جذام»(3)، فلما وصل إلي فلسطين أرسل إلي حسان بن مالك الكلبي قائلاً: «إما أنتخرج وإما أن أدخل عليك فأقتلك»(4)، وبهذا أصبحت فلسطين تابعة لابن الزبير، وكان سبب ميل ناتل بن قيس الجذامي إلي ابن الزبير يرجع إلي الصداقة التي بينهما(5)، وربما هو ناتج عن إحساسه بتجاهل الأمويين له بتوليتهم فلسطين موطن قبيلة جذام إلي حسان بن مالك الكلبي(6)، أما قنسرين فقد كانت تحت أمرة سعيد بن مالك بن بحدل الكلبي أخي حسان علي الرغم من أنها مركز تجمع قبائل قيس، مما جعلها تحنق علي الكلبيين وتنتظر الفرصة المواتية للتخلص من آل بحدل والأمويين وهذا ما حصل فعلاً بعد وفاة يزيد بن معاوية مما جعل زفر بن الحارث الكلابي يستغل هذه الظروف فيطرد سعيد بن مالك بن بحدل ويعلن بيعته لابن الزبير(7)، وكانت نتيجة هذا الاختلاف بين أهل الشام حدوث وقعة مرج راهط بين الضحاك بن قيس
ص: 216
الفهري ومروان بن الحكم(1) الذي بويع بالخلافة أثناء مؤتمر الجابية(2) وكان النصر حليف مروان، ويذكر الطبريذلك قائلاً: «...وقتلت قيس بمرج راهط مقتلة لم يقتل مثلها في موطن قط»(3)، ولم تصل إمدادات ابن الزبير للدفاع عن ملكه، وقتل النعمان بن بشير وهرب زفر بن الحارث الكلابي، ولم تنصرهم دار الخلافة بمكة(4)، وعادت الأحداث لتصبّ في مصلحة ابن الزبير؛ حيث خرج التوابون من الكوفة لمقاتلة أهل الشام وفي العام نفسه توفي مروان بن الحكم وخلفه ابنه عبد الملك، ثم سيطر المختار علي الكوفة وأرسل جيشاً لمحاربة جيش الشام بقيادة عبيد الله بن زياد فأنتصر أهل الكوفة، وقتل ابن زياد وعدد كبير من قواده، ثم استعان أهل الكوفة بمصعب بن الزبير لمقاتلة المختار، فدارت الدائرة علي المختار، وسيطر مصعب علي الكوفة، وقد أوردنا ذكر ذلك في صفحات سابقة.
ورغم أنّ الأوضاع كانت تسير إلي جانب ابن الزبير إلا أنه لم يتحرّك ولو لمرة واحدة ليحمي ما حصل عليه من ملك، ولم تكن صلته طيبة حتي بأقرب الناس إليه حيث قام بعزل أخيه مصعب الذي كسب إليه قلوب العراقيين(5)، فضلاً عن أن علاقته لم تكن طيبة مع بنيهاشم أصحاب القاعدة الشعبية الكبيرة، وأظهر لهم العداوة والبغضاء(6)، ولم يعمل علي استمالة بعض الأمويين وشقّ صفوفهم بعد
ص: 217
مبايعة يحيي بن سعيد بن العاص له والانضمام لمعسكره(1).
وعندما قدم أهل العراق للحج مع مصعب بن الزبير سنة 70ﻫ/ 689م(2)، والذي خاطب أخاه قائلاً: «يا أمير المؤمنين قد جئتك برؤساء أهل العراق وأشرافهم، كلّ مطاع في قومه وهم الذين سارعوا إلي بيعتك، وقاموا بإحياء دعوتك، ونابذوا أهل معصيتك، وسعوا في قطع عدوّك فأعطهم من هذا المال»(3)، فقال عبد الله: «جئتني بعبيد أهل العراق وتأمرني أن أعطيهم مال الله، لا أفعل وأيم الله لوددت أن أصرّفهم كما تصرّف الدنانير بالدراهم، عشرة من هؤلاء برجل من أهل الشام، فقال رجل: علقناك وعلقت أهل الشام»(4).
ويبدو أنّ موقف أهل العراق قد تغير بعد هذه الحادثة، ولذلك كتبوا إلي عبد الملك ابن مروان بعد انصرافهم من ابن الزبير مباشرةً(5)، وبعد أن التقي مصعب بن الزبير بجيش الشام الذي كان بقيادة عبد الملك بن مروان فيمنطقة مسكن(6) خذله أهل الكوفة(7). وذكر الطبري روايةً مرسلة عن عروة بن المغيرة بن شعبة: «قال عروة بن المغيرة بن شعبة: فخرج يسير متكئاً - يعني مصعب بن الزبير - علي عرف دابته ثم تصفح الناس يميناً وشمالاً فوقعت عينه عليَّ، فقال: يا عروة، إلي فدنوت منه، فقال: أخبرني عن الحسين بن علي(عليهما السلام) كيف صنع بإبائه النزول علي حُكم ابن زياد
ص: 218
وعزمه عن الحرب؟فقلت: قال الحسين:
إنّ الألي بالطفّ من آلِ هاشِمٍ *** تأسّوا فسنّوا للكرام التأسّيا
قال: فعلمت أنه لا يريم حتي يقتل»(1). ثم جري القتال بين الطرفين عند دير الجاثليق(2) سنة 71ﻫ/ 690م، وكانالنصر حليف عبد الملك بن مروان، حيث قتل مصعب بن الزبير، وبايع أهل العراق لعبد الملك بن مروان(3).
ثم وجّه عبد الملك بن مروان الحجاج بن يوسف الثقفي لقتال عبد الله بن الزبير وذلك في سنة 72ﻫ/ 691م(4)، وقد بقي الحجاج محاصراً لابن الزبير في مكة ستة أشهر، حتي دخلت سنة 73ﻫ/ 692م، وفيها قتل ابن الزبير وبايع أهل مكة لعبد الملك بن مروان(5).
ص: 219
ص: 220
حينما أصبح الحجاج بن يوسف الثقفي والياً علي العراق من قبل عبد الملك بن مروان وذلك في سنة 75ﻫ/694م(1)، دخل الكوفة وألقي فيها خطبته الشهيرة قائلاً: «يا أهل العراق، ويا أهل الشقاق والنفاق والمراق ومساوئ الأخلاق، إنّ أمير المؤمنين نثر كنانته فجمعها عوداً عوداً، فوجدني أمرّها عوداً وأصعبها كسراً، فرماكم بي، وإنه قلّدني عليكم سوطاً وسيفاً، فسقط السوط وبقي السيف، وتكلم بكلام كثير فيه توعد وتهديد»(2).
وذكر المسعودي إحدي خطب الحجاج حيث يقول: «...إني والله لأري أبصاراً طامحة، وأعناقاً متطاولة، ورؤوساً قد أينعت وحان قطافها وإنّي أنا صاحبها، كأني أنظر إلي الدماء ترقرق بين العمائم واللحي»(3).
ويشير الدكتور علي إبراهيم حسن موضحاً خطبةالحجاج هذه بقوله: «وهذه الخطبة تبيّن سياسة الشدّة التي اعتزم الحجاج أن ينتهجها مع أهل العراق، فقد نشر بينهم حكماً عرفياً عسكرياً، وأسرف في القتل، فكان يأخذ بالريبة والظنّة، ويقتل قوماً ليرهب آخرين، وإنه ما ترك محتجاً علي فعل إلا قضي عليه، وما كان يذكر أنه أجرأ
ص: 221
الناس علي سفك الدماء...»(1).
لقد أدّت هذه السياسة إلي ثورة رجل من أهل بيت عرف بإخلاصه للدولة الأموية هو مطرف بن المغيرة بن شعبة(2)، فلما وليَّ مطرف المدائن صعد المنبر، ثم قال: «أيها الناس، إنّ الأمير الحجاج - أصلحه الله - قد ولاني عليكم وأمرني بالحكم بالحق والعدل في السيرة، فإن عملت بما أمرني به فأنا أسعد الناس، وإن لم أفعل فنفسي اوبقت وحظّ نفسي ضيعت ألا إنّي جالس لكم العصرين، فارفعوا إليّ حوائجكم وأشيروا عليَّ بما يصلحكم ويصلح بلادكم؛ فإني لن الدكم خيراً ما استطعت»(3)، إنّ من يقرأ خطبة مطرف بن المغيرة بإمعان يجد أنه كان رجلاً حيّ الضمير، فلم يعمِ عينه السلطان الذي حباه به الحجاج عن إدراك الظلم الفادح الذي أنزله بالأمة الإسلامية، وقد أتصل بهدعاة الخوارج فأرادوه أن ينضمّ إليهم، ويسلّم بإمرة المؤمنين لزعيمهم شبيب الخارجي، وأرادهم هو أن ينضمّوا إليه؛ ليعيدوا الأمر شوري في المسلمين، فأبي وأبوا(4). وقد استشار مطرف نصحاءه في الثورة فلم ينصحه بها أحد منهم(5)، ولكنه ثار بمن أجابه، وكلّم رؤوس أصحابه فقال: «أما بعد، فإنَّ الله كتب الجهاد علي خلقه وأمر بالعدل والإحسان، وقال فيما أنزل علينا:
ص: 222
«وَتَعَاوَنُوا عَلَي الْبِرِّ وَالتَّقْوَي وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَي الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ»(1)، واني أشهد الله أني خلعت عبد الملك بن مروان، والحجاج بن يوسف، فمن أحبّ منكم صحبتي، وكان علي مثل رأيي فليتابعني، فإنَّ له الأسوة وحسن الصحبة، ومن أبي فليذهب حيث شاء فإني لست أحبّ أن يتبعني من ليس له نية في جهاد أهل الجور، أدعوكم إلي كتاب الله وسنة نبيه، وإلي قتال الظلمة، فإذا جمع الله لنا أمرنا كان هذا الأمر شوري بين المسلمين يرتضون لأنفسهم من أحبوا»(2).
وعندما أصبح مطرف قريباً من همدان أرسل إلي أخيه حمزة، وكان والياً عليها من قبل الحجاج أن يمدده بالمالوالسلاح، فقبل(3)، ثم إنّ مطرفاً كتب كتاباً إلي سويد بن سرحان الثقفي وإلي بكير بن هارون البجلي، وكانا في الري يحثّهما علي نصرته جاء فيه: «أما بعد، فإنا ندعوكم إلي كتاب الله وسنة نبيه، وإلي جهاد من عَنَدَ عن الحق واستأثر بالفيء، وترك حكم الكتاب، فإذا ظهر الحقّ ودمغ الباطل، وكانت كلمة الله هي العليا، جعلنا هذا الأمر شوري بين الأمة يرتضي المسلمون لأنفسهم الرضا، فمن قبل هذا منا كان أخانا في ديننا، وولينا في محيانا ومماتنا، ومن ردّ ذلك علينا جاهدناه، واستنصرنا الله عليه فكفي بنا عليه حجة، وكفي بتركه الجهاد في سبيل الله غبناً وبعد إهانة الظالمين في أمر الله وهناً...» (4).
وعندما وصل كتاب مطرف إليهما قدما عليه في نحو مائة رجل من أهل الري(5)، ثم إنّ الحجاج بعث إلي عدي بن وتاد وكان عامله علي الري بالمسير إلي
ص: 223
مطرف، فسار إليه عدي، وجري القتال بينهما وانهزم أصحاب مطرف، وقتل هو وبعث برأسه إلي الحجاج(1)، وبهذا فقد انتهتهذه الحركة بالفشل منذُ ولادتها، وقد كانت تحمل في طياتها شيئاً من منهاج ثورة الإمام الحسين(عليه السلام)، ويقول الدكتور ضياء الدين الريس في ثورة مطرف وسياسة الحجاج قائلاً: «لقد ثار مطرف بن المغيرة وكان آنذاك والياً علي المدائن، فلم يرض عما وصفه بأنه: (سياسة جور وتسلط بالجبرية) وقام بثورة عام (77ﻫ/696م) تبعه فيها ناس كثير...»(2).
ثار عبد الرحمن بن محمد بن الأشعث سنة 81ﻫ/700م معلناً خلع الحجاج ابن يوسف الثقفي أمير العراق، ومن ثم الخليفة عبد الملك بن مروان(3)، إذ رأي عبد الرحمن بن الأشعث أنه ليس من مصلحة المسلمين أن يتوغلوا داخل سجستان وبلاد رتبيل حتي يعيدوا تنظيمهم، لكن الحجاج رفض ذلك، وبعث كتاباً إلي عبد الرحمن ابن الأشعث موبخاً له وعلي أنه يهادن عدواً ضعيفاً ذليلاً(4)، ويشير فلهاوزن إلي أنّ ثورة ابن الأشعث ثورة هزمها الحكم الأموي، وقدجاءت نتيجة إدراك الشعب أن الفتوح لا تصبّ بمصلحته الخاصة(5)، وعرض عبد الرحمن علي جنوده أمر الحجاج بعد أن بين لهم رأيه الذي استقرّ عليه بعد أن استشار قواده
ص: 224
وأمراء جنده، ثم قال: «...وإنما أنا رجل منكم أمضي إذا مضيتم، وأبي إذا أبيتم»(1)، فشار إليه الناس وقالوا: «بل نأبي علي عدو الله، ولا نسمع له ولا نطيع»(2).
وقام عامر بن واثلة الكناني فقال: «أما بعد، فإنّ الحجاج يري بكم ما رأي القائل الأول: احمل عبدك علي الفرس، فإن هلك هلك، وإن نجا فلك، إنّ الحجاج ما يبالي أن يخاطر بكم فيقحمكم بلاداً كثيرة اللهوب واللصوب، فإن ظفرتم فخنتم أكل البلاد وحاز المال وكان ذلك زيادة في سلطانه، وإن ظفر عدوكم كنتم أنتم الأعداء الخضاع الذي لا يبالي عنتهم ولا يبقي عليهم، اخلعوا عدو الله الحجاج، وبايعوا عبد الرحمن فإنّي أشهدكم أنّي أول خالع»(3).
فوثب الناس إلي عبد الرحمن بن الأشعث، فبايعوه علي خلع الحجاج، ونفيه من أرض العراق وقفلوا راجعين حتي إذا بلغوا فارس خلعوا عبد الملك بن مروان، وبايعوا علي كتابالله وسنة نبيه، وعلي جهاد أهل الضلالة وخلعهم وجهاد المحلين(4)، ولما بلغ عبد الرحمن البصرة بايعه جميع أهلها وقرائها وكهولها، مستبصرين في قتال الحجاج ومن معه من أهل الشام وخلع عبد الملك، وأن سبب إسراع أهل البصرة إلي مساندة الثورة هو الظلم والجوع(5)، وقد بلغ التذمر غايته، والناس يستغيثون وينادون يا محمداه! يا محمداه! في آخر إجراء اجتماعي واقتصادي يمارسه الحجاج بأمره بترحيل الناس إلي قراهم الأصلية وأخذ الجزية منهم، فكان
ص: 225
القراء يبكون ألماً ويلتهبون غيظاً(1)، لهذا ولغيره، ولما رأوه طويلاً من تضييع لمعالم الدين، فوافقت ذروة تذمرهم هذه حركة ابن الأشعث ودخوله البصرة، فكانت فرصتهم التي لم يجدوا مسوّغاً للتفريط بها، ولقد عبرت نداءاتهم عن مبادئهم وحددت عوامل نهضتهم، كما في ندائهم الوجيز الجامع: «قاتلوهم علي جورهم في الحكم، وتجبرهم في الدين، واستذلالهم الضعفاء، وإماتتهم الصلاة»(2)، وفي نداء آخر: «قاتلوهم علي دينكم، فو الله لئن ظهرواعليكم ليُفسدنَّ عليكم دينكم، وليغلبن علي دنياكم»(3)، وقد كان شعارهم «يا ثارات الصلاة»(4)، وبهذا فقد قدم ابن الأشعث علي مجتمع معبأ ينتظر قائداً، فاستجاب المجتمع هذه الاستجابة السريعة، واستبصر قراء البصرة في قتال الحجاج مع عبد الرحمن بن الأشعث(5).
وقد كان دخول ابن الأشعث البصرة في أواخر سنة 81ﻫ/ 700م(6)، وبعد أن حلّت سنة 82ﻫ/700م، خرج الحجاج من البصرة ونزل الزاوية(7)، أما ابن الأشعث فنزل الخريبة(8) واتخذها معسكراً له ثم جري القتال بين الطرفين(9)، وكان
ص: 226
مع الحجاج ثلاثة وعشرون ألفاً من جند الشام ومن تبعهمن أهل العراق، أما ابن الأشعث فاجتمع له ستون ألفاً من الكوفة والبصرة والموالي(1)، وانتهت المعركة بهزيمة ابن الأشعث، وخلف عسكره وأتجه نحو الكوفة(2)، وبعد أن استقرّ ابن الأشعث بالكوفة واجتمع إليه أهلها، ومن جاء من أهل البصرة وقراءها، وقد تبعهم الحجاج حيث نزل بدير قرة(3)، ونزل عبد الرحمن بن الأشعث بدير الجماجم(4)، وقد اجتمع إليه الناس حيث بلغوا مائة ألف، وقيل: مائة وعشرين ألفاً يأخذون العطاء(5)، ثم جرت مفاوضات بين الخلافة وابن الأشعث، وكان من المقترحات المساواة بالعطاء بين أهل العراق وأهل الشام وأن يتولي ابن الأشعث ولاية جزء من العراق إلا أنها فشلت(6)، ودارت معركة كبيرة عرفت بدير الجماجم انتهت بهزيمة ابنالأشعث، وكان ذلك في أوائل سنة 83ﻫ/ 702م(7)، وقام الحجاج بعد ذلك بقتل عدد من القراء صبراً؛ منهم كميل بن زياد النخعي صاحب أمير المؤمنين علي بن أبي طالب(عليه السلام) (8)، وبعد أن هُزم ابن الأشعث في دير الجماجم اجتمع إليه الفارون من الحجاج من أهل الكوفة والبصرة وجرت المعركة الفاصلة
ص: 227
والتي عرفت بموقعة مسكن، وقد انهزم بها ابن الأشعث وفرّ إلي رتبيل(1)، ثم أرسل الحجاج إلي رتبيل أن يرسل إليه ابن الأشعث، فأراد رتبيل أن يرسله، فلما أحيط بابن الأشعث ألقي نفسه من فوق قصر فمات(2).
ويوضّح الذهبي سبب خروج ابن الأشعث قائلاً: «وأقبل عبد الرحمن بن الأشعث من سجستان في جمع كبير، وقام معه علماء وصلحاء الله تعالي؛ لما انتهك الحجاج من إماتته وقت الصلاة، ولجوره وجبروته، فقاتله الحجاج وجري بينهما مصافاة عدة، ودامت الحرب أشهراً قتل فيها خلق من الفريقين، وفي آخر الأمر انهزم ابن الأشعث،وفرّ إلي الملك رتبيل ملتجئاً إليه، فقتل سنة 84ﻫ/ 703م»(3).
ويشير الدكتور ضياء الدين الريس إلي سبب خروج ابن الأشعث مبرّراً أنّ خروجه كان كرد فعل لسياسة الحجاج في العراق: «وقد كان لأهل العراق شكاوي يجب الاعتراف بعضها بأنها كانت عادلة، فمن ذلك أنّ الدولة كانت تسير علي قاعدة تفضيل أهل الشام ومنحهم أعطيات أكبر، وكان جند الشام يقيمون بالعراق، فيتأذي بهم الناس، فكانت هذه محاباة أو تحيزاً، وسياسة المحاباة تضر الدولة؛ لأنها تفسد القلوب، كما أن الحجاج كان صارماً في عقوبته، شديداً علي أهل الخراج، مسرفاً في الدماء، والواقع أنه كان يعامل العراق كأنه إقليم محتلّ، ويعامل أهله كأنهم شعب مغلوب»(4)، ومهما تكن من مبررات ودوافع لثورة ابن الأشعث، فإنّها قد انطلقت من مبادئ نصرة الضعفاء، وإقامة العدل والمساواة، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وهذه هي أهم السمات التي قامت من أجلها الثورة الحسينية.
ص: 228
تعد حركة زيد بن علي بن الحسين(عليهما السلام) إحدي حركات المعارضة التي كان لثورة الإمام الحسين(عليه السلام) أثر واضح فيها؛ إذ كان شعار الثأر للإمام الحسين(عليه السلام) أحد أهدافها،فضلاً عن رفع شعار الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، فقد كتب الشيخ المفيد في إرشاده: «...وكان زيد بن علي بن الحسين(عليهما السلام) عين إخوته بعد أبي جعفر(عليه السلام) وأفضلهم، وكان عابداً، ورعاً، فقيها، سخياً، شجاعاً، وظهر بالسيف يأمر بالمعروف وينهي عن المنكر ويطلب بثارات الحسين(عليه السلام) »(1)، والثأر لدم الإمام الحسين(عليه السلام) كان هدفاً أساسياً من أهداف ثورة زيد بن علي(عليهما السلام) ولكن ليس بالأسلوب الذي مارسته الحركات السابقة، بل بطريقة تناسب مستوي قيادتها، ونوعية رجالاتها وظرفها الزماني، «هي حركة استهدفت القضاء علي النظام الأموي الحاكم، فحاولت السيطرة علي الكوفة لتكون نقطة انطلاق أولية للحركة باتجاه إسقاط الشام»(2)، ولم تذكر كتب التاريخ سبباً مباشراً لحركة زيد بن علي(عليهما السلام) بل ذكرت العبارة التالية: «اُختلف في سبب خروجه»(3)، وهناك من يذكر أنّ سبب خروج زيد يرجع لخلاف شخصي كان بينه وبين هشام بن عبد الملك (105ﻫ - 125ﻫ)(4)، مما يوحي بأنّها حركة كان وراءها الحميّة للنفسليس إلا! وهذا قدح كبير، وإن لم يكن أصحاب التاريخ يعتقدونه، فكيف يصح لزيد وهو المعروف ديناً وعلماً وفقهاً وشرفاً، أن
ص: 229
يخوض الدماء، لأنّ هشاماً قد أهانه وحطّ من منزلته. فيذكر ابن الطقطقي(1) قائلاً: «كان زيد من عظماء أهل البيت(عليهم السلام)، علماً وزهداً وورعاً وشجاعةً وديناً وكرماً»، أما أنّ الخلاف الذي كان مع هشام بن عبد الملك لم يكن سوي محفّز أخير لقيام الثورة، وهناك نصّ جاء علي لسان هشام بن عبد الملك قال فيه: «لقد بلغني يا زيد أنّك تذكر الخلافة وتتمنّاها، ولست هناك وأنت ابن أمة»(2)، إذ إنّ كلّ شيء كان قد نضج في قلب زيد من قبل هذا اللقاء، وسوف يؤكده جواب زيد نفسه، فهو لا يعتذر ولا ينفي، بل يؤكد أهميته لذلك، فيقول: «ليس أحد أولي بالله ولا أرفع عنده منزلةً من نبيٍّ ابتعثه، وقد كان إسماعيل(عليه السلام) من خير الأنبياء، وولد خيرهم محمداً(صلي الله عليه و آله و سلم)، وكان إسماعيل ابن أمة وأخوه ابن صريحة مثلك، فاختاره الله عليه وأخرج منه خير البشر، وما علي أحدٍ من ذلك؛ إذ كان جده رسول الله وأبوه علي بن أبي طالب ما كانت أمه»(3)، وقد أظهر زيد بن علي(عليه السلام) أهدافاً لثورته، فقد دعا إلي الكتاب والسنة وجهاد الظالمين، والدفع عن المستضعفين، وإعطاء المحرومين، والعدل في قسمة الفيء ورد المظالم، وإرجاع من كان ملازماً مدةً طويلة في الثغور، ونصر أهل البيت علي من نصب لهم وجهل حقهم(4)، هذه الأهداف الكبيرة التي دعا إليها زيد بن
ص: 230
علي(عليه السلام)، والتي دعا الإمام جعفر بن محمد الصادق(عليهما السلام) إلي نصرتها(1)، وناصر تلك الحركة أيضاً من الفقهاء والعلماء: منصور بن المعتمر وسفيان الثوري، ويزيد بن أبي زياد، وهلال بن حباب، وسليمة بن كهيل، والحسن ابن سعيد الفقيه وغيرهم(2)، ويذكر الاصفهاني قائلاً: «...إنّ محمد بن جعفر بن محمد(عليهم السلام) قال: رحم الله أبا حنيفة، لقد تحقّقت مودته لنا في نصرته زيد بن علي(عليهما السلام) ...»(3)، وإنّ أبا حنيفة قد زوّد زيداً وأصحابه بمال وسلاح وخيل؛ ليستعين بها علي جهاد عدوّه(4).كان خروج زيد بن علي(عليهما السلام) سنة 122ﻫ/ 738م(5)، وهو أول زعيم علوي يمارس تحركاً سياسياً منذ موقعة كربلاء(6)، وقد أورد الطبري سبب خروج زيد ابن علي(عليهما السلام) إلي أنّ والي الكوفة يوسف بن عمر قد زعم أنّ الوالي السابق - وهو خالد ابن عبد الله القسري - قد اعترف بإيداعه لدي زيد مبلغاً كبيراً من المال في وقت سابق(7)، وكان هذا يرمي إلي تحقيق هدف أبعد من محاكمة والي معزول(8).
وقد دعا يوسف بن عمر خالد بن عبد الله القسري ليشهد بتلك الأموال علي زيد، فأنكر خالد أن يكون له عند زيد أية أموال أو ودائع(9)، وبعد ذلك طلب يوسف بن عمر من زيد أن يسرع بالرحيل والخروج من الكوفة بناء علي أمر هشام الذي أمره أن لا يطيل المقام في الكوفة؛ خوفاً من أن يدعو الناس إلي ما كان يحدّث
ص: 231
نفسه بالوصول إلي الخلافة، وكان هشام قد شعر بذلك حينما هدّده زيد قائلاً: «أخرج ولا تراني إلا حيث تكره»(1)، وقد أبطأ زيد بالخروج من الكوفة لمّا وجد من أهلها ميلاً إليه وتشجيعاً منهم بالثورة، وقد لحقوا به إلي خارج الكوفة وأقنعوه بالرجوع، إذ قالوا له: «معك أربعون ألفاً إن رجعت إلي الكوفة لم يتخلّف عنك أحد، وأعطوه المواثيق والأيمان المغلّظة»(2).
وذكر ابن الطقطقي أن أهل الكوفة لحقوا بزيد وقالوا له: «أين تذهب يرحمك الله ومعك مائة ألف سيف نضرب بها دونك وليس عندنا من بني أمية إلا نفر قليل...»؟(3)، ولما استقرّ زيد في الكوفة وثبّت مركزه عند أهلها أخذ يرسل دعاته إلي الكور والأمصار يدعوهم إلي نصرته وتأييده، ولقت دعوته تأييداً لها في الموصل وواسط وخراسان والري والجزيرة وجرجان(4)، وقد اتفق زيد مع من بايعه علي موعد لإعلان الثورة والخروج علي النظام الأموي، لكن يوسف بن عمر كان علي علم بتحركات زيد، فأخذ يلحّ في طلبه ومضايقته حتي اضطر زيد إلي إعلان الثورة قبل الموعد المحدّد(5)، وكانذلك سبباً من أسباب فشل الثورة، أما السبب الآخر فيورده الطبري: «فلما رأي أصحاب زيد بن علي(عليهما السلام) الذين بايعوه أن يوسف بن عمر قد بلغه أمر زيد، وأنه يدس إليه ويستبحث عن أمره، اجتمعت إليه جماعة من رؤوسهم فقالوا: رحمك الله ما قولك في أبي بكر وعمر؟ قال زيد: رحمهما الله وغفر لهما،
ص: 232
ما سمعت أحداً من أهل بيتي يتبرأ منهما ولا يقول فيهما إلا خيراً، قالوا: فلم تطلب إذاً بدم أهل هذا البيت، إلا أن وثبا علي سلطانكم فنزعاه من أيديكم»(1)، وبهذا وبعد أن ذكر زيد الشيخين بأفضل ما يقال تركه عدد كبير ممن كان قد بايعوه من قبل، حيث لم يرَ زيد أنّ من الخلق الطعن بأصحاب رسول الله(صلي الله عليه و آله و سلم) أو الانتقاص من مكانتهم(2)، وكان هذا السبب الثاني لفشل الثورة، أما السبب الثالث لفشل الثورة فهو أنّ العديد من أصحاب زيد قد حوصروا في المسجد ومنعوا من الخروج(3)، وكان كلّ من جاء إلي زيد هم مائتين وثمانية عشر رجلاً ونادي بشعاره (يا منصور أمت، أمت يا منصور)(4)، وكان هذا شعار مسلم بن عقيل من قبل، وقد أطلق تيمناً بثورة الإمام الحسين(عليه السلام)، وقد أدتهذه الأسباب إلي أن تخنق الثورة في مهدها بسبب الجيش الأموي الذي كان مرابطاً في العراق(5)، وقتل قائد الثورة، زيد بن علي(عليهما السلام) وصلب في كناسة الكوفة وبقي مصلوباً حتي مات هشام بن عبد الملك، حيث أمر الوليد بن يزيد أن يحرق جثمان زيد ويذر في نهر الفرات، وكان مقتله في سنة 122ﻫ/739م (6).
وعلي الرغم من فشل الثورة واستشهاد قائدها إلا أنّ أهل الكوفة قد أنضمّوا إلي يحيي بن زيد المتّجه نحو خراسان(7)، وقد استطاع يحيي بن زيد السيطرة علي بعض
ص: 233
المناطق في بلاد فارس، وهزم جيشاً للأمويين مؤلفاً من عشرة آلاف مقاتل، وقتل قائدهم(1)، واستمرّ القتال بين يحيي وأتباعه وجيوش الأمويين حتي قُتل في إحدي المعارك سنة (125ﻫ/742م) في قرية من قري الجوزجان(2)،ويشير فلهاوزن قائلاً: «ولئن كان عصيان زيد قد انتهي انتهاءً مفجعاً فإنّه مهمّ، ذلك لأنّ ثورات الشعب التي حدثت بعده والتي أدّت إلي انهيار دولة دمشق انهياراً نهائياً كانت ذات علاقة بها، وسرعان ما ظهر أبو مسلم بعد وفاة يحيي آخذاً بثأره قاتلاً: قتلته»(3)، وهذا يبرز بوضوح عظيم تأثير ثورة الإمام الحسين(عليه السلام) في تغذية الروح الثورية ومدّها بالعطاء، فما ثورة زيد إلا قبس من ثورة جدّه في كربلاء.
ظهر العباسيون علي مجري الأحداث السياسية عندما سلّم أبو هاشم عبد الله ابن محمد بن علي بن أبي طالب (الصحيفة الصفراء) إلي محمد بن علي بن عبد الله ابن عباس، وقد ذكر فيها أمراء الدعوة وأسماء الدعاة ومحلاتهم، وأسماء أحياء العرب وقبائلها التي تساند الدعوة، والوقت الذي تبدأ به(4) وعلاماتها(5)، وظهرت
ص: 234
الدعوة العباسية في مرحلة التنظيم والإعداد بواجهات مختلفة، ورفعت شعارات متعددة من أجل كسب كلّ العناصر المستاءة من الحكم الأموي، فنشر الدعاة بين كل فئة المبادئ التي ترتضيها تلك الفئة ووعدوها بتحقيقها(1)، وكان من شعارات الدعوة العباسية (الرضا من آل البيت)، والعمل بموجب (كتاب الله وسنة نبيه) وكذلك (القضاء علي أهل الجور)، ثم (الثأر) لآل البيت(2). لقد استغلت الدعوة العباسية كلّ العناصر المستاءة من الحكم الأموي، حيث كانت خطّة العباسيين الترحيب والاستفادة بأية فكرة معارضة، وإثارة الاضطرابات ضدّ الأمويين في أي منطقة استطاعوا(3)، وإنّ العباسيين قد استغلوا شيعة العلويين من أجل إقامة دولتهم، لأنهم قد عرفوا أنّ شيعة العلويين هم الحزب القوي المعارض الذي عمل من أجل إسقاط الحكم الأموي، ويذلوا من أجل ذلك الكثير، ولاقي رجال الشيعة ما لاقاه الأئمة الأطهار من القتل والتنكيل(4).وقد كان الناس يقولون بعد زوال ملك الأمويين: «الحمد لله الذي أتانا بأهل بيت نبينا»(5)، وإنّ العباسيين كانوا يتذرّعون بثأر الحسين، وزيد وولده يحيي، لقد استغل بنو العباس سخط الناس علي بني أمية ومعارضة الشيعة لحكمهم، وتعلق الناس بالعلويين فأظهروا أنّ غايتهم الأولي إسقاط الأمويين وإراحة الناس من
ص: 235
ظلمهم ثم يختارون من تتفق عليه الكلمة من آل بيت الرسول(1)،«...فالعباسيون لم يقدّموا في بدء الأمر أشخاصاً منهم ولا من غيرهم، وإنما قدّموا المبدأ الذي يدافعون عنه»(2)، ويذكر المسعودي استغلال حادثة كربلاء وما جري علي العلويين من قبل النظام الأموي: «ولما أوتي أبو العباس برأس مروان - آخر خلفاء بني أمية - ووضعه بين يديه رفع رأسه فقال: الحمد لله الذي لم يبق ثأري قبلك وقبل رهطك، والحمد لله الذي أظفرني بك وأظهرني عليك، ثم قال: ما أبالي متي طرقني الموت، قد قتلت بالحسين(عليه السلام) وبني أبيه من بني أمية مائتين، وأحرقت شلو هشام بابن عمي زيد بن علي(عليهما السلام) وقتلت مروان بأخي إبراهيم»(3).
ويشير فلهاوزن إلي ذلك قائلاً: «كان العباسيون يعملون مااستطاعوا علي أن يخفوا عن الناس أنهم كانوا يريدون تنحية بني فاطمة، بل كانوا يظهرون أنهم يعملون من أجل بني فاطمة، وظهروا في خراسان وغيرها بدعوي أنّهم يريدون أن يثأروا لشهداء أبناء فاطمة... وكان لابدّ لهم أن يتخذوا حزب الشيعة؛ عماداً لهم إزاء بني فاطمة...»(4).
ويوضّح بروكلمان قيام العباسيين باستغلال ما جري علي العلويين وشيعتهم من قبل الأمويين قائلاً: «ولقد ذهبوا إلي أنّ آل النبي أي عقب علي، هم أصحاب الحقّ في أن يسيطروا علي الدولة الإسلامية»(5)، وبعد أن استتبّ الأمر للعباسيين قاموا باحتضان فكرة المهدي المنتظر، وادّعوا أن المهدي الموعود منهم وسمّي المنصور
ص: 236
ولده محمداً بالمهدي؛ تمويهاً علي الناس! ولقد كان قبل يقول في محمد بن عبد الله بن الحسن العلوي إنّه المهدي، فلما صار المُلك لهم بدّل قوله، وقال كذب عدو الله بل هو ابني(1)، وقد بشّر داود بن علي العباسي بدعوي المهدوية قبل ذلك بفترة، وفي أول خطاب للعباسيين في الكوفة فقال: «واعلموا أن هذا الأمر فينا وليس بخارج منا حتي نسلمه إلي عيسي بن مريم(عليه السلام) والحمد لله رب العالمين علي ما أبلانا وأولانا»(2).وبهذا فقد حقّقت الدعوة العباسية هدفها المنشود، وهو القضاء علي الخلافة الأموية، لإقامة خلافة هاشمية يتزعّمها الفرع العباسي، وقد لاحظنا من خلال شعارات الدعوة وأهدافها أنها دعوة ظهرت للثأر لأهل البيت(عليهم السلام) واستغلال ثورة الإمام الحسين(عليه السلام) لصالحهم الخاص؛ لما كان لهذه الثورة من تأثير في نفوس المسلمين عامة والشيعة بصورة خاصة.
ص: 237
ص: 238
أرجو أن ينال بحثنا المتقدّم رضا القارئ، داعياً الباحثين إلي بذل جهود لإضافة أشياء قد غفل عنها الباحث؛ للوصول إلي تغطية الموضوع من جميع جوانبه.
لقد كان لثورة الإمام الحسين(عليه السلام) الأثر الواضح في تحطيم الإطار الديني الذي اتخذه الأمويون؛ لدعم سلطانهم، فثورة يقودها الإمام الحسين(عليه السلام) كفيلة أن تفضح الزخرف الديني الذي يتظاهر به الحكام الأمويون، وأن تكشف هذا الحكم وبعده عن مفاهيم الإسلام، وذلك لما يتمتع به الإمام الحسين(عليه السلام) من محبة وإجلال في قلوب المسلمين، وقد رأيت مصداق ذلك عند الحديث عن إقامته في مكة، ثم عند الحديث عن خروجه منها إلي العراق.
وقد وجدنا أنّ الإمام الحسين(عليه السلام) هو الرجل الوحيد الذي يستطيع أن يفضح الحكام الأمويين ويكشف حقائقهم، وقد وضع موقف الأمويين من ثورة الحسين(عليه السلام) خطاً فاصلاً بين الدين الإسلامي والحكم الأموي، حيث إنّ قتل الحسين(عليه السلام) وأهل بيته، والتمثيل بأجسادهم، وسبينسائهم، كلّ ذلك قد جرّد الأمويين من الصبغة الدينية والإنسانية، وقد عمل ذلك علي تقويض كل ركيزة دينية للحكم الأموي في نفوس المسلمين.
وكان لثورة الحسين(عليه السلام) واستشهاده في كربلاء، وما سبّبته هذه النهاية وهذا المصير أثر عظيم من ذلك إثارة الشعور بالإثم في ضمير كلّ مسلم استطاع نصره ولم ينصره، وسمع واعيته فلم يجبها، وهذا ما وجدناه واضحاً بعد استشهاد الإمام
ص: 239
الحسين(عليه السلام) فقد دفع الشعور بالإثم كثيراً من الجماعات الإسلامية إلي العمل لإسقاط النظام الأموي، وكان التعبير الطبيعي للرغبة في التكفير وللحقد هو الثورة، وهكذا فقد استهدف الأمويون الثورات التي أجّجها استشهاد الحسين(عليه السلام)، وبسبب الشعور بالإثم كان موقف المسلمين من الحكم الأموي موقفاً عقلياً نابعاً من إدراك بعد الأمويين عن الدين وظلمهم، كما غدا ذلك موقفاً عاطفياً أيضاً إذ إنّ هذا الشعور حدا بالكثيرين إلي الثورة كعمل انتقامي يقصد به التشفّي، وهذا يفسّر لنا كثيراً من الثورات الفاشلة، التي كان من الواضح فشلها قبل اشتعالها، فقد كان سببها هو الرغبة في الانتقام ؛ تلبية للدافع العاطفي وعندما يقع الإنسان تحت وطأة موقف عاطفي طاغ تغيب عنه احتمالات الفشل والنجاح، ومما لا ريب فيه أنّ هذا العامل النفسي جعل موقف المسلمين من الحكم الأموي أكثر إيجابيةوحرارة، وأسبغ عليه صفة انتقامية، وجعله عاملاً يحسب له حساب عند الحاكمين، إنّ الموقف العقلي فقط يمكن السيطرة عليه، والتشكيك فيه بأساليب كثيرة، أما حين يكون الموقف عاطفياً فإنّ الأمر يختلف تماماً، وذلك لأنّ العاطفة الصادقة تمتاز بالاشتعال والفوران والديمومة، ورفض وجهات النظر المقابلة، ولقد كان الشعور بالإثم عند هؤلاء المسلمين عميقاً وصادقاً.
وقد قدّر لهذا الشعور أن يبقي مشتعل الأوار وحافزاً دائماً إلي الثورة، والانتقام وقدّر له أن يدفع الناس إلي الثورات علي الأمويين كلما سنحت الفرصة، ثم لا يرتوي ولا يستكين وإنما يطلب من صاحبه ضريبة الدم باستمرار، وكان سبيل ذلك هو الثورة علي الظالمين.
ولكي نخرج بفكرة واضحة عن مدي تأثير ثورة الحسين(عليه السلام) في بعث روح الثورة في المجتمع الإسلامي يحسن بنا أن نلاحظ أنّ هذا المجتمع أخلد إلي السكون عشرين عاماً كاملة قبل ثورة الحسين(عليه السلام) لم يقم خلالها بأي ثورة رغم توفر الدواعي
ص: 240
إلي الثورة خلال هذه الأعوام الطوال.
فمنذ استشهاد أمير المؤمنين علي بن أبي طالب(عليه السلام) وغدا أمر الحكم الأموي خالصاً إلي حين ثورة الإمام الحسين(عليه السلام) لم يقم في المجتمع الإسلامي أيّ احتجاج جدّي علي ألوان القتل والاضطهاد واحتكار الأموال، وكان موقف الجماهير هو موقف الخضوع والتسليم، عشرون عاماًمرّت علي المجتمع الإسلامي - من سنة إحدي وأربعين إلي سنة ستين للهجرة - وهذه هي حالته، وتغيرت هذه الحالة بعد سنة إحدي وستين أي بعد ثورة الحسين(عليه السلام)، فقد بدأ الشعب يثور، وبدأت الجماهير ترقب زعيماً يقودها، وهي مستعدّة للثورة وللتمرّد علي الأمويين في كلّ حين، ولكنَّها تحتاج إلي من يقودها، وكلما وجد القائد وجدت الثورة، وبدأ الشعب يتعاطف مع كلّ تمرّد يقوم ضد النظام الأموي، وكان هذا التعاطف يصدر حتي من الأشخاص الذين لم يشاركوا في هذه الحركات.
وفضلاً عن ذلك فإنّ فكرة الثأر للإمام الحسين(عليه السلام) قد تطورت بسرعة وتمخّضت عنها حركات ثورية، وتلك الحركات اتخذت ثلاثة أساليب، الأول كان علي أيدي التوابين، وهذا الأسلوب ظهر مباشرة بعد استشهاد الإمام الحسين(عليه السلام) وتبناه كبار الشيعة الموالين للإمام الحسين(عليه السلام)، حيث اعتقدوا أنّ ذنب قتله(عليه السلام) لا يغتفر إلا بالقيام بحركة استشهادية ضد النظام الأموي، وقد ارتكز هذا التحرك علي طلب التوبة من الذنب العظيم من خلال العمل العسكري الاستشهادي، أما الثاني فتمثل في القضاء علي الأشخاص الذين شاركوا في واقعة كربلاء، وقد ظهر بعد فترة قصيرة من شهادة الإمام الحسين(عليه السلام) علي يد المختار الثقفي، وفي الحقيقة أنّ المختار أفاد من تجربة التوابين في عين الوردة؛ لأنه أشرف عليها وشاهدنهايتها، فسعي في تطوير حركته بما يخدم هدفه.
أما الثالث، فهو أسلوب مواجهة النظام والسعي لإسقاطه من خلال الثورة في
ص: 241
إحدي حواضر العالم الإسلامي، ثم توسيع نطاقها للإطاحة بالحكم الأموي، وهذا الأسلوب تمّ علي يد زيد بن علي(عليهما السلام) ؛ إذ كانت حركته تستهدف الثأر للإمام الحسين(عليه السلام)، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر من خلال إسقاط النظام الأموي، وقد تكلّل ذلك علي أيدي العباسين الذين اتخذوا من استشهاد الإمام الحسين(عليه السلام) وزيد بن علي(عليهما السلام) ذريعة لإعلان ثورتهم.
ص: 242
* القرآن الكريم.
- ابن الاثير، ابو الحسن علي بن محمد بن محمد بن عبد الواحد الشيباني، (ت630 ﻫ/1232م).
1- أسد الغابة في معرفة الصحابة، تح: علي محمد وعادل أحمد، دار الكتب العلمية، (بيروت، 2001م).
2- الكامل في التاريخ، دار الكتاب العربي، (بيروت، 1978م).
- الاصفهاني، أبو الفرج علي بن الحسين، (ت356ﻫ/966م).
3- الأغاني، دار الفكر، (بيروت، 1991م).
4- مقاتل الطالبين، تح: أحمد صقر، مؤسسة النبراس، (النجف، 2003م).
- ابن أعثم، أبو محمد احمد بن أعثم الكوفي، (ت314ﻫ/926م).
5- الفتوح، تح: علي شيري، ط1، دار الاضواء، (بيروت، 1991م).
- البخاري، أبو عبد الله محمد بن إسماعيل الجعفي، (ت256ﻫ/859م).6. التاريخ الكبير، تح: مصطفي عبد القادر أحمد، ط1، دار الكتب العلمية، (بيروت، 2001م).
7- صحيح البخاري، تح: أحمد محمد شاكر، ط1، دار الاضواء، (بيروت، 1991م).
- البسوي، أبو يوسف يعقوب بن سفيان، (ت277ﻫ/890م).
ص: 243
8- المعرفة والتاريخ، تح: أكرم ضياء العمري، ط1، مطبعة الارشاد، ( بغداد، 1976م ).
- البكري، أبو عبيد عبد الله بن عبد العزيز الاندلسي، (ت487ﻫ/1094م).
9- معجم ما استعجم من أسماء البلاد والمواضع، تح: مصطفي السقا، مطبعة التأليف والنشر، (القاهرة، 1951م).
- البلاذري، أحمد بن يحيي بن جابر، (279ﻫ/892م).
10- أنساب الأشراف، تح: محمد باقر المحمودي، ط2، مطبعة باسدار إسلام، (قم، 1999م).
11- فتوح البلدان، تح:رضوان محمد رضوان، ط1، دار الكتب العلمية، (بيروت، 1978م).
- البيهقي، إبراهيم بن محمد، (320ﻫ/932م).
12- المحاسن والمساوئ، تح: محمد أبو الفضل إبراهيم، دار المعارف، (القاهرة، 1961م).
- البيهقي، أبو بكر أحمد بن الحسين بن علي،(ت458ﻫ/1065م).
13- السنن الكبري، دار المعرفة، (بيروت، 1982م).
- الترمذي، محمد بن يحيي بن سور، (ت279ﻫ/892م).
14- سنن الترمذي، ط1، دار احياء التراث العربي، (بيروت، 1984م).
- ابن تغري بردي، جمال الدين أبو المحاسن يوسف الأتابكي، (ت874ﻫ/1469م).
15.النجوم الزاهرة في أخبار مصر والقاهرة، المؤسسة المصرية للتأليف، (القاهرة، 1963م).
ص: 244
_ الثقفي، أبو أسحاق إبراهيم بن محمد بن سعد الكوفي، (ت283ﻫ/868م).
16. الاستنفار والغارات، تح: عبد الزهراء الحسيني، دار الأضواء، (بيروت، 1987م).
- الجاحظ، أبو عثمان عمرو بن بحر، (ت255ﻫ/868م).
17- البيان والتبين، تح:عبد السلام محمد هارون، ط2، مكتبة الخانجي، (القاهرة، 1968م).
- ابن الجوزي، أبو الفرج عبد الرحمن بن علي، (ت597ﻫ/1200م).
18- المنتظم في تاريخ الملوك والأمم، تح: محمد عبد القادر، ط1، دار الكتب العلمية، (بيروت، 1992م).
- ابن أبي حاتم، أبو محمد عبد الرحمن بن محمد،(ت327ﻫ/938م).
19- الجرح والتعديل، ط1، دار المعارف العثمانية، (الهند، 1952م).
- ابن حجر، شهاب الدين أبو الفضل أحمد بن علي، (ت852ﻫ/1448م).
20- الإصابة في تمييز الصحابة، تح: طه محمد، ط1، مطبعة السعادة، (القاهرة، 1910م).
21- تهذيب التهذيب، ط1، دار الفكر، (بيروت، 1984م).
22. الصواعق المحرقة في الرد علي أهل البدع والزندقة، تح: عبد الوهاب عبد اللطيف، مكتبة القاهرة، (مصر، د ت).
- ابن أبي الحديد، أبو حامد عبد الحميد بن هبة الله المدائني، (ت656ﻫ/1258م).
23- شرح نهج البلاغة، تح: محمد أبو الفضل إبراهيم، دار الجيل، (بيروت، 1988م).
- الحميري، محمد بن عبد المنعم، (749ﻫ/1348م).
ص: 245
24- الروض المعطار في خبر الأقطار، تح: إحسان عباس، ط4، مكتبة لبنان، (بيروت، 1984م).
- الخطيب البغدادي، أبو بكر أحمد بن علي بن ثابت، (ت463ﻫ/1070م).
25- تاريخ بغداد او مدينة السلام، دار الكتب العربية، (بيروت، د ت ).- ابن خلدون، عبد الرحمن بن محمد، (ت808ﻫ/1455م).
26- العبر وديوان المبدأ والخبر في أيام العرب والعجم والبربر ومن عاصرهم من ذوي السلطان الأكبر، مؤسسة الاعلمي، (بيروت، 1971م).
- ابن خلكان، أبو العباس شمس الدين أحمد بن أبي بكر، (ت681ﻫ/1282م).
27. وفيات الأعيان وانباء أبناء الزمان، تح:محمد محي الدين عبد الحميد، مطبعة السعادة، (مصر، د ت).
- خليفة بن خياط، الليثي العصفري، (ت240ﻫ/854م).
28- تاريخ خليفة بن خياط، تح:أكرم ضياء العمري، ط1، مطبعة الاداب، (النجف، 1967م).
29. طبقات خليفة بن خياط، تح: عبد السلام محمد هارون، مكتبة الخانجي، (مصر، دت).
- الخوارزمي، أبو المؤيد الموفق بن أحمد المكي، (ت568ﻫ/1172م).
30- مقتل الحسين، تح: محمد السماوي، ط2، مطبعة انوار الهدي، (النجف، 1998م).
_ الديار بكري، الحسين بن محمد بن الحسن، (ت966ﻫ/1558م).
31. تاريخ الخميس في أحوال أنفس نفيس، (القاهرة، 1866م).- الدينوري، أبو حنيفة أحمد بن داود، (ت282ﻫ/895م).
ص: 246
32- الأخبار الطوال، تح:عبد المنعم عامر، ط2، المكتبة الحيدرية، (قم، 1969م).
- الذهبي، شمس الدين محمد بن أحمد بن عثمان، (ت748ﻫ/1374م).
33- تاريخ الاسلام و وفيات المشاهير والأعلام، تح:عمر عبد السلام تدمري، دار الكتاب العربي، (بيروت، 2003م).
34- سير أعلام النبلاء، تح:محمد عبادي عبد الحليم، ط1، مطبعة السلام، (المغرب، 2003م).
- الزمخشري، أبو القاسم محمود بن عمرو بن أحمد، (ت538ﻫ/1143م).
35- الكشاف عن حقائق التنزيل وعيون الأقاويل في وجوه التأويل، دار الفكر، (بيروت، د.ت).
- ابن سعد، محمد بن سعد بن منيع الزهري، (ت230ﻫ/844م).
36- الطبقات الكبري، ط2، دار صادر، (بيروت، 1961م).
- السيوطي، جلال الدين عبد الرحمن بن أبي بكر، (ت911ﻫ/1502م).
37- تاريخ الخلفاء، تح:محمد محي الدين، ط1، مطبعة السعادة، (القاهرة، 1952م).
الشافعي، عبد الملك بن حسين بن عبد الملك،(ت1111ﻫ/1699م).
38.سمط النجوم العوالي في أنباء الأوائل والتوالي، تح: عادل أحمد، ط1، دار الكتب العلمية، (بيروت، 1998م).
- ابن شهرآشوب، أبو عبد الله محمد بن علي، (ت588ﻫ/1192م).
39- مناقب ال أبي طالب، المطبعة الحيدرية، (النجف، 1956م).
- ابن طاووس، علي بن موسي بن جعفر الحسيني، (ت589ﻫ/1193م).
40- اللهوف في قتلي الطفوف، ط1، مطبعة السجدة، (قم، 2003م).
- الطبرسي، أبو علي الفضل بن الحسن، (ت548ﻫ/1147م).
ص: 247
41- إعلام الوري بأعلام الهدي، تح:علي أكبر، ط1، مؤسسة الاعلمي، (بيروت، 2004م).
42. مجمع البيان في تفسير القران، مؤسسة الهدي، (طهران، 1970م).
- الطبرسي، أبو منصور أحمد بن علي، (ت ق 6ﻫ/12م).
43- الاحتجاج، تح: إبراهيم البهادري، ط4، دار الاسوة للطباعة، (قم، 2003م).
- الطبري، محمد بن جرير، (ت310ﻫ/922م).
44- تاريخ الرسل والملوك، تح: محمد أبو الفضل إبراهيم،ط2، دار المعارف، (مصر، 1966م).
- ابن الطقطقي، محمد بن علي بن طباطبا، (ت709ﻫ/1309م).
45- الفخري في الآداب السلطانية والدول الاسلامية، دار صادر، (بيروت، 1966م).
_ العامري، سليم بن قيس، (ت 76ﻫ/695م).
46.أبجد الشيعة المعروف بكتاب سليم بن قيس، ط2، دار الارشاد، (بيروت، 1994م).
- ابن عبد البر، أبو عمر يوسف بن عبد الله القرطبي، (ت463ﻫ/1070م).
47- الاستيعاب في معرفة الأصحاب المطبوع علي هامش كتاب الإصابة في تمييز الصحابة، تح: طه محمد، ط1، مطبعة السعادة، (القاهرة، 1910م).
- ابن عبد ربه، أحمد بن محمد الأندلسي، (ت328ﻫ/939م).
48- العقد الفريد، تح:عبد المجيد الترحيني، ط3، دار الكتب العلمية، (بيروت، 1987م).
_ ابن العبري، غريغوريوس أبو الفرج بن هارون، (ت685ﻫ/1286م).
ص: 248
49. تاريخ مختصر الدول، تح: أنطوان اليسوعي، المطبعة الكاثوليكية، (بيروت، 1958م).
- ابن عساكر، أبو القاسم علي بن الحسن بن هبة الله،(ت571ﻫ/1175م).
50.تهذيب تاريخ دمشق الكبير، هذبه عبد القادر بدران، ط2، دار الميسرة، (بيروت، 1979م).
- ابن العماد، أبو الفلاح عبد الحي الحنبلي، (ت1089ﻫ/1678م).
51- شذرات الذهب في أخبار من ذهب، دار الكتب العلمية، (بيروت، 2000م).
- ابن قتيبة، أبو محمد عبد الله بن مسلم الدينوري، (ت276ﻫ/889م).
52- الإمامة والسياسة (منسوب اليه)، تح:خيري سعيد، ط1، المكتبة التوفيقية، (بيروت، 2000م).
53- عيون الأخبار، ط2، دار الكتب العلمية، (بيروت، د ت).
54. المعارف، تح: ثروت عكاشة، ط1، مطبعة أمير(ايران، 1994م).
- القرطبي، أبو عبد الله محمد بن أحمد، (ت671ﻫ/1273م).
55. تفسير القرطبي، تح:سالم مصطفي البدري، ط1، دار الكتب العلمية، (بيروت، 2000م).
- القلقشندي، أبو العباس أحمد بن علي، (ت821ﻫ/1417م).
56- مآثر الإنافة في معالم الخلافة، تح:عبد الستار أحمد فراج، عالم الكتب، (بيروت، 1980م).
- ابن الكازروني، ظهير الدين علي بن محمد البغدادي،(ت697ﻫ/1297م).
57- مختصر التاريخ من أول الزمان الي منتهي دولة بني العباس، تح: مصطفي جواد، مطبعة الحكومة، (بغداد، 1970م).
ص: 249
_ الكاشاني، محسن، الملقّب الفيض الكاشاني، (1091ﻫ/1680م).
58. تفسير الصافي، تقديم حسين الاعلمي، ط2، مؤسسة الهادي، (قم، 1995م).
- ابن كثير، إسماعيل بن عمر، (ت774ﻫ/1372م).
59- البداية والنهاية، تح:أحمد أبو ملحم، ط1، دار الكتب العلمية، (بيروت، د.ت).
- ابن ماجة، أبو عبد الله محمد بن يزيد القزويني، (ت275ﻫ/888م).
60. سنن ابن ماجة، ط1، دار الفكر، (بيروت، 1984م).
- المجلسي، محمد باقر، (ت1111ﻫ/1699م).
61. بحار الأنوار، المطبعة الاسلامية، (طهران، 1999م).
- أبو مخنف، لوط بن يحيي الأزدي، (ت157ﻫ/773م).
62. الجمل وصفين والنهروان، تح: حسن حميد، ط1، مؤسسة دار السلام، (لندن، 2002م).
63.مقتل الحسين، ط1، (لا م، 2005م).
- المزي، جمال الدين أبو الحجاج يوسف، (ت742ﻫ/1341م).
64- تهذيب الكمال في أسماء الرجال، تح: بشار عوادمعروف، ط1، مؤسسة الرسالة، (بيروت، 1980م).
- المسعودي، أبو الحسن علي بن الحسين، (ت346ﻫ/957م).
65. إثبات الوصية، المطبعة الحيدرية، (النجف، د.ت).
66.التنبيه والاشراف، تح:لجنة تحقيق التراث، ط1، دار ومكتبة الهلال، (بيروت، 1993م).
67- مروج الذهب ومعادن الجوهر، تح: محمد محي الدين عبد الحميد، دار الكتاب العالمي، (بيروت، 1989م).
ص: 250
- مسكوية، أبو علي أحمد بن محمد بن يعقوب، (ت421ﻫ/1030م).
68- تجارب الأمم وتعاقب الهمم، تح:سيد كسروي حسن، دار الكتب العلمية، (بيروت، 2003م).
- المفيد، أبو عبد الله محمد بن محمد، (ت413ﻫ/1022م).
69- الإرشاد في معرفة حجج الله علي العباد، تح: مؤسسة ال البيت، دار المفيد للطباعة والنشر، (لام، د.ت).
- المقريزي، تقي الدين أحمد بن علي، (ت845ﻫ/1414م).
70. المقفي الكبير، تح:محمد اليعلاوي، ط1، مطبعة دار الحزب الاسلامي، (بيروت، 1991م).
71- النزاع والتخاصم فيما بين بني أمية وبني هاشم، تح: حسين مؤنس، دار المعارف، (القاهرة، 1988م).
- ابن منظور، أبو الفضل جمال الدين محمد بن مكرمالمصري، (ت711ﻫ/1311م).
72- لسان العرب المحيط، تح: عبد الله العلايلي، دار لسان العرب،، (بيروت، د.ت).
- مؤلف مجهول.
73. أخبار العباس وولده، تح:عبد العزيز الدوري وعبد الجبار المطلبي، دار صادر، (بيروت، 1971م).
_ المنقري، أبو الفضل نصر بن مزاحم، (ت212، 827م).
74. وقعة صفين، تح: عبد السلام محمد هارون، ط1، دار أحياء الكتب العربية، (القاهرة، 1945م).
ص: 251
- النويري، شهاب الدين أحمد بن عبد الوهاب، (ت733ﻫ/1332م).
75- نهاية الإرب في فنون الأدب، تح: علي محمد البجاوي، الهيئة المصرية العامة للكتابة، (القاهرة، 1976م).
_ النيسابوري، أبو عبد الله محمد بن عبد الله المعروف بالحاكم النيسابوري، (ت405ﻫ/ 1014م).
76. مستدرك الصحيحين، ط1، دار الفكر، (بيروت، 1982م).
_ ابن الوردي، زين الدين عمر بن المظفر، (ت749ﻫ/1348م).
77. تاريخ ابن الوردي، ط2، المطبعة الحيدرية، (النجف، 1969م).
- ياقوت، أبو عبد الله ياقوت بن عبد الله الحموي، (ت626ﻫ/1228م).78- معجم البلدان، دار الفكر، (بيروت، 1986م).
- اليعقوبي، أحمد بن إسحاق بن جعفر، (ت292ﻫ/904م).
79- تاريخ اليعقوبي، تح: خليل المنصور، ط2، دار الكتب العلمية، (بيروت، 2002م).
- أحمد زكي صفوت.
80. جمهرة رسائل العرب في عصوره العربية الزاهرة، المكتبة العلمية، (بيروت، د، ت).
- إبراهيم بيضون.
81- التيارات السياسية في القرن الأول الهجري، دار النهضة العربية، (بيروت، 1979م).
_ أنطوان بارا.
ص: 252
82. الحسين في الفكر المسيحي، ط1، مطبعة فدك، (قم، 2004م).
- جرجي زيدان.
83- تاريخ التمدن الاسلامي، ط2، مطبعة دار الهلال، (بغداد، 1958م).
- حسن إبراهيم حسن.
84- تاريخ الاسلام السياسي والديني والثقافي والاجتماعي، مطبعة دار الكتاب، (بيروت، 1980م).
- الحسيني، عبد الكريم.85. الوثائق الرسمية لثورة الإمام الحسين، ط1، منشورات سعيد بن جبير، (قم، 2005م).
- الخربوطلي، علي حسني.
86. الدولة العربية الاسلامية، دار أحياء الكتب العربية، (القاهرة، 1960م).
_ الخضري، محمد.
87. محاضرات في تاريخ الأمم الاسلامية، مطبعة الاستقامة، (القاهرة، 1959م).
- الراوي، ثابت إسماعيل.
88- العراق في العصر الأموي، ط1، مطبعة الارشاد، (بغداد، 1965م).
- الريس، محمد ضياء الدين.
89.الخراج والنظم المالية للدولة الاسلامية، ط3، دار المعارف، (القاهرة، 1969م).
90. عبد الملك بن مروان والدولة الاموية، ط2، مطابع سجل العرب، (القاهرة، 1996م).
ص: 253
_ الزركلي، خير الدين.
91. الأعلام، ط3، (لا م، 1969م).
_ الزين، محمد حسين.
92. الشيعة في التاريخ، ط2، مطبعة العرفان، (صيدا، 1938م).
_ الساعدي، حيدر جعفر.
93. محمد بن الحنفية حياته وحركته السياسية والدينية، ط1، مطبعة سور، (قم، 2006م).
_ الساعدي، نوري حاتم.
94. ثورة زيد بن علي عند أهل البيت(عليهم السلام)، تقديم: جعفر مرتضي العاملي، ط2، مطبعة غدير، (لا م، 2004م).
_ سعيد أيوب.
95. معالم الفتن، ط2، مطبعة سعيد بن جبير، (قم، 2004م).
- سيد عبد العزيز سالم.
96- تاريخ الدولة العربية، دار النهضة العربية، (بيروت، 1971).
97- دراسات في تاريخ العرب (تاريخ الدولة الأموية)، مؤسسة شباب الجامعة، (الاسكندرية، د.ت).
_ صائب عبد الحميد.
98. تاريخ الإسلام الثقافي والسياسي، ط2، الغدير للطباعة، (بيروت، 2002م)._ الصدر، محمد محمد صادق.
99. أضواء علي ثورة الحسين، تح: كاظم العبادي، ط1، (النجف، 1997م).
_ الصغير، محمد حسين.
ص: 254
100. الإمام الحسين عملاق الفكر الثوري، ط1، مؤسسة المعارف للمطبوعات، (بيروت، 2002م).
_ الطباطبائي، محمد حسين.
101. الميزان في تفسير القران، ط1، مؤسسة الاعلمي، (بيروت، 1997م).
_ الطبسي، محمد رضا.
102. مقتل الإمام الحسين، تح: محمد امين الاميني، ط1، مؤسسة محبين للطباعة، (قم، 2003م).
- طه حسين.
103- الفتنة الكبري، ط6، دار المعارف، (القاهرة، 1966م).
_ العاملي، حسن الأمين.
104. دائرة المعارف الشيعية، ط5، دار التعارف، (بيروت، 1992م).
- العاملي، محسن الامين.
105- أعيان الشيعة، تح: حسن الأمين، ط5، دار التعارف، (بيروت، 1998م).
_ العش، يوسف.
106.الدولة الأموية والأحداث التي سبقتها ومهدت لها،مطبعة جامعة دمشق، (دمشق، 1965م).
_ عمر أبو النصر.
107. معاوية بن أبي سفيان وعصره، ط1، منشورات المكتبة الاهلية، (بيروت، 1962م).
_ فاروق، عمر فوزي.
108. طبيعة الدعوة العباسية، ط1، دار الارشاد، (بيروت، 1970م).
_ فان فولتن.
ص: 255
109.الدولة الأموية والمعارضة، ترجمة: إبراهيم بيضون، ط1، دار الحداثة، (بيروت، 1980م).
_ القرشي، باقر شريف.
110. حياة الإمام الحسين، ط4، مطبعة باقري، (قم، 1992م).
- القزويني، محمد كاظم.
111. زينب الكبري من المهد الي اللحد، ط2، دار القارئ للطباعة، (بيروت، 2004م).
_ القندوزي، سليمان بن ابراهيم.
112. ينابيع المودة لذوي القربي، تح: علي جمال الحسيني، ط1، مطبعة اسوة، (قم، 2002م).
_ كارل بروكلمان.
113.تاريخ الشعوب الإسلامية، ترجمة أمين فارس، ط7، دار العلم للملايين، (بيروت، 1977م).
- محمد جواد مغنية.114.الشيعة والحاكمون، تح: سامي الغريري، ط2، مؤسسة دار الكتاب الاسلامي، (لام، 2006).
_ محمد رشيد رضا.
115.تفسير القرآن الحكيم المشهور بتفسير المنار، تح:ابراهيم شمس الدين، ط1، دار الكتب العلمية، (بيروت، 1999م).
_ محمد ماهر حمادة.
116.الوثائق السياسية والإدارية العائدة للعصر الأموي، ط1، مؤسسة الرسالة، (بيروت، 1974م).
ص: 256
- محمد مهدي شمس الدين.
117- ثورة الإمام الحسين ظروفها الاجتماعية وآثارها الإنسانية، تح:سامي الغريري، ط1، دار الكتاب الاسلامي، (بيروت، 2006م).
_ محمود شاكر.
118. الدولة الأموية في الشام، مطبعة شبرا، (مصر، 1938م).
_ المدرسي، محمد تقي.
119. التاريخ الإسلامي دروس وعبر، ط7، دار المحبين للطباعة، (لا.م، 2004م).
_ المقرّم، عبد الرزاق.
120. مقتل الحسين، مؤسسة الخرسان، (بيروت، 2005م).
_ النقدي، جعفر.121. زينب الكبري، منشورات المكتبة الحيدرية، (قم، 1996م).
_ الوردي، علي.
122.مهزلة العقل البشري، مطبعة ثامن الحجج، (قم، 2006م).
- يوليوس فلهاوزن.
123- الدولة العربية وسقوطها، ترجمة: يوسف العشّ، مطبعة الجامعة السورية، (دمشق، 1956م).
- سناء كاظم حسن.
124. حسان بن مالك بن بحدل الكلبي ودوره في العصر الأموي، رسالة ماجستير غير منشورة، جامعة بغداد، كلية التربية بن رشد، (بغداد، 2004م).
ص: 257
ص: 258
الإهداء.. 9
شكر وامتنان.. 11
المصطلحات.. 12
مقدّمة المؤسّسة. 13
مقدّمة قسم الرسائل الجامعية. 27
المقدّمة. 29
التمهيد. 41
لمحة من حياة الإمام الحسين(عليه السلام) ومكانته. 41
أولاً: نسبه ومولده وكنيته وألقابه. 41
1 - نسبه.. 41
2 - مولده.. 41
3 - كُنيته وألقابه.. 43
ثانياً: رضاعته. 44
ثالثاً: مكانة الإمام الحسين(عليه السلام) في آيات الذكر الحكيم.. 44
رابعاً: مكانة الإمام الحسين(عليه السلام) عند الرسول(صلي الله عليه و آله و سلم) 47
خامساً: مكانة الإمام الحسين(عليه السلام) لدي معاصريه. 48
سادساً: الإمام الحسين(عليه السلام) عبر القرون والأجيال.. 51
ص: 259
الفصل الأول
أسباب ودوافع ثورة الإمام الحسين(عليه السلام) وخلافة يزيد
المبحث الأول: دوافع الثورة 57
أولاً: سياسة القتل والترحيل.. 57
ثانياً: الأوضاع الاقتصادية. 63
ثالثاً: ولاية العهد. 68
المبحث الثاني: طلب البيعة من الأمصار وأثرها في قيام الثورة. 73
أولاً: رأي أهل الحجاز في البيعة ليزيد. 75
ثانياً: إرسال الوفود إلي دمشق.. 76
ثالثاً: رأي أهل العراق في البيعة ليزيد. 80
رابعاً: طلب البيعة من أهل الحجاز. 84
المبحث الثالث: خلافة يزيد بن معاوية وقيام الثورة. 89
أولاً: وفاة معاوية والبيعة ليزيد. 89
ثانياً: خروج الإمام الحسين(عليه السلام) إلي مكة. 97
ثالثاً: رُسِل أهل الكوفة للإمام الحسين(عليه السلام) . 99
رابعاً: الحسين(عليه السلام) يستطلع رأي الكوفة والبصرة. 102
ص: 260
الفصل الثاني
أحداث الثورة وردود الأفعال حتي حركة التوابين
المبحث الأوَّل: خروج الإمام الحسين(عليه السلام) إلي العراق واستشهاده 111
أولاً: سيطرة عبيد الله بن زياد علي الكوفة واستشهاد مسلم بن عقيل.. 111
ثانياً: خروج الإمام الحسين(عليه السلام) إلي العراق.. 115
ثالثاً: فاجعة كربلاء 126
خُطب الإمام الحسين(عليه السلام) في كربلاء 129
المبحث الثاني: ردود الفعل بعد استشهاد الإمام الحسين(عليه السلام) ووقعة الحرة. 133
أولاً: تحميل يزيد مسؤولية قتل الحسين(عليه السلام) وردود الفعل علي ذلك... 133
ثانياً: أثر استشهاد الحسين(عليه السلام) علي أهل المدينة. 140
المبحث الثالث: حركة التوابين... 152
الفصل الثالث
حركات المعارضة منذ حركة المختار الثقفي حتي عام (132ﻫ)
المبحث الأوَّل: حركة المختار بن أبي عبيد الثقفي.. 168
أولاً: خروج المختار وسيطرته علي الكوفة. 168
ثانياً: الموقعة الأولي (بين أصحاب المختار وعبيد الله بن زياد) 175
ص: 261
ثالثاً: موقعة جبّانة السبيع. 180
رابعاً: تتبع المختار لقتلة الإمام الحسين(عليه السلام) . 186
خامساً: موقعة الخازر ومقتل عبيد الله بن زياد. 195
سادساً: نهاية المختار الثقفي.. 199
المبحث الثاني: حركة عبد الله بن الزبير.. 207
أولاً: رفض ابن الزبير لخلافة يزيد. 207
ثانياً: حصار مكة. 211
ثالثاً: البيعة لابن الزبير. 214
المبحث الثالث: حركات المعارضة بعد عام الجماعة الثاني... 224
أولاً: حركة مطرف بن المغيرة (77ﻫ/ 696م) 224
ثانياً: حركة عبد الرحمن بن الأشعث... 227
ثالثاً: ثورة زيد بن علي(عليهما السلام) . 232
رابعاً: الثورة العباسية 132ﻫ 237
الخاتمة. 242
قائمة المصادر والمراجع. 246
أولاً: المصادر الاولية. 246
ثانياً: المراجع الثانوية. 255
ثالثاً: الرسائل والأطاريح الجامعية. 260
فهرس المحتويات.. 262
ص: 262