تنزيه الإمام الحسن علیه السلام ومحاكمة النصوص

اشارة

الكتاب: تنزيه الإمام الحسن (علیه السلام) ومحاكمة النصوص.

الكاتب: منذر كاظم آل هريبد.

الناشر:قسم الشؤون الفكرية والثقافية في العتبة العباسية المقدسة.

مراجعة: وحدة الدراسات والنشرات / شعبة الإعلام.

التدقيق اللغوي: عمار كريم حسين، مصطفى كامل محمود.

الاخراج الطباعي والتصميم: علاء سعيد الأسدي

رقم التسجيل في دار الكتب والوثائق في بغداد 2321 لعام 2013 م.

المطبعة:مطبعة المستقبل، بيروت لبنان.

الطبعة: الأولى.

عدد النسخ: 2000 .

رمضان 1434 -تموز 2013

اشارة

العتبة العباسية المقدسة

قسم الشؤون الفكرية والثقافية

تنزيه الإمام الحسن (علیه السلام)

ومحاكمة النصوص

دراسة فی عدد من الشبهات التی طالت سیرة الامام الحسن المجتبی (علیه السلام)

تالیف: منذر كاظم آل هريبد

شعبة الإعدام

وحدة الدراسات النشرات

ص: 2

بسم الله الرحمن الرحیم

ص: 3

ص: 4

«فَمَنْ حَاجَّكَ فِيهِ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ فَقُلْ تَعَالَوْا نَدْعُ أَبْنَاءَنَا وَأَبْنَاءَكُمْ وَنِسَاءَنَا وَنِسَاءَكُمْ وَأَنْفُسَنَا وَأَنْفُسَكُمْ ثُمَّ نَبْتَهِلْ فَنَجْعَلْ لَعْنَتَ اللَّهِ عَلَى الْكَاذِبِينَ»

صدق الله العلي العظيم

آل عمران: 61

ص: 5

ص: 6

الإهداء

إلى الغريب الذي حل ضيفا بوادينا..

فأصبحنا عند ضريحه ضيوفا..

إلى باب الحوائج وابن باب الحوائج وأخي باب الحوائج..

إلى القاسم بن الإمام موسى بن جعفر (علیهم السلام)...

أهدي....

هذا الجهد المتواضع...

عرفانا لبعض ما أفاض علينا من يمن وبركات...

ص: 7

ص: 8

شكر وتقدير

أرى من الواجب علي، بعد السجود شكرا لله سبحانه وتعالى أصل النعم كلها، وبعد الثناء على نبينا الكريم (صلی الله علیه و آله) والعترة الطاهرة (صلی الله علیه و آله) ومن تشرفت وأهل مدينتي بمجاورة قبره سيدي الإمام القاسم (علیه السلام)، أن أتقدم بالشكر الجزيل والثناء الكثير إلى كل من مد يد العون لي، وواكب خطواتي السائرة نحو إكمال البحث.

ومن باب الوفاء، ولو بجزء يسير من عظيم أفضالهم في تقديم المساعدة لي، أرغب في ذكر عدة ألوان مما قدموه، مع تسمية من علق اسمه بذهني من أرباب ذلك الفضل:

* إعارتي بعض الكتب التي استفدت من منها، وقد أبدع في هذا اللون، الأخوة الأعزاء الأستاذ علي طاهر الكعبي، والأستاذ سالم العصيبي والشيخ مقصد الجبوري مؤسس مركز النبأ للثقافة والإرشاد في مدينة القاسم المقدسة.

* تقديم الدعم المعنوي والتشجيع المصحوب بالدعاء في المراقد المقدسة الذي أمدني بطاقة متجددة ساهمت في دفعي إلى الأمام، وتتصدر عائلتي هذه اللائحة، إضافة الى العديد من الأقارب والأصدقاء وعلى رأسهم الأساتذة جبار جاسم هويش وبهاء علي وحسين حمزة ومالك شاكر ورياض عبد رحال، وعباس هندول الشكري، ولا أنسى وقفة الأخوة خدام الإمام الحسين (علیه السلام) في موكب الصديقة الطاهرة كالأخ حسين محسن وعلي كاظم وحيدر لحيس والأستاذ عامر عبد الكاظم، وأخيه الفاضل غانم عبد الكاظم وموكب باب القبلة ومنهم الشاعر المجيد أبو هاشم أحمد جاسم

ص: 9

مسلم والشيخ عبد الزهراء العويدي، وزملائي في العمل كالأستاذ المهندس أنمار علي والأستاذ فلاح مهدي أبو عمار وحيدر المساح وأبي سعدون وباقي الزملاء الأعزاء.

* تقديم النصح والاستشارة، وبرز في ذلك المجال الشيخ الأستاذ فائز الفتلاوي، والشيخ باسم القاسمي وخادم المنبر الحسيني الشيخ أحمد النداف، والأستاذ رافع نغماش.

* وإنني إذ اعتذر لمن فاتني أن اذكر اسمه، أرفع يدي التي تشرفت بخدمة الإمام السبط أبي محمد الحسن المجتبى (علیه السلام) متضرعا إلى الله تعالى شأنه الذي لا يضيع عنده المعروف، ولا يغفل عن مكافأة المحسنين، أن يستبدل عجزي عن شكر المنعمين علي بكمال قدرته، وأن يرزقهم جزيل ثوابه، وأن يمن عليهم بوافر الصحة والسلامة ويوفقهم للتزود أكثر وأكثر من خير الدنيا والآخرة.

انه سميع مجيب ، وعلى كل شيء قدير

ص: 10

المقدمة

بسم الله الرحمن الرحیم

والحمد لله رب العالمين وأتم الصلاة وأفضل التسليم على خير خلقه محمد وآله الطيبين الطاهرين.

أما بعد:

فإنه شرف عظيم لي ولعائلتي أن أوفق للكتابة عن أحد أئمة أهل البيت (علیهم السلام) الذين أذهب الله عنهم الرجس وطهرهم تطهيراً، وحباهم من لدنه بكريم الفضائل، وعظيم المنازل، وأوجب مودتهم علينا، وجعلها أجر تبليغ الرسالة المحمدية.

والحق إن الكتابة عن الإمام الحسن المجتبى (علیه السلام)، من أصعب الأمور التي قررت الكتابة فيها مع رغبتي الشديدة، وهذه الصعوبة تكمن في اختيار الموضوع اللائق وغيرالمكرر.

فدأبت في البحث عن طرح جديد يساعد في ردم الهوة المتوقعة بين ما سأكتبه، وبين الموجود من كتب علمائنا الأعلام، وحاجتي إلى طرافة الموضوع نابعة من أن طرح المواضيع الجديدة بإمكانه أن يرتقي بمستوى الكتابة ويجعلها مقبولة على الأقل عند الكاتب نفسه.

ص: 11

وبعد مرور وقت ليس بالهين تبدلت الرغبة السابقة إلى قلق شديد، بسبب عدم العثور على ما يسد رمقي، ويطفئ ظمئي في الحديث عن هذا الإمام العظيم.

وكانت النتيجة غير المرجوة بسبب انصرافي عن خاطر الكتابة لظني بأني لن آتي بشيء جديد يستحق القراءة من المطالع الكريم، ويستحق أن أشغل به ما بقي من ساعات الليل بعد عودتي إلى البيت عقب انقضاء يوم عمل طويل في حقل الهندسة المدنية الذي تخصصت فيهه.

ومن باب زيادة المعرفة بحياة الإمام (علیه السلام)، شهدت الليالي اللاحقة، انهماكا في اقتناء بعض الكتب التي تناولت حياة السبط الأكبر (علیه السلام)، وكانت هذه الكتب متنوعة المذاهب، سنية وشيعية، لكنها وعلى شدة تباعد أفكار مؤلفيها، لم تمنع من إحساسي بالذهول، ذلك الإحساس الذي مزق شتات نفسي وأشعل فيها اليقين بنقص معرفتي للإمام(علیه السلام).

ومعلوم أن النقص يدفع الإنسان لطلب المزيد، فأكملت مشوار المطالعة، وخرجت بانطباع جديد حول مظلومية سيد شباب أهل الجنة (علیه السلام) يتفوق على ما كان يلامس سمعي وسمع أمثالي من أن (الإمام الحسن مظلوم)، وأدركت أن تقصيرنا - نحن العوام المحسوبين على شيعته - أعظم من تقصير غيرنا، ومعرفتنا بسليل النبوة والعصمة لا تتعدى تأريخ الولادة والوفاة، وتلقيبه بالإمام المجتبى، ووصفه بكريم أهل البيت (علیهم السلام) وبعض الردود الجاهزة على شبهة المطلاق التي غلفت سيرة الإمام الحسن(علیه السلام).

وأبدع هذا الشعور بالتقصير في نهايته عبرة حارة خرجت من القلب، افجرت معها دمعة كبرى أزاحت بعض الهم.

وقد صادفت هذه الدمعة - ولله الحمد - بعض اللحظات التي يأمل الإنسان

ص: 12

صدقها مع الله، مهدت لدعاء بطلب التوفيق في مشروع الكتابة عن الإمام (علیه السلام)، فخطر ببالي أن أبحث في الشبهات والمطاعن التي تناقلتها بعض الكتب من الشيعة والسنة على حد سواء.

ووفقني الله سبحانه وتعالى لإجراء تجارب على رد بعض الروايات التي انتقصت من عصمة الإمام الحسن (علیه السلام) وطيب أفعاله وكرم أخلاقه، وجمعت صفحات كثيرة في مصادر إحدى الشبهات وما يصلح للرد عليها، ظننت بعد التفكر فيها ومطالعتها بوجود إمكانية للتصدي لتلك الشبهة (وهي شبهة المطلاق)، وإضافة شيء جديد في بيان بطلانها لم أجده في كلمات من ردها بحسب إطلاعي.

فاطمأن خاطري، وبدأت الخطوات الأولى في ذلك المشوار الصعب الذي يجب أن يكون الكلام فيه موزونا ويضحى التقصير المتعمد ممنوعا، فكتبت مسودة الخطوط العريضة في الرد على تلك الشبهة، ثم تركتها قبل تبييضها، وقفزت إلى شبهة أخرى ولملمت أوراقها، وصادفني الإحساس ذاته، فتشجعت وطويت المراحل واحدة بعد أخرى، وجمعت العديد من الشبهات محاولا الرجوع بها إلى مصادرها الأصلية المشتملة على رواياتها المسندة، وكنت في حالتي تلك كمن يجمع أجزاء صورة شخص عزيز عليه، قد تقطعت أوصالها، ولم تغب عن ذهنه وعقله.

وهنا أصابتني ثقة عالية لم أعتدها في بداية أمري دفعتني إلى الأمام، لكن خوفي من جرعات الثقة الزائدة، وعدم نسياني لحجمي دفعاني إلى استشارة الأصدقاء من أهل المعرفة، قبل الإقدام على خطوة قد تسيء للإمام (علیه السلام) وتزيد من مظلوميته.

وحين بحت بنيتي، وما عزمت على الإقدام عليه إلى أخواني ورفاقي في موكب الصديقة الطاهرة سلام الله عليها، وفيهم من رجال الدين المحترمين والمثقفين البارعين،

ص: 13

شجعوني أعظم التشجيع، وطلبوا لي من الله التوفيق في خدمة الإمام الحسن (علیه السلام) في المكان

نفسه الذي تشرفنا فيه بخدمة زوار الإمام الحسين (علیه السلام). وأمدني أرباب المكاتب منهم بما تيسر عندهم من المصادر القليلة، حتى ان بعضهم مشكورا - كالأخ علي طاهر - وقد اعتاد شراء الكتب الدينية، واقتنائها جند رغباته في شراء الكتب النافعة لي في البحث.

وسارت عائلتي على المسار عينه، يرقبون حركاتي وسكناتي، ويبثون فيّ عزما صادقا، فلم يبق لي إلا الاستمرار في مسعاي، وصار الموضوع شغلي الشاغل، وبدأت السطور تتسع والصفحات تزداد، وزادت معرفتي بالإمام (علیه السلام) أكثر فأكثر، وأضحى سيد شباب أهل الجنة (علیه السلام) من مظان استجابة الدعاء المقدمة عندي، بحيث أنني دأبت على الرجوع إليه، وجعله بين يدي حاجتي إلى الله عز وجل، كلما توقف القلم أو ضعف مداده.

وتحولت محبتي له، ولسيرته إلى عشق من نوع خاص، يجعلني متلتذا جدا حينما أتشرف بالحديث عنه في المجالس التي تجمعني ببعض الأصدقاء، ويدفعني للشعور بالألم كلما قرأت ما يمس بعصمته ولو من بعيد.

ولإكمال الرد على الشبهات - وأسميتها كذلك من باب إحسان الظن بناقليها والمرددين لها - رغبت في تحويلها إلى محاكمات لأسانيد رواياتها، وألفاظها، وما حملته من مضامين غير مقبولة.

واعترف أنني لم يكن في خاطري عند بداية الأمر محاكمة الألفاظ محاكمة مستقلة عن محاكمة المضمون، حيث إن المعروف في مثل هذه المواضيع مناقشة الرواية من جهة السند ومن جهة المتن مع التطرق لألفاظ الرواية ضمن مناقشة المتون إن دعت الحاجة لذلك، إلا أنني وجدت في استقلالية هذا الفرع من المحاكمة ما يجعل بيان بطلان تلك

ص: 14

الروايات أكثر وضوحا، ويسهل رد ما تحمله من مضامين، فاخترعت هذا الفرع من المحاكمة وعممته على كل الشبهات.

وبعد إكمالي لردود عدد من الشبهات اتهمت نفسي، وقلت في سري وعلني: من أنا حتى أدافع عن سيرة هذا الإمام العظيم في وجه شبهات وأقاويل ذكرت في مصادر مهمة، وتناقلتها أقلام الكتاب وألسنة الحفاظ.

وزاد بي الشعور بالوضاعة مع علو مقامه الجليل، وخشيتي من ارتكاب الزلل والتقصير بحقه (علیه السلام) وبحق نفسي إلى أن أسبق المحاكمات التي سطرتها، بالتعريف عن المنازل التي أنزل الله سبحانه وتعالى فيها سبط رسول الله (صلی الله علیه و آله) وابن أمير المؤمنين (علیه السلام) والسيدة الزهراء (علیها السلام)، ببيان مناقبه التي أشاد بها القرآن الكريم، وجمعت بينها وبين الفضائل التي أطراه بها خاتم النبيين (صلی الله علیه و آله) في الأحاديث التي رواها الشيعة والسنة في مصنفاتهم، فاكتمل بها الجزء الأول من العنوان وهو (تنزيه الإمام الحسن (علیه السلام))، وقدمته في الذكر على الجزء الثاني منه، وهو (محاكمة النصوص)، ورتبت بينهما بحرف العطف (و)، مع إن الواو لا تقتضي ترتيبا كما يعبر أهل المعاني، لأنبه على حقيقة لا تقبل المساومة وهي إن من وفقه الله تبارك وتعالى، للوصول إلى الدرجات العلى، والفضائل الكبرى، لا يحتاج إلى من يدافع عنه في وجه المنتحلين لتلك الشبهات والطعون، إنما نحن من يحتاج إلى التذكير برد تلك الأقاويل لنثبت أنفسنا على الصراط المستقيم.

وقبل أن اختم هذه المقدمة، أرغب في الإشادة بسيدي ومولاي القاسم بن الإمام موسى بن عمران (علیه السلام) الذي عودني وكل أهل مدينتي المجاورين له، والزائرين لقبره الشريف، على قضاء حوائج المحتاجين، حيث إن التشرف بزيارته، وطلب العون منه، كان يفتح لي أبوابا ما كنت أفتحها لولاه، وحينما كنت أطلب شفاعته لإعانتي في بعض

ص: 15

المواضيع، كنت أجد سرعة الاستجابة لديه، ما دفعني إلى التقدم إلى ساحته في إهداء أوراقي التي كتبتها في سيرة عمه الإمام المجتبى (علیه السلام)، وهو شفيعي - إن شاء الله - بحكم مجاورتي له في قبول هذا العمل وجلب مرضاة الله تبارك وتعالى ورسوله الكريم ، (صلی الله علیه و آله) وأمير المؤمنين (علیه السلام) والسيدة الزهراء سلام الله عليها، والإمامين الحسنين (علیهما السلام)، وباقي الأئمة الطاهرين (علیهم السلام).

ولا تفوتني الإشارة إلى النفحات القدسية التي غمرتني بها سيدتي أم البنين سلام الله عليها، عن طريق التبرك بقراءة سورة الفاتحة، وإهداء ثوابها إلى روحها الطاهرة، الأمر الذي نفعني كثيرا في إكمال العديد من الصفحات على الوجه المرضي.

وقبل أن تبدأ رحلة القارئ الكريم، في أوراقي، أرغب بالاعتذار من ساحة قدس الإمام المجتبى (علیه السلام)، وأهل البيت (علیهم السلام) الأكرمين، إن لم يسعفني البيان في توضيح بعض ما أردت قوله، مما نطق به عنوان البحث.

وأود التذكير بأن السهو والخطأ راجع إلي، والى نفسي المقصرة، وما كان من خير فهو من توفيق الله سبحانه وتعالى الذي أسأله بكرمه الواسع أن يتقبل مني هذا العمل القليل، وأن يجعله ذخرا لنا يوم لا ينفع مال ولا بنون إلا من أتى الله بقلب سليم.

وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين وصلى الله على محمد وآل محمد وسلم تسليما كثيرا.

منذر كاظم آل هريبد

مدينة القاسم (علیه السلام) المقدسة

ص: 16

منهج البحث

بعد المقدمة، ومنهج البحث، أحببت إيراد موجز قصير لحياة الإمام الحسن بن أميرالمؤمنين (علیه السلام)، قبل الدخول في عمق البحث.

واحتوى هذا الموجز على الخطوط العريضة للمراحل التي عاشها السبط الأكبر لرسول الله (صلی الله علیه و آله) من الولادة الميمونة في ليلة النصف من شهر رمضان المبارك، محاولا ترقيق اللغة والابتعاد عن الأسلوب المعتاد من تقسيم الحياة إلى فقرات تحمل كل منها عنواناً محدداً، من الاسم واللقب وتأريخ الولادة وغير ذلك من التفاصيل التي ترسم شخصية المترجم له.

وكانت غايتي من تناول حياة الإمام المجتبى (علیه السلام) بهذه الطريقة القريبة من الأسلوب القصصي توفير مساحة من العبارات اللطيفة، لعلها تبدد بعض ما سيعرض على القارئ الكريم من الملل نتيجة التناول العلمي المرسوم لخطوات البحث.

كما تضمن هذا الموجز وصفاً لبعض أهم المواقف والأعمال العظيمة التي صاحبت سنوات الإمام الحسن (علیه السلام) في كنف جده خاتم النبيين (صلی الله علیه و آله) وأبويه المقدسين (علیهما السلام)، مثل التصدق على المسكين واليتيم والأسير التي أشادت آيات سورة الإنسان بفضلها.

وتناولت بسرعة - مع ذكر بعض المصادر - أهم ما ذُكِر في المصادر المنوعة من المواقف السياسية التي انتهجها سيد شباب أهل الجنة (علیه السلام) في الفترة التي تلت وفاة رسول الله (صلی الله علیه و آله) وصولا إلى تولي أمير المؤمنين (علیه السلام) مقاليد أمر الأمة الإسلامية، ثم

ص: 17

استشهاده وخلافة السبط المجتبى (علیه السلام) له، وما تتابع عقب ذلك من أحداث جسام انتهت باستشهاده (علیه السلام) مسموماً.

وأتمنى أن أكون وفقت في تحقيق المراد من ذلك الموجز.

أما المطلب الرئيس لهذا البحث - وكما يظهر من عنوانه - فقد قُسِّم على جزئين رئيسيين عبرت عن كل واحد منهما بالباب...

وأولهما: (تنزيه الإمام الحسن (علیه السلام))

وفيه بيان للمناقب العالية التي شرفه الله تعالى بها، مع بقية العترة الطاهرة لخاتم النبيين (صلی الله علیه و آله)، والتي لا تقف معها أي شبهة تنال من عظمة الأئمة الأطهار (علیهم السلام).

وفي هذا الباب كفاية لمن أمعن النظر وحكم العقل، واختار طريق الإنصاف.

وقد قمت بتقسيم هذا الباب (الأول) على فصلين، تَكَّفل الفصل الأول منها بعرض الآيات القرآنية الكريمة التي نزلت في حق الأمام المجتبى (علیه السلام) وحق أهل البيت (علیهم السلام)، واكتفيت بالكلام عن أربع آيات عظام، من باب التمثيل، وليس من باب استقصاء جميع الموارد، وهي على الترتيب الوارد في الكتاب آية التطهير، وآية المباهلة، وآية المودة، وآية الصلاة على النبي وآله.

وفي كل واحدة من هذه الآيات بلوغ المراد، فضلا عن جميعها.

أما الفصل الثاني من الباب الأول فقد أشتمل على ثلاثة أحاديث نبوية كريمة انتقيتها من المأثور من كلام سيد المرسلين (صلی الله علیه و آله) بحق أوصيائه الكرام (علیهم السلام)، هي حديث الثقلين، وحديث السيادة على أهل الجنة، وحديث إمامة الحسنين (علیهما السلام).

وعمدت في هذا الباب إلى ذكر آراء العلماء من الفريقين السنة والشيعة، مستندا

ص: 18

إلى أقوالهم، ومروياتهم في تأكيد صحة مجيء تلك الآيات والأحاديث بحق أهل البيت (علیهم السلام) ومنهم الإمام الحسن(علیه السلام).

وزيادة على ما جاء في الباب الأول من أدلة دامغة، وبراهين مؤكدة، أحببنا النزول إلى المواطن التي جاءت منها الشبهات، وإجراء محاكمة بشرية لها، وكل ذلك كان محله في الباب الثاني (محاكمة النصوص) وتتضمن محاكمات لاحدى عشرة من الشبهات التي أسعفني الوقت للوقوف عليها.

وبدلا من عنونة كل شبهة، بفصل يحمل تسلسلا كما في فصول الباب الأول عمدت إلى إعطاء التسلسل للشبهة، بدون ذكر الفصل، وأرجو أن لا تحسب هذه النقطة ضمن مخالفات قوانين كتابة البحث العلمي لأن غايتي الأولى إيصال المعلومة ضمن الأطر المقبولة.

وستلاحظ أن طريقة ترتيب الشبهات من الأولى إلى الحادية عشرة كانت باعتبار الزمن الذي استهدفته كل شبهة من حياة الإمام الحسن (علیه السلام)، فكانت الشبهة الأولى هي المتعلقة بالتسمية، والثانية تتعلق بادعاء أكله لتمر الصدقة في أوائل سني عمره الشريف وهكذا وصولا الى الشبهات المتعلقة بأواخر حياته الشريفة.

وحتى لا يشكل أحد من الأعزاء بأن موضوع الشبهة الأولى يتعلق بأميرالمؤمنين (علیه السلام) وليس بالإمام الحسن (علیه السلام)، وموضوع الكتاب يتعلق بمحاكمة الشبهات التي قيلت بحق الإمام المجتبى(علیه السلام).

نجيبه بأن لشبهة التسمية بحرب تعلقا بحياة السبط الأكبر (علیه السلام) أيضا، فاستوجب مني ذكرها في عداد الشبهات المحسوبة على سيرته(علیه السلام).

ص: 19

وكانت طريقة المحاكمة لكل شبهةٍ، تبدأ بموجز قصير يوضح الفكرة التي قامت عليها الشبهة، ثم يتم الانطلاق من ذلك إلى مستند الشبهة القائم على الروايات التي اعتقدنا أنها جاءت بما يمس قدسية الإمام المجتبى (علیه السلام)، وراعيت في ذلك - قدر إمكاني - تناول جميع ما وجدت منها مع ذكر أسانيدها المختلفة، وتقسيمها على عدة مجاميع في حالة كثرتها مطلقا عليها اسما جامعا لها حتى تسهل متابعة الرد عليها.

وبعد إكمال مستند الشبهة، تجري المحاكمة الشاملة للنصوص عبر مناقشة ثلاثة أمور هي الأسانيد و الألفاظ و المضمون.

ونظرا لكفاية ضعف أو مجهولية رجل واحد من رجال السند في إهمال الرواية وعدم الأخذ بمضمونها، كان التركيز منصبا على إيجاد مطعن واحد لا أكثر في رجال السند.

ولذلك وطلبا للاختصار، تلاحظ أننا قد نقطع السند، ونذكر من رجاله ما ينفعنا في تحقيق الغرض المنشود، مع الاحتفاظ بالمصدر ورقم الصفحة لمن أراد المراجعة.

وحاولت الاعتماد في تحقيق حال رجال السند على مصادر كل طائفة من طوائف المسلمين، فالرواية التي جاءت من طرق أهل السنة، نعتمد على آراء علمائهم في بيان حال الرواة، وكذلك الأمر بالنسبة للشيعة.

وأؤكد على حقيقة هامة مفادها، أنه حتى لو تمت صحة السند، وكان جميع رجاله من الموثقين، فإن هذا لا يعني قبول متن الرواية، لأن هناك شرط آخر للعمل بمضمونها، وهو عدم تعارضه مع القرآن الكريم والسنة النبوية، وما خالف القرآن والسنة النبوية فإن مصيره الطرح، كما هو متفق عند جميع علماء المسلمين.

ص: 20

أما مناقشة الألفاظ ففيها تحاكم أبرز الألفاظ التي جاءت بها تلك الروايات والتي نعتقد بكونها تدل على وضع أو بطلان الرواية، وتمهد لمحاكمة مضمونها، وإصدار الحكم عليها.

وسوف ترى سكوتا في ثنايا الحديث عن بعض الألفاظ الواردة في الروايات، آمل أن لا يفسر بأنه قبول لمعناها، بل هو من باب التوقف لقلة البضاعة العلمية التي امتلكها.

وتختم فصول المحاكمة بمناقشة المضمون، أو المضامين التي اشتملت عليها الروايات المستند عليها في الشبهة.

أرجو أن أكون قد وفقت في إجراء محاكمة عادلة لتلك الشبهات، تصل بي وبالقراء الكرام الى الغرض المرسوم لهذا البحث. ومن الله التوفيق.

ص: 21

ص: 22

موجز حياة الإمام الحسن (علیه السلام)

ص: 23

ص: 24

موجز حياة الإمام الحسن (علیه السلام)

في ليلة النصف من شهر رمضان المبارك من السنة الثالثة للهجرة (1)، كانت العائلة التي يتشرف أمين الوحي جبرائيل بخدمتها، تنتظر بزوغ نور جديد يمثل الثمرة الأولى للرباط المقدس الذي عقده رب العرش، في علياء سمائه بين أمير المؤمنين (علیه السلام) و البضعة الطاهرة (علیهم السلام) لخاتم النبيين (صلی الله علیه و آله).

في هذه الليلة المشرقة، كانت الإطلالة الأولى للسبط المجتبى، حاملا معه بشائر الفرح والسرور لسكان الأرض والسماء.

وبعد اللحظات التي أعقبت الولادة الميمونة، أدنى حبيب الله (صلی الله علیه و آله) فمه الطاهر، إلى سمع ابنه وسبطه، الذي كان في حضنه، ملفوفاً بلون البياض المنكسر خجلا بين الحامل والمحمول فكان الآذان أُولى الكلمات التي تنساب في الأُذن اليمنى للمولود، والإقامة في الأخرى.

وما أن أكمل الزكي يومه السابع حتى تمت مراسيم العقيقة والختان، وحلق الرأس فالتصدق بوزنه فضةً على الفقراء.

وكان لابد للمولود من اسم يليق بسبط النبي الأعظم (صلی الله علیه و آله) وابن هارونه أميرالمؤمنين (علیه السلام)، وهنا ينزل جبرائيل بأمر رب العزة مبشرا ب (الحسن) ولسان حاله يقول:

لم نجعل له من قبل سميا.5.

ص: 25


1- ينظر الإرشاد - الشيخ المفيد 2: 5.

وبعد التسمية التي لم تعهدها العرب من قبل، كانت الكنية الجميلة مرادفة للاسم الحسن، وصار الإمام الثاني من الأئمة الاثني عشر (علیهم السلام) يكنى بأبي محمد.

وفي سيرة حياته الطاهرة تحصَّل الإمام المجتبى (علیه السلام) على ألقاب عديدة، يمثل بعضها شطرا من خصاله الطيبة، كالزكي، والتقي.

فيما مثل بعضها الآخر مكارمه التي حازها، ومنها بل وأشهرها عند المسلمين لقب السيد، الذي لم يُلقب به أحد - من أوائل المسلمين - سواه وسوى أخيه الأمام الحسين(علیه السلام).

والسر ببساطة قول رسول الله (صلی الله علیه و آله) فيهما (علیهما السلام) أنهما سيدا شباب أهل الجنة.

وبذلك حملا منذ نعومة أظافرهما الأفضلية على كل الرجال من أهل الدنيا والآخرة، ولم يتفوق عليهما سوى جدهما رسول الله (صلی الله علیه و آله) ووزيره علي بن أبي طالب(علیه السلام).

وكان لهذا الفرع تعبير عن انتمائه إلى ذلك الأصل العظيم أن يحمل صفات أعظم خلق الله الخُلقية، والخَلقية.

لذلك قال عنه واصفوه انه كان «وكان الحسن أبيض مشربا بحمرة أدعج العينين سهل الخدين دقيق المسربة كث اللحية ذا وفرة كأن عنقه إبريق فضة عظيم الكراديس بعيد ما بين المنكبين ربعة ليس بالطويل ولا بالقصير من أحسن الناس وجها» (1).

وهي صفات جده العظيم (صلی الله علیه و آله)، واعترف أهل الدنيا بذلك، فقال أنس بن مالك: «لم يكن أحد أشبه برسول الله (صلی الله علیه و آله) من الحسن بن علي (علیه السلام)» (2). .

ص: 26


1- ذخائر العقبى - احمد بن عبد الله الطبري: 127 - 128 .
2- الإرشاد - الشيخ المفيد 5:2 .

ولفتت انتباههم هيبة وجه ورثها من رسول الله (صلی الله علیه و آله)، فنقل واصل بن عطاء عن معاصريه: «كان الحسن بن علي عليه سيماء الأنبياء وبهاء الملوك» (1).

ونشأ الوليد الجديد في بيت القرآن، بين أم سادت نساء العالمين وأب نال وصاية خاتم النبيين (صلی الله علیه و آله) منذ الأيام الأولى لبدء الدعوة المحمدية (2).

وفوق ذلك كان الحسن وأخوه الحسين (علیه السلام) يحظيان برعاية سيد الكونين (صلی الله علیه و آله)، الذي ملأ نداءه أسماع المسلمين مشيدا بفضلهما: «هما ريحانتي من الدنيا» (3)، و «من أحبهما

فقد أحبني ومن أبغضهما فقد أبغضني» (4).

ولأنه من غير المتوقع أن يبغض أحد ممن تشرف بالإسلام أولاد النبي (صلی الله علیه و آله) صاحب الفضل العظيم على الأمة، فإن قوله (صلی الله علیه و آله) هذا في حقهما يعد استشرافا للغيب الذي لا يطلع رب العزة عليه إلا من ارتضى، وهو تحذير من خروج بعض المنتسبين للإسلام من ربقة الدين العظيم ببغض من أوصى رسول الله بمحبتهم.

بل إن بعض هؤلاء، جاوز الحد في بغض الحسنين (علیهما السلام) إلى السعي في قتلهما بالسم تارة وبالذبح تارة أخرى، وكأن الرسول الأمين (صلی الله علیه و آله) قد أوصى بعكس ذلك!!

وتستمر الحياة جميلة في عيني سبطا الرسول (صلی الله علیه و آله) مزدادة بطاعة الله وبالغذاء الروحي الذي يعشقه أهل البيت (علیهم السلام)،ولم يكن صغر السن حاجزا بينهم وبين المشاركة في القربات التي يؤديها أفراد هذه العائلة. .

ص: 27


1- أعيان الشيعة - السيد محسن الأمين 1: 563 .
2- في يوم الدار عندما نزل قوله تعالى: «وَأَنذِرْ عَشِیرَتَکَ الْأَقْرَبِینَ»
3- المصنف - ابن أبي شيبة الكوفي 7: 514 .
4- المعجم الكبير - الطبراني 3: 48 .

ومن أشهرها تصدقهم بخبزهم المُعدّ للإفطار من بعد صوم يوم طويل، على مسكين وقف على باب المطهرين، ولأن إيثارهم لا يتوقف، فقد تكرر المشهد ثانية عند غروب اليوم الثاني باختلاف يسير، وهو أن الواقف على باب الله كان يتيما.

ثم عاد خبزهم يملأ معدة فارغة لأسير في ثالث أيام الصوم.

وأمسى أصحاب آية التطهير لا يجدون غير الماء القراح وسيلة لإطعام أكبادهم العطشى، بينما تكفل الذكر والدعاء بترطيب الشفاه التي لم تفتر عن شكر الله والثناء عليه لما وفق.

ونظر الله تبارك وتعالى إلى خاصة عباده، ومن خلق السماء والأرض والشمس والقمر والبحر والأفلاك لأجلهم (1)، فرآهم مواظبين على طاعته وعلم منهم الإخلاص له في حركاتهم وسكناتهم، فأبدل - وهو العزيز القدير - أرغفتهم السمراء القليلة التي تصدقوا بها بثناء يبقى خالدا مدى الدهور، ومادام القرآن الكريم يعلن مشيدا بهم:

«إِنَّ الْأَبْرَارَ يَشْرَبُونَ مِنْ كَأْسٍ كَانَ مِزَاجُهَا كَافُورًا (5) عَيْنًا يَشْرَبُ بِهَا عِبَادُ اللَّهِ يُفَجِّرُونَهَا تَفْجِيرًا (6) يُوفُونَ بِالنَّذْرِ وَيَخَافُونَ يَوْمًا كَانَ شَرُّهُ مُسْتَطِيرًا (7) وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَى حُبِّهِ مِسْكِينًا وَيَتِيمًا وَأَسِيرًا (8) إِنَّمَا نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللَّهِ لَا نُرِيدُ مِنْكُمْ جَزَاءً وَلَا شُكُورًا (9) إِنَّا نَخَافُ مِنْ رَبِّنَا يَوْمًا عَبُوسًا قَمْطَرِيرًا (10) فَوَقَاهُمُ اللَّهُ شَرَّ ذَلِكَ الْيَوْمِ وَلَقَّاهُمْ نَضْرَةً وَسُرُورًا (11) وَجَزَاهُمْ بِمَا صَبَرُوا جَنَّةً وَحَرِيرًا»(2).

ص: 28


1- « ... قال الله عزوجل: يا ملائكتي، ويا سكان سماواتي! إني ما خلقت سماءً مبنية ولا أرضا مدحية، ولا قمرا منيرا، ولا شمسا مضيئة ولا فلكا يدور، ولا بحرا يجري، ولا فلكا يسري إلا في محبة هؤلاء الخمسة الذين هم تحت الكساء. فقال الأمين جبرائيل: يا رب! ومن تحت الكساء؟ فقال عزوجل: هم أهل بيت النبوة، ومعدن الرسالة، هم فاطمة وأبوها وبعلها وبنوها. فقال جبرائيل: يا رب أتأذن لي أن أهبط إلى الأرض لأكون معهم سادسا؟ فقال الله: نعم قد أذنت لك» (موسوعة كلمات الإمام الحسين (علیه السلام) - لجنة الحديث في معهد باقر العلوم (علیه السلام): 76 - 77)
2- سورة الإنسان: 5- 12

وشهدت أحدى بيوتات النبي (صلی الله علیه و آله)، وهو الذي تسكنه أم سلمة، مكرمةً عُليا، إذ دعا النبي الكريم بضعته الزهراء، وزَوْجها أمير المؤمنين (علیه السلام) والإمامين الحسنين (علیهما السلام)،

وأجتمع معهم تحت الكساء، وبصره يرنو إلى السماء مرددا: «اللهم إن هؤلاء أهل بيتي، أحب الخلق إلي فأذهب عنهم الرجس وطهرهم تطهيرا» فأنزل الله تعالى: «إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا»(1).

وكان هذا التطهير الرباني يمهد لخطوات أهم في حياة أهل الكساء، وتطورت الأحداث، وأغمد الكثير من المشركين سيوفهم البائسة، وانضموا لسفينة الإسلام، طوعاً أو طمعاً.

وبدأت وفود القبائل تنزل على المدينة المنورة، لتتحسس الدين الجديد، ولسان رائدها يعجز عن وصف عظمة الرسول (صلی الله علیه و آله)، فينبري ناطقا بالشهادتين، ويقفل راجعا وهو يدعو قومه إلى الصراط المستقيم.

ثم جاء نصارى نجران مستكبرين على الإسلام وأنوفهم عالية، وهيأتهم تحكي زهوهم، محاولين مجادلة خاتم الأنبياء (صلی الله علیه و آله) في ولادة روح الله عيسى (علیه السلام)، فأعطاهم الرسول دليلا نقض به حجتهم لو كانوا يفقهون، وذلك الدليل هو قوله عز من قائل:

«إِنَّ مَثَلَ عِيسَى عِنْدَ اللَّهِ كَمَثَلِ آدَمَ خَلَقَهُ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ قَالَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ»(2).

فأغوى بعض أكابرهم الشيطان ولم يؤمنوا، فنزل جبرائيل الأمين إلى رسول رب العالمين يخبره بإعداد العدة لمباهلة المعاندين، وسمى له بأمر الله أفراد جيشه

«فَمَنْ حَاجَّكَ فِيهِ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ فَقُلْ تَعَالَوْا نَدْعُ أَبْنَاءَنَا وَأَبْنَاءَكُمْ وَنِسَاءَنَا59

ص: 29


1- ينظر بحار الأنوار - العلامة المجلسي 25 : 240 .
2- سورة آل عمران: 59

وَنِسَاءَكُمْ وَأَنْفُسَنَا وَأَنْفُسَكُمْ ثُمَّ نَبْتَهِلْ فَنَجْعَلْ لَعْنَتَ اللَّهِ عَلَى الْكَاذِبِين»(1).

وأيقن كبار القوم من النصارى بالخسارة، لأنهم رأوا وجوها لو أقسمت على الله أن يزيل جبلا من محله لفعل.

وكان يقين أهل نجران - في هذه المرة - صادقا على الرغم من تكذبهم!

ولاحت السحائب السوداء في سماء أهل الأرض منبئة بقرب رحيل سيد الكونين (صلی الله علیه و آله)، وكان الحزن يأخذ مأخذه من أصحاب آية التطهير، ومصيبتهم أنهم سيفقدون الأب والمعلم والرسول.

وبدأ عصر جديد في حياة الإمام الحسن (علیه السلام) بعد فراق أعظم خلق الله، ذلك الفراق الذي ختم سبع سنين من عمره لا تشابه سني أترابه.

وكعادته في حياة رسول الله (صلی الله علیه و آله) دخل إلى المسجد النبوي الشريف، فوجد خليفة الناس قد اعتلى منبر جده (صلی الله علیه و آله)، فلم يطاوعه قلبه بالسكوت، فندد صارخا بوجه الحاكم الجديد: انزل عن مجلس أبي!

فأذعن الجالس على كبر سنه إلى وارث النبي (صلی الله علیه و آله)، وقال: «صدقت، إنه مجلس أبيك» (2).

ولأن المصائب إذا جاءت لا تأتي فرادى، كان على الفتى العلوي الهاشمي وأخوته أن يجددوا حزنهم، وأن يضيفوا إلى يتمهم الحديث يتما آخراً، والمفقودة هنا أم الحسن (علیها السلام)، فكانت أول المطهرين لحوقا بأبيها رسول الله (صلی الله علیه و آله)، لتشكو له ظلامتها، .

ص: 30


1- سورة آل عمران: 61 .
2- كنز العمال - المتقي الهندي 5: 616 .

وظلمة الليل التي دفنت فيه.

وضاعت معالم قبرها على الكثيرين، وكأن هذا الضياع المقصود يحمل سؤالاً غير عادي حول سر غيابه وهو يضم بضعة الرسول الطاهرة (علیها السلام).

ومضت ليالي العمر عليه بطيئةً، وثقيلةً، لا يختلف يومها عن أمسها، وهو يرى بيت النبوة الذي لا تفارقه ملائكة رب العالمين، يخلو من زائريه إلا من طالب حاجة ضاق به الفضاء فلم يجد سوى الأطهار ملجئاً، أو مستفهم لم ينهض الباقون برد جوابه(1)، ففي بيته يؤتى الحكم.

ولئن عجزت أكابر الصحابة عن إيضاح المكنون، فإن لمن زقه رسول الله (صلی الله علیه و آله) بالعلم زقاً(2)حقاً في إيكال الجواب إلى إحدى الريحانتين (علیهما السلام)، حتى يظهر للملأ أن».

ص: 31


1- ومن ذلك ما جاء في مناقب آل أبي طالب - ابن شهر آشوب 3: 176 - 177 : «سأل أعرابي أبا بكر فقال: إني أصبت بيض نعام فشويته وأكلته وأنا محرم فما يجب علي؟ فقال له: يا أعرابي أشكلت علي في قضيتك، فدله على عمر، ودله عمر على عبد الرحمن، فلما عجزوا قالوا: عليك بالأصلع، فقال أمير المؤمنين: سل أي الغلامين شئت، فقال الحسن: يا أعرابي ألك إبل؟ قال: نعم، قال: فاعمد إلى عدد ما أكلت من البيض نوقا فاضربهن بالفحول فما فضل منها فاهده إلى بيت الله العتيق الذي حججت إليه، فقال أمير المؤمنين: إن من النوق السلوب ومنها ما يزلق، فقال: إن يكن من النوق السلوب وما يزلق فان من البيض ما يمرق، قال فسمع صوت: معاشر الناس إن الذي فهم هذا الغلام هو الذي فهمها سليمان بن داود»
2- جاء في ينابيع المودة لذوي القربى - القندوزي 1: 224: «عن أبي سعيد البحتري قال: رأيت عليا (رضی الله عنه) على منبر الكوفة وعليه مدرعة رسول الله (صلی الله علیه و آله) وهو متقلد بسيفه ومتعمم بعمامته (صلی الله علیه و آله) فجلس على المنبر فكشف عن بطنه وقال: سلوني قبل أن تفقدوني فإنما بين الجوانح منى علم جم، سفط العلم، هذا لعاب رسول الله (صلی الله علیه و آله)، هذا ما زقني رسول الله (صلی الله علیه و آله) زقا زقا، فو الله لو ثنيت لي وسادة فجلست عليها لأفتيت أهل التوراة بتوراتهم وأهل الإنجيل بإنجيلهم، حتى ينطق الله التوراة والإنجيل فيقولان: صدق على قد أفتاكم بما أنزل في وأنتم تتلون الكتاب أفلا تعقلون».

للعلم أرضاً ينبت فيها، فيجيب السبط الأكبر (علیه السلام) الذي لم يتجاوز عمره عشراً على ما أشكل فهمه على الكبار، وحارت في استنباطه ألبابهم.

وجاءت الخطوب يتلو بعضها بعضاً، وإذا بالرهط المحب لأهل البيت (علیهم السلام) يلقى خشونة وتعسفاً من أهل التسلط، بل وصل الحال إلى أن يُطْرَد صادق اللهجة أبو ذر لا لشيء سوى أمره بالمعروف ونهيه عن المنكر في زمن بَعُدَت أوصافه عن صفات أيام الرسول (صلی الله علیه و آله).

وأصدر المتحكمون بإرث رسول الله (صلی الله علیه و آله) أمرهم بالنهي عن مشايعة وتوديع خامس المسلمين دخولا في الإسلام، لكن قرارهم الجائر لم يمنع المعصومين من أداء حق هذا المجاهد الصابر.

فكان الصدام مع كبير الحاشية الأموية مروان بن الحكم، الملعون على لسان النبي (صلی الله علیه و آله) وهو في صلب أبيه(1).

وانكسر المعتدي خائبا بعد أن شم رائحة ذي الفقار الذي طال صبره في غمده، فرفع السيف قامته قليلا، ثم عاد لأن حينه لم يحن، ولأن رقاب الناكثين والقاسطين والخارجين لم تبدِ وتينها بعد.

وسنحت للمسلمين فرصة ظنوا أنها تعيد إليهم، مجدهم الذي تركوه في سالف الأيام، وأرادوا لخاصف النعل (2) أن يصلح ما فسد من أحوالهم.).

ص: 32


1- ينظر شرح نهج البلاغة - ابن أبي الحديد 8:254 .
2- عن أبي سعيد قال: قال رسول الله (صلی الله علیه و آله) «إن منكم من يقاتل على تأويله كما قاتلت على تنزيله، قال فقام أبو بكر وعمر فقال: لا، ولكن خاصف النعل، وعلي يخصف نعله» (مسند احمد - الإمام احمد بن حنبل 3: 33).

لكن والد الحسن (علیه السلام) وهو الخبير بالنفوس، لم يرض باستقبال أمرهم، فانثالوا عليه من كل جانب،وحققت الجماهير مرادها، إلا أن مراد بعض الطامعين في الإمارة حال دون صفاء المسيرة، فأرغموا السيف الصقيل على الرقص فوق رقابهم في الجمل وصفين والنهروان، وأفلتت بعض الرؤوس من الموت الزؤام وهي تلمم ما انكشف من عورات أجسادها(1)، بينما وقف الجبن مصادقا لرأس الفئة الباغية، وأنقذه المتذبذبون بما فرضوه من فتنة التحكيم.

وفي كل تلك الظروف التي لم يشهد مثلها السابقون، كان نصيب الإمام المجتبى من اقتسام الخطوب مع أبيه كبيرا، وفي الوقت الذي انشغل فيه أصحاب الجمل بإسكات كلاب الحوأب لئلا تؤذي ام المؤمنين، كان السبط الأكبر (علیه السلام) يستنصر أهل المصر العظيم لنصرة أمير المؤمنين (علیه السلام)، وسلاحه في هذه المهمة الشاقة سحر البيان الذي امتازت به جذوره منذ القدم، وما أن اشتدت رياح الحرب على نفس رسول الله (صلی الله علیه و آله) حتى امتشق الأسباط سيوفهم، وانقضوا يسطرون ملاحم ما عرفها الناس إلا من أبيهم (علیه السلام)، فأشفق أمير المؤمنين (علیه السلام) على ذراري مؤمنة في أصلاب المحاربين، من مواجهة عليِينَ ثلاثة، وأراد أن يقي عينيه (2) فطلب من الناس أن يملكوا عنه الحسنين (علیهما السلام)، مؤكدا إنهما نسل رسول الله (صلی الله علیه و آله) الذي لا يريد له أن ينقطع.

وما رضي القاسطون والمارقون إلا محاربة الجمع الذي فيه (أبناءنا) و(أنفسنا)،5)

ص: 33


1- وإلى ذلك أشار أبو فراس بقوله: ولا خير في دفع الردى بمذلة كما ردها يوما بسوءته عمرو (الفصول المهمة في معرفة الأئمة - ابن الصباغ 1: 464).
2- قيل لمحمد بن الحنفية رحمة الله عليه: أبوك يسمح بك في الحرب ويشح بالحسن والحسين (علیه السلام) فقال: هما عيناه وأنا يده والإنسان يقي عينيه بيده. (كشف الغمة - ابن أبي الفتح الإربلي 2: 235)

حتى كأن المباهلة عادت من جديد.

وخُتِمَت حياة أمير المؤمنين (علیه السلام) مقتولاً في محراب الله، كما بدأت في بيته، لأن أعداءه علموا أنه لن يحقق المرادي مرادهم إلا في الوقت الذي ينغمر فيه شقيق القرآن في صلاته.

وأمسك الإمام الحسن (علیه السلام) بقبضة سيفه مطبقاً حكم القصاص في أشقى الأشقياء.

وطلبه المسلمون لأنفسهم، واجتمع المؤمنون عليه، فقبل قيادتهم رغم اختلاف الظروف وتزلزل كثير من القلوب، واستعد لحرب الطلقاء وأبناء الطلقاء بعزم لا يلين، غير أن حكم الرشا كان أقوى في النفوس من حكم رسول الله (صلی الله علیه و آله).

وجاء البلاء ممن سُحيَْبون في الأصدقاء، وطعنوه في قلبه بخضوعهم لبريق الدينار والدرهم، ثم طعنوه في جسده وأرادوا قتله، ونجاه الله، فلم يتوقفوا، وأرادوا تسليم ابن النبي (صلی الله علیه و آله) إلى ابن آكلة الأكباد.

فرأى وهو الحكيم أن يصالح المتلفع بثوب الدين عسى إن ينكشف لثامه، فصالح معاوية، الذي لم يقنع بما وصل إليه حتى طلب المزيد لبني أمية، وأراد تتويج صاحب الكلاب والقرود وليا لعهده.

لكن بقاء السبط الأكبر (علیه السلام) حياً يحرمه من تنفيذ مخططه، فكان اللجوء إلى سلاحه المعسول الذي أوقف به حياة الكثير من المعارضين من قبل.

فدس إلى ريحانة الرسول (صلی الله علیه و آله) ما جعله يقذف أحشائه.

ومع سريان السم في الجسد الشريف، كانت شمعة عمره قد وصلت إلى نهايتها، ثم ما لبثت أن انطفأت عن أهل الدنيا في السابع من صفر من سنة الخمسين الهجرية.

ولم تنته محاربتهم له حتى منعوه شهيداً من الدفن بقرب جده العظيم (صلی الله علیه و آله)، وبوصية

ص: 34

منه لم تهرق محجمة دم في دفنه.

وعندما لُمحِ نعشُه بسلام بعيداً عن رسول الله (صلی الله علیه و آله)، أجبرت هيبته ألد أعداءه على

حمل جسده الطاهر إلى مثواه الطاهر ولسانهم يردد: كان حلمه يوازن الجبال(1).).

ص: 35


1- «لما مات الحسن بن علي (علیه السلام) وأخرجوا جنازته حمل مروان سريره، فقال له الحسين (علیه السلام): أتحمل سريره؟ أما والله لقد كنت تجرعه الغيظ فقال مروان: إني كنت افعل ذلك بمن يوازن حلمه الجبال» (مقاتل الطالبيين - أبو الفرج الأصفهاني: 49).

ص: 36

الباب الأول: تنزيه الإمام الحسن (علیه السلام)

اشارة

ص: 37

ص: 38

تمهيد

وفي الأوراق القادمة من هذا الباب، سنستعرض- ان شاء الله - شيئاً يسيراً مما ورد في فضل الإمام الحسن (علیه السلام) في القرآن الكريم والأحاديث النبوية الشريفة، وفيها أو في بعض بعضها غنى عن إيراد أقوال المسلمين ومنهم كبار الصحابة المعاصرين للإمام (علیه السلام) التي عبرت عن رفعة أهل البيت (علیهم السلام).

ومع ثبوت هذه الفضائل وإقرار علماء الإسلام من كافة الأطراف، فالواجب على جميع المسلمين ما شرقت طوائفهم أو غربت التنبه لمقامات الأولياء ورفض كل ما يختلف أو يتعارض مع مضمون الآيات والأحاديث القادمة.

وعلي أن أعترف برغبتي في إيراد المزيد من الشواهد القرآنية وأحاديث النبي الأعظم (صلی الله علیه و آله) بحق ولده المجتبى (علیه السلام)، رغبة مني في طلب ثواب نشر فضائل أهل البيت (علیهم السلام)، إلا أن هذه الرغبة الملحة اصطدمت بعائق الوقت الذي لا أملك منه الكثير.

ص: 39

ص: 40

الفصل الأول: مناقبه (علیه السلام) في القرآن

1- آية التطهير

ونصها: «إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا»

وقصة نزول الآية كما يرويها الترمذي: «عن عمر بن أبي سلمة ربيب النبي (صلی الله علیه و آله) قال نزلت هذه الآية على النبي (صلی الله علیه و آله) : إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيرا، في بيت أم سلمة، فدعا النبي[صلی الله علیه و آله] فاطمة وحسناً وحسيناً فجللهم بكساء وعلي خلف ظهره فجلله بكساء ثم قال: اللهم هؤلاء أهل بيتي فأذهب عنهم الرجس وطهرهم تطهيراً. قالت أم سلمة وأنا معهم يا رسول الله؟ قال أنت على مكانك وأنت إلى خير».(1)

وقد شاعت تسمية الخمسة المجتمعين في بيت أم سلمة، بأهل الكساء نسبة إلى الكساء الموجود في هذه الكرامة العظيمة.

وليس هناك خلاف بين علماء العترة الطاهرة بأنها نزلت في حق رسول الله (صلی الله علیه و آله) وأمير المؤمنين علي بن أبي طالب (علیه السلام) وسيدة النساء فاطمة الزهراء (علیها السلام) والسبطين العظيمين الحسن والحسين (علیهما السلام).8.

ص: 41


1- سنن الترمذي - الترمذي 5: 328.

ويتفق مع علماء الشيعة، جمعٌ غفير من علماء أهل السنة كما تشهد بذلك صحاحهم وكتبهم ومنهم:

مسلم(1) واحمد بن حنبل(2)، والحاكم(3)، ابن أبي شيبة الكوفي أستاذ البخاري(4)، والنسائي(5)، وابن حبان(6)، وغيرهم.

وهناك فريق آخر من علماء أهل السنة، يذهب بعيداً ويقول بنزولها في حق نساء النبي (صلی الله علیه و آله)، ولا حجة لديهم سوى سياق الآيات الذي وجدت فيه الآية الكريمة؛ لأن ما قبلها وما بعدها جاء في حق نساء النبي (صلی الله علیه و آله): «يَا نِسَاءَ النَّبِيِّ لَسْتُنَّ كَأَحَدٍ مِنَ النِّسَاءِ إِنِ اتَّقَيْتُنَّ فَلَا تَخْضَعْنَ بِالْقَوْلِ فَيَطْمَعَ الَّذِي فِي قَلْبِهِ مَرَضٌ وَقُلْنَ قَوْلًا مَعْرُوفًا (32) وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ وَلَا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الْأُولَى وَأَقِمْنَ الصَّلَاةَ وَآتِينَ الزَّكَاةَ وَأَطِعْنَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا (33) وَاذْكُرْنَ مَا يُتْلَى فِي بُيُوتِكُنَّ مِنْ آيَاتِ اللَّهِ وَالْحِكْمَةِ إِنَّ اللَّهَ كَانَ لَطِيفًا خَبِيرًا»(7).34

ص: 42


1- ينظر صحيح مسلم - مسلم النيسابوري 7: 130 .
2- ينظر مسند أحمد - الإمام أحمد بن حنبل 4: 107 ، و 6: 292 .
3- ينظر المستدرك على الصحيحين - الحاكم النيسابوري 2: 416 ، و 3:133 ، و 3:147 مرتين.
4- ينظر المصنف - ابن أبي شيبة الكوفي 7: 501 .
5- ينظر خصائص أمير المؤمنين (علیه السلام) - النسائي: 49 .
6- ينظر صحيح ابن حبان - ابن حبان 15 : 433 .
7- سورة الأحزاب: 32 - 34

والتشبث بالسياق، لا ينهض بالحجة لوجود معارضاتٍ عديدة له، ومنها أن الرسول الأعظم قد رفع اللبس عندما داوم طيلة ستة أشهرٍ - بعد نزول الآية - على المرور بباب علي وفاطمة والحسنين (علیهم السلام) قبل الشروع في إقامة الصلاة بمرأى ومسمع من المسلمين قائلاً: «إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيرا، قوموا إلى الصلاة يرحمكم الله».

وقول وفعل الرسول الأكرم (صلی الله علیه و آله) حجة عند جميع طوائف المسلمين.

كما أن الواقع التاريخي لا يدعم نزولها في حق أمهات المؤمنين وزوجات النبي ، (صلی الله علیه و آله) حيث لم تدع أي واحدة منهن ذلك، وعلى رأسهن أم سلمة وعائشة(1)، وقد اعترفن بنزولها في حق الخمسة الأطهار(2).

يضاف إلى ذلك أن التهديد القرآني لبعض أمهات المؤمنين بالطلاق والاستبدال في قوله تبارك وتعالى «عَسَى رَبُّهُ إِنْ طَلَّقَكُنَّ أَنْ يُبْدِلَهُ أَزْوَاجًا خَيْرًا مِنْكُنَّ مُسْلِمَاتٍ مُؤْمِنَاتٍ قَانِتَاتٍ تَائِبَاتٍ عَابِدَاتٍ سَائِحَاتٍ ثَيِّبَاتٍ وَأَبْكَارًا»(3)، لا يتناغم مع التأكيد على الإرادة الربانية5.

ص: 43


1- روى البيهقي في السنن الكبرى 2: 149 عن عائشة قالت: «خرج النبي (صلی الله علیه و آله) ذات غداة وعليه مرط مرحل من شعر اسود فجاء الحسن فادخله معه ثم جاء الحسين فادخله معه ثم جاءت فاطمة فأدخلها معه ثم جاء على فادخله معه ثم قال:إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجل أهل البيت ويطهركم تطهيرا» وقال عقبة: (رواه مسلم في الصحيح عن أبي بكر بن أبي شيبة وغيره عن محمد بن بشر).
2- جاء في المستدرك للحاكم 148:3 : «لما نظر رسول الله (صلی الله علیه و آله) إلى الرحمة هابطة قال ادعوا لي ادعوا لي فقالت صفية من يا رسول الله قال أهل بيتي علياً وفاطمة والحسن والحسين فجيء بهم فألقى عليهم النبي (صلی الله علیه و آله) كساءه ثم رفع يديه ثم قال اللهم هؤلاء آلى فصل على محمد وعلى آل محمد وانزل الله عز وجل «إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا»، هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه).
3- سورة التحريم: 5.

بالتطهير من الرجس والآثام المقصود من الآية.

وإذا رجعنا إلى السياق وهو الحجة الكبرى عند الفريق الثاني، فإن التعابير التي جاءت في ثنايا آية التطهير تختلف عما قبلها وما بعدها، من حيث استعمال الضمائر المؤنثة للآيات التي تسبقها، والتي تليها، ولو كان المقصود من أهل البيت (علیهم السلام) زوجات الرسول (صلی الله علیه و آله) لاقتضى أن يكون الضمير ضمير جمع المؤنث المخاطب على نفس النسق الذي جاء به ما قبلها وما بعدها، فيكون الكلام: إنما يريد الله ليذهب عنكن الرجس ويطهركن تطهيراً.

وبذلك يتعزز القول بأنها من الجمل الاعتراضية التي جاءت في سياق كلام آخر، وليس بعزيز وجود أمثالها في كلام العرب، وآيات القرآن الكريم كما في سورة يوسف «فَلَمَّا رَأَى قَمِيصَهُ قُدَّ مِنْ دُبُرٍ قَالَ إِنَّهُ مِنْ كَيْدِكُنَّ إِنَّ كَيْدَكُنَّ عَظِيمٌ (28) يُوسُفُ أَعْرِضْ عَنْ هَذَا وَاسْتَغْفِرِي لِذَنْبِكِ إِنَّكِ كُنْتِ مِنَ الْخَاطِئِينَ»(1)، فقد خُوطِبَت امرأةُ العزيز بأول الكلام، وانتقل الخطاب إلى نبي الله يوسف (علیه السلام) ثم عاد الخطاب الى امرأة العزيز مرة أخرى.

وبعد عدم نجاح السياق في إلحاق نساء النبي (صلی الله علیه و آله) بأهل آية التطهير، أو صرفها إليهن، جاء الاعتماد على أقاويل ومرويات أعداء أهل البيت (علیهم السلام) كعكرمة الخارجي مولى ابن عباس: «قال الذهبي: فهذه آيات شريفة في زوجات نبينا (صلی الله علیه و آله). وقال عكرمة عن ابن عباس: إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت، قال: نزلت في نساء النبي[صلی الله علیه و آله] ثم قال عكرمة: من شاء باهلته أنها نزلت في نساء النبي[صلی الله علیه و آله] خاصة. وعلق الحافظ ابن كثير على قول عكرمة فقال: فإن كان المراد أنهن كن سببَ النزول دون غيرهن فصحيح، وإن أريد أنهن المراد فقط دون غيرهن ففي هذا نظر فإنه قد وردت .

ص: 44


1- سورة يوسف: 28 - 29 .

أحاديث تدل على أن المراد أعم من ذلك، ثم ساق الأحاديث على ذلك» (1).

ومحاولة نسبة الآية الكريمة إلى غير أهلها، من قبل البعض تأتي في سياق طمس الفضيلة العظمى التي تضمنتها وإبعادها عن مستحقيها.

والحق إن إرادة التطهير من قبل الله سبحانه وتعالى، والتأكيد على هذه الإرادة بأساليب متعددة يفصح عن عصمة أهل البيت (علیهم السلام)، ويعلن عن تهيئة هذه العائلة الكريمة لقيادة الأمة الإسلامية بعد وفاة خاتم النبيين (صلی الله علیه و آله).

هذه الخلافة التي يستحقها أفضل الخلق بعد رسول الله (صلی الله علیه و آله)، وقد شهدت هذه الآية بأفضليتهم (علیهم السلام) على باقي الأمة ويشهد لذلك ما رواه عبد الله بن أحمد بن حنبل حيث قال: «سألت أبي عن التفضيل؟ فقال: أبو بكر وعمر وعثمان، ثم سكت. فقلت: يا أبتِ، أين علي بن أبي طالب؟ قال: هو من أهل البيت لا يقاس به هؤلاء» (2).

2- آية المباهلة

ونصها: «فَمَنْ حَاجَّكَ فِيهِ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ فَقُلْ تَعَالَوْا نَدْعُ أَبْنَاءَنَا وَأَبْنَاءَكُمْ وَنِسَاءَنَا وَنِسَاءَكُمْ وَأَنْفُسَنَا وَأَنْفُسَكُمْ ثُمَّ نَبْتَهِلْ فَنَجْعَلْ لَعْنَتَ اللَّهِ عَلَى الْكَاذِبِينَ»(3).

وقد جرت وقائع هذه الآية في السنة العاشرة للهجرة، حينما جاء وفد نصارى نجران إلى المدينة المنورة للتعرف على دعوة النبي (صلی الله علیه و آله)، ومعرفة تطابق أوصافه مع ما موجود في كتبهم، فأبى أغلبهم، مع وضوح الحق ولم يؤمنوا فكان أن سجل الرهط المقدس بقيادة خاتم الأنبياء (صلی الله علیه و آله) نصرا عزيزا، على منكري رسالته من أتباع الملل والأديان1.

ص: 45


1- مسند ابن راهويه - إسحاق بن راهويه 4: 15 - 16 .
2- ينابيع المودة لذوي القربى - القندوزي 2: 298 .
3- سورة آل عمران: 61.

الأخرى.

والغريب أن هذه المناسبة التي ظهرت فيها كرامة من كرامات الله عز وجل، ورفرفت فيها أعلام الانتصار للإسلام، نسيها كثير من المسلمين، ولم يعد يتذكرها، ويحتفل بها إلا شيعة أهل البيت (علیهم السلام).

وقصة المباهلة طويلة وممتعة وذكرها كاملة يستدعي صفحاتٍ طوالٍ، وطلباً للاختصار ننقل ما ذكره الزمخشري، وهو احد كبار مفسري أهل السنة حيث قال:

«وروي أنهم لما دعاهم إلى المباهلة قالوا حتى نرجع وننظر، فلما تخالوا قالوا للعاقب وكان ذا رأيهم يا عبد المسيح ما ترى؟ فقال والله لقد عرفتم يا معشر النصارى أن محمدا نبي مرسل، ولقد جاءكم بالفصل من أمر صاحبكم، والله ما باهل قوم نبياً قط فعاش كبيرهم ولا نبت صغيرهم، ولئن فعلتم لتهلكن، فإن أبيتم إلا إلف دينكم والإقامة على ما أنتم عليه فوادعوا الرجل وانصرفوا إلى بلادكم، فأتوا رسول الله (صلی الله علیه و آله)، وقد غدا محتضنا الحسين آخذا بيد الحسن وفاطمة تمشي خلفه وعلي خلفها وهو يقول: إذا أنا دعوت فأمنوا، فقال أسقف نجران: يا معشر النصارى إني لأرى وجوها لو شاء الله أن يزيل جبلا من مكانه لأزاله بها فلا تباهلوا فتهلكوا ولا يبقى على وجه الأرض نصراني إلى يوم القيامة، فقالوا: يا أبا القاسم رأينا أن لا نباهلك وأن نقرك على دينك ونثبت على ديننا، قال: فإذا أبيتم المباهلة فأسلموا يكن لكم ما للمسلمين وعليكم ما عليهم فأبوا، قال: فإني أناجزكم، فقالوا ما لنا بحرب العرب طاقة ولكن نصالحك على أن لا تغزونا ولا تخيفنا ولا تردنا عن ديننا على أن نؤدي إليك كل عام ألفي حلةٍ ألف في صفر وألف في رجب وثلاثين درعاً عادية من حديد، فصالحهم على ذلك وقال: والذي نفسي بيده إن الهلاك قد تدلى على أهل نجران، ولو لاعنوا لمُسِخوا قردةَ وخنازير ولاضطرم

ص: 46

عليهم الوادي نارا ولاستأصل الله نجران وأهله حتى الطير على رؤوس الشجر، ولما حال الحول على النصارى كلهم حتى يهلكوا» (1).

وحديث المباهلة معروف ومشهور عند السنة والشيعة على حد سواء، وقد أورد السيد البحراني (قدس سره) في كتابه غاية المرام تسعة عشر حديثا من طرق أهل السنة وخمسة عشر حديثا من طرق الشيعة.

وكانت أقوال العلماء تؤكد ان الخمسة الأطهار هم أهل المباهلة، واليك طرف منها:

قال الحاكم النيسابوري: «قال لما نزلت هذه الآية «نَدْعُ أَبْنَاءَنَا وَأَبْنَاءَكُمْ وَنِسَاءَنَا وَنِسَاءَكُمْ وَأَنْفُسَنَا وَأَنْفُسَكُمْ» دعا رسول الله (صلی الله علیه و آله) عليا وفاطمة وحسنا وحسينا (رضی الله عنهم) فقال اللهم هؤلاء أهلي هذا حديث صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه» (2)

وقال الزرندي الحنفي: «وأُنزِلَتْ هذه الآيةُ: «فَقُلْ تَعَالَوْا نَدْعُ أَبْنَاءَنَا وَأَبْنَاءَكُمْ وَنِسَاءَنَا وَنِسَاءَكُمْ وَأَنْفُسَنَا وَأَنْفُسَكُمْ ثُمَّ نَبْتَهِلْ فَنَجْعَلْ لَعْنَتَ اللَّهِ عَلَى الْكَاذِبِينَ» فدعا رسول الله (صلی الله علیه و آله) علياً وفاطمة والحسن والحسين (رضی الله عنهم)، وقال: اللهم هؤلاء أهلي» (3).

وقال المباركفوري: «دعا رسول الله علياً فنزله منزلة نفسه لما بينهما من القرابة والأخوة وفاطمة أي لأنها أخص النساء من أقاربه، وحسنا وحسينا، فنزلهما بمنزلة ابنيه فقال اللهم هؤلاء أهلي» (4). .

ص: 47


1- الكشاف عن حقائق التنزيل وعيون الأقاويل - الزمخشري 1: شرح 434 .
2- المستدرك - الحاكم النيسابوري 3: 150 .
3- نظم درر السمطين - الزرندي الحنفي: 108 .
4- تحفة الأحوذي - المباركفوري 8: 278 .

وقال الجصاص: «نقل رواة السير ونقلة الأثر لم يختلفوا فيه: أن النبي (صلی الله علیه و آله) أخذ بيد الحسن والحسين وعلي وفاطمة (رضی الله عنهم) ثم دعا النصارى الذين حاجوه إلى المباهلة، فأحجموا عنها وقال بعضهم لبعض: إن باهلتموه اضطرم الوادي عليكم نارا ولم يبق نصراني ولا نصرانية إلى يوم القيامة» .(1)

وقال الشيخ محمد بن طلحة الشافعي: «.... فلما أصبحوا جاؤوا إلى رسول الله فخرج إليهم محتضن الحسين آخذا بيد الحسن وفاطمة خلفه وعلي خلفهما ويقول:

اللهم هؤلاء أهلي، قال الشعبي: قوله تعالى: «أَبْنَاءَنَا وَأَبْنَاءَكُمْ وَنِسَاءَنَا وَنِسَاءَكُمْ وَأَنْفُسَنَا» الحسن والحسين ، (علیه السلام)، «وَنِسَاءَنَا» فاطمة، «وَأَنْفُسَنَا» علي» (2).

وقال القرطبي: «أن النبي (صلی الله علیه و آله) جاء بالحسن والحسين وفاطمة تمشي خلقه وعلى خلفها وهو يقول لهم: إن أنا دعوت فأمنوا». (3)

ونقل الحافظ ابن عساكر احتجاج أمير المؤمنين (علیه السلام) بها، في يوم الشورى، بعد وفاة عمر بن الخطاب:

«قال علي بن أبي طالب يوم الشورى والله لأحتجن عليهم بما لا يستطيع قرشيهم ولا عربيهم ولا أعجميهم رده ولا يقول خلافه، ثم قال لعثمان بن عفان ولعبد الرحمن بن عوف والزبير ولطلحة وسعد وهم أصحاب الشورى وكلهم من قريش وقد كان قدم طلحة: أنشدكم بالله الذي لا إله إلا هو أفيكم أحد وحد الله قبلي؟ قالوا: اللهم لا، قال أنشدكم بالله هل فيكم أحد صلى لله قبلي وصلى القبلتين؟ قالوا اللهم لا، .

ص: 48


1- أحكام القرآن - الجصاص 2: 18 .
2- مطالب السؤول في مناقب آل الرسول (علیهم السلام) - محمد بن طلحة الشافعي: 38 - 39
3- تفسير القرطبي - القرطبي 4: 104 .

قال: أنشدكم بالله أفيكم أحد أخو رسول الله (صلی الله علیه و آله) غيري إذ آخى بين المؤمنين فآخى بيني وبين نفسه وجعلني منه بمنزلة هارون من موسى إلا أني لست نبي؟ قالوا: لا، قال: أنشدكم بالله أفيكم مطهر غيري إذ سد رسول الله (صلی الله علیه و آله) أبوابكم وفتح بابي وكنت معه في مساكنه ومسجده فقام إليه عمه فقال يا رسول الله غلقت أبوابنا وفتحت باب علي قال نعم الله أمر بفتح بابه وسد أبوابكم؟ قالوا: اللهم لا، قال: نشدتكم بالله أفيكم أحد أحب إلى الله وإلى رسوله مني إذ دفع الراية إلي يوم خيبر فقال لأعطين الراية إلى من يحب الله ورسوله ويحبه الله ورسوله ويوم الطائر إذ يقول اللهم ائتني بأحب خلقك إليك يأكل معي فجئت فقال اللهم وإلى رسولك اللهم وإلى رسولك غيري؟ قالوا:اللهم لا قال نشدتكم بالله أفيكم أحد قدم بين يدي نجواه صدقة غيري حتى رفع الله ذلك الحكم؟ قالوا: اللهم لا، قال: نشدتكم بالله أفيكم من قتل مشركي قريش والعرب في الله وفي رسوله غيري؟ قالوا: اللهم لا، قال: نشدتكم بالله أفيكم أحد دعا رسول الله له في العلم وأن يكون أذنه الواعية مثل ما دعا لي؟ قالوا: اللهم لا، قال: نشدتكم بالله هل فيكم أحد أقرب إلى رسول الله (صلی الله علیه و آله) في الرحم ومن جعله رسول الله (صلی الله علیه و آله) نفسه وأبناءه أبناءه ونساءه نساءه غيري؟ قالوا: اللهم لا...» (1).

ونقل مسلم في صحيحه، تمسك سعد بن أبي وقاص بهذه الفضيلة عندما امتنع عن تنفيذ أمر معاوية بن أبي سفيان في سب مولى المتقين علي بن أبي طالب (علیه السلام): «أمر معاوية بن أبي سفيان سعدا فقال: ما منعك أن تسب أبا التراب، فقال: أما ما ذكرت ثلاثا، قالهن له رسول الله (صلی الله علیه و آله) فلن أسبه لأن تكون لي واحدة منهن أحب إليَّ من حمر النعم سمعت رسول الله (صلی الله علیه و آله) يقول له وقد خلَّفه في بعض مغازيه، فقال له علي: يا رسول الله خلفتني مع النساء والصبيان فقال له رسول الله (صلی الله علیه و آله) : أما ترضى أن تكون منى بمنزلة .

ص: 49


1- تاريخ مدينة دمشق - ابن عساكر 42 : 431 - 432 .

هارون من موسى الّا انه لا نبوة بعدي وسمعته يقول يوم خيبر لأعطين الراية رجلاً يحب الله ورسوله ويحبه الله ورسوله قال فتطاولنا لها فقال ادعوا لي عليا فأُتيَ به أرمداً فبصق في عينه ودفع الراية إليه ففتح الله عليه ولما نزلت هذه الآية «فَقُلْ تَعَالَوْا نَدْعُ أَبْنَاءَنَا وَأَبْنَاءَكُمْ» دعا رسول الله [صلی الله علیه و آله] عليا وفاطمة وحسنا وحسينا فقال اللهم هؤلاء أهلي» (1).

أما علماء الشيعة، فكلمتهم في ذلك واضحة، لأنها من صميم عقائدهم:

قال الشيخ المفيد (قدس سره) : «.... فدعا الحسن والحسين (علیهما السلام) للمباهلة، فكانا ابنيه في ظاهر اللفظ، ودعا فاطمة سلام الله عليها وكانت المع عنها بنسائه، ودعا أميرالمؤمنين (علیه السلام) فكان المحكوم له بأنه نفسه وقد علمنا أنه لم يرد بالنفس ما به قوام الجسد من الدم السائل والهواء ونحوه، ولم يرد نفس ذاته، إذ كان لا يصح دعاء الإنسان نفسه إلى نفسه ولا إلى غيره، فلم يبق إلا أنه أراد عليه وآله السلام بالعبارة عن النفس إفادة العدل والمثل والنظير، ومن يحل منه في العز والإكرام والمودة والصيانة والإيثار والإعظام والإجلال محل ذاته عند الله سبحانه، فيما فرض عليه من الاعتقاد بها وألزمه العباد. ولو لم يدل من خارج - دليل على أن النبي (صلی الله علیه و آله) أفضل من أمير المؤمنين (علیه السلام) لقضى هذا الاعتبار بالتساوي بينهما في الفضل والرتبة، ولكن الدليل أخرج ذلك، وبقي ما سواه بمقتضاه» (2).

وقال تلميذه السيد المرتضى (قدس سره) : «لا شبهة في دلالة آية المباهلة على فضل من دعي إليها وجعل حضوره حجةً على المخالفين، واقتضائها تقدمه على غيره، لأن النبي (صلی الله علیه و آله) لا .

ص: 50


1- صحيح مسلم - مسلم النيسابوري 7: 120 - 121 .
2- تفضيل أمير المؤمنين (علیه السلام) - الشيخ المفيد: 21 - 23 .

يجوز أن يدعو إلى ذلك المقام ليكون حجة فيه إ من هو في غاية الفضل وعلو المنزلة، وقد تظاهرت الرواية بحديث المباهلة وأن النبي (صلی الله علیه و آله) دعا إليها أمير المؤمنين وفاطمة والحسن والحسين (علیهم السلام)، وأجمع أهل النقل وأهل التفسير على ذلك» (1).

ومن الطريف اعتراف ابن تيمية، بعدم خروج أحد مع رسول الله في المباهلة غير المطهرين الأربعة(2)، ا أنه يقول بأن عادة العرب في المباهلة أنهم كانوا يخرجون أقرب الناس اليهم، ذاهلا عن أن تسمية الخمسة الأطهار جاءت من الله سبحانه وتعالى ولم تأت من العرف والعادة، ومن يسمع بقول (عادة العرب) يتصور أن هناك مباهلات ومباهلات في تأريخ العرب.

ولم يبين لنا ابن تيمية، هل كانت العرب تخرج صغارها كما دُعِيَ الحسنان ونساءها كالزهراء، وتترك كبار الأقارب كالعباس.

نعم، لما الزمه ما في الآية من فضيلة عظمى لأمير المؤمنين (علیه السلام) حاول التخفيف منها بقوله: لم تكن هذه الفضيلة لعلي فقط وإنما كانت لفاطمة والحسن والحسين.

وفي هذا التخفيف مزيد فضل وشرف أن يختص الله تعالى شأنه أمير المؤمنين (علیه السلام) وعائلته الكريمة بمشاركة النبي (صلی الله علیه و آله) في مجال مجابهة المنكرين للإسلام والدعوة المحمدية.

ولا يظنن أحد أن حضور الأربعة الطاهرين (علیهم السلام) كان لأجل تسجيل الحضور فقط، بل لهم الدور المكمل لدور رسول الله (صلی الله علیه و آله) كما يتضح من قوله (صلی الله علیه و آله) : إذا أنا دعوت فأمنوا، أي قولوا آمين.

وفي هذا بيان لأهلية الحسنين (علیهما السلام) مع صغر سنهم لإنجاز التكاليف الإلهية، .

ص: 51


1- الشافي في الإمامة - الشريف المرتضى 2: 254 .
2- ينظر أية المباهلة - السيد علي الميلاني: 31 .

والمساهمة في تحمل أعباء الدفاع عن الإسلام، وبذلك تندفع مساواة من ساواهم بغيرهم في الأفعال عند صغر سنهم.

3- آية المودة

ونصها: «قُلْ لَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى وَمَنْ يَقْتَرِفْ حَسَنَةً نَزِدْ لَهُ فِيهَا حُسْنًا إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ شَكُورٌ»(1).

وقد اتفق المفسرون من الشيعة جميعا على نزول هذه الآية في حق أهل بيت النبي ، (صلی الله علیه و آله) وجاءت أكثر مصادر أهل السنة مطابقة لما رواه إخوانهم أتباع العترة الطاهرة.

حيث قال الزمخشري: «وروى أنها لما نزلت قيل يا رسول الله من قرابتك هؤلاء الذين وجبت علينا مودتهم قال علي وفاطمة وابناهما» (2)

وروى الهيثمي عن ابن عباس قال: «لما نزلت «قُلْ لَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى» قالوا يا رسول الله من قرابتك هؤلاء الذين وجبت علينا مودتهم قال علي وفاطمة وابناهما» (3) ونقل ابن كثير استدلال الإمام زين العابدين (علیه السلام) على الرجل الشامي بهذه الآية:

«لما جئ بعلي بن الحسين (رضی الله عنه) أسيرا فأقيم على درج دمشق قام رجل من أهل الشام فقال الحمد لله الذي قتلكم واستأصلكم وقطع قرن الفتنة فقال له علي بن الحسين (رضی الله عنه) : أقرأت القرآن؟ قال نعم، قال: أقرأت آل حم؟ قال: قرأت القرآن ولم أقرأ آل حم قال ما قرأت «قُلْ لَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى»؟ قال وإنكم لأنتم هم؟ قال نعم» (4).21

ص: 52


1- الشورى: 23
2- الكشاف عن حقائق التنزيل وعيون الأقاويل - الزمخشري 3:467 .
3- مجمع الزوائد - الهيثمي 7:103 .
4- تفسير ابن كثير - ابن كثير - ج 4 - ص 121

وأخرج الحاكم خطبة الإمام الحسن (علیه السلام) بعد استشهاد الإمام علي(علیه السلام) (1): «قال خطب الحسن بن علي الناس حين قُتِلَ عليٌّ فحمد الله وأثنى عليه ثم قال لقد قُبِضَ في هذه الليلة رجل لا يسبقه الأولون بعمل ولا يدركه الآخرون وقد كان رسول الله (صلی الله علیه و آله) يعطيه رايته فيقاتل وجبريل عن يمينه وميكائيل عن يساره فما يرجع حتى يفتح الله عليه وما ترك على أهل الأرض صفراء ولا بيضاء إلا سبع مائة درهم فضلت من عطاياه أراد أن يبتاع بها خادما لأهله ثم قال أيها الناس من عرفني فقد عرفني ومن لم يعرفني فانا الحسن بن علي وانا ابن النبي وانا ابن الوصي وأنا ابن البشير وآنا ابن النذير وأنا ابن الداعي إلى الله بإذنه وانأ ابن السراج المنير وانا من أهل البيت الذي كان جبريل ينزل إلينا ويصعد من عندنا وأنا من أهل البيت الذي اذهب الله عنهم الرجس وطهرهم تطهيرا وأنا من أهل البيت الذي افترض الله مودتهم على كل مسلم فقال تبارك وتعالى لنبيه (صلی الله علیه و آله) «قُلْ لَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى وَمَنْ يَقْتَرِفْ حَسَنَةً نَزِدْ لَهُ فِيهَا حُسْنًا» فاقتراف الحسنة مودتنا أهل البيت» (2).

وتكلم القندوزي في نزول الآية بحق أهل البيت المطهرين فقال: «أخرج أحمد في مسنده: بسنده عن سعيد بن جبير عن ابن عباس (رضی الله عنهما) قال: «قُلْ لَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى» قالوا: يا رسول الله من هؤلاء الذين وجبت لنا مودتهم؟ قال: علي وفاطمة والحسن والحسين. أيضا أخرج هذا الحديث الطبراني في معجمة الكبير، وابن أبي حاتم في تفسيره، والحاكم في المناقب، والواحدي في الوسيط، وأبو نعيم الحافظ في .

ص: 53


1- «قال الذهبي معقباً على حديث خطبة الإمام الحسن (علیه السلام)، الذي أخرجه الحاكم عن أبناء أئمة أهل البيت والذرية الطاهرة: ليس بصحيح! ولما كان هذا القدح مجملاً ومبهماً، فإنه لا يعبأ به... وأظن أنه من جهة المتن والمعنى لا السند، وعذر الذهبي في قدحه في مناقب آل البيت (علیهم السلام) معلوم» (تشييد المراجعات و تفنيد المكابرات - السيد علي الميلاني 1:274 - 275)
2- المستدرك - الحاكم النيسابوري 3:172 .

حلية الأولياء والثعلبي في تفسيره، والحمويني في فرائد السمطين» (1).

وروى محمد بن طلحة الشافعي: «لما نزل قوله تعالى: «قُلْ لَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى»، قالوا: يا رسول الله من هؤلاء الذين أمرنا الله تعالى بمودتهم؟ قال: علي وفاطمة وأبناؤها» (2)

وقد صرح العجلوني بذلك نثرا وأكده شعرا فقال:

لقد حاز آل المصطفى أشرف الفخر

بنسبتهم للطاهر الطيب الذكر

فحبهم فرض على كل مؤمن

أشار إليه الله في محكم الذكر

ومن يدعي من غيرهم نسبة له

فذلك ملعون أتى أقبح الوزر(3)

و الأبيات المأثورة عن الشافعي أحد الفقهاء الأربعة عند أهل السنة، وإمام الشافعية:

يا أهل بيت رسول الله حبكم

فرض من الله في القرآن أنزله

كفاكم من عظيم القدر أنكم

من لم يصل عليكم لا صلاة له(4)

ومما تضمنته هذه الآية الكريمة من فضائل بحق أهل البيت (علیهم السلام)، أن مودة أميرالمؤمنين (علیه السلام) والسيدة الزهراء (علیها السلام) والإمامين الحسنين (علیهما السلام) واجبة بنص القرآن الكريم، بل جعلها الله تبارك وتعالى أجرا لأداء الرسالة المحمدية.

وهذا الوجوب المستمر يدل بدوره على عصمة أهل البيت (علیهم السلام)، لأن الله سبحانه .

ص: 54


1- ينابيع المودة لذوي القربى - القندوزي 1:315 .
2- مطالب السؤول في مناقب آل الرسول (علیهم السلام) - محمد بن طلحة الشافعي: 28
3- كشف الخفاء - العجلوني 1: 19 .
4- معارج الوصول إلى معرفة فضل آل الرسول (علیهم السلام) - الزرندي الشافعي: 25 .

وتعالى، لا يأمر بحب من يرتكب الذنوب والآثام، «لَا تَجِدُ قَوْمًا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَوْ كَانُوا آبَاءَهُمْ أَوْ أَبْنَاءَهُمْ أَوْ إِخْوَانَهُمْ أَوْ عَشِيرَتَهُمْ»(1)، ومن الطبيعي أن أي ذنب مهما صغر ينحرف بالإنسان عن طريق الحق، والصراط القويم الذي يريده الله ورسوله (صلی الله علیه و آله)، فلا يمكن أن يكون حبه واجبا دائما، إن افترض تلبسه بالذنب في لحظة من اللحظات.

وإذا كان الأئمة معصومين، كما هو معلوم بالدليل العقلي والنقلي، فإن تقدم غيرهم عليهم يصطدم مع العقل والقرآن والسنة، ولا تنفع التأويلات في إيجاد الأعذار لأولئك المتقدمين، مهما كان شكلها ونوعها.

وطاعة المعصوم واجبة، لأنه يهدي إلى الحق فلا يساويه غيره «أَفَمَنْ يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ أَحَقُّ أَنْ يُتَّبَعَ أَمَّنْ لَا يَهِدِّي إِلَّا أَنْ يُهْدَى فَمَا لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ»(2).

هذا هو المفروض والمطلوب بحق آل النبي (صلی الله علیه و آله)، لكن مراجعة الواقع التأريخي للمسلمين يفضح بعد أغلبهم عن ذلك، إن لم يناقضه، فما أن التحق نبينا العظيم (صلی الله علیه و آله) بجوار ربه الكريم وقبل إن تتم مراسيم دفنه جرت أحداث عظام عصفت بوصية الرسول الأعظم (صلی الله علیه و آله) في بيعة الغدير.

وكانت نتيجة تلك العواصف أن حرمت الأمة الإسلامية من قيادة الطاهرين المطهرين المشهورين بالعلم والحكمة، والمتحلين بأكمل الفضائل، التي لا يستطيع منصف أن ينكرها أو يغض الطرف عنها.

وسقط في امتحان الحب جمع كبير من الصحابة، ولم تستقم الجماهير المأمورة بالمودة .

ص: 55


1- المجادلة: 22 .
2- يونس: 35 .

دورا بعد دور، وحتى عند وصول البيعة بالخلافة مذعنة إلى بيت كبير أهل القربى، شقت عليه عصا الطاعة ولم يذعنوا لصوت القرآن، ووصل الأمر إلى تجييش الجيوش لمقاتلة وصي رسول الله (صلی الله علیه و آله) والحاكم بالسوية، وهاجت الفتن ولم تهدأ حتى لاقى ربه قتيلا في محراب صلاته على يد أشقى الأشقياء عبد الرحمن بن ملجم.

وتابع الإمام الحسن (علیه السلام) على خطى أبيه وجده، وهو الفريد في الفضائل والصفات، ولكن الشيطان ما برح ضاربا على وتر الفتنة والانشقاق عن سبط رسول الله (صلی الله علیه و آله) وسيد شباب أهل الجنة، حتى قضى مسموماً، تاركاً شريكه في السيادة يقارع طغاة بني أمية، فوصل اعوجاج الأمة حداً لا يقيمه إلا الدم الطاهر، فكانت كربلاء وكان الذبيح العطشان.

واستمر الحال بباقي الأئمة الاثني عشر (علیهم السلام) من ذرية الحسين (علیه السلام) محاصرين، مضطهدين، مقتلين حتى كانت الرزية العظمى بغياب الموعود المنتظر الإمام المهدي (عجل الله تعالی فرجه الشریف).

ثم انطوى عصر المتقدمين، وجاء المتأخرون، فلم يزن الكثير منهم ما فعله الأولون، ولم يتنبهوا لتجارب التأريخ، بل أغمضوا عيونهم عن الحق وصريح القرآن ودأب بعضهم على التماس العذر لمن سبقهم، وكأن لكل واحد منهم قلبين، قلب يدعي حب أهل بيت النبي (صلی الله علیه و آله)، وقلب ينبض بحب من عاداهم، وصار الجمع بين محبة أميرالمؤمنين ومحبة معاوية شيء مقبولاً، وحب الحسين (علیه السلام) مع حب قاتله الملعون يزيد، يمثل الطريقة الوسطى وخصوصا عند طوائف من المسلمين في عصرنا، ومن خالف تلك الطريقة عد من الرافضة المبغوضين، أو كان شيعياً محترقاً كما كان يوصف رواة فضائل أهل البيت (علیهم السلام).

4- آية الصلاة على النبي و آله:

ص: 56

ونصها: «إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا»(1).

وقد فسرت كيفية الصلاة الموجودة في الآية الكريمة، بأنها الصلاة على النبي وآله، في الكثير من كتب أعلام أهل السنة وعلى رأسهم البخاري بروايته عن كعب بن عجرة قال:

«قيل يا رسول الله، أما السلام عليك فقد عرفناه، فكيف الصلاة، قال: قولوا اللهم صل على محمد وعلى آل محمد كما صليت على آل إبراهيم انك حميد مجيد، اللهم بارك على محمد وعلى آل محمد كما باركت على آل إبراهيم انك حميد مجيد» (2).

وروى مثل ذلك القرطبي في تفسيره (3)، وابن عساكر (4)، وابن أبي حاتم الرازي(5)، والثعلبي(6)، والسيوطي(7)، وغيرهم.

وبعد معرفة كيفية الصلاة الواردة في الآية وشمول الآل بها، وتكرار ذكر الآل المقدس يوميا في تشهد الصلاة التي هي عمود الدين ومع ورود النهي عن قطع ذكر آل البيت (علیهم السلام) عند الصلاة على النبي (صلی الله علیه و آله)، يصر بعض المسلمين على الاستمرار في الصلاة الخالية من أهل البيت (علیهم السلام) عند ذكرهم لخاتم المرسلين (صلی الله علیه و آله) في طيات كلامهم، وتسمى .

ص: 57


1- سورة الأحزاب: 56 .
2- صحيح البخاري - البخاري 6: 27 .
3- ينظر تفسير القرطبي - القرطبي 14:234 .
4- ينظر تاريخ مدينة دمشق - ابن عساكر 15:236 .
5- ينظر تفسير ابن أبي حاتم - ابن أبي حاتم الرازي 10:3151 .
6- ينظر تفسير الثعلبي - الثعلبي 8:62 .
7- ينظر الدر المنثور - جلال الدين السيوطي 5:215 .

هذه الصلاة الناقصة المنهي عنها بالصلاة البتراء.

ومن الروايات الواردة عن رسول الله (صلی الله علیه و آله) في تفسير معنى الصلاة البتراء، والنهي عنها:

ما نقله القندوزي، قال: «وفي جواهر العقدين والصواعق المحرقة روي عن النبي (صلی الله علیه و آله) قال: لا تصلوا علي الصلاة البتراء، قالوا: وما الصلاة البتراء يا رسول الله؟

قال: تقولون: اللهم صل على محمد وتسكتون، بل قولوا: اللهم صل على محمد وعلى آل محمد» (1).

ومما يستقى من هذه الآية في حق أهل البيت (علیهم السلام)، ومنهم الإمام الحسن: (علیه السلام) أن تفسير صلاة الله سبحانه وتعالى مع ملائكته على الرسول الأعظم (صلی الله علیه و آله)، بالصلاة عليه وآله دليل آخر على عدم الافتراق بين خاتم النبيين (صلی الله علیه و آله) وعترته الطاهرة، يضاف إلى المشاركة في وجوب المودة والتطهير، والدفاع عن حريم الإسلام في المباهلة، دون غيرهم من الصحابة، وأمهات المؤمنين وعلية القوم.

قال الرازي: «إن الدعاء للآل منصب عظيم ولذلك جعل هذا الدعاء خاتمة التشهد في الصلاة وهو قوله اللهم صل على محمد وعلى آل محمد وارحم محمدا وآل محمد، وهذا التعظيم لم يوجد في حق غير الآل، فكل ذلك يدل على أن حب آل محمد واجب، وقال الشافعي (رضی الله عنه):

يا راكبا قف بالمحصب من منى

واهتف بساكن خيفها والناهض

سحرا إذا فاض الحجيج إلى منى

فيضا كما نظم الفرات الفائض

إن كان رفضا حب آل محمد

فليشهد الثقلان أنى رافضي»(2). .

ص: 58


1- ينابيع المودة لذوي القربى - القندوزي 1: 37 .
2- تفسير الرازي - الرازي 27 : 166 .

وفي ذخائر العقبى عن جابر (رضی الله عنه) إنه كان يقول لو صليت صلاة لم أصل فيها على محمد وعلى آل محمد ما رأيت أنها تقبل» (1).

كما أن في الآية الكريمة دليل آخر على عصمتهم (علیهم السلام)، لأن صلاة المسلمين عليهم في كل وقت، ولو فرضنا - تجوزا - ارتكابهم الذنب، فإن وجوب الصلاة عليهم من قبل الله (عزوجل) يتناقض مع المفروض.

ومع وجود كل هذه الدرجات الرفيعة التي لم ينل مثلها أحد من الصحابة أو غيرهم، يبقى محيرا قبول المسلمين لتقديم من هو أقل مرتبةً من آل البيت (علیهم السلام) عليهم، وأعجب ما قرأته في هذا الباب قول ابن أبي الحديد في مقدمة شرحه لنهج البلاغة، انه يحمد الله على أن «قدم المفضول على الأفضل لمصلحة اقتضاها التكليف»(2). حيث لم يكتف بتصحيح التقدم، بل نسب ذلك الفعل إلى الله عز وجل، لمصلحة اقتضاها التكليف، ولم يبين ماهية تلك المصلحة ولا دليله على ما ارتكبه في حق الحكيم الخبير.

وتقديم المفضول على الفاضل الذي حمد الله عليه ابن أبي الحديد، لا يقر به أي عاقل - إن خلي وعقله - وأخلص فكره من هواه.

وبالإضافة إلى كونه يخالف قواعد العقل السليم، فهو يخالف ما جاء به القرآن الكريم «قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُولُو الْأَلْبَابِ»(3)، «أَفَمَنْ يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ أَحَقُّ أَنْ يُتَّبَعَ أَمَّنْ لَا يَهِدِّي إِلَّا أَنْ يُهْدَى فَمَا لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ»(4).5.

ص: 59


1- ذخائر العقبى - احمد بن عبد الله الطبري: 19 .
2- شرح نهج البلاغة - ابن أبي الحديد 1: 3.
3- سورة الزمر: 9.
4- سورة يونس: 35.

ص: 60

الفصل الثاني: مناقبه(علیه السلام) في الأحاديث النبوية

1- حديث الثقلين

وقد ورد هذا الحديث الشريف، بألفاظ متعددة لكنها تؤدي إلى نفس المعنى.

ولأجل تمامية الكلام حوله سننقل إحدى الروايات التي ذكرها أحمد بن حنبل في مسنده: «عن أبي سعيد الخدري عن النبي (صلی الله علیه و آله)، قال: إني أوشك أن أدعى فأجيب وانى تارك فيكم الثقلين كتاب الله عز وجل وعترتي كتاب الله حبل ممدود من السماء إلى الأرض وعترتي أهل بيتي، وان اللطيف الخبير أخبرني أنهما لن يفترقا حتى يردا على الحوض فانظروني بم تخلفوني فيهما» (1).

ومعنى الثقل، كما جاء في معاجم اللغة هو «متاع المسافر وحشمه، وكل شيء نفيس مصون»(2)، «وأصل الثقل أن العرب تقول لكل شيء نفيس خطير مصون ثقل، فسماهما ثقلين إعظاما لقدرهما وتفخيما لشأنهما»(3).

واعتقاد الشيعة بما تضمنه الحديث النبوي المشهور لا يحتاج إلى مزيد من بيان، وقد .

ص: 61


1- مسند احمد - الإمام احمد بن حنبل 3:17 .
2- القاموس المحيط - الفيروز آبادي 3:342 .
3- لسان العرب - ابن منظور 11:88 .

ألفوا فيه كتبا مستقلة، أما علماء أهل السنة، فقد رووا حديث الثقلين بأسانيد متعددة، وفي أشهر كتبهم ومنها:

- سنن الترمذي عن جابر بن عبد الله الانصاري (1)

- الطبقات الكبرى لابن سعد عن أبي سعيد الخدري (2)

- سنن الدارمي: عن زيد بن أرقم (3)

- كتاب السنة لأبي عاصم عن علي (علیه السلام) (4)

- فضائل الصحابة للنسائي: عن زيد بن أرقم (5)

- المعجم الكبير للطبراني عن زيد بن ثابت (6)

- السنن الكبرى للبيهقي عن زيد بن أرقم (7)

- ينابيع المودة للقندوزي عن الإمام الحسن (علیه السلام) (8)

- البداية والنهاية لابن كثير عن حذيفة بن أسيد (9) .

ص: 62


1- ينظر سنن الترمذي - الترمذي 5:327 .
2- ينظر الطبقات الكبرى - محمد بن سعد 2:194 .
3- ينظر سنن الدارمي - عبد الله بن بهرام الدارمي 2: 431 - 432 .
4- ينظر كتاب السنة - عمرو بن أبي عاصم: 631 .
5- ينظر فضائل الصحابة - النسائي: 15 .
6- ينظر المعجم الكبير - الطبراني 5:154 .
7- ينظر السنن الكبرى - البيهقي 10:114 .
8- ينظر ينابيع المودة لذوي القربى - القندوزي 1:74 .
9- ينظر البداية والنهاية - ابن كثير 7:386 .

وفي هذا الحديث الشريف دلائل واضحة على عظم قدر أهل البيت (علیهم السلام) عند رسول الله (صلی الله علیه و آله)، حيث قرنهما بأعظم معاجزه وهو القرآن الكريم، وجعلهما من أنفس الأشياء عنده بتشبيههما بمتاع المسافر.

كما انه يدل على عصمة العترة الطاهرة، المستفادة من نفي الافتراق بين القرآن والعترة في قوله (صلی الله علیه و آله) «لن يفترقا»، وهذا التعبير يؤكد أيضا ضرورة وجود إمام معصوم في كل زمان بعد رحيل الرسول الأعظم (صلی الله علیه و آله)، حتى تنقضي الدنيا.

وليس الشيعة وحدهم من فهم هذا المعنى، بل وصل إليه العديد من علماء أهل السنة، وللتمثيل نورد ما قاله المناوي:

«قال الشريف: هذا الخبر يفهم وجود من يكون أهلا للتمسك به من أهل البيت والعترة الطاهرة في كل زمن إلى قيام الساعة حتى يتوجه الحث المذكور إلى التمسك به كما أن الكتاب كذلك فلذلك كانوا أمانا لأهل الأرض فإذا ذهبوا ذهب أهل الأرض» (1).

وفي هذا الحديث المبارك تأكيد وتذكير، تأكيد على وجوب التمسك بطاعة أهل البيت (علیهم السلام)، وطاعة ما نطق به القرآن الكريم، لأنهما وديعة النبي (صلی الله علیه و آله) في أمته بعد رحيله «اني تارك فيكم الثقلين».

وتذكير بأننا سنسأل عنهما من قبل رسول الله (صلی الله علیه و آله)، حينما نرد على الحوض «فانظروني بم تخلفوني فيهما».

ويتفرع عن اجتماع العصمة ووجوب الطاعة، استحقاق الإمامة، وبذلك تثبت بنص هذا الحديث إمامة أئمة أهل البيت (علیهم السلام). .

ص: 63


1- فيض القدير شرح الجامع الصغير - المناوي 3: 20 .

ومن أجل طمس هذه المنقبة الكبرى الذي جاءت به ألفاظه، أو على الأقل تخفيف بريقها تعرض حديث الثقلين إلى بعض التشويش، وكان السبب في ذلك إما بغض المبغضين أو محاولة الحفاظ على كرامة بعض السلف من الصحابة والتابعين الذين نازعوا أركان العترة الطاهرة مقاماتهم العالية.

لكن هذه الحملة على تنوع طرقها لم تفلح في النيل من المنازل التي جعلها الله تبارك وتعالى لخاصة أوليائه.

وكان هذا التشويش على صعيدين متنوعين:

الأول: محاولة الطعن في أسانيده، أو في متونه، والثاني: تفسيره بما لا يتفق والمعاني التي جاء بها، بعد وضوح فشل الطعن في أسانيده ومتونه.

وتمثل الطعن بالسند، بتضعيف بعض الرواة الذين نقلوا هذا الحديث الشريف،مع الغفلة عن طرقه الأخرى، وغاية هذا الأمر إدراج حديث الثقلين في خانة الأحاديث الضعيفة، بل في الموضوعات، كما فعل ابن الجوزي(1).

مع إن عدد الذين رووه عن رسول الله (صلی الله علیه و آله) بلغ الثلاثين صحابياً وصحابيةً(2)، إضافة الى تصحيح كبار علماء السنة لسنده، ومنهم الحاكم في مستدركه، بعد نقله لحديث الثقلين مع ما ورد على لسان النبي الأعظم (صلی الله علیه و آله)، في بيعة الغدير برواية زيد بن أرقم: «لما رجع رسول الله (صلی الله علیه و آله) من حجة الوداع ونزل غدير خم أمر بدوحات فقممن فقال كأني قد دعيت فأجبت إني قد تركت فيكم الثقلين أحدهما أكبر من الآخر كتاب الله تعالى وعترتي فانظروا كيف تخلفوني فيهما فإنهما لن يتفرقا حتى يردا علي الحوض ثم قال .

ص: 64


1- ينظر حديث الثقلين - السيد علي الميلاني: 35 - 36 .
2- ينظر المصدر السابق: 17 .

إن الله عز وجل مولاي وأنا مولى كل مؤمن ثم اخذ بيد علي (رضی الله عنه) فقال من كنت مولاه فهذا وليه اللهم وال من والاه وعاد من عاداه»(1)، وعلق على الرواية بقوله: «هذا حديث صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه بطوله» (2).

وجاء في فيض القدير: «قال الهيثمي: رجاله موثقون ورواه أيضا أبو يعلى بسند لا بأس به والحافظ عبد العزيز بن الأخضر وزاد أنه قال في حجة الوداع ووهم من زعم وضعه كابن الجوزي، قال السمهودي: وفي الباب ما يزيد على عشرين من الصحابة» (3).

«مضافا إلى أن أبا الفرج ابن الجوزي معروف عندهم بالتسرع في الحكم بالوضع أو الضعف، ومعروف عندهم بالتعصب، وفي خصوص هذا الحديث خطأه غير واحد منهم:

* سبطه، في كتاب تذكرة الخواص.

* الحافظ السخاوي، في كتاب ارتقاء الغرف.

* الحافظ السمهودي، في كتاب جواهر العقدين.

* ابن حجر المكي، في الصواعق.

* المناوي، في فيض القدير.

وكلهم قالوا: قد أخطأ ابن الجوزي، وحذروا من الاغترار بفعله، حتى أن بعضهم .

ص: 65


1- المستدرك - الحاكم النيسابوري 3:109 .
2- المصدر السابق.
3- فيض القدير شرح الجامع الصغير - المناوي 3:20 .

يقول: وإياك أن تغتر بما صنع» (1).

أما الطعن في المتون، فقد تم برفض مضمونه الواضح دون ذكر أي دليل، وادعاء نكارة متونه.

قال البخاري في أحدى طرق حديث الثقلين: «قال أحمد في حديث عبد الملك عن عطية عن أبي سعيد قال النبي (صلی الله علیه و آله) تركت فيكم الثقلين، أحاديث الكوفيين هذه مناكير» (2).

وهذه النسبة إلى أحمد بن حنبل تفشل عند مطالعة الأسانيد المتعددة التي ذكرها إمام الحنابلة في مسنده(3).

على أن نكارة الحديث المؤدية إلى رفضه، تتحدد ببيان مخالفته للقرآن الكريم، من عدمها، والمنصف حين ينظر إلى ما نطق به هذا الحديث الشريف يجده متناسقا مع ما جاءت به الآيات القرآنية التي نزلت في أهل البيت (علیهم السلام) ومنها آية التطهير والمباهلة، وآية المودة، وآية الصلاة على النبي (صلی الله علیه و آله)، وسورة هل أتى، وغير ذلك الكثير.

نعم! الحديث مُنْكَر عند أصحاب القلوب التي لا تنبض بحب أهل البيت ، (علیهم السلام) وتترك حديثهم وتتمسك بروايات مبغضيهم، والخارجين عنهم والمادحين لقاتليهم.

وإضافةً إلى ما ادعاه البخاري من نكارة الحديث، كانت هناك حملة من نوع آخر يقودها صناع الأحاديث المخترعة والموضوعة، لإيجاد ما يمكنه أن يخلق تعارضا بين هذا الحديث المتواتر وبين ما زخرفوه في حق بعض الصحابة، وبالتالي إسقاطه. .

ص: 66


1- حديث الثقلين - السيد علي الميلاني: 36 - 37 .
2- التاريخ الصغير - البخاري 1:302 .
3- ينظر مسند أحمد - الإمام أحمد بن حنبل 3:14 و 17 و 26 .

ولأن الحق يعلو ولا يُعْلى عليه، فإن صناعتهم كانت من الركة بحيث أنها تنكشف عند أدنى تأمل في ألفاظها المخالفة للمنطق الصحيح والسيرة الموروثة.

ومن هذه الأحاديث:

حديث «اقتدوا بالذين من بعدي أبي بكر وعمر»، الذي يحمل دليل رفضه في مطاوي ألفاظه، حيث يشير لفظ (من بعدي) إلى التنصيص - ولو من طرف غيبي - على أبي بكر وعمر، وهو الشيء الذي لم يدعيه أحد منهما في حياته، وسقيفة بني ساعدة التي تمت تحت ظلالها مبايعة أبي بكر شاهدة على ذلك، ويشهد معها قول عمر بن الخطاب المؤيد الأول لبيعة أبي بكر: «فلا يغترن امرؤ أن يقول: إنما كانت بيعة أبي بكر فلتةً وتمت، ألا وإنها قد كانت كذلك» (1).

على أن تمام الاقتداء بهما مستحيل لاختلافهما في بعض أهم الأمور التي يخاف منها على الدولة المسلمة ورعاياها، ومنها طريقة تنصيب كل منهما لمن يليه، حيث وقع أبو بكر مرسوم خلافة عمر من بعده، بينما فضل عمر بن الخطاب اختيار الشورى السداسية، كما أن سيرتهم لم تكن واحدةً في توزيع العطاء على المسلمين، وفي اجتهادات أخرى.

والحديث الثاني الذي أدعي معارضته لحديث الثقلين هو حديث «كتاب الله وسنتي)، الذي استبدل (سنتي) ب(عترتي).

وهو لا يصلح بأي حال من الأحوال لمعارضة ما جاء في الحديث المتواتر (كتاب الله وعترتي)، لإمكانية الجمع بينهما.

قال آية الله السيد محمد تقي الحكيم (قدس سره) مستدلاً على أبي زهرة وهو من علماء الأزهر: .

ص: 67


1- صحيح البخاري - البخاري 8:26 .

«على أن التعارض لا يلجأ إليه إلا مع تحكم المعارضة، ومع إمكان الجمع بينهما لا معارضة أصلا، وقد جمع ابن حجر بينهما في صواعقه، فقال: وفي رواية كتاب الله وسنتي وهي المراد من الأحاديث المقتصرة على الكتاب لان السنة مبنية له، فأغنى ذكره عن ذكرها، والحاصل أن الحث وقع على التمسك بالكتاب وبالسنة وبالعلماء بهما من أهل البيت (علیهم السلام)، ويستفاد من مجموع ذلك بقاء الأمور الثلاثة إلى قيام الساعة، وإن شئت أن تقول: إن ذكر أهل البيت (علیهم السلام) معناه ذكر للسنة لأنهم لا يأتون إلا بها، فكل ما عندهم مأخوذ بواسطة النبي، أي بواسطة السنة، وقد طفحت بذلك أحاديثهم، ويؤيده ما ورد في كنز العمال من جواب النبي (صلی الله علیه و آله) لعلي عندما سأله: ما أرث منك يا رسول الله؟

قال (صلی الله علیه و آله) : ما ورث الأنبياء من قبل: كتاب ربهم وسنة نبيهم. وإذن يكون ذكر أحدهما مغنيا عن ذكر الآخر، وكلتا الروايتين يمكن أن تكونا صحيحتين ولا حاجة إلى تكذيب إحداهما وتعيين الصادرة منهما بالرجوع إلى المرجحات. ومع الغض عن ذلك وافتراض تمامية المعارضة، وان الصادر منه (صلی الله علیه و آله) لا يمكن أن يكون إلا واحدة منهما فتقديمه لكلمة (وسنتي)، لا أعرف له وجها. لان حديث التمسك بالثقلين متواتر من جميع طبقاته، والكتب التي حفلت به أكثر من أن تحصى، وطرقه إلى الصحابة كثيرة، ورواته منهم - أي الصحابة - كثيرون جداً، وفي رواياته عدة روايات كانت في أعلى درجات الصحة، كما شهد بذلك الحاكم وغيره. بينما نرى الحديث الآخر لا يتجاوز في اعتباره عن كونه من أحاديث الآحاد» (1).

وإذا لم تنجلِ كل شبهات المعارضة، وبقي المدعي مصرا على قوله نحيله إلى كلام الدكتور التيجاني، وهو من علماء السنة المنتقلين إلى مذهب أهل البيت : (علیهم السلام) 71

ص: 68


1- الأصول العامة للفقه المقارن - السيد محمد تقي الحكيم: 170 - 171

«ولا بد من الملاحظة بأن حديث (كتاب الله وسنتي) لا يصح حتى عند أهل السنة والجماعة لأنهم رووا في صحاحهم بأن النبي (صلی الله علیه و آله) نهاهم عن كتابتها، إذا كان حديث النهي صحيحاً، فكيف يجوز للنبي (صلی الله علیه و آله) أن يقول: تركت فيكم سنتي وهي غير مكتوبة ولا معلومة؟؟! ثم لو كان حديث (كتاب الله وسنتي) صحيحاً، فكيف جاز لعمر بن الخطاب أن يرد على رسول الله (صلی الله علیه و آله) ويقول: حسبنا كتاب الله؟!

وإذا كان الرسول (صلی الله علیه و آله) ترك سنةً مكتوبةً، فكيف جاز لأبي بكر وعمر حرقها ومنعها من الناس؟!

وإذا كان حديث (كتاب الله وسنتي) صحيحاً، فلماذا يخطب أبو بكر بعد وفاة النبي (صلی الله علیه و آله) ويقول: لا تحدثوا عن رسول الله شيئاً، فمن سألكم فقولوا: بيننا وبينكم كتاب الله فاستحلوا حلاله وحرموا حرامه ؟!

وإذا كان حديث (كتاب الله وسنتي) صحيحاً، فلماذا خالفها أبو بكر في قتال مانعي الزكاة وقد قال رسول الله (صلی الله علیه و آله) : من قال لا إله إلا لله عصم مني دمه وماله وحسابه على الله؟!

وإذا كان حديث (كتاب الله وسنتي) صحيحا، فكيف جاز لأبي بكر وعمر ومن وافقهما من الصحابة أن يستبيحوا حرمة الزهراء ويهجموا على بيتها مهددين بحرقها بمن فيها، ألم يسمعوا قول النبي فيها: فاطمة بضعة مني من أغضبها فقد أغضبني ومن أذاها فقد أذاني؟ بلى والله لقد سمعوها ووعوها، ألم يسمعوا قول الله تعالى: «قُلْ لَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى» التي نزلت فيها وفي بعلها وولديها؟ فهل كانت مودة أهل البيت (علیهم السلام) هي ترويعهم وتهديدهم بالحرق، وضغط الباب على فاطمة (علیها السلام) حتى أسقطت جنينها بأبي هي وأمي؟؟!

ص: 69

وإذا كان حديث (كتاب الله وسنتي) صحيحاً، فكيف استحل معاوية والصحابة الذين بايعوه وساروا في ركابه أن يلعنوا علياً ويسبوه على المنابر طيلة حكم بني أمية، ألم يسمعوا أمر الله لهم بأن يصلوا عليه كما يصلون على النبي؟ ألم يسمعوا قول النبي : (صلی الله علیه و آله) من سب عليا فقد سبني، ومن سبني فقد سب الله؟! وإذا كان حديث (كتاب الله وسنتي) صحيحاً، فلماذا غابت هذه السنة عن أكثر الصحابة فجهلوها وأفتوا في الأحكام بآرائهم، وكذلك فعل أئمة المذاهب الأربعة الذين التجأوا للقياس والاجتهاد، والإجماع وسد باب الذرائع، والمصالح المرسلة والاستصحاب وصوافي الأمراء وأخف الضررين وغير ذلك؟!

فإذا كان الرسول (صلی الله علیه و آله) قد ترك كتاب الله وسنة نبيه ليعصمان الناس من الضلالة، فلا داعي لكل هذه الأمور التي ابتدعها أهل السنة والجماعة فكل بدعة وضلالة وكل ضلالة في النار كما جاء في الحديث الشريف.

ثم إن العقلاء وأهل المعرفة، يلقون باللوم على النبي (صلی الله علیه و آله) الذي أهمل سنته ولم يعتن بها ولم يأمر بتدوينها وحفظها ومن ثم صيانتها من التحريف والاختلاف والوضع والاختلاق، ثم يقول للناس: إني تارك فيكم الثقلين، ما إن تمسكتم بهما لن تضلوا بعدي، كتاب الله وسنتي!

أما إذا قيل لهؤلاء العقلاء بأنه نهاهم عن كتابتها فسيكون عند ذلك هزءا، لأن ذلك ليس من أفعال الحكماء، إذ كيف ينهى المسلمين عن كتابة سنته، ثم يقول لهم: تركت فيكم سنتي؟!» (1)

والحديث الثالث هو «أصحابي كالنجوم بأيهم اقتديتم اهتديتم»، مع إن بعض .

ص: 70


1- الشيعة هم أهل السنة - الدكتور محمد التيجاني: 117 - 119 .

النجوم تصلح للاهتداء بها، ولا ينفع البعض الأخر من تلك الأجرام السماوية لذلك الغرض، اضافة الى شمول لفظ (الصحابة) لبعض المنافقين المعروفين في عداد الصحابة، والمنافقين الذين لم يعرفهم كبار الصحابة إلا عن طريق صلاة الصحابي الجليل حذيفة بن اليمان.

ولو فرضنا تجوزا اقتصار الأمر على العشرة المبشرة لما تيسر للمسلمين إطاعة أمر الاقتداء، لأن فيهم من جيش الجيوش، قاطعا البراري والقفار محاربا لأمير المؤمنين ومولى المتقين علي بن أبي طالب (علیه السلام)، حتى لقوا مصارعهم في حرب الجمل.

وممن رد هذه الرواية من علماء السنة، ابن حزم، حيث قال: «وأما الرواية: أصحابي كالنجوم فرواية ساقطة» (1).

وكان السبيل إلى الصعيد الثاني من محاولات التشويش، تفسير العترة بمعان لا تتفق مع المعنى المتبادر من الحديث الشريف، والذي فهمه العلماء والعوام، ويكفينا في رد هذا الأمر، اتفاق كلمة علماء الشيعة وأكثرية أهل السنة على ذلك، ومنهم ابن أبي الحديد شارح النهج الذي ناقش الموضوع قائلا:

«عترة رسول الله (صلی الله علیه و آله) : أهله الأدنون ونسله، وليس بصحيح قول من قال: إنهم رهطه وإن بعدوا، وإنما قال أبو بكر يوم السقيفة أو بعده: نحن عترة رسول الله (صلی الله علیه و آله) وبيضته التي فقئت عنه»، على طريق المجاز، لأنهم بالنسبة إلى الأمصار عترة له لا في الحقيقة، ألا ترى أن العدناني يفاخر القحطاني، فيقول له: أنا ابن عم رسول الله ، (صلی الله علیه و آله) ليس يعنى أنه ابن عمه على الحقيقة، بل هو بالإضافة إلى القحطاني كأنه ابن عمه، وإنما استعمل ذلك ونطق به مجازاً. فإن قدر مقدر أنه على طريق حذف المضافات، أي ابن ابن10

ص: 71


1- الأحكام - ابن حزم 6:810

عم أب الأب، إلى عدد كثير في البنين والآباء، فكذلك أراد أبو بكر أنهم عترة أجداده، على طريق حذف المضاف. وقد بين رسول الله (صلی الله علیه و آله) عترته من هي، لما قال: إني تارك فيكم الثقلين، فقال: عترتي أهل بيتي، وبين في مقام آخر من أهل بيته حيث طرح عليهم كساء. وقال حين نزلت: «إِنَّما يُريدُ اللَّهُ لِيُذهِبَ»: اللهم هؤلاء أهل بيتي فأذهب الرجس عنهم.

فإن قلت: فمن هي العترة التي عناها أمير المؤمنين (علیه السلام) بهذا الكلام؟ قلت: نفسه وولداه، والأصل في الحقيقة نفسه، لان ولديه تابعان له، ونسبتهما إليه مع وجوده كنسبة الكواكب المضيئة مع طلوع الشمس المشرقة، وقد نبه النبي (صلی الله علیه و آله)، على ذلك بقوله:

وأبوكما خير منكما» (1).

كما قال المناوي في شرح معنى كلمة عترتي: «وهم أصحاب الكساء الذين أذهب الله عنهم الرجس وطهرهم تطهيرا».(2)

ولا يمكن بأي حال أن يدعى إنسان دخول زوجات النبي (صلی الله علیه و آله) في الثقل الأصغر وهو العترة، لافتراقهن عن القرآن بموتهن كما لا يخفى.

2- حديث سيادة شباب أهل الجنة

وهو من أكثر الأحاديث النبوية الشريفة، ورودا في كتب أهل السنة والشيعة على حد سواء وقد ورد في كتب أهل السنة على ثلاث صور: .

ص: 72


1- شرح نهج البلاغة - ابن أبي الحديد 6:375 - 376 .
2- فيض القدير شرح الجامع الصغير - المناوي 3: 19 .

الصورة الأولى:

قال رسول الله (صلی الله علیه و آله) : «الحسن والحسين سيدا شباب أهل الجنة».

وقد روى إمام الحنابلة احمد بن حنبل هذا الحديث عن أبي سعيد الخدري(1)، وحذيفة (2).

وعن أبي سعيد أيضا ما رواه الترمذي في سننه(3).

ومن أمثلته أيضا ما رواه ابن أبي شيبة عن حذيفة قال: «أتيت النبي (صلی الله علیه و آله) فصليت معه المغرب ثم قام يصلي حتى صلى العشاء ثم خرج فاتبعته فقال: ملك عرض لي استأذن ربه أن يسلم علي ويبشرني أن الحسن والحسين سيدا شباب أهل الجنة» (4)، وعن أبي سعيد: «الحسن والحسين سيدا شباب أهل الجنة» (5)، ومثله عن علي(علیه السلام). (6) وأسنده الطبراني الى علي (علیه السلام) (7) وإسامة بن زيد(8)، وعمر بن الخطاب(9)، وأبي هريرة (10) و البراء بن عازب (11)، وقال الهيثمي بعد روايته لحديث البراء بن عازب: .

ص: 73


1- ينظر مسند احمد - الامام احمد بن حنبل 3:3 ، و 62 ، و 64 ، و 82 .
2- ينظر المصدر السابق 5:391 .
3- ينظر سنن الترمذي - الترمذي 5:321 .
4- المصنف - ابن أبي شيبة الكوفي 7:512 .
5- المصدر السابق.
6- ينظر المصدر السابق.
7- ينظر المعجم الكبير - الطبراني 3:36 .
8- ينظر المعجم الأوسط - الطبراني 5:243 .
9- ينظر المعجم الكبير - الطبراني 3:35 .
10- ينظر المعجم الكبير - الطبراني 3: 37 .
11- ينظر المصدرالسابق 4:325 .

«رواه الطبراني وإسناده حسن». (1)

وذكره النسائي في كتابيه السنن الكبرى، وخصائص أمير المؤمنين (علیه السلام)، بسنده الى أبي سعيد مع لفظ «ما استثنى من ذلك». (2) وأكد النووي شارح مسلم هذه الأحاديث بقوله: «وثبت أنه (صلی الله علیه و آله) أخبر بأن الحسن والحسين سيدا شباب أهل الجنة».(3)

كما أكدها ابن عبد البر قائلا: «وروى عن النبي (صلی الله علیه و آله) من وجوه أنه قال في الحسن والحسين إنهما سيدا شباب أهل الجنة» (4).

الصورة الثانية:

قال رسول الله (صلی الله علیه و آله) «الحسن والحسين سيدا شباب أهل الجنة وأبوهما خير منهما».

ومثالها ما أخرجه الحاكم في المستدرك عن عبد الله بن عمر (5)، وقال معلقا عليه:

«هذا حديث صحيح بهذه الزيادة ولم يخرجاه». (6)

وأورده على هذه الصورة، جلال الدين السيوطي، في جامعه الصغير(7).

ومثله ولكن بعبارات وفضائل لأهل البيت (علیهم السلام) أكثر، ما رواه الخطيب البغدادي .

ص: 74


1- مجمع الزوائد - الهيثمي 9:184 .
2- السنن الكبرى - النسائي 5:149 ، خصائص أمير المؤمنين 124 : (علیه السلام).
3- شرح مسلم - النووي 16 : 41 .
4- الاستيعاب - ابن عبد البر 1: 391 .
5- ينظر المستدرك - الحاكم النيسابوري 3:166 - 167 .
6- المصدر السابق.
7- ينظر الجامع الصغير - جلال الدين السيوطي 1:590 .

عن علي (علیه السلام) (1)، ما نقله الطبراني عن علي بن علي الهلالي عن أبيه قال: «دخلت على رسول الله (صلی الله علیه و آله) في شكاته التي قبض فيها فإذا فاطمة عند رأسه قال فبكت حتى ارتفع صوتها فرفع رسول الله (صلی الله علیه و آله) طرفه إليها فقال حبيبتي فاطمة ما الذي يبكيك قالت أخشى الضيعة من بعدك قال يا حبيبتي أما علمت أن الله أطلع على الأرض اطلاعةً فاختار منها أباك فبعثه برسالته ثم اطلع على ا لأرض اطلاعةً فاختار منها بعلك وأوحى إلي أن أنكحك إياه، يا فاطمة ونحن أهل بيت قد أعطانا الله سبع خصالٍ لم يعط أحدا قبلنا ولا تعطى أحداً بعدنا أنا خاتم النبيين وأكرم النبيين على الله وأحب المخلوقين إلى الله وأنا أبوك ووصيي خير الأوصياء وأحبهم إلى الله وهو بعلك وشهيدنا خير الشهداء وأحبهم إلى الله وهو حمزة بن عبد المطلب وهو عم أبيك وعم بعلك ومنا من له جناحان أخضران يطير في الجنة مع الملائكة حيث يشاء وهو ابن عم أبيك وأخو بعلك ومنا سبطا هذه الأمة وهما ابناك الحسن والحسين وهما سيدا شباب أهل الجنة وأبوهما والذي بعثني بالحق خير منهما». (2)

الصورة الثالثة:

«عن أبي سعيد قال، قال رسول الله (صلی الله علیه و آله) : الحسن والحسين سيدا شباب أهل الجنة

إلا مشهور الخالة عيسى بن مريم ويحيى بن زكريا». (3)

واستدرك به الحاكم، وعلق عليه: «هذا حديث قد صح من أوجه كثيرة وأنا أتعجب أنهما لم يخرجاه». (4) .

ص: 75


1- ينظر تاريخ بغداد - الخطيب البغدادي 1:150 .
2- المعجم الأوسط - الطبراني 3:35 .
3- فضائل الصحابة - النسائي: 20 .
4- المستدرك - الحاكم النيسابوري 3:166 .

وأورده ابن حبان في صحيحه (1)، والطبراني بسنده عن الإمام علي (علیه السلام) (2)، كما ذكره جلال الدين السيوطي(3).

وهذا الحديث النبوي الشريف على تعدد صوره، يطرز منقبة من أعظم المناقب في الدنيا والآخرة، للإمام الحسن (علیه السلام) وأخيه الإمام الحسين (علیه السلام)، وفيه بيان شاف وكاف لأفضليتهما (علیهما السلام) على سائر رجال أهل الجنة، ماخلا رسول الله (صلی الله علیه و آله) وأخيه ووصيه أميرالمؤمنين(علیه السلام).

واستثناء رسول الله (صلی الله علیه و آله) لا يحتاج إلى بيان، أما أفضلية أمير المؤمنين (علیه السلام) على السبطين الكريمين (علیهما السلام) فثابتة عند جميع المسلمين، ولا يقول أحد أنهما أفضل من أبيهما الذي هو نفس رسول الله (صلی الله علیه و آله) بنص القرآن الكريم(4)، وعلاوةً على ذلك ما ورد في أحاديث الصورة الثانية.

ومعنى سيادة الإمام الحسن (علیه السلام) وأخيه الإمام الحسين (علیه السلام) لشباب أهل الجنة، أنهما سيدان لجميع أهل الجنة لأن سكان الجنة، يكونون بسن الشباب، ولا يوجد فيها كهول، أو شيوخ كما هو واضح عند السنة والشيعة.

قال المباركفوري: «أن أهل الجنة كلهم في سن واحد وهو الشباب وليس فيهم».

ص: 76


1- ينظر صحيح ابن حبان - ابن حبان 15:412 .
2- ينظر المعجم الكبير - الطبراني 3:36 .
3- ينظر الجامع الصغير - جلال الدين السيوطي 1:590 .
4- وهو قوله تعالى: «فَمَنْ حَاجَّكَ فِيهِ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ فَقُلْ تَعَالَوْا نَدْعُ أَبْنَاءَنَا وَأَبْنَاءَكُمْ وَنِسَاءَنَا وَنِسَاءَكُمْ وَأَنْفُسَنَا وَأَنْفُسَكُمْ ثُمَّ نَبْتَهِلْ فَنَجْعَلْ لَعْنَتَ اللَّهِ عَلَى الْكَاذِبِينَ» «سورة آل عمران:61».

شيخ ولا كهل» (1).

كما ذكر المناوي، وهو من علماء أهل السنة أيضا الشيء عينه فقال: «لأنه ليس في الجنة كهل إذ هو من ناهز الأربعين وخطه الشيب وأهل الجنة في سن ثلاث وثلاثين» (2).

ومن الروايات الواردة عن رسول الله (صلی الله علیه و آله) من طرق أهل السنة، التي تؤيد الكلام المتقدم ما روي بأسانيد متعددة، منها ما جاء عن معاذ بن جبل عن النبي (صلی الله علیه و آله) قال:

«يبعث المؤمنون يوم القيامة جردا مردا مكحلين بني ثلاثين سنة» (3)، ومثله عن أبي هريرة(4)، ونقله الهيثمي عن انس بن مالك، ثم عقب عليه قائلا: «رواه الطبراني في الأوسط وإسناده جيد».(5)

وهذه الأفضلية بحكم كونهما (علیهما السلام) سادةً على أهل الجنة، تعني أفضليتهما عند الله تبارك وتعالى على أهل الدنيا أيضا، بما فيهم كل الأنبياء السابقين (علیهم السلام)، أو على الأقل كلهم ما خلا عيسى ويحيى (علیهم السلام) إن التزمنا بأحاديث الصورة الثالثة. مع التذكير بان عيسى (علیه السلام) هو أحد رعايا الإمام المنتظر (عجل الله تعالی فرجه الشریف) التاسع من أولاد الإمام الحسين(علیه السلام).

وأفضلية الإمامين الحسنين (علیهما السلام) عند الله سبحانه وتعالى على جميع عباد الله من الأولين والآخرين في الدنيا والآخرة باستثناء خاتم النبيين (صلی الله علیه و آله)، وأخيه أمير المؤمنين (علیه السلام) لم ينتبه لها الكثير من عامة الناس، بل اكتفوا بالاعتراف بسيادة الإمامين الحسنين على أهل الجنة. .

ص: 77


1- تحفة الأحوذي - المباركفوري 10:186 .
2- فيض القدير شرح الجامع الصغير - المناوي 1:117 .
3- مسند احمد - الإمام احمد بن حنبل 5: 232 .
4- ينظر المصدر السابق 2:295 .
5- مجمع الزوائد - الهيثمي 10 : 398 - 399 .

وهذه المنزلة العظمى التي لا يدانيها منزلة أحد من الصحابة، تفرض لهم على المسلمين الإذعان لطاعتهم وتقديمهم على من سواهم من الصحابة، في الحكم وسائر الشؤون الدينية والدنيوية.

وبالإضافة إلى معرفة العلماء الأعلام، وإيمانهم بهذه المنزلة الكبرى للسبطين (علیهما السلام) عند الله عز وجل وعند رسوله الكريم (صلی الله علیه و آله)، كان وضاع الأحاديث من المتيقظين لمعنى الحديث، ونتيجة لتزلفهم لأعداء أهل البيت (علیهم السلام)، ومحاربيهم من الحكام الأمويين والعباسيين وأشباههم، قد اخترعوا أحاديثاً في بعض الصحابة تحاول إلغاء أو على الأقل التقليل من عظم هذه الفضيلة كحديث: «أبو بكر وعمر سيدا كهول أهل الجنة من الأولين والآخرين، إلا النبيين والمرسلين. لا تخبرهما يا علي! ما داما حيين»(1).

وهذا الحديث الذي مات أبو بكر وعمر قبل أن يعلما به، لا يمكن عده من الفضائل، لأن أهل الجنة ليس فيهم كهول ولا شيوخ كما تقدم، بالإضافة إلى أن الذي قيل فيهما ماتا في سن الشيوخ، وتصغير أعمارهم إلى مرحلة الكهولة دون الشباب، ينبأ عن:

إما عجز في قدرة الباري عز وجل، لأن رغبة الإنسان هي في الرجوع إلى مرحلة الشباب لا إلى غيرها، وخصوصاً في دار النعيم والخلود، والعجز محال في حقه سبحانه، أو يشير إلى قلة إنعامه عليهما، بأن ارجع غيرهما كالإمامين الحسنين (علیهما السلام) اللذين ماتا بعد انقضاء فترة شبابهما بزمن بعيد، وهذا مما لا يرضى به المعتقدون لهذا الحديث، وقد ورد عن الإمام أبي جعفر الجواد (علیه السلام) في محاورته مع يحيى بن أكثم، قوله: «وهذا الخبر محال، لأن أهل الجنة كلهم يكونون شبابا ولا يكون فيهم كهل». (2) .

ص: 78


1- سنن ابن ماجة - محمد بن يزيد القزويني 1: 36 .
2- الاحتجاج - الشيخ الطبرسي 2: 247 .

ومن الطريف دفاع المباركفوري عن منزلة الخلفاء الراشدين، حيث قال في تعليقه على حديث الحسن والحسين سيدا شباب أهل الجنة: «أنهما سيدا أهل الجنة سوى الأنبياء والخلفاء الراشدين وذلك لأن أهل الجنة كلهم في سن واحد وهو الشباب وليس فيهم شيخ ولا كهل». (1)

ولم يذكر مستنده الذي استثنى بموجبه الخلفاء الثلاثة، من الناس غير الأنبياء، وفيهم أوصياء الأنبياء،كنفس خاتم المرسلين (صلی الله علیه و آله) علي بن أبي طالب (علیه السلام) وآصف بن برخيا وصي النبي سليمان (علیه السلام)، الذي جاء بعرش بلقيس (2)، ومن لم يكفر بالله طرفة عين كمؤمن آل فرعون وصاحب ياسين (3).

3- حديث إمامة الحسنين (علیهما السلام)

حديث إمامة الحسنين (علیهما السلام) (4):

عن رسول الله (صلی الله علیه و آله) : «ابناي هذان إمامان قاما أو قعدا».

وقد ورد هذا الحديث الشريف في المصادر الشيعية الكثيرة.

قال ابن شهراشوب (قدس سره) : «واجتمع أهل القبلة على أن النبي (صلی الله علیه و آله) قال: الحسنل.

ص: 79


1- تحفة الأحوذي - المباركفوري 10 : 186.
2- «قال الذي عنده علم من الكتاب أنا آتيك به قبل أن يرتد إليك طرفك» «سورة النمل:40»
3- روى الزمخشري عن رسول الله (صلی الله علیه و آله) انه قال: «سباق الأمم ثلاثة لم يكفروا بالله طرفة عين: علي بن أبي طالب، وصاحب يس، ومؤمن آل فرعون» «الكشاف عن حقائق التنزيل وعيون الأقاويل - الزمخشري - 3: شرح319».
4- لغرض عنونة الأحاديث النبوية الواردة في حق أئمة أهل البيت (علیهم السلام) كان لابد من وجود تسمية لكل حديث، وبعض الأحاديث لها عنوان مشهور كحديث الثقلين، وحديث المنزلة، أما هذا الحديث فليس له اسم مشهور، لذلك تمت التسمية - من عندنا - باسم إمامة الحسنين (علیهما السلام)، نستعيذ بالله من الزلل.

والحسين إمامان قاما أو قعدا». (1)

واستدل به العلامة المجلسي (قدس سره) ضمن أدلته على إمامة الإمامين السبطين (علیهما السلام) فقال: «ويستدل بالخبر المشهور أنه قال (علیه السلام) : ابناي هذان إمامان قاما أو قعدا».(2)

ورواه الخزاز القمي (قدس سره) في كفاية الأثر من حديث أبي أيوب الأنصاري في حديث طويل: «... والله لقد سمعت من رسول الله (صلی الله علیه و آله) يقول لعلي، إنك تقاتل الناكثين، والقاسطين، والمارقين، مع علي بن أبي طالب (علیه السلام). قلنا: الله إنك سمعت من رسول الله (صلی الله علیه و آله) في علي. قال: سمعته يقول: علي مع الحق والحق معه، وهو الإمام والخليفة بعدي، يقاتل على التأويل كما قاتلت على التنزيل، وابناه الحسن والحسين سبطاي من هذه الأمة، إمامان إن قاما أو قعدا، وأبوهما خير منهما،....».(3)

وأسنده أيضا صاحب الكفاية إلى أبي ذر (رضی الله عنه).(4)

وعلى الرغم من دلالته الواضحة على الإمامة، وكون السبطين العظيمين (علیهما السلام) من مصاديق الإمامة فقد ورد في عدد من كتب أهل السنة (5).

ومن الأمور التي دل عليها الحديث الشريف بالإضافة إلى صراحته في إمامة»

ص: 80


1- مناقب آل أبي طالب - ابن شهر آشوب 3: 163
2- بحار الأنوار - العلامة المجلسي 43:278 .
3- كفاية الأثر - الخزاز القمي: 117 .
4- ينظر كفاية الأثر - الخزاز القمي: 38 .
5- جاء في شرح منهاج الكرامة في معرفة الإمامة - السيد علي الميلاني 1:شرح 138 : «وممن رواه من أهل السنة: الصفوري في نزهة المجالس 2 / 184 ، والصديق القنوجي في السراج الوهاج في شرح صحيح مسلم بن الحجاج في باب المناقب، وفي الإتحاف بحب الأشراف: أنه (صلی الله علیه و آله) قال لهما: أنتما الإمامان ولأمكما الشفاعة»

الحسنين (علیهما السلام)، إن تعيين الإمام هو من الله سبحانه وتعالى على لسان نبيه الأمين (صلی الله علیه و آله) الذي لا ينطق عن الهوى، وليس للناس دخل في هذا سواء كانوا من أهل الحل والعقد أو غيرهم. وبهذا تبطل دعاوى من يحاول أن يثبت أو يلتزم بصحة إمامة من لم يعينوا بالطريقة السابقة.

وربما يتأول متأول فيقول: إن الإمامة سواء أكانت بالشورى أم بالتعيين الإلهي فهي صحيحة، ونرد تأويله الخالي من الدليل بأنه لا اجتهاد أمام النص الصريح، والإمامة ليست من أمور المسلمين حتى تلتحق بقوله تعالى: «وَأَمْرُهُمْ شُورَى بَيْنَهُمْ»(1).

وفي هذا المعنى «التعيين الإلهي» أيضا تنزيه لرسول الله (صلی الله علیه و آله) من قول القائلين بأنه (صلی الله علیه و آله) ترك أمته دون أن ينصِّب من يقوم مقامه.

كما أنه يمكن التفريق بواسطة هذا الحديث الشريف بين مفهوم الإمامة، ومفهوم الخلافة عند أهل السنة، بدلالة قوله (صلی الله علیه و آله) : قاما أو قعدا.

فالإمام هو الإنسان المنصب من قبل الله تعالى «قَالَ إِنِّي جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِمَامًا»(2)، إما الخليفة عند أخواننا، فهو من تسلم مقاليد الحكم بطريقة تعيين أهل الحل والعقد أو شوراهم، ولم ينص عليه رسول الله (صلی الله علیه و آله).

ومما يستفاد أيضا من هذا الحديث المبارك، أن الإمامين الحسنين (علیهما السلام) على صغر سنهما في وقت صدور هذا التشريف من رسول الله (صلی الله علیه و آله) كانا مكلفين، حيث أن غير المكلف لا يكون إماما لغيره.

ويشهد بوجود هذا التكليف، أن الله تبارك وتعالى، أوجب لهما الجنة لتصدقهما مع .

ص: 81


1- سورة الشورى: 38 .
2- سورة البقرة: 124 .

بقية أهل الكساء (علیهم السلام) على اليتيم والمسكين والأسير في الآية القرآنية الكريمة «وَجَزَاهُمْ بِمَا صَبَرُوا جَنَّةً وَحَرِيرًا».(1)

ويشهد بتكليفهما أيضا مع صغر السن إدخالهما في المباهلة، «قال ابن علان المعتزلي:

هذا يدل على أنهما كانا مكلفين في تلك الحال لان المباهلة لا تجوز إلا مع البالغين» (2).

وقال أعلام الشيعة: «إن صغر السن عن حد البلوغ لا ينافي كمال العقل وبلوغ الحلم حدا لتعلق الأحكام الشرعية فكان ذلك لخرق العادة فثبت بذلك أنهما كانا حجة الله لنبيه في المباهلة مع طفولتيهما ولو لم يكونا إمامين لم يحتج الله بهما مع صغر سنهما على أعدائه». (3)

وفي هذا الحديث ينكشف خطأ من رد على الإمامين (علیهما السلام) تصرفاتهما، حيث أنكروا على الإمام الحسن (علیه السلام) صلحه مع معاوية، ورفض بعض آخر خروج الإمام الحسين (علیه السلام) على طاغية عصره يزيد، ووسموا أنفسهم بالمنكر من الكلام عندما قالوا: إن الحسين قُتِلَ بسيف جده (4).

وقد أوضح الإمام الحسن (علیه السلام) علة ذلك، ودافع عن نفسه في ما رواه عنه أبو سعيد قال: «قلت للحسن بن علي بن أبي طالب يا بن رسول الله لم داهنت معاوية وصالحته وقد علمت أن الحق لك دونه وان معاوية ضال باغ؟ فقال: يا أبا سعيد ألست حجة الله تعالى ذكره على خلقه وإماما عليهم أبي (علیه السلام) ؟ قلت بلى قال: ألست الذي قال رسول الله (صلی الله علیه و آله) لي ولأخي الحسن والحسين إمامان قاما أو قعدا؟ قلت بلى قال فانا إذن إمام لوي.

ص: 82


1- سورة الانسان: 12 .
2- مناقب آل أبي طالب - ابن شهر آشوب 3:142 .
3- المصدر السابق.
4- ومنهم ابن عربي.

قمت وأنا إمام إذ لو قعدت، يا أبا سعيد علة مصالحتي لمعاوية علة مصالحة رسول الله (صلی الله علیه و آله) لبني ضمرة وبني أشجع ولأهل مكة حين انصرف من الحديبية أولئك كفار بالتنزيل ومعاوية وأصحابه كفار بالتأويل، يا أبا سعيد إذا كنت إماما من قبل الله تعالى ذكره لم يجب ان يسفه رأيي فيما أتيته من مهادنة أو محاربة وإن كان وجه الحكمة فيما أتيته ملتبسا ألا ترى الخضر (علیه السلام) لما خرق السفينة وقتل الغلام وأقام الجدار سخط موسى (علیه السلام) فعله لاشتباه وجه الحكمة عليه حتى أخبره فرضي هكذا أنا، سخطتم علي بجهلكم بوجه الحكمة فيه ولولا ما أتيت لما ترك من شيعتنا على وجه الأرض أحد إلا قتل». (1)

وتولى العديد من العلماء الرد على قول ابن عربي في حق سيد الشهداء الإمام الحسين (علیه السلام). (2)

وآخر الفوائد التي استقيناها من هذا الحديث الشريف أن نهج الإمام الحسن (علیه السلام) في الصلح مثلا لا يختلف عن نهج الإمام الحسين (علیه السلام) في الخروج على الظالمين، بحكم إمامتهما في حال القيام والقعود.

وفي هذا إبطال لمقالة بعض الجهال في حق الإمام الحسن (علیه السلام) حيث أنهم في الوقت الذي يمتدحون قيام الإمام الحسين (علیه السلام) وثورته، ينتقصون من الإمام الحسن (علیه السلام)».

ص: 83


1- علل الشرائع - الشيخ الصدوق 1: 211 .
2- ينظر شرح منهاج الكرامة في معرفة الإمامة - السيد علي الميلاني 1:شرح 506 - 507 وفيه: «قال ابن الجوزي - عليه الرحمة - في كتابه السر المصون: من الاعتقادات العامية التي غلبت على جماعة منتسبين إلى السنة أن يقولوا: إن يزيد كان على الصواب، وإن الحسين - رضي الله تعالى عنه - أخطأ في الخروج عليه، ولو نظروا في السير لعلموا كيف عقدت له البيعة، وألزم الناس بها، ولقد فعل في ذلك كل قبيح. ثم لو قدرنا صحة عقد البيعة فقد بدت منه بواد كلها توجب فسخ العقد، ولا يميل إلى ذلك إلا كل جاهل عامي المذهب يظن أنه يغيظ بذلك الرافضة».

وينسبونه إلى الضعف - حاشاه - بسبب صلحه مع معاوية.

وقد انتج هذا التصور الخاطئ أسبابا ودوافع لذلك الصلح لاتليق بقداسة وعظمة الإمام المجتبى(علیه السلام).

والمؤلم أيضا أن العادة الخاطئة لبعض العوام، في الطرب لأحاديث البطولة والقتال في معارك لم يشاركوا بها، قد انعكست في مرات كثيرة في الحكم اللا موضوعي على تصرفات علماء الدين الأجلاء، فتراهم يمتدحون من المراجع من انتهج في فترة من حياته منهج الثورة والمقاومة المباشرة، في نفس الوقت الذي ينتقصون فيه من المجتهدين الآخر الذين سلكوا طريقا آخر لإصلاح المجتمع أو التصدي لمستحدثات الأمور.

ولسنا مختلفين معهم في احترام النوع الأول من المجتهدين، لكننا نقف بوجه انتقاصهم للعلماء الذين اختاروا - بحسب اجتهادهم - الطريق الثاني.

وهناك من هؤلاء العوام من يمسك عصاه المعوجة من الوسط،غافلاً عن اعوجاجها، فيقول هذا حسيني، وذاك حسني!

مع إن الإمام الحسين (علیه السلام) لم يختر الخروج طيلة زمن معاوية في حياة الإمام الحسن (علیه السلام) وبعد استشهاده، وخرج على يزيد حين توفرت الظروف المناسبة للقيام، والتي لم تتوفر مثلها للإمام الحسن(علیه السلام).

ومن الأمور الأكيدة عند شيعة أهل البيت (علیهم السلام) أن الأئمة (علیهم السلام) سيتخذون التصرف عينه لو تبدلت مواقعهم.

ص: 84

الباب الثاني: محاكمة النصوص

اشارة

ص: 85

ص: 86

التمهيد

تعرض أنبياء الله - كعادة المصلحين - إلى جملة من الاتهامات والشبهات عبر التأريخ، تفنن في إلقائها أعدائهم والمتربصين ل هم، ولم يخل زمان من ذلك، لوجود أعداء الرسالات الحقة، أو المرددين لأقاويلهم، من مصاديق الآية الكريمة «وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا لِكُلِّ نَبِيٍّ عَدُوًّا مِنَ الْمُجْرِمِينَ». (1)

ونتيجة لفشل جميع الأسلحة التي استعملها أولئك، فإن تلفيق الأقوال والأفعال كان وسيلتهم الفضلى للتصدي للتعاليم السماوية التي تكفل المرسلون (علیهم السلام) ببيانها ونشرها.

ومراجعةً بسيطةً لما جاء في كتب العهدين الرائجة تكفي في التصديق بما ذكرناه.

وعلى الرغم من شدة ما جابهه الأنبياء (علیهم السلام) في حياتهم وبعدها، فإن أقسى الاتهامات قد تجلى في الطعن في سيرة وأخلاق خاتمهم العظيم نبينا الأكرم محمد (صلی الله علیه و آله) في حياته، إلى الحد الذي جعله يعرب عن عظيم ما عاناه، مصرحا بقوله: «ما أُوذِيَ نَبيٌّ مثل ما أوذيت» (2)، واستمر مسلسل الإيذاء لقدسه (صلی الله علیه و آله) بعد وفاته.

وبصورة مستعجلة يمكن تقسيم ما تعرض له النبي الأكرم (صلی الله علیه و آله) على قسمين:

الأول: ويشمل الأمور التي حيكت حوله في حياته (صلی الله علیه و آله)، ومن أمثلتها تشكيك6.

ص: 87


1- سورة الفرقان: 31 .
2- كشف الغمة - ابن أبي الفتح الأربلي 3 : 346.

قومه في صدق دعوته وهو المشهور عندهم بالصادق الأمين، ومع كثرة المعجزات التي طلبوها منه وشاهدوا تحققها وعجزوا عن ردها أو الإتيان بمثلها، كما أنهم شكَّوا في مصدر معجزته الخالدة (القرآن الكريم) مع شهادة فصحائهم بأنه ليس من كلام البشر.

ولما ضاق المشركون ببلاغة القرآن وتأثيره في القلوب، وتنغيصه لحياتهم المادية المجردة عن الإيمان بالآخرة، اتهموا خاتم النبيين (صلی الله علیه و آله) بالسحر والجنون فنزلت الآيات منددةً بما زخرفته أفواههم «أَفْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِبًا أَمْ بِهِ جِنَّةٌ بَلِ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ فِي الْعَذَابِ وَالضَّلَالِ الْبَعِيدِ»(1).

ومن الأشياء التي قد تعطي بعض التبرير وتجعلنا نفهم السبب وراء تصرفات الصانعين لتلك الاتهامات، بالرغم من فظاعتها أنها صدرت من أعداء واضحين، لم يكونوا من الداخلين إلى خانة المسلمين، أما ما لا يهون أبدا فهو ما ألصقه بعض المنتسبين للإسلام برسول الله (صلی الله علیه و آله) من أقاويل لا تليق بساحته.

وتنوعت أقاويل هذه الفئة مع تنوع مناسباتها، فقد اتهمه بعضهم بعدم العدالة في قسمة الغنائم، بل وصل هؤلاء إلى حد اتهامه بالغلول في ذلك(2)، ونزلت الآية الكريمة منددة بأصحاب هذه الفرية «وَمَا كَانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَغُلَّ وَمَنْ يَغْلُلْ يَأْتِ بِمَا غَلَّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ ثُمَّ تُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ مَا كَسَبَتْ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ»(3).

واتهموه في عرضه في حادثة الإفك المعروفة «إِنَّ الَّذِينَ جَاءُوا بِالْإِفْكِ عُصْبَةٌ مِنْكُمْ لَا .

ص: 88


1- سورة سبأ: 8.
2- ينظر عمدة القاري - العيني 15 : 6 وفيه: «وقال ابن أبي حاتم: حدثنا المسيب بن واضح حدثنا أبو إسحاق الفزاري عن سفيان عن خصيف عن عكرمة عن ابن عباس، قال: فقدوا قطيفة يوم بدر، فقالوا: لعل رسول الله (صلی الله علیه و آله)، أخذها، فأنزل الله: «وَمَا كَانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَغُلَّ»، أي: يخون»
3- سورة آل عمران: 161 .

تَحْسَبُوهُ شَرًّا لَكُمْ بَلْ هُوَ خَيْرٌ لَكُمْ لِكُلِّ امْرِئٍ مِنْهُمْ مَا اكْتَسَبَ مِنَ الْإِثْمِ وَالَّذِي تَوَلَّى كِبْرَهُ مِنْهُمْ لَهُ عَذَابٌ عَظِيمٌ»(1).

ومن أشد ما مر عليه في أواخر حياته الشريفة، اتهامه بأنه (يهجر)، حينما طلب من المجتمعين عنده دواة وقلم ليكتب لهم كتاباً ينجيهم من الضلال بعده، في الحادثة المشهورة والتي يسميها حبر الأمة عبد الله بن عباس برزية يوم الخميس(2).

وإمعانا في الأذى سددوا سهامهم تجاه رهط النبي المقربين قاصدين إيذاء الرسول الأعظم (صلی الله علیه و آله) بطريقة غير مباشرة مثل قولهم: إنما مثل محمد كمثل نخلة نبتت في كناس(3)، وهو من الكناسة وهي الزبالة، أو قولهم: «إنما مثل محمد في بني هاشم مثل الريحانة في وسط النتن»، وغير ذلك من الأقاويل التي جعلت النبي (صلی الله علیه و آله) يخطب في الناس مناديا:

«أيها الناس من أنا؟ قالوا أنت رسول الله (صلی الله علیه و آله)، قال: أنا محمد بن عبد الله بن عبد المطلب، قال (الراوي) فما سمعناه قط ينتمي قبلها، ألا إن الله عز وجل خلق خلقه فجعلني من خير خلقه ثم فرقهم فرقتين فجعلني من خير الفرقتين ثم جعلهم قبائل».

ص: 89


1- النور: 11 .
2- ينظر صحيح البخاري - البخاري 4 : 31 وفيه: «عن سعيد بن جبير عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه قال: يوم الخميس ، وما يوم الخميس؟! ثم بكى حتى خضب دمعه الحصباء فقال: اشتد برسول الله (صلی الله علیه و آله) وجعه يوم الخميس، فقال : ائتوني بكتاب اكتب لكم كتاباً لن تضلوا بعده أبدا فتنازعوا ولا ينبغي عند نبي تنازع فقالوا هجر رسول الله (صلی الله علیه و آله) قال دعوني فالذي انا فيه خير مما تدعوني إليهد وأوصى عند موته بثلاث اخر جوا المشركين من جزيرة العرب وأجيزوا الوفد بنحو ما كنت أجيزهم ونسيت الثالثة».
3- ينظر المستدرك - الحاكم النيسابوري: 3 : 247 ، وفيه : «بلغ النبي (صلی الله علیه و آله) ان قوما نالوا منه وقالوا له إنما مثل محمد كمثل نخلة نبتت في كناس فغضب رسول الله (صلی الله علیه و آله) ثم قال : أيها الناس ان الله خلق خلقه فجعلهم فرقتين فجعلني في خير الفرقتين ثم جعلهم قبائل فجعلني في خيرهم قبيلاً ثم جعلهم بيوتا فجعلني في خيرهم بيتا ثم قال رسول الله (صلی الله علیه و آله)، أنا خيركم قبيلاً وخيركم بيتاً».

فجعلني من خيرهم قبيلة ثم جعلهم بيوتا فجعلني من خيرهم بيتا وأنا خيركم بيتا وخيركم نفسا» (1).

والقسم الثاني: ما حوته بعض الروايات من الأكاذيب التي حِيكَتْ بعد انتقال النبي (صلی الله علیه و آله) إلى جوار ربه الكريم.

ومن هذه الأكاذيب التي لا يحتاج إلى بطلانها إلى أي استدلال، روايتهم بأنه كان يبول واقفا (حاشا لرسول الله) مع أن أي واحد من المؤمنين بهذه الفرية لو اتهم بمثلها لأنكر واستنكر، فكيف بمن بعث ليتمم مكارم الأخلاق.

كما أنهم ولأجل تبرير أفعال بعض الملوك المبتعدين عن الإسلام روحا وجسدا جاءوا بروايات صاغوها ليثبتوا أنه (صلی الله علیه و آله) كان يستمع إلى الغناء(2).

ولم يسلم الوحي الإلهي من خزعبلاتهم، فاخترعوا قصة الغرانيق (3)، مع ما فيها».

ص: 90


1- مسند أحمد: أحمد بن حنبل- ج 4ص 166 .
2- ينظر نيل الأوطار - الشوكاني 8:271 وفيه: «عن بريدة قال: خرج رسول الله (صلی الله علیه و آله) في بعض مغازيه، فلما انصرف جاءت جارية سوداء فقالت: يا رسول الله إني كنت نذرت إن ردك الله صالحا أن أضرب بين يديك بالدف وأتغنى، قال لها: إن كنت نذرت فاضربي وإلا فلا، فجعلت تضرب، فدخل أبو بكر وهي تضرب، ثم دخل علي وهي تضرب، ثم دخل عثمان وهي تضرب ، ثم دخل عمر فألقت الدف تحت أستها ثم قعدت عليه ، فقال رسول الله (صلی الله علیه و آله) : إن الشيطان ليخاف منك يا عمر ، إني كنت جالساً وهي تضرب فدخل أبو بكر وهي تضرب ، ثم دخل علي وهي تضرب ، ثم دخل عثمان وهي تضرب ، فلما دخلت أنت يا عمر ألقت الدف ، رواه أحمد والترمذي وصححه».
3- ينظر المعجم الكبير - الطبراني 9:34 - 36 ، وتفاصيل القصة: «قال المشركون من قريش لو كان هذا الرجل يذكر آلهتنا بخير أقررناه وأصحابه فإنه لا يذكر أحدا ممن خالف دينه من اليهود والنصارى بمثل الذي يذكر به آلهتنا من الشتم والشر فلما أنزل الله عز وجل السورة التي يذكر فيها (والنجم) وقرأ أفرأيتم اللات والعزى ومناة الثالثة الأخرى ألقى الشيطان فيها عند ذلك ذكر الطواغيت فقال وإنهن لمن الغرانيق العلى وإن شفاعتهم لترتجي وذلك من سجع الشيطان وفتنته فوقعت هاتان الكلمتان في قلب كل مشرك وذلت بها ألسنتهم واستبشروا بها وقالوا إن محمدا (صلی الله علیه و آله) قد رجع إلى دينه الأول ودين قومه فلما بلغ رسول الله (صلی الله علیه و آله) آخر السورة التي فيها النجم سجد وسجد معه كل من حضر من مسلم ومشرك غير أن الوليد بن المغيرة كان رجلاً كبيراً فرفع على كفه تراباً فسجد عليه فعجب الفريقان كلاهما من جماعتهم في السجود لسجود رسول الله (صلی الله علیه و آله) فأما المسلمون فعجبوا من سجود المشركين على غير إيمان ولا يقين ولم يكن المسلمون سمعوا الذي ألقى الشيطان على ألسنة المشركين وأما المشركون فاطمأنت أنفسهم إلى النبي (صلی الله علیه و آله) وأصحابه لما سمعوا الذي ألقى الشيطان في أمنية النبي (صلی الله علیه و آله) وحدثهم الشيطان أن رسول الله (صلی الله علیه و آله) قد قرأها في السجدة فسجدوا لتعظيم آلهتهم ففشت تلك الكلمة في الناس وأظهرها الشيطان حتى بلغت الحبشة فلما سمع عثمان بن مظعون وعبد الله بن مسعود ومن كان معهم من أهل مكة أن الناس قد أسلموا وصلوا مع رسول الله (صلی الله علیه و آله) وبلغهم سجود الوليد بن المغيرة على التراب على كفيه أقبلوا سراعا وكبر ذلك على رسول الله (صلی الله علیه و آله) فلما أمسى أتاه جبريل (علیه السلام) فشكا إليه فأمر فقرأ عليه فلما بلغها تبرأ منها جبريل (علیه السلام) وقال معاذ الله من هاتين ما أنزلهما ربي ولا أمرني بهما ربك فلما رأى ذلك رسول الله (صلی الله علیه و آله) شق عليه وقال أطعت ا لشيطان وتكلمت بكلامه وشركني في أمر الله فنسخ الله عز وجل ما ألقى الشيطان وأنزل عليه «وَمَا أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِکَ مِن رَّسُولٍ وَلَا نَبِیٍّ إِلَّا إِذَا تَمَنَّی أَلْقَی الشَّیْطَانُ فِی أُمْنِیَّتِهِ فَیَنسَخُ اللَّهُ مَا یُلْقِی الشَّیْطَانُ ثُمَّ یُحْکِمُ اللَّهُ آیَاتِهِ وَاللَّهُ عَلِیمٌ حَکِیمٌ (52) لِیَجْعَلَ مَا یُلْقِی الشَّیْطَانُ فِتْنَةً لِّلَّذِینَ فِی قُلُوبِهِم مَّرَضٌ وَالْقَاسِیَةِ قُلُوبُهُمْ وَإِنَّ الظَّالِمِینَ لَفِی شِقَاقٍ بَعِیدٍ».

من جرأة عظيمة على الله ورسوله الأمين (صلی الله علیه و آله).

وكما هو الحال عند رسول الله (صلی الله علیه و آله)، سلكت ألسنة المبغضين طريقها الى سيرة العترة الطاهرة لكنها لم تُوَفَّق في ذلك، فقد انقلبت بعض دعايات المنافقين في حق أميرالمؤمنين (علیه السلام) حينما استخلفه رسول الله (صلی الله علیه و آله) في غزوة تبوك، بأنه تركه استثقالا له!! إلى غير ما يتمنون، وأبطل حديث المنزلة أمانيهم، وسجل لأمير المؤمنين (علیه السلام) نصرا عظيماً بقول رسول الله (صلی الله علیه و آله) : «ألا ترضى يا علي أن تكون مني بمنزلة هارون من موسى إلا أنه لا نبي بعدي» (1).».

ص: 91


1- ينظر تاريخ مدينة دمشق - ابن عساكر 2 : 31 وفيه (خلف رسول الله (صلی الله علیه و آله) علي بن أبي طالب على أهله وأمره بالإقامة فيهم فأرجف به المنافقون وقالوا ما خلفه إلا استثقالا له وتخففا منه فلما قال ذلك المنافقون أخذ علي بن أبي طالب سلاحه ثم خرج حتى أتى رسول الله (صلی الله علیه و آله) وهو نازل بالجرف فقال: يا رسول الله زعم المنافقون أنك إنما خلفتني تستثقلني وتخفف مني فقال رسول الله (صلی الله علیه و آله) كذبوا ولكني خلفتك لما تركت ورائي فارجع فاخلفني في أهلي وأهلك ألا ترضى يا علي أن تكون مني بمنزلة هارون من موسى إلا أنه لا نبي بعدي».

ومن القصص المخترعة التي مثلت رغبة بعض الأفاكين في الانتقاص من مكانة الإمام علي السامية في الإسلام، ما ادعوه من رغبته بالزواج من ابنة أبي جهل، في حياة الصديقة الطاهرة فاطمة الزهراء (علیها السلام)، ورفض النبي الأعظم (صلی الله علیه و آله) لهذه الخطبة!!!(1)

وهذا الرفض المنسوب لرسول الله (صلی الله علیه و آله) مع تحليل الزواج بأربع نساء أوضح دليل على بطلان هذه القصة.

ووصل الحال ببعض الخوارج أن اتهموا أمير المؤمنين (علیه السلام) وهو الذي لم يكفر بالله طرفة عين وولده الإمام الحسن (علیه السلام) بالشرك! على لسان الجراح بن سنان الذي طعن سيد شباب أهل الجنة بمعول فأصاب فخذه(2).

ولازال اللسان الأموي يندد بخروج الإمام المعصوم، والسيد الثاني لشباب أهل الجنة على طاغية عصره يزيد، ويعتبره خروجا على إمام زمانه!!!

أما الشبهات والطعون التي قيلت بحق الإمام الحسن المجتبى (علیه السلام) فهي موضوع كلامنا في هذا الباب وسيتم التعرف على بعضها ومحاكمتها محاكمة شاملة، في الأوراق التالية: .

ص: 92


1- ينظر مسند احمد - الإمام احمد بن حنبل 4 : 326 وفيه: «ان عليا خطب ابنة أبي جهل فوعد بالنكاح فأتت فاطمة النبي (صلی الله علیه و آله) فقال إن قومك يتحدثون انك لا تغضب لبناتك وان عليا قد خطب ابنة أبي جهل فقام النبي (صلی الله علیه و آله) فحمد الله وأثنى عليه وقال إنما فاطمة بضعة مني واني أكره أن تفتنوها وذكر أبا العاص بن الربيع فأكثر عليه الثناء وقال لا يجمع بين ابنة نبي الله وبنت عدو الله فرفض علي ذلك».
2- ينظر مقاتل الطالبيين - ابو الفرج الأصفهاني: 41 .

الشبهة الأولى: تسميته حرباً

في الوقت الذي يحثنا الدين الإسلامي الحنيف عبر سنة نبيه الأكرم (صلی الله علیه و آله)، وسيرة المطهرين من آله (علیهم السلام) على مراعاة اختيار أسماء جميلة لأبنائنا، بل لقد جعل ذلك من حقوق الأبناء على الآباء، كما في قوله (صلی الله علیه و آله) : «من حق الولد على الوالد أن يحسن اسمه ويحسن أدبه» (1)، تطالعنا بعض المرويات التي تتحدث عن تسمية أمير المؤمنين (علیه السلام) لولده الإمام الحسن (علیه السلام) باسم، يمثل رمزا للأسرة الأموية (حرب)، تلك الأسرة التي لم تترك مناسبة إلا وحاولت الكيد لهذا الدين العظيم، ولحامل شريعته ومبلغ رسالاته سيد الأنبياء والمرسلين (صلی الله علیه و آله) وعترته الطاهرة (علیهم السلام). حتى أن صفة الشجرة الملعونة أصبحت عنوانا لها على مر التأريخ.

والمقصود الأول في هذا الاتهام هو أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (علیه السلام) ثم سبطا رسول الله (صلی الله علیه و آله) ثانياً.

وحقيقة أن اختيار الأسماء الجميلة له بالغ التأثير في التكوين النفسي للمولود، وهو من النقاط الكثيرة التي يتفق فيها علم النفس الحديث مع الشرع المقدس، كما انه مبعث1.

ص: 93


1- كنز العمال - المتقي الهندي -ج 16 ص 461.

للتفاؤل والسرور(1)، هذا بالنسبة للناس العاديين، فكيف بمن كان اسم جده وأبيه وأمه من عطايا ومنح الرؤوف الرحيم، هل يصح أن يطلق عليه أبوه وأمه اسما غريبا دون الرجوع إلى الله (تبارك وتعالى) ورسوله الأمين (صلی الله علیه و آله).

وسوف ينقضي العجب قبل الدخول إلى الشبهة واستعراض رواياتها، إذا استمعنا إلى قصة شريك بن الأعور مع حفيد أسرة حرب، معاوية بن أبي سفيان:

«دخل شريك بن الأعور على معاوية وكان دميما، فقال له معاوية: إنك لدميم والجميل خير من الدميم، وإنك لشريك وما لله من شريك، وإن أباك لأعور والصحيح خير من الأعور، فكيف سُدْت قومك؟ فقال له: إنك معاوية وما معاوية إلا كلبة عوت فاستعوت الكلاب، وإنك لابن صخر والسهل خير من الصخر، وإنك لابن حرب والسلم خير من الحرب، وإنك لابن أمية وما أمية إلا أمة صُغِّرت، فكيف صرت أميرالمؤمنين؟» (2).58

ص: 94


1- من شواهد ذلك القصة الآتية: «فقد النبي محمد (صلی الله علیه و آله) أمه في أيام رضاعه، ولم يقبل ثدي مرضعة قط، وكان هذا مبعث حزن وألم في البيت الهاشمي... إلى أن جاءت حليمة السعدية فعرضت ثديها عليه فقبله وتكفلت برضاعه، عندئذ عم البيت السرور والفرح إلى أقصى حد فقال عبد المطلب مخاطبا إياها. - من أين أنت؟ قالت: امرأة من بني سعد. قال: ما اسمك؟ قالت: حليمة. قال: بخ بخ، خلقان حسنتان... سعد وحلم» الطفل بين الوراثة والتربية - الشيخ محمد تقي فلسفي 2:168 .
2- الغدير - الشيخ الأميني 10:171 - 172 ، نقلا عن المستطرف في كل فن مستظرف - الابيشهي 1: 58

مستند الشبهة

سنقوم بتصنيف الروايات إلى مجموعتين تتحدث الأولى عن التسمية ب (حرب)، أما الثانية فهي أخف وطأة لكنها تشترك مع الأولى في حدوث تبديل للأسماء، لكن من حمزة وجعفر (رضی الله عنها) إلى الحسن (علیه السلام) والحسين(علیه السلام).

المجموعة الأولى:

وهي روايات التسمية ب (حرب)، وفيها نوعان:

الأول: وتتحدث روايته عن اختيار الإمام علي (علیه السلام) لاسم (حرب)، وإطلاقه على الحسن والحسين والمحسن : (علیهم السلام) عن أبي إسحاق عن هانئ بن هانئ عن علي (رضی الله عنه)، قال: «لما ولد الحسن سميته حربا فجاء رسول الله (صلی الله علیه و آله) فقال: أروني ابني ما سميتموه قال قلت: حربا قال بل هو حسن فلما ولد الحسين سميته حربا فجاء رسول الله (صلی الله علیه و آله) فقال: أروني ابني ما سميتموه، قال

قلت: حربا، قال: بل هو حسين فلما ولد الثالث سميته حربا فجاء النبي (صلی الله علیه و آله)، فقال:

أروني ابني ما سميتموه، قلت: حربا، قال: بل هو محسن، ثم قال: سميتهم بأسماء ولد هارون شبر وشبير ومشبر» (1).

ص: 95


1- مسند احمد - الإمام احمد بن حنبل 1:98 ، وفي المستدرك على الصحيحين للحاكم النيسابوري 3: 165، وفي المعجم الكبير للطبراني 3:96 ، وفي الأدب المفرد للبخاري: 177 ، وفي السنن الكبرى للبيهقي 6 : 166 و 7:63 وغير ذلك.

الثاني: وتنقل روايته رغبة أمير المؤمنين (علیه السلام) في إطلاق ذلك الاسم على الحسن والحسين (علیه السلام) فقط، ومثاله ما يلي:

عن يحيى بن عيسى الرملي عن الأعمش عن سالم بن أبي الجعد قال، قال علي (رضی الله عنه) :

«كنت رجلا أحب الحرب فلما ولد الحسن هممت أن أسميه حربا، فسماه رسول الله [صلی الله علیه و آله] الحسن فلما ولد الحسين هممت أن أسميه حربا فسماه رسول الله [صلی الله علیه و آله] الحسين وقال (صلی الله علیه و آله) : إني سميت مشهور هذين باسم مشهور هارون شبر وشبير» (1).

المجموعة الثانية:

وهي روايات التسمية ب (حمزة أو جعفر أو كلاهما)، وفيها نوعان أيضا:

الأول: وتدور روايته حول تسمية الإمام المجتبى (علیه السلام) باسم أسد الله وأسد رسوله حمزة بن عبد المطلب (رضی الله عنه)، وتسمية الإمام الحسين باسم عمه جعفر الطيار (رضی الله عنه)، ثم تبديل اسميهما:

«عن عبد الله بن محمد بن عقيل أن عليا لما ولد ابنه الأكبر سماه بعمه حمزة ثم ولد ابنه الآخر فسماه بعمه جعفر، قال: فدعاني النبي[صلی الله علیه و آله] فقال: إني قد أمرت أن أغير اسم ابني هذين. قال: قلت: الله ورسوله أعلم. قال فسماهما حسنا وحسينا». (2)

الثاني: ويقتصر التبديل هنا على اسم جعفر (رضی الله عنه) إلى الإمام الحسن(علیه السلام):

«عن عمر بن عمير عن عروة بن فيروز عن سورة(3) بنت مشرح، قالت: كنت فيمن حضر فاطمة (رضی الله عنها) حين ضربها المخاض في نسوة فأتانا النبي (صلی الله علیه و آله) فقال:كيف هي؟ .

ص: 96


1- المعجم الكبير - الطبراني 3: 97 .
2- ترجمة الإمام الحسن (علیه السلام) - ابن عساكر: 15 .
3- ذكر اسمها في كتب أخرى (سودة) مثل الاستيعاب - ابن عبد البر 4: 1868 .

قلت: إنها لمجهودة يا رسول الله، قال: فإذا هي وضعت فلا تسبقيني فيه بشيء قالت:

فوضعت فسروه ولففوه(1)، في خرقة صفراء، فجاء رسول الله (صلی الله علیه و آله) فقال: ما فعلت قلت قد ولدت غلاماً وسررته ولففته في خرقة، قال:عصيتني قالت أعوذ بالله من معصية الله ومن غضب رسوله قال ائتيني به فأتيته به فألقى الخرقة الصفراء ولفه في خرقة بيضاء وتفل في فيه وألبأه بريقه فجاء علي (رضی الله عنه) فقال: ما سميته يا علي قال: سميته جعفرا، يا رسول الله قال: لا، ولكن حسن وبعده حسين وأنت أبو حسن الخير» (2). .

ص: 97


1- في كتب أخرى جاءت (لفوه) كما في مجمع الزوائد - الهيثمي 9:174 - 175 .
2- المعجم الكبير - الطبراني 3: 23 - 24 .

ص: 98

محاكمة الشبهة

أولا: مناقشة الأ سانيد:

ألفاظ النوع الأول من المجموعة الأولى تشهد بوضعها، كما سيأتي في مناقشة الألفاظ

وتغني عن البحث في سندها، ونكتفي - لإلزام من يعتقد بصحتها - بقول ابن المديني - وهو من علماء السنة - في هانىء بن هانىء حيث عبر عنه بأنه «مجهول».

ولا يختلف الحال كثيرا في رواية النوع الثاني، ونعتقد بعدم صحتها أيضاً من خلال ألفاظها. ومن باب الإلزام أيضا نورد رأي النسائي في يحيى بن عيسى حيث قال «ليس بالقوي» (1).

أما روايات المجموعة الثانية، فإن النوع الأول منها راجع إلى عبد الله بن محمد بن عقيل الهاشمي، وهو وان كان من الموثقين عند الشيعة إلا أن تضعيف عدد من أئمة أهل السنة له (2)، حجة عليهم في عدم قبول هذه الرواية، ولا يصح قول قائل بإلزام الشيعة بقبولها، لأنها من مرويات أهل السنة، ومن نقلها من علماء مدرسة أهل البيت (علیهم السلام) فقد ذكر مصدرها .).

ص: 99


1- خلاصة تهذيب تهذيب الكمال - الخزرجي الأنصاري اليمني: 427 .
2- حيث عده أغلب علماء السنة في الضعفاء، حيث كان مالك لا يروي عنه، وضعفه يحيى (ينظر ضعفاء العقيلي - العقيلي 2: 298 - 299)، نعم قال الترمذي فيه «هو صدوق وتكلم فيه بعض أهل العلم من قبل حفظه» (سنن الترمذي - الترمذي 1: 5).

وأخيرا فإن النوع الثاني مسند إلى سوادة بنت مسرح التي قال فيها ابن عبد البر:

«سودة بنت مسرح روي عنها حديث واحد بإسناد مجهول أنها كانت قابلة لفاطمة بنت رسول الله[صلی الله علیه و آله] حين وضعت الحسن فلفته في خرقة صفراء فنزعها عنه رسول الله ، (صلی الله علیه و آله) ولفه في خرقة بيضاء وتفل في فيه وسماه الحسن» (1).

ثانيا: مناقشة الألفاظ

1- مما يشهد على ضعف، بل في وضع روايات المجموعة الأولى، إصرار الإمام علي (علیه السلام) - حسب ما موجود فيهما - على أن يسبق الله ورسوله (صلی الله علیه و آله) في تسمية أبناءه، مع

أن سيرته العطرة لا تتحدث بشيء من هذا القبيل، بل هو من أهل البيت الذين طهرهم الله في محكم كتابه الكريم، وهو من عباد الرحمن المكرمين الموصوفين بأنهم لا يسبقونه بالقول، وهم بأمره يعملون(2).

مع أن إعراض النبي الأعظم (صلی الله علیه و آله) في تسمية سبطه الأول بذلك الأسم مما يوجب الردع عن تسمية باقي أبنائه بذلك.

ومع ذلك فإن التعليل «كنت رجلا أحب الحرب» - على وهنه - لن ينفع في تبرير ذلك التصرف المزعوم، وكأني بواضعها يريد أن يفتعل سبباً آخر لشجاعة أميرالمؤمنين (علیه السلام) وعدم انهزامه من كل المبارزات والمعارك التي شارك فيها غير علو إيمانه وإيثاره طاعة الله (تبارك وتعالى) ورسوله (صلی الله علیه و آله)، وهذا السبب الجديد المدعى هو حب الحرب!!7.

ص: 100


1- الاستيعاب - ابن عبد البر 4:1868 .
2- إشارة إلى قوله تعالى: «وَقَالُوا اتَّخَذَ الرَّحْمَنُ وَلَدًا سُبْحَانَهُ بَلْ عِبَادٌ مُكْرَمُونَ (26) لَا يَسْبِقُونَهُ بِالْقَوْلِ وَهُمْ بِأَمْرِهِ يَعْمَلُونَ» سورة الانبياء: 26 - 27.

وينفرد النوع الأول من هذه المجموعة في ارتكاب خطأ فادح، هو في حضور رسول الله (صلی الله علیه و آله) لولادة المحسن (علیه السلام) في قولهم: «أروني ابني ما سميتموه، قلت: حربا، قال: بل هو محسن»، مع انه أُسْقِطَ في حادثة الباب المعروفة، بعد انتقال حبيب الله للرفيق الأعلى، وتولي أبي بكر زمام السلطة، ولعل في هذه الأخبار تمهيداً لإخفاء ملامح تلك الجريمة النكراء بحق البضعة الطاهرة (علیها السلام).

2- أما المجموعة الثالثة فهي تضارع الأوليين في ضعفها فإن الإمام أمير المؤمنين (علیه السلام) لم يسبق رسول الله (صلی الله علیه و آله) في تسمية سبطه وريحانته وهو الذي أسماه بذلك حسب ما ذهب إليه المشهور وأجمعت عليه روايات أهل البيت (علیهم السلام).

ولا يظنن أحد أن تبديل الأسماء هنا يمكن قبوله - خصوصاً بملاحظة عدد من الروايات التي تحدثت عن تغيير النبي (صلی الله علیه و آله) لبعض أسماء معاصريه، كما يُرْوَى عن ابن عمر أن ابنةً لعمر كانت يقال لها، عاصية فسماها رسول الله (صلی الله علیه و آله) جميلة(1) لأن الموضوع مختلف، فلا غبار على اسمي حمزة وجعفر، بل هما تذكار لبطلين من أبطال الإسلام، وقد شاعا في ذرية النسل الطاهر وشيعتهم.

على أن هذه المناقشة لا طائل من ورائها، لثبوت أن أسماء أبناء النبي (صلی الله علیه و آله) كانت من الله (تبارك وتعالى) إتماما للمشابهة بين الهارونين (علیهما السلام).

3- هناك متن آخر يتضمن التسمية: «لما ولد الحسن بن علي أهدى جبرئيل إلى رسول الله اسمه في سرقة من حرير من ثياب الجنة فيها حسن واشتق منها اسم الحسين، فلما ولدت فاطمة الحسن أتت به رسول الله فسماه حسنا، فلما ولدت الحسين أتته به .

ص: 101


1- صحيح مسلم - مسلم النيسابوري 6:173 .

فقال: هذا أحسن من ذلك فسماه الحسين» (1).

والذي احسبه - والله العالم - أن قول «هذا أحسن من ذلك» هو في تفضيل الإمام الحسين (علیه السلام) على أخيه الإمام المجتبى (علیه السلام)، من قبل أمهما الزهراء (علیها السلام)، وإقرار النبي (صلی الله علیه و آله) على ذلك، مع أنه خلاف الثابت، اللهم إلا أن العجب ينقضي إذا عرفنا شخصية صاحب السند، وهو عكرمة المعروف بكذبه.

ثالثا: مناقشة المضمون

قد يعترض بعض المطالعين لأوراقنا، ويعد أن ما في الروايات السابقة لا يعتبر مساسا بقدسية الأئمة الطاهرين (علیهم السلام)، خصوصا في روايات المجموعة الثانية، لكننا نريد من خلال طرح هذا الموضوع بيان أن التسمية، لم تكن في أوان ولادة الإمامين العظيمين (علیهما السلام)، بل تسبق هذه الفترة بزمن طويل وقد وردت روايات عديدة من طرق الفريقين المسلمين الشيعة والسنة، تفيد بتسمية الإمامين الحسنين (علیهما السلام)، وباقي العترة الطاهرة (علیهم السلام)، من الله تعالى قبل زواج النور من النور، وكان وقت معرفتها في حادثة الإسراء والمعراج المباركة قبيل الهجرة إلى المدينة المنورة، وقبل ذلك.

ومن هذه الروايات:

1- حديث راعي رسول الله (صلی الله علیه و آله) (2)، وهو من طرق أهل السنة:

«أخرج أبو المؤيد موفق بن أحمد الخوارزمي: بسنده عن أبي سليمان راعي رسول الله قال: سمعت رسول الله (صلی الله علیه و آله) يقول: ليلة أسري بي إلى السماء قال لي الجليل (جل3)

ص: 102


1- مناقب آل أبي طالب - ابن شهر آشوب 3:166 .
2- ومثلة من طرق الشيعة حديث عن المفضل بن عمر، عن الصادق جعفر بن محمد، عن أبيه، عن آبائه (علیهم السلام) عن أمير المؤمنين (علیه السلام) (ينظر كمال الدين وتمام النعمة - الشيخ الصدوق: 252 - 253)

جلاله): «آمَنَ الرَّسُولُ بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْهِ مِنْ رَبِّهِ»، فقلت: والمؤمنون. قال: صدقت.

قال: يا محمد إني اطلعت إلى أهل الأرض اطلاعة فاخترتك منهم فشققت لك اسما من أسمائي، فلا أذكر في موضع إلا ذكرت معي، فأنا المحمود وأنت محمد، ثم اطلعت الثانية فاخترت منهم عليا فسميته باسمي. يا محمد خلقتك وخلقت عليا وفاطمة والحسن والحسين والأئمة من ولد الحسين من نوري، وعرضت ولايتكم على أهل السماوات والأرض، فمن قبلها كان عندي من المؤمنين، ومن يجحدها كان عندي من الكافرين. يا محمد لو أن عبدا من عبيدي عبدني حتى ينقطع، أو يصير كالشن البالي، ثم جاءني جاحدا لولايتكم ما غفرت له. يا محمد تحب أن تراهم؟

قلت: نعم يا رب. قال لي: أنظر إلى يمين العرش. فنظرت، فإذا علي، وفاطمة، والحسن، والحسين، وعلي بن الحسين، ومحمد بن علي، وجعفر بن محمد، وموسى بن جعفر، وعلي بن موسى، ومحمد بن علي، وعلي بن محمد، والحسن بن علي، ومحمد المهدي بن الحسن كأنه كوكب دري بينهم. وقال: يا محمد هؤلاء حججي على عبادي وهم أوصياؤك، والمهدي منهم، الثائر من قاتل عترتك، وعزتي وجلالي إنه المنتقم من أعدائي والممد لأوليائي. أيضا أخرجه الحمويني» (1).

وإذا كان راعي رسول الله (صلی الله علیه و آله) يعلم بهذه الأسماء، فكيف بمن هو منه بمنزلة هارون من موسى، بل هو نفس النبي (صلی الله علیه و آله) بنص القرآن الكريم؟!

2- «عن أنس بن مالك قال: قال رسول الله (صلی الله علیه و آله) : لما عُرِجَ بي إلى السماء رأيت على ساق العرش مكتوبا: لا إله إلا الله محمد رسول الله أيدته بعلي ونصرته، ورأيت اثني عشر اسماً مكتوباً بالنور فيهم، علي بن أبي طالب وسبطي وبعدهما تسعة أسماء .

ص: 103


1- ينابيع المودة لذوي القربى - القندوزي 3: 380 - 381 .

عليا عليا عليا ثلاث مرات ومحمد ومحمد مرتين وجعفر وموسى والحسن والحجة يتلألأ من بينهم، فقلت: يا رب أسامي من هؤلاء؟ فناداني ربي جل جلاله: هم الأوصياء من ذريتك، بهم أثيب وأعاقب» (1).

3- الحديث المرفوع إلى عبد الله بن أوفى عن رسول الله : (صلی الله علیه و آله) «لما خلق الله إبراهيم الخليل، كشف له عن بصره، فنظر إلى جنب العرش نورا.

فقال: إلهي من هذا النور؟ فقال: هذا محمد صفوتي. فقال: إلهي وسيدي إني أرى بجانبه نورا آخر؟ فقال: يا إبراهيم هذا علي ناصر ديني. فقال: إلهي وسيدي ومولاي إني أرى بجانبه نورا آخر ثالثا؟ فقال: يا إبراهيم، هذه فاطمة تلي أباها وبعلها، فطمت محبيها عن النار. فقال: إلهي وسيدي إني أرى نورين يليان الثلاثة الأنوار؟ قال: يا إبراهيم، هذان الحسن والحسين، نوراهما يليان أباهما وأمهما وجدهما. قال: إلهي وسيدي إني أرى تسعة أنوارٍ، فقد أحدقوا بالخمسة الأنوار؟ قال: يا إبراهيم، هذه الأئمة من ولدهم، قال: يا رب، بمن يعرفون؟ قال: أولهم علي بن الحسين، ومحمد بن علي، وجعفر بن محمد، وموسى بن جعفر، وعلي بن موسى، ومحمد بن علي، وعلي بن محمد، والحسن بن علي، محمد بن الحسن القائم المنتظر المهدي(علیه السلام).

قال: إلهي وسيدي وأرى عندهم أنوارا حولهم لا يحصي عدتهم إلا أنت، قال: يا إبراهيم، هؤلاء شيعتهم ومحبوهم، قال: إلهي وسيدي وبما يعرف شيعتهم ومحبوهم؟

قال: يا إبراهيم، بصلاتهم الإحدى والخمسين، والجهر ببسم الله الرحمن الرحيم، والقنوت قبل الركوع، وسجدة الشكر، والتختم باليمين قال إبراهيم: رب اجعلني من شيعتهم ومحبيهم، قال: قد جعلتك منهم، وأنزل الله فيه: بز «وَإِنَّ مِن شِیعَتِهِ لَإِبْرَاهِیمَ .

ص: 104


1- كفاية الأثر - الخزاز القمي: 74 - 75 .

(83) إِذْ جَاء رَبَّهُ بِقَلْبٍ سَلِیمٍ». قال المفضل بن عمر: لما إن إبراهيم، أحس بالموت، روى هذا الخبر وسجد فقبض في سجدته (علیه السلام)». (1)

4- «عن أبي سعيد الخدري قال: قال رسول الله (صلی الله علیه و آله) : ما مررت في ليلة أسرى بي بشئ من ملكوت السماوات ولا على شيء من الحجب من فوقها الا وجدتها كلها مشحونة بكرام ملائكة الله تعالى ينادون:هنيئا لك يا محمد فقد أُعْطِيْتَ ما لم يُعْطَ أحد قبلك ولا يُعْطاه أحد بعدك أُعْطِيْتَ علي بن أبي طالب (علیه السلام) أخاً، وفاطمة زوجته بنتاً والحسن والحسين أولاداً ومحبيهم شيعة. يا محمد انك أفضل النبيين، وعلي أفضل الوصيين وفاطمة سيدة نساء العالمين، والحسن والحسين أكرم من دخل الجنان من أولاد المرسلين، وشيعتهم أفضل من تضمنته عرصات القيامة يشتملون على غرف الجنان وقصورها ومتنزهها فلم يزالوا يقولون ذلك في مصدري ومرجعي فلولا أن الله تعالى حجب عنها آذان الثقلين لما بقي أحد الا سمعها» (2).

قال السيد الأبطحي مؤلف كتاب الشيعة في أحاديث الفريقين بعده: ورواه اخطب خوارزم عن ابن شاذان، مثله سندا ومتنا.

وتبقى ملاحظة أخيرة: إن تلك الأحاديث في المجاميع الثلاثة، بحكم ورودها في كتب المذاهب الإسلامية الأخرى، قد يستفاد منها في تأكيد أن الإمامين الحسن والحسين (علیه السلام) هما المقصودان بقوله تعالى في آية المباهلة «فَقُلْ تَعَالَوْا نَدْعُ أَبْنَاءَنَا وَأَبْنَاءَكُمْ»، وأيضا في تأكيد معنى حديث المنزلة، ولعل في هذا جواباً عن سبب ورودها ضمن كتب علماء شيعة أهل البيت (علیهم السلام). .

ص: 105


1- الروضة في فضائل أمير المؤمنين - شاذان بن جبرئيل القمي: 186 - 187 .
2- الشيعة في أحاديث الفريقين - السيد علي مرتضى الأبطحي: 166 - 167 .

ص: 106

الشبهة الثانية: الأكل من تمر الصدقة

ومن التُهم التي قِيْلَت في حق الإمام الحسن المجتبى (علیه السلام) - حينما كان في أوائل سني حياته - الأكل أو محاولة الأكل من تمر الصدقة (1)، الذي كان يُؤْتَى به إلى الرسول ).

ص: 107


1- من لطائف المقام ما ينقل عن سلمان: أنه كان سلمان كثير السؤال عن رسول الله (صلی الله علیه و آله) وكان قد اشتراه بعض اليهود وكان يخدم نخلاً لصاحبه. فلما وافى (صلی الله علیه و آله) قبا - وكان سلمان قد عرف بعض أحواله من بعض أصحاب عيسى وغيره - فحمل طبقاً من تمر وجاءهم به، فقال: سمعنا أنكم غرباء وافيتم إلى هذا الموضع فحملنا هذا إليكم من صدقاتنا فكلوه. فقال رسول الله (صلی الله علیه و آله) : سموا وكلوا. ولم يأكل هو منه شيئا، وسلمان واقف ينظر، فأخذ الطبق وانصرف وهو يقول: هذه واحدة - بالفارسية -. ثم جعل في الطبق تمراً آخر وحمله فوضعه بين يدي رسول الله (صلی الله علیه و آله) فقال: رأيتك لم تأكل من تمر الصدقة، وهذه الهدية فمد يده (صلی الله علیه و آله) [وأكل] وقال لأصحابه: كلوا باسم الله. فأخذ سلمان الطبق وقال: هذه اثنتان. ثم دار خلف رسول الله (صلی الله علیه و آله) فعلم (صلی الله علیه و آله) مراده منه، فأرخى رداءه عن كتفيه، فرأى سلمان الشامة، فوقع عليها وقبلها، وقال: أشهد أن لا إله إلا الله، وأنك رسول الله. ثم قال: إني عبد ليهودي فما تأمرني؟ قال: اذهب فكاتبه على شيء تدفعه إليه. فصار سلمان إلى اليهودي فقال: إني أسلمت واتبعت هذا النبي على دينه ولا تنتفع بي، فكاتبني على شيء أدفعه إليك وأملك نفسي. فقال اليهودي: أكاتبك على أن تغرس لي خمسمائة نخلة، وتخدمها حتى تحمل ثم تسلمها إلي، وعلى أربعين أوقية ذهبا جيدا. فانصرف إلى رسول الله (صلی الله علیه و آله) فأخبره بذلك، فقال (صلی الله علیه و آله) : اذهب فكاتبه على ذلك. فمضى سلمان وكاتبه على ذلك وقدر اليهودي أن هذا شيء لا يكون إلا بعد سنين فانصرف سلمان بالكتاب إلى رسول الله (صلی الله علیه و آله) فقال: اذهب فأتني بخمسمائة نواة. وفي رواية الحشوية: بخمسمائة فسيلة. فجاء سلمان بخمسمائة نواة، فقال: سلمها إلى علي. ثم قال لسلمان: اذهب بنا إلى الأرض التي طلب النخل فيها. فذهبوا إليها، فكان رسول الله (صلی الله علیه و آله) يثقب الأرض بإصبعه، ثم يقول لعلي (علیه السلام) : ضع في الثقب نواة، ثم يرد التراب عليها ويفتح رسول الله (صلی الله علیه و آله) أصابعه فينفجر الماء من بينها، فيسقي ذلك الموضع، ثم يصير إلى موضع الثانية فيفعل بها كذلك. فإذا فرغ من الثانية تكون الأولى قد نبتت، ثم يصير إلى موضع الثالثة، فإذا فرغ منها تكون الأولى قد حملت، ثم يصير إلى موضع الرابعة وقد نبتت الثالثة وحملت الثانية، وهكذا حتى فرغ من غرس الخمسمائة، وقد حملت كلها. فنظر اليهودي، وقال: صدقت قريش أن محمدا ساحر. وقال: قد قبضت منك النخل فأين الذهب؟ فتناول رسول الله (صلی الله علیه و آله) حجرا كان بين يديه فصار ذهباً أجود ما يكون، فقال اليهودي: ما رأيت ذهباً قط مثله. وقدره مثل تقدير عشرة أواق فوضعه في الكفة فرجح فزاد عشرا، فرجح حتى صار أربعين أوقية لا تزيد ولا تنقص. قال سلمان: فانصرفت إلى رسول الله (صلی الله علیه و آله) فلزمت خدمته وأنا حر (الخرائج والجرائح - قطب الدين الراوندي 1: 150 - 152).

الأعظم (صلی الله علیه و آله)، مع ثبوت تحريم الأكل من الصدقة، عليه وعلى جميع آل محمد (صلی الله علیه و آله).

ولم يكن الإمام الحسن (علیه السلام) منفرداً في تلقي هذه التهمة، بل شاركه فيها أخوه السبط الأصغر الإمام الحسين (علیه السلام) بحسب بعض الرواة، ثم زادوا أبا عبد الله (علیه السلام) بما يشبه هذه التهمة، في واقعة أخرى كان فيها سيد الشهداء (علیه السلام) شاباً في أوان زعمهم، وكان المأخوذ من بيت المال عسلاً لا تمراً!(1)

وكنت أردد النفس بين الكلام عن هذه الشبهة أو التهمة وبين ترك ذلك، لأنني لم أعثر - بحسب مصادري - على من تناولها ونفاها أصلا مع مخالفتها لعصمة الأئمة الطاهرين (علیهم السلام). .

ص: 108


1- والقصة هي كما يرويها ابن أبي الحديد : «نزل بالحسين ابنه ضيف فاستسلف درهما اشترى به خبزاً واحتاج إلى الادام فطلب من قنبر خادمهم أن يفتح له زقا من زقاق عسل جاءتهم من اليمن فاخذ منه رطلاً فلما طلبها (علیه السلام) ليقسمها قال يا قنبر أظن أنه حدث بهذا الزق حدث فأخبره فغضب (علیه السلام) وقال علي بحسين فرفع عليه الدرة فقال بحق عمي جعفر - وكان إذا سئل بحق جعفر سكن - فقال له ما حملك أن اخذت منه قبل القسمة قال إن لنا فيه حقا فإذا أعطيناه رددناه قال فداك أبوك وإن كان لك فيه حق فليس لك أن تنتفع بحقك قبل أن ينتفع المسلمون بحقوقهم اما لولا فقال إني رأيت رسول الله (صلی الله علیه و آله) يقبل ثنيتك لأوجعتك ضربا ثم دفع إلى قنبر درهما كان مصرورا في ردائه وقال اشتر به خير عسل تقدر عليه.» (شرح نهج البلاغة - ابن أبي الحديد 11 : 253) .

لكنني وجدت في أحدى صفحات الانترنت،من المخالفين من يتحدث عنها مثبتا لها، ورابطا بينها وبين حديث أبي بكر الذي ادعى سماعه عن النبي (صلی الله علیه و آله)، وغاب عنه المعنيون به: نحن معاشر الأنبياء لا نورث، ما تركناه صدقة!

على أن الاستدلال بحديث أبي بكر لا يخلو من تعسف واضح، مع مخالفته لصريح القرآن الكريم، حيث إن راويه استدل به لتبرير الاستيلاء على ارض فدك التي ملكتها البضعة الزهراء (علیها السلام)، قبل أن يلتحق النبي الأعظم (صلی الله علیه و آله) بالرفيق الأعلى.

نعود إلى موضوعنا ونقول:

مع اختلاف المذاهب الإسلامية في معنى العصمة وتوقيتها ومصاديقها فإن تحريم الصدقة على محمد وآل محمد (صلی الله علیه و آله) ثابت عند الفريقين، السنة والشيعة، بل وحتى غير الآل من بقية بني هاشم واقتبس من كلام الشيخ جعفر السبحاني (دام ظله) ما نقله عنهم:

«من سمات أهل البيت (علیهم السلام) حرمة الصدقة عليهم:

اتفق الفقهاء على أنه لا تحل الصدقة المفروضة على بني هاشم الواردة في الآية المباركة، أعني: قوله سبحانه: «خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَکِّیهِم بِهَا وَصَلِّ عَلَیْهِمْ إِنَّ صَلاَتَکَ سَکَنٌ لَّهُمْ» وذلك لأن التطهير والتزكية إنما يتعلق بما فيه وسخ وأهل البيت أعلى من أن يعيشوا بأوساخ الناس.

قال ابن قدامة: «لا نعلم خلافا في أن بني هاشم لا تحل لهم الصدقة المفروضة».

وقد تضافرت الروايات على ذلك وجمعها ابن حجر العسقلاني في بلوغ المرام» (1). .

ص: 109


1- مفاهيم القرآن (العدل والإمامة):جعفر السبحاني ص 245 .

ص: 110

مستند الشبهة

وقد رُوِيَتْ هذه القصة في الروايات على مجموعتين:

المجموعة الأولى:

وفيها تنقل القصة عن أحد الصحابة المفترض حضورهم في الحادثة، كالراوي المعروف بأبي هريرة، أو أبي عميرة، أو أبي ليلى، وأكثرها شهرةً في الصحاح، رواية أبي هريرة، وبيان هذه الروايات الآتي:

1- عن أبي هريرة رضي الله عنه «ان الحسن بن علي اخذ تمرة من تمر الصدقة فجعلها في فيه فقال له النبي (صلی الله علیه و آله) بالفارسية كِخْ كِخْ أَمَا تَعْرِفُ أَنَّا لا لا نَأْكُلُ الصَّدَقَةَ» (1).

وقد تنازع الشراح في (كِخْ كِخْ) هل هي عربية أم فارسية أم معربة!!(2)

2- رواية أبي عميرة وسندها يرجع إلى معروف بن واصل السعدي، عن حفصة بنت طلق عن جده أبي عميرة، ونصها: «كنا جلوساً عند رسول الله (صلی الله علیه و آله) يوما فجاء رجل بطبق عليه تمر فقال رسول الله (صلی الله علیه و آله) ما هذا أصدقة أم هدية قال صدقة قال فقدمه إلى .

ص: 111


1- صحيح البخاري - البخاري 4: 36، وفي 2 : 135 بدون كلمة (بالفارسية) ، ورُوِيَتْ أيضاً في مصادر أخرى كمسند أحمد عن أبي هريرة في 2 : 279 ، و 406 ، و 409 - 410 ، و 444 ، وفي 476 بزيادة (ثلاثاً) بعد (كخ كخ)، كما رواها عن أنس 3 : 241 ، وفي سنن عبد الله بن بهرام الدارمي عن أبي هريرة 1 : 387 ، وعن أبي ليلى 1: 387 .
2- ينظر عمدة القاري للعيني 9 :86 .

القوم وحسن صلوات الله عليه وسلامه يتعفر بين يديه فاخذ الصبي تمرة فجعلها في فيه فادخل النبي (صلی الله علیه و آله) أصبعه فِي فِيِّ الصَّبِيِّ فنزع التمرة فقذف بها ثم قال إِنَّا آل محمد لا تحل لنا الصدقة» (1).

3- رواية عبد الرحمن بن أبي ليلى عن أبيه(2).

المجموعة الثانية:

وفيها تنقل القصة عن لسان الإمام الحسن المجتبى (علیه السلام) نفسه، وترجع أسانيدها إلى أبي الحوراء السعدي، قال:

«قلت للحسن بن علي ما تذكر من رسول الله[صلی الله علیه و آله]؟ قال أذكر اني أخذت تمرة من تمر الصدقة فألقيتها في فمي فانتزعها رسول الله[صلی الله علیه و آله] بلعابها فألقاها في التمر فقال له رجل ما عليك لو أكل هذه التمرة قال انا لا نأكل الصدقة قال وكان يقول دع ما يريبك إلى مالا يريبك فان الصدق طمأنينة وان الكذب ريبة قال وكان يعلمنا هذا الدعاء اللهم اهدني فيمن هديت وعافني فيمن عافيت وتولني فيمن توليت وبارك لي فيما أعطيت وقني شر ما قضيت انه لا يذل من واليت وربما قال تباركت ربنا وتعاليت» (3). .

ص: 112


1- مجمع الزوائد - الهيثمي 3 : 89 - 90 .
2- ينظر سنن الدارمي - عبد الله بن بهرام الدارمي 1 : 387 .
3- مسند أحمد: أحمد بن حنبل- ج 1ص 200 .

محاكمة الشبهة

أولا: مناقشة الأسانيد:

كانت أسانيد المجموعة الأولى كالآتي:

1- الرواية التي تنتهي إلى الصحابي أبي هريرة لا يصح الاستدلال بها لا سنداً ولا متناً بسبب ظهور كذبة، ووضعه للروايات، وإن شملته نظرية عدالة الصحابة بعد حين!

ولمن لا يدري حاله، ننقل ما رواه ابن أبي الحديد «قال أبو جعفر: وأبو هريرة مدخول عند شيوخنا غير مرضى الرواية، ضربه عمر بالدرة، وقال: قد أكثرت من الرواية وأحرى بك أن تكون كاذبا على رسول الله صلى الله عليه! وروى سفيان الثوري عن منصور، عن إبراهيم التيمي، قال: كانوا لا يأخذون عن أبي هريرة إلا ما كان من ذكر جنة أو نار. وروى أبو أسامة عن الأعمش، قال: كان إبراهيم صحيح الحديث، فكنت إذا سمعت الحديث أتيته فعرضته عليه، فأتيته يوما بأحاديث من حديث أبي صالح عن أبي هريرة، فقال: دعني من أبي هريرة إنهم كانوا يتركون كثيراً من حديثه.

وقد روى عن علي (علیه السلام) أنه قال: ألا إن أكذب الناس - أو قال: أكذب الأحياء - على رسول الله (صلی الله علیه و آله) أبو هريرة الدوسي» (1) كما انه متهم في نفس القضية، وهي الأخذ من تمر الصدقة، كما هو ظاهر في الرواية8.

ص: 113


1- ينظر شرح نهج البلاغة: شرح ابن أبي الحديد-ج 4ص 68.

المسندة إليه:

«أخبرنا أحمد بن محمد بن عبيد الله قال ثنا شعيب بن حرب قال ثنا إسماعيل بن مسلم عن أبي المتوكل عن أبي هريرة أنه كان على تمر الصدقة فوجد أثر كف كأنه قد أخذ منه فذكر ذلك للنبي (صلی الله علیه و آله) فقال: تريد أن تأخذه قل سبحان من سخرك لمحمد ، (صلی الله علیه و آله) قال أبو هريرة: فقلت، فإذا جني قائم بين يدي فأخذته لأذهب به إلى النبي (صلی الله علیه و آله) فقال: إنما أخذته لأهل بيت فقراء من الجن ولن أعود قال: فعاد فذكرت ذلك للنبي (صلی الله علیه و آله) فقال تريد أن تأخذه فقلت نعم فقال قل سبحان ما سخر لمحمد (صلی الله علیه و آله) فقلت، فإذا أنا به فأردت أن أذهب به إلى النبي[صلی الله علیه و آله] فعاهدني أن لا يعود فتركته ثم عاد فذكرت ذلك للنبي[صلی الله علیه و آله] فقال تريد أن تأخذه فقلت نعم فقال قل سبحان ما سخرك لمحمد[صلی الله علیه و آله] فقلت فإذا أنا به فقلت عاهدتني فكذبت وعدت لأذهبن بك إلى النبي[صلی الله علیه و آله] فقال خل عني أعلمك كلمات إذا قلتهن لم يقربك ذكر ولا أنثى من الجن قلت وما هؤلاء الكلمات قال آية الكرسي اقرأها عند كل صباح ومساء قال أبو هريرة فخليت عنه فذكرت ذلك للنبي[صلی الله علیه و آله] فقال لي أو ما علمت أنه كذلك» (1)(2).

2- أما رواية أبي عميرة فيفسدها مجهولية حفصة بنت طلق حيث قال الهيثمي في زوائده بعد روايته للحديث عن أبي عميرة «رواه أحمد والطبراني في الكبير إلا أن احمداً سماه أسيد بن ملك وسماه الطبراني رشدين بن ملك وفيه حفصة بنت طلق ولم يُرْوَ عنها غير معرف بن واصل ولم يوثقها أحد» (3). .

ص: 114


1- السنن الكبرى: النسائي-ج 5ص 13 - 14 .
2- كما إنهم رووا ما يشبه ذلك عن معاذ بن جبل (ينظر مجمع الزوائد - الهيثمي 6 : 321 -322).
3- مجمع الزوائد - الهيثمي 3 : 89 .

3- وبالنسبة لرواية عبد الرحمن بن أبي ليلى التي جاءت بطريق واحد فلم أجد من ينقد رجالها عند أهل السنة.

أما أسانيد المجموعة الثانية فكلها ترجع إلى أبي الحوراء السعدي أو ربيعة بن شيبان، وقال أغلب علماء أهل السنة باتحادهما(1)، وفي بعض الكتب ورد اسمه أبو الجوزاء(2) (3)، بينما فرق أبو حاتم بينهما(4).

وقد وثقة أغلب علماء الجرح والتعديل عند أهل السنة، فيما ضعفه ابن حبان معللا بتعليل أوهى من بيت العنكبوت: «توفي النبي (صلی الله علیه و آله) والحسن ابن ثماني سنين فكيف يعلمه (صلی الله علیه و آله) هذا الدعاء؟!»(5). ولا يهمنا صحة السند من عدمها فإن ما ورد في متنها يتصادم مع العصمة في أئمة أهل البيت (علیهم السلام) منذ الولادة وحتى الاستشهاد.

وعلى العموم فإن هذه الروايات لم ضَحتَْ بالقبول المطلق عند أهل السنة كما يظهر من قول ابن حزم في الدعاء المذكور فيها «القنوت ذكر الله تعالى ودعاء، فنحن نحبه، وهذا الأثر وان لم يكن مما يحتج بمثله فلم نجد فيه عن رسول الله (صلی الله علیه و آله) غيره، وقد قال أحمد بن حنبل رحمه الله: ضعيف الحديث أحب الينا من الرأي» (6).

ويظهر أيضاً من عدم عمل بعض المذاهب الأربعة بالدعاء الموجود في روايات .

ص: 115


1- ينظر سنن ابي داود - ابن الأشعث السجستاني 1 : 321 ، وتصحيفات المحدثين - العسكري 2 : 678 .
2- وهو ليس منبه بن عبيد الله التميمي.
3- ينظر تأريخ مدينة دمشق - ابن عساكر 13 : 164 .
4- صحيح ابن حبان - ابن حبان 3: 226 : «قال ابو حاتم رضي الله عنه أبو الحوراء ربيعة بن شيبان، وأبو الجوزاء أوس بن عبد الله وهما جميعا تابعيان بصريان».
5- مجمع الزوائد - الهيثمي 3: 89 .
6- المحلى - ابن حزم 4 : 148 .

المجموعة الثانية، كما يفهم من فتاوى اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء في الدعاء الموجود في الرواية وفي دعاء آخر: «وقد عمل بذلك الحنفية والحنابلة، وضعف بعض المحدثين هذين الحديثين، ولم يعمل بهما» (1).

أما بالنسبة لعلماء مدرسة أهل البيت (علیهم السلام) فلم تكن مرويات النوع الأول مقبولة عندهم لذلك فإن من كان ينقلها يشير إلى إنها من مرويات العامة(2)، أو الجمهور(3)، أو يصرح باسم الراوي كأبي هريرة إشارة إلى أنها من مروياتهم،أما في النوع الثاني، فسأكتفي بتعليق الشهيد الأول (قدس سره) على دعاء قنوت الوتر الوارد في الرواية حيث قال (قدس سره) : «واستحب العامة فيه ما رواه الحسن بن علي» (4).

ثانياً: مناقشة المضمون

1- هذه الروايات بما تحمله من مضمون، تنافي العصمة الثابتة للإمام بالأدلة العقلية والنقلية والعصمة تعني أن المعصوم سواء كان من الأنبياء أو الأئمة لا يرتكب ذنبا أو يهم بالذنب ولا يضر بوجودها صغر السن، أو كبره فالإمام منزه عن ذلك منذ ولادته إلى وفاته، ولمن يعترض على هذا التوقيت نذكره بعيسى بن مريم (علیه السلام) الذي كان نبياً منذ ولادته، أي أنه معصوم منذ ذلك الحين، والنبي عيسى (علیه السلام) أحد رجال دولة الإمام المهدي (عجل الله تعالی فرجه الشریف) والتابعين له، فيكون الإمام المهدي (عجل الله تعالی فرجه الشریف) أفضل منه، وأفضلية السبطين (علیهما السلام) على الامام المنتظر (عجل الله تعالی فرجه الشریف) واضحة بحكم سيادتهما على شباب أهل الجنة كما نص على ذلك .

ص: 116


1- فتاوى اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء - جمع أحمد بن عبد الرزاق الدويش 7:181.
2- ينظر مستدرك سفينة البحار - الشيخ علي النمازي الشاهرودي 6 : 246 .
3- ينظر بحار الأنوار - العلامة المجلسي 43 : 305 .
4- ذكرى الشيعة في احكام الشريعة - الشهيد الأول 2 : 306 .

جدهم الأعظم (صلی الله علیه و آله) في قوله «الحسن والحسين سيدا شباب أهل الجنة وأبوهما خير منهما»(1) فيكون الأئمة معصومين منذ ولادتهم.

2- وهذه الحقيقة ثابتة عند أتباع أهل البيت (علیهم السلام)، أما عند غيرهم من المذاهب الإسلامية كأهل السنة فإنهم وإن لم يعترفوا صراحة بالعصمة للأئمة، فإن الحاجة قد ألجأتهم إلى القول بعدالة الصحابة، وصحة أقوالهم وأفعالهم، وعدم الطعن عليهم بشيء مما فعلوه، وهم بذلك قد اعترفوا ضمنا بما يقارب ما هو ثابت بالدليل العقلي والنقلي من عصمة السبطين الحسنين (علیهما السلام) منذ الولادة لمعاصرتهم الرسول الأعظم منذ ولادتهم، كما إن دعوتهم للمباهلة وهم في مراحلهم العمرية الأولى تعني أن أفعالهم مسددة من الله عز وجل وإلا فما الضامن من إتيانهم لفعل أو قول، قد يفسد على النبي (صلی الله علیه و آله) انتصاره في تلك الواقعة العظيمة.

3- حاول بعض الأجلاء من علماء الشيعة تأويل ما وجدوه في مستند الشبهة من روايات، ناظرين إلى باقي الأمة ممن لم يعترفوا بالعصمة، كالشيخ باقر شريف القرشي (قدس سره) في كتابه حياة الإمام الحسين (علیه السلام) أشار في ضمنها إلى نفس الموضوع (أكل تمر الصدقة)، حيث إن القصة في بعض الروايات قد استبدلت اسم الحسين بالحسن أو ذكرتهما معا فقال : (قدس سره) «وقام الرسول الأعظم (صلی الله علیه و آله) بدوره بتربية سبطه وريحانته فأفاض عليه بمكرماته ومثله وغذاه بقيمه ومكوناته ليكون صورة عنه، ويقول الرواة: إنه كان كثير الاهتمام والاعتناء بشأنه، فكان يصحبه معه في أكثر أوقاته فيشمه عرفه وطيبه، ويرسم له محاسن .

ص: 117


1- المستدرك - الحاكم النيسابوري 3 : 167 وعلق عليه : (هذا حديث صحيح بهذه الزيادة ولم يخرجاه) .

أفعاله، ومكارم أخلاقه، وقد علمه وهو في غضون الصبا سورة التوحيد، ووردت إليه من تمر الصدقة، فتناول منها الحسين تمرة وجعلها في فيه، فنزعها منه الرسول (صلی الله علیه و آله) وقال له: لا تحل لنا الصدقة، وقد عوده وهو في سنه المبكر بذلك على الإباء، وعدم تناول ما لا يحل له، ومن الطبيعي أن إبعاد الطفل عن تناول الأغذية المشتبه فيها أو المحرمة لها أثرها الذاتي في سلوك الطفل وتنمية مداركه حسب ما دللت عليه البحوث الطبية الحديثة، فان تناول الطفل للأغذية المحرمة مما يوقف فعالياته السلوكية، ويغرس في نفسه النزعات الشريرة كالقسوة، والاعتداء والهجوم المتطرف على الغير، وقد راعى الإسلام باهتمام بالغ هذه الجوانب فألزم بأبعاد الطفل عن تناول الغذاء المحرم وكان ابعاد النبي (صلی الله علیه و آله) لسبطه الحسين عن تناول تمر الصدقة التي لا تحل لأهل البيت (علیهم السلام) تطبيقا لهذا المنهج التربوي الفذ» (1).

والحاج أقا مجتبى العراقي حيث يقول في تحقيقه لكتاب عوالي اللآلي لابن أبي جمهور الإحسائي:

«وقد ذكرنا في شرح الصحيفة، وشرحي التهذيب والاستبصار وجوها كثيرة و أردنا أن لا يخلو هذا الكتاب من ذكر بعضها فلنذكر منها أوجها الأول: إن الذي صدر من الأنبياء والأئمة (علیهم السلام) من البكاء والاعتراف بالذنوب من باب تعليم الناس وإرشادهم إلى كيفية هذه الطاعة، وان النبي (صلی الله علیه و آله) كان يتصاغر في الكلام والأفعال للصبيان والأطفال، كما روى أن الحسين (علیه السلام) في حال طفوليته أخذ تمرة من تمر الصدقة، ووضع في فيه،، فقال له: كخ كخ يا حسين، فأخرجها من فمه ورما بها» (2). .

ص: 118


1- حياة الإمام الحسين (ع) - الشيخ باقر شريف القرشي 1 : 47 - 48 .
2- عوالي اللئالي - ابن أبي جمهور الإحسائي 1 : هامش 334 .

4- وردت رواية في مستدرك الوسائل رواية عن أمير المؤمنين (علیه السلام): «أنه نظر إلى الحسن بن علي (علیه السلام)، وهو طفل صغير قد أخذ تمرة من تمر الصدقة فجعلها في فيه، فاستخرجها رسول الله (صلی الله علیه و آله)، من فمه وأن عليها لعابه، فرمى بها في تمر الصدقة حيث كانت، وقال: إنا أهل بيت لا تحل لنا الصدقة»(1)، وقد قال فيها محقق الكتاب في هامش رقم 1 من نفس الصفحة: (لم يتبين من المصدر بأن هذه الرواية عن أمير المؤمنين (علیه السلام)) .

ص: 119


1- مستدرك الوسائل - الميرزا النوري 7 : 119 .

ص: 120

الشبهة الثالثة: علاقته بأبيه و أنه عثماني الهوى

وتدخل المرجفون في العلاقة بين أصحاب آية التطهير وأركان المباهلة، الذين كانوا يطعمون الطعام على حبه مسكيناً ويتيماً وأسيراً، محاولين رسم فجوة لتفريق نور الله في العالمين لكن الله يأبى إلا أن يتم نوره، ولو كره الكافرون.

والحقيقة أنني كنت محتاراً في بادئ الأمر، والخجل يأخذ أعنان المداد، فيلتوي الحرف ولا يندمج مع أخيه، لأن توضيح الواضحات هو من أشكل المشكلات!

لكن بارقاً لمع في ذهني، أرشدني إلى أن الكتابة في هذا الموضوع قد ينفع في ضد ما تمناه أولئك المغرضون، ولعل كلامي القادم ستكون له فائدة - لي ولكم - في بيان بعض مناقب أمير المؤمنين والسبط الزكي (علیه السلام)، واستراح قلبي لهذا الخاطر، فطاوعني القلم شيئا ما فكان نتاجه الآتي:

مستند الشبهة:

لأجل دفع الملل عن القارئ ولتسهيل ردها قمت بتقسيم ما استدلوا به من روايات على أربع مجاميع:

ص: 121

المجموعة الأولى:

الرواية التي سأطلق عليها اسم (الاعتراضات الثلاثة)، وتحتوي على اعتراضات ثلاث مع وجود مقولة (حنين الجارية)(1)، والاعتراضات المزعومة تتلخص في الطلب من أمير المؤمنين الخروج من مكة أيام محاصرة عثمان، وعدم الموافقة على التصدي للخلافة حتى تستقر الأمور، وعدم مقاتلة الناكثين للبيعة.

وقد رُوِيَتْ بصيغ متقاربة، وأغلبها عن طارق بن شهاب وواحدة عن العرني صاحب الجمل الذي اشتروه لعائشة.

ويُراد بالاعتراضات بيان عدم رضا الإمام الحسن (علیه السلام) بتصرفات أبيه أميرالمؤمنين (علیه السلام) أما مقولة (حنين الجارية) فهي لبيان انتقاص الإمام علي (علیه السلام) من ابنه المجتبى (علیه السلام) كما يزعمون.

وسنورد نصها من كتاب الفتنة ووقعة الجمل لسيف بن عمر المتوفى سنة 200ه- وهومن أقدم المصادر التي وردت فيها روايات هذه المسرحية (الأكذوبة)، ونورد اختلاف كلماتها بين الكتب المشهورة عند القوم وسيكون تسلسلها رقم (1) ليسهل للقارئ تتبع الرد عليها، ونلحق بها رواية ابن قتيبة التي تحمل الأعاجيب من الاتهامات، ثم نكتفي بذكر الأسانيد والكتب التي وردت فيها بقية النصوص:

1- قال سيف بن عمر: «... فلما انصرف أتاه ابنه الحسن فجلس فقال: قد أمرتك فعصيتني، فتقتل غدا بمضيعة لا ناصر لك، فقال علي: إنك لا تزال تخن خنين الجارية!

وما الذي أمرتني فعصيتك؟ قال: أمرتك يوم أُحِيْطَ بعثمان (رضی الله عنه) أن تخرج من المدينة فيقتل ولست بها، ثم أمرتك يوم قُتِل ألا تبايع حتى يأتيك وفود أهل الأمصار والعرب1.

ص: 122


1- وقد وردت هذه الكلمة في بعض الروايات (خنين الجارية) كما في رواية رقم 1.

وبيعة كل مصر، ثم أمرتك حين فعل هذان الرجلان ما فعلا أن تجلس في بيتك حتى يصطلحوا، فإن كان الفساد كان على يدي غيرك، فعصيتني في ذلك كله، قال: أي بني، أما قولك: لو خرجت من المدينة حين أُحِيْطَ بعثمان، فو الله لقد أحيط بنا كما أحيط به. وأما قولك لا تبايع حتى تأتي بيعة الأمصار، فإن الأمر أمر أهل المدينة، وكرهنا ان يضيع هذا الأمر. وأما قولك حين خرج طلحة والزبير، فإن ذلك كان وهنا على أهل الإسلام، ووالله ما زلت مقهورا مذ وُلِّيْت، منقوصا لا أصل إلى شيء مما ينبغي. وأما قولك: اجلس في بيتك، فكيف لي بما قد لزمني؟ أو من تريدني؟ أتريد ان أكون مثل الضبع التي يحاط بها ويقال: دباب دباب ليست هاهنا حتى يحل عرقوباها ثم تخرج، وإذا لم أنظر فيما لزمني من هذا الأمر ويعنيني فمن ينظر فيه! فكف عنك أي بني.» (1)

2- ابن قتيبة رواها عن طارق بن شهاب، بعد مجيء كتاب معاوية إلى الإمام علي (علیه السلام): «فلما أتى عليا الكتاب، ورأى ما فيه، وما هو مشتمل عليه، وكره ذلك، وقام فأتى منزله فدخل عليه الحسن ابنه، فقال له: أما والله كنت أمرتك فعصيتني، فقال له علي: وما أمرتني به فعصيتك فيه؟ قال: أمرتك أن تركب رواحلك، فتلحق بمكة المشرفة، فلا تتهم به، ولا تحل شيئاً من أمره فعصيتني، وأمرتك حين دُعِيْت إلى البيعة أن لا تبسط يدك إلا على بيعة جماعة، فعصيتني، وأمرتك حين خالف عليك طلحة والزبير أن لا تكرههما على البيعة، وتخلى بينهما وبين وجههما، وتدع الناس يتشاورون عاما كاملا، فو الله لو تشاوروا عاما ما زويت عنك، ولا وجدوا منك بدا، وأنا آمرك اليوم أن تقيلهما بيعتهما، وترد إلى الناس أمرهم، فإن رفضوك رفضتهم، وإن قبلوك قبلتهم، فإني والله قد رأيت الغدر في رؤوسهم، وفي وجوههم النكث .

ص: 123


1- الفتنة ووقعة الجمل - سيف بن عمر الضبي: 120 - 121 .

والكراهية. فقال له علي، أنا إذا مثلك، لا والله يا بني، ولكن أقاتل بمن أطاعني من عصاني، وأيم الله يا بني ما زلت مبغيا علي منذ هلك جدك، فقال له الحسن: وأيم الله يا أبت ليظهرن عليك معاوية، لأن الله تعالى قال: «وَمَن قُتِلَ مَظْلُومًا فَقَدْ جَعَلْنَا لِوَلِیِّهِ»، فقال علي: يا بني، وما علينا من ظلمه، والله ما ظلمناه، ولا أمرنا ولا نصرنا عليه، ولا كتبت فيه إلى أحد سوادا في بياض، وإنك لتعلم أن أباك أبرأ الناس من دمه ومن أمره. فقال له الحسن: دع عنك هذا، والله إني لا أظن، بل لا أشك أن ما بالمدينة عاتق، ولا عذراء ولا صبي إلا وعليه كفل من دمه. فقال: يا بني إنك لتعلم أن أباك قد رد الناس عنه مرارا أهل الكوفة وغيرهم، وقد أرسلتكما جميعا بسيفيكما لتنصراه وتموتا دونه، فنهاكما عن القتال، ونهى أهل الدار أجمعين. وأيم الله لو أمرني بالقتال لقاتلت دونه، أو أموت بين يديه. قال الحسن: دع عنك هذا، حتى يحكم الله بين عباده

يوم القيامة فيما كانوا فيه يختلفون» (1).

3- ابن أبي الحديد في شرح النهج 1: 226 عن طارق بن شهاب (2).

4- الطبري في تأريخه 3: 474 عن شعيب عن سيف عن خالد بن مهران البجلي عن مروان بن عبد الرحمن الحميسي عن طارق بن شهاب.».

ص: 124


1- الامامة والسياسة - ابن قتيبة الدينوري، تحقيق الزيني 1: 49 .
2- وأراد الشيخ المحمودي (اعلى الله مقامه) تعليلها في كتابه نهج السعادة 1: هامش 252 بقوله: «يقال: “ حن - من باب فر - حنينا “ بكى عن حزن وتألم. ولعله إنما بكى (علیه السلام) لما بلغه من عدة القوم وعديدهم وكان مبغضو أمير المؤمنين يظهرون الانبساط والفرح، وكانت جواري حفصة يضربن الدف ويرفعن أصواتهن ويقلن: ما الخبر ما الخبر،! علي في السفر فهو بمنزلة الأشقر، إن تقدم نحر، وإن تأخر عقر!!! ولما بلغه أن أبا موسى كان يخذل الناس عن أمير المؤمنين. والكلام قد صدر عنه (علیه السلام) بداعي الاستنصار من المسلمين، واستنطاق أمير المؤمنين (علیه السلام) بحجته كي تزول الشبهة المتمكنة في قلوب بعضهم».

5- الطبري في تأريخه 3: 475 - 476 عن أبي الخطاب الهجري عن صفوان بن قبيصة الأحمسي قال حدثني العرني صاحب الجمل.

6- ابن شبّة النميري (1): عن قيس بن مسلم، عن طارق بن شهاب (2).

7- ابن أبي شيبة في المصنف، عن قيس بن مسلم عن طارق بن شهاب (3).

المجموعة الثانية:

وهي الروايات التي اشتملت على اعتراض واحد أو اثنين مع مقولة (حنين الجارية)، وقد رُوِيَتْ أغلبها عن طارق بن شهاب، والبواقي عن عكرمة مولى ابن عباس، وعن قيس بن مسلم، وواحدة عن مالك بن الحويرث.

وتوزع الاعتراض بين طلب الإمام الحسن (علیه السلام) من سيد الوصيين (علیه السلام) عدم قبول الخلافة، والانتظار حتى تهدأ الأمور وتأتيه العرب، وبين الطلب إليه ترك قتال طلحة والزبير وأمهم عائشة.

واليك نموذج لكل من الاعتراضين:

1- رواية ابن عساكر بسنده عن سفيان عن قيس بن مسلم عن طارق بن شهاب قال: «لما قُتِلَ عثمان خرج علي من الربذة في نحو من ثلاثمائة راكب فقام الحسن وأراد أن يتكلم فخنقته العبرة فقال له علي تكلم ولا تحن حنين الجارية فقال الحسن إني قد .

ص: 125


1- ونقل هذه الرواية بنفس السند الشيخ الطوسي (قدس سره) في أماليه: 52 - 53 ، والسيد هاشم البحراني (قدس سره) في حلية الابرار 2:299 ، ونقلها عنه العلامة المجلسي (قدس سره) في بحار الانوار 32 :103 ،وروى مثلها بتغيير طفيف أحمد بن عبد الله الطبري مرسلة عن مالك بن الجون في ذخائر العقبى: 111 - 112 ، ولعل السبب في ذلك لاشتمالها على نفي التهمة عن أمير المومنين (علیه السلام)
2- تاريخ المدينة - ابن شبة النميري 4: 1457 .
3- المصنف - ابن أبي شيبة الكوفي 8: 633 .

كنت أمرتك أو نهيتك أو أشرت عليك أن للعرب جولةً ولو قد رجعت إليها عوازب أحلامها لأتتك ولو كنت في مثل وجار الضبع فقال لا أبا لك أفتراني كنت أنتظرك كما ينتظر الضبع الذئب..» (1).

2- رواية الخطيب البغدادي بسنده عن إسماعيل عن قيس قال: «قال الحسن لأبيه: يا أبت أتأذن؟ قال نعم، ولا تحن حنين الجارية، قال: ذر العرب حتى ترجع إليها عوازب عقولها، فو الله لئن كنت في وجار ضبع ليستخرجنك منه» (2).

وقد وردت بعض الروايات بنفس المضمون، لكنها تجمع بين الاعتراضين كما في تأريخ الإسلام للذهبي عن عكرمة الذي يرويها عن ابن عباس: «خرجنا مع علي إلى الجمل في ستمائة رجل، فسلكنا على طريق الربذة، فقام إليه الحسن، فبكى بين يديه وقال: ائذن لي فأتكلم، فقال: تكلم، ودع عنك أن تحن حنين الجارية، قال: لقد كنت أشرت عليك بالمقام، وأنا أشير عليك الآن: إن للعرب جولةً، ولو قد رجعت إليها غوارب أحلامها، لضربوا إليك آباط الإبل، حتى يستخرجوك، ولو كنت في مثل حجر الضب. فقال علي: أتراني لا أبا لك كنت منتظرا كما تنتظر الضبع اللدم» (3).

3- رواية ابن شبّة النميري (4) عن صفوان بن قبيصة، عن طارق بن شهاب.

4- رواية ابن عساكر الاولى عن إسماعيل عن قيس (5). .

ص: 126


1- تأريخ مدينة دمشق - ابن عساكر 42 : 456 - 457 .
2- تاريخ بغداد - الخطيب البغدادي 7:380 .
3- تأريخ الإسلام - الذهبي 3: 487 .
4- تاريخ المدينة - ابن شبة النميري 4: 1457 .
5- تأريخ مدينة دمشق - ابن عساكر 42 : 456 - 457 .

5- رواية ابن عساكر الثانية عن عكرمة عن ابن عباس (1).

6- رواية ابن عساكر الثانية، عن سوار بن مصعب عن عطية العوفي عن مالك بن الحويرث (2).

7- رواية الحاكم في المستدرك (3) بسنده عن أبي قبيصة عمر بن قبيصة عن طارق بن شهاب

8- رواية الذهبي في سير أعلام النبلاء (4) عن عكرمة، عن ابن عباس.

9و 10 - قال البلاذري: «حدثني عبد الله بن صالح، عن شريك، عن رجل عن أبي قبيصة: عمرو بن طارق بن شهاب قال قال الحسن بن علي لعلي بالربذة وقد ركب راحلته وعليها رحل له رث: إني لأخشى أن تقتل بمضيعة. فقال: إليك عني فوالله ما وجدت إلا قتال القوم أو الكفر بما جاء به محمد - أو قال: بما أُنْزِلَ على محمد[صلی الله علیه و آله] وحدثني أبو قلابة الرقاشي، عن يزيد بن محمد العمي: عن يحيى بن عبد الحميد، عن شريك، عن أمي الصيرفي عن أبي قبيصة عمر بن قبيصة، عن طارق بن شهاب بمثله، إلا أنه قال: أو الكفر بما أُنْزِلَ على محمد». (5) .

ص: 127


1- تأريخ مدينة دمشق - ابن عساكر 42 : 456 - 457 .
2- مالك بن الحويرث هو (من أصحاب رسول الله (صلی الله علیه و آله)، رجال الشيخ (3). وعده ابن شهرآشوب من وجوه الصحابة وخيار التابعين) (معجم رجال الحديث - السيد الخوئي 15 : 172).
3- المستدرك على الصحيحين - الحاكم النيسابوري 3: 115 .
4- سير أعلام النبلاء - الذهبي 3: 261 .
5- انساب الأشراف - البلاذري 3: 959 .

المجموعة الثالثة:

وهي المتعلقة بالمحاورة بين أمير المؤمنين (علیه السلام) والحسن حول إسباغ الوضوء، ورد الحسن على الإمام علي (علیه السلام) باتهامه بقتل عثمان!!

وأصلها - كما ظهر لي - روايتان رواهما البلاذري قال في الأولى مرسلا: «قال علي لابنه الحسن ورآه يتوضأ: أسبغ الوضوء. فقال: قد قتلتم أمس رجلاً كان يسبغ الوضوء. فقال علي: لقد أطال الله حزنك على عثمان!» (1).

والثانية مع سند قال: «روى المدائني عن أبي جزى، عن قتادة قال: رأى علي الحسن (علیهما السلام) يتوضأ فقال له: أسبغ الوضوء. فقال الحسن: لقد قتلت رجلاً كان يسبغ الوضوء لكل صلاة. فقال علي: لقد طال حزنك على عثمان» (2).

المجموعة الرابعة: اختلاف نهجه (علیه السلام) عن نهج أبيه (علیه السلام)

1- ابن عساكر بسنده إلى «علي بن محمد يعني المدائني عن عثمان بن عثمان عن رجل من آل أبي رافع عن أبيه قال: قال:علي إن ابني هذا سيخرج من هذا الأمر وأشبه أهلي بي الحسين» (3).

2- ابن عساكر بسنده «عن أبي إدريس عن المسيب بن نجبة قال: سمعت عليا يقول: ألا أحدثكم عني وعن أهل بيتي أنا عبد الله بن جعفر فصاحب لهو وأما الحسن بن علي فصاحب جفنة وخوان فتى من فتيان قريش لو قد التقت حلقتا البطان لم تغن .

ص: 128


1- انساب الأشراف - البلاذري 3: 1195 - 1196 .
2- المصدر السابق 6: 2469 .
3- تاريخ مدينة دمشق - ابن عساكر 14 : 177 .

عنكم في الحرب شيئاً وأما أنا وحسين فنحن منكم وأنتم منا) (1).

3- ابن عساكربسنده «عن أبي إدريس عن المسيب بن نجبة، قال: قال: علي ألا أحدثكم عن خاصة نفسي وأهل بيتي قلنا: بلى، قال: أما حسن فصاحب جفنة وخوان وفتى من الفتيان ولو قد التقت حلقتا البطان لم يغن عنكم في الحرب حبالة عصفور وأما عبد الله بن جعفر فصاحب لهو وباطل ولا يغرنكم أبناء عباس، وأما أنا وحسين فأنا منكم وانتم مني» (2) .

ص: 129


1- تاريخ مدينة دمشق - ابن عساكر 14 : 177 .
2- المصدر السابق: 178 .

ص: 130

محاكمة الشبهة

سنناقش أسانيد هذه المرويات، ثم نناقش متونها وما حوته من اتهامات، وبعدها نتطرق إلى بعض الألفاظ الواردة فيها والتي تشي بوضعها وزيفها:

أولا: مناقشة الأسانيد:

أسانيد روايات الاعتراضات الثلاثة كانت كالأتي:

الرواية الأولى والرابعة عن سيف بن عمر وهو وضاع وكذاب مشهور (1)، أما الرواية الثانية والثالثة فهما مرسلتان ولم يذكر ابن قتيبة وابن أبي الحديد سندا لهما فتسقطان عن الاعتبار، أما الخامسة ففي سندها صفوان بن قبيصة الاحمسي ويكنى بأبي قبيصة وهو من المجاهيل عند أهل السنة، كما يذكر أبو حاتم الرازي، والذهبي، وقال فيه البخاري: أبو قبيصة لا أدري من هو، نعم ذكره ابن حبان في الثقات وهم لا يأخذون بقوله لأنه متهم بتوثيق المجهولين (2)، والروايتان السادسة والسابعة عن قيس بن مسلم وهو من الموثقين عند أغلب علماء العامة لكنه متهم في عقيدته حيث عده احمد .

ص: 131


1- ينظر تهذيب التهذيب - ابن حجر 4: 259 -260 وفيه «قال ابن معين ضعيف الحديث وقال مرة فليس خير منه وقال أبو حاتم متروك الحديث يشبه حديثه حديث الواقدي وقال أبو داود ليس بشئ وقال النسائي والدارقطني ضعيف وقال ابن عدي بعض أحاديثه مشهورة وعامتها منكرة لم يتابع عليها وقال ابن حبان يروي الموضوعات عن الاثبات. قال وقالوا أنه كان يضع الحديث. قلت: بقية كلام ابن حبان اتهم بالزندقة وقال البرقاني عن الدارقطني متروك وقال الحاكم اتهم بالزندقة وهو في الرواية ساقط».
2- ينظر كتاب السنة - عمرو بن أبي عاصم: 538 .

بن حنبل من المرجئة فقال في العلل: «قيس بن مسلم وعلقمة بن مرثد مرجئين»، وقال فيه الزيلعي «وقد اختلف فيه وهو ممن ساء حفظه بالقضاء كشريك وابن أبي ليلى» (1).

وأسانيد المجموعة الثانية:

فأولها رواية ابن عساكر عن سفيان عن قيس بن مسلم، وسفيان هو سفيان الثوري، وهو من الموثقين عند أهل السنة، مع أنه اتهم بالتدليس حيث قال فيه ابن حجر: «ثقة عابد إمام حجة من رؤوس الطبقة السابعة وكان ربما دلس!»، أما عند علماء أهل البيت (علیهم السلام) فهو «مذموم، ملعون، من الصوفية، آثر الحياة الدنيا على الآخرة ومن كان كذا، يحشر أعمى يوم القيامة» (2)، وفي مجمع البحرين 1: 334 ، أن «سفيان الثوري كان في شرطة هشام بن عبد الملك و هو ممن شهد قتل زيد بن علي بن الحسين فإما أن يكون ممن قتله أو أعان عليه أو خذله»، وقد تكلمنا عن قيس بن مسلم آنفا لذلك لن نكرره في نقد الرواية الثانية «رواية الخطيب البغدادي» والرابعة، أما رواية تأريخ الإسلام للذهبي والرواية الخامسة والثامنة ففيهما عكرمة وما أدراك ما عكرمة؟! مولى ابن عباس الذي جلده ابنه لكذبه على أبيه، والرواية الثالثة لابن شبة النميري ففيها صفوان بن قبيصة المجهول الذي تقدم ذكره، والرواية السابعة عن سوار بن مصعب الموصوف بأنه: «محدث مجهول الحال، وكان مؤذنا ضريرا، ضعفه بعض العامة وتركوا حديثه» (3). أما رواية الحاكم وهي الثامنة وفيها عمر بن قبيصة المهمل ذكره لدى رجال الجرح والتعديل عندهم(4)، كما أن شريكا الذي يروي عنه قد ساء حفظه كما يقولي.

ص: 132


1- نصب الراية - الزيلعي 3:324 .
2- مستدركات علم الحديث - الشيخ علي النمازي الشاهرودي 4: 89
3- الفائق في رواة وأصحاب الإمام الصادق (علیه السلام) - عبد الحسين الشبستري 2: 105 .
4- كما يبدو ذلك من الميزان لابن حجر وميزان الاعتدال للذهبي.

الزيلعي عند حديثه عن قيس بن مسلم «وهو من ساء حفظه بالقضاء كشريك... ،» وكذا الحال في رواية البلاذري عن أمي الصيرفي عن عمر بن قبيصة، والخاتمة مع رواية البلاذري الاخرى عن شريك عن رجل عن أبي قبيصة، حيث تكفي مجهولية (رجل) في ردها.

وأما إسناد المجموعة الثالثة:

فحال الإرسال واضح في رواية إسباغ الوضوء حيث أن البلاذري لم يذكر للأولىسنداً، بينما اسند الثانية إلى المدائني عن أبي جزي عن قتادة المولود سنة 60 ه- (1)، بمعنى أنه لم يشهد هذه المحاورة المزعومة، إضافة إلى تضعيف بعض أهل الجرح للمدائني، كابن عدي الذي ذكره في الكامل فقال: «علي بن محمد بن عبدالله بن أبي سيف المدائني مولى عبد الرحمن بن سمرة ليس بالقوي في الحديث، وهو صاحب الأخبار... قل ما له

في الروايات المسندة». (2)

مع ضعف ابن جزي حيث قال فيه ابن عدي في الكامل: «قال الشيخ: ولأبي جزي غير ما ذكرت من الحديث من المناكير وغيره وربما يحدث بأحاديث يشارك فيها الثقات الا أن الغالب على رواياته أنه يروي ما ليس محفوظا وينفرد عن الثقات بمناكير وهو بين الضعف وقد اجمعوا على ضعفه» (3) ويضاف إلى ذلك ضعف قتادة عند الشعبي صاحب الرأي المحترم عندهم، حيث وصفه بأنه (حاطب ليل)(4)، ومن شر البلية المضحك قول الذهبي فيه: «وهو حجة .

ص: 133


1- سير أعلام النبلاء - الذهبي 5:270 .
2- الكامل - عبد الله بن عدي 5: 213 .
3- المصدر السابق 7: 35 .
4- ينظر تهذيب التهذيب - ابن حجر 8:317 .

بالإجماع إذا بين السماع، فإنه مدلس معروف بذلك، وكان يرى القدر، نسأل الله العفو.

ومع هذا فما توقف أحد في صدقه» (1). أما المجموعة الرابعة فإن أولاها تشتمل على مجهول هو رجل من آل أبي رافع علاوة على وجود المدائني المعروف بأمويته.

أما الروايتان الثانية والثالثة من هذه المجموعة فليس لي كلام حول سندها، وكيفما يكون حال الأسانيد وتوثيق رجالها، فإن متون تلك المرويات وما فيها من اتهامات، لا يمكن قبولها بأي حال حتى إن جاءت بنقل الثقات عن الثقات.

مناقشة الألفاظ:

اشتملت النصوص المذكورة في المجموعة الأولى على ألفاظ تجعلها في خانة الموضوعات. ومنها في رواية سيف «قد أمرتك فعصيتني» وهذا كلام لا يليق بشاب مؤمن من عامة المسلمين فضلا عن سيد شباب أهل الجنة وهو يخاطب أباه وسيده وسيد المسلمين ويعسوب الدين وأمير المؤمنين(علیه السلام).

ولاحظ التأكيد على هذا الفعل «أمرتك... ثم أمرتك... ثم أمرتك !!»

وفيها ألفاظ تشكك بصحة بيعة الإمام علي (علیه السلام) على لسان ولده المجتبى (علیه السلام) «ثم أمرتك يوم قتل ألا تبايع حتى يأتيك وفود أهل الأمصار والعرب وبيعة كل مصر».

كما أن فيها تأسيساً لنظرية جديدة تخالف نظرية العهد الإلهي عند اتباع أهل البيت (علیهم السلام) المستمدة من قوله تعالى: «قَالَ لاَ یَنَالُ عَهْدِی الظَّالِمِینَ» كما تخالف نظرية أهل الحل والعقد عند أهل السنة، بالقول على لسان الإمام علي(علیه السلام) «فإن الأمر أمر أهل المدينة». .

ص: 134


1- سير أعلام النبلاء - الذهبي 5: 271 .

كما تحتوي أيضا على قدح في نفس رسول الله (صلی الله علیه و آله) وإظهاره بمظهر الطالب للحكومة «وكرهنا أن يضيع هذا الأمر» و «ووالله ما زلت مقهورا مذ وليت، منقوصا لا أصل إلى شيء مما ينبغي» مع أن قيمة الإمارة عنده لا تساوي قيمة نعليه إلا أن يقيم حقا أو يدفع باطلا كما يشهد بذلك قوله لابن عباس (رضی الله عنه) حينما وجده يخصف نعله وضم إليها صاحبتها: «والله لهما أحب إلي من أمركم هذا، إلا أن أقيم حقا أو أدفع باطلا». (1)

أما الرواية الثانية في هذه المجموعة فقد رددت نفس ألفاظ الأمر والعصيان، وصرحت أيضا بالشك في بيعة أمير المؤمنين (علیه السلام) «وأمرتك حين دعيت إلى البيعة أن لا تبسط يدك إلا على بيعة جماعة».

لكنها زادت على سابقتها باتهام الإمام علي (علیه السلام) بإكراه الزبير وطلحة على البيعة «وأمرتك حين خالف عليك طلحة والزبير أن لا تكرههما على البيعة»، ثم الطلب الغريب «وتدع الناس يتشاورون عاما كاملا !!»

وحوت أيضا النبوءة المزعومة على لسان الإمام الحسن (علیه السلام) الذي كان يقاتل زعيم الفئة الباغية في حياة أبيه وبعد استشهاده «وأيم الله يا أبت ليظهرن عليك معاوية، لأن الله تعالى قال: «وَمَن قُتِلَ مَظْلُومًا فَقَدْ جَعَلْنَا لِوَلِیِّهِ سُلْطَانًا» ومن قتل مظلوما فقد جعلنا لوليه سلطانا»، وكشفت الرواية أخيرا عن وجهها الأموي لكل ذي عينين باتهام أهل المدينة بدم عثمان على لسان الإمام الحسن (علیه السلام) ومنهم القائل والسامع «والله إني لا أظن، بل لا أشك أن ما بالمدينة عاتق، ولا عذراء ولا صبي إلا وعليه كفل من دمه ،» وجعل الأمر برقبة أهل الكوفة - على وجه الخصوص - على لسان الإمام علي (علیه السلام) «إنك لتعلم أن أباك قد رد الناس عنه مرارا أهل الكوفة وغيرهم». .

ص: 135


1- الإرشاد - الشيخ المفيد 1: 247 .

ولم تكتمل حياكتها إلا بتلميع صفحة عثمان، وجعل أمير المؤمنين (علیه السلام) من اتباعه المطيعين «وأيم الله لو أمرني بالقتال لقاتلت دونه، أو أموت بين يديه»، لكن الإمام الحسن (علیه السلام) - في الرواية - لم يقتنع بهذه الطاعة فرد على أبيه قوله «دع عنك هذا، حتى يحكم الله بين عباده يوم القيامة فيما كانوا فيه يختلفون».

أمَّا أقسى الألفاظ في المجموعة الثانية فهي الاتهام على لسان الإمام علي (علیه السلام) لشريكة في آية التطهير والمباهلة وسورة هل أتى بأنه يخن خنين الجارية أو حنين الجارية، ومخاطبته في أولى الروايات من هذه المجموعة «لا أباً لك» مع شهادة القرآن الكريم وأحاديث النبي الأكرم (صلی الله علیه و آله) بأنه وأخاه الحسين (علیه السلام) ابنا رسول الله (صلی الله علیه و آله).

واشتملت المجموعة الثالثة على اتهام الإمام علي (علیه السلام) صراحة بقتل عثمان بن عفان «قد قتلتم أمس رجلاً كان يسبغ الوضوء»، ودعاء أمير المؤمنين (علیه السلام) عليه بطول الحزن.

غير أن ما يهون الخطب فيها إن الحسن المقصود في هذه المحاورة، كان حسنا آخر هو الحسن البصري - كما سيأتي -. وليست النسبة الخاطئة لتصرفات الحسن البصري إلى الحسن المجتبى (علیه السلام) بأولى المرات كما إنها ليست الأخيرة.

وسلكت روايات المجموعة الرابعة مسلكا قذرا في انتقاص الإمام الحسن (علیه السلام) عبر توصيفه وعلى لسان أبيه (علیه السلام) بعدم مشابهته له في منهاجه، وتدرجت رواياتها في الفاظها «ابني هذا سيخرج من هذا الأمر» ثم «وأما الحسن بن علي فصاحب جفنة وخوان فتى من فتيان قريش لو قد التقت حلقتا البطان لم تغن عنكم في الحرب شيئا»، وكان تعبير الرواية الثالثة الاكثر قسوة وظلما، لمن شارك في معارك أمير المؤمنين (علیه السلام) وكان قائد الميمنة «أما حسن فصاحب جفنة وخوان وفتى من الفتيان ولو قد التقت حلقتا البطان لم يغن عنكم في الحرب حبالة عصفور».

ص: 136

مناقشة المضمون:

لا يشك أحد في براءة أمير المؤمنين (علیه السلام) من تهمة قتل عثمان بن عفان، اللهم إلا الذين اتخذوا قميص عثمان سُلَّماً للوصول إلى حطام الدنيا، ولسنا في مقام تبرئة لوصي رسول الله (صلی الله علیه و آله) ويعسوب الدين (علیه السلام)،، وتأريخ تلك الفترة واضح وجلي، ولا يوجد أدنى ريب - والعياذ بالله - في حكمة باب مدينة العلم، واتخاذه للقرار الصحيح في توليه لأمور المسلمين ومقاتلته لأصحاب الجمل ومن هو على شاكلتهم وهو القائل في خطبته الشقشقية: «فما راعني إلا والناس كعرف الضبع إلي ينثالون علي من كل جانب. حتى لقد وطئ الحسنان. وشق عطفاي مجتمعين حولي كربيضة الغنم فلما نهضت بالأمر نكثت طائفة ومرقت أخرى وقسط آخرون كأنهم لم يسمعوا كلام الله حيث يقول.

«تِلْکَ الدَّارُ الْآخِرَةُ نَجْعَلُهَا لِلَّذِینَ لَا یُرِیدُونَ عُلُوًّا فِی الْأَرْضِ وَلَا فَسَادًا وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِینَ» بلى والله لقد سمعوها ووعوها. ولكنهم حليت الدنيا في أعينهم وراقهم زبرجها. أما والذي فلق الحبة. وبرأ النسمة لولا حضور الحاضر وقيام الحجة بوجود الناصر. وما أخذ الله على العلماء أن لا يقاروا على كظة ظالم ولا سغب مظلوم لألقيت حبلها

على غاربها ولسقيت آخرها بكأس أولها. ولألفيتم دنياكم هذه أزهد عندي من عفطة عنز» (1).

فلا مجال بعد ذلك لأن تلفق تلك الاتهامات على لسان السبط الزكي(علیه السلام).

ونتوجه إلى المصدقين بهذه الشبهات بعدد من التساؤلات:

إذا كان هذا زعمكم فكيف تفسرون اشتراك الإمام الحسن (علیه السلام) في جميع معارك أمير المؤمنين (علیه السلام) ضد الناكثين والقاسطين والمارقين؟ وفي معركة الجمل بالذات «أسند .

ص: 137


1- نهج البلاغة - خطب الإمام علي(علیه السلام) 1 : 35 - 37 .

الإمام علي (علیه السلام) قيادة ميمنة جيشه إلى الإمام الحسن (علیه السلام) وقيادة ميسرته إلى الإمام الحسين (علیه السلام)». (1)

وكيف تفسرون ذهابه مباشرةً بعد واقعة هذه الاعتراضات لاستنفار أهل الكوفة، لنصرة أمير المؤمنين (علیه السلام)، و خطبته هناك التي قال فيها:

«... أما بعد فإني لا أقول لكم إلا ما تعرفون، إن أمير المؤمنين علي بن أبي طالب - أرشد الله أمره، وأعز نصره - بعثني إليكم يدعوكم إلى الصواب، وإلى العمل بالكتاب، والجهاد في سبيل الله، وإن كان في عاجل ذلك ما تكرهون، فإن في آجله ما تحبون إن شاء الله. ولقد علمتم أن عليا صلى مع رسول الله (صلی الله علیه و آله) وحده، وأنه يوم صدق به لفي عاشرة من سنه، ثم شهد مع رسول الله (صلی الله علیه و آله) جميع مشاهده. وكان من اجتهاده في مرضاة الله وطاعة رسوله وآثاره الحسنة في الإسلام ما قد بلغكم، ولم يزل رسول الله (صلی الله علیه و آله) راضيا عنه، حتى غمضه بيده وغسله وحده، والملائكة أعوانه، والفضل ابن عمه ينقل إليه الماء، ثم أدخله حفرته، وأوصاه بقضاء دينه وعداته، وغير ذلك من أموره، كل ذلك من من الله عليه. ثم والله ما دعا إلى نفسه، ولقد تداك الناس عليه تداك الإبل الهيم عند ورودها، فبايعوه طائعين، ثم نكث منهم ناكثون بلا حدث أحدثه، ولا خلاف أتاه حسدا له وبغيا عليه. فعليكم عباد الله بتقوى الله وطاعته، والجد والصبر والاستعانة بالله والخفوف إلى ما دعاكم إليه أمير المؤمنين. عصمنا الله وإياكم بما عصم به أولياءه وأهل طاعته، وألهمنا وإياكم تقواه، وأعاننا وإياكم على جهاد أعدائه.

واستغفر الله العظيم لي ولكم..» (2). .

ص: 138


1- حياة الإمام الحسين (علیه السلام) - الشيخ باقر شريف القرشي 2: 40 ، نقلا عن جواهر المطالب في مناقب الإمام أبي الحسن: 43 لشمس الدين أبي البركات، من مصورات مكتبة الإمام أمير المؤمنين(علیه السلام).
2- شرح نهج البلاغة - ابن أبي الحديد 14 : 12 - 13 .

ثم كيف يبعثه أمير المؤمنين (علیه السلام) في هكذا سفارة خطيرة إن رأى منه ضعف الهمة - حاشاه -؟!

وهل لكم أن تفسروا لنا قولته المشهورة لأبي موسى الأشعري الذي كان يخذل الناس عن مناصرة أمير المؤمنين (علیه السلام): «اعتزل عملنا وتنح عن منبرنا لا أم لك !؟» (1)

وهل قرأتم رده على عبيد الله بن عمر في معركة صفين حينما قال له عبيد الله: «إن أباك قد وتر قريشاً أولاً وأخراً، وقد شنأه الناس، فهل لك في خلعه وأن تتولى أنت هذا الأمر! فقال: كلا والله، لا يكون ذلك ثم قال: يا بن الخطاب، والله لكأني أنظر إليك مقتولا في يومك أو غدك. أما إن الشيطان قد زين لك وخدعك، حتى أخرجك مخلقا بالخلوق، ترى نساء أهل الشام موقفك، وسيصرعك الله، ويبطحك لوجهك قتيلاً.

قال نصر: فو الله ما كان إلا بياض ذلك اليوم حتى قتل عبيد الله، وهو في كتيبة رقطاء، وكانت تدعى الخضرية، كانوا أربعة آلاف، عليهم ثياب خضر، فمر الحسن (علیه السلام)، فإذا رجل متوسد برجل قتيل، قد ركز رمحه في عينه، وربط فرسه برجله، فقال الحسن (علیه السلام) لمن معه: انظروا من هذا؟ فإذا رجل من همدان، وإذا القتيل عبيد الله بن عمر بن الخطاب» (2).

وهل هناك رجل يتهم أباه بجريمة قتل ثم يمدحه كما هو مدح سيدنا ومولانا لأمير المؤمنين بعد استشهاده وتأبينه بقوله: «يا أيها الناس لقد فقدتم رجلا لم يسبقه الأولون ولا يدركه الآخرون إن كان رسول الله[صلی الله علیه و آله] ليبعثه في السرية وإن جبريل عن يمينه وميكائيل عن يساره والله ما ترك بيضاء ولا صفراء إلا ثمان مائة درهم في ثمن .

ص: 139


1- المصدر السابق 14 : 21 .
2- المصدر السابق 5: 233 .

خادم» (1).

وهل سمعتم بتفاخره بأبيه (علیه السلام) ردا على مقولة معاوية بعد الصلح «إن الحسن بن علي رآني للخلافة أهلا ولم ير نفسه لها أهلا» كما تنقل لنا هذه الرواية: «قام الحسن (علیه السلام) فحمد الله (تعالى) بما هو أهله، ثم ذكر المباهلة فقال: فجاء رسول الله (صلی الله علیه و آله) من الأنفس بأبي، ومن الأبناء بي وبأخي، ومن النساء بأمي وكنا أهله، ونحن له، وهو منا ونحن منه.

ولما نزلت آية التطهير جمعنا رسول الله (صلی الله علیه و آله) في كساء لام سلمة (رضی الله عنها) خيبري، ثم قال:

«اللهم هؤلاء أهل بيتي وعترتي فأذهب عنهم الرجس وطهرهم تطهيرا» فلم يكن أحد في الكساء غيري وأخي وأبي وأمي، ولم يكن أحد يجنب في المسجد ويولد له فيه إلا النبي (صلی الله علیه و آله) وأبي، تكرمة من الله تعالى لنا، وتفضيلا منه لنا. وقد رأيتم مكان منزلنا من رسول الله (صلی الله علیه و آله)، وأمر بسد الأبواب فسدها، وترك بابنا، فقيل له في ذلك، فقال: أما إني لم أسدها وأفتح بابه، ولكن الله عز وجل أمرني أن أسدها وأفتح بابه. وان معاوية زعم لكم أني رأيته للخلافة أهلا ولم أر نفسي لها أهلا، فكذب معاوية، نحن أولى الناس بالناس في كتاب الله وعلى لسان نبيه (صلی الله علیه و آله)، ولم نزل أهل البيت مظلومين منذ قبض الله تعالى نبيه (صلی الله علیه و آله)، فالله بيننا وبين من ظلمنا حقنا، وتوثب على رقابنا، وحمل الناس علينا، ومنعنا سهمنا من الفيء، ومنع أمنا ما جعل لها رسول الله (صلی الله علیه و آله). وأقسم بالله لو أن الناس بايعوا أبي حين فارقهم رسول الله (صلی الله علیه و آله) لأعطتهم السماء قطرها، والأرض بركتها، وما طمعت فيها يا معاوية، فلما خرجت من معدنها تنازعتها قريش بينها، فطمعت فيها الطلقاء وأبناء الطلقاء أنت وأصحابك، وقد قال رسول الله (صلی الله علیه و آله) : إما ولت أمة أمرها رجلا وفيهم من هو أعلم منه إلا لم يزل أمرهم يذهب سفالا حتى يرجعوا إلى ما تركوا. وقد تركت بنو إسرائيل هارون وهم يعلمون أنه خليفة موسى (علیه السلام) فيهم .

ص: 140


1- المعجم الكبير - الطبراني 3: 79 .

واتبعوا السامري، وقد تركت هذه الأمة أبي وبايعوا غيره، وقد سمعوا رسول الله (صلی الله علیه و آله) يقول: أنت مني بمنزلة هارون من موسى إلا النبوة، وقد رأوا رسول الله (صلی الله علیه و آله) نصب أبي يوم غدير خم، وأمرهم أن يبلغ الشاهد منهم الغائب، وقد هرب رسول الله (صلی الله علیه و آله) من قومه وهو يدعوهم إلى الله تعالى حتى دخل الغار، ولو وجد أعوانا ما هرب، وقد كف أبي يده حين ناشدهم واستغاث فلم يُغَث، فجعل الله هارون في سعة حين استضعفوه وكادوا يقتلونه، وجعل الله النبي (صلی الله علیه و آله) في سعة حين دخل الغار ولم يجد أعوانا، وكذلك أبي...» (1)

ألم يشترط على معاوية في وثيقة الصلح أن لا يتعرض عماله إلى سب أمير المؤمنين على المنابر، ولا ذكره بسوء، ولا القنوت عليه في الصلوات(2).

وبلغ من شدة محافظته على أصحاب أبيه أمير المؤمنين (علیه السلام) أن جعل لهم في وثيقة الصلح فقرة خاصة بهم كما حدثنا بعض المرويات: «إن الناس آمنون حيث كانوا من أرض الله تعالى في شامهم، ويمنهم، وعراقهم، وحجازهم. وعلى أن أصحاب علي وشيعته آمنون على أنفسهم وأموالهم ونسائهم وأولادهم حيث كانوا. وعلى معاوية بن أبي سفيان بذلك عهد الله وميثاقه» (3)

ونختم بمقولته لأهل العراق بعد الصلح: «يا أهل العراق إنه سخي بنفسي عنكم ثلاث: قتلكم لأبي وطعنكم إياي وانتهابكم متاعي» (4).

ولا أدري كيف سولت لكم أنفسكم وطاشت عقولكم لتفتروا على أهل البيت .

ص: 141


1- بحار الانوار - العلامة المجلسي 44 : 62 - 63 .
2- ينظر الفصول المهمة في معرفة الأئمة - ابن الصباغ 2: 727 - 728 .
3- ينظر مثلا المصدر السابق 2: 729 .
4- جواهر المطالب في مناقب الإمام علي (علیه السلام) - ابن الدمشقي 2:197 .

الذين طهرهم الله تبارك وتعالى وتفترضوا أن الإمام الحسن يخاطب أمير المؤمنين بذلك.

ثم لم يكتفوا بذلك بل أضافوا كلاماً قاسياً واتهاما آخراً لكنه الان من طرف أميرالمؤمنين (علیه السلام) بحق شريكه في المباهلة وهو (لا تحن حنين الجارية) مع كثرة ما نقلته الرواة من بلاغته وبراعته في كل الميادين ومنها ميادين الخطابة ومنها خطبته في أهل الكوفة قبل الواقعة التي حاكوا فيها اتهاماتهم.

وكأنهم لم يسمعوا بمدح أمير المؤمنين (علیه السلام) لولده في حرب الجمل تعقيبا على مقالة

الأنصار في ابنه محمد بن الحنفية: «قالت الأنصار يا أمير المؤمنين لولا ما جعل الله تعالى

للحسن وللحسين لما قدمنا على محمداً أحداً من العرب، فقال علي (علیه السلام) : أين النجم من

الشمس والقمر... وأين يقع ابني من ابني بنت رسول الله(صلی الله علیه و آله)» (1).

وشدة حرصه عليه وعلى أخيه الإمام الحسين (علیه السلام): «وقال (سلام الله عليه) بصفين وقد رأى الحسين أو الحسن (سلام الله عليهما) يتسرع إلى الحرب: املكوا عني هذا الغلام لا يهدني فاني أنفس بهذين - يعني الحسنين (سلام الله عليهما) - على الموت لئلا ينقطع به نسل رسول الله (صلی الله علیه و آله)» (2).

ووصيته لابنه محمد: «قال ثم نظر إلى محمد بن الحنفية فقال هل حفظت ما أوصيت به أخويك قال نعم قال إني أوصيك بمثله وأوصيك بتوقير أخويك لعظم حقهما عليك وتزيين أمرهما ولا تقطع أمرا دونهما ثم قال لهما أوصيكما به فإنه شقيقكما وابن أبيكما وقد علمتما أن أباكما كان يحبه» (3). .

ص: 142


1- المجدي في أنساب الطالبين - على بن محمد العلوي: 332 .
2- ينابيع المودة لذوي القربى - القندوزي 3: 443 .
3- مجمع الزوائد - الهيثمي 9: 142 - 143 .

نعم أقر أن هذا الوصف (حنين الجارية) ينطبق على الوليد بن عبد الملك الذي دخل على ابيه فوجده يحتضر فبكى، فقال له عبد الملك: ما هذا؟ أتحن حنين الجارية والأَمَة؟(1)

أما رواية إسباغ الوضوء فهي كسابقاتها إذ كيف يصدق عاقل أن الإمام الحسن ، (علیه السلام) يخاطب أباه بهذه القسوة المرة وهو الذي استنفر أهل الكوفة لنصرته، وكيف صح أنه لا يعرف الوضوء فيحتاج أمير المؤمنين (علیه السلام) لإرشاده؟! مع احتواء النص على الاتهام الباطل للإمام (علیه السلام) بقتل عثمان!

ولعل للقدر دخلاً في نسبة الرواية، فراويها قتادة كان قدرياً، وربما كان يدفع عن رئيس القدرية الحسن البصري الذي كان بطل محاورة شبيهة جدا برواية إسباغ الوضوء:

«.... ثم نزل يمشي بعد فراغه من خطبته فمشينا معه فمر بالحسن البصري وهو يتوضأ فقال: يا حسن أسبغ الوضوء. فقال: يا أمير المؤمنين لقد قتلت بالأمس أناسا يشهدون أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأن محمدا عبده ورسوله، يصلون الخمس، ويسبغون الوضوء...» (2).

«وكان ممن دعا عليه أمير المؤمنين (علیه السلام) بقوله: أطال الله حزنك، قال أيوب السجستاني: فما رأينا الحسن قط الا حزينا كأنه رجع عن دفن حميم أو خربندج - أي».

ص: 143


1- ينظر البداية والنهاية - ابن كثير 9:81 - 82 .
2- الاحتجاج - الشيخ الطبرسي 1: 250 - 251 ، وقال ابن أبي الحديد في شرح النهج 4:95 : «وروي عنه أن علياً (علیه السلام) رآه وهو يتوضأ للصلاة وكان ذا وسوسة فصب على أعضائه ماء كثيراً، فقال له: أرقت ماء كثيراً يا حسن! فقال: ما أراق أمير المؤمنين من دماء المسلمين أكثر. قال: أوَ ساءك ذلك؟ قال: نعم. قال: فلا زلت مسوءاً».

مكاري - ضل حماره فقلت له في ذلك؟ فقال: عمل في دعوة الرجل الصالح» (1).

وقد غمس طه حسين قلمه في هذه الأكاذيب واستنتج فريته الشهيرة أن الإمام الحسن كان عثماني الهوى، ويعني بكلامه أن كان معاديا لأمير المؤمنين (علیه السلام) كما قسم الناس في مقدمة كتابه الفتنة الكبرى، وفاته أن يتذكر على الأقل موقف سبط الرسول في تحدي أوامر السلطة الحاكمة أيام عثمان ومشاركته في توديع الصحابي الجليل أبي ذر الغفاري.

كما فاته أن يذكر أن أكثر من تنطبق عليه العثمانية هو الطليق بن الطليق معاوية بن أبي سفيان الذي تابع مخالفات ابن عمه لأحكام الشرع الحنيف والسنة النبوية كالجمع بين الأختين بملك اليمين وإتمامه للصلاة في مكة وترك معاوية للتكبير المسنون في الصلاة لترك عثمان وغير ذلك من المفردات الفقهية (2)، بينما كان الإمام الحسن (علیه السلام) شبيها بجده رسول الله (صلی الله علیه و آله).

فائدة: في نفس الباب جعل بعض المخالفين الوصية الواردة في نهج البلاغة: «من الوالد الفان، المقر للزمان، المدبر العمر، المستسلم للدهر، الذام للدنيا، الساكن مساكن الموتى، الظاعن عنها غدا. إلى المولود المؤمل ما لا يدرك، السالك سبيل من قد هلك، غرض الأسقام، ورهينة الأيام، ورمية المصائب، وعبد الدنيا، وتاجر الغرور، وغريم المنايا، وأسير الموت، وحليف الهموم، وقرين الأحزان، ونصب الآفات، وصريع الشهوات، وخليفة الأموات»(3) دليلا على أن كلام الامام علي (علیه السلام) ).

ص: 144


1- تفسير نور الثقلين - الشيخ الحويزي 4:هامش 330 .
2- ينظر مثلا: كتاب وضوء النبي (صلی الله علیه و آله) - السيد علي الشهرستاني 2:45 - 47 .
3- شرح نهج البلاغة - ابن أبي الحديد 16 : 9، وعنونها (ومن وصيته (علیه السلام) للحسن (علیه السلام) كتبها إليه بحاضرين عند انصرافه من صفين).

يبطل القول بعصمة الإمام المجتبى (علیه السلام)، وأن قول الله تعالى «لَئِنْ أَشْرَکْتَ لَیَحْبَطَنَّ عَمَلُکَ» صيغة شرط لم تتحقق، بينما كلمات النهج فيها إخبار، وقد أجاب عنها فقيه مدرسة أهل البيت (علیهم السلام) السيد أبو القاسم الخوئي (قدس سره) قائلا: (إن المخاطب في الوصية المذكورة وإن كان ابنه الحسن المجتبى (علیه السلام) إلا أن المقصود منها جنس البشر، ولا سيما بقرينة ما فيها من الأوصاف التي هي أوصاف للجنس لا للشخص، وقد صرح بذلك ابن أبي الحديد في شرحه للنهج، هذا مضافا إلى عدم ثبوت كونها وصيةً لابنه الحسن (علیه السلام)، والله العالم» (1).

وأضاف المرجع الراحل الميرزا جواد التبريزي (قدس سره) إلى جواب أستاذه العظيم:

يضاف إلى جوابه (قدس سره) : وكيف يكون ذلك وقد قال النبي (صلی الله علیه و آله) «الحسن والحسين سيداشباب أهل الجنة» (2).بق

ص: 145


1- صراط النجاة - الميرزا جواد التبريزي 2:455
2- المصدر السابق

ص: 146

الشبهة الرابعة: في لسانه رتة

ولم يترك الأعداء متسعا للإمام الحسن (علیه السلام)، واستمر مسلسل الشبهات والطعون حتى اصطنعوا له عيباً خلقياً، لا يتفق مع إمامته الثابتة بلسان جده خاتم الأنبياء والمرسلين (صلی الله علیه و آله)، وهذا العيب هو ثقل في اللسان، عبروا عنه تارة بالفأفأة (1)، وتارة يعبرون عنه بالرتة (2).

مستند الشبهة:

وكان مستندهم في هذا رواية واحدة بسند واحد، ظهرت لأول مرة على صفحات كتاب مقاتل الطالبيين لأبي الفرج الأصفهاني المتوفى سنة 356 ه- في حديثه عن محمد بن الحسين الأشناني عن محمد بن إسماعيل الأحمسي عن مفضل بن صالح عن جابر: «كانت في لسان الحسن رتة، فقال سلمان الفارسي أتته من قبل عمه موسى بن عمران(علیه السلام)» (3).

وعنون الاصفهاني الحديث المتقدم بكلام أرسله قال فيه: «كان في لسان الحسن بن .

ص: 147


1- الفأفأة: حبسة في اللسان وغلبة الفاء في الكلام (لسان العرب - ابن منظور 1: 119).
2- الرتة، بالضم: عجلة في الكلام، وقلة أناة، وقيل: هو أن يقلب اللام ياء، وقد رت رتة، وهو أرت. أبو عمرو: الرتة ردة قبيحة في اللسان من العيب (لسان العرب - ابن منظور 2: 33).
3- مقاتل الطالبيين - ابو الفرج الأصفهاني: 31 .

علي ثقل كالفأفأة» (1).

وقد ذكر العلامة الجليل الشيخ الكوراني (دام ظله) في معرض رده لهذا الكلام سندا آخر هو عن عمرو بن دينار عن أبي عمران (علیه السلام) (2)، وهذا من سهو القلم لأن هذا الإسناد للموضوع المتقدم على حديث الفأفأة المزعوم في كتاب مقاتل الطالبيين، وكان عن مدة بقاء سيدة النساء فاطمة الزهراء (علیها السلام) بعد وفاة رسول الله (صلی الله علیه و آله)، حيث أن الأصفهاني قد ذكر عدة آراء في ذلك واختار المروي عن الإمام أبي جعفر الباقر(علیه السلام).

وعن كتاب المقاتل نقلت بقية المصادر(3)، التي تعرضت لهذه الإعاقة!!! .

ص: 148


1- مقاتل الطالبيين - ابو الفرج الأصفهاني: 31 .
2- ينظر جواهر التأريخ - الشيخ علي الكوراني العاملي 3:110 .
3- منها شرح نهج البلاغة - ابن أبي الحديد 16 : 29 .

محاكمة الشبهة

أولا: مناقشة السند:

كفانا الزيلعي وهو من علماء السنة، مؤونة مناقشة هذا الحديث وسنده حيث عقب عليه قائلاً: (قلت غريب جدا) (1)، ولو أردنا - ولو من باب النقض - أن نقول لقلنا لهم، أن في السند مفضل بن صالح الذي ضعفه أغلب علماء السنة (2) لوقوعه في إسناد بعض روايات فضائل أهل البيت (علیهم السلام) (3)، وضعفه بعض علماء الشيعة، لكن لسبب آخر (4)، كالنجاشي (قدس سره) (5)،).

ص: 149


1- تخريج الأحاديث والآثار - الزيلعي 2:352 .
2- قال السيد علي الميلاني في تشييد المراجعات و تفنيد المكابرات 1: 119 ، وهو يستعرض قول علماء السنة في مفضل بن صالح الواقع في سند حديث السفينة من طرق أهل السنة: «وهو منكر الحديث كما قال البخاري وغيره. وضعفه المناوي في فتح القدير. وقال ابن عدي: أنكر ما رأيت له حديث الحسن بن علي، وسائره أرجو أن يكون مستقيماً. وقال الذهبي في الميزان: «وحديث سفينة نوح أنكر وأنكر»، ثم علل تضعيفهم له في 1:122 - 123 ، إن المفضل بن صالح - الذي ضعفه الذهبي - من رجال الترمذي كما اعترف بقوله: ليس عند أهل الحديث بذاك الحافظ فهم غير قادحين في ثقته، ولا في حفظه، إلا أنه ليس بذاك الحافظ! وظاهر كلماتهم أن ذنب الرجل رواية فضائل أهل البيت».
3- كحديث السفينة الوارد بطرق متعددة في كتب أهل السنة.
4- وهو لأجل الاعتقاد فيه بالغلو كما استقربه الشيخ السبحاني (دام عزه) في كتابه كليات في علم الرجال -: 255 .
5- ضعفه عندما ذكر جابر بن يزيد الجعفي (المتوفى عام 128 ه-) وقال: روى عنه جماعة غمز فيهم وضعفوا، منهم: عمرو بن شمر، ومفضل بن صالح، ومنخل بن جميل، ويوسف بن يعقوب (كليات في علم الرجال - الشيخ السبحاني: 255).

ودافع عنه الوحيد البهبهاني (قدس سره) (1)، وتوقف فيه السيد الخوئي (قدس سره) كما ظهر لي من كلامه

في معجم رجال الحديث(2).

ثانيا:مناقشة الألفاظ:

يلاحظ عليها محاولة تخفيف وقع الكلام، بذكر المشابهة مع كليم الله النبي موسى (علیه السلام)، حيث ورد في حديث أبي الفرج الأصفهاني، تعليل هذه العاهة بكلام سلمان المحمدي (رضی الله عنه) أنها جاءت من قبل عمه نبي الله موسى (علیه السلام)، بينما ذكر الآلوسي في تفسيره مرسلا عن النبي (صلی الله علیه و آله) فيها: أنه ورثها من عمه موسى (علیه السلام). (3)

والعقل يحكم أن كلا العظيمين مبرئ من كافة العاهات والمنفرات بحكم وظيفته».

ص: 150


1- معجم رجال الحديث - السيد الخوئي 19:312 .
2- المصدر السابق.
3- لنفي هذه التهمة عن كليم الله (علیه السلام) ننقل كلام الشيخ ناصر مكارم الشيرازي في التفسير الأمثل 9: 547 - 548 حيث قال: «ثم طلب موسى أن تكون له قدرة على البيان بأعلى المراتب فقال: واحلل عقدة من لساني فصحيح أن امتلاك الصدر الرحب أهم الأمور والأسس، إلا أن بلورة هذا الأساس تتم إذا وجدت القدرة على إراءته وإظهاره بصورة كاملة، ولذلك فإن موسى بعد طلب انشراح الصدر، ورفع الموانع والعقبات، طلب من الله حل العقدة من لسانه. خاصة وأنه بين علة هذا الطلب فقال: يفقهوا قولي فهذه الجملة في الحقيقة تفسير للآية التي قبلها، ومنها يتضح أن المراد من حل عقدة اللسان لم يكن هو التلكؤ وبعض العسر في النطق الذي أصاب لسان موسى (علیه السلام) نتيجة احتراقه في مرحلة الطفولة - كما نقل ذلك بعض المفسرين عن ابن عباس - بل المراد عقد اللسان المانعة من إدراك وفهم السامع، أي أريد أن أتكلم بدرجة من الفصاحة والبلاغة والتعبير بحيث يدرك أي سامع مرادي من الكلام جيدا. والشاهد الآخر على هذا التعبير هي الآية (34) من سورة القصص: وأخي هارون هو أفصح مني لسانا. واللطيف في الأمر أن "أفصح" من مادة فصيح، وهي في الأصل كون الشيء خالصا من الشوائب، ثم أطلقت على الكلام البليغ المعبر الخالي من الحشو والزيادات. وعلى كل حال، فإن القائد والقدوة والموفق والمنتصر هو الذي يمتلك إضافة إلى سعة الفكر وقدرة الروح، بيانا أخاذا بليغا خاليا من كل أنواع الإبهام والقصور».

الدينية، ومن ضمنها الفأفأة والرتة.

وفي حين اختلف الناقلون في ذهاب تلك الإعاقة المزعومة عن نبي الله موسى ، (علیه السلام) فإنهم لم يتكلموا عن ذهابها عن الإمام الحسن!! ولو بفعل جده رسول الله (صلی الله علیه و آله) كما فعل مع بشير بن عقربة الذي كانت له رتة فتفل فيها رسول الله (صلی الله علیه و آله) فانحلت (1).

وقد ذكر بعض المؤلفين هذه الرتة ونسبها إلى الإمام الحسين (علیه السلام) كما في قول الزمخشري في تفسيره الكشاف 2: 152 .

ثالثا: مناقشة المضمون:

1- مدح أمير المؤمنين (علیه السلام) لخطابته، خير شاهد على عدم وجود الثقل والرتة وما شابهها وكما نقلت أهم مصادر القوم مثل تأريخ ابن عساكر: «قال علي للحسن: قم فاخطب الناس يا حسن. قال: إني أهابك أن أخطب وأنا أراك، فتغيب أمير المؤمنين عنه حيث يسمع كلامه ولا يراه، فقام الحسن، فحمد الله وأثنى عليه وتكلم ثم نزل، فقال علي: «ذُرِّیَّةً بَعْضُهَا مِن بَعْضٍ وَاللّهُ سَمِیعٌ عَلِیمٌ» (2).

2- ومما ينفي وجود هذه الإعاقة كثرة الخطب الروائع التي نهض بها لسان السبط الأكبر، وللتمثيل لذلك سنورد خطبة ألقاها الإمام (علیه السلام) تحتوي على العديد من الفاءات، يصعب على صاحب فأفأة إيرادها أمام جمهور عريض مولع بالخطابة حيث قال (علیه السلام) في حكمة تشريع الفرائض: «إن الله عز وجل بمنه ورحمته لما فرض عليكم الفرائض لم يفرض ذلك عليكم لحاجة منه إليه، بل رحمة منه لا إله إلا هو، ليميز الخبيث من الطيب، وليبتلي ما في صدوركم، وليمحص ما في قلوبكم، ولتتسابقوا إلى رحمته، .

ص: 151


1- ينظر كنز العمال - المتقي الهندي 133:298 .
2- تاريخ مدينة دمشق - ابن عساكر 13 : 244 .

ولتتفاضل منازلكم في جنته، ففرض عليكم الحج والعمرة وأقام الصلاة وإيتاء الزكاة، والصوم، والولاية لنا أهل البيت، وجعلها لكم بابا لتفتحوا به أبواب الفرائض ومفتاحا إلى سبيله، ولولا محمد (صلی الله علیه و آله) وأوصياؤه كنتم حيارى، لا تعرفون فرضا من الفرائض، وهل تدخلون دارا إلا من بابها فلما من الله عليكم بإقامة الأولياء بعد نبيكم (صلی الله علیه و آله) قال:

اليوم أكملت لكم دينكم، وأتممت عليكم نعمتي، ورضيت لكم الإسلام دينا، ففرض عليكم لأوليائه حقوقا وأمركم بأدائها إليهم، ليحل لكم ما وراء ظهوركم من أزواجكم وأموالكم، ومآكلكم، ومشاربكم، ويعرفكم بذلك البركة والنماء والثروة، وليعلم من يطيعه منكم بالغيب، ثم قال الله عز وجل: «قُلْ لَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى».

واعلموا أن من يبخل المودة فإنما يبخل عن نفسه، إن الله هو الغني وأنتم الفقراء إليه، فاعملوا من بعد ما شئتم، فسيرى الله عملكم ورسوله والمؤمنون ثم تردون إلى عالم الغيب والشهادة فينبئكم بما كنتم تعملون، والعاقبة للمتقين ولا عدوان إلا على الظالمين...» (1)

3- كما يشهد تفوقه في المحاورات العديدة التي جرت في زمن معاوية بن أبي سفيان على الطلقاء وأبناء الطلقاء، الباحثين عن أي مثلبة أو منقصة تدفع عنهم خساسة الأصل والقول والفعل، وعجز أولئك الماكرين عن مجاراة الإمام الحسن (علیه السلام)، في سحر بيانه وعدم تطرقهم لتلك العاهة المزعومة، بل كان بعضهم يتمنى خجله من كثرة السامعين لخطابته، والنتيجة في كل مرة انقلاب أمانيهم عليهم، كما تخبرنا بذلك المحاورة التالية:

«روي أن عمرو بن العاص قال لمعاوية: إن الحسن بن علي رجل عيي، وإنه إذا صعد المنبر ورمقوه بأبصارهم خجل وانقطع، لو أذنت له، فقال معاوية: يا أبا محمد7.

ص: 152


1- الروائع المختارة من خطب الإمام الحسن (علیه السلام) - السيد مصطفى الموسوي: 36 - 37.

لو صعدت المنبر ووعظتنا! فقام فحمد الله وأثنى عليه، ثم قال: من عرفني فقد عرفني ومن لم يعرفني فأنا الحسن بن علي وابن سيدة النساء فاطمة بنت رسول الله (صلی الله علیه و آله)، أنا ابن رسول الله، أنا ابن نبي الله، أنا ابن السراج المنير، أنا ابن البشير النذير، أنا ابن من بُعِثَ رحمة للعالمين، أنا ابن من بُعِثَ إلى الجن والإنس، أنا ابن خير خلق الله بعد رسول الله، أنا ابن صاحب الفضائل أنا ابن صاحب المعجزات والدلائل، أنا ابن أمير المؤمنين، أنا المدفوع عن حقي أنا واحد سيدي شباب أهل الجنة، أنا ابن الركن والمقام، أنا ابن مكة، ومنى أنا ابن المشعر وعرفات. فاغتاظ معاوية وقال: خذ في نعت الرطب ودع ذا، فقال: الريح تنفخه والحر ينضجه، وبرد الليل يطيبه، ثم عاد فقال: أنا ابن الشفيع المطاع، أنا ابن من قاتل معه الملائكة، أنا ابن من خضعت له قريش، أنا ابن إمام الخلق وابن محمد رسول الله (صلی الله علیه و آله).

فخشي معاوية أن يفتتن به الناس، فقال: يا أبا محمد انزل فقد كفى ما جرى فنزل.

فقال له معاوية: ظننت أن ستكون خليفة، وما أنت وذاك، فقال الحسن (علیه السلام) : إنما الخليفة من سار بكتاب الله، وسنة رسول الله، ليس الخليفة من سار بالجور وعطل السنة، واتخذ الدنيا أبا وأما، ملك ملكاً متع به قليلاً، ثم تنقطع لذته، وتبقى تبعته» (1).

4- أن الأئمة من أهل البيت (علیهم السلام) كانوا ولازالوا موردا للشفاء من العاهات والأسقام، بما وهبهم الله تبارك وتعالى، ومن ذلك العاهة اللسانية شأنهم شأن جدهم الأعظم (صلی الله علیه و آله)، وقد نقلت لنا الروايات طرفا من ذلك كما حصل لإسماعيل بن إبراهيم الذي قال للإمام الرضا (علیه السلام): «إن ابني في لسانه ثقل فأنا أبعث به إليك غدا تمسح على .

ص: 153


1- بحار الأنوار - العلامة المجلسي 44 : 88 - 89 .

رأسه وتدعو له فإنه مولاك، فقال: هو مولى أبي جعفر فابعث به غدا إليه»(1)، فكيف يترك رسول الله أحدى ريحانتيه من الدنيا مصابا بهذه العاهة، ويعالج عامة الناس، وكيف يترك الإمام الحسن (علیه السلام) نفسه مع هذا الثقل أو الرتة، وأفضليته على الإمام الرضا (علیه السلام) ثابتة بحكم كونه سيد شباب أهل الجنة.

5- وختاما نقول لهم - من باب الإلزام (2)- إن هذه العاهة اللسانية لا تتفق مع ما رويتموه من بسط الله (تبارك وتعالى) للسان الإمام الحسن (علیه السلام)، كما في الرواية المزعومة

التي اسندها ابن عساكر عن خالد بن سعيد بن عمرو بن سعيد بن العاص عن أبيه قال:

(كان الحسن يقول للحسين أي أخ والله لوددت أن لي بعض سدة (3) قليل فيقول له الحسين وأنا والله وددت أن لي بعض ما بسط لك من لسانك) (4). .

ص: 154


1- الكافي - الشيخ الكليني 1:321 .
2- مع إننا لا نقبل ما ورد فيها من ألفاظ تنتقص الإمام الحسن (علیه السلام) في قولهم «والله لوددت أن لي بعض سدة قليل»، لكن باب الإلزام واسع.
3- وفي سير الأعلام للذهبي 3: 287 (وددت أن لي بعض شدة قلبك).
4- تاريخ مدينة دمشق - ابن عساكر 14 : 178 .

الشبهة الخامسة: مزواج ومطلاق

وهي من أشهر الشبهات وأكثرها في عدد الروايات، ولأجلها تُرَدَّد على الألسن كثيرا بأن الإمام الحسن المجتبى (علیه السلام) مزواج مطلاق، وعُدَّت من مطاعن الإمام الحسن (علیه السلام) عند أعداء أهل البيت (علیهم السلام)، من الحكام الغاصبين (1)، أو بعض المستشرقين الحاقدين (2).).

ص: 155


1- ومن أولئك أبو جعفر العباسي، حيث روى الطبري: «أن المنصور لما أخذ عبد الله بن حسن وإخوته والنفر الذين كانوا معه من أهل بيته صعد المنبر فحمد الله وأثنى عليه ثم صلى على النبي ، (صلی الله علیه و آله) ثم قال يا أهل خراسان أنتم شيعتنا وأنصارنا وأهل دولتنا ولو بايعتم غيرنا لم تبايعوا من هو خير منا وإن أهل بيتي هؤلاء من ولد علي بن أبي طالب تركناهم والله الذي لا إله إلا هو والخلافة فلم نعرض لهم فيها بقليل ولا كثير فقام فيها علي بن أبي طالب فتلطخ وحكم عليه الحكمين فافترقت عنه الأمة واختلفت عليه الكلمة ثم وثبت عليه شيعته وأنصاره وأصحابه وبطانته وثقاته فقتلوه ثم قام من بعده الحسن بن علي فوالله ما كان فيها برجل قد عرضت عليه الأموال فقبلها فدس إليه معاوية إني أجعلك ولى عهدي من بعدي فخدعه فانسلخ له مما كان فيه وسلمه إليه فأقبل على النساء يتزوج في كل يوم واحدة فيطلقها غد فلم يزل على ذلك حتى مات على فراشه» (تاريخ الطبري - الطبري 334 - 6:333).
2- أمثال المستشرق لامنس الذي افترى في دائرة المعارف قائلا: «ولما تجاوز - يعني الإمام الحسن (علیه السلام) - الشباب، وقد أنفق خير سني شبابه في الزواج والطلاق فأحصي له حوالي المائة زوجة، وألصقت به هذه الأخلاق السائبة لقب المطلاق، وأوقعت عليا في خصومات عنيفة واثبت الحسن كذلك أنه مبذر كثير السرف، وقد خصص لكل من زوجاته مسكنا ذا خدم وحشم، وهكذا نرى كيف يبعثر المال أيام خلافة علي التي اشتد عليها الفقر» (حياة الامام الحسن بن علي (علیه السلام) - الشيخ باقر القرشي 2: 454).

والذي جعل من الزواج والطلاق شبهة وصول أعداد النساء المفترضات إلى أرقام فلكية لا تنسجم مع الخلق العالي للإمام، ومنزلته العالية عند الله (تبارك وتعالى)، وعند رسوله الأمين (صلی الله علیه و آله)، وعند المسلمين.

كما أن هذه الأعداد الكثيرة من النساء، لا تتفق مع عمره القصير نسبياً، والظروف التي عاشها في حياته بأعتباره أحد أهل البيت المطهرين بنص القرآن الكريم، وقول النبي (صلی الله علیه و آله)، وخلافته لأمير المؤمنين في تولي شؤون المسلمين واشتراكه بالحروب الكثيرة في حياة أبيه (علیه السلام) وفي زمن عثمان كما نقل عن بعض المؤرخين.

وغير خافٍ على المنصفين صعوبة ودقة الأجواء التي عاشها أهل بيت العصمة (علیه السلام) في حياة رسول الله (صلی الله علیه و آله) وبعد انتقاله إلى الرفيق الأعلى.

وبالإضافة إلى الظروف الصعبة والدقيقة في حياة الإسلام والمسلمين، كان هناك جانب آخر أعطى له الإمام (علیه السلام) الكثير من وقته وهو الجانب العبادي، ومن ذلك ما روي عنه أنه حج خمس عشرة مرة أو عشرين مرة ماشيا إلى بيت الله، وسواء كان الذهاب من المدينة أو الكوفة فإن الطريق طويلة على من يمشيها.

ومما يؤلم حقا أن هذه الشبهة، تجاوزت دائرة العوام وأضحت من مسلمات الأمور عند الكثير من كتّاب السنة والشيعة الذين تصدوا للكتابة في سيرة الإمام الحسن ، (علیه السلام) وترقت في الشيوع حتى أصبح التمثيل بها، في معاجم اللغة العربية شيئا سائغا، وغير مستنكر حيث يقول ابن منظور: «.... ورجل مطلاق ومطليق وطليق وطلقة، على مثال همزة: كثير التطليق للنساء. وفي حديث الحسن: إنك رجل طليق أي كثير طلاق

ص: 156

النساء، والأجود أن يقال مطلاق ومطليق، ومنه حديث علي، (علیه السلام) : إن الحسن مطلاق فلا تزوجوه»(1)، وقال الزبيدي: «وأطلقها بعلها وطلقها إطلاقا وتطليقا فهو مطلاق ومطليق كمحراب ومسكين. ومنه حديث علي (رضی الله عنه) : إن الحسن مطلاق فلا تزوجوه.

ورجل طلقة وطليق كهمزة وسكيت: كثير التطليق للنساء، وقد روي في حديث الحسن: إنك رجل طليق» (2). .

ص: 157


1- لسان العرب - ابن منظور 10 : 226 .
2- تاج العروس - الزبيدي 13 : 303 .

ص: 158

مستند الشبهة

من أجل تسهيل الرد على هذه الشبهة ورواياتها، قمت بتصنيف المرويات التي جعلت مستندا لهذه الشبهة إلى ستة مجاميع، وأسميت كل واحدة منها باسم يشير إلى عظيم ما فيها، وهي كالآتي:

المجموعة الأولى: «لا تزوجوا الحسن فانه مطلاق»

1- رواية أبي طالب المكي ونصها: «وتزوج الحسن بن علي مائتين وخمسين، وقيل ثلاثمائة، وكان علي يضجر من ذلك ويكره حياءً من اهلهن اذ طلقهن، وكان يقول: إن حسنا مطلاق، فلا تنكحوه، فقال له رجل من همدان: والله يا أمير المؤمنين لننكحنه ما شاء، فمن أحب أمسك، ومن كره فارق، ف سر سَّر علي بذلك وأنشأ يقول:ُُ

ولو كنت بوابا على باب جنة

لقلت لهمدان ادخلوا بسلام

وهذا أحد ما كان الحسن يشبه فيه رسول الله (صلی الله علیه و آله) وكان يشبهه في الخلق والخلق، فقد قال رسول الله (صلی الله علیه و آله) : أشبهت خلقي وخلقي، وقال: حسن مني وحسين من علي، وكان الحسن ربما عقد له على أربعة وربما طلق أربعة» (1)

2- رواية محمد بن سعد قال: «اخبرنا محمد بن عمر، قال: حدثني حاتم بن إسماعيل، عن جعفر ابن محمد، عن أبيه، قال: قال علي: يا أهل الكوفة، لا تزوجوا الحسن بن علي فإنه رجل مطلاق فقال رجل من همدان: والله لنزوجنه، فما رضي .

ص: 159


1- حياة الامام الحسن بن علي (علیه السلام) - الشيخ باقر القرشي 2: 454 .

أمسك وما كره طلق» (1).

3- رواية ابن أبي شيبة الكوفي عن حاتم بن إسماعيل عن جعفر عن أبيه (علیه السلام). (2)

4- رواية الشيخ الكليني (قدس سره) عن حميد بن زياد، عن الحسن بن محمد بن سماعة، عن محمد بن زياد بن عيسى، عن عبد الله بن سنان، عن أبي عبد الله (علیه السلام) (3)

5- رواية الشيخ الكليني (قدس سره) عن أحمد بن محمد، عن محمد بن إسماعيل بن بزيع، عن جعفر بن بشير، عن يحيى بن أبي العلاء، عن أبي عبد الله (علیه السلام). (4)

المجموعة الثانية: (الخشية من عداوة القبائل)

رواية محمد بن سعد قال: «اخبرنا محمد بن عمر، قال: حدثني حاتم بن إسماعيل، عن جعفر ابن محمد، عن أبيه قال قال علي: ما زال الحسن يتزوج ويطلق حتى حسبت أن يكون عداوة في القبائل» (5).

4- رواية ابن أبي شيبة الكوفي عن حاتم بن إسماعيل عن جعفر عن أبيه (علیه السلام). (6)

المجموعة الثالثة: (إسراف عند الزواج والطلاق)

1- قول ابن أبي الحديد الذي نقله الشيخ المجلسي عن محمد بن حبيب: (كان الحسن (علیه السلام) إذا أراد أن يطلق امرأة جلس إليها فقال: أيسرك أن أهب لك كذا وكذا، .

ص: 160


1- ترجمة الإمام الحسن (علیه السلام) - من طبقات ابن سعد: 69 .
2- ينظر المصنف - ابن أبي شيبة الكوفي 4: 172 .
3- الكافي - الشيخ الكليني 6: 56 .
4- المصدر السابق.
5- ترجمة الإمام الحسن (علیه السلام) - من طبقات ابن سعد: 68 .
6- ينظر المصنف - ابن أبي شيبة الكوفي 4: 172 .

فتقول له: ما شئت أو نعم، فيقول: هو لك، فإذا قام أرسل إليها بالطلاق وبما سمى لها» (1).

2- رواية ابن عساكر عن الواقدي محمد بن عمر عن عبد الرحمن بن أبي الموال قال سمعت عبد الله بن حسن يقول: «كان حسن بن علي قل ما يفارقه أربع حرائر وكان صاحب ضرائر وكانت عنده ابنة منظور بن سيار الفزاري وعنده امرأة من بني أسد من آل حزيم فطلقهما، وبعث إلى كل واحدة منهما بعشرة آلاف درهم وزقاق من عسل متعة وقال لرسوله يسار بن سعيد بن يسار وهو مولاه احفظ ما يقولان لك فقالت الفزارية:

بارك الله فيه وجزاه خيرا وقالت الأسدية متاع قليل من حبيب مفارق فرجع فأخبره فراجع الأسدية وترك الفزارية» (2).

3- رواية ابن عساكر التي يتصل سندها بأبي بكر الخرائطي عن ابن الجنيد وهو إبراهيم عن القواريري عن عبد الأعلى عن هشام عن محمد بن سيرين قال: «تزوج الحسن بن علي امرأة فبعث إليها بمائة جارية مع كل جارية ألف درهم» (3)

4- رواية ابن شهرآشوب عن الحسن بن سعيد، عن أبيه، وهي مشابهه لرواية ابن عساكر عن الواقدي: «كان تحت الحسن بن علي امرأتان تميمية وجعفية فطلقهما جميعا وبعثني إليهما وقال: أخبرهما فليعتدوا واخبرني بما تقولان ومتعهما العشرة الآلاف وكل واحدة منهما بكذا وكذا من العسل والسمن فأتيت الجعفية فقلت: اعتدي، فتنفست الصعداء ثم قالت: متاع قليل من حبيب مفارق، واما التميمية فلم تدر ماق.

ص: 161


1- بحار الأنوار - العلامة المجلسي 44 : 173 .
2- تاريخ مدينة دمشق - ابن عساكر 13 : 249 .
3- المصدر السابق.

اعتدت حتى قال لها النساء فسكتت، فأخبرته بقول الجعفية فنكت في الأرض ثم قال:

لو كنت مراجعا لامرأة لراجعتها» (1).

5- رواية ابن عساكر ومن رجالها محمد بن حميد الرازي عن سلمة بن الفضل عن عمرو بن أبي قيس عن إبراهيم بن عبد الأعلى عن سويد بن غفلة قال كانت الخثعمية تحت الحسن بن علي فلما أن قتل علي وبويع الحسن بن علي دخل عليها الحسن بن علي فقالت له ليهنئك الخلافة فقال الحسن أظهرت الشماتة بقتل علي أنت طالق ثلاثا فتلفعت في ثوبها وقالت والله ما أردت هذا فمكث حتى انقضت عدتها وتحولت فبعث إليها الحسن بن علي ببقية من صداقها وبمتعة عشرين ألف درهم فلما جاءها الرسول ورأت المال قالت متاع قليل حبيب مفارق» (2).

المجموعة الرابعة: (خطبة ثلاثية واستشارة)

1- رواية ابن عساكر ويصل سندها إلى أبي الفتح إبراهيم بن علي بن إبراهيم بن

سيبخت البغدادي عن أبي بكر محمد بن يحيى بن العباس الصولي عن عون عن أبيه عن الهيثم عن ابن عياش عن أبيه قال: (خطب الحسن والحسين (علیهما السلام) وعبد الله بن جعفر (علیهما السلام) إلى المسيب بن نجبة ابنته الحسان فقال لهم إن لي فيها أميرا لن أعدو أمره فأتى علي بن أبي طالب فأخبره خبرهم واستشاره فقال له علي اما الحسن فإنه رجل مطلاق وليس تحظين عنده وأما الحسين فإنما هي حاجة الرجل إلى أهله وأما عبد الله بن جعفر فقد رضيته لك فزوجه المسيب ابنته». (3) .

ص: 162


1- مناقب آل أبي طالب - ابن شهرآشوب 3: 183 .
2- تاريخ مدينة دمشق - ابن عساكر 13 : 249
3- المصدر السابق 27 : 261 - 262 .

2- رواية أحمد بن محمد بن خالد البرقي (قدس سره) عن ابن محبوب، عن عبد الله بن سنان، عن أبي عبد الله (علیه السلام) قال: أتى رجل أمير المؤمنين علياً (علیه السلام) فقال له: جئتك مستشيرا، إن الحسن (علیه السلام) والحسين (علیه السلام) وعبد الله بن جعفر (رضی الله عنه) خطبوا إلى فقال أمير المؤمنين : (علیه السلام) المستشار مؤتمن، أما الحسن، فإنه مطلاق للنساء، ولكن زوجها الحسين فإنه خير لابنتك» (1).

المجموعة الخامسة: (سباب وزواج)

مثل رواية الطبراني قال: «حدثنا سهل بن موسى شيران الرامهرمزي حدثنا محمد بن عثمان بن أبي صفوان الثقفي ثنا قريش بن أنس ثنا بن عون عن محمد قال خطب الحسن بن علي (رضی الله عنهما) إلى منظور بن سيار بن ريان ها ابنته فقال والله إني لأنكحك وإني لأعلم أنك غلق طلق ملق غير أنك أكرم العرب بيتا وأكرمه نسبا» (2).

المجموعة السادسة: (متفرقات)

1- رواية ابن عساكر عن علي بن محمد يعني المدائني عن أبي جعدبة عن ابن أبي مليكة قال: «تزوج الحسن بن علي خولة بنت منظور فبات ليلة على سطح أجم فشدت خمارها برجله والطرف الآخر بخلخالها فقام من الليل فقال ما هذا قالت خفت أن تقوم من الليل بوسنك فتسقط فأكون أشأم سخلة على العرب وأحبها فأقام عندها سبعة أيام فقال ابن عمر لم نر أبا محمد منذ أيام فانطلقوا بنا إليه فأتوه فقالت له خولة احتبسهم حتى نهيئ لهم غداء قال ابن عمر فابتدأ الحسن حديثا ألهانا بالاستماع إعجابا به حتى جاءنا الطعام قال علي بن محمد وقال التي شدت خمارها برجله هند بنت سهيل بن .

ص: 163


1- المحاسن - احمد بن محمد البرقي 2:601 .
2- المعجم الكبير - الطبراني 3: 27 .

عمرو وكان الحسن أحصن تسعين امرأة» (1).

2- رواية ابن أبي الحديد عن المدائني، قال: «تزوج الحسن حفصة بنت عبد الرحمن بن أبي بكر، وكان المنذر بن الزبير يهواها، فأبلغ الحسن عنها شيئا فطلقها» (2). .

ص: 164


1- تاريخ مدينة دمشق - ابن عساكر 13:248 .
2- شرح نهج البلاغة - ابن أبي الحديد 16 : 13 .

محاكمة الشبهة

أولا: مناقشة الأسانيد:

كانت أسانيد روايات المجموعة الأولى كالآتي:

الرواية الأولى عن أبي طالب المكي وهو محمد بن علي بن عطية «من أهل الجبل، ونشأ بمكة، ودخل البصرة بعد وفاة أبي الحسن بن سالم، فانتمى إلى مقالته، وقدم بغداد فاجتمع الناس عليه في مجلس الوعظ، فخلط في كلامه. وحفظ عنه أنه قال: ليس على المخلوقين أضر من الخالق. فبدعه الناس وهجروه» (1).

«وقد كان أبو طالب هذا يبيح السماع، فدعا عليه عبد الصمد بن علي ودخل عليه فعاتبه على ذلك فأنشد أبو طالب:

فيا ليل كم فيك من متغب

ويا صبح ليتك لم تقرب

فخرج عبد الصمد مغضبا». (2)

ومن كان حاله، وكلامه هكذا لا يصح الاعتماد على روايته.

والرواية الثانية فيها محمد بن عمر الواقدي أستاذ محمد بن سعد صاحب الطبقات الكبرى، قال فيه النسائي «محمد بن عمر الواقدي متروك الحديث» (3)، وكان «يحيى بن .

ص: 165


1- تاريخ بغداد - الخطيب البغدادي 3:303.
2- البداية والنهاية - ابن كثير 11 : 366.
3- كتاب الضعفاء والمتروكين - النسائي: 233 .

معين يقول محمد بن عمر بن واقد ليس بشيء، وفي موضع آخر الواقدي ضعيف»، (1) قال أحمد بن حنبل «هو كذاب»(2) وقال عنه ابن حجر «متروك» (3).

أما رواية ابن أبي شيبة ففيها «حاتم بن إسماعيل المدني، الكوفي، مولى بني عبد الدار بن قصي، وقيل الحارثي بالولاء. من ضعفاء محدثي العامة، والعامة وثقوه وصدقوا حديثه» (4)

«قال علي بن المديني: حاتم بن إسماعيل روى عن جعفر بن محمد عن أبيه عن جابر أحاديث مراسيل أسندها». (5).

وفي الرواية الرابعة رواية الشيخ الكليني (قدس سره)، حميد بن زياد والحسن وهما واقفيان، وقد اختلف العلماء الشيعة في تصحيح رواياتهما بسبب مذهبهما، قال النجاشي في الحسن «الحسن بن محمد بن سماعة أبو محمد الكندي الصيرفي من شيوخ الواقفة كثير الحديث فقيه ثقة وكان يعاند في الوقف ويتعصب» (6)، وقال العلامة الحلي في إحدى الروايات التي كان في سندها الحسن «والرواية ضعيفة السند ؛ لأن في طريقها الحسن بن محمد بن سماعة وليس منا». (7)

والرواية الخامسة فيها يحيى بن أبي العلاء وهو مجهول كما أثبته السيد الخوئي (قدس سره) .

ص: 166


1- ضعفاء العقيلي - العقيلي 4: 108 .
2- المصدر السابق.
3- تقريب التهذيب - ابن حجر 2: 117 .
4- الفائق في رواة وأصحاب الإمام الصادق (علیه السلام) - عبد الحسين الشبستري 1: 325 .
5- التعديل والتجريح - سليمان بن خلف الباجي 1:527 .
6- رجال النجاشي - النجاشي: 40 - 41 .
7- تذكرة الفقهاء «ط.ج» - العلامة الحلي 12 : 258 .

حيث قال «أن يحيى بن أبي العلاء الرازي لم يرد فيه توثيق، ويحيى ابن العلاء وإن وثقه النجاشي في ترجمته وفي ترجمة ابنه جعفر، إلا أنك قد عرفت مغايرته ليحيى بن أبي العلاء، فيحيى بن أبي العلاء، مجهول». (1)

وأما روايات المجموعة الثانية ففي الأولى محمد بن عمر الواقدي وفي الثانية حاتم بن اسماعيل وقد تقدم الكلام فيهما.

وروايات المجموعة الثالثة تبدأ بقول ابن أبي الحديد وظاهره الارسال، وفي الثانية الواقدي وهو كما سبق.

أما رواية ابن عساكر ففيها أبو بكر الخرائطي، الذي لم أعثر على توثيق له، مع ان الخطيب البغدادي والسمعاني ذكرا سيرته، لكنهما لم يوثقاه صراحة، فقد قال الخطيب البغدادي: «محمد بن جعفر بن محمد بن سهل بن شاكر، أبو بكر الخرائطي: من أهل سر من رأى. سمع إبراهيم بن عبد الله بن الجنيد، وعباد بن الوليد الغبري، وحماد بن الحسن بن عنبسة، والحسن بن عرفة، وعمر بن شبة، وطاهر بن خالد بن بزار، وعباس بن عبد الله الترقفي، وكان حسن الأخبار، مليح التصانيف، سكن الشام وحدث بها، فحصل حديثه عند أهلها. ومن مصنفاته كتاب اعتلال القلوب، كان علي وعبد الملك ابني بشران يرويانه عن أبي العباس أحمد بن إبراهيم الكندي، سمعاه منه بمكة عن الخرائطي». (2)

وأما رواية ابن شهرآشوب عن الحسن بن سعيد عن أبيه، فظاهرها الإرسال مع اشتمالها على مجهول هو (أبيه) الذي يلقب بدندان، قال في المفيد من معجم رجال .

ص: 167


1- معجم رجال الحديث - السيد الخوئي 21 : 27 .
2- تاريخ بغداد - الخطيب البغدادي 2: 137 - 138 .

الحديث: «دندان: يطلق على كل من سعيد بن حماد المجهول المتقدم 5129 ، كما تقدم ذلك في ترجمة ابنه الحسن». (1)

والرواية الخامسة في هذه المجموعة فيها محمد بن حميد الرازي الذي قال فيه الألباني: «وإن وثقه ابن معين في رواية، فقد ضعفه في أخرى، وضعفه أحمد والنسائي والجوزجاني، وقال ابن حبان: يروي عن الثقات المقلوبات. وقال ابن وارة: كذاب». (2)

أما روايات المجموعة الرابعة فأولها رواية ابن عساكر وفيها ابن سبيخت الذي قال فيه الخطيب: «إبراهيم بن علي بن الحسين بن سيبخت، أبو الفتح: سكن مصر وحدث بها عن أبي القاسم البغوي، وأبي بكر بن أبي داود، ويحيى بن صاعد، ومن بعدهم، حدثنا عنه أبو الفتح عبد الملك بن عمر بن خلف الرزاز. وكان ضعيفا سيئ الحال في الرواية». (3)

وثانيها رواية البرقي (قدس سره) ورجالها من الموثقين عند علماء الشيعة، إلا إن مضمونها قابل للمناقشة، والطرح كما سيأتي.

أما رواية الطبراني في المجموعة الخامسة عن محمد بن سيرين ففيها شبهة الإرسال لان ابن سيرين (ولد قبل قتل عثمان بسنتين)(4)، وعثمان قتل في الثامن عشر من ذي الحجة «الشهر الأخير» من سنة 36 ه- (5)، أي إن عمر محمد بن سيرين عند استشهاد الإمام الحسن (علیه السلام) سنة 50 ه-، - كما هو المشهور- بحدود ست عشرة سنة. وخطبة .

ص: 168


1- المفيد من معجم رجال الحديث - محمد الجواهري: 746 - 747 .
2- إرواء الغليل - محمد ناصر الألباني 5: 242 .
3- تاريخ بغداد - الخطيب البغدادي 6: 131 .
4- التمهيد - ابن عبد البر 1:341 .
5- ينظر الطبقات الكبرى - محمد بن سعد 3: 77 .

الإمام الحسن (علیه السلام) للسيدة خولة والدة ابنه الحسن المثنى قبل ذلك التأريخ بأعوام كثيرة، في الوقت الذي كان فيه ابن سيرين في عهد الطفولة.

ومع وجود الصمم في إذنه (1)، فكيف حضر هذا الصغير، أو انفرد ذلك الأصم بسماع الكلام الذي قاله منظور بن سيار ؟!

وأخيراً روايات المجموعة السادسة التي اشتملت على المدائني في الأولى والثانية.

ثانيا: مناقشة الألفاظ

يلاحظ على المجموعة الأولى إصرار الناس على تزويج الإمام الحسن (علیه السلام) مع وجود تحذير مزعوم على لسان الإمام علي (علیه السلام)، وهذا الاصرار من الرجل الهمداني - وكأنه المعني الوحيد بهذا الأمر - مؤكد بالقسم العظيم «والله لنزوجنه»، وفي هذا مخالفة لأوامر أمير المؤمنين (علیه السلام) كما في الرواية الأولى والثانية من هذه المجموعة، على أن الأولى تفردت بنقل سرور الإمام علي (علیه السلام) لقول الهمداني الذي أبى الانصياع للتحذير المزعوم، وفازت عشيرته بسبب كلامه كما يتضح من البيت الشعري.

وهذا البيت في حد نفسه ينطوي على مخالفة صريحة لقول رسول الله (صلی الله علیه و آله) «علي

قسيم الجنة والنار»(2) حيث إن الإمام - حسب المدعى - قد تنزل من مرتبة القسيم إلى مرتبة بواب جنة، ويا ليت هذه الأخرى ثابتة بقول الشاعر بل إنها ممتنعة لوجود حرف الامتناع «لو !!»ة.

ص: 169


1- ينظر وفيات الاعيان وانباء ابناء الزمان - ابن خلكان 4: 182 .
2- ينابيع المودة لذوي القربى - القندوزي 1: 173 ، وينظر المناقب - الموفق الخوارزمي: 41 ، وشرح نهج البلاغة - ابن أبي الحديد 2:360 ، وتاريخ مدينة دمشق - ابن عساكر 42 : 298 - 301 ، بالإضافة إلى المصادر الشيعية الكثيرة.

ولن نقف عند ألفاظ المجموعة الثانية.

ولكن لنا مع ألفاظ المجموعة الثالثة عدة وقفات أهمها أنها اشتملت على أسباب تافهة لتبرير الطلاق عند الإمام الحسن (علیه السلام) لا تليق بإنسان عادي فضلاً عمن هو سيد شباب أهل الجنة مع أخيه الإمام الحسين(علیه السلام).

ومن هذه الأسباب التي تفضح كذب روايات الطلاق وتجعل علامات الاستفهام تقفز بدون شعور في ذهن السامع والقارئ مخادعته للزوجة - كما في الرواية الاولى من هذه المجموعة - بقوله «أيسرك أن أهب لك كذا وكذا، فتقول له: ما شئت أو نعم، فيقول: هولك» ثم ينقلب سرور الزوجة المخدوعة سريعاً وتنقلب فرحتها بالعطية إلى إيقاع الطلاق «فإذا قام أرسل إليها بالطلاق وبما سمى لها».

أو يجعل من زوجاته حقل تجارب لينظر ماذا تفعل كل واحدة منهن بعد تطليقها، ولإتمام التسلية يرسل مولاه للتجسس «احفظ ما يقولان لك» كما في الرواية الثانية.

أو يعمل بالظن السيئ المحرم شرعاً وهو الذي دعاه الله (عزوجل) لمشاركة رسوله الأمين (صلی الله علیه و آله) في مباهلة أعداءه دون غيره وأباه وأمه وأخاه، كما في الرواية الخامسة ولم ينفع قسم الزوجة «وقالت: والله ما أردت» في رد التهمة عنها. وقد احتوت هذه الرواية أيضا على الطلاق الذي أمضاه عمر بن الخطاب «أنت طالق ثلاثا» خلافا لسنة رسول الله (صلی الله علیه و آله). (1)

والوقفة الأخرى مع ألفاظ هذه المجموعة هي المغالاة في المهر كما في الرواية الثالثة «تزوج الحسن بن علي امرأة فبعث إليها بمائة جارية مع كل جارية ألف درهم»، خلافا لسنة رسول الله (صلی الله علیه و آله) وأهل بيته (علیهم السلام) الذين يقتدي بهم المسلمون في تقليل المهور، .

ص: 170


1- ينظر مثلا صحيح مسلم - مسلم النيسابوري 4: 184 ، وسنن أبي داود - ابن الاشعث السجستاني 1:490 .

والاكتفاء بمهر السنة الذي تزوج به النور من النور أمير المؤمنين (علیه السلام) من سيدة نساء العالمين (علیها السلام).

وهذه المغالاة والإسراف امتدت أيضا إلى منحة الطلاق التي وصلت إلى عشرة آلاف درهم في الرواية الثانية، وعشرين ألف درهم للشامتة - بحسب ظن الراوي - بمقتل أمير المؤمنين (علیه السلام) أو المبلغ غير المحدد في الرواية الأولى «أيسرك أن أهب لك....».

ويبرز في روايات المجموعة الرابعة التنافس الثلاثي المدعى لسيدي شباب أهل الجنة (علیه السلام) وابن عمهم وزوج أختهم العقيلة، عبد الله بن جعفر (رضی الله عنه) في خطبة النساء، وكانت كفة عبد الله هي الراجحة في الرواية الأولى، ونال الإمام الحسين (علیه السلام) قصب السبق في الرواية الثانية.

ومما يصرخ بكذب واقعة الرواية الأولى، تفضيل الإمام علي (علیه السلام) لابن أخيه على ابني رسول الله (صلی الله علیه و آله) الذين شاركوه في آية التطهير والمباهلة وسورة هل أتى، وغير ذلك من الكرامات الإلهية الثابتة لهم.

وحتى لا يفتضح أمر التفضيل السابق، ومن أجل تسوية الموقف وردت رواية أخرى غير اللتين ذكرناهما في هذه المجموعة، تتحدث عن خطبة أخرى كان الفائز فيها هو الإمام الحسن (علیه السلام). (1)

ويبقى في الذهن سؤال، حول الرواية الثانية من هذه المجموعة، وهي رواية».

ص: 171


1- والقصة كما نقلها العلامة المجلسي في البحار 44:171 - 172 «ورأى يزيد امرأة عبد الله بن عامر أم خالد بنت أبي جندل فهام بها وشكا ذلك إلى أبيه، فلما حضر عبد الله عند معاوية قال له: لقد عقدت لك علي ولاية البصرة، ولولا أن لك زوجة لزوجتك رملة، فمضى عبد الله وطلق زوجته طمعا في رملة، فأرسل معاوية أبا هريرة ليخطب أم خالد ليزيد ابنه، وبذل لها ما أرادت من الصداق، فاطلع عليها الحسن والحسين وعبد الله بن جعفر (علیهم السلام) فاختارت الحسن فتزوجها».

البرقي (قدس سره) يتعلق بشخصية الرجل المجهول الذي يرغب بخطبة ابنته، ثلاثة من أعاظم العرب والمسلمين، والمعبر عنه في الرواية «رجل»، ولا أدري من أين جاءت الجهالة في تحديد هويته، أجاءت من الإمام المعصوم الذي يروى عنه، وهذا باطل قطعا، أم من أحد رجال السند الموثقين؟!

واحتوت رواية المجموعة الخامسة على سباب لا يليق بكرامة الإمام ابن رسول الله (صلی الله علیه و آله) المتقدم لخطبة امرأة ثيب، وهذا السباب جاء على شكل صفات يستحيل وجودها فيه «غلق طلق ملق»، فمعنى «رجل غلق: سيء الخلق»(1)، «ورجل ملق: يعطى بلسانه ما ليس في قلبه»(2). ومن العجيب أن ابن أبي الحديد شارح النهج نفى إحدى هذه الصفات وأثبت الثانية، و الثالثة دون دليل ولو مكذوب، غير ملتفت الى ان كثرة

الطلاق المدعى ثبوته هو نوع من انواع الضجر الذي نفاه، فقال: «أما قوله ملق طلق،فقد صدق، وأما قوله غلق فلا، فإن الغلق الكثير الضجر، وكان الحسن (علیه السلام) أوسع الناس صدرا وأسجحهم خلقا» (3) والخاتمة مع ألفاظ الرواية الأولى من المجموعة السادسة التي اشتملت بالإضافة إلى تفاصيل حياتية تعد من أسرار الحياة الزوجية،على قول يفتقر إلى الإثباتات التأريخية وهو «كان الحسن أحصن تسعين امرأة»، والمشكلة في هذا القول وأشباهه من المزاعم التي أوصلت الرقم إلى مائتين وخمسين أو ثلاثمائة، بالإضافة إلى خلوها من أي دليل، خلوها من أي آحاد وهذه صدفة عجيبة، بمعنى أن الرقم لم يكن واحد وتسعين أو مائتين واثنين وخمسون أو ثلاثمائة وأربعة ونحو ذلك! كما إن التفاوت الكبير بين تلك .

ص: 172


1- لسان العرب - ابن منظور 10 : 292 .
2- الصحاح - الجوهري 4: 1556 .
3- شرح نهج البلاغة - ابن أبي الحديد 16 : 21 .

الأرقام يعطي المجال الأوسع للشك في صحة تلك الأعداد.

ثالثا: مناقشة المضمون

هناك أربعة مضامين رئيسة جاءت بها متون الروايات التي استعرضناها، سنحاول بعد تعدادها محاكمة كل واحد منها بشكل مستقل:

المضمون الأول: وصف الإمام علي (علیه السلام) للإمام الحسن (علیه السلام) بأنه كثير الزواج والطلاق، وهذا ما أفصحت عنه روايات المجاميع الأولى والثانية والرابعة، وهو أقسى المضامين في حق الإمامين الطاهرين (علیهما السلام)، وردنا عليه سيكون ببيان تأريخ الطلاق الذي ذكر في الكتب التي أوردت ذلك، وسوف نعرض صفحا عن صحة أو عدم صحة الروايات، ونشملها جميعا في المحاكمة.

المضمون الثاني: وصف بعض الناس للإمام المجتبى (علیه السلام) بأنه مطلاق أو طلق

المضمون الثالث: أسباب طلاق النساء

المضمون الرابع: وجود الإسراف في مهر الزوجة، وفي متعة المطلقة بعد تسريحها.

محاكمة المضمون الأول:

هناك دلائل عديدة على نفي هذا المضمون عن الإمامين العظيمين (علیهما السلام) من أئمة أهل البيت (علیهم السلام) أهمها:

أولا: النساء اللواتي أُدِّعِيَ طلاقهن من قبل الإمام الحسن (علیه السلام) هن:

1- أم كلثوم بنت الفضل بن العباس، والظاهر أنها أولى زوجات الإمام الحسن ، (علیه السلام)

2- المرأة الشامتة بمقتل أمير المؤمنين (علیه السلام) وعبر عنها بالخثعمية في بعض النصوص وواضح أن وقت طلاقها بعد الزمان المفترض لكلام أمير المؤمنين(علیه السلام).

ص: 173

3- امرأة عبد الله بن عامر بن كريز وهي إما هند بنت سهيل بن عمرو في بعض الروايات أو أم خالد بنت أبي جندل: لان زواجها من الإمام (علیه السلام) كان بعد طلاقها من زوجها عبد الله، في أوان توليه إمارة البصرة لصالح معاوية(1).

4- امرأة من بني شيبان من آل همام بن مرة والتي قيل له إنها ترى رأي الخوارج فطلقها، وقال: إني أكره أن أضم إلى نحري جمرة من جمر جهنم.

5- حفصة بنت عبد الرحمن بن أبي بكر وغير معلوم زمان طلاقها.

6- خولة بنت منظور الفزاري، التي تزوجها الإمام (علیه السلام) بعد مقتل زوجها السابق محمد بن طلحة في معركة الجمل.

7- امرأة من بني أسد من آل حزيم: وهذه تابعة لوقت طلاق خولة بنت منظور الفزارية لأنهما طلقتا معا حسبما جاءت به الرواية الثانية من المجموعة الثالثة.

8- التميمية والجعفية في رواية الحسن بن سعيد عن أبيه في المجموعة الثالثة بدليل مشابهة القصة مع قصة رواية الواقدي في المجموعة الثالثة وتطابق قول الجعفية مع قول الأسدية «متاع قليل من حبيب مفارق».

9- أم بشير بنت أبي مسعود الأنصاري والدة ابنه زيد بن الحسن، ولم يثبت طلاقها، بل لعل زواجها اللاحق من عبد الرحمن بن عبد الله بن أبي ربيعة كان بعد وفاة الإمام الحسن (علیه السلام) بكثير حيث نقلت بعض المصادر وجودها في معركة الطف سنة 61 ه- (2) مع عدم حضور ابنها (3). .

ص: 174


1- ينظر مناقب آل أبي طالب - ابن شهراشوب 3:199 .
2- ينظر وفيات الأئمة - من علماء البحرين والقطيف: 160 .
3- ينظر سر السلسلة العلوية - ابو نصر البخاري: 20 .

من هذا التعداد يتبين إن المطلقات قبل استشهاد أمير المؤمنين (علیه السلام)، هن ام كلثوم بنت الفضل بن العباس، وشك في الخارجية لان بداية أمرهم كان عقب التحكيم في معركة صفين آواخر حكم الإمام علي (علیه السلام)، بالإضافة إلى أن السبب - إن صح - معقول.

وتبقى قضية طلاق خولة الفزارية، وأم بشير بنت أبي مسعود الأنصاري غير مقطوع بهما، لأن بعض المصادر تنص على وجود خولة أم الحسن المثنى في حياة الإمام السبط إلى حين وفاته بالسم على يد زوجته جعدة بنت الأشعث، كما نصت على وجود أم بشير - مع ابنتيها من الامام الحسن (علیه السلام) أم الحسن وأم الحسين - في واقعة الطف مع نساء أهل البيت (علیهم السلام).

ولو سلمنا بوقوع طلاق السيدة خولة فإن زمان ذلك يكون بعد استشهاد الإمام علي (علیه السلام)، فإن ذلك يكون بعد استشهاد أمير المؤمنين (علیه السلام) ويعرف هذا من تحديد زمان ولادة ابنها الحسن بن الحسن (رضی الله عنه) والملقب بالحسن المثنى، بمعرفة تأريخ وفاته وعمره.

وفي وفاته قولان: اولهما قول الشيخ المفيد (قدس سره) في الارشاد(1)، ووافقه في ذلك ابن عنبة في عمدة الطالب (2)، حيث قالا ان عمرالحسن المثنى 35 عاما.

ولو ربطنا بين تأريخ ولادة الحسن المثلث بن الحسن المثنى الذي ولد سنة 77 ه- كما يظهر من مقارنة وفاته سنة 145 ه- ومدة عمره 68 سنة(3)، وافترضنا وفاة الحسن المثنى عندما كان ابنه الحسن المثلث جنينا مثلا سنة 76 ه-، ينتج أن عمر الحسن المثنى على الاقل تسع سنين حينما توفي الامام الحسن السبط (علیه السلام) في سنة 50 ه- - لان عمره كماة)

ص: 175


1- ينظر الارشاد - الشيخ المفيد 2: 25 .
2- ينظر عمدة الطالب - ابن عنبة: 101 .
3- ينظر معجم رجال الحديث - السيد الخوئي 5: 288 ترجمة الحسن بن الحسن بن الحسن وفيه (مات سنة 145 ، بالهاشمية وهو ابن ثمان وستين سنة)

يقول اصحاب الرأي الاول 35 سنة -، أي ان ولادة الحسن المثنى عام 41 ه-، وبذلك يكون الزواج بين الامام الحسن (علیه السلام) والسيدة خولة قائما بعد استشهاد امير المؤمنين(علیه السلام).

أما القول الثاني(1) الذي يعارض كون عمر الحسن المثنى 35 عاماً، ويؤرخ وفاته عام 97 ه- في زمان سليمان بن عبد الملك، يذهب إلى أن في مدة عمر الحسن المثنى المذكورة».

ص: 176


1- جاء في تهذيب المقال في تنقيح كتاب رجال النجاشي - السيد محمد على الأبطحي 2:308 - 310 (قال المفيد في الإرشاد: وقبض الحسن بن الحسن (علیه السلام) وله خمس وثلاثون سنة رحمه الله وأخوه زيد بن الحسن حي، ووصى إلى أخيه من أمه إبراهيم بن محمد بن طلحة. وروى ابن عساكر في تاريخ دمشق ج 11 / 110 بإسناده عن مصعب قال: وتوفى الحسن بن الحسن فأوصى إلى إبراهيم بن محمد بن طلحة وهو أخوه لامه. وقال في عمدة الطالب (100): دس إليه الوليد بن عبد الملك من سقاه سما، فمات وعمره إذ ذاك خمس وثلاثون سنة، وكان يشبه برسول الله (صلی الله علیه و آله). قلت: تقدم انه (رضی الله عنه) أدرك أباه (علیه السلام) وروى عنه ولا تصح روايته عنه الا إذا كان له من العمر ما يصح في مثله الرواية، وقد مضى أبوه الإمام السبط أبو محمد الحسن (علیه السلام) شهيدا في صفر سنة خمسين كما صرح بذلك المفيد في الارشاد وابن عنبة في عمدة الطالب، وفيه أقوال أخر: سنة 44 أو 49 أو 51 أو 56 أو 58 أو 59 . وقد حضر مع عمه كربلا سنة 61 وعانده الحجاج أيام امارته على الحجاز سنة 73 أو بعدها في توليه الصدقات، وفي تشييع جنازة جابر الأنصاري الصحابي ودخوله قبره سنة 78 قبل دخول عبد الملك المدينة وعزله الحجاج عن الحجاز. وروى عن الحسن المثنى الحسن المثلث ابنه المولود سنة 77 على ما يأتي ولا تصح روايته الا بعد سنين من ولادته. وفي سنة 85 أو ما يقاربها أقيم بأمر هشام بن إسماعيل وإلى المدينة إلى جانب منبر مسجد النبي (صلی الله علیه و آله) وأمره بسبب آل الزبير فامتنع فضرب بسوط حتى سال الدم تحت قدمه في المرمر كما تقدم، ولعل ذلك كان حين ما أمر عبد الملك واليه بأخذ البيعة من الناس عند عقده العهد من بعده لولده وعند ذلك ضرب سعيد بن المسيب ستين سوطا وصمم. ذكره اليافعي في وقايع سنة 85 ، وبويع لوليد بن عبد الملك سنة 86 وكتب إلى عثمان بن حيان عامله بالمدينة ان أجلد الحسن بن الحسن (علیه السلام) مائة ضربة وقفه للناس يوما ولا أراني الا قاتله الحديث كما تقدم ولعله لذلك ذكر في العمدة كما تقدم: ان الوليد دس من سقاه سما. وقال في تهذيب التهذيب ج 3 / 263 في ترجمته: قرأت بخط الذهبي مات سنة 97 . قلت: فان صح ذلك فهذا في أيام سليمان بن عبد الملك فقد مات الوليد سنة 96 . وقد ظهر من ذلك كله أن ما في الإرشاد وعمدة الطالب في مدة عمر الحسن بن الحسن (علیه السلام) غير مستقيم ولعله كان فيهما تصحيفا من النساخ فلاحظ».

في القول الأول، تصحيفا، ويصحح ذلك إلى 53 عاما (1)، فتكون ولادة الحسن المثنى بما يقارب سنة 44 ه-.

وعلى كلا القولين يكون الطلاق المشكوك للسيدة خولة بعد استشهاد الإمام علي (علیه السلام) الذي ينسب له ذلك الكلام في حق السبط المجتبى(علیه السلام).

وعلى من يدعي كثرة المطلقات في حياة أمير المؤمنين إلى الحد الذي أزعجه، وقال ما نسب إليه أن يأتي بأسماء النساء المطلقات، وبعدها تتم المناقشة.

ثانيا: إن هذه الروايات الناقلة لكلام أمير المؤمنين قد نقلت بأسانيد ينقطع أغلبها ولا يتصل، وإن تم الاتصال فإن الراوي هو من الشخصيات المغمورة، مع أن طلاب الإمام علي (علیه السلام) وشيعته ومريديه، بل وحتى أعدائه كانوا يلتقطون كل حرف ينطق به مولى المتقين (علیه السلام). ولا ينقض كلامنا بما أسند إلى الإمام الصادق (علیه السلام) أو الإمام الباقر (علیه السلام) لأنه سند منقطع عند أهل السنة، بخلاف اتباع أهل البيت (علیهم السلام)

ثالثا: ومما يؤيد افتعال تلك الروايات بعد وفاة الإمام الحسن (علیه السلام)، عدم نقلها عن المشهورين من شيعة أمير المؤمنين (علیه السلام)، بل إنها لم ترد على لسان معاوية بن أبي سفيان أو أحد ملاصقيه، وأركان حكمه مع طلبهم الحثيث لأي زلة - ولو كانت مفترضة».

ص: 177


1- قال المحقق محمد حسن الطالقاني في هامش عمدة الطالب - ابن عنبة: هامش 100 تعقيبا على ان الحسن المثنى توفي في زمن الوليد: «الصحيح: سليمان بن عبد الملك. لان الحسن هذا قد دس إليه السم سنة سبع وتسعين والوليد مات سنة ست وتسعين وبويع بعده أخوه سليمان، فالذي دس إليه السم هو سليمان دون الوليد، ثم إن ما ذكره من أنه كان عمر الحسن عند موته خمسا وثلاثين سنة لا يصح لأنه مات بعد والده بثمان وأربعين سنة فكيف يكون عند موته ابن خمس وثلاثين؟ فالذي يغلب على الظن أن في العبارة تقديما وتأخيرا وأن الصحيح أن عمره كان عند موته ثلاثا وخمسين سنة لا خمسا وثلاثين».

- ليدفعوا بها منقصتهم تجاه الإمام الحسن (علیه السلام) في المناظرات والمحاورات الكثيرة التي حفلت بها مرحلة ما بعد الصلح بين ابن الرسول الأعظم (صلی الله علیه و آله) وابن هند آكلة الأكباد.

وأي منقصة بحق الإمام (علیه السلام) أقوى من كلام أمير المؤمنين (علیه السلام) فيه وعلى مرأى ومسمع من جمهور المسلمين.

رابعا: لم يرد ما يشير إلى وجود عداوة بين القبائل وبين الإمام الحسن (علیه السلام) بسبب طلاق النساء، بل كان أعداء الإمام المجتبى (علیه السلام) على نفس شاكلة أعداء أبيه (علیه السلام) کالخوارج واتباع معاوية، وبذلك لم تصدق المخاوف المدعاة على لسان أمير المؤمنين (علیه السلام) في روايات المجموعة الثانية: «ما زال الحسن يتزوج ويطلق حتى حسبت أن يكون عداوة في القبائل».

ولعل في هذا السبب المخترع تبرير لعدم طاعة بعض الناس للإمام المفترض، وتفضيلهم جانب الطلقاء وأبناء الطلقاء.

محاكمة المضمون الثاني:

وبعد بطلان كثرة الطلاقات في حياة أمير المؤمنين (علیه السلام) ننتقل إلى الفترة التي تليها من سنة 40 ه- ولغاية استشهاد الإمام الحسن (علیه السلام) في سنة 50 ه- ونقول:

هناك عدد من النسوة ثبت بقاؤهن في عصمة ا لإمام المجتبى (علیه السلام) لحين وفاته كجعدة بنت الأشعث (1)،».

ص: 178


1- جاء في تاريخ مدينة دمشق - ابن عساكر 9: 138 - 139 قصة زواج الإمام الحسن (علیه السلام) بجعدة كما يلي: «خطب أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (علیه السلام) على الحسن ابنه أم عمران بنت سعيد بن قيس الهمداني فقال فوقي أمير أوامره يعني أمها فقال قم فوامرها فخرج من عنده فلقيه الأشعث بن قيس بالباب فأخبره فقال: ما تريد إلى الحسن يفخر عليها ولا ينصفها، ويسئ إليها فيقول ابن رسول الله (صلی الله علیه و آله) وابن أمير المؤمنين ولكن هل لك في ابن عمها فهي له وهو لها قال: ومن ذاك قال محمد بن الأشعث قال: قد زوجته ودخل الأشعث على أمير المؤمنين علي (علیه السلام) فقال يا أمير المؤمنين خطب الحسن ابنة سعيد قال نعم قال فهل لك في أشرف منها بيتا وأكرم منها حسبا وأتم جمالا وأكثر مالا قال: ومن هي، قال: جعدة بنت الأشعث بن قيس، قال: قد قاولنا رجلا ليس إلى ذلك الذي قاولته سبيل قال إنه فارقه ليؤامر أمها قال فزوجها من محمد بن الأشعث قال متى قال الساعة بالباب قال فزوج الحسن جعدة، فلما لقي سعيد الأشعث قال: يا أعور خدعتني، قال: أنت أعور حيث تستشيرني في ابن رسول الله (صلی الله علیه و آله) ألست أحمق، ثم جاء الأشعث إلى الحسن فقال: يا أبا محمد ألا تزور أهلك فلما أراد ذلك، قال: لا تمشي والله إلى على أردية قومي فقامت له كندة سماطين وجعلت له أرديتها بسطا من بابه إلى باب الأشعث».

وأم إسحاق بنت طلحة (1)، وامرأتان مشكوك طلاقهما هما أم بشير بنت أبي مسعود الأنصاري، وخولة الفزارية(2)، ولو افترضنا طلاق كل منهما بعد فترة من زواجهما، وتكملة الأخرى لفترتها، يبقى مكان لامرأة واحدة، حتى يكتمل نصاب الحرائر الأربعة اللواتي حددهن الشرع المقدس كحد أعلى للزوجات، وافترضنا أن الإمام الحسن (علیه السلام) من خلال هذا المقعد الشاغر - وعذرا على التعبير - يستطيع أن يتزوج ويطلق واحدة بعد أخرى، لم يصل عدد المطلقات إلى الكثرة المزعومة، لان الوقت الذي يتطلبه التحضير للزواج بالمرأة، وبقائها في عصمة الرجل، ثم الإقدام على تطليقها، والانتظار حتى تكتمل عدتها، وقتا ليس بالقليل ولا يسمح بالوصول إلى مثل تلك الأرقام المدعاة،بر

ص: 179


1- جاء في تاريخ مدينة دمشق - ابن عساكر 70 : 16 - 17: «أم إسحاق بنت طلحة بن عبيد الله التيمي وكانت قبله عند الحسن بن علي فولدت له طلحة لا عقب له فلما حضرت حسنا الوفاة قال لأخيه حسين يا أخي لا تخرجن أم إسحاق من دوركم فخلف على أم إسحاق الحسين بن علي بن أبي طالب».
2- وقد نقل الشيخ العلامة باقر القرشي في حياة الإمام الحسن 2: 456 ، عن أمالي الزجاج: 7 أن خولة الفزارية بقيت عند الإمام الحسن (علیه السلام)، إلى أن توفي (علیه السلام) فجزعت عليه جزعا شديدا فقال لها أبوها مسليا: نبئت خولة امس قد جزعت من ان تنوب نوائب الدهر لا تجزعي يا خول واصطبري ان الكرام بنوا على الصبر

في الفترة من استشهاد الإمام علي (علیه السلام) لحين استشهاد الإمام المجتبى (علیه السلام)، على أن المقعد الرابع بقي شاغرا لفترات، كما تشهد بذلك رواية خطبة امرأة عبد الله بن عامر.

ويضاف إلى ذلك انشغال الإمام المجتبى (علیه السلام) إلى الله تعالى،وكثرة أعماله العبادية، ومنها كثرة المشي حاجا إلى بيت الله، وعمله الحثيث في رعاية المسلمين وقضاء حوائجهم، ورفع معالم الرسالة المحمدية.

محاكمة المضمون الثالث:

ومن خلال الأسباب التي ذكرتها تلك الروايات، يتضح بطلان الإدعاء بكونه (علیه السلام) كان مطلاقا، وقد ذكرنا ذلك خلال مناقشة الألفاظ.

والتصديق بتلك الأسباب المزعومة، يؤدي إلى إنزال الإمام المجتبى (علیه السلام) منزلة لا تليق به وهو الممدوح في القرآن الكريم بآيات عظام، لم يحظ بها إلا أهل البيت المطهرين بإرادة الله (تبارك وتعالى) لأن الطلاق الكيفي من ابغض الأشياء عند الباري (عزوجل)، وقد ورد عن رسول الله (صلی الله علیه و آله) : «إن الله عز وجل يبغض أو يلعن كل ذواق من الرجال وكل ذواقة من النساء»(1)، واللعن أو البغض لا يقول به أحد من المؤمنين بالشريعة المحمدية في حق سيد شباب أهل الجنة، وأحد أهل القربى الذين جعلت مودتهم أجر النبي (صلی الله علیه و آله) على تبليغ الرسالة.

ولا تجتمع كثرة الطلاق مع المأثور من الأخلاق الفاضلة التي يتمتع بها الإمام الحسن (علیه السلام) ومنها الحلم الذي شهد له بها ألد أعدائه فضلاً عن أحبائه، فكيف يكون الإنسان حليما مع من يرتكب في حقه خطأً، ثم يقدم على جرح قلب المرأة التي شاركته مصاعب الحياة، هكذا وبدون سبب مقنع، ولو كانت هذه نفسية الإمام وتصرفاته، كما .

ص: 180


1- الكافي - الشيخ الكليني 6: 54 .

تدعي تلك المرويات لما احتفظ في عصمته بجعدة بنت الاشعث، ابنة عدوه وعدو أميرالمؤمنين (علیه السلام) (1)، ومن سقته السم بيدها في خاتمة المطاف لمدة تزيد على ثلاثة عشر عاما(2).

محاكمة المضمون الرابع:

ويشهد أيضا ببطلان هذه الشبهة، وتوضيح عمق الهجمة الشرسة، بعض الروايات التي تدعي إسراف الإمام الحسن (علیه السلام) في مهور النساء، مع أن ذلك منهي عنه في السنة المحمدية المطهرة، وقد تزوج (صلی الله علیه و آله) نساءه بمهر السنة، وكذلك كان زواج أمير المؤمنين (علیه السلام) من سيدة النساء (علیها السلام) على المهر ذاته، فكيف يظن أحد أن سبط رسول الله يجافي ويخالف سنة جده (صلی الله علیه و آله)، مع أن الجميع مأمورون بإتباع سنة النبي (صلی الله علیه و آله) : «لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا»(3).

أما ما ذكر من مبالغ العطايا بعد الطلاق فهي مما يثبت عكس ما يدعى من كونه (علیه السلام) مطلاقا، لان طلاق سبعين أو تسعين أو مائتين وخمسين أو ثلاثمائة امرأة، بحسب ما يدعي المدعون، ويضاف لها مهور النساء بعددهن أو أكثر قليلا، يحتاج إلى ميزانية ضخمة، لا تتفق إلا مع مداخيل السلاطين السارقين لأموال المسلمين، وليس الإمام .

ص: 181


1- «وروي عن الحسن بن علي (علیه السلام) في خبر أن الأشعث بن قيس الكندي بنى في داره مئذنة فكان يرقى إليها إذا سمع الاذان في أوقات الصلوات في مسجد جامع الكوفة فيصيح من على مئذنته: يا رجل انك لكاذب ساحر، وكان أبي يسميه عنق النار. وفي رواية عرف النار فيسأل عن ذلك فقال: ان الأشعث إذا حضرته الوفاة دخل عليه عنق من النار ممدودة من السماء فتحرقه فلا يدفن إلا وهو فحمة سوداء فلما توفي نظر ساير من حضر إلى النار وقد دخلت عليه كالعنق الممدود حتى أحرقته وهو يصيح ويدعو بالويل والثبور» (مناقب آل أبي طالب - ابن شهر آشوب 2: 99).
2- كانت حرب صفين في سنة 37 ه-، وزواج الامام الحسن (علیه السلام) بجعدة بنت الاشعب قبل أن يظهر انحراف ابيها عن أمير المؤمنين(علیه السلام).
3- سورة الأحزاب: 21 .

الحسن (علیه السلام) منهم.

على أن تلك العطايا وإن كثرت، لا تشفع في تخفيف أثر الطلاق عند أولئك النسوة.

ص: 182

الشبهة السادسة: لم يوصَ إليه

وقد زعم بعض المنتسبين إلى المذاهب الإسلامية الأخرى، أن الإمام علي (علیه السلام) لم يعهد بالأمر إلى ولده المجتبى (علیه السلام)، ولم يوص إليه مما يبطل - بزعمهم - شرعية خلافته، ويشترك الإمام الحسن (علیه السلام) مع بقية الأئمة الطاهرين (علیهم السلام) في تلقي هذه التهمة، وواضح جدا لكل منصف أن السلطات الحاكمة المعاصرة للأئمة الطاهرين لا مناص لها من تبني هذه الأكاذيب لتصحيح جرف بنيانهم الهار والعاقبة للمتقين.

مستند الشبهة

ودليل هؤلاء الزاعمين بالإضافة إلى القول الفارغ من أي مستند، بعض النصوص المكذوبة الآتية، وأشهرها عن عبيد الله بن سبيع أو عبد الله بن سبع، على اختلاف تسمياته، واليك تفصيل ذلك:

1- عن عبيد الله بن سبيع (1)، قال: سمعت عليا يقول: لتخضبن هذه من هذا - فما ينتظر بالأشقى، قالوا: فأخبرنا به نبير عترته، قال: إذا تالله تقتلون غير قاتلي، قالوا: أفلا تستخلف، قال: لا، ولكني أترككم إلى ما ترككم إليه رسول الله (صلی الله علیه و آله)، قالوا: فما تقولع.

ص: 183


1- وفي بعض الكتب عبد الله بن سبع كمسند أحمد، وفي مصادر أخرى كالبداية والنهاية عبدالله بن سبيع.

لربك إذا لقيته؟ قال: أقول: اللهم تركتني فيهم ثم قبضتني إليك وأنت فيهم، فإن شئت أصلحتهم، وإن شئت أفسدتهم(1)(2).

2- عن موسى بن مطير عن صعصعة بن صوحان قال: خطبنا علي (رضی الله عنه) حين ضربه ابن ملجم، فقلنا: يا أمير المؤمنين استخلف علينا، فقال: أترككم كما تركنا رسول الله (صلی الله علیه و آله)، قلنا: يا رسول الله استخلف علينا. فقال: إن يعلم الله فيكم خيرا يول عليكم خياركم. قال علي: فعلم الله فينا خيرا فولى علينا أبا بكر(3).

3- عن شعيب بن ميمون بسند أوصله إلى شقيق بن سلمة (المكنى بأبي وائل) قال:

«قيل لعلي (رضی الله عنه) استخلف علينا فقال: ما استخلف رسول الله فاستخلف ولكن إن يرد الله بالناس خيرا جمعهم على خيرهم كما جمعهم بعد نبيهم (صلی الله علیه و آله) على خيرهم» (4).

4- الحسن بن عمارة عن الحكم عن أبي وائل قال: «قيل لعلي: ألا توصي قال:

ما أوصى رسول الله (صلی الله علیه و آله) فأوصي، ولكن إن يرد الله بالناس خيرا سيجمعهم على .

ص: 184


1- المصنف - ابن أبي شيبة الكوفي 8: 587 و 641 ، وأورد مثلها أحمد بن حنبل في مسنده 1:130 وابن سعد في الطبقات الكبرى 3: 34 ، و ابن عساكر في تأريخه 42:540 ، وعمرو بن أبي عاصم في كتاب السنة: 538 ، وأبو يعلى الموصلي في مسنده 1:284 ، والهيثمي في مجمع الزوائد 5: 197 ، والذهبي في تاريخ الإسلام 3:647 ، وابن كثير في البداية والنهاية 7:359 .
2- وقد وردت أيضا عن عبد الله بن سبع بلفظ «أترككم كما ترككم اليه» في تاريخ ابن عساكر 42 : 542 ، وأوردها ابن كثير في البداية والنهاية عن عبد الله بن سبيع 6: 244 ، كما وردت بلفظ «أكلكم إلى ما وكلكم رسول الله» في بعض المصادر ككنز العمال للمتقي الهندي 13 : 188 عن عبد الله بن سبع.
3- المستدرك على الصحيحين - الحاكم النيسابوري 3: 145 ، ومثله في تأريخ الإسلام للذهبي 3: 646 .
4- السنن الكبرى - البيهقي 8: 149 .

خيرهم» (1).

5- عن محمد بن يونس بن موسى عن نائل بن نجيح عن فطر بن خليفة عن حبيب بن أبي ثابت قال: دخل صعصعة بن صوحان على علي فقال: يا أمير المؤمنين من تستخلف علينا؟ قال: إن علم الله في قلوبكم خيرا يستخلف عليكم خيركم، قال صعصعة: فعلم الله في قلوبنا شرا فاستخلف علينا(2).

6- قال جندب بن عبد الله: يا أمير المؤمنين نفديك ولا نفقدك أنبايع الحسن قال:

إن شئتم فدعوه، وفي رواية ما آمركم ولا أنهاكم أنتم أبصر(3). .

ص: 185


1- تأريخ الإسلام - الذهبي 3: 646 .
2- المستدرك على الصحيحين - الحاكم النيسبابوري 3: 145 .
3- البداية والنهاية - ابن كثير 7: 362 ، والمناقب للموفق الخوارزمي: 384 ، وفي جواهر المناقب لابن المشقي 2:92 ، وفي تاريخ الطبري 4:112 .

ص: 186

محاكمة الشبهة

أولا: مناقشة الأسانيد:

رواية عبد الله أو عبيد الله بن سبع أو سبيع، لا يصح الاستدلال بها لمجهولية ذلك الراوي، حيث قال فيه عمرو ابن أبي عاصم «ابن سبع ويقال سبيع، وهو مجهول كما أشار إلى ذلك الذهبي بقوله: “تفرد عنه سالم ابن أبي الجعد“. ومع ذلك وثقه ابن حبان على قاعدته في توثيق المجهولين» (1)

والرواية الثانية فيها موسى بن مطير «كذبه ابن معين، وقال النسائي وجماعة: متروك» (2)

والرواية الثالثة فيها شعيب بن ميمون، قال البخاري: فيه نظر (3)، وقال ابن حبان:

له مناكير لا يحتج به (4) وقال ابو حاتم: مجهول (5).

والرابعة فيها الحسن بن عمارة، والحسن ضعيف (6)، بل متروك (7).8.

ص: 187


1- كتاب السنة - عمرو ابن أبي عاصم - بقلم محمد ناصر الدين الألباني: 538 .
2- المصدر السابق: 539 .
3- التأريخ الكبير - البخاري 4: 222 .
4- تأريخ الاسلام - الذهبي 10 : 265.
5- المصدر السابق.
6- تهذيب التهذيب - ابن حجر 4: 312.
7- كتاب السنة - عمرو ابن أبي عاصم - بقلم محمد ناصر الدين الألباني: 538.

وأما الخامسة فإن «نائل بن نجيح ضعيف، وشر منه محمد بن يونس بن موسى القريش وهو الكديمي فإنه متهم بالوضع» (1).

أما السادسة فمرسلة، ولم أجد لها سنداً، غير أني وجدت حديثا نقله صاحب نهج السعادة (2) يشابه ما ورد فيها، أحسب أنه قد ينفع في بيان سندها وهو: (قال ابن أبي الدنيا: حدثني أبي، هشام بن محمد، عن شيخ من الأزد حدثهم عن عبد الرحمن بن جندب عن أبيه «... فقلت: يا أمير المؤمنين إن فقدناك - ولا نفقدك - نبايع الحسن؟

فقال علي: ما آمركم ولا أنهاكم»(3)، وكما ترى ففيه الشيخ الازدي المجهول(4).

ثانيا: مناقشة ألفاظها:

تحاول ألفاظ الروايات الخمسة الأولى مصادرة الكثير من النصوص القرآنية المؤكدة على استخلاف أهل البيت (علیهم السلام) بعد خاتم النبيين (صلی الله علیه و آله) كآية التطهير «إِنَّما يُريدُ اللَّهُ لِيُذهِبَ عَنكُمُ الرِّجسَ أَهلَ البَيتِ وَيُطَهِّرَكُم تَطهيرًا»(5)، وآية الولاية «إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ»(6)، وآية «لَا يَنَالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ»(7) وغير ذلك الكثير.. كما أنها تلغي الأحاديث النبوية الثابت نصها .

ص: 188


1- المصدر السابق ص 539 .
2- وهو العلامة الجليل الشيخ المحمودي.
3- نهج السعادة - الشيخ المحمودي 2: 733 .
4- وجاء في هامش المصدر السابق ما يلي: (هذا مثل قوله (علیه السلام) : اصنعوا ما شئتم. - لما تقاعدوا عنه في يوم صفين وقالوا: لا نرضى إلا بتحكيم أبي موسى - يدل على غاية تبرمه منهم ويأسه عن وفائهم وعدم اعتماده على قولهم. فلا تنافي بينه وبين وصيته إلى الإمام الحسن وجعله قائماً مقامه وإماماً بعده، والإمامة - كالنبوة - منصب إلهي غير منوطة ببيعة الناس».
5- سورة الأحزاب: 33 .
6- سورة المائدة: 55 .
7- سورة البقرة: 124 .

عند الطرفين والمؤدية للغرض نفسه وعلى رأسها حديث غدير خم (1) «من كنت مولاه فهذا علي مولاه» وحديث الثقلين (2) «كأني قد دعيت فأجبت إني قد تركت فيكم الثقلين أحدهما أكبر من الآخر كتاب الله وعترتي أهل بيتي فانظروا كيف تخلفوني فيهما فإنهما لن يتفرقا حتى يردا علي الحوض»(3)، وحديث الدار (4) في الأيام الأولى ل.

ص: 189


1- ينظر كتاب الغدير للشيخ الاميني (قدس سره) ففيه البيان الشافي والدليل الكافي.
2- في كتاب المصنف لابن أبي شيبة الكوفي 7: 418 لفظ الخليفتين بدل الثقلين «إني تارك فيكم الخليفتين من بعدي: كتاب الله وعترتي، أهل بيتي، وإنهما لن يتفرقا حتى يردا علي الحوض».
3- فضائل الصحابة - النسائي: 15 .
4- ولفظه مختصرا كما جاء في المراجعات - السيد عبد الحسين شرف الدين الموسوي: 188 - 189 قال رسول الله (صلی الله علیه و آله): يا بني عبد المطلب إني والله ما أعلم شابا في العرب جاء قومه بأفضل مما جئتكم به، جئتكم بخير الدنيا والآخرة، وقد أمرني الله أن أدعوكم إليه، فأيكم يؤازرني على أمري هذا على أن يكون أخي ووصيي وخليفتي فيكم؟ فأحجم القوم عنها غير علي - وكان أصغرهم - إذ قام فقال: أنا يا نبي الله أكون وزيرك عليه، فأخذ رسول الله برقبته، وقال: إن هذا أخي ووصيي وخليفتي فيكم، فاسمعوا له وأطيعوا، فقام القوم يضحكون ويقولون لأبي طالب: قد أمرك أن تسمع لابنك وتطيع.» وعلق على المصادر التي ذكرها بقوله (قدس سره) : أخرجه بهذه الألفاظ كثير من حفظة الآثار النبوية، كابن إسحاق، وابن جرير وابن أبي حاتم، وابن مردويه وأبي نعيم، والبيهقي في سننه وفي دلائله، والثعلبي، والطبري في تفسير سورة الشعراء من تفسيريهما الكبيرين، وأخرجه الطبري أيضا في الجزء الثاني من كتابه: تاريخ الأمم والملوك، وأرسله ابن الأثير إرسال المسلمات في الجزء الثاني من كامله عند ذكره أمر الله نبيه بإظهار دعوته، وأبو الفداء في الجزء الأول من تاريخه عند ذكره أول من أسلم من الناس، ونقله الإمام أبو جعفر الإسكافي المعتزلي في كتابه: نقض العثمانية مصرحا بصحته، وأورده الحلبي في باب استخفائه (صلی الله علیه و آله)، وأصحابه في دار الأرقم، من سيرته المعروفة، وأخرجه بهذا المعنى مع تقارب الألفاظ غير واحد من إثبات السنة وجهابذة الحديث، كالطحاوي، والضياء المقدسي في المختارة، وسعيد بن منصور في السنن، وحسبك ما أخرجه أحمد بن حنبل من حديث علي في ص 111 وفي ص 159 من الجزء الأول من مسنده (460)، فراجع، وأخرج في أول ص 331 من الجزء الأول من مسنده أيضا حديثا جليلا عن ابن عباس يتضمن هذا النص في عشر خصائص مما امتاز به علي على من سواه (461)، وذلك الحديث الجليل أخرجه النسائي أيضا عن ابن عباس في ص 6 من خصائصه العلوية، والحاكم في ص 132 من الجزء الثالث من صحيحه المستدرك، وأخرجه الذهبي في تلخيصه معترفا بصحته، ودونك الجزء السادس من كتاب كنز العمال فإن فيه التفصيل وعليك بمنتخب الكنز وهو مطبوع في هامش مسند الإمام أحمد، فراجع منه ما هو في هامش ص 41 إلى ص43 من الجزء الخامس تجد التفصيل.

للرسالة المحمدية حينما نزل قوله تعالى «وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ»(1)

وهذه المحاولة أوهى من نسج العنكبوت ومردودة على أصحابها، ولا ينفع ترك الأمر للصدفة البحتة بحجة المشيئة الإلهية، لأن المردد لهذه الدعوى يلزمه الاعتراف بخليفتين فقط جاء انتخابهما من الشعب وهما أمير المؤمنين علي (علیه السلام) والسبط الأكبر لرسول الله (صلی الله علیه و آله)، ويصبح تعيين غيرهما خلافا للسنة النبوية المطهرة التي أمرنا رب العباد (جل وعلا) باتباعها «لَکُمْ فِی رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ». وعليه أن يبرر ميل أبي بكر لمخالفة الرسول (صلی الله علیه و آله) في استخلافه لعمر، وعليه أن يبرر أيضا طريقة عمر السداسية في اختيار من يليه!!

ولا ينفعه - حينئذ - أن يقول بقول النووي الشارح المعروف لصحيح مسلم وحاصله «أن المسلمين أجمعوا على أن الخليفة إذا حضره مقدمات الموت وقبل ذلك يجوز له الاستخلاف ويجوز له تركه فإن تركه فقد اقتدى بالنبي (صلی الله علیه و آله) في هذا وإلا فقد اقتدى بأبي بكر» (2).

لأنه في ميزان كلامه هذا تتساوى سنة سيد المرسلين (صلی الله علیه و آله) مع فعل أبي بكر الذي قضى وطرا كبيرا من عمره كافرا ومشركا، قبل أن يدخل في خانة المسلمين، والحاكم مخير في ترجيح أحدى السنتين على الأخرى!! .

ص: 190


1- سورة الشعراء: 214 .
2- تحفة الأحوذي - المباركفوري 6:397 .

ويحتدم في عقلي سؤال أرغب في طرحه على أتباع هذه النظرية، وهو: ما الفائدة من التأكيد على طهارة أهل البيت (علیهم السلام) من مختلف أنواع الرجس، وزقهم بأصناف العلوم المختلفة، وتوشيحهم بأكمل الصفات الأخلاقية والخلقية إذا لم يكن تمهيدا لتسنمهم قيادة الأمة؟

ونتركهم يبحثون عن الجواب الشافي ونعود إلى تكملة كلامنا.

يلاحظ اشتراك الرواية الثانية والثالثة في تأسيس نظرية لم يدعيها صاحبها وهي أن أفضل الخلق بعد رسول الله (صلی الله علیه و آله) هو أبو بكر، وليس باب مدينة علم النبي (صلی الله علیه و آله)، ومن هو بمنزلة هارون من موسى، وصاحب الفضائل الجمة التي اعترف بها المخالف قبل الموالف(1).

وبطلان هذه النظرية التي أدعيت فيما بعد ثابت بكلام أبي بكر نفسه حيث قال بعد إتمام السقيفة مخاطباً من تابعه: وليت عليكم ولست بخيركم، كما أنه قد أدلى بالأمر - عند احتجاجه على جمهرة من الأوس والخزرج - إلى أحد رجلين هما عمر بن الخطاب وأبي عبيدة بن الجراح.

ولا نعلم من هو الشرير الذي يقصده صاحب أمير المؤمنين (علیه السلام) صعصعة بن صوحان(2) في قوله في آخر فقرات الرواية الخامسة «فعلم الله في قلوبنا شرا فاستخلف .

ص: 191


1- قال أحمد بن حنبل أحد فقهاء مذاهب الأربعة وأصل الحنابلة: ما جاء لأحد من أصحاب رسول الله (صلی الله علیه و آله) من الفضائل مثل ما جاء لعلي بن أبي طالب (علیه السلام) (ينظر تفسير الثعلبي - الثعلبي 4: 81)
2- أسلم صعصعة في عهد رسول الله (صلی الله علیه و آله) ولم يره قال في الإصابة كان خطيباً فصيحاً وله مع معاوية مواقف. قال الشعبي: كنت أتعلم منه الخطب نفاه المغيرة بأمر معاوية من الكوفة ووصفه عبد الملك بن مروان بأنه أحضر الناس جواباً. وروى الحافظ عن حميد بن هلال العدوي قال: قام صعصعة إلى عثمان بن عفان وهو على المنبر فقال: يا أمير المؤمنين ملت فمالت أمتك اعتدل يا أميرالمؤمنين تعتدل أمتك. وكان صعصعة من أهل الخطط بالكوفة وكان من أصحاب علي وتوفي في خلافة معاوية، وكان ثقة قليل الحديث، وتكلم يوما فأكثر فقال عثمان: يا أيها الناس ان هذا البجباج النفاج ما يدري من الله ولا أين الله، فقال له: اما قولك ما أدري من الله، فان الله ربنا ورب آبائنا الأولين، واما قولك لا أدري أين الله فان الله لبالمرصاد ثم قرأ «أُذِنَ لِلَّذِینَ یُقَاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا وَإِنَّ اللَّهَ عَلَی نَصْرِهِمْ لَقَدِیرٌ» الآيات فقال عثمان. ما نزلت هذه الآية الا في وفي أصحابنا أخرجنا من مكة بغير حق وقدم وفد أهل العراق على معاوية فقال: مرحبا بكم يا أهل العراق قدمتم ارض الله المقدسة منها المنشر وإليها المحشر قدمتم على خير أمير يبر كبيركم ويرحم صغيركم ولو أن الناس كلهم ولد أبي سفيان لكانوا حلماء وعقلاء فأشار الناس إلى صعصعة بن صوحان فقام فحمد الله وصلى على النبي (صلی الله علیه و آله) ثم قال اما قولك يا معاوية انا قدمنا الأرض المقدسة فلعمري ما الأرض تقدس الناس ولا يقدس الناس الا أعمالهم واما قولك ان منها المنشر وإليها المحشر فلعمري ما ينفع قربها كافرا ولا يضر بعدها مؤمنا واما قولك لو أن الناس كلهم ولد أبي سفيان لكانوا حلماء وعقلاء فقد ولدهم من هو خير من أبي سفيان آدم (علیه السلام) فمنهم الحليم والسفيه والجاهل والعالم.(أعيان الشيعة - السيد محسن الأمين 7: 387 - 388) .

علينا»، ولكن هذا الوصف لا ينطبق في زمانه إلا على من حارب الله ورسوله، ابن آكلة الأكباد معاوية بن أبي سفيان.

وبينما تشتمل الرواية السادسة على ما يفضح كذبها ووضعها وهو ترك الإمام علي (علیه السلام) لمساعدة من طلب منه النصح والإرشاد في مبايعة شريكه في المباهلة والتطهير وسيد شباب أهل الجنة (علیه السلام) وهو الناصح الشفيق لأمة أخيه رسول الله (صلی الله علیه و آله).

فإن بالإمكان حل لغزها إن قرأنا ما جاء في هامش كتاب (دليل النص بخبر الغدير للكراجكي) والذي حققه المحقق الفاضل الأستاذ علاء آل جعفر عند ذكره لبعض الأمثلة على التحريفات الحديثة في بعض النصوص: (والغريب في الأمر أن هذا السؤال نقلته المصادر عن عبد الله بن جندب، وكان في حقيقته بهذا الشكل: قلت له [ أي عبدالله ] لعلي (علیه السلام) : يا أمير المؤمنين، إن فقدناك فلا نفقدك، فنبايع الحسن؟ قال: نعم. أنظر:

ص: 192

المناقب - للخوارزمي -: 278 ، وما يدل عليه: الأغاني 12 : 328 ، فجاءت النقل وجعلت محل نعم إما (لا) أو «لا آمركم ولا أنهاكم» (1).

ومع كل ما تقدمه هذه الروايات من أباطيل فإن بعض ألفاظها لا يخلو من الفائدة، كالرواية الأولى التي احتوت على إشارة لطيفة جدا، وهي كلمة أمير المؤمنين (علیه السلام) ووصفه لقاتله عبد الرحمن بن ملجم (لعنه الله) بالأشقى، وفيها دليل آخر على عظم منزلة سيد الوصيين (علیه السلام) عند الله (جل وعلا)، وعند رسوله الكريم (صلی الله علیه و آله)، فإن وصف القاتل بالأشقى يدل على ارتكابه للجريمة العظمى التي تتزلل لها الجبال وتكاد السماوات والأرض أن يتفطرن منها وهي جريمة قتل خير عباد الله بعد النبي الأعظم (صلی الله علیه و آله)، كما أن فيها دلالة على علمه المسبق بالأحداث التي آلت إليها الأمور بعد انتقال خاتم الأنبياء (صلی الله علیه و آله) إلى جوار ربه، وهو من الإخبار بالغيب بتعليم من رسول الله (صلی الله علیه و آله).

ثالثا: مناقشة المضمون:

ومناقشتنا للمضمون التي حملته الروايات السالفة، سيكون على منزلتين عامة وخاصة، وسنبتغي الاختصار في الرد العام، ونترك من يريد التوسعة يتزود من كتب علمائنا الأعلام، الذين أفردوا لهذا الأصل العظيم من أصول الدين فصولا، بل كتبا مستقلة.

1. المناقشة العامة:

كانت الإمامة وطرق تعيينها الشغل الشاغل لعلماء المسلمين على اختلاف مذاهبهم ومشاربهم، وكان الخلاف في ذلك من أسباب ذلك الشقاق الذي لايزال يفصم عرى الوحدة الإسلامية، ويبعث الفرقة بين المتمسكين بهذا الدين العظيم، ونبيه الكريم (صلی الله علیه و آله).13

ص: 193


1- دليل النص بخبر الغدير - الكراجكي: هامش 13

ولم تستطع المدارس الإسلامية - عدا الشيعة الاثني عشرية - أن تبلور لها نهجا واضحا يتفق مع الفطرة الصادقة ويستقي مداده من محكمات القرآن وعلائم السنن النبوية المطهرة.وأسباب ذلك واضحة لمن أمعن النظر، ورزق سلامة الفكر وأهم تلك الأسباب الابتعاد عن أهل بيت النبي (صلی الله علیه و آله) مع حملهم للمزايا العظيمة التي تغنت بها آيات القرآن الكريم من النصوص الكثيرة المشيدة بهم والدالة عليهم، ومنها ما صرح بتعيينهم في ذلك المنصب الإلهي الخطير وهو قيادة وإمامة الأمة التي أنيطت بهم لإيصال رسالة الإسلام إلى العالمين كافة.

ونتيجة لهذا الابتعاد المتعمد من مفكري المذاهب الأخرى ومحاولتهم إخضاع الإمامة، لما صدر ممن حكم بعد رسول الله (صلی الله علیه و آله)، انعكس اختلاف سيرة أولئك الحكام على صفحة الآراء المتباينة، مع كون هذا الفعل عكسا للأمر وابتعادا عن الصواب.

وأصبح لديهم طائفة تقول بضرورة التعيين، تصحيحا لفعل أبي بكر في استخلاف عمر من بعده، وطائفة تحصر الاختيار بمجموعة أطلق عليها (أهل الحل والعقد) تطبيقا لسداسية عمر بن الخطاب، وكانت الضبابية، والانتقائية مرافقة لتفسير هذا المصطلح منذ نشوء القول به، ولا تعريف جامع له أو مانع.

وتصحيحا لتسلط الطلقاء والملعونين من قبل النبي (صلی الله علیه و آله) على مقاليد الرئاسة توسع المقال وأصبح تسلط بعضهم على بعض مقبولا بل واجب القبول والإتباع، وللمنتصر شرعية أوجدها انتصاره المحرز بشتى الطرق، وأحكموا البناء - بظنهم - بالمنع من الخروج على الحاكم الجائر حتى وإن كان لا يحمل من الإسلام رسما، كيزيد قاتل فلذات الرسول المجاهر بالكفر الصريح، وأوصلهم هذا الزخرف إلى تصريح بعض أكابر علمائهم عند تبريره لجريمة قتل سيد شباب أهل الجنة الإمام الحسين (علیه السلام) في كربلاء، بأنه

ص: 194

قتل بسيف جده(صلی الله علیه و آله). (1)

وعلى الرغم من ابتعادهم عن السنة الحقيقية لرسول الله (صلی الله علیه و آله) الذي لا ينطق عن الهوى المتمثلة بإمامة أمير المؤمنين (علیه السلام) ومن بعده الإمام الحسن والإمام الحسين ، (علیه السلام) وباقي العترة الطاهرة المعصومة (علیهم السلام) من بعدهم، ومباينتهم للسنة المدعاة في أشباه الروايات المذكورة في دلائل هذه الشبهة، فإن القوم قد رضخوا للآثار المبينة في تولي اثني عشر إماما كلهم من قريش، واحتاروا في مصاديق هذه الآثار فشرق بعض وغرب آخرون، لكنهم لم يصلوا إلى أغصان الشجرة المباركة الموصوفة بأنها «لَّا شَرْقِیَّةٍ وَلَا غَرْبِیَّةٍ»، ولن تنقضي حيرتهم حتى يظهر خاتم العترة الإمام المهدي (عجل الله تعالی فرجه الشریف)، ويملأ الأرض قسطا وعدلا كما مُلِئَتْ ظلما وجورا.

2. المناقشة الخاصة:

وفيها نستعرض بعض الأدلة الروائية على وصية الإمام علي (علیه السلام) لولده الحسن (علیه السلام) من كتب أتباع أهل البيت (علیهم السلام)، وكتب المذاهب الأخرى:

1- عدة من أصحابنا، عن أحمد بن محمد البرقي، عن أبي هاشم داود بن القاسم الجعفري، عن أبي جعفر الثاني (علیه السلام) قال أقبل أمير المؤمنين (علیه السلام) ومعه الحسن بن علي (علیه السلام) وهو متكئ على يد سليمان فدخل المسجد الحرام فجلس إذ أقبل رجل حسن الهيئة واللباس فسلم على أمير المؤمنين، فرد (علیه السلام) فجلس، ثم قال: يا أميرالمؤمنين أسألك عن ثلاث مسائل إن أخبرتني بهن علمت أن القوم ركبوا من أمرك ما قضى عليهم وأن ليسوا بمأمونين في دنياهم وآخرتهم وإن تكن الأخرى علمت أنك).

ص: 195


1- قال الآلوسي في تفسيره 26 : 73 : وأبو بكر بن العربي المالكي عليه من الله تعالى ما يستحق أعظم الفرية فزعم أن الحسين قُتِلَ بسيف جده (صلی الله علیه و آله) وله من الجهلة موافقون على ذلك «كَبُرَتْ كَلِمَةً تَخْرُجُ مِنْ أَفْوَاهِهِمْ إِنْ يَقُولُونَ إِلَّا كَذِبًا» (الكهف: 5).

وهم شرع سواء. فقال له أمير المؤمنين (علیه السلام) سلني عما بدالك، قال: أخبرني عن الرجل إذا نام أين تذهب روحه وعن الرجل كيف يذكر وينسى؟ وعن الرجل كيف يشبه ولده الأعمام والأخوال ؟ فالتفت أمير المؤمنين (علیه السلام) إلى الحسن فقال: يا أبا محمد أجبه، قال: فأجابه الحسن (علیه السلام) فقال الرجل أشهد أن لا إله إلا الله ولم أزل أشهد بها وأشهد أن محمدا رسول الله ولم أزل أشهد بذلك وأشهد أنك وصي رسول الله (صلی الله علیه و آله) والقائم بحجته - وأشار إلى أمير المؤمنين - ولم أزل أشهد بها وأشهد أنك وصيه والقائم بحجته - وأشار إلى الحسن (علیه السلام) - وأشهد أن الحسين بن علي وصي أخيه والقائم بحجته بعده وأشهد على علي بن الحسين أنه القائم بأمر الحسين بعده وأشهد على محمد بن علي أنه القائم بأمر علي بن الحسين وأشهد على جعفر بن محمد بأنه القائم بأمر محمد وأشهد على موسى أنه القائم بأمر جعفر بن محمد وأشهد على علي بن موسى أنه القائم بأمر موسى بن جعفر وأشهد على محمد بن علي أنه القائم بأمر علي ابن موسى وأشهد على علي بن محمد بأنه القائم بأمر محمد بن علي وأشهد على الحسن بن علي بأنه القائم بأمر علي بن محمد وأشهد على رجل من ولد الحسن لا يُكَنَّى ولا يُسَمَّى حتى يظهر أمره فيملأها عدلا كما ملئت جورا والسلام عليك يا أمير المؤمنين ورحمة الله وبركاته، ثم قام فمضى، فقال أمير المؤمنين: يا أبا محمد اتبعه فانظر أين يقصد فخرج الحسن بن علي (علیه السلام) فقال: ما كان إلا أن وضع رجله خارجا من المسجد فما دريت أين أخذ من أرض الله، فرجعت إلى أمير المؤمنين (علیه السلام) فأعلمته، فقال: يا أبا محمد أتعرفه؟ قلت: الله ورسوله وأمير المؤمنين أعلم، قال: هو الخضر(علیه السلام).

2- علي بن إبراهيم، عن أبيه، عن حماد بن عيسى، عن إبراهيم بن عمر اليماني وعمر

ص: 196

بن أذينة، عن أبان، عن سليم بن قيس قال: شهدت وصية أمير المؤمنين (علیه السلام) حين أوصى إلى ابنه الحسن (علیه السلام) وأشهد على وصيته الحسين (علیه السلام) ومحمدا وجميع ولده ورؤساء شيعته وأهل بيته، ثم دفع إليه الكتاب والسلاح وقال لابنه الحسن (علیه السلام) : يا بني أمرني رسول الله (صلی الله علیه و آله) أن أوصي إليك وأن أدفع إليك كتبي وسلاحي كما أوصى إلي رسول الله (صلی الله علیه و آله) ودُفِعَ إليَّ كتبه وسلاحه، وأمرني أن آمرك إذا حضرك الموت أن تدفعها إلى أخيك الحسين (علیه السلام)، ثم اقبل على ابنه الحسين (علیه السلام) فقال، وأمرك رسول الله (صلی الله علیه و آله) أن تدفعها إلى ابنك هذا، ثم أخذ بيد علي بن الحسين (علیه السلام) ثم قال لعلي بن الحسين: وأمرك رسول الله (صلی الله علیه و آله) أن تدفعها إلى ابنك محمد بن علي واقرأه من رسول الله (صلی الله علیه و آله) ومني السلام» (1).

3- عدة من أصحابنا، عن أحمد بن محمد، عن علي بن الحكم، عن سيف بن عميرة، عن أبي بكر الحضرمي قال: حدثني الأجلح وسلمة بن كهيل وداود بن أبي يزيد وزيد اليمامي قالوا: حدثنا شهر بن حوشب: أن عليا (علیه السلام) حين سار إلى الكوفة استودع أم سلمة كتبه والوصية، فلما رجع الحسن (علیه السلام) دفعتها إليه.

4- عدة من أصحابنا. عن أحمد بن محمد، عن الحسين بن سعيد، عن حماد بن عيسى، عن عمرو بن شمر، عن جابر، عن أبي جعفر (علیه السلام) قال: أوصى أمير المؤمنين (علیه السلام) إلى الحسن وأشهد على وصيته الحسين (علیه السلام) ومحمدا وجميع ولده ورؤساء شيعته وأهل بيته، ثم دُفِعَ إليه الكتاب والسلاح، ثم قال لإبنه الحسن: يا بني أمرني رسول الله أن أوصي إليك وأن أدفع إليك كتبي وسلاحي كما أوصى إلي رسول الله ودفع إلي كتبه وسلاحه، وأمرني أن آمرك إذا حضرت الموت أن تدفع إلى أخيك الحسين، ثم أقبل على ابنه الحسين وقال: أمرك رسول الله (صلی الله علیه و آله) أن تدفعه إلى ابنك هذا، ثم أخذ بيد ابن .

ص: 197


1- الكافي - الشيخ الكليني 1: 298 - 299 .

ابنه علي بن الحسين، ثم قال لعلي بن الحسين: يا بني وأمرك رسول الله (صلی الله علیه و آله) أن تدفعه إلى ابنك محمد بن علي واقرئه من رسول الله (صلی الله علیه و آله) ومني السلام، ثم أقبل على ابنه الحسن، فقال: يا بني أنت ولي الأمر وولي الدم، فإن عفوت فلك وإن قتلت فضربة مكان ضربة ولا تأثم.

5- محمد بن يحيى، عن أحمد بن محمد، عن ابن محبوب عن علي بن رئاب، عن أبي عبيدة وزرارة جميعاً، عن أبي جعفر (علیه السلام) قال: لما قتل الحسين (علیه السلام)، أرسل محمد بن الحنفية إلى علي بن الحسين (علیه السلام) فخلا به فقال له: يا ابن أخي قد علمت أن رسول الله (صلی الله علیه و آله) دفع الوصية والإمامة من بعده إلى أمير المؤمنين (علیه السلام) ثم إلى الحسن (علیه السلام)، ثم إلى الحسين (علیه السلام). (1)

ومن كتب أهل السنة:

1- «عن محمد بن الحنفية قال: سمعت أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (رضی الله عنه) يقول:

دخلت يوما منزلي فإذا رسول الله (صلی الله علیه و آله) جالس والحسن (رضی الله عنه) عن يمينه، والحسين (رضی الله عنه) عن يساره، وفاطمة (رضی الله عنها) بين يديه وهو يقول: يا حسن! يا حسين! أنتما كفتا الميزان، وفاطمة لسانه، ولا تعتدل الكفتان إلا باللسان، ولا يقوم اللسان إلا على الكفتين، أنتما الإمامان، ولأمكما الشفاعة. ثم التفت إلي وقال: يا أبا الحسن! أنت توفي أجورهم، وتقسم الجنة بين أهلها يوم القيامة» (2).

2- قال ابن كثير عند الكلام في تعيين الأئمة الاثني عشر الذين تضمنتهم الأحاديث المشهورة عند الجمهور: «الخلفاء الأربعة، أبو بكر وعمر وعثمان وعلي، خلافتهم محققة6.

ص: 198


1- الكافي - الشيخ الكليني 1: 348 .
2- الفصول المهمة في معرفة الأئمة - ابن الصباغ 1: 666.

بنص حديث سفينة: الخلافة بعدي ثلاثون سنة ثم بعدهم الحسن بن علي كما وقع، لان عليا أوصى إليه، وبايعه أهل العراق»(1)، وما يعنينا حقا من كلامه، اعترافه بوصية أميرالمؤمنين (علیه السلام) للسبط المجتبى(علیه السلام).

3- ما ذكره أبو الفرج الأصفهاني في ترجمة أبي الأسود الدؤلي (رحمة الله) من الأغاني (2):

ج 11 ، ص 228 ط بيروت، وفي ط ص 121 ، وفي ط ص 116 في ترجمة أبي الأسود الدؤلي (رحمة الله) من الأغاني: ج 11 ، ص 228 ط بيروت، وفي ط ص 121 ، وفي ط ص 116 ، ناقلا كلام أبي الأسود الدؤلي في حضور الإمام الحسن (علیه السلام) وكبار صحابة أميرالمؤمنين (علیه السلام)، قال: «أتى أبا الأسود نعي أمير المؤمنين (علیه السلام) وبيعة الحسن (علیه السلام)، فقام على المنبر، فخطب الناس ونعى لهم عليا (علیه السلام)، فقال: الا وإن رجلاً من أعداء الله المارقة عن دينه اغتال أمير المؤمنين (علیه السلام) كرم الله وجهه ومثواه، في مسجده، وهو خارج في ليلة يرجى فيها مصادفة ليلة القدر فقتله، فيالله من قتيل، وأكرم به وبمقتله وروحه من روح عرجت إلى الله تعالى بالبر والتقوى، والايمان والاحسان، لقد أطفئ منه نور الله في أرضه لا يبين بعده أبدا، وهدم ركنا من أركان الله تعالى لا يشاد مثله، فانا لله وانا إليه راجعون، وعند الله نحتسب مصيبتنا بأمير المؤمنين (علیه السلام)، و (علیه السلام) ورحمة الله يوم ولد ويوم قتل ويوم يبعث حيا، ثم بكى حتى اختلفت أضلاعه، ثم قال: وقد أوصى بالإمامة بعده إلى ابن رسول الله (صلی الله علیه و آله) وابنه وسليله، وشبيهه في خلقه وهديه، واني لأرجو أن يجبر الله به ما وهي ويسد به ما انثلم، ويجمع به الشمل، ويطفئ بن نيران الفتنة، فبايعوه ترشدوا» (3).

4- ما نقله صاحب مقتضب الأثر وهو من علماء الشيعة، في قصة حصاة أم سليم .

ص: 199


1- البداية والنهاية - ابن كثير 6: 279 .
2- ينظر نهج السعادة - الشيخ المحمودي 8:510 .
3- نهج السعادة - الشيخ المحمودي 8:510 .

من طرق العامة (ويقصد بهم أهل السنة).

حيث قال: «عن سهل بن محمد الطرطوسي القاضي قال قدم علينا من الشام سنة أربعين وثلاثمائة عن زيد بن محمد الرهاوي عن عمار بن مطر عن أبي عوانة عن خالد بن علقمة عن عبيدة بن عمرو السلماني، عن عبد الله بن خباب بن الأرت عن سلمان الفارسي والبراء بن عازب قالا: قالت أم سليم.

قال: ومن طريق أصحابنا حدثني علي بن حبشي بن قوني عن جعفر بن محمد الفزاري عن الحسين المنقري عن الحسن بن محبوب عن الثمالي عن زر بن حبيش عن عبد الله بن خباب عن سلمان والبراء قالا: قالت أم سليم: كنت امرأةً قد قرأت التوراة والإنجيل فعرفت أوصياء الأنبياء وأحببت أن أعلم وصيَّ محمد (صلی الله علیه و آله).

فلما قدمت ركابنا المدينة أتيت رسول الله (صلی الله علیه و آله) وخلفت الركاب مع الحي فقلت:

يا رسول الله ما من نبي إلا وكان له خليفتان: خليفة يموت قبله، وخليفة يبقى بعده، وكان خليفة موسى في حياته هارون (علیه السلام) فقبض قبل موسى، ثم كان وصيه بعد موته يوشع بن نون، وكان وصيَّ عيسى (علیه السلام) في حياته كالب بن يوفنا فتوفي كالب في حياة عيسى، ووصيه بعد وفاته شمعون بن حمون الصفا ابن عمة مريم، وقد نظرت في الكتب الأولى فما وجدت لك إ وصياً واحداً في حياتك وبعد وفاتك فبين لي بنفسي أنت يا رسول الله من وصيك؟

فقال رسول الله (صلی الله علیه و آله) : إن لي وصياً واحداً في حياتي وبعد وفاتي. قلت له: من هو؟

فقال: إيتيني بحصاة فرفعت إليه حصاة من الأرض فوضعها بين كفيه ثم فركها بيده كسحيق الدقيق ثم عجنها فجعلها ياقوتة حمراء ختمها بخاتمه فبدا النقش فيها للناظرين ثم أعطانيها وقال: يا أم سليم من استطاع مثل هذا فهو وصيي .

ص: 200

قالت: ثم قال لي: يا أم سليم وصيي من يستغني بنفسه في جميع حالاته كما أنا مستغن، فنظرت إلى رسول الله (صلی الله علیه و آله) وقد ضرب بيده اليمنى إلى السقف وبيده اليسرى إلى الأرض قائما لا ينحني في حالة واحدة إلى الأرض، ولا يرفع نفسه بطرف قدميه.

قالت: فخرجت فرأيت سلمان يكنف عليا ويلوذ بعقوته دون من سواه من أسرة محمد وصحابته على حداثة من سنه، فقلت في نفسي: هذا سلمان صاحب الكتب الأولى قبلي، صاحب الأوصياء، وعنده من العلم ما لم يبلغني فيوشك أن يكون صاحبي.

فأتيت علياً (علیه السلام) فقلت: أنت وصي محمد (صلی الله علیه و آله) ؟ قال: نعم، ما تريدين؟

قلت: وما علامة ذلك ؟ فقال: إيتيني بحصاة قالت: فرفعت إليه حصاة من الأرض فوضعها بين كفيه ثم فركها بيده فجعلها كسحيق الدقيق ثم عجنها فجعلها ياقوتة حمراء ثم ختمها فبدا النقش فيها للناظرين ثم مشى نحو بيته فاتبعته لأسأله عن الذي صنع رسول الله (صلی الله علیه و آله) فالتفت إلي ففعل مثل الذي فعله، فقلت: من وصيك يا أبا الحسن؟

فقال: من يفعل مثل هذا.

قالت أم سليم: فلقيت الحسن بن علي (علیه السلام) فقلت: أنت وصيُّ أبيك هذا؟

وأنا أعجب من صغره وسؤالي إياه مع أني كنت عرفت صفتهم الاثني عشر إماما وأبوهم سيدهم وأفضلهم ، فوجدت ذلك في الكتب الأولى، فقال لي: نعم أنا وصي أبي فقلت: وما علامة ذلك؟ فقال: إيتيني بحصاة.

قالت: فرفعت إليه حصاة فوضعها بين كفيه ثم سحقها كسحيق الدقيق ثم عجنها فجعلها ياقوتة حمراء ثم ختمها فبدا النقش فيها ثم دفعها إلي ، فقلت له: فمن وصيك؟

ص: 201

قال: من يفعل مثل هذا الذي فعلت ، ثم مد يده اليمنى حتى جازت سطوح المدينة وهو قائم ثم طأطأ يده اليسرى فضرب بها الأرض من غير أن ينحني أو يتصعد فقلت في نفسي: من يرى وصيه؟

فخرجت من عنده فلقيت الحسين (علیه السلام) وكنت عرفت نعته من الكتب السالفة بصفته وتسعة من ولده أوصياء بصفاتهم غير أني أنكرت حليته لصغر سنه ، فدنوت منه وهو على كسرة رحبة المسجد فقلت له: من أنت يا سيدي؟ قال: أنا طلبتك.

يا أم سليم إنا وصي الأوصياء وأنا أبو التسعة الأئمة الهادية وأنا وصيُّ أخي الحسن وأخي وصيُّ أبي علي، وعلي وصي جدي رسول الله (صلی الله علیه و آله).

فعجبت من قوله فقلت: ما علامة ذلك ؟ فقال: إيتيني بحصاة فرفعت إليه حصاة من الأرض؟ قالت أم سليم: فلقد نظرت إليه وقد وضعها بين كفيه فجعلها كهيئة السحيق من الدقيق ثم عجنها فجعلها ياقوتة حمراء فختمها بخاتمه فثبت النقش فيها ثم دفعها إلي وقال لي: نظري فيها يا أم سليم ، فهل ترين فيها شيئاً؟

قالت أم سليم: فنظرت فإذا فيها رسول الله (صلی الله علیه و آله) وعلي والحسن والحسين وتسعة أئمة صلوات الله عليهم أوصياء من ولد الحسين (علیه السلام) قد تواطئت أسماؤهم إلا اثنين منهم، أحدهما جعفر والآخر موسى ، وهكذا قرأت في الإنجيل.

فعجبت وقلت في نفسي: قد أعطاني الله الدلائل ولم يعطها من كان قبلي، فقلت: ياسيدي أعد علي علامة أخرى، قال: فتبسم وهو قاعد ثم قام فمد يده اليمنى إلى السماء فوالله لكأنها عموداً من نار تخرق الهواء حتى توارى عن عيني وهو قائم لا يعبأ بذلك ولا يتحفز، فأسقطت وصعقت فما أفقت إلا ورأيت في يده طاقة من آس يضرب بها منخري.

ص: 202

فقلت في نفسي: ماذا أقول له بعد هذ؟ وقمت وأنا والله أجد إلى ساعتي رائحة هذه الطاقة من الآس، وهي والله عندي لم تذو ولم تذبل ولا انتقص من ريحها شيء، وأوصيت أهلي أن يضعوها في كفني، فقلت: يا سيدي من وصيك؟

قال: من فعل مثل فعلي، قالت: فعشت إلى أيام علي بن الحسين(علیه السلام).

قال زر بن حبيش خاصة دون غيره: وحدثني جماعة من التابعين سمعوا هذا الكلام من تمام حديثها، منهم مينا مولى عبد الرحمن بن عوف وسعيد بن جبير مولى بني أسد سمعاها تقول هذا.

وحدثني سعيد بن المسيب المخزومي ببعضه عنها قالت: فجئت إلى علي بن الحسين (علیهما السلام) وهو في منزله قائم يصلي، وكان يطول فيها ولا يتحوز فيها، وكان يصلي ألف ركعة في اليوم والليلة فجلست مليا فلم ينصرف من صلاته فأردت القيام فلما هممت به حانت مني التفاتة إلى خاتم في إصبعه عليه فص حبشي ، فإذا هو مكتوب:

مكانك يا أم سليم آتيك بما جئت له.

قالت: فأسرع في صلاته فلما سلم قال لي: يا أم سليم إيتيني بحصاة، من غير أن أسأله عما جئت له، فدفعت إليه حصاة من الأرض فأخذها فجعلها بين كفيه فجعلها كهيئة الدقيق، ثم عجنها فجعلها ياقوتة حمراء، ثم ختمها فثبت فيها النقش فنظرت والله إلى القوم بأعيانهم كما كنت رأيتهم يوم الحسين، فقلت له: فمن وصيك جعلني الله فداك قال: الذي يفعل مثل ما فعلت ولا تدركين من بعدي مثلي.

قالت أم سليم: فأنسيت أن أسأله أن يفعل مثل ما كان قبله من رسول الله وعلي والحسن والحسين صلوات الله عليهم، فلما خرجت من البيت ومشيت شوطا ناداني: يا أم سليم، قلت: لبيك، قال: ارجعي، فرجعت فإذا هو واقف في صرحة داره وسطاً، ثم

ص: 203

مشى فدخل البيت وهو يتبسم ثم قال: اجلسي يا أم سليم، فجلست فمد يده اليمنى فانخرقت الدور والحيطان وسكك المدينة وغابت يده عني، ثم قال: خذي يا أم سليم.

فناولني والله كيسا فيه دنانير وقرط من ذهب وفصوص كانت لي من جزع في حق لي في منزلي، فقلت: يا سيدي أما الحق فأعرفه، وأما ما فيه فلا أدري ما فيه غير أني أجدها ثقيلاً، قال: خذيها وامضي لسبيلك، قالت: فخرجت من عنده ودخلت منزلي وقصدت نحو الحق فلم أجد الحق في موضعه، فإذا الحق حقي.

قالت: فعرفتهم حق معرفتهم بالبصيرة والهداية فيهم من ذلك اليوم والحمد لله رب العالمين.

قال ابن عياش: سألت أبا بكر محمد بن عمر الجعابي عن هذه أم سليم وقرأت عليه إسناد الحديث للعامة واستحسن طريقها وطريق أصحابنا فيه فما عرفت أبا صالح الطرسوسي القاضي فقال: كان ثقة عدلاً حافظاً ، وأما أم سليم فهي امرأة من النمر بن قاسط معروفة من النساء اللاتي روين عن رسول الله (صلی الله علیه و آله) (1).

ونختم هذا الباب بكلام موجز ومفيد للشيخ المفيد (قدس سره) عن إمامة أبي عبد الله الحسين (علیه السلام: «وقد صرح رسول الله (صلی الله علیه و آله) بالنص على إمامته وإمامة أخيه بقوله ابناي هذان إمامان قاما أو قعدا، ودلت وصية الحسن (علیه السلام) على إمامته كما دلت وصية أميرالمؤمنين (علیه السلام) إلى الحسن (علیه السلام) على إمامته بحسب ما دلت وصية رسول الله (صلی الله علیه و آله)» (2). .

ص: 204


1- بحار الأنوار - الشيخ المجلسي:ج 25 /ص 186 - 190 .
2- المستجاد من الإرشاد (المجموعة) - العلامة الحلي: 156 - 157 .

الشبهة السابعة: علاقته بأخيه الحسين (علیه السلام)

وفي فصل آخر من فصول المؤامرة على أهل البيت (علیهم السلام)، يلج الحاقدون باباً آخر يحاولون من خلاله بث سمومهم على صفحات التأريخ .

وهذا الباب الشنيع هو تشويه العلاقة بين السبطين العظيمين لخاتم المرسلين ، (صلی الله علیه و آله) وافتراض التخاصم والتهاجر بين أولئك المقدسين الذين صاغوا منذ أوائل سني حياتهم، المثال الأكمل للإنسان المتخلق بخلق القرآن .

مستند الشبهة:

قمنا بتقسيم الروايات والأقاويل التي تصور سوء العلاقة بين الحسنين (علیهما السلام) على هيئتين أو مجموعتين رئيسيتين ليسهل لنا بيان ما تحمله كل منها:

المجموعة الأولى:

وهي التي تجعل من قضية الصلح سبباً للمنازعة بين الإمامين العظيمين : (علیه السلام)

1- رواية الطبري في تأريخه بسنده عن زياد بن عبد الله عن عوانة: «وقال الحسن للحسين ولعبد الله بن جعفر: إني قد كتبت إلى معاوية في الصلح وطلب الأمان فقال له الحسين: نشدتك الله أن تصدق أحدوثة معاوية وتكذب أحدوثة علي، فقال له

ص: 205

الحسن: اسكت ! فأنا أعلم بالأمر منك» (1).

2- رواية البلاذري عن «خلف بن سالم عن وهب بن جرير عن أبيه واحسبه رواه عن الحسن البصري قال: لما بلغ أهل الكوفة بيعة الحسن أطاعوه وأحبوه أشد من حبهم لأبيه، واجتمع له خمسون ألفاً، فخرج بهم حتى أتى المدائن، وسرح بين يديه قيس بن سعد بن عبادة الأنصاري في عشرين ألفاً، فنزل بمسكن، وأقبل معاوية من الشام في جيش. ثم إن الحسن (علیه السلام) خلا بأخيه الحسين (علیه السلام) فقال له: يا هذا! إني نظرت في أمري فوجدتني لا أصل إلى الأمر حتى يقتل من أهل العراق والشام من لا أحب أن أحتمل دمه، وقد رأيت أن أسلم الأمر إلى معاوية فأشاركه في إحسانه ويكون عليه إساءته.

فقال الحسين (علیه السلام) : أنشدك الله أن تكون أول من عاب أباك وطعن عليه، ورغب عن أمره.

فقال: إني لأرى [لا أرى] ما تقول، و والله! لئن لم تتابعني لأسندتك في الحديد، فلاتزال فيه حتى أفرغ من أمري. قال: فشأنك! فقام الحسن (علیه السلام) خطيباً فذكر رأيه في الصلح والسلم لما كره من سفك الدماء، وإقامة الحرب، فوثب عليه أهل الكوفة وانتهبوا ماله، وحرقوا سرادقه، وشتموه وعجزوه، ثم انصرفوا عنه ولحقوا بالكوفة» (2).

3- رواية ابن عساكر بسنده إلى عبد الله بن بكر بن حبيب السهمي عن حاتم ابن أبي صغيرة عن عمرو بن دينار: «أن معاوية كان يعلم أن الحسن كان أكره الناس للفتنة فلما توفي علي بعث إلى الحسن فأصلح الذي بينه وبينه سراً وأعطاه معاوية عهدا أن حدث به حدث والحسن حي ليسمينه وليجعلن هذا الأمر إليه فلما توثق منه الحسن قال ابن جعفر: والله أني لجالس عند الحسن إذا أخذت لأقوم فجذب ثوبي وقال: يا هناه !! اجلس فجلست، قال: أني قد رأيت رأيا وأني أحب أن تتابعني عليه قال قلت .

ص: 206


1- تاريخ الطبري - الطبري، 4: 122 .
2- انساب الأشراف - البلاذري، 3: 1219 .

ما هو قال رأيت أن اعمد إلى المدينة فأنزلها وأخلي بين معاوية وبين هذا الحديث فقد طالت الفتنة وسفكت فيها الدماء وقطعت فيها الأرحام وقطعت السبل وعطلت الفروج -يعني الثغور- فقال ابن جعفر: جزاك الله عن أمة محمد خيراً، فأنا معك على هذا الحديث، فقال الحسن: ادع لي الحسين فبعث إلى حسين فأتاه، فقال: أي أخي أني قد رأيت رأياً وأني أحب أن تتابعني عليه، قال ما هو، قال فقص عليه الذي قال لابنجعفر، قال الحسين: أعيذك بالله أن تكذب عليا في قبره وتصدق معاوية، فقال الحسن:

والله ما أردت أمرا قط إلا حالفتني إلى غيره والله لقد هممت أن أقذفك في بيت فأطينه عليك حتى أقضي أمري، قال: فلما رأى الحسين غضبه قال: أنت أكبر ولد علي وأنت خليفته وأمرنا لأمرك تبع فافعل ما بدا لك، فقام الحسن فقال: يا أيها الناس أني كنت أكره الناس لأول هذا الحديث، وأنا أصلحت آخره لذي حق أديت إليه حقه أحق به مني أو حق حدث به إصلاح أمة محمد (صلی الله علیه و آله)، وان الله قد ولاك يا معاوية هذا الحديث لخير يعلمه عندك، أو لشر يعلمه فيك !! فان أدري لعله فتنة لكم ومتاع إلى حين، ثم نزل» (1).

4- روايات وأقاويل لم تذكر أسانيدها كالذي قاله أبو مخنف حسبما نقل عنه صاحب كشف الغمة: «قال أبو مخنف كان مولانا الحسين بن علي صلوات الله عليهما يظهر الكراهية لما كان من أمر أخيه الحسن (علیه السلام) مع معاوية، ويقول: لو حز أنفي بموسى لكان أحب إلي مما فعله أخي وقال : (علیه السلام)

فَما ساءَني شَيءٌ كَما ساءَني

أَخي وَلَم أَرضَ لِلَهِ الَّذي كانَ صانِعا

وَلَكِن إِذا ما اللَهُ أَمضى قَضاءَهُ

فَلا بُدَّ يَوماً أَن تَرى الأَمرَ واقِعا .

ص: 207


1- تاريخ مدينة دمشق - ابن عساكر، 13 : 267 .

وَلَو أَنَّني شووِرتُ فيهِ لَما رَأَوا

قَريبَهُم إِلّا عَنِ الأَمرِ شاسِعا

وَلَم أَكُ أَرضى بِالَّذي قَد رَضَوا بِهِ

وَلَو جَمَعَت كُل إِلَيَّ المَجامِعا

وَلَو حُزَّ أَنفي قَبلَ ذَلِكَ حَزَّةً

بِموسى لَما أَلقَيتُ لِلصُلحِ تابِعا» (1)

ويشبهه ما جاء عن المدائني ونقله ابن أبي الحديد في شرح النهج: «... فقال أخوه الحسين (علیه السلام) : لقد كنت كارها لما كان طيب النفس على سبيل أبي حتى عزم علي أخي، فأطعته، وكأنما يجذ أنفي بالمواسي» (2).

وأخف منهما عبارة ما نقله ابن اعتم الكوفي في كتاب الفتوح: «... يا أهل العراق!

فحسبي منكم لا تعزوني في ديني فإني مسلم هذا الأمر إلى معاوية. قال: فقال له أخوه الحسين: يا أخي! أعيذك بالله من هذا ! فقال الحسن: والله لأفعلن ولأسلمن هذا الأمر إلى معاوية» (3).

المجموعة الثانية:

وهي المتحدثة - بزعم من صاغها - عن تهاجر بين الإمامين المطهرين (علیهما السلام) دون أن تحدد سبباً معيناً لذلك:

1- ابن عساكر بسنده عن أبي الحسن علي بن أحمد الفقيه عن أبي الحسن بن أبي الحديد عن جده أبي بكر عن أبي بكر الخرائطي قال: سمعت عمر بن شبة يقول: سمعت أبا الحسن المدائني يقول: «جرى بين الحسن بن علي وأخيه الحسين كلام حتى تهاجرا فلما أتى على الحسن ثلاثة أيام تأثم من هجر أخيه، فأقبل إلى الحسين وهو جالس فأكب على رأسه فقبله فلما جلس الحسن، قال له الحسين: إن الذي منعني من ابتدائك والقيام إليك .

ص: 208


1- كشف الغمة - ابن أبي الفتح الإربلي، 2: 245 .
2- شرح نهج البلاغة - ابن أبي الحديد، 16 : 16 .
3- كتاب الفتوح - أحمد بن أعثم الكوفي، 4: 289 - 290 .

أنك أحق بالفضل مني، فكرهت أن أنازعك ما أنت أحق به». (1)

2- القندوزي عن أبي هريرة قال: بلغني أنه كان بين الحسنين تهاجر، فأتيت الحسين فقلت له: إن أخاك أكبر سناً فاقصده وزره. فقال: إني سمعت جدي (صلی الله علیه و آله) يقول: لا يحل لمسلم أن يهجر أخاه فوق ثلاث ليالٍ، والسابق إلى المصالحة سابق إلى دخول الجنة، فأكره أن أسبقه إلى الجنة. قال: فذهبت إلى الحسن وأخبرت كلام أخيه الحسين. فقال:

صدق أخي، وقام وقصد أخاه وكلمه واعتذرا واصطلحا» (2).

3- جاء في عدد من المصادر كلمات تشابه ما سبق لكن ناقليها كالخوارزمي والاربلي صدّروا ما نقلوه بكلمة التضعيف(قيل)(3).).

ص: 209


1- تاريخ مدينة دمشق - ابن عساكر، 14 : 181 .
2- ينابيع المودة لذوي القربى - القندوزي، 2: 211 - 212 .
3- ينظر موسوعة كلمات الامام الحسين (علیه السلام) - لجنة الحديث في معهد باقر العلوم 254 : (علیه السلام).

ص: 210

محاكمة الشبهة

أولا: مناقشة الأسانيد:

كانت روايات المجموعة الأولى المتعلقة بالصلح كالآتي:

1- سند رواية الطبري ينتهي إلى عوانة وهو «بن الحكم بن عوانة بن عياض الاخباري المشهور الكوفي... وهو كثير الرواية عن التابعين، قل إن روى حديثاً مسنداً وأكثر المدايني عنه، وقد روي عن عبد الله بن المعتز عن الحسن بن عليل العنزي عن عوانة بن الحكم أنه كان عثمانياً فكان يضع الأخبار لبني أمية، مات سنة ثمان وخمسين ومائة» (1). وموته في سنة 158 ه- يضيف مشكلة الإرسال إلى ما سبق نظراً لكون الصلح في عام 41 ه-، ولو ولد في سنة الصلح لكان عمره 117 عاماً!!

2- رواية البلاذري لم يقطع بنقلها عن الحسن البصري حيث قيل في سندها «واحسبه رواه عن الحسن البصري».

ويضاف لذلك بعض الكلام في جرير بن حازم، والد وهب بن جرير، فبالرغم من كونه ثقة عند علماء أهل السنة، إ لا لا أن الوهم حاصل له في بعض الأحيان، كما يعبر عنه محمد بن إسماعيل البخاري في تعليقه على حديث رواه عن انس بن مالك:

«قال الترمذي: سمعت محمدا يعني: البخاري يقول: «وهم جرير بن حازم في هذا4.

ص: 211


1- لسان الميزان - ابن حجر 386:4.

الحديث»(1)، وهو ضعيف جزئياً في قول احمد بن حنبل: «سألت يحيى عن جرير بن حازم فقال: ليس به بأس فقلت له: إنه يحدث عن قتادة عن أنس أحاديث مناكير، فقال: ليس بشيء هو عن قتادة ضعيف»(2)، كما أن الحسن البصري - إن ثبت وقوعه في السند - متهم بالتدليس «والحسن وهو البصري مدلس» (3).

3- أما رواية ابن عساكر المسندة إلى عمرو بن دينار، فصاحبها لم يشهد الصلح عام 41 ه وما جرى فيه لولادته سنة 46 ه حيث إن وفاته كانت سنة 126 ه عن عمر 80 عاما(4).

4- ولا مناقشة مطولة لنا في سند الكلمات والأقاويل التي لم نعثر لها على سند في الفقرة الرابعة، إلا أن أبا مخنف ثقة عند علماء الشيعة(5)، وليس كذلك عند أهل السنة(6)، وناقل أبياته وهو الأربلي لم يقطع بصحة نسبتها إلى الإمام الحسين(علیه السلام)، (7) ما

ص: 212


1- سبل الهدى والرشاد - الصالحي الشامي 8: 221 .
2- العلل - أحمد بن حنبل 3: 10 .
3- أرواء الغليل - محمد ناصر الألباني 4: 394 و 8: 10 .
4- ينظر تذكرة الحفاظ - الذهبي 1: 113 .
5- ينظر معجم رجال الحديث - السيد الخوئي، 15 : 142 ، وفيه «...فهو ثقة مسكون إلى روايته على ما عرفت من النجاشي»، وينظر أيضا الفائق في رواة وأصحاب الإمام الصادق (علیه السلام) - عبد الحسين الشبستري 2: 625 وفيه «أبو مخنف لوط بن يحيى بن سعيد بن مخنف بن سليم بن الحارث بن عوف بن ثعلبة بن عامر بن ذهل الأزدي، الغامدي، الكوفي. من ثقات محدثي الإمامية، ومن العلماء المؤرخين، وشيخ المؤرخين ووجههم بالكوفة، وكان يُسْكَن إلى ما يرويه».
6- ينظر تأريخ ابن معين، الدوري - يحيى بن معين 1: 269 وفيه «سمعت يحيى يقول: أبومخنف ليس بثقة»، وينظر أيضا الجرح والتعديل - الرازي 8: 307 وفيه «خط على اسمه أبى وقال: لوط بن يحيى أبو مخنف متروك الحديث».
7- ينظر كشف الغمة - الاربلي 2: 245 وفيه «قلت إن صح أن هذه الأبيات من شعره عليه السلام فكل منهما يرى المصلحة بحسب حاله ومقتضى زمانه وكلاهما (علیهما السلام) مصيبان فيما اعتمدا وهما

أما المدائني فإن بعض أهل الجرح من أهل السنة قد ضعفه ك ابن عدي الذي ذكره في الكامل فقال: «علي بن محمد بن عبد الله بن أبي سيف المدائني مولى عبد الرحمن بن سمرة ليس بالقوي في الحديث، وهو صاحب الأخبار... قلَّ ما له في الروايات المسندة» (1).

وبالنسبة لروايات المجموعة الثانية فكانت أسانيدها كالآتي:

1- رواية ابن عساكر مرسلة، لأن المدائني الذي تنتهي عنده رجالها، ولد بحدود عام 132 ه بعد استشهاد الإمامين الحسنين (علیهما السلام) بزمن طويل، كما يظهر ذلك من عبارة ابن حجر «مات المدائني سنة أربع وعشرين ومائتين أو سنة خمس وعشرين ومائتين عن ثلاث وتسعين سنة» (2).

2- وتسقط رواية أبي هريرة بسقوطه عن الاعتبار، لأنه أول راوية اتهم في الإسلام كما يعبر ابن قتيبة (3).

3- تضعيف العلامة الأربلي والخوارزمي للمقولات التي أوردوها في كتبهم والمشابهة للقصة السابقة بكلمة (قيل) يغني عن البحث في سندها.

ثانيا: مناقشة الألفاظ:

وردت في المجموعتين ألفاظ تستحق الوقوف عندها، فمما جاء في روايات الأولى:

1- الكلام المفترض من الإمام الحسن (علیه السلام) تجاه أخيه الإمام الحسين (علیه السلام) ووصوله إمامان سيدان قاما أو قعدا فلا يتطرق (علیهما السلام) مقال وهما أعرف بالأحوال في كل حال». .

ص: 213


1- الكامل - عبد الله بن عدي 5: 213 .
2- لسان الميزان - ابن حجر 4: 253 .
3- ينظر شيخ المضيرة ابو هريرة - محمود ابو رية،ص 154 .

الى حد التهديد يفضح ضعف صياغة تلك الروايات، مع اشتهار الإمام الحسن بخلو كلامه من الفحش مع الأعداء والأصدقاء، فكيف يسوغ لهم أن يقولوا: إن قال الإمام لشريكه في التطهير والمباهلة والسيادة على أهل الجنة «اسكت، فأنا أعلم بالأمر منك !!»

في الأولى، و «والله! لئن لم تتابعني لأسندتك في الحديد، فلا تزال فيه حتى أفرغ من أمري!!».

والإدعاء الأدهى هو في الثالثة «والله ما أردت أمرا قط إلا حالفتني إلى غيره والله لقد هممت أن أقذفك في بيت فأطينه عليك حتى أقضي أمري» حيث تتحول المخالفة الى عملية مستمرة ومنذ زمن بعيد !!

ثم انظر للتهديدات المتصاعدة، ولمن وممن!! وهل نأخذ بكلام أولئك الرواة أو نعتصم بقوله تعالى «قُلْ لَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى»؟!

2- التجميل لصورة معاوية على لسان الإمام الحسن (علیه السلام) لا ينفع سليل أمية ولا ينفع أتباعه ومحبيه «فاشاركه في إحسانه!!».

وأي إحسان لابن آكلة الأكباد، وهو المحارب لله ولرسوله ولأمیرالمؤمنين والمشترك في قتل السبطين العظيمين؟!

3- كراهة الإمام الحسين (علیه السلام) لتسلم معاوية مقاليد الحكم لا تقل عن كراهية الإمام الحسن (علیه السلام) لذلك، لكن المصلحة الإسلامية العليا توجب في بعض الأحيان أشياء غير محبوبة بل مبغوضة، ولا يختلف أهل البيت (علیه السلام) في تقبل ذلك، لكن ان يصل الأمر إلى حد تعبير الإمام الحسين (علیه السلام) في الشعر المنقول عليه «فما ساءني شيء كما ساءني أخي» فهذا مما لا يعقل، لأنه يعني نسبة الإساءة إلى أحدهما توجب الخطأ لأحد المعصومين (علیهم السلام).

ص: 214

4- لم يك هناك أي داعٍ لأن يخاطب - بزعمهم - الإمام الحسن (علیه السلام) ابن عمه عبدالله بن جعفر في - الرواية الثالثة - وهو يريد ضمه إلى رأيه بقوله «يا هناه»، والذي لا ينسجم مع ما رواه ابن عدي في الكامل عن رسول الله (صلی الله علیه و آله) : «مكروه أن يدعو أحدكم أخاه يا هناه يا هنا ويا هذا ولكن يدعو بأحب أسمائه إليه» (1).

5- اشتملت الرواية الأولى على كذبة سوداء وهي «لما بلغ أهل الكوفة بيعة الحسن أطاعوه وأحبوه أشد من حبهم لأبيه، واجتمع له خمسون ألفاً» وهي من باب خلط السم بالعسل فهو مدح مزعوم للإمام الحسن (علیه السلام) مع قدح لأبيه أمير المؤمنين (علیه السلام) في نفس الوقت، على أن المدح كان لتخطئة الإمام الحسن (علیه السلام) في قضية الصلح بافتراض وجود الكثرة من الأتباع المزعومين المطيعين!

ومما جاء في المجموعة الثانية:

1- اللفظ «حتى تهاجرا» في رواية ابن عساكر، وادعاء أبي هريرة «بلغني أنه كان بين الحسنين تهاجر» يشعر بتحقق الهجر بين سادة أهل الجنة، وهو فعل محرم كما هو منطوق الروايتين «فلما أتى على الحسن ثلاثة أيام تأثم من هجر أخيه» ، «لا يحل لمسلم أن يهجر أخاه فوق ثلاث ليالٍ» ويستلزم الإيمان بهذا الكلام إبطال للتطهير من كل الذنوب المقصود في الآية الكريمة «إِنَّما يُريدُ اللَّهُ لِيُذهِبَ عَنكُمُ الرِّجسَ أَهلَ البَيتِ وَيُطَهِّرَكُم تَطهيرًا».

2- العجيب أن القول المنسوب في الرواية الثانية يتضمن - كما يزعمون - استمرار ارتكاب الفعل المحرم وهو التهاجر من سيد الشهداء (علیه السلام) لأجل الحفاظ على أسبقية الإمام الحسن (علیه السلام) في الدخول للجنة. .

ص: 215


1- الكامل - عبد الله بن عدي، 2: 204 .

ثالثا: مناقشة المضمون:

لدينا قضيتان مهمتان وردتا في مضامين تلك المرويات، يتوجب علينا الكلام فيهما، ولو باختصار شديد:

القضية الأولى: قضية الصلح وموقف الإمام الحسين (علیه السلام) منها ونقول فيها المختصر الآتي:

من القضايا التي حارت فيها ألباب بعض الناس، وشرقت وغربت موافقة الإمام الحسن (علیه السلام) على إجراء الصلح مع معاوية.

وليس بالمستغرب أن تجد في كل زمان من غير الملتفتين لمقام الإمام الحسن ، (علیه السلام) من يقف معترضاً على قراره الذي اتخذه الإمام (علیه السلام) والذي على ضوئه توقَّف القتال بين الفريقين.

وعدم استغرابنا لذلك ناشيء من الأمثلة التاريخية الكثيرة التي تبرز غياب الفهم الصحيح للمغزى من قرارات الأولياء، وخير مثال في هذا الباب ما حصل من اعتراض على قرار سيد الأنبياء والأولياء (صلی الله علیه و آله) في توقيع وشروط صلح الحديبية، وكما حصل ويحصل لحد الآن من عدم استيعاب لظرف أمير المؤمنين (علیه السلام) بعد وفاة الرسول الأعظم (صلی الله علیه و آله)، وأسباب صبره على الرزايا والخطوب التي نالته ونالت من حرمة البضعة الطاهرة (علیها السلام).

ولو توقف أولئك المعترضون على قرار السبط الأكبر (علیه السلام) عند هذا الحد لهانت مشكلتهم، لكنهم وسعوا الدائرة ليدخلوا - بزعمهم - سيداً من سادات البشر معهم هو الإمام أبي عبد الله الحسين (علیه السلام) مع أن العقل ناطق بعدم جواز ذلك على الأئمة الطاهرين (علیهم السلام).

ص: 216

ودليلنا على استحالة وقوف سيد الشهداء (علیه السلام) في ذلك الموقف الرافض لفعل أخيه وشريكه في سيادة شباب أهل الجنة النقاط الآتية:

1- الإمام الحسن (علیه السلام) هو أحد مصاديق العترة الطاهرة الذين أمرنا الله على لسان رسوله (صلی الله علیه و آله) بالتمسك بهم مع القرآن الكريم في حديث الثقلين، وأخبر عن عدم تفرقهما.

ونتيجة لعدم مفارقة أهل البيت (علیهم السلام) للقرآن الحكيم في كل فعل من أفعالهم، فإن كل أفعالهم مطابقة للحكمة، ولا يمكن بأي حال أن يفترض أحد ما مجانبتها -وحاشاهم- للصواب.

والإمام الحسين (علیه السلام) يعلم هذا في حق أخيه وفي حق نفسه أيضاً.

وبعد التوثق من كون الآمر أو القائد حكيماً بل هو في أعلى درجاتها، لا يبقى معنى للتوقف في تنفيذ أوامره، وبطيب نفسٍ.

2- طاعة أولي الأمر واجبة بنص الآية الكريمة «يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ»(1)، والإمام الحسن (علیه السلام) من أهل هذه الآية عند السنة والشيعة على حد سواء، وافتراض معارضته من الإمام الحسين (علیه السلام) لا يصح لأنه من المطهرين بنص القرآن الكريم.

لكن قد يقول قائل أنه (علیه السلام) اعترض بادئ الأمر ثم أطاع بعد ذلك مرغماً أو على مضض لوجود رأي آخر عنده.

ونجيب هذا المفترض بأن التأريخ ينفي ذلك، ولو كان لدى الإمام الحسين (علیه السلام) رأي آخر حول طريقة مجابهة معاوية لبان منه، بعد استشهاد الإمام الحسن (علیه السلام) ولما انتظر .

ص: 217


1- سورة النساء: 59 .

لمدة تقارب عشرة سنين حتى هلك معاوية، خصوصاً وأن ربيب هند وأبي سفيان لم يترك شرطا اتفق عليه إلا ونقضه.

3- تصديق الخالف المزعوم تكذيب لقول الرسول الأعظم (صلی الله علیه و آله) في حق الحسنين (علیهما السلام) أنهما إمامان قاما أو قعدا، لأن قرار الصلح لو لم يكن عين الصواب في ذلك الظرف، لكان ظلماً للنفس وللأمة، ولا يصح للإمام أن يكون ظالماً، لأن عهد الله (الإمامة) قد ناله.

أما القضية الثانية وهي (التخاصم والتهاجر) فهي مستبعدة عن المعتقدين بعصمة أهل البيت (علیهم السلام)، ولغيرهم نرسل النقاط التالية:

1- الهجر والتباغض والتخاصم بين الناس يحتاج إلى سبب معقول، فما هو السبب الذي يمكن افتراضه لتبرير وقوع الهجر بين أركان العترة الطاهرة ؟!

لو قلنا لأجل المال، ستردنا الروايات الكثيرة التي تتحدث عن كرمهم، وأن التبر عندهم بمنزلة التراب، إضافة إلى الإشادة الربانية التي جاءت بها سورة الإنسان.

أو لأجل سماع كلام معين وهم الذين يمتلكون شجاعة الصفح عن الأعداء فكيف لا يصفح عن أفضل الأخوان ؟

أو لأجل فعل أو قرار اتخذه الإمام كالصلح ؟ وقد بينا وجوب طاعة الإمام الحسين (علیه السلام) لكل قرار يتخذه الإمام الحسن (علیه السلام)، والأسباب التي تمنع من خرم هذا الوجوب.

2- أن الله سبحانه وتعالى أمرنا وجميع المسلمين بوجوب مودة أهل القربى وجعلها أجراً للرسالة المحمدية المطهرة بقوله تعالى: «قُلْ لَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى»،

ص: 218

فلا يعقل بعد هذا أن يُفْ ضَرت أن واحداً من أهل القربى يخالف هذا وهم عدل القرآن الكريم، ومحل وصيته.

ولا يدَّعينَّ أحد أن المودة بين المتخاصمين باقية رغم التباعد بين العظيمين، لأن التهاجر يعني حلول البغض في نفس أحد المتخاصمين، و فقدان الود بين قلبيهما، وهذا مخالف للأمر القرآني ولو للحظة.

3- لا يوجد في التأريخ الصحيح ما يشير إلى وجود مقدمات تبرر لاحقاً القيام بتلك التصرفات، بل أن الإمام الحسين (علیه السلام) كان لا يخاطب الإمام الحسن (علیه السلام)، إلا بأرقى ألفاظ الطاعة والاحترام، ولا يسمح لنفسه بالتقدم عليه حتى بعد تطبيق الصلح، ومن شواهد ذلك القصة التالية التي نقلها السيد المرعشي في شرح إحقاق الحق عن المحاسن والمساوئ للبيهقي - ولا يفوتك الانتباه إلى تعبير الإمام عن أخيه -: «ذكروا أن رجلين أحدهما من بني هاشم والآخر من بني أمية قال هذا: قومي أسمح. وقال هذا: قومي أسمح. قال: فسل أنت عشرة من قومك وأنا أسأل عشرة من قومي. فانطلق صاحب بني أمية فسأل عشرة فأعطاه كل واحد منهم عشرة آلاف درهم، وانطلق صاحب بني هاشم إلى الحسن بن علي رضي الله عنه فأمر له بمائة وخمسين ألف درهم. ثم أتى الحسين (علیه السلام) فقال: هل بدأت بأحد قبلي؟ قال: بدأت بالحسن. قال: ما كنت أستطيع أن أزيد على سيدي شيئاً فأعطاه مائة وخمسين ألفاً من الدراهم، فجاء صاحب بني أمية فحمل مائة ألف درهم من عشرة أنفس، وجاء صاحب بني هاشم فحمل ثلاثة مائة ألف درهم من نفسين، فغضب صاحب بني أمية فردها عليهم فقبلوها وجاء صاحب بني هاشم فردها عليهما فأبيا أن يقبلاها، وقالا: ما كنا نبالي أخذتها أم ألقيتها في الطريق» (1). .

ص: 219


1- شرح إحقاق الحق - السيد المرعشي، 19 : 271 - 272 .

ونضيف إليها من أحاديث الذرية الطاهرة «وأهل مكة أدرى بشعابها» ما روي عن حفيدهما الإمام الباقر (علیه السلام): «ما تكلم الحسين بين يدي الحسن إعظاماً له، ولا تكلم محمد بن الحنفية بين يدي الحسين إعظاماً له» (1). .

ص: 220


1- مناقب آل أبي طالب - ابن شهر آشوب، 3: 169 .

الشبهة الثامنة: جلوس في الطرقات

تتحدث السطور القادمة عن رواية، تفترض جلوس الإمام المجتبى أبي محمد الحسن (علیه السلام) على باب داره، وبينما هو جالس في ذلك المكان ينقطع الطريق ولا يمر به أحد.

والحق أن هذه الشبهة قد تكون أهون الشبهات التي وجدت سبيلها إلى سيرة حياة الإمام (علیه السلام)، بحيث أن الكثيرين يختلفون معي عند عدها من الأشياء التي تمس بقدسيته، بل أن بعض الكتب، يجعل من هذه القصة مضرب المثل عند الحديث عن هيبة السبط الأكبر (علیه السلام) مع كون هذا الفعل (الجلوس في الطرقات) من منافيات المروة، الذي لا يرضى أحد بنسبته لمن هو في مرتبة أقل من مراتب الأئمة كمراجع الدين العظام (1).

إضافة إلى أنها تصور الإمام الحسن (علیه السلام) وكأنه يفتقر إلى عمل يسد به وقت فراغه،».

ص: 221


1- يقول السيد الخوئي (قدس سره) في كتاب الاجتهاد والتقليد شرح ص 279 - 280: «نعم ارتكاب ما يعد خلاف المروة قد يكون أمراً غير مناسب للمرتكب بل هتكاً في حقه، كما إذا خرج أحد المراجع العظام إلى الأسواق بلا عباء أو جلس في الطرقات، أو دخل المقاهي وبالأخص إذا أقترنه بعض الأمور غير المناسبة، فإنه لا شبهة في أنه هتك في حقه وموجب لسقوطه عن الأنظار، ومثله ينافي العدالة لا محالة إلا أنه لا لأنه خلاف المروة والتعارف. بل من جهة أنه محرم شرعاً، إذ كما يحرم على المكلف أن يهتك غيره كذلك يحرم عليه أن يهتك نفسه، لأنه أيضاً مؤمن محترم».

مع حاجة المجتمع إليه، وحاجته إلى التزود والارتواء من معين القرب من رب العالمين كما هو ديدن(1) جده وأبيه وأمه (صلی الله علیه و آله).ٌ.

ص: 222


1- ديدن: عادة ودأبٌ.

مستند الشبهة

رواية مرسلة تنقل في الكتب عن محمد بن إسحاق قال: «ما بلغ أحد من الشرف بعد رسول الله ما بلغ الحسن كان يبسط له على باب داره فإذا خرج وجلس انقطع الطريق، فما مر أحد من خلق الله إجلالا له، فإذا علم قام ودخل بيته فمر الناس» (1)

محاكمة الشبهة:

أولاً: مناقشة السند:

وواضح من كلامنا المتقدم أن هذه الحكاية من المرسلات، لأن محمد بن اسحاق (ولد بالمدينة المنورة حدود سنة 85) (2)، ولذلك تحتاج روايته لتفاصيل من حياة الإمام الحسن (علیه السلام) إلى شخص آخر يَسند عنه، يكون موجوداً قبل حلول سنة 50 ه .

ثانياً: مناقشة الألفاظ:

تحاول الرواية جعل أمر الجلوس في الطرقات يتكرر ويصبح وكأنه شيء يومي، ولفترة زمنية من فترات النهار ليست بالقصيرة تكفي لمعرفة الناس بخروجه وجلوسه فلا يمر أحد، وتجعل الإمام منشغلاً عن الناس حتى إذا انقطع الطريق، والتفت إلى ذلك، أصلح الوضع «فإذا علم قام ودخل بيته فمر الناس». .

ص: 223


1- مناقب آل أبي طالب - ابن شهر آشوب 3: 174 .
2- الفائق في رواة وأصحاب الإمام الصادق (علیه السلام) - عبد الحسين الشبستري 3: 28 .

ثالثا: مناقشة المضمون:

هذه الحكاية المرسلة تنسب شيئاً لا يليق بقدسية المعصومين (علیه السلام)، فالجلوس في الطرقات مما جاء فيه تنبيه من رسول الله (صلی الله علیه و آله) لعامة المسلمين على فعله، كما ينص الحديث الذي رواه البخاري في صحيحه عن أبي سعيد الخدري عن النبي (صلی الله علیه و آله) قال: «إياكم والجلوس على الطرقات، فقالوا: مالنا بد إنما هي مجالسنا نتحدث فيها، قال: فإذا أبيتم إلا المجالس فأعطوا الطريق حقها، قالوا وما حق الطريق؟ قال: غض البصر وكف الأذى ورد السلام وأمر بالمعروف ونهى عن المنكر»(1)، كما انه مخالف للوصية التي أسداها أمير المؤمنين (علیه السلام) لأمة أخيه عبر الإمام الحسن (علیه السلام): «وإياك والجلوس في

الطرقات» (2).

ولا يحتاج أهل السيرة أن يمثلوا بهذه الحكاية لهيبة الإمام (علیه السلام)، فإن في المباهلة كفاية لمن يريد، حيث أجبرت هيبة رسول الله (صلی الله علیه و آله) وأمير المؤمنين والزهراء البتول والسبطين الكريمين، نصارى نجران على التراجع ودفع الجزية كما يشهد بذلك المقطع الآتي:

«... وكان رسول الله (صلی الله علیه و آله) خرج وعليه مرط من شعر أسود، وكان قد احتضن الحسين وأخذ بيد الحسن، وفاطمة تمشي خلفه، وعلي رضي الله عنه خلفها، وهو يقول: إذا دعوت فأمنوا، فقال أسقف نجران: يا معشر النصارى، إني لأرى وجوها لو سألوا الله أن يزيل جبلاً من مكانه لأزاله بها، فلا تباهلوا فتهلكوا ولا يبقى على وجه الأرض نصراني إلى يوم القيامة» (3).

كما أن مما يدل على هيبة الإمام الحسن (علیه السلام) طاعة أخيه وسيد شباب أهل الجنة أبي .

ص: 224


1- صحيح البخاري - البخاري، 3: 103 .
2- الامالي - الشيخ المفيد، 222 .
3- تفسير الرازي - الرازي، 8: 85 .

عبد الله الحسين (علیه السلام) فيما روي عن الإمام الباقر (علیه السلام) قال: «ما تكلم الحسين بين يدي الحسن إعظاماً له، ولا تكلم محمد بن الحنفية بين يدي الحسين إعظاماً له» (1).

وقد اشتهر عن واصل بن عطاء: «كان الحسن بن علي عليه سيماء الأنبياء وبهاء الملوك» (2). .

ص: 225


1- مناقب آل أبي طالب - ابن شهراشوب، 3: 169 .
2- المصدر السابق، 3: 176 .

ص: 226

الشبهة التاسعة: الجهل بحاله

ومع كل النصوص القرآنية التي أشادت بفضل الإمام الحسن (علیه السلام) في الدنيا والآخرة، وكونه أحد المطهرين من الرجس، وأحد أبناء النبي (صلی الله علیه و آله) الذين أمر الله تبارك وتعالى نبيه الكريم (صلی الله علیه و آله) بدعوته للمشاركة في الانتصار على نصارى نجران في الواقعة المشهورة ب (المباهلة) (1)، وغير ذلك من الفضائل الواردة في الأحاديث النبوية الكريمة، إلا أن بعض المرويات تأبى الانصياع لذلك، وتبقى تشكك في مصيره بعد الموت ومعرفته لحسن عاقبته، وسيادته لأهل الجنة، مع أخيه الإمام الحسين (علیه السلام)، لذلك فهي تستحق بعض السطور منا.

مستند الشبهة:

وهما نوعان من المرويات، لم اعثر عليهما في مصادرها الرئيسية، إلا أني وجدتها في كتب بعض الأجلاء من علماء مدرسة أهل البيت (علیهم السلام):

1- ما حكاه ابن شهراشوب في مناقب آل أبي طالب (علیه السلام) قال: «وحكى أن الحسن (علیه السلام) لما أشرف على الموت قال له الحسين (علیه السلام) : أريد أن أعلم حالك يا أخي، فقال [له] الحسن: سمعت النبي (صلی الله علیه و آله) لا يفارق العقل منا أهل البيت ما دام الروح فينا فضع 1.

ص: 227


1- قال تعالی: «فَمَنْ حَاجَّكَ فِيهِ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ فَقُلْ تَعَالَوْا نَدْعُ أَبْنَاءَنَا وَأَبْنَاءَكُمْ وَنِسَاءَنَا وَنِسَاءَكُمْ وَأَنْفُسَنَا وَأَنْفُسَكُمْ ثُمَّ نَبْتَهِلْ فَنَجْعَلْ لَعْنَتَ اللَّهِ عَلَى الْكَاذِبِينَ» آل عمران: 61.

يدك في يدي حتى عاينت ملك الموت أغمز يدك فوضع يده في يده فلما كان بعد ساعة غمز يده غمزا خفيفا فقرب الحسين أذنه إلى فمه فقال: قال لي ملك الموت أبشر فإن الله عنك راض وجدك شافع» (1).

2- ما نقله الأربلي في كشف الغمة: «لما حضرت الحسن الوفاة جعل يسترجع فأكب عليه ابنه عبد الله فقال: يا أبه هل رأيت شيئاً؟ فقد غممتنا، فقال (علیه السلام): أي بنى هي والله نفسي التي لم أصب بمثلها» (2). .

ص: 228


1- مناقب آل أبي طالب - ابن شهر اشوب 3:204 .
2- كشف الغمة - ابن أبي الفتح الاربلي 2: 174 .

محاكمة الشبهة

أولا: مناقشة الأسانيد:

كما رأيتم فإن هذين النموذجين عبارة عن مراسيل ذكرت في الكتب وخلت من أية إشارة إلى من رُوِيَتْ عنه.

ثانيا: مناقشة الألفاظ:

في الرواية الأولى مع تسليم الإمامين (علیهما السلام) بما قاله ملك الموت فإنه ضرب لقول الرسول الأعظم (صلی الله علیه و آله) : «الحسن والحسين سيدا شباب أهل الجنة وأبوهما خير منهما»(1)، عن طريق الشك ممن قيل في حقهما، وهذا دليل كاف يثبت وضع هذه الكلمات على لسان الحسنين (علیهما السلام).

أما الرواية الثانية فأمرها هين، لأن الحسن الموجود فيها هو الحسن البصري وليس الإمام المجتبى (علیه السلام)، وقد ذكر الذهبي هذه الرواية في سيرة الحسن البصري من سير أعلام النبلاء.(2)

ثالثا: مناقشة المضمون:

لا مناقشة لدينا، فبطلان ما تحمله من لا يتفق والمنزلة التي تبوأها الإمام الحسن (علیه السلام) في قلوب المسلمين، والخلط بين حالات الحسن البصري وإضافتها إلى الإمام الحسن المجتبى (علیه السلام) تكرر لأكثر من مرة. .

ص: 229


1- المستدرك - الحاكم النيسابوري 167:3، وقال فيه الحاكم : (هذا حديث صحيح بهذه الزيادة ولم يخرجاه).
2- ينظر سير أعلام النبلاء - الذهبي 4: 587 .

ص: 230

الشبهة العاشرة: جزع عند الموت

من المسموع كثيراً جزع بعض الناس العاديين حين وصوله إلى خاتمة رحلته في عالم الدنيا، وتضطرب نفسه خوفا من مصيره المجهول، أما أن يكون الجزع لأحد المعصومين (علیهم السلام) وأحد سيدي شباب أهل الجنة، فهذا شيء غير منطقي وغير مقبول أبدا، وهذا ما نرغب في تأكيده في السطور القادمة.

مستند الشبهة:

قمت بتقسيم الروايات التي ذُكِرَ فيها هذا المعنى إلى مجموعتين بحسب تقاربها في المضمون والألفاظ.

أولا: المجموعة الأولى: وسأطلق عليها (روايات الجزع) نظرا لوصفهم الإمام الحسن (علیه السلام) فيها بأنه جزع في حال الاحتضار:

1- تأريخ يحيى بن معين، قال عباس بن محمد الدوري سمعت يحيى بن معين يقول: «لما ثقل الحسن بن علي دخل عليه الحسين فقال يا أخي لأي شيء تجزع تقدم على رسول الله (صلی الله علیه و آله) وعلى علي بن أبي طالب وهما أبواك وعلى خديجة بنت خويلد وفاطمة بنت محمد وهما أماك وعلى حمزة بن عبد المطلب وجعفر بن أبي طالب

ص: 231

وهما عماك قال يا أخي أقدم على أمر لم أقدم على مثله» (1).

2- رواية ابن عساكر التي في سندها المدائني وينتهي سندها إلى أبي عبد الرحمن بن عيسى بن مسلم الحنفي وهي مشابهه لسابقتها مع عدم تأكيد الجزع، قال فيها: «... لما حضرت الحسن بن علي الوفاة كأنه جزع عند الموت...» (2).

3- عدة أقوال، والفرق هنا بين القول والرواية هو عدم ذكر سلسلة الرجال الذي نقلوا اليهم تلك المرويات، وابرز هذه الأقوال قول ابن نعيم الذي ذكره ابن عساكر في تأريخه (3)، وذكرته عدة مصادر بالإضافة إلى قول الزرندي في كتابيه (نظم درر السمطين: 203)، و(معارج الوصول إلى فضل آل الرسول: 79)،وقول الفضل بن دكين الذي نقله ابن الأثير في أسد الغابة 2: 15 ، ولأن أقسى هذه الأقوال ما وجدته في الكتاب الثاني للزرندي (معارج الوصول) سأنقل لفظه: «وجزع حسن (رضی الله عنه) عند موته جزعا شديداً فقال له الحسين: يا أخي ما هذا الجزع، إنك ترد على رسول الله (صلی الله علیه و آله) وعلى علي وهما أبواك، وعلى خديجة وفاطمة وهما أماك، وعلى القاسم والطاهر وهما خالاك، وعلى حمزة وجعفر وهما عماك. فقال له: يا أخي ألست أقدم على هول عظيم وخطب جسيم، لم أقدم على مثله قط، ولست أدري أتصير نفسي إلى الجنة، وأهنيها، أم إلى النار فأعزيها». .

ص: 232


1- ونقلتها كتب عديدة كتأريخ مدينة دمشق - ابن عساكر 13 : 287 ، ومثلها مرسلا عن عبد العزيز بن الاخضر الجنابذي (وهو من الحنابلة) في كشف الغمة ج 2 ص 210 وفيها «... أي أخي اني أدخل في أمر من أمر الله لم أدخل في مثله وأرى خلقا من خلق الله لم ار مثله قط» وفي كشف الغمة أيضا 2:174 - 175 مرسلا عن يونس بن عبيد وفيها «... أي أخي اني أدخل في أمر من أمر الله لم أدخل في مثله».
2- تأريخ مدينة دمشق - ابن عساكر 13 : 286 .
3- المصدر السابق 13 : 287 .

المجموعة الثانية: روايات البكاء الشديد

وهي التي خفف فيها الجزع وأبدل بالبكاء الشديد:

1- رواية ابن عساكر أخبرنا أبو القاسم إسماعيل بن أحمد أنا محمد بن هبة الله عن أبي الحسين علي بن محمد بن بشران عن الحسين بن صفوان عن أبي بكر بن أبي الدنيا حدثني يوسف بن موسى حدثني مسلم بن أبي حية الرازي عن جعفر بن محمد عن أبيه قال «لما أن حضر الحسن بن علي الموت بكى بكاء شديداً فقال له الحسين ما يبكيك يا أخي وإنما تقدم على رسول الله (صلی الله علیه و آله) وعلى علي وفاطمة وخديجة وهم ولدوك وقد أجرى الله لك على لسان نبيه (صلی الله علیه و آله) انك سيد شباب أهل الجنة وقاسمت الله مالك ثلاث

مرات ومشيت إلى بيت الله على قدميك خمس عشرة مرة حاجا وإنما أراد أن يطيب نفسه قال فو الله ما زاده إلا بكاء وانتحاباً وقال يا أخي أني أقدم على أمر عظيم مهول لم أقدم على مثله قط» (1)

2- ما أرسله القطب الراوندي في الخرائج والجرائح: قال: «روي أن الصادق (علیه السلام) قال: لما إن حضرت الحسن بن علي (علیه السلام) الوفاة بكى بكاءاً شديداً، وقال: أني أقدم على أمر عظيم وهول لم أقدم على مثله قط» (2). .

ص: 233


1- تاريخ مدينة دمشق - ابن عساكر 13 : 287 .
2- الخرائج والجرائح - قطب الدين الراوندي 1:242 .

ص: 234

محاكمة الشبهة

أولا: مناقشة الأسانيد:

كانت روايات المجموعة الأولى مراسيل لم تنتهِ إلى أحد معاصري الإمام الحسن ، (علیه السلام) فيحيى بن معين أحد أعلام أهل السنة، ولد في عام 158 ه- وتوفي في عام 233 ه- (1)، وكذلك الحال في أبي عبد الرحمن بن عيسى بن مسلم الحنفي حيث قال فيه ابن حجر في تقريب التهذيب: «الحسين بن عيسى بن مسلم الحنفي أبو عبد الرحمن ضعيف من الثامنة» (2)، وبالإضافة إلى الإرسال فقد قيل فيه «قال البخاري مجهول وحديثه منكر وقال أبو زرعة منكر الحديث وقال أبو حاتم ليس بالقوي روى عن الحكم بن ابان أحاديث منكرة وقال ابن عدي له من الحديث شئ قليل وعامة حديثه غرائب وفي بعض حديثه مناكير. وذكره ابن حبان في الثقات. أخرجا له حديثا واحدا ليؤذن لكم خياركم وليؤمكم قراؤكم. وهو الذي أشار إليه البخاري. قلت: وذكر الدارقطني أن حسينا تفرد به عن الحكم وقال الآجري عن أبي داود بلغني أنه ضعيف» (3)

أما الأقوال فلا سند يذكر لها حتى يتبين حالها.

وكانت روايات المجموعة الثانية عن الإمام الصادق (علیه السلام)، وأولاها عن مسلم بن أبي حية الرازي، قال عنه في الفائق في رواة وأصحاب الإمام الصادق (علیه السلام): «ابن أبي حبة، .

ص: 235


1- ينظر تأريخ ابن معين، الدارمي - ابن معين: 3.
2- تقريب التهذيب - ابن حجر 1:217 .
3- تهذيب التهذيب - ابن حجر 2:313 .

سلمة، وقيل مسلم، وقيل سليم بن أبي حبة، وقيل أبي حية. محدث إمامي مجهول الحال، وقيل من المعتمدين»(1)، وقد حسّن بعض العلماء حاله في الجملة كالوحيد (قدس سره)، (2) والظاهر أنه بسبب رواية قول الإمام الصادق (علیه السلام) له: ائت أبان بن تغلب فإنه قد سمع مني حديثا كثيرا، فما روى لك عني فاروه عني، لكن السيد الخوئي (قدس سره) في معجمه قال عن هذه الرواية: «لكن الرواية ضعيفة مع أن الموجود في النجاشي سليم بن أبي حبة وقد تقدم» (3).

أما رواية القطب الراوندي (قدس سره) فظاهرها الإرسال لعدم ذكر سندها، ولعلها تشترك مع ما تقدم من رواية مسلم بن أبي حية الرازي، والله العالم.

ثانيا: مناقشة الألفاظ:

يلاحظ على روايات الجزع أن الأولى تثبت الجزع بالقول المنسوب للإمام الحسين (علیه السلام) «يا أخي لأي شيء تجزع»، بينما كانت الثانية شاكة في حصول ذلك «كأنه جزع عند الموت» بينما رفع قول الزرندي في معارج الوصول مستوى الجزع وجعله «جزعا شديدا !!»

وذكرت الرواية الأولى سببا للجزع على لسان الإمام (علیه السلام)، هو «أقدم على أمر لم أقدم على مثله» وكأن الإمام (علیه السلام) لم يقدم على الموت، حينما خاض الحروب في حياة أبيه أمير المؤمنين (علیه السلام) وبعد خلافته.

واستطاع قول الزرندي إضافة شيء آخر لسبب الجزع، هو شك الإمام الحسن (علیه السلام) .

ص: 236


1- الفائق في رواة وأصحاب الإمام الصادق (علیه السلام) - عبد الحسين الشبستري 2:70 .
2- ينظر معجم رجال الحديث - السيد الخوئي 9: 225 .
3- معجم رجال الحديث - السيد الخوئي 19:162 .

في حسن خاتمته «لست أدري أتصير نفسي إلى الجنة، وأهنيها، أم إلى النار فأعزيها !!»

وفي هذا جرأة واضحة من الواضع في رد كلام رسول الله (صلی الله علیه و آله) في حق السبطين العظيمين (علیهما السلام) وكونهما سيدي شباب أهل الجنة.

ويحق لنا أن نعترض على طريقة ذكر أسماء الذين سيرد عليهم الإمام بعد استشهاده بدون تلقيب كما فعل مع رسول الله (صلی الله علیه و آله)، ولا أقل أمير المؤمنين (علیه السلام) وسيدة النساء (علیها السلام) خصوصا وإن القائل والمستمع بحسب النص ولداهما (علیهما السلام).

ولم يكتف أولئك المغرضون من الإمام الحسن المجتبى (علیه السلام) حتى رووا لولده الحسن المثنى (رضی الله عنه) مثل هذا الجزع وبألفاظ تقارب ألفاظ روايات هذه المجموعة عن طريق الزبير بن بكار ولسبب يمس بكرامة الذرية الطاهرة.

أما المجموعة الثانية روايات البكاء الشديد فإن أولاها (رواية ابن عساكر) فيها ما يشبه الاستهانة إن لم تكن هي بعينها في قوله «وقد أجرى الله لك على لسان نبيه (صلی الله علیه و آله) انك سيد شباب أهل الجنة» ثم استمرار الإمام الحسن (علیه السلام) بالبكاء بل «ما زاده إلا بكاءا وانتحابا» وكأنه غير قانع بأنه سيد شباب أهل الجنة.

وليت شعري كيف صار مستوى البكاء إذا كان الإمام يبكي في البداية بكاءا شديدا ثم زاده قول رسول الله (صلی الله علیه و آله) بكاءاً وانتحاباً؟!

ثالثا: مناقشة المضمون

هذه الروايات والأقوال السابقة تحوم حول إدعاء تعرض الإمام الحسن المجتبى (علیه السلام)، لحالة الجزع في أواخر أيام حياته الكريمة، بعد أن نجحت الخطة الأموية في دس السم إليه.

ص: 237

ولهذه الكلمات المزورة قصدان واضحان،أولهما تبرير حالة الجزع التي مر بها العديد من الحكام الذين قفزوا إلى واجهة السلطة، واكتسبوا أعظم المآثم وتحملوا أشد الأوزار.

والقصد الثاني وهو لا يقل أهمية عند أولئك العبيد للذهب والفضة الموجودين بكثرة في خزائن أعداء أهل البيت (علیهم السلام) وأعداء الإمام الحسن (علیه السلام) بالخصوص ومنهم الأمويين والزبيريين وأخيرا وليس آخرا العباسيين الذين ذاقوا الويلات وارتجفت عروشهم بفعل ثورات العلويين وأحفاد الإمام المجتبى(علیه السلام).

وكان من الطبيعي أن يتجنى بعض الطامعين في القرب من رؤوس الطغيان ويفتعلوا أمورا لم ترد في حياة سواه من الأئمة الطاهرين (علیهم السلام) وساعدهم في ذلك أمران هما استشهاد ابن رسول الله (صلی الله علیه و آله) في بيته، وما يتبعه ذلك من الضعف الإعلامي الذي يوثق لتلك اللحظات الأخيرة من حياة حبيب رسول الله (صلی الله علیه و آله) وأحدى ريحانتيه من الدنيا إضافة إلى بعد المسافة عن عصر التدوين مما يسهل التحوير والتدوير في القضايا التأريخية.

والعجيب أن الجزع عند الموت غير موجود في حياة الأئمة الطاهرين (علیهم السلام) السابقين للإمام المجتبى واللاحقين له، بل وحتى في قاموس الخيرة من أصحابهم الأجلاء (رضی الله عنهم)، فكيف يدعى مثل ذلك لسبط رسول الله (صلی الله علیه و آله) المضمونة له أعلى المراتب الأخروية بنص القرآن الكريم وأقوال خاتم النبيين(صلی الله علیه و آله).

فهذه كلمة أمير المؤمنين (علیه السلام) ووالد الأئمة الطاهرين (علیهم السلام) حينما ضربه أشقى الأشقياء ابن ملجم (لعنه الله) «فزتُ وربِّ الكعبة»لا تزال مدويةً على مر العصور، تصم آذان المشككين ولا زال صبر الإمام الحسين (علیه السلام) وهو السيد الآخر لشباب أهل الجنة يمتحن الصبر وهو يقدم القربان تلو الآخر في كربلاء العز ويتلقى الرماح

ص: 238

والسيوف ولسان حاله يردد:

تركت الخلق طرا في هواكا

وأيتمت العيال لكي أراكا

فلو قطعتني بالحب إربا

لما مال الفؤاد إلى سواكا

ولاستكمال التمثيل بالأناس العاديين، ولإرغام أنوف الواضعين لهذه الإدعاءات الكاذبة في حق الإمام الحسن (علیه السلام) ننقل ما رواه الحاكم في مستدركه عن قصة أحد أصحاب النبي (صلی الله علیه و آله)، ثم نستفهم مستنكرين:

«قال رسول الله (صلی الله علیه و آله) يوم بدر قوموا إلى جنة عرضها السماوات والأرض قال عمير بن الحمام الأنصاري: يا رسول الله عرضها السماوات والأرض بخ بخ لا والله يا رسول الله لابد أن أكون من أهلها قال فإنك من أهلها فاخرج تميرات فجعل يأكل ثم قال لئن حييت حتى آكل تمراتي انها لحياة طويلة قال فرمى بما كان معه من التمر ثم قاتلهم حتى قتل» (1).

فإذا كان أحد الأصحاب يستبشر بقول رسول الله (صلی الله علیه و آله) حينما قال له: أنت من أهل الجنة، فيستعجل اللحاق بأهلها، فكيف يجزع من قربها أحد سادات أهلها؟!

ونترك المرددين لهذه الشبهات حائرين في الرد ونختم بقصة أخرى من كربلاء، أبطالها وإن كانوا من قمم الرجال إلا أنهم لا يصلون إلى مرتبة الإمام الحسن في الدنيا والآخرة: «وقف على باب الفسطاط برير بن خضير الهمداني وعبد الرحمن ابن عبد ربه الأنصاري فجعل برير يضاحك عبد الرحمن فقال: يا برير ما هذه ساعة باطل، فقال: برير والله ما أحببت الباطل قط وإنما فعلت ذلك استبشارا بما نصير إليه» (2). .

ص: 239


1- المستدرك - الحاكم النيسابوري 3: 426 .
2- مثير الأحزان - ابن نما الحلي: 39 .

ص: 240

الشبهة الحادية عشر: عدم معرفة قاتله

تميز أهل البيت (علیهم السلام) بغزارة العلم الذي استقوه من جدهم الأعظم رسول الله ، (صلی الله علیه و آله) وكان سيدهم أمير المؤمنين (علیه السلام) يقول: «علمني رسول الله (صلی الله علیه و آله) ألف باب، كل باب يفتح له ألف باب»، وكذلك بقية الأئمة الطاهرين (علیهم السلام)، وكانت علومهم واضحة للعيان وجلية لا تحتاج إلى بيان لأن من صفات الإمام أن يكون أعلم الناس، غير محتاج إلى سواه.

ومن العلوم التي نبأهم بها الله (تبارك وتعالى) على لسان خاتم النبيين (صلی الله علیه و آله)، علم المنايا والبلايا، وقد اشتهرت عنهم الأحاديث الكثيرة المثبتة لذلك، فقد كان أمير المؤمنين (علیه السلام) يعلم بأن أشقى الآخرين عبد الرحمن بن ملجم (لعنه الله) هو المتولي لقتله (1)، كما أن سيدد.

ص: 241


1- جاء في الاستيعاب - ابن عبد البر «:3:1127 جاء عبد الرحمن بن ملجم يستحمل علياً فحمله ثم قال: أريد حياته ويريد قتلي عذيري من خليلي من مراد أما إن هذا قاتلي قيل فما منعك منه قال إنه لم يقتلني بعد وأتى علي (رضی الله عنه) فقيل له إن ابن ملجم يسم سيفه ويقول إنه سيفتك بك فتكة يتحدث بها العرب فبعث إليه فقال له لم تسم سيفك قال لعدوي وعدوك فخلى عنه وقال ما قتلني بعد»، وقريب منه ما في شرح نهج البلاغة - ابن أبي الحديد 114 : 6 - 115 «قال أبو الفرج: وحدثني محمد بن الحسن الأشنانداني وغيره، قال: أخبرني علي بن المنذر الطريقي، قال: حدثنا ابن فضيل قال: حدثنا فطر، عن أبي الطفيل، قال: جمع علي (علیه السلام) الناس للبيعة، فجاء عبد الرحمن بن ملجم فرده على مرتين أو ثلاثا، ثم مد يده فبايعه، فقال له علي: ما يحبس أشقاها! فوالذي نفسي بيده لتخضبن هذه من هذه، ثم أنشد: اشدد حيازيمك للموت فإن الموت لاقيكا ولا تجزع من الموت إذا حل بواديكا قال أبو الفرج: وقد روى لنا من طرق غير هذه، أن علياً أعطى الناس، فلما بلغ ابن ملجم أعطاه، وقال له: أريد حياته ويريد قتلي عذيرك من خليلك من مراد.

الشهداء الإمام الحسين (علیه السلام) كان يعلم بتفاصيل ما ستجري عليه الأمور ومصيره ومصير عائلته في كربلاء(1)، وتفوق العديد من تلاميذ أمير المؤمنين (علیه السلام) بهذا العلم - والإمام الحسن (علیه السلام) أعلى شأناً منهم وأكثر قرباً- كرشيد الهجري (رضی الله عنه) (2)، وميثم التمار (رضی الله عنه).(3) .

ص: 242


1- خطب الإمام الحسين (علیه السلام) في مكة المكرمة حين عزم على الخروج منها متوجهاً إلى العراق فقال كما في (مثير الأحزان - ابن نما الحلي: 29): «الحمد لله وما شاء الله ولا قوه إلّا بالله خط الموت على ولد آدم مخط القلادة على جيد الفتاة وما أولهني إلى اسلافي اشتياق يعقوب إلى يوسف وخير لي مصرع انا لاقيه كأني وأوصالي يتقطعها عسلان الفلوات بين النواويس وكربلاء فيملآن منى أكراشا جوفا وأجربة سغبا لا محيص عن يوم خط بالقلم رضى الله رضانا أهل البيت نصبر على بلائه ويوفينا أجور الصابرين لن تشذ على رسول الله لحمته وهي مجموعة له في حظيرة القدس تقر بهم عينه وينجز بهم وعده».
2- وهو من خيرة أصحاب أمير المؤمنين (علیه السلام)، ومما ينقل عن علمه، ما رواه الشيخ المفيد (قدس سره) في الاختصاص بسنده عن أبي حسان العجلي عن قنوا بنت رشيد الهجري، قال: قلت لها: أخبريني بما سمعت من أبيك، قالت: سمعت أبي يقول: حدثني أمير المؤمنين (علیه السلام): «يا رشيد، كيف صبرك إذا أرسل إليك دعي بني أمية؟ فقطع يديك ورجليك ولسانك» فقلت: يا أمير المؤمنين، آخر ذلك الجنة، قال: «بلى يا رشيد، أنت معي في الدنيا والآخرة»، فوالله ما ذهبت الأيام حتى أرسل إليه الدعي عبيد الله ابن زياد، فدعاه إلى البراءة من أمير المؤمنين (علیه السلام)، فأبى أن يبرأ منه. فقال له الدعي: فبأي ميتة قال لك تموت؟ قال: أخبرني خليلي انك تدعوني إلى البراءة منه فلا أبرأ منه، فتقدمني فتقطع يدي ورجلي ولساني».
3- جاء في كتاب خصائص الأئمة - الشريف الرضي: 54 - 55 : عن ميثم التمار (رضی الله عنه) : «دعاني أمير المؤمنين - (علیه السلام) - يوما فقال لي يا ميثم كيف أنت إذا دعاك دعي بني أمية عبيد الله بن زياد إلى البراءة مني؟ قلت: إذا والله أصبر، وذاك في الله قليل، قال: يا ميثم إذاً تكون معي في درجتي. وكان ميثم يمر بعريف قومه فيقول: يا فلان كأني بك قد دعاك دعي بني أمية وابن دعيها فيطلبني منك، فتقول هو بمكة، فيقول: لا أدري ما تقول، ولا بدلك أن تأتي به. فتخرج إلى القادسية فتقيم بها أياما، فإذا قدمت عليك ذهبت بي إليه حتى يقتلني على باب دار عمرو بن حريث، فإذا كان اليوم الثالث ابتدر من منخري دم عبيط. قال: وكان ميثم يمر في السبخة بنخلة فيضرب بيده عليها، ويقول: يا نخلة ما غُذِّيتِ إلا لي، وكان يقول لعمرو بن حريث: إذا جاورتك فأحسن جواري، فكان عمرو يرى أنه يشتري عنده دارا أو ضيعة له بجنب ضيعته فكان عمرو يقول: سأفعل، فأرسل الطاغية عبيد الله بن زياد إلى غريف ميثم يطلبه منه فأخبره أنه بمكة فقال له: إن لم تأتني به لأقتلنك فأجله أجلا وخرج العريف إلى القادسية ينتظر ميثما، فلما قدم ميثم أخذ بيده فأتى به عبيد الله بن زياد، فلما أدخله عليه، قال له: ميثم، قال: نعم، قال: إبرأ من أبي تراب. قال: لا أعرف أبا تراب قال: إبرأ من علي بن أبي طالب قال: فإن لم أفعل؟ قال: إذا والله أقتلك. قال: أما إنه قد كان يقال لي إنك ستقتلني، وتصلبني على باب عمرو بن حريث، فإذا كان اليوم الثالث ابتدر من منخري دم عبيط. قال: فأمر بصلبه على باب عمرو بن حريث، فقال للناس: سلوني، سلوني - وهو مصلوب - قبل أن أموت، فوالله لأحدثنكم ببعض ما يكون من الفتن فلما سأله الناس وحدثهم أتاه رسول من ابن زياد - لعنه الله - فألجمه بلجام من شريط، فهو أول من ألجم بلجام وهو مصلوب، ثم أنفذ إليه من وجاء جوفه حتى مات فكانت هذه من دلائل أمير المؤمنين(علیه السلام).

وقد توارث الأئمة من أهل البيت (علیهم السلام) جيلا بعد جيل هذه العلوم، ورُوِيَتْ الكثير من الروايات التي تؤكد هذا المعنى. ولأجل التماس المثال سنكتفي بما رواه إسحاق بن عمار، من كلام الإمام الكاظم (علیه السلام) سابع الأئمة والملقب ب (العبد الصالح)، قال: «سمعت العبد الصالح ينعى إلى رجل نفسه، فقلت في نفسي: وإنه ليعلم متى يموت الرجل من شيعته!؟ فالتفت إلي شبه المغضب، فقال: يا إسحاق قد كان رشيد الهجري يعلم علم المنايا والبلايا والإمام أولى بعلم ذلك، ثم قال: يا إسحاق اصنع ما أنت صانع، فإن عمرك قد فني وإنك تموت إلى سنتين وإخوتك و أهل بيتك لا يلبثون بعدك إلا يسيرا حتى تتفرق كلمتهم ويخون بعضهم بعضا حتى يشمت بهم عدوهم، فكان هذا في نفسك فقلت: فإني أستغفر الله بما عرض في صدري، فلم يلبث إسحاق

ص: 243

بعد هذا المجلس إلا يسيرا حتى مات، فما أتى عليهم إلا قليل حتى قام بنو عمار بأموال الناس فأفلسوا» (1).

فلا يعقل أن ينفرد الإمام الحسن (علیه السلام) وهو سيد شباب أهل الجنة وسبط رسول الله (صلی الله علیه و آله) بعدم المعرفة بهذا الباب.

على أن المقصود الحقيقي لهذه الشبهة - كما يتضح من أدنى التفاتة - هو محاولة إخفاء معالم تلك الجريمة البشعة، شيئا فشيئا باعتبار أن المقتول وأقرب الناس إليه لا يعلمون بذلك، وصولا لتبرئة المخطط الرئيسي لها - وهو معاوية بن أبي سفيان - لعدم كفاية الأدلة!!

مستند الشبهة:

وكان مستند الشبهة ثلاث روايات:

1- الرواية المسندة إلى عمير بن إسحاق، وهي أكثر الروايات تداولا وشهرة، وسننقل نصها كما ورد في إحدى أقدم الكتب، وهو مصنف ابن أبي شيبة: «دخلت أنا ورجل على الحسن بن علي نعوده فقال يا فلان سلني قال لا والله لا نسألك حتى يعافيك الله ثم نسألك قال ثم دخل ثم خرج إلينا فقال سلني قبل أن لا تسألني قال بل يعافيك الله ثم أسألك قال قد القيت طائفة من كبدي واني قد سقيت السم مرارا فلم اسق مثل هذه المرة ثم دخلت عليه من الغد وهو يجود بنفسه والحسين عند رأسه قال يا أخي من تتهم قال لم لتقتله قال نعم قال أن يكن الذي أظن فالله أشد بأساً وأشد تنكيلاً وألا يكن فما أحب أن يقتل بي برئ ثم قضى» (2). .

ص: 244


1- الكافي - الشيخ الكليني 1:484 .
2- المصنف - ابن أبي شيبة الكوفي 8: 631 .

2- رواية المسعودي قال: حدثني جعفر بن محمد، عن أبيه، عن جده علي بن الحسين (علیهم السلام) قال: «دخل الحسين على عمي الحسن حدثان ما سقي السم فقام لحاجة الإنسان ثم رجع فقال: سقيت السم عدة مرات، وما سقيت مثل هذه، لقد لفظت طائفةمن كبدي ورأيتني أقلبه بعود في يدي، فقال له الحسين (علیه السلام) : يا أخي ومن سقاك؟ قال:

وما تريد بذلك؟ فإن كان الذي أظنه فالله حسيبه، وإن كان غيره فما أحب أن يؤخذ بي برئ، فلم يلبث بعد ذلك إلا ثلاثا حتى توفي صلوات الله عليه) (1).

3- رواية الواقدي (2)، قال حدثني عبد الله بن جعفر عن عبد الله بن حسن قال:

«كان الحسن بن علي كثير نكاح النساء، وكان قل ما يحظين عنده، وكان قل امرأة تزوجها إلا أحبته وضنت به، فيقال أنه كان سُقِيَ سما، ثم أفلت، ثم سقي فأفلت ثم كانت الآخرة توفي فيها، فلما حضرته الوفاة قال الطبيب وهو يختلف إليه: هذا رجل قطع السم أمعاءه، فقال الحسين: يا أبا محمد أخبرني من سقاك؟ قال: ولم يا أخي؟ قال: أقتله والله قبل أن أدفنك ولا أقدر عليه أو يكون بأرض أتكلف الشخوص إليه. فقال:

يا أخي إنما هذه الدنيا ليال فانية، دعه، حتى التقي أنا وهو عند الله، وأبى أن يسميه» (3). .

ص: 245


1- مروج الذهب - المسعودي 3: 4
2- وهو محمد بن عمر.
3- البداية والنهاية - ابن كثير - 8: 47 .

ص: 246

محاكمة الشبهة

أولا: مناقشة الأسانيد:

ينتهي سند الرواية الأولى إلى عمير بن إسحاق المختلف فيه عند أهل السنة، حيث قال فيه الشوكاني عند مناقشته لحديث رواه أحمد في مسنده عن عمير «الحديث في إسناده عمير بن إسحاق الهاشمي مولاهم وفيه مقال» (1)، وذكره العقيلي في الضعفاء (2)، كما عده الخطيب البغدادي في زمرة المجهولين (3)، وقال فيه يحيى: «كان عمير بن إسحاق لا يساوي شيئا ولكنه يكتب حديثه» (4)، وقد سُئِلَ عنه مالك بن أنس فقال: «لاأعرفه»(5)، «وقال النسائي: ليس به بأس» (6)، «وذكره ابن حبان في كتاب الثقات» (7)، و «روى له البخاري في الادب» (8)، وقال فيه ابن حجر: «مقبول من الثالثة» (9)، أما حاله عند علماء الشيعة فلم أجد من يخرج له.

أما رواية المسعودي فظاهرها الإرسال، لقوله «حدثني جعفر بن محمد» حيث أن.

ص: 247


1- نيل الاوطار - الشوكاني 2:53 .
2- ينظر ضعفاء العقيلي - العقيلي 3: 317 .
3- ينظر الكفاية في علم الرواية - الخطيب البغدادي: 111 .
4- تأريخ ابن معين - الدوري - يحيى بن معين 2: 195 .
5- العلل - أحمد بن حنبل 3:109 .
6- تهذيب الكمال - المزي 22:370 .
7- المصدر السابق.
8- المصدر السابق.
9- تقريب التهذيب - ابن حجر 1: 754 .

وفاة الإمام جعفر الصادق (علیه السلام) في 148 ه- بينما كانت وفاة المسعودي 346 ه-.

ورواية الواقدي مشابهة لسابقتها، حيث أن المقصود بعبد الله بن حسن - كما يظهر - هو عبد الله المحض بن الحسن المثنى بن الإمام الحسن (علیه السلام) وهو غير معاصر لجده المجتبى (علیه السلام) لأن أم الحسن المثنى (رضی الله عنه) هي السيدة فاطمة بنت الحسين (رضی الله عنها) وهي بدورها ابنة أم إسحاق بنت طلحة التي تزوجها الإمام الحسين (علیه السلام) بعد وفاة الإمام الحسن (علیه السلام). (1)

ثانيا: مناقشة الألفاظ:

تشترك بعض ألفاظ الرواية الأولى «رواية عمير بن اسحاق» مع الرواية الثانية (رواية مروج الذهب)، في ادعاء عدم معرفة سيدي شباب أهل الجنة (علیه السلام) بقاتل الإبن الأكبر لرسول الله (صلی الله علیه و آله)، حيث ورد في الأولى نقلا عن الإمام المجتبى (علیه السلام): «إن يكن الذي أظن فالله أشد بأسا وأشد تنكيلا وإلا يكن فما أحب أن يقتل بي برئ» وفي الثانية:

«فإن كان الذي أظنه فالله حسيبه، وإن كان غيره فما أحب أن يؤخذ بي برئ»، وواضح استفسار الإمام الحسين (علیه السلام) عن قاتل أخيه في كلا الروايتين.

أما الرواية الثالثة فكأنها قد تلطفت قليلاً وجعلت عدم المعرفة خاصاً بالإمام الحسين (علیه السلام)، على أنها لم تترك الإمام الحسن في حاله، فقد رماه كلام الراوي بتعليل يشبه العسل الممزوج بالسم، لخلق دافع مناسب لجعدة بنت الأشعث التي باشرت ونفذت ما خططه معاوية، وهذا الدافع الذي يلقي ستاراً آخراً على معاوية هو كثرة زواج».

ص: 248


1- جاء في تاريخ مدينة دمشق - ابن عساكر 70 : 16 - 17: «أم إسحاق بنت طلحة بن عبيد الله التيمي وكانت قبله عند الحسن بن علي فولدت له طلحة لا عقب له فلما حضرت حسنا الوفاة قال لأخيه حسين يا أخي لا تخرجن أم إسحاق من دوركم فخلف على أم إسحاق الحسين بن علي بن أبي طالب».

الإمام (علیه السلام) «كان الحسن كثير نكاح النساء»، وفي هذا تناقض لم يفطن له الحائك لهذا الكلام، فالراوي يعلن أنه يعلم بفعل ابنة الأشعث، بينما تدعي ألفاظ روايته أن أقرب الناس للمقتول وهو الإمام الحسين (علیه السلام) لا يعلم بذلك!

وهناك تناقض آخر ورد في حيثيات الرواية الأولى عن ابن إسحاق هو في ذهاب الإمام الحسن (علیه السلام) للتسوق في اليوم اللاحق مع مروره في اليوم السابق بأشد مراحل الألم وكونه قد ألقى طائفة من كبده (أي أحشائه) بفعل السم! ثم جلوس الإمام الحسين (علیه السلام) عند رأسه بعد مجيئه من السوق ليجري معه تلك المحاورة.

إذن لدينا إدعاءان مفادهما أن ابني رسول الله (صلی الله علیه و آله) أو أحدهما لا يعلم من سقاه السم، ومن يملك الدافع للتخطيط والإشراف على تلك الجريمة العظمى. وبذلك تتم براءة معاوية من ذلك الذنب العظيم.

ويكفينا في تأكيد دراية الإمام الحسن (علیه السلام) بخيوط المؤامرة تصريحه الذي نقله الشعبي «لقد عملت شربته وبلغ أمنيته والله لا يفي بما وعد ولا يصدق فيما يقول»، (1) والحال نفسه عند أخيه الإمام الحسين (علیه السلام) الذي جعل اشتراك معاوية في تلك المؤامرة من شواهد نقض معاوية لمعاهدة الصلح كما يظهر من قوله لمروان بن الحكم وهو زعيم المعترضين على دفن الإمام الحسن المجتبى (علیه السلام) بجوار جده الأعظم (صلی الله علیه و آله) : «والله لولا عهد الحسن إليَّ بحقن الدماء وأن لا أهريق في أمره محجمة دم لعلمتم كيف تأخذ سيوف الله منكم مأخذها وقد نقضتم العهد بيننا وبينكم وأبطلتم ما اشترطنا عليكم لأنفسنا» (2).09

ص: 249


1- الغدير - الشيخ الاميني 11 : 10 نقلا عن تذكرة الخواص لابن الجوزي.
2- كشف الغمة - ابن أبي الفتح الإربلي 2: 209

ويشهد بعلم الإمامين (علیهما السلام) ما رواه عبد الله بن إبراهيم عن زياد المخارقي قال: «لما حضرت الحسن (علیه السلام) الوفاة استدعى الحسين بن علي (علیهما السلام) فقال: يا أخي، إني مفارقك ولاحق بربي عز وجل وقد سقيت السم ورميت بكبدي في الطست، وإني لعارف بمن سقاني السم، ومن أين دهيت، وأنا أخاصمه إلى الله تعالى، فبحقي عليك إن تكلمت في ذلك بشيء، وانتظر ما يحدث الله عز ذكره في» (1).

أما تعليل فعل ابنة الأشعث ومباشرتها لجريمة سم السبط المجتبى (علیه السلام)، بكون الإمام كثير الزواج والطلاق فهو باطل أولاً وأخراً، لأنها كانت من المعمرات في بيت الإمام حيث امتد زواجها إلى أكثر من عشر سنين كما هو معلوم من أن أباها عرضها على الإمام الحسن (علیه السلام) في خلافة أبيه (علیه السلام)، ولو كان الإمام مطلاقا كما يدعون لما أبقاها في عصمته طيلة هذه المدة، مع كونها سليلة البيت المحارب لله ولرسوله ولأمير المؤمنين.

ثالثا: مناقشة المضمون:

من الثوابت التأريخية التي يحاول بعض معاصرينا ممن يدعون محبة رسول الله (صلی الله علیه و آله)، والسير على نهجه أن يشككوا فيها أو يصلوا إلى نفيها، قضية خبث سريرة معاوية بن أبي سفيان (2)،».

ص: 250


1- الإرشاد - الشيخ المفيد 2: 17 .
2- قال ابن أبي الحديد في شرح النهج 5: 129 - 130 «وقد طعن كثير من أصحابنا في دين معاوية، ولم يقتصروا على تفسيقه، وقالوا عنه إنه كان ملحداً لا يعتقد النبوة، ونقلوا عنه في فلتات كلامه، وسقطات ألفاظه ما يدل على ذلك. وروى الزبير بن بكار في (الموفقيات) - وهو غير متهم على معاوية، ولا منسوب إلى اعتقاد الشيعة، لما هو معلوم من حاله من مجانبة علي (علیه السلام)، والانحراف عنه -: قال المطرف بن المغيرة بن شعبة: دخلت مع أبي على معاوية، فكان أبي يأتيه، فيتحدث معه، ثم ينصرف إلي فيذكر معاوية وعقله، ويعجب بما يرى منه، إذ جاء ذات ليلة فأمسك عن العشاء، ورأيته مغتما فانتظرته ساعة، وظننت أنه لأمر حدث فينا، فقلت: ما لي أراك مغتما منذ الليلة؟ فقال: يا بني، جئت من عند أكفر الناس وأخبثهم، قلت: وما ذاك؟ قال: قلت له وقد خلوت به. إنك قد بلغت سنا يا أمير المؤمنين، فلو أظهرت عدلاً، وبسطت خيراً فإنك قد كبرت، ولو نظرت إلى إخوتك من بني هاشم، فوصلت أرحامهم فوالله ما عندهم اليوم شيء تخافه، وإن ذلك مما يبقى لك ذكره وثوابه، فقال: هيهات هيهات! أي ذكر أرجو بقاءه! ملك أخو تيم فعدل وفعل ما فعل، فما عدا أن هلك حتى هلك ذكره، إلا أن يقول قائل: أبو بكر، ثم ملك أخو عدى، فاجتهد وشمر عشر سنين، فما عدا أن هلك حتى هلك ذكره، إلا أن يقول قائل: عمر، وإن ابن أبي كبشة ليصاح به كل يوم خمس مرات: (أشهد أن محمدا رسول الله)، فأي عملي يبقى، وأي ذكر يدوم بعد هذا لا أبا لك! لا والله إلا دفنا دفنا».

وموبقاته الكثيرة (1) وإقدامه على العديد من جرائم القتل التي طالت أكابر المسلمين ومنهم سيد شباب أهل الجنة الإمام الحسن (علیه السلام)، والصحابي الجليل حجر بن عدي (رضی الله عنه)، ومالك الأشتر (رضی الله عنه) وغيرهم.

وأصبح قوله «إن لله جنودا من عسل!»، الذي كان يطلقه كلما أصاب سهمه الهدف، يجري على الألسن كأنه من الأمثال السائرة التي يرددها الناس من كافة الطبقات ومن مختلف الطوائف الإسلامية المتنوعة.

وأصبح قول القائل في حق الصحابي الجليل حجر بن عدي (رضی الله عنه) : «إن سيدنا حجر قتله سيدنا معاوية لأنه لم يلعن سيدنا علي»، مثار التندر والسخرية (2)، مع أن قائله لم يقصد به ذلك بل قصد إجلال القاتل والمقتول والمقتول لأجله!!

وإذا كنا نتعامل مع أناس من أمثال صاحب القول المتقدم، فعلى العقل السلام، ولا تبثت جريمة ارتكبها معاوية مع كل الأدلة المادية والمعنوية.

وما دمنا في مقام البرهنة على خبث سريرة معاوية، فيما يخص الإمام الحسن (علیه السلام) .

ص: 251


1- جاء في مسند احمد 5: 347 بسنده عن عبد الله بن بريدة قال: «دخلت أنا وأبي على معاوية فأجلسنا على الفرش ثم أتينا بالطعام فأكلنا ثم أتينا بالشراب فشرب معاوية ثم ناول أبي ثم قال ما شربته منذ حرمه رسول الله» (صلی الله علیه و آله).
2- ينظر كتاب فاسألوا أهل الذكر - الدكتور محمد التيجاني: 163 .

فعلينا أن نستعرض بعض النقاط الدالة على ذلك:

1- تناقل الكثير من العلماء من المذهبين الإسلاميين الكبيرين، السنة والشيعة لاتفاق معاوية مع جعدة، وبالنسبة للشيعة فإن هذا الأمر مكتسب للدرجة القطعية ولا يشك أحد في كونه من الضرورات.

أما مشاهير علماء السنة فمنهم ابن أبي الحديد حيث أورد القصة نقلا عن أبي الفرج الأصفهاني، صاحب مقاتل الطالبيين حيث قال: «قال أبو الفرج: فحدثني أحمد بن عبيد الله بن عمار، عن عيسى بن مهران، عن عبيد بن الصباح الخراز، عن جرير، عن مغيرة، قال: أرسل معاوية إلى بنت الأشعث ابن قيس - وهي تحت الحسن - فقال لها:

إني مزوجك يزيد ابني على أن تسمي الحسن، وبعث إليها بمائة ألف درهم، ففعلت، وسمت الحسن، فسوغها المال ولم يزوجها منه، فخلف عليها رجل من آل طلحة، فأولدها، فكان إذا وقع بينهم وبين بطون قريش كلام عيروهم، وقالوا: يا بني مسممة الأزواج» (1).

وكالزمخشري في ربيع الابرار حيث قال: «جعل معاوية لجعدة بنت الأشعث امرأة الحسن مائة ألف حتى سمته ومكث شهرين وإنه ليرفع من تحته كذا طستا من دم. وكان يقول: سقيت السم مرارا ما أصابني فيها ما أصابني في هذه المرة لقد لفظت كبدي فجعلت أقلبها بعود كان كان في يدي» (2).

ومؤرخهم أبي الحسن المدائني، حيث قال عن الإمام الحسن (علیه السلام): «كانت وفاته في سنة 49 ه وكان مريضا أربعين يوما، وكان سنه سبعا وأربعين سنة، دس إليه معاوية .

ص: 252


1- شرح نهج البلاغة - ابن أبي الحديد 16 : 49 .
2- جواهر التاريخ - الشيخ علي الكوراني العاملي 3: 275 .

سما على يد جعدة بنت الأشعث زوجة الحسن وقال لها: إن قتلتيه بالسم فلك مائة ألف وأزوجك يزيد ابني. فلما مات وفى لها بالمال ولم يزوجها من يزيد وقال: أخشى أن تصنعي بابني ما صنعت بابن رسول الله» (1).

والشيخ عبد القادر بن محمد الطبري ابن بنت محب الدين الطبري المشهور مؤلف الرياض النضرة قال في كتابه حسن السريرة: «لما كان سنة سبع وأربعين من الهجرة دس معاوية إلى جعدة بنت الأشعث بن قيس الكندي زوجة الحسن بن علي أن تسقي الحسن السم، ويوجه لها مائة ألف ويزوجها من ابنه يزيد. ففعلت ذلك» (2).

وقد حاول بعض الرواة(3)، تخفيف الوطء عن كبير الأمويين، فنسب التخطيط لابنه يزيد وفي هذا دليل آخر على صدق اتهام معاوية لان المعروف عن سيرة يزيد أنه لا يستطيع الإقدام على هكذا عمل دون مراجعة أبيه، وهو المشهور بعدم التقحم في أبسط الأمور دون موافقته (4).».

ص: 253


1- المصدر السابق.
2- الانتصار - العاملي 8: 38 .
3- ينظر مثلا تهذيب الكمال - المزي 6: 253 ، والبداية والنهاية - ابن كثير 8: 47 .
4- ومن أمثلة ذلك ما ورد في تاريخ مدينة دمشق - ابن عساكر 34 : 297 حينما «شبب عبد الرحمن بن حسان برملة بنت معاوية فقال: رمل هل تذكرين يوم عراك إذا قطعنا مسيرنا بالتمني إذ تقولين عمرك الله هل شيء وإن جل سوف يسليك عني أم هل أطمعت فيكم يا ابن حسا ن كما قد أراك أطمعت مني فبلغ شعره يزيد فغضب ودخل على معاوية فقال يا أمير المؤمنين ألم تر إلى هذا العلج من أهل يثرب كيف يتهكم بأعراضنا ويشبب بنسائنا قال من هو قال عبد الرحمن بن حسان وأنشده ما قال فقال يا يزيد ليس العقوبة من أحد أقبح منها من ذوي المقدرة فأمهل حتى يقدم وفد الأنصار ثم اذكرني به فلما قدموا ذكره به فلما دخلوا عليه قال يا عبد الرحمن ألم يبلغني أنك شببت برملة بنت أمير المؤمنين قال بلى يا أمير المؤمنين ولو علمت أحدا أشرف منها لشعري لشببت بها قال فأين أنت عن أختها هند قال وإن لها لأختا يقال لها هند قال نعم».

2- ومما يعزز ذلك وجود الدافع القوي عند معاوية، حيث كان المستفيد الأكبر من اختفاء الشخصيات البارزة ذات الرصيد الديني والاجتماعي عند المسلمين أمثال الإمام الحسن (علیه السلام) من الساحة السياسية، تمهيدا لعدم الاعتراض على قيامه بنقل السلطة، إلى ابنه يزيد، ووجود مثل هذا الدافع ركن مهم في ارتكاب الجرائم.

3- وعلاوة على ما سبق فإن أفعال معاوية بن أبي سفيان بعد وصول خبر استشهاد السبط الأكبر لنبي الرحمة (صلی الله علیه و آله) وسيد شباب أهل الجنة (علیه السلام) تعكس السريرة الحاقدة لكبير بني أمية، وتورده موارد الهلكة في الدنيا والآخرة، ومن ذلك إظهاره الفرح والسرور في موقف يشجى له قلب رسول الله (صلی الله علیه و آله) وأهل بيته الكرام (علیهم السلام).

«قال ابن قتيبة: لما مرض الحسن بن علي مرضه الذي مات فيه، كتب عامل المدينة إلى معاوية يخبره بشكاية الحسن فكتب إليه معاوية: إن استطعت أن لا يمضي يوم بي يمر إلا يأتيني فيه خبره فافعل! فلم يزل يكتب إليه بحاله حتى توفي فكتب إليه بذلك، فلما أتاه الخبر أظهر فرحا وسرورا حتى سجد وسجد من كان معه، فبلغ ذلك عبد الله بن عباس وكان بالشام يومئذ فدخل على معاوية فلما جلس. قال معاوية: يا ابن عباس هلك الحسن بن علي؟ فقال ابن عباس: نعم هلك، إنا لله وإنا إليه راجعون. ترجيعا مكررا، وقد بلغني الذي أظهرت من الفرح والسرور لوفاته، أما والله ما سد جسده حفرتك، ولا زاد نقصان أجله في عمرك، ولقد مات وهو خير منك، ولئن أصبنا به لقد أصبنا بمن كان خيرا منه جده رسول الله فجبر الله مصيبته» (1).

«وفي العقد الفريد 2 / 298 : لما بلغ معاوية موت الحسن بن علي خر ساجدا لله، .

ص: 254


1- الانتصار - العاملي 8: 38 .

ثم أرسل إلى ابن عباس وكان معه في الشام. فعزاه، وهو مستبشر. وقال له: ابن كم سنة مات أبو محمد؟ فقال له: سنه كان يسمع في قريش فالعجب من أن يجهله مثلك.

قال: بلغني أنه ترك أطفالاً صغاراً. قال: كل ما كان صغيرا يكبر وإن طفلنا لكهل وإن صغيرنا لكبير، ثم قال: مالي أراك يا معاوية! مستبشرا بموت الحسن بن علي؟ فو الله لا ينسأ في أجلك، ولا يسد حفرتك، وما أقل بقائك وبقائنا بعده؟

وذكره الراغب في المحاضرات 2 / 224 . وفي حياة الحيوان 1 / 58 . وتاريخالخميس 2 / 294 ، وفي ط: 328 قال ابن خلكان: لما مرض الحسن كتب مروان بن الحكم إلى معاوية بذلك وكتب إليه معاوية: أن أقبل المطي إلي بخبر الحسن، فلما بلغ معاوية موته سمع تكبيرة من الخضراء فكبر أهل الشام لذلك التكبير. فقالت فاختة بنت قريظة لمعاوية: أقر الله عينك، ما الذي كبرت لأجله؟ فقال: مات الحسن. فقالت:

أعلى موت ابن فاطمة تكبر؟! فقال: ما كبرت شماتة بموته، ولكن استراح قلبي» (1). .

ص: 255


1- الانتصار - العاملي 8: 39 .

ص: 256

الخاتمة

ص: 257

ص: 258

الخاتمة

وبعد الوصول إلى خاتمة المطاف، وسكون القلم وهدوء الأحرف، علي أن أعتذر عن القصور الموجود في بعض المواضيع، وذلك راجع بالطبع إلى قلة بضاعتي العلمية بالدرجة الأساس، فأنا من هواة الكتابة في البحوث الدينية ولست من المتخصصين فيها، ا لا لا أن دراستي القليلة في الحوزة الدينية المطهرة في النجف الأشرف والتي استمرت لمدة تقارب ثلاث سنين، حفزت في دافعا للمساهمة في نشر فضائل أهل البيت (علیهم السلام).

ويرجع القصور أيضا إلى قلة الفسحة الزمنية التي أنتجت فيها هذه الأوراق، مقارنة بنوعية البحث، حيث تطلب جمع الروايات الحاوية على الشبهات وقتا ليس بالقليل، راعيت فيه قدر إمكاني أن أصل إلى جميع تلك الروايات، كما تطلب تدقيق أحوال رجال السند مراجعة العشرات من الكتب وصولا إلى المقر بضعفهم من الناقلين لتلك الأحاديث، الأمر الذي جعلني أقف موقف العاجز والمنبهر بما أداه علمائنا الأعلام من مؤلفات قيمة، في زمن لم تكن فيه، أدوات البحث والتأليف، متطورة كما هي في زماننا الحالي، ومع ذلك لم نصل فيه الى عشر معشار ما قدموه من خدمات جليلة للإسلام والمسلمين جزاهم الله عنا كل خير.

وعلي التذكير بملاحظة مهمة، وأنا أختم كلماتي أن الشبهات التي تناولتها في هذه الدراسة، وشملتها فصول المحاكمة، ليست كل ما جاء في الكتب، بل أنني تركت ذكر بعض الاتهامات مع شهرتها، خصوصا تلك المتعلقة بقضية الصلح مع معاوية، اعتمادا

ص: 259

على الكتب المستقلة التي اختصت ببيان هذه المسألة المهمة التي حارت فيها بعض الألباب، وخارت قواهم العقلية في فهمها.

كما أن هناك بعض الشبهات التي لم أتناولها، لشكي في صلاحيتها للبحث، كقضية ركوب الإمامين الحسنين (علیهما السلام) على ظهر الرسول الأعظم (صلی الله علیه و آله) في حال الصلاة وإطالته (صلی الله علیه و آله) للسجود بسبب ذلك، ولعلي أعود في المستقبل القريب الى تناولها مع أشباهها من التصرفات التي نسبت إلى سيدي شباب أهل الجنة عندما كانوا صغارا في السن.

واقتصاري في المحاكمة على الشبهات الاحدى عشرة، في هذا البحث راجع إلى رغبتي في المشاركة في هذا المؤتمر المعقود في تأليف كتاب عن الإمام الحسن (علیه السلام)، والذي أنصفت الأمانة العامة للعتبة العباسية المقدسة في الدعوة إليه، ولها منا جزيل الشكر لأنها منحتنا فرصة عظيمة لعرض ما جادت به أقلامنا المغمورة أمام كبار الأساتذة، لتصحيح الأخطاء وتحصيل النصح والإرشاد لبداية عصر جديد في الكتابة عن أهل البيت (علیهم السلام).

أتمنى أن أكون قد وفقت في إيصال أفكاري، بعبارات واضحة، حاولت قدر الإمكان إنتقائها والتدقيق فيها.

أسال الله أن ينفعنا بحب نبيه الأمين (صلی الله علیه و آله) وأهل بيته الكرام (علیهم السلام)، وأن يوفقنا للسير بخطى ثابتة في هذا المجال الرحب، وأن يسلك بنا الطريق الواضح نحو محمد وآل محمد.

وصلى الله على محمد وآل محمد وسلم تسليما كثيرا.

ص: 260

المصادر

ص: 261

ص: 262

المصادر

1 القرآن الكريم

2 الاحتجاج: أحمد بن علي الطبرسي (ت 548 ه-)، تعليق وملاحظات السيد محمد باقر الخرسان، الناشر دار النعمان للطباعة والنشر، 1386 - 1966

3 الأحكام: ابن حزم الظاهري (456 ه-)، الناشر دار الفكر.

4 أحكام القرآن: أبو بكر أحمد بن علي الرازي الجصاص (ت 370 ه-)، تحقيق عبد السلام محمد علي شاهين، الناشر دار الكتب العلمية، بيروت، ط 1، 1994 م

5 الأدب المفرد: أبو عبد الله محمد بن إسماعيل البخاري الجعفي (ت 256ه-)، الناشر مؤسسة الكتب الثقافية، بيروت، ط 1، 1986 م.

6 الإرشاد في معرفة حجج الله على العباد: الشيخ المفيد (ت 413 ه-)، تحقيق مؤسسة آل البيت (علیهم السلام) لتحقيق التراث، الناشر دار المفيد للطباعة والنشر، ط 2، 1993 م.

7 إرواء الغليل في تخريج أحاديث منار السبيل: محمد ناصر الألباني، تحقيق وإشراف زهير الشاويش، الناشر المكتتب الاسلامي، بيروت، ط 2، 1405 ه - 1985 م

8 الاستيعاب في معرفة الأصحاب: يوسف بن عبد الله بن محمد بن عبد البر (ت 413ه-)، تحقيق محمد علي البجاوي، الناشر دار الجيل، بيروت، ط 1، 1412 ه-

ص: 263

9 الأصول العامة للفقه المقارن: السيد محمد تقي الحكيم، مؤسسة آل البيت (علیهم السلام)

للطباعة والنشر، ط 2، 1979 م

10 أعيان الشيعة: السيد محسن الأمين (ت 1371 ه-)، تحقيق وتخريج حسن الأمين، الناشر دار التعارف للمطبوعات، بيروت، 1403 ه - 1983 م

11 أمالي الطوسي: محمد بن الحسن الطوسي (ت 460 ه-)، تحقيق قسم الدراسات الإسلامية - مؤسسة البعثة، الناشر دار الثقافة للطباعة والنشر والتوزيع، قم، ط 1، 1414ه-.

12 الإمامة والسياسة: أبو محمد عبد الله بن مسلم بن قتيبة الدينوري (ت276ه-)، تحقيق طه محمد الزيني، الناشر مؤسسة الحلبي وشركائه للنشر والتوزيع

13 الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل: الشيخ ناصر مكارم الشيرازي

14 الانتصار: العاملي، الناشر دار السيرة، بيروت، ط 1، 1422 ه-

15 انساب الأشراف: أحمد بن يحيى بن جابر البلاذري (ت 279 ه-)، تحقيق وتقديم د. د. سهيل رزكار و د. رياض رزكلي، الناشر دار الفكر للطباعة والنشر والتوزيع، بيروت، ط 1، 1417 ه - 1996 .

16 آية المباهلة: السيد علي الحسيني الميلاني، الناشر مركز الأبحاث العقائدية، قم، ط 1، 1421 ه-

17 بحار الأنوار: المولى محمد باقر المجلسي (ت 1111 ه-)، تحقيق محمد الباقر البهبودي - عبد الرحيم الرباني الشيرازي، الناشر مؤسسة الوفاء، بيروت، الطبعة الثانية المصححة، 1403 ه، 1983 م

ص: 264

18 البداية والنهاية: أبو الفداء إسماعيل بن عمر بن كثير القرشي (ت 774 ه-)، تحقيق وتدقيق وتعليق علي شيري، الناشر دار إحياء التراث العربي، بيروت، ط 1، 1408ه - 1988 م

19 تاج العروس من جواهر القاموس: محمد مرتضى الزبيدي (ت 1205 ه-)، تحقيق علي شيري، الناشر دار الفكر للطباعة والنشر والتوزيع، 1414 ه - 1994 م

20 تأريخ ابن معين، الدارمي: يحيى بن معين (ت 233 ه-)، تحقيق الدكتور أحمد محمد نور سيف، الناشر دار المأمون للتراث، دمشق

21 تأريخ الإسلام: أبو عبد الله محمد بن أحمد بن عثمان الذهبي (ت 748 ه-)، تحقيق د. عمر عبد السلام تدمري، الناشر دار الكتاب العربي، بيروت، ط 1، 1407 ه - 1987 م

22 التأريخ الكبير: محمد بن إسماعيل البخاري (ت 256 ه-)، الناشر المكتبة الإسلامية - ديار بكر، تركيا.

23 تاريخ المدينة المنورة: أبو زيد عمر بن شبة النميري (ت 262 ه-)، تحقيق فهيم محمد شلتوت، الناشر دار الفكر، قم، مطبعة قدس، 1410 ه-

24 تاريخ بغداد: أبو بكر أحمد بن علي الخطيب البغدادي (ت 463 ه-)، دراسة وتحقيق مصطفى عبد القادر عطا، الناشر دار الكتب العلمية، بيروت، ط 1، 1417 ه-، 1997 م

ص: 265

25 تاريخ مدينة دمشق: علي بن الحسن بن هبة الله بن عبد الله بن الحسين المعروف بابن عساكر (ت 517 ه-)، تحقيق علي شيري، الناشر دار الفكر للطباعة والنشر والتوزيع، 1415 ه - 1995 م

26 تحفة الأحوذي بشرح جامع الترمذي: أبو العلا محمد عبد الرحمن بن عبد الرحيم المباركفوري (ت 1353 ه-)، الناشر دار الكتب العلمية، بيروت، ط 1، 1410ه - 1990 م.

27 تخريج الأحاديث والآثار: جمال الدين الزيلعي (ت 762 ه-)، تحقيق عبد الله بن عبد الرحمن السعد، الناشر دار ابن خزيمة، الرياض، ط 1، 1416 ه-

28 ترجمة الإمام الحسن (علیه السلام) من تاريخ ابن عساكر: علي بن الحسن بن هبة الله بن عبد الله بن الحسين المعروف بابن عساكر (ت 517 ه-)، تحقيق الشيخ محمد باقر المحمودي، الناشر مؤسسة المحمودي للطباعة والنشر، بيروت، ط 1، 1400 ه - 1980 م

29 ترجمة الإمام الحسن (علیه السلام) من طبقات ابن سعد: محمد بن سعد، تهذيب وتحقيق السيد عبد العزيز الطباطبائي، الناشر مؤسسة آل البيت (علیهم السلام) لإحياء التراث، مطبعة ستارة، قم، ط 1، 1416 ه-

30 تشييد المراجعات و تفنيد المكابرات: علي الحسيني الميلاني، مطبعة ياران، ط1، ه-1417

31 التعديل والتجريح لمن خرج عنه البخاري في الجامع الصحيح: أبو الوليد سليمان بن خلف بن سعد الباجي (ت 474 ه-)، دراسة وتحقيق أحمد البزار، الناشر وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية، الرياض

ص: 266

32 تفسير ابن أبي حاتم: ابن أبي حاتم الرازي (ت 327 ه-)، تحقيق أسعد محمد الطيب، الناشر المكتبة العصرية، المطبعة صيدا - المكتبة العصرية

33 تفسير الآلوسي (روح المعاني): الآلوسي (ت 1270 ه-)

34 تفسير الثعلبي (الجواهر الحسان في تفسير القرآن): عبد الرحمن بن محمد بن مخلوف الثعالبي (ت 875 ه-)، تحقيق د. عبد الفتاح أبو سنة و علي محمد معوض وعادل أحمد عبد الموجود، الناشر دار إحياء التراث العربي، بيروت، ط 1، 1418 ه-

35 تفسير الرازي (التفسير الكبير): فخر الدين الرازي (ت 606 ه-)

36 تفسير القرآن العظيم: أبو الفداء إسماعيل بن عمر بن كثير (ت 774 ه-)، تحقيق وتقديم يوسف عبد الرحمن المرعشلي، الناشر دار المعرفة للطباعة والنشر والتوزيع، 1412 ه-، 1992 م

37 تفسير القرطبي (الجامع لأحكام القرآن): أبو عبد الله محمد بن أحمد القرطبي (ت 671 ه-)، تحقيق وتصحيح أحمد عبد العليم البردوني، الناشر دار إحياء التراث العربي، بيروت، ط 2، 1405 ه - 1985 م

38 تفسير نور الثقلين: الشيخ عبد علي بن جمعة العروسي الحويزي، تصحيح وتعليق السيد هاشم الرسولي المحلاتي( 1112 ه-)، الناشر مؤسسة اسماعليان للطباعة والنشر والتوزيع، قم، ط 4، 1412 ه-

39 تفضيل أمير المؤمنين (علیه السلام) : الشيخ المفيد ( 413 ه-)، تحقيق علي موسى الكعبي، الناشر دار المفيد للطباعة والنشر، بيروت، ط 2،1414 ه - 1993 م

ص: 267

40 تقريب التهذيب: أحمد بن علي بن حجر العسقلاني (ت 852 ه-)، دراسة وتحقيق مصطفى عبد القادر عطا، الناشر دار الكتب العلمية، بيروت، ط 2، 1415 ه- 1995 م

41 التمهيد لما في الموطأ من المعاني والأسانيد: ابو عمر يوسف بن محمد بن عبد الله بن عبد البر النمري (ت 463 ه-)، تحقيق مصطفى بن أحمد العلوي ومحمد عبد الكبيرالبكري، مطبعة المغرب وزارة عموم الأوقاف والشؤون الإسلامية، 1387 ه-

42 تهذيب التهذيب: أحمد بن علي بن حجر العسقلاني (ت 852 ه-)، الناشر دارالفكر للطباعة والنشر والتوزيع، بيروت، ط 1، 1404 ه - 1984 م

43 تهذيب الكمال في أسماء الرجال: أبو الحجاج يوسف المزي (ت 742 ه-)،تحقيق و ضبط وتعليق د. بشار عواد معروف، الناشر مؤسسة الرسالة، بيروت، ط 4، 1406 ه - 1986 م

44 تهذيب المقال في تنقيح كتاب رجال النجاشي: السيد محمد على الأبطحي،المطبعة نكارش، ط 2، 1417 ه-

45 الجامع الصغير في أحاديث البشير النذير: جلال الدين عبد الرحمن بن أبي بكر السيوطي (ت 911 ه-)، الناشر دار الفكر للطباعة والنشر والتوزيع، بيروت، ط 1، 1401ه - 1981 م

46 جواهر التأريخ: الشيخ علي الكوراني العاملي، الناشر دار الهدى، المطبعة شريعت، ط 1، 1425 ه - 2004 م

ص: 268

47 جواهر المطالب في مناقب الإمام علي بن أبي طالب (علیه السلام) : محمد بن أحمدالدمشقي الباعوني (ت 871 ه-)، تحقيق الشيخ محمد باقر المحمودي، الناشر مجمع احياءالثقافة الإسلامية، قم، المطبعة دانش، ط 1، 1415 ه-

48 حديث الثقلين: السيد علي الحسيني الميلاني، الناشر مركز الأبحاث العقائدية،قم، ط 1، 1421 ه-

49 حلية الأبرار: السيد هاشم البحراني (ت 1107 ه-)، تحقيق الشيخ غلام رضا مولانا البروجردي، الناشر مؤسسة المعارف الإسلامية، قم، المطبعة بهمن، ط 1، 1411ه-.

50 حياة الإمام الحسن بن علي (عليهما السلام): الشيخ باقر شريف القرشي(ت 1433 ه-)، مطبعة دار البلاغ للطباعة والنشر والتوزيع، بيروت، ط 1، 1413 ه - 1993 م

51 حياة الإمام الحسين بن علي (عليهما السلام): الشيخ باقر شريف القرشي (ت1433ه-)، مطبعة الآداب، النجف الأشرف، ط 1، 1394 ه - 1974 م

52 الخرائج والجرائح: قطب الدين الراوندي (ت 573 ه-)، تحقيق مؤسسةالامام المهدي (علیه السلام) باشراف السيد محمد باقر الموحد الابطحي، الناشر مؤسسة الامام المهدي (علیه السلام)، المطبعة العلمية، قم، ط 1 كاملة محققة، 1409 ه-

53 خصائص الأئمة: الشريف الرضي (ت 406 ه-)، تحقيق محمد هادي الاميني،الناشر مجمع البحوث الإسلامية - الاستانة الرضوية المقدسة، مشهد، 1406 ه-

54 خصائص أمير المؤمنين علي بن أبي طالب: أبو عبد الرحمن أحمد بن شعيب النسائي (ت 303 ه-)، تحقيق وتصحيح الأسانيد ووضع الفهارس محمد هادي الاميني،الناشر مكتبة نينوى الحديثة، طهران

ص: 269

55 خلاصة تهذيب الكمال في أس 􀃥امء الرجال: أحمد بن عبد الله الخزرجي الأنصاري (ت بعد 923 ه-)، قدم له واعتنى بنشره عبد الفتاح أبو غدة، المطبعة دارالبشائر الإسلامية، ط 4، 1411 ه-

56 الدر المنثور في التفسير بالمأثور: جلال الدين عبد الرحمن بن أبي بكر السيوطي(ت 911 ه-)، الناشر دار المعرفة للطباعة والنشر، بيروت

57 دليل النص بخبر الغدير على إمامة أمير المؤمنين (علیه السلام) : أبو الفتح محمد بن علي الكراجكي (ت 449 ه-)، تحقيق علاء آل جعفر، الناشر مؤسسة آل البيت (علیهم السلام) لإحياءالتراث، قم.

58 ذخائر العقبى في مناقب ذوي القربى: أبو العباس محب الدين أحمد بن عبدالله الطبري (ت 694 ه-)، الناشر مكتبة القدسي، القاهرة، 1356 ه-

59 ذكرى الشيعة في أحكام الشريعة: الشهيد الأول محمد بن مكي العاملي (ت786ه-)، تحقيق مؤسسة آل البيت (علیهم السلام) لإحياء التراث، الناشر مؤسسة آل البيت (علیهم السلام) لإحياء التراث، قم، المطبعة ستارة، ط 1، 1419 ه-

60 الروضة في فضائل أمير المؤمنين (علیه السلام) : شاذان بن جبرئيل القمي (ت 66 0 ه-)،تحقيق علي الشكرجي، الإخراج الفني مركز الأمير (علیه السلام) للخدمات الكمبيوترية، ط 1، 1423ه-.

61 سر السلسلة العلوية: أبو نصر البخاري (ت ح 341 ه-)، تقديم وتعليق السيد محمد صادق بحر العلوم، الناشر انتشارات الشريف الرضي، ط 1، 1413 ه-.

ص: 270

62 السنة: أبو بكر أحمد بن عمرو بن أبي عاصم الضحاك (ت 287 ه-)، الناشرالمكتب الإسلامي، بيروت، ط 3، 1413 ه - 1993 م

63 سنن ابن ماجة: أبو عبد الله محمد بن يزيد القزويني (ت 275 ه-)، تحقيق وترقيم وتعليق محمد فؤاد عبد الباقي، الناشر دار الفكر للطباعة والنشر والتوزيع

64 سنن أبي داود: أبو داود سليمان بن الأشعث السجستاني (ت 275 ه-)، تحقيق وتعليق سعيد محمد اللحام، الناشر دار الفكر للطباعة والنشر والتوزيع، ط 1، 1410 ه - 1990 م

65 سنن الترمذي: أبو عيسى محمد بن عيسى بن سورة الترمذي (ت 279 ه-)،تحقيق وتصحيح عبد الوهاب عبد اللطيف، الناشر دار الفكر للطباعة والنشر والتوزيع،بيروت، ط 2، 1403 ه - 1983 م

66 سنن الدارمي: أبو محمد عبد الله بن الرحمن بن الفضل بن بهرام الدارمي (ت255ه-)، مطبعة الاعتدال، دمشق، 1349

67 السنن الكبرى: أبو عبد الرحمن أحمد بن شعيب النسائي (ت 303 ه-)، تحقيق عبد الغفار سليمان البنداري و سيد كسروي حسن، الناشر دار الكتب العلمية، بيروت،ط 1، 1411 ه - 1991 م

68 سير أعلام النبلاء: محمد بن أحمد بن عثمان الذهبي (ت 748 ه-)، تحقيق وتخريج وتعليق شعيب الأرناؤوط، الناشر مؤسسة الرسالة، بيروت، ط 9، 1413 ه - 1993 م

ص: 271

69 الشافي في الإمامة: الشريف المرتضى علي بن الحسين الموسوي (ت 436 ه-)،تحقيق وتعليق السيد عبد الزهراء الحسيني، الناشر مؤسسة الصادق للطباعة والنشر،طهران، ط 2، 1416 ه - 1986 م

70 شرح صحيح مسلم: النووي أبو زكريا يحيى بن شرف بن مري الحزامي (ت676ه-)، الناشر دار الكتاب العربي، بيروت، 1407 ه - 1987 م

71 شرح منهاج الكرامة في معرفة الإمامة: السيد علي الحسيني الميلاني، الناشرمؤسسة دار الهجرة، المطبعة سمهر، قم، ط 1، 1417 ه - 1997 م

72 شرح نهج البلاغة: ابن أبي الحديد (ت 656 ه-)، تحقيق محمد أبو الفضل إبراهيم، الناشر دار إحياء الكتب العربية عيسى البابي الحلبي وشركاه، ط 1، 1378 ه - 1959 م

73 الشيعة في أحاديث الفريقين: السيد علي بن مرتضى الأبطحي، المطبعة أمير،ط 1، 1416 ه-

74 الشيعة هم أهل السنة: الدكتور محمد التيجاني السماوي، الناشر مؤسسةأنصاريان للطباعة والنشر، قم

75 الصحاح (تاج اللغة وصحاح العربية): إسماعيل بن حماد الجوهري (ت393ه-)، تحقيق أحمد عبد الغفور العطار، الناشر دار العلم للملايين، بيروت، ط 4، 1407ه - 1987 م

76 صحيح ابن حبان بترتيب ابن بلبان: محمد بن حبان بن أحمد بن حبان (ت354ه-)، تحقيق شعيب الأرناؤوط، الناشر مؤسسة الرسالة، ط 2، 1414 ه - 1993 م

ص: 272

77 صحيح البخاري: محمد بن إسماعيل البخاري (ت 256 ه-)، الناشر دارالفكر للطباعة والنشر والتوزيع، ط 2، 1401 ه - 1981 م

78 صحيح مسلم (الجامع الصحيح): مسلم بن الحجاج النيسابوري (ت261ه-)، الناشر دار الفكر للطباعة والنشر والتوزيع، بيروت

79 صراط النجاة: الميرزا جواد التبريزي، المطبعة سلمان الفارسي، ط 1، 1416 ه-80 ضعفاء العقيلي (الضعفاء الكبير): محمد بن عمرو بن موسى بن حماد العقيلي(ت 322 ه-)، تحقيق الدكتور عبد المعطي أمين قلعجي، الناشر دار الكتب العلمية،بيروت، ط 2، 1418 ه - 1998 م

81 الطبقات الكبرى: محمد بن سعد البصري (ت 230 ه-)، الناشر دار صادر

82 الطفل بين الوراثة والتربية: الشيخ محمد تقي فلسفي، تعريب وتعليق فاضل الحسيني الميلاني، المطبعة مطابع بيروت الحديثة

83 علل الشرائع: الشيخ الصدوق محمد بن علي بن بابويه القمي (ت 381 ه-)،تحقيق وتقديم السيد محمد صادق بحر العلوم، الناشر منشورات المكتبة الحيدريةومطبعتها، النجف الأشرف، 1385 ه - 1966 م

84 العلل ومعرفة الرجال: أحمد بن محمد بن حنبل (ت 241 ه-)، تحقيق الدكتوروصي الله بن محمود عباس، الناشر دار الخاني، الرياض، المطبعة المكتب الإسلامي،بيروت، ط 1، 1408 ه-

85 عمدة الطالب في أنساب آل أبي طالب: أحمد بن علي الحسيني المعروف بابن عنبة (ت 828 ه-)، منشورات المطبعة الحيدرية، النجف الأشرف، ط 2، 1380 ه -1961 م

ص: 273

86 عمدة القاري في شرح البخاري: محمود بن أحمد العيني (ت 855 ه-)، الناشردار أحياء التراث العربي، بيروت

87 عوالي اللئالي العزيزية في الأحاديث الدينية: ابن أبي جمهور محمد بن علي بن إبراهيم الإحسائي (ت 880 ه-)، تحقيق الحاج أقا مجتبى العراقي، المطبعة سيد الشهداء،قم، ط 1، 1403 ه - 1983 م

88 الغدير في الكتاب والسنة والأدب: الشيخ عبد الحسين أحمد الأميني (ت1392ه-)، الناشر دار الكتاب العربي، بيروت، ط 4، 1397 ه - 1977 م

89 الفائق في رواة وأصحاب الإمام الصادق (علیه السلام) : عبد الحسين الشبستري،الناشر مؤسسة النشر الإسلامي التابعة لجماعة المدرسين بقم المشرفة، ط 1، 1418 ه-

90 فاسألوا أهل الذكر: الدكتور محمد التيجاني السماوي، الناشر مؤسسة الفجر،لندن

91 فتاوى اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء: جمع وترتيب أحمد بن عبدالرزاق الدويش،

92 الفتنة ووقعة الجمل: سيف بن عمر الضبي (ت 200 ه-)، تحقيق أحمد راتب عرموش، الناشر دار النفائس، بيروت، ط 1، 1391 ه-

93 الفصول المهمة في معرفة الأئمة: علي بن محمد المالكي الشهير بابن الصباغ (ت 855 ه-)، تحقيق سامي الغريري، الناشر دار الحديث للطباعة والنشر، المطبعةسرور، ط 1، 1422 ه-

ص: 274

94 فضائل الصحابة: أبو عبد الرحمن أحمد بن شعيب النسائي (ت 303 ه-)الناشر دار الكتب العلمية، بيروت

95 فيض القدير شرح الجامع الصغير: محمد عبد الرؤوف المناوي (ت 1031 ه-)،ضبط وتصحيح أحمد عبد السلام، الناشر دار الكتب العلمية، بيروت، ط 1، 1415 ه - 1994 م

96 القاموس المحيط: الفيروز آبادي (ت 871 ه-)

97 الكافي: أبو جعفرمحمد بن يعقوب بن إسحاق الكليني (ت 329 ه-)، تصحيح وتعليق علي أكبر الغفاري، الناشر دار الكتب الأسلامية، طهران، المطبعة حيدري، ط5، 1363 ش

98 الكامل في ضعفاء الرجال: أبو أحمد عبد الله بن عدي الجرجاني (ت 365 ه-)،قراءة وتحقيق يحيى مختار غزاوي، الناشر دار الفكر للطباعة والنشر والتوزيع، ط 3، 1409ه - 1988 م

99 كتاب الضعفاء والمتروكين: أبو عبد الرحمن أحمد بن شعيب النسائي (ت303ه-)، تحقيق محمود ابراهيم زايد، الناشر دار المعرفة للطباعة والنشر والتوزيع،بيروت، ط 1، 1406 ه - 1986 م

100 الكشاف عن حقائق التنزيل وعيون الأقاويل: أبو القاسم جار الله محمودبن عمر الزمخشري (ت 538 ه-)، الناشر شركة ومكتبة ومطبعة مصطفى البابي الحلبي وأولاده بمصر عباس ومحمد محمود الحلبي وشركاهم،، الطبعة الأخيرة، 1385 ه -1966 م

ص: 275

101 كشف الخفاء ومزيل الإلباس عما اشتهر من الأحاديث على ألسنة الناس: إسماعيل بن محمد العجلوني (ت 538 ه-)، الناشر دار الكتب العلمية، بيروت، ط 3، 1408ه - 1988 م.

102 كشف الغمة في معرفة الأئمة: أبو الحسن علي بن عيسى بن أبي الفتح الأربلي (ت 693 ه-)، الناشر دار الأضواء، بيروت، ط 2، 1405 ه - 1985 م

103 كفاية الأثر في النص على الأئمة الاثني عشر: أبو القاسم علي بن محمدبن علي الخزاز القمي (ت 400 ه-)، تحقيق السيد عبد اللطيف الحسيني الكوهكمري الخوئي، الناشر انتشارات بيدار، المطبعة الخيام، قم، 1401 م

104 الكفاية في علم الرواية: أبو بكر أحمد بن علي بن ثابت الخطيب البغدادي(ت 463 ه-)، تحقيق وتعليق أحمد عمر هاشم، الناشر دار الكتاب العربي، ط 1، 1405 ه - 1985 م.

105 كليات في علم الرجال: الشيخ جعفر السبحاني، الناشر مؤسسة النشرالإسلامي التابعة لجماعة المدرسين بقم المشرفة، المطبعة مؤسسة النشر الإسلامي، ط3، ه-1414

106 كمال الدين وتمام النعمة: الشيخ الصدوق محمد بن علي بن بابويه القمي(ت 381 ه-)، تصحيح وتعليق علي أكبر، الناشر مؤسسة النشر الإسلامي التابعة لجماعةالمدرسين بقم المشرفة، 1405 ه-

ص: 276

107 كنز العمال في سنن الأقوال والأفعال: المتقي الهندي علاء الدين علي بن حسام الدين (ت 975 ه-)، ضبط وتفسير الشيخ بكري حياني، تصحيح وفهرسة الشيخ صفوة السقا، الناشر مؤسسة الرسالة، بيروت، 1409 ه - 1989 م

108 لسان العرب: محمد بن مكرم ابن منظور الافريقي المصري (ت 711 ه-)،الناشر نشر أدب الحوزة، قم، 1405 ه-

109 مثير الأحزان: الشيخ محمد بن جعفر بن أبي البقاء هبة الله بن نما الحلي (ت654ه-)، الناشر المطبعة الحيدرية، النجف الأشرف، 1369 ه - 1950 م

110 المجدي في أنساب الطالبين: السيد على بن محمد العلوي (ت 709 ه-)،تحقيق الدكتور أحمد المهدوي الدامغاني، الناشر مكتبة آية الله العظمى المرعشي العامة،قم، المطبعة سيد الشهداء، ط 1، 1409 ه-

111 مجمع الزوائد ومنبع الفوائد: علي بن أبي بكر الهيثمي (ت 807 ه-)، الناشردار الكتب العلمية، بيروت، 1408 ه - 1988 م

112 المحلى: علي بن أحمد بن سعيد بن حزم (ت 456 ه-)، الناشر دار الفكر

113 المراجعات: السيد عبد الحسين شرف الدين الموسوي (ت 1377 ه-)،تحقيق وتعليق حسين الراضي، ط 2، بيروت، 1402 ه - 1982 م

114 مروج الذهب ومعادن الجوهر: أبو الحسن علي بن الحسين بن علي المسعودي (ت 957 ه-)، الناشر دار الكتاب العربي للطباعة والنشر والتوزيع، بغداد،ط 1، 1425 ه - 2004 م

ص: 277

115 المستجاد من الإرشاد (المجموعة): العلامة الحلي حسن بن المطهر (ت726ه-)، الناشر مكتبة آية الله العظمى المرعشي العامة، قم، المطبعة الصدر، 1406 ه-

116 مستدرك الوسائل ومستنبط المسائل: الميرزا حسين النوري الطبرسي (ت1320ه-)، تحقيق ونشر مؤسسة آل البيت (علیهم السلام) لإحياء التراث، بيروت، ط 1 المحققة، 1408ه - 1987 م

117 مستدرك سفينة البحار: الشيخ علي النمازي الشاهرودي (ت 1405 ه-)،تحقيق الشيخ حسن بن علي النمازي، الناشر مؤسسة النشر الإسلامي التابعة لجماعةالمدرسين بقم المشرفة، 1418 ه-

118 المستدرك على الصحيحين: أبو عبد الله الحاكم النيسابوري (ت 405 ه-)،إشراف يوسف عبد الرحمن المرعشلي، المطبعة دار المعرفة، بيروت

119 مسند ابن راهويه: إسحاق بن إبراهيم المروزي (ت 238 ه-)، تحقيق الدكتور عبد الغفور عبد الحق البلوسي، الناشر مكتبة الإيمان، المدينة المنورة، ط 1، 1412ه-.

120 مسند احمد: احمد بن حنبل (ت 241 ه-)، الناشر دار صادر، بيروت

121 المصنف: ابن أبي شيبة الكوفي (ت 235 ه-)، تحقيق وتعليق سعيد اللحام،الناشر دار الفكر للطباعة والنشر والتوزيع،بيروت، ط 1، 1409 ه - 1989 م

122 مطالب السؤول في مناقب آل الرسول (علیهم السلام) : محمد بن طلحة الشافعي (ت652ه-)، تحقيق ماجد بن أحمد العطية

ص: 278

123 معارج الوصول إلى معرفة فضل آل الرسول (علیهم السلام) : محمد بن يوسف الزرندي (ت 750 ه-)، تحقيق ماجد بن أحمد العطية

124 المعجم الأوسط: سليمان بن أحمد الطبراني (ت 360 ه-)، تحقيق قسم التحقيق بدار الحرمين، الناشر دار الحرمين للطباعة والنشر والتوزيع، 1415 ه -1995 م

125 المعجم الكبير: سليمان بن أحمد الطبراني (ت 360 ه-)، تحقيق وتخريج حمدي عبد المجيد السلفي، الناشر دار احياء التراث العربي، ط 2

126 معجم رجال الحديث وتفصيل طبقات الرواة: السيد أبو القاسم الموسوي الخوئي (ت 1411 ه-)، ط 5، 1413 ه-، 1992 م

127 مفاهيم القرآن (العدل والإمامة): الشيخ جعفر السبحاني (دام ظله)

128 المفيد من معجم رجال الحديث: محمد الجواهري، الناشر مكتبة المحلاتي،قم، المطبعة العلمية، ط 2، 1424 ه-

129 مقاتل الطالبيين: أبو الفرج الأصفهاني (ت 356 ه-)، تقديم وإشراف كاظم المظفر، الناشر مؤسسة دار الكتاب للطباعة والنشر، قم، المطبعة المكتبة الحيدريةفي النجف، ط 2، 1385 ه - 1965 م

130 مقتضب الأثر في النص على الأئمة الاثني عشر: أحمد بن عبيد الله بن عياش الجوهري (ت 401 ه-)، الناشر مكتبة الطباطبائي، قم، المطبعة العلمية، قم

131 المناقب: الموفق بن أحمد بن محمد الخوارزمي (ت 568 ه-)، تحقيق الشيخ مالك المحمودي، نشر وطبع مؤسسة النشر الإسلامي التابعة لجماعة المدرسين بقم المشرفة، ط 2، 1411 ه-

ص: 279

132 مناقب آل أبي طالب: محمد بن علي بن شهر آشوب (ت 588 ه-)، تصحيح وشرح ومقابلة لجنة من أساتذة النجف الأشرف، الناشر المكتبة الحيدرية، النجف الأشرف، 1376 ه - 1956 م

133 موسوعة كلمات الإمام الحسن (علیه السلام)

134 نصب الراية تخريج أحاديث الهداية: جمال الدين الزيلعي (ت 762 ه-)،اعتناء ايمن صالح شعبان، الناشر دار الحديث، القاهرة، المطبعة دار الوفاء، المنصورة،ط 1، 1415 ه - 1995 م

135 نظم درر السمطين في فضائل المصطفى والمرتضى والبتول والسبطين: محمدبن يوسف الزرندي (ت 750 ه-)، ط 1، 1377 ه - 1958 م

136 نهج البلاغة: خطب الإمام علي (علیه السلام)، شرح الشيخ محمد عبدة، الناشر دارالذخائر، قم، المطبعة النهضة، قم، ط 1، 1412 ه-

137 نهج السعادة في مستدرك نهج البلاغة: الشيخ محمد باقرالمحمودي، الناشرمؤسسة الأعلمي للمطبوعات

138 نيل الأوطار من أحاديث سيد الاخيار: محمد بن علي بن محمد الشوكاني(ت 1255 ه-)، الناشر دار الجيل، بيروت، 1973 م

139 وفيات الأئمة: مجموعة من علماء البحرين والقطيف، الناشر دار البلاغة للطباعة والتوزيع والنشر، بيروت، ط 1، 1412 ه - 1991 م

ص: 280

140 وفيات الأعيان وأنباء أبناء الزمان: ابن خلكان (ت 681 ه-)، تحقيق إحسان عباس، نشر وطبع دار الثقافة، لبنان

141 ينابيع المودة لذوي القربى: الشيخ سليمان بن ابراهيم القندوزي (ت1294ه-)، تحقيق سيد علي جمال أشرف الحسيني، الناشر دار الاسوة للطباعة والنشر،المطبعة أسوة، ط 1، 1416 ه- .

ص: 281

ص: 282

المحتويات

شكر وتقدير 9

المقدمة 11

منهج البحث 17

موجز حياة الإمام الحسن(علیه السلام) 25

الباب الأول تنزيه الامام الحسن (علیه السلام) 37

تمهيد 39

الفصل الأول

مناقبه(علیه السلام) في القرآن 41

الفصل الثاني

مناقبه(علیه السلام) في الأحاديث النبوية 61

التمهيد 87

الشبهة الأولى

تسميته حرباً 93

الشبهة الثانية

الأكل من تمر الصدقة 107

الشبهة الثالثة

علاقته بأبيه وأنه عثماني الهوى 121

ص: 283

الشبهة الرابعة

في لسانه رتة 147

الشبهة الخامسة

مزواج ومطلاق 155

الشبهة السادسة

لم يوصَ إليه 183

الشبهة السابعة

علاقته بأخيه الحسين (علیه السلام) 205

الشبهة الثامنة

جلوس في الطرقات 221

الشبهة التاسعة

الجهل بحاله 227

الشبهة العاشرة

جزع عند الموت 231

الشبهة الحادي عشر

عدم معرفة قاتله 241

الخاتمة 259

المصادر 263

ص: 284

تعريف مرکز

بسم الله الرحمن الرحیم
جَاهِدُواْ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ
(التوبه : 41)
منذ عدة سنوات حتى الآن ، يقوم مركز القائمية لأبحاث الكمبيوتر بإنتاج برامج الهاتف المحمول والمكتبات الرقمية وتقديمها مجانًا. يحظى هذا المركز بشعبية كبيرة ويدعمه الهدايا والنذور والأوقاف وتخصيص النصيب المبارك للإمام علیه السلام. لمزيد من الخدمة ، يمكنك أيضًا الانضمام إلى الأشخاص الخيريين في المركز أينما كنت.
هل تعلم أن ليس كل مال يستحق أن ينفق على طريق أهل البيت عليهم السلام؟
ولن ينال كل شخص هذا النجاح؟
تهانينا لكم.
رقم البطاقة :
6104-3388-0008-7732
رقم حساب بنك ميلات:
9586839652
رقم حساب شيبا:
IR390120020000009586839652
المسمى: (معهد الغيمية لبحوث الحاسوب).
قم بإيداع مبالغ الهدية الخاصة بك.

عنوان المکتب المرکزي :
أصفهان، شارع عبد الرزاق، سوق حاج محمد جعفر آباده ای، زقاق الشهید محمد حسن التوکلی، الرقم 129، الطبقة الأولی.

عنوان الموقع : : www.ghbook.ir
البرید الالکتروني : Info@ghbook.ir
هاتف المکتب المرکزي 03134490125
هاتف المکتب في طهران 88318722 ـ 021
قسم البیع 09132000109شؤون المستخدمین 09132000109.