الشَعائِرُ الحُسَينِيَة بَينَ المَشرُوعِيَة، وَالاِتِّهامِ بِالبِدعَة دِراسَةٌ فِقهِيةٌ

اشارة

الشَعائِرُ الحُسَينِيَة بَينَ المَشرُوعِيَة، وَالاِتِّهامِ بِالبِدعَة دِراسَةٌ فِقهِيةٌ

تأليف: الشيخ علي هادي جبر الفتلاوي

الإشرافُ العِلمِيُّ مؤسسة وارث الأنبياء

للدراسات التخصصية في النهضة الحسينية

العطبعة الاولي

1439ﻫ - 2018 م

عدد النسخ1000

ص:1

اشارة

الشَعائِرُ الحُسَينِيَة

بَينَ المَشرُوعِيَة، وَالاِتِّهامِ بِالبِدعَة

ص: 1

بطاقة فهرسة

---------------------------------------------

مصدر الفهرسة: IQKaPLI ara IQKaPLI rda

رقم تصنيف: LC: BP260.3.F38 H5 2017

المؤلف الشخصي: الفتلاوي، علي هادي جبر 1960م -. مؤلف.

العنوان: الشعائر الحسينية بين المشروعية، والاتهام بالبدعة. دراسة فقهية.

بيان المسؤولية: تأليف: الشيخ علي هادي جبر الفتلاوي.

بيانات الطبعة: الطبعة الأولي.

بيانات النشر: النجف، العراق: العتبة الحسينية المقدسة، مؤسسة وارث الأنبياء للدراسات التخصصية في النهضة الحسينية، 1438ﻫ - 2017م.

الوصف المادي: 260 صفحة؛ 24 سم.

سلسلة النشر: مؤسسة وارث الأنبياء للدراسات التخصصية في النهضة الحسينية.

تبصرة عامة: أشرف علي الرسالة الشيخ حسن الفتوني.

تبصرة عامة: أصل الكتاب رسالة ماجستير - جامعة المصطفي(صلي الله عليه و آله و سلم) العالمية، كلية الشهيد الصدر العالمية للفقه والمعارف الإسلامية، 2016م.

تبصرة

ببليوغرافية: يتضمن إرجاعات ببليوغرافية.

تبصرة ببليوغرافية: يتضمن هوامش، لائحة المصادر الصفحات (231-247).

موضوع شخصي: الحسين بن علي الشهيد(عليه السلام)، الإمام الثالث، 4-61 للهجرة.

موضوع شخصي: الحسين بن علي الشهيد(عليه السلام)، الإمام الثالث، 4-61 للهجرة - مأتم العزاء.

مصطلح موضوعي: العقائد.مصطلح موضوعي: الديانات المقارنة.

مصطلح موضوعي: الشعائر الدينية (إسلام).

مصطلح موضوعي: الشعائر الإمامية - شعائر ومراسم مذهبية - دراسة حالة.

مصطلح موضوعي: الشعائر الإمامية - شعائر ومراسم مذهبية - دفع مطاعن.

اسم هيئة اضافي: العتبة الحسينية المقدسة. قسم الشؤون الفكرية والثقافية. مؤسسة وارث الأنبياء للدراسات التخصصية في النهضة الحسينية – جهة مصدرة.

---------------------------------------------

تمت الفهرسة قبل النشر في مكتبة العتبة الحسينية المقدسة

رقم الإيداع في دار الكتب والوثائق ببغداد (343) لسنة (2017م)

ص: 2

الشَعائِرُ الحُسَينِيَة بَينَ المَشرُوعِيَة، وَالاِتِّهامِ بِالبِدعَة دِراسَةٌ فِقهِيةٌ

تأليف: الشيخ علي هادي جبر الفتلاوي

الإشرافُ العِلمِيُّ

مؤسسة وارث الأنبياء

للدراسات التخصصية في النهضة الحسينية

ص: 3

جميع الحقوق المحفوظة

للعتبة الحسينية المقدسة

العطبعة الاولي

1439ﻫ - 2018 م

إصدار

مؤسسة وارث الأنبياء

للدراسات التخصصية في النهضة الحسينية

ص: 4

بسم الله الرحمن الرحيم

ص: 5

تنويه: هذا الكتاب هو جزء من متطلبات نيل شهادة الماجستير

وهي بعنوان: الشعائر الحسينية بين المشروعية والاتهام بالبدعة: دراسة فقهية

تقدم بها الطالب علي هادي جبر الفتلاوي

تحت إشراف الأستاذ المشرف الشيخ حسن الفتوني

قدمت إلي جامعة المصطفي(صلي الله عليه و آله و سلم) العالمية

كلية الشهيد الصدر العلمية للفقه والمعارف الإسلامية، فرع الفقه والأصول

مراجعة وتدقيق

اللجنة العلمية في قسم الرسائل الجامعية في مؤسسة وارث الأنبياء

د. الشيخ عبد الرحمن الربيعي، د. الشيخ علي العبادي،

د. السيد خالد السيساوي، د. الشيخ عدي السهلاني، الأستاذ معروف عبد المجيد

هوية الكتاب

عنوان الكتاب الشعائر الحسينية بين المشروعية والاتهام بالبدعة

المؤلف الشيخ علي هادي جبر الفتلاوي

الإشراف العلمي اللجنة العلمية في مؤسسة وارث الأنبياء

الإخراج الفني حسين المالكي

الطبعةالأولي

المطبعةدار المؤمن

سنة الطبع1439ﻫ - 2018م

عدد النسخ1000

ص: 6

الشكر والعرفان

إن كان ثمة شكر فهو لله سبحانه علي أنعامه وأفضاله الدائمة، فله الحمد والمنّة علي إتمام هذه الرسالة، وعليه التوكّل ومنه التوفيق وإليه الشكر كما هو به حقيق.

وعلي أساس القاعدة المعرفية التي نستلهمها من القاعدة المعرفية التي لخّصها الإمام الرضا(عليه السلام) بقوله: «من لم يشكر المنعم من المخلوقين لم يشكر الله(عزوجلّ)». نتقدم بالثناء والشكر للعناية الكريمة التي توليها جامعة المصطفي(صلي الله عليه و آله و سلم) العالمية؛ لما قاموا به من تذليل الصعوبات في سبيل الرّقي بالمستوي العلمي للطلاب والباحثين في العلوم الإسلامية، وأخص بالذكر منهم الدكتور أعرافي رئيس الجامعة، وكذا نتقدم بالشكر والعرفان إلي حجة الإسلام والمسلمين الشيخ مهدوي مهر قائم مقام جامعة المصطفي(صلي الله عليه و آله و سلم) العالمية، وكذلك نتقدم بالشكر الجزيل لكلية الشهيد الصدر وعلي رأسها سماحة الشيخ الجواهري والإخوة في الكادر الإداري للكلية؛ لما أبدوه من مساعدة كبيرة في إتمام هذه الرسالة.

ثم أعرج بالشكر الجزيل إلي اللجنة العلمية التي ناقشت هذه الرسالة، وأخص بالذكر الدكتور السيد نذيرالحسني، وشكري الكبير وتقديري إلي المشرف علي هذه الرسالة سماحة الشيخ حسن الفتوني الذي آزرني في إيصال هذه الرسالة إلي ما هي عليه الآن، وكان لملاحظاته الدور الكبير في تلافي الأخطاء التي وردت فيها، وأشكر أيضاً مؤسسة وارث الأنبياء للدراسات التخصصية في النهضة الحسينية بكادرها، وأخص بالذكر الشيخ رافد التميمي؛ لما أبدوه من مساعدة في ذلك.

وأشكر في العراق العتبة الحسينية المقدسة وعلي رأسها المتولي الشرعي لها

ص: 7

سماحة الشيخ عبد المهدي الكربلائي؛ لما أبداه من رعاية واهتمام للوصول بهذه الرسالة إلي غرضها، كما أشكر مكتبة العتبة الحسينية المقدسة وأخص بالذكر الأستاذ محمد رزاق؛ لما له من يد كريمة في طبع هذه الرسالة وإخراجها علي ما هي عليه، وكذلك شكري للأخ إحسان خضير؛ لما له من يد كريمة في إيصال الرسالة إلي قم المقدسة، وأشكر الأخ السيد حسين عدنان رضوي لجهوده المبذولة التي قام بها من أجل إتمام هذه الرسالة.

الشيخ علي الفتلاوي

ص: 8

مقدمة المؤسّسة

اشارة

إنّ نشر المعرفة، وبيان الحقيقة، وإثبات المعلومة الصحيحة، غاياتٌ سامية وأهدافٌ متعالية، وهي من أهمّ وظائف النُّخب والشخصيات العلمية، التي أخذت علي عاتقها تنفيذ هذه الوظيفة المقدّسة.

من هنا؛ قامت الأمانة العامة للعتبة الحسينية المقدسة بإنشاء المؤسّسات والمراكز العلمية والتحقيقية؛ لإثراء الواقع بالمعلومة النقية؛ لتنشئة مجتمعٍ واعٍ متحضّر، يسير وفق خطوات وضوابط ومرتكزات واضحة ومطمئنة.

وممّا لا شكّ فيه أنّ القضية الحسينية - والنهضة المباركة القدسية - تتصدّر أولويات البحث العلمي، وضرورة التنقيب والتتبّع في الجزئيات المتنوّعة والمتعدّدة، والتي تحتاج إلي الدراسة بشكلٍ تخصّصي علمي، ووفق أساليب متنوّعة ودقيقة، ولأجل هذه الأهداف والغايات تأسّست مؤسّسة وارث الأنبياء للدراسات التخصّصية في النهضة الحسينية، وهيمؤسّسة علميّة متخصّصة في دراسة النهضة الحسينية من جميع أبعادها: التاريخية، والفقهية، والعقائدية، والسياسية، والاجتماعية، والتربوية، والتبليغية، وغيرها من الجوانب العديدة المرتبطة بهذه النهضة العظيمة، وكذلك تتكفّل بدراسة سائر ما يرتبط بالإمام الحسين(عليه السلام).

وانطلاقاً من الإحساس بالمسؤولية العظيمة الملقاة علي عاتق هذه المؤسّسة المباركة؛ كونها مختصّة بأحد أهمّ القضايا الدينية، بل والإنسانية، فقد قامت بالعمل

ص: 9

علي مجموعة من المشاريع العلمية التخصّصية، التي من شأنها أن تُعطي نقلة نوعية للتراث، والفكر، والثقافة الحسينية.

المشاريع العلمية في المؤسسة

اشارة

بعد الدراسة المتواصلة التي قامت بها مؤسسة وارث الأنبياء حول المشاريع العلمية في المجال الحسيني تمّ الوقوف علي مجموعة كبيرة من المشاريع التي لم يُسلَّط الضوء عليها كما يُراد لها، وهي مشاريع كثيرة وكبيرة في نفس الوقت، ولكل منها أهميته القصوي، إلّا أنّه ووفقاً لجدول الأولويات المعتمد في المؤسسة تمّ اختيار المشاريع العلميّة الأكثر أهميّةوالتي يُعتبر العمل عليها إسهاماً في تحقيق نقلة نوعية للتراث والفكر الحسيني، وهذه المشاريع هي:

الأوّل: قسم التأليف والتحقيق

اشارة

إنّ العمل في هذا القسم علي مستويين:

أ - التأليف

ويعني هذا القسم بالكتابة في العناوين الحسينية التي لم يتمّ تناولها بالبحث والتنقيب، أو التي لم تُعطَ حقّها من ذلك. كما يتم استقبال النتاجات القيمة التي أُلفت من قبل العلماء والباحثين في هذا القسم، ليتم إخضاعها للتحكيم العلمي، وبعد إبداء الملاحظات العلمية وإجراء التعديلات اللازمة بالتوافق مع مؤلفيها يتمّ طباعتها ونشرها.

ب - التحقيق

والعمل فيه قائم علي جمع وتحقيق وتنظيم التراث المكتوب عن مقتل الإمام الحسين(عليه السلام)، ويشمل جميع الكتب في هذا المجال، سواء التي كانت بكتابٍ مستقل

ص: 10

أو ضمن كتاب، تحت عنوان: (موسوعة المقاتل الحسينيّة). وكذا العمل جارٍ في هذا القسم علي رصد المخطوطات الحسينية التي لم تُطبع إلي الآن؛ ليتم جمعها وتحقيقها، ثمّ طباعتها ونشرها. كما ويتم استقبالالكتب التي تمّ تحقيقها خارج المؤسسة، لغرض طباعتها ونشرها، وذلك بعد إخضاعها للتقييم العلمي من قبل اللجنة العلمية في المؤسسة، وبعد إدخال التعديلات اللازمة عليها وتأييد صلاحيتها للنشر تقوم المؤسسة بطباعتها.

الثاني: مجلّة الإصلاح الحسيني

وهي مجلّة فصلية متخصّصة في النهضة الحسينية، تهتمّ بنشر معالم وآفاق الفكر الحسيني، وتسلّط الضوء علي تاريخ النهضة الحسينية وتراثها، وكذلك إبراز الجوانب الإنسانية، والاجتماعية والفقهية والأدبية في تلك النهضة المباركة، وقد قطعت شوطاً كبيراً في مجالها، واحتلّت الصدارة بين المجلات العلمية الرصينة في مجالها، وأسهمت في إثراء واقعنا الفكري بالبحوث العلمية الرصينة.

الثالث: قسم ردّ الشبهات عن النهضة الحسينية

إنّ العمل في هذا القسم قائم علي جمع الشبهات المثارة حول الإمام الحسين(عليه السلام) ونهضته المباركة، وذلك من خلال تتبع مضان تلك الشبهات من كتب قديمة أو حديثة، ومقالات وبحوث وندوات وبرامج تلفزيونية وما إلي ذلك، ثم يتم فرزها وتبويبها وعنونتها ضمن جدول موضوعي،ثمّ يتم الرد عليها بأُسلوب علميّ تحقيقي في عدة مستويات.

الرابع: الموسوعة العلمية من كلمات الإمام الحسين(عليه السلام)

وهي موسوعة علمية تخصصية مستخرجة من كلمات الإمام الحسين(عليه السلام) في

ص: 11

مختلف العلوم وفروع المعرفة، ويكون ذلك من خلال جمع كلمات الإمام الحسين(عليه السلام) من المصادر المعتبرة، ثمّ تبويبها حسب التخصّصات العلمية مع بيان لتلك الكلمات، ثمّ وضعها بين يدي ذوي الاختصاص؛ ليستخرجوا نظريات علميّة ممازجة بين كلمات الإمام(عليه السلام) والواقع العلمي.

الخامس: قسم دائرة معارف الإمام الحسين(عليه السلام) أو (الموسوعة الألفبائية الحسينية)

وهي موسوعة تشتمل علي كلّ ما يرتبط بالإمام الحسين(عليه السلام) ونهضته المباركة من أحداث، ووقائع، ومفاهيم، ورؤي، وأعلام وبلدان وأماكن، وكتب، وغير ذلك، مرتّبة حسب حروف الألف باء، وكما هو معمول به في دوائر المعارف والموسوعات، وعلي شكل مقالات علميّة رصينة، تُراعي فيها كلّ شروط المقالة العلميّة، مكتوبة بلغةٍ عصرية وأُسلوبٍ حديث.

السادس: قسم الرسائل والأطاريح الجامعية

إنّ العمل في هذا القسم يتمحور حول أمرين: الأوّل: حول إحصاء الرسائل والأطاريح الجامعية التي كُتبتْ حول النهضة الحسينية، ومتابعتها من قبل لجنة علمية متخصّصة؛ لرفع النواقص العلمية، وتهيئتها للطباعة والنشر، الثاني: حول إعداد موضوعات حسينيّة من قبل اللجنة العلمية في هذا القسم، تصلح لكتابة رسائل وأطاريح جامعية، تكون بمتناول طلّاب الدراسات العليا.

السابع: قسم الترجمة

يقوم هذا القسم بمتابعة التراث المكتوب حول الإمام الحسين(عليه السلام) ونهضته المباركة باللغات غير العربية لنقله إلي العربية، ويكون ذلك من خلال تأييد صلاحيته للترجمة، ثمّ ترجمته أو الإشراف علي ترجمته إذا كانت الترجمة خارج القسم.

ص: 12

الثامن: قسم الرصد والإحصاء

يتم في هذا القسم رصد جميع القضايا الحسينيّة المطروحة في جميع الوسائل المتبعة في نشر العلم والثقافة، كالفضائيات، والمواقع الإلكترونية، والكتب، والمجلات والنشريات، وغيرها؛ ممّا يعطي رؤية واضحة حول أهمّ الأُمور المرتبطة بالقضية الحسينية بمختلف أبعادها، وهذا بدوره يكون مؤثّراً جدّاً في رسمالسياسات العامّة للمؤسّسة، ورفد بقيّة الأقسام فيها، وكذا بقية المؤسّسات والمراكز العلمية في شتي المجالات.

التاسع: قسم المؤتمرات والندوات العلمية

ويتمّ العمل في هذا القسم علي إقامة مؤتمرات وملتقيات وندوات علميّة فكرية متخصّصة في النهضة الحسينية، لغرض الإفادة من الأقلام الرائدة والإمكانات الواعدة، ليتمّ طرحها في جوٍّ علميّ بمحضر الأساتذة والباحثين والمحقّقين من ذوي الاختصاص، كما تتمّ دعوة العلماء والمفكرين لطرح أفكارهم ورؤاهم القيمة علي الكوادر العلمية في المؤسسة وكذا سائر الباحثين والمحققين وكل من لديه اهتمام بالشأن الحسيني، للاستفادة من طرق قراءتهم للنصوص الحسينية وفق الأدوات الاستنباطية المعتمدة لديهم.

العاشر: قسم المكتبة الحسينية التخصصية

وهي مكتبة حسينية تخصّصية تجمع التراث الحسيني المخطوط والمطبوع، أنشأتها مؤسسة وارث الأنبياء، وهي تجمع آلاف الكتب المهمة في مجال تخصصها.

ص: 13

الحادي عشر: قسم الموقع الإلكتروني

وهو موقع إلكتروني متخصص بنشر نتاجات وفعاليات مؤسسة وارث الأنبياء، فهو يقوم بنشر وعرض كتبها ومجلاتها التي تصدرها، وكذا الندوات والمؤتمرات التي تقيمها، وكذا يسلط الضوء علي أخبار المؤسسة ومجمل فعالياتها العلمية والإعلامية.

الثاني عشر: القسم النسوي

يعمل هذا القسم ومن خلال كادر علمي متخصص علي تفعيل دور المرأة المسلمة في النهضة الحسينية وبأقلام علمية نسوية من الجانب الديني والأكاديمي، كما يعمل علي تأهيل الباحثات والكاتبات ضمن ورشات عمل تدريبية وفق الأساليب المعاصرة في التأليف والكتابة.

الثالث عشر: القسم الفني

إنّ العمل في هذا القسم قائم علي طباعة وإخراج النتاجات الحسينية التي تصدر عن المؤسسة، وفقاً للبرامج الإلكترونية المتطورة، وذلك من خلال كادر فنيّ متخصص، كما ويعمل علي تصميم الأغلفة وواجهات الصفحات الإلكترونية، ومن مهام هذا القسم أيضاً العمل علي برمجة الإعلانات المرئية والمسموعة وغيرهما، وسائر الأمور الفنيّة الأخري التي تحتاجها كافّة الأقسام.وهناك مشاريع أُخري سيتمّ العمل عليها إن شاء الله تعالي.

قسم الرسائل الجامعية في مؤسسة وارث الأنبياء

اشارة

يتكفّل قسم الرسائل الجامعية بمهمّة نشر الفكر الحسيني المبارك، من خلال تفعيل الدراسات والأبحاث العلمية الحسينية في الأوساط الجامعية والأكاديمية بمستوياتها الثلاثة: البكالوريوس، والماجستير، والدكتوراه، مضافاً إلي الرُقي

ص: 14

بالمستوي العلمي والتحقيقي للكفاءات الواعدة المهتمّة بالنهضة الحسينية في جميع مجالاتها. وقد تصدّي لهذه المسؤولية نخبة من الأساتذة المحققين في المجال الحوزوي والأكاديمي.

أهداف القسم

الغاية من وراء إنشاء هذا القسم جملة من الأهداف المهمّة، منها:

1 - إخضاع الدراسات والأبحاث الحسينية لمناهج البحث المعتمدة لدي المعاهد والجامعات.

2 - إبراز الجوانب المهمّة وفتح آفاق جديدة أمام الدراسات والأبحاث المتعلّقة بالنهضة الحسينية، من خلال اختيار عناوين ومواضيع حيوية مواكبة للواقع المعاصر.

3 - الارتقاء بالمستوي العلمي للكوادر الجامعية،والعمل علي تربية جيل يعني بالبحث والتحقيق في مجال النهضة الحسينية الخالدة.

4 - إضفاء صبغة علمية منهجية متميزة علي صعيد الدراسات الأكاديمية، المرتبطة بالإمام الحسين(عليه السلام) ونهضته المباركة.

5 - تشجيع الطاقات الواعدة في المعاهد والجامعات للولوج في الأبحاث والدراسات العلمية في مختلف مجالات البحث المرتبطة بالنهضة الحسينية، ومن ثمّ الاستعانة بأكفّائها في نشر ثقافة النهضة وإقامة دعائم المشاريع المستقبلية للقسم.

6 - معرفة مدي انتشار الفكر الحسيني في الوسط الجامعي؛ لغرض تشخيص آلية التعاطي معه علمياً.

7 - نشر الفكر الحسيني في الأوساط الجامعية والأكاديمية.

8- تشخيص الأبعاد التي لم تتناولها الدراسات الأكاديمية في ما يتعلّق بالنهضة الحسينية، ومحاولة العمل علي إبرازها في الدراسات الجديدة المقترحة.

9 - التعريف بالرسائل الجامعية المرتبطة بالإمام الحسين(عليه السلام) ونهضته المباركة؛

ص: 15

والتي تمّت كتابتها ومناقشتها في الجامعات.

آليات عمل القسم

اشارة

إنّ طبيعة العمل في قسم الرسائل الجامعية تكونعلي مستويات ثلاثة:

المستوي الأوّل: العناوين والمواضيع الحسينية

يسير العمل فيه طبقاً للخطوات التالية:

1 - إعداد العناوين والموضوعات التخصّصية، التي تعني بالفكر الحسيني طبقاً للمعايير والضوابط العلمية، مع الأخذ بنظر الاعتبار جانب الإبداع والأهمية لتلك العناوين.

2 - وضع الخطّة الإجمالية لتلك العناوين والتي تشتمل علي البحوث التمهيدية والفصول ومباحثها الفرعية مع مقدّمة موجزة عن طبيعة البحث وأهميته والغاية منه.

3 - تزويد الجامعات المتعاقد معها بتلك العناوين المقترحة مع فصولها ومباحثها.

المستوي الثاني: الرسائل قيد التدوين

يسير العمل فيه علي النحو التالي:

1 - مساعدة الباحث في كتابة رسالته من خلال إبداء الرأي والنصيحة.

2- استعداد القسم للإشراف علي الرسائل والأطروحات فيما لو رغب الطالب أو الجامعة في ذلك.

3 - إنشاء مكتبة متخصصة بالرسائل الجامعية لمساعدة الباحثين علي إنجاز دراساتهم ورسائلهم، فضلاً عن إتاحة الفرصة أمامهم للاستفادة من مكتبة المؤسسة المتخصّصة بالنهضة الحسينية.

المستوي الثالث: الرسائل المناقشة

يتمّ التعامل مع الرسائل التي تمّت مناقشتها علي النحو التالي:

1 - وضع الضوابط العلمية التي ينبغي أن تخضع لها الرسائل الجامعية، تمهيداً

ص: 16

لطبعها ونشرها وفقاً لقواعد ومقررات المؤسسة.

2 - رصد وإحصاء الرسائل الأكاديمية التي تمّ تدوينها حول النهضة الحسينية المباركة.

3 - استحصال متون ونصوص تلك الرسائل من الجامعات المتعاقد معها، والاحتفاظ بها في مكتبة المؤسسة.

4 - قيام اللجنة العلمية في القسم بتقييم الرسائل المذكورة، والبت في مدي صلاحيتها للطباعة والنشر من خلال جلسات علمية يحضرها أعضاء اللجنة المذكورة.

5 - تحصيل موافقة صاحب الرسالة لإجراء التعديلات اللازمة، سواء أكان ذلك من قبل الطالب نفسه أم من قِبل اللجنة العلمية في القسم.

6 - إجراء الترتيبات القانونية اللازمة لتحصيل الموافقة من الجامعة المعنية وصاحب الرسالة علي طباعة ونشر رسالته التي تمّت الموافقة عليها بعد إجراء التعديلات اللازمة.

7 - فسح المجال أمام الباحث لنشر مقال عن رسالته في مجلة (الإصلاح الحسيني) الفصلية المتخصصة في النهضة الحسينية التي تصدرها المؤسسة.

8 - العمل علي تلخيص الرسائل الجامعية، ورفد الموقع الإلكتروني التابع للمؤسسة بها، ومن ثمّ طباعتها تحت عنوان: دليل الرسائل الجامعية المرتبطة بالإمام الحسين(عليه السلام) ونهضته المباركة.

هذه الرسالة

لقد تناولت هذه الرسالة الجامعية الموسومة ب- (الشعائر الحسينية بين المشروعية والاتهام بالبدعة - دراسة فقهية) موضوعاً مهماً من موضوعات النهضة الحسينية، حيث أن الشعائر الحسينية هي التي تبث الروح في المجتمع الإيماني علي الدوام، وهذه الشعائر تحقق عدة أهداف متزامنة، فهي تحفظ شعلة النهضة الحسينية منيرة وهاجة في

ص: 17

المجتمع، وتحافظ علي بقاء أهداف النهضة العظيمة، وتركز في الأذهان الحقائق التاريخية التي غيّرت مجري الأمور، والصراع الذي دار بين الحق والباطل، وهي تذكّر وتؤكّد علي ضرورة إصلاح المجتمع، وضرورة نبذ الظلم والوقوف مع العدل والحق، مهما كانت الظروف والنتائج، وببقاء هذه الشعائر تبقي النهضة المقدسة، وببقائها يبقي الإسلام وتبقي تعاليمه الحقة، فأهمية الشعائر الحسينية بأهمية تلك الأهداف والنتائج.

وقد واجهت الشعائر الحسينية مجموعة من الإشكالات والشبهات حالها حال كل فقرات ومفردات الدين الإسلامي، سواء العقائدية منها أو الفقهية، ومن بين أهم تلك الاشكالات هو إشكال: إنّ هذه الشعائر بدعة، وهذا يعنيأنّها ممارسات لا دليل عليها من الشريعة، وإذا كانت بدعة فغايتها الظلال ونتيجتها النار.

ومثل هذه الاتهامات تعتبر حلقة من حلقات تشويه الدين والحقيقة لذلك كان لازماً ان تكون هناك بحوث علمية استدلالية تثبت شرعية الشعائر الحسينية، وتنفي عنها اتهام البدعة من خلال عرض الأدلة والبراهين بروح موضوعية من خلال عرض الآيات القرآنية الروايات وسائر الأدلة الفقهية.

ولأجل تحقيق هذا الغرض المهم كانت هذه الرسالة التي بين يديك عزيزي القارئ.

وفي الختام نتمني للمؤلف سماحة الشيخ علي الفتلاوي مسؤول قسم الشؤون الفكرية والثقافية في العتبة الحسينية المقدسة دوام الموفقية والسداد لخدمة القضية الحسينية.

نسأل الله تعالي أن يبارك لنا في أعمالنا، إنّه سميعٌ مجيبٌ.

اللجنة العلمية في

مؤسسة وارث الأنبياء

للدراسات التخصصية في النهضة الحسينية

ص: 18

مقدمة قسم الرسائل الجامعية

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله ربِّ العالمين، والصلاة والسلام علي أفضل خلقه، وأشرف بريته محمد وآله الطيبين الطاهرين.

لا يخفي أنّ الصراعَ بين الحقّ والباطل يُعدُّ من السنن الثابتة، وقد عاني المسلمون مآسي هذا الصراع، لا سيّما في فترة الحكم الأموي الذي أدّي بالأمة الإسلامية الرجوع إلي ما قبل شروق أنوار الرسالة، وقد كاد حكمهم يقتلع الدين الإسلامي ويزيله من أذهان المسلمين، لولا انطلاقة سيد الشهداء الإمام الحسين(عليه السلام)، الذي وقف بنهضته المباركة بوجه الطغيان والجبروت.

فكانت النهضة الحسينية المباركة من أعظم الثورات الإصلاحية التي عرفها التاريخ البشري علي وجه الكرة الأرضية، وذلك لأنّها استطاعت أن تحفظ الرسالة من الانحراف، وتحيي المبادئ والقيم المقدسة في عقول ونفوس الأجيال المتعاقبة، فهي بحقّ مدرسة أثرت الانسانية بالمبادئ السامية التي تجسّدت في مواقف الإمام الحسين(عليه السلام) ومواقف أصحابه وأهل بيته، كالتضحية والإخلاص والإباء والثبات علي المبدأ الحق، وعلو الهمّة والوفاء والعزم والشجاعة، وبذل النفس والنفيس في سبيل الله، وغيرها من القيم النبيلة.ولذلك نجد أنّ الاجيال المتعاقبة من المؤمنين قد اغترفوا من نمير هذه المدرسة الإلهية، واكتسبوا منها العزم علي مواجهة التحديات المعاصرة التي تلفّ

ص: 19

بالشيعة من كل حدب وصوب.

ومن هذا المنطلق بادر قسم الرسائل الجامعية في مؤسسة وارث الأنبياء في السعي الحثيث لإدخال الثقافة الحسينية ونشرها في الوسط الجامعي، فقام في اُولي خطواته بجمع الأطاريح والرسائل الجامعية المرتبطة بالنهضة الحسينية، ومراجعتها وتدقيقها واجراء التعديلات اللازمة عليها؛ لتكون مادة بحثية توضع تحت متناول أيدي القرّاء بصورة عامة والباحثين بصورة خاصة.

وهذه الرسالة الموسومة ب«الشعائر الحسينية بين المشروعية والاتهام بالبدعة - دراسة فقهية» من بين الرسائل التي اعتني بها قسم الرسائل، فقامت اللجنة العلمية في هذا القسم بمراجعتها واجراء بعض التعديلات الضرورية لإظهارها بهذا الشكل الماثل بين يدي القارئ الكريم.

وقد تناول الباحث - مشكوراً - في هذه الرسالة الشعائر الحسينية من الجنبة الفقهية، حيث قدّم أولاً عرضا مفصّلاً عن تاريخية الشعائر وتعريفها في اللغة والاصطلاح، ثمّ عرض النصوص القرآنية التي استدلّ بها علي مشروعية الشعائر الحسينية، ثمّ عطف الكلام حول النصوص الروائية التي تدلّ علي مشروعية الشعائرالحسينية، بل استحبابها في نظر العقل والعقلاء، ثمّ عقب ذلك بفصل مستقل عالج فيه جميع الشبهات الواردة حول الشعائر الحسينية، وانتهي إلي نتائج مهمّة علي هذا الصعيد، من قبيل: أنّ هذه الشعائر ليست مشروعة فحسب بل هي مستحبة شرعا، بل قد ترقّي إلي درجة الوجوب في بعض الاحيان، وأنّ ما اثير حولها من اشكالات وتساؤلات واهية تنمّ عن تعصّب أعمي وجهل مطبق.

قسم الرسائل الجامعية

في

مؤسسة وارث الأنبياء

ص: 20

المقدمة

اشارة

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله الذي علّم بالقلم، علّم الإنسان ما لم يعلم، والصلاة والسلام علي معلّم البشرية وهاديها المصطفي الأمجد أبي القاسم محمد وعلي آله الطيبين الطاهرين، الذين جعلهم الله أئمة يهدون بأمره، ويدعون إلي نهجه، ويطبقون شريعته، والسلام علي سبط الرسول وريحانته من الدنيا، الإمام أبي الأئمة سيد الشهداء الإمام الحسين(عليه السلام) وعلي أولاده وإخوته وصحبه.

تتضمن هذه المقدمة كليات البحث وهي كالتالي:

مشكلة البحث

يمكن بيان مشكلة البحث من خلال النقاط التالية:

1- كيفية انطباق الشعائر الدينية علي الشعائر الحسينية، وبعبارة أخري ما هو الملاك في جعل الشعائر الحسينية من مصاديق الشعائر الدينية.

2 - بيان الضابطة والملاك الذي علي أساسه خرجت الشعائر الحسينية من دائرة البدعة إلي دائرةالمشروعية.

الغاية من البحث

لكي تتّضح الغاية من كتابة البحث نقول: إنّ فرقة النواصب لأهل البيت(عليهم السلام)

ص: 21

تصدّت لتشويه صورة مذهب أهل البيت(عليهم السلام) من خلال اتهام الشيعة بالبدعة والشرك وغيرها من التهم، مستندين في ذلك إلي ما يقوم به الشيعة من شعائر حسينية، فيعمدوا إلي تكذيبهم، فيدعون أنّ هذه الشعائر ليس لها أصل في الدين وليست منه، بل هي بدعة يقوم بها الشيعة.

وأيضاً وقع الالتباس عند بعض محبي أهل البيت(عليهم السلام) حول صحة إقامة هذه الشعائر، ومدي استنادها إلي الشريعة.

كما أنّ هناك أعمالاً يقيمها بعض المحبين لأهل البيت(عليهم السلام) يعدّونها من الشعائر الحسينية، وهي بحاجة إلي دليل واضح يثبت ذلك.

وعلي هذا الأساس فإنّ الهدف والغاية من هذا الموضوع ما يلي:

1- بيان معني وحقيقة الشعائر الحسينية، وأنها مصداق للشعائر الدينية التي أكّدت الشريعة علي ضرورة تعظيمها وإحيائها.

2- بيان مشروعية الشعائر الحسينية من الكتابوالسنة.

3- الرد علي من وجّه سهام اتهامه بأن الشعائر الحسينية لا دليل عليها، وأنها بدعة.

الفرضيات

1- إنّ الشعائر الحسينية مصداق للشعائر الدينية

2- توفّر الأدلة علي مشروعية الشعائر الحسينية من القرآن والسنة

3- بطلان دعوي من يقول بأن الشعائر الحسينية بدعة.

الدراسات السابقة

تعرّض الكثير من الباحثين للبحث في تاريخ الشعائر الحسينية، نذكر منهم علي سبيل المثال:

ص: 22

1- السيد صالح الشهرستاني في كتابه (تاريخ النياحة) وتناول فيه بكاء النبي(صلي الله عليه و آله و سلم) وأهل بيته(عليهم السلام) وأصحابه علي الإمام الحسين(عليه السلام) قبل شهادته. وكذلك ما حصل من البكاء من قبل أهل الحجاز والكوفة والشام علي الإمام الحسين(عليه السلام) ومصيبته، مضافاً إلي تاريخ النياحة علي الإمام الحسين(عليه السلام) في العهد الأموي والعباسي والبويهي والقرون الأخيرة، بيان مواقف الأمويين والعباسيين من النياحة علي الحسين(عليه السلام).

2- السيد محسن الأمين العاملي في كتابه (إقناع اللائم علي إقامة المآتم) وتعرض لبكاء النبي(صلي الله عليه و آله و سلم) وأهل البيت(عليهم السلام) قبل شهادة الإمام الحسين(عليه السلام)، وبكاء الأئمة الطاهرين بعد شهادته في أزمان مختلفة.

3- الدكتور محمد صالح الجويني في بحثه الموسوم (تأريخ المأتم الحسيني من الشهادة وحتي العصر القاجاري) والدكتور محسن حسام الظاهري في بحثه (تأريخ المآتم الحسينية في العصر القاجاري) والذي سلط الضوء فيه علي حقيقة الشعائر الحسينية ومنشئها، وتاريخها، وضرورتها، والهدف من ورائها، والآثار التي تترتّب عليها.

إضافة إلي بعض الكتب التي صدرت مؤخراً كالشعائر الحسينية للشيخ محمد السند، وغيره.

وقد ركّزت الدراسات السابقة علي استعراض الأدلة القرآنية والروائية علي مشروعية الشعائر الحسينية.

وفي هذه الدراسة تم إضافة بعض التفصيلات في الأدلة وشرحها وعرضها بشكل مبسط، فضلاً علي مناقشة الشبهات علي الشعائر الحسينية بأسلوب ولغة واضحة وميسّرة.

ص: 23

الجديد في الدراسة

إن البحث في الشعائر الحسينية وإن تناوله كثير من المحققين، وقد استدلوا علي مشروعيتها، إلا أن الجديد في هذا البحث هو طرح الموضوع بصورة وفهرسة أخري،وبلغة واضحة ومفهومة، خالية من التعقيد، مضافاً إلي تنوع الردود والأجوبة في معالجة الإشكالات والاتهامات التي يطرحها البعض من الذين يدعون بأنّ الشعائر الحسينية من البدعة.

والأهم من كل ما تقدم هو بيان أهمية البحث العلمي والحوار العلمي في الدفاع عن المناهج والأساليب ووجهات النظر، وهذا ما حثّ عليه القرآن الكريم كما في قوله تعالي: «قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْا إِلَي كَلِمَةٍ سَوَاءٍ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ أَلَّا نَعْبُدَ إِلَّا اللَّهَ وَلَا نُشْرِكَ بِهِ شَيْئًا وَلَا يَتَّخِذَ بَعْضُنَا بَعْضًا أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللَّهِ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَقُولُوا اشْهَدُوا بِأَنَّا مُسْلِمُونَ»(1)، ونريد أن نؤكّد لغيرنا من أتباع الأديان الأخري أنّ لكل منكم شعائره وطقوسه، كما لنا شعائرنا وطقوسنا، فنكون وإياكم علي حدٍ سواء، فنكون مصداقاً لقوله تعالي: «ضَرَبَ لَكُمْ مَثَلًا مِنْ أَنْفُسِكُمْ هَلْ لَكُمْ مِنْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ مِنْ شُرَكَاءَ فِي مَا رَزَقْنَاكُمْ فَأَنْتُمْ فِيهِ سَوَاءٌ تَخَافُونَهُمْ كَخِيفَتِكُمْ أَنْفُسَكُمْ كَذَلِكَ نُفَصِّلُ الْآيَاتِ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ»(2).

ويجدر الإشارة إلي أننا ذكرنا أكثر من تعريف لغوي لبعض مفردات البحث؛ لكي نستطيع الإشارة إلي وجود رابطة بين المعني اللغوي للمفردة، وبين الواقع الذي وضعت له المفردة.

ص: 24


1- آل عمران: آية64.
2- الروم: آية28.

الفصل الاول: بحوث تمهيديّة

اشارة

يشتمل هذا الفصل علي أربعة مباحث تمهيدية:

المبحث الأول: التعريف بألفاظ العنوان

المبحث الثاني: الشعائر عند أهل الديانات السماوية

المبحث الثالث: لمحة مختصرة حول سيرة الإمام الحسين(عليه السلام)

المبحث الرابع: تاريخ الشعائر الحسينية

ص: 25

ص: 26

المبحث الأول: التعريف بألفاظ العنوان

اشارة

فيه خمسة مطالب:

المطلب الأوّل: الشعائر الحسينية في اللغة والاصطلاح

اشارة

تختلف المفاهيم حسب مواصفاتها، فلموضوع الشعائر مفهومه الخاص، ولموضوع الشعائر الحسينية مفهوم آخر تبعاً لنسبة هذه الشعائر، فإذا أردنا أن نبيّن مفهوم الشعائر الحسينية لا بدّ لنا أولاً من التطرّق إلي ذكر الشعائر في اللغة، ثم في الاصطلاح، ومن بعد ذلك نذكر المراد من الشعائر الحسينية.

المقصد الأول: الشعائر في اللغة

لمعرفة أقوال علماء اللغة في الشعائر نستعرض أقوالهم في ذلك، وهي كما يلي:

1- جاء في كتاب العين للفراهيدي (ت 175ﻫ) قوله:«وشعائر الله مناسك الحج، أي: علاماته»(1).

2- وجاء في كتاب الصحاح للجوهري (ت 393ﻫ): «والشَّعِيرَةُ: البَدَنَةُ تُهْدَي. والشَّعَائِرُ: كُلُّ ما جُعِلَ عَلَماً لطاعَةِ اللهِ [تعالي]»(2).

ص: 27


1- الخليل الفراهيدي، كتاب العين: 1/ 250.
2- الجوهري، الصحاح: 2/ 382-383.

3- جاء في كتاب المفردات في غريب القرآن للراغب الأصفهاني (ت425ﻫ): «مشاعر الحج معالمه الظاهرة للحواس، الواحد مشعر»(1).

المقصد الثاني: الشعائر في الاصطلاح

إنّ الشعائر هي أعم من الأعمال التي تؤدّي في الحج، ولكن غلب مصطلح الشعائر علي أفعال الحج؛ كونها ذُكرت في الكتاب الكريم، كما في قوله تعالي: «إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ فَمَنْ حَجَّ» (2)، وقوله تعالي: «وَالْبُدْنَ جَعَلْنَاهَا لَكُمْ مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ لَكُمْ فِيهَا خَيْرٌ فَاذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ عَلَيْهَا صَوَافَّ فَإِذَا وَجَبَتْ جُنُوبُهَا فَكُلُوا مِنْهَا وَأَطْعِمُوا الْقَانِعَ وَالْمُعْتَرَّ كَذَلِكَ سَخَّرْنَاهَا لَكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ»(3)، وما جاء في أقوال العلماء عن الشعائر وتعريفها يؤكد أنها عبادات يُتقرب بها إلي الله تعالي، ومنها أفعال وأعمال الحج، ولكي يتضح المطلب نورد أقوال بعض العلماء عن الشعائر، وهي كما يلي:

«إن الشعائر من العبادات التي يعبد الله تعالي بها، فتكون عبادةكغيرها»(4).

«وقال الأزهري: الشعائر المقامة التي ندب الله إليها وأمر بالقيام عليها، وقال الجوهري: الشعائر أعمال الحج وكل ما جعل علماً لطاعة الله، وقال الزجاج: في شعائر الله يعني بها جميع متعبدات الله التي أشعرها الله، أي: جعلها أعلاماً»(5).

وقال الطبرسي: ««ذَلِكَ وَمَنْ يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِنْ تَقْوَي الْقُلُوبِ»، أي: معالم دين الله، والأعلام التي نصبها لطاعته. وقيل: شعائر الله دين الله كله،

ص: 28


1- الراغب الأصفهاني، المفردات في غريب القرآن: 271-272.
2- البقرة: آية158.
3- الحج: آية36.
4- الشهيد الثاني، مسالك الأفهام: 2/ 198، من الهامش.
5- الكاظمي، مسالك الأفهام إلي آيات الأحكام: 2/ 235، من الهامش.

وتعظيمها التزامها، عن الحسن (فَإِنَّهَا) أي: فإن تعظيمها، لدلالة (يُعَظِّمْ) عليه، ثم حذف المضاف، وأقام المضاف إليه مقامه، فقال: (فَإِنَّهَا مِنْ تَقْوَي الْقُلُوبِ) أضاف التقوي إلي القلوب؛ لأنّ حقيقة التقوي: تقوي القلوب»(1).

وينقل العيني في كتابه (عمدة القاري) عن الزجاج: «الشعائر لكل عمل مما تعبد به؛ لأنّ قولهم شعرت به علمته، فلهذا سمّيت الأعلام التي هي متعبدات لله شعائر. وقال الحسن: شعائر الله دين الله تعالي»(2).

وقال الشيخ الطوسي في تفسيره: «والشعائر: المعالم للأعمال، فشعائر الله: معالم الله التي جعلها مواطن للعبادة، وهي أعلام متعبداته من موقف، أو مسعي، أو منحر، وهو مأخوذ من شعرت به، أي: علّمت، وكل معلم لعبادة من دعاء، أو صلاة، أو أداءفريضة، فهو مشعر لتلك العبادة، وواحد الشعائر شعيرة، فشعائر الله أعلام متعبداته»(3).

ويذهب بعض العلماء إلي أنّ بعض الأفعال العبادية التي هي غير الشعائر المصرّح بها في الحج هي من شعائر الله تعالي أيضاً، كما في قول الشيخ الجواهري: «(ويستحب كنس المساجد) قطعاً بمعني جمع كناستها بضم الكاف وإخراجها لما فيه من تعظيم الشعائر وترغيب المترددين المفضي إلي عدم خرابه»(4).

وقال محقّق كتاب (مسالك الأفهام): «المراد بشعائر الإسلام الأمور التي يختص بشرعه، كالأذان والصلاة وصوم شهر رمضان ونحو ذلك»(5).

ص: 29


1- الطبرسي، تفسير مجمع البيان: 7/ 150.
2- العيني، عمدة القارئ: 9/ 285.
3- الطوسي، التبيان في تفسير القرآن: 2/ 42.
4- النجفي، جواهر الكلام: 14/ 88.
5- الشهيد الثاني، مسالك الأفهام: 3/ 16.

ويقول الشيخ قاسم محمد العاملي: «الظاهر أن المراد بالشعائر التي هي محل كلام الفقهاء هو كل مظهر من مظاهر الإسلام التي يعرف بها المسلم، ومن أبرزها الصلاة والصيام والحج، وكذلك الآذان والإقامة وغير ذلك، إذ لا يوجد للشعار عند الشارع المقدَّس وضع جديد غير الفهم العرفي»(1).

ويقول صاحب تفسير الأمثل الشيخ ناصر مكارم: «ويمكن القول: إن شعائر الله تشمل جميع الأعمال الدينية التي تذكّرالإنسان بالله سبحانه وتعالي وعظمته، وإن إقامة هذه الأعمال دليل علي تقوي القلوب»(2).

وهناك أقوال أخري للعلماء من المدرستين، أجمعت علي أنّ الشعائر أعم من الأعمال التي تؤدي في الحج(3).

المقصد الثالث: الشعائر الحسينية في الاصطلاح

لم أعثر علي تعريف محدد للشعائر الحسينية، لكن يمكن تقريبها بأنها كل ما يكون مذكّراً بالإمام الحسين(عليه السلام) وأهل بيته وأنصاره ومواقفه وتضحيته في سبيل اللّه تعالي، مع كونه سائغاً في حدّ ذاته.

وبعبارة أخري: أنّ مفهوم الشعائر الحسينية لا يختلف عن مفهوم الشعائر بمعناها العام إلّا بلحاظ نسبة الشعائر إلي الإمام الحسين(عليه السلام)، فبناءً علي ما تقدم من معني لغوي للشعائر، نستطيع أن نستخرج للشعائر الحسينية معني لغوياً مقيداً بما ينسب إلي الإمام الحسين(عليه السلام) إذ لابد لنا من ذكر المعني اللغوي للشعائر الحسينية

ص: 30


1- العاملي، رسالة في التعرب بعد الهجرة: 133.
2- الشيرازي، الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل: 10/ 344.
3- اُنظر: الشريف الرضي، المجازات النبوية: 182، 227. الفقه الرضوي: 77. المحقق الحلي، شرائع الإسلام. القرطبي، تفسير القرآني: 3/ 180. الجصاص، أحكام القرآن: 1/ 119. الغرناطي الكلبي، التسهيل لعلوم التنزيل: 2/ 39.

حيث إنّها أدرجت كعنوان للمطلب الأول، فنقول:

- إذا أخذنا الشعائر بمعني العلامات، فالشعائر الحسينية: هي العلامات التي تدل علي أن فاعلها يوالي ويحب الإمام الحسين(عليه السلام).

- وإذا أخذنا الشعائر بمعني (كل ما جعل علماً لطاعة الله تعالي) فالشعائر الحسينية: هي كل ما جُعل علماً لطاعة الله تعالي من خلال تعظيم الإمام الحسين(عليه السلام).

- وإذا أخذنا الشعائر بمعني (المعالم والمظاهر للحواس) فالشعائر الحسينية: هي الطقوس الظاهرة للحواس التي يمارسها محبو الإمام الحسين(عليه السلام).

وتنقسم الشعائر الحسينية إلي قسمين:

الأول: الشعائر المنصوصة، أي التي جاء بها نص خاص من أهل البيت(عليهم السلام) كالبكاء والحزن والجزع وإقامة المجالس علي الإمام الحسين(عليه السلام).

الثاني: الشعائر غير المنصوصة، وهي التي لم يرد فيها نص خاص، لكن يمكن أن تدخل تحت عنوان إحياء أمرهم(عليهم السلام) كاللطم ونحوه بشرط أن لا يدخل تحت عنوان آخر مبغوض للشريعة، وسيأتي تفصيل ذلك في ثنايا البحث.

المطلب الثاني: البدعة في اللغة والاصطلاح

المقصد الأول: البدعة في اللغة

ورد مفهوم البدعة في اللغة: أنه شيء مبتكر ليس له سابقة، فلذا ذكر الخليل في كتابه العين في البَدْعُ أنه:«إحداثُ شيءٍ لم يكن له من قبلُ خلقٌ ولا ذكرٌ ولا معرفةٌ. والله بديعُ السّموات والأرض ابتدعهما، ولم يكونا قبل ذلك شيئاً يتوهّمهما متوهّم، وبدع الخلق. والبِدْعُ: الشيء الّذي يكون أولاً في كل أمر، كما قال الله عزّ وجل:

ص: 31

«قُلْ مَا كُنْتُ بِدْعًا مِنَ الرُّسُلِ»(1). والبِدْعَةُ: اسم ما ابتدع من الدين وغيره. ونقول: لقد جئت بأمرٍ بديع، أي: مبتدع عجيب. وابتدعت: جئت بأمر مختلف لم يعرف ذلك. والبِدْعَةُ: ما استحدثت بعد رسول الله صلي لله عليه وآله من أهواء وأعمال، ويُجْمَع علي البِدَع»(2).

وقال الجوهري في الصحاح: «أبْدَعْتُ الشيءَ: اخترعته لا علي مثال. والله تعالي بَدِيعُ السَّموات والأرض. والبِدْعَةُ: الحَدَثُ في الدين بعد الإكْمَالِ»(3).

وورد عن ابن فارس في كتابه معجم مقاييس اللغة قوله: «(بدع) الباء والدال والعين أصلان: أحدهما ابتداء الشيء وصنعه لا عن مثال، والآخر الانقطاع والكلال. فالأول قولهم أبدعت الشيء قولاً أو فعلاً، إذا ابتدأته لا عن سابق مثال، والله بديع السماوات والأرض. والعرب تقول: ابتدع فلان الركي إذا استنبطه. وفلان بدع في هذا الأمر. قال الله تعالي: «قُلْ مَا كُنْتُ بِدْعًا مِنَ الرُّسُلِ» أي ما كنت أول»(4).

المقصد الثاني: البدعة في الاصطلاح

تعريفات البدعة التي ورد ذكرها في المعني اللغوي تشير إلي أن البدعة هي: الشيء المبتكر الذي لم يسبقه مثال، وتشير إلي أن البدعة هي: ما حدث في الدين بعد الإكمال، أو هي: الأمر المختلف الذي لم يعرف له شبيه، وهذه المعاني وغيرها مما ذكره علماء اللغة لا تبتعد كثيراً عن المعني الاصطلاحي للبدعة، ولكي يتضح المطلب نورد بعض أقوال العلماء في البدعة:

ص: 32


1- الأحقاف: آية9.
2- الخليل الفراهيدي، كتاب العين: 2/ 54-55.
3- الجوهري، الصحاح: 3/ 437-438. اُنظر: ابن منظور، لسان العرب: 8/ 7.
4- ابن فارس، معجم مقاييس اللغة: 1/ 209.

يذهب السيد المرتضي (ت436ﻫ) إلي أنّ النقصان في الدين أيضاً مما تتحقق به البدعة فيقول: «البدعة: الزيادة في الدين أو نقصان منه من غير إسناد إلي الدين...»(1).

تشمل عبارة (البدعة) عند أبي شامة المقدّسي (ت665ﻫ): «كُلُّ ما لم يكن في عصر النبي(صلي الله عليه و آله و سلم) مما فعله، أو أقَرَّ عليه، أو عُلِمَ من قواعد شريعته الإذن فيه وعدم النكير عليه»(2).

ويري الشاطبي (ت672ﻫ): «البدعة طريقة في الدين مخترعة تضاهي الشرعية، يُقصد بالسلوك عليها ما يُقصد بالطريقة الشرعية - وقال في مكان آخر - يُقصد بالسلوك عليها: المبالغة في التعبّد لله تعالي»(3).

وقال ابن تيمية (ت726ﻫ): «البِدْعَةُ في الدّين هي ما لميشرّعه الله ورسوله، وهو ما لم يأمر به أمر إيجاب أو استحباب»(4).

وقال ابن حجر العسقلاني (ت852ﻫ) في (فتح الباري): «أصلها ما أُحدِثَ علي غير مثال سابق، وتطلق في الشرع في مقابل السُنَّة، فتكون مذمومة...»(5).

وقال الطريحي (1085ﻫ) في مجمع البحرين: «البدعة: الحدثُ في الدين، وما ليس له أصل في كتاب ولا سُنّة، وإنّما سُمّيت بدعة؛ لأنّ قائلها ابتدعها هو نفسه»(6).

والحاصل: أنّ البدعة هي الزيادة في الدين أو نقصان منه من غير إسناد إلي الدين.

ص: 33


1- الشريف المرتضي، الرسائل: 3/83.
2- السيوطي، الباعث علي إنكار البدع والحوادث: 24.
3- الشاطبي، الاعتصام: 1/ 37.
4- ابن تيمية، مجموع الفتاوي: 4/ 107.
5- ابن حجر العسقلاني، فتح الباري: 5/ 156.
6- الطريحي، مجمع البحرين: 4/ 298-299.

المطلب الثالث: التهمة في اللغة والاصطلاح

اشارة

الكلام في هذا المطلب يكون في مقصدين:

المقصد الأول: التهمة في اللغة

التهمة هي من أخطر ما يفتك بالمجتمع، بل هي من أسباب ارتفاع الثقة بين الناس، ولذا جاء معناها في اللغة مشتملاً علي الظن والريبة، وهذا مما يظهر من كتب أهل اللغة:

1. فقد ورد عن الخليل بن أحمد الفراهيدي في كتابهالعين قوله: «التُّهمةُ اشتُقّتْ من الوهم، [وأصلُها: وُهْمة]، واتَّهَمْتُه: افتعلته، وأتْهَمْتُهُ، علي بناء أفْعَلْتُ، أي: أدخَلْتُ عليه التُّهْمة. ويقال: وَهِمْتُ في كذا، [أي: غَلِطْتُ]. ووَهِمَ يَوْهَمُ وَهَماً، أي: غَلِطَ»(1).

2. وجاء عن الجوهري في كتابه الصحاح قوله: «وَهِمْتُ في الحساب أوْهَمُ وهْماً، إذا غلطت فيه وسهوت.

ووَهَمْتُ في الشيء - بالفتح - أهِمُ وَهْماً، إذا ذهب وَهْمُكَ إليه وأنت تريد غيره. وتَوَهّمْتُ، أي: ظننت»(2).

3. وقال الفيروز آبادي في كتابه القاموس المحيط: «(الوهم) من خطرات القلب، أو مرجوح طرفي المتردد فيه»(3).

بعد ملاحظة المعني اللغوي للتهمة ومشتقاتها، يري الباحث أن التهمة والاتهام منشأهما الغلط الذي يقع فيه من أَسقط التهمة علي غيره، فلذ يستوجب

ص: 34


1- الخليل الفراهيدي، كتاب العين: 4/ 100.
2- الجوهري، الصحاح: 5/2054
3- الفيروزآبادي، القاموس المحيط: 4/ 187.

علي العقلاء تقصي الحقائق؛ كي لا يقعوا في الغلط في قولهم وفعلهم.

وعند تأمل ما جاء في بعض كتب اللغة يظهر لنا ما يأتي:

1. قول الخليل الفراهيدي المتقدم «والتهمة اشتقت من الوهم» أي: أنها لا تستند إلي حقيقة، وهذا يستدعي عدمترتيب أثر عليها، كما أنه يدعو إلي التأكد والتأمل قبل إصدار الحكم.

2. قوله كذلك «وهمت في كذا: أي غلطت»(1) فالغلط هو مخالفة وجه الصواب.

والتهمة لا تستحق الوقوف عندها لما؛ هي عليه من مجانبة الصواب، فلا يجوز تصديقها، ولا يصح نشرها، ولا تبنّيها.

ومجمع القول: إنّ الوهم ومشتقاته أمر يأباه العقلاء، ويأباه الشرع المقدس أيضاً.

المقصد الثاني: التهمة في الاصطلاح

تعرّض العلماء والباحثون إلي تعريف التهمة، فقالوا:

1. قال الدسوقي (ت1230ﻫ): «ثم إنّه علي توجه يمين التهمة، تتوجه ولو كان المدعي عليه ليس من أهل الاتهام، لأن المراد بالتهمة ما قابل التحقيق»(2).

2. قال في منح الجليل: «إذ كل ما خالف التحقيق فهو تهمة...، ثم قال: أن يمين التهمة أعني المقابلة للمحققة، تتوجه علي القول بها، وإن كان المدعي عليه ليس من أهل التهم»(3).

ص: 35


1- الخليل الفراهيدي، العين: 4/ 100.
2- الدسوقي، الشرح الكبير: 4/ 232.
3- صالح بن علي، التهمة وأثرها في الأحكام الفقهية: 29، نقلاً عن منح الجليل: 8/ 570.

3. قال صالح بن علي: «التهمة ضد المحقق، فهي: ما يحصل في النفس من ظن بما نسب إلي إنسان عند وجود القرائن، وما يحصل في النفس: أي يوجد في نفس المتهم، ويقع في خلده من ظن: أي أمر غير محقق، فإن كانت القرائن قوية، فهو ظن غالب، وإن كانت ضعيفة، فهو شك وسوء ظن، وعند وجود القرائن: أي عند وجود الدلالات غير المتيقنة، وإنما هي علامات وأمارات، قد تكون قوية، وقد تكون ضعيفة»(1).

ويرد عليه: إنّ قوله بأن التهمة هي الظن الحاصل نتيجة تأثير الآخرين، وبسبب وجود قرائن تساعد علي نشوء هذا الظن، وهذا يعني ضرورة وجود قرائن لها علاقة بجنس التهمة حتي يتكوّن الظن بذلك، ولم يذكر نوع الظن هل هو سيئ أم لا، وهذا مأخذ علي التعريف.

4. قال الدكتور عبد الله الركبان في كتابه المصباح: «وجاء في النظرية العامة لإثبات موجبات الحدود، عند الكلام علي الموانع الخاصة بالشهادة علي الحدود. التهمة في هذا المقام أثر خفي نفسي والأمور الخفية النفسية، لا يلغي اعتبارها في الحدود، ويكتفي في الدلالة عليها بأمور ثابتة، تكون مظنة وجودها»(2).

والصحيح من تعريف التهمة: هي الظن السيئ بجهةما، أو شخص ما، بسبب ما نسب إليه، أو لوجود قرائن تساعد علي نشوء هذا الظن.

وبناءً علي ما تقدم يكون الاتهام هو: إلصاق عيب أو نقص أو قبح بجهة ما، أو شخص ما، نتيجة سوء الظن الناشئ من النسبة، أو نتيجة الفهم الخاطئ للقرائن.

ص: 36


1- المصدر نفسه: 28.
2- الركبان، المصباح: 2/ 19.

المطلب الرابع: الشريعة في اللغة والاصطلاح

المقصد الأول: الشريعة في اللغة

1. جاء عن الخليل الفراهيدي (ت175ﻫ) في كتابه العين قوله: «شَرَعَ الوارد الماءَ شروعاً وشَرْعاً فهو شارع، والماء مشروع فيه إذا تناوله بفيه...، والشَّريعة والمَشْرَعَة: موضع علي شاطئ البحر، أو في البحر، يُهَيَّأ لشُرْب الدَّوابِّ، والجميع: الشرائع، والمشارع...، ونحن في هذا الأمر شَرَعٌ، أيْ: سواء. وتقول: شَرْعُك هذا، أي: حسبك، وأَشْرَعَنِي، أي: أحسبني وأكفاني، والمعني واحد، وشَرَّعْت الشيء إذا رفعته جداً، وحيتان شُرَّعٌ: رافعة رؤوسها»(1).

2. قال الجوهري (ت393ﻫ): «الشَّرِيعَةُ: مَشْرَعةُ الماءِ، وهو موردُ الشاربةِ، والشِّرْعَةُ: الشَّرِيعَةُ، ومنه قوله تعالي: «لِكُلٍّ جَعَلْنَا مِنْكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهَاجًا» (2)»(3).

3. قال ابن فارس (ت395ﻫ): «(شرع) الشين والراء والعين أصلٌ واحد، وهو شيء يُفتَح في امتدادٍ يكون فيه، من ذلك الشَّريعة، وهي مورد الشَّارِبة الماء، واشتُقّ من ذلك الشِّرْعة في الدِّين والشَّريعة، قال الله تعالي «لِكُلٍّ جَعَلْنَا مِنْكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهَاجًا» (4)، وقال سبحانه: «ثُمَّ جَعَلْنَاكَ عَلَي شَرِيعَةٍ مِنَ الْأَمْرِ» (5)»(6).

4. نقل الراغب الإصفهاني (ت425ﻫ) عن بعضهم قوله: «سُمِّيَت الشريعة

ص: 37


1- الخليل الفراهيدي، كتاب العين:1/252-254.
2- المائدة: آية48.
3- الجوهري، الصحاح: 3/ 510-511.
4- المائدة: آية48.
5- الجاثية: آية18.
6- ابن فارس، معجم مقاييس اللغة: 3/ 262.

شريعة تشبيهاً بشريعة الماء من حيث إنّ من شرع فيها علي الحقيقة المصدوقة روي وتطهّر»(1).

5. وقال ابن منظور (ت711ﻫ) في كتابه لسان العرب قوله: «والشريعة: موضع علي شاطئ البحر تشرع فيه الدوابّ، وهو مشتق من شاطئ البحر، عن كراع، ومنه قوله تعالي: «ثُمَّ جَعَلْنَاكَ عَلَي شَرِيعَةٍ مِنَ الْأَمْرِ» (2)»(3).

6. وجاء عن الفيروز آبادي (ت817ﻫ) في كتابه القاموس المحيط: «وقيل: شرع الأمر: أي جعله مشروعاًمسنوناً»(4).

المقصد الثاني: الشريعة في الاصطلاح

الشريعة: هي مجموعة الأحكام الشرعية التي سنّها الله لعباده، والتي بُلّغت عن طريق الرسل، وتحتوي من الأحكام ما ينظّم علاقة الإنسان بنفسه، وعلاقة الإنسان بربّه، ثمّ علاقته بأخيه الإنسان وبالجماعة التي يعيش فيها.

فالشريعة نظام عام شامل يتناول كافّة جوانب الحياة.

أمّا الشريعة الإسلامية: عبارة عن مجموعة الأحكام والأنظمة والقواعد الشرعية التي شرّعها الله(عزوجلّ) وارتضاها لعباده، والتي بُلّغت بواسطة خاتم الأنبياء محمّد ابن عبد الله(صلي الله عليه و آله و سلم) (5).

وبعد التأمل في المعني اللغوي والاصطلاحي لمفهوم الشريعة يظهر ما يلي:

ص: 38


1- الراغب الإصفهاني، المفردات في غريب القرآن: 267-268.
2- الجاثية: آية18.
3- ابن منظور، لسان العرب: 8/ 176.
4- الفيروز آبادي، القاموس المحيط: 3/ 44.
5- السبحاني، مصادر الفقه الإسلامي ومنابعه: ص422.

إن مفهوم الشرائع في اللغة لا يختلف عنه في الاصطلاح بدليل:

1. قول الفراهيدي في كتابه العين: «والشَّريعة

والشّرائع: ما شرع الله للعباد من أمر الدين، وأمرهم بالتمسك به من الصلاةوالصوم والحج وشبهه، وهي الشِّرْعَةُ والجمعُ: الشِّرَع»(1).

وفيه إشارة إلي أن المعني اللغوي يطابق المعني الاصطلاحي أيضاً، إذ إنّ المعني الاصطلاحي للتشريع هو «كل ما أمر به الله تعالي، وما نهي عنه جميع العباد علي حد سواء»، وهذا لا يختلف عن المعني اللغوي المذكور آنفاً.

2. قول الجوهري في الصحاح: «والشَّريعَةُ: ما شَرَعَ اللهُ تعالي لعبادِهِ من الدِّين. وقد شَرَعَ لهم يَشْرَعُ شَرْعاً، أي: سَنَّ»(2).

وكذلك في الاصطلاح هي ما يستقي الناس الدين منها.

3. قول الفيروز آبادي في كتابه القاموس المحيط: «و(الشريعة) ما شرع الله تعالي لعباده والظاهر المستقيم من المذاهب»(3).

بمعني أن المشروعية هي: كل ما أذن الشرع بإتيانه أو حثّ عليه.

المطلب الخامس: الفقه في اللغة والاصطلاح

المقصد الأول: الفقه في اللغة:

«الفقه: هو العلم بالشيء والفهم له، وغلب عليالدين لسيادته وشرفه وفضله علي سائر أنواع العلم، وقد جعله العرف خاصاً بعلم الشريعة شرّفها الله تعالي،

ص: 39


1- الخليل الفراهيدي، العين: 1/ 252.
2- الجوهري، الصحاح: 3/ 510-511.
3- الفيروز آبادي، القاموس المحيط: 3/ 44.

وتخصيصاً بعلم الفروع منها»(1).

«فقه الأمر، فَقَهاً وفِقْهاً: أحسن إدراكه، يقال: فقه عند الكلام ونحوه: فهمه»(2).

المقصد الثاني: الفقه في الاصطلاح

«اسم الفقه قد استعمل في اصطلاح الفقهاء للدلالة علي أحد المعنيين: أحدهما: حفظ طائفة من مسائل الأحكام الشرعية العملية الواردة بالكتاب والسنة وما استنبط منها، سواء أحفظت مع أدلتها أم حفظت مجردة عن هذه الدلائل.

والمعني الثاني الذي يطلق عليه اسم الفقه: مجموعة هذه الأحكام والمسائل، فإذا ذكرت دراسة الفقه أو فهم الفقه، أو ما ورد في الفقه، أو التأليف في الفقه، أو كتب الفقه أو ما هو من هذا القبيل، فإنّهم لا يعنون إلا هذه المجموعة التي تحتوي علي الأحكام الشرعية العملية التي نزل بها الوحي، قطعية كانت أو ظنية، وعلي ما استنبطه المجتهدون علي اختلاف طبقاتهم، وعلي ما اهتدي إليه أهل التخريج والوجوه، وعلي ما ظهرت روايته واشتهرت وما لم يكن كذلك، وعلي الأقوال الصحيحة والأقوال الراجحة والأقوال غير الصحيحة والمرجوحة والضعيفة والشاذة، وعلي ما أفتي به أهل الفتوي فيالواقعات والنوازل، وإن لم يقم علي استنباط ولم يكن إلّا تطبيقاً للأحكام المقررة، وعلي بعض ما احتيج إليه من مسائل العلوم الأخري كبعض أبواب الحساب التي ألحقت بالوصايا والمواريث، وعلي ما رآه متأخرو الفقهاء الذين ليسوا من أهل الاجتهاد ولا التخريج من طريق ما سموه تفقهاً، أو استظهاراً أو أخذاً، أو ما أشبه ذلك، فكل هذا الذي ذكرنا قد اندمج

ص: 40


1- ابن منظور، لسان العرب: 9/ 3450.
2- إبراهيم أنيس وآخرون، المعجم الوسيط: 2/ 698.

بعضه ببعض وصار فقهاً»(1).

ويطلق علم الفقه أيضاً بمعنيين:

«المعني الأول: هو العلم بالأحكام الشرعية العملية، وهذا يعني حصول الإنسان علي الأحكام الشرعية معرفة تفصيلية مستخرجة من أدلتها المجملة.

والمعني الثاني: هو تلك الأحكام الشرعية العملية نفسها، بحيث يعتبر مجموع ما تشتمل عليه مدونات الأحكام، علماً فقهياً»(2).

«وعلم الفقيه هو الاستدلال، والذي هو: عملية يقوم بها الفقيه إقامة الدليل علي المطلوب من أحكام الشرع، وأول دليل معتمد موحي بشقيه كتاب الله وسنة رسوله، وقد وضع لذلك طرقاً منهجية ليكون استدلاله بهما علي الأحكام استدلالاً سليماً حيث أمكن الاستدلال بهما، ثم استنبط أدوات أخري عليها المعوّل في الاستدلال واستثمار الأحكام حيث لم يستطع فعل ذلك بدليل الوحي، حتي لاتخلو واقعة من حكم إلي الشرع منسوب، نسبة تقبلها العقول وتطمئن إليها النفوس»(3).

فينتج مما تقدم أنّنا نريد أن ننظر إلي الشعائر الحسينية بالمنظار الفقهي وليس بمنظار آخر، ونفهم حكم هذه الشعائر لكي نبتعد بها عن الاتهام بالبدعة حتي يتسني لمحبي أهل البيت(عليهم السلام) إقامتها، ولا ندعي أنّنا من الفقهاء المجتهدين، ولا نقول بأنّ رأينا يمثّل الرأي الفقهي الذي يوازي آراء العلماء والفقهاء، بل هي محاولة بحثية للوصول إلي إثبات مشروعية هذه الشعائر، كما أشير في العنوان الرئيسي للبحث.

ص: 41


1- مجموعة من كبار أساتذة الفقه الإسلامي، موسوعة الفقه الإسلامي المقارن الشهيرة ب-(موسوعة جمال عبد الناصر الفقهية): 1/ 11-12.
2- علال الفاسي، الفقه الإسلامي: 15.
3- رشيد سلهاط، الاستدلال الفقهي دراسة تحليلية للعقل الإسلامي، وميلاد عناصر علم أصول الفقه: 95.

ص: 42

المبحث الثاني: الشعائر عند أهل الديانات السماوية

اشارة

وفيه مطالب:

المطلب الأوّل: الشعائر عند المسلمين

اشارة

أمر الله سبحانه وتعالي الناس بتعظيم شعائر دينه القويم؛ لأنّها مظهر من مظاهر الإيمان والتقوي، وبعض هذه الشعائر ترتبط بالمكان، وبعضها يرتبط بالزمان، وبعضها يعدّ من العلامات لطاعة الله تعالي، وهنا مقاصد:

المقصد الاول: تعظيم الله تعالي

إنّ تعظيم الله تعالي أهم واجب علي المسلمين، إذ إنّه تعالي خالقهم وربهم ومدبر أمرهم، فاستحق بذلك عليهم التعظيم والطاعة، وحيث إنّه تعالي شرع لهم الشرائع، ونهج لهم المناهج، التي تقربهم إليه، وتسير بهم إلي الغاية القصوي، ألا وهي عبادته جل وعلا لقوله سبحانه: «وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ»(1) فصار لزاماً علي الخلق أن يعبدواالله تعالي كل بحسبه وبحسب ما شرع له، فشرع سبحانه لعباده الإيمان بالأصول والعمل بالفروع، كما شرع لهم توقير الأنبياء واحترام الأولياء وتقديسهم، وشرع لهم وجوب الحفاظ علي الدين، فقال سبحانه

ص: 43


1- الذاريات: آية56.

في وجوب الإيمان بالأُصول: مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَعَمِلَ صَالِحًا فَلَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ» (1). وقال تعالي: «فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ»(2).

وكذلك حثّت الروايات والأحاديث التي وردت عن النبي(صلي الله عليه و آله و سلم) وأهل بيته(عليهم السلام) علي ضرورة شكر المنعم؛ لكي يؤدي العبد حق مولاه، ولكي ينال الزيادة في النعم، وهذا لا يتم إلّا من خلال تعظيم الله تعالي بأداء فروضه والعمل بنوافله، والانتهاء عن زواجره، وتعظيم شعائره، وحسن طاعته، فلذا جاءت الأحاديث الشريفة تؤكد ذلك:

أ - ما ورد عن سول الله(صلي الله عليه و آله و سلم) في حق الطاعة، قوله: «إِنَّهُ لَا يُدْرَكُ مَا عِنْدَ الله إِلَّا بِطَاعَتِه»(3).

ب - ما ورد عن أمير المؤمنين(عليه السلام) في حق الطاعة وذلك من كتاب إلي الحارث الهَمْداني، قوله: «أَطِعِ الله فِي جَمِيعِ أُمُورِكَ فَإِنَّ طَاعَةَ الله فَاضِلَةٌ عَلَي مَا سِوَاهَا»(4).ج - ما ورد عن أمير المؤمنين(عليه السلام) في حق الشكر لله تعالي، قوله: «لَوْ لَمْ يَتَوَاعَدِ الله عِبَادَهُ عَلَي مَعْصِيَتِهِ لَكَانَ الْوَاجِبُ أَلَّا يُعْصَي شُكْراً لِنِعَمِه»(5).

د - ومما يشير إلي تعظيم الله تعالي من خلال تعظيم غيره، قول رسول الله(صلي الله عليه و آله و سلم): «إنَّ مِن تعظيم جلال الله عز وجل كرامة ذي الشيبة، وحامل القرآن، والإمام العادل»(6).

ص: 44


1- البقرة: آية62.
2- البقرة: آية186.
3- الكليني، الكافي: 2/74، الحديث2.
4- الشريف الرضي، نهج البلاغة، الكتاب69، من كتاب له إلي الحارث الهمداني (الهمذاني).
5- الريشهري، ميزان الحكمة: 5/ 1968، الحديث 9576.
6- المتقي الهندي، كنز العمال في سنن الأقوال والأفعال: 9/ 305، الحديث25507.

ﻫ - ومما يشير إلي أنّ السجود لا يكون إلّا لله تعالي وإن كان فيه تعظيم لغيره من خلقه، كما في قوله تعالي: «وَأَنَّ الْمَسَاجِدَ لِلَّهِ فَلَا تَدْعُوا مَعَ اللَّهِ أَحَدًا»(1) قال أمير المؤمنين علي بن أبي طالب(عليه السلام): «مَا سَجَدْتَ بِهِ مِنْ جَوَارِحِكَ فَلَهُ فَلَا تَدْعُو مَعَ الله أَحَداً»(2).

فعند تأمل هذه الأحاديث الشريفة يظهر لنا ما يلي:

1. إنّ ما ادّخره الله تعالي لعباده من قرة عين لا ينال إلّا بطاعته سبحانه، وأن طاعته تتجسد في الامتثال لما أمر به، والانتهاء عما نهي عنه، والعمل بما ندب إليه.

2. إنّ الله تعالي يستحق علي عباده الشكر، فلو لم يعبد خوفاً للزم أن يعبد شكراً علي نعمه وآلائه، وهذا نوع من التعظيم له تعالي.

3. إنّ من تعظيم الله تعالي تعظيم عباده الصالحين كحامل القرآن والإمام العادل وغيرهم.

4. لو وصل تعظيم من يريد الله تعالي تعظيمه إلي حد السجود له - كما في قصة السجود لآدم(عليه السلام) - فهو لا شك تعظيم وسجود لله تعالي وحده لا شريك له، وهذا ما أشار إليه أمير المؤمنين(عليه السلام) في الحديث الأخير.

إذن نخرج بنتيجة أنّ تعظيم الله تعالي يتجسد في أعمال أرادها الله تعالي، ومنها تعظيم أولياء الله تعالي وعباده الصالحين.

المقصد الثاني: تعظيم الرسل

أشار تعالي إلي ضرورة الإيمان به وبرسله وكتبه وملائكته واليوم الآخر، لما في ذلك من فائدة للناس فقال تعالي: «آمَنَ الرَّسُولُ بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْهِ مِنْ رَبِّهِ وَالْمُؤْمِنُونَ كُلٌّ

ص: 45


1- الجن: آية18.
2- ابن الأشعث، الجعفريات (الأشعثيات)، كتاب التفسير: 179.

آمَنَ بِاللَّهِ وَمَلَائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ»(1).

كما أن الله تعالي أمر باحترام الأنبياء والرسل ومحبتهم، وهذا مما لا يخفي علي أحد، فلقد ذكر تعالي أكثر من آية تدل علي ذلك، وأوجب تعظيمهم وتوقيرهم، كما في قوله تعالي: «لِتُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَتُعَزِّرُوهُ وَتُوَقِّرُوهُ ...»(2) عزّره: أي أعانه وعظمه وقواه ونصره(3)، وقال تعالي: «لَئِنْ أَقَمْتُمُ الصَّلَاةَ وَآتَيْتُمُ الزَّكَاةَ وَآمَنْتُمْ بِرُسُلِي وَعَزَّرْتُمُوهُمْ»(4).فيتضح من خلال هذه الآيات وجوب تعظيم الرسل وتوقيرهم وطاعتهم، لاسيما خاتم الأنبياء والمرسلين محمد(صلي الله عليه و آله و سلم)، ولأن الخاتم(صلي الله عليه و آله و سلم) معصوم من الزلل منزّه من الخطأ، زكي طاهر بل أخذ علي عاتقه تزكية النفوس وتطهيرها كما في قوله تعالي: «رَسُولًا مِنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلَالٍ مُبِينٍ»(5).

فنجد فيما ورد من الأمر الإلهي في قوله تعالي: «قُلْ أَطِيعُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْكَافِرِينَ»(6)؛ وقوله تعالي: «وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ»(7)، وقوله تعالي: «... وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ» (8).

ص: 46


1- البقرة: آية285.
2- الفتح: آية9.
3- إبراهيم أنيس وآخرون، المعجم الوسيط: 598.
4- المائدة: آية12.
5- الجمعة: آية2.
6- آل عمران: آية32.
7- آل عمران: آية132.
8- سورة الحشر: آية7.

دليلاً واضحاً علي تعظيم الرسول الأكرم(صلي الله عليه و آله و سلم)، ووجوب طاعته، والأخذ بما أمر به، والانتهاء عما نهي عنه.

وكذلك أشارت الأحاديث الشريفة أيضاً إلي ذلك، فلقد ورد عنهم(عليهم السلام) ما يشير إلي ذلك كما في هذه الباقة العطرة من الأحاديث والروايات:

أ - مما يشير إلي دور النبي(صلي الله عليه و آله و سلم) في أمته وتزكيته لنفوس الناس، وهديه لهم، قول أمير المؤمنين علي بن أبي طالب(عليه السلام): «فَلَقَدْ صَدَعَ بِمَا أَمَرَهُ بِهِ، وَبَلَّغَ رِسَالاتِ رَبِّهِ، فَأَصْلَحَ الله بِهِذَاتَ الْبَيْنِ، وَآمَنَ بِهِ السُّبُلَ، وَحَقَنَ بِهِ الدِّمَاءَ، وَأَلَّفَ بِهِ بَيْنَ ذَوِي الضَّغَائِنِ الْوَاغِرَةِ فِي الصُّدُورِ، حَتَّي أَتَاهُ الْيَقِين»(1).

ب - مما يشير إلي زكاته ووجوب طاعته ما ورد عن الإمام الصادق(عليه السلام) قوله: «إِنَّ الله أَدَّبَ نَبِيَّهُ(صلي الله عليه و آله و سلم) حَتَّي إِذَا أَقَامَهُ عَلَي مَا أَرَادَ قَالَ لَهُ: «خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِينَ»(2) فَلَمَّا فَعَلَ ذَلِكَ لَهُ رَسُولُ الله(صلي الله عليه و آله و سلم) زَكَّاهُ الله فَقَالَ: «وَإِنَّكَ لَعَلَي خُلُقٍ عَظِيمٍ» (3) فَلَمَّا زَكَّاهُ فَوَّضَ إِلَيْهِ دِينَهُ فَقَالَ: «... وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا» (4)»(5).

فيتضح مما تقدم ذكره ما يأتي:

1. إنّ طاعة النبي(صلي الله عليه و آله و سلم) واجبة؛ لما له من حق علينا، ولما يتصف به من العصمة والطهارة التي شهد بها رب العالمين، وهذه الطاعة هي تعظيم له(صلي الله عليه و آله و سلم).

ص: 47


1- الشريف الرضي، نهج البلاغة: خطبة أمير المؤمنين(عليه السلام) بذي قار: 1/ 309. اُنظر: المجلسي، بحار الأنوار: 32/63، الحديث44.
2- الأعراف: آية199.
3- القلم: آية4.
4- الحشر: آية7.
5- المجلسي، بحار الأنوار: 17/8، باب13.

2. إنّ طاعة النبي(صلي الله عليه و آله و سلم) تجسد في الأخذ بما أمر به وندب إليه، والانتهاء عما نهي عنه.

3. إنّ زكاته وعصمته تمنعه من أن يأمر تبعاً للهوي أو للعاطفة أو ميلاً وعبثاً.

وهذا النبي المعصوم من كلّ زلل ورجس وهوي أمربحبّ عترته الطاهرة وطاعتها وتعظيمها بما في ذلك الإمام الحسين(عليه السلام)، وسيأتي لاحقاً ما يشير إلي ذلك.

المقصد الثالث: تعظيم القرآن الكريم

إنّ القرآن يهدي للتي هي أقوم، وهو وسيلة للقرب الإلهي، ولشفاء النفوس وهدي العقول؛ لأنّه مأدبة الله تعالي كما ورد ذلك في الحديث النبوي الشريف: «الْقرْآنُ مَأْدُبَةُ الله فَتَعَلَّمُوا مَأْدُبَةَ القرآن [الله] مَا اسْتَطَعْتُم»(1)، وقال(صلي الله عليه و آله و سلم): «القرآن أفضل كلّ شيء دون الله(عزوجلّ)، فمن وقّر القرآن فقد وقّر الله، ومن لم يوقّر القرآن فقد استخفّ بحرمة الله»(2).

وللقرآن الكريم حرمته التي يجب الحفاظ عليها، وعدم انتهاكها وهذا ما أكدته الاحاديث الشريفة الواردة عن الرسول(صلي الله عليه و آله و سلم) وأهل بيته عليهم السلام، فعنه(صلي الله عليه و آله و سلم) أنه قال: «إِنَّ لِلهِ حُرُمَاتٍ ثلاث [ثَلَاثاً] مَنْ حَفِظَهُنَّ حَفِظَ اللهُ لَهُ أَمْرَ دِينِهِ وَدُنْيَاهُ وَمَنْ لَمْ يَحْفَظْهُنَّ لَمْ يَحْفَظِ اللهُ لَهُ شَيْئاً حُرْمَةَ الْإِسْلَامِ وَحُرْمَتِي وَحُرْمَةَ عِتْرَتِي»(3).

المقصد الرابع: تعظيم الحرم والبيت الحرام

صرّح القرآن الكريم بحرمة مكّة ومكانتها، وأوجب علي عموم المسلمين تعظيمها وتكريمها، وذكر القرآن الكريمبعض الأماكن فيها، كأماكن أداء فريضة

ص: 48


1- الشعيري، جامع الأخبار: 40.
2- المصدر نفسه: 41.
3- الصدوق، الخصال: 1/ 146.

الحج، فلذا علي جميع المسلمين تقديسها وتعظيمها، وهذه الأماكن هي: الكعبة المشرّفة، والمسجد الحرام، ومقام إبراهيم، والصفا والمروة، وعرفات، والمزدلفة، ومني، وجمرة العقبة، وغيرها.

ومن الشواهد التي تؤكّد ذلك هي ما أشارت إليه الآيات الكريمة والروايات الشريفة الآتية:

أولاً: قوله تعالي: «وَإِذْ جَعَلْنَا الْبَيْتَ مَثَابَةً لِلنَّاسِ وَأَمْنًا وَاتَّخِذُوا مِنْ مَقَامِ إِبْرَاهِيمَ مُصَلًّي وَعَهِدْنَا إِلَي إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ أَنْ طَهِّرَا بَيْتِيَ لِلطَّائِفِينَ وَالْعَاكِفِينَ وَالرُّكَّعِ السُّجُودِ»(1).

ثانياً: قوله تعالي: «إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ فَمَنْ حَجَّ الْبَيْتَ أَوِ اعْتَمَرَ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِ أَنْ يَطَّوَّفَ بِهِمَا وَمَنْ تَطَوَّعَ خَيْرًا فَإِنَّ اللَّهَ شَاكِرٌ عَلِيمٌ»(2).

ثالثاً: قوله تعالي: «ذَلِكَ وَمَنْ يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِنْ تَقْوَي الْقُلُوبِ»(3).

وبعد ملاحظة هذه الآيات الكريمة يظهر لنا مدي اهتمام الشارع المقدّس بتعظيم شعائر الله تعالي؛ لما فيها من مردودات إيجابية علي نفس المسلم كالتقوي وقوة الإيمان.

وجاءت الروايات الشريفة تعضد التعظيم الذي حثّ عليه القرآن الكريم كما في قول الإمام الرضا(عليه السلام): «...فَإِذَا بَلَغْتَ الحَرَمَ فَاغْتَسِلْ قَبْلَ أَنْ تَدْخُلَ مَكَّة، وَامْشِ هُنَيْهَةً وَعَلَيْكَ السَّكِينَةَ وَالْوَقَارَ، فَإِذَا دَخَلْتَ مَكَّةَ وَنَظَرْتَ إِلَي الْبَيْتِ فَقُلِ الحَمْدُ لِلَّهِالَّذِي عَظَّمَكِ وَشَرَّفَكِ وَكَرَّمَكِ وَجَعَلَكِ مَثابَةً لِلنَّاسِ وَأَمْناً وَهُديً لِلْعالَمِينَ، ثُمَّ ادْخُلِ الْمَسْجِدَ حَافِياً وَعَلَيْكَ السَّكِينَةَ وَالْوَقَار...»(4).

ص: 49


1- البقرة: آية125.
2- البقرة: آية158.
3- الحج: آية32.
4- ابن بابويه القمي، فقه الرضا(عليه السلام): 218.

وروي العامة: أن عمر بن الخطاب حج في خلافته واستلم الحجر، ثم قال: «إني لأعلم أنك حجر لا تضر ولا تنفع، ولو لا أني رأيت رسول الله(صلي الله عليه و آله و سلم) يقبلك لما قبلتك. فقال له شخص من ورائه: إنه يضر وينفع. فالتفت فإذا علي بن أبي طالب(عليه السلام)...»(1).

روي ابن عباس: أن النبي(صلي الله عليه و آله و سلم)، قال «إن هذا البلد حرّمه الله يوم خلق السماوات والأرض، فهو حرام إلي يوم القيامة، لم يحل لأحد قبلي، ولا يحل لأحد بعدي، ولم يحل لي إلاّ ساعة من نهار، وهو حرام إلي يوم القيامة، لا ينفر صيدها، ولا يعضد شجرها، ولا تلتقط لقطتها إلّا لمعرف»(2).

المطلب الثاني: الشعائر عند اليهود

اشارة

هناك أماكن مقدسة عند اليهود، يتعاملون معها بقدسية واحترام وتعظيم، ويقيمون فيها بعض الأعمال العبادية، ويعدّونها من شعائر الله تعالي، وحيث إنّ الشعائر هي العلامات المنصوبة التي تدل علي طاعة الله تعالي، فهذه الأماكن هي علامات دالة علي الديانة اليهودية، وهنا مقاصد:

المقصد الأول: القدس الشريف

إنّ هذا المكان المقدّس نال قدسيته منذ القدم، أيقبل ميلاد السيد المسيح(عليه السلام)، ثم حافظ علي هذه القدسيّة وإلي يومنا هذا، فهو مكان محترم من قبل الديانات الثلاث: الإسلامية واليهودية والمسيحية، ولكل من هذه الديانات أسبابه التي بموجها يقدّس هذا المكان، فالقدس كونها مدينة مقدّسة لدي اليهود فلابد من

ص: 50


1- العلامة الحلي، أجوبة المسائل المهنائية: 140.
2- النووي، المجموع: 15/ 349.

الإشارة إلي ذلك من خلال ما يأتي:

«يعتقد اليهود أنّ حائط البراق هو من بقايا هيكلهم المزعوم الذي دكه تيطس سنة (70م)، كما أزال هادريان آثاره سنة (135م) بعد هدْم القدس، ويزور اليهود الحائط ويبكون عنده، ويدّعون أنّ هذا الحائط حق لهم، ويوجد العديد من القبور المقدسة لدي اليهود في القدس، منها: قبر النبي زكريا، وقبر قدس الأقداس، كما أنّ هناك العديد من الكنس القديمة ويتراوح عددها بين (15-20) كنيساً أثرياً»(1).

وأشارت الدكتورة عبلة المهتدي(2) في كتابها (القدس تاريخ وحضارة) إلي أنّ داود هو من أسّس مدينة القدس، وجعلها مركزاً للسلطات الدينية والسياسيةوالعسكرية(3).

وذكرت الباحثة ذاتها أنّ داود هو من نقل تابوت العهد من بيت جبرين إلي مدينة القدس؛ ليجعل مدينة القدس المركز الديني للعبرانية(4).

وعند تأمل ما تقدم يتضح لنا أهمية القدس في نظر اليهود، بل هي مكان مقدّس لما فيها من مقدّسات كهيكل سليمان، وحائط المبكي وغيره.

وتسمي القدس بالعبراني (أورشليم) وهو اسم بيت القدس ومعناه (بيت السلام)(5).

ص: 51


1- ردينة جميل عبد المجيد، القدس تاريخ وحضارة: 31-32.
2- عبلة المهتدي حصلت علي شهادة البكالوريوس في إدارة الأعمال (الأدب الإنجليزي تخصصاً فرعياً) من الجامعة الأردنية عام 1976، وتفرغت بين عامَي 1983 و2004، لإعداد الدراسات والأبحاث عن تاريخ القدس، ثم التحقت بالجامعة الأردنية منذ عام 2005.
3- اُنظر: عبلة المهتدي، القدس تاريخ وحضارة: 31-34.
4- اُنظر: المصدر نفسه.
5- اُنظر: ابن منظور، لسان العرب: 1/ 203، مادة (أور).
المقصد الثاني: هيكل سليمان(عليه السلام)

إنّ وجود الأمكنة المقدسة لدي المسلمين والتي صارت بمثابة شعائر إلهية تدل علي دينهم، لم يكن منحصراً بهم، بل هي موجودة عند الأمم السابقة، فلذا ذكر الباحثون أنّ فكرة بناء هيكل سليمان كانت من أفكار النبي داود(عليه السلام) ثم تركه إلي ولده النبي سليمان(عليه السلام) (1).

وذكرت الدكتورة عبلة أيضاً اختلاف المؤرخين في السبب الحقيقي الذي دعا داود(عليه السلام) لبناء الهيكل فمنهم منقال إنّ السبب هو إرضاء لشعبه، وآخر قال تقليدٌ لليبوسيين، وثالث قال هو السيطرة علي القبائل اليهودية...(2).

فيظهر مما تقدم ما يلي:

أ - إنّ هناك أمكنة مقدّسة جعلت مكاناً للعبادة.

ب - إنّ الهيكل هو مركز ديني لليهود.

ج - إنّ الهيكل بني بأمر من الله تعالي.

فإنّ ذلك يؤكد وجود أماكن مقدّسة لليهود يتعبدون فيها، وتعد من شعائرهم.

المقصد الثالث: حائط المبكي

يعتقد اليهود أنّ حائط المبكي الذي «هو عبارة عن زقاق لا يتجاوز عرضه 4.3م وطوله أقل من 50م وتقوم بجواره حارة لليهود، وفيها كنيسان وبيوت قديمة...» هو ما تبقي من هيكل سليمان الذي هدمه (طيطس بمام) «وأن هدريان قد أزال آثاره، وقد سمح العثمانيون لليهود بالتعبد أمام هذا الحائط في القرن

ص: 52


1- اُنظر: عبلة المهتدي، القدس تاريخ وحضارة: 34.
2- اُنظر: المصدر نفسه: 34-35.

السادس عشر ميلادي، فأصبح هذا الموقع مكان عبادة لليهود، ويقوم اليهود المتدينون بأداء شعائرهم الدينية بالبكاء وهز الرأس، ووضع الأوراق بين نتوءات الجدران... الخ»(1).

ولقد ذكر جعفر الخليلي كلاماً آخر عن حائط المبكي،وعقيدة اليهود فيه(2).

المقصد الرابع: قبر ذي الكفل

هو يهوذا بن يعقوب بن إسحاق بن إبراهيم خليل الرحمن(عليهم السلام)، ومرقده في (قرية الكفل) التابعة إلي محافظة الحلة، ويقع بينها وبين مدينة الكوفة علي الضفة الشرقية للفرات، له حرم وأروقة سميكة البناء قديمة الإنشاء، وتظل قبره قبة قديمة مخروطة الشكل، وكانت اليهود تأتي لزيارته في السنة مرة(3).

فيتضح مما تقدم أنّ الشعائر الدينية كانت تقام قبل الإسلام من أهل الديانات السابقة.

المطلب الثالث: الشعائر عند النصاري

اشارة

لا يختلف المسيحيون عن اليهود في اعتقادهم بقدسية القدس، وما فيها من أماكن مقدّسة، فهم يقدسون كل ما يمت لنبي الله عيسي(عليه السلام) وأمه السيدة مريم(عليها السلام)، فلذا جاء في تاريخ القدس ما يلي:

«إنّ بداية الآثار المسيحية في القدس تعود إلي عهد الملكالبيزنطي قسطنطين منذ عام (333م). وهناك (950) أثراً ومكاناً مقدّساً مسيحياً في القدس، بين كنيسة

ص: 53


1- ردينة جميل، القدس تاريخ وحضارة: 26.
2- اُنظر: جعفر الخليلي، موسوعة العتبات المقدسة، قسم القدس: 2/، 202.
3- محمد حرز الدين، مراقد المعارف: 1/ 393.

ودير ومدارس مسيحية، ولكن الأهم في هذه المعالم (60) موقعاً موزعة علي مختلف الطوائف المسيحية التي لها آثار ووجود متواصل في القدس، وقد ابتدأ بناء الكنائس منذ بداية محاكمة المسيح»(1).

وقد أقام الرومان كنائس عديدة قرب كنيسة القيامة(2)، ومن هذه الكنائس التي شيّدت:

المقصد الأول: بناء كنيسة القيامة

«شيّدت كنيسة القيامة زمن قسطنطين (335م)، وقد تعاونت معه والدته هيلانة لتحقيق ذلك، فتم بناء كنيسة القيامة في وسط القدس، وتحتوي كنيسة القيامة علي قبر المسيح، (حسب الاعتقاد المسيحي)»(3).

فهذه الكنيسة مكان مقدس يحج إليه المسيحيون لزيارتها، ويعملون فيها بعض المراسيم التي تعد من شعائرهم، ولهم اعتقادات كثيرة فيها.

ويذكر جعفر الخليلي(4) رحلة القسيس الإنجليزيومعه مجموعة من المسيحيين للحج إلي بيت المقدس(5).

وذكر كذلك تفاصيل عن الرحلة وإقامة الطقوس في كنيسة القيامة(6).

ص: 54


1- ردينة جميل عبد المجيد، القدس تاريخ وحضارة: 29.
2- اُنظر: المصدر نفسه.
3- المصدر نفسه.
4- جعفر الخليلي (1904 - 2 فبراير 1985): أديب وصحفي عراقي ولد بمدينة النجف، أصدر جريدة الراعي عام 1932م وكانت تلك بداية إصداراته، ثم جريدة الهاتف الأسبوعية الأدبية في عام 1935م، واستمرت بالصدور حتي عام 1954م، توفي في مدينة دبي في 2 فبراير 1985م.
5- اُنظر: جعفر الخليلي، موسوعة العتبات المقدسة، قسم القدس: 2/ 152.
6- اُنظر: المصدر نفسه: 2/ 155-156.
المقصد الثاني: مصلي الشيح

يقوم المسيحيون بطقوس شبيهة بما يقوم به المسلمون الشيعة في تقديس مقدساتهم كالمواكب والمواعظ من الخطباء والدوران بهذه المواكب في الأماكن المقدسة، وهذا ما ذكره جعفر الخليلي في كتابه: موسوعة العتبات المقدسة/ قسم القدس عن إقامة الطقوس في مصلي الشيح، فقال: «ما إن خيّم ظلام ذلك اليوم علي البلد حتي أخذ الرهبان والحجاج جميعهم بالاجتماع في (مصلي الشيح) الكائن في الجهة الشمالية من الضريح المقدس بالقرب من مساكن اللاتين، لأجل أن يخرجوا بموكب يدور في الكنيسة، ولكنهم قبل أن يفعلوا ذلك ألقي أحد الرهبان خطبة وعظ بالإيطاليةفي ذلك المصلي»(1).

المقصد الثالث: بناء كنائس أخري مقدسة

لم يترك المسيحيون مكاناً فيه ذكري للنبي عيسي(عليه السلام) إلا وأقاموا به المراسيم والتقديس، فلذا ورد في كتاب (القدس تاريخ وحضارة للدكتورة ردينة): «هو الطريق الذي سار فيه السيد المسيح مع الجنود الرومان لصلبه، ويتكون هذا الطريق من (14) مرحلة، تبدأ الأولي من جوار مدرسة راهبات صهيون، وهناك الكثير من الكنائس والأديرة والأضرحة التي تسجل تاريخ قداسة القدس وأهميها بالنسبة للمسيحيين عبر العصور، ولكن ما ذكرناه هو الأهم بالنسبة للمسيحيين»(2).

وذكر الباحث الخليلي أنّ هناك أضرحة للأنبياء وكهفاً جرمياً والمكان الذي حبس فيه الملك صدقيا(3).

ص: 55


1- المصدر نفسه: 2/ 157-158.
2- ردينة جميل عبد المجيد، القدس تاريخ وحضارة: 30.
3- اُنظر: جعفر الخليلي، موسوعة العتبات المقدسة، قسم القدس: 2/ 160.

ص: 56

المبحث الثالث: لمحة مختصرة حول سيرة الإمام الحسين(عليه السلام)

إنّ التعريف بالإمام الحسين(عليه السلام) لا يراد منه التعريف بمجهول الحال، ولا يراد منه إثبات نسب لمغمور من الرجال، بل هو بيان لمقام الإمام(عليه السلام) وتعريف برتبته، وتأكيد لمنزلته، لمن جهل ذلك أو تجاهل متعمداً كما فعل بنو أمية وجيشهم الأعمي الذي غرته الدنيا.

- اسمه: الحسين بن علي بن أبي طالب(عليه السلام).

- والده: سيد الأوصياء وأمير المؤمنين علي بن أبي طالب(عليه السلام).

- والدته: الزهراء البتول والصديقة الشهيدة فاطمة بنت محمد نبي الإسلام (صلوات الله وسلامه عليهما).

- جدّه لأمّه: رسول الله محمد(صلي الله عليه و آله و سلم).

- جدّه لأبيه: أبو طالب سيد البطحاء(عليه السلام).

- ألقابه: الرشيد، الطيب، الوفي، الشهيد، السبط، السيد....

- ولادته: المشهور في الثالث من شعبان للسنة الثالثة أو الرابعة من الهجرة.- مقامه وفضله: الإمام الحسين(عليه السلام) هو ممن باهل به رسول الله(صلي الله عليه و آله و سلم) وفد نجران، وهو ممن نزلت فيهم آية التطهير، وآية المباهلة، وآية المودة في القربي، والخامس من أصحاب الكساء الذين خصّهم الله تعالي بالكرامة والفضل.

وهنالك عدد وافر من الروايات التي وردت عن النبي وأهل بيته(عليهم السلام) التي

ص: 57

تكشف عن المكانة والمنزلة للإمام الحسين(عليه السلام).

ومن هذه الروايات أنّ رسول الله(صلي الله عليه و آله و سلم) أخذ بيد الحسن والحسين(عليهما السلام) فقال: «من أحبّني وأحبّ هذين وأباهما وأمّهما كان معي في درجتي في الجنّة يوم القيامة»(1).

وروي أيضاً عن سلمان المحمدي: أنّ الحسين(عليه السلام) كان علي فخذ رسول الله(صلي الله عليه و آله و سلم) وكان يقبّله ويقول: «أنت السيد ابن السيد أبو السادة، أنت الإمام ابن الإمام أبو الأئمة، أنت الحجة ابن الحجة أبو الحجج تسعة من صلبك، وتاسعهم قائمهم»(2).

وورد في حقه وحق أخيه الإمام الحسن(عليهما السلام) الكثير من أحاديث النبي(صلي الله عليه و آله و سلم) التي تشير إلي إمامته وحجيته ومحبته، وهي بمثابة أوسمة قلدها رسول الله(صلي الله عليه و آله و سلم) ولده الإمامالحسين(عليه السلام)، منها:

- «حسين مني وأنا من حسين»(3).

- «الحسين مصباح الهدي وسفينة النجاة»(4).

- «أحب أهل بيتي إليّ الحسن والحسين»(5).

- «الحسن والحسين سيدا شباب أهل الجنة وإنهما إمامان إن قاما أو قعدا وأبوهما خيرٌ منهما»(6).

ص: 58


1- الترمذي، سنن الترمذي: 5/ 305، برقم 3816 ابن حنبل، مسند أحمد: 1/ 77.
2- ابن شاذان، مائة منقبة من مناقب أمير المؤمنين والأئمة من ولده(عليه السلام) من طريق العامة: 124، المنقبة الثامنة والخمسون.
3- ابن قولويه القمي، كامل الزيارات: 52، الباب الرابع عشر، الحديث 11.
4- ورد باختلاف يسير: الصدوق، عيون أخبار الرضا(عليه السلام): 1/ 60، الباب السادس النصوص علي الرضا(عليه السلام) بالإمامة في جملة الأئمة الاثني عشر(عليه السلام).
5- الشيخ الماحوزي، كتاب الأربعين: 355.
6- الخزاز الرازي، كفاية الأثر في النصّ علي الأئمة الاثني عشر: 38، باب ما جاء عن أبي ذر الغفاري في النصوص علي الأئمة(عليه السلام)

- «حسين سبط من الأسباط»(1).

- «من أحب أن ينظر إلي أحب أهل الأرض وإلي أحب أهل السماء فلينظر إلي الحسين»(2).

وغيرها من الفضائل الكثيرة التي تؤكد علي تعظيم الإمام ووجوب محبته والدفاع عن حرمته.

- «زوجات الإمام(عليه السلام): ليلي بنت أبي مرة بن مسعود الثقفي، الرباببنت امرؤ القيس، عاتكة، شهر بانويه بنت يزدجرد ملك الفرس»(3).

- «أولاده(عليه السلام): الإمام زين العابدين علي السجاد(عليه السلام)، علي الأكبر(عليه السلام)، جعفر، عبد الله الرضيع ويقال علي الأصغر، وسكينة، وفاطمة، ورقية»(4).

وحيث إنّ الإمام الحسين(عليه السلام) هو الإمام بعد أخيه الإمام الحسن(عليه السلام)، وهو أبو الأئمة التسعة، وهو حجة الله تعالي علي الخلق بعد أخيه الإمام الحسن(عليه السلام)، أوجب الله تعالي طاعته بقوله: «أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ ...» (5).

وأوجب محبته ومودته علي الأمة بقوله تعالي: «قُلْ لَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَي» (6).

وعلي الرغم من تأكيد رسول الله(عليه السلام) مودة الإمام الحسين(عليه السلام)، من خلال الروايات المتضافرة، نجد ان الإمام(عليه السلام) تعرض للانتهاك وللظلم وللقتل لا لشيء

ص: 59


1- ابن قولويه القمي، كامل الزيارات: 52، باب الرابع عشر.
2- ابن شهر آشوب، مناقب آل أبي طالب(عليه السلام): 4/ 73، فصل في معالي أموره.
3- القندوزي الحنفي، ينابيع المودة: 2/142.
4- المصدر نفسه.
5- النساء: آية59.
6- الشوري: آية23.

إلا لخروجه لطلب الإصلاح ونشر الخير والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، فيحق لنا ولكل حر رافض للظلم ناصر للحق أن يبكي علي هذا الوجود المقدس، وهو ما فعله النبي(عليه السلام) وأهل بيته(عليهم السلام)، وحثّوا عليه.

ص: 60

المبحث الرابع: تاريخ الشعائر الحسينية

اشارة

وفيه مطالب:

المطلب الأوّل: بكاء الأنبياء السابقين علي الإمام الحسين(عليه السلام)

اشارة

نظراً لضرورة الاختصار في البحث اضطررنا إلي ذكر شاهد واحد من الشواهد التي تشير إلي إقامة الشعائر الحسينية من قبل الأنبياء السابقين، علي نبينا وآله وعليهم السلام.

المقصد الأول: بكاء آدم(عليه السلام)

«حينما نظر آدم(عليه السلام) إلي ساق العرش ورأي أسماء الخمسة(عليهم السلام)، ولقّنه جبرئيل(عليه السلام) أن يقول: يا حميد بحق محمد، ويا عالي بحق علي، ويا فاطر بحق فاطمة، ويا محسن بحق الحسن، و يا قديم الإحسان بحق الحسين، فلما ذكر الحسين(عليه السلام) سالت دموعه وخشع قلبه، فقال لجبرئيل: في ذكر الخامس ينكسر قلبي وتسيل عبرتي، فأخذ جبرئيل في بيان السبب راثياً للحسين(عليه السلام)، وآدم والملائكة الحاضرونهناك يسمعون ويبكون، فقال: ولدك هذا يصاب بمصيبة تصغر عندها المصائب،

ص: 61

قال: وما هي؟ قال: يقتل عطشاناً غريباً، وحيداً فريداً، ليس له ناصر ولا معين»(1).

وورد أنّ آدم(عليه السلام) بكي علي الحسين(عليه السلام) حين شاهد ذلك في عالم الذر(2).

المقصد الثاني: بكاء نوح(عليه السلام)

«ولما وصلت سفينة نوح(عليه السلام) فوق أرض قتل فيها الحسين(عليه السلام)، ارتجّت السفينة، فخاف نوح الغرق، فقال: إلهي طفت الدنيا وما أصابني فزع مثل ما أصابني في هذه الأرض، فنزل جبرئيل(عليه السلام) بقضية الحسين(عليه السلام)، وقال: يقتل في هذا الموضع، فبكي نوح(عليه السلام)، وأصحاب السفينة، ولعنوا قاتله ومضوا»(3).

المقصد الثالث: بكاء النبي إبراهيم(عليه السلام)

ورد عن الإمام الرضا(عليه السلام) «لما أمر الله عز وجل إبراهيم أن يذبح مكان ابنه إسماعيل(عليه السلام)، الكبش الذي أنزله عليه، تمنّي إبراهيم أن يكون ذبح ابنه إسماعيل(عليه السلام) بيده، وأنه لم يؤمر بذبح الكبش مكانه، ليرجع إلي قلبه ما يرجع إلي قلب الوالد الذي يذبح أعز ولده عليه بيده، فيستحق بذلك أرفع درجات أهل الثواب علي المصائب، فأوحي الله(عزوجلّ)إليه يا إبراهيم من أحب خلقي إليك؟ فقال: يا رب ما خلقت خلقاً هو أحبّ إليّ من حبيبك محمد(صلي الله عليه و آله و سلم)، فأوحي الله إليه أهو أحب إليك أمنفسك؟ فقال: بل هو أحب إليّ من نفسي، قال تعالي: فولدهأحب إليك أو ولدك؟ قال: بل ولده، قال(عزوجلّ): فذبح ولده ظلماً علي أيدي أعدائه أوجع لقلبك، أو ذبح ولدك بيدك في طاعتي؟

ص: 62


1- المجلسي، بحار الأنوار: 44/ 245.
2- اُنظر: طاهر آل علكة، رأس الحسين(عليه السلام): 43.
3- المجلسي، بحار الأنوار: 44/ 243.

قال: يا رب بل ذبحه علي أيدي أعدائه أوجع لقلبي، قال: يا إبراهيم، فإن طائفة تزعم أنها من أمة محمد ستقتل الحسين ابنه ظلماً وعدواناً كما يذبح الكبش، ويستوجبون بذلك سخطي، فجزع إبراهيم(عليه السلام) وتوجع قلبه وأقبل يبكي...»(1).

المقصد الرابع: بكاء عيسي بن مريم(عليه السلام)

ولما مر النبي عيسي(عليه السلام) ومعه الحواريون في كربلاء رأوا أسداً كاسراً قد أخذ الطريق، فتقدم عيسي(عليه السلام) إلي الأسد وقال: لم جلست علي طريقنا لا تدعنا نمر فيه؟ قال: إني لا أدعكم تمرون حتي تلعنوا يزيد قاتل الحسين(عليه السلام) سبط محمد النبي الأمين، وابن علي الولي سلام الله عليهما(2).

وهناك أنبياء آخرون قد بكوا الإمام الحسين(عليه السلام)، سنذكرهم لاحقاً في مقام الاستدلال علي جواز البكاء علي الإمام الحسين(عليه السلام) في الفصل الثاني.

المطلب الثاني: بكاء نبينا(صلي الله عليه و آله و سلم) وأهل بيته وأصحابه علي الإمام الحسين(عليه السلام)

اشارة

جاء في التاريخ والسيرة: أن النبي الأكرم(صلي الله عليه و آله و سلم) وأهل بيته(عليهم السلام) وأصحابه بكوا علي الإمام الحسين(عليه السلام)، بل إنّ النبي(عليه السلام) أقام المأتم علي مصيبة ولده ومصيبة أهل بيته، وأولي هذه المأساة رعاية كبيرة في أكثر من موطن ومع أكثر من شخص بما في ذلك نساؤه وأهل بيته، ولكي يتضح المطلب يري الباحث لا بد من تسليط الضوء علي ما قام به النبي وأمير المؤمنين وفاطمة والحسن صلوات الله عليهم وما قام به الأصحاب وزوجات النبي(صلي الله عليه و آله و سلم)، وهنا مقاصد:

ص: 63


1- الصدوق، الخصال: 58.
2- الصدوق، الأمالي: 479.
المقصد الأول: ذكر النبي(صلي الله عليه و آله و سلم) لمصيبة ولده الحسين(عليه السلام) وبكاؤه عليه

عاش النبي الأكرم(صلي الله عليه و آله و سلم) مع ولده الإمام الحسين(عليه السلام)، ومارس دور المربّي والأب الحاني، بحيث كان يتألم لكل ما يصيبه(عليه السلام) في صغر سنه، وعندما أُخبر من السماء بما سيحل علي ولده من بعده بكاه بكاءً مراً، وهذا ما أشارت إليه الروايات الكثيرة والتي نذكر منها ما يلي؛ لبيان تاريخ إقامة الشعائر الحسينية في صدر الإسلام:

قال صاحب العقد الفريد: «ومن حديث أم سلمة زوج النبي صلي الله عليه - وآله - وسلم، قالت: كان عندي النبي صلي الله عليه - وآله - وسلم ومعي الحسين، فدنا من النبي صلي الله عليه - وآله - وسلم،فأخذته، فبكي فتركته، فدنا منه، فأخذته، فبكي فتركته؛ فقال له جبريل: أتحبه يا محمد؟ قال: نعم، قال: أما إنّ أمتك ستقتله، وإن شئت أريتُك من تربة الأرض التي يقتل بها، فبسط جناحه، فأراه منها، فبكي النبي صلي الله عليه - وآله - وسلم»(1).

وقد ذكر ابن عساكر في كتابه مختصر تاريخ دمشق(2) بكاء النبي(صلي الله عليه و آله و سلم) علي ولده الإمام الحسين(عليه السلام) وكذلك ذكر ذلك الشيخ الطوسي(3).

وهناك الكثير من الروايات التي تؤكد أن النبي الأكرم(صلي الله عليه و آله و سلم) ذكر مصيبة ولده الإمام الحسين(عليه السلام) وبكي عليه.

فيظهر مما تقدم أن النبي(صلي الله عليه و آله و سلم) ذكر مصيبة الحسين(عليه السلام) وبكي عليه فسنّ بذلك سنة البكاء والحزن علي سيد الشهداء(عليهم السلام)، وهذا مما يدعونا أن نواسي رسول الله(صلي الله عليه و آله و سلم) بولده الحسين(عليه السلام)

ص: 64


1- الأندلسي، العقد الفريد: 5/ 132.
2- اُنظر: ابن عساكر الشافعي، مختصر تاريخ دمشق: 7/ 134.
3- اُنظر: الطوسي، الأمالي: 324.
المقصد الثاني: بكاء أمير المؤمنين علي بن أبي طالب علي مصيبة ولده الحسين(عليه السلام)

لم يدع أمير المؤمنين(عليه السلام) مناسبة إلّا وذكر فيها ما سيحل علي ولده الإمام الحسين(عليه السلام) وعلي أهل بيته فيكربلاء، ومنها ما ذكره عند ذهابه إلي صفين لقتال الباطل، فلقد ورد عن ابن عساكر وعن الشيخ الصدوق ما يشير إلي ذلك، كما في هذه الرواية:

قال الشيخ الصدوق: «حدثنا محمد بن أحمد السناني، قال: حدثنا أحمد بن يحيي ابن زكريا القطان، قال: حدثنا بكر بن عبد الله بن حبيب، قال: حدثنا تميم بن بهلول، قال: حدثنا علي بن عاصم، عن الحسين بن عبد الرحمن، عن مجاهد، عن ابن عباس، قال: كنت مع أمير المؤمنين(عليه السلام) في خروجه إلي صفين، فلما نزل بنينوي وهو شط الفرات، قال بأعلي صوته: (يا بن عباس، أتعرف هذا الموضع؟ فقلت له: ما أعرفه، يا أمير المؤمنين، فقال علي(عليه السلام): لو عرفته كمعرفتي لم تكن تجوزه حتي تبكي كبكائي. قال: فبكي طويلاً حتي اخضلت لحيته وسالت الدموع علي صدره، وبكينا معاً، وهو يقول: أوه أوه، مالي ولآل أبي سفيان، مالي ولآل حرب، حزب الشيطان، وأولياء الكفر، صبراً - يا أبا عبد الله - فقد لقي أبوك مثل الذي تلقي منهم...)»(1).

المقصد الثالث: بكاء الزهراء علي ولدها الحسين(عليها السلام)

ذكر العلماء أنّ سيدة نساء العالمين بكت ولدها الإمام الحسين(عليه السلام) عند ولاته، بعد أن أخبرها رسول الله(صلي الله عليه و آله و سلم) عن خبره، كما أنها لعنت قاتليه، وتبرّأت من الأمة التي اجتمعتعلي قتله، وهذا ما تشير إليه هذه الرواية: «رُوِيَ أَنَّهُ لَمَّا أَخْبَرَ النَّبِيُّ(صلي الله عليه و آله و سلم) ابْنَتَهُ فَاطِمَةَ بِقَتْلِ وَلَدِهَا الْحُسَيْنِ وَمَا يَجْرِي عَلَيْهِ مِنَ الْمِحَنِ بَكَتْ فَاطِمَةُ بُكَاءً شَدِيداً،

ص: 65


1- الصدوق، الأمالي: 478-480. اُنظر: ابن عساكر، مختصر تاريخ دمشق: 7/ 133.

وَقَالَتْ: يَا أَبَهْ، مَتَي يَكُونُ ذَلِكَ؟ قَالَ: فِي زَمَانٍ خَالٍ مِنِّي وَمِنْكِ وَمِنْ عَلِيٍّ، فَاشْتَدَّ بُكَاؤُهَا وَقَالَتْ: يَا أَبَهْ، فَمَنْ يَبْكِي عَلَيْهِ وَمَنْ يَلْتَزِمُ بِإِقَامَةِ الْعَزَاءِ لَهُ؟، فَقَالَ النَّبِيُّ(صلي الله عليه و آله و سلم): يَا فَاطِمَةُ، إِنَّ نِسَاءَ أُمَّتِي يَبْكُونَ عَلَي نِسَاءِ أَهْلِ بَيْتِي، وَرِجَالَهُمْ يَبْكُونَ عَلَي رِجَالِ أَهْلِ بَيْتِي، وَيُجَدِّدُونَ الْعَزَاءَ جِيلًا بَعْدَ جِيلٍ فِي كُلِّ سَنَةٍ، فَإِذَا كَانَ الْقِيَامَةُ تَشْفَعِينَ أَنْتِ لِلنِّسَاءِ وَأَنَا أَشْفَعُ لِلرِّجَالِ، وَكُلُّ مَنْ بَكَي مِنْهُمْ عَلَي مُصَابِ الْحُسَيْنِ أَخَذْنَا بِيَدِهِ وَأَدْخَلْنَاهُ الْجَنَّةَ، يَا فَاطِمَةُ، كُلُّ عَيْنٍ بَاكِيَةٌ يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِلَّا عَيْنٌ بَكَتْ عَلَي مُصَابِ الْحُسَيْنِ، فَإِنَّهَا ضاحِكَةٌ مُسْتَبْشِرَةٌ بِنَعِيمِ الْجَنَّةِ»(1).

وكذلك ورد عن ابن عباس في حديث طويل أنّ السيدة فاطمة الزهراء(عليها السلام) بكت علي ولدها الإمام الحسين(عليه السلام) عند ولادة سيد الشهداء(عليه السلام) (2).

المقصد الرابع: بكاء الإمام الحسن علي أخيه الحسين(عليه السلام)

من خلال تتبعنا لحياة الإمام الحسن(عليه السلام) وسيرته في كتب التاريخ نقف علي ما يشير إلي بكاء الإمام الحسن(عليه السلام) علي ما سيحل به وبأخيه الإمام الحسين(عليه السلام) من مصيبة،ولكي نسلط الضوء علي ذلك نذكر ما ورد في هذه الرواية الآتية:

«روي أن الحسن(عليه السلام) لما دنت وفاته ونفدت أيامه، وجري السم في بدنه، تغير لونه واخضر، فقال له الحسين(عليه السلام) مالي أري لونك [مائلاً] إلي الخضرة؟ فبكي الحسن وقال: يا أخي، لقد صح حديث جدي فيَّ وفيك، ثم اعتنقه طويلاً وبكيا كثيراً، فسئل عن ذلك، فقال: أخبرني جدي، قال: لما دخلت ليلة المعراج روضات الجنان، ومررت علي منازل أهل الإيمان، رأيت قصرين عاليين متجاورين علي صفة واحدة [إلا أن] أحدهما من الزبرجد الأخضر، والآخر من الياقوت الأحمر، فقلت:

ص: 66


1- البحراني، عوالم العلوم: 534. اُنظر: المجلسي، بحار الأنوار: 44/293.
2- اُنظر: مسند فاطمة: 314. اُنظر: هاشم البحراني، مدينة المعاجز: 3/ 428، برقم 952/ 5.

يا جبرئيل لمن هذان القصران؟ فقال: أحدهما للحسن(عليه السلام)، والآخر للحسين(عليه السلام)، فقلت: يا جبرئيل، فلم لم يكونا علي لون واحد؟ فسكت ولم يرد جواباً، فقلت: لم لا تتكلم؟ قال(عليه السلام): حياء منك، فقلت له: سألتك بالله إلا ما أخبرتني، فقال: أما خضرة قصر الحسن(عليه السلام) فإنه يموت بالسم، ويخضر لونه عند موته، وأما حمرة قصر الحسين(عليه السلام)، فإنه يقتل ويحمر وجهه بالدم، فعند ذلك بكيا وضج الحاضرون بالبكاء والنحيب»(1).

وقد رثي الإمام الحسن(عليه السلام) أخاه سيد الشهداء(عليه السلام) في حديث طويل(2).

وعند التأمل في هذه الرواية نلمس منه بكاء الإمامالحسن(عليه السلام) علي مصيبته ومصيبة أخيه الإمام الحسين(عليه السلام) قبل شهادة الإمام الحسين(عليه السلام)

المقصد الخامس: بكاء الصحابة علي الإمام الحسين(عليه السلام)
اشارة

هناك من الصحابة من بكي علي الإمام الحسين(عليه السلام) عندما أخبرهم النبي بقتله وبكي فبكوا لبكائه، وهناك من بكي عليه عند خروجه من المدينة، وهناك من بكي عليه بعد شهادته، ولكي يتضح المطلب نورد الروايات الدالة علي بكاء هذه الطوائف الثلاث، وهي كما يلي:

أ - بكاء الصحابة عند إخبار النبي(صلي الله عليه و آله و سلم) بشهادة الإمام الحسين(عليه السلام)

روي عروة، عن عائشة، أنّها قالت: «دخل الحسين بن علي -(عليه السلام)- علي رسول الله صلي الله عليه - وآله - وسلم وهو يوحي إليه، فركب علي ظهره وهو منكب، ولعب علي ظهره، فقال جبريل: يا محمد إن أمتك ستفتن بعدك ويُقتل ابنك هذا من

ص: 67


1- المجلسي، بحار الأنوار: 44/ 145. عبد الله البحراني، عوالم العلوم: 121.
2- اُنظر: الصدوق، الأمالي: 177.

بعدك، ومد يده فأتاه بتربة بيضاء، وقال: في هذه الأرض يقتل ابنك اسمها الطف، فلما ذهب جبريل خرج رسول الله صلي الله عليه - وآله - وسلم إلي أصحابه والتربة في يده، وفيهم أبو بكر وعمر وعلي وحذيفة وعمار وأبو ذر وهو يبكي، فقالوا: ما يبكيك يا رسول الله؟ فقال: أخبرني جبريل أن ابني الحسين يقتل بعدي بأرض الطف وجاءني بهذه التربة فأخبرنيأن فيها مضجعه(1).

وقد علق السيد الأمين في كتابه بأن الصحابة بكوا علي الحسين(عليه السلام) فقال: «ولابد أن يكون الصحابة لما رأوا رسول الله(صلي الله عليه و آله و سلم) يبكي لقتل ولده وتربته بيده، وأخبرهم بما أخبره به جبرئيل من قتله، وأراهم تربته التي جاء بها جبرئيل، أخذتهم الرقّة الشديدة، فبكوا لبكائه، وواسوه في الحزن علي ولده، فإنّ ذلك مما يبعث علي أشد الحزن والبكاء»(2).

ومما يؤكد قول السيد الأمين أن أمير المؤمنين(عليه السلام) بكي علي ولده كما مر في الروايات، ولا شك في بكاء حذيفة وعمار وأبي ذر، وهم من كبار الصحابة.

ب - بكاء الصحابة عند خروج الإمام الحسين(عليه السلام) من المدينة

عند خروج الإمام الحسين(عليه السلام) من المدينة اعترضه ثلة من الصحابة إشفاقاً عليه، ولكنه إمام معصوم لا يرفع قدماً ولا يضعها إلّا بأمر الله تعالي وإذنه وإرادته، وممن اعترضه:

قال ابن حجر الهيتمي في الصواعق المحرقة: «وسبب خروجه -(عليه السلام) - أنّ يزيد لما استُخلف سنة ستين أرسل لعامله بالمدينة أن يأخذ له البيعة علي الحسين، ففر لمكة خوفاً علي نفسه، فسمع به أهل الكوفة، فأرسلوا إليه أن يأتيهم ليبايعوه ويمحو

ص: 68


1- الماوردي، أعلام النبوة: 108.
2- الأمين، إقناع اللائم علي إقامة المآتم: 90-91.

عنهم ما هم فيه من الجور، فنهاه ابن عباس، وبيّن له غدرهم وقتلهم لأبيه وخذلانهم لأخيه، فأبي، فنهاه أن لا يذهب بأهله، فأبي، فبكي ابن عباس وقال: واحبيباه واحسيناه. وقال له ابن عمر نحو ذلك، فأبي، فبكي ابن عمر، وقبّل ما بين عينيه، وقال: أستودعك الله من قتيل. ونهاه ابن الزبير أيضاً فقال له: حدثني أبي: إن لمكة كبشاً به يستحل حرمتها، فما أحب أن أكون أنا ذلك الكبش»(1).

وذكر الشعبي أنّ ابن عمر قد اعتنق الإمام(عليه السلام) عند خروجه إلي كربلاء وبكي(2).

ثم بكت بعض نساء بني عبد المطلب علي الإمام الحسين(عليه السلام) عند خروجه، فجاء في كتاب كامل الزيارات لابن قولويه القمي المتوفي (368ﻫ) «عن سعد بن عبد الله بن أبي خلف، عن محمد بن يحيي المعاذي، قال: حدثني الحسين بن موسي الأصم، عن عمرو، عن جابر، عن محمد بن علي (عليهما السلام)، قال: لما همّ الحسين(عليه السلام) بالشخوص عن المدينة، أقبلت نساء بني عبد المطلب، فاجتمعن للنياحة حتّي مشي إليهن الحسين(عليه السلام)، فقال: أنشدكن الله أن تبدين هذا الأمر معصية لله ولرسوله، فقالت له نساء بني عبد المطلب: فلمن نستبقي النياحة والبكاء، فهو عندنا كيوم مات فيه رسول الله(صلي الله عليه و آله و سلم) وعلي وفاطمة ورقية وزينب وأم كلثوم، فننشدك الله، جعلنا الله فداك من الموت يا حبيب الأبرار من أهل القبور، وأقبلت بعض عماته

تبكي»(3).

وبكت بعض زوجات النبي الأكرم(صلي الله عليه و آله و سلم)، نقل الشيخ عبد الله البحراني في كتابه العوالم: «لما عزم علي الخروج من المدينة أتته أم سلمة(رضي الله عنه)، فقالت: يا بني، لا تحزني بخروجك إلي العراق، فإني سمعت جدك يقول: يقتل ولدي الحسين(عليه السلام) بأرض

ص: 69


1- ابن حجر العسقلاني، الصواعق المحرقة: 2/ 574.
2- اُنظر: ابن عساكر، مختصر تاريخ دمشق: 7/142.
3- ابن قولويه القمي، كامل الزيارات: 195.

العراق في أرض يقال لها: كربلاء، فقال لها: يا أماه، وأنا والله أعلم ذلك، وإنّي مقتول لا محالة، وليس لي من هذا بد، وإني والله لأعرف اليوم الذي أُقتل فيه، وأعرف من يقتلني، وأعرف البقعة التي أُدفن فيها، وإني أعرف من يُقتل من أهل بيتي وقرابتي وشيعتي، وإن أردت يا أماه أريك حفرتي ومضجعي. ثم أشار إلي جهة كربلاء، فانخفضت الأرض حتي أراها مضجعه ومدفنه وموضع عسكره وموقفه ومشهده، فعند ذلك بكت أم سلمة بكاء شديداً، وسلمت أمره إلي الله...»(1).

ج - بكاء الصحابة علي الإمام الحسين(عليه السلام) بعد شهادته

ذكر المؤرخون أن بعض الصحابة بكي علي الإمام(عليه السلام) بعد شهادته، لاسيما عند حضورهم في مجالس الطواغيت وعند لقاء الركب الحسيني، واطلاعهم علي ما فعله الطواغيت برأس الإمام الحسين(عليه السلام)، نذكر منهم:

قال ابن الأثير في كتابه الكامل في التاريخ: «فجلس ابنزياد وأذن للناس، فأحضرت الرؤوس بين يديه، وهو ينكت بقضيب بين ثنيّتيه ساعة، فلما رآه زيد بن الأرقم لا يرفع قضيبه، قال: أعل هذا القضيب عن هاتين الثنيتين، فو الذي لا إله غيره لقد رأيت شفتي رسول الله، صلي الله عليه - وآله - وسلم، علي هاتين الشفتين يقبلهما، ثم بكي، فقال له ابن زياد: أبكي الله عينيك، فو الله لولا أنك شيخ قد خرفت وذهب عقلك لضربت عنقك، فخرج وهو يقول: أنتم يا معشر العرب العبيد بعد اليوم، قتلتم ابن فاطمة، وأمّرتم ابن مرجانة، فهو يقتل خياركم ويستعبد شراركم، فرضيتم بالذلّ، فبعداً لمن يرضي بالذلّ»(2).

ص: 70


1- المجلسي، بحار الانوار: 44/ 331. عبد الله البحراني، عوالم العلوم: 181.
2- ابن الأثير، الكامل في التاريخ: 4/ 81. اُنظر: ابن حجر العسقلاني، الصواعق المحرقة: 2/578.

«وعن علي بن زيد بن جدعان، قال: استيقظ ابن عباس من نومه فاسترجع، وقال: قتل الحسين والله، فقال له أصحابه: كلا يا بن عباس، كلا، قال: رأيت رسول الله صلي الله عليه - وآله - وسلم ومعه زجاجة من دم، فقال: ألا تعلم ما صنعت أمتي من بعدي؟ قتلوا ابني الحسين، وهذا دمه ودم أصحابه، أرفعها إلي الله(عزوجلّ)، قال: فكتب ذلك اليوم الذي قال فيه، وتلك الساعة، قال: فما لبثوا إلا أربعة وعشرين يوماً حتي جاءهم الخبر بالمدينة أنه قتل ذلك اليوم وتلك الساعة»(1).

«وعن سلمي قالت: دخلت علي أم سلمة وهي تبكي، فقلت: مايبكيك؟ قالت: رأيت رسول الله صلي الله عليه - وآله - وسلم في المنام، وعلي رأسه ولحيته التراب، فقلت: ما لك يا رسول الله؟ قال: شهدت قتل الحسين آنفاً»(2).

ويظهر مما تقدم أن ابن عباس وأم سلمة أقاما تعزية علي الإمام(عليه السلام)، فضلاً عن البكاء، وهذا نوع من أنواع الشعائر الحسينية.

المطلب الثالث: إقامة الشعائر في العصر الأموي

اشارة

وفيه مقاصد:

المقصد الأول: إقامة الشعائر في العصر الأموي من قبل أهل البيت(عليهم السلام)
اشارة

لا شك أن أول من أقام الشعائر علي الإمام الحسين(عليه السلام) هم أئمة أهل البيت(عليهم السلام) الذين طهرهم الله تعالي، وجعل قولهم وفعلهم وتقريرهم حجة علي الناس؛ كونهم أئمة المسلمين الذين وجبت طاعتهم، إلا أن الأمة تنكّرت لذلك إلّا بعضاً منها، وهم شيعتهم ومواليهم، وحيث إنّ الأئمة(عليهم السلام) الذين عاصروا الحكم

ص: 71


1- ابن الأثير، الكامل في التاريخ: 7/ 152. اُنظر: سبط ابن الجوزي، تذكرة الخواص: 326، و331-332.
2- ابن عساكر، مختصر تاريخ دمشق: 7/ 153.

الأموي هم الإمام زين العابدين والإمام محمد الباقر والإمام الصادق(عليه السلام)، لذا نأتي علي ذكرهم:

أولاً: إقامة الشعائر من قبل الإمام السجاد(عليه السلام)

ورد في كامل الزيارات عن ابن قولويه القمي أنه قال:«حدثني أبي رحمه الله وجامعة مشايخي، عن سعد ابن عبد الله، عن محمد بن الحسين بن أبي الخطاب، عن أبي داود المسترق، عن بعض أصحابنا، عن أبي عبد الله(عليه السلام)، قال: بكي علي بن الحسين علي أبيه الحسين بن علي(عليه السلام) عشرين سنة أو أربعين سنة، وما وضع بين يديه طعامٌ إلا بكي علي الحسين، حتّي قال له مولي له: جعلت فداك يا بن رسول الله، إني أخاف عليك أن تكون من الهالكين، قال: إنما أشكو بثي وحزني إلي الله، وأعلم من الله ما لا تعلمون، إني لم أذكر مصرع بني فاطمة إلا خنقتني العبرة لذلك»(1).

ثانياً: إقامة الشعائر من قبل الإمام الباقر(عليه السلام)

ذكر في التاريخ الإسلامي أنّ الإمام الباقر(عليه السلام) عاش مصائب كربلاء وهو بصحبة أبيه الإمام علي بن الحسين(عليه السلام)، ورأي من المصائب والأهوال ما بقي عالقاً في ذهنه الشريف، فكان إذا لقي شاعراً من الشعراء الموالين لأهل البيت(عليهم السلام) طلب منه أن يسمع ما قاله الشاعر في حق جدّه الحسين(عليه السلام)، ما يذكر لنا المسعودي في كتابه مروج الذهب(عليه السلام) فقال: عرض الكميت شعره علي أبي جعفر محمد بن علي: «فحينئذ قدم المدينة، فأتي أبا جعفر محمد بن علي بن الحسين بن علي رضي الله عنهم، فأذن له ليلاً فأنشده، فلما بلغ من الميمية قوله:

وقتيلٍ بالطَّفِّ غُودِر منهم *** بين غوغاء أُمة وطغَام

ص: 72


1- ابن قولويه القمي، كامل الزيارات: 213-214. اُنظر: الصدوق، الأمالي: 121.

بكي أبو جعفر، ثم قال: يا كميت، لو كان عندنا مال لأعطيناك، ولكن لك ما قال رسول الله(صلي الله عليه و آله و سلم) لحسان بن ثابت: لا زلت مؤيداً بروح القدس ما ذَبَبْتَ عنا أهلَ البيت، فخرج من عنده»(1).

ومما يؤكّد بكاء الإمام الباقر(عليه السلام) علي جدّه الحسين(عليه السلام) هو ما ورد من حثّ لشيعته علي زيارة الإمام الحسين(عليه السلام) والإقامة عنده والبكاء عليه(2).

ثالثاً: إقامة الشعائر من قبل الإمام الصادق(عليه السلام)

إنّ الروايات التي أشارت إلي بكاء الإمام الصادق(عليه السلام) كثيرة، نكتفي ببعضها:

روي ابن قولويه القمي في كتابه كامل الزيارات: «حدثنا أبو العباس القرشي، عن محمد بن الحسين بن أبي الخطاب، عن محمد بن إسماعيل، عن صالح بن عقبة، عن أبي هارون المكفوف، قال: قال أبو عبد الله(عليه السلام): يا أبا هارون، أنشدني في الحسين(عليه السلام)، قال: فأنشدته، فبكي، فقال: أنشدني كما تنشدون - يعني بالرقة - قال: فأنشدته:

امرر علي جدث الحسين *** فقل لأعظمه الزكية

قال: فبكي، ثم قال: زدني، قال: فأنشدته القصيدة الأخري، قال: فبكي، وسمعت البكاء من خلف الستر»(3).وكذلك بكي الإمام(عليه السلام) عندما أنشده أبو عمارة المنشد، قال: «قال لي: يا أبا عمارة، أنشدني في الحسين(عليه السلام) »، قال: فأنشدته، فبكي، ثم أنشدته فبكي، ثم أنشدته فبكي، قال: فوالله ما زلت أنشده ويبكي حتي سمعت البكاء من الدار... »(4).

ص: 73


1- المسعودي، مروج الذهب ومعادن الجوهر: 3/ 229.
2- اُنظر: ابن قولويه القمي، كامل الزيارات: 26 و201.
3- المصدر نفسه: 208.
4- المصدر نفسه: 209، و212، و215. اُنظر: الصدوق، الأمالي: 121. اُنظر: الطوسي، مصباح المتهجد: 543.

فيلاحظ مما تقدم من الروايتين أن الإمام الصادق(عليه السلام) ما ذكر المصيبة بشيء من الذكر إلا وبكي لذلك.

المقصد الثاني: إقامة الشعائر في العصر الأموي من قبل غير أهل البيت(عليهم السلام)
أولاً: إقامة المآتم من قبل نساء يزيد

أ - ذكر سبط ابن الجوزي في كتابه تذكرة الخواص ما قاله الزهري والشعبي عن بكاء نساء يزيد علي مصيبة الإمام الحسين(عليه السلام)، فقال: «قال الزهري: لما دخلت نساء الحسين وبناته علي نساء يزيد قمن إليهن وصحن وبكين وأقمن المأتم علي الحسين، وقال الشعبي: لما دخلت نساء الحسين علي نساء يزيد قلن واحسيناه»(1).

ب - ذكرت بعض الروايات(2) أنّ زوجة يزيد هي من دخلت علي عائلة الإمام(عليه السلام) ولما عرفت هوية العائلة، اعترضت علي يزيد، واستنكرت فعله، وأقامت العزاء في بيتها مع جواريها ومحبيها، وفي كلتا الصورتين نجد أنّ هناك من أقام العزاء علي الإمام(عليه السلام) في دار عدوّه، ليؤكد أحقية الإمام(عليه السلام) وبطلان فعل يزيد، وهذا ما أراده الله تعالي من إعلاء كلمته.

ثانياً: مواقف رثاء لشخصيات مهمة

نقل سبط ابن الجوزي في كتابه (تذكرة الخواص) ما يلي:

«ذكر ابن سعد عن أم سلمة لما بلغها قتل الإمام الحسين(عليه السلام)، قالت: أوَقَدْ فعلوها، ملأ الله بيوتهم وقبورهم ناراً، ثم بكت حتي غشي عليها. وقال الزهري: لما بلغ الحسن البصري قتل الحسين بكي حتي اختلج صدغاه، ثم قال: واذل أمة قتلت

ص: 74


1- سبط ابن الجوزي، تذكرة الخواص: 335.
2- اُنظر: المجلسي، بحار الأنوار: 45/ 143.اُنظر: عبد الله البحراني، عوالم العلوم: 443

ابن بنت نبيها، والله ليردن رأس الحسين إلي جسده، ثم لينتقمن له جده وأبوه من ابن مرجانة. وقال الزهري: لما بلغ الربيع بن خثيم قتل الحسين بكي، وقال: لقد قتلوا فتية لو رآهم رسول الله(صلي الله عليه و آله و سلم) لأحبهم، أطعمهم بيده وأجلسهم علي فخذه»(1).

ثالثاً: رثاء الإمام(عليه السلام) بالشعر

ذكر السدي أن أول من رثاه عقبة بن عمرو العبسي فقال:

إذا العين قرت في الحياة وأنتم *** تخافون في الدنيا فأظلم نورها

مررت علي قبر الحسين بكربلا *** ففاضت عليه من دموعي غزيرها

وما زلت أبكيه وأرثي لشجوه

ويسعد عيني دمعها وزفيرها

وقال الربيع بن أنس: رثاه عبد الله بن الحر فقال:

يقول أمير غادر أي غادر *** ألا كنت قاتلت الشهيد ابن فاطمة

ونفسي علي خذلانه واعتزاله *** وبيعة هذا الناكث العهد لائمة

فيا ندمي ألا أكون نصرته *** ألا كل نفس لا تسدد نادمة

ولما بلغ ابن زياد هذه الأبيات طلبه فقعد علي فرسه ونجا منه.

ومن أبيات وقد مرّ بكربلاء:

كربلا لا زلت كرباً وبلا *** ما لقي عندك أهل المصطفي

كم علي تربك لما صرعوا *** من دم سال ومن دمع جري

يا رسول الله لو أبصرتهم *** وهم ما بين قتل وسبا

إلي آخر القصيدة.

ص: 75


1- سبط ابن الجوزي، تذكرة الخواص: 338-339.

وذكر المدايني رجلاً أرسل صاحبه لتقصي خبر الإمام الحسين(عليه السلام)، فذهب ورجع باكياً، وأنشد:

والله ما جئتكم حتي بصرت *** في الأرض منعفر الخدين منحوراً

وحوله فتية تدعي نحورهم *** مثل المصابيح بغشون الدجي نوراً(1).

ونقل سبط ابن الجوزي أنّ الشعبي قال: رثي سليمان بن قتة الإمام الحسين(عليه السلام) وقومه الصرعي بكربلاء. وذكر كذلك الكثير ممن رثي الإمام الحسين(عليه السلام) شعراً، منهم: ابن الهبارية، وأبو عبد الله النحوي، وجدّ سبط ابن الجوزي(2).

فمما لا شكّ أنّ الرثاء هو أحد أشكال العزاء الذي يقيمه الناس علي موتاهم، وقد ذكر المؤرخون أنّ بعض الشعراء قد قاموا برثاء الإمام(عليه السلام).

رابعاً: إقامة العزاء عند قبر الإمام(عليه السلام) من قبل التوابين

أقام التوابون العزاء عند قبر الإمام الحسين(عليه السلام): «ثمّ ساروا فانتهوا إلي قبر الحسين، فلمّا وصلوا صاحوا صيحةً واحدة، فما رئي أكثر باكياً من ذلك اليوم، فترحّموا عليه وتابوا عنده من خذلانه وترك القتال معه، وأقاموا عنده يوماً وليلة، يبكون ويتضرّعون ويترحّمون عليه وعلي أصحابه، وكان من قولهم عند ضريحه: اللهمّ ارحم حسيناً الشهيد ابن الشهيد، المهدي ابن المهدي، الصديق ابن الصديق، اللهم إنا نشهدك أنا علي دينهم وسبيلهم وأعداء قاتليهم وأولياء محبيهم، اللهم إنا خذلنا ابن بنت نبينا، صلي الله عليه - وآله - وسلم، فاغفر لنا ما مضي منّا وتب علينا وارحم حسيناً وأصحابهالشهداء الصدّيقين، وإنّا نشهدك أنا علي دينهم وعلي ما

ص: 76


1- سبط ابن الجوزي، تذكرة الخواص: 341-344.
2- اُنظر: المصدر نفسه.

قتلوا عليه، وإن لم تغفر لنا وترحمنا لنكونن من الخاسرين، وزادهم النظر إليه حنقاً.

ثم ساروا بعد أن كان الرجل يعود إلي ضريحه كالمودّع له، فازدحم الناس عليه أكثر من ازدحامهم علي الحجر الأسود»(1).

المطلب الرابع: إقامة الشعائر في العصر العباسي

اشارة

وفيه مقاصد:

المقصد الأول: إقامة الشعائر من قبل الأئمة(عليهم السلام)
أولاً: إقامة الشعائر من قبل الإمام الصادق(عليه السلام)

عاصر الإمام الصادق(عليه السلام) الحكام الأمويين، وحكام بني العباس أيضاً، فعاش العصرين، العصر الأموي والعصر العباسي، فشارك أباه الإمام الباقر(عليه السلام) في إقامة الشعائر في العصر الأموي، وبعد مضي الإمام الباقر(عليه السلام) استمر الإمام الصادق(عليه السلام) بإقامة هذه الشعائر، وخير دليل علي ذلك ما جاء في الروايات ومنها هذه الرواية:

عن محمد بن عبد الله... عن أبي بصير، قال: «كنت عند أبي عبد الله(عليه السلام) أحدثه، فدخل عليه ابنه فقال له: مرحباً، وضمّه وقبّله، وقال: حقّر الله من حقّركم، وانتقم ممن وتركم، وخذل الله منخذلكم، ولعن الله من قتلكم، وكان الله لكم ولياً وحافظاً وناصراً، فقد طال بكاء النساء وبكاء الأنبياء والصديقين والشهداء وملائكة السماء، ثم بكي وقال: يا أبا بصير، إذا نظرت إلي ولد الحسين أتاني ما لا أملكه بما أتي إلي أبيهم وإليهم، يا أبا بصير، إن فاطمة(عليها السلام) لتبكيه وتشهق، فتزفر جهنم زفرة لولا أن الخزنة يسمعون بكاءها وقد استعدوا لذلك مخافة أن يخرج منها

ص: 77


1- ابن الأثير، الكامل في التاريخ: 178.

عنق أو يشرد دخانها فيحرق أهل الأرض، فيكبحونها ما دامت باكية، ويزجرونها ويوثقون من أبوابها مخافة علي أهل الأرض، فلا تسكن حتي يسكن صوت فاطمة»(1).

ثانياً: إقامة الشعائر من قبل الإمام الكاظم(عليه السلام)

روي الإمام الرضا(عليه السلام) ما كان يفعله أبوه الإمام الكاظم(عليه السلام) في يوم عاشوراء، فقال: «إنّ المحرم شهر كان أهل الجاهلية يحرّمون فيه القتال، فاستحلت فيه دماؤنا، وهتك فيه حرمتنا، وسبي فيه ذرارينا ونساؤنا، وأضرمت النيران في مضاربنا، وانتهب ما فيها من ثقلنا، ولم ترع لرسول الله حرمة في أمرنا، إن يوم الحسين أقرح جفوننا، وأسبل دموعنا، وأذلّ عزيزنا بأرض كرب وبلاء، وأورثتنا يا أرض كرب وبلاء أورثتنا الكرب والبلاء إلي يوم الانقضاء، فعلي مثل الحسين فليبك الباكون، فإن البكاء يحط الذنوب العظام، ثم قال(عليه السلام): كان أبي(عليه السلام) إذا دخل شهر المحرم لا يري ضاحكاً، وكانت الكآبة تغلب عليه حتي يمضي منه عشرة أيام، فإذا كان يوم العاشر كان ذلك اليوميوم مصيبته وحزنه وبكائه، ويقول: هو اليوم الذي قتل فيه الحسين(عليه السلام) »(2).

ثالثاً: إقامة الشعائر من قبل الإمام الرضا(عليه السلام)

ما تقدم في الرواية السابقة يدل صراحة علي موقف الإمام الرضا(عليه السلام) من مصيبة كربلاء ومأساتها.

وقد جاء عن الشيخ الصدوق في كتاب عيون أخبار الرضا(عليه السلام) «عن الحسين

ص: 78


1- ابن قولويه القمي، كامل الزيارات: 169-170، 203.
2- الصدوق، الأمالي: 191، ح2.

ابن إبراهيم بن أحمد بن هشام المؤدب وعلي بن عبد الله الوراق رضي الله عنهما، قالا: حدثنا علي بن إبراهيم بن هاشم، عن أبيه إبراهيم بن هاشم، عن عبد السلام بن صالح الهروي، قال: دخل دعبل بن علي الخزاعي علي علي بن موسي الرضا(عليه السلام) بمرو، فقال له: يا بن رسول الله، إني قد قلت فيك قصيدة، وآليت علي نفسي أن لا أنشدها أحداً قبلك، فقال(عليه السلام): هاتها، فأنشده:

مدارس آيات خلت من تلاوة *** ومنزل وحي مقفر العرصات

فلما بلغ إلي قوله:

أري فيئهم في غيرهم متقسماً *** وأيديهم من فيئهم صفرات

بكي أبو الحسن الرضا(عليه السلام) وقال له: صدقت يا خزاعي»(1).

رابعاً: إقامة الشعائر من قبل الأئمة الأربعة بعد الإمام الرضا(عليه السلام)

يمكن اعتبار عصر الإمام الجواد(عليه السلام) امتداداً لعصر أبيه الإمامالرضا(عليه السلام) من جهة الحرية النسبية التي كان يتمتع بها الشيعة في عصره، فقد كان المأمون متسامحاً مع الإمام(عليه السلام) وشيعته، ولعل لزواج الإمام(عليه السلام) من ابنته أمّ الفضل مدخلية في هذا التسامح، فكانت المآتم علي الإمام الحسين(عليه السلام) تُقام في دور العلويين بشكل علني ودون أيّ ضغط، وقد استمرّت هذه الحالة إلي عهد المعتصم أيضاً، الذي كان يسعي لمراعاة شعور العلويين والموالين لآل البيت(عليهم السلام) إلي حدّ ما، ويسمح لهم بإقامة المناحات علي الحسين(عليه السلام) في دورهم وخارجها، سرّاً وعلناً(2).

وهذا ما يشير إليه السيد صالح الشهرستاني بقوله: «ففي عهد الإمام التاسع محمد الجواد التقي، نالت الشيعة بعض الحرية في إقامة شعائرهم الكئيبة الحزينة»،

ص: 79


1- الصدوق، عيون أخبار الرضا(عليه السلام): 2/ 296، برقم 34، وبرقم 35.
2- اُنظر: الشهرستاني، تاريخ النياحة علي الإمام الشهيد الحسين بن علي(عليه السلام): 1/ 137.

ثم يقول: «وقد استمرت هذه الحالة علي عهد المعتصم الذي كان يسعي لمراعاة شعور العلويين والموالين لأهل البيت(عليهم السلام) وكانت المآتم تقام في دور العلويين علناً، أمّا بعد المعتصم فقد أخذت السلطات تشدد علي هؤلاء الأئمة وشيعتهم، غير أن المقيمين لهذه المأتم لم يمتنعوا عن إقامتها سراً في دورهم، ولذا نجد أخبار وروايات إقامة هذه الشعائر المأتمية علي عهد هؤلاء الأئمة الثلاثة شحيحة جداً»(1).

ومع ذلك لم يرد عن الإمام الجواد(عليه السلام) في خصوصالمأتم الحسيني شيء يُذكر.

نعم، وردت عنه رواية واحدة يُقارن فيها بين وقعة الطف ووقعة فخٍّ(2).

أما في عصر الأئمة بعد الإمام الجواد(عليه السلام): الإمام الهادي، والإمام العسكري، والإمام المهدي(عليهم السلام) فلم تستقرّ الشعائر الحسينية علي حال واحد، بل كانت تقوي وتضعف بحسب الظروف السياسيّة، «فقد كان عهد المتوكل العباسي ومَن بعده عهد قسوة وجور في التعامل مع الشيعة وأئمة أهل البيت(عليهم السلام)، ولم تشهد هذه المرحلة إلّا انفراجات بسيطة لا قيمة لها في سير الأحداث»(3).

وقد استمر هذا الحال إلي ما بعد انقضاء فترة الغيبة الصغري(329ﻫ)، وظهور الدول الشيعية، كالدولة البويهية في إيران والعراق (332- ﻫ447)، والحمدانية في الموصل وحلب (333-399ﻫ)، والفاطمية في مصر (358-567ﻫ)، حيث دخلت مؤسسة المأتم الحسيني مع مجيء هذه الدول - لا سيما البويهيين - في طور جديد، أضفي عليها الكثير من التغييرات الشكلية والجوهرية، وهو ما لا نريد الخوض فيه فعلاً؛ لخروجه عن حقل دراستنا هذه.

ولا شكّ في بكاء الإمام الحجة(عجل الله تعالي فرجه الشريف) علي جدّه الإمام الحسين(عليه السلام) بدل الدموع دماً(4).

ص: 80


1- المصدر نفسه: 136-137.
2- اُنظر: المجلسي، بحار الأنوار: 48/ 65.
3- شمس الدين، واقعة كربلاء في الوجدان الشعبي: 243.
4- اُنظر: المجلسي، بحار الأنوار: 98/ 320.
المقصد الثاني: إقامة الشعائر في العصر العباسي من قبل الشيعة
اشارة

يتنوّع القائمون بالشعائر في هذه الفترة، فتارة تقام علي مستوي الأفراد وأخري علي مستوي الجماعات، وفيما يلي لمحة إجمالية حول هذه الشعائر في تلك الفترة:

أولاً: علي مستوي الأفراد

روي الشيخ الصدوق «عن محمد بن عبد الله بن جعفر الحميري، عن أبيه، عن علي بن محمد بن سالم، عن محمد بن خالد، عن عبد الله بن حماد البصري، عن عبد الله بن عبد الرحمان الأصم، عن مسمع بن عبد الملك كردين البصري قال: قال لي أبو عبد الله(عليه السلام): يا مسمع أنت من أهل؟ العراق أما تأتي قبر الحسين(عليه السلام) ؟ قلت: لا، أنا رجل مشهور عند أهل البصرة، وعندنا من يتبع هوي هذا الخليفة، وعدونا كثير من أهل القبائل من النصاب وغيرهم، ولست آمنهم أن يرفعوا حالي عند ولد سليمان فيمثلون بي، قال لي: أفما تذكر ما صنع به، قلت: نعم، قال: فتجزع، قلت: إي والله، وأستعبر لذلك حتي يري أهلي أثر ذلك علي، فأمتنع من الطعام حتي يستبين ذلك في وجهي، قال: رحم الله دمعتك، أما إنّك من الذين يعدون من أهل الجزع لنا، والذين يفرحون لفرحنا ويحزنون لحزننا، ويخافون لخوفنا ويأمنون إذا آمنا، أما إنّك ستري عند موتك حضور آبائي لك، ووصيتهم ملك الموت بك، وما يلقونك به من البشارةأفضل، وملك الموت أرق عليك وأشد رحمة، لك من الأُم الشفيقة علي ولدها، قال: ثم استعبر واستعبرت معه، فقال: الحمد لله الذي فضلنا علي خلقه بالرحمة وخصنا أهل البيت بالرحمة، يا مسمع، إن الأرض والسماء لتبكي منذ قتل أمير المؤمنين(عليه السلام) رحمة لنا، وما بكي لنا من الملائكة أكثر، وما رقأت دموع الملائكة منذ قتلنا، وما بكي أحد رحمة لنا ولما لقينا إلاّ، رحمه الله قبل أن تخرج الدمعة من عينه، فإذا سالت دموعه علي خده فلو أنّ قطرة من دموعه سقطت في جهنم لأطفأت حرها حتي لا يوجد لها حر، وأنّ الموجع قلبه لنا ليفرح يوم يرانا عند موته فرحة

ص: 81

لا تزال تلك الفرحة في قلبه حتي يرد علينا الحوض، وأنّ الكوثر ليفرح بمحبنا إذا ورد عليه حتي أنه ليذيقه من ضروب الطعام ما لا يشتهي أن يصدر عنه»(1).

ثانياً: علي مستوي المجتمع الشيعي

قام الشيعة بإقامة الشعائر الحسينية تبعاً لموقف الحكام العباسيين، فكان موقف الحكام العباسيين بين مدّ وجزر، ولكي يتضح الأمر نورد ما ذكره الباحث (محمد باقر موسي جعفر)(2) في كتابه (الشعائر الحسينية في العصرين الأموي والعباسي).

العباسيون الذين غضوا الطرف عن إقامة الشعائر من قبل شيعة أهل البيت(عليهم السلام)
اشارة

ذكر الباحث محمد باقر موسي ما يلي:

1- أبو العباس السفاح العباسي

«امتازت علاقة العلويين مع أبي العباس السفاح بالمهادنة، واتخذ سياسة اللين معهم، فلم تشهد فترة حكمه أي نوع من التصادم وأنه ما حصل في زمانه - السفاح -

بينه وبين الطالبيين من الأشراف شيء، ولا قام عليه أحد منهم، بل قربهم وأحسن إليهم وكانت المحبة صافية بينهم(3). ولذلك تمتع الشيعة في فترة أبي العباس السفاح بفسحة من الحرية في إقامة الشعائر الحسينية، وإقامة العزاء عند قبر الإمام، أو في دورهم ومحافلهم»(4).

ص: 82


1- ابن قولويه القمي، كامل الزيارات: 203-204.
2- باحث إسلامي، بحث الشعائر الحسينية في رسالة ماجستير لعام 2008-2009، ونال بها شهادة الماجستير..
3- اُنظر: العصامي المكي، سمط النجوم العوالي: 3/362.
4- محمد باقر موسي، الشعائر الحسينية في العصرين الأموي والعباسي، رسالة ماجستير لسنة 2008-2009: 368.
2- الأمين العباسي

«أما عن موقف الأمين العباسي (193ﻫ - 198ﻫ/808م - 903م) من الشعائر الحسينية، فالمرجح أنّها شهدت إقبالاً كثيراً؛ إذ لم يكن هنالك أي قيود أو إجراءات اتبعت ضدها، فقد انشغل الأمين عن تتبع العلويين واضطهادهم باللهو والترف، ومن ثم بالفتن والاضطرابات الكثيرة التي واجهته، وقد أشار أبو الفرج الإصفهاني إليذلك بقوله: (وكانت سيرة محمد - أي في آل أبي طالب - خلاف ما تقدم لتشاغله بما كان فيه من اللهو والإدمان له، ثم الحرب التي كانت بينه وبين المأمون حتي قتل فلم يحدث علي أحد منهم في أيامه حدث بوجه ولا سبب)(1). فمن الطبيعي أن تجد الشيعة في ذلك الانشغال متسعاً من الحرية في إقامة الشعائر وزيارة قبر الإمام الحسين(عليه السلام) »(2).

3- المأمون العباسي

«وفي عهد المأمون العباسي (198-218ﻫ/808-833م)، الذي اتبع سياسة اللين والتسامح والاحتواء مع العلويين؛ لامتصاص حالة الحنق والغضب التي كان يعيشها العلويون وشيعتهم تجاه بني العباس، وذلك باتباعه جملة من الإجراءات، منها: إسناد ولاية العهد للإمام علي بن موسي الرضا(عليه السلام) عام (201ﻫ/816م)(3) وتولية أخيه إبراهيم بن موسي بن جعفر(عليه السلام) إمرة الحج عام (202ﻫ/817م)(4) وتزويج ابنتيه أم حبيب من الإمام علي بن موسي الرضا(عليه السلام)، وأم الفضل من الإمام

ص: 83


1- اُنظر: أبو الفرج الإصفهاني، مقاتل الطالبيين: 509.
2- محمد باقر موسي، الشعائر الحسينية في العصرين الأموي والعباسي: 376-377.
3- اُنظر: اليعقوبي، تاريخ اليعقوبي: 3/ 448.
4- اُنظر: المسعودي، مروج الذهب: 4/ 34.

محمد بن علي الجواد(عليه السلام) عام (202ﻫ/817م)(1)، ومن الطبيعي أن تنعكس تلك السياسة علي أداء الشعائر الحسينية، حيث تمكن الإمام الرضا(عليه السلام) وأتباعآل البيت من إقامتها دون رقابة أو ضغوط سياسية، كما كان لإقدام المأمون علي إظهار قبر الإمام الحسين(عليه السلام) وبنائه بناءً شامخاً ظل شاخصاً حتي عام (232ﻫ/846م) أثر في أداء شعيرة الزيارة لقبر الإمام الحسين(عليه السلام) (2)»(3).

4- المعتصم والواثق العباسي

«لقد كان لسياسية الاحتواء التي اتبعها المأمون مع العلويين ووصيته لولي عهده المعتصم باتباع سياسة اللين والتسامح مع العلويين والتي جاء فيها: (...وهؤلاء بنو عمك من ولد أمير المؤمنين علي بن أبي طالب، فأحسن صحبتهم، وتجاوز عن مسيئهم، واقبل من محسنهم، وصلاتهم فلا تغفلها في كل سنة من حملها فإنّ حقوقهم تجبي من وجوه شتي)(4).

أثرت في موقف المعتصم (218-227ﻫ/833 -741م) وولده الواثق(5) (227-232ﻫ/833-346م) من ممارسة الشعائر الحسينية، حيث منح العلويين وأتباعهم نوعاً من الحرية في ممارستها وزيارةقبر الإمام الحسين(عليه السلام)، وكانت وفود الزائرين ترد علي عهديهما جماعات وأفراداً علي كربلاء وتقوم بدورها من إقامة

ص: 84


1- اُنظر: الطبري، تاريخ الطبري: 5/ 145.
2- اُنظر: النمازي، مستدرك سفينة البحار: 2/ 476.
3- محمد باقر موسي، الشعائر الحسينية في العصرين الأموي والعباسي: 377-378.
4- اُنظر: الذهبي، تاريخ الإسلام: 15/ 26.
5- حتي قيل ما أحسن أحد من خلفاء بني العباس إلي آل أبي طالب ما أحسن إليهم الواثق ما مات وفيهم فقير. ابن شاكر الكتبي، عيون التواريخ: 199.

مجالس العزاء علي ذلك القبر الطاهر وعلي سائر قبور الشهداء(1)، وقد أشار أبو الفرج الإصفهاني إلي سياسة الواثق التسامحية مع العلويين بقوله: (وكان آل أبي طالب مجتمعين بسر من رأي في أيامه تدور الأرزاق عليهم حتي تفرقوا أيام المتوكل) (2). الأمر الذي لا يستبعد إقامة الشعائر الحسينية في سامراء علي عهده»(3).

5 - المنتصر العباسي

«أما المنتصر بالله العباسي الذي تولي الخلافة عام (247ﻫ/861م)، فقد انتهج سياسة مغايرة لسياسة أبيه المتوكل، والذي اتسمت فترة خلافته علي الرغم من قصرها بالتسامح، والعطف والإحسان إلي آل أبي طالب، وتمتعت الشيعة بحرية كاملة في زيارة قبر الإمام الحسين(عليه السلام) الذي أعاد بناءه وأقام عليه رسوماً ودلالات لإرشاد الزائرين إليه(4). وهذا ما أشار إليه ابن شهر آشوب بقوله: (أحسن المنتصر سيرته وأعاد التربة في أيامه) (5). وأشار إليهالمسعودي أيضاً بقوله: (وتقدم بالكف عن آل أبي طالب، وترك البحث عن أخبارهم، وأن لا يمنع أحد من زيارة الحيرة وقبر الحسين(عليه السلام)، ولا قبر غيره من آل أبي طالب وترك التعرض لشيعته ودفعه الأذي عنهم)(6). كذلك أمر المنتصر بإعادة أوقاف آل البيت(عليهم السلام) التي صادرها المتوكل من قبل وهذا ما أشار إليه السيوطي بوصفه للمنتصر بأنه: (كان محسناً إلي العلويين وصولاً لهم أزال عن آل أبي طالب ما كانوا فيه من الخوف، والمحنة بمنعهم

ص: 85


1- اُنظر: الشهرستاني، تاريخ النياحة: 2/ 6.
2- اُنظر: أبو الفرج الإصفهاني، مقاتل الطالبيين: 476.
3- محمد باقر موسي، الشعائر الحسينية في العصرين الأموي والعباسي: 378-379.
4- اُنظر: النمازي، مستدرك سفينة البحار: 2/ 476.
5- اُنظر: ابن شهر آشوب، مناقب آل أبي طالب: 2/ 53.
6- اُنظر: المسعودي، مروج الذهب: 4/ 110.

من زيارة الحسين وردّ علي آل الحسين فدك)»(1).

6 - الراضي العباسي

«(خرج توقيع الخليفة الراضي الذي أنكر علي الحنابلة أفعالهم وتشددهم وعاب عليهم اعتقادهم بقوله:...ثم طعنكم علي خيار الأئمة ونسبتكم شيعة آل محمد إلي الكفر والضلال... وإنكاركم زيارة قبور الأئمة وتشنيعكم علي زوارها بالابتداع، وأنتم مع ذلك تجتمعون علي زيارة قبر رجل من العوام ليس بذي شرف ولا نسب برسول الله وتأمرون بزيارته...) (2)، ومما فسح المجال أمام الشيعة ومحبي آل البيت أن يمارسوا شعائرهم بحرية وأن يقصدوا زيارة قبور الأئمة من غير خيفة ولا وجل وفي أحداث سنة (329ﻫ/941م)،يقول الهمداني:(نصبت القباب بباب الطاق والرصافة لزوار الحائر علي ساكنه السلام)(3)، ولعل في الأجواء الأمنية التي فرضتها إجراءات الخليفة أن مكن الزوار بشكل كبير إلي الخروج إلي كربلاء لزيارة قبر الحسين(عليه السلام) مما استلزم أن تنصب القباب بباب الطاق والذي أتصوره أنها نصبت لتقديم الخدمات لجموع الزائرين المتوجهين لزيارة الحسين(عليه السلام) وأنّ نصب القباب يدل علي كثرة وفود الزائرين»(4).

وعند تأمل هذه النصوص يتضح جلياً مدي حرية الشيعة في ممارسة الشعائر في عهد هؤلاء الحكام العباسيين، ولا شك أن هذه الشعائر كانت تحت نظر المعصومين من أهل بيت النبوة(عليهم السلام) مما يضفي عليها الشرعية والمقبولية.

ص: 86


1- محمد باقر موسي، الشعائر الحسينية في العصرين الأموي والعباسي: 389-390.
2- اُنظر: ابن الأثير، الكامل في التاريخ: 7/ 114.
3- اُنظر: الطبري، تكملة تاريخ الطبري: 1/ 121.
4- محمد باقر موسي، الشعائر الحسينية في العصرين الأموي والعباسي: 389-394.

المطلب الخامس: إقامة الشعائر في العصور الأخري

المقصد الأول: إقامة الشعائر في العصور التي تلت العصر العباسي

بعد التأمّل في كتب التاريخ يظهر لنا أنّ إقامة الشعائر الحسينية بعد العصر العباسي أيضاً كانت بين مد وجزر؛ وذلك بسبب اختلاف الحكومات الحاكمة آنذاك، فكانت إقامة الشعائر خاضعة للظروف السياسية، فإذا تولّيالسلطة من كان شيعياً أو يميل إلي أهل البيت(عليهم السلام) تنتعش في زمنه إقامة الشعائر، وأمّا إذا تولّاها من ليس كذلك، تنحسر هذه الحالة حتي تصل إلي درجة الاندثار.

وهذا ما أشار إليه السيد صالح الشهرستاني في كتابه (تاريخ النياحة) فقال: «وقد استطاع الشيعة في كثير من الأزمان علي هذا العهد أن يتنفسوا الصعداء، وأن ينالوا قسطاً وفيراً من حريتهم في إقامة شعائرهم، من النوح وإقامة المأتم علي الحسين(عليه السلام)، أما لكون السلطة القائمة شيعية الحكام، أو لكونها مؤلفة من حكام ضعفاء من غير الشيعة لا تستطيع الضغط علي هذه الفرقة المسلمة، فمثلاً عندما تولي السلطة علي العراق الملوك الصفويون أو غيرهم من الحكام الإيرانيين كان الإقبال علي إقامة هذه المآتم والنياحات عظيماً، وكانت حرية الشيعة في إحياء هذه الذكري الأليمة مضمونة، وقد غالي الشيعة في إقامتها، والعكس بالعكس، كلّما قويت السلطة السنية في العراق كالحكومة العثمانية وقع الضغط علي الشيعة، ومنعوا عن إقامة المناحات ومزاولة شعائرهم التقليدية فيها؛ الأمر الذي كان يضطرهم إلي إقامتها وإحياء ذكرياتها سرّاً وداخل البيوت، وفي سراديب الدور، وتحت طائلة الخوف والجزع والتقية، وعلي سبيل المثال أقول: إنّ الشيعة كانوا علي زمن الأسرة الإيلخانية، وخاصة علي عهد ملكها محمد خدا بنده، المتوفي سنة (715ﻫ)، الذي كان أول من جاهر من ملوك هذه الأسرة بالتشيع لآل البيت، وأول من أمر بتخليد أسماء الأئمة الاثني عشر، فنقشت أسماؤهم

ص: 87

علي مسكوكاته، وكذا علي عهد ابنه أبي سعيد، وأيضاً علي عهد الأسرة الجلائرية، ثم عهد الملوك الصفويين، ومنهم الشاهإسماعيل الذي ناصر الشيعة، وأعلن المذهب الشيعي في إيران والعراق رسمياً، وكذا علي عهد بعض السلاطين العثمانيين كالسلطان سليمان القانوني المتوفي سنة (941ﻫ)، الذي زار كربلاء والنجف، وكذا علي عهد عدد من الأمراء الشيعة الآخرين، الذين حكموا بعض أنحاء العراق، كدولة بني مزيد في الحلة، وبني شاهين في البطيحة، وبني حمدان وآل المسيب في الموصل ونصيبين»(1).

وعند التأمّل فيما ورد في كتب التاريخ يظهر صحة ما أشرنا إليه، ولكي يتضح الأمر في ذلك لابد من الوقوف علي ما جاء في كتب التأريخ التالية:

1- جاء في كتاب (الحوادث الجامعة) لمؤلفه ابن الفوطي (ت723ﻫ) في ذكر حوادث سنة (698ﻫ)(2)، ما يشير إلي الأجواء الاجتماعية والسياسية التي كانت تقام فيها الشعائر الحسينية.

2- ذكر صاحب كتاب (نشوار المحاضرة وأخبار الذاكرة) ما يشير إلي المضايقات التي كان يعيشها الشيعة في إقامة الشعائر الحسينية(3).

3- ذكر صاحب كتاب (لسان الميزان) أن الشاعر الشيعي الناشئ الصغير كان يرثي الإمام الحسين(عليه السلام)،وذلك في سنة (346ﻫ)(4).

وعند التأمل في هذا النص التاريخي يظهر لنا أنّ إقامة الشعائر الحسينية وزيارة الإمام(عليه السلام) في ذلك الوقت غير ممنوعة من قبل السلطة.

4- ذكر المقريزي في كتابه (الخطط المقريزية) ما يشير إلي إقامة الشعائر في مصر

ص: 88


1- الشهرستاني، تاريخ النياحة: 2/ 23-24.
2- اُنظر، ابن الفوطي، الحوادث الجامعة.
3- اُنظر، التنوخي، نشوار المحاضرة وأخبار المذاكرة: 2/ 233.
4- ابن حجرالعسقلاني، لسان الميزان: 4/ 278-279.

من سنة (363-517)(1).

5- ذكر ابن الجوزي (ت547ﻫ) في كتابه (المنتظم في تاريخ الملوك والأمم) في حوادث السنين (من 353ﻫ إلي 443) أنّ الشيعة في مختلف الأمصار الإسلامية كانت تقيم الشعائر الحسينية تبعاً للحرية التي يحصلون عليها في تلك السنين(2).

المقصد الثاني: إقامة الشعائر الحسينية في العصر الحديث

ذكر السيد الشهرستاني في كتابه (تاريخ النياحة) سعة إقامة الشعائر الحسينية في كل أقطار العالم، فقال: «إنّ إحياء هذه الذكري الحزينة وإقامة شعائرها التقليدية، قد تعدّت المركز الرئيسي للحادث المحزن - أي العراق - إلي سائر البلدان الإسلامية، وحتي كثير من الأصقاع غير الإسلامية. فإنّ كلّ من جابعواصم وحواضر ومدن الأقطار الإسلامية في أرجاء المعمورة، سيما المجتمعات الشيعية في هذه الأقطار وبالأخص منها العراق، والبلاد العربية الأخري، والهند، وإيران، وأفغانستان، وغيرها من الأقاليم الآسيوية، وبعض بلدان أفريقيا، وجد المباني الفخمة، والعمارات الكبيرة مقامة، وتدعي عند العرب (الحسينية) وعند الهنود (إمام بهره) وعند الفرس (مأتم سرا أو حسينية أو تكية) وسائر الأقطار تسميها باسمها العربي (الحسينية) وفي هذه المباني التي يوقفها أصحابها علي إقامة النياحات فيها علي الإمام الحسين(عليه السلام)، ويوقفون عليها أوقافاً كثيرة وصدقات جارية، تنفق إيراداتها وأرباحها علي إدارة هذه الحسينية»(3).

وقد ذكر أيضاً السيد هبة الدين الشهرستاني في كتابه (نهضة الحسين) أنه:

ص: 89


1- اُنظر: المقريزي، المواعظ والاعتبار المعروف بالخطط المقريزية: 2/ 329، ح331.
2- ابن الجوزي، المنتظم في تاريخ الملوك والأمم: 14/ 150، و15/ 320.
3- الشهرستاني، تاريخ النياحة: 2/ 26-27.

«هكذا أصبح المسلمون في اليوم العاشر من محرم كل عام يحتفلون بذكري (عاشوراء) إحياءً لذكري شهيد الطفوف الإمام الحسين(عليه السلام) في جميع الأقطار الإسلامية، ويعتبر هذا اليوم عطلة رسمية لدي معظم هذه الدول، ويشترك كثير من رؤساء الدول الإسلامية في مراسيمه».

ثم أشار السيد الشهرستاني إلي أنواع العزاء الذي يقيمه المعزون كل حسب معتقده فيه، فيقول: «ثم إذ يعبّرون في إحيائهم لهذه الذكري الدامية عن شعورهم نحو الإمام الشهيد، فإنهم يختلفون في هذا التعبير حسب معتقداتهم فيه وفيحركته واستشهاده، وباختلاف مداركهم وعاداتهم، فمنهم من يعتبره عيداً مجيداً؛ لأن الفضيلة فيه قد انتصرت علي الرذيلة، وأن الإمام الحسين بموقفه ذاك من يزيد قد أسند تعاليم جده سيد الرسل، وجدد مجد شريعته السمحاء، كما هو الحال لدي المسلمين في الشمال الإفريقي والمغرب العربي الذين يعتزون بهذه الذكري، ومنهم من يندفع مع العاطفة إلي إيلام نفسه وإيذائها بمختلف الوسائل والأساليب كضرب نفسه بالسلاسل، أو بالتطبير، ظناً منه أن هذا النحو من الإيذاء لمن دلائل المؤاساة أو الاقتداء بأولئك الشهداء، كما هو الحال في بعض أنحاء العراق وإيران والهند والباكستان، ومنه من يحصرها في هودج كبير ضخم كما هوالحال في أمريكا الوسطي وفي مدينة بورت أو اسباين عاصمة في جزيرة ترينيداد الواقعة في البحر الكاريبي من شمال أمريكا الجنوبية، وإلي جانب ما تقدم، تلبّس مدن العتبات المقدسة في العراق وإيران والمساجد المهمة والأماكن المتبركة في الهند والباكستان وغيرها من الأقطار والمناطق التي يتعصب أهلها في الحب والولاء لآل البيت النبوي حلة من السواد كشعار للحزن والحداد، وتبتعد عن مظاهر الزينة والبهرجة ومباعث الأنس والانشراح»(1).

ص: 90


1- الشهرستاني، نهضة الحسين: 177-181.

وعند تأمّل ما ذكره السيد هبة الدين الشهرستاني يظهر أنّ الشعائر الحسينية تجاوزت شعيرة البكاءوالزيارة إلي طقوس أخري((1).

ص: 91


1- وثيقة الباحث: تأكيداً لما تقدم من سرد لتاريخ الشعائر الحسينية يضيف الباحث ما عاشه في ممارسة هذه الشعائر في أكثر من بلد، اجتمع فيه شيعة أهل البيت(عليهم السلام) حيث إنّ الباحث توفق لخدمة الجاليات الإسلامية في كثير من دول العالم، وشارك الجاليات الإسلامية في إقامة هذه الشعائر الحسينية وهي كما يلي: أ - عاش الباحث فترة لا تقل عن سبع سنوات في الجمهورية الإسلامية الإيرانية وشارك الشيعة هناك في ممارسة الشعائر الحسينية. ب - عاش الباحث فترة في الجمهورية العربية السورية، وشارك أيضاً في إقامة الشعائر. ج - عاش الباحث فترة في كندا وشارك في إقامة الشعائر هناك. د - خلال سفر الباحث إلي الدول الأخري كانت له مشاركات في إقامة الشعائر هناك، لاسيما في تركيا وباكستان ولبنان، حيث كانت هذه المشاركات فعالة، إذ أقيم في تركيا خيمة عاشوراء من قبل العتبة الحسينية المقدسة وكان الباحث علي رأس الوفد الذي أقام هذه الخيمة في إسطنبول، كما شارك الباحث في الأسبوع الثقافي في باكستان ولبنان، فضلاً عن إلقائه المحاضرات في المجالس الحسينية في الدول الأوربية وغيرها. ولذا يري الباحث ما يلي: 1- أن إقامة الشعائر في هذه الدول لابد أن يكون ملائماً لعادات وثقافات وتقاليد تلك الدول، ولا يصح نقل طريقة إقامة الشعائر في دولة لها ثقافتها وتقاليدها الخاصة إلي دولة أخري تختلف عنها في الثقافة والتقاليد. 2- أن الشعائر من حيث الأصل واحدة ولكنها تختلف من حيث التطبيق وطريقة التعبير والإظهار من دولة إلي أخري، فما يصح في دولة قد لا يصح ولا يستساغ في دولة أخري لاسيما إذا كان الهم إيصال الفكر والنهج الحسيني المقدس. ويتضح مما تقدم ما يلي: أ - أن ذكري شهادة الإمام الحسين(عليه السلام) وذكر مصيبته محاطة بالعناية الإلهية وإلا لما شاعت وظهرت بهذه السعة ولاقت المقبولية عند المجتمعات المختلفة. ب - أن الشعائر الحسينية مدخل لمعرفة سماحة الدين الإسلامي والأخلاق الرفيعة والكمالات العالية.

المطلب السادس: ما ذكره بعض الباحثين في تاريخ الشعائر الحسينية

اشارة

فيما يلي نتعرض لبعض الكتابات والبحوث التي تناولت تاريخ الشعائر الحسينية، والتي تحتاج إلي التعليق عليها ومناقشتها، ومن أهم هذه البحوث ما يلي:

المقصد الاول: ما ذكره الدكتور صالح الجويني
اشارة

قال الباحث الدكتور محمد صالح الجويني(1)، في بحثه الموسوم (تاريخ المأتم الحسيني من الشهادة وحتي العصر القاجاري): «تعد المآتم الحسينية اليوم من أعظم الشعائر الدينية في العالم، وقد أصبحت موضع اهتمام العلماء والمفكّرين، وأثارت تساؤلات عديدة لديهم حول حقيقتها، ومنشئها، وتاريخها، وضرورتها، والهدف من ورائها، والآثار التي تترتّب عليها. وفي هذا المقال، نسعي لتقديم مراجعة مختصرة حول المنشأ التاريخي للمآتم الحسينية. وبناءً علي التقاليد المتبعة في المجتمعات البشرية، تقيم عائلة القتيل المأتم عليه، ولم يكن أهل بيت الإمام الحسين(عليه السلام) استثناءً في ذلك، بل اتسعت دائرة مأتم الإمام الحسين لما له من صلة بالنبي(صلي الله عليه و آله و سلم) ومكانة اجتماعية، حتي أقام له الناس - وخاصّة الصحابة والتابعين - المآتم، وسمّي عام استشهاده (عام الحزن). ومثّلت هذه المآتم التي استمرت حتي مقتل قاتليه، مآتم أهل بيته بصورة خاصة، ولم تأخذ طابع السنّة أو الشعيرة، لكن المهم في بحثنا هو الجهود التي بذلها الأئمة لجعل هذه المآتم شعائر دينية لكافة الناس».

مناقشة الدكتور الجويني
اشارة

1- قوله: «بناءً علي التقاليد الاجتماعية.... الخ».

ص: 92


1- باحث متخصص في تاريخ الثورة الحسينية وفي تاريخ إيران.

ومناقشته في ذلك بأن نقول: إقامة العزاء علي الإمام الحسين(عليه السلام) لم يكن تقليداً اجتماعياً، بل هو شعيرة دينية دلت الأدلة علي استحباب إقامتها، فلا يحق للدكتور أن يغمض عينه عن هذه الحقيقة بعد وضوحها كالشمس في رابعة النهار.

2- للدكتور تعليقة في الهامش يقول فيها: «يجدر بنا التذكير بأنّ لدي العرب سنّة، تقضي بعدم إقامة المأتم علي المقتول من قبل أهله حتي يموت قاتله أو يثأرون له، لكي لا تموت روح الانتقام لديهم، أو يضعف عزمهم علي ذلك؛ فكانوا يظنّون أن رثاء القتيل والبكاء عليه يطفئ نار الغضب والانتقام».

ويقول جواد علي في كتابه المفصّل في تاريخ العرب: «وكانت العرب لا تندب قتلاها ولا تبكي عليها حتي يثأر بها، فإذاقتل قاتل القتيل، بكت عليه وناحت».

والشاهد علي ذلك «منع البكاء علي القتلي من مشركي قريش في غزوة بدر». لكن خالف أهل بيت النبي(صلي الله عليه و آله و سلم) وبنو هاشم سنّة العرب هذه، وأقاموا المأتم في تلك الفترة، لكنّ امتناعهم عن الزينة، يدلّ علي تأثرهم بسنّة العرب هذه في إحياء ذكري القتلي مع تعديل عليها، وهو البكاء والرثاء، حيث قاموا به ولم يقم به العرب»(1).

أقول: إنّ النبي الأكرم(صلي الله عليه و آله و سلم) بكي علي الإمام الحسين قبل شهادته، وسنّ ذلك فسنّته هي الحق، وما سواها باطل.

وحيث إنّنا لا يهمّنا رأي الدكتور الجويني في البحث، اكتفينا بما تقدم، واستفدنا من سرده التاريخي للشعائر.

فقد أشار الدكتور الجويني في بحثه إلي تاريخ الشعائر وفق المراحل الآتية:

المرحلة الأولي:

1- ذكر الجويني المآتم التي أقامها أهل البيت(عليهم السلام) وقت مصرع الإمام الحسين(عليه السلام).

ص: 93


1- مجموعة من الباحثين، جدل ومواقف: هامش ص21.

2- ذكر بكاء أهل الكوفة علي سبايا آل البيت(عليهم السلام)، والمآتم التي أقيمت في الشام عند وصول السبايا إليها.

3- ذكر المأتم الذي أقيم عند قبر الإمام(عليه السلام) بعد عودةالسبايا إلي كربلاء.

4- ذكر المأتم الذي أقامته السيدة أم سلمة، والمأتم الذي أقامه أهل المدينة، لاسيما بني هاشم كابن عباس ومحمد ابن الحنفية ونساء بني هاشم.

5- ذكر المأتم الذي أقامته السيدة أم البنين(عليها السلام) علي الإمام وأولادها الشهداء(عليهم السلام).

6- ذكر بكاء آل عبد المطلب وبعض الصحابة والتابعين وحزنهم علي الإمام الحسين(عليه السلام).

7- ذكر بكاء التوابين عند قبر الإمام الحسين(عليه السلام).

8 - ذكر ارتداء أهل البيت(عليهم السلام) زي الحداد علي الإمام الحسين(عليه السلام).

المرحلة الثانية: الإعداد من قبل أئمة أهل البيت(عليهم السلام)

ذكر فيها الإعداد من قبل الأئمة(عليهم السلام) لسنّ المآتم كشعيرة دينية، وتناول ما قام به كل من الإمام السجاد والإمام الباقر والإمام الصادق والإمام الكاظم والإمام الرضا (عليهم أفضل الصلاة والسلام) من حثّ علي إقامة الشعائر بالقول والفعل معاً(1).

ثم ذكر كذلك الكيفية التي قام بها الأئمة(عليهم السلام) لإحياء يوم عاشوراء، فقال: «وردنا عن أئمة أهل البيت(عليهم السلام) ما يبيّن كيفيةإحياء ذكري عاشوراء، منها:

1- الاهتمام بشهر محرم.

2- استقبال يوم عاشوراء من أول يوم من محرّم بالحزن والأسي.

ص: 94


1- اُنظر: مجموعة باحثين، جدل ومواقف: 28.

3- ذروة الحزن والبكاء في يوم عاشوراء.

4- الاهتمام البالغ بهذا اليوم، فأعظم مصاب قد وقع فيه.

5- اعتباره يوم مصاب وحزن.

6- الحرص علي زيارة قبر الحسين في هذا اليوم.

7- بدء هذا اليوم بالسلام علي الإمام ولعن قاتليه وإهداء الصلاة له، ثمّ إقامة المأتم في البيت، والبكاء والنواح بشكل جماعي إن لم تتسنّ زيارة القبر.

8 - التوقف عن العمل في هذا اليوم.

9- إقامة مجالس العزاء في البيوت والبكاء فيها.

10- استذكار مصاب الإمام الحسين، ولو علي انفراد.

11- تخيّل الواقعة.

12- ارتداء زيّ الحداد.

13- الامتناع عن الملذات والأكل والشرب حتي الغروب».

المرحلة الثالثة: ما بعد مرحلة التأسيس

ذكر الجويني في المرحلة الثالثة ما حصل بعد مرحلة التأسيس لهذه الشعيرة، فقال: «ونعني ما بعد التأسيس لهذه الشعيرة، وحتي أواسط القرن الرابع حيث أخذت طابعاً رسمياً».

لم يتوقف الشيعة عن إقامة المأتم الحسيني فيالبيوت والمجالس الخاصّة، علي الأقل كما كان يفعل الإمامان، الباقر والصادق (عليهما السلام).

وذكر في بحثه موقف بعض حكام بني العباس الإيجابي إزاء الإمام الحسين(عليه السلام) وشيعته، فقال: «وقد ورد أنّ الخليفة العباسي المنتصر، دعا الناس لزيارة كربلاء كما كانت تقام في الماضي، وذلك في عام 248ﻫ».

ص: 95

وذكر في هذه المرحلة عن إقامة الشعائر في مرحلة الغيبة الصغري أيضاً.

المرحلة الرابعة: في عهد الحكومات الشيعية

ذكر الباحث أنّ المأتم الحسيني أخذ طابعاً رسمياً في عهد الحكومات الشيعية، فقال: «أخذ المأتم الحسيني طابعاً رسمياً مع قيام الحكومات الشيعية في العالم الإسلامي، فقد حكم البويهيون في إيران، والفاطميون في شمال إفريقيا، وأخذا بالتوسع في مطلع القرن الرابع، فكان البويهيون يحكمون إيران عدا المناطق الشرقية، كما يحكمون وسط العراق في منتصف هذا القرن، وقد أحكم الفاطميون سلطتهم علي الشمال الشرقي من إفريقيا ومصر والشام وفلسطين».

كما ذكر أنّ المأتم أقيم في كل من بغداد ومصر كشعيرة وسنّة تقام في يوم عاشوراء.

المرحلة الخامسة: من القرن السادس إلي العهد الصفوي

ذكر الباحث فيها أنّ الشيعة أقاموا شعيرة العزاء عليالإمام الحسين(عليه السلام) في القرن السادس إلي العهد الصفوي، فقال: «مع بداية القرن السادس، كانت الدولة السلجوقية تحكم كلاً من إيران والعراق، أما مصر فكانت تحكمها الدولة الإسماعيلية الشيعية. أما الدولة السلجوقية فقد قلّلت من حدّة مضايقاتها، فكسب الشيعة قدراً من الحرية لممارسة طقوسهم في إقامة المآتم الحسينية».

وعن إقامة الشعائر في القرن السابع قال: «تزامن القرن السابع مع ظهور دولة الخوارزمشاهيين في الشرق، وسقوط السلاجقة في بغداد، وانتعاش الخلافة العباسية مجدّداً. وما ورد من تقارير تاريخية عن هذا القرن، يبيّن استمرار المآتم الحسينية كما القرون السابقة».

وأمّا عن إقامتها في القرن الثامن، فقال: «حكم البلاد في مطلع هذا القرن

ص: 96

غازان خان الذي أصبح شيعياً...، أعطي الشيعة الحرية الكاملة في ممارسة شعائرهم، منها إقامة المآتم الحسينية».

وأمّا ما ورد عن إقامة الشعائر في القرن التاسع ذكر أنّ الحكومة آنذاك كانت تهتمّ بالشيعة وتحترم أئمتهم، مما أكسب الشيعة قدراً من الحرية في ممارسة طقوسهم.

المرحلة السادسة: العهد الصفوي

ذكر الباحث انتعاش إقامة الشعائر الحسينية في العهد الصفوي، فقال: «ومع اعتلاء الشاه إسماعيل الصفوي العرش عام 907ﻫ في تبريز، أصبح التشيّع المذهب الرسمي، وهمّت السلطة بنشر شعائره وتقاليده، وقد نظم حسين فدائي النيسابوريكتاب روضة الشهداء في عهده، وجعل منه ملحمة دينية قدمها للملك، وقد كان كتاب روضة الشهداء يقرأ في البلاط الصفوي أيام محرم وعاشوراء»(1).

وذكر أنّ المآتم تطورت من حيث الكمية والكيفية، إلي دخولها في التقاليد الشعبية والوطنية.

المقصد الثاني: ما ذكره الدكتور ظاهري
اشارة

تعرّض الدكتور محسن حسام ظاهري للبحث عن تأريخ المآتم الحسينية في العصر القاجاري، فقال: «أولي ملوك القاجار اهتماماً منقطع النظير بالطقوس والتقاليد والشعائر الدينية».

ثم قال في موضع آخر: «لكن مما لا شكّ فيه، أنّ تديّن القاجار لم يتجاوز الظاهر...، ولقد أدّت المبالغة في هذا الأمر إلي تشويه صورة الدين وطقوسه».

وأشار:أنّ آغا محمد خان مؤسس السلالة القاجارية صنع ضريحاً مذهّباً

ص: 97


1- اُنظر: مجموعة باحثين، جدل ومواقف: 57.

للإمام علي(عليه السلام) (1).

وأشار كذلك إلي أنّ «فتوي الميرزا القمي المشهورة بحلّية إقامة التشابيه شهدت رواجاً واسعاً لها في هذه الفترة»(2).

ثمّ أشار إلي سبب شيوع المآتم الحسينية، فقال:«وبسبب اعتقاد الملك ووزيره شاعت المآتم الحسينية، خاصة التشابيه، وإقامة خيم العزاء في عهدهم»(3).

وقال أيضاً: «يقول أحد السوّاح الروس، في تقريره عن شهر محرم في طهران...، يجتمع في الليل كثير من المعزّين مّرةً أخري في هذه الخيم، ويوقدون المشاعل، ويبكون لساعتين أو ثلاث أو حتي طوال الليل، يلطمون ويصرخون (يا حسين). بل يشتّد الحماس ببعضهم أحياناً حتي يجرح نفسه جروحاً عميقةً بأدوات حادّة؛ ويتعالي الصراخ في شوارع طهران»(4).

وذكر أيضاً أنّ «أهمّ ما يميّز هذا العصر رواج المآتم الحسينية، وخاصة التشابيه والتمثيل، بشكل لا نظير له»(5).

كما أنّه أكّد أنّ لتأسيس خيمة عزاء الدولة وما يوليها الملك من اهتمام، كان له الدور المهم في إشاعة التشابيه في ذلك الوقت(6).

وأشار إلي موقف العلماء إزاء التشبيه بقوله: «وانحصرت مخالفة العلماء والفقهاء حسب الظاهر بأمور كحرمة تشبيه المعصومين وحرمة تشبّه الرجل بالمرأة

ص: 98


1- اُنظر: مجموعة باحثين، جدل ومواقف: 58.
2- المصدر نفسه.
3- المصدر نفسه: 60.
4- المصدر نفسه: 61.
5- المصدر نفسه: 62.
6- اُنظر: المصدر نفسه: 65.

والمرأة بالرجل»(1).

وذكر أيضاً «أهمّ ما امتازت به طقوس المأتم في العصرالقاجاري رواج التطبير والضرب بالموس، وإن كانت هذه التقاليد رائجة منذ سنين، لكنها اتسعت وشاعت في هذه الفترة بشكل غير مسبوق»(2).

وقال عن الشعائر في عصر ناصر الدين القاجاري: «يجب الاعتراف بأنّ الملك ناصر الدين كان أكثر ملوك القاجار اهتماماً بالشعائر المذهبية الشيعية. وظهرت تقاليد أخري غير التطبير في طقوس المأتم الحسيني كرواج رسومات تمثّل أهل البيت(عليهم السلام) وخاصة الإمام علياً(عليه السلام)...، وإيقاد الشموع في خيمة العزاء»(3).

كما أشار إلي وقوع الانقسام الشيعي في قضية التطبير وأمثاله.

وأشار كذلك إلي دور الفاضل الدربندي في إشاعة التطبير...، وإلي اتخاذ بعض العلماء المعارضة ضد التيار الذي أدخل الروايات الكاذبة وأشاعها.

وأشار إلي دور آخر سلاطين القاجار في حالة العزاء الحسيني(4).

وأشار إلي أنّ بعض العلماء والفقهاء رفضوا التشابيه من جهة ما يلحق التوهين بذوات أهل البيت(عليهم السلام).

مناقشة ما طرحه الدكتور ظاهري

1- قوله «لقد أدّت المبالغة في هذا الأمر إلي تشويه صورة الدين وطقوسه».

ص: 99


1- اُنظر: المصدر نفسه: 66.
2- المصدر نفسه: 69.
3- المصدر نفسه: 77-78.
4- اُنظر: المصدر نفسه.

يظهر من عبارته الأمور التالية:

أ - إنّ الاهتمام بالطقوس والشعائر إذا لم يصل إلي حد المبالغة فيه لا يؤدي إلي تشويه صورة الدين، ولا مانع من إقامة هذه الشعائر حينئذ.

ب - لم يذكر الباحث الدكتور ظاهري حدود المبالغة وأين حصلت في أفعالهم.

2- قوله «لكن مما لا شك فيه، أنّ تدين القاجار لم يتجاوز الظاهر...»، هذا دون أن يذكر دليلاً علي ذلك، مما لا يشعر بالقبول.

3- قوله «عن العزاء في عصر تأسيس الدولة القاجارية» يظهر منه ما يأتي:

أ - منشأ تذهيب الأضرحة كان في العصر القاجاري.

ب - إنّ فتوي الميرزا القمي في جواز إقامة التشابيه تشعر بأنّ منشأ إقامة التشابيه، يضامن وقت العهد القاجاري.

4- قوله «وبسبب اعتقاد الملك.... الخ» يظهر منه ما يأتي:

أ - إنّ التمثيل يتم من خلال نصوص مسرحية مكتوبة، وهذا يشعر باحتمال وقوع تحريف لبعض أجزاء الواقعة.

ب - إنّ بناء خيمة للعزاء لم تكن وليدة الحاجة فيالوقت الحاضر، بل لها جذور تاريخية من العهد القاجاري.

ج - ما أشار إليه من جرح بعض الناس لأنفسهم بأدوات حادة للتعبير عن عواطفهم، أيضاً لها جذور تاريخية من العصر القاجاري.

5- قوله «وأهم ما يميّز هذا العصر... الخ» يشير إلي أنّ مواكب التشابيه تركّزت بقوة في سلوك المعزين ومنذ تلك الفترة.

6- قوله «وقد لعب تأسيس خيمة... الخ» يظهر منه أنّ عامة الناس تنجذب بقوة إلي التمثيل لما له من وقع في قلوبهم دون النظر إلي دليله ومستنده، وهذا مما يؤثر سلباً في مجالس الرثاء الحسيني.

ص: 100

7- قوله «انحصرت مخالفة العلماء والفقهاء - حسب الظاهر - بأمور كحرمة تشبيه المعصومين... الخ»؛ يظهر منه أنّ التحريم ينصب علي ما فيه توهين لأدوات المعصومين وإظهارهم بمظهر لا يليق بهم.

8 - قوله «رواج التطبير في العهد الناصري القاجاري... الخ» يظهر منه أن منشأ التطبير قبل ذلك العهد، لكنه اتّسع وراج بكثرة في العصر القاجاري.

9- قوله «مظاهر جديدة أخري في العصر القاجاري: الرسومات والشموع... الخ» يظهر منه أنّ الكثير من الطقوس نشأت في العصر القاجاري، وأخذت في الاستمرار إلي وقتنا الحاضر.

ومرادنا من هذه التعليقات بيان ضرورة الرجوع إليالعلماء الأعلام في تحديد الموقف الشرعي من هذه الطقوس والممارسات، لاسيما إذا كنا نعتقد أنّها أعمال عبادية يبحث فاعلها عن الثواب الأخروي فيها.

ص: 101

ص: 102

الفصل الثاني: الأدلة علي مشروعية الشعائر الحسينية

اشارة

يشتمل هذا الفصل علي أربعة مباحث:

المبحث الأول: الشعائر الحسينية من شعائر الله تعالي

المبحث الثاني: الأدلة القرآنية علي مشروعية الشعائر

المبحث الثالث: الأدلة الرواذئية علي مشروعية الشعائر الحسينية

المبحث الرابع: آراء وفتاوي العلماء في الشعائر الحسينية

ص: 103

ص: 104

المبحث الأوَّل: الشعائر الحسينية من شعائر الله تعالي

اشارة

إنّ الشعائر التي هي أفعال وأعمال إذا كانت نسبتها إلي الله تعالي فهي (شعائر الله) وإذا كانت نسبتها إلي غيره فهي بحسب ما تنسب إليه.

فالشعائر التي نسبت إلي الله تعالي وسميت ب-(شعائر الله) هي لا تختص بمناسك الحج أو ببعض العبادات، بل هي تشمل كل معالم الدين، وكل ما ينشر نهج الشريعة، وهذا ما أشارت إليه الأقوال المتقدمة في الفصل السابق، فلذا يجد الباحث أن شعائر الله تتعدي إلي أفعال وأعمال أخري غير التي ذكرت في القرآن الكريم، كالأنبياء والأولياء، وهذا ما أشار إليه القرآن الكريم في قوله تعالي: «... لَئِنْ أَقَمْتُمُ الصَّلَاةَ وَآتَيْتُمُ الزَّكَاةَ وَآمَنْتُمْ بِرُسُلِي وَعَزَّرْتُمُوهُمْ»(1)، «وَعَزَّرْتُمُوهُمْ» فالتعظيم للأنبياء لكونهم من شعائر الله تعالي، هذا ما أشار إليه صاحب المعجمالوسيط في اللغة «عزره: عظّمه ووقره، وأعانه وقواه ونصره»(2)، وفي التنزيل العزيز: «لِتُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَتُعَزِّرُوهُ وَتُوَقِّرُوهُ ...»(3)، وقوله تعالي:

ص: 105


1- المائدة: آية12.
2- إبراهيم أنيس وآخرون، المعجم الوسيط: 598.
3- الفتح: آية9.

«فَالَّذِينَ آمَنُوا بِهِ وَعَزَّرُوهُ وَنَصَرُوهُ ...» (1).

وعلي هذا الأساس تكون الشعائر التي لها علاقة بالله تعالي هي شعائر إلهية وجب تعظيمها، ولهذا فالأنبياء والأولياء الذين جاءوا بدين الله تعالي وبلّغوه إلي الناس وبذلوا الغالي والنفيس من أجل تثبيته والحفاظ عليه هم مما يجب تعظيمهم؛ كونهم مرتبطين بالله تعالي أيما ارتباط، فلهذا يصح أن ندعي أن تعظيم الأنبياء والأولياء الدالين علي الله تعالي والمرشدين لطريقه القويم والهادين لنهجه المستقيم هو تعظيم لشعائر الله تعالي.

فالإمام الحسين(عليه السلام) الذي هو ولي من أولياء الله تعالي يكون من شعائر الله تعالي.

ولبيان أن الشعائر الحسينية من شعائر الله تعالي التي يجب تعظيمها نذكر هذين المطلبين التاليين:

المطلب الأول: بيان المراد من شعائر الله تعالي

اشارة

إنّ للشعائر مفهوماً عاماً تندرج تحته الكثير منمصاديق الطاعة؛ لما عرفنا من أن الشعائر هي علامات طاعة الله تعالي، وهذا ما تقدم في المعني اللغوي لها، إذ يقول الجوهري في كتاب الصحاح «والشعائر...، كل ما جعل علماً لطاعة الله تعالي» وكذلك قال غيره(2)، وأيضاً جاء في المعني الاصطلاحي لها عن النراقي في عوائد الأيام، قال: «الشعائر هي علامات طاعة الله وأعلام دينه»(3).

ولتوضيح ذلك ينبغي استعراض الأقوال في عمومية وخصوصية الشعائر:

ص: 106


1- الأعراف: آية157.
2- الجوهري، الصحاح: 2/382.
3- النراقي، عوائد الأيام: 26-35.
الأقوال في عمومية وخصوصية شعائر الله
اشارة

وفي المقام قولان:

القول الأول: إنّ شعائر الله مختصة بمناسك الحج

ذكر النراقي في العوائد أنّ المراد من الشعائر في آيات القرآن، هو خصوص مناسك الحج(1).

القول الثاني: شعائر الله تشمل عموم علامات الدين

ذهب أكثر الفقهاء إلي أنّ الشعائر حقيقة لغوية تنطبق علي كلّ شيء جُعِل علامة للدين.

قال الشيخ الطوسي: «الشعائر: المعالم للأعمال، فشعائرالله: معالم الله التي جعلها مواطن للعبادة...، فشعائر الله أعلام متعبّداته»(2).

وذهب السيّد البجنوردي في القواعد الفقهية إلي أنّ «المراد من حرمات الله وشعائر الله مطلق ما هو محترم في الدين، وتطبيقها علي مناسك الحجّ ومشاعره من باب تطبيق الكلّي علي بعض مصاديقه»(3).

وقال الفخر الرازي: «وأما شَعائِر اللهِ فهي أعلام طاعته، وكلّ شي ء جُعِل علماً من أعلام طاعة الله فهو من شعائر الله...، ومنه الشعائر في الحرب، وهو العلامة التي يتبيّن بها إحدي الفئتين من الأُخري»(4).

ص: 107


1- النراقي، عوائد الأيام: 23.
2- الطوسي، التبيان: 2/ 42.
3- البجنوردي، القواعد الفقهية: 2/ 297.
4- الفخر الرازي، التفسير الكبير: 4/ 135.
الشواهد علي عمومية الشعائر لعلامات الدين
اشارة

من الشواهد علي أن الشعائر تنطبق علي ما يصدق عليه علامات الدين، هو تطبيق الفقهاء للشعائر علي غير مناسك الحج.

إذا تتبعنا كلمات الفقهاء في الكتب الفقهية المختلفة، يتضح أنّهم عدّوا أُموراً كثيرة من مصاديقالشعائر، وفيما يلي نُشير إلي عدّة منها:

الشاهد الأوّل: بناء القبور للمعصومين(عليهم السلام) والعلماء

قال المحقّق الأردبيلي: «فالكراهة - بعد الاندراس... - غير بعيد، ثمّ ­إنّه قيل: إنّ ­قبور المعصومين(عليهم السلام) مستثنيً من ذلك، لتعظيم شعائر الله»(1).

وقال السيّد العاملي في مبحث كراهة بناء القبور: «وكيف كان فيُستثني من ذلك قبور الأنبياء والأئمة(عليهم السلام)...، لا يبعد استثناء قبور العلماء والصلحاء أيضاً؛ استضعافاً لخبر المنع، والتفاتاً إلي أنّ في ذلك تعظيماً لشعائر الإسلام»(2).

وقال الفيض الكاشاني في نفس المبحث: «وقبور الأنبياء والأئمة(عليهم السلام) مستثناة عن ذلك...، وربّما يلحق بها قبور العلماء والصلحاء؛ استضعافاً لخبر المنع وتعظيماً لشعائر الإسلام»(3).

الشاهد الثاني: وجوب احترام المكتوبات الدينية

قال المحدّث البحراني في الحدائق: «ما يحرم الاستنجاء به...، وجوب إكرام التربة المشرّفة وحرمة إهانتها...، وما كُتب عليه شي ء من علوم الدين فلدخوله في

ص: 108


1- الأردبيلي، مجمع الفائدة والبرهان: 2/ 501.
2- العاملي، مدارك الأحكام: 2/ 150.
3- الفيض الكاشاني، مفاتيح الشرائع: 2/ 172.

الشعائر المأمور بتعظيمها في قوله تعالي: «وَمَنْ يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ»(1)»(2).

وغير ذلك من المصاديق التي لا يسع المقام لذكرها.

ومما تقدم يتّضح أنّ شعائر الله تعالي هي كل طاعة يصدق عليها أنّها من علامات القرب الإلهي، فلذا صار مثل كنس المسجد، من شعائر الله تعالي أيضاً، كما صرح بذلك صاحب جواهر الكلام(3)، وصارت كل علامة تدل علي طاعة الله تعالي هي شعيرة من شعائر الله تعالي، كالأذان والصلاة والصوم، وهذا يؤيده قول صاحب المسالك، إذ يقول: «المراد بالشعائر الأمور التي تختص بشرعه، كالأذان والصلاة وصوم شهر رمضان ونحو ذلك...»(4).

المطلب الثاني: الشعائر الحسينية من مصاديق الشعائر الدينية

اشارة

لا يخفي أنّ من أهم وأوضح مصاديق وتطبيقات الشعائر الدينية هي الشعائر الحسنية، وذلك لأن الشعائر الحسينية من أوضح علائم الإمام الحسين(عليه السلام)، ونهضته المباركة، وما تحمله من أهداف سامية وغايات نبيلة، وما لها من أبعاد عديدة جعلت منها قضية الإسلام الأولي، التي أعادت لهذا الدين رونقه وحيويته، بعد أن كاديفقدها بتسلّط يزيد وأذناب بني أمية علي مقاليد السلطة، وتصرفهم بمقدرات أمة محمد(صلي الله عليه و آله و سلم).

كلمات اللغويين والفقهاء الدالة علي أنّ الشعائر الحسينية من الشعائر الدينية

1- قال الشهيد الثاني «إن الشعائر من العبادات التي يعبد الله تعالي بها فتكون

ص: 109


1- الحج: آية32.
2- البحراني، الحدائق الناضرة: 2/ 46.
3- اُنظر: الجواهري، جواهر الكلام: 14/ 88.
4- الشهيد الثاني، مسالك الأفهام: 306.

عبادة كغيرها»(1)، وإنّنا نأتي بالشعائر الحسينية علي أنّها عبادة.

2- وقال الأزهري: «الشعائر المقامة التي ندب الله إليها وأمر بالقيام عليها»(2)، وإنّنا نري أنّ الشعائر الحسينية قد ندب الله تعالي إليها، وأمر بالقيام عليها، وهذا ما فهمناه من لسان الروايات التي ورد فيها كلام المعصومين(عليهم السلام) وفعلهم.

3- وقال الجوهري: «الشعائر أعمال الحج وكل ما جعل علماً لطاعة الله، وقال الزجاج في شعائر الله يعني بها جميع متعبداته التي أشعرها الله، أي: جعلها أعلاماً»(3)، والشعائر الحسينية صارت علماً لطاعة الله تعالي.

4- وقيل: «شعائر الله دين الله كله، وتعظيمها التزامها، عنالحسن»(4)؛ فإنّ الشعائر الحسينية هي من دين الله تعالي ويستحب تعظيمها.

5- ومن قال: «إن الشعائر: دين الله، قال: «لَكُمْ فِيهَا مَنَافِعُ» أي: الأجر والثواب».

ومن قال: «إن الشعائر: هي الدين كله»(5)؛ فإنّ في الشعائر الحسينية منافعاً كثيرة سواء علي مستوي الدنيا أو علي مستوي الآخرة، وسيأتي بيان فوائد الشعائر الحسينية علي مستوي الدنيا والآخرة.

6- «والظاهر أن المراد بالشعائر التي هي محل كلام الفقهاء هو كل مظهر من مظاهر الإسلام التي يعرف بها المسلم، ومن أبرزها الصلاة والصيام والحج وكذلك

ص: 110


1- اُنظر: الشهيد الثاني، مسالك الأفهام: 2/ 198.
2- اُنظر: الكاظمي، مسالك الأفهام إلي آيات الأحكام: 2/ 235، من الهامش.
3- المصدر نفسه.
4- المصدر نفسه.
5- المصدر نفسه.

الآذان والإقامة وغير ذلك»(1)؛ فإنّ الشعائر الحسينية مظهر يعرف به المسلمون الشيعة، ومثلها كمثل الصلاة والصوم وغيره.

7- «وشعائر الله: معالمه التي جعلها مواطن للعبادة، وكل معلم لعبادة من دعاء أو صلاة أو غيرهما فهو مشعر لتلك العبادة، وواحد الشعائر: شعيرة، فشعائر الله: أعلام متعبداته من موقف أو مسعي أومنحر، من شعرت به، أي: علمت»(2)؛ فنعلم أنّ كربلاء أو المشاهد المشرفة أو الحسينيات التي أقامها المسلمون الشيعة هي مواطن لأداء الشعائر الحسينية.

8 - «ويمكن القول: إن شعائر الله تشمل جميع الأعمال الدينية التي تذكر الإنسان بالله سبحانه وتعالي وعظمته، وإن إقامة هذه الأعمال دليل علي تقوي القلوب»(3)؛ فلا شك أنّ الشعائر الحسينية هي مما يذكر بالله تعالي وعظمته، وإنّما تقام من قبل الشيعة لأنّ القيام بها نوع من أنواع التقوي.

9- «فالشعائر هي المعالم للقرب، قال الله تعالي: «ذَلِكَ وَمَنْ يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِنْ تَقْوَي الْقُلُوبِ»(4)»(5)؛ وكذلك نعلم أنّ الشعائر الحسينية هي إنّما تقام للتقرب إلي الله تعالي ليس إلّا.

ومن جميع هذه الكلمات يتضح أنّ الشعائر الحسينية من مصاديق شعائر الله تعالي.

ص: 111


1- المصدر نفسه.
2- المصدر نفسه.
3- مكارم الشيرازي، الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل: 10/ 344.
4- الحج: آية32.
5- الجصاص، أحكام القرآن: 1/ 119.
الشواهد علي أنّ الشعائر الحسينية من شعائر الله تعالي
الشاهد الاول: انطباق أهداف الشعائر الحسينية علي أهداف شعائر الله تعالي
اشارة

لكي يتضح هذا الشاهد ينبغي اولا بيان الاهداف وغايات شعائر الله تعالي، ثم بيان اهداف النهضة الحسينية، وعندئذ سيتضح التقاء الاهداف والغايات معا:

أ: أهداف شعائر الله تعالي

ذكر علماء اللغة والاصطلاح خواصاً للشعائر، إذ إنّ خلوّ الشعيرة من هذه الخواص لا يجعلها شعيرة من شعائر الله تعالي، بل هي مجرد فعل قريب من البدعة إذا لم يكن بدعة من البدع، ولكي نقف علي هذه الخواص لابد لنا من ذكر أقوال علماء اللغة والاصطلاح في الشعيرة وهي كما يأتي:

1- إنّ الشعائر علماً لطاعة الله تعالي، فلذا قال الجوهري «والشعائر: أعمال الحج، وكل ما جعل علماً لطاعة الله»(1).

2- إنّ الشعائر فعل ظاهر للحواس، ويؤيد ذلك قول الراغب «ومشاعر الحج معالمه الظاهرة للحواس... »(2).

3- إنّ الشعائر مما يتقرب بها إلي الله تعالي، ويؤيد ذلك قول ابن منظور «وشعائر قربان، بها يتقرب...»(3).

4- إنّ الشعائر مندوب إليها مأمور بها من قبل الله تعالي، ويؤيد ذلك قول الفيروز آبادي «شعائره معالمه التي ندب إليها وأمر بالقيام بها»(4).

ص: 112


1- الجوهري، الصحاح: 2/ 382-383.
2- الراغب الاصفهاني، المفردات: ص71-272.
3- ابن منظور، لسان العرب: 4/ 479.
4- الفيروز آبادي، القاموس المحيط: 2/ 59-60.

5- إنّ الشعائر فيها خير لفاعلها، ويؤيّد ذلك قول الطريحي «وجعلناها من شعائر الله لكم فيها خير»(1).

6- إنّ الشعائر هي من حرمات الله تعالي وحدوده فلا يحل تجاوزها، يؤيّد ذلك ما نقله الطريحي في كتابه مجمع البحرين عن الشيخ أبي علي فقال: «قوله:

«لَا تُحِلُّوا شَعَائِرَ اللَّهِ» قال الشيخ أبو علي: اختلف في معني شعائر الله علي أقوال: منها لا تحلو حرمات الله ولا تتعدوا حدوده...»(2).

7- إنّ الشعائر هي الأعمال الدينية التي تذكّر الإنسان بالله تعالي(3).

ب: أهداف وغايات النهضة الحسينية

علي صعيد أهداف النهضة الحسينية يتشعب الكلام وتتكثر فروعه، فقد تجلت أهداف النهضةالحسينية بعدة مظاهر وصور، يمكن الوقوف عليها من خلال حركة الإمام الحسين(عليه السلام)، ومجمل شعارات الثورة وخطاباتها، ومن هذه الأهداف:

أولاً: الإصلاح الاجتماعي، فالحسين(عليه السلام) لما رأي الأمة سائرة نحو الانحراف والسقوط الاجتماعي؛ نتيجة تسلط الظالمين والطغاة، وانزواء الخيرين والصالحين عن مواقع التغيير والإصلاح؛ فصار لزاماً عليه أن يطلق صرخة الإصلاح المدوّية، والتي ما زال يتردد صداها حتي يومنا هذا؛ وذلك في قولته المشهورة: «... وإني لم أخرج أَشِراً ولا بَطراً، ولا مُفسداً ولا ظالماً، وإنّما خَرَجْتُ لطَلب الإصلاح في أمّة جدّي رسول الله(صلي الله عليه و آله و سلم)، أُريد أن آمر بالمعروف وأنهي عن المُنكَر، وأسير بسيرة جدّي وأبي عليّ بن أبي طالب عليهما السلام...»(4).

ص: 113


1- الطريحي، مجمع البحرين: 3/ 346-350.
2- المصدر نفسه.
3- مكارم الشيرازي، الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل: 10/ 344.
4- المجلسي، بحار الأنوار: 44/329.

فمن خلال كلمة الإصلاح الواردة في كلام الإمام(عليه السلام) يتضج أنّ المعروف يشمل المعروف الفردي والاجتماعي والفكريّ والعقديّ والاقتصاديّ والسياسيّ والحقوقيّ وغيره. والمنكر كذلك، بل وكلّما هو مبغوض شرعاً، فإنّه يتناول كلّ المحرمات في كلّ الأبواب، والمعروف يتناول كلّ الأوامر الشرعيّة وجوباً وندباً ورجحاناً.

ثانياً: إن النهضة الحسينية هدفها الدفاع عن إمامة أهل البيت(عليهم السلام) الإلهية، والاعتراض علي الغاصبين لها بدونوجه حقٍ، وهو ما جاء في كلامه(عليه السلام) حينما دعاه الوليد بن عتبة- وهو في المدينة- لبيعة يزيد، فقال(عليه السلام): «إنا أهل بيت النبوة، ومعدن الرسالة، ومختلف الملائكة، بنا فتح الله وبنا ختم الله، ويزيد رجل فاسق، شارب الخمر، قاتل النفس المحرمة، معلن بالفسق، ومثلي لا يبايع مثله، ولكن نصبح وتصبحون وننظر وتنظرون، أينا أحق بالخلافة والبيعة» (1).

ومن الواضح أن هذه الإدانة والاعتراض هو إدانة لكل مشروع الخلافة الغاصب الذي كانت نتائجه أن يعتلي شخص مثل يزيد - بهذه المواصفات - منصب الخلافة وإمرة المسلمين، وفي الوقت نفسه، فإن إباءه(عليه السلام) لبيعة يزيد، ونكيره لخلافته يؤدي إلي نوع من التبليغ والنشر لمفهوم الإمامة والدعوة إلي إمامتهم(عليهم السلام).

وعلي هذا الأساس كانت نهضته(عليه السلام) بشكل بارز مَعلَماً لإمامتهم وولايتهم الإلهيّة الحقّة.

ثالثاً: سعي الإمام الحسين(عليه السلام) لإقامة الحكومة الإلهية عند توفر الظروف ووجود الناصر، فعندما بايعه أهل الكوفة، وأرسلوا إليه الكُتب للقدوم إليهم، و استنصروه، رأي الإمام(عليه السلام) وجوب إجابتهم؛ لأنّ المعصوم(عليه السلام) إذا وَجد مَن ينهض

ص: 114


1- ابن طاووس، اللهوف علي قتلي الطفوف: 17.

به بمقدار العُدّة الكافية والعدد وجب عليه النهوض، كما يقول أمير المؤمنين(عليه السلام) في نهج البلاغة:«أَمَا والَّذِي فَلَقَ الْحَبَّةَ وبَرَأَ النَّسَمَةَ، لَوْ لا حُضُورُ الْحَاضِرِ وقِيَامُ الْحُجَّةِ بِوُجُودِ النَّاصِرِ، ومَا أَخَذَ الله عَلَي الْعُلَمَاءِ، أَلا يُقَارُّوا عَلَي كِظَّةِ ظَالِمٍ ولا سَغَبِ مَظْلُومٍ، لأَلْقَيْتُ حَبْلَهَا عَلَي غَارِبِهَا، ولَسَقَيْتُ آخِرَهَا بِكَأْسِ أَوَّلِهَا، ولأَلْفَيْتُمْ دُنْيَاكُمْ هَذِه أَزْهَدَ عِنْدِي مِنْ عَفْطَةِ عَنْزٍ» (1).

رابعاً: الإباء والعزة والكرامة، وعدم الخنوع والاستسلام والذل للظلم والعدوان، مهما كان العدد قليلاً والعُدة بسيطة، فالموت بعزة وشرف أعلي وأشرف من الحياة بذلّ وهوان «وإني لا أري الموت إلّا سعادة، والحياة مع الظالمين إلّا برما»(2)، وقال(عليه السلام): «ألا وإنّ الدعي ابن الدعي قد ركز بين اثنتين: السلة والذلة، وهيهات منا الذلة، يأبي الله لنا ذلك ورسوله والمؤمنون، وحجور طابت، وحجور طهرت، ونفوس أبية، وأنوف حمية، من أن نؤثر طاعة اللئام علي مصارع الكرام»(3).

بالإضافة إلي وجود أهداف وغايات أخري كثيرة للنهضة الحسينية، يدركها الباحثون والعلماء، وأخري لم يدركوها بعد، وستبقي هذه النهضة علي مر الدهور والأزمان بعث للإسلام من جديد.

إنّ المحافظة علي تلك الأهداف والغايات السامية وإبقاءها خالدة في ضمير الأمة، ولضمان استمراريةتأثيرها وتفاعلها في المجتمع المسلم، إنّما يتحقق في ظلّ مراسم وطقوس وممارسات مختلفة وواعية، تحكي معالم هذه النهضة وتبرز جوانبها، وتعمل علي إحيائها بشتي الطرق والوسائل الحسية، فتكون - بحق - علامة علي نشر وإعلان وبثّ مبادئ وأهداف ورسالة هذه النهضة الإصلاحية المباركة.

ص: 115


1- الشريف الرضي، نهج البلاغة بتحقيق صبحي الصالح: 50.
2- ابن شهر آشوب، مناقب آل أبي طالب: 3/ 224.
3- ابن نما الحلي، مثير الأحزان: 50. ابن أبي الحديد، شرح نهج البلاغة: 3/ 249 - 250.

ومن هنا يتضح أن اهداف الشعائر الحسينية تلتقي مع أهداف الشعائر الدينية، لذا تكون واحدة من مصاديقها، ومن هنا يجب إحياؤها وتجديدهما.

الشاهد الثاني: الرابطة بين مشتقات مادة (شعر) وبين الشعائر الحسينية

قبل بيان وجه الشبه نذكر ما جاء في كتاب القاموس المحيط للفيروز آبادي لمادة (شعر) فقال: «و(شَعَرَ) به كنَصَرَ وكرم شعراً وشعراً وشعرة مثلثة وشِعري وشُعري وشُعوراً وشُعورة ومشعوراً ومشعورة ومشعوراء، علم به وفطن له وعقله وليت شعري فلاناً، وله وعنه ما صنع، أي: ليتني شعرت، وأشعره الأمر وبه أعلمه، والشعر غلب علي منظوم القول لشرفه بالوزن والقافية، وإن كان كل علم شعراً.

وأشعرة وشعر وشاعرها وشعرها نام معها في شعار، واستشعره لبسه، وأشعره غيره ألبسه إياه، وأشعر الهمّ قلبي لزق به وكل ما ألزقته بشيء أشعرته به، والقوم نادوا بشعارهم أو جعلوا لأنفسهمشعاراً، والبدنة أعلمها وهو أن يشقّ جلدها أو يطعنها حتي يظهر الدم، والشعيرة البدنة المهداة.

وشعائر وهنة تصاغ من فضة أو حديد علي شكل الشعيرة تكون مساً كالنصاب النصل، وأشعرها جعل لها شعيرة، وشعار الحج مناسكه وعلاماته، والشعيرة والشعارة والمشعر معظمها أو شعائره معالمه التي ندب الله إليها وأمر بالقيام بها، والمشعر الحرام، وتكسر ميمه بالمزدلفة وعليه بناء اليوم ووهم من ظنه جبيلاً بقرب ذلك البناء(1).

فلذا نجد أنّ بعض المفردات التي اشتُقت من مادة (شعر) كمفردة شعار

ص: 116


1- اُنظر: ابن منظور، لسان العرب: 4/ 412. الفيروزآبادي، القاموس المحيط: 2/ 59-60.

ومشعر وشعرت والشعر وشواعر الإنسان ومشاعره واستشعر فلان خوفاً، وأشعرته فشعر وأشعر قلوبكم، لها نحو من الارتباط بالشعائر الحسينية، وذلك علي النحو الآتي:

1- قوله: «أنت الشعار دون الدثار، تصفه بالقرب والمودة»(1) يشير إلي وجود شبه بين (الشعار) وبين (الشعائر) فكلاهما يدل علي وجود المودّة، فتعظيم الشعيرة تدل علي مودة من نسبت إليه الشعيرة، سواء كانت هذه النسبة إلي الله تعالي، فنقول: (شعائر الله) أو نسبة إلي الإمام الحسين(عليه السلام) فنقول: (الشعائر الحسينية).2- وقوله: «فالشعر في الأصل اسم للعلم الدقيق»(2) فهذا يعني أنّه لا يكون الشاعر الذي ينظم القصائد في رثاء الميت إلّا فطناً وذكياً ودقيقاً في معرفته لعوامل نجاح قصيدته في حق من قيل في حقه الرثاء، ولذا لابد للشاعر الحسيني من دقة المعلومة وصدقها كي لا يخرج العمل عن عنوان الشعائر الدينية.

3- قوله: «والمشاعر الحواس....، ومشاعر الحج معالمه الظاهرة للحواس...»(3) فيظهر من هذا النص أن ممارسة الشعائر لابد أن تكون مادية ظاهرة للحواس؛ لكي تدل علي تعظيم فاعلها لصاحب الشعائر.

4- قوله: «وشواعر الإنسان ومشاعره...»(4) مشاعر الإنسان تجاه الإمام الحسين(عليه السلام) سبب في تخليده وتعظيم شعائره.

5- قوله: «حديث علي(عليه السلام) لأهل الكوفة: أنتم الشعار تحت الدثار....»(5) يريد

ص: 117


1- الفراهيدي، العين: 4/ 482.
2- اُنظر: المناوي، فيض القدير شرح الجامع الصغير: 1/ 1175.
3- الراغب الاصفهاني، المفردات: 271.
4- الفيروز آبادي، القاموس المحيط: 2/ 59.
5- اُنظر: ابن منظور، لسان العرب: 4/ 412.

به أنتم الخواص دون العامة، وكذلك محبو الإمام الحسين(عليه السلام) يعظمون شعائره؛ لأنهم من خواص محبيه، والقريبين إليه دون عامة المسلمين.

6- قوله «وشعار القوم في الحرب: علامتهم... » فكما أنللحرب شعاراً يدل علي الأفراد كذلك إقامة الشعائر الحسينية تدل علي شيعة الحسين،(عليه السلام) وأصبحت شعاراً لهم بين الطوائف الإسلامية وغيرها.

7- قوله «واستشعر فلان خوفاً: أي أضمره...»(1) فاستشعار القلب بحب الإمام(عليه السلام) يدعو إلي تعظيم شعائره، وتعظيم شعائره يدعو إلي الشعور بتقوي الله تعالي ووجوب طاعته.

8 - قوله عن الشعراء: «أي: لا يتبعهم علي كذبهم وباطلهم...»(2) أي: أن الشاعر ينبغي أن يكون صادقاً في وصفه، مهذباً في كلماته، لا يخالف دين الله، ولا يعصي أمر الله، فهذا أحق أن يتّبع ويُسمع له، وكذلك الشاعر الحسيني ينبغي أن يكون كذلك عند وصفه مصائب الإمام الحسين(عليه السلام) وعند رثائه.

9- قوله في العين: «أشعر فلان قلبي هماً، أي: ألبسه بالهم حتي جعله شعاراً للقلب»(3) فيه إشارة إلي ما يصيب قلب محب الإمام الحسين(عليه السلام) من الهم والحزن لما جري عليه(عليه السلام) من المصائب.

10- قوله في العين: «المشعر، موضع المنسك من مشاعرالحج»(4) فيه إشارة إلي كربلاء المقدسة كونها موضع إقامة الشعائر الحسينية في عاشوراء.

11- قول الجوهري: «والشعائر: أعمال الحج، وكل ما جعل علماً لطاعة الله

ص: 118


1- اُنظر: الجوهري، الصحاح: 2/ 699.
2- اُنظر: الطريحي، مجمع البحرين: 2/154.
3- الفراهيدي، العين: 1/ 251.
4- المصدر نفسه.

تعالي»(1) فيه إشارة إلي أنّ أعمال يوم عاشوراء هي كأعمال الحج، وهي عَلَم لطاعة الله تعالي؛ لما فيها من نيّة قربي إلي الله تعالي؛ ولما فيها من تنويح يعبِّر عن الولاء للإمام(عليه السلام).

12- قول ابن منظور: «وتقول للرجل استشعر خشية الله، أي: اجعله شعائر قلبك»(2) فيه إشارة إلي أن تعظيم الشعائر الحسينية ناشئ مما يشعر به الموالي من خشية الله تعالي فيتقرب إليه تعالي بتعظيم شعائر الإمام الحسين؛(عليه السلام) ليكون شفيعاً له عند الله تعالي.

13- قوله: «وشعائر قربان، بها يتقرب»(3) كذلك الشعائر الحسينية هي مما يتقرب بها إلي الله تعالي.

14- ما ذكره ابن منظور «ومنه الحديث: أن جبريل أتي النبي(صلي الله عليه و آله و سلم) فقال: مر أمتك أن يرفعوا أصواتهم بالتلبية فإنها من شعائر الحج.. »(4) فيه إشارة إلي أن رفع الأصوات عند أداءالشعائر الحسينية والهتاف باسم الإمام الحسين(عليه السلام) هو أيضاً من الشعائر الحسينية.

15- ما نقله ابن منظور عن الزجاج «وقال الزجاج في شعائر الله: يعني بها جميع متعبدات الله التي أشعرها الله، أي: جعلها أعلاماً لنا.. »(5) كأنه يشير إلي القول أن الشعائر الحسينية هي أيضاً من متعبدات الله تعالي، وقد أشعر الله تعالي هذه الشعائر لنا - كما سيأتي في أدلة إثباتها -.

ص: 119


1- الجوهري، الصحاح: 2/ 698.
2- ابن منظور، لسان العرب: 4/ 409.
3- المصدر نفسه: 4/ 414.
4- المصدر نفسه.
5- المصدر نفسه.

16- قول الطريحي: «ومنه حديث أولياء اتخذوا القرآن شعاراً.. »(1) وهكذا الموالون للإمام الحسين(عليه السلام) اتخذوا شعائره شعاراً أمام الشعارات الباطلة.

ومن هذه الكلمات يتضح أن الشعائر الحسينية هي أيضاً من متعبدات الله تعالي، وقد أشعرها الله تعالي وأمر بإقامتها والحفاظ عليها، كما سيتضح.

الشاهد الثالث: الشبه بين المعني اللغوي لشعائر الله ومادة (شعر) وبين الشعائر الحسينية

1- هناك شبه بين الشعائر التي يؤتي بها من قبل الناس في الحج، وبين الشعائر الحسينية التي تقام في عاشوراء مثلاً، وهي قيام مجموعة بأمر ما قربة إلي اللهتعالي، ووحدة هذه المجموعة، إذ إنّهم مرتبطون ببعضهم البعض، فهؤلاء جمعتهم شعائر يعظمونها في مكة، وأولئك جمعهم شعائر يعظمونها في مكانهم.

2- وقوله: «شعائر الله مناسك الحج، أي: علاماته» أي أن الفاعل لهذه الشعائر يشير إلي أن هذه علامات دين الله تعالي وفاعلها من الحجاج الذين يؤدون هذه الفريضة، وهم محل رضا الله سبحانه، ولا ضير في فعلهم، وهكذا من يؤدي الشعائر الحسينية قربة إلي الله تعالي، هو محل رضا الله تعالي، ولا ضير في فعله.

3- قوله: «والشعيرة من شعائر الحج، وهو أعمال الحج والسعي والطواف والذبائح، كل ذلك شعائر الحج» فهذه الشعائر مع كونها أفعالاً مادية بحتة، لا قيمة لها لولا نسبتها إلي الله تعالي، فكسبت بذلك عظمتها من العظمة الإلهية؛ وكذلك الشعائر الحسينية لولا ارتباطها بالإمام الحسين(عليه السلام) لا تكون سوي أفعال قد يعاب علي فاعلها فعلها.

ص: 120


1- الطريحي، فخر الدين، مجمع البحرين: 3/ 349.

4- قوله: «أي: جعلناها لكم وجعلناها من شعائر الله لكم فيها خير...» فشعائر الله تعالي بجعل من الله تعالي، لا من غيره فتخرج عن كونها بدعة، وفي تعظيمها خير للفاعل، وهكذا الشعائر الحسينية هي من جعل الله تعالي بدليل ما ورد علي لسان رسول الله(صلي الله عليه و آله و سلم) وأهل بيته وأصحابه الأخيار لاسيما في جواز البكاء علي الحسين(عليه السلام) - كما سيأتي بحثه لاحقاً -.

وفي ممارستها خير كثير لفاعلها في الدنيا كالارتباط بالإمام الحسين(عليه السلام)، وهذا الارتباط يحث المرتبط علي التخلق بأخلاق الإمام الحسين(عليه السلام) كالتضحية في سبيل الله والثورة ضد الظالمين والصبر علي البلاء، وأما في الآخرة فسينال الأجر العظيم والثواب الواسع والدرجة الرفيعة.

5- قوله: «لا تحلّوا حرمات الله ولا تتعدوا حدوده....» أي: أن توهين الشعائر وعدم احترامها يعد تجاوزاً علي حرمات الله تعالي وتعدياً علي حدوده، وهكذا يعد توهين الشعائر الحسينية وعدم احترامها تجاوزاً وتعدياً علي حدود الله تعالي.

ومما تقدم يتضح أنّ الشعائر الحسينية من شعائر الله تعالي.

ص: 121

ص: 122

المبحث الثاني: الأدلة القرآنية علي مشروعية الشعائر

المطلب الأول: الآيات التي تضمنت لفظ الشعائر صراحة

اشارة

لقد تناول المفسرون هذه الآيات في تفاسيرهم بشكل مفصل، ولكننا نأخذ منه محل الحاجة؛ لإثبات مشروعية إقامة الشعائر، وهو كما يأتي:

الآية الأولي: آية الصفا والمروة

قوله تعالي: «إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ فَمَنْ حَجَّ الْبَيْتَ أَوِ اعْتَمَرَ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِ أَنْ يَطَّوَّفَ بِهِمَا وَمَنْ تَطَوَّعَ خَيْرًا فَإِنَّ اللَّهَ شَاكِرٌ عَلِيمٌ»(1).

وفيما يلي إليك بعض كلمات الأعلام في تفسير هذه الآية، وهي وإن ذكرت الصفا والمروة، لكنها عامة لكل ما يصدق عليه علامة وشعيرة للدين:

1- ما ذكره صاحب مجمع البيان من المعني اللغوي للصفا والمروة(2)، وكذا معني الشعائر، فقال: «والشعائر: المعالم للأعمال. وشعائر الله: معالمه التي جعلها مواطن للعبادة، وكلمعلم لعبادة من دعاء أو صلاة أو غيرهما فهو مشعر لتلك العبادة. وواحد الشعائر: شعيرة. فشعائر الله: أعلام متعبداته من موقف أو مسعي أو منحر من شعرت به، أي: علمت»، كما أشار الشيخ الطبرسي إلي معني

ص: 123


1- البقرة: 158.
2- اُنظر: الطبرسي، مجمع البيان في تفسير القرآن: 1/ 443.

الحج والعمرة في اللغة والاصطلاح، فقال: «والحج في اللغة: هو القصد علي وجه التكرار. وفي الشريعة: عبارة عن قصد البيت بالعمل المشروع من الإحرام والطواف والسعي والوقوف بالموقفين وغير ذلك. والعمرة: هي الزيارة، أخذ من العمارة، لأن الزائر يعمر المكان بزيارته، وهي في الشرع: زيارة البيت بالعمل المشروع»، ثم ذكر تفسير الآية الكريمة، فقال: «والمعني: لمّا ذكر سبحانه امتحان العباد بالتكليف والإلزام مرة، وبالمصائب والآلام أخري، ذكر سبحانه أنّ من جملة ذلك أمر الحج، فقال: «إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ»، أي: إنهما من أعلام متعبداته. وقيل: من مواضع نسكه وطاعاته، عن ابن عباس. وقيل: من دين الله، عن الحسن. وقيل: فيه حذف، وتقديره الطواف بين الصفا والمروة من شعائر الله. وذكر كذلك ما ورد عن الإمام الصادق(عليه السلام) عن سبب تسمية الصفا والمروة، وعن سبب نزول الآية»(1).

فيظهر مما تقدم:

أ - إنّ الشعائر هي أعم من شعائر الحج، بل هي كل معلم للعبادة، وهي من دين الله.

ب - إنّ تعمير المكان بالزيارة هو أيضاً من الشعائر.ج - إباحة السعي بين الصفا والمروة، وهذا العمل مصداق من مصاديق تعظيم شعائر الله تعالي التي أوجبها علي عباده.

ومثل ما تقدم عن الطبرسي ما جاء في تفسير الميزان، في تفسير قوله تعالي: «إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ فَمَنْ حَجَّ الْبَيْتَ أَوِ اعْتَمَرَ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِ أَنْ يَطَّوَّفَ بِهِمَا وَمَنْ تَطَوَّعَ خَيْرًا فَإِنَّ اللَّهَ شَاكِرٌ عَلِيمٌ»: «الصفا والمروة موضعان بمكة يأتي الحجاج بينهما بعمل السعي»، وأشار إلي المعني اللغوي للصفا والمروة والحج

ص: 124


1- المصدر نفسه: 1/ 445.

والعمرة كما ذكره الشيخ الطبرسي(1).

2- ذكر العلامة الطباطبائي أنّ الطواف ليس فقط هو الدوران حول الشيء، بل هذا الدوران مصداق من مصاديق الطواف، ولذا سمّي السعي بالطواف(2).

وذكر العلامة في تفسير هذه الآية ما يأتي:

أ - إنّ الصفا والمروة معلّمان بعلامة الله تعالي، وهما من الشعائر الجعلية وليست التكوينية، فلذا صارا معبدين لعبادته.

ب - قوله تعالي: «فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِ أَنْ يَطَّوَّفَ بِهِمَا» هو للإيذان بأصل تشريع السعي بينهما لا لإفادة الندب.

ج - إنّ الله تعالي يحب السعي بين الصفا والمروة -وهذا ظاهر - ولكنه يعني الوجوب كقوله تعالي: «وَأَنْ تَصُومُوا خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ» ظاهره الاستحباب وواقعه الوجوب(3).

د - وذكر عن الإمام الصادق(عليه السلام) «إن الصفا والمروة من شعائر الله تعالي وليس من صنع المشركين كما كان يظن المسلمون ذلك»(4).

فيظهر مما تقدم:

أ - إنّ الله تعالي أجاز السعي، بل أوجبه بين الصفا والمروة كونهما من شعائر الله تعالي التي جعلها للمسلمين.

ب - إنّ الطواف الذي يقوم به الزائرون في مراقد الأئمة الأطهار(عليهم السلام) صحيح كون مفهوم الطواف أعم من الطواف حول الكعبة.

ص: 125


1- اُنظر: الطباطبائي، الميزان في تفسير القرآن: 1/ 382.
2- اُنظر: المصدر نفسه: 1/ 384.
3- اُنظر: المصدر نفسه: 1/ 382.
4- اُنظر: المصدر نفسه: 1/ 385.

ج - إنّ الله تعالي يجعل من بعض الأماكن موضعاً لعبادته، وقد يأتي هذا في نص قرآني أو في السنة الشريفة.

د - قوله: (ليس السعي من صنع المشركين) فيه إشارة إلي رفض البدعة وإقرار السنّة.

3- ما جاء في تفسير الطبري من أنّ الصفا والمروة هما الجبلان اللذان في الحرم دون غيرهما. قال في تفسير قوله تعالي: «مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ »: «فإنه يعني من معالم الله التي جعلها- تعالي ذكره - لعباده معلماً ومشعراً يعبدونه عندها، إما بالدعاء وإما بالذكر وإما بأداء ما فرض عليهم من العمل عندها»(1).

يظهر من قوله هذا ما يأتي:

أ - إن السعي من شعائر الله تعالي، ولكن الشعائر لم تكن محصورة بالسعي، بل تتعداه إلي غيره من دعاء أو ذكر أو غيرها من الأعمال، وما يحصل في المشاهد المشرفة لأهل البيت(عليهم السلام) بما فيها مشهد الإمام الحسين(عليه السلام) من دعاء وصلاة وزيارة، هو مصداق من مصاديق الشعائر.

ب - إنّ تحديد المكان من قبل الله تعالي لإقامة العبادات المطلوبة يعني إلزام العباد بالعمل في هذا المكان دون غيره، فلا يحق لأحد أن يختار مكاناً تبعاً لهواه أو لاستحسانه، بل عليه التقيد بما ذكره الشرع سواء كان ذلك عن طريق النص القرآني أو السنة الشريفة.

4- جاء في تفسر الرازي في تفسير هذه الآية: أنّ هناك أربع مسائل أشار فيها إلي أنّ السعي بين الصفا والمروة من شعائر إبراهيم، وإنّهما علمان للجبلين المخصوصين، ولابد من حمل الشعائر علي موضع العبادات والنسك، وأشار إلي أنّ

ص: 126


1- الطبري، جامع البيان عن تأويل آي القرآن (تفسير الطبري): 2/ 54-56.

قوله تعالي: «فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِ» معناه «لا إثم عليه والذي يصدق عليه أنّه لا إثم في فعله يدخلتحته الواجب والمندوب والمباح، ثم يمتاز كل واحد من هذه الثلاثة عن الآخر بقيد زائد، فإذن ظاهر هذه الآية لا يدل علي أن السعي بين الصفا والمروة واجب، أو ليس بواجب؛ لأن اللفظ الدال علي القدر المشترك بين الأقسام لا دلالة فيه البتة علي خصوصية من الرجوع إلي دليل آخر»(1).

فيظهر مما يتقدم جواز إقامة هذه الشعيرة قربة إلي الله تعالي.

الآية الثانية: آية لا تحلوا شعائر الله

قوله تعالي: «يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُحِلُّوا شَعَائِرَ اللَّهِ وَلَا الشَّهْرَ الْحَرَامَ وَلَا الْهَدْيَ وَلَا الْقَلَائِدَ وَلَا آمِّينَ الْبَيْتَ الْحَرَامَ يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِنْ رَبِّهِمْ وَرِضْوَانًا وَإِذَا حَلَلْتُمْ فَاصْطَادُوا وَلَا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ أَنْ صَدُّوكُمْ عَنِ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ أَنْ تَعْتَدُوا وَتَعَاوَنُوا عَلَي الْبِرِّ وَالتَّقْوَي وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَي الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ»(2).

وهنا مجموعة من الأقوال لعلماء التفسير:

1- تقدم في الآية السابقة كلام من مجمع البيان عن معني الشعائر. وأمّا ما يخصّ قوله تعالي: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُحِلُّوا شَعَائِرَ اللَّهِ...) فقد قال: «أي: صدقوا الله ورسوله، فيما أوجب عليهم (لَا تُحِلُّوا شَعَائِرَ اللَّهِ)، اختلف في معناها علي أقوال:

أحدها: إن معناه لا تحلّوا حرمات الله، ولا تتعدوا حدود الله، وحملوا الشعائر علي المعالم، أي: معالم حدود الله، وأمره ونهيه، وفرائضه، عن عطاء، وغيره.

وثانيها: إن معناه لا تحلّوا حُرَم الله وحملوا الشعائر علي المعالم،أي: معالم حُرَم الله من البلاد، عن السدي.

ص: 127


1- اُنظر: الفخر الرازي، التفسير الكبير: 2/ 174-177.
2- المائدة: آية2.

وثالثها: إن معني شعائر الله: مناسك الحج، أي: لا تحلّوا مناسك الحج فتضيّعوها، عن ابن جريج، وابن عباس.

ورابعها: ما روي عن ابن عباس: أن المشركين كانوا يحجّون البيت، ويهدون الهدايا، ويعظّمون حرمة المشاعر، وينحرون في حجّهم، فأراد المسلمون أن يغيّروا عليهم، فنهاهم الله عن ذلك.

وخامسها: إن شعائر الله هي: الصفا، والمروة، والهدي من البدن، وغيرها، عن مجاهد. وقال الفراء: كانت عامة العرب لا تري الصفا والمروة من شعائر الله، ولا يطوفون بينهما، فنهاهم الله عن ذلك.

وسادسها: إن المراد لا تحلّوا ما حرّم الله عليكم في إحرامكم.

وسابعها: إن الشعائر هي العلامات المنصوبة للفرق بين الحل والحرم، نهاهم الله سبحانه أن يتجاوزوها إلي مكة بغير إحرام، عن أبي علي الجبائي.

وثامنها: إن المعني لا تحلّوا الهدايا المشعّرة، أي: المعلّمة، لتهدي إلي بيت الله الحرام، عن الزجاج، والحسين بن علي المغربي، واختاره البلخي. وأقوي الأقوال هو القول الأول»(1).

يظهر منه: أنّ الله تعالي حرّم حرماته وحدوده، فلا يجوز لأحد أن يحلها، فيلزم من هذا المنطوق مفهومٌ ألا وهو احترام حرمات الله تعالي وحدوده وتعظيمها.

ومن حرمات الله تعظيم أنبيائه وأوليائه، ومنهمالإمام الحسين(عليه السلام) من خلال تعظيم شعائره.

2- جاء في تفسير الميزان قوله: «قوله تعالي: «يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُحِلُّوا شَعَائِرَ اللَّهِ وَلَا الشَّهْرَ الْحَرَامَ وَلَا الْهَدْيَ وَلَا الْقَلَائِدَ وَلَا آمِّينَ الْبَيْتَ الْحَرَامَ يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِنْ رَبِّهِمْ

ص: 128


1- الطبرسي، مجمع البيان في تفسير القرآن: 3/ 262-264.

وَرِضْوَانًا»، خطاب مجدد للمؤمنين، يفيد شدة العناية بحرمات الله تعالي.

والإحلال هو الإباحة الملازمة لعدم المبالاة بالحرمة والمنزلة، ويتعين معناه بحسب ما أضيف إليه، فإحلال شعائر الله عدم احترامها وتركها، وإحلال الشهر الحرام عدم حفظ حرمته والقتال فيه»(1).

وحيث إنّ تعظيم النبي الأكرم(صلي الله عليه و آله و سلم) وأهل بيته(عليهم السلام) من حرمات الله التي لا يجوز الاستهانة بها، ويحرم توهينها، فلذا يصح أن نقول: يحرم الاستهانة بشعائر الإمام الحسين(عليه السلام)؛ لأنّها من شعائر الله تعالي.

3- جاء في تفسير الطبري قوله: «اختلف أهل التأويل في معني قول الله: «لَا تُحِلُّوا شَعَائِرَ اللَّهِ»، فقال بعضهم: معناه: لا تحلوا حرمات الله، ولا تتعدوا حدوده. كأنهم وجهوا الشعائر إلي المعالم، وتأولوا لا تحلوا شعائر الله: معالم حدود الله، وأمره، ونهيه، وفرائضه. ذكر من قال ذلك: حدثنا ابن وكيع، قال: ثنا عبد الوهاب الثقفي، قال: ثنا حبيب المعلم، عن عطاء أنه سئل عن شعائر الله، فقال: حرمات الله: اجتناب سخط الله، واتباع طاعته، فذلك شعائر الله.

وقال آخرون: معني قوله: لا تحلوا حرم الله. فكأنهم وجهوا معنيقوله: شعائر الله: أي معالم حرم الله من البلاد. ذكر من قال ذلك: حدثنا محمد بن الحسين، قال: ثنا أحمد بن المفضل، قال: ثنا أسباط، عن السدي: «يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُحِلُّوا شَعَائِرَ اللَّهِ» قال: أما شعائر الله فحرم الله.

وأولي التأويلات بقوله: «لَا تُحِلُّوا شَعَائِرَ اللَّهِ» قول عطاء الذي ذكرناه من توجيهه معني ذلك إلي: لا تحلوا حرمات الله، ولا تضيعوا فرائضه؛ لأنّ الشعائر جمع شعيرة، والشعيرة، فعيلة، من قول القائل: قد شعر فلان بهذا الأمر، إذا علم به،

ص: 129


1- الطباطبائي، الميزان في تفسير القرآن: 5/ 165.

فالشعائر: المعالم من ذلك. وإذا كان ذلك كذلك، كان معني الكلام: لا تستحلوا أيها الذين آمنوا معالم الله، فيدخل في ذلك معالم الله كلها في مناسك الحج، من تحريم ما حرم الله إصابته فيها علي المحرم، وتضييع ما نهي عن تضييعه فيها، وفيما حرم من استحلال حرمات حرمه، وغير ذلك من حدوده وفرائضه وحلاله وحرامه، لأنّ كل ذلك من معالمه وشعائره التي جعلها أمارات بين الحق والباطل، يعلم بها حلاله وحرامه وأمره ونهيه.

وإنما قلنا ذلك القول أولي بتأويل قوله تعالي: «لَا تُحِلُّوا شَعَائِرَ اللَّهِ» لأنّ الله نهي عن استحلال شعائره ومعالم حدوده، وإحلالها نهياً عاماً من غير اختصاص شيء من ذلك دون شيء، فلم يجز لأحد أن يوجه معني ذلك إلي الخصوص إلا بحجة يجب التسليم لها، ولا حجة بذلك كذلك»(1).

يظهر منه:

أ - إن شعائر الله تعالي هي حرماته، وفي قول آخر هيمعالم حدود الله وأوامره ونواهيه وفرائضه.

ب - «لَا تُحِلُّوا»: تأتي بمعني لا تتعدوا ولا تضيعوا، فيلزم من هذا المنطوق مفهوماً ألا وهو تعظيم حرمات الله تعالي.

4- جاء في تفسير الرازي قوله: «واختلف المفسرون في المراد بشعائر الله، وفيه قولان: الأول: قوله: «لَا تُحِلُّوا شَعَائِرَ اللَّهِ»: أي لا تخلوا بشيء من شعائر الله وفرائضه التي حدها لعباده وأوجبها عليهم، وعلي هذا القول فشعائر الله عام في جميع تكاليفه غير مخصوص بشيء معين، ويقرب منه قول الحسن: شعائر الله دين

ص: 130


1- الطبري، جامع البيان عن تأويل آي القرآن: 6/ 65-67.

الله. والثاني: أن المراد منه شيء خاص من التكاليف»(1).

يظهر منه: أنّ شعائر الله تعالي هي أعم من أعمال الحج، بل هي جميع تكاليف الله تعالي وبذلك تكون شاملة للشعائر الحسينية من معالم الدين وتكاليفه التي يجب الحفاظ عليها.

الآية الثالثة: آية تعظيم الشعائر

وهي قوله تعالي: «ذَلِكَ وَمَنْ يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِنْ تَقْوَي الْقُلُوبِ»(2).

1- جاء في مجمع البيان قوله: « (ذَلِكَ) أي: الأمر ذلك الذي ذكرناه (وَمَنْ يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ) أي: معالم دين الله، والأعلام التي نصبها لطاعته. وقيلشعائر الله: دين الله كله. وتعظيمها:

التزامها، عن الحسن (فَإِنَّهَا)أي: فإن تعظيمها لدلالة تعظيم عليه، ثم حذف المضاف، وأقام المضاف إليه مقامه، فقال: (فَإِنَّهَا مِنْ تَقْوَي الْقُلُوبِ) أضاف التقوي إلي القلوب؛ لأنّ حقيقة التقوي تقوي القلوب. وقيل: أراد صدق النية. «لَكُمْ فِيهَا» أي: في الشعائر (مَنَافِعُ) »(3).

ومن قول الطبرسي يظهر صراحة جواز - بل استحباب - تعظيم الشعائر الحسينية، كونها من شعائر الله تعالي.

2- جاء في تفسير الميزان قوله: «قوله تعالي: «ذَلِكَ وَمَنْ يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِنْ تَقْوَي الْقُلُوبِ»، (ذَلِكَ) خبر لمبتدأ محذوف، أي: الأمر ذلك الذي قلنا، والشعائر جمع شعيرة وهي العلامة، وشعائر الله الأعلام التي نصبها الله تعالي لطاعته، كما قال: «إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ»، وقال: «وَالْبُدْنَ جَعَلْنَاهَا لَكُمْ

ص: 131


1- الفخر الرازي، التفسير الكبير: 6/ 130.
2- الحج: آية32.
3- الطبرسي، مجمع البيان في تفسير القرآن: 7/ 150.

مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ» الآية. وقوله: فإنها من تقوي القلوب، أي: تعظيم الشعائر الإلهية من التقوي، فالضمير لتعظيم الشعائر المفهوم من الكلام، ثم كأنه حذف المضاف وأقيم المضاف إليه مقامه، فأرجع إليه الضمير.

وإضافة التقوي إلي القلوب للإشارة إلي أن حقيقة التقوي - وهي التحرز والتجنب عن سخطه تعالي والتورع عن محارمه - أمر معنوي، يرجع إلي القلوب وهي النفوس، وليست هي جسد الأعمال التي هي حركات وسكنات، فإنها مشتركة بين الطاعة والمعصية كالمس في النكاح والزنا، وإزهاق الروح في القتل قصاصاً أو ظلماً، والصلاة المأتيبها قربة أو رياء وغير ذلك، ولا هي العناوين المنتزعة من الأفعال كالإحسان والطاعة ونحوها»(1).

يظهر منه ما يأتي:

أ - كلما يعدّ علماً لطاعة الله تعالي فهو من الشعائر.

ب - إنّ تعظيم الشعائر هو من أعمال الجوارح التي تنبثق من تقوي القلوب.

ج - كلّ عمل عبادي يقوم به العبد ظاهرياً وليس معه نيّة القربة إلي الله تعالي فهو باطل أو رياء.

3- جاء في تفسير الطبري قوله: «حدثنا محمد بن المثني، قال: ثنا يزيد بن هارون، قال: أخبرنا داود بن أبي هند، عن محمد بن أبي موسي، قال: الوقوف بعرفة من شعائر الله، وبجمع من شعائر الله، ورمي الجمار من شعائر الله، والبدن من شعائر الله، ومن يعظمها فإنها من شعائر الله في قوله: «وَمَنْ يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ» فمن يعظمها «فَإِنَّهَا مِنْ تَقْوَي الْقُلُوبِ».

حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: «قال ابن زيد، في قوله: «وَمَنْ

ص: 132


1- الطباطبائي، محمد حسين، الميزان تفسير القران: 14/ 374-375.

يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ» قال: الشعائر: الجمار، والصفا والمروة من شعائر الله، والمشعر الحرام والمزدلفة، قال: والشعائر تدخل في الحرم، هي شعائر، وهي حرم.

وأولي الأقوال في ذلك بالصواب أن يقال: إن الله تعالي ذكره أخبر أن تعظيم شعائره، وهي ما جعله أعلاماً لخلقه فيما تعبدهم بهمن مناسك حجهم، من الأماكن التي أمرهم بأداء ما افترض عليهم منها عندها والأعمال التي ألزمهم عملها في حجهم: من تقوي قلوبهم لم يخصص من ذلك شيئاً، فتعظيم كل ذلك من تقوي القلوب، كما قال جل ثناؤه، وحق علي عباده المؤمنين به تعظيم جميع ذلك. وقال: إنها من تقوي القلوب، وأنّثَ ولم يقل: فإنه، لأنه أريد بذلك، فإن تلك التعظيمة مع اجتناب الرجس من الأوثان من تقوي القلوب، كما قال جل ثناؤه: إن ربك من بعدها لغفور رحيم، وعني بقوله: فإنها من تقوي القلوب فإنها من وجل القلوب من خشية الله، وحقيقة معرفتها بعظمته وإخلاص توحيده»(1).

يظهر منه ما يأتي:

أ - إنّ تعظيم الشعائر يتصف بأنّه عمل قلبي قبل أن يكون جوارحياً.

ب - إنّ تعظيم الشعائر يقتضي اجتناب الرجس القلبي والالتزام بتوحيد الله تعالي.

وهذا ما يقوم به محبو الإمام الحسين(عليه السلام) عند تعظيم شعائره.

4- جاء في تفسير الرازي قوله: ««ذَلِكَ وَمَنْ يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِنْ تَقْوَي الْقُلُوبِ». قال صاحب الكشاف: «ذَلِكَ» خبر مبتدأ محذوف، أي: الأمر والشأن ذلك، كمايقدم الكاتب جملة من كلامه في بعض المعاني فإذا أراد الخوض في معني

ص: 133


1- الطبري، جامع البيان عن تأويل آي القرآن: 17/ 184.

آخر، قال: هذا، وقد كان كذا، والحرمة ما لا يحل هتكه، وجميع ما كلفه الله تعالي بهذه الصفة من مناسك الحج وغيرها يحتمل أن يكون عاماً في جميع تكاليفه، ويحتمل أن يكون خاصاً فيما يتعلق بالحج، وعن زيد بن أسلم: الحرمات خمس: الكعبة الحرام والمسجد الحرام والبلد الحرام والشهر الحرام والمشعر الحرام، وقال المتكلمون: ولا تدخل النوافل في حرمات الله تعالي: «فَهُوَ خَيْرٌ لَهُ عِنْدَ رَبِّهِ» أي: فالتعظيم خير له؛ للعلم بأنه يجب القيام بمراعاتها وحفظها، وقوله: «عِنْدَ رَبِّهِ» يدل علي الثواب المدّخر؛ لأنه لا يقال عند ربه فيما قد حصل من الخيرات، قال الأصم: فهو خير له من التهاون بذلك»(1).

يظهر مما تقدم من تفسير هذه الآية ما يلي:

أ - إن التعظيم مرتبط بكل شعائر الله تعالي؛ لأن الشعائر هي دين الله كله، وهي أعم من شعائر الحج.

ب - إن تعظيم الشعائر هو الالتزام بها وعدم تضييعها.

ج - في هذا التعظيم هناك منافع للفاعل فلا يصح تجاهلها.

د - إن هذا التعظيم هو نوع من أنواع التقوي.

ﻫ - إضافة التقوي إلي القلوب للإشارة إلي أن التقوي ترجع إلي القلوب لاسيما إذا عرفنا «إنما الأعمال بالنيات».

والنتيجة: أن الآية شاملة للشعائر الحسينية؛ لأنها من شعائر دين الله كله، وأنها من تقوي القلوب لذا يجب تعظيمها.

ص: 134


1- الفخر الرازي، التفسير الكبير: 12/ 32.

المطلب الثاني: الآيات التي تقتضي تعظيم الإمام الحسين(عليه السلام) بإقامة شعائره

اشارة

فيما يلي نستعرض عدد من النصوص القرآنية التي توجب تعظيم الإمام الحسين(عليه السلام) من خلال تعظيم شعائره، ومن هذه النصوص:

الآية الأولي
اشارة

قوله تعالي - وهو أمره تعالي بمقاتلة أئمة الكفر -: «وَإِنْ نَكَثُوا أَيْمَانَهُمْ مِنْ بَعْدِ عَهْدِهِمْ وَطَعَنُوا فِي دِينِكُمْ فَقَاتِلُوا أَئِمَّةَ الْكُفْرِ إِنَّهُمْ لَا أَيْمَانَ لَهُمْ لَعَلَّهُمْ يَنْتَهُونَ»(1). ثم أشار إلي الصنف الآخر من الأئمة الذين يجب طاعتهم واحترامهم فقال: «وَجَعَلْنَاهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا وَأَوْحَيْنَا إِلَيْهِمْ فِعْلَ الْخَيْرَاتِ وَإِقَامَ الصَّلَاةِ وَإِيتَاءَ الزَّكَاةِ وَكَانُوا لَنَا عَابِدِينَ»(2). واتفقت الأمة علي أن الإمام الحسين(عليه السلام) من أئمة الهدي الذين يهدون بأمر اللهتعالي، فقد ورد عن رسول الله(صلي الله عليه و آله و سلم) : «الْحَسَنُ وَالْحُسَيْنُ سَيِّدَا شَبَابِ أَهْلِ الْجَنَّةِ وَإِنَّهُما إِمَامَانِ إِنْ قَامَا أَوْ قَعَدَا وَأَبُوهُمَا خَيْرٌ مِنْهُمَا»(3).

تقريب الاستدلال

إنّ تعظيم شعائر الإمام الحسين(عليه السلام) يعد تعظيماً له عرفاً كما هو واضح، وتعظيمه(عليه السلام) يعد من أبرز مصاديق الآية المباركة، فالنتيجة: أنّ الآية المباركة تدل علي لزوم إقامة شعائر الإمام الحسين(عليه السلام).

وبتقريب آخر: إنّ الله تعالي بيّن وظيفة الإمام(عليه السلام) الذي يمثل الامتداد الطبيعي

ص: 135


1- التوبة: آية12.
2- الأنبياء: آية73.
3- الخزاز الرازي، كفاية الأثر في النصّ علي الأئمة الاثني عشر: 38، باب ما جاء عن أبي ذر الغفاري في النصوص علي الأئمة(عليهم السلام).

للنبي(صلي الله عليه و آله و سلم)، ألا وهي «القيادة العامة الشاملة لكلّ الجوانب الماديّة والمعنوية، والظاهرية والباطنية، والجسميّة والروحية للناس»(1).

فالإمام هو الذي ينفّذ ما جاء به النبي(صلي الله عليه و آله و سلم) «سواء كان هذا التنفيذ عن طريق تشكيل حكومة عادلة أو بدون ذلك، فهم في هذه المرحلة مربّون للناس، ومعلّمون لهم، ومنفذون للأحكام والبرامج في سبيل إيجاد بيئة طاهرة نزيهة إنسانية»(2)، فدور الإمام «الإيصال إلي المطلوب، والهداية التشريعية والتكوينية، فالإمام من هذه الناحيةكالشمس التي تنمي الكائنات الحيّة بأشعّتها تماماً»(3). بدليل قوله تعالي «يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا»، ثم حدد وظائف أخري ألا وهي: ««وَأَوْحَيْنَا إِلَيْهِمْ فِعْلَ الْخَيْرَاتِ وَإِقَامَ الصَّلَاةِ وَإِيتَاءَ الزَّكَاةِ» وهذا الوحي يمكن أن يكون وحياً تشريعياً، أي: إننا جعلنا كل أنواع أعمال الخير وأداء الصلاة وإعطاء الزكاة في مناهجهم الدينية؛ ويمكن أيضاً أن يكون وحياً تكوينياً، أي: إننا وهبنا لهم التوفيق والقدرة والجاذبية المعنوية من أجل تنفيذ هذه الأمور»(4).

الآية الثانية
اشارة

قوله تعالي: «لَا يَتَّخِذِ الْمُؤْمِنُونَ الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ فَلَيْسَ مِنَ اللَّهِ فِي شَيْءٍ إِلَّا أَنْ تَتَّقُوا مِنْهُمْ تُقَاةً وَيُحَذِّرُكُمُ اللَّهُ نَفْسَهُ وَإِلَي اللَّهِ الْمَصِيرُ»(5).

ص: 136


1- مكارم الشيرازي، الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل: 10/ 129.
2- المصدر نفسه.
3- المصدر نفسه.
4- المصدر نفسه: 129-130.
5- آل عمران: آية28.
تقريب الاستدلال

لكي يتضح الاستدلال بالآية المباركة علي وجوب تعظيم الإمام الحسين(عليه السلام) من خلال تعظيم شعائره، ينبغي استعراض بعض كلمات المفسرين في الآية المباركة:

أ - ورد في مجمع البيان «نهي المؤمنين عن مولاة الكافرين؛ لتكون الرغبة فيما عنده وعند أوليائه المؤمنين دون أعدائه الكافرين...، أي: لا ينبغي للمؤمنين أن يتخذوا الكافرين أولياء لنفوسهم؛ وأن يستعينوا ويظهروا المحبة لهم»(1).«فالأولياء جمع ولي وهو الذي يلي أمر من ارتضي فعله بالمعونة والنصرة، ويجري علي معنيين: أحدهما: المعين بالنصرة، والآخر: المعان»(2).

فلذا لابد من إعانة المؤمن بالنصرة، وحيث إنّ الإمام الحسين(عليه السلام) سيد المؤمنين وجب إعانته بالنصرة في زمانه وحياته، ونصرة نهضته بتعظيم شعائره وبيان مظلوميته؛ ليبقي نبراساً لغيره، ومصباح هديً للسائرين علي نهجه في رفض الظلم ومحاربة الطغاة.

ب - وجاء في تفسير الميزان عن العلامة الطباطبائي قوله: «الأولياء جمع ولي من الولاية، وهي في الأصل ملك تدبير أمر الشيء، ثم استعمل وكثر استعماله في مورد الحب؛ لكونه يستلزم غالباً تصرف كل من المتحابين في أمور الآخر لإفضائه إلي التقرب والتأثر عن إرادة المحبوب وسائر شؤونه الروحية»(3).

ويقول العلامة الطباطبائي أيضاً: «فاتخاذ الكافرين أولياء هو الامتزاج الروحي بهم بحيث يؤدي إلي مطاوعتهم والتأثر منهم في الأخلاق وسائر شؤون

ص: 137


1- الطبرسي، مجمع البيان: 2/221.
2- المصدر نفسه.
3- الطباطبائي، الميزان في تفسير القرآن: 3/ 174.

الحياة... »(1).

وإذا تبين ذلك نقول: لو لم يكن هناك تأثير للكافرين علي المؤمنين بما يبعدهم عن إيمانهم لما نهاهم اللهتعالي، وكذلك لو والي المؤمنون المؤمنين لحصل الامتزاج الروحي معهم أيضاً ولترتبت عليه آثاره الإيجابية، فمولاة الإمام الحسين(عليه السلام) كونه من سادة المؤمنين يقتضي الامتزاج مع روحه(عليه السلام) والتأثر بأخلاقه وسائر شؤون حياته، فهذا لا تناله هذه الأجيال إلاّ من خلال إحياء شعائره وذكراه.

الآية الثالثة
اشارة

قوله تعالي: «وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَيُطِيعُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُولَئِكَ سَيَرْحَمُهُمُ اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ»(2).

تقريب الاستدلال

قبل الولوج في بيان الاستدلال لابد من القول: إنّ هنالك علاقة بين المؤمنين من نصرة ومولاة وتعاون علي الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، ودوامهم علي إقامة الصلاة وإيتاء الزكاة وإطاعة الله ورسوله، وهذا هو هدف النهضة الحسينية، وما أشار إليه الإمام الحسين(عليه السلام) بقوله «إنما خرجت لطلب الإصلاح في أمة جدي آمر بالمعروف وأنهي عن المنكر...»(3) فلا شك في كون هذا العمل هو طاعةلله ولرسوله(صلي الله عليه و آله و سلم) فلذا لابد من نصرة الإمام الحسين(عليه السلام) في ذلك، فلقد نصره علي ذلك

ص: 138


1- المصدر نفسه.
2- التوبة: آية71.
3- العلامة المجلسي، بحار الأنوار: 44/329.

من كان معاصراً له من المؤمنين الذين فازوا بالحضور معه في كربلاء، وأما الأجيال المتأخرة عن عصره لا يمكن لها النصرة إلّا من خلال إقامة الشعائر الحسينية وإحياء نهج الإمام ونهضته، وذلك يتم بما تقوم به من زيارة ورثاء وحضور عند قبره والبكاء علي مظلوميته، والجزع والحزن لأجله.

وهذا ما ذكره الطبرسي في تفسير هذه الآية، حيث قال: ««وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ» أي: بعضهم أنصار بعض، يلزم كل واحد منهم نصرة صاحبه وموالاته، حتي إن المرأة تهيء أسباب السفر لزوجها إذا خرج، وتحفظ غيبة زوجها، وهم يد واحدة علي من سواهم«يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ» وهو ما أوجب الله فعله، أو رغّب فيه عقلاً أو شرعاً «وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ» وهو ما نهي الله عن فعله وزهد فيه، عقلاً أو شرعاً. «وَيُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَيُطِيعُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ»، أي: يداومون علي فعل الصلاة، وإخراج الزكاة من أموالهم ووضعها حيث أمر الله تعالي بوضعها فيه، ويمتثلون طاعة الله ورسوله، ويتبعون إرادتهما ورضاهما«أُولَئِكَ سَيَرْحَمُهُمُ اللَّهُ» أي: الذين هذه صفتهم يرحمهم الله في الآخرة»(1).

الآية الرابعة
اشارة

قوله تعالي: «ذَلِكَ وَمَنْ يُعَظِّمْ حُرُمَاتِ اللَّهِ فَهُوَ خَيْرٌ لَهُ عِنْدَ رَبِّهِ وَأُحِلَّتْ لَكُمُ الْأَنْعَامُ إِلَّا مَا يُتْلَي عَلَيْكُمْ فَاجْتَنِبُوا الرِّجْسَ مِنَ الْأَوْثَانِ وَاجْتَنِبُوا قَوْلَ الزُّورِ»(2).

ص: 139


1- الطبرسي، مجمع البيان: 5/ 68.
2- الحج: آية30.
تقريب الاستدلال

المقدمة الأولي: إن الآية المباركة تدل علي وجوب تعظيم حرمات الله تعالي، وحرمة انتهاك حرمتها.

وهذا ما ذكره عدة من الأعلام:

أ - قال الطبرسي: «التعظيم خير له عند ربه في الآخرة، والحرمة ما لا يحل انتهاكه»(1).

ب - قال العلامة الطباطبائي: «الحرمة ما لا يجوز انتهاكه ووجب رعايته...، وقوله: «وَمَنْ يُعَظِّمْ حُرُمَاتِ اللَّهِ فَهُوَ خَيْرٌ لَهُ» ندب إلي تعظيم حرمات الله، وهي الأمور التي نهي عنها وضرب دونها حدوداً منع عن تعدّيها واقتراف ما وراءها، وتعظيمها الكف عن التجاوز إليها»(2).

ج - قال ناصر مكارم الشيرازي: كما يجب الانتباه إلي أن «حُرُمَاتِ» جمع (حرمة) وهي في الأصل الشيء الذي يجب أن تحفظ حرمته، وألا تنتهك هذه الحرمة»(3).

المقدمة الثانية: إن عترة النبي(صلي الله عليه و آله و سلم) من حرمات الله تعالي، كما أشارت لذلك جملة من الروايات، من قبيل ما ورد عنأبي سعيد الخدري، أنه قال: قال رسول الله(صلي الله عليه و آله و سلم) : «إن لله حرمات ثلاث من حفظهن حفظ الله له أمر دينه ودنياه، ومن لم يحفظهن لم يحفظ الله له شيئاً: حرمة الإسلام وحرمتي، وحرمة عترتي»(4).

المقدمة الثالثة: إنّ الإمام الحسين(عليه السلام) هو من سادة العترة الطاهرة كما هو

ص: 140


1- الطبرسي، مجمع البيان: 7/ 107-108.
2- الطباطبائي، الميزان في تفسير القرآن: 14/ 372-373.
3- مكارم الشيرازي، الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل: 10/ 339.
4- الصدوق، الخصال: 146، ح173.

واضح.

المقدمة الرابعة: إن تعظيم شعائر الإمام الحسين(عليه السلام) هو تعظيم له عرفاً.

النتيجة: يجب تعظيم شعائره وإحياء ذكره وذكر مظلوميته(عليه السلام).

الآية الخامسة
اشارة

قوله تعالي: «قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ» (1).

تقريب الاستدلال:
المقدمة الأولي: إن الحب يتعلق بالله تعالي حقيقة

وهذا ما ذكره السيد الطباطبائي في ذيل تفسير قوله تعالي: «يُحِبُّونَهُمْ كَحُبِّ اللَّهِ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَشَدُّ حُبًّا لِلَّهِ» فقال: «إن الحب يتعلق بالله تعالي حقيقة، خلافاً لمن قال إنّ الحب يتعلق بالأجسام والجسمانيات، ولا يتعلق به سبحانه حقيقة»(2).وذكر أنّ الحب يلازمه الاتباع، ثم قال «ليس من اتبع الله في بعض أمره دون بعض بمتّبع»، وذكر أيضاً: «واشتداد هذا الحب ملازم لانحصار التبعية من أمر الله، ولذلك مدح المؤمنين بقوله: «وَالَّذِينَ آمَنُوا أَشَدُّ حُبًّا لِلَّهِ»»(3).

المقدمة الثانية: قرر الله تعالي لرسوله حباً كما قرر لنفسه

هذه المقدمة ذكرها العلامة الطباطبائي في تفسير قوله تعالي: «أَحَبَّ إِلَيْكُمْ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ» وأكد أنّ حب الرسول الأكرم(صلي الله عليه و آله و سلم) هو حب لله تعالي، وأن أثر هذا الحب الذي هو (الاتباع) عين اتباع الله تعالي فإنّ الله تعالي هو الداعي إلي إطاعة

ص: 141


1- آل عمران: آية31.
2- الطباطبائي، الميزان في تفسير القرآن: 1/ 405.
3- المصدر نفسه: 1/ 406

رسوله والأمر باتباعه، فلذا قال «وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ رَسُولٍ إِلَّا لِيُطَاعَ بِإِذْنِ اللَّهِ» وقال تعالي: «قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ» (1).

المقدمة الثالثة: لزوم حب الإمام الحسين(عليه السلام) وتعظيمه؛ كونه ولياً من أولياء الله تعالي

وهذا ما ذكره العلامة الطباطبائي بقوله: «وكذلك اتباع كل من يهتدي إلي الله باتباعه، كعالم يهدي بعلمه، أو آية تعين بدلالته، وقرآن يقرب بقرائته ونحو ذلك فإنها كلها محبوبة بحب الله، واتباعها طاعة تعد مقربة إليه»(2).وفي موضع آخر قال: «وبان أيضاً أن حب مَن حبه مِن حب الله، واتباعه اتباع الله كالنبي وآله والعلماء بالله، وكتاب الله وسنة نبيه، وكل ما يذكر الله بوجه، إخلاص لله ليس من الشرك المذموم في شيء»(3).

المقدمة الرابعة: التقرب إلي الله تعالي بحب الإمام الحسين(عليه السلام) وتعظيمه من تقوي الله

وهذه المقدمة ذكرها العلامة الطباطبائي بقوله: «التقرب بحبه واتباعه تقرب إلي الله، وتعظيمه بما يعد تعظيماً من تقوي الله، قال تعالي: «وَمَنْ يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِنْ تَقْوَي الْقُلُوبِ» والشعائر هي العلامات الدالة، ولم يقيد بشيء مثل الصفا والمروة وغير ذلك، فكل ما هو من شعائر الله وآياته وعلاماته المذكرة له فتعظيمه من تقوي الله، ويشمله جميع الآيات الآمرة بالتقوي»(4).

وخلاصة هذه المقدمات: أنّ العلامة الطباطبائي يري أنّ الاتباع والولاية

ص: 142


1- المصدر نفسه.
2- المصدر نفسه: 407.
3- المصدر نفسه: 407-408.
4- المصدر نفسه.

والحب أمور مرتبطة بعضها بالبعض الآخر(1).

فيظهر مما تقدم ما يأتي:

1- إنّ الحب يتعلق بالله تعالي حقيقة لا مجازاً.

2- إنّ حب من يحبه الله تعالي هو عين حب الله تعالي.3- إنّ اتباع من يحبه الله تعالي هو اتباع لله تعالي.

4- إنّ التقرب ممن يحبه الله تعالي واتباعه هو تقرب إلي الله تعالي.

5- وتعظيم من يحبه الله تعالي هو من تقوي الله تعالي لأنّه من شعائر الله تعالي.

النتيجة: إنّ حب الإمام الحسين(عليه السلام) وتعظيمه كونه ولياً من أولياء الله تعالي، هو من باب تعظيم شعائر الله تعالي، والتعبير عن هذا الحب بالفرح لفرحه أو الحزن لحزنه أو البكاء علي مصيبته هي من شعائر الله تعالي، وهذه الأمور هي عين الشعائر الحسينية، فاتضح مما تقدم أنّ الشعائر الحسينية من شعائر الله تعالي، فلا شك في استحباب إقامتها، فضلاً عن جواز ذلك.

ب: قال الطبرسي: «بيّن سبحانه أن الإيمان به لا يجري إلا إذا قارنه الإيمان برسوله فقال: «قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ» كما تزعمون «فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ» أي إن كنتم تحبون دين الله فاتبعوا ديني يزدد لكم حباً، وقيل: إن كنتم صادقين في دعوة محبة الله تعالي فاتبعوني فإنكم إن فعلتم ذلك أحبكم الله تعالي ويغفر لكم»(2).

ومما ذكره الطبرسي يظهر ما يأتي:

أ - إنّ حبّ الله تعالي يقتضي اتباع دينه، فلا حبّ دونطاعة.

ص: 143


1- اُنظر: المصدر نفسه: 3/ 160.
2- الطبرسي، مجمع البيان: 2/ 224.

ب - ومن دين الله تعالي اتباع دين النبي الأكرم(صلي الله عليه و آله و سلم) ومن دين النبي(صلي الله عليه و آله و سلم) حب عترته(عليهم السلام) وتعظيمها وحفظ حرمتها، وهذا ما يتجسّد في إحياء ذكري الإمام الحسين(عليه السلام) من خلال إقامة شعائره.

ص: 144

المبحث الثالث: الأدلة الروائية علي مشروعية الشعائر الحسينية

اشارة

لقد بلغت الروايات التي أشارت إلي فضل الإمام الحسين(عليه السلام) ومطلوبية احترامه وتعظيمه في حياته وزيارته والبكاء عليه بعد شهادته، بلغت حد الاستفاضة، ولكي يتضح حكم إقامة الشعائر يحتاج الباحث إلي الوقوف علي بعض هذه الروايات.

المطلب الأول: الأحاديث والروايات التي تدل علي حب الإمام الحسين(عليه السلام)

اشارة

إن الروايات والأحاديث كثيرة في حب وفضل الإمام الحسين(عليه السلام) ومنزلته عند جدّه المصطفي(صلي الله عليه و آله و سلم) وعند المسلمين، لا سيما صحابة النبي(صلي الله عليه و آله و سلم)، ومنها ما يلي:

المقصد الأول: الأحاديث والروايات الدالة علي حبه(عليه السلام) بالاشتراك مع غيره

1- عن أنس بن مالك، قال: سئل النبي(صلي الله عليه و آله و سلم): «أيّ أهل بيتك أحب إليك؟ قال: الحسن والحسين»(1).

2- عن علي(عليه السلام) أنه قال: «إنّ رسول الله(صلي الله عليه و آله و سلم) أخذ بيد حسن وحسين، وقال: من أحبني وأحب هذين وأباهما وأمهما كان معي في درجتي يوم القيامة». أخرجه أحمد،

ص: 145


1- ابن شهر اشوب، مناقب آل ابي طالب: 2/ 44.

والترمذي، وقال: «كان معي في الجنة». وقال: حديث غريب.

3- وعنه قال: «أخبرني رسول الله(صلي الله عليه و آله و سلم) أنّ أوّل من يدخل الجنة أنا، وفاطمة، والحسن والحسين. قلت: يا رسول الله، فمحبّونا؟ قال: من ورائكم». خرجه أبو سعد(1).

4- عن يعلي بن مرة قال: «جاء الحسن والحسين يستبقان إلي رسول الله(صلي الله عليه و آله و سلم) فجاء أحدهما قبل الآخر، فجعل يده في عنقه فضمّه إلي بطنه(صلي الله عليه و آله و سلم)، وقبّل هذا، ثمّ قبل هذا، ثم قال: إني أحبهما فأحبوهما، أيها الناس، الولد مبخلة، مجبنة، مجهلة». أخرجه أحمد، والدولابي(2).

5- عن عبد الله، قال: «كان رسول الله(صلي الله عليه و آله و سلم) يصلّي والحسن والحسين يتواثبان علي ظهره، فباعدهما الناس، فقال(صلي الله عليه و آله و سلم): دعوهما، بأبي هما وأمي، من أحبني فليحب هذين». خرّجه أبو حاتم(3).

6- عن إسرائيل، قال: سمعت رسول الله(صلي الله عليه و آله و سلم) يقول: «من أحب الحسن والحسين فقد أحبني، ومن أبغضهما فقد أبغضني». خرّجه أبو سعيد في شرف النبوة(4).

المقصد الثاني: الأحاديث والروايات الدالة علي حبه(عليه السلام) بمفرده

1- عن أبي هريرة، قال: «أبصرت عيناي، وسمعت أذناي رسول الله(صلي الله عليه و آله و سلم) وهو آخذ بكفّي حسين وقدماه علي قدمي رسول الله(صلي الله عليه و آله و سلم) وهو يقول: ترق عين بقة، قال

ص: 146


1- المصدر نفسه:45-46.
2- المصدر نفسه: 46-47.
3- المصدر نفسه: 47.
4- المصدر نفسه.

فرقي الغلام حتي وضع قدميه علي صدر رسول الله(صلي الله عليه و آله و سلم)، ثمّ قال له رسول الله(صلي الله عليه و آله و سلم): افتح فاك، ثم قبله، ثم قال: اللهم إني أحبه فأحبه»(1).

2- قال يونس بن أبي إسحاق: «بينما عبد الله بن عمر جالس في ظل الكعبة إذ رأي الحسين(عليه السلام) مقبلاً فقال: هذا أحب أهل الأرض إلي أهل السماء اليوم»(2).

وهناك روايات كثيرة عند الفريقين ذكرها صاحب كتاب فضائل الخمسة من الصحاح الستة، تشير إلي حب وفضل الإمام الحسين(عليه السلام) (3).

النتيجة:

1- إن النبي الأكرم(صلي الله عليه و آله و سلم) يحب ولده الإمام الحسين(عليه السلام) حباً كبيراً، مما يشير ذلك إلي ضرورة تعظيم الإمام الحسين(عليه السلام) واحترامه وحبه، وهذا مما يدخل السرور علي قلب رسول الله(صلي الله عليه و آله و سلم) بخلاف توهين الإمام وانتهاك حرمتهوبغضه الذي يدخل الأذي والألم والحزن علي قلب النبي(صلي الله عليه و آله و سلم) ، وحيث إنّ المسلمين مأمورون بتعظيم النبي وتوقيره، وقد نهوا عن إلحاق الأذي به،(صلي الله عليه و آله و سلم) بل صرح القرآن بلعن من يؤذي رسول الله(صلي الله عليه و آله و سلم) كما في قوله تعالي: «إِنَّ الَّذِينَ يُؤْذُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ لَعَنَهُمُ اللَّهُ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَأَعَدَّ لَهُمْ عَذَابًا مُهِينًا»(4). وقوله تعالي: «... وَمَا كَانَ لَكُمْ أَنْ تُؤْذُوا رَسُولَ اللَّهِ وَلَا أَنْ تَنْكِحُوا أَزْوَاجَهُ مِنْ بَعْدِهِ أَبَدًا إِنَّ ذَلِكُمْ كَانَ عِنْدَ اللَّهِ عَظِيمًا»(5).

ص: 147


1- الطبري، ذخائر العقبي في مناقب ذوي القربي: 2/ 43.
2- العسقلاني، الإصابة في معرفة الصحابة: 2/69.
3- اُنظر: الفيروز آبادي، فضائل الخمسة من الصحاح الستة: 3/ 322.
4- الأحزاب: آية57.
5- الأحزاب: آية53.

2- قوله(صلي الله عليه و آله و سلم) في الحديث المتقدم «فأحبوهما» وقوله في الحديث الخامس «من أحبني فليحب هذين» أمر ظاهر في وجوب المحبة للحسنين (عليهما السلام) وهذا بدوره يقتضي الحزن والبكاء لفراقهم، ونزول المصائب عليهم وهذا ما تقتضيه الفطرة السليمة، وإلاّ لا يوجد عاقل يقول بمحبة شيء عظيم ثم لا يحزن ولا يبكي لفراقه، كما أن تحصيل محبة النبي الأكرم(صلي الله عليه و آله و سلم) أمر واجب أمر به الشرع بل جعل محبته فوق محبة كل شيء كما في قوله تعالي: «قُلْ إِنْ كَانَ آبَاؤُكُمْ وَأَبْنَاؤُكُمْ وَإِخْوَانُكُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ وَعَشِيرَتُكُمْ وَأَمْوَالٌ اقْتَرَفْتُمُوهَا وَتِجَارَةٌ تَخْشَوْنَ كَسَادَهَا وَمَسَاكِنُ تَرْضَوْنَهَا أَحَبَّ إِلَيْكُمْ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَجِهَادٍ فِي سَبِيلِهِ فَتَرَبَّصُوا حَتَّي يَأْتِيَ اللَّهُ بِأَمْرِهِ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ»(1). وحيث إنّ محبة النبي الأكرم(صلي الله عليه و آله و سلم) مرتبطة بمحبة الحسنين (عليهما السلام) صارت محبتهما واجبة أيضاً تقتضي الحزن والبكاء والجزع لهما.

3- روي أبو زهير بن الأقمر. قال: «قال رجل من الأزد:سمعت رسول الله(صلي الله عليه و آله و سلم) يقول للحسن بن علي: «من أحبني فليحبه، فليبلغ الشاهد منكم الغائب»، ولولا عزمة رسول الله(صلي الله عليه و آله و سلم) ما حدثتكم. أخرجه أحمد»(2).

فقوله(صلي الله عليه و آله و سلم) «فليبلغ الشاهد منكم الغائب» فيه دلالة علي استحباب التبليغ بمحبة الإمام الحسن(عليه السلام)، ومن الواضح أن هذا الاستحباب لا يختص بالحسن(عليه السلام) بل يشمل الإمام الحسين(عليه السلام)؛ لما مر من قوله(صلي الله عليه و آله و سلم) في الحديث الثالث: «مَن أحبني وأحب هذين وأباهما وأمهما كان معي في درجتي يوم القيامة»، فالتبليغ بمحبتهم يقتضي توارثها بين الأجيال الحاضرة والغائبة، وتسليمها واستلامها يداً بيد، وهذا ما يجوّز عقد المجالس والاحتفالات للتبليغ بذلك.

ص: 148


1- التوبة: آية24.
2- الطبري، ذخائر العقبي في مناقب ذوي القربي: 2/ 48.

المطلب الثاني: الروايات الدالة علي حث النبي(صلي الله عليه و آله و سلم) والأئمة(عليهم السلام) علي زيارة الإمام الحسين(عليه السلام)

المقصد الأول: ما نقل عن النبي(صلي الله عليه و آله و سلم) في الحثّ علي الزيارة

1- قال الإمام الحسن(عليه السلام): «يا رسول الله ما لمن زارنا؟ فقال: يا بني من زارني حياً (أو ميتاً) أو زار أخاك حياً أو ميتاً (كان حقاً) عليّ أن أستنقذه من النار»(1).

2- وروي أن الحسين بن علي(عليهما السلام) قال لرسول الله(صلي الله عليه و آله و سلم):«يا أبتاه، ما جزاء من زارك؟ فقال(صلي الله عليه و آله و سلم): من زارني حياً أو ميتاً أو زار أباك أو زار أخاك أو زارك، كان حقاً علي أن أزوره يوم القيامة، وأخلّصه من ذنوبه»(2).

المقصد الثاني: ما ورد عن الأئمة(عليهم السلام) في الحثّ علي الزيارة

1- ما روي عن الإمام الباقر(عليه السلام): «من زار الحسين يوم عاشوراء حتي يظل عنده باكياً، لقي الله عز وجل يوم القيامة بثواب ألفي ألف حجة وألفي ألف عمرة وألفي ألف غزوة، وثواب كل حجة وعمرة وغزوة كثواب من حج واعتمر وغزا مع رسول الله(صلي الله عليه و آله و سلم) ومع الأئمة الراشدين(عليهم السلام) ». قال الراوي: قلت: جعلت فداك، فما لمن كان في بعد البلاد وأقاصيها ولم يمكنه المصير إليه في ذلك اليوم؟ قال: «إذا كان ذلك اليوم برز إلي الصحراء أو صعد سطحاً مرتفعاً في داره، وأومأ بالسلام واجتهد علي قاتله بالدعاء، وصلي بعده ركعتين، يفعل ذلك في صدر النهار قبل الزوال، ثم ليندب الحسين(عليه السلام) ويبكيه ويأمر من في داره بالبكاء عليه، ويقيم في داره مصيبته بإظهار الجزع عليه، ويتلاقون بالبكاء بعضهم بعضاً بمصاب الحسين(عليه السلام)،

ص: 149


1- البحراني، الحدائق الناضرة: 433.
2- الصدوق، الهداية: 256.

فأنا ضامن لهم إذا فعلوا ذلك علي الله(عزوجلّ)جميع هذا الثواب»(1).

2- روي عن الإمام الصادق(عليه السلام)، أنه قال: «من زار الحسين بن علي(عليه السلام) لا أشراً، ولا بطراً، ولا رياءً، ولا سمعة محصت ذنوبه، كمايمحص الثوب في الماء، فلا يبقي عليه دنس، ويكتب له بكل خطوة حجة، وكلما رفع قدمه عمرة»(2).

3- قال الرضا(عليه السلام): «من زار الحسين(عليه السلام) فقد حجّ واعتمر»(3).

4- عن محمد بن مسلم في حديث طويل، قال: قال لي أبو جعفر محمد بن علي(عليهما السلام): «هل تأتي قبر الحسين؟، قلت: نعم، علي خوف ووجل، فقال: ما كان من هذا أشد فالثواب فيه علي قدر الخوف، ومن خاف في إتيانه آمن الله روعته يوم القيامة، يوم يقوم الناس لرب العالمين، وانصرف بالمغفرة، وسلمت عليه الملائكة وزاره النبي(صلي الله عليه و آله و سلم) ودعا له، وانقلب بنعمة من الله وفضل لم يمسسه سوء واتبع رضوان الله»(4).

وورد عن الأئمة(عليهم السلام) الكثير من الروايات التي تحث علي زيارة الإمام الحسين(عليه السلام) (5).

المطلب الثالث: الروايات التي أجازت الجزع علي الإمام الحسين(عليه السلام)

اشارة

الجزع في اللغة: «نقيض الصبر، وهو انقطاع المنّة عن حمل ما نزل»(6).

الجزوع: «ضد الصبور علي الشر، والجزع نقيض الصبر»(7).

ص: 150


1- ابن قولويه القمي، كامل الزيارات: 325-326.
2- الفيض الكاشاني، الوافي: 14/ 1468.
3- الحر العاملي، هداية الأمة إلي أحكام الأئمة: 5/ 482، ح8.
4- ابن قولويه القمي، كامل الزيارات: 245.
5- اُنظر: المصدر نفسه: 122.
6- ابن فارس، معجم مقاييس اللغة: 1/ 453.
7- ابن منظور، لسان العرب: 8/ 55.

الجزع ليس حراماً ما لم يصل إلي حد الاعتراض علي فعل الله تعالي بعباده، فمصائب الدنيا وبلاياها قد تصيب المؤمن فيجزع، أي: يقل صبره علي المصيبة، أو يضعف قلبه عن حملها، إلا أنه لم يخرج عن حدود المؤمنين، وقد يلاحظ العبد ما للصابرين من مقام فيسترجع ويصبر محتسباً مذعناً لله تعالي، وهذا هو ديدن المؤمنين، فلا شك أن النبي الأكرم(صلي الله عليه و آله و سلم) وأهل بيته أكثر الناس بلاء وأعظمهم مصيبة وأشدهم أذي، حتي ورد عن النبي(صلي الله عليه و آله و سلم) أنه قال: «ما أوذي نبي مثلما أوذيت»(1).

المقصد الأول: ما ورد من جزع في سيرة أهل البيت(عليهم السلام) علي الإمام الحسين(عليه السلام)
اشارة

نعلم أنّ أهل البيت(عليهم السلام) هم أولي الناس بمقام الصابرين، وسادة الناس في الفضائل، لاسيما فضيلة الصبر، فلذا لابد أن نحمل كلمة (جزع) علي شدة ألمهم وحزنهم الكبير مع التسليم لأمر الله تعالي، وهذا ما نلمسه في روايات الجزع الآتية:

أ - جزع النبي(صلي الله عليه و آله و سلم)

قال ابن قولويه القمي: حدثني أبي - رحمه الله تعالي -،قال: حدثني سعد بن عبد الله بن أبي خلف، عن أحمد بن محمد بن عيسي، عن الحسين بن سعيد، عن النضر بن سويد، عن يحيي الحلبي، عن هارون بن خارجة، عن أبي بصير، عن أبي عبد الله(عليه السلام)، قال: «إن جبرئيل(عليه السلام) أتي رسول الله(صلي الله عليه و آله و سلم)، والحسين(عليه السلام) يلعب بين يديه، فأخبره أن أمته ستقتله، قال: فجزع رسول الله(صلي الله عليه و آله و سلم)، فقال: ألا أريك التربة التي يقتل فيها، قال: فخسف ما بين مجلس رسول الله(صلي الله عليه و آله و سلم) إلي المكان الذي قتل فيه الحسين(عليه السلام) حتي التقت القطعتان، فأخذ منها، ودحيت في أسرع من طرفة عين، فخرج وهو

ص: 151


1- الفخر الرازي، التفسير الكبير: 4/ 175. الفيض الكاشاني، الوافي: 2/ 235.

يقول: طوبي لك من تربة وطوبي لمن يقتل حولك»(1).

ب - جزع فاطمة(عليها السلام)

إبن قولويه عن محمد بن الحسن الصفار، عن أحمد بن محمد بن عيسي، عن ابن فضال، عن عبد الله بن بكير، عن بعض أصحابنا، عن أبي عبد الله(عليه السلام)، قال: «دخلت فاطمة(عليها السلام) علي رسول الله(صلي الله عليه و آله و سلم) وعيناه تدمع، فسألته: ما لك، فقال: إن جبرئيل(عليه السلام) أخبرني أن أمتي تقتل حسيناً، فجزعت وشق عليها، فأخبرها بمن يملك من ولدها، فطابت نفسها وسكنت»(2).

المقصد الثاني: ما ورد من حث علي الجزع علي الإمام(عليه السلام)

1- روي سعد بن عبد الله، عن أبي عبد الله الجاموراني،عن الحسن بن علي بن أبي حمزة، عن أبيه، عن أبي عبد الله(عليه السلام)، قال: سمعته يقول: «إن البكاء والجزع مكروه للعبد في كل ما جزع، ما خلا البكاء والجزع علي الحسين بن علي (عليه السلام)، فإنه فيه مأجور»(3).

2- عن محمد بن عبد الله بن جعفر الحميري، عن أبيه، عن علي بن محمد بن سالم، عن محمد بن خالد، عن عبد الله بن حماد البصري، عن عبد الله بن عبد الرحمن الأصم، عن مسمع بن عبد الملك كردين البصري، قال: قال لي أبو عبد الله(عليه السلام): «يا مسمع، أنت من أهل العراق؟ أما تأتي قبر الحسين(عليه السلام) ؟ قلت: لا، أنا رجل مشهور عند أهل البصرة، وعندنا من يتبع هوي هذا الخليفة، وعدونا كثير من أهل القبائل من النصاب وغيرهم، ولست آمنهم أن يرفعوا حالي عند ولد سليمان فيمثلون بي،

ص: 152


1- ابن قولويه القمي، كامل الزيارات: 27-28.
2- المصدر نفسه: 25.
3- المصدر نفسه: 201-202.

قال لي: أفما تذكر ما صنع به؟ قلت: نعم، قال: فتجزع؟ قلت: إي والله، وأستعبر لذلك حتي يري أهلي أثر ذلك عليّ، فأمتنع من الطعام حتّي يستبين ذلك في وجهي، قال: رحم الله دمعتك، أما إنك من الذين يعدون من أهل الجزع لنا والذين يفرحون لفرحنا ويحزنون لحزننا...»(1).

فإذا بلغ الجزع درجة يستطيع الإنسان التعبير عنه بالصراخ أو البكاء أو حتي اللطم، فهذا أمر مشروع طالما امتدحه المعصوم(عليه السلام).وما صدر من بكاء وحزن وجزع من أهل البيت(عليهم السلام) علي الإمام الحسين(عليه السلام) دليل علي جواز واستحباب هذه الشعيرة.

المطلب الرابع: الروايات الدالة علي استحباب البكاء علي الإمام الحسين(عليه السلام)

أولاً: دلالة فعل المعصوم علي جواز البكاء علي الإمام الحسين(عليه السلام)
أ - الروايات التي تشير إلي بكاء الأنبياء علي الإمام الحسين(عليه السلام)

تقدمت هكذا روايات في الفصل الأول، وهي تدل بدورها علي جواز البكاء، وهنالك روايات أخري دلت علي بكاء النبي الأكرم(صلي الله عليه و آله و سلم) وأهل البيت(عليهم السلام) علي الإمام الحسين(عليه السلام) وهي كالآتي:

1- قال ابن هبة الله بن نما الحلي: «وقد روي عن زوجة العباس بن عبد المطلب، وهي أم الفضل (لبابة بنت الحارث) قالت: رأيت في النوم قبل مولده كأنّه قطعة من لحم رسول الله(صلي الله عليه و آله و سلم) قطعت ووضعت في حجري، فقصصت الرؤيا علي

ص: 153


1- المصدر نفسه: 203-204.

رسول الله(صلي الله عليه و آله و سلم) فقال: إن صدقت رؤياك فإن فاطمة ستلد غلاماً، وأدفعه إليك لترضعيه. فجري الأمر علي ذلك، فجئت به يوماً فوضعته في حجره فبال، فقطرت منه قطرة علي ثوبه(صلي الله عليه و آله و سلم) فقرصته فبكي، فقال كالمغضب: مهلاً يا أم الفضل، فهذا ثوبي يغسل وقد أوجعت ابني،قالت: فتركت ومضيت لآتيه بماء، فجئت فوجدته(صلي الله عليه و آله و سلم) يبكي، فقلت: ممّ بكاؤك يا رسول الله؟ فقال: إنّ جبرئيل أتاني فأخبرني أن أمّتي تقتل ولدي هذا»(1).

2- قال ابن عساكر في مختصر تاريخ دمشق: «حدث عبد الله بن يحيي، عن أبيه: أنه سافر مع علي ابن أبي طالب، وكان صاحب مطهرته، فلما حاذوا بنينوي، وهو منطلق إلي صفين، نادي علي: صبراً أبا عبد الله، صبراً أبا عبد الله بشط الفرات، قلت: ومن ذا أبو عبد الله؟ قال: دخلت علي رسول الله صلي الله عليه - وآله - وسلم وعيناه تفيضان، فقلت: يا نبي الله أغضبك أحد؟ ما شأن عينيك تفيضان؟ قال: بل قام من عندي جبريل قبلُ، فحدثني أن الحسين يقتل بشط الفرات، وقال: هل لك أن أشمك من تربته؟ قال: قلت: نعم، فمد يده فقبض قبضة من تراب فأعطانيها فلم يسعني أملك عينيّ أن فاضتا»(2).

3- ورد في تذكرة الخواص لسبط ابن الجوزي الحنفي أنه قال: «وقد روي الحسن بن كثير وعبد خير، قالا: لما وصل علي(عليه السلام) إلي كربلاء وقف وبكي، وقال: بأبي أغيلمة يقتلون ها هنا، هذا مناخ ركابهم، هذا موضع رحالهم، هذا مصرع الرجل، ثمّ ازداد بكاؤه»(3).

ص: 154


1- ابن نما الحلي، مثير الأحزان: 31-32.
2- ابن عساكر، مختصر تاريخ دمشق: 7/ 133.
3- المرعشي، شرح إحقاق الحق: 27/ 295.

4- ما رواه ابن قولوية من قول الإمام الصادق(عليه السلام) لأبي بصير من أنّ فاطمة(عليها السلام) تبكي ولدها: «يا أبا بصير، إن فاطمة لتبكيه...، أما تحب أن تكون فيمن يسعد فاطمة؟ فبكيت حين قالها، فما قدرت علي النطق من البكاء»(1).

ولقد تقدمت الإشارة إلي بكاء الأئمة(عليهم السلام) جميعاً في الفصل الأول(2).

ثانياً: الروايات التي تحثّ علي البكاء علي الإمام الحسين(عليه السلام)

هناك الكثير من الروايات التي تحثّ علي البكاء علي الإمام الحسين(عليه السلام)، نذكر منها ما يأتي:

1- عن محمد بن مسلم، عن أبي جعفر(عليه السلام)، قال: «كان علي بن الحسين(عليه السلام) يقول: «أيما مؤمن دمعت عيناه لقتل الحسين(عليه السلام) حتي تسيل علي خده بوّأه الله تعالي بها في الجنة غرفاً يسكنها أحقاباً، وأيما مؤمن دمعت عيناه حتي تسيل علي خديه فيما مسّنا من الأذي من عدوّنا في الدنيا بوّأه الله منزل صدق، وأيما مؤمن مسّه أذي فينا فدمعت عيناه حتي تسيل علي خده من مضاضة أو أذي فينا صرف الله من وجهه الأذي، وآمنه يوم القيامة من سخط النار»(3). وهذه الرواية صحيحة السند(4).2- عن أبي عبد الله(عليه السلام)، قال: «من ذكرنا عنده ففاضت عيناه ولو مثل جناح الذبابة، غفر الله ذنوبه، ولو كانت مثل زبد البحر»(5). وهي صحيحة السند(6).

3- عن الإمام الرضا(عليه السلام)، أنّه قال: «يا بنَ شَبيب، إن كنتَ باكياً لشيء فَابْكِ

ص: 155


1- ابن قولويه القمي، كامل الزيارات: 83.
2- اُنظر: المصدر نفسه: 213، و325. الطوسي، مصباح المتهجد: 536. الصدوق، الأمالي: 121.
3- الصدوق، ثواب الأعمال وعقابها: 83.
4- السند، الشعائر الحسينية: 329.
5- الحر العاملي، وسائل الشيعة: 14/ 501.
6- السند، الشعائر الحسينية: 326.

للحسين بن عليّ(عليه السلام)، فإنّه ذُبح كما يُذبح الكَبش، وقُتِل معه من أهلِ بيته ثمانيةُ عشر رجلاً، ما لهم في الأرض شَبيهٌ..، ولقد بكت السماواتُ السبع والأرَضُونَ لقتله»(1).

النتيجة

أ - إن ذكر مصيبة الإمام الحسين(عليه السلام) والبكاء عليها شعيرة من الشعائر الحسينية نشأت قبل الإسلام، بل هي منذ الخلق الأول للبشرية.

ب - إن هذه الشعيرة مارسها سادة البشر، وسادة العقلاء، وسادة المتشرّعة، فاكتسبت هذه الشعيرة مشروعية ممارستها.

ج - إن قضية كربلاء ومصيبة الإمام الحسين(عليه السلام) قضية إلهية، ينبغي الإطلاع عليها من زمن آدم(عليه السلام) إلي يوم يبعثون؛ لما فيها من إشارة إلي:

أولاً: إن هذه التضحية في سبيل الله تعالي وبهذاالحجم هي أسوة لمن يريد الثبات علي المبادئ، ولمن يريد إعلاء كلمة الله تعالي دون أن تأخذه في الله لومة لائم.

ثانياً: ينبغي للمؤمن الذي يملك الجاه والمال والرفعة والمساحة الاجتماعية أن لا يبالي بكل هذا إذا دعت الضرورة للدفاع عن الدين وسلامته، فليترك كل ذلك وراء ظهره ويبادر للدفاع.

ثالثاً: إن الأنبياء والأوصياء منذ الخلق الأول سائرون علي نهج واحد وطريق مستقيم إلي اليوم المعلوم، وهو طريق ذات الشوكة، فعلي أنصارهم وأتباعهم مراعاة ذلك.

رابعاً: أطلع الله تعالي أنبياءه علي ما سيجري للإمام الحسين(عليه السلام)؛ ليكون ذلك

ص: 156


1- الصدوق، عيون أخبار الرضا(عليه السلام): 1/ 268، ح58.

في علمهم وثقافتهم، ولكي يربّوا أقوامهم علي مثله، مما يدل علي مشروعية التبليغ في قضية الإمام الحسين(عليه السلام).

خامساً: إن البكاء علي انتهاك الحق، وقتل رموزه حسرة وجزعاً هو من أخلاق الأنبياء، مما يدل علي مشروعيته.

سادساً: إن إخبار الله تعالي الأنبياء بقضية الإمام الحسين(عليه السلام) ومصيبته مع علمه ببكائهم رخصة منه تعالي في البكاء علي ضياع الحق، بل هو أمر مستحب ينبغي التمسك به.

د - يتجلّي في معرفة مأساة كربلاء موقف الموالاة لأولياء الله والبراءة من أعدائهم، وهذا ما نستفيده منلعن القاتل علي لسان الأنبياء(عليهم السلام).

ﻫ - إن النبي الخاتم(صلي الله عليه و آله و سلم) أفضل الأنبياء كافة حتي في نوع البلاء لما في ذلك من صبر كبير علي هذا البلاء، فينال مقام الصابرين بأعلي درجاته، وهذا تفسير قوله(صلي الله عليه و آله و سلم) : «ما أوذي نبي مثلما أوذيت»(1).

ص: 157


1- الفيض الكاشاني، الوافي: 2/ 235. الفخر الرازي، التفسير الكبير: 4/ 175.

ص: 158

المبحث الرابع: آراء العلماء وفتاواهم في الشعائر الحسينية

المطلب الأول: قاعدة تعظيم الشعائر وسعة معناها عند العلماء

1- ذكر العلماء والباحثون مفاداً لقاعدة تعظيم الشعائر(1)، وهو وجوب تعظيم شعائر الله تعالي، إذا كان تركه مستلزماً لهتكها وإهانتها.

وحيث إنّ مفهوم الشعائر لم يأخذ معني خاصاً مجعولاً من قبل الشارع فلذا يبقي علي المعني اللغوي الذي وُضع له(2).

ويظهر من هذا: أنّ الشعائر الحسينية هي مصداق من مصاديق شعائر الله تعالي، فتدخل تحت عموم «وَمَنْ يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِنْ تَقْوَي الْقُلُوبِ».

ولذا ذكر بعض الباحثين ما يؤيد هذا المعني فقال: «وذلك أنه يتضح علي ضوء دراسة هذه القاعدة:

أولاً: إنّ هذه المجالس - مجالس مواليد النبي(صلي الله عليه و آله و سلم) والأئمة(عليهم السلام) ووفياتهم - من مصاديق تعظيم شعائر الله في ارتكازالمتشرعة.

ثانياً: يثبت بها استحباب هذه المجالس، بل وجوبها إذا خيف من تركها عن اندراس معالم الدين والمذهب ومحوها»(3).

ص: 159


1- اُنظر: السند، الشعائر الحسينية: 22.
2- اُنظر: العبادي، أجوبة شبهات الشعائر الحسينية: 16.
3- المازندراني، دليل الهدي في فقه العزاء: 63.

2- قد ذكر العلماء أنّ للفظ الشعائر معني واسعاً ورد في لسان نصوص الكتاب والسنة، وهذا ما أشار إليه صاحب كتاب دليل الهدي، فقال: «جعل السيد الرضي في كلمة (لا إله إلا الله) وما يتبعها من الأذكار والعبادات من شعائر الإسلام، حيث قال: (هذه الكلمة وما يتبعها من شعائر الإسلام)». وقال: «الصلاة أفضل شعائر الإسلام وأظهر معالم الإيمان.

وعن علي بن بابويه في الفقه الرضوي: وكذلك جميع الفرائض المفروضة علي جميع الخلق، إنما فرضها الله علي أضعف الخلق قوة، مع ما خص أهل القوة علي أداء الفرائض في أفضل الأوقات وأكمل الفرض، كما قال الله(عزوجلّ): «ذَلِكَ وَمَنْ يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِنْ تَقْوَي الْقُلُوبِ».

وقال المحقق الحلي في الشرايع: ويجب المهاجرة عن بلد الشرك علي من يضعف عن إظهار شعائر الإسلام، مع المكنة والهجرة باقية ما دام الكفر باقياً.

وقال العلامة الحلي في الاستدلال لإثبات وجوب صلاة العيد: ولأنّها من شعائر الدين الظاهرة وأعلامه، فتكون واجبة علي الأعيان كالجمعة. وقال: الجماعة مشروعة في الصلاة المفروضة اليومية بغير خلاف بين العلماء كافة، وهي من جملة شعائر الإسلاموعلاماته. وقال الشهيد: يجوز تعظيم المؤمن بما جرت به عادة الزمان....، لدلالة العمومات عليه، قال تعالي: «ذَلِكَ وَمَنْ يُعَظِّمْ حُرُمَاتِ اللَّهِ فَهُوَ خَيْرٌ لَهُ عِنْدَ رَبِّهِ ...» (1).

وفي البحار: قال في كنز العرفان: اتفق المفسرون علي أنّ المراد بالنداء، الأذان، ففيه دليل علي أنّ الأذان والنداء إلي الصلاة مشروع بل مرغوب فيه من شعائر الإسلام.

ص: 160


1- الحج: آية30.

وقال كاشف الغطاء: المحترمات وهي علي أقسام، منها: ما يستتبع التكفير فيلزم منه عدم التطهير، كالاستنجاء بحجر الكعبة وثوبها وكتابة القرآن - كأنه كذا إهانة لا يقصد الشفاء - وأسماء الله وصفاته المقصود نسبتها إليه وإن لم تكن مختصّة به، وأسماء النبي وكتب الأنبياء وأسمائهم، وأثواب عليها أسماء الله، وماءٌ غسيل به مثلاً يقصد الشفاء وماء زمزم بقصد الإهانة...، ويحتمل إلحاق كتب أخبارنا والزيارات والدعوات ونحوها، وأسماء أئمتنا، والتربة الحسينية، وضرائح الأئمة وأبعاضها وأبعاض ثيابها والقناديل مع قصد الإهانة...، والظاهر تسرية الحكم إلي أعاظم الصحابة وأكابر الشهداء كالعباس(عليه السلام) وباقي شهداء كربلاء»(1).

فيظهر مما تقدم: استحباب تعظيم الشعائر عند بعض العلماء ووجوب تعظيمها عند البعض الآخر، والذي يعنينا من كل ذلك هو جواز العمل بالشعائر الحسينية.ويظهر من أقوال العلماء أنّ الشعائر التي يجب تعظيمها أو يستحب ذلك، أعم من الشعائر في الحج:

1- كما يُفهم ذلك من قول صاحب الحدائق الناظرة الذي يقول: «ويمكن الاستدلال عليه - علي حرمة دخول الجنب من المشاهد المشرفة والأضرحة المقدسة - بظاهر آية تعظيم شعائر الله»(2).

2- وكما يفهم من قول صاحب زبدة البيان الذي يقول: «فعلي هذا يحمل الشعائر علي المعالم، أي حدود الله وأوامره ونواهيه... «وَمَنْ يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ» أي دينه»(3).

ص: 161


1- المازندراني، علي أكبر دليل الهدي في فقه العزاء: 77-79.
2- البحراني، الحدائق الناظرة: 3/ 52.
3- المقدس الأردبيلي، زبدة البيان: 380.

3- وكما يفهم من عوائد الأيام، فقال: «ثم لا يخفي: أن مطلب التعظيم لشعائر الله، أي: جميع أفراده بجميع أفرادها وإنْ لم يثبت وجوبه، ولكن استحبابه ورجحانه لأجل أنه من شعائر الله، ومنسوب إليه، مما لا شك فيه ولا شبهة تعتريه، والظاهر انعقاد الإجماع عليه...»(1).

4- وكما في غنائم الأيام، حيث قال: «وأَلحق جماعة بالمسجد: الأضرحة المقدسة، والمصاحف المشرفة، وآلاتها الخاصة، كالجلد والفرش ونحوهما، لاحترامها، ولزوم تعظيم شعائر الله، وذلك الاستدلال وإن كان لا يخلو عن تأمل، ولكن الأحوط ما ذكروه»(2).

فينتج مما تقدم أنّ الشعائر الحسينية هي مصداقكالمصاديق الأخري التي يجوز العمل بها، بل يستحب ذلك.

المطلب الثاني: فتوي الشيخ النائيني حول الشعائر وتعليقات العلماء عليها

المقصد الأوّل: فتوي الشيخ النائيني(رحمة الله عليه)

بسم الله الرحمن الرحيم، إلي البصرة وما والاها: بعد السلام علي إخواننا الأماجد العظام أهالي القطر البصري ورحمة الله وبركاته. قد تواردت علينا في (الكرادة الشرقية) برقياتكم وكتبكم المتضمّنة للسؤال عن حكم المواكب العزائية وما يتعلق بها، إذ رجعنا بحمده سبحانه إلي النجف الأشرف سالمين، فها نحن نحرّر الجواب عن تلك السؤالات ببيان مسائل:

الأولي: خروج المواكب العزائية في عشرة عاشوراء ونحوها إلي الطرق

ص: 162


1- النراقي، عوائد الأيام: 31.
2- أبو القاسم القمي، غنائم الأيام: 1/ 436.

والشوارع مما لا شبهة في جوازه ورجحانه وكونه من أظهر مصاديق ما يقام به عزاء المظلوم، وأيسر الوسائل لتبليغ الدعوة الحسينيّة إلي كل قريب وبعيد، لكن اللازم تنزيه هذا الشعار العظيم عما لا يليق بعبادة مثله من غناء أو استعمال آلات اللهو والتدافع في التقدم والتأخر بين أهل محلَّتين، ونحو ذلك، ولو اتفق شي ء من ذلك، فذلك الحرام الواقع في البين هو المحرّم، ولا تسري حرمته إلي المواكب العزائية، ويكونكالناظر إلي الأجنبيّة حال الصلاة في عدم بطلانها.

الثانية: لا إشكال في جواز اللطم بالأيدي علي الخدود والصدور حدّ الاحمرار والاسوداد، بل يقوي جواز الضرب بالسلاسل أيضاً علي الأكتاف والظهور، إلي الحد المذكور، بل وإن تأدي كل من اللطم والضرب إلي خروج دم يسير علي الأقوي، وأما إخراج الدم من الناصية بالسيوف والقامات فالأقوي جواز ما كان ضرره مأموناً وكان من مجرد إخراج الدم من الناصية بلا صدمة علي عظمها ولا يتعقب عادة بخروج ما يضر خروجه من الدم، ونحو ذلك، كما يعرفه المتدربون العارفون بكيفية الضرب، ولو كان عند الضرب مأموناً ضرره بحسب العادة، ولكن اتفق خروج الدم قدر ما يضر خروجه لم يكن ذلك موجباً لحرمته، ويكون كمن توضأ أو اغتسل أو صام آمناً من ضرره، ثم تبين ضرره منه، لكن الأولي، بل الأحوط، أن لا يقتحمه غير العارفين المتدربين، ولاسيّما الشبان الذين لا يبالون بما يوردون علي أنفسهم لعظم المصيبة وامتلاء قلوبهم من المحبة الحسينيّة - ثبّتهم الله تعالي بالقول الثابت في الحياة الدنيا وفي الآخرة -.

الثالثة: الظاهر عدم الإشكال في جواز التشبيهات والتمثيلات التي جرت عادة الشيعة الإماميّة باتّخاذها لإقامة العزاء والبكاء والإبكاء منذ قرون، وإن تضمّنت لبس الرجال ملابس النساء علي الأقوي، فإنّا وإن كنّامستشكلين سابقاً في جوازه، وقيدنا جواز التمثيل في الفتوي الصادرة منا قبل أربع سنوات، لكنا لما

ص: 163

راجعنا المسألة ثانياً اتضح عندنا أن المحرّم من تشبيه الرجل بالمرأة هو ما كان خروجاً عن زيّ الرجال رأساً وأخذاً بزيّ النساء دونما إذا تلبس بملابسها مقداراً من الزمان بلا تبديل لزيه، كما هو الحال في هذه التشبيهات، وقد استدركنا ذلك أخيراً في حواشينا علي العروة الوثقي، نعم يلزم تنزيهها أيضاً عن المحرمات الشرعية، وإن كانت - علي فرض وقوعها - لا تسري حرمتها إلي التشبيه، كما تقدم.

الرابعة: الدمّام المستعمل في هذه المواكب مما لم يتحقق لنا إلي الآن حقيقته، فإن كان مورد استعماله هو إقامة العزاء وعند طلب الاجتماع وتنبيه الراكب علي الركوب وفي الهوسات العربية ونحو ذلك ولا يستعمل فيما يطلب فيه اللهو والسرور، وكما هو المعروف عندنا في النجف الأشرف فالظاهر جوازه، والله العالم. 5 ربيع الأول سنة 1345 ﻫ، حرره الأحقر محمد حسين الغروي النائيني.

المقصد الثاني: تعليقات العلماء الأعلام علي فتوي النائيني
(1) السيّد ميرزا عبد الهادي الشيرازي

نص ما كتبه سماحة المغفور له آية الله العظمي السيّد ميرزا عبد الهادي الشيرازي:

بسم الله تعالي، ما ذكره(قدس سره)، في هذه الورقة، صحيح إن شاء الله تعالي. الأقل عبد الهادي الحسيني الشيرازي.

(2) السيد الحكيم(قدس سره)

نص ما كتبه سماحة آية الله العظمي السيّد محسن الحكيم الطباطبائي:

بسم الله الرحمن الرحيم، وله الحمد، ما سطره أُستاذنا الأعظم(قدس سره) في نهاية المتانة، وفي غاية الوضوح، بل هو أوضح من أن يحتاج إلي أن يعضد بتسجيل فتوي الوفاق، والمظنون أن بعض المناقشات إنما نشأت من انضمام بعض الأُمور من باب

ص: 164

الاتفاق التي ربما تنافي مقام العزاء ومظاهر الحزن علي سيّد الشهداء،(عليه السلام) فالأمل بل اللازم الاهتمام بتنزيهها عن ذلك، والمواظبة علي البكاء والحزن من جميع من يقوم بهذه الشعائر المقدّسة، وما توفيقي إلا بالله عليه توكلت وإليه أنيب. 2 محرم الحرام 1367، محسن الطباطبائي الحكيم

(3) السيد الخوئي(قدس سره)

نص ما كتبه سماحة آية الله العظمي السيد أبو القاسم الخوئي:

بسم الله الرحمن الرحيم، ما أفاد شيخنا الأستاذ(قدس سره) في أجوبته هذه عن الأسئلة البصرية هو الصحيح، ولابأس بالعمل علي طبقه، ونسأل الله تعالي أن يوفق جميع إخواننا المؤمنين لتعظيم شعائر الدين والتجنب عن محارمه. الأحقر أبو القاسم الموسوي الخوئي

(4) السيد الشاهرودي(قدس سره)

نص ما كتبه سماحة آية الله العظمي السيد محمود الشاهرودي:

بسم الله الرحمن الرحيم، ما حرّر هنا شيخنا العلامة قدّس الله تربته الزكية من الأجوبة عن المسائل المندرجة في هذه الصحيفة هو الحق المحقق عندنا، ونسأل الله أن يوفقنا وجميع المسلمين لإقامة شعائر مذهب الإمامية، والرجاء من شبان الشيعة - وفقهم الله تعالي - أن ينزّهوا أمثال هذه الشعائر الدينيّة من المحرّمات التي تكون غالباً سبباً لزوالها، إنه ولي التوفيق. 30 ذي الحجة الحرام سنة 1366 ﻫ، محمود الحسيني الشاهرودي.

(5) آية الله المظفر(قدس سره)

نص ما كتبه سماحة آية الله الشيخ محمد حسن المظفر:

بسم الله وله الحمد، ما أفاد قدّس الله سرّه صحيح لا إشكال فيه، والله الموفق.

ص: 165

محمد حسن ابن الشيخ محمد المظفر.

(6) السيد الحمّامي(قدس سره)

نص ما كتبه سماحة آية الله العظمي السيد حسن الحمّامي الموسوي:

بسم الله الرحمن الرحيم، ما أفتي به الشيخ قدّس الله سرّه صحيح شرعاً إن شاء الله تعالي. الأحقر حسين الموسوي الحمامي.

(7) الشيخ كاشف الغطاء(قدس سره)

نص ما كتبه سماحة آية الله الشيخ محمد الحسين آل كاشف الغطاء:

بسم الله الرحمن الرحيم، ما أفاده أعلي الله مقامه من ذكر فتاواه صحيح إن شاء الله. محمد الحسين آل كاشف الغطاء.

(8) الشيخ محمد كاظم الشيرازي

نص ما كتبه سماحة آية الله العظمي الشيخ محمد كاظم الشيرازي.

بسم الله الرحمن الرحيم، ما أفتي به أعلي الله مقامه صحيح. الأحقر محمد كاظم الشيرازي.

(9) السيد الكلبايكاني(قدس سره)

نص ما كتبه سماحة آية الله السيد جمال الدين الكلبايكاني.

بسم الله الرحمن الرحيم، ما حرّره شيخنا الأُستاذأعلي الله مقامه في هذه الورقة صحيح ومطابق لرأيي. الأحقر جمال الدين الموسوي الكلبايكاني

(10) آية الله المرعشي

ترجمة نص ما صرّح به آية الله السيد كاظم المرعشيّ في تعليقه علي استفتاء حول ما أفتي به سماحة آية الله النائيني(قدس سره) فيما يرتبط بإقامة الشعائر الحسينية: بسم

ص: 166

الله الرحمن الرحيم، ما أفتي به سماحة الأستاذ المحقق المرحوم آية الله العظمي النائيني(قدس سره) في رجحان وجواز إقامة عزاء أبي عبد الله الحسين(عليه السلام) بصورها المختلفة، في أعلي مراتب الصحة، ولا يشوبه شك ولا ترديد إلّا من أعداء الدين، وإغواء الشياطين، وعلي محبي أهل البيت ومواليهم وشيعتهم، أن لا يقعوا عرضة لهذه التسويلات، بل عليهم أن يشتدّوا في مقابل ذلك حماساً ونشاطاً في إقامة الشعائر الحسينيّة، وخصوصاً مجالس التعزية والقراءة، فإنها توجب الفوز والسعادة في الدنيا والآخرة، والله هو الهادي إلي الطريق المستقيم، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته. 1شعبان المعظم 1401 ﻫ، سيد كاظم المرعشي.

(11) آية الله المرعشيّ

ترجمة نص ما تفضل به سماحة آية الله السيّد مهدي المرعشيّ من الجواب علي استفتاء حول ما أفتي به آية الله النائيني(قدس سره) فيما يتعلق بإقامة الشعائر الحسينيّة: بسم الله الرحمن الرحيم، إقامة عزاء سيد الكونين أبي عبد الله الحسين (روحي وأرواح العالمين له الفداء) فرع مضي ء من الأنوار الملكوتية، وشعار مبارك من الشعائر الإلهية.

وقد أثبت التاريخ أن مذهب التشيع هو المذهب الوحيد من بين المذاهب الإسلامية، الذي استطاع عبر إقامة الشعائر الحسينيّة تحكيم موقعية الدين الإسلامي المبين، والترويج لأحكام سيد المرسلين، ونشر المذهب الجعفري وإيصال صداه إلي العالم الإسلامي، وإحياء القسط والعدل، وإدانة الظلم والعدوان، وإبادة المفسدين والظالمين وأعوانهم في القرون الماضية، وكذلك في الحاضر، وسيظل ويبقي في القرون الآتية. وإن ما أفاده الأستاذ سماحة آية الله العظمي الحاج ميرزا حسين النائيني(قدس سره) في هذا المجال إنما هو في الحقيقة نفحة من نفحات الرحمان، فقد صدر من أهله ووقع في محله، وعلي المؤمنين أن يسعوا غاية جهدهم في متابعة ما

ص: 167

أفتي به سماحته، وتطبيقه كاملاً وبحذافيره، دون أي تقصير. والسلام علي من اتبع الهدي، 9 شعبان المعظم 1401 ﻫ، سيد مهدي المرعشي.

(12) آية الله المدد(قدس سره)

نص ما كتبه سماحة آية الله السيد علي مدد الموسوي القايني.

بسم الله الرحمن الرحيم، ما رقمه الأُستاذ الأعظم طاب ثراه هو الحق الذي لا يشك فيه إلا المرتابون. الأحقر الجاني علي مدد القايني.

(13) آية الله النوري

ترجمة نص ما أجاب به آية الله الشيخ يحيي النوري من طهران، في سؤال عن نظره بالنسبة إلي فتوي آية الله النائيني(قدس سره) فيما يتعلّق بإقامة الشعائر الحسينيّة: بسم الله الرحمن الرحيم، ما أفتي به أُستاذ الفقهاء والمجتهدين، المرحوم آية الله النائيني (أعلي الله مقامه) هي فتوي جامعة ومقبولة. 25/ ذي حجة الحرام/ 1397 هجرية، العبد يحيي النوري(1).

ومما تقدم يتضح أنّ الاعلام ذهبوا إلي أن كلّ مظهر من مظاهر العزاء إذا صدق عليه عنوان الحزن و الجزع لمصاب أهل البيت(عليهم السلام) فهو من الأُمور المستحبّة.

ص: 168


1- اُنظر، السند، محمد، الشعائر الحسينية بين الأصالة والتجديد: 425-434.

الفصل الثالث: اتهامات الشعائر الحسينية بالبدعة وأجوبتها

اشارة

المبحث الأوّل: نماذج من مصاديق الاتهامات علي الشعائر الحسينية

المبحث الثاني: أجوبة الاتهامات عقلاً ونقلاً

ص: 169

ص: 170

تقدم في الفصل الأول أنّ البدعة هي الزيادة في الدين أو نقصان منه من غير إسناد إلي الدين.

ومن الجدير بالذكر أنّ الحديث عن البدعة يمتد إلي ذكر شروطها وأقسامها، وأدلة القائلين بالتقسيم، وموقف العلماء من هذا التقسيم، ثم يتفرع عليه ذكر أسباب نشوء البدعة، وهل أن البدعة نقص أو زيادة في الدين؟ أو هي ابتكار أمور ليس لها علاقة بالدين وإدخالها في الدين؟ وما هو دور العلماء إزاء أهل البدع؟ وغير ذلك مما يطول الحديث عنه، وفيما يلي نذكر مقدمتين تمهيديتين لتوضيح بعض الأمور المرتبطة بالبدعة:

المقدمة الأولي: أسباب الاتهام بالبدعة

لابد لكل اعتقاد أو معرفة أو موقف من سند يستند عليه ذلك الاعتقاد أو تلك المعرفة أو ذلك الموقف، وموقف الاتهام بالبدعة، ورمي الآخرين بها لابد له من أسباب هي بمثابة الدافع لذلك، ولكي نعرف سبب الاتهام بالبدعة لابد من الوقوف علي أسباب ذلك، وهي كما يلي:

1- الجهل والفهم السطحي لسلوك الآخرينوممارساتهم، يبعث علي اتهام الآخرين بالمبتدعة.

2- التعصب والتقديس الأعمي للسلف يجعل كل فعل مخالف لسيرتهم بدعة وإن كان مستنداً إلي سند علمي.

3- بغض الآخرين ومعاداتهم يبعث علي اتهام أفعالهم بالبدعة وإن كانت

ص: 171

مستندة إلي أدلة شرعية وحجج رصينة.

4- الجمود علي فهم النصوص، ورمي فهم الآخرين بالخطأ، مما يبعث علي تفسير الأمور تفسيراً قاصراً يقود إلي الاتهام بالبدعة.

5- التقليد الأعمي لرأي القائلين بالبدعة، وترديد كلامهم دون إخضاعه لطاولة التحقيق والتحليل العلمي.

6- عدم الاطلاع علي الأدلة النقلية لمشروعية الشعائر، وإصدار الأحكام تبعاً للفهم الخاص والعقل الشخصي.

المقدمة الثانية: شروط البدعة وأثرها في دفع الاتهام

اشارة

بناءً علي ما تقدم من المعني اللغوي والاصطلاحي تبين أن البدعة تتقوم بثلاثة أمور، هي:

1- البدعة شيء مبتكر ليس له مثال سبقه.

2- اختصاص البدعة بالأمور الشرعية.

3- عدم وجود أصل أو دليل شرعي علي الفعل الحادث.

وفيما يلي تفصيل لهذه الأمور الثلاثة وبالنحو الآتي:

1- البدعة شيء مبتكر ليس له مثال سبقه

اتفقت كلمة اللغويين والعقلاء علي أن الشيء المبتكر هو شيء مبتدع نشأ علي غير مثال سابق، بل ذهب الفلاسفة إلي أن «الإبداع: إيجاد الشيء من عدم، فهو أخص من الخلق»(1)، ولذا يتضح أن البدعة هي إحداث أمر لا أصل له، ولا منشأ ولا يتفرع عن شيء، وإلّا لا يسمي بدعة؛ لأن ما كان له أصل أو أساس فهو شيء

ص: 172


1- إبراهيم أنيس وآخرون، المعجم الوسيط: 43.

متولد من أصله أو أساسه، وقد يسمي استنباط علي مستوي المفهوم، وأما علي مستوي المصداق فهو خلق جديد، وهذا هو الكون الذي خلقه الله تعالي دون مثال سابق، بل أبدعه البديع جل وعلا.

2- اختصاص البدعة بالأمور الشرعية

لا يتعدي مفهوم البدعة إلي غير الأمور الشرعية، فالتطور الحاصل في طرق العيش ووسائله، وتطور أنظمة الحياة من بلد لآخر، واختلاف العادات والسلوكيات لا يخضع لمفهوم البدعة المشهور، وما يقوم به البعض من أصحاب العقول المتحجرة بتوسيع مفهوم البدعة وتطبيقه علي سلوكيات الحياة وعادات الناس كقولهم «إن التدخين بدعة فهو حرام» هذا القول هو بدعة بعينه، لقدجاء في دائرة المعارف الإسلامية «وتطور كلمة البدعة وانقسم الناس حياله إلي فريقين: الأول محافظ، والآخر: مجدد، وكان أتباع الفريق المحافظ أول الأمر الحنابلة بنوع خاص، ويمثلهم الآن الوهابيون، وهذا الفريق آخذ بالزوال، ويذهب هذا الفريق إلي أنه يجب علي المؤمن أن يأخذ بالاتباع (اتباع السنة)، وأن يرفض الابتداع، وفريق يسلم بتغير البيئة والأحوال»(1).

فهذا يدل علي وجود فرقة تفهم البدعة فهماً مناقضاً للقرآن والسنة، وتحاول إعطاءها معني واسعاً شاملاً ومناقضاً لمنطق العقل وسنة الخلق، وهذا يعني تطبيق مفهوم البدعة علي كل أمر حادث في حياة المسلمين ويشمل كل شؤون الحياة تحت تبرير الحرص علي الدين والتقيد باتباع السنة النبوية، وهذا فهم مغلوط وتفكير سقيم يجر إلي الانزواء، ويعزل الشريعة عن حياة الناس(2).

ص: 173


1- دائرة المعارف الإسلامية: 3/ 456.
2- مركز الرسالة، البدعة مفهومها وحدودها: 29-30.

«ولكي يتضح مفهوم البدعة بشكل صحيح وبيان الفرق بينه وبين الفهم الخاطئ للبدعة ذكر صاحب كتاب البدعة جملة من الحوادث والروايات لرجال وأشخاص فهموا البدعة علي أنّها كل أمر حادث لم يكن في عهد الرسول«(صلي الله عليه و آله و سلم).

1- جاء في (الاعتصام) أنّ أبا نعيم الحافظ روي عن محمد بنأسلم أنه وُلد له ولد، قال - محمد بن القاسم الطوسي - فقال: اشترِ لي كبشين عظيمين، ودفع لي دراهم فاشتريت له، وأعطاني عشرة أخري، وقال لي: اشتر بها دقيقاً ولا تنخله، واخبزه، قال: فنخلت الدقيق وخبزته، ثم جئت به، فقال: نخلت هذا؟! وأعطاني عشرة أخري، وقال اشترِ به دقيقاً ولا تنخله، واخبزه، فخبزته وحملته إليه، فقال لي: يا أبا عبد الله، العقيقة سُنّة، ونخل الدقيق بدعة، ولا ينبغي أن يكون في السُنّة بدعة، ولم أحب أن يكون ذلك الخبز في بيتي بعد أن كان بدعة.

2- وروي أن رجلاً قال لأبي بكر بن عياش: كيف أصبحت؟ فما أجابه، وقال دعونا من هذه البدعة.

3- وروي عن أبي مصعب صاحب مالك أنه قال: قدم علينا ابن مهدي - يعني المدينة - فصلّي ووضع رداءه بين يدي الصف، فلمّا سلّم الإمام رمقه الناس بأبصارهم ورمقوا مالكاً، وكان قد صلّي خلف الإمام، فلمّا سلّم، قال: من ها هنا من الحرس؟ فجاءه نفسان، فقال: خذا صاحب هذا الثوب فاحبساه، فحُبس، فقيل له: إنّه ابن مهدي، فوجّه إليه وقال له: أما خفتَ الله واتّقيته أن وضعت ثوبَك بين يديك في الصف، وشغلت المصلّين بالنظر إليه، وأحدثت في مسجدنا شيئاً ما كنا نعرفه، وقد قال النبي صلي الله عليه - وآله - وسلم: من أحدث في مسجدنا حدثاً فعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين؟ فبكي ابن مهدي، وآلي علي نفسه أن لا يفعل ذلك أبداً في مسجد النبي صلي الله عليه - وآله - وسلم، ولا في غيره.

4- ويقول ابن الحاج: وقد منع علماؤنا رحمة الله عليهم المراوح،إذ إنّ اتخاذها في

ص: 174

المساجد بدعة!!!

5- ويقول أيضاً: إنّ المصافحة بعد الصلاة بدعة، وينبغي له - يقصد إمام الجماعة - أن يمنع ما أحدثوه من المصافحة بعد صلاة الصبح، وبعد صلاة العصر، وبعد صلاة الجمعة، بل زاد بعضهم في هذا الوقت فعل ذلك بعد الصلوات الخمس، وذلك كله بدعة!!»(1).

ويقول في المصدر نفسه: «إنّ هذا الفهم الخاطئ (للبدعة) لم يتأت من فراغ، بل جاء من الاعتقاد بنظرية غريبة، وهي أنّ البدعة هي ما لم يكن موجوداً في القرون الثلاثة بعد رحيل النبي(صلي الله عليه و آله و سلم).

يقول صاحب الهديّة السنية: ومما نحن عليه، أنّ البدعة - وهي ما حدثت بعد القرون الثلاثة - مذمومة مطلقاً خلافاً لمن قال: حسنة وقبيحة، ولمن قسّمها خمسة أقسام، إلّا إن أمكن الجمع بأن يقال: الحسنة ما عليها السلف الصالح شاملة للواجبة والمندوبة والمباحة، وتكون تسميتها بدعة مجازاً، والقبيحة ما عدا ذلك شاملة للمحرمة والمكروهة، فلا بأس بهذا الجمع....

إنّ هذه النظرية الشاذة الغريبة اعتمدت حسب ما يبدو علي روايات وردت في فضل أصحاب النبي(صلي الله عليه و آله و سلم)، فقد روي البخاري عن عمران بن الحصين، يقول: قال رسول الله صلي الله عليه - وآله - وسلم: «خير أمتي قرني ثم الذين يلونهم، ثم الذين يلونهم»، قال عمران: فلا أدري أذكر بعد قرنه قرنين أو ثلاثاً، (ثم إنّ بعدكم قوماً يشهدون ولا يستشهدون،ويخونون ولا يؤتمنون، وينذرون ولا يفون، ويظهر فيهم السِّمَنُ)». وروي أيضاً عن عبد الله أنّ النبي صلي الله عليه - وآله - وسلم قال: «خير الناس قرني، ثم الذين يلونهم، ثم الذين يلونهم، ثم يجيء قوم تسبق شهادة

ص: 175


1- اُنظر: مركز الرسالة، البدعة مفهومها وحدودها: 29-30.

أحدهم يمينه، ويمينه شهادته»، قال: قال إبراهيم: «وكانوا يضربوننا علي الشهادة والعهد ونحن صغار»(1).

فهذه الروايات تجعل الصحابة طبقات مقدسة ويصل التقديس إلي أتباعهم وأتباع أتباعهم، فكل من خالف سيرتهم ونهجهم وسلوكهم فهو صاحب بدعة، وهذا مما يكذبه القرآن والسنة الشريفة والتاريخ الذين يشهدون ويصرحون بعدم قدسية الصحابة أو أتباعهم، وبناءً علي ذلك لا يصح أن نجعل سلوكيات السلف وسيرتهم ميزاناً للتميز بين البدعة والسنة، بل إنّ الميزان الحقيقي هو القرآن والسنة الشريفة الصحيحة، علي أن ما يقع خارج إطارهما وليس له أصل فيهما فهو بدعة مردودة، ولكن نحتاج إلي فهم صحيح للقرآن الكريم، وهذا لا يتم إلّا عن طريق العترة الطاهرة كونها معصومة من الفهم الخاطئ، ولقد ذكر العلماء الأدلة علي أن البدعة تختص بالأمور الشرعية(2).

3- عدم وجود أصل أو دليل علي الفعل الحادث

إن الأمر الحادث الذي يقع ضمن دائرة الدين ولم يوجد له أصل في مصادر الشريعة أو لم يدل عليه دليل فهو ليس من الدين بشيء، وهو ما يصدق عليه عنوان (البدعة) أما ما كان له أصل في الشريعة أو دليل يدل عليه لم يصح تسميته بالبدعة وإن كان وقوعه بعد حياة النبي(صلي الله عليه و آله و سلم)؛ لوجود المعصوم الذي هو حجة علي الناس بعد رسول الله(صلي الله عليه و آله و سلم)، فكل أمر دل عليه دليل عام أو خاص فهو من الشريعة ويصح العمل به طالما لم ينسخ أو يقيد أو يخصص، وما تقدم في المعني اللغوي والاصطلاحي يؤكد ذلك(3).

ص: 176


1- المصدر نفسه: 31-32.
2- السبحاني، البدعة مفهومها، حَدُّها وآثارها ومواردها: 32-37.
3- مركز الرسالة، البدعة مفهومها وحدودها: 29-30.

المبحث الأوَّل: نماذج من مصاديق الاتهامات علي الشعائر الحسينية

اشارة

دأبت العقول المتحجرة علي كيل الاتهامات لكل من يخالفها الرأي متذرعة بفهم سطحي لآيات القرآن الكريم، وبروايات موضوعة تخالف السنة النبوية الصحيحة، وتجانب العقل والمنطق، فتارة ترمي طرفاً بالبدعة وأخري ترميه بالزندقة، وثالثة ترميه بالكفر وهكذا.

وعندما رأت هذه العقول الجاهلة بعض الطقوس التي تمارسها الفرقة الناجية التي اتبعت العترة الطاهرة في ممارستها لذلك، أو اهتدت بإرشاداتهم وتوجيهاتهم، أو التزمت بأوامرهم وحثهم علي إقامة العزاء وممارسة الشعائر الحسينية قربة إلي الله تعالي، حيث إنّ هذه الشعائر هي من شعائر الله تعالي التي يستحب تعظيمها للوصول إلي التقوي، رفعت هذه العقول عقيرتها صارخة بأعلي صوتها متهمة للمؤمنين بالبدعة، والإحداث في أمور الدين والمؤمنون من ذلك براء، ولكي نسلط الضوء علي هذه الاتهامات اخترنا ثلاثة نماذج من مصاديق الاتهام الكثيرة، وهي:

النموذج الأول: إقامة المأتم والبكاء علي الحسين(عليه السلام) مخالف للسنة

اشارة

اعتمدت هذه الفرقة المتحجرة في اتهامها هذا علي روايات صدرت عن بعض أفراد السلف الذين يتكلمون تبعاً لفهمهم ومزاجهم الخاص ورأيهم الشخصي إذا

ص: 177

صحت هذه الروايات، أو أن هذه الروايات وضعت علي لسان هؤلاء الأفراد من السلف؛ لكي تكون ذا حجية عند المجادلة والمناظرة، وعلي كلتا الصورتين، هذا الاتهام مردود بكتاب الله تعالي وسنة نبيه(صلي الله عليه و آله و سلم)، وسيأتي رد هذا الاتهام لاحقاً، ولكي يسلط الباحث الضوء علي نصوص الاتهامات يذكر ما يلي:

أولاً: كلام ابن تيمية

تقدم في مقدمة هذا الفصل الإشارة إلي أسباب الاتهام بالبدعة، وبيّن هناك أن الجهل والفهم السطحي لسلوك الآخرين وممارساتهم يبعث علي اتهام الآخرين بالبدعة، كما بينا أن بغض الآخرين ومعاداتهم مما يدفع الباغض إلي اتهام من يبغضه بالبدعة، وهذا ما سنلاحظه عند تأملنا ما ورد عن ابن تيمية.

قال ابن تيمية في كتابه منهاج السنة النبوية: «ومن حماقتهم إقامة المأتم والنِّياحة علي من قد قتل من سنين عديدة، ومن المعلوم أن المقتول وغيره من الموتي إذا فعل مثل ذلك بهم عقب موتهم كان ذلك مما حرّمه الله ورسوله، فقد ثبت في الصحيحعن النبي صلي الله عليه - وآله - وسلم أنه قال: (ليس منّا من لَطَمَ الخدود وشقّ الجيوبَ ودعا بدعوي الجاهلية)، وثبت في الصحيح عنه أنه بريء من الحالقة والصّالقة والشّاقة. وهؤلاء يأتون من لطم الخدود، وشق الجيوب، ودعوي الجاهلية، وغير ذلك من المنكرات بعد موت الميت بسنين كثيرة، ما لو فعلوه عقب موته لكان ذلك من أعظم المنكرات التي حرمها الله ورسوله، فكيف بعد هذه المدة الطويلة! ومن المعلوم أنه قد قُتل من الأنبياء وغير الأنبياء ظلماً وعدواناً من هو أفضل من الحسين، قُتل أبوه ظلماً وهو أفضل منه، وقُتل عثمان بن عفان وكان قتله أول الفتن العظيمة التي وقعت بعد موت النبي صلي الله عليه - وآله - وسلم، وترتب عليه من الشر والفساد أضعاف ما ترتب علي قتل الحسين، وقُتل غير هؤلاء

ص: 178

ومات وما فعل أحد - لا من المسلمين ولا غيرهم - مأتماً ولا نياحة علي ميت ولا قتيل بعد مدة طويلة من قتله، إلا هؤلاء الحمقي الذين لو كانوا من الطير لكانوا رَخَماً، ولو كانوا من البهائم لكانوا حُمُراً»(1).

وعند تأمل قوله هذا يظهر منه ما يأتي:

1- قوله: «ومن حماقاتهم إقامة المأتم والنياحة علي من قد قتل من سنين عديدة... »؛ إنه اتهم الشيعة بالحماقة رغم علمه أن فيهم من العلماء والعقلاء ما لا يستطيع أن يصل إلي رتبتهم.2- وقوله: «ومن المعلوم أنّ المقتول وغيره من الموتي إذا فعل مثل ذلك بهم عقب موتهم كان ذلك مما حرمه الله ورسوله»؛ وفي قوله هذا أما عمي أو تعامي؛ لأنه قد تقدم بكاء النبي(صلي الله عليه و آله و سلم) علي ولده قبل شهادته وبكاء أهل البيت(عليهم السلام) وبكاء بعض الصحابة بعد شهادته، فلو كان صحيحاً ما يقول لما فعله هؤلاء، وهم أتقي وأعلم بالحلال والحرام من ابن تيمية، وما قوله هذا إلا دليل علي جهله أو تجاهله.

3- قوله: «إلا هؤلاء الحمقي الذين لو كانوا من الطير لكانوا رَخَماً، ولو كانوا من البهائم لكانوا حُمُراً»؛ فيه تجاوز وتعد علي فئة مؤمنة، وهذا يدل علي سوء خلقه لاسيما إذا عرفنا أن القرآن الكريم عبّر عن المتقاتلين بالمؤمنين بما في قوله تعالي: «وَإِنْ طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا فَإِنْ بَغَتْ إِحْدَاهُمَا عَلَي الْأُخْرَي فَقَاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتَّي تَفِيءَ إِلَي أَمْرِ اللَّهِ فَإِنْ فَاءَتْ فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا بِالْعَدْلِ وَأَقْسِطُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ» (2) ثم عبر عن هؤلاء بالإخوة فقال: «إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ

ص: 179


1- ابن تيمية، منهاج السنة النبوية: 1/ 87-88.
2- الحجرات: آية9.

تُرْحَمُونَ»(1) فأين خلق ابن تيمية من خلق القرآن الكريم؟

ثانياً: كلام عبد الرحمن آل الشيخ

قال عبد الرحمن آل الشيخ في كتابه فتح المجيد: «في صحيح مسلم: عن أبي هريرة: (أن رسول الله صلي الله عليه - وآله - وسلم قال: اثنتان في الناس هُما بهم كفر: الطعن في النّسب،والنّياحة علي الميت).

وقوله (والنياحة علي الميت) أي رفع الصوت بالندب وتعداد فضائل الميت، لما فيه من التسخط علي القدر المنافي للصبر، كقول النائحة: واعضداه، واناصراه، ونحو ذلك. وفيه دليل علي أن الصبر واجب، وأن من الكفر ما لا ينقل عن الملة. ولهما عن ابن مسعود مرفوعاً: (ليس منا من ضرب الخدود، وشقّ الجيوب...). وهذا من نصوص الوعيد، وقد جاء عن سفيان الثوري وأحمد كراهية تأويلها؛ ليكون أوقع في النفوس؛ وأبلغ في الزجر، وهو يدل علي أن ذلك ينافي كمال الإيمان الواجب.

قوله (من ضرب الخدود) وقال الحافظ: خُص الخد لكونه الغالب، وإلا فضرب بقية الوجه مثله.

قوله (وشق الجيوب: هو الذي يدخل فيه الرأس من الثوب، وذلك من عادة أهل الجاهلية حزناً علي الميت)»((2).

لا يجوز الاحتفال بمولد الرسول(صلي الله عليه و آله و سلم) ولا غيره؛ لأن ذلك من البدع المحدثة في الدين(3).

ص: 180


1- الحجرات: آية10.
2- آل الشيخ، فتح المجيد شرح كتاب التوحيد: 318-319.
3- دليل الهدي، عن صحيفة الشرق الأوسط المطبوع بتاريخ 31/12/1999.

النموذج الثاني: تعمير قبر الإمام الحسين(عليه السلام) وزيارته شرك وتبديل لدين الله

اشارة

اعتادت هذه الفرقة المتحجرة أن تؤذي جميعالمسلمين الذي لا يقولون بقولها، لاسيما الشيعة الذين ساروا وفق نهج أئمتهم، والتزموا أوامرهم وانتهوا بنهيهم، فلذا جعلت هذه الفرقة زيارة الأنبياء والأئمة شركاً وبدعة لم يأت بها الله تعالي، فقالت علي لسان أئمتها:

أولاً: كلام ابن تيمية

1- قال: «وكذلك الرافضة غلوا في الرسل، بل في الأئمة، حتي اتخذوهم أرباباً من دون الله، فتركوا عبادة الله وحده لا شريك له التي أمرهم بها الرسل، وكذّبوا الرسول فيما أخبر به من توبة الأنبياء واستغفارهم، فتجدهم يعطلون المساجد التي أمر الله أن ترفع ويذكر فيها اسمه، فلا يصلون فيها جمعة ولا جماعة، وليس لها عندهم كبير حرمة، وإن صلّوا فيها صلّوا فيها وحداناً، ويعظّمون المشاهد المبنية علي القبور، فيعكفون عليها مشابهة للمشركين، ويحجّون إليها كما يحجّ الحاجّ إلي البيت العتيق، ومنهم من يجعل الحج إليها أعظم من الحج إلي الكعبة، بل يسبّون من لا يستغني بالحج إليها عن الحج الذي فرضه الله علي عباده، ومن لا يستغني بها عن الجمعة والجماعة. وهذا من جنس دين النصاري والمشركين الذين يفضّلون عبادة الأوثان علي عبادة الرحمن»(1).

ثم يتمادي ابن تيمية ليسخر من علماء الطائفةليقول: «فقد صنّف شيخهم ابن النعمان، المعروف عندهم بالمفيد - وهو شيخ الموسوي والطوسي - كتاباً سماه: (مناسك المشاهد) جعل قبور المخلوقين تحج كما تحج الكعبة البيت الحرام الذي

ص: 181


1- ابن تيمية، منهاج السنة النبوية: 1/ 288.

جعله الله قياماً للناس، وهو أول بيت وضع للناس فلا يُطاف إلا به، ولا يصلي إلّا إليه، ولم يأمر الله إلا بحجه»(1).

ويتهم ابن تيمية الشيعة بأنهم ممن بدل دين الله تعالي فقال: «والله أمر في كتابه بعمارة المساجد، ولم يذكر المشاهد، فالرافضة بدّلوا دين الله فعمّروا المشاهد، وعطّلوا المساجد، مضاهاة للمشركين، ومخالفة للمؤمنين»(2).

بل يصرح بأن البناء علي القبور لم يشرّع من قبل النبي(صلي الله عليه و آله و سلم) يعني أنه بدعة فيقول: «وأنه لم يشرع لأمته أن يبنوا علي قبر نبي ولا رجل صالح، لا من أهل البيت ولا غيرهم، لا مسجداً ولا مشهداً»(3).

ويصرح أيضاً بأن الزيارة بدعة فيقول: «السفر إلي زيارة قبور الأنبياء والصالحين بدعة لم يفعلها أحد من الصحابة والتابعين، ولا أمر بها رسول الله صلي الله عليه - وآله - وسلم، ولا استحب ذلك أحد من أئمة المسلمين، فمن اعتقد ذلك عبادة وفعله فهو مخالف للسنةولإجماع المسلمين»(4).

وسيأتي الرد عليه في المطلب الثاني.

ثانياً: كلام ابن قيم الجوزية

يعرّض ابن قيم الجوزية بمن يزور قبور الأنبياء أو الأئمة(عليهم السلام) فيقول: «فأبي المشركون إلا دعاء الميت والإشراك به، والإقسام علي الله به، وسؤاله الحوائج، والاستعانة به، والتوجّه إليه، بعكس هديه صلي الله عليه - وآله - وسلم، فإنه هدي

ص: 182


1- المصدر نفسه: 289.
2- المصدر نفسه: 291.
3- المصدر نفسه: 291.
4- السيفي، مسلك الوهابية في موازين العقل والكتاب والسنة: 43-44.

توحيد وإحسان إلي الميت، وهدي هؤلاء شرك وإساءة إلي نفوسهم، وإلي الميت، وهم ثلاثة أقسام: إما أن يدعوا الميت، أو يدعوا به، أو عنده، ويرون الدعاء عنده أوجب وأولي من الدعاء في المساجد، ومن تأمل هدي رسول الله(صلي الله عليه و آله و سلم) وأصحابه، تبيّن له الفرق بين الأمرين»(1).

فالواضح من كلامه انه يتهم الزوار بالشرك.

ثالثاً: كلام عبد الرحمن آل الشيخ

أ- قول عبد الرحمن آل الشيخ الذي نص علي أن: «بسبب الرافضة حدث الشرك وعبادة القبور، وهم أول من بني عليها المساجد... » علق ابن باز فقال: «فإن أول من فعل ذلك العبيديون الذين زعموا كذباً أنهم فاطميون. شيدوا للحسين -(عليه السلام) -وبرأه الله منهم ومن شيعتهم ومحبيهم - قبراً بالقاهرة؛ ورفعوا عليه قبة عظيمة، وبنوا له المسجد المشهور الذي بالقاهرة، يقام فيه من الأعمال الشركية ما يغضب الله ورسوله وآل بيته وكل من في قلبه حب الله ورسوله والإيمان بالصحيح. وقد صنف كثير من العلماء السالفين في بيان كذب أولئك العبيديين وبيان نحلتهم الكافرة الفاجرة، وأنهم كانوا يظهرون الرفض ويبطنون الكفر»((2).

ب - يصرّح آل الشيخ بأن زيارة قبر النبي(صلي الله عليه و آله و سلم) بدعة فقال: «ودل الحديث علي أن قبر النبي صلي الله عليه - وآله - وسلم لو عبد لكان وثناً، لكن حماه الله تعالي بما حال بينه وبين الناس فلا يوصل إليه، ودل الحديث علي أن الوثن هو ما يباشره العابد من القبور والتوابيت التي عليها، وقد عظمت الفتنة بالقبور لتعظيمها وعبادتها، وقوله: (اشتد غضب الله علي الذين اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد» فيه تحريم البناء علي

ص: 183


1- ابن قيم الجوزية، زاد المعاد في هدي خير العباد: 1/ 422.
2- آل الشيخ، فتح المجيد شرح كتاب التوحيد: 204.

القبور، وتحريم الصلاة عندها، وأن ذلك من الكبائر)(1).

رابعاً: كلام محمد بن إسماعيل الصنعاني

قال الصنعاني في كتابه تطهير الاعتقاد: «فإن هذه القباب والمشاهد التي صارت أعظم ذريعة إلي الشرك والإلحاد، وأكبر وسيلة إلي هدم الإسلام وخراب بنيانه، غالب من يعمرها هم الملوك والسلاطين والرؤساء والولاة، إما علي قريب لهم أو علي من يحسنونالظن فيه من فاضل أو عالم أو صوفي أو فقير أو شيخ كبير...، والأمر ما ثبت في الأحاديث النبوية من لعن من أسرج علي القبور وكتب عليها وبني عليها»(2).

نماذج أخري من الاتهامات والإشكالات علي الشعائر الحسينية

إنّ الشعائر والطقوس التي تقام باسم الإمام الحسين(عليه السلام) كثيرة ومتعددة حسب اختلاف الزمان والمكان والأعراف، وقد تعددت الشعائر الحسينية إلي أشكال وصور «فمن تقسيمات الشعائر الحسينية: الخطابة، الشعر، الكتابة، الرثاء، التمثيل - التشبيه، المسرح، الفيلم -، العزاء بأقسامه: من اللطم، وضرب السلاسل، والتطبير والمواكب المختلفة...، فأشكال وصور العزاء الحسيني كثيرة جداً»(3).

وعندما ينظر الناس إلي هذه الشعائر ويضعونها في ميزان الشرع دون علم منهم بآلية الوزن، سيرمونها بالبدعة لاسيما إذا اتسعت وتكثرت بمرور الأيام واختلاف الأعراف.

وقبل الولوج في ذكر الاشكالات الأخري علي الشعائر الحسينية نود أن نتعرض إلي الجهات التي تصدر منها هذه الإشكالات، وهذه الجهات هي:

ص: 184


1- آل الشيخ، فتح المجيد شرح كتاب التوحيد: 212-213.
2- المصدر نفسه: 218.
3- السند، الشعائر الحسينية بين الأصالة والتجديد: 220.

أ - الطوائف الأخري سواء كانت إسلامية أو غيرها.

ب - طائفة خاصة متعصبة ميزانها لصحة الأفعال وعدمها فهمها الخاص الذي يتصف بالسطحية وعدم اعتماد الدليل الصحيح.

ج - يصدر أحياناً من وسط الطائفة الشيعية تأثراً بأفكار الغير وجرياناً علي طريقتهم في النقد، أو تسرعاً في إطلاق الأحكام. ولا شك في عدم أحقية هذه الجهات في إطلاق الاتهام دون علم أو رجوع إلي أهل العلم والاختصاص.

وفي المقام نتعرض لعدد آخر من الاشكالات والاتهامات علي الشعائر الحسنية:

الإشكال الأول: وهو الذي يوجه النكير والانتقاد إلي الرسوم والشعائر، معتمداً علي مبني معين وقاعدة محددة، هي: أن كل شعيرة ورسم وطقس يُتّخذ، ينبغي أن يكون جعله واتخاذه من الشارع نفسه، وإلّا فهو بدعة وضلال، وافتراء علي الله سبحانه.

الإشكال الثاني: أن الشارع المقدس لو فوض أمر الشعائر والطقوس وأوكلها إلي العرف والمتشرعة، لنتج من ذلك أنهم سيتحولون إلي مشرعين، حيث فوض أمر التشريع إليهم، وهذا التفويض غير صحيح وهو ممتنع.

الإشكال الثالث: لو أوكل الشارع المقدس أمر الشعائر والرسوم الدينية إلي العرف، لنتج من ذلك تحليل الحرام، وتحريم الحلال.

الإشكال الرابع: وهذا من سنخ الإشكالين السابقين،وهو: لو أننا جعلنا اتخاذ الشعائر والرسوم والطقوس بيد العرف، للزم من ذلك العبث بثوابت الشريعة الناتج من قبل العرف والمتشرعة بسبب اختلاف الظروف الزمنية والبيئية.

الإشكال الخامس: لا وجه في تخصيص صلاحية المتشرعة باتخاذ الشعائر والرسوم والطقوس الدينية في أبواب خاصة، وعدم تسويغ ذلك في أبواب أخري.

الإشكال السادس: الهتك والإساءة لمباني الإسلام وأركان الشريعة ومعاني

ص: 185

الدين والمذهب العالية الشامخة؛ فقد يقال بأن مقتضي هذا الرسم أوالطقس أو الشعيرة التي أوكلناها إلي العرف، قد لا تناسب مجريات العصر، ولا تتفق مع لغة العصر، وقد يكون فيها إساءة لذات المضامين الشامخة والتعاليم الإسلامية الفاضلة.

الإشكال السابع: لزوم الضرر من بعض الطقوس، خصوصاً بعض الشعائر الحسينية أو غيرها، ويجب شرعاً دفع الضرر بكل درجاته ومراتبه وأشكاله.

وسيأتي الجواب علي هذه الإشكالات في المبحث اللاحق.

ص: 186

المبحث الثاني: أجوبة الاتهامات عقلاً ونقلاً

المطلب الأوّل: أجوبة الاتهام عقلاً

اشارة

قبل الولوج في بيان الأجوبة من خلال العقل ينبغي تقديم مقدمتين:

المقدمة الأولي: حجية العقل في رد الاتهام

إن من أوضح الواضحات هو ما للعقل من دور في تقريب العبد إلي خالقه جل وعلا، فيتضح من خلال ذلك حجية العقل الذي هو ملاك التكليف، وملاك سيادة الإنسان علي غيره من المخلوقات، لكن لكي تتضح هذه الحجية لابد لنا من الإشارة إلي ذلك فنقول:

إن علماء أصول الفقه أشاروا إلي حجية العقل في كتبهم من خلال ذكر الدليل العقلي الذي يقابل الدليل النقلي في إثبات أمر ما، وهذا ما ورد في كتاب أصول الفقه للشيخ محمد رضا المظفر.

الدليل العقلي: «هو كل حكم للعقل يوجب القطع بالحكم الشرعي، وبعبارة ثانية هو: كل قضية عقلية يتوصل بها إلي العلمالقطعي بالحكم الشرعي»(1).

ثم قال في مكان آخر «إننا نقصد من الدليل العقلي حكم العقل النظري

ص: 187


1- المظفر، أصول الفقه: 3/ 105.

بالملازمة بين الحكم الثابت شرعاً أو عقلاً وبين حكم شرعي آخر، لحكمه باستمالة التكليف بلا بيان...»(1).

ثم يشير الشيخ المظفر إلي حجية العقل من خلال قوله: «إنّ هذه الملازمات وأمثالها أمور حقيقية واقعية يدركها العقل النظري بالبداهة أو بالكسب؛ لكونها من الأوليات والفطريات التي قياساتها معها، أو لكونها تنتهي إليها فيعلم بها العقل علي سبيل الجزم. وإذا قطع العقل بالملازمة - والمفروض أنّه قاطع بثبوت الملزوم - فإنّه لابد أن يقطع بثبوت اللازم وهو - أي اللازم - حكم الشارع. ومع حصول القطع فإنّ القطع حجة يستحيل النهي عنه، بل به حجية كل حجة»(2).

وورد أيضاً في كتاب أصول الفقه الإسلامي للأستاذ محمد مصطفي شلبي قوله: «وهذه الأدلة العشرة تتنوع إلي نوعين: نقلية وعقلية.

فالنقلية: هي التي يكون طريقها النقل، ولا دخل للمجتهد في تكوينها وإيجادها، وعمله قاصر علي فهم الأحكام منها بعد ثبوتها.

والعقلية: وهي التي يكون للعقل دخل في تكوينها، وبعبارةأخري: هي التي يكون للمجتهد عمل في تكوينها، وهي القياس والاستحسان والاستصلاح»(3).

والحاصل مما تقدم ما يلي:

أوّلًا: إنّ حكم العقل بشي ء في المستقلّات العقلية أو في غيرها يكشف عن كون الحكم عند الشرع كذلك، شريطة أن يكون العقل قاطعاً و يكون المدرَك حكماً عاماً، كما هو الحال في الأَمثلة المتقدّمة.

ص: 188


1- المصدر نفسه: 3/ 106.
2- المظفر، أصول الفقه: 3/ 106.
3- شلبي، أصول الفقه الإسلامي: 1/ 62.

ثانياً: إذا أدرك العقل وجود المصلحة أو المفسدة في الأَفعال إدراكاً نوعياً يستوي فيه جميع العقلاء، كوجود المفسدة في استعمال المخدرات، ففي مثله يكون حكم العقل ذريعة لاستكشاف الحكم الشرعي.

ثالثاً: استكشاف ملاكات الأحكام و استنباطها بالسبر و التقسيم، ثمّ استكشاف حكم الشرع علي وفقه أمر محظور، لعدم إحاطة العقل بمصالح الأحكام و مفاسدها، و سوف يوافيك عند البحث عن سائر مصادر الفقه عدم العبرة بالاستصلاح الذي عكف عليه مذهب المالكية.

يترتب علي حجّية العقل في المجالات الثلاثة، أعني:

1- الملازمات العقلية.

2- الحسن و القبح العقليين.3- المصالح و المفاسد العامتين.

تترتب علي حجية العقل ثمرات فقهية كثيرة، منها: أنه حجة في رد الإشكالات والاتهامات علي الشعائر الحسينية، كما سيتضح.

المقدمة الثانية: العقل ميزان الأفعال والأقوال
اشارة

تقدم الكلام عن حجية العقل، وصلاحيته في كونه ميزاناً توزن به الأفعال والأقوال، وكونه قوة نميز من خلالها الحق عن الباطل، وعند تأمل الآيات القرآنية الكريمة التي أشارت وصرحت بأهمية العقل وضرورته للوصول إلي معرفة الكثير من الحقائق، يسلم المتأمل بدور العقل في حسم الخلاف العلمي، ودوره في رفع الاختلاف الفكري، وعند الوقوف علي ما ورد في السنة الشريفة عن العقل يجد الواقف أن العقل من أهم الطرق التي تثبت بها أمهات المسائل، فالعقل هو رأس

ص: 189

الفضائل كلها، بل هو الدليل علي دين الرجل وهذا ما صرح به الرسول الأكرم(صلي الله عليه و آله و سلم): «لا دين لمن لا عقل له»(1).

فلا يصح من المسلم أن يلغي دور العقل أو يجمد حركته بحجة التعبد بالشرع فقط، ناسياً أن كثيراً من المسائل الشرعية، بل إنّ أصول الدين لم تثبت لو لميكن للعقل دور في إثباتها.

وحيث إنّ الدين يتكون من ثلاثة أقسام من حيث المعرفة، فقسم لا يعرف إلا بالعقل كمعرفة الله تعالي، وقسم لا يعرف إلا بالنقل كالمغيبات وما يتعلق بالحياة الآخرة، وقسم ثالث يشترك فيه العقل والنقل(2)، فلذا يجد الباحث أن للعقل دوراً كبيراً في رد الاتهام عند الشعائر وبما يلي:

الجواب الأول: الشعائر أفعال معبرة عن الحب

إذا أراد المرء أن يعبر عن حبه لإنسان آخر بأية طريقة لا ضرر فيه عليه أو علي أحد من الناس، فهذا مما لا يرفضه العقل ولا الشرع، فإذا نظرنا إلي أن هذه الأفعال هي وسيلة تعبير عن حب من يقوم بها لسبط النبي(صلي الله عليه و آله و سلم) دون أن يلحظ فيها الحالة الدينية ستكون حينئذ أفعالاً خارجة عن عنوان البدعة؛ لأنها لا تعد من الأمور الشرعية، بل هي عواطف ومشاعر تكنها النفس ويترجمها الجسد.

الجواب الثاني: التأسي بالأسوة الحسنة

يحكم العقل بحكم الشرع، ويوافق الشرع حكم العقل في ضرورة التأسي بالأسوة الحسنة، فإذا اتخذالمرء شخصاً أسوة في فعل ما أو طريقة ما، لابد أن يتأسي

ص: 190


1- النمازي، مستدرك الوسائل: 11/ 208.
2- مجموعة مؤلفين، مكانة العقل في الفكر العربي: 25.

به، وحيث إنّ النبي الأكرم(صلي الله عليه و آله و سلم) هو الأسوة الحسنة التي أمرنا الله تعالي باتخاذها أسوة كما في قوله تعالي: «لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ ...»(1)، فيجب التأسي بأفعاله وأقواله.

وهذا التأسي بالأسوة قد يدخل تحت عنوان قاعدة «وجوب رجوع الجاهل إلي العالم» أيضاً فالذي يجهل صحة فعل ما أو عدم صحته فليرجع إلي من يعلم ذلك، وحيث إنّ النبي(صلي الله عليه و آله و سلم) هو مصداق العالم الأكمل فالرجوع إلي سيرته وسنته يضع السائر علي الطريق الصحيح، وعند تأمل سيرة النبي(صلي الله عليه و آله و سلم) وسنته يجد المتأمل أنّ النبي(صلي الله عليه و آله و سلم) بكي علي ولده الحسين(عليه السلام)، وأقام المآتم عليه كما مر ذلك، وحث علي إقامة المآتم والبكاء عليه أيضاً، فيكون التأسي بهذه الأفعال، والامتثال لأوامر النبي(صلي الله عليه و آله و سلم) عملاً خارجاً عن عنوان البدعة لعدم انطباق شروط البدعة عليها، ولعدم انطباق مفهومها عليه.

الجواب الثالث: تجديد العزاء رد علي الظالمين

لا شك أن الإمام الحسين(عليه السلام) خرج ثائراً علي الحاكم الظالم الفاسق الذي تسلم مقاليد التسلط والحكم علي الأمة بطريقة غير شرعية، وسفك دمه من قبل جيشالحاكم، هذا الجيش الذي انغمس في الضلال وكان قائده العمي، فبخروج الإمام الحسين(عليه السلام) رافضاً للظلم طالباً للإصلاح، رسالة صريحة وواضحة يبعثها الإمام إلي الأمة النائمة في زمانه، وإلي الأجيال المتعاقبة، يحثها فيها علي رفض الظلم وطلب الإصلاح، ويحفزها علي الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، فصار بهذا رمزاً يحتذي به، فلكي تسير الأمة الواعية علي نهجه لابد من ذكر تفاصيل ثورته، ولابد من

ص: 191


1- الأحزاب: آية21.

التعبير عن رفض الأمة لما سقط عليه من الظلم ولما أصابه من المأساة، فيكون إحياء الذكري تجديداً للعهد علي السير وفق رؤيته وطبق منهجه، فصار إحياء طقوس عاشوراء في كل موسم علامة وشعيرة تدل علي أن الأمة ترفض الظلم وتبغي الإصلاح، الذي أمرنا الله تعالي به، ولتكن هذه الطقوس جرس إنذار للحاكم الظالم في كل زمان ومكان، وهذا مما دفع الحكام الظالمين إلي محاربة هذه الشعائر خوفاً علي مناصبهم، فلذا يحكم العقل بضرورة إحياء هذه الذكري لإرعاب الظالمين ولإيقاظ النائمين.

الجواب الرابع: فقدان المستشكل إلي الدليل

مما تسالم عليه العقلاء وأيّده الشرع المبين أن من يدعي دعوة عليه أن يأتي ببينة ودليل علي أحقيتها وصحتها، وإلّا لا قيمة لدعواه، فلذا جاء في السنةالشريفة «البينة علي من ادعي واليمين علي من أنكر» فمن قال بتحريم الشعائر ووصفها بأنها بدعة لابد أن يأتي بدليل علي ذلك.

فإذا كانت البدعة هي إدخال ما ليس من الدين في الدين، أيٍ أن البدعة عمل لا دليل عليه من الشارع ولا أصل لها في الشرع، فلا يصح أن نرمي الشعائر بالبدعة دون أن يثبت لها أن هذه الشعائر لا أصل لها في الدين، بل العكس هو الصحيح إذ إنّ الشعائر لها أصل وعليها دليل من الشرع، والقائل بأنها بدعة لا دليل لديه إلّا بعض الموضوعات التي لا روح فيها.

المطلب الثاني: أجوبة الاتهام نقلاً

اشارة

تقدم الكلام في الأدلة التي تدل علي مشروعية بعض الشعائر في القرآن الكريم والسنة الشريفة، وآراء العلماء، وهذا بذاته يكفي في نفي الاتهام بالبدعة الموجه إلي بعض الشعائر، إلاّ أن الباحث يري في سوق الأدلة الأخري كمال

ص: 192

البحث، ولأن البدعة هي الأمر الحادث الذي لا أصل له في الدين ولا دليل عليه من الشريعة، سيكون الفعل الذي يؤتي به بعنوان الشعائر الحسينية فعلاً صحيحاً إذا كان له أصل في الدين أو عليه دليل من الشريعة، وهذا يتطلب الوقوف علي بعض الأفعال التي أخذت عنوان الشعائر.قبل ذكر الأدلة التي دلت علي جواز الشعائر الحسينية، لابد أن من تقديم عدد من المقدمات:

المقدمة الأولي: الضابطة في إطلاق الشعيرة علي العمل

تقدم الكلام عن أن الشعائر هي علامات طاعة الله تعالي، وكل عمل فيه هذه الصفة - أيٍ كونه علامة تدل علي طاعة الله تعالي - يصح تسميته بالشعيرة، فكل عمل صار علامة علي طاعة الله تعالي، أو هو مما يتقرب به إلي الله تعالي، وهو مما حث عليه الشارع أو له أصل في الشرع، فهو شعيرة يجوز العمل بها.

المقدمة الثانية: عدم انحصار الشعائر في شعائر الحج

تقدم الكلام أن الشعائر غير محصورة في شعائر الحج، وتقدم أن شعائر الحج هي مصداق من المصاديق للشعائر، وما يؤيد سعة معني الشعائر ما جاء عن العلماء في المدرستين من أنّ الشعائر أوسع من ما ذكر في فريضة الحج(1).

المقدمة الثالثة: تشخيص العرف لبعض المفاهيم

أوكل الشارع إلي العرف مسألة تشخيص بعض المفاهيم، ولكي تتضح هذه المقدمة لابد من بيان أمور،فنقول:

ص: 193


1- اُنظر: العبادي، أجوبة الشبهات حول الشعائر الحسينية: 19-25.

1- العرف: هو ما تعارف عليه الناس، من قول أو فعل(1)، وقد يكون العرف أحياناً مرجعاً في استكشاف الحكم الشرعي، حيث أوكل الشارع إلي العرف تشخيص بعض المفاهيم كلفظ الإناء والصعيد والقرء، وللعرف دور في استكشاف مراد المتكلم عند إطلاق اللفظ.

فلذا صار للعرف مدخلية في تشخيص المواضيع العرفية (كالبيع) الذي أحله الشارع أو (الغناء) الذي حرمه، وهناك أمور فقهية أوكل الشاعر أمر تشخيصها إلي العرف(2).

2- إن العرف لا يتصرف في حكم الشعيرة، وإنما في بيان مصداقها، أي: أن ما اتخذه المسلمون شعيرة وصار في عرفهم علامة تدل علي معني من المعاني الإسلامية.

3- ما صار في عرف المسلمين شعيرة فهو يدخل تحت عموم قوله تعالي «ذَلِكَ وَمَنْ يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِنْ تَقْوَي الْقُلُوبِ»(3).

فينتج مما تقدم:

أ - إن العرف لا يتصرف في الحكم.ب - للعرف دور في تشخيص مصداق الشعيرة.

ج - كل ما عرف في عرف المسلمين كشعيرة فهو يدخل تحت عموم الشعائر.

د - كل ما استجد من عناوين للشعائر يدخل تحت عموم الشعائر.

فإذن: إذا اتسعت الأعمال التي فيها علامة علي طاعة الله تعالي وتعددت مع

ص: 194


1- اُنظر: عبد الوهاب خلاف، علم أصول الفقه: 99. كاشف الغطاء، مصادر الحكم الشرعي والقانون المدني: 47.
2- اُنظر: العبادي، أجوبة الشبهات حول الشعائر الحسينية: 33 بالهامش.
3- الحج: آية32.

انطباق شروط الشعيرة عليها فهي من الشعائر.

المقدمة الرابعة: الأدلة علي جواز عمل الشعائر

عند البحث والتأمل في القرآن والسنة الشريفة يتضح لنا مدي مشروعية الشعائر الحسينية، وقد تقدم الدليل علي بعض هذه الشعائر كالبكاء والحزن وذكر المأتم، ولا بأس بذكر المزيد مما يدل علي إباحة هذه الأفعال، وذكر الأدلة علي الشعائر الأخري التي لم تذكر في الأبحاث السابقة، ولا شك عند ذكر الدليل علي إباحة ومشروعية هذه الشعائر سينتفي الاتهام بالبدعة بناءً علي التقابل في التعريف، فكل ما لا أصل له في الدين ولا دليل عليه فهو بدعة، وكل ما له أصل في الدين أو دل عليه الدليل فهو ليس ببدعة، وهذا التقابل مأخوذ من منطوق ومفهوم التعريف.

ويمكن إدراج بعض هذه الشعائر تحت الأدلة الخاصّةبها والدالة صراحة علي جواز القيام بها، ودرج البعض الآخر تحت الأدلة العامة.

المقصد الأول: أجوبة اتهامات وإشكالات ابن تيمية وغيره

أولاً: الجواب علي الاتهام القائل بأنّ إقامة المأتم مخالف للسنة

تقدم هذا المعني عن ابن تيمية وغيره(1).

الجواب:

1- تقدم في الفصل الأول ما يشير إلي أن النبي الأكرم(صلي الله عليه و آله و سلم) وأهل بيته(عليهم السلام) وبعض أصحابه أقاموا المآتم علي الإمام الحسين(عليه السلام) ولا شك أنّ فعل النبي(صلي الله عليه و آله و سلم) هو السنة بعينها بالإضافة إلي قوله وتقريره.

ص: 195


1- اُنظر: ص 131 - 134 من البحث.

ولمزيد من التوضيح نورد المآتم التي أقامها النبي الأكرم(صلي الله عليه و آله و سلم) علي ولده الإمام الحسين(عليه السلام)، وهي كما يلي:

أ - «لما ولد الحسين أتت به أسماء النبي(صلي الله عليه و آله و سلم)، فأذّن في أذنه اليمني وأقام في اليسري، ثم وضعه في حجره وبكي، فلما سألته أسماء عن سبب بكائه، أجاب: علي ابني هذا، فقالت: إنه ولد الساعة! قال: تقتله الفئة الباغية، لا أنالهم الله شفاعتي، ثم أمرها أن لا تخبر فاطمة الزهراء، فإنها قريبة عهد بولادته»(1).

وهذا أول مأتم يقام علي الحسين(عليه السلام)، وهو ساعةولادته، فرسول الله(صلي الله عليه و آله و سلم) يبكي عليه ويقيم مراسم العزاء.

ب - عن أم الفضل، مرضعة الحسين(عليه السلام): «أنها دخلت يوماً علي رسول الله(صلي الله عليه و آله و سلم) فوضعت الحسين في حجره، فرأت عينا رسول الله تهريقان من الدموع، فلما سألته عن السبب، قال: أتاني جبرائيل فأخبرني: أنّ أمّتي ستقتل ابني هذا، فقالت أم الفضل: هذا! فقال: نعم»(2).

ج - لما أتت علي الحسين(عليه السلام) من مولده سنتان كاملتان، خرج النبي في سفر، فلما كان في بعض الطريق وقف فاسترجع ودمعت عيناه، فسئل عن ذلك فقال: «هذا جبرائيل يخبرني عن أرض بشاطئ الفرات، يقال لها: كربلاء، يقتل فيها ولدي الحسين...»(3).

د - حينما تكرر إخبار جبرائيل والملائكة النبي بما يجري علي الحسين، وفي أزمنة مختلفة وفي أماكن متفرقة، والنبي(صلي الله عليه و آله و سلم) يخبر من حوله بما يجري علي الحسين، ويبكي

ص: 196


1- القندوزي الحنفي، ذخائر العقبي لذوي القربي: 3/ 119.
2- الحاكم النيسابوري، المستدرك علي الصحيحين: 3/ 176.
3- الخوارزمي، مقتل الحسين: 1/ 163.

ويقيم مأتماً عليه. في بيت أم سلمة.. وعائشة.. وزينب بنت جحش.. وفي دار أمير المؤمنين.. وفي مجمع من الصحابة.. وفي داره.. , وفي أماكن أخري كثيرة، أقام النبي المأتم، وأخرج ما أعطاه جبرائيل من تربة كربلاء، وشاهدهاكثيرون، وهم يبكون(1).

ﻫ - لما أخبر جبرائيل النبي(صلي الله عليه و آله و سلم) بما سيجري علي الحسين وأعطاه من تربة كربلاء شيئاً، خرج والتربة بيده وهو يبكي، وأخبر عائشة بما يجري علي الحسين، ثم خرج إلي الصحابة وأخبرهم أيضاً وهو يبكي(2).

و - في اللحظات الأخيرة للنبي(صلي الله عليه و آله و سلم) قبل موته، ضمّ الحسين(عليه السلام) إلي صدره، وقال في حقه كلمات طيبة، ثم أغمي عليه، فلما أفاق قال: «إن لي ولقاتلك يوم القيامة مقاماً بين يدي ربي وخصومة...»(3).

ز - شهد النبي(صلي الله عليه و آله و سلم) قتل الحسين(عليه السلام)، كما رأته أم سلمة في المنام، وعلي رأسه ولحيته التراب، فلما سألته عن حالته، قال: «شهدت قتل الحسين آنفاً»(4).

ح - بعد قتل الحسين(عليه السلام) نزل الأنبياء عند مقتله، وهم يعزون رسول الله(صلي الله عليه و آله و سلم) بولده، وكثر البكاء والنحيب عنده(5).

2- إن الحزن والبكاء ذكرهما القرآن الكريم وأجازهما، وأيدتهما السنة، كما وضحنا ذلك فيما تقدم.

3- إنّ اتهام ابن تيمية ناشئ من بغضه للشيعة،فضلاً عن جهله واعتماده علي

ص: 197


1- اُنظر: المتقي الهندي، كنز العمال: 13/ 111.
2- الهيثمي، مجمع الزوائد: 9/ 187.
3- الخوارزمي، مقتل الحسين: 1/ 173.
4- الترمذي، صحيح الترمذي: 13/ 193.
5- الشبلنجي، نور الأبصار: 125.

روايات غير صحيحة.

ثانياً: الجواب علي الاتهام القائل بأنّ النياحة علي الميت كفر

تقدم معني هذا الإتهام في الكلام السابق لعبد الرحمن آل الشيخ(1)، والذي قال فيه: «النياحة علي الميت: أي رفع الصوت بالندب وتعداد فضائل الميت لما فيه من السخط علي القدر... وإنّ من الكفر ما لا ينقل عن الملة».

وجوابه بما يلي:

1- قوله تعالي: «وَتَوَلَّي عَنْهُمْ وَقَالَ يَا أَسَفَي عَلَي يُوسُفَ»(2)، أليس في ذلك ندب علي يوسف وتأوه وحزن؟ وأما بكاء يعقوب وحزنه ما شهد به القرآن الكريم مع أن يوسف(عليه السلام) حي يرزق كما في قوله تعالي: «وَتَوَلَّي عَنْهُمْ وَقَالَ يَا أَسَفَي عَلَي يُوسُفَ وَابْيَضَّتْ عَيْنَاهُ مِنَ الْحُزْنِ فَهُوَ كَظِيمٌ * قَالُوا تَاللَّهِ تَفْتَأُ تَذْكُرُ يُوسُفَ حَتَّي تَكُونَ حَرَضًا أَوْ تَكُونَ مِنَ الْهَالِكِينَ * قَالَ إِنَّمَا أَشْكُو بَثِّي وَحُزْنِي إِلَي اللَّهِ وَأَعْلَمُ مِنَ اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ»(3).

2- ورد أن النبي الأكرم(صلي الله عليه و آله و سلم) كان إذا ذكر السيدة خديجة(عليها السلام) يبكي ويعدد فضائلها، وهذا ما ذكرته المصادر، وقد ثبت أنه(صلي الله عليه و آله و سلم) قال لعائشة حين قالت له: «قد رزقك الله خيراً منها: - قال(صلي الله عليه و آله و سلم) -: لا والله ما رزقني الله خيراً منها، آمنت بي حين كذبني الناس، وأعطتني مالها حين حرمني الناس»(4).

3- بكاء سيدة نساء العالمين علي أبيها رسول الله(صلي الله عليه و آله و سلم) وندبه بيا أبتاه، فهو دليل

ص: 198


1- اُنظر: ص 172، تحت عنوان: (ثانياً: كلام عبد الرحمن آل الشيخ).
2- يوسف: آية84.
3- يوسف: آية84-86.
4- اُنظر: البهوتي، كشاف القناع: 5/ 31.

علي صحة الفعل وجوازه، ولا شك أن السيدة الزهراء(عليها السلام) لا تفعل ما فيه كفرٌ كما يقول آل الشيخ.

فعن أنس بن مالك، قال: قالت فاطمة لما قبض رسول الله(صلي الله عليه و آله و سلم): «يا أبتاه، من ربه أدناه، يا أبتاه، جنة الفردوس مأواه، يا أبتاه، إلي جبريل أنعاه يا أبتاه، جنة الفردوس مأواه» هذا حديث صحيح علي شرط الشيخين ولم يخرجاه(1).

ثالثا: الجواب علي الإشكال القائل بأنّ زيارة القبور بدعة

وهو قول ابن قيم الجوزية وعبد الرحمن آل الشيخ (2).

الجواب: وردت أحاديث كثيرة في جواز زيارة القبور وبنائها عن طريق الجمهور، وهي كما يأتي:

أ - عن بريدة، قال: قال رسول الله(صلي الله عليه و آله و سلم): «قد كنت نهيتكم عن زيارة القبور فقد أذن لمحمد في زيارة قبر أمه فزوروها فإنها تذكر الآخرة» رواه الترمذي وصحّحه. وعن أبي هريرة، قال: «زار النبي(صلي الله عليه و آله و سلم) قبر أمه فبكي وأبكي من حوله...، واستأذنته في أن أزور قبرها فأذن لي، فزوروا القبور فإنها تذكر الموت» رواه الجماعة(3).ب - عن عبد الله بن أبي مليكة: «أن عائشة أقبلت ذات يوم من المقابر، فقلت لها: من أين أقبلت؟ قالت: من قبر أخي عبد الرحمن، فقلت لها: أليس كان نهي رسول الله(صلي الله عليه و آله و سلم) عن زيارة القبور؟ قالت: نعم كان نهي عن زيارة القبور، ثم أمر

ص: 199


1- الحاكم النيسابوري، مستدرك الوسائل: 3/ 59.
2- اُنظر: ص 135 من البحث.
3- الشوكاني، نيل الأوطار: 4/ 164. الألباني، أحكام الجنائز: 178.

بزيارتها» رواه الأثرم في سننه(1).

ج - عن محمد بن قيس بن مخرمة بن المطلب أنه قال: «ألا أحدثكم عن عائشة، أنها قالت: ألا أحدثكم عني وعن رسول الله(صلي الله عليه و آله و سلم) ؟ قلنا: بلي، قالت: لما كانت ليلتي التي كان النبي(صلي الله عليه و آله و سلم) فيها عندي، انقلب فوضع رداءه، وخلع نعليه، فوضعهما عند رجليه، وبسط طرف إزاره علي فراشه، فاضطجع، فلم يلبث إلا ريثما ظهر أنه قد رقدت، فأخذ رداءه رويداً، وانتعل رويداً، وفتح الباب [رويداً]، فخرج، ثم أجافه رويداً، فجعلت درعي في رأسي واختمرت، وتقنعت إزاري، ثم انطلقت علي أثره حتي جاء البقيع، فقام فأطال القيام، ثم رفع يديه ثلاث مرات، ثم انحرف فانحرفت، وأسرع فأسرعت، فهرول فهرولت، فأحضر فأحضرت، فسبقته، فدخلت، فليس إلا أن أضجعت، فدخل فقال، مالك يا عائش حشياً رابية؟ قالت: قلت: لا شيء [يا رسول الله]، قال: لتخبريني أو ليخبرني اللطيف الخبير، قالت: قلت: يا رسول الله، بأبي أنت وأمي، فأخبرته [الخبر]، قال: فأنت السواد الذي رأيت أمامي؟ قلت: نعم، فلهزني في صدري لهزة أوجعتني، ثمقال: أظننت أن يحيف الله عليك ورسوله؟! قالت: مهما يكتم الناس يعلمه الله، [قال]: نعم، قال: فإنّ جبريل أتاني حين رأيت فناداني - فأخفاه منك، فأجبته، فأخفيته منك، ولم يكن ليدخل عليك، وقد وضعت ثيابك وظننت أن قد رقدت، فكرهت أن أوقظك، وخشيت أن تستوحشي - فقال: إن ربك يأمرك أن تأتي أهل البقيع فتستغفر لهم، قالت: قلت: كيف أقول لهم يا رسول الله؟ قال: قولي: السلام علي أهل الديار من المؤمنين والمسلمين، ويرحم الله المستقدمين منا والمستأخرين، وإنا إن شاء الله بكم

ص: 200


1- الشوكاني، نيل الأوطار: 4/ 165.

للاحقون»(1).

وأمّا ما ورد من أحاديث عن التوسّل بالنبي الأكرم(صلي الله عليه و آله و سلم) فكثيرة، ليس هنا محل ذكرها.

وعند تأمل ما ورد من أحاديث في زيارة القبور يتضح أنّ زيارة القبور أمر مباح، ويستحب أن يسلّم علي أصحابها، وأن يستغفر لهم، وما يصنعه الشيعة عند زيارة قبور أئمتهم(عليهم السلام) هو السلام والاستغفار والدعاء؛ فأين هي البدعة في ذلك؟!

وأمّا ما ورد من أحاديث في زيارة القبور عند مدرسة أهل البيت(عليهم السلام) فلا حاجة لذكرها؛ لأنّ واقعهم يؤكّد ذلك.

وما يثير الاستغراب أن البعض اتهم الشيعة بأنهم لا يصلون جمعة ولا جماعة، ويحجّون إلي قبور - أئمتهم كماتقدم -(2).

والجواب:

أ - إن الشيعة لم يتخذوا أحداً من المخلوقين رباً، وإن صلاتهم الجمعة والجماعة قائمة، ولكن مما يؤسف له أن ابن تيمية مات قبل أن يحصل هذا التطور التكنولوجي، ومع ذلك نجد أن ما تبثه القنوات الفضائية من صلاة جمعة وجماعة كافي لتكذيب ابن تيمية فضلاً عن ما ورد في فقه صلاة الجمعة والجماعة في كتب الشيعة الذي يدل علي أنها من التكاليف العبادية التي يقوم بها الشيعة.

ب - إن الشيعة يحجون البيت الحرام وهذا لا ينكره أحد، فهو من الوجدانيات التي يخبره عنها أتباعه الوهابية، فهو لا يستحق الوقوف عنده، فلذا نقول له ولأتباعه عليكم بمطالعة كتب الشيعة الحديثية والفقهية، وسوف تعلمون

ص: 201


1- الألباني، أحكام الجنائز: 181.
2- اُنظر: ص 134 من البحث.

حرص الشيعة علي الحج وأركانه وأجزائه.

المقصد الثاني: أجوبة الاتهامات الواردة حول الشعائر التي تندرج تحت الأدلة الخاصة

اشارة

فيما يلي نتعرض لأجوبة الاتهامات والإشكالات الواردة علي الشعائر الحسينية:

أولاً: الجواب علي الإشكالات والاتهامات الواردة حول البكاء والحزن
اشارة

هنالك عدة أجوبة علي هذه الاتهامات والإشكالات علي البكاء والحزن علي الإمام الحسين(عليه السلام)،من هذه الأجوبة:

الجواب الأول: القرآن يجيز الحزن والبكاء علي فراق المحبوب

إن الحزن والتألم علي فراق المحبوب أمر فطري تسالم عليه العقلاء فضلاً عن المتشرعة، ومن أدني تأمل في القرآن الكريم والسنة الشريفة يظهر جواز الحزن علي فراق المحبوب، لاسيما إذا كان هذا المحبوب ولياً من أولياء الله تعالي.

وقد ذكرت الآيات الكريمة حزن النبي يعقوب(عليه السلام) وبكاءه علي ولده النبي يوسف(عليه السلام) مع احتمال رؤيته في يوم ما؛ لأن يوسف حي يرزق، ولكن مكانه خفي علي يعقوب(عليه السلام) لحكمة إلهية، وهذا ما أشار إليه السيد محسن الأمين في كتابه إقناع اللائم علي إقامة المآتم، فقال: «من أدلة جواز البكاء علي الحسين(عليه السلام) مانص عليه القرآن الكريم من بكاء يعقوب لفراق ولده يوسف، وهو حي في دار الدنيا، حتي ذهب بصره، وحتي قيل له: «وَتَوَلَّي عَنْهُمْ وَقَالَ يَا أَسَفَي عَلَي يُوسُفَ

ص: 202

وَابْيَضَّتْ عَيْنَاهُ مِنَ الْحُزْنِ فَهُوَ كَظِيمٌ» (1).

وروي الطبري في تفسيره عدّة روايات مسندة فيها:أنّ يوسف لمّا سأل جبرئيل ما بلغ من حزن أبيه يعقوب قال: «حزن سبعين مثكلة أو ثكلي، فسأله عن أجره، فقال: أجر سبعين شهيداً أو مائة شهيد...قال: فتراني ألقاه أبداً؟ قال: نعم، فبكي يوسف لما لقي أبوه بعده، ثم قال: ما أبالي ما لقيت، إنّ الله أرانيه»(2).

وروي الطبري في تفسيره أيضاً بسنده عن الحسن - هو الحسن البصري - قال: «كان منذ خرج يوسف من عند يعقوب إلي يوم رجع ثمانون سنة لم يفارق الحزن قلبه، يبكي حتي ذهب بصره. قال الحسن: والله ما علي الأرض يومئذ خليقة أكرم علي الله من يعقوب صلي الله عليه وسلم»(3).

وفي تفسير الرازي: روي أن يوسف(عليه السلام) سأل جبرئيل: هل لك علم بيعقوب؟ قال: نعم، قال: وكيف حزنه؟ قال: حزن سبعين ثكلي - وهي التي لها ولد واحد ثمّ يموت -، قال: فهل له فيه أجر؟ قال: نعم، أجر مائة شهيد - إلي أن قال -: وروي انّ ملك الموت دخل علي يعقوب(عليه السلام) فقال له: جئت لتقبضني قبل أن أري حبيبي؟ فقال: لا، ولكن جئت لأحزن لحزنك، وأشجو لشوجك(4).

وجاء فيه ايضا: «إنّ جبرئيل(عليه السلام) دخل علي يوسف حينما كانفي السجن، فقال: إن بصر أبيك ذهب من الحزن عليك، فوضع يده علي رأسه وقال: ليت أمّي لم تلدني، ولم أك حزناً علي أبي»(5).

ص: 203


1- يوسف: آية84.
2- الطبري، جامع البيان عن تأويل آي القرآن: 13/63.
3- المصدر نفسه: ص64.
4- اُنظر: الفخر الرازي، التفسير الكبير: 18/194.
5- المصدر نفسه: 195، 196.

وفي الكشاف: «قيل: ما جفّت عينا يعقوب من وقت فراق يوسف إلي حين لقائه ثمانين عاماً، وما علي وجه الأرض أكرم علي الله من يعقوب.

وعن رسول الله(صلي الله عليه و آله و سلم) أنه سأل جبرئيل(عليه السلام): ما بلغ من وجد يعقوب علي يوسف؟ قال: وجد سبعين ثكلي، قال: فما كان له من الأجر؟ قال: أجر مائة شهيد، وما ساء ظنّه بالله ساعة قط»(1).

الجواب الثاني: الروايات العامة الدالة علي جواز الحزن والبكاء علي فقد المحبوب

سبق ذكر الروايات التي أشارت إلي حزن النبي(صلي الله عليه و آله و سلم) وبكائه علي ولده الإمام الحسين(عليه السلام) في الفصل الأول من البحث، فيكتفي به كدليل علي مشروعيته، وعدم كونه بدعة كما يزعمون، ولا بأس بذكر أدلة أخري تدل علي مشروعية الشعائر وجوازها، وهي كالآتي:

1. قالت أُم سلمة: «فَلَمَّا ذَكَرْنَا خَدِيجَةَ بَكَي رَسُولُ اللهِ(صلي الله عليه و آله و سلم)، ثُمَّ قَالَ: خَدِيجَةُ وَأَيْنَ مِثْلُ خَدِيجَةَ صَدَّقَتْنِي حِينَ كَذَّبَنِي النَّاسُوَآزَرَتْنِي عَلَي دِينِ اللهِ وَأَعَانَتْنِي عَلَيْهِ بِمَالِهَا...»(2).

2. «آخي رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله بينه و بين زيد بن حارثة و هاجر إلي المدينة، وأول لواء عقده رسول اللّه(صلي الله عليه و آله و سلم) حين قدم المدينة لحمزة، و شهد بدراً و أبلي فيها بلاءً عظيماً مشهوراً، و شهد أحداً و قتل بها، و مثّل به المشركون، و بقرت هند بطن حمزة سلام اللّه عليه، فأخرجت كبده، فجعلت تلوكها، فلما شهده النبيّ صلّي اللّه عليه و آله اشتد وجده عليه، و روي أنّه(صلي الله عليه و آله و سلم) وقف عليه، و قد مثّل به، فلم ير منظراً كان أوجع لقلبه منه، فقال: رحمك اللّه أي عم، فلقد كنت وصولاً للرحم،

ص: 204


1- الزمخشري، الكشاف عن حقائق غوامض التنزيل وعيون الأقاويل في وجوه التأويل: 2/339.
2- الأربلي، كشف الغمة في معرفة الأئمة: 1/360.

فعولاً للخيرات. و روي عن جابر، قال: لما رأي رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله حمزة قتيلاً بكي، فلما رأي ما مثّل به شهق»(1).

3- عنْ محْمود بْن لبيد، قال: «انْكسفت الشّمْس يوْم مات إبْراهيم ابْن رسول الله(صلي الله عليه و آله و سلم)، فقال النّاس انْكسفت الشّمْس لموْت إبْراهيم ابْن النّبي(صلي الله عليه و آله و سلم)، فخرج رسول الله(صلي الله عليه و آله و سلم) حين سمع ذلك، فحمد الله وأثْني عليْه، ثمّ قال: أمّا بعْد، أيّها النّاس، إنّ الشّمْس والْقمر آيتان منْ آيات الله لا تنْكسفان لموْت أحد ولا لحياته، فإذا رأيْتمْ ذلك فافْزعوا إلي الْمساجد، ودمعتْ عيْناه، فقالوا يا رسول الله، تبْكي وأنْت رسول الله، فقال: (إنّما أنا بشرٌ تدْمع الْعيْن ويفْجع الْقلْب ولا نقول مايسْخط الرّبّ، يا إبْراهيم إنّا بك لمحْزونون)»(2).

4- جاءت الرواية: «أن أبا طالب لما مات جاء علي(عليه السلام) إلي رسول الله(صلي الله عليه و آله و سلم) فآذنه بموته، فتوجّع عظيماً وحزن شديداً»(3).

كما أن في حزنه وبكائه علي عمه أبي طالب وزوجته السيدة خديجة وبكائه علي عمه حمزة وولده إبراهيم وحزنه عليهما الكفاية في جواز الحزن والبكاء علي الميت.

الجواب الثالث: الروايات الدالة علي جواز البكاء والحزن علي الإمام الحسين(عليه السلام)

تقدم ذكر الأحاديث والروايات التي تدل علي جواز البكاء والحزن علي الإمام الحسين(عليه السلام)، بل علي استحباب ذلك.

ص: 205


1- الطبرسي، الاحتجاج علي أهل اللجاج: 1/ 136.
2- النوري، مستدرك الوسائل ومستنبط المسائل: 2/463، ح2470.
3- ابن أبي الحديد، شرح نهج البلاغة: 14/76.
ثانياً: الجواب علي الإشكالات والاتهامات الواردة حول لبس السواد
اشارة

اتفق العقلاء علي أن اللباس الأسود يمثل الحزن علي فقدان المحبوب، ووافقهم علي ذلك أهل الدين والشرع، بل جاء في الروايات: أن أهل البيت(عليهم السلام) لبسوا السواد في مصائبهم.

الأدلة العامة علي جواز لبس السواد

هناك عدد كبير من الروايات العامة التي دلت علي جواز لبس السواد، منها:

أ - لبس الحسنان السواد علي أبيهما بعد شهادته، عن الأصبغ بن نباتة، أنه قال: «دخلت مسجد الكوفة - بعد قتل أمير المؤمنين - ورأيت الحسن والحسين(عليهما السلام) لابسي السواد»(1).

ب - قال ابن أبي الحديد في شرح نهج البلاغة: «وكان خرج (الحسن بن علي(عليه السلام) ) إليهم - علي الناس بعد شهادة أبيه - وعليه ثبات سود»(2).

ج - لبس نساء بني هاشم السواد والمسوح حزناً علي سيد الشهداء(عليه السلام)، كما ورد ذلك في كتاب المحاسن للبرقي، بسنده عن عمر بن علي بن الحسين(عليه السلام)، قال: «لما قتل الحسين بن علي(عليه السلام) لبسن نساء بني هاشم السواد والمسوح، وكن لا يشتكين من حر ولا برد، وكان علي بن الحسين(عليه السلام) يعمل لهن الطعام للمأتم»(3).

د - روي الصفار في بصائر الدرجات عن البزنطي، عن أبان بن عثمان، عن عيسي بن عبد الله وثابت، عن حنظلة، عن أبي عبد الله(عليه السلام)، قال: خطب رسول الله(صلي الله عليه و آله و سلم) يوماً بعد أن صلي الفجرفي المسجد، وعليه قميصة سوداء، وذكر(عليه السلام) أنه

ص: 206


1- المامقاني، مجمع الدرر في المسائل الاثني عشر.
2- ابن أبي الحديد، شرح نهج البلاغة: 16/ 22.
3- البرقي، المحاسن: 2/ 402.

توفي(صلي الله عليه و آله و سلم) في ذلك اليوم. وفي سيرة ابن هشام: «كان علي رسول الله(صلي الله عليه و آله و سلم) قميصة سوداء حين اشتد به وجعه»(1).

ﻫ - روي الكليني بسنده عن سليمان بن راشد، عن أبيه، قال: «رأيت علي بن الحسين(عليه السلام) وعليه دراعة سوداء وطيلسان أزرق»(2).

و - روي الشيخ في الغيبة بسنده إلي كامل بن إبراهيم: «أنّه دخل علي أبي محمد الحسن العسكري(عليه السلام)، فنظر إلي ثياب بياض ناعمة، قال: فقلت في نفسي: ولي الله وحجته يلبس الناعم من الثياب ويأمرنا نحن بمواساة الإخوان وينهانا عن لبس مثله؟ فقال(عليه السلام) متبسماً: يا كامل، وحسر عن ذراعيه، فإذا مسح أسود خشن علي جلده، فقال: هذا لله، هذا لكم»(3).

الأدلة الخاصة علي جواز لبس السواد علي الإمام الحسين(عليه السلام)

توجد روايات عديدة تدل علي جواز لبس السواد علي الإمام الحسين(عليه السلام)، منها:

أ - ما جري في الشام علي قافلة سيد الشهداء(عليه السلام) بعدما أذن لهم يزيد بالرجوع وطلبوا منه النوح علي الحسين(عليه السلام): «فلم تبق هاشمية ولا قرشية إلا ولبست السواد عليالحسين وندبوه»(4).

ب - سكينة بنت الحسين تري الزهراء(عليها السلام) في المنام وهي تندب الحسين وعليها ثياب سود. يذكر ذلك المحقق النوري في المستدرك حيث تقول سكينة(عليها السلام):

ص: 207


1- الصفار، بصائر الدرجات: 304-305.
2- الكليني، الكافي: 6/ 449.
3- العاملي، وسائل الشيعة: 3/ 351.
4- المصدر نفسه: 327.

«... فإذا بخمس نسوة قد عظم الله خلقتهن، وزاد في نورهن وبينهن امرأة عظيمة الخلقة ناشرة شعرها، وعليها ثياب سود، وبيدها قميص مضمخ بالدم إلي أن ذكرت أنها كانت فاطمة الزهراء(عليها السلام)»(1).

ج - في مقتل أبي مخنف: «عندما أخبر نعمان بن بشير بقتل الحسين(عليه السلام)، فلم يبق في المدينة مخدرة إلا وبرزت من خدرها، ولبسوا السواد، وصاروا يدعون بالويل والثبور»(2).

وأمّا الروايات الواردة في باب لباس المصلي، فهي تشير إلي أن لباس السواد هو لباس الأعداء، ولباس أهل النار، ولباس بني العباس، ولذا نجد أنّ فتوي كثير من العلماء تذهب إلي كراهة لبس السواد خصوصاً في الصلاة(3).

ولكن لا شك أن لبس السواد علي الإمام الحسين(عليه السلام) هو من شعائر من أراد إظهار الحزن عليه، فهو غيرمشمول بالكراهية الواردة هناك.

ثالثاً: الجواب علي الإشكالات والاتهامات الواردة حول المشي لزيارة الحسين(عليه السلام)

لقد ذكر العلماء والباحثون الأدلة الكافية علي جواز العمل بهذه الشعيرة، وأفردوا لذلك المؤلفات التي تشير إلي ذلك(4).

ص: 208


1- المصدر نفسه: 328.
2- أبو مخنف، مقتل أبي مخنف: 222.
3- اُنظر: السند، الشعائر الحسينية: 382.
4- اُنظر: الاصطهباني، نور العين في المشي إلي زيارة الحسين(عليه السلام). واُنظر: الساعدي، المشي لزيارة الإمام الحسين(عليه السلام) وباقي الأئمة(عليهم السلام)، مقال منشور في مجلة الإصلاح الحسيني العدد الثالث، 2013م.

وقد ذكرت الكثير من الروايات الدالة علي جواز هذه الشعيرة، وسنشير هنا إلي بعض منها:

أ - عن الحسين بن ثوير بن أبي فاختة، قال: قال أبو عبد الله(عليه السلام): «من خرج من منزله يريد زيارة قبر الحسين بن علي(عليه السلام) إن كان ماشياً كتب الله له بكل خطوة حسنة ومحي عنه سيئة، حتي إذا صار في الحائر كتبه الله من المفلحين المنجحين، حتي إذا قضي مناسكه كتبه الله من الفائزين، حتي إذا أراد الانصراف أتاه ملك فقال: إنّ رسول الله(صلي الله عليه و آله و سلم) يقرؤك السلام ويقول لك: استأنف العمل فقد غفر لك ما مضي»(1).

ب - عن جابر المكفوف، عن أبي الصامت، قال: سمعت أبا عبد الله(عليه السلام) وهو يقول: «من أتي قبر الحسين(عليه السلام) ماشياً كتب الله له بكل خطوة ألف حسنة، ومحا عنه ألف سيئة، ورفع له ألفدرجة، فإذا أتيت الفرات فاغتسل وعلق نعليك وامش حافياً، وامش مشي العبد الذليل، فإذا أتيت باب الحائر فكبر أربعاً، ثم امش قليلاً، ثم كبر أربعاً، ثم ائت رأسه فقف عليه، فكبر أربعاً وصل عنده، واسأل الله حاجتك»(2).

رابعاً: الجواب علي الإشكالات الواردة علي لعن قاتل الحسين(عليه السلام)
اشارة

وردت كلمة اللعن ومشتقاتها في كثرة من الآيات الكريمة، وهي تشير إلي لعنة الله تعالي، ولعنة الملائكة ولعنة الناس، ولعنة اللاعنين، بالإضافة إلي ما ورد من متفرقات أخري لهذه الكلمة، فبلغ عدد الآيات التي ذكرت ذلك ستاً وثلاثين آية، ووردت في السنة الشريفة أكثر من أربعمائة حديث عن رسول الله(صلي الله عليه و آله و سلم).

1- اللعن في اللغة

قال الجوهري: «اللعن: الطرد والإبعاد من الخير»(3).

ص: 209


1- ابن قولويه القمي، كامل الزيارات: 139.
2- المصدر نفسه: 140.
3- الجوهري، الصحاح: 6/ 2196.

وقال ابن منظور: «(اللعن) الإبعاد والطرد من الخير»(1).

2- اللعن في الاصطلاح
اشارة

قال ابن الأثير: «وأصل اللعن، الطرد والإبعاد من الله، ومنالخلق السب والدعاء»(2).

قال الطبري في تفسيره: «واللعنة والفعلة، من لعنه الله بمعني أقصاه وأبعده وأسحقه. وأصل اللعن الطرد، فمعني الآية من قوله تعالي: « ...يَلْعَنُهُمُ اللَّهُ وَيَلْعَنُهُمُ اللَّاعِنُونَ» إذاً: (أولئك يبعدهم الله منه ومن رحمته ويسأل ربهم اللاعنون أن يلعنهم؛ لأنّ لعنة بني آدم وسائر خلق الله ما لعنوا أن يقولوا (اللهم العنه) إذ كان معني اللعن هو ما وصفنا من الإقصاء والإبعاد)»(3).

وحيث إنّنا لا نريد أن نتوسع في إثبات صحة لعن يزيد وجيشه وأصحابه، بل وصحة لعن من أعانه علي جريمته ومن أسس لها، نكتفي بما يأتي:

أ - النبي الأكرم(صلي الله عليه و آله و سلم) وأهل البيت يلعنون قاتل الحسين(عليه السلام)

قال رسول الله(صلي الله عليه و آله و سلم) في حديث طويل في ذيل الآية: «وَإِذْ أَخَذْنَا مِيثَاقَكُمْ لَا تَسْفِكُونَ دِمَاءَكُمْ»: «...أَلَا وَلَعَنَ اللهُ قَتَلَةَ الْحُسَيْنِ وَمُحِبِّيهِمْ وَنَاصِرِيهِمْ، وَالسَّاكِتِينَ عَنْ لَعْنِهِم...»(4).

وعن داود الرقي، قال: «كنت عند أبي عبد الله(عليه السلام) إذا استسقي الماء، فلما

ص: 210


1- ابن منظور، لسان العرب: 13/ 387.
2- ابن الاثير، النهاية في غريب الحديث والاثر: 4/ 255..
3- الطبري، تفسير الطبري: 2/ 58.
4- التفسير المنسوب للإمام العسكري(عليه السلام): 370، ح258.

شربه رأيته قد استعبر واغرورقت عيناه بدموعه، ثم قال لي: يا داود، لعن الله قاتل الحسين(عليه السلام)، وما من عبد شرب الماء فذكرالحسين(عليه السلام) وأهل بيته، ولعن قاتله، إلا كتب الله عز وجل له مائة ألف حسنة، وحط عنه مائة ألف سيئة، ورفع له مائة ألف درجة، وكأنما أعتق مائة ألف نسمة، وحشره الله عز وجل يوم القيامة ثلج الفؤاد»(1).

قال الحاكم: «عن عبيد الله بن عبد الرحمن بن عبد الله بن موهب، قال: سمعت علي بن الحسين، يحدث عن أبيه، عن جده، قال: قال رسول الله(صلي الله عليه و آله و سلم): ستة لعنتهم ولعنهم الله وكل نبي مجاب: الزائد في كتاب الله، والمكذب بقدر الله، والمتسلط بالجبروت ليذل من أعز الله ويعز من أذل الله، والتارك لسنتي، والمستحل من عترتي ما حرم الله، والمستحل لحرم الله»(2).

ب - رأي علماء الجمهور في لعن بعض الأفراد ومنهم يزيد:

1- قال ابن حجر في الصواعق المحرقة: «الخوارج لعنهم الله»(3).

2- قال أبو حنيفة: «لعن الله عمرو بن عبيد، هو فتح علي الناس الكلام»(4).

3- صرح جماعة من علماء السنة بجواز لعن يزيد بن معاوية، منهم:

أ - عبد الرحمن بن الجوزي (ت 597ﻫ)، وألّف بذلك كتاباًصرح فيه بجواز لعن يزيد وكفره، أسماه «الرد علي المتعصب العنيد المانع من ذم يزيد».

ب - القاضي أبو يعلي الموصلي.

ج - التفتزاني.

ص: 211


1- الكليني، الكافي: 6/ 391.
2- الحاكم النيسابوري، المستدرك علي الصحيحين: 3/ 128، ح3991.
3- ابن حجر العسقلاني، الصواعق المحرقة: 186.
4- أبو العز، صرح العقيدة الطحاوية: 524.

د - جلال الدين السيوطي.

ﻫ - العلامة أبو الفضل شهاب الدين الآلوسي البغدادي(1).

وصرح الذهبي بحق الحجاج قائلاً: «وكان ظلوماً، جباراً، ناصبياً، خبيثاً، سفاكاً للدماء... فنسبه ولا نحبه، بل نبغضه في الله، فإنّ ذلك من أوثق عري الإيمان»(2).

وجاء في إجابة ابن تيمية للمغولي بولاي: «ما تقولون في يزيد؟ فقلت: لا نسبه ولا نحبه فإنه لم يكن رجلاً صالحاً فنحبه ونحن لا نسب أحداً من المسلمين بعينه، فقال: أفلا تلعنونه؟ أما كان ظالماً أما قتل الحسين؟ فقلت له: نحن إذا ذكر الظالمون كالحجاج بن يوسف وأمثاله نقول كما قال الله في القرآن «أَلَا لَعْنَةُ اللَّهِ عَلَي الظَّالِمِينَ» ولا نحب أن نلعن أحداً بعينه، وقد لعنه قوم من العلماء، وهذا مذهب يسوغ فيه الاجتهاد، لكن ذلك القول أحب إلينا وأحسن، وأما من قتل الحسين أو أعان علي قتله أو رضي بذلك فعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين، لا يقبل الله منه صرفاً ولا عدلاً»(3).وقال الفخر الرازي: «إنّ لعن من يستحق اللعن من القول الحسن، والله أعلم»(4).

ج - النبي الأكرم(صلي الله عليه و آله و سلم) يلعن من يتعدي علي حرمة المدينة المنورة

قال مسلم: حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة، حدثنا حسين بن علي الجعفي، عن

ص: 212


1- الآلوسي، روح المعاني: 12/ 227-229.
2- الذهبي، سير أعلام النبلاء: 4/ 343.
3- ابن تيمية، مجموع الفتاوي: 2/ 253.
4- الفخر الرازي، التفسير الكبير: 2/ تفسير سورة البقرة، آية 89.

زائدة، عن سليمان، عن أبي هريرة، عن النبي(صلي الله عليه و آله و سلم) أنه قال: «المدينة حرم فمن أحدث فيها حدثاً أو آوي محدثاً فعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين...»(1).

وروي ابن أبي شيبة: عن جابر بن عبد الله، قال: قال رسول الله(صلي الله عليه و آله و سلم): «من أخاف أهل المدينة فعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين...»(2).

3- الذين يستحقون اللعن

هناك فئات كثيرة ذكرتها الآيات الكريمة والروايات الشريفة تستحق اللعن، نذكر منها:

أ - الكافرون.

ب - الكاذبون.

ج - القاتل بالعمد.

د - الذين يؤذون النبي(صلي الله عليه و آله و سلم).ﻫ - الظالمون.

و- المنافقون والمنافقات.

ز- الذين يكتمون الحق.

4- اللاعنون

واللاعنون هم الذين يطلقون اللعنة علي غيرهم، وهم:

أ - الله تبارك وتعالي.

ب - الملائكة.

ص: 213


1- النيسابوري، صحيح مسلم، 493، ح3348.
2- ابن شيبة، المصنف: باب57، 6/ 409.

ج - الناس.

وهذا ما أشارت إليه الآية الكريمة: «إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَمَاتُوا وَهُمْ كُفَّارٌ أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ لَعْنَةُ اللَّهِ وَالْمَلَائِكَةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ» (1).

بعد هذه المقدمة يحق لنا أن نقول: إنّ ما قام به يزيد وولاته وجيشه من قتل الإمام الحسين(عليه السلام) تتجسد فيه جميع الصفات التي استحق أصحابها عليها اللعن:

1- إن قول يزيد المشهور:

لعبت هاشم بالملك فلا *** خبر جاء ولا وحي نزل

يدل علي كفره الصريح، فيكون مصداقاً لقوله تعالي: «إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَمَاتُوا وَهُمْ كُفَّارٌ أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ لَعْنَةُ اللَّهِ وَالْمَلَائِكَةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ».

2- إنّ يزيد وأصحابه من الكاذبين؛ وذلك بادعائهم حبّ النبي الأكرم(صلي الله عليه و آله و سلم) مع التجاوز علي ذريته بالقتل والسبيوغيرها من الأفعال الشنيعة التي تناقض المدعي، فيكونوا مصداقاً لقوله تعالي: «فَمَنْ حَاجَّكَ فِيهِ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ فَقُلْ تَعَالَوْا نَدْعُ أَبْنَاءَنَا وَأَبْنَاءَكُمْ وَنِسَاءَنَا وَنِسَاءَكُمْ وَأَنْفُسَنَا وَأَنْفُسَكُمْ ثُمَّ نَبْتَهِلْ فَنَجْعَلْ لَعْنَتَ اللَّهِ عَلَي الْكَاذِبِينَ» (2).

3- إنّ يزيد وأصحابه من المنافقين؛ لأنّهم أضمروا بغض النبي وعترته أهل بيته(عليهم السلام)، وأظهروا الإيمان به وحبّه، فصاروا مصادقاً لقوله تعالي: «وَعَدَ اللَّهُ الْمُنَافِقِينَ وَالْمُنَافِقَاتِ وَالْكُفَّارَ نَارَ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا هِيَ حَسْبُهُمْ وَلَعَنَهُمُ اللَّهُ وَلَهُمْ عَذَابٌ مُقِيمٌ»(3).

ص: 214


1- البقرة: آية161.
2- آل عمران: آية61.
3- التوبة: آية68.

4- إنّ يزيد وأصحابه ممن آذي رسول الله(صلي الله عليه و آله و سلم) في ذريته؛ وذلك بقتلهم الإمام الحسين(عليه السلام) وأصحابه، فأصبحوا مصداقاً لقوله تعالي: «إِنَّ الَّذِينَ يُؤْذُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ لَعَنَهُمُ اللَّهُ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَأَعَدَّ لَهُمْ عَذَابًا مُهِينًا» (1).

5- إنّ يزيد وأصحابه ممن قاموا بالقتل العمد للمؤمنين؛ وقد تحقق ذلك في كربلاء، وفي المدينة المنورة، ومكة المكرمة - كما ورد ذلك في كتب التاريخ - فكانوا مصداقاً لقوله تعالي: «وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُتَعَمِّدًا فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِدًا فِيهَا وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَابًا عَظِيمًا» (2).

6- إنّ يزيد وأصحابه ظالمون للإمام الحسين(عليه السلام) وأصحابه، بل ظالمون لكثير من المسلمين؛ وهذا عند تجاوزهم حدود الله تعالي باعتدائهم علي سيد شباب أهل الجنة ظلماً وعدواناً، وباعتدائهم علي المسلمين في مدينة رسول الله(صلي الله عليه و آله و سلم) في واقعة الحرة، فصاروا مصداقاً لقوله تعالي: «وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَي عَلَي اللَّهِ كَذِبًا أُولَئِكَ يُعْرَضُونَ عَلَي رَبِّهِمْ وَيَقُولُ الْأَشْهَادُ هَؤُلَاءِ الَّذِينَ كَذَبُوا عَلَي رَبِّهِمْ أَلَا لَعْنَةُ اللَّهِ عَلَي الظَّالِمِينَ» (3).

7- إنّ يزيد وأصحابه كتموا الحق، بل خالفوه؛ وذلك بنهجهم المنحرف عن الإسلام واتهامهم بأنّ الذين قتلوا في كربلاء من الخارجين، وهذا ما أعانهم عليه فقهاء السوء، فجعلوا الإمام الحق الحسين(عليه السلام) خارجياً، ويزيد بن معاوية هو إمام المسلمين، فصاروا هم وفقهاؤهم مصداقاً لقوله تعالي: «إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنْزَلْنَا مِنَ الْبَيِّنَاتِ وَالْهُدَي مِنْ بَعْدِ مَا بَيَّنَّاهُ لِلنَّاسِ فِي الْكِتَابِ أُولَئِكَ يَلْعَنُهُمُ اللَّهُ وَيَلْعَنُهُمُ اللَّاعِنُونَ»(4).

ص: 215


1- الأحزاب: آية57.
2- النساء: آية93.
3- هود: آية18.
4- البقرة: آية159.

المقصد الثالث: أجوبة الاتهامات الواردة حول الشعائر التي تندرج تحت الأدلة العامة

اشارة

فيما يلي عدد من الأجوبة علي الاتهامات علي الشعائر الحسينية التي تندرج تحت الأدلة العامة، منها:

أولاً: الجواب علي الإشكالات والاتهامات الواردة حول لدم الصدور (اللطم) وندب الميت
اشارة

إنّ اللطم من الأعمال التي تندرج تحت روايات استحباب الجزع والحزن، والتعبير عن ذلك يختلف باختلاف الأعراف والعادات.

وقد أثيرت شبهات حول مشروعية اللطم، كونه بدعة وفيه ضررٌ علي النفس وإيذاء لها، أو هو مما يلحق التوهين والسخرية بالمذهب.وأجيب عن ذلك بما يلي:

1- إنّ البدعة إدخال ما ليس من الدين في الدين، أو نفي أو إنكار أو جحود ما ثبت بالأدلة الصحيحة، ومن الواضح أن اللطم ليس مصداقاً لأيّ من المعنيين المذكورين(1).

2- ليس في اللطم ضرر معتد به عند الناس، قال الشيخ كاشف الغطاء، في (المواكب الحسينية): «قد بلغنا من العمر ما يناهز الستين، وفي كل سنة تقام نصب أعيننا... وما رأينا شخصاً مات أو تضرر، ولا سمعنا به في الغابرين»(2).

وقال السيد الخوئي(رحمة الله): «اللطم، وإن كان من الشديد، حزناً علي الحسين(عليه السلام) من الشعائر المستحبة؛ لدخوله تحت عنوان الجزع الذي دلت النصوص المعتبرة علي رجحانه، ولو أدي بعض الأحيان إلي الإدماء واسوداد الصدر، ولا دليل علي حرمة كل إضرار بالجسد، ما لم يصل إلي حد الجناية علي النفس، بحيث يعد ظلماً لها، كما

ص: 216


1- اُنظر: العبادي، أجوبة الشبهات حو الشعائر الحسينية: 89-90.
2- النراقي، مستند الشيعة: 15/ 17.

أنّ كون طريقة العزاء حضارية أو لا، ليس مناطاً للحرمة والإباحة، ولا قيمة له في مقام الاستدلال»((1).

لو فرضنا أنّ في اللطم ضرراً علي النفس، لكن حرمة ذلك مختص بمن يعتقد أنّ قيامه بهذا العمل يلحق ضرراً علي نفسه، فيكون اللطم حراماً علي ذلك الشخص فقط؛وذلك لأنّ المرفوع بقاعدة الضرر في العبادات هوا لضرر الشخصي، لا النوعي الغالبي، كما هو واضح لمن تتبع كلمات الفقهاء في الموارد المتفرقة(2).

إننا نستغرب من الذين يذهبون إلي حرمة اللطم حزناً وجزعاً علي الحسين(عليه السلام) بذريعة إيذاء النفس، في الوقت الذي يجيزون ممارسة الرياضات العنيفة، مثل المصارعة والجودة والكراتيه والكونكفو، وسباق الخيل والدراجات البخارية والسيارات والزوارق السريعة، والتزلج في المناطق الخطرة مع القفز من الارتفاعات العالية، إلي غير ذلك من فنون رياضات هذا العصر وغيرها، مع ما تسببه من الآلام الشديدة والجراحات والرضوض والكسور غير البالغة(3).

3- إن كثيراً من العلماء والمراجع، من السلف إلي المعاصرين، أقروا وأمضوا هذه الشعائر، بما فيها اللطم، وحكموا بجوازها واستحبابها، كالشيخ الحر العاملي، والشيخ مرتضي الأنصاري، والشيخ محمد حسن صاحب الجواهر، والشيخ جعفر الشوشتري، والحاج ملا علي الكني، والشيخ فضل الله النوري، والآخوند كاظم الخراساني، والميرزا النائيني، والشيخ جعفر كاشف الغطاء، والشيخ عبد الكريم

ص: 217


1- التبريزي، صراط النجاة: 3/ 443.
2- مجموعة من العلماء، الشعائر الحسينية: ص80.
3- اُنظر: العبادي، أجوبة الشبهات حول الشعائر الحسينية: 95-100.

الحائري اليزدي، وآخرين(1).

ونذكر نموذجاً لذلك وهو مقطع من فتوي الميرزا النائيني في جواز اللطم، حيث قال: «...لا إشكال في جواز اللطم بالأيدي علي الخدود والصدور حدّ الاحمرار والاسوداد، بل يقوي جواز الضرب بالسلاسل أيضاً علي الأكتاف والظهور، إلي الحد المذكور، بل وإن تأدّي كل من اللطم والضرب إلي خروج دم يسير علي الأقوي»(2).

4- لا يخفي أن منشأ الهتك والستر الذي يُدّعي أنه يلزم من إقامة الشعائر الحسينية، المتضمنة للطم، هو استهزاء الآخرين - سواء كانوا من المذاهب الأخري أو من قبل الملل الأخري أو من أبناء نفس المذهب - بهذه الشعائر(3).

ولكي يتضح الأمر جليّاً نقول:

اللدم هو اللطم، وهذا ما أشار إليه صاحب كتاب المعجم فقال «لدم الشيء لدماء: ضربه - وفلاناً - لطمه أو ضربهبشيء.. ويقال لدمت المرأة صدرها ووجهها.. »(4).

ولطم الصدور في المأتم الحسيني إظهاراً للحزن والجزع أكثر من مجرد البكاء، ودلت عليه الأدلة من الفريقين، وهذا مما يخرجه عن كونه بدعة؛ لما عرفنا من معني البدعة، ولكي يتضح المطلب نذكر بعضاً من هذه الأدلة.

ص: 218


1- فتاوي علماء الدين حول الشعائر الحسينية: 21-24.
2- المصدر نفسه.
3- اُنظر: العبادي، أجوبة الشبهات حول الشعائر الحسينية: 101-105.
4- إبراهيم أنيس وآخرون، المعجم الوسيط: 821.
الأوّل: أدلة الجمهور

أ - عن زيد بن أبي عتاب، عن عروة، عن عائشة، قالت: «توفي رسول الله، صلي الله عليه وآله وسلم، بين سحري ونحري وفي دولتي، ولم أظلم فيه أحداً، فعجبت من حداثة سني أن رسول الله، صلي الله عليه وسلم، قبض في حجري فلم أتركه علي حاله حتي يغسل، ولكن تناولت وسادة فوضعتها تحت رأسه ثم، قمت مع النساء أصيح وألتدم، وقد وضعت رأسه علي الوسادة وأخرته عن حجري»((1).

ب: عن يحيي بن عبّاد بن عبد اللّه بن الزّبير، عن أبيه عبّاد، قال: سمعت عائشة تقول: مات رسول اللّه صلّي اللّه عليه - وآله - وسلّم بين سحري ونحري وفي دولتي، لم أظلم فيه أحدا، فمن سفهي وحداثة سنّي أنّ رسول اللّه قبض وهو في حجري، ثمّ وضعت رأسه علي وسادة وقمت ألتدم مع النّساء وأضرب وجهي»(2).

ج - عن أنس بن مالك، قال: «قالت فاطمة لما قبض رسول الله(صلي الله عليه و آله و سلم): يا أبتاه من ربه أدناه، يا أبتاه جنة الفردوس مأواه، يا أبتاه إلي جبريل أنعاه» لم يروه عن ابن جريج إلا أبو قرة(3).

الثاني: أدلة مدرسة أهل البيت(عليهم السلام)

أ - روي الشيخ الطوسي في التهذيب عن الإمام الصادق(عليه السلام) أنّ عموم الفاطميات شققن جيوبهنّ، ولطمن خدودهن علي الإمام الحسين(عليه السلام)، قال: «وَقَدْ شَقَقْنَ الْجُيُوبَ وَلَطَمْنَ الْخُدُودَ الْفَاطِمِيَّاتُ عَلَي الْحُسَيْنِ بْنِ عَلِيٍّ(عليه السلام) وَعَلَي مِثْلِهِ تُلْطَمُ

ص: 219


1- ابن سعد، الطبقات الكبري: 2/ 262.
2- ابن حنبل، مسند أحمد: 43/ 368.
3- الطبراني، المعجم الصغير: 2/ 112.

الْخُدُودُ وَتُشَقُ الْجُيُوبُ»(1).

ب - روي عن الإمام علي بن الحسين(عليهما السلام) أنّ زينب(عليها السلام) لمّا سمعت الحسين(عليه السلام) ينشد:

يا دهر أفٍ لك من خليل *** كم لك بالإشراق والأصيل

لطمت وجهها، وهوت علي جيبها وشقّته، وخرّت مغشية عليها»(2).

ج - قال الإمام الرضا(عليه السلام) من حديث طويلٍ له: «...يا ابن شبيب إن سرّك أن تكون معنا في الدّرجات العلي من الجنان فاحزن لحزننا وافرح لفرحنا وعليك بولايتنا، فلو أنّ رجلا أحبّ حجرا لحشرهاللّه عزّ وجلّ معه يوم القيامة»(3).

ويعدّ اللطم تعبيراً عن الحزن علي مصاب الإمام الحسين(عليه السلام).

ثانياً: الجواب علي الإشكالات الواردة حول الإنفاق علي زائري قبور المعصومين(عليهم السلام)

عند تأمل الروايات التي ذكرت استحباب أفعال البر والخير يظهر للمتأمل جواز الإنفاق من أجل الميت علي محبيه أو علي أصدقائه وكل من له علاقة بالميت، وما ورد في الصحيحين يظهر منه ذلك، فقد ورد عن عائشة أنها قالت: «ما غرت علي امرأة للنبي صلي الله عليه - وآله - وسلم ما غرت علي خديجة، هلكت قبل أن يتزوجني، لما كنت أسمعه يذكرها، وأمره الله أن يبشرها ببيت من قصب، وإن كان ليذبح الشاة فيهدي في خلائلها منها ما يسعهنّ»(4).

وعن عائشة قالت: «ما غرت علي نساء النبي صلي الله عليه - وآله - وسلم إلّا

ص: 220


1- الطوسي، تهذيب الأحكام: 8/ 325، ح1207.
2- المجلسي، بحار الأنوار: 45/ 2.
3- الصدوق، عيون أخبار الرضا(عليه السلام): 1/ 268، ح58.
4- البخاري، صحيح البخاري: 5/ 121.

علي خديجة، وإني لم أدركها، وكان رسول الله صلي الله عليه - وآله - وسلم إذا ذبح الشاة فيقول: أرسلوا بها إلي أصدقاء خديجة، قالت: فأغضبته يوماً فقلت: خديجة؟ فقال رسول الله صلي الله عليه - وآله - وسلم: إني قد رزقت حبها»(1).وإذا نظرنا إلي أن الإنفاق بعنوان صدقة يصل ثوابها إلي الميت، يكون الإنفاق من طعام أو شراب علي محبي الإمام الحسين(عليه السلام) وزواره الفقراء جائز، بل مستحب وليس ببدعة، وهذا ما أشار إليه مسلم في صحيحه فقال: «حدثنا محمد بن بشر، حدثنا هشام، عن أبيه، عن عائشة: أن رجلاً أتي النبي صلي الله عليه - وآله - وسلم فقال: يا رسول الله، إن أمي افتلتت بها ولم توص، وأظنها لو تكلمت تصدقت، أفلها أجر إن تصدقت عنها؟ قال: نعم»(2).

بل هنالك بعض الأدلة الخاصة التي تدل علي استحباب الإطعام في مأتم الإمام الحسين(عليه السلام)، فقد ورد في المحاسن عن الحسن بن طريف بن ناصح، عن أبيه، عن الحسين بن زيد، عن عمر بن علي بن الحسين، قال: «لما قتل الحسين بن علي(عليه السلام) لبسن نساء بني هاشم السواد والمسوح، وكن لا يشتكين من حرّ ولا برد، وكان علي ابن الحسين(عليه السلام) يعمل لهن الطعام للمأتم»(3).

ثالثاً: الجواب علي الإشكالات الواردة حول الإنفاق علي التشابيه في المراسم الحسينية

التشبيه: التمثيل((4). أشبه الشيء الشيء: ماثله، شبّه الشيء بالشيء مثله.

تعددت طرق توصيل المعلومة في الوقت الحاضر، ولم تقتصر علي الكلام أو

ص: 221


1- النيسابوري، صحيح مسلم: 8/ 53، باب فضائل خديجة، ح6228-75.
2- المصدر نفسه: 4/ 328.
3- المصدر نفسه: 353.
4- إبراهيم أنيس وآخرون، المعجم الوسيط: 471.

الكتابة، بل تجاوزت ذلك إلي الأفعال المحسوسة، فكان التجسيم والمرسم والتصوير الفتوغرافي والتصوير السينمائي كفيلاً بإيصال ما يراد إيصاله إلي المتلقي، فلو أردنا أن ننقل مقطعاً تاريخياً ذكره القرآن الكريم عن الأنبياء وأممهم إلي من لا يستطيع القراءة ولا يستطيع الاستماع، فليس لدينا إلا ما يمكن رؤيته بالعين وإدراكه بعد ذلك، وخير ما يؤدي هذا الدور هي الصورة السينمائية، ولكن لابد لهذه الصورة أن تكون ممثلة إما بأشخاص كارتونية فتكون فلماً كارتونياً أو بأشخاص حقيقيين فتكون صورة سينمائية، وهذا ما يقتضيه التطور والتقدم التكنلوجي.

فبعد هذه المقدمة نستطيع القول إنّ تمثيل أي قصة تاريخية أمر فني وعلمي؛ لما في ذلك من فائدة في توصيل هذه القصة، كما أن علماء التربية وعلماء النفسأكدوا أن الصورة الممثلة لها وقع في النفس، وتأثير في القلب لا ترتقي إليه الكلمة المجردة أو المكتوبة، ولذا نجد القرآن الكريم عندما يخبر عن نبي من الأنبياء(عليهم السلام) وعن أمته يترك للقارئ أو السامع تخيّل هذه القصة وتصورها في الذهن، فتخرج الصور الذهنية مختلفة بحسب اختلاف إدراك وفهم القراء لما قرأوه أو سمعوه، ولكن لو كانت الصورة خارجية لكانت أكثر تأثيراً في نفوس الناس، ولذا نجد أن القرآن الكريم أكد هذا المعني عندما أشار إلي قصة قتل عيسي(عليه السلام)، فإنها تمت بطريقة التشبيه حيث إنّ الله تعالي جعل لعيسي(عليه السلام) شبيهاً يشبه عيسي(عليه السلام) إلي درجة اقتناع الأعداء بأنه هو، فأوقعوا عليه القتل وصلبوه، وهذا ما ذكره القمي في تفسيره عن أبي جعفر(عليه السلام) (1). وكما أن القرآن الكريم ذكر تمثّل الملك لمريم(عليها السلام) بشراً سوياً

ص: 222


1- القمي، تفسير القمي: 1/ 111. الحويزي، تفسير نور الثقلين: 2/ 169.

لإيصال ما أُرسل به، كما في قوله تعالي: «... فَأَرْسَلْنَا إِلَيْهَا رُوحَنَا فَتَمَثَّلَ لَهَا بَشَرًا سَوِيًّا»(1). وذكرت كتب التاريخ أن الوحي عندما كان ينزل علي رسول الله(صلي الله عليه و آله و سلم) يتمثل بدحيّ الكلبي أحياناً.

وبناء علي ما تقدم فالتشبيه والتمثيل لا يكون بحسب الباطن والجوهر وإنما بحسب الظاهر والصورة،فإن قام جمع من محبي الإمام الحسين(عليه السلام) بتمثيل الواقعة وتوصيلها إلي أذهان الناس فهو من باب ترجمة الكلمة أو القصة إلي صورة محسوسة؛ لتقع وتؤثر في نفوس الناس، وتوضح بشاعة الجريمة التي وقعت علي الإمام الحسين(عليه السلام)، فتغرس في النفوس رفض الظلم، وموالاة الحق، وهذا لعمرك ما جاء به الدين الإسلامي الحنيف وجميع الأديان السماوية التي سبقته، فلا بدعة في البين، بل هو إحياء لأمر أهل البيت(عليهم السلام) الذي حث عليه المعصومون(عليهم السلام). وهي مما يندرج تحت عموم «أحيوا أمرنا»، وأيضاً تحت عموم روايات الجزع والحزن علي الإمام الحسين(عليه السلام).

وأمّا ما يقوم به المحبون من أعمال يعدّونها شعائر حسينية فهي مما يرجع فيها إلي العلماء الأعلام كونها من الأمور الفقهية التي تحتاج إلي رأي أهل الاختصاص في ذلك.

أما ما يقع في جواب الإشكال السابع - وهو لزوم الضرر من بعض الطقوس، خصوصاً بعض الشعائر الحسينية أو غيرها، ويجب شرعاً دفع الضرر بكل درجاته ومراتبه وأشكاله - فإنّنا نقول نحن لا نلتزم بقولهم: «يجب شرعاً دفع الضرر بكل درجاته ومراتبه وأشكاله» لما يلي:

1- إنّ بعض الطقوس ليس فيها ضرر معتد به عند الناس، لاسيما إذا لاحظنا

ص: 223


1- مريم: آية17.

بعض العبادات التي لا تخلو من مشقة وتعب دون أن يصل ذلك إلي درجة الضرر المحرم.

2- ليس كل ضرر يوجب الحرمة، وهذا ما أشار إليه العلماء بقولهم:

أ - قال المحقق النراقي: «الضابط في التحريم: ما يحصل به الضرر، والضرر الموجب للتحريم يعم الهلاك وفساد المزاج والعقل والقوة وحصول المرض أو الضرر في عضو»(1).

ب - قول المحقق الخوئي: «ولا دليل علي حرمة كل إضرار بالجسد، ما لم يصل إلي حد الجناية علي النفس، بحيث يعد ظلماً لها...»(2).

3- الضرر الشخصي دون النوعي هو ما يلاحظ عند إقامة الشعائر، فإذا كان الضرر يقع علي شخص ما دون غيره يحرم عليه ذلك دون أن يعمّ ذلك علي الجميع.

4- عند تأمل سيرة أهل البيت(عليهم السلام) نلاحظ وقوعهم في الأذي نتيجة قيامهم ببعض العبادات كتورم قدمي رسول الله(صلي الله عليه و آله و سلم) والسيدة الزهراء(عليها السلام) وقطع اللحم الميت عن الإمام السجاد(عليه السلام) وتورم أقدام الإمامين الحسنين(عليهما السلام) عند سيرهم مشياً إلي بيت الله الحرام، فهذا وغيره ينفي وجوب دفع الضرر بكل درجاته ومراتبه.

5.لقد حثّ أهل البيت(عليهم السلام) علي زيارة الإمام الحسين(عليه السلام) مع الخوف واحتمال وقوع الضرر.

6. إنّ الضرر الذي يقع علي إنسان يريد تحقيق الأهداف السامية أو الدفاع عن المبادئ والقيم العالية لا يعدّ حراماً، بل هو واجب أحياناً أو مستحب أحياناً أخري.

ص: 224


1- النراقي، مستند الشيعة: 15/ 17.
2- التبريزي، صراط النجاة: 3/ 443.
الجواب علي النماذج والإشكالات الأخري الواردة علي الشعائر الحسينية

تقدم في المبحث السابق عدد من الإشكالات علي الشعائر الحسينية من قبيل أن كل شعيرة ورسم وطقس يتخذ، ينبغي أن يكون جعله واتخاذه من الشارع نفسه، وإلّا فهو بدعة وضلال. وأن الشارع المقدس لو فوّض أمر الشعائر والطقوس وأوكلها إلي العرف والمتشرعة، لنتج من ذلك أنهم سيتحولون إلي مشرّعين، حيث فوّض أمر التشريع إليهم، وهذا التفويض غير صحيح وهو ممتنع، بل ينتج من ذلك تحليل الحرام، وتحريم الحلال.

مضافاً إلي لزوم العبث بثوابت الشريعة الناتج من قبل العرف والمتشرعة بسبب اختلاف الظروف الزمنية والبيئية.

بل لا وجه في تخصيص صلاحية المتشرعة باتخاذ الشعائر والرسوم والطقوس الدينية في أبواب خاصة، وعدم تسويغ ذلك في أبواب أخري.

وكذلك لزوم الهتك والإساءة لمباني الإسلام وأركان الشريعة ومعاني الدين والمذهب العالية الشامخة؛فضلاً عن لزوم الضرر من بعض الطقوس، خصوصاً بعض الشعائر الحسينية أو غيرها، ويجب شرعاً دفع الضرر بكل درجاته ومراتبه وأشكاله، كما تقدم بالتفصيل.

والجواب

عند التأمل في هذه الإشكالات الواردة يظهر لنا ما يلي:

أ - إنّ منشأ الإشكالات هو التوهم بأنّ العرف ليس له مدخلية في التشريع.

ب - إنّ أهل العرف سيتحوّلون إلي مشرعة بدلاً عن الشارع المقدس.

ج - لو صارت التشريعات بيد العرف لحلّت الفوضي في الشريعة.

ولذا أقول: إنّ هذه الإشكالات صدرت عن أصحابها لوقوعهم في توهّم واضح ألا وهو أنّ العرف سيحلّ بدلاً عن الشارع في تشريع بعض الأمور،

ص: 225

وسيحلل ويحرّم دون الرجوع إلي الشارع، وهذا التوهم مردود بما يلي:

1- أوكل الشرع إلي العرف(1) تشخيص بعضالمفاهيم كلفظ (الإناء والصعيد والقرء) وغيرها، فلذا صار للعرف مدخلية في تشخيص المواضيع العرفية، وبيان مصاديق المفهوم العام كما في قوله تعالي: «وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا» وترك تشخيص مصاديق البيع للعرف، أو قوله(صلي الله عليه و آله و سلم) بحرمة (الغناء) وترك تشخيص مصاديق الغناء للعرف.

2- إنّ العرف لا يتصرف في حكم الشعيرة وإنّما في بيان مصداقها، أي: تشخيص ما اتخذه المسلمون شعيرة وصارت في عرفهم علامة تدل علي معني من المعاني الإسلامية.

3- كلّ ما صار في عرف المسلمين شعيرة فهو يدخل تحت عموم قوله تعالي: «ذَلِكَ وَمَنْ يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِنْ تَقْوَي الْقُلُوبِ».

فينتج من ذلك أنّ الشعائر الحسينية هي مما صارت في عرف المسلمين شعائر يجوز العمل بها، فضلاً عن استحباب ذلك.

ص: 226


1- العرف هو: ما تعارفه الناس وساروا عليه، من قول أو فعل أو ترك. (عبد الوهاب خلاف، علم أصول الفقه:99)، نقلاً عن (الشيخ علي العبادي، أجوبة الشبهات حول الشعائر الحسينية: 32). وقال الشيخ كاشف الغطاء: «العرف هو ما تعارف بين الناس، فعله أو قوله، وهو المسمي بالعادة العامة، ويسمي بالسيرة، مع عدم ردع الشارع عنه».

الخاتمة

لكل بحث خاتمة يشير الباحث من خلالها إلي ما توصّل إليه من نتائج، وهي كما يلي:

1- كان البحث محاولة لمعالجة مشكلات حصلت في الوسط الإسلامي حول الشعائر الحسينية.

2- إنّ هناك شعائراً تقوم بها الأديان الأخري كما يقوم المسلمون بأداء شعائرهم، مما يدل علي أنّ تعظيم الشعائر أمر مستحب، فضلاً عن جوازه.

3- إنّ تاريخ إقامة الشعائر الحسينية يمتد وجوده الي التشريع الأول في زمن آدم(عليه السلام).

4- إنّ إقامة الشعائر الحسينية من قبل المعصومين كالأنبياء والأئمة(عليهم السلام) يدل علي استحباب إقامتها، فضلاً عن جوازها.

5- إنّ هناك رابطة بين المعني اللغوي للشعائر والمعني المقصود من الشعائر الحسينية.

6- أجمع العلماء وأهل الاختصاص علي جواز بل استحباب إقامة الشعائر الحسينية وإن اختلف الكلام في بعضها.

7- إنّ العرف له مدخلية في تشخيص مصاديقالشعائر الحسينية دون بيان الحكم لذلك إذ أنّ بيان الحكم من شأن الشارع المقدس.

8- إنّ منشأ الاتهام الموجه ضد الشعائر الحسينية هو إما الجهل أو التعصّب الأعمي أو النصب لأهل البيت(عليهم السلام).

ص: 227

9- إنّ الشعائر الحسينية هي من شعائر الله تعالي؛ فإنّ تعظيمها هو تعظيم لشعائر الله تعالي.

10- إنّ هذا البحث هو مشاركة في رد الاتهام مع ما سبقه من بحوث، ومع ما سيلحقه من بحوث.

ص: 228

التوصيات

يوصي الباحث بعض التوصيات للنهوض بالحقل العلمي الخاص بالنهضة الحسينية، وهو ما يأتي:

- من الجدير بالاهتمام حثّ الدارسين والباحثين علي اختيار الكتابة في النهضة الحسينية، وتناولها بشيء من التفصيل، ويكون ذلك علي مستوي الدراسات العليا، الماجستير والدكتوراه.

- يجدر بالكليات الإنسانية الكتابة في الدراسات العليا عن النهضة الحسينية بحقولها المختلفة، كالكتابة عن النهضة الحسينية من الناحية النفسية، أو العسكرية أو الاجتماعية، أو الأخلاقية أو العقائدية وغير ذلك.

- يجدر بمؤسسات الترجمة أن تعمد إلي ترجمة ما يدور حول النهضة الحسينية إلي لغات متعددة لاسيما اللغات غير المشهورة، وإيصال ما تم ترجمته إلي أهل تلك اللغات.

- أن تعتمد جامعة المصطفي أو غيرها البحوث فيالنهضة الحسينية للترقية والترفيع في الدرجات العلمية، كما هو معمول به في غيرها.

ص: 229

ص: 230

المصادر والمراجع

* القرآن الكريم، كتاب الله المجيد.

1.أجوبة الشبهات حول الشعائر الحسينية، الشيخ علي العبادي، مطبعة قم، قم المقدسة - إيران.

2.أجوبة المسائل المهنائية، الحسن بن يوسف بن علي المطّهر (العلامة الحلّي)، مطبعة الخيّام، 1401ﻫ، قم المقدسة - إيران.

3.الاحتجاج علي أهل اللجاج، الطبرسي، أحمد بن علي، المكتبة الحيدرية، الشريف الرضي، 1425ﻫ، قم المقدسة - إيران.

4.الاحتجاج، الطبرسي، أحمد بن علي، المكتبة الحيدرية، الشريف الرضي، 1425ﻫ قم المقدسة - إيران.

5.إحقاق الحق وإزهاق الباطل، الشوشتري، نور الله بن شريف الدين، كتاب بفروشي إسلامي، 1408ﻫ، طهران - إيران.

6.أحكام الجنائز وبدعها، محمد ناصر الدين الألباني، مكتبة المعارف، 1412ﻫ - 1992م، الطبعة الأولي، بيروت - لبنان.

7.أحكام القرآن، الجصاص، أحمد بن علي، دار الفكر، بيروت - لبنان.

8.أحيوا أمرنا، جعفر مرتضي العاملي، طبع ونشر: المركز الإسلامي للدراسات، الطبعة الثانية، 1430ﻫ، بيروت - لبنان.

9.الاستدلال الفقهي دراسة تحليلة للعقل الإسلامي وميلاد عناصر علم أصول الفقه، رشيد سلهاط، دار النفائس، الطبعة الأولي، 1429ﻫ، عمان - الأردن.

ص: 231

10.الإصابة في تمييز الصحابة وبهامشه الاستيعاب في معرفة الأصحاب لابن عبد البر القرطبي، شهاب الدين أبي الفضل أحمد بن حجر العسقلاني، دار صادر، الطبعة الأولي، 1328ﻫ، بيروت - لبنان.

11.أصول الفقه الإسلامي، محمد مصطفي شلبي، دار النهضة العربية، الطبعة الأولي، 1985م، بيروت - لبنان.

12.أصول الفقه، محمد رضا المظفر، إسماعيليان، الطبعة الثانية عشرة، 2004م، قم المقدسة - إيران.

13.الاعتصام، أبو إسحق إبراهيم بن موسي بن محمد اللخمي الشاطبي الغرناطي، دار الكتب العلمية، الطبعة الثانية، 1426ﻫ، بيروت - لبنان.

14.أعلام النبوة، أبو الحسن علي بن محمد الماوردي الشافعي، دار الكتب العلمية، الطبعة الأولي، 1406ﻫ، بيروت - لبنان.

15.إقناع اللائم علي إقامة المآتم، محسن الأمين العاملي، طبع ونشر: مؤسسة المعارف الإسلامية، الطبعة الأولي، 1418ﻫ، بيروت - لبنان.

16.إقناع اللائم علي إقامة المآتم، محسن الأمين العاملي، مؤسسة المعارف الإسلامية، الطبعة الأولي، 1418ﻫ، قم المقدسة - إيران.

17.أمالي الشيخ الطوسي، الطوسي، محمد بن حسن بن علي، تحقيق: بحر العلوم, محمد صادق, مؤسسة الوفاء، الطبعة الثانية، 1981م، بيروت - لبنان.

18.أمالي الصدوق، ابن بابويه، محمد بن علي بن حسين، تقديم: الأعلمي، حسين، مؤسسة الأعلمي، الطبعة الخامسة، 1410ﻫ، بيروت - لبنان.

19.الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل، مكارم الشيرازي، ناصر، مطبعة الأميرة، الطبعة الأولي، مصححة وملونة، 1426ﻫ، بيروت - لبنان.

ص: 232

20.الباعث علي إنكار البدع والحوادث، عبد الرحمن بن إسماعيل بن إبراهيم المعروف بابن أبي شامة، مطبعة النهضة الحديثة، الطبعة الثانية، 1401ﻫ - 1981م، مكة المكرمة - المملكة العربية السعودية.

21.بحار الأنوار الجامع لدرر أخبار الأئمة الأطهار(عليهم السلام)، محمد باقر المجلسي، دار إحياء التراث العربي، الطبعة الثانية 1403ﻫ، بيروت - لبنان.

22.البدعة حدها وآثارها ومواردها، جعفر السبحاني، مؤسسة الإمام الصادق(عليه السلام)، الطبعة الأولي، 1416ﻫ، بيروت - لبنان.

23.البدعة مفهومها وحدودها، مركز الرسالة، الطبعة الأولي، 1418ﻫ، قم المقدسة -

إيران.

24.بصائر الدرجات في فضائل آل محمد(عليهم السلام)، طليعة النور، 1426ﻫ، قم المقدسة - إيران.

25.تاريخ الإسلام (الإمام الحسين(عليه السلام) في التراث الإسلامي)، شمس الدين محمد الذهبي، تحقيق: الدكتور عمر عبد السلام تدمر، دار الكتاب العربي، الطبعة الثانية، 1418ﻫ، بيروت - لبنان.

26.تاريخ الطبري، دار إحياء التراث العربي، الطبعة الأولي، 2008م، بيروت - لبنان.

27.تاريخ النياحة علي الإمام الشهيد الحسين بن علي(عليهما السلام)، الشهرستاني، صالح، تحقيق: الشيخ نبيل رضا علوان، دار الزهراء، الطبعة الأولي، 1998م، بيروت - لبنان.

28.تاريخ اليعقوبي، اليعقوبي، أحمد بن إسحاق بن جعفر، تحقيق: محمد صادق بحر العلوم، المكتبة الحيدرية، الطبعة الرابعة، 1394ﻫ، النجف الأشرف - العراق.

29.تاريخ مدينة دمشق (الإمام الحسين(عليه السلام) في التراث الإسلامي)، ابن عساكر،

ص: 233

مركز الأبحاث العقائدية، الطبعة الأولي، قم المقدسة - إيران.

30.التبيان في تفسير القرآن، الطوسي، محمد بن حسن بن علي، تقديم: آغا بزرك الطهراني، وجعفر السبحاني، مؤسسة النشر الإسلامي، مكتب الإعلام الإسلامي، الطبعة الأولي، 1409ﻫ، قم المقدسة - إيران.

31. تذكرة الخواص، العلامة سبط ابن الجوزي، دار العلوم، الطبعة الأولي، 1425ﻫ، بيروت - لبنان.

32.التسهيل لعلوم التنزيل، أبو القاسم محمد بن أحمد بن جزي الكلبي، تحقيق: محمد سالم هاشم، دار الكتب العلمية، الطبعة الثانية، 1428ﻫ، بيروت - لبنان.

33.تفسير القمي، أبو الحسن علي بن إبراهيم القمي، تحقيق: محمد الصالحي الانديمشكي، ذوي القربي، الطبعة الثانية، 1431ﻫ، قم المقدسة - إيران.

34.التفسير الكبير، فخر الدين الرازي، دار الكتب العلمية، الطبعة الثانية، طهران - إيران.

35.التفسير المنسوب إلي الإمام أبي محمد الحسن بن علي العسكري(عليه السلام)، تحقيق: السيد علي عاشور، الطبعة الأولي، 2005م.

36.تفسير نور الثقلين، الحويزي، عبد علي بن جمعة العروسي، تحقيق: علي عاشور، مؤسسة التاريخ العربي، الطبعة الأولي، 2001م، بيروت - لبنان.

37.تقديم: كاشف الغطاء، عباس علي جعفر، مؤسسة آل البيت(عليهم السلام) لإحياء التراث، 1407ﻫ، قم المقدسة - إيران.

38.تهذيب الأحكام، المفيد، محمد بن محمد بن النعمان، مؤسسة الأعلمي، 1426ﻫ، بيروت - لبنان.

39.التهمة وأثرها في الأحكام الفقهية، صالح بن علي بن صالح العقل، الدار التدمرية، الطبعة الأولي، 2010ﻫ، الرياض - المملكة العربية السعودية.

ص: 234

40.ثواب الأعمال وعقابها، الشيخ الصدوق، دار الأضواء، 1422ﻫ، بيروت - لبنان.

41.جامع الأخبار، تاج الدين محمد بن محمد الشعيري، الطبعة الأولي.

42.جامع البيان عن تأويل آي القرآن، الطبري، محمد بن جرير بن يزيد، تحقيق: شاكر, محمود، تصحيح: علي عاشور، دار إحياء التراث العربي، الطبعة الأولي، 1421ﻫ، بيروت - لبنان.

43.الجامع لأحكام القرآن، أبو عبد الله محمد بن أحمد الأنصاري القرطبي، تحقيق: عماد زكي البارودي - خيري سعيد، المكتبة التوفيقية، الطبعة الأولي، القاهرة - مصر.

44.جدل ومواقف في الشعائر الحسينية، مجموعة مؤلفين، دار الهادي، الطبعة الأولي، 1999م، بيروت - لبنان.

45.الجعفريات (الأشعثيات)، ابن الأشعث، محمد بن محمد، مكتبة النينوي الحديثة، الطبعة الأولي، طهران - إيران.

46.حاشية الدسوقي علي الشرح الكبير، محمد بن أحمد بن عرفة الدسوقي المالكي، دار الفكر، 2009م، بيروت - لبنان.

47.الحدائق الناضرة في أحكام العترة الطاهرة، البحراني، يوسف بن أحمد بن إبراهيم، تحقيق: محمد تقي الإيرواني، تقديم: عبدالعزيز الطباطبائي، تصحيح: يوسف البقاعي، دار الأضواء، الطبعة الثالثة، 1413ﻫ، بيروت - لبنان.

48.الحوادث الجامعة والتجارب النافعة في المائة السابعة، أبو الفضل عبد الرزاق بن الفوطي البغدادي، تحقيق: د. مصطفي جواد، الدار العربية للموسوعات، الطبعة الأولي، 2013م، بيروت - لبنان.

49.الخصال، محمد بن علي الصدوق، تحقيق: الشيخ علي أكبر الغفاري، مؤسسة

ص: 235

النشر الإسلامي، الطبعة السادسة، 1424ﻫ، قم المقدسة - إيران.

50.دائرة المعارف الإسلامية الكبري، الطبعة الأولي، 1370ش - إيران.

51.دعائم الإسلام وذكر الحلال والحرام والقضايا والأحكام عند أهل بيت رسول الله عليه وعليهم أفضل السلام، النعمان بن محمد التميمي المغربي، مؤسسة النور للمطبوعات، الطبعة الأولي، 2005م، بيروت - لبنان.

52.دليل الهدي في فقه العزاء، علي أكبر السيفي المازندراني، مؤسسة النشر الإسلامي، الطبعة الأولي، 1429ﻫ، قم المقدسة - إيران.

53.ذخائر العقبي في مناقب ذوي القربي، محب الدين أحمد بن عبد الله الطبري، دار المعرفة، الطبعة الأولي، بيروت - لبنان.

54.رأس الحسين(عليه السلام)، طاهر آل عكلة، دار السلام، الطبعة الأولي، 1430ﻫ، بيروت - لبنان.

55.رسالة في التعرب بعد الهجرة، قاسم مصري العاملي، دار الغدير، الطبعة الأولي، 2003م، قم المقدسة - إيران.

56.رسائل الشريف المرتضي، علم الهدي، علي بن حسين، دار القرآن، الطبعة الأولي، 1989ﻫ، قم المقدسة - إيران.

57.رفيع الدين النائيني، محمد بن حيدر، تحقيق: علامة ضياء الدين، مكتبة الإمام أمير المؤمنين علي(عليه السلام) العامة، 1412ﻫ، إصفهان - إيران.

58.روح المعاني في تفسير القرآن العظيم والسبع المثاني، أبو الثناء شهاب الدين محمود الآلوسي البغدادي، تحقيق: أبي عبد الرحمن فؤاد بن سراج عبد الغفار، المكتبة التوفيقية، الطبعة الأولي، 2008م، القاهرة - مصر.

59.روضة الواعظين، الفتال النيسابوري، محمد بن حسن بن علي، تحقيق: مجتبي الغرجي، دليل ما، الطبعة الأولي، 1423ﻫ، قم المقدسة - إيران.

ص: 236

60.زاد المعاد في هدي خير العباد، ابن قيم الجوزية، جمعية إحياء التراث الإسلامي، الطبعة الأولي، 1418ﻫ، الكويت.

61.زبدة البيان في براهين أحكام القرآن، المقدس الأردبيلي، أحمد بن محمد، تحقيق: محمد باقر البهبودي، المكتبة المرتضوية، الطبعة الأولي، 1965م، طهران - إيران.

62.سمط النجوم العوالي في أنباء الأوائل والتوالي، العاصمي، عبد الملك بن حسين ابن عبد الملك، تحقيق: عادل عبد الموجود، وعلي محمد معوض، دار الكتب العلمية، الطبعة الأولي، 1419ﻫ، بيروت - لبنان.

63.سنن الترمذي، الترمذي، تحقيق وتصحيح: عبد الرحمن محمد عثمان، دار الفكر لسنة 1403ﻫ، الطبعة الثانية، بيروت - لبنان.

64.سير أعلام النبلاء، الذهبي، محمد بن أحمد بن عثمان، تحقيق: مصطفي عبد القادر العطا، دار الكتب العلمية، الطبعة الأولي، 1425ﻫ، بيروت - لبنان.

65.شرائع الإسلام في مسائل الحلال والحرام، أبو القاسم نجم الدين جعفر بن الحسن الحلي (المحقق الحلي)، تحقيق: عبد الحسين محمد علي بقال، إسماعيليان، الطبعة الأولي، 1993م، قم المقدسة - إيران.

66.شرح ابن عبد الوهاب، محمد عبد الوهاب بن سليمان، محشي: ابن باز، عبد العزيز عبد الله عبد الرحمن، الريان، الطبعة الأولي، 1419ﻫ، بيروت، لبنان.

67.شرح العقيدة الطحاوية، صدر الدين محمد بن علاء الدين عليّ بن محمد بن أبي العز الحنفي، الأذرعي الصالحي الدمشقي، تحقيق: أحمد شاكر، مطبعة وزارة الشؤون الإسلامية، والأوقاف والدعوة والإرشاد، الطبعة الأولي، 1418ﻫ، الرياض - المملكة العربية السعودية.

68.شرح نهج البلاغة، ابن أبي الحديد، تحقيق: محمد أبي الفضل إبراهيم، دار الكتاب العربي، الطبعة الأولي، 1426ﻫ، بغداد - العراق.

ص: 237

69.الشعائر الحسينية في العصرين الأموي والعباسي، الباحث جعفر موسي، رسالة ماجستير لعام 2008 - 2009، جامعة الكوفة - العراق.

70.الشعائر الحسينية من المظلومية إلي النهوض، شفيق جرادي، طبع ونشر: دار المعارف الحكمية، الطبعة الأولي، 1428ﻫ، بيروت - لبنان.

71.الشعائر والشعارات الحسينية، محمد مهدي الآصفي، طبع ونشر: مجمع أهل البيت(عليهم السلام)، الطبعة الأولي، 1427ﻫ، بغداد - العراق.

72.الصحاح، الجوهري، إسماعيل بن حماد، تحقق: أحمد عبد الغفور عطار، دار العلم للملايين، الطبعة الثانية، 1399ﻫ، بيروت - لبنان.

73.صحيح البخاري، أبو عبد الله محمد بن إسماعيل البخاري، بيت الأفكار الدولية، الطبعة الأولي، 1419ﻫ، الرياض - المملكة العربية السعودية.

74.صحيح مسلم، محي الدين النووي الشافعي، تحقيق: الدكتور محمد عبد الرحمن المرعشلي، دار إحياء التراث العربي، الطبعة الأولي، 1420ﻫ، بيروت، لبنان.

75.صراط النجاة، جواد التبريزي، دار الصديقة الشهيدة(عليها السلام)، الطبعة الثانية، 2004ﻫ، قم المقدسة - إيران.

76.الصواعق المحرقة في الرد علي أهل البدع والزندقة، أحمد بن حجر الهيثمي المكي، تحقيق: عبد الوهاب عبد اللطيف، مكتبة القاهرة، الطبعة الأولي، القاهرة، مصر.

77.الطبقات الكبري، محمد بن سعد بن منيع الزهري، دار إحياء التراث العربي، الطبعة الأولي، 1416ﻫ، بيروت - لبنان.

78.العقد الفريد، ابن عبد ربه الأندلسي، دار الكتاب العربي، الطبعة الثالثة، 1965م، بيروت - لبنان.

79.علم أصول الفقه، عبد الوهاب خلاف، نوابع الفكر، الطبعة الأولي، 2000م.

80.عمدة القاري في شرح صحيح البخاري، بدر الدين العيني، تحقيق: محمد أحمد

ص: 238

الحلاق، دار إحياء التراث العربي، الطبعة الأولي، 1424ﻫ، بيروت - لبنان.

81.العناوين، مير عبد الفتاح الحسيني المراغي، تحقيق: مؤسسة النشر الإسلامي، مؤسسة النشر الإسلامي، الطبعة الثانية، 2004م، قم المقدسة - إيران.

82.العنوان فتاوي علماء الدين حول الشعائر الحسينية، مؤسسة المنبر الحسيني، طبع 2009م، بيروت - لبنان.

83.عوالم العلوم والمعارف والأحوال من الآيات والأخبار والأقوال، البحراني، هاشم بن سليمان، مدرسة الإمام المهدي(عج)، 1405ﻫ، قم المقدسة - إيران.

84.عوائد الأيام في بيان قواعد استنباط الأحكام، أحمد مهدي النراقي، دار الهادي، الطبعة الأولي، 2000م، بيروت - لبنان.

85.العين، مجموعة مؤلفين، تحقيق: د. مهدي المخزومي ود. إبراهيم السامرائي، دار الهجرة، الطبعة الأولي، 1405ﻫ، قم المقدسة - إيران.

86.عيون أخبار الرضا(عليه السلام) الصدوق، محمد بن علي مطبعة نشر جهان، 1420ﻫ، الطبعة الأولي، طهران - إيران.

87.عيون التواريخ، الكتبي، محمد شاكر، تحقيق: فيصل السامر، وداود، نبيلة عبد المنعم، دار الرشيد للنشر، الطبعة الأولي، 1400ﻫ، بغداد - العراق.

88.غنائم الأيام في مسائل الحلال والحرام، أبو القاسم القمي، تحقيق: عباس تبريزيان، مكتب الإعلام الإسلامي، الطبعة الأولي، 1996م، قم المقدسة - إيران.

89.فتح الباري، ابن حجر العسقلاني، أحمد بن علي بن محمد، بيت الأفكار الدولية، الطبعة الأولي، 2004م، عمان - الأردن.

90.فتح المجيد، عبد الرحمن بن الحسن، تحقيق: عبود الشالجي، الطبعة الأولي، 1391ﻫ، بيروت - لبنان.

ص: 239

91. فضائل الخمسة من الصحاح الستة، حسيني الفيروز آبادي، مرتضي محمد محمد باقر، مكتبة الفيروزآبادي، الطبعة السابعة، 1413ﻫ، قم المقدسة - إيران.

92.الفقه الإسلامي وأدلته، وهبة الزحيلي، نشر إحسان، الطبعة الثالثة، طهران - إيران.

93.الفقه الإسلامي ومقارنته بالفقه الأجنبي، علال الفاسي، مؤسسة علال سعيد، الطبعة الثانية، 1423ﻫ، الرباط - المغرب.

94.فقه الرضا(عليه السلام)، علي بن بابويه القمي، تحقيق: مؤسسة آل البيت(عليهم السلام)لإحياء التراث، الطبعة الأولي، 1406ﻫ، قم المقدسة - إيران.

95.فقه الشعائر الدينية، فاضل الصفار، مكتبة ابن فهد الحلي، الطبعة الأولي، 2013م، كربلاء المقدسة - العراق.

96.القاموس المحيط، الفيروزآبادي، محمد بن يعقوب، المعد: المرعشلي، محمد عبد الرحمن، دار إحياء التراث العربي، الطبعة الثانية، 2003م، بيروت - لبنان.

97.القدس تاريخ وحضارة، ردينة جميل عبد المجيد، مكتبة الفلاح، الطبعة الأولي، 2004م، الكويت.

98.القدس، عبلة المهتدي الزبدة، دار نعمة، الطبعة الثالثة، 1425ﻫ، عمان - الأردن.

99.الكافي، الكليني، محمد بن يعقوب، دار الكتب الإسلامية، سنة 1407ﻫ، الطبعة الرابعة، طهران - إيران.

100.كامل الزيارات، ابن قولويه القمي، أبو القاسم جعفر بن محمد، دار المرتضوية لسنة 1397ﻫ، الطبعة الأولي، النجف الأشرف - العراق.

101.كامل الزيارات، ابن قولويه، جعفر بن محمد بن جعفر، مطبعة الرضا(عليه السلام)، الطبعة الأولي، 2008م، بيروت - لبنان.

ص: 240

102.الكامل في التاريخ (تاريخ ابن الأثير)، عز الدين أبو الحسن علي الشيباني (ابن الأثير)، تحقيق: مكتب التراث، دار إحياء التراث العربي، الطبعة الثانية، 2009م، بيروت - لبنان.

103.كتاب الأربعين، الشيخ الماحوزي، تحقيق: السيد مهدي رجائي، طبع مطبعة أمير لسنة 1417ﻫ، الطبعة الأولي، قم المقدسة - إيران.

104.كتاب العين، الخليل بن أحمد الفراهيدي، تحقيق: الدكتور مهدي المخزومي، والدكتور إبراهيم السامرائي، دار الهجرة، الطبعة الأولي، 1405ﻫ، قم المقدسة - إيران.

105.كتاب المحاسن، البرقي، أحمد بن محمد بن خالد، المطبعة الحيدرية، الطبعة الأولي، 1384ﻫ، النجف الأشرف - العراق.

106.كتاب المواعظ والاعتبار بذكر الخطط والآثار، - بالخطط المقريزية - المقريزي، تقي الدين أبو العباس أحمد بن علي بن عبد القادر، تحقيق: عبد العزيز جمال الدين، مكتبة مدبولي، الطبعة الأولي، 1998م، القاهرة - مصر.

107.كتاب الهداية في الأصول والفروع، الصدوق محمد بن علي بن بابويه القمي، تحقيق: مؤسسة الإمام الهادي(عليه السلام)، الطبعة الأولي، 1426ﻫ، قم المقدسة - إيران.

108.كشاف القناع عن متن الإقناع، منصور بن يونس البهوتي الحنبلي، تحقيق: أبو عبد الله محمد حسن محمد حسن إسماعيل الشافعي، دار الكتب العلمية، الطبعة الأولي، 1997م، بيروت - لبنان.

109.كشف الغمة في معرفة الأئمة، الأربلي، علي بن عيسي بن أبي الفتح، تحقيق: علي آل كوثر، المجمع العالمي لأهل البيت(عليهم السلام)، الطبعة الأولي، 1426ﻫ، بيروت - لبنان.

110.كفاية الأثر في النصّ علي الأئمة الاثني عشر، الخزاز الرازي، علي بن محمد،

ص: 241

منشورات بيدار لسنة 1401ﻫ، قم المقدسة - إيران.

111.كنز العمال في سنن الأقوال والأفعال، المتقي، علي بن عبد الملك حسام الدين، تحقيق: الدمياطي، محمود عمر، دار الكتب العلمية، الطبعة الثانية، 1424ﻫ، بيروت - لبنان.

112.لسان العرب، ابن منظور، محمد بن مكرم بن علي، تصحيح: عبد الوهاب، أمين محمد، والعبيدي، محمد صادق، دار إحياء التراث العربي، الطبعة الأولي، مصححة وملونة، 1431ﻫ، بيروت - لبنان.

113.لسان الميزان، أحمد بن علي بن حجر العسقلاني، تحقيق: عبد الفتاح أبو غدة، دار البشائر الإسلامية، الطبعة الأولي، 1423ﻫ، بيروت - لبنان.

114.مائة منقبة من مناقب أمير المؤمنين والأئمة من ولده(عليهم السلام)من طريق العامة، ابن شاذان، محمد بن أحمد، مطبعة مدرسة الإمام المهدي(عج) لسنة 1407ﻫ، الطبعة الأولي، قم المقدسة - إيران.

115.مثير الأحزان، نجم الدين جعفر بن محمد بن نما الحلي، دار العلوم، الطبعة الأولي، 1423ﻫ، بيروت - لبنان.

116.المجازات النبوية، الشريف الرضي أبو الحسن محمد الحسيني الموسوي، تحقيق: كريم سيد محمد محمود، دار الكتب العلمية، الطبعة الأولي، 2007م، بيروت - لبنان.

117.مجمع البحرين، فخر الدين الطريحي، تحقيق: أحمد علي الحسيني، دار الثقافة العربية، الطبعة الأولي، النجف الأشرف - العراق.

118.مجمع البيان في تفسير القرآن، أبو علي الفضل بن الحسن الطبرسي، تحقيق: غسان شديد، دار القاريء، الطبعة الأولي، 1430ﻫ، بيروت - لبنان.

119.مجمع الزوائد ومنبع الفوائد، الهيثمي علي بن أبي بكر بن سليمان نور الدين،

ص: 242

تحقيق: محمد عبد القادر أحمد عطا، دار الكتب العلمية، 1422ﻫ - 2001م، الطبعة الأولي، بيروت - لبنان.

120.المجموع شرح المهذب، أبو زكريا محيي الدين يحيي بن شرف النووي، دار الفكر، 2008م، بيروت - لبنان.

121.مجموعة الفتاوي، تقي الدين أحمد بن تيمية الحراني، تحقيق: عامر الجزار - أنور الباز، دار الوفاء - دار ابن حزم، الطبعة الثانية، 2001م، المنصورة.

122.مختار الصحاح، الحنفي الرازي، محمد بن أبي بكر بن عبد القادر، تصحيح: نجوي أنيس، وحلاق، محمد، دار إحياء التراث العربي، الطبعة الرابعة، 1426ﻫ، بيروت - لبنان.

123.مختصر تاريخ دمشق لابن عساكر (الإمام الحسين(عليه السلام) في التراث الإسلامي)، ابن منظور، تحقيق: أحمد حموش - محمد العمر، دار الفكر، الطبعة الأولي، 1405ﻫ، دمشق - سوريا.

124.مدينة المعاجز أو معاجز أهل البيت(عليهم السلام)، هاشم البحراني، تحقيق: علاء الدين الأعلمي، مؤسسة الأعلمي، الطبعة الأولي، 1423ﻫ، بيروت - لبنان.

125.مراقد المعارف في تعيين مراقد العلويين والصحابة والتابعين والرواة والعلماء والأُدباء والشعراء، حرز الدين، محمد، تحقيق: حرز الدين؛ محمد، 1971م.

126.مروج الذهب ومعدن الجوهر، المسعودي، علي بن الحسين بن علي، تحقيق: يوسف البقاعي، دار إحياء التراث العربي للطباعة والنشر والتوزيع، الطبعة الأولي، بيروت - لبنان.

127.مسالك الأفهام إلي آيات الأحكام، فاضل الجواد الكاظمي، المكتبة المرتضوية لإحياء الآثار الجعفرية، الطبعة الرابعة، 2008م، قم المقدسة - إيران.

128.مسالك الأفهام في شرح شرائع الإسلام، الشهيد الثاني، تحقيق: حسن محمد

ص: 243

آل قبيسي العاملي، مؤسسة البلاغ، الطبعة الأولي، 1993م، بيروت - لبنان.

1.مستدرك الوسائل ومستنبط المسائل، النوري، حسين بن محمد تقي بن علي محمد، تحقيق ونشر: مؤسسة آل البيت لإحياء التراث، قم، ط1، 1416ﻫ.

129.مستدرك سفينة البحار، علي نمازي الشاهرودي، تحقيق: الشيخ علي النمازي الشاهرودي، مؤسسة الأعلمي، الطبعة الأولي، 1429ﻫ، بيروت - لبنان.

130.المستدرك علي الصحيحين، أبو عبد الله محمد بن عبد الله النيسابوري، تحقيق: مصطفي عبد القادر عطا، دار الكتب العلمية، الطبعة الثانية، 1422ﻫ، بيروت - لبنان.

131.مستند الشيعة في أحكام الشريعة، النراقي أحمد بن المولي محمد مهدي، مكتبة آية الله العظمي المرعشي النجفي، الطبعة الأولي، 1984م، قم المقدسة - إيران.

132.مسلك الوهابية في موازين العقل والكتاب والسنة، علي أكبر السيفي المازنداني.

133.مسند أحمد، ابن حنبل، أحمد، دار صادر، بيروت - لبنان.

134.مسند فاطمة الزهراء(عليها السلام)، حسين شيخ الإسلامي التويسركاني، دار الصفوة، الطبعة الثانية، 1428ﻫ، بيروت - لبنان.

135.مشكاة الأنوار في غرر الأخبار، الطبرسي، علي بن حسن بن الفضل، تحقيق: مؤسسة آل البيت(عليهم السلام)، نشر: مؤسسة آل البيت لإحياء التراث، الطبعة الأولي، 1423ﻫ، قم المقدسة - إيران.

136.مصادر الحكم الشرعي والقانون المدني، نشر من قبل: د.ن، الطبعة الأولي، 1410ﻫ.

137.مصباح المتهجد، الشيخ الطوسي، مؤسسة الأعلمي، الطبعة الأولي، 2004م، بيروت - لبنان.

ص: 244

138.المصنف في الأحاديث والآثار، أبو بكر بن أبي شيبة، عبد الله بن محمد بن إبراهيم بن عثمان بن خواستي العبسي، تحقيق: كمال يوسف الحوت، مكتبة الرشد، الطبعة الأولي 1409ﻫ، الرياض - المملكة العربية السعودية.

139.المعجم الوسيط، إبراهيم أنيس, وعبد الحليم منتصر وآخرون، مجمع اللغة العربية، الطبعة الثانية، قم المقدسة - إيران.

140.معجم مقاييس اللغة، أحمد بن فارس، تحقيق: عبد السلام محمد هارون، الدار الإسلامية، 1410ﻫ، بيروت - لبنان.

141.المغني في أصول الفقه، جلال الدين أبو محمد عمر بن محمد الخبازي، تحقيق: محمد مظفر بقا، جامعة أم القري، الطبعة الأولي، 1403ﻫ.

142.المفردات في غريب القران، أبي القاسم الحسين بن محمد الراغب الأصفهاني، تحقيق: محمد سيد كيلاني، مكتبة مطبعة مصطفي البابي الحلبي، الطبعة الأخيرة، 1961م، القاهرة - مصر.

143.مقاتل الطالبيين، أبو الفرج علي بن الحسين بن الهيثم الأصفهاني، المطبعة الحيدرية، الطبعة الأولي، 1353ش، النجف الأشرف - العراق.

144.مقتل الإمام الحسين بن علي(عليه السلام)، أبو مخنف لوط بن يحيي بن سعيد الغامدي الأزدي الكوفي، تحقيق: كامل سلمان الجبوري، دار المحجة البيضاء، الطبعة الأولي، 1420ﻫ، بيروت - لبنان.

145.مقتل الإمام الحسين(عليه السلام)، الخطيب الخوارزمي، أبو المُؤيَّد المُوَفَّق بن أحمد المكي أخطب خوارزم، تحقيق: الشيخ محمد السَّماوي.

146.المقنع، الصدوق محمد بن علي بن الحسين القمي، تحقيق: مؤسسة الإمام الهادي(عليه السلام)، الطبعة الأولي، 2005م، قم المقدسة - إيران.

147.المقنعة، المفيد، تحقيق ونشر: مؤسسة النشر الإسلامي، الطبعة الرابعة،

ص: 245

1996م، قم المقدسة - إيران.

148.مكانة العقل في الفكر الإسلامي، مجموعة مؤلفين، مركز دراسات الوحدة العربية، الطبعة الثالثة، 2004م، بيروت - لبنان.

149.مكانة العقل في الفكر العربي، صالح أحمد العلي، بحث الندوة الفكرية التي نظمها المجمع العلمي العراقي.

150.مناقب آل أبي طالب(عليهم السلام)، أبو جعفر محمد بن علي بن شهر آشوب السروي المازندراني، مؤسسة الأعلمي، الطبعة الأولي، 1430ﻫ، بيروت - لبنان.

151.المنتخب للطريحي، فخر الدين الطريحي النجفي، الشريف الرضي، الطبعة الثالثة، 1422ﻫ، قم المقدسة - إيران.

152.المنتظم في تاريخ الملوك والأمم (الإمام الحسين(عليه السلام) في التراث الإسلامي)، جمال الدين بن علي الجوزي، تحقيق: الدكتور سهيل زكار، دار الفكر، الطبعة الأولي، بيروت - لبنان.

153.منح الجليل شرح مختصر خليل، محمد بن أحمد بن محمد عليش، أبو عبد الله المالكي، دار الفكر، 1409ﻫ - 1989م، بيروت - لبنان.

154.منهاج السنة النبوية في نقض كلام الشيعة والقدرية، أحمد بن عبد الحليم بن عبد السلام (ابن تيمية)، تحقيق: محمد أيمن الشبراوي، دار الحديث للطباعة والنشر، الطبعة الأولي، 2004م، القاهرة - مصر.

155.المواقف في علم الكلام، القاضي عبد الرحمن بن أحمد الإيجي، عالم الكتب، الطبعة الأولي، بيروت - لبنان.

156.موسوعة العتبات المقدسة، الخليلي، جعفر صادق، مؤسسة الأعلمي، الطبعة الثانية، 1987م، بيروت - لبنان.

157.موسوعة الفقه الإسلامي المقارن (موسوعة جمال عبد الناصر الفقهية)،

ص: 246

مجموعة باحثين، المجلس الأعلي للشؤون الإسلامية، الطبعة الأولي، 1966م، القاهرة - مصر.

158.ميزان الحكمة، محمد الريشهري، دار الحديث للطباعة والنشر، الطبعة الأولي، 1422ﻫ، بيروت - لبنان.

159.الميزان في تفسير القرآن، الطباطبائي، محمد حسين، تصحيح: كلانتري, إلياس، عباس علي حسين ترجمان، المعد: عادل عبد الجبار الشاطي، مؤسسة الأعلمي، الطبعة الثالثة، 1393ﻫ، بيروت - لبنان.

160.نشوار المحاضرة وأخبار المذاكرة، القاضي أبو علي المحسن بن علي التنوخي.

161.نهج البلاغة، علي بن أبي طالب(عليه السلام)، جمع: الشريف الرضي، محمد بن حسين ابن موسي، مكتبة الرضي، 1410ﻫ، قم المقدسة - إيران.

162.نهضة الحسين(عليه السلام)، هبة الدين الحسيني الشهرستاني، دار الكتاب العربي، الطبعة الأولي، 1969م، بيروت - لبنان.

163.نور الأبصار في مناقب آل النبي المختار، مؤمن بن حسين مؤمن الشبلنجي، الطبعة الأولي.

164.نور العين في المشي إلي زيارة قبر الحسين(عليه السلام)، محمد حسن الاصطهباناتي، دار الميزان، الطبعة الأولي، 1416ﻫ، بيروت - لبنان.

165.هداية الأُمة إلي أحكام الأئمة، محمد بن الحسن الحر العاملي، مجمع البحوث الإسلامية، الطبعة الأولي، 1412ﻫ، مشهد المقدسة - إيران.

166.الوافي، محمد محسن الفيض الكاشاني، مكتبة الإمام علي(عليه السلام)، الطبعة الاولي، 1406ﻫ، اصفهان - ايران.

ص: 247

ص: 248

فهرس المحتويات

الشكر والعرفان. 7

مقدمة المؤسّسة. 9

قسم الرسائل الجامعية في مؤسسة وارث الأنبياء 17

مقدمة قسم الرسائل الجامعية. 21

المقدمة. 21

مشكلة البحث.. 21

الغاية من البحث.. 21

الفرضيات.. 22

الدراسات السابقة. 22

الجديد في الدراسة. 24

الفصل الاول: بحوث تمهيديّة

المبحث الأول: التعريف بألفاظ العنوان.. 27

المطلب الأوّل: الشعائر الحسينية في اللغة والاصطلاح. 27

المقصد الأول: الشعائر في اللغة. 27

ص: 249

المقصد الثاني: الشعائر في الاصطلاح. 28

المقصد الثالث: الشعائر الحسينية في الاصطلاح. 30

المطلب الثاني: البدعة في اللغة والاصطلاح. 31

المقصد الأول: البدعة في اللغة. 31

المقصد الثاني: البدعة في الاصطلاح. 32

المطلب الثالث: التهمة في اللغة والاصطلاح. 34

المقصد الأول: التهمة في اللغة. 34

المقصد الثاني: التهمة في الاصطلاح. 35

المطلب الرابع: الشريعة في اللغة والاصطلاح. 37

المقصد الأول: الشريعة في اللغة. 37

المقصد الثاني: الشريعة في الاصطلاح. 38

المطلب الخامس: الفقه في اللغة والاصطلاح. 39

المقصد الأول: الفقه في اللغة: 39

المقصد الثاني: الفقه في الاصطلاح. 40

المبحث الثاني: الشعائر عند أهل الديانات السماوية. 43

المطلب الأوّل: الشعائر عند المسلمين. 43

المقصد الاول: تعظيم الله تعالي. 43

المقصد الثاني: تعظيم الرسل. 45

المقصد الثالث: تعظيم القرآن الكريم.. 48

المقصد الرابع: تعظيم الحرم والبيت الحرام.. 48

المطلب الثاني: الشعائر عند اليهود. 50

ص: 250

المقصد الأول: القدس الشريف.. 50

المقصد الثاني: هيكل سليمان(عليه السلام). 52

المقصد الثالث: حائط المبكي.. 52

المقصد الرابع: قبر ذي الكفل.. 53

المطلب الثالث: الشعائر عند النصاري.. 53

المقصد الأول: بناء كنيسة القيامة. 54

المقصد الثاني: مصلي الشيح.. 55

المقصد الثالث: بناء كنائس أخري مقدسة. 55

المبحث الثالث: لمحة مختصرة حول سيرة الإمام الحسين(عليه السلام). 57

المبحث الرابع: تاريخ الشعائر الحسينية. 61

المطلب الأوّل: بكاء الأنبياء السابقين علي الإمام الحسين(عليه السلام). 61

المقصد الأول: بكاء آدم(عليه السلام). 61

المقصد الثاني: بكاء نوح(عليه السلام). 62

المقصد الثالث: بكاء النبي إبراهيم(عليه السلام). 62

المقصد الرابع: بكاء عيسي بن مريم (عليه السلام).... 63

المطلب الثاني: بكاء نبينا(صلي الله عليه و آله و سلم) وأهل بيته وأصحابه علي الإمام الحسين(عليه السلام) 63

المقصد الأول: ذكر النبي(صلي الله عليه و آله و سلم) لمصيبة ولده الحسين(عليه السلام) وبكاؤه عليه. 64

المقصد الثاني: بكاء أمير المؤمنين علي بن أبي طالب علي مصيبة ولده الحسين(عليه السلام) 65

المقصد الثالث: بكاء الزهراء علي ولدها الحسين(عليها السلام) 65

المقصد الرابع: بكاء الإمام الحسن علي أخيه الحسين(عليه السلام).... 66

المقصد الخامس: بكاء الصحابة علي الإمام الحسين(عليه السلام). 67

ص: 251

أ - بكاء الصحابة عند إخبار النبي(صلي الله عليه و آله و سلم) بشهادة الإمام الحسين(عليه السلام). 67

ب - بكاء الصحابة عند خروج الإمام الحسين(عليه السلام) من المدينة. 68

ج - بكاء الصحابة علي الإمام الحسين(عليه السلام) بعد شهادته. 70

المطلب الثالث: إقامة الشعائر في العصر الأموي.. 71

المقصد الأول: إقامة الشعائر في العصر الأموي من قبل أهل البيت(عليهم السلام). 71

أولاً: إقامة الشعائر من قبل الإمام السجاد(عليه السلام). 72

ثانياً: إقامة الشعائر من قبل الإمام الباقر(عليه السلام). 72

ثالثاً: إقامة الشعائر من قبل الإمام الصادق(عليه السلام). 73

المقصد الثاني: إقامة الشعائر في العصر الأموي من قبل غير أهل البيت(عليهم السلام) 74

أولاً: إقامة المآتم من قبل نساء يزيد. 74

ثانياً: مواقف رثاء لشخصيات مهمة. 74

ثالثاً: رثاء الإمام(عليه السلام) بالشعر 75

رابعاً: إقامة العزاء عند قبر الإمام(عليه السلام) من قبل التوابين. 76

المطلب الرابع: إقامة الشعائر في العصر العباسي.. 77

المقصد الأول: إقامة الشعائر من قبل الأئمة(عليهم السلام). 77

أولاً: إقامة الشعائر من قبل الإمام الصادق(عليه السلام). 77

ثانياً: إقامة الشعائر من قبل الإمام الكاظم(عليه السلام). 78

ثالثاً: إقامة الشعائر من قبل الإمام الرضا(عليه السلام). 78

رابعاً: إقامة الشعائر من قبل الأئمة الأربعة بعد الإمام الرضا(عليه السلام). 79

المقصد الثاني: إقامة الشعائر في العصر العباسي من قبل الشيعة. 81

أولاً: علي مستوي الأفراد. 81

ص: 252

ثانياً: علي مستوي المجتمع الشيعي.. 82

العباسيون الذين غضوا الطرف عن إقامة الشعائر من قبل شيعة أهل البيت(عليهم السلام). 82

1- أبو العباس السفاح العباسي.. 82

2- الأمين العباسي.. 83

3- المأمون العباسي.. 83

4- المعتصم والواثق العباسي.. 84

5 - المنتصر العباسي.. 85

6 - الراضي العباسي.. 86

المطلب الخامس: إقامة الشعائر في العصور الأخري.. 87

المقصد الأول: إقامة الشعائر في العصور التي تلت العصر العباسي.. 87

المقصد الثاني: إقامة الشعائر الحسينية في العصر الحديث.. 89

المطلب السادس: ما ذكره بعض الباحثين في تاريخ الشعائر الحسينية 92

المقصد الاول: ما ذكره الدكتور صالح الجويني. 92

مناقشة الدكتور الجويني.. 92

المرحلة الأولي: 93

المرحلة الثانية: الإعداد من قبل أئمة أهل البيت(عليهم السلام). 94

المرحلة الثالثة: ما بعد مرحلة التأسيس.... 95

المرحلة الرابعة: في عهد الحكومات الشيعية. 96

المرحلة الخامسة: من القرن السادس إلي العهد الصفوي.. 96

المرحلة السادسة: العهد الصفوي.. 97

المقصد الثاني: ما ذكره الدكتور ظاهري.. 97

مناقشة ما طرحه الدكتور ظاهري.. 99

ص: 253

الفصل الثاني: الأدلة علي مشروعية الشعائر الحسينية

المبحث الأوَّل: الشعائر الحسينية من شعائر الله تعالي.... 105

المطلب الأول: بيان المراد من شعائر الله تعالي.. 106

الأقوال في عمومية وخصوصية شعائر الله... 107

القول الأول: إنّ شعائر الله مختصة بمناسك الحج.. 107

القول الثاني: شعائر الله تشمل عموم علامات الدين. 107

الشواهد علي عمومية الشعائر لعلامات الدين. 108

الشاهد الأوّل: بناء القبور للمعصومين(عليهم السلام) والعلماء 108

الشاهد الثاني: وجوب احترام المكتوبات الدينية. 108

المطلب الثاني: الشعائر الحسينية من مصاديق الشعائر الدينية. 109

كلمات اللغويين والفقهاء الدالة علي أنّ الشعائر الحسينية من الشعائر الدينية 109

الشواهد علي أنّ الشعائر الحسينية من شعائر الله تعالي. 112

الشاهد الاول: انطباق أهداف الشعائر الحسينية علي أهداف شعائر الله تعالي 112

أ: أهداف شعائر الله تعالي.. 112

ب: أهداف وغايات النهضة الحسينية. 113

الشاهد الثاني: الرابطة بين مشتقات مادة (شعر) وبين الشعائر الحسينية. 116

الشاهد الثالث: الشبه بين المعني اللغوي لشعائر الله ومادة (شعر) وبين الشعائر الحسينية 120

المبحث الثاني: الأدلة القرآنية علي مشروعية الشعائر. 123

ص: 254

المطلب الأول: الآيات التي تضمنت لفظ الشعائر صراحة. 123

الآية الأولي: آية الصفا والمروة. 123

الآية الثانية: آية لا تحلوا شعائر الله... 127

الآية الثالثة: آية تعظيم الشعائر 131

المطلب الثاني: الآيات التي تقتضي تعظيم الإمام الحسين(عليه السلام) بإقامة شعائره 135

الآية الأولي.. 135

تقريب الاستدلال. 135

الآية الثانية. 136

تقريب الاستدلال. 137

الآية الثالثة. 138

تقريب الاستدلال. 138

الآية الرابعة. 139

تقريب الاستدلال. 140

الآية الخامسة: 141

تقريب الاستدلال: 141

المبحث الثالث: الأدلة الروائية علي مشروعية الشعائر الحسينية. 145

المطلب الأول: الأحاديث والروايات التي تدل علي حب الإمام الحسين(عليه السلام) 145

المقصد الأول: الأحاديث والروايات الدالة علي حبه(عليه السلام) بالاشتراك مع غيره 145

المقصد الثاني: الأحاديث والروايات الدالة علي حبه(عليه السلام) بمفرده. 146

النتيجة: 147

المطلب الثاني: الروايات الدالة علي حث النبي(صلي الله عليه و آله و سلم) والأئمة(عليهم السلام) علي زيارة الإمام الحسين(عليه السلام) 149

ص: 255

المقصد الأول: ما نقل عن النبي(صلي الله عليه و آله و سلم) في الحثّ علي الزيارة. 149

المقصد الثاني: ما ورد عن الأئمة(عليهم السلام) في الحثّ علي الزيارة. 149

المطلب الثالث: الروايات التي أجازت الجزع علي الإمام الحسين(عليه السلام). 150

المقصد الأول: ما ورد من جزع في سيرة أهل البيت(عليهم السلام) علي الإمام الحسين(عليه السلام) 151

أ - جزع النبي(صلي الله عليه و آله و سلم)... 151

ب - جزع فاطمة(عليها السلام)..... 152

المقصد الثاني: ما ورد من حث علي الجزع علي الإمام(عليه السلام). 152

المطلب الرابع: الروايات الدالة علي استحباب البكاء علي الإمام الحسين(عليه السلام) 153

أولاً: دلالة فعل المعصوم علي جواز البكاء علي الإمام الحسين(عليه السلام). 153

أ - الروايات التي تشير إلي بكاء الأنبياء علي الإمام الحسين(عليه السلام). 153

ثانياً: الروايات التي تحثّ علي البكاء علي الإمام الحسين(عليه السلام). 155

النتيجة. 156

المبحث الرابع: آراء العلماء وفتاواهم في الشعائر الحسينية. 159

المطلب الأول: قاعدة تعظيم الشعائر وسعة معناها عند العلماء 159

المطلب الثاني: فتوي الشيخ النائيني حول الشعائر وتعليقات العلماء عليها 162

المقصد الأوّل: فتوي الشيخ النائيني(رحمة الله عليه)... 162

المقصد الثاني: تعليقات العلماء الأعلام علي فتوي النائيني.. 164

(1) السيّد ميرزا عبد الهادي الشيرازي 164

(2) السيد الحكيم(قدس سره) 164

(3) السيد الخوئي(قدس سره) 165

(4) السيد الشاهرودي(قدس سره) 165

ص: 256

(5) آية الله المظفر(قدس سره) 165

(6) السيد الحمّامي(قدس سره) 166

(7) الشيخ كاشف الغطاء(قدس سره) 166

(8) الشيخ محمد كاظم الشيرازي 166

(9) السيد الكلبايكاني(قدس سره) 166

(10) آية الله المرعشي 166

(11) آية الله المرعشيّ 167

(12) آية الله المدد(قدس سره) 168

(13) آية الله النوري 168

الفصل الثالث: اتهامات الشعائر الحسينية بالبدعة وأجوبتها

المقدمة الأولي: أسباب الاتهام بالبدعة. 171

المقدمة الثانية: شروط البدعة وأثرها في دفع الاتهام.. 172

1 - البدعة شيء مبتكر ليس له مثال سبقه. 172

2 - اختصاص البدعة بالأمور الشرعية. 173

3. عدم وجود أصل أو دليل علي الفعل الحادث.. 176

المبحث الأوَّل: نماذج من مصاديق الاتهامات علي الشعائر الحسينية 177

النموذج الأول: إقامة المأتم والبكاء علي الحسين(عليه السلام) مخالف للسنة. 177

أولاً: كلام ابن تيمية. 178

ص: 257

ثانياً: كلام عبد الرحمن آل الشيخ.. 180

النموذج الثاني: تعمير قبر الإمام الحسين(عليه السلام) وزيارته شرك وتبديل لدين الله 181

أولاً: كلام ابن تيمية. 181

ثانياً: كلام ابن قيم الجوزية. 182

ثالثاً: كلام عبد الرحمن آل الشيخ.. 183

رابعاً: كلام محمد بن إسماعيل الصنعاني.. 184

المبحث الثاني: أجوبة الاتهامات عقلاً ونقلاً.. 187

المطلب الأوّل: أجوبة الاتهام عقلاً. 187

المقدمة الأولي: حجية العقل في رد الاتهام.. 187

المقدمة الثانية: العقل ميزان الأفعال والأقوال. 189

الجواب الأول: الشعائر أفعال معبرة عن الحب.. 190

الجواب الثاني: التأسي بالأسوة الحسنة. 190

الجواب الثالث: تجديد العزاء رد علي الظالمين. 191

الجواب الرابع: فقدان المستشكل إلي الدليل.. 192

المطلب الثاني: أجوبة الاتهام نقلاً. 192

المقدمة الأولي: الضابطة في إطلاق الشعيرة علي العمل.. 193

المقدمة الثانية: عدم انحصار الشعائر في شعائر الحج.. 193

المقدمة الثالثة: تشخيص العرف لبعض المفاهيم.. 193

المقدمة الرابعة: الأدلة علي جواز عمل الشعائر 195

المقصد الأول: أجوبة اتهامات وإشكالات ابن تيمية وغيره. 195

أولاً: الجواب علي الاتهام القائل بأنّ إقامة المأتم مخالف للسنة. 195

ص: 258

ثانياً: الجواب علي الاتهام القائل بأنّ النياحة علي الميت كفر 198

ثالثا: الجواب علي الإشكال القائل بأنّ زيارة القبور بدعة. 199

المقصد الثاني: أجوبة الاتهامات الواردة حول الشعائر التي تندرج تحت الأدلة الخاصة. 202

أولاً: الجواب علي الإشكالات والاتهامات الواردة حول البكاء والحزن. 202

الجواب الأول: القرآن يجيز الحزن والبكاء علي فراق المحبوب.. 202

الجواب الثاني: الروايات العامة الدالة علي جواز الحزن والبكاء علي فقد المحبوب.. 204

الجواب الثالث: الروايات الدالة علي جواز البكاء والحزن علي الإمام الحسين(عليه السلام). 205

ثانياً: الجواب علي الإشكالات والاتهامات الواردة حول لبس السواد. 206

الأدلة العامة علي جواز لبس السواد. 206

الأدلة الخاصة علي جواز لبس السواد علي الإمام الحسين(عليه السلام). 207

ثالثاً: الجواب علي الإشكالات والاتهامات الواردة حول المشي لزيارة الحسين(عليه السلام) 208

رابعاً: الجواب علي الإشكالات الواردة علي لعن قاتل الحسين(عليه السلام). 209

1- اللعن في اللغة. 209

2- اللعن في الاصطلاح. 210

أ - النبي الأكرم(صلي الله عليه و آله و سلم) وأهل البيت يلعنون قاتل الحسين(عليه السلام). 210

ب - رأي علماء الجمهور في لعن بعض الأفراد ومنهم يزيد: 211

ج - النبي الأكرم(صلي الله عليه و آله و سلم) يلعن من يتعدي علي حرمة المدينة المنورة. 212

3- الذين يستحقون اللعن. 213

4- اللاعنون. 213

المقصد الثالث: أجوبة الاتهامات الواردة حول الشعائر التي تندرج تحت الأدلة العامة 216

أولاً: الجواب علي الإشكالات والاتهامات الواردة حول لدم الصدور (اللطم) وندب الميت 216

ص: 259

الأوّل: أدلة الجمهور 219

الثاني: أدلة مدرسة أهل البيت(عليهم السلام). 219

ثانياً: الجواب علي الإشكالات الواردة حول الإنفاق علي زائري قبور المعصومين(عليهم السلام). 220

ثالثاً: الجواب علي الإشكالات الواردة حول الإنفاق علي التشابيه في المراسم الحسينية 221

الجواب علي النماذج والإشكالات الأخري الواردة علي الشعائر الحسينية. 225

الخاتمة. 227

التوصيات.. 229

المصادر والمراجع.. 231

فهرس المحتويات 249

ص: 260

تعريف مرکز

بسم الله الرحمن الرحیم
هَلْ یَسْتَوِی الَّذِینَ یَعْلَمُونَ وَالَّذِینَ لَا یَعْلَمُونَ
الزمر: 9

عنوان المکتب المرکزي
أصفهان، شارع عبد الرزاق، سوق حاج محمد جعفر آباده ای، زقاق الشهید محمد حسن التوکلی، الرقم 129، الطبقة الأولی.

عنوان الموقع : : www.ghbook.ir
البرید الالکتروني : Info@ghbook.ir
هاتف المکتب المرکزي 03134490125
هاتف المکتب في طهران 88318722 ـ 021
قسم البیع 09132000109شؤون المستخدمین 09132000109.