البحث حول المهدي (عج)

اشارة

البحث حول المهدي (عج).

المؤلف : السيد محمد باقر الصدر.

الناشر: مركز الغدير للدراسات الاسلامية.

المجموعة : مصادر سيرة النبي والائمة.

تحقيق : الدكتور عبد الجبار شرارة.

سنة الطبع : 1417 ه- 1996 م.

ص :1

اشارة

حقوق الطبع محفوظة للناشر.

الكتاب: بحث حول المهدي.

المؤلف: السيد الشهيد محمد باقر الصدر قدس سره.

تحقيق: الدكتور عبد الجبار شرارة.

الناشر: مركز الغدير للدراسات الاسلامية.

الطبعة الأولي المحققة.

ربيع الثاني 1417 ه / 1996 م.

المطبعة: فروردين.

عدد النسخ: 5000.

ص :2

بحث حول المهدي (عج).

تأليف: الامام الشهيد السيد محمد باقر الصدر قدس سره

تحقيق وتعليق: الدكتور عبد الجبار شرارة

مع مقدمة وافية مركز الغدير للدراسات الاسلامية / قم

ص :3

ص :4

بسم الله الرحمن الرحيم

ص :5

ص :6

كلمة المركز

ص :7

ص :8

الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام علي سيد المرسلين محمد وآله الطاهرين.

إن من المهام الفكرية والعلمية التي تصدي مركز الغدير للعناية بها ونشر الأبحاث والدراسات الدائرة حولها والمهتمة بالتعريف بها هي الأبحاث والدراسات العقيدية المرتبطة بعقيدة الإمامة، ولعل دراسة قضية الإمام المهدي عليه السلام وبحثها بحثا علميا استدلاليا والتعريف بها، ومناقشة الشبهات المثارة حولها، هي من أهم المباحث وأكثرها حاجة إلي الايضاح والتعريف.

ولقد كتب العلماء والمفكرون والباحثون والمحققون الكتب والدراسات لدراسة هذا الموضوع الخطير.

كما خرج علماء الحديث وأصحاب الموسوعات الحديثية أحاديث المهدي المروية عن النبي صلي الله عليه وآله وسلم في كتبهم وأفردوا بابا خاصا حينا، كما وردت ضمن أحاديث وروايات أخري حينا آخر.

ومن الذين تناولوا هذا البحث بالدراسة والتحليل، وضمن منهج متميز هو الفقيه والفكر الاسلامي الشهيد السيد محمد باقر الصدر رضي الله عنه، فقد بحث هذا الموضوع تحث عنوان " بحث حول المهدي " فكان بحثا عقليا وتنظيريا لعقيدة

ص :9

المهدي. ولم يورد فيه مؤلفه الروايات الدالة علي الموضوع: ذلك لان البحث كان عبارة عن مقدمة لكتاب استدلالي موسع هو كتاب " موسوعة الإمام المهدي " للسيد محمد الصد.

فهو عبارة إذا عن مقدمة لكتاب، وليس كتاب، غير أنه جاء بحثا استوعب مرتكزات الموضوع وأغني جوانبه. وحق أن تبذل الجهود لتحقيقه وخراجه ونشره. فكاتبه (الشهيد الصدر) قمة من قم الفكر والعلم، وحجة من حجج البحث والتحقيق.

من أجل ذلك بادر مركز الغدير بتكليف الأستاذ الدكتور عبد الجبار شرارة أن يقوم بتحقيق هذا الأثر من تراث شهيدنا الصدر العلمي والتعريف بمسألة من أهم مسائل العقيدة من خلال هذا البحث القيم، ولقد تركز عمل المحقق بمقدمة علمية استعرض فيها وحلل مناهج البحث في هذه المسألة، فلخصها بمنهجين هما:

1 - منهج المشككين.

2 - منهج المثبتين، الذي قسمه إلي منهجين هما:

ألف - المنهج الروائي.

ب - المنهج العقلي (منهج الشهيد الصدر).

فتحدث عن منهج الشهيد الصدر وأوضح طريقته في إثبات القضية وبلورة معالمها، كما قام بنقد ورد الشبهات المثارة حول عقيدة الايمان بوجود المهدي المصلح، وأورد الأدلة المثبتة لذلك.

وبعد تلك المقدمة انتقل المحقق إلي نص كتاب " بحث حول المهدي " فقام بتدقيق المتن وضبطه وتخرج الآيات والروايات والاحالات الواردة في متن الكتاب والتعليق علي بعض نصوص الكتاب لايضاحها وكشف غوامضها.

ص :10

ومركز الغدير إذ يتبني إعداد هذا الكتاب بتوجيه وعناية من المشرف العام آية الله السيد محمود الهاشمي، إنما يقدم للقراء أثرا علميا قيما، وصيانة فكرية فذة لمبدأ إسلامي خطير، ويعرف من خلاله بمسألة من أهم مسائل الفكر والعقيدة الاسلامية.

راجين من الله سبحانه قبول العمل وشفاعة أهل البيت عليهم السلام وتحقق آمال المستضعفين في العالم بإقامة دولة الحق التي يرفع لواءها المصلح المنتظر.

وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين مركز الغدير للدراسات الاسلامية ربيع الأول 1417 للهجرة الشريفة

ص :11

ص :12

مقدمة المحقق

اشارة

ص :13

ص :14

الاعتقاد بالإمام المهدي المنتظر (عليه السلام) قضية أساسية في عقيدة المسلمين وقد شغلتهم وما تزال منذ بشر خاتم المرسلين (صلي الله عليه وآله وسلم) به، وأكد ظهوره في آخر الزمان في أحاديث جمة، وفي موارد ومناسبات لا تحصي كثرة بلغت حد التواتر، فصار الاعتقاد به من ضروريات الإسلام. ومع ذلك كله فقد نجم في القرون الماضية وفي قرننا الحالي من أنكر وشكك فيه إما تأثرا بمناهج مادية أو بسبب عصبية مذهبية أو لجهل بما أودع في الصحاح والمسانيد والسنن من مئات الروايات (1) عن طريق الفريقين السنة والشيعة، ولقد ألف العلماء المتقدمون والمتأخرون عشرات الكتب كما كتبت فصول أو دراسات تضمنت أدلة معتبرة واحتجاجات سليمة وقوية علي وجود المهدي وصدق القضية بما لا ينبغي معه أن يرتاب فيه مسلم صحيح العقيدة يؤمن بما يخبر به الرسول (صلي الله عليه وآله وسلم).

ولقد بلغ من رسوخ هذه العقيدة في الأمة المسلمة أن استغلها بعض الأدعياء، وادعوا المهدوية، ولكن سرعان ما انكشفوا وافتضحوا، كما افتضح أدعياء النبوة، وقد حاول الدكتور أحمد أمين في كتابه (المهدوية في الإسلام) أن

ص :15


1- (1) راجع: المهدي الموعود المنتظر عند علماء أهل السنة والإمامية / الشيخ نجم الدين العسكري، وفيه أكثر من أربعمئة حديث من كتب أهل السنة. منتخب الأثر في الإمام الثاني عشر (عليه السلام) / العلامة الشيخ لطف الله الصافي، وفيه ما مجموعه (6000) ستة آلاف حديث عن طريق الفريقين.

يجعل من ادعاء المهدوية سببا للطعن علي فكرة المهدي وأصالتها، ولكن العكس هو الصحيح. فالادعاء يدل علي أن المدعين يستغلون حقيقية موضوعية، واعتقادا راسخا عند الناس، ثم لو صح أن الادعاء مبطل لأصل القضية، فلازم ذلك إبطال النبوات لكثرة المدعين بها.

والأمر المثير للعجب أن يتصدي بعض أدعياء العلم والمعرفة قديما وحديثا للتشكيك والتشويش علي الأمة المسلمة، لا لشئ إلا بسبب قصور فهمهم عن إدراك أسرار هذه العقيدة، ومقاصدها السامية، أو بسبب غرض آخر، ومن هؤلاء في عصرنا الحديث المستشرقون وتلامذتهم من أمثال گولدزيهر، وفلهاوزن، وفان فلوتن، ومكدونالد، وبرنارد لويس، ومونتغمري وات، وماسنيون وغيرهم ممن تبعهم من تلامذتهم من أبناء الإسلام، وسار علي منهجهم في إثارة الشبهات والتشكيك بعقائد الإسلام ومقولاته وفي القرآن الكريم والسنة المطهرة، ثم سلك هذا المسلك الوهابية ومن سار في ركابهم من أبناء الشيعة والسنة في التشكيك بعقيدة المهدي المنتظر، وليس لدي جميع هؤلاء ما يدعم إنكارهم من الأدلة والمستمسكات الموثوقة، بل الدليل قائم علي خلاف مذاهبهم والبرهان ساطع وقاطع علي صحة العقيدة في المهدي، لثبوت التواتر كما حكاه غير واحد، ومنهم البرزنجي في الإشاعة لأشراط الساعة، والشوكاني في التوضيح كما سيأتي.

والغريب أن هؤلاء يتوسلون بنفس الذرائع، ويتعللون بنفس التعللات التي توسل بها منكرو ما جاء من أنباء الغيب التي احتواها القرآن الكريم، أو التي نطق بها الرسول الكريم نبينا محمد (صلي الله عليه وآله وسلم) كإنكارهم الإسراء والمعراج (1).

إن قراءة متأنية لما أثاره المشككون من إشكالات، وما يطرحونه هذه

ص :16


1- (1) راجع: تفسير ابن كثير 3: 9 وما بعدها تفسير أول سورة الإسراء.

الأيام من تشويشات، كما في مزاعم وادعاءات السائح، والقصيمي، وغيرهم من المشوشين - وهي لا تختلف عما طرحه الخصوم من قبلهم - الذين هم عن العلم بعيدون، وبمعرفة علم الحديث رواية ودراية أبعد ما يكونون، وبحقائق التاريخ ووثائقه علي أتم الجهل أو العناد، إن هذه القراءة ستوقفنا علي سذاجة تفكيرهم وسقم واختلال مناهجهم في التعامل مع هذه القضية الخطيرة (1).

ومن هنا كان تصدي الإمام الشهيد الصدر (رضي الله عنه) لها بالبحث والدراسة وفق منهج علمي جديد، يعتمد النقل الصحيح، والدليل العقلي السليم، ومناقشة القضية مناقشة هادئة رصينة متعرضا لكل الإشكالات المثارة في المقام. والواقع أننا إزاء ما أثاره الخصوم قديما وحديثا لم نجد - في حدود تتبعنا القاصر - من درسها وناقشها بمثل هذا المنهج والأسلوب الذي اتبعه الإمام الشهيد الصدر (رضي الله عنه)، كما سيتضح للقارئ العزيز.

ولعل من المناسب في هذه المقدمة أن نتعرف علي جملة حقائق أو ملاحظات يمكن أن تشكل مدخلا مناسبا لبحث السيد الشهيد (رضي الله عنه) الذي وفقنا والحمد لله إلي تحقيقه تحقيقا علميا حديثا.

ويتضمن المدخل الإلمام بالأمور الآتية:

أولا: منهج المشككين قديما وحديثا.

ثانيا: منهج المثبتين:

1 - المنهج الروائي.

2 - المنهج العقلي (منهج الشهيد الصدر (رضي الله عنه)).

ص :17


1- (1) راجع مناقشة السائح وأمثاله في (نقد الحديث بين الاجتهاد والتقليد) للسيد محمد رضا الجلالي المنشور في مجلة تراثنا / العددان 32 و 33 - السنة الثانية 1413 ه - إصدار مؤسسة آل البيت (عليهم السلام).

أولا: منهج المشككين

ينطلق المنكرون للإمام المهدي المنتظر (عليه السلام) من دوافع ومنطلقات لا تنسجم مع منهج الإسلام العام في طرح العقائد والدعوة إلي الإيمان بها. فمنهج الإسلام الذي يعتمد علي العقل والمنطق والفطرة، يقوم في جانب مهم منه علي ضرورة الإيمان بالغيب. وتتكرر الدعوة في القرآن الكريم إلي ذلك، إذ هناك عشرات الآيات (1) التي تتحدث عن الغيب والدعوة إلي الإيمان به، والمدحة عليه كما في قوله تعالي: (ألم ذلك الكتاب لا ريب فيه هدي للمتقين * الذين يؤمنون بالغيب) البقرة: 2 - 3، وفي الحديث النبوي الشريف (2) كذلك، إذ هناك مئات الروايات وبصور متنوعة وعديدة وكلها تؤكد الإيمان بالغيب وعلي أنه جزء لا يتجزأ من العقيدة، وأن هذا الغيب سواء تعقله الإنسان وأدرك جوانبه أو لم يستطع إدراك شئ منه وخفيت عليه أسراره، فإنه مأمور بالإيمان، غير معذور بالإنكار، بلحاظ أن مثل هذا الإيمان هو من لوازم الاعتقاد بالله تعالي، وبصدق سفرائه وأنبيائه الذين ينبئون ويخبرون بما يوحي إليهم، كما هو الأمر في الإيمان بالملائكة وبالجن وبعذاب القبر وبسؤال الملكين (منكر ونكير) وبالبرزخ (3) وبغير ذلك من المغيبات التي جاء بها القرآن الكريم أو نطق بها الرسول الأمين ونقلها إلينا الثقات المؤتمنون. وإذن فكل تشكيك بشأنها - أي قضية المهدي - إنما يتعلق بأصل التصديق بالغيب، والكلام فيه يرجع إلي هذا الأصل.

ص :18


1- (1) راجع: المعجم المفهرس لألفاظ القرآن مادة (غيب). وراجع التفاسير ومنها تفسير ابن كثير المجلد الأول في تفسير أول سورة البقرة.
2- (2) راجع كتاب الفتن وعلامات الساعة في الصحاح والمسانيد والسنن. راجع مثلا: التاج الجامع للأصول في أحاديث الرسول / الشيخ منصور علي ناصف 5: 300 وما بعدها.
3- (3) راجع: التاج الجامع للأصول 1: 25.

ومن هنا حاول المنكرون لعقيدة المهدي (عليه السلام) أن يهربوا، وينأوا بأنفسهم عن طائلة ذلك الاعتقاد، فلجأوا إلي التشكيك بالأخبار الواردة بشأنه أو تضعيف أسانيدها كما فعل ابن خلدون في تاريخه في الفصل الثاني والخمسين الذي عقده في أمر الفاطمي، حيث ضعف الأحاديث المروية في المهدي مع اعترافه بظهور المهدي آخر الزمان، وبصحة بعض الأحاديث المروية بشأنه. وتبعه عدد من المقلدين أمثال علي حسين السائح أستاذ كلية الدعوة الإسلامية في ليبيا في بحثه (تراثنا وموازين النقد) (1) إذ تعرض فيه لموضوع المهدي المنتظر، وتعلق بالخيوط العنكبوتية التي نسجها ابن خلدون حول عقيدة المهدي، وحسب أنه لجأ إلي ركن شديد، وأنه سيرقي عليها إلي السماء، غافلا عن أنه تشبث بأوهن البيوت.

وعندما اصطدم هؤلاء بعدم إمكانية رد تلك الروايات أو تضعيفها لكثرتها، وتعدد طرقها، وصحة أسانيد عدد كبير منها كما أثبتها أئمة الحديث (2)، لجأوا مرة أخري إلي إحاطة أمر المهدي بالأساطير التي اخترعوها، كاختراعهم أكذوبة السرداب التي لا أصل لها عند المعتقدين به، وقد ناقشها الشيخ العلامة الأميني مناقشة وافية أبان فيها تخبط الخصوم في الأساطير التي نسجوها تارة في موقع السرداب - إذ اختلفوا فيه اختلافا مضحكا - وتارة أخري في مواقف الشيعة وطقوسهم المزعومة حول السرداب (3).

ص :19


1- (1) البحث نشر في مجلة كلية الدعوة الإسلامية الصادرة في ليبيا، وراجع مناقشته في بحث السيد الجلالي المنشور في مجلة تراثنا المذكور سابقا.
2- (2) راجع: دفاع عن الكافي / ثامر هاشم العميدي 1: 203 وما بعدها، فقد أورد مناقشة العلماء وأئمة الحديث لتضعيفات ابن خلدون والمقلدين لرأي ابن خلدون، كما ناقش هو تلك التضعيفات مناقشة علمية متينة أبان فيها تهافتهم وعدم تبصرهم ومعرفتهم بفن الرواية وأصول الدراية.
3- (3) راجع: الغدير 3: 308 - 309، وراجع ما أورده العميدي من مناقشات متينة لهذه الفرية في دفاع عن الكافي 1: 593، وراجع: سيرة الأئمة الاثني عشر / هاشم معروف الحسني 2: 559.

ولجأ آخرون إلي إنكار ولادته (1) الميمونة بإغراء ذوي المطامع (2) أو الطموح السياسي والاجتماعي لتبني هذا الإنكار والإفادة منه، إلي غير ذلك من التعلقات الواهنة التي تسقط لدي عرضها علي الحقائق الوفيرة، فضلا عن مقتضيات الأحاديث الصريحة الصحيحة.

وبالجملة فإن منهج المشككين لم يخرج عن مثل تلك المنطلقات والتوهمات أو المغالطات المنكرة، فضلا عن تعارضه مع الأصول المعتبرة الدينية والروائية.

ولعل من المناسب أن نورد ضمن هذا المنهج ما ذهب إليه بعض المعاصرين من أمثال إحسان إلهي ظهير (3) والبنداري (4) والسائح، ومن احتذي حذوهم، وقلدهم تقليدا أعمي من المنسوبين إلي الشيعة.

وملخص ما أثاروه واستندوا إليه أمور نذكرها كما وردت علي ألسنتهم، ثم نناقش أسس مدعياتهم ومنهجهم، وذلك كما يأتي:

1 - قالوا: إن الشيعة وقعوا في حيرة واضطراب بعد وفاة الإمام العسكري، وخاصة فيما يتعلق بولادة الإمام المهدي (محمد بن الحسن)، لوجود الغموض فيما ورد عنه من طريق الأئمة (عليهم السلام) عندما سئلوا عنه.

2 - قالوا: إن الشيعة انقسموا وتفرقوا إلي أربع عشرة فرقة في مسألة الإمام

ص :20


1- (1) راجع: دفاع عن الكافي: 1: 569 فقد أورد المؤلف شهادات واعترافات وإثباتات وافية عن علماء أهل السنة من القرن الرابع الهجري إلي القرن الرابع عشر في إثبات ولادة الإمام المهدي واستمرار حياته ووجوده الشريف.
2- (2) راجع: الإرشاد / الشيخ المفيد: ص 345، وراجع أيضا سيرة الأئمة الاثني عشر / الحسني 2: 534 - 538 في قضية جعفر الكذاب.
3- (3) راجع الشيعة والتشيع - فرق وتاريخ: ص 261 و 301 / الطبعة الثانية 1384 ه - باكستان.
4- (4) راجع التشيع بين مفهوم الأئمة والمفهوم الفارسي / الطبعة الثانية - دار عمار - الأردن.

بعد وفاة الإمام الحسن العسكري، وأن أمر الإمام المهدي لو كان واضحا ومهما وجزءا من المذهب الجعفري لما جاز الاختلاف فيه، ولما أمكن أن يبقي أمره سرا غامضا.

3 - زعموا أن الروايات التي تتحدث عن هوية الإمام المهدي ضعيفة وموضوعة ومختلفة، سواء منها ما يتعلق باسم أمه، أم بتاريخ ولادته، أم بما لابس ولادته، أم بغيبته وسفرائه.

وقد ختم أحدهم تخرصاته زاعما بأنه لم يرفض إماما ثبت وجوده من أهل البيت، إنما حصل عنده شك بولادة الإمام الثاني عشر، لعدم توفر الأدلة الكافية - بحسب زعمه - أو لعدم قناعته بها أي بالأدلة المذكورة، وذكر أنه لا يستبعد أن يطيل الله عمر إنسان كما أطال عمر النبي نوح (عليه السلام)، بالرغم من عدم الحاجة والضرورة إلي ذلك. وأنه يبحث عن الأدلة التي تثبت أن الله تعالي قد فعل هذا بشخص آخر، لأنه لا يمكن أن يعتقد بحدوث هذا عن طريق القياس والتشبيه، ثم قال: " وقد كان سيدنا الصادق يرفض القياس بالأمور الفرعية الجزئية فكيف في الأمور التاريخية والعقائدية ".

هذا ملخص ما أوردوه وانفتقت به عبقرياتهم وهم يحسبون أنهم جاءوا بما لم يتنبه إليه الأوائل.

وردا علي هذه الإشكالات، وجوابا عن هذه الإثارات، نقول:

أولا - إن وجود الغموض في تحديد هوية الإمام المهدي، ووقوع الحيرة لدي الشيعة - لو صح كما صوره الخصم وضخمه - هو دليل علي الخصوم وليس لهم، إذ عدم تحديد الهوية والإصرار علي بقاء الأمر سرا دليل علي وجود الإمام والخوف عليه من الأعداء لا علي عدم وجوده، كما توهموا.

ص :21

فالأئمة (عليهم السلام) - كما وردت الروايات (1) - لم يريدوا الكشف عن التفاصيل المتعلقة بحياة الإمام المهدي وولادته الميمونة، لمعرفتهم بتكالب الأعداء في طلبه، وجدهم وتربصهم به، وقد كانوا يبثون العيون ويترصدون كل حركة للعثور علي الإمام والتخلص منه، بعد أن أيقنوا بالأمر وشاهدوا ترقب الأمة وتطلعها لمقدمه الشريف ليملأ الأرض قسطا وعدلا بعد أن ملئت ظلما وجورا.

وكيف لا يحرص الأئمة (عليهم السلام) علي حياته العزيزة، وقد فعل سلاطين الجور الأفاعيل، وارتكبوا الحماقات والشناعات بحق أهل البيت وذرية الرسول الأكرم (صلي الله عليه وآله وسلم)، إذ طاردوهم وسجنوهم وأذاقوهم التشريد والقتل أخذا بالظنة والتهمة والوشاية المغرضة، ودونك التاريخ فاقرأ في (مقاتل الطالبيين) للأصفهاني العجب العجاب.

وإذن فكيف يكون الحال وقد اطلع هؤلاء السلاطين علي الروايات في صحاح المسلمين ومسانيدهم عن المهدي من العترة الطاهرة، ومن ذرية فاطمة ومن أولاد الحسين تحديدا، وأنه سيظهر ليملأها قسطا وعدلا، فهذه المعرفة اليقينية قد خلقت شعورا قويا لدي الحكام الظلمة بأن عروشهم ستنهار. وكان هذا الهاجس هو الذي يفسر لنا تلك الإجراءات الغريبة وغير الاعتيادية التي اتخذتها السلطة الحاكمة عند سماع نبأ وفاة الإمام الحسن العسكري (عليه السلام) مباشرة، وليس هناك من تفسير معقول سوي اعتقادهم بوجود الإمام الثاني عشر الحجة ابن الحسن، وأنه الإمام الموعود كما نطقت به الأخبار المتواترة لدي السنة والشيعة، ولذا أسرعوا إلي دار الإمام (عليه السلام) واتخذوا مثل تلك الإجراءات الاستثنائية بدءا من التفتيش الواسع والدقيق، إلي حبس جواري الإمام وإخضاعهن

ص :22


1- (1) راجع: الغيبة للنعماني من أعلام القرن الرابع الهجري / الباب 12، الغيبة الكبري / السيد محمد الصدر / البحث التمهيدي.

للفحص (1)، كل ذلك في محاولة يائسة للقبض علي الإمام. ولا عجب فقد حصل ذلك من نظرائهم، وحدثنا القرآن الكريم عن فعل فرعون للقبض علي النبي موسي (عليه السلام) فنجاه الله من الكيد.

ومن هنا نفهم السبب في إخفاء الإمام الصادق (عليه السلام) هوية المهدي والتفاصيل المتعلقة بهذا الأمر.

وليست الحيرة بعد ذلك والاضطراب إلا حالة طبيعية في ظل مثل تلك الظروف والملابسات الخاصة التي رافقت قضية المهدي (عليه السلام) في وجوده وولادته، وشغب السلطة وتمويهاتهم وإعلامهم الزائف. وإذن فليست (الحيرة) إلا بسبب تلك الظروف والملابسات، فضلا عن أن الروايات الواردة عن الأئمة (عليهم السلام) قد أشارت إلي وقوع مثل هذه الحيرة والفتنة والتفرق، كما نقل ذلك ابن بابويه القمي في (التبصرة)، والشيخ النعماني في (الغيبة) الباب الثاني عشر.

ثانيا - قولهم بضعف الروايات واختلاقها، ولا ندري هل أنهم يفرقون بين الضعيف والموضوع أم هما عندهم سواء؟ ثم لماذا هذا الخلط المقصود بين مسألة وجود الإمام الحجة الثابتة بالطرق الصحيحة وبين بعض الروايات التي تلابس (حدث الولادة)؟ والعجب من ركوب هؤلاء جميعا هذه الجرأة المفضوحة إذ إن روايات (المهدي) لم تروها كتب الشيعة فحسب، ولم ترد عن طرقهم فقط، وإنما روتها الصحاح والمسانيد والجوامع الحديثية المعتبرة كصحيح أبي داود، وصحيح البخاري وشروحه، ومسند أحمد بن حنبل، وجامع الطبراني، وجمعها السيوطي في العرف الوردي (2) من عدة طرق، وحكي تواترها البرزنجي في الإشاعة (3)،

ص :23


1- (1) الإرشاد / الشيخ المفيد: ص 345.
2- (2) راجع الحاوي للفتاوي / السيوطي 2: 213 وما بعدها.
3- (3) الإشاعة لأشراط الساعة: ص 87 - 122 / الباب الثالث.

وكذا الشوكاني في التوضيح (1)، ونقل ذلك أخيرا الشيخ منصور علي ناصف في غاية المأمول (2).

فانظر إلي جهل المشككين كيف رموا ما صح وتواتر عند جمهور المسلمين من السنة والشيعة بالوضع والاختلاق واعجب لجرأتهم وشغبهم! إذ لا يصح بعد ذلك شئ مما تناقله الرواة من حوادث التاريخ، وأسماء الأعلام، وآراء المذاهب المختلفة.

ثالثا - استدل بعضهم علي نفي وجود الإمام المهدي وولادته بقوله: إن الشيعة اختلفوا في المهدي وانقسموا - علي حد زعمه - إلي سبع عشرة فرقة بعد وفاة الحسن العسكري (عليه السلام)، وهذا يدل - بحسب زعمه - علي عدم وجود الإمام!! ولعل من المناسب أن ننبه إلي أن الاختلاف حول موضوع أو قضية أو شخص لا يستلزم العدم، إذ لو جرينا علي هذا المنطق لما قامت عقيدة، ولا ثبت دين، ولا استقام شأن من الشؤون، فالاختلاف قائم دائم في العقائد، وفي التواريخ، وفي الشخصيات، وفي الحوادث الواقعة، وفي الفروع، وفي سائر الأمور. وقد تفرق أبناء الفرقة الواحدة إلي فرق وطوائف واتجاهات وآراء كما حدث عند المعتزلة والخوارج والأشاعرة (3) وغيرهم.. ثم ألم تسمع بما تناقله أهل الحديث من الرواية المشهورة وهي قوله (صلي الله عليه وآله وسلم) "... وتفترق أمتي علي ثلاث وسبعين فرقة " (4).

ونتساءل هنا، حول أي شئ كان الافتراق؟ وهل يستلزم ذلك نفي ما

ص :24


1- (1) التوضيح في تواتر ما جاء من الأحاديث في المهدي والدجال والمسيح، كما في غاية المأمول.
2- (2) غاية المأمول شرح التاج الجامع للأصول 5: 360.
3- (3) راجع: مقالات الإسلاميين للأشعري، والملل والنحل للشهرستاني، وفرق النوبختي وغيرها.
4- (4) راجع هذه الرواية وغيرها في سنن ابن ماجة 2: 1321 / 3991 كتاب الفتن - باب افتراق الأمم.

تفرقوا (فيه) لهذا السبب؟! وإذن لا تبقي عقيدة، ولا تسلم حقيقة، ولا يستقيم أمر بسبب وقوع الافتراق والانقسام في ذلك بحسب هذا المنطق.

والسؤال الأهم، ما هي هذه الفرق التي انقسم إليها الشيعة بعد وفاة الإمام العسكري؟ وما هي تسمياتهم؟ ومن هم زعماء ورجال هذه الفرق المزعومة؟ لقد قال الشهرستاني في الملل والنحل: " وأما الذين قالوا بإمامة الحسن - العسكري -: فافترقوا بعد موته إحدي عشرة فرقة، وليست لهم ألقاب مشهورة، ولكنا نذكر أقاويلهم.. " (1). وإذن فهو لا يعرف أسماءهم ولا رجالهم، وهم حسب زعمه إحدي عشرة فرقة، أما هؤلاء المقلدون الكذابون من أمثال إحسان إلهي ومن تابعه أخيرا فقد زادوا العدد فرقا أخري ليس لها اسم ولا رسم، حتي أوصلها أحد هؤلاء المفضوحين إلي سبع عشرة فرقة!! وأني لهم بمعرفتها وهي من مختلقاتهم؟ ولذا لم يذكر أحد منهم زعيما أو رجلا معروفا في التاريخ من هذه (السبع عشرة) فرقة، بل ولم يجرأ أحد هؤلاء المفترين علي الشيعة أن يشير إلي مكان أو زمان وجودهم.

ويحسن أن ننقل تعليقة العلامة عبد الحسين شرف الدين في الفصول المهمة حول هذه الكذبة التي أطلقها الشهرستاني في ملله، قال العلامة معقبا: " وليته أسند شيئا من الأقاويل التي نقلها عن تلك الفرق إلي كتاب يتلي أو شخص خلقه الله تعالي! وليته أخبرنا عن بلاد واحدة من تلك الفرق أو زمانها أو اسمها! فبالله عليك، هل سمعت بفرق متخاصمة، ونحل آراؤها متعاركة لا يعرف لهم في الأحياء والأموات رجل ولا امرأة؟! ولا يوجد في الخارج لهم مسمي ولا اسم؟!! " (2)

ص :25


1- (1) الملل والنحل 1: 151 و 152.
2- (2) الفصول المهمة في تأليف الأمة: ص 169.

والظاهر أن أحدهم قد أدرك خطأه واشتباهه فقال أخيرا: إني لم أرفض إماما ثبت وجوده من أهل البيت (عليهم السلام)، وإنما حصل عندي شك بولادة الإمام الثاني عشر. زاعما أن السبب هو عدم توفر الأدلة الكافية، أو عدم قناعته بالأدلة!! والسؤال الذي نثيره هنا هو، عن أي نوع من الأدلة يبحث هؤلاء؟ وهل هناك أدلة أقوي من إطباق الطائفة وعلماء الأمة ورواتها الثقات علي مثل هذا الأمر، أعني ولادة الإمام الحجة ابن الحسن؟ إذ ليس هناك من سبيل إلي ثبوت مثل هذه الأمور إلا الخبر الصحيح، وتوفر الشواهد، وقيام القرائن والمؤيدات من العقل والمنطق، وقد ثبت من كل هذه الجهات.

ولعل من المناسب الإشارة إلي ما حققه السيد ثامر العميدي في كتابه (دفاع عن الكافي) الجزء الأول، وأثبت ولادة الإمام واستمرار وجوده الشريف بالروايات والأحاديث الصحيحة، ثم بالنقل التاريخي المتواتر، كما أورد اعترافات وشهادات الفقهاء والمحدثين والمفسرين والمؤرخين وأهل التحقيق والأدباء والكتاب، وكلهم من أهل السنة بولادة المهدي محمد بن الحسن العسكري، ونقل ذلك عنهم بدءا من بداية القرن الرابع الهجري كالروياني في المسند، وسهل بن عبد الله البخاري (ت / 341 ه) في سر السلسلة العلوية، والخوارزمي (ت / 387 ه) في مفاتيح العلوم طبعة ليدن 1895 م.

كما أورد اعترافات من رجال القرن الخامس إلي القرن الرابع عشر، ومنهم:

أبو نعيم الأصفهاني (ت / 430 ه) في الأربعين حديثا، ويحيي بن سلامة الخصفكي الشافعي (ت / 568 ه) كما في تذكرة الخواص لابن الجوزي، ومحيي الدين بن عربي (ت / 638 ه) في الفتوحات المكية علي ما نقله الشعراني في اليواقيت والملك المؤيد أبي الفداء إسماعيل بن علي (ت / 732 ه) في المختصر في أخبار البشر، وابن الصباغ المالكي (ت / 855 ه) في الفصول المهمة، وجلال الدين السيوطي (ت / 911 ه) في

ص :26

إحياء الميت، وابن طولون الحنفي مؤرخ دمشق (ت / 953 ه) في كتابه الأئمة الاثنا عشر، وأحمد بن يوسف أبو العباس القرماني الحنفي (ت / 1019 ه) في كتابه أخبار الدول، والشبراوي الشافعي (ت / 1171 ه) في الإتحاف بحب الأشراف، ومحمد أمين السويدي (ت / 1246 ه) في سبائك الذهب، وأخيرا الزركلي (ت / 1396 ه) في الأعلام، وهذا الكم الكبير من الروايات والنقول والشواهد والشهود ألا تكفي للاقتناع بوجود شخص وولادته؟ وإذا لم يكن ذلك كله كافيا ودليلا، فلازمه بالضرورة الشك في كل الحوادث الماضية والشخصيات العلمية والتاريخية وما جري في غابر الزمن البعيد والقريب، وعند ذاك لا يصح شئ، ولا يثبت شئ، فهل هذا يرضي مثل هؤلاء المتطفلين علي البحث والتحقيق؟! وأما إذا كان الأمر من جهة تعقل الموضوع، فدونك (بحث حول المهدي) للشهيد الصدر (رضي الله عنه) - وهو هذا الكتاب الذي بين يديك - فهو الشافي الكافي، والحجة الدامغة والبرهان القاطع لمن يفكر بعقله، ولا يتعبد بما نقله وحكاه ذوو الأغراض المعروفة، والمغالطات المفضوحة أمثال ظهير والبنداري وغيرهم.

ولعل من الأمور التي تدلك علي المغالطة المفضوحة هو قولهم: " لا نستبعد أن يطيل الله عمر إنسان... ولكن لا يمكن الاعتقاد بحدوث هذا عن طريق القياس، وقد كان سيدنا الصادق يرفض القياس في الفروع، فكيف في الأمور التاريخية والعقائدية؟! ".

وقد فاتهم أن القياس هنا أمر وارد، ودليل معتبر عند أهل المنطق وأهل النظر في مثل هذه الموارد التي قد لا يدركها الإنسان إلا عن طريق التشبيه والقياس، وهو أسلوب علمي، ومنهج قرآني (ويضرب الله الأمثال للناس) إبراهيم: 25، وقال تعالي حاكيا قول المنكرين لبعض الأمور الاعتقادية كالمعاد كما في الآية المباركة: (وضرب لنا مثلا ونسي خلقه قال من يحيي العظام وهي رميم * قل

ص :27

يحييها الذي أنشأها أول مرة..) يس 78 - 79.

فانظر كيف يتنكب المتطفلون عن المنهج القرآني والعلمي؟ وانظر إلي عدم تفرقتهم بين القياس في أحكام الشريعة المنهي عنه، لعدم إحراز علة الحكم التي بني الشارع عليها حكمه، وبين القياس في مجال المعقولات الذي لا شبهة فيه.

وهكذا نخلص إلي القول أن أصحاب هذا المنهج التشكيكي ليس بأيديهم حجة ولا برهان، ولا يملكون سندا علميا أو تاريخيا مقبولا ومنطقيا في نفيهم وتشكيكاتهم، وإنما هي مجرد ظنون وأوهام، أو افتراضات وحدوس تتهاوي أمام الأدلة والبراهين المتينة، الروائية والتاريخية والعقلية كما سطرها وحققها المثبتون لولادة الإمام المهدي (عليه السلام) واستمرار وجوده الشريف المبارك.

ولا يضير ذلك ما أحيطت به روايات ولادته التي اختلفت من بعض الوجوه، ومحاولة هذا النفر استغلالها بصورة غير أمينة ولا دقيقة للتشويش علي أصل الموضوع، وهو ولادة الحجة ابن الحسن محمد المهدي (عليه السلام)، وقد ثبت من الطريق الاعتيادي الذي تثبت به الولادات، وهو شهادة القابلة حكيمة بنت الإمام الجواد، وعمة الإمام العسكري، وصحة الرواية عنها بأسانيد معتبرة صحيحة (1).

وإذا كان هناك من نقل روايات أخري سواء في زواج الإمام أبي محمد الحسن العسكري من (نرجس) أم الإمام المهدي (عليه السلام) أم في اسمها، أم في ولادة المهدي وما جري ولابس تلك الولادة المباركة، أم في الاختلاف في تاريخ الولادة " فإن المشهور علي ما نقلة الثقات من الشيعة والسنة، هو ولادته سنة 255 ه في الخامس عشر من شعبان، وأن أمه هي (نرجس) وكانت جارية عند إحدي

ص :28


1- (1) أصول الكافي: الجزء الأول - كتاب الحجة، وراجع إثبات الوصية / المسعودي: ص 219.

أخوات الإمام علي الهادي (عليه السلام)، فطلبها الإمام العسكري وتزوجها، وولدت منه الإمام المهدي، كما صرح به الإمام العسكري بسند صحيح لا خدشة فيه " (1). وقد بشر الإمام العسكري أصحابه وشيعته خاصة بالمولود المبارك، وأنه الخلف الحجة الموعود والإمام من بعده (2).

وأخيرا لا بد من التنبيه أيضا إلي أن منهج هؤلاء المنكرين في قضية الإمام المهدي (عليه السلام) يقوم علي أسلوب كان قد اتبعه المستشرقون من قبل في معالجاتهم ومناقشاتهم لعقائد الإسلام، ونبوة النبي محمد (صلي الله عليه وآله وسلم) خاتم الأنبياء، ولما جاء في القرآن الكريم من المفاهيم والأفكار والأحكام، وهذا الأسلوب يتمثل - كما يري المستشرق المنصف آربري (3) - " باقتطاع النصوص من سياقها، وبالتحليل السطحي.. " هذا فضلا عن المغالطات والمفارقات المنهجية كالإحالة إلي المصادر بصورة غير دقيقة وغير أمينة (4)، وكالتدليس والكذب في نسبة الآراء، إذ يوردون نصوصا ثم يذكرون المصادر جملة، علي سبيل التمويه، والأنكي والأعجب أنهم - وبحسب تحليلهم السطحي - يطرحون فهمهم لبعض المطالب علي أنه المفهوم والرأي عند المذهب أو الطائفة وهو فهم غير دقيق، ثم يحاولون أن يحشدوا النصوص ويقسروها لتتلائم مع تصوراتهم وأفهامهم هم، وليس مع ما ذهب إليه المذهب أو مع ما كان مقبولا ومعتمدا.

ص :29


1- (1) راجع المصدرين السابقين، وتفصيلات وافية عن الموضوع في دفاع عن الكافي / السيد ثامر العميدي 1: 546 وما بعدها.
2- (2) راجع دفاع عن الكافي المصدر السابق في ما نقله بطرق صحيحة معتبرة عن الكافي وغيره.
3- (3) راجع المستشرقون والإسلام / الدكتور عرفان عبد الحميد: ص 19.
4- (4) راجع إحسان إلهي ظهير في كتابه الشيعة والتشيع - فرق وتاريخ، ومن تابعه فيما أشاروا إليه من كتاب الإمامة والتبصرة من الحيرة لابن بابويه القمي (والد الصدوق) (ت / 329)، ففيه أدلة ضدهم. وراجع ما انتقوه من فرق الشيعة للنوبختي، وفيه غير ما ذهبوا إليه.

وأري لزاما علي التنبيه أيضا إلي أمر مهم، ذكره العلامة محمد تقي الحكيم في كتابه الأصول العامة للفقه المقارن قائلا: " إن مجتهدي الشيعة لا يسوغون نسبة أي رأي يكون وليد الاجتهاد إلي المذهب ككل، سواء كان في الفقه أم الأصول أم الحديث، بل يتحمل كل مجتهد مسؤولية رأيه الخاص. نعم ما كان من ضروريات المذهب يصح نسبته " (1).

ومن هنا يكون من المجازفة في القول تعميم الرأي الاجتهادي ما لم يحظ بالقبول والشهرة. وكذلك الأمر في المجالات الأخري فإنه لو ذهب أحد المفسرين أو الأخباريين إلي رأي، أو أخذ برواية، أو أبدي وجهة نظر معينة، وحتي لو اعتمد نظرية أو فكرة، فإنه لا يصح تحميل المذهب أو الطائفة ذلك، بل يكون من المنطقي نسبة الرأي إليه، وتحميله هو اعتماده علي هذه الرواية أو تلك، مع ضرورة الأخذ بنظر الاعتبار منهجه الروائي الخاص. ويكون حينئذ علي الباحث العلمي أن يحصل رأي المذهب من مجموع آراء الفقهاء والعلماء، واستنادا إلي المنهج العام لديهم بما في ذلك منهجهم في قبول الأخبار والروايات والأسانيد، وكذلك يشترط الرجوع إلي ما أصلوه من المفاهيم والآراء بالرجوع إلي المصادر الأصلية والأساسية لديهم.

وعليه فبدون ذلك، أعني بدون الالتفات إلي هذه الملاحظات المهمة، فإن الباحثين سيقعون بلا أدني شك في الخلط والمجازفة والاشتباه، ولا يعفون حينئذ من سوء القصد ومحاولة المشاغبة والتشويش وهو ما دأب عليه أسلافهم من المستشرقين وخصوم الإسلام أو الحاقدين علي أهل البيت (عليهم السلام)، وعلي مدرستهم الأصيلة في الإسلام الحنيف، كما هو شأن إحسان إلهي ظهير والجبهان والبنداري وغيرهم في القديم والحديث.

ص :30


1- (1) الأصول العامة للفقه المقارن: ص 596، الطبعة الثانية 1979 م، دار الأندلس - بيروت.

وتبقي كلمة أخيرة فيما يتعلق بالمهدي الموعود (عليه السلام) بعد ثبوت ولادته الميمونة ووجوده المبارك، وهي مسألة تعقل أو عقلانية استمرار وجوده الشريف وثبوت ذلك منذ الغيبة الصغري، وحتي انقطاع السفارة ثم وقوع الغيبة الكبري. وهنا سيجد القارئ الكريم والباحث الطالب للحقيقة سيجد فيما كتبه السيد الشهيد، ووضحه من هذه المطالب، وما ساقه من الأدلة العقلية والمنطقية والعلمية ما يشفي الغليل، ويزيل أوهام وتعلقات المشككين.

ثانيا: منهج المثبتين

اشارة

1 - المنهج الروائي: إن الذين كتبوا في قضية المهدي كثيرون جدا، قديما وحديثا، ومنهم من أفرده بكتاب مستقل ومنهم من كتب فصلا أو فصولا، وقد أحصي عبد المحسن العباد في بحثه المنشور في مجلة الجامعة الإسلامية الصادرة بالمدينة المنورة أكثر من عشرة مؤلفين من أجلاء علماء أهل السنة، منهم: الحافظ أبو نعيم والسيوطي الشافعي، والحافظ ابن كثير، وعلي المتقي الهندي صاحب كنز العمال، وابن حجر المكي في مؤلفه: (القول المختصر في علامات المهدي المنتظر)، ومرعي بن يوسف الحنبلي (ت / 1033 ه)، ومؤلفه الذي سماه (فوائد الفكر في ظهور المهدي المنتظر)، ذكره السفاريني في لوامع الأنوار البهية، ومنهم: القاضي محمد بن علي الشوكاني (ت / 1250 ه) الذي سمي مؤلفه: (التوضيح في تواتر ما جاء في المهدي المنتظر والدجال والمسيح) إلي غيرهم.

أما عند الشيعة فهناك عشرات الكتب والرسائل التي كتبت ونشرت قديما وحديثا منها أخيرا: منتخب الأثر في الإمام الثاني عشر للشيخ لطف الله الصافي الگلبايگاني، وإلزام الناصب في إثبات الحجة الغائب للشيخ علي اليزدي الحائري، والمهدي الموعود المنتظر عند علماء أهل السنة والإمامية للشيخ نجم الدين

ص :31

العسكري، نشر مؤسسة الإمام المهدي - طهران، والإمام المهدي لعلي محمد علي دخيل طبع بيروت، وهو جليل ومهم جدا.

وقد اعتمد هؤلاء العلماء وغيرهم في مناقشاتهم لدعاوي المنكرين علي الأدلة النقلية غالبا، فأثبتوا صحة أحاديث المهدي من طرق أهل السنة والشيعة (1)، وتعدد طرق الرواية، وكثرة الرواة من الصحابة والتابعين وتابعي التابعين من سائر الفرق والمذاهب الإسلامية.

فقد نقل الشيخ العباد أن رواة حديث المهدي من الصحابة ستة وعشرون راويا، أما الأئمة الذين خرجوا الأحاديث والآثار الواردة في المهدي فيبلغ عددهم ثمانية وثلاثين، ذكر أسماءهم وفي مقدمتهم أبو داود في سننه، والترمذي في جامعه، والنسائي في سننه، وأحمد في مسنده، وأبو بكر بن شيبة في المصنف، والحافظ أبو نعيم في الحلية وفي كتاب المهدي، والطبراني في المعجم الكبير والأوسط، وابن عساكر في تاريخه، وأبو يعلي الموصلي في مسنده، وابن جرير في تهذيب الآثار، والبيهقي في دلائله، وابن سعد في الطبقات وغيرهم.

ونريد أن نسأل (أحمد أمين) ومن عزف علي نغمته هنا: هل أن مثل هؤلاء الأئمة من علماء الحديث والرواة المعتبرين الذين تلقتهم الأمة بالقبول، واعتمدت عليهم فيما نقلوه من صحيح الآثار أو صححوه، كلهم يتواطؤن علي نقل (أسطورة)؟ وكيف يعقل أن تهتم الأمة، وأجلة العلماء والمحققين وأصحاب الصحاح والمسانيد (بأسطورة) إلي هذا الحد؟! ولماذا هذه الجرأة المنافية لأبسط قواعد الذوق والمنطق والعلم والأخلاق؟ أوليس تدل مثل هذه التشويشات علي

ص :32


1- (1) راجع: عقيدة أهل السنة والأثر في المهدي المنتظر / الشيخ عبد المحسن العباد، مجلة الجامعة الإسلامية / العدد الثالث / السنة الأولي 1969 م، وراجع: منتخب الأثر / العلامة الصافي الگلبايگاني.

ركوب الهوي أو الانسياق واللهاث وراء تلويحات الوهابية، (ورنين إغراءاتها)؟ بل إن العلماء المتقدمين منهم والمتأخرين أثبتوا تواتر أحاديث المهدي ليقطعوا الطريق والعذر علي المتشككين والمتأولين، كما فعل الشوكاني (ت / 1250 ه) في رسالته المسماة ب (التوضيح في تواتر ما جاء في المهدي والدجال والمسيح)، والبزرنجي (ت / 1103 ه) في (الإشاعة لأشراط الساعة)، ثم ذكر الشيخ عبد المحسن العباد في بحثه المنشور في مجلة الجامعة الإسلامية آخرين، منهم:

الحافظ الآبري السجزي (ت / 363 ه)، والشيخ محمد السفاريني (ت / 1188 ه) في كتابه لوامع الأنوار البهية، ومنهم: الشيخ صديق حسن القنوچي (ت / 1307 ه)، ومن المتأخرين الذين حكوا تواتر أحاديث المهدي الشيخ محمد بن جعفر الكتاني (ت / 1345 ه) في كتابه نظم المتناثر من الحديث المتواتر.

وقد تصدي العلماء أيضا إلي ما تعلق به الخصوم من دعاوي، وما أثاروه من إشكالات وطعون في الروايات وأجابوا (1) عن ذلك بجوابات سديدة ومتينة، ولعل

من أهم هذه الدراسات الحديثة:

الف - دراسة عبد المحسن العباد (2) - وهو أستاذ جامعي ومن علماء أهل السنة - وهي علي ما فيها من زلات واشتباهات، إلا أنه عرض فيها بالتفصيل لذكر أسماء الصحابة الذين رووا أحاديث المهدي عن رسول الله (صلي الله عليه وآله وسلم) وأحصي منهم ستة وعشرين صحابيا، ثم ذكر أسماء الأئمة الذين خرجوا أحاديث المهدي، وأحصي منهم - أي من أئمة الحديث - ثمانية وثلاثين، ثم أورد بعد ذلك أسماء العلماء الذين أفردوا مسألة المهدي بالتأليف، وذكر عشرة منهم، ثم ذكر بعض الذين حكوا تواتر أحاديث المهدي، ثم انتقل إلي ذكر ما ورد في الصحيحين مما له تعلق

ص :33


1- (1) راجع الأجوبة عن طعونهم في دفاع عن الكافي / السيد ثامر العميدي 1: 205.
2- (2) تقدمت الإشارة إلي عنوان بحثه ومصدره.

بالمهدي، ثم انتقل إلي ذكر بعض الأحاديث في غير الصحيحين من السنن والمسانيد، ثم ذكر بعض العلماء الذين احتجوا بأحاديث المهدي واعتقدوا موجبها، ثم تعرض بالمناقشة القوية للمنكرين لأحاديث المهدي أو المترددين في شأنه، وذكر منهم ابن خلدون، وسجل عليه ملاحظات وإيرادات أظهر فيها تهافته وعدم تبصره بالأمور، ونقل عن الشيخ المحقق أحمد شاكر الذي حقق مسند الإمام أحمد وخرج أحاديثه قوله عن ابن خلدون رادا عليه تشكيكاته: " أما ابن خلدون فقد قفا ما ليس له به علم واقتحم قحما لم يكن من رجالها، وأنه تهافت تهافتا عجيبا في الفصل الذي عقده في مقدمته للمهدي وغلط أغلاطا واضحة.. " وانتهي آخر الأمر إلي أن المهدي حقيقة ثابتة لا تقبل الشك.

ب - أما الدراسة الثانية فكانت للباحث والمحقق ثامر العميدي، الذي جري علي منهج علماء الإمامية الأجلاء الذين عالجوا هذه المسألة، وأشبعوها بحثا واستقصاء، واستطاع هذا الباحث الفاضل أن يلخص تلك المطالب، ويستوفي تلك المضامين ويستوعبها، ويضفي علي ذلك كله من بيانه وتحقيقاته، ويخرجه علي منهج علمي رصين، وقد استغرقت هذه الدراسة الصفحات من 171 إلي 611 من الجزء الأول من كتابه القيم (دفاع عن الكافي) الذي نشره مركز الغدير للدراسات الإسلامية سنة 1995 م.

ومن أهم الأمور التي عرض لها بأسلوب علمي: تحليل فكرة الاعتقاد بالمهدي (1)، ومناقشاته لتضعيفات ابن خلدون (2)، ونقله أكثر من ثمان وخمسين (3) شهادة وتصريح بصحة أحاديث المهدي أو تواترها، ثم مناقشته لمن أنكر ولادة

ص :34


1- (1) دفاع عن الكافي / السيد ثامر العميدي 1: 171 وما بعدها.
2- (2) المصدر نفسه 1: 205.
3- (3) المصدر نفسه 1: 343.

المهدي، وإيراده أدلة وافية متينة واعترافات من أهل السنة بدءا من القرن الرابع الهجري وحتي قرننا الحالي بولادة الإمام المهدي ووجوده الشريف (1)، وأخيرا مناقشته الطريفة لفرية السرداب (2) وغيرها.

لقد أوردت هاتين الدراستين بصفتهما نموذجين حديثين للدراسات التي التزمت بمسلك العلماء المتقدمين والإفادة منهم واتباع منهجهم، وإلا فهناك عشرات الدراسات لأفاضل العلماء والمحققين ممن برع في مناقشة تلك القضية (3).

2 - المنهج العقلي (منهج الشهيد الصدر (رضي الله عنه)):

لم ينطلق الشهيد الصدر في بحثه (قضية المهدي) من بديهيات ومقدمات مسلم بها عند الأطراف، ولم يعتمد تتبع القضية في كتب التفسير والرواية، أو مناقشة ما ورد بشأنها من أسانيد، وإنما سلك مسلكا آخر، فبدأ بطرح الإثارات حول القضية وعرض التساؤلات والإشكالات المنتزعة مما قيل ويقال حول القضية، ثم بدأ بالمناقشة العميقة والدقيقة معتمدا الدليل العقلي، ومستندا إلي معطيات العلم والحضارة المعاصرة، ونعرض معالم هذا المنهج كما يأتي:

ألف - لقد مهد السيد الشهيد لبحثه بإعطاء تصور واضح لفكرة المهدي (4) في جذورها الممتدة إلي التراث الديني والإنساني، ثم انتقل إلي تأصيلها في الفكر الإسلامي، ثم عرضها في التصور الإسلامي علي أنها ليست مجرد فكرة وأمل

ص :35


1- (1) دفاع عن الكافي 1: 535.
2- (2) المصدر نفسه 1: 593.
3- (3) راجع ما أشار إليه وذكره الشيخ العباد في دراسته المشار إليها سابقا، وراجع ما ذكره السيد الجلالي أيضا في بحثه المذكور في مطلع المقدمة، وراجع دراسة الشيخ علي محمد علي دخيل المشار إليها في الصحيفة 32.
4- (4) راجع الصحيفة 55 وما بعدها من هذا الكتاب.

يداعب الشعور، ويجد عنده الإنسان المسلم استراحة تخلصه من حالة التوتر النفسي عندما تشتد وتتعاظم المحنة - كما هو زعم بعض الباحثين - وإنما (المهدي) يتجسد في إنسان معين (1) حي يعيش مع الناس ويشاركهم همومهم وآلامهم، ويترقب مثلهم اليوم الموعود.

ب - إن هناك صعوبة في استيعاب هذا التصور الأصيل، فقد أثار إشكالات وتساؤلات هي في عقول الناس، وفي حواراتهم المعلنة أو الحبيسة، ومن هنا بدأ الشهيد الصدر (رضي الله عنه) يطرح هذه التساؤلات والإثارات بكل صراحة ووضوح، ثم يشرع في معالجتها بأسلوبه الخاص، وذلك ليضع القضية في محلها الطبيعي ضمن إطار العقيدة الإسلامية التي تقوم أساسا علي العقلانية والواقعية والبرهان.

ا - والتساؤل الأول الذي يطرحه السيد الشهيد هو:

" إذا كان المهدي يعبر عن إنسان حي عاصر كل تلك الأجيال المتعاقبة منذ أكثر من عشرة قرون، وسيظل يعاصر امتداداتها، فكيف تأتي له هذا العمر الطويل؟! وكيف نجا من القوانين الطبيعية التي تحتم مروره بمرحلة الشيخوخة والهرم؟! " ثم أخذ ينتقل من سؤال إلي سؤال، ومن إثارة إلي إثارة بترتيب منطقي يمهد الجواب السابق للاحق، وتترابط المضامين والمباحث ترابطا منهجيا محكما.

وبالنسبة إلي السؤال الأول أعاد طرحه كالآتي: هل بالإمكان أن يعيش الإنسان قرونا متطاولة، كما هو المفترض في المهدي الذي طوي من العمر أكثر من ألف ومئة وأربعين سنة (2)؟ وهذه الصياغة للسؤال لا تختلف بشئ عن السابق،

ص :36


1- (1) راجع الصحيفة 55 - 56 من هذا الكتاب.
2- (2) هذا التاريخ إشارة إلي الفترة من ولادة الإمام المهدي (عليه السلام) إلي تاريخ كتابة البحث وإنجازه في سنة 1397 ه.

وتمهيدا للجواب أعطي إيضاحا لأنواع الإمكان المتصورة أو المعروفة وهي الإمكان العملي، والإمكان العلمي، والإمكان المنطقي أو الفلسفي، وبعد أن بين المقصود بها خلص إلي القول: ب " أن امتداد عمر الإنسان آلاف السنين ممكن منطقيا، لأن ذلك ليس مستحيلا من وجهة نظر عقلية تجريدية "، وأن الإمكان العملي بالنسبة إلي نوع الإنسان ليس متاحا الآن، والتجربة المعاصرة لا تساعد عليه.

أما الإمكان العلمي فلا يوجد ما يبرر رفض ذلك من الناحية النظرية، لأن التجارب آخذه بالازدياد لتحويل الإمكان العلمي إلي إمكان عملي، وهي سائرة بهذا الاتجاه من زاوية محاولاتها لتعطيل قانون الشيخوخة. وفي ضوء هذا لا يبقي مبرر منطقي للاستغراب والإنكار اللهم إلا من جهة أن يسبق (المهدي) العلم نفسه فيتحول الإمكان النظري إلي إمكان عملي في شخصه قبل أن يصل العلم في تطوره إلي مستوي القدرة الفعلية. وهذا أيضا لا يوجد مبرر عقلائي لاستبعاده وإنكاره، إذ هو نظير من يسبق العلم في اكتشاف دواء السرطان أو غيره مثلا.

إن هذا السبق - كما يقول السيد الشهيد - في الأطروحة الإسلامية عموما - التي صممت قضية المهدي - قد وقع وحصل في أكثر من مفردة وعنوان، وقد سجل القرآن الكريم نظائر ذلك حين أورد وأشار إلي حقائق علمية تتعلق بالكون والطبيعة وجاء العلم فأزاح الستار عنها أخيرا، والأكثر صراحة أن القرآن قد دون أمثال ذلك كما في مسألة عمر النبي نوح (عليه السلام)، قال تعالي: (فلبث فيهم ألف سنة إلا خمسين عاما) سورة العنكبوت: 14، ثم ينتقل السيد الشهيد إلي افتراض آخر ينشأ عن السابق وهو:

ماذا لو افترضنا أن قانون الشيخوخة قانون صارم، وأن إطالة العمر أكثر من الحد الطبيعي والمعتاد خلاف القوانين الطبيعية التي دلنا عليه الاستقراء؟! وجوابه: أنه حينئذ يكون من قبيل المعجزة، وهي ليست حالة فريدة في

ص :37

تاريخ الأنبياء والمرسلين، والأمر بالنسبة للمسلم الذي يستمد عقيدته من القرآن والسنة المشرفة ليس أمرا منكرا، إذ هو يجد أن القانون الذي هو أكثر صرامة قد عطل، كما حدث بالنسبة إلي النبي إبراهيم الخليل (عليه السلام) في نجاته من النار العظيمة بعد أن ألقي فيها، وقد أشار القرآن الكريم إلي ذلك بقوله: (قلنا يا نار كوني بردا وسلاما علي إبراهيم) سورة الأنبياء: 69.

ثم يبين السيد الشهيد بعد ذلك أن مسألة المعجزة بمفهومها الديني قد أصبحت في ضوء المنطق العلمي الحديث مفهومة بدرجة أكبر مما كانت عليه.

وشرع في تقديم المعالجة الفلسفية المتينة مستندا إلي النظريات الفلسفية الحديثة.

ب - وينتقل السيد الشهيد إلي سؤال آخر وهو:

لماذا كل هذا الحرص علي إطالة عمر المهدي إلي هذا الحد، فتعطل القوانين لأجله؟ ولماذا لا نقبل الافتراض الآخر الذي يقول: إن قيادة البشرية في اليوم الموعود يمكن أن تترك لشخص آخر يتمخض عنه المستقبل وتنضجه إرهاصات ذلك اليوم؟ ويعيد صياغة السؤال كالآتي:

ما هي فائدة هذه الغيبة الطويلة؟ وما هو المبرر لها؟ ويعقب هنا قائلا: إن الناس لا يريدون أن يسمعوا جوابا غيبيا أي أنهم يطالبون بتفسير اجتماعي للموقف علي ضوء الحقائق المحسوسة لعملية التغيير الكبري نفسها.

وللإجابة عن هذا السؤال، يتقدم السيد الشهيد وهو متسلح بالمعرفة بقوانين الاجتماع، وبمتطلبات التغيير الاجتماعي وقوانينه، فيبدأ بطرح سؤال يمهد به للإجابة، وهو:

هل يمكن أن نعتبر هذا العمر الطويل للقائد المدخر عاملا من عوامل نجاحه في عملية التغيير المرتقب؟ ثم يجيب بالإيجاب، ويقدم أدلة تستند إلي فهم عميق

ص :38

لحركة التاريخ، ومستلزمات التغيير الحضاري الشامل، وأثر الحضارات التي ينشأ الإنسان في ظلها علي مستوي تفكيره ورؤاه ودوره الحضاري، ثم يكيف المسألة في ضوء رسالة الإسلام والنقلة الحضارية التي يريدها.

وهكذا يحول السيد الشهيد البحث إلي دراسة اجتماعية تعتمد المقولات والمفاهيم الاجتماعية، فضلا عن تأصيل مفاهيم ونظرات اجتماعية مهمة.

ج - ينتقل الشهيد الصدر (رضي الله عنه) بعد ذلك إلي معالجة قضية أكبر ترتبط بقضية المهدي وهي:

(الإمامة المبكرة) أو (كيفية إعداد القائد الرسالي) في نظرية الإمامة عند الشيعة الاثني عشرية، فيذكر أن هذه الظاهرة (الإمامة المبكرة) عاشتها الأمة فعلا (1)، وقد بلغت ذروتها في الإمام المهدي والإمام الجواد من قبله.

وهذه الظاهرة - كما يقول رضوان الله تعالي عليه - " تشكل مدلولا حسيا عمليا عاشه المسلمون ووعوه في تجربتهم مع الإمام بشكل وآخر، ولا يمكن أن نطالب بإثبات لظاهرة من الظواهر هي أوضح وأقوي من تجربة أمة " (2).

ويورد السيد الشهيد كثيرا من الحقائق التاريخية التي تؤكد هذه الظاهرة، ثم يخلص إلي القول: بأنها أي الإمامة المبكرة في ضوء ذلك كانت ظاهرة واقعية وليست وهما أو مجرد افتراض، وأن لها أمثلة في القرآن الكريم، كما هو الأمر بالنسبة إلي النبي يحيي (عليه السلام)، في قوله تعالي: (وآتيناه الحكم صبيا) سورة مريم: 12. وهذا ما لا يسع المسلم إنكاره.

ص :39


1- (1) راجع: الإرشاد / الشيخ المفيد: ص 319 وما بعدها، وأيضا الصواعق المحرقة لابن حجر: ص 223 و 224.
2- (2) راجع: الصواعق المحرقة كما سيذكر في محله من الكتاب المحقق ص 94.

د - وينتقل السيد الشهيد إلي البحث الروائي وإلي ما ردده وأثاره المشككون والخصوم قديما وحديثا بقوله:

" كيف نؤمن فعلا بوجود المهدي؟ وهل تكفي بضع روايات تنقل في بطون الكتب عن الرسول الأعظم (صلي الله عليه وآله وسلم) للاقتناع الكامل بالإمام الثاني عشر علي الرغم مما في هذا الافتراض من غرابة وخروج عن المألوف؟ بل كيف يمكن أن نثبت أن للمهدي وجودا تأريخيا حقا، وليس مجرد افتراض توفرت ظروف نفسية لتثبيته؟ " هكذا يطرح السيد الشهيد هذا السؤال بكل تفرعاته الممكنة والمنتزع بعضها مما أثاره ويثيره بعض المتأثرين بمناهج الغرب في دراسة تاريخنا الإسلامي وقضايانا الإسلامية مثل أحمد أمين في دراسته (المهدي والمهدوية) ومن سلك هذا المسلك من الخصوم (1).

ويتصدي السيد الشهيد للإجابة عن هذا السؤال متسلحا ومتوسلا بمنطق العقل والدليل العقلي، وعندما يعرض الدليل الروائي أيضا في المقام نجده يعرضه مدعوما بالوثائق والواقع والتجربة التاريخية، ولنسمعه يقول:

" إن فكرة المهدي بوصفه القائد المنتظر لتغيير العالم إلي الأفضل قد جاءت في أحاديث الرسول الأعظم عموما، وفي روايات أئمة أهل البيت خصوصا، وأكدت في نصوص كثيرة بدرجة لا يمكن أن يرقي إليها الشك، وقد أحصي أربعمائة حديث عن النبي (صلي الله عليه وآله وسلم) من طرق إخواننا أهل السنة، كما أحصي مجموع الأخبار الواردة في الإمام المهدي من طرق الشيعة والسنة فكانت أكثر من (ستة آلاف رواية)، وهذا - كما يقول السيد الشهيد - رقم إحصائي كبير لا يتوفر نظيره في كثير

ص :40


1- (1) أشرنا إلي طائفة منهم في الصحيفة 16.

من قضايا الإسلام البديهية التي لا يشك فيها مسلم عادة " (1).

ج - يتخذ السيد الشهيد (رضي الله عنه) هنا مسلكا جديدا في الاستدلال علي (الخصوصية المذهبية) أي مسألة تجسيد الفكرة (فكرة المهدي) في إنسان معين هو الإمام الثاني عشر، مستفيدا من الروايات والبحث الروائي، وموظفا ذلك بصورة مبدعة في إثبات (المهدي)، فيطرح أولا المبررات التي يراها كافية للاقتناع ويلخصها في دليلين أحدهما أطلق عليه (الدليل الإسلامي) والآخر (العلمي) فيقول: " فبالدليل الإسلامي نثبت وجود القائد المنتظر، وبالدليل العلمي نبرهن علي أن المهدي ليس مجرد أسطورة وافتراض بل هو حقيقة ثبت وجودها بالتجربة التاريخية ".

ويشرع بتقديم الدليل الإسلامي فيراه متمثلا بمئات الروايات الواردة عن الرسول الأكرم (صلي الله عليه وآله وسلم)، والأئمة من أهل البيت (عليهم السلام) والتي تدل علي تعيين المهدي وكونه من أهل البيت، ومن ولد فاطمة، ومن ذرية الحسين (عليه السلام) وليس من ذرية الحسن (عليه السلام)، وأنه التاسع من ولد الحسين (عليه السلام)، وأن الخلفاء اثنا عشر. فإن هذه الروايات تحدد تلك الفكرة العامة وتشخصها في الإمام الثاني عشر من أئمة أهل البيت (عليهم السلام).

ثم يقول رضوان الله تعالي عليه بشأن تلك الروايات: " وهي روايات بلغت درجة كبيرة من الكثرة والانتشار - كما ورد عن طرقنا - علي الرغم من تحفظ الأئمة (عليهم السلام) واحتياطهم في طرح ذلك علي المستوي العام وقاية للخلف الصالح من الاغتيال.. ".

إن الروايات الكثيرة جدا التي تشكل رقما إحصائيا كبيرا - أي بلوغها حد

ص :41


1- (1) راجع الصحيفة 103 - 104 من هذا الكتاب.

التواتر كما حكي غير واحد من العلماء - يري السيد الشهيد أن الأساس في قبولها ليس مجرد الكثرة العددية علي الرغم من أنه قد استقر في الأوساط العلمية الروائية اعتبار مثل هذه الكثرة، بل هناك إضافة إلي ذلك مزايا وقرائن تبرهن علي صحتها.

فالحديث الشريف عن الأئمة أو الخلفاء أو الأمراء بعده (صلي الله عليه وآله وسلم)، وأنهم اثنا عشر إماما أو خليفة أو أميرا علي اختلاف متن الحديث في طرقه المختلفة، قد أحصي بعض المؤلفين رواياته فبلغت أكثر من مئتين وسبعين رواية مأخوذة من أشهر كتب الحديث عند الشيعة والسنة بما في ذلك البخاري ومسلم والترمذي وأبي داود ومسند أحمد ومستدرك الحاكم، وقد لاحظ الشهيد الصدر (رضي الله عنه) هنا أن البخاري (المولود 194، والمتوفي 256 ه)، الذي نقل الحديث كان معاصرا للإمام الجواد والإمامين الهادي والعسكري وفي ذلك مغزي كبير، لأنه يبرهن علي أن الحديث قد سجل عن النبي (صلي الله عليه وآله وسلم) قبل أن يتحقق مضمونه، وهذا يعني أن نقل الحديث لم يكن متأثرا بالواقع الإمامي الاثني عشري أو يكون انعكاسا له، لأن الروايات المزيفة التي تنسب إلي النبي (صلي الله عليه وآله وسلم) وهي انعكاسات أو تبريرات لواقع متأخر زمنيا لا تسبق في ظهورها وتسجيلها كتب الحديث، ولقد جاء الواقع الإمامي الاثنا عشري ابتداء بالإمام علي وانتهاء بالمهدي، ليكون التطبيق الوحيد المعقول لذلك الحديث النبوي الشريف.

هذا هو الدليل الإسلامي، كما اصطلح عليه السيد الشهيد، أي الدليل الروائي في إثبات المهدي.

أما الدليل الآخر الذي اصطلح عليه ب (العلمي) والذي يسوقه السيد الشهيد لإثبات الوجود التاريخي للمهدي، وأنه إنسان بعينه ولد وعاش واتصل بقواعده الشعبية وبخاصته، فإن هذا الدليل يتكون كما يري السيد الشهيد من التجربة التي

ص :42

عاشتها أمة من الناس فترة امتدت سبعين سنة تقريبا وهي فترة الغيبة الصغري.

ويعطي السيد الشهيد هنا فكرة عن هذه الغيبة، ويفلسفها، مبينا دور القائد المهدي، ودور سفرائه الأربعة، وما صدر عنه من (توقيعات) أي رسائل وإجابات كلها جرت علي أسلوب واحد، وبخط واحد وسليقة واحدة طيلة نيابة النواب الأربعة المختلفين أسلوبا وسليقة وذوقا وخطا وبيانا، ومثل هذا كاشف بالضرورة عن وجود (الرجل)، لأنه قد ثبت واستقر في الأوساط الأدبية وبما لا يقبل الشك أن الأسلوب هو الرجل، وكل الدارسين والمتذوقين للأدب يدركون هذه الحقيقة بوضوح.

وبعد هذه القرينة والشواهد القوية علي وجود الإمام المهدي كما يؤكدها السيد الشهيد يتجه إلي منطق الاستقراء ونظرية الاحتمال لتعزيز ذلك فيقول: " لقد قيل قديما: إن حبل الكذب قصير، ومنطق الحياة يثبت أيضا أن من المستحيل عمليا بحساب الاحتمالات أن تعيش أكذوبة بهذا الشكل، وكل هذه المدة، وضمن كل تلك العلاقات والأخذ والعطاء ثم تكسب ثقة جميع من حولها ".

وهكذا يخلص السيد الشهيد إلي القول أخيرا: " أن ظاهرة الغيبة الصغري يمكن أن تعتبر بمثابة تجربة علمية لإثبات ما لها من واقع موضوعي، والتسليم بالإمام القائد، بولادته وحياته وغيبته وإعلانه العام عن الغيبة الكبري التي استتر بموجبها عن المسرح ولم يكشف نفسه لأحد " (1) أي حتي يأذن الله تعالي له بالظهور لتأدية دوره ووظيفته التغييرية الكبري " فيملأ الأرض عدلا وقسطا بعدما ملئت ظلما وجورا "، كما بشر بذلك خاتم الأنبياء والمرسلين نبينا محمد (صلي الله عليه وآله وسلم)، وهذا هو ما عليه اعتقاد الإمامية، ومقتضي توقيع الإمام الثاني عشر بإعلانه الغيبة الكبري.

وأخيرا واستكمالا للبحث، ربما يثير بعضهم سؤالا حول المنهج الذي اتبعه

ص :43


1- (1) راجع الصحائف 104 - 111 من هذا الكتاب.

الإمام الشهيد - كما حددناه، وكما هو في واقعه - والسؤال هو:

لماذا لم يسلك السيد الشهيد منهج المتقدمين في البحث الروائي، ويضفي عليه من إبداعاته والتفاتاته ما يزيل الشكوك والتقولات التي تثار حول أسانيد الروايات، وتضعيف بعضهم لها؟ وفي الجواب عن ذلك نسجل الملاحظات الآتية:

أولا: لقد ذكر السيد الشهيد أن هناك عددا هائلا من الروايات بلغت رقما إحصائيا لم يتوفر لأية قضية مشابهة من قضايا الإسلام، بل إن بعضهم حكي التواتر فيها، وعليه فليس بوسع مسلم إنكار ذلك أو عدم الاعتقاد بموجبه اللهم إلا لجهة أخري، وليس هي إلا جهة تعقل المسألة، وقد حظيت باهتمامه وبالتركيز عليها.

ثانيا: إن أكثر المنكرين المعاصرين إنما أنكروها من زاوية عدم تعقل الفكرة أو تشخيصها وتجسيدها في إنسان ولد قبل قرون، وما يزال ذا وجود حي حقيقي.

ومن هنا اتجه السيد الشهيد - بلحاظ أن القضية في حقيقتها إسلامية وليست مذهبية فحسب - إلي (عقلنتها) من جميع جهاتها أو ما يلابسها، تصورا وقبولا وواقعا.

ثالثا: إن شأن الإيمان بالمهدي شأن الإيمان بمطلق ما ورد من المغيبات مما ثبت عن طريق الرواية كسؤال منكر ونكير في القبر ونحو ذلك مما لم يرد في البخاري ومسلم (1)، ومع ذلك فإن أحدا من أبناء الإسلام لا يسعه إنكاره.

رابعا: إن الاختلاف بين المتعبدين بحجية الخبر الصحيح والإيمان بموجبه،

ص :44


1- (1) راجع بحث الشيخ عبد المحسن العباد المنشور في مجلة الجامعة الإسلامية الصادرة بالمدينة المنورة / سنة 1969 م.

وعدم جواز تكذيبه، إنما كان في مصداق القضية المتجسد في إنسان لا في أصل قضية المهدي، وهو مما احتاج إلي تقديم المبررات المنطقية والعلمية لقبوله.

خامسا: إن الذين أنكروا أو شككوا بالروايات الواردة في المهدي، وحاولوا تضعيفها ليسوا من أهل الفن والعلم بالرواية وبالأسانيد (1)، ولذلك فليس ما يدعو إلي إتعاب النفس معهم كثيرا، بل لا بد من الاتجاه إلي تثبيت العقيدة في نفوس المؤمنين وذلك (بعقلنتها) وتوظيفها لإصلاح شأنهم وشؤونهم. ولقد تعامل السيد الشهيد مع قضية المهدي علي أنها تجربة أمة، وقضية أمة، وكحقيقة ثابتة تاريخية تعيشها الأمة شعورا وأملا وترقبا وانتظارا إيجابيا فاعلا ومؤثرا في حياتها وجهادها المستمر بلا هوادة في مواجهة الظلم والظالمين والطغاة والجبارين، هذا فضلا علي أن العلماء المتقدمين والمتأخرين قد أشبعوا هذا الموضوع بحثا وتحقيقا وناقشوا مناقشات وافية شافية كل الطعون والأقوال والتضعيفات المزعومة، وقد أشرنا إلي ذلك آنفا.

سادسا: إن من التهافت، والخطل في الرأي بالنسبة إلي من يؤمن بموجب الخبر الصحيح، ويوجب تصديقه لمجرد وروده في البخاري حتي لو كان مصادما لبعض الحقائق الطبيعية أو منافيا للعقل أو للذوق إذ يوجب تأويله حينئذ (2)، حيث وردت مجموعة من الأحاديث والروايات مما يتنافي مع العقل والذوق في صحيح البخاري. ثم عندما تصل النوبة إلي مسألة (المهدي المنتظر) علي تعدد طرقها، وصحة أسانيدها في السنن والمسانيد، وعلي شرط البخاري ومسلم، نراه يتوقف أو يتحفظ أو يتردد، وليس لديه حجة إلا أن المسألة - حسب تصوره

ص :45


1- (1) راجع البحث السابق للشيخ العباد، ودفاع عن الكافي / السيد ثامر العميدي 1: 205 - 523.
2- (2) راجع: تأويل مختلف الحديث لابن قتيبة: ص 276، طبعة القاهرة 1326 ه، أضواء علي السنة المحمدية / الشيخ محمود أبو رية، دراسات في البخاري والكافي / هاشم معروف الحسني.

القاصر - من معتقدات الشيعة (1)، مع أنها كما ثبت عقيدة السلف والخلف من جمهور الأمة علي امتداد القرون، كما نبه إلي ذلك الشيخ منصور علي ناصف في غاية المأمول علي التاج الجامع للأصول في الجزء الخامس وفي الصحيفة ثلاثمئة وإحدي وستين.

سابعا: إن بحث السيد الشهيد (رضي الله عنه) هو مقدمة لموسوعة ضخمة تتناول بالبحث الروائي مسألة المهدي ألفها العلامة السيد محمد الصدر، والسيد الشهيد (رضي الله عنه) عبر عن أمله بالمؤلف وبأنه أوفي المسألة حقها ومن جميع جوانبها، ولذا فلا مبرر للبحث الروائي عنده.

ص :46


1- (1) راجع ما نقله الشيخ عبد المحسن العباد في بحثه المذكور سابقا.

عملي في التحقيق

أولا: اعتمدت في ضبط النص علي عدة طبعات، وهي وإن كانت متقاربة، ولا يوجد بينها اختلاف مهم، إلا أننا أفدنا من مجموعها في إخراج النص بصورة دقيقة، والطبعات هي:

1 - طبعة مكتبة النجاح طهران، نشرت سنة 1978 م، وفيها مقدمة قيمة للدكتور حامد حفني داود.

2 - طبعة دار التعارف - بيروت / الطبعة الثالثة 1981 م، وفيها إشارة إلي أن البحث هو مقدمة كتبها الشهيد الصدر (رضي الله عنه) لكتاب الحجة السيد الصدر الموسوم ب (موسوعة الإمام المهدي)، والتي أشار إليها الشهيد الصدر في آخر البحث.

3 - طبعة معاونية العلاقات الدولية في منظمة الإعلام الإسلامي / الطبعة الأولي - طهران 1986 م، وفيها مقدمة قيمة للعلامة الشيخ محمد علي التسخيري.

ثانيا: قمت بتخريج الآيات القرآنية من المصحف الشريف.

ثالثا: خرجت الروايات من مظانها المعتبرة ومن كتب الفريقين المعتمدة.

رابعا: وثقت الإحالات والأقوال التي ذكرها الإمام الشهيد بالرجوع إلي مصادرها.

خامسا: كتبت تعليقات مناسبة في الهامش إيضاحا للإشارات والتنبيهات التي وردت في البحث.

سادسا: ذكرت بعض النكات المهمة حيثما اقتضي الأمر ذلك في الهامش.

سابعا: أضفنا بعض العناوين وحصرناها بين معقوفين i p.

ص :47

ثامنا: هناك بعض الهوامش للشهيد الصدر علمنا عليها بعلامة (الشهيد الصدر).

ولا يسعني في الختام إلا أن أحمد الله تعالي علي ما وفقني إليه، شاكرا لكل من أعانني علي إنجاز هذا التحقيق ونشره، مع خالص الدعاء بالتوفيق لمركز الغدير للدراسات الإسلامية لقيامه بنشر هذا الكتاب.

والحمد لله أولا وآخرا الدكتور عبد الجبار شرارة قم المقدسة 1416 ه

ص :48

(ونريد أن نمن علي الذين استضعفوا في الأرض ونجعلهم أئمة ونجعلهم الوارثين) القصص: 5

ص :49

ص :50

مقدمة المؤلف

ص :51

ص :52

ليس المهدي تجسيدا لعقيدة إسلامية ذات طابع ديني فحسب، بل هو عنوان لطموح اتجهت إليه البشرية بمختلف أديانها ومذاهبها، وصياغة لإلهام فطري (1)، أدرك الناس من خلاله - علي الرغم من تنوع عقائدهم ووسائلهم إلي الغيب - أن للإنسانية يوما موعودا علي الأرض، تحقق فيه رسالات السماء بمغزاها الكبير، وهدفها النهائي، وتجد فيه المسيرة المكدودة للإنسان علي مر التاريخ استقرارها وطمأنينتها، بعد عناء طويل. بل لم يقتصر الشعور بهذا اليوم الغيبي والمستقبل المنتظر علي المؤمنين دينيا بالغيب، بل امتد إلي غيرهم أيضا وانعكس حتي علي أشد الإيديولوجيات والاتجاهات العقائدية رفضا للغيب والغيبيات، كالمادية الجدلية التي فسرت التاريخ علي أساس التناقضات، وآمنت بيوم موعود (2)، تصفي

ص :53


1- (1) إشارة إلي أن هذا ارتكاز في ضمير الإنسانية، واعتقاد سائد عند أغلب شعوب الأرض، إذ هناك شعور قوي يخالج وجدان الإنسان بظهور المنقذ عندما تتعقد الأمور، وتتعاظم المحنة، وتدلهم الخطوب، ويطبق الظلم، وهو ما تبشر به الأديان، ويحكيه تاريخ الحضارات الإنسانية. راجع: سيرة الأئمة الاثني عشر / هاشم معروف الحسني 2: 516 فيما نقله عن الكتب والمصادر، ومنها: نظرية الإمامة عند الشيعة / الدكتور أحمد محمود صبحي.
2- (2) إشارة إلي معتقد الماركسيين وأمانيهم باليوم الموعود حيث ستسود الشيوعية - كما يعتقدون - آخر الأمر ويتوقف الصراع المرير استنادا إلي نظريتهم الشهيرة في المادية التاريخية. راجع: فلسفتنا / الشهيد الصدر (رضي الله عنه): ص 26 في عرض النظرية ومناقشتها.

فيه كل تلك التناقضات ويسود فيه الوئام والسلام. وهكذا نجد أن التجربة النفسية لهذا الشعور التي مارستها الإنسانية علي مر الزمن، من أوسع التجارب النفسية وأكثرها عموما بين أفراد الإنسان.

وحينما يدعم الدين هذا الشعور النفسي العام، ويؤكد أن الأرض في نهاية المطاف ستمتلئ قسطا وعدلا بعد أن ملئت ظلما وجورا (1)، يعطي لذلك الشعور قيمته الموضوعية ويحوله إلي إيمان حاسم بمستقبل المسيرة الإنسانية، وهذا الإيمان ليس مجرد مصدر للسلوة والعزاء فحسب، بل مصدر عطاء وقوة. فهو مصدر عطاء، لأن الإيمان بالمهدي إيمان برفض الظلم والجور حتي وهو يسود الدنيا كلها، وهو مصدر قوة ودفع لا تنضب (2)، لأنه بصيص نور يقاوم اليأس في نفس الإنسان، ويحافظ علي الأمل المشتعل في صدره مهما ادلهمت الخطوب وتعملق الظلم، لأن اليوم الموعود يثبت أن بإمكان العدل أن يواجه عالما مليئا بالظلم والجور فيزعزع ما فيه من أركان الظلم، ويقيم بناءه من جديد (3)، وأن الظلم مهما تجبر وامتد في أرجاء العالم وسيطر علي مقدراته، فهو حالة غير طبيعية، ولا بد أن ينهزم (4). وتلك الهزيمة الكبري المحتومة للظلم وهو في قمة مجده، تضع الأمل كبيرا

ص :54


1- (1) إشارة إلي الحديث الشريف المتواتر: " لو لم يبق من الدهر إلا يوم لبعث الله رجلا من أهل بيتي يملؤها عدلا كما ملئت جورا ". راجع: صحيح سنن المصطفي لأبي داود 2: 207، وراجع: التاج الجامع للأصول للشيخ منصور علي ناصف 5: 343.
2- (2) هذا رد علي من يزعم بأن العقيدة في الإمام المهدي تورث الخمول والسلبية، وهو أبلغ رد مستفاد من الحديث الشريف نفسه.
3- (3) إشارة إلي دولة الإمام (عليه السلام) التي أشار إليها الرسول الأكرم (صلي الله عليه وآله وسلم)، راجع: التاج الجامع للأصول 5: 343.
4- (4) إشارة إلي الوعد الإلهي في قوله تعالي: (ونريد أن نمن علي الذين استضعفوا في الأرض ونجعلهم أئمة ونجعلهم الوارثين) القصص: 5 وأيضا إشارة إلي قوله تعالي: (ليظهره علي الدين كله ولو كره المشركون) التوبة: 33. راجع في تفسير الآيتين الإشارة إلي المهدي (عليه السلام) ينابيع المودة / القندوزي الحنفي: ص 450.

أمام كل فرد مظلوم، وكل أمة مظلومة، في القدرة علي تغيير الميزان وإعادة البناء.

وإذا كانت فكرة المهدي أقدم من الإسلام وأوسع منه، فإن معالمها التفصيلية التي حددها الإسلام جاءت أكثر إشباعا لكل الطموحات التي أنشدت إلي هذه الفكرة منذ فجر التاريخ الديني، وأغني عطاء، وأقوي إثارة لأحاسيس المظلومين والمعذبين علي مر التاريخ. وذلك لأن الإسلام حول الفكرة من غيب إلي واقع، ومن مستقبل إلي حاضر، ومن التطلع إلي منقذ تتمخض عنه الدنيا في المستقبل البعيد المجهول إلي الإيمان بوجود المنقذ فعلا، وتطلعه مع المتطلعين إلي اليوم الموعود، واكتمال كل الظروف التي تسمح له بممارسة دوره العظيم. فلم يعد المهدي فكرة ننتظر ولادتها، ونبوءة نتطلع إلي مصداقها، بل واقعا قائما ننتظر فاعليته، وإنسانا معينا يعيش بيننا بلحمه ودمه، نراه ويرانا، ويعيش مع آمالنا وآلامنا، ويشاركنا أحزاننا وأفراحنا، ويشهد كل ما تزخر به الساحة علي وجه الأرض من عذاب المعذبين وبؤس البائسين وظلم الظالمين، ويكتوي بكل ذلك من قريب أو بعيد، وينتظر بلهفة اللحظة التي يتاح له فيها أن يمد يده إلي كل مظلوم، وكل محروم (1)، وكل بائس، ويقطع دابر الظالمين.

وقد قدر لهذا القائد المنتظر أن لا يعلن عن نفسه، ولا يكشف للآخرين

ص :55


1- (1) إشارة إلي بشارة الرسول الأعظم نبينا محمد (صلي الله عليه وآله وسلم) في الحديث الشريف: " إن في أمتي المهدي، يخرج يعيش خمسا أو سبعا أو تسعا (الشك من الراوي) قال: قلنا: وما ذاك؟ قال: سنين، قال: فيجئ إليه الرجل فيقول يا مهدي أعطني أعطني قال: فيحثي له في ثوبه ما استطاع أن يحمله " رواه الترمذي. راجع: التاج الجامع للأصول / الشيخ منصور علي ناصف 5: 343 وفيه أكثر من إشارة إلي كون الإمام المهدي موجود حي يعيش في وسط الأمة، وأن خروجه وعيشه، سبع سنين يعني ظهوره وقيام دولته المباركة التي فيها الخلاص والعدل.

حياته علي الرغم من أنه يعيش معهم انتظارا للحظة الموعودة.

ومن الواضح أن الفكرة بهذه المعالم الإسلامية، تقرب الهوة الغيبية بين المظلومين كل المظلومين والمنقذ المنتظر، وتجعل الجسر بينهم وبينه في شعورهم النفسي قصيرا مهما طال الانتظار.

ونحن حينما يراد منا أن نؤمن بفكرة المهدي، بوصفها تعبيرا عن إنسان حي محدد يعيش فعلا كما نعيش، ويترقب كما نترقب، يراد الإيحاء إلينا بأن فكرة الرفض المطلق لكل ظلم وجور التي يمثلها المهدي، تجسدت فعلا في القائد الرافض المنتظر، الذي سيظهر وليس في عنقه بيعة لظالم كما في الحديث (1)، وأن الإيمان به إيمان بهذا الرفض الحي القائم فعلا ومواكبة له.

وقد ورد في الأحاديث الحث المتواصل علي انتظار الفرج، ومطالبة المؤمنين بالمهدي أن يكونوا بانتظاره. وفي ذلك تحقيق لتلك الرابطة الروحية، والصلة الوجدانية بينهم وبين القائد الرافض، وكل ما يرمز إليه من قيم، وهي رابطة وصلة ليس بالإمكان إيجادها ما لم يكن المهدي قد تجسد فعلا في إنسان حي معاصر (2).

وهكذا نلاحظ أن هذا التجسيد أعطي الفكرة زخما جديدا، وجعل منها

ص :56


1- (1) ورد عنه (عليه السلام) أنه سيظهر وليس في عنقه بيعة لظالم، راجع: الاحتجاج / الطبرسي 2: 545.
2- (2) إشارة إلي أن (المهدي) ليس مجرد حلم أو فكرة تداعب أفكار المظلومين وتناغي شعورهم، بل هو حقيقة حية مجسدة متشخصة في ذات إنسان بعينه، ومن هنا تكون الفكرة ملامسة لوجدانهم، يعيشون بها، ويعيشون لها، ويسهمون في التحضير والتهيئة للالتحام في المعركة الفاصلة التي سيقودها القائد المنتظر، ولو كانت مجرد حلم أو فكرة، فليس من المتوقع أن تكون مثل تلك الصلة الوجدانية والشعورية. ومن هنا تتأتي أهمية الانتظار، وتبين فلسفته وغاياته، وهو في جملته يتسق مع حالة الترقب والإرهاص التي تسبق ظهور المنقذين من الأنبياء والمصلحين.

مصدر عطاء وقوة بدرجة أكبر، إضافة إلي ما يجده أي إنسان رافض من سلوة وعزاء وتخفيف لما يقاسيه من آلام الظلم والحرمان، حين يحس أن إمامه وقائده يشاركه هذه الآلام ويتحسس بها فعلا بحكم كونه إنسانا معاصرا، يعيش معه وليس مجرد فكرة مستقبلية.

ولكن التجسيد المذكور أدي في نفس الوقت إلي مواقف سلبية تجاه فكرة المهدي نفسها (1) لدي عدد من الناس، الذين صعب عليهم أن يتصوروا ذلك ويفترضوه.

فهم يتساءلون! إذا كان المهدي يعبر عن إنسان حي، عاصر كل هذه الأجيال المتعاقبة منذ أكثر من عشرة قرون، وسيظل يعاصر امتداداتها إلي أن يظهر علي الساحة، فكيف تأتي لهذا الإنسان أن يعيش هذا العمر الطويل، وينجو من قوانين الطبيعة التي تفرض علي كل إنسان أن يمر بمرحلة الشيخوخة والهرم، في وقت سابق علي ذلك جدا، وتؤدي به تلك المرحلة طبيعيا إلي الموت؟ أوليس ذلك مستحيلا من الناحية الواقعية؟ (2)

ص :57


1- (1) اختلفت الآراء وتباينت المواقف من مسألة المهدي المنتظر، تبعا لاختلاف المواقف من مسألة الغيب الديني والنصوص الدينية المشهورة والمتواترة، علي أن هناك إطباقا بين علماء المسلمين والمحققين من أهل الحديث من السنة والشيعة علي صحة العقيدة بالمهدي، وعدم جواز التشكيك بها حتي جاء في المأثور: " من أنكر المهدي فقد كفر... " وقد استوفي هذه المسألة بحثا الشيخ عبد المحسن عباد في محاضرته التي نشرتها مجلة الجامعة الإسلامية / العدد الثالث / 1969 م. وراجع: غاية المأمول شرح التاج الجامع للأصول للشيخ منصور علي ناصف 5: 343.
2- (2) هذا تساؤل فريق من الناس، والواقع أنه يمكن تسجيل الملاحظة السريعة الآتية، وإن كان سيأتي جوابه تفصيلا: أ - إنه ليس مستحيلا بالمعني المنطقي، بل هو في دائرة الإمكان. ب - إنه ليس مستحيلا عادة، لوقوع نظائر ذلك فعلا كما نص القرآن الكريم في مسألة نوح (عليه السلام) في قوله تعالي: (فلبث فيهم ألف سنة إلا خمسين عاما) العنكبوت: 14.

ويتساءلون أيضا! لماذا كل هذا الحرص من الله - سبحانه وتعالي - علي هذا الإنسان بالذات؟ فتعطل من أجله القوانين الطبيعية (1)، ويفعل المستحيل لإطالة عمره والاحتفاظ به لليوم الموعود، فهل عقمت البشرية عن إنتاج القادة الأكفاء؟ ولماذا لا يترك اليوم الموعود لقائد يولد (2) مع فجر ذلك اليوم، وينمو كما ينمو الناس، ويمارس دوره بالتدريج حتي يملأ الأرض قسطا وعدلا بعد أن ملئت ظلما وجورا؟ ويتساءلون أيضا! إذا كان المهدي اسما لشخص محدد هو ابن الإمام الحادي عشر (3) من أئمة

ص :58


1- (1) إن تعطيل القوانين الطبيعية قد حدث مرارا بالنسبة إلي معاجز الأنبياء (عليهم السلام)، وهذا أمر ضروري من الدين لا مجال لنكرانه فإذا أخبر بذلك من وجب تصديقه جاز بلا خلاف.
2- (2) هذا إشارة إلي عقيدة طوائف من إخواننا أهل السنة. راجع: التاج الجامع للأصول 5: 360 الهامش.
3- (3) هذا التساؤل أثير من قبل ويثار اليوم، بأساليب مختلفة، وكلها تستند إلي موهومات وافتراضات لا تقوم علي أساس من العلم، بل هي مجرد تشكيكات، ومحاولات بائسة للفرار من أصل القضية ولوازمها الضرورية، فهي لا تعدو أن تكون أشبه بتشكيكات الماديين عندما جوبهوا بأدلة العقل والمنطق والعلم فيما يتعلق بالله تعالي، فلجأوا إلي تساؤلات ساذجة تحكي عدم إيمانهم بما قامت عليه الأدلة الوفيرة، نظير قولهم: لو كان موجودا فلماذا لا نراه؟ ولماذا لا يفعل كذا وكيت؟ وهكذا شأن هؤلاء، فعندما جوبهوا بالأدلة المنطقية والروايات المتواترة في مسألة المهدي المنتظر مما أطبق عليه الخاص والعام وبما لا يسع المرء إنكاره، لجأوا إلي التشكيك في أنه لم يعرف للحسن العسكري ولد، كما اخترعوا أمرا نسبوه زورا إلي الشيعة من أنهم يقفون علي السرداب يوميا ينادون علي إمامهم بالخروج، إلا أنهم اختلفوا في السرداب فقال قائل منهم: هو في سامراء، وذهب آخرون إلي أنه في النجف وثالث في مكان آخر وهكذا شأن المنكرين للضرورات تراهم يخبطون خبط عشواء. راجع: معالجتنا في المقدمة.

أهل البيت (عليهم السلام) الذي ولد سنة (256 ه) (1) وتوفي أبوه سنة (260 ه)، فهذا يعني أنه كان طفلا صغيرا عند موت أبيه، لا يتجاوز خمس سنوات، وهي سن لا تكفي للمرور بمرحلة إعداد فكري وديني كامل علي يد أبيه، فكيف وبأي طريقة يكتمل إعداد هذا الشخص (2) لممارسة دوره الكبير، دينيا وفكريا وعلميا؟ ويتساءلون أيضا! إذا كان القائد جاهزا، فلماذا كل هذا الانتظار الطويل مئات السنين؟ أوليس في ما شهده العالم من المحن والكوارث الاجتماعية ما يبرر

ص :59


1- (1) لقد أثبت الشيخ المفيد في الإرشاد: ص 346، والشيخ الشعراني في اليواقيت والجواهر ج 2 / المبحث 65، ولادة محمد بن الحسن العسكري في عام 255 ه، وهما من أجلة المحققين لدي الفريقين، وهذا ما يدحض التشكيكات التي يثيرها بعض أدعياء العلم، فضلا علي ما يقتضيه الحديث المتواتر: " الأئمة اثنا عشر كلهم من قريش "، فهو لا يستقيم إلا بما تقرر لدي الإمامية، وبما التزموا به من إمامة اثني عشر إماما كلهم من العترة الطاهرة، أولهم الإمام علي ابن أبي طالب (عليه السلام)، وآخرهم المهدي. وهؤلاء هم المنصوص عليهم، ويدعم ذلك ويشهد له حديث الثقلين المتواتر، وحديث من مات لا يعرف إمام زمانه، فهما لا يستقيمان إلا علي عقيدة الإمامية الاثني عشرية. راجع مناقشة وافية في: الأصول العامة للفقه المقارن / العلامة محمد تقي الحكيم / بحث حجية السنة: ص 145 وما بعدها.
2- (2) إن الذي تعهد وتكفل بإعداد النبي عيسي (عليه السلام)، ووهب النبي يحيي الحكم والحكمة وهو صبي، كما صرح القرآن، يمكن أن يتعهد ويتكفل بمن أعده لتطهير الأرض من الظلم والجور في آخر الزمان، كما هو نص الخبر المتواتر في المهدي الذي هو من عترة فاطمة وذرية الحسين (عليهما السلام). راجع: التاج الجامع للأصول 5: 341 - 343.

بروزه (1) علي الساحة وإقامة العدل علي الأرض؟ ويتساءلون أيضا! كيف نستطيع أن نؤمن بوجود المهدي، حتي لو افترضنا أن هذا ممكن؟ وهل يسوغ لإنسان أن يعتقد بصحة فرضية من هذا القبيل دون أن يقوم عليها دليل علمي أو شرعي قاطع؟ (2) وهل تكفي بضع روايات تنقل عن النبي (صلي الله عليه وآله وسلم) لا نعلم مدي صحتها (3) للتسليم بالفرضية المذكورة؟ ويتساءلون أيضا بالنسبة إلي ما أعد له هذا الفرد من دور في اليوم الموعود! كيف يمكن أن يكون للفرد هذا الدور العظيم الحاسم في حياة العالم؟! مع أن الفرد مهما كان عظيما لا يمكنه أن يصنع بنفسه التاريخ، ويدخل به مرحلة جديدة، وإنما تختمر بذور الحركة التاريخية وجذوتها في الظروف الموضوعية وتناقضاتها، وعظمة الفرد (4) هي التي ترشحه لكي يشكل الواجهة لتلك الظروف الموضوعية، والتعبير العملي عما تتطلبه من حلول؟

ص :60


1- (1) إن هذه المسألة مرهونة باشتراطاتها الخاصة، وكما تأخر النبي محمد (صلي الله عليه وآله وسلم) إلي زمن ظهوره المبارك لحكم وأمور اقتضتها حكمة المرسل (الله) تعالي علي رغم الاحتياج إليه، فكذا الأمر هنا.
2- (2) سيناقش الشهيد الصدر هذه المسألة تفصيلا.
3- (3) الواقع - وكما سيأتي - أن علماء الأمة الإسلامية أجمعوا علي صحة أحاديث المهدي (عليه السلام)، ولم يشذ إلا من هو ليس من أهل المعرفة بالحديث. راجع: التاج الجامع للأصول 5: 361.
4- (4) لقد رأينا كيف صنع (الأبطال) تاريخ أممهم، علي أن الشهيد الصدر (قدس سره) هنا يقدم فهما أصيلا ومهما جدا لحركة التاريخ ودور الفرد البطل، وأهمية الظروف الموضوعية في التأثير. وقد أشار توماس كارليل في كتابه (الأبطال) إلي دور البطل. راجع كتابه المذكور، ترجمة الدكتور السباعي - مصر - سلسلة الألف كتاب.

ويتساءلون أيضا! ما هي الطريقة التي يمكن أن نتصور من خلالها ما سيتم علي يد ذلك الفرد من تحول هائل وانتصار حاسم للعدل ورسالة العدل علي كل كيانات الظلم والجور والطغيان، علي الرغم مما تملك من سلطان ونفوذ، وما يتواجد لديها من وسائل الدمار والتدمير، وما وصلت إليه من المستوي الهائل في الإمكانات العلمية والقدرة السياسية والاجتماعية والعسكرية؟ (1) هذه أسئلة قد تتردد في هذا المجال وتقال بشكل وآخر، وليست البواعث الحقيقية لهذه الأسئلة فكرية فحسب، بل هناك مصدر نفسي لها أيضا، وهو الشعور بهيبة الواقع المسيطر عالميا، وضآلة أي فرصة لتغييره من الجذور، وبقدر ما يبعثه الواقع الذي يسود العالم علي مر الزمن من هذا الشعور، تتعمق الشكوك وتترادف التساؤلات. وهكذا تؤدي الهزيمة والضآلة والشعور بالضعف لدي الإنسان إلي أن يحس نفسيا بإرهاق شديد، لمجرد تصور عملية التغيير الكبري للعالم التي تفرغه من كل تناقضاته ومظالمه التاريخية، وتعطيه محتوي جديدا قائما علي أساس الحق والعدل، وهذا الإرهاق يدعوه إلي التشكك في هذه الصورة ومحاولة رفضها لسبب وآخر.

ونحن الآن نأخذ التساؤلات السابقة تباعا، لنقف عند كل واحد منها وقفة قصيرة بالقدر الذي تتسع له هذه الوريقات.

ص :61


1- (1) في هذا إشارة إلي أسلحة الدمار (الشامل) فضلا عن التطور التكنولوجي الذي شمل وسائل الإعلام المرئية والمسموعة وتأثيراتها الهائلة. إلا أننا شهدنا كيف توجد بالمقابل الأسلحة المضادة التي كثيرا ما تعطل تلك التأثيرات، وكذلك رأينا تأثير المعنويات في إبطال مفعول أسلحة الخصم المختلفة أو التقليل من آثارها إلي حد كبير جدا، كما حدث في الثورات والانتفاضات الشعبية.

ص :62

المبحث الأول: كيف تأتي للمهدي هذا العمر الطويل؟

ص :63

ص :64

هل بالإمكان أن يعيش الإنسان قرونا كثيرة كما هو المفترض في هذا القائد المنتظر لتغيير العالم، الذي يبلغ عمره الشريف فعلا أكثر من ألف ومائة وأربعين سنة، أي حوالي (14) مرة بقدر عمر الإنسان الاعتيادي الذي يمر بكل المراحل الاعتيادية من الطفولة إلي الشيخوخة؟ كلمة الإمكان هنا تعني أحد ثلاثة معان: الإمكان العملي، والإمكان العلمي، والإمكان المنطقي أو الفلسفي.

وأقصد بالإمكان العملي: أن يكون الشئ ممكنا علي نحو يتاح لي أو لك، أو لإنسان آخر فعلا أن يحققه، فالسفر عبر المحيط، والوصول إلي قاع البحر، والصعود إلي القمر، أشياء أصبح لها إمكان عملي فعلا. فهناك من يمارس هذه الأشياء فعلا بشكل وآخر (1).

وأقصد بالإمكان العلمي: أن هناك أشياء قد لا يكون بالإمكان عمليا لي أو لك، أن نمارسها فعلا بوسائل المدنية المعاصرة، ولكن لا يوجد لدي العلم ولا

ص :65


1- (1) ولم تكن مثل هذه الأمور بمتصورة سابقا قبل وقوعها، ولو حدث بها أحد من الناس قبل تحققها فعلا لعد الحديث مجرد تخيلات وأوهام.

تشير اتجاهاته المتحركة إلي ما يبرر رفض إمكان هذه الأشياء ووقوعها وفقا لظروف ووسائل خاصة، فصعود الإنسان إلي كوكب الزهرة لا يوجد في العلم ما يرفض وقوعه، بل إن اتجاهاته القائمة فعلا تشير إلي إمكان ذلك، وإن لم يكن الصعود فعلا ميسورا لي أو لك، لأن الفارق بين الصعود إلي الزهرة والصعود إلي القمر ليس إلا فارق درجة، ولا يمثل الصعود إلي الزهرة إلا مرحلة تذليل الصعاب الإضافية التي تنشأ من كون المسافة أبعد، فالصعود إلي الزهرة ممكن علميا وإن لم يكن ممكنا عمليا فعلا (1). وعلي العكس من ذلك الصعود إلي قرص الشمس في كبد السماء فإنه غير ممكن علميا، بمعني أن العلم لا أمل له في وقوع ذلك، إذ لا يتصور علميا، وتجريبيا إمكانية صنع ذلك الدرع الواقي من الاحتراق بحرارة الشمس، التي تمثل أتونا هائلا مستعرا بأعلي درجة تخطر علي بال إنسان.

وأقصد بالإمكان المنطقي أو الفلسفي: أن لا يوجد لدي العقل وفق ما يدركه من قوانين قبلية - أي سابقة علي التجربة - ما يبرر رفض الشئ والحكم باستحالته.

فوجود ثلاث برتقالات تنقسم بالتساوي وبدون كسر إلي نصفين ليس له إمكان منطقي، لأن العقل يدرك - قبل أن يمارس أي تجربة - أن الثلاثة عدد فردي وليس زوجا، فلا يمكن أن تنقسم بالتساوي، لأن انقسامها بالتساوي يعني كونها زوجا، فتكون فردا وزوجا في وقت واحد، وهذا تناقض، والتناقض مستحيل منطقيا. ولكن دخول الإنسان في النار دون أن يحترق، وصعوده للشمس دون أن تحرقه الشمس بحرارتها ليس مستحيلا من الناحية المنطقية، إذ لا تناقض في

ص :66


1- (1) الكلام في وقته دقيق علميا، فهو يقول: إنه ممكن علميا، ولكنه لم يكن قد تحقق فعلا، والواقع أن كثيرا من الإنجازات في عالم الفضاء، وتسيير المركبات الفضائية إلي كواكب وتوابع الأرض وغيرها قد أصبح حقائق في أواخر القرن العشرين.

افتراض أن الحرارة لا تتسرب من الجسم الأكثر حرارة إلي الجسم الأقل حرارة، وإنما هو مخالف للتجربة التي أثبتت تسرب الحرارة من الجسم الأكثر حرارة إلي الجسم الأقل حرارة إلي أن يتساوي الجسمان في الحرارة.

وهكذا نعرف أن الإمكان المنطقي أوسع دائرة من الإمكان العلمي، وهذا أوسع دائرة من الإمكان العملي.

ولا شك في أن امتداد عمر الإنسان آلاف السنين ممكن منطقيا، لأن ذلك ليس مستحيلا من وجهة نظر عقلية تجريدية، ولا يوجد في افتراض من هذا القبيل أي تناقض، لأن الحياة كمفهوم لا تستبطن الموت السريع، ولا نقاش في ذلك.

كما لا شك أيضا ولا نقاش في أن هذا العمر الطويل ليس ممكنا إمكانا عمليا، علي نحو الإمكانات العملية للنزول إلي قاع البحر أو الصعود إلي القمر، ذلك لأن العلم بوسائله وأدواته الحاضرة فعلا، والمتاحة من خلال التجربة البشرية المعاصرة، لا تستطيع أن تمدد عمر الإنسان مئات السنين، ولهذا نجد أن أكثر الناس حرصا علي الحياة وقدرة علي تسخير إمكانات العلم، لا يتاح لهم من العمر إلا بقدر ما هو مألوف.

وأما الإمكان العلمي فلا يوجد علميا اليوم ما يبرر رفض ذلك من الناحية النظرية (1). وهذا بحث يتصل في الحقيقة بنوعية التفسير الفسلجي لظاهرة الشيخوخة والهرم لدي الإنسان، فهل تعبر هذه الظاهرة عن قانون طبيعي يفرض علي أنسجة جسم الإنسان وخلاياه - بعد أن تبلغ قمة نموها - أن تتصلب بالتدريج

ص :67


1- (1) نعم، لا يوجد مبرر علمي واحد يرفض هذه النظرية، بل إن علماء الطب منشغلون فعلا بمحاولات حثيثة لإطالة عمر الإنسان، وإن هناك عشرات التجارب التي تتم في هذا المجال، وذلك وحده ينهض دليلا قويا علي الإمكان النظري أو العلمي.

وتصبح أقل كفاءة للاستمرار في العمل، إلي أن تتعطل في لحظة معينة، حتي لو عزلناها عن تأثير أي عامل خارجي؟ أو أن هذا التصلب وهذا التناقص في كفاءة الأنسجة والخلايا الجسمية للقيام بأدوارها الفسيولوجية، نتيجة صراع مع عوامل خارجية كالميكروبات أو التسمم الذي يتسرب إلي الجسم من خلال ما يتناوله من غذاء مكثف؟ أو ما يقوم به من عمل مكثف أو أي عامل آخر؟ وهذا سؤال يطرحه العلم اليوم علي نفسه، وهو جاد في الإجابة عنه، ولا يزال للسؤال أكثر من جواب علي الصعيد العلمي.

فإذا أخذنا بوجهة النظر العلمية التي تتجه إلي تفسير الشيخوخة والضعف الهرمي، بوصفه نتيجة صراع واحتكاك مع مؤثرات خارجية معينة، فهذا يعني أن بالإمكان نظريا، إذا عزلت الأنسجة التي يتكون منها جسم الإنسان عن تلك المؤثرات المعينة، أن تمتد بها الحياة وتتجاوز ظاهرة الشيخوخة وتتغلب عليها نهائيا.

وإذا أخذنا بوجهة النظر الأخري، التي تميل إلي افتراض الشيخوخة قانونا طبيعيا للخلايا والأنسجة الحية نفسها، بمعني أنها تحمل في أحشائها بذرة فنائها المحتوم، مرورا بمرحلة الهرم والشيخوخة وانتهاء بالموت.

أقول:

إذا أخذنا بوجهة النظر هذه، فليس معني هذا عدم افتراض أي مرونة في هذا القانون الطبيعي، بل هو - علي افتراض وجوده - قانون مرن، لأننا نجد في حياتنا الاعتيادية، ولأن العلماء يشاهدون في مختبراتهم العلمية، أن الشيخوخة كظاهرة فسيولوجية لا زمنية، قد تأتي مبكرة، وقد تتأخر ولا تظهر إلا في فترة متأخرة، حتي إن الرجل قد يكون طاعنا في السن ولكنه يملك أعضاء لينة، ولا

ص :68

تبدو عليه أعراض الشيخوخة كما نص علي ذلك الأطباء (1). بل إن العلماء استطاعوا عمليا أن يستفيدوا من مرونة ذلك القانون الطبيعي المفترض، فأطالوا عمر بعض الحيوانات مئات المرات بالنسبة إلي أعمارها الطبيعية، وذلك بخلق ظروف وعوامل تؤجل فاعلية قانون الشيخوخة.

وبهذا يثبت علميا أن تأجيل هذا القانون بخلق ظروف وعوامل معينة أمر ممكن علميا، ولئن لم يتح للعلم أن يمارس فعلا هذا التأجيل بالنسبة إلي كائن معقد معين كالإنسان، فليس ذلك إلا لفارق درجة بين صعوبة هذه الممارسة بالنسبة إلي الإنسان وصعوبتها بالنسبة إلي أحياء أخري. وهذا يعني أن العلم من الناحية النظرية وبقدر ما تشير إليه اتجاهاته المتحركة لا يوجد فيه أبدا ما يرفض إمكانية إطالة عمر الإنسان، سواء فسرنا الشيخوخة بوصفها نتاج صراع واحتكاك مع مؤثرات خارجية أو نتاج قانون طبيعي للخلية الحية نفسها يسير بها نحو الفناء.

ويتلخص من ذلك: أن طول عمر الإنسان وبقاءه قرونا متعددة أمر ممكن منطقيا وممكن علميا، ولكنه لا يزال غير ممكن عمليا، إلا أن اتجاه العلم سائر في طريق تحقيق هذا الإمكان عبر طريق طويل.

وعلي هذا الضوء نتناول عمر المهدي عليه الصلاة والسلام وما أحيط به من استفهام أو استغراب، ونلاحظ:

إنه بعد أن ثبت إمكان هذا العمر الطويل منطقيا وعلميا، وثبت أن العلم

ص :69


1- (1) يؤكد الأطباء والدراسات الطبية علي هذه الملاحظة، وأن لديهم مشاهدات كثيرة في هذا المجال، ولعل هذا هو الذي دفعهم إلي إجراء محاولات وتجارب لإطالة العمر الطبيعي للإنسان، وكالمعتاد كان مسرح التجربة في البداية هي الحيوانات لميسورية ذلك، وعدم وجود محاذير أخري تمنع إجراء مثل تلك التجارب علي الإنسان.

سائر في طريق تحويل الإمكان النظري إلي إمكان عملي تدريجا، لا يبقي للاستغراب محتوي إلا استبعاد أن يسبق المهدي العلم نفسه، فيتحول الإمكان النظري إلي إمكان عملي في شخصه قبل أن يصل العلم في تطوره إلي مستوي القدرة الفعلية علي هذا التحويل، فهو نظير من يسبق العلم في اكتشاف دواء ذات السحايا أو دواء السرطان.

وإذا كانت المسألة هي أنه كيف سبق الإسلام - الذي صمم عمر هذا القائد المنتظر - حركة العلم في مجال هذا التحويل؟ فالجواب: أنه ليس ذلك هو المجال الوحيد الذي سبق فيه الإسلام حركة العلم.

أوليست الشريعة الإسلامية ككل قد سبقت حركة العلم والتطور الطبيعي للفكر الإنساني قرونا عديدة؟ (1) أولم تناد بشعارات طرحت خططا للتطبيق لم ينضج الإنسان للتوصل إليها في حركته المستقلة إلا بعد مئات السنين؟ أولم تأت بتشريعات في غاية الحكمة، لم يستطع الإنسان أن يدرك أسرارها ووجه الحكمة فيها إلا قبل برهة وجيزة من الزمن؟ أولم تكشف رسالة السماء أسرارا من الكون لم تكن تخطر علي بال إنسان، ثم

ص :70


1- (1) هذه التساؤلات التي يثيرها السيد الشهيد (رضي الله عنه) تهدف إلي ترسيخ حقيقة مهمة، هي أن الرسول الأعظم (صلي الله عليه وآله وسلم) عندما بشر (بالمهدي)، وهو حالة غير اعتيادية في سياق البشرية، تنبئ في جملتها عن تسجيل سبق في الإمكانية العملية، بعد تأكيد الإمكانية العلمية، أي لبقاء الإنسان مدة أطول بكثير من المعتاد، فإن مثل هذا السبق في التنبيه علي حقائق في هذا الوجود كان قد سجله القرآن والحديث الشريف في موارد كثيرة جدا في مسائل الطبيعة والكون والحياة. راجع: القرآن والعلم الحديث / الدكتور عبد الرزاق نوفل.

جاء العلم ليثبتها ويدعمها؟ فإذا كنا نؤمن بهذا كله، فلماذا نستكثر علي مرسل هذه الرسالة - سبحانه وتعالي - أن يسبق العلم في تصميم عمر المهدي؟ (1) وأنا هنا لم أتكلم إلا عن مظاهر السبق التي نستطيع أن نحسها نحن بصورة مباشرة، ويمكن أن نضيف إلي ذلك مظاهر السبق التي تحدثنا بها رسالة السماء نفسها.

ومثال ذلك أنها تخبرنا بأن النبي (صلي الله عليه وآله وسلم) قد أسري به ليلا من المسجد الحرام إلي المسجد الأقصي، وهذا الإسراء (2) إذا أردنا أن نفهمه في إطار القوانين الطبيعية، فهو يعبر عن الاستفادة من القوانين الطبيعية بشكل لم يتح للعلم أن يحققه (3) إلا بعد مئات السنين، فنفس الخبرة الربانية التي أتاحت للرسول (صلي الله عليه وآله وسلم) التحرك السريع قبل أن يتاح للعلم تحقيق ذلك، أتاحت لآخر خلفائه المنصوصين العمر المديد، قبل أن يتاح للعلم تحقيق ذلك.

نعم، هذا العمر المديد الذي منحه الله تعالي للمنقذ المنتظر يبدو غريبا في

ص :71


1- (1) إشارة إلي أن هذا من قبيل الإعجاز أيضا، وهو إفاضة ربانية خاصة، وهذا أمر لا يسع المسلم إنكاره، بعد أن أخبرت بأمثاله الكتب السماوية، وبالأخص القرآن، كالذي ورد في شأن عمر النبي نوح (عليه السلام)، وكذا ما أخبر به القرآن من المغيبات الأخري، علي أن كثيرا من أهل السنة ومن المتصوفة وأهل العرفان يؤمنون بوقوع الكرامات وما يشبه المعجزات للأولياء والصلحاء والمقربين من حضرة المولي تعالي. راجع: التصوف والكرامات / الشيخ محمد جواد مغنية. وراجع: التاج الجامع للأصول 5: 228 / كتاب الزهد والرقائق - الذين تكلموا في المهد.
2- (2) إشارة إلي الآية المباركة: (سبحان الذي أسري بعبده ليلا من المسجد الحرام إلي المسجد الأقصي...) الإسراء: 1.
3- (3) إشارة إلي تصميم المركبات الفضائية، وركوب الفضاء والتوغل إلي مسافات بعيدة عن أرضنا، وقطعها في ساعات أو أيام معدودة، وقد أضحت هذه حقائق في حياتنا المعاصرة في أواخر القرن العشرين.

حدود المألوف حتي اليوم في حياة الناس، وفي ما أنجز فعلا من تجارب العلماء.

ولكن! أوليس الدور التغييري الحاسم الذي أعد له هذا المنقذ غريبا في حدود المألوف في حياة الناس، وما مرت بهم من تطورات التاريخ؟ أوليس قد أنيط به تغيير العالم، وإعادة بنائه الحضاري من جديد علي أساس الحق والعدل؟ فلماذا نستغرب إذا اتسم التحضير لهذا الدور الكبير ببعض الظواهر الغريبة والخارجة عن المألوف كطول عمر المنقذ المنتظر؟ فإن غرابة هذه الظواهر وخروجها عن المألوف مهما كان شديدا، لا يفوق بحال غرابة نفس الدور العظيم الذي يجب علي اليوم الموعود إنجازه. فإذا كنا نستسيغ ذلك الدور الفريد (1) تاريخيا علي الرغم من أنه لا يوجد دور مناظر له في تاريخ الإنسان، فلماذا لا نستسيغ ذلك العمر المديد الذي لا نجد عمرا مناظرا له في حياتنا المألوفة؟ ولا أدري! هل هي صدفة أن يقوم شخصان فقط بتفريغ الحضارة الإنسانية من محتواها الفاسد وبنائها من جديد، فيكون لكل منهما عمر مديد يزيد علي أعمارنا الاعتيادية أضعافا مضاعفة؟ أحدهما مارس دوره في ماضي البشرية وهو النبي نوح، الذي نص القرآن

ص :72


1- (1) إشارة إلي ما أعد للإمام المهدي المنتظر من دور ومهمة تغييرية علي مستوي الوجود الإنساني برمته كما يشير الحديث الصحيح: " يملأ الأرض قسطا وعدلا بعد ما ملئت ظلما وجورا ". وهذا الدور وهذه المهمة عليها الإجماع بين علماء الإسلام، والاختلاف حصل في أمور فرعية. ومن هنا كان التساؤل الذي أثاره السيد الشهيد (رضي الله عنه) له مبرر منطقي قوي.

الكريم (1) علي أنه مكث في قومه ألف سنة إلا خمسين عاما، وقدر له من خلال الطوفان أن يبني العالم من جديد.

والآخر يمارس دوره في مستقبل البشرية وهو المهدي الذي مكث في قومه حتي الآن أكثر من ألف عام وسيقدر له في اليوم الموعود أن يبني العالم من جديد.

فلماذا نقبل نوح الذي ناهز ألف عام علي أقل تقدير ولا نقبل المهدي؟ (2)

ص :73


1- (1) في الآية المباركة: (فلبث فيهم ألف سنة إلا خمسين عاما) العنكبوت: 14.
2- (2) السؤال موجه إلي المسلمين المؤمنين بالقرآن الكريم وبالحديث النبوي الشريف، وقد روي علماء السنة لغير نوح ما هو أكثر من ذلك. راجع تهذيب الأسماء واللغات / النووي 1: 176، ولا يصح أن يشكل أحد بأن ذاك أخبر به القرآن فالنص قطعي الثبوت، وهو يتعلق بالنبي المرسل نوح (عليه السلام)، أما هنا فليس لدينا نص قطعي، ولا الأمر متعلق بنبي. والجواب: أن المهمة أولا واحدة، وهي تغيير الظلم والفساد، وأن الوظيفة كما أوكلت إلي النبي، فقد أوكلت هنا إلي من اختاره الله تعالي أيضا كما هو لسان الروايات الصحيحة. قال الرسول الأعظم (صلي الله عليه وآله وسلم): " لو لم يبق من الدنيا إلا يوم لطول الله ذلك اليوم حتي يبعث رجلا من أهل بيتي يملأ الأرض قسطا وعدلا... " التاج الجامع للأصول 5: 343. وأما من جهة قطعية النص، فأحاديث المهدي بلغت حد التواتر، وهو موجب للقطع والعلم، فلا فرق في المقامين. راجع: التاج الجامع للأصول 5: 341 و 360 فقد نقل التواتر عن الشوكاني، وانتهي المحققون من علماء الفريقين إلي القول بأن من كفر بالمهدي فقد كفر بالرسول محمد (صلي الله عليه وآله وسلم) وليس ذلك إلا بلحاظ أنه ثبت بالتواتر، وأنه من ضرورات الدين، والمنكر لذلك كافر إجماعا. وراجع: الإشاعة لأشراط الساعة / البرزنجي في بحثه حول المهدي. وقد نقلنا حكاية التواتر في المقدمة أيضا.

ص :74

المبحث الثاني: المعجزة والعمر الطويل

ص :75

ص :76

وقد عرفنا حتي الآن أن العمر الطويل ممكن علميا، ولكن لنفترض أنه غير ممكن علميا، وأن قانون الشيخوخة والهرم قانون صارم لا يمكن للبشرية اليوم، ولا علي خطها الطويل أن تتغلب عليه، وتغير من ظروفه وشروطه، فماذا يعني ذلك؟ إنه يعني أن إطالة عمر الإنسان - كنوح أو كالمهدي - قرونا متعددة، هي علي خلاف القوانين الطبيعية التي أثبتها العلم بوسائل التجربة والاستقراء الحديثة، وبذلك تصبح هذه الحالة معجزة عطلت قانونا طبيعيا في حالة معينة للحفاظ علي حياة الشخص الذي أنيط به الحفاظ علي رسالة السماء، وليست هذه المعجزة فريدة من نوعها، أو غريبة علي عقيدة المسلم المستمدة من نص القرآن والسنة (1)، فليس قانون الشيخوخة والهرم أشد صرامة من قانون انتقال الحرارة من الجسم الأكثر حرارة إلي الجسم الأقل حرارة حتي يتساويا، وقد عطل هذا القانون لحماية حياة إبراهيم (عليه السلام) حين كان الأسلوب الوحيد للحفاظ عليه تعطيل ذلك القانون. فقيل للنار حين ألقي فيها إبراهيم (قلنا يا نار كوني بردا وسلاما علي إبراهيم) الأنبياء: 69، فخرج منها كما دخل سليما لم يصبه أذي، إلي كثير من القوانين الطبيعية التي عطلت

ص :77


1- (1) أي أن الأمر يصبح من قبيل المعجز، وهو ما نطق به القرآن، وجاء في صحيح السنة المطهرة، والإعجاز حقيقة رافقت دعوة الأنبياء، وادعاء سفارتهم عن الحضرة الإلهية، وهو ما لا يسع المسلم إنكاره أو الشك فيه، بل إن غير المسلم يشارك المسلم في الاعتقاد بالمعجزات.

لحماية أشخاص من الأنبياء وحجج الله علي الأرض، ففلق البحر لموسي (1)، وشبه للرومان أنهم قبضوا علي عيسي (2) ولم يكونوا قد قبضوا عليه، وخرج النبي محمد (صلي الله عليه وآله وسلم) من داره وهي محفوفة بحشود قريش التي ظلت ساعات تتربص به لتهجم عليه، فستره الله تعالي عن عيونهم وهو يمشي بينهم (3). كل هذه الحالات تمثل قوانين طبيعية عطلت لحماية شخص، كانت الحكمة الربانية تقتضي الحفاظ علي حياته، فليكن قانون الشيخوخة والهرم من تلك القوانين.

وقد يمكن أن نخرج من ذلك بمفهوم عام وهو أنه كلما توقف الحفاظ علي حياة حجة لله في الأرض علي تعطيل قانون طبيعي، وكانت إدامة حياة ذلك الشخص ضرورية لإنجاز مهمته التي أعد لها، تدخلت العناية الربانية في تعطيل ذلك القانون لإنجاز ذلك، وعلي العكس إذا كان الشخص قد انتهت مهمته التي أعد لها ربانيا فإنه سيلقي حتفه ويموت أو يستشهد وفقا لما تقرره القوانين الطبيعية.

ونواجه عادة بمناسبة هذا المفهوم العام السؤال التالي: كيف يمكن أن يتعطل القانون (4)؟ وكيف تنفصم العلاقة الضرورية التي تقوم بين الظواهر الطبيعية؟ وهل هذه إلا مناقضة للعلم الذي اكتشف ذلك القانون الطبيعي، وحدد هذه العلاقة

ص :78


1- (1) إشارة إلي قوله تعالي: (فأوحينا إلي موسي أن اضرب بعصاك البحر فانفلق فكان كل فرق كالطود العظيم) الشعراء: 63.
2- (2) إشارة إلي قوله تعالي: (وما قتلوه وما صلبوه ولكن شبه لهم...) النساء: 157.
3- (3) راجع: سيرة ابن هشام 2: 127، فقد نقل هذه الحادثة وهي مجمع عليها.
4- (4) قد يقال: إن القانون بصفته قانونا لا بد أن يطرد، ولا يتصور التعطيل والانخرام، وقد لاحظ بعضهم أن الانخرام إنما هو بقانون آخر، كما هو الأمر بالنسبة إلي قانون الجاذبية، الذي يستلزم جذب الأشياء إلي المركز، ومع ذلك فإن الماء يصعد بعملية الامتصاص في النباتات من الجذر إلي الأعلي بواسطة الشعيرات، وهذا بحسب قانون آخر هو (الخاصية الشعرية). راجع: القرآن محاولة لفهم عصري / الدكتور مصطفي محمود.

الضرورية علي أسس تجريبية واستقرائية؟! والجواب: أن العلم نفسه قد أجاب عن هذا السؤال بالتنازل عن فكرة الضرورة في القانون الطبيعي، وتوضيح ذلك: إن القوانين الطبيعية يكتشفها العلم علي أساس التجربة والملاحظة المنتظمة، فحين يطرد وقوع ظاهرة طبيعية عقيب ظاهرة أخري يستدل بهذا الاطراد علي قانون طبيعي، وهو أنه كلما وجدت الظاهرة الأولي وجدت الظاهرة الثانية عقيبها، غير أن العلم لا يفترض في هذا القانون الطبيعي علاقة ضرورية بين الظاهرتين نابعة من صميم هذه الظاهرة وذاتها، وصميم تلك وذاتها، لأن الضرورة حالة غيبية، لا يمكن للتجربة ووسائل البحث الاستقرائي والعلمي إثباتها، ولهذا فإن منطق العلم الحديث يؤكد أن القانون الطبيعي - كما يعرفه العلم - لا يتحدث عن علاقة ضرورية، بل عن اقتران مستمر بين ظاهرتين (1)، فإذا جاءت المعجزة وفصلت إحدي الظاهرتين عن الأخري في قانون طبيعي لم يكن ذلك فصما لعلاقة ضرورية بين الظاهرتين.

والحقيقة أن المعجزة بمفهومها الديني، قد أصبحت في ضوء المنطق العلمي الحديث مفهومة بدرجة أكبر مما كانت عليه في ظل وجهة النظر الكلاسيكية إلي علاقات السببية.

فقد كانت وجهة النظر القديمة تفترض أن كل ظاهرتين اطرد اقتران إحداهما بالأخري فالعلاقة بينهما علاقة ضرورة، والضرورة تعني أن من المستحيل أن تنفصل إحدي الظاهرتين عن الأخري، ولكن هذه العلاقة تحولت في منطق العلم الحديث إلي قانون الاقتران أو التتابع المطرد (2) بين الظاهرتين دون افتراض تلك الضرورة الغيبية.

ص :79


1- (1) وقد بسط الشهيد الصدر القول في هذه المسألة في كتابه فلسفتنا فراجع ص 295 و 299.
2- (2) راجع فلسفتنا: ص 282 وما بعدها.

وبهذا تصبح المعجزة حالة استثنائية لهذا الاطراد في الاقتران أو التتابع دون أن تصطدم بضرورة أو تؤدي إلي استحالة.

وأما علي ضوء الأسس المنطقية للاستقراء (1) فنحن نتفق مع وجهة النظر العلمية الحديثة، في أن الاستقراء لا يبرهن علي علاقة الضرورة بين الظاهرتين، ولكنا نري أنه يدل علي وجود تفسير مشترك لاطراد التقارن أو التعاقب بين الظاهرتين باستمرار، وهذا التفسير المشترك كما يمكن صياغته علي أساس افتراض الضرورة الذاتية، كذلك يمكن صياغته علي أساس افتراض حكمة دعت منظم الكون إلي ربط ظواهر معينة بظواهر أخري باستمرار، وهذه الحكمة نفسها تدعو أحيانا إلي الاستثناء فتحدث المعجزة.

ص :80


1- (1) راجع بسط وشرح النظرية في " الأسس المنطقية للاستقراء " حيث توصل الإمام الشهيد الصدر (رضي الله عنه) إلي اكتشاف مهم وخطير علي صعيد نظرية المعرفة بشكل عام.

المبحث الثالث: لماذا كل هذا الحرص علي إطالة عمره؟

ص :81

ص :82

ونتناول الآن السؤال الثاني، وهو يقول:

لماذا كل هذا الحرص من الله سبحانه وتعالي علي هذا الإنسان بالذات، فتعطل من أجله القوانين الطبيعية لإطالة عمره؟ ولماذا لا تترك قيادة اليوم الموعود لشخص يتمخض عنه المستقبل، وتنضجه إرهاصات اليوم الموعود فيبرز علي الساحة ويمارس دوره المنتظر.

وبكلمة أخري: ما هي فائدة هذه الغيبة الطويلة وما المبرر لها؟ وكثير من الناس يسألون هذا السؤال وهم لا يريدون أن يسمعوا جوابا غيبيا، فنحن نؤمن بأن الأئمة الاثني عشر مجموعة فريدة (1) لا يمكن التعويض عن

ص :83


1- (1) إشارة إلي معتقد الإمامية الاثني عشرية المستند إلي أدلة المعقول والمنقول، وبالأخص إلي حديث الثقلين المتواتر " إني تركت فيكم ما إن تمسكتم بهما لن تضلوا بعدي أبدا كتاب الله وعترتي أهل بيتي ". راجع: صحيح مسلم 4: 1873 وراجع الصواعق المحرقة لابن حجر: ص 89، قال: ثم اعلم أن لحديث التمسك بذلك طرقا كثيرة وردت عن نيف وعشرين صحابيا. وكذلك إلي قوله (صلي الله عليه وآله وسلم) " لن يفترقا حتي يردا علي الحوض.. " وإلي قوله (صلي الله عليه وآله وسلم): " الخلفاء بعدي اثنا عشر كلهم من قريش ". ومفاد ذلك كله تقرير هذا المعني.

أي واحد منهم، غير أن هؤلاء المتسائلين يطالبون بتفسير اجتماعي للموقف، علي ضوء الحقائق المحسوسة لعملية التغيير الكبري نفسها والمتطلبات المفهومة لليوم الموعود.

وعلي هذا الأساس نقطع النظر مؤقتا عن الخصائص التي نؤمن بتوفرها في هؤلاء الأئمة المعصومين (1) ونطرح السؤال التالي:

إننا بالنسبة إلي عملية التغيير المرتقبة في اليوم الموعود، بقدر ما تكون مفهومة علي ضوء سنن الحياة وتجاربها، هل يمكن أن نعتبر هذا العمر الطويل لقائدها المدخر عاملا من عوامل إنجاحها، وتمكنه من ممارستها وقيادتها بدرجة أكبر؟ ونجيب عن ذلك بالإيجاب، وذلك لعدة أسباب منها ما يلي:

إن عملية التغيير الكبري تتطلب وضعا نفسيا فريدا في القائد الممارس لها، مشحونا بالشعور.. بالتفوق والإحساس بضآلة الكيانات الشامخة التي أعد للقضاء عليها، وتحويلها حضاريا إلي عالم جديد.

فبقدر ما يعمر قلب القائد المغير من شعور بتفاهة الحضارة التي يصارعها، وإحساس واضح بأنها مجرد نقطة علي الخط الطويل لحضارة الإنسان، يصبح أكثر

ص :84


1- (1) تحدث النبي الأكرم محمد (صلي الله عليه وآله وسلم) كثيرا عن خصائصهم وأدوارهم، ووظيفتهم ومهماتهم، وأنهم حملة الشريعة، وسفن النجاة، وأمان الأمة، وعصمتها من الضلال، كما إليه الإشارة في حديث الثقلين، وحديث لن يفترقا وكلاهما يؤكدان عصمتهم، إذ لا يعقل أنهم عصمة الأمة من الضلال، وأنهم لن يفترقا عن القرآن المعصوم، وهم غير معصومين!! راجع في هذا المطلب: الأصول العامة للفقه المقارن / العلامة محمد تقي الحكيم / مبحث حجية السنة: ص 169 وما بعدها.

قدرة من الناحية النفسية (1) علي مواجهتها والصمود في وجهها ومواصلة العمل ضدها حتي النصر.

ومن الواضح أن الحجم المطلوب من هذا الشعور النفسي يتناسب مع حجم التغيير نفسه، وما يراد القضاء عليه من حضارة وكيان، فكلما كانت المواجهة لكيان أكبر ولحضارة أرسخ وأشمخ تطلبت زخما أكبر من هذا الشعور النفسي المفعم.

ولما كانت رسالة اليوم الموعود تغيير عالم ملئ بالظلم وبالجور، تغييرا شاملا بكل قيمه الحضارية وكياناته المتنوعة، فمن الطبيعي أن تفتش هذه الرسالة عن شخص أكبر في شعوره النفسي من ذلك العالم كله، عن شخص ليس من مواليد ذلك العالم الذين نشأوا في ظل تلك الحضارة التي يراد تقويضها واستبدال حضارة العدل والحق بها، لأن من ينشأ في ظل حضارة راسخة، تعمر الدنيا بسلطانها وقيمها وأفكارها، يعيش في نفسه الشعور بالهيبة تجاهها، لأنه ولد وهي قائمة، ونشأ صغيرا وهي جبارة، وفتح عينيه علي الدنيا فلم يجد سوي أوجهها المختلفة.

وخلافا لذلك، شخص يتوغل في التاريخ عاش الدنيا قبل أن تري تلك الحضارة النور، ورأي الحضارات الكبيرة سادت العالم الواحدة تلو الأخري ثم تداعت وانهارت (2)، رأي ذلك بعينيه ولم يقرأه في كتاب تاريخ..

ص :85


1- (1) أن يكون القائد التاريخي مهيئا نفسيا ومعدا إعدادا مناسبا لأداء المهمة، أمر مفروغ منه، ولو رجعنا إلي القرآن الكريم لوجدناه يتحدث عن هذه المسألة في تاريخ الأنبياء بصورة واضحة جدا، وبخاصة فيما يتعلق بالنبي نوح (عليه السلام)، وهو أمر يلفت الانتباه والنظر، وربما يكون للتشابه والاتفاق في الدور والمهمة التي أوكلت لهما، كما نبه الشهيد الصدر (رضي الله عنه) إليه. راجع: مع الأنبياء / عفيف عبد الفتاح طبارة.
2- (2) ويمكن أن نقرب هذا المعني بما عشناه وشاهدناه من صعود الاتحاد السوفيتي وترقيه حتي صار القطب الثاني في العالم، وتقاسم هو وأمريكا النفوذ الحضاري والهيمنة السياسية، وركبا معا أجواء الفضاء، ثم شهدنا انهيار الاتحاد السوفيتي وتفكك أوصاله بمثل تلك السرعة القياسية في الانهيار، فكم كان لذلك من أثر؟ وكم كان فيه من عبرة؟ وكم فيه من دلالة عميقة؟

ثم رأي الحضارة التي يقدر لها أن تكون الفصل الأخير من قصة الإنسان قبل اليوم الموعود، رآها وهي بذور صغيرة لا تكاد تتبين..

ثم شاهدها وقد اتخذت مواقعها في أحشاء المجتمع البشري تتربص الفرصة لكي تنمو وتظهر..

ثم عاصرها وقد بدأت تنمو وتزحف وتصاب بالنكسة تارة ويحالفها التوفيق تارة أخري..

ثم واكبها وهي تزدهر وتتعملق وتسيطر بالتدريج علي مقدرات عالم بكامله، فإن شخصا من هذا القبيل عاش كل هذه المراحل بفطنة وانتباه كاملين ينظر إلي هذا العملاق - الذي يريد أن يصارعه - من زاوية ذلك الامتداد التاريخي الطويل الذي عاشه بحسه لا في بطون كتب التاريخ فحسب، ينظر إليه لا بوصفه قدرا محتوما، ولا كما كان ينظر (جان جاك روسو) (1) إلي الملكية في فرنسا، فقد جاء عنه أنه كان يرعبه مجرد أن يتصور فرنسا بدون ملك، علي الرغم من كونه من الدعاة الكبار فكريا وفلسفيا إلي تطوير الوضع السياسي القائم وقتئذ، لأن (روسو) هذا نشأ في ظل الملكية، وتنفس هواءها طيلة حياته، وأما هذا الشخص المتوغل في التاريخ، فله هيبة التاريخ، وقوة التاريخ، والشعور المفعم بأن ما حوله من كيان وحضارة وليد يوم من أيام التاريخ، تهيأت له الأسباب فوجد، وستتهيأ

ص :86


1- (1) جان جاك روسو (1712 - 1778 م) كاتب وفيلسوف فرنسي اعتبره بعض النقاد الوجه الأبعد نفوذا في الأدب الفرنسي الحديث والفلسفة الحديثة، وقد مهدت كتاباته ومقالاته للثورة الفرنسية، وأشهر مؤلفاته العقد الاجتماعي. راجع: موسوعة المورد / منير البعلبكي 8: 169.

الأسباب فيزول، فلا يبقي منه شئ كما لم يكن يوجد منه شئ بالأمس القريب أو البعيد، وأن الأعمار التاريخية للحضارات والكيانات مهما طالت فهي ليست إلا أياما قصيرة في عمر التاريخ الطويل.

هل قرأت سورة الكهف؟ وهل قرأت عن أولئك الفتية الذين آمنوا بربهم وزادهم الله هدي (1)؟ وواجهوا كيانا وثنيا حاكما، لا يرحم ولا يتردد في خنق أي بذرة من بذور التوحيد والارتفاع عن وحدة الشرك، فضاقت نفوسهم ودب إليها اليأس وسدت منافذ الأمل أمام أعينهم، ولجأوا إلي الكهف يطلبون من الله حلا لمشكلتهم بعد أن أعيتهم الحلول، وكبر في نفوسهم أن يظل الباطل يحكم ويظلم ويقهر الحق ويصفي كل من يخفق قلبه للحق.

هل تعلم ماذا صنع الله تعالي بهم؟ إنه أنامهم ثلاثمائة سنة وتسع سنين (2) في ذلك الكهف، ثم بعثهم من نومهم ودفع بهم إلي مسرح الحياة، بعد أن كان ذلك الكيان الذي بهرهم بقوته وظلمه قد تداعي وسقط، وأصبح تاريخا لا يرعب أحدا ولا يحرك ساكنا، كل ذلك لكي يشهد هؤلاء الفتية مصرع ذلك الباطل الذي كبر عليهم امتداده وقوته واستمراره، ويروا انتهاء أمره بأعينهم ويتصاغر الباطل في نفوسهم.

ولئن تحققت لأصحاب الكهف هذه الرؤية الواضحة بكل ما تحمل من زخم وشموخ نفسيين من خلال ذلك الحدث الفريد الذي مدد حياتهم ثلاثمائة سنة، فإن

ص :87


1- (1) إشارة إلي الآية القرآنية المباركة: (إنهم فتية آمنوا بربهم وزدناهم هدي...) الكهف: 13، وراجع تفسيرها في الكشاف / الزمخشري 2: 706، نشر دار الكتاب العربي - بيروت.
2- (2) إشارة إلي الآية: (ولبثوا في كهفهم ثلاث مائة سنين وازدادوا تسعا...) الكهف: 25.

الشئ نفسه يتحقق للقائد المنتظر من خلال عمره المديد الذي يتيح له أن يشهد العملاق وهو قزم والشجرة الباسقة وهي بذرة، والإعصار وهو مجرد نسمة (1).

أضف إلي ذلك، أن التجربة التي تتيحها مواكبة تلك الحضارات المتعاقبة، والمواجهة المباشرة لحركتها وتطوراتها لها أثر كبير في الإعداد الفكري وتعميق الخبرة القيادية لليوم الموعود، لأنها تضع الشخص المدخر أمام ممارسات كثيرة للآخرين بكل ما فيها من نقاط الضعف والقوة، ومن ألوان الخطأ والصواب، وتعطي لهذا الشخص قدرة أكبر علي تقييم الظواهر الاجتماعية بالوعي الكامل علي أسبابها، وكل ملابساتها التاريخية.

ثم إن عملية التغيير المدخرة للقائد المنتظر تقوم علي أساس رسالة معينة هي رسالة الإسلام، ومن الطبيعي أن تتطلب العملية في هذه الحالة قائدا قريبا من مصادر الإسلام الأولي، قد بنيت شخصيته بناء كاملا بصورة مستقلة ومنفصلة عن مؤثرات الحضارة التي يقدر لليوم الموعود أن يحاربها.

وخلافا لذلك، الشخص الذي يولد وينشأ في كنف هذه الحضارة وتتفتح أفكاره ومشاعره في إطارها، فإنه لا يتخلص غالبا من رواسب تلك الحضارة ومرتكزاتها، وإن قاد حملة تغييرية ضدها.

فلكي يضمن عدم تأثر القائد المدخر بالحضارة التي أعد لاستبدالها، لا بد أن تكون شخصيته قد بنيت بناء كاملا في مرحلة حضارية سابقة هي أقرب ما

ص :88


1- (1) وكل ذلك له مدخلية في تربيته وإعداده الإعداد الخاص، بما في ذلك امتلاكه النظرة الشمولية العميقة، فضلا عن شهوده بنفسه ضآلة أولئك المتعملقين الذين يملؤون الدنيا ضجيجا وصخبا، ويسترهبون الناس، وهذا الشهود يؤهله أكثر فأكثر لأداء مهمته الكونية في التغيير، أي ملئه للأرض عدلا بعدما ملئت ظلما، هذا بغمض النظر عن مؤهلاته الذاتية، والعناية الربانية الخاصة.

تكون في الروح العامة ومن ناحية المبدأ إلي الحالة الحضارية التي يتجه اليوم الموعود إلي تحقيقها بقيادته (1).

ص :89


1- (1) ولا ينبغي أن يشكل أحد بأن النبي محمد (صلي الله عليه وآله وسلم) مع عالمية رسالته ومهمته التغييرية الكبري إلا أنه عاش في كنف الحضارة الجاهلية، ولم يتأثر بها، وكذا الأنبياء السابقون، فما هو الوجه في هذا الرأي؟ فجوابه: أ - إن النبي (صلي الله عليه وآله وسلم) قد أخضع فعلا إلي حالة عزلة تامة عن الحضارة الجاهلية، وأنه كما ورد في السيرة النبوية قد حبب إليه الخلاء، وكان يذهب إلي غار حراء يتحنث فيه وكذا الأنبياء كانوا يتنزهون عما عليه مجتمعهم، وكانوا يعتزلون، وإليه الإشارة في قوله تعالي: (فلما اعتزلهم وما يعبدون من دون الله وهبنا له إسحاق) مريم: 49. ب - إن النبي المرسل يوحي إليه، ويسدد مباشرة من السماء، ويبلغ بالأعمال والخطوات التي يتخذها خطوة خطوة، والإمام (عليه السلام) لا يوحي إليه - كما هو عقيدة الإمامية - ولا يبلغ بالأمور مباشرة من السماء، نعم يكون مسددا وتحت العناية الربانية، ولذلك فهو يحتاج إلي إعداد خاص. ففي نفس الوقت الذي يكون فيه قريبا ومتصلا بالحضارة الإسلامية، مستمدا من آبائه (عليهم السلام) الأصالة والمعرفة والعلم، يكون مطلعا علي التجارب البشرية والحضارات في صعودها وعوامل تكونها وقوتها، وكذلك إخفاقاتها وعوامل ضعفها وانهيارها، فيستمد الخبرة والقدرة والإحاطة بالأمور جميعا، هذا مع اعتقادنا بقدرات الإمام العلمية الذاتية التي وهبها الله تعالي له، وبكونه مسددا من السماء، كما سيتوضح في المبحث الرابع.

ص :90

المبحث الرابع: كيف اكتمل إعداد القائد المنتظر؟

ص :91

ص :92

ونأتي الآن علي السؤال الثالث القائل: كيف اكتمل إعداد القائد المنتظر مع أنه لم يعاصر أباه الإمام العسكري إلا خمس سنوات تقريبا؟ وهي فترة الطفولة التي لا تكفي لإنضاج شخصية القائد، فما هي الظروف التي تكامل من خلالها؟ والجواب: إن المهدي (عليه السلام) خلف أباه في إمامة المسلمين، وهذا يعني أنه كان إماما بكل ما في الإمامة من محتوي فكري وروحي في وقت مبكر جدا من حياته الشريفة.

والإمامة المبكرة ظاهرة سبقه إليها عدد من آبائه (عليهم السلام)، فالإمام محمد بن علي الجواد (عليه السلام) تولي الإمامة وهو في الثامنة من عمره (1)، والإمام علي بن محمد الهادي تولي الإمامة وهو في التاسعة (2) من عمره، والإمام أبو محمد الحسن العسكري (3) والد القائد المنتظر تولي الإمامة وهو في الثانية والعشرين من عمره،

ص :93


1- (1) راجع: الفصول المهمة لابن الصباغ المالكي المكي (ت / 855 ه). وراجع: الإرشاد / الشيخ المفيد: ص 316 وما بعدها.
2- (2) و (3) راجع: التتمة في تواريخ الأئمة / السيد تاج الدين العاملي من أعلام القرن الحادي عشر الهجري، نشر مؤسسة البعثة - قم. وراجع: الصواعق المحرقة لابن حجر: ص 123 - 124، إذ ذكر طرفا من سيرة الإمام وكراماته.

ويلاحظ أن ظاهرة الإمامة المبكرة بلغت ذروتها في الإمام المهدي والإمام الجواد، ونحن نسميها ظاهرة لأنها كانت بالنسبة إلي عدد من آباء المهدي (عليه السلام) تشكل مدلولا حسيا عمليا عاشه المسلمون، ووعوه في تجربتهم مع الإمام بشكل وآخر، ولا يمكن أن نطالب بإثبات لظاهرة من الظواهر أوضح وأقوي من تجربة أمة (1).

ونوضح ذلك ضمن النقاط التالية:

أ - لم تكن إمامة الإمام من أهل البيت مركزا من مراكز السلطان والنفوذ التي تنتقل بالوراثة من الأب إلي الابن، ويدعمها النظام الحاكم كإمامة الخلفاء الفاطميين، وخلافة الخلفاء العباسيين، وإنما كانت تكتسب ولاء قواعدها الشعبية الواسعة عن طريق التغلغل الروحي، والإقناع الفكري لتلك القواعد بجدارة هذه الإمامة لزعامة الإسلام، وقيادته علي أسس روحية وفكرية.

ب - إن هذه القواعد الشعبية بنيت منذ صدر الإسلام، وازدهرت واتسعت علي عهد الإمامين الباقر والصادق (عليهما السلام)، وأصبحت المدرسة التي رعاها هذان الإمامان في داخل هذه القواعد تشكل تيارا فكريا واسعا في العالم الإسلامي، يضم المئات من الفقهاء والمتكلمين والمفسرين والعلماء في مختلف ضروب المعرفة الإسلامية والبشرية المعروفة وقتئذ، حتي قال الحسن بن علي الوشا: إني دخلت مسجد الكوفة فرأيت فيه تسعمائة شيخ (2) كلهم يقولون حدثنا جعفر بن محمد.

ص :94


1- (1) راجع: الإرشاد / الشيخ المفيد: ص 319 وما بعدها. الصواعق المحرقة: ص 123 - 124. فقد أوردا قصة المحاورة التي دارت بين الإمام الجواد (عليه السلام) وبين يحيي بن أكثم زمن المأمون، وكيف استطاع الإمام (عليه السلام) أن يثبت أعلميته وقدرته علي إفحام الخصم وهو في تلك السن المبكرة.
2- (2) راجع: المجالس السنية / السيد الأمين العاملي 5: 209، وهذه قضية مشهورة تناقلها الخاص والعام. وراجع: صحاح الأخبار / محمد سراج الدين الرفاعي: ص 44، نقلا عن الإمام الصادق والمذاهب الأربعة / أسد حيدر 1: 56. وقال ابن حجر في الصواعق المحرقة ص 120: " جعفر الصادق، نقل الناس عنه من العلوم ما سارت به الركبان، وانتشر صيته في جميع البلدان، وروي عنه الأئمة الأكابر كيحيي بن سعيد وابن جريج ومالك والسفيانين وأبي حنيفة وشعبة وأيوب السختياني... ".

ج - إن الشروط التي كانت هذه المدرسة وما تمثله من قواعد شعبية في المجتمع الإسلامي، تؤمن بها وتتقيد بموجبها في تعيين الإمام والتعرف علي كفاءته للإمامة، شروط شديدة، لأنها تؤمن بأن الإمام لا يكون إماما إلا إذا كان أعلم علماء عصره (1).

د - إن المدرسة وقواعدها الشعبية كانت تقدم تضحيات كبيرة في سبيل الصمود علي عقيدتها في الإمامة، لأنها كانت في نظر الخلافة المعاصرة لها تشكل خطا عدائيا، ولو من الناحية الفكرية علي الأقل، الأمر الذي أدي إلي قيام السلطات وقتئذ وباستمرار تقريبا حملات من التصفية والتعذيب، فقتل من قتل، وسجن من سجن، ومات في ظلمات المعتقلات المئات. وهذا يعني أن الاعتقاد بإمامة أئمة أهل البيت كان يكلفهم غاليا (2)، ولم يكن له من الإغراءات سوي ما يحس به المعتقد أو يفترضه من التقرب إلي الله تعالي والزلفي عنده.

ه - إن الأئمة الذين دانت هذه القواعد لهم بالإمامة لم يكونوا معزولين عنها،

ص :95


1- (1) كون الإمام أعلم أهل زمانه أمر متسالم عليه عند الإمامية. راجع: الباب الحادي عشر / العلامة الحلي، هذا وقد عرضوا لأكثر من اختبار صلوات الله وسلامه عليهم لإثبات هذا المدعي، ونجحوا فيه. راجع: الصواعق المحرقة لابن حجر: ص 123، فقد نقل تفصيلا في هذه المسألة عن مسائل يحيي بن أكثم للإمام الجواد (عليه السلام).
2- (2) إن الاعتقاد بإمامة الأئمة كلف أتباعهم غاليا، وهذا ثابت تاريخيا، وليس إلي إنكاره من سبيل، والشاهد يدل علي الغائب أيضا. راجع: مقاتل الطالبيين لأبي الفرج الأصفهاني.

ولا متقوقعين في بروج عالية شأن السلاطين مع شعوبهم، ولم يكونوا يحتجبون عنهم إلا أن تحجبهم السلطة الحاكمة بسجن أو نفي، وهذا ما نعرفه من خلال العدد الكبير من الرواة والمحدثين عن كل واحد من الأئمة الأحد عشر، ومن خلال ما نقل من المكاتبات التي كانت تحصل بين الإمام ومعاصريه، وما كان الإمام يقوم به من أسفار من ناحية، وما كان يبثه من وكلاء في مختلف أنحاء العالم الإسلامي من ناحية أخري، وما كان قد اعتاده الشيعة من تفقد أئمتهم وزيارتهم في المدينة المنورة تفاعلا مستمرا بدرجة واضحة بين الإمام وقواعده الممتدة في أرجاء العالم الإسلامي بمختلف طبقاتها من العلماء وغيرهم.

و - إن الخلافة المعاصرة للأئمة (عليهم السلام) كانت تنظر إليهم وإلي زعامتهم الروحية والإمامية بوصفها مصدر خطر كبير علي كيانها ومقدراتها، وعلي هذا الأساس بذلت كل جهودها في سبيل تفتيت هذه الزعامة، وتحملت في سبيل ذلك كثيرا من السلبيات، وظهرت أحيانا بمظاهر القسوة والطغيان حينما اضطرها تأمين مواقعها إلي ذلك، وكانت حملات الاعتقال والمطاردة مستمرة للأئمة (1) أنفسهم علي الرغم مما يخلفه ذلك من شعور بالألم أو الاشمئزاز عند المسلمين وللناس الموالين علي اختلاف درجاتهم.

إذا أخذنا هذه النقاط الست بعين الاعتبار، وهي حقائق تاريخية لا تقبل الشك، أمكن أن نخرج بنتيجة وهي: أن ظاهرة الإمامة المبكرة كانت ظاهرة واقعية ولم تكن وهما من الأوهام، لأن الإمام الذي يبرز علي المسرح وهو صغير فيعلن

ص :96


1- (1) راجع في تاريخ الأئمة (عليهم السلام)، وتعرضهم للاضطهاد والمطاردة والسجن والقتل أحيانا: أ - الفصول المهمة لابن الصباغ المالكي. ب - مقاتل الطالبيين لأبي الفرج الأصفهاني. ج - الإرشاد للشيخ المفيد.

عن نفسه إماما روحيا وفكريا للمسلمين، ويدين له بالولاء والإمامة كل ذلك التيار الواسع، لا بد أن يكون علي قدر واضح وملحوظ بل وكبير من العلم والمعرفة وسعة الأفق والتمكن من الفقه والتفسير والعقائد، لأنه لو لم يكن كذلك لما أمكن أن تقتنع تلك القواعد الشعبية بإمامته، مع ما تقدم من أن الأئمة كانوا في مواقع تتيح لقواعدهم التفاعل معهم وللأضواء المختلفة أن تسلط علي حياتهم وموازين شخصيتهم. فهل تري أن صبيا يدعو إلي إمامة نفسه وينصب منها علما للإسلام وهو علي مرأي ومسمع من جماهير قواعده الشعبية، فتؤمن به وتبذل في سبيل ذلك الغالي من أمنها وحياتها بدون أن تكلف نفسها اكتشاف حاله، وبدون أن تهزها ظاهرة هذه الإمامة المبكرة لاستطلاع حقيقة الموقف وتقييم هذا الصبي الإمام؟ (1) وهب أن الناس لم يتحركوا لاستطلاع المواقف، فهل يمكن أن تمر المسألة أياما وشهورا بل أعواما دون أن تتكشف الحقيقة علي الرغم من التفاعل الطبيعي المستمر بين الصبي الإمام وسائر الناس؟ وهل من المعقول أن يكون صبيا في فكره وعلمه حقا ثم لا يبدو ذلك من خلال هذا التفاعل الطويل؟ وإذا افترضنا أن القواعد الشعبية لإمامة أهل البيت لم يتح لها أن تكتشف واقع الأمر، فلماذا سكتت الخلافة القائمة ولم تعمل لكشف الحقيقة إذا كانت في صالحها؟ وما كان أيسر ذلك علي السلطة القائمة لو كان الإمام الصبي صبيا في فكره وثقافته كما هو المعهود في الصبيان، وما كان أنجحه من أسلوب أن تقدم هذا الصبي إلي شيعته وغير شيعته علي حقيقته، وتبرهن علي عدم كفاءته للإمامة والزعامة الروحية والفكرية. فلئن كان من الصعب الإقناع بعدم كفاءة شخص في الأربعين أو الخمسين قد أحاط بقدر كبير من ثقافة عصره لتسلم الإمامة، فليس

ص :97


1- (1) إشارة إلي الإمام المهدي (عليه السلام)، ومن قبل إلي الإمام الجواد مثلا.

هناك صعوبة في الإقناع بعدم كفاءة صبي اعتيادي مهما كان ذكيا وفطنا للإمامة بمعناها الذي يعرفه الشيعة الإماميون (1)، وكان هذا أسهل وأيسر من الطرق المعقدة وأساليب القمع والمجازفة التي انتهجتها السلطات وقتئذ.

إن التفسير الوحيد لسكوت الخلافة المعاصرة عن اللعب بهذه الورقة (2)، هو أنها أدركت أن الإمامة المبكرة ظاهرة حقيقية وليست شيئا مصطنعا.

والحقيقة أنها أدركت ذلك بالفعل بعد أن حاولت أن تلعب بتلك الورقة فلم تستطع، والتأريخ يحدثنا عن محاولات من هذا القبيل وفشلها (3)، بينما لم يحدثنا إطلاقا عن موقف تزعزعت فيه ظاهرة الإمامة المبكرة أو واجه فيه الصبي الإمام إحراجا يفوق قدرته أو يزعزع ثقة الناس فيه.

وهذا معني ما قلناه من أن الإمامة المبكرة ظاهرة واقعية في حياة أهل البيت وليست مجرد افتراض، كما أن هذه الظاهرة الواقعية لها جذورها وحالاتها المماثلة في تراث السماء الذي امتد عبر الرسالات والزعامات الربانية.

ويكفي مثالا لظاهرة الإمامة المبكرة في التراث الرباني لأهل البيت (عليهم السلام) يحيي (عليه السلام) إذ قال الله سبحانه وتعالي: (يا يحيي خذ الكتاب بقوة وآتيناه الحكم صبيا) سورة مريم: 12.

ص :98


1- (1) أي علي أنه يجب أن يكون أفضل الناس، وأعلم الناس كما هو معتقد الإمامية الاثني عشرية. راجع: حق اليقين في معرفة أصول الدين للسيد عبد الله شبر (ت / 1242 ه) 1: 141، المقصد الثالث.
2- (2) يقصد تقديم الإمام الصبي للاختبار أمام الملأ لإظهار حقيقة الأمر.
3- (3) قد فعل المأمون ذلك، وانكشف لدي الخاص من العلماء مدي ما يمتلكه الإمام الجواد (عليه السلام) من الفقه والعلم. راجع: الصواعق المحرقة لابن حجر: ص 123.

ومتي ثبت أن الإمامة المبكرة ظاهرة واقعية ومتواجدة فعلا في حياة أهل البيت لم يعد هناك اعتراض فيما يخص إمامة المهدي (عليه السلام) وخلافته لأبيه وهو صغير (1).

ص :99


1- (1) وقد شاهد خاصة الشيعة الإمام المهدي واتصلوا به، وأخذوا عنه، كما حصل عن طريق السفراء الأربعة. راجع: تبصرة الولي فيمن رأي القائم المهدي / البحراني، الإرشاد / الشيخ المفيد: ص 345، وراجع تفصيلا وافيا في دفاع عن الكافي / السيد ثامر العميدي 1: 535 وما بعدها.

ص :100

المبحث الخامس: كيف نؤمن بأن المهدي قد وجد؟

ص :101

ص :102

ونصل الآن إلي السؤال الرابع وهو يقول: هب أن فرضية القائد المنتظر ممكنة بكل ما تستبطنه من عمر طويل، وإمامة مبكرة، وغيبة صامتة، فإن الإمكان لا يكفي للاقتناع بوجوده فعلا.

فكيف نؤمن فعلا بوجود المهدي؟ وهل تكفي بضع روايات تنقل في بطون الكتب عن الرسول الأعظم (صلي الله عليه وآله وسلم) للاقتناع الكامل بالإمام الثاني عشر علي الرغم مما في هذا الافتراض من غرابة وخروج عن المألوف؟ بل كيف يمكن أن نثبت أن للمهدي وجودا تاريخيا حقا وليس مجرد افتراض توفرت ظروف نفسية لتثبيته في نفوس عدد كبير من الناس؟ (1) والجواب: إن فكرة المهدي بوصفه القائد المنتظر لتغيير العالم إلي الأفضل قد جاءت في أحاديث الرسول الأعظم عموما، وفي روايات أئمة أهل البيت

ص :103


1- (1) هذه التساؤلات يطرحها السيد الشهيد (رضي الله عنه) بصفتها من الإشكالات التي أثيرت وتثار عادة حول المهدي (عليه السلام)، وهي أقصي ما يثار في هذا الصدد، حتي إن بعض الكتاب المعاصرين قد أثاروها أخيرا مدفوعين بدوافع غير علمية، مصحوبة تلك الإثارة بضجيج مكثف، ومحاولات بائسة من الوهابية لترويجها وتبنيها، ولا تخفي الدوافع بعد ذلك علي أحد. وقد أجاب الإمام الشهيد بجواب علمي لمن يريد الحقيقة. راجع ما كتبناه في المقدمة أيضا.

خصوصا، وأكدت في نصوص كثيرة بدرجة لا يمكن أن يرقي إليها الشك. وقد أحصي أربعمائة حديث عن النبي (صلي الله عليه وآله وسلم) من طرق إخواننا أهل السنة (1)، كما أحصي مجموع الأخبار الواردة في الإمام المهدي من طرق الشيعة والسنة فكان أكثر من ستة آلاف رواية (2)، وهذا رقم إحصائي كبير لا يتوفر نظيره في كثير من قضايا الإسلام البديهية التي لا يشك فيها مسلم عادة.

وأما تجسيد هذه الفكرة في الإمام الثاني عشر عليه الصلاة والسلام فهذا ما توجد مبررات كافية وواضحة للاقتناع به.

ويمكن تلخيص هذه المبررات في دليلين:

أحدهما إسلامي.

والآخر علمي.

فبالدليل الإسلامي نثبت وجود القائد المنتظر.

وبالدليل العلمي نبرهن علي أن المهدي ليس مجرد أسطورة وافتراض، بل هو حقيقة ثبت وجودها بالتجربة التاريخية.

أما الدليل الإسلامي:

فيتمثل في مئات الروايات الواردة عن رسول الله (صلي الله عليه وآله وسلم) (3) والأئمة من أهل

ص :104


1- (1) يلاحظ كتاب (المهدي) للسيد " العم " الصدر قدس الله روحه الزكية. (الشهيد الصدر) راجع: ما أثبته الشيخ العباد في مجلة الجامعة الإسلامية / العدد 3 سنة 1969. وراجع: المهدي الموعود المنتظر / الشيخ نجم الدين العسكري.
2- (2) يلاحظ كتاب منتخب الأثر في الإمام الثاني عشر للشيخ لطف الله الصافي. (الشهيد الصدر)
3- (3) راجع: معجم أحاديث الإمام المهدي / مؤسسة المعارف الإسلامية / الجزء الأول - أحاديث النبي.

البيت (عليهم السلام) والتي تدل علي تعيين المهدي وكونه من أهل البيت (1)..

ومن ولد فاطمة (2)..

ومن ذرية الحسين (3)..

وأنه التاسع من ولد الحسين (4)..

ص :105


1- (1) أخرج أحمد وابن أبي شيبة وابن ماجة ونعيم بن حماد في الفتن عن علي (عليه السلام) قال: قال رسول الله (صلي الله عليه وآله وسلم): " المهدي منا أهل البيت يصلحه الله في ليلة ". راجع: الحاوي للفتاوي / السيوطي 2: 213 و 215 وفيه، أيضا: أخرج أحمد وابن أبي شيبة وأبو داود، عن علي، عن النبي (صلي الله عليه وآله وسلم) قال: " لو لم يبق من الدهر إلا يوم لبعث الله رجلا من أهل بيتي يملؤها عدلا كما ملئت جورا "، وراجع: صحيح سنن المصطفي 2: 207، وسنن ابن ماجة 2: 1367 / 4085. وراجع: معجم أحاديث المهدي 1: 147 وما بعدها إذ ينقل أحاديث كثيرة عن الصحاح والمسانيد في هذا المعني. وراجع: موسوعة الإمام المهدي / ترتيب مهدي فقيه إيماني، الجزء الأول، وفيها نقول مصورة عن عشرات الكتب لعلماء السنة ومحدثيهم في المهدي وصفاته وما يتعلق به وفيها نسخة مصورة عن محاضرة الشيح العباد حول ما جاء من الأحاديث والآثار في المهدي (عليه السلام).
2- (2) الحاوي للفتاوي / السيوطي جلال الدين 2: 214، قال: وأخرج أبو داود وابن ماجة والطبراني والحاكم عن أم سلمة قالت: سمعت رسول الله (صلي الله عليه وآله وسلم) يقول: " المهدي من عترتي من ولد فاطمة ". وراجع صحيح سنن المصطفي لأبي داود 2: 208.
3- (3) حديث المهدي من ذرية الحسين (عليه السلام) كما في المصادر الآتية علي ما نقل في معجم أحاديث المهدي وهي: الأربعون حديثا لأبي نعيم الأصفهاني كما في عقد الدرر للمقدسي الشافعي، وأخرجه الطبراني في الأوسط علي ما في المنار المنيف لابن القيم، وفي السيرة الحلبية 1: 193، وفي القول المختصر لابن حجر. راجع منتخب الأثر للشيخ لطف الله الصافي في ما نقله من كتب الشيعة. وراجع توهين الرواية التي تقول بأنه من ولد الإمام الحسن (عليه السلام) كتاب السيد العميدي (دفاع عن الكافي 1: 296).
4- (4) راجع الرواية التي تنص علي أنه التاسع من ولد الحسين (عليه السلام) في: ينابيع المودة للقندوزي الحنفي: ص 492، وفي مقتل الإمام الحسين للخوارزمي 1: 196، وفي فرائد السمطين للجويني الشافعي 2: 310 - 315 الأحاديث من 561 - 569، وراجع منتخب الأثر للعلامة الشيخ الصافي إذ خرجها من طرق الفريقين (دفاع عن الكافي 1: 294).

وأن الخلفاء اثنا عشر (1). فإن هذه الروايات تحدد تلك الفكرة العامة وتشخيصها في الإمام الثاني عشر من أئمة أهل البيت، وهي روايات بلغت درجة كبيرة من الكثرة والانتشار علي الرغم من تحفظ الأئمة (عليهم السلام) واحتياطهم في طرح ذلك علي المستوي العام، وقاية للخلف الصالح من الاغتيال أو الإجهاز السريع علي حياته (2). وليست الكثرة العددية للروايات هي الأساس الوحيد لقبولها، بل هناك إضافة إلي ذلك مزايا وقرائن تبرهن علي صحتها، فالحديث النبوي الشريف عن الأئمة أو الخلفاء أو الأمراء بعده وأنهم اثنا عشر إماما أو خليفة أو أميرا - علي اختلاف متن الحديث في طرقه المختلفة - قد أحصي بعض المؤلفين رواياته فبلغت أكثر من مائتين وسبعين رواية (3) مأخوذة من أشهر كتب الحديث عند الشيعة والسنة بما في ذلك البخاري (4) ومسلم (5) والترمذي (6) وأبي داود (7)

ص :106


1- (1) حديث " الخلفاء بعدي اثنا عشر كلهم من قريش " أو " لا يزال هذا الدين قائما ما وليه اثنا عشر كلهم من قريش ". هذا الحديث متواتر، روته الصحاح والمسانيد بطرق متعددة وإن اختلف في متنه قليلا. نعم، اختلفوا في تأويله واضطربوا. راجع: صحيح البخاري 9: 101 كتاب الأحكام - باب الاستخلاف. صحيح مسلم 2: 119 كتاب الإمارة. مسند أحمد 5: 90، 93، 97.
2- (2) راجع الغيبة الكبري / السيد محمد الصدر: ص 272 وما بعدها.
3- (3) راجع التاج الجامع للأصول 3: 40 قال: رواه الشيخان والترمذي، وراجع في تحقيق الحديث وطرقه وأسانيده كتاب الإمام المهدي (عليه السلام) / علي محمد علي دخيل.
4- (4) صحيح البخاري / المجلد الثالث / 9: 101، كتاب الأحكام - باب الاستخلاف. طبعة دار إحياء التراث العربي - بيروت.
5- (5) و (6) و (7) راجع: التاج الجامع للأصول 3: 40، قال تعقيبا علي الحديث: رواه الشيخان والترمذي، وفي الهامش قال: رواه أبو داود في كتاب المهدي بلفظ: " لا يزال هذا الدين قائما حتي يكون عليكم اثنا عشر خليفة... "، وراجع سنن أبي داود 2: 207.

ومسند أحمد (1) ومستدرك الحاكم علي الصحيحين (2)، ويلاحظ هنا أن البخاري الذي نقل هذا الحديث كان معاصرا للإمام الجواد والإمامين الهادي والعسكري، وفي ذلك مغزي كبير، لأنه يبرهن علي أن هذا الحديث قد سجل عن النبي (صلي الله عليه وآله وسلم) قبل أن يتحقق مضمونه وتكتمل فكرة الأئمة الاثني عشر فعلا، وهذا يعني أنه لا يوجد أي مجال للشك في أن يكون نقل الحديث متأثرا بالواقع الإمامي الاثني عشري وانعكاسا له، لأن الأحاديث المزيفة التي تنسب إلي النبي (صلي الله عليه وآله وسلم) وهي انعكاسات أو تبريرات لواقع متأخر زمنيا لا تسبق في ظهورها وتسجيلها في كتب الحديث ذلك الواقع الذي تشكل انعكاسا له، فما دمنا قد ملكنا الدليل المادي علي أن الحديث المذكور سبق التسلسل التاريخي للأئمة الاثني عشر، وضبط في كتب الحديث قبل تكامل الواقع الإمامي الاثني عشري، أمكننا أن نتأكد من أن هذا الحديث ليس انعكاسا لواقع وإنما هو تعبير عن حقيقة ربانية نطق بها من لا ينطق عن هوي (3)، فقال: " إن الخلفاء بعدي اثنا عشر " (4). وجاء الواقع الإمامي الاثني عشري ابتداء من الإمام علي وانتهاء بالمهدي، ليكون التطبيق الوحيد المعقول (5) لذلك الحديث النبوي الشريف.

ص :107


1- (1) مسند الإمام أحمد 5: 93، 100.
2- (2) المستدرك علي الصحيحين 3: 618.
3- (3) إشارة إلي قوله تعالي: (وما ينطق عن الهوي * إن هو إلا وحي يوحي) النجم: 3 - 4.
4- (4) تقدم تخريج الحديث.
5- (5) اضطرب العلماء في تأويله بعد إطباقهم علي صحته، وما أوردوه من مصاديق لا يمكن قبولها، بل إن بعضها غير معقول تماما كإدخالهم يزيد بن معاوية المجاهر بالفسق، المحكوم بالمروق والكفر أو من هو علي شاكلته. راجع ما نقله السيد ثامر العميدي من أقوالهم وقد ناقش هذه القضية مناقشة وافية وعلمية، وأبطل تأويلاتهم بما لا مزيد عليه في دفاع عن الكافي 1: 540 وما بعدها.

وأما الدليل العلمي:

فهو يتكون من تجربة عاشتها أمة من الناس فترة امتدت سبعين سنة تقريبا وهي فترة الغيبة الصغري. ولتوضيح ذلك نمهد بإعطاء فكرة موجزة عن الغيبة الصغري (1).

إن الغيبة الصغري تعبر عن المرحلة الأولي من إمامة القائد المنتظر عليه الصلاة والسلام فقد قدر لهذا الإمام منذ تسلمه للإمامة أن يستتر عن المسرح العام ويظل بعيدا باسمه عن الأحداث وإن كان قريبا منها بقلبه وعقله، وقد لوحظ أن هذه الغيبة إذا جاءت مفاجئة حققت صدمة كبيرة للقواعد الشعبية للإمامة في الأمة الإسلامية، لأن هذه القواعد كانت معتادة علي الاتصال بالإمام في كل عصر، والتفاعل معه والرجوع إليه في حل المشاكل المتنوعة، فإذا غاب الإمام عن شيعته فجأة وشعروا بالانقطاع عن قيادتهم الروحية والفكرية، سببت هذه الغيبة (2) المفاجئة الإحساس بفراغ دفعي هائل قد يعصف بالكيان كله ويشتت شمله، فكان لابد من تمهيد لهذه الغيبة، لكي تألفها هذه القواعد بالتدريج، وتكيف نفسها شيئا فشيئا علي أساسها، وكان هذا التمهيد هو الغيبة الصغري التي اختفي فيها الإمام المهدي عن المسرح العام، غير أنه كان دائم الصلة بقواعده وشيعته عن طريق وكلائه ونوابه والثقات من أصحابه الذين يشكلون همزة الوصل بينه وبين الناس المؤمنين بخطه الإمامي (3). وقد شغل مركز النيابة عن الإمام في هذه الفترة أربعة

ص :108


1- (1) راجع: الغيبة الصغري / السيد محمد الصدر، فقد توسع في بحثها.
2- (2) إشارة إلي الغيبة الكبري.
3- (3) راجع: تبصرة الولي فيمن رأي القائم المهدي / السيد هاشم البحراني. دفاع عن الكافي / السيد ثامر العميدي 1: 568 وما بعدها.

ممن أجمعت تلك القواعد علي تقواهم وورعهم ونزاهتهم التي عاشوا ضمنها وهم كما يلي:

1 - عثمان بن سعيد العمري.

2 - محمد بن عثمان بن سعيد العمري.

3 - أبو القاسم الحسين بن روح.

4 - أبو الحسن علي بن محمد السمري.

وقد مارس هؤلاء الأربعة (1) مهام النيابة بالترتيب المذكور، وكلما مات أحدهم خلفه الآخر الذي يليه بتعيين من الإمام المهدي (عليه السلام).

وكان النائب يتصل بالشيعة ويحمل أسئلتهم إلي الإمام، ويعرض مشاكلهم عليه، ويحمل إليهم أجوبته شفهية أحيانا وتحريرية (2) في كثير من الأحيان، وقد وجدت الجماهير التي فقدت رؤية إمامها العزاء والسلوة في هذه المراسلات والاتصالات غير المباشرة. ولاحظت أن كل التوقيعات والرسائل كانت ترد من الإمام المهدي (عليه السلام) بخط واحد وسليقة واحدة (3) طيلة نيابة النواب الأربعة التي استمرت حوالي سبعين عاما، وكان السمري هو آخر النواب، فقد أعلن عن انتهاء

ص :109


1- (1) راجع ترجمة هؤلاء الأربعة في كتاب الغيبة الصغري للسيد محمد الصدر، الفصل الثالث: ص 395 وما بعدها، نشر دار التعارف للمطبوعات - بيروت 1980.
2- (2) وهذه تعرف بالتوقيعات، وهي الأجوبة التحريرية والشفوية التي نقلت عن الإمام المهدي (عليه السلام). راجع: الاحتجاج / الطبرسي 2: 523 وما بعدها.
3- (3) مما استقر في الأوساط الأدبية وعند نقاد الأدب قديما وحديثا أن الأسلوب هو الرجل، وهذه المقولة صحيحة. ومن هنا رأينا وسمعنا أن كثيرا من الأدباء وقارئي الأدب يميزون بمجرد قراءة النص شعريا كان أم نثريا أنه لفلان أو لفلان، وما ذلك إلا لأن الأسلوب هو الرجل، وأن لكل كاتب سمة وطابعا خاصا في كتابته يمكن تمييزه من غيره، هذا فضلا عن تميز خطه الشريف من غيره من الخطوط.

مرحلة الغيبة الصغري التي تتميز بنواب معينين، وابتداء الغيبة الكبري التي لا يوجد فيها أشخاص معينون بالذات للوساطة بين الإمام القائد والشيعة، وقد عبر التحول من الغيبة الصغري إلي الغيبة الكبري عن تحقيق الغيبة الصغري لأهدافها وانتهاء مهمتها، لأنها حصنت الشيعة بهذه العملية التدريجية عن الصدمة والشعور بالفراغ الهائل بسبب غيبة الإمام، واستطاعت أن تكيف وضع الشيعة علي أساس الغيبة، وتعدهم بالتدريج لتقبل فكرة النيابة العامة عن الإمام، وبهذا تحولت النيابة من أفراد منصوصين (1) إلي خط عام (2)، وهو خط المجتهد العادل البصير بأمور الدنيا والدين تبعا لتحول الغيبة الصغري إلي غيبة كبري.

والآن بإمكانك أن تقدر الموقف في ضوء ما تقدم، لكي تدرك بوضوح أن المهدي حقيقة عاشتها أمة من الناس، وعبر عنها السفراء والنواب طيلة سبعين عاما من خلال تعاملهم مع الآخرين، ولم يلحظ عليهم أحد كل هذه المدة تلاعبا في الكلام، أو تحايلا في التصرف، أو تهافتا في النقل. فهل تتصور - بربك - أن بإمكان أكذوبة أن تعيش سبعين عاما، ويمارسها أربعة علي سبيل الترتيب كلهم يتفقون عليها، ويظلون يتعاملون علي أساسها وكأنها قضية يعيشونها بأنفسهم ويرونها بأعينهم دون أن يبدر منهم أي شئ يثير الشك، ودون أن يكون بين الأربعة علاقة خاصة متميزة تتيح لهم نحوا من التواطؤ، ويكسبون من خلال ما يتصف به سلوكهم من واقعية ثقة الجميع، وإيمانهم بواقعية القضية التي يدعون أنهم يحسونها ويعيشون معها؟! لقد قيل قديما: إن حبل الكذب قصير، ومنطق الحياة يثبت أيضا أن من

ص :110


1- (1) إشارة إلي النواب الأربعة المذكورين.
2- (2) وهو ما اصطلح عليه (بالمرجعية الدينية)، ويلاحظ هنا الصفات التي يري الإمام الشهيد لزوم توفرها في المرجعية.

المستحيل عمليا بحساب الاحتمالات أن تعيش أكذوبة بهذا الشكل، وكل هذه المدة، وضمن كل تلك العلاقات والأخذ والعطاء، ثم تكسب ثقة جميع من حولها.

وهكذا نعرف أن ظاهرة الغيبة الصغري يمكن أن تعتبر بمثابة تجربة علمية لإثبات ما لها من واقع موضوعي، والتسليم بالإمام القائد بولادته (1) وحياته وغيبته، وإعلانه العام عن الغيبة الكبري التي استتر بموجبها عن المسرح ولم يكشف نفسه لأحد (2).

ص :111


1- (1) إن اتصال الإمام القائد المهدي بقواعده الشيعية عن طريق نوابه ووكلائه، أو بأساليب أخري متنوعة واقع تاريخي موضوعي ليس من سبيل إلي إنكاره، كما في السفارة، فضلا عن الدلائل الأخري الكثيرة المستندة إلي إخبار من يجب تصديقه، ثم هو مقتضي الأحاديث المتواترة، كحديث: " من مات ولم يعرف إمام زمانه مات ميتة جاهلية " وغير ذلك. إن كل ذلك مجموعا - وهو محل اتفاق أكثر طوائف الملة الإسلامية - يدحض وبشكل قاطع ما يثيره المتشككون حول وجود الإمام واستمرار حياته المباركة الشريفة، راجع: الغيبة الصغري / السيد محمد الصدر: ص 566. وراجع ما أثبتناه في المقدمة: ص 15 وما بعدها.
2- (2) ورد التوقيع الشريف عن الإمام القائد المهدي (عليه السلام) بعدم إمكان رؤيته بشكل صريح بعد وقوع الغيبة الكبري، وهذا محل اتفاق علماء الإمامية. وراجع مناقشة المسألة في: الغيبة الصغري / السيد محمد الصدر: ص 639 وما بعدها.

ص :112

المبحث السادس: لماذا لم يظهر القائد إذن؟

ص :113

ص :114

لماذا لم يظهر القائد إذن طيلة هذه المدة؟ وإذا كان قد أعد نفسه للعمل الاجتماعي، فما الذي منعه عن الظهور علي المسرح في فترة الغيبة الصغري أو في أعقابها بدلا عن تحويلها إلي غيبة كبري، حيث كانت ظروف العمل الاجتماعي والتغييري وقتئذ أبسط وأيسر، وكانت صلته الفعلية بالناس من خلال تنظيمات الغيبة الصغري تتيح له أن يجمع صفوفه ويبدأ عمله بداية قوية، ولم تكن القوي الحاكمة من حوله قد بلغت الدرجة الهائلة من القدرة والقوة التي بلغتها الإنسانية بعد ذلك من خلال التطور العلمي والصناعي؟ والجواب: أن كل عملية تغيير اجتماعي يرتبط نجاحها بشروط وظروف موضوعية لا يتأتي لها أن تحقق هدفها إلا عندما تتوفر تلك الشروط والظروف.

وتتميز عمليات التغيير الاجتماعي التي تفجرها السماء علي الأرض بأنها لا ترتبط في جانبها الرسالي بالظروف الموضوعية (1)، لأن الرسالة التي تعتمدها

ص :115


1- (1) علي الرغم من الأهمية التي يعطيها الشهيد الصدر (رضي الله عنه) هنا للظروف الموضوعية، ودور نضوجها أو إنضاجها في نجاح الثورات - وهذا فهم عميق لأثر العامل الاجتماعي والنفسي - إلا أن الشهيد الصدر (رضي الله عنه) يعرض نظرية جديدة في فهم عملية التغيير الاجتماعي الذي تحدثه السماء من خلال الرسالات السماوية، فهي في جانبها الرسالي ترتبط بقانونها الخاص، ولكن في جانبها التنفيذي تعتمد الظروف الموضوعية وترتبط بها توقيتا ونجاحا، وأعني بالظروف الموضوعية: الحالة السياسية والحالة الاجتماعية للأمة والواقع الدولي المعاصر، ومدي قدرة الأمة في إمكاناتها الذاتية واستعدادها النفسي.

عملية التغيير هنا ربانية، ومن صنع السماء لا من صنع الظروف الموضوعية، ولكنها في جانبها التنفيذي تعتمد الظروف الموضوعية ويرتبط نجاحها وتوقيتها بتلك الظروف. ومن أجل ذلك انتظرت السماء مرور خمسة قرون من الجاهلية حتي أنزلت آخر رسالاتها علي يد النبي محمد (صلي الله عليه وآله وسلم)، لأن الارتباط بالظروف الموضوعية للتنفيذ كان يفرض تأخرها علي الرغم من حاجة العالم إليها منذ فترة طويلة قبل ذلك.

والظروف الموضوعية التي لها أثر في الجانب التنفيذي من عملية التغيير، منها ما يشكل المناخ المناسب والجو العام للتغيير المستهدف، ومنها ما يشكل بعض التفاصيل التي تتطلبها حركة التغيير من خلال منعطفاتها التفصيلية.

فبالنسبة إلي عملية التغيير التي قادها - مثلا - لينين في روسيا بنجاح، كانت ترتبط بعامل من قبيل قيام الحرب العالمية الأولي وتضعضع القيصرية، وهذا ما يساهم في إيجاد المناخ المناسب لعملية التغيير، وكانت ترتبط بعوامل أخري جزئية ومحدودة من قبيل سلامة لينين مثلا في سفره الذي تسلل فيه إلي داخل روسيا وقاد الثورة، إذ لو كان قد اتفق له أي حادث يعيقه لكان من المحتمل أن تفقد الثورة بذلك قدرتها علي الظهور السريع علي المسرح.

وقد جرت سنة الله تعالي التي لا تجد لها تحويلا في عمليات التغيير الرباني علي التقيد من الناحية التنفيذية بالظروف الموضوعية التي تحقق المناخ المناسب والجو العام لإنجاح عملية التغيير، ومن هنا لم يأت الإسلام إلا بعد فترة من الرسل وفراغ مرير استمر قرونا من الزمن.

ص :116

فعلي الرغم من قدرة الله - سبحانه وتعالي - علي تذليل كل العقبات والصعاب في وجه الرسالة الربانية وخلق المناخ المناسب لها خلقا بالإعجاز، لم يشأ أن يستعمل هذا الأسلوب، لأن الامتحان والابتلاء والمعاناة التي من خلالها يتكامل الإنسان يفرض علي العمل التغييري الرباني أن يكون طبيعيا وموضوعيا من هذه الناحية، وهذا لا يمنع من تدخل الله - سبحانه وتعالي - أحيانا فيما يخص بعض التفاصيل التي لا تكون المناخ المناسب وإنما قد يتطلبها أحيانا التحرك ضمن ذلك المناخ المناسب، ومن ذلك الإمدادات والعنايات الغيبية التي يمنحها الله تعالي لأوليائه في لحظات حرجة فيحمي بها الرسالة، وإذا بنار نمرود تصبح بردا وسلاما علي إبراهيم (1)، وإذا بيد اليهودي الغادر التي ارتفعت بالسيف علي رأس النبي (صلي الله عليه وآله وسلم) تشل وتفقد قدرتها علي الحركة (2)، وإذا بعاصفة قوية تجتاح مخيمات الكفار والمشركين الذين أحدقوا بالمدينة في يوم الخندق وتبعث في نفوسهم الرعب (3)، إلا أن هذا كله لا يعدو التفاصيل وتقديم العون في لحظات حاسمة بعد أن كان الجو المناسب، والمناخ الملائم لعملية التغيير علي العموم قد تكون بالصورة الطبيعية ووفقا للظروف الموضوعية.

وعلي هذا الضوء ندرس موقف الإمام المهدي (عليه السلام) لنجد أن عملية التغيير التي أعد لها ترتبط من الناحية التنفيذية كأي عملية تغيير اجتماعي أخري بظروف موضوعية تساهم في توفير المناخ الملائم لها، ومن هنا كان من الطبيعي أن توقت وفقا لذلك. ومن المعلوم أن المهدي لم يكن قد أعد نفسه لعمل اجتماعي محدود،

ص :117


1- (1) إشارة إلي قوله تعالي: (قالوا حرقوه وانصروا آلهتكم إن كنتم فاعلين * قلنا يا نار كوني بردا وسلاما علي إبراهيم * وأرادوا به كيدا فجعلناهم الأخسرين) الأنبياء: 68 - 70.
2- (2) راجع الرواية في تفسير ابن كثير 2: 33، وراجع: البحار / المجلسي 18: 47 و 52 و 60، 75 باب معجزات النبي (صلي الله عليه وآله وسلم).
3- (3) تاريخ الطبري 2: 244 حوادث السنة الخامسة من الهجرة.

ولا لعملية تغيير تقتصر علي هذا الجزء من العالم أو ذاك، لأن رسالته التي ادخر لها من قبل الله - سبحانه وتعالي - هي تغيير العالم تغييرا شاملا، وإخراج البشرية كل البشرية من ظلمات الجور إلي نور العدل (1)، وعملية التغيير الكبري هذه لا يكفي في ممارستها مجرد وصول الرسالة والقائد الصالح وإلا لتمت شروطها في عصر النبوة بالذات، وإنما تتطلب مناخا عالميا مناسبا، وجوا عاما مساعدا، يحقق الظروف الموضوعية المطلوبة لعملية التغيير العالمية.

فمن الناحية البشرية يعتبر شعور إنسان الحضارة بالنفاد عاملا أساسيا في خلق ذلك المناخ المناسب لتقبل رسالة العدل الجديدة، وهذا الشعور بالنفاد يتكون ويترسخ من خلال التجارب الحضارية المتنوعة التي يخرج منها إنسان الحضارة مثقلا بسلبيات ما بني، مدركا حاجته إلي العون، متلفتا بفطرته إلي الغيب أو إلي المجهول.

ومن الناحية المادية يمكن أن تكون شروط الحياة المادية الحديثة أقدر من شروط الحياة القديمة في عصر كعصر الغيبة الصغري علي إنجاز الرسالة علي صعيد العالم كله، وذلك بما تحققه من تقريب المسافات، والقدرة الكبيرة علي التفاعل بين شعوب الأرض، وتوفير الأدوات والوسائل التي يحتاجها جهاز مركزي لممارسة توعية لشعوب العالم وتثقيفها علي أساس الرسالة الجديدة.

وأما ما أشير إليه في السؤال من تنامي القوي والأداة العسكرية التي يواجهها القائد في اليوم الموعود كلما أجل ظهوره، فهذا صحيح، ولكن ماذا ينفع نمو الشكل

ص :118


1- (1) كما هو نص الحديث النبوي الشريف: " لو لم يبق من الدنيا إلا يوم لطول الله ذلك اليوم حتي يبعث رجلا مني أو من أهل بيتي يملأ الأرض قسطا وعدلا كما ملئت ظلما وجورا ". راجع: التاج الجامع للأصول / منصور علي ناصف 5: 360 الهامش، قال: رواه أبو داود والترمذي.

المادي للقوة مع الهزيمة النفسية من الداخل، وانهيار البناء الروحي للإنسان الذي يملك كل تلك القوي والأدوات؟ وكم من مرة في التاريخ انهار بناء حضاري شامخ بأول لمسة غازية، لأنه كان منهارا قبل ذلك، وفاقدا الثقة بوجوده والقناعة بكيانه والاطمئنان إلي واقعه (1).

ص :119


1- (1) لقد شاهدنا في بداية التسعينات المصداق لهذه المقولة التي أطلقها الشهيد الصدر (رضي الله عنه) استنادا إلي خبرته العميقة بالمجتمع البشري، فقد انهار الاتحاد السوفيتي وهو أحد القطبين اللذين كانا يهيمنان علي العالم انهيارا سريعا جدا، وبصورة أذهلت الجميع.

ص :120

المبحث السابع: وهل للفرد كل هذا الدور؟!

ص :121

ص :122

ونأتي إلي سؤال آخر في تسلسل الأسئلة المتقدمة، وهو السؤال الذي يقول:

هل للفرد مهما كان عظيما القدرة علي إنجاز هذا الدور العظيم؟ وهل الفرد العظيم إلا ذلك الإنسان الذي ترشحه الظروف ليكون واجهة لها في تحقيق حركتها؟ والفكرة في هذا السؤال ترتبط بوجهة نظر معينة للتاريخ تفسره علي أساس أن الإنسان عامل ثانوي (1) فيه، والقوي الموضوعية المحيطة به هي العامل الأساسي، وفي إطار ذلك لن يكون الفرد في أفضل الأحوال إلا التعبير الذكي عن اتجاه هذا العامل الأساسي.

ونحن قد أوضحنا في مواضع أخر من كتبنا المطبوعة (2) أن التاريخ يحتوي علي قطبين: أحدهما الإنسان، والآخر القوي المادية المحيطة به. وكما تؤثر القوي المادية وظروف الإنتاج والطبيعة في الإنسان، يؤثر الإنسان أيضا فيما حوله من قوي وظروف، ولا يوجد مبرر لافتراض أن الحركة تبتدئ من المادة وتنتهي بالإنسان إلا بقدر ما يوجد مبرر لافتراض العكس، فالإنسان والمادة يتفاعلان

ص :123


1- (1) إشارة إلي نظرية المادية التاريخية، أي إلي التفسير الماركسي للتاريخ، راجع: اقتصادنا 1: 19، وفيه تحليل علمي ومناقشة فلسفية عميقة بقلم الإمام الشهيد الصدر (رضي الله عنه).
2- (2) إشارة إلي كتاب (فلسفتنا)، وإلي مقدمة كتاب (اقتصادنا).

علي مر الزمن، وفي هذا الإطار بإمكان الفرد أن يكون أكبر من ببغاء في تيار التاريخ، وبخاصة حين ندخل في الحساب عامل الصلة بين هذا الفرد والسماء (1).

فإن هذه الصلة تدخل حينئذ كقوة موجهة لحركة التاريخ. وهذا ما تحقق في تاريخ النبوات، وفي تاريخ النبوة الخاتمة بوجه خاص، فإن النبي محمدا (صلي الله عليه وآله وسلم) بحكم صلته الرسالية بالسماء تسلم بنفسه زمام الحركة التاريخية، وأنشأ مدا حضاريا لم يكن بإمكان الظروف الموضوعية التي كانت تحيط به أن تتمخض عنه بحال من الأحوال، كما أوضحنا ذلك في المقدمة الثانية للفتاوي الواضحة (2).

وما أمكن أن يقع علي يد الرسول الأعظم يمكن أن يقع علي يد القائد المنتظر من أهل بيته الذي بشر (3) به ونوه عن دوره العظيم.

ص :124


1- (1) راجع: كتاب الأبطال (البطل في صورة نبي) / توماس كارليل / ترجمة الدكتور السباعي، سلسلة الألف كتاب - مصر.
2- (2) راجع المقدمة الثانية في الفتاوي الواضحة: ص 63، وفيها توضيح وتفصيل لهذه المسألة.
3- (3) التاج الجامع للأصول 5: 343، عن أبي سعيد (رضي الله عنه) عن النبي (صلي الله عليه وآله وسلم): " المهدي مني أجلي الجبهة أقني الأنف يملأ الأرض قسطا وعدلا كما ملئت ظلما وجورا ".

المبحث الثامن: ما هي طريقة التغيير في اليوم الموعود؟

ص :125

ص :126

ونصل في النهاية إلي السؤال الأخير من الأسئلة التي عرضناها، وهو السؤال عن الطريقة التي يمكن أن نتصور من خلالها ما سيتم علي يد ذلك الفرد من انتصار حاسم للعدل، وقضاء علي كيانات الظلم المواجهة له.

والجواب المحدد عن هذا السؤال يرتبط بمعرفة الوقت والمرحلة التي يقدر للإمام المهدي (عليه السلام) أن يظهر فيها علي المسرح، وإمكان افتراض ما تتميز به تلك المرحلة من خصائص وملابسات لكي ترسم في ضوء ذلك الصورة التي قد تتخذها عملية التغيير، والمسار الذي قد تتحرك ضمنه، وما دمنا نجهل المرحلة ولا نعرف شيئا عن ملابساتها وظروفها فلا يمكن التنبؤ العلمي بما سيقع في اليوم الموعود، وإن أمكنت الافتراضات والتصورات التي تقوم في الغالب علي أساس ذهني لا علي أسس واقعية عينية.

وهناك افتراض أساسي واحد بالإمكان قبوله علي ضوء الأحاديث التي تحدثت عنه (1) والتجارب التي لوحظت لعمليات التغيير الكبري في التاريخ، وهو

ص :127


1- (1) إشارة إلي علامات الظهور أو الملابسات والأحداث والوقائع التي تسبق ظهوره المبارك أو ترافق ظهوره كما صورتها الروايات ووردت بها الآثار الصحيحة، وقد بسطت تفصيلا في (عصر الظهور) للسيد محمد الصدر. وراجع: الإرشاد / الشيخ المفيد: ص 356 وما بعدها. وراجع أيضا: الإشاعة لأشراط الساعة / محمد بن رسول الحسيني البرزنجي.

افتراض ظهور المهدي (عليه السلام) في أعقاب فراغ كبير يحدث نتيجة نكسة وأزمة حضارية خانقة (1). وذلك الفراغ يتيح المجال للرسالة الجديدة أن تمتد، وهذه النكسة تهئ الجو النفسي لقبولها، وليست هذه النكسة مجرد حادثة تقع صدفة في تاريخ الحضارة الإنسانية، وإنما هي نتيجة طبيعية لتناقضات التاريخ المنقطع عن الله - سبحانه وتعالي - التي لا تجد لها في نهاية المطاف حلا حاسما فتشتعل النار التي لا تبقي ولا تذر، ويبرز النور في تلك اللحظة، ليطفئ النار ويقيم علي الأرض عدل السماء.

والحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام علي محمد وآله الطاهرين. وقد وقع الابتداء في كتابة هذه الوريقات في اليوم الثالث عشر من جمادي الثانية سنة 1397 ه، ووقع الفراغ منها عصر اليوم السابع عشر من الشهر نفسه.

والله ولي التوفيق.

محمد باقر الصدر - النجف الأشرف تم الفراغ من تحقيق هذا الكتاب في شهر رجب المرجب من سنة 1416 ه وذلك في قم المقدسة.

الدكتور عبد الجبار شرارة

ص :128


1- (1) وفيه إشارة إلي ما يمكن أن تنجر إليه الإنسانية من أزمة حضارية بسبب التنافسات والصراعات بين الحضارات المادية والكيانات السياسية، وفشلها في تحقيق الأمن والاستقرار والسعادة للإنسان، ولقد بدأت بوادر مثل هذا الفراغ تظهر وتتسع شيئا فشيئا في عصرنا الراهن في شرق الأرض وغربها، وكل متتبع للأخبار والتقارير الصحفية والتحقيقات الخبرية يعرف ذلك جيدا. وما اليوم الموعود ببعيد.

مصادر التحقيق

ص: 129

ص: 130

1 - الاحتجاج

أبو منصور أحمد بن علي بن أبي طالب الطبرسي ، من علماء القرن السادس ، تحقيق : الشيخ إبراهيم البهادري والشيخ محمد هادي بِهْ ، بإشراف العلامة الشيخ جعفر السبحاني ، نشر أسوة ، التابعة لمنظمة الأوقاف والشؤون الخيرية ، الطبعة الأولي 1413 ه-.

2 - الإرشاد

الشيخ محمد بن النعمان المفيد ( ت / 413 ه- ) ، طبعة طهران / 1377 ه-.

3 - الاصول العامة للفقه المقارن

العلامة محمد تقي الحكيم ، الطبعة الثانية / مؤسسة آل البيت : لإحياء التراث - بيروت 1979 م.

4 - أصول الكافي

الشيخ محمد بن يعقوب الكليني ( ت / 329 ه- ) ، نشر المكتبة الإسلامية - طهران 1388 ه-.

5 - الإشاعة لأشراط الساعة

السيد الشريف محمد بن رسول الحسيني البرزنجي ثم المدني ( ت / 1103 ه- ) ، الطبعة الأولي ، نشر عبد الحميد أحمد حنفي - القاهرة 1370 ه- ، شارع المشهد الحسيني.

ص: 131

6 - اقتصادنا

الشهيد محمد باقر الصدر رضي الله عنه ، طبعة دار الفكر - بيروت.

7 - بحار الأنوار

العلامة الشيخ محمد باقر المجلسي ( ت / 1111 ه- ) ، طبع دار الكتب الإسلامية - طهران.

8 - الباب الحادي عشر وشروحه

العلامة أبو منصور حسن بن يوسف الحلي ( ت / 726 ه- ) ، تحقيق : الدكتور مهدي محقق ، نشر مؤسسة آستانه رضوي 1368 ه-.

9 - التاج الجامع للأصول في أحاديث الرسول

الشيخ منصور علي ناصف ، من علماء الأزهر الشريف ، نشر مكتبة پاموق استانبول / الطبعة الثالثة ، دار إحياء الكتب العربية 1381 ه- / 1961 م.

10 - تاريخ الأمم والملوك

الإمام أبو جعفر محمد بن جرير الطبري ( ت / 310 ه- ) ، مطبعة الاستقامة بالقاهرة 1939 م.

11 - تبصرة الولي فيمن رأي القائم المهدي

السيد هاشم البحراني ، نشر مؤسسة المعارف الإسلامية - قم.

12 - التصوف والكرامات

الشيخ محمد جواد مغنية ، طبعة بيروت.

13 - تفسير القرآن العظيم

ابن كثير الدمشقي ( ت / 774 ه- ) ، طبعة جديدة ، دار المعرفة - بيروت 1994 م.

ص: 132

14 - الجامعة الاسلامية ( مجلة )

السنة الأولي / العدد الثالث / المدينة المنورة 1969 م.

15 - الحاوي للفتاوي

جلال الدين السيوطي ( ت / 911 ه- ) ، طبعة دار الكتاب العربي - بيروت.

16 - حق اليقين في معرفة أصول الدين

السيد عبد الله شبر ( ت / 1242 ه- ) ، مطعبة العرفان - صيدا 1352 ه-.

17 - دفاع عن الكافي

ثامر هاشم العميدي ، نشر مركز الغدير للدراسات الإسلامية - قم 1995 م.

18 - سنن ابن ماجة

الحافظ أبو عبد الله محمد بن يزيد القزويني ( ت / 275 ه- ) ، تحقيق محمد فؤاد بعد الباقي / دار الفكر - بيروت.

19 - السيرة البنوية

ابن هشام ( ت / 218 ه- ) ، تحقيق : عبد الحفيظ شلبي - مصطفي السقا - إبراهيم الأبياري ، مبطعة مصطفي البابي الحلبي - مصر 1355 ه- / 1936 م.

20 - صحيح مسلم

مسلم بن الحسين القشيري ( ت / 216 ه- ) ، الطبعة الثانية ، دار إحياء التراث العربي - بيروت 1978 م.

21 - صحيح البخاري

أبو عبد الله محمد بن اسماعيل البخاري ( ت / 256 ه- ) ، نشر مؤسسة التاريخ العربي - بيروت.

ص: 133

22 - صحيح سنن المصطفي

ابو داود سليمان بن الأشعث السجستاني ( ت / 275 ه- ) ، نشر دار الكتاب العربي - بيروت.

23 - الصواعق المحرقة

ابن حجر الهيتمي ( ت / 974 ه- ) ، الطبعة الأولي / المطبعة الميمنية - مصر 1312 ه-.

24 - تاريخ الغيبة الصغري

محمد الصدر ، نشر دار التعارف للمطبوعات - بيروت.

25 - غاية المأمول شرح التاج الجامع للأصول

الشيخ منصور علي ناصف ، المطبوع بهامش التاج الجامع للأصول.

26 - الفتاوي الواضحة

الشهيد الإمام محمد باقر الصدر ، نشر دار التعارف للمطبوعات - بيروت.

27 - فلسفتنا

الشهيد الإمام محمد باقر الصدر ، الطبعة الثالثة ، دار الفكر - بيروت 1970 م.

28 - الفصول المهمة

ابن الصباغ المالكي ( ت / 855 ه- ) ، مطبعة العدل - النجف الاشرف.

29 - الفصول المهمة في تأليف الأمة

العلامة السيد عبد الحسين شرف الدين ، نشر مؤسسة البعثة - طهران.

30 - المستدرك علي الصحيحين

أبو عبد الله محمد بن عبد الله الحاكم النيسابوري ( ت / 405 ه- ) ، دار الفكر - بيروت 1398 ه-.

ص: 134

31 - مسند الإمام أحمد بن حنبل

دار صادر - بيروت.

32 - مع الأنبياء

عفيف عبد الفتاح طبارة ، نشر مكتبة الشريف الرضي - قم / الطبعة الأولي 1413 ه-.

33 - مقاتل الطالبيّين

أبو الفرج علي بن الحسين بن محمد الاصفهاني ( ت / 356 ه- ) ، وينتهي نسبه إلي مروان بن الحكم بن أبي العاص.

34 - الملل والنحل

أبو الفتح محمد بن عبد الكريم الشهرستاني ( ت / 548 ه- ) ، تخريج محمد ابن فتح الله بدران ، مكتبة الأنجلو المصرية - القاهرة.

35 - المهدي الموعود المنتظر عند علماء أهل السنة والإمامية

الشيخ نجم الدين جعفر بن محمد العسكري ، نشر مؤسسة الإمام المهدي - قم 1402 ه-.

36 - موسوعة الإمام المهدي

نشر مكتبة الإمام أمير المؤمنين 7 - أصفهان ، مطبعة الخيام - قم 1401 ه-.

37 - معجم أحاديث الإمام المهدي

تأليف ونشر مؤسسة المعارف الاسلامية - قم / الطبعة الأولي 1411 ه- ، بإشراف الشيخ علي الكوراني.

38 - ينابيع المودة

الشيخ سليمان بن إبراهيم القندوزي الحنفي / مؤسسة الأعلمي - بيروت ، أفست علي الطبعة الأولي في استانبول.

ص: 135

ص: 136

مضامين الكتاب

ص: 137

ص: 138

كلمة المركز.... 7

مقدمة المحقق.... 13

مناهج الباحثين في قضية الإمام المهدي 7 :

أولاً : منهج المشككين..... 18

مدّعيات المنكرين للإمام المهدي 7.... 20

الردّ عل إشكالات المنكرين ، وجوابها..... 21

ثانياً : منهج المثبتين..... 31

وينقسم الي :

1 - المنهج الروائي..... 31

دراسات حديثة اعتمدت هذا المنهج :

أ - دراسة الشيخ عبد المحسن العباد..... 33

ب - دراسة السيد العميدي..... 34

2 - المنهج العقلي ( منهج الشهيد الصدر )... 35

معالم المنهج العقلي :

أ - أصالة فكرة المهدي وتجسيدها في إنسان حيّ..... 35

ب - معالجة التساؤلات والإثارات المعلنة والحبيسة الدائرة في عقول الناس حول قضية المهدي 36

ج - مسلك الاستدلال علي تجسيد فكرة المهدي بالبحث الروائي..... 41

الملاحظات السبع عل اختيار السيد الشهيد للمنهج العقلي.... 44

عملي في التحقيق.... 47

مقدّمة المؤلف... 51

المبحث الأوّل

كيف تأتّي للمهدي هذا العمر الطويل؟

الإمكان العملي..... 65

الإمكان العلمي..... 65

الإمكان المنطقي..... 66

الإسلام يسبق العلم في إطالة عمر الإنسان ،وجوابه.... 70

المبحث الثاني

المعجزة والعمر الطويل

مناقضة القانون الطبيعي ، والجواب عنه... 78

منطق الاستقراء والحكمة في حدوث المعجزة..... 80

المبحث الثالث

لماذا كل هذا الحرص علي إطالة عمره؟

عملية التغيير الكبري تتطلب من القائد وضاً نفسياً فريداً... 84

مواكبة الحضارة له أثر في الإعداد الفكري والقيادي.... 88

عملية التغيير تتطلب قائداً قريباً من مصادر الإسلام.... 88

المبحث الرابع

كيف اكتمل إعداد القائد المنتظر؟

الإمامة المبكرة وظروف تكامل الإمام المهدي :.... 93

حقائق تارخية حول إماة أهل البيت :

أ - إمامة أهل البيت قائمة علي أساس التغلغل الروحي

والاقناع الفكري... 94

ب - مدرسة أهل البيت تشكل تياراً فكرياً في العالم الإسلامي..... 94

ج - شروط الإمامة شروط شديدة..... 95

د - الاعتقاد بإمامة أهل البيت كان يكلّف الأتباع غالياً.... 95

ه- - أئمة اهل البيت في تفاعل مستمر مع القواعد الشعبية..... 95

و - الخلافة المعاصرة بذلت جهوداً في تفتيت زعامة أهل البيت.... 96

الإمامة المبكرة ظاهرة واقعية.... 97

المبحث الخامس

كيف نؤمن بأن المهدي قد وجد؟

مبررات وجود المهدي 7 وجوابه .... 103

أدلة تجسيد فكرة المهدي في الإمام الثاني عشر :

الدليل الاسلامي... 104

الدليل العلمي... 108

المبحث السادس

لماذا لم يظهر القائد إذن؟

عمليات التغيير الرسالية ترتبط بالظروف الموضوعية... 115

عالمية عملية التغيير التي يقودها المهدي 7..... 118

الناحية البشرية..... 118

النناحية المادية... 118

تنامي القوة العسكرية في وجه القائد المنقذ والسبيل في مواجهتها... 118

المبحث السابع

وهل للفرد كلّ هذا الدور؟!

الإنسان يؤثر فيما حوله من قوي وظروف..... 123

النبي 6 تسلّم بنفسه زمام حركة التاريخ... 124

ما وقع للنبي 6 يمكن أن يقع للغمام المنتظر 7..... 124

المبحث الثامن

ما هي طريقة التغيير في اليوم الموعود؟

ظهور المهدي 7 سيتم عقب فراغ كبير..... 128

مصادر التحقيق.... 129

ص: 139

الملاحظات السبع عل اختيار السيد الشهيد للمنهج العقلي.... 44

عملي في التحقيق.... 47

مقدّمة المؤلف... 51

المبحث الأوّل

كيف تأتّي للمهدي هذا العمر الطويل؟

الإمكان العملي..... 65

الإمكان العلمي..... 65

الإمكان المنطقي..... 66

الإسلام يسبق العلم في إطالة عمر الإنسان ،وجوابه.... 70

المبحث الثاني

المعجزة والعمر الطويل

مناقضة القانون الطبيعي ، والجواب عنه... 78

منطق الاستقراء والحكمة في حدوث المعجزة..... 80

المبحث الثالث

لماذا كل هذا الحرص علي إطالة عمره؟

عملية التغيير الكبري تتطلب من القائد وضاً نفسياً فريداً... 84

مواكبة الحضارة له أثر في الإعداد الفكري والقيادي.... 88

ص: 140

عملية التغيير تتطلب قائداً قريباً من مصادر الإسلام.... 88

المبحث الرابع

كيف اكتمل إعداد القائد المنتظر؟

الإمامة المبكرة وظروف تكامل الإمام المهدي :.... 93

حقائق تارخية حول إماة أهل البيت :

أ - إمامة أهل البيت قائمة علي أساس التغلغل الروحي

والاقناع الفكري... 94

ب - مدرسة أهل البيت تشكل تياراً فكرياً في العالم الإسلامي..... 94

ج - شروط الإمامة شروط شديدة..... 95

د - الاعتقاد بإمامة أهل البيت كان يكلّف الأتباع غالياً.... 95

ه- - أئمة اهل البيت في تفاعل مستمر مع القواعد الشعبية..... 95

و - الخلافة المعاصرة بذلت جهوداً في تفتيت زعامة أهل البيت.... 96

الإمامة المبكرة ظاهرة واقعية.... 97

المبحث الخامس

كيف نؤمن بأن المهدي قد وجد؟

مبررات وجود المهدي 7 وجوابه .... 103

أدلة تجسيد فكرة المهدي في الإمام الثاني عشر :

الدليل الاسلامي... 104

الدليل العلمي... 108

ص: 141

كلمة المركز.... 7

مقدمة المحقق.... 13

مناهج الباحثين في قضية الإمام المهدي 7 :

أولاً : منهج المشككين..... 18

مدّعيات المنكرين للإمام المهدي 7.... 20

الردّ عل إشكالات المنكرين ، وجوابها..... 21

ثانياً : منهج المثبتين..... 31

وينقسم الي :

1 - المنهج الروائي..... 31

دراسات حديثة اعتمدت هذا المنهج :

أ - دراسة الشيخ عبد المحسن العباد..... 33

ب - دراسة السيد العميدي..... 34

2 - المنهج العقلي ( منهج الشهيد الصدر )... 35

معالم المنهج العقلي :

أ - أصالة فكرة المهدي وتجسيدها في إنسان حيّ..... 35

ب - معالجة التساؤلات والإثارات المعلنة والحبيسة الدائرة في عقول الناس حول قضية المهدي 36

ج - مسلك الاستدلال علي تجسيد فكرة المهدي بالبحث الروائي..... 41

الملاحظات السبع عل اختيار السيد الشهيد للمنهج العقلي.... 44

عملي في التحقيق.... 47

مقدّمة المؤلف... 51

المبحث الأوّل

كيف تأتّي للمهدي هذا العمر الطويل؟

الإمكان العملي..... 65

الإمكان العلمي..... 65

الإمكان المنطقي..... 66

الإسلام يسبق العلم في إطالة عمر الإنسان ،وجوابه.... 70

المبحث الثاني

المعجزة والعمر الطويل

مناقضة القانون الطبيعي ، والجواب عنه... 78

منطق الاستقراء والحكمة في حدوث المعجزة..... 80

المبحث الثالث

لماذا كل هذا الحرص علي إطالة عمره؟

عملية التغيير الكبري تتطلب من القائد وضاً نفسياً فريداً... 84

مواكبة الحضارة له أثر في الإعداد الفكري والقيادي.... 88

عملية التغيير تتطلب قائداً قريباً من مصادر الإسلام.... 88

المبحث الرابع

كيف اكتمل إعداد القائد المنتظر؟

الإمامة المبكرة وظروف تكامل الإمام المهدي :.... 93

حقائق تارخية حول إماة أهل البيت :

أ - إمامة أهل البيت قائمة علي أساس التغلغل الروحي

والاقناع الفكري... 94

ب - مدرسة أهل البيت تشكل تياراً فكرياً في العالم الإسلامي..... 94

ج - شروط الإمامة شروط شديدة..... 95

د - الاعتقاد بإمامة أهل البيت كان يكلّف الأتباع غالياً.... 95

ه- - أئمة اهل البيت في تفاعل مستمر مع القواعد الشعبية..... 95

و - الخلافة المعاصرة بذلت جهوداً في تفتيت زعامة أهل البيت.... 96

الإمامة المبكرة ظاهرة واقعية.... 97

المبحث الخامس

كيف نؤمن بأن المهدي قد وجد؟

مبررات وجود المهدي 7 وجوابه .... 103

أدلة تجسيد فكرة المهدي في الإمام الثاني عشر :

الدليل الاسلامي... 104

الدليل العلمي... 108

المبحث السادس

لماذا لم يظهر القائد إذن؟

عمليات التغيير الرسالية ترتبط بالظروف الموضوعية... 115

عالمية عملية التغيير التي يقودها المهدي 7..... 118

الناحية البشرية..... 118

النناحية المادية... 118

تنامي القوة العسكرية في وجه القائد المنقذ والسبيل في مواجهتها... 118

المبحث السابع

وهل للفرد كلّ هذا الدور؟!

الإنسان يؤثر فيما حوله من قوي وظروف..... 123

النبي 6 تسلّم بنفسه زمام حركة التاريخ... 124

ما وقع للنبي 6 يمكن أن يقع للغمام المنتظر 7..... 124

المبحث الثامن

ما هي طريقة التغيير في اليوم الموعود؟

ظهور المهدي 7 سيتم عقب فراغ كبير..... 128

مصادر التحقيق.... 129

ص: 142

تعريف مرکز

بسم الله الرحمن الرحیم
هَلْ یَسْتَوِی الَّذِینَ یَعْلَمُونَ وَالَّذِینَ لَا یَعْلَمُونَ
الزمر: 9

عنوان المکتب المرکزي
أصفهان، شارع عبد الرزاق، سوق حاج محمد جعفر آباده ای، زقاق الشهید محمد حسن التوکلی، الرقم 129، الطبقة الأولی.

عنوان الموقع : : www.ghbook.ir
البرید الالکتروني : Info@ghbook.ir
هاتف المکتب المرکزي 03134490125
هاتف المکتب في طهران 88318722 ـ 021
قسم البیع 09132000109شؤون المستخدمین 09132000109.