الرحلة الكشفية

اشارة

الكتاب: الرحلة الكشفية.

الكاتب: باسم مجيد الساعدي.

الناشر: قسم الشؤون الفكرية والثقافية في العتبة العباسية المقدسة.

التدقيق اللغوي: مصطفى كامل محمود.

التصميم والاخراج الطباعي: علاء سعيدالاسدي/ محمد قاسم النصراوي.

رقم الايداع ى دار الكتب والوثائق: 192 لعام 2014.

المطبعة: دار الكفيل للطباعة والنشر .

الطبعة: الأولى.

عدد النسخ: 1000.

ربیع الأول 1435 -كانون الثاني 2014 

ص:1

اشارة

الرحلة الكشفية

طرح عقائدي باسلوب قصصي

بقلم

باسم مجيد الساعدي

وحدة الدراسات النشرات

ص: 2

بسم الله الرحمن الرحيم

والحمدُ للهِ ربِّ العالمينَ والصلاةُ والسلامُ على من بعثهُ اللهُ

نجاةً للعالمينَ أبي القاسم محمدٍ وآله الطاهرينَ

واللعنُ الدائمُ الباقي على

أعدائِهم أجمعينَ

ص: 3

ص: 4

الإهداء

سيدي يا رسول الله الأكرم (صلی الله علیه و آله) سادتي آل بيت العصمة (علیهم السلام)

أتوسل إليكم بمظلومية شيعتكم أن تقبلوا مني هذه الوريقات التي لا تُعد حتى قطرة في محيط ما أُلف دفاعاً عنكم... لكن هي بضاعتي وأرجو أن تكون نافعة لي في يوم فاقتي..

سادتي.. اسمحوا لي أن أذكر في الإهداء أبويي فهما من علماني حبكم، وجميع شيعتكم، لاسيما من قبل الثرى خده قبل أن تصفعه الذنوب أعني «غيثاً» فقد قطع أعدائكم حياته، لانه سار بدربكم قبل أن يطأ درب الشباب، ولكل من شابهه بالرحيل إليكم (صلوات الله عليكم)

كلي أمل بأن أتشرف –سادتي– بقبولكم هذه الوريقات

باسم 

ص: 5

ص: 6

عصر اليوم الأول:

كانت الشمس -في لحظات الغروب- تتوارى ببطء خلف غيوم تستر الأفق، وهي تصبغ بساط العشب الأخضر وماء البحيرة التي استقر عل مقربة من شاطئها مخيم الآمل الكشغي، بلونٍ أحمر قانٍ وكأنه دم عبيط...

كان (حسن) يتأمل انعكاس الأفق الأحمر في مياه البحيرة، وهو يجلس القرفصاء وحيداً على صخرة من صخور سفح التل القريب من البحيرة... وهو يردد أبياتاً من الشعر ممزوجةً بعبرات متكسرة ونشيج محبوس:

وعلى الدهر من دماء الشهيدين*** علي ونجله شاهدان

فهام في أواخر الليل فجران *** وفي أولياته شفقان

ثبتا في قميصه ليجئ الحشر *** مستعديا إلى الرحمن

حط احدهم يده على كتف (حسن) فقطع ما كان يردد، ومد أنامله –قبل أن يلتفت– ومسح قطرات دمع تسللت عبر جدار أهداب عينيه الكثيف... فتناثرت على خديه وكأنها حبات لؤلؤ... أو قطرات ندى على وريقة نسرين...

– العفو...يا أستاذ

– أتعرف لمن هذه الأبيات؟

– لا... لكني سمعتها من أحد الخطباء فحفظتها... لله در قائلها كلما نظرت لمغيب الشمس تذكرتها...

– الأبيات من قصيدة (لأبي العلاء المعري) يمدح بها احد العلويين.

ص: 7

– (أبو العلاء) الزنديق صاحب:

صاح هذى قبورنا تملأ الأرض *** فأين القبور من عهد عاد

خفف الوطء ما أظن أديم الأرض *** إلا من هذه الأجساد

وقبيح بنا وإن قدم العهد *** هوان الآباء والأجداد

رب لحد قد صار لحدا مراراًا *** ضاحكاً من تزاحم الأضداد

ودفين على بقايا دفين *** في طويل الأزمان والآباد

– نعم...وأضاف مستطرداً... قسماً إني كل يوم ازداد أعجاباً بك... ثم قال وهو يتنهد: لكن المعري ليس بزنديق...؟!

– لا تعجب إنما لُطخت سمعته لأنه من محبي آل الرسول الأكرم (صلوات الله عليهم)...كما لُطخت سمعة (أبي الأسود الدؤلي) ورمي بالبخل... ومن الشواهد على نفي الزندقة عنه هي القصيدة التي قرأتَ منها هذه الأبيات التي تزدحم بها معاني التوحيد... هيا قد حل المساء دعنا نعود للمخيم، ولعله في وقت آخر اشرح لك ما في التاريخ من تزييف...

الليلة الأولى:

هاهي الليلة الأولى للمعسكر الكشفي وهي ليلة ظلماء... كأن ظلامها كساء اسود غليظ تزينه ملايين الدرر البيضاء البراقة، وهو يلف المخيم مانعاً الشباب الصغار من النظر لما حولهم... حتى الشجيرات، التي نصبوا خيمهم بالقرب منها، أمست لا ترى إلا بصعوبة وكأنها أشباح بعيدة مخيفة... جلس الشباب الكشفيون في فناء المخيم كحلقة واسعة حول نار أشعلوها... كان النسيم النيساني يداعب أوراق الأشجار وأطراف العشب... كان وقتاً لا يوصف ولهب النار يتراقص مع نفخات الهواء الشرقي

ص: 8

الرطب... لعل أكثرهم لم يحض بهكذا لحظات من قبل... كان بعضهم متضايقاً من الدخان مطالباً بصب الوقود على النار... وبعضهم يقترح بأن يبعدوا قطعة حطب رطبة كي يختفي الدخان... إلا أن أغرب اقتراح جاء من أحدهم:

– اتركوا الدخان... بل زيدوا الحطب الرطب كي يزداد الدخان، ودعونا نتذكر آخر فيلم رعب شاهدناه

فأيده آخر قائلاً:

– وكي تزداد الجلسة رومانسية أطفئوا المصابيح التي في الخيام...

– ولمَ؟... وكيف نجد أسرتنا؟

– لا عليك سنستخدم المصابيح اليدوية... ثُمَّ انا لا نحتاجها وهذا إهدار للنفط... ثم أضاف بنبرة العالم الواثق من نفسه... ألم تقرؤوا كيف ان الخليفة الأموي عمر بن عبد العزيز أطفأ السراج عندما تحولت جلسته إلى جلسة خاصة به، خوفاً منه على مال المسلمين؛ لأن الزيت الذي في السراج من أموال المسلمين؟

– ماذا... ماذا؟!

قالها (حسن) وهو يجلس بعد أن كان متمدداً على البساط العشبي الندي... ثم أضاف:

– من قال إن عمر بن عبد العزيز أطفأ السراج؟

– أنا.

– من... (نبيل) وأنا كنت مشدوداً لك كلما رأيتك في مكتبة مدرستنا... أو وأنت تسأل الأستاذ (علي نعيم) عن التأريخ الإسلامي!.

ص: 9

– نعم... عمر بن عبد العزيز الخليفة الثامن من خلفاء بني أمية... والحادثة مشهورة في كتب التاريخ...

– لا يا أخي الحادثة كانت مع أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (علیه السلام) فقاطعهم (سعيد)

– هاه... لا تعكرا صفونا بحديثكما التاريخي العقيم وتضيعوا اقتراحي... هيا سأذهب لإطفاء المصابيح بينما يتذكر أحدكم فيلماً مرعباً... واقترح أن يكون حول (الادراكولا).

ابتسم (نبيل) في وجه زميله (سعيد) ابتسامة مجاملة، وقال له وهو يرفع صوته كي

يسمعه الجميع:

– دعونا من الأفلام رجاءً... فهذه المسألة ليست عقيمة بل تترتب عليها أمور كثيرة.

ثم توجه لصديقه (حسن) وأردف:

– أنا متأكد من المعلومة التي قرأت... لكني أثق بك، وأتمنى أن تُؤكد لي ما قلت، لأني وبصراحة أخاف من أن تشيعك يجعلك –وحاشاك– تنسب كل شيء لأمير المؤمنين.

فأجاب (حسن) وهو يتنهد:

– لا يا أخي حاشا الشيعة من قول أي شيء من غير دليل... فأنا متأكد وقد قرأتها في (موسوعة الإمام علي بن أبي طالب (علیه السلام) في الكتاب والسنة والتاريخ) لمحمد الريشهري (1) وهو من كتب والدي... وأيضا قرأتها في كتاب (الإمام علي بن أبي .

ص: 10


1- موسوعة الإمام علي بن أبي طالب (علیه السلام) في الكتاب والسنة والتاريخ،محمد الشهيري، 4 : 22 .

طالب (علیه السلام))للشيخ احمد الرحماني الهمداني (1) استعرته من مكتبة مسجد حيناً... فإن شئت تأتي لبيتنا –بعد رجوعنا من المعسكر– وتطلّع بنفسك على تفاصيل الحادثة... وإن شئت ذهبنا الآن إلى الأستاذ (علي نعيم) فهو مدرسنا في التاريخ وله –كما تعلم– بحوث كثيرة في التاريخ الإسلامي.

وصل صوت الشباب إلى الأستاذين المرافقين للرحلة الكشفية وهم يجلسان في باب خيمتهم التي لا تبتعد كثيراً عن خيام الشباب... مستمتعين بالنظر إلى بريق النجوم البعيدة المتلألأة، وهم يتجاذبان أطراف حديث ممزوج بأصوات حفيف الريح الشرقية ونقيق ضفادع متقطع يأتي من جانب البحيرة...

فصاح احد الأستاذين:

– على رسلكم سنأتي ونشارككم جلستكم إن لم تمانعوا...

دارت عليهم أقداح الشاي التي أعدها أحد الطلبة، وقدمها لهم... ارتشف الأستاذ (علي نعيم) رشفة من شايه وراح يكلمهم وهو يحمل القدح في يدٍ وفي يده الثانية يلاعب حبات مسبحته الطويلة:

– سمعت ما دار بين (حسن) و(نبيل) وكلاهما نقلا ما وجدا.

(حسن) و(نبيل) وبصوت واحد وقبل أن يتم الأستاذ كلامه:

– كيف؟!

– فأجاب الأستاذ وهو يهز رأسه مبتسماً:

– دعوني أكمل... نعم ف (نبيل) ذكر ما وجده في بطون الكتب واعتمده من دون .

ص: 11


1- الإمام علي بن أبي طالب (علیه السلام)، الشيخ احمد الرحماني الهمداني : 669 .

أن يتأكد من صحته... و(حسن) ذكر ما وجد أيضاً وهو الصحيح...فما نقله (نبيل) من حياكة بني أمية ومن لفَّ لفّهم (قاتلهم الله جميعا)...

ارتسمت على وجوه الشباب الكشفيين علاماتُ تسائلٍ منعهم من البوح بها احترامهم لأستاذهم... إلا أنها لم تغب عن أستاذ الرياضة وقائد المعسكر... فقال:

– هلا حدثتنا عن الحادثة؟

– نعم... وبكل سرور:

أن الحادثة تكررت مع أمير المؤمنين مرتين: مرةً مع عمرو بن العاص، وأخرى مع طلحة والزبير... وسأروي لكم الحادثتين مبتدئً من الأولى:

خيم السكون على الجلسة وراح الشباب يصغون مع أستاذهم لأستاذ التاريخ صاحب الصولات والجولات العلمية، فكم نقاش دار بين الأساتذة فكان قوله الفيصل بينهم، وكم من بحث كان هو المقيّم له... قطع سكون الطلبة صوت أستاذ التاريخ وهو يأمر احدهم بأن يقرب الحطب من النار لكي يجف من حرارة لهبها حتى لا يصدر الدخان بعد إيقاده... من ثم اعطى قدح الشاي الذي يحمل إلى (نبيل) حيث تبرع بخدمتهم وأشار بيده إشارة الاكتفاء... وأردف متنهداً:

_ إن عمرو بن العاص دخل في ليلة من الليالي على أمير المؤمنين (علیه السلام) وهو في بيت المال ونعني ببيت المال: المكان الذي تخزن فيه أموال الدولة، فأطفأ أمير المؤمنين (علیه السلام) السراج وجلسا تحت ضوء القمر؛ لأن الأمير (صلوات الله عليه) لم يستحل أن يجلس في الضوء بغير استحقاق(1) ... .

ص: 12


1- مناقب آل أبي طالب ابن شهر آشوب 1: 377 .

أما الحادثة الثانية:

فقد رويت بطرق شتى وهي: بعد ان قُتل عثمان بن عفان وتولى أمير المؤمنين الخلافة... جاءه (طلحة، والزبير) ليبايعاه بعد ان شاهدا إقبال الناس على بيعة أمير المؤمنين (علیه السلام) ذاك الإقبال الذي وصفه الأمير (علیه السلام) بقوله: «فتداكوا على تداك الإبل الهيم يوم وردها، وقد أرسلها راعيها، وخلعت مثانيها، حتى ظننت أنهم قاتلي، أو بعضهم قاتل بعض لدى »(1) ويعني بذلك (صلوات الله عليه) ان الناس ازدحموا عليه من اجل مبايعته كما تزدحم الإبل العطشى على الماء... فبعد ان شاهدا –طلحة والزبير– هذا الإقبال تظاهرا انهما من مريدي الأمير (علیه السلام) وبايعا ممنين نفسيهما بولاية (العراقين) أي (الكوفة والبصرة) فدخلا ذات ليلة على أمير المؤمنين (علیه السلام)، وهو (صلوات الله عليه) مشغولاً في كتابة ما يتعلق بكيفية تقسيم بيت مال المسلمين، فأطفأ (علیه السلام) السراج الذي بين يديه، وأمر بإحضار سراج آخر من بيته، فسألاه عن ذلك، فقال (علیه السلام): «كان زيته من بيت المال، لا ينبغي أن نصاحبكم في ضوئه »(2) ...سكت الأستاذ مصغيا لصوت طيور ماء قد تعالى في البحيرة القريبة... من ثم خيم سكون على جلستهم... حتى حفيف الرياح الشرقية انقطع... ثم أكمل بصوت حزين:

– ولعله (صلوات الله عليه) أراد بذلك ان يجيبهم عمليا... فمن يحرص على زيت سراج بيت المال فهو احرص على مال المسلمين في الكوفة والبصرة...

أشعل الأستاذ (كريم) أستاذ الرياضة والقائد لفرقة الأمل الكشفية سيجارة وراح ينكث الأرض بعود في يده... أشار احد الطلبة بيده لزميله وكان يجلس أمام النار من الجهة الغربية إشارة مفادها أن أفسح المجال للنسيم الغربي كي يتخلل في النار ويساعدها .

ص: 13


1- شرح نهج البلاغة 4: 6.
2- شرح إحقاق الحق 8: 539 .

على الاشتعال أكثر...

تساءل (نبيل):

– العفو يا أستاذ... لقد قلتم بعد أن قُتِل عثمان ولم تذكر قاتله! فمن قتله؟...

ولمَ قتله؟!

الأستاذ:

– نعم، وأحسنت على هذا السؤال؛ لأنه مهم جداً... قد قتله المسلمون وبتحريض عائشة.

– عائشة بنت أبي بكر؟! ألم تكن ممن طالب بدمه؟!

هكذا صاح (نبيل) مندهشاً... من ثم انتبه أن صوته كان عالياً، فاعتذر من أستاذه بابتسامه لطيفة...

فأجابه أستاذه وهو يبتسم أيضاً:

– نعم فبعد أن... وقبل أن يتم كلامه لا حظ إشارة من زميله أستاذ (كريم) بأن ينظر لساعته فعرف أن الوقت صار متأخراً، فقال: بعد أن نكمل نشاطنا الكشفي في يوم غد –إن شاء الله– ونجلس ليلاً كما جلسنا الليلة سأكمل لكم الحديث...

من ثم نهض الأستاذ (كريم) وهو يقول:

– كشفيون، ماذا نفعل للنار بعد أن ننتهي منها؟

فأجابه بعضهم: نطفؤها أستاذ

– أحسنتم... ومن يطفؤها؟

ص: 14

فتبرع (حسن)، و(سعيد) بإطفائها بينما راح البقية للنوم... قال (سعيد) بصوت خافت وكأنه يكلم نفسه:

– أردنا أن نتسلى بقصص (الادراكولا) فإذا بنا نستعرض التاريخ... لكن لا بأس فقد تشوقت لسماع مقتل (عثمان).

– نعم معك حق... وبعد سكتة قصيرة استطرد متنهداً وهو يصب التراب على النار... لكنها مخيفة أكثر من أفلام (الادراكولا)...

– كيف؟!

– ستعرف غداً ان كل مافي المسلمين من ويلات كان سببه تلك الأيام.

استلقى أستاذ الرياضة على سريره وهو ينفث دخان سيجارته من فمه، وسأل أستاذ التاريخ باستنكار:

– ألا يوجد خطر على الأطفال بسماع هذه الحكايات؟!

– أولاً: هم ليسوا أطفالاً... ثانياً: ما رويته لهم ليس مجرد حكاية بل واقع يجب أن يعرفوه فإن لم يعرفوه اليوم فسيعرفونه غداً... ثالثاً: أيَّ خطر تقصد... أخطر الفتنة والتفرقة؟

– نعم.

– لا... لا...

قال الأستاذ (علي نعيم) وهو يسوي بطانيته من ثم استطرد...

– لو أطلّع كل شباب المسلمين على تاريخهم ودرسوه دراسة صحيحة... لوصلوا لعقائد سليمة ولم تكن أي تفرقة أو فتنة... ثم أردف: يا الله... تصبح على خير... ولا

ص: 15

تنسَ (الفانوس)

الليلة الثانية:

هاهو اليوم الثاني من أيام الرحلة الكشفية ينتهي وحل المساء سريعاً من دون أن يشعر الشباب الكشفيون بمرور ساعاته الثقيلة... فقد كان نشاطهم الكشفي –في ذلك اليوم– حول كيفية تحديد الاتجاهات الأربعة بواسطة الوسائل البدائية...

كان (حسن) و(نبيل) وبصحبتهم (سعيد) يحضرون لجلسة هذه الليلة التي وعدهم بها الأستاذ (علي) كي يكمل لهم خبر مقتل (عثمان بن عفان)... قال (نبيل) لصاحبيه:

هيا أشعلا النار وأعدا الشاي بينما اغسل الأواني... فرد عليه (سعيد):

– وهل في إشعال النار وإعداد الشاي معضلة حتى نتساعد عليها؟!

– لا... لا توجد معضلة... لكن المساعدة جميلة... ألم تقرأ أو تسمع كيف أن نبينا الأكرم (صلی الله علیه و آله) كان يساعد المسلمين في أعمالهم رغم...

وقبل أن يتم (حسن) كلامه... قاطعه (سعيد) بعد أن سمع تنهداً خفيفاً يصدر من (نبيل)... فتسائل بسخرية واضحة...

– هاه... هل ان هذا الكلام أيضاً موضوع ولا أصل له؟!

– استغفر الله... استغفر الله لم أعني هذا... إنما كلام (حسن) ذكرني بحديث يروى عن نبينا الأعظم (صلی الله علیه و آله) والراوي الإمام الصادق (علیه السلام) ، قال الإمام (علیه السلام): « إن رسول

الله (صلی الله علیه و آله) نزل بأرض قرعاء – أي ارض ليس فيها شجر ولا نبات– فقال لأصحابه: ائتوا

بحطب، فقالوا: يا رسول الله نحن بأرض قرعاء ما بها من حطب قال: فليأت كل إنسان بما قدر عليه، فجاؤوا به حتى رموا بين يديه، بعضه على بعض، فقال رسول الله (صلی الله علیه و آله):

ص: 16

هكذا تجتمع الذنوب... »(1) فتذكرت ذنوبي وتنهدت...

– غفر الله لنا ولك وللمؤمنين جميعاً... هيا (سعيد)، اشعل النار فالجلسة على وشك الانعقاد... أما أنا فسأعد الشاي وسأقوم بخدمتكم إلى أن تنتهي الجلسة...طلباً للأجر والثواب؛ لأن خدمة المؤمنين فيها ثواب كثير، فضلاً عن أن جلستنا هذه فيها دفاع عن أمير المؤمنين (علیه السلام).

اجتمع الشباب الكشفيون حول النار بانتظار أستاذيهم...كان الدخان يتصاعد ممتدّاً وكأنه عامود بين الأرض والسماء... أجفلت بضع عصافير من شجرة قريبة من مجلسهم... ألتفت أحد الطلبة... وراح منبهاً زملاءه على قدوم أستاذيهم... وبعد أن استقرت بهم الجلسة... وأثناء شرب الشاي، قال الأستاذ (كريم) ممهداً الحديث لزميله:

– اليوم –نهاراً– كان نشاطنا الكشفي حول تحديد الاتجاهات الأربعة بالطرق البدائية، وقلت لكم –عندما انتهينا من النشاط النهاري– إن لنشاطنا تتمة في الليل...

وبعد سكتة قصيرة أضاف... والبارحة بدأنا حواراً لم نتمه ووعدنا الأستاذ –وأشار بيده جهة زميله– بأن يتم الحديث الليلة، وسنبدأ نشاطنا بعد أن يتم الأستاذ حديثه...

والآن أطلب منكم الإصغاء للأستاذ...

بدأ الأستاذ (علي) كلامه بالبسملة والصلاة على النبي (صلی الله علیه و آله) من ثم قال:

– البارحة تساءل زميلكم (نبيل) عن قاتل (عثمان) واستغرب كيف أن (عائشة) حرضت على قتل (عثمان)، وعدتكم إكمال الحديث الليلة وهاأنا ذا أفي بوعدي... فبعد أن خرج عثمان عن سُنَّة الرسول (صلی الله علیه و آله) ذلك الخروج الذي وصفته (عائشة) بقولها: ...« وهذا قميص رسول الله لم يتغير وقد غَ تّريَ سنته يا نعثل(2) [أو يا نعثلي](3) » ونعثل –كما .

ص: 17


1- الكافي للكليني 2: 288 .
2- الجمل، لضامن بن شدقم المدني: 21 .
3- ما بين المعقوفين لفظ رواية الشيخ المفيد في كتابه الجمل صفحة 76 .

في كتب اللغة– إما رجل يهودي(1) او رجل طويل اللحية في مصر(2) أو ذكر الضباع(3) وعلى كل الاحتمالات هو لقب ذم في (عثمان) لا مدح... المهم ان كتب التاريخ والسيرة لدى الشيعة والسنة مملوءة بمخالفات (عثمان) للإسلام...

فمن جملة مخالفاته: تقريب المنافقين والطلقاء وتسليمهم أهم مناصب الدولة، وإرجاعه لطريد رسول الله (صلی الله علیه و آله) الحكم بن العاص، ذاك الذي طرده رسول الله (صلی الله علیه و آله) عن مدينته لإساءاته المتكررة للنبي الأكرم (صلی الله علیه و آله) (4)، بل أكثر من هذا جعل ابن عمه وصهره...

الوزغ بن الوزغ... مروان بن الحكم بن العاص وزيراً له ومستشاراً أول.(5) .. وأعطاه خمس غزوة افريقيا الثانية وفدك... ثم قال بصوت مخنوق: وما أدراك ما فدك، تلك الأرض التي صادرتها السلطة من السيدة الزهراء (صلوات الله عليها) ثم استطرد...

بعد أن أعطى خمس الغزوة الأولى لابن خالته وأخيه من الرضاعة عبد الله بن أبي سرح، وأيضاً أعطى الحارث وهو صهره وابن عمه سوق بالمدينة يسمى ب(المهزور) وقد كان رسول الله (صلی الله علیه و آله) قد جعله صدقه للمسلمين، وأعطى عمه الحكم صدقات قضاعة، حتى كان عامل صدقات المسلمين على السوق يأتي عثمان فيقول له: ادفعها إلى الحكم(6) ...

إضافة لتحقيره أصحاب رسول الله (صلی الله علیه و آله) ... .

ص: 18


1- القاموس المحيط، الفيروز آبادي، 4: 59 .
2- لسان العرب، ابن منظور، 11 : 670 .
3- قال الواقدي: شبه بذكر الضباع، فإنه نعثل لكثرة شعره، وقال: إنما شبه بالضبع لأنه إذا صاد صيدا قاربه ثم أكله انهُ أتي بالمرأة لتحد فقاربها ثم أمر برجمها، الصراط المستقيم، علي بن يونس العاملي، 3: 30 .
4- انظر على سبيل المثال لا الحصر: كتاب سُليم بن قيس: 415 ، و المسترشد: 426 ، وكشف الغطاء 1: 18 .
5- بحار الانوار العلامة المجلسي 30 : 370 ، وكتاب الاربعين، محمدطاهر القمي الشيرازي: . 127
6- معالم المدرستين، السيد مرتضى العسكري، 2: 180 .

– العفو يا أستاذ... كيف حقر عثمان أصحاب الرسول (صلی الله علیه و آله) ؟

– نعم... لو أردنا أن نتكلم عن جميع تجاوزاته لاحتجنا لليالٍ لا لليلة واحدة... لكن سأحدثكم عن بعضها... ثم عدل جلسته وأعاد قدح الشاي إلى (حسن)...قام أحد الطلبة بإطعام النار بعض عيدان حطب يابس... ثم قال الأستاذ:

منها نفيه لأبي ذر (رضی الله عنه) من المدينة المنورة (على منوّرها وآله أفضل الصلاة وأتم السلام) مرتين... الأولى: إلى الشام؛ لأن أبا ذر اعترض على إعطاء عثمان لمروان بن الحكم، والحارث بن الحكم، وزيد بن ثابت الأنصاري مئات الألوف من الدراهم...

والثانية: إلى الربذة... فبعد أن وصل أبو ذر الشام، راح يعترض ويستنكر على معاوية أفعاله... فأراد معاوية أن يقطع لسانه بثلاثمائة دينار! فكان جوابه، إن كان هذا من عطائي قبلتها، وإن كانت جعلة – أي عطية– فلا حاجة لي فيها! ولما بنى معاوية قصر (الخضراء) بدمشق، قال أبو ذر (رضی الله عنه) له: «يا معاوية إن كانت هذه الدار من مال الله فهي الخيانة، وإن كانت من مالك فهذا هو الإسراف »، إضافة لأمور أُخَر دارت بينه وبين معاوية... فكتب معاوية إلى عثمان: أن أبا ذر قد أفسد عليَّ الشام! فكتب عثمان إلى معاوية: أحمل جندباً –وهو اسم أبي ذر قبل الإسلام– على أغلظ مركب وأوعره، فوجه معاوية من سار به الليل والنهار، ولم يكد يصل إلى المدينة حتى تسلخت أفخاذه وكاد يموت، فلما قَدِم أبو ذر الى المدينة جعل يقول: «تستعمل الصبيان، وتحمي الحمى، وتقرب أولاد الطلقاء ». فبعث إليه عثمان: إلحق بأي أرض شئت. فقال: بمكة. فقال:

لا. قال: فبيت المقدس. قال: لا. قال: فبأحد المصرين. قال: لا. ولكني مُسَیّرُك إلى الربذة. فسیّره إليها، فلم يزل بها حتى مات سنة 31 أو 32 ه رضي الله عنه وأرضاه(1) ...

ومنها وضع عبد الله بن مسعود في الإقامة الجبرية بعد أن أمر بعض غلمانه بضربه .

ص: 19


1- شيخ المضيرة ابو هريرة، محمود ابو رية : 192 .

حتى كسرت أضلاعه...

– ومن عبد الله بن مسعود ولمَ أمر بضربه؟

– ابن مسعود هو أحد أصحاب رسول الله (صلی الله علیه و آله) ... وقد كان صاحب بيت المال في الكوفة أي مسؤول خزينة الدولة... وضربه لأنه طالب والي عثمان الوليد بن عقبة

–وهو أخو عثمان من أمه– بدين قد استدانه من بيت مال المسلمين ولم يرده...فكتب الوليد إلى أخيه بأمر المطالبة، فكتب عثمان إلى عبد الله بن مسعود: «إنما أنت خازن لنا فلا تعرض للوليد فيما أخذ من المال »، فترك ابن مسعود خزانة بيت المال وقال: «كنت أظن أني خازن للمسلمين فأما إذا كنت خازناً لكم فلا حاجة لي في ذلك .»

من ثم راح يتكلم عن خيانة عثمان وأخيه... فكتب الوليد إلى أخيه بذلك وقال:

«إنه يعيبك ويطعن عليك »، فكتب إليه عثمان يأمره بإرساله إليه في المدينة المنورة...

ووصل ابن مسعود المدينة وعثمان يخطب على منبر رسول الله (صلی الله علیه و آله) فلما رآه قال: «ألا إنه قد قدمت عليكم دويبة سوء من يمشي على طعامه يقئ ويسلح .»

فقال ابن مسعود: «لست كذلك ولكنّي صاحب رسول الله (صلی الله علیه و آله) يوم بدر ويوم بيعة

الرضوان » –وكلامه هذا تعريض واضح في عثمان، حيث إنه لم يشارك في معركة بدر ولا عند بيعة الرضوان– ثم أمر عثمان بإخراجه من المسجد وضربه...فضربوه حتى كان من أمره ما ذكرت لكم(1) ...

من ثم سكت الأستاذ (علي نعيم) وراح ينظر صوب الأفق وكأنه يبحث عن شيء بين النجوم المتناثرة... استغل (حسن) سكوت أستاذه وقدم له كوبَ ماء... تناوله الأستاذ وارتشف منه رشفة، من ثم أعاده إلى (حسن) وهو يقول: .

ص: 20


1- احاديث أم المؤمنين عائشة، السيد مرتضى العسكري، 1: 116 .

– شباب هل تعرفون من صلى صلاة الصبح أربع ركعات؟؟

فسكتوا جميعاً إلا (نبيل) و(حسن) رفعا يديهما طلباً للإذن بالإجابة... فتساءل أستاذهم...

– هاه، لا يوجد من يعرف الإجابة غير (نبيل) و(حسن)...لا بأس تفضل (نبيل).

– أستاذ هو (الوليد بن عقبة)

– وأنت (حسن) ما تقول؟

– نعم... أستاذ هو الوليد وقد كان سكران(1) .

– أحسنتما.

أنصت الجميع لصوت عواء ثعالب يأتي من جهة التل الأخرى... طلب الأستاذ (كريم) من (نبيل) وقد كان قريباً من النار عود حطب مشتعل كي يشعل سيجارته... سأل استاذ ( التاريخ) زميله عن موعد بدء النشاط الكشفي... فأجابه بعد أن نظر لساعته... أمامنا ساعتان حتى بدء النشاط... فسأل الأستاذ (علي) الشباب الكشفيين...

– هل مللتم الحديث أم نكمل؟

فأجابه الجميع... أكمل فقد تشوقنا...

فتبسم الأستاذ ابتسامة رضا وقال:

– نعم... ومن تجاوزات عثمان على الصحابة... ضربه لعمار بن ياسر (رضی الله عنه) حتى فتق بطنه، وسبب ضربه لعمار هو ان عبد الله بن مسعود أوصى عماراً بأن يدفنه من دون علم .

ص: 21


1- بحار الأنوار 31 : 155 .

عثمان، وقد فعل فثارت حفيظة عثمان عليه(1) ، إضافة إلى أنه قدّم عريضة احتجاج ضد عثمان وأقاربه كتبها عشرة من الصحابة من ضمنهم المقداد (رضی الله عنه) ، وذكروا فيه مخالفات عثمان لسنة رسول (صلی الله علیه و آله) ... وما كان من هبته لخمس خراج افريقيا لمروان وفيه حق الله ورسوله، وكثرة بنائهِ للدور، حتى عدّوا سبعة دور بناها بالمدينة لأهله وبناته، وبنيان مروان القصور، وما كان من الوليد في الكوفة إذ صلى بالناس الصبح أربع ركعات وهو سكران وتعطيله الحد عليه، إلى أن كثر عليه الكلام فحده، وكان من أقام الحد عليه أمير المؤمنين (علیه السلام) ، وتَرْكِه للمهاجرين والأنصار لا يستعملهم على شيء ولا يستشيرهم، وضربه ظهور الناس بالسياط، وغير ذلك مما كتب في ذلك الكتاب الاحتجاجي... ولكي يمنع كل التطاولات أمر غلمانه: بضربه... فضربوه وضربه عثمان معهم حتى فتقوا بطنه وغشي عليه، فجروه حتى طرحوه على باب الدار(2) ... وأكثر من هذا فقد خالف الدين الحنيف والسنة النبوية المطهرة تلك المخالفة التي ترجمها لنا الصحابة بقولهم... وبعد سكتة قصيرة أكمل... سأذكر لكم أسماء بعض الصحابة مع ذكر ما قالوا من سببٍ لقتل عثمان:

فمنهم: عبد الله بن مسعود أنه لما ألقى مفاتيح بيت المال إلى الوليد بن عقبة، قال:

«من غير غير الله ما به، ومن بدل أسخط الله عليه، وما أرى صاحبكم إلا وقد غير وبدل، أيعزل سعد بن أبي وقاص ويولي الوليد بن عقبة »؟ وأيضا كان يتكلم بكلام لا يتركه، وهو «إن أصدق القول كتاب الله، وأحسن الهدى هدى محمد، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدث بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار». (3) 3.

ص: 22


1- احقاق الحق، الشهيد نور الله التستري: 247 ، وسفينة النجاة، السرابي التنكابني: 253 .
2- الامامة والسياسة، ابن قتيبة الدينوري، 1: 35 .
3- الغدير، الشيخ الاميني 9: 3.

ومنهم: عمار بن ياسر: ذكر المؤرخون أن عماراً خطب يوم صفين، فقال: ...« انهضوا معي عباد الله إلى قوم يطلبون –فيما يزعمون– بدم الظالم لنفسه الحاكم على عباد الله بغير ما في كتاب الله، إنما قتله الصالحون، المنكرون للعدوان، الآمرون بالإحسان، فقال هؤلاء الذين لا يبالون إذا سلمت دنياهم ولو درس هذا الدين –ويعني جند الشام: لم قتلتموه؟ فقلنا: لإحداثه» .(1)

ومنهم: هاشم المرقال: قال لشاب شامي: «وما أنت وابن عفان؟ إنما قتله أصحاب محمد وأبناء أصحابه وقرّاء الناس حيث أحدث الإحداث وخالف حكم الكتاب، وأصحاب محمد هم أهل الدين وأولى بالنظر في أمور المسلمين منك ومن أصحابك، وما أظن أن أمر هذه الأمة ولا أمر الدين عناك طرفة عين قط.»(2)

ومنهم: مالك الأشتر: جاء في كتاب من الأشتر إلى عثمان: «من مالك بن الحارث، إلى الخليفة المبتلى الخاطئ، الحائد عن سنة نبيه، النابذ لحكم القرآن وراء ظهره...» (3)

ومنهم: محمد بن أبي بكر: قد قال لعثمان: «على أي دين أنت يا نعثل؟ قال: على دين الإسلام، ولست بنعثل ولكني أمير المؤمنين. قال: غيرت كتاب الله! فقال: كتاب الله بيني وبينكم. فتقدم إليه، وأخذ بلحيته وقال: إنا لا يقبل منا يوم القيامة أن نقول:

«وَقَالُوا رَبَّنَا إِنَّا أَطَعْنَا سَادَتَنَا وَكُبَرَاءَنَا فَأَضَلُّونَا السَّبِيلَا»(4) ... وشحطه –أي سحبه– بيده من البيت إلى الدار، وعثمان يقول: يا ابن أخي! ما كان أبوك ليأخذ بلحيتي...» .(5)

ومنهم: كعب بن عبدة: حينما ادّعى عثمان أنه أعرف بكتاب الله منه، قال له: «يا .

ص: 23


1- الغدير،الشيخ الاميني 9: 110
2- وضوء النبي (صلی الله علیه و آله) ، السيدعلي الشهرستاني، 1: 86
3- المصدر نفسه، 1: 86
4- سورة الأحزاب آية 67 .
5- وضوء النبي (صلی الله علیه و آله) 1 : 87 .

عثمان! إن كتاب الله لمن بلغه وقرأه، وقد شركناك في قراءته، ومتى لم يعمل القارئ بما فيه كان حجة عليه .»(1)

ومنهم: أبو ذر الغفاري: نُقِلَ عنه أنه قال: «والله، لقد حدثت أعمال ما أعرفها!

والله ما هي في كتاب الله، ولا سنة نبيه! والله إني لأرى حقا يطفأ، وباطلاً يحيى، وصادقاً يكذب! وأثرة بغير تقى، وصالحاً مستأثراً عليه .»(2)

ومنهم: عبد الرحمن بن عوف: قال لعثمان مرة: «لقد صدقنا عليك ما كنا نكذب فيك »، وكان يشير إلى ما أخبرهم به أمير المؤمنين (علیه السلام) في يوم الشورى بقوله: «أما أني أعلم أنهم سيولون عثمان، وليحدثن البدع والإحداث، ولئن بقي لأذكرنك وإن قتل أو مات ليتداولها بنو أمية بينهم، وإن كنت حياً لتجدني حيث تكرهون ». وكذلك قوله للأمير (علیه السلام): « إذا شئت فخذ سيفك، وآخذ سيفي، إنه [عثمان] قد خالف ما أعطاني .»(3)

ومنهم: عمرو بن العاص: أما ابن العاص فإنه على الرغم من استنصاره لعثمان بعد مقتله كان ينتقده، وقد صدر عنه هذا النص لما ضرب عثمان عماراً: «هذا منبر نبيكم، وهذه ثيابه، وهذا شعره لم يبل وقد بدلتم وغيرتم .»(4)

سأل أحد الشباب:

– العفو يا أستاذ.. قلتم إنكم ستذكرون أسماء صحابة وقد عددتم منهم (عمرو بن العاص)؟!

أجاب الأستاذ وعلامات السرور بادية على محياه: .

ص: 24


1- وضوء النبي (صلی الله علیه و آله): 88 .
2- المصدر نفسه: 88 .
3- المصدر نفسه: 88 .
4- المصدر نفسه: 88 .

– أحسنت... أحسنت بني... ان مصطلح صحابي عند بعض مخالفينا يطلق على كل مسلم رأى النبي الأكرم (صلی الله علیه و آله) (1) وإن كان فاسقاً فمجرد لفظ صحابي على شخص ما لا يعني أن هذا الشخص صاحب مقام محمود، وأنا جاريتهم بالاصطلاح... المهم دعوني أكمل:

ومنهم: سعد بن أبي وقاص: روى ابن قتيبة ما أجاب به سعد بن أبي وقاص حول دوافع قتل عثمان، قال سعد: «...وأمسكنا نحن، ولو شئنا دفعناه عنه –أي لو شئنا لحمينا ودفعنا القتل عنه– ولكن عثمان غير وتغير، وأحسن وأساء، فإن كنّا أحسنا –أي أحسنوا بسكوتهم على قتله– فقد أحسنا وإن كنا أسأنا فنستغفر الله» (2).

ومنهم: طلحة بن عبد الله فقد ذكروا: «أنه قام إلى عثمان، وقال له: إن الناس قد جمعوا لك، وكرهوا البدع التي أحدثت ولم يكونوا يرونها ولا يعهدونها، فإن تستقم فهو خير لك، وإن أبيت لم يكن أحد أضر بذلك منك في دنيا ولا آخرة ». وروي أن طلحة قال لمالك بن أوس: «يا مالك، إني نصحت عثمان فلم يقبل نصيحتي، وأحدث إحداثاً، وفعل أموراً، ولم يجد بداً من أن يغيرها» (3).

ومنهم: الزبير بن العوام: كان يقول: «اقتلوه –يعني عثمان– فقد بدل دينكم.

فقالوا: إن ابنك يحامي عنه بالباب. فقال: ما أكره أن يقتل عثمان ولو بُدِئَ بابني »(4) . أي وإن قتلوا ابنه قبل عثمان فإنه راضٍ.

ومنهم: عائشة: اشتهر قولها بعدما صُنِع بعمار ما صنع: «ما أسرع ما تركتم سنة .

ص: 25


1- القاموس الفقهي: 208 ، والمصطلحات، مركز المعجم الفقهي: 152 .
2- وضوء النبي (صلی الله علیه و آله): 86.
3- المصدر نفسه: 84 .
4- المصدر نفسه: 84 .

نبيكم، وهذا شعره ونعله لم يبل بعد؟! ». وقولها، بعدما جاءها وفد أهل العراق:

«تركت سنة رسول الله صاحب هذا النعل »؟!. وقال أبو الفداء: «كانت عائشة تنكر على عثمان مع من ينكر عليه، وكانت تخرج قميص رسول الله (صلی الله علیه و آله) وتقول: هذا قميصه وشعره لم يبل وقد بلي دينه» (1).

المهم إن المسلمين الثائرين حاصروا بيت عثمان وأرادوا قتله وتدخل أمير المؤمنين علي (علیه السلام) وأخذ على عثمان المواثيق وبّرد فورة الثائرين وعادوا لبلدانهم وهم يظنون أن خليفتهم تاب من انتهاكاته وعاد لرشده... لكن...

وراح الأستاذ يتنهد بمرارة... كان السكون يحفهم غير صوت طنين بعوض يتطاير هنا وهناك... سعل أحد الشباب سعلة خفيفة... ناول أحد الطلبة قدح ماء لأستاذه فشكره بيده من ثم ناوله لأستاذ الرياضة ارتشف من الماء رشفة ثم أشار إلى (حسن) أن صب لنا شاياً... وأشعل لنفسه سيجارة وراح يتأمل الدخان المتصاعد منها... سأل أستاذ التاريخ عن الوقت المتبقي، فأجابه أستاذ الرياضة من دون أن ينظر لساعته وكأنه يريد معرفة التتمة...

– لدينا من الوقت ما يكفي أتم حديثك يا أستاذ.

فاستطرد الأستاذ:

– لكن عثمان غدر بهم وأرسل مع عبد له كتاباً لواليه على مصر يأمره بإعدام ثوار مصر ومعهم محمد بن أبي بكر وكان العبد راكباً على راحلة لعثمان، وهو مسرع كي يسبق الثوار المنسحبين، ولكن القوم شاهدوه واخبروا محمد بن أبي بكر (رضی الله عنه) فأمر بخيل فلحقته وأمسكت به فعثروا على الكتاب وهو بخط كاتب عثمان ووزيره مروان بن7.

ص: 26


1- وضوء النبي (صلی الله علیه و آله): 87.

الحكم ومختوم بختم عثمان، فرجعوا قافلين نحو المدينة، وبعد أن عرف عثمان برجوعهم لم ينكر ان العبد عبده والراحلة راحلته والخط خط كاتبه والختم ختمه، لكنه ادعى بأنه لا يدري بأمر الكتاب، فطالبه الثوار بأن يسلمهم الكاتب حتى يقتلوه فرفض وثار الثوار من جديد ولم تنتهِ ثورتهم إلا وخليفتهم مقتول بسيوفهم(1) ... تلك السيوف التي شيدت الدين... سكت الأستاذ لإشارة من زميله... من ثم قال أستاذ الرياضة هامساً وهو يضع يده على سلاحه:

– أسمع صوت حفيف يأتي من خلف تلك الشجيرات لعله ذئباً... أصغى الجميع... ارتسمت على وجوه بعضهم علامات الخوف... وبعد فترة من الترقب والصوت مازال في المكان نفسه... زحف أستاذ الرياضة بخفة وحذر جهة الصوت... لم يغب عن أنظارهم إلا لحظات من ثم عاد وهو يحمل بيده كيساً وهو يضحك ويقول:

– كان كيساً عالقاً في الحشائش والهواء يلاعبه فيصدر صوتاً كصوت المشي على الحشائش، فحبس الجميع ضحكهم حياءً من أستاذهم، وعلق أستاذ التاريخ:

– هذا حذر والحذر محمود شرط أن لا يجرنا للوقوع في الخطأ... هاه أستاذ هل لنا وقت نكمل الحديث أم نختم؟

فأجاب أستاذ الرياضة بعد أن نظر إلى السماء...

– نعم... وقت قليل؛ لأن الهواء شرقي وفي الأفق بعض الغيوم وأخاف أن تحجب عنا النجوم فلا نستطيع أكمال نشاطنا... .

ص: 27


1- موسوعة الإمام غلي بن أبي طالب (علیه السلام) 3: 200 .

– لا بأس فلم يبقَ إلا اليسير وهو إشكال لعله يدور في أذهان بعضكم... ومفاده:

هل مخالفة عثمان تجعل المسلمين في حل من دمه... أو لعل قاتليه ليسوا إلا بغاةً وخوارجَ ومريدي فتنه؟؟؟...

هز بعض الشباب رؤوسهم موافقة لقول أستاذهم... وقال أستاذ الرياضة:

– كأنك تعرف ما يجول في خاطري.

فأجابه أستاذ التاريخ:

– نعم... نجيب عن الأشكال... بان عثمان ابتدع بدعاً كثيرة في الدين منها: مخالفته

لوضوء النبي الأكرم (صلی الله علیه و آله) (1)، ومنها: إتمام الصلاة بمنى، ومنها: تقديم خطبة صلاة

العيدين على الصلاة، وغيرها من الآراء الفقهية التي ما كانت معهودة من قبله(2) ...

وأحكام الدين توقيفية أي ليس لأي أحد أن يسن الشرائع على مزاجه... والمسلمون ما أرادوا قتله بل عزله عن الخلافة ولم يرضَ وأجابهم: «لن أنزع قميصاً كسانيه الله ،» فارتأوا قتله وهم أقرب منا لعصر النبي الأكرم (صلی الله علیه و آله) وأعرف بأحكام الدين، لأن فيهم من أصحاب الفضل والمعروفين بالالتزام الديني، ولم يكن عدد الثوار قليلاً بل ان المدافعين عنه لا يتجاوز عددهم عدد الأصابع، إضافة إلى أن الصحابة الثائرين –وفيهم كما قلنا العدول والسابقون في الإسلام والبدريون وأهل بيعة الرضوان– لا يعقل أن نرميهم بالخروج عن الدين وأرادة الفتنه، وهم يرون ما يفعلونه جهاداً فقد جاء في بعض كتب التاريخ أنهم –الصحابة– قد كتبوا بعضهم لبعض «أن أقدموا، فإن كنتم تريدون الجهاد فعندنا الجهاد »(3) ، وأكثر من هذا انهم لم يستحلوا دفنه بمقابر المسلمين بل تركوه ثلاثاً .

ص: 28


1- وضوء النبي (صلی الله علیه و آله): 263.
2- المصدر نفسه: 89 .
3- المصدر نفسه: 68 ، وتاريخ الطبري 3: 376 .

بلا دفن ونقل بعض المؤرخين أنه طرح في مزبلة(1) وعندما أراد بعضهم دفنه في طرف مقبرة البقيع منعهم بعض الصحابة ومنهم (جبلة بن عمرو الساعدي) من الأنصار، فقال: «لا والله لا تدفنوه في بقيع رسول الله ولا نترككم تصلون عليه ..» (2).

– عفواً أستاذ... أيمكن أن يكون منع بني أميه دفن الإمام الحسن (علیه السلام) عند جده (صلی الله علیه و آله) ، وكذلك تركهم جثمان الإمام الحسين (علیه السلام) مسجى على مضاء كربلاء، من أجل التشفي والاخذ بثأر عثمان لاسيما وأننا نعرف أنهم يتهمون أمير المؤمنين (صلوات الله عليه) بقتله...؟

هكذا قال (حسن) وهو يحرك الجمر في الموقد بعود كان في يده.

– نعم أحسنت... لعل هذا سبب من أسباب(3) .

ثم التفت الأستاذ (علي) نحو زميله وهو يقول:

– والحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على أشرف خلقه أجمعين وآله الطاهرين واللعن الدائم على أعدائهم أجمعين... هيا أخي ابدأ نشاطكم الليلي... فقال (نبيل) لكن أستاذ معذرة... وقبل أن يتم حديثة...قاطعه أستاذه...

– تأخر الوقت غداً سنكمل إن شاء الله.1.

ص: 29


1- الغدير 9: 292 .
2- الغدير 9: 212 .
3- نعم قد صرح بذلك الوزغ بن الوزغ قائلًا: «يارب هيجا هي خير من دعة ايدفن عثمان في اقصى البقيع ويدفن الحسن مع رسول الله... » ينظر دلائل الإمامة،محمد بن جرير الطبري الشيعي:161.

وشرع أستاذ الرياضة والتدريب العسكري يشرح لهم مواضع النجوم في السماء... كان منظر انعكاس النجوم في ماء البحيرة منظراً جميلاً حتى راح بعضهم يتأمل تلك الانعكاسات غير مبال بشرح الأستاذ... كانت النجوم تنتشر على وجه الماء، وكأن البحيرة سماء ثانية... وانعكاس النجوم يتلألأ مستجيباً لدغدغة نسيم لطيف... فقد كان النسيم يداعب وجه البحيرة مكوناً تعرجات صغيرة جميلة...

أنهى أستاذ الرياضة النشاط وأردف...

– غدا سنأخذ استراحة صباحية... أي سنتأخر ببدء نشاطنا وبإمكانكم التأخر في الاستيقاظ صباحاً... وسيكون نشاطنا غداً عن كيفية معرفة النباتات الضارة من النافعة...

وقبل أن يأذن لهم بالذهاب للنوم اقترب منه أستاذ التاريخ الأستاذ (علي) وهمس بأذنه فقال:

– عند أستاذنا الفاضل سؤال سيسأله لكم من ثم تصبحون على خير.

فقال أستاذ التاريخ:

– شباب السؤال من وحي درسكم عن النجوم ومن خلال اجابتكم سنعرف هل فهمتم الدرس أو لا...

ارتسمت علامات الاستفهام على وجوه بعضهم... وآخرون لم يبالوا... فقال الأستاذ:

– هناك حديث منسوب للنبي الأكرم (صلی الله علیه و آله): « أصحابي كالنجوم فبأيهم اقتديتم

ص: 30

اهتديتم »(1) تأملوا به جيداً وغداً مساءً –إن شاء الله– أريد منكم الإجابة.

فتسائل (نبيل) بعد أن تبادل مع صديقه (حسن) النظر وقد كانا يقفان جنباً لجنب:

– العفو يا أستاذ لكن من اين نأتي بالمصادر كي نطالع الحديث؟!.

فتبسم أستاذهم وقال:

– قلت تأملوا... وأيضا قلت هو من وحي درسكم... هيا تأخرنا فلنذهب إلى النوم... تصبحون على خير.

فجر اليوم الثالث:

بينما ضوء الشروق يتسلل مبدداً ظلمة الليل، كانت زقزقة العصافير وصيحات ديوك الدراج تمزق هدوء الفجر، كان الأستاذ (علي) مع (نبيل)، و(جميل) يرددون خلف (حسن) وهو يقرأ لهم من (مفاتيح الجنان) بصوت جهوري شجي (دعاء العهد): ...« اللّهُمَّ إِنی أُجَدِّدُ لَهُ صَبيحةِ يَوْمِي هذا وَما عِشْتُ مِنْ أيّامِي عَهْداً وَعَقْداً وَبَيْعَةً لَهُ فی عُنُقِي لاأَحُولُ عَنْها وَلاأَزُولُ أَبَداً، اللّهُمَّ اجْعَلْنِي مِنْ أَنْصارِهِ وَأَعْوانِهِ وَالذَّابِّينَ عَنْهُ وَالمُسارِعِينَ إِلَيْهِ قَضاء حَوائِجِهِ وَالمُمْتَثِلِينَ لاَوامِرِهِ وَالمُحامِينَ عَنْهُ وَالسَّابِقِينَ إِلى إِرادَتِهِ وَالمُسْتَشْهَدِينَ بَین يَدَيْهِ، اللّهُمَّ إِنْ حالَ بَيْنِي وَبَيْنَهُ المَوْتُ الَّذِي جَعَلْتَهُ عَلى عِبادِكَ حَتْما مَقْضِيّا فَأخْرِجْنِي مِنْ قَبری مُؤْتَزِراً كَفَنِي شاهِراً سَيْفِي مُجرِّداً قَناتی مُلَبِّيا دَعْوَةَ الدَّاعِي فی الحاضر وَالبادِي، اللّهُمَّ أَرِنی الطَّلْعَةَ الرَّشِيدَةَ وَالغُرَّةَ الحَمِيدَةَ وَاكْحُلْ ناظِرِي بِنَظْرَةٍ مِنِّي إِلَيْهِ وَعَجِّلْ فَرَجَهُ وَسَهِّلْ مخرَجَهُ وَأَوْسِعْ مَنْهَجَهُ وَاسْلُكْ بی محجَّتَهُ وَأَنْفِذْ أَمْرَهُ وَاشْدُدْ أَزْرَهُ، وَاعْمُرِ اللّهُمَّ بِهِ بِلادَكَ وَأَحْيِ بِه عِبادَكَ فَإِنَّكَ قُلْتَ وَقَوْلُكَ الحَقُّ: ظَهَرَ الفَسادُ فی البر وَالبَحْرِ بِما كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ فَأَظْهِرِ اللّهُمَّ لَنا وَلِيَّكَ وَابْنَ بِنْتِ نَبِيِّكَ المُسَمّى

ص: 31


1- الشرح الكبير، ابو البركات، 3: 351 .

باِسْمِ رَسُولكَِ حَتّى لايَظْفَرَ بشیء مِنَ الباطلِِ إلّا مَزَّقَهُ وَ یحقَّ الحقََّ وَ یحقِّقَهُ، وَاجْعَلْهُ اللّهُمَّ مَفْزَعاً لِمظْلُومِ عِبادِكَ وَناصراً لمن لا یجدُ لَهُ ناصراً غَیرکَ وَ مجدَِّداً لما عُطِّلَ مِنْ أَحْكامِ کتابِكَ وَمُشَيِّداً لما وَرَدَ مِنْ أَعْلامِ دِينِكَ وَسُنَنِ نَبِيِّكَ صَلی الله عَلَيْهِ وَآلِهِ، وَاجْعَلْهُ، اللّهُمَّ ممَّن حَصَّنْتَهُ مِنْ بَأْسِ المُعْتَدِينَ اللّهُمَّ وَ سُرَّ نَبِيِّكَ مُحمََّداً صَلی الله عَلَيْهِ وَآلهِِ بِرُؤْيَتِهِ وَمَنْ تَبِعَهُ عَلى دَعْوَتِهِ وَارْحَم اسْتِكانَتَنا بَعْدَهُ اللّهُمَّ اكْشِفْ هذِهِ الغُمَّةَ عَنْ هذِهِ الاُمَّةِ بِحُضُورِهِ وَعَجِّلْ لَنا ظُهُورَهُ إِنهم ْ يَرَوْنَهُ بَعِيداً وَنَراهُ قَرِيباً بِرَحْمَتِكَ ياأَرْحَمَ الرَّاحِمِينَ » ثم راحوا يضربون افخاذهم بحرقه وهم يرددون ثلاث مرات بتوجع وحزن واضح «العَجَلَ العَجَلَ يامَوْلايَ ياصاحِبَ الزَّمانِ .»

نهار اليوم الثالث:

– هاه (سعيد) أراك لا تنفك عن ذكر المعقدين؟!... أظنك قد تأثرت بهما؟!

هذا ما قاله (رامي) لصديقه (سعيد) وهم يجلسان في ظل شجرة، فإن نشاطهم الكشفي في هذا اليوم حول تمييز النباتات الضارة من النافعة، لم يجب (سعيد) صديقه (رامي) بل سأله:

– تأمل (رامي) في هذه البرية وقل لي ما الذي تثيره في داخلك؟

– لا شيء عدا حب الحياة، وسعي لتحقيق ملذاتي.

– لكنها تثير عند (حسن) و(نبيل) الحزن فقد سمعتهم بالأمس وهم يرددان سوية والدموع تبل خديهما: «...لَيْتَ شِعْرِي ايْنَ اسْتَقَرَّتْ بِكَ النَّوى بَلْ أَيُّ أَرْضٍ تُقِلُّكَ أَوْ ثَرى؟! أَبِرَضْوى أَوْ غَیرها أَمْ ذِي طُوى؟! عَزِيزٌ عَلی أَنْ أَرى الخَلْقَ وَلاتُرى وَلا أَسْمَعُ لَكَ حَسِيساً وَلا نَجْوى، عَزِيزٌ عَلی أَنْ تُحیطَ بِكَ دُونی البَلْوى وَلا يَنالُكَ مِنِّي ضَجِيجٌ وَلا شَكْوى. بِنَفسی أَنْتَ مِنْ مُغَيَّبٍ لَم یخلُ مِنّا بِنَفسی أَنْتَ مِنْ نازِحٍ مانَزَحَ عَنّا

ص: 32

بِنَفسی أَنْتَ أُمْنِيَّةُ شائِقٍ يَتَمَنَّى مِنْ مُؤْمِنٍ وَمُؤْمِنَةٍ ذَكَراً فَحَنّا... .»

وبصراحة كنت أظن البرية أثارت في داخلهما الحنين لمحبوب أبعدتهم هذه الرحلة عنه...لكن (نبيل) أجابني بعبرات متكسرة: أي معشوقة يا هذا بل نناجي المعشوق الحقيقي نناجي «الطّالِبُ بِذُحُولِ الأَنْبِياءِ وَأَبْناءِ الأَنْبِياءِ « ،» الطَّالِبُ بِدَمِ المَقْتُولِ بِكَرْبَلاَء »، ولا أخفيك سراً لم اعرف مبتغاهم لولا (حسن)، قال: إنهما يناجيان (صاحب الزمان (عجل الله تعالی فرجه الشریف))... ألا ترى معي اين يعيشان واين نحن نعيش، إنهم في عال...

فقاطعة صديقة:

– ألم اقل لك ستفشل... ألا تذكر... عندما قلت لنا ونحن في طريقنا للغابة بأنك ستشفي (حسن) و(نبيل) من عقدتيهما قبل أن ينتهي معسكرنا الكشفي...ولا أراك إلا فشلت وهما من غيرك.

– نعم... وبعد سكتة قال وهو يتنهّد: أولاً: إن جلساتنا هذه –فضلا عن أيام المدرسة– لا يديرها إلا (حسن) و(نبيل) وكذا هما من يجيب على كل سؤال، ثانياً: هما ليسا بمعقدين، بل شابان سويان ألا ترى أنهما يشاركانا اللعب والمزاح لكن مزاحهما متزن ليس فيه سوء أدب، وأيضا اسأل (جميل) وهو صديقك ما الذي جعله يذهب معهم للصلاة خلف الأستاذ (علي) صباحاً؟ واسأله أيضاً هل يشعر بضجر أو ملل من مرافقتهما؟ او هل يزعجانه بشيء؟ أنا سألته وقال: بالعكس بل إنه في هذين اليومين تعلم منهم كثيراً فهو –على حد قوله– كان يصلي لكنها صلاة لإسقاط الواجب ليس إلا... وقال لي أيضاً: عندما استيقظا للصلاة في صباح اليوم الثاني من أيام المعسكر خفت من الإزعاج وقررت أن أطلب من الأستاذ (كريم) نقلي لخيمة أخرى لكن – والكلام لجميل– قد استشعرت اللذة الحقيقية والنشاط بعد أن استنشقت نسيم الصبا

ص: 33

وشاركت الطيور تسابيح الصباح...

نهض (رامي) وعلامات الانزعاج بادية على وجهه وهو يقول:

– نعم... قال الكلام نفسه وكلام آخر... لكن (سعيد) تذكر أنت من أطلق عليهما لقب المعقدين...هيا أدركنا الوقت سينسحب الكشفيون

ابتسم (سعيد) ومد يده لصديقه أن ساعدني على النهوض، وقال:

– نعم أنا من أطلق عليهم هذا اللقب واعتقد بأني مخطئ ويجب علي الاعتذار.

وضع الشابان المتأخران ما جنياه من نباتات وفقاً للأوصاف التي تعلموها، انضما لمجموع الشباب المصغين لأستاذهم وهو يبين لهم فوائد ومضار كل نبته من النباتات التي جناها شباب الكشافة بعد أن ابعد النباتات التي جنيت بالخطأ...كان الشباب مع أستاذ التاريخ يشكلون نصف دائرة، كانوا يجلسون في ظل مجموعة أشجار وعلى الأرض مباشرة من غير أي فراش، كان بعضهم متضايقاً، لأنهم لم يجلسوا هكذا جلسة وآخرون يرونها جلسة مثالية خالية من التكلف... كانت السماء زرقاء صافية والهواء شمالياً لطيف... ختم الأستاذ (كريم) محاضرته من ثم قال:

– اليوم كما تعلمون هو يوم الخميس وعليه فليس لدينا نشاط مسائي، وغداً جمعة فسيكون للراحة... أتمنى لكم استراحة ممتعة، واطلب منكم عدم ترك المخيم ولأي سبب إلا بأذن.

الليلة الثالثة:

«...وَلَيْتَ شِعْرِي ياسَيِّدِي وَإِلهِي وَمَوْلايَ ! أَتُسَلِّطُ النّارَ عَلى وُجُوهٍ خَرَّتْ لِعَظَمَتِكَ ساجِدَةً، وَعَلى أَلْسُنٍ نَطَقَتْ بِتَوْحِيدِكَ صادِقَةً وَبُشُكْرِكَ مادِحَةً، وَعَلى قُلُوبٍ

ص: 34

أَعترفَََتْ بِإِلهِيَّتِكَ محقِّقَةً، وَعَلی ضَمائِرَ حَوَتْ مِنَ العِلْمِ بِكَ حَتّى صارَتْ خاشِعَةً، وَعَلى جَوارِحَ سَعَتْ إِلى أَوْطانِ تَعَبُّدِكَ طائِعَةً، وَأَشارَتْ بِاِسْتِغْفارِكَ مُذْعِنَةً؟! ماهكَذا الظَنُّ بِكَ وَلا اُخبِرنْا بِفَضْلِكَ عَنْكَ ياكَرِيمُ يارَبْ، وَأَنْتَ تَعْلَمُ ضَعْفِي عَنْ قَلِيلٍ مِنْ بَلاءِ الدُّنْيا وَعُقُوباتها، وَما یجری فِيها مِنَ المَكارِهِ عَلى أَهْلِها، عَلى أَنَّ ذلِكَ بَلاٌء وَمَكْروهٌ قَلِيلٌ مَكْثُهُ، يَسِيرٌ بَقاؤهُ قَصِیرٌ مُدَّتُهُ، فَكَيْفَ احْتِمالی لِبَلاءِ الآخِرَةِ وَجَلِيلِ وُقُوعِ المَكارِهِ فِيها، وَهُوَ بَلاءٌ تَطُولُ مُدَّتُهُ وَيَدُومُ مَقامُهُ وَلا یُخفََّفُ عَنْ أَهْلِهِ لاَنَّهُ لايَكُونُ إِلّا عَنْ غَضَبِكَ وَانْتِقامِكَ وَسَخَطِكَ؟! وَهذا ما لاتَقُومُ لَهُ السَّماواتُ وَالارْضُ، ياسَيِّدِي فَكَيْفَ لی وَأَنا عَبْدُكَ الضَّعِيفُ الذَّلِيلُ الحَقِيرُ المِسْكِينُ المُسْتَكِينُ؟! ياإِلهِي وَرَبی وَسَيِّدِي وَمَوْلايَ، لايِّ الاُمُورِ إِلَيْكَ أَشْكُو، وَ لما مِنها أَضِجُّ وَأَبْكِي، لاَلِيمِ العَذابِ وَشِدَّتِهِ، أَمْ لِطُولِ البَلاءِ وَمُدَّتِهِ؟! فَلَئِنْ صَیَرتَنِي لِلْعُقُوباتِ مَعَ أَعْدائِكَ، وَ جَمعْتَ بَيْنِي وَبَین أَهْلِ بَلائِكَ، وَفَرَّقْتَ بَيْنِي وَبَین أَحِبّائِكَ وَأَوْلِيائِكَ ؛ فَهَبْنِي ياإِلهِي وَسَيِّدِي وَمَوْلايَ وَرَبی، صَبرتُ عَلى عَذابِكَ فَكَيْفَ أَصبر عَلى فِراقِكَ؟، وَهَبْنيِ صَبرتُ عَلى حَرِّ نارِكَ فَكَيْفَ أَصبر عَنِ النَّظَرِ إِلى كَرامَتِكَ؟ أَمْ كَيْفَ أَسْكُنُ فی النّارِ وَرَجائِي عَفْوُكَ؟ فَبِعِزَّتِكَ ياسَيِّدِي وَمَوْلايَ اُقْسِمُ صادِقاً، لَئِنْ تَرَكْتَنِي ناطِقاً لاَضِجَّنَّ إِلَيْكَ بَین أَهْلِها ضَجِيجَ الامِلِينَ، وَلاَ صْرُخَنَّ إِلَيْكَ صراخَ المُسْتَصْرخِِينَ، وَلأَبْكِینَّ عَلَيْكَ بُكاءَ الفاقِدِينَ، وَلاُنادِيَنَّكَ أَيْنَ كُنْتَ ياوَلی المُؤْمِنِينَ، ياغايَةَ آمالِ العارِفِينَ، ياغِياثَ المُسْتَغِيثِينَ، ياحَبِيبَ قُلوُبِ الصّادِقِينَ، وَيا إِلهَ العالَمینَ... »

وصل الأستاذان مع بعض الشباب إلى باحة المخيم حيث بقية الشباب ينتظرون... أسرع (حسن) بصب الشاي الذي قام بتحضيره أحد الطلبة تلبية لطلب (حسن) و(نبيل) لأنهما مشغولان بمراسيم دعاء (كميل)... أخذ (نبيل) يوزع الشاي على الجالسين...قال الأستاذ (علي) وهو يحرك الملعقة في القدح:

ص: 35

– شباب، المفروض أن الليالي الخالية من النشاط الكشفي تكون للراحة... وأنا أخشى مضايقتكم في هذه الجلسات؟.

فأجاب (سعيد) على الفور:

– لا على العكس يا أستاذ... إن هذه الجلسات أفضل بكثير من العراك بالوسائد والحديث عن الأفلام وأعراض الناس...

ضحك الجميع من كلام (سعيد) وتبادل الأستاذان ابتسامة وعلق الأستاذ (كريم):

– يا لها من صراحة لطيفة

تساءل (جميل) عن سبب صفاء السماء هاهنا ولم لم يروا النجوم في المدينة كما يرونها الآن براقة جميلة؟... فأجابه الأستاذ (كريم)، لأن في المدن توجد إضاءة قوية وهي تؤثر على بريق النجوم، إضافة للدخان والغبار وارتفاع المباني يحجب السماء عن الناس... فتمتم الأستاذ (علي) بصوت مسموع: وكذلك الذنوب والعصبية تحبسنا من رؤية الحق... وبعد انتهائهم من شرب الشاي تكلم الأستاذ (علي):

– شباب من توصل إلى إجابة سؤال البارحة؟.

فرفع –إضافة إلى (حسن و(نبيل)– (سعيد) و(جميل) يديهما...فقال أستاذهم:

– جيد... تفضل (سعيد)

– نعم أستاذ... المسألة لا تحتاج لكثير من التأمل فلو ان زملاءنا تركوا الكلام الذي يضر ولا ينفع قليلاً لتوصلوا لإجابة...

كانت نبرات صوت (سعيد) تدل على الوثوق من نفسه وأيضاً لا تخلو عن شيء من التعالي، فقاطعه الأستاذ (علي) قارصاً أذنه ممازحاً:

ص: 36

– (سعيد) الصراحة جميلة لكن لا على حساب مشاعر غيرك المهم أكمل.

– عفواً، لم أقصد أهانتهم...ثم استطرد... إجابتي ألخصها بمثال: نحن في هذا المعسكر جميعنا أصحابك...

فعلق أستاذه:

– لا شبه الله الحق بالباطل...

– نعم جميعنا أصحابك وفينا (حسن) و(نبيل) وفينا (جميل) وفينا آخرون... ولأتكلم عن نفسي فقد اتبعتُ بعض الشباب... وشدد على كلمتي (بعض الشباب) وهو ينظر صوب (رامي) حتى أحرجه وجعله يطأطئ رأسه... وقضيتُ الوقت المنصرم بالطرائف الفارغة وتبادل الشتائم... لكني تأثرت –ولله الحمد– ب(جميل) واتبعت (حسن) و(نبيل) فصليت المغرب والعشاء خلفكم وصاحبتكم بقراءة دعاء

(كميل)... وغداً –إن شاء الله– أصلي خلفكم صلاة الصبح... وسكت سكتة قصيرة من ثم أكمل وهو يبتسم وينظر جهة (حسن) و(نبيل)... لكن بشرط أن يوقضاني... فقال (نبيل):

– ومراسيم دعاء الندبة إن شاء الله

– وما دعاء الندبة؟

فأجابه (حسن) بعد ان أحال الأستاذ (علي) الإجابة له.

– دعاء الندبة دعاء نستنهض به سيدنا ومولانا الحجة بن الحسن (عجل الله تعالی فرجه الشریف) والندبة هي البكاء(1) فنحن نستنهض سيدنا ونبكي شوقاً لفراقه. .

ص: 37


1- الصحاح، الجوهري 1: 223 .

– هاه الذي كنتم تقرآنه أنت و(نبيل)؟

– نعم كنا نردد أحد مقاطعه...

فقال الأستاذ (علي):

أحسنتم... أحسنتم... ويستحب قراءته في الأعياد الأربعة اعني عيد الفطر وعيد الأضحى وعيد الغدير ويوم الجمعة... وما هي النتيجة؟.

– النتيجة –أستاذ– هي: من المحال الوصول إلى الهدف إن نحن اتبعناهم جميعاً.

– أحسنت... أحسنت... هيا (جميل) حدثنا عن ما توصلت له:

– نعم أستاذ... انتم قلتم...البارحة...تكون الإجابة من وحي درسنا في النجوم...

لذا أقول قد عرفنا أن بعض النجوم لو اهتدينا بها لأخذتنا نحو الشرق وبعضها يأخذنا نحو الغرب... فمن المحال أن نهتدي إلى سبيلنا إلا إذا اتبعنا نجم معين؟!

– أحسنت... أحسنت، والآن دورك (نبيل)

– نعم أستاذ...أنا ليست عندي إجابة أكثر مما قال أخواي، فالكلام بعد كلامهما نافلة.

– أحسنت، إنه كلام مهذب... وأنت (حسن)

– أقول...كما قال أخي (نبيل) إلا أني أعقب... وقبل أن يتم حديثة، سكت بعد أن رأى الجميع يصغون لصوت عال مخيف لم يميزوه أهو نباح أم عواء...كان بعض الشباب ينظر (لأستاذ كريم) وسلاحه لكنه لم يحرك ساكناً ولعله كان يخشى من ضحكاتهم عليه كما في إحدى الليالي، عندما أثار الكيس حذره... فسعل (حسن) سعلة خفيفة كي يعيد الانتباه إليه من ثم قال وهو يلقم النار قطعة حطب:

ص: 38

– إنها أنثى ثعلب… فإناث الثعالب تطلق هذا الصوت في موسم التكاثر وهذه أيامه.

قال أحدهم:

– ومن أين لك هذا؟

– أنا بالأصل قروي وأعرف جيداً أصوات الحيوانات.

فوافقه الرأي القائد الكشفي الأستاذ (كريم) فقال الأستاذ (علي) مبتسماً:

– يجب أن نذعن لأهل الاختصاص... تفضل أكمل تعقيبك.

– نعم أستاذ قد ذكروا أن النبي الأكرم (صلی الله علیه و آله) قال: «يرد علي يوم القيامة رهط من أصحابي فيحلؤون على الحوض فأقول: يا رب أصحابي. فيقول إنك لا علم لك بما أحدثوا بعدك، إنهم ارتدوا على أعقابهم القهقري »(1) ...فلا بد من إخراج بعض الصحابة من رواية (أصحابي كالنجوم) على فرض صحتها...وإلا سنتبع المرتدين وحاشى نبينا (صلی الله علیه و آله) أن يأمرنا باتباع من أرتد.

– أحسنتم جميعاً إجاباتكم وافيه ولا تعليق لي عليها...

بهذه الكلمات ختم الأستاذ (علي) الجلسة، فبعضهم أوى إلى النوم وآخر سهر يتأمل النجوم... عاد الأستاذان لخيمتهم والأستاذ (كريم) ماسكاً سلاحه بيده اليسرى بينما يده اليمنى تمسك بيد زميله... سأل الأستاذ (كريم) زميله:

– ما تعني كلمة نافلة، تلك التي قالها (نبيل) عند تعليقه على كلام زميليه؟ .

ص: 39


1- صحيح البخاري 7: 208 .

– تعني الزيادة(1) ... فهو يريد أن يقول: إن في كلام زميلّي كفاية فكل ما أقوله بعدهما فهو زيادة.

تنهد الأستاذ (كريم) وهو يفلت يده من يد زميله...

– ما بك؟

– لا شيء، لكن هؤلاء الصبية أشعروني بالخجل –وبعد سكتة قصيرة– يجيدون انتقاء الألفاظ ومعلوماتهم جيدة... وآه... لا أدري أين تعلموا كل هذا.

– قد سألت (حسن) و(نبيل) فأجابا ان كل ما عندهم من بركات حضور المجالس الحسينية، والمطالعة... قالا: إنهما لا يسمعان بشيء إلا وبحثوا عن مصدره أو سألوا عنه من يثقون بعلمه حتى يحيطوا بما سمعوه علماً.

– لا أخفيك سراً قد علماني في هذه الأيام المعدودة الشيء الكثير... ومن المفارقات أن يتعلم المدرس الذي غزى الشيب رأسه من صبية... هه... هم يستغلون وقتهم بالقراءة وحضور المجالس وأنا بالجلوس في المقاهي أو ملاعب الكرة... ومشاهدت التلفاز، فأغلب الوقت أشاهد قنوات الرياضة.

اليوم الرابع:

حبس النشيج صوت (حسن) وهو يقرأ: «...فَعَلى الاطائِبِ مِنْ أَهْلِ بَيْتِ مُحمََّدٍ وَعِلی صَلی الله عَلَيْهِما وَآلهما فَلْيَبْكِ الباكُونَ وَإِيّاهُمْ فَليَنْدُبِ النّادِبُونَ وَ لمثِْلِهِمْ فَلْتَذْرِفِ الدُّمُوعُ وَلِيَصرُخِ الصارِخُونَ وَيَضِجَّ الضَّاجُّونَ وَيَعِجَّ العاجُّونَ! أَيْنَ الحَسَنُ أَيْنَ الحُسَین أَيْنَ أَبْناءُ لحُسَین ؟ صالِحٌ بَعْدَ صالِحٍ وَصادِقٌ بَعْدَ صادِقٍ ! أَيْنَ السَّبِيلُ بَعْدَ السَّبِيلِ أَيْنَ الخِیرةُ بَعْدَ الخِیرةِ؟ أَيْنَ الشُّمُوسُ الطَّالِعَةُ؟ أَيْنَ الاَقْمارُ المُنِيرَةُ؟ أَيْنَ الاَنْجُمُ الزّاهِرَةُ؟ أَيْنَ

ص: 40


1- المصطلحات: 820 .

أَعْلامُ الدِّينِ وَقَواعِدُ العِلْمِ؟ أَيْنَ بَقِيَّةُ الله الَّتِي لاتخلو مِنَ العِترَةِ الهادِيَةِ؟ أَيْنَ المُعَدُّ لِقَطْعِ دابِرِ الظَّلَمَةِ؟ أَيْنَ المُنَتَظَرُ لِاقامَةِ الاَمْتِ وَالعِوَجِ؟ أَيْنَ المُرتجىَ لِازالَةِ الجَوْرِ وَالعُدْوانِ؟ أَيْنَ المُدَّخَرُ لِتَجْدِيدِ الفَرائِضِ وَالسُّنَنِ؟ أَيْنَ المُتَخَیَّر لِاعادَةِ المِلَّةِ وَالشَّریِعَةِ؟ أَيْنَ المُؤَمَّلُ لِاحْياءِ الكِتابِ وَحُدُودِهِ؟ أَيْنَ مُحیی مَعالم الدِّينِ وَأَهْلِهِ؟ أَيْنَ قاصِمُ شَوْكَةِ المُعْتَدِينَ؟ أَيْنَ هادِمُ أَبْنِيَةِ الشركِ وَالنِّفاقِ؟ أَيْنَ مُبِيدُ أَهْلِ الفُسُوقِ وَالعِصْيانِ وَالطُّغْيانِ؟ أَيْنَ حاصِدُ فُروعِ الغَيِّ وَالشِّقاقِ؟ أَيْنَ طامِسُ آثارِ الزَّيْغ وَالاَهْواءِ؟ أَيْنَ قاطِعُ حَبائِلَ الكِذْبِ وَالِافتْراءِ؟ أَيْنَ مُبِيدُ العُتاةِ وَالمَرَدَةِ؟ أَيْنَ مُسْتَأصِلُ أَهْلِ العِنادِ وَالتَّضْلِيلِ وَالِالحادِ؟ أَيْنَ مُعِزُّ الأوْلِياء وَمُذِلُّ الأعداء؟ أَيْنَ جامِعُ الكَلِمَةِ عَلى التَّقْوى؟ أَيْنَ بابُ الله الَّذِي مِنْهُ يُؤْتى؟ أَيْنَ وَجْهُ الله الَّذِي إِلَيْهِ يَتَوجَّهُ الأوْلِياء؟ أَيْنَ السَّبَبُ المُتَّصِلُ بَ الاَرْضِ وَالسَّماء؟

أَيْنَ صاحِبُ يَوْمِ الفَتْحِ وَناشرُ رايَةِ الهُدى؟ أَيْنَ مُؤَلِّفُ شَمْلِ الصَّلاحِ وَالرِّضا؟ أَيْنَ الطّالِبُ بِذُحُولِ الأَنْبِياءِ وَأَبْناءِ الأَنْبِياءِ؟ أَيْنَ الطَّالِبُ بِدَمِ المَقْتُولِ بِكَرْبَلاَء؟ أَيْنَ المَنْصُورُ عَلى مَنْ اعْتَدى عَلَيْهِ وَافتری؟ أَيْنَ المُضْطَرُّ الَّذِي یُجاب إِذا دَعا؟ أَيْنَ صَدْرُ الخَلائِقِ ذُو البر وَالتَّقْوى؟ أَيْنَ ابْنُ النَّبِيِّ المُصْطَفى وَابْنُ علَی المُرْتَضى وَابْنُ خَدِيجَةَ الغَرَّاءِ وَابنُ فاطِمَةَ الكُبری؟! بِأَبی أَنْتَ وَاُمِّي وَنَفسی لَكَ الوِقاءُ وَالحِمى يَابْنَ السّادَةِ المُقَرَّبِينَ يَابْنَ النُجباءِ الاَكْرَمِينَ يَابْنَ الهُداةِ المَهْدِيِّينَ يَابْنَ الخِیرة المُهَذَّبِينَ يَابْنَ الغَطارِفَةِ الاَنْجَبِينَ يَابْنَ الاَطائِبِ المُطَهَّرِينَ يَابْنَ الخَضارِمَةِ المُنْتَجَبِينَ يَابْنَ القَماقِمَةِ الاَكْرَمِينَ، يَابْنَ البُدُورِ المُنِيرَةِ يَابْنَ السُّرج المُضِيئَةِ يَابْنَ الشُّهُبِ الثَّاقِبَةِ يَابْنَ الاَنْجُمِ الزَّاهِرَةِ يَابْنَ السُّبُلِ الواضِحَةِ يَابْنَ الاَعْلامِ اللائِحَةِ، يَابْنَ العُلُومِ الكامِلَةِ يَابْنَ السُّنَنِ المَشْهُورَةِ يَابْنَ المَعالم المَأثُورَةِ يَابْنَ المُعْجِزاتِ المَوْجُودَةِ يَابْنَ الدَّلائِلِ المَشْهُودَةِ، يَابْنَ الصِّراطِ المُسْتَقِيمِ يَابْنَ النَّبَأ العَظِيمِ يَابْنَ مَنْ هُوَ فی اُمِّ الكِتابِ لَدَى الله عِلیُّ حَكِيمٌ، يَابْنَ الاياتِ وَالبَيِّناتِ يَابْنَ الدَّلائِلِ الظّاهِراتِ يَابْنَ البراهِينِ الواضِحاتِ الباهِراتِ يَابْنَ الحُجَجِ البالِغاتِ يَابْنَ النِّعَمِ السَّابِغاتِ يَابْنَ

ص: 41

طهَ وَالمُحْكَماتِ يَابْنَ يسَّ وَالذّارِياتِ يَابْنَ الطُّورِ وَالعادِياتِ، يَابْنَ مَنْ دَنى فَتَدَلَّی فَكانَ قابَ قَوْسَین أَوْ أَدْنى دُنُواً وَاقتراباً مِنَ العلَیِّ الاَعْلى».

فأخذ الكتاب (جميل) فصوته لا يقل شجاه عن صوت (حسن)... كانت دموع بعض الفتية تتقاطر على خدودهم كتقاطر حبات الندى على وريقات النسرين، وهم يرددون خلف زميلهم «... إِلى مَتى أُحارُ فِيكَ يامَوْلايَ وَإِلى مَتّى وَأَيُّ خِطابٍ أَصِفُ فِيكَ وَأيُّ نَجْوى؟ عَزِيزٌ عَلی أَنْ اُجابَ دُونَكَ وَأُناغى عَزِيزٌ عَلی أَنْ أَبْكِيَكَ وَ یخذُلَكَ الوَرى عَزِيزٌ عَلی أَنْ یجْريَ عَلَيْكَ دُونهمْ ماجَرى، هَلْ مِن مُعينٍ فَأُطِيلَ مَعَهُ العَوِيلَ وَالبُكاءَ هَلْ مِنْ جَزُوعٍ فَأُساعِدَ جَزَعَهُ إِذا خَلا هَلْ قَذِيَتْ عَينٌ فَساعَدَتها عَيْنِي عَلی القَذى هَلْ إِلَيْكَ يَابْنَ أَحْمَدَ سَبِيلٌ فَتُلْقى هَلْ يَتَّصِلُ يَوْمُنا مِنْكَ بِعِدَةٍ فَنَحْظى؟ مَتى نَرِدُ مَناهِلَكَ الرَّوِيَةَ فَنَرْوى مَتى نَنْتَقِعُ مِنْ عَذْبِ مائِكَ فَقَدْ طالَ الصَّدى مَتى نُغادِيكَ وَنُراوِحُكَ فَنُقِرُّ عَيْناً مَتى تَرانا وَنَراكَ وَقَدْ نَشَرت لِواءَ النَّصر؟... » بينما غطى الأستاذ (علي) وجهه بمنديل وأطلق العنان لعواطفه وأكتافه تهتز مع نشيجه المتواصل... كانت لحظات روحانية لا توصف «...تُرى أَتَرانا نَحُفُّ بِكَ وَأَنْتَ تَؤُمُّ المَلأ وَقَدْ مَلأتَ الاَرْضَ عَدْلاً وَأَذَقْتَ أَعْدائَكَ هَواناً وَعِقاباً وَأَبَرْتَ العُتاةَ وَجَحَدةَ الحَقِّ وَقَطَعْتَ دابِرَ المُتَكَبرینَ وَاجْتَثَثْتَ أُصُولَ الظَّالمین. وَنَحْنُ نَقُولُ: الحَمْدُ للهِ رَبِّ العالمینَ، اللّهُمَّ أَنْتَ كَشَّافُ الكُرَبِ وَالبَلْوى وَإِلَيْكَ أَسْتَعْدِي فَعِنْدَكَ العَدْوى وَأَنْتَ رَبُّ الآخِرةِ وَالدُّنْيا فَأَغِثْ ياغِياثَ المُسْتَغِيثِينَ عُبَيْدُكَ المُبْتَلى وَأَرِهِ سَيِّدَهُ ياشَدِيدَ القُوى وَأَزِلْ عَنْهُ بِهِ الاَسى وَالجَوى وَبَرِّدْ غَلِيلَهُ يَامَن عَلى العَرْشِ اسْتَوى وَمَن إِلَيْهِ الرُّجْعى وَالمُنْتَهى... » مازالت الأرض مبتلة من زخة مطر نيساني سريعة انفكت بعد أن بللت الشباب ساعة ندبهم إمامهم (عجل الله تعالی فرجه الشریف)، وكأن السماء شاركتهم البكاء في تلك اللحظات أو انها أرادت أن تغسل عنهم غبار الفيافي كما غسلت الدموع أدران المعاصي... حمل نسيم لطيف صوت تكسر

ص: 42

الأمواج على ساحل البحيرة القريب، وداعبت أنوفهم رائحة التراب الندي... لم تنفك الطبيعة من عرض نِعَم الله سبحانه وجمال خلقه عليهم كي يتأملوها... فمن زقزقة العصافير إلى هديل الحمام البري بل حتى عواء الثعالب عند غروب الشمس والذئاب بعد منصف الليل لا يخلو من عذوبة فهو كسيمفونية حزينة لا يعرف معناها إلا من عاش في أحضان الطبيعة... إلى أريج الأزهار... واليوم رائحة التراب الندي... يالها من نعمة وسبحان الخالق العلام... سأل الأستاذ (كريم) زميله:

– رأيتكم وبعض الشباب تصلون بعد أن قرأنا دعاء الندبة فما هذه الصلاة ولما لم تصلوها جماعة؟

–كنا نصلي صلاة جعفر الطيار (علیه السلام) وهي مستحبة (نافلة)(1) والصلوات المستحبة لا تصلى جماعة...

– لما سميت صلاة جعفر الطيار (علیه السلام) بهذا الاسم؟ وهل هي مختصة بيوم الجمعة؟

– نعم سأجيبك على شقي سؤالك من خلال حديث شريف يروى عن الإمام

الصادق (علیه السلام) قال: «قال رسول الله (صلی الله علیه و آله) لجعفر: يا جعفر، ألا أمنحك؟ ألا أعطيك؟ ألا أحبوك؟ فقال له جعفر: بلى يا رسول الله، قال: فظن الناس أنه يعطيه ذهباً أو فضة فتشرف الناس لذلك، فقال له: إني أعطيك شيئاً إن أنت صنعته في كل يوم كان خيراً لك من الدنيا وما فيها، وإن صنعته بين يومين غفر الله لك ما بينهما. أو كل جمعة، أو كل شهر، أو كل سنة غفر لك ما بينهما تصلي أربع ركعات... (2) »

فسأل أحد الطلبة:

– العفو أستاذ والدعاء الذي دعونا به صباحاً، أهو مختص بيوم الجمعة؛ لأن في .

ص: 43


1- المصطلحات: 820 .
2- وسائل الشيعة، الشيخ محمد بن الحسن العاملي، 8: 49 .

أحدى فقراته: «وَوَفِّقْنِي لاَداءِ فَرْضِ الجُمُعاتِ وَما أَوْجَبْتَ عَلی فِيها مِنْ الطّاعاتِ وَقَسَمْتَ لاهْلِها مِنَ العَطاءِ يَوْمِ الجَزاءِ. إِنَّكَ أَنْتَ العَزِيزُ الحَكِيمُ .؟»

– نعم أحسنت... هو مختص في يوم الجمعة... وبعد سكتة قصيرة استطرد:

عندنا أدعية تسمى بأدعية الأيام وهي خاصة لكل يوم...وأكمل متنهداً: أه لو وفقتم إلى الحضور معنا في تلك الأيام... وبعد أن رأى بعض الشباب قد طأطأ رأسه خجلاً أو ندماً، أكمل من غير أن يسكت: المهم أن نعوض في الأيام الآتية، وكذلك عندنا أدعية مختصة بساعات النهار، وأدعية بأوقات معينة فمثلاً دعاء الصباح وهو دعاء أمير المؤمنين (علیه السلام) وعندنا أذكار تقال عند الصباح والمساء وقبل شروق الشمس ومغيبها... أبنائي من يريد أن يعرف ما عليه الشيعة من توحيد لله تعالى فليقرأ ادعيتنا فسيعرف ما نحن عليه من ارتباط وعشق وتوحيد لله تعالى.

– أستاذ ودعاء العهد لمَ سمي بهذا الاسم؟

– نعم... لأننا من خلاله نجدد العهد بسيدنا ومولانا صاحب الزمان أرواحنا لتراب مقدمه الفداء فقد جاء عن إمامنا الصادق (علیه السلام) أنه قال: «من دعا إلى الله تعالى أربعين صباحاً بهذا العهد كان من أنصار قائمنا، فإن مات قبله أخرجه الله تعالى من قبره وأعطاه بكل كلمة ألف حسنة ومحا عنه ألف سيئة» (1).

فسأل (رامي) وكأنه يريد أن يحرج أستاذه:

– قرأنا البارحة زيارة أسميتموها بزيارة عاشوراء... والبارحة لم يكن عاشوراء؟!

– نعم هو ليس بعاشوراء، لكن من قال إن استحباب هذه الزيارة في عاشوراء فقط؟! فهي كما جميع الأدعية والزيارات، وأن سمي بعضها في زمان أو مكان معين، .

ص: 44


1- المزار، الشيخ المفيد: 663 .

فذلك أفضل أوقاتها أو مكانها، لكن لا مانع من قراءتها في أي زمان أو مكان.

كانت السماء صافية خلا قطع سحاب متفرقة وكأنها شياه ترعى... اخترقها سرب قطا يتصايح صيحات حزينة مؤلمة وكأنه يبكي لحظات عمره المنقضية...

الليلة الرابعة:

غاب الهلال سريعاً مما جعل ظلام الليل موحشاً... كانت أسنة النار تتراقص مع نفخات الهواء الخفيفة صابغة وجوه الشباب الصغار بلون الأفق في ساعتي الأصيل... تزاحمت فراشات الليل على النار حتى احترقت أجنحة بعضها... علق (رامي) على المشهد بأنه غباء مفرط... لكن زميله (زيد) وهو شاب حالم لم يرتضِ تعليق زميله فقال:

– بل هو فناء بالمعشوق، فكلما ما كان العاشق أكثر وفاءً وإخلاصاً...كانت روحة رخيصةً للحظات الوصال...

استحسن (نبيل) رد زميله فقال:

– كلام جميل فكم من ولي من أولياء الله قضى ميتاً حباً بالله (عزوجل) ...

فأردف (حسن)

– بل حتى حباً بولي الله فهذا (مسلم مولى محمد بن عمارة بن التيهان الأنصاري) وهو شاب ولعله بعمرنا بعد أن عرّفه (حذيفة بن اليمان) أحقية أمير المؤمنين (علیه السلام) التحق مع من التحق بجيش الأمير (صلوات الله عليه) في منطقة (ذي قار) وصار أول الشهداء حيث دعا الإمام (علیه السلام) بمصحف وقال: «من يأخذ هذا المصحف يعرضه عليهم ويدعوهم إلى ما فيه فيحيى ما أحياه ويميت ما أماته » فنهض (مسلم) وقال: «يا أمير المؤمنين أنا آخذه وأعرضه عليهم وادعوهم إلى ما فيه » فلم يجبه أمير المؤمنين (علیه السلام) ثم نادى الثانية:

ص: 45

«من يأخذ هذا المصحف فيعرضه عليهم ويدعوهم إلى ما فيه »، فلم يقم إليه أحد فقام (مسلم) فقال: «يا أمير المؤمنين أنا آخذه وأعرضه عليهم وادعوهم إلى ما فيه » فلم يجبه الأمير (علیه السلام) ، ثم نادى الثالثة، فلم يقم إليه أحد من الناس إلا (مسلم) قائلاً ما قال سالفاً، فقال أمير المؤمنين (علیه السلام): « انك إن فعلت فأنت مقتول » فقال: «والله يا أمير المؤمنين ما شيء أحب إلي من أن ارزق الشهادة بين يديك وأن اقتل في طاعتك »، فأعطاه أمير المؤمنين (علیه السلام) المصحف فتوجه به نحو عسكرهم فنظر إليه أمير المؤمنين (علیه السلام) وقال: «إن الفتى ممن حشا الله قلبه نوراً وإيماناً وهو مقتول ولقد أشفقت عليه ولن يفلح القوم بعد قتلهم إياه »، فمضى الشاب بالمصحف حتى وقف بالقرب من عسكر (الجمل) (وطلحة والزبير) حينئذ عن يمين هودج (عائشة) وشماله، فنادى بأعلى صوته: «معاشر الناس هذا كتاب الله وإن أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (علیه السلام) يدعوكم إلى كتاب الله والحكم بما انزل الله فيه، فأنيبوا إلى طاعة الله والعمل بكتابه »، وكانت عائشة وطلحة والزبير

يسمعون قوله فلم يجيبوا، فلما رأى ذلك أهل عسكرهم بادروا إلى الشاب والمصحف في يمينه فقطعوا يده اليمنى، فتناول المصحف بيده اليسرى وناداهم بأعلى صوته مثل ندائه أول مرة فبادروا إليه فقطعوا يده اليسرى فتناول المصحف واحتضنه ودماؤه تجري عليه، فناداهم مثل ذلك فشدوا عليه فقتلوه ووقع ميتاً فقطعوه إرباً إرباً قال الراوي:

«ولقد رأينا شحم بطنه اصفر »(1) وقد رثته أمه وهي تقبله وتبكي:

يا رب ان مسلماً أتاهم

يتلو كتاب الله لا يخشاهم

يأمرهم بالأمر من مولاهم

فخضبوا من دمه قناهم

وأمهم قائمة تراهم

تأمرهم بالبغي لا تنهاهم

وتعني (بأمهم) عائشة؛ لأن أزواج النبي (صلی الله علیه و آله) يُكَنَّينَ بأمهات المؤمنين... .

ص: 46


1- الدرجات الرفيعة في طبقات الشيعة، السيد علي بن معصوم، 307 .

كان الأستاذ (علي) يبتسم جذلاً وهو يستمع لكلام طلبته حيث كان واقفاً مع زميله خلف خيم المعسكر من حيث لا يرونه من ثم أنضم لهم وعلامات الغبطة بمستوى طلبته العلمي بادية على وجهه وسأله أحدهم:

– أستاذ قلتم –في ما مضى: إن عائشة كانت من المحرضين على قتل عثمان وما عرفنا كيف صارت من المطالبين بدمه؟

– نعم لكم ما تريدون... لكن دعونا نرى كم الوقت أولاً... هاه أستاذ؟

فأجابه زميله:

– لدينا من الوقت ما يكفي؛ لآن نشاطنا ليوم غد حول إنقاذ الغريق وإسعافه... لذا سنؤخره حتى تشتد الحرارة.

– جيد... قالها الأستاذ (علي) من ثم راح ينظر إلى النجوم وكأنه يستذكر الأحداث أو يسترجعها من ذاكرة الزمن من ثم قال:

ذكر السيد عبد الحسين شرف الدين (قدس سره) في كتابه (النص والاجتهاد)...آ... شباب أتعرفون ما يقصد السيد شرف الدين (قدس سره) (بالنص والاجتهاد)؟... هاه تفضل (حسن):

– أستاذ النص: هو التشريع الصادر من الله تعالى لتنظيم حياة الإنسان(1) ... ويصلنا عن طريق القرآن المجيد أو السنة المطهرة ويراد منها أحاديث المعصومين (صلوات الله عليهم)... أما الاجتهاد: فهو استنباط الأحكام الشرعية من القرآن المجيد والسنة الشريفة(2) ... إلا أن السيد (قدس سره) في كتابه يعرض بمخالفينا وقد ملأ كتابه بأدلة دامغة على انهم اجتهدوا برأيهم في قبال النص المقدس وما أخذوا لا بالقرآن ولا .

ص: 47


1- ينظر معجم ألفاظ الفقه الجعفري: 165 .
2- ينظر المصدر نفسه: 28 .

بحديث الرسول الأكرم (صلی الله علیه و آله).

– أحسنت، وبارك الله بك... واطلب منكم جميعاً ان تقرؤوا هذا الكتاب، بل يفترض بنا أن نقرأ كتب علمائنا كي نكون شيعة عن وعي وبصيرة؛ حتى لا نُخْدَع بأبسط وأتفه الأكاذيب... المهم ان السيد قد ذكر في كتابه بأن «كل من صنف في السير والأخبار –فيما نص عليه ابن أبي الحديد في شرحه لنهج البلاغة: إن عائشة كانت من أشد الناس على عثمان، حتى أنها أخرجت ثوباً من ثياب رسول الله (صلی الله علیه و آله) فنصبته في منزلها، وكانت تقول للداخلين إليها: هذا ثوب رسول الله لم يبل، وعثمان قد أبلى سنته .»

و أن أول من سمى عثمان نعثلاً عائشة، وكانت تقول: «اقتلوا نعثلاً قتل الله نعثلاً، اقتلوا نعثلاً فقد كفر » وكان طلحة والزبير من أشد الناس عليه وأشدهما كان طلحة.

وروى المدائني في كتاب الجمل وغير واحد من أثبات السير أنه: لما قتل عثمان كانت عائشة بمكة، وحين بلغها قتله لم تكن تشك في أن طلحة سيبايع للخلافة، فقالت: بعداً لنعثل وسحقاً، إيه ذا الإصبع أيه أبا شبل إيه يا ابن عم، لكأني أنظر إلى إصبعه وهو يبايع (قالوا): كان طلحة حين قتل عثمان أخذ مفاتيح بيت المال، وأخذ نجائب كانت لعثمان في داره، ثم لما فسد أمره دفعها إلى علي بن أبي طالب (علیه السلام) . وروى الطبري، وغيره:

أن عائشة لما رجعت من مكة المكرمة للمدينة المنورة وفي مكان يسمى (سرف)، لقيها شخص يسمى: (عبد بن أم كلاب)، فسألته عن الأخبار فقال: «قتلوا عثمان ». قالت:

«ثم صنعوا ماذا ». قال: «أخذها أهل المدينة بالاجماع، واجتمعوا على علي بن أبي طالب »

فقالت: «والله ليت أن هذه انطبقت على هذه [أي السماء انطبقت على الأرض] إن تم الأمر لصاحبك، ردوني ردوني » فارتدت إلى مكة وهي تقول: «قتل والله عثمان مظلوماً، والله لأطلبن بدمه ». فقال لها (ابن أم كلاب): «ولم؟ فوالله إن أول من أمال حرفه لأنت، ولقد كنت تقولين: اقتلوا نعثلا فقد كفر » قالت: «إنهم استتابوه ثم قتلوه، وقد قلت

ص: 48

وقالوا، وقولي الأخير من قولي الأول » فقال لها (ابن أم كلاب):

«فمنك البداء ومنك الغير

ومنك الرياح ومنك المطر

وأنت أمرت بقتل الإمام

وقلت لنا إنه قد كفر

فهبنا أطعناك في قتله

وقاتله عندنا من أمر

ولم يسقط السقف من فوقنا

ولم تنكسف شمسنا والقمر

وقد بايع الناس ذا تدرؤا

يزيل الشبا ويقيم الصعر

ويلبس للحرب أثوابها

وما من وفي مثل من قد غدر »

ثم رجعت إلى مكة فنزلت على باب المسجد الحرام، فقصدت الحجر، واجتمع الناس إليها فقالت: «يا أيها الناس إن عثمان قتل مظلوماً، والله لأطلبن بدمه »... ثم استنهضت أزواج نبينا الأكرم (صلی الله علیه و آله) فجاءت إلى (أم سلمة) (رضی الله عنها) تخادعها على الخروج للطلب بدم عثمان، فقالت لها: «يا ابنة أبي أمية أنت أول مهاجرة من أزواج النبي، وأنت أكبر أمهات المؤمنين، وكان رسول الله يقسم لنا في بيتك، وكان جبرائيل أكثر ما يكون في منزلك ». فقالت لها (أم سلمة) (رضی الله عنها): «لأمر ما قلت هذه المقالة »، فقالت (عائشة): «إن القوم استتابوا عثمان، فلما تاب قتلوه صائماً في الشهر الحرام وقد عزمت على الخروج إلى البصرة، ومعي الزبير وطلحة، فاخرجي معنا لعل الله يصلح هذا الأمر على أيدينا ». فقالت (أم سلمة) (رضی الله عنها): «إنك كنت بالأمس تحرضين على عثمان، وتقولين فيه أخبث القول، وما كان اسمه عندك إلا نعثلا، وإنك لتعرفين منزلة علي عند رسول الله؟ ». قالت: نعم. قالت: «أتذكرين يوم أقبل ونحن معه حتى إذا هبط من قديد ذات الشمال فخلا بعلي يناجيه فأطال، فأردت أن تهجمي عليهما فنهيتك فعصيتني وهجمت عليهما، فما لبثت أن رجعت باكية، فقلت: ما شأنك؟. فقلت: أتيتهما وهما يتناجيان، فقلت لعلي: ليس لي من رسول الله إلا يوم من تسعة أيام، أفما تدعني يا بن أبي طالب

ص: 49

ويومي؟. فأقبل رسول الله (صلی الله علیه و آله) علي وهو محمر الوجه غضباً فقال: ارجعي وراءك والله لا يبغضه أحد من الناس إلا وهو خارج من الإيمان. فرجعت نادمة ساخطة ». فقالت عائشة: «نعم أذكر ذلك » قالت: «وأذكرك أيضا: كنت أنا وأنت مع رسول الله، فقال لنا أيتكن صاحبة الجمل الأدب تنبحها كلاب الحوأب فتكون ناكبة عن الصراط؟ فقلنا نعوذ بالله وبرسوله من ذلك فضرب على ظهرك فقال: إياك أن تكونيها يا حميراء. » قالت أم سلمة (رضی الله عنها): «أما أنا فقد أنذرتك » قالت عائشة: «أذكر ذلك » فقالت أم سلمة (رضی الله عنها): «واذكري أيضا يوم كنت أنا وأنت مع رسول الله في سفر له، وكان علي يتعاهد نعل رسول الله فيخصفها. وثيابه فيغسلها، فنقب نعله فأخذها يومئذ يخصفها وقعد في ظل سمرة، وجاء أبوك ومعه عمر، وقمنا إلى الحجاب ودخلا يحدثانه فيما أراد، إلى أن قالا:

يا رسول الله، إنا لا ندري أمد ما تصحبنا، فلو أعلمتنا من يستخلف علينا ليكون لنا بعدك مفزعاً. فقال لهما: أما أني قد أرى مكانه ولو فعلت لتفرقتم عنه كما تفرق بنو إسرائيل عن هارون. فسكتا ثم خرجا، فلما خرجا خرجنا إلى رسول الله فقلت له أنت وكنت أجرأ عليه منا: يا رسول الله من كنت مستخلفاً عليهم؟. فقال: خاصف النعل فنزلنا فرأيناه علياً فقلت: يا رسول الله ما أرى إلا علياً. فقال (صلی الله علیه و آله) : هو ذاك »، قالت عائشة: «نعم أذكر ذلك ». فقالت لها أم سلمة (رضی الله عنها): «فأي خروج تخرجين بعد هذا يا عائشة. فقالت: إنما أخرج للإصلاح بين الناس ». وروى أيضاً ان أم سلمة (رضی الله عنها) جاءتها بعد هذا وقالت لها: «إن عمود الإسلام لا يثأب بالنساء إن مال، ولا يرأب بهن، إن صدع حماديات النساء غض الأطراف، وخفر الأعراض، ما كنت قائلة لو أن رسول الله عارضك في بعض هذه الفلوات، ناصّة قلوصاً من منهل إلى آخر؟ والله لو سرت مسيرك هذا ثم قيل لي ادخلي الفردوس، لاستحييت أن ألقى محمداً هاتكة حجاباً ضربه علي » لكن لم تصغ إليها عائشة. وحينئذ كتبت أم سلمة إلى علي (علیه السلام) من مكة. أما بعد: فإن

ص: 50

طلحة والزبير وأشياعهم أشياع الضلالة يريدون أن يخرجوا بعائشة ومعهم عبد الله بن عامر، يذكرون أن عثمان قتل مظلوماً والله كافيهم بحوله وقوته، ولولا ما نهانا الله عن الخروج، وأنت لم ترض به لم أدع الخروج إليك والنصرة لك، ولكني باعثة إليك بابني وهو عدل نفسي عمر بن أبي سلمة يشهد مشاهدك فاستوص به يا أمير المؤمنين خيراً، فلما قدم عمر على علي أكرمه، ولم يزل معه حتى شهد مشاهده كلها... وأرسلت عائشة لأزواج النبي الأكرم (صلی الله علیه و آله) تسألهن الخروج معها إلى البصرة فما أجابها إلى ذلك منهن إلا حفصة، لكن أخاها عبد الله أتاها فنهاها عن الخروج، فتركت الخروج بعد أن همت به.

ولما أرادت عائشة الخروج من مكة إلى البصرة، جمعت إليها بني أمية وأولياءهم فأداروا الرأي، فقال بعضهم: نسير إلى علي فنقاتله، فقالت عائشة وجماعة آخرون: ليس لكم طاقة بأهل المدينة. وقال بعضهم: نسير إلى الشام. فقالت عائشة وغيرها: يكفيكم الشام معاوية، ولكن نسير حتى ندخل البصرة والكوفة، ولطلحة في الكوفة هوى، وللزبير بالبصرة أولياء، فاتفقوا على ذلك. وحينئذ تبرع عبد الله بن عامر لهم في مال كثير، وابل كثيرة، وأعانهم يعلى بن أمية بأربعمائة ألف، وحمل سبعين رجلاً منهم، وحمل عائشة على جمل يقال له (عسكرا) وكان ضخماً قوياً، فلما رأته أعجبها، وراح احدهم يحدثها بقوته وشدته، ويسميه في أثناء كلامه (عسكرا)، فلما سمعت هذه اللفظة استرجعت وقالت: ردوه لا حاجة لي فيه، وذكرت أن رسول الله ذكره لها بهذا الاسم ونهاها عن ركوبه. فطلب لها الناس غيره فلم يجدوا لها ما يشبهه فغيروا لها جلاله وقالوا لها: أصبنا لك أعظم منه وأشد قوة. فرضيت به وما خرجت من مكة حتى استنفذت ما في وسع الأمويين من نصرة لها ثم مضت على غلوائها. وسارت نحو البصرة حتى وصلت إلى منطقة تسمى (الحوأب)، نبحت عليهم الكلاب حتى نفرت جمالهم، فقال قائل من أصحابها: «ألا ترون ما أكثر كلاب الحوأب وأشد نباحها ». فأمسكت عائشة بزمام

ص: 51

بعيرها وقالت: «وإنها لكلاب الحوأب؟ ! ردوني ردوني فإني سمعت رسول الله يقول:

وروت لهم حديثاً عن رسول الله (صلی الله علیه و آله) أنه قال لنسائه: «أيتكن صاحبة الجمل الأدب، تنبحها كلاب الحوأب، يقتل عن يمينها وشمالها قتلى كثيرة كلهم في النار، وتنجو بعد ما كادت »» ؟ فقال لها قائل: «مهلا يرحمك الله فقد جزنا ماء الحوأب »: فقالت: «هل من شاهد »؟ فلفقوا لها خمسين أعرابياً بعد أن أعطوهم العطايا، فحلفوا لها إن هذا ليس بماء الحوأب فسارت بجيشها وكانت القيادة العامة في هذه الفتنه لعائشة، تصدر الأوامر وتنظم العساكر، وتعين الأمراء، وتعزل منهم من تشاء، وتوجه الرسل بكتبها التي أشاعتها في المسلمين تؤلبهم على أمير المؤمنين (علیه السلام) ، وتدعوهم إلى نصرتها عليه، فلباها من لباها، ورد عليها جماعة من ذوي البصائر وأولي الألباب، لكن بني أمية بذلوا لهذا الخروج أموالهم، وأقبلوا من كل حدب إلى حيث وقفت، وكان مروان في جيشها، لكنه كان يرمي بنبله تارة جيشها وأخرى جيش الأمير (علیه السلام) ويقول: «أيهما أصيب كان الفتح، حتى قيل هو الذي رمى طلحة فقتله »(1) ... ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم... مرت دقائق على ختم الأستاذ لحديثة ومازال الشباب ساكنين وكأنهم ينصتون لشيء يسمعونه... كان التعجب مرسوم على وجوههم... فبدد الأستاذ السكون الذي يلفهم قائلاً:

– هيا حان وقت النوم وغداً –إن شاء الله– سأكمل لكم خبر هذه المصيبة.

اليوم الخامس:

– (زيد) أين أنت يا أخي قد بحثت عنك كثيراً... في المخيم وعند شاطئ البحيرة وخلف شجيرات الزعرور...إلى أن رآني (حسن) فقال: تجده في الغابة قرب أزهار

ص: 52


1- النص والاجتهاد، السيد عبد الحسين شرف الدين،: 427 .

البنفسج...

– بعد أن عرفت تأجيل النشاط طلبت الخلوة فاستأذنت الأستاذ (كريم) بالخروج إلى الغابة كي أتأمل سحر الطبيعة فوافق شريطة أن لا أبتعد كثيراً، فجِئت حيث أنا الآن...ألا تشاركني الرأي بأنها جنة...

– نعم هي كذلك... لكن ما الذي يعجبك بالغابة حتى فضلتها رغم البرد على مجالسة زملائك في المخيم حيث الدفء؟

ليس في الغابات عدل

لا و لا فيها العقاب

فأذا الصفصاف القى

ضلله فوق التراب

لا يقول السرو هذي

بدعة ضد الكتاب

ان عدل الناس ثلج ان

رأته الشمس ذاب(1)

آهٍ، آه...انظر... هل تجد بين الطيور تفاخر؟... أنظر ها هي تحط جنباً إلى جنب على غصن واحد، انظر كيف ان الأشجار الباسقة تحمي الشجيرات والحشائش، والأزهار تحتمي بهن من غير منة ولا أجر... ياله من تكافل فطري جميل... أنا في هذه الخلوة أطلب العدل والمساواة... أرفع رأسك صوب التل أتراه من خلف أغصان الأشجار الكثيفة كيف اكتنف هذه الجُنينة... تحمل ضربات الهواء الموجعة لكي تنعم هذه النباتات التي بلا حول ولا قوة بالدفء والأمان من ضربات الرياح العاتية وهي لم تجد حامي غيره لذا احتمت بظله وتنعمت بحمايته... ثم مد يده ومسح عينيه وأضاف بصوت مخنوق:

قسماً قد أثار هذا المنظر في داخلي أموراً وأموراً واليوم وبعد ان منعنا البرد من النشاط سارعت كي أشارك النباتات حمايته ورحت انظر صوب التل طالقاً العنان لدموعي وقد بكيت كثيراً...ن.

ص: 53


1- من قصيدة المواكب لجبران خليل جبران.

كان (سعيد) ينظر لزميله (زيد) وعلامات التعجب بادية على محياه، لكن صدق كلمات زميله الواضح من خلال جريان دموعه واختناقه بكلماته جعله يسكت مكتفياً بهز رأسه بين الفينة والأخرى.

– (سعيد) انتم تقولون بأني مثالي وحالم... قولوا ما شئتم... لكن هذا المنظر يذكرني بالإمام علي (علیه السلام) ويجعلني أشتاق لدولة ولي العصر الحجة بن الحسن (عجل الله تعالی فرجه الشریف)... فالإمام علي (علیه السلام) قد تحمل كل الصعاب من أجل ان تنّعم رعيته بالعدل والأمان، وستنّعم رعية ولي العصر (عجل الله تعالی فرجه الشریف) بالخير والعدل والسلام، لكن... لكن نحن... ولم يتم كلامه بل قال:

اعتذر أخي فقد استرسلت بكلماتي... ثم أضاف بابتسامة مصطنعة... هاه علامَ تبحث عني؟ ما تريد؟

–كادت تنسيني حلاوة كلامك مرادي...أردت...أردت سؤالك سؤالاً خاصاً واعذرني على الفضول.

– تفضل... اسأل.

وبعد سكته طويلة قضاها ينكث الأرض بعود يابس كسره من أحدى الشجيرات...

قال وهو يتنهد:

– متى تعرفت على (حسن)؟ وكيف أصبحت علاقتكم متينة؟

–؟!

– لا تستغرب لإشباع الفضول لا أكثر.

– لك ما تريد... تعرفت عليه في بداية السنة الدراسية عند قبولنا في الثانوية كان شاباً مهذباً كنا نتبادل التحية بكل احترام وقد أوشكت هذا السنة الدراسية على الانقضاء

ص: 54

ونحن لم نتحدث إلا بعض كلمات لا تتعدى إطار المجاملة أو أمور تخص الدروس... أما كيف أصبحت علاقتنا قوية...وبعد سكته قصيرة أجال خلالها بصره في السماء قال من غير أن ينزل عينيه... لا أدري أهي قوية الآن أم لا لكن قد استفدت منه كثيراً... فقبل فترة وتحديداً في بداية شهر آذار حيث كنت أتأمل وردة في حديقة مدرستنا... حط (حسن) يده على كتفي وهو يتلوا: «سَنُرِيهِمْ آيَاتِنَا فِي الْآفَاقِ وَفِي أَنْفُسِهِمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقُّ أَوَلَمْ يَكْفِ بِرَبِّكَ أَنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ»(1) وبعد التحية سألته ما الذي أثار هذه الآية الشريفة في باله؟... فأجابني:

– بما أنك رسام... فلو شاهدتَ في معرض ما لوحة جميلة... ألا تحب معرفة راسمها، وممَ استوحى فكرة اللوحة؟

– بالتأكيد.

– جيد... أفليس من الجدير بنا أن نتفكر بالطبيعة أكثر من التفكر بلوحة مستوحاة من الطبيعة... وان نتفكر بخالق الطبيعة أكثر مما نتفكر بمن عكس جمال أبداع الخالق على قماش او ورق؟!... إضافة إلى ان الورد يعطينا –رغم قصر عمره– الكثير ونحن نجازيه بأنانيتنا فنقطفه ونضعه في مزهرية او نقدمه لشخص ما من ثم يذبل ويفقد أريجه وجماله... كالحب بالضبط عندما ندنسه بما لا يرضي الله والذوق... ثم انشد:

«والحب في الناس أشكال وأكثرها

كالعشب في الحقل لا زهر ولا ثمر

وأكثر الحب مثل الراح أيرسه

يرضي وأكثره للمدمن الخطر

والحب وان قادت الأجسام موكبه

إلى فراش الأغراض ينتحر

كأنه ملك في الأسر معتقل

يأبى الحياة وأعوان له غدروا .

ص: 55


1- سورة فصلت آية 53 .

***

ليس في الغابات خليع

يدعي نبل الغرام

فإذا الثيران خارت

لم تقل هذا الهمام

ان حب الناس داء

بين لحم وعظام

فإذا ولى شباب

يختفي ذاك السقام»(1)

ثم نهض وهو يدعو: «اللّهُمَّ عَرِّفْنِي نَفْسَكَ فَإِنَّكَ إِنْ لَم تُعَرِّفْنِي نَفْسَكَ لَم أَعْرِفْ رَسُولَكَ، اللّهُمَّ عَرِّفْنيِ رَسُولَكَ فَإِنَّكَ إِنْ لَم تُعَرِّفْنيِ رَسُولَكَ لَم أَعْرِفْ حُجَّتَكَ، اللّهُمَّ عَرِّفْنِي حُجَّتَكَ فَإِنَّكَ إِنْ لَمْ تُعَرِّفْنِي حُجَّتَكَ ضَلَلْتُ عَنْ دِينِي... »

فأمسكت يده حتى يعينني على النهوض وسألته ما الذي جعله يخلط بين أبيات عن الحب وهذا الدعاء... فأجابني:

– لم أخلط ولكن الوردة ذكرتني بالأبيات...وأضاف متنهداً وقسماً كل ما قرأت أو تذكرت أو سمعت شيء عن الحب تذكرت سيدي ومولاي ولي العصر(عجل الله تعالی فرجه الشریف).

فسألته ما الذي يجعله متعلقاً بالإمام المهدي (عجل الله تعالی فرجه الشریف) لهذا الحد... اهو كثرة قراءته حول دولة الإمام (علیه السلام) المنتظرة...فأجابني:

– لعله... لكني كل ما تأملت بسيرة سيدنا ومقتدانا أمير المؤمنين صلوات الله عليه...اشتقت لظهور الإمام المنتظر روحي وأرواح العالمين لتراب مقدمه الفداء... ثم استطرد بعد أن شاهد علامات الاستغراب على وجهي، قال وهو يضغط على يدي بعد أن كان يمسكها برفق: أسمعت يوماً عن حاكم ما يوصي عامله بأن لا يقسو على رعيته لأنهم «صنفان إما أخ لك في الدين وإما نظير لك في الخلق... »(2) ، بل هل سمعت .

ص: 56


1- من قصيدة المواكب لجبران خليل جبران.
2- نهج البلاغة، 3: 84 .. من عهده صلوات الله عليه لمالك الأشتر (رضی الله عنه) .

أو قرأت عن أحد الحكام يشتاط غضباً من أجل ظلم أحد رعاياه... فضلاً عن أن يكون مخالفاً له في العقيدة... وهذا أمير المؤمنين (علیه السلام) يقول من أجل امرأة كتابيه يسلب جيش معاوية خلخالها: «وهذا أخو غامد قد وردت خيله الأنبار وقد قتل حسان بن حسان البكري وأزال خيلكم عن مسالحها ولقد بلغني أن الرجل منهم كان يدخل على المرأة المسلمة والأخرى المعاهدة فينتزع حجلها وقلبها وقلائدها ورعاثها ما تمتنع منه إلا بالاسترجاع والاسترحام ثم انصرفوا وافرين ما نال رجلا منهم كلم ولا أريق لهم دم . فلو أن امرأ مسلماً مات من بعد هذا أسفاً ما كان به ملوماً بل كان به عندي جديراً... »(1)

فلا تلمني يا أخي بحبه ولا بالاشتياق لحاكم يكون مثله (صلوات الله عليه).

ولا أخفيك أخي (سعيد) من ذاك اليوم وأنا أبحث عن أمير المؤمنين كي أحبة حباً حقيقياً مدعوماً بالأدلة... والفضل في هذا يعود إلى (حسن) حيث قال لي بأنه لم يكتفِ بكونه من أبوين شيعيين بل بحث وبحث حتى عرف –والتعبير (لحسن) – قد عرفت شيئاً يسيراً لا يقارن حتى بالقطرة مع المحيط من فضل أمير المؤمنين (علیه السلام) ... وقد ذبت بحبه... صدقني أخي لو أستطيع أن لا أفارق هذا الصديق الثمين طرفة عين لفعلت... وقد تمنيت مشاركته و(نبيل) خيمتهم إلا ان القرعة اختارت (جميل)... وكم عتبت لأنهم لم يخبروني بانهم يصلون الفجر جماعة مع الأستاذ ويقرؤون الأدعية... سكت (زيد) وطال سكوته بعض دقائق وراح يصغي لوقع حبات المطر الخفيفة وهي تدغدغ أوراق الشجر وسيقان الحشائش فيُصدر صوت عذب بعذوبة ضحكات طفل رضيع يستجيب لمداعبة والديه...و(سعيد) مطرق برأسه إلى الأرض وكأنه يبحث عن شيء ثمين أضاعه بين الحشائش...

– هاه (سعيد) اين سرحت وكأنك في عالم آخر... وقبل أن يرد (سعيد)... هيا .

ص: 57


1- نهج البلاغة 1: 68 .

حان وقت العودة للمخيم فقد قال الأستاذ (كريم) إنه سيشرع في النشاط نظرياً بعد صلاة الظهرين ووجبة الغداء... هيا سنكمل حديثنا في الطريق.

– (زيد) أتدري لم أشعر بالضياع يوماً كما أشعره الآن... آ...آ انا فعلاً في عالم غير الذي انتم فيه... واهٍ واه... يالي من مغرور أبله... أنت تريد مصاحبتهما حتى تستفيد منهما... وأنا حاولت كثيراً، وراجعت الأستاذين أكثر من مرة كي يستبدلوني (بجميل) لا لشيء عدا إزعاج وسلب راحتهما...هه فقد عاهدت (رامي) وباقي (الشلة) على شفائهما من عقدتهما... لأني أظنهم معقدين لكنهم مهذبان... سألت (جميلاً) لمَ يتمسك بصحبتهما، فأجابني بأنه يشعر بلذة الصداقة الحقيقية... يقول (جميل): ان وقتهم مزدحم بالنقاش العلمي يتخلله المزاح المؤدب، أما العبادة فهم دائماً على وضوء...ويقول أيضاً:

إنهما لم يضعا جدولاً للقيام بواجبات الخيمة بل كل شخص يرى نقص ما يتمه من غير ان يطلب من زميله فعله... ونحن نتجادل ونتعارك رغم الجداول وتحكيم الأستاذين... وقد شاركتهم في تهيئة الجلسة الليلية ذات مرة وقد أخجلاني حيث إني أتكبر على بعض الأمور بينما هما يفعلان كل شيء من غير استنكاف بل يرون فيه تقرب لله سبحانه... وضع (سعيد) يده على كتف رفيقه، وهو يقول: اعلم اني أزعجتك بحديث مرتبك لكن دعني يا أخي انزع آلام ضميري...

– لا بأس تكلم بما تريد فأنا مصغٍ.

– شكراً... أتدري...لم تكن علاقتنا (أنا) و(حسن) سيئة وأيضاً لم تكن جيدة، بل كانت باردة مقتصرة على التنافس في الدراسة ونيل أعلى الدرجات... لكني كنت أنظر له بعطف حيث كل ظني بأنه معقد واستغرب فهو لا يقص شعرة قصة حديثة ولا يلبس مثلنا ملابس على (الموديل) ومع ذلك هو أنيق... وأيضاً كيف يحبه ويحترمه الجميع رغم هدوئهِ وكل ظني ان فرض الشخصية لا يأتي إلا بالوقاحة...

ص: 58

الليلة الخامسة:

اجتمع الشباب مع أستاذيهم كالعادة في باحة المخيم حول النار... كان الهواء منعش وبعض الحشرات تشارك الضفادع عزف سيمفونية حزينة رتيبة...لم يرد أحد منهم قطع لذة السماع لولا صياح طائر (مالك الحزين) المفاجئ وهو يتجه صوب البحيرة...

– شباب البارحة تكلمنا عن مسير عائشة إلى البصرة والليلة إن شاء الله سنتكلم عن وصول عائشة إلى البصرة، لكن قبل أن أشرع بالحديث سأجيب على سؤال أحدكم قد سألني إياه بعد نشاط اليوم النظري... والسؤال: ألم يحاول المسلمون تذكير عائشة بآية الحجاب أعني آية «يَا نِسَاءَ النَّبِيِّ مَنْ يَأْتِ مِنْكُنَّ بِفَاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ يُضَاعَفْ لَهَا الْعَذَابُ ضِعْفَيْنِ وَكَانَ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرًا (30) وَمَنْ يَقْنُتْ مِنْكُنَّ لِلَّهِ وَرَسُولِهِ وَتَعْمَلْ صَالِحًا نُؤْتِهَا أَجْرَهَا مَرَّتَيْنِ وَأَعْتَدْنَا لَهَا رِزْقًا كَرِيمًا (31) يَا نِسَاءَ النَّبِيِّ لَسْتُنَّ كَأَحَدٍ مِنَ النِّسَاءِ إِنِ اتَّقَيْتُنَّ فَلَا تَخْضَعْنَ بِالْقَوْلِ فَيَطْمَعَ الَّذِي فِي قَلْبِهِ مَرَضٌ وَقُلْنَ قَوْلًا مَعْرُوفًا (32) وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ وَلَا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الْأُولَى وَأَقِمْنَ الصَّلَاةَ وَآتِينَ الزَّكَاةَ وَأَطِعْنَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا»(1) ... وجوابه: نعم أكثر من صحابي ذكرها ونصحها ونصح أبناءها، لكن بلا جدوى... وسأذكر لكم بعض أسماء الصحابة الذين ذكّروها وما دار بينهم من حديث:

فمنهم مالك الأشتر: فقد كتب إلى عائشة من المدينة المنورة (على منورها وآله أفضل الصلاة وأتم السلام) وهي بمكة: «أما بعد فإنك ظعينة رسول الله (صلی الله علیه و آله) ، وقد أمرك أن تقري في بيتك، فإن فعلت فهو خير لك، وإن أبيت إلا أن تأخذي منسأتك، وتلقي جلبابك، وتبدي للناس شعيراتك قاتلتك حتى أردك إلى بيتك، والموضع الذي

ص: 59


1- سورة الاحزاب آية 30 – 33 .

يرضاه لك ربك »(1) وهو يشير للآيات الشريفة من سورة الأحزاب التي تلوتها عليكم قبل قليل.

ومنهم أبو الأسود الدؤلي عندما أرسله عثمان بن حنيف والي البصرة إلى عائشة وجيشها وهم في مكان يسمى ب (حفر أبي موسى) حتى يعرف سبب قدومهم إلى البصرة، فدخل أبو الأسود على عائشة فسألها عن مجيئها. فقالت: «أطلب بدم عثمان.» قال: «إنه ليس في البصرة من قتلة عثمان أحد ». قالت: «صدقت، ولكنهم مع علي ابن أبي طالب في المدينة، وجئت استنهض أهل البصرة لقتاله، أنغضب لكم من سوط عثمان، ولا نغضب لعثمان من سيوفكم »؟! فقال لها: «ما أنت من السوط والسيف، إنما أنت حبيس رسول الله (صلی الله علیه و آله) أمرك أن تقري في بيتك وتتلي كتاب ربك، وليس على النساء قتال، ولا لهن الطلب بالدماء، وإن أمير المؤمنين لأولى بعثمان منك وأمس رحماً، فإنهما أبناء عبد مناف »، فقالت: «لست بمنصرفة حتى أمضي لما قدمت إليه، أفتظن يا أبا

الأسود أن أحداً يقدم على قتالي »؟! قال: «أما والله لنقاتلنك قتالاً أهونه الشديد»!(2)..

– عفواً أستاذ...

هكذا استأذن (حسن) وهو يرفع يده.. فأجابه الأستاذ بإيماءة من رأسة، وهو يحول وجهه جهته.

– هل لهذا السبب اعني موقف (أبي الأسود) من أصحاب الجمل شوهت سمعته ورمي في البخل كما قلت لي سابقاً؟.

فأجاب الأستاذ وهو يتحسر: .

ص: 60


1- النص والاجتهاد: 432 .
2- المصدر نفسه: 436 .

– نعم وغيرها من المواقف... لعن الله الجاحظ فهو من شوه سمعت الشيعة صحابة أمير المؤمنين (علیه السلام).

واستطرد من غير أن يتوقف...

– نعم ثم قام أبو الأسود فأتى الزبير فقال: «يا أبا عبد الله عهد الناس بك وأنت يوم بويع أبو بكر آخذ بقائم سيفك تقول: لا أحد أولى بهذا الأمر من علي بن أبي طالب، فأين هذا المقام من ذاك »؟. فذكر له: دم عثمان. فقال: «إنما أنت وصاحبك وليتماه فيما بلغنا ». قال: «فانطلق إلى طلحة فاسمع ما يقول ». فذهب إلى طلحة فوجده سادراً في غيّه مصراً على الحرب والفتنة، فرجع حينئذ إلى عثمان بن حنيف فقال: «إنها الحرب فتأهب لها» (1).

ومنهم زيد بن صوحان العبدي: بعد ان أرسلت عائشة له رسالة جاء فيها: «من عائشة أم المؤمنين، بنت أبي بكر الصديق، زوجة رسول الله، إلى ابنها الخالص زيد بن صوحان، (أما بعد) فأقم في بيتك وخذل الناس عن ابن أبي طالب وليبلغني عنك ما أحب فإنك أوثق أهلي عندي والسلام » أجابها: «من زيد بن صوحان إلى عائشة بنت أبي بكر. (أما بعد) فإن الله أمرك بأمر، وأمرنا بأمر، أمرك أن تقري في بيتك، وأمرنا أن نجاهد، وقد أتاني كتابك تأمريني أن أصنع خلاف ما أمرني الله به، فأكون قد صنعت ما أمرك به الله، وصنعت أنت ما به أمرني، فأمرك عندي غير مطاعٍ، وكتابك لا جواب له» (2).

ومنهم جارية بن قدامة السعدي: يروى انه قال لها: «يا أم المؤمنين والله لقتل عثمان بن عفان أهون من خروجك من بيتك على هذا الجمل الملعون عرضة للسلاح، إنه قد .

ص: 61


1- النص والاجتهاد: 437 .
2- المصدر نفسه: 437 .

كان لك من الله ستر وحرمة، فهتكت سترك، وأبحت حرمتك، إنه من رأى قتالك فإنه يرى قتلك إن كنت أتيتنا طائعة فأرجعي إلى منزلك، وإن كنت أتيتينا مستكرهة فاستعيني بالناس» (1).

ومنهم الأحنف بن قيس يروى انه قال لها: «يا أم المؤمنين هل عهد إليك رسول الله هذا المسير؟ قالت: اللهم لا. قال: فهل وجدته في شيء من كتاب الله جل ذكره؟.

قالت: ما نقرأ إلا ما تقرأون. قال: فهل رأيت رسول الله عليه الصلاة والسلام استعان بشيء من نسائه إذا كان في قلة والمشركون في كثرة؟ قالت: اللهم لا. قال الأحنف: فإذا ما هو ذنبنا؟. وفي رواية أخرى أنه قال لها: يا أم المؤمنين إني سائلك ومغلظ لك في المسألة فلا تجدي علي. فقالت له: قل نسمع. قال: أعندك عهد من رسول الله في خروجك هذا؟. فلم يكن في وسعها إلا أن تقول: لا. فقال: أعندك عهد منه (صلی الله علیه و آله) أنك معصومة من الخطأ؟ قالت: لا. قال: صدقت إن الله رضي لك المدينة فأبيت إلا البصرة، وأمرك بلزوم بيت نبيه (صلی الله علیه و آله) فنزلت بيت أحد بني ضبة، ألا تخبريني يا أم المؤمنين أللحرب قدمت أم للصلح؟ أجابت وهي متألمة: بل للصلح. فقال لها: والله لو قدمت وليس بينهم إلا الخفق بالنعال والرمي بالحصى ما اصطلحوا على يديك فكيف والسيوف على عواتقهم؟! فأحرجها فقالت: إلى الله أشكو عقوق أبنائي» (2).

وأيضاً قال عبد الله بن حكيم لطلحة: «يا أبا محمد أما هذه كتبك إلينا(3) ؟. قال طلحة: بلى. قال: كتبت أمس تدعونا إلى خلع عثمان وقتله، حتى إذا قتلته أتيتنا ثائرا بدمه! فلعمري ما هذا رأيك، إن تريد إلا هذه الدنيا، فمهلا مهلا. ولم قبلت من عليا.

ص: 62


1- النص والاجتهاد: 438 .
2- المصدر نفسه: 440
3- في المصدر «أما هذا كتبك إلينا » لكنها غير مستقيمه فتصرفت فيها.

ما عرض عليك من البيعة، فبايعته طائعاً راضياً، ثم نكثت بيعتك، وجئت لتدخلنا في فتنتك؟ فقال: إن عليا دعاني إلى بيعته بعد ما بايعه الناس، فعلمت أني لو لم أقبل ما عرضه علي لم يتم لي الأمر، ثم يغري بي من معه» (1).

ولما وصل الجمل وأصحابه إلى المربد–مكان من البصرة– قام الجشمي يخاطب أهل البصرة وقد اجتمعوا هناك فيقول: «أنا فلان بن فلان الجشمي وقد أتاكم هؤلاء القوم، فإن أتوكم خائفين، فإنما أتوكم من المكان الذي يأمن فيه الطير والوحش والسباع، وإن كانوا أتوكم بدم عثمان فغيرنا ولي قتله، فأطيعوني أيها الناس وردوهم من حيث أقبلوا، فإنكم إن لم تفعلوا لم تسلموا من الحرب الضروس، والفتنة الصماء »، فرموه أشياع الجمل من أهل البصرة بالحصى(2) .

وذكر المؤرخون أبيات لطيفة لشاب من بني سعد يؤنب بها طلحة والزبير وهي:

صنتم حلائلكم وقدتم أمكم

هذا لعمرك قلة الإنصاف

أمرت بجر ذيولها في بيتها

فهوت تشق البيد بالايجاف

غرضا يقاتل دونها أبناؤها

بالنبل والخطي والأسياف(3)

وأيضاً ذكروا ان غلاماً من جهينة سأل محمد بن طلحة: «أخبرني عن قتلة عثمان.

فقال محمد بن طلحة: نعم دم عثمان ثلاثة أثلاث، ثلث على صاحبة الهودج يعني عائشة، وثلث على صاحب الجمل الأحمر يعني أباه طلحة، وثلث على علي بن أبي طالب فضحك الغلام الجهيني ولحق بعلي وهو يقول:38

ص: 63


1- النص والاجتهاد: 440 ..
2- المصدر نفسه: 441 .
3- المصدر نفسه: 438

سألت ابن طلحة عن هالك

بجوف المدينة لم يقبر

فقال ثلاثة رهط هم

أماتوا ابن عفان فاستعبر

فثلث على تلك في خدرها

وثلث على راكب الأحمر

وثلث علي ابن أبي طالب

ونحن بدوية قرقر

فقلت صدقت عل ى الأولين

وأخطأت في الثالث الأزهر(1)

أوشك الليل على الانتصاف واشتد الظلام وكادت النار تنطفئ فسارع احد الفتية وأطعمها بعض الحطب الجاف فتعالى لهبها متراقصاً صابغاً وجوه الجالسين بلونٍ احمر كلون الخجل ولعلهم خجلوا من المسلمين حيث يقدسون المعاندين... أو لعل الحماس دفق فيهم دماء الشباب عند سماعهم أبيات لشباب مثلهم... كان الصمت يلف الجلسة لولا بعض التنهدات وصوت نعيب بومه يأتيهم من أحدى الأشجار القريبة، وطنين بعوض... عطس أحدهم فحمد الله فسمته بعض الحاضرين... نظر الأستاذ (علي) جهة زميله فأجابه بإيماءة فهم منها الأستاذ (علي) ان الوقت قد تأخر... فقال:

– دعونا نختم جلستنا لهذه الليلة بخطبة عائشة فقد خطبت من على جملها عسكر قائلة:

«أيها الناس أقلوا الكلام واسكتوا، فسكت الناس لها فقالت: أيها الناس إن أمير المؤمنين عثمان كان قد غير وبدل، ثم لم يزل يغسل ذلك بالتوبة حتى قتل مظلوماً تائباً، وإنما نقموا عليه ضربه بالسوط، وتأميره الشبان، وحمايته موضع الغمامة فقتلوه محرماً في حرمة الشهر وحرمة البلد ذبحا كما يذبح الجمل، ألا وإن قريشا رمت غرضها بنبالها، وأدمت أفواهها بأيديها، وما نالت بقتلها إياه شيئا، ولا سلكت به سبيلاً قاصداً، أما والله ليرونها بلايا عقيمة تنبه القائم، وتقيم الجالس، وليسلطن الله عليهم قوماً لا يرحمونهم، .

ص: 64


1- النص والاجتهاد: 439 .

يسومونهم سوء العذاب. أيها الناس انه ما بلغ من ذنب عثمان ما يستحل به دمه، ماصوه كما يماص الثوب الرحيض، ثم عدوا عليه فقتلوه بعد توبته، وخروجه من ذنبه، وبايعوا ابن أبي طالب بغير مشورة من الجماعة ابتزازاً وغصباً، أترونني أغضب لكم من سوط عثمان ولسانه، ولا أغضب لعثمان من سيوفكم! ألا إن عثمان قتل مظلوما فاطلبوا قتلته، فإذا ظفرتم بهم فاقتلوهم ثم اجعلوا الأمر شورى بين الرهط الذين اختارهم أمير المؤمنين عمر بن الخطاب ولا يدخل فيهم من شرك في دم عثمان ». قال أهل السير والأخبار: «فماج الناس واختلفوا. فمن قائل: القول ما قالت أم المؤمنين. ومن قائل يقول: ما هي وهذا الأمر إنما هي امرأة مأمورة بلزوم بيتها. وارتفعت الأصوات، وكثر اللغط، حتى تضاربوا بالنعال وتراموا بالحصى، ثم تمايزوا فريقين، فريقا مع عثمان بن حنيف، وفريقا مع عائشة وأصحابها» (1).

ضحى اليوم السادس:

– (سعيد) أين أنت يا أخي، الأخوة قلقون عليك...

رفع (سعيد) رأسه والدموع تنساب على خده كانسياب الثمد...أراد التكلم لكن النشيج حبس صوته... كانت شفتاه ترتجفان استغرب (زيد) فصاحبهُ كحجر الصوان لا ينكسر بسهولة...فقال:

– لا أخي ما هكذا الظن بك... مشكلة بسيطة وكثير ما تقع بين الأصحاب مثلها.

– قسماً ما أردت ضربه لكنه استفزني... فهو تارة...لا حول ولا قوة إلا بالله... حسبي الله... حسبي الله ونعم الوكيل... قسماً هو من بدأ فقال: ان أستاذكم يشتم أم

ص: 65


1- النص والاجتهاد: 441 .

المؤمنين قلت: ما شتمها بل نقل ما فعلته بأبنائها...قال لما لم يترضَّ عليها كما ترضّى على غيرها... فقلت: له ما أنت وهي؟ ثم قلت له: هم حاربوا أمير المؤمنين (صلوات الله عليه) لأنه ما أراد لهم الركون إلى الدنيا وأنت ممن غرق بمستنقعها، هم صموا آذانهم عن نصائحه وابتعدوا عن دينه ودين أخيه (صلوات الله عليهما) وأنت ممن سار بركبهم فدينه دين العفة والغيرة وأنت عنهما بعيد… فقام وشتمني فسكتُّ وضربني فسكتُّ و… لا أدري ما أقول لكنه... لكنه... وراح يطأطئ رأسه أرضاً وهو يتنهد... تلفظ بألفاظ أبناء الشوارع، وذكر…ذكر… المهم فاشتطت غضباً وصار ما صار...

– لا عليك أخي فالألفاظ التي استحييت من ذكرها هي من شيمهم واحتسب ما سمعته عند الله فان غيرتك على أهلك هي التي جعلتك تفعل ما تفعل... من ثم راح (زيد) يمسح دموع صديقة بمنديل ورقي أخرجه من جيبه وصار يضاحكه... من ثم سأل (سعيد) (زيداً):

– كيف عرفت مكاني؟

– عندما أخبروني الأخوة بالحادثة وبغيابك تذكرت غربتك التي حدثتني عنها أمس فتوقعت مكانك وها أنت حيث توقعت.

– أي والله يا أخي غربة قاتلة وكأني أعيش في صحراء قاحلة... فلاحظ ابتسامه صغيرة ترتسم على شفتي صديقه فبادر قائلاً:

– عفواً لم أقصد الإهانة... لكن صدقني يا أخي إني أعيش صراع عجيب وكثير التفكر...

– لا انا من يعتذر فقد ابتسمت لأني تذكرت أيام توبتي وما مررت به من غربة...

ص: 66

– أما زلت تعيش الغربة؟

– نعم... وأتساءل: لو كنت في أيام تلك الفتنه فتنة الجمل... فيا ترى بأي معسكر سأصير أ إلى الدنيا أركن ويكون الجمل أميري ام للآخرة وعلي لي أمير.

– سمعت الأستاذ (علي) يقول لمن سأله بعد صلاة الفجر مثل هذا السؤال...قال: نحاسب أنفسنا فإن كنّا ممن يلتزم بدين علي (صلوات الله عليه) فهو أميرنا ونعم الأمير وإلا فلا... ثم رفع رأسه وركز عينيه بعيني صديقه وقال وهو يبتسم:

– (زيد) الشاب الهادئ الذي لم أره يوماً يشاركنا لهونا هكذا يقول فما الذي أقوله أنا... وبعد سكته قصيرة... أنا من لوثته الدنيا حتى صار لا يدري ما لونه الحقيقي...

– كلنا أهل ذنوب ونسأل الله أن يتجاوز عنا ويجعلنا من المتمسكين بالثقلين... المهم انك تبت وهذا جيد فان كنت من جيش الجمل فأنت الآن من شيعة الإمام علي (صلوات الله عليه)...آ لكن (سعيد) قل لي هل تشعر بلذة في الغربة التي تعيشها؟

– نعم واقسم ان الرعدة التي اعترتني وانا أفكر بحذف المقاطع السخيفة من هاتفي... وأضاف وهو يتنهد... بعد ما سمعت جواب الأستاذ (علي) فكرت طويلاً وبعد ان اعتلتني الرعدة تذكرت المقتل...

فقاطعه صديقه:

– مقتل الإمام الحسين (صلوات الله عليه)؟.

– نعم.

– وتعني موقف الحر (رضی الله عنه) .؟

ص: 67

– نعم.

– أحسنت... أحسنت مقارنة جميلة فالحر تاب وأناب وأنت –إن شاء الله– من التائبين... إيه والله أحسنت... ثم سأل صديقة وهو يمسح دمعة تسللت من أهدابه... نعم وماذا فعلت بعدها؟.

– أسبغت الوضوء وتوجهت صوب كربلاء المقدسة وقلت: يا بن رسول الله هل لي من توبة؟ ورحت حاذفاً ما كنت اخزن.

الليلة السادسة:

لم تكن الجلسة في هذه الليلة كما كانت بل كانت الكآبة تغطي الجلسة فلا يدرون هل سيعاقبهم الأستاذ (كريم) المعروف بعقوباته العسكرية القاسية حتى في أيام الدراسة... ام سيكتفي بتوبيخ الأستاذ (علي) لهم... تهامس بعضهم فقال (جميل) قسماً لو عاقبني الأستاذ (كريم) بالمبيت في وسط البحيرة لهو أهون علي من كلمة من كلمات الأستاذ (علي) فوافقه بعضهم الرأي... لم يشارك (سعيد) أصحابه كلامهم بل ظل ينظر بصمت صوب الأفق وهو يجلس القرفصاء، وبعد ان انظم الأستاذان للجلسة وما ان جلسا حتى انتفض (سعيد) قائماً وقال:

– أستاذيَّ الموقرين ان ما جرى اليوم بيني وبين (رامي) انا من فعله وانا من يتحمل مسؤوليته ومستعد لأي عقوبة تريدان بشرط ان لا اعتذر منه لاني ضربته لكلمات قالها وأرجوا أ تسألاني ولا تسألوه عنها، وأيضاً أرجو بل أتوسل بكما أ تسمعا باقي الأخوة أي كلمة فانا من ضربه وأنا من يتحمل العواقب...

ابتسم الأستاذ (كريم) وأثنى على شجاعة (سعيد) إلا ان الأستاذ (علي) قال من غير ان ينظر لوجوه الشباب:

ص: 68

– مع الأسف الشديد شباب يدعون التحرر والأريحية ويفعلون ما يفعلون ويتكلمون بألفاظ نابيه قد سمعت من أحدكم وهو يشرح لي ما صار معتذراً إلى (سعيد)، فقد عذرت (سعيداً) لكني كنت آمل منه ان يكون شيعياً بكل ما تحمله الكلمة من معنى وان يرد على الإساءة بالإحسان كما علمونا آل البيت (صلوات الله عليهم)... وكم أتمنى ان تأخذوا ما انقله لكم بموضوعية لا بتعصب، والإسلام يرفض كل أنواع التعصب بل ان التعصب ليس من الإسلام بشيء... عاد السكون يخيم على الجلسة إلا أصوات بعض الحيوانات يأتي من طرف الغابة البعيد وصوت نباح كلاب لا يسمع إلا بصعوبة ولعله صوت كلاب بعض القرى البعيدة عن معسكرهم...لم يرغب الأستاذ (علي) بمواصلة الحديث لولا إلحاح الفتية وأستاذهم فأكمل ما بدأه لهم:

نعم... بعد ما صار بين المسلمين ما صار وهو ما ذكرته لكم في الليلة الفائتة، أصبح الفريقان للحرب، وخرج عثمان بن حنيف وهو يريد السلم ويذكر طلحة والزبير بيعتهما للأمير (صلوات الله عليه). فقالا: «نطلب بدم عثمان » فقال لهما: «وما أنتما وذاك، أين بنوه؟ أين بنو أعمامه الذين هم أحق به منكم؟ كلا ولكنكما حسدتما علياً حيث اجتمع الناس عليه، وكنتما ترجوان هذا الأمر، وتعملان له، وهل كان أحد أشد على عثمان قولاً منكما »؟! فشتماه شتماً قبيحاً وذكرا أمه، فقال للزبير: «لولا صفية ومكانها من رسول الله، فإنها أدنتك إلى الظل، وأن الأمر بيني وبينك يا ابن الصعبة » يعني طلحة. ثم قال:

«اللهم إني قد أعذرت ». ثم اقتتل الناس قتالاً شديداً، ثم تحاجزوا واصطلحوا على كيفية خاصة فصلها المؤرخون، تركوا فيها الأمر إلى ما بعد وصول أمير المؤمنين (صلوات الله عليه) إلى البصرة، وأعطى الفريقان على ما كتبوه من الصلح عهد الله وميثاقه، وأشد ما أخذه على نبي من أنبيائه من عهد وذمة وميثاق، وختم الكتاب من الفريقين. لكن

ص: 69

عائشة وطلحة والزبير أجمعوا على مراسلة القبائل واستمالة العرب ووجوه الناس وأهل الرئاسة والشرف، من حيث لا يشعر الأمير ابن حنيف وأصحابه، فلما استوثق لأصحاب الجمل أمرهم، خرجوا في ليلة مظلمة ذات ريح ومطر، وقد لبسوا الدروع وظاهروا فوقها بالثياب، فانتهوا، إلى المسجد وقت صلاة الفجر وقد سبقهم عثمان بن حنيف إليه وأقيمت الصلاة فتقدم عثمان ليصلي، فأخره أصحاب طلحة والزبير وقدموا الزبير، فجاءت الشرطة وحرس بيت المال فأخرجوا الزبير وقدموا عثمان، ثم غلبهم

أصحاب الزبير وقدموه، فلم يزالوا كذلك حتى كادت الشمس تطلع، فصاح بهم أهل المسجد: «ألا تتقون بالله يا أصحاب محمد؟ وقد طلعت الشمس »، فغلب الزبير وصلى بالناس. فلما فرغ من صلاته صاح بأصحابه المسلحين: «أن خذوا عثمان بن حنيف » فلما أسر ضرب ضرب الموت ونتفت لحيته وشارباه وحاجباه وأشفار عينيه، وكل شعرة في رأسه ووجهه، وأخذوا الشرطة وحراس بيت المال وهم سبعون رجلاً من المؤمنين من شيعة أمير المؤمنين (علیه السلام) فانطلقوا بهم وبعثمان بن حنيف إلى عائشة فقالت لأبان بن عثمان: «أخرج إليه فاضرب عنقه فإن الأنصار قتلوا أباك» (1).

تمتم (حسن) بكلمات غير مفهومة فالتفت إليه أستاذه مستفهماً... فقال (حسن):

–كيف تأمر عائشة ابن عثمان بقتل شخص من الأنصار، لأن بعض الأنصار قتل

أباه؟!... أو لم تقرأ في كتاب الله تعالى: «يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِصَاصُ فِي الْقَتْلَى الْحُرُّ بِالْحُرِّ وَالْعَبْدُ بِالْعَبْدِ وَالْأُنْثَى بِالْأُنْثَى فَمَنْ عُفِيَ لَهُ مِنْ أَخِيهِ شَيْءٌ فَاتِّبَاعٌ بِالْمَعْرُوفِ وَأَدَاءٌ إِلَيْهِ بِإِحْسَانٍ ذَلِكَ تَخْفِيفٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَرَحْمَةٌ فَمَنِ اعْتَدَى بَعْدَ ذَلِكَ فَلَهُ عَذَابٌ أَلِيمٌ»(2) ؟!...

فأجاب الأستاذ (علي) متنهداً: .

ص: 70


1- النص والاجتهاد: 443 .
2- سورة البقرة آية 178 .

–«أَفَحُكْمَ الْجَاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ حُكْمًا لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ»(1) ولا حول ولا قوة

إلا بالله العلي العظيم

المهم... ان عثمان بن حنيف (رضی الله عنه) نادى: «يا عائشة ويا طلحة ويا زبير أن أخي سهلا خليفة علي على المدينة، وأقسم بالله أن لو قتلت ليضعن السيف في بني أبيكم ورهطكم فلا يبقي ولا يذر ». فتركوه. وأمرت عائشة الزبير أن يقتل الشرطة وحراس بيت المال وقالت له: «قد بلغني الذي صنعوا بك »، فذبحهم والله الزبير كما يذبح الغنم، وباشر ذبحهم ابنه عبد الله وهم سبعون رجلاً، وبقيت منهم طائفة مستمسكين بيت المال قالوا: «لا ندفعه إليكم حتى يقدم أمير المؤمنين ». فسار إليهم الزبير في جيش ليلا فأوقع بهم وأخذ منهم خمسين أسيرا فقتلهم صبرا. فكان هذا الغدر بعثمان بن حنيف، أول غدر كان في الإسلام، وكان قتل الشرطة وحراس بيت المال أول قوم ضربت أعناقهم من المسلمين صبرا، وكانوا مائة وعشرين رجلا، وقيل كانوا أربعمائة رجلاً. ثم طردوا عثمان بن حنيف فلحق بعلي، فلما رآه بكى وقال له: «فارقتك شيخا وجئتك أمرد .«فقال أمير المؤمنين (علیه السلام): « إنا لله وإنا إليه راجعون ». يقولها ثلاثا... وقد كانت هذه المأساة للأمير (علیه السلام) غصة لا تساغ، كان يشكو بثه فيها وحزنه إلى الله فيقول على المنبر: «اللهم إني أستعديك على قريش ومن أعانهم، فإنهم قطعوا رحمي، وصغروا عظيم منزلتي، وأجمعوا على منازعتي أمرا هو لي ثم قالوا: ألا إن في الحق أن تأخذه، وفي الحق أن تتركه » أيضاً ذكر أصحاب الجمل بقوله صلوات الله عليه: «فخرجوا يجرون حرمة رسول

الله (صلی الله علیه و آله) كما تجر الأمة عند شرائها متوجهين بها إلى البصرة، فحبسا نساءهما في بيوتهما، وأبرزا حبيس رسول الله لهما ولغيرهما في جيش ما منهم رجل إلا وقد أعطاني الطاعة وسمح لي بالبيعة طائعاً غير مكره فقدموا على عامل بها وخزان بيت مال المسلمين .

ص: 71


1- سورة المائدة آية 50 .

وغيرهم من أهلها، فقتلوا طائفة صبرا وطائفة غدرا... ».(1)

وبعد سكتة قصيرة قضاها أستاذ التاريخ بالنظر لزميله حيث كان يسعل بشدة ناوله احد الشباب قدح ماء شكره بإيماءة وارتشف منه رشفات... عض الأستاذ (علي) على شفته السفلى من ثم همس بأذن زميله...

– مع الأسف الرياضي تنهكه سيجارة...

من ثم عاد لجلسته وسأل هل تعرفون يوم الجمل الأصغر؟... ولم ينتظر الإجابة بل أجاب هو:

– ان المعركة التي دارت بين حكيم بن جبلة (رضی الله عنه) وأصحاب الجمل تسمى بيوم الجمل الأصغر... والتي دارت بين أمير المؤمنين (صلوات الله عليه) وبين القوم وأمهم تسمى بيوم الجمل الأكبر...فبعد ان بلغ حكيماً (رضی الله عنه) ما صنع القوم بعثمان بن حنيف وخزان بيت مال المسلمين وغيرهم خرج في ثلاثمائة من عبد القيس وكان سيدهم.

فخرج القوم إليه وحملوا عائشة على جمل، وتقاتل القوم وأبلى حكيم وأصحابه  بلاء حسنا، لكن شد رجل من الأزد من عسكر عائشة على حكيم فضرب رجله فقطعها، ووقع الأزدي عن فرسه، فجثا حكيم فأخذ رجله المقطوعة فضرب بها الأزدي فصرعه ثم زحف إليه فقتله خنقا متكئا عليه حتى زهقت نفسه، فمر بحكيم إنسان وهو يجود بنفسه فقال له: «من فعل بك هذا »؟ قال: «وسادي » فنظر فإذا الأزدي تحته. وكان حكيم من أبطال العرب وشجعان المسلمين المستبصرين في شأن أهل البيت، وقد قتل معه ابنه الأشرف وإخوة له ثلاثة، وقتل معه أصحابه كلهم وهم ثلاثمائة من عبد القيس وكلهم من الأخيار، وربما كان بعض المقتولين يومئذ من بكر بن وائل. فلما صفت .

ص: 72


1- النص والاجتهاد: 445 .

البصرة لعائشة وطلحة والزبير بعد قتل حكيم وأصحابه، وطردا ابن حنيف عنها.

اختلف طلحة والزبير في الصلاة، وأراد كل منهما أن يؤم بالناس، وخاف أن تكون صلاته خلف صاحبه تسليما له، ورضي بتقدمه، فأصلحت بينهما عائشة بأن جعلت الإمامة يوما لعبد الله بن الزبير، ويوما لمحمد ابن طلحة ولما دخلوا بيت المال في البصرة ورأوا ما فيه من الأموال. قرأ الزبير– وقد استفزه الفرح: «وَعَدَكُمُ اللَّهُ مَغَانِمَ كَثِيرَةً تَأْخُذُونَهَا فَعَجَّلَ لَكُمْ هَذِهِ»(1) فنحن أحق بها من أهل البصرة.

هذا مجمل ما كان في البصرة من الأحداث قبل وصول أمير المؤمنين (صلوات الله عليه) إليها. وغداً ان شاء الله سأحدثكم عن معركة الجمل الكبرى او ما يسمى بيوم الجمل الأكبر(2).

صباح اليوم السابع:

– هاهو اليوم السابع من أيام الرحلة الكشفية يبدأ وسينقضي كما انقضت الأيام السالفة... كان صباحاً جميلاً...والنسيم غربي لطيف... والسماء صافية، خالية من السحاب... كان (حسن) يقف على السفح الأيسر للتل كعاشق تذكر معشوقة وما من علامة لقرب الوصال، الدموع تتناثر على خديه كرذاذ ماء نثرته الرياح على ساري مركب...فحبس نشيجه وراح يردد مع نفسه بعض الأبيات بطور (الدشت)(3) .

إلى ان جاء (نبيل) مقاطعاً:

ص: 73


1- سورة الفتح آية 20 .
2- النص والاجتهاد: 446 .
3- الدشت كلمة فارسية تعني: هضبة، صحراء، أرض فسيحة، وفي اصطلاح الخطباء الحسينيين: طور شجي مثير للحزن.. يقرئ النصف الأول من كل شطر منه بلا مد وترجيع. ويبدأ بهما في النصف الثاني في كل كلمة وينتهي بالصعود. ينظر الخطابة الحسينية من دون معلم : 93 وما بعدها.

– في أي مقطع كنت تدعو؟

– ؟؟!

– هاه... عفواً...آ... اعتذر... إلا ان وقفتك ذكرتني بدعاء الإمام الحسين (علیه السلام) يوم عرفة فظننتك تدعو به...

– أحسنت جعلك الله من الداعين... نعم هكذا وصفوا وقفته (علیه السلام) عشية عرفة وهو يدعوا «...فَلَكَ الحَمْدُ إِلهِي وَسَيِّدِي أَمَرْتَنِي فَعَصَيْتُكَ وَ نَهیَْتَنِي فَارْتَكَبْتُ نهیَكَ فَأَصْبَحْتُ لا ذا بَرائةٍ لی فَأَعْتَذِرُ وَلا ذا قُوَّةٍ فَأَنْتَصر فَبِأَيِّ شیءٍ أَنْتَصر فَبِأَيِّ شیءٍ أَسْتَقْبِلُكَ يامَوْلايَ أَبِسَمْعِي أَمْ بِبَصری أَمْ بِلِسانی أَمْ بِيَدِي أَمْ بِرِجلی ؟ أَلَيْسَ كُلُّها نِعَمَكَ عِنْدِي وَبِكُلِّها عَصَيْتُكَ يامَوْلايَ؟ فَلَكَ الحُجَّةُ وَالسَّبِيلُ عَلی يامَنْ سَترنی مِنَ الآباءِ وَالاُمَّهاتِ أَنْ يَزْجُرُونی وَمِنَ العَشائِرِ وَالإِخْوانِ أَنْ يُعَیِّرونی وَمِنَ السَّلاطِينِ أَنْ يُعاقِبُونی ، وَلَوْ اطَّلَعُوا يامَوْلايَ عَلى ما اطَّلَعْتَ عَلَيْهِ مِنِّي إِذا ما أَنْظَرُونی وَلَرَفَضُونی وَقَطَعُونی ؛ فَها أَنا ذا ياإِلهِي بَین يَدَيْكَ ياسَيِّدِي خاضِعٌ ذَلِيلٌ حَصِيرٌ فَقِيرٌ لا ذو بَرائةٍ فَأَعْتَذِرُ وَلا ذو قُوَّةٍ فَأَنْتَصر وَلاحُجَّةٍ فَاحْتَجُّ اِهب وَلاقائِلٌ لم اجتَرحْ وَ لم أَعْمَلْ سُوءاً، وَما عَسى الجُحُودُ وَلَوْ جَحَدْتُ يامَوْلايَ يَنْفَعُنِي كَيْفَ وَأَنَّى ذلِكَ وَجَوارِحِي كُلُّها شاهِدَةٌ عَلی بِما قَدْ عَمِلْتُ؟ وَعَلِمْتُ يَقِينا غَیر ذِي شَكٍّ أَنَّكَ سائِلی مِنْ عَظائِمِ الاُمُورِ وَأَنَّكَ الحَكَمُ العَدْلُ الَّذِي لا تجورُ وَعَدْلُكَ مُهْلِكِي وَمِنْ كُلِّ عَدْلِكَ مَهْرَبی فَإِنْ تُعَذِّبْنِي ياإِلهِي فَبِذُنُوبی بَعْدَ حُجَّتِكَ عَلیَّ وَإِنْ تَعْفُ عَنِّي فَبِحِلْمِكَ وَجُودِكَ وَكَرَمِكَ، لا إِلهَ إِلّا أَنْتَ سُبْحانَكَ إِنی كُنْتُ مِنَ الظَّالمینَ... » لكني ما كنت أدعو...بل ان منظر المسيرة الراجلة للفرقة الكشفية والراية تتقدمهم ذكرتني بوصول الأمير (صلوات الله عليه) وجنده إلى البصرة...

–كيف، حدثني؟

ص: 74

– قد قرأت في كتاب الجمل(1) لضامن بن شدقم المدني وصف جيش الأمير (صلوات الله عليه)...فقد ذكر: فرأيت موكبا نحو ألف فارس، يقدمهم فارس [ومعه راية] على فرس اشهب عليه قلنسوة وثياب بيض متقلدا بسيف، وإذا أنا بتيجان القوم غالبها بيض وصفر، مدججين في السلاح والحديد، فقلت: من هذا؟ فقيل لي: هذا أبو أيوب الأنصاري، صاحب رسول (صلی الله علیه و آله) ، وهؤلاء الذين معه الأنصار وغيرهم. ثم تلاه فارس ثان عليه عمامة صفراء وثياب بيض، متقلدا بسيف (متنكبا قوسا) على فرس أشقر، بيده راية، معه نحو ألف فارس. فقلت: من هذا؟ فقيل: لي هذا خزيمة ذو الشهادتين ثم مر بنا فارس ثالث على فرس كميت، متعمما بعمامة صفراء من تحتها قلنسوة بيضاء، عليه قباء مصقول، متقلدا بسيف، متنكبا قوسا، معه نحو ألف فارس، وبيد راية. فقلت: من هذا؟ فقيل لي: هذا أبو قتادة بن ربعي الأنصاري. ثم مر بنا فارس رابع، شديد الأدمة، على فرس اشهب، عليه سكينة ووقار، رافعا صوته بتلاوة القرآن المجيد، بيده راية بيضاء، وعليه عمامة سوداء، وثياب بيض، متقلدا بسيف، متنكبا قوسا، معه نحو ألف فارس مختلفي التيجان، حوله شيوخ وكهول وشبان [كأنما قد أوقفوا للحساب] جباههم مسودة من أثر السجود. فقلت: من هذا؟ فقيل لي: هذا عمار بن ياسر، والذين معه من المهاجرين والأنصار. ثم مر بنا فارس خامس، على فرس أشقر، على رأسه قلنسوة عليها عمامة صفراء، وعليه ثياب بيض، متقلدا بسيف، متنكبا قوسا، تخط رجلاه الأرض، معه ألف فارس مختلفي التيجان غالبها الصفرة والبياض، ومعه راية صفراء. فقلت: من هذا؟ فقيل لي: هذا قيس بن سعد بن عبادة الأنصاري، وهؤلاء الذين معه الأنصار وغيرهم من قحطان. ثم مر بنا فارس سادس على فرس أشهل ما رأينا مثله، عليه ثياب بيض وعمامة سوداء سدلها بين يديه ومن خلفه، وبيدها.

ص: 75


1- في صفحة 122 وما بعدها.

لواء [ومعه نحو ألف فارس من أصحاب رسول[ (صلی الله علیه و آله) ] فقلت: من هذا؟ فقيل لي: هذا

عبد الله بن العباس. ثم تلاه موكب سابع، يقدمهم فارس أشبه الناس بمن [قبله].

فقلت: من هذا؟ فقيل لي: هذا [قثم بن العباس، أو معبد بن العباس] ثم مر بنا موكب تاسع، فيه خلق عظيم، مكملين بالسلاح والحديد، مختلفي التيجان والرايات، تقدمهم راية كبيرة عظيمة، في أولهم فارس، كأنما قد [كسر وجبر]، كأن على رؤوسهم الطير، فعن يمينه شاب حسن الوجه، وعن شماله مثله، وبين يديه شاب ليس هو ببعيد منهما.

فقلت: من هؤلاء؟ فقيل لي: أما الأوسط فهو أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (علیه السلام) ، و ما الشاب الذي على يمنيه ابنه الحسن (علیه السلام) ، والذي عن شماله ابنه الحسين (علیه السلام) ، وأما الذي بين يديه حامل الراية فابنه محمد بن الحنفية.

فساروا حتى نزلوا بالزاوية، فصلى أمير المؤمنين (علیه السلام) أربع ركعات، ثم عفر خديه على التراب وخالطهما بدموعه، ثم رفع رأسه يقول: «اللهم رب السماوات وما أظلت، ورب الأرضين وما أقلت، ورب العرش العظيم، هذه البصرة، فأسألك من خيرها وأعوذ بك من شرها، اللهم، أنزلنا فيها خير

منزل وأنت خير المنزلين. اللهم، إن هؤلاء القوم، [قد بغوا علي، وخالفوا طاعتي]، ونكثوا بيعتي. اللهم، احقن دماء المسلمين .»

– هه يا لهم من بهائم جيش كل قادته من كبار الصحابه ولا يتأملون بل يتبعون لفيف من طلقاء وناكثين... وقبل ان يتم (نبيل) كلامه

– قسماً لو لم يكن مع أمير المؤمنين (صلوات الله عليه) أحد ولو خذله كل من في هذه الدنيا لما شككت لحظه به ولا تزلزل ولائي له (صلوات الله عليه) كيف يتزلزل ولائي أو اشك والرسول الأكرم (صلی الله علیه و آله) قال: «الحق مع علي وعلي مع الحق لا يفترقان حتى

ص: 76

يردا علي الحوض »(1) ... وأيضاً حديث الثقلين «إني تارك فيكم الثقلين، أحدهما أكبر من الآخر كتاب الله حبل ممدود من السماء إلى الأرض، وعترتي أهل بيتي وإنهما لن يفترقا حتى يردا علي الحوض» (2).

فأردف (نبيل)

– وغيرهما كثير... آ...عندي فكرة لما لا نقترح على الأستاذ (علي) ان يكلمنا عن بيعة الغدير ويذكر لنا بعض الأدلة عن أحقية أمير المؤمنين ... (علیه السلام)

– فكرة جيدة واقتراح سديد... لكن بعد ان يكمل حديثة عن (فتنة الجمل)

الليلة السابعة:

لم يطل المقام بالفتية في باحة المخيم حتى جاء الأستاذان... كان النهار مُتعباً حيث نهضوا من الصباح الباكر، وتغلغلوا في الغابة ما يقارب العشرين كيلوا متراً سيراً على الأقدام؛ لأن هذا المشي مهم كما قال لهم أستاذهم من أجل تنمية التحمل البدني لديهم... كان بعضهم يعاني من ألم بقدميه، وبعضهم لا يستطيع المشي حتى لخطوات... إلا انهم حضروا الجلسة جميعاً... وقبل ان يصب (سعيد) الشاي قال الأستاذ (علي) وهو يلاعب مسبحته الطويلة:

– وعدتكم بالأمس أن أحدثكم عن فتنة الجمل الأكبر وها انا أفي بوعدي... فبعد أن وصل أمير المؤمنين (صلوات الله عليه) إلى البصرة بمن معه خرجت إليه عائشة مع جيشها، وكانت رابطة الجأش، مشيعة القلب فكف يده عنها وعنهم باذلا وسعه في إصلاح ذات البين على ما يرضي الله تعالى ورسوله، وبلغ في ذلك كل مبلغ من قول

ص: 77


1- شرح اصول الكافي 6: 138 .
2- الآمالي للشيخ الطوسي 255 .

أو فعل. حتى روى ابن جرير الطبري(1) ، وغيره من أهل السير والأخبار: أن عليا دعا إليه الزبير يومئذ فذكره بكلمة قالها النبي له بمسمع منه وهي قوله (صلی الله علیه و آله): « ليقاتلنك ابن عمتك هذا وهو لك ظالم » فانسحب الزبير من القتال وقال: «فإني لا أقاتلك » ورجع إلى ابنه عبد الله فقال: «ما لي في هذا الحرب بصيرة »، فقال له ابنه: «إنك قد خرجت على بصيرة ولكنك رأيت رايات ابن أبي طالب وعرفت أن تحتها الموت فجبنت ». فأحفظه ولده حتى أرعد وغصب وقال: «ويحك إني قد حلفت له أن لا أقاتله »، فقال ابنه: «كفر عن يمينك بعتق غلامك سرجس ». فأعتقه وقام في الصف معهم. وقال الطبري: وكان علي قال للزبير: «أتطلب مني دم عثمان وأنت قتلته سلط الله على أشدنا عليه اليوم ما يكره »، ودعا علي طلحة فقال: «يا طلحة جئت بعرس –أي زوجة– رسول الله (صلی الله علیه و آله) تقاتل بها وخبأت عرسك في البيت، أما بايعتني »؟. قال: «بايعتك وعلى عنقي اللج ،» وأصر طلحة على الحرب. وحينئذ رجع علي إلى أصحابه فقال لهم –فيما حكاه الطبري وغيره: «أيكم يعرض عليهم هذا المصحف » والحادثة رواها لكم زميلكم (حسن) فلا أكرر...من ثم تنهد وهو يقول... ثم برزت صاحبة الجمل والهودج إلى المعركة، وقد عصفت في رأسها النخوة ونزت فيها صورة الآنفة، فأدركتها حمية منكرة، وكانت أجرأ من ذي لبدة، قد جمعت ثيابها على أسد، تلهب حماسها في جيشها، فتدفعهم به إلى الموت دون جملها، وقد نظرت عن يسارها فقالت: «من القوم عن يساري »؟. فأجابها صبرة بن شيمان –كما في الكامل لابن الأثير وغيره: «نحن بنوك الأزد ». فقالت: «يا آل غسان حافظوا اليوم على جلادكم الذي كنا نسمع به في قول القائل:

وجالد من غسان أهل حفاظها

وكعب وأوس جالدت وشبيب(2) .

ص: 78


1- في تاريخه، 3: 519 .
2- النص الاجتهاد: 446 .

قطع الأستاذ كلامه مصغياً إلى (زيد) وهو يتمتم:

إيها بني عبد الدار

إيها حماة الادبار

فسأله أستاذه وهو يخفي ابتسامته:

– هاه (زيد) لمن هذه الأبيات؟ وما الذي ذكرك بهن؟

فتبسم ولم يجبه لكن (حسن) أجاب:

– لهند ام معاوية عليهما لعائن الله في معركة أحد وهي تحرض المشركين على قتال المسلمين(1) ...

لم يجبه أستاذه بل اكتفى بهز رأسه بالإيجاب واستطرد متنهدا بمرارة ولوعة...وكان الأزد يأخذون بعر الجمل يشمونه ويقولون: بعر جمل أمنا ريحه ريح المسك.

فعندها ضحك بعض الشباب، وعلت أصواتهم ببعض التعليقات التي لا تليق... فأعاد الأستاذ الهدوء للجلسة قائلاً:

– صلوا على محمد... وأردف ساعد الله قلبك سيدي يا أمير المؤمنين... نعم وأيضاً قالت لمن كانوا على يمينها لكي تثير فيهم الحمية: «من القوم عن يميني »؟. قالوا: «بكر بن وائل ». قالت: لكم يقول القائل:

وجاءوا إلينا في الحديد كأنهم

من العزة القعساء بكر بن وائل

وأقبلت على كتيبة بين يديها فقالت: «من القوم »؟ قالوا: «بنو ناجية ». قالت:

«بخ بخ سيوف أبطحية قرشية، فجالدوا جلادا يتفادى منه »، فكأنما أشعلت فيهم من الحماسة نارا تلظى. وتتابع حملة اللواء على خطام جملها مستميتين يقولون: .

ص: 79


1- البداية والنهاية: 18 .

يا أمنا يا زوجة النبي

يا زوجة المبارك المهدي

نحن بنو ضبة لا نفر

حتى نرى جماجما تخر

يخر منها العلق المحمر

وما زالت تستفز حميتهم حتى عقر الجمل، بعد أن قتل على خطامه أربعون رجلاً وكانت الهزيمة بأذن الله. ولولا عناية أمير المؤمنين ساعتئذ في حفظها، ووقوفه بنفسه على صونها، لكان ما كان مما أعاذها الله منه في هذه الفتنة العمياء التي شقت عصا المسلمين إلى يوم الدين، وعلى أسسها كانت صفين والنهروان ومأساة كربلاء وما بعدها.إلى يومنا هذا. لكن أخا النبي وأبا سبطيه، وقف على الجمل بنفسه، حين أطفئت الفتنة بعقره، وما أن هوى بالهودج حتى آواه –وفيه عائشة– إلى وارف من ظله منيع، وجعل معها أخاها محمدا ليقوم بمهامها مع نسوة من الصالحات، ومن على محاربيه وتفضل عليهم، وأطلق الأسرى من أعدائه الألداء، واختص عائشة من الكرامة بكل ما يناسب خلقه الكريم.

وفضله العميم، وحكمته البالغة وهذا كله ثابت في كتب السير والأخبار. وكانت يوم الخميس العاشر من شهر جمادى الآخرة سنة ست وثلاثين للهجرة الشريفة، وقد كان عدد القتلى يوم الجمل الأكبر ثلاثة عشر ألفاً من أبناء عائشة فيهم طلحة والزبير، واستشهد يومئذ من أولياء علي (اللهم وال من والاه وعاد من عاداه)، ألف أو دونه أو أكثر منه(1) .

خيم السكون على الجلسة حتى الضفادع لا يسمع لها صوت وكأنها قد شاركت الفتية تعبهم... كان بعضهم يصارع النوم مما جعل أستاذهم يختم حديثة قائلاً وهو ينظر جهة (حسن ونبيل):

– طلب بعضكم مني ان أذكر لكم أدلتنا على أحقية أمير المؤمنين (صلوات الله .

ص: 80


1- النص والاجتهاد 448 .

عليه) إلا ان التعب البادي عليكم يجعلني أُأجل الحديث لليلة القادمة... يا الله تصبحون على خير.

صباح اليوم الثامن:

لم يبقَ لانتهاء المعسكر إلا يومان او ثلاثة، رغم ان نشاطاتهم الكشفية لم يكملوها على الوجه المطلوب... كان الجو حاراً، لأن شهر نيسان أوشك على الانقضاء وبدت ملامح شهر آيار تظهر على المناخ... تجمع الشباب في باحة المعسكر كي يبدءوا بترديد نشيد فرقتهم الكشفية الصغيرة من ثم يتلقوا تعليمات النشاط الكشفي ليومهم هذا... فاجأهم أستاذهم قائد الفرقة بعد ان أتموا التقاليد الروتينية اليومية... بأن النشاط سيكون اليوم حول تحديد عمق الماء وأيضاً تطبيق لما تعلموه نظرياً بسبب البرد، أي إنقاذ الغريق...

جلس (حسن) و(نبيل) مع (سعيد) خلف صخرة كان (حسن) يغطي جسده العاري بمنشفة كبيرة بينما (نبيل) يستر جسده بثيابه وهو يجلس القرفصاء إلا ان (سعيداً) لم يكن محتشماً وكان يرد على سترهما لأجسادهما بأنهما رجال ولا ضير ان انكشف جسد الرجل مادام قد ستر ما يحرم النظر إليه... فرد عليه (حسن) مبتسماً:

– هذا لا يعني ان نكشف أجسادنا، فليس كل شيء جائز نفعله بحجة ان الشارع المقدس أجازه... بل توجد أمور كثيرة وان كانت حلال يجب علينا الترفع عنها مثلاً المشكلة التي قامت بينك وبين (رامي) وان كان هو من تجاوز عليك ولك الحق ان تقطع علاقتك به إلا ان يعتذر منك... لكن وانطلاقاً من أخلاق آل البيت (صلوات الله عليهم)...

– افهم من قولك ان آل البيت (صلوات الله عليهم) يريدون ذلتنا والتنازل عن

ص: 81

كرامتنا؟!

– لا استغفر الله ما هذا قصدي لكن آل البيت (صلوات الله عليهم) أعطونا قواعد عامة منها ننطلق بالتعامل مع المجتمع، فمثلاً هذا المقطع من خطبة لنبينا الأكرم (صلی الله علیه و آله) الذي يرويه الإمام الصادق (علیه السلام): « ألا أخبركم بخير خلائق الدنيا والآخرة؟: العفو عمن ظلمك، وتصل من قطعك، والإحسان إلى من أساء إليك، وإعطاء من حرمك» (1)...

فلو جعلنا هذه الكلمات نصب أعيننا وتعاملنا مع غيرنا وفقها فهل بنظرك ستكون مشاكل؟؟...

– لا لن تكون أي مشكلة.

فعلق (نبيل)

– بل سيعم الخير كل المعمورة ولاجتمع الناس على دين واحد...

– اسمع صوت بوق بدء النشاط... دعونا نذهب... وأرجو يا (سعيد) ان لا تنسى هذه الكلمات الشريفة...

عصر اليوم الثامن:

النهار في ساعاته الأخيرة والشباب الكشفيون يسرحون على ضفاف البحيرة عندما بحث (سعيد) عن (رامي) كان الأخير بصحبة أحد رفاقه...كانت الشمس تنزل نحو الأفق مسرعة... وبعض طيور النورس تحوم هنا وهناك وهي تتصايح... مجموعة من طيور الماء تكسر الأمواج بأجسادها الصغيرة... وقف (سعيد) أمام (رامي) وأطال السكوت وهو ينقل عينية بين وجه صديقه وبين الأرض... كان التوتر بادياً عليه حتى راح يفرك يديه... هم (رامي) في الكلام، إلا ان (سعيداً) سبقه بالكلام وهو يبتسم

ص: 82


1- الكافي 2: 107 .

ابتسامه خفيفة.

– لا ادري أين ضاعت الكلمات... المعاني تزدحم في لبي ولساني عاجز عن الإفصاح بمرادي...

– يبدو ان المعقدين أثرا بك إلى درجة ضياع جرأتك المعهودة؟!.

– لم يفتقد (حسن) و(نبيل) للجرأة يوماً بل العكس فهما من علمت... كم من كلمة صدحوا بها أمام الطلبة وكم من إشكال كانا هما من رد عليه... على كل حال انا جئتك بطلب منهما...

– أما كفاهم ما صار بينا حتى أرسلاك إلي... هل تحمل هذه المرة سلاحاً حتى تقيم علي الحد؟...

– لا... لا ما هذا ظني بك لم يكن (حسن) و(نبيل) بل ولا كل متدين داعية للقتل...لا يا أخي لا...

– إذا لماذا أرسلاك؟

– كي نتصالح.

– وبهذه السهولة؟!.

– نعم... فقد قالا بان التوسط في ما بينكم (يزيد الطين بلة)... واستشرت الأستاذ (علي) وأيضا قال: ان الوسيط يجب ان يكون قريب من المتنازعين وهل يوجد اقرب من (رامي) لك او أقرب منك إلى (رامي)... وعلى هذا الأساس جئتُكَ...

– قل ما تريد... لكن اعلم انك من بدأت...

– لست من بدأت بل أنتَ من شتمني.

ص: 83

– وهل الكلام كالضرب؟!.

– لعل الكلام أشد من الضرب لا سيما ان كان من عزيز... بربك جرح البدن يشفى إلا ان جرح الروح لا يشفى.

– انتم من شتم الصحابة وأم المؤمنين.

– لم نشتمها ولم نشتم الصحابة بل ذكر الأستاذ ويلات التاريخ كي نكون على بينة… وقد سمعته يكلم الأستاذ (كريم) وهو يقول: يجب على كل مسلم معرفة تأريخه وإلا كيف نتوحد...

– وهل كلامكم هذا فيه وحدة اأم تفرقة؟...

– بل وحدة... والكلام (لأستاذ علي) لأننا إن عرفنا أصحاب الحق لم نتفرق... وايضاً قال: (حسن) نحن خلقنا لنموت ونحاسب وإما ندخل الجنة أو ندخل النار فيجب علينا معرفة من سيقودنا نحوا الجنة ومن سيسوقنا نحوا النار...

الليلة الثامنة:

اجتمع الشباب في باحة المخيم إلا انهم لم يشعلوا النار، لأن المناخ صار حاراً أكثر من المتوقع... كانت أسراب البعوض تطن هنا وهناك وبعضها كان يداعب الشباب مداعبة خشنة كان بعضهم يصب لعناته على البعوض ... اقترح أحدهم وضع دخان كي يهرب البعوض... إلا ان (زيد) فضل أكل البعوض على رائحة الدخان... عندها ضحك (جميل) وأجاب على استفهام زملائه:

– أتذكرون... ان سبب اجتماعنا كل ليلة كان الدخان؟

– نعم... نعم عندما اقترح (سعيد) إطفاء الإنارة وتذكر فلم رعب...

ص: 84

فقال (زيد)

– وها نحن نعيش الرعب... تكلم (رامي) وهو يشير إلى (حسن) و(نبيل):

– قد عشنا الرعب بسبب هذين وحديثهما... فأجابه (زيد) مباشرة بل بسبب معاوية بن ابي سفيان واترك الكلام إلى (حسن) كي يجيَبك بالأدلة...

– نعم بسبب معاوية ومن سهل له الدرب... فقد ذكر أكثر من مؤرخ كيف ان معاوية أصدر قراراته بتشويه فكر المسلمين وساعده على ذلك غباء أهل الشام وتعطشهم للإسلام، فراح يمرر عليهم كل ما يريد باسم الإسلام وهو يدعي بأنه خال المؤمنين وأنه كاتب الوحي وهو قريب النبي الأكرم (صلی الله علیه و آله) ، بل لا قريب للرسول (صلی الله علیه و آله) غيره، واشترى عديمي الضمائر بأموال المسلمين، ووضع الحديث المكذوب على النبي الأكرم (صلی الله علیه و آله) ، فكان ما كان... ومن يقرأ التأريخ سيجد ويلات وويلات... فمثلاً معاوية أصدر قراراً جاء فيه «أن الحديث في عثمان قد كثر وفشا في كل مصر وفي كل وجهة وناحية فإذا جاءكم كتابي هذا فادعوا الناس إلى الرواية في فضائل الصحابة والخلفاء الأولين ولا تتركوا خبرا يرويه أحد من المسلمين في أبى تراب الا وتأتوني بمناقض له في الصحابة، فان هذا أحب إلي وأقر لعيني وادحض لحجة أبي تراب وشيعته وأشد عليهم من مناقب عثمان وفضله »(1) فصار ما صار واختلط الأمر على الناس، لأن أكثرهم دخل الإسلام وهو لا يعرف شيء من حديث النبي الأكرم (صلی الله علیه و آله) ؛ لأن عمر بن الخطاب منع .

ص: 85


1- شرح نهج البلاغة، ابن أبي الحديد، 11 : 45 .

تدوين السنة بل حتى تناقلها بحجة ان الناس ستخلط بين القرآن والسنة(1) ...

– عجيب... قالها (زيد) واستطرد: أين بلاغة القرآن المجيد من السنة الشريفة أقرءوا على أي شخص آية من القرآن و حديث نبوي فسيقول لكم: ان من قال هذا غير من قال هذا، رغم بعدنا عن عصر التنزيل! فكيف بهم وهم أهل اللغة والبلاغة...ثم تمثل وهو يتنهد: (ما عشت يريك الدهر العجب)

فقال (رامي):

– ومن قال ان ما ذكرته صحيح فانتم تقولون ان التاريخ كتب بأقلام مأجورة... وثانياً ان كنت تعلم كل هذا، لمَ تستفهم من الأستاذ وكأنك أمي لا تعرف شيء ؟!

– أولاً: العلم ليس له حد.. وأنا أصحح في هذه الجلسات معلوماتي وأيضاً ازيد معرفتي معرفة... وثانياً نعم التاريخ كتب بأيادي مرتزقة وبأمر الطغاة... لكن مع ما كتب من أكاذيب وتضليل يوجد ما هو صحيح... وعلينا الرجوع لأصحاب الدين من أهل الاختصاص وهم يبينوا الكذب من الحقيقة... اما بخصوص ما ذكرت لكم فهناك شواهد كثيرة من سيرة القوم تؤكد صحة ما قلت... فإليكم على سبيل المثال:انه لم يتجرأ احد من الصحابة على المجاهرة بعداء أمير المؤمنين (علیه السلام) حتى ممن هم خصومه... لأنهم جميعاً يعرفون ما قاله جابر بن عبد الله الأنصاري (رضی الله عنه) ، حيث قال: «لقد سمعت رسول الله (صلی الله علیه و آله) يقول في علي خصالاً، لو كانت واحدة منها في جميع الناس لاكتفوا بها فضلا: قوله (صلی الله علیه و آله) : من كنت مولاه فعلي مولاه. وقوله (صلی الله علیه و آله) : علي مني كهارون من موسى.

وقوله (صلی الله علیه و آله) : علي مني وأنا منه. وقوله (صلی الله علیه و آله) : علي مني كنفسي، طاعته طاعتي، ومعصيته معصيتي. وقوله (صلی الله علیه و آله) : حرب علي حرب الله، وسلم علي سلم الله. وقوله (صلی الله علیه و آله) : ولي علي ولية.

ص: 86


1- ينظر مقدمة كتاب السقيفة وفدك للجوهري الصادرة عن قسم الشؤون الفكرية والثقافية في العتبة الحسينية المقدسة.

الله، وعدو علي عدو الله. وقوله (صلی الله علیه و آله) : علي حجة الله وخليفته على عباده. وقوله (صلی الله علیه و آله) : حب علي إيمان، وبغضه كفر. وقوله (صلی الله علیه و آله) : حزب علي حزب الله، وحزب أعدائه حزب الشيطان.

وقوله (صلی الله علیه و آله) : علي مع الحق والحق معه لا يفترقان حتى يردا علي الحوض. وقوله (صلی الله علیه و آله) : علي قسيم الجنة والنار. وقوله (صلی الله علیه و آله) : من فارق عليا فقد فارقني، ومن فارقني فقد فارق الله عزوجل. وقوله (صلی الله علیه و آله) : شيعة علي هم الفائزون يوم القيامة »(1) ... لكن بعدما أصدر معاوية قرار «أن برئت الذمة ممن روى شيئا من فضل أبي تراب وأهل بيته »(2) ويقصد بأبي تراب أمير المؤمنين (علیه السلام) حتى وصل الأمر ان أمير المؤمنين يشتم على منابر المسلمين وبمسمع منهم ولا أحد يستنكر ذلك لأن من يستنكر سيكون حاله كحال الإمام النسائي الذي قتلته بهائم الشام ضرباً بالنعال وداسواً في بطنه حتى مات من سبب ذلك في قرية من قرى فلسطين، تسمى (الرملة)، لأنه ألف كتاباً أسماه ب(خصائص أمير المؤمنين علي بن أبي طالب) وكان يقرأ أحاديثه في المسجد الأموي على الناس، متمنياً هدايتهم به. وسُئِل عن فضائل معاوية! فقال : «أما يرضى معاوية أن يخرج رأسا برأس حتى يفضل؟! ما أعرف له فضيلة إلا قول رسول الله (صلی الله علیه و آله): « لا أشبع الله بطنه»»(3)...

انتبه أحد الشباب للأستاذين وهما يقفان خلف الخيام فأومأ لزملائه، فسكت الجميع... وبعد ان سلما على الشباب قال الأستاذ (علي):

– طيب الله أنفاسك...

– وأنفاسكم أستاذ. .

ص: 87


1- الآمالي للشيخ الصدوق: 149 .
2- شرح نهج البلاغة 11 : 44 .
3- جواهر التاريخ 2: 154 .

– (حسن) « ... أَنَّى لَكِ هَذَا... »(1)

– « ...هُوَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ... »(2) هو من بركات المواظبة على مجالس الحسين (صلوات الله عليه)...

– أحسنت... أحسنت... أريد ان أسألكم سؤال: كيف تقضون وقت فراغكم؟... ولمَ تدرسون بجد؟

فأجاب (سعيد) وبصراحته المعهودة:

– وقت الفراغ نقضيه بمشاهدة التلفزيون او في لعب كرة القدم... وندرس لكي يقال عنا شباب مثقفون ونجذب بعض الأنظار إلينا... وأردف مبتسماً: وزملائي يعرفون ما أقصد ببعض الأنظار لأنهم مثلي... وكي ندخل الجامعة فنسرح ونمرح كما نشاء، وايضاً نعفى من الامتحان النهائي ونحضى بهكذا رحلة ممتعة... تمتم (زيد) أين المتعة قسماً لو كنت أدري بهذا البعوض لما ثابرت أصلاً... فأدنى (سعيد) رأسه من (زيد) وراح يكلمه سراً، فضحك (زيد) وضربه فراغ عن الضربة بخفة وهو يضحك... فسأل الأستاذ (كريم) عن سبب الضحك فلم يجيبا لكن (جميلاً) وقد كان قريبا منهما فسمع ما قاله (سعيد)، قال: قال إلى (زيد): ان آثار عضات البعوض على خدك تُزيدك وسامة... فضحك الجميع وحاول الأستاذان كتم ضحكاتهما، واستطرد (سعيد):

– ان كلامي بلسان حال جميع زملائي إلا (حسن) و(نبيل)... فتسائل الأستاذ (كريم) وهو يبتسم: .

ص: 88


1- سورة آل عمران آية 37 .
2- سورة آل عمران آية 37 .

– أي كلام؟ أتعني ازدياد وسامة (زيد)؟

– لا...لا بل كيف نقضي وقتنا و...

فقال الأستاذ (علي):

– ولمَ استثنيت (نبيل) و(حسن)؟

– لأني سألتهما مسبقاً وقالا لي: يريدان ان يظهر أتباع محمد المصطفى وعلي المرتضى (صلوات الله عليهما وعلى آلهما) بالمظهر الحسن.

فقال الأستاذ (علي):

– زميلكم (سعيد) تكلم بالنيابة عنكم فهل من معلق؟

– قد قال (سعيد) ما بخاطرنا وقد أمضينا قوله.

فعلق الأستاذ (علي):

– لابد من تحديد هدف لكل عمل نقوم به وإلا سيكون عبثياً، وكل ما كان الهدف سامياً كان بذل الجهد له أكبر... (حسن)...(نبيل) قولا لي هل عندكم وقت فراغ؟

– الحقيقة نعم... وأقضيه بمشاهدة برامج ثقافية متنوعة ... وراح ينظر لبعض زملائه وهم يتهامسون... وقال بغضب: قلت برامج ثقافية ولم اقل أفلام تافهة واستطرد... وقراءة كتب علمية وأدبية، وان بقي وقت فاقضيه بالتنزه؟

– جيد... وأنت (حسن)؟

– كصاحبي... أستاذ.

– لكن كيف تستطيعان فعل كل هذا، واليوم أربع وعشرون ساعة فقط؟!

ص: 89

– بنظم أمورنا أستاذ...

– هاه بنظم أموركم لطيف... لطيف وصية أمير المؤمنين (علیه السلام) وهو على فراش الموت: «أوصيكما وجميع ولدي وأهلي ومن بلغه كتابي بتقوى الله ونظم أمركم ، وصلاح ذات بينكم »(1) ... أحسنتم... أه في الجلسة الفائتة سألتموني أن أحدثكم عن أدلتنا بأحقية أمير المؤمنين (علیه السلام) بالخلافة، لكن قبل أن أحدثكم سأسأل (الأستاذ الصديق) عن الوقت... وراح ملتفتاً صوب صديقة، فقال الأخير من دون النظر لساعته بل اكتفى بنظر صوب السماء:

– نعم... لدينا من الوقت الكثير، ويوم غد سيكون نشاطنا عن أنواع الطيور المهاجرة والمحلية...أعني أنه سهل ولا ضير إن سهرنا الليلة...

– جيد... في لحقيقة لا أدري من اين أبدأ فالأدلة كثيرة جداً... لكني سأحاول ذكر ما تسعفني به الذاكرة، مبتدئ بحديث الدار وهو من الأحاديث التي أُجْمِع على صحته كما يقول الشيخ المفيد في الإرشاد(2) ... وخلاصة الحادثة:

بعد أن بعث الله نبينا محمد المصطفى (صلی الله علیه و آله) مبشراً ونذيراً، جمع أهله بني عبد المطلب في دار عمه أبي طالب، وهم أربعون رجلاً –يومئذ– يزيدون رجلاً أو ينقصون رجلاً– فيما ذكره الرواة– وأمر أن يصنع لهم فخذ شاة أي نعجة، مع مد من البر أي ما يقارب ثلاثة أرباع الكيلو من الحنطة، ويعد لهم صاع من اللبن، والصاع ما يقارب ثلاثة كيلوات، وهم المعروفون بكثرة الأكل حتى قالوا: إن الرجل منهم يأكل الجذعة أي النعجة .

ص: 90


1- نهج البلاغة 3: 76 .
2- الارشاد، الشيخ المفيد، 1: 49 .

الشابة ويشرب الفرق... وهذا القول كناية عن كثرة الأكل والشرب... وأراد (صلی الله علیه و آله) بإعداد قليل الطعام والشراب لجماعتهم إظهار الآية لهم في شبعهم وريهم مما كان لا يشبع الواحد منهم ولا يرويه. ثم أمر بتقديمه لهم، فأكلت الجماعة كلها من ذلك اليسير حتى شبعوا منه، فلم يبن ما أكلوه منه وشربوه فيه، فبهرهم (صلی الله علیه و آله) بذلك، وبَي (صلی الله علیه و آله) لهم آية نبوته، وعلامة صدقه (صلی الله علیه و آله) ببرهان الله تعالى في ذلك. ثم قال (صلی الله علیه و آله) لهم، بعد أن شبعوا من الطعام ورووا من الشراب: «يا بني عبد المطلب، إن الله بعثني إلى الخلق كافة، وبعثني إليكم خاصة، فقال عز وجل : «وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ»(1) وأنا أدعوكم إلى كلمتين خفيفتين على اللسان ثقيلتين في الميزان، تملكون بهما العرب والعجم، وتنقاد لكم بهما الأمم، وتدخلون بهما الجنة، وتنجون بهما من النار، شهادة أن لا إله إلا الله وأني رسول الله، فمن يجيبني إلى هذا الأمر ويؤازرني عليه وعلى القيام به، يكن أخي ووصي ووزيري ووارثي وخليفتي من بعدي » فلم يجبه منهم إلا أمير المؤمنين (علیه السلام) ، حيث يقول: «فقمت بين يديه من بينهم_ وأنا إذ ذاك أصغرهم سناً، وأحمشهم ساقا، وأرمضهم عيناً_ فقلت:

أنا، يا رسول الله، أؤازرك على هذا الأمر. فقال: اجلس، ثم أعاد القول على القوم ثانية فاصمتوا، وقمت فقلت مثل مقالتي الأولى، فقال: اجلس. ثم أعاد على القوم مقالته ثالثة فلم ينطق أحد منهم بحرف، فقلت: أنا أؤازرك، يا رسول الله على هذا الأمر، فقال:

اجلس، فأنت أخي ووصي ووزيري ووارثي وخليفتي من بعدي ». انتهت الحادثة وهي نص صريح على خلافة أمير المؤمنين لنبيينا الأكرم (صلوات الله عليهما وآلهما).

ومن الأدلة حديث (خاصف النعل) وقد حدثتكم به في الليلة الرابعة ان لم تخنّي الذاكرة.

ومنها... ومنها... راح الأستاذ (علي) يردد هذه الكلمة وهو يجيل نظرة على .

ص: 91


1- سورة الشعراء آية 214 .

الشباب... من ثم قال: الأدلة كثيرة ولا أدري أي الأدلة أذكر وأيها أترك... لكني سأذكر لكم حديث المناشدة الحديث الذي ناشد به الأمير (صلوات الله عليه) القوم في اجتماع الشورى الذي أمر به عمر بن الخطاب...

– العفو يا أستاذ... وما الشورى؟

– نعم أعزائي... الشورى وما أدراكم ما الشورى ...ان الشورى في اللغة: «طلب آراء أهل العلم والرأي في قضية من القضايا »(1) .. أما المقصود منها عند أهل السيرة:

فهو الاجتماع الذي عقد بأمر من عمر بعد طعنه، واقتصر على ستة نفر، هم، إضافة لأمير المؤمنين (علیه السلام) ، (سعد بن أبي وقاص، وعبد الرحمن بن عوف، وعثمان بن عفان، والزبير، وطلحة)

كان الشباب الكشفيون يصغون إلى استاذهم بتشوق رغم ان حديثه ممزوج بآهات وزفرات.. كان يحدثهم وهو مطرقاً إلى الأرض رأسه وكان ساكناً لا يتحرك منه شيء عدا شفتيه، فحتى مسبحته التي ما انفكَ يداعب حباتها بانامله صارت جامدة وهي تتدلى من يده باستقامة كشاقول بنّاء محترف...

وقد قال لهم (عمر) بأن يختاروا خليفة من بينهم في مدة ثلاثة أيام، وعين (صهيب الرومي) كإمام لصلاة الجماعة إلى ان يختار الستة واحداً ..

وسكت الأستاذ وراح ينظر إلى (رامي) بعد ان سمعه يتمتم بكلمات، فسأله:

– ها (رامي) ألديك سؤال؟.

– لا أستاذ شكراً. .

ص: 92


1- المصطلحات: 1509 .

لكن (زيد) قال:

– عفوا أستاذ كان (رامي) يقول: ان طاعتهم للخليفة خير دليل على انهم يرون خلافته شرعية.

– لا ليس بدليل، بل انها السلطة.. فقد سلط عليهم (أبا طلحة الأنصاري) ومعه خمسين مسلحاً وأمره بان يعدمهم جميعاً ان انقضت المدة ولم يختاروا من بينهم خليفة(1) .

– وكيف يقتل صحابة رسول الله (صلی الله علیه و آله)؟.

هكذا قال (جميل) متفاجئاً.

– نعم وقد أُشكل عليه بهذا الإشكال... لكن أحبتي يوجد سؤال آخر من حقكم ان تسألوه: وهو لمَ سكت المسلمون على القرار العمري؟ والجواب: انه لا يخفى على كل من طالع التاريخ الإسلامي في فترة الشيخين –أبي بكر وعمر– كيف ان الطبقية الاجتماعية عادت بشكل عجيب بعد ان انحسرت من الساحة في حياة الرسول الأكرم (صلی الله علیه و آله) حتى برزت طبقة واسعة تدعو لإحياء القومية العربية على حساب الدين الحنيف ولا أدري أين وضعوا قول الله سبحانه: «يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ»(2) وإيضاً قوله تعالى: «وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا كَافَّةً لِلنَّاسِ بَشِيرًا وَنَذِيرًا وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ»(3) فالإسلام ليس دين للعرب فقط كما هو واضح... المهم ان هذه الطبقة التي نستطيع ان نسميها (بطبقة برجوازيي العرب في صدر الإسلام) كانوا أصحاب نفوذ في الدولة، بل يرون انفسهم هم أهل الحل والعقد وهم على يقين لو إن أمير28

ص: 93


1- النص والاجتهاد 385 .
2- سورة الحجرات آية 13 .
3- سورة سبأ آية 28

المؤمنين (علیه السلام) تسلم الأمر لأعاد السيرة المحمدية وهي لا تخدم أهواءهم. ومن البديهي ان التشكيلة التي اختارها عمر لن تسمح لأمير المؤمنين (علیه السلام) ان يتسنم الأمر... لأنها كما وصفها الأمير (صلوات الله عليه) في خطبته الشقشقية حيث قال: «فيا عجبا بينا هو يستقيلها في حياته إذ عقدها لآخر بعد وفاته لشد ما تشطرا ضرعيها فصيرها في حوزة خشناء يغلظ كلامها ويخشن مسها. ويكثر العثار فيها. والاعتذار منها، فصاحبها كراكب الصعبة إن أشنق لها خرم. وإن أسلس لها تقحم فمني الناس –لعمر الله– بخبط وشماس وتلون واعتراض. فصبرت على طول المدة وشدة المحنة. حتى إذا مضى لسبيله.

جعلها في جماعة زعم أني أحدهم فيا لله وللشورى متى اعترض الريب في مع الأول منهم حتى صرت أقرن إلى هذه النظائر لكني أسففت إذ أسفوا وطرت إذ طاروا. فصغى رجل منهم لضغنه ومال الآخر لصهره مع هن وهن إلى أن قام ثالث القوم نافجا حضنيه بين نثيله ومعتلفه. وقام معه بنو أبيه يخضمون مال الله خضمة الإبل نبتة الربيع إلى أن انتكث فتله. وأجهز عليه عمله وكبت به بطنته فما راعني إلا والناس كعرف الضبع إلي ينثالون علي من كل جانب....»(1)

نعم احبتي فإن مضمون كلام الأمير (صلوات الله عليه) بان ما جرى في الشورى لم يكن عفوياً بل مخططاً له وان (عمر) يريد من البداية تنصيب (عثمان)... وإلا لماذا لم يختر غير أولئك؟! أ لأن النبي (صلی الله علیه و آله) رحل وهو عنهم راضٍ؟...كلا وألف كلا، ففي المسلمين من هو أجدر منهم واقرب للنبي (صلی الله علیه و آله) منهم وأكثر خدمة للإسلام. فمثلاً:

سلمان وعمار والمقداد وابو ذر الذين قال فيهم رسول الله « (صلی الله علیه و آله) الجنة تشتاق إليك [يعني أمير المؤمنين[ (علیه السلام) ] وإلى عمار وسلمان وأبي ذر والمقداد »(2) وغيرهم ك(جابر بن عبد .

ص: 94


1- نهج البلاغة 1: 33 .
2- الخصال: 303 .

الله الأنصاري، وأبي الهيثم بن التيهان، وخزيمة بن ثابت ذي الشهادتين، وأبي أيوب صاحب منزل رسول الله (صلی الله علیه و آله) وهاشم بن عتبة المرقال، كلهم من أفاضل أصحاب رسول الله (صلی الله علیه و آله) وغيرهم كثير لولا مخافة الإطالة لاستعرضت لكم اسماءهم وما جاء في مدحهم من حديث... ف(عمر) كان ذكياً باختياره لأولئك! لأن عبد الرحمن بن عوف كان صهراً لعثمان فهو زوج اخته، وسعد ابن عم لعبد الرحمن فكلاهما من (زهرة)، وطلحة ابن عم أبي بكر وصاحب ضغائن وأحقاد على الهاشميين..فلم يبقَ إلى الزبير وهو لا ينفع الأمير (علیه السلام) لأن عمر أمر أبا طلحة وجنده بأنه إن اتفق خمسة وتخلف واحد عن الاتفاق يقتل المتخلف، وإن اتفق أربعة يقتل الاثنين المتخلفين عن الاتفاق، وإن اتفق ثلاثة على شخص وثلاثة على شخص فيقتلون الثلاثة المخالفين لجماعة عبد الرحمن بن عوف...

سكت الأستاذ ليستمع لتعليق أحد الشباب وهو يقول:

– أي شورى هذه وأي تداول لرأي؟!.

لكن أستاذهم لم يجب بل راح يحدق في الظلام جهة النجف الأشرف وهو يتنهد بمرارة.. ضرب أحد الشباب بعوضة كانت تحط على خده.. طلب الأستاذ (كريم) وهو يفتح علبة سجائره، من أحد الشباب بان يصب الماء إلى الأستاذ (علي) قدم الماء لأستاذ لكنه مازال سارحاً حيث ينظر.. كان البعوض في تلك الليلة مزعجاً وكذلك عواء الثعالب..من ثم نظر الأستاذ (علي) صوب صاحبه وهو يمسح عينيه وقال والكلمات تتكسر في فمه..وكأنه يريد إنهاء الجلسة:

– هاه أستاذ نكمل ام نختم؟.

لم يعرف الأستاذ (كريم) مراد صاحبه فقال على الفور:

ص: 95

– لا أستاذ.. لا نكمل.

ابتسم الأستاذ (علي) في وجه الشاب الذي مازال يحمل القدح معتذرا وأخذ القدح وارتشف منه ثلاث رشفات صغيرة، من ثم أعاده فسأل الشاب وهو يأخذ القدح من أستاذه:

– لكن أستاذ انتم قلتم بأن السلطة كانت في يد عمر.. وأيضاً قلتم بأن ما سميتموهم ب (برجوازيي العرب في صدر الإسلام) لا يريدون أمير المؤمنين (علیه السلام) .. إذا والحال هذه لماذا لم ينصبوا من أرادوا ولا حاجة لدخول المسلمين بحيص وبيص لمدة ثلاثة أيام؟

– أحسنت.. نعم أحسنت... لكن لو عرفنا أن عامة المسلمين الحقيقيين واعني بالحقيقيين من لم تأخذهم حمية الجاهلية ويحقدوا على أمير المؤمنين (علیه السلام) لأنه قتل من أقاربهم.. فقد قال عثمان بن عفان لأمير المؤمنين (علیه السلام) يوماً وهو يتحسر على قتلى المشركين في معركة بدر «ما أصنع ان كانت قريش لا تحبكم، وقد قتلتم منهم يوم بدر سبعين رجلاً، كأن وجوههم شنوف الذهب تصرع آنافهم قبل شفاههم »(1) ... نعم أعزائي ان عامة المسلمين كان هواهم مع أمير المؤمنين (علیه السلام) وكلهم يعرف ان أمير المؤمنين (علیه السلام) أفضلهم لنص النبي الأكرم (صلی الله علیه و آله) حيث قال: «أنا مدينة العلم وعلي بابها »(2) ، و «أقضاكم علي »(3) ، و «علي مع الحق، والحق مع علي، اللهم أدر الحق مع علي حيثما دار »(4) ، وغير هذه الأحاديث كثير ... فحتى يوحي للجميع بأن أمير المؤمنين (علیه السلام) مرفوض من قبل .

ص: 96


1- شرح نهج البلاغة 9: 23 .
2- وسائل الشيعة 27 : 34 .
3- دلائل الإمامة 236 .
4- المسائل الصاغانية 109 .

المسلمين وغير جدير سياسياً، وبهذا يبتعد عن الساحة نهائياً ولا يبقى إلا الخاصة لأمير المؤمنين (علیه السلام) وهم لا يستطيعون أن يفعلوا شيئاً في قبال السلطة التي ستنال الشرعية بهذه اللعبة... وهي لم تنطلِ على أمير المؤمنين (علیه السلام) بل بينها لعمه العباس (رضی الله عنه) حيث قال له بعد ان سمع قول عمر: «كانوا مع الذين فيهم عبد الرحمن بن عوف ».. قال: «والله لقد ذهب الامر منا »، فقال العباس: «وكيف قلت ذلك يا ابن أخي »؟ فقال: «ان سعدا لا يخالف ابن عمه عبد الرحمن و عبد الرحمن نظير عثمان وصهره فأحدهما لا يخالف صاحبه لا محالة، وإن كان الزبير وطلحة معي فلن انتفع بذلك إذ كان ابن عوف في الثلاثة الآخرين» (1).

كانت عقارب الساعة تشير إلى الحادية عشر إلا ربع وصوت عواء ثعالب مختلطاً بنباح كلاب بعيده وكأنه سيمفونية موحشة مخيفة وكان يتخلله بين البرهة والأخرى عواء ذئب يأتي من طرف التل، وكأنه نافخ بوق يستجيب لإشارة مايسترو محنّك... كان صوت عواء الذئب يرتفع أكثر فأكثر وكأنه ينذر عن وقوع مصيبة ما.. خاف بعض الشباب حتى قال أحدهم بصوت مرتجف وهو يدني السلاح من الأستاذ (كريم):

– أستاذ سلاحك..

– نعم..

هكذا أجاب الأستاذ وهو يأخذ سلاحه ويضعه في حجره، وعيناه تحدقان في الظلام صوب مصدر الصوت... إلا ان الأستاذ (علي) كان ينظر إلى النجوم وهو يصغي لضربات الموج الخفيفة على الشاطئ... لعلَّ ثقته بشجاعة وقدرة زميله جعلته يحس في الأمان.. او لعل صوت الأمواج المتكسرة يبعث في قلبه الطمأنينة... حتى ان سألهم بصوت هادى: .

ص: 97


1- عبد الله بن سبأ، اليد مرتضى العسكري 1: 274 .

– أخفتم من هذا الصوت؟

وقبل ان يجيبوا راح قائلاً وهو يتنهد:

– لكم كل الحق... لكن أعلموا ان دنيانا كالغابة بل هي أكثر وحشة من الغابة، وكما ان أمساك الأستاذ (كريم) لسلاحه جعلنا نطمئن ونشعر بالأمان؛ لأنه رجل شجاع ومحنك وله خبرة عملية واسعة، فعلينا ان نكون جميعاً كالأستاذ (كريم) كي نتخلص من الخوف... اقصد ان نحصن أنفسنا في العلم والمعرفة ونكون أكثر وعياً حتى لا تؤثر بنا الشبهات ونرفض بالدليل كل الترهات ولا تنطلي علينا الألاعيب.. وبعد سكتة قصيرة أردف

– اليوم تعبنا وغداً ان شاء الله نهاراً –ان صارت لنا فسحة– وإلا فليلاً أروي لكم خبر المناشدة...

وقبل ان ينهوا الجلسة استأذن الأستاذ (كريم) من زميله بأن يفعل بعض الأمور الاحترازية... فأجابه:

– أنت القائد ونحن لك مذعنون.

فراح الأستاذ (كريم) يطلق الرصاص في الهواء حتى جفلت الطيور وانقطع صوت العواء... من ثم كلف بعض الفتية بتشغيل مولد الكهرباء فهو وان يرفض الاستعانة بالتكنولوجية إلا ان الموقف اليوم يحتم عليه فهم بحاجة المصابيح الكهربائية كي تكشف لهم ما حول المخيم وتبعد عنهم خطر الحيوانات المفترسة.

راح الأستاذان يتجاذبان أطراف الحديث وهما يتمددان على سريريهما إلا ان الأستاذ (علي) ما زال الحزن بادياً في نبرات صوته، فسأله زميله:

– وان كان فضولاً مني لكن تسمح بسؤال خاص؟.

ص: 98

– تفضل.

– عفواً... أ بكيت اليوم أثناء حديثك عن أصحاب الشورى؟.

– وهل البكاء عيب؟!.

– لا عفوك ما هذا قصدي، بل أسأل عن سبب البكاء..

– بل الأجدر ان أسألكم أنا لمَ لم تبكوا... خير البشر بعد رسول الله (صلی الله علیه و آله) يُقرن بغيره!! كيف لا أبكي وكل ما فينا اليوم هو من تلك اللحظات، حتى ان عمر نفسه قال وهو ينظر إلى أهل الشورى: «قد جاءني كل واحد منهم يهز عقيرته يرجو أن يكون خليفة. أما أنت يا طلحة أفلست القائل: «لئن مات النبي لننكحن أزواجه ؟ » فنزل تحريمهن أبدا. وأما أنت يا زبير فوالله ما لان قلبك يوماً ولا ليلة، وما زلت جلفاً جافياً مؤمن الرضا، كافر الغضب يوما شيطاناً ويوماً رحمانا. وأما أنت يا عثمان فوالله لروثة خير منك، ولئن وليتها لتحملن بني معيط على رقاب الناس ولئن فعلتها لتقتلن قالها ثلاثاً. وأما أنت يا عبد الرحمن فعاجز تحب قومك. وأما أنت يا سعد فصاحب عصبة وفتنة مفتتن وقتال لا تقوم بقرية لو حملتها. وأما أنت يا علي فوالله لو وزن إيمانك بإيمان أهل الأرض لرجحتهم، ثم قام علي وخرج، فقال عمر: والله إني لأعلم مكان الرجل لو وليتموه أمركم ليحملنكم على المحجة البيضاء قالوا: فلم لا توليه؟ قال: ليس إلى ذلك سبيل» (1).

– برأيك لماذا استخلفه وهو يراه اقل شأناً من الروثة؟

– لأمور كثيرة لعل أبرزها ما جاء في كتب التاريخ والحديث من ان أبا بكر في مرض موته دعا عثمان وقال له: «أكتب بسم الله الرحمن الرحيم هذا ما عهد أبو .

ص: 99


1- الصراط المستقيم 3: 22 .

بكر بن أبي قحافة إلى المسلمين، أما بعد...ثم أغمي عليه... فكتب عثمان: أما بعد فإني استخلفت عليكم عمر بن الخطاب...، ثم أفاق أبو بكر فقال: أقرأ علي، فقرأ عليه، فكبر أبو بكر وقال: أراك خفت أن يختلف الناس ان أسلمت نفسي في غشيتي، قال:

نعم، قال: جزاك الله خيرا عن الإسلام وأهله وأقرها أبو بكر من هذا الموضع» (1).

فجر اليوم التاسع:

رغم ان أيام الكشفيين الشباب في البرية لم تصل بعد إلى العشرة أيام وهي مدة قصيرة لكنهم أعتادوا على سياقات المعسكر... وصار جلهم يستيقظ صباحاً حتى من دون صوت المنبه، حتى بوق الاستيقاظ الصباحي صار مركوناً قد غطاه الغبار بعد ان أصبح الشباب يستيقظون بمجرد ان يسمعوا صوت (حسن) او (نبيل) يمجد الله تمهيداً للأذان، ويواظبون على الاصطفاف خلف الأستاذ (علي) للصلاة، وكلهم حريص على ان لا يفوتهم سماع صوت احد زملائهم وهو يردد تعقيب او يتلو دعاء:

«اللّهُمَّ صَلِّ عَلى مُحمََّدٍ وَآل مُحمََّدٍ الأَوْصِياء الرَّاضِينَ المَرْضِيِّينَ بِأَفْضَلِ صَلَواتِكَ، وَباركْ عَلَيْهِمْ بِأَفْضَلِ بَرَكاتِكَ، وَالسَّلامُ عَلَيْهِمْ وَعَلى أَرْواحِهِمْ وَأَجْسادِهِمْ وَرَحْمَةُ الله وَبَرَكاتُهُ »

«أَصْبَحْتُ اللّهُمَّ مُعْتَصِما بِذِمامِكَ المَنِيعِ الَّذِي لايُطاوَلُ وَلا یُحاوَلُ مِنْ كُلِّ غاشِمٍ وَطارِقٍ مِنْ سائرِ مَنْ خَلَقْتَ وَما خَلَقْتَ مِنْ خَلْقِكَ الصَّامِتْ وَالنّاطِقِ فی جَنَّةٍ مِنْ كُلِّ مخوْفٍ بلِِباسٍ سابغَِةٍ وَلاِ أَهْلِ بَيْتِ نَبيِّكَ محتَجِبا مِنْ كُلِّ قاصِدٍ إلِى أَذَيِّةٍ بجِِدارٍ حَصِينِ الاخْلاصِ فی الاعتْرافِ بِحَقِّهِمْ، وَالتَّمَسُّكِ بِحَبْلِهِمْ مُوقِناً أَنَّ الحَقَّ لهم وَمَعَهُمْ وَفِيهِمْ وَ بهم ْ أَو الی مَنْ وَالَوا وَأَجانِبُ مَنْ جانَبُوا فَأَعِذنی اللّهُمَّ بهم ْ مِنْ شرِّ كُلِّ ما اتَّقِيهِ

ص: 100


1- شرح نهج البلاغة 1: 165 .

ياعَظِيْمُ حَجَزْتُ أَلاَعادِي عَنِّي بِبَدِيعِ السَّماواتِ وَأَلاَرْضِ إِنّا جَعَلْنا مِنْ بَین أَيْدِيهِمْ سَداً وَمِنْ خَلْفِهِمْ سَداً فَأَغْشَيْناهُمْ فَهُمْ لايُبصرونَ»

ما ان أشرقت الشمس حتى خرج القائد الكشفي اعني الأستاذ (كريم) وهو يتأبط رزمة من الصور الملونة، معلناً بداية النشاط لليوم التاسع.

كان نشاطهم حول معرفة الثعابين السامة من غيرها، وقد طلب منهم الإسراع بالخروج للغابة قبل ان تشتد الحرارة وتختبئ الثعابين، وإيضاً شدد عليهم بأن يكونوا حذرين وهم يبحثون، وان لا يتجرأ أحدهم ويمسك ثعباناً بل عليهم أن يخبروا أستاذهم قبل أن يفعلوا أي شيء.

الليلة التاسعة:

ما ان استقر المجلس بالفتية حتى فاجأهم الأستاذان وهما يلقيان التحية، فالليلة انضما للجلسة مبكراً، لعل قرب انتهاء ايام الرحلة الكشفية جعلهما لا يفوتان الوقت، وقبل ان يصب الشاي بادرهم الأستاذ (علي):

– نعم أعزائي قد وعدتكم سابقاً بأن أروي لكم حديث المناشدة وهو حديث جامع لمعظم الأدلة على أحقية أمير المؤمنين (صلوات الله عليه) في الخلافة وقد ذُكر في كتب التاريخ والسيرة(1) ان أمير المؤمنين (صلوات الله عليه) قد ناشدهم أكثر من مرة ومن هذه المرات ما كان في اجتماع الشورى حيث عرض لهم (صلوات الله عليه) الأدلة على أحقيته بالخلافة.. قال لهم (صلوات الله عليه): «نشدتكم الله، هل فيكم أحد، أخوه رسول الله غيري؟ قالوا: اللهم لا، فقال (علیه السلام) : نشدتكم الله، هل فيكم أحد، له أخ كأخي

ص: 101


1- حديث المناشدة مذكور في أكثر من مصدر ونحن ننقله هنا عن المسترشد صفحة 338 وما بعدها.

جعفر المزين بجناحين يطير مع الملائكة في الجنة حيث يشاء غيري؟ قالوا: اللهم لا.

قال (علیه السلام) : نشدتكم الله، هل فيكم أحد، عمه كعمي حمزة، أسد الله، وأسد رسوله وسيد الشهداء غيري؟ قالوا: اللهم لا. قال (علیه السلام) : نشدتكم الله، هل فيكم أحد، قتل مشركي قريش [قبلي] غيري؟ قالوا: اللهم لا. قال: نشدتكم الله، هل فيكم أحد، صاحب راية رسول الله (صلی الله علیه و آله) منذ يوم بعثه الله إلى يوم قبضه غيري؟ قالوا: اللهم لا. قال (علیه السلام) : نشدتكم الله، هل فيكم أحد، قال رسول الله (علیه السلام) : في غزوة تبوك، حيث شكوت إليه ما قاله فيَّ المنافقون بالمدينة، فقال: «إن المدينة لا تصلح إلا بي أو بك، ومنزلتك مني بمنزلة هارون من موسى الا أنه لا نبي بعدي » [غيري]؟ قالوا: اللهم لا. قال: نشدتكم الله، هل فيكم أحد، يوم أتي رسول الله بالطير، قال: اللهم ائتني بأحب الخلق إليك يأكل معي من هذا الطير، فأتيته غيري؟ قالوا: اللهم لا. قال (علیه السلام) : نشدتكم الله، هل فيكم أحد، قال له رسول الله (صلی الله علیه و آله) عند خروج نفسه: «لا يغسلني غيرك أحد، فإن رأى أحد شيئاً من جسدي، وأنا ميت ذهب بصره »، غيري؟ قالوا: اللهم لا. قال (علیه السلام) : نشدتكم الله، أفيكم أحد، سالت نفس رسول الله (صلی الله علیه و آله) في كفه، فمسح بها وجهه غيري »؟ قالوا: اللهم لا.

كمل الشاي فأبعده (حسن) من النار وراح ينظر صوب الأستاذ مستفهماً هل يصب الشاي ام ينتظر، فأومأ له أستاذه ومن دون ان يسكت، فصب لهم الشاي وراح كل شخص يأخذ قدحه بهدوء...

قال (صلوات الله عليه): «نشدتكم الله، أفيكم أحد، غسل رسول الله، بالروح والريحان مع الملائكة المقربين غيري؟ قالوا: اللهم لا. قال: نشدتكم الله، أفيكم أحد، قلب رسول الله (صلی الله علیه و آله) مع الملائكة لا أشاء أقلب منه عضوا الا قلبته الملائكة معي وحظي بغسله من جميع الناس غيري؟ قالوا: اللهم لا. قال: نشدتكم الله، أفيكم أحد، قسم رسول الله (صلی الله علیه و آله) الحنوط الذي نزل به جبرائيل، فجعل لي جزء، ولفاطمة جزء غيري؟،

ص: 102

قالوا: اللهم لا. قال (علیه السلام) : نشدتكم الله، أفيكم أحد، علم كيف الصلاة على رسول الله (علیه السلام) غيري؟ قالوا: اللهم لا. قال نشدتكم الله، أفيكم أحد، يوم أنزلت سورة البراءة جملة على رسول الله (صلی الله علیه و آله) ، فبعث بها مع أبي بكر، فلما بلغ الحديبية نزل عليه جبرائيل:

فقال: يا محمد، إنه لا يؤدي عنك إلا أنت أو رجل منك، فدفعها إلي غيري؟ قالوا: اللهم لا. قال (صلوات الله عليه): نشدتكم الله، أفيكم أحد، ردت عليه الشمس، يوم نام رسول الله، ورأسه في حجري غيري »؟ قالوا: اللهم لا.

كان (نبيل) يريد ان يسأل لكن توصية أستاذه بعدم مقاطعته منعته من السؤال..

لكن الأستاذ البارع يعرف ما يدور في لب تلاميذه فلاحظ علامة الاستفهام في وجه (نبيل) فقال وهو ينظر له:

– هل من شيء؟.

– نعم أستاذ... ألم يكن رد الشمس للإمام علي (علیه السلام) في بابل؟.

– نعم، قد ردت الشمس على أمير المؤمنين (صلوات الله عليه) في حياة النبي الأكرم (صلی الله علیه و آله) وهي التي ذكرها (صلوات الله عليه) في المناشدة، ومرة أخرى في بابل(1) .. ثم ناشدهم (صلوات الله عليه): «نشدتكم الله، أفيكم أحد، حين مرض رسول الله، ينزل عليه جبرائيل، فقال: «إن ربك يخبرك أن شفاك في عذق رطب يجتنيه لك ابن عمك » فاجتنيته، وشفى بذلك، غيري؟ قالوا: اللهم لا. قال: نشدتكم الله، أفيكم أحد، مر به رسول الله (صلی الله علیه و آله) بين حدائق المدينة، فلم يمر بحديقة الا قلت: يا رسول الله، ما أحسن هذه الحديقة !، فيقول: حديقتك في الجنة أحسن منها، حتى مررت بعشر حدائق، غيري؟

قالوا: اللهم لا. قال (علیه السلام) : نشدتكم الله، أفيكم أحد، قال فيه رسول الله (صلی الله علیه و آله) يوم خيبر بعد .

ص: 103


1- الارشاد 1: 347 .

أن انهزم من بعث: «لأعطين الراية غدا رجلا يحب الله و رسوله، ويحبه الله ورسوله، كرارا غير فرار »، غيري؟، قالوا: اللهم لا. قال: نشدتكم الله، أفيكم أحد، تفل رسول الله في عينيه وهو أرمد، فذهب ما به، غيري؟ قالوا: اللهم لا. قال (علیه السلام) : نشدتكم الله، أفيكم أحد، جعل رسول الله، يدا بين كتفيه ويدا بين ثدييه، وقال: «اللهم أذهب عنه الحر والقر »، فلم يجد حرا ولا قرا غيري؟ قالوا: اللهم لا. قال: نشدتكم الله، أفيكم أحد، اجتمع خمسون نفرا على باب خيبر فلا يطيقوه، فكنت حملته وحدي! وتترست به وقاتلت الاقران، غيري؟ قالوا: اللهم لا. قال: نشدتكم الله، أفيكم أحد، قال له رسول الله إنه لم يبعث نبي قط الا ومعه قوة ثمانين رجلا، ولا كان وصي الا ومعه قوة أربعين رجلا وان وصيكم علي، غيري؟ قالوا: اللهم لا. قال: نشدتكم الله، أفيكم أحد، عنده درع رسول الله وجميع سلاحه ونعلاه، وقضيبه، غيري؟ قالوا: اللهم لا. قال: نشدتكم الله، أفيكم أحد، خلفه رسول الله (صلی الله علیه و آله) : على نسائه وأهله، غيري؟ قالوا: اللهم لا. قال:

نشدتكم الله، أفيكم أحد، ضمن دين رسول الله، وعداته وأداها، غيري؟ قالوا: اللهم لا. قال: نشدتكم الله، أفيكم أحد، زوجه رسول الله فاطمة، ثم قال: «يا علي لا تعجل حتى آتيكما، فأتى، وقال: اللهم أذهب عنهما الرجس وطهرهما تطهيرا »، غيري؟ قالوا:

اللهم لا. قال: نشدتكم الله، أفيكم أحد، قام رسول الله على بابه كل يوم، حتى قبض، يقول: «السلام عليكم أهل البيت، الصلاة يرحمكم الله »، غيري؟ قالوا: اللهم لا. قال:

نشدتكم الله، أفيكم أحد، قال له رسول الله: «أنت أمير المؤمنين وسيد المسلمين، وقائد الغر المحجلين » غيري؟ قالوا: اللهم لا. قال: نشدتكم الله، أفيكم أحد، قال له رسول الله حين قال: من يرتوي لنا؟ فكاع الناس فأخذت القربة ونزلت القليب، فلما ملأتها صعدت فاستقبلتني رياح ثلاث! كل ذلك تردني إلى القليب، فلما رأيت رسول الله استبطأني أخبرته بما أصابني، فأخبرني، أن ذلك جبرائيل وميكائيل، وإسرافيل، جاؤوا

ص: 104

في زحوف من الملائكة يسلمون عليك غيري؟ قالوا: اللهم لا. قال: نشدتكم الله، أفيكم أحد، يوم انقلب الناس على أعقابهم، فلم يبق مع رسول الله أحد غيري، فهبط جبرائيل في أربعة آلاف ملك، كلهم ينادي: «لا سيف الا ذو الفقار، ولا فتى الا علي »، غيري ؟ قالوا: اللهم لا. قال: نشدتكم الله، أفيكم أحد، يوم قال جبرئيل لرسول الله: «لقد عجبت ملائكة السماء من مواساة هذا الرجل إياك »! فقال: «يا جبرائيل، ما يمنعه وهو مني وأنا منه »، فقال جبرائيل: «وأنا منكما »، غيري؟ قالوا: اللهم لا. قال: نشدتكم الله، أفيكم أحد، يوم عبر عمرو بن عبد ود الخندق وكاع عنه جميع الناس فقتلته غيري؟

قالوا: اللهم لا. قال (علیه السلام) : نشدتكم الله، أفيكم أحد، قتل مرحب فارس خيبر، غيري؟

قالوا: اللهم لا. قال (علیه السلام) : نشدتكم الله، أفيكم أحد، بعثه رسول الله إلى بني جذيمة فلما رجعت إليه قال: «يا علي لقد سرت فيهم بسيرة الله » غيري؟ قالوا: اللهم لا. قال:

نشدتكم الله، أفيكم أحد، بعثه رسول الله إلى اليمن، فلما رجعت إليه، قال: «يا علي لقد قضيت فيهم بحكم الله في السماء » غيري »؟ قالوا: اللهم لا.

سرب البعوض الذي كان يزعج الشباب بدعابته الخشنة قد ولى بعد ان هب النسيم الغربي مما جعل الجلسة أكثر راحة وهم يستمعون باهتمام شديد لأستاذهم الذي نسي نفسه بانه يجلس في وسط مجموعة شباب صغيرة وراح يتكلم بصوت ملئه الحماسة، وكأنه على منصة يخطب بجمع غفير.. تمدد الأستاذ (كريم) على العشب بعد ان طلب الأذن من زميله، لأن التعب أخذ منه مأخذاً وراح ينفخ الدخان من سجارته...لم تقل حماسة الأستاذ (علي) بل استمر بكلامه وكأنه لم يتفطن لتعب زميله وبعض الفتية

– نعم أبناءي... ثم قال الإمام علي (علیه السلام) لهم: «نشدتكم الله، أفيكم أحد، سُئِل عن حلال وحرام، فلم يكع عنه غيري؟ قالوا: اللهم لا. قال: نشدتكم الله، أفيكم أحد، قتل سبعين رجلا من قريش يعدون فارسا يبلغ الماء آناقهم قبل شفاههم غيري؟

ص: 105

قالوا: اللهم لا قال: نشدتكم الله، أفيكم أحد، نزلت فيه «وَالسَّابِقُونَ السَّابِقُونَ (10) أُولَئِكَ الْمُقَرَّبُونَ»(1) غيري؟ قالوا: اللهم لا. قال: نشدتكم الله، أفيكم أحد، نزلت فيه «لَا يَسْتَوِي مِنْكُمْ مَنْ أَنْفَقَ مِنْ قَبْلِ الْفَتْحِ وَقَاتَلَ أُولَئِكَ أَعْظَمُ دَرَجَةً مِنَ الَّذِينَ أَنْفَقُوا مِنْ بَعْدُ وَقَاتَلُوا وَكُلًّا وَعَدَ اللَّهُ الْحُسْنَى وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ»(2) غيري؟ قالوا: اللهم لا. قال: نشدتكم الله، أفيكم أحد، نزلت فيه: «أَجَعَلْتُمْ سِقَايَةَ الْحَاجِّ وَعِمَارَةَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ كَمَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَجَاهَدَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ لَا يَسْتَوُونَ عِنْدَ اللَّهِ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ»(3) غيري؟ قالوا: اللهم لا. قال: نشدتكم الله، أفيكم أحد، نزلت فيه: «إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ»(4) غيري؟ قالوا: اللهم لا.

قال: نشدتكم الله، أفيكم أحد،، قال له النبي: منزلك يواجه منزلي في الجنة غيري؟

قالوا: اللهم لا.

قال: نشدتكم الله، أفيكم أحد، قال فيه رسول الله: «إن أول من يرد علي الحوض غدا أولكم إسلاما علي بن أبي طالب » غيري؟

قالوا: اللهم لا.

قال (علیه السلام) : نشدتكم الله، أفيكم أحد، أسند رسول الله (صلی الله علیه و آله) إلى صدره في مرضه الذي توفي فيه، فقال: «يا أخي الا أبشرك »؟ قلت: بلى قال: قول الله عز وجل: «إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ أُولَئِكَ هُمْ خَيْرُ الْبَرِيَّةِ»(5) «أنت وشيعتك تردون علي الحوض » غيري؟

قالوا: اللهم لا...

قال: نشدتكم الله، أفيكم أحد، قال له رسول الله: يوم المباهلة، إذ نزلت: «فَقُلْ تَعَالَوْا نَدْعُ أَبْنَاءَنَا وَأَبْنَاءَكُمْ وَنِسَاءَنَا وَنِسَاءَكُمْ وَأَنْفُسَنَا وَأَنْفُسَكُمْ»(6) «أنت نفسي »، غيري؟

قالوا: اللهم لا. قال: نشدتكم الله، أفيكم أحد، قال له رسول الله: في حجة الوداع، «كيف كان .

ص: 106


1- سورة الواقعة آية 10 _ 11 .
2- سورة الحديد آية 10 .
3- سورة التوبة آية 19 .
4- سورة المائدة آية 55 .
5- سورة البينة آية 7.
6- سورة آل عمران آية 61 .

حجك »؟ قلت: إهلالا كإهلال رسول الله، فأعطاني من هديه الثلث، غيري؟ قالوا:

اللهم لا. قال (علیه السلام) : نشدتكم الله، أفيكم أحد، ناجى رسول الله اثنتي عشرة سنة وقدم بين يدي نجواه صدقة، غيري؟ قالوا: اللهم لا. قال: نشدتكم الله، أفيكم أحد، قال فيه رسول الله: إن فيكم من يقاتل على التأويل، كما قاتلت على التنزيل، قالوا: يا رسول الله من هو؟، قال: خاصف النعل، غيري؟ قالوا: اللهم لا. قال: نشدتكم الله، أفيكم أحد، قال له رسول الله: «لا يحبك إلا مؤمن، ولا يبغضك الا منافق »، غيري؟ قالوا: اللهم لا.

قال: نشدتكم الله: أفيكم أحد، قال فيه رسول الله: «من سره أن يحيى حياتي، ويموت ميتتي، ويدخل الجنة وعدنيها ربي فليتول علي بن أبي طالب »، غيري؟ قالوا: اللهم لا.

قال: نشدتكم الله، أفيكم أحد، لما نزلت فيه: «إِنَّمَا أَنْتَ مُنْذِرٌ وَلِكُلِّ قَوْمٍ هَادٍ»(1) فقال فيه رسول الله: «أنا المنذر، وعلي الهادي »، غيري؟ قالوا: اللهم لا. قال: نشدتكم الله، أفيكم أحد، يوم أرادت قريش أن تفتك برسول الله! ونزل عليه جبرائيل: فأمره بالمسير إلى المدينة، فاضطجعت على فراش النبي، غيري؟ قالوا: اللهم لا. قال: نشدتكم الله، أفيكم أحد، قال له رسول الله (صلی الله علیه و آله): « يا علي، قد فضلك الله عليهم كما فضل الذهب على الفضة، وكما فضل الشمس على القمر »، غيري؟ قالوا: اللهم لا قال (علیه السلام) : نشدتكم الله، أفيكم أحد، قال له رسول الله: «أن الله أعطاني أربع خصال في علي لم يعطها أحد من الأنبياء قبلي، يواري عورتي، ويقضي ديني، وهو على حوضي، ومعه لواء الحمد تحته آدم ومن ولد »!، غيري؟ قالوا: اللهم لا. قال (علیه السلام) : نشدتكم الله، أفيكم أحد، قال فيه رسول الله: «إني لست أخاف عليه أن يرجع كافرا بعد إيمان، ولا زانيا بعد إحصان »، غيري؟

قالوا: اللهم لا. قال (علیه السلام) : نشدتكم الله، أفيكم أحد، كان يحمي رسول الله بقدميه حتى كان يدخلهما بينه وبين زوجته، غيري؟ قالوا: اللهم لا. قال: نشدتكم الله، أفيكم أحد،7.

ص: 107


1- سورة الرعد آية 7.

قال له رسول الله: «أنت المظلوم من بعدي »، غيري؟ قالوا: اللهم لا. قال: نشدتكم الله، أفيكم أحد، تفل رسول الله في فيه فمج العلم مجا، غيري؟ قالوا: اللهم لا. قال: نشدتكم الله، أفيكم أحد، يرد عليه من أمر دينه ما لا يعلمه الناس الا فزعمتم إليه، غيري؟ قالوا: اللهم لا. قال (علیه السلام) : نشدتكم الله، أفيكم أحد أكل في حياة رسول الله من طعام الجنة، غيري؟ قالوا: اللهم لا .»

واستمر الأمير (علیه السلام) يناشدهم حتى عد أكثر من مائة خصلة –قد عددنا منها واحد وستين– ليوجب عليهم الحجة، بكتاب الله وسنة نبيه (صلی الله علیه و آله) .فقال عبد الرحمن بن عوف:

«تأخذها أن تسير فينا بسيرة أبي بكر وعمر »، قال (صلوات الله عليه): «أسير فيكم بكتاب الله وسنة نبيه ». فلما رأى عبد الرحمن بن عوف امتناعه (علیه السلام) ، قال: «يا عثمان، تأخذها على أن تسير فينا بسيرة أبي بكر وعمر »: قال: «نعم »، قال: «هي لك .»

وقبل ان أختم الكلام أريد ان أطرح عليكم سؤالاً كي تتأملوا فيه، وهو (من أولى بالخلافة وبالقيام بأمر الأمة بعد رسول الله (صلی الله علیه و آله) من اجتمعت به هذه الخصال؟، أم من وهو مفتقر إلى قنبر خادم الأمير المؤمنين ( (علیه السلام)

مرت على معسكر الأمل الكشفي بعض الليالي الهادئة، لكن ليس كهدوء هذه الليلة حتى الثعالب والطيور لم يسمع لهن صوت إلا بعض البعوض وقد طرده النسيم الغربي، التفت الأستاذ (علي) جهة زميله وقال:

– وأخيراً عرف التعب ان يصل لقائدنا فهل ننهي حديثنا؟

فأجاب الأستاذ (كريم) وهو يتكئ على يده ويبتسم:

– لا لا على العكس خذ الوقت الذي تشاء أستاذ... لا أشكو التعب فنشاطنا

اليوم سهل، إنما هو القلق أرهقني، فقد أنهيت نهاري قلقاً على الشباب.

ص: 108

– معك كل الحق فالثعابين خطرة لكن علينا أبنائي ان نتعامل مع العقائد بحذر أكثر من حذرنا بالتعامل مع هذه الزواحف، لأنها أولاً: لا توجد في كل مكان على خلاف العقائد. وثانياً: إن لدغتها ان كانت سامه فهي لا ترسل إلى جهنم على خلاف العقائد ان كانت فاسدة فانها تورث خسران الدنيا والآخرة. وثالثاً: يوجد شبه بين الأفاعي والعقائد الفاسدة فالأفاعي أشكالها جميلة وجلدها ناعم إلا انها نتنة الرائحة، وكذلك العقائد الفاسدة تطرح بشكل براق جميل إلا ان في واقعها سم زعاف أكثر من

سم الكوبرا الملكية.. وكما تعلمتم اليوم اننا ان تعرضنا للدغة ثعبان فعلينا أن نقوم ببعض الإسعافات الأولية والإسراع لأقرب مركز صحي، فكذلك ان تعرضنا لشبهة عقائدية فعلينا ان نراجع المصادر المختصة وأيضاً نهرع إلى أهل الاختصاص... إلى كافلي أيتام آل محمد (صلوات الله عليهم) اعني علماءنا فمن المعيب أن نحكم على أي شيء من دون أن نرجع إلى المختصين فيه.

سأل (حسن) وهو يدني إبريق الشاي من النار استجابة لطلب الأستاذ (كريم):

– عفواً أستاذ هل في هذه الحادثة اعني مناشدة الأمير (صلوات الله عليه) للقوم أنكرها انس بن مالك ودعا عليه أمير المؤمنين (علیه السلام) فأصيب بالبرص؟.

– لا... قد قلت لكم بأن الأمير (صلوات الله عليه) قد ناشدهم أكثر من مرة وفي أكثر من موضع ومن هذه المواضع (الرحبة في الكوفة سنة 35 ه) والرحبة هي الفناء او الساحة، وسبب المناشد هو ان القوم اتهموه (صلوات الله عليه) بما يحدث عن رسول الله بأحقيته في الخلافة بعد النبي الأكرم (صلی الله علیه و آله) حضر اجتماعهم في الرحبة وناشدهم أيهم سمع رسول الله (صلی الله علیه و آله) يقول يوم غدير خم من كنت مولاه فعلي مولاه فليشهد، فشهد من شهد، وكان من الحاضرين انس بن مالك، ولم يشهد فقال له أمير المؤمنين (علیه السلام): « إنك قد حضرتها يا أنس فقم واشهد »، فتعلل بالنسيان لكبر سنه، فقال له أمير المؤمنين (صلوات

ص: 109

الله عليه): «إن كنت كاذبا فرماك الله بها بيضاء لا تواريها العمامة »، فسُئِل أنس بعد ذلك عن سبب مرضه بالبرص، فقال: (ذاك دعوة العبد الصالح علي بن أبي طالب). ثم ذكر للسائل الحديث واعتذاره عن ترك الشهادة بالنسيان، وأنه لم يكن ناسٍ، وسُئِل مرة عن الإمام علي (علیه السلام) فقال: «إني آليت ألا أكتم شيئا سمعته من رسول الله (صلی الله علیه و آله) فيه بعد يوم الرحبة، ذاك رأس المتقين، سمعته من نبيكم» (1).

– أستاذ وهل تحفظ أسماء الحاضرين؟.

– لا...لا أحفظ أسماءهم كلهم إضافة إلى ان الروايات تختلف بعددهم، إن شئت فراجع الجزء الأول موسوعة الغدير للعلامة الميرزا عبد الحسين الأميني (قدس سره)(2)، أما ما أحفظه من أسمائهم فهم (أبو أيوب الأنصاري، وأبو عمرة بن عمرو بن محصن، وأبو زينب –ابن عوف الأنصاري– وسهل بن حنيف، وخزيمة بن ثابت، وعبد الله بن ثابت الأنصاري، وحبشي بن جنادة الصلولي، وعبيد بن عازب الأنصاري، والنعمان بن عجلان الأنصاري، وثابت بن وديعة الأنصاري، وأبو فضالة الأنصاري، وعبد الرحمن بن عبد رب الأنصاري)، فهؤلاء قالوا : «نشهد أنا سمعنا رسول الله (صلی الله علیه و آله) يقول: ألا من كنت مولا فعلي مولاه، اللهم وال من والاه، وعاد من عاداه، وأحب من أحبه وأبغض من أبغضه، وأعن من أعانه »... ومن الحاضرين وأنكر الشهادة (زيد بن أرقم) فدعا عليه الأمير (صلوات الله عليه) بذهاب البصر، فعمى وراح بعد ان عمي بصره يحدث الناس بفضائل الأمير (صلوات الله عليه).

صباح اليوم العاشر:

اجتمع الشاب الكشفيون في باحة المخيم وبعد أن رددوا نشيد فرقتهم الكشفية

ص: 110


1- منار الهدى في النص على إمامة الإثني عشر (علیهم السلام)، 453.
2- الجزء الاول صفحة 14 وما بعدها.

أعلن لهم قائدهم الأستاذ (كريم) بأن اليوم هو آخر يوم في الرحلة ويوم غد سيعودون لمدينتهم، وهو سيذهب للمدينة كي يتفق مع سائق السيارة المؤجرة على موعدٍ محددٍ كي يقلهم، وأوصاهم بأن لا تجعلهم طيبة وتسامح الأستاذ (علي) يفعلون الحماقات. كان الخبر مفرح فعشر أيام وإن كانت مدة قليلة إلا أنها طويلة على شبابٍ معظمهم لم يتعود على فراق أهلهم لهكذا مدة، والغريب أن (سعيد) ذلك الشاب اللعوب قال معترضاً وهو ينظر صوب الأستاذ (علي):

– أستاذ كيف نعود ونحن لم نكمل نشاطنا؟!.

– بلى أكملنا.

– لا أستاذ انتم وعدتمونا بأن تحدثونا عن واقعة الغدير... فكيف نعود؟!.

عندها زالت الدهشة عن الحاضرين، تبسم الأستاذ (علي) وهو يقول:

– أحسنت بني ذكرتني بما وعدتكم... جعلك الله من المتمسكين الثابتين على بيعة الغدير، وسأحاول أن أحدثكم عنها مختصرة ومن شاء أن يعرف تفاصيلها –فإن شاء الله– نحدد موعداً بعد عودتنا وأحدثه عنها بالتفصيل.

ضحى اليوم العاشر:

اجتمع الشباب مع أستاذهم تحت شجرة كبيرة كي يحتمون بضلها من حرارة شمس آيار، لم يطل بهم المقام حتى بادرهم الأستاذ:

– أحبتي أتعرفون ما معنى (حجة الوداع)؟

-اجاب الجميع..هي اخر حجة الوداع لرسول الله (صلی الله علیه و آله)

ص: 111

– نعم أحسنتم أحسنتم جميعاً هي آخر حجة لنبينا الأكرم (صلی الله علیه و آله) (1) وكانت في السنة

العاشرة للهجرة(2) ... فبعد أن أتم الرسول الأكرم (صلی الله علیه و آله) مناسك الحج وعاد للمدينة المنورة وهو في الطريق وبالتحديد في منطقة (غدير خم) والتي تعرف اليوم باسم (الغُربة) وهو

غدير ماء يبعد عن (ميقات الجحفة) بحوالي ( 8 كيلوات)، وجنوب شرقي (مدينة رابغ) بما يقرب من ( 26 كم)(3) . المهم كانت قوافل الحجيج من المدنيين والعراقيين والمصريين في ذلك الزمن تتفرق في هذه المنطقة، وقد وصلها جمع الحجيج بخدمة نبيهم المقدس (صلی الله علیه و آله) في يوم الخميس الثامن عشر من ذي الحجة، فنزل إليه جبرئيل الأمين عن الله بالآية الشريفة: «يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْكَافِرِينَ»(4) وأمره أن يقيم علياً علمًا للناس ويبلغهم ما نزل فيه من الولاية وفرض الطاعة على كل أحد، وكان أوائل القوم قريباً من الجحفة، فأمر رسول الله أن يرد من تقدم منهم ويحبس من تأخر عنهم في ذلك المكان، ونهى عن سمرات خمس متقاربات –وهن نوع من الشجر– دوحات عظام –أي أشجار كبار– أن لا ينزل تحتهن أحد، حتى إذا أخذ القوم منازلهم فقم ما تحتهن، حتى إذا نودي بالصلاة صلاة الظهر عمد إليهن فصلى بالناس تحتهن، وكان يوماً هاجراً –أي شديد الحر– يضع الرجل بعض ردائه على رأسه وبعضه تحت قدميه من شدة الرمضاء، وظلل لرسول الله بثوب على شجرة سمرة من الشمس، فلما انصرف (صلی الله علیه و آله) من صلاته قام خطيباً وسط القوم على أقتاب الإبل وأسمع الجميع، رافعاً عقيرته فقال: «الحمد لله ونستعينه ونؤمن به، ونتوكل عليه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، ومن سيئات أعمالنا الذي لا هادي لمن ضل، ولا مضل لمن هدى، وأشهد أن لا إله إلا الله، وأن محمدا عبده ورسوله – .

ص: 112


1- معجم ألفاظ الفقه الجعفري، د. فتح الله: 152 .
2- تقويم الشيعة: 337 .
3- دراسة في موسوعة الغدير: 83 ، ومجلة تراثنا 25 : 7.. بحث منشور للدكتور عبد الهادي الفضلي.
4- سورة المائدة آية 67 .

أما بعد: أيها الناس قد نبأني اللطيف الخبير أنه لم يعمر نبي إلا مثل نصف عمر الذي قبله، وإني أوشك أن أدعى فأجبت، وإني مسؤول وأنتم مسؤولون، فماذا أنتم قائلون »؟ قالوا:

«نشهد أنك قد بلغت ونصحت وجهدت فجزاك الله خيرا »، قال: «ألستم تشهدون أن لا إله إلا الله، و أن محمدا عبده ورسوله، وأن جنته حق وناره حق وأن الموت حق وأن الساعة آتية لا ريب فيها وأن الله يبعث من في القبور »؟ قالوا: «بلى نشهد بذلك ،»

قال (صلی الله علیه و آله): « اللهم اشهد »، ثم قال: «أيها الناس ألا تسمعون »؟ قالوا: «نعم ». قال (صلی الله علیه و آله):

«فإني فرط على الحوض، وأنتم واردون علي الحوض، وإن عرضه ما بين صنعاء وبصرى فيه أقداح عدد النجوم من فضة فانظروا كيف تخلفوني في الثقلين » فنادى منادٍ: «وما الثقلان يا رسول الله »؟ قال: «الثقل الأكبر كتاب الله طرف بيد الله عز وجل و طرف بأيديكم فتمسكوا به لا تضلوا، والآخر الأصغر عترتي، وإن اللطيف الخبير نبأني أنهما لن يتفرقا حتى يراد علي الحوض فسألت ذلك لهما ربي، فلا تقدموهما فتهلكوا، ولا تقصروا عنهما فتهلكوا »، ثم أخذ بيد علي فرفعها حتى رؤي بياض اباطهما وعرفه القوم أجمعون،

فقال: «أيها الناس من أولى الناس بالمؤمنين من أنفسهم »؟ قالوا: «الله ورسوله أعلم ،»

قال: «إن الله مولاي وأنا مولى المؤمنين وأنا أولى بهم من أنفسهم فمن كنت مولاه فعلي مولاه »، يقولها ثلث مرات، وفي لفظ أحمد إمام الحنابلة: أربع مرات ثم قال: «اللهم وال من والاه، وعاد من عاداه، وأحب من أحبه، وأبغض من أبغضه، وانصر من نصره، واخذل من خذله، وأدر الحق معه حيث دار، ألا فليبلغ الشاهد الغائب »، ثم لم يتفرقوا حتى نزل أمين وحي الله بقوله عز من قائل: «الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا»(1) فقال رسول الله (صلی الله علیه و آله): « الله أكبر على إكمال الدين، وإتمام النعمة، ورضى الرب برسالتي، والولاية لعلي من بعدي »، ثم صار القوم يهنئون أمير المؤمنين (صلوات الله عليه) وممن هنأه في مقدم الصحابة: الشيخان أبو بكر وعمر3.

ص: 113


1- سورة المائدة آية 3.

كل يقول: «بخ بخ لك يا بن أبي طالب أصبحت وأمسيت مولاي ومولى كل مؤمن ومؤمنة »، وقال ابن عباس (رضی الله عنه) : « وجبت والله في أعناق القوم » ويعني ان البيعة لأمير المؤمنين (صلوات الله عليه) صارت لازمة في اعناقهم، فقال (حسان): «إئذن لي يا رسول الله أن أقول في علي أبياتاً تسمعهن »، فقال: «قل على بركة الله »، فقام حسان فقال:

«يا معشر مشيخة قريش أتبعها قولي بشهادة من رسول الله في الولاية ماضية، ثم قال:

يناديهم يوم الغدير نبيهم

بخم فاسمع بالرسول مناديا

يقول: فمن مولاكم ووليكم؟

فقالوا ولم يبدوا هناك التعاميا

إلهك مولانا وأنت ولينا

ولم تر منا في الولاية عاصيا

فقال له: قم يا علي؟ فإنني

رضيتك من بعدي إماما وهاديا

فمن كنت مولاه فهذا وليه

فكونوا له أنصار صدق مواليا

هناك دعا: اللهم؟ وال وليه

وكن للذي عادا عليا معاديا»(1)

ما زال الضحى في ساعته الأولى، والشباب ساكنون وكأن على رؤوسهم الطير، وهم يصغون لأستاذهم...أطال الأستاذ سكوته وهو ينظر إلى عصفورين يلعبان على غصن في طرف شجرة بعيد، قدم له أحد الشباب قدح من الماء واستأذنه بأن يصنع شاي أذن له الأستاذ وارتشف رشفة كبيرة من الماء، ثم سأل (جميل):

– العفو يا أستاذ قد شاهدت على إحدى الفضائيات عالم من مخالفينا وأنا لست مقتنعاً به لكن هو إشكال لا بد من معرفة حلة... يقول هذا المخالف: إن بيعة الغدير ليس فيها دليل على أولوية أمير المؤمنين (علیه السلام) –وطبعاً هو لم يلقب الأمير بالإمرة– انما النبي (صلی الله علیه و آله) أراد أن يعلمهم بانه اقرب الناس له ومن هذا القبيل كلام لم أتذكره الآن. .

ص: 114


1- انظر الغدير، 1: 9وما بعدها، وأيضا الجزء الثاني، 34 .

فقال الأستاذ وهو يتنهد:

– هذا الإشكال قديم... لكن –شباب– لو أن الأستاذ (كريم) اليوم صباحاً عندما جمعكم وبدل أن يوصيكم بمعاونتي قال لكم: إن (علي نعيم) زميلي، ثم انصرف... فما تقولون بهذا الفعل أليس هو لغو فكلكم يعرف اني زميله... فكلامهم لا يعقل إلا انهم لا يستطيعون ان ينفوا حديث الغدير، لأن رواته يزيدون على مائة ألف راوي فراحوا يؤولونه.

– أستاذ لكن السنة لا يعلمون عن يوم الغدير شيءً.

– نعم لا يعرفون عنه شيء...

وراح الأستاذ يتنهد بمرارة من ثم أكمل:

– نعم لا يعرفون عنه شيء... لأن علماءهم أخفوه عنهم وراحوا يؤولونه بتأويلات سخيفة لا قيمه علمية لها، وهم أيضاً لا يقرؤون تاريخهم فرغم محاولاتهم على أخفاء الواقعة الشريفة إلا انها موجود في أكثر من مصدر من مصادرهم.

– أستاذ انها لحيرة كيف استطاعوا أخذ البيعة من المسلمين وهم من شاهد وسمع النبي (صلی الله علیه و آله) في يوم الغدير كما رويته لنا.

– أولاً ان البيعة لم تؤخذ من المسلمين، بل ممن كان في يوم السقيفة، أعني هي مقصورة على عمر وبعض أصحابه لذا تجد مخالفينا في كتبهم يتخبطون، فتارة يقولون:

إن البيعة تتم بواحد، لأن الثابت عندهم ان (بشر بن سعد) هو من بايع أبا بكر لا غير، وآخر يقول: بل تتم البيعة باثنين هما (بشر بن سعد وعمر بن الخطاب) وآخر يقول: إن البيعة لا تتم بأقل من أربعة، لأن الثابت عنده ان بيعة أبي بكر تمت بالرجلين المذكورين (وأبي عبيدة بن الجراح وسالم مولى أبي حذيفة) وذهب بعضهم إلى الكثرة واشترط أن

ص: 115

يكونوا خمسة لا أقل؛ لأن من بايع (بشير بن سعد وأُسيَد بن خضير من الأنصار وعمر وأبو عبيدة وسالم من المهاجرين)(1) .

– لا يعقل هذا الكلام! كيف تتم البيعة بخمسة وباقي المسلمين يسكتون.

– نعم (يا رامي) ...فعُمَر نفسه يعترف بقوله: «ما هو إلا أن رأيت أسلم فأيقنت بالنصر »(2) فقد كانوا يركضون بسكك المدينة وهم مؤتزرون لا يمرون برجل إلا اخذوا البيعة منه بالقوة...

– إذن أستاذ هي القوة!.

– نعم (سعيد) والمال فقد ذكروا أهل التاريخ اأنه عندما اعترض بنو هاشم ومن معهم على بيعة السقيفة اقترح المغيرة بن شعبة أن يدخلوا العباس عم النبي (صلی الله علیه و آله) معهم، وكان لفظ ما قاله اأبو بكر للعباس (علیه السلام): « فقد جئناك، ونحن نريد أن نجعل لك في هذا الأمر نصيباً، ولمن بعدك من عقبك » والعباس سلام الله عليه رفض، وكذلك رفضت (امرأة من بني عدي بن النجار) لما أرسلوا لها مع زيد بن ثابت مال على أنه هدية أو ما شابه فقالت: «أ تراشونني عن ديني »، ويظهر من كلامها اأنها ترى أن أمير المؤمنين دينها، كما تراه الشيعة، فرضي الله عليها وأرضاها، إلا ان غيرها لم يرفض، فأبوسفيان مثلاً عندما دخل المدينة –بعد بيعة أبي بكر– قال: «إني لأرى عَجاجة لا يطفؤها إلا

الدم »! فعندها قال عمر لأبي بكر: «إن أبا سفيان قد قدم، وإنا لا نأمن شره، فدع له ما).

ص: 116


1- الجمل للشيخ المفيد: 41 .
2- ينظر تاريخ الطبري 2 : 459 . والخبر عن أبي مخنف «فحدثني أبو بكر بن محمد الخزاعي أن أسلم أقبلت بجماعتها حتى تضايق بهم السكك فبايعوا أبا بكر فكان عمر يقول: (ما هو إلا أن رأيت أسلم فأيقنت بالنصر).

في يده» (1)...

ثم التفت إلى (رامي) وقال له:

– بني (رامي) ان ما حدثتكم به ذكروه علماء السنة والجماعة في كتبهم، فإن شئت راجع وسترى أكثر وأكثر مما ذكرت.

– لكن ما السر في تخليد واقعة كربلاء حيث ان رواتها كلهم من الأعداء، والسلطة كانت قوية فلِمَ لم تحاول إخفاءها؟

– أحسنت بني (زيد) لكنهم حاولوا إخفاء واقعة الطف، وكانوا يعاقبون من يذكرها، وابتكروا (القصاصين)(2) ، بل الأحرى أعادوها فهي عادة جاهلية قديمة، لكي يشتغل المسلمون بها بدل أن يتذكروا واقعة الطف أو واقعة كربلاء... لكن ردت الفعل عند الشيعة التي تتجدد كل سنة وقفت دون ذلك ورحم الله الميرزا عبد الحسين الأميني فقد كان يجلس يوم عاشوراء في صحن الإمام الحسين (علیه السلام) مع بعض علماء السنة وهم يشاهدون دخول المواكب، فدخل موكب (طويريج) وهم معروفون في اللطم العنيف، فقال له أحدهم: «هذا صحيح يا شيخ عبد الحسين »؟ فسكت. ثم بدأت تدخل مواكب التطبير، فجن جنون المشايخ السنيين وصاح أحدهم: «وهل هذا صحيح يا شيخ عبد

الحسين »؟!!! فأجابه (قدس سره): «نعم وهذا صحيح، فأنتم بسبب هذه المراسم لم تستطيعوا إنكار شهادة الحسين (علیه السلام) وأفعال يزيد.. ونحن اشتبهنا لماذا لم نجعل مراسم تطبير لعيد الغدير حتى لا تستطيعوا إنكاره» (3) .!! .

ص: 117


1- ينظر كتاب السقيفة وفدك: 66 و 81 و 107 .
2- الصحيح من سيرة النبي الأعظم (صلی الله علیه و آله) 1 : 122 .
3- الانتصار 9: 402 .

الليلة العاشرة:

كان الأستاذ (كريم) ينظر جهة المخيم وهو ينفث الدخان من سيجارته بينما الأستاذ (علي) يحدق في السماء، وكأنه يبحث عن نجم أضاعه ...كانت الليلة كثيرة البعوض وشديدة الحر، حتى كأن البرية تريد أن تودعهم بطريقة بحيث لا ينسونها أبداً..

– يصعب علي فراق الصبية.

– معك حق قد اعتدنا على صخبهم ومشاجراتهم.

– وأيضا مداخلاتهم اللطيفة.

– أتعتقد انهم سيواظبون على الصلاة.

– أرجو ذلك.. وأرجو أيضاً أن يكون ما سمعوه في هذه الرحلة مفتاحاً للبحث والسؤال.

تمت

في الساعة 3و 37 دقيقة صباحاً

فجر 27 رجب الأصب (يوم المبعث الشريف) 1431 من الهجرة الشريفة.

ص: 118

المصادر

القرآن المجيد.

مفاتيح الجنان للشيخ عباس القمي (قدس سره)

حرف الألف:

– الأمالي: الشيخ الطوسي، تحقيق: قسم الدراسات الإسلامية –مؤسسة البعثة، الطبعة: الأولى: 141 ه 4، دار الثقافة للطباعة والنشر والتوزيع– قم.

– الأمالي: الشيخ الصدوق، تحقيق: قسم الدراسات الإسلامية –مؤسسة البعثة– قم، الطبعة: الأولى: 1417 ه.

–الإمام علي بن أبي طالب (علیه السلام) : أحمد الرحماني الهمداني، الطبعة: الأولى: 1417 ه، الناشر : المنير للطباعة والنشر– طهران.

–أحاديث أم المؤمنين عائشة: السيد مرتضى العسكري، الطبعة: الخامسة، سنة الطبع: 1414 ه – 1994 م، الناشر : التوحيد للنشر.

–الإرشاد: الشيخ المفيد، تحقيق: مؤسسة آل البيت (علیهم السلام) لتحقيق التراث، الطبعة:

الثانية: 1414 – 1993 م الناشر : دار المفيد للطباعة والنشر والتوزيع –بيروت– لبنان – 14221 ه، الناشر: دار السيرة –بيروت–لبنان.

ص: 119

–إحقاق الحق: الشهيد نور الله التستري

– الإمامة والسياسة: ابن قتيبة الدنيوري، تحقيق طه محمد الزيني، دار المعارف للطباعة والنشر.

حرف الباء:

– بحار الانوار: العلامة المجلسي، الطبعة: الثانية المصححة: 1403 ه ، مؤسسة الوفاء، بيروت – لبنان.

– البداية والنهاية: ابن كثير، تحقيق وتدقيق وتعليق: علي شيري، الطبعة: الأولى: 1408 ه ، دار إحياء التراث العربي، بيروت– لبنان.

حرف التاء:

– تقويم الشيعة: مؤسسة احياء التراث الشيعي، الطبعة: الثانية: 1426 ه .

– تاريخ الطبري: الطبري، تحقيق: مراجعة وتصحيح وضبط: نخبة من العلماء الأجلاء الطبعة: الرابعة: 1403 ه : مؤسسة الأعلمي للمطبوعات –بيروت– لبنان.

حرف الجيم:

–الجمل والنصرة لسيد العترة في حرب الجمل: لشيخ المفيد، تحقيق السيد علي مير شريفي ، طبعة 1416 ه .

–الجمل: ضامن بن شدقم المدني، تحقيق: السيد تحسين آل شبيب الموسوي، سنة

الطبع: 1420 ه – 1999 م، الناشر: المحقق.

– 1425 1 ه –

2004 م، الناشر : دار الهدى للطباعة والنشر.

ص: 120

حرف الخاء:

–الخصال: الشيخ الصدوق، تحقيق: تصحيح وتعليق: علي أكبر الغفاري، سنة

الطبع: 18 ذي القعدة الحرام 1403 ه، الناشر: منشورات جماعة المدرسين في الحوزة

العلمية في قم المقدسة.

–الخطابة الحسينية من دون معلم: الخطيب الشيخ محمد الهنداوي، الطبعة:

الأولى: 1428 ه، دار الانوار للطباعة والنشر والتوزيع –بيروت–لبنان.

حرف الدال:

– الدرجات الرفيعة في طبقات الشيعة: صدر الدين السيد على خان المدني

الشيرازي الحسيني ،الطبعة: الثانية 1403 ه ، مؤسسة الوفاء، بيروت –لبنان.

– دلائل الامامة: محمد بن جرير الطبري ( الشيعي)، تحقيق: قسم الدراسات

الإسلامية، مؤسسة البعثة– قم، الطبعة: الأولى: 141 ه، مركز الطباعة والنشر في

مؤسسة البعثة.

–دراسة في موسوعة الغدير: كمال السيد، الطبعة: الأولى 1421 ه الناشر:

مؤسسة انصاريان للطباعة والنشر–قم المقدسة.

حرف السين:

–سفينة النجاة: السرابي التنكابني، تحقيق: السيد مهدي الرجائي، الطبعة: الأولى:

1419 ه، الناشر: المحقق.

– السقيفة وفدك: الجوهري، تقديم وجمع وتحقيق وتعليق: باسم مجيد الساعدي،

الطبعة الأولى: 1432 ه الناشر: العتبة الحسينية المقدسة.

ص: 121

حرف الشين:

– شرح نهج البلاغة ،ابن ابي الحديد المعتزلي ،تحقيق: محمد ابو الفضل إبراهيم،

طبعة: الاولى: 1407 ه، دار الجليل بيروت.

– شرح إحقاق الحق: السيد المرعشي، تحقيق: تعليق: السيد شهاب الدين المرعشي

النجفي، تصحيح: السيد إبراهيم الميانجي، منشورات مكتبة آية الله العظمى المرعشي

النجفي –قم– ايران.

–شيخ المضيرة أبو هريرة: محمود أبو رية، الطبعة: الثالثة، الناشر : منشورات

مؤسسة الأعلمي للمطبوعات – بيروت – لبنان.

– الشرح الكبير: أبو البركات، الناشر: دار إحياء الكتب العربية – عيسى البابي

الحلبي وشركاه.

– شرح أصول الكافي: المولى محمد صالح المازندراني، مع تعليقات: الميرزا أبو

الحسن الشعراني، ضبط وتصحيح : السيد علي عاشور، الطبعة: الأولى: 1421 ه –

2000 م، الناشر: دار إحياء التراث العربي للطباعة والنشر والتوزيع، بيروت – لبنان.

حرف الصاد:

– الصراط المستقيم : علي بن يونس العاملي، تحقيق: تصحيح وتعليق: محمد الباقر

البهبودي، الطبعة: الأول: 1384 ه، الناشر: المكتبة المرتضوية لإحياء الآثار الجعفرية.

– الصحيح من سيرة النبي الأعظم: السيد جعفر مرتضى العاملي، الطبعة: الرابعة:

1415 ه – 1995 م، الناشر: دار الهادي للطباعة والنشر والتوزيع، بيروت – لبنان،

دار السيرة – بيروت – لبنان.

– صحيح البخاري: البخاري، سنة الطبع: 1401 ه ، دار الفكر للطباعة والنشر

ص: 122

والتوزيع.

– الصحاح تاج اللغة وصحاح العربية: الجوهري، تحقيق احمد عبد الغفور عطار،

الطبعة: الثالثة 1404 ه، والطبعة: الرابعة: 1407 ه، دار العلم للملايين، بيروت –

لبنان.

حرف الغين:

– الغدير: الشيخ الأميني، الطبعة: الرابعة: 1397 ه ، دار الكتاب العربي،

بيروت – لبنان.

حرف العين:

– عبد الله بن سبا: السيد مرتضى العسكري، الطبعة: السادسة مصححة:

1413 ه.

حرف القاف:

– 1408 1 –

1988 م/ الناشر: دار الفكر – دمشق – سوريا.

– القاموس المحيط: الفيروز آبادي.

حرف الام:

– لسان العرب، ابن منظور ،نسقه وعلق عليه ووضع فهارسه : علي شيري،

طبعة الاولى: 1408 ه، دار احياء التراث العربي، ونسخة اخرى من نشر أدب الحوزة،

قم– ايران في محرم 1405 ه.

ص: 123

حرف الكاف:

– الكافي: الشيخ الكليني، تصحيح وتعليق: علي أكبر الغفاري، الطبعة: الثالثة:

دار الكتب الإسلامية – طهران.

– كمال الدين وتمام النعمة: الشيخ الصدوق، تصحيح وتعليق: علي أكبر الغفاري،

محرم الحرام 1405 ه - 1363 ش، مؤسسة النشر الإسلامي التابعة لجماعة المدرسين

بقم المشرفة.

–كشف الغطاء (ط.ق): الشيخ جعفر كاشف الغطاء، الناشر: انتشارات مهدوي

– اصفهان -.

– كتاب الأربعين: محمد طاهر القمي الشيرازي، تحقيق: السيد مهدي الرجائي،

الطبعة: الأولى: 1418 ه.

–كتاب سليم بن قيس: سليم بن قيس، تحقيق: محمد باقر الأنصاري الزنجاني

– كتاب العين: الخليل الفراهيدي، تحقيق: الدكتور مهدي المخزومي، الدكتور

إبراهيم السامرائي، الطبعة: الثانية: 1410 ه، الناشر: مؤسسة دار الهجرة.

حرف الميم:

– المسترشد: محمد بن جرير الطبري ( الشيعي)، تحقيق: الشيخ أحمد المحمودي،

الطبعة: الأولى المحققة: 1415 ه، مؤسسة الثقافة الإسلامية لكوشانبور.

– معالم المدرستين: السيد مرتضى العسكري، سنة الطبع: 1410 ه، الناشر:

مؤسسة النعمان للطباعة والنشر والتوزيع، بيروت – لبنان.

– منار الهدى في النص على إمامة الإثني عشر (علیهم السلام): الشيخ علي البحراني، تنقيح

ص: 124

وتحقيق وتعليق: السيد عبد الزهراء الخطيب، الطبعة: الأولى: 1405 ه.

– مجلة تراثنا: مؤسسة آل البيت (علیهم السلام)، الناشر: مؤسسة آل البيت (علیهم السلام) لإحياء

التراث – قم المشرفة.

– مناقب آل أبي طالب: ابن شهر آشوب، تحقيق: تصحيح وشرح ومقابلة: لجنة من

أساتذة النجف الأشرف، سنة الطبع: 1376 ه، المكتبة الحيدرية – النجف الأشرف.

– المزار: الشيخ المفيد، تحقيق: السيد محمد باقر الأبطحي، الطبعة: الثانية:

1414 ه – 1993 م / الناشر: دار المفيد للطباعة والنشر والتوزيع – بيروت – لبنان.

– مشارق أنوار اليقين: الحافظ رجب البرسي، تحقيق: السيد علي عاشور/ الطبعة:

الأولى: 1419 ه – 1999 م، الناشر: مؤسسة الأعلمي للمطبوعات – بيروت – لبنان.

– موسوعة الإمام علي بن أبي طالب (علیه السلام) في الكتاب والسنة والتاريخ: محمد

الريشهري، تحقيق : مركز بحوث دار الحديث وبمساعدة : السيد محمد كاظم الطباطبائي

، السيد محمود الطباطبائي نژاد، الطبعة: الثانية: 1425 ه، الناشر : دار الحديث للطباعة

والنشر

– المسائل الصاغانية: الشيخ المفيد، تحقيق: السيد محمد القاضي، الطبعة: الثانية:

1414 – 1993 م، الناشر: دار المفيد للطباعة والنشر والتوزيع – بيروت – لبنان.

– المصطلحات: إعداد مركز المعجم الفقهي.

– معجم ألفاظ الفقه الجعفري: الدكتور أحمد فتح الله، الطبعة: الأولى: 1415 ه

– 1995 م، المطبعة: مطابع المدوخل – الدمام.

– منهاج البراعة في شرح نهج البلاغة: حبيب الله الهاشمي الخوئي، تحقيق: سيد

ص: 125

إبراهيم الميانجي، الطبعة: الرابعة، الناشر: بنياد فرهنگ امام المهدي (عجل الله تعالی فرجه الشریف)

– المواكب لجبران خليل جبران.

حرف النون:

– نهج البلاغة: خطب الإمام علي (علیه السلام) ، شرح: الشيخ محمد عبده، الطبعة: الأولى:

1412 ه، الناشر: دار الذخائر –قم– ايران.

– النص والاجتهاد: السيد شرف الدين، تحقيق وتعليق: أبو مجتبى، الطبعة:

الأولى: 1404 ه.

حرف الواو:

– وسائل الشيعة: الشيخ محمد بن الحسن الحر العاملي، تحقيق: مؤسسة

آل البيت (علیهم السلام) لإحياء الرتاث، الطبعة: الثانية: 1414 ، الناشر : مؤسسة آل البيت (علیهم السلام) لإحياء التراث بقم المشرفة.

– وضوء النبي (صلی الله علیه و آله) : السيد علي الشهرستاني، الطبعة: الأولى: جمادى الآخرة

1415 ، الناشر: المؤلف.

ص: 126

تعريف مرکز

بسم الله الرحمن الرحیم
جَاهِدُواْ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ
(التوبه : 41)
منذ عدة سنوات حتى الآن ، يقوم مركز القائمية لأبحاث الكمبيوتر بإنتاج برامج الهاتف المحمول والمكتبات الرقمية وتقديمها مجانًا. يحظى هذا المركز بشعبية كبيرة ويدعمه الهدايا والنذور والأوقاف وتخصيص النصيب المبارك للإمام علیه السلام. لمزيد من الخدمة ، يمكنك أيضًا الانضمام إلى الأشخاص الخيريين في المركز أينما كنت.
هل تعلم أن ليس كل مال يستحق أن ينفق على طريق أهل البيت عليهم السلام؟
ولن ينال كل شخص هذا النجاح؟
تهانينا لكم.
رقم البطاقة :
6104-3388-0008-7732
رقم حساب بنك ميلات:
9586839652
رقم حساب شيبا:
IR390120020000009586839652
المسمى: (معهد الغيمية لبحوث الحاسوب).
قم بإيداع مبالغ الهدية الخاصة بك.

عنوان المکتب المرکزي :
أصفهان، شارع عبد الرزاق، سوق حاج محمد جعفر آباده ای، زقاق الشهید محمد حسن التوکلی، الرقم 129، الطبقة الأولی.

عنوان الموقع : : www.ghbook.ir
البرید الالکتروني : Info@ghbook.ir
هاتف المکتب المرکزي 03134490125
هاتف المکتب في طهران 88318722 ـ 021
قسم البیع 09132000109شؤون المستخدمین 09132000109.